الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

الجزء الاول

شمائل الامام الحسين عليه السلام

مقدمة

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبد (1).

هناك ما يشدّ الإنسان المؤمن-بل كل إنسان لا يقبل بالذل و يحب العدل و الانصاف-الى شخصية الإمام الحسين عليه السّلام و الى حب التعرف على تلك المواقف التي كانت تعترض حياته الشريفة،أو المحطات التي كانت تمر عليه السّلام..

و هذا الوازع يبرز على صعيدين:

1-صعيد عاطفي يتمثل في مظلومية الإمام الحسين عليه السّلام و سلب حقه و هتك قدسيته صلوات اللّه عليه،إضافة الى قتل الأطفال و سبي النساء،مما يستدعي من المؤمنين إظهار الحزن عليه عليه السّلام و نشر تلك المظلومية في كل عصر و مصر و بشتى الأساليب و الطرق التي لا تشوه تلك الثورة المباركة.

2-صعيد عقلي و منطقي و يتمثل في أطروحة الإمام الحسين عليه السّلام و دعوته لإقامة العدل و إزالة الظلم و إعادة الإسلام الى واقعيته التي أرادها النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و اله أن تكون له.الأمر الذي يستدعي من العلماء و المفكرين دراسة علل و معطيات كربلاء و آثارها على كل صعيد.

و مهما كتب حول حياة الإمام الحسين عليه السّلام و تاريخه فهو قليل،لا لعدم أهمية ما كتب بل لأهمية ثورة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و آثارها و انعكاسها على عالمنا المعاصر.

ص: 3


1- مستدرك الوسائل:318/10.

عملنا في الموسوعة

و من هنا كانت محاولة بسيطة لجمع نصوص ما كتب حول حياة و تاريخ الإمام الحسين عليه السّلام و ثورته المباركة«عاشوراء»عن جملة من الكتاب و المحققين و أصحاب التواريخ و تبويبها بما يتناسب مع مواضيعها،و ذلك للتسهيل على القارىء لتحصيل أكبر عدد ممكن من المواضيع و الآراء حول ما يريد معرفته أو بحثه.

و قد ركزنا على عدد كبير من الكتب التي تعرضت لحياة الإمام الحسين عليه السّلام نحو:

1-حياة الإمام الحسين عليه السّلام للقرشي

2-غاية المرام للمحدث البحراني

3-السيد مرتضى العسكري

4-تاريخ دمشق لابن عساكر

5-ثورة عاشوراء للسيد الخامنئي

6-نهضة عاشوراء للإمام الخميني

7-مقتل الإمام الحسين عليه السّلام لأبي مخنف

8-مقتل الإمام الحسين عليه السّلام للخوارزمي

و غيرها من المصادر المهمة.

هذا:و الحمد للّه رب العالمين

علي عاشور

ص: 4

اسم الحسين عليه السلام و نسبه و كنيته

معنى الإسم الشريف

قال السيد الخامنئي:إنّ اسم الحسين بن علي عليه السلام لإسم عجيب،فلو ألقيتم نظرة عاطفية لوجدتم أنّ ميزة إسم ذلك الإمام بين المسلمين العارفين هي جذب القلوب إليه كما يعمل المغناطيس و الكهرباء.

بالطبع هناك من المسلمين من لا يتمتّع بهذه الحالة،و في الحقيقة هو محروم من معرفة الإمام الحسين عليه السلام،و من جهة ثانية هناك الكثير من غير شيعة آل البيت عليهم السلام تذرف دموعهم و تتقلّب قلوبهم بذكر اسم الحسين عليه السلام،فقد جعل الباري تعالى في إسم الإمام الحسين عليه السلام تأثيرا بحيث لو ذكر اسمه لسيطرت حالة من المعنوية على أفئدة و أرواح أبناء الشيعة،و هذا هو المعنى العاطفي لذلك الوجود و تلك الذات المقدّسة،مثلما كانت هكذا عند أهل البصيرة منذ البداية،فقد كانت لهذا الوجود العزيز خصوصية منفردة و كان موضع حبّ و عشق في بيت النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و أمير المؤمنين عليه السلام كما يفهم من الروايات و السير و الأخبار و التأريخ،و اليوم هو كذلك (1).

ص: 5


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:8.

غرس الرّسالة

اشارة

قال السيد القرشي:ألابورك هذا الغرس الذي امتدّ على هامة الزمن وعيا و إشراقا و هو يضىء للناس حياتهم الفكرية و الإجتماعية،و يهديهم إلى سواء السبيل.

الأم:

إنه الغرس الطيب من سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليه السّلام التي طهّرها الله بفضله،و جعلها تهدي من ضلال،و تجمع من فرقة...إنها فاطمة الزهراء التي تحمل قبسا من روح أبيها و فيضا من نوره،و أشعة من هديه،فكانت موضع عنايته و اهتمامه،و قد أحاطها بهالة من الإكبار و التقدير،ففرض و لاءها على المسلمين ليكون ذلك جزءا من عقيدتهم و دينهم،و قد أذاع فضلها و عظيم مكانتها في الإسلام لتكون قدوة لنساء أمته،لقد أشاد صلّى اللّه عليه و اله بقيمها و مثلها في منتدياته العامة و الخاصة، و على منبره ليحفظه المسلمون فقد قال فيما أجمع عليه رواة الإسلام:

1-«إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك...».

2-«إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها،و ينصبني ما أنصبها...».

3-«فاطمة سيدة نساء العالمين...».

إلى غير ذلك من الأخبار التي تحدثت عن معالم شخصية الزهراء عليه السّلام و أنها قدوة الإسلام،و المثل الأعلى لنساء هذه الأمة التي تضىء لهن الطريق في حسن

ص: 6

السلوك و العفة و إنجاب أجيال مهذبة...فما أعظم بركتها و أكثر عائدتها على الإسلام،و يكفي في عظيم شأنها أنه سمّيت على اسمها الدولة الفاطمية العظيمة، كما أن الجامع الأزهر اشتق من اسمها.بل يكفي في عظمة الدولة الفاطمية أن تبركت باسم الزهراء.

و على أي حال فإن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله استشف من وراء الغيب أن بضعته الطاهرة هي التي تتفرع منها الثمرة الطيبة من أئمة أهل البيت عليهم السّلام خلفاء الرسول، و دعاة الحق في الأرض الذين يتحملون أعباء رسالة الإسلام،و يعانون في سبيل الإصلاح الإجتماعي كل جهد و ضيق فلذا أولاها النبي اهتمامه،و جعل ذريتها موضع رعايته و عنايته.

الأب:

إنه ثمرة علي رائد الحق و العدالة في الأرض،أخو النبي صلّى اللّه عليه و اله و باب مدينة علمه، و من كان منه بمنزلة هارون من موسى،و أول من آمن بالله و صدّق رسوله، و القائد الأعلى في مركز القيادة الإسلامية بعد الرسول محمد صلّى اللّه عليه و اله تحمّل أعباء الجهاد المقدس منذ فجر الدعوة الإسلامية،فخاض الأهوال،و التحم التحاما رهيبا مع قوى الشرك و الإلحاد حتى قام هذا الدين و هو عبل الذراع بجهاده و جهوده،قد حباه الله بكل مكرمة و خصّه بكل فضيلة،و أنه أبو الأئمة الطاهرين الذين فجّروا ينابيع الحكمة و النور في الأرض.

الوليد الأول

و أفرعت دوحة النبوة و شجرة الإمامة الذرية الطاهرة التي تشكل الإمتداد الرسالي بعد النبي صلّى اللّه عليه و اله فكان الوليد الأول أبا محمد الزكي،و قد امتلأت نفس

ص: 7

النبي صلّى اللّه عليه و اله سرورا به،فأخذ يتعاهده،و يغذيه بمثله و مكرمات نفسه التي طبق شذاها العالم بأسره.

و لم تمض إلا أيام يسيرة حددها بعض المؤرخين باثنين و خمسين يوما حتى علقت سيدة النساء بحمل جديد ظل يتطلع إليه الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سائر المسلمين بفارغ الصبر،و كلهم رجاء و أمل في أن يشفع الله ذلك الكوكب بكوكب آخر ليضيئا في سماء الأمة الإسلامية،و يكونا امتدادا لحياة المنقذ العظيم.

رؤيا أم الفضل

و رأت السيدة أم الفضل بنت الحارث في منامها رؤيا غريبة لم تهتدي إلى تأويلها،فهرعت إلى رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قائلة له:«إني رأيت حلما منكرا كأن قطعة من جسدك قطعت،و وضعت في حجري؟...».

فأزاح النبي صلّى اللّه عليه و اله مخاوفها،و بشّرها بخير قائلا:

«خيرا رأيت،تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك..»و مضت الأيام سريعة فوضعت سيدة النساء فاطمة ولدها الحسين فكان في حجر أم الفضل،كما أخبر النبي صلّى اللّه عليه و اله.

و ظل الرسول صلّى اللّه عليه و اله يترقب بزوغ نجم الوليد الجديد الذي تزدهر به حياة بضعته التي هي أعز الباقين و الباقيات عنده من أبنائه و بناته (1).

ص: 8


1- انظر الإمام الحسين للقرشي:19/1.

ولادة الإمام الحسين عليه السلام و مدة خلافته

اشارة

وضعت سيدة نساء العالمين وليدها العظيم الذي لم تضع مثله سيدة من بنات حواء لا في عصر النبوة،و لا فيما بعده،أعظم بركة و لا أكثر عائدة على الإنسانية منه،فلم يكن أطيب،و لا أزكى و لا أنور منه.

لقد أشرقت الدنيا به،و سعدت به الإنسانية في جميع أجيالها،و اعتز به المسلمون،و عمدوا إلى إحياء هذه الذكرى،افتخارا بها في كل عام،فتقيم وزارة الأوقاف في مصر احتفالا رسميا داخل المسجد الحسيني اعتزازا بهذه الذكرى العظيمة كما تقام في أكثر مناطق العالم الإسلامي.

و تردد في آفاق يثرب صدى هذا النبأ المفرح فهرعت أمهات المؤمنين و سائر السيدات من نساء المسلمين إلى دار سيدة النساء،و هن يهنئنها بمولودها الجديد، و يشاركنها في أفراحها و مسراتها (1).

و روي أنه ولد عليه السلام بالمدينة لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة (2)و كانت والدته الطهر البتول فاطمة عليها السّلام علقت به بعد أن ولدت أخاه الحسن بخمسين ليلة (3)،و لما ولد و اعلم النبي(ص)به أخذه و أذّن في اذنه اليمنى

ص: 9


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:19/1.
2- تاريخ الطبرى 2:555،الارشاد 2:27،مقاتل الطالبيين:78،الاستيعاب 1:378،ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من تاريخ دمشق 21:12،مناقب ابن شهر آشوب 4:84،تاريخ بغداد 1:141.
3- ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من طبقات ابن سعد الغير مطبوع:17،الاستيعاب 1:378،ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من تاريخ دمشق 37:31،كفاية الطالب:416.

و أقام في اذنه اليسرى (1).

و قيل:ولد الحسين بن عليّ عليهم السّلام في سنة ثلاث و قبض عليه السّلام في شهر المحرّم من سنة إحدى و ستّين من الهجرة و له سبع و خمسون سنة و أشهر.قتله عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه في خلافة يزيد بن معاوية لعنه اللّه و هو على الكوفة و كان على الخيل التي حاربته و قتلته عمر بن سعد لعنه اللّه بكربلاء يوم الاثنين،لعشر خلون من المحرّم و امّه فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله (2).

و قيل ولدت فاطمة حسينا بعد حسن بسنة و عشرة أشهر،فمولده لست سنين و خمسة أشهر و نصف من التاريخ،و قتل يوم الجمعة يوم عاشوراء لعشر مضين من المحرم سنة إحدى و ستين،و هو ابن أربع و خمسين سنة و ستة أشهر و نصف.

و قال المجلسي:ولد الحسين عليه السّلام عام الخندق بالمدينة يوم الخميس أو يوم الثلثا لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة،بعد أخيه بعشرة أشهر و عشرين يوما.

و روي أنه لم يكن بينه و بين أخيه إلا الحمل،و الحمل ستة أشهر.

عاش مع جده ستة سنين و أشهرا و قد كمل عمره خمسين،و يقال:كان عمره سبعا و خمسين سنة و خمسة أشهر و يقال:ستة و خمسون سنة،و خمسة أشهر، و يقال:ثمان و خمسون.

و مدة خلافته خمس سنين و أشهر في آخر ملك معاوية و أول ملك يزيد.

قتله عمر بن سعد بن أبي و قاص و خولي بن يزيد الاصبحي و اجتز رأسه سنان ابن أنس النخعي و شمر بن ذي الجوشن،و سلب جميع ما كان عليه إسحاق بن حيوة الحضرمي و أمير الجيش عبيد اللّه بن زياد،وجه به يزيد بن معاوية.1.

ص: 10


1- و هذه من المتواترات و قد نقلها جلّ كتب التراجم و السير و بها جرت السنّة إلى اليوم.
2- الكافي:463/1.

و مضى قتيلا يوم عاشورا،و هو يوم السبت العاشر من المحرم قبل الزوال، و يقال:يوم الجمعة بعد صلاة الظهر،و قيل:يوم الاثنين بطف كربلا،بين نينوى و الغاضرية من قرى النهرين بالعراق،سنة ستين من الهجرة،و يقال:سنة إحدى و ستين و دفن بكربلا من غربي الفرات.

قال الشيخ المفيد:فأما أصحاب الحسين عليه السّلام فإنهم مدفونون حوله،و لسنا نحصل لهم أجداثا و الحائر محيط بهم.

و ذكر المرتضى في بعض مسائله:أن رأس الحسين عليه السّلام رد إلى بدنه بكربلا من الشام و ضم إليه،و قال الطوسي:و منه زيارة الاربعين.

و روى الكليني (1)في ذلك روايتين إحداهما عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السّلام أنه مدفون بجنب أمير المؤمنين،و الاخرى عن يزيد بن عمرو بن طلحة عن الصادق عليه السّلام أنه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين عليه السّلام (2).

و من أصحابه عبد اللّه بن يقطر رضيعه،و كان رسوله رمي به من فوق القصر بالكوفة،و أنس بن الحارث الكاهلي،و أسعد الشامي،عمرو بن ضبيعة،رميث بن عمرو زيد بن معقل،عبد اللّه بن عبد ربه الخزرجي،سيف بن مالك،شبيب بن عبد اللّه النهشلي،ضرغامة بن مالك،عقبة بن سمعان،عبد اللّه بن سليمان،المنهال ابن عمر و الأسدي،الحجاج بن مالك،بشر بن غالب،عمران بن عبد اللّه الخزاعي (3).

قال أبو الفرج في المقاتل:كان مولده عليه السّلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة،و قتل يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم،سنة إحدى و ستين،و له ست و خمسون سنة و شهور،و قيل:قتل يوم السبت.روي ذلك عن أبي نعيم الفضل بن دكين و الذي ذكرناه أولا أصح.8.

ص: 11


1- في بعض المصادر:و روى الكلبى،و هو تصحيف.
2- ترى الحديثين في الكافي:ج 4 ص 571 و 572 باب موضع رأس الحسين.
3- بحار الأنوار:197/40-205 ح 15،و مناقب آل أبي طالب:ج 4 ص 77 و 78.

فأما ما تقوله العامة من أنه قتل يوم الاثنين فباطل،هو شيء قالوه بلا رواية و كان أول المحرم الذي قتل فيه يوم الاربعاء أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات،و إذا كان ذلك كذلك،فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر من المحرم يوم الاثنين.

قال أبو الفرج:و هذا دليل صحيح واضح تنضاف إليه الرواية.

و روى سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عليه السّلام:أن الحسين بن علي عليهما السّلام قتل و له ثمان و خمسون سنة (1).

ولد عليه السّلام بالمدينة يوم الثلاثا،و قيل:يوم الخمسين لثلاث خلون من شعبان، و قيل:لخمس خلون منه سنة أربع من الهجرة،و قيل:ولد آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة،و عاش سبعا و خمسين سنة و خمسة أشهر،كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله سبع سنين،و مع أمير المؤمنين عليه السّلام سبعا و ثلاثين سنة،و مع أخيه الحسن عليه السّلام سبعا و أربعين سنة،و كانت مدة خلافته عشر سنين و أشهرا (2).

قال كمال الدين ابن طلحة:ولد عليه السّلام بالمدينة لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة،علقت البتول عليها السّلام به بعد أن ولدت أخاه الحسن عليه السّلام بخمسين ليلة، و كذلك قال الحافظ الجنابذي (3).

و قال كمال الدين:كان انتقاله إلى دار الآخرة في سنة إحدى و ستين من الهجرة، فتكون مدة عمره ستا و خمسين سنة و أشهرا،كان منها مع جده رسول اللّه صلى اللّه عليه آله ست سنين و شهورا،و كان مع أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام ...بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و اله،و كان مع أخيه الحسن بعد وفاة أبيه عليهم السلام عشر سنين،و بقي بعد وفاة أخيه الحسن عليه السّلام إلى وقت مقتله عشر سنين 200.ف.

ص: 12


1- بحار الأنوار:197/40-205 ح 16،و مقاتل الطالبيين:ص 54.
2- بحار الأنوار:197/40-205 ح 18.
3- كشف الغمة:ج 2 ص 170 مع اختلاف.

و قال ابن الخشاب:حدثنا حرب باسناده عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:مضى أبو عبد اللّه الحسين بن علي امه فاطمة بنت رسول اللّه صلوات اللّه عليهم أجمعين و هو ابن سبع و خمسين سنة،في عام الستين من الهجرة،في يوم عاشورا،كان مقامه مع جده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله سبع سنين إلا ما كان بينه و بين أبي محمد.و هو سبعة أشهر و عشرة أيام،و أقام مع أبيه عليه السّلام ثلاثين سنة،و أقام مع أبي محمد عشر سنين و أقام بعد مضي أخيه الحسن عليه السّلام عشر سنين،فكان عمره سبعا و خمسين سنة إلا ما كان بينه و بين أخيه من الحمل،و قبض في يوم عاشورا في يوم الجمعة في سنة إحدى و ستين،و يقال:في يوم عاشورا يوم الاثنين،و كان بقاؤه بعد أخيه الحسن عليه السّلام أحد عشر سنة.

و قال الحافظ عبد العزيز:الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام و امه فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،ولد في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة،و قتل بالطف يوم عاشورا سنة إحدى و ستين،و هو ابن خمس و خمسين سنة و ستة

أشهر (1).

أقول:الاشهر في ولادته صلوات اللّه عليه،أنه ولد لثلاث خلون من شعبان لما رواه الشيخ في المصباح:أنه خرج إلى القاسم بن العلا الهمداني وكيل أبي محمد عليه السّلام أن مولانا الحسين عليه السّلام ولد يوم الخميس،لثلاث خلون من شعبان فصم و ادع فيه بهذا الدعاء و ذكر الدعاء.

ثم قال رحمه اللّه بعد الدعاء الثاني المروي عن الحسين:قال ابن عياش:سمعت الحسين بن علي بن سفيان البزوفري يقول:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يدعو به في هذا اليوم و قال:هو من أدعية اليوم الثالث من شعبان و هو مولد الحسين عليه السّلام.و قيل:

إنه عليه السّلام ولد لخمس ليال خلون من شعبان،لما رواه الشيخ أيضا في المصباح عن7.

ص: 13


1- بعض المصادر:ج 2 ص 216 و 217.

الحسين بن زيد،عن جعفر بن محمد عليهما السّلام أنه قال:ولد الحسين بن علي عليهما السّلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع خلون من الهجرة.

و قال رحمه اللّه في التهذيب:ولد عليه السّلام آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة.

و قال الكليني قدس اللّه روحه:ولد عليه السّلام سنة ثلاث.

و قال الشهيد رحمه اللّه في الدروس:ولد عليه السّلام بالمدينة آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة،و قيل:يوم الخميس ثلاث عشر شهر رمضان.

و قال المفيد:لخمس خلون من شعبان سنة أربع.

و قال الشيخ ابن نما في مثير الاحزان:ولد عليه السّلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة،و قيل الثالث منه،و قيل:أواخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث و قيل:

لخمس خلون من جمادى الاولى سنة أربع من الهجرة،و كانت مدة حمله ستة أشهر،و لم يولد لستة سواه و عيسى و قيل يحيى عليهم السلام.

و أقول:إنما اختار الشيخ رحمه اللّه كون ولادته عليه السّلام في آخر شهر ربيع الأول مع مخالفته لما رواه من الروايتين السالفتين اللتين تدلان على الثالث و الرواية الاخرى التي تدل على الخامس من شعبان،ليوافق ما ثبت عنده،و اشتهر بين الفريقين من كون ولادة الحسن عليه السّلام في منتصف شهر رمضان،و ما مر في الرواية الصحيحة في باب ولادتهما عليهما السّلام من أن بين ولادتيهما لم يكن إلا ستة أشهر و عشرا،لكن مع ورود هذه الأخبار،يمكن عدم القول بكون ولادة الحسن عليه السّلام في شهر رمضان، لعدم استناده إلى خبر على ما عثرنا عليه،و اللّه يعلم (1).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:إنّ الحسين لمّا ولد أمر اللّه عزّ و جلّ جبرائيل أن يهبط في ألف من الملائكة فيهنّئ رسول اللّه من اللّه و من جبرائيل،فمرّ على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له قطرس كان من الحملة بعثه اللّه في شيء فأبطأ عليه0.

ص: 14


1- بحار الأنوار:205/40.

فكسر جناحه و ألقاه في تلك الجزيرة،فعبد اللّه تعالى في الجزيرة سبعمائة عام فقال لجبرائيل:احملني معك لعلّ محمّدا يدعو لي فحمله فلمّا دخل جبرائيل على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله هنّأه و أخبره بحال قطرس فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:قل له تمسّح بهذا المولود وعد إلى مكانك فتمسّح بالحسين عليه السّلام و ارتفع فقال:يا رسول اللّه أما إنّ امّتك ستقتله و له علي مكافأة لا يزوره زائر إلاّ أبلغه عنه و لا يسلّم عليه مسلم إلاّ أبلغه سلامه و لا يصلّ عليه مصلّ إلاّ أبلّغه صلاته ثمّ ارتفع.

و في حديث آخر أنّه لمّا ارتفع قال:من مثلي و أنا عتاقة الحسين،يعني أنّه أعتقني من عذاب ذلك الذنب (1).

و في كتاب الإحتجاج عن عبد الرحمن بن المثنّى الهاشمي قال:قلت لأبي عبد اللّه:

جعلت فداك من أين جاء لولد الحسين الفضل على ولد الحسن و هما مثلان؟

فقال:إنّ جبرائيل نزل على محمّد فقال:يولد لك غلام تقتله امّتك من بعدك فقال:

يا جبرائيل لا حاجة لي فيه خاطبه ثلاثا ثمّ دعا عليّا فقال:إنّ جبرائيل أخبرني أنّه يولد لك غلام تقتله امّتي قال:لا حاجة لي فيه ثلاثا ثمّ قال:إنّه يكون فيه و في ولده الإمامة و الوراثة و الخزانة،و كذلك قال لفاطمة بعد قولها:لا حاجة لي فيه،فقالت:

رضيت عن اللّه عزّ و جلّ،فحملت بالحسين ستّة أشهر و لم يعش مولود قطّ ستّة أشهر غيره و غير عيسى ابن مريم فكفلته امّ سلمة،و كان صلّى اللّه عليه و اله يأتيه في كلّ يوم فيضع لسانه في فمه فيمصّه حتّى يروى فأنبت اللّه لحمه من لحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لم يرضع من فاطمة و لا من غيرها لبنا (2).

و في الكتاب عن برة الخزاعي قال:لمّا حملت فاطمة بالحسن خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في بعض وجوهه فقال لها:إنّك ستلدين غلاما فلا ترضعيه حتّى أصير إليك،فلمّا1.

ص: 15


1- البحار:244/43.
2- علل الشرائع:206/1.

وضعته بقي ثلاثة أيّام ما أرضعته فأدركتها رقّة الامّهات فأرضعته.

فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:أبى اللّه عزّ و جلّ إلاّ ما أراد،فلمّا حملت بالحسين قال:إنّك ستلدين غلاما قد هنّأني به جبرائيل فلا ترضعيه حتّى أجيء إليك و لو أقمت شهرا و خرج في بعض وجوهه فولدت الحسين عليه السّلام،فما أرضعته حتّى جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأخذه فجعل يمصّ إبهامه و فيه غذاؤه،و يقال:بل كان يدخل لسانه في فيه فيزقّه كما يزقّ الطير فرخه و قال:إيها حسين إيها حسين أبي اللّه إلاّ ما يريد بل هي فيك يعني الإمامة (1).

و في عيون المعجزات للمرتضى:روى أنّ فاطمة ولدت الحسن و الحسين من فخذها الأيسر.و روى أنّ مريم ولدت المسيح من فخذها الأيمن و حديث هذه الحكاية في كتاب الأنوار و في كتب كثيرة (2).

و في كتاب المناقب:ولد الحسين عليه السّلام عام الخندق بالمدينة يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة بعد أخيه بعشرة أشهر و عشرين يوما.

و روي أنّه لم يكن بينهما إلاّ الحمل و هو ستّة أشهر عاش مع جدّه ستّ سنين و أشهرا و كمل عمره خمسين سنة و خمسة أشهر و قيل:ستّ و خمسون سنة و خمسة أشهر،و يقال:ثمان و خمسون (3).

و قال في بحار الأنوار:الأشهر في ولادته عليه السّلام إنّه ولد لثلاث خلون من شعبان لما رواه الشيخ في المصباح و قيل:ولد لخمس ليال خلون من شعبان و رواه الشيخ أيضا (4).7.

ص: 16


1- رسائل المرتضى:92/2.
2- عيون المعجزات:51.
3- دلائل الامامة:177.
4- انظر العوالم:7.

و قال في التهذيب:ولد آخر شهر ربيع الأوّل و قيل فيه غير هذا (1).

و مدّة خلافته خمس سنين و أشهرا في آخر ملك معاوية و أوّل ملك يزيد.

و كان منها مع جده رسول اللّه(ص)ست سنين و شهورا،و كان مع أبيه أمير المؤمنين علي عليه السّلام ثلاثين سنة بعد وفاة النبي(ص)،و كان مع أخيه الحسن بعد وفاة أبيه عشر سنين،و بقى بعد وفاة أخيه إلى مقتله عشر سنين.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان بين الحسن و الحسين عليه السّلام طهر و كان بينهما في الميلاد ستّة أشهر و عشرا (2)(3).

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ جبرائيل عليه السّلام نزل على محمد صلّى اللّه عليه و اله فقال له:يا محمد إنّ اللّه يبشّرك بمولود يولد من فاطمة،تقتله أمّتك من بعدك فقال:يا جبرائيل و على ربّي السّلام،لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمّتي من بعدي،فعرج ثمّ هبط عليه السّلام فقال له مثل ذلك،فقال:يا جبرائيل و على ربّي السلام لا حاجة لي في مولود تقتله أمّتي من بعدي فعرج جبرائيل عليه السّلام إلى السماء ثمّ هبط فقال:يا محمد إنّ ربّك يقرئك السّلام و بيشّرك بأنّه جاعل في ذرّيّته الإمامة و الولاية و الوصيّة،فقال:قد رضيت ثمّ أرسل إلى فاطمة أنّ اللّه يبشّرني بمولود يولد لك،تقتله أمّتي من بعدي فأرسلت إليه لا حاجة في مولود[منّي]تقتله أمّتك من بعدك،فأرسل إليها أنّ اللّه قد جعل في ذرّيّته الإمامة و الولاية و الوصيّة،فأرسلت إليه إنّي قد رضيت ف حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي فلولا أنّه قال:

أصلح لي في ذرّيّتي لكانت ذرّيته كلّهم أئمّة و لم يرضع الحسين من فاطمة عليها السّلام و لا من1.

ص: 17


1- تهذيب الاحكام:42/6.
2- أي أقل زمان الطهر و هو عشرة أيام و كان مدة الحمل ستة أشهر فكان بينهما في الميلاد ستة أشهر و عشرة أيام،و المولد الموضع و الوقت،و الميلاد الوقت لا غير.
3- الكافي 464/1.

أنثى،كان يؤتى به النبيّ فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين و الثلاث، فنبت لحم الحسين عليه السّلام من لحم رسول اللّه و دمه صلّى اللّه عليه و اله و لم يولد لستّة أشهر إلاّ عيسى بن مريم عليه السّلام و الحسين بن عليّ عليهم السّلام (1).و في رواية أخرى،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام:

إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله كان يؤتى بالحسين فيلقمه لسانه فيمصّه فيجتزىء به و لم يرتضع من أنثى (2).

و عن أم الفضل بنت الحارث:أنها رأت فيما يرى النائم أن عضوا من أعضاء النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في بيتها[قالت:]فقصصتها على النبي صلى اللّه عليه و سلّم فقال:«خيرا رأيت،تلد فاطمة غلاما فترضعيه بلبن قثم»قالت:فولدت فاطمة غلاما فسمّاه النبي صلى اللّه عليه و سلّم حسينا و دفعه إلى أم الفضل،و كانت ترضعه بلبن قثم (3).

و قال السيد القرشي:و استقبل سبط النبي صلّى اللّه عليه و اله دنيا الوجود في السنة الرابعة من الهجرة و قيل في السنة الثالثة و اختلف الرواة في الشهر الذي ولد فيه فذهب الأكثر إلى أنه ولد في شعبان،و أنه في اليوم الخامس منه و لم يحدد بعضهم اليوم، و إنما قال:ولد لليال خلون من شعبان و أهمل بعض المؤرخين ذلك مكتفيا بالقول أنه ولد في شعبان و ذهب بعض الأعلام إلى أنه ولد في آخر ربيع الأول إلا أنه خلاف المشهور فلا يعنى به (4).

وجوم النبي و بكاؤه

و لما بشر الرسول الأعظم بسبطه المبارك خفّ مسرعا إلى بيت بضعته

ص: 18


1- الكافي:465/1
2- الكافي:465/1.
3- سنن ابن ماجة 289/2 أبواب تعبير الرؤيا و منتخب كنز العمال 111/5.
4- حياة الإمام الحسين للقرشي:20/1.

فاطمة عليه السّلام و هو مثقل الخطا قد ساد عليه الوجوم و الحزن،فنادى بصوت خافت حزين النبرات:

«يا أسماء هلمي ابني».

فناولته أسماء،فاحتضنه النبي،و جعل يوسعه تقبيلا،و قد انفجر بالبكاء فذهلت أسماء،و انبرت تقول:

«فداك أبي و أمي مم بكاؤك؟!!».

فأجابها النبي صلّى اللّه عليه و اله و قد غامت عيناه بالدموع:

«من ابني هذا».

و ملكت الحيرة إهابها فلم تدرك معنى هذه الظاهرة و مغزاها فانطلقت تقول:

«إنه ولد الساعة».

فأجابها الرسول بصوت متقطع النبرات حزنا و أسى قائلا:

«تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي..».

ثم نهض و هو مثقل بالهمّ و أسرّ إلى أسماء قائلا:

«لا تخبري فاطمة فإنها حديثة عهد بولادة...».

و انصرف النبي صلّى اللّه عليه و اله و هو غارق بالأسى و الشجون،فقد استشف من وراء الغيب ما سيجري على ولده من النكبات و الخطوب التي تذهل كل كائن حي (1).

مراسيم ولادته

اشارة

و أجرى النبي صلّى اللّه عليه و اله بنفسه أكثر المراسيم الشرعية لوليده المبارك،فقام صلّى اللّه عليه و اله بما يلي:

ص: 19


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:19/1.
أولا:

الأذان و الإقامة

و احتضن النبي وليده العظيم فأذّن في أذنه اليمنى،و أقام في اليسرى و جاء في الخبر«أن ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم».

إن أول صوت اخترق سمع الحسين هو صوت جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله الذي هو أول من أناب إلى الله،و دعى إليه،و أنشودة ذلك الصوت:

«الله أكبر لا إله إلا الله..».

لقد غرس النبي صلّى اللّه عليه و اله هذه الكلمات التي تحمل جوهر الإيمان و واقع الإسلام في نفس وليده،و غذاه بها فكانت من عناصره و مقوماته،و قد هام بها في جميع مراحل حياته،فانطلق إلى ميادين الجهاد مضحيا بكل شي في سبيل أن تعلو هذه الكلمات في الأرض،و تسود قوى الخير و السلام و تتحطم معالم الردة الجاهلية التي جهدت على إطفاء نور الله.

ثانيا:
اشارة

التسمية

و سمّاه النبي صلّى اللّه عليه و اله حسينا كما سمّى أخاه حسنا و يقول المؤرخون لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذين الإسمين حتى تسمّي أبناءها بهما،و إنما سمّاهما النبي صلّى اللّه عليه و اله بهما بوحي من السماء.

و قد صار هذا الإسم الشريف علما لتلك الذات العظيمة التي فجّرت الوعي و الإيمان في الأرض،و استوعب ذكرها جميع لغات العالم،و هام الناس بحبها حتى

ص: 20

صارت عندهم شعارا مقدسا لجميع المثل العليا،و شعارا لكل تضحية تقوم على الحق و العدل.

أقوال شاذة:

و حفلت بعض مصادر التاريخ و الأخبار بصور مختلفة لتسمية الإمام الحسين عليه السّلام لا تخلو من التكلف و الإنتحال و هي:

1-ما رواه هانىء بن هانىء عن علي عليه السّلام قال:لما ولد الحسن جاء رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فقال:أروني ابني ما سميتموه؟قلت:سميته حربا،قال:بل هو حسن،فلما ولد الحسين قال:أروني ابني ما سميتموه؟

قلت:سميته حربا،قال:بل هو حسين،فلما ولد الثالث جاء النبي صلّى اللّه عليه و اله فقال:

أروني ابني ما سميتموه؟قلت:حربا،فقال:بل هو محسن.

و هذه الرواية-فيما نحسب-لا نصيب لها من الصحة و ذلك:

أ-أن سيرة أهل البيت عليهم السّلام قامت على الالتزام بحرفية الإسلام و عدم الشذوذ عن أي بند من أحكامه،و قد كره الإسلام تسمية الأبناء بأسماء الجاهلية التي هي رمز للتأخر و الانحطاط الفكري،مضافا إلى أن هذا الإسم علم لجد الأسرة الأموية التي تمثل القوى الحاقدة على الإسلام و الباغية عليه،فكيف يسمّي الإمام أبناءه به؟!!

ب-إن إعراض النبي صلّى اللّه عليه و اله عن تسمية سبطه الأول به مما يوجب ردع الإمام عن تسمية بقية أبنائه به.

ج-إن المحسن باتفاق المؤرخين لم يولد في حياة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و إنما ولد بعد حياته بقليل،و هذا مما يؤكد انتحال الرواية و عدم صحتها.

2-روى أحمد بن حنبل بسنده عن الإمام علي عليه السّلام قال:لما ولد لي الحسن سميته باسم عمي حمزة،و لما ولد الحسين سميته باسم أخي جعفر فدعاني

ص: 21

رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فقال:«إن الله قد أمرني أن أغير اسم هذين فسمّاهما حسنا،و حسينا».

و هذه الرواية كسابقتها في الضعف فإن تسمية السبطين بهذين الإسمين وقعت عقيب ولادتهما حسب ما ذهب إليه المشهور و لم يذهب أحد إلى ما ذكره أحمد.

3-روى الطبراني بسنده عن الإمام علي عليه السّلام أنه قال:لما ولد الحسين سميته باسم أخي جعفر فدعاني رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أمرني أن أسميه حسينا،و هذه الرواية تضارع الروايتين في ضعفها فإن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام لم يسبق رسول الله صلّى اللّه عليه و اله في تسمية سبطه و ريحانته و هو الذي أسماه بذلك حسب ما ذهب إليه المشهور و أجمعت عليه روايات أهل البيت عليهم السّلام.

ثالثا:

العقيقة

و بعد ما انطوت سبعة أيام من ولادة السبط أمر النبي صلّى اللّه عليه و اله أن يعق عنه بكبش، و يوزع لحمه على الفقراء كما أمر أن تعطى القابلة فخذا منها،و كان ذلك من جملة ما شرعه الإسلام في ميادين البر و الإحسان إلى الفقراء.

رابعا:

حلق الرأس

و أمر النبي صلّى اللّه عليه و اله أن يحلق رأس وليده،و يتصدق بزنته فضة على الفقراء فكان وزنه-كما في الحديث-درهما و نصفا و طلى رأسه بالخلوق و نهى عما كان يفعله أهل الجاهلية من إطلاء رأس الوليد بالدم.

ص: 22

خامسا:

الختان

و أوعز النبي صلّى اللّه عليه و اله إلى أهل بيته بإجراء الختان على وليده في اليوم السابع من ولادته،و قد حث النبي صلّى اللّه عليه و اله على ختان الطفل في هذا الوقت المبكر لأنه أطيب له و أطهر.

تعويذ النبي للحسنين

و بلغ من رعاية النبي صلّى اللّه عليه و اله لسبطيه،و حرصه على وقايتهما من كل سوء و شر أنه كان كثيرا ما كان يعوذهما فقد روى ابن عباس قال:«كان النبي صلّى اللّه عليه و اله يعوذ الحسن و الحسين قائلا:«أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان و هامة،و من كل عين لامة»و يقول:هكذا كان إبراهيم يعوذ ابنيه إسماعيل و إسحاق.و يقول عبد الرحمن بن عوف:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:

«يا عبد الرحمن:ألا أعلّمك عوذة كان إبراهيم يعوذ بها ابنيه إسماعيل و إسحاق،و أنا أعوذ بها ابني الحسن و الحسين..كفى بالله واعيا لمن دعا،و لا مرمى وراء أمر الله لمن رمى..».

و دل ذلك على مدى الحنان،و العطف الذي يكنه صلّى اللّه عليه و اله لهما،و أنه كان يخشى عليهما من أن تصيبهما عيون الحساد فيقيهما منها بهذا الدعاء.

ص: 23

ملامح الحسين عليه السلام

و بدت في ملامح الإمام الحسين عليه السّلام ملامح جده الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله فكان يحاكيه في أوصافه،كما كان يحاكيه في أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين،و وصفه محمد بن الضحاك فقال:«كان جسد الحسين يشبه جسد رسول الله صلّى اللّه عليه و اله»،و قيل:إنه كان يشبه النبي صلّى اللّه عليه و اله ما بين سرته إلى قدميه و قال الإمام علي عليه السّلام:

«من سرّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلّى اللّه عليه و اله ما بين عنقه و ثغره فلينظر إلى الحسن،و من سرّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلّى اللّه عليه و اله ما بين عنقه إلى كعبه خلقا و لونا فلينظر إلى الحسين بن علي..».

لقد بدت على وجهه الشريف أسارير الإمامة فكان من أشرق الناس وجها،فكان كما يقول أبو كبير الهذلي:

و إذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل.

و وصفه بعض المترجمين له بقوله:«كان أبيض اللون،فإذا جلس في موضع فيه ظلمة يهتدى إليه لبياض حسنه و نحره»و يقول آخر:«كان له جمال عظيم،و نور يتلألأ في جبينه و خده،يضىء حواليه في الليلة الظلماء و كان أشبه الناس برسول الله صلّى اللّه عليه و اله»، و وصفه بعض الشهداء من أصحابه في رجز كان نشيدا له في يوم الطف يقول:

له طلعة مثل شمس الضحى له غرة مثل بدر منير

ص: 24

هيبة الحسين

و كانت عليه سيماء الأنبياء،فكان في هيبته يحكي هيبة جده التي تعنو لها الجباه،و وصف عظيم هيبته بعض الجلادين من شرطة ابن زياد بقوله:

«لقد شغلنا نور وجهه،و جمال هيبته عن الفكرة في قتله».

و لم تحجب نور وجهه يوم الطف ضربات السيوف،و لا طعنات الرماح،فكان كالبدر في بهائه و نضارته و في ذلك يقول الكعبي:

و مجرح ما غيّرت منه القنا حسنا و لا أخلقن منه جديدا

قد كان بدرا فاغتدى شمس الضحى مذ ألبسته يد الدماء برودا

و لما جيء برأسه الشريف إلى الطاغية ابن زياد بهر بنور وجهه فانطلق يقول:

«ما رأيت مثل هذا حسنا!!».

فانبرى إليه أنس بن مالك منكرا عليه قائلا:

«أما أنه كان أشبههم برسول الله؟».

و حينما عرض الرأس الشريف على يزيد بن معاوية ذهل من جمال هيبته و طفق يقول:

«ما رأيت وجها قط أحسن منه!!».

فقال له بعض من حضر:

«إنه كان يشبه رسول الله صلّى اللّه عليه و اله».

لقد أجمع الرواة أنه كان يحاكي جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله في أوصافه و ملامحه و أنه كان يضارعه في مثله و صفاته،و لما تشرّف عبد الله بن الحر الجعفي بمقابلته

ص: 25

امتلأت نفسه إكبارا و إجلالا له و راح يقول:

«ما رأيت أحدا قط أحسن،و لا أملأ للعين من الحسين..».

لقد بدت على ملامحه سيماء الأنبياء و بهاء المتقين،فكان يملأ عيون الناظرين إليه،و تنحني الجباه خضوعا و إكبارا له.

ص: 26

ألقاب الحسين

أما ألقابه فتدل على سمو ذاته،و ما يتمتع به من الصفات الرفيعة و هي:

1-الشهيد.

2-الطيب.

3-سيد شباب أهل الجنة.

4-السبط لقوله صلّى اللّه عليه و اله:«حسين سبط من الأسباط».

5-الرشيد.

6-الوفي.

7-المبارك.

8-التابع لمرضاة الله.

9-الدليل على ذات الله.

10-المطهر.

11-البر.

12-أحد الكاظمين.

كنيته

كان يكنى بأبي عبد الله و ذكر غير واحد من المؤرخين أنه لا كنية له غيرها، و قيل:إنه يكنى بأبي علي و كنّاه الناس من بعد شهادته بأبي الشهداء و أبي الأحرار.

ص: 27

نقش خاتمه

كان له خاتمان أحدهما من عقيق،و قد نقش عليه«إن الله بالغ أمره»الثاني و هو الذي سلب منه يوم قتل،و قد كتب عليه«لا إله إلا الله عدد (1)لقاء الله»،و قد ورد:أن من يتختم بمثله كان له حرز من الشيطان.

استعماله الطيب

و كان الطيب محببا إليه فكان المسك لا يفارقه في حله و ترحاله،كما كان بخور العود في مجلسه.

دار سكناه

و أول دار سكنها مع أبويه كانت الدار المجاورة لبيت عائشة و لها باب من المسجد،و تعرف بدار فاطمة (2).

ص: 28


1- في دلائل الإمامة(181):عدة.
2- انظر حياة الإمام الحسين للقرشي:20/1.

ثلاثة مراحل من حياة الحسين عليه السلام

اشارة

قال السيد الخامنئي:يجب أولا و قبل كل شيء إدراك مدى فداحة تلك الواقعة حتى نتحرك و نتتبع أسبابها،و لا يقصر نظر أحد على أنّ واقعة عاشوراء كانت-في النهاية-مذبحة قتل فيها مجموعة.كلا،بل إنها و كما نقرأ في زيارة عاشوراء:«لقد عظمت الرزية و جلّت و عظمت المصيبة».

و لأجل أن يتضح مدى عظم تلك الفاجعة،أستعرض بصورة إجمالية ثلاثة مراحل قصيرة من حياة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام،لنرى شخصية الإمام الحسين عليه السّلام في هذه المراحل الثلاثة،هل من الممكن أن يحتمل أحد أنه ينتهي بها المآل يوم عاشوراء إلى أن تحاصره حشود من أمّة جدّه و تقتله أشنع قتلة هو و أصحابه و أهل بيته و تسبي عياله؟

تتلخص تلك المراحل الثلاثة في:

أولا:مرحلة الطفولة و تبدأ منذ نعومة أظفاره إلى تاريخ وفاة الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله.

ثانيا:مرحلة شبابه..أي خمس و عشرون سنة،من وفاة جده إلى خلافة أمير المؤمنين عليه السّلام.

ثالثا:المرحلة التي استمرت عشرين سنة من بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السّلام إلى واقعة كربلاء.

ص: 29

مرحلة الطفولة عند الحسين عليه السلام

اشارة

ففي المرحلة الأولى؛أي في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان الحسين عليه السّلام طفلا مدللا و محبوبا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.فقد كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بنت،و كان المسلمون يعلمون جميعا آنذاك أنه صلّى اللّه عليه و اله قال:«إني لأغضب لغضب فاطمة و أرضى لرضاها» (1).

فانظروا عظيم منزلة هذه البنت بحيث إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يبجّلها بهذه الكلمة و أمثالها في محضر المسلمين و الملأ العام.و ليس هذا بالأمر العادي.

و زوّجها الرسول الكريم صلّى اللّه عليه و اله لشخص كان ذروة في المآثر،زوّجها علي بن أبي طالب عليه السّلام الذي كان شابا شجاعا شريفا و من أكثر الناس إيمانا و أسبقهم إلى

ص: 30


1- و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«يا فاطمة إن اللّه يغضب لغضبك و يرضى لرضاك»أخرجه الطبراني في المعجم الكبير:108/1 ح 182 ذيل ترجمة علي و بالهامش:«في هامش الاصل:هذا حديث صحيح الاسناد و روي من طرق عن علي رواه الحارث عن علي و روي مرسلا،و هذا الحديث أحسن شيء رأيته و أصح إسناد قرأته»و 401/22 ترجمة فاطمة-مناقبها،و جواهر العقدين:350 الباب الحادي عشر، قال السمهودي بعد إيراده هذا الحديث:(فمن آذى شخصا من أولاد فاطمة أو أبغضه فقد جعل نفسه عرضة لهذا الخطر العظيم،و بضده من تعرض لمرضاتها في حبهم و إكرامهم كما يؤخذ مما تقدم) جواهر العقدين:351 الباب 11. *و قال السهيلي:(هذا الحديث يدل على أن من سبّها كفر و من صلّى عليها فقد صلّى على أبيها) المواهب اللدنية:533/2 الفصل الثاني من المقصد السابع. و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني»المصنف لابن أبي شيبة:/6 391 ح 32259 كتاب الفضائل-فضائل فاطمة.و الفردوس بمأثور الخطاب:232/1 ح 887 ط. دار الكتب العلمية،و 282 ح 886 ط.دار الكتاب العربي.و صحيح البخاري:83/5 ح 232 كتاب الفضائل-مناقب قرابة الرسول و 73/7 كتاب النكاح باب(110)ذب الرجل عن ابنته في الغيرة و الانصاف ح 159،و صحيح مسلم:221/16 ح 6257 كتاب الفضائل-فضائل الصحابة-فاطمة.

الإسلام،و أكثرهم مشاركة في كل ميادينه،عليّ..من قام الإسلام بسيفه..من كان يقدم حيثما يحجم الآخرون و يحل المستعصي من العقد..هذا الصهر العزيز المحبوب الذي لم تكن محبته منطلقة من وازع القرابة و ما شاكلها من الوشائج، و إنما كانت انطلاقا من عظمة شخصيته،و لهذه الأسباب زوّجه ابنته،فكان من نسلهم الحسين،و هذا الكلام يصدق كله أيضا على الإمام الحسن عليه السّلام.إلا أنّ كلامي هنا يدور حول الإمام الحسين عليه السّلام..

بين الحسين و النبي عليهما السلام

أعز عزيز عند الرسول الأعظم الذي كان زعيم العالم الإسلامي و حاكم المسلمين و محبوب كل القلوب يضمه بين ذراعيه و يصطحبه إلى المسجد.

و المسلمون كانوا يعلمون أنّ هذا الطفل هو محبوب قلب الرسول الذي تذوب القلوب جميعا في محبته.فحينما كان الرسول يلقي خطبة من فوق المنبر علقت رجل هذا الطفل بعائق فسقط على الأرض،فنزل الرسول صلّى اللّه عليه و اله من فوق المنبر و احتضنه و لاطفه.لاحظوا،هكذا كانت محبة الحسين عليه السّلام عند الرسول الأعظم.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عن الحسن و الحسين عليهما السّلام و هما آنذاك في السابعة و السادسة من عمريهما:«الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنّة» (1).

قال فيهما هذا القول و هما لازالا طفلين.أي أنهما حتى و إن كانا في تلك السن إلا أنهما يفهمان و يدركان و يعملان كمن هو في سن الشباب،و يفوح الأدب و الشرف من جنبيهما.

و لو قال قائل حينذاك أنّ هذا الطفل سيقتل على يد أمّة هذا الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله

ص: 31


1- ترجمة الإمام الحسين:50.

بلا جرم أو جريرة،ما كان ليصدّقه أحد.مثلما صرّح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله نفسه بتلك الحقيقة المرّة و بكى لها.

و تعجب في وقتها الجميع،مستنكرين إمكانية حدوث عمل كهذا.

ص: 32

مرحلة شباب الحسين عليه السلام

المرحلة الثانية:هي الفترة التي استمرت خمسا و عشرين سنة من وفاة الرسول إلى خلافة أمير المؤمنين عليه السّلام.إذ كان عليه السّلام شابا متوثّبا و عالما و شجاعا،شارك في الحروب و خاض شدائد الأمور.كان معروفا عند الجميع بالعظمة،و عند ما يأتي ذكر الكرام تشخص إليه الأبصار و تحوم حوله الأذهان.و إسمه يسطع بين جميع مسلمي مكة و المدينة و حيثما امتد الإسلام،بكل فضيلة و مكرمة.و الكل ينظر إليه و إلى أخيه عليه السّلام باحترام و تكريم.

و حتى خلفاء ذلك العصر كانوا يبدون لهما التعظيم و الإجلال.و كان مثالا و مقتدى لشباب ذلك العهد.و هكذا لو أنّ شخصا قال آنذاك إنّ هذا الشاب سيقتل على يد هذه الأمّة،لما صدّقه أحد.

ص: 33

مرحلة الشهادة

المرحلة الثالثة:هي تلك المرحلة التي حلّت من بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام و كان دور غربة أهل البيت.فكان الإمامان الحسن و الحسين عليهما السلام يقيمان خلال تلك المدّة في مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و اله.بعد مقتل أمير المؤمنين بعشرين سنة، انحصرت الإمامة في الحسين على جميع المسلمين-و إن لم تكن الخلافة في يده- و بدا مفتيا كبيرا،و زاد احترامه عند الجميع،و أضحى عروة يتمسك بها كل من يريد التمسّك بأهل البيت عليهم السّلام.فكان ذا شخصية محبوبة و رجلا شريفا نجيبا أصيلا عالما.

حتى إنه بعث في ذلك الوقت بكتاب إلى معاوية،لو كان غيره كتبه لأي حاكم لكان جزاؤه القتل.إلا أنّ معاوية حينما وصله الكتاب تلقّاه بكل تكريم و قرأه متغاضيا عما جاء فيه.

ثم لو أن أحدا كان يقول في ذلك الوقت أنّ هذا الرجل الشريف الكريم العزيز النجيب الذي يجسّد الإسلام و القرآن في نظر كل ناظر،سيقتل عمّا قريب على يد أمة الإسلام و القرآن قتلة شنيعة،لم يكن أحد ليتصور صحّة ذلك.إلاّ أنّ هذه الواقعة العجيبة البعيدة عن التصور،قد حصلت فعلا!

و لكن من الذين فعلوا ذلك؟فعله أولئك الذين كانوا يترددون عليه و يوالونه و يعربون له عن محبتهم و إخلاصهم!فما معنى هذا؟معناه أنّ المجتمع الإسلامي أفرغ طوال هذه الخمسين سنة من قيمه المعنوية و جرّد من حقيقة الإسلام،فكان ظاهره إسلاميا و باطنه خاويا.و هنا هو مكمن الخطر.

ص: 34

فالصلوات تقام و صلاة الجماعة موجودة،و الأمة توصف بالأمة المسلمة، و حتى أنّ البعض منها يوالي أهل البيت عليهم السّلام!

و معنى هذا أن أهل البيت عليهم السّلام يحظون بالاحترام و القبول لدى جميع المسلمين، و كانوا في ذلك العصر يلقون غاية التكريم و المحبة.و لكن في الوقت ذاته حينما يصبح المجتمع خاويا تقع مثل تلك الحادثة(حادثة كربلاء).

و لكن أين العبرة من هذا؟تكمن العبرة في ما ينبغي عمله لكي لا ينزلق المجتمع إلى مثل ذلك المآل.و هذا ما يوجب علينا فهم الظروف التي ساقت المجتمع إلى تلك النهاية.

و هذا هو البحث المطوّل الذي أريد أن أقّدم لكم موجزه (1).1.

ص: 35


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:47-51.

المكونات التربوية للإمام الحسين عليه السلام

اشارة

قال السيد القرشي:و توفّرت في سبط الرسول صلّى اللّه عليه و اله و ريحانته الإمام الحسين عليه السّلام،جميع العناصر التربوية الفذة التي لم يظفر بها غيره،فأخذ بجوهرها و لبابها و قد أعدّته لقيادة الأمة،و تحمّل رسالة الإسلام بجميع أبعادها و مكوناتها، كما أمدته بقوى روحية لاحد لها من الإيمان العميق بالله،و الخلود إلى الصبر على ما انتابه من المحن و الخطوب التي لا يطيقها أي كائن حي من بني الإنسان.

أما الطاقات التربوية التي ظفر بها،و عملت على تقويمه و تزويده بأضخم الثروات الفكرية و الإصلاحية فهي:

الوراثة

حددت الوراثة بأنها مشابهة الفرع لأصله،و لا تقتصر على المشابهة في المظاهر الشكلية و إنما تشمل الخواص الذاتية،و المقومات الطبيعية،كما نص على ذلك علماء الوراثة و قالوا:إن ذلك أمر بيّن في جميع الكائنات الحية فبذور القطن تخرج القطن،و بذور الزهرة تخرج الزهرة،و هكذا غيرها،فالفرع يحاكي أصله و يساويه في خواصه،و أدق صفاته،يقول(مندل):

«إن كثيرا من الصفات الوراثية تنتقل بدون تجزئة أو تغير من أحد الأصلين أو منهما إلى الفرع..».

و أكد هذه الظاهرة«هكسلي»بقوله:

ص: 36

«إنه ما أثر أو خاصة لكائن عضوي إلا و يرجع إلى الوراثة أو إلى البيئة فالتكوين الوراثي يضع الحدود لما هو محتمل،و البيئة تقرر أن هذا الإحتمال سيتحقق، فالتكوين الوراثي إذن ليس إلا القدرة على التفاعل مع أية بيئة بطريق خاص..».

و معنى ذلك أن جميع الآثار و الخواص التي تبدو في الأجهزة الحساسة من جسم الإنسان ترجع إلى العوامل الوراثية و قوانينها،و البيئة تقرر وقوع تلك المميزات و ظهورها في الخارج،فإذن ليست البيئة إلا عاملا مساعدا للوراثة،حسب البحوث التجريبية التي قام بها الإختصاصيون في بحوث الوراثة.

و على أي حال فقد أكد علماء الوراثة بدون تردد أن الأبناء و الأحفاد يرثون معظم صفات آبائهم و أجدادهم النفسية و الجسمية،و هي تنتقل إليهم بغير إرادة و لا اختيار،و قد جاء هذا المعنى صريحا فيما كتبه الدكتور«الكسيس كارل»عن الوراثة بقوله:

«يمتد الزمن مثلما يمتد في الفرع إلى ما وراء حدوده الجسمية..و حدوده الزمنية ليست أكثر دقة و لا ثباتا من حدوده الاتساعية،فهو مرتبط بالماضي و المستقبل، على الرغم من أن ذاته لا تمتد خارج الحاضر..و تأتي فرديتنا كما نعلم إلى الوجود حينما يدخل الحويمن في البويضة.و لكن عناصر الذات تكون موجودة قبل هذه اللحظة و مبعثرة في أنسجة أبوينا و أجدادنا و أسلافنا البعيدين جدا لأنا مصنوعون من مواد آبائنا و أمهاتنا الخلوية.و تتوقف في الماضي على حالة عضوية لا تتحلل...و تحمل في أنفسنا قطعا ضيئلة لأعداد من أجسام أسلافنا،و ما صفاتنا و نقائصنا إلا امتداد لنقائصهم و صفاتهم..».

و قد اكتشف الإسلام-قبل غيره-هذالظاهرة،و دلل على فعالياتها،في التكوين النفسي و التربوي للفرد،و قد حث بإصرار بالغ على أن تقوم الرابطة الزوجية على أساس وثيق من الإختبار و الفحص عن سلوك الزوجين،و سلامتهما النفسية و الخلقية من العيوب و النقص،ففي الحديث«تخيّروا لنطفتكم فإن العرق دساس»

ص: 37

و أشار القرآن الكريم إلى ما تنقله الوراثة من أدق الصفات قال تعالى حكاية عن نبيه نوح: وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلاّ فاجِراً كَفّاراً (1)فالآية دلت بوضوح على انتقال الكفر و الإلحاد بالوراثة من الآباء إلى الأبناء،و قد حفلت موسوعات الحديث بكوكبة كبيرة من الأخبار التي أثرت عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام و هي تدلل على واقع الوراثة و قوانينها و مالها من الأهمية البالغة في سلوك الإنسان،و تقويم كيانه.

على ضوء هذه الظاهرة التي لا تشذ في عطائها نجزم بأن سبط الرسول صلى الله عليه و آله قد ورث من جده الرسول و آله صفاته الخلقية و النفسية،و مكوناته الروحية التي امتاز بها على سائر النبيين،و قد حدد كثير من الروايات مدى ما ورثه هو و أخوه الإمام الحسن من الصفات الجسمية من جدهما النبي فقد جاء عن علي عليه السّلام أنه قال:«من سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله و آله ما بين عنقه و شعره فلينظر إلى الحسن،و من سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله و آله ما بين عنقه إلى كعبه خلقا و لونا فلينظر إلى الحسين»و في رواية أنه كان أشبه النبي ما بين سرته إلى قدمه و كما ورث هذه الظاهرة من جده فقد ورث منه مثله و سائر نزعاته و صفاته.

الأسرة

الأسرة من العوامل المهمة في إيجاد عملية التطبيع الاجتماعي،و تشكيل شخصية الطفل،و إكسابه العادات التي تبقى ملازمة له طوال حياته،فهي البذرة الأولى في تكوين النمو الفردي،و السلوك الاجتماعي،و هي أكثر فعالية في إيجاد التوازن في سلوك الشخص من سائر العوامل التربوية الأخرى،فمنها يتعلم الطفل

ص: 38


1- سورة نوح:26-27.

اللغة،و يكتسب القيم و التقاليد الاجتماعية.

و الأسرة إنما ينشأ أطفالها نشأة سليمة متسمة بالاتزان و البعد عن الشذوذ و الانحراف فيما إذا شاع في البيت الاستقرار و المودة و الطمأنينة و ابتعدت عن ألوان العنف و الكراهية،و إذا لم ترع ذلك فإن أطفالها تصاب بعقد نفسية خطيرة تسبب لهم كثيرا من المشاكل و المصاعب،و قد ثبت في علم النفس أن أشد العقد خطورة،و أكثرها تمهيدا للاضطرابات الشخصية هي التي تكون في مرحلة الطفولة الباكرة خاصة من صلة الطفل بأبويه.

كما أن من أهم وظائف الأسرة الإشراف على تربية الأطفال فإنها مسؤولة عن عمليات التنشئة الاجتماعية التي يتعلم الطفل من خلالها خبرات الثقافة و قواعدها في صورة تؤهله في مستقبل حياته من المشاركة التفاعلية مع غيره من أعضاء المجتمع.

و أهم وظائف الأسرة عند علماء التربية هي ما يلي:

أ-إعداد الأطفال بالبيئة الصالحة لتحقيق حاجاتهم البيولوجية و الاجتماعية.

ب-إعدادهم للمشاركة في حياة المجتمع و التعرف على قيمه و عاداته.

ج-توفير الاستقرار و الأمن و الحماية لهم.

د-إمدادهم بالوسائل التي تهيء لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع.

ه-تربيتهم بالتربية الأخلاقية و الوجدانية و الدينية.

و على ضوء هذه البحوث التربوية الحديثة عن الأسرة و مدى أهميتها في تكوين الطفل،و تقويم سلوكه بحزم بأن الإمام الحسين عليه السّلام كان وحيدا في خصائصه و مقوماته التي استمدها من أسرته فقد نشأ في أسرة تنتهي إليها كل مكرمة و فضيلة في الإسلام،فما أظلت قبة السماء أسرة أسمى و لا أزكى من أسرة آل الرسول صلّى اللّه عليه و اله...لقد نشأ الإمام الحسين عليه السّلام في ظل هذه الأسرة و تغذى بطباعها و أخلاقها،و نعرض-بإيجاز-لبعض النقاط المضيئة النابضة بالتربية الفذة التي

ص: 39

ظفر بها الحسين عليه السّلام في ظل الأسرة النبوية.

التربية النبوية

اشارة

و قام الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله بدوره بتربية سبطه و ريحانته فأفاض عليه بمكرماته و مثله و غذّاه بقيمه و مكوناته ليكون صورة عنه،و يقول الرواة:إنه كان كثير الاهتمام و الاعتناء بشأنه،فكان يصحبه معه في أكثر أوقاته فيشمه عرفه و طيبه،و يرسم له محاسن أفعاله،و مكارم أخلاقه،و قد علّمه و هو في غضون الصبا سورة التوحيد،و وردت إليه من تمر الصدقة فتناول منها الحسين تمرة و جعلها في فيه،فنزعها منه الرسول صلّى اللّه عليه و اله و قال له:لا تحل لنا الصدقة،و قد عوّده و هو في سنه المبكر بذلك على الإباء،و عدم تناول ما لا يحل له،و من الطبيعي أن إبعاد الطفل عن تناول الأغذية المشتبه فيها أو المحرّمة لها أثرها الذاتي في سلوك الطفل و تنمية مداركه حسب ما دللت عليه البحوث الطبية الحديثة،فإن تناول الطفل للأغذية المحرّمة مما يوقف فعالياته السلوكية،و يغرس في نفسه النزعات الشريرة كالقسوة،و الإعتداء و الهجوم المتطرف على الغير،و قد راعى الإسلام باهتمام بالغ هذه الجوانب فألزم بإبعاد الطفل عن تناول الغذاء المحرّم و كان إبعاد النبي صلّى اللّه عليه و اله لسبطه الحسين عن تناول تمر الصدقة التي لا تحل لأهل البيت عليهم السّلام تطبيقا لهذا المنهج التربوي الفذ...و سنذكر المزيد من ألوان تربيته له عند عرض ما أثر عنه عليه السّلام في حقه عليه السّلام.

رعاية النبي الأعظم للحسين
اشارة

و تولّى النبي صلّى اللّه عليه و اله بنفسه رعاية الحسين،و اهتم به اهتماما بالغا فمزج روحه بروحه،و مزج عواطفه بعواطفه،و كان-فيما يقول المؤرخون-يضع إبهامه في

ص: 40

فيه،و أنه أخذه بعد ولادته فجعل لسانه في فمه ليغذيه بريق النبوة و هو يقول له:

«إيها حسين،إيها حسين،أبى الله إلا ما يريد هو-يعني الإمامة-فيك و في ولدك...».

و في ذلك يقول السيد الطباطبائي:

ذادوا عن الماء ظمآنا مراضعه من جده المصطفى الساقي أصابعه

يعطيه إبهامه آنا و آونة لسانه فاستوت منه طبائعه

غرس سقاه رسول الله من يده و طاب من بعد طيب الأصل فارعه

لقد سكب الرسول صلّى اللّه عليه و اله في نفس وليده مثله و مكرماته ليكون صورة عنه، و امتدادا لحياته،و ممثلا له في نشر أهدافه و حماية مبادئه (1).

في أن الحسين ابن النبي
اشارة

ابن بابويه قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور قال:حدّثنا الحسين بن محمد بن عامر،عن عمه عبد اللّه بن عامر قال:حدّثنا أبو أحمد محمد بن زياد الازدي،عن أبان بن عثمان الأحمر،عن أبان بن تغلب،عن عكرمة،عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لعلي بن أبي طالب ذات يوم-و هو في مسجد قبا و الأنصار مجتمعون-«يا علي أنت أخي و أنا أخوك،يا علي أنت وصيي و خليفتي و إمام أمتي بعدي والى اللّه من والاك،و عادى اللّه من عاداك،و أبغض اللّه من أبغضك،و نصر اللّه من نصرك،و خذل اللّه من خذلك.

يا علي أنت زوج ابنتي و أبو ولدي،يا علي إنه لمّا عرج بي إلى السماء عهد إلي ربي فيك ثلاث كلمات فقال:يا محمد!قلت:لبيك ربي و سعديك تباركت و تعاليت فقال:إن

ص: 41


1- حياة الحسين للقرشي:26/1.

عليا إمام المتقين،و قائد الغر المحجلين،و يعسوب المسلمين» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال:حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال:حدّثنا جعفر بن سلمة الأهوازي قال:حدّثنا إبراهيم بن محمد الثقفي،عن إبراهيم بن موسى ابن اخت الواقدي قال:حدّثنا أبو قتادة الحراني،عن عبد الرّحمن بن العلاء الحضرمي،عن سعيد بن المسيب،عن ابن عباس قال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان جالسا يوما و عنده علي و فاطمة و الحسن و الحسين فقال:

«اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي و اكرم الناس عليّ فأحب من أحبهم،و أبغض من أبغضهم و وال من والاهم،و عاد من عاداهم (2)و اجعلهم مطهرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب،و أيدهم بروح القدس» (3).

ثم قال صلّى اللّه عليه و اله:«يا علي أنت إمام أمتي،و خليفتي عليها بعدي،و أنت قائد المؤمنين إلى الجنة،و كأني أنظر الى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور،عن يمينها سبعون ألف ملك،و عن يسارها سبعون ألف ملك،و بين يديها سبعون ألف ملك، و من خلفها سبعون ألف ملك تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة،فأيما إمرأة صلّت في اليوم و الليلة خمس صلوات،و صامت شهر رمضان،و حجّت بيت اللّه،و زكّت مالها،و أطاعت زوجها،و والت عليا بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة،و أنها لسيدة نساء العالمين».

فقيل له:يا رسول اللّه أهي سيدة نساء عالمها؟

فقال صلّى اللّه عليه و اله:«تلك مريم بنت عمران،و أما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و إنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين،و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون:يا فاطمة إِنَّ اللّهَ اصْطَفاكِك.

ص: 42


1- في بعض المصادر:و يعسوب المؤمنين.و الحديث ذكره الصدوق في أماليه ص 314-315.
2- في بعض المصادر:و أعن من أعانهم.
3- في بعض المصادر:بروح القدس منك.

وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (1) ».

ثم التفت الى علي عليه السّلام فقال:«يا علي إن فاطمة بضعة مني،و هي نور عيني،و ثمرة فؤادي،يسوؤني ما ساءها،و يسرني ما سرها،و إنها أول من يلحقني من أهل بيتي فأحسن اليها بعدي،و أما الحسن و الحسين فهما ابناي،و ريحانتاي،و هما سيدا شباب أهل الجنة،فليكونا عليك كسمعك و بصرك»،ثم رفع صلّى اللّه عليه و اله يده الى السماء فقال:«اللهم إني اشهدك أني محبّ لمن أحبهم،و مبغض لمن أبغضهم،و سلم لمن سالمهم،و حرب لمن حاربهم،و عدوّ لمن عاداهم،و وليّ لمن والاهم» (2).

قصة و عبرة

دخل الأديب الشعبي إلى الحجاج يوم عيد الأضحى.قال لي:بما يتقرب الناس بمثل هذا اليوم قلت:يتقربون بالأضحية.قال ما رأيك بان أضحي برجل يوالي عليا و فاطمة.فسكت.

فجاء برجل كبير و هو يحيى بن معمر-فقيه إمامي-فقال له الحجاج هلا تزال على غيك بقولك أن الحسن و الحسين ولدا رسول اللّه.

قال يحيى:لست أنا الذي على غيّ أفتجعل القرآن على غيّ-القرآن يقول.

قال الحجاج:ما دليك و لكن لا تأتني بآية المباهلة.

فقال الشعبي:أطرقت و قلت في نفسي من أين ياتي له بآية تدل على أن الحسن و الحسين إبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله..

فقال يحيى:و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسى و هارون

ص: 43


1- آل عمران:42.
2- أمالي الصدوق ص 436-437.

و كذلك نجزي المحسنين.و زكريا و يحيى و عيسى و إلياس و كل من الصالحين (1).

فمن ذرية إبراهيم النبي عيسى الذي ولد من دون أب بل عن طريق الأم فلماذا اعتبر ابن إبراهيم الخليل.

قال الحجاج:لأنه داخل في صلبه عن طريق مريم.

قال:بين إبراهيم و مريم دهور كثيرة،و لكن بين الحسن و الحسين و الرسول فاطمة فقط أفلا تعتبرهما إبناه.

فقال الحجاج:إدفع له عشرة آلاف درهم رغما عن أنفي.

فطلع إلى المسجد و وزّعها و هو يقول هذا من بركات الحسن و الحسين عليهما السلام.

شعر في المناسبة

يقول عبد اللّه بن المعتز:

لكم رحم يا بني بنته و لكن بنو العم أولى بها

قتلنا أمية في غابها فنحن أحق بأسلابها

و نحن ورثنا ثياب النبي فكم تجذبون بأهدابها

فرد عليه الصفي الحلي قائلا:

ألا قل لشر عبيد الإله و طاغى قريش و كذابها

و باغي العباد و باغي العناد و حاجى الكرام و مغتابها

أأنت تفاخر آل النبي و تجحدها قبل أحسابها

بكم بأهل المصطفى أمر بهم فرد العداة بأوصالها

ص: 44


1- الأنعام:85-84.

أعنكم نفرج أم عنهم لطهر النفوس و أنباذها

و قلت ورثنا ثياب النبي فكم تجذبون بأهدابها

و عندك لا ترث الأنبياء فكيف حضيتم بأثوابها

فناقضت نفسك بالحالتين و لم تعرف الشهد من حابها

أجدّك يرضى بما قلته و ما كان يوما بمرتابها

و كان بصفين من حزبهم لحرب الطغاة و أحزابها

و أقبل يدعو إلى حيدر بأرابها و بأرغابها

و قد شمر الموت عن ساقه و كشرت الحرب عن نابها

فهلاّ تقمصها جدكم إذا كان آنذاك أولى بها

و إذ جعل الأمر شورى لهم فهل كان من بعض أربابها

أخامسهم كان أم سادس و قد جليت بين خطابها

و قولك أنتم بنو بنته و لكن بنو العم أولى بها

بنو البنت أيضا بنو عمه و ذلك أدنى لأنسابها

و قولك أنكم القاتلون أسود أمية في غابها

كذبت و أسرفت فيما اّدعيت و أن تنهي نفسك عن عابها

ص: 45

تربية الإمام علي للحسين عليهما السلام

قال السيد القرشي:أما الإمام علي عليه السّلام فهو المربي الأول الذي وضع أصول التربية،و مناهج السلوك،و قواعد الآداب،و قد ربى ولده الإمام الحسين عليه السّلام بتربيته المشرقة فغذاه بالحكمة،و غذاه بالعفة و النزاهة،و رسم له مكارم الأخلاق و الآداب، و غرس في نفسه معنوياته المتدفقة فجعله يتطلع إلى الفضائل حتى جعل اتجاهه السليم نحو الخير و الحق،و قد زوده بعدة وصايا حافلة بالقيم الكريمة و المثل الإنسانية و منها هذه الوصية القيمة الحافلة بالمواعظ و الآداب الاجتماعية و ما يحتاج إليه الناس في سلوكهم،و هي من أروع ما جاء في الإسلام من الأسس التربوية التي تبعث على التوازن،و الاستقامة في السلوك قال عليه السّلام:

«يا بني أوصيك بتقوى الله تعالى في الغيب و الشهادة،و كلمة الحق في الرضى و القصد في الغنى و الفقر،و العدل في الصديق و العدو و العمل في النشاط و الكسل، و الرضى عن الله تعالى في الشدة و الرخاء.

يا بني ما شر بعده الجنة بشر،و لا خير بعده النار بخير،و كل نعيم دون الجنة محقور،و كل بلاء دون النار عافية...إعلم يا بني أن من أبصر عيب نفسه شغل عن غيره،و من رضي بقسم الله تعالى لم يحزن على ما فاته،و من سل سيف البغي قتل به،و من حفر بئرا وقع فيها،و من هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته،و من نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره،و من كابد الأمور عطب،و من اقتحم البحر غرق،و من أعجب برأيه ضل و من استغنى بعقله زل،و من تكبّر على الناس ذل، و من سفه عليهم شتم،و من دخل مداخل السوء اتهم،و من خالط الأنذال حقر،و من

ص: 46

جالس العلماء و قر،و من مزح استخف به،و من اعتزل سلم،و من ترك الشهوات كان حرا،و من ترك الحسد كان له المحبة من الناس.

يا بني عز المؤمن غناه عن الناس،و القناعة مال لا ينفذ و من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير،و من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه، العجب ممن خاف العقاب و رجا الثواب فلم يعمل،الذكر نور و الغفلة ظلمة،و الجهالة ضلالة،و السعيد من وعظ بغيره،و الأدب خير ميراث،و حسن الخلق خير قرين.

يا بني ليس مع قطيعة الرحم نماء،و لا مع الفجور غنى،...يا بني العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله،و واحدة في ترك مجالسة السفهاء،و من تزين بمعاصي الله تعالى في المجالس ورّثه ذلا،من طلب العلم علم.

يا بني رأس العلم الرفق و آفته الخرق،و من كنوز الإيمان الصبر على المصائب، العفاف زينة الفقر،و الشكر زينة الغنى،و من أكثر من شىء عرف به،و من كثر كلامه كثر خطأه،و من كثر خطأه قل حياؤه،و من قل حياؤه قل ورعه،و من قل ورعه مات قلبه،و من مات قلبه دخل النار.

يا بني لا تؤيسن مذنبا فكم من عاكف على ذنبه ختم له بالخير،و من مقبل على عمله مفسد له في آخر عمره صار إلى النار،من تحرّى القصد خفّت عليه الأمور.

يا بني كثرة الزيارة تورث الملالة،يا بني الطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم، إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله.

يا بني كم من نظرة جلبت حسرة،و كم من كلمة جلبت نعمة،لا شرف أعلى من الإسلام و لا كرم أعلى من التقوى،و لا معقل أحرز من الورع،و لا شفيع أنجح من التوبة،و لا لباس أجمل من العافية،و لا مال أذهب للفاقة من الرضى بالقوت،و من اقتصر على بلغة الكفاف تعجّل الراحة،و تبوّأ حفظ الدعة،الحرص مفتاح التعب، و مطية النصب وداع إلى التقحم في الذنوب،و الشر جامع لمساوى العيوب،و كفى أدبا لنفسك ما كرهته من غيرك لأخيك مثل الذي عليك لك،و من تورّط في الأمور

ص: 47

من غير نظر في الصواب فقد تعرّض لمفاجأة النوائب،التدبير قبل العمل يؤمنك الندم،من استقبل وجوه العمل و الآراء عرف مواقع الخطأ،الصبر جنة من الفاقة، في خلاف النفس رشدها،الساعات تنقص الأعمار،ربك للباغين من أحكم الحاكمين،و عالم بضمير المضمرين،بئس الزاد للمعاد العدوان على العباد،في كل جرعة شرق،و في كل أكلة غصص،لا تنال نعمة إلا بفراق أخرى،ما أقرب الراحة من التعب،و البؤس من النعيم،و الموت من الحياة فطوبى لمن أخلص لله تعالى علمه و عمله و حبه و بغضه و أخذه و تركه،و كلامه و صمته،و بخ بخ لعالم علم فكف،و عمل فجد و خاف التباب فأعدّ و استعد،إن سئل أفصح،و إن ترك سكت، كلامه صواب،و صمته من غير عي عن الجواب،و الويل كل الويل لمن بلي بحرمان و خذلان و عصيان و استحسن لنفسه ما يكرهه لغيره،من لانت كلمته وجبت محبته،من لم يكن له حياء و لا سخاء فالموت أولى به من الحياة،لا تتم مروءة الرجل حتى لا يبالي أي ثوبيه لبس،و لا أي طعاميه أكل».

و حفلت هذه الوصية بآداب السلوك و تهذيب الأخلاق،و الدعوة إلى تقوى الله التي هي القاعدة الأولى في وقاية النفس من الإنحراف و الآثام و توجيهها الوجهة الصالحة التي تتسم بالهدى و الرشاد.

ص: 48

تربية فاطمة الزهراء للحسين

و عنت سيدة النساء عليها السّلام بتربية وليدها الحسين،فغمرته بالحنان و العطف لتكون له بذلك شخصيته الاستقلالية،و الشعور بذاتياته،كما غذّته بالآداب الإسلامية،و عودته على الاستقامة،و الاتجاه المطلق نحو الخير يقول العلايلي:

«و الذي انتهى إلينا من مجموعة أخبار الحسين أن أمه عنيت ببث المثل الإسلامية الاعتقادية لتشيع في نفسه فكرة الفضيلة على أتم معانيها،و أصح أوضاعها،و لا بدع فإن النبي صلّى اللّه عليه و اله أشرف على توجيهه أيضا في هذا الدور الذي يشعر الطفل فيه بالاستقلال.

فالسيدة فاطمة أنمت في نفسه فكرة الخير،و الحب المطلق و الواجب و مدّدت في جوانحه و خوالجه أفكار الفضائل العليا بأن وجهت المبادىء الأدبية في طبيعته الوليدة،من أن تكون هي نقطة دائرتها إلى الله الذي هو فكرة يشترك فيها الجميع.

و بذلك يكون الطفل قد رسم بنفسه دائرة محدودة قصيرة حين أدار هذه المبادىء الأدبية على شخص والدته،و قصرها عليها و ما تجاوز بها إلى سواها من الكوائن،و رسمت له والدته دائرة غير متناهية حين جعلت فكرة الله نقطة الارتكاز، ثم أدارت المبادىء الأدبية و الفضائل عليها فاتسعت نفسه لتشمل و تستغرق العالم بعواطفها المهذبة،و تأخذه بالمثل الأعلى للخير و الجمال....

لقد نشأ الإمام الحسين عليه السّلام في جو تلك الأسرة العظيمة التي ما عرف التاريخ الإنساني لها نظيرا في إيمانها و هديها،و قد صار عليه السّلام بحكم نشأته فيها من أفذاذ الفكر الإنساني و من أبرز أئمة المسلمين.

ص: 49

البيئة

و أجمع المعنيون في البحوث التربوية و النفسية على أن البيئة من أهم العوامل التي تعتمد عليها التربية في تشكيل شخصية الطفل و إكسابه الغرائز و العادات، و هي مسؤولة عن أي انحطاط أو تأخر للقيم التربوية،كما أن استقرارها،و عدم اضطراب الأسرة لهما دخل كبير في استقامة سلوك النشىء و وداعته،و قد بحثت مؤسسة اليونسكو في هيئة الأمم المتحدة عن المؤثرات الخارجة عن الطبيعة في نفس الطفل،و بعد دراسة مستفيضة قام بها الاختصاصيون قدّموا هذا التقرير:

«مما لا شك فيه أن البيئة المستقرة سيكولوجيا،و الأسرة الموحدة التي يعيش أعضاؤها في جو من العطف المتبادل هي أول أساس يرتكز عليه تكيف الطفل من الناحية العاطفية،و على هذا الأساس يستند الطفل فيما بعد في تركيز علاقاته الاجتماعية بصورة مرضية،أما إذا شوّهت شخصية الطفل بسوء معاملة الوالدين فقد يعجز عن الاندماج في المجتمع...».

إن استقرار البيئة و عدم اضطرابها من أهم الأسباب الوثيقة في تماسك شخصية الطفل و ازدهار حياته،و مناعته من القلق،و قد ذهب علماء النفس إلى أن اضطراب البيئة و ما تحويه من تعقيدات،و ما تشتمل عليه من أنواع الحرمان كل هذا يجعل الطفل يشعر بأنه يعيش في عالم متناقض ملىء بالغش و الخداع و الخيانة و الحسد و أنه مخلوق ضعيف لا حول له و لا قوة تجاه هذا العالم العنيف.و قد عني الإسلام بصورة إيجابية في شؤون البيئة فأرصد لإصلاحها و تطورها جميع أجهزته و طاقاته،و كان يهدف قبل كل شي أن تسود فيها القيم العليا من الحق و العدل و المساواة،و أن تتلاشى فيها عوامل الانحطاط و التأخر من الجور و الظلم و الغبن،و أن تكون آمنة مستقرة خالية من الفتن و الاضطراب حتى تمد الأمة بخيرة الرجال و أكثرهم كفاءة،و انطلاقا في ميادين البر و الخير و الإصلاح.

ص: 50

و قد أنتجت البيئة الإسلامية العظماء و الأفذاذ و العباقرة المصلحين الذين هم من خيرة ما أنتجته الإنسانية في جميع مراحل تاريخها كسيدنا الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و عمار بن ياسر،و أبي ذر و أمثالهم من بناة العدل الاجتماعي في الإسلام.

لقد نشأ الإمام الحسين عليه السّلام في جو تلك البيئة الإسلامية الواعية التي فجرّت النور و صنعت حضارة الإنسان،و قادت شعوب الأرض لتحقيق قضاياها المصيرية،و أبادت القوى التي تعمل على تأخير الإنسان و انحطاطه،تلك البيئة العظيمة التي هبت إلى ينابيع العدل تعب منها فتروي و تروى الأجيال الظامئة.

و قد شاهد الإمام الحسين و هو في غضون الصبا ما حققته البيئة الإسلامية من الانتصارات الرائعة في إقامة دولة الإسلام،و تركيز أسسها،و أهدافها و بث مبادئها الهادفة إلى نشر المودة و الدعة و الأمن بين الناس.

هذه بعض المكونات التربوية التي توفرت للإمام الحسين عليه السّلام و قد أعدّته ليكون الممثل الأعلى لجده الرسول صلّى اللّه عليه و اله في الدعوة إلى الحق،و الصلابة في العدل (1).4.

ص: 51


1- انظر الإمام الحسين للقرشي:32/1-34.

معرفة الإمام الحسين و ذريته

ابن بابويه قال:حدّثنا الحسن بن علي قال:حدّثنا هارون بن موسى قال:أخبرنا محمد بن الحسن الصفار،عن يعقوب بن يزيد،عن محمد بن أبي عمير،عن هشام (1)قال:كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام إذ دخل عليه معاوية بن وهب و عبد الملك بن أعين،فقال له معاوية بن وهب:يابن رسول اللّه ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله رأى ربه،على أي صورة رآه؟و عن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة؟على أي صورة يرونه؟

فتبسم عليه السّلام ثم قال:«يا معاوية ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك اللّه و يأكل من نعمة اللّه (2).ثم لا يعرف اللّه حق معرفته!».

ثم قال عليه السّلام:«يا معاوية إن محمدا صلّى اللّه عليه و اله لم ير الرب تبارك و تعالى بمشاهدة العيان، و إن الرؤية على وجهين رؤية القلب و رؤية البصر،فمن عنى برؤية القلب فهو مصيب، و من عنى برؤية البصر فقد كفر و كذب باللّه و آياته،لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:من شبه اللّه بخلقه فقد كفر.و لقد حدّثني أبي،عن أبيه،عن الحسين بن علي قال:سئل أمير المؤمنين عليه السّلام فقيل (3):يا أخا رسول اللّه هل رأيت ربك؟فقال:كيف أعبد من لم أره،لم تره العيون بمشاهدة العيان،و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان» (4).

ص: 52


1- في البحار:عن هشام بن سالم.
2- في الانصاف:و يأكل من نعمه.
3- في الانصاف و البحار:فقيل له.
4- راجع لفظ الحديث في اصول الكافي:95/1،التوحيد ص 109 و 309،البحار:27/4 و304.

و إذا كان المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر و الرؤية فهو مخلوق،و لا بد للمخلوق من خالق،فقد جعلته إذا محدثا مخلوقا و من شبّهه بخلقه فقد اتخذ مع اللّه شريكا،ويلهم (1)ألم يسمعوا قول اللّه تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (2)و قوله لموسى: لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا و إنما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سم الخياط فدكدكت الأرض و ضعضعت الجبال وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً أي ميتا،فلما أفاق ورد عليه روحه قال:

سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ من قول من زعم أنك ترى و رجعت إلى معرفتي بك أن الأبصار لا تدركك وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (3)و أول المقرين بأنك ترى و لا ترى و أنت بالمنظر الأعلى.

ثم قال عليه السّلام:«إن أفضل الفرائض و أوجبها على الانسان معرفة الرب و الاقرار له بالعبودية،و حدّ المعرفة (4)أن يعرف أن لا إله غيره و لا شبيه له و لا نظير له،و أن يعرف إنه قديم مثبت،موجود غير فقيد موصوف من غير شبيه له و لا نظير له و لا مثيل،ليس كمثله شيء و هو السميع البصير؛و بعده معرفة الرسول و الشهادة له بالنبوة،و أدنى معرفة الرسول الاقرار بنبوته،و أن ما أتى به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك عن اللّه عز و جل؛و بعده معرفة الإمام الذي قام بنعته (5)و صفته و اسمه في حال اليسر و العسر، و أدنى معرفة الإمام أنه عدل (6)النبي إلا درجة النبوة و وارثه،و أن طاعته طاعة اللّه و طاعةل.

ص: 53


1- في الانصاف:ويل لهم،و في البحار:ويلهم أو لم يسمعوا.
2- الانعام 103/3.
3- الاعراف:143.
4- في الانصاف:أن يقر.
5- في البحار:الإمام الذي به يأتم بنعته.
6- العدل:النظير و المثل.

رسول اللّه،و التسليم له في كل أمر،و الردّ إليه،و الأخذ بقوله،و يعلم أن الإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله علي بن أبي طالب،و بعده الحسن،ثم الحسين،ثم علي بن الحسين،ثم محمد بن علي،ثم أنا،ثم بعدي موسى ابني،ثم بعده علي إبنه،و بعد علي محمد ابنه،و بعد محمد علي إبنه،و بعد علي الحسن إبنه،و الحجة من ولد الحسن.

ثم قال:يا معاوية جعلت لك في هذا أصلا فاعمل عليه،فلو كنت تموت على ما كنت عليه لكان حالك أسوأ الأحوال،فلا يغرنك قول من زعم أن اللّه يرى بالبصر،و قد قالوا أعجب من هذا،أ و لم ينسبوا أبي آدم إلى المكروه،أو لم ينسبوا إبراهيم إلى ما نسبوه؟ أو لم ينسبوا داود عليه السّلام إلى ما نسبوه من حديث الطير؟أو لم ينسبوا يوسف الصديق إلى ما نسبوه من حديث زليخا؟أو لم ينسبوا موسى عليه السّلام إلى ما نسبوه من القتل؟أو لم ينسبوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى ما نسبوه من حديث زيد؟أو لم ينسبوا علي بن أبي طالب إلى ما نسبوه من حديث القطيفة؟إنهم أرادوا بذلك توبيخ الإسلام ليرجعوا على أعقابهم،أعمى اللّه أبصارهم،كما أعمى قلوبهم،تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا» (1).8.

ص: 54


1- الانصاف ص 313-316 عن النصوص على الأئمة الاثني عشر لابن قولويه،كفاية الاثر للخزاز ص 35،البحار:54/4-55،و ج 406/36-408.

وجوب معرفة حقيقة آل محمد

أجمعت الأمة الإسلامية بجميع مذاهبها على وجوب معرفة أهل البيت عليهم السّلام، كما برهن عليه مفصلا السيد المرتضى في رسائله (1).

و في الروايات الشريفة إشارة واضحة لذلك فعن أمير المؤمنين علي عليه السّلام قال:

«لا يدخل الجنة إلاّ من عرفهم و عرفوه» (2).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«لا يقبل اللّه أعمال العباد إلاّ بمعرفته(الإمام) (3).

و ليس المراد بمعرفتهم معرفة أسمائهم و أسماء آبائهم،كما لا يخفى على المتأمل،خاصة عندما تحدثنا الروايات ان بمعرفتهم نعرف اللّه تعالى،كما قال سيد الموحدين:«أنا باب حطة من عرفني و عرف حقي فقد عرف ربه» (4).

فمعرفة اسم الإمام يؤدي الى معرفة اللّه تعالى.

بل نجد ان أمير المؤمنين يصرح بأن المراد بمعرفتهم المعرفة الباطنية قال عليه السّلام:

«يا سلمان:إنه لا يستكمل أحد الايمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية...الى أن يقول:

يا سلمان:أولنا محمد و أوسطنا محمد و آخرنا محمد،فمن استكمل معرفتي فهو على الدين القيم.

ص: 55


1- -رسائل المرتضى:252/2.
2- -نهج البلاغة:212 الخطبة 152،و الكافي:184/1 ح 9.
3- -أصول الكافي:203/1 كتاب الحجة باب نادر جامع في فضل الإمامة ح 2.
4- -بحار الأنوار:258/26 باب جوامع مناقبهم من كتاب الإمامة.

يا سلمان:كنت أنا و محمد نورا واحدا من نور اللّه...»الى آخر الحديث (1).

و يشير الى ذلك أيضا ما ورد عن الإمام الصادق عليه السّلام:فعن المفضل قال:دخلت على الإمام الصادق عليه السّلام ذات يوم فقال لي:«يا مفضل هل عرفت محمدا و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام كنه معرفتهم»؟

قلت:يا سيدي ما كنه معرفتهم؟

قال:«يا مفضل من عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الأعلى».

قال:قلت:عرفني ذلك يا سيدي؟

قال:«يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق اللّه عزّ و جلّ و ذرأه و برأه،و أنهم كلمة التقوى و خزان السماوات و الأرضين و الجبال و الرمال و البحار،و علموا كم في السماء من نجم و ملك و وزن الجبال و كيل ماء البحار و أنهارها و عيونها،و ما تسقط من ورقة إلاّ علموها و لا حبة في ظلمات الأرض و لا رطب و لا يابس إلاّ في كتاب مبين،و هو في علمهم و قد علموا ذلك» (2).

فكل هذه الأمور تتوقف على معرفة الإمام و هذا يدل على أهمية و وجوب معرفة علم أئمة أهل البيت عليهم السّلام.

و إياك و الشك في ذلك فقد روى لنا سلمان عن أمير المؤمنين عليه السّلام قوله:

«يا سلمان إنّ الشاك في أمورنا و علومنا كالممتري في معرفتنا و حقوقنا» (3).

و عن الإمام الرضا عليه السّلام:«فو اللّه لا وصل الى حقيقة معرفتنا إلاّ من منّ اللّه بها عليه و ارتضيناه لنا وليا» (4).1.

ص: 56


1- -بحار الأنوار:1/26-3 باب نادر في معرفتهم ح 1.
2- -بحار الأنوار:116/26 ح 21 باب أنهم لا يحجب عنهم علم السماء و الأرض.
3- -ارشاد القلوب:416/2 فضائل الأئمة.
4- -الهداية الكبرى:299 باب 11.

ضرورة معرفة أهل البيت عليهم السّلام

و هناك آثار معنوية و مادية لمعرفة أهل بيت محمد صلّى اللّه عليه و اله،معرفة واقعية صحيحة،و قد جمعها الإمام الصادق عليه السّلام في إحدى خطبه جاء منها:

«فمن عرف من أمة محمد صلّى اللّه عليه و اله واجب حق إمامه،وجد طعم حلاوة ايمانه،و علم فضل طلاوة اسلامه،لأن اللّه نصب الإمام علما لخلقه،و جعله حجة على أهل مواده و عالمه و ألبسه تاج الوقار،و غشاه من نور الجبار،يمد بسبب الى السماء-الى أن قال:حجج اللّه و دعاته و رعاته على خلقه يدين بهديهم العباد و تستهل بنورهم البلاد و ينمو ببركتهم التلاد.

فليس يجهل حق هذا العالم إلاّ شقي و لا يجهده إلاّ غوي،و لا يصد عنه إلاّ جريّ على اللّه جل و علا» (1).

و في حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:«يا سلمان من عرفهم حق معرفتهم و اقتدى بهم فهو و اللّه منا،يرد حيث نرد و يسكن حيث نسكن...» (2).

و قريب منه عن أبي جعفر عليه السّلام (3).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:قال اللّه تعالى لموسى:«محمد و عترته فمن عرفهم و عرف حقهم جعلت[ه]عند الجهل علما،و عند الظلمة نورا،و أعطيته بعد السؤال واجبته قبل الدعاء (4).

«أين باب اللّه الذى منه يؤتي»«أين وجه اللّه الذي إليه يتوجه الأولياء» (5).

ص: 57


1- -أصول الكافي:203/1-205 كتاب الحجة باب نادر في فضل الإمام ح 2.
2- -إلزام الناصب:333/2 آيات الرجعة.
3- -بصائر الدرجات:63 الجزء الثاني ح 10.
4- -مشارق أنوار اليقين:149.
5- -من دعاء الندبة للإمام المهدي(عج)و الروايات في مضمون هذا الدعاء كثيرة راجع بصائر الدرجات:61 باب في الأئمة أنهم حجة اللّه.

فكيف نريد أن نتقرب بوجوه لا نعرفها و أبواب لا نعرفها و أبواب لا نهتدي إليها!!

و بذلك صرح الإمام الصادق عليه السّلام:«و بعبادتنا عبد اللّه و لولانا ما عبد اللّه» (1).

«نحن الأسماء الحسنى الذين لا يقبل اللّه عملا إلاّ بمعرفتنا» (2).

و قال الإمام الباقر عليه السّلام: أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ نحن السبيل فمن ابى فهذه السبل» (3).

و من الآثار التي تكشف ضرورة معرفة أهل البيت عليهم السّلام و معرفة كنه علومهم ما ورد من توقف العبادة عليهم لما يأتي أنهم الوسائط بيننا و بين اللّه تعالى كحديث:

«نحن فيما بينكم و بين اللّه» (4).

و حديث:«واسطة على سبيل هداة لا يهتدي هاد إلاّ بهداهم» (5).

فلا يستطيع الإنسان أن يتقرب إلاّ بعد معرفة الأسباب و الوسائط.

و ورد:بالباء ظهر الوجود،و بالنقطة تميز العابد عن المعبود» (6).

و ورد عن بعض العارفين:«ما رأيت شيئا إلاّ و رأيت الباء عليه مكتوبة» (7).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«أنا النقطة تحت الباء» (8).

و من المهم تفصيل هذه الآثار كما جاءت في الروايات.7.

ص: 58


1- -الكافي:193/1،و بحار الأنوار:20/2،و بصائر الدرجات:61 و 64.
2- -الكافي:144/1.
3- -بحار الأنوار:13/24.
4- -أصول الكافي:265/1 ح 1،و الوسائل:91/18 ح 33375.
5- أصول الكافي:198/1.
6- -شرح دعاء السحر:64،و جامع الاسراء:563 ح 1163 و نسبه لابن عربي.
7- -جامع الاسراء:701.
8- -شرح دعاء السحر:64،و جامع الاسراء:563 و 411 ح 1163-823،و الأنوار النعمانية:/1 47.

آثار معرفة أهل البيت عليهم السلام

1-عدم الظلم للنفس:

عن سالم قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ قال:«السابق بالخيرات الإمام و المقتصد العارف للإمام و الظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام» (1).

و عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام إنه سئل عن قول اللّه عزّ و جلّ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ فقال:«الظالم يحوم (2)حوم نفسه و المقتصد يحوم حرم قلبه و السابق يحوم حوم ربه عز و جل» (3).

و عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام قال:سألته عن قول اللّه عزّ و جل ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ فقال:«الظالم منا من لا يعرف حق الإمام و المقتصد العارف بحق الإمام سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ هو الإمام جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يعني المقتصد و السابق» (4).

ص: 59


1- -الكافي:214/1 ح 1.
2- -حام الطائر حول الماء حوما فإذا دار به طلبه(المصباح المنير)هامش المخطوط.
3- -معاني الأخبار:1/104.
4- -معاني الأخبار:2/104.

2-المرور على الصراط:

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال:حدّثنا عبد الرّحمن بن محمد الحسيني قال:حدّثنا أبو جعفر أحمد بن عيسى بن أبي مريم العجلي قال:حدّثنا محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن زياد العرزمي قال:حدّثنا علي بن حاتم المنقري عن المفضل ابن عمر قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصراط قال:«هو الطريق إلى معرفة اللّه عزّ و جل و هما صراطان:صراط في الدنيا،و صراط في الآخرة،فأما الصراط في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا و اقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة و من لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن صراط في الآخرة فتردّى في نار جهنم» (1).

3-أصبح من أهل البيت:

عن أبي المعزا عن أبي بصير عن أبي خيثمه عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سمعته يقول:

«نحن جنب اللّه و صفوته و نحن خيرته و نحن مستودع مواريث الأنبياء،و نحن امناء اللّه و نحن حجة اللّه و نحن أركان الإيمان و نحن دعائم الإسلام و نحن من رحمة اللّه على خلقه،و نحن الذين بنا يفتح[اللّه]و بنا يختم،و نحن أئمة الهدى و نحن مصابيح الدجى، و نحن منار الهدى و نحن السّباقون و نحن الآخرون،و نحن العلم المرفوع للخلق من تمسّك بنا لحق و من تخلف عنها غرق،و نحن قادة الغر المحجلين و نحن خيرة اللّه و نحن الطريق و الصراط المستقيم إلى اللّه،و نحن نعمة اللّه على خلقه و نحن المنهاج و نحن معدن النبوة و نحن موضع الرسالة و نحن الذين إلينا مختلف الملائكة و نحن السراج لمن استضاء بنا،و نحن السبيل لمن اقتدى بنا و نحن الهداة إلى الجنة و نحن عز

ص: 60


1- -معاني الأخبار:/32ح 1.

الإسلام و نحن المحسودون و نحن القناطر من مضى عليها لم يسبق و من تخلف عنها محق،و نحن السنام الأعظم و نحن الذين بنا تنزل الرحمة و بنا تسقون الغيث و نحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب،فمن عرفنا و نصرنا و عرف حقّنا و أخذ بأمرنا فهو منّا و إلينا» (1).

4-كان معهم في السنام الاعلى:

الشيخ الطوسي في كتاب مصابيح الأنوار بإسناده عن رجاله مرفوعا إلى المفضل بن عمر قال دخلت على الصادق عليه السّلام ذات يوم فقال لي:«يا مفضل عرفت محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين:كنه معرفتهم»قلت:يا سيدي و ما كنه معرفتهم؟قال:«يا مفضل تعلم أنهم في طير عن الخلايق بجنب الروضة الخضرا فمن عرفهم كنه معرفتهم كان معنا في السنام الاعلى»قال:قلت:عرّفني ذلك يا سيدي،قال:

«يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق اللّه عزّ و جلّ و ذرأه و برأه و أنهم كلمة التقوى و خزناء السماوات و الأرضين و الجبال و الرمال و البحار،و عرفوا كم في السماء نجم و ملك،و وزن الجبال و كيل ماء البحار و أنهارها و عيونها و ما تسقط من ورقة إلاّ علموها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (2)و هو في علمهم و قد علموا ذلك»فقلت:يا سيدي قد علمت ذلك و أقررت به و آمنت قال:«نعم يا مفضل يا مكرم نعم يا طيّب نعم يا محبور،طبت و طابت لك الجنّة و لكل مؤمن بها» (3).

ص: 61


1- -فرائد السمطين:/253/2ب /48ح 523.
2- -الأنعام:59.
3- -مدينة المعاجز:129/2،و مشارق أنوار اليقين:55.

أثر معرفة أهل البيت عند الموت

تهوين سكرات الموت:

الحديث الخامس:ابن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن حماد ابن عثمان عن عيسى بن السّري قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:حدثني عما بنيت عليه دعائم الإسلام إذا أخذت بها زكى عملي و لم يضرني جهل ما جهلت بعده؟فقال:«شهاده أن لا إله الا اللّه و أن محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الإقرار بما جاء به من عند اللّه،و حق في الأموال من الزكاة،و الولاية التي أمر اللّه بها ولاية آل محمد صلىّ اللّه عليه و اله فإن رسول اللّه قال:من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية،قال اللّه عزّ و جل: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فكان علي عليه السّلام ثم صار من بعده حسن ثم حسين ثم من بعده علي بن الحسين ثم من بعده محمد بن علي ثم هكذا يكون الأمر،إن الأرض لا تصلح إلا بإمام،و من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية،و أحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه ههنا-و أهوى بيده إلى صدره-يقول حينئذ:لقد كنت على أمر حسن» (1).

ص: 62


1- -اصول الكافي 21/2 ح 9 باب دعائم الإسلام.

آثار عدم معرفة أهل البيت

1-الشقاء:

عن إسحاق بن غالب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة عليهم السّلام و صفاتهم:«إن اللّه عزّ و جل أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه و أبلج بهم عن سبيل منهاجه،و منح بهم-في نسخة:و فتح بهم-عن باطن ينابيع علمه،فمن عرف من امة محمد صلّى اللّه عليه و اله و أحب حق إمامته وجد طعم حلاوة إيمانه....الى أن قال:

رضي اللّه به إماما لهم استودعه سره و استحفظه علمه و استخبأه حكمته و استرعاه لدينه و انتدبه لعظيم أمره و أحيا به مناهج سبيله و فرائضه و حدوده،فقام بالعدل عند تحير أهل الجهل و تحيير أهل الجدل،بالنور الساطع و الشفاء النافع بالحق الأبلج و البيان اللائح من كل مخرج على طريق المنهج الذي مضى عليه الصادقون من آبائه عليهم السّلام فليس يجهل حق هذا العالم إلاّ شقي،و لا يجحده إلاّ غوي،و لا يصد عنه إلاّ جري على اللّه جلّ و علا» (1).

2-زلّة قدمه عن الصراط:

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال:حدّثنا عبد الرّحمن بن محمد الحسيني قال:حدّثنا أبو جعفر أحمد بن عيسى بن أبي مريم العجلي قال:حدّثنا محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن زياد العرزمي قال:حدّثنا علي بن حاتم المنقري عن

ص: 63


1- -الكافي:205/1-203 ح 2.

المفضل ابن عمر قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصراط قال:«هو الطريق إلى معرفة اللّه عزّ و جل و هما صراطان:صراط في الدنيا،و صراط في الآخرة،فأما الصراط في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا و اقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة و من لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن صراط في الآخرة فتردّى في نار جهنم» (1).

3-عدم معرفة اللّه تعالى:

عن سليمان بن مهران عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يا علي أنت أخي و وارثي و وصي و خليفتي في أهلي و امتي في حياتي و بعد مماتي محبّك محبي و مبغضك مبغضي،يا علي أنا و أنت أبوا هذه الأمة،يا علي أنا و أنت و الأئمة من ولدك سادات في الدنيا و ملوك في الآخرة من عرفنا فقد عرف اللّه،و من أنكرنا فقد أنكر اللّه عزّ و جل» (2).

و عن ابن سنان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قال أمير المؤمنين في خطبة:أنا الهادي و أنا المهتدي و أنا أبو اليتامى و المساكين و زوج الأرامل،و أنا ملجأ كل ضعيف و مأمن كل خائف،و أنا قائد المؤمنين إلى الجنة و أنا حبل اللّه المتين،و أنا عروة اللّه الوثقى و كلمة اللّه التقوى،و أنا عين اللّه و لسانه الصادق و يده،و أنا جنب اللّه أن الذي يقول(أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب اللّه)،و أنا يد اللّه المبسوطة على عباده بالرحمة و المغفرة،و أنا باب حطة من عرفني و عرف حقي فقد عرف ربّه لأني وصي نبيّه في أرضه و حجته على خلقه لا ينكر هذا إلاّ رادّ على اللّه و على و رسوله.

ص: 64


1- -معاني الأخبار:/32ح 1.
2- -أمالي الصدوق:/754مجلس /94ح 6.

قال ابن بابويه عقيب هذا الحديث:الجنب الطاعة في لغة العرب يقال:هذا صغير في جنب اللّه أي في طاعة اللّه عزّ و جل قال اللّه عزّ و جل: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ (1)أي في طاعة اللّه عزّ و جل (2)

4-مات ميتة جاهلية:

تميم بن بهلول قال:حدّثنا عبد اللّه بن أبي الهذيل:و سألته عن الإمامة فيمن تجب؟و ما علامات من تجب له الإمامة؟فقال لي:إن الدليل على ذلك،و الحجة على المؤمنين،و القائم في أمور المسلمين،و الناطق بالقرآن،و العالم بالأحكام،أخو نبي اللّه صلّى اللّه عليه و اله،و خليفته على أمته،و وصيه عليهم،و وليه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى،المفروض الطاعة بقول اللّه عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (3)و قال جل ذكره: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (4)المدعو إليه بالولاية،المثبت له بالإمامة يوم غدير خم بقول الرسول صلّى اللّه عليه و اله عن اللّه عز و جل:«ألست أولى بكم من أنفسكم؟قالوا:بلى قال:فمن كنت مولاه فعلي مولاه،اللهم وال من والاه،و عاد من عاداه،و انصر من نصره،و اخذل من خذله،واعن من أعانه؛ذاك علي بن أبي طالب أمير المؤمنين،و إمام المتقين،و قائد الغر المحجلين،و أفضل الوصيين،و خير الخلق أجمعين بعد رسول رب العالمين،و بعده الحسن،ثم الحسين سبطا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إبنا خيرة النسوان،ثم علي بن الحسين،ثم محمد بن علي،ثم جعفر بن محمد،ثم موسى بن جعفر،ثم علي بن موسى،ثم محمد بن علي،ثم علي بن محمد،ثم الحسن بن

ص: 65


1- -الزمر:56.
2- -معاني الأخبار:/17ح 14.
3- -النساء:59.
4- -المائدة:55.

علي،ثم محمد بن الحسن صلوات اللّه عليهم،إلى يومنا هذا واحدا بعد واحد،إنهم عترة الرسول صلّى اللّه عليه و اله معروفون بالوصية و الإمامة في كل عصر و زمان،و كل وقت و أوان، و إنهم العروة الوثقى و أئمة الهدى،و الحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها،و إن كل من خالفهم ضال مضل تارك للحق و الهدى،و إنهم المعبرون عن القرآن،و الناطقون عن الرسول صلّى اللّه عليه و اله بالبيان،و إن من مات و لا يعرفهم مات ميتة جاهلية،و إن فيهم الورع و العفة و الصدق و الصلاح و الاجتهاد،و أداء الأمانة إلى البر و الفاجر،و طول السجود و قيام الليل،و اجتناب المحارم،و انتظار الفرج بالصبر و حسن الصحبة،و حسن الجواب» (1).1.

ص: 66


1- -كمال الدين:336/2-337،عيون أخبار الرضا:44/1.

نور الحسين بن علي عليهما السلام

قال السيد الخامنئي:إنّ التشبّه بالأكابر و الانتساب إلى الأولياء من عمل أذكياء العالم.كل امرء يبحث عن أسوة له.لكن التوفيق لا يحالف الجميع في انتهاج منهج الصواب عند البحث عن الأسوة.

لو سألت بعض الأشخاص في هذا العالم عن الشخصية التي أثارت انتباهه و اجتذبته إليها،تجده يقتفي أثر أناس وضيعين و تافهين أمضوا أعمارهم في عبودية هوى النفس و لا يتقنون سوى ما يغتر به المغفّلون و هو لا يتعدي إلهاء بعض السذّج و الغافلين فتصبح أمثال هذه الشخصيات قدوات للناس العاديين في هذا العالم.

البعض يقتدي بشخصيات سياسية و تاريخية و ما شابه ذلك و يتخذها أسوة له.

لكن أذكى الناس من يتخذ أولياء اللّه أسوة و قدوة له؛لأنّ من أبرز الخصائص التي يتسم بها أولياء اللّه إنهم على درجة من الشجاعة و القوة و الاقتدار بحيث يصبحون أسيادا على نفوسهم لا عبيد أذلاء لها.

ينسب إلى أحد الفلاسفة و الحكماء القدماء أنه قال للإسكندر المقدوني:أنت عبد عبدي.

فتعجب الإسكندر من قوله و غضب عليه.قال له:لا تغضب؛فأنت عبد شهوتك و غضبك؛إذا طلبت شيئا أو غضبت،اضطربت و لم تصبر،و هذه عبودية للشهوة و الغضب،أما أنا فسخّرتهما حتى صارا عبدين لي.

قد تكون هذه القصة حقيقية،و قد لا تكون كذلك.إلاّ أنّها صحيحة بالنسبة

ص: 67

لأولياء اللّه و الأنبياء عليهم السّلام،و معالم طريق الهداية الإلهية للبشرية،و من الأمثلة عليها يوسف،و ابراهيم،و موسى عليهم السّلام.

و هناك أمثلة متعددة لذلك في حياة أولياء اللّه،و أذكى الناس هو من يتخذ هؤلاء الأكابر و هذه الشخصيات الشجاعة المقتدرة أسوة،و يكسبون لأنفسهم عن هذا الطريق أسباب الاقتدار و العظمة باطنيا و معنويا.

و توجد بين هؤلاء الأولياء و الأكابر شخصيات مميزة.

و لا شكّ أنّ أبا عبد اللّه الحسين عليه الصلاة و السلام من أبرز هذه الشخصيات.

حقا يجب القول أنّ نور الحسين بن علي عليه السّلام يسطع كالشمس لا علينا نحن الناس الترابيين الصغار فحسب بل و على كل عوالم الوجود و أرواح الأولياء و الأكابر، و الملائكة المقربين عليه السّلام،و على جميع عوالم الوجود المتداخلة في بعضها، المعروفة أو المجهولة بالنسبة لنا.

و من مشى في هدي نور هذه الشمس فقد جاء بعمل كبير سام (1).

عن ابن خالويه يرفعه إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاري،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«إن اللّه عزّ و جلّ خلقني،و خلق عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين من نور واحد،فعصر ذلك النور عصرة فخرج منه شيعتنا فسبّحنا فسبّحوا،و قدّسنا فقدّسوا و هلّلنا فهلّلوا،و مجّدنا فمجّدوا،و وحّدنا فوحّدوا،ثمّ خلق اللّه السماوات و الأرض و خلق الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحا و لا تقديسا،فسبّحنا فسبّحت شيعتنا، فسبّحت الملائكة-و كذا في البواقي-فنحن الموحّدون حيث لا موحّد غيرنا،و حقيق على اللّه عزّ و جلّ كما اختصّنا و شيعتنا أن يزلفنا و شيعتنا في أعلى علّيين،إن اللّه اصطفانا و اصطفى شيعتنا من قبل أن نكون أجساما،فد عانا فأجبناه،فغفر لنا و لشيعتنا من قبل أن8.

ص: 68


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:8.

نستغفر اللّه» (1).

هذه رواية من مجموعة روايات تثبت نور الإمام الحسين عليه السلام و وجوده في عالم الأنوار و عبادته لله في ذلك العالم،فينبغي تقديم بيان يمهد لذلك ثم نعرض بقية الروايات،فنقول:

تمهيد:

آيات عالم الأنوار

اشارة

*الآية الاولى قوله تعالى: لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ،وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ... ...وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ (2).

و قد سأل المفضل الإمام الصادق عليه السّلام عن دليل وجودهم في عالم الأظلة فقرأ الإمام الصادق عليه السّلام هذه الآيات: لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ،وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ .

و قال عليه السّلام:«و يحك يا مفضل،ألستم تعلمون أنّ من في السماوات هم الملائكة، و من في الأرض هم الجان و البشر و كل ذي حركة.

فمن الذين فيهم و من عنده تعالى الذين قد خرجوا من جملة الملائكة!!».

قال المفضل:من تقول يا مولاي؟

ص: 69


1- -المحتضر:127،بحار الأنوار:10/15،شرح الزيارة الجامعة للسيّد عبد اللّه شبر:42.
2- -الأنبياء:19-28-29.

قال الإمام عليه السلام:«يا مفضل و من؟نحن الذين كنا و لا كون قبلنا،و لا حدوث سماء و لا أرض و لا ملك و لا نبي و لا رسول» (1).

*أقول:الروايات متواترة في وجودهم و عبادتهم في عالم الأظلة-تقدمت و تأتي-بل الكتاب هذا معدّ لذكرها،انما ما جئنا به هنا لتفسير الآية فقط.

*الآية الثانية قوله تعالى:

قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (2) .

و تأتي أحاديث أن محمدا و آل محمد عليهم السّلام أول من عبدوا اللّه تعالى على بسيط الحقيقة،و أنهم هم الذين علّموا الملائكة التسبيح و التقديس.

كالمروي عن الامام الباقر عليه السّلام قال:«يا جابر ان اللّه أول ما خلق خلق محمدا و عترته الهداة المهتدين،فكانوا أشباح نور بين يدي اللّه تعالى.

قلت:و ما الاشباح؟

قال عليه السّلام:ظل النور أبدان نورانية بلا أرواح،و كان مؤيدا بروح واحدة،و هي روح القدس،فبه كان يعبد اللّه،و عترته،و لذلك خلقهم حلماء..» (3).

*الآية الثالثة قوله تعالى:

وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ (4) .

و جاء في تفسيرها أنه كان ينتقل نوره من ساجد الى ساجد (5).

ص: 70


1- -الهداية الكبرى:433 ذيل الكتاب.
2- -الزخرف:81.
3- -اصول الكافي:442/1 مولد النبي من ابواب التاريخ ح 10.
4- -الشعراء:219.
5- -الطبقات الكبرى:22/1،و الشفا:15/1،و تاريخ الخميس:234/1.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لم أزل انقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات» (1).

*الآية الرابعة قوله تعالى:

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (2) .

قال جابر الجعفي:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن تأويلها فقال:يا جابر أما السنة فهي جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و شهورها اثنى عشر شهرا،فهو أمير المؤمنين و اليّ و إلى ابني جعفر و ابنه موسى و ابنه علي و ابنه محمد و ابنه علي،و إلى ابنه الحسن،و إلى ابنه محمد الهادي المهدي،إثنا عشر إماما حجج اللّه في خلقه و امناؤه على وحيه و علمه.

و الاربعة الحرم الذين هم الدين القيم،أربعة منهم يخرجون باسم واحد:علي أمير المؤمنين و أبي علي بن الحسين و علي بن موسى و علي بن محمد،فالاقرار بهؤلاء هو الدين القيم و لا تظلموا فيهن أنفسكم،أي قولوا بهم جميعا تهتدوا» (3).

*و في رواية الامام الصادق عليه السّلام قال:يا داود أتدري متى كتب هذا؟

قلت:اللّه و رسوله و أنتم أعلم.

قال:قبل أن يخلق اللّه آدم بألفي عام.

و نحوه عن الامام الكاظم عليه السّلام (4).

ص: 71


1- -المواهب اللدنية:91/1-92 ذكر رضاعه.
2- -التوبة:36.
3- -غيبة الشيخ:96،و الزام الناصب:65/1،و تفسير نور الثقلين:215/2 ح 140،و الهداية الكبرى:377.
4- -عوالم العلوم:274/15 و 285،و مناقب آل أبي طالب:307/1 فصل في النكت و الاشارات،و غيبة النعماني:87 ح 18،و البحار:243/24 ح 14 و 410/36.
*الآية الخامسة قوله تعالى:

يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (1) .

فروي عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام في الآية:«البرهان محمد صلّى اللّه عليه و اله و النور علي عليه السّلام» (2).

*الآية السادسة قوله تعالى:

وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ (3) .

قال الامام الصادق عليه السّلام في الآية:«النور في هذا الموضع أمير المؤمنين و الائمة عليهم السّلام» (4).

و قريب منه عن الامام الباقر عليه السّلام قال:«النور علي عليه السّلام» (5).

*الآية السابعة قوله تعالى:

فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا (6) .

فعن الامام الباقر عليه السّلام:«النور و اللّه الائمة من آل محمد صلّى اللّه عليه و اله الى يوم القيامة هم و اللّه نور اللّه الذي أنزل،هم و اللّه نور اللّه في السموات و الارض» (7).

ص: 72


1- -المائدة:174.
2- -تفسير نور الثقلين:579/1 ح 700.
3- -الاعراف:157.
4- تفسير نور الثقلين:83/2 ح 300.
5- -تفسير نور الثقلين:85/2 ح 304.
6- -التغابن:8.
7- -تفسير نور الثقلين:341/5 ح 14 و 15.

و عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«و الامامة هي النور و ذلك قوله عز و جل فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا قال:النور هو الامام» (1).6.

ص: 73


1- -تفسير نور الثقلين:341/5 ح 16.

روايات عالم الأنوار

تحدثنا الأخبار المستفيضة أن أهل بيت محمد صلوات اللّه عليهم كانوا أنوارا حول عرش اللّه قبل أن يخلق الخلق جميعا حتى الملائكة،و اليك بعضها:سئل الإمام الصادق عليه السّلام ما كنتم قبل ان يخلق اللّه السموات و الأرض؟

قال عليه السّلام:«كنا أنوارا حول عرش اللّه نسبّح اللّه و نقدّسه حتى خلق اللّه الملائكة فقال لهم:سبّحوا،فقالوا:يا ربنا لا علم لنا.فقال لنا:سبّحوا،فسبّحنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا،إلاّ أنّ خلقنا من نور اللّه» (1).

و في الزيارة الجامعة المشهورة:«خلقكم اللّه أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين حتى منّ علينا بكم،فجعلكم في بيوت أذن اللّه ان ترفع و يذكر فيها اسمه...».

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام صلوات اللّه عليه:«لما أراد اللّه أن ينشيء المخلوقات و يبدع الموجودات أقام الخلائق في صورة قبل دحو الأرض و رفع السموات،ثم أفاض نورا من نور عزّه فلمع قبسا من ضيائه و سطع،ثم اجتمع في تلك الصورة و فيها هيئة نبينا صلّى اللّه عليه و اله فقال له تعالى:أنت المختار و عندك مستودع الأنوار،و أنت المصطفى المنتخب الرضاء المنتجب المرتضى،من أجلك أضع البطحاء،و أرفع السماء،و أجري الماء،و أجعل الثواب و العقاب،و الجنة و النار،و أنصب أهل بيتك علما للهداية،و أودع أسرارهم من سري بحيث لا يشكل عليهم دقيق،و لا يغيب عنهم

ص: 74


1- -اثبات الوصية:153،و بحار الأنوار:21/25 ح 34 باب بدء خلقهم،و الفردوس بمأثور الخطاب:283/3 ح 4851 مختصرا.

خفي،و أجعلهم حجتي على بريتي،و المنبهين على قدري،و المطّلعين على أسرار خزائني(و أسكن قلوبهم أنوار عزتي،و أطلعهم على معادن جواهر خزائني).

ثم أخذ الحق سبحانه عليهم الشهادة بالربوبية،و الإقرار بالوحدانية،و أن الإمامة فيهم،و النور معهم.(الى أن قال بعد ذكر بقية الخلق):

ثم بيّن لآدم حقيقة ذلك النور،و مكنون ذلك السّر،فلما حانت أيامه أودعه شيئا، و لم يزل ينقل من الأصلاب الفاخرة الى الأرحام الطاهرة،الى أن وصل الى عبد المطلب،ثم الى عبد اللّه،ثم الى نبيه صلّى اللّه عليه و اله،فدعا الناس ظاهرا و باطنا و ندبهم سرا و علانية،و استدعى الفهوم الى قيام بحقوق ذلك السر اللطيف،و ندب العقول الى الاجابة لذلك المعنى المودع في الذّر قبل النسل.

فمن وافقه قبس من لمحات ذلك النور و اهتدى الى السرّ،و انتهى الى العهد المودع في باطن الامر و غامض العلم،و من غمرته الغفلة و شغلته المحنة استحق البعد،ثم لم يزل ذلك النور ينتقل فينا و يتشعشع في غرائزنا،فنحن أنوار السموات و الأرض،و سفن النجاة،و فينا مكنون العلم،و إلينا مصير الأمور،و بمهدينا تقطع الحجج؛فهو خاتم الأئمة،و منقذ الامة،و منتهى النور،و غامض السر،فليهن من استمسك بعروتنا و حشر على محبتنا» (1).

و روى شعبة(و سعد بن الحجاج)عن هشام بن يزيد و الشيخ المفيد يرفعه اليه:

قال:«كنت أنا و أبو ذر و سلمان و زيد ابن أرقم عند النبي صلّى اللّه عليه و اله و ساق الحديث:

الى أن قال صلىّ اللّه عليه و اله:«خلقني اللّه تبارك و تعالى و أهل بيتي من نور واحد قبل ان يخلق آدم بسبعة آلاف عام،ثم نقلنا إلى صلب آدم ثم نقلنا من صلبه في أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات.ة.

ص: 75


1- -تذكرة الخواص:121-122 الباب السادس-خطبة في مدح النبي و الائمة،و مروج االذهب: 17/1-18 ط.مصر و 43-44 ط.بيروت-باب ذكر المبدأ و شأن الخليقة.

فقلت:يا رسول اللّه فأين كنت و على أي مثال كنتم؟

قال صلّى اللّه عليه و اله:كنا أشباحا من نور تحت العرش نسبّح اللّه تعالى و نحمده.

ثم قال صلّى اللّه عليه و اله:لما عرج بي إلى السماء،و بلغت سدرة المنتهى و دعني جبرائيل عليه السّلام،فقلت:حبيبي جبرئيل أفي هذا المقام تفارقني.

فقال يا محمد:إني لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتي.

ثم زجّ بي في النور ما شاء اللّه،فأوحى اللّه اليّ:يا محمد اني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيا،ثم اطلعت ثانيا فاخترت منها عليا فجعلته وصيك و وارث علمك و الإمام بعدك،و أخرج من أصلابكما الذرية الطاهرة و الأئمة المعصومين خزّان علمي،فلولاكم ما خلقت الدنيا و لا الآخرة و لا الجنة و لا النار، يا محمد أتحب أن تراهم؟قلت:نعم يا رب؟

فنوديت يا محمد إرفع رأسك،فرفعت رأسي فأذا أنا بأنوار علي و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و الحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري.

فقلت:يا رب من هؤلاء و من هذا؟

قال عزّت الاؤه:يا محمد هم الأئمة بعدك المطهرون من صلبك،و هو الحجة الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا و يشفي صدور قوم مؤمنين.

قلنا:بآبائنا و امهاتنا أنت يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لقد قلت عجبا.

فقال صلّى اللّه عليه و اله:و أعجب من هذا إن قوما يسمعون مني هذا ثم يرجعون على أعقابهم بعد اذ هداهم اللّه و يؤذوني فيهم لا أنالهم اللّه شفاعتي» (1).ه.

ص: 76


1- -كفاية الاثر:70-71-73،و بحار الأنوار:301/36 و 302 و 303،و ارشاد القلوب:/2 415-417 في فضل محمد و أوصيائه.

و بالاسناد الى أنس بن مالك قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:لما عرج بي إلى السماء رأيت على ساق العرش مكتوبا:لا اله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه،أيدته بعلي و نصرته، و رأيت اثني عشر إسما بالنور فيهم علي بن أبي طالب و سبطي و بعدهما تسعة اسماء عليا عليا ثلاث مرات،و محمد محمد مرتين،و جعفر و موسى و الحسن و الحجة يتلألأ من بينهم.

فقلت:يا رب أسامي من هؤلاء؟

فناداني ربي جلّ جلاله:هم الاوصياء من ذريتك بهم اثيب و أعاقب» (1).

و روي عن عبد اللّه بن أبي و قاص قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لما خلق اللّه ابراهيم الخليل كشف اللّه عن بصره فنظر إلى جانب العرش فرأى نورا.

فقال:إلهي و سيدي ما هذا النور؟

قال عزّت الآؤه:يا إبراهيم هذا محمد صفيي.

فقال:إلهي و سيدي أرى إلى جانبه نورا آخر؟

فقال تعالى:يا إبراهيم هذا علي ناصر ديني.

فقال:إلهي و سيدي أرى إلى جانبهما نورا ثالثا.

قال سبحانه:يا إبراهيم هذه فاطمة تلي أباها و بعلها فطمت محبيها من النار.

قال:الهي و سيدي أرى نورين يليان الثلاثة الأنوار.

قال تعالى:يا إبراهيم هذان الحسن و الحسين يليان أباهما وجدهما و أمهما.

فقال:إلهي و سيدي أرى تسعة أنوار أحدقوا بالخمسة الأنوار.

قال عزت الآؤه:يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولدهم.

فقال:إلهي و سيدي فبمن يعرفون؟

قال تعالى:يا ابراهيم أولهم علي بن الحسين و محمد ولد علي و جعفر ولد محمد6.

ص: 77


1- -كفاية الاثر:74،و رواه في البحار:310/36.

و موسى ولد جعفر و علي ولد موسى و محمد ولد علي و علي ولد محمد و الحسن ولد علي و محمد ولد الحسن القائم المهدي» (1).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة اللؤلؤة:

قال:و لقد قال النبي صلّى اللّه عليه و اله لما عرج بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش فإذا فيه مكتوب:لا اله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه أيدته بعلي و نصرته بعلي،و رأيت اثنى عشر نورا.

فقلت:يا رب من هذه؟

فنوديت:يا محمد هذه أنوار الأئمة من ذريتك.

قلت:يا رسول اللّه أفلا تسميهم لي؟

قال صلّى اللّه عليه و اله:نعم،انت الإمام و الخليفة بعدي تقضي ديني و تنجز عداتي،و بعدك ابناك الحسن و الحسين،بعد الحسين ابنه علي زين العابدين،و بعده ابنه محمد يدعى بالباقر،و بعد محمد ابنه جعفر يدعى بالصادق،و بعد جعفر ابنه موسى يدعى بالكاظم و بعد موسى ابنه علي يدعى بالرضا و بعد علي ابنه محمد يدعى بالزكي و بعد محمد ابنه علي يدعى بالنقي و بعد علي ابنه الحسن يدعى بالأمين و القائم من ولد الحسن سميي و أشبه الناس بي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما» (2).

هذه جملة من روايات كون أهل البيت نورا بين يدي اللّه،و هناك روايات أخرى كثيرة تفيد نفس المعنى و المضمون أغمضنا عن ذكرها بغية الاختصار (3).

ص: 78


1- -الفضائل لابن شاذان:158،و بحار الأنوار:213/36 و المتن من بحار الأنوار لأصحيته،و إلزام الناصب:86/1،و عوالم العلوم:75/15.
2- -كفاية الاثر:217 و 218،و بحار الأنوار:355/36 و 356 ح 225 و 329/41 ح 50.
3- -يراجع بحار الأنوار:1/25 الى 33 فقد ذكر قريب الاربعين حديثا،و الطرائف:15/1،و أصول الكافي:439/1 باب مولد النبي،و بصائر الدرجات:73-84،و مختصر بصائر الدرجات:116 و تفسير فرات الكوفي:207،و معاني الاخبار:396،و ميزان الحكمة:229/10،و كشف الغطاء: 7،و الهداية الكبرى:100.

و عن المفضل في حديث طويل مع الإمام الصادق عليه السّلام جاء فيه:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة له:الحمد للّه مدهر الدهور و قاضي الامور و مالك يوم النشور، الذي كنا بكينونيته قبل الحلول في التمكين،ناسبين غير متناسبين،أزليين لا موجودين و لا محدودين،منه بدونا و اليه نعود،لان الدهر فينا قسمت حدوده و لنا أخذت عهوده، و الينا ترد شهوده.الى أن قال عليه السّلام:

نحن القدرة و نحن الجانب و نحن العروة الوثقى،محمد العرش عرش اللّه على الخلائق،و نحن الكرسي و أصول العلم...أنا باب المقام و حجة الخصام و دابة الأرض و فصل القضا و صاحب العصا و سدرة المنتهى و سفينة النجاة».

فقال الإمام الصادق عليه السّلام للمفضل شارحا لهذه الخطبة:«نعم،يا مفضل الذي كنا بكينونته في القدم و الازل هو المكون و نحن المكان،و هو المنشيء و نحن الشيء،هو الخالق و نحن المخلوقون،هو الرب و نحن المربوبون،هو المعنى و نحن أسماؤه المعاني،هو المحتجب و نحن حجبه قبل الحلول في التمكين....الى أن قال عليه السّلام:

«لا متناسلين ذوات أجسام و لا صور و لا مثال إلاّ أنوار نسمع اللّه ربنا و نطيع، يسبح نفسه فنسبحه،و يهللها فنهلله،و يكبرها فنكبره و يقدسها فنقدسه، و يمجدها فنمجده في ستة أكوان منها ما شاء اللّه من المدة.و قوله أزليين لا موجودين،و كنا أزليين قبل الخلق لا موجودين أجسام و لا صور» (1).

و تؤيد هذه الطائفة بما روي أن من أجلهم خلق اللّه الخلق.

فعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:يا علي لولا نحن ما خلق اللّه لا آدم و لا حواء و لا الجنة و لاب.

ص: 79


1- -الهداية الكبرى:433-435 ذيل الكتاب.

النار و لا السماء و لا الأرض» (1).

و الروايات في ذلك كثيرة فلتراجع (2).و هو اعتقاد الامامية (3).

*و كذلك يؤيد هذه الطائفة ما ورد من توسل الأنبياء بهم عليهم السّلام و اليك بعضها:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في ذكر توسل قس بن ساعده:

«اللهم رب السموات(السبعة)الارفعة و الأرضين الممرعة،بحق محمد و الثلاثة المحاميد معه،و العليين الأربعة،و فاطم و الحسنين الأبرعة،و جعفر و موسى التبعة، سمي الكليم الصرعة(و الحسن ذي الرفعة)،أولئك النقباء الشفعة و الطريق المهيعة، راسة(درسة)الأناجيل(و حفظة التنزيل)،و حماة الأضاليل،و نفاة الأباطيل، الصادقون في القيل،عدد نقباء بني اسرائيل،فهم أول البداية،و عليهم تقوم الساعة، و بهم تنال الشفاعة،و لهم من اللّه فرض الطاعة،اسقنا غيثا مغيثا» (4).

و من ذلك ما روي عن معمّر عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:«أتى يهودي النبي صلّى اللّه عليه و اله فقام بين يديه يحد النظر،فقال:يا يهودي ما حاجتك؟

قال:أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلّمه اللّه و أنزل عليه التوراة و العصا و فلق له البحر و أظلّه بالغمام؟.

فقال له النبي صلّى اللّه عليه و اله:إنّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه،و لكني أقول:

إن آدم عليه السّلام لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال:«اللهم إني أسألك بحقن.

ص: 80


1- -كمال الدين:254 باب نص الرسول على القائم.
2- -كفاية الاثر:72-296،و كمال الدين:254/1 باب 23،و ينابيع المودة:582/2،و فضائل ابن شاذان:128،و بحار الأنوار:12/26-267-273-297 و:302/36،و مناقب الخوارزمي: 318،و عيون الاخبار:205-239،و روضة الواعظين:84،و ارشاد القلوب:414/2،و فرائد السمطين:37/1.
3- -يراجع الاعتقادات للصدوق:93/5 باب 35.
4- -مناقب آل أبي طالب:287/1،و كنز الفوائد:257 رسالة البرهان في طول عمر صاحب الزمان.

محمد و آل محمد لما غفرت لي»فغفر اللّه له.

و أن نوحا عليه السّلام لما ركب في السفينة و خاف الغرق قال:«اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما أنجيتني من الغرق»فنجاه اللّه عنه.

و إن ابراهيم عليه السّلام لما القي في النار قال:«اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما نجيتني منها»فجعلها اللّه عليه بردا و سلاما.

و ان موسى عليه السّلام لما ألقى عصاه و أوجس في نفسه خيفة قال:«اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما آمنتني»فقال اللّه جل جلاله:«لا تخف إنك أنت الاعلى، يا يهودي إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي و بنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا.يا يهودي و من ذريتي المهدي اذا خرج نزل عيسى ابن مريم لنصرته و قدّمه و صلى خلفه» (1).

و عن الرضا عليه السّلام:«لما أشرف نوح على الغرق دعى اللّه بحقنا فدفع اللّه عنه الغرق،و لما رمي ابراهيم في النار دعى اللّه بحقنا فجعل اللّه النار عليه بردا و سلاما.

و ان موسى لما ضرب طريقا في البحر دعى اللّه بحقنا فجعلها يبسا.

و ان عيسى لما أراد اليهود قتله دعى اللّه بحقنا فنجّي من القتل فرفعه اليه» (2).

و منها ما روي عن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام.

قال:«إن اللّه تبارك و تعالى خلق الأرواح قبل الاجساد بألفي عام،فجعل أعلاها و أشرفها أرواح محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة بعدهم صلوات اللّه عليهم.-و ساق الحديث إلى أن قال عليه السّلام:قال جبرائيل لآدم و حواء:فسلا ربكما بحق الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما.

فقالا:«اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك:محمد و علي و فاطمة و الحسن16

ص: 81


1- -روضة الواعظين:272 مجلس في مناقب آل محمد.
2- -بحار الأنوار:325/26 و:366/16

و الحسين و الأئمة إلاّ تبت علينا و رحمتنا».

فتاب اللّه عليهما إنه هو التواب الرحيم (1).6.

ص: 82


1- -معاني الأخبار:110 باب معنى الامانة،و بحار الأنوار:172/11-174 و 322/26.

كيفية خلق نور الحسين و آله

اشارة

قال أمير الموحدين علي بن أبي طالب عليه السّلام:«إن اللّه تبارك و تعالى أحد واحد تفرد في وحدانيته،ثم تكلم بكلمة فصارت نورا،ثم خلق من ذلك النور محمدا صلّى اللّه عليه و اله و خلقني و ذريتي،ثم تكلم بكلمة فصارت روحا؛فأسكنه اللّه في ذلك النور و أسكنه في أبداننا،فنحن روح اللّه و كلماته،و بنا احتجب عن خلقه.

فما زلنا في ظلة خضراء حيث لا شمس و لا قمر،و لا ليل و لا نهار،و لا عين تطرف؛ نعبده و نقدسه و نسبّحه قبل أن يخلق خلقه،و أخذ ميثاق الأنبياء بالايمان و النصرة لنا» (1).

و في رواية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جاء فيها«اعلموا رحمكم اللّه،أن اللّه تقدست أسماؤه و جل ثناؤه كان و لا مكان و لا كون معه،و لا سواه أحد في فردانيتة،صمد في أزليته،مشيءّ لا شيء معه،فلما شاء أن يخلق خلقني بمشيئته و إرادته لي نورا ،و قال لي:«كن»،فكنت نورا شعشعانيا أسمع و أبصر و أنطق،بلا جسم و لا كيفية،ثم خلق مني أخي عليا،ثم خلق منا فاطمة،ثم خلق مني و من علي و فاطمة الحسن، و خلق منا الحسين،و منه ابنه علي،و خلق منه ابنه محمدا،و خلق منه ابنه جعفرا، و خلق منه ابنه موسى،و خلق منه ابنه عليا،و خلق منه ابنه محمدا،و خلق منه ابنه عليا،و خلق منه ابنه الحسن،و خلق منه ابنه سميّي و كنيّي و مهدي أمتي و محيي سنتي و معدن ملتي،و من وعدني أن يظهرني به على الدين كله و يحق به الحق

ص: 83


1- -بحار الأنوار:291/26 ح 51 من باب تفضيلهم على الأنبياء،و الأنوار النعمانية:99/2.

و يزهق به الباطل إن الباطل كان زهوقا،و يكون الدين كله واصبا.

فكنا أنوارا بأرواح و أسماع و أبصار و نطق و حسّ و عقل،و كان اللّه الخالق و نحن المخلوقون،و اللّه المكون و نحن المكونون،و اللّه الباريء و نحن البرية،موصولون لا مفصولون،فهلل نفسه فهللناه،و كبر نفسه فكبرناه،و سبح نفسه فسبحناه، و قدّس نفسه فقدسناه،و حمد نفسه فحمدناه،و لم يغيبنا و أنوارنا تتناجى و تتعارف مسمين متناسبين أزليين لا موجودين (1)،منه بدأنا و اليه نعود،نور من نور بمشيئته و قدرته،لا ننسى تسبيحه و لا نستكبر عن عبادته،ثم شاء فمد الأظلة و خلق الخلق؛ خلقا أطوارا ملائكة،و خلق الماء و الجان و عرّش عرشه على الأظلة،يبصرون و يسمعون و يعقلون فأخذ عليهم العهد و الميثاق ليؤمنن به...» (2).

و عن أبي سلمى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في حديث قدسي:«يا محمد إني خلقتك و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من شبح نور من نوري (3).

*أقول:هذا الروايات تنص أنهم كانوا أنوارا و أرواحا و أبدانا،يسمعون و يعقلون،و ما تقدم كان يشير الى وجود الروح و النور و الاشباح،فهل يراد بالأشباح الأبدان؟أم أن الأشباح جسم شفاف دون الأبدان؟!تأمل فيما يأتي.7.

ص: 84


1- -في قبال وجود اللّه تعالى.
2- -الهداية الكبرى:379-380.
3- -مائة منقبة:65 المنقبة 17.

نور الحسين عليه السلام يتألق

عن ابن خالويه يرفعه إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاري،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«إن اللّه عزّ و جلّ خلقني،و خلق عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين من نور واحد،فعصر ذلك النور عصرة فخرج منه شيعتنا فسبّحنا فسبّحوا،و قدّسنا فقدّسوا و هلّلنا فهلّلوا،و مجّدنا فمجّدوا،و وحّدنا فوحّدوا،ثمّ خلق اللّه السماوات و الأرض و خلق الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحا و لا تقديسا،فسبّحنا فسبّحت شيعتنا، فسبّحت الملائكة-و كذا في البواقي-فنحن الموحّدون حيث لا موحّد غيرنا،و حقيق على اللّه عزّ و جلّ كما اختصّنا و شيعتنا أن يزلفنا و شيعتنا في أعلى علّيين،إن اللّه اصطفانا و اصطفى شيعتنا من قبل أن نكون أجساما،فدعانا فأجبناه،فغفر لنا و لشيعتنا من قبل أن نستغفر اللّه» (1).

و روى الصدوق رحمه اللّه بإسناده عن أبي الحسن الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال:

قال:رسول اللّه؛أنا سيّد من خلق اللّه عزّ و جل،و أنا خير من جبرائيل و ميكائيل و اسرافيل و حملة العرش و جميع ملائكة اللّه المقرّبين و أنبياء اللّه المرسلين،و أنا صاحب الشفاعة و الحوض الشريف،و أنا و علي أبوا هذه الأمّة،من عرفنا فقد عرف اللّه، و من أنكرنا فقد أنكر اللّه،و من عليّ سبطا أمّتي،و سيّدا شباب أهل الجنّة الحسن و الحسين،و من ولد الحسين أئمّة تسعة طاعتهم طاعتي،و معصيتهم معصيتي،تاسعهم

ص: 85


1- -المحتضر:127،بحار الأنوار:10/15،شرح الزيارة الجامعة للسيّد عبد اللّه شبر:42.

قائمهم و مهديهم» (1).

و في رواية أخرى:«و الفضل لك بعدي يا عليّ و للأئمّة من بعدك،و إن الملائكة لخدّامنا و خدّام محبّينا-ثمّ قال بعد كلام-إنّ اللّه خلق آدم،و أودعنا في صلبه،و أمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا و إكراما،و كان سجودهم للّه عزّ و جلّ عبوديّة،و لآدم إكراما و طاعة،لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة،و قد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون» (2).

و عن سلمان الفارسي:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«يا سلمان خلقني اللّه من صفوة نوره و دعاني فأطعته،و خلق من نوري نور علي عليه السّلام فدعاه الى طاعته فأطاعه، و خلق من نوري و نور علي فاطمة عليه السّلام فدعاها فأطاعته،و خلق مني و من علي و فاطمة الحسن و الحسين فدعاهما فأطاعاه،فسمانا اللّه بخمسة أسماء من أسمائه.

فاللّه المحمود و أنا محمد،و اللّه العلي و هذا علي،و اللّه فاطر و هذه فاطمة،و اللّه الإحسان و هذا الحسن،و اللّه المحسن و هذا الحسين،ثم خلق منا و من نور الحسين عليه السّلام تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوا قبل أن يخلق اللّه سماء مبنية أو ارضا مدحية أو هواء أو ماء أو ملكا أو بشرا،و كنا بعلمه أنوارا نسبّحه و نسمع له و نطيع» (3).

و عنه صلّى اللّه عليه و اله:«إنّ اللّه خلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق آدم عليه السّلام حين لا سماء مبنية،و لا أرض مدحية،و لا ظلمة و لا نور،و لا شمس و لا قمر و لا جنة و لا نار».

فقال العباس:كيف كان بدء خلقكم يا رسول اللّه؟ن.

ص: 86


1- -كمال الدين:261 ح 8 و البحار:364/16.
2- -عيون أخبار الرضا عليه السّلام:237/2.
3- -الزام الناصب:332/2-33 الفرع الثاني الآيات المشعرة بالرجعة عن المقتضب و تفسير البرهان.

فقال:«يا عم لما أراد اللّه أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا،ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحا،ثم مزج النور بالروح،فخلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين،فكنا نسبّحه حين لا تسبيح،و نقدّسه حين لا تقديس،فلما أراد اللّه تعالى أن ينشىء خلقه فتق نوري فخلق منه العرش،فالعرش من نوري، و نوري من نور اللّه،و نوري أفضل من العرش.

ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة،فالملائكة من نور علي و نور علي من نور اللّه و علي أفضل من الملائكة.ثم فتق نور ابنتي فخلق منه السموات و الأرض، فالسموات و الأرض من نور ابنتي فاطمة،و نور ابنتي فاطمة من نور اللّه،و ابنتي فاطمة أفضل من السموات و الأرض.

ثم فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس و القمر فالشمس و القمر من نور ولدي الحسن و نور الحسن من نور اللّه،و الحسن أفضل من الشمس و القمر.

ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة و الحور العين،فالجنة و الحور العين من نور ولدي الحسين،و نور ولدي الحسين من نور اللّه،و ولدي الحسين أفضل من الجنة و الحور العين (1).

الى أن قال:«فتكلم اللّه بكلمة فخلق منها روحا...ثم نورا فأزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة» (2).

و عن سلامة عن أبي سلمى راعي إبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«ليلة اسري بي إلى السماء قال لي الجليل جلّ جلاله آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ.

قلت:و المؤمنون،قال صدقت يا محمد،ثم قال:من خلّفت في أمتك؟ود

ص: 87


1- -بحار الأنوار:10/15-11 باب بدء خلق النبي ح 11.
2- -الأنوار النعمانية:17/1-18 مع تفاوت عما في بحار الأنوار ليس بيسير رواه عن ابن مسعود

قلت:خيرها.

قال:عليّ بن أبي طالب؟

قلت:نعم يا رب قال:يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها و شققت لك اسما من أسمائي،فلا أذكر في موضع إلاّ ذكرت معي،فأنا المحمود و أنت محمد،ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا و شققت له اسما من اسمائي فأنا الاعلى و هو عليّ،يا محمد إني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من شبح نوري،و عرضت ولايتكم على أهل السموات و أهل الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين و من جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى يتقطع أو يصير كالشن البالي،ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقرّ بولايتكم،يا محمد تحبّ أن تراهم؟قلت:نعم يا رب فقال لي:التفت عن يمين العرش،فالتفتّ فإذا بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين و محمد بن عليّ و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و عليّ بن موسى و محمد بن عليّ و عليّ بن محمد و الحسن بن عليّ و المهدي،في ضحضاح من نور قياما يصلون و هو في وسطهم-يعني المهدي-كأنّه كوكب درّي و قال:يا محمد هؤلاء الحجج و هو الثائر من عترتك،و عزّتي و جلالي إنّه الحجة الواجبة لأوليائي و المنتقم من أعدائي» (1).

و عن الإمام أبو محمد العسكري عليه السّلام:قال علي بن الحسين:حدّثني أبي عن أبيه عن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قال:يا عباد الله إن آدم لما رأى النور ساطعا من صلبه إذ كان اللّه تعالى قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره،رأى النور و لم يتبين الأشباح فقال:يا رب ما هذه الأنوار؟قال:أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك،و لذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت و عاء لتلك الأشباح،فقال آدم:يا رب لو بيّنتها ليّ،1.

ص: 88


1- فرائد السمطين 320/2 ح 571.

فقال الله عزّ و جلّ:أنظر يا آدم إلى ذروة العرش،فنظر آدم عليه السّلام فوقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش،فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان في المرآة الصافية فراى أشباحنا فقال:ما هذه الأشباح يا رب؟قال الله تعالى:يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي و بريّاتي هذا محمد و أنا المحمود الحميد في أفعالي،شققت له اسما من إسمي،و هذا علي و أنا العلي العظيم شققت له اسما من إسمي،و هذه فاطمة و أنا فاطر السماوات و الأرض،فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي،و فاطم أوليائي عما يعرهم و يسيئهم فشققت لها اسما من إسمي،و هذا الحسن و هذا الحسين و أنا المحسن المجمل شققت اسميهما من إسمي.

هؤلاء خيار خلقي،و كرام بريتي،بهم آخذ و بهم أعطي،و بهم أعاقب و بهم أثيب، فتوسل إليّ بهم يا آدم،و إذا دهتك داهية فاجعلهم لي شفعاءك فإني آليت على نفسي قسما حقا لا أخيّب بهم آملا،و لا أردّ بهم سائلا،فذلك حين زلّت منه الخطيئة و دعى الله عزّ و جلّ فتاب عليه و غفر له. (1)2.

ص: 89


1- تفسير الإمام العسكري 219-/220ح 102.

أولاد الحسين عليه السلام

كان له من الأولاد ذكور و إناث عشرة:ستة ذكور و أربع إناث،فالذكور:علي الأكبر،علي الأوسط و هو سيد العابدين و سيأتي ذكره في بابه إن شاء اللّه،و علي الأصغر،و محمد،و عبد اللّه،و جعفر.

فأمّا علي الأكبر فإنه قاتل بين يديّ أبيه حتى قتل شهيدا.

و أمّا علي الأصغر جاءه سهم و هو طفل فقتله،و قد تقدّم ذكره عند ذكر الأبيات لمّا قتل.

و قيل:إنّ عبد اللّه أيضا قتل مع أبيه شهيدا (1).

و أمّا البنات:فزينب،و سكينة،و فاطمة (2).

هذا هو المشهور و قيل:بل كان له أربع بنين و بنتان (3)و الأول أشهر،و كان الذكر المخلّد و الثناء المنضد مخصوصا من بين بنيه بعلي الأوسط زين العابدين دون بقية الأولاد.

و في كتاب بشائر المصطفى كان للحسين عليه السّلام ستّة أولاد عليّ بن الحسين الأكبر كنيته أبو محمّد امّه شهر بانو بنت كسرى يزدجر و عليّ بن الحسين الأصغر

ص: 90


1- -تاريخ ابن الخشاب:177،الإرشاد 2:125.
2- -تاريخ ابن الخشاب:177،مناقب ابن شهر آشوب 4:85،لا يخفى على القاريء الكريم أن المصنف ذكر عدد أولاد الإمام الحسين عليه السّلام عشرة و عدد تسعة كما في المصادر المذكورة.
3- -ترجمة الحسين بن علي من الطبقات الكبرى:17،عمدة الطالب:192،سر السلسلة العلوية:30.

قتل مع أبيه بالطفّ و امّه ليلى الثقفية و جعفر بن الحسين لا بقيّة له توفّي في زمن أبيه و عبد اللّه قتل صغيرا مع أبيه في حجره و سكينة بنت الحسين و امّها الرباب و هي امّ عبد اللّه بن الحسن و فاطمة بنت الحسين امّها بنت طلحة التميميّة.

و ذكر صاحب كتاب البدع و صاحب شرح الأخبار أنّ عقب الحسين عليه السّلام من الأكبر و أنّه هو الباقي بعد أبيه و أنّ المقتول هو الأصغر منهما،قال:و عليه نعول فإنّ عليّ بن الحسين الباقي كان يوم كربلاء من أبناء ثلاثين سنة و أنّ ابنه محمّد بن عليّ الباقر كان يومئذ من أبناء خمسة عشر سنة و كان لعليّ الأصغر المقتول نحو اثنتي عشرة سنة (1).9.

ص: 91


1- العوالم:639.

شمائل و صفات الإمام الحسين عليه السلام

شجاعة الحسين عليه السلام

و بطولاته في كربلاء تكفي لإثبات ذلك كما شهد به الأعداء،إضافة للبطولات التي سطرها في حياة جده صلّى اللّه عليه و اله و أبيه عليه السّلام أو عهد الخلفاء الثلاثة،حيث كان عليه السلام يشارك مع أخيه في كثير من تلك الحروب التي قامت للدفاع عن الإسلام أو نشره.

و قد قيل في شجاعته عليه السّلام:إعلم وفقك اللّه على حقائق المعاني و وفقك لإدراكها أنّ الشجاعة من المعاني القائمة بالنفوس،و الصفات المضافة إليها فهي تدرك بالبصيرة لا بالبصر و لا يمكن معرفتها بالحس مشاهدة لذاتها،إذ ليست أجساما كثيفة بل طريق معرفتها و العلم بها بمشاهدة آثارها،فمن أراد أن يعلم أن زيدا موصوف بالشجاعة،فطريقه أن ينظر إلى ما يصدر منه إذا أحدقت الرجال و صدقت الآجال،و حقت الأوجال و تضايق المجال،و حاق القتال،فإن كان مجزاعا مهلاعا مزواعا مفزاعا فتراه يستركب الهزيمة و يستبقها،و يستصوب الدنية و يتطوقها،و يستعذب المفرة و يتفوقها،و يستصحب الذلة و يتعلقها،مبادرا إلى تدرع عار الفرار من شبا الشفار،مشيحا عن الفخار باقتحام الأخطار في مقر القراع لكل خطار،فذلك مهبول الأم،مخبول الفهم،مفلول الجمع،معزول عن السمع، ضرب بينه و بين الشجاعة بحجاب مكتوب بينه و بين الشهامة بابراء في كتاب،لا تعرف نفسه سرفا،و لا تجد عن الخساسة و الدناءة منصرفا.

ص: 92

و إن كان محزرا (1)،مجزارا،كرارا،صبارا،يسمع من أصوات وقع الصوارم نغم المزامر (2)المطربة،و يسرع إلى مصاف التصادم مسارعته إلى مواصلة النواظر المعجبة،خائضا غمرات الأهوال بنفس مطمئنة و عزيمة مطنبة،يعد مصافحة الصفاح غنيمة بادرة (3)و مرامحة الرماح فائدة عائدة،و مكافحة الكتائب مكرمة زائدة،و مناوحة المناقب (4)منقبة شاهدة،يعتقد القتل ملحفة طلل الحياة الأبدية،و يسعفه جلل المحامد السرمدية،و يزلفه من منازل الفخار العالية المغرة للشهداء الأحدية،جانحا إلى ابتياع العز بمهجته و يراها ثمنا قليلا جامحا عن ارتكاب الدنايا و إن غادرت جماحه قتيلا:

يرى الموت أحلى من ركوب دنية و لا يعتدى للناقصين عديلا

و يستعذب التعذيب فيما يفيده نزاهته عن أن يكون ذليلا

فهذا مالك زمام الشجاعة و حائزها،و له من قداحها معلاها و فائزها،قد تفوق بها لبان الشرف و اغتذاه،و تطوّق در سحابه المستحلى و تحلاه،و عبق نشر أرجه المنتشر مما أتاه،و نطق فعله بمدحه و إن لم يفض فاه،و صدق و اللّه و اصفه بالشجاعة التي يحبها اللّه،و إذا ظهرت دلالة الآثار على مؤثرها،و أسفرت عن تحقق مثيرها و مثمرها (5).

فقد صرح النقلة في صحائف السير بما رأوه و جزموا القول بما نقله المتقدم إلى المتأخر فيما رووه أنّ الحسين عليه السّلام لمّا قصد العراق و شارف الكوفة،سرّب إليه أميرها يومئذ عبيد اللّه بن زياد الجنود لمقاتلته أحزابا،و حزّب عليه الجيوش2.

ص: 93


1- -في كشف الغمة:مجسارا.
2- -في نسخة:المزاهر.
3- -في كشف الغمة:باردة.
4- -في نسخة:المقانب.
5- -كشف الغمة:227/2.

لمقاتلته أسرابا،و جهز من العساكر عشرين ألف فارس و راجل يتتابعون كتائبا و أطلابا،فلما حصروه و أحدقوا به شاكين في العدة و العديد،ملتمسين منه نزوله على حكم بن زياد أو بيعته ليزيد،فإن أبى ذلك فليؤذن بقتال يقطع الوتين و حبل الوريد،و يصعد الأرواح إلى المحل الأعلى و يصرع الأشباح على الصعيد،فتبعت نفسه الأبيّة جدها و أباها،و عزفت عن إلتزام الدنية فأباها،و نادته النخوة الهاشمية فلبّاها،و منحها الإجابة إلى مجانبة الذلة و حباها،فاختار مجالدة الجنود و مضاربة ضباها،و مصادمة صوارمها و شيم شباها،و لا يذعن لوصمة تسم بالصغار من شرفه خدودا و جباها،و قد كان أكثر هؤلاء المخرجين لقتاله قد شايعوه و كاتبوه و طاوعوه و بايعوه و سألوه القدوم عليهم ليبايعوه،فلما جاءهم كذّبوه ما وعدوه، و أنكروه و جحدوه و مالوا إلى السحت العاجل فعبدوه،و خرجوا إلى قتاله رغبة في عطاء ابن زياد فقصدوه،فنصب عليه السّلام نفسه و إخوته و أهله و كانوا نيفا و ثمانين لمحاربتهم و اختاروا بأجمعهم القتل على متابعتهم ليزيد و مبايعته،فأعلقتهم الفجرة الطغاة،و أرهقتهم المردة اللئام،و رشقتهم النبال و السهام،و أوثقتهم من شبا شفارهم الكلام.

هذا و الحسين عليه السّلام ثابت لا تخف حصاة شجاعته،و لا تخف عزيمة شهامته، و قدمه في المعترك أرسى من الجبال،و قلبه لا يضطرب لهول القتال،و لا لقتل الرجال،و قد قتل قومه من جموع ابن زياد جمعا جما،و أذاقوهم من الحمية الهاشمية رهقا و كلما،و لم يقتل من العصابة الهاشمية قتيل حتى أثخن في قاصديه و قتل و أغمد ظبة في أبشارهم و جدل فحينئذ تكالبت طغام الأجناد على الجلاد، و تناشبت الأجلاد في المنازلة بالحداد،و وثبت كثرة الألوف منهم على قلة الآحاد، و تقاربت من الأنوف الهاشمية الآجال المحتومة على العباد،فاستبقت الأملاك البررة إلى الأرواح و باء الفجرة بالآثام في الأجساد،فسقطت أشلاؤهم المتلاشية على الأرض صرعى تصافح منها صعيدا،و نطقت حالهم بأنّ لقتلهم يوما تودلو أنّ

ص: 94

بينها و بين قتلهم أمدا بعيدا،و تحققت النفوس المطمئنة باللّه كون الظالم و المظلوم شقيا و سعيدا،و ضاقت الأرض بما رحبت على حرم الحسين عليه السّلام و أطفاله إذ بقي وحيدا،فلمّا رأى عليه السّلام وحدته،و رزء اسرته و فقد نصرته،تقدم على فرسه إلى القوم حتى واجههم و قال لهم:يا أهل الكوفة قبحا لكم و تعسا حين إستصرختمونا و لهين فأتيناكم موجفين،فشحذتم علينا سيفا كان في أيماننا و حششتم علينا نارا نحن أضرمناها على أعدائكم و أعدائنا فأصبحتم ألبا على أوليائكم و يدا لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم و لا ذنب كان منا إليكم فلكم الويلات هلاّ إذ(كرهتموها تركتموها) (1)و السيف ماشيم و الجاش ماطاش و الرأي لما يستحصد و لكنكم أسرعتم إلى بيعتنا إسراع الدبا و تهافتم إليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفها و ضلّة و فتكا لطواغيت الامة و بقية الأحزاب و نبذة الكتاب ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا و تقتلونا ألا لعنة اللّه على الظالمين(الذين يصدون عن سبيل اللّه).

ثم حرّك فرسه إليهم و السيف مصلت في يده و هو آيس من نفسه عازم على الموت و قال هذه الأبيات:

أنا ابن علي الخير من آل هاشم كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

و جدي رسول اللّه أكرم من مشى و نحن بسراج اللّه في الخلق يزهر

و فاطمة امي سلالة أحمد و عمي يدعى ذا الجناحين جعفر

و فينا كتاب اللّه أنزل صادقا و فينا الهدى و الوحي و الخير يذكر

و نحن ولاة الأرض نسقي و لاتنا بكأس رسول اللّه ما ليس ينكر

و شيعتنا في الناس أكرم شيعة و مبغضنا يوم القيامة يخسر

ثم عاد الناس إلى البراز فلم يزل يقاتل و يقتل كل من برز إليه منهم من عيون الرجال حتى قتل منهم مقتلة كبيرة فتقدم إليه شمر بن ذي الجوشن(لعنه اللّه)فيا.

ص: 95


1- -في كشف الغمة:تركتمونا.

جمعه و سيأتي تفصيل ما جرى بعد ذلك في فصل مصرعه عليه السّلام (1).

هذا هو كالليث المغضب لا يحمل على أحد منهم إلاّ نفحه بسيفه فألحقه بالحضيض،فيكفي ذلك في تحقيق شجاعته و كرم نفسه شاهدا صادقا فلا حاجة معه إلى إزياد في الإستشهاد (2).

و قال السيد القرشي:و لم يشاهد الناس في جميع مراحل التاريخ أشجع،و لا أربط جأشا،و لا أقوى جنانا من الإمام الحسين عليه السّلام فقد وقف يوم الطف موقفا حيّر فيه الألباب،و أذهل فيه العقول،و أخذت الأجيال تتحدث بإعجاب و إكبار عن بسالته، و صلابة عزمه،و قدّم الناس شجاعته على شجاعة أبيه التي استوعبت جميع لغات الأرض.

و قد بهر أعداؤه الجبناء بقوة بأسه،فإنه لم ينهار أمام تلك النكبات المذهلة التي أخذت تتواكب عليه،و كان يزداد انطلاقا و بشرا كلما ازداد الموقف بلاء و محنة، فإنه بعدما فقد أصحابه و أهل بيته زحف عليه الجيش بأسره و كان عدده-فيما يقول الرواة-ثلاثين ألفا،فحمل عليهم وحده و قد ملك الخوف و الرعب قلوبهم فكانوا ينهزمون أمامه كالمعزى إذا شد عليها الذئب-على حد تعبير الرواة-و بقي صامدا كالجبل يتلقى الطعنات من كل جانب،و لم يوه له ركن،و إنما مضى في أمره استبسالا و استخفافا بالمنية يقول السيد حيدر:

فتلقى الجموع فردا و لكن كل عضو في الروع منه جموع

رمحه من بنانه و كأن من عزمه حد سيفه مطبوع

زوج السيف بالنفوس و لكن مهرها الموت و الخضاب النجيع

و يقول في رائعة أخرى:2.

ص: 96


1- -الفتوح 5:133-134،مناقب ابن شهر آشوب 4:88.
2- كشف الغمة:229/2.

ركين و للأرض تحت الكماة رجيف يزلزل ثهلانها

أقر على الأرض من ظهرها إذا ململ الرعب أقرانها

تزيد الطلاقة في وجهه إذا غيّر الخوف ألوانها

و لما سقط أبي الضيم على الأرض جريحا و قد أعياه نزف الدماء تحامى الجيش بأسره من الإجهاز عليه رعبا و خوفا منه،يقول السيد حيدر:

عفيرا متى عاينته الكماة يختطف الرعب ألوانها

فما أجلت الحرب عن مثله صريعا يجبن شجعانها

و تغذى أهل بيته و أصحابه بهذه الروح العظيمة فتسابقوا إلى الموت بشوق و إخلاص لم يختلج في قلوبهم رعب و لا خوف،و قد شهد لهم عدوهم بالبسالة و رباطة الجأش فقد قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد:و يحك أقتلتم ذرية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟،فاندفع قائلا:

«عضضت بالجندل،إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا،ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية،تحطم الفرسان يمينا و شمالا،و تلقي أنفسها على الموت،لا تقبل الأمان،و لا ترغب في المال،و لا يحول حائل بينها و بين الورود على حياض المنية،و الاستيلاء على الملك،فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس العسكر بحذافيره،فما كنا فاعلين لا أم لك...».

و وصف بعض الشعراء هذه البسالة النادرة بقوله:

و ما أروع قول السيد حيدر:

فلو وقفت صم الجبال مكانهم لمادت على سهل و دكت على و عر

فمن قائم يستعرض النبل وجهه و من مقدم يرمي الأسنة بالصدر

دكوا رباها ثم قالوا لها و قد جثوا نحن مكان الربا

لقد تحدى أبو الأحرار ببسالته النادرة الطبيعة البشرية فسخر من الموت و هزأ

ص: 97

من الحياة،و قد قال لأصحابه حينما مطرت عليه سهام الأعداء:

«قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بد منه،فإن هذه السهام رسل القوم إليكم..».

لقد دعا أصحابه إلى الموت كأنما هو يدعوهم إلى مأدبة لذيذة،و لقد كانت لذيذة عنده حقا،لأنه هو ينازل الباطل و يرتسم له برهان ربه الذي هو مبدؤه (1).1.

ص: 98


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:83/1.

علم الحسين عليه السلام

اشارة

المعارف في شخصيّة الحسين عليه السلام

قال السيد الخامنئي:و من ناحية المعارف أيضا،فقد كانت تلك الشخصية و كان ذلك الإسم الشريف مشيرا إلى ذلك المسمّى العظيم الشأن هكذا،فإنّ أهمّ و أسمى المعارف كامنة في أقوال هذا الإمام،فلو نظرتم في دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة،ستجدون أنّه كزبور أهل البيت(عليهم السلام)و هو مليء بالنغمات البليغة و العشق و الإخلاص للمعارف،و عندما ينظر الإنسان إلى بعض أدعية الإمام السجّاد عليه السلام و يقارنها بأدعية الإمام الحسين عليه السّلام، يرى و كأنّ أدعية الإبن شرح و توضيح و بيان لدعاء الأب،أي أنّ دعاء الأب هو الأصل و دعاء الإبن فرعه،فدعاء عرفة العجيب و الشريف و خطب الإمام يوم عاشوراء و في غير عاشوراء تحتوي على معنى و روح عجيبة،و هي بحر زاخر من المعارف السامية و الرفيعة و الحقائق الملكوتية التي قلّ نظيرها في آثار أهل البيت (عليهم السلام) (1).

عن مجاهد،قال:جاء رجل إلى الحسن و الحسين فسألهما فقالا:إن المسألة لا تصلح إلاّ لثلاثة:[لحاجة]مجحفة،أو لحمالة (2)مثقلة،أو دين فادح فأعطياه.

ص: 99


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:25.
2- الحمالة:بفتح الحاء ما يتحمله الرجل عن قوم من الدية و الغرامة مثل أن تقع حرب بين فريقين تسفك فيها الدماء فيدخل رجل بينهم فيتحمل ديّات القتلى ليصلح بينهم(عن هامش الترجمة المطبوعة).

ثم أتى ابن عمر فأعطاه و لم يسأله فقال له الرجل:أتيت ابنيّ عمك فسألاني و أنت لم تسألني فقال ابن عمر:إبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إنهما كانا يغرّان (1)بالعلم غرّا (2).

و عن الأصبغ بن نباته قال:قال علي عليه السّلام للحسن عليه السّلام:«يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلم بكلام لا تجهلك قريش بعدي فيقولون:إن الحسن لا يحسن شيئا،قال الحسن:يا أبة كيف أصعد و أتكلم و أنت في الناس تسمع و ترى؟

قال له:بأبي و امّي أواري نفسي عنك و أسمع و أرى و لا تراني».

فصعد عليه السّلام المنبر فحمد اللّه بمحامد بليغة شريفة و صلى على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و آله صلاة موجزة ثمّ قال:«أيها الناس سمعت جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:أنا مدينة العلم و علي بابها و هل تدخل المدينة إلاّ من بابها؟»

ثمّ نزل فوثب إليه علي عليه السّلام فحمله و ضمه إلى صدره ثمّ قال للحسين عليه السّلام:«يا بني قم فاصعد و تكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون:إن الحسين بن علي لا يبصر شيئا،و ليكن كلامك تبعا لكلام أخيك».

فصعد المنبر عليه السّلام فحمد اللّه و أثنى عليه و صلى على نبيه صلاة واحدة موجزة ثمّ قال:«معاشر الناس سمعت جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:إن عليّا مدينة هدى فمن دخلها نجا و من تخلف عنها هلك».

فوثب إليه على عليه السّلام و ضمه إلى صدره فقبّله ثمّ قال:«معاشر الناس اشهدوا أنهما فرخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و وديعته التي استودعنيها أستودعكموها معاشر الناس،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله سائلكم عنهما» (3).

و من كتاب التوحيد للصّدوق بسنده عن وهب بن وهب القرشي قال:حدثني2.

ص: 100


1- أي كانا يلقمان العلم و يزقان كما تزق الأفراخ.
2- المعجم الصغير للطبراني:184/1،في ترجم طي بن إسماعيل.
3- الاختصاص:238،نور البراهين:155/2.

الصادق جعفر بن محمد عن أبيه الباقر عن أبيه:أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين ابن علي عليه السّلام يسألونه عن الصمد،فكتب إليهم:

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد:فلا تخوضوا في القرآن و لا تجادلوا فيه و لا تتكلّموا فيه بغير علم،فقد سمعت جدي رسول الله صلّى اللّه عليه و اله يقول:من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده في النار،و أنه سبحانه قد فسّر الصمد فقال:الله أحد الله الصمد،ثم فسّره فقال:لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد،لم يلد لم يخرج منه شيء كثيف كالولد و سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين و لا شيء لطيف كالنفس و لا ينشعب منه البدوات كالسنة و النوم و الخطرة و الهمّ و الحزن و البهجة و الضحك و البكاء و الخوف و الرجاء و الرغبة و الشامة و الجوع و الشبع تعالى أن يخرج منه شي و أن يتولد منه شي كثيف،أو لطيف،و لم يولد لم يتولد من شيء و لم يخرج من شيء كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشىء من الشىء و الدابة من الدابة،و النبات من الأرض، و الماء من الينابيع،و الثمار من الأشجار،و لا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين،و السمع من الأذن،و الشم من الأنف،و الذوق من الفم،و الكلام من اللسان،و المعرفة و التميز من القلب،و كالنار من الحجر،لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء و لا في شيء و لا علم شيء،مبدع الأشياء و خالقها و منشئ الأشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته و يبقى ما خلق للبقاء بعلمه،فذلكم الله الصمد الذي لم يلد و لم يولد عالم الغيب و الشهادة الكبير المتعال،و لم يكن له كفوا أحد (1).

و عن الحكم بن عتيبة قال:لقي رجل الحسين بن علي عليه السّلام بالثعلبية و هو يريد كربلاء فدخل عليه فسلّم فقال له الحسين عليه السّلام:من أي البلاد أنت؟

قال:من أهل الكوفة.

قال:أما و الله يا أخا أهل الكوفة لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبريل من دارنا0.

ص: 101


1- مستدرك سفيند البحار:432/10.

و نزوله بالوحي على جدي،يا أخا أهل الكوفة أفمستقى الناس العلم من عندنا فعلموا و جهلنا؟هذا ما لا يكون (1).2.

ص: 102


1- الكافي:399/1 ح 2.

الحسين عليه السلام و علم الغيب

و فيه أيضا عن الصادق عليه السّلام قال:إذا أراد أن ينفذ غلمانه في بعض اموره قال لهم:لا تخرجوا يوم كذا اخرجوا يوم كذا فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم،فخالفوه مرّة و خرجوا فقتلهم اللصوص و أخذوا ما معهم و اتّصل الخبر إلى الحسين عليه السّلام فدخل على الوالي فقال:بلغني قتل غلمانك؟

قال الحسين عليه السّلام:أنا أدلّك على من قتلهم و هذا منهم أشار إلى رجل واقف بين يدي الوالي فقال الرجل:و من أين تعرف إنّي منهم؟

فقال:إن أنا صدقتك تصدقني؟

قال:نعم و اللّه قال:خرجت و معك فلان و فلان فمنهم أربعة من موالي المدينة و الباقي من حبشانها.

فقال الرجل:و اللّه ما كذب الحسين و كأنّه كان معنا،فجمعهم الوالي فأقرّوا فضرب أعناقهم (1).

و عن الأصبغ بن نباتة قال:سألت الحسين عليه السّلام سيّدي أسألك عن شيء أنا به موقن و أنّه من سرّ اللّه.

فقال:يا أصبغ أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لأبي دون يعني أبا بكر يوم مسجد قبا؟

قال:هذا الذي أردت.

ص: 103


1- الخرائج و الجرائح:247/1.

قال:قم،فإذا أنا و هو بالكوفة فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتدّ إلي بصري فتبسّم في وجهي ثمّ قال:يا أصبغ إنّ سليمان بن داود أعطي الريح غدوّها شهر و رواحها شهر و أنا قد أعطيت أكثر ممّا أعطي سليمان.

فقلت:صدقت يا ابن رسول اللّه فقال لي:أدخل،فدخلت فإذا أنا بأمير المؤمنين عليه السّلام قابض على تلابيب الأعسر-يعني أبا بكر-فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يعضّ على الأنامل و هو يقول:بئس الخلف خلفتني أنت و أصحابك عليكم لعنة اللّه و لعنتي (1).

و عن ابن الزبير قال:قلت للحسين عليه السّلام:إنّك تذهب إلى قوم قتلوا أباك و خذلوا أخاك فقال:لأن أقتل بمكان كذا و كذا أحبّ إليّ من أن يستحلّ بي مكّة (2).

و عنّف ابن عبّاس على تركه الحسين عليه السّلام فقال:إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا و لا يزيدوا رجلا نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم.

و قال محمّد بن الحنفيّة:و أنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم و أسماء آبائهم.

و في كتاب دلائل الإمامة عن حذيفة قال:سمعت الحسين عليه السّلام يقول:و اللّه ليجتمعن على قتلي طغاة بني اميّة يقدمهم عمر بن سعد و ذلك في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فقلت له:أنبأك بهذا رسول اللّه؟

قال:لا،فأتيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فأخبرته فقال:علمي علمه و علمه علمي لأنّنا نعلم بالكائن قبل كينونته (3).

و قال عمر بن سعد يوما للحسين عليه السّلام:يا أبا عبد اللّه إن قبلنا ناسا سفهاء يزعمون أنّي أقتلك،قال الحسين عليه السّلام:إنّهم ليسوا سفهاء و لكنّهم حلماء أما انّه يقرّ عيني أنّك1.

ص: 104


1- مناقب آل أبي طالب:211/3.
2- مدينة المعاجز:503/3 ح 1017.
3- دلائل الامامة:184 ح 101.

لا تأكل برّ العراق بعدي إلاّ قليلا (1).

و عن حذيفة قال:سمعت الحسين بن علي عليه السّلام يقول:«و اللّه ليجتمعن على قتلي طغاة بني امية و يقدمهم عمر بن سعد،و ذلك في حياة النبي صلّى اللّه عليه و اله».

فقلت له:أنبأك بهذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟

قال عليه السّلام:«لا».

قال:فأتيت النبي فأخبرته.

فقال صلّى اللّه عليه و اله:«علمي علمه و علمه علمي،لأنّا نعلم الكائن قبل كينونته» (2).

و في حديث الإمام الصادق عليه السّلام مع المفضل بعد ذكر الإمام رجعة أصحاب الكساء و شكايتهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما حلّ بهم قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام لفضّة:«يا فضّة لقد عرفه رسول اللّه و عرف الحسين اليوم بهذا الفعل(ضرب فاطمة و إسقاط المحسن عليه السّلام)و نحن في نور الأظلة أنوار عن يمين العرش» (3).

و عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث ذكر فيه كتاب الإمام الحسين عليه السّلام إلى فاطمة ابنته فدفعته إلى علي بن الحسين قلت:فما فيه يرحمك اللّه؟

قال عليه السّلام:«ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى» (4).

و كان الإمام الحسين عليه السّلام يعلم متى يموت و بأي أرض يموت و من يستشهد معه (5).

و من ذلك أنه لمّا أراد الخروج إلى العراق قالت له أمّ سلمة:يا بني لا تحزنّي بخروجك فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:يقتل ولدي الحسين بالعراق،فقال لها5.

ص: 105


1- بحار الانوار:263/44 ح 20.
2- -بحار الانوار:186/44.
3- -الهداية الكبرى:408 باب 14.
4- -البحار:54/26 ح 109 باب جهات علومهم.
5- -مشارق انوار اليقين:88،و الهداية الكبرى:203-204 باب 5.

الحسين عليه السّلام:يا أمّاه إنّي مقتول لا محالة و ليس من الأمر المحتوم بد و إنّي لأعرف اليوم الذي اقتل فيه و الحفرة التي أدفن فيها،و من يقتل معي من أهل بيتي و من شيعتي، و إن أردت أريتك مضجعي و مكاني،ثم أشار بيده فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه و مكانه (1).

و من ذلك من كتاب الراوندي أن رجلا جاء إلى الحسين عليه السّلام فقال:أمّي توفيت و لم توص بشيء غير أنّها أمرتني أن لا أحدث في أمرها حدثا حتى أعلمك يا مولاي، فجاء الحسين عليه السّلام و أصحابه فرآها ميتة فدعى اللّه ليحييها فإذا المرأة تتكلّم،و قالت:

ادخل يا مولاي و مرني بأمرك،فدخل و جلس و قال لها:أوصي يرحمك اللّه،فقالت:يا سيدي،إنّ لي من المال كذا و كذا و قد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت،و الثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك،و إن كان مخالفا فلا حظّ للمخالف في أموال المؤمنين،ثم سألته أن يتولّى أمرها و أن يصلّي عليها،ثم صارت ميّتة كما كانت (2).7.

ص: 106


1- بحار الأنوار عن الكافي:330/44 ح 2.
2- الخرائج و الجرائح:245 باب 4،و فرج المهموم:227.

قدرة الحسين عليه السلام

في كتاب المناقب:عن زرارة بن أعين و رواه الكشي عن حمران بن أعين قال:

سمعت أبا عبد اللّه يحدث عن أبائه أن رجلا كان من شيعة أمير المؤمنين مريضا شديد الحمى فعاده الحسين عليه السّلام فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمى من الرجل فقال له:الحمى تهرب منكم.

فقال له الحسين عليه السّلام:و اللّه ما خلق شيئا إلاّ و قد أمره بالطّاعة لنا.

قال:فناداها يا حمى فإذا نحن نسمع الصوت و لا نرى الشخص يقول:لبّيك.

قال:أليس أمير المؤمنين أمرك أن لا تقربي إلاّ عدوّا أو مذنبا لكي تكون كفّارة لذنوبه فما بال هذا،و كان المريض عبد اللّه بن شدّاد بن الهادي؟ (1)

و في كتاب الخرائج عن يحيى بن امّ الطويل قال:كنّا عند الحسين عليه السّلام إذ دخل عليه شاب يبكي قال:إنّ والدتي توفّيت هذه الساعة و لم توص لها مال و قد كانت أمرتني ألاّ أحدث في أمرها شيئا حتّى أعلمك خبرها.

فقال الحسين عليه السّلام:قوموا حتّى نصير إلى هذه الحرّة فأتيناها فإذا هي مسجّاة فأشرف على البيت و دعى اللّه تعالى ليحييها حتّى توصي بما تحبّ من وصيّتها، فأحياها اللّه تعالى فجلست و هي تتشهّد،ثمّ نظرت إلى الحسين عليه السّلام فقالت:أدخل يا مولاي و مرني بأمرك فدخل و جلس على فخذه ثمّ قال لها:أوصي يرحمك اللّه.

فقالت:يابن رسول اللّه لي من المال كذا و كذا في مكان كذا و كذا فقد جعلت ثلثه

ص: 107


1- وسائل الشيعة:237/20 ح 683.

إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك و الثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من أوليائك و إن كان مخالفا لك فلا حقّ للمخالفين في أموال المسلمين.

ثمّ سألته أن يصلّي عليها و أن يتولّى أمرها ثمّ صارت المرأة ميّتة كما ماتت (1).

عن صفوان بن مهران قال:سمعت الصادق عليه السّلام يقول:رجلان اختصما في زمن الحسين عليه السّلام في امرأة و ولدها فقال:هذا لي،و قال الأخر:هذا لي فأمر بهما الحسين عليه السّلام فقال أحدهما:إنّ الإمرأة لي.

و قال الآخر:إن الولد لي.

فقال عليه السّلام للمدّعي الأوّل:أقعد فقعد و كان الغلام رضيعا فقال الحسين:يا هذه اصدقي من قبل أن يهتك اللّه سترك.

فقالت:هذا زوجي و الولد له و لا أعرف هذا.

فقال عليه السّلام:يا غلام ما تقول هذه؟أنطق بإذن اللّه تعالى.

فقال له:ما أنا لهذا و لا لهذا و ما أبي إلاّ راعي لآل فلان.

فأمر عليه السّلام برجمها و لم يسمع أحد نطق هذا الغلام بعدها (2).3.

ص: 108


1- الخرائج و الجرائح:246/1 ح 1.
2- مناقب آل أبي طالب:210/3.

حكمة الإمام الحسين عليه السلام

قال السيد مرتضى العسكري:عارض الإمام في المدينة بيعة خليفة اكتسب شرعية حكمه لدى المسلمين ببيعتهم إياه،و قاوم عصبة الخلافة في المدينة حتى انتشر خبره ثم توجه إلى مكة و التزم الطريق الأعظم و لم يتنكبه مثل ابن الزبير و ورد مكة و التجأ إلى بيت اللّه الحرام فاشرأبت إليه أعناق المعتمرين و تحلّقوا حوله،يستمعون إلى سبط نبيهم و هو يحدثهم عن سيرة جده و يشرح لهم انحراف الخليفة عن تلك السيرة!.

ثم أعلن دعوته و كاتب البلاد و دعا الأمة إلى القيام المسلح في وجه الخلافة، و تغيير ما هم عليه،و طلب منهم البيعة على ذلك،و ليس على أن يعينوه ليلي الخلافة،و لم يمن الإمام أحدا بذلك بتاتا و لم يذكره في خطاب و لم يكتبه في كتاب، بل كان كلما نزل منزلا أو ارتحل ضرب بيحيى بن زكريا مثلا لنفسه،و حق له ذلك فإن كلا منهما أنكر على طاغوت زمانه الطغيان و الفساد،و قاومه حتى قتل،و حمل رأسه إلى الطاغية!فعل ذلك يحيى بمفرده،و الحسين مع أعوانه و أنصاره و أهل بيته،و لا يفعل ذلك من يريد أن يجمع الناس حوله و يستظهر بهم ليلي الخلافة بل يمنيهم بالنصر و الاستيلاء على الحكم و لا يذكر للناس ما يؤدي إلى الوهن و الفشل.

بقي الإمام أربعة أشهر في مكة بما فيهن أشهر الحج و اجتمع به المعتمرون أولا ثم الوافدون لحج بيت اللّه الحرام من كل فج عميق و هو يروي لهم عن جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله عن اللّه ما يخوفهم معصيته،و يحذرهم عذابه في يوم القيامة، و يدعوهم إلى تقوى اللّه،و طلب مراضيه،و ينبههم إلى خطر الخلافة القائمة على

ص: 109

الإسلام،فيسمعون منه ما لم يسمعوه من غيره في ذلك العصر و بقي هكذا حتى أقبل يوم التروية،و أحرم الحاج للحج،و اتجهوا إلى عرفات ملبين.

في هذا الوقت خالف الإمام الحجيج و أحل من إحرامه و خرج من الحرم قائلا أخشى أن تغتالني عصبة الخلافة لأني لم أبايع فتهتك بي حرمة الحرم،و لأن أقتل خارجا منه بشبر أحب إلي من أن أقتل داخلا بشبر إن الإمام لم يقل عندئذ أذهب إلى العراق لألي الحكم بل قال:أذهب لأقتل خارجا من الحرم بشبر.

و يعود الحجيج إلى مواطنهم و يبلغ معهم خبر الإمام الحسين إلى منتهى الخف و الحافر،يبلغ خبره إلى أي صقع من أصقاع الأرض يمر به ركب الحجيج الذي يحمل معه إلى المسلمين في كل مكان النبأ العظيم،نبأ خروج سبط نبيهم على الخلافة القائمة و دعوته المسلمين إلى القيام المسلح ضد الخلافة لأنه يرى الخليفة قد انحرف عن الإسلام و يرى الخطر محدقا بالإسلام مع استمرار هذا الحكم، فيتعطش المسلمون في كل مكان لمعرفة مآل هذه المعركة،معركة أهل بيت الرسول مع عصبة الخلافة و يتنسمون أخبارها فيبلغهم أن الحسين عليه السّلام خرج لا يلويه شئ و لا يثني عزمه تحذير المحذرين و لا تخذيل المخذلين،لا يلويه قول عبد اللّه بن عمر:أستودعك اللّه من قتيل،و لا قول الفرزدق:قلوب الناس معك و سيوفهم مع بني أمية،و لا كتاب عمرة و حديثها عن عائشة عن رسول اللّه أنه يقتل بأرض بابل،هكذا تبلغهم أخبار الإمام خبر بعد خبر و يمضي الحسين عليه السّلام متريثا متمهلا لا يخفى من أمره شئ بل يبادر إلى كل فعل يشهر مخالفته للخليفة يزيد،فيأخذ ما أرسله و الي اليمن إلى الخليفة من تحف و عطور و يعلن بفعله هذا عدم شرعية تصرف الخليفة و كذلك يفعل كل ما يتم به الحجة على من اجتمع به أو بلغه خبره، و يبالغ في ذلك و أخيرا يستقبل بالماء جيش عدوه و قد أجهده العطش في صحراء لا ماء فيه يرويهم و يروي مراكبهم،و لا يقبل أن يباغت هذا الجيش بالحرب،بل يتركهم ليكونوا هم الذين يبدأوه بالحرب ثم إنه أتم الحجة على هذا الجيش

ص: 110

و خاطبهم بعد أن أمهم بالصلاة و قال:معذرة إلى اللّه عزّ و جلّ و اليكم،إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم،و قدمت علي رسلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام لعل اللّه يجمعنا بك على الهدى،فإن كنتم على ذلك،فقد جئتكم،فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم و مواثيقكم أقدم مصركم،و إن لم تفعلوا و كنتم لمقدمي كارهين، أنصرف عنكم.

و قال في خطبته الثانية:إن تتقوا و تعرفوا الحق لأهله يكن أرضى للّه و نحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين فيكم بالجور و العدوان.

و أتم الحجة أيضا على أصحابه و خطب فيهم و قال:ألا ترون الحق لا يعمل به و أن الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقا فإني لا أرى الموت إلاّ شهادة و لا الحياة مع الظالمين إلاّ برما.

فقال له أصحابه:و اللّه لو كانت الدنيا باقية و كنا فيها مخلدين إلاّ أن فراقها في نصرك و مواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها.

و قال في جواب اقتراح الطرماح أن يذهب إلى جبلي طيء فيدافع عنه عشرون ألف طائي:إنه قد كان بيننا و بين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الإنصراف.

إنه قد كان بين الحسين عليه السّلام و بين أهل العراق عهد أن يذهب إليهم و لا يقدر أن ينصرف عنهم حتى يتم الحجة عليهم.

أتم الحسين عليه السّلام الحجة على المسلمين في بلادهم و حواضرهم و عواصمهم مدة خمسة أشهر سواء من كان منهم في الحرمين أو العراقين-البصرة و الكوفة- و كذلك من كان منهم في الشام حين أسمعهم حججه في خطبه و كتبه و على لسان رسله و أبلغهم نبأه.

و باشر القيام المسلح بأخذه البيعة ممن بايعه على ذلك،ثم في قتال سفيره مسلم ثم في توجهه إلى العراق متريثا و كان بامكان جماهير الحجيج أن يلتحقوا

ص: 111

بعد الحج بركبه المتمهل في السير و كان بإمكان أهل الحرمين و العراقين و سائر البلاد الإسلامية أن يلبّوا دعوته حين استنصرهم فإنه لم يؤخذ على حين غرة ليكونوا معذورين لأنه لم تؤاتهم الفرصة لنصرته،بل إنه تنقل من بلد إلى بلد يداور عصبة الخلافة و يحاور بمنظر من المسلمين و مخبر،إذن فقد اشترك الجميع في تخذيله و إن تفرد أهل الكوفة بحمل العار في دعوته،و تلبية دعوته ثم قتالهم إياه!.

أتم الإمام الحسين عليه السّلام الحجة على المسلمين عامة بما قال و فعل من قبل أن يصل إلى عرصات كربلاء،و لما انتهى إليها و قلب له أهل العراق ظهر المجن، و ازدلف إليه هناك عشرات الألوف منهم،يتقربون إلى عصبة الخلافة بدمه،عند ذاك أتم عليهم و على عصبة الخلافة خاصة الحجة بما قال و فعل:فقد اقترح على عصبة الخلافة أولا أن يتركوه فيلقي السلاح و يرجع إلى المكان الذي أتى منه أو يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم، و بذلك لا يبقى أي خطر منه على حكمهم كما كان شأن سعد بن أبي و قاص و عبد اللّه بن عمر و أسامة بن زيد مع أبيه الإمام علي عليه السّلام حين لم يبايعوه،فلما أبى عليه جيش الخلافة إلاّ أن يبايع و ينزل على حكم ابن زياد،أبى ذلك و استعد للقاء اللّه، لإتمام الحجة على جيش الخلافة من أهل العراق،و لاتمام الحجة على أصحابه خاصة،طلب منهم عصر التاسع من محرم أن يمهلوه ليلة واحدة ليصلّي لربه و يتضرع و يتلو كتابه فانه يحب ذلك،و بعد لأي لبّوا طلبه فجمع أصحابه ليلة العاشر من محرم و خطب فيهم و قال في خطبته:ألا و اني أظن أن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا و إني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل،ليس عليكم مني ذمام و هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا و ليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم اللّه جميعا خيرا و تفرّقوا في سوادكم و مدائنكم فإن القوم إنما يطلبونني و لو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري.

فقال له الهاشميون:لم نفعل ذلك؟!لنبقى بعدك؟!لا أرانا اللّه ذلك أبدا!و التفت إلى

ص: 112

بني عقيل و قال:حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا قد أذنت لكم!فقالوا:..لا و اللّه لا نفعل،و لكن نفديك بأنفسنا،و أموالنا و أهلينا،نقاتل معك حتى نرد موردك،فقبّح اللّه العيش بعدك!.

ثم تكلم أنصاره فقال مسلم بن عوسجة:أنحن نخلي عنك و بماذا نعتذر إلى اللّه في أداء حقك؟أما و اللّه لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي و أضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي،و لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك!و قال سعيد بن الحنفي و اللّه لا نخليك حتى يعلم اللّه أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك!أما و اللّه لو علمت إني أقتل ثم أحيا ثم أحرق حيا ثم أذرى يفعل بي ذلك سبعين مرة لما فارقتك حتى ألقى حمامي،فكيف لا أفعل ذلك و إنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا،و تكلم باقي الأصحاب بما يشبه بعضه و بعد هذه الخطبة تهيأ و اللقاء ربهم و أحيوا الليل بالعبادة،قال الراوي:فلما أمسى الحسين و أصحابه قاموا الليل كله يصلّون و يستغفرون و يدعون و يتضرعون.

و استعدوا كذلك للقاء خصومهم و إتمام الحجة عليهم في يوم غد فأمر الإمام بمكان منخفض من وراء الخيم كأنه ساقية فحفروه في ساعة من الليل و أمر فأتي بحطب و قصب فألقي فيه،فلما أصبحوا استقبلوا القوم بوجوههم و جعلوا البيوت في ظهورهم و أمر بذلك الحطب و القصب من وراء البيوت فأحرقت بالنار كي لا يؤتوهم من ورائهم،و بذلك منعهم الإمام من الحملة عليه بغتة و قتله قبل إتمامه الحجة عليهم بل ألقى عليهم هو و أصحابه الخطبة تلو الخطبة حين تقابل الجيشان في يوم عاشوراء و استعدا للقتال بدأهم الإمام الحسين فركب ناقته و استقبلهم و استنصتهم ثم قال في خطبته:أيها الناس اسمعوا قولي و لا تعجلوا حتى أعظكم.

آمنتم بالرسول محمد صلّى اللّه عليه و اله ثم إنكم زحفتم إلى ذريته و عترته تريدون قتلهم.

أيها الناس انسبوني من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها و انظروا هل يحل

ص: 113

قتلي و انتهاك حرمتي؟!ألست ابن بنت نبيكم...أولم يبلغكم قول رسول اللّه لي و لأخي:هذان سيدا شباب أهل الجنة،فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أني ابن بنت نبيكم فو اللّه ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم،و يحكم!تطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة؟!و نادى:يا شبث بن ربعي!و يا حجار بن أبجر!و يا قيس بن الأشعث!و يا زيد بن الحارث ألم تكتبوا إلي أن أقدم قد أينعت الثمار و اخضر الجناب،و إنما تقدم على جند لك مجند.

و قال:أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم!فقال له قيس بن الأشعث:أ و لا تنزل على حكم بني عمك؟.

و قال:ألا و ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة.

و قال:أما و اللّه لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى.

عهد عهده إلي أبي عن جدي رسول اللّه.

ثم رفع يديه إلى السماء و قال:اللهم احبس عنهم قطر السماء.

و سلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة.

اذن فإن جيش الخلافة من أمة محمد صلّى اللّه عليه و اله يقاتلون ابن بنت نبيهم من أجل أن يبايع يزيد و ينزل على حكم ابن زياد،و يتقبل الإمام الحسين و جيشه قتل رجالهم و سبي نسائهم و لا يفعلون ذلك.

جيش الخلافة يقتل ابن بنت نبيه و يسبي عترته من أجل كسب رضى الخليفة، و واليه،و كسب حطام الدنيا منهما.

و الإمام و جيشه يستشهدون من أجل كسب رضى اللّه و تحصيل ثوابه في يوم القيامة.

ص: 114

يدل على ذلك بالإضافة إلى ما سبق ذكره،جميع أفعال الجيشين و أقوالهما في ذلك اليوم.... (1)3.

ص: 115


1- معالم المدرستين:308/3-313.

عبادة الحسين عليه السلام

اشارة

جسّد الإمام الحسين عليه السّلام من خلال سلوكه و تفكيره أسمى معاني العبودية الصادقة،و قد عمل كل ما يقرّبه إلى الله فكان كثير الصلاة و الصوم و الحج و الصدقة و أفعال الخير.

قال ولده علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام:كان(الحسين)عليه السّلام يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة (1).

كان الإمام الحسين عليه السّلام كثير الحج،و قد حج خمسا و عشرين حجة ماشيا، و كانت نجائبه تقاد معه (2).

و عن الرافعي عن أبيه عن جدّه قال:رأيت الحسن و الحسين عليهما السلام يمشيان إلى الحجّ فلم يمرا براكب إلاّ نزل يمشي فثقل ذلك على بعضهم،فقالوا لسعد بن أبي وقّاص:قد ثقل علينا المشي و لا نستحسن أن نركب و هذان السيّدان يمشيان فقال سعد للحسن:يا أبا محمّد إنّ المشي قد ثقل على جماعة ممّن معك و الناس إذا رأو كما تمشيان لم تطب أنفسهم أن يركبوا فلو ركبتما.

فقال الحسن عليه السّلام:لا نركب قد جعلنا على أنفسنا المشي إلى بيت اللّه الحرام على أقدامنا و لكنّا نتنكّب الطريق فأخذا جانبا من الناس (3).

ص: 116


1- تاريخ اليعقوبي 247/2،دار صادر،بيروت-لبنان،ط 6،1415 ه-1995 م،و تاريخ ابن خلدون 30/3،دار الفكر،بيروت-لبنان،1415 ه-1995 م.
2- مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 129/7،تاريخ ابن خلدون 30/3.
3- الارشاد:129/2.

و عن شعيب الخزاعي قال:[كان]على ظهر الحسين عليه السّلام يوم الطفّ أثر،فسألوا زين العابدين عليه السّلام فقال:هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل و الأيتام و المساكين.

و في عيون المحاسن أنّه عليه السّلام ساير أنس بن مالك فأتى قبر خديجة فبكى ثمّ قال:

إذهب عنّي فاستخفيت عنه،فلمّا طال و قوفه في الصلاة سمعته يقول شعرا:

يا ربّ يا ربّ أنت مولاه فارحم عبيدا أنت ملجاه

يا ذا المعالي عليك معتمدي طوبى لمن كنت أنت مولاه

طوبى لمن كان خادما أرقا يشكو إلى ذي الجلال بلواه

و ما به علّة و لا سقم أكثر من حبّه لمولاه

إذا اشتكى بثّه و غصّته أجابه اللّه ثمّ لبّاه

فنودي شعرا:

لبّيك لبّيك أنت في كنفي و كلّما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي فحسبك الصوت قد سمعناه

دعاك منّي يحول في حجب فحسبك الستر قد سفرناه

لو هبّت الريح من جوانبه خرّ صريعا لمّا تغشّاه

سلني بلا رغبة و لا رهب و لا حساب إنّي أنا اللّه

و عن خليفة بن خيّاط،قال في تسمية الأمراء يوم الجمل قال:قال أبو عبيدة:

و على الميسرة الحسين بن علي عليهما السلام (1).

و روى أبو مخنف«عن عبد الله بن قيس قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام يوم صفّين و قد أخذ أبو الأعور السّلمي الماء على النّاس و لم يقدر عليه أحد،فبعث إليه الحسين عليه السّلام في خمسمائة فارس فكشفه عن الماء،فلمّا رأى ذلك أمير المؤمنين4.

ص: 117


1- تاريخ خليفة بن خياط:184.

قال:ولدي هذا يقتل بكربلا عطشانا،و ينفر فرسه و يحمحم و يقول في حمحمته:

الظليمة الظليمة من أمّة قتلت ابن بنت نبيّها (1).

و هم يقرأون القرآن الذي جاء به إليهم،ثمّ إنّ أمير المؤمنين أنشأ يقول:

أرى الحسين قتيلا قبل مصرعه علما يقينا بأن يبلى بأشرار

و كلّ ذي نفس أو غير ذي نفس يجري إلى أجل يأتي بأقدار

و قال السيد القرشي:و اتجه الإمام الحسين عليه السّلام بعواطفه و مشاعره نحو الله فقد تفاعلت جميع ذاتياته بحب الله و الخوف منه،و يقول المؤرخون:إنه عمل كل ما يقرّبه إلى الله فكان كثير الصلاة و الصوم و الحج و الصدقة و أفعال الخير.و نعرض لبعض ما أثر عنه من عبادته و اتجاهه نحو الله.

أ-خوفه من الله:

كان الإمام الحسين عليه السّلام في طليعة العارفين بالله،و كان عظيم الخوف منه شديد الحذر من مخالفته حتى قال له بعض أصحابه:

«ما أعظم خوفك من ربك؟!!».

فقال عليه السّلام:«لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف الله في الدنيا..»و كانت هذه سيرة المتقين الذين أضاءوا الطريق،و فتحوا آفاق المعرفة،و دللوا على خالق الكون و واهب الحياة.

ص: 118


1- مدينة المعاجز:140/3.

ب-كثرة صلاته و صومه:

كان الإمام الحسين عليه السّلام أكثر أوقاته مشغولا بالصلاة و الصوم،و كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة-كما حدث بذلك ولده زين العابدين-و كان يختم القرآن الكريم في شهر رمضان و تحدث ابن الزبير عن عبادة الإمام فقال:«أما و الله لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه كثيرا في النهار صومه».

ج-حجه:

كان الإمام عليه السّلام كثير الحج و قد حج خمسا و عشرين حجة ماشيا على قدميه و كانت نجائبه تقاد بين يديه و كان يمسك الركن الأسود يناجي الله و يدعو قائلا:

«إلهي أنعمتني فلم تجدني شاكرا،و ابتليتني فلم تجدني صابرا،فلا أنت سلبت النعمة بترك الشكر،و لا أدمت الشدة بترك الصبر،إلهي ما يكون من الكريم إلا الكرم...».

و خرج عليه السّلام معتمرا لبيت الله فمرض في الطريق فبلغ ذلك أباه أمير المؤمنين عليه السّلام و كان في يثرب فخرج في طلبه فأدركه في(السقيا)و هو مريض فقال له:

«يا بني ما تشتكي؟».

«أشتكي رأسي».

فدعا أمير المؤمنين ببدنة فنحرها و حلق رأسه ورده إلى المدينة،فلما أبل من مرضه قفل راجعا إلى مكة و اعتمر.

هذا بعض ما أثر من طاعته و عبادته.

ص: 119

د-صدقاته:

كان الإمام الحسين عليه السّلام كثير البر و الصدقة،و قد ورث أرضا و أشياء فتصدّق بها قبل أن يقبضها و كان يحمل الطعام في غلس الليل إلى مساكين أهل المدينة لم يبتغ بذلك إلا الأجر من الله،و التقرّب إليه و قد ألمعنا-فيما سبق-إلى كثير من ألوان بره و إحسانه (1).

و قال السيد الخامنئي:كانت العبادة و التضرع و التوسل و الاعتكاف في حرم الرسول،و الرياضة المعنوية و الروحية أحد أطراف القضية،و طرف آخر سعيه الحثيث في نشر العلم و المعرفة و مجابهة التحريف.كان التحريف آنذاك أكبر تحدّ معنوي يهدد الإسلام،و يجري كالسيل الجارف من الفساد و الماء الآسن فيركد في أذهان أبناء المجتمع الإسلامي.

و هو عصر ساد فيه التأكيد على الولايات و البلدان و الشعوب الإسلامية بلعن أعظم شخصية في تاريخ الإسلام!و ملاحقة من يتهم بموالاة أمير المؤمنين و يقول بإمامته؛حيث ساد آنذاك«القتل بالظنّ و الأخذ بالتهمة»في مثل هذه الظروف وقف الإمام عليه السّلام كالطود الشامخ و خرق حجب التحريف.

أقواله و كلامه الذي يخاطب فيه العلماء-و الذي يحتفظ التاريخ بشيء منه-ينم عمّا كان يأتي به من فعل عظيم في هذا المضمار.

و تضمنت القضية طرفا آخر و هو النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف في أرفع أشكاله،و الذي جاء في كتابه إلى معاوية،و هذا الكتاب حسبما أتذكر نقله المؤرخون من أبناء العامة و لا أظن الشيعة قد نقلوه-أي إني لم أعثر عليه من طرق

ص: 120


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:95.

الشيعة-و حتى إن كانوا قد ذكروه فإنّما قد نقلوه عنهم.

و استمر أسلوب الكتاب المذكور و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حتى خروجه من المدينة أبان حكومة يزيد،و هذا يدخل أيضا في باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؛حيث قال:«أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر».

تلاحظون هذا الإنسان يأتي بتلك الحركة العظيمة في مجال تهذيب نفسه و ترويضها (1).1.

ص: 121


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:95/1.

أدعية الإمام الحسين

اشارة

قال السيد القرشي:و حفلت الأدعية التي أثرت عن الحسين عليه السّلام بالدروس التربوية الهادفة إلى بناء صروح العقيدة و الإيمان بالله،و تنمية الخوف و الرهبة من الله في أعماق نفوس الناس لتصدهم عن الإعتداء و تمنعهم عن الظلم و الطغيان، و قد كان اهتمام أهل البيت عليهم السّلام بهذه الجهة اهتماما بالغا...و لم يؤثر عن أحد من أئمة المسلمين و خيارهم من الأدعية مثل ما أثر عنهم،و أنها لتعد من أروع الثروات الفكرية،و الأدبية في الإسلام،فقد حوت أصول الأخلاق،و قواعد السلوك و الآداب، كما ألمّت بفلسفة التوحيد و معالم السياسة العادلة،و غير ذلك،و نلمع لبعض أدعيته عليه السّلام:

1-دعاؤه من وقاية الأعداء:

كان الإمام الحسين عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء يستجير بالله من شرور أعدائه،و هذا نصه:«اللّهم يا عدتي عند شدتي،و يا غوثي عند كربتي احرسني بعينك التي لا تنام، و اكنفني بركنك الذي لا يرام،و ارحمني بقدرتك عليّ،فلا أهلك و أنت رجائي،اللّهم إنك أكبر و أجلّ و أقدر مما أخاف و أحذر،اللّهم بك أدرأ في نحره،و أستعيذ من شره،إنك على كل شي قدير..».

و دعى بهذا الدعاء الشريف الإمام الصادق عليه السّلام حينما أمر الطاغية المنصور بإحضاره مخفورا لينكل به،فأنقذه الله من شره،و فرّج عنه،فسئل عن سبب ذلك،

ص: 122

فقال إنه دعى بدعاء جده الحسين عليه السّلام.

2-دعاؤه للاستسقاء:

كان الإمام الحسين عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء إذا خرج للاستسقاء:«اللّهم اسقنا سقيا،واسعة و ادعة،عامة،نافعة،غير ضارة،تعم بها حاضرنا و بادينا و تزيد بها في رزقنا و شكرنا،اللّهم اجعله رزق إيمان،و عطاء إيمان،إن عطاءك لم يكن محظورا،اللهم أنزل علينا في أرضنا سكنها،و أنبت فيها زيتها و مرعاها...».

3-دعاؤه يوم عرفة:

و هو من أجل أدعية أئمة أهل البيت عليهم السّلام و أكثرها استيعابا لألطاف الله و نعمه على عباده و قد روى هذا الدعاء الشريف بشر و بشير الأسديان قالا:كنا مع الحسين بن علي عليه السّلام عشية عرفة،فخرج عليه السّلام من فسطاطه متذللا خاشعا،فجعل يمشي هونا هونا حتى وقف هو و جماعة من أهل بيته و ولده و مواليه،في مسيرة الجبل مستقبل البيت،ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين،و قال:

«الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع،و لا لعطائه مانع،و لا كصنعه صانع،و هو الجواد الواسع،فطر أجناس البدائع،و أتقن بحكمته الصنائع لا تخفى عليه الطلائع، و لا تضيع عنده الودائع،و رايش كل قانع،و راحم كل ضارع،منزل المنافع،و الكتاب الجامع بالنور الساطع،و هو للدعوات سامع،و للكربات دافع،و للدرجات رافع، و للجبابرة قامع،فلا إله غيره،و لا شي يعدله،و ليس كمثله شي،و هو السميع البصير،اللطيف الخبير،و هو على كل شي قدير.

اللّهم إني أرغب إليك،و أشهد بالربوبية لك،مقرا بأنك ربي و إليك مردي،

ص: 123

ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا،و خلقتني من التراب،ثم أسكنتني الأصلاب آمنا لريب المنون،و اختلاف الدهور و السنين،فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم،في تقادم من الأيام الماضية و القرون الخالية،لم تخرجني لرأفتك بي و لطفك لي(أو بي)و إحسانك إلي في دولة أئمة الكفر الذين نقضوا عهدك،و كذبوا رسلك،لكنك أخرجتني رأفة منك و تحننا-علي خ ل-للذي سبق لي من الهدى الذي له يسرتني،و فيه أنشأتني و من قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك،و سوابغ نعمك، فابتدعت خلقي من مني يمنى و أسكنتني في ظلمات ثلاث بين لحم و دم و جلد،لم تشهدني خلقي (1)و لم تجعل إلي شيئا من أمري،لم ترض لي يا إلهي نعمة دون أخرى و رزقتني من أنواع المعاش و صنوف الرياش بمنك العظيم الأعظم علي،و إحسانك القديم إلي حتى إذا أتممت علي جميع النعم،و صرفت عني كل النقم لم يمنعك جهلي و جرأتي عليك أن دللتني إلى(على-خ ل-)ما يقرّبني إليك،و وفقتني لما يزلفني لديك فإن دعوتك أجبتني،و إن أطعتك شكرتني،و إن شكرتك زدتني كل ذلك لأنعمك علي،و إحسانك إلي فسبحانك سبحانك من مبدىء معيد حميد مجيد تقدّست أسماؤك و عظمت آلاؤك فأي نعمك أحصي عددا ثم أخرجتني للذي سبق لي من الهدى إلى الدنيا تاما سويا و حفظتني في المهد طفلا صبيا،و رزقتني من الغذاء لبنا مريا و عطفت علي قلوب الحواضن الأمهات و كفّلتني الأمهات الرواحم(الرحائم-خ ل-)،و كلأتني من طوارق الجان،و سلّمتني من الزيادة و النقصان فتعاليت يا رحيم يا رحمن حتى إذا استهللت ناطقا بالكلام أتممت علي سوابغ الإنعام و ربيتني زائدا في كل عام،حتى إذا اكتملت فطرتي و اعتدلت مرتي أوجبت علي حجتك بأن ألهمتني معرفتك و روّعتني بعجائب حكمتك و أيقظتني لما ذرأت في سمائك و أرضك من بدائع خلقك،و نبّهتني لشكرك و ذكرك و أوجبت علي طاعتك و عبادتكي.

ص: 124


1- في نسخة:لم تشهرني بخلقي.

و فهّمتني ما جاءت به رسلك،و يسرت لي تقبل مرضاتك و مننت علي-في جميع ذلك-بعونك و لطفك،ثم إذ خلقتني من خير الثرى يا إلهي فأي نعمك أحصي عددا و ذكرا،أم أي عطاياك أقوم بها شكرا و هي يا رب أكثر من أن يحصيها العادون،أو يبلغ علما بها الحافظون،ثم ما صرفت و درأت عني اللّهم-من الضر و الضراء-أكثر مما ظهر لي من العافية و السراء و أنا أشهد يا إلهي بحقيقة إيماني و عقد عزمات يقيني و خالص صريح توحيدي،و باطن مكنون ضميري و علائق مجاري نور بصري و أسارير صفحة جبيني و خرق مسارب نفسي و خذاريف مارن عرنيني و مسارب سماخ (1)سمعي و ما ضمّت و أطبقت عليه شفتاي،و حركات لفظ لساني، و مغرز حنك فمي و فكي و منابت أضراسي و مساغ مطعمي و مشربي و حمالة أم رأسي و بلوغ فارغ حبائل(و بلوغ حبائل)عنقي و ما اشتمل عليه تامور صدري و حمائل حبل و تيني و نياط حجاب قلبي و أفلاذ حواشي كبدي و ما حوته شراسيف أضلاعي و حقاق مفاصلي و قبض عواملي،و أطراف أناملي و لحمي و دمي و شعري و بشري و عصبي و قصبي و عظامي و مخي و عروقي و جميع جوارحي، و ما انتسج على ذلك أيام رضاعي،و ما أقلّت الأرض مني و نومي و يقظتي و سكوني،و حركات ركوعي و سجودي-أن لو حاولت و اجتهدت-مدى الأعصار و الأحقاب لو عمّرتها-أن أؤدي شكر واحدة من أنعمك،ما استطعت ذلك إلا بمنك الموجب علي به شكرك أبدا جديدا،و ثناء طارفا عتيدا،أجل..و لو حرصت أنا و العادون من أنامك أن نحصي مدى أنعامك سالفه(لفة-خ ل-)و آنفه ما حصرناه عددا،و لا أحصيناه أمدا،هيهات أنى ذلك!!!و أنت المخبر في كتابك الناطق،و النبأ الصادق وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌخ.

ص: 125


1- في نسخة:صماخ.

كَفّارٌ (1) صدق كتابك اللّهم و أنباؤك و بلّغت أنبياؤك و رسلك ما أنزلت عليهم من وحيك،و شرعت لهم و بهم من دينك،غير أني-يا إلهي-أشهد بجهدي و جدي، و مبلغ طاعتي و وسعي،و أقول مؤمنا موقنا:الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا فيكون موروثا،و لم يكن له شريك في ملكه فيضاده فيما ابتدع و لا ولي من الذل فيرفده فيما صنع فسبحانه سبحانه لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا و تفطرتا سبحان الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد،الحمد لله حمدا يعادل حمد ملائكته المقربين و أنبيائه المرسلين،و صلى الله على خيرته محمد خاتم النبيين الطيبين الطاهرين المخلصين و سلّم».

و أخذ الحسين عليه السّلام يدعو الله و قد جرت دموع عينيه على سحنات وجهه الشريف و هو يقول:

«اللّهم اجعلني أخشاك،كأني أراك،و أسعدني بتقواك،و لا تشقني بمعصيتك و خرلي في قضائك و بارك لي في قدرك،حتى لا أحب تعجيل ما أخّرت و لا تأخير ما عجّلت،اللّهم اجعل غناي في نفسي،و اليقين في قلبي،و الإخلاص في عملي،و النور في بصري،و البصيرة في ديني،و متعني بجوارحي،و اجعل سمعي و بصري الوارثين مني،و انصرني على من ظلمني،و أرني فيه ثأري و مآربي و أقر بذلك عيني اللهم اكشف كربتي و استر عورتي،و اغفر لي خطيئتي،و اخسأ شيطاني و فك رهاني،و اجعل لي-يا إلهي-الدرجة العليا في الآخرة و الأولى،اللّهم لك الحمد كما خلقتني،فجعلتني سميعا بصيرا و لك الحمد كما خلقتني،فجعلتني خلقا (2)سويا رحمة بي و قد كنت عن خلقي غنيا،رب بما برأتني فعدّلت فطرتي رب بما أنشأتني فأحسنت صورتي،رب بما أحسنت إلي و في نفسي عافيتني،رب بما كلأتنيا.

ص: 126


1- إبراهيم:34.
2- في نسخة:حيا.

و وفقتني رب بما أنعمت علي فهديتني،رب بما أوليتني و من كل خير أعطيتني،رب بما أطعمتني و سقيتني،رب بما أغنيتني و أقنيتني،رب بما أعنتني و أعززتني،رب بما ألبستني من سترك الصافي و يسرت لي من صنعك الكافي،صل على محمد و آل محمد و أعني على بوائق الدهور و صروف الليالي و الأيام،و نجنا من أهوال الدنيا و كربات الآخرة،و اكفني شر ما يعمل الظالمون في الأرض،اللّهم ما أخاف فاكفني،و ما أحذر فقني و في نفسي و ديني فاحرسني،و في سفري فاحفظني،و في أهلي و مالي فاخلفني و فيما رزقتني فبارك لي،و في نفسي فذللني،و في أعين الناس فعظّمني و من شر الجن و الإنس فسلّمني،و بذنوبي فلا تفضحني،و بسريرتي فلا تخزني و بعملي فلا تبتلني،و نعمك فلا تسلبني،و إلى غيرك فلا تكلني إلهي إلى من تكلني؟إلى قريب فيقطعني أم إلى بعيد فيتجهمني أم إلى المستضعفين لي و أنت ربي و مليك أمري أشكو إليك غربتي،و بعد داري،و هواني على من ملّكته أمري إلهي،فلا تحلل علي غضبك فإن لم تكن غضبت علي فلا أبالي سواك،سبحانك غير أن عافيتك أوسع لي،فأسألك يا رب بنور وجهك الذي أشرقت له الأرض و السماوات،و كشفت به الظلمات و صلح به أمر الأولين و الآخرين أن لا تميتني على غضبك،و لا تنزل بي سخطك،لك العتبى حتى ترضى قبل ذلك،لا إله إلا أنت رب البلد الحرام،و المشعر الحرام،و البيت العتيق الذي أحللته البركة و جعلته للناس أمنا،يا من عفا عن عظيم الذنوب بحلمه،يا من أسبغ النعماء بفضله يا من أعطى الجزيل بكرمه،يا عدتي في شدتي يا صاحبي في وحدتي يا غياثي في كربتي،يا وليي في نعمتي،يا إلهي و إله آبائي إبراهيم،و إسماعيل و إسحاق و يعقوب،و رب جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل،و رب محمد خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و اله المنتجبين منزل التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان،و منزل كهيعص و طه و يس و القرآن الكريم، أنت كهفي حين تعييني المذاهب في سعتها و تضيق بي الأرض برحبها و لولا رحمتك لكنت من الهالكين و أنت مقيل عثرتي و لولا سترك إياي لكنت من

ص: 127

المفضوحين،و أنت مؤيدي بالنصر على أعدائي و لولا نصرك إياي(لي-خ ل-) لكنت من المغلوبين،يا من خص نفسه بالسمو و الرفعة،فأولياؤه بعزه يعتزون،يا من جعلت له الملوك نير المذلة على أعناقهم فهم من سطواته خائفون يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور و غيب ما تأتي به الأزمنة و الدهور،يا من لا يعلم كيف هو إلا هو،يا من لا يعلم ما هو إلا هو،يا من لا يعلمه إلا هو (1)يا من كبس الأرض على الماء و سد الهواء بالسماء،يا من له أكرم الأسماء،يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، يا مقيض الركب ليوسف في البلد القفر و مخرجه من الجب و جاعله بعد العبودية ملكا،يا راده على يعقوب بعد أن ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم يا كاشف الضر و البلوى عن أيوب و ممسك يدي إبراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر سنه و فناء عمره،يا من استجاب لزكريا فوهب له يحيى،و لم يدعه فردا وحيدا،يا من أخرج يونس من بطن الحوت،يا من فلق البحر لبني إسرائيل فأنجاهم و جعل فرعون و جنوده من المغرقين،يا من أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته،يا من لم يعجل على من عصاه من خلقه،يا من استنقذ السحرة من بعد طول الجحود،و قد غدوا في نعمته يأكلون رزقه،و يعبدون غيره و قد حادوه و نادوه و كذبوا رسله،يا الله يا الله يا بديء يا بديع لا ندلك،يا دائما لا نفاد لك يا حيا حين لا حي يا محيي الموتى،يا من هو قائم على كل نفس بما كسبت،يا من قل له شكري فلم يحرمني،و عظمت خطيئتي فلم يفضحني،و رآني على المعاصي فلم يشهرني،يا من حفظني في صغري،يا من رزقني في كبري،يا من أياديه عندي لا تحصى و نعمه لا تجازى،يا من عارضني بالخير و الإحسان و عارضته بالإساءة و العصيان،يا من هداني للإيمان من قبل أن أعرف شكر الامتنان،يا من دعوته مريضا فشفاني،و عريانا فكساني،و جائعا فأشبعني و عطشانا فأرواني و ذليلا فأعزني،و جاهلا فعرفني،و.

ص: 128


1- في نسخة:يا من لا يعلم ما يعلمه إلا هو.

و وحيدا فكثرني،و غائبا فردني،و مقلا فأغناني،و منتصرا فنصرني،و غنيا فلم يسلبني،و أمسكت عن جميع ذلك فابتدأني فلك الحمد و الشكر،يا من أقال عثرتي و نفّس كربتي،و أجاب دعوتي،و ستر عورتي،و غفر ذنوبي،و بلغني طلبتي، و نصرني على عدوي،و إن أعد نعمك و مننك و كرائم منحك لا أحصيها،يا مولاي أنت الذي مننت،أنت الذي أنعمت،أنت الذي أحسنت،أنت الذي أجملت،أنت الذي أفضلت،أنت الذي أكملت،أنت الذي رزقت،أنت الذي وفّقت،أنت الذي أعطيت،أنت الذي أغنيت،أنت الذي آويت،أنت الذي كفيت،أنت الذي هديت،أنت الذي عصمت أنت الذي سترت،أنت الذي غفرت،أنت الذي أقلت،أنت الذي مكّنت، أنت الذي أعززت،أنت الذي أعنت،أنت الذي عضدت أنت الذي أيدت،أنت الذي نصرت،أنت الذي شفيت،أنت الذي عافيت،أنت الذي أكرمت،تباركت و تعاليت فلك الحمد دائما،و لك الشكر و اصبا أبدا ثم أنا-يا إلهي-المعترف بذنوبي فاغفرها لي، أنا الذي أسأت،أنا الذي أخطأت،أنا الذي هممت،أنا الذي جهلت،أنا الذي غفلت،أنا الذي سهوت،أنا الذي اعتمدت،أنا الذي تعمدت،أنا الذي وعدت،أنا الذي أخلفت أنا الذي نكثت،أنا الذي أقررت أنا الذي اعترفت بنعمتك علي و عندي،و أبوء بذنوبي فاغفرها لي يا من لا تضره ذنوب عباده و هو الغني عن طاعتهم،و الموفق من عمل صالحا منهم بمعونته و رحمته،فلك الحمد إلهي و سيدي،إلهي أمرتني فعصيتك و نهيتني فارتكبت نهيك،فأصبحت لا ذا براءة(لي-خ ل-)فأعتذر و لا ذا قوة فأنتصر فبأي شي أستقبلك (1)يا مولاي أبسمعي أم ببصري أم بلساني أم بيدي أم برجلي،أليس كلها نعمك عندي و بكلها عصيتك؟يا مولاي فلك الحجة و السبيل علي يا من سترني من الآباء و الأمهات أن يزجروني،و من العشائر و الإخوان أن يعيروني و من السلاطين أن يعاقبوني،و لو اطلعوا يا مولاي على ما اطلعت عليهك.

ص: 129


1- في نسخة:أستقيلك.

مني إذا ما أنظروني،و لرفضوني و قطعوني،فها أنا ذا يا إلهي بين يديك يا سيدي خاضع ذليل حسير حقير،لا ذو براءة فأعتذر و لا ذو قوة فأنتصر،و لا حجة فأحتج بها،و لا قائل لم أجترح و لم أعمل سوء،و ما عسى الجحود و لو جحدت يا مولاي ينفعني،كيف و أنى ذلك،و جوارحي كلها شاهدة علي بما قد عملت و علمت يقينا غير ذي شك أنك سائلي من عظائم الأمور و أنك الحكم العدل الذي لا تجور،و عدلك مهلكي،و من كل عدلك مهربي فإن تعذبني-يا إلهي-فبذنوبي بعد حجتك علي،و إن تعف عني فبحلمك و جودك و كرمك،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المستغفرين،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الموحدين،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الخائفين،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الوجلين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الراجين،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الراغبين،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المهللين،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من السائلين،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المسبحين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المكبرين،لا إله إلا أنت سبحانك ربي و رب آبائي الأولين،اللّهم هذا ثنائي عليك ممجدا و إخلاصي لذكرك موحدا،و إقراري بآلائك معددا و إن كنت مقرا أني لم أحصها لكثرتها و سبوغها و تظاهرها و تقادمها إلى حادث ما لم تزل تتعهدني به معها منذ خلقتني و برأتني من أول العمر من الإغناء بعد الفقر،و كشف الضر، و تسبيب اليسر،و دفع العمر،و تفريج الكرب،و العافية في البدن و السلامة في الدين و لو رفدني على قدر ذكر نعمتك جميع العالمين من الأولين و الآخرين ما قدرت و لا هم على ذلك تقدست و تعاليت من رب كريم عظيم رحيم لا تحصى آلاؤك،و لا يبلغ ثناؤك،و لا تكافى نعماؤك،صل على محمد و آل محمد و أتمم علينا نعمك و أسعدنا بطاعتك،سبحانك لا إله إلا أنت،اللّهم إنك تجيب المضطر و تكشف السوء،و تغيث المكروب،و تشفي السقيم و تغني الفقير،و تجبر الكسير،و ترحم الصغير،و تعين الكبير،و ليس دونك ظهير،و لا فوقك قدير،و أنت العلي الكبير يا مطلق المكبل

ص: 130

الأسير يا رازق الطفل الصغير،يا عصمة الخائف المستجير،يا من لا شريك له و لا وزير صل على محمد و آل محمد،و أعطني في هذه العشية أفضل ما أعطيت و أنلت أحدا من عبادك،و من نعمة توليها،و آلاء تجددها،و بلية تصرفها،و كربة تكشفها، و دعوة تسمعها،و حسنة تتقبلها،و سيئة تتغمدها،إنك لطيف بما تشاء خبير،و على كل شي قدير،اللّهم إنك أقرب من دعي و أسرع من أجاب و أكرم من عفا و أوسع من أعطى،و أسمع من سئل،يا رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمهما،ليس كمثلك مسؤول، و لا سواك مأمول دعوتك فأجبتني،و سألتك فأعطيتني،و رغبت إليك فرحمتني، و وثقت بك فنجيتني،و فزعت إليك فكفيتني اللّهم فصل على محمد عبدك و رسولك و نبيك و على آله الطيبين الطاهرين أجمعين و تمم لنا نعماءك و هنئنا عطاءك و اكتبنا لك شاكرين و لآلائك ذاكرين آمين آمين رب العالمين اللّهم يا من ملك فقدر،و قدر فقهر و عصي فستر،و استغفر فغفر يا غاية الطالبين الراغبين،و منتهى أمل الراجين،يا من أحاط بكل شي علما،و وسع المستقيلين رأفة و رحمة و حلما،اللّهم إنا نتوجه إليك في هذه العشية التي شرفتها و عظمتها،بمحمد نبيك و رسولك، و خيرتك من خلقك،و أمينك على وحيك البشير النذير،السراج المنير الذي أنعمت به على المسلمين،و جعلته رحمة للعالمين،اللّهم فصل على محمد و آل محمد،كما محمد أهل لذلك منك يا عظيم،فصل عليه و على آله المنتجبين الطيبين الطاهرين أجمعين،و تغمدنا بعفوك عنا،فإليك عجّت الأصوات بصنوف اللغات فاجعل لنا اللّهم في هذه العشية نصيبا من كل خير تقسمه بين عبادك و نورا تهدي به،و رحمة تنشرها و بركة تنزلها،و عافية تجللها و رزقا تبسطه يا أرحم الراحمين،اللّه اقبلنا في هذا الوقت منجحين مفلحين،مبرورين غانمين و لا تجعلنا من القانطين و لا تخلنا من رحمتك،و لا تحرمنا ما نؤمله من فضلك،و لا تجعلنا من رحمتك محرومين و لا لفضل ما نؤمله من عطائك قانطين و لا تردنا خائبين،و لا من بابك مطرودين،يا أجود الأجودين،و أكرم الأكرمين،إليك أقبلنا موقنين،و لبيتك الحرام

ص: 131

آمّين قاصدين فأعنا على مناسكنا،و أكمل لنا حجنا،و اعف عنا،و عافنا فقد مددنا إليك أيدينا،فهي بذلة الاعتراف موسومة،اللّهم فأعطنا في هذه العشية ما سألناك و اكفنا ما استكفيناك،فلا كافي لنا سواك،و لا رب لنا غيرك،نافذ فينا حكمك محيط بنا علمك،عدل فينا قضاؤك،اقض لنا الخير،و اجعلنا من أهل الخير،اللهم أوجب لنا بجودك عظيم الأجر،و كريم الذخر،و دوام اليسر،و اغفر لنا ذنوبنا أجمعين،و لا تهلكنا مع الهالكين و لا تصرف عنا رأفتك و رحمتك يا أرحم الراحمين،اللّهم اجعلنا في هذا الوقت ممن سألك فأعطيته و شكرك فزدته،و تاب إليك فقبلته و تنصل إليك من ذنوبه كلها فغفرتها له يا ذا الجلال و الإكرام،اللّهم نقنا(و فقنا-خ ل-)و سددنا (و اعصمنا-خ ل-)و اقبل تضرعنا،يا خير من سئل،و يا أرحم من استرحم،يا من لا يخفى عليه إغماض الجفون و لا لحظ العيون،و لا ما استقر في المكنون و لا ما انطوت عليه مضمرات القلوب،ألا كل ذلك قد أحصاه علمك و وسعه حلمك، سبحانك و تعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا،تسبح لك السماوات السبع، و الأرضون و من فيهن،و إن من شي إلا يسبح بحمدك،فلك الحمد و المجد،و علو الجد،يا ذا الجلال و الإكرام و الفضل و الإنعام،و الأيادي الجسام،و أنت الجواد الكريم،الرؤوف الرحيم،اللّهم أوسع علي من رزقك الحلال،و عافني في بدني و ديني،و آمن خوفي و اعتق رقبتي من النار،اللّهم لا تمكر بي و لا تستدرجني و لا تخدعني،و ادرأ عني شر فسقة الجن و الإنس(ثم رفع بصره إلى السماء و قال برفيع صوته):يا أسمع السامعين،يا أبصر الناظرين و يا أسرع الحاسبين،و يا أرحم الراحمين،صل على محمد و آل محمد السادة الميامين و أسألك اللّهم حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني،و إن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني،أسألك فكاك رقبتي من النار لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك لك الملك و لك الحمد،و أنت على كل شيء قدير يا رب يا رب».

و أثّر هذا الدعاء تأثيرا عظيما في نفوس من كان مع الإمام،فاتجهوا بقلوبهم

ص: 132

و عواطفهم نحوه يستمعون دعاءه،و علت أصواتهم بالبكاء معه،و ذهلوا عن الدعاء لأنفسهم في ذلك المكان الذي يستحب فيه الدعاء،و يقول الرواة:إن الإمام استمر يدعو حتى غربت الشمس،فأفاض إلى(المزدلفة)و فاض الناس معه (1).1.

ص: 133


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:118/1.

دعاء الإمام الحسين عليه السلام المستجاب

اشارة

و في التهذيب مسندا إلى الصادق عليه السّلام أنّ امرأة كانت تطوف و خلفها رجل فأخرجت ذراعها فوضع يده على ذراعها فأثبت اللّه يد الرجل في ذراعها حتّى قطع الطواف،و أرسل إلى الأمير فاجتمع الناس و أرسلوا إلى الفقهاء فقالوا:إقطع يده فأرسل إلى الحسين عليه السّلام فدعى اللّه تعالى و خلّص يده من يدها فقال الأمير:ألا نعاقبه بما صنع؟

قال:لا (1).

روى أبو جعفر الطبري في تاريخه و غيره من نقلة الأخبار و الآثار أن عمر بن سعد أمّر عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس،فنزلوا على الشريعة و حالوا بين حسين و أصحابه و بين الماء أن يسقى منه قطرة و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث قال:

و نازله عبد اللّه بن أبي حصين الأزدي و عداده في بجيلة فقال:يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء و اللّه لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا.

فقال الحسين عليه السّلام:اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا.

قال:قال حميد بن مسلم:و اللّه لعدته بعد ذلك في مرضه فو اللّه الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتى بغر،ثم يقي ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى فما زال ذلك دأبه حتى لفظ غصته يعني نفسه (2).

ص: 134


1- وسائل الشيعة:228/13.
2- تاريخ الطبري:312/4.

و روى أيضا في تاريخه:أن رجلا من بني تميم يقال له عبد اللّه بن حوزة،جاء حتى وقف أمام الحسين فقال:يا حسين يا حسين.

فقال الحسين عليه السّلام:ما تشاء؟

قال:أبشر بالنار.

قال:كلا إني أقدم على رب رحيم و شفيع و مطاع،من هذا؟

قال له أصحابه:هذا ابن حوزة.

قال عليه السّلام:رب حزه إلى النار.

قال:فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه و تعلقت رجله بالركاب و وقع رأسه في الأرض،و نفر الفرس،فأخذ يمر به فيضرب برأسه كل حجر و كل شجرة حتى مات. (1).

روى أيضا في تاريخه:و مكث الحسين عليه السّلام طويلا من النهار الى أن انتهى إليه رجل من كندة يقال له:مالك بن النسر من بني بداء أتاه فضربه على رأسه بالسيف و عليه برنس له فقطع البرنس و أصاب السيف رأسه فأدمى رأسه فامتلأ البرنس دما،فقال له الحسين عليه السّلام:لا أكلت بها لا شربت و حشرك اللّه مع الظالمين-إلى أن قال-فذكر أصحاب الكندي أنه لم يزل فقيرا بشر حتى مات (2).

السيد الرضي في عيون المعجزات:عن جعفر بن محمد بن عمارة،عن أبيه،عن الإمام الصادق عليه السّلام،عن أبيه،عن جده عليهم السلام،قال:جاء أهل الكوفة إلى علي عليه السّلام،فشكوا إليه إمساك المطر،و قالوا له استق لنا.

فقال للحسين عليه السّلام:قم و استسق،فقام و حمد اللّه و أثنى عليه،و صلى على النبي صلّى اللّه عليه و اله،و قال:اللهم معطي الخيرات،و منزل البركات،أرسل الماء علينا مدرارا،3.

ص: 135


1- عيون المعجزات:57.
2- مناقب آل أبي طالب:215/3.

و أسقنا غيثا مغزارا واسعا غدقا مجللا سحا سفوحا ثجاجا،تنفس به الضعف من عبادك،و تحيي به الميت من بلادك آمين رب العالمين.

فما فرغ عليه السّلام من دعائه،حتى غاث اللّه غيثا ببركته عليه السّلام.

و أقبل أعرابي من بعض نواحي الكوفة،فقال:تركت الأودية و الأكام يموج بعضها في بعض (1).

إستجابة دعاء الحسين على ابن جويرية

السيد الرضي:قال:حدث جعفر بن محمد بن عمارة،عن أبيه،عن عطاء بن السائب،عن أخيه قال:شهدت يوم الحسين عليه السّلام فأقبل رجل من تميم يقال له عبد اللّه بن جويرية فقال:يا حسين،فقال عليه السّلام:ما تشاء؟فقال:أبشر بالنار.

فقال عليه السّلام:كلا إني اقدم على رب غفور و شفيع مطاع،و أنا من خير و إلى خير، من أنت؟

قال:أنا ابن جويرية،فرفع يده الحسين عليه السّلام حتى رأينا بياض إبطيه،و قال:

اللهم جره إلى النار،فغضب بن جويرية،فحمل عليه،فاضطرب به فرسه في جدول،و تعلق رجله بالركاب و وقع رأسه في الأرض،و نفر الفرس فأخذ يعدو به و يضرب رأسه بكل حجر و شجر،و انقطعت قدمه و ساقه و فخذه،و بقي جانبه الآخر متعلقا في الركاب،فصار لعنه اللّه إلى نار الجحيم (2).

ص: 136


1- مدينة المعاجز/السيد هاشم البحراني:474/3،و عيون المعجزات:64 و عنه البحار:/44 187 ح 16،و العوالم:51/17 ح 1.
2- عيون المعجزات:65 و عنه البحار:18744 ذ ح 16 و العوالم:17 52 ح 1.

إستجابة دعاء الحسين على ابن أبي جويرية المزني

ابن بابويه في أماليه:بإسناده عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث مقتله عليه السلام:إن الحسين عليه السّلام قال لأصحابه:قوموا فاشربوا من الماء يكون آخر زادكم، و توضأوا و اغتسلوا و اغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم.ثم صلى بهم الفجر و عبأهم تعبئة الحرب،و أمر بحفيرته التي حول عسكره،فأضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد،و أقبل رجل من عسكر عمر بن سعد لعنه اللّه على فرس له يقال له:ابن أبي جويرية المزني.فلما نظر إلى النار تتقد صفق بيده،و نادى:يا حسين و أصحاب الحسين،أبشروا بالنار،فقد تعجلتموها في الدنيا.

فقال الحسين عليه السّلام:من الرجل؟

فقيل:ابن أبي جويرية المزني.

فقال الحسين عليه السّلام:اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا.فنفر به فرسه،فألقاه في تلك النار فاحترق (1).

إستجابة دعاء الحسين على تميم بن حصين

ابن بابويه في أماليه:بإسناده عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث المقتل:ثم خرج رجل آخر يقال له:تميم بن الحصين الفزاري،فنادى:يا حسين و يا أصحاب الحسين،أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات و اللّه لا ذقتم منه قطرة واحدة حتى تذوقوا الموت جرعا.فقال الحسين عليه السّلام:من الرجل؟فقيل:تميم بن

ص: 137


1- مدينة المعاجز/السيد هاشم البحراني:474/3.

الحصين.

فقال الحسين عليه السّلام:هذا و أبوه من أهل النار.اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم.

قال:فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه،فوطأته الخيل بسنابكها فمات (1).

إستجابة دعاء الحسين على محمد بن الأشعث

ابن بابويه:بإسناده،عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث المقتل:ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد عليه اللعنة يقال له،محمد بن الأشعث بن قيس الكندي،فقال:

يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول اللّه ليست لغيرك؟فتلا الحسين عليه السّلام هذه الآية: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ الآية (2).ثم قال:و اللّه إن محمدا لمن آل إبراهيم،و إن العترة الهادية لمن آل محمد،من الرجل؟فقيل:محمد بن الأشعث بن قيس الكندي.

فرفع الحسين عليه السّلام رأسه إلى السماء و قال:اللهم أر محمد بن الأشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا،فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز،فسلط اللّه عليه عقربا،فلدغته،فمات بادي العورة (3).

ابن شهر آشوب:روي أن الحسين عليه السّلام دعا و قال:اللهم إنا أهل(بيت)نبيك و ذريته(و قرابته)فاقصم من ظلمنا و غصبنا حقنا،إنك سميع قريب.

فقال محمد بن الأشعث:و أي قرابة بينك و بين محمد صلّى اللّه عليه و اله؟فقرأ الحسين: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، ثم قال:اللهم أره في هذا اليوم ذلا عاجلا.

ص: 138


1- أمالي الصدوق:134،و عنه البحار:317/44.
2- سورة آل عمران:33-34.
3- أمالي الصدوق:134 و عنه البحار:317/44.

فبرز ابن الأشعث للحاجة فلسعته عقرب على ذكره(فسقط)و هو يستغيث و يتقلب على حدثه (1).

إستجابة دعاء الحسين عليه السّلام على رجل من بني أبان

ثاقب المناقب:عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة قال:حدثني من شهد عسكر الحسين صلوات اللّه عليه إن الحسين عليه السّلام لما غلب على عسكره العطش،ركب المسناة (2)يريد الفرات،فقال رجل من بني ابان بن دارم:حولوا بينه و بين الماء، و رمى بسهم فاثبته في حنكه.فقال عليه السّلام:اللهم اظمئه،اللهم اظمئه،فو اللّه ما لبث الرجل إلا يسيرا حتى صبّ اللّه عليه الظمأ.

قال القاسم بن أصبغ:لقد رأيته و بين يديه قلال فيها الماء و أنه يقول:ويلكم اسقوني قتلني الظمأ،فيعطى القلة (3)أو العس (4)الذي أن أحدهما يروي أهل بيت، فيشربه ثم يقول:ويلكم اسقوني قتلني الظمأ.

قال:فو اللّه ما لبث إلاّ يسيرا حتى انقد بطنه انقداد بطن البعير.

و في رواية أخرى:النار توقد من خلفه و الثلج موضوع من قدامه،و هو يقول:

إسقوني إلى آخر الكلام (5).

ابن شهر آشوب:عن فضائل العشرة،عن أبي السعادات:بالإسناد في خبر، أنه لما رماه الرامي بسهم فأصاب حنكه و جعل يلقي الدم ثم يقول:هكذا إلى السماء

ص: 139


1- مناقب آل أبي طالب:57/4،و عنه البحار:302/45.
2- المسناة:سد يبنى لحجز ماء السيل.لسان العرب.
3- القلة:إناء من الفخار يشرب منها.المعجم الوسيط.
4- و العس:القدح الكبير.
5- مدينة المعاجز/السيد هاشم البحراني:478/3،و الثاقب في المناقب:341 ح 287.

فكان هذا الدارمي يصيح من الحر(في)بطنه و البرد في ظهره بين يديه المراوح و الثلج و خلفه الكانون و النار و هو يقول:إسقوني فيشرب العس ثم يقول اسقوني أهلكني العطش،قال:فانقد بطنه. (1)

إستجابة دعاء الحسين عليه السّلام على ابن جوزة

ابن شهر آشوب:عن ابن بطة في الإبانة،و ابن جرير في التاريخ:إنه نادى الحسين عليه السّلام ابن جوزة فقال:يا حسين أبشر فقد تعجلت النار في الدنيا قبل الآخرة.

قال:ويحك أنا؟

قال:نعم.

قال:ولي رب رحيم و شفاعة نبي مطاع كريم،اللهم إن كان عندك كاذبا فجره إلى النار.

قال:فما هو إلاّ أن ثنى عنان فرسه فوثب(به)فرمى به و بقيت رجله في الركاب و نفر الفرس فجعل يضرب برأسه كل حجر و شجر حتى مات.و في رواية غيرهما:

اللهم جره إلى النار،و أذقه حرها في الدنيا قبل مصيره إلى الاخرة،فسقط عن فرسه في الخندق،و كان فيه نار فسجد الحسين عليه السّلام (2).

ص: 140


1- مناقب آل أبي طالب:56/4،و عنه البحار:301/45.
2- البحار:301/45.

إستجابة دعاء الحسين عليه السّلام على عبد اللّه بن الحصين

ابن شهر آشوب:عن ابن بابويه و تاريخ الطبري:قال أبو القاسم الواعظ:نادى رجل:يا حسين إنّك لن تذوق من الفرات قطرة حتى تموت أو تنزل على حكم الأمير.

فقال الحسين عليه السّلام:اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا،فغلب عليه العطش فكان يعب المياه و يقول:و اعطشاه حتى تقطع.

و في تاريخ الطبري أنه كان هذا المنادي عبد اللّه بن الحصين الأزدي،رواه حميد ابن مسلم و في رواية:كان رجلا من دارم. (1)

إستجابة دعائه عليه السّلام على رجل

ابن شهر آشوب:من أمالي أبي سهل القطان:يرويه عن ابن عيينة قال:أدركت من قتلة الحسين رجلين،أما أحدهما فإنه طال ذكره حتى كان يلفه.و في رواية كان يحمله على عاتقه.و أما الآخر فإنه كان يستقبل الراوية فيشربها إلى آخرها و لا يروى،و ذلك إنه نظر إلى الحسين،و قد أهوى إلى فيه بماء و هو يشرب فرماه بسهم.

فقال الحسين عليه السّلام:لا أرواك اللّه من الماء في دنياك و لا في آخرتك (2).

ابن شهر آشوب:قال في رواية:إن رجلا من كلب رماه بسهم فشك شدقه.

ص: 141


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق.

فقال الحسين عليه السّلام لا أرواك اللّه،فعطش الرجل حتى رمى نفسه في الفرات و شرب حتى مات (1).

ابن شهر آشوب:من تاريخ الطبري أن رجلا من كندة،يقال له مالك بن اليسر، أتى الحسين عليه السّلام بعد ما ضعف من كثرة الجرحات فضربه على رأسه بالسيف، و عليه برنس من خز.

فقال عليه السّلام:لا أكلت بها و لا شربت،و حشرك مع الظالمين،فألقى ذلك البرنس من رأسه فأخذه الكندي فأتى به أهله.فقالت امرأته:أسلب الحسين تدخله في بيتي؟ أخرج فو اللّه لا تدخل بيتي أبدا،فلم يزل فقيرا حتى هلك (2).3.

ص: 142


1- المصدر السابق.
2- مدينة المعاجز/السيد هاشم البحراني:481/3.

إستجابة دعائه عليه السّلام على عمر بن سعد

روي أن الحسين عليه السّلام لما راى اشتداد الأمر عليه،و كثرة العساكر عاكفة عليه كل منهم يريد قتله،أرسل إلى عمر بن سعد لعنه اللّه(يستمهله)و يقول أريد أن ألقاك فأخلو معك ساعة.

فخرج عمر بن سعد من الخيمة،و جلس مع الحسين عليه السّلام ناحية من الناس، فتناجيا طويلا.

فقال له الحسين عليه السّلام:ويحك يا بن سعد!أما تتقي اللّه الذي إليه معادك أراك تقاتلني و تريد قتلي،و أنا ابن(عم)من قد علمت دون هؤلاء القوم،و اتركهم و كن معي،فإنه أقرب لك إلى اللّه تعالى.

فقال له:يا حسين إني أخاف أن تهدم داري بالكوفة،و تنهب أموالي.

فقال له الحسين عليه السّلام:أنا أبني لك خيرا من دارك.

فقال:أخشى أن تؤخذ ضياعي بالسواد.فقال له الحسين:أنا أعطيك من مالي البغيبغة و هي عين عظيمة بأرض الحجاز،و كان معاوية أعطاني في ثمنها ألف ألف دينار من الذهب فلم أبعه إياها،فلم يقبل عمر بن سعد لعنه اللّه شيئا من ذلك.

فانصرف عنه الحسين عليه السّلام و هو غضبان عليه و هو يقول:ذبحك اللّه يا بن سعد على فراشك عاجلا،و لا غفر لك يوم حشرك و نشرك،فو اللّه إني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق إلاّ يسيرا.

فقال له عمر بن سعد مستهزءا:يا حسين إن في الشعير عوضا عن البر،ثم رجع

ص: 143

إلى عسكره (1).

استجابة دعاء الحسين في فك ذراع عن ذراع

روى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في التهذيب بإسناده عن محمد ابن الحسين عن الحكم بن مسكين عن أيوب بن أعين عن أبي عبد اللّه قال عليه السّلام:إن امرأة كانت تطوف و خلفها رجل فأخرجت ذراعها،فمال بيده حتى وضعها على ذراعها فأثبت اللّه يده في ذراعها حتى قطع الطواف و أرسل إلى الأمير، و اجتمع الناس،و أرسل إلى الفقهاء فجعلوا يقولون:اقطع يده فهو الذي جنى الجناية،فقال:ها هنا أحد من ولد محمد صلّى اللّه عليه و اله؟

فقالوا:نعم،الحسين بن علي عليه السّلام قدم الليلة فأرسل إليه فدعاه،فقال:أنظر ما لقيا ذان،فاستقبل القبلة و رفع يديه فمكث طويلا يدعو،ثم جاء إليهما حتى خلص يده من يدها،فقال الأمير:ألا نعاقبه بما صنع؟

قال:لا (2).

ص: 144


1- مدينة المعاجز/السيد هاشم البحراني:481/3.
2- التهذيب:470/5 ح 1647.

عجز الحسين عليه السلام عن شكر اللّه

قال السيد الخامنئي:من الطبيعي أنّ إحصاء النعم الإلهية لا يتاح لأي كان.و حتى في دعاء عرفة-الذي آمل أنكم قد وفّقتم لقراءته،و سيحالفكم الحظ في كل سنة إن شاء اللّه في أيام عرفة لقراءته و التدبّر في معانيه-تلاحظون أنّ الإمام الحسين بن علي عليه السّلام يقول في أوائله:«أنا أشهد يا إلهي بحقيقة إيماني و عقد عزمات يقيني و خالص صريح توحيدي و باطن مكنون ضميري...أن لو حاولت و اجتهدت..أن أؤدي شكر واحدة من أنعمك ما استطعت ذلك إلا بمنّك..» (1).

فالحسين بن علي عليه السّلام-هذا الجندي المضحّي الذي لا مثيل له في تاريخ الإسلام و القيم المعنوية-يذكر مجموعة من النعم الإلهية مفصّلا جزئياتها في ما يقارب صفحة واحدة،ليقول إنّني غير قادر و بكل ما أوتيت من قوّة على أن أشكر نعمة واحدة من نعمك.

و إذا وفقت لشكر نعمة،فهذا التوفيق على الشكر يعد بحد ذاته نعمة من اللّه.

فليس كل أحد يكتب له التوفيق و لا كل أحد يرى جمال الحقيقة و المعنوية ليثني عليه،و لا كل أحد يدرك عظمة الفضل الإلهي،و وجود النعمة الإلهية.فالغفلة و الأنانية و الغرور لا تتيح لنا أن ننتبه إلى أننا في محضر زاخر بالألطاف الإلهية،أو أن نلتفت إلى ماهية هذه الألطاف و النعم.

فإذا ما كتب التوفيق لأحد لكي يتغلب في دوافعه و نواياه الذاتية و المادية على

ص: 145


1- العدد القوية:374.

الغرور و الهوى و قصور النظر،و تمكّن من مشاهدة الجمال المعنوي،و وقف أمامه موقف إجلال و تعظيم و خشع له قلبه،فهذا بحد ذاته نعمة إلهية كبرى تستلزم الشكر،و الإنسان غير قادر مطلقا على شكر النعم الإلهية حق قدرها (1).0.

ص: 146


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:30.

أخلاق الحسين عليه السلام

عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال:مر الحسين بمساكين يأكلون في الصفة،فقالوا:الغذاء،فنزل،و قال:إنّ اللّه لا يحب المتكبرين فتغدّى[معهم]ثم قال لهم:قد أجبتكم فأجيبوني،قالوا:نعم،فمضى بهم إلى منزله فقال للرباب:أخرجي ما كنت تدّخرين.

و روى العيّاشي قال:مرّ الحسين عليه السّلام بمساكين قد بسطوا كساء لهم و ألقوا إليه كسرا،فقالوا:هلمّ يا بن رسول اللّه فثنى و ركه و أكل معهم ثمّ تلا:إنّ اللّه لا يحبّ المستكبرين،ثمّ قال:أجبتكم فأجيبوني فقاموا معه حتّى أتوا منزله فقال للجارية:

اخرجي ما كنت تدّخرين (1).

و حدّث الصولي عن الصادق عليه السّلام إنّه جرى بين الحسين عليه السّلام و بين محمّد بن الحنفية كلام فكتب إلى الحسين عليه السّلام:أمّا بعد فإنّ أبي و أباك عليّ لا تفضلني و لا أفضلك فيه و امّك فاطمة بنت رسول اللّه و لو كان ملء الأرض ذهبا ملك امّي ما وفت بامّك،فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتّى تترضاني فإنّك أحقّ بالفضل منّي و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته،ففعل الحسين عليه السّلام ذلك فلم يجر بعذ ذلك بينهما شيء (2).

و في عيون المحاسن عن الزوياني أنّ الحسن و الحسين عليهما السلام مرّا على

ص: 147


1- البحار:189/44.
2- مناقب آل أبي طالب:222/3،و البحار:191/44.

شيخ يتوضّأ و لا يحسن،فأخذا في التنازع يقول كلّ واحد منهما:أنت لا تحسن الوضوء فقالا:أيّها الشيخ كن حكما بيننا يتوضأ كلّ واحد منّا فتوضّآ ثمّ قالا:أيّنا أحسن؟

قال:كلاكما تحسنان الوضوء و لكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن، و قد تعلّم الآن منكما و تاب على أيديكما ببركتكما و شفقتكما على امّة جدّكما (1).

و إشتهر النقل عن الحسين عليه السّلام أنّه كان يكرم الضيف،و يمنح الطالب،و يصل الرحم،و ينيل الفقير،و يسعف السائل،و يكسو العاري،و يشبع الجائع،و يعطي الغارم،و يشد من الضعيف،و يشفق على اليتيم،و يعين ذا الحاجة،و قلّ أن وصله مال إلاّ فرّقه.

و نقل أنّ معاوية لما قدم مكة وصله بمال كثير،و ثياب وافرة،و كسوات وافية، فرد الجميع عليه و لم يقبله منه (2).

و هذه سجية الجواد،و شنشنة الكريم،و سمة ذا السماحة،و صفة من قد حوى مكارم الأخلاق،فأفعاله المتلوة شاهدة له بصفة الكرم،ناطقة بأنه متّصف بمحاسن الشيم.

و قد كان في العبادة مقتديا بمن تقدّم حتى نقل عنه عليه السّلام أنّه حج خمسا و عشرين حجة إلى الحرم و نجائبه تقاد معه و هو ماش على القدم (3).

و عن الذيال بن حرملة،قال:خرج سائل يتخطى أزقة المدينة حتى أتى باب الحسين بن علي فقرع الباب و أنشأ يقول:

من لم يخف اليوم من رجاك و من حرّك من خلف بابك الحلقة3.

ص: 148


1- البحار:319/43.
2- -انظر:الفتوح 4:343.
3- -انظر الاستيعاب 1:382،ترجمة الامام الحسين عليه السّلام من تاريخ دمشق 215:194-197، صفة الصفوة 1:763.

و أنت جود و أنت معدنه أبوك قد كان قاتل الفسقة

قال:و كان الحسين بن علي واقفا يصلّي فخفف من صلاته،و خرج إلى الأعرابي فرأى عليه أثر ضرّ و فاقة،فرجع و نادى بقنبر فأجابه لبيك يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال:

ما تبقّى معك من نفقتنا؟قال:مائتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك،قال:فهاتها فقد أتى من هو أحق بها منهم،فأخذها و خرج يدفعها إلى الأعرابي و أنشأ يقول:

خذها و إني إليك معتذر و اعلم بأني عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا عصا تمدادا كانت سمانا عليك مندفقة

لكن ريب المنون ذو نكد و الكفّ منّا قليلة النفقة

قال فأخذها الأعرابي و ولّى و هو يقول:

مطهّرون نقيات جيوبهم تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

و أنتم أنتم الأعلون عندكم علم الكتاب و ما جاءت به السور

من لم يكن علويا حين تنسبه فما له في جميع الناس مفتخر

نظمها متقارب.

و روى أخطب خوارزم:أنّ أعرابيا جاء إلى الحسين عليه السّلام فقال:يا بن رسول اللّه قد ضمنت دية كاملة و عجزت عن أدائها فقلت:أسأل أكرم الناس،و ما رأيت أكرم من أهل بيت رسول اللّه.

فقال الحسين عليه السّلام:يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال و إن أجبت الإثنتين أعطيتك ثلثي المال و إن أجبت عن الكلّ أعطيتك الكلّ.

فقال الأعرابي:يا بن رسول اللّه أمثلك يسأل من مثلي و أنت من أهل العلم و الشرف.

فقال الحسين عليه السّلام:بلى،سمعت جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:المعروف بقدر المعرفة.

ص: 149

فقال الأعرابي:سل عمّا بدالك فإن أجبت و إلاّ تعلّمت منك و لا قوّة إلاّ باللّه.

فقال الحسين عليه السّلام:أي الأعمال أفضل؟

فقال الأعرابي:الإيمان باللّه،فقال الحسين عليه السّلام:فما النجاة من المهلكة؟

فقال الأعرابي:الثقة باللّه.

فقال الحسين عليه السّلام:فما يزيّن الرّجل؟

فقال الأعرابي:علم معه حلم.

فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال:مال معه مروة.

فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال:فقر معه صبر.

فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال الأعرابي:فصاعقة من السماء تنزل و تحرقه فإنّه أهل لذلك.

فضحك الحسين عليه السّلام و رمى إليه بصرّة فيها ألف دينار و أعطاه خاتمه و فيه فصّ قيمته مائتا درهم،و قال:يا أعرابي أعط الذهب لغرمائك و اصرف الخاتم في نفقتك.

فأخذ الأعرابي و قال:اللّه أعلم حيث يجعل رسالته (1).

و روي عن الحسين عليه السّلام إنّه قال:صحّ عندي قول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المؤمن بما لا إثم فيه،فإنّي رأيت غلاما يؤاكل كلبا فقلت له في ذلك فقال:يا بن رسول اللّه إنّي مغموم أطلب سرورا بسروره لأنّ صاحبي يهوديّ اريد افارقه فأتى الحسين عليه السّلام إلى صاحبه بمائتي دينار ثمنا له.

فقال اليهودي:الغلام فداء لخطاك،و هذا البستان له و رددت عليك المال قال:

قبلت المال و وهبته للغلام فقال الحسين عليه السّلام:أعتقت الغلام و وهبته له جميعا،4.

ص: 150


1- بحار الانوار:197/44.

فقالت امرأته:قد أسلمت و وهبت زوجي مهري فقال اليهودي:و أنا أيضا أسلمت و أعطيتها هذه الدار (1).

و في كتاب أنس المجاس:أنّ الفرزدق أتى الحسين عليه السّلام لمّا أخرجه مروان من المدينة فأعطاه أربعمائة دينار فقيل له شاعر فاسق فقال عليه السّلام:خير مالك ما وقيت به عرضك،و قال صلّى اللّه عليه و اله في عبّاس بن مرداس:اقطعوا لسانه عنّي.

وفد أعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس فدلّ على الحسين عليه السّلام فدخل المسجد فوجده مصلّيا فوقف بإزائه و أنشأ شعر:

لا يخب الآن من رجاك و من حرّك من بابك الحلقة

أنت جواد و أنت معتمد أبوك قد كان قاتل الفسقة

لو لا الذي كان من أوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقة

فسلّم الحسين عليه السّلام و قال:يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء؟

قال:أربعة آلاف دينار قال:هاتها قد جاء من هو أحقّ بها منّا،ثمّ نزع برديه و لفّ الدنانير فيها و أخرج يده من شقّ الباب حياء من الأعرابي و أنشأ شعرا:

خذها و إنّي إليك معتذر و اعلم بأنّي عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا أمست سمانا عليك مندفقة

لكن ريب الزمان ذو غبرة و الكفّ منّي قليلة النفقة

فأخذها الأعرابي و بكى فقال له:لعلّك استقللت ما أعطيناك؟

قال:لا،و لكن كيف يأكل التراب جودك.

أقول:العصا كناية عن الملك و بسط اليد فإنّ الوالي راع على الامّة،و المراد من السّما هنا كثرة الجود و الكرم (2).4.

ص: 151


1- كلمات الامام الحسين:626.
2- البحار:190/44.

و قيل:إنّ عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسين عليه السّلام الحمد،فلمّا قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار و ألف حلّة و حشا فاه درّا،فقيل له في ذلك،فقال:و أين يقع هذا من تعليمه،و أنشد عليه السّلام شعرا:

إذا جادت الدّنيا عليك فجد بها على الناس طرّا قبل أن تتفلّت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت و لا البخل يبقيها إذا ما تولت (1)3.

ص: 152


1- مناقب آل أبي طالب:222/3.

قوة الإرادة عند الحسين عليه السلام

من النزعات الذاتية لأبي الشهداء عليه السّلام قوة الإرادة،و صلابة العزم و التصميم، و قد ورث هذه الظاهرة الكريمة من جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله الذي غيّر مجرى التاريخ، و قلب مفاهيم الحياة،و وقف صامدا وحده أمام القوى الهائلة التي هبّت لتمنعه من أن يقول كلمة اللّه،فلم يعن بها و راح يقول لعمه أبي طالب مؤمن قريش:

«و الله لو وضعوا الشمس بيميني و القمر بيساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى أموت أو يظهره الله...».

بهذه الإرادة الجبارة قابل قوى الشرك،و استطاع أن يتغلب على مجريات الأحداث،و كذلك وقف سبطه العظيم في وجه الحكم الأموي فأعلن بلا تردد رفضه لبيعة يزيد،و انطلق مع قلة الناصر إلى ساحات الجهاد ليرفع كلمة الحق،و يدحض كلمة الباطل،و قد حشدت عليه الدولة الأموية جيوشها الهائلة،فلم يحفل بها،و أعلن عن عزمه و تصميمه بكلمته الخالدة قائلا:

«لا أرى الموت إلا سعادة،و الحياة مع الظالمين إلا برما..».و انطلق مع الأسرة الكريمة من أهل بيته و أصحابه إلى ميدان الشرف و المجد ليرفع راية الإسلام، و يحقق للأمة الإسلامية أعظم الانتصارات و الفتح حتى استشهد سلام الله عليه، و هو من أقوى الناس إرادة،و أمضاهم عزيمة و تصميما.غير حافل بما عاناه من الكوارث التي تذهل العقول و تحير الألباب (1).

ص: 153


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:80/1.

الإباء عن الضيم عند الإمام الحسين عليه السلام

و الصفة البارزة من نزعات الإمام الحسين عليه السّلام الإباء عن الضيم حتى لقب(بأبي الضيم)و هي من أعظم ألقابه ذيوعا و انتشارا بين الناس فقد كان المثل الأعلى لهذه الظاهرة فهو الذي رفع شعار الكرامة الإنسانية و رسم طريق الشرف و العزة،فلم يخنع،و لم يخضع لقرود بني أمية،و آثر الموت تحت ظلال الأسنة،يقول عبد العزيز بن نباتة السعدي:

و الحسين الذي رأى الموت في الع ز حياة و العيش في الذل قتلا

و وصفه المؤرخ الشهير اليعقوبي بأنه شديد العزة يقول ابن أبي الحديد:

«سيد أهل الإباء الذي علّم الناس الحمية،و الموت تحت ظلال السيوف اختيارا على الدنية أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عرض عليه الأمان هو و أصحابه فأنف من الذل،و خاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنه لا يقتله، فاختار الموت على ذلك.و سمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي يقول:كأن أبيات أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلا في الحسين:

و قد كان فوت الموت سهلا فرده إليه الحفاظ المر و الخلق الوعر

و نفس تعاف الضيم حتى كأنه هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر

فأثبت في مستنقع الموت رجله و قال لها:من دون أخصمك الحشر

تردّى ثياب الموت حمرا فما بدا لها الليل إلا و هي من سندس خضر

لقد علّم أبو الأحرار الناس نبل الإباء و نبل التضحية يقول فيه مصعب ابن الزبير:

«و اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة»ثم تمثل:

ص: 154

و إن الألى بالطف من آل هاشم تآسوا فسنّوا للكرام التآسيا

و قد كانت كلماته يوم الطف من أروع ما أثر من الكلام العربي في تصوير العزة و المنعة و الاعتداد بالنفس يقول:«ألا و إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة،و هيهات منا الذلة،يأبى الله ذلك و رسوله و المؤمنون،و حجور طابت و طهرت،و أنوف حمية،و نفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام...».

و وقف يوم الطف كالجبل الأشم غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردة الأموية،و قد ألقى عليهم و على الأجيال أروع الدروس عن الكرامة و عزة النفس و شرف الإباء قائلا:

«و الله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل،و لا أفر فرار العبيد إني عذت بربي و ربكم أن ترجمون...».

و ألقت هذه الكلمات المشرقة الأضواء على مدى ما يحمله الإمام العظيم من الكرامة التي لا حد لأبعادها،و التي هي من أروع ما حفل به تاريخ الإسلام من صور البطولات الخالدة في جميع الآباد.

و تسابق شعراء أهل البيت عليهم السّلام إلى تصوير هذه الظاهرة الكريمة فكان ما نظموه في ذلك من أثمن ما دوّنته مصادر الأدب العربي و قد عنى السيد حيدر الحلي إلى تصوير ذلك في كثير من روائعه الخالدة التي رثى بها جده الحسين يقول:

طمعت أن يسومه القوم ضيما و أبى الله و الحسام الصنيع

كيف يلوي على الدنية جيدا لسوى الله ما لواه الخضوع

و لديه جأش أرد من الدرع لظمأى القنا و هن شروع

و به يرجع الحفاظ لصدر ضاقت الأرض و هي فيه تضيع

فأبى أن يعيش إلا عزيزا أو تجلّى الكفاح و هو صريع

و لم تصور منعة النفس و إباؤها بمثل هذا التصوير الرائع،فقد عرض حيدر إلى

ص: 155

ما صمّمت عليه الدولة الأموية من إرغام الإمام الحسين عليه السّلام على الذل و الهوان، و إخضاعه لجورهم و استبدادهم،و لكن يأبى له الله ذلك و تأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عز النبوة أن يقر على الضيم،فإنه سلام الله عليه لم يلو جيده خاضعا لأي أحد إلا لله،فكيف يخضع لأقزام بني أمية؟!و كيف يلويه سلطانهم عن عزمه الجبار الذي هو أرد من الدرع للقنا الظامئة،و ما أروع قوله:

و به يرجع الحفاظ لصدر ضاقت الأرض و هي فيه تضيع

و هل هناك أبلغ أو أدق وصفا لإباء الإمام الحسين و عزته من هذا الوصف،فقد أرجع جميع طاقات الحفاظ و الذمام لصدر الإمام عليه السّلام التي ضاقت الأرض من صلابة عزمه و تصميمه،بل أنها على سعتها تضيع فيه و من الحق أنه قد حلّق في وصفه لإباء الإمام،و يضاف لذلك جمال اللفظ فليس في هذا الشعر كلمة غريبة أو حرف ينبو على السمع.

و انظر إلى هذه الأبيات من رائعته الأخرى التي يصف بها إباء الحسين يقول:

لقد مات لكن ميتة هاشمية لهم عرفت تحت القنا المتقصد

كريم أبي شم الدنية أنفه فأشممه شوك الوشيج المسدد

و قال:قفي يا نفس وقفة وارد حياض الردى لا وقفة المتردد

رأى أن ظهر الذل أخشن مركبا من الموت حيث الموت منه بمرصد

فآثر أن يسعى على جمرة الوغى برجل و لا يعطي المقادة عن يد

لا أكاد أعرف شعرا أدق،و لا أعذب من هذا الشعر فهو يمثل أصدق تمثيل منعة الإمام العظيم و عزة نفسه التي آثرت الموت تحت ظلال الأسنة على العيش الرغيد بذل و خنوع،ناهجا بذلك منهج الشهداء من أسرته الذين تسابقوا إلى ساحات النضال،و اندفعوا بشوق إلى ميادين التضحية و الفداء لينعموا بالكرامة و العزة.

و مضى حيدر في تصويره لإباء الإمام الشهيد فوصفه بأنه أبي شم الدنية و الضيم،و عمد إلى شم الرماح و السيوف لأن بها طعم الإباء و طعم الشرف

ص: 156

و المجد...و على هذا الغرار من الوصف الرائع يمضي حيدر في تصويره لمنعة الإمام،تلك المنعة التي ملكت مشاعره و عواطفه كما ملكت عواطف غيره،و من المقطوع به أنه لم يكن متكلفا بذلك،و لا منتحلا و إنما وصف الواقع وصفا صادقا لا تكلّف فيه.

و يقول حيدر في رائعة أخرى يصف بها إباء الإمام و سمو ذاته،و لعلها من أجمل ما رثى به الإمام عليه السّلام يقول:

و سامته يركب إحدى اثنتين و قد صرّت الحرب أسنانها

فإما يرى مذعنا أو تموت نفس أبى العز إذعانها

فقال لها:اعتصمي بالإباء فنفس الأبي و ما زانها

إذا لم تجد غير لبس الهوان فبالموت تنزع جثمانها

رأى القتل صبرا شعار الكرام و فخرا يزين لها شأنها

فشمر للحرب في معرك به عرك الموت فرسانها

إن مراثي حيدر للإمام تعد-بحق-طغراء مشرقا في تراث الأمة العربية،فقد فكر فيها تفكيرا جادا و رتب أجزاءها ترتيبا دقيقا حتى جاءت بهذه الروعة،و كان-فيما يقول معاصروه-ينظم في كل حول قصيدة خاصة في الإمام عليه السّلام و يعكف طيلة عامه على إصلاحها،و يمعن إمعانا دقيقا في كل كلمة من كلماتها حتى جاءت بمنتهى الروعة و الإبداع (1).1.

ص: 157


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:80/1.

الصراحة عند الإمام الحسين عليه السلام

من صفات أبي الأحرار الصراحة في القول،و الصراحة في السلوك ففي جميع فترات حياته لم يوارب و لم يخادع،و لم يسلك طريقا فيه أي التواء،و إنما سلك الطريق الواضح الذي يتجاوب مع ضميره الحي،و ابتعد عن المنعطفات التي لا يقرّها دينه و خلقه،و كان من ألوان ذلك السلوك النير أن الوليد حاكم يثرب دعاه في غلس الليل،و أحاطه علما بهلاك معاوية،و طلب منه البيعة ليزيد مكتفيا بها في جنح الظلام،فامتنع عليه السّلام و صارحه بالواقع قائلا:

«يا أمير إنا أهل بيت النبوة،و معدن الرسالة،بنا فتح الله و بنا ختم،و يزيد فاسق فاجر، شارب الخمر،قاتل النفس المحرمة،معلن بالفسق و الفجور،و مثلي لا يبايع مثله..».

و كشفت هذه الكلمات عن مدى صراحته،و سمو ذاته،و قوة المعارضة عنده في سبيل الحق.

و من ألوان تلك الصراحة التي اعتادها و صارت من ذاتياته أنه لما خرج إلى العراق و افاه النبأ المؤلم و هو في أثناء الطريق بمقتل سفيره مسلم بن عقيل، و خذلان أهل الكوفة له،فقال للذين اتبعوه طلبا للعافية لا للحق:

«قد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف،ليس عليه ذمام...».

فتفرّق عنه ذو و الأطماع،و بقي مع الصفوة من أهل بيته و أصحابه لقد تجنب عليه السّلام في تلك الساعات الحرجة التي يتطلب فيها إلى الناصر الإغراء و الخداع مؤمنا أن ذلك لا يمكن أن تتصف به النفوس العظيمة المؤمنة بربها و المؤمنة بعدالة قضيتها.

ص: 158

و من ألوان تلك الصراحة أنه جمع أهل بيته و أصحابه في ليلة العاشر من المحرم،فأحاطهم علما بأنه يقتل في غد،و يقتل جميع من كان معه صارحهم بذلك ليكونوا على بصيرة و بينة من أمرهم،و أمرهم بالتفرق في سواد ذلك الليل،فأبت تلك الأسرة العظيمة مفارقته،و أصرت على الشهادة بين يديه.

تدول الدول،و تزول الممالك،و هذه الأخلاق الرفيعة أحق بالبقاء و أجدر بالخلود من كل كائن حي لأنها تمثل القيم العليا التي لا كرامة للإنسان بدونها (1).1.

ص: 159


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:85/1.

الصلابة في الحق عند الإمام الحسين عليه السلام

أما الصلابة في الحق فهي من مقومات أبي الشهداء و من أبرز ذاتياته فقد شق الطريق في صعوبة مذهلة لإقامة الحق،و دك حصون الباطل،و تدمير خلايا الجور.

لقد تبنى الإمام عليه السّلام الحق بجميع رحابه و مفاهيمه،و اندفع إلى ساحات النضال ليقيم الحق في ربوع الوطن الإسلامي،و ينقذ الأمة من التيارات العنيفة التي خلقت في أجوائها قواعد للباطل،و خلايا للظلم،و أوكارا للطغيان تركتها تتردى في مجاهل سحيقة من هذه الحياة.

رأى الإمام عليه السّلام الأمة قد غمرتها الأباطيل و الأضاليل،و لم يعد ماثلا في حياتها أي مفهوم من مفاهيم الحق،فانبرى عليه السّلام إلى ميادين التضحية و الفداء ليرفع راية الحق،و قد أعلن عليه السّلام هذا الهدف المشرق في خطابه الذي ألقاه أمام أصحابه قائلا:

«ألا ترون إلى الحق لا يعمل به،و إلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله...».

لقد كان الحق من العناصر الوضاءة في شخصية أبي الأحرار،و قد استشف النبي صلّى اللّه عليه و اله فيه هذه الظاهرة الكريمة فكان-فيما يقول المؤرخون-يرشف دوما ثغره الكريم ذلك الثغر الذي قال كلمة الله و فجر ينابيع العدل و الحق في الأرض (1).

ص: 160


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:86/1.

الصبر عند الإمام الحسين عليه السلام

من النزعات الفذة التي تفرّد بها سيد الشهداء الصبر على نوائب الدنيا و محن الأيام،فقد تجرّع مرارة الصبر منذ أن كان طفلا،فرزىء بجده و أمه،و شاهد الأحداث الرهيبة التي جرت على أبيه،و ما عاناه من المحن و الخطوب،و تجرّع مرارة الصبر في عهد أخيه،و هو ينظر إلى خذلان جيشه له،و غدرهم به،حتى أرغم على الصلح،و بقي معه يشاركه في محنه و آلامه،حتى اغتاله معاوية بالسم،و رام أن يواري جثمانه بجوار جده فمنعته بنو أمية فكان ذلك من أشق المحن عليه.

و من أعظم الرزايا التي صبر عليها أنه كان يرى انتقاض مبادىء الإسلام،و ما يوضع على لسان جده من الأحاديث المنكرة التي تغير و تبدل شريعة الله،و من الدواهي التي عاناها أنه كان يسمع سب أبيه و انتقاصه على المنابر،و قيام الطاغية زياد بإبادة شيعتهم و استئصال محبيهم،فصبر على كل هذه الرزايا و المصائب.

و تواكبت عليه المحن الشاقة التي تميد بالصبر في يوم العاشر من المحرم فلم يكد ينتهي من محنة حتى تطوف به مجموعة من الرزايا و الآلام،فكان يقف على الكواكب المشرقة من أبنائه و أهل بيته،و قد تناهبت السيوف و الرماح أشلاءهم فيخاطبهم بكل طمأنينة و ثبات:

«صبرا يا أهل بيتي،صبرا يا بني عمومتي،لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم».

و قد بصر شقيقته عقيلة بني هاشم،و قد ذهلها الخطب،و مزق الأسى قلبها، فسارع إليها،و أمرها بالخلود إلى الصبر و الرضى بما قسم الله.

و من أهوال تلك الكوارث التي صبر الإمام عليها أنه كان يرى أطفاله و عياله،

ص: 161

و هم يضجون من ألم الظمأ القاتل،و يستغيثون به من أليم العطش فكان يأمرهم بالصبر و الاستقامة،و يخبرهم بالعاقبة المشرقة التي يؤول إليها أمرهم بعد هذه المحن الحازبة.

و قد صبر على ملاقاة الأعداء الذين ملأت الأرض جموعهم المتدفقة،و هو وحده يتلقّى الضرب و الطعن من جميع الجهات،قد تفتت كبده من العطش و هو غير حافل بذلك كله.

لقد كان صبره و موقفه الصلب يوم الطف من أندر ما عرفته الإنسانية يقول الأربلي:«شجاعة الحسين يضرب بها المثل،و صبره في الحرب أعجز الأوائل و الأواخر».

إن أي واحدة من رزاياه لو ابتلي بها أي إنسان مهما تدرع بالصبر و العزم و قوة النفس لأوهنت قواه و استسلم للضعف النفسي،و لكنه عليه السّلام لم يعن بما ابتلي به في سبيل الغاية الشريفة التي سمت بروحه أن تستسلم للجزع أو تضرع للخطوب، يقول المؤرخون:إنه تفرد بهذه الظاهرة،فلم توه عزمه الأحداث مهما كانت،و قد توفي له ولد في حياته فلم ير عليه أثر للكآبة فقيل له في ذلك فقال عليه السّلام:

«إنا أهل بيت نسأل الله فيعطينا،فإذا أراد ما نكره فيما نحب رضينا».

لقد رضي بقضاء الله و استسلم لأمره،و هذا هو جوهر الإسلام و منتهى الإيمان (1).1.

ص: 162


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:87/1.

الحلم عند الإمام الحسين عليه السلام

أما الحلم فهو من أسمى صفات أبي الشهداء عليه السّلام و من أبرز خصائصه فقد كان- فيما أجمع عليه الرواة-لا يقابل مسيئا بإساءته،و لا مذنبا بذنبه،و إنما كان يغدق عليهم ببره و معروفه شأنه في ذلك شأن جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله الذي وسع الناس جميعا بأخلاقه و فضائله،و قد عرف بهذه الظاهرة و شاعت عنه،و قد استغلها بعض مواليه فكان يعمد إلى اقتراف الإساءة إليه لينعم بصلته و إحسانه،و يقول المؤرخون:إن بعض مواليه قد جنى عليه جناية توجب التأديب فأمر عليه السّلام بتأديبه، فانبرى العبد قائلا:

«يا مولاي،إن الله تعالى يقول: وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ

فقابله الإمام ببسماته الفياضة و قال له:

«خلّوا عنه،قد كظمت غيظي».

و سارع العبد قائلا: وَ الْعافِينَ عَنِ النّاسِ

«قد عفوت عنك..».

و انبرى العبد يطلب المزيد من الإحسان قائلا: وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

«أنت حر لوجه الله...».ثم أمر له بجائزة سنية تغنيه عن الحاجة و مسألة الناس.

لقد كان هذا الخلق العظيم من مقوماته التي لم تنفك عنه،و ظلت ملازمة له طوال حياته (1).

ص: 163


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:88/1.

التواضع عند الإمام الحسين عليه السلام

و جبل الإمام الحسين عليه السّلام على التواضع و مجافاة الأنانية و الكبرياء،و قد ورث هذه الظاهرة من جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله الذي أقام أصول الفضائل و معالي الأخلاق في الأرض،و قد نقل الرواة بوادر كثيرة من سمو أخلاقه و تواضعه نلمع إلى بعضها:

1-إنه اجتاز على مساكين يأكلون في(الصفة)فدعوه إلى الغذاء فنزل عن راحلته،و تغذى معهم،ثم قال لهم:قد أجبتكم فأجيبوني،فلبّوا كلامه و خفّوا معه إلى منزله،فقال عليه السّلام لزوجه الرباب:أخرجي ما كنت تتدخرين،فأخرجت ما عندها من نقود فناولها لهم.

2-مر على فقراء يأكلون كسرا من أموال الصدقة،فسلّم عليهم فدعوه إلى طعامهم،فجلس معهم،و قال:لو لا أنه صدقة لأكلت معكم ثم دعاهم إلى منزله، فأطعمهم،و كساهم،و أمر لهم بدراهم.

لقد اقتدى عليه السّلام في ذلك بجده الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سار على هديه فقد كان-فيما يقول المؤرخون-يخالط الفقراء و يجالسهم،و يفيض عليهم ببره و إحسانه،حتى لا يتبيغ بالفقير فقره،و لا يبطر الغني ثراؤه.

3-و جرت مشادة بين الحسين و أخيه محمد بن الحنفية،فانصرف محمد إلى داره و كتب إليه رسالة جاء فيها«أما بعد:فإن لك شرفا لا أبلغه،و فضلا لا أدركه، أبونا علي لا أفضلك فيه و لا تفضلني،و أمي امرأة من بني حنيفة،و أمك فاطمة بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و لو كان ملء الأرض مثل أمي ما و فين بأمك،فإذا قرأت رقعتي هذه فالبس رداءك و نعليك و سر إلي،و ترضيني،و إياك أن أكون سابقك إلى الفضل الذي

ص: 164

أنت أولى به مني..».

و لما قرأ الحسين رسالة أخيه سارع إليه و ترضّاه و كان ذلك من معالي أخلاقه و سمو ذاته (1).1.

ص: 165


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:89/1.

الرأفة و العطف عند الإمام الحسين عليه السلام

و من صفات أبي الأحرار أنه كان شديد الرأفة بالناس يمد يده لكل ذي حاجة، و يسعف كل ذي لهفة،و يجير كل من استجار به،و قد فزع مروان إليه و إلى أخيه و هو من ألد أعدائهم،بعد فشل واقعة الجمل،و طلب منهما أن يشفعا له عند أبيهما، فخفّا إليه و كلّماه في شأنه و قالا له:

«يبايعك يا أمير المؤمنين».

فقال عليه السّلام:«أو لم يبايعني قبل قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته إنها كف يهودية،لو بايعني بيده لغدر بسبابته،أما أن له إمرة كلعقة الكلب أنفه،و هو أبو الأكبش الأربعة، و ستلقى الأمة من ولده يوما أحمر».

و ما زالا يلطفان به حتى عفا عنه،إلا أن هذا الوغد قد تنكر لهذا المعروف و قابل السبطين بكل ما يملك من وسائل الشر و المكروه،فهو الذي منع جنازة الإمام الحسن أن تدفن بجوار جده،و هو الذي أشار على الوليد بقتل الإمام الحسين إن امتنع من البيعة ليزيد،كما أظهر السرور و الفرح بمقتل الإمام عليه السّلام و حسب مروان أنه من تلك الشجرة التي لم تثمر إلا الخبيث الدنس و ما يضر الناس.

و من ألوان تلك الصور الخالدة لعطف الإمام و رأفته بالناس أنه لما استقبله الحر بجيشه البالغ ألف فارس،و كان قد أرسل لمناجزته و قتاله فرآه الإمام و قد أشرف على الهلاك من شدة العطش فلم تدعه أريحيته و لا سمو ذاته أن لا يقوم بإنقاذهم، فأمر عليه السّلام غلمانه و أهل بيته أن يسقوا القوم عن آخرهم،و يسقوا خيولهم فسقوهم عن آخرهم،و كان فيهم علي بن الطعان المحاربي الذي اشتد به العطش فلم يدر

ص: 166

كيف يشرب فقام عليه السّلام بنفسه فسقاه،و كانت هذه البادرة من أروع ما سجّل في قاموس الإنسانية من الشرف و النبل (1).1.

ص: 167


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:90/1.

ص: 168

الفهرس

شمائل الإمام الحسين عليه السّلام مقدمة 3

عملنا في الموسوعة 4

اسم الحسين و نسبه و كنيته 5

معنى الإسم الشريف 5

غرس الرّسالة 6

الأم:6

الأب:7

الوليد الأول 7

رؤيا أم الفضل 8

ولادة الإمام الحسين عليه السلام و مدة خلافته 9

و جوم النبي و بكاؤه 18

مراسيم ولادته 19

أولا:20

الأذان و الإقامة 20

ثانيا:20

التسمية 20

أقوال شاذة:21

ص: 169

ثالثا:22

العقيقة 22

رابعا:22

حلق الرأس 22

خامسا:23

الختان 23

تعويذ النبي للحسنين 23

ملامح الحسين عليه السلام 24

هيبة الحسين 25

ألقاب الحسين 27

كنيته 27

نقش خاتمه 28

استعماله الطيب 28

دار سكناه 28

ثلاثة مراحل من حياة الحسين عليه السلام 29

مرحلة الطفولة عند الحسين عليه السلام 30

بين الحسين و النبي عليهما السلام 31

مرحلة شباب الحسين عليه السلام 33

مرحلة الشهادة 34

المكونات التربوية للإمام الحسين عليه السلام 36

الوراثة 36

الأسرة 38

التربية النبوية 40

ص: 170

رعاية النبي الأعظم للحسين 40

في أن الحسين ابن النبي 41

قصة و عبرة 43

شعر في المناسبة 44

تربية الإمام علي للحسين عليهما السلام 46

تربية فاطمة الزهراء للحسين 49

البيئة 50

معرفة الإمام الحسين و ذريته 52

وجوب معرفة حقيقة آل محمد 55

ضرورة معرفة أهل البيت عليهم السّلام 57

آثار معرفة أهل البيت عليهم السلام 1-عدم الظلم للنفس:59

2-المرور على الصراط:60

3-أصبح من أهل البيت:60

4-كان معهم في السنام الاعلى:61

أثر معرفة أهل البيت عند الموت 62

تهوين سكرات الموت:62

آثار عدم معرفة أهل البيت 63

5-الشقاء:63

6-زلّة قدمه عن الصراط:63

7-عدم معرفة اللّه تعالى:64

8-مات ميتة جاهلية:65

ص: 171

نور الحسين بن علي عليهما السلام 67

تمهيد:69

آيات عالم الأنوار 69

روايات عالم الأنوار 74

كيفية خلق نور الحسين و آله 83

نور الحسين عليه السلام يتألق 85

أولاد الحسين عليه السلام 90

شمائل و صفات الإمام الحسين عليه السلام 92

شجاعة الحسين عليه السلام 92

علم الحسين عليه السلام 99

المعارف في شخصيّة الحسين عليه السلام 99

الحسين عليه السلام و علم الغيب 103

قدرة الحسين عليه السلام 107

حكمة الإمام الحسين عليه السلام 109

عبادة الحسين عليه السلام 116

أ-خوفه من الله:118

ب-كثرة صلاته و صومه:119

ج-حجه:119

د-صدقاته:120

أدعية الإمام الحسين 1-دعاؤه من وقاية الأعداء:122

2-دعاؤه للاستسقاء:123

ص: 172

3-دعاؤه يوم عرفة:123

دعاء الإمام الحسين عليه السلام المستجاب 134

إستجابة دعاء الحسين على ابن جويرية 136

إستجابة دعاء الحسين على ابن أبي جويرية المزني 137

إستجابة دعاء الحسين على تميم بن حصين 137

إستجابة دعاء الحسين على محمد بن الأشعث 138

إستجابة دعاء الحسين عليه السّلام على رجل من بني أبان 139

إستجابة دعاء الحسين عليه السّلام على ابن جوزة 140

إستجابة دعاء الحسين عليه السّلام على عبد اللّه بن الحصين 141

إستجابة دعائه عليه السّلام على رجل 141

إستجابة دعائه عليه السّلام على عمر بن سعد 143

استجابة دعاء الحسين في فك ذراع عن ذراع 144

عجز الحسين عليه السلام عن شكر اللّه 145

أخلاق الحسين عليه السلام 147

قوة الإرادة عند الحسين عليه السلام 153

الإباء عن الضيم عند الإمام الحسين عليه السلام 154

الصراحة عند الإمام الحسين عليه السلام 158

الصلابة في الحق عند الإمام الحسين عليه السلام 160

الصبر عند الإمام الحسين عليه السلام 161

الحلم عند الإمام الحسين عليه السلام 163

التواضع عند الإمام الحسين عليه السلام 164

الرأفة و العطف عند الإمام الحسين عليه السلام 166

ص: 173

المجلد 2

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء الثانى

ابعاد شخصية الإمام الحسين عليه السلام

أهم أبعاد شخصية الإمام الحسين عليه السلام

شخصية الحسين مدخرة من قبل اللّه

قال السيد مرتضى العسكري:قيّض اللّه الإمام الحسين عليه السّلام لكسر قدسية مقام الخلافة في نفوس المسلمين بعد أن أعد له الأجواء النفسية في المجتمع الاسلامي بما أنزل في حقه ضمن ما أنزل في حق أهل البيت عامة بقرآنه الكريم،و في ما بلّغ المسلمين على لسان رسوله في أهل البيت عامة و في الإمام الحسين خاصة:فإنه لما أنزل اللّه سبحانه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.

فسّر رسوله(القربى)بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين (1).

و لما أراد اللّه سبحانه أن ينزل آية التطهير،و رأى رسول اللّه أن الرحمة هابطة، دعا عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و ضمّهم إلى نفسه تحت الكساء،فأنزل اللّه تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:اللهم إن هؤلاء هم أهل بيتي،و بقي طول حياته بعد ذلك يقف على باب دارهم يوميا خمس مرات أوقات الصلاة اليومية و يقول:السلام عليكم يا أهل البيت إنما يريد اللّه ليذهب (2).و لما نزلت الآية الكريمة: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما

ص: 3


1- بتفسير الآية من تفسير الطبري و الزمخشري و السيوطي،و مستدرك الصحيحين 172/3، و ذخائر العقبى للطبري ص 138،و أسد الغابة 367/5،و حلية الأولياء 201/3،و مجمع الزوائد 103/7 و 146/9.
2- مضت مصادر الخبر في ص 18-23 من القسم الأول من هذا الكتاب.

جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (1) و لمّا أراد أن يباهل نصارى نجران دعا رسول اللّه عليا و فاطمة و الحسن و الحسين (2).

و في رواية و قد احتضن الحسين و أخذ بيد الحسن و فاطمة تمشى خلفه و علي يمشي خلفها،و قال لهم النبي:إذا دعوت فأمنوا،فلما رآهم أسقف نجران،قال:يا معشر النصارى!إني لأرى وجوها لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله،فلا تبتهلوا فتهلكوا،فصالحهم على دفع الجزية (3).

هذا بعض ما تلته أبناء الأمة في قرآنها و سمعته في تفسيره عن رسول اللّه له و شاهدته يفسّرها بعمله.

و أيضا سمعت رسول اللّه يقول:من صلى صلاة لم يصل فيها علي و لا على أهل بيتي لم تقبل منه (4).

و لما سألوه كيف يصلون عليه قال:قولوا:اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد،اللهم بارك على محمد و آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (5).ند

ص: 4


1- آل عمران:61.
2- صحيح مسلم باب فضائل علي من كتاب فضائل الصحابة،و سنن الترمذي،و مستدرك الصحيحين 150/3،و مسند أحمد 185/1،و سنن البيهقي 63/7،و تفسير الآية بتفسير الطبري و السيوطي،و الواحدي في أسباب النزول ص 74 و 75.
3- تفسير الآية بتفسير الكشاف للزمخشري،و التفسير الكبير للفخر الرازي،و نور الابصار للشبلنجي ص 100.
4- سنن البيهقي 379/2،و سنن الدارقطني ص 136.
5- صحيح البخاري كتاب الدعوات في باب الصلاة على النبي و في كتاب التفسير في باب تفسير قوله تعالى: "إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ" ،و صحيح مسلم في كتاب الصلاة باب الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله بعد التشهد،و مسند أحمد 47/2،و 353/5و الأدب المفرد للبخاري ص 93، و سنن النسائي و ابن ماجة و الترمذي و البيهقي 147/2 و 279،و الدارقطني ص 135،و مسند الشافعي ص 23،و مستدرك الصحيحين 269/1،و تفسير آية "إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ" من تفسير الطبري.

و سمعته يقول لعلي و فاطمة و الحسن و الحسين:أنا حرب لمن حاربتم و سلم لمن سالمتم.

و في رواية:أنا حرب لمن حاربكم و سلم لمن سالمكم (1).

و أخذ بيد حسن و حسين،فقال:من أحبني و أحب هذين و أباهما و أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة (2).

و يقول:الحسن و الحسين ريحانتاي من الدنيا (3).

و يقول:ألا أخبركم بخير الناس جدا و جدة ألا أخبركم بخير الناس عما و عمة ألا أخبركم بخير الناس خالا و خالة؟ألا أخبركم بخير الناس أبا و أما:الحسن و الحسين (4).

و يقول صلّى اللّه عليه و آله:هذان ابناي و ابنا ابنتي،اللهم إني أحبهما فأحبهما و أحب منة.

ص: 5


1- سنن الترمذي كتاب المناقب و ابن ماجة المقدمة،و مستدرك الصحيحين 149/3،و مسند أحمد 442/2،و أسد الغابة 11/3 و 523/5،و مجمع الزوائد 169/9،و تاريخ بغداد 136/8، و الرياض النضرة 199/2،و ذخائر العقبى ص 23.
2- مسند أحمد 77/1،و سنن الترمذي كتاب المناقب و تاريخ بغداد 287/3،و تهذيب التهذيب 430/10،و كنز العمال.
3- في باب مناقب الحسن و الحسين من كتاب بدء الخلق من صحيح البخاري أن رجلا سأل ابن عمر عن دم البعوض فقال:ممن أنت؟قال:من أهل العراق،قال:أنظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض و قد قتلوا ابن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول:هما ريحانتاي من الدنيا. و باب رحمة الولد و تقبيله و الأدب المفرد له ص 14 و سنن الترمذي و مسند أحمد 85/2 و 93 و 114 و 153،و مسند الطيالسي 160/8،و خصائص النسائي ص 37،و مستدرك الحاكم 165/3، و الرياض النضرة 232/2،و حلية أبي نعيم 201/3 و 70/5،و فتح الباري 100/8،و مجمع الزوائد 181/9.
4- مجمع الزوائد للهيثمي 184/9،و ذخائر العقبى ص 130،و كنز العمال؟103/13-14، ط.الثانية.

يحبهما (1).

و يقول صلّى اللّه عليه و آله:من أحب الحسن و الحسين فقد أحبني و من أبغضهما فقد أبغضني (2).

و يقول صلّى اللّه عليه و آله:كل بني آدم ينتمون إلى عصبتهم إلاّ ولد فاطمة فإني أنا أبوهم و أنا عصبتهم (3).

و كان يصلي صلّى اللّه عليه و آله في مسجده فإذا سجد وثب الحسن و الحسين عليه السّلام على ظهره،و إذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعا رفيقا فإذا عاد عادا (4).

و كان صلّى اللّه عليه و آله يخطب في مسجده إذ جاء الحسن و الحسين يمشيان و يعثران فنزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من المنبر فحملهما و وضعهما بين يديه (5).

أعدّ اللّه و رسوله الأمة في الآيات و الأحاديث الآنفة لتنظر إلى أهل البيت عامة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نظرة إجلال و إكبار و حب و ولاء،و كذلك في آيات أخرى مثل:آيةب.

ص: 6


1- الترمذي كتاب المناقب،و خصائص النسائي ص 220،و كنز العمال. 99/13،ط.الثانية.
2- سنن ابن ماجة،في فضائل الحسن و الحسين،و مسند أحمد 288/2 و 440 و 531،و /5 369،و تاريخ بغداد 141/1،و كنوز الحقائق،ط.اسلامبول ص 134،و مسند الطيالسي /10 327 و 332،و مجمع الزوائد 180/9 و 181 و 185،و سنن البيهقي 263/2،و 28/4،و حلية الأولياء 305/8،و مستدرك الصحيحين 166/3 و 171.
3- مستدرك الصحيحين 164/3،و تاريخ بغداد 285/11،و مجمع الزوائد 172/9،و ذخائر العقبى ص 121،و كنز؟العمال 266/6 و 220.
4- مستدرك الصحيحين 163/3 و 165 و 626،و مسند أحمد 513/2،و 493/3،و 51/5 ،و سنن البيهقي 263/2،و مجمع الزوائد للهيثمي 275/9 و 181 و 182،و ذخائر العقبى ص 132،و أسد الغابة 389/2،و الرياض النضرة ص 132.
5- مسند أحمد 389/4،و 354/5،و مستدرك الحاكم 287/1،و 189/4،و سنن البيهقي 3 218/،و 165/6،و سنن ابن ماجة باب لبس الأحمر للرجال من كتاب اللباس،و سنن النسائي باب صلاة الجمعة و العيدين،و سنن الترمذي كتاب المناقب.

الخمس و سورة هل أتى،و آية و آت ذا القربى حقه و في أحاديث عن النبي في تفسير تلك الآيات و غيرها (1).

و خص بالذكر من بينهم الإمام الحسين عليه السّلام في مثل اخبار اللّه نبيه باستشهاد الإمام الحسين في يوم مولده و بعده و اخبار رسوله أمته بذلك مرة بعد أخرى (2).

و كذلك في ما فعل الإمام علي بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مثل روايته عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في طريقه إلى صفين و غيره باستشهاد الإمام الحسين.

و قوله عليه السّلام في بعض أيام صفين:إنني أنفس بهذين-يعني الحسن و الحسين عليه السّلام-على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3).

هكذا وجّهت الأمة إلى حب الإمام الحسين و إجلال مقامه،أضف إلى ذلك ما كان عند بعض أبناء الأمة من نصوص عن الرسول في إمامة الأئمة الإثني عشر و أنهم حملة الإسلام و حفظته و أن الإمام الحسين ثالثهم.

و مهما يكن من أمر فإن الإمام الحسين كان الرجل الوحيد الذي ورث حب المسلمين لجده الرسول صلّى اللّه عليه و آله في عصره.

و لهذا رغب المسلمون يومذاك أن يبايعوه بالخلافة ليصبح بتلك البيعة الخليفة الشرعي بعد معاوية،يتبوأ عرش الخلافة بحقوقها،و لو أتيح له ذلك و أصبح خليفة المسلمين ببيعتهم إياه لما استطاع أن يعيد إلى المجتمع الأحكام الإسلامية التي بدّلها الخلفاء و غيّروها باجتهاداتهم كما لم يستطع الإمام علي أن يفعل ذلك بالنسبة إلى اجتهادات الخلفاء الثلاثة من قبله (4)،و كان على الإمام الحسين لو بويع أن يقرفي

ص: 7


1- أسباب النزول للواحدي ص 331،و أسد الغابة 530/5،و الرياض النضرة 227/2،و نور الابصار للشبلنجي،و تفسير الآية بتفسير السيوطي.
2- راجع قبله فصل"أنباء باستشهاد الحسين".
3- نهج البلاغة،العدد 205 من خطبه.
4- راجع قبله،شكوى الإمام علي من تغيير الولاة قبله أحكام الإسلام بباب مصدر الاحكام في مدرسة أهل البيت.

أحداث معاوية-اجتهاداته-على حالها بما فيها لعن أبيه الإمام علي عليه السّلام على جميع منابر المسلمين بالإضافة إلى اجتهادات الخلفاء السابقين،و لما لم يقدّر للمسلمين أن يبايعوه بالخلافة أصبحت حاله لدى المسلمين حال الحرمين الشريفين،له الحرمة في نفوسهم و لكنهم انتهكوها في سبيل طاعة الخليفة و صح ما قال له الفرزدق في هذا الصدد(قلوب الناس معك و سيوفهم مع بني أمية) (1).

و روى الشيخ الطوسي في كتاب مصابيح الأنوار بإسناده عن رجاله مرفوعا إلى المفضل بن عمر قال دخلت على الصادق عليه السّلام ذات يوم فقال لي:«يا مفضل عرفت محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين:كنه معرفتهم».

قلت:يا سيدي و ما كنه معرفتهم؟

قال:«يا مفضل تعلم أنهم في طير عن الخلايق بجنب الروضة الخضرا فمن عرفهم كنه معرفتهم كان معنا في السنام الاعلى».

قال:قلت:عرّفني ذلك يا سيدي،قال:«يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق اللّه عزّ و جلّ و ذرأه و برأه و أنهم كلمة التقوى و خزناء السماوات و الأرضين و الجبال و الرمال و البحار،و عرفوا كم في السماء نجم و ملك،و وزن الجبال وكيل ماء البحار و أنهارها و عيونها و ما تسقط من ورقة إلاّ علموها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (2)و هو في علمهم و قد علموا ذلك».

فقلت:يا سيدي قد علمت ذلك و أقررت به و آمنت.

قال:«نعم يا مفضل يا مكرم نعم يا طيّب نعم يا محبور،طبت و طابت لك الجنّة9.

ص: 8


1- معالم المدرستين للعسكري:299/3.
2- -الأنعام:59.

و لكل مؤمن بها» (1).

و روي عن عبد اللّه بن أبي وقاص قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لما خلق اللّه إبراهيم الخليل كشف اللّه عن بصره فنظر إلى جانب العرش فرأي نورا.

فقال:إلهي و سيدي ما هذا النور؟

قال عزت الآؤه:يا إبراهيم هذا محمد صفيي.

فقال:إلهي و سيدي أرى إلى جانبه نورا آخر؟

فقال تعالى:يا إبراهيم هذا علي ناصر ديني.

فقال:إلهي و سيدي أرى إلى جانبهما نورا ثالثا.

قال سبحانه:يا إبراهيم هذه فاطمة تلي أباها و بعلها فطمت محبيها من النار.

قال:إلهي و سيدي أرى نورين يليان الثلاثة الأنوار.

قال تعالى:يا إبراهيم هذان الحسن و الحسين يليان أباهما و جدهما و امهما.

فقال:إلهي و سيدي أرى تسعة أنوار أحدقوا بالخمسة الأنوار.

قال عزت الآؤه:يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولدهم.

فقال:إلهي و سيدي فبمن يعرفون؟

قال تعالى:يا إبراهيم أولهم علي بن الحسين و محمد ولد علي و جعفر ولد محمد و موسى ولد جعفر و علي ولد موسى و محمد ولد علي و علي ولد محمد و الحسن ولد علي و محمد ولد الحسن القائم المهدي» (2).

و عن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام.

قال:«إن اللّه تبارك و تعالى خلق الأرواح قبل الاجساد بألفي عام،فجعل أعلاها5.

ص: 9


1- -مدينة المعاجز:129/2،و مشارق أنوار اليقين:55.
2- -الفضائل لابن شاذان:158،و بحار الأنوار:213/36 و المتن من بحار الأنوار لأصحيته،و إلزام الناصب:86/1،و عوالم العلوم:75/15.

و أشرفها أرواح محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة بعدهم صلوات اللّه عليهم.

و ساق الحديث إلى أن قال عليه السّلام:قال جبرائيل لادم و حواء:فسلا ربكما بحق الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما.

فقالا:«اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك:محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة إلاّ تبت علينا و رحمتنا».

فتاب اللّه عليهما إنه هو التواب الرحيم (1).

و عن أبي سلمى قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«...يا محمد خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولد الحسين من نوري» (2).

و عن محمد بن ثابت قال:قال رسول اللّه لعلي عليهما السّلام:«يا علي ان اللّه تبارك و تعالى خلقني و إياك من نوره الأعظم» (3).

و في رواية أنهم جميعا من نور اللّه الأعظم (4).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«إن اللّه تبارك و تعالى خلقنا من نور عظمته» (5).

و عن أبي سلمى قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«...يا محمد إني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين من شبح نور من نوري» (6).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:في حديث جاء فيه:«لأنا كلنا واحد أولنا محمد،م.

ص: 10


1- -معاني الأخبار:110 باب معنى الامانة،و بحار الأنوار:172/11-174 و 322/26.
2- -ينابيع المودة:584/2 باب 93 الذيل،و مقتل الخوارزمي:96/1.
3- -ارشاد القلوب:404/2 باب قضايا علي في الحد.
4- -ارشاد القلوب:404/2.
5- -الاختصاص:216/12 حديث المفضل،و الأنوار النعمانية:290/1.
6- -بحار الأنوار:262/36 ح 82 النصوص عليهم.

و آخرنا محمد،و أوسطنا محمد و كلنا محمد،فلا تفرقوا بيننا» (1).

و عن أنس بن مالك قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«خلقني اللّه تبارك و تعالى و أهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام» (2).

و عن الإمام علي قال:سمعت رسول اللّه يقول:«إن اللّه تبارك و تعالى خلقني و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين من نور واحد» (3).

و عن عمر بن الخطاب قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:...«يا محمد إني خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من نور واحد» (4)

و رواه في بحار الأنوار عن عبد اللّه بن عمر (5).

و في حديث آخر طويل جاء فيه:«الحسين مع أبيه و أمه و أخيه الحسن في منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحيون كما يحيى و يرزقون كما يرزق،فلو نبش في أيامه لوجد فأما اليوم فهو حي عند ربه ينظر الى معسكره و ينظر الى العرش حتى يؤمر ان يحمله،و إنه لعلى يمين العرش متعلق يقول:يا رب أنجز لي ما وعدتني» (6).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«إن اللّه خلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق آدم عليه السّلام حين لا سماء مبنية،و لا أرض مدحية،و لا ظلمة و لا نور،و لا شمس و لا قمر و لا جنة و لا نار».

فقال العباس:كيف كان بدء خلقكم يا رسول اللّه؟4.

ص: 11


1- -بحار الأنوار:6/26-7 ح 1 باب نادر في معرفتهم.
2- -كفاية الأثر:7،و الفردوس بمأثور الخطاب:191/2 ح 2952،و مناقب آل أبي طالب:/1 27.
3- -كشف الغمة:84/2-85.
4- -غيبة النعماني:59 الباب الرابع.
5- -بحار الأنوار:281/36 ح 100 باب النصوص عليهم.
6- -بحار الأنوار:376/25 كتاب الإمامة-باب غرائب افعالهم ح 24.

فقال:«يا عم لما أراد اللّه أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا،ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحا،ثم مزج النور بالروح،فخلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين،فكنا نسبحه حين لا تسبيح،و نقدسه حين لا تقديس،فلما أراد اللّه تعالى أن ينشىء خلقه فتق نوري فخلق منه العرش،فالعرش من نوري، و نوري من نور اللّه،و نوري أفضل من العرش.

ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة،فالملائكة من نور علي و نور علي من نور اللّه و علي أفضل من الملائكة.ثم فتق نور ابنتي فخلق منه السموات و الأرض، فالسموات و الأرض من نور ابنتي فاطمة،و نور ابنتي فاطمة من نور اللّه،و ابنتي فاطمة أفضل من السموات و الأرض.

ثم فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس و القمر فالشمس و القمر من نور ولدي الحسن و نور الحسن من نور اللّه،و الحسن أفضل من الشمس و القمر.

ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة و الحور العين،فالجنة و الحور العين من نور ولدي الحسين،و نور ولدي الحسين من نور اللّه،و ولدي الحسين أفضل من الجنة و الحور العين (1).

الى أن قال:«فتكلم اللّه بكلمة فخلق منها روحا...ثم نورا فأزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة» (2).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث طويل عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جاء فيه:«و تمام اسمي و اسم أخي علي و ابنتي فاطمة و ابنيّ الحسن و الحسين مكتوبة على سرادق العرش بالنور» (3).ي.

ص: 12


1- -بحار الأنوار:10/15-11 باب بدء خلق النبي ح 11.
2- -الأنوار النعمانية:17/1-18 مع تفاوت عما في بحار الأنوار ليس بيسير رواه عن ابن مسعود.
3- -الهداية الكبرى:101 الباب الثاني.

و عن الأصبغ بن نباتة قال:خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام ذات يوم و يده في يد إبنه الحسن عليه السّلام و هو يقول:«خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم و يدي في يده هكذا و هو يقول:خير الخلق بعدي (1)و سيدهم بعد الحسن إبني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول في أرض كربلاء،أما إنه و أصحابه من سادات الشهداء يوم القيامة،و من بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء اللّه في أرضه و حججه على عباده،و امناؤه على وحيه،و أئمة المسلمين،و قادة المؤمنين،و سادة المتقين، تاسعهم القائم الذي يملأ اللّه عز و جل به الأرض نورا بعد ظلمتها،و عدلا بعد جورها، و علما بعد جهلها،و الذي بعث أخي محمدا بالنبوة و اختصني بالإمامة لقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الأمين جبرائيل،و لقد سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله-و أنا عنده-عن الأئمة بعده فقال للسائل: وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (2)عددهم بعدد البروج، و رب الليالي و الأيام و الشهور إن عدتهم كعدة الشهور (3)فقال السائل:فمنهم يا رسول اللّه؟فوضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يده على رأسي فقال:أولهم هذا و آخرهم المهدي،من والاهم فقد والاني،و من عاداهم فقد عاداني،و من أحبهم فقد أحبني و من أبغضهم فقد أبغضني،و من أنكرهم فقد أنكرني،و من عرفهم فقد عرفني،بهم يحفظ اللّه عز و جل دينه،و بهم يعمر بلاده،و بهم يرزق عباده،و بهم ينزل القطر من السماء،و بهم يخرج بركات الأرض،هؤلاء أصفيائي و خلفائي و أئمة المسلمين و موالي المؤمنين» (4).ن.

ص: 13


1- -في بعض المصادر:خير الخلق بعدي و سيدهم أخي هذا،و هو إمام كل مسلم،و مولى كل مؤمن بعد وفاتي.ألا و إني أقول:خير الخلق بعدي و سيدهم ابني هذا،و هو إمام كل مؤمن،و مولى كل مؤمن بعد وفاتي،ألا و إنه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خير الخلق و سيدهم بعد الحسن. الحديث.
2- -البروج:1.
3- -في بعض المصادر:ان عددهم كعدد الشهور.
4- -كمال الدين:259/1-260 ط 1390 هج-طهران.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام:«الأئمة من ولدك تسقى بهم أمتي الغيث و بهم يستجاب دعاءهم،و بهم يصرف اللّه عنهم البلاء،و بهم تنزل الرحمة من السماء».

و أومأ الى الحسن فقال:هذا أولهم،و أومأ الى الحسين و قال:الأئمة من ولده» (1).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله في ذكر الأئمة عليهم السّلام:«...بهم يحبس اللّه العذاب عن أهل الأرض،و بهم يمسك السماء ان تقع على الأرض إلاّ بإذنه،و بهم يمسك الجبال أن تميد بهم» (2).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«بهم يدفع الضيم،و بهم ينزل الرحمة و بهم يحيي ميتا و بهم يميت حيا» (3).

و في زيارات أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام التي رواها ابن قولويه بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السّلام جاء فيها:«بكم يباعد اللّه الزمان الكلب،و بكم يمحو اللّه ما يشاء و بكم يثبت،و بكم تنبت الأرض أشجارها و بكم تخرج الأرض أثمارها و بكم تنزل السماء قطرها و رزقها،و بكم ينزل اللّه الغيث،إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم و تصدر من بيوتكم» (4).9.

ص: 14


1- -دلائل الإمامة:80 ذكر علي و مناقبه.
2- -الاختصاص:224 حديث في الأئمة.
3- -التوحيد:167 باب 24 ح 1.
4- -كامل الزيارات:200 الباب 79.

عظمة الحسين عليه السلام على اللّه

في الأخبار أنّ أعرابيّا أتى رسول اللّه فقال:يا رسول اللّه لقد صدت خشفة

غزالة و أتيت بها إليك هدية لولديك الحسن و الحسين،فقبلها و دعى له بالخير فإذا الحسن واقف عنده فرغب إليها فأعطاه إيّاها فما مضى ساعة إلاّ و الحسين عليه السّلام قد أقبل فرأى الخشفة عند أخيه يلعب بها فأتى إلى جدّه فقال:أعطيت أخي خشفة يلعب بها و لم تعطني فجعل يكرّر القول و جدّه ساكت،فهمّ الحسين عليه السّلام أن يبكي فبينما هو كذلك إذا بصياح ارتفع عند باب المسجد فنظرنا فإذا ظبية و معها خشفها و من خلفها ذئبة تسوقها إلى رسول اللّه فنطقت الغزالة و قالت:يا رسول اللّه كانت لي خشفتان إحداهما صادها الصيّاد و أتى بها إليك و بقيت لي هذه الاخرى و أنا بها مسرورة و كنت الآن أرضعها فسمعت قائلا يقول:أسرعي أسرعي يا غزالة بخشفك إلى النبيّ محمّد لأنّ الحسين واقف بين يديه و قد همّ أن يبكي و الملائكة بأجمعهم رفعوا رؤوسهم من صوامع العبادة،و لو بكى الحسين عليه السّلام لبكت الملائكة المقرّبون لبكائه و سمعت أيضا قائلا يقول:اسرعي يا غزالة قبل جريان الدموع إلى خدّ الحسين فإن لم تفعلي سلّطت عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفتك فأتيت بخشفي إليك و قطعت مسافة بعيدة،لكن طويت لي الأرض حتّى أتيتك سريعة و أنا أحمد اللّه ربّي على أن جئتك قبل جريان دموع الحسين على خدّه، فارتفع التكبير و التهليل من الأصحاب و دعى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله للغزالة و أخذ الحسين

ص: 15

الخشفة و أتى بها إلى الزهراء فسرّت بذلك سرورا عظيما (1).

و عن عروة البرقي[كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقبل]الحسن و الحسين[و يقول:يا أصحابي إني أود أن أقاسمهما]حياتي لحبّي لهما،فهما ريحانتاي من الدّنيا (2).

و عن محمّد بن يزيد:حمل النبيّ الحسن و حمل جبرائيل الحسين عليه السّلام

فكانا بعد ذلك يفتخران فيقول الحسن:حملني خير أهل الأرض و يقول الحسين حملني خير أهل السماء (3).

و في كتاب مناقب[آل أبي طالب]:أذنب رجل ذنبا في حياة رسول اللّه فتغيّب حتّى وجد الحسن و الحسين في طريق خال فاحتملهما على عاتقيه و أتى بهما النبيّ فقال:يا رسول اللّه إنّي مستجير باللّه و بهما فضحك رسول اللّه

حتّى ردّ يده إلى فمه ثمّ قال للرجل إذهب فأنت طليق،و قال لحسن و حسين:قد شفّعتكما فيه فأنزل اللّه تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً (4). (5).

و في حديث مدرك بن أبي زيد:قلت لابن عبّاس-و قد أمسك للحسن ثمّ الحسين بالركاب و سوى عليهما-:أنت أسنّ منهما تمسك لهما بالركاب فقال:يالكع و ما تدري من هذان،هذان ابنا رسول اللّه أو ليس ممّا أنعم اللّه عليّ به أن أمسك لهما و أسوّي عليهما (6).

و في الأمالي عن الإمامين الباقر و الصادق عليه السّلام:إنّ اللّه تعالى عوّض الحسين عليه السّلام3.

ص: 16


1- العوالم:42 ح 3.
2- مدينة المعاجز:426/3 ح 4.
3- مدينة المعاجز:288/3 ح 57.
4- سورة النساء:64.
5- مناقب آل أبي طالب:168/3.
6- مناقب آل أبي طالب:168/3.

من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيته و إجابة الدّعاء عند قبره و لا تعد أيّام زائريه جائيا و راجعا من عمره (1).

و في البحار من بعض كتب المناقب القديمة عن محمد بن أحمد بن علي بن شاذان بإسناده عن ابن عباس قال:

كنت جالسا بين يدي النبي صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم و بين يديه علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليه السّلام إذ هبط جبرائيل و معه تفاحة،فحيّا بها النبي و حيّا بها علي بن أبي طالب فتحيا بها عليّ و قبّلها و ردها إلى رسول الله،فتحيا بها رسول الله و حيّا بها الحسن و تحيّا بها الحسن و قبّلها و ردّها إلى رسول الله فتحيّا بها رسول الله و حيّا بها الحسين و تحيّا بها الحسين و قبّلها و ردّها إلى رسول الله فتحيّا بها و حيّا بها فاطمة فتحيّت بها و قبّلتها و ردّتها إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله،فتحيّا بها الرابعة و حيّا بها علي بن أبي طالب فلما همّ أن يردّها إلى رسول الله سقطت التفاحة من بين أنامله فانفلقت بنصفين فسطع منها نور حتى بلغ إلى السماء الدنيا فإذا عليها سطران مكتوبان:باسم الله الرحمن الرحيم تحية من الله إلى محمد المصطفى و علي المرتضى و فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين عليهم السّلام سبطي رسول الله و أمان لمحبيهما يوم القيامة من النار (2).

و في(البحار)وجدت في بعض مؤلفات أصحابنا أنه روى مرسلا من جماعة من الصحابة قالوا:

دخل النبي صلّى اللّه عليه و آله دار فاطمة فقال:يا فاطمة إن أباك اليوم ضيفك،فقالت:يا أبت إن الحسن و الحسين عليهما السّلام يطالباني بشي من الزاد فلم أجد لهما شيئا يقتاتان به.

ثم أن النبي صلّى اللّه عليه و آله دخل و جلس مع علي و الحسن و الحسين و فاطمة متحيرة ما1.

ص: 17


1- الامالي:317 ح 91.
2- مدينة المعاجز:371/1.

تدري كيف تصنع،ثم إن النبي صلّى اللّه عليه و آله نظر إلى السماء ساعة و إذا بجبرائيل قد نزل و قال:يا محمد العليّ الأعلى يقرئك السلام و يخصك بالتحية و الإكرام و يقول لك:

قل لعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين أي شي يشتهون من فواكه الجنة؟فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:يا علي و يا فاطمة و يا حسن و يا حسين إن رب العزّة علم أنكم جياع فأي شي تشتهون من فواكه الجنة؟فأمسكوا عن الكلام و لم يردوا جوابا حياء من النبي صلّى اللّه عليه و آله.

فقال الحسين عليه السّلام:عن إذنك يا أبتاه يا أمير المؤمنين عليه السّلام و عن إذنك يا أماه يا سيدة نساء العالمين و عن إذنك يا أخاه الحسن الزكي أختار لكم شيئا من فواكه الجنة.

فقالوا جميعا:قل يا حسين ما شئت فقد رضينا بما تختاره لنا.

فقال:يا رسول الله قل لجبرائيل:إنّا نشتهي رطبا جنيّا،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:قد علم الله ذلك.

ثم قال:يا فاطمة قومي و ادخلي البيت و احضري إلينا ما فيه،فدخلت فرأت فيه طبقا من البلور مغطى بمنديل من السندس الأخضر و فيه رطب جنيّ في غير أوانه، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:يا فاطمة أنى لك هذا؟

قالت:هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب كما قالت مريم بنت عمران.

فقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و تناوله و قدّمه بين أيديهم ثم قال:بسم الله الرحمن الرحيم،ثم أخذ رطبة واحدة فوضعها في فم الحسين عليه السّلام فقال:هنيئا مريئا لك يا حسين،ثم أخذ رطبة فوضعها في فم الحسن و قال:هنيئا مريئا لك يا حسن،ثم أخذ رطبة ثالثة فوضعها في فم فاطمة الزهراء و قال:هنيئا مريئا لك يا فاطمة الزهراء،ثم أخذ رطبة رابعة فوضعها في فم علي و قال:هنيئا مريئا لك يا علي،ثم ناول عليّا رطبة أخرى

ص: 18

ثم رطبة أخرى و النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول له:هنيئا مريئا لك،ثم وثب النبي صلّى اللّه عليه و آله قائما ثم جلس ثم أكلوا جميعا من ذلك الرّطب.

فلما اكتفوا و شبعوا ارتفعت المائدة إلى السماء بإذن الله تعالى.

فقالت فاطمة عليها السّلام:يا أبت لقد رأيت اليوم منك عجبا.

فقال:يا فاطمة أما الرّطبة الأولى التي وضعتها في فم الحسين عليه السّلام و قلت له:

هنيئا يا حسين فإني سمعت ميكائيل و إسرافيل يقولان هنيئا يا حسين فقلت أيضا موافقا لهما في القول،ثم أخذت الثانية فوضعتها في فم الحسن فسمعت جبرائيل و ميكائيل يقولان:هنيئا لك يا حسن فقلت أنا موافقا لهما في القول،ثم أخذت الثالثة فوضعتها في فمك يا فاطمة فسمعت الحور العين مسرورين مشرفين علينا من الجنان يقلن:هنيئا لك يا فاطمة،فقلت موافقا لهن بالقول،و لما أخذت الرابعة فوضعتها في فم علي سمعت النداء من قبل الحق يقول:هنيئا مريئا لك يا علي،فقلت موافقا لقول الله عزّ و جلّ،ثم ناولت عليا رطبة أخرى ثم أخرى و أنا أسمع صوت الحق سبحانه يقول:هنيئا مريئا لك يا علي،فقلت موافقا لقول الله،ثم قمت إجلالا لرب العزّة جلّ جلاله فسمعته يقول:يا محمد و عزّتي و جلالي لو ناولت عليا من هذه الساعة إلى يوم القيامة رطبة رطبة لقلت هنيئا مريئا بعد بلا انقطاع (1).

و روى عن سلمان الفارسي قال:أهدي إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله قطف من العنب في غير أوانه فقال لي:يا سلمان ائتني بولديّ الحسن و الحسين ليأكلا معي من هذا العنب، قال سلمان الفارسي:فذهبت أطرق عليهما منزل أمهما فلم أرهما،فأتيت منزل أختهما أم كلثوم فلم أرهما.

فخبّرت النبي صلّى اللّه عليه و آله بذلك،فاضطرب و وثب قائما و هو يقول:و اولداه و اقرّة عيناه1.

ص: 19


1- مدينة المعاجز:346/1.

من يرشدني عليهما فله على الله الجنة،فنزل جبرائيل من السماء و قال:يا محمد على من هذا الإنزعاج؟فقال:على ولديّ الحسن و الحسين فإني خائف عليهما من كيد اليهود،فقال جبرائيل:يا محمد بل خف عليهما من كيد المنافقين،فإن كيدهم أشد من كيد اليهود،إعلم يا محمد أن ابنيك الحسن و الحسين نائمان في حديقة أبي الدحداح.

فسار النبي صلّى اللّه عليه و آله من وقته و ساعته إلى الحديقة و أنا معه حتى دخلنا الحديقة و إذا هما نائمان و قد اعتنق أحدهما الآخر و ثعبان في فيه طاقة ريحان يروّح بها وجهيهما.

فلما رأى الثعبان النبي صلّى اللّه عليه و آله ألقى ما كان في فيه فقال:السلام عليك يا رسول الله، لست أنا ثعبانا و لكني ملك من ملائكة الكرّوبيين غفلت عن ذكر ربي طرفة عين فغضب عليّ ربي و مسخني ثعبانا كما ترى و طردني من السماء إلى الأرض و لي منذ سنين كثيرة أقصد كريما إلى الله فأسأله أن يشفع لي عند ربي عسى أن يرحمني و يعيدني ملكا كما كنت أولا إنه على كل شي قدير.

قال:فجاء النبي صلّى اللّه عليه و آله يقبّلهما حتى استيقظا فجلسا على ركبتي النبي صلّى اللّه عليه و آله.

فقال لهما النبي صلّى اللّه عليه و آله:أنظرا يا ولديّ هذا ملك من ملائكة الله الكروبيين قد غفل عن ذكر ربه طرفة عين فجعله الله هكذا و أنا مستشفع بكما إلى الله فاشفعا له.

فوثب الحسن و الحسين عليهما السّلام فأسبغا الوضوء و صلّيا ركعتين و قالا:اللهم بحق جدّنا الجليل الحبيب محمد المصطفى،و بأبينا علي المرتضى،و بأمنا فاطمة الزهراء إلا ما رددته إلى حالته الأولى.

قال:فما استتمّ دعاؤهما فإذا بجبرائيل نزل من السماء في رهط من الملائكة و بشّر ذلك الملك برضى الله عنه و بردّه إلى سيرته الأولى ثم ارتفعوا إلى السماء و هم يسبّحون الله تعالى.

ص: 20

ثم رجع جبرائيل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو متبسم،و قال:يا رسول الله إن ذلك الملك يفتخر على ملائكة السبع السماوات و يقول لهم:من مثلي و أنا في شفاعة السيدين السبطين الحسن و الحسين عليهما السلام (1).9.

ص: 21


1- مدينة المعاجز:293/3 ح 899.

في أن الحسين وصي رسول اللّه عليهما السلام

ابن بابويه قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه اللّه قال:حدّثنا الحسين بن محمد ابن عامر عن المعلى بن محمد البصري بن جعفر بن سليمان عن عبد اللّه بن الحكم عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إن عليا وصيي و خليفتي و زوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ابنتي و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي،من والاهم فقد والاني و من عاداهم فقد عاداني و من ناوأهم فقد ناوأني و من جفاهم فقد جفاني و من برّبهم فقد برّبي،وصل اللّه من وصلهم و قطع من قطعهم و نصر من اعانهم و خذل من خذلهم،اللهم من كان له من أنبيائك و رسلك ثقل و أهل بيت فعلي و فاطمة و الحسن و الحسين أهل بيتي و ثقلي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا» (1).

الشيخ في أماليه عن أبي محمد الفحام قال:حدّثني عمي قال:حدّثني أبو العباس أحمد بن عبد اللّه بن علي الرأس قال:حدّثنا أبو عبد اللّه عبد الرّحمن بن عبد اللّه العمري قال:حدّثنا أبو سلمة يحيى بن المغيرة قال:حدّثني أخي محمد بن المغيرة عن محمد بن سنان عن سيدنا أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السّلام قال:قال أبي لجابر بن عبد اللّه:«لي إليك حاجة أريد أخلو بك فيها»فلما خلا به في بعض الايام قال له:« أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة عليها السّلام،قال جابر:أشهد باللّه لقد دخلت على فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهنيها بولدها الحسين فإذا بيدها لوح أخضر من

ص: 22


1- أمالي الشيخ الصدوق:/112المجلس /13ح 10.

زبرجدة خضراء فيه كتاب أنور من الشمس و أطيب من رائحة المسك الاذفر فقلت:ما هذا يا بنت رسول اللّه؟

فقالت:هذا لوح أهداه اللّه عز و جل إلى أبي فيه اسم أبي و اسم بعلي و اسم الأوصياء بعده من ولدي،فسألتها أن تدفعه إلي لأنسخه ففعلت،فقال له:فهل لك أن تعارضني بها؟

قال:نعم فمضى جابر إلى منزله و أتى بصحيفة من كاغذ فقال له:أنظر في صحيفتك حتى أقراها عليك فكان في صحيفته مكتوب:

بسم اللّه الرّحمن الرحيم،هذا كتاب من اللّه العزيز العليم أنزله الروح الامين على محمد خاتم النبيين،يا محمد عظّم اسمائي و اشكر نعمائي و لا تجحد آلائي و لا ترج سواي و لا تخش غيري،فإن من يرجو سواي و يخشى غيري أعذبه عذابا لا اعذبه أحدا من العالمين،يا محمد إني اصطفيتيك على الأنبياء،و فضلت وصيك على الأوصياء، و جعلت الحسن عيبة علمي من بعد انقضاء مدة أبيه،و الحسين خير أولاد الأولين و الآخرين فيه ثبتت الإمامة و منه يعقب علي زين العابدين،و محمد الباقر لعلمي و الداعي إلى سبيلي على منهاج الحق،و جعفر الصادق في القول و العمل ينشب بعده فتنة صماء،فالويل كل الويل للمكذب بعبدي و خيرتي من خلقي موسى،و علي الرضا يقتله عفريت كافر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلق اللّه، و محمد الهادي إلى سبيلي الذاب عن حريمي و القيّم في رعيته،و حسن الأعز يخرج منه ذو الإسمين علي،و الحسن الخلف محمد يخرج في آخر الزمان على رأسه غمامة بيضاء تظله من الشمس،ينادي بلسان فصيح يسمعه الثقلين و الخافقين هو المهدي من آل محمد يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا». (1)

الشيخ الطوسي في الغيبة عن جماعة عن أبي عبد اللّه الحسين بن علي بن سفيان3.

ص: 23


1- أمالي الشيخ الطوسي:/292مجلس /11ح 13.

البزوفري عن علي بن سنان الموصلي العدل عن علي بن الحسين عن أحمد بن محمد[ابن] (1)الخليل عن جعفر بن محمد المصري عن عمه الحسن بن علي عن أبيه عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين عن أبيه الحسين الزكي الشهيد عن أبيه أمير المؤمنين قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي عليه السّلام:«يا أبا الحسن أحضر صحيفة و دواة فأملاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال:يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماما و من بعدهم اثنا عشر مهديا،و أنت يا علي أول الاثني عشر الإمام،سماك[اللّه] (2)في سمائه المرتضى و أمير المؤمنين و الصديق الأكبر و الفاروق الاعظم و المأمون المهدي،فلا تصلح هذه الاسماء لأحد غيرك،يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم و ميتهم و على نسائي فمن ثبتّها لقيتني غدا و من طلّقتها فأنا منها بريء لم ترني و لم أرها في عرصة القيامة،فأنت خليفتي على أمتي من بعدي،فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البر الوصول،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الزكي الشهيد المقتول،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد باقر العلم،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى بن جعفر الكاظم،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الرضا،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد التقي،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه المستحفظ من آل محمد، فذلك اثنا عشر اماما،ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة اساميّ اسم كاسمي و اسم كاسم أبي و هو عبد اللّه و أحمد و الاسم الثالثر.

ص: 24


1- زيادة من بعض المصادر.
2- زيادة من بعض المصادر.

المهدي،و هو أول المؤمنين» (1).

ابن بابويه في النصوص قال:حدّثنا القاضي أبو الفرج المعافي بن زكريا البغدادي قال:حدّثنا محمد بن همام بن سهيل الكاتب قال:حدّثني محمد بن معافي السلماسي عن محمد بن عامر قال:حدّثنا عبد اللّه بن زاهر عن عبد القدوس عن الأعمش عن حبش بن المعتمر قال:قال أبو ذر الغفاري رضى اللّه عنه دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مرضه الذي توفي فيه فقال:يا أبا ذر«إيتني بابنتي فاطمة»

قال:فقمت دخلت عليها و قلت لها:يا سيدة النسوان أجيبي أباك فلبست نعليها و اتزرت و خرجت حتى دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فلما رأت رسول اللّه انكبت عليه و بكت و بكى رسول اللّه لبكائها و ضمّها إليه ثم قال:«يا فاطمة لا تبكي فداك أبوك فأنت أول من يلحقني مظلومة مغصوبة،و سوف تظهر بعدي حسكة النفاق و سيمل جلباب الدين،و أنت أول من يرد عليّ الحوض».

قالت:«يا أبت أين ألقاك؟».

قال:«تلقينني عند الحوض و أنا أسقي شيعتك و محبيك و أطرد أعداءك و مبغضيك، قالت:يا رسول اللّه فإن لم ألقك عند الحوض قال:تلقينني عند الميزان».

قالت:«يا أبت فإن لم ألقك عند الميزان».

قال:«تلقينني عند الصراط،و أنا أقول:سلم سلم شيعة علي».

قال أبو ذر:فسكن قلبها ثم التفت إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«يا أبا ذر إنها بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني،ألا إنها سيّدة نساء العالمين و بعلها سيد الوصيين و ابناها الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة،و انهما إمامان قاما أو قعدا و أبوهما خير منهما، و سوف يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمة أمناء معصومون قوامون بالقسط، و منا مهدي هذه الأمة».1.

ص: 25


1- غيبة الطوسي:/151ح 111.

قلت:يا رسول اللّه فكم الأئمة بعدك؟

قال صلّى اللّه عليه و آله:«عدد نقباء بني إسرائيل» (1).

ابن بابويه في النصوص قال:حدّثنا علي بن محمد بن مقول قال:حدّثنا أبو بكر محمد بن عمر القاضي الجعابي قال:حدّثني نصر بن عبد اللّه الوشا قال:حدّثني زيد ابن الحسن الانماطي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:كنت عند النبي صلّى اللّه عليه و آله في بيت أم سلمة فأنزل اللّه هذه الآية: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (2)فدعا النبي صلّى اللّه عليه و آله بالحسن و الحسين و فاطمة و أجلسهم و دعا عليا فأجلسه خلف ظهره و قال:«اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا».

قالت أم سلمة:فأنا معهم يا رسول اللّه؟

قال:«أنت على خير».

فقلت:يا رسول اللّه لقد أكرم اللّه هذه العترة الطاهرة و الذرية المباركة بذهاب الرجس عنهم قال:«يا جابر إنهم عترتي من لحمي و دمي فأخي سيد الأوصياء و ابني خير الأسباط و ابنتي سيّدة النسوان و منا المهدي»قلت:يا رسول اللّه و من المهدي؟

قال:«تسعة من صلب الحسين أئمة أبرار،و التاسع يملأ الأرض قسطا و عدلا،يقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل» (3).

محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة و محمد بن همام بن سهيل و عبد العزيز و عبد الواحد ابني عبد اللّه بن يونس [الموصلي] (4)عن رجالهم عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن أبا بنر.

ص: 26


1- كفاية الأثر:38.
2- الأحزاب:33.
3- كفاية الأثر:66.
4- زيادة من بعض المصادر.

أبي عياش عن سليم بن قيس،و أخبرنا به من غير هذه الطرق هارون بن محمد قال:

حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن جعفر المعلى الهمداني قال:حدّثني[أبو] (1)الحسن عمرو بن جامع عن عمرو بن حرب الكندي قال:حدّثنا عبد اللّه بن مبارك شيخ لنا كوفي ثقة قال:حدّثنا عبد الرزاق بن همام[شيخنا] (2)عن معمر عن أبان ابن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي،و ذكر أبان أنه سمعه أيضا عن عمر بن أبي سلمة، قال معمر:و ذكر أبو هارون العبدي أنه سمعه[أيضا] (3)عن عمر بن سلمة عن سليم أن معاوية لما دعا أبا الدرداء و أبا هريرة و نحن مع أمير المؤمنين عليه السّلام بصفين فحمّلهما الرسالة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و أدّيا إليه قال:«بلغتماني مما أرسلكما به معاوية فاسمعا مني و بلّغا عني[كما بلغتماني] (4)».

قالا:نعم،فأجابه عليه السّلام الجواب بطوله حتى انتهى إلى نصب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إياه بغدير خم بأمر اللّه عز و جل:لما أنزل عليه إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (5).

فقال:الناس يا رسول اللّه أخاصة لبعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟فأمر اللّه نبيه صلّى اللّه عليه و آله أن يعلمهم ولاية من أمر اللّه بولايته و أن يفسّر لهم من الولاية ما فسر من صلاتهم و زكاتهم و صومهم و حجهم،قال علي عليه السّلام:«فنصبني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بغدير خم و قال:إن اللّه عز و جل أرسلني برسالة ضاق بها صدري و ظننت أن الناس تكذبني فأوعدني لأبلغنّها أو ليعذبني ثم قال:قم يا عليّ ثم نادى بأعلى صوته بعد أن أمر أن ينادي بالصلاة جامعة فصلى بهم الظهر ثم قال:أيها الناس إن اللّه مولاي و أنا مولى5.

ص: 27


1- زيادة من بعض المصادر.
2- زيادة من بعض المصادر.
3- زيادة من بعض المصادر.
4- زيادة من بعض المصادر.
5- المائدة:55.

المؤمنين،و أنا أولى بهم من أنفسهم و من كنت مولاه فعلي مولاه والى اللّه من والاه و عادى من عاداه،فقام إليه سلمان الفارسي فقال:يا رسول اللّه ولاة ماذا؟

فقال:من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه فأنزل اللّه: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (1)فقال:يا رسول اللّه هؤلاء الآيات في عليّ خاصة؟

فقال:بل فيه و في أوصيائي إلى يوم القيامة،فقال:يا رسول اللّه سمّهم لي فقال:عليّ وصيي و وزيري و وارثي و خليفتي في أمتي،ولي كل مؤمن من بعدي،و أحد عشر إماما من ولدي،أولهم ابني حسن ثم ابني حسين ثم تسعة من ولد الحسين واحدا بعد واحد، هم مع القرآن و القرآن معهم لا يفارقونه حتى يردوا عليّ حوضي،فقام اثنا عشر رجلا من البدريين فقالوا:نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول اللّه كما قلت يا أمير المؤمنين سواء لم نزد و لم ننقص،و قال بقية السبعين من البدريين الذين شهدوا مع علي صفين:حفظنا جل ما قلت و لم نحفظه كله،و هؤلاء الاثنا عشر خيارنا و أفاضلنا فقال علي عليه السّلام:صدقتم ليس كل الناس يحفظ،بعضهم أفضل من بعض،و قام من الاثني عشر أربعة:أبو الهيثم بن التيهان و أبو أيوب و عمار و خزيمة ذو الشهادتين فقالوا:نشهد أنا حفظنا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال يومئذ و علي قائم إلى جنبه:يا أيها الناس إن اللّه أمرني أن أنصّب لكم إمامكم و وصيي فيكم و خليفتي في أهلي و في أمتي من بعدي:و الذي فرض اللّه طاعته على المؤمنين و أمركم فيه بولايته فقلت:يا رب خشية طعن أهل النفاق و تكذيبهم فأوعدني لأبلغنّها أو ليعاقبني.

أيها الناس إن اللّه عز و جل ذكره أمركم في كتابه بالصلاة و قد بينتها لكم و سمّيتها، و الزكاة و الصوم و الحج فبيّنته و فسّرته لكم،و أمركم في كتابه بولايته،و إني أشهدكم أيها الناس أنها خاصة لعليّ و أوصيائي من ولدي و ولده،أولهم ابني حسن ثم ابني حسين ثم3.

ص: 28


1- المائدة:3.

تسعة من ولد الحسين عليه السّلام لا يفارقون الكتاب حتى يردوا علي حوضي.

يا أيها الناس إني قد أعلمتكم المهدي بعدي،و وليكم و إمامكم و هاديكم بعدي و هو أخي علي بن أبي طالب،و هو فيكم بمنزلتي فقلّدوه دينكم و أطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علّمني جل و عز،و هو أمرني أن أعلمه إياه و أن اعلمكم إنه عنده فاسألوه و تعلّموا منه و من أوصيائه و لا تعلّموهم و لا تقدموهم و لا تخلّفوا عنهم،فإنهم مع الحق و الحق معهم لا يزايلونه و لا يزايلهم».

قال علي عليه السّلام لأبي الدرداء و أبي هريرة و من حوله:«يا أيها الناس،تعلمون أن اللّه أنزل في كتابه إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا فجعلني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فاطمة و حسنا و حسينا في كساء ثم قال:اللهم هؤلاء لحمي و عترتي و ثقلي و حامتي و أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،فقالت أم سلمة:

و أنا؟

فقال لها،و أنت إلى خير،إنما أنزلت فيّ و في أخي و في ابنتي و في ابنيّ حسن و حسين و في تسعة من ولد الحسين خاصة ليس معنا أحد غيرنا».

فقام جل القوم فقالوا:نشهد أن أم سلمة حدّثتنا بذلك،فسألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فحدثنا كما حدثتنا أم سلمة.

فقال علي عليه السّلام:«تعلمون أن اللّه عز و جل أنزل في سورة الحج يا أيها الذين امنوا اركعوا و اسجدوا و اعبدو ربكم و افعلوا الخير لعلكم تفلحون و جاهدوا في اللّه حق جهاده هو اجتباكم و ما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل و في هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم و تكونوا شهداء على الناس».

فقام سلمان عند نزولها فقال:يا رسول اللّه من هؤلاء الذين أنت شهيد عليهم و هم شهداء على الناس؟

قال:«الذين اختارهم اللّه و لم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة إبراهيم،قال

ص: 29

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:عنى بذلك ثلاثة عشر إنسانا:أنا و أخي علي و أحد عشر من ولده».

فقالوا:اللهم نعم قد سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال علي عليه السّلام:«أنشدكم اللّه أتعلمون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قام خطيبا ثم لم يخطب بعد ذلك،فقال:أيها الناس إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما:كتاب اللّه عز و جل و عترتي أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد أخبرني و عهد إليّ أنهما لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض؟»

قالوا:اللهم قد شهدنا ذلك كله من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقام اثنا عشر من الجماعة فقالوا:نشهد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين خطب في اليوم الذي قبض فيه فقام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال:يا رسول اللّه لكل أهل بيتك؟

فقال:«لا و لكن الأوصياء منهم علي أخي و وزيري و وارثي و خليفتي في أمتي،و ولي كل مؤمن من بعدي،و هو أولهم و خيرهم ثم وصيّه ابني هذا و أشار إلى الحسن،ثم وصيه ابني هذا و أشار إلى الحسين،ثم وصيه ابني سمييّ أخي،ثم وصيه بعده سميّ ثم سبعة من ولده واحدا بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض شهداء اللّه في أرضه و حججه على خلقه،من أطاعهم أطاع اللّه و من عصاهم عصى اللّه».

فقام إليه السبعون البدريون و نحوهم من المهاجرين فقالوا:ذكّرتمونا ما كنّا نسيناه،نشهد أن قد كنّا سمعنا ذاك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فانطلق أبو هريرة و أبو الدرداء فحدّثا معاوية بكل ما قال علي عليه السّلام و استشهد عليه و ما ورد على الناس و شهدوا به (1).8.

ص: 30


1- انظر غيبة النعماني:/72ح 8.

أن الأئمة من صلب الحسين عليهم السلام

إبراهيم بن محمد الحمويني هذا قال:روى الشيخ الجليل أبو جعفر بن بابويه رضى اللّه عنه قال:حدثنا أبو الحسن أحمد بن ثابت الدواليبي بمدينة السلام،حدّثنا محمد بن الفضل،حدثنا محمد بن علي بن عبد الصمد الكوفي،حدثنا علي بن عاصم عن محمد بن علي بن موسى عن أبيه علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين ابن علي صلوات اللّه عليهم أجمعين قال:«دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عنده أبي بن كعب فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:مرحبا بك يا أبا عبد اللّه يا زين السموات و الأرض،قال أبي:

و كيف يكون يا رسول اللّه زين السموات و الأرض أحد غيرك؟

فقال:يا أبي و الذي بعثني بالحق نبيا إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض و إنه لمكتوب على يمين عرش اللّه مصباح هدى و سفينة نجاة و إمام غير وهن و عز و فخر و علم و ذخر،و إن اللّه عز و جل ركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام أو يجري ما في الأصلاب أو يكون ليل أو نهار، و لقد لقن بدعوات ما يدعو بهن مخلوق إلا حشره اللّه عز و جل معه،و كان شفيعه في آخرته،و فرّج اللّه عنه كربه و قضى بها دينه و يسّر أمره و أوضح سبيله و قوّاه على عدوه و لم يهتك ستره،فقال له أبيّ بن كعب:ما هذه الدعوات يا رسول اللّه؟

قال تقول إذا فرغت من صلواتك و أنت قاعد:اللهم إني أسألك بكلماتك و معاقد عرشك و سكان سماواتك و أنبيائك و رسلك أن تستجيب لي فقد رهقني من أمري

ص: 31

عسر،فأسألك أن تصلي على محمد و آل محمد و ان تجعل لي من عسري يسرا،فإن اللّه عز و جل يسهّل أمرك و يشرح صدرك و يلقنك شهادة أن لا إله إلاّ اللّه عند خروج نفسك.

قال له أبي:يا رسول اللّه فما هذه النطفة التي في صلب الحسين عليه السّلام؟

قال:مثل هذه النطفة كمثل القمر و هي نطفة تبيين و بيان يكون من اتبعه رشيدا و من ضل عنه هويّا،قال:فما اسمه؟و ما دعاؤه؟

قال:اسمه علي و دعاؤه:يا دائم يا ديّوم يا حي يا قيوم يا كاشف الغم و يا فارج الهم و يا باعث الرسل و يا صادق الوعد،من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل مع علي بن الحسين صلوات اللّه عليهما و كان قائده إلى الجنة.

قال له أبي:يا رسول اللّه فهل له من خلف و وصي؟

قال:نعم له مواريث السموات و الأرض،قال:و ما معنى مواريث السموات و الأرض يا رسول اللّه؟

قال:القضاء بالحق و الحكم بالديانة و تأويل الاحكام و بيان ما يكون،قال:اسمه محمد و أن الملائكة لتستأنس به في السماء و يقول في دعائه:اللهم إن كان لي عندك رضوان و ودّ فاغفر لي و لمن تبعني من إخواني و شيعتي و طيّب ما في صلبي،فركّب اللّه عز و جل في صلبه نطفة مباركة زكية،فأخبرني جبرئيل عليه السّلام أن اللّه تبارك و تعالى طيب هذه النطفة و سمّاها عنده جعفرا و جعله هاديا مهديا راضيا مرضيا يدعو ربه و يقول في دعائه:يا ديان غير متوان يا أرحم الراحمين اجعل لشيعتي من النار وقاء،و لهم عندك رضا و اغفر ذنوبهم و يسّر أمورهم و اقض ديونهم و استر عوراتهم وهب لي الكبائر التي بينك و بينهم،يا من لا يخاف الضيم و لا تأخذه سنة و لا نوم اجعل لي من كل غم فرجا.

من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل أبيض الوجه مع جعفر بن محمد عليهما صلوات اللّه و سلامه إلى الجنة.

يا أبي إن اللّه تبارك و تعالى ركّب في هذه النطفة نطفة زكية مباركة أنزل عليها الرحمة

ص: 32

و سمّاها عنده موسى،قال له أبي:يا رسول اللّه كلهم يتواضعون و يتناسلون و يتوارثون و يصف بعضهم بعضا،قال وصفهم لي جبرائيل عليه السّلام عن رب العالمين جل جلاله،قال:

فهل لموسى من دعوة يدعو بها سوى دعاء آبائه قال:نعم يقول في دعائه:يا خالق الخلق و يا باسط الرزق و فالق الحب و بارئ النسم و محيي الموتى و مميت الأحياء و دائم الثبات و مخرج النبات افعل بي ما أنت اهله من دعى بهذا الدعاء قضى اللّه له حوائجه و حشره اللّه يوم القيامة مع موسى بن جعفر عليه السّلام،و ان اللّه ركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية مرضية و سماها عنده عليا،يكون للّه في خلقه رضيا في علمه و حكمه و يجعله حجة لشيعته يحتجون به يوم القيامة و له دعاء يدعو به:اللهم صلّ على محمد و آل محمد و أعطني[الهدى] (1)و ثبتني عليه و احشرني عليه آمنا أمن من لا خوف عليه و لا حزن و لا جزع،أنت أهل التقوى و أهل المغفرة،و إن اللّه عز و جل ركّب في صلبه نطفة زكية مرضية و سمّاها محمد بن علي فهو شفيع شيعته و وارث علم جده له علامة بيّنة و حجة ظاهرة إذا ولد يقول:لا اله محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

يقول في دعائه:يا من لا شبيه له و لا مثال،أنت اللّه لا إله إلاّ أنت و لا خالق إلا أنت تفني المخلوقين و تبقى أنت،حلمت عمن عصاك و في المغفرة رضاك،من دعى بهذا الدعاء كان محمد بن علي شفيعه يوم القيامة،و إن اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلبه نطفة لا باغية و لا طاغية مباركة طيبة طاهرة سمّاها عنده علي بن محمد فألبسه السكينة و الوقار و أودعها العلوم و كل شيء مكتوم من لقيه و في صدره شيء أنبأه و حذره من عدوه و يقول في دعائه:يا نور يا برهان يا منير يا مبين يا رب اكفني شر الشرور و آفات الدهور و أسألك النجاة يوم ينفخ في الصور،من دعى بهذا الدعاء كان علي بن محمد شفيعه و قائده إلى الجنة،و ان اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلبه نطفة و سماها عنده الحسن عليه السّلام و جعله نورا في بلاده و خليفة في أرضه و عزا لأمة جدّه و هاديا لشيعتهر.

ص: 33


1- زيادة من بعض المصادر.

و شفيعا لهم عند ربه و نقمة على من خالفه و حجة لمن والاه و برهانا لمن اتخذه اماما.

يقول في دعائه:يا عزيز العز في عزه و يا عزيز أعزّني بعزك و أيدني بنصرك و ابعد عني همزات الشياطين و ادفع عني بدفعك و امنع عني بمنعك و اجعلني من خيار خلقك، يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد،من دعا بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل معه و نجّاه من النار و لو وجبت عليه،و إنّ اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلب الحسن نطفة مباركة زكية طاهرة مطهرة يرضى بها كل مؤمن ممن قد اخذ اللّه ميثاقه في الولاية،و يكفر به كل جاحد و هو إمام تقي نقي بار مرضي هاد مهدي،يحكم بالعدل و يأمر به،يصدق اللّه عز و جل و يصدقه اللّه في قوله،يخرج من تهامة حتى يظهر الدلائل و العلامات و له بالطالقان كنوز لا ذهب و لا فضة إلاّ خيول[مطهمة] (1)و رجال مسومة يجمع اللّه له من أقصى البلاد على عدة أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا،معه صحيفة مختومة فيها عدد أنصاره بأسمائهم و أنسابهم و بلدانهم و صنايعهم و طبايعهم و كلامهم و كناهم، كرارون مجدون في طاعته.

فقال أبي:و ما دلائله و علاماته يا رسول اللّه؟

قال:له علم إذا حان وقت خروجه إنتشر ذلك العلم من نفسه و أنطقه اللّه عز و جل فناداه العلم:اخرج يا ولي اللّه،اقتل أعداء اللّه،و هما رايتان و علامتان،و له سيف مغمد فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده و أنطقه اللّه عز و جل فناداه السيف:

أخرج يا ولي اللّه،فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء اللّه،فيخرج يقتل أعداء اللّه حيث ثقفهم و يقيم حدود اللّه،و يحكم بحكم اللّه يخرج و جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن ميسرته و شعيب بن صالح على مقدمته،و سوف تذكرون ما أقول لكم و أفوّض أمري إلى اللّه عز و جل.

يا أبي طوبى لمن لقيه و طوبى لمن أحبه و طوبى لمن قال به و لو بعد حين،و ينجيهمر.

ص: 34


1- زيادة ليست في بعض المصادر.

من الهلكة في الإقرار باللّه و برسوله و بجميع الأئمة،يفتح اللّه لهم الجنة،مثلهم في الأرض كمثل المسك الذي يسطع ريحه فلا يتغير أبدا،و مثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفىء نوره أبدا،قال أبي:يا رسول اللّه كيف حال بيان هؤلاء الأئمة عن اللّه عز و جل؟

قال:إن اللّه عز و جل أنزل عليّ اثني عشر خاتما و اثنتي عشرة صحيفة،إسم كل إمام على خاتمه و صفته في صحيفته» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أبو الفضل محمد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني رحمه اللّه قال:

حدّثنا أبو مزاحم موسى بن عبد اللّه بن يحيى بن خاقان المقرئ ببغداد قال:حدّثنا أبو بكر محمد ابن عبد اللّه بن إبراهيم الشافعي قال:حدّثنا محمد بن حماد بن هامان الدباغ أبو جعفر قال:حدّثنا عيسى بن إبراهيم قال:حدّثنا الحرث بن تيهان قال:

حدّثنا عقبة بن يقطان عن أبي سعيد عن مكحول عن واثلة بن الأصقع بن قرضاب عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:دخل جندب بن جنادة بن جبير على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:يا رسول اللّه أخبرني عمّا ليس للّه،و عمّا ليس عند اللّه،و عمّا لا يعلمه اللّه.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أمّا ما ليس للّه فليس له شريك و أمّا ما ليس عند اللّه فليس عند اللّه ظلم العباد،و أمّا ما لا يعلمه اللّه فذلك قولكم يا معشر اليهود:عزير ابن اللّه،و اللّه لا يعلم له ولدا»فقال جندل:أشهد أن لا اله إلاّ اللّه و أنّك محمد رسول اللّه حقا.

ثم قال:يا رسول اللّه إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران فقال لي:

يا جندل أسلم على يد محمد و استمسك بالأوصياء من بعده،فقد أسلمت و رزقني اللّه ذلك فأخبرني عن الاوصياء من بعدك لأتمسك بهم فقال:«يا جندل أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل».

فقال:يا رسول اللّه انّهم كانوا اثني عشر هكذا وجدناهم في التوراة.5.

ص: 35


1- فرائد السمطين:/155/2ب /35ح 447،كمال الدين و تمام النعمة:265.

قال:«نعم،الائمة بعدي اثنا عشر».

قال:يا رسول اللّه كلهم في زمن واحد قال:«لا،و لكن خلف بعد خلف و إنّك لن تدرك منهم إلاّ ثلاثة،أولهم سيّد الأوصياء أبو الائمة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،ثم ابناه الحسن و الحسين فاستمسك بهم من بعدي و لا يغرنّك جهل الجاهلين،فإذا كانت وقت ولادة ابنه عليّ بن الحسين سيّد العابدين يقضي اللّه عليك،و يكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه».

فقال:يا رسول اللّه هكذا وجدت في التوراة:إليا يقطوا شبرا و شبيرا،فلم عرف أسماءهم،فكم من الحسين عليه السّلام من الأوصياء و ما اسماؤهم؟فقال:«تسعة من صلب الحسين و المهدي منهم،فإذا انقضت مدة الحسين قام بالأمر علي ابنه و يلقّب زين العابدين،فإذا انقضت مدة عليّ قام بالأمر من بعده محمد ابنه يدعى الباقر،فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده جعفر و يدعى بالصادق،فإذا انقضت مدة جعفر قام بالأمر بعده موسى و يدعى بالكاظم،ثم إذا انقضت مدة موسى قام بالأمر من بعده ابنه علي و يدعى بالرضا،فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه و يدعى بالزكي،فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده علي ابنه و يدعى بالنقي،فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر من بعده ابنه الحسن و يدعى بالأمين،ثم يغيب عنهم إمامهم.

قال:يا رسول اللّه هو الحسن يغيب عنهم؟

قال«لا،و لكن ابنه».

قال:يا رسول اللّه فما اسمه؟قال:«لا يسمى حتى يظهر».

فقال جندل:يا رسول اللّه وجدنا ذكرهم في التوراة و قد بشرنا موسى بن عمران بك و بالأوصياء من ذرّيتك،ثم تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي

ص: 36

اِرْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (1) .

فقال جندل:يا رسول اللّه فما خوفهم؟

قال:يا جندل في زمن كلّ واحد منهم سلطان يعتريه و يؤذيه،فإذا عجّل اللّه خروج قائمنا يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ما ملئت جورا و ظلما.ثم قال عليه السّلام:طوبى للصابرين في غيبته طوبى للمقيمين على محبتهم،أولئك من وصفهم الله في كتابه فقال اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (2)ثم قال:أولئك حزب اللّه ألا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (3).

قال ابن الأصقع:ثم عاش جندل إلى أيام الحسين بن علي ثم خرج إلى الطائف، فحدّثني نعيم ابن أبي قيس قال:دخلت عليه بالطائف و هو عليل ثم إنه دعا بشربة من لبن فشربه فقال:هكذا عهد لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن،ثم مات و دفن بالطائف بالموضع المعروف بالكورارة (4).

ابن بابويه قال:أخبرنا القاضي أبو الفجر المعافي بن زكريا البغدادي قال:حدّثنا أبو سليمان أحمد بن أبي هراسة قال:حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي عن عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري قال:حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن عبد الحميد الأعرج عن عطاء قال:دخلنا على عبد اللّه بن العبّاس و هو عليل بالطائف و قد ضعف فسلّمنا عليه و جلسنا فقال لي:يا عطاء من القوم؟

فقلت:يا سيّدي شيوخ هذا البلد،منهم عبد اللّه بن سلمة بن حضرم الطائفي و عمارة بن[أي]الأجلح و ثابت بن مالك،فما زلت أذكر له واحدا بعد واحد ثمّ تقدّموا إليه و قالوا:يابن عمّ رسول اللّه إنّك رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سمعت منه ما سمعت فأخبرنا عن اختلاف هذه الأمّة،فقوم قدموا عليّا على غيره،و قوم جعلوه2.

ص: 37


1- التوبة:55.
2- البقرة:3.
3- الحديد:22.
4- كفاية الأثر:58-59،و التوحيد:23/377،و بحار الأنوار 307/32.

بعد ثلاثة قال:فتنفّس ابن عبّاس فقال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:عليّ،مع الحقّ و الحقّ مع عليّ،و هو الإمام و الخليفة بعدي فمن تمسّك به فاز و نجا و من تخلّف عنه ضلّ و غوى،يلي تكفيني و غسلي و يقضي ديني و أبو سبطيّ الحسن و الحسين، و من صلب الحسين تخرج الأئمّة التسعة،و منّا مهدي هذه الأمّة،فقال له عبد اللّه بن سلمة الحضرمي:يابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فهل كنت تعرفنا قبل؟

فقال:قدو اللّه أدّيت ما سمعت و نصحت لكم و لكن لا تحبّون الناصحين ثمّ قال:اتّقوا اللّه عباد اللّه تقيّة من اعتبر تمهيدا و أتقى في و جل و كمش في مهل،و رغب في طلب و رهب في هرب،فاعملوا لآخرتكم قبل حلول آجالكم و تمسّكوا بالعروة الوثقى من عترة نبيّكم فإنّي سمعته صلّى اللّه عليه و آله يقول:من تمسّك بعترتي من بعدي كان من الفائزين ثمّ بكى بكاء شديدا فقال له القوم:أتبكي و مكانك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مكانك؟

فقال لي:يا عطاء انّما أبكي لخصلتين طول المطّلع و فراق الأحبّة ثمّ تفرّق القوم فقال:

يا عطاء خذ بيدي و احملني إلى صحن الدار،فأخذنا بيده أنا و سعيد و حملناه إلى صحن الدار ثمّ رفع يديه إلى السماء و قال:اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بمحمّد و آل محمّد، اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بولاية الشيخ علي بن أبي طالب،فما زال يكرّرها حتّى وقع على الأرض فصبرنا عليه ساعة ثمّ أقمناه فإذا هو ميّت رحمة اللّه عليه (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسن بن محمد بن مندة قال:حدّثنا أبو الحسين زيد ابن جعفر بن محمد بن الحسين الخزّاز بالكوفة سنة سبع و سبعين و ثلاثمائة قال:حدّثنا عبّاس بن عبّاس الجوهري ببغداد في دار عمارة قال:حدّثني عفان بن مسلم قال:حدّثني حمّاد بن سلمة عن الكلبي عن أبي صالح عن شدّاد بن أويس قال:

لمّا كان يوم الجمل قلت:لا أكون مع علي و لا أكون عليه،و توقّفت عن القتال إلى انتصاف النهار،فلمّا كان قرب الليل ألقى اللّه في قلبي أن اقاتل مع عليّ فقاتلت معه9.

ص: 38


1- كفاية الأثر:19.

حتّى كان من أمره ما كان،ثمّ أتيت المدينة فدخلت على أمّ سلمة قالت:من أين أقبلت؟قلت:من البصرة،قالت:مع أيّ الفريقين؟

قلت:يا أمّ المؤمنين انّي توقّفت عن القتال إلى انتصاف النهار فألقى اللّه عزّ و جلّ في قلبي بأن اقاتل مع عليّ،قالت:نعم ما عملت،لقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:

من حارب عليّا فقد حاربني و من حاربني فقد حارب اللّه،قلت:أفترين أنّ الحقّ مع عليّ؟

قالت:إي و اللّه عليّ مع الحقّ و الحقّ معه و اللّه ما أنصف امّة محمّد نبيّهم إذ قدّموا من أخّره اللّه عزّ و جلّ و رسوله و أخّروا من قدّم اللّه و رسوله و أنّهم صانوا حلائلهم في بيوتهم و أبرزوا حليلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى القتال،و اللّه لقد سمعت رسول اللّه يقول:إنّ لامّتي فرقة و خلفة فجامعوها إذا اجتمعت و إذا افترقت فكونوا من النمط الأوسط،ثم ارقبوا أهل بيتي فإن حاربوا فحابوا و إن سالموا فسالموا،و إن زالوا فزولوا فإنّ الحقّ معهم حيث كانوا.

قلت:فمن أهل بيته؟

قالت:أهل بيته الذين امرنا بالتمسّك بهم و هم الأئمّة بعده كما قال:عدد نقباء بني إسرائيل،عليّ و سبطاه و تسعة من صلب الحسين أهل بيته هم المطهّرون و الأئمّة المعصومون،قلت:انّا للّه،هلك الناس إذا،قالت كلّ حزب بما لديهم فرحون (1).1.

ص: 39


1- كفاية الأثر:181.

في أن الحسين و الأئمة عليهم السلام حجج اللّه على خلقه

ابن المؤيد موفق بن أحمد في كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام-و هو من أعيان علماء العامة-قال:حدّثني فخر القضاة نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين ابن محمد البغدادي فيما كتب إلي من همدان قال:أخبرنا الإمام الشريف نور الهدى أبو طالب الحسن بن محمد (1)الزينبي قال:أخبرنا إمام الأئمة محمد بن أحمد بن شاذان قال:حدّثنا أبو محمد الحسن بن علي العلوي الطبري عن أحمد بن محمد بن عبد اللّه (2)قال:حدثني جدي أحمد بن محمد،عن أبيه،عن حماد بن عيسى،عن عمرو ابن اذينة،عن أبان بن عباس (3)،عن سليم بن قيس الهلالي،عن سلمان المحمدي قال:دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و آله و إذا الحسين على فخذه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و يقول:

«أنت سيد ابن سيد أبو سادة،أنت إمام ابن إمام أبو أئمة،أنت حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم» (4).

موفق بن أحمد بن أحمد هذا قال:حدثني فخر القضاة نجم الدين أبو منصور

ص: 40


1- في الطرائف:الحسن أبو محمد الزينبي.
2- في الطرائف و مقتل الحسين:أحمد بن عبد اللّه.
3- في مقتل الحسين:أبان بن أبي عياش.
4- الحديث رواه القندوزي في ينابيع المودة 258،و الخوارزمي في كتابه مقتل الحسين:/1 146.و لم نقف عليه في كتاب المناقب كما اشار إليه السيد المؤلف-رحمه اللّه-في صدر الحديث، و كذلك السيد ابن طاوس في الطرائف ص 44،و الشيخ المجلسي في البحار:141/36 عند نقلهما له.

محمد ابن الحسين بن محمد البغدادي فيما كتب الي من همدان قال:أنبأنا الإمام الشريف نور الهدى أبو طالب الحسن بن محمد الزينبي قال:أخبرنا إمام الأئمة محمد بن أحمد بن شاذان قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن عبد اللّه الحافظ قال:حدّثنا علي بن سنان الموصلي،عن أحمد بن محمد بن صالح،عن سليمان (1)بن محمد، عن زياد بن مسلم،عن عبد الرّحمن بن زيد،عن زيد بن جابر (2)،عن سلامة،عن أبي سلمى راعي (3)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«ليلة اسري بي إلى السماء قال لي الجليل جل جلاله: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ قلت:

وَ الْمُؤْمِنُونَ (4) قال:صدقت يا محمد من خلفت في أمتك؟

قلت:خيرها.

قال:علي بن أبي طالب؟

قلت:نعم يا رب.

قال:يا محمد إني اطلعت إلى الأرض إطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من اسمائي فلا اذكر في موضع إلا ذكرت معي،فأنا المحمود و أنت محمد،ثم إطلعت الثانية فاخترت منها عليا و شققت له إسما من اسمائي فأنا الأعلى و هو علي،يا محمد إني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من نوري (5)و عرضت ولايتكم على أهل السماوات و الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، و من جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتانيه.

ص: 41


1- في بعض المصادر:سلمان.
2- في بعض المصادر:عن عبد الرّحمن بن يزيد بن جابر.
3- في بعض المصادر:راعي ابل.
4- البقرة:285.
5- في المصدر:من سنخ نوري.و سنخ الشيء أصله.

جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم،يا محمد تحب أن تراهم؟

قال:قلت:نعم يا رب فقال لي:إلتفت عن يمين العرش فالتفت فإذا أنا بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و المهدي في ضحضاح من نور قيام يصلّون و هو في وسطهم«يعني المهدي»كأنه كوكب دري.

فقال:يا محمد هؤلاء الحجج و هو الثائر من عترتك،و عزتي و جلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي و المنتقم من أعدائي» (1).

إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة بإسناده قال:أخبرنا أبو جعفر بن بابويه-رحمه اللّه-قال:حدّثنا محمد بن أحمد الشيباني (2)-رحمه اللّه- قال:حدّثنا أحمد بن يحيى ابن زكريا القطان قال:حدّثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب قال:حدّثنا الفضل (3)بن صقر العبدي قال:حدّثنا أبو (4)معاوية،عن سليمان بن مهران الأعمش،عن الصادق جعفر بن محمد،عن أبيه محمد بن علي،عن أبيه علي ابن الحسين عليه السّلام قال:«نحن أئمة المسلمين،و حجج اللّه على العالمين،و سادة المؤمنين،و قادة الغر المحجلين،و موالي المؤمنين،و نحن أمان لأهل (5)الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء،و نحن الذين بنا يمسك اللّه السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه،و بنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها،و بنا ينزل الغيث و تنشر الرحمة و تخرج (6)بركات الأرض،و لو لا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها،ثم قال:و لم تخل الأرض منذج.

ص: 42


1- مقتل الحسين:96/1.
2- في بعض المصادر:السمناني.
3- في بعض المصادر:فضل.
4- لم ترد(أبو)في بعض المصادر.
5- في بعض المصادر:أهل.
6- في بعض المصادر:يخرج.

خلق اللّه آدم من حجة للّه فيها،ظاهر مشهور أو غائب مستور،و لا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة اللّه فيها،و لو لا ذلك لم يعبد اللّه».

قال سليمان:فقلت للصادق عليه السّلام:فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟

قال:«كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب (1)» (2).

الحمويني هذا بالاسناد إلى أبي جعفر بن بابويه قال:حدّثنا أبي قال:حدّثنا سعد ابن عبد اللّه،عن أحمد بن محمد بن عيسى،عن العباس بن معروف،عن عبد اللّه بن أحمد بن محمد عن عبد الرّحمن البصري (3)عن أبي المعزا (4)حميد بن المثنى (5)العجلي،عن أبي بصير،عن خيثمة الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سمعته يقول:

«نحن جنب اللّه،و نحن صفوته (6)،و نحن حجة اللّه،و نحن أركان الإيمان،و نحن دعائم الإسلام،و نحن من رحمة اللّه على خلقه،و نحن بنا يفتح و بنا يختم (7)،و نحن أئمة الهدى،و نحن مصابيح الدجى،نحن (8)منار الهدى،و نحن السابقون،و نحن الآخرون و نحن العلم المرفوع للحق من تمسّك بنا لحق،و من تأخّر عنا غرق،و نحن الغر المحجلين (9)،و نحن خيرة اللّه،و نحن الطريق الواضح و الصراط المستقيم إلى اللّه،و نحن من نعمة اللّه عز و جل على خلقه،و نحن المنهاج،و نحن معدن النبوة،و نحن موضعن.

ص: 43


1- في بعض المصادر:سحاب.
2- رواه الحمويني في الفرائد-خ-في السمط الأول،عن سليمان بن مهران الاعمش،عن الصادق عليه السّلام./45/1ح 11.
3- في بعض المصادر:العباس بن معروف،عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن البصري.
4- في بعض المصادر:المغرى.
5- في بعض المصادر:أحمد بن المثنى.
6- في بعض المصادر:صفوة اللّه.
7- في بعض المصادر:و نحن من يفتح بنا و يختم.
8- في بعض المصادر:و نحن.
9- في بعض المصادر:و نحن قادة الغر المحجلين.

الرسالة،و نحن الذين مختلف الملائكة،و نحن السراج لمن استضاء بنا،و نحن السبيل لمن اقتدى بنا،و نحن الهداة الى الجنة،و نحن عرى الإسلام،و نحن الجسور و القناطر، من مضى عليها لم يسبق و من تخلّف عنها محق،و نحن السنام الأعظم،و نحن الذين بنا ينزل اللّه عز و جل الرحمة و بنا يسقون الغيث،و نحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب فمن عرفنا و نصرنا و عرف حقنا و أخذ بامرنا فهو منا و إلينا» (1).

قلت:و روى هذا الحديث من طريق الخاصة أبو جعفر الشيخ الطوسي في مجالسه قال:أخبرنا الحسين بن عبد اللّه (2)،عن علي بن محمد العلوي قال:حدّثنا محمد بن إبراهيم قال:حدّثنا أحمد بن محمد،عن محمد بن أحمد بن محمد بن عيسى،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر،عن أبي المعزا،عن أبي بصير،عن خيثمة قال:سمعت الباقر عليه السّلام يقول:«نحن جنب اللّه،و نحن صفوة اللّه،و نحن خيرة اللّه،و نحن مستودع مواريث الأنبياء،و نحن أمناء اللّه عز و جل،و نحن حجج اللّه،و نحن حبل اللّه».

و ساق الحديث إلى قوله:«منا و إلينا» (3).

الحمويني هذا قال:أخبرني مفيد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن أبي الغنايم ابن الجهم الحلّي-رحمه اللّه-إجازة قال:أنبأنا القاضي خطير الدين محمود بن محمد بن الحسين بن عبد الجبار الطوسي،عن عمه زين الدين عبد الجبار،عن أبيه، عن الصفي أبي تراب بن الداعي الحسيني (4)،عن أبي محمد جعفر بن محمد الدورستي،عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان الحارثي،عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور- رضي اللّه عنه-قال:حدّثنا الحسين بن محمد بن عامر،عن المعلى بن محمدر.

ص: 44


1- فرائد السمطين-السمط الثاني،السمط الثاني:/253/2ح 523.
2- في بعض المصادر:عبيد اللّه.
3- أمالي الطوسي:267/2-268 ط النجف الاشرف.
4- لم ترد(الحسيني)في بعض المصادر.

البصري،عن جعفر بن سليمان،عن عبد اللّه بن الحكم،عن أبيه،عن سعيد بن جبير، عن عبد اللّه بن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إن خلفائي و أوصيائي و حجج اللّه على الخلق بعدي اثنا (1)عشر،أولهم أخي،و آخرهم ولدي،قيل:يا رسول اللّه و من أخوك؟

قال:علي بن أبي طالب،قيل:فمن ولدك؟

قال:المهدي الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.و الذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح اللّه عيسى ابن مريم فيصلّي خلفه و تشرق الأرض بنور ربها و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب» (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور قال:حدّثنا الحسين بن محمد ابن عامر،عن عمه عبد اللّه بن عامر،عن ابن أبي عمير،عن حمزة بن حمران،عن أبيه،عن أبي حمزة،عن علي بن الحسين،عن أبيه عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهم أنه جاء إليه رجل فقال له:يا أبا الحسن إنك تدعى أمير المؤمنين فمن أمّرك عليهم؟

قال:«اللّه جل جلاله أمّرني عليهم»فجاء الرجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:يا رسول اللّه أيصدق عليّ فيما يقول:إن اللّه أمّره على خلقه؟فغضب النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال:«إن عليا أمير المؤمنين،بولاية من اللّه عز و جل عقدها فوق عرشه،و أشهد على ذلك ملائكته.

إنّ عليا خليفة اللّه و حجة اللّه و إنه لإمام المسلمين،طاعته مقرونة بطاعة اللّه و معصيته مقرونة بمعصية اللّه،فمن جهله فقد جهلني،و من عرفه فقد عرفني،و من أنكر إمامته فقد أنكر نبوتي،و من جحد إمرته فقد جحد رسالتي،و من دفع فضله فقد تنقصني،و من قاتله فقد قاتلني،و من سبّه فقد سبّني،لأنه خلق من طينتي،و هو زوج فاطمة إبنتي،و أبو2.

ص: 45


1- في بعض المصادر:لإثنا.
2- فرائد السمطين-السمط الثاني،في باب ذكر احوال المهدي./312/2ح 562.

ولدي الحسن و الحسين،ثم قال صلّى اللّه عليه و آله:أنا و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين حجج اللّه على خلقه،أعداؤنا أعداء اللّه و أولياؤنا أولياء اللّه» (1).

ابن بابويه قال:أخبرنا أبو المفضل الشيباني قال:حدثني أبو القاسم أحمد بن عامر،عن سليمان الطائي ببغداد قال:حدّثنا محمد بن عمران الكوفي عن عبد الرّحمن بن أبي نجران،عن صفوان بن يحيى،عن إسحاق بن عمار،عن جعفر بن محمد،عن أبيه محمد بن علي،عن أبيه علي بن الحسين،عن أبيه الحسين بن علي، عن أخيه الحسن بن علي عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«الأئمة بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل،و حواري عيسى،من أحبهم فهو مؤمن،و من أبغضهم فهو منافق،هم حجج اللّه في خلقه و أعلامه في بريته» (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان،و علي بن أحمد بن محمد الدقاق، و علي بن عبد اللّه الوراق،و عبد اللّه بن محمد الصائغ،و محمد بن أحمد الشيباني- رضي اللّه عنهم-قالوا،حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن زكريا القطان قال:حدّثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب قال:حدّثنا تميم بن بهلول قال:حدّثنا عبد اللّه بن أبي الهذيل:

و سألته عن الإمامة فيمن تجب؟و ما علامات من تجب له الإمامة؟

فقال لي:إن الدليل على ذلك،و الحجة على المؤمنين،و القائم في امور المسلمين، و الناطق بالقرآن،و العالم بالأحكام،أخو نبي اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و خليفته على أمته،و وصيه عليهم،و وليه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى،المفروض الطاعة بقول اللّه عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (3)و قال جل ذكره: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ9.

ص: 46


1- أمالي الصدوق:116.
2- البحار:340/36،عن كفاية الاثر.
3- النساء:59.

وَ هُمْ راكِعُونَ (1) المدعو إليه بالولاية،المثبت له بالإمامة يوم غدير خم بقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله عن اللّه عز و جل:«ألست أولى بكم من أنفسكم؟

قالوا:بلى قال:فمن كنت مولاه فعلي مولاه،اللهم وال من والاه،و عاد من عاداه، و انصر من نصره،و اخذل من خذله،و أعن من أعانه؛ذاك علي بن أبي طالب أمير المؤمنين،و إمام المتقين،و قائد الغر المحجلين،و أفضل الوصيين،و خير الخلق أجمعين بعد رسول رب العالمين،و بعده الحسن،ثم الحسين سبطا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إبنا خيرة النسوان،ثم علي بن الحسين،ثم محمد بن علي،ثم جعفر بن محمد،ثم موسى ابن جعفر،ثم علي بن موسى،ثم محمد بن علي،ثم علي بن محمد،ثم الحسن بن علي، ثم محمد بن الحسن صلوات اللّه عليهم،إلى يومنا هذا واحدا بعد واحد،إنهم عترة الرسول صلّى اللّه عليه و آله معروفون بالوصية و الإمامة في كل عصر و زمان،و كل وقت و أوان،و إنهم العروة الوثقى و أئمة الهدى،و الحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها، و إن كل من خالفهم ضال مضل تارك للحق و الهدى،و إنهم المعبرون عن القرآن، و الناطقون عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله بالبيان،و إن من مات و لا يعرفهم مات ميتة جاهلية،و إن فيهم الورع و العفة و الصدق و الصلاح و الإجتهاد،و أداء الأمانة إلى البر و الفاجر،و طول.

السجود و قيام الليل،و اجتناب المحارم،و انتظار الفرج بالصبر و حسن الصحبة،و حسن الجواب» (2).

ثم قال تميم بن بهلول:حدثني أبو معاوية،عن الأعمش،عن جعفر بن محمد عليهما السّلام في الإمامة بمثله سواء (3).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسن بن محمد قال:حدّثنا عتبة بن عبد اللّه1.

ص: 47


1- المائدة:55.
2- في كمال الدين:و حسن الجوار.
3- كمال الدين:336/2-337،عيون أخبار الرضا:44/1.

الحمصي بمكة-قراءة عليه سنة ثمانين و ثلاثمائة-قال:حدثني علي بن موسى الغطفاني قال:حدّثنا أحمد بن يوسف الحمصي قال:حدّثنا محمد بن عكاشة قال:

حدّثنا حسين بن زيد بن عبد علي قال:حدثني عبد اللّه بن الحسن بن حسن،عن أبيه عن الحسن بن علي عليهما السّلام قال:«خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوما فقال بعد ما حمد اللّه و أثنى عليه:معاشر الناس كأني أدعى فاجيب،و اني تارك فيكم الثقلين:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا،فتعلّموا منهم و لا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم، لا تخلوا الأرض منهم،و لو خلت إذن لساخت بأهلها،ثم قال:اللهم إني أعلم أن العلم لا يبيد و لا ينقطع،و أنك لا تخلي الأرض من حجة لك على خلقك،ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور،لئلا تبطل حجتك،و لا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم،أولئك الأقلون عددا الأعظمون قدرا عند اللّه.

فلما نزل عن منبره قلت له:يا رسول اللّه،أما أنت الحجة على الخلق كلهم؟

قال:يا حسن إن اللّه يقول: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (1)فأنا المنذر و علي الهادي قلت:يا رسول اللّه فقولك:إن الأرض لا تخلو من حجة؟

قال:نعم علي هو الإمام و الحجة بعدي،و أنت الإمام و الحجة بعده،و الحسين الإمام و الحجة و الخليفة من بعدك،و لقد نبأني اللطيف الخبير أنه يخرج من صلب الحسين ولد يقال له علي،سمي جده فإذا مضى الحسين قام بعده علي ابنه و هو الإمام و الحجة و يخرج اللّه من صلب علي ولدا سميّي و أشبه الناس بي،علمه علمي و حكمه حكمي، و هو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه تعالى من صلب محمد مولودا يقال له جعفر أصدق الناس قولا و فعلا،و هو الإمام و الحجة بعد أبيه و يخرج اللّه تعالى من صلب جعفر مولودا يقال له موسى سمي موسى بن عمران أشد الناس تعبدا،فهو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب موسى ولدا يقال له علي،معدن علم اللّه و موضع حكمه،فهو7.

ص: 48


1- الرعد:7.

الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب علي مولودا يقال له محمد،فهو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب محمد ولدا يقال له علي،فهو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب علي مولودا يقال له الحسن،فهو الإمام و الحجة بعد أبيه، و يخرج اللّه من صلب الحسن الحجة القائم إمام شيعته (1)و منقذ أوليائه يغيب حتى لا يرى،و يرجع عن أمره قوم و يثبت عليه آخرون وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (2)و لو لم يكن (3)من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللّه عز و جل ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا،فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا،فلا تخلو الأرض منكم،أعطاكم اللّه علمي و فهمي،و لقد دعوت اللّه تبارك و تعالى أن يجعل العلم و الفقه في عقبي و عقب عقبي و من زرعي و زرع زرعي» (4).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكل-رضي اللّه عنه-قال:حدّثنا محمد بن أبي عبد اللّه الكوفي قال:حدّثنا موسى بن عمران النخعي،عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي،عن الحسن بن علي بن سالم،عن أبيه،عن أبي حمزة،عن سعيد بن جبير،عن عبد اللّه بن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إن اللّه تبارك و تعالى اطلع إلى الأرض إطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيا،ثم اطلع الثانية فاختار منها عليا فجعله إماما،ثم أمرني أن أتخذه أخا و وليا و وصيا و خليفة و وزيرا،فعلي مني و أنا من علي،و هو زوج ابنتي،و أبو سبطي الحسن و الحسين ألا و إن اللّه تبارك و تعالى جعلني و إياهم حججا على عباده،و جعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري،و يحفظون وصيتي،التاسع منهم قائم أهل بيتي،و مهدي أمتي،أشبه الناس بي في شمائله و أقواله و أفعاله،يظهر من بعد غيبة طويلة و حيرة مضلة،فيعلن أمر اللّه،و يظهر دين اللّه،و يؤيدر.

ص: 49


1- في البحار:إمام زمانه.
2- يونس:48.
3- في البحار:و لو لم يبق.
4- رواه المجلسي في البحار:338/36-340 عن كفاية الاثر باختلاف يسير.

بنصر اللّه،و ينصر بملائكة اللّه،يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أبي رضى اللّه عنه قال:حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال:حدّثنا يعقوب بن يزيد،عن حماد بن عيسى،عن عبد اللّه بن مسكان،عن أبان بن أبي عياش (2).عن سليم بن قيس الهلالي،عن سلمان الفارسي-رضي اللّه عنه-قال:دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و آله فإذا الحسين بن علي على فخذه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و يقول:«أنت سيد ابن سيد،أنت إمام ابن إمام (3)أبو أئمة،أنت حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم» (4).

و رواه ابن بابويه أيضا عن أبيه،عن سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة،عن أبان بن أبي عياش،عن سليم ابن قيس الهلالي،و ساق الحديث.و هذا الحديث متكرر في كتب ابن بابويه و غيره.

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن أحمد بن عبد اللّه البرقي (5)،عن أبيه،عن جده أحمد بن أبي عبد اللّه،عن أبيه محمد بن خالد،عن محمد بن داود،عن محمد بن الجارود العبدي،عن الأصبغ بن نباتة قال:خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام ذات يوم و يده في يد إبنه الحسن عليه السّلام و هو يقول:«خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم و يدي في يده هكذا و هو يقول:خير الخلق بعدي (6)و سيدهم بعد الحسن إبني أخوهث.

ص: 50


1- كمال الدين:257/1-258.
2- في بعض المصادر:أبان بن تغلب.
3- في بعض المصادر:ابن إمام،أخو إمام،أبو أئمة.
4- كمال الدين:262/1.
5- في بعض المصادر:عبد اللّه بن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي.
6- في بعض المصادر:خير الخلق بعدي و سيدهم أخي هذا،و هو إمام كل مسلم،و مولى كل مؤمن بعد وفاتي.ألا و إني أقول:خير الخلق بعدي و سيدهم ابني هذا،و هو إمام كل مؤمن،و مولى كل مؤمن بعد وفاتي،ألا و إنه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خير الخلق و سيدهم بعد الحسن. الحديث.

الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول في أرض كربلاء،أما إنه و أصحابه من سادات الشهداء يوم القيامة،و من بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء اللّه في أرضه و حججه على عباده،و أمناؤه على وحيه،و أئمة المسلمين،و قادة المؤمنين،و سادة المتقين، تاسعهم القائم الذي يملأ اللّه عز و جل به الأرض نورا بعد ظلمتها،و عدلا بعد جورها، و علما بعد جهلها،و الذي بعث أخي محمدا بالنبوة و اختصني بالإمامة لقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الأمين جبرائيل،و لقد سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله-و أنا عنده-عن الأئمة بعده فقال للسائل: وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1)عددهم بعدد البروج، و رب الليالي و الأيام و الشهور إن عدتهم كعدة الشهور (2).

فقال السائل:فمن هم يا رسول اللّه؟

فوضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يده على رأسي فقال:أولهم هذا و آخرهم المهدي،من والاهم فقد والاني،و من عاداهم فقد عاداني،و من أحبهم فقد أحبني و من أبغضهم فقد أبغضني،و من أنكرهم فقد أنكرني،و من عرفهم فقد عرفني،بهم يحفظ اللّه عز و جل دينه،و بهم يعمر بلاده،و بهم يرزق عباده،و بهم ينزل القطر من السماء،و بهم يخرج بركات الأرض،هؤلاء أصفيائي و خلفائي و أئمة المسلمين و موالي المؤمنين» (3).ن.

ص: 51


1- البروج:1.
2- في بعض المصادر:ان عددهم كعدد الشهور.
3- كمال الدين:259/1-260 ط 1390 هج-طهران.

لولا الحسين و الأئمة عليهم السلام ما خلق اللّه تعالى الخلق

روى الشيخ إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن أبي الحسن بن محمد بن حمويه الجويني-و هو عن أعيان علماء العامة و عظمائهم-في كتابه المسمى ب(فرائد السمطين في فضائل المرتضى و البتول و السبطين)-و كلّما رويته فهو من كتابه هذا-قال:أخبرنا الشيخ العدل بهاء الدين محمد بن يوسف البزرالي (1)بقرائتي عليه بستمائة (2)بسفح جبل قاسون مما يلي عقبة دمّر ظاهر مدينة دمشق المحروسة قلت له:أخبرك الشيخ أحمد بن الفرج بن علي بن الفرج الأموي إجازة فأقرّ به.

ح-و أخبرني الشيخ الصالح جمال الدين أحمد بن محمد بن محمد المعروف بدكويه القزويني رحمه اللّه و غيره إجازة بروايتهم عن الشيخ الإمام إمام الدين أبي القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي القزويني إجازة قال:أنبأنا الشيخ العالم عبد القادر بن أبي صالح الجبلي قال:أنبأنا أبو البركات هبة اللّه بن موسى السقطي قال:أنبأنا القاضي أبو المظفّر هنّاد بن إبراهيم النّسفي قال:أنبأنا الحسن بن محمد بن موسى بتكريت قال:أنبأنا محمد بن الفرّخان (3)،حدّثنا محمد بن يزيد القاضي،حدّثنا الليث بن سعد (4)عن العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه،عن أبي هريرة،

ص: 52


1- في الفرائد(محمد بن يوسف بن محمد بن يوسف البرزالي)و هو الصحيح،كما في المعاجم.
2- في الفرائد:(بقرائتي عليه ببستانه).
3- محمد بن الفرّخان بن روزبه أبو الطيب الدوري.
4- في النسخة المخطوطة و الفرائد:(حدّثنا قتيبة،ثنا الليث بن سعد)..و قتيبة هو:قتيبة بن سعيد بن جميل.

عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«لما خلق اللّه تعالى آدم أبو البشر،و نفخ فيه من روحه،التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سجّدا و ركّعا قال آدم:يا رب هل خلقت أحدا من طين قبلي؟قال:لا يا آدم،قال:فمن هؤلاء الخمسة الذين أراهم في هيئتي و صورتي؟قال:هؤلاء خمسة من ولدك،لولاهم ما خلقتك،هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة اسماء من اسمائي،لولاهم ما خلقت الجنة،و لا النار،و لا العرش،و لا الكرسي، و لا السماء و لا الأرض،و لا الملائكة،و لا الانس،و لا الجن،فأنا المحمود و هذا محمد، و انا العالي و هذا عليّ،و انا الفاطر و هذه فاطمة،و أنا الاحسان و هذا الحسن،و أنا المحسن و هذا الحسين،آليت بعزتي أنه لا يأتني أحد بمثقال حبة من خردل من بغض أحدهم إلا ادخلته ناري و لا أبالي،يا آدم هؤلاء صفوتي بهم انجيهم (1)و بهم اهلكهم، فإذا كان لك إلي حاجة فبهؤلاء توسل.فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:نحن سفينة النجاة من تعلق بها نجى و من حاد عنها هلك،فمن كان له إلى اللّه حاجة فليسأل بنا أهل البيت» (2).

الحمويني قال:أنبأني أبو طالب بن الحسين الخازن (3)عن ناصر بن أبي المكارم (4)إجازة أخبرنا أبو المؤيد الموفق بن أحمد إجازة إن لم يكن سماعا.

ح-أنبأني العزيز بن محمد،عن والده أبي القاسم بن أبي الفضل بن عبد الكريم إجازة قال:أخبرنا شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي إجازة قال:أخبرنا عبدوس بن عبد اللّه (5)،حدّثنا أبو علي (6)محمد بن أحمد العطشي،حدّثنا أبو سعيد العدوي الحسين بن علي،حدّثنا أحمد بن المقدام العجلي أبو الاشعب،حدّثنا).

ص: 53


1- في الفرائد:(هؤلاء صفوتي من خلقي بهم انجيهم).
2- فرائد السمطين 1:/36ح 1.
3- في الفرائد:(أبو طالب بن أنجب بن الخازن).
4- الصحيح(أبو المكارم ناصر بن عبد السيد المطرزي الخوارزمي)كما في الفرائد و كتب السير.
5- في الفرائد:(عبدوس بن عبد اللّه الهمداني كتابة قال:).
6- في الفرائد:(حدّثنا أبو الحسن علي بن عبد اللّه قال:حدّثنا أبو علي).

الفضيل بن عياض،عن ثور بن يزيد،عن خالد بن معدان،عن زاذان عن سلمان قال:

سمعت حبيبي المصطفى محمدا صلّى اللّه عليه و آله يقول:«كنت أنا و علي نورا بين يدي اللّه عز و جل مطيعا،يسبح اللّه ذلك النور و يقدسه قبل أن يخلق[اللّه] (1)آدم بأربعة عشر ألف سنة،فلما خلق اللّه تعالى آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم نزل (2)في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب فجزء أنا،و جزء علي» (3).

الحمويني قال:و بهذا الاسناد إلى شهردار إجازة قال:أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد اللّه بن عبدوس الهمداني كتابة،أنبأنا الشريف (4)أبو طالب الجعفري قال:

حدّثنا ابن مردويه الحافظ،حدّثنا إسحاق بن محمد بن علي بن خالد،حدّثنا أحمد بن زكريا،حدّثنا ابن طهمان،حدّثنا محمد بن خالد الهاشمي،حدّثنا الحسن بن إسماعيل بن عباد (5)عن أبيه عن جده قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«كنت أنا و علي نورا بين يدي اللّه تعالى من قبل أن يخلق آدم اللّه بأربعة عشر ألف عام فلما خلق اللّه تعالى آدم سلك ذلك النور في صلبه،فلم يزل اللّه تعالى ينقله من صلب إلى صلب حتى أقره صلب عبد المطّلب،ثم أخرجه من صلب عبد المطّلب فقسّمه قسمين قسما في صلب عبد اللّه،و قسما في صلب أبي طالب،فعلي مني،و أنا منه،لحمه لحمي،و دمه دمي،فمن أحبه فبحبي أحبه،و من أبغضه،فببغضي أبغضه» (6).

صاحب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة قال:حدث محمد بن علي بن سعد1.

ص: 54


1- من المصدر.
2- في المصدر:يزل.
3- فرائد السمطين:/42/1ح 6.
4- في الفرائد:(عبد اللّه بن عبدوس الهمداني كتابة قال:حدّثنا الشريف).
5- في الفرائد(إسماعيل بن حماد).
6- فرائد السمطين:1،الباب 1.

الجوهري (1)،عن القاسم بن الحسن،عن أبيه الحسن،عن محمد بن علي،عن أبيه، عن علي بن العباس،عن أبان عن أنس قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لما خلق اللّه عز و جل آدم نظر إلى سرادق العرش فرأى مكتوبا لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه و اسماء أربعة فقال آدم عليه السّلام:يا إلهي خلقت خلقا من إنس قبلي؟فقال:لا،فقال:و ما هذه الاسماء التي أراها؟ فقال:يا آدم هؤلاء خيرتي من خلقي،و صفوتي،يا آدم لولا هؤلاء[ما خلقتك و لو لا هؤلاء]ما خلقت الجنة و لا النار،إياك أن تنظر إليهم بعين الحسد يا آدم فلما أكل آدم عليه السّلام من الشجرة و أخرج من الجنة و نال الخطيئة و أراد التوبة قال في توبته و تضرعه إلى ربه:إلهي بحق الخمسة الذين على سرادق العرش إلا غفرت لي فاوحى اللّه تعالى إليه:يا آدم قد غفرت لك فكان ذلك في سابق علمي فيك يا آدم،فقال آدم:إلهي بحق هؤلاء الخمسة و بحق المغفرة إلا عرفتني من هؤلاء؟قال تعالى يا آدم هؤلاء الخمسة من ولدك شققت لهم خمسة أسماء من اسمائي العظام،فأنا المحمود و هذا أحمد،و أنا العالي و هذا علي،و أنا الفاطر و هذه فاطمة،و أنا المحسن و هذا الحسن،و أنا الاحسان و هذا حسين».

الحمويني قال:أخبرني السيّد النسّابة عبد الحميد بن فخار الموسوي-رحمه اللّه- كتابة،أخبرنا النقيب أبو طالب عبد الرّحمن بن عبد السميع الواسطي إجازة أنبأنا شاذان بن جبرائيل بن إسماعيل القمي بقرائتي عليه،أنبأنا أبو عبد اللّه محمد بن عبد العزيز القمي،أنبأنا الإمام حاكم الدين أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن محمد بن إبراهيم النظيري (2)قال:أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد قال:أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه بن أحمد الحافظ قال:حدّثنا أحمد بني.

ص: 55


1- في المخطوطة:(محمد بن سعد الجوهري).
2- في الفرائد:النطنزي.

يوسف بن خلاد النصيبي ببغداد قال:حدّثنا الحرث بن أبي اسامة (1)التميمي قال:

حدّثنا داود بن المحبر بن محمد (2)قال:حدّثنا قيس بن الربيع،عن عباد بن كثير،عن أبي عثمان النهدي (3)عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«خلقت أنا و علي بن أبي طالب من نور[اللّه] (4)عن يمين العرش نسبح اللّه و نقدسه من قبل أن يخلق اللّه تعالى آدم بأربعة عشر ألف سنة،فلما خلق اللّه آدم نقلنا إلى أصلاب الرجال و أرحام النساء الطاهرات،ثم نقلنا إلى صلب عبد المطلب و قسمنا نصفين فجعل النصف (5)في صلب أبي،عبد اللّه،و جعل النصف (6)في صلب عمي أبي طالب،فخلقت من ذلك النصف و خلق علي من النصف[الآخر] (7)و اشتق اللّه تعالى من أسمائه أسماء،فاللّه عز و جل محمود و أنا محمد،و اللّه الأعلى و أخي علي،و اللّه فاطر (8)و ابنتي فاطمة،و اللّه محسن و ابناي الحسن و الحسين،و كان اسمي في الرسالة و النبوة، و كان اسمه في الخلافة و الشجاعة،فانا رسول اللّه (9)و علي ولي اللّه» (10).5.

ص: 56


1- في الفرائد:(الحارث بن أبي اسامة)كما في تهذيب التهذيب.
2- الصحيح،داود بن المحبر بن قحذم الطائي.كما في تهذيب التهذيب.
3- أبي عثمان النهدي هو:عبد الرّحمن بن ملء بن عمرو النهدي ذكره ابن الاثير في أسد الغابة.
4- من المصدر.
5- في المصدر:نصف.
6- في المصدر:نصف.
7- من المصدر.
8- في المصدر:الفاطر.
9- في النسخة المخطوط:(و علي سيف اللّه).
10- فرائد السمطين /41/1ح 5.

عظمة الإمام الحسين عليه السلام و بركاته

ينقل آية اللّه دستغيب هذه القصة عن السيّد الزاهد مولانا الحاج فرج اللّه البهبهاني و القصة بخط السّيد فرج اللّه نفسه و هي:

كان هناك شخص اسمه عبد اللّه يسكن بهبهان و في ليلة 28 محرم الحرام من عام 1382 ه شلّت إحدى رجليه و لم يستطع الحركة بعدها إلاّ بالاستعانة بعكازتين يضعهما تحت إبطيه و كانت تصله حقوق من أمير المؤمنين تمكنه من مواصلة العيش بكرامة.

و كان عبد اللّه قد راجع مرارا الدكتور غلامي في مدينتنا لكن الدكتور أجابه بأن حالته ميؤوس منها ثم جاء إليّ يوما يطلب العون حتى أرسله إلى مدينة أهواز فهيأت له الوسيلة و أعطيته كتاب توصية لحضرة آية اللّه البهبهاني حيث استقبله خير استقبال و أرسله إلى الدكتور فرهاد طبيب زاده..فأخذ لرجله الصور الشعاعية اللازمة و بعد تدقيقها أجابه بأن حالته لا يمكن شفاؤها حيث شوهدت غدة سرطانية في ركتبه فأرسله إلى مشفى في آبادان حيث أخذت له مرة أخرى أربع صور شعاعية و ظهر أن علاجه مستعص فأقفل راجعا إلى بهبهان و هو يائس من الشفاء على أيدي الأطباء.

و كان-عبد اللّه-يقول أنه كان يرى خلال هذه الفترة أحلاما تسره و تحفز فيه الأمل بالشفاء فيستيقظ مسرورا.

و قال عبد اللّه:و من هذه الأحلام أنني رأيت نفسي يوما و قد دخلت القسم

ص: 57

الخارجي من داركم (1)و لم تكونوا هناك و لكنني شاهدت سيدين مهيبين نورانيين قد جلسا تحت شجرة التفاح ثم رأيتكم تدخلون الباحة في هذه الأثناء و بعد التحية و السلام قدم السيدان نفسيهما إليك فكان أحدهما الإمام الحسين عليه السّلام و الثاني ولده علي الأكبر عليه السّلام.

ثم أعطاكم الإمام الحسين عليه السّلام تفاحتين و قال إحداهما لك و الأخرى لولدك حيث ستكون نتيجة ذلك بعد سنتين ستكلم الحجة بن الحسن ست كلمات.

ثم أضاف عبد اللّه:لقد طلبت من جنابكم أن تطلبوا شفائي من الإمام الحسين عليه السّلام فقال أحدهما سنعقد يوم الاثنين من جمادى الثانية لعام 84 مجلس العزاء الحسيني في منزل فلان(و ذكر اسم السيد البهبهاني)فعليك بالجلوس عند منبر الحسين و سوف تشفى إن شاء اللّه عزّ و جلّ بعد مراسم العزاء الحسيني.

ثم استيقظ عبد اللّه من النوم مسرورا و جاء إلى داري و أخبرني بالحكاية و بقي ينتظر اليوم الموعود.

و في يوم الإثنين المذكور شاهدت عبد اللّه بعكازيته و هو يدخل المجلس ثم يجلس بقرب المنبر الحسيني.

ثم يتابع عبد اللّه بقية القصة:بعد أن جلست حوالي الساعة أحسست بان رجلي المشلولة قد دبّ فيها شيء ما و ربما هو جريان الدم فمددت رجلي ثم جمعتها فإذا هي سالمة لا ألم فيها و لم يكن مجلس العزاء أثناء ذلك قد انتهى و لكن من فرحتي تحدثت مع من حولي.ثم توجه عبد اللّه إليّ و صافحني مسرورا و إذا بالحاضرين في المجلس قد علا صوتهم بالصلاة على محمّد و آل محمّد و قد شفي عبد اللّه تماما.

و بهذه المناسبة العظيمة انعقدت مجالس الفرح في مدينة بهبهان و في اليوم التالي أي 22 مهر أقيمت في منزلي مراسم الفرح باسم معاجز سيد الشهداء حيثي.

ص: 58


1- -أي دار السيّد البهبهاني.

حضر جمع غفير من أهالي المدينة و أخذت الصور العديدة لهذه المناسبة السعيدة (1).6.

ص: 59


1- -القصص العجيبة:45 قصة رقم 26.

قيمة تضحية الحسين عليه السلام

كان أحد المتعلمين يداوم على زيارة الحسين عليه السّلام في كل المناسبات في حرمه الشريف و في أحد الأيام سمع حديثا في حق الإمام ما معناه إنه مهما اعطى اللّه الحسين فإنه قليل في حق الحسين عليه السّلام..فحمل هذا الحديث على المبالغة و نحوه..

و هو في طريقة لزيارة الحسين على فرسه إعترضه شاب و قال له اصحبني معك قال أنت راجل و أنا راكب قال و إن أركض معك فمشيا معا.

و في أثناء الطريق قال الشاب للمتعلم:حدثنا بحديث نستفيد منه،فقال:لا أعلم شيئا.

فقال الشاب:إذا أنا أحدثك.

كان في قديم الزمان ملك يذهب إلى الصيد في كل فرصه فتوفى و خلّف ولدا في الثامنة عشر من عمره مع سفراء أربعة.

فسار الولد على مسار أبيه و في إحدى سفراته للصيد شذت فرسه عن الطريق فضاع عن الحاشية في الصحراء حتى وصل إلى كوخ فيه امرأة و عجوز فتقدما له و أنزلاه عن الفرس و ربطاه و أشعلا له الحطب لكي يتدفأ إذ كانت الأيام أيام ربيع و الوقت متأخر في المساء.و لم يكن يملك إلاّ شاة واحدة فذبحاها و أطعماه كبدها من دون علمهما بأنه الملك و قالا له في الصباح تحلّ مشكلتك..

و ما إن انفلج عمود الصباح حتى كانت الحاشية تحيط بالكوخ فقص لهم القصة و قال لهم إنه بمنزلة والدي لقد أحياني.فبما أكافيه مخاطبا سفراءه:

ص: 60

فقال الأوّل:أعطاك شاة فاعطه مئة.

و قال الثاني:أعطاك شاة فاعطه ألف.

و قال الثالث:أعطاك شاة فأعطه ملكا عظيما و قربه.

و لم يتكلم الرابع.فاعترض الملك..

فقال الرابع:رأيي لو قلته لا تعمل به.

فقال الملك:لابدّ منه.

فقال الرابع:لقد أعطاك كل ما يملك فإذا أردت أن تكون مثله فأعطه كل ما تملك، و إذا أردت أن تتفضل فكن له عبدا،إضافة إلى ملكك.

فقبل الملك و أعطاه كل ما يملك..

فقال الشاب:أعلمت معنى الحديث؟:إن العجوز قدم كبشا للملك فأعطاه كل ما يملك و لم يتفضل عليه.

فكيف بالحسين عليه السّلام الذي قدّم نفسه و طفله و عياله و أصحابه أكباشا للّه الملك القهار فهل يجزي الملك كله؟!

فتوقف المتعلم منتبها فتلفت فلم يجد الشاب فكان الحجة عليه السّلام أرواحنا له الفدى.

ص: 61

الإخلاص عند الإمام الحسين عليه السلام

قال السيد الخامنئي:إنّ لشخصية أبي عبد الله عليه السّلام أبعادا شتى يستلزم كل واحد منها بيانا و توضيحا شاملا،من جملتها«الإخلاص»،و الإخلاص معناه الإلتزام بالواجب الإلهي و عدم إدخال المصالح الذاتية و الفئوية و الدوافع المادية فيه.

الثقة باللّه تعالى عند الإمام الحسين عليه السلام

و البعد الآخر هو الثقة بالله،إذ أن ظواهر الأمور كانت تقضي بأنّ تلك الشعلة ستخفت في صحراء كربلاء،و لكن كيف يرى ذلك الفرزدق الشاعر في حين لم يكن يراه الحسين عليه السّلام؟!و يراه الناصحون القادمون من الكوفة،و لا يراه الحسين بن علي عليه السّلام الذي كان عين اللّه؟!

لقد كانت ظواهر الأمور توحي بهذا المآل،إلاّ أنّ الثقة باللّه كانت توجب عليه اليقين-رغم كل هذه الظواهر-بأن الغلبة ستكون لكلامه الصادق و لموقفه الحق.

و جوهر القضية هو أن تتحقق نيّة المرء و غايته.و الإنسان المخلص لا تهمه ذاته فيما إذا تحققت الغاية التي يرمي إليها.

رأيت ذات مرّة أحد أكابر أهل السلوك و المعرفة كتب في رسالة:إننا إذا افترضنا -على سبيل المحال-أنّ كل الأعمال التي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يطمح الى تحقيقها قد

ص: 62

تحقّقت،و لكن باسم شخص آخر،فهل كان ذلك يغيظ رسول الله صلّى اللّه عليه و آله؟و هل كان يقف منها موقفا سلبيا مادامت باسم شخص آخر،أو أنه يقف منها موقفا إيجابيا بدون الالتفات الى الإسم الذي تتحقق على يده؟

إذن فالغاية هي المهمة،و الإنسان المخلص لا يأبه كثيرا بالشخص و بالذات و بالأنا،باعتباره انسانا مخلصا و له ثقة باللّه،و موقنا بأن الباري تعالى سيحقق هذا الهدف؛لأنه تعالى قال: وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ فالكثير من الجنود الغالبين يخرّون صرعى في ميادين الجهاد،إلاّ أنه تعالى قال في الوقت ذاته: إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (1).3.

ص: 63


1- سورة الصافات:173.

صواب الموقف عند الإمام الحسين عليه السلام

أما البعد الثالث فهو إدراك الموقف،و عدم الوقوع في الخطأ في اتخاذه،فقد كان الإمام الحسين متصديا لزمام المسؤولية و الإمامة مدة عشر سنوات،مارس خلالها نشاطات أخرى ليست من طراز الفعل الإستشهادي في كربلاء،و لكن بمجرد أن سنحت له الفرصة للإتيان بعمل كبير استغل تلك الفرصة و وثب و تمسّك بها،و لم يدعها تفلت من بين يديه (1).

ص: 64


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:12.

عمل و جهاد الإمام الحسين عليه السلام

اشارة

قال السيد الخامنئي:تلاحظون أنّ الإمام الحسين عليه السّلام مع كونه سبط النبي صلّى اللّه عليه و آله،و ابن علي بن أبي طالب عليه السّلام،و ابن فاطمة الزهراء عليها السّلام،و هذه الأشياء عظيمة بحد ذاتها و ترفع الإنسان كثيرا،إضافة إلى أنه قد نشأ في تلك الدار و تربى في ذلك الحجر و ترعرع في تلك الأجواء المعنوية و النعيم الروحي،لكنه لم يكتف بذلك.حينما رحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،كان الإمام الحسين عليه السّلام صبيا في الثامنة أو التاسعة من عمره،و عند استشهاد أمير المؤمنين عليه السّلام كان شابا في السابعة أو الثامنة و الثلاثين.

و في عهد أمير المؤمنين الذي كان عهد ابتلاء و جهد و عمل كان هذا الجوهر المستعد يتلقى التربية بالأعمال العظيمة و يتأهل على يد أبيه على الدوام حتى عاد قويا و مزهرا و مشرقا.

إذا كانت همة المرء كهمتنا،تراه يقول:و هذا القدر يكفيني و هو حسبي و به ألقى ربي،و هذه ليست همة حسينية.

و في حياة أخيه المباركة حيث كان الإمام الحسين عليه السّلام مأموما و أخوه الإمام الحسن عليه السّلام إماما،استمر في حركته الجبارة،و هو يسير قدما و يؤدي واجباته إلى جانب أخيه و في ظل طاعته المطلقة لإمام زمانه.تأمّلوا حياته لحظة فلحظة.

ثم أنّه واجه استشهاد أخيه.و استمرّت حياته المباركة بعد هذا الحدث،لاحظوا ما ذا كان يفعل الحسين عليه السّلام خلال هذه الفترة التي سبقت واقعة الطف.

ص: 65

ثقافة الجهاد

إنّ إحدى الظواهر البارزة في الثقافة الإسلامية-و لها مصاديق بارزة و كثيرة في تاريخ صدر الإسلام و أقل منها على مر الفترة-هي ثقافة القتال و الجهاد.

و الجهاد طبعا لا ينحصر في نطاق القتال في ميادين الحرب؛فكل ما ينطوي على جد و اجتهاد و مجابهة مع العدو يسمّى جهادا.

التفتوا جيدا؛فلعل البعض يؤدي عملا و يتحمل فيه مشقّة كبيرة،و يدّعي الجهاد.

كلا؛فأحد شروط الجهاد أن يكون في مجابهة العدو.و لكن قد يكون تارة في ميدان الحرب فيسمّى بالجهاد الحربي،و قد يكون تارة في ميدان السياسة فيكون جهادا سياسيا،و قد يكون في الميدان الثقافي فيسمّى جهادا ثقافيا،و قد يكون في مجال البناء فيسمّى بجهاد البناء،كما أنّ له ميادين و مجالات أخرى طبعا.

و الشرط الأول فيه أن يبذل جهدا و مثابرة،و شرطه الثاني أن يكون في مواجهة العدو.

هذه ظاهرة بارزة في الثقافة الإسلامية و لها أمثلة في شتّى الميادين.

و اليوم أيضا بدأ هذا الجهاد منذ أنّ انطلق نداء مجابهة النظام البهلوي المقيت، من حنجرة الإمام الخميني رضوان اللّه عليه و أنصاره آنذاك،أي في عام 1341 (ه ش)،و قد كان حتى قبل هذا التاريخ و لكن بصورة متناثرة و نادرة و قليلة الأهمية.

منذ أن بدأت هذه المجابهة اتخذت طابعا أكثر أهمية إلى أن تكللت بانتصار هذا الجهاد الذي تجسّد بانتصار الثورة.و منذ ذلك اليوم و حتى يومنا هذا كان في هذا

ص: 66

البلد جهاد دائم.

و بما أن لنا أعداء،و أعداؤنا أقوياء في الجانب المادي،و بما أنّ الأعداء قد أحاطوا بنا من كل جانب،و هم بصدد العدوان علينا،و قضية العدوان على إيران لا يمزحون فيها؛لأنهم يستهدفون ضربها بأي نحو ممكن،إذن فكل من يقف في إيران الإسلامية بوجه هذا العدو-الذي سدّد من كل جانب سهامه السامة إلى جسد هذه الثورة و هذا البلد الإسلامي-فهو مجاهد في سبيل اللّه.و نحمد اللّه على أنّ شعلة الجهاد كانت و لا زالت و ستبقى مضيئة.

الجهاد الفكري

و بطبيعة الحال إن أحد أنواع هذا الجهاد هو الجهاد الفكري.أي بما أنّ العدو قد يباغتنا و يوقعنا في الأخطاء و المنزلقات،فكل من يبذل جهده على طريق توعية الناس،و يحول دون حصول أي انحراف أو سوء فهم،فعمله هذا جهاد؛إذ هو في سبيل مجابهة العدو،و لعلّه من الجهاد المهم.

بلدنا اليوم مركز الجهاد،و ليس لدينا ما يستوجب القلق في هذا المجال.الحمد للّه أنّ الشخصيات المسؤولة في البلد كلها شخصيات صالحة و مؤمنة و مجاهدة و واعية و مخلصة.عليكم أن تلتفتوا لهذه الجوانب،فرئيس الجمهورية،رجل قضى عمره في الجهاد و لا زال حتى الآن يجاهد ليلا و نهارا،و كذلك الحال بالنسبة لمسؤولي المواقع الأخرى كمجلس الشورى الإسلامي،و السلطة القضائية، و القوات المسلحة،و كذا سائر أبناء الشعب،كلهم في حالة جهاد دائم.

هذه الدولة هي دولة الجهاد في سبيل اللّه،و من هنا فإنّ ثقل جهدي في المراقبة لأرى المواضع التي تخبو فيها شعلة الجهاد فأسارع بعون اللّه و لا أدعها تنطفئ،

ص: 67

و أرى مواضع الخطأ و الزلل فأتصدى لها،و هذه هي مسؤوليتي الأساسية.

إنني لا يساورني أي قلق حول حالة الجهاد الحالية في البلد،و هذا ما يجب أن تعلموه.إلاّ أن في القرآن شيئا يرغمنا على التفكير فيه،و هو أنه أمرنا أن ننظر إلى الماضي و نأخذ العبر من التاريخ (1).

الثقافة في الرؤية المادية

لقد انتخب الغرب ثقافة تخصّه-صحيحة أو خاطئة-لكنّه لم يقنع بذلك بل يريد فرضها على سائر الشعوب،فلو شارك أحد في إجتماع عالمي رسمي و لم يكن يلبس رباط العنق-على سبيل المثال-فهذا أمر منبوذ برأيهم فيقولون له لماذا لا تلبس هذا يا فلان؟!طبعا هو يسألهم أيضا لماذا أنتم تلبسون هذا؟

إنّ لكلّ شعب ثقافة و آداب و عادات و عقائد خاصّة به،طبعا إنّنا لا نناقش الصحيح من غير الصحيح،فإن أردنا فعل ذلك،فبديهي أنّ الثقافة النابعة من الإسلام و الوحي الإلهي و سيرة أهل البيت عليهم السّلام،أي ثقافة الشعوب الإسلامية هي الصحيحة.

إذن على كلّ شعب أن يعتمد على نفسه و ينتخب ثقافته و عقيدته و عاداته بنفسه بغضّ النظر عن كونها صحيحة أو غير صحيحة،و لا يحقّ لأيّة قوّة فرض شيء عليه.

طبعا هناك أمور قبيحة و سيّئة عند جميع الشعوب،فالظلم و التعدّي على حقوق الآخرين قبيح عند كلّ ذي عقل سليم.و لكنّ القوى الّتي تنتظر من الشعوب و الدول أن تقلّدها،هي-و للأسف-لا تراعي هذه الأمور،فتراهم يقتلون و يعتدون على

ص: 68


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:15.

ثروات الشعوب و لا يطيقون الأقوال الصحيحة و المنطقيّة للشعوب.

طبعا فإنّ الثقافة-بمعنى العقيدة و الأخلاق-ليست لها هذه المنزلة في الرؤية المادية لقضايا العالم؛أي أنّ العقيدة و الأخلاق لا تحظى بهذه الأهمية التي تحظى بها عندنا بالنسبة لأولئك الذين ينظرون إلى قضايا العالم و شؤون البشرية و أمور الحياة نظرة مادية صرفة.و لهذا فإنّ الغرب المادي يتخذ موقفا على صعيد العقائد و الأخلاق غير الموقف الذي يتخذه في مجال السلطة و المال و الذي تتجسد من خلاله المصالح المادية و الملموسة؛فحيثما يشعر الغرب بأنّ ثمّة مجالا للوصول إلى السلطة و كسب الثروة و الأرباح أو المنافسة فإنّه ينزل إلى الميدان بكل ما لديه من قوة دون أي تساهل أو تسامح أو مداراة،و هذا ما لا يفعله في مجال العقيدة و الأخلاق-أو على أقل تقدير في مقام الإدعاء-حيث يدّعي التسامح و عدم التعصب؛أي أنه لا يقيم لها وزنا؛فلكل شخص أن يختار عقيدته أو أخلاقه بالشكل الذي يريد،و إن كنّا نرى أحيانا أنّ الغربيين يبدون الكثير من العصبية في المجال الثقافي؛أي عند ما يكون الأمر متعلقا بمصالحهم السياسية أو التوسعية أو السلطوية بشكل أو بآخر،فإنهم حتى على الصعيد الثقافي يدخلون الميدان بعنف و عصبية دون إبداء شيء من المرونة أو التسامح.و لكن القاعدة العامة عندهم هي عدم إظهار الحساسية أو إتخاذ موقف ما عند ما يتعلق الأمر بقضايا العقيدة و الدين و الثقافة.

و هذه هي العلمانية؛أي الفكر المحايد و غير المبدئي في مجال العقيدة و الأخلاق و ما إلى ذلك.هذه هي الرؤية المادية الغربية.و بالطبع فإنّ الغربيين ليسوا هكذا جميعا،بل إنّ في الغرب أيضا فكرا معنويا و إلهيا و عرفانيا يعلن عن نفسه في بعض الأحيان،و لا سيما في أيامنا هذه،و لكن هذا هو مبنى الفكر المادي السائد في الغرب بصفة عامة.

ص: 69

الثقافة في الرؤية الإسلامية

إنّ الأمر يختلف تماما عند ما يتعلق الحديث بالإسلام،حيث إن النظرة إلى القضايا العقائدية و الأخلاقية في الإسلام ليست نظرة غير مبالية أو غير مكترثة و لا مسؤولة؛فالإسلام يعطي شطرا من نشر العدالة لقضية العقائد و الأخلاق،أي أنّ الذي يتجاهل الحيلولة دون انحراف شخص ما،مع تمكنه من ذلك،يكون قد أجحف بحقه،كما أنّ الذي يستطيع هداية شخص ما أو توعيته و إرشاده على الصعيد الأخلاقي ثم يتوانى عن ذلك،يكون قد ظلم ذلك الشخص و أجحف في حقه.

و هناك عدة روايات حول تفسير قوله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (1)،حيث يقول الإمام عليه السّلام:أي الذي يخلّص إنسانا من الحرق أو القتل (2).

ص: 70


1- سورة المائدة:32.
2- عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله من استن بسنة حق كان له أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة،و من استن بسنة باطل كان عليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة،و لهذا القول من النّبي صلّى اللّه عليه و آله شاهد من كتاب اللّه و هو قول اللّه عز و جل في قصة قابيل قاتل أخيه مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً. و للأخبار في هذه المواضع تأويل في الباطن ليس لظاهره و من هداها لأن الهداية هي حياة الأبد،و من سماه اللّه حيا لم يمت أبدا إنما ينقله من دار محنة إلى دار محنة.الإحتجاج:/592/1احتجاجه عليه السّلام على الزنديق. و في تفسير علي بن إبراهيم:قوله: وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً قال:من أنقذها من حرق أو غرق أو هدم أو سبع أو كفله حتى يستغني،أو أخرجه من فقر إلى غنى و أفضل من ذلك من أخرجها من ضلال إلى هدى،و اما قوله: فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً قال:يكون مكانه كمن أحيا الناس جميعا.تفسير القمي:/175/1سورة المائدة/ط الأعلمي.

و لكنه يقول في رواية أخرى:أي الذي يهدي إنسانا.ثم يعقّب قائلا:و ذلك تأويلها الأعظم.

فهداية إنسان واحد كأنها هداية للإنسانية جمعاء،و ذلك لأن الجوهر الإنساني واحد في هذا الإنسان كما في كافة البشرية؛فعند ما تقومون بمدّيد العون للجوهر الإنساني متمثلا في شخص واحد و تفيضون عليه من قبس الهداية-سواء على صعيد الدين أو في مجال الأخلاق-تكونون قد منحتم العون و المساعدة للجوهر البشري بأجمعه،و لهذا فإنّ الدرجة و القيمة واحدة في الحالتين (1).

الثقافة سند للجهاد

إنّ السند الخلفي لجهاد شعوبنا الإسلامية مع الإستكبار العالمي يتمثّل بثقافتنا و هي عبارة عن أخلاقنا الإسلامية و توكّلنا على الله و إيماننا بالإسلام و حبّنا له، المرأة التي تقدّم أربعة من أبنائها شهداء تقول لقد قدّمت هؤلاء هدية للإسلام و أنا مسرورة بشهادتهم،أنا شخصيا رأيت بعض العوائل عن كثب و ذهبت الى منازلهم و تكلمت مع الآباء و الامهات،أنا لا أروي نقلا عن أحد؛لقد رأيت هذه المناظر بنفسي عن قرب،هناك عائلة فيها ولدان و قد استشهد كلاهما،و أخرى فيها ثلاثة استشهدوا جميعا،هل هذا مزاح؟أفيمكن تحمّل هكذا مصيبة؟لقد كان المفروض أن يجنّ الأب و الأم من الحزن و الغمّ و لكننا رأينا خلاف ذلك،رأينا أنّ الأم -و التي غالبا ما تكون أكثر عاطفية-تقول بكلّ حزم"سيدنا لقد قدّمنا أولادنا في سبيل الإسلام و نحن راضون".

و لقد أدرك العدو أنّ تأثير الإسلام و الإيمان بالله يظهر عند ما يقول الأب و الأم

ص: 71


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:18.

و أبنهما الشاب«إنّك لم تتجاوز السادسة أو السابعة عشرة من عمرك،و لقد ذهب أخوك الى الجبهة و استشهد فابق أنت هنا أدرس و العب و امرح»و لكن ذلك الشاب يقول«لا،يجب أن أؤدي دوري في الدفاع عن الإسلام»لقد لاحظنا هذه المعنويات كثيرا من خلال قراءة الوصايا التي كان يكتبها الشهداء،و لقد سمعت مثل هذه المفاهيم شخصيا من عوائل الشهداء.

ذات يوم أصدر الإمام(ره)بيانا شرح فيه حاجة الجبهة الى الشباب و كنت خرجت يومها الى الشارع لقضاء بعض الأعمال فرأيت الشوارع ممتلئة بالشباب تماما مثل الأيام الأولى للثورة،و كانت الناس تتحرك أفواجا تلبية لما أمر به الإمام (قدس سره).

و لقد تكرّرت هذه الحالة و نظائرها لمرات عديدة طوال الحرب كلّما نودي باسم الإسلام و كلّما تكلّم الإمام(ر ض)و الذي كان ينطق بلسان الإسلام و كانت الناس تطيعه باعتبار تمثيله للإسلام.كلما كان ذلك رأيت الشعب يتميز غيظا و تحمّسا لتنفيذ أوامره.فيهجر الشباب المدن و الجامعات و الأسواق و ساحات كرة القدم و كلّ المشاغل الأخرى و يذهبون الى الجبهة،حتى يجعلوا أنفسهم عرضة للموت.

إنّ هذه قضية جدّية،و لم يكن العدو غافلا عن ذلك بل كان يتابع و يحلّل.أدرك العدو أنّ لهذه الامة سندا و ما دام هذا السند قائما فلن يكون بالإمكان إخضاع هذه الامة بالمحاصرة العسكرية و الإقتصادية و أمثالها.

يجب تحطيم ذلك السند،و يجب أن تمحى ثقافة هذه الامة و قرآنها و جهادها و إيمانها و إيثارها و اعتقادها بدينها و اعتقادها بقيادتها بالقرآن و الشهادة و الجهاد، و لهذا شرعوا بهذا العمل(الغزو الثقافي)و كانت البيئة ملائمة بعد الحرب،و ذلك لأن جبهات القتال كانت تجلب اهتمام الشباب فلم يكونوا يصغون لأراجيف الأعداء و لكن عند ما خمد لهيب الحرب تهيّأ الظرف لهم فشرعوا بعملهم على جبهة منفتحة،

ص: 72

و استعملوا مختلف الوسائل في هذا المجال.

عند ما أدقّق النظر في سعة الأساليب و الوسائل التي استعملوها أدرك مقدار الأهمية التي يولونها لهذا العمل،و أحد أعمالهم هذه هو تحقير و إهمال التراث الأدبي و الفني و الثقافي و الثوري في البلاد.

إنّ أحد المنجزات المهمة للثورة هي أنّها ربّت عدّة كوادر ثقافية و أدبية و فنية مقتدرة،نحن لدينا الكثير من هذه الكوادر-و الحمد لله-لقد ظهر شعراء و كتّاب كثيرون،و برز مؤلفون ماهرون.

العمل الثقافي و السياسي للإمام الحسين عليه السلام

و في المجال الثقافي أيضا دأب على مكافحة التحريف و نشر الأحكام الإلهية و تربية التلاميذ و الشخصيات الكبيرة،و على الصعيد السياسي أيضا كان يمارس الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

ثم تلا كلّ ذلك جهاده العظيم الذي يتعلق بدوره في الجانب السياسي.فهو مشغول بترويض نفسه على الأصعدة الثلاثة و الترقّي فيها (1).

ص: 73


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:21.

الإستقامة عند الإمام الحسين عليه السلام

قال السيد الخامنئي:الإستقامة تعني بالنسبة للإمام الحسين عليه السلام العزم على عدم الانصياع ليزيد و حكمه الجائر.و من هنا انطلقت بوادر التصدّي و عدم الإستسلام لحكومة فاسدة حرّفت نهج الدين بالكامل.بهذه النيّة سار الإمام عليه السّلام من المدينة،لكنه حينما لمس بمكة وجود الناصر قرن مسيرته تلك بالعزم على الثورة.و إلاّ فالجوهر الأصلي لموقفه المعارض هو الوقوف بوجه حكومة لا يتأتّى قبولها أو تحملها وفقا للموازين الحسينية.

فالإمام الحسين عليه السلام وقف أوّل الأمر بوجه هذه الحكومة في وقت لم تكن المشاكل قد برزت بعد،ثم إنّه صار يواجه المشاكل الواحدة تلو الاخرى.

فكانت مسألة الإضطرار للخروج من مكة،ثم اندلاع المعركة في كربلاء و ما تلاها من الضغوط التي تعرّض لها في تلك الواقعة.

الأعذار الشرعيّة التي واجهت الحسين عليه السلام

أحد الامور المهمة التي تعترض سبيل المرء في المواقف الكبرى هي الأعذار الشرعية.فالفروض أو التكاليف توجب على الإنسان أن يؤدّيها،و لكن حينما يستلزم مثل هذا العمل وقوع إشكال كبير-كأن يقتل فيه على سبيل المثال أشخاص كثيرون-هنا يشعر المرء أنّه لم يعد مكلّفا.

ص: 74

أنتم على معرفة بالأعذار الشرعية التي تلاحقت بوجه الإمام الحسين عليه السلام و كانت كفيلة بصرف أي إنسان سطحي الرؤية عن هذا السبيل؛فهو قد واجه أولا نكول أهل الكوفة و مقتل مسلم بن عقيل.و هنا كان بإمكان الإمام الحسين عليه السلام القول بأنّ العذر بات شرعيا و قد سقط التكليف،فأنا كنت عازما على عدم البيعة،و لكن تبيّن لي أنّ موقفا كهذا لا يمكن الإستمرار عليه في مثل هذه الأوضاع و الظروف،و الناس لا طاقة لهم على التحمّل.

إذن فالتكليف ساقط و أنا أبايع مكرها.

كان بميسور الإمام الحسين عليه السلام عند مواجهة ذلك الموقف أن يتصرف على شاكلة الإنسان الذي يحلّ المواقف الكبرى بمثل هذا المنطق و يقول إنّ هؤلاء النسوة و الصبية لا قبل لهم بتحمل هذه الصحراء المحرقة،و على هذا فالتكليف مرفوع،فيميل نحو الخنوع و يقبل بما لم يكن قبله حتى ذلك الحين،أو حتى بعد اندلاع القتال في اليوم العاشر و استشهاد ثلة من أصحابه فهناك تفاقمت عليه المشاكل و بات بإمكانه التذرع بأنّ القتال لم يعد ممكنا،و لا بالمقدور الإستمرار،و لا محيص من التراجع.

أو حينما تكشّف للإمام الحسين عليه السلام بأنّه سيستشهد،و من بعد استشهاده ستبقى حرم اللّه و حرم النبي صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام بيد الرجال الأجانب.

و هنا يعرض له موضوع الشرف و العرض.و كان له باعتباره إنسانا ذا غيرة القول بارتفاع التكليف؛لأنني إذا واصلت هذا الطريق و قتلت فإنّ النساء من آل الرسول و بنات أمير المؤمنين عليه السّلام و أطهر نساء الإسلام سيقعن سبايا بيد الأعداء من الرجال الذين لا أصل لهم و لا فصل و لا يفقهون شيئا من معاني الشرف و الغيرة إذن فالتكليف مرفوع.

ص: 75

فهذا الموقف من واقعة كربلاء ينبغي النظر إليه انطلاقا من هذه الرؤية،و هو أنّ الإمام الحسين عليه السلام لو أراد النظر إلى بعض الحوادث الشديدة الألم و المرارة كحادثة استشهاد علي الأصغر و سبي النساء و عطش الصبية و مقتل الشبان و غيرها من الحوادث الاخرى المروّعة في كربلاء،بمنظار المتشرّع العادي و يتغاضى عن عظمة دوره و رسالته،كان باستطاعته التراجع عند أية خطوة يشاء، ثم يقول أن لا تكليف عليه،و لا مناص الآن من مبايعة يزيد،«و إنّ الضرورات تبيح المحظورات» (1).

إلاّ أنّه عليه السلام لم يتصرف على هذه الشاكلة.هذه هي استقامة الإمام الحسين عليه السلام و هذا هو معنى الاستقامة.

الاستقامة لا تعني في أي موضع كان تحمّل المشاكل؛لأنّ تحمّل المشاكل بالنسبة للإنسان الفذ أيسر من تحمّل هذه الامور التي تبدو في المقاييس الشرعيّة و العرفيّة و العقليّة الساذجة خلافا للمصلحة،لأنّ تحمّلها أصعب من تحمّل المشاكل العصيبة.

قد يقال للمرء تارة:لا تسلك هذا الطريق لأنك ربّما تتعرض للتعذيب.فالإنسان القوي يقول:إني سالك هذا الطريق و لا ضير في تعرّضي للتعذيب.

أو قد يقال لآخر:لا تسلك هذا المسلك لعلك تقتل،ترى الإنسان الفذ يقول:إنّي سالكه و لا أبالي بالقتل.

و لكن تارة أخرى قد لا يقتصر الحديث على مجرد القتل و التعذيب و الحرمان،بل يقال:لا تذهب هذا المذهب،فقد يقتل على أثر موقفك هذا عدد من الناس.و هنا يعرض على بساط البحث موضوع أرواح الآخرين.فيقال له:لا تسر،فمن المحتمل أن يواجه الكثير من النساء و الرجال و الأطفال مصاعب جمّة و عنتا كبيرا من جرّاء0.

ص: 76


1- انظر شرح إحقاق الحق:370.

مسيرك هذا.

و هنا ترتعد فرائص من يهمهم القتل،أمّا الذي لا ترتعد فرائصه،فهو أوّلا:في أعلى درجة من البصيرة و على بيّنة من ضخامة العمل الذي يؤدّيه.

و ثانيا:له من قوة النفس ما لا يتسرب معها إليه الوهن.

و هاتان الميزتان تجلّتا عند الإمام الحسين عليه السّلام في كربلاء.لذلك كانت واقعة كربلاء كشمس سطعت في دياجي التاريخ،و هي ما انفكت ساطعة و ستبقى كذلك أبد الدهر (1).2.

ص: 77


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:22.

الحقائق التأريخية في شخصية الحسين عليه السلام

و من الناحية التأريخية أيضا،فإنّ هذا الإسم و هذه الخصوصية و الشخصية هو مقطع تأريخي و كتاب مستقلّ،طبعا ليس تأريخا مبسّطا و سردا للأحداث،بل تفسير و بيان للتأريخ و دروس في الحقائق التأريخية.

إنّنا بالإضافة إلى استلهامنا الدروس من هذه الواقعة،فإنّنا نستخلص العبر منها،فالدروس تقول لنا ماذا يجب فعله،لكنّ العبر تقول أيّة حادثة وقعت و أيّها قد تقع..

و العبرة في قضية الإمام الحسين عليه السلام هي عند ما يتأمّل الإنسان في تأريخ المجتمع الإسلامي،ذلك المجتمع الذي كان يرأسه شخص غير عادي كرسول الله صلّى اللّه عليه و آله،هذا النبي الذي كان يتمتّع بقدرة تفوق إدراك البشر،و المرتبط بالوحي الأزلي و الحكمة الفريدة اللامتناهية،و المجتمع الذي حكمه بعد ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام،حيث أصبحت المدينة و الكوفة مركزي هذه الحكومة العظيمة،فما الذي حدث بعد ذلك؟و أيّة جرثومة دخلت بدن هذا المجتمع حتّى قتل الحسين بن علي عليه السلام في ذلك المجتمع و بين هؤلاء الناس و بتلك الصورة بعد مضي نصف قرن على وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و عشرين سنة على شهادة أمير المؤمنين عليه السلام،فما الذي حدث،و كيف؟!و ما حدث ليس بحقّ ابن مجهول،بل بحقّ من كان يحتضنه النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله في الصغر،و يصعده معه على المنبر و يخطب في الناس،بحقّ من قال في حقّه رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«حسين منّي و أنا من حسين»،كذا كانت العلاقة وثيقة بين الأب و الإبن،ذلك الإبن الذي كان ركنا

ص: 78

من أركان حكومة أمير المؤمنين عليه السلام في الحرب و الصلح و السياسة،و كان كالشمس الساطعة.

إلاّ أنّ أمر ذلك المجتمع قد آل إلى أن يحاصر ابن النبي صلّى اللّه عليه و آله و ذلك الإنسان البارز العزيز صاحب العمل و التقوى و الشخصية المفخرة،صاحب ذلك الدرس في المدينة و الكثير الأصحاب و الأنصار و المحبّين،و شيعته كثيرون في مختلف مناطق العالم الإسلامي،ثم يقتل عطشانا بتلك الصورة الفجيعة لا لوحده فقط،بل مع جميع رجاله حتّى الطفل البالغ من العمر ستة أشهر،و تساق نساؤه و أطفاله أسارى يطاف بهم من مدينة إلى مدينة.فما القضية؟!و ما الذي حدث؟!هذه هي العبرة.

قارنوا بين مجتمعنا و ذلك المجتمع لتجدوا الفارق بينهما،فقد كان على رأس مجتمعنا الإمام العظيم الشأن و الذي كان أعظم من الناس جميعا في زماننا دون أدنى شكّ،و لكن أين إمامنا من النبي صلّى اللّه عليه و آله؟فمثل هذه القدرة العظيمة التي نشرها النبي صلّى اللّه عليه و آله في ذلك المجتمع بحيث كانت يد النبي صلّى اللّه عليه و آله تقود المجتمع بعد عشرات السنين من وفاته.فلا تتصوّروا أنّ الفتوحات الإسلامية كانت مقطوعة عن نفس النبي صلّى اللّه عليه و آله،بل كانت يد النبي صلّى اللّه عليه و آله هي التي تقود المجتمع الإسلامي،و بناءا على ذلك كان النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله حاضرا في فتوحات ذلك المجتمع و في مجتمعنا و لا زال حتّى آل الأمر إلى ما نحن عليه الآن.

و إنّني أوصي الشباب و المحصّلين و الطلبة و غيرهم أن يجهدوا في القرآن و يدقّقوا فيه،ليعرفوا ماذا حدث؟ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَ لَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَ لا تُسْئَلُونَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ (1)إنّ القرآن يعلّمنا الاعتبار من سيرة الماضين (2).6.

ص: 79


1- سورة البقرة:134.
2- ثورة الحسين شمس الشهادة:26.

البعد المعنوي و العرفاني في شخصية الإمام الحسين عليه السلام

اشارة

لشخصية الإمام الحسين عليه السّلام الألمعية و الباهرة،بعدان:بعد الجهاد و الشهادة و الإعصار الذي أحدثه على مدى التاريخ،و سيبقى هذا الإعصار-على ما يتسم به من بركات-مدويا على مدى الدهر كما بيّنا.

أمّا البعد الآخر فهو بعد معنوي و عرفاني،و يتجلّى هذا البعد في دعاء عرفة بشكل واضح و عجيب.

و قلّما يوجد لدينا دعاء يحمل هذه اللوعة و الحرقة و الانسياق المنتظم في التوسل إلى اللّه و الإبتهال إليه بالفناء فيه،إنه حقّا دعاء عظيم.

ثمة دعاء آخر ليوم عرفة ورد في الصحيفة السجادية عن نجل هذا الإمام العظيم عليهما السلام،كنت في وقت أقارن بين هذين الدعائين.فكنت أقرأ أولا دعاء الإمام الحسين،و أقرأ من بعده الدعاء الوارد في الصحيفة السجادية،و قد تبادر إلى ذهني مرات عديدة أنّ دعاء الإمام السجاد عليه السّلام يبدو و كأنه شرح لدعاء يوم عرفة.

فالأول-أي دعاء الحسين عليه السّلام في يوم عرفة-هو المتن و الثاني شرح له،و ذاك أصل و هذا فرع،دعاء عرفة دعاء مذهل حقا.

و في خطابه عليه السّلام الذي ألقاه على مسامع أكابر شخصيات عصره و أكابر المسلمين التابعين في منى تجدون نفس تلك النغمة و النفس الحسيني المشهود في دعاء عرفة.

ص: 80

واقعة عاشوراء واقعة عرفانية

و يبدو أن خطابه ذلك كان في تلك السنة الأخيرة،أو ربّما في سنة أخرى غيرها، لا أستحضر ذلك حاليا في ذهني لكنه مسطور في كتب التاريخ و الحديث.

إذا نظرنا إلى واقعة عاشوراء و أحداث كربلاء،فمع أنها ساحة قتال و سيف و قتل،لكنكم ترون الحسين عليه السّلام يتكلم و يتعامل بلسان الحبّ و الرضى و العرفان مع اللّه تعالى آخر المعركة حيث وضع خدّه المبارك على تراب كربلاء اللاهبة،تراه يقول:«إلهي رضى بقضائك و تسليما لأمرك لا معبود سواك» (1).

و كذا حين خروجه من مكّة يقول:«من كان باذلا فينا مهجته و موطنا على لقاء اللّه نفسه،فليرحل معنا» (2).

كل قضية كربلاء ترون فيها وجه العرفان و التضرع و الإبتهال.إقترن خروجه ذاك بالتوسل و المناجاة و أمنية لقاء اللّه،و بدأ بذلك الإندفاع المعنوي المشهور في دعاء عرفة،إلى أن انتهى به المطاف في اللحظة الأخيرة،إلى حفرة المنحر حيث قال:

«و رضى بقضائك».

و معنى هذا أنّ واقعة عاشوراء تعد بحدّ ذاتها واقعة عرفانية.و مع أنّها امتزجت بالقتال و القتل و الشهادة و الملحمة-و ملحمة عاشوراء صفحة رائعة بشكل يفوق التصور-و لكن إن نظرتم إلى عمق نسيج هذه الواقعة الملحمية لرأيتم معالم العرفان،و المعنوية،و التضرع،و جوهرية دعاء عرفة.إذن فهذا هو البعد الآخر في شخصية الإمام الحسين عليه السّلام،و هو ما ينبغي أن يكون موضع اهتمام إلى جانب

ص: 81


1- موسوعة الإمام على عليه السّلام للري شهري:248.
2- أعيان الشيعة:593/1.

البعد الأول المتمثل بالجهاد و الشهادة.

القضية التي أروم الإشارة إليها هي أنه يمكن القول قطعا أنّ هذا الاندفاع المعنوي،و العرفان،و الإبتهال إلى اللّه و الفناء فيه،و عدم رؤية الذات أمام إرادته المقدّسة،هو الذي أضفى على واقعة كربلاء هذا الجلال و العظمة و الخلود.

جهاد فعرفان

أو بعبارة أخرى إنّ البعد الأول؛أي بعد الجهاد و الشهادة،جاء كحصيلة و نتاج للبعد الثاني.أي نفس تلك الروح العرفانية و المعنوية التي يفتقد إليها الكثير من المؤمنين ممن يجاهدون و ينالون الشهادة بكل ما لها من كرامة،نفس تلك الروح العرفانية و المعنوية تجدها في شهادة أخرى نابعة من روح الإيمان،و منبثقة من قلب يتحرّق شوقا،و صادرة عن روح متلهفة للقاء اللّه،و مستغرقة في ذات اللّه.هذا اللون الآخر من المجاهدة له طعم و نكهة أخرى،و يضفي أثرا آخر على التكوين (1).

ص: 82


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:34.

سلوك الحسين عليه السلام المعنوي و العبودي

إن سلوك الإمام الحسين عليه السّلام منذ خروجه من المدينة و حتى يوم استشهاده في كربلاء كان منطويا على المعنويات و العزة و الشموخ و في نفس الوقت مغمورا بالعبودية و التسليم المطلق لأمر الله،و هكذا كان دائما و في كل المراحل.ففي ذلك اليوم الذي جاءته مئات و ربما آلاف الرسائل تحمل نداء القائلين بأنهم شيعته و أنصاره و أنهم في الكوفة و العراق بانتظار وصوله،فإنه لم يصب بالغرور.

و عندما قال:«خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة» (1)فإنه كان يتحدث عن الموت و لم يهدد الأعداء و ينذرهم بالويل و الثبور،كما أنه لم يقم بترغيب أصحابه و لم يقم بتقسيم مناصب الكوفة بينهم.

لقد كانت حركته عليه السّلام حركة إسلامية مفعمة بالعلم و المعرفة و العبودية و التواضع في ذلك اليوم الذي مد فيه الجميع إليه أيديهم و أظهروا له الود و الإخلاص.

و حتى في كربلاء عند ما حاصره ثلاثون ألفا من الأراذل و الأوباش مع أصحابه الذين لم يبلغوا المائة و هددوه و من معه من أعزائه بالموت كما هددوا نساءه و حرمه بالأسر،فإن هذا الرجل الإلهي و العبد الرباني العزيز في الإسلام لم تبد عليه ذرة من الإضطراب.

يقول ذلك الراوي الذي ينقل أحداث يوم عاشوراء التي تناقلتها الألسن و الكتب

ص: 83


1- أبصار العين في أنصار الحسين عليه السّلام:27.

«فو الله ما رأيت مكثورا أربط جأشا من الحسين» (1).

فالإنسان يلتقي الكثيرين في ميادين الحرب المختلفة و في الساحات الإجتماعية و العرصات السياسية و سواها من المجالات الأخرى التي تضم ذوي الإبتلاءات المختلفة؛و لكن الراوي يحكي عن عدم مشاهدته لأحد مثل الحسين بن علي عليه السّلام في موقفه هذا،حيث نزلت عليه شتى المصائب غير أنه واجهها بوجه مستبشر قاطع، مما يدل على قوة العزيمة و رسوخ الإرادة و التوكل على الله.فهذه هي العزة الإلهية، و هذا هو الموقف الذي خطّه الإمام الحسين عليه السّلام في سجل التاريخ،فأدرك الناس أنه ينبغي عليهم النضال في سبيل مثل هكذا حكومة و هكذا مجتمع لا تسيطر عليه الدناءة و الجهالة و الخضوع الإنساني و العنصرية.

فعلى البشر كافة أن يجاهدوا من أجل تحقيق مثل هذا المجتمع،و هو أمر ممكن و سيتحقق.

لقد كان الناس قابعين في ضباب اليأس ذات يوم،ثم جاءت الثورة الإسلامية و استقرت دعائم النظام الإسلامي ليتضح أن كل شيء ممكن.

إنّ النظام الإسلامي لم يبلغ الذروة،لكنه تغلّب على الكثير من العقبات الكبرى في سبيل الوصول إلى تلك المرحلة.

إن وجود الحكومة الطاغوتية و النظام الدكتاتوري و حكومة أولئك الذين يستأسدون على الشعب بينما هم نعامة أمام القوى العظمى و الذين يتعالون على شعوبهم كما الفراعنة بينما هم أذلاء و خاضعون للأجانب،يمثل عقبة كؤودا في طريق الشعوب،و لا سيما إذا كانت تلك الحكومة تحظى بدعم كافة القوى الدولية، و لقد أظهرت الشعوب المسلمة و في طليعتها الشعب الإيراني المسلم أن مثل هذا العمل يعدّ ممكنا و بوسعه القيام به،فأزال تلك العقبة و استمرّ في هذا الطريق.4.

ص: 84


1- المجالس الفاخرة:244.

و بلطف من اللّه و فضله فإنه تمّ اتخاذ الكثير من الخطوات في هذا الطريق،و لكننا مازلنا في منتصف الطريق أيها الأخوة و الأعزاء!فلو حافظنا على رسالة الإمام الحسين عليه السّلام حيّة و نابضة،و لو أدركنا العظمة الكامنة في اسم الإمام الحسين عليه السّلام، و لو تطلعنا لهذه النهضة و اعتبرناها حدثا إنسانيا عظيما على مدى التاريخ،لأعاننا كل ذلك على مواصلة الطريق و التقدم إلى الإمام و على ألاّ نحيد عن درب الإمام الحسين عليه السّلام و على تحقيق ما رسمناه من أهداف بلطف من الله.لقد جعل الله تعالى اسم الإمام الحسين عليه السلام مجلّلا بالعظمة و حافظ على واقعة كربلاء حيّة في التاريخ.و إن ما قلته لا يعني أننا نعمل على جعل اسم الإمام الحسين عظيما،كلاّ، فهذا الحدث أعظم من أن تغطي عليه كافة أحداث الزمان أو أن تمحو رسمه من صفحات التاريخ.

وصايا الشهداء العرفانيّة

نحن شهدنا في فترة الحرب نفحات من تلك النسمة المقدسة،و لم يكن ما سمعتموه من تأكيدات سماحة الإمام الخميني على قراءة وصايا الشهداء وصايا صرفة لا يبتغي شيئا وراءها-حسب ظني-فهو نفسه كان قد قرأ تلك الوصايا، و أثرت في قلبه المبارك تلك الجمرات المتلظّية،فرغب في أن لا يحرم الآخرين من هذه الفائدة.

كما إنني و الحمد للّه كنت طوال فترة الحرب و ما بعدها و حتى يومنا هذا أستأنس بقراءة هذه الوصايا؛و لا حظت كيف أنّ بعضها نابعة من أعماق روح العرفان.

ص: 85

سرعة العرفان عند المجاهد

فالمرحلة التي يبلغها العارف و السالك على مدى ثلاثين أو أربعين سنة؛يتعبد و يرتاض،و يواصل الدراسة على يد الأساتذة،و يكثر من البكاء و التضرع و يكابد المشاق لأجلها،يستطيع أن ينالها شاب في مدّة عشرة أيام أو خمسة عشر يوما،أو عشرين يوما في الجبهة.أي منذ اللحظة التي يتوجه فيها ذلك الشاب إلى الجبهة بأي دافع كان مع وجود الدافع الديني الممتزج بحماس الشباب ثم يتحول ذلك الإندفاع لديه بالتدريج إلى عزم على التضحية و الجود بكل وجوده،و يسطر ذكرياته أو وصيّته،و هو من تلك اللحظات و حتى لحظة استشهاده يزداد تحمسا و شوقا، و يصبح سيره أسرع و قربه أدنى،إلى أن تأتي الأيام الأخيرة و تحل الساعات و اللحظات الأخيرة،فإن يكن قد بقي منه شيء حينذاك،فهو كجمرة تتلظّى،تلسع قلوب من يقرأون تلك الوصايا.

يلاحظ المرء بكل وضوح في ذكريات من استشهدوا نفحة فوّاحة من نفس تلك الروح الحسينية.إذن فلحادثة كربلاء سند معنوي متين.

هذا الإعصار الخالد على مدى التاريخ-و كانت قصور الظلم تخشاه على الدوام و تتقهقر أمامه-متى ما أطل عبر مختلف الحقب التاريخية،يأتي بفعل شبيه بفعل ذلك اليوم،كما هو الحال في ثورتنا.

و هذه الواقعة الكبرى التي كان أثرها ملموسا في كل برهة زمنية على مدى التاريخ،قضت على الكثير من سلالات الجور،و أكسبت الكثير من الناس الضعفاء العزّة و المنعة،و نفحت العزم في قلوب الكثير من الشعوب المقهورة،و جهّزت

ص: 86

الكثير من الناس بسلاح الصمود في سبيل اللّه (1).

أثر ثورة الإمام الحسين على الأخلاق

إنّ ما من شأنه تقليل الأضرار في هذا المجال هي تلك القضايا المعنوية و الأخلاقية و الدعاء و الذكر و التوجّه إلى اللّه و تهذيب النفس و بناء الذات و تطهيرها من الرذائل،و هذا السلوك على قدر كبير من الأهمية.نعم ما أكثر الأشخاص الذين يكثرون من الدعاء و الذكر و ما شابه هذه الأعمال،لكنهم لم ينجحوا في استئصال الرذائل و الأنانية و الكبر و البخل و الحرص و الحسد و الحقد و سوء الظن و الكيد لهذا و ذاك من نفوسهم،أو إلغاء تأثيرها على سلوكهم.

و على العكس من ذلك تلك الجنّة الأخلاقية التي أرادها الإسلام للناس؛فالإسلام أراد للناس أن يتراحموا في ما بينهم،و أن يهتم كل منهم بمصير الآخر،و يحرص على مصالحه،و أن يشارك الآخرين في معاناتهم و يسعى في تصحيح أخطائهم، و أن يدعو أحدهم للآخر،و أن يتعاملوا بالمودة و الرأفة ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (2).

المحبّة بين الأخوة،و بين الأصدقاء،و بين الأخوات،و بين أفراد الأمة الإسلامية، و الإرتباط العاطفي،و حب الخير للآخرين،صفات فاضلة و نبيلة،و يجب على المرء أن يعمل للإستزادة منها.

ص: 87


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:37.
2- سورة البلد:15.

إن أقبح ما في الإنسان من صفات هو أن يجعل ذاته و مصالحه المادية محورا، و يكون مستعدا لتدمير و إيذاء أناس كثيرين في سبيل إشباع رغباته الخاصّة.هذه الصفات ينبغي معالجتها و اجتثاث جذورها من قلوبنا.و هذه المعاني موجودة في تلك الأدعية.

على الرغم مما نقل إلينا من أدعية مأثورة عن جميع الأئمة(عليهم السلام)-على ما أتصوّر-إلا أنّ المثير في الأمور هو ان أكثرها و أشهرها هو المنقول عن ثلاثة أئمة كانوا قد قضوا أعمارهم في صراعات كبرى و مريرة.أولهم أمير المؤمنين عليه السّلام الذي نقل عنه دعاء كميل،و أدعية أخرى فيها معان و مفاهيم كبيرة.و من بعده الأدعية المروية عن الإمام الحسين عليه السّلام؛كدعاء عرفة الذي يزخر حقّا بمثل تثير الدهشة.ثم من بعدها الإمام السجاد عليه السّلام،ابن واقعة عاشوراء و حامل رسالتها،و المجاهد في قصر الجور قصر يزيد.

هؤلاءهم الأئمة الثلاثة الذين كان لهم الدور الأبرز في ميادين الصراع،و الأدعية المأثورة عنهم هي الأعمق،و العبر المستقاة من أدعيتهم هي الأكثر.

تأمّلوا هذه السجايا الأخلاقية الواردة في الصحيفة السجادية.

أوصيكم أيّها الأعزاء فردا فردا،أن تأنسوا جهد المستطاع بمضامين الصحيفة السجادية فهو كتاب عظيم.و إذا وصفت بأنها زبور آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله،فهي هكذا حقا، فهي زاخرة بالسجع المعنوي،هي دعاء و دروس؛دروس في الأخلاق،و في علم النفس،و في الشؤون الاجتماعية.تأملوا هذه الجملة الواردة فيها:«اللّهم إني أعوذ بك من هيجان الحرص و سورة الغضب،و إلحاح الشهوة». (1)

إنّه يبيّن لنا-بلسان الدعاء-كل واحدة من السجايا المعنوية و الأخلاقية، و الجذور الفاسدة التي تعتمل في نفوسنا.7.

ص: 88


1- الصحيفة السجادية:57.

يجب أن تسألوا اللّه تعالى حين الدعاء و المناجاة،الخلاص و النجاة من هذه المشاكل الداخلية و النفسية.و المجتمع الذي تنشأ مجموعة كبيرة من أفراده على هذه الخصائص التربوية لا تؤثر فيه أي من تلك الأساليب المعادية.

إنّ مجتمعنا و الحمد للّه مجتمع شاب؛أي أنّ نسبة الشباب أكبر،و ستبقى هذه الظاهرة بارزة فيه حتى سنوات طويلة،ريثما يصل الدور إلى أجيال تقليل النسل، بعد سنوات عديدة.و الحالة التي عليها مجتمعنا الحاضر و حتى سنوات مديدة،هي أنه مجتمع شاب.و الشباب من مظاهر النعم الإلهية على الإنسان.لأن الشاب يتّسم بالنقاء و الاخلاص.

إلا أنّ العدو يركز في خططه على جيل الشباب بسبب بعض نقاط الضعف التي يتصفون بها.و لكن نقاط القوّة لدى الشباب أكثر بكثير من نقاط الضعف.

لو أنّ الدعاء و التوسل المقرون بالمعرفة أتّخذ في هذا المجتمع منهجا و سلوكا- بأن يكون التوسل عن معرفة و ليس بلا معرفة و لا إدراك،أي بالمعنى الصحيح للتوسل الذي أوصانا به القرآن،و الروايات المنقولة عن الأئمة،و نهج البلاغة و يمكن أن تكون الصحيفة السجادية خير معين لنا في هذا الصدد.

توجهوا إلى هذا المعنى و إلى هذا المقام المعنوي،تعارفوا مع الأدعية،و عرّفوا هذا النهج للشبّان الآخرين،و لأبنائكم.و أن يكون ذلك.في قالب كلمات الإمام السجاد عليه السّلام التي وردت في الصحيفة السجادية،و أمثال ذلك،و نهج البلاغة يتضمن طبعا نفس هذه الروح المعنوية،يكون هذا المجتمع حينذاك مجتمعا يخشاه كل عدو مستكبر،و يفقد الأمل بإمكانية احتوائه أو هضمه.

و عليه أن يعلم أنه طالما كانت روح الإسلام،و معنوية الإسلام،و التعبّد بالإسلام،و الإعتقاد بالإسلام موجودا في المجتمع،يستحيل على أي عنصر أن

ص: 89

يزيغ بهذا الشعب و هذا المجتمع عن صراط الثورة الإسلامية المستقيم (1).8.

ص: 90


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:38.

وضوح المواقف عند الإمام الحسين عليه السلام

كان الإمام الحسين عليه السّلام و منذ نشأته يتمتع بقدر كبير من الصراحة و الوضوح فعند ما كان عمر بن الخطاب يخطب على المنبر،قام اليه الحسين بن علي فقال:

(انزل عن منبر أبي،فقال عمر:منبر أبيك لا منبر أبي...) (1).

و تميز الإمام الحسين عليه السّلام بالصراحة في القول و السلوك فهو لم يخادع و لم يضلل،و اتسمت حركته بالوضوح و الصدق و كان صريحا مع أصحابه و مع أعدائه،و ابتعد عن سلوك المنعطفات التي يحيطها الغموض و المواربة و كان من نماذج سمو ذاته و عظمة صراحته أن الوليد حاكم يثرب دعاه في غلس الليل و أخبره بهلاك معاوية و طلب منه البيعة ليزيد مكتفيا بها في جنح الظلام فامتنع و صارحه بكل وضوح قائلا:«يا أمير إنا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة،بنا فتح الله و بنا ختم،و يزيد فاسق فاجر،شارب الخمر،قاتل النفس المحترمة،معلن بالفسوق و الفجور،و مثلي لا يبايع مثله...» (2).

-من مشاهد الصراحة التي تألقت في سماء كربلاء انه جمع أصحابه و خاطبهم قائلا:«...أما بعد فاني لا أعلم أصحابا أو فى و لا خيرا من أصحابي،و لا أهل بيت أبر و لا أوصل من أهل بيتي،فجزاكم الله جميعا عني خيرا،ألا و إني لأظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا،و إني قد أذنت لكم جميعا فانطلقوا في حل ليس عليكم مني ذمام،

ص: 91


1- تأريخ الخلفاء للسيوطي:172.
2- الفتوح لابن الأعثم 14/5،دار الكتب العلمية،بيروت-لبنان،ط 1،1406 ه-1986 م.

هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا...

ثم تفرّقوا في البلاد في سوادكم و مدائنكم حتى يفرج الله فإن القوم يطلبونني و لو أصابوني للهوا عن طلب غيري...» (1).3.

ص: 92


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير 57/4-58،دار صادر،بيروت-لبنان،1385 ه-1995 م،و سير أعلام النبلاء 301/3.

هيبة الإمام الحسين عليه السلام و وقاره

-كانت حلقات درس الإمام عليه السّلام في المسجد النبوي الشريف غاية في الجلالة و المهابة فلقد وصفه معاوية لرجل من قريش ذاهب إلى المدينة قائلا:إذا دخلت مسجد رسول الله صلّى اللّه عليه و آله فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رؤوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد الله.

-كان من عظمة هيبة الإمام الحسين و مكانته في نفوس المسلمين ما رواه البلاذري،من أنه ما اجتاز هو و أخوه الإمام الحسن عليه السّلام على ركب في حال سفرهما إلى بيت الله الحرام ماشين،إلا ترجّل ذلك الركب تعظيما و اكبارا لهما (1).

-كان الإمامان الحسن و الحسين إذا طافا بالبيت الحرام يكاد الناس يحطمونهما مما يزدحمون عليهما للسلام عليهما رغم طغيان الأمويين و عقاب كل من يحب آل البيت الطاهرين (2).

ص: 93


1- الإمام الحسين بن علي،د.محمد بيومي مهران 319/8،دار النهضة العربية،بيروت-لبنان، 1990 م.
2- المصدر السابق.

عفو الإمام الحسين عليه السلام عن المسيء

ارتكب غلام له خطأ فأراد تأديبه فقال له الغلام:يا مولاي«و الكاظمين الغيظ».

قال الإمام عليه السّلام:«خلّوا عنه».

قال الغلام:«و العافين عن الناس».

فقال الإمام«قد عفوت عنك».

قال:يا مولاي«و الله يحب المحسنين».

قال عليه السّلام:أنت حر لوجه الله تعالى و أجازه بجائزة سنية (1).

ص: 94


1- الفصول المهمة لابن الصباغ:128.

الجود و السخاء عند الإمام الحسين عليه السلام

من مزايا الإمام أبي الأحرار عليه السّلام الجود و السخاء فقد كان ملاذا للفقراء و المحرومين،و ملجأ لمن جارت عليه الأيام،و كان يثلج قلوب الوافدين إليه بهباته و عطاياه يقول كما الدين بن طلحة:

«و قد اشتهر النقل عنه أنه كان يكرم الضيف،و يمنح الطالب،و يصل الرحم، و يسعف السائل،و يكسو العاري،و يشبع الجائع،و يعطي الغارم و يشد من الضعيف،و يشفق على اليتيم،و يغني ذا الحاجة،و قلّ أن وصله مال إلا فرّقه،و هذه سجية الجواد و شنشنة الكريم،و سمة ذي السماحة،و صفة من قد حوى مكارم الأخلاق،فأفعاله المتلوة شاهدة له بصنعة الكرم،ناطقة بأنه متصف بمحاسن الشيم..».

و يقول المؤرخون إنه كان يحمل في دجى الليل البهيم الجراب يملؤه طعاما و نقودا إلى منازل الأرامل و اليتامى و المساكين حتى أثر ذلك في ظهره و كان يحمل إليه المتاع الكثير فلا يقوم حتى يهب عامته،و قد عرف معاوية فيه هذه الظاهرة فأرسل إليه بهدايا و ألطاف كما أرسل إلى غيره من شخصيات يثرب و أخذ يحدث جلساءه بما يفعله كل واحد منهم بتلك الألطاف فقال في الحسين:

«أما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفين فإن بقي شيء نحر به الجزور و سقى به اللبن...».

و بعث رقيبا يرى ما يفعله القوم فكان كما أخبر فقال معاوية:

ص: 95

«أنا ابن هند،أنا أعلم بقريش من قريش».

و على أي حال فقد نقل المؤرخون بوادر كثيرة من جود الإمام و سخائه نلمّح إلى بعضها.

1-مع أسامة بن زيد:

و مرض أسامة بن زيد مرضه الذي توفي فيه فدخل عليه الإمام عائدا فلما استقر به المجلس قال أسامة:

-و اغماه.

-ما غمك؟.

-ديني و هو ستون ألفا.

-هو علي.

-أخشى أن أموت قبل أن يقضى.

-لن تموت حتى أقضيها عنك.

و بادر الإمام عليه السّلام فقضاها عنه قبل موته و قد غض طرفه عن أسامة فقد كان من المتخلفين عن بيعة أبيه،فلم يجازيه بالمثل و إنما أغدق عليه بالإحسان.

2-مع جارية له:

روى أنس قال:كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحان فحيته بها،فقال لها:أنت حرة لوجه الله تعالى،و بهر أنس فانصرف يقول:

جارية تجيئك بطاقة ريحان،فتعتقها؟!!

-كذا أدّبنا الله،قال تبارك و تعالى: إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها، و كان أحسن منها عتقها و بهذا السخاء و الخلق الرفيع ملك قلوب المسلمين و هاموا بحبه و ولائه.

3-مع غارم:

ص: 96

كان الإمام الحسين عليه السّلام جالسا في مسجد جده الرسول صلّى اللّه عليه و آله و ذلك بعد وفاة أخيه الحسن عليه السّلام،و كان عبد الله بن الزبير جالسا في ناحية منه كما كان عتبة بن أبي سفيان جالسا في ناحية أخرى منه،فجاء أعرابي على ناقة فعقلها و دخل المسجد فوقف على عتبة بن أبي سفيان فسلّم عليه فرد عليه السلام،فقال له الأعرابي:

«إني قتلت ابن عم لي،و طولبت بالدية فهل لك أن تعطيني شيئا؟».

فرفع عتبة إليه رأسه و قال لغلامه:ادفع إليه مائة درهم،فقال له الأعرابي:

«ما أريد إلا الدية تامة».

فلم يعن به عتبة،فانصرف الأعرابي آيسا منه،فالتقى بابن الزبير فعرض عليه قصته،فأمر له بمائتي درهم فردها عليه،و أقبل نحو الإمام الحسين عليه السّلام فرفع إليه حاجته،فأمر له بعشرة آلاف درهم،و قال له:هذه لقضاء ديونك،و أمر له بعشرة آلاف درهم أخرى و قال له:هذه تلم بها شعثك و تحسن بها حالك،و تنفق بها على عيالك،فاستولت على الأعرابي موجات من السرور و اندفع يقول:

طربت و ما هاج لي معبق و لا لي مقام و لا معشق

و لكن طربت لآل الرسو ل فلّذ لي الشعر و المنطق

هم الأكرمون الأنجبون نجوم السماء بهم تشرق

سبقت الأنام إلى المكرمات و أنت الجواد فلا تلحق

أبوك الذي ساد بالمكرمات فقصر عن سبقه السبق

به فتح الله باب الرشاد و باب الفساد بكم مغلق

4-مع أعرابي:

و قصده أعرابي فسلّم عليه و سأله حاجته،و قال:سمعت جدك يقول:إذا سألتم حاجة فاسألوها من أربعة إما عربي شريف،أو مولى كريم،أو حامل القرآن،أو

ص: 97

صاحب وجه صبيح،فأما العرب فشرفت بجدك،و أما الكرم فدأبكم و سيرتكم،و أما القرآن ففي بيوتكم نزل،و أما الوجه الصبيح فإني سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه و آله يقول:إذا أردتم أن تنظروا إليّ فانظروا إلى الحسن و الحسين.

فقال له الحسين عليه السّلام:ما حاجتك؟

فكتبها الأعرابي على الأرض،فقال له الحسين عليه السّلام:سمعت أبي عليا يقول:

المعروف بقدر المعرفة فأسألك عن ثلاث مسائل إن أجبت عن واحدة فلك ثلث ما عندي،و إن أجبت عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي و إن أجبت عن الثلاث فلك كل ما عندي،و قد حملت إلي صرة من العراق.

الأعرابي:سل و لا حول و لا قوة إلا بالله.

الإمام الحسين:أي الأعمال أفضل؟

-الإيمان بالله.

-ما نجاة العبد من الهلكة؟

-الثقة بالله.

-ما يزين المرء؟

-علم معه حلم.

-فإن أخطأه ذلك؟

-مال معه كرم.

-فإن أخطأه ذلك.

-فقر معه صبر.

-فإن أخطأه ذلك.

-صاعقة تنزل من السماء فتحرقه.

فضحك الإمام و رمى إليه بالصرة.

ص: 98

5-مع سائل:

و وفد عليه سائل فقرع الباب و أنشأ يقول:

لم يخب اليوم من رجاك و من حرك من خلف بابك الحلقه

أنت ذو الجود أنت معدنه أبوك قد كان قاتل الفسقه

و كان الإمام واقفا يصلي فخفّف من صلاته،و خرج إلى الأعرابي فرأى عليه أثر الفاقة،فرجع و نادى بقنبر فلما مثل عنده قال له:ما تبقى من نفقتنا؟قال:مائتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك،فقال:هاتها فقد أتى من هو أحق بها منهم،فأخذها و دفعها إلى الأعرابي معتذرا منه و هو ينشد هذه الأبيات:

خذها فإني إليك معتذر و اعلم بأني عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا عصا تمد إذن كانت سمانا عليك مندفقة

لكن ريب المنون ذو نكد و الكف منا قليلة النفقة

فأخذها الأعرابي شاكرا و داعيا له بالخير،و انبرى مادحا له:

مطهرون نقيات جيوبهم تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

و أنتم أنتم الأعلون عندكم علم الكتاب و ما جاءت به السور

من لم يكن علويا حين تنسبه فما له في جميع الناس مفتخر

هذه بعض بوادر كرمه و سخائه و هي تكشف عن مدى تعاطفه و حنوه على الفقراء،و أنه لم يبغ أي مكسب سوى ابتغاء مرضاة الله و التماس الأجر في الدار الآخرة..و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعاته و صفاته التي بلغ بها ذروة الكمال المطلق،و احتل بها قلوب المسلمين فهاموا بحبه و الولاء له (1).1.

ص: 99


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:91/1.

إلتزام الإمام الحسين عليه السلام بتعاليم الإسلام

العدة عن سهل،و علي،عن أبيه،جميعا عن ابن محبوب،عن زياد بن عيسى، عن عامر بن السمط،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين ابن علي عليهما السّلام يمشي معه،فلقيه مولى له،فقال له الحسين:أين تذهب يا فلان؟

قال:فقال له مولاه،أفر من جنازة هذا المنافق أن اصلي عليها،فقال له الحسين عليه السّلام:انظر أن تقوم على يميني فما تسمعني أقول فقل مثله.

فلما أن كبر عليه وليه،قال الحسين عليه السّلام:اللّه أكبر اللهم العن فلانا عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة،اللهم اخز عبدك في عبادك و بلادك،و أصله حر نارك،و أذقه أشد عذابك،فإنه كان يتولى أعداءك،و يعادى أولياءك و يبغض أهل بيت نبيك (1).

العدة،عن سهل،عن ابن أبي نجران،عن مثنى الحناط،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

كان الحسين بن علي عليه السّلام جالسا فمرت عليه جنازة،فقام الناس حين طلعت الجنازة (2)فقال الحسين عليه السّلام:مرت جنازة يهودي فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على طريقها جالسا فكره أن تعلو رأسه جنازة يهودي فقام لذلك (3).

علي عن أبيه،و محمد بن إسماعيل،عن الفضل،جميعا عن ابن أبي عمير و صفوان،عن معاوية بن عمار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن الحسين ابن علي

ص: 100


1- بحار الأنوار:197/40-205 ح 20،و الكافي:ج 3 ص 189 باب الصلاة على الناصب الرقم 2،و مثله تحت الرقم 3.
2- يعنى و لم يقم الحسين عليه السلام.
3- بحار الأنوار:197/40-205 ح 22،و الكافي:ج 3 ص 192.

صلوات اللّه عليه خرج معتمرا فمرض في الطريق،فبلغ عليا عليه السّلام ذلك و هو في المدينة،فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا (1)و هو مريض بها،فقال:يا بني ما تشتكي؟

فقال:أشتكي رأسي،فدعا علي عليه السّلام ببدنة فنحرها و حلق رأسه ورده إلى المدينة فلما برأ من وجعه اعتمر (2).

أبو العباس،عن محمد بن جعفر،عن محمد بن عبد الحميد،عن سيف ابن عميرة،عن أبي شيبة الأسدي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:خضب الحسين عليه السّلام بالحناء و الكتم (3).

و الحناء كقثاء نبات يزرع و يكبر حتى يقارب الشجر الكبار،ورقه كورق الرمان و عيدانه كعيدانه،له زهر أبيض كالعناقيد يتخذ من ورقه الخضاب الاحمر،و الكتم بالتحريك نبت قوهى ورقه كورق الاس يخضب به مدقوقا (4).

العدة،عن البرقي،عن عدة من أصحابه،عن ابن أسباط،عن عمه يعقوب بن سالم قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:قتل الحسين عليه السّلام و هو مختضب بالوسمة.

و عنه،عن أبيه،عن يونس،عن الحضرمي عنه عليه السّلام مثله (5).3.

ص: 101


1- بالضم:موضع بين المدينة و وادى الصفراء.
2- الكافي:ج 4 ص 369 باب المحصور و المصدود الرقم 3 و الحديث مختصر.
3- الكافي:كتاب الزى و التجمل باب الخضاب الرقم 9 راجع ج 6 ص 481.
4- بحار الأنوار:197/40-205 ح 23.
5- بحار الأنوار:197/40-205 ح 24،و الكافي:ج 6 ص 483.

لمحات من حياته العملية

قال حبر الأمة عبد الله بن عباس:«الحسين من بيت النبوة و هم ورثة العلم» (1).

قال له نافع بن الأزرق-زعيم الأزارقة من الخوارج-صف لي إلهك الذي تعبده:

فرد عليه الحسين عليه السّلام بقوله:يا نافع من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس،مائلا ناكبا عن المنهاج ظاعنا بالإعوجاج،ضالا عن السبيل،قائلا غير الجميل،يابن الأزرق:أصف الهي بما وصف به نفسه،لا يدرك بالحواس،و لا يقاس بالناس،قريب غير ملتصق،و بعيد غير منتقص،يوحد و لا يبعض،معروف بالآيات، موصوف بالعلامات لا إله إلى هو الكبير المتعال».

فبكى ابن الأزرق و قال:يا حسين ما أحسن كلامك. (2)

يقول ابن حجر في الإصابة:حفظ الحسين عليه السّلام عن جده رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و روى عنه و أخرج له أصحاب السنن،أبو داود و الترمذي و النسائي و روى ابن ماجة و أبو يعلي عنه.

روى الإمام الحسين عليه السّلام عن أبيه و أمه و روى عنه أخوه الحسن عليه السّلام و بنوه علي زين العابدين و فاطمة و سكينة و حفيده الباقر و الشعبي و عكرمة و شيبان الدؤلي و كرز التيمي و آخرون (3).

ص: 102


1- مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 130/7.
2- مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 130/7-131.
3- الإصابة لابن حجر 332/1.

من حكمه و مواعظه

قال عليه السلام عند مسيره إلى كربلاء:إن هذه الدنيا قد تغيّرت و تنكّرت،و أدبر معروفها،فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الأناء و خسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به؟و إلى الباطل لا يتناهى عنه،ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما،إن الناس عبيد الدنيا و الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه مادرت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون (1).

قال عليه السلام:إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار و إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد و إن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار و هي أفضل العبادة (2).

-قال لابنه علي بن الحسين عليه السّلام:أي بني إياك و ظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله جل و عز (3).

-قال عليه السّلام لرجل من الأنصار سأله حاجة:«...لا ترفع حاجتك إلا إلى احد ثلاث:

إلى ذي دين أو مرؤة أو حسب فأما ذو الدين فيصون دينه،و أما ذو المروة فإنه يستحيي لمرؤته،و أما ذو الحسب فيعلم انك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك (4).

و من كلامه المرتجل قوله في توديع أبي ذر،و قد أخرجه عثمان بن عفان من المدينة بعد أن أخرجه معاوية من الشام«يا عماه،إن الله قادر على أن يغيّر ما قد

ص: 103


1- تحف العقول،لابن شعبة الحراني:245.
2- تحف العقول 246.
3- المصدر السابق.
4- تحف العقول 247.

ترى،و الله كل يوم هو في شأن،و قد منعك القوم دنياهم و منعتهم دينك،و ما أغناك عما منعوك و أحوجهم إلى ما منعتهم،فأسأل الله الصبر و النصر و استعذ به من الجشع و الجزع،فإن الصبر من الدين و الكرم و أن الجشع لا يقدم رزقا و الجزع لا يؤخر أجلا» (1).5.

ص: 104


1- الإمام الحسين للبيومي 324/8-335.

عصمة الإمام الحسين عليه السلام

من آيات الله البينات الدالة على عصمة أهل البيت عليهم السّلام من الذنوب،و على طهارتهم من الزيغ و الآثام،آية التطهير قال تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1).

-أجمع الرواة أنها نزلت في رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و في أمير المؤمنين عليه السّلام و فاطمة و الحسن و الحسين عليه السّلام (2).

-و يمكن الإستدلال بها على عصمة أهل البيت بأنه تعالى حصر إرادة إذهاب الرجس-أي المعاصي-بكلمة إنما هي من أقوى أدوات الحصر و بدخول اللام في الكلام الخبري و بتكرار لفظ الطهارة،و ذلك يدل-بحسب الصناعة-على الحصر و الإختصاص و من المعلوم أن إرادة الله تعالى يستحيل فيها تخلّف المراد عن الإرادة إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ و بذلك يتم الإستدلال بها على عصمة أهل البيت من كل ذنب و معصية (3).

ص: 105


1- سورة الأحزاب 22.
2- الإستيعاب 204/3.
3- حياة الإمام الحسن للقرشي 70/1،دار البلاغة،بيروت-لبنان،ط 1،1413 ه-1993 م.

الإمام الحسين في خلافة أبيه عليهما السلام

حرص الإمام علي عليه السّلام تمام الحرص على غرس الفضائل السامية و الخصال الشريفة في نفوس أبنائه،و خاصة الحسن و الحسين فكان يقوم بتربيتهما على الفروسية و النجدة و الشهامة و الكرم و الجود و البلاغة و الحكمة و مكارم الأخلاق و من ثم كان يستعين بهما عند كل نازلة فعندما اضطر إلى الدخول في معركة الجمل،كان الحسن على ميمنته،و الحسين على ميسرته كما صاحب الحسن و الحسين عليه السّلام أباهما في صفين و قد أحاطا به يقيه كل منهما بنفسه،فيكره الإمام عليه السّلام علي ذلك و يأبى إلا أن يتقدم عليهما ليحول بينهما و بين أهل الشام،و ذلك لأن الإمام عليا عليه السّلام رغم حرصه الشديد على تنشئة أولاده على البطولة و الفداء كان دائما يدفع الخطر عن الحسن و الحسين مخافة أن يصيبهما شر فتنقطع ذرية رسول الله صلّى اللّه عليه و آله فكان يقول عليه السّلام«أملكوا عني هذين الغلامين-يعني الحسن و الحسين-لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله صلّى اللّه عليه و آله (1).

-حينما وقى علي عليه السّلام ولديه الحسن و الحسين بنفسه سئل محمد بن الحنفية:

لم يغرر بك أبوك في الحرب و لا يغرر بأخويك؟فأجاب:«إنهما عيناه،و أنا يمينه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه» (2).

الإمام الحسين عليه السّلام في خلافة أخيه الإمام الحسن عليه السّلام:

ص: 106


1- نهج البلاغة 323 تبويب صبحي الصالح،منشورات دار الهجرة،قم.
2- الإمام الحسين بن علي،دكتور محمد بيومي مهران 55.

-ولد الإمامان الحسن و الحسين في بيت النبوة،و عاشا معا منذ عهدهما بالحياة،يحظيان بحب جدهما المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و حنان أمهما فاطمة الزهراء عليه السّلام و رعاية أبيهما الإمام علي عليه السّلام و لما كان فارق السن بينهما قليلا لا يكاد يزيد عن العام فقد كانا متقاربين في أحوالهما يخرجان معا و يمكثان في البيت معا و يذهبان إلى مسجد جدهما معا و كانت حياتهما معا كلها تقوى و صلاح و عبودية لله سبحانه و تعالى و جهاد في سبيل الله إعلاء لكلمته (1).

-تجاوب الإمام الحسين عليه السّلام مع أخيه الإمام الحسن عليه السّلام في زمن خلافته في أمر الصلح مع معاوية بن أبي سفيان و لم يخالفه كما يزعم الآخرون في رواياتهم الموضوعة حول هذه المسالة.

بل كان موقفه كموقف أخيه الحسن عليه السّلام فكان يرى ضرورة عقد الصلح و كان يكبر أخاه و يجلّه و لا يخالف له أمرا،فقد روى حفيده الإمام الباقر عليه السّلام عن مدى إجلاله و تعظيمه له قال:«ما تكلم الإمام الحسين بين يدي الإمام الحسن إعظاما له» (2).2.

ص: 107


1- الإمام الحسين بن علي للبيومي 56/8.
2- حياة الإمام الحسن للقرشي 244/2،نقلا عن مناقب ابن شهر آشوب 143/2.

موقفه من الصلح مع معاوية

لما أبرم الصلح جاء عدي بن حاتم و معه عبيدة بن عمر إلى الإمام الحسين عليه السّلام فدعا الإمام إلى إثارة الحرب قائلا:

«يا أبا عبد الله شريتم الذل بالعز،و قبلتم القليل،و تركتم الكثير،أطعنا اليوم، و اعصنا الدهر،دع الحسن،و ما رأى في هذه الصلح و اجمع إليك شيعتك من أهل الكوفة و غيرها و ولّني و صاحبي هذه المقدمة،فلا يشعر ابن هند إلا و نحن نقارعه بالسيوف.

فقال الحسين عليه السّلام:«إنا قد بايعنا و عاهدنا و لا سبيل لنقض بيعتنا».

-عند وفاة الإمام الحسن عليه السّلام رفعت إلى الحسين طوائف من زعماء العراق عدة رسائل يطلبون منه إعلان الثورة على معاوية فامتنع عليهم و ذكر أن بينه و بين معاوية عهدا و عقدا لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة فان مات معاوية نظر في ذلك (1).

زعم بعض المؤرخين أن الإمام الحسين عليه السّلام كان كارها لما فعله أخوه و أنه قال له:

«أنشدك الله أن تصدق أحدوثة معاوية و تكذب أحدوثة أبيك»فأجابه الحسن عليه السّلام:«أنا أعلم بهذا الأمر منك» (2).

ص: 108


1- الإرشاد للمفيد 32/2.
2- أسد الغابة لابن الاثير 21/2.

و افتعل آخرون حكايات زائفة مفادها ان الحسين عند ما اعترض على صلح أخيه الحسن عليه السّلام مع معاوية قال له أخوه الحسن:«و الله ما أردت أمرا إلا خالفتني عليه».

و هذا يتنافي و سيرة أهل البيت و الطاعة المفروضة للمعصوم.

ص: 109

موقفه من بيعة يزيد بن معاوية

بعد وفاة معاوية تسلّم يزيد قيادة الدولة الإسلامية،و أصدر أوامره المشددة إلى عامله على يثرب الوليد بن عتبة بإرغام المعارضين له على البيعة و قد كتب إليه:

«إذا أتاك كتابي هذا،فأحضر الحسين بن علي،و عبد الله بن الزبير،فخذهما بالبيعة لي،فإن امتنعا فاضرب أعناقهما و ابعث لي برأسيهما،و خذ الناس بالبيعة، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم،و في الحسين بن علي و عبد الله بن الزبير و السلام» (1).

فزع الوليد مما عهد إليه يزيد من التنكيل بالمعارضين،فقد كان على يقين من أن أخذ البيعة من هؤلاء النفر ليس بالأمر السهل و إن هؤلاء النفر لم يستطع معاوية مع ما يتمتع به من قابليات و دهاء و مكر أن يخضعهم لبيعة يزيد،فكيف يصنع الوليد أمرا عجز عنه معاوية.

و حار الوليد في أمره،فرأى انه في حاجة إلى مشورة مروان عميد الأسرة الأموية،فبعث خلفه فأقبل مروان فنعى إليه معاوية،فجزع مروان و عرض عليه ما أمره يزيد من إرغام المعارضين على البيعة له و إذا أصرّوا على الإمتناع فيضرب أعناقهم،و طلب من مروان أن يمنحه النصيحة،و يخلص له في الرأي.

أشار مروان على الوليد فقال له:«إبعث إليهم في هذه الساعة فتدعوهم إلى البيعة و الدخول في طاعة يزيد فإن فعلوا قبلت ذلك منهم و إن أبوا قدّمهم و اضرب أعناقهم قبل أن يدروا بموت معاوية،فإنهم إن علموا ذلك،وثب كل رجل منهم

ص: 110


1- تاريخ اليعقوبي 241/2.

فأظهر الخلاف و دعا إلى نفسه،فعند ذلك أخاف أن يأتيك من قبلهم ما لا قبل لك به، إلا عبد الله بن عمر فانه لا ينازع في هذا الأمر أحدا...مع أني أعلم ان الحسين بن علي لا يجيبك إلى بيعة يزيد،و لا يرى له عليه طاعة،و والله لو كنت في موضعك لم أراجع الحسين بكلمة واحدة حتى أضرب رقبته كائنا في ذلك من كان» (1).

أرسل الوليد عبد الله بن عمرو بن عثمان و هو غلام حدث إلى الحسين و ابن الزبير يدعوهما،فوجدهما في المسجد و هما جالسان فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس فقال:أجيبا الأمير فقالا:

إنصرف،الآن نأتيه و قال ابن الزبير للحسين:ما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها؟فقال الحسين:أظن أن طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذ بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر،فقال ابن الزبير:و أنا ما اظن غيره فما تريد أن تصنع؟فأجابه الحسين:أجمع فتياني في الساعة ثم أمشي إليه و أجلسهم على الباب.قال فاني أخافه عليك إذا دخلت فقال الحسين عليه السّلام:لا آتيه إلا و أنا قادر على الإمتناع (2).

جمع الإمام الحسين عليه السّلام أهل بيته و أمرهم بلبس السلاح و الخروج معه،فخفّوا محدقين به فأمرهم بالجلوس على الدار و قال لهم:«إني داخل فإذا دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فادخلوا علي بأجمعكم و إلا فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم»،ثم دخل فسلّم و مروان عنده فقال الحسين لهما:«الصلة خير من القطيعة،و الصلح خير من الفساد و قد آن لكما أن تجتمعا،أصلح اللّه ذات بينكما»...و لم يجيباه بشىء فقد علاهما صمت رهيب و التفت الإمام الحسين عليه السّلام إلى الوليد فقال له:هل اتاك من معاوية خبر؟فإنه كان عليلا و قد طالت علته فكيف حاله الآن؟فأقرأه الوليد الكتاب5.

ص: 111


1- الفتوح،لابن الأعثم 9/5-10.
2- الكامل في التاريخ:14/4-15.

و نعى له معاوية و دعاه إلى البيعة،فاسترجع الحسين و قال:إن مثلي لا يبايع سرا، و لا يجتزئ بها مني سرا فإذا خرجت إلى الناس و دعوتهم إلى البيعة دعوتنا معهم كان الأمر واحدا،فقال له الوليد إنصرف،فقال له مروان:«لئن فارقك الساعة و لم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم و بينه أحبسه فإن بايع،و إلا ضربت عنقه.فوثب عند ذلك الحسين و قال:يابن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو؟كذبت و الله و لؤمت» (1).

أقبل الحسين عليه السّلام على الوليد بن عتبة و قال:أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة و مختلف الملائكة و محل الرحمة بنا فتح اللّه و بنا ختم،و يزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل النفس المحترمة،معلن بالفسق و مثلي لا يبايع مثله و لكن نصبح و تصبحون و ننظر و تنظرون أينا أحق بالخلافة و البيعة» (2).

لما خرج الإمام الحسين عليه السّلام من مجلسه قال مروان للوليد:عصيتني!لا و الله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا،فقال الوليد:ويحك أشرت علي بقتل الحسين بن علي بن فاطمة الزهراء،و الله ما أظن أحدا يلقى الله بقتل الحسين إلا و هو خفيف الميزان عند الله،و لا ينظر إليه و لا يزكّيه و له عذاب أليم.

و قال له مروان ساخرا:«إذا كان هذا رأيك فقد أصبت» (3).5.

ص: 112


1- الكامل في التاريخ 15/4.
2- الفتوح،لابن الأعثم 14/5.
3- الكامل في التاريخ 15/4-16،الفتوح،لابن الأعثم 14/5.

المسؤولية الدينية عند الإمام الحسين عليه السلام

اشارة

-خطب الإمام الحسين عليه السّلام أمام الحر و أصحابه قائلا:

«أيها الناس:إن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله قال:من رأى سلطانا جائرا،مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله،مخالفا لسنة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله،يعمل في عباد الله بالإثم و العدوان، فلم يغير عليه بقول و لا فعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله» (1).

طلب الإصلاح في الأمة

-يقول الإمام الحسين عليه السّلام لأخيه محمد بن الحنفية في وصية له:

«اني لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و لا ظالما،و انما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي،أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر،فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق و من رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني و بين القوم بالحق،و هو خير الحاكمين» (2).

ص: 113


1- الطبري 307/3،الكامل في التاريخ 48/4.
2- مقتل الحسين للخوارزمي 88/1.

إماتة الإمام عليه السلام للبدع

يقول الإمام الحسين عليه السّلام في رسالته التي بعثها لأهل البصرة:

«...فان السنّة قد أميتت و البدعة قد أحييت» (1).

الأمر بالمعروف:

قال الإمام الحسين عليه السّلام أمام أصحابه و أهل بيته يوم الطف:

«...ألا ترون أن الحق لا يعمل به،و أن الباطل لا يتناهى عنه،ليرغب المؤمن في لقاء الله حقا...» (2).

صيانة الخلافة الإسلامية من الطغيان

قال الإمام الحسين عليه السّلام للوالي الأموي الوليد بن عتبة والي المدينة مؤكدا رفضه لبيعة يزيد:«...و يزيد رجل فاسق،شارب للخمر،قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق،و مثلي لا يبايع مثله» (3).

*قال الإمام الحسين عليه السّلام في رسالته لأهل الكوفة محددا مواصفات الحاكم الذي تجب له البيعة و الطاعة:«فلعمري ما الإمام الا العامل بالكتاب و الآخذ بالقسط

ص: 114


1- الطبري 280/3.
2- تاريخ الطبري 307/3،دار الكتب العلمية،بيروت-لبنان،1417 ه-1997 م.
3- الفتوح،لابن الأعثم 14/5.

و الدائن بالحق،و الحابس نفسه على ذات الله» (1).

-أعلن الإمام الحسين ثورته على الدولة الأموية و قال:«على الإسلام السلام إذا ابتليت الأمة براع مثل يزيد و لقد سمعت جدي رسول الله صلّى اللّه عليه و آله يقول:الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان» (2).م.

ص: 115


1- تاريخ الطبري 278/3.
2- اللهوف لابن طاووس 10،المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف،1369 ه-1950 م.

حماية الإم عليه السلام للإسلام من الخطر

حاول يزيد تقويض الإسلام و محو سطوره و قلع جذوره و تكذيب رسالته و تحريف أحكامه فقد أفصح عن ذلك مترنما بابيات من الشعر:

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل (1)

خطب الحسين عليه السّلام الجيش الذي كان مع الحر قائلا:

«...ألا و ان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان،و تركوا طاعة الرحمن،و أظهروا الفساد،و عطّلوا الحدود،و استأثروا بالفىء،و أحلوا حرام الله،و حرّموا حلاله» (2).

ص: 116


1- مقتل الحسين للخوارزمي 59/2.
2- تاريخ الطبري 307/3،و الكامل في التاريخ 48/4.

الإضطهاد و القمع الأمويان

اسرف الأمويون إلى حد كبير في سفك دماء الشيعة و تفننوا في قتلهم و ظلمهم و نماذج ذلك:

-قتل بسر بن أرطاة-بعد التحكيم-ثلاثين ألفا عدا من أحرقهم بالنار (1).

-قتل سمرة بن جندب ثمانية آلاف من أهل البصرة (2).

-إرتكب زياد بن أبيه أبشع المجازر فقطع الأيدي و الأرجل و سمل العيون (3).

-إبادة الفئة المخلصة من الشيعة كحجر بن عدي و عمرو بن الحمق الخزاعي و رشيد الهجري و غيرهم.

-صلب قادة الثورات العلوية على جذوع النخل (4).

-دفن المعارضين لسلطانهم أحياء و هدم دورهم.

-عدم قبول شهادات العلويين و حرمانهم من العطاء (5).

-قال الإمام الحسين عليه السّلام في رسالته إلى معاوية مستنكرا قتل حجر:

«ألست القاتل حجرا أخا كنده و المصلّين العابدين،الذين كانوا ينكرون الظلم،

ص: 117


1- شرح النهج 6/2.
2- تاريخ الطبري 208/3.
3- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي 32/11،مؤسسة الاعلمي،بيروت-لبنان،ط 1، 1415 ه-1995 م.
4- راجع المصدر السابق.
5- راجع المصدر السابق.

و يستعظمون البدع و لا يخافون في الله لومة لائم،قتلتهم ظلما و عدوانا من بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة و المواثيق المؤكدة أن لا تأخذهم بحدث كان بينك و بينهم و لا بإحنة(الأحقاد و الكراهية)تجدها في نفسك عليهم» (1).0.

ص: 118


1- صلح الحسن عليه السّلام للشيخ راضي آل ياسين 338،نقلا عن بحار الأنوار 149/10.

دعوة الناس إليه و مبايعته

لقد بايع أهل الكوفة الإمام الحسين عليه السّلام على الجهاد حيث أخذت رسلهم تترا على الإمام عليه السّلام و معهم من الكتب ما ملأ منه خرجين يدعونه«أن أقدم لعل الله يجمعنا بك على الهدى» (1).

فبعث سفيره إليهم مسلم بن عقيل لكي يتأكد من صحة دعواهم ثم جد المسير نحو العراق لإعلان الثورة هناك.

العزة و الكرامة

رسخ الإمام الحسين عليه السّلام بثورته معاني العزة و الكرامة و قد أعلن عليه السّلام ذلك يوم الطف بقوله:

«ألا و إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة،و هيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك و رسوله،و نفوس أبيه و أنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام» (2).

خاطب الحسين عليه السّلام أهل بيته في يوم الطف قائلا:

ص: 119


1- الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين 119،مطبعة العراق،صيدا،لبنان،ط 2،1357 ه- 1938 م.
2- اللهوف،لابن طاووس 42.

«صبرا يا بني عمومتي،و صبرا يأهل بيتي،فو الله لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا» (1).قال الحسين عليه السّلام مخاطبا أهل بيته و أصحابه:

«...فاني لا أرى الموت إلا سعادة و لا الحياة مع الظالمين إلا برما» (2).

التضحية المثلى من أجل المبدأ:

لما عزم الإمام الحسين عليه السّلام على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال:

«....خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف و خير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلاء...من كان فينا باذلا مهجته و موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنني راحل مصبّحا إن شاء الله تعالى» (3).

قال الإمام الحسين عليه السّلام لأخيه محمد بن الحنفية:«أتاني رسول الله صلّى اللّه عليه و آله بعد ما فارقتك فقال:يا حسين أخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا فقال له ابن الحنفية إنا لله و إنا إليه راجعون فما معنى حملك هؤلاء النساء معك و أنت تخرج على مثل هذه الحال؟فقال له:قال لي صلّى اللّه عليه و آله إن اللّه قد شاء أن يراهن سبايا...» (4).8.

ص: 120


1- الفتوح،لابن الأعثم 128/5.
2- اللهوف في قتلى الطفوف،لابن طاووس 34.
3- اللهوف،لابن طاووس 26.
4- المصدر السابق 28.

إحياء الضمائر و استعادة الإرادة

أحيا الإمام الحسين عليه السّلام بنهضته الخالدة ضمائر الأمة الميتة و استعاد إرادتها المسلوبة،و يرى المفكر الإسلامي الشهيد السيد محمد باقر الصدر(قده):«أن الأمة كانت مصابة بمرض الشك في زمن معاوية بن أبي سفيان و قد عالجه الإمام الحسن عليه السّلام بالصلح مع معاوية،أما في زمن يزيد فإن الأمة برئت من ذلك المرض، و كانت تعرف الحق و أهله و تعرف الباطل و أهله و لكنها أصيبت بمرض آخر هو مرض«فقدان الارادة»أو«فقدان الضمير»و هذا المرض لم يكن له من علاج لكي تبرأ الأمة منه سوى أن يقدم الإمام الحسين عليه السّلام على التضحية بنفسه و أهل بيته و أصحابه لكي يهز بها الضمائر الميتة و يبعث الشجاعة و الإرادة فيها» (1).

ص: 121


1- الإمامة و قيادة المجتمع للحائري 179،مكتب السيد كاظم الحائري،قم-ايران،ط 1،1416 ه -1995 م.

لمحات من مثل الإمام الحسين عليه السلام

اشارة

قال السيد محمد باقر القرشي:تجسدت في شخصية أبي الأحرار جميع القيم الإنسانية،و المثل العليا و التقت به عناصر النبوة و الإمامة،فكان بحكم مثله و تهذيبه فذا من أفذاذ التكامل الإنساني،و مثلا رائعا من أمثلة الرسالة الإسلامية، فهو-بحق-الأطروحة الخالدة للإسلام بجميع طاقاته و مقوماته.

إن أية صفة من صفات أبي الشهداء أو نزعة من نزعاته الكريمة لترفعه عاليا على جميع عظماء العالم،و تدفع إلى القول-بلا مغالاة-أنه نسخة لا ثاني لها في تاريخ البشرية على الإطلاق ما عدا جده و أبيه،و نعرض-بإيجاز-إلى بعض خصائصه و ذاتياته.

إمامته

الإمام الحسين أحد الكواكب المشرقة من أئمة أهل البيت عليهم السّلام الذين استكملت فيهم الصفات الإنسانية،و بلغوا ذروة الكمال المطلق،و أقاموا منار هذا الدين، و رفعوا شعار الحق و العدل في الأرض،و تبنّوا القضايا المصيرية للإسلام،و عانوا في سبيله جميع ألوان الكوارث و الخطوب،و لاقوا كل جهد و ضيق من جبابرة عصورهم الذين اتخذوا مال الله دولا و عباد الله خولا.

و قد نظر النبي صلّى اللّه عليه و آله-و هو يوحى إليه-من خلال الأحقاب المترامية إلى الأئمة الطاهرين من أهل بيته فعرّفه بأسمائهم و صفاتهم،و دلل بنصوصه العامة

ص: 122

و الخاصة على أنهم خلفاؤه و أوصياؤه،و أنهم سفن النجاة و أمن العباد و قرنهم بكتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه،و قد ألمحنا إلى الكثير من تلكم النصوص في البحوث السابقة فلم تعد هنا ضرورة لذكرها،كما أنا بحثنا بصورة موضوعية و شاملة عن الإمامة و ضرورتها،و واجبات الإمام و صفاته في كتابنا(حياة الإمام الحسن)فلا حاجة لإعادة البحث هنا (1).

مواهبه العلمية

و لم يدان الإمام الحسين عليه السّلام أحد في فضله و علمه فقد فاق غيره بملكاته و مواهبه العلمية،و قد انتهل و هو في سنه المبكر من نمير علوم جده التي أضاءت آفاق هذا الكون،كما تتلمذ على يد أبيه الإمام أمير المؤمنين باب مدينة علم النبي صلّى اللّه عليه و آله و أعلم الأمة،و أفقهها بشؤون الدين،و ورد في الحديث«كان الحسن و الحسين يغران العلم غرا»و قال حبر الأمة عبد الله بن عباس:«الحسين من بيت النبوة و هم ورثة العلم».

و قال بعض من ترجمه:«كان الحسين أفضل أهل زمانه في العلم و المعرفة بالكتاب و السنة»و نعرض-بإيجاز-لبعض شؤونه العلمية (2).

ص: 123


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:79/1.
2- حياة الإمام الحسين للقرشي:110/1.

الرجوع إلى الإمام عليه السلام في الفتيا

كان الإمام الحسين عليه السّلام من مراجع الفتيا في العالم الإسلامي،و قد رجع إليه أكابر الصحابة في مسائل الدين،و كان ممن سأله عبد الله بن الزبير فقد استفتاه قائلا:

«يا أبا عبد الله ما تقول في فكاك الأسير على من هو؟».

فأجابه عليه السّلام:«على القوم الذين أعانهم أو قاتل معهم..».

و سأله ثانيا:«يا أبا عبد الله متى يجب عطاء الصبي؟».

فأجابه عليه السّلام:«إذا استهل وجب له عطاؤه و رزقه».

و سأله ثالثا عن الشرب قائما؟فدعا عليه السّلام بلقحة-أي ناقة-له فحلبت فشرب قائما،و ناوله قال ابن القيم الجوزي:«إن الباقي من الصحابة من رجال الفتيا هم أبو الدرداء و أبو عبيدة الجراح،و الحسن و الحسين»لقد كان المسلمون يرجعون إليه في مسائل الحلال و الحرام و يأخذون منه أحكام الإسلام و آداب الشريعة كما كانوا يرجعون إلى أبيه (1).

ص: 124


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:111/1.

مجلس الإمام عليه السلام

كان مجلسه مجلس علم و وقار قد ازدان بأهل العلم من الصحابة،و هم يأخذون عنه ما يلقيه عليهم من الأدب و الحكمة،و يسجّلون ما يروون عنه من أحاديث جده صلّى اللّه عليه و آله و يقول المؤرخون:إن الناس كانوا يجتمعون إليه و يحتفون به،و كأن على رؤوسهم الطير يسمعون منه العلم الواسع و الحديث الصادق و كان مجلسه في جامع جده رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و له حلقة خاصة به،و سأل رجل من قريش معاوية أين يجد الحسين؟

فقال له:«إذا دخلت مسجد رسول الله صلّى اللّه عليه و آله فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رؤوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد الله».

و يقول العلايلي:

«كان مجلسه مهوى الأفئدة،و متراوح الأملاك يشعر الجالس بين يديه أنه ليس في حضرة إنسان من عمل الدنيا،و صنيعة الدنيا،تمتد أسبابها برهبته و جلاله و روعته،بل في حضرة طفاح بالسكينة كأن الملائكة تروح فيها،و تغدو...».

لقد جذبت شخصية الإمام،و سمو مكانته الروحية قلوب المسلمين و مشاعرهم فراحوا يتهافتون على مجلسه،و يستمعون لأحاديثه،و هم في منتهى الإجلال، و الخضوع.

ص: 125

من روى عن الإمام عليه السلام

كان الإمام عليه السّلام من أعلام النهضة الفكرية و العلمية في عصره،و قد ساهم مساهمة إيجابية في نشر العلوم الإسلامية،و إشاعة المعارف و الآداب بين الناس، و قد انتهل من نمير علومه حشد كبير من الصحابة و أبنائهم و هم:ولده الإمام زين العابدين،و بنته فاطمة و سكينة و حفيده الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلام و الشعبي، و عكرمة،و كرز التميمي،و سنان ابن أبي سنان الدوئلي،و عبد الله بن عمر،و ابن عثمان و الفرزدق و ابن أخيه زيد بن الحسن و طلحة العقيلي و عبيد بن حنين و أبو هريرة،و عبيد الله بن أبي يزيد،و المطلب بن عبيد الله بن حنطب،و أبو حازم الأشجعي،و شعيب بن خالد،و يوسف الصباغ،و أبو هشام و غيرهم و قد ألّف أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني كتابا في أسماء من روى عن الحسن و الحسين.

لقد اتخذ الإمام الجامع النبوي مدرسة له فكان به يلقي محاضراته في علم الفقه و التفسير،و رواية الحديث،و قواعد الأخلاق و آداب السلوك و كان المسلمون يفدون عليه من كل فج للإنتهال من نمير علومه المستمد من علوم النبي صلّى اللّه عليه و آله و معارفه (1).

ص: 126


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:112/1.

روايات الإمام عليه السلام عن جده

و روى الإمام الحسين عليه السّلام مجموعة كبيرة من الأحاديث عن جده الرسول صلّى اللّه عليه و آله و قد ذكر الزهري في كتاب(المغازي)أن البخاري روى عن الحسين أحاديث كثيرة، و فيها باب تحريض النبي صلّى اللّه عليه و آله على قيام الليل،كما روى عنه الترمذي في كتاب (الشمائل النبوية)أحاديث كثيرة،و قد نقلها عنه سفيان بن وكيع و نلمح إلى بعض رواياته عن جده:

1-قال عليه السّلام:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه».

2-قال عليه السّلام:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».

3-قال عليه السّلام:سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه و آله يقول:«ما من مسلم و لا مسلمة يصاب بمصيبة(أو قال تصيبه مصيبة)و إن قدم عهدها فيحدث لها استرجاعا إلا أحدث الله عنه ذلك،و أعطاه ثواب ما وعده عليها يوم أصيب بها».

4-قال عليه السّلام:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول:«إن الله يحب معالي الأمور و يكره سفاسفها».

5-قال عليه السّلام:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول:«من يطع الله يرفعه،و من يعص الله يضعه و من يخلص نيته لله يزينه،و من يثق بما عند الله يغنيه،و من يتعزز على الله يذله».

6-قال عليه السّلام:كان رسول الله صلّى اللّه عليه و آله إذا استقى قال:«اللّهم اسقنا سقيا واسعة وادعة عامة نافعة غير ضارة تعم بها حاضرنا و بادينا،و تزيد بها في رزقنا، و شكرنا،اللّهم اجعله رزق إيمان و عطاء إيمان،إن عطاءك لم يكن محظورا،اللّهم

ص: 127

أنزل علينا في أرضنا سكنها و أنبت فيها زينتها و مرعاها».

7-قال عليه السّلام:حدثني أبي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«المغبون لا محمود و لا مأجور».

8-روى عليه السّلام عن أبيه قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«رأس العقل بعد الإيمان بالله عز و جل التحبب إلى الناس».

9-روى عن أبيه قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع،عن عمره فيما أفناه،و عن شبابه فيما أبلاه،و عن ماله من أين اكتسبه و فيما أنفقه،و عن حبنا أهل البيت» (1).1.

ص: 128


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:113/1.

مسند الإمام الحسين عليه السلام

ألف هذا المسند أبو بشير محمد بن أحمد الدولابي المتوفى سنة(320 ه)و قد أدرجه في غضون كتابه(الذرية الطاهرة)،و هذه بعض بنوده:

1-روى علي بن الحسين عن أبيه أن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله قال:«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه..».

2-قال الحسين عليه السّلام:وجدت في قائم سيف رسول الله صلّى اللّه عليه و آله صحيفة مربوطة و هي:«أشد الناس على الله عذابا القاتل غير قاتله،و الضارب غير ضاربه.و من جحد نعمة مواليه فقد برىء مما أنزل الله تعالى.

3-روى الحسين عليه السّلام قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي».

4-روى الحسين عن أبيه عن جده قال صلّى اللّه عليه و آله:«يكون بعدي ثلاث فرق،مرجئة، و حرورية،و قدرية،فإن مرضوا فلا تعودوهم،و إن ماتوا فلا تشهدوهم،و إن دعوا فلا تجيبوهم».

5-روى عليه السّلام عن جده صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«ما من عبد أو أمة يضن بنفقة ينفقها فيما يرضي الله إلا أنفق أضعافها في سخط الله،و ما من عبد يدع معونة أخيه المسلم، و السعي في حاجته،قضيت تلك الحاجة،أو لم تقض إلا ابتلي بمعونة من يأثم فيه، و لا يؤجر عليه،و ما من عبد و لا أمة يدع الحج و هو يجد السبيل إليه لحاجة من حوائج الدنيا إلا نظر إلى المحلقين قبل أن يقضي الله تلك الحاجة.

6-روى يحيى بن سعيد قال:كنت عند علي بن الحسين فجاءه نفر من الكوفيين

ص: 129

فقال علي بن الحسين:يا أهل العراق،أحبونا حب الإسلام فإني سمعت أبي يقول:

قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:

«يا أيها الناس،لا ترفعوني فوق حقي فإن الله تعالى قد اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا».

7-روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها و عبد الله بن عباس أن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله كان يقول:

«لا تديموا النظر إلى المجذومين،من كلّمهم منكم فليكن بينه و بينكم قيد رمح..».

8-روت فاطمة بنت الحسين عليه السّلام عن أبيها قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«إن الله يحب معالي الأخلاق و أشرافها،و يكره سفاسفها..».

9-روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها أن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تديموا النظر إلى المجذومين».

10-روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال:كان رأس رسول الله صلّى اللّه عليه و آله في حجر علي،و كان يوحى إليه،فلما سرى عنه-أي الوحي-قال:يا علي صليت العصر؟

قال:لا،قال:اللّهم إنك تعلم أنه كان في حاجتك و حاجة رسولك فردها عليه فردها عليه،فصلى و غابت الشمس.

11-روت فاطمة عن أبيها أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«للسائل حق و إن جاء على فرس».

12-روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«من أصيب بمصيبة فذكرها و إن تقادم عهدها فأحدث لها استرجاعا أحدث الله له ثواب ما وعده حين أصيب بها..».

13-روت فاطمة بنت الحسين عليه السّلام عن أبيها،قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«لما أخذ الله ميثاق العباد جعل في(الحجر)فمن الوفاء بالبيعة استلام الحجر».

14-روى عبد الله بن سليمان بن نافع مولى بني هاشم،عن الحسين بن علي

ص: 130

قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«يا بني هاشم أطيبوا الكلام،و أطعموا الطعام».

15-روى أبو سعيد الميثمي قال:سمعت الحسين بن علي يقول:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«من لبس ثوب شهرة كساه الله ثوب نار».

هذه بعض بنود مسند الإمام الحسين عليه السّلام و هي حافلة بآداب السلوك و تهذيب الأخلاق التي لا غنى للناس عنها.

ص: 131

روايات الإمام الحسين عليه السلام عن أمه فاطمة عليها السّلام

و روى عليه السّلام عن أمه سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليه السّلام من الأحاديث ما يلي:

1-روى محمد بن علي بن الحسين قال:خرجت أمشي مع جدي الحسين بن علي إلى أرضه فأدركنا النعمان بن بشير على بغلة له فنزل عنها و قال للحسين:

إركب أبا عبد الله،فأبى فلم يزل يقسم عليه،حتى قال:أما إنك قد كلّفتني ما أكره، و لكن أحدّثك حديثا حدّثتنيه أمي فاطمة أن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله قال:«الرجل أحق بصدر دابته و فراشه،و الصلاة في بيته إلا إماما لجمع من الناس،فاركب أنت على صدر الدابة، و سارت تدف،فقال النعمان:صدقت فاطمة..».

2-روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها عن فاطمة بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و آله قالت قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«لا يلومن إلا نفسه من بات و في يده غمر..» (1).

ص: 132


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:114/1.

رواياته الإمام عليه السلام عن أبيه

و روى الإمام الحسين عن أبيه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام الشىء الكثير سواء أكان مما يتعلق بالسيرة النبوية أم في الأحكام الشرعية و هذه بعضها:

1-روى عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام أن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله بعث سرية فأسروا رجلا من بني سليم يقال له الأصيد بن سلمة فلما رآه رسول الله صلّى اللّه عليه و آله رق لحاله،و عرض عليه الإسلام فأسلم فبلغ ذلك أباه و كان شيخا فكتب إليه رسالة فيها هذه الأبيات:

من راكب نحو المدينة سالما حتى يبلغ ما أقول الأصيدا

إن البنين شرارهم أمثالهم من عق والده و برّ الأبعدا

أ تركت دين أبيك و الشم العلى أ ودوا و تابعت الغداة محمدا

و عرض الأصيد رسالة أبيه على النبي صلّى اللّه عليه و آله و استأذنه في جوابه فأذن له فكتب إليه:

إن الذي سمك السماء بقدرة حتى علا في ملكه فتوحدا

بعث الذي لا مثله فيما مضى يدعو لرحمته النبي محمدا

فدعا العباد لدينه فتتابعوا طوعا و كرها مقبلين على الهدى

و تخوفوا النار التي من أجلها كان الشقي الخاسر المتلددا

و اعلم بأنك ميت و محاسب فإلى من هذي الضلالة و الردى

و لما قرأ سلمة رسالة ابنه وفد على النبي صلّى اللّه عليه و آله و أسلم.

2-قال عليه السّلام سألت أبي عن سيرة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله في جلسائه فقال:كان رسول الله دائم البشر،سهل الخلق،لين الجانب،ليس بفظ،و لا غليظ،و لا صخاب و لا

ص: 133

فحاش و لا عياب و لا مشاح،يتغافل عما لا يشتهي و لا يؤيس منه،و لا يخيب فيه،قد ترك نفسه من ثلاث:المراء،و الإكبار و ما لا يعنيه،و ترك الناس من ثلاث:كان لا يذم أحدا و لا يعيبه،و لا يطلب عورته،و لا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه،و إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير،فإذا سكت تكلموا،لا يتنازعون عنده الحديث و من تكلم عنده أنصتوا إليه،حتى يفرغ حديثهم عنده حديث أولهم،يضحك مما يضحكون منه،و يتعجب مما يتعجبون،و يصبر للغريب على الجفوة في منطقه و مسألته حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم،و يقول:إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه،و لا يقبل الثناء إلا من مكافى،و لا يقطع على أحد حديثه حتى يجور فيقطعه بنهي أو قيام...».

و قد امتاز النبي صلّى اللّه عليه و آله على عامة النبيين بهذه الأخلاق العالية التي ألّفت ما بين قلوب المسلمين،و وحّدت ما بين مشاعرهم و عواطفهم،و جعلتهم في عصورهم الأولى سادة الأمم و الأدلاء على مرضاة الله و طاعته.

3-روى عليه السّلام عن أبيه قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«من قتل دون ماله فهو شهيد».

4-روى عليه السّلام عن أبيه قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء،كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار».

5-قال عليه السّلام:سمعت أبي يقول:«الإيمان معرفة بالقلب و إقرار باللسان و عمل بالأركان...».

6-روى عليه السّلام عن أبيه أنه قال:«لتأمرن بالمعروف و لتنهنّ عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم،ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم...».

7-روى عن أبيه أنه قال:«إن الله تبارك و تعالى أخفى أربعة في أربعة:أخفى رضاه في طاعته،فلا تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق رضاه و أنت لا تعلم، و أخفى سخطه فلا تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق سخطه معصيته و أنت لا تعلم،و أخفى إجابته في دعوته فلا تستصغرن شيئا من دعائه فربما وافق إجابته

ص: 134

و أنت لا تعلم،و أخفى وليه في عباده فلا تستصغرن عبدا من عبيد الله فربما يكون وليه و أنت لا تعلم».

8-روى عليه السّلام عن أبيه أنه قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«خير دور الأنصار بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل،ثم بنو الحارث،ثم بنو ساعدة،و في كل دور الأنصار خير..».

9-روى عليه السّلام عن أبيه أنه قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«خير الدعاء الإستغفار،و خير العبادة قول لا إله إلا الله».

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض رواياته عن جده و أبويه (1).1.

ص: 135


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:116/1.

من تراثه الرائع

اشارة

للإمام عليه السّلام تراث رائع خاض في جملة منه مجموعة من البحوث الفلسفية و المسائل الكلامية التي منيت بالغموض و التعقيد،فأوضحها و بيّن وجهة الإسلام فيها،كما خاض في كثير من كلماته أصول الأخلاق و قواعد الآداب،و أسس الإصلاح الاجتماعي و الفردي،و نعرض فيما يلي لبعض ما أثر عنه:

القدر

من أهم المسائل الكلامية و أعمقها مسألة القدر فقد أثير حولها الكلام منذ فجر التاريخ الإسلامي،و قد تصدى أئمة أهل البيت عليهم السّلام لبيانها و دفع الشبهات عنها، و قد سأل الحسن بن الحسن البصري الإمام الحسين عنها،فأجابه عليه السّلام برسالة هذا نصها:

«اتبع ما شرحت لك في القدر مما أفضي إلينا أهل البيت،فإنه من لم يؤمن بالقدر خيره و شره كفر،و من حمل المعاصي على الله تعالى فقد افترى على الله افتراء عظيما،و إن الله لا يطاع بإكراه،و لا يعصى بغلبة،و لا يهمل العباد في الهلكة،لكنه المالك لما ملكهم،و القادر لما عليه أقدرهم،فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن الله صادرا عنها مبطئا،و إن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يمن عليهم فيحول بينهم و بين ما ائتمروا به فعل فليس هو حملهم عليها قسرا،و لا كلّفهم جبرا،بل بتمكينه إياهم بعد إعذاره و إنذاره لهم و احتجاجه عليهم طوّقهم و مكّنهم و جعل لهم السبيل إلى ما أخذ

ص: 136

ما إليه دعاهم،و ترك ما عنه نهاهم عنه،جعلهم مستطيعين لأخذ ما أمرهم به من شي غير آخذ به،و لترك ما نهاهم عنه من شي غير تاركيه،و الحمد لله الذي جعل ل عباده أقوياء لما أمرهم به ينالون بتلك القوة،و ما نهاهم عنه،و جعل العذر لمن لم يجعل له السبيل حمدا متقبلا،فأنا على ذلك أذهب،و به أقول أنا و أصحابي أيضا عليه و له الحمد..».

و قد عرض هذا الكلام الشريف إلى بحوث كلامية مهمة.و التعرض لها يستدعي الإطالة و الخروج عن الموضوع.

الصمد

كتب إليه جماعة يسألونه عن معنى الصمد في قوله تعالى: اَللّهُ الصَّمَدُ فكتب عليه السّلام لهم بعد البسملة:

«أما بعد:فلا تخوضوا في القرآن،و لا تجادلوا فيه،و لا تتكلموا فيه بغير علم،فقد سمعت جدي رسول الله صلّى اللّه عليه و آله يقول:من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار،و إن الله سبحانه قد فسّر الصمد فقال اَللّهُ أَحَدٌ اَللّهُ الصَّمَدُ ثم فسّره فقال:

لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ لَمْ يَلِدْ لم يخرج منه شيء كثيف كالولد و سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين،و لا شيء لطيف كالنفس،و لا يتشعب منه البدوات كالسنة و النوم،و الخطرة و الهم و الحزن و البهجة و الضحك و البكاء و الخوف و الرجاء،و الرغبة و السآمة و الجوع و الشبع،تعالى عن أن يخرج منه شيء،و أن يتولد منه شي كثيف أو لطيف وَ لَمْ يُولَدْ لم يتولد منه شيء،و لم يخرج منه شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها و الدابة من الدابة،و النبات من الأرض،و الماء من الينابيع و الثمار من الأشجار،و لا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين و السمع من الأذن،و الشم من الأنف،و الذوق من

ص: 137

الفم،و الكلام من اللسان،و المعرفة و التمييز من القلب،و كالنار من الحجر،لا بل هو الله الصمد الذي لا شيء و لا في شيء،و لا على شىء،مبدع الأشياء و خالقها، و منشىء الأشياء بقدرته،يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته،و يبقى ما خلق للبناء بعلمه،فذلكم الله الصمد الذي لم يلد و لم يولد،عالم الغيب و الشهادة الكبير المتعال، و لم يكن له كفوا أحد...».

التوحيد

و عرض الإمام الحسين عليه السّلام في كثير من كلامه إلى توحيد الله فبين حقيقته و جوهره،و فند شبه الملحدين و أوهامهم،و نعرض فيما يلي لبعض ما أثر عنه:

قال عليه السّلام:«أيها الناس اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبّهون الله بأنفسهم يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب،بل هو الله ليس كمثله شيء و هو السميع البصير، لا تدركه الأبصار،و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير،استخلص الوحدانية و الجبروت،و أمضى المشيئة و الإرادة و القدرة و العلم بما هو كائن،لا منازع له في شىء من أمره،و لا كفو له يعادله،و لا ضدّ له ينازعه و لا سمي له يشابهه،و لا مثل له يشاركه،و لا تتداوله الأمور و لا تجري عليه الأحوال،و لا تنزل عليه الأحداث،و لا يقدر الواصفون كنه عظمته،و لا يخطر على القلوب مبلغ جبروته،لأنه ليس له في الأشياء عديل،و لا تدركه العلماء بألبابها،و لا أهل التفكير بتفكيرهم إلا بالتحقيق، إيقانا بالغيب لأنه لا يوصف بشي من صفات المخلوقين،و هو الواحد الصمد،ما تصوّر في الأوهام فهو خلافه،ليس برب من طرح تحت البلاغ،و معبود من وجد في هواء أو غير هواء،هو في الأشياء كائن،لا كينونة محظور بها عليه،و من الأشياء بائن لا بينونة غائب عنها،ليس بقادر من قارنه ضد أو ساواه ند،ليس عن الدهر قدمه،و لا بالناحية أممه،احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار،و عمن في

ص: 138

السماء احتجابه كمن في الأرض،قربه كرامته،و بعده إهانته،لا يحله في،و لا توقته إذ،و لا تؤامره إن،علو من غير توقل،و مجيئه من غير تنقل،يوجد المفقود،و يفقد الموجود و لا تجتمع لغيره الصفتان في وقت،يصيب الفكر منه الإيمان به موجودا و وجود الإيمان لا وجود صفة،به توصف الصفات لا بها يوصف،و به تعرف المعارف لا بها يعرف،فذلك الله لا سمي له،سبحانه ليس كمثله شىء،و هو السميع البصير..».

و حذّر الإمام عليه السّلام من تشبيه الخالق العظيم بعباده أو بسائر الممكنات التي يلاحقها العدم،و يطاردها الفناء.

إن الإنسان مهما أوتي من طاقات فهي محدودة كما و كيفا،و يستحيل أن يصل إلى إدراك حقيقة المبدع العظيم الذي خلق هذه الأكوان و خلق هذه المجرات التي تذهل العقول تصورها،و ما بنيت عليه من الأنظمة الدقيقة المذهلة..إن الإنسان قد عجز عن معرفة نفسه التي انطوت على هذه الأجهزة العميقة كجهاز البصر و السمع و الإحساس و غيرها فكيف يصل إلى إدراك خالقه؟!

و على أية حال فقد أوضحت هذه اللوحة الرائعة كثيرا من شؤون التوحيد، و دللت على كيفيته،و هي من أثمن ما أثر من أئمة أهل البيت عليهم السّلام في هذا المجال.

2-يقول المؤرخون أن حبر الأمة عبد الله بن عباس كان يحدث الناس في مسجد رسول الله صلّى اللّه عليه و آله فقام إليه نافع الأزرق فقال له:تفتي الناس في النملة و القملة صف لي إلهك الذي تعبد،فأطرق إعظاما لقوله،و كان الإمام الحسين عليه السّلام جالسا فانبرى قائلا:

-إلي يابن الأزرق؟

-لست إياك.

فثار ابن عباس،و قال له:

«إنه من بيت النبوة،و هم ورثة العلم..».

ص: 139

فأقبل نافع نحو الحسين فقال عليه السّلام له:

«يا نافع من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس سائلا ناكبا عن المنهاج،ظاعنا بالإعوجاج،ضالا عن السبيل،قائلا غير الجميل أصف لك إلهي،بما وصف به نفسه،و أعرفه بما عرّف به نفسه لا يدرك بالحواس و لا يقاس بالناس قريب غير ملتصق بعيد غير منتقص يوحد و لا يبعّض معروف بالآيات موصوف بالعلامات لا إله إلا هو الكبير المتعال..».

فحار الأزرق،و لم يطق جوابا،فقد ملكت الحيرة أهابه،و سد عليه الإمام كل نافذة ينفذ منها،و بهر جميع من سمعوا مقالة الإمام،و راحوا يرددون كلام ابن عباس إن الحسين من بيت النبوة و هم ورثة العلم (1).1.

ص: 140


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:11/1.

الأمر بالمعروف

وجه الإمام عليه السّلام هذه الكلمة النيرة إلى الأنصار و المهاجرين،و نعى عليهم تسامحهم عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر اللذين بني عليهما المجتمع الإسلامي،كما عرض إلى المظالم الاجتماعية التي منيت بها الأمة،و التي كانت ناجمة عن تقصيرها في إقامة هذا الواجب الخطير،و هذا نصها:

«اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول:

لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (1)

و قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ (2)و إنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر و الفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم،و رهبة مما يحذرون،و الله يقول: إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (3)

و قال: وَ حَسِبُوا أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَ صَمُّوا ثُمَّ تابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَ صَمُّوا

ص: 141


1- المائدة:63.
2- المائدة:78.
3- المائدة:44.

كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (1)

فبدأ الله بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أديت و أقيمت استقامت الفرائض كلها هينها و صعبها،و ذلك أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع رد المظالم و مخالفة الظالم و قسمة الفىء و الغنائم و أخذ الصدقات من مواضعها و وضعها في حقها...ثم أنتم أيتها العصابة عصابة بالعلم مشهورة و بالخير مذكورة و بالنصيحة معروفة و بالله في أنفس الناس مهابة.يهابكم الشريف،و يكرمكم الضعيف،و يؤثركم من لا فضل لكم عليه،و لا يد لكم عنده،تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلابها،و تمشون في الطريق بهيبة الملوك و كرامة الأكابر،أليس كل ذلك إنما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق الله،و إن كنتم عن أكثر حقه تقصّرون،فاستخففتم بحق الأئمة،فأما حق الضعفاء فضيّعتم،و أما حقكم بزعمكم فطلبتم،فلا مالا بذلتموه و لا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها،و لا عشيرة عاديتموها في ذات الله،أنتم تتمنون على الله جنته،و مجاورة رسله،و أمانا من عذابه،لقد خشيت عليكم أيها المتمنون على الله أن تحل بكم نقمة من نقماته لأنكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضلتم بها،و من يعرف بالله لا تكرمون،و أنتم بالله في عباده تكرمون و قد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون، و أنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون،و ذمة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله محقورة،و العمى و البكم و الزمن في المدائن مهملة لا ترحمون،و لا في منزلتكم تعملون،و لا من عمل فيها تعينون،و بالأدهان و المصانعة عند الظلمة تأمنون كل ذلك مما أمركم الله به من النهي و التناهي و أنتم عنه غافلون،و أنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسمعون ذلك بأن مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله و حرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة و ما سلبتم1.

ص: 142


1- المائدة:71.

ذلك إلا بتفرقكم عن الحق و اختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة و لو صبرتم على الأذى،و تحملتم المؤونة في ذات الله،كانت أمور الله عليكم ترد،و عنكم تصدر،و إليكم ترجع،و لكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم،و استسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات و يسيرون في الشهوات،سلّطهم على ذلك فراركم من الموت و إعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم،فأسلمتم الضعفاء في أيديهم فمن بين مستعبد مقهور،و بين مستضعف على معيشته،مغلوب يتقلبون في الملك بآرائهم، و يستشعرون الخزي بأهوائهم اقتداءا بالأشرار،و جرأة على الجبار،في كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع،فالأرض لهم شاغرة و أيديهم فيها مبسوطة، و الناس لهم خول،لا يدفعون يد لامس،فمن بين جبار عنيد،و ذي سطوة على الضعفة شديد،مطاع لا يعرف المبدىء و المعيد،فيا عجبا!و مالي لا أعجب و الأرض من غاش غشوم،و متصدّق ظلوم،و عامل على المؤمنين بهم غير رحيم،فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا،القاضي بحكمه فيما شجر بيننا..».

و حفلت هذه الوثيقة السياسية بذكر الأسباب التي أدت إلى تردي الأخلاق و شيوع المنكر في البلاد الناجمة من عدم قيام المهاجرين و الأنصار بمسؤولياتهم و واجباتهم الدينية و الإجتماعية،فقد كانت لهم المكانة المرموقة في المجتمع الإسلامي لأنهم صحابة النبي صلّى اللّه عليه و آله و حضنة الإسلام و يمكنهم أن يقولوا كلمة الحق،و يناهضوا الباطل إلا أنهم تقاعسوا عن واجباتهم مما أدى إلى أن تتحكم في رقاب المسلمين الطغمة الحاكمة من بني أمية الذين اتخذوا عباد الله خولا،و مال الله دولا (1).1.

ص: 143


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:118/1.

أنواع الجهاد

و سئل الإمام أبو عبد الله عليه السّلام عن الجهاد هل هو سنّة أو فريضة فأجاب عليه السّلام:

«الجهاد على أربعة أوجه:فجهادان فرض،و جهاد سنّة لا يقام إلا مع فرض، و جهاد سنة،فأما أحد الفرضين فجهاد الرجل نفسه عن معاصي اللّه،و هو من أعظم الجهاد،و مجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض،و أما الجهاد الذي هو سنّة لا يقام إلا مع فرض فإن مجاهدة العدو فرض على جميع الأمة لو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب،و هذا هو من عذاب الأمة،و هو سنّة على الإمام وحده أن يأتي العدو مع الأمة فيجاهدهم،و أما الجهاد الذي هو سنّة فكل سنّة أقامها الرجل و جاهد في إقامتها، و بلوغها و إحيائها فالعمل و السعي فيها من أفضل الأعمال لأنها إحياء سنّة،و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من سنّ سنّة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا..».

تشريع الصوم

سئل الإمام الحسين عليه السّلام عن الحكمة في تشريع الصوم على العباد فقال عليه السّلام:

«ليجد الغني مس الجوع فيعود بالفضل على المساكين».

ص: 144

أنواع العبادة

و تحدث عليه السّلام عن أنواع العبادة فقال:«إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، و إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد،و إن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار،و هي أفضل العبادة».

و تحدث عليه السّلام عمن عبد الله حق عبادته فقال:«من عبد الله حق عبادته أتاه الله فوق أمانيه و كفايته» (1).

مودة أهل البيت عليهم السّلام

و حث الإمام الحسين على مودة أهل البيت عليهم السّلام يقول أبو سعيد:سمعت الحسين يقول:

«من أحبنا نفعه الله بحبنا،و إن كان أسيرا في الديلم،و إن حبنا ليساقط الذنوب كما تساقط الريح الورق..».

قال عليه السّلام:«إلزموا مودتنا أهل البيت فإن من لقي الله و هو يودنا دخل في شفاعتنا».

روى بشير بن غالب أن الإمام الحسين عليه السّلام قال:«من أحبنا لله وردنا نحن و هو على نبينا صلّى اللّه عليه و آله هكذا-و ضم إصبعيه-و من أحبنا للدنيا فإن الدنيا تسع البر و الفاجر».

ص: 145


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:119/1.

و حدّث عليه السّلام عما يكتسبه من أتى إليهم من الفوائد قال:«من أتانا لم يعدم خصلة من أربع:آية محكمة،و قضية عادلة،و أخا مستفادا،و مجالسة العلماء..».

ص: 146

مكارم الأخلاق

و رسم الإمام عليه السّلام لأهل بيته و أصحابه مكارم الأخلاق،و محاسن الصفات و أمرهم بالتحلي بها ليكونوا قدوة لغيرهم،و فيما يلي بعضها:

1-قال عليه السّلام:«الحلم زينة،و الوفاء مروءة،و الصلة نعمة،و الاستكثار صلف،و العجلة سفه،و السفه ضعف،و الغلو ورطة،و مجالسة أهل الدناءة شر،و مجالسة أهل الفسوق ريبة..».

2-قال عليه السّلام:«الصدق عز،و الكذب عجز،و السر أمانة،و الجوار قرابة،و المعونة صدقة،و العمل تجربة،و الخلق الحسن عبادة،و الصمت زين،و الشح فقر،و السخاء غنى،و الرفق لب..».

3-قال عليه السّلام:«أيها الناس،من جاد ساد،و من بخل رذل و إن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه..».

4-قال عليه السّلام:«من جاد ساد،و من بخل رذل،و من تعجّل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا..».

5-قال عليه السّلام:«اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله تعالى عليكم،فلا تملوا النعم فتعود النقم..».

6-رأى الإمام عليه السّلام رجلا قد دعي إلى طعام فامتنع من الإجابة فقال عليه السّلام له:«قم فليس في الدعوة عفو،و إن كنت مفطرا فكل،و إن كنت صائما فبارك..».

7-قال عليه السّلام:«صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك،فأكرم وجهك عن رده..».

8-كان عليه السّلام دوما ينشد هذه الأبيات الداعية إلى حسن الخلق،و عدم العناء في

ص: 147

طلب الدنيا،و يزعم بعض الرواة أنها من نظمه و هي:

لئن كانت الأفعال يوما لأهلها كمالا فحسن الخلق أبهى و أكمل

و إن كانت الأرزاق رزقا مقدرا فقلة جهد المرء في الكسب أجمل

و إن كانت الدنيا تعد نفيسة فدار ثواب الله أعلى و أنبل

و إن كانت الأبدان للموت أنشأت فقتل امرء بالسيف في الله أفضل

و إن كانت الأموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء يبخل

و ألمت هذه الأبيات برغبة الإمام بالشهادة في سبيل الله،كما حكت عن طبيعة كرمه و سخائه.

9-قال عليه السّلام:«لا تتكلف ما لا تطيق،و لا تتعرض لما لا تدرك،و لا تعد بما لا تقدر عليه،و لا تنفق إلا بقدر ما تستفيد،و لا تطلب من الجزاء إلا بقدر ما صنعت،و لا تفرح إلا بما نلت من طاعة الله و لا تتناول إلا ما رأيت نفسك أهلا له..».

10-قال عليه السّلام لا بن عباس:«لا تتكلمن فيما لا يعنيك فإني أخاف عليك الوزر،و لا تتكلمن فيما يعنيك حتى ترى للكلام موضعا فرب متكلم قد تكلم بالحق فعيب،و لا تمارين حليما و لا سفيها،فإن الحليم يقلبك،و السفيه يؤذيك،و لا تقولن في أخيك المؤمن إذا توارى عنك إلا ما تحب أن يقول فيك إذا تواريت عنه،و اعمل عمل رجل يعلم أنه مأخوذ بالإجرام مجزي بالإحسان..».

و هذه الكلمات الذهبية هي بعض ما أثر عنه في مكارم الأخلاق،و محاسن الصفات التي يكسب بها الإنسان المنهج السليم،و حسن السلوك و سلامة الدارين (1).1.

ص: 148


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:120/1.

تشريع الأذان

و زعم بعض المعاصرين للإمام أن الذي شرع الأذان عبد اللّه بن زيد لرؤيا رآها، فأخبر بها النبي صلّى اللّه عليه و آله فأمر صلّى اللّه عليه و آله به،فأنكر الإمام عليه السّلام ذلك و قال:

«الوحي يتنزل على نبيكم،و تزعمون أنه أخذ الأذان عن عبد اللّه بن زيد و الأذان وجه دينكم..».

ص: 149

الإخوان

قال عليه السّلام:«الإخوان أربعة:فأخ لك و له،و أخ عليك،و أخ لا لك و لا له..».

و أوضح عليه السّلام ذلك بقوله:

«الأخ الذي هو لك و له فهو الأخ الذي يطلب بإخائه بقاء الإخاء و لا يطلب بإخائه موت الإخاء فهذا لك و له،لأنه إذا تم الإخاء طابت حياتهما جميعا،و إذا دخل الإخاء في حال التناقض بطلا جميعا،و الأخ الذي لك فهو الأخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الإخاء فهو موفور عليك بكليته،و الأخ الذي هو عليك فهو الأخ الذي يتربص بك الدوائر،و يغشى السرائر، و يكذب عليك بين العشائر،و ينظر في وجهك نظر الحاسد فعليه لعنة الواحد،و الأخ الذي لك و لا له فهو الذي قد ملأه الله حمقا فأبعده سحقا فتراه يؤثر نفسه عليك، و يطلب شح ما لديك..».

ص: 150

العلم و التجارب

قال عليه السّلام:«دراسة العلم لقاح المعرفة،و طول التجارب زيادة في العقل،و الشرف و التقوى و القنوع راحة الأبدان،و من أحبك نهاك،و من أبغضك أغراك..».

حقيقة الصدقة

و تصدّق رجل من بني أمية بأموال كثيرة،و لم تكن تلك الأموال من حلال،و إنما كانت من حرام،فقال الإمام عليه السّلام:

«مثله مثل الذي سرق الحاج،و تصدّق بما سرق،إنما الصدقة صدقة من عرق فيها جبينه،و اغبر فيها وجهه..» (1).

ص: 151


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:121/1.

الوعظ و الإرشاد

و عني الإمام الحسين عليه السّلام بوعظ الناس و إرشادهم كما عني أبوه من قبله، مستهدفين من ذلك تنمية القوى الخيرة في النفوس،و توجيه الناس نحو الحق و الخير و إبعادهم عن نزعات الشر من الإعتداء و الغرور و الطيش و غير ذلك، و نعرض فيما يلي لبعض ما أثر عنه:

1-قال عليه السّلام:«أوصيكم بتقوى الله،و أحذركم أيامه،و أرفع لكم أعلامه،فكأن المخوف قد أفل بمهول و روده،و نكير حلوله،و بشع مذاقه،فاغتلق مهجكم،و حال بين العمل و بينكم،فبادروا بصحة الأجسام و مدة الأعمار،كأنكم نبعات طوارقه فتنقلكم من ظهر الأرض إلى بطنها،و من علوها إلى سفلها،و من أنسها إلى وحشتها،و من روحها وضوئها إلى ظلمتها،و من سعتها إلى ضيقها حيث لا يزار حميم،و لا يعاد سقيم،و لا يجاب صريخ،أعاننا الله و إياكم على أهوال ذلك اليوم، و نجانا و إياكم من عقابه و أوجب لنا و لكم الجزيل من ثوابه.

عباد الله فلو كان ذلك قصر مرماكم،و مدى مضعنكم،كان حسب العامل شغلا يستفرغ عليه أحزانه،و يذهله عن دنياه،و يكثر نصبه لطلب الخلاص منه،فكيف و هو بعد ذلك مرتهن باكتسابه مستوقف على حسابه،لا وزير له يمنعه،و لا ظهير عنه يدفعه و يومئذ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ (1).

عباد الله فلو كان ذلك قصر مرماكم،و مدى مضعنكم،كان حسب العامل شغلا يستفرغ عليه أحزانه،و يذهله عن دنياه،و يكثر نصبه لطلب الخلاص منه،فكيف و هو بعد ذلك مرتهن باكتسابه مستوقف على حسابه،لا وزير له يمنعه،و لا ظهير عنه يدفعه و يومئذ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ (1).

أوصيكم بتقوى الله فإن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب، و يرزقه من حيث لا يحتسب،فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد بذنوبهم، و يأمن العقوبة من ذنبه،فإن الله تبارك و تعالى لا يخدع عن جنته،و لا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله».

و حفل هذا الكلام بما يقرب الناس إلى الله،و بما يبعدهم عن معاصيه و يجنبهم عن دواعي الهوى و نزعات الشرور.

2-كتب إليه رجل يطلب منه أن يعظه بحرفين أي يوجز القول فكتب عليه السّلام له:«من حاول أمرا بمعصية الله تعالى كان أفوت لما يرجو و أسرع لمجي ما يحذر..».

3-قال عليه السّلام:«عباد الله اتقوا الله،و كونوا من الدنيا على حذر فإن الدنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحد لكانت للأنبياء أحق بالبقاء،و أولى بالرضاء،و أرضى بالقضاء،غير أن الله خلق الدنيا للبلاء و خلق أهلها للفناء،فجديدها بال،و نعيمها مضمحل،و سرورها مكفهر و المنزل بلغة،و الدار قلعة،فتزودوا فإن خير الزاد التقوى..».

4-كتب إليه رجل يسأله عن خير الدنيا و الآخرة فأجابه عليه السّلام:«أما بعد:فإن من طلب رضى الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس،و من طلب رضى الناس بسخط الله، و كله الله إلى الناس و السلام».

5-قال عليه السّلام:«إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض و مغاربها،بحرها و برها،سهلها و جبلها عند ولي من أولياء الله و أهل المعرفة بحق الله كفي الظلال..».

و أضاف يقول:

«ألا حر يدع هذه اللماظة-يعني الدنيا-لأهلها،ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة فلا

ص: 152


1- الأنعام:158.

تبيعوها بغيرها،فإنه من رضي الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس..».

6-قال له رجل:كيف أصبحت يابن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله؟فقال عليه السّلام:«أصبحت ولي رب فوقي،و النار أمامي،و الموت يطلبني و الحساب محدق بي،و أنا مرتهن بعملي، لا أجد ما أحب،و لا أدفع ما أكره،و الأمور بيد غيري،فإن شاء عذبني و إن شاء عفا عني،فأي فقير أفقر مني؟».

7-قال عليه السّلام:«يابن آدم تفكر،و قل:أين ملوك الدنيا و أربابها الذين عمّروا خرابها و احتفروا أنهارها،و غرسوا أشجارها،و مدّنوا مدائنها،فارقوها و هم كارهون، و ورثها قوم آخرون،و نحن بهم عما قليل لاحقون.

يابن آدم أذكر مصرعك،و في قبرك مضجعك بين يدي الله،تشهد جوارحك عليك يوم تزول فيه الأقدام،و تبلغ القلوب الحناجر،و تبيض وجوه،و تبدو السرائر، و يوضع الميزان القسط.

يابن آدم أذكر مصارع آبائك،و أبنائك،كيف كانوا،و حيث حلوا،و كأنك عن قليل قد حللت محلهم،و صرت عبرة المعتبر..ثم أنشد هذه الأبيات:

أين الملوك التي عن حفظها غفلت حتى سقاها بكأس الموت ساقيها

تلك المدائن في الآفاق خالية عادت خرابا و ذاق الموت بانيها

أموالنا لذوي الوراث نجمعها و دورنا لخراب الدهر نبنيها

هذه بعض ما أثر عنه من المواعظ الهادفة إلى إصلاح النفوس و تهذيبها و أبعادها عن نزعات الهوى و الشرور (1).1.

ص: 153


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:125/1.

من خطب الإمام الحسين عليه السلام

و للإمام عليه السّلام مجموعة كبيرة من الخطب الرائعة التي تجسدت فيها صلابة الحق،و قوة العزم،و روعة التصميم على الجهاد في سبيل الله،و قد ألقاها الإمام في وقت كان الجو ملبدا بالمشاكل السياسة،و قد شجب فيها سياسة الحكم الأموي و دعا المسلمين إلى الانتفاضة عليه،و سنذكر جملة منها في مواضعها الخاصة، و نذكر هنا خطبة واحدة منها:

صعد عليه السّلام المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم صلى على النبي صلّى اللّه عليه و آله فسمع رجلا يقول:من هذا الذي يخطب؟فأجابه عليه السّلام:

«نحن حزب الله الغالبون،و عترة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله الأقربون،و أهل بيته الطيبون و أحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله صلّى اللّه عليه و آله ثاني كتاب الله تبارك و تعالى،الذي فيه تفصيل كل شي لا يأتيه الباطل من بين يديه،و لا من خلفه،و المعول علينا في تفسيره،و لا يبطئنا تأويله،بل نتبع حقائقه،فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله و رسوله مقرونة،قال الله تعالى: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَ الرَّسُولِ و قال: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاّ قَلِيلاً (1).

و أحذركم الإصغاء إلى هتاف الشيطان بكم فإنه لكم عدو مبين،فتكونوا

ص: 154


1- النساء:83.

كأوليائه الذين قال لهم: وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ (1)و قال: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ فتلقون للسيوف ضربا، و للرماح وردا،و للعمد حطما،و للسهام غرضا،ثم لا يقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا...».

و حفل هذا الخطاب بالدعوة إلى التمسك بعترة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و لزوم طاعتهم و الإنقياد لهم،و حذرهم من الدعايات المضللة التي تبثها أجهزة الإعلام الأموي الداعية إلى إبعاد الناس عن أهل البيت عليهم السّلام الذين هم مصدر الوعي و النور في الأرض (2).1.

ص: 155


1- الأنفال:48.
2- حياة الإمام الحسين للقرشي:127/1.

جوامع الكلم

و منح الله الإمام الحسين أعنة الحكمة،و فصل الخطاب فكانت تتدفق على لسانه سيول من الموعظة و الآداب،و الأمثال السائرة،و فيما يلي بعض حكمه القصار:

1-قال عليه السّلام:«العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه،و لا يسأل من يخاف منعه،و لا يثق بمن يخاف غدره،و لا يرجو من لا يوثق برجائه...».

2-قال عليه السّلام لابنه علي بن الحسين:«أي بني إياك و ظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله تعالى...».

3-قال عليه السّلام:«ما أخذ الله طاقة أحد إلا وضع عنه طاعته،و لا أخذ قدرته إلا وضع عنه كلفته...».

4-قال عليه السّلام:«إياك و ما تعتذر منه،فإن المؤمن لا يسيء،و لا يعتذر،و المنافق كل يوم يسي و يعتذر...».

5-قال عليه السّلام:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك،فإن الكذب ريبة،و الصدق طمأنينة...».

6-قال عليه السّلام:«اللّهم لا تستدرجني بالإحسان،و لا تؤدبني بالبلاء...».

7-قال عليه السّلام:«خمس من لم تكن فيه،لم يكن فيه كثير مستمتع،العقل،و الدين و الأدب،و الحياء،و حسن الخلق...».

8-قال عليه السّلام:«البخيل من بخل بالسلام».

9-قال عليه السّلام:«من حاول أمرا بمعصية الله كان أفوت لما يرجو و أسرع لما يحذر...».

10-قال عليه السّلام:«من دلائل علامات القبول:الجلوس إلى أهل العقول،و من علامات أسباب الجهل:المماراة لغير أهل الكفر،و من دلائل العالم انتقاده لحديثه،و علمه بحقائق فنون النظر..».

ص: 156

11-قال عليه السّلام:«إن المؤمن اتخذ الله عصمته،و قوله مرآته فمرة ينظر في نعت المؤمنين،و تارة ينظر في وصف المتجبرين،فهو منه في لطائف و من نفسه في تعارف، و من فطنته في يقين،و من قدسه على تمكين...».

12-قال:«إذا سمعت أحدا يتناول أعراض الناس فاجتهد أن لا يعرفك...».

13-قال عليه السّلام لرجل اغتاب عنده رجلا«يا هذا كف عن الغيبة فإنها أدام كلاب النار...».

14-تكلم رجل عنده فقال:إن المعروف إذا أسدي إلى غير أهله ضاع فقال عليه السّلام:

«ليس كذلك،و لكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر و الفاجر...».

15-سأله رجل عن تفسير قوله تعالى:

وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (1) !قال عليه السّلام:«أمره أن يحدّث بما أنعم الله به عليه في دينه».

16-قال عليه السّلام:«موت في عز خير من حياة في ذل».

17-قال عليه السّلام:«البكاء من خشية الله نجاة من النار».

18-قال عليه السّلام:«من أحجم عن الرأي،و أعيت له الحيل كان الرفق مفتاحه».

19-قال عليه السّلام:«من قبل عطاءك فقد أعانك على الكرم».

20-قال عليه السّلام:«إذا كان يوم القيامة نادى مناد،أيها الناس من كان له على الله أجر فليقم،فلا يقوم إلا أهل المعروف..».

21-قال عليه السّلام:«ما من أعمال هذه الأمة من صباح إلا و يعرض على الله تعالى».

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض ما أثر عنه من روائع الحكم،و المواعظ و الآداب،و لم نحلل مضامينها إيثارا للإيجاز،و ابتعادا عن الإطالة.1.

ص: 157


1- الضحى:11.

في حلبات الشعر

و عرضت مصادر التاريخ و الأدب العربي إلى بعض ما نظمه الإمام الحسين عليه السّلام من الشعر و ما استشهد به في بعض المناسبات،و إن كان بعضها- فيما نحسب-لا يخلو من الانتحال،و هذه بعضها:

1-دخل أعرابي مسجد الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله فوقف على الحسن بن علي و حوله حلقة مجتمعة من الناس فسأل عنه،فقيل له إنه الحسن بن علي،فقال:إياه أردت بلغني أنهم يتكلمون فيعربون في كلامهم،و إني قطعت بوادي،و قفارا،و أودية، و جبالا،و جئت لأطارحه الكلام و أسأله عن عويص العربية،فقال له أحد جلساء الإمام:إن كنت جئت لهذا فابدأ بذلك الشاب،و أومأ إلى الحسين،فبادر إليه،و وقف فسلّم عليه فرد الإمام عليه السّلام،فقال له:

-ما حاجتك؟

-جئتك من الهرقل و الجعلل و الأينم،و الهمهم.

فتبسم الإمام الحسين،و قال له:يا أعرابي لقد تكلمت بكلام ما يعقله إلا العالمون، فقال الأعرابي،و أقول:أكثر من هذا،فهل أنت مجيبي على قدر كلامي؟

فقال له الحسين:

-قل ما شئت فإني مجيبك.

-إني بدوي،و أكثر مقالي الشعر،و هو ديوان العرب.

-قل ما شئت فإني مجيبك.

ص: 158

و أنشأ الاعرابي يقول:

هفا قلبي إلى اللهو و قد ودع شرخيه

و قد كان أنيقا عص ر تجراري ذيليه

عيالات و لذات فيا سقيا لعصريه

فلما عمم الشيب من الرأس نطاقيه

و أمسى قد عناني منه تجديد خضابيه

تسليت عن اللهو و ألقيت قناعيه

و في الدهر أعاجيب لمن يلبس حاليه

فلو يعمل ذو رأي أصيل فيه رأييه

لألفى عبرة منه له في كر عصريه

فأجابه الإمام الحسين عليه السّلام ارتجالا:

فما رسم شجاني قد محت آيات رسميه

سفور درجت ذيلين في بوغاء قاعيه

هتوف حرجف تترى على تلبيد ثوبيه

و ولاج من المزن دنا نوء سماكيه

أتى مثغنجر الورق بجود من خلاليه

و قد أحمد برقاه فلا ذم لبرقيه

و قد جلل رعداه فلا ذم لرعديه

ثجيج الرعد ثجاج إذا أرخى نطاقيه

فأضحى دارسا قفرا لبينونة أهليه

فلما سمع الأعرابي ذلك بهر و انطلق يقول:ما رأيت كاليوم أحسن من هذا الغلام كلاما و أذرب لسانا،و لا أفصح منه نطقا،فقال له الإمام الحسن عليه السّلام يا أعرابي:

غلام كرم الرحمن بالتطهير جديه

ص: 159

كساه القمر القمقام من نور سنائيه

و قد أرصنت من شعري و قومت عروضيه

فلما سمع الأعرابي قول الإمام الحسن عليه السّلام انبرى يقول:بارك الله عليكما، مثلكما تجلّهما الرجال فجزاكما الله خيرا و انصرف و دلّت هذه البادرة على مدى ما يتمتع به الإمام عليه السّلام من قوة العارضة في الشعر،و مقدرته الفائقة في الارتجال و الإبداع،إلا أن بعض فصول هذه القصة-فيما نحسب-لا يخلو من الانتحال،و هو مجىء الأعرابي من بلد نائي قد تحمّل عناء السفر و شدّته من أجل اختبار الإمام و معرفة مقدراته الأدبية.

2-نسبت له هذه الأبيات الحكمية:

إذا ما عضك الدهر فلا تجنح إلى الخلق

و لا تسأل سوى الله تعالى قاسم الرزق

فلو عشت و طوفت من الغرب إلى الشرق

لما صادفت من يقد رأن يسعد أو يشقى

و حث هذا الشعر على القناعة و إباء النفس،و عدم الخنوع للغير،و أهاب بالإنسان أن لا يسأل أحدا إلا ربه الذي بيده مجريات الأحداث.

3-قال عليه السّلام:

اغن عن المخلوق بالخالق تغن عن الكاذب و الصادق

و استرزق الرحمن من فضله فليس غير الله من رازق

من ظن أن الناس يغنونه فليس بالرحمن بالواثق

أو ظن أن المال من كسبه زلت به النعلان من حالق

و في هذه الأبيات دعوة إلى الإلتجاء إلى الله خالق الكون و واهب الحياة،

ص: 160

و الإستغناء عمن سواه فإن من ركن لغيره فقد خاب سعيه و حاد عن الصواب.

4-زار الإمام الحسين عليه السّلام مقابر الشهداء بالبقيع فانبرى يقول:

ناديت سكان القبور فاسكتوا فأجابني عن صمتهن ترب الحشا

قالت:أتدري ما صنعت بساكني مزقت لحمهم و خرقت الكسا

و حشوت أعينهم ترابا بعد ما كانت تأذى باليسير من القذا

أما العظام فإنني مزقتها حتى تباينت المفاصل و الشوى

قطعت ذا من ذا و من هذا كذا فتركتها مما يطول بها البلى

و حفلت هذه الأبيات بالدعوة إلى الإعتبار و العظة بمصير الإنسان و أنه حينما يودع في بطن الأرض لم يلبث أن يتلاشى و تذهب نضارته و يعود بعد قليل كتلة من التراب المهين.

5-و نسب الأعشى هذه الأبيات للإمام الحسين عليه السّلام:

كلما زيد صاحب المال مالا زيد في همه و في الاشتغال

قد عرفناك يا منغصة العيش و يا دار كل فان و بال

ليس يصفو لزاهد طلب الزهد إذا كان مثقلا بالعيال.

و تحدث الإمام بهذه الأبيات عن ظاهرة خاصة من ظواهر الحياة و هي أن الإنسان كلما اتسع نطاقه المادي ازدادت آلامه و همومه،و ازداد جهدا و عناءا في تصريف شؤون أمواله،و زيادة أرباحها،كما تحدث الإمام عمن يرغب في الزهد في الحياة فإنه لا يجد سبيلا إلى ذلك مادام مثقلا بالعيال فإن شغله بذلك يمنعه عن الزهد في الدنيا.

6-روى الأربلي أن الإمام قال هذه الأبيات في ذم البغي:

ص: 161

ذهب الذين أحبهم و بقيت فيمن لا أحبه

في من أراه يسبني ظهر المغيب و لا أسبه

يبغي فسادي ما استطا ع و أمره مما أر به

حنقا يدب لي الضرا ء و ذاك مما لا أدبه

و يرى ذباب الشر من حولي يطن و لا يذ به

و إذا خبا و غر الصدو ر فلا يزال به يشبه

أفلا يعج بعقله أفلا يثوب إليه لبه

أفلا يرى من فعله ما قد يسور إليه غبه

حسبي بربي كافيا ما أختشي و البغي حسبه

و لقل من يبغى عليه فما كفاه الله ربه

و تحدث الإمام عليه السّلام بهذه الأبيات عن إحدى النزعات الشريرة في الإنسان و هي البغي فإن من يتلوث به يسعى دوما إلى سب أخيه و الإعتداء عليه و إفساد أمره، و إنه إذا سكن و غر الصدور فإنه يسعى لإثارتها انطلاقا منه في البغي و الإعتداء، و قد وجّه عليه السّلام إليه النصح فإنه إذا رجع إلى عقله و فكر في أمره فإن غيه على حيه يرجع إليه،و تلحقه أضراره و آثامه و من الطبيعي أنه إذا أطال التفكير في ذلك فإنه يقلع عن نفسه هذه الصفة الشريرة حسب ما نص عليه علماء الأخلاق.

7-و زعم أبو الفرج الأصبهاني إن الإمام الحسين عليه السّلام قال هذين البيتين في بنته سكينة و أمها الرباب:

لعمرك أنني لأحب دارا تكون بها سكينة و الرباب

أحبهما و أبذل جل مالي و ليس لعاتب عندي عتاب

و زاد غيره هذا البيت:

فلست لهم و إن غابوا مضيعا حياتي أو يغيبني التراب

ص: 162

و هذه الآيات فيما نحسب من المنتحلات و الموضوعات فإن الإمام الحسين عليه السّلام أجل شأنا و أرفع قدرا من أن يذيع حبه لزوجته و ابنته بين الناس،فليس هذا من خلقه،و لا يليق به،إن ذلك-من دون شك-من المفتريات التي تعمّد وضعها للحط من شأن أهل البيت عليهم السّلام.

8-و مما قاله:

الله يعلم أن ما بيدي يزيد لغيره

و بأنه لم يكتسب ه بخيره و بميره

لو أنصف النفس الخؤو ن لقصرت من سيره

و لكان ذلك منه أد نى شره من خيره

و بهذا ينتهي بنا المطاف عن بعض مثل الإمام الحسين عليه السّلام و نزعاته التي كان بها فذا من أفذاذ العقل الإنساني و مثلا رائعا من أمثلة الرسالة الإسلامية بجميع قيمها و مكوناتها (1).0.

ص: 163


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:79/1 الى 130.

الفهرس

أبعاد شخصية الحسين عليه السلام

أهم أبعاد شخصية الإمام الحسين عليه السلام 3

شخصية الحسين مدخرة من قبل اللّه 3

عظمة الحسين عليه السلام على اللّه 15

في أن الحسين وصي رسول اللّه عليهما السلام 22

أن الأئمة من صلب الحسين عليهم السلام 31

في أن الحسين و الأئمة عليهم السلام حجج اللّه على خلقه 40

لولا الحسين و الأئمة عليهم السلام ما خلق اللّه تعالى الخلق 52

عظمة الإمام الحسين عليه السلام و بركاته 57

قيمة تضحية الحسين عليه السلام 60

الإخلاص عند الإمام الحسين عليه السلام 62

الثقة باللّه تعالى عند الإمام الحسين عليه السلام 62

صواب الموقف عند الإمام الحسين عليه السلام 64

عمل و جهاد الإمام الحسين عليه السلام 65

ثقافة الجهاد 66

الجهاد الفكري 67

الثقافة في الرؤية المادية 68

ص: 164

الثقافة في الرؤية الإسلامية 70

الثقافة سند للجهاد 71

العمل الثقافي و السياسي للإمام الحسين عليه السلام 73

الإستقامة عند الإمام الحسين عليه السلام 74

الأعذار الشرعيّة التي واجهت الحسين عليه السلام 74

الحقائق التأريخية في شخصية الحسين عليه السلام 78

البعد المعنوي و العرفاني في شخصية الإمام الحسين عليه السلام 80

واقعة عاشوراء واقعة عرفانية 81

جهاد فعرفان 82

سلوك الحسين عليه السلام المعنوي و العبودي 83

وصايا الشهداء العرفانيّة 85

سرعة العرفان عند المجاهد 86

أثر ثورة الإمام الحسين على الأخلاق 87

وضوح المواقف عند الإمام الحسين عليه السلام 91

هيبة الإمام الحسين عليه السلام و وقاره 93

عفو الإمام الحسين عليه السلام عن المسيء 94

الجود و السخاء عند الإمام الحسين عليه السلام 95

إلتزام الإمام الحسين عليه السلام بتعاليم الإسلام 100

لمحات من حياته العملية 102

من حكمه و مواعظه 103

عصمة الإمام الحسين عليه السلام 105

الإمام الحسين في خلافة أبيه عليهما السلام 106

موقفه من الصلح مع معاوية 108

ص: 165

موقفه من بيعة يزيد بن معاوية 110

المسؤولية الدينية عند الإمام الحسين عليه السلام 113

طلب الإصلاح في الأمة 113

إماتة الإمام عليه السلام للبدع 114

صيانة الخلافة الإسلامية من الطغيان 114

حماية الإم عليه السلام للإسلام من الخطر 116

الإضطهاد و القمع الأمويان 117

دعوة الناس إليه و مبايعته 119

العزة و الكرامة 119

إحياء الضمائر و استعادة الإرادة 121

لمحات من مثل الإمام الحسين عليه السلام 122

إمامته 122

مواهبه العلمية 123

الرجوع إلى الإمام عليه السلام في الفتيا 124

مجلس الإمام عليه السلام 125

من روى عن الإمام عليه السلام 126

روايات الإمام عليه السلام عن جده 127

مسند الإمام الحسين عليه السلام 129

روايات الإمام الحسين عليه السلام عن أمه فاطمة 3 132

رواياته الإمام عليه السلام عن أبيه 133

من تراثه الرائع 136

القدر 136

الصمد 137

ص: 166

التوحيد 138

الأمر بالمعروف 141

أنواع الجهاد 144

تشريع الصوم 144

أنواع العبادة 145

مودة أهل البيت 145

مكارم الأخلاق 146

تشريع الأذان 149

الإخوان 150

العلم و التجارب 151

حقيقة الصدقة 151

الوعظ و الإرشاد 152

من خطب الإمام الحسين عليه السلام 155

جوامع الكلم 157

في حلبات الشعر 159

ص: 167

المجلد 3

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

[الجزء الثالث(النصوص على الإمام الحسين عليه السلام)]

النص على الإمام الحسين عليه السلام

النص على الحسين من رسول اللّه عليهما السلام

جاء في خطبة الغدير بعد تنصيب علي إماما:«إنهما لسيدا شباب أهل الجنة و إنهما لإمامان بعد أبيهما علي» (1).

و اشتهر عنه صلّى اللّه عليه و اله:«الحسن و الحسين إمامان قاما أو قعدا» (2).

و في لفظ:«بأبي أنتما من إمامين صالحين اختاركما اللّه مني و من أبيكما و أمكما و اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة» (3).

و عن علي بن موسى الرضا عن آبائه:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«الحسن و الحسين اماما أمتي بعد أبيهما و سيدا شباب أهل الجنة» (4).

و منها قوله صلّى اللّه عليه و اله في حقهما:«...و اما الحسن فإنه ابني و ولدي و بضعة مني و قرة عيني و ضياء قلبي و ثمرة فؤادي و هو سيد شباب أهل الجنة و حجة اللّه على الامة، أمره أمري و قوله قولي من تبعه فإنه مني و من عصاه فليس مني.

و أما الحسين فإنه مني و هو ابني و ولدي و خير الخلق بعد أخيه و هو إمام

ص: 3


1- -روضة الواعظين:98 مجلس في ذكر الامامة.
2- -أهل البيت لتوفيق أبو علم:195 ذكر أولاده-و صرح بأنه متواتر،و الطرائف:196/1، و مناقب آل ابي طالب:368/3،و الارشاد:30/2،و اعلام الورى:208،و كفاية الاثر:38-117 ،و كشف الغمة:159/2،و العوالم:174/15،روضة الواعظين:156 مجلس في ذكر امامتهما، و البحار:325/36-289-319.
3- -اعلام الورى:382.
4- -كمال الدين:260/1 ح 6 من الباب 24.

المسلمين و مولى المؤمنين و خليفة رب العالمين و غياث المستغيثين و كهف المستجيرين،و حجة اللّه على خلقه أجمعين و هو سيد شباب أهل الجنة و باب نجاة الأمة أمره أمري و طاعته طاعتي من تبعه فإنه مني و من عصاه فليس مني..» (1).

و قال صلّى اللّه عليه و اله في حقه عليه السّلام:«انت سيد ابن سيد أخو سيد و أنت إمام ابن إمام أخو إمام و أنت حجة ابن حجة أخو حجة...» (2).

و قال صلّى اللّه عليه و اله:«و الذي بعثني بالحق نبيا إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الارض و أنه مكتوب على يمين عرش اللّه:الحسين مصباح هاد و سفينة نجاة و إمام غير وهن و عز و فخر و علم و ذخر» (3).

و عن ابن بابويه في كتاب النصوص قال:حدّثنا محمد بن عبد اللّه الشيباني، و القاضي أبو الفرج المعافي بن زكريا البغدادي،و الحسين (4)بن محمد بن سعيد، و الحسن بن علي بن الحسين (5)الرازي،جميعا قالوا:حدّثنا أبو علي محمد بن همان بن سهل الكاتب،قال:حدّثنا الحسن بن محمد بن جمهور القميّ (6)عن أبيه محمد بن جمهور قال:حدثني عثمان بن عمر قال:حدّثنا شعبة بن سعيد بن إبراهيم عن عبد الرّحمن الأعرج،عن أبي هريرة قال:كنت عند النبي صلّى اللّه عليه و اله و أبو بكر و عمر و الفضل بن العباس و زيد بن حارثة و عبد اللّه بن مسعود إذ دخل الحسين بن علي عليه السّلام فأخذه النبي صلّى اللّه عليه و اله و قبله ثم قال:«حزقة حزقة،ترق عين بقة»و وضع فمه على فمه ثم قال:ي.

ص: 4


1- -امالي الصدوق:100،و ارشاد القلوب:296/2،و فرائد السمطين:35/2.
2- -كمال الدين:262/1،و كفاية الاثر:45-28،و البحار:372/36-290 نقلا عن كفاية الاثر و المقتضب،و كشف الغمة:349 و قريب منه ما في ينابيع المودة:258/1 ط.استانبول 1301 ه و 308 ط.النجف باب 56 عن مودة القربى.
3- -اعلام الورى:378.
4- في البحار:الحسن.
5- في البحار:الحسن.
6- في البحار:العمي.

«اللهم إني أحبه فأحبه و أحب من يحبه،يا حسين أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة،تسعة من ولدك أئمة أبرار».

فقال له عبد اللّه بن مسعود:ما هؤلاء الأئمة الذين ذكرتهم في صلب الحسين؟ فأطرق مليا،ثم رفع رأسه فقال:«يا عبد اللّه سألت عظيما و لكني أخبرك أن ابني هذا- و وضع يده على كتف الحسين عليه السّلام-يخرج من صلبه ولد مبارك سمي جده علي عليه السّلام يسمى العابد و نور الزهاد،و يخرج اللّه من صلب عليّ ولدا اسمه اسمي،و أشبه الناس بي،يبقر العلم بقرا و ينطق بالحق و يأمر بالصواب،و يخرج اللّه من صلبه كلمة الحق، و لسان الصدق».

فقال له ابن مسعود:فما اسمه يا نبي اللّه؟

فقال:«يقال له:جعفر صادق في قوله و فعله،الطاعن عليه كالطاعن عليّ،و الراد عليه كالراد عليّ».ثم دخل حسان بن ثابت و أنشد في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله شعرا و انقطع الحديث.

فلما كان من الغد صلى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثم دخل بيت عائشة و دخلنا معه أنا و علي بن أبي طالب و عبد اللّه بن العباس،و كان من دأبه صلّى اللّه عليه و اله إذا سئل أجاب و إذا لم يسأل ابتدأ فقلت له:بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه ألا تخبرني بباقي الخلفاء من صلب الحسين؟

قال:«نعم يا أبا هريرة.و يخرج اللّه من صلب جعفر مولودا نقيّا طاهرا أسمر ربعة (1)سمي موسى بن عمران؟ثم قال له ابن عباس:ثم من يا رسول اللّه؟

قال:يخرج من صلب موسى علي ابنه يدعي بالرضا،موضع العلم،و معدن الحلم ثم قال عليه السّلام بأبي المقتول في أرض الغربة،و يخرج من صلب علي ابنه محمد المحمود أطهر الناس خلقا و أحسنهم خلقا؛و يخرج من صلب محمد علي إبنه،طاهر الحسب،صادق اللهجة؛و يخرج من صلب علي الحسن،الميمون النقي الطاهر الناطق عن اللّه،و أبو حجةة.

ص: 5


1- الربعة:الوسيط القامة.

اللّه؛و يخرج من صلب الحسن قائمنا أهل البيت،يملؤها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،له هيبة موسى،و حكم داود،و بهاء عيسى.ثم تلا: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)».

فقال له علي بن أبي طالب:«بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه من هؤلاء الذين ذكرتهم؟»

قال:«يا علي أسماء الأوصياء من بعدك،و العترة الطاهرة و الذرية المباركة»،ثم قال:

«و الذي نفس محمد بيده لو أن عبدا عبد اللّه ألف عام ثم ألف عام بين الركن و المقام،ثم أتاني جاحدا لولايتهم لأكبه اللّه في النار كائنا من كان».

قال أبو علي بن همام:العجب كل العجب من أبي هريرة يروي هذه الأخبار ثم ينكر فضائل أهل البيت عليهم السّلام (2).

ابن المغازلي قال:أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب إجازة أن أبا أحمد عمر بن عبد اللّه بن شوذب أخبرهم قال:حدّثنا محمد بن الحسن بن زياد،حدّثنا أحمد بن الخليل ببلخ،حدثني محمد بن أبي محمود قال:حدّثنا يحيى بن أبي معروف قال:

حدّثنا محمد بن سهل البغدادي،عن موسى بن القاسم،عن علي بن جعفر قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ (3)قال:

«المشكاة فاطمة عليها السّلام،و المصباح الحسن.و الحسين الزجاجة كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ (4)قال:كانت فاطمة كوكبا دريا من نساء العالمين يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ (5)الشجرة المباركة إبراهيم لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ (6)لا يهودية و لا نصرانية يَكادُ زَيْتُها6.

ص: 6


1- آل عمران:34.
2- رواه المجلسي في البحار:312/36-314 عن كفاية الاثر.
3- النور:36.
4- النور:36.
5- النور:36.
6- النور:36.

يُضِيءُ (1) وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ (2) قال:فيها إمام بعد إمام يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ (3)قال:يهدي اللّه عز و جل لولايتنا من يشاء» (4).

ابن المغازلي قال:أخبرنا القاضي أبو تمام علي بن محمد بن الحسين قال:

أخبرنا القاضي أبو الفرج أحمد بن علي بن جعفر بن محمد بن المعلى الحنوطي (5)إذنا قال:حدثني أبو الطيب محمد بن حبيش بن عبد اللّه بن هارون النيلي في الطراز بواسط سنة إحدى و ثلاثين و أربع مائة (6)قال:حدّثنا المشرف بن سعيد الذارع، حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي،حدّثنا سفيان بن حمزة الأسلمي،عن كثير بن زيد قال:دخل الأعمش على المنصور و هو جالس للمظالم فلما بصر به قال له:

يا سليمان تصدر قال:أنا صدر حيث جلست،ثم قال:حدثني الصادق قال:حدثني الباقر قال:حدثني السجاد قال:حدثني الشهيد قال:حدثني التقي و هو الوصي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السّلام قال:حدثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«أتاني جبرائيل عليه السّلام آنفا فقال تختّموا بالعقيق فإنه أول حجر شهد للّه بالوحدانية ولي بالنبوة و لعلي بالوصية و لولده بالإمامة،و لشيعته بالجنة».

قال فاستدار الناس بوجوههم نحوه فقيل له:تذكر قوما فتعلم من لا نعلم فقال:

الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،و الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،و السجاد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،و الشهيد الحسين بن علي و الوصي و هو التقي علي بن أبي طالب عليهم السّلام (7).1.

ص: 7


1- في بعض المصادر:قال:يكاد العلم أن ينطق منها.
2- النور:36.
3- النور:36.
4- المناقب لابن المغازلي:316-317.
5- في بعض المصادر:علي بن جعفر بن المعلى الخيوطي.
6- في بعض المصادر:و ثلاثمائة.
7- المناقب لابن المغازلي:281.

ما رواه صدر الأئمة عند الجمهور أخطب الخطباء أبو المؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي في كتابه في فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام قال:أنبأني مهذب الأئمة أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمداني إجازة،أخبرني محمد بن الحسين بن علي البزاز،أخبرني أبو منصور محمد بن عبد العزيز (1)أخبرني هلال بن محمد بن جعفر،حدثني أبو بكر محمد بن عمر (2)الحافظ،حدثني أبو الحسن علي بن محمد الخزاز من كتابه،حدّثنا الحسن بن علي الهاشمي،حدثني إسماعيل بن أبان، حدثني أبو مريم،عن ثوير بن أبي فاختة،عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى.

قال:قال أبي:دفع النبي صلّى اللّه عليه و اله الراية يوم خيبر الى علي بن أبي طالب ففتح اللّه تعالى عليه،و أوقفه يوم غدير خم فأعلم أنه (3)مولى كل مؤمن و مؤمنة.و قال له:«أنت مني و أنا منك،و قال له:تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل.و قال له:أنت مني بمنزلة هارون من موسى.و قال له:أنا سلم لمن سالمت و حرب لمن حاربت.و قال له:أنت العروة الوثقى (4).و قال له:أنت تبين لهم ما اشتبه (5)عليهم من بعدي.و قال له:أنت إمام كل مؤمن و مؤمنة،و ولي كل مؤمن و مؤمنة بعدي.و قال له:أنت الذي أنزل اللّه فيه (6).

و أذان من اللّه و رسوله الى الناس يوم الحج الأكبر.و قال له:أنت الآخذ بسنتي و الذاب عن ملتي.

و قال له:أنا أول من تنشق الأرض عنه و أنت معي.و قال له:أنا عند الحوض و أنت معي.

و قال له:أنا أول من يدخل الجنة و أنت معي،تدخلها و الحسن و الحسين و فاطمة.ك.

ص: 8


1- في بعض المصادر:محمد بن علي بن عبد العزيز.
2- في بعض المصادر:عمرو.
3- في المصدر:فأعلم الناس أنه.
4- بعض المصادر:أنت العروة الوثقى التي لا انفصام لها.
5- في بعض المصادر:ما يشتبه.
6- في بعض المصادر:أنزل اللّه فيك.

و قال له:إن اللّه أوحى إلي أن أقوم بفضلك فقمت به في الناس و بلّغتهم ما أمرني اللّه تعالى بتبليغه.و قال له:إتق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلا بعدي (1)أولئك يلعنهم اللّه (2)،ثم بكى صلّى اللّه عليه و اله فقيل له:مم بكاؤك يا رسول اللّه؟

قال:أخبرني جبرائيل عليه السّلام أنهم يظلمونه،و يمنعونه حقه،و يقاتلونه و يقتلون ولده، و يظلمونهم بعده.

و أخبرني جبرائيل (3)أن ذلك الظلم يزول إذا قام قائمهم،و علت كلمتهم،و اجتمعت الأمة على محبتهم،و كان الشاني (4)لهم قليلا،و الكاره لهم ذليلا،و كثر المادح لهم و ذلك حين تغير البلاد،و ضعف العباد،و اليأس من الفرج،فعند ذلك يظهر القائم فيهم».

فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:«إسمه كاسمي«و إسم أبيه كاسم أبي»هو من ولد إبنتي (5)يظهر اللّه الحق بهم و يخمد الباطل بأسيافهم،و يتبعهم الناس راغبا إليهم و خائفا منهم قال:و سكن البكاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثم قال:معاشر المسلمين (6)أبشروا بالفرج فإن وعد اللّه حق لا يخلف،و قضاؤه لا يرد،و هو الحكيم الخبير (7).

اللهم إنهم أهلي فأذهب عنهم الرجس و طهرم تطهيرا.اللهم اكلأهم وارعهم،و كن لهم،و انصرهم،و أعزهم و لا تذلهم و اخلفني فيهم إنك على ما تشاء قدير» (8).ف.

ص: 9


1- في بعض المصادر:إلا بعد موتي.
2- في بعض المصادر:و يلعنهم اللاعنون.
3- في بعض المصادر:و أخبرني جبرائيل عن اللّه عز و جل.
4- شنأ شنأ:أبغضه مع عداوة و سوء خلق.
5- بعض المصادر:ابنتي فاطمة. أقول:و جملة«و اسم أبيه كاسم أبي»لا تطابق مع ما ثبت من أن اسم والد الحجة سلام اللّه عليه هو «الحسن العسكري»و اسم والد النبي صلّى اللّه عليه و اله هو«عبد اللّه»و قد أجاب عن هذا ارباب الحديث و السير باجوبة وافية راجع كتاب الغيبة لشيخ الطائفة الطوسي ص:112 ط النجف،و كشف الغمة:228/3 -235 و 266-267،البحار:103/51،كفاية الطالب للكنجي:483-485.
6- في بعض المصادر:معاشر الناس.
7- في بعض المصادر:و ان فتح اللّه قريب.
8- المناقب للخوارزمي:23-25 ط النجف.

موفق بن أحمد قال:أخبرني شهردار إجازة،أخبرني أبي شيرويه،أخبرنا أبو طالب أحمد بن محمد بن خالد (1)الريحاني الصوفي بقراءتي عليه من أصل سماعه (2)أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن عبد الرّحمن بن مخلد بن طلحة الصيداوي (3)، حدّثنا أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الحلبي بمصر،حدّثنا أبو أحمد العباس بن الفضل بن جعفر العكي (4)،حدثني علي بن العباس المقانعي،حدثني سعيد بن مؤيد الكندي (5)حدثني عبد اللّه بن حازم الخزاعي،عن إبراهيم بن موسى الجهني،عن سلمان الفارسي أن النبي صلّى اللّه عليه و اله قال لعلي:«يا علي تختّم باليمين تكن من المقربين،قال:يا رسول اللّه و ما المقربون؟

قال جبرائيل و ميكائيل قال:فبما أتختّم يا رسول اللّه؟

قال:بالعقيق الأحمر فإنه جبل أقر للّه بالوحدانية (6)ولي بالنبوة،و لك بالوصية، و لولدك بالإمامة،و لمحبيك بالجنة،و لشيعة ولدك بالفردوس» (7).

موفق بن أحمد بن أحمد في كتابه قال:حدثني فخر القضاة نجم الدين بن أبي منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي فيما كتب إلي من همدان قال:أنبأنا الإمام الشريف نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد الزينبي قال:أخبرنا إمام الأئمة محمد بن أحمد بن شاذان قال:حدّثنا أبو محمد الحسن بن علي العلوي الطبري،عن أحمد بن محمد بن عبد اللّه (8)قال:حدثني جدي أحمد بن محمد،عن أبيه،ه.

ص: 10


1- في بعض المصادر:خال.
2- في بعض المصادر:من أصل سماعه في مسجد الشونيزية.
3- في بعض المصادر:عبد الرّحمن بن محمد بن طلحة الصعداني.
4- في بعض المصادر:الملي.
5- في المصدر:سعد بن مزيد الكندي،و في المخطوطة:سعيد بن مزيد.
6- في بعض المصادر:بالعبودية.
7- المناقب للخوارزمي:233-234.
8- في بعض المصادر:أحمد بن عبد اللّه.

عن حماد بن عيسى،عن عمر بن أذينة قال:حدثني أبان ابن أبي عياش،عن سليم بن قيس الهلالي،عن سلمان المحمدي قال:دخلت على النبي و إذا الحسين على فخذه و هو يقبّل عينيه و يلثم فاه و يقول:«أنت سيد ابن سيد أخو سيد أبو سادة،أنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة،أنت حجة ابن حجة أخو حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم» (1).

ابن بابويه عن علي بن الحسين بن محمد قال:حدّثنا محمد بن الحسين بن الحكم الكوفي ببغداد قال:حدثني الحسين بن حمدان الحصيبي قال:حدّثنا عثمان ابن سعيد العمري.

قال:حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل الحسني (2)قال:حدثني خلف بن المغلس قال:حدثني نعيم بن جعفر قال:حدثني أبو حمزة الثمالي،عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين،عن أبيه الحسين عليهما السّلام قال:«دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو متفكر مغموم،فقلت:يا رسول اللّه مالي أراك متفكرا فقال:يا بني إن الروح الأمين قد أتاني فقال:يا رسول اللّه العلي الأعلى يقرئك السلام و يقول لك:إنك قد قضيت نبوتك و استكملت أيامك،فاجعل الاسم الاكبر و ميراث العلم و آثار النبوة عند علي بن أبي طالب فإني لا أترك الأرض إلا و فيها عالم يعرف بطاعتي (3)و تعرف به ولايتي فإني لم أقطع علم النبوة من العقب من ذريتك (4)،كما لم أقطعها من ذريات الأنبياء الذين كانوا بينك و بين أبيك آدم،فقلت:يا رسول اللّه فمن يملك هذا الأمر بعدك؟

قال:أبوك علي بن أبي طالب أخي و خليفتي و يملك بعد علي الحسن ثم تملكه أنت و تسعة من صلبك،يملكه اثنا عشر إماما،ثم يقوم قائمنا يملأ الأرض قسطا و عدلا كماك.

ص: 11


1- أخرجه الخوارزمي في مقتل الحسين:146/1 بلفظ:إنك سيد ابن سيد أبو سادة،انك إمام ابن إمام أبو أئمة،إنك حجة ابن حجة.
2- في كفاية الاثر و البحار:أبو عبد اللّه محمد بن مهران،عن محمد بن إسماعيل الحسني.
3- في كفاية الاثر و البحار:تعرف به طاعتي.
4- في كفاية الاثر و البحار:من الغيب من ذريتك.

ملئت جورا و ظلما و يشفي صدور قوم مؤمنين من شيعته» (1).

موفق بن أحمد قال:حدثني فخر القضاة نجم الدين بن أبي منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي فيما كتب إلي من همدان قال:أنبأنا الإمام الشريف نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد الزينبي قال:أخبرنا إمام الأئمة محمد بن أحمد ابن شاذان (2)قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن عبد اللّه الحافظ قال:حدّثنا علي بن سنان الموصلي،عن أحمد بن محمد بن صالح،عن سليمان (3)بن محمد عن زياد بن مسلم،عن عبد الرّحمن بن زيد،عن زيد بن جابر (4)،عن سلامة،عن أبي سلمى راعي ابل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«ليلة اسري بي إلى السماء قال لي الجليل جل جلاله: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ (5)؟فقلت و المؤمنون، قال:صدقت يا محمد من خلفت في امتك؟

قلت:خيرها.

قال:علي بن أبي طالب؟

قلت:نعم يا رب.

قال:يا محمد إني إطلعت إلى الأرض إطلاعة فاخترتك منها،فشققت لك إسما من أسمائي،فلا اذكر في موضع إلا ذكرت معي فأنا المحمود و أنت محمد،ثم اطلعت الثانية فاخترت عليا و شققت له إسما من أسمائي فأنا الأعلى و هو علي؛يا محمد إني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من نوري و عرضت ولايتكم على أهل السماوات و الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين،و من جحدها5.

ص: 12


1- رواه السيد البحراني في الانصاف ص 58-59،عن الغيبة لابن بابويه.و ذكره الخزاز في كفاية الأثر ص 24،و المجلسي في البحار:345/36-346.
2- هذه القطعة رواها عن الخوارزمي السيد ابن طاوس في الطرائف.
3- في بعض المصادر:سلمان.
4- في بعض المصادر:عبد الرّحمن بن يزيد بن جابر.
5- البقرة:285.

كان عندي من الكافرين.

يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم.

يا محمد أ تحب أن تراهم؟

قلت:نعم يا رب فقال:إلتفت عن يمين العرش فالتفت فإذا بعلي،و فاطمة،و الحسن، و الحسين،و علي بن الحسين،و محمد بن علي و جعفر بن محمد،و موسى بن جعفر، و علي بن موسى،و محمد بن علي،و علي بن محمد و الحسن بن علي و المهدي في ضحضاح (1)من نور قياما يصلّون و هو في وسطهم«يعني المهدي»كأنه كوكب دري.

قال:يا محمد هؤلاء الحجج و هو الثائر من عترتك،و عزتي و جلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي و المنتقم من أعدائي» (2).

موفق بن أحمد أيضا بالاسناد السابق،عن الإمام محمد بن أحمد بن علي بن شاذان قال:حدّثنا محمد بن علي بن الفضل،عن محمد بن القاسم،عن عباد بن يعقوب،عن موسى بن عثمان،عن الاعمش،حدثني أبو إسحاق عن الحرث و سعيد ابن بشير عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«أنا واردكم على الحوض،و أنت يا علي الساقي،و الحسن الذائد،و الحسين الآمر،و علي بن الحسين الفارط،و محمد بن علي الناشر،و جعفر بن محمد السائق،و موسى بن جعفر محصي المحبين و المبغضين و قامع المنافقين،و علي بن موسى مزين المؤمنين،و محمد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم،و علي بن محمد خطيب شيعته و مزوجهم الحور العين،و الحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به،و المهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن اللّه إلا لمن يشاء و يرضى» (3).ف.

ص: 13


1- الضحضاح:القريب القعر.
2- مقتل الحسين:95/1-96.ط النجف.
3- مقتل الحسين:94/1-95 ط النجف.

إبراهيم بن محمد الحمويني قال:أخبرني الخطيب نجم الدين عبد اللّه بن (1)أبي السعادات بن منصور بن أبي السعادات الناصري (2)بقراءتي عليه ببغداد بجامع المنصور أنبأنا (3)الشيخ الإمام أحمد بن يعقوب بن عبد اللّه المارستاني سماعا عليه قال:أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد المعروف بابن البطي إجازة إن لم يكن سماعا قال:أنبأنا أبو الفضل حمد بن أحمد الأصبهاني قال:أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الحافظ قال:حدّثنا محمد بن المظفر قال:حدّثنا محمد بن جعفر بن عبد الرحيم قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم قال:حدّثنا عبد الرّحمن بن عمران بن أبي ليلى أخو محمد بن عمران قال:حدّثنا يعقوب بن موسى الهاشمي، عن ابن أبي رواد،عن إسماعيل بن امية،عن عكرمة،عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«من سره أن يحيى حياتي،و يموت مماتي،و يسكن جنة عدن غرسها ربي؛ فليوال عليا من بعدي و ليوال وليه،وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي،رزقوا فهما و علما.و ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي،القاطعين فيهم صلتي،لا أنالهم اللّه شفاعتي» (4).

قلت:و روى هذا الحديث من العامة أيضا ابن أبي الحديد في شرج نهج البلاغة- و هو من مشايخ المعتزلة-رواه عن أبي نعيم الحافظ أحمد بن عبد اللّه الاصفهاني في كتاب حلية الاولياء (5).

إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة قال:أنبأني السيد الإمام نسابة عهده جلال الدين عبد الحميد بن فخار بن معد بن فخار بن معد (6)بن أحمدر.

ص: 14


1- في بعض المصادر:نجم الدين بن عبد اللّه.
2- في بعض المصادر:البابصري.
3- في بعض المصادر:قال:أخبرنا.
4- فرائد السمطين 1:/53ح 18.
5- حلية الاولياء:86/1.
6- في بعض المصادر:بن فخار.

ابن محمد بن أبي الغنائم محمد بن الحسين بن محمد بن إبراهيم المجاب برد السلام بن محمد الصالح بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن أبي عبد اللّه الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب-رضي اللّه عنهم أجمعين-قال:أخبرنا والدي الإمام شمس الدين شيخ الشرف معد-رحمه اللّه-إجازة قال:أخبرنا شاذان بن جبرائيل القمي،عن جعفر بن محمد الدروستي،عن أبيه قال:أنبأنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه رحمه اللّه قال:حدّثنا محمد بن علي بن ماجيلويه-رحمه اللّه-قال:أنبأنا علي بن إبراهيم عن أبيه،عن علي بن معبد،عن الحسن بن خالد،عن علي بن موسى الرضا،عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«من أحب أن يتمسك بديني و يركب سفينة النجاة بعدي فليقتد بعلي بن أبي طالب و ليعاد عدوه،و ليوال وليه فإنه وصيي و خليفتي على أمتي في حياتي و بعد وفاتي،و هو إمام كل مسلم،و أمير كل مؤمن بعدي،قوله قولي،و أمره أمري،و نهيه نهيي،و تابعه تابعي،و ناصره ناصري،و خاذله خاذلي»،ثم قال عليه السّلام:«من فارق عليا بعدي لم يرني،و لم أره يوم القيامة،و من خالف عليا حرّم اللّه عليه الجنة،و جعل مأواه النار،و من خذل عليا خذله اللّه يوم يعرض عليه،و من نصر عليا نصره اللّه يوم يلقاه و لقنه حجته عند المسألة».

ثم قال عليه السّلام:«و الحسن و الحسين إماما أمتي بعد أبيهما،و سيدا شباب أهل الجنة، أمهما سيدة نساء العالمين و أبوهما سيد الوصيين،و من ولد الحسين تسعة أئمة تاسعهم القائم من ولدي،طاعتهم طاعتي،و معصيتهم معصيتي،إلى اللّه أشكو المنكرين لفضلهم و المضيعين لحرمتهم بعدي و كفى باللّه وليا و ناصرا لعترتي و أئمة أمتي، و منتقما من الجاحدين حقهم؛ وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» (1).

أقول:انظر أيها الأخ إلى ما يرويه المخالفون النواصب ما هو عين مذهب الامامية الإثني عشرية و هذا يعطيك أن المخالفين العامة على ضلال مبين،7.

ص: 15


1- فرائد السمطين 1:/54ح 19،و الاية في سورة الشعراء:227.

و خسران عظيم،بعد العلم منهم و المعرفة بصحة معتقد الإمامية الإثني عشرية؛ فتأمل هذا الحديث و أضرابه مما يرويه الخاسرون و يحكم بصحته المخالفون (1).

الحمويني قال:أخبرني المشايخ الجلة من أهل الحلة،السيدان الامامان جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس الحسيني،و جلال الدين عبد الحميد بن فخار بن معد بن فخار الموسوي،و الإمام العلامة نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن الحسين بن يحيى بن سعيد-رحمهم اللّه-بروايتهم،عن السيد الإمام شمس الملة و الدين شيخ الشرف فخار بن محمد الدورستي عن أبيه (2)،عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي-رحمه اللّه-قال:حدّثنا علي بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي،عن أبيه عن جده أحمد بن عبد اللّه،عن أبيه محمد بن خالد،عن غياث بن إبراهيم (3)،عن ثابت بن دينار،عن سعد بن طريف،عن سعيد بن جبير،عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لعلي بن أبي طالب:«يا علي أنا مدينة الحكمة و أنت بابها،و لن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب،و كذب من زعم أنه يحبني و يبغضك لأنّك مني و أنا منك،لحمك من لحمي،و دمك من دمي،و روحك من روحي، و سريرتك من سريرتي،و علانيتك من علانيتي،و أنت إمام أمتي،و خليفتي عليها بعدي، سعد من أطاعك و شقي من عصاك،و ربح من تولاك،و خسر من عاداك،و فاز من لزمك، و هلك من فارقك،مثلك و مثل الأئمة من ولدك بعدي (4)مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا،و من تخلّف عنها غرق،و مثلكم مثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة» (5).7.

ص: 16


1- فرائد السمطين 1:/55ح 20.
2- في بعض المصادر:فخار بن معد بن فخار الموسوي،عن شاذان بن جبرائيل القمي عن جعفر بن محمد الدروستي.
3- في بعض المصادر:عتاب بن إبراهيم.
4- في بعض المصادر:و مثل الأئمة من بعدي.
5- أمالي الطوسي:130/2-131.و فرائد السمطين 2:/243ح 517.

الحمويني بإسناده عن أبي جعفر بن بابويه قال:ثنا أبي قال:نبأنا سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمد بن عيسى،عن العباس بن معروف،عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن البصري،عن أبي المعزا حميد بن المثنى (1)العجلي،عن أبي بصير،عن خيثمة الجعفي،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سمعته يقول:«نحن جنب اللّه،و نحن صفوته، و نحن خيرته،و نحن مستودع مواريث الأنبياء،و نحن أمناء اللّه عز و جل،و نحن حجة اللّه، و نحن أركان الإيمان،و نحن دعائم الإسلام،و نحن من رحمة اللّه على خلقه،و نحن بنا يفتح و بنا يختم،و نحن أئمة الهدى،و نحن مصابيح الدجى،و نحن منار الهدى،و نحن السابقون،و نحن الآخرون،و نحن العلم المرفوع للحق من تمسك بنا لحق،و من تأخر عنا غرق،و نحن قادة الغر المحجلين،و نحن خيرة اللّه،و نحن الطريق الواضح و الصراط المستقيم إلى اللّه،و نحن من نعمة اللّه عز و جل على خلقه،و نحن المنهاج،و نحن معدن النبوة و نحن موضع الرسالة،و نحن إلينا مختلف الملائكة،و نحن السراج لمن استضاء بنا،و نحن السبيل لمن اقتدى بنا،و نحن الهداة إلى الجنة،و نحن عرى الإسلام،و نحن الجسور و القناطر من مضى عليها لم يسبق،و من تخلف عنها محق،و نحن السنام الاعظم،و نحن بنا ينزل اللّه الرحمة و بنا يسقون الغيث،و نحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب،فمن عرفنا و أبصرنا و عرف حقنا و أخذ بأمرنا فهو منا و إلينا» (2).

الحمويني قال:أخبرني الإمام نجم الدين عيسى بن الحسين الطبري رحمه اللّه إجازة بجميع كتاب مقتل أمير المؤمنين عن الحسين بن علي قال:أخبرني السيد النقيب الحسيب النسيب ركن الدين أبو طالب يحيى بن الحسن الحسيني البطحائي، عن الإمام جمال الدين بن معين،عن مصنفه أخطب خوارزم أبي المؤيد الموفق بن أحمد المكي-رحمه اللّه-قال فيه:و ذكر الإمام محمد بن أحمد بن علي بن شاذان،ب.

ص: 17


1- في بعض المصادر:أحمد بن المثنى.
2- فرائد السمطين 2:/253ح 523 و مر ذكرها في ص 116 من هذا الكتاب.

عن محمد بن زياد (1)عن جميل بن صالح،عن جعفر بن محمد عليه السّلام قال:حدثني أبي، عن أبيه،عن الحسين بن علي عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فاطمة بهجة قلبي،و إبناها ثمرة فؤادي،و بعلها نور بصري،و الأئمة من ولدها امناء ربي و حبله الممدود بينه و بين خلقه.من اعتصم بهم نجا،و من تخلّف عنهم هوى» (2).

الحمويني هذا من أعيان علماء العامة قال:أنبأني السيد النسابة جلال الدين عبد الحميد بن فخار بن معد بن فخار الموسوي-رحمه اللّه-قال:أنبأنا والدي السيد شمس الدين شيخ الشرف فخار-رحمه اللّه-إجازة بروايته عن شاذان بن جبرائيل القمي،عن جعفر بن محمد الدورستي،عن أبيه،عن أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي قال:حدّثنا أبي و محمد بن الحسن-رضي اللّه عنه-قالا:أنبأنا سعد بن عبد اللّه قال:حدّثنا يعقوب بن يزيد،عن حماد بن عيسى،عن عمر بن اذينة،عن أبان ابن أبي عيّاش،عن سليم بن قيس الهلالي قال:رأيت عليا عليه السّلام في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و اله في خلافة عثمان-رضي اللّه عنه-و جماعة يتحدثون و يتذاكرون العلم و الفقه، فذكروا قريشا و فضلها و سوابقها و هجرتها،و ما قال فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من الفضل،مثل قوله«الأئمة من قريش»و قوله:«الناس تبع لقريش و قريش أئمة العرب».

و قوله:«لا تسبّوا قريشا»و قوله:«إنّ للقرشي قوة رجلين من غيرهم»و قوله:«من أبغض قريشا أبغضه اللّه»و قوله:«من أراد هوان قريش أهانه اللّه»و ذكروا الأنصار و فضلها،و سوابقها،و نصرتها،و ما أثنى اللّه عليهم في كتابه،و ما قال فيهم النبي صلّى اللّه عليه و اله من الفضل؛و ذكروا ما قال في سعد بن عبادة،و غسيل الملائكة فلم يدعوا شيئا من فضلهم حتى قال كل حي منا فلان و فلان،و قالت قريش:منّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و منّا حمزة،و منا جعفر،و منا عبيدة بن الحرث،و زيد بن حارثة و أبو بكر،و عمر،0.

ص: 18


1- في بعض المصادر:أحمد بن علي بن شاذان،أخبرني الحسن بن حمزة،عن علي بن محمد بن قتيبة،عن الفضل بن شاذان،عن محمد بن زياد.
2- مقتل الحسين:59/1،فرائد السمطين 2:/66ح 390.

و عثمان،و أبو عبيدة،و سالم و عبد الرّحمن بن عوف،فلم يدعوا من الحيين أحدا من أهل السابقة إلا سمّوه،و في الحلقة أكثر من مائتي رجل،منهم علي بن أبي طالب، و سعد بن أبي وقاص،و عبد الرّحمن بن عوف،و طلحة،و ابن الزبير،و المقداد،و أبو ذر،و هاشم بن عتبة،و ابن عمر،و الحسن،و الحسين عليهما السّلام و ابن عباس،و محمد بن أبي بكر،و عبد اللّه بن جعفر،و من الأنصار أبي بن كعب،و زيد بن ثابت (1)و أبو الهيثم بن التيهان،و محمد بن سلمة،و قيس بن سعد بن عبادة،و جابر بن عبد اللّه، و أنس بن مالك،و زيد بن أرقم،و عبد اللّه بن أبي أوفى،و أبو ليلى و معه ابنه عبد الرّحمن قاعد بجنبه غلام صبيح الوجه أمرد فجاء أبو الحسن البصري و معه ابنه الحسن البصري،و الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة فجعلت أنظر إليه و إلى عبد الرّحمن بن أبي ليلى فلا أدري أيهما أجمل غير أن الحسن أعظمهما و أطولهما.

فأكثر القوم و ذلك من بكرة إلى حين الزوال و عثمان في داره لا يعلم بشيء مما هم فيه و علي بن أبي طالب عليه السّلام ساكت لا ينطق بكلمة و لا أحد من أهل بيته.

فأقبل القوم عليه فقالوا:يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلم؟

فقال:«ما من الحيين إلا و قد ذكر و قال حقا (2)،فأنا أسألكم يا معشر قريش و الأنصار بمن أعطاكم اللّه هذا الفضل؟أ بأنفسكم،و عشائركم،و أهل بيوتاتكم أم بغيركم؟».

قالوا:بل أعطانا اللّه و منّ به علينا بمحمد صلّى اللّه عليه و اله لا بأنفسنا و عشائرنا،و لا بأهل بيوتاتنا.

قال:«صدقتم يا معشر قريش و الأنصار.ألستم تعلمون أن الذي نلتم من خير الدنيا و الآخرة منا أهل البيت خاصة دون غيرهم؟و أن ابن عمي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:إني و أهل بيتي كنا نورا يسعى بين يدي اللّه تعالى قبل أن يخلق اللّه عز و جل آدم عليه السّلام بأربعة عشرا.

ص: 19


1- في بعض المصادر:و أبو أيوب الأنصاري.
2- في بعض المصادر:إلا قد ذكر فصلا و قال حقا.

ألف سنة فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه و أهبطه إلى الأرض،ثم حمله في السفينة في صلب نوح عليه السّلام،ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم عليه السّلام ثم لم يزل اللّه عز و جل ينقلنا من الاصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة،و من الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة من الآباء و الامهات،لم يكن منهم على (1)سفاح قط».

فقال أهل السابقة و القدمة،و أهل بدر،و أهل أحد:نعم،قد سمعنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

ثم قال:«أنشدكم اللّه أ تعلمون أن اللّه عز و جل فضّل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية،و إني لم يسبقني إلى اللّه عز و جل و إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أحد من هذه الأمة؟»

قالوا:اللهم نعم.

قال:«فأنشدكم اللّه أ تعلمون حيث نزلت: وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ (2)وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (3)سئل عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال أنزلها اللّه تعالى ذكره في الأنبياء و أوصيائهم.فأنا أفضل أنبياء اللّه و رسله،و علي بن أبي طالب وصيي أفضل الأوصياء؟»

قالوا:اللهم نعم.

قال:«فأنشدكم اللّه أ تعلمون حيث نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (4)و حيث نزلت إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (5)و حيث نزلت وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً (6)قال الناس يا رسول اللّه أ خاصة في بعض6.

ص: 20


1- في بعض المصادر:لم يلق واحد منهم.
2- التوبة:100.
3- الواقعة:10.
4- النساء:59.
5- المائدة:55.
6- التوبة:16.

المؤمنين أم عامة في جميعهم فأمر اللّه عز و جل نبيه صلّى اللّه عليه و اله أن يعلمهم ولاة أمرهم،و أن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم و زكاتهم،و حجهم،و نصبني للناس بغدير خم».

ثم خطب فقال:«أيها الناس إن اللّه أرسلني برسالة ضاق بها صدري،و ظننت ان الناس مكذّبي فأوعدني لأبلّغها أو ليعذبني،ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة،ثم خطب فقال:أيها الناس أ تعلمون أن اللّه عز و جل مولاي و أنا مولى المؤمنين و أنا أولى بهم من أنفسهم قالوا بلى يا رسول اللّه.

قال:قم يا علي فقمت فقال:من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم و ال من والاه و عاد من عاداه.

فقام سلمان فقال:يا رسول اللّه ولاية ما ذا؟

فقال:ولاء كولاء من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه.فأنزل اللّه تعالى ذكره: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (1)فكبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:اللّه أكبر على تمام نبوتي،و تمام دين اللّه ولاية علي بعدي».

فقام أبو بكر و عمر فقالا:يا رسول اللّه هؤلاء الآيات خاصة في علي؟

قال:«بلى فيه و في أوصيائي إلى يوم القيامة».

قالا:يا رسول اللّه بيّنهم لنا.

قال:«علي أخي،و وزيري،و وارثي،و وصيي،و خليفتي في أمتي،و ولي كل مؤمن بعدي،ثم ابني الحسن،ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد القرآن معهم و هم مع القرآن،لا يفارقونه و لا يفارقهم حتى يردوا عليّ الحوض».فقالوا كلهم،اللهم نعم قد سمعنا ذلك و شهدنا كما قلت سواء.

و قال بعضهم:قد حفظنا جل ما قلت و لم نحفظ كله و هؤلاء الذين حفظوا اخيارنا و افاضلنا،فقال علي عليه السّلام:«صدقتم ليس كل الناس يستوون في الحفظ.أنشد اللّه عز و جل3.

ص: 21


1- المائدة:3.

من حفظ ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمّا قام و أخبر به».

فقام زيد بن أرقم،و البراء بن عازب،و سلمان،و أبو ذر،و المقداد،و عمار فقالوا نشهد لقد حفظنا قول رسول اللّه و هو قائم على المنبر و أنت إلى جانبه و هو يقول:

«أيها الناس إن اللّه عز و جل أمرني أن أنصب لكم امامكم و القائم فيكم بعدي،و وصيّي، و خليفتي و الذي فرض اللّه عز و جل على المؤمنين في كتابه طاعته،فقرنه بطاعته و طاعتي،و أمركم بولايته،و إني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق و تكذيبهم فأوعدني لتبلغنها أو ليعذبني.

أيها الناس إن اللّه أمركم في كتابه بالصلاة فقد بينتها لكم،و الزكاة،و الصوم و الحج فبينتها لكم و فسرتها،و أمركم بالولاية و إني اشهدكم أنها لهذا خاصة و وضع يده على عليّ بن أبي طالب،ثم قال لابنيه بعده،ثم للاوصياء من بعدهم،و من ولدهم لا يفارقون القرآن و لا يفارقهم القرآن،حتى يردوا عليّ حوضي.

أيها الناس:قد بينت لكم مفزعكم بعدي و إمامكم،و دليلكم،و هاديكم،و هو أخي علي بن أبي طالب و هو فيكم بمنزلتي فيكم فقلدوه دينكم،و أطيعوه في جميع اموركم فإن عنده جميع ما علّمني اللّه من علمه و حكمته فسلوه و تعلموا منه و من أوصيائه بعده و لا تعلموهم،و لا تتقدموهم و لا تخلّفوا عنهم،فإنهم مع الحق و الحق معهم لا يزايلوه و لا يزايلهم،ثم جلسوا».

قال سليم ثم قال علي عليه السّلام:«أيها الناس أ تعلمون أن اللّه أنزل في كتابه: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1)فجمعني و فاطمة و إبني حسنا و الحسين ثم ألقى علينا كساء و قال:اللهم هؤلاء أهل بيتي و لحمي يؤلمني ما يؤلمهم (2)و يجرحني ما يجرحهم فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا».

فقالت أم سلمة:و انا يا رسول اللّه؟م.

ص: 22


1- الاحزاب:33.
2- في بعض المصادر:يؤذيني ما يؤذيهم.

فقال:«أنت إلى خير،إنما نزلت فيّ،و في أخي علي بن أبي طالب،و في إبني (1)و في تسعة من ولد ابني الحسين خاصة،و ليس معنا فيها أحد غيرنا»؟

فقالوا كلهم:نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك فسألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فحدثنا كما حدثتنا أم سلمة.

ثم قال علي عليه السّلام:«أنشدكم اللّه أ تعلمون أن اللّه أنزل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ (2)».

فقال سلمان يا رسول اللّه عامة هذا أم خاصة؟

قال:«أمّا المأمورون فعامة المؤمنين امروا بذلك،و أما الصادقون فخاصة لأخي علي و أوصيائي من بعده إلى يوم القيامة».

قالوا:اللهم نعم.

قال:«أنشدكم اللّه تعالى أ تعلمون أني قلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في غزوة تبوك لم خلّفتني؟

فقال:إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك،و أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟».

قالوا:اللهم نعم.

فقال:«أنشدكم اللّه أ تعلمون أن اللّه أنزل في سورة الحج يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ (3)إلى آخر السورة فقام سلمان فقال:يا رسول اللّه من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد و هم شهداء على الناس،الذين اجتباهم اللّه،و لم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة إبراهيم؟

قال:عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمة قال:سلمان بيّنهم لنا7.

ص: 23


1- في الاحتجاج للطبرسي:و في ابنتي فاطمة،و في ابني.
2- التوبة:119.
3- الحج:77.

يا رسول اللّه؟

قال:أنا،و أخي علي،و أحد عشر من ولدي».

قالوا:اللهم نعم.

قال:«أنشدكم باللّه أ تعلمون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قام خطيبا لم يخطب بعد ذلك فقال:يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي فتمسكوا بهما لن تضلوا فإن اللطيف أخبرني و عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فقام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال:يا رسول اللّه أكل أهل بيتك؟

فقال:لا و لكن أوصيائي منهم،أولهم أخي،و وزيري،و وارثي،و خليفتي في أمتي و ولي كل مؤمن بعدي،هو أولهم.ثم إبني الحسن،ثم إبني الحسين،ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض شهداء للّه في أرضه،و حجته على خلقه،و خزان علمه،و معادن حكمته،من أطاعهم فقد أطاع اللّه و من عصاهم فقد عصى اللّه؟».

فقالوا كلهم:نشهد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال ذلك،ثم تمادى بعلي السؤال فما ترك شيئا إلا ناشدهم اللّه فيه و سألهم عنه حتى أتى على آخر مناقبه و ما قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كثيرا،كل ذلك يصدقونه و يشهدون أنه حقّ (1).

الحمويني قال:أنبأني الإمام صدر الدين (2)محمد بن أبي الكرام عبد الرزاق بن أبي بكر بن حيدر،أخبرني القاضي فخر الدين محمد بن خالد الحقيقي الأبهري كتابة قال:أنبأنا السيد الإمام ضياء الدين فضل اللّه بن علي أبو الرضا الراوندي إجازة قال:أخبرنا السيد أبو الصمصام ذو الفقار بن محمد بن معبد الحسيني (3)، أنبأنا الشيخ أبو جعفر الطوسي-قدس اللّه روحه-أنبأنا أبو عبد اللّه محمد بن محمدي.

ص: 24


1- فرائد السمطين 1:/312ح 250.
2- في بعض المصادر:بدر الدين.
3- في بعض المصادر:محمد بن معضد الحسني.

بن النعمان-روّح اللّه روحه-و أبو عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه،و أبو الحسين جعفر بن الحسين بن حسكة القمي،و أبو زكريا محمد بن سليمان الحراني قالوا كلهم:

أنبأنا الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي رضي اللّه عنه قال:أخبرنا علي بن عبد اللّه الوراق الرازي قال:أنبأنا سعد بن عبد اللّه قال:أنبأنا الهيثم بن أبي مسروق النهدي،عن الحسن بن علوان،عن عمر بن خالد،عن سعيد بن طريف عن الاصبغ بن نباتة،عن عبد اللّه بن عباس قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«أنا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسين (2)،قال:حدّثنا محمد بن الحسين الكوفي، قال:حدّثنا محمد بن محمود،قال:حدّثنا أحمد بن عبد اللّه الهلالي (3)قال:حدّثنا أبو حفص الأعشى،عن عنبسة بن الأزهر،عن يحيى بن عقيل،عن يحيى بن النعمان، قال:كنت عند الحسين عليه السّلام إذ دخل عليه من العرب (4)متلثم اسمرّ شديد السمرة فسلّم عليه فرد الحسين عليه السّلام فقال:يابن رسول اللّه مسألة،فقال:هات،فقال:كم بين الإيمان و اليقين؟

قال:«أربع اصابع».

قال:كيف؟

قال:«الإيمان ما سمعناه و اليقين ما رأيناه،و بين السمع و البصر أربع أصابع».

قال:كم بين السماء و الأرض؟

قال:«دعوة مستجابة».

قال:فكم بين المشرق و المغرب؟ب.

ص: 25


1- فرائد السمطين 2:/132ح 430.
2- في كفاية الاثر:علي بن الحسن.
3- في كفاية الاثر:الذهلي.
4- في كفاية الاثر:رجل من العرب.

قال:«مسيرة يوم للشمس».

قال:فما غنى المرء؟

قال:«استغناؤه عن الناس».

قال:فما أقبح شيء؟

قال:«الفسق في الشيخ قبيح،و الحدّة في السلطان قبيحة،و الكذب في ذي الحسب قبيح،و البخل في ذي الغنى قبيح،و الحرص في العالم»:قال:صدقت يابن رسول اللّه فأخبرني عن عدد الأئمة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:«اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل».

قال:سمّهم لي،فأطرق الحسين عليه السّلام رأسه مليا ثم رفع رأسه فقال:«نعم اخبرك يا أخا العرب،إن الإمام و الخليفة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أمير المؤمنين (1)علي بن أبي طالب و الحسن و أنا و تسعة من ولدي،منهم علي ابني،و بعده محمد ابنه،و بعده جعفر ابنه، و بعده موسى ابنه،و بعده علي ابنه،و بعده محمد ابنه،و بعده علي ابنه،و بعده الحسن، و بعده الخلف المهدي التاسع من ولدي يقوم بالدين في آخر الزمان».

قال:فقام الأعرابي و هو يقول:

مسح النبي جبينه فله بريق في الخدود

أبواه من أعلا قريش و جدّه خير الجدود (2)

الحمويني أيضا بإسناده هذا قال:قال أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه، أخبرني أبو المفضل محمد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني،عن أحمد بن مطرف بن سوار بن الحسين القاضي الحسني بمكة،أنبأنا أبو حاتم المهلبي،عن المغيرة بن محمد،أنبأنا عبد الغفار بن كثير الكوفي،عن هيثم بن حميد،عن أبي هاشم عن مجاهد عن ابن عباس رضى اللّه عنه قال:قدم يهودي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقال له:نعثل فقال له:

يا محمد إني أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين،فإن أجبتني عنها أسلمت5.

ص: 26


1- في البحار:أبي أمير المؤمنين.
2- كفاية الاثر ص 31،الانصاف ص 326-327،البحار:384/36-385.

على يدك؟

قال:«سل يا أبا عمارة».

قال:يا محمد صف لي ربك،فقال صلّى اللّه عليه و اله:«إن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، و كيف يوصف الخالق الذي تعجز الأوصاف أن تدركه (1)،و الاوهام أن تناله،و الخطرات أن تحده،و الأبصار الإحاطة به،جلّ عما يصفه الواصفون،ناء في قربه و قريب في نأيه، كيّف الكيف فلا يقال له كيف،و أيّن الأين فلا يقال له أين،هو منقطع الكيفية فيه و الاينونية (2)،فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه،و الواصفون لا يبلغون نعته، لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» .

قال:صدقت يا محمد فأخبرني عن قولك:إنه واحد لا شبيه له.أ ليس اللّه تعالى واحد و الانسان واحد؟فوحدانيته أشبهت وحدانية الانسان؟

فقال عليه السّلام:«اللّه تعالى واحد أحدي المعنى،و الانسان واحد ثنوي المعنى جسم و عرض،و بدن و روح،و إنما التشبيه في المعاني لا غير».

قال:صدقت يا محمد،فأخبرني عن وصيك من هو؟فما من نبي إلا وله وصي، و إن نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون،فقال:«نعم إن وصيي و الخليفة من بعدي علي بن أبي طالب،و بعده سبطاي الحسن و الحسين،يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمة أبرار».

قال:يا محمد فسمهم لي؟

قال:«نعم إذا مضى الحسين فابنه علي،فإذا مضى علي فابنه محمد،فإذا مضى محمد فابنه جعفر،فإذا مضى جعفر فابنه موسى،فإذا مضى موسى فابنه علي،فإذا مضى علي فابنه محمد،ثم ابنه علي،ثم ابنه الحسن ثم الحجة بن الحسن فهذه اثنا عشر أئمة عدد نقباء بني إسرائيل».ة.

ص: 27


1- في البحار:تعجز الحواس أن تدركه.
2- في البحار:هو منقطع الكيفوفية و الاينونية.

قال:فأين مكانهم في الجنة،قال:«معي في درجتي».

قال:أشهد ان لا إله إلا اللّه و أنك رسول اللّه،و أشهد أنهم الأوصياء بعدك،و لقد وجدت هذا في الكتب المتقدمة،و فيما عهد إلينا موسى بن عمران عليه السّلام أنه إذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له«أحمد»خاتم الأنبياء لا نبي بعده،فيخرج من صلبه أئمة أبرار عدد الأسباط،فقال:«يا أبا عمارة أ تعرف الأسباط؟».

قال:نعم يا رسول اللّه!إنهم كانوا اثني عشر،قال:«إن أولهم لاوي بن برخيا (1)، و هو الذي غاب عن بني اسرائيل غيبة طويلة ثم عاد فأظهر اللّه شريعته بعد اندراسها، و قاتل مع قرسطتا الملك حتى قتله،فقال صلّى اللّه عليه و اله كائن في أمتي ما كان في بني اسرائيل، حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة،و ان الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى،و يأتي على أمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلاّ اسمه،و لا من القرآن إلاّ رسمه،فحينئذ يأذن اللّه تعالى له بالخروج،فيظهر الإسلام و يجدد الدين،ثم قال عليه الصلاة و السلام:طوبى لمن أحبهم و الويل لمبغضهم و طوبى لمن تمسك بهم»فانتفض نعثل و قام بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أنشأ يقول:

صلى العلي ذو العلا عليك يا خير البشر

أنت النبي المصطفى و الهاشمي المفتخر

بك اهتدانا ربنا و فيك نرجو ما أمر

و معشر سميتهم أئمة إثني عشر

حباهم رب العلى ثم صفاهم من كدر

قد فاز من والاهم و خاب من عادى الزهر

آخرهم يشفي الظما و هو الإمام المنتظر

عترتك الاخيار لي و التابعون ما أمرا.

ص: 28


1- في البحار:فإن فيهم لاوي بن أرحيا.

من كان عنهم معرضا فسوف يصلى في سقر (1)

الحمويني،أنبأني المشايخ الكرام السيد الإمام جمال الدين رضي الإسلام أحمد ابن طاووس الحسيني و السيد الإمام النسابة جلال الدين عبد الحميد بن فخار بن معد بن فخار الموسوي،و علامة زمانه نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحليون رحمهم اللّه كتابة،عن السيد الإمام شمس الدين شيخ الشرف فخار بن معد بن فخار الموسوي،عن شاذان بن جبرائيل القمي،عن جعفر ابن محمد الدورستي،عن أبيه،عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رحمه اللّه قال:حدثني أبي و محمد بن الحسن رضي اللّه عنهما قال:

نبأنا سعد بن عبد اللّه،و عبد اللّه بن جعفر الحميري جميعا،عن أبي الخير صالح بن أبي حماد و الحسن بن طريف جميعا،عن بكر بن صالح.

ح-و حدّثنا أبي و محمد بن موسى بن المتوكل،و محمد بن علي ماجيلويه، و أحمد بن علي بن إبراهيم،و الحسن بن إبراهيم بن ناتانة،و أحمد بن زياد الهمداني رضي اللّه تعالى عنهم قالوا:حدّثنا علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم-روّح اللّه روحهما-عن بكر بن صالح،عن عبد الرّحمن بن سالم،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال أبي عليه السّلام لجابر بن عبد اللّه الأنصاري:«إن لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها».

فقال له جابر:في أي الأوقات شئت،فخلا به أبي عليه السّلام فقال:«يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و ما أخبرتك به ان في ذلك اللوح مكتوبا،قال جابر:أشهد اللّه أني دخلت على أمك فاطمة عليها السّلام في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أهنيها بولادة الحسين فرأيت في يدها لوحا أخضر ظننت أنه زمرد،و رأيت فيه كتابا أبيض شبه نور الشمس،فقلت أنا:بأبي و أمي يا بنت رسول اللّه ما هذا اللوح؟

فقالت:هذا اللوح أهداه اللّه إلى رسوله فيه إسم أبي،و إسم بعلي،و إسم إبني و أسماء1.

ص: 29


1- فرائد السمطين 2:/132ح 431.

الأوصياء من ولدي فأعطانيه أبي ليبشرني بذلك،قال جابر فأعطتنيه أمك فاطمة فقرأته و انتسخته،فقال أبي:فهل لك يا جابر أن تعرضه علي؟

قال:نعم،فمشى معه أبي حتى انتهى إلى منزل جابر و اخرج أبي صحيفة من رق، فقال:يا جابر أنظر في كتابك لأقرأ عليك،فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي فما خالف حرف حرفا،فقال جابر فأشهد باللّه أني رأيته هكذا في اللوح مكتوبا:بسم اللّه الرّحمن الرحيم:هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم لمحمد نوره،و سفيره،و حجابه،و دليله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين.

عظّم يا محمد أسمائي،و اشكر نعمائي،و لا تجحد آلائي،إني أنا اللّه لا إله إلا أنا قاصم الجبارين،و مذل الظالمين،و ديان الدين،إني أنا اللّه لا إله إلا أنا فمن رجا غير فضلي،أو خاف غير عدلي عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين،فإياي فاعبد،و علي فتوكل،إني لم أبعث نبيا فأكملت أيامه،و انقضت مدته،إلا جعلت له وصيا،و إني فضلتك على الأنبياء،و فضلت وصيك على الأوصياء،و أكرمتك،بشبليك بعده، و سبطيك حسن و حسين،فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه،و جعلت حسينا خازن و حيي و أكرمته بالشهادة،و ختمت له بالسعادة فهو أفضل ممن استشهد، و أرفع الشهداء درجة،جعلت كلمتي التامة معه،و الحجة البالغة عنده،بعترته اثيب و اعاقب،أولهم سيد العابدين،و زين أوليائي الماضين و ابنه شبيه جده المحمود محمد الباقر لعلمي و المعدن لحكمي،سيهلك المرتابون في جعفر،الراد عليه كالراد عليّ،حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر،و لأسرنه في أشياعه و أنصاره و أوليائه و انتجبت بعده موسى و انتجبت بعده فتنة عمياء حندس (1)لان خيط فرضي لا ينقطع (2)و حجتي لا تخفى،و ان أوليائي لا يشقون،ألا و من جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي،و من غيّر آية من كتابي فقد افترى عليّ،و ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبديع.

ص: 30


1- حندس:الشديد الظلمة.
2- في كمال الدين:لان حفظه فرض لا ينقطع.

موسى و حبيبي و خيرتي،إن المكذب بالثامن مكذب بكل أوليائي،و عليّ وليي و ناصري،و من أضع عليه أعباء النبوة و أمنحه بالاضطلاع (1)يقتله عفريت مستكبر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح،إلى جنب شر خلقي حق القول مني لأقرن عينه بمحمد إبنه و خليفته من بعده،فهو وارث علمي،و معدن حكمي،و موضع سري، و حجتي على خلقي،جعلت الجنة مأواه (2)و شفّعته في سبعين ألفا من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار؛و أختم بالسعادة لابنه علي وليي و ناصري،و الشاهد في خلقي و أميني على وحيي،و أخرج منه الداعي إلى سبيلي و الخازن لعلمي الحسن،ثم اكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين،عليه كمال موسى،و بهاء عيسى،و صبر أيوب،و سيذل أوليائي في زمانه،و يتهادون رؤوسهم كما يتهادون رؤوس الترك و الديلم،فيقتلون،و يحرقون، و يكونون خائفين،مرعوبين،وجلين و تصبغ الأرض بدمائهم،و يفشو الويل و الرنين (3)في نسائهم،أولئك أوليائي حقا،بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس،و بهم أكشف الزلازل، و أدفع الآصار (4)و الأغلال أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولئك هم المهتدون».

قال عبد الرّحمن بن سالم:قال أبو بصير:لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك،فصنه إلا عن أهله (5).

الحمويني بإسناده هذا،عن ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسين المؤدب، و أحمد ابن هارون الفامي قالا:أنبأنا محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري،عن أبيه،6.

ص: 31


1- اضطلع:نهض به و قوي عليه.
2- في عيون الاخبار:لا يؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه.
3- الرنين:الصوت الحزين.
4- الاصر::-آصار:الثقل،الذنب.
5- فرائد السمطين 2:/136ح 432،كمال الدين:308/1-311،عيون اخبار الرضا:34/1- 36.

عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي،عن محمد بن نعمة السلولي (1)،عن درست بن عبد الحميد،عن عبد اللّه بن القاسم،عن عبد اللّه بن جبلة عن أبي السفاتج، عن جابر الجعفي،عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السّلام،عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قدامها لوح يكاد ضوؤه يغشي الأبصار،فيه اثنا عشر إسما ثلاثة في ظاهره و ثلاثة في باطنه و ثلاثة أسماء في آخره،و ثلاثة أسماء في طرفه،فعددتها فإذا هي إثنا عشر إسما،فقلت:

أسماء من هذا؟

قالت:«هذه أسماء الأوصياء أولهم ابن عمي و أحد عشر من ولدي،آخرهم القائم».

قال جابر:فرأيت فيها محمدا محمدا محمدا في ثلاثة مواضع،و عليا عليا عليا عليا في أربعة مواضع (2).

الحمويني بإسناده عن أبي جعفر بن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار قال:حدّثنا أبي،عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن أبي الجارود،عن أبي جعفر عليه السّلام،عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:

دخلت على فاطمة عليها السّلام و بين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء فعددت اثني عشر آخرهم القائم،ثلاثة منهم محمد،و أربعة منهم عليّ صلوات اللّه عليهم (3).

الحمويني بالاسناد إلى أبي جعفر بن بابويه قال:أنبأنا محمد بن إبراهيم ابن إسحاق الطالقاني رضى اللّه عنه قال:حدّثنا الحسن بن إسماعيل قال:حدّثنا أبو عمرو سعيد ابن محمد بن نصر القطان قال:حدّثنا عبيد اللّه بن محمد السلمي قال:حدّثنا محمد ابن عبد الرحيم قال:حدّثنا محمد بن سعيد بن محمد قال:حدّثنا العباس بن أبي4.

ص: 32


1- في بعض المصادر،و كمال الدين:محمد بن مالك الفزاري الكوفي،عن مالك السلولي عن درست.
2- فرائد السمطين 2:/139ح 133.
3- فرائد السمطين 2:/139ح 134.

عمرو،عن صدقة بن أبي موسى،عن أبي نضرة قال:لما احتضر أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السّلام عند الوفاة دعا بابنه الصادق عليه السّلام ليعهد إليه عهدا فقال له أخوه زيد بن علي بن الحسين:لو امتثلت في تمثال الحسن و الحسين عليهما السّلام لرجوت أن لا تكون أتيت منكرا،فقال له:يا أبا الحسن إن الأمانات ليست بالتمثال،و لا العهود بالرسوم، و إنما هي أمور سابقة عن حجج اللّه تبارك و تعالى،ثم دعا بجابر بن عبد اللّه فقال له يا جابر حدّثنا بما عاينت من الصحيفة؟

فقال له جابر:نعم يا أبا جعفر دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول اللّه لأهنئها بمولد الحسين عليه السّلام فإذا بيدها صحيفة من درة بيضاء،فقلت يا سيدة النسوان ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟

قالت:«فيها أسماء الولاة من ولدي».

فقلت لها:ناوليني لأنظر فيها،قالت:«يا جابر لو لا النهي لكنت أفعل لكنه نهي أن يمسها إلا نبي أو وصي نبي،أو أهل بيت نبي،و لكنه مأذون لك أن تنظر إلى بطنها من ظاهرها».

قال جابر فقرأت فإذا فيها:أبو القاسم محمد بن عبد اللّه المصطفى،امه آمنة بنت وهب،و أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضى،امه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.أبو محمد الحسن بن علي.و أبو عبد اللّه الحسين بن علي التقي،امهما فاطمة بنت محمد.أبو محمد علي بن الحسين العدل،أمه شاه بانويه بنت يزدجرد ابن شاهنشاه.أبو جعفر محمد بن علي الباقر،امه ام عبد اللّه بنت الحسن بن علي بن أبي طالب.أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق،امه ام فروة بنت القاسم بن محمد ابن أبي بكر،أبو إبراهيم موسى بن جعفر الثقة،أمه جارية إسمها حميدة.أبو الحسن علي بن موسى الرضا،امه جارية اسمها نجمة.أبو جعفر محمد بن علي الزكي،امه جارية اسمها خيزران.أبو الحسن علي بن محمد الامين،امه جارية اسمها سوسن،أبو محمد الحسن بن علي الرفيق،امه جارية اسمها سمانة،أبو

ص: 33

القاسم محمد بن الحسن هو حجة اللّه القائم،امه جارية اسمها نرجس صلوات اللّه عليهم أجمعين.

قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه:جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم عليه السّلام و الذي أذهب إليه ما روي من النهي عن تسميته (1).

الحمويني أحد مشايخ العامة قال:أنبأني الشيخ سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي رحمه اللّه عن الشيخ الفقيه مهذب الدين أبي عبد اللّه بن أبي الفرج بن بردة السلمي (2)رحمه اللّه بروايته،عن محمد بن الحسين بن علي بن عبد الصمد، عن والده،عن جده محمد،عن أبيه،عن جماعة منهم السيد أبو البركات علي بن الحسن الجوزي العلوي،و أبو بكر محمد بن أحمد بن علي المقري و الفقيه أبو جعفر محمد بن إبراهيم الفاني بروايتهم،عن الشيخ الفقيه أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه اللّه جميع مصنفاته و رواياته قال:حدّثنا محمد ابن علي ماجيلويه-رضى اللّه عنه-قال:حدثني عمي محمد بن أبي القاسم،عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي قال:حدثني محمد بن علي القرشي قال:حدثني أبو الربيع الزهراني قال:حدّثنا جرير،عن ليث بن أبي سليم،عن مجاهد قال:قال ابن عباس:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«إن اللّه تبارك و تعالى ملكا يقال له:دردائيل،كان له ستة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح هواء و الهواء كما بين السماء إلى الأرض،فجعل يوما يقول في نفسه:أ فوق ربنا جل جلاله شيء؟فعلم اللّه تبارك و تعالى ما قال،فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان و ثلاثون ألف جناح ثم أوحى اللّه عز و جل إليه أن طر،فطار مقدار خمسين عاما فلم ينل رأس قائمة من قوائم العرش،فلما علم اللّه عز و جل إتعابه أوحى إليه أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظيم فوق كل عظيم و ليس فوقي شيء و لا أوصف بمكان،فسلبه اللّه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة،فلما ولد الحسين بن علي عليه السّلامي.

ص: 34


1- فرائد السمطين 2:/140ح 435،كمال الدين:305/1-307.
2- في بعض المصادر:النبلي.

و كان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة أوحى اللّه عز و جل إلى مالك خازن النار أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد في دار الدنيا،و أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان و طيبها لكرامة مولود ولد لمحمد في دار الدنيا و أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى حور العين أن تزينوا و تزاوروا لكرامة مولود ولد لمحمد في دار الدنيا،و أوحى اللّه عز و جل إلى الملائكة أن قوموا صفوفا بالتسبيح و التحميد و التكبير لكرامة مولود ولد لمحمد في دار الدنيا،و أوحى اللّه عز و جل لجبرئيل أن اهبط إلى نبيي محمد في ألف قبيل-و القبيل ألف ألف من الملائكة-على خيول بلق،مسرجة ملجمة،عليها قباب الدر و الياقوت،و معهم ملائكة يقال لهم:

الروحانيون،بأيديهم حراب من نور (1)أن هنئوا محمدا بمولوده،و أخبره يا جبرائيل إني قد سميته الحسين،فهنئه و عزه و قل له:يا محمد يقتله شر أمتك على شر الدواب، فويل للقاتل،و ويل للسائق،و ويل للقائد.

قاتل الحسين أنا منه بريء و هو مني بريء لأنه لا يأتي يوم القيامة أحد إلا و قاتل الحسين أعظم جرما منه.قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون ان مع اللّه إلها آخر،و النار أشوق إلى قاتل الحسين ممن أطاع اللّه إلى الجنة.

قال:فبينا جبرائيل عليه السّلام يهبط من السماء إلى الدنيا (2)إذ مرّ بدردائيل فقال له دردائيل:

يا جبرائيل ما هذه الليلة في السماء هل قامت القيامة على أهل الدنيا قال:لا و لكن ولد لمحمد مولود في دار الدنيا و قد بعثني اللّه عز و جل إليه لأهنئه بمولوده،فقال له الملك:

يا جبرائيل بالذي خلقني و خلقك إن هبطت إلى محمد فأقرئه مني السلام و قل له:بحق هذا المولود عليك إلاّ ما سألت ربك أن يرضى عني و يرد عليّ أجنحتي و مقامي من صفوف الملائكة،فهبط جبرائيل عليه السّلام على النبي صلّى اللّه عليه و اله فهنأه كما أمره اللّه عز و جل و عزاه، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و اله تقتله أمتي؟ض.

ص: 35


1- في بعض المصادر:أطباق من نور.
2- في بعض المصادر:الى الأرض.

فقال له:نعم يا محمد،فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله ما هؤلاء بأمتي أنا بريء منهم و اللّه عز و جل بريء منهم،قال جبرائيل:و أنا بريء منهم يا محمد،فدخل النبي صلّى اللّه عليه و اله على فاطمة عليها السّلام فهنأها و عزاها فبكت فاطمة عليها السّلام،ثم قالت:يا ليتني لم ألده،قاتل الحسين في النار،فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:و أنا أشهد بذلك يا فاطمة و لكنه لا يقتل حتى يكون منه إمام يكون منه الأئمة الهادية،قال عليه السّلام و الأئمة بعدي الهادي علي،و المهتدي الحسن،و الناصر الحسين، و المنصور علي بن الحسين،و الشافع محمد بن علي،و النفاع جعفر بن محمد،و الأمين موسى بن جعفر،و الرضا علي بن موسى،و الفعال محمد بن علي،و المؤتمن علي بن محمد،و العلام الحسن بن علي،و من يصلي خلفه عيسى ابن مريم عليه السّلام القائم عليه السّلام، فسكنت فاطمة عليها السّلام من البكاء.

ثم أخبر جبرائيل عليه السّلام النبي صلّى اللّه عليه و اله بقصة الملك و ما أصيب به،قال ابن عباس:فأخذ النبي صلّى اللّه عليه و اله الحسين عليه السّلام و هو ملفوف في خرقة من صوف فأشار به إلى السماء،ثم قال:

اللهم بحق هذا المولود عليك،لا بل بحقك عليه و على جده محمد و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب إن كان للحسين بن علي ابن فاطمة عندك قدرا فارض عن دردائيل ورد عليه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة (1)فالملك ليس يعرف في الجنة إلا بأن يقال هذا مولى الحسين بن علي،و ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله» (2).

الحمويني من علماء العامة بإسناده قال:روى الشيخ الجليل أبو جعفر بن بابويه قال:حدّثنا أبو الحسن أحمد بن ثابت الدواليبي بمدينة السلام،حدّثنا محمد ابن الفضل،حدّثنا محمد بن علي بن عبد الصمد الكوفي،حدّثنا علي بن عاصم،عن محمد بن علي بن موسى،عن أبيه علي بن موسى بن جعفر،عن أبيه جعفر بن محمد،عن أبيه محمد بن علي،عن أبيه علي بن الحسين،عن أبيه الحسين بن6.

ص: 36


1- في كمال الدين:فاستجاب اللّه دعاءه،و غفر للملك،ورد عليه أجنحته،ورده الى صفوف الملائكة،فالملك لا يعرف.
2- فرائد السمطين 2:/151ح 446.

علي عليهم السّلام قال:دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عنده أبي بن كعب فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:

«مرحبا بك يا أبا عبد اللّه،يا زين السماوات و الأرض».

قال ابي و كيف يكون يا رسول اللّه زين السماوات و الأرض أحد غيرك؟

قال:«يا ابيّ و الذي بعثني بالحق نبيا إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض،و إنه مكتوب على يمين عرش اللّه مصباح هدى و سفينة نجاة و إمام غير وهن، و عزّ و فخر،و علم و ذخر،و إن اللّه عز و جل ركب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام،أو يجري ماء في الأصلاب،أو يكون ليل أو نهار، و لقد لقن دعوات ما يدع بهن مخلوق إلا حشره اللّه عز و جل معه،و كان شفيعه في آخرته، و فرّج اللّه عنه كربه،و قضى اللّه بهادينه،و يسر أمره،و أوضح سبيله،و قواه على عدوه،و لم يهتك ستره».

فقال له ابي بن كعب:ما هذه الدعوات يا رسول اللّه؟

قال:«إذا فرغت من صلاتك و أنت قاعد:اللهم إني أسألك بكلماتك،و معاقد عرشك،و سكّان سماواتك،و أنبيائك و رسلك أن تستجيب لي فقد رهقني من أمري عسر،فأسألك أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تجعل لي من عسري يسرا،فإن اللّه عز و جل،يسهل أمرك و يشرح صدرك و يلقنك شهادة أن لا إله إلا اللّه عند خروج نفسك».

قال له ابي:يا رسول اللّه فما هذه النطفة التي في صلب الحسين؟

قال:«مثل هذه النطفة كمثل القمر و هي نطفة تبيين و بيان يكون من اتبعه رشيدا و من ضل عنه غويا».

قال:فما إسمه و ما دعاؤه؟

قال:«إسمه عليّ،و دعاؤه يا دائم يا ديموم يا حي يا قيوم يا كاشف الغم يا فارج الهم و يا باعث الرسل و يا صادق الوعد.و من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل مع علي بن الحسين و كان قائده إلى الجنة».

ص: 37

قال له ابي:يا رسول اللّه فهل له من خلف أو وصي؟

قال:«نعم له مواريث السماوات و الأرض».

قال:و ما معنى مواريث السماوات و الأرض يا رسول اللّه؟

قال:«القضاء بالحق،و الحكم بالديانة،و تأويل الأحكام،و بيان ما يكون».

قال:ما اسمه؟

قال:«اسمه محمد،و إنّ الملائكة لتستأنس به في السماوات و يقول في دعائه:اللهم إن كان لك عندي رضوان و ودّ فاغفر لي و لمن تبعني من إخواني و شيعتي و طيّب ما في صلبي،فركّب اللّه عز و جل في صلبه نطفة مباركة زكية و أخبرني جبرائيل عليه السّلام أن اللّه تبارك و تعالى طيّب هذه النطفة و سمّاها عنده جعفرا،و جعله هاديا مهديا و راضيا مرضيا يدعو ربه فيقول في دعائه:يا ديّان غير متوان يا أرحم الراحمين اجعل لشيعتي من النار وقاء،و لهم عندك رضى،فاغفر لهم ذنوبهم،و يسر امورهم و اقض ديونهم،و استر عوراتهم،و اغفر لهم الكبائر التي بينك و بينهم،يا من لا يخاف الضيم و لا تأخذه سنة و لا نوم،اجعل لي من الغم فرجا.و من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل أبيض الوجه مع جعفر بن محمد إلى الجنة.

يا ابي و إن اللّه تبارك و تعالى ركّب على هذه النطفة نطفة زكية مباركة طيبة أنزل عليها الرحمة و سماها عنده موسى».

قال له ابي:يا رسول اللّه كلهم يتواضعون و يتناسلون و يتوارثون و يصف بعضهم بعضا،قال:«وصفهم لي جبرائيل عليه السّلام عن رب العالمين جل جلاله».

قال فهل لموسى من دعوة يدعو بها سوى دعاء آبائه؟

قال:«نعم يقول في دعائه:يا خالق الخلق،و يا باسط الرزق و يا فالق الحب،و يا باريء النسم و محيي الموتى و مميت الأحياء،و دائم الثبات،و مخرج النبات،افعل بي ما أنت أهله.من دعى بهذا الدعاء قضى اللّه له حوائجه و حشره اللّه يوم القيامة مع موسى ابن جعفر،و إن اللّه ركب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية مرضية و سماها عنده عليا يكون للّه

ص: 38

في خلقه رضيا في علمه و حكمه،و يجعله حجّة لشيعته يحتجون به يوم القيامة و له دعاء يدعو به:اللهم صل على محمد و آل محمد و اعطني الهدى،و ثبتني عليه،و احشرني عليه آمنا أمن من لا خوف عليه و لا حزن و لا جزع،إنك أهل التقوى و أهل المغفرة.

و إنّ اللّه عز و جل ركب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية مرضية و سمّاها محمد بن علي فهو شفيع شيعته و وارث علم جده،له علامة بينة و حجة ظاهرة إذا ولد يقول:لا إله الاّ اللّه محمد رسول اللّه يقول في دعائه:يا من لا شبيه له و لا مثال،أنت اللّه لا إله إلا أنت و لا خالق إلا أنت تفني المخلوقين و تبقى أنت،حلمت عمن عصاك و في المغفرة رضاك.من دعى بهذا الدعاء كان محمد بن علي شفيعه يوم القيامة.

و إنّ اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلبه نطفة لا باغية و لا طاغية،بارة مبارك طيبة طاهرة سماها عنده علي بن محمد،فألبسها السكينة و الوقار،و أودعها العلوم و كل سر مكتوم، من لقيه و في صدره شيء أنبأه و حذره من عدوه،و يقول في دعائه:يا نور يا برهان يا منير و يا مبين،يا رب إكفني شر الشرور و آفات الدهور و أسألك النجاة يوم ينفخ في الصور.من دعى بهذا الدعاء كان علي بن محمد شفيعه و قائده إلى الجنة.

و إن اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلبه نطفة و سماها عنده الحسن و جعله نورا في بلاده و خليفته في أرضه،و عزّا لأمة جدّه،و هاديا لشيعته،و شفيعا لهم عند ربه و نقمة لمن خالفه،و حجّة لمن والاه،و برهانا لمن اتخذه إماما،يقول في دعائه:يا عزيز العز في عزه، يا عزيز أعزني بعزك،و أيدني بنصرك،و أبعد عني همزات الشياطين،و ادفع عني بدفعك،و امنع عني بمنعك،و اجعلني من خيار خلقك،يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد.

من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل معه و نجّاه من النار و لو وجبت عليه.

و إن اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلب الحسن نطفة مباركة زكية طيبة طاهرة مطهرة يرضى بها كل مؤمن ممن قد أخذ اللّه ميثاقه في الولاية و يكفر بها كل جاحد.و هو إمام تقي نقي بار مرضي هاد مهدي يحكم بالعدل و يأمر به،يصدق اللّه عز و جل و يصدقه اللّه في قوله،يخرج من تهامة حين تظهر الدلائل و العلامات،و له بالطالقان كنوز لا ذهب و لا

ص: 39

فضة إلا خيول مطهمة،و رجال مسومة يجمع اللّه له من أقاصي البلاد على عدد أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم و أنسابهم و بلدانهم و صنايعهم و طبايعهم و كلامهم و كناهم كرارون مجدون في طاعته»،فقال له:

و ما دلالته و علامته يا رسول اللّه؟

قال:«له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه و أنطقه اللّه عز و جل فناداه العلم أخرج يا ولي اللّه و اقتل أعداء اللّه،و له رايتان و علامتان و له سيف مغمد فإذا حان وقت خروجه إقتلع ذلك السيف من غمده،و أنطقه اللّه عز و جل فناداه السيف اخرج يا ولي اللّه فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء اللّه،فيخرج و يقتل أعداء اللّه حيث ثقفهم و يقيم حدود اللّه و يحكم بحكم اللّه،يخرج جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن ميسرته و شعيب بن صالح على مقدّمه،و سوف تذكرون ما أقول لكم و افوض امري إلى اللّه عز و جل.

يا ابي طوبى لمن لقيه،و طوبى لمن أحبه،و طوبى لمن قال به،و لو بعد حين،ينجيهم من الهلكة بالإقرار باللّه و برسوله و بجميع الأئمة،يفتح اللّه لهم الجنة،مثلهم في الأرض كمثل المسك الذي يسطع ريحه فلا يتغير أبدا،و مثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفأ نوره أبدا».

قال ابي:يا رسول اللّه كيف جاءك بيان هؤلاء الأئمة عن اللّه عز و جل؟

قال:«إن اللّه أنزل عليّ اثني عشر خاتما و اثنتي عشر صحيفة إسم كل إمام على خاتمه،و صفته في صحيفته و الحمد للّه رب العالمين» (1).

الحموي قال:أخبرني السيد النسابة جلال الدين عبد الحميد،عن أبيه الإمام شمس الدين شيخ الشرف فخار بن معد بن فخار الموسوي عن شاذان بن جبرائيل القمي،عن جعفر بن محمد الدورستي،عن أبيه،عن أبي جعفر محمد بن علي بن8.

ص: 40


1- فرائد السمطين 2:/155ح 447. و ذكره الشيخ ابن بابويه في كمال الدين:264/1-268.

بابويه رحمه اللّه قال:حدّثنا أبي قال:حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى،عن الحسين بن سعيد،عن حماد بن عيسى،عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لأمير المؤمنين:«أكتب ما املي عليك».

قال:«يا نبي اللّه أ تخاف عليّ النسيان؟».

قال:«لست أخاف عليك النسيان،و قد دعوت اللّه تعالى لك أن يحفظك و لا ينسيك، و لكن اكتب لشركائك».

قال:«قلت:و من شركائي يا نبي اللّه؟».

قال:«الأئمة من ولدك،بهم تسقى امتي الغيث،و بهم يستجاب دعاؤهم،و بهم يصرف اللّه عنهم البلاء،و بهم تنزل الرحمة من السماء،و هذا أولهم-و أومأ بيده إلى الحسن عليه السّلام-ثم أومأ بيده إلى الحسين عليه السّلام،ثم قال عليه السّلام:الأئمة من ولده» (1).

الحمويني من أهل السنة و الخلاف قال:أخبرني مفيد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن أبي الغنايم بن الجهم الحلي إجازة قال:أنبأنا القاضي خطير الدين محمود بن محمد بن الحسين بن عبد الجبار الطوسي،عن عمه زين الدين عبد الجبار عن أبيه،عن الصفي أبي تراب بن الداعي الحسيني،عن أبي محمد جعفر بن محمد الدورستي،عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان الحارثي،عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور- رضي اللّه عنه-قال:حدّثنا الحسين بن محمد بن عامر،عن المعلى بن محمد البصري،عن جعفر بن سليمان،عن عبد اللّه بن الحكم،عن أبيه،عن سعيد بن جبير، عن عبد اللّه بن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«إن خلفائي و أوصيائي و حجج اللّه على الخلق بعدي اثنا عشر،أوّلهم أخي،و آخرهم ولدي».ف.

ص: 41


1- فرائد السمطين 2:/259ح 527. و ذكره الشيخ بن بابويه في كمال الدين:206/1،و الأمالي ص 358 ط النجف.

قيل:يا رسول اللّه و من أخوك؟

قال:«علي بن أبي طالب»،قيل:فمن ولدك؟

قال:«المهدي الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.

و الذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح اللّه عيسى ابن مريم فيصلي خلفه و تشرق الأرض بنور ربها،و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب» (1).

الحمويني بإسناده إلى ابن بابويه قال:نبأنا أحمد بن الحسن القطان قال:حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال:نبأنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب قال:نبأنا الفضل بن الصقر العبدي قال:حدّثنا أبو معاوية،عن الأعمش،عن عباية بن ربعي،عن عبد اللّه بن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«أنا سيد النبيين و علي بن أبي طالب سيد الوصيين،و إن أوصيائي بعدي إثنا عشر،أوّلهم علي بن أبي طالب و آخرهم المهدي» (2).

الحمويني قال:أخبرني الشيخ الإمام العلامة نجم الدين أبو القاسم (3)جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي كتابة في شهور سنة احدى و سبعين و ستمائة بروايته،عن السيد النسابة فخار بن معد بن فخار الموسوي،عن شاذان بن جبرائيل،عن جعفر بن محمد الدورستي،عن أبيه،عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال:حدثني محمد بن علي ماجيلويه قال:نبأنا محمد بن أبي القاسم محمد عن حيان السراج (4)عن داود بن سليمان الكسائي،عن أبي الطفيل قال:شهدت جنازة أبي بكر يوم مات،و شهدت عمر حين بويع و علي عليه السّلام جالس ناحية إذ أقبلج.

ص: 42


1- فرائد السمطين-السمط الثاني،في باب ذكر احوال المهدي./312/2ح 562.
2- فرائد السمطين 2:/313ح 564. و رواه الشيخ ابن بابويه في كمال الدين:280/1،و في عيون الاخبار:52/1 ط النجف.
3- في بعض المصادر:أبو القسم.
4- في بعض المصادر:محمد بن أبي القسم،عن أحمد بن محمد بن خالد،عن أبيه،عن عبد اللّه بن القسم،عن حيان السراج.

عليه غلام يهودي،عليه ثياب حسان.و هو من ولد هارون،حتى قام على رأس عمر فقال:يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الأمة بكتابهم و أمر نبيهم؟

قال:فطأطأ عمر رأسه،فقال:إياك أعني،و أعاد عليه القول،فقال له عمر:ما ذاك (1)؟

قال:إني جئتك مرتادا لنفسي،شاكّا في ديني،فقال:دونك هذا الشاب قال:و من هذا الشاب قال:هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو أبو الحسن و الحسين إبني رسول اللّه و هذا زوج فاطمة ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأقبل اليهودي على عليّ فقال أ كذلك أنت؟

قال:«نعم».

قال:فإني اريد أن أسألك عن ثلاث و ثلاث و واحدة،قال:فتبسم عليّ عليه السّلام ثم قال:

«يا هاروني ما منعك أن تقول سبعا».

قال:أسألك عن ثلاث فإن علمتهن سألت عمّا بعدهن،و إن لم تعلمهن علمت أنه ليس فيكم علم.

قال علي عليه السّلام:«فإنني أسألك بالإله الذي تعبد لئن أنا أجبتك في كلّ ما تريد لتدعن دينك و لتدخلن في ديني»؟

قال:ما جئت إلا لذاك،قال:«فاسأل».

قال:فأخبرني عن أوّل قطرة دم قطرت على وجه الأرض أي قطرة هي؟و أوّل عين فاضت على وجه الأرض أي عين هي؟و أوّل شيء إهتز على وجه الأرض أي شيء هو؟فأجابه أمير المؤمنين عليه السّلام قال:فاخبرني عن الثلاث الاخر:أخبرني عن محمد صلّى اللّه عليه و اله كم بعده من إمام عدل؟و في أي جنة يكون؟و من الساكن معه في جنته؟.

فقال:«يا هاروني إن لمحمد من الخلفاء اثني عشر إماما عدلا لا يضرهم خذلان من خذلهم،و لا يستوحشون بخلاف من خالفهم،و إنهم أرسب في الدين من الجبالك.

ص: 43


1- في كمال الدين:ما شأنك.

الرواسي في الأرض،و مسكن محمد صلّى اللّه عليه و اله في جنته مع أولئك (1)الاثني عشر إماما العدول».

قال:صدقت و اللّه الذي لا إله إلا هو إني لأجدها في كتب أبي هارون كتبه بيده و املاء موسى (2).

قال:فأخبرني عن الواحدة،أخبرني عن وصي محمد كم يعيش من بعده؟و هل يموت أو يقتل؟

قال:«يا هاروني يعيش بعده ثلاثين سنة لا يزيد يوما و لا ينقص يوما ثم يضرب ضربة ههنا-يعني قرنه-فتخضب هذه من هذا».

قال:فصاح الهاروني و قطع تسبيحه و هو يقول:أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله،و أنّك وصيه الذي ينبغي أن تفوق و لا تفاق،و أن تعظم و لا تستضعف،ثم مضى به علي عليه السّلام إلى منزله فعلّمه معالم الدين (3).

انظر أيها الأخ إلى هذه الأخبار و أنها نص في صحة معتقد الامامية،و هو أن الأئمة بعد رسول اللّه صلوات اللّه عليهم أجمعين بنص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إثنا عشر و أنهم أوصياؤه،و هذه الأخبار كلها من طرق العامة المخالفين و الحمد للّه رب العالمين.

و رويت هذه الأخبار أيضا من طرق الامامية و معناها،فعملت بمضمونها الامامية دون العامة المخالفين مع روايتهم لها و لغيرها التي تطابقها من طرقهم فماذا بعد الحق إلا الضلال (4).ف.

ص: 44


1- في كمال الدين:في جنة عدن معه أولئك.
2- في بعض المصادر:و املاء موسى عمي عليهما السّلام،و في كمال الدين:و املاء عمي موسى عليه السّلام.
3- فرائد السمطين 1:/354ح 280.
4- المناقب للخوارزمي:129-130،ط النجف.

من طريق العامة المخالفين ما رواه الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن شاذان في المناقب المائة من طريق العامة في فضائل أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب و الأئمة من ولده صلوات اللّه عليهم اجمعين عن جعفر ابن محمد،عن أبيه،عن علي بن الحسين،عن أبيه،عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«يا علي أنت أمير المؤمنين،و إمام المتقين،يا علي أنت سيد الوصيين، و وارث علم النبيين،و خير الصديقين،و أفضل السابقين،يا علي أنت زوج سيدة نساء العالمين،و خليفة خير المرسلين،يا علي أنت مولى المؤمنين،يا علي أنت الحجة بعدي على الناس أجمعين،إستوجب الجنة من تولاّك،و استحق النار من عاداك،يا علي و الذي بعثني بالنبوة،و اصطفاني على جميع البرية لو أن عبدا عبد اللّه ألف عام ما قبل اللّه ذلك منه إلا بولايتك و ولاية الأئمة من ولدك (1)بذلك أخبرني جبرائيل فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر» (2).

أبو الحسن بن شاذان عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«و اللّه لقد خلفني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في امته،فأنا حجة اللّه عليهم بعد نبيه،و إن ولايتي لتلزم أهل السماء كما تلزم أهل الأرض،و إن الملائكة لتتذاكر فضلي و ذلك تسبيحها عند اللّه.أيها الناس اتبعوني أهدكم سواء السبيل،و لا تأخذوا يمينا و شمالا فتضلوا،أنا وصي نبيكم،و خليفته،و إمام المؤمنين و أميرهم،و مولاهم،و أنا قائد شيعتي إلى الجنة و سائق أعدائي إلى النار،و أنا سيف اللّه على أعدائه،و رحمته على أوليائه،و أنا صاحب حوض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لوائه، و صاحب مقام شفاعته،و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين خلفاء اللّه في أرضه، و حجج اللّه على بريته» (3).2.

ص: 45


1- في كنز الفوائد و البحار:و ان ولايتك لا تقبل إلا بالبراءة من أعدائك و أعداء الأئمة من ولدك بذلك أخبرني...
2- البحار:6/27؛و كنز الفوائد:185.
3- مائة منقبة:/59ح 32.

أبو الحسن بن شاذان،عن ابن عباس قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«معاشر الناس إعلموا أن للّه تعالى بابا من دخله أمن من النار،و من الفزع الأكبر»،فقام إليه أبو سعيد الخدري فقال:يا رسول اللّه إهدنا إلى هذا الباب حتى نعرفه،قال:«هو علي بن أبي طالب سيد الوصيين،و أمير المؤمنين و أخو رسول رب العالمين،و خليفة اللّه (1)على الناس أجمعين.

معاشر الناس من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفطام (2)لها فليستمسك بولاية علي بن أبي طالب فإن ولايته ولايتي،و طاعته طاعتي.

معاشر الناس:من أحب أن يعرف الحجة بعدي فليعرف علي بن أبي طالب.

معاشر الناس من سرّه اللّه ليقتدي بي فعليه أن يتولى ولاية علي بن أبي طالب (3)و الأئمة من ذريتي فإنهم خزان علمي».

فقام جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال:يا رسول اللّه ما عدة الأئمة؟

فقال:«يا جابر سألتني رحمك اللّه عن الإسلام بأجمعه،عدتهم عدة الشهور،و هي عند اللّه اثنا عشر شهرا في كتاب اللّه يوم خلق السماوات و الأرض،و عدتهم عدّة العيون التي انفجرت منه لموسى بن عمران حين ضرب بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، و عدّتهم عدّة نقباء بني إسرائيل،قال اللّه تعالى: وَ لَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً (4)فالأئمة يا جابر اثنا عشر إماما،أوّلهم علي ابن أبي طالب و آخرهم القائم صلوات اللّه عليهم» (5).

أبو الحسن بن شاذان،عن جعفر بن محمد،عن أبيه،ن الحسين بن علي صلوات اللّه عليهم قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«فاطمة بهجة قلبي،و إبناها ثمرة فؤادي،و بعلها نورن.

ص: 46


1- في البحار:و خليفته.
2- في بعض المصادر:لا انفصام.
3- في البحار:من سره أن يتولى ولاية اللّه فليقتد بعلي بن أبي طالب.
4- المائدة:12.
5- البحار:263/36 عن اليقين.

بصري،و الأئمة من ولدها أمناء ربي و حبله الممدود بينه و بين خلقه،من اعتصم بهم نجا و من تخلّف عنهم هوى» (1).

أبو الحسن بن شاذان،عن سلمان المحمدي قال:دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و اله و إذا الحسين بن علي على فخذه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و يقول:«أنت سيد ابن سيد أبو سادة،أنت إمام ابن إمام أبو أئمة،أنت حجّة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم» (2).

أبو الحسن بن شاذان،عن الصادق جعفر بن محمد،عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:حدثني جبرائيل،عن رب العزة جل جلاله أنه قال:من علم أن لا إله إلا أنا وحدي،و أن محمدا عبدي و رسولي،و أن علي بن أبي طالب خليفتي،و أن الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي،و نجيته من النار بعفوي،و أبحت له جواري، و أوجبت له كرامتي،و أتممت عليه نعمتي،و جعلته من خاصتي و خالصتي:إن ناداني لبيته،و إن دعاني أجبته،و إن سألني أعطيته،و إن سكت ابتدأته،و إن أساء رحمته،و إن فر مني دعوته،و إن رجع إليّ قبلته،و إن قرع بابي فتحته.

و من لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي أو شهد بذلك و لم يشهد أن محمدا عبدي و رسولي،أو شهد بذلك و لم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي،أو شهد بذلك و لم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي،و صغّر عظمتي،و كفر بآياتي و كتبي و رسلي،إن قصدني حجبته،و إن سألني حرمته،و إن ناداني لم أسمع نداءه،و إن دعاني لم أستجب دعاءه،و إن رجاني خيبت رجاءه مني.و ما أنا بظلاّم للعبيد».

فقام جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال:يا رسول اللّه و من الأئمة من ولد علي بن1.

ص: 47


1- ذكره مسندا الخوارزمي في مقتل الحسين:59/1 قال: و ذكر الإمام محمد بن أحمد بن علي بن شاذان،أخبرني الحسن بن حمزة،عن علي بن محمد بن قتيبة،عن الفضل بن شاذان،عن محمد بن زياد،عن حميد بن صالح،عن جعفر بن محمد عليه السّلام قال: حدثني أبي.
2- مر الحديث عن مقتل الحسين عليه السّلام للخوارزمي:146/1.

أبي طالب؟

فقال:«الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة،ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين،ثم الباقر محمد بن علي-ستدركه يا جابر فإذا أدركته فاقرئه مني السلام-ثم الصادق جعفر بن محمد،ثم الكاظم موسى بن جعفر،ثم الرضا علي بن موسى،ثم التقي محمد بن علي،ثم النقي علي بن محمد،ثم الزكي الحسن بن علي،ثم إبنه القائم بالحق مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.

هؤلاء يا جابر خلفائي،و أوصيائي،و أولادي،و عترتي،من أطاعهم فقد أطاعني و من عصاهم فقد عصاني،و من أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني،بهم يمسك اللّه السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه،و بهم يحفظ اللّه الأرض أن تميد (1)بأهلها» (2).

أبو الحسن بن شاذان،عن جعفر بن محمد الصادق،عن أبيه،عن آبائه عليهم السّلام،عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه كان جالسا في الرحبة و الناس حوله مجتمعون فقام إليه رجل فقال:يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك اللّه تعالى و أبوك معذب في النار؟!فقال له:«مه فض اللّه فاك،و الذي بعث محمدا بالحق نبيا لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه اللّه فيهم فتقول:أبي معذب في النار و ابنه قسيم الجنة و النار؟و الذي بعث محمدا بالحق نبيا،إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفي أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار:نور محمد،و نوري،و نور فاطمة و نور الحسن،و نور الحسين، و نور ولده من الأئمة،ألا إن نوره من نورنا الذي خلقه اللّه من قبل خلق آدم بالفي عام».

و روي هذا الحديث من طريق الخاصة الشيخ الطوسي في كتاب مجالسه بالاسناد المتصل إلى المفضل بن عمر،عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام عن أبيه،عن2.

ص: 48


1- ماد يميد:اي اضطرب و تحرك.
2- رواه بهذا اللفظ الشيخ الصدوق في كمال الدين:258/1،و الطبرسي في الاحتجاج:87/1- 89 ط النجف الاشرف،و المجلسي في البحار:251/36،252.

أمير المؤمنين عليه السّلام (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه اللّه قال:حدّثنا محمد بن أبي القاسم (2)عن محمد بن علي الكوفي،عن محمد بن سنان،عن المفضل بن عمر عن جابر بن يزيد،عن سعيد بن المسيب،عن عبد الرّحمن بن سمرة قال:قلت:يا رسول اللّه أرشدني إلى النجاة.

فقال لي:«يا بن سمرة إذا اختلفت الأهواء،و تفرقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب فإنه إمام أمتي و خليفتي عليهم من بعدي و هو الفاروق الذي يفرق بين الحق و الباطل.من سأله أجابه،و من استرشده أرشده و من طلب الحق من عنده وجده،و من التمس الهدى لديه صادقه،و من لجأ إليه أمنه،و من إستمسك به نجاه،و من اقتدى به هداه،يابن سمرة (3)إن عليا مني روحه من روحي و طينته من طينتي،و هو أخي و أنا أخوه،و هو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين،و إن منه إمامي أمتي،و سيدي شباب أهل الجنة الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين تاسعهم قائم أمتي،يملأ الأرض قسطا و عدلا،كما ملئت جورا و ظلما» (4).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي قال:حدثني أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن ثابت (5)،عن عطاء بن السائب،عن أبي يحيى،عن ابن عباس قال:ب.

ص: 49


1- رواه الشيخ الطبرسي في الاحتجاج:340/1،و المجلسي في البحار:69/35. و رواه الشيخ الطوسي في أماليه:311/1 بسنده قال:أخبرنا الحسين بن عبيد اللّه قال:أخبرنا أبو محمد،قال:حدّثنا محمد بن همام،قال:حدّثنا علي بن الحسين الهمداني قال:حدثني محمد بن خالد البرقي،قال:حدّثنا محمد بن سنان،عن المفضل بن عمر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن..
2- في بعض المصادر:عمي محمد بن أبي القاسم.
3- في بعض المصادر:يابن سمرة سلم من سلم له و والاه،و هلك من رد عليه و عاداه،يابن سمرة ان عليا.
4- أمالي الصدوق ص 23.
5- في بعض المصادر:ثابت كنانة قال:حدّثنا محمد بن الحسن بن العباس أبو جعفر الخزاعي، قال:حدّثنا حسن بن الحسين العرني قال:حدّثنا عمرو بن ثابت عن عطاء بن السايب.

صعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله المنبر فخطب و اجتمع الناس إليه فقال:«يا معاشر المؤمنين إن اللّه أوحى إلي أني مقبوض و أن ابن عمي عليّا مقتول،و اني أيها الناس اخبركم خبرا إن عملتم به سلمتم،و إن تركتموه هلكتم،إن ابن عمي عليا هو أخي و هو وزيري،و هو خليفتي،و هو المبلغ عني،و هو إمام المتقين و قائد الغر المحجلين.إن استرشد تموه أرشدكم،و إن اتبعتموه نجوتم،و إن خالفتموه ضللتم،و إن أطعتموه فاللّه أطعتم،و إن عصيتموه فاللّه عصيتم،و إن بايعتموه فاللّه بايعتم،و إن نكثتم بيعته فبيعة اللّه نكثتم.إن اللّه عز و جل أنزل عليّ القرآن و هو الذي من خالفه ضل،و من ابتغى علمه عند غير عليّ فقد هلك.

أيها الناس إسمعوا قولي و اعرفوا حق نصيحتي،و لا تخلفوني في أهل بيتي إلاّ بالذي أمرتم به.من حفظهم فإنهم حامتي و قرابتي و اخوتي و اولادي،و إنكم مجموعون و مساءلون عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما،إنهم أهل بيتي فمن آذاهم آذاني، و من ظلمهم ظلمني،و من أذلهم أذلني،و من أعزهم أعزني،و من أكرمهم أكرمني،و من نصرهم نصرني،و من خذلهم خذلني،و من طلب الهدي في غيرهم فقد كذبني.أيها الناس إتقوا اللّه و انظروا ما أنتم قائلون إذا لقيتموه فإني خصم لمن آذاهم،و من كنت خصمه خصمته.أقول قولي هذا و استغفر اللّه لي و لكم» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن أحمد بن موسى الدقاق رحمه اللّه قال:حدّثنا محمد بن أبي عبد اللّه الكوفي قال:حدّثنا موسى بن عمران النخعي،عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي،عن الحسن بن علي بن أبي حمزة،عن أبيه،عن سعيد بن جبير،عن ابن عباس قال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان جالسا ذات يوم إذ أقبل الحسن عليه السّلام فلما رآه بكى، ثم قال:«إليّ إليّ»يا بني،فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى.ثم أقبل الحسين عليه السّلام فلما رآه بكى،ثم قال:«إليّ إليّ يا بنيّ»،فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى.ثم أقبلت فاطمة عليها السّلام فلما رآها بكى،ثم قال:«إليّ إليّ يا بنية»فاجلسها9.

ص: 50


1- أمالي الصدوق ص 58-59.

بين يديه،ثم أقبل أمير المؤمنين عليه السّلام فلما رآه بكى و قال:«إليّ إليّ يا أخي»فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه:يا رسول اللّه ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت أو ما فيهم من تسر برؤيته؟

فقال صلّى اللّه عليه و اله:«و الذي بعثني بالنبوة و اصطفاني على جميع البرية إني و إياهم لأكرم الخلق على اللّه عز و جل،و ما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم.

أما علي بن أبي طالب فإنه أخي،و شقيقي،و صاحب الأمر بعدي،و صاحب لوائي في الدنيا و الآخرة،و صاحب شفاعتي و حوضي،و هو مولى كل مسلم،و إمام كلّ مؤمن، و قائد كل تقي،و هو وصيي،و خليفتي على أهلي و أمتي في حياتي و بعد موتي.محبه محبي و مبغضه مبغضي،و بولايته صارت أمتي مرحومة،و بعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة،و إني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي،حتى أنه ليزال عن مقعدي،و قد جعله اللّه له بعدي،ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقانِ (1).

و أما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين،و هي بضعة مني، و هي نور عيني،و هي ثمرة فؤادي،و هي روحي التي بين جنبي،و هي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض،و يقول اللّه عز و جل لملائكته:يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة نساء إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي و قد أقبلت على عبادتي (2)اشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار،و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذل بيتها،و انتهكت حرمتها،و غصب حقها،و منعت ارثهاي.

ص: 51


1- البقرة:185.
2- في بعض المصادر:و قد أقبلت بقلبها على عبادتي.

و كسر جنبها و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه فلا تجاب،و تستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية فتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة و تتذكر فراقي أخرى،و تستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تسمعه إذا تهجدت بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة،فعند ذلك يؤنسها اللّه تعالى ذكره بالملائكة فينادونها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول:يا فاطمة إِنَّ اللّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (1).

يا فاطمة اُقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ (2)ثم يبتدي بها الوجع فتمرض فيبعث اللّه عز و جل لها مريم بنت عمران تمرضها،و تؤنسها في علتها،فتقول عند ذلك:يا رب إني قد سئمت الحياة،و تبرّمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي،فيلحقها اللّه عز و جل بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي،فتقدم عليّ محزونة مكروبة،مهمومة، مغصوبة،مقتولة،فأقول عند ذلك:اللهم العن من ظلمها،و عاقب من غصبها،و أذل من أذلها،و خلّد في النار من ضرب جنبها،حتى ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك آمين.

و أما الحسن فإنه ابني و ولدي،و مني،و قرّة عيني،و ضياء قلبي،و ثمرة فؤادي،و هو سيّد شباب أهل الجنة،و حجة اللّه على الأمة،أمره أمري،و قوله قولي،من تبعه فإنه مني، و من عصاه فليس مني،و إني لمّا نظرت إليه تذكرت ما يجري عليه من الذل بعدي فلا يزال الأمر به حتى يقتل بالسم مظلوما (3)فعند ذلك تبكي الملائكة و السبع الشداد لموته،و يبكيه كلّ شيء حتى الطير في جو السماء و الحيتان في جوف الماء،فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون،و من حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن فيه القلوب،و من زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام.ا.

ص: 52


1- آل عمران:42-43.
2- آل عمران:42-43.
3- في بعض المصادر:يقتل بالسم ظلما و عدوانا.

و أمّا الحسين فإنّه منّي،و هو ولدي و ابني،و خير الخلق بعد أخيه،و هو إمام المسلمين،و مولى المؤمنين،و خليفة رب العالمين،و غياث المستغيثين،و كهف المستجيرين و حجة اللّه على خلقه أجمعين،و هو سيّد شباب أهل الجنة،و باب نجاة الأمة،أمره أمري و طاعته طاعتي،من تبعه فإنه مني و من عصاه فليس مني،و إني لما رأيته تذكرت ما يصنع به بعدي،كأني به و قد استجار بحرمي و قبري (1)فلا يجار،فأضمه في منامه إلى صدري،و آمره بالرحلة عن دار هجرتي،و أبشره بالشهادة،فيرتحل عنها إلى أرض مقتله،و موضع مصرعه،أرض كرب و بلاء،و قتل و فناء،تنصره عصابة من المسلمين،أولئك سادة شهداء أمتي يوم القيامة،كأني أنظر إليه و قد رمي بسهم فخر عن فرسه صريعا،ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوما»،ثم بكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و بكى من حوله،و ارتفعت الأصوات بالضجيج،ثم قام صلّى اللّه عليه و اله و هو يقول:«اللهم إني اشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي»،ثم دخل منزله (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور قال:حدّثنا الحسين بن محمد ابن عامر عن عمه عبد اللّه بن عامر،عن ابن أبي عمير،عن حمزة بن حمران،عن أبيه،عن أبي حمزة،عن علي بن الحسين،عن أبيه،عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهم أنّه جاء إليه رجل فقال له:يا أبا الحسن إنك تدعى أمير المؤمنين فمن أمّرك عليهم قال:«اللّه جل جلاله أمّرني عليهم»،فجاء الرجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:

يا رسول اللّه أ يصدق عليّ فيما يقول إن اللّه أمّره على خلقه؟فغضب النبي صلّى اللّه عليه و اله و قال:

«إنّ عليّا أمير المؤمنين،بولاية من اللّه عز و جل عقدها له فوق عرشه،و أشهد على ذلك ملائكته،إن عليا خليفة اللّه،و حجة اللّه،و إنه لإمام المسلمين،طاعته مقرونة بطاعة اللّه، و معصيته مقرونة بمعصية اللّه،فمن جهله فقد جهلني،و من عرفه فقد عرفني و من أنكر إمامته فقد أنكر نبوتي،و من جحد إمرته فقد جحد رسالتي،و من دفع فضله فقد2.

ص: 53


1- في بعض المصادر:و قربي.
2- أمالي الصدوق ص 99-102.

تنقصني،و من قاتله فقد قاتلني،و من سبه فقد سبني،لأنه مني،خلق من طينتي،و هو زوج فاطمة ابنتي،و أبو ولدي الحسن و الحسين»،ثم قال صلّى اللّه عليه و اله:«أنا و علي،و فاطمة، و الحسن،و الحسين،و تسعة من ولد الحسين حجج اللّه على خلقه.أعداؤنا أعداء اللّه و أولياؤنا أولياء اللّه» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال:حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال:حدّثنا جعفر بن سلمة الأهوازي قال:حدّثنا إبراهيم بن محمد الثقفي،عن إبراهيم بن موسى ابن اخت الواقدي قال:حدّثنا أبو قتادة الحراني،عن عبد الرّحمن بن العلاء الحضرمي،عن سعيد بن المسيب،عن ابن عباس قال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان جالسا يوما و عنده علي و فاطمة و الحسن و الحسين فقال:«اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي و أكرم الناس عليّ فأحب من أحبهم،و أبغض من أبغضهم و وال من والاهم،و عاد من عاداهم (2)و اجعلهم مطهرين من كل رجس،معصومين من كل ذنب،و أيدهم بروح القدس» (3).

ثم قال صلّى اللّه عليه و اله:«يا علي أنت إمام أمتي،و خليفتي عليها بعدي،و أنت قائد المؤمنين إلى الجنة،و كأني أنظر الى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور،عن يمينها سبعون ألف ملك،و عن يسارها سبعون ألف ملك،و بين يديها سبعون ألف ملك،و من خلفها سبعون ألف ملك تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة،فأيما إمرأة صلّت في اليوم و الليلة خمس صلوات،و صامت شهر رمضان،و حجّت بيت اللّه،و زكّت مالها،و أطاعت زوجها،و والت عليا بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة،و أنها لسيدة نساء العالمين».

فقيل له يا رسول اللّه أ هي سيدة نساء عالمها؟ك.

ص: 54


1- أمالي الصدوق:ص 116.
2- في بعض المصادر:و أعن من أعانهم.
3- في بعض المصادر:بروح القدس منك.

فقال صلّى اللّه عليه و اله:«تلك مريم بنت عمران،و أما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و إنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين،و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون:يا فاطمة إِنَّ اللّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (1)»ثم التفت الى علي عليه السّلام فقال:«يا علي إن فاطمة بضعة مني،و هي نور عيني،و ثمرة فؤادي،يسوؤني ما ساءها،و يسرني ما سرها، و إنها أول من يلحقني من أهل بيتي فأحسن اليها بعدي،و أما الحسن و الحسين فهما ابناي،و ريحانتاي،و هما سيدا شباب أهل الجنة،فليكونا عليك كسمعك و بصرك»،ثم رفع صلّى اللّه عليه و اله يده الى السماء فقال:«اللهم إني اشهدك أني محبّ لمن أحبهم،و مبغض لمن أبغضهم،و سلم لمن سالمهم،و حرب لمن حاربهم،و عدوّ لمن عاداهم،و وليّ لمن والاهم» (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسين بن محمد قال:حدّثنا أبو محمد هارون ابن موسى،قال:حدّثنا محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن عيسى بن المنصور الهاشمي (3)،قال:حدّثنا عمار بن محمد الثوري قال:حدّثنا سفيان،عن أبي الحجاف داود بن أبي عوف،عن الحسن بن علي عليهما السّلام قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول لعلي عليه السّلام:«أنت وارث علمي،و معدن حكمي،و الإمام بعدي،فإذا استشهدت فابنك الحسن،فإذا استشهد الحسن فابنك الحسين،و إذا استشهد الحسين فابنه علي يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمة اطهار،فقلت:يا رسول اللّه فما أسماؤهم؟

قال:علي و محمد و جعفر و موسى و علي و محمد و علي و الحسن و المهدي من صلب الحسين،يملأ اللّه به الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما» (4).ر.

ص: 55


1- آل عمران:42.
2- أمالي الصدوق ص 436-437.
3- في البحار:محمد بن أحمد بن عبد اللّه الهاشمي،عن عيسى بن أحمد.
4- ذكره المجلسي في البحار:340/36 عن كفاية الاثر.

ابن بابويه قال:أخبرنا محمد بن عبد اللّه بن المطلب قال:حدّثنا أبو السيد أحمد ابن محمد بن السيد المدني باصبهان،قال:حدّثنا عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر، عن عبد الوهاب بن عيسى المروزي،قال:حدّثنا الحسن بن علي (1)البلوي قال:

حدّثنا عبد اللّه بن يحيى (2)عن علي بن هاشم،عن حزور،عن الأصبغ بن نباتة قال:

سمعت عمران بن حصين يقول:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و اله يقول لعلي:«أنت الإمام (3)و الخليفة بعدي،تعلّم الناس (4)ما لا يعلمون،و أنت أبو سبطي و زوج ابنتي،و من ذريتكم العترة الأئمة المعصومون»،فسأله سلمان عن الأئمة فقال:«هم عدد نقباء بني إسرائيل» (5).

ابن بابويه قال:أخبرنا القاضي المعافي بن زكريا قال:حدّثنا علي بن عقبة،عن ابيه قال:حدثني الحسين بن علوان،عن أبي علي الخراساني،عن معروف بن خربوذ،عن أبي الطفيل،عن علي عليه السّلام قال:«قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:أنت الوصي على الأموات من أهل بيتي،و الخليفة على الأحياء من أمتي،حربك حربي،و سلمك سلمي، أنت الإمام أبو الأئمة،أحد عشر من صلبك أئمة مطهرون معصومون،و منهم المهدي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا،فالويل لمبغضيهم (6).

يا علي لو أن رجلا أحب في اللّه حجرا لحشره اللّه معه،إن محبيك و شيعتك و محبي أولادك و الأئمة بعدك يحشرون معك،و أنت معي في الدرجات العلى،و أنت قسيم الجنة و النار،تدخل محبيك الجنة و مبغضيك النار» (7).5.

ص: 56


1- في البحار:الحسين بن علي بن محمد البلوي.
2- في البحار:عبد اللّه بن نجيح.
3- في البحار:أنت وارث علمي،و أنت الإمام.
4- في البحار:تعلم الناس بعدي.
5- رواه المجلسي في البحار:330/36-331،عن كفاية الاثر.
6- في البحار:فالويل لمبغضكم.
7- البحار:325/36-325.

ابن بابويه قال:أخبرنا محمد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني،قال:حدّثنا أبو بكر محمد بن هارون الدينوري،قال:حدّثنا محمد بن العباس المصري قال:حدّثنا عبد اللّه بن إبراهيم الغفاري قال:حدّثنا حريز بن عبد اللّه الحذاء قال:حدّثنا إسماعيل ابن عبد اللّه قال:قال الحسين بن علي عليه السّلام:«لما أنزل اللّه تبارك و تعالى هذه الآية:

وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (1) سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عن تأويلها فقال:و اللّه ما يعني بها غيركم،و أنتم أولو الأرحام،فإذا مت فأبوك عليّ أولى بي و بمكاني،فإذا مضى أبوك فاخوك الحسن أولى به،فإذا مضى الحسن فأنت أولى به.

فقلت:يا رسول اللّه فمن بعدي؟

قال:ابنك من بعدك (2)فإذا مضى فابنه محمد أولى به من بعده،فإذا مضى محمد فابنه جعفر أولى به و بمكانه من بعده،فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى به من بعده،فإذا مضى موسى فابنه علي أولى به من بعده،فإذا مضى علي فابنه الحسن أولى به من بعده، فإذا مضى الحسن وقعت الغيبة في التاسع من ولدك،فهذه الأئمة التسعة من صلبك، أعطاهم اللّه علمي و فهمي،طينتهم من طينتي،ما لقوم يؤذونني فيهم؟لا أنالهم اللّه شفاعتي يوم القيامة» (3).

الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة:عن جماعة،عن أبي عبد اللّه الحسين بن علي بن سفيان البزوفري،عن علي بن سنان الموصلي العدل،عن علي بن الحسن (4)،عن أحمد ابن محمد بن الخليل،عن جعفر بن محمد المصري (5)عن عمه الحسن بن علي،عن أبيه،عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد،عن أبيه الباقر،عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين،عن أبيه الحسين الزكي الشهيد،عن أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«قالد.

ص: 57


1- الاحزاب:6.
2- في البحار:ابنك علي أولى بك من بعدك.
3- رواه المجلسي في البحار:343/36-344 عن كفاية الاثر.
4- في بعض المصادر:الحسين.
5- في بعض المصادر:جعفر بن أحمد.

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله-في الليلة التي كانت فيها وفاته-لعلي عليه السّلام:يا أبا الحسن أحضر صحيفة و دواة فأملى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله وصيّته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال:يا علي إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماما،و من بعدهم اثنا عشر مهديا فأنت يا علي أول الاثني عشر الإمام، سمّاك اللّه تعالى في سمائه عليا المرتضى،و أمير المؤمنين و الصديق الأكبر،و الفاروق الأعظم،و المأمون و المهدي،فلا تصلح هذه الأسماء لأحد غيرك،يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم و ميتهم،و على نسائي،فمن ثبّتها لقيتني غدا،و من طلقتها فأنا منها بريء و لم ترني،و لم أرها في عرصة القيامة و أنت خليفتي على أمتي من بعدي فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البر الوصول،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد باقر العلم،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى الكاظم،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد التقي (1)فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى إبنه الحسن الفاضل،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى إبنه المستحفظ من آل محمد فذلك اثنا عشر إماما،ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى إبنه أول المقربين ثلاثة أسماء (2)إسم كاسمي و اسم أبي و هو عبد اللّه و أحمد و الاسم الثالث المهدي،هو أول المؤمنين» (3).

ابن بابويه قال:أخبرنا أبو عبد اللّه الحسين بن محمد بن سعيد بن علي الخزاعي قال:حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن أحمد الصفواني قال:حدّثنا أبو هاشم عمر بن1.

ص: 58


1- في بعض المصادر:محمد الثقة التقي.
2- في بعض المصادر:له ثلاثة اسام.
3- الغيبة ص 96-97،ط النجف الاشرف،و ذكره المجلسي في البحار:/36ص 260-261.

عبد اللّه المقري قال:حدّثنا أسد بن موسى (1)قال:حدّثنا عبد اللّه بن حكيم الهمداني عن أبي بكر الرهني (2)عن الحجاج بن أرطاة،عن عطية العوفي،عن أبي سعيد الخدري قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول للحسين بن علي:«أنت الإمام ابن الإمام و أخو الإمام تسعة من صلبك أئمة أبرار و التاسع قائمهم» (3).

ابن بابويه قال:أخبرنا محمد بن عبد اللّه الشيباني قال:حدّثنا محمد بن يعقوب الكليني قال:حدثني محمد بن يحيى العطار،عن سلمة بن الخطاب،عن محمد بن خالد الطيالسي،عن سيف بن عميرة،و صالح بن عقبة جميعا عن علقمة الحضرمي (4)،عن الصادق عليه السّلام قال:«الأئمة اثنا عشر»قلت (5):يابن رسول اللّه فسمهم لي فقال:«من الماضين علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي ثم أنا»،قلت:فمن بعدك يابن رسول اللّه؟

قال:«إني قد أوصيت إلى ابني موسى و هو الإمام بعدي»،قلت:فمن بعد موسى؟

قال:«علي إبنه يدعى الرضا يدفن في أرض الغربة من خراسان،ثم بعد علي إبنه محمد،ثم بعد محمد إبنه علي و بعد علي ابنه الحسن،و المهدي من ولد الحسن،ثم قال عليه السّلام:حدثني أبي عن أبيه عن جده،عن علي بن أبي طالب قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:

يا علي إن قائمنا إذا خرج تجتمع إليه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا عدد رجال بدر فإذا حان وقت خروجه يكون له سيف مغمود يناديه السيف:قم يا ولي اللّه فاقتل أعداء اللّه» (6).

ابن بابويه قال:حدثني علي بن الحسين بن محمد بن مندة قال:حدّثنا محمد بن0.

ص: 59


1- في المخطوطة:إسماعيل بن موسى.
2- في البحار:الراهبي.
3- مناقب آل أبي طالب:295/1.كفاية الاثر ص 4-5،البحار:/36ص 291.
4- في كفاية الاثر:علقمة بن محمد الحضرمي.
5- في كفاية الاثر:قال:قلت:.
6- كفاية الاثر ص 36 ط ايران،البحار:409/36-410.

الحسين الكوفي المعروف بأبي الحكم قال:حدّثنا إسماعيل بن موسى بن إبراهيم قال:حدّثنا سليمان بن حبيب،قال:حدثني شريك،عن حكيم بن جبير،عن إبراهيم النخعي،عن علقمة بن قيس قال:خطبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على منبر الكوفة خطبة اللؤلؤة،فقال فيما قال في آخرها:«ألا و إني ظاعن عنكم عن قريب، و منطلق إلى مغيب،فارتقبوا الفتنة الأموية و المملكة الكسروية،و إماتة ما أحياه اللّه، و إحياء ما أماته اللّه،و اتخذوا صوامعكم بيوتكم،و عضوا على مثل جمر الغضا (1)، و اذكروا اللّه كثيرا فذكره أكبر لو كنتم تعلمون.

ثم قال:و تبنى مدينة يقال لها الزوراء،بين دجلة و دجيل و الفرات،فلو رأيتموها مشيّدة بالجص و الآجر،مزخرفة بالذهب و الفضة،و اللازورد المستسقى و المرمر و الرخام و أبواب العاج و الآبنوس،و الخيم و القباب و الستارات،و قد عليت بالساج و العرعر و الصنوبر (2)و الشب،و شيدت بالقصور،و توالت عليها بنو الشيصبان (3)أربعة».

ص: 60


1- عضن عضا:أمسكنه باسنانه.الغضا:شجر من الاثل خشبه من أصلب الخشب و جمره يبقى زمنا طويلا لا ينطفي.
2- الساج:شجر عظيم صلب الخشب(معرب كاج).و العرعر:شجر يشبه السرو ينبت في الجبال. و الصنوبر:شجر رفيع العورق دائم الخضرة.
3- في الانصاف:ملوك بني الشيبان،و في البحار:ملوك بني الشيصبان. «الشيصبان اسم الشيطان،و انما عبر عنهم بذلك لأنهم كانوا شرك شيطان.و المشهور أن عدد خلفاء بني العباس كان سبعة و ثلاثين،و لعله عليه السّلام انما عد منهم من استقر ملكه و امتد،لا من تزلزل سلطانه و ذهب ملكه سريعا،كالامين و المنتصر و المستعين و المعتز و أمثالهم. و الكديد إما كناية عن المعتز فالمراد بسنيه أعوام عمره فإن عمره حين مات كان أربعا و عشرين سنة، فيكون ما ذكره عليه السّلام عند العد على خلال فالترتيب؛أو كناية عن المقتدر و يكون المراد بسنيه مدة خلافته و كانت أربعة و عشرين سنة و أحد عشر شهرا و ثمانية عشر يوما و كان ثامن عشرهم و في العد أيضا الكديد هو الثامن عشر و المتقي أيضا كانت مدّة خلافته أربعا و عشرين سنة و أشهرا،فيحتمل أن يكون اشارة إليه بناء على سقوط جماعة قبله لعدم تمكنهم كما مر.و في بعض النسخ«على عدد سني الملك»أي على عدد سني ملكهم و سلطنهم،أهملها و لم يذكرها،و في روايات هذه الخطبة اختلافات كثيرة».

و عشرون ملكا على عدد سني الملك (1)،فيهم السفاح و المقلاص و الجموع و الخدوع و المظفر و المؤنث و النظار و الكبش و المهتور و العيار و الصلعم و المستسغب و العلام و الرهبان و الخليع و السيار و المترف و الكديد و الاكتب و المسرف و الكلب و الوشمي و الصلام و الغسوق (2)،و تعمل القبة الغبراء ذات الفلاة الحمراء،و في عقبتها قائم الحق يسفر عن وجهه بين أجنحته الأقاليم كالقمر (3)المضيء بين الكواكب الدرية،ألا و ان لخروجه علامات عشرة أولها:طلوع الكوكب ذي الذنب،و يقارب من الجاري،و يقع فيه هرج و مرج و شغب،و تلك علامات الخصب،و من علامة إلى علامة عجب،فإذا انقضت العلامات العشرة إذ ذاك يظهر منا القمر الأزهر و تمت كلمة الاخلاص للّه على التوحيد».

فقال له رجل يقال له عامر بن كثير:يا أمير المؤمنين لقد أخبرتنا عن أئمة الكفر و خلفاء الباطل فأخبرنا عن أئمة الحق و ألسنة الصدق بعدك،قال:«نعم لعهد عهده إلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إن هذا الأمر يملكه إثنا عشر إماما تسعة من صلب الحسين و قد قال النبي صلّى اللّه عليه و اله:لما عرج بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش فإذا مكتوب فيه لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه أيدته بعلي و نصرته بعلي،و رأيت اثني عشر نورا فقلت:يا رب انوار من هذه؟فنوديت يا محمد هذه أنوار الأئمة من ذريتك فقلت:يا رسول اللّه أ فلا تسميهم لي؟

فقال:نعم أنت الإمام و الخليفة بعدي،تقضي ديني،و تنجز عداتي،و بعدك ابناك الحسن و الحسين،و بعد الحسين ابنه علي بن الحسين زين العابدين،و بعد علي ابنه محمد يدعى بالباقر،و بعد محمد ابنه جعفر يدعى بالصادق و بعد جعفر ابنه موسىء.

ص: 61


1- في كفاية الاثر:على عدد سني الملك الكديد،و في البحار:على عدد سني الكديد.
2- في الانصاف:و المهتور و العثار و المضطلم و المستصعب و العلام و الرهبان و الخليع و السيار و المترف و الكديد و الاكبت و المثرب و الاكلب و الوثيم و الظلام و العينوق.
3- في الانصاف:يسفر عن وجهه بين الاقاليم كالقمر.و أسفر الصبح:أي أضاء.

يدعى بالكاظم،و بعد موسى ابنه علي يدعى بالرضا،و بعد علي ابنه محمد يدعى بالزكي،و بعد محمد ابنه علي و يدعى بالتقي و بعد علي ابنه الحسن يدعي بالامين القائم من ولد الحسين سميي و أشبه الناس بي،يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما».

قال الرجل:يا أمير المؤمنين فما بال قوم و عوا ذلك من رسول اللّه ثم دفعوكم عن هذا الأمر و انتم الاعلون نسبا بالنبي صلّى اللّه عليه و اله و فهما بالكتاب و السنة؟

قال:«أرادوا قلع أوتاد الحرم،و هتك سور أشهر الحرم من بطون البطون و نور نواظر العيون،بالظنون الكاذبة،و الأعمال البائرة،بالاعوان الجائرة،في البلدان المظلمة، و البهتان المهلكة،بالقلوب الجريّة فراموا هتك الستور الزكية،و كسرانية التقية (1)و مشكاة يعرفها الجميع،عين الزجاجة و مشكاة المصباح و سبل الرشاد،و خيرة الواحد القهار،حملة بطون القرآن،فالويل لهم من طمطام النار،و من رب كريم متعال،بئس القوم من خفضني و حاولوا الإدهان في دين اللّه،فإن يرفع عنا محن البلوى حملناهم من الحق على محضه،و إن يكن الاخرى فلا تأس على القوم الفاسقين» (2).

ابن بابويه قال:أخبرنا القاضي أبو الفرج المعافي بن زكريا البغدادي قال:حدّثنا أبو سليمان (3)أحمد بن أبي هراسة قال:حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي،عن عبد اللّه ابن حماد الأنصاري قال:حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس،عن أبيه،عن عبد الحميد الأعرج،عن عطاء قال:دخلنا على عبد اللّه بن عباس و هو عليل بالطائف و قد ضعف (4)فسلمنا عليه و جلسنا،فقال لي:يا عطاء من القوم؟وخ

ص: 62


1- في البحار:و كسرانية اللّه النقية.
2- رواه السيد البحراني في كتابه الانصاف ص 232-237-ط ايران 1386 ه عن النصوص على الأئمة الاثني عشر لابن بابويه،و رواه الشيخ الخزاز القمي في كفاية الاثر ص 28-29 ط ايران،و عنه الشيخ المجلسي في البحار:354/36-356.و قال بعد ذكر الحديث.
3- في كفاية الاثر:أبو سليمان.
4- في كفاية الاثر،و البحار:بالطائف-في العلة التي توفي فيها و نحن زهاء ثلاثين رجلا من شيوخ الطائف-و قد ضعف...

فقلت:يا سيدي هم شيوخ هذا البلد،منهم:عبد اللّه بن سلمة بن حضرم الطائفي، و عمارة بن الأجلح،و ثابت بن مالك،فما زلت أذكر له واحدا بعد واحد ثم تقدّموا إليه و قالوا:يابن عم رسول اللّه إنك رأيت رسول اللّه و سمعت منه ما سمعت،فأخبرنا عن اختلاف هذه الأمة فقوم قدّموا عليا على غيره و قوم جعلوه بعد ثلاثة؟

قال:فتنفس ابن عباس فقال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«علي مع الحق و الحق مع علي (1)و هو الإمام و الخليفة بعدي،فمن تمسك به فاز و نجا،و من تخلف عنه ضل و غوى،يلي تكفيني و غسلي،و يقضي ديني،و أبو سبطي الحسن و الحسين،و من صلب الحسين تخرج الأئمة التسعة،و منا (2)مهدي هذه الأمة».

فقال له عبد اللّه بن سلمة الحضرمي:يابن عم رسول اللّه فهلا كنت تعرفنا قبل؟

فقال:و اللّه قد اديت ما سمعت و نصحت لكم و لكن لا تحبون الناصحين،ثم قال:

إتقوا اللّه عباد اللّه تقية من اعتبر تمهيدا،و بقي في و جل (3)و كمش في مهل (4)،و رغب في طلب،و هرب في هرب.فاعملوا لآخرتكم قبل حلول آجالكم،و تمسّكوا بالعروة الوثقى من عترة نبيكم،فإني سمعته يقول:«من تمسك بعترتي من بعدي كان من الفائزين».

ثم بكى بكاء شديدا فقال له القوم:أ تبكي و مكانك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مكانك؟

فقال لي:يا عطاء إنما أبكي لخصلتين:هول المطلع و فراق الأحبة؛ثم تفرق القوم فقال:يا عطاء خذ بيدي و احملني إلى صحن الدار،فأخذنا بيده أنا و سعيد و حملناه إلى صحن الدار ثم رفع يديه إلى السماء و قال:اللهم إني أتقرب إليك بمحمد و آل محمد،اللهم إني أتقرب إليك بولاية الشيخ علي بن أبي طالب.ر.

ص: 63


1- في كفاية الاثر:و الحق معه.
2- في المخطوطة:و منها.
3- في كفاية الاثر:و اتقى في وجل.و الوجل:الخوف.
4- أي أسرع في الخير.

فما زال يكررها حتى وقع على الأرض فصبرنا عليه ساعة (1)ثم أقمناه فإذا هو ميت رحمة اللّه عليه (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي اللّه عنه قال:أخبرنا محمد بن محمد (3)الهمداني قال:حدّثنا محمد بن هشام قال:حدّثنا علي بن الحسن السائح قال:سمعت الحسن بن علي العسكري يقول:حدثني أبي عن أبيه،عن جده عليهم السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لعلي بن أبي طالب:يا علي لا يحبك إلا من طابت ولادته،و لا يبغضك إلا من خبثت ولادته،و لا يواليك إلا مؤمن و لا يعاديك إلا كافر».

فقام إليه عبد اللّه بن مسعود فقال:يا رسول اللّه قد عرفنا علامة خبث الولادة و الكافر في حياتك ببغض علي و عداوته،فما علامة خبث الولادة و الكافر بعدك إذا أظهر الإسلام بلسانه و أخفى مكنون سريرته؟

فقال صلّى اللّه عليه و اله:«يابن مسعود علي بن أبي طالب إمامكم بعدي و خليفتي عليكم،فإذا مضى فابني الحسن إمامكم بعده و خليفتي عليكم،فإذا مضى فابني الحسين إمامكم بعده و خليفتي عليكم ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد أئمتكم و خلفائي عليكم،تاسعهم قائم أمتي،يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما؛لا يحبهم إلا من طابت ولادته و لا يبغضهم إلا من خبثت ولادته،و لا يواليهم إلا مؤمن،و لا يعاديهم إلا كافر،و من أنكر واحدا منهم فقد أنكرني،و من أنكرني فقد أنكر اللّه عز و جل،و من جحد واحدا منهم فقد جحدني و من جحدني فقد جحد اللّه عز و جل،لأن طاعتهم طاعتي و طاعتي طاعة اللّه،و معصيتهم معصيتي و معصيتي معصية اللّه عز و جل،يابن مسعود إياك أن تجد في نفسك حرجا مما قضي (4)فتكفر بعزة ربي،و ما أنا متكلف و لاى.

ص: 64


1- في المخطوطة:فمر بنا عليه ساعة.
2- رواه الخزاز في كفاية الاثر ص 3-4،و المجلسي في البحار 287/36-288.
3- في كمال الدين:أحمد بن محمد.
4- في كمال الدين:أقضى.

ناطق (1)عن الهوى في عليّ و الأئمة من ولده،ثم قال صلّى اللّه عليه و اله:-و هو رافع يديه إلى السماء- اللهم وال من والى خلفائي،و أئمة أمتي بعدي،و عاد من عاداهم،و انصر من نصرهم و اخذل من خذلهم،و لا تخل الأرض من قائم منهم بحجتك ظاهرا أو خافيا مغمورا لئلا يبطل دينك و حجتك و برهانك (2)ثم قال عليه السّلام:يابن مسعود قد جمعت لكم في مقامي هذا ما إن فارقتموه هلكتم،و إن تمسكتم به نجوتم،و السلام على من اتبع الهدى» (3).

ابن بابويه قال:حدّثنا أبو الحسن أحمد بن ثابت الدواليبي بمدينة السلام قال:

حدّثنا محمد بن علي بن عبد الصمد الكوفي (4)قال:حدّثنا علي بن عاصم،عن محمد ابن علي بن موسى،عن أبيه علي بن موسى بن جعفر،عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر ابن محمد،عن أبيه محمد بن علي،عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السّلام قال:«دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عنده ابي بن كعب فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:مرحبا بك يا أبا عبد اللّه يا زين السماوات و الأرض،فقال له ابي:و كيف يكون يا رسول اللّه زين السماوات و الأرض أحد غيرك؟

فقال له يا ابي و الذي بعثني بالحق نبيا إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض فإنه مكتوب عن يمين العرش مصباح هاد و سفينة نجاة و إمام غير وهن و عز و فخر،و بحر علم،ألا يكون (5)كذلك؟و إن اللّه عز و جل ركب في صلبه نطفة طيبة مباركة زكية خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام أو يجري ماء في الأصلاب،أو يكون ليل أو نهار و لقد لقن دعوات ما يدعو بهن مخلوق إلا حشره اللّه عز و جل معه و كان شفيعه في آخرته،و فرج اللّه عنه كربه،و قضى به دينه،و يسر أمره،و أوضح سبيله،و قوّاه على عدوه،و لم يهتك ستره»،فقال أبي:و ما هذه الدعوات يا رسول اللّه؟ك.

ص: 65


1- في كمال الدين:فتكفر،فوعزة ربي ما أنا متكلف و لا ناطق.
2- في كمال الدين:و برهانك و بيناتك.
3- كمال الدين:261/1-262،البحار:246/36-247.
4- في كمال الدين:حدّثنا محمد بن الفضل النحوي قال:حدّثنا محمد بن علي بن عبد الصمد.
5- في كمال الدين:و بحر علم و ذخر فلم لا يكون كذلك.

قال:«إذا فرغت من صلاتك و أنت قاعد:اللهم إني أسألك بملكك و معاقد عزك و سكان سماواتك (1)و أنبيائك و رسلك قد رهقني (2)من أمري عسر،فأسألك أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تجعل لي من عسري يسرا،فإن اللّه عز و جل يسهل أمرك و يشرح صدرك (3)و يلقنك شهادة أن لا إله إلا اللّه عند خروج نفسك».

قال له ابي بن كعب:يا رسول اللّه فما هذه النطفة التي في صلب الحسين (4)؟

قال:«مثل هذه النطفة كمثل القمر و هي نطفة تبيين و بيان،يكون من اتبعه رشيدا و من ضل عنه غويا».

قال:فما اسمه و ما دعاؤه؟

قال:«اسمه علي و دعاؤه:يا دائم يا ديموم،يا حي يا قيوم،يا كاشف الغم،و يا فارج الهم،و يا باعث الرسل،و يا صادق الوعد،من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل مع علي بن الحسين عليه السّلام و كان قائده إلى الجنة».

قال له ابي:يا رسول اللّه فهل له من خلف و وصي (5)؟

قال:«نعم له مواريث السماوات و الأرض».

قال:فما معنى مواريث السماوات و الأرض يا رسول اللّه؟

قال:«القضاء بالحق،و الحكم بالديانة،و تأويل الأحكام (6)،و بيان ما يكون».

قال:فما اسمه؟

قال:«اسمه محمد و إن الملائكة تستأنس به في السماوات و الأرض،و يقول في دعائه:اللهم إن كان لي عندك رضوان و ودّ فاغفر لي و لمن اتبعني من إخواني و شيعتيم.

ص: 66


1- في كمال الدين:أسألك بكلماتك و معاقد عرشك و سكان سماواتك و أرضك.
2- في كمال الدين:أن تستجيب لي فقد رهقني.
3- في كمال الدين:و يشرح لك صدرك.
4- في كمال الدين:في صلب حبيبي الحسين.
5- في كمال الدين:أو وصي.
6- في كمال الدين:تأويل الاحلام.

و طيّب ما في صلبي،فركّب اللّه في صلبه نطفة مباركة (1)زكية فأخبرني (2)أن اللّه عز و جل طيب هذه النطفة و سمّاها عنده جعفرا،و جعله هاديا مهديا،و راضيا مرضيا،يدعو ربه فيقول في دعائه:يا ديّان غير متوان يا أرحم الراحمين اجعل لشيعتي من النار وقاء و لهم عندك رضى،فاغفر لهم ذنوبهم،و يسر امورهم و اقض ديونهم،و استر عوراتهم،و اغفر لهم الكبائر (3)التي بينك و بينهم،يا من لا يخاف الضيم و لا تأخذه سنة و لا نوم،اجعل لي من الغم فرجا (4)و من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عنده أبيض الوجه مع جعفر بن محمد إلى الجنة.

يا ابي و إن اللّه تبارك و تعالى ركب على هذه النطفة نطفة زكية مباركة طيبة أنزل عليها الرحمة و سمّاها عنده موسى و جعله إماما».

قال له ابي:يا رسول اللّه كلهم يتواصفون و يتناسلون و يتوارثون و يصف بعضهم بعضا؟

قال:«وصفهم لي جبرائيل عليه السّلام عن رب العالمين جل جلاله».

فقال:فهل لموسى دعوة يدعو بها سوى دعاء آبائه؟

قال:«نعم يقول في دعائه:يا خالق الخلق،و يا باسط الرزق،و يا فالق الحب و النوى، و يا بارئ النسم و محيي الموتى و مميت الاحياء،و دائم الثبات،و مخرج النبات،إفعل بي ما أنت أهله.من دعى بهذا الدعاء قضى اللّه عز و جل حوائجه و حشره يوم القيامة مع موسى بن جعفر،و إن اللّه ركب في صلبه نطفة طيبة زكية مرضية و سمّاها عنده عليا،و كان اللّه عز و جل في خلقه رضيا في علمه و حلمه و حكمه،و جعله حجة لشيعته يحتجون به يوم القيامة،و له دعاء يدعو به:اللهم أعطني الهدى،و ثبتني عليه،و احشرني عليه آمناا.

ص: 67


1- في كمال الدين:مباركة طيبة.
2- في كمال الدين:فأخبرني جبرائيل عليه السّلام.
3- في كمال الدين:وهب لهم الكبائر.
4- في كمال الدين:من كل هم و غم فرجا.

أمن من لا خوف عليهم و لا هم يحزنون و لا جزع (1)إنك أهل التقوى و أهل المغفرة،و إن اللّه عز و جل ركب في صلبه نطفة مباركة زكية (2)مرضية و سمّاها عنده محمد بن علي، فهو شفيع شيعته و وارث علم جده،له علامة بينّة،و حجة ظاهرة إذا ولد يقول:لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و يقول في دعائه:يا من لا شبيه له و لا مثال،أنت اللّه لا إله إلا أنت،و لا خالق إلا أنت تفني المخلوقين و تبقى أنت،حلمت عمن عصاك،و في المغفرة رضاك.

من دعى بهذا الدعاء كان محمد بن علي شفيعه يوم القيامة،و إن اللّه تبارك و تعالى ركب في صلبه نطفة زكية نائرة مباركة طيبة طاهرة سمّاها عنده علي بن محمد فألبسه السكينة و الوقار،و أودعه العلوم (3)و كل شيء مكتوم،من لقيه و في صدره شيء أنبأه به، و حذره من عدوه،و يقول في دعائه:يا نور يا برهان يا منير يا مبين يا رب أكفني شر الشرور و آفات الدهور و أسألك النجاة يوم ينفخ في الصور.من دعى بهذا الدعاء كان علي بن محمد شفيعه و قائده إلى الجنة.

و إن اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلبه نطفة و سماها عنده الحسن بن علي فجعله نورا في بلاده،و خليفة في أرضه،و عزا لامته،و هاديا لشيعته،و شفيعا لهم عند ربهم،و نقمة على من خالفه و حجة لمن والاه،و برهانا لمن اتخذه إماما.يقول في دعائه:يا عزيز العز في عزه أعزني (4)بعزك،و أيدني بنصرك،و أبعد عني همزات الشياطين،و ادفع عني بدفعك و امنع عني بمنعك،و اجعلني من خيار خلقك،يا واحد يا أحد،يا فرد يا صمد.

من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه-عز و جل-معه،و له نجاة من النار (5)و لو وجبت عليه.ر.

ص: 68


1- في المخطوطة:و كمال الدين:أمن من لا خوف عليه و لا حزن و لا جزع.
2- في كمال الدين:مباركة طيبة زكية.
3- في كمال الدين:ركب في صلبه نطفة لا باغية و لا طاغية،بارة مباركة طيبة طاهرة سماها عنده عليا،فألبسها السكينة و الوقار،و أودعها العلوم و الاسرار.
4- في كمال الدين:يا عزيز اعزني بعزك.
5- في كمال الدين:و نجاه من النار.

و إن اللّه عز و جل ركّب في صلب الحسن نطفة مباركة زكية طيبة طاهرة مطهرة،يرضى بها كل مؤمن ممّن أخذ اللّه ميثاقه في ولايته (1)،و يكفر بها كل جاحد،فهو إمام نقي تقي بار مرضي هاد مهدي،أول العدل و آخره.يصدق اللّه عز و جل و يصدقه اللّه عز و جل في قوله،يخرج من تهامة حين تظهر الدلائل و العلامات و له بالطالقان كنوز لا ذهب و لا فضة إلا خيول مطهمة (2)،و رجال مسومة (3)يجمع اللّه عز و جل له من أقاصي البلاد على عدد أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم و أنسابهم و بلدانهم و صنائعهم و كلامهم و كناهم،كرارون،مجدون في طاعته».

فقال له ابي:و ما دلائله و ما علاماته يا رسول اللّه؟

قال:«له علم إذا حان وقت خروجه إنتشر ذلك العلم فقال:اخرج يا ولي (4)اللّه فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء اللّه فيخرج و يقتل أعداء اللّه حيث ينتقم (5)و يقيم حدود اللّه و يحكم بحكم اللّه،فيخرج جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و شعيب بن صالح على مقدمته،فستذكرون ما أقول لكم و افوض أمري إلى اللّه عز و جل و لو بعد حين.

يا ابي طوبى لمن قال به (6)،ينجيهم اللّه من الهلكة بالاقرار به و برسول اللّه و بجميع الأئمة،يفتح لهم الجنة،مثلهم في الأرض كمثل المسك يسطع ريحه فلا يتغير أبدا، و مثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفأ نوره أبدا».ه.

ص: 69


1- في كمال الدين:أخذ ميثاقه في الولاية.
2- المطهم:التام البارع الجمال من كل شيء؟و منه«جواد مطهم»أي تام الحسن.
3- المسموم:الحسن الخلق،المعلم بعلامة يعرف بها.
4- في كمال الدين:له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه و أنطقه اللّه تبارك و تعالى فناداه العلم اخرج يا ولي اللّه فاقتل أعداء اللّه،و له رايتان و علامتان،و له سيف مغمد،فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده،و أنطقه اللّه عز و جل فناداه السيف اخرج يا ولي اللّه.
5- في كمال الدين:حيث ثقفهم.(و ثقفهم:أي ظفر بهم أو أدركهم).
6- في كمال الدين:يا أبي طوبى لمن لقيه،و طوبى لمن أحبه،و طوبى لمن قال به.

قال ابي:يا رسول اللّه كيف بيان هؤلاء الأئمة (1)عن اللّه عز و جل؟

قال:«إن اللّه تبارك و تعالى أنزل عليّ اثني عشر خاتما،و اثنتي عشر صحيفة اسم كل إمام على خاتمه و صفته في صحيفته» (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا الحسين بن علي،قال:حدّثنا هارون بن موسى،قال:

حدّثنا محمد بن إسماعيل الفزاري،قال:حدّثنا عبد اللّه بن صالح كاتب الليث،قال:

حدّثنا رشيد بن سعد (3)قال:حدّثنا أبو يوسف الحسين بن يوسف الأنصاري-من بني الخزرج-عن سهل بن سعد الأنصاري،قال:سألت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عن الأئمة فقالت:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول لعلي:يا علي أنت الإمام و الخليفة بعدي، و أنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضيت فابنك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى الحسن فالحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى الحسين فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى علي فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى محمد فابنه جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى موسى فابنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى على فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى محمد فابنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى علي فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى الحسن فابنه القائم المهدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم يفتح اللّه به مشارق الأرض و مغاربها» (4).

ابن بابويه قال:حدّثنا الحسن بن علي قال:حدّثنا هارون بن موسى قال:أخبرنا محمد بن الحسن الصفار،عن يعقوب بن يزيد،عن محمد بن أبي عمير،عن».

ص: 70


1- في كمال الدين:كيف حال هؤلاء الأئمة.
2- كمال الدين:264/1-269،عيون الاخبار:48/1-52،البحار:204/36-209.
3- في البحار:رشد بن سعد.
4- كفاية الاثر ص 313،البحار:351/36-352،و آخر الحديث فيها:«يفتح اللّه به مشارق الأرض و مغاربها،فهم أئمة الحق،و ألسنة الصدق،منصور من نصرهم،مخذول من خذلهم».

هشام (1)قال:كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام إذ دخل عليه معاوية بن وهب و عبد الملك بن أعين،فقال له معاوية بن وهب:يابن رسول اللّه ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله رأى ربه،على أي صورة رآه؟و عن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة؟على أي صورة يرونه؟

فتبسم عليه السّلام ثم قال:«يا معاوية ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك اللّه و يأكل من نعمة اللّه (2).ثم لا يعرف اللّه حق معرفته!».

ثم قال عليه السّلام:«يا معاوية إن محمدا صلّى اللّه عليه و اله لم ير الرب تبارك و تعالى بمشاهدة العيان،و إن الرؤية على وجهين رؤية القلب و رؤية البصر،فمن عنى برؤية القلب فهو مصيب،و من عنى برؤية البصر فقد كفر و كذب باللّه و آياته،لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:من شبه اللّه بخلقه فقد كفر.و لقد حدثني أبي،عن أبيه،عن الحسين بن علي قال:سئل أمير المؤمنين عليه السّلام فقيل (3):يا أخا رسول اللّه هل رأيت ربك؟

فقال:كيف أعبد من لم أره،لم تره العيون بمشاهدة العيان،و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان» (4).

و إذا كان المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر و الرؤية فهو مخلوق،و لا بد للمخلوق من خالق،فقد جعلته إذا محدثا مخلوقا و من شبهه بخلقه فقد اتخذ مع اللّه شريكا،ويلهم (5)ألم يسمعوا قول اللّه تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (6)و قوله لموسى: لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ3.

ص: 71


1- في البحار:عن هشام بن سالم.
2- في الانصاف:و يأكل من نعمه.
3- في الانصاف و البحار:فقيل له.
4- راجع لفظ الحديث في اصول الكافي:95/1،التوحيد ص 109 و 309،البحار:27/4 و 304.
5- في الانصاف:ويل لهم،و في البحار:ويلهم أو لم يسمعوا.
6- الانعام 103/3.

اُنْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا و إنما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سم الخياط فدكدكت الأرض وضعضعت الجبال وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً أي ميتا،فلما أفاق و ردّ عليه روحه قال:

سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ من قول من زعم أنك ترى و رجعت إلى معرفتي بك أن الأبصار لا تدركك وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (1)و أول المقرين بأنك ترى و لا ترى و أنت بالمنظر الأعلى.

ثم قال عليه السّلام:«إن أفضل الفرائض و أوجبها على الانسان معرفة الرب و الاقرار له بالعبودية،و حدّ المعرفة (2)أن يعرف أن لا إله غيره و لا شبيه له و لا نظير له،و أن يعرف إنه قديم مثبت،موجود غير فقيد موصوف من غير شبيه له و لا نظير له و لا مثيل،ليس كمثله شيء و هو السميع البصير؛و بعده معرفة الرسول و الشهادة له بالنبوة،و أدنى معرفة الرسول الاقرار بنبوته،و أن ما أتى به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك عن اللّه عز و جل؛و بعده معرفة الإمام الذي قام بنعته (3)و صفته و اسمه في حال اليسر و العسر، و أدنى معرفة الإمام أنه عدل (4)النبي إلا درجة النبوة و وارثه،و أن طاعته طاعة اللّه و طاعة رسول اللّه،و التسليم له في كل أمر،و الردّ إليه،و الأخذ بقوله،و يعلم أن الإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله علي بن أبي طالب،و بعده الحسن،ثم الحسين،ثم علي بن الحسين،ثم محمد بن علي،ثم أنا،ثم بعدي موسى ابني،ثم بعده علي إبنه،و بعد علي محمد ابنه،و بعد محمد علي إبنه،و بعد علي الحسن إبنه،و الحجة من ولد الحسن.

ثم قال:يا معاوية جعلت لك في هذا أصلا فاعمل عليه،فلو كنت تموت على ما كنت عليه لكان حالك أسوأ الأحوال،فلا يغرنك قول من زعم أن اللّه يرى بالبصر،و قد قالوال.

ص: 72


1- الاعراف:143.
2- في الانصاف:أن يقر.
3- في البحار:الإمام الذي به يأتم بنعته.
4- العدل:النظير و المثل.

أعجب من هذا،أو لم ينسبوا أبي آدم إلى المكروه،أو لم ينسبوا إبراهيم إلى ما نسبوه؟ أو لم ينسبوا داود عليه السّلام إلى ما نسبوه من حديث الطير؟أو لم ينسبوا يوسف الصديق إلى ما نسبوه من حديث زليخا؟أو لم ينسبوا موسى عليه السّلام إلى ما نسبوه من القتل؟أو لم ينسبوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى ما نسبوه من حديث زيد؟أو لم ينسبوا علي بن أبي طالب إلى ما نسبوه من حديث القطيفة؟إنهم أرادوا بذلك توبيخ الإسلام ليرجعوا على أعقابهم، أعمى اللّه أبصارهم،كما أعمى قلوبهم،تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسن (2)قال:حدّثنا أبو محمد هارون بن موسى قال:حدثني محمد بن همام قال:حدثني عبد اللّه بن جعفر الحميري قال:حدثني عمر ابن علي العبدي،عن داود بن كثير الرقي،عن يونس بن ظبيان قال:دخلت على الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام فقلت:يابن رسول اللّه إنّي دخلت على مالك و أصحابه فسمعت بعضهم (3)يقول:إن اللّه وجها كالوجوه،و بعضهم يقول:له يدان و احتجّوا في ذلك بقوله تعالى: قالَ:يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ*أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (4)و بعضهم يقول هو كالشاب من أبناء ثلاثين سنة!فما عندك في هذا يابن رسول اللّه؟-و كان متّكئا فاستوى جالسا-فقال:«اللهم عفوك عفوك»ثم قال:«يا يونس من زعم أن اللّه وجها كالوجوه فقد أشرك،و من زعم أن للّه جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر باللّه فلا تقبلوا شهادته و لا تأكلوا ذبيحته،تعالى اللّه عما يصفه المشبهون بصفة المخلوقين،فوجه اللّه أنبياؤه و أولياؤه،و قوله: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ فاليد القدرة كقوله: وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ (5)فمن زعم أن اللّه في شيء،أو6.

ص: 73


1- الانصاف ص 313-316 عن النصوص على الأئمة الاثني عشر لابن قولويه،كفاية الاثر للخزاز ص 35،البحار:54/4-55،و ج 406/36-408.
2- في البحار:علي بن الحسين،و في الانصاف:محمد بن علي بن علي بن الحسين.
3- في البحار:دخلت على مالك و أصحابه و عنده جماعة يتكلمون في اللّه فسمعت.
4- ص:75.
5- الانفال:26.

على شيء،أو يحول من شيء إلى شيء،أو يخلو منه شيء أو يشتغل (1)به شيء فقد وصفه بصفة المخلوقين،و اللّه خالق كلّ شيء،لا يقاس بالمقياس (2)،و لا يشبه بالناس، و لا يخلو منه مكان (3)قريب في بعده،بعيد في قربه،ذلك اللّه ربنا لا إله غيره،فمن أراد اللّه و أحبه بهذه الصفة فهو من الموحدين،و من أحبه بغير هذه الصفة فاللّه منه بريء و نحن منه براء.

ثم قال عليه السّلام:إن اولي الألباب الذين عملوا بالفكرة حتى ورثوا منه حبّ اللّه فإن حب اللّه إذا ورثته القلوب استضاء به و أسرع إليه (4)اللّطف،فإذا نزل منزلة اللطف صار من أهل الفوائد،فإذا صار من أهل الفوائد تكلّم بالحكمة،فإذا تكلم بالحكمة صار صاحب فطنة،فإذا نزل منزلة الفطنة عمل بها في القدرة (5)فإذا عمل بها في الاطباق السبعة (6)فإذا بلغ هذه المنزلة يتقلّب في لطف (7)و حكمة و بيان،فإذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته و محبّته في خالقه،فإذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبرى،فعاين ربه في قلبه،و ورث الحكمة بغير ما ورثه الحكماء.و ورث العلم بغير ما ورث العلماء،و ورث الصدق بغير ما ورثه الصديقون،إن الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت و إن العلماء ورثوا العلم بالطلب،و إن الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع و طول العبادة،فمن أخذ بهذه السيرة إما أن يسفل و إما أن يرفع،و أكثرهم الذي يسفل و لا يرفع،فإذا لم يرع حق اللّه،و لم يعمل بما امر به فهذه صفة من لم يعرف اللّه حق معرفته،و لم يحبه حق محبّته،فلا يغرنّك صلاتهم و صيامهم،و رواياتهم و علومهم،فإنهم حمر مستنفرة.ف.

ص: 74


1- في البحار:يشغل.
2- في البحار:لا يقاس بالقياس.
3- في البحار و الانصاف:و لا يخلو منه مكان،و لا يشغل به مكان.
4- في البحار:ورثه القلب و استضاء به أسرع إليه.
5- في الانصاف و البحار:عمل في القدرة.
6- في البحار:فإذا عمل في القدرة عرف الاطباق السبعة،و في الانصاف:عمل في الاطباق السبعة.
7- في البحار:صار يتقلب في فكره بلطف.

ثم قال:يا يونس إذا أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت،فانّا ورثناه و اوتينا شرح الحكمة،و فصل الخطاب»،فقلت:يابن رسول اللّه أكلّ (1)من كان من أهل البيت ورث ما ورثتم؟من كان من ولد علي و فاطمة عليهما السّلام؟

فقال:«ما ورثه إلا الأئمّة الاثنا عشر»،فقلت:سمهم (2)يابن رسول اللّه؟

فقال:«أوّلهم علي بن أبي طالب،و بعده الحسن و الحسين،و بعده علي بن الحسين، و بعده محمد بن علي الباقر ثم أنا،و بعدي موسى ولدي،و بعد موسى علي إبنه،و بعد علي محمد إبنه،و بعد محمد علي إبنه و بعد علي الحسن إبنه،و بعد الحسن الحجّة صلوات اللّه عليهم إصطفانا اللّه و طهّرنا و آتانا ما لم يؤت أحدا من العالمين».

ثم قلت:يابن رسول اللّه إن عبد اللّه بن مسعود (3)دخل عليك بالأمس فسألك عما سألتك فأجبته بخلاف هذا،فقال:«يا يونس كل امريء و ما يحتمله،و لكل وقت حديثه، و إنك لأهل لما سألت فاكتمه إلا عن أهله» (4).

ابن بابويه قال:أخبرنا أبو عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه قال:حدّثنا أبو طالب عبد اللّه (5)بن أحمد بن يعقوب بن نضر الأنباري قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال:حدّثنا عبد اللّه بن شعيب (6)قال:حدّثنا محمد بن زياد التميمي (7)قال:

حدّثنا سفيان بن عيينة قال:حدّثنا عمران بن داود قال:حدّثنا محمد بن الحنفية قال:

قال أمير المؤمنين عليه السّلام:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«قال اللّه تبارك و تعالى:لاعذبني.

ص: 75


1- في الانصاف،و البحار:و كل.
2- في البحار:سمهم لي.
3- في كفاية الاثر،و البحار:عبد اللّه بن سعد.
4- الانصاف ص 330-334 عن النصوص على الأئمة الاثني عشر لابن قولويه،كفاية الاثر ص 34،البحار:403/36-405.
5- في البحار:عبيد اللّه.
6- في البحار:عبد اللّه بن شبيب.
7- في كفاية الاثر،و البحار:محمد بن زياد السهمي.

كل رعية دانت (1)بطاعة إمام ليس مني و إن كانت الرعية في نفسها برة،و لأرحمن كل رعية دانت بامام عادل مني و إن كانت الرعية في نفسها غير برة و لا نقية،ثم قال:يا علي أنت الإمام و الخليفة بعدي،حربك حربي و سلمك سلمي،و أنت أبو سبطي و زوج ابنتي،من ذريتك الأئمة المطهرون،فأنا سيد الأنبياء و أنت سيد الأوصياء،و أنا و أنت من شجرة واحدة،و لولانا لم يخلق اللّه الجنة و لا النار و لا الأنبياء و لا الملائكة.

قال:قلت:يا رسول اللّه فنحن أفضل من الملائكة (2)؟

قال:يا علي نحن خير خليقة اللّه على بسيطة الأرض،و نحن خير من الملائكة المقربين،و كيف لا نكون خيرا منهم و قد سبقناهم إلى معرفة اللّه و توحيده،فبنا عرفوا اللّه،و بنا عبدوا اللّه،و بنا اهتدوا السبيل إلى معرفة اللّه،يا علي أنت مني و أنا منك،و أنت أخي و وزيري فإذا مت ظهرت لك ضغاين في صدور قوم،و ستكون بعدي فتنة صمّاء صيلم (3)يسقط فيها كلّ وليجة و بطانة،و ذلك عند فقدان شيعتك الخامس من ولد السابع من ولدك يحزن لفقده أهل السماء و الأرض،فكم مؤمن و مؤمنة متأسف و متلهف حيران عند فقده.

ثم أطرق مليا ثم رفع رأسه و قال:بأبي و أمي سمّيي و شبيهي،و شبيه موسى بن عمران عليه جيوب النور-أو قال:جلابيب النور-يتوقّد من شعاع القدس كأني بهم آيس ما كانوا،ثم ينادي بنداء يسمعه من البعيد كما يسمعه من القريب،يكون رحمة على المؤمنين و عذابا على المنافقين:قلت:و ما ذاك النداء؟

قال:ثلاثة أصوات في رجب:أوّلها ألا لعنة اللّه على الظالمين،و الثاني أزفت الآزفة، و الثالث يرون بدنا بارزا مع قرن الشمس،ينادي:ألا إن اللّه قد بعث فلان ابن فلان حتى ينسبه إلى علي،فيه هلاك الظالمين،فعند ذلك يأتي الفرج،و يشفي اللّه صدورهمة.

ص: 76


1- دان دينا:اتخذ له دينا.
2- في البحار:أم الملائكة.
3- الصيلم:الداهية.الامر الشديد.وقعة صيلمة:أي مستأصلة.

و يذهب غيظ قلوبهم؛قلت:يا رسول اللّه فكم يكون بعدي من الأئمة؟

قال صلّى اللّه عليه و اله:بعد الحسين تسعة و التاسع قائمهم» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبيه،عن جده أحمد بن أبي عبد اللّه،عن أبيه محمد بن خالد،عن محمد بن داود، عن محمد بن الجارود العبدي،عن الأصبغ بن نباتة قال:خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام ذات يوم و يده في يد إبنه الحسن عليه السّلام و هو يقول:«خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و يدي في يده (2)هكذا و هو يقول:خير الخلق بعدي و سيّدهم أخي هذا، و هو إمام كل مسلم،و مولى كلّ مؤمن بعد وفاتي،و إني (3)أقول:إن خير الخلق بعدي و سيّدهم ابني هذا و هو إمام كل مؤمن و مولى كل مؤمن بعد وفاتي،ألا و إنه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و خير الخلق و سيّدهم بعد الحسن إبني أخوه الحسين المظلوم،بعد أخيه،المقتول في أرض كربلاء،أما و إنه و أصحابه من سادات (4)الشهداء يوم القيامة،و من بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء اللّه في أرضه و حججه على عباده،و أمناؤه على وحيه،و أئمة المسلمين،و قادة المؤمنين،و سادة المتّقين، و تاسعهم القائم الذي يملأ اللّه به الأرض نورا بعد ظلمتها،و عدلا بعد جورها،و علما بعد جهلها،و الذي بعث محمدا أخي بالنبوّة و اختصني بالإمامة لقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الامين جبرائيل،و لقد سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أنا عنده عن الأئمة بعده فقال للسائل:و السماء ذات البروج إن عددهم بعدد البروج،و رب الليالي و الأيام و الشهور إن عدتهم كعدة الشهور (5).ر.

ص: 77


1- الانصاف ص 280-282 عن كتاب النصوص على الأئمة الاثني عشر،كفاية الاثر ص 21، البحار:337/36-338.و مر بلفظه في ص 42-34 من هذا الجزء.
2- في كمال الدين:ذات يوم و يدي في يده.
3- في كمال الدين:ألا واني.
4- في كمال الدين:من سادة.
5- في كمال الدين:ان عددهم كعدد الشهور.

فقال السائل:فمن هم يا رسول اللّه؟فوضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يده على رأسي فقال:أوّلهم هذا و آخرهم المهدي،من والاهم فقد والاني،و من عاداهم فقد عاداني،و من أحبّهم فقد أحبّني،و من أبغضهم فقد أبغضني،و من أنكرهم فقد أنكرني،و من عرفهم فقد عرفني،بهم يحفظ اللّه دينه،و بهم يعمر بلاده،و بهم يرزق عباده،و بهم ينزل القطر من السماء،و بهم يخرج بركات الأرض،و هؤلاء أصفيائي و خلفائي و أئمّة المسلمين و موالي المؤمنين» (1).

الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد في كتاب الاختصاص،عن محمد بن علي ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكل،عن محمد بن أبي عبد اللّه الكوفي،عن موسى بن عمران،عن عمّه الحسين بن يزيد،عن علي بن سالم،عن أبيه،عن سالم ابن دينار،عن سعد بن طريف،عن الأصبغ بن نباتة قال:سمعت ابن عباس يقول:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«ذكر اللّه عز و جل عبادة،و ذكري عبادة،و ذكر علي عبادة و ذكر الأئمة من ولده عبادة،و الذي بعثني بالنبوّة و جعلني خير البرية إن وصيي لأفضل الأوصياء،و إنه لحجة اللّه على عباده،و خليفته على خلقه،و من ولده الأئمة الهداة بعدي،بهم يحبس اللّه العذاب عن أهل الأرض،و بهم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه،و بهم يمسك الجبال أن تميد بهم،و بهم يسقي خلقه الغيث،و بهم يخرج النبات،أولئك أولياؤه حقّا،و خلفاؤه صدقا (2)عدّتهم عدة الشهور و هي اثنا عشر شهرا،و عدّتهم عدة نقباء موسى بن عمران،ثم تلا هذه الآية: وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (3)ثم قال:أ تقدر يابن عبّاس أنّ اللّه يقسم بالسماء ذات البروج و يعني به السماء و بروجها،قلت:يا رسول اللّه فما ذاك؟

قال:فاما السماء فأنا و أما البروج فالائمة بعدي أوّلهم عليّ و آخرهم المهدي1.

ص: 78


1- كمال الدين:259/1-260،البحار:253/36-254.
2- في بعض المصادر:أولئك أولياء اللّه حقا و خلفائي صدقا.
3- البروج:1.

صلوات اللّه عليهم اجمعين» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي اللّه عنه قال:حدّثنا محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي،عن أبيه،عن عبد اللّه بن القاسم، عن حيّان السراج،عن داود بن سليمان الكسائي (2)عن أبي الطفيل قال:شهدت جنازة أبي بكر يوم مات و شهدت عمر حين بويع و علي عليه السّلام جالس ناحية إذ أقبل غلام يهودي عليه ثياب حسان و هو من ولد هارون حتى وقف على رأس عمر فقال:

يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الأمة بدينهم (3)و أمر نبيّهم؟فطأطأ رأسه،فقال:إياك أعني،و أعاد عليه القول،فقال له عمر:ما شأنك؟و ما ذاك؟

فقال:إني جئتك مرتادا لنفسي،شاكّا في ديني فقال (4):دونك هذا الشاب (5)قال:

و من هذا الشاب؟

قال:هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو أبو الحسن و الحسين ابني رسول اللّه،و هذا زوج فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأقبل اليهودي على (6)علي عليه السّلام فقال:

كذلك أنت؟

فقال:«نعم»،فقال اليهودي:إني اريد أن أسألك عن ثلاث و ثلاث و واحدة،فتبسم علي عليه السّلام ثم قال:«يا هاروني ما يمنعك أن تقول:سبعا» (7)قال:أسألك عن ثلاث فإن علمتهن سألتك عمّا بعدهنّ و إن لم تعلمهن علمت أنه ليس لك علم (8)،قال علي عليه السّلام:م.

ص: 79


1- الاختصاص:ص 223-224.
2- في كمال الدين:الغساني،و في اعلام الورى:الكناني.
3- في كمال الدين و اعلام الورى:بكتابهم.
4- في اعلام الورى:شاكا في ديني اريد الحجة و اطلب البرهان. فقال له عمر.
5- في اعلام الورى:و أشار الى أمير المؤمنين.
6- في اعلام الورى:و أعلم الناس بالكتاب و السنة،فقام الغلام الى علي.
7- في اعلام الورى:ما منعك أن تقول:عن سبع.
8- في اعلام الورى:ليس فيكم عالم.

«فإني أسألك بالآله الذي تعبده إن أنا أجبتك في كل ما تريد (1)لتدعنّ دينك و لتدخلنّ في ديني»؟

قال ما جئت إلا لذلك قال:«سل».

قال:فاخبرني عن اوّل قطرة دم قطرت على وجه الأرض أي قطرة هي؟و أوّل عين فاضت على وجه الأرض أي عين هي؟و أوّل شيء إهتز على وجه الأرض أيّ شيء هو؟ (2)فأجابه أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:أخبرني عن الثلاث الاخر،عن محمدكم بعده من إمام عدل؟و في أيّ جنة يكون؟و من الساكن معه في جنته؟

قال:«يا هاروني إن لمحمد صلّى اللّه عليه و اله من الخلفاء اثنا عشر إماما عدلا لا يضرّهم من خذلهم (3)و لا يستوحشون لخلاف من خالفهم،و إنهم أرسب في الدين من الجبال الرواسي (4)في الأرض،و مسكن محمد صلّى اللّه عليه و اله في جنّة عدن مع (5)أولئك الاثنا عشر الأئمة العدول»،فقال:صدقت و اللّه الذي لا إله إلا هو إني لاجدها في كتب أبي هارون كتبهه.

ص: 80


1- في اعلام الورى:لئن أجبتك عما تسألني.
2- في اعلام الورى:و أول شجرة اهتزت على وجه الأرض أي شجرة هي؟ فقال:يا هاروني أما أنتم فتقولون:أول قطرة قطرت على وجه الأرض حيث قتل أحد ابني آدم و ليس كذلك،و لكنه حيث طمثت حواء و ذلك قبل أن تلد ابنيها؛و أما أنتم تقولون:أول عين فاضت على وجه الأرض العين التي ببيت المقدس و ليس هو كذلك،و لكنها عين الحياة التي وقف عليها موسى و فتاه و معهما النون المالح فسقط فيها فحيى و هذه الماء لا يصيب ميتا إلا حيي.و أما أنتم فتقولون: أول شجرة اهتزت على وجه الأرض التي كانت منها سفينة نوح عليه السّلام و ليس كذلك،و لكنها النخلة التي اهبطت من الجنة و هي العجوة،و منها تفرع كلما ترى من أنواع النخلة،فقال:صدقت و اللّه الذي لا إله إلاّ هو،إني لأجد هذا في كتب أبي هارون كتابته بيده و املاء عمي موسى عليه السّلام ثم قال:أخبرني عن الثلاث الاخر:عن أوصياء محمدكم بعده من أئمة عدل؟و أين منزله في الجنة؟و من يكون ساكنا معه في الجنة في منزله؟.
3- في كمال الدين و اعلام الورى:لا يضرهم خذلان من خذلهم.
4- الراسي:الثابت.
5- في اعلام الورى:جنة عدن التي ذكرها اللّه عز و جل،و غرسها بيده،و معه في مسكنه.

بيده و إملاء موسى عليه السّلام (1)قال:فأخبرني عن الواحدة فقال:«و ما هي»؟

قال:فأخبرني عن وصي محمدكم يعيش بعده؟و هل يموت أو يقتل؟

قال:«يا هاروني يعيش بعده ثلاثين سنة لا يزيد يوما و لا ينقص يوما (2)ثم يضرب ضربة هاهنا (3)-يعني قرنه-فتخضب هذه من هذا».

قال:فصاح الهاروني و قطع كشحته (4)و هو يقول:أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،و أن محمدا عبده و رسوله،و أنك وصيّه ينبغي أن تفوق و لا تفاق،و أن تعظّم و لا تستضعف،قال:ثم مضى به علي عليه السّلام إلى منزله فعلّمه معالم الدين (5).

و قد تقدم هذا الحديث من طريق العامة فيما رواه الحمويني،و هو الحديث السادس و الأربعون في الباب الثاني عشر السابق،و هو أيضا متكرّر في كتب أصحابنا الاماميّة رواه الكليني في الكافي (6).د،

ص: 81


1- في اعلام الورى:و املاء عمي موسى.
2- قال الشيخ المجلسي في البحار:/377/36«أقول:فيه اشكال لان وفاة الرسول صلّى اللّه عليه و اله كان في صفر و شهادته عليه السّلام في شهر رمضان و كان ما بينهما ثلاثين سنة إلا خمسة أشهر و أياما فكيف يستقيم قوله عليه السّلام؟و يمكن دفعه بأن مبنى الثلاثين على التقريب،أي«لا يزيد يوما و لا ينقص»على الموعد الذي وعدت لذلك و أعلمه،و الغرض أن لشهادتي وقتا معينا لا يتقدم و لا يتأخر.أو يقال:الكلام مبنى على ما هو المعروف عند أهل الحساب من أنهم يسقطون ما هو أقل من النصف و يتكلمون بما هو أزيد منه،فكل حد بين تسع و عشرين و نصف و بين ثلاثين و نصف من جملة مصداقاته العرفية، فلا يكون شيء منهما زائدا على ثلاثين سنة عرفية و لا ناقصا عنها أصلا و انما يحكم بالزيادة و النقصان إذا كان خارجا عن الحدين و ليس فليس؛و فيما سيأتي«لا يزيد يوما و لا ينقص»فالضميران اما راجعان الى الثلاثين أو الى الوصي نظير قوله تعالى: لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ و هذا الخبر يؤيد الاخير،و على الوجه الأول يحتمل ارجاعهما الى اللّه تعالى.
3- في أعلام الورى:و وضع يده على قرنه و أومأ الى لحيته.
4- في اعلام الورى:و قطع كستيجه. (الكستيج):بضم الكاف و السين المهملة،خيط غليظ يشد فوق الثياب دون الزنار.
5- كمال الدين:299/1-300،اعلام الورى:ص 368-369،البحار:375/36-376.
6- أصول الكافي:529/1-530،و كمال الدين:299/1،و أعلام الورى:367-369 ط طهران -1338 ه،و البحار:378/36.و قال في«ذيل الحديث:«أقول:و روى في الكافي أيضا بهذا السند،لكن الجوابات ساقطة كما في رواية الصدوق،و لعل الطبرسي ألحقها من كتاب آخر للكليني أو غيره».

و روى ابن بابويه في كتاب كمال الدين و تمام النعمة قال:حدّثنا أبي رحمه اللّه قال:

حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري،عن محمد بن عيسى،عن عبد الرّحمن بن أبي هاشم،عن أبي يحيى المدايني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:جاء يهودي إلى عمر يسأله عن مسائل،فأرشده إلى علي بن أبي طالب عليه السّلام ليسأله فقال علي عليه السّلام:«سل»،فقال:

أخبرني كم بعد نبيّكم من إمام عادل؟و في أي جنّة هو؟و من يسكن معه في جنّته قال له علي عليه السّلام:«يا هاروني لمحمد صلّى اللّه عليه و اله بعده اثنا عشر إماما عادلا،لا يضرهم خذلان من خذلهم،و لا يستوحشون بخلاف من خالفهم،أثبت في دين اللّه من الجبال الرواسي، و منزل محمد صلّى اللّه عليه و اله في جنّة عدن و الذين يسكنون معه هؤلاء الإثنا عشر إماما»،فأسلم الرجل و قال:أنت أولى بهذا المجلس من هذا،أنت الذي تفوق و لا تفاق و تعلو و لا تعلى (1).

ثم قال ابن بابويه:حدثني أبي و محمد بن الحسن رضي اللّه عنهما قالا:حدّثنا سعد ابن عبد اللّه،عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب،عن الحكم بن مسكين الثقفي،عن صالح (2)عن الإمام جعفر بن محمد عليه السّلام قال:لما هلك أبو بكر و إستخلف عمر رجع عمر إلى المسجد فقعد فدخل عليه رجل فقال:يا أمير المؤمنين إني رجل من اليهود،و أنا علامتهم و قد أردت أن أسألك عن مسائل إن أجبتني عنها أسلمت، قال:ما هي؟

قال:ثلاث و ثلاث و واحدة،فإن شئت سألتك و إن كان في قومك أحد أعلم منك فأرشدني إليه قال:عليك بذاك الشاب-يعني علي بن أبي طالب عليه السّلام-فأتى عليا فقال له:لم قلت:«ثلاث و ثلاث و واحدة،ألا قلت سبعا»؟ة.

ص: 82


1- كمال الدين:300/1،البحار:380/36.
2- في كمال الدين:صالح بن عقبة.

قال:إن لم تجبني (1)في الثلاث اكتفيت،قال:«إن اجبتك تسلم»؟

قال:نعم قال:«سل»،فقال:أسألك عن اوّل حجر وضع على وجه الأرض،و أول عين نبعت،و اوّل شجرة (2)نبتت قال:«يا يهودي أنتم تقولون:أول حجر وضع على وجه الأرض الذي في بيت المقدس و كذبتم،هو الحجر الذي نزل به آدم من الجنة».

قال:صدقت و اللّه إنه لبخط هارون و إملاء موسى،قال:«و أنتم تقولون:إن أوّل عين نبعت على وجه الأرض العين التي نبعت ببيت المقدس و كذبتم هي عين الحياة التي غسل فيها يوشع بن نون السمكة التي (3)شرب منها الخضر و ليس يشرب منها أحد إلا حيى».

قال:صدقت و اللّه إنه لبخط هارون و املاء موسى قال:«و أنتم تقولون:إن أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض الزيتون و كذبتم،هي العجوة التي نزل بها آدم عليه السّلام من الجنة».

قال:صدقت و اللّه إنه لبخط هارون و املاء موسى عليهما السّلام قال:فالثلاث الأخرى:كم لهذه الأمة من إمام هدى لا يضرّهم من خالفهم،قال:«إثنا عشر اماما».

قال:صدقت و اللّه إنه لبخط هارون و إملاء موسى عليهما السّلام قال:و أين يسكن نبيكم من الجنة؟

قال:«في أعلاها درجة،و أشرفها مكانا،في جنات عدن».

قال:صدقت و اللّه إنه لبخط هارون و إملاء موسى عليهما السّلام (4)قال:السابعة و أسألك كم يعيش وصيّه بعده؟

قال:«ثلاثين سنة،ثم مه»؟ل:

ص: 83


1- في كمال الدين و الخصال:أنا إذن جاهل إنك إن لم تجبني.
2- في كمال الدين:نبتت على وجه الأرض،فقال عليه السّلام:يا يهودي.
3- في كمال الدين:و هي العين التي شرب.
4- في الخصال و كمال الدين:ثم قال:فمن ينزل بعده في منزله؟ قال:اثنا عشر اماما،قال:صدقت و اللّه إنه لبخط هارون و املاء موسى،ثم قال:

قال:يموت أو يقتل؟

قال:«يقتل،يضرب على قرنه فتخضب لحيته».

قال:صدقت و اللّه إنه لبخط هارون و إملاء موسى (1).

و روى ابن بابويه أيضا في هذا الكتاب قال:أخبرنا أبو سعيد محمد بن الفضل ابن محمد بن إسحاق المذكّر بنيسابور قال:حدّثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى بن الحرث (2)البزّاز قال:حدّثنا عبد اللّه بن مسلم الدمشقي قال:حدّثنا إبراهيم بن يحيى الأسلمي المديني،عن عمّار بن حريز (3)،عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال:شهدنا الصلاة على أبي بكر ثم اجتمعنا إلى عمر بن الخطاب فبايعناه و أقمنا أيّاما نختلف إلى المسجد حتّى سمّوه أمير المؤمنين فبينا نحن جلوس عنده يوما إذ جاءه يهودي من يهود المدينة و هم يزعمون أنه من ولد هارون أخي موسى عليهما السّلام حتى وقف على عمر فقال له:يا أمير المؤمنين أيّكم أعلم بعلم نبيّكم و بكتاب ربكم حتى أسأله عمّا أريد؟

قال:فأشار عمر إلى علي عليه السّلام فقال له اليهودي:أ كذلك أنت يا عليّ؟

قال (4):«سل عما تريد».

قال:إنّي أسألك عن ثلاث و عن ثلاث و عن واحدة،فقال له علي عليه السّلام:«لم لا تقول إني أسألك عن سبع؟».

فقال له اليهودي:أسألك عن ثلاث فإن أصبت فيهن سألتك عن الثلاث الاخر،فإن أصبت فيهن سألتك عن الواحدة،و إن أخطأت في الثلاث الأول لم أسألك عن شيء، فقال له علي عليه السّلام:«و ما يدريك إذا سألتني فأجبتك أخطأت أم أصبت؟».د.

ص: 84


1- الخصال:476/2-477،كمال الدين:300/1-302.
2- في كمال الدين:الحارث.
3- في كمال الدين:عمارة بن جوني.
4- في كمال الدين:قال:نعم،سل عما تريد.

فقال:فضرب يديه إلى كمّه فأخرج كتابا عتيقا فقال:هذا ورثته عن آبائي و أجدادي إملاء موسى بن عمران و خطّ هارون،و فيه الخصال التي اريد أن أسألك عنها،فقال علي عليه السّلام:«على أنّ لي عليك إن اجبتك فيهن بالصواب أن تسلم»،فقال اليهودي:و اللّه إن أجبتني فيهنّ بالصواب لأسلمن الساعة على يديك،قال له علي عليه السّلام:

«سل».

قال:أخبرني عن أوّل حجر وضع على وجه الأرض؟و أخبرني عن أول شجرة نبتت على وجه الأرض؟و أخبرني عن أوّل عين نبعت على وجه الأرض؟

فقال له علي عليه السّلام:«يا يهودي أمّا أوّل حجر وضع على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنّها صخرة بيت المقدس،و كذبوا و لكنه الحجر الاسود الذي نزل به آدم عليه السّلام معه من الجنة فوضعه في ركن البيت و الناس يتمسحون به و يقبّلونه و يجددون العهد و الميثاق فيما بينهم و بين اللّه عز و جل».

قال له اليهودي:أشهد باللّه لقد صدقت،قال له علي عليه السّلام:«و أمّا أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنّها الزيتونة و كذبوا و لكنّها نخلة من العجوة،نزل بها آدم عليه السّلام معه من الجنة،فأصل النخلة كلّه من العجوة».

قال له اليهودي:اشهد باللّه لقد صدقت قال له علي عليه السّلام:«و أمّا أوّل عين نبعت على وجه الأرض فانّ اليهود يزعمون أنّها العين التي نبعت تحت صخرة بيت المقدس و كذبوا و لكنّها عين الحياة التي نسي عندها صاحب موسى السمكة المالحة فلمّا أصابها ماء العين عاشت و سربت (1)فأتبعها موسى عليه السّلام و صاحبه فلقيه الخضر».

قال اليهودي:أشهد باللّه لقد صدقت،قال له علي عليه السّلام:«سل عن الثلاث الاخر».

قال:أخبرني عن هذه الامّة كم لها بعد نبيّها من إمام عدل؟و أخبرني عن منزل محمد أين هو من الجنة؟و من يسكن معه في منزله؟

قال له علي عليه السّلام:«يا يهودي يكون لهذه الأمة بعد نبيّها إثنا عشر إماما عدلا،لاه.

ص: 85


1- سرب:اي ذهب على وجهه.

يضرّهم خلاف من خالفهم»؛قال له اليهودي:أشهد باللّه لقد صدقت،قال له علي عليه السّلام:

«و منزل محمد صلّى اللّه عليه و اله من الجنّة في جنة عدن و هي وسط الجنان و أقربها من عرش الرّحمن جلّ جلاله».

قال له اليهودي:أشهد باللّه لقد صدقت،قال له علي عليه السّلام:«و الذين يسكنون معه في الجنة هؤلاء الأئمة الإثنا عشر».

قال له اليهودي:أشهد باللّه لقد صدقت قال له علي عليه السّلام:«سل عن الواحدة».

قال:أخبرني عن وصي محمد في أهله كم يعيش بعده،و هل يموت موتا أو يقتل قتلا؟

قال له علي عليه السّلام:«يا يهودي:يعيش بعده ثلاثين سنة،و تخضب منه هذه من هذا- و أشار إلى لحيته و رأسه-».

قال:فوثب إليه اليهودي فقال:أشهد أن لا إله إلا اللّه و أشهد أن محمدا رسول اللّه و أنّك وصي رسول اللّه (1).

أحاديث اللوح-ابن بابويه في كتاب كمال الدين و تمام النعمة قال:حدّثنا أبي و محمد بن الحسن رضي اللّه عنهما قالا:حدّثنا سعد بن عبد اللّه و عبد اللّه بن جعفر الحميري جميعا،عن أبي الحسن صالح بن أبي حمّاد،و الحسن بن طريف جميعا عن بكر بن صالح.

و حدّثنا أبي و محمد بن موسى بن المتوكل،و محمد بن علي ماجيلويه،و أحمد ابن علي بن إبراهيم،و الحسن بن إبراهيم ماثانة (2)،و أحمد بن زياد الهمداني رضي اللّه عنهم قالوا جميعا:حدّثنا علي بن إبراهيم،عن أبيه إبراهيم بن هاشم،عن بكر بن صالح،عن عبد الرّحمن بن سالم،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال أبي عليه السّلام لجابر بن عبد اللّه الأنصاري:«إن لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بكة.

ص: 86


1- كمال الدين:294/1-296.
2- في بعض المصادر:ابن ناتانة.

فأسألك عنها».

قال له جابر:في أي الاوقات شئت،فخلا به (1)فقال له:«يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد امي فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و ما أخبرتك به أنّه في ذلك اللوح مكتوبا».

قال جابر:أشهد باللّه أني لمّا دخلت على أمك فاطمة عليها السّلام في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله اهنيها بولادة الحسين عليه السّلام فرأيت في يدها لوحا اخضر ظننت أنّه من زمرد،و رأيت فيه كتابة أبيض مثل نور يشبه الشمس (2)فقلت لها:بأبي أنت و أمي يا بنت رسول اللّه ما هذا اللوح؟

فقالت:«هذا اللوح أهداه اللّه جل جلاله إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فيه اسم أبي و اسم بعلي و اسم ابني و أسماء الأوصياء من ولدي فأعطانيه أبي يبشرني بذلك» (3)فقال له:يا جابر هل لك أن تعرضه عليّ (4)؟

قال نعم:فمشى معه أبي عليه السّلام حتى انتهى إلى منزل جابر فأخرج إلى أبي صحيفة من رقّ،فقال له أبي:«يا جابر أنظر أنت في كتابك لأقرأه أنا عليك»،فنظر جابر في نسخته فقرأ عليه أبي عليه السّلام فو اللّه ما خالف حرف حرفا،فقال جابر:فإني اشهد باللّه أني هكذا رأيته في اللوح مكتوبا:

بسم اللّه الرّحمن الرحيم هذا كتاب من اللّه العزيز العليم لمحمد نوره و سفيره و حجابه و دليله،نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين،عظّم يا محمد أسمائي، و اشكر نعمائي،و لا تجحد آلائي،إني أنا اللّه لا إله إلا أنا قاصم الجبارين و مذل الظالمين،و مبير المتكبّرين،و ديّان يوم الدين،إني أنا اللّه لا إله إلا أنا فمن رجا غير؟.

ص: 87


1- في بعض المصادر:فخلا به أبو جعفر عليه السّلام.
2- في بعض المصادر:كتابة بيضاء شبيهة بنور الشمس.
3- في بعض المصادر:ليسرني بذلك.
4- في بعض المصادر:قال جابر:فأعطتنيه امك فاطمة عليها السّلام فقرأته و انتسخته،فقال له أبي:فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ؟.

فضلي،أو خاف غير عدلي،عذبته عذابا لا اعذبه أحدا من العالمين،فإياي فاعبد، و عليّ فتوكل،إني لم أبعث نبيا فأكملت أيّامه،و انقضت مدّته،إلا جعلت له وصيا، و إني فضلتك على الأنبياء،و فضلت وصيّك على الأوصياء و أكرمته بعدك بسبطيك (1)الحسن و الحسين،فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه، و جعلت حسينا خازن وحيي،و أكرمته بالشهادة،و ختم له بالسعادة،فهو أفضل من استشهد و أرفع الشهداء درجة،جعلت كلمتي التامة معه،و الحجة البالغة عنده، بعترته أثيب و أعاقب،أوّلهم علي سيد العابدين،و زين أوليائي الماضين،و ابنه سمي جده المحمود،محمد الباقر لعلمي و المعدن لحكمتي،سيهلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالراد عليّ،حق القول مني لأكرمن جعفرا (2)و لأسرنه في أشياعه و أنصاره و أوليائه،و انتجبت بعده موسى،و انتجبت بعده فتاه (3)،لأن خيط فرضي لا ينقطع و حجّتي لا تخفى،و أن أوليائي لا يشقون أبدا،ألا و من جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي،و من غير آية من كتابي فقد افترى عليّ،و ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى و حبيبي و خيرتي،ان المكذب (4)للثامن مكذب بجميع أوليائي،و علي وليي و ناصري،أضع عليه أعباء النبوّة و أمتحنه بالإضطلاع،يقتله عفريت مستكبر،يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح (5)إلى جنب شر خلقي،حق القول مني لأقرن عينه بمحمد إبنه و خليفته من بعده،فهو وارث علمي،و معدن حكمي،و موضع سري،و حجتي على خلقي،و جعلت الجنة مثواه،و شفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار،و أختم بالسعادة لابنه علي وليي و ناصري،و الشاهد في خلقي،و أميني على وحيي،أخرج منه الداعي إلى سبيلي،ن.

ص: 88


1- في بعض المصادر:و اكرمتك بشبليك بعده و بسبطيك.
2- في بعض المصادر:لاكرمن مثوى جعفر.
3- في بعض المصادر:و انتحبت بعد موسى فتنة عمياء حندس،لان.
4- في بعض المصادر:ألا ان المكذبين.
5- في بعض المصادر:العبد الصالح ذو القرنين.

و الخازن لعلمي الحسن،ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين،عليه كمال موسى و بهاء عيسى و صبر أيوب،ستذل أوليائي في زمانه و يتهادون رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك و الديلم فيقتلون و يحرقون و يكونون خائفين مرعوبين وجلين،تصبغ الأرض بدمائهم،و ينشأ الويل (1)و الرنين في نسائهم،أولئك أوليائي حقا،بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس،و بهم أكشف الزلازل،و أدفع عنهم الآصار و الأغلال،أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولئك هم المهتدون.

قال عبد الرّحمن بن سالم،قال أبو بصير:لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك،فصنه إلا عن أهله (2).

ثم قال ابن بابويه:و حدّثنا أبو محمد الحسن بن حمزة العلوي قال:حدّثنا أبو جعفر محمد بن الحسين (3)ابن درست السروري،عن جعفر بن محمد بن مالك قال:

حدّثنا محمد بن عمران الكوفي،عن عبد الرّحمن بن أبي نجران،عن صفوان بن يحيى،عن إسحاق بن عمار،عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام أنّه قال:«يا إسحاق ألا ابشرك؟»قلت:بلى جعلت فداك يابن رسول اللّه فقال:«وجدنا صحيفة بإملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و خط أمير المؤمنين،فيها:بسم اللّه الرّحمن الرحيم هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم».و ذكر الحديث مثله سواء إلا أنّه قال في آخره:ثم قال الصادق عليه السّلام:«يا إسحاق هذا دين الملائكة و الرسل فصنه عن غير أهله يصنك اللّه و يصلح بالك،ثم قال:

من آمن بهذا أمن من عقاب اللّه عز و جل» (4).6.

ص: 89


1- في بعض المصادر:و يفشو الويل.
2- كمال الدين:308/1-311،و ذكره الشيخ الكليني في اصول الكافي:527/1-528، و الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة:93-95،و الطبرسي في اعلام الورى ص 371-373،و في الاحتجاج للشيخ أبي علي الطبرسي:84/1-87 ط النجف الاشرف،و البحار:196/36-197.
3- في اعلام الورى:محمد بن الحسن.
4- كمال الدين:312/1 و فيه:«من دان بهذا أمن من عقاب اللّه»،عيون الاخبار:36/1 ط النجف،اعلام الورى ص 373،البحار:200/36.

ثم قال ابن بابويه:و حدّثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني- رضي اللّه عنه-قال:حدّثنا الحسن بن إسماعيل،قال:حدّثنا سعيد بن محمد القطان (1)قال:حدّثنا عبد اللّه بن موسى الروياني أبو تراب،عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني،عن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السّلام، قال:حدثني عبد اللّه بن محمد بن جعفر،عن أبيه،عن جده أن محمد بن علي باقر العلم عليهما السّلام جمع ولده و فيهم زيد بن علي (2)ثم اخرج كتابا إليهم بخط علي عليه السّلام و إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مكتوب فيه:«هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم».و ذكر حديث اللّوح إلى الموضع الّذي يقول فيه:أولئك هم المهتدون.

ثم قال في آخره قال عبد العظيم:العجب كلّ العجب لمحمّد بن جعفر و خروجه إذ سمع أباه عليه السّلام يقول هكذا و يحكيه،ثم قال:«هذا سر اللّه و دينه و دين ملائكته فصنه إلا عن أهله و أوليائه» (3).

ثم قال ابن بابويه:حدّثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدّب،و أحمد بن هارون الفامي (4)-رضي اللّه عنهما-قالا:حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري،عن أبيه،عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي،عن مالك السلولي،عن درست عن عبد الحميد (5)،عن عبد اللّه بن القاسم،عن عبد اللّه بن جبلة، عن أبي السفاتج،عن جابر الجعفي،عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السّلام،عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:دخلت على مولاتي فاطمة عليها السّلام و قدّامها لوح يكاد ضوؤه يغشى الأبصار،فيه اثنا عشر إسما ثلاثة في ظاهره،و ثلاثة في باطنه، و ثلاثة اسماء في آخره و ثلاثة أسماء في طرفه،فعددتها فإذا هي اثنا عشر اسماد.

ص: 90


1- في كمال الدين:محمد بن القطان.
2- في كمال الدين:و فيهم عمهم زيد بن علي.
3- كمال الدين:312/1-33،عيون الاخبار:37/1،اعلام الورى ص 374،البحار:201/36.
4- في كمال الدين:القاضي.
5- في كمال الدين:عن درست بن عبد الحميد.

فقلت:أسماء من هؤلاء؟

قالت:«هذه أسماء الأوصياء أوّلهم ابن عمي و أحد عشر من ولدي،آخرهم المهدي».

قال جابر:فرأيت فيها محمدا محمدا محمدا في ثلاثة مواضع،و عليّا و عليّا و عليّا و عليّا في أربعة مواضع (1).

ثم قال ابن بابويه:و حدّثنا أحمد بن محمد العطار (2)رحمه اللّه قال:حدّثنا أبي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب،عن الحسن بن محبوب،عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السّلام،عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:دخلت على فاطمة عليها السّلام و بين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء،فعددت اثني عشر إسما آخرهم القائم،ثلاثة منهم محمد،و أربعة منهم عليّ صلوات اللّه عليهم (3).

قلت:حديث اللوح متكرر بالأسانيد الكثيرة متأوّل بين العلماء مستفيض الرواية؛و قد ذكره الحمويني-و هو أحد أعيان علماء العامة-و قد تقدّم من طريقه في الباب الثاني عشر السابق و هو الحديث السابع و الثلاثون (4).

الشيخ إبراهيم بن محمد الحمويني-من أعيان علماء العامة-في كتاب فرائد السمطين في فضائل المرتضى و البتول و السبطين،قال:أنبأني السيّد النسابة جلال الدين عبد الحميد بن فخار بن معد بن فخار الموسوي،قال:أنبأنا والدي السيد شمس الدين شيخ الشرف فخار بروايته،عن شاذان بن جبرائيل القمي،عن جعفر بن محمد الدورسي،عن أبيه،عن أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي- رحمة اللّه عليه-قال:حدّثنا أبي و محمد بن الحسن-رضي اللّه عنه-قالا:حدّثنا سعدء.

ص: 91


1- كمال الدين:311/1،عيون الأخبار:37/1،اعلام الورى ص 373-374،البحار:/36 201.
2- في كمال الدين:أحمد بن محمد بن يحيى العطار.
3- كمال الدين:213/1.
4- راجع ص 164-166 من هذا الجزء.

ابن عبد اللّه،قال:حدّثنا يعقوب بن يزيد،عن حماد بن عيسى،عن عمر بن اذينة،عن أبان بن أبي عياش،عن سليم بن قيس الهلالي قال:رأيت عليا عليه السّلام في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في خلافة عثمان-رضي اللّه عنه-و جماعة يتحدثون و يتذاكرون العلم و الفقه،فذكروا قريشا و فضلها و سوابقها و هجرتها،و ما قال فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من الفضل.و ساق الحديث بما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في قريش من الفضل إلى أن قال:

و علي بن أبي طالب عليه السّلام ساكت لا ينطق و لا أحد من أهل بيته.

فأقبل القوم عليه فقالوا:يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلّم؟

فقال:«ما من الحيين(يعني:المهاجرين من قريش و الأنصار)إلا و قد ذكر فضلا و قال حقّا فأنا أسألكم يا معشر قريش و الأنصار بمن أعطاكم اللّه هذا الفضل؟أ بأنفسكم، و عشائركم،و أهل بيوتاتكم أم بغيركم»؟

قالوا:بل أعطانا اللّه و منّ به علينا بمحمد صلّى اللّه عليه و اله لا بأنفسنا و عشائرنا،و لا بأهل بيوتاتنا.

قال:«صدقتم يا معشر قريش و الأنصار،أ لستم تعلمون أن الذي نلتم من خير الدنيا و الآخرة منّا أهل البيت خاصة دون غيرهم؟و أن ابن عمي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:إني و أهل بيتي كنّا نورا يسعى بين يدي اللّه تعالى قبل أن يخلق اللّه عز و جل آدم عليه السّلام بأربعة عشر ألف سنة فلمّا خلق اللّه آدم وضع ذلك النور في صلبه و أهبطه إلى الأرض،ثم حمله في السفينة في صلب نوح عليه السّلام،ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم عليه السّلام ثم لم يزل اللّه عز و جل ينقلنا في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة،و من الأرحام الطاهرة الى الأصلاب الكريمة من الآباء و الامهات،لم يكن منهم واحد على سفاح قط».

فقال أهل السابقة و القدمة،و أهل بدر،و أهل احد:نعم،قد سمعنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

ثم قال:«انشدكم اللّه أ تعلمون أن اللّه عز و جل فضّل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية،و إني لم يسبقني إلى اللّه عز و جل و إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أحد من هذه الأمة»؟

ص: 92

قالوا:اللهم نعم.

قال:«فانشدكم اللّه أ تعلمون حيث نزلت وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ (1)وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (2)سئل عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:أنزلها اللّه تعالى ذكره في الأنبياء و أوصيائهم.

فأنا أفضل أنبياء اللّه و رسله،و علي بن أبي طالب وصيي أفضل الأوصياء»؟

قالوا:اللهم نعم.

قال:«فأنشدكم اللّه أ تعلمون حيث نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (3)و حيث نزلت: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (4)و حيث نزلت وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ.. ..وَلِيجَةً (5)قال الناس:يا رسول اللّه أ خاصة في بعض المؤمنين أم عامة بجميعهم؟فأمر اللّه عز و جل نبيه صلّى اللّه عليه و اله أن يعلمهم ولاة أمرهم،و أن يفسر لهم من ولاة أمرهم ما فسّر لهم من صلاتهم و زكاتهم،و حجهم،و نصبني للناس بغدير خم،ثم خطب فقال:

أيها الناس إن اللّه أرسلني برسالة ضاق بها صدري،و ظننت أن الناس مكذبي فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني،ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة،ثم خطب فقال:أيها الناس أ تعلمون أن اللّه عز و جل مولاي و أنا مولى المؤمنين،و أنا أولى بهم من أنفسهم؟

قالوا:بلى يا رسول اللّه؛قال:قم يا علي فقمت فقال:من كنت مولاه فعلي مولاه،اللهم وال من والاه و عاد من عاداه.

فقام سلمان فقال:يا رسول اللّه ولاء ما ذا؟6.

ص: 93


1- التوبة:100.
2- الواقعة:10.
3- النساء:59.
4- المائدة:55.
5- التوبة:16.

فقال:ولاء كولائي،من كنت أولى به من نفسه،فعلي أولى به من نفسه،فأنزل اللّه تعالى ذكره: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (1)فكبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قال:اللّه أكبر على تمام نبوتي و تمام دين اللّه ولاية عليّ بعدي.

فقام أبو بكر و عمر فقالا:يا رسول اللّه هؤلاء الآيات خاصة في علي؟

قال:بلى فيه و في أوصيائي إلى يوم القيامة.

قالا:يا رسول اللّه بيّنهم لنا.

قال صلّى اللّه عليه و اله:علي أخي و وزيري،و وارثي،و وصيي،و خليفتي في أمتي و ولي كل مؤمن بعدي،ثم ابني الحسن،ثم الحسين،ثم تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد؛ القرآن معهم و هم مع القرآن لا يفارقونه،و لا يفارقهم حتى يردوا عليّ الحوض»؛فقالوا كلهم:أللهم نعم قد سمعنا ذلك و شهدنا كما قلت سواء.

و قال بعضهم:قد حفظنا جل ما قلت لم نحفظ كلّه و هؤلاء الذين حفظوا أخيارنا و افاضلنا؛فقال علي عليه السّلام:«صدقتم ليس كل الناس يستوون في الحفظ،انشد اللّه عز و جل من حفظ ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لمّا قام و أخبر به»؛فقام زيد بن أرقم،و البراء بن عازب،و سلمان،و أبو ذر،و المقداد،و عمار فقالوا:نشهد لقد حفظنا قول رسول اللّه و هو قائم على المنبر و أنت إلى جنبه و هو يقول:«أيها الناس إن اللّه عز و جل أمرني أن أنصب لكم إمامكم و القائم فيكم بعدي،و وصيي و خليفتي،و الذي فرض اللّه عز و جل على المؤمنين في كتابه طاعته فقرنه بطاعته و طاعتي،و أمركم بولايته،و إني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق و تكذيبهم فأوعدني لتبلغنها أو ليعذبني.

أيها الناس إن اللّه أمركم في كتابه بالصلاة فقد بيّنتها لكم،و الزكاة،و الصوم،و الحج فبيّنتها لكم و فسّرتها،و أمركم بالولاية و إني اشهدكم أنها لهذا خاصة و وضع يده على علي بن أبي طالب،ثم قال لابنيه بعده،ثم للأوصياء من بعدهم،من ولدهم لا يفارقون القرآن،و لا يفارقهم القرآن،حتى يردوا علي حوضي.3.

ص: 94


1- المائدة:3.

أيها الناس قد بيّنت لكم مفزعكم بعدي و إمامكم،و دليلكم،و هاديكم،و هو أخي علي بن أبي طالب،و هو فيكم بمنزلتي فيكم فقلدوه دينكم و أطيعوه في جميع أموركم فإن عنده جميع ما علّمني اللّه من علمه و حكمته،فسلوه،و تعلّموا منه و من أوصيائه بعده،و لا تعلموهم و لا تتقدموهم و لا تخلّفوا عنهم فإنهم مع الحق و الحق معهم لا يزايلوه و لا يزايلهم،ثم جلسوا».

قال سليم:ثم قال علي عليه السّلام:«أيها الناس أ تعلمون أن اللّه أنزل في كتابه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1)فجمعني و فاطمة و ابني حسنا و الحسين،ثم ألقى علينا كساء و قال:اللهم هؤلاء أهل بيتي و لحمي يؤلمني ما يؤلمهم (2)و يجرحني ما يجرحهم فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا:فقالت ام سلمة:و أنا يا رسول اللّه؟

فقال:أنت إلى خير؛إنما نزلت في و في أخي علي بن أبي طالب و في إبني (3)،و في تسعة من ولد ابني الحسين خاصة،و ليس معنا فيها أحد غيرنا»،فقالوا كلهم:نشهد أن ام سلمة حدثتنا بذلك فسألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فحدّثنا كما حدثتنا ام سلمة.

ثم قال علي عليه السّلام:«انشدكم اللّه أ تعلمون أن اللّه أنزل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ (4)فقال سلمان:يا رسول اللّه عامة هذا أم خاصة؟

قال:أما المأمورون فعامة المؤمنين امروا بذلك،و أما الصادقون فخاصة لأخي علي و أوصيائي من بعده إلى يوم القيامة».

قالوا:اللهم نعم.

قال:«انشدكم اللّه أ تعلمون أني قلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في غزوة تبوك:لم خلفتني؟9.

ص: 95


1- الاحزاب:33.
2- في بعض المصادر:يؤذيني ما يؤذيهم.
3- في الاحتجاج للطبرسي:و في ابنتي فاطمة،و في ابني.
4- التوبة:199.

فقال:إن المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك،و أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»؟

قالوا:اللهم نعم.

فقال:«انشدكم اللّه أ تعلمون أن اللّه أنزل في سورة الحج: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ (1)إلى آخر السورة-فقام سلمان فقال:يا رسول اللّه من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد و هم شهداء على الناس الذين إجتباهم اللّه و لم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة إبراهيم؟

قال:عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمة،قال سلمان:بيّنهم لنا يا رسول اللّه؟

قال:أنا و أخي علي،و أحد عشر من ولدي».

قالوا:اللهم نعم.

قال:«انشدكم باللّه أ تعلمون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قام خطيبا لم يخطب بعد ذلك فقال:يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي فتمسّكوا بهما لن تضلوا فإن اللطيف أخبرني و عهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض:فقام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال:يا رسول اللّه أكل أهل بيتك؟

فقال:لا،و لكن أوصيائي منهم،أوّلهم أخي،و وزيري،و وارثي،و خليفتي في أمتي، و ولي كل مؤمن بعدي،و هو أوّلهم،ثم ابني الحسن،ثم ابني الحسين،ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض شهداء للّه في أرضه،و حجته على خلقه؛و خزان علمه،و معادن حكمته،من أطاعهم فقد أطاع اللّه،و من عصاهم فقد عصى اللّه،فقالوا كلهم:نشهد ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال ذلك،ثم تمادى بعلي السؤال فما ترك شيئا إلا ناشدهم اللّه فيه،و سألهم عنه حتى أتى على آخر مناقبه،و ما قال له رسول7.

ص: 96


1- الحج:77.

اللّه صلّى اللّه عليه و اله كثيرا،كل ذلك يصدقونه و يشهدون أنّه حق» (1).

أبو الحسن الفقيه ابن شاذان من طريق العامة-و كلّما ذكرته عنه هنا فهو من طريقهم-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«و اللّه لقد خلفني رسول اللّه في امته؛فأنا حجة اللّه عليهم بعد نبيه،و إن ولايتي لتلزم أهل السماء كما تلزم أهل الأرض،و ان الملائكة لتتذاكر فضلي و ذلك تسبيحها عند اللّه.أيها الناس إتبعوني أهدكم سواء السبيل و لا تأخذوا يمينا و لا شمالا فتضلّوا،و أنا وصي نبيّكم و خليفته،و إمام المؤمنين و أميرهم و مولاهم،و أنا قائد شيعتي إلى الجنة،و سائق أعدائي إلى النار،أنا سيف اللّه على أعدائه و رحمته على أوليائه،أنا صاحب حوض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لوائه و صاحب مقام شفاعته، و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين خلفاء اللّه في أرضه و أمناؤه على وحيه، و أئمة المسلمين بعد نبيه،و حجج اللّه على بريته» (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه اللّه،قال:حدّثنا الحسين ابن محمد بن عامر،عن المعلى بن خالد البصري،عن جعفر بن سليمان (3)عن عبد اللّه بن الحكم،عن أبيه،عن سعيد بن جبير،عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«إنّ عليا وصيي و خليفتي،و زوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ابنتي،و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي،من والاهم فقد والاني،و من عاداهم فقد عاداني،و من ناوأهم فقد ناوأني،و من جفاهم فقد جفاني،و من برّهم فقد برّني،وصل اللّه من وصلهم،و قطع من قطعهم و نصر من أعانهم (4)،و خذل من خذلهم،اللهم من كان له من أنبيائك ثقل و أهل بيت فعلي و فاطمة و الحسن و الحسين أهل بيتي و ثقلي فأذهبم.

ص: 97


1- الاحتجاج:210/1،و مر بكامل لفظه هنا.
2- مائة منقبة:/59ح 32.
3- في بعض المصادر:حدّثنا أبي رحمه اللّه،قال:حدّثنا الحسين بن محمد بن عامر،عن المعلى بن محمد البصري،عن جعفر بن سليمان.
4- في بعض المصادر:و نصر من نصرهم،و أعان من أعانهم.

عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا» (1).

الشيخ في أماليه قال:أخبرنا محمد بن محمد(يعني المفيد)قال:حدّثنا أبو نصر محمد بن الحسين المقري،قال:حدّثنا أبو عبد اللّه الحسين بن علي المرزباني قال:

حدّثنا جعفر بن محمد الحنفي قال:حدّثنا يحيى بن هاشم السمسار قال:حدّثنا عمرو ابن شمر قال:حدّثنا حماد،عن أبي الزبير،عن جابر بن عبد اللّه بن خزام (2)قال:أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقلت:يا رسول اللّه من وصيك؟

قال:«فأمسك عني عشرا لا يجيبني،ثم قال:يا جابر ألا اخبرك عما سألتني؟فقلت:

بأبي أنت و أمي أم و اللّه لقد سكت عني حتى ظننت إنك وجدت عليّ.

فقال:ما وجدت عليك يا جابر،و لكن كنت أنتظر ما يأتني من السماء،فأتاني جبرائيل عليه السّلام فقال:يا محمد ربك يقول:إن علي بن أبي طالب وصيك و خليفتك على أهلك و أمتك و الذائد عن حوضك و هو صاحب لوائك يقدمك إلى الجنة.

فقلت:يا رسول اللّه أ رأيت من لا يؤمن بهذا الحديث أقتله؟

قال:نعم.يا جابر ما وضع هذا الوضع إلا ليبايع عليه،فمن بايعه كان معي غدا،و من خالفه لم يرد عليّ الحوض أبدا» (3).

الشيخ في أماليه قال:أخبرنا محمد بن محمد(يعني المفيد)قال:أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد(يعني ابن قولويه)قال:حدثني أبي قال:حدّثنا سعد بن عبد اللّه،عن أبي الجوزاء المنبه بن عبد اللّه،عن الحسين بن علوان،عن عمرو بن خالد،عن زيد بن علي،عن أبيه،عن الحسين بن علي،عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:

قال:رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«يا علي إن اللّه تعالى أمرني أن أتخذك أخا و وصيا،فأنت أخي1.

ص: 98


1- أمالي الصدوق ص 423.
2- في بعض المصادر:حزام.و الصحيح جابر بن عبد اللّه بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي كما في المعاجم.
3- أمالي الطوسي:193/1.

و وصيي و خليفتي على أهلي في حياتي و بعد موتي،من تبعك فقد تبعني و من تخلّف عنك فقد تخلّف عني،و من كفر بك فقد كفر بي،و من ظلمك فقد ظلمني.يا علي أنت مني و أنا منك،يا علي لو لا أنت لما قوتل أهل النهر.

قال:فقلت:يا رسول اللّه و من أهل النهر؟

قال:قوم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية» (1).

الشيخ في أماليه قال:حدّثنا محمد بن الحسن بن الوليد (2)قال:حدثني محمد بن أبي القاسم،عن محمد بن علي الصيرفي،عن محمد بن سنان،عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللّه الصادق،عن أبيه،عن جده عليهم السّلام قال:بلغ أم سلمة زوجة النبي صلّى اللّه عليه و اله أن مولى لها(يتنقص)ينتقص عليا و يتناوله،فأرسلت إليه فلما صار إليها قالت له:

يا بني بلغني انّك(تتنقص)تتنقص عليّا و تتناوله؟

قال نعم يا أماه،قالت له:اقعد ثكلتك امك حتى أحدثك بحديث سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثم اختر لنفسك،إنا كنا عند رسول اللّه تسع نسوة و كانت ليلتي و يومي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله..فأتيت الباب فقلت:أدخل يا رسول اللّه؟

قال لا،قالت:فكبوت كبوة،و ساق الحديث بطوله و فيه يا أم سلمة إسمعي و اشهدي هذا علي بن أبي طالب وصيي و خليفتي من بعدي (3).

و الحديث تقدم بطوله في الباب الثالث عشر من طريق ابن بابويه بالإسناد عن الصادق عليه السّلام (4).

ابن بابويه قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور،قال:حدّثنا الحسين بن محمد ابن عامر،عن المعلى بن محمد البصري،عن جعفر بن سليمان،عن عبد اللّه بنء.

ص: 99


1- أمالي الطوسي:203/1.
2- في بعض المصادر:محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد.
3- أمالي الصدوق ص 340-341.أمالي الطوسي:38/2-40.
4- راجع ص 208-209 من هذا الجزء.

الحكم،عن أبيه،عن سعيد بن جبير،عن عبد اللّه بن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:

«إن خلفائي و أوصيائي،و حجج اللّه على الخلق بعدي إثنا عشر:أولهم أخي و آخرهم ولدي.

قيل:يا رسول اللّه و من أخوك؟

قال:علي بن أبي طالب قيل:فمن ولدك؟

قال المهدي الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،و الذي بعثني بالحق نبيا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي،فينزل روح اللّه عيسى ابن مريم فيصلّي خلفه،و تشرق الأرض بنوره،و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب» (1).

محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة،عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة،و محمد بن همام بن سهل،و عبد العزيز،و عبد الواحد ابنا عبد اللّه بن يونس، عن رجالهم،عن عبد الرزاق بن همام،قال:حدّثنا معمر بن راشد،عن أبان بن أبي عياش،عن سليم بن قيس الهلالي قال:لما أقبلنا من صفين مع أمير المؤمنين عليه السّلام ننزل قريبا من دير نصراني إذ خرج علينا شيخ من الدير جميل الوجه حسن الهيئة و السمت،معه كتاب في يده حتى أتى أمير المؤمنين عليه السّلام فسلّم عليه فقال (2):إني من نسل حواري عيسى (3)،و كان أفضل حواريه الإثني عشر (4)،و أحبهم إليه،و آثرهم عنده،و إن عيسى أوصى إليه،و دفع إليه كتبه و علمه و حكمته،فلم يزل أهل هذا البيت على دينه،و متمسكين عليه،لم يكفروا و لم يرتدّوا،و لم يغيّروا،و تلك الكتب عندي،إملاء عيسى (5)و خط أبينا بيده،فيها كل شيء يفعل الناس من بعده،و اسمم.

ص: 100


1- كمال الدين:280/1.
2- في بعض المصادر:ثم قال.
3- في بعض المصادر:أحد حواري عيسى ابن مريم.
4- في بعض المصادر:و كان افضل حواري عيسى من الاثني عشر.
5- في بعض المصادر:املاء عيسى ابن مريم.

كل ملك ملك منهم،و إن اللّه تبارك و تعالى يبعث رجلا من العرب من ولد إسماعيل من إبراهيم خليل اللّه (1)،من أرض يقال لها تهامة،من قرية يقال لها مكّة يقال له أحمد،له اثنا عشر إسما،و ذكر مبعثه و مولده و مهاجرته،و من يقاتله،و من ينصره، و من يعاديه،و ما يعيش،و ما تلقى امته بعده إلى أن ينزل عيسى ابن مريم من السماء،و في ذلك الكتاب ثلاث عشر رجلا من ولد إسماعيل ابن إبراهيم خليل اللّه من خلقه (2)و أحبّ من خلق اللّه إلى اللّه،و اللّه ولي لمن والاهم،و عدو لمن عاداهم،من أطاعهم اهتدى و من عصاهم ضل،طاعتهم للّه طاعة،و معصيتهم للّه معصية، مكتوبة أنسابهم و أسماؤهم و نعوتهم،و كم يعش كل واحد منهم (3)واحدا بعد واحد،و كم رجل منهم يستر دينه (4)و يكتمه من قومه،و من الذي يظهر منهم و ينقاد له الناس،حتى ينزل عيسى ابن مريم على آخرهم فيصلّي عيسى خلفه و يقول:إنكم الأئمة لا ينبغي لأحد أن يتقدمكم،فيتقدم و يصلي بالناس و عيسى خلفه في الصف الأول،أوّلهم أفضلهم و خيرهم،و له مثل أجورهم و أجور من أطاعهم و اقتدى بهم (5)،و اسمه محمد،و عبد اللّه،و الفتاح،و يس،الخاتم،و الحاشر،و العاقب، و الماحي،و القائد،و نبي اللّه،و صفي اللّه،و حبيب اللّه،و إنه يذكر إذا ذكر،من أكرم خلق اللّه (6)و أحبّهم إلى اللّه لم يخلق اللّه ملكا مقربا و لا نبيا مرسلا من آدم فمن سواه خيرا عند اللّه و لا إلى اللّه أحب منه،يقعده يوم القيامة على عرشه،و يشفعه في كل من يشفع فيه،باسمه جرى القلم في اللوح المحفوظ محمد رسول اللّه،و بصاحب اللواء يوم الحشر الأكبر أخيه و وصيه و وزيره و خليفته في امته و أحب من خلق اللّهه.

ص: 101


1- في بعض المصادر:من ولد إبراهيم خليل اللّه.
2- في بعض المصادر:من خير خلقه.
3- في بعض المصادر:كل رجل منهم.
4- في بعض المصادر:يستتر بدينه.
5- في بعض المصادر:اهتدى بهم،رسول اللّه و اسمه...
6- في بعض المصادر:من أكرم خلق اللّه على اللّه.

إليه بعده علي ابن عمه لأبيه و امه،و ولي كل مؤمن و مؤمنة من بعده،ثم أحد عشر من ولده (1)أوّلهم يسمى باسم ابني هارون شبرا و شبيرا،و تسعة من صلب أصغرهما،واحدا بعد واحد آخرهم الذي يصلّي خلفه عيسى ابن مريم (2)،و في الحديث طول.

قلت:هذا الحديث ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه،و كتابه عندي في السنة الحادية و المائة و الألف (3).

ابن بابويه:قال:حدّثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي قال:حدّثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي قال:حدّثنا محمد بن علي بن أحمد الهمداني قال:حدثني أبو الفضل العباس بن عبد اللّه البخاري قال:حدّثنا محمد بن القاسم بن إبراهيم بن عبد اللّه بن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال:حدّثنا عبد السلام بن صالح الهروي، عن علي بن موسى الرضا عليه السّلام عن أبيه موسى بن جعفر،عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي،عن أبيه علي بن الحسين،عن أبيه الحسين بن علي،عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«ما خلق اللّه خلقا أفضل مني و لا أكرم مني عليه».

قال علي عليه السّلام،فقلت:«يا رسول اللّه فأنت أفضل أم جبرائيل»؟

قال عليه السّلام:«يا علي إن اللّه تبارك و تعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، و فضلني على جميع النبيين و المرسلين،و الفضل بعدي لك يا علي و للأئمة من بعدك فإن الملائكة لخدامنا و خدّام محبينا،يا علي اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا (4)بولايتنا.يا علي لو لا نحن ما خلق اللّه7.

ص: 102


1- في بعض المصادر:ثم أحد عشر رجلا من ولد محمد و ولده.
2- كتاب الغيبة للنعماني ص 35-36،البحار:210/36-212.
3- انظر سليم بن قيس ص 152-156 ط-دار الكتب الاسلامية-قم.
4- غافر:7.

آدم و لا حواء،و لا الجنة و لا النار،و لا الأرض،و كيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سبقناهم إلى التوحيد و معرفة ربنا عز و جل و تسبيحه و تقديسه و تهليله لأن أوّل ما خلق اللّه عز و جل أرواحنا فأنطقنا بتوحيده و تمجيده،ثم خلق الملائكة فلمّا شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون و أنه منزه عن صفاتنا،فسبحت الملائكة لتسبيحنا و نزّهته عن صفاتنا،فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا اللّه (1)فلما شاهد و اكبر محلّنا كبّرنا (2)لتعلم الملائكة أن اللّه أكبر من أن ينال،و إنه عظيم المحل،فلمّا شاهدوا ما جعل اللّه لنا من القدرة و القوة (3)قلنا:لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم،لتعلم الملائكة ان لا حول و لا قوة إلا باللّه (4)، فلما شاهدوا ما أنعم اللّه به علينا و أوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا:الحمد للّه لتعلم الملائكة ما يحق للّه تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه،فقالت الملائكة:الحمد للّه، فبنا اهتدوا إلى معرفة اللّه تعالى و تسبيحه و تهليله و تحميده و تمجيده،ثم إن اللّه تعالى خلق آدم عليه السّلام و أودعنا صلبه و أمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا و إكراما و كان سجودهم للّه عز و جل عبودية و لآدم إكراما و طاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سجدوا لأدم كلهم أجمعون.

و إنه لما عرج بي إلى السماء:أذّن جبرائيل مثنى مثنى (5)ثم قال:تقدّم يا محمد، فقلت:يا جبرائيل أ تقدم عليك؟

قال:نعم لأن اللّه تبارك و تعالى اسمه فضّل أنبيائه على ملائكته أجمعين و فضّلك خاصة،فتقدّمت و صلّيت بهم و لا فخر،فلمّا انتهيت إلى حجب النور قال ليى.

ص: 103


1- في بعض المصادر:و انا عبيد و لسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه فقالوا لا إله إلاّ اللّه.فلما شاهدوا.
2- في بعض المصادر:كبرنا اللّه.
3- في بعض المصادر:من العزة و القوة.
4- في بعض المصادر:فقالت الملائكة:لا حول و لا قوة إلا باللّه،فلما شاهدوا.
5- في بعض المصادر:و أقام مثنى مثنى.

جبرائيل عليه السّلام:تقدّم يا محمد (1)إن هذا انتهاء حدي الذي وضعه اللّه لي في هذا المكان، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي لتعدي حدود ربي جل جلاله،فزج (2)بي زجة في النور حتى انتهيت إلى حيث ما شاء اللّه عز و جل من ملكوته،فنوديت يا محمد أنت عبدي (3)و أنا ربك فإياي فاعبد،و علي فتوكل فإنك نوري في عبادي،و رسولي إلى خلقي، و حجتي في بريتي،لمن تبعك خلقت جنتي،و لمن خالفك خلقت ناري،و لأوصيائك أوجبت كرامتي،و لشيعتك أوجبت ثوابي،فقلت:يا رب و من أوصيائي؟فنوديت:يا محمد أوصياؤك المكتوبون على ساق العرش،فنظرت-و أنا بين يدي ربي-إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نورا،في كل نور سطر أخضر مكتوب عليه إسم كل وصي من أوصيائي،أوّلهم علي بن أبي طالب و آخرهم مهدي امتي،فقلت:يا رب أ هؤلاء أوصيائي من بعدي؟فنوديت:يا محمد هؤلاء أحبائي و أوليائي و أصفيائي و حججي بعدك على بريتي،و هم أوصياؤك و خلفاؤك،و خير خلقي بعدك.و عزتي و جلالي لاظهرنّ بهم ديني،و لأعلين بهم كلمتي،و لأطهّرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي، و لأملكنه (4)مشارق الأرض و مغاربها،و لأسخرن له الرياح،و لاذلن له الرقاب الصعاب، و لأرقينه في الأسباب،و لأنصرنه بجندي،و لامدنه بملائكتي حتى يعلن دعوتي و يجمع الخلق على توحيدي،ثم لأديمن ملكه و لأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة» (5).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن المطلب،و أبو عبد اللّه أحمد بن محمد ابن عبد اللّه بن الحسن بن عياش الجوهري،جميعا قال:حدّثنا محمد بن لاحق6.

ص: 104


1- في بعض المصادر:و تخلف عني،فقلت:يا جبرائيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال:يا محمد ان هذا.
2- في بعض المصادر:زخ.
3- في بعض المصادر:فنوديت يا محمد،فقلت:لبيك ربي و سعديك تباركت و تعاليت،فنوديت يا محمد أنت عبدي.
4- في المخطوط:و لأمكنه.
5- كمال الدين:254/1-256.

اليماني،عن ادريس بن زياد (1)الكفرثوثي قال:حدّثنا إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السيفي،عن جعفر بن الزبير،عن القاسم (2)،عن سلمان الفارسي-رضي اللّه عنه-قال:خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:«معاشر الناس إني راحل عن قريب (3)، و منطلق إلى مغيب،أوصيكم في عترتي خيرا،و إياكم و البدع فإن كل بدعة ضلالة و كل ضلالة و أهلها في النار.

معاشر الناس من افتقد الشمس فليتمسك بالقمر،و من افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين،فإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة».

فقال سلمان:يا رسول اللّه فما الشمس و القمر (4)؟و ما الفرقدان؟و ما النجوم الزاهرة؟

فقال:«أنا الشمس و علي القمر (5)فإذا افتقدتموني فتمسكوا به بعدي،و أما الفرقدان الحسن و الحسين،فإذا افتقدتموا القمر فتمسكوا بهما،و أما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسين عليهم السّلام و التاسع مهديهم.ثم قال صلّى اللّه عليه و اله:إنهم الأوصياء و الخلفاء بعدي،أئمة أبرار،عدد أسباط يعقوب،و حواري عيسى،قلت:فسمهم لي يا رسول اللّه، قال:أوّلهم و سيّدهم علي بن أبي طالب،و بعده سبطاي،و بعدهما علي بن الحسين زين العابدين،و بعده محمد بن علي باقر علم النبيين،و الصادق جعفر بن محمد،و ابنه الكاظم سمي موسى بن عمران،و الذي يقتل بأرض الغربة علي ابنه،ثم ابنه محمد،ي.

ص: 105


1- في الانصاف:و كفاية الاثر:ادريس بن زياد السبيعي.
2- في الانصاف:القاسم بن سليمان،و في كفاية الاثر:القسم بن سليمان.
3- في كفاية الاثر:راحل عنكم عن قريب.
4- في كفاية الاثر:و من افتقد الفرقدين فليتمسك بالنجوم الزاهرة بعدي،اقول قولي و استغفر اللّه لي و لكم. قال فلما نزل عن منبره عليه السّلام تبعته حتى دخل بيت عائشة فدخلت عليه و قلت:بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه سمعتك تقول:إذا افتقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر،و إذا افتقدتم القمر فتمسكوا بالفرقدين،و إذا افتقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة،فما الشمس؟و ما القمر؟.
5- في كفاية الاثر:اما الشمس فأنا،و أما القمر فعلي.

و الصادقان علي و الحسن،و الحجة القائم المنتظر في غيبته،فإنهم عترتي من لحمي و دمي،علمهم علمي،و حكمهم حكمي،من آذاني فيهم لا أناله اللّه شفاعتي» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق-رضي اللّه عنه- قال:حدّثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي،قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري،قال:حدّثنا محمد بن الحسين بن زيد الزيات،قال:حدّثنا محمد بن زياد الأزدي،عن المفضل بن عمر،عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام قال:سألته عن قول اللّه عز و جل: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ (2)هذه الكلمات التي (3)تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه،و هو أنّه قال:«يا رب أسألك بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت عليّ»،فتاب اللّه عليه إنه هو التواب الرحيم،فقلت:يابن رسول اللّه فما يعني عز و جل بقوله: فَأَتَمَّهُنَّ ؟

قال:«يعني أتمهن إلى القائم عليه السّلام إثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين عليه السّلام».

قال المفضل:فقلت له:يابن رسول اللّه فأخبرني عن قول اللّه عز و جل: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ (4)قال:«يعني بذلك الإمامة جعلها اللّه في عقب الحسين عليه السّلام إلى يوم القيامة».قال:فقلت له:يابن رسول اللّه فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين و هما جميعا ولدا رسول اللّه و سبطاه،و سيّدا شباب أهل الجنة؟

فقال عليه السّلام:«إن موسى و هارون كانا نبيّين مرسلين أخوين فجعل اللّه النبوة في صلب هارون دون صلب موسى،و لم يكن لأحد أن يقول:لم فعل اللّه ذلك؟فإن الإمامة خلافة اللّه عز و جل ليس لأحد أن يقول:لم جعلها في صلب الحسين دون صلب الحسن،لأن اللّه تبارك و تعالى هو الحكيم في أفعاله لا يسأل عما يفعله و هم يسألون» (5).7.

ص: 106


1- الانصاف ص 261-262،عن النصوص لابن بابويه،و رواه الخزاز في كفاية الاثر ص 6.
2- البقرة:124.
3- في بعض المصادر:قال:هي الكلمات التي.
4- الزخرف:27.
5- معاني الاخبار ص 126-127.

النص على الحسين من أبيه أمير المؤمنين عليهما السلام

و النص من الامام السابق مما أجمع عليه الفريقان أنه يثبت الامامة (1).

قال في اثبات الوصية:إن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«إني أوصي الى الحسن و الحسين فاسمعوا لهما و أطيعوا أمرهما» (2).

و نص المدائني على ذلك في حديث ابن عباس:«أن أمير المؤمنين عليه السّلام توفّي و قد ترك خلفا فإن أحببتم خرج اليكم» (3).

و قال في مروج الذهب و أنساب الاشراف:و قد ذكرت طائفة من الناس أن عليا أوصى الى ابنيه الحسن و الحسين لأنهما شريكاه في آية التطهير،و هذا قول كثير ممن ذهب الى القول بالنص (4).

و قال عليه السّلام:«أنتما إمامان بعدي سيدا شباب أهل الجنة و المعصومان حفظكما اللّه و لعنة اللّه على من عاداكما» (5).

و قال سليم بن قيس الهلالي (6):شهدت أمير المؤمنين حين أوصى الى ابنه

ص: 107


1- -كما صرح بذلك القاضي اللايجي في مواقفه المقصد الثالث عنه الغدير:141/7 و كذلك الروزبهان كما في احقاق الحق:336/2.
2- -اثبات الوصية:131.
3- -شرح النهج لابن ابي الحديد:22/16 كتاب 29 ترجمة الحسن،و جواهر المطالب:195/2 باب 68.
4- -مروج الذهب:42/2 ط.مصر 1346 و 413/2 ط.الاندلس-بيروت،و انساب الاشراف:/2 504-497 امر ابن ملجم و قتل علي مع تفاوت و عدم ذكر الحسين.
5- -كفاية الاثر:221.
6- -رورى عن جابر عن الباقر.

الحسن عليه السّلام و أشهد على وصيته الحسين عليه السّلام و محمدا و جميع ولده و رؤساء شيعته و أهل بيته ثم دفع اليه الكتاب و السلاح و قال له:

«يا بني إنه أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن أوصي إليك و أدفع إليك كتبي و سلاحي كما أوصى اليّ و دفع اليّ كتبه و سلاحه،و أمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها الى أخيك الحسين عليه السّلام» (1).

و في حديث الاصبغ بن نباتة:قال خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام و هو يقول:«...إن خير الخلق بعدي و سيدهم ابني هذا إمام كل مسلم و ولي كل مؤمن بعد وفاتي،ألا و انه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،و خير الخلق و سيدهم بعد الحسن ابني الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول بأرض كربلاء» (2).

و في رواية:«الحسن و الحسين من عترتي و أوصيائي و خلفائي» (3).

و نحو ذلك من النصوص (4).0.

ص: 108


1- -اعلام الورى:207.
2- -اعلام الورى:377.
3- -كفاية الاثر:221،و اثبات الهداة:139/5.
4- -راجع اصول الكافي:297/1-300.

النص على الحسين من أخيه الحسن صلوات اللّه عليهما

عن الكليني،عن علي،عن أبيه،عن بكر بن صالح،عن محمد بن سليمان الديلمي،عن هارون بن الجهم قال:سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السّلام يقول:لما احتضر الحسن عليه السّلام قال للحسين:يا أخي إني أوصيك بوصية إذا أنا مت فهيئني و وجهني إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لأحدث به عهدا،ثم اصرفني إلى أمي فاطمة عليها السّلام ثم ردني فادفني بالبقيع إلى آخر الخبر (1).

و عن الكليني بإسناده،عن المفضل بن عمر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لما حضرت الحسن الوفاة قال:يا قنبر أنظر هل ترى وراء بابك مؤمنا من غير آل محمد،فقال:اللّه و رسوله و ابن رسوله أعلم،قال:إمض فادع لي محمد بن علي، قال:فأتيته فلما دخلت عليه قال:هل حدث إلا خير؟

قلت:أجب أبا محمد،فعجّل عن شسع نعله فلم يسوه،فخرج معي يعدو (2).

فلما قام بين يديه سلّم فقال له الحسن:إجلس فليس يغيب مثلك عن سماع كلام يحيى به الأموات،و يموت به الأحياء كونوا أوعية العلم،و مصابيح الدجى فإن ضوء النهار بعضه أضوأ من بعض أما علمت أن اللّه عز و جل جعل ولد إبراهيم أئمة و فضّل بعضهم على بعض،و آتى داود زبورا،و قد علمت بما استأثر اللّه محمدا صلّى اللّه عليه و اله.

يا محمد بن علي إني لا أخاف عليك الحسد،و إنما وصف اللّه تعالى به الكافرين

ص: 109


1- بحار الأنوار:23/40 ح 1،و رواه في الكافي:300/1.
2- بحار الأنوار:1/40-5 ح 2.

فقال: كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ (1)و لم يجعل اللّه للشيطان عليك سلطانا،يا محمد بن علي ألا أخبرك بما سمعت من أبيك عليه السّلام فيك؟

قال:بلى،قال:سمعت أباك يقول يوم البصرة:من أحب أن يبرني في الدنيا و الآخرة فليبر محمدا،يا محمد بن علي لو شئت أن أخبرك و أنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي و مفارقة روحي جسمي إمام من بعدي و عند اللّه في الكتاب الماضي وراثة النبي أصابها في وراثة أبيه و امه علم اللّه أنكم خير خلقه،فاصطفى منكم محمدا و اختار محمد عليا و اختارني علي للامامة و اخترت أنا الحسين.

فقال له محمد بن علي:أنت إمامي و سيدي (2)و أنت وسيلتي إلى محمد و اللّه لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ألا و إن في رأسي كلاما لا تنزفه الدلاء،و لا تغيّره بعد الرياح (3)كالكتاب المعجم،في الرق المنمنم،أهم بابدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل،و ما جاءت به الرسل و إنه لكلام يكل به لسان الناطق،و يد الكاتب (4)و لا يبلغ فضلك،و كذلك يجزي اللّه المحسنين و لا قوة إلا باللّه.

الحسين أعلمنا علما،و أثقلنا حلما،و أقربنا من رسول اللّه رحما،كان إماما قبل أن يخلق،و قرأ الوحي قبل أن ينطق،و لو علم اللّه أن أحدا خير منا (5)ما اصطفى محمدا صلّى اللّه عليه و اله فلما اختار محمدا و اختار محمد عليا إماما،و اختارك علي بعده و اخترت الحسين بعدك،سلمنا و رضينا بمن هو الرضا،و بمن نسلم به من المشكلات (6).ر.

ص: 110


1- سورة البقرة:109.
2- كذا في نسخة الأصل نسخة المصنف قدس سره و في الكافي و أنت امام و أنت وسيلتي.
3- في بعض المصادر:نغمة الرياح.
4- زاد في بعض المصادر:حتى لا يجد قلما و يؤتوا بالقرطاس حمما.
5- في هامش نسخة المصنف نقلا عن الكافي:و لو علم اللّه في أحد غير محمد خيرا لما اصطفى.
6- الكافي ج 1 ص 301 و 302 مع اختلاف يسير.

بيان:قوله:«فقال:اللّه»أي لا تحتاج إلى أن أذهب و أرى فإنك بعلومك الربانية أعلم بما أخبرك بعد النظر،و يحتمل أن يكون المراد بالنظر النظر بالقلب،بما علموه من ذلك،فإنه كان من أصحاب الأسرار فلذا قال:أنت أعلم به مني من هذه الجهة، و لعل السؤال لأنه كان يريد أولا أن يبعث غير قنبر لطلب ابن الحنفية فلما لم يجد غيره بعثه.

و يحتمل أن يكون أراد بقوله«مؤمنا»ملك الموت عليه السّلام،فإنه كان يقف و يستأذن للدخول عليهم فلعله أتاه بصورة بشر فسأل قنبرا عن ذلك ليعلم أنه يراه أم لا، فجوابه حينئذ أني لا أرى أحدا و أن أعلم بما تقول،و ترى ما لا أرى فلما علم أنه الملك بعث إلى أخيه.

«فعجل عن شسع نعله»أي صار تعجيله مانعا عن عقد شسع النعل،قوله:«عن سماع كلام»أي النص على الخليفة،فإن السامع إذا أقر فهو حي بعد وفاته،و إذا أنكر فهو ميت في حياته،أو المعنى أنه سبب لحياة الأموات بالجهل و الضلالة بحياة العلم و الايمان،و سبب لموت الأحياء بالحياة الظاهرية أو بالحياة المعنوية إن لم يقبلوه،و قيل يموت به الأحياء أي بالموت الإرادي عن لذات هذه النشأة الذي هو حياة أخروية في دار الدنيا و هو بعيد.

«كونوا أوعية العلم»تحريص على استماع الوصية،و قبولها و نشرها،أو على متابعة الامام و التعلم منه،و تعليم الغير،قوله عليه السّلام«فإن ضوء النهار»أي لا تستنكفوا عن التعلم و إن كنتم علماء فإن فوق كل ذي علم عليم،أو عن تفضيل بعض الأخوة على بعض.

و الحاصل أنه قد استقر في نفوس الجهلة بسبب الحسد أن المتشعبين من أصل واحد في الفضل سواء،و لذا يستنكف بعض الأخوة و الأقارب عن متابعة بعضهم و كان الكفار يقولوه للانبياء: ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا (1)فأزال عليه السّلام تلك الشبهة5.

ص: 111


1- سورة يس:15.

بالتشبيه بضوء النهار في ساعاته المختلفة فإن كله من الشمس،لكن بعضه أضوأ من بعض كأول الفجر،و بعد طلوع الشمس،و بعد الزوال و هكذا،فباختلاف الإستعداد و القابليات تختلف إفاضة الأنوار على المواد.

و قوله:«أما علمت أن اللّه»تمثيل لما ذكر سابقا و تأكيد له،و قوله:«فجعل ولد إبراهيم أئمة»إشارة إلى قوله تعالى: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ* وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (1)و قوله«و فضل»الخ إشارة إلى قوله سبحانه وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (2).

«و قد علمت بما استأثر»أي علمت بأي جهة استأثر اللّه محمدا أي فضّله،إنما كان لوفور علمه،و مكارم أخلاقه،لا بنسبه و حسبه،و أنت تعلم أن الحسين أفضل منك بجميع هذه الجهات،و يحتمل أن تكون"ما"مصدرية و الباء لتقوية التعدية أي علمت استيثار اللّه إياه.

قوله«إني لا أخاف»فيما عندنا من نسخ الكافي"إني أخاف"و لعل ما هنا أظهر.

قوله عليه السّلام:«و لم يجعل اللّه»الظاهر أن المراد قطع عذره في ترك ذلك،أي ليس للشيطان عليك سلطان يجبرك على الإنكار،و لا ينافي ذلك قوله تعالى: إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ (3)لأن ذلك بجعل أنفسهم لا بجعل اللّه،أو السلطان في الآية محمول على ما لا يتحقق معه الجبر،أو المعنى أنك من عباد اللّه الصالحين و قد قال تعالى إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ (4)و يحتمل أن تكون جملة دعائية.

قوله عليه السّلام«و عند اللّه»في الكافي:«و عند اللّه جل اسمه في الكتاب وراثة من النبي صلّى اللّه عليه و اله أضافها اللّه عز و جل له في وراثة أبيه و أمه صلى اللّه عليهما،فعلم اللّه»أي2.

ص: 112


1- سورة الأنبياء:73.
2- سورة الإسراء:55.
3- سورة النحل:100.
4- سورة الحجر:42.

كونه إماما مثبت عند اللّه في اللوح أو في القرآن،و قد ذكر اللّه وراثته مع وراثة أبيه و أمه كما سبق في وصية النبي صلّى اللّه عليه و اله،فيكون«في»بمعنى«إلى»أو«مع»و يحتمل أن تكون«في»سببية كما أن الظاهر مما في فضائلك و مناقبك"لا تنزفه الدلاء"أي لا تفنيه كثرة البيان،من قولك نزفت ماء البئر،إذا نزحت كله،"و لا تغيره بعد الرياح" كناية عن عذوبته و عدم تكدره بقلة ذكره،فإن ما لم تهب عليه الرياح تتغير،و في الكافي"نغمة الرياح"و إن ذلك أيضا قد يصير سببا للتغير أي لا يتكرر و لا يتكدر بكثرة الذكر و مرور الأزمان،أو كنى بالرياح عن الشبهات التي تخرج من أفواه المخالفين الطاعنين في الحق كما قال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ (1).

قوله كالكتاب المعجم:من الاعجام بمعنى الاغلاق يقال:أعجمت الكتاب خلاف أعربته،و باب معجم كمكرم مقفل،كناية عن أنه من الرموز و الاسرار،أو من التعجيم،أو الاعجام بمعنى إزالة العجمة بالنقط و الإعراب،أشار به إلى إبانته عن المكنونات"و الرق"و يكسر جلد رقيق يكتب فيه،و الصحيفة البيضاء،و يقال:

نمنمه أي زخرفه،و رقشه،و النبت المنمنم الملتف المجتمع،و في بعض نسخ الكافي المنهم من النهمة بلوغ الهمة في الشيء كناية عن كونه ممتلئا أو من قولهم:

إنهم البرد و الشحم،أي ذابا كناية عن إغلاقه كأنه قد ذاب و محي.

قوله:فأجدني:أي كلما أهم أن أذكر من فضائلك شيئا أجده مذكورا في كتاب اللّه و كتب الأنبياء،و قيل:أي سبقتني إليه أنت و أخوك لذكره في القرآن و كتب الأنبياء،و علمها عندكما،و الظاهر أن"سبق"مصدر و يحتمل أن يكون فعلا ماضيا على الاستئناف،و على التقديرين سبقت على صيغة المجهول و"إنه"أي ما في رأسي.

و في بعض نسخ الكافي بعد قوله و يد الكاتب:«حتى لا يجد قلما و يؤتى بالقرطاس حمما»و ضمير يجد للكاتب و كذا ضمير يؤتى أي يكتب حتى تفنى8.

ص: 113


1- سورة الصف:8.

الاقلام و تسود جميع القراطيس،و الحمم بضم الحاء و فتح الميم جمع الحممة كذلك أي الفحمة يشبه بها الشيء الكثير السواد،و ضمير يبلغ للكاتب.

أعلمنا علما:علما تميز للنسبة على المبالغة و التأكيد.كان إماما،و في الكافي كان فقيها قبل أن يخلق:أي بدنه الشريف كما مر أن أرواحهم المقدسة قبل تعلقها بأجسادهم المطهرة كانت عالمة بالعلوم اللدنية و معلمة للملائكة.

قبل أن ينطق:أي بين الناس كما ورد أنه عليه السّلام أبطأ عن الكلام أو مطلقا إشارة إلى علمه في عالم الارواح و في الرحم.

و في الكافي في آخر الخبر:من بغيره يرضى و من كنا نسلم به من مشكلات أمرنا فقوله"من بغيره يرضى"الإستفهام للإنكار،و الظرف متعلق بما بعده و ضمير يرضى راجع إلى من،و في بعض النسخ بالنون و هو لا يستقيم إلا بتقدير الباء في أول الكلام أي بمن بغيره نرضى،و في بعضها من بعزه نرضى أي هو من بعزه و غلبته نرضى،أو الموصول مفعول رضينا"و من كنا نسلم به"أيضا إما استفهام إنكار بتقدير غيره،و نسلم إما بالتشديد فكلمة من تعليلية أو بالتخفيف أي نصير به سالما من الابتلاء بالمشكلات،و على الإحتمال الأخير في الفقرة السابقة معطوف على الخبر أو على المفعول و يؤيد الأخير فيهما ما هنا (1).2.

ص: 114


1- بحار الأنوار:180/40 ح 2.

النص على الإمام الحسين في حديث اللوح

إبراهيم بن محمد الحمويني قال:أنبأني المشايخ الكرام السيد جمال الدين رضي الإسلام أحمد بن طاووس الحسني و السيد الإمام النسابة جلال الدين عبد الحميد بن فخار بن معد بن فخار الموسوي و علامة زمانه نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّيّون(رضي اللّه عنهم)كتابة عن السيد الإمام شمس الدين شيخ الشرف فخار بن معد بن فخار الموسوي عن شاذان بن جبرائيل القمي عن جعفر بن محمد الدورستي عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي ابن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضى اللّه عنه قال:حدّثني أبي و محمد بن الحسن (رضي اللّه عنهما)قالا:حدثّنا سعد بن عبد اللّه و عبد اللّه بن جعفر الحميري جميعا عن أبي الخير (1)صالح بن أبي حماد و الحسن بن طريف جميعا عن بكر بن صالح، و حدّثنا أبي و محمد بن موسى بن المتوكل و محمد بن علي ماجيلويه و أحمد بن علي بن إبراهيم و الحسين بن إبراهيم بن ناتانه و أحمد بن زياد الهمداني(رضي اللّه عنهم)قالوا:حدّثنا علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم روّح اللّه روحيهما عن بكر بن صالح عن عبد الرّحمن بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه الصلاة و السلام قال:«قال أبي عليه السّلام لجابر بن عبد الأنصاري:إن لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فاسألك عنها؟

فقال له جابر:في أي الاوقات شئت،فخلا به أبي عليه السّلام فقال له:يا جابر،أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يدي أمي فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و ما أخبرتك به أنّ في ذلك

ص: 115


1- في بعض المصادر:عن أبي الحسن.

اللوح مكتوبا فقال جابر:أشهد اللّه أني دخلت على أمك فاطمة عليها السّلام في حياة رسول اللّه أهنيها بولادة الحسين فرأيت في يدها لوحا أخضر ظننت أنه زمرّد و رأيت فيه كتابا أبيض شبه نور الشمس فقلت لها:بأبي أنت و امي يا بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما هذا اللوح؟

فقالت:هذا اللوح أهداه اللّه إلى رسوله صلّى اللّه عليه و اله فيه اسم أبي و اسم بعلي و اسم ابني و اسم الأوصياء من ولدي فأعطانيه أبي ليبشرني (1)بذلك،قال جابر:فأعطتنيه أمك فاطمة فقرأته و انتسخته فقال أبي:فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ؟

قال:نعم،فمشى معه أبي حتى انتهى إلى منزل جابر و أخرج إلى أبي صحيفة من رقّ فقال:يا جابر أنظر إلى كتابك لأقرأ عليك فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي فما خالف حرف حرفا،فقال جابر:فأشهد باللّه أني رأيته هكذا في اللوح مكتوبا.

بسم اللّه الرّحمن الرحيم هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم لمحمد نوره و سفيره و حجابه و دليله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين،عظّم يا محمد أسمائي و اشكر نعمائي و لا تجحد الآئي فإني أنا اللّه لا إله إلاّ أنا قاصم الجبارين و مذل الظالمين و مبير المتكبرين و ديان الدين إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا فمن رجا غير فضلي و خاف غير عدلي عذّبته عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين،فإياي فاعبد و عليّ فتوكل.

إني لم أبعث نبيّا فأكملت أيامه و انقضت مدته إلا جعلت له وصيّا و إني فضلتك على الأنبياء و فضلت وصيّك على الأوصياء و أكرمتك بشبليك بعده و بسبطيك حسن و حسين،فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه و جعلت حسينا خازن وحيي و أكرمته بالشهادة و ختمت له بالسعادة،فهو أفضل من استشهد و ارفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامة معه و الحجة البالغة عنده،بعترته أثيب و أعاقب،أولهم سيّد العابدين و زين أوليائي الماضين،و ابنه شبيه جده المحمود محمد الباقر لعلمي و المعدن لحكمتي سيهلك المرتابون في جعفر،الرادّ عليه كالراد عليّ،حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر و لأسرّنّه في أشياعه و أنصاره و أوليائه و انتجبت بعده موسى،ي.

ص: 116


1- في بعض المصادر:ليسرني.

و لأتيحن فتنة عمياء حندس لأن خيط فرضي لا ينقطع و حجتي لا تخفى و ان أوليائي لا يشقون،ألا و من جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي،و من غيّر آية من كتابي فقد افترى عليّ،و ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى و حبيبي و خيرتي،ألا إن المكذب للثامن مكذب بكل أوليائي،و علي وليي و ناصري أضع عليه أعباء النبوّة و أمنحه بالاضطلاع بها،يقتله عفريت مستكبر،يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح[ذو القرنين] (1)إلى جنب شر خلقي،حق القول مني لأقرنّ عينه بمحمد ابنه و خليفته من بعده فهو وارث علمي و معدن حكمتي و موضع سري و حجتي على خلقي،جعلت الجنة مثواه و شفّعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار و أختم بالسعادة لابنه علي وليّي و ناصري و الشاهد في خلقي و أميني على وحيي، و أخرج منه الداعي إلى سبيلي و الخازن لعلمي الحسن ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين عليه كمال موسى و بهاء عيسى و صبر أيوب و سيذل أوليائي في زمانه و يتهادون رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك و الديلم،فيقتلون و يحرقون و يكونون خائفين مرعوبين وجلين تصبغ الأرض بدمائهم و ينشأ الويل و الرنين في نسائهم،أولئك أوليائي حقا بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس و بهم أكشف الزلازل و أدفع الآصار و الأغلال أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولئك هم المهتدون».

قال عبد الرّحمن بن سالم:قال أبو بصير:لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك فصنه إلاّ عن أهله (2).

إبراهيم بن محمد الحمويني قال ابن بابويه و حدّثنا علي بن الحسين المؤدب و أحمد بن هارون القاضي قالا:أنبأنا محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي عن مالك السلولي عن درست عن عبد الحميد عن عبد اللّه بن القاسم عن عبد اللّه بن جبلة عن أبي السفاتج عن جابر الجعفي3.

ص: 117


1- زيادة من بعض المصادر.
2- كمال الدين و تمام النعمة:308،الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي:113.

عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:دخلت على فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قدّامها لوح يكاد ضوؤه يغشى الأبصار،فيه اثنا عشر اسما:ثلاثة في ظاهره و ثلاثة في باطنه و ثلاثة أسماء في آخره و ثلاثة أسماء في طرفه فعددتها فإذا هي إثنا عشر،فقلت:أسماء من هذا؟

قالت:«هذه اسماء الأوصياء أولهم ابن عمي و أحد عشر من ولدي آخرهم القائم»

قال جابر:فرأيت فيها محمدا محمدا محمدا في ثلاثة مواضع و عليّا و عليا و عليا و عليا في أربعة مواضع (1).

الحمويني هذا قال و بالاسناد إلى أبي جعفر بن بابويه-رضي اللّه عنهما-قال:

أنبأنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني-رضي اللّه عنهم-قال:حدّثنا الحسن ابن إسماعيل،قال:أنبأنا أبو عمر سعيد بن محمد بن نصر العطار (2)قال أنبأنا عبد اللّه بن محمد السلمي قال:أنبأنا محمد بن عبد الرحيم قال:أنبأنا محمد بن سعيد ابن محمد قال:أنبأنا العباس بن أبي عمر عن صدقة بن أبي موسى عن أبي نضرة قال:لما احتضر أبو جعفر محمد بن علي[الباقر صلوات اللّه عليهما] (3)عند الوفاة دعا بابنه الصادق عليه السّلام ليعهد إليه عهدا،و قال له أخوه زيد بن علي:لو امتثلت في تمثال الحسن و الحسين عليهما السّلام لرجوت أن لا تكون أتيت منكرا فقال له:«يا أبا الحسن إن الامانات ليس بالمثال و لا العهود بالسّوم،و إنما هي أمور سابقة عن حجج اللّه تبارك و تعالى»،ثم دعا بجابر بن عبد اللّه فقال له:«يا جابر،حدّثنا بما عاينت من الصحيفة».

فقال له جابر:نعم يا أبا جعفر،دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لأهنّيها بمولد الحسين عليه السّلام فإذا بيدها صحيفة من درّة بيضاء فقلت:يا سيدة النسوان ما هذه الصحيفة التي اراها معك؟ر.

ص: 118


1- كمال الدين و تمام النعمة:311.
2- في بعض المصادر:القطان.
3- زيادة ليس في بعض المصادر.

قالت:«فيها اسماء الأئمة من ولدي».

فقلت لها:ناوليني لأنظر فيها،قالت:«يا جابر لو لا النهي لكنت أفعل لكنّه قد نهى أن يمسها إلاّ نبي أو وصي نبي،أو أهل بيت نبي و لكنه مأذون لك أن تنظر إلى بطنها من ظاهرها».

قال جابر:فقرأت فإذا أبو القاسم محمد بن عبد اللّه المصطفى و أمه آمنة،أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضى أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أبو محمد الحسن بن علي،و أبو عبد اللّه الحسين بن علي النقي أمهما فاطمة بنت محمد،أبو محمد علي بن الحسين العدل أمّه شاه بانويه (1)بنت يزدجر بن شاهنشاه،أبو جعفر محمد بن علي الباقر أمه أم عبد اللّه بنت الحسن بن علي بن أبي طالب،أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر،أبو إبراهيم موسى بن جعفر الثقة أمه جارية اسمها حميدة،أبو الحسن علي ابن موسى الرضا أمه جارية اسمها نجمة،أبو جعفر محمد بن علي الزكي أمه جارية اسمها خيرزان،أبو الحسن علي بن محمد الامين أمه جارية اسمها سوسن، أبو محمد الحسن بن علي الرفيق أمه جارية اسمها سمانة،أبو القاسم محمد بن الحسن هو حجة اللّه القائم أمه جارية اسمها نرجس صلوات اللّه عليهم أجمعين.

قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه جاء هذا الحديث هكذا بتسميته القائم عليه الصلاة و السلام و الذي أذهب إليه ما روي من النهي في تسميته (2).

إبراهيم بن محمد الحمويني هذا من أعيان علماء العامة قال:أنبأني الشيخ سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي رضى اللّه عنه عن الشيخ الفقيه مهذب الدين أبي عبد اللّه الحسين بن أبي الفرج بن ردّة[السلمي]رضى اللّه عنه (3)بروايته عن محمد بن الحسين بني.

ص: 119


1- في بعض المصادر:شاه بانو.
2- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:48/2.
3- في بعض المصادر:النيلي.

علي بن عبد الصمد عن والده عن جده محمد عن أبيه عن جماعة منهم السيد أبو البركات علي بن الحسين الجوري العلوي و أبو بكر محمد بن أحمد بن علي المعمري و الفقيه أبو جعفر محمد بن إبراهيم القايني بروايتهم عن الشيخ الفقيه جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي-قدس اللّه أرواحهم الشريفة-قال:حدّثنا ابن ماجيلويه رضى اللّه عنه قال:حدثنا عمي محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي قال:حدّثنا محمد بن علي القرشي قال:حدثنا أبو الربيع الزهراني قال:حدثنا جرير عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال:قال ابن عباس:

سمعت النبي صلّى اللّه عليه و اله يقول:«إن للّه تبارك و تعالى ملكا يقال له دردائيل كان له ستة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح هواء،و الهواء كما بين السماء إلى الأرض فجعل يوما يقول في نفسه أ فوق ربنا جل جلاله شيء؟فعلم اللّه ما قال فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان و ثلاثون ألف جناح،ثم أوحى اللّه جل جلاله إليه أن طر فطار مقدار خمسين عاما فلم ينل رأس قائمة من قوائم العرش فلما علم اللّه أتعابه أوحى إليه:أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظيم كل عظيم و ليس فوقي شيء عظيم و لا أوصف بمكان،فسلبه اللّه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة.

فلما ولد الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما و آلهما و كان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة،أوحى اللّه عز و جل إلى مالك خازن النار أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد صلّى اللّه عليه و اله في دار الدنيا،و أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان و طيبها لكرامة مولود ولد لمحمد صلّى اللّه عليه و اله في دار الدنيا،و أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى حور العين أن تزينوا و تزاوروا لكرامة مولود ولد لمحمد صلّى اللّه عليه و اله في دار الدنيا و أوحى اللّه عز و جل إلى جبرائيل أن اهبط إلى نبيي محمد صلّى اللّه عليه و اله في ألف قبيل و القبيل ألف ألف من الملائكة على خيول بلق مسرجة ملجمة،عليها قباب الدرّ و الياقوت و معهم ملائكة يقال لهم الروحانيون،بأيديهم حراب من نور أن يهنّئوا محمدا صلّى اللّه عليه و اله بمولوده، و أخبره يا جبرائيل أنه قد سميته الحسين فهنّئه و عزّه و قل له:يا محمد يقتله شر أمتك

ص: 120

على شر الدواب،فويل للقاتل و ويل للسائق و ويل للقائد،قاتل الحسين أنا منه بريء و هو مني برىء،و لأنه لا يأتي يوم القيامة أحد من المذنبين إلا و قاتل الحسين أعظم جرما منه،قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع اللّه إلها آخر، و النار أشوق إلى قاتل الحسين ممن أطاع اللّه الى الجنة.

قال:فبينا جبرئيل عليه السّلام يهبط من السماء إلى الأرض إذ مرّ بدردائيل فقال له دردائيل:

يا جبرئيل ما هذه الليلة في السماء هل قامت القيامة على أهل الدنيا؟

قال:لا و لكن ولد لمحمد صلّى اللّه عليه و اله مولود في دار الدنيا و قد بعثني اللّه عز و جل إليه لأهنّيه بمولوده،فقال له الملك:يا جبرائيل بالذي خلقني و خلقك إذا هبطت إلى محمد فأقرئه مني السلام و قل له بحق هذا المولود عليك إلا ما سألت ربك أن يرضى عني و يرد عليّ أجنحتي و مقامي من صفوف الملائكة،فهبط جبرائيل عليه السّلام على النبي صلّى اللّه عليه و اله فهنّاه كما أمره اللّه عز و جل و عزّاه فقال له النبي صلّى اللّه عليه و اله:تقتله أمتي،فقال له:نعم يا محمد،فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:

ما هؤلاء بأمتي،أنا منهم بريء و اللّه منهم بريء،قال جبرائيل عليه السّلام:و أنا بريء منهم يا محمد،فدخل النبي صلّى اللّه عليه و اله على فاطمة عليها السّلام فهنّاها و عزاها فبكت فاطمة عليها السّلام ثم قالت:يا ليتني لم ألده،قاتل الحسين في النار،فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:و أنا أشهد بذلك يا فاطمة،و لكنه لا يقتل حتى يكون منه إمام يكون منه الأئمة الهادية،قال عليه السّلام:و الأئمة بعدي عليهم السّلام:الهادي علي و المهتدي الحسن و الناصر الحسين و المنصور علي بن الحسين،و الشافع (1)محمد بن علي و النفاع جعفر بن محمد،و الأمين موسى بن جعفر و الرضا علي بن موسى،و الفعال محمد بن علي و المؤتمن علي بن محمد و العلاّم الحسن بن علي،و من يصلي خلفه عيسى ابن مريم عليه السّلام ابن الحسن بن علي القائم عليه السّلام» (2)،فسكتت فاطمة عليها السّلام من البكاء ثم أخبر جبرائيل عليه السّلام النبي صلّى اللّه عليه و اله بقصة الملك و ما أصيب به،قال ابن عباس:

فأخذ النبي صلّى اللّه عليه و اله الحسين عليه السّلام و هو ملفوف في خرقة من صوف فأشار به إلى السماءط.

ص: 121


1- عن هامش بعض المصادر:في بعض النسخ:الشفاع و في بعضها النفاح.
2- في ترتيب الأسماء و الصفات اختلاف عن المخطوط.

ثم قال:«اللهم بحق هذا المولود عليك لا بل بحقك عليه و على جده محمد و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب،إن كان للحسين بن علي و ابن فاطمة عندك قدر فارض عن دردائيل و ردّ عليه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة،فاستجاب اللّه دعاءه و غفر للملك فالملك لا يعرف في الجنة إلا بأن يقال:هذا مولى الحسين بن علي و ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله» (1).3.

ص: 122


1- كمال الدين و تمام النعمة:282 ح 36،و مجمع النورين:163،و البحار:248/43.

النص على الإمام الحسين من ناحية العدد و المكان

أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه في الجزء الثامن من أجزاء ثمانية على حد ثلثه الأخير قبل باب إخراج الخصوم قال:حدّثنا محمد بن المثنى قال:حدّثنا غندر قال:حدّثنا شعبة عن عبد الملك قال:سمعت جابر بن سمرة قال:

سمعت النبي صلّى اللّه عليه و اله يقول:«يكون بعدي إثنا عشر أميرا».

فقال كلمة لم أسمعها،قال (1)إنه قال:«كلهم من قريش» (2).

البخاري يرفعه إلى ابن عيينة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا»ثم تكلّم النبي صلّى اللّه عليه و اله بكلمة خفيت عليّ فسألت أبي:ماذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟

فقال:قال:كلهم من قريش.

البخاري قال:حدّثنا أحمد بن يونس قال:حدّثنا عاصم بن محمد قال:سمعت أبي يقول قال ابن عمر:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» (3)و رواه الفقيه مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري في صحيحه في أول كراسه من الجزء الرابع من أجزاء ستة قال:حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس،حدّثنا عاصم بن محمد عن أبيه قال:قال عبد اللّه بن عمر قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لا يزال هذا

ص: 123


1- في بعض المصادر:فقال أبي.
2- صحيح البخاري:127/8.
3- صحيح البخاري:105/8.

الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان» (1)

أقول:صاحب العمدة جعل هذا الحديث في جملة النصوص في أن الأئمة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إثنا عشر (2).و وجه الدلالة أن الإمامة إذا كانت منصوصة فهي في الأئمة الإثني عشر كما جاءت به الروايات عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

مسلم في صحيحه قال:حدّثنا قتيبة بن سعيد قال:حدّثنا جرير عن حصين عن جابر بن سمرة قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و حدّثنا رفاعة عن الهيثم الواسطي و اللفظ له قال:حدّثنا خالد يعني بن عبد اللّه الطحان عن حصين عن جابر بن سمرة قال:دخلت مع أبي على النبي فسمعته يقول:«إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيه اثنا عشر خليفة»

قال:ثم تكلّم بكلام خفي عليّ قال:فقلت لأبي:ما قال؟

قال:كلهم من قريش (3).

مسلم في صحيحه قال:حدّثنا ابن أبي عمر قال:حدّثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و اله يقول:«لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا»ثم تكلم النبي صلّى اللّه عليه و اله بكلمة خفيت عليّ فسألت أبي،ماذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟

فقال:قال:كلهم من قريش (4).

مسلم في صحيحه قال:حدّثنا قتيبة بن سعيد قال:حدّثنا أبو عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله بهذا الحديث،و لم يذكر لي:لا يزال أمر الناس ماضيا (5).ر.

ص: 124


1- صحيح مسلم:3/6.
2- انظر:العمدة لابن البطريق:/417ح 859.
3- صحيح مسلم:3/6.
4- صحيح مسلم:3/6.
5- نفس بعض المصادر.

مسلم في صحيحه قال:حدّثنا هذاب بن خالد الازدي،حدّثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب قال:سمعت جابر بن سمرة يقول:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة»ثم قال كلمة لم أسمعها فقلت لأبي:ما قال؟

فقال:قال:كلهم من قريش (1).

مسلم في صحيحه قال:حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة،حدّثنا أبو معاوية عن داود عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال:قال:كلهم من قريش.

مسلم في صحيحه قال:حدّثنا نصر بن علي الجهضي،حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا أحمد بن عثمان النوفلي و اللفظ له،حدّثنا أزهر،حدّثنا أحمد بن عون بن عثمان عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال:إنطلقت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و معي أبي فسمعته يقول:«لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة».

فقال كلمة صمّنيها الناس،فقلت لأبي ما قال؟

قال:كلهم من قريش (2).

مسلم في صحيحه قال:حدّثنا قتيبة بن سعيد و أبو بكر بن أبي شيبة،حدّثنا حاتم و هو ابن إسماعيل عن المهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال:كتبت إلى ابن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،فكتب إليّ:سمعت رسول اللّه يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول:«لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة،و يكون (3)عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» و سمعته يقول:«عصبة (4)من المسلمين يفتتحون البيت الابيض،بيت كسرى و آل كسرى»و سمعته يقول:«إذا أعطى اللّه أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه و أهل بيته»و سمعتهة.

ص: 125


1- نفس بعض المصادر.
2- نفس بعض المصادر.
3- في بعض المصادر:أو يكون.
4- في بعض المصادر:عصيبة.

يقول:«أنا الفرط على الحوض» (1).

في صحيحه قال:حدّثنا محمد بن نافع،حدّثنا ابن أبي فديا،أخبرنا عن ابن أبي دويب عن مهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد أنّه أرسل إلى ابن أبي سمرة العدوي،حدّثنا ما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول،فذكر نحو حديث حاتم (2).

قال الحميدي:و في رواية مسلم عن حديث عامر بن أبي وقاص قال:كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فكتب إلي:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يوم جمعة عشية رجم الأسلمي قال:«لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش»و سمعته يقول:«إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم»و سمعته يقول:«إذا أعطى أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه و أهل بيته»و سمعته يقول:«أنا الفرط على الحوض» (3).

قال و في رواية مسلم أيضا من حديث سماك بن حرب عن جابر بن سمرة أنه عليه السّلام قال:«ليفتحن عصابة من المسلمين بيت كسرى و آل كسرى الذي في البيت الابيض» (4)و نحو هذا في المتفق عليه من مسند عدي بن حاتم،و في رواية مسلم أيضا عن سماك عن جابر بن سمرة قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«يكون بين يدي الساعة كذا بون» (5).

قال و في روايته أيضا عن حصين بن عبد الرّحمن عن جابر بن سمرة قال دخلت مع أبي على النبي صلّى اللّه عليه و اله فسمعته يقول:«إن هذا الأمر لا يزال عزيزا حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة»ثم قال:ثم تكلم بكلام خفي عليّ فقلت لأبي:ما قال؟6.

ص: 126


1- صحيح مسلم:4/6.
2- بعض المصادر السابق.
3- صحيح مسلم:4/6.
4- صحيح مسلم:187/8،و فيه:كنز آل كسرى الذي في الأبيض.
5- صحيح مسلم:4/6.

فقال:قال:كلهم من قريش (1).

قال و في رواية سماك عن جابر بن سمرة عنه عليه السّلام قال:«لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة»ثم ذكر مثله و عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله قال لي:«لن يبرح هذا الدين قائما تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة» (2).

ما رواه أبو الحسن دزيز بن معاوية بن عمار العبدي من الجمع بين الصحاح الستة من الجزء الثاني من اجزاء ثلاثة من المصنف في باب إن أكرمكم عند اللّه اتقاكم،و ذكر مناقب قريش من سنن أبي داود قال جابر بن سمرة قال:دخلت مع أبي على النبي صلّى اللّه عليه و اله فسمعته يقول:«إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة».

قال:ثم تكلم بكلام خفي عليّ فقلت لأبي:ما قال؟

قال:قال:كلهم من قريش (3).

و عنه أيضا قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش» (4).

ما رواه أبو الحسن أيضا من الجمع بين الصحاح الستة من الجزء الثاني من اجزاء اثنين من المصنف في آخره على حد أربعة كراريس من صحيح أبي داود السجستاني و هو كتاب السنن عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال:كتبت إلى جابر بن سمرة:أخبرني بشيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فكتب اليّ أنه سمعته يقول يوم جمعة عشية رجم الأسلمي:«لا يزال الدين ظاهرا حتى تقوم الساعة و يكون0.

ص: 127


1- انظر:صحيح مسلم:4/6.
2- بعض المصادر السابق.
3- سنن أبي داود:/309/2ح 4280.
4- مسند أبي داود الطيالسي:180.

عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش»و سمعته يقول:«عصابة من المسلمين يفتتحون البيت الابيض بيت كسرى»و سمعته يقول:«إذا هلك كسرى فلا كسرى، و الذي نفسي بيده لتنفقنّ كنوز كسرى في سبيل اللّه»و سمعته يقول:«إن بين يدي الساعة كذّابين فاحذروهم»و سمعته يقول:«إذا أعطى أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه و أهل بيته»و سمعته يقول:«أنا الفرط على الحوض» (1).

ما رواه أبو نعيم الاصفهاني في كتاب حلية الأولياء عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال:جئت مع أبي إلى المسجد و النبي صلّى اللّه عليه و اله يخطب قال:فسمعته يقول:«يكون بعدي اثنا عشر خليفة»ثم خفض صوته فلم أدر ما يقول،فقلت لأبي:ما يقول؟

قال:كلهم من قريش (2).

أبو نعيم أيضا قال روى هذا الحديث عمر بن عبد اللّه بن رزين عن سفيان مثله، قال أبو نعيم:و رواه عن الشعبي جماعة (3).

ما رواه ابن مردويه في الجزء الثاني من كتاب الفردوس في باب لا قال عن جابر بن سمرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لا يزال هذا الأمر قائما حتى يمضي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش» (4).

أقول:قد ذكر يحيى بن الحسن البطريق في كتاب المستدرك أنه ذكر في كتاب العمدة من طريق العامة عشرين طريقا في أنّ الخلفاء بعده صلّى اللّه عليه و اله اثنا عشر خليفة، كلها من الصحاح،من صحيح البخاري ثلاثة طرق و من مسلم تسعة و من صحيح أبي داود ثلاثة و في الجمع بين الصحاح الستة طريقان و منها من الجمع بين الصحيحين للحميدي ثلاثة،كل ذلك ينطق بأنه لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشره.

ص: 128


1- صحيح مسلم:4/6.
2- المعجم الكبير للطبراني:197/2.
3- نقله عن ابن شهر اشوب في مناقب آل أبي طالب:251/1.
4- لم يحضرنا كتاب الفردوس،و لكن النص المذكور قد مرت مصادره.

خليفة،و ما وليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش (1).

ما رواه أبو علي الطبرسي الفضل بن الحسن في كتاب إعلام الورى من طريق المخالفين،و هو عدّة روايات قال الطبرسي:فيما جاء في الأخبار الذي نقلتها أصحاب الحديث غير الامامية في ذلك و صححوها ما رواه الإمام أبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي محدث خراسان قال:أخبرنا أبو العباس المستغفري قال:

حدّثنا نصر بن أحمد بن إسماعيل الكشاني،أخبرنا قتيبة بن سعد.

قال:و أخبرنا أبو القاسم الكاتب،أخبرنا أبو حامد الصائغ،أخبرنا أبو العباس الثقفي،حدّثنا قتيبة.

و أخبرنا أبو سلمة القاضي،أخبرنا أبو القاسم النسوي أخبرنا أبو العباس النسوي،حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا:حدّثنا حاتم بن إسماعيل عن المهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فكتب الي:إني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول:«لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة و يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش»و سمعته يقول:«انا الفرط على الحوض»رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن شيبة و قتيبة بن سعد (2).

ما رواه السمرقندي أيضا قال:أخبرنا أبو القاسم الكاتب،أخبرنا أبو حامد الصائغ،أخبرنا أبو العباس الثقفي،حدّثنا ابن رافع،حدّثنا ابن أبي فديك،أخبرنا ابن أبي دويب عن مهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد أنّه أرسل الى أبي سمرة العدوي فقال:حدّثنا حديثا سمعته من رسول اللّه فكتب:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«لا يزال الدين قائما حتى يكون اثنا عشر خليفة من قريش،ثم يخرج كذابون بين2.

ص: 129


1- العمدة لابن البطريق:16.
2- إعلام الورى:158/2.

يدي الساعة،و أنا الفرط على الحوض»رواه مسلم عن محمد بن رافع (1).

السمرقندي أيضا قال:أخبرنا أبو سلمة القاضي،حدّثنا أبو القاسم النسوي، [أخبرنا أبو العباس النسوي] (2)حدّثنا أبو الحصين عبد اللّه بن محمد أحمد بن عبد اللّه اليربوعي،حدّثنا عندر (3)،حدّثنا حصين عن جابر بن سمرة قال:دخلت مع أبي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال لي:«إن هذا الأمر لن يقضي أو لن يمضي حتى يكون فيكم اثنا عشر خليفة»ثم قال شيئا لم أسمعه فسألتهم فقالوا:قال:كلهم من قريش (4).

عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله قال:«يكون بعدي اثنا عشر» فلم أفهمها قال:فسألت القوم فزعموا أنه قال:كلهم من قريش،رواه مسلم عن قتيبة (5).

السمرقندي أيضا،أخبرنا أبو سلمة القاضي قال:أخبرنا أبو القاسم النسوي، أخبرنا أبو العباس النسوي،حدّثنا أبو عمارة،حدّثنا الفضل بن موسى عن وهب عن أبي خالد الوالبي قال:سمعت جابر بن سمرة يقول:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«لا يضر هذا الدين من ناوأه حتى يقوم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (6).

السمرقندي أيضا قال:أخبرنا أبو سلمة القاضي،حدّثنا أبو القاسم النسوي، حدّثنا أبو العباس النسوي،حدّثنا جعفر بن حميد العبسي،حدّثنا يونس بن أبي يعفور عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لا يزال أمر أمتي صالحا حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (7).2.

ص: 130


1- إعلام الورى:158/2.
2- زيادة من بعض المصادر.
3- في بعض المصادر:عنبر.
4- إعلام الورى:159/2.
5- إعلام الورى:159/2.
6- إعلام الورى:159/2.
7- إعلام الورى:159/2.

ما رواه من طريق المخالفين الشيخ أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان المفيد عن محمد بن عثمان الذهبي،حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الرقي قال:حدّثنا عيسى بن يونس عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال:كنّا عند عبد اللّه بن مسعود فقال له رجل:أحدثكم نبيكم كم يكون بعده من الخلفاء؟

فقال له:نعم من الخلفاء عدة خليفة كلهم من قريش (1).

ما رواه عثمان بن أبي شيبة و أبو سعيد الاشج و أبو كريب و محمود بن غيلان و علي بن محمد و ابراهيم بن سعيد جميعا عن أبي أسامة عن مجالد عن الشعبي عن مسروق مثل الأول (2).

ما رواه أبو أسامة عن أشعث عن عامر الشعبي عن عمه قيس بن عبد اللّه بن مسعود،و ذكر نحوه (3).

ما رواه حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عبد اللّه،و زاد فيه قال:كنّا جلوسا عند عبد اللّه يقرينا القرآن فقال له رجل:يا عبد الرّحمن،هل سألتم رسول اللّه كم يملك هذه الأمة من خليفة بعده؟

فقال له عبد اللّه:ما سألني بها أحد منذ قدمت العراق،نعم سألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:«اثنا عشر عدّة نقباء بني إسرائيل» (4).

ما رواه عبد اللّه بن أبي أمية مولى مجاشع عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لن يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر من قريش فإذا مضوا هاجت الأرض بأهلها»و ساق الحديث (5).

ما رواه أبو بكر بن أبي خيثمة عن علي بن الجعدي عن زهير بن معاوية عن زياد2.

ص: 131


1- إعلام الورى:160/2.
2- إعلام الورى:160/2.
3- إعلام الورى:160/2.
4- إعلام الورى:161/2.
5- إعلام الورى:161/2.

بن خيثمة عن الأسود بن سعيد الهمداني قال:سمعت جابر بن سمرة يقول:سمعت رسول اللّه يقول:«يكون بعدي اثنا عشر خليفة من قريش».

فقالوا له:ثم يكون ماذا؟

قال:«ثم يكون الهرج» (1).

ما رواه سماك بن حرب و زياد بن علاقة و حصين بن عبد الرّحمن عن جابر بن سمرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مثله (2).

ما رواه سليمان بن أحمر قال:حدّثنا أبو (3)عون عن السمعي عن جابر بن سمرة أن النبي صلّى اللّه عليه و اله قال:«لا يزال أهل هذا الدين ينصرون على من ناوأهم إلى اثني عشر خليفة»فجعل الناس يقومون و يقعدون،و تكلم بكلمة لم أفهمها فقلت لأبي أو لاخي:

أي شيء قال؟

قال:كلهم من قريش (4).

ما رواه قطر بن خليفة عن أبي خالد الوالبي عن جابر بن سمرة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله مثله (5).

ما رواه سهل حماد عن يونس بن أبي يعفور قال:حدّثني عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال:كنت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عمي جالس بين يديه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لا يزال أمر أمتي صالحا حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش»إسم أبي جحيفة وهب بن عبد اللّه (6).

ما رواه الليث بن سعد عن خالد بن زيد عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن2.

ص: 132


1- إعلام الورى:161/2.
2- إعلام الورى:162/2.
3- في بعض المصادر:ابن عون.
4- إعلام الورى:162/2.
5- إعلام الورى:162/2.
6- إعلام الورى:162/2.

سيف قال:كنّا عند شقيق الأصبحي فقال:سمعت عبد اللّه بن عمر يقول:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«يكون خلفي اثنا عشر خليفة» (1).

ما رواه حماد بن سلمة عن أبي الطفيل قال:قال لي عبد اللّه بن عمر:يا أبا الطفيل عدّد اثني عشر خليفة بعد النبي صلّى اللّه عليه و اله ثم يكون المقت و النفاق (2).

ما رواه الشيخ أبو عبد اللّه جعفر بن محمد بن أحمد الدورستي في كتابه في الرد على الزيدية قال:أخبرني أبي قال:أخبرنا الشيخ أبو جعفر بن بابويه قال:حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه عن عمه عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه عن خلف بن حماد الاسدي عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن ابن عباس قال:سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حين حضرته وفاته فقلت:إذا كان ما نعوذ باللّه منه فإلى من؟فأشار إلى عليّ فقال لي:«هذا،فإنه مع الحق و الحق معه ثم يكون من بعده أحد عشر إماما مفترضة طاعتهم كطاعته» (3).

ما رواه الدورستي أيضا قال:أخبرنا المفيد أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان قال:أخبرني محمد بن علي قال:حدّثني حمزة بن محمد العلوي،حدّثنا أحمد بن يحيى الشحام،حدّثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي،حدّثنا أبو بكر محمد بن أبي غياث الأعين،حدّثنا سويد بن سعد الانباري،حدّثنا محمد بن عبد الرّحمن بن شردين الصنعاني عن ابن مثنى عن أبيه عن عائشة قال:سألتها:كم خليفة يكون لرسول اللّه؟

فقالت:أخبرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة فقلت لها:من؟

فقالت:أسماؤهم عندي مكتوبة بإملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،فقلت لها:فأعرضيه2.

ص: 133


1- إعلام الورى:163/2.
2- إعلام الورى:163/2.
3- إعلام الورى:164/2.

فأبت (1).

الدورستي أيضا قال:أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن وهبان قال:حدّثنا أبو بشر أحمد بن إبراهيم بن أحمد العتمي قال:أخبرنا محمد بن زكريا بن دينار الغلابي، حدّثنا سليمان بن إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد اللّه بن العباس قال:حدّثني أبي قال:كنت يوما عند الرشيد فذكر المهدي و ما ذكر من عدله فأطنب في ذلك فقال الرشيد:إني أحسبكم أنكم تحسبونه أبي المهدي،حدّثني عن أبيه عن جده عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب أن النبي صلّى اللّه عليه و اله قال:«يا عم تملّك من ولدي اثنا عشر خليفة،ثم تكون أمور كريهة و شدة عظيمة،ثم يخرج المهدي من ولدي يصلح اللّه أمره في ليلة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا،يمكث في الأرض ما شاء اللّه ثم يخرج الدجال» (2).2.

ص: 134


1- إعلام الورى:164/2.
2- إعلام الورى:165/2.

النص على الإمام الحسين ضمن الأئمة عليهم السلام

قال أبو علي الطبرسي عقيب هذه الاخبار:هذا بعض ما جاء من الاخبار من طريق المخالفين و رواياتهم في النص على عدد الأئمة الإثني عشر عليهم السّلام،و إذا كانت الفرقة المخالفة قد نقلت ذلك كما نقلته الشيعة الإمامية و لم ينكر ما تضمّنه الخبر فهو أدلّ دليل على أن اللّه تعالى هو الذي سخّر لروايته اقامة لحجته و إعلاء لكلمته، و ما هذا الأمر إلا كالخارق للعادة،و الخارج عن الأمور المعتادة،و لا يقدر عليها إلا اللّه تعالى الذي يذلل الصعب و يقلّب القلب و يسهّل العسير،و هو على كل شيء قدير.

انتهى كلامه (1).

صدر الأئمة عند المخالفين أخطب خوارزم أبو المؤيد موفق بن أحمد في كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام قال:حدّثنا فخر القضاة نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي فيما كتب إلي من همدان قال:أنبأنا الإمام الشريف نور الهدى أبو طالب الحسن بن محمد الزيني قال:أخبرنا إمام الأئمة أحمد بن محمد بن شاذان قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن عبد اللّه الحافظ قال:حدّثنا علي بن سنان الموصلي عن أحمد بن محمد بن صالح عن سلمان بن محمد عن زياد بن مسلم عن عبد الرّحمن بن يزيد عن جابر عن سلامة عن أبي سليمان الراعي راعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«ليلة اسري بي إلى السماء قال لي الجليل جل جلاله:آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه فقلت:و المؤمنون فقال:صدقت يا محمد، من خلفت في أمتك؟فقلت:خيرها،قال:علي بن أبي طالب؟

ص: 135


1- إعلام الورى:165/2.

قلت:نعم يا رب قال:يا أحمد إني اطلعت على الأرض اطلاعة فاخترتك منها فاشتققت لك اسما من أسمائي فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي،فأنا المحمود و أنت محمد،ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا فشققت له اسما من أسمائي فأنا الأعلى و هو عليّ،يا محمد إني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من نور من نوري و عرضت ولايتكم على أهل السموات و الأرضين فمن قبلها كان عندي من المؤمنين و من جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمد لو أن عبدا من عبادي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحدا لولايتكم،ما غفرت له حتى يلقاني بولايتكم يا محمد تحب أن تراهم؟

قلت:نعم يا رب.

قال:فالتفت عن يمين العرش فالتفت فإذا بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد ابن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و المهدي في ضحصاح من نور قيام يصلّون، و هو في وسطهم يعني المهدي كأنه كوكب دريّ و قال:يا محمد هؤلاء الحجج و هذا الثائر من عترتك،و عزتي و جلالي إنه الحجّة الواجبة و المنتقم[من أعدائي و الممد لأوليائي]» (1).

قلت:و روى هذا الحديث جماعة من الخاصة و العامة،رواه الشيخ الطوسي في الغيبة و أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان في المناقب المائة من طريق العامة و رواه صاحب المقتضب و صاحب الكنز الخفي و الحمويني من العامة.

إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة في كتاب فرائد السمطين في فضائل المرتضى و فاطمة و الحسن و الحسين قال:أخبرني مفيد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن أبي الغنائم بن الجهم الحلي إجازة قال:أنبأنا القاضي خطير الدين3.

ص: 136


1- ينابيع المودة:381/3،و مقتل الحسين للخوارزمي:95 ح 203.

محمود بن محمد بن الحسين بن عبد الجبار الطوسي عن عمه زين الدين عبد الجبار عن أبيه عن الصفي أبي تراب بن الداعي عن[أبي]محمد جعفر بن محمد الدورستي عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان الحارثي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي رضي اللّه عنهم قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي اللّه عنه قال:حدّثنا الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى ابن محمد البصري عن جعفر بن سليمان عن عبد اللّه بن الحكيم عن أبيه عن سعيد ابن جبير عن عبد اللّه بن العباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«إن خلفائي و أوصيائي و حجج اللّه على الخلق بعدي لاثنا عشر،أولهم أخي و آخرهم ولدي»قيل:يا رسول اللّه و من أخوك؟

قال:«علي بن أبي طالب»قيل:فمن ولدك؟

قال:«المهدي الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،و الذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح اللّه عيسى ابن مريم فيصلي خلفه و تشرق الأرض بنور ربها و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب» (1).

إبراهيم بن محمد الحمويني أيضا بالاسناد المتقدّم إلى أبي جعفر ابن بابويه رضى اللّه عنه قال:حدّثنا علي بن محمد بن عبد اللّه الوراق الرازي قال:حدّثنا سعيد بن عبد اللّه قال:

نبأنا الهيثم بن أبي مسروق النهدي عن الحسين بن علوان عن عمر بن خالد عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن عبد اللّه بن عباس قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«أنا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون» (2).

الحمويني العامي هذا بالاسناد إلى ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن3.

ص: 137


1- فرائد السمطين:/312/2با /61ح 562.
2- فرائد السمطين:/312/2با /61ح 563.

القطان قال:حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال:حدّثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب قال:حدّثنا الفضل بن الصقر العبدي قال:حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن عبد اللّه بن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«أنا سيد النبيين و علي ابن أبي طالب سيد الوصيين و إن أوصيائي بعدي اثنا عشر،أولهم علي بن أبي طالب و آخرهم القائم» (1).

الحمويني هذا قال:أخبرني شيخنا نجم الدين عثمان بن الموفق بقراءتي عليه قال:أنبأنا عبد الحميد بن محمد بن إبراهيم الخوارزمي إجازة،أنبأنا أبو العلا أحمد ابن الحسن العطار الهمداني حدّثنا أو (2)نبأنا الإمام برهان الدين ناصر بن أبي المكارم المطرزي كتابة،أنبأنا الإمام ضياء الدين أخطب الخطباء أبو المؤيد الموفق ابن أحمد المكي الخوارزمي إجازة ان لم يكن سماعا،أنبأنا قاضي القضاة نجم الدين فخر الإسلام محمد بن الحسين بن محمد البغدادي فيما كتب إلي من همدان، أنبأنا الشريف الإمام نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد بن علي الزينبي عن الإمام محمد بن أحمد بن علي بن شاذان عن علي بن الفضل عن محمد بن أبي القاسم عن عباد بن يعقوب عن موسى بن عثمان عن الأعمش،حدثنا أبو إسحاق عن الحارث عن سعيد بن بشر عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«أنا واردكم على الحوض و أنت يا علي الساقي و الحسن الرائد و الحسين الآمر و علي بن الحسين الفارض و محمد بن علي الناشر و جعفر بن محمد السائق و موسى بن جعفر محصى المحبين و المبغضين و قامع المنافقين و علي بن موسى معين المؤمنين و محمد ابن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم و علي بن محمد خطيب شيعته و مزوجهم الحور العين و الحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به و المهدي شفيعهم يوم القيامةه.

ص: 138


1- فرائد السمطين:/312/2با /61ح 564.
2- ليست في بعض المصادر،و يوجد مكانها:أنبأنا الشيخ تاج الدين عليّ بن أنجب الخازن المعروف بابن الساعي رحمه اللّه.

حيث لا يأذن اللّه إلاّ لمن يشاء و يرضى» (1).

الحمويني هذا قال:أخبرني الإمام سديد الدين يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي فيما كتب لي بخطّه رحمة اللّه عليه أن الشيخ الفقيه الفاضل شهاب الدين أبا عبد اللّه الحسين بن أبي الفرج بن النيلي أنبأه عن الحسن بن أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي إجازة بروايته عن والده جميع رواياته و تصانيفه قال:أخبرني أبو عبد اللّه محمد بن وهبان قال:حدّثنا أبو بشر أحمد بن إبراهيم بن أحمد القمّي قال:

نبأنا محمد بن زكريا بن دينار الغلابي،حدّثنا سليمان بن إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد اللّه بن العباس قال:حدّثني أبي قال:كنت يوما عند الرشيد فذكر المهديّ و ما ذكر من عدله فأطنب في ذلك فقال الرشيد:أنا أحسبكم أنكم تحسبونه أبي المهدي،حدّثني أبي عن أبيه عن جده عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب أن النبي صلّى اللّه عليه و اله قال له:«يا عم يملك من ولدي اثنا عشر خليفة،ثم يكون أمور كثيرة و شدّة عظيمة،ثم يخرج المهدي من ولدي،يصلح اللّه أمره في ليلة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا،و يمكث في الأرض ما شاء اللّه ثم يخرج الدجال» (2).

الحمويني هذا بإسناده إلى أبي جعفر بن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي قال:سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول:أنشدت مولاي الرضا عليه السّلام قصيدتي التي أولها:

مدارس ايات خلت من تلاوة

فلما انتهيت إلى قولي:

خروج إمام لا محالة خارج يقوم على اسم اللّه و البركات

يميز فيها بين حق و باطل و يجزي على النعماء و النقمات9.

ص: 139


1- فرائد السمطين:/321/2باب /61ح 572.
2- فرائد السمطين:/329/2ب /61ح 579.

بكى الرضا عليه السّلام بكاء شديدا ثم رفع رأسه إلي فقال:«يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين،فهل تدري من هذا الإمام؟و متى يقوم؟».

فقلت:لا يا مولاي إلا إني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد و يملأها عدلا فقال:«يا دعبل،الإمام بعدي محمد ابني و بعد محمد ابنه علي و بعد علي ابنه الحسن و بعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره،لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلا كما ملئت جورا،و اما متى فإخبار عن الوقت،فقد حدّثني أبي عن جدي عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السّلام أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله قيل له:متى يخرج القائم من ذرّيتك؟

فقال:مثله كمثل الساعة لا يجلّيها لوقتها إلا هو عز و جل ثقلت في السماوات و الأرض لا تأتيكم إلا بغتة» (1).

الحمويني هذا:أنبأني الإمام بدر الدين محمد بن أبي الكرم عبد الرزاق بن أبي بكر بن حيدر،أخبرني القاضي فخر الدين محمد بن خالد الحنيفي الابهري كتابة قال:أنبأنا السيد الإمام ضياء الدين فضل اللّه بن علي أبو الرضا الراوندي إجازة، أخبرنا السيد أبو الصمصام ذو الفقار بن محمد بن معد الحسني،أنبأنا الشيخ أبو جعفر الطوسي قدس اللّه روحه،أنبأنا أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان روّح اللّه روحه و أبو عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه و أبو الحسين جعفر بن الحسين بن حسكة القمّي و أبو زكريا محمد بن سليمان الحرّاني قالوا كلهم:أنبأنا الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي رضى اللّه عنه قال:أخبرنا علي بن[محمد بن] (2)عبد اللّه الوراق الرازي،أنبأنا سعد بن عبد اللّه،أنبأنا الهيثم بن أبي مسروق النهدي عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن عبد اللّه بن عباس قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«أنا و علي و الحسن و الحسينر.

ص: 140


1- فرائد السمطين:/337/2ب /61ح 591.
2- زيادة من بعض المصادر.

و تسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون» (1).

أقول:هذا الحديث قد تقدم،و كرره الحمويني في كتابه لقوة هذا الإسناد.

الحمويني بعد هذا الحديث السابق و اسناده و قال أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه قال:أخبرني أبو المفضل محمد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني عن أحمد بن مطرف بن سوار بن الحسين القاضي الحسني بمكّة،أنبأنا أبو حاتم المهلبي المغيرة بن محمد،أنبأنا عبد الغفّار بن كثير الكوفي عن هيثم بن حميد عن أبي هاشم عن مجاهد عن ابن عباس رضى اللّه عنه قال:قدم يهودي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقال له نعثل فقال له:يا محمد إني أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين فإن أجبتني عنها أسلمت على يدك قال:«سل يا أبا عمارة»

قال:يا محمد صف لي ربّك فقال عليه السّلام:«إن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، و كيف يوصف الخالق الذي يعجز الأوصاف أن تدركه و الاوهام أن تناله و الخطرات أن تحدّه و الابصار الإحاطة به،جل عمّا يصفه الواصفون،نأى في قربه و قرب في نأيه،كيّف الكيف فلا يقال له:كيف،و أيّن الأين فلا يقال له:أين،هو منقطع الكيفوفية و الاينونية، فهو الواحد الصمد كما وصف نفسه،و الواصفون لا يبلغون نعته، لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» .

قال:صدقت يا محمد فأخبرني عن قولك إنّه واحد لا شبيه له أ ليس اللّه تعالى واحدا و الإنسان واحد فوحدانيته قد أشبهت وحدانية الإنسان؟

فقال عليه السّلام:«اللّه تعالى واحد أحدي المعنى و الإنسان واحد ثنائي المعنى جسم و عرض و بدن و روح،و إنما التشبيه في المعاني لا غير».

قال:صدقت يا محمد،فأخبرني عن وصيك من هو فما من نبي إلا و له وصي و ان نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون؟

فقال:«نعم،إن وصيّي و الخليفة من بعدي علي بن أبي طالب عليه السّلام و بعده سبطاي0.

ص: 141


1- فرائد السمطين:/132/2ب /31ح 430.

الحسن ثم الحسين يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمة أبرار».

قال:يا محمد فسمّهم لي قال:«نعم،إذا مضى الحسين فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه جعفر فإذا مضى جعفر فابنه موسى فإذا مضى موسى فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد ثم ابنه علي ثم ابنه الحسن،ثم الحجّة بن الحسن فهذه اثنا عشر أئمة عدد نقباء بني إسرائيل».

قال:فأين مكانهم في الجنة؟

قال:«معي في درجتي».

قال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أشهد أنهم الأوصياء من بعدك، و لقد وجدت هذا في الكتب المتقدّمة،و فيما عهد إلينا موسى بن عمران أنه إذا كان في آخر الزمان يخرج نبيّ يقال له أحمد خاتم الأنبياء،لا نبي بعده فيخرج من صلبه أئمة أبرار عدد الأسباط قال:فقال:«يا أبا عمارة أ تعرف الأسباط؟».

قال:نعم يا رسول اللّه،إنهم كانوا اثني عشر،أولهم لاوى بن برخيا و هو الذي غاب عن بني إسرائيل غيبة ثم عاد فأظهر اللّه شريعته بعد دراستها و قاتل قرشطيا الملك حتى قتله فقال عليه السّلام:«كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل و القذّة بالقذّة،و إن الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى،و يأتي على أمتي زمن لا يبقي من الإسلام إلا اسمه و من القرآن إلا رسمه،فحينئذ يأذن اللّه تعالى له بالخروج فيظهر الإسلام و يجدد الدين،ثم قال عليه و آله الصلاة و السلام:طوبى لمن أحبهم و الويل لمبغضهم و طوبى لمن تمسك بهم»فانتقض نعثل و قام بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أنشأ يقول:

صلى العليّ ذو العلا عليك يا خير البشر

أنت النبي المصطفى و الهاشمي المفتخر

بكم هدانا ربنا و فيك نرجو ما أمر

و معشر سميتهم أئمة إثنا عشر

ص: 142

حباهم رب العلى ثم صفّاهم من كدر

قد فاز من والاهم و خاب من عادى الزهر

آخرهم يشفي الظما و هو الإمام المنتظر

عترتك الاخيار لي و التابعون ما أمر

من كان عنهم معرضا فسوف تصلاه سقر (1)

الحمويني هذا قال:أخبرنا شيخنا الإمام أبو عمرو عثمان بن الموفق الأذكاني بقراءتي عليه صحيح الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري بقصبة اسفرايين في مجالس أولها بكرة يوم السبت العشرين من جمادى الآخرة سنة خمس و ستين و ستمائة و آخرها ضحوة يوم الجمعة خامس شهر رجب من السنة قال:أنبأنا الإمام رضي الدين المؤيد بن محمد بن علي الطوسي سماعا عليه قال:

أنبأنا الإمام أبو عبد اللّه محمد بن الفضل الصاعدي الفراوي سماعا،أنبأنا أبو الحسن عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي سماعا عليه،أنبأنا أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي قراءة عليه في شهور سنة سبع و خمسين و ثلاثمائة قال:سمعت إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن سفيان يقول:سمعت مسلم ابن الحجاج القشيري قال:نبأنا قتيبة بن سعيد نبأنا جرير بن حصين عن جابر بن سمرة سمعت النبي صلّى اللّه عليه و اله يقول.

ح،و حدّثنا رفاعة بن الهيثم الواسطي و اللفظ له،نبأنا خالد بن أبي عبد اللّه الطحان عن حصين عن جابر بن سمرة قال:دخلت مع أبي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فسمعته يقول:«إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيها اثنا عشر خليفة».

قال:ثم تكلّم بكلام خفي عليّ فقلت لأبي:ما قال؟

قال:كلهم من قريش (2).2.

ص: 143


1- فرائد السمطين:/132/2ب /31ح 431،و فيه:يصلى بالسقر.
2- فرائد السمطين:/147/2ب /33ح 442.

الحمويني هذا بعد هذا الإسناد قال:حدّثنا ابن أبي عمر،حدّثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و اله يقول:«لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا»ثم تكلم النبي صلّى اللّه عليه و اله بكلمة خفيت عليّ فسألت أبي:ماذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟

فقال:كلهم من قريش (1).

الحمويني هذا بعد هذا الإسناد و حدّثنا هدبة بن خالد الازدي حدثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب قال:سمعت جابر بن سمرة يقول:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة»ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لأبي:

ما قال؟

فقال:كلهم من قريش (2).

الحمويني هذا بعد هذا الإسناد و حدّثنا قتيبة بن سعيد و أبو بكر بن أبي شيبة قال:حدثنا حاتم و هو ابن إسماعيل عن المهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال:كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:فكتب إليّ:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يوم جمعة عشيّة رجم الأسلمي يقول:«لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة و يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (3).

إبراهيم الحمويني هذا من رجال العامة قال:أنبأني الشيخ سديد الدين يوسف ابن علي بن المطهر الحلي رضى اللّه عنه عن الشيخ الفقيه مهذب الدين أبي عبد اللّه الحسين بن أبي الفرج بن ردة[السلمي] (4)بروايته عن محمد بن الحسين بن علي بن عبد الصمدي.

ص: 144


1- فرائد السمطين:/148/2ب /33ح 443.
2- فرائد السمطين:/149/2ب /33ح 444.
3- فرائد السمطين:/149/2ب /33ح 445.
4- في بعض المصادر:النيلي.

عن والده عن جده محمد عن أبيه عن جماعة منهم السيد أبو البركات علي بن الحسن الجوري العلوي و أبو بكر محمد بن أحمد بن علي المعمري و الفقيه أبو جعفر محمد بن إبراهيم القايني بروايتهم عن الشيخ الفقيه أبي جعفر محمد بن علي ابن الحسين بن موسى بن بابويه القمي قدس اللّه ارواحهم الشريفة جميع مصنفاته و رواياته قال:حدّثنا علي بن ماجيلويه رضى اللّه عنه قال:حدثنا عمي محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي قال:حدّثنا محمد بن علي القرشي قال حدثنا أبو الربيع الزهراني قال:حدثنا جرير عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال:قال ابن عباس سمعت النبي صلّى اللّه عليه و اله يقول:«إن للّه تبارك و تعالى ملكا يقال له دردائيل كان له ست عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح هواء،و الهواء ما بين السماء إلى الأرض، فجعل يوما يقول في نفسه:أ فوق ربنا جل جلاله شيء؟فعلم اللّه ما قال،فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان و ثلاثون ألف جناح،ثم أوحى اللّه جل جلاله إليه أن طر فطار مقدار خمسين عاما فلم ينل رأس قائمة من قوائم العرش.

فلما علم اللّه اتعابه أوحى إليه:أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظيم كل عظيم و ليس فوقي شيء و لا أوصف بمكان،فسلب اللّه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة،فلما ولد الحسين بن علي عليه السّلام و كان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة أوحى اللّه عز و جل إلى مالك خازن النار أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد في دار الدنيا، و أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان و طيّبها لكرامة مولود ولد لمحمد صلّى اللّه عليه و اله في دار الدنيا،و أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى الحور العين أن تزينوا و تزاوروا لكرامة مولود ولد لمحمد صلّى اللّه عليه و اله في دار الدنيا،و أوحى اللّه إلى الملائكة أن قوموا صفوفا بالتسبيح و التحميد و التكبير لكرامة مولود ولد لمحمد صلّى اللّه عليه و اله في دار الدنيا، و أوحى اللّه عز و جل إلى جبرائيل أن اهبط إلى نبيّي محمد صلّى اللّه عليه و اله في ألف(قبيل و القبيل ألف ألف)من الملائكة على خيول بلق مسرجة ملجمة عليها قباب الدرّ و الياقوت و معهم ملائكة يقال لهم الروحانيون بأيديهم حراب من نور أن يهنّئوا محمدا بمولوده،

ص: 145

و أخبره يا جبرائيل أني قد سميته الحسين فهنئه و عزّه،و قل له:يا محمد يقتله شر أمتّك على شرّ الدواب فويل للقاتل و ويل للسائق و ويل للقائد،قاتل الحسين أنا منه بريء و هو مني بريء لأنه لا يأتي يوم القيامة أحد[من المذنبين] (1)إلا و قاتل الحسين أعظم منه جرما،قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع اللّه إلها آخر و النار أشوق إلى قاتل الحسين ممن اطاع اللّه إلى الجنة.

قال:فبينا جبرائيل يهبط من السماء الدنيا إذ مر بدردائيل فقال له دردائيل:يا جبرائيل ما هذه الليلة في السماء؟هل قامت القيامة على أهل الدنيا؟

قال:لا و لكن ولد لمحمد مولود في دار الدنيا و بعثني اللّه عز و جل إليه لأهنئه بمولوده فقال له الملك:يا جبرائيل بالذي خلقك و خلقني إن هبطت إلى محمد فأقرئه مني السلام و قل له:بحق هذا المولود عليك إلا ما سألت ربك أن يرضى عني و يرد عليّ أجنحتي و مقامي من صفوف الملائكة،فهبط عليه السّلام على النبي صلّى اللّه عليه و اله فهنّاه كما أمره اللّه عز و جل و عزاه،فقال له النبي صلّى اللّه عليه و اله:تقتله أمتي؟

فقال له:نعم يا محمد،فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:ما هؤلاء بأمتي،انا بريء منهم و اللّه بريء منهم،قال جبرائيل عليه السّلام:و انا منهم بريء يا محمد،فدخل النبي صلّى اللّه عليه و اله على فاطمة عليها السّلام فهنّأها و عزّاها فبكت فاطمة عليها السّلام ثم قالت:يا ليتني لم ألده،قاتل الحسين في النار فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:و أنا أشهد بذلك يا فاطمة،و لكنه لا يقتل حتى يكون منه إمام يكون منه الأئمة الهادية،ثم قال عليه السّلام:و الأئمة بعدي هم:الهادي عليّ،و المهتدي الحسن،و العدل الحسين،و الناصر عليّ بن الحسين،و السفّاح محمد بن عليّ،و النفّاع جعفر بن محمد، و الأمين موسى بن جعفر،و المؤتمن عليّ بن موسى،و الإمام محمد بن علي،و الفعّال عليّ بن محمد،و العلاّم الحسن بن عليّ،و من ؟؟؟ عيسى ابن مريم عليه السّلام.

فسكنت فاطمة عليها السّلام من البكاء ثم أخبر جبرائيل النبي صلّى اللّه عليه و اله بقصة الملك و ما أصيب به،قال ابن عباس:فأخذ النبي صلّى اللّه عليه و اله الحسين عليه السّلام و هو ملفوف في خرق من صوف فأشار بهر.

ص: 146


1- زيادة من بعض المصادر.

إلى السماء،ثم قال:اللهم بحق هذا المولود عليك لا بل بحقك عليه و على جده محمد و إبراهيم و إسماعيل و اسحاق و يعقوب،إن كان للحسين بن علي و ابن فاطمة عندك قدر فارض عن دردائيل و ردّ عليه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة،[فردّ اللّه تعالى أجنحته و مقامه]،فالملك ليس يعرف في الجنة إلا بأن يقال:هذا مولى الحسين بن علي و ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله» (1).

الحمويني هذا بعد هذا الإسناد قال:روى الشيخ الجليل أبو جعفر بن بابويه رضى اللّه عنه قال:حدّثنا الحسن أحمد بن ثابت الدواليسي بمدينة السلام قال:حدّثنا محمد بن الفضل،حدّثنا محمد بن علي بن عبد الصمد الكوفي،حدّثنا علي بن عاصم عن محمد بن علي بن موسى عن أبيه علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي صلوات اللّه عليهم قال:دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عنده أبي بن كعب فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«مرحبا بك يا أبا عبد اللّه يا زين السموات و الأرض،قال ابي:و كيف يكون يا رسول اللّه زين السموات و الأرض أحد غيرك؟

قال:يا أبي و الذي بعثني بالحق نبيا إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض و إنه المكتوب على يمين عرش اللّه أنه مصباح هدى و سفينة نجاة و إمام غير و هن و عز و فخر و علم و ذخر،و إن اللّه عز و جل ركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام أو يجري ماء في الاصلاب أو يكون ليل أو نهار،و لقد لقن دعوات ما يدعو بهن مخلوق إلا حشره اللّه عز و جل معه و كان شفيعه في آخرته و فرج اللّه عنه كربه و قضى بها دينه و يسر أمره و أوضح سبيله و قواه على عدوه و لم يهتك سره».

فقال له أبي بن كعب:ما هذه الدعوات يا رسول اللّه؟

قال:تقول إذا فرغت من صلاتك و أنت قاعد:«اللهم إني أسألك بكلماتك و معاقد6.

ص: 147


1- فرائد السمطين:/154/2ب /34ح 446.

عرشك و سكان سماواتك و أرضك و أنبيائك و رسلك أن تستجيب لي فقد رهقتني من أمري عسر فأسألك أن تصلي على محمد[و آل محمد] (1)و ان تجعل لي من أمري يسرا، فإن اللّه عز و جل يسهل أمرك و يشرح صدرك و يلقنك شهادة أن لا إله إلاّ اللّه عند خروج نفسك».

قال له أبي:يا رسول اللّه فما هذه النطفة التي في صلب حبيبي الحسين عليه السّلام؟

قال:«مثل هذه النطفة كمثل القمر تبيين و بيان،يكون من اتبعه رشيدا و من ضل عنه هويّا،قال:فما اسمه؟و ما دعاؤه؟

قال:اسمه عليّ و دعاؤه:يا دائم يا ديّوم يا حي يا قيوم يا كاشف الغم و يا فارج الهم و يا باعث الرسل و يا صادق الوعد.من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل مع علي بن الحسين صلوات اللّه عليهما،و كان قائده إلى الجنة».

قال له أبي:يا رسول اللّه فهل من خلف أو وصي؟

قال:«نعم،له مواريث السموات و الأرض».

قال:و ما معنى مواريث السموات و الأرض يا رسول اللّه؟

قال:«القضاء بالحق و الحكم بالديانة و تأويل الاحكام و بيان ما يكون».

قال:و ما اسمه؟

قال:«اسمه محمد و ان الملائكة لتستأنس به في السموات،و يقول في دعائه:إن كان لك عندي رضوان وود فاغفر لي و لمن تبعني من إخواني و شيعتي،و طيّب ما في صلبي، فركّب اللّه عز و جل في صلبه نطفة مباركة زكية،و أخبرني أن اللّه تبارك و تعالى طيّب هذه النطفة و سمّاها عنده جعفرا و جعله هاديا مهديا راضيا مرضيا يدعو ربه و يقول في دعائه:يا ديان غير متوان،يا أرحم الراحمين اجعل لشيعتي من النار وقاء و لهم عندك رضى و اغفر ذنوبهم و يسر أمورهم و اقض ديونهم و استر عوراتهم،ذهب لي الكبائر التي بينك و بينهم،يا من لا يخاف الضيم و لا تأخذه سنة و لا نوم اجعل لي من كل غمّر.

ص: 148


1- زيادة ليست في بعض المصادر.

فرجا.من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل أبيض الوجه مع جعفر بن محمد[عليهما صلوات اللّه و سلامه]إلى الجنة.

يا أبي إن اللّه تعالى ركّب على هذه النطفة نطفة زكية مباركة أنزل عليها الرحمة و سمّاها عنده موسى».

قال أبي:يا رسول اللّه،كلهم يتواضعون و يتوارثون و يصف بعضهم بعضا، قال:«وصفهم لي جبرائيل عليه السّلام عن رب العالمين جل جلاله».

قال:فهل لموسى دعوة يدعو بها سوى دعاء آبائه قال:نعم يقول في دعائه:«يا خالق الخلق يا باسط الرزق و فالق الحب و بارئ النسم و محيي الموتى و مميت الأحياء و دائم الثبات و مخرج النبات إفعل بي ما أنت أهله،من دعى بهذا الدعاء قضى اللّه له حوائجه و حشره اللّه يوم القيامة مع موسى بن جعفر عليهما السّلام،و ان اللّه تعالى ركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية مرضية و سمّاها عنده عليا يكون للّه في خلقه رضيا في علمه و حكمه و يجعله حجة لشيعته يحتجون به يوم القيامة و له دعاء يدعو به:اللهم صل على محمد و آل محمد و أعطني الهدى و ثبتني عليه و احشرني عليه آمنا أمن من لا خوف عليه و لا حزن و لا جزع،إنك أهل التقوى و أهل المغفرة.

و ان اللّه عز و جل ركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية مرضية و سمّاها عنده محمد ابن علي فهو شفيع شيعته و وارث علم جده،له علامة بيّنة و حجة ظاهرة،إذا ولد يقول:

لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه،و يقول في دعائه:يا من لا شبيه له و لا مثال أنت اللّه لا إله إلاّ أنت و لا خالق إلا أنت تفني المخلوقين و تبقى أنت،حلمت عن من عصاك و في المغفرة رضاك.من دعى بهذا الدعاء كان محمد بن علي شفيعه يوم القيامة،و ان اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلبه نطفة لا باغية و لا طاغية بارّة مباركة طيبة طاهرة سماها عنده علي بن محمد فألبسها السكينة و الوقار و أودعها العلوم و كل سرّ مكتوم،من لقيه و في صدره شيء نبّأه و حذره من عدوه،يقول في دعائه:يا نور يا برهان يا منير يا مبين يا رب اكفني شر الشرور و آفات الدهور و أسألك النجاة يوم ينفخ في الصور.من دعى

ص: 149

بهذا الدعاء كان علي بن محمد شفيعه و قائده إلى الجنة.

و إن اللّه تبارك و تعالى ركب في صلبه نطفة و سمّاها عنده الحسن عليه السّلام و جعله نورا في بلاده و خليفة في أرضه و عز الأمة جده و هاديا لشيعته و شفيعا لهم عند ربه و نقمة لمن خالفه و حجّة لمن والاه و برهانا لمن اتخذه إماما،يقول في دعائه:يا عزيز العز في عزه يا أعز عزيز العز في عزه يا عزيز أعزني بعزك و أيدني بنصرك و ابعد عني همزات الشياطين و ادفع عني بدفعك و امنع عني بمنعك و اجعلني من خيار خلقك،يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد،من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل معه و نجّاه من النار و لو وجبت عليه.

و ان اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلب الحسن نطفة مباركة في الولاية و يكفر به كل جاحد و هو القائم تقي نقي سار مرضيّ هاد مهدي،يحكم بالعدل و يأمر به،يصدق اللّه عز و جل و يصدقه في قوله،يخرج من تهامة حتى تظهر الدلائل و العلامات،و له بالطالقان كنوز لا ذهب و لا فضة إلا خيول مطهمة و رجال مسومة،يجمع اللّه له من أقصى البلاد على عدة أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم و أنسابهم و بلدانهم و صنايعهم و طبايعهم و كلامهم و كناهم كدادون،مجدّون في طاعته».

فقال له أبيّ:و ما دلالته و علامته يا رسول اللّه؟

قال صلّى اللّه عليه و اله:«له علم،إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه و أنطقه اللّه عز و جل فناداه العلم:أخرج يا ولي اللّه،أقتل أعداء اللّه،و هما رايتان و علامتان،و له سيف مغمد،فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده و أنطقه اللّه عز و جل فناداه السيف اخرج يا ولي اللّه،فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء اللّه فيخرج يقتل أعداء اللّه حيث ثقفهم و يقيم حدود اللّه و يحكم بحكم اللّه،يخرج جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن ميسرته و شعيب بن صالح على مقدمته و سوف تذكرون ما أقول لكم و أفوّض أمري إلى اللّه عز و جل.

ص: 150

يا أبيّ طوبى لمن لقيه و طوبى لمن أحبه و طوبى لمن قال به و لو بعد حين،و ينجيهم من الهلكة و الإقرار باللّه و برسوله و بجميع الأئمة،يفتح اللّه لهم الجنة مثلهم في الأرض كمثل المسك الذي يسطع ريحه فلا يتغير أبدا،و مثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفأ نوره أبدا».

قال أبي:يا رسول اللّه كيف حال بيان هؤلاء الأئمة عن اللّه عز و جل قال:«إن اللّه عز و جل أنزل عليّ اثني عشر خاتما و اثنتي عشرة صحيفة،اسم كل إمام على خاتمه وصفته في صحيفته،و الحمد للّه رب العالمين».

علي بن أحمد المالكي من أعيان علماء العامة في الفصول المهمة عن زرارة قال:

قال:سمعت أبا جعفر يقول:«الأئمة الاثنا عشر كلهم من آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،علي بن أبي طالب و أحد عشر من ولده» (1).

محمد بن أحمد بن شاذان أبو الحسن الفقيه في المناقب المائة و الفضائل لأمير المؤمنين و الأئمة عليهم السّلام من طريق العامة المخالفين عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«و اللّه لقد خلفني رسول اللّه في أمته فأنا حجة اللّه عليهم بعد نبيه و إن ولايتي تلزم أهل السماء كما تلزم أهل الأرض و ان الملائكة لتتذاكر فضلي و ذلك تسبيحها عند اللّه،أيها الناس اتبعوني أهدكم سواء السبيل و لا تأخذوا يمينا و لا شمالا فتضلوا،أنا وصي نبيكم و خليفته و إمام المؤمنين و أميرهم و مولاهم،و أنا قائد شيعتي إلى الجنة و سائق أعدائي إلى النار،أنا سيف اللّه على أعدائه و رحمته على أوليائه،أنا صاحب حوض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لوائه و صاحب مقام شفاعته،و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين خلفاء اللّه في ارضه،و أمناء اللّه على وحيه و أئمة المسلمين بعد نبيه و حجج اللّه على بريته» (2).

ابن شاذان هذا من طريق العامة عن ابن عباس قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:

«معاشر الناس اعلموا أن للّه تعالى بابا من دخله أمن من النار و من الفزع الأكبر».2.

ص: 151


1- كشف الغمة:246/3.
2- مائة منقبة:/59منقبة 32.

فقام إليه أبو سعيد الخدري فقال:يا رسول اللّه،اهدنا إلى هذا الباب حتى نعرفه قال:«هو علي بن أبي طالب سيد الوصيّين و أمير المؤمنين و أخو رسول رب العالمين و خليفة اللّه على الناس أجمعين،معاشر الناس من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها فليتمسك بولاية علي بن أبي طالب فإن ولايته ولايتي و طاعته طاعتي يا معاشر[الناس]من أحب أن يعرف الحجة بعدي فليعرف علي بن أبي طالب،معاشر الناس من سرّه أن يقتدي بي فعليه أن يتولى ولاية علي بن أبي طالب بعدي (1)و الأئمة من ذريتي فإنهم خزان علمي».

فقام جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال:يا رسول اللّه ما عدّة الأئمة؟

فقال:«يا جابر سألتني رحمك اللّه عن الإسلام بأجمعه عدتهم عدّة الشهور و هو عند اللّه اثنا عشر شهرا في كتاب اللّه يوم خلق السموات و الأرض،و عدتهم عدّة العيون التي انفجرت لموسى بن عمران حين ضرب بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا،و عدّة نقباء بني إسرائيل قال اللّه تعالى:و لقد اخذنا ميثاق بني إسرائيل و بعثنا منهم اثني عشر نقيبا،فالأئمة يا جابر اثنا عشر اماما،أولهم علي بن أبي طالب و آخرهم القائم صلوات اللّه عليهم» (2).

ابن شاذان هذا من طريق العامة عن سلمان المحمدي قال دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و اله إذا الحسين بن علي على فخذه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و هو يقول:«أنت سيد و ابن سيد و أبو السادات (3)،أنت إمام بن إمام أبو الأئمة،أنت حجة ابن الحجة أبو الحجج، تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم» (4).

ابن شاذان هذا من طريق العامة عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن8.

ص: 152


1- في بعض المصادر:من أراد أن يتولى اللّه و رسوله فليقتد بعلي بن أبي طالب بعدي.
2- مائة منقبة:/72منقبة 41.
3- في بعض المصادر:أبو السادة.
4- مائة منقبة:/124منقبة 58.

آبائه عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،حدّثني جبرائيل عن رب العزة جل جلاله أنه قال:

«من علم أن لا إله إلاّ أنا وحدي و أن محمدا عبدي و رسولي و أن علي بن أبي طالب خليفتي و أن الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي و نجيته من النار بعفوي و أبحت له جواري و أوجبت له كرامتي و أتممت عليه نعمتي و جعلته من خاصتي و خالصتي،إن ناداني لبيته و ان دعاني أجبته و ان سألني أعطيته و ان سكت ابتدأته و ان أشار رحمته و ان فرّ عنّي دعوته و ان رجع إليّ قبلته و ان قرع بابي فتحته،و من لم يشهد أن لا إله إلاّ أنا وحدي،أو شهد بذلك و لم يشهد أن محمدا عبدي و رسولي،أو شهد بذلك و لم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي،أو شهد بذلك و لم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي و صغر عظمتي و كفر بآياتي و كتبي و رسلي،إن قصدني حجبته و ان سألني حرمته و ان ناداني لم اسمع نداءه و ان دعاني لم استجب دعاءه و ان رجاني خيبت رجاءه مني،و ما انا بظلام للعبيد».

فقام جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال:يا رسول اللّه و من الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟

قال:«الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين ثم الباقر محمد بن علي،ستدركه يا جابر فإذا ادركته فاقرئه مني السلام،ثم الصادق جعفر بن محمد ثم الكاظم موسى بن جعفر ثم الرضا علي بن موسى ثم التقي محمد بن علي ثم النقي علي بن محمد ثم الزكي الحسن بن علي ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،و هؤلاء يا جابر خلفائي و أصفيائي و أولادي و عترتي من أطاعهم فقد أطاعني و من عصاهم فقد عصاني و من أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني و بهم يمسك اللّه السماء أن تقع على الأرض و بهم يحفظ اللّه الأرض أن تميد بأهلها» (1)و قد تقدم أحاديث اللوح المنزل من اللّه سبحانه على رسوله فيه اسماء الأوصياء الاثني عشر الذي رآه جابر بن2.

ص: 153


1- مائة منقبة:/167منقبة 92.

عبد اللّه الأنصاري في يد فاطمة عليها السّلام،و هو يدخل في هذا الباب و هو مروي من طريق العامة تقدم في الباب الثاني عشر،و حديثه متكرر الروايات في طرق العامة و من طريق الخاصة،قدم في الباب الثالث عشر.

ابن بابويه في أماليه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال:حدّثنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خلف بن يزيد المروزي بالري في ربيع الأول سنة اثنتين و ثلاثمائة قال:حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في سنة الثامنة و الثلاثين و مائتين و هو المعروف بإسحاق بن راهويه قال:حدّثنا يحيى بن يحيى قال:حدّثنا هيثم عن مجالد عن الشعبي عن مسرور قال:بينا نحن عند عبد اللّه بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ يقول له فتي شاب:هل عهد إليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة؟

قال،إنك لحدث السن و إن هذا شيء ما سألني عنه أحد قبلك،نعم عهد إلينا نبينا صلّى اللّه عليه و اله أنه يكون اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أبو علي[ابن] (2)أحمد بن الحسن بن علي بن عبدويه قال:

حدّثنا أبو عبد اللّه أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي الرحال البغدادي قال:حدّثنا محمد بن عبدوس الحراني قال:حدّثنا عبد الغفار بن الحكم قال:حدّثنا منصور بن أبي الأسود عن مطرف عن الشعبي عن عمه قيس بن عبد قال:كنّا جلوسا في حلقة فيها عبد اللّه بن مسعود فجاء أعرابي فقال:أيّكم عبد اللّه بن مسعود؟

قال عبد اللّه بن مسعود:أنا عبد اللّه،قال:هل حدّثكم نبيكم كم يكون بعده من الخلفاء؟

قال:نعم،إثنا عشر عدد (3)نقباء بني إسرائيل(4).

ص: 154


1- أمالي الصدوق:/386المجلس /51ح 4.
2- ليست في بعض المصادر.
3- في بعض المصادر:عدة.
4- أمالي الصدوق:/386المجلس /51ح 5.

ابن بابويه قال:حدّثنا عتاب بن محمد بن عتاب الوراميني قال:حدّثنا يحيى ابن محمد بن صاعد قال:حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن بن المفضل و محمد بن عبد اللّه بن سوار قالا:حدّثنا عبد الغفار بن الحكم قال:حدّثنا منصور بن أبي الأسود عن مطرف عن الشعبي و حدّثنا عتاب بن محمد قال:حدّثنا إسحاق بن محمد الانماطي عن سيف (1)بن موسى قال:حدّثنا جرير عن أشعث بن سوار عن الشعبي قال الحسين بن محمد الحراني قال:حدّثنا أيوب بن محمد الوزان قال:حدّثنا سعيد بن سلمة قال:حدّثنا أشعث بن سوار عن الشعبي كلهم قالوا:عن عمه قيس بن عبد قال عتاب:و هذا حديث مطرف قال:كنّا جلوسا في المسجد و معنا عبد اللّه بن مسعود فجاء أعرابي فقال:أ فيكم عبد اللّه؟

قال:نعم أنا عبد اللّه،فما حاجتك؟

قال:يا عبد اللّه أخبركم نبيكم كم فيكم من خليفة؟

قال لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد مذ قدمت العراق،نعم إثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل،قال أبو عروبة في حديثه[قال] (2):نعم عدة بني إسرائيل (3).

و قال جرير عن اشعث عن ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه و اله قال:الخلفاء بعدي اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل (4).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال:حدّثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبدة النيسابوري قال:حدّثنا أبو القاسم هارون بن إسحاق قال:حدّثني عمي إبراهيم بن محمد عن زياد بن علاقة و عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال:كنت مع أبي عند النبي صلّى اللّه عليه و اله فسمعته يقول:«يكون بعدي إثنا عشر أميرا»ثم أخفى7.

ص: 155


1- في المصدر:يوسف.
2- زيادة من بعض المصادر.
3- أمالي الصدوق:/387المجلس /51ح 6.
4- بعض المصادر السابق:ح 7.

صوته فقلت لأبي ما الذي اخفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟

قال:قال:كلهم من قريش (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا عبد اللّه بن محمد الصانع قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى الفضراني قال:حدّثنا أبو علي الحسين بن الليث بن بهلول الموصلي قال:

حدّثنا غسان بن الربيع قال:حدّثنا سليم بن عبد اللّه مولى عامر الشعبي عن جابر إنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لا يزال أمر الدين (2)ظاهرا حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (3).

ابن بابويه في النصوص قال:أخبرنا محمد بن عبد اللّه الشيباني قال:حدثنا أبو العباس محمد بن جعفر بن محمد الرازي الكوفي قال:حدّثني محمد بن عبد الرّحمن ابن محمد قال:حدّثني أبو أحمد الطوسي و أحمد بن محمد المقري[قال:حدّثنا محمد بن يحيى] (4)قال:حدّثنا داود بن الحسين قال:حدثّنا حزام بن يحيى الشامي عن عتبة بن تيهان عن مكحول عن واثلة بن الأصقع قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لا يتم الإيمان إلا بمحبتنا أهل البيت،و أن اللّه تبارك و تعالى عهد اليّ أنه لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي،و لا يبغضنا إلا منافق شقي،طوبى لمن تمسك بي و بالأئمة الاطهار من ذريتي»فقيل:يا رسول اللّه و كم الأئمة بعدك؟

قال:«عدد نقباء بني إسرائيل» (5).

محمد بن إبراهيم النعماني في الغيبة قال:أخبرنا محمد بن عثمان قال:حدّثنا ابن أبي خيثمة قال:حدّثنا زهير بن معاوية عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:«يكون بعدي إثنا عشر خليفة»ثم تكلم بشيء لم أفهمه فقال0.

ص: 156


1- أمالي الشيخ الصدوق:/387مجلس /51ح 8.
2- في بعض المصادر:أمتي.
3- أمالي الشيخ الصدوق:/388مجلس /51ح 9.
4- زيادة ليست في بعض المصادر.
5- كفاية الأثر:110.

بعضهم:فسألت القوم،فقالوا:كلهم من قريش (1).

قلت:و روى هذا الحديث الشيخ في كتاب الغيبة عن محمد بن عثمان و ساق حديثه.

ابن بابويه في الخصال قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال:حدّثنا أبو الحسين الطاهر بن إسماعيل الخثعمي قال:حدّثنا أبو كريب يعني محمد بن علاء الهمداني قال:حدّثنا عمي يعني ابن عبيد الطنافسي عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«كان بعدي اثنا عشر أميرا»ثم تكلم فخفي عليّ ما قال فسألت أبي:ما قال؟

فقال:قال:كلهم من قريش (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال:أخبرنا علي بن الحسن بن سالم قال:حدّثنا محمد بن الوليد يعني البسري قال:حدّثنا محمد بن جعفر يعني غندر قال:حدّثنا شعبة عن سماك بن حرب قال:[سمعت جابر بن سمرة يقول] (3)سمعت النبي صلّى اللّه عليه و اله يقول:«يكون بعدي اثنا عشر أميرا»و قال كلمة لم أسمعها،فقال القوم:قال:كلهم من قريش (4).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال:حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم قال:حدّثنا العلاء بن سالم قال:حدّثنا يزيد[بن الحسن] (5)بن هارون قال:

أخبرنا شريك عن سماك[و عبد اللّه بن عمير و حصين بن عبد الرحمن قالوا:

سمعنا] (6)جابر بن سمرة يقول:دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مع أبي فقال:«لا يزالر.

ص: 157


1- كتاب الغيبة للنعماني:/103ح 32 مع اختصار في الرواة من المصنف.
2- كتاب الخصال للشيخ الصدوق:/469ح 14.
3- زيادة من بعض المصادر.
4- كتاب الخصال للشيخ الصدوق:/470ح 15.
5- زيادة من بعض المصادر.
6- زيادة من بعض المصادر.

هذه الأمة أمرها صالحا ظاهرة على عدوها حتى يمضي اثنا عشر ملكا-أو قال اثنا عشر خليفة»ثم قال كلمة خفيت عليّ فسألت أبي فقال:قال:كلهم من قريش (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال:أخبرنا أبو القاسم عبد اللّه بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال:حدّثنا علي بن الجعد قال:أخبرنا زهير عن سماك ابن حرب[و زياد بن علاقة و حصين بن عبد الرحمن كلهم] (2)عن جابر بن سمرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:«يكون بعدي اثنا عشر أميرا»غير أنه قال في حديثه:ثم تكلم بشيء لم أفهمه قال بعضهم في حديثه:فسألت أبي،و قال بعضهم:فسألت القوم فقالوا:[قال:] (3)كلهم من قريش (4).

ابن بابويه قال:حدّثنا أبو القاسم عبد اللّه بن محمد قال:حدّثنا أبو الحسين أحمد ابن محمد بن يحيى العطار القصراني قال:حدّثنا أبو علي بن بشر بن موسى بن صالح قال:حدّثنا أبو الوليد خلف بن الوليد القصري (5)عن إسرائيل عن سماك قال:

سمعت جابر بن سمرة السوائي يقول سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«يكون من بعدي إثنا عشر أميرا»ثم تكلم بكلمة لم أفهمها فسألت القوم فقالوا:قال:كلهم من قريش (6).

محمد بن إبراهيم النعماني عن محمد بن عثمان قال:حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة و أخبرنا يحيى بن جعفر (7)قال:حدّثنا عبد اللّه بن صالح قال:حدّثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن[أبي]هلال عن ربيعة بن سيف قال:كنّا عند شفي الاصبحي قال:سمعت عبد اللّه بن عمرو يقول:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«يكونن.

ص: 158


1- كتاب الخصال للشيخ الصدوق:/471ح 19.
2- زيادة من بعض المصادر.
3- زيادة من المصدر.
4- الخصال للشيخ الصدوق:/471ح 21.
5- في بعض المصادر:الجوهري.
6- الخصال للصدوق:/475ح 36.
7- في بعض المصادر:يحيى بن معين.

خلفي إثنا عشر خليفة» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال:حدّثني أبو علي محمد بن علي بن إسماعيل اليشكري المروزي قال:حدّثنا سهل بن عمار النيسابوري قال:

حدّثنا عمر بن عبد اللّه بن رزين قال:حدّثنا سفيان عن سعيد بن عمرو[بن أشوع] (2)عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال:جئت مع أبي إلى المسجد و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يخطب فسمعته يقول:«يكون من بعدي اثنا عشر،يعني أميرا»ثم خفض صوته فلم أدر ما يقول فقلت لأبي:ما قال؟

قال:كلهم من قريش (3).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال:حدّثنا أبو بكر عبد اللّه بن سلمان بن الاشعث قال:حدّثنا علي بن حشرم قال:حدّثنا[عيسى]بن يونس عن عمران يعني ابن سلمان عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و اله يقول:«لا يزال أمر هذه الأمة غالبا (4)على من ناوأها حتى يملك اثنا عشر خليفة»ثم قال كلمة خفيّة لم افهمها،فسألت من هو أقرب إلى النبي صلّى اللّه عليه و اله مني فقال:كلهم من قريش (5).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال:حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن عبد اللّه بن يعقوب السمين البغوي قال:حدّثنا ابن غلية عن ابن عون عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال:كنت مع أبي فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا سنيّا،ينصرون على من ناوأهم إلى اثني عشر خليفة»ثم تكلم كلمة أصمنيها الناس فقلت لأبي:ما الكلمة التي أصمّنيها الناس؟2.

ص: 159


1- غيبة النعماني:/105ح 34.
2- زيادة من بعض المصادر.
3- الخصال للصدوق:/469ح 13.
4- في بعض المصادر:عاليا.
5- الخصال للصدوق:/471ح 22.

فقال:كلهم من قريش (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال:حدّثنا أبو بكر عبد اللّه بن سليمان بن الاشعث قال:حدّثنا أحمد بن يوسف بن سالم السليمي قال:حدّثنا عمر ابن عبد اللّه بن رزين قال:حدثّنا سفيان بن حسين عن سعيد بن عمرو بن أشرع عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال:كنت مع أبي في المسجد و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يخطب فسمعته يقول:«يكون بعدي اثنا عشر خليفة»ثم خفض صوته فلم أدر ما يقول،فقلت لأبي:ما يقول؟

قال:كلهم من قريش (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال:حدّثنا[عبد الرحمن] (3)عبد اللّه بن سعدان بن سهل اليشكري قال:حدّثنا أحمد بن المقدام قال:حدّثنا بريد ابن بزيع قال:حدّثنا ابن عون عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا ينصرون على من ناوأهم إلى اثني عشر خليفة».

قال:ثم قال كلمة أصمنيها الناس فقال:قلت لأبي:ما الكلمة التي أصمّنيها الناس؟

قال:قال:كلهم من قريش (4).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال:حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم قال:حدّثنا أحمد بن سلمة بن عبد اللّه النيسابوري قال:حدّثنا الحسين بن منصور قال:حدّثنا ميسر بن عبد اللّه بن رزين قال:حدّثنا سفيان بن حسين عن سعيد بن عمر بن أشوع عن عامر الشعبي عن جابر بن سمرة السوايي قال:كنت مع أبي في المسجد و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يخطب فسمعته يقول:«يكون من بعدي اثنا عشر7.

ص: 160


1- الخصال للصدوق:/470ح 17.
2- الخصال للصدوق:/472ح 25.
3- زيادة من بعض المصادر.
4- الخصال للصدوق:/470ح 17.

أميرا»ثم خفض صوته فلم أدر ما يقول،فقلت لأبي ما قال؟

قال:كلهم من قريش (1).

محمد بن إبراهيم النعماني عن محمد بن عثمان قال:حدّثني أحمد قال:حدّثنا عبد اللّه (2)بن عمر قال:حدّثنا سليمان بن أحمد قال:حدّثنا ابن عون عن الشعبي عن جابر ابن سمرة قال:ذكر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:«لا يزال أهل هذا الدين ينصرون على من ناوأهم إلى اثني عشر خليفة»فجعل الناس يقومون و يقعدون،و تكلم بكلمة لم افهمها فقلت لأبي أو لاخي:أي شيء قال؟

فقال:كلهم من قريش (3).

ابن بابويه في كتاب النصوص قال:حدّثنا محمد بن عبد اللّه الشيباني رحمه اللّه قال:

حدّثنا جعفر بن محمد بن الحسني قال:حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن عبد المنعم الصيداوي قال:حدّثنا المفضل بن صالح عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السّلام الباقر عليه السّلام قال سألته عن الأئمة قال:«و اللّه لعهد عهده إلينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن الأئمة بعده اثنا عشر تسعة من صلب الحسين عليه السّلام،و منا المهدي الذي يقوم بالدين في آخر الزمان،من أحبنا حشر من حفرته معنا و من أبغضنا أو ردنّا أو رد واحدا منا حشر من حفرته إلى النار،و قد خاب من افترى» (4).

ابن بابويه قال:أخبرنا القاضي أبو الفرج المعافي بن زكريا البغدادي قال:حدّثنا أبو الحسن علي بن عتبة القاضي قال:حدّثنا محمد (5)بن إسحاق الأنصاري قال:

حدّثنا عبد اللّه بن مروان بن معاوية قال:حدّثني شداد بن عبد الرّحمن من أهل بيت المقدس قال:حدّثني إبراهيم بن أبي عيلة عن واثلة بن الاصفع قال:قال رسولى.

ص: 161


1- الخصال للصدوق:/472ح 24.
2- في بعض المصادر:عبيد اللّه.
3- غيبة النعماني:/103ح 33.
4- كفاية الأثر:245.
5- في بعض المصادر:موسى.

اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«حبي و حب أهل بيتي نافع في سبعة مواضع أهو الهنّ عظيمة:عند الوفاة و القبر و عند النشور و عند الكتاب و عند الحساب و عند الميزان و عند الصراط،فمن أحبني و أحب أهل بيتي و استمسك بهم من بعدي فنحن شفعاؤه يوم القيامة».

فقيل:يا رسول اللّه و كيف الإستمساك بهم؟

فقال:«إن الأئمة من بعدي اثنا عشر فمن أحبهم و اقتدى بهم فاز و نجا،و من تخلف عنهم ضل و غوى» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي رضى اللّه عنه قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه قال:حدّثنا أبو القاسم قال:كتبت من كتاب أحمد الدهقان (2)عن القاسم بن حمزة عن ابن أبي عمير قال:أخبرنا أبو إسماعيل السراج عن خيثمة الجعفي قال:حدّثنا أبو أيوب المخزومي قال ذكر أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام أسماء (3)الخلفاء الإثني عشر الراشدين،فلما بلغ إلى آخرهم قال:

الثاني عشر الذي يصلّي عيسى ابن مريم عليه السّلام خلفه بسنّة يس و القرآن الكريم (4)(5).

ابن بابويه قال:حدّثنا أبي رضى اللّه عنه قال:حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن عمير عن سعيد بن غزوان عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم عليهم السّلام» (6).

ابن بابويه قال:حدّثنا الحسين بن محمد بن سعيد قال:حدّثنا أبي محمد بن الحسين بن محمد بن أخي طاهر قال:حدّثنا أحمد بن علي قال:حدّثني عبد العزيز بن الخطاب عن علي بن هاشم و عن محمد بن أبي رافع عن سلمة بن شبيب عن0.

ص: 162


1- كفاية الأثر:109.
2- في المصدر:الدهان.
3- في بعض المصادر:سير.
4- في بعض المصادر:بسنته و القرآن الكريم،و المراد بيس النبي الأعظم.
5- كمال الدين و تمام النعمة:332.
6- كمال الدين و تمام النعمة:480.

القعنبي عبد اللّه بن مسلم المديني عن أبي الأسود عن أم سلمة(رضي اللّه عنها)قال:

كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«الأئمة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل،تسعة من صلب الحسين أعطاهم اللّه علمي و فهمي و الويل لمبغضهم» (1).

ابن بابويه بإسناده قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لعلي عليه السّلام:«يا علي إن اللّه تبارك و تعالى وهب لك حب المساكين و المستضعفين في الأرض فرضيت بهم إخوانا و رضوا بك اماما،فطوبى لك إماما و لمن أحبك و صدق فيك،و ويل لمن أبغضك و كذب عليك،يا علي أنا المدينة و أنت بابها و ما تؤتى المدينة إلا من بابها،يا علي أهل مودتك كل أواب حفيظ و أهل ولايتك كل أشعث ذي طمرين،لو أقسم على اللّه عز و جل لأبرّ قسمه،يا علي إخوانك في أربعة مواضع فرحون:عند خروج أنفسهم و أنا و أنت شاهدهم،و عند المساءلة في قبورهم و عند العرض،و عند الصراط،يا علي حربك حربي و حربي حرب اللّه،و سلمك سلمي و سلمي سلم اللّه،من حاربك فقد حاربني و من حاربني فقد حارب اللّه،من سالمك فقد سالمني و من سالمني فقد سالم اللّه،يا علي بشر شيعتك أن اللّه قد رضي عنهم و رضيك لهم قائدا و رضوا بك وليا،يا علي أنت مولى المؤمنين و قائد الغر المحجلين و أنت أبو سبطيّ و أبو الأئمة التسعة من صلب الحسين،و منا مهدي هذه الأمة،يا علي شيعتك المنتجبون و لو لا أنت و شيعتك ما قام للّه دين» (2).

ابن بابويه قال:أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن الحسن العباسي قال:

حدّثني جدي عبد اللّه (3)بن الحسن عن أحمد بن عبد الجبار قال:حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن المخزومي قال:حدّثنا عمرو بن حماد الأبح قال:حدّثنا علي بن هاشم بن البريد عن أبيه قال:حدّثني أبو سعيد التميمي عن أبي ثابت مولى أبي ذر عن أم سلمة،قالت:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لما أسري بي إلى السماء نظرت فإذا مكتوب علىه.

ص: 163


1- كفاية الأثر:182،و فيه:فالويل لمبغضيهم.
2- كفاية الأثر:184.
3- في بعض المصادر:عبيد اللّه.

العرش:لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه،أيدته بعلي و نصرته بعلي،و رأيت أنوار علي و فاطمة و الحسن و الحسين و أنوار علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي، و رأيت نور الحجة يتلألأ بينهم كأنّه كوكب دري فقلت:يا رب من هذا؟و من هؤلاء؟ فنوديت:يا محمد هذا نور علي و فاطمة،و هذا نور سبطيك الحسن و الحسين و هذه أنوار الأئمة بعدك من ولد الحسين،مطهرون معصومون،و هذا نور الحجة يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسن بن محمد قال:حدّثنا أبو محمد هارون بن موسى قال:حدّثنا محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن عبد اللّه قال:حدّثنا أبو موسى عيسى بن أحمد قال:حدثّنا عمار بن محمد الثوري قال:حدّثنا سفيان عن أبي الحجاف داود بن أبي عوف عن الحسن بن علي عليهما السّلام قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول لعلي:«أنت وارث علمي و معدن حكمي و الإمام بعدي،و إذا استشهدت فابنك الحسن،فإذا استشهد الحسن فابنك الحسين،فإذا استشهد الحسين فابنه،علي يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمة اطهار».

فقلت:يا رسول اللّه فما اسماؤهم؟

قال:«عليّ و محمد و جعفر و موسى و عليّ و محمد و عليّ و الحسن و المهدي من صلب الحسين،يملأ اللّه قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما» (2).

ابن بابويه قال:أخبرنا أبو عبد اللّه الحسين بن محمد بن سعيد بن علي الخزاعي قال:حدّثنا أبو الحسين محمد بن أبي عبد اللّه الكوفي الأسدي قال:حدّثنا إسماعيل البرمكي قال:حدّثنا موسى بن عمران النخعي قال:حدّثنا شعيب بن إبراهيم التميمي قال:حدّثنا سيف بن عميرة عن أبان بن إسحاق الاسدي عن الصباح بن7.

ص: 164


1- كفاية الأثر:185.
2- كفاية الأثر:167.

محمد عن أبي حازم عن سلمان قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«الأئمة بعدي اثنا عشر عدد شهور الحول،و منّا مهدي هذه الأمة،له غيبة موسى و بهاء عيسى و حكم داود و صبر أيوب».

قال الشيخ أبو عبد اللّه:و هذا حديث غريب قوله عليه السّلام:عدد شهور الحول (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أبو المفضل محمد بن عبد اللّه الشيباني قال:حدّثنا محمد ابن رياح الاشجعي قال:حدّثنا محمد بن غالب بن الحارث قال:حدّثنا إسماعيل بن عمر البجلي قال:حدّثنا عبد الكريم عن أبي الحسن عن أبي الحرث عن أبي ذر قال:

سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«من أحبني و أهل بيتي كنّا و هو كهاتين-و أشار بالسبابة و الوسطى-»ثم قال عليه السّلام:«أخي خير الأوصياء و سبطي خير الاسباط،و سوف يخرج اللّه تبارك و تعالى من صلب الحسين أئمة أبرار،و منا مهدي هذه الأمة»قيل:يا رسول اللّه فكم الأئمة بعدك؟

قال:«عدد نقباء بني إسرائيل» (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن محمد قال:حدّثنا أبو بكر القاضي محمد بن عمر قال:حدّثنا[أبو]عبد اللّه محمد بن أحمد بن ثابت القيسي قال:حدّثنا محمد بن إسحاق بن أبي عمارة قال:حدّثني حبش بن معاد عن مسلم قال:حدّثني حكيم بن جبير عن أبيه عن الشعبي عن أبي جحيفة وهب السوائي عن حذيفة بن أسيد قال:

سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول على المنبر و سألوه عن الأئمة،إلا أنه لم يذكر سلمان فقال:«الأئمة بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل ألا إنهم مع الحق و الحق معهم» (3).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسن قال:حدّثنا محمد بن الحسين البزوفري قال:حدّثنا عبد اللّه بن عامر الكوفي بالكوفة قال:حدّثني محمد بن مسروق النهدي0.

ص: 165


1- كفاية الأثر:43.
2- كفاية الأثر:35.
3- كفاية الأثر:130.

عن خالد بن الياس عن صالح بن أبي حنان عن الصباح بن محمد عن أبي حازم عن سلمان الفارسي قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«الأئمة بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل، و كانوا اثني عشر-ثم وضع يده على صلب الحسين قال:-تسعة من صلبه و التاسع مهديهم،يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،فالويل لمبغضهم» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه قال:حدّثني عمي محمد بن[أبي] القاسم عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن محمد بن علي القرشي عن ابن سنان عن المفضل بن عمر عن أبي حمزة الثمالي عن محمد بن علي الباقر عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليه السّلام قال:«دخلت أنا و أخي على جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأجلسني على فخذه و أجلس أخي على فخذه الأخرى،ثم قبّلنا و قال:بأبي أنتما من إمامين اختاركما اللّه مني و من أبيكما و أمكما،و اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة، تاسعهم قائمهم،و كلهم في الفضل و المنزلة عند اللّه سواء» (2).

محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة قال:أخبرنا علي بن الحسين قال:

حدّثنا محمد بن يحيى العطار قال:حدّثنا محمد بن الحسن الرازي عن محمد بن علي الكوفي عن إبراهيم بن محمد بن يوسف عن محمد بن عيسى[عن عبد الرزاق] عن محمد بن سنان عن فضيل الرسان عن أبي حمزة الثمالي قال:كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام ذات يوم،فلما تفرّق من كان عنده قال لي:«يا أبا حمزة،من المحتوم الذي لا تبديل له عند اللّه قيام قائمنا،فمن شك فيما أقول لقي اللّه و هو به كافر و له جاحد ثم قال:بأبي و أمي المسمى باسمي و المكنى بكنيتي،السابع من بعدي بأبي من يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا-ثم قال:-يا أبا حمزة من أدركه فلم يسلّم له فما سلّم لمحمد و علي،و قد حرّم اللّه عليه الجنة و مأواه النار و بئس مثوى الظالمين،و أوضح من هذا بحمد اللّه و أنور و أزهر لمن هداه اللّه و أحسن9.

ص: 166


1- كفاية الأثر:47.
2- كمال الدين و تمام النعمة:269.

إليه قول اللّه عز و جل في كتابه إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ (1)و معرفة الشهور المحرم و صفر و ربيع و ما بعده،و الحرم منها رجب و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم،لا تكون دينا قيما؛لأن اليهود و النصارى و المجوس و سائر الملل و الناس جميعا من الموافقين و المخالفين يعرفون هذه الشهور و يعدونها بأسمائها،و إنما هم الأئمة القوامون بدين اللّه عليهم السّلام منها أمير المؤمنين علي الذي اشتق اللّه اسما من اسمه العلي كما اشتق لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله اسما من اسمه المحمود،و ثلاثة من ولده أسماؤهم علي:علي بن الحسين و علي بن موسى و علي بن محمد فصار هذا الاسم المشتق من اسم اللّه جل و عز حرمة به،صلوات اللّه على محمد و آله المكرمين المنتجبين» (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضى اللّه عنه قال:حدّثني أبي عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن أبي سعيد العصفري عن عمرو ابن ثابت عن أبي حمزة قال:سمعت علي بن الحسين يقول:إن اللّه تبارك و تعالى خلق محمدا و عليا و الأئمة الأحد عشر من نور عظمته أرواحا في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق،يسبحون اللّه عز و جل و يقدسونه،و هم الأئمة الهادية من آل محمد عليهم السّلام.

قلت:قال محمد بن علي بن بابويه قال مصنف هذا الكتاب:قد روي هذا الخبر بغير هذا اللفظ إلا أن مسموعي ما قد ذكرته (3).

أقول:و روى هذا الحديث محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى و ساق الحديث إلاّ أن فيه أشباحا مقام أرواحا و هم الأئمة من ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عوض و هم الأئمة الهادية من آل محمد صلّى اللّه عليه و اله.8.

ص: 167


1- التوبة:36.
2- غيبة النعماني:/87ح 17.
3- كمال الدين و تمام النعمة:318.

ابن بابويه قال:أخبرنا أبو عبد اللّه الحسين بن علي رضى اللّه عنه قال:حدّثنا هارون بن موسى قال:حدّثنا الحسين بن حمدان عن عثمان بن سعيد عن أبي عبد اللّه محمد بن مهران عن محمد بن إسماعيل الحسيني عن خالد بن المفلس قال:حدّثني نعيم بن جعفر عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي قال:دخلت على علي بن الحسين عليه السّلام و هو جالس في محرابه فجلست حتى انتهى و أقبل عليّ بوجهه و مسح يده على لحيته فقلت:يا مولاي،أخبرني كم تكون الأئمة بعدك قال:قال:«ثمانية»قلت و كيف ذلك قال:«لان الأئمة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إثنا عشر عدد الأسباط:ثلاثة من الماضين و أنا الرابع،و ثمانية من ولدي أئمة أبرار من أحبّنا و عمل بأمرنا كان معنا في السنام الأعلى،و من أبغضنا أو ردّنا أو رد واحدا منا فهو كافر باللّه و بآياته» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن عبد اللّه الوراق قال:حدّثنا محمد بن هارون الصوفي عن عبد اللّه بن موسى عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني قال:حدّثنا صفوان بن يحيى عن إبراهيم بن أبي البلاد (2)عن أبي حمزة الثمالي عن خالد الكابلي قال:دخلت على سيدي علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام فقلت له:يابن رسول اللّه أخبرني بالذين فرض اللّه طاعتهم و مودتهم و أوجب على عباده الاقتداء بهم بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،فقال لي:«يا كابلي إن أولي الأمر الذين جعلهم اللّه أئمة للناس و أوجب عليهم طاعتهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام ثم انتهى الأمر إلينا»ثم سكت فقلت:يا سيدي روي لنا أن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:إن الأرض لا تخلو من حجة للّه على عباده،فمن الحجة و الإمام بعدك؟

فقال:«ابني محمد اسمه في التوراة باقر،يبقر العلم بقرا،هو الإمام و الحجة بعدي و من بعد محمد ابنه جعفر و اسمه عند أهل السماء الصادق».

فقلت له:يا سيدي فكيف صار اسمه الصادق و كلكم صادقون؟د.

ص: 168


1- كفاية الأثر:237.
2- في بعض المصادر:بن أبي زياد.

فقال:«حدّثني أبي عن أبيه عليه السّلام أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام فسمّوه الصادق،فإن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراء على اللّه عز و جل و كذبا عليه،فهو عند اللّه جعفر الكذاب المفتري على اللّه و المدّعي ما ليس له المخالف على أبيه و الحاسد لأخيه الذي يروم كشف سر اللّه عند غيبة ولي اللّه عز و جل،ثم بكى علي بن الحسين عليه السّلام بكاء شديدا ثم قال:كأني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي اللّه و المغيّب في حفظ اللّه و الموكل بحرم أبيه جهلا منه بولادته و حرصا منه على قتله إن ظفر به و طمعا في ميراث أخيه حتى يأخذه بغير حق».

قال أبو خالد:فقلت له:يابن رسول اللّه و ان ذلك لكائن قال:«أي و ربي إنه مكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله».

قال أبو خالد:يابن رسول اللّه ثم ماذا يكون؟

قال:«تمتد الغيبة بولي اللّه عز و جل الثاني عشر من أوصياء رسول اللّه و الأئمة بعده عليهم السّلام،يا أبا خالد،أهل زمان غيبته القائلون بإمامته،المنتظرون لظهوره أفضل من أهل كل زمان لأن اللّه تبارك و تعالى أعطاهم من العقول و الأفهام و المعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة،و جعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بالسيف،أولئك هم المخلصون حقا و شيعتنا صدقا و الدعاة إلى دين اللّه عز و جل سرا و جهرا»و قال عليه السّلام:«انتظار الفرج من أفضل العمل»ثم قال ابن بابويه:

و حدّثنا بهذا الحديث علي بن أحمد بن محمد و محمد بن خالد القناني (1)و علي بن عبد اللّه الوراق عن محمد بن أبي عبد اللّه الكوفي عن سهل بن زياد الادمي عن عبد العظيم بن عبد اللّه عن صفوان عن إبراهيم بن البلاد (2)عن أبي حمزة الثمالي عن أبيد.

ص: 169


1- في بعض المصادر بدل هذا:و محمد بن أحمد الشيباني.
2- في بعض المصادر:بن أبي زياد.

خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليهما السّلام (1).

ابن بابويه قال علي بن الحسين بن محمد قال:حدّثنا محمد بن الحكم الكوفي ببغداد قال:حدّثني الحسين بن حمدان الحصيني قال:حدّثني عثمان بن سعيد العموي قال:حدّثنا أبو عبد اللّه[محمد بن مهران،قال:حدثني]محمد بن إسماعيل قال:حدّثني خلف بن المفلس قال:حدّثني نعيم بن جعفر قال:حدّثني أبو حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السّلام قال:

دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو متفكر مغموم فقلت:يا رسول اللّه ما لي أراك متفكرا؟

فقال:«يا بني إن الروح الأمين قد أتاني فقال:يا رسول اللّه،العلي الأعلى يقرئك السلام و يقول لك:إنك قد قضيت نبوتك و استكملت أيامك فاجعل الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النبوة عند علي بن أبي طالب،فإني لا أترك الأرض إلا و فيها عالم تعرف به طاعتي و تعرف به ولايتي،فإني لم اقطع علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم اقطعها من ذريات الأنبياء الذين كانوا بينك و بين أبيك آدم قلت:يا رسول اللّه فمن يملك هذا الأمر بعدك؟

قال أبوك علي بن أبي طالب أخي و خليفتي،و يملك بعد علي الحسن،ثم تملك أنت و تسعة من صلبك،يملكه اثنا عشر اماما،ثم يقوم قائمنا يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما و يشفي صدور قوم مؤمنين من شيعته» (2).

ابن بابويه قال:حدّثني أبو عبد اللّه الحسين بن سعيد بن علي الخزاعي قال:

حدّثنا أحمد بن سعيد بالكوفة قال:حدّثني جعفر بن علي بن يحيى (3)الكندي قال:

حدّثني إبراهيم بن محمد بن ميمون قال:حدّثني المسعودي أبو عبد الرّحمن عن محمد بن عبد اللّه الفزاري عن أبي خالد الواسطي عن زيد بن علي قال:حدّثني أبيح.

ص: 170


1- كمال الدين و تمام النعمة:319.
2- كفاية الأثر:179.
3- في بعض المصادر:نجيح.

عن علي بن الحسين بن علي قال:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«أنت الإمام ابن الإمام أخو الإمام،تسعة من ولدك أمناء معصومون،و التاسع مهديهم فطوبى لمن أحبهم و الويل لمن أبغضهم» (1).

محمد بن إبراهيم النعماني في الغيبة عن محمد بن عثمان قال:حدّثنا أحمد قال:

حدّثنا المقدمي عن عاصم بن عمر عن علي بن مقدام أبي يونس قال:حدّثنا أبي عن قطر بن خليفة عن أبي خالد الوالبي قال:حدّثنا جابر بن سمرة قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«لا يزال هذا الدين ظاهرا لا يضره من ناوأه حتى يقوم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (2).

قلت:و روى هذا الحديث الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسنده إلى محمد بن عثمان عن أحمد قال:حدّثنا المقدمي...و ساق الحديث (3).

محمد بن إبراهيم النعماني عن محمد بن عثمان قال:حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال:حدّثنا الفضل بن دكين قال:حدّثنا فطر قال:حدّثني أبو خالد الوالبي قال:

سمعت جابر بن سمرة السوائي قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لا يضر هذا الدين من ناوأه حتى يمضي اثنا عشر خليفة،كلهم من قريش» (4).

ابن بابويه قال حدّثني علي بن الحسن قال:حدّثني هارون بن موسى قال:

حدّثني أبو عبد اللّه الحسين بن أحمد بن شيبان القزويني قال:حدّثنا أبو عمر أحمد ابن علي الفيدي قال:حدثنا سعد بن مسروق قال:حدّثنا عبد الكريم بن هلال المكي عن أبي الطفيل عن أبي ذر رضى اللّه عنه قال:سمعت فاطمة عليها السّلام تقول:«سألت أبي عليه السّلام عن قول اللّه تبارك و تعالى: وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ (5)قال:هم الأئمة بعدي6.

ص: 171


1- كفاية الأثر:302.
2- غيبة النعماني:/106ح 36.
3- غيبة الطوسي:/33ح 96.
4- غيبة النعماني:/107ح 38.
5- الأعراف:46.

عليّ و سبطاي و تسعة من صلب الحسين،فهم رجال الاعراف،لا يدخل الجنة إلا من يعرفهم و يعرفونه،و لا يدخل النار إلا من أنكرهم و ينكرونه،لا يعرف اللّه تعالى إلا بسبيل معرفتهم» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن وهبان بن محمد البصري قال:حدّثنا الحسين ابن علي البزوفري عن عبد اللّه بن مسلمة قال:أخبرنا عقبة بن مكرم قال:حدّثنا عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يعقوب بن خالد عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قال:«معاشر الناس من أراد أن يحيى حياتي و يموت ميتتي فليتولّ علي بن أبي طالب و ليقتد بالائمة من بعده».

فقيل:يا رسول اللّه،فكم الأئمة بعدك؟

فقال:«عدد الأسباط» (2).

محمد بن إبراهيم النعماني في الغيبة قال:حدّثنا عبد الواحد بن عبد اللّه قال:

أخبرنا محمد بن جعفر القرشي قال:حدّثنا محمد بن الحسين أبي الخطاب عن عمر ابن أبان الكلبي عن أبي الصامت قال:قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السّلام:«الليل اثنا عشر ساعة و النهار اثنا عشر ساعة و الشهور اثنا عشر شهرا و الأئمة اثنا عشر اماما و النقباء اثنا عشر نقيبا،و إنّ عليا ساعة من اثنا عشر ساعة و هو قول اللّه جل و عز: بَلْ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ وَ أَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيراً (3)» (4).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن محمد[قال حدّثنا محمد]بن أحمد الصفواني قال:

حدّثنا فيض بن المفضل الحبلي قال:حدّثنا مسعود بن كرام (5)عن سلمة بن كهيل عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«الأئمةم.

ص: 172


1- كفاية الأثر:195.
2- كفاية الأثر:86.
3- الفرقان:11.
4- غيبة النعماني:15/85،و فيه بدل اثني:اثنتا.
5- في بعض المصادر:سعر بن كدام.

بعدي اثنا عشر،تسعة من صلب الحسين،و المهدي منهم» (1).

ابن بابويه قال:أخبرنا القاضي المعافى بن زكريا قال:حدّثنا علي بن عتبة عن أبيه قال:حدّثني الحسين بن علوان عن أبي علي الخراساني عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن علي عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«أنت الوصي على الأموات من أهل بيتي،و الخليفة على الأحياء من أمتي،و حربك حربي و سلمك سلمي،أنت الإمام أبو الأئمة،أحد عشر من صلبك أئمة مطهرون معصومون،و منهم المهدي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا فالويل لمبغضيهم،يا علي لو أن رجلا أحب في اللّه حجرا لحشره اللّه معه،إن محبيك و شيعتك و محبي أولادك و الأئمة بعدك يحشرون معك،و أنت معي في الدرجات العلى،و أنت قسيم الجنة و النار،تدخل محبيك الجنة و مبغضيك النار» (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن المطلب قال:حدّثنا إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن إسحاق الهاشمي قال:حدّثني أبي عن عبد اللّه بن بكير الغنوي عن حكيم بن جبير عن الطفيل عامر بن واثلة عن زيد بن ثابت قال:سمعت رسول اللّه يقول:«علي بن أبي طالب قائد البررة و قاتل الفجرة،منصور من نصره مخذول من خذله،الشاك في عليّ كالشاك في الإسلام،و خير من أخلف بعدي و خير أصحابي علي، لحمه لحمي و دمه دمي و أبو سبطيّ،و من صلب الحسين يخرج الأئمة التسعة،و منه مهدي هذه الأمة» (3).

ابن بابويه قال:حدّثنا الحسين بن علي رحمه اللّه[قال حدثنا هارون بن موسى]قال:

حدّثنا محمد بن صدقة الرقي بمصر قال:حدّثني أبي قال:حدّثني أبو عبد الرّحمن عبد اللّه بن أحمد قال:حدّثنا داود بن عمر بن زاهر بن المسيب قال:حدّثنا صالح بن أبي الأسود عن الحسين بن عبد اللّه عن أبي الضحى عن زيد بن أرقم قال:خطبنا7.

ص: 173


1- كفاية الأثر:34.
2- كفاية الأثر:151.
3- كفاية الأثر:97.

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال بعد ما حمد اللّه و أثنى عليه:«أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه الذي لا تستغني عنه العباد،فإن من رغب في التقوى زهد في الدنيا،و اعلموا أن الموت سبيل العالمين و مصير الباقين،يختطف المقيمين و لا يعجزه لحاق الهاربين،يهدم كل لذة و يزيل كل نعمة و يشبع كل بهجة،و الدنيا دار الفناء و لأهلها منها الجلاء،و هي حلوة خضرة قد عجلت للطالب،فارتحلوا عنها يرحمكم اللّه بخير ما يحضر بكم من الزاد،و لا تطلبوا منها أكثر من البلاغ،و لا تمدوا أعينكم منها إلى ما متّع به المترفون.

ألا إن الدنيا قد تنكرت و أدبرت و اخلولقت و أذنت بوداع،و ان الآخرة قد رحلت و أقبلت باطلاع،معاشر الناس كأني على الحوض يرد قوم عليّ منكم و ستؤخر أناس من دوني فأقول:يا رب مني و من أمتي،فيقال:هل شعرت بما عملوا بعدك؟و اللّه ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم،أيها الناس أوصيكم في عترتي و أهل بيتي خيرا فإنهم مع الحق و الحق معهم،و هم الأئمة الراشدون بعدي و الأمناء المعصومون».

فقام إليه عبد اللّه بن العباس فقال:يا رسول اللّه كم الأئمة بعدك قال:«عدد نقباء بني إسرائيل و حواري عيسى تسعة من صلب الحسين،و منهم مهدي هذه الأمة» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن عبد اللّه الشيباني رحمه اللّه قال:حدّثنا صالح بن أحمد بن[أبي]مقاتل عن زكريا عن سليمان بن جعفر الجعفري قال:حدّثنا مسكين ابن عبد العزيز عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«إن الصدقة لا تحل لي و لا لأهل بيتي».

فقلنا:يا رسول اللّه و من أهل بيتك قال:«أهل بيتي عترتي من لحمي و دمي،هم الأئمة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل» (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي قال:

حدّثنا جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه قال:حدّثنا جبرائيل بن أحمد عن موسى

ص: 174


1- كفاية الأثر:104.
2- كفاية الأثر:89.

ابن جعفر البغدادي قال:حدّثنا الحسن بن محمد الصيرفي عن حنان بن سدير عن أبيه سدير بن حكيم عن أبيه عن أبي سعيد عقيصا قال:لما صالح الحسن بن علي ابن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته فقال:«و يحكم ما تدرون ما عملت،و اللّه الذي عملت خيرا لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت،ألا تعلمون أني إمامكم و مفترض الطاعة عليكم و أحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّ؟».

قالوا:بلى قال:«أو ما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة و أقام الجدار و قتل الغلام كان ذلك سخطا لموسى بن عمران أن خفي عليه وجه الحكمة في ذلك،و كان ذلك عند اللّه تعالى حكمة و صوابا،أفما علمتم أنه ما منا أحد إلا و يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلّي خلفه روح اللّه عيسى ابن مريم عليه السّلام،فإن اللّه عز و جل يخفي ولادته و يغيب شخصه لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة،إذا خرج ذلك التاسع من ولد الحسين ابن سيدة الإماء يطيل عمره في غيبته،ثم يظهر بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أن اللّه على كل شيء قدير» (1).

و هذا الباب وسيع الذيل من طريق الخاصة يطيل بالكثير منه الكتاب،نقتصر في هذا الباب على هذا القدر،و من أراد الزيادة فعليه بكتابنا كتاب الانصاف و النص على الأئمة الاثني عشر من آل محمد صلّى اللّه عليه و اله الاشراف،فقد اشتمل على ما يزيد على أربعمائة حديث من طريق الخاصة و العامة من النبي صلّى اللّه عليه و اله.5.

ص: 175


1- كفاية الأثر:225.

الفهرس

النصوص على الإمام الحسين عليه السلام 1

النص على الإمام الحسين عليه السلام 3

النص على الحسين من رسول اللّه عليهما السلام 3

النص على الحسين من أبيه أمير المؤمنين عليهما السلام 107

النص على الحسين من أخيه الحسن صلوات اللّه عليهما 109

النص على الإمام الحسين في حديث اللوح 115

النص على الإمام الحسين من ناحية العدد و المكان 123

النص على الإمام الحسين ضمن الأئمة عليهم السلام 135

ص: 176

المجلد 4

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

[الجزء الرابع(فضائل الإمام الحسين عليه السّلام)]

فضل الإمام الحسين بن علي عليه السّلام

الحمويني أحد مشايخ العامة قال:أنبأني الشيخ سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي رحمه اللّه عن الشيخ الفقيه مهذب الدين أبي عبد اللّه بن أبي الفرج بن بردة السلمي (1)رحمه اللّه بروايته،عن محمد بن الحسين بن علي بن عبد الصمد، عن والده،عن جده محمد،عن أبيه،عن جماعة منهم السيد أبو البركات علي بن الحسن الجوزي العلوي،و أبو بكر محمد بن أحمد بن علي المقري و الفقيه أبو جعفر محمد بن إبراهيم الفاني بروايتهم،عن الشيخ الفقيه أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الّله جميع مصنفاته و رواياته قال:حدّثنا محمد ابن علي ماجيلويه-رضى الّله عنه-قال:حدثني عمي محمد بن أبي القاسم،عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي قال:حدثني محمد بن علي القرشي قال:حدّثني أبو الربيع الزهراني قال:حدّثنا جرير،عن ليث بن أبي سليم،عن مجاهد قال:قال ابن عباس:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«إن للّه تبارك و تعالى ملكا يقال له:دردائيل،كان له ستة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح هواء و الهواء كما بين السماء إلى الأرض،فجعل يوما يقول في نفسه:أفوق ربنا جل جلاله شيء؟فعلم اللّه تبارك و تعالى ما قال،فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان و ثلاثون ألف جناح ثم أوحى اللّه عز و جل إليه أن طر،فطار مقدار خمسين عاما فلم ينل رأس قائمة من قوائم العرش،فلما علم اللّه عز و جل إتعابه أوحى إليه أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظيم فوق كل عظيم و ليس فوقي شيء و لا أوصف بمكان،فسلبه اللّه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة،فلما ولد الحسين بن علي عليه السّلام

ص: 3


1- في بعض المصادر:النبلي.

و كان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة أوحى اللّه عز و جل إلى مالك خازن النار أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد في دار الدنيا،و أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان و طيّبها لكرامة مولود ولد لمحمد في دار الدنيا و أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى حور العين أن تزينوا و تزاوروا لكرامة مولود ولد لمحمد في دار الدنيا،و أوحى اللّه عز و جل إلى الملائكة أن قوموا صفوفا بالتسبيح و التحميد و التكبير لكرامة مولود ولد لمحمد في دار الدنيا،و أوحى اللّه عز و جل لجبرئيل أن اهبط إلى نبيي محمد في ألف قبيل-و القبيل ألف ألف من الملائكة-على خيول بلق،مسرجة ملجمة،عليها قباب الدر و الياقوت،و معهم ملائكة يقال لهم:

الروحانيون،بأيديهم حراب من نور (1)أن هنئوا محمدا بمولوده،و أخبره يا جبرائيل إني قد سمّيته الحسين،فهنئه و عزه و قل له:يا محمد يقتله شر أمتك على شر الدواب، فويل للقاتل،و ويل للسائق،و ويل للقائد.

قاتل الحسين أنا منه بريء و هو مني بريء لأنه لا يأتي يوم القيامة أحد إلا و قاتل الحسين أعظم جرما منه.

قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع اللّه إلها آخر،و النار أشوق إلى قاتل الحسين ممن أطاع اللّه إلى الجنة.

قال:فبينا جبرائيل عليه السّلام يهبط من السماء إلى الدنيا (2)إذ مرّ بدردائيل فقال له دردائيل:

يا جبرائيل ما هذه الليلة في السماء هل قامت القيامة على أهل الدنيا قال:لا و لكن ولد لمحمد مولود في دار الدنيا و قد بعثني اللّه عز و جل إليه لأهنئه بمولوده،فقال له الملك:

يا جبرائيل بالذي خلقني و خلقك إن هبطت إلى محمد فأقرئه مني السلام و قل له:بحق هذا المولود عليك إلاّ ما سألت ربك أن يرضى عني و يرد عليّ أجنحتي و مقامي منض.

ص: 4


1- في بعض المصادر:أطباق من نور.
2- في بعض المصادر:الى الأرض.

صفوف الملائكة،فهبط جبرائيل عليه السّلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله فهنأه كما أمره اللّه عز و جل و عزاه، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله تقتله أمتي؟

فقال له:نعم يا محمد،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله ما هؤلاء بأمتي أنا بريء منهم و اللّه عز و جل بري منهم،قال جبرائيل:و أنا بريء منهم يا محمد،فدخل النبي صلّى اللّه عليه و آله على فاطمة عليها السّلام فهنأها و عزاها فبكت فاطمة عليها السّلام،ثم قالت:يا ليتني لم ألده،قاتل الحسين في النار،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:و أنا أشهد بذلك يا فاطمة و لكنه لا يقتل حتى يكون منه إمام يكون منه الأئمة الهادية،قال عليه السّلام و الأئمة بعدي الهادي علي،و المهتدي الحسن،و الناصر الحسين، و المنصور علي بن الحسين،و الشافع محمد بن علي،و النفاع جعفر بن محمد،و الأمين موسى بن جعفر،و الرضا علي بن موسى،و الفعال محمد بن علي،و المؤتمن علي بن محمد،و العلام الحسن بن علي،و من يصلي خلفه عيسى ابن مريم عليه السّلام القائم عليه السّلام، فسكنت فاطمة عليها السّلام من البكاء.

ثم أخبر جبرائيل عليه السّلام النبي صلّى اللّه عليه و آله بقصة الملك و ما أصيب به،قال ابن عباس:فأخذ النبي صلّى اللّه عليه و آله الحسين عليه السّلام و هو ملفوف في خرقة من صوف فأشار به إلى السماء،ثم قال:

اللهم بحق هذا المولود عليك،لا بل بحقك عليه و على جده محمد و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب إن كان للحسين بن علي ابن فاطمة عندك قدرا فارض عن دردائيل ورد عليه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة (1)فالملك ليس يعرف في الجنة إلا بأن يقال هذا مولى الحسين بن علي،و ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله» (2).

الحمويني من علماء العامة بإسناده قال:روى الشيخ الجليل أبو جعفر بن بابويه قال:حدّثنا أبو الحسن أحمد بن ثابت الدواليبي بمدينة السلام،حدّثنا محمد6.

ص: 5


1- في كمال الدين:فاستجاب اللّه دعاءه،و غفر للملك،ورد عليه أجنحته،ورده الى صفوف الملائكة،فالملك لا يعرف.
2- فرائد السمطين 2:/151ح 446.

ابن الفضل،حدّثنا محمد بن علي بن عبد الصمد الكوفي،حدّثنا علي بن عاصم،عن محمد بن علي بن موسى،عن أبيه علي بن موسى بن جعفر،عن أبيه جعفر بن محمد،عن أبيه محمد بن علي،عن أبيه علي بن الحسين،عن أبيه الحسين بن علي عليهم السّلام قال:دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عنده أبي بن كعب فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«مرحبا بك يا أبا عبد اللّه،يا زين السماوات و الأرض»،قال أبي و كيف يكون يا رسول اللّه زين السماوات و الأرض أحد غيرك؟

قال:«يا أبيّ و الذي بعثني بالحق نبيا إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض،و إنه مكتوب على يمين عرش اللّه مصباح هدى و سفينة نجاة و إمام غير وهن، و عزّ و فخر،و علم و ذخر،و إن اللّه عز و جل ركب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام،أو يجري ماء في الأصلاب،أو يكون ليل أو نهار، و لقد لقن دعوات ما يدع بهن مخلوق إلا حشره اللّه عز و جل معه،و كان شفيعه في آخرته، و فرّج اللّه عنه كربه،و قضى اللّه بهادينه،و يسر أمره،و أوضح سبيله،و قواه على عدوه،و لم يهتك ستره»،فقال له أبي بن كعب:ما هذه الدعوات يا رسول اللّه؟

قال:«إذا فرغت من صلاتك و أنت قاعد:اللهم إني أسألك بكلماتك،و معاقد عرشك،و سكّان سماواتك،و أنبيائك و رسلك أن تستجيب لي فقد رهقني من أمري عسر،فأسألك أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تجعل لي من عسري يسرا،فإن اللّه عز و جل،يسهل أمرك و يشرح صدرك و يلقنك شهادة أن لا إله إلا اللّه عند خروج نفسك»،قال له أبي:يا رسول اللّه فما هذه النطفة التي في صلب الحسين؟

قال:«مثل هذه النطفة كمثل القمر و هي نطفة تبيين و بيان يكون من اتبعه رشيدا و من ضل عنه غويا»،قال:فما إسمه و ما دعاؤه؟

قال:«إسمه عليّ،و دعاؤه يا دائم يا ديموم يا حي يا قيوم يا كاشف الغم يا فارج الهم و يا باعث الرسل و يا صادق الوعد.و من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل مع علي بن

ص: 6

الحسين و كان قائده إلى الجنة».

قال له أبي:يا رسول اللّه فهل له من خلف أو وصي؟

قال:«نعم له مواريث السماوات و الأرض»،قال:و ما معنى مواريث السماوات و الأرض يا رسول اللّه؟

قال:«القضاء بالحق،و الحكم بالديانة،و تأويل الأحكام،و بيان ما يكون»،قال:ما اسمه؟

قال:«اسمه محمد،و إنّ الملائكة لتستأنس به في السماوات و يقول في دعائه:اللهم إن كان لك عندي رضوان و ودّ فاغفر لي و لمن تبعني من إخواني و شيعتي و طيب ما في صلبي،فركّب اللّه عز و جل في صلبه نطفة مباركة زكية و أخبرني جبرائيل عليه السّلام أن اللّه تبارك و تعالى طيّب هذه النطفة و سمّاها عنده جعفرا،و جعله هاديا مهديا و راضيا مرضيا يدعو ربه فيقول في دعائه:يا ديّان غير متوان يا أرحم الراحمين اجعل لشيعتي من النار وقاء،و لهم عندك رضى،فاغفر لهم ذنوبهم،و يسّر أمورهم و اقض ديونهم،و استر عوراتهم،و اغفر لهم الكبائر التي بينك و بينهم،يا من لا يخاف الضيم و لا تأخذه سنة و لا نوم،إجعل لي من الغم فرجا.و من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل أبيض الوجه مع جعفر بن محمد إلى الجنة.

يا أبي و إن اللّه تبارك و تعالى ركّب على هذه النطفة نطفة زكية مباركة طيبة أنزل عليها الرحمة و سمّاها عنده موسى».

قال له أبي:يا رسول اللّه كلهم يتواضعون و يتناسلون و يتوارثون و يصف بعضهم بعضا،قال:«وصفهم لي جبرائيل عليه السّلام عن رب العالمين جل جلاله»،قال فهل لموسى من دعوة يدعو بها سوى دعاء آبائه؟

قال:«نعم يقول في دعائه:يا خالق الخلق،و يا باسط الرزق و يا فالق الحب،و يا باري النسم و محيي الموتى و مميت الأحياء،و دائم الثبات،و مخرج النبات،افعل بي ما أنت

ص: 7

أهله.

من دعى بهذا الدعاء قضى اللّه له حوائجه و حشره اللّه يوم القيامة مع موسى ابن جعفر،و إن اللّه ركب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية مرضية و سماها عنده عليا يكون اللّه في خلقه رضيا في علمه و حكمه،و يجعله حجّة لشيعته يحتجون به يوم القيامة و له دعاء يدعو به:اللهم صل على محمد و آل محمد و اعطني الهدى،و ثبتني عليه،و احشرني عليه آمنا أمن من لا خوف عليه و لا حزن و لا جزع،إنك أهل التقوى و أهل المغفرة.

و إنّ اللّه عز و جل ركب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية مرضية و سمّاها محمد بن علي فهو شفيع شيعته و وارث علم جده،له علامة بينة و حجة ظاهرة إذا ولد يقول:لا إله الاّ اللّه محمد رسول اللّه يقول في دعائه:يا من لا شبيه له و لا مثال،أنت اللّه لا إله إلا أنت و لا خالق إلا أنت تفني المخلوقين و تبقى أنت،حلمت عمن عصاك و في المغفرة رضاك.من دعى بهذا الدعاء كان محمد بن علي شفيعه يوم القيامة.

و إنّ اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلبه نطفة لا باغية و لا طاغية،بارة مبارك طيبة طاهرة سماها عنده علي بن محمد،فألبسها السكينة و الوقار،و أودعها العلوم و كل سر مكتوم، من لقيه و في صدره شيء أنبأه و حذّره من عدوه،و يقول في دعائه:يا نور يا برهان يا منير و يا مبين،يا رب إكفني شر الشرور و آفات الدهور و أسألك النجاة يوم ينفخ في الصور.

من دعى بهذا الدعاء كان علي بن محمد شفيعه و قائده إلى الجنة.

و إن اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلبه نطفة و سماها عنده الحسن و جعله نورا في بلاده و خليفته في أرضه،و عزّا لأمة جدّه،و هاديا لشيعته،و شفيعا لهم عند ربه و نقمة لمن خالفه،و حجّة لمن والاه،و برهانا لمن اتخذه إماما،يقول في دعائه:يا عزيز العز في عزه، يا عزيز أعزني بعزك،و أيدني بنصرك،و أبعد عني همزات الشياطين،و ادفع عني بدفعك،و امنع عني بمنعك،و اجعلني من خيار خلقك،يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد.

ص: 8

من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل معه و نجاه من النار و لو وجبت عليه.و ان اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلب الحسن نطفة مباركة زكية طيبة طاهرة مطهرة يرضى بها كل مؤمن ممن قد أخذ اللّه ميثاقه في الولاية و يكفر بها كل جاحد.و هو إمام تقي نقي بار مرضي هاد مهدي يحكم بالعدل و يأمر به،يصدق اللّه عز و جل و يصدقه اللّه في قوله، يخرج من تهامة حتى تظهر الدلائل و العلامات،و له بالطالقان كنوز لا ذهب و لا فضة إلا خيول مطهمة،و رجال مسومة يجمع اللّه له من أقاصي البلاد على عدد أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم و أنسابهم و بلدانهم و صنايعهم و طبايعهم و كلامهم و كناهم كرارون مجدون في طاعته»،فقال له:و ما دلالته و علامته يا رسول اللّه؟

قال:«له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه و أنطقه اللّه عز و جل فناداه العلم أخرج يا ولي اللّه اقتل أعداء اللّه،و له رايتان و علامتان و له سيف مغمد فإذا حان وقت خروجه إقتلع ذلك السيف من غمده،و أنطقه اللّه عز و جل فناداه السيف أخرج يا ولي اللّه فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء اللّه،فيخرج و يقتل أعداء اللّه حيث ثقفهم و يقيم حدود اللّه و يحكم بحكم اللّه،يخرج جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن ميسرته و شعيب بن صالح على مقدّمه،و سوف تذكرون ما أقول لكم و أفوض أمري إلى اللّه عز و جل.

يا أبي طوبى لمن لقيه،و طوبى لمن أحبه،و طوبى لمن قال به،و لو بعد حين،ينجيهم من الهلكة بالإقرار باللّه و برسوله و بجميع الأئمة،يفتح اللّه لهم الجنة،مثلهم في الأرض كمثل المسك الذي يسطع ريحه فلا يتغير أبدا،و مثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفأ نوره أبدا»،قال أبي:يا رسول اللّه كيف جاءك بيان هؤلاء الأئمة عن اللّه عز و جل؟

قال:«إن اللّه أنزل عليّ اثني عشر خاتما و اثنتي عشر صحيفة إسم كل إمام على

ص: 9

خاتمه،و صفته في صحيفته و الحمد للّه رب العالمين» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن أحمد بن موسى قال:حدّثنا محمد بن جعفر أبو الحسين الأسدي قال:حدّثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال:حدّثنا جعفر بن أحمد ابن محمد التميمي،عن أبيه قال:حدّثنا عبد الملك بن عمير الشيباني،عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أنا سيد الانبياء و المرسلين،و أفضل من الملائكة المقربين،و أوصيائي سادة أوصياء النبيين و المرسلين،و ذريتي أفضل ذريات النبيين و المرسلين،و أصحابي الذين سلكوا منهاجي أفضل أصحاب النبيين و المرسلين،و ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين،و الطاهرات من أزواجي أمهات المؤمنين،و أمتي خير أمة أخرجت للناس،و إني أكثر النبيين تبعا يوم القيامة ولي حوض عرضه ما بين بصرى و صنعاء فيه أباريق عدد نجوم السماء،و خليفتي على الحوض يومئذ خليفتي في الدنيا»،فقيل:و من ذاك يا رسول اللّه؟

قال:«إمام المسلمين و أمير المؤمنين،و مولاهم بعدي علي بن أبي طالب يسقي منه أولياءه،و يذود عنه أعداءه كما يذود أحدكم الغريبة من الابل عن الماء»،ثم قال صلّى اللّه عليه و آله:

«من أحبّ عليا و أطاعه في دار الدنيا ورد على حوضي غدا و كان معي في درجتي في الجنّة،و من أبغض عليا في دار الدنيا و عصاه لم أره و لم يرني يوم القيامة،و اختلج دوني، و أخذ به ذات الشمال إلى النار» (2).

إبراهيم بن محمّد الحمويني:أنبأني الشيخ الإمام أبو عمر بن الموفّق الأذكاني بقراءتي عليه في صفر سنة أربع و ستين و ستمائة بإسفرايين و ساق سنده إلى عليّ بن الهلالي عن أبيه قال دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو في الحالة التي قبض5.

ص: 10


1- فرائد السمطين 2:/155ح 447. و ذكره الشيخ ابن بابويه في كمال الدين:264/1-268.
2- أمالي الصدوق ص 264-265.

فيها فإذا فاطمة عند رأسه فبكت حتّى ارتفع صوتها فرفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طرفه إليها فقال:«حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك فقالت أخشى الضيعة من بعدك فقال:يا حبيبتي أما علمت أن اللّه عزّ و جلّ اطلع على الأرض إطلاعة فاختار منها أباك و بعثه برسالته،ثمّ اطلع إطلاعة فاختار منها بعلك و أوحى إليّ أن أنكحك إياه يا فاطمة و نحن أهل بيت قد أعطانا اللّه عزّ و جلّ خصال لم يعطها أحد قبلنا و لا يعطى أحد بعدنا،أنا خاتم النبيّين و أكرم النبيين على اللّه عزّ و جلّ و أحب المخلوقين إلى اللّه عزّ و جلّ،و أنا أبوك و وصيي خير الأوصياء و أحبهم إلى اللّه عزّ و جلّ و هو بعلك،و شهيدنا خير الشهداء و أحبهم إلى اللّه عزّ و جلّ و هو حمزة بن عبد المطلب عمّ أبيك و عم بعلك،و منّا من له جناحان أخضران يطير مع الملائكة حيث يشاء و هو ابن عم أبيك و أخو بعلك و منا سبطا هذه الأمّة و هما ابناك الحسن و الحسين و هما سيّدا شباب أهل الجنّة و أبوهما و الذي بعثني بالحق خير منهما،يا فاطمة و الذي بعثني بالحق إن منهما مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجا و مرجا و تظاهرت الفتن و تعطلت السبل و أغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيرا و لا صغير يرحم كبيرا فيبعث اللّه عزّ و جلّ عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة و قلوبا غلفا يقوم بالسيف في آخر الزمان كما قمت في أول الزمان و يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا و ظلما،يا فاطمة لا تحزني و لا تبكي فإنّ اللّه عزّ و جلّ أرحم بك و أرأف عليك منّي و ذلك لمكانك و موقعك من قلبي قد زوجك اللّه زوجا و هو أعظمهم حسبا و أكرمهم منصبا و أرحمهم بالرعيّة و أعدلهم بالسوية و أبصرهم بالقضية،و قد سألت ربّي عزّ و جلّ أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي،قال عليّ صلوات اللّه عليه و سلامه فلمّا قبض رسول صلّى اللّه عليه و آله لم تبق فاطمة بعده إلاّ خسمة و سبعين يوما حتّى ألحقها اللّه به عليهما السّلام». (1)

ابن شاذان هذا بإسناده عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«خير هذه الأمّة3.

ص: 11


1- فرائد السمطين:/84/2ح 403.

من بعدي عليّ بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين صلّى اللّه عليه و آله فمن قال غير هذا فعليه لعنة اللّه». (1)

ابن بابويه قال:حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعد الهاشمي قال:حدّثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي قال:حدّثنا محمّد بن أحمد بن عليّ الهمداني قال:حدّثني أبو الفضل العبّاس بن عبد اللّه البخاري قال:حدّثنا محمّد بن القاسم بن إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه بن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال:حدّثنا عبد السلام بن صالح الهروي عن عليّ بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد ابن عليّ عن أبيه عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن عليّ عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما خلق اللّه خلقا أفضل منّي و لا أكرم عليه منّي قال عليّ عليه السّلام فقلت يا رسول اللّه فأنت أفضل أم جبرائيل؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله يا عليّ إن اللّه تبارك و تعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين و فضّلني على جميع النبيين و المرسلين و الفضل بعدي لك يا عليّ و للأئمة من بعدك، فإن الملائكة لخدّامنا و خدّام محبينا،يا عليّ الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون للذين آمنوا بولايتنا،يا عليّ لو لا نحن ما خلق اللّه آدم و لا حواء و لا الجنّة و لا النار و لا السماء و لا الأرض،و كيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سبقناهم إلى معرفة ربنا و تسبيحه و تهليله و تقديسه لأن أول ما خلق اللّه عزّ و جلّ خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده و تحميده،ثمّ خلق الملائكة فلمّا شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا فسبّحنا لتعلم الملائكة إنّا خلق مخلوقون و إنّه منزه عن صفاتنا، فسبّحت الملائكة لتسبيحنا و نزّهته عن صفاتنا فلمّا شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلاّ اللّه و إنّا عبيد و لسنا بآلهة نحب أن نعبد معه أو دونه فقالوا لا إله إلاّ اللّه فلمّا شاهدوا كبر محلّنا كبّرنا لتعلم الملائكة أن اللّه أكبر من أن ينال عظم المحل إلاّ7.

ص: 12


1- المائة منقبة:126،كنز الفوائد:63/1،بحار الأنوار:31/228/27.

به،فلمّا شاهدوا ما جعله اللّه لنا من العز و القوّة قلنا:لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه لتعلم الملائكة أن لا حول و لا قوه إلاّ باللّه،فلمّا شاهدوا ما أنعم اللّه به علينا و أوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا:الحمد للّه لتعلم الملائكة ما يحق للّه تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته فقالت الملائكة:الحمد للّه فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد اللّه و تسبيحه و تهليله و تحميده و تمجيده،ثمّ إن اللّه تبارك و تعالى خلق آدم فأودعنا صلبه و أمر الملائكة بالسجود تعظيما له و اكراما و كان سجودهم للّه عزّ و جلّ عبودية و لآدم إكراما و طاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سجدوا لآدم كلهم أجمعون و أنّه لما عرج بي إلى السماء أذّن جبرائيل مثنى مثنى و أقام مثنى مثنى ثمّ قال:تقدّم يا محمّد فقلت له:يا جبرائيل أتقدّم عليك.

فقال:نعم إن اللّه تبارك و تعالى فضّل أنبياءه على ملائكته أجمعين و فضلك خاصة فتقدّمت فصلّيت بهم و لا فخر،فلمّا انتهيت إلى حجب النور قال جبرائيل،تقدّم يا محمّد و تخلّف عنّي فقلت يا جبرائيل في مثل هذا الموضع تفارقني فقال:يا محمّد إن انتهاء حدي الذي وضعني اللّه عز و جل فيه إلى هذا المكان فإن تجاوزتها احترقت أجنحتني بتعدي حدود ربّي جل جلاله،فزج بي في النور زجة حتّى انتهيت إلى حيث ما شاء اللّه من علوه فنوديت يا محمّد أنت عبدي و أنا ربّك فإياي فاعبد و عليّ فتوكّل و إنّك نوري في عبادي و رسولي إلى خلقي و حجتي على بريتي لك و من اتبعك خلقت جنتي و لمن خالفك خلقت ناري و لأوصيائك أوجبت كرامتي و لشيعتهم أوجبت ثوابي.

فقلت:يا رب و من أوصيائي؟

فنوديت يا محمّد أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي فنظرت و أنا بين يدي ربّي جلّ جلاله إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نورا في كلّ نور سطر اخضر عليه اسم وصيّ من أوصيائي أوّلهم عليّ بن أبي طالب و آخرهم مهدي أمتي فقلت يا رب هؤلاء أوصيائي من بعدي فنوديت يا محمّد هؤلاء أوليائي و أحبائي و اصفيائي و حججي

ص: 13

بعدك،على بريّتي و هم أوصياؤك و خلفاؤك و خير خلقي بعدك و عزتي و جلالي لأظهرن بهم ديني و لأعلينّ بهم كلمتي و لأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي و لأمكنه مشارق الأرض و مغاربها و لأسخرن له الرياح و لأذللن له السحاب الصعاب و لأرقينه في الاسباب و لأنصرنه بجندي و لأمدنه بملائكتي حتّى تعلو دعوتي و يجمع الخلق على توحيدي ثمّ لأديمينّ ملكه و لأدولنّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة». (1)

ابن بابويه قال:حدّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد رضى اللّه عنه قال:حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار عن يعقوب بن يزيد عن حمّاد بن عيسى عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن إبراهيم بن عمر اليماني عن سليم بن قيس الهلالي قال:سمعت سلمان الفارسي يقول كنت جالسا بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مرضته الذي توفّي فيها فدخلت فاطمة عليها السّلام و رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتّى جرت دمعتها على خديها فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«و ما يبكيك يا فاطمة قالت:يا رسول اللّه أخشى على نفسي و ولدي الضيعة بعدك فاغر و رقت عينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالبكاء ثمّ قال:يا فاطمة أما علمت إنا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا و إنّه حتّم الفناء على جميع خلقه، و إن اللّه تبارك و تعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني من خلقه ثمّ اطلع اطلاعة ثانية و اختار زوجك فأوحى اللّه إليّ أن أزوجك إيّاه و أن أتخذه وليا و وزيرا و أن أجعله خليفتي في أمّتي،فأبوك خير أنبياء اللّه و رسله و بعلك خير الأوصياء و أنت أول من يلحق بي من أهلي،ثمّ اطلع إلى الأرض ثالثة فاختارك و ولدك فأنت خير نساء أهل الجنّة و ابناك حسن و حسين سيّدا شباب أهل الجنّة و أنا و بعلك و أوصيائي إلى يوم القيامة كلهم هادون مهديون أول الأوصياء بعدي أخي ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ تسعة من ولد الحسين في درجتي و ليس في الجنّة درجة أقرب إلى اللّه من درجتي و درجة أخي.

أما تعلمين يا بنيّتي أن من كرامة اللّه إياك أن زوجك خير أمتي و خير أهل بيتي1.

ص: 14


1- علل الشرائع:1/5/1.

و أقدمهم سلما و أعظمهم حلما و أكثرهم علما،فاستبشرت فاطمة عليها السّلام و فرحت بما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال:يا بنيّة إن لبعلك مناقب إيمانه باللّه و رسوله قبل كلّ أحد لم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي و علمه بكتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّتي فليس أحد من أمّتي يعلم جميع علمي غير عليّ عليه السّلام و أن اللّه عزّ و جلّ علّمه علما لا يعلّمه غيره و علّم ملائكته و رسله علما فكلّ ما علّمه ملائكته و رسله فأنا أعلمه و أمرني اللّه أن أعلّمه ايّاه فقلت:

فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي و فهمي و حكمي غيره و إنّك يا بنيّة زوجته و ابناه سبطاي حسن و حسين و هما سبطا أمّتي و أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر،فإن اللّه آتاه الحكمة و فصل الخطاب.

يا بنتي إنّا أهل بيت أعطانا اللّه ستّ خصال لم يعطها أحد من الأوّلين كان قبلكم و لا أحدا من الآخرين غيرنا:نبيّنا سيّد الأنبياء و هو أبوك و وصيّنا سيّد الأوصياء و هو بعلك و شهيدنا سيّد الشهداء و هو حمزة عمّ أبيك قالت:يا رسول اللّه هو سيّد الشهداء الذين قتلوا معك.

قال:لا بل سيّد الشهداء من الأوّلين و الآخرين ما خلا الأنبياء و الأوصياء و جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنّة مع الملائكة و ابناك حسن و حسين سبطا أمّتي و سيّدا شباب أهل الجنّة منّا،و الذي نفسي بيده مهدي هذه الأمّة الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما قالت:و أيّ هؤلاء الذين سمّيتهم أفضل قال:عليّ بعدي أفضل أمّتي و حمزة و جعفر أفضل أهل بيتي بعد عليّ و بعدك و بعد ابنيّ و سبطيّ حسن و حسين و بعد الأوصياء من ولد ابنيّ هذا و أشار بيده إلى الحسين منهم المهدي،و إنّا أهل بيت إختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا ثمّ نظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إليها و إلى بعلها و إلى ابنيها فقال:يا سلمان أشهد اللّه إنّي سلم لمن سالمهم و حرب لمن حاربهم،أمّا إنّهم في الجنّة معي ثمّ أقبل على عليّ فقال:يا أخي أنت سيفي بعدي و ستلقى من قريش شدّة من تظاهرهم عليك و ظلمهم فإن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم و قاتل من خالفك بمن

ص: 15

وافقك فإنّ لم تجد أعوانا فاصبر و كفّ يدك و لا تلق بها إلى التهلكة فإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى و لك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه و كادوا يقتلونه فاصبر لظلم قريش و تظاهرهم عليك فإنّك بمنزلة هارون و من تبعه و هم بمنزلة العجل و من تبعه،يا عليّ إن اللّه تبارك و تعالى قد قضى الفرقة و الاختلاف على هذه الأمّة فلو شاء اللّه لجمعهم على الهدى حتّى لا يختلف اثنان من هذه الأمّة و لا ينازع في شيء أمره و لا يجحد المفضول لذوي الفضل فضله،و لو شاء اللّه لعجّل النقمة و كان منه التغيير حتّى يكذّب الظالم و يعلم الحق إلى مصيره و لكنّه جعل الدنيا دار الأعمار و جعل الآخرة دار القرار ليجزي الذين أساءوا بما عملوا و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى فقال عليه السّلام:الحمد للّه شكرا على نعمائة و صبرا على بلائه» (1).

و عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«خير هذه الأمّة من بعدي عليّ بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين صلّى اللّه عليه و آله فمن قال غير هذا فعليه لعنة اللّه» (2).

و عن أبي رافع،أن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالحسن و الحسين فقالت:ابناك و ابناي انحلهما؟،قال:«نعم،أما الحسن فقد نحلته حلمي و هيبتي،و أما الحسين فقد نحلته نجدتي و جودي»،قالت:رضيت يا رسول اللّه.

عن حذيفة،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أتاني ملك فسلّم عليّ،نزل من السماء لم ينزل قبلها يبشرني أن الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنة،و أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» (3).

و عن جابر بن عبد اللّه،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من أراد أن ينظر إلى سيّد شباب0.

ص: 16


1- كمال الدين و تمام النعمة:10/263.
2- المائة منقبة:126،كنز الفوائد:63/1،بحار الأنوار:31/228/27.
3- المستدرك:167/3 مناقب الحسن و الحسين عليهما السلام،و تاريخ بغداد:230/10.

أهل الجنة،فلينظر إلى الحسين بن علي» (1).

و في كتاب كشف اليقين عن إسحاق بن سليمان الهاشمي عن أبيه قال:كنّا عند أمير المؤمنين هارون الرشيد فتذاكروا عليّ بن أبي طالب،فقال هارون:تزعم العوام إنّي أبغض عليّا و ولديه حسنا و حسينا و لا و اللّه ما ذلك كما يظنّون و لكن ولده هؤلاء طالبونا بدم الحسين معهم حتّى قتلنا قتلته ثمّ أفضى هذا الأمر إلينا فحسدونا و خرجوا علينا فحلّوا قطيعتهم،و اللّه لقد حدّثني أبي المهدي عن أبيه المنصور عن محمّد بن علي عن عبد اللّه بن عبّاس قال:بينما نحن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ أقبلت فاطمة تبكي قالت:إنّ الحسن و الحسين خرجا فما أدري أين سلكا،فقال:لا تبكي فداك أبوك فإنّ اللّه أرحم بهما ثمّ قال:اللّهمّ احفظهما و سلّمهما في البرّ و البحر.

فهبط جبرائيل فقال:يا أحمد لا تحزن هما فاضلان في الدّنيا و الآخرة و أبوهما خير منهما و هما في حظيرة بني النجّار نائمين و قد وكّل اللّه بهما ملكا يحفظهما، فقام و قمنا معه إلى الحظيرة،فإذا هما متعانقان فإذا الملك غطّاهما بأحد جناحيه فحمل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحسن و أخذ الحسين الملك و الناس يرون أنّه حاملهما ثمّ قال:

و اللّه لأشرفنّهما اليوم بما شرّفهما اللّه،فخطب فقال:أيّها الناس ألا أخبركم بخير الناس جدّا و جدّة؟

قالوا:بلى يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين جدّهما رسول اللّه و جدّتهما خديجة بنت خويلد،ألا أخبركم أيّها الناس بخير الناس أبا و أمّا؟

قالوا:بلى يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين أبوهما عليّ بن أبي طالب و أمّهما فاطمة بنت محمّد،ألاد.

ص: 17


1- مجمع الزوائد للهيثمي:187/9 و نسبه إلى يعلى و ليس لأحمد.

أخبركم أيّها الناس بخير النّاس عمّا و عمّة؟

قالوا:بلى يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين عمّهما جعفر بن أبي طالب و عمّتهما أمّ هاني بنت أبي طالب،ألا أخبركم بخير الناس خالا و خالة؟

قالوا:بلى يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين خالهما القاسم بن رسول اللّه و خالتهما زينب بنت رسول اللّه ألا إنّ أباهما في الجنّة و أمّهما في الجنّة و جدّهما في الجنّة و جدّتهما في الجنّة و خالهما في الجنّة و خالتهما في الجنّة و عمّتهما في الجنّة و عمّتهما في الجنّة و هما في الجنّة و من أحبّهما في الجنّة (1).

و عن شهر بن حوشب،قال:أتيت أم سلمة أعزيها بالحسين[بن علي]فقالت:

دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فجلس على منامة (2)لنا فجاءته فاطمة بشيء فوضعته فقال:

«ادعي لي حسنا و حسينا و ابن عمك عليا»،فلما اجتمعوا عنده قال:«اللّهم هؤلاء خاصتي و أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا».

عن أم سلمة زوج النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنها قالت:نزلت هذه الآية في بيتها: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [قالت]أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن أرسل إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين،[فأرسلت إليهم]فلما أتوه اعتنق عليا بيمينه و الحسن بشماله و الحسين على بطنه و فاطمة عند رجليه ثم قال:«اللّهم هؤلاء أهلي و عترتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا».

قالها ثلاث مرات،قلت:فأنا يا رسول اللّه؟

فقال:«إنك على خير إن شاء اللّه».).

ص: 18


1- مدينة المعاجز:282/3.
2- المنامة:القطيفة(قاموس).

و عن عبد اللّه بن أبي رافع عن أبيه قال:كان الحسين رضى اللّه عنه كثير الصلاة و الصوم و الحج و العبادة،سخيا كريما حجّ خمسا و عشرين حجّة ماشيا و نجائبه تقاد معه (1).

عن أم سلمة قالت:كان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم عندنا منكّسا رأسه،فعملت له فاطمة حريرة، فجاءت و معها حسن و حسين فقال لها النبي صلّى اللّه عليه و سلّم:«أين زوجك؟إذهبي فادعيه» فجاءت به فأكلوا فأخذ[النبي صلّى اللّه عليه و سلّم]كساء فأداره عليهم فأمسك طرفه بيده اليسرى ثم رفع يده اليمنى إلى السماء،و قال:«اللّهم هؤلاء أهل بيتي و حامتي،اللّهم أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا[أنا]حرب لمن حاربكم،و سلم لمن سالمكم،عدو لمن عاداكم» (2).

عن عمرة بنت أفعى،قالت:سمعت أم سلمة تقول:نزلت هذه الآية في بيتي:

إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و في البيت سبعة:

جبرائيل،و ميكائيل،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و علي،و فاطمة،و الحسن،و الحسين،قالت:

و أنا على باب البيت،فقلت:يا رسول اللّه ألست من أهل البيت؟

قال:«إنك على خير،إنك من أزواج النبي صلّى اللّه عليه و سلّم»و ما قال:إنك من أهل البيت (3).

عن يعلى العامري أنه خرج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى طعام دعوا له،قال:فاستمثل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم-أمام القوم و حسين مع غلمان يلعب،فأراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يأخذه قال:فطفق الصبي يفرها هنا مرة و ها هنا مرة،فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يضاحكه حتى أخذه قال:فوضع إحدى يديه تحت قفاه و الأخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيهد.

ص: 19


1- ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق:215 ح 194،و المستدرك:169/3،و الاستيعاب:/1 382.
2- تاريخ مدينة دمشق:144/14.
3- مشكل الآثار 228/1 ح 774 باب 106،و نور الابصار:123 ط.الهند.

فقبّله و قال:«حسين مني و أنا من حسين،أحبّ اللّه من أحب حسينا،حسين سبط من الأسباط» (1).

عن أبي أسامة بن زيد،قال:طرقت[باب]رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ذات ليلة لبعض الحاجة، فخرج إليّ و هو مشتمل على شيء لا أرى ما هو،فلما فرغت من حاجتي قلت:ما الذي أنت مشتمل عليه؟فكشف فإذا حسن و حسين على و ركيه فقال:«هذان ابناي و ابنا ابنتي،اللّهم إنك تعلم أني أحبهما[فأحبهما]اللّهم إنك تعلم أني أحبهما،فأحبّهما، اللّهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما» (2).

و عن سلمان،قال:قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم للحسن و الحسين:«من أحبّهما أحببته،و من أحببته أحبّه اللّه،و من أحبّه اللّه أدخله جنّات النعيم،و من أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته،و من أبغضته أبغضه اللّه،و من أبغضه اللّه أدخله نار جهنم،و له عذاب مقيم» (3).

عبد اللّه بن شداد بن الهاد،عن أبيه،قال:خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم[في إحدى صلاتي العشي أو الظهر أو العصر]و هو حامل أحد ابنيه الحسن أو الحسين فتقدّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ثم وضعه عند قدمه اليمنى فسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم سجدة أطالها،قال أبي:فرفعت رأسي من بين الناس فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ساجد و إذا الغلام راكب على ظهره،فعدت فسجدت فلما انصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال الناس:يا رسول اللّه لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها أفشيء أمرت به؟أو كان يوحى إليك؟

قال:«كلّ ذلك لم يكن،إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجّله حتى يقضي حاجته» (4).3.

ص: 20


1- مسند الإمام أحمد:172/4 و بغية الطلب:2582/6.
2- سنن الترمذي:192/13 مناقب الحسن و الحسين.
3- المستدرك:166/3،مجمع الزوائد:181/9 عن الطبراني،و كنز العمال:34284/120/12.
4- المستدرك:165/3.

عن علي،قال:دخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أنا نائم في المنام فاستسقى الحسن-أو الحسين-قال:فقام النبي صلّى اللّه عليه و سلّم إلى حلوبة لنا فمسح ضرعها فجعل يحلبها فوثب الآخر فجعل النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يكفّه،فقالت فاطمة:يا رسول اللّه كأنه أحبهما إليك؟

قال:«لا و لكنه استسقى قبله»،ثم قال:«أنا و إياك و هذين و هذا الراقد يوم القيامة في مكان واحد» (1).

و عن الزبير بن عديّ،عن عبد اللّه بن أبي لبيد،عن البراء بن عازب،[قال:]قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم للحسن أو الحسين:«هذا مني و أنا منه،و هو محرّم عليه ما يحرم عليّ» (2).

عن جابر بن عبد اللّه،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لعلي:«سلام عليكم أبا الريحانتين، أوصيك بريحانتيّ من الدنيا من قبل أن ينهدّ ركنيّ،و اللّه عز و جل خليفتي عليك».

قال:فلما مات النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال[علي:]هذا أحد الركنين الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فلما ماتت فاطمة قال:هذا الركن الثاني الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

عن عبد اللّه،قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم:«خير رجالكم علي بن أبي طالب،و خير شبابكم الحسن و الحسين،و خير نسائكم فاطمة بنت محمد» (3).

و عن ابن عباس،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بأذنيّ و إلاّ فصمّتا و هو يقول:«أنا شجرة و فاطمة حملها و عليّ لقاحها و الحسن و الحسين ثمرتها و المحبّون أهل البيت ورقها من الجنة حقا حقا» (4).

عن عبد الرّحمن بن عوف،أنه قال:ألا تسألوني قبل أن تشوب (5)الأحاديثل.

ص: 21


1- أسد الغابة:269/5،و المعجم الكبير:41/3،و كنز العمال:615/11 ح 32986.
2- ذخائر العقبى:133.
3- تاريخ بغداد:157/5.
4- الفردوس للديلمي:52/1 ح 135-138،وضوء الشمس:96/1.
5- في ابن عدي:قبل أن تشيب الأحاديث بالأباطيل.

الأباطيل؟[قال:]قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنا الشجرة (1)و فاطمة أصلها-أو فرعها-و علي لقاحها و الحسن و الحسين ثمرتها،و شيعتنا ورقها،فالشجرة أصلها في جنة عدن، و الأصل و الفرع و اللقاح و الورق و الثمر في الجنة» (2).

عن حبشيّ بن جنادة،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إن اللّه تعالى اصطفى العرب من جميع الناس،و اصطفى قريشا من العرب،و اصطفى بني هاشم من قريش،و اصطفاني من قريش،و اختارني في نفر من أهل بيتي:علي و حمزة و جعفر و الحسن و الحسين».

عن ربيعة السعدي،قال:لما اختلف الناس في التفضيل رحّلت راحلتي و أخذت زادي و خرجت حتى دخلت المدينة فدخلت على حذيفة بن اليمان،[فقال لي:]من الرجل؟

قلت:من أهل العراق؟.

فقال لي:من أي العراق؟

قال:قلت:رجل من أهل الكوفة.

قال:مرحبا بكم يا أهل الكوفة.

قال:قلت:إختلف الناس علينا في التفضيل فجئت لأسألك عن ذلك،فقال لي:على الخبير سقطت،أما إني لا أحدثك إلاّ ما سمعته أذناي و وعاه قلبي و أبصرته عيناي:

خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كأني أنظر إليه كما أنظر إليك الساعة حاملا الحسين بن علي على عاتقه كأني أنظر[إلى كفه الطيبة واضعها على قدمه يلصقها بصدره فقال:«يا أيها الناس لأعرفن][ما اختلفتم فيه-يعني في الخيار بعدي]هذا الحسين بن علي خير الناس جدا،و خير الناس جدة،جدّه:محمد رسول اللّه سيد النبيين،و جدّته:

خديجة بنت خويلد سابقة نساء العالمين إلى الإيمان باللّه و رسوله،هذا الحسين بن علي5.

ص: 22


1- ابن عدي:أنا شجرة.
2- تلخيص المتشابه:309/1 رقم الترجمة 485.

خير[الناس أبا و خير الناس أمّا،أبوه علي بن أبي طالب أخو رسول اللّه و وزيره و ابن عمه و سابق]رجال العالمين إلى الإيمان باللّه و رسوله،و أمه فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين،هذا الحسين بن علي خير الناس عما و خير الناس عمة،عمه جعفر بن أبي طالب المزين بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء،و عمته أم هانئ بنت أبي طالب،هذا الحسين بن علي خير الناس خالا و خير الناس خالة،خاله القاسم بن محمد رسول اللّه و خالته زينب بنت محمد رسول اللّه».

ثم وضعه عن عاتقه فدرج بين يديه و حبا.

ثم قال:«يا أيها الناس هذا الحسين بن علي جدّه و جدته في الجنة،و أبوه و أمه في الجنة،و عمّه و عمته في الجنة،و خاله و خالته في الجنة،و هو و أخوه في الجنة،إنه لم يؤت أحد من ذرّية النبيين ما أوتي الحسين بن علي ما خلا يوسف بن يعقوب» (1).

و روى حبّان بن علي العثري عن أبي إسحاق قال:شهدت يزيد بن معاوية تجاه الكوفة،إذ أقبل عقيل بن أبي طالب فجلس فقال له رجل من الأنصار:يا أبا يزيد أخبرنا عن الحسين بن علي؟

فقال:ذاك أصحّ قريش وجها و أفصحهم لسانا،و أشرفهم بيتا (2).

و قال جابر بن عبد اللّه رضى اللّه عنه:من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى الحسين،فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقوله (3).

و عن يعلى بن مرّة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«حسين منّي و أنا من حسين،أحبّ اللّه4.

ص: 23


1- المعجم الاوسط:237/7.
2- -أنساب الأشراف:329/2.
3- -فضائل الصحابة لابن حنبل:/775/2ح 1372،و البداية و النهاية:206/8،و مسند أبي يعلى: /397/3ح 1874.

من أحبّ حسينا،حسين سبط من الأسباط» (1).

و روى عن علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السّلام قال:سمعت الحسين يقول:لو شتمني رجل في هذه الأذن،و أومأ إلى اليمين و اعتذر لي في الأخرى لقبلت ذلك منه،و ذلك أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى اللّه عنه حدّثني أنّه سمع جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:«لا يرد الحوض من لم يقبل العذر من محقّ أو مبطل» (2)،و ذكر قول النبي صلّى اللّه عليه و سلّم:«من أحبّني فليحبب هذين يعني حسنا و حسينا عليهم السّلام» (3).

و روي عن عبد اللّه بن مسعود رضى اللّه عنه قال:كان الحسن و الحسين يحبوان حتّى يأتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو في المسجد يصلّي،فيركبان على ظهره،فإذا جلس ضمّهما إلى صدره ثمّ يقول:«بأبي و أمّي من كان يحبّني فليحبّ هذين» (4).

و في رواية عن عبد اللّه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال للحسن و الحسين:«اللّهمّ إنّي أحبّهما، فأحبّهما و من أحبّهما فقد أحبّني» (5).

و في رواية عنه قال:كان الحسن و الحسين يثبان على ظهر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و هو يصلّي فإذا جاء أحد يحطهما عنه أو مأ إليه دعهما،فإذا قضى صلاته ضمّهما إليه و قال:

«بأبي أنتما و أمّي،من أحبّني فليحبب هذين» (6)

و روى أبو هريرة رضى اللّه عنه قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:«من أحبّ الحسن5.

ص: 24


1- -أخرجه الترمذي و قال:حسن،و سعيد في سننه كما في ذخائر العقبى:133.
2- -الأحكام في الحلال و الحرام:545/2،و بحار الأنوار:/46/70ح 3(بنحوه).
3- -سنن البيهقي:263/2،و حلية الأولياء:35/2،و المعجم الكبير:/40/3ح 2644.
4- -مسند أبي داود الطيالسي:2502/327،و مصنف ابن أبي شيبة:95/12،و مسند أبي يعلى:/434/8ح 5017.
5- -مناقب آل أبي طالب:153/3،و ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق:/58/1ح 104.
6- -ابن عساكر:315/4،لوامع العقول:615/5.

و الحسين فقد أحبّني،و من أبغضهما فقد أبغضني» (1).

و عنه أيضا قال:خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و معه حسن و حسين هذا على عاتقه و هذا على عاتقه،حتّى انتهى إلينا فقلنا:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كأنّك تحبّهما؟

فقال:«من أحبّهما فقد أحبّني،و من أبغضهما فقد أبغضني» (2).

و روى سليمان بن علي بن عبد اللّه بن العبّاس قال:سمعت أبي يذكر عن الرشيد عن المهدي،عن المنصور عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاس رضى اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:

«الحسن و الحسين من أحبّهما ففي الجنّة،و من أبغضهما ففي النار» (3).

و عن أنس قال:سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أي أهل بيتك أحبّ إليك؟

قال:«الحسن و الحسين»،و كان يقول لفاطمة:«ادعي لي ابنيّ فيشمّهما و يضمّهما إليه» (4).

و عن أبي بردة قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يخطبنا،إذ جاء الحسن و الحسين عليهما السّلام و عليهما قميصان أحمران،يمشيان و يعثران فنزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من المنبر فحملهما و وضعهما بين يديه،ثمّ قال:«صدق اللّه إنّما أموالكم و أولادكم فتنة،نظرت إلى هذين الصبيّين يمشيان و يعثران،فلم أصبر حتّى قطعت حديثي و رفعتهما» (5).

و عن عكرمة،عن ابن عباس[أنه]بينما هو يحدث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق،فقال له:يا ابن عباس تفتي الناس في النملة و القملة؟صف لي إلهك الذي تعبد،فأطرق ابن عباس إعظاما لقوله،و كان الحسين بن علي جالسا ناحية فقال:4.

ص: 25


1- -سنن ابن ماجة:/51/1ح 143،و مسند أحمد:288/2 و 531.
2- -مسند أحمد:440/2،و المستدرك:166/3.
3- -مناقب آل أبي طالب:153/3.
4- -مصابيح السنّة للبغوي:218/2 صحيح الترمذي:194/13،الصواعق المحرقة:182.
5- -مسند أحمد:354/5،و سنن أبي داود:/290/1ح 1109،و صحيح الترمذي:/658/5ح 3774.

إليّ يا ابن الأزرق.

قال:لست إياك أسأل.

قال ابن عباس:يا ابن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة و هم ورثة العلم.فأقبل نافع نحو الحسين فقال له الحسين:يا نافع إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الالتباس سائلا إذا كبا عن المنهاج،ظاعنا بالاعوجاج ضالا عن السبيل قائلا غير الجميل،يا ابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه،و أعرّفه بما عرّف به نفسه:لا يدرك بالحواس،و لا يقاس بالناس،قريب غير ملتصق،و بعيد غير منتقص،يوحّد و لا يبعّض،معروف بالآيات موصوف بالعلامات لا إله إلاّ هو الكبير المتعال.

فبكى ابن الأزرق،و قال:يا حسين ما أحسن كلامك!؟

قال له الحسين:بلغني أنك تشهد على أبي و على أخي بالكفر و عليّ؟

قال ابن الأزرق:أما و اللّه يا حسين لئن كان ذلك لقد كنتم منار الإسلام و نجوم الأحكام.

فقال له الحسين:إني سائلك عن مسألة،قال:سل،فسأله عن هذه الآية: وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ (1)يا ابن الأزرق من حفظ في الغلامين؟

قال ابن الأزرق:أبوهما؟

قال الحسين:فأبوهما خير أم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم؟

قال ابن الأزرق:قد أنبأ اللّه تعالى أنكم قوم خصمون (2).

أبو محمّد القاسم بن العلاء رحمه الّله رفعه،عن عبد العزيز بن مسلم قال:كنّا مع الرضا عليه السّلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة و ذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيّدي عليه السّلام فأعلمته خوض4.

ص: 26


1- سورة الكهف،الآية:81.
2- تاريخ مديند دمشق:184/14.

الناس فيه،فتبسّم عليه السّلام ثمّ قال:يا عبد العزيز جهل القوم و خدعوا عن آرائهم،إنّ اللّه عزّ و جلّ لم يقبض نبيّه عليه السّلام حتّى أكمل له الدّين و أنزل عليه القرآن فيه تبيان كلّ شيء،بيّن فيه الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام و جميع ما يحتاج إليه الناس كملا،فقال عزّ و جلّ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ (1)و أنزل في حجّة الوداع و هي آخر عمره صلّى اللّه عليه و اله:

اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (2) و أمر الإمامة من تمام الدّين و لم يمض صلّى اللّه عليه و اله حتّى بيّن لأمّته معالم دينهم و أوضح لهم سبيلهم و تركهم على قصد سبيل الحقّ و أقام لهم عليّا عليه السّلام علما و إماما و ما ترك[لهم] شيئا تحتاج إليه الأمّة إلاّ بيّنه،فمن زعم أنّ اللّه عزّ و جلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه و من ردّ كتاب اللّه فهو كافر به،هل يعرفون قدر الإمامة و محلّها من الأمّة فيجوز فيها اختيارهم؟!

إنّ الإمامة أجلّ قدرا و أعظم شأنا و أعلا مكانا و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم،إنّ الإمامة خصّ اللّه عزّ و جلّ بها إبراهيم الخليل عليه السّلام بعد النبوّة و الخلّة مرتبة ثالثة و فضيلة شرّفه بها و أشاد بها ذكره فقال: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً (3)فقال الخليل عليه السّلام سرورا بها: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قال اللّه تبارك و تعالى: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة و صارت في الصفوة،ثمّ أكرمها اللّه تعالى بأن جعلها في ذرّيته أهل الصفوة و الطهارة فقال: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ* وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ4.

ص: 27


1- -سورة الأنعام:38.
2- -سورة المائدة:3.
3- -سورة البقرة:124.

اَلزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ (1) فلم تزل في ذرّيته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتّى ورّثها اللّه تعالى النبي صلّى اللّه عليه و اله فقال جلّ و تعالى: إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (2)فكانت له خاصة فقلّدها صلّى اللّه عليه و اله عليّا عليه السّلام بأمر اللّه تعالى على رسم ما فرض اللّه،فصارت في ذرّيّته الأصفياء الذين آتاهم اللّه العلم و الإيمان،بقوله تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ (3)فهي في ولد عليّ عليه السّلام خاصّة إلى يوم القيامة إذ لا نبيّ بعد محمّد صلّى اللّه عليه و اله فمن أين يختار هؤلاء الجهّال؟!إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء و إرث الأوصياء إنّ الإمامة خلافة اللّه و خلافة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و مقام أمير المؤمنين عليه السّلام و ميراث الحسن و الحسين عليه السّلام انّ الإمامة زمام الدين،و نظام المسلمين،و صلاح الدّنيا و عزّ المؤمنين،إنّ الإمامة أسّ الإسلام النامي و فرعه السامي»بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام الحجّ و الجهاد و توفير الفيء و الصدقات و إمضاء الحدود و الأحكام و منع الثغور و الأطراف،الإمام يحلّ حلال اللّه و يحرّم حرام اللّه و يقيم حدود اللّه،و يذبّ عن دين اللّه و يدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجّة البالغة،الإمام كالشمس الطالعة المجلّلة بنورها للعالم و هي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي و الأبصار،الإمام البدر المنير،و السراج الزّاهر و النور الساطع،و النجم الهادي في غياهب الدّجى و أجواز البلدان و القفار و لجج البحار،الإمام الماء العذب على الظمأ،و الدّالّ على الهدى،و المنجي من الرّدى،الإمام النار على اليفاع،الحار لمن اصطلى به،و الدّليل في المهالك،من فارقه فهالك،الإمام السحاب الماطر،و الغيث الهاطل،و الشمس المضيئة،و السماء الظليلة،و الأرض البسيطة،و العين الغزيرة،و الغدير و الروضة؛الإمام الأنيس الرّفيق،و الوالد الشفيق،6.

ص: 28


1- -سورة الأنبياء:73،72.
2- -سورة آل عمران:68.
3- -سورة الروم:56.

و الأخ الشقيق،و الأمّ البرّة بالولد الصغير،و مفزع العباد في الداهية النآد،الإمام أمين اللّه في خلفه و حجّته على عباده،و خليفته في بلاده و الدّاعي الى اللّه و الذابّ عن حرم اللّه.

الإمام المطهّر من الذّنوب،و المبرّأ عن العيوب (1).

محمّد بن يحيى،عن أحمد بن محمّد بن عيسى،عن الحسن بن محبوب،عن إسحاق ابن غالب،عن أبي عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله في خطبة له يذكر فيها حال الأئمّة صلّى اللّه عليه و آله و صفاتهم:إنّ اللّه عزّ و جلّ أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه و أبلج بهم عن سبيل مناجه و فتح بهم عن باطن ينابيع علمه،فمن عرف من أمّة محمد صلّى اللّه عليه و آله واجب حقّ إمامه وجد طعم حلاوة إيمانه،و علم فضل طلاوة إسلامه،لأنّ اللّه تبارك و تعالى نصب الإمام علما لخلقه،و جعله حجّة على أهل موادّه و عالمه،و ألبسه اللّه تاج الوقار، و غشّاه من نور الجبّار،يمدّ بسبب إلى السماء،لا ينقطع عنه موادّه،و لا ينال ما عند إلاّ بجهة أسبابه،و لا يقبل اللّه أعمال العباد إلاّ بمعرفته،فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدّجى و معمّيات السنن و مشبّهات الفتن،فلم يزل اللّه تبارك و تعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين عليه السّلام من عقب كلّ إمام يصطفيهم لذلك و يجتبيهم،و يرضى بهم لخلقه و يرتضيهم،كلّ ما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماما علما بيّنا و هاديا نيّرا و إماما قيّما و حجّة عالما،أئمّة من اللّه،يهدون بالحقّ و به يعدلون،حجج اللّه و دعاته و رعاته على خلقه،يدين بهديهم العباد،و تستهلّ بنورهم البلاد،ينمو ببركتهم التلاد، جعلهم اللّه حياة للانام و مصابيح للظلام و مفاتيح للكلام و دعائم للإسلام،جرت بذلك فيهم مقادير اللّه على محتومها.فالإمام هو المنتجب المرتضى و الهادي المنتجى و القائم المرتجى،اصطفاه اللّه بذلك و اصطنعه على عينه في الذّرّ حين ذرأه و في البريّة حين برأه،ظلاّ قبل خلق نسمة عن يمين عرشه،محبوّا بالحكمة في علم الغيب عنده،اختاره بعلمه،و انتجبه لطهره،بقيّة من آدم صلّى اللّه عليه و آله و خيرة من ذرّيّة نوح،و مصطفى من آل إبراهيم،1.

ص: 29


1- -الكافي:198/1.

و سلالة من إسماعيل،و صفوة من عترة محمد صلّى اللّه عليه و آله.

لم يزل مرعيّا بعين اللّه،يحفظه و يكلؤه بستره،مطرودا عنه حبائل إبليس و جنوده، مدفوعا عنه و قوب الغواسق و نفوث كلّ فاسق،مصروفا عنه قوارف السوء،مبرّءا من العاهات،محجوبا عن الآفات،معصوما من الزّلاّت،مصونا عن الفواحش كلّها،معروفا بالحلم و البرّ في يفاعه،منسوبا إلى العفاف و العلم و الفضل عند انتهائه،مسندا إليه أمر والده،صامتا عن المنطق في حياته،فإذا انقضت مدّة والده،إلى أن انتهت به مقادير اللّه إلى مشيئته و جاءت الإرادة من اللّه فيه إلى محبّته،و بلغ منتهى مدّة والده صلّى اللّه عليه و آله،فمضى و صار أمر اللّه إليه من بعده،و قلّده دينه،و جعله الحجّة على عباده،و قيّمه في بلاده، و أيّده بروحه و آتاه علمه و أنبأه فضل بيانه و استودعه سرّه،و انتد به لعظيم أمره و أنبأه فضل بيان علمه و نصبه علما لخلقه و جعله حجّة على أهل عالمه و ضياء لأهل دينه و القيّم على عباده.

رضي اللّه به إماما لهم،استودعه سرّه و استحفظه علمه و استخبأه حكمته و استرعاه لدينه و انتد به لعظيم أمره و أحيا به مناهج سبيله و فرائضه و حدوده،فقال بالعدل عنه تحيّر أهل الجهل و تحيير أهل الجدل بالنور الساطع و الشفاء النافع بالحقّ الأبلج و البيان اللائح من كلّ مخروج،على طريق المنهج الذي مضى عليه الصادقون من آبائه صلّى اللّه عليه و آله فليس يجهل حقّ هذا العالم إلاّ شقيّ و لا يجحده إلاّ غويّ و لا يصدّ عنه إلاّ جريّ على اللّه جلّ و علا. (1)

ابن شاذان هذا بإسناده عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«خير هذه الأمّة من بعدي عليّ بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين صلّى اللّه عليه و آله فمن قال غير هذا فعليه لعنة اللّه». (2)7.

ص: 30


1- -الكافي:203/1.
2- المائة منقبة:126،كنز الفوائد:63/1،بحار الأنوار:31/228/27.

ابن بابويه قال:حدّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد رضى الّله عنه قال:حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار عن يعقوب بن يزيد عن حمّاد بن عيسى عن عمر بن أذينة عن آبان بن أبي عياش عن إبراهيم بن عمر اليماني عن سليم بن قيس الهلالي قال:سمعت سلمان الفارسي يقول كنت جالسا بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مرضته الذي توفّى فيها فدخلت فاطمة عليها السّلام و رأيت ما بأبيها من الضعف بكت حتّى جرت دمعتها على خديها فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«و ما يبكيك يا فاطمة قالت:يا رسول اللّه اخشى على نفسي و ولدي الضيعة بعدك فاغر و رقت عينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالبكاء ثمّ قال:يا فاطمة ما علمت إنا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا و إنّه ختم الفناء على جميع خلقه، و إن اللّه تبارك و تعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني من خلقه ثمّ اطلع اطلاعة ثانية و اختار زوجك فأوحى اللّه إليّ أن أزوجك إيّاه و أن أتخذه وليا و وزيرا و أن اجعله خليفتي في أمّتي،فابوك خير أنبياء اللّه و رسله و بعلك خير الأوصياء و انت أول من يلحق بي من أهلي،ثمّ اطلع إلى الأرض ثالثة فاختارك و ولدك فأنت خير نساء أهل الجنّة و ابناك حسن و حسين سيّدا شباب أهل الجنّة و أنا و بعلك و أوصيائي إلى يوم القيامة كلهم هاديون مهديون أول الأوصياء بعدي أخي ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ تسعة من ولد الحسين في درجتي و ليس في الجنّة درجة أقرب إلى اللّه من درجتي و درجة أخي.

أما تعلمين يا بني أن من كرامة اللّه إياك أن زوجك خير أمتي و خير أهل بيتي و أقدمهم سلما و أعظمهم حلما و أكثرهم علما،فاستبشرت فاطمة عليها السّلام و فرحت بما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال:يا بنيّة إن لبعلك مناقب إيمانه باللّه و رسوله قبل كلّ أحد لم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي و علمه بكتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّتي فليس أحد من أمّتي يعلم جميع علمي غير عليّ عليه السّلام و أن اللّه عزّ و جلّ علّمه علما لا يعلّمه غيره و علّم ملائكته و رسله علما فكلّما علمه ملائكته و رسله فأنا أعلمه و أمرني اللّه أن أعلّمه ايّاه فقلت:فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي و فهمي و حكمي غيره و إنّك يا بنيّة زوجته و ابناه سبطاي

ص: 31

حسن و حسين و هما سبطا أمّتي و أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر،فإن اللّه آتاه الحكمة و فصل الخطاب.

يا بنتي إنّا أهل بيت أعطانا اللّه ستّ خصال لم يعطها أحد من الأوّلين كان قبلكم و لا أحدا من الآخرين غيرنا:نبيّنا سيّد الأنبياء و هو أبوك و وصيّنا سيّد الأوصياء و هو بعلك و شهيدنا سيّد الشهداء و هو حمزة عمّ أبيك قالت:يا رسول اللّه هو سيّد الشهداء الذين قتلوا معك.قال:لا بل سيّد الشهداء الأوّلين و الآخرين ما خلا الأنبياء و الأوصياء و جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنّة مع الملائكة و ابناك حسن و حسين سبطا أمّتي و سيّدا شباب أهل الجنّة منّا،و الذي نفسي بيده مهدي هذه الأمّة الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما قالت:و أيّ هؤلاء الذين سمّيتهم أفضل قال:عليّ بعدي أفضل أمّتي و حمزة و جعفر أفضل أهل بيتي بعد عليّ و بعدك و بعد ابنيّ و سبطيّ حسن و حسين و بعد الأوصياء من ولد ابنيّ هذا و أشار بيده إلى الحسين منهم المهدي،و إنّا أهل بيت إختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا ثمّ نظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إليها و إلى بعلها و إلى ابنيها فقال:يا سلمان أشهد اللّه إنّي سلم لمن سالمهم و حرب لمن حاربهم، أمّا إنّهم في الجنّة معي ثمّ أقبل على عليّ فقال:يا أخي أنت سيفي بعدي و ستلقى من قريش شدّة من تظاهرهم عليك و ظلمهم فإن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم و قاتل من خالفك بمن وافقك فإنّ لم تجد أعوانا فأصبر و كفّ يدك و لا تلق بها إلى التهلكة فإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى و لك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه و كادوا يقتلونه فأصبر لظلم قريش و تظاهرهم عليك فإنّك بمنزلة هارون و من تبعه و هم بمنزلة العجل و من تبعه،يا عليّ إن اللّه تبارك و تعالى قد قضى الفرقة و الاختلاف على هذه الأمّة فلو شاء اللّه لجمعهم على الهدى حتّى لا يختلف إثنان من هذه الأمّة و لا ينازع في شيء أمره و لا يجحد المفضول لذوي الفضل فضله،و لو شاء اللّه لعجل النقمة و كان منه التغيير حتّى يكذّب الظالم و يعلم الحق إلى مصيره و لكنّه جعل الدنيا دار الأعمار و جعل

ص: 32

الآخرة دار القرار ليجزي الذين أساؤا بما عملوا و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى فقال عليه السّلام:الحمد للّه شكرا على نعمائة و صبرا على بلائه» (1).3.

ص: 33


1- كمال الدين و تمام النعمة:10/263.

فضل الحسين عليه السلام لا ينكر

قال الشيخ محمّد باقر المجلسي-قدس سرّه:رأيت في بعض مؤلّفات أصحابنا أنه حكي عن السيّد علي الحسيني قال:كنت مجاورا في مشهد مولاي علي بن موسى الرضا عليه السّلام مع جماعة من المؤمنين فلما كان اليوم العاشر من شهر محرم ابتدأ رجل من أصحابنا يقرأ مقتل الحسين عليه السّلام فوردت رواية عن الباقر عليه السّلام أنه قال:

«من ذرفت عيناه على مصاب الحسين و لو مثل جناح البعوضة غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر».

و كان في المجلس معنا جاهل مركب يدّعي العلم و لا يعرفه فقال:ليس هذا بصحيح و العقل لا يعتقده و كثر البحث بيننا و افترقنا عن ذلك المجلس،و هو مصرّ على العناد في تكذيب الحديث،فنام الرجل تلك الليلة فرأى في منامه كأنّ القيامة قد قامت و حشر الناس في صعيد صفصف لا ترى فيها عوجا و لا أمتا و قد نصبت الموازين و امتدّ الصراط و وضع الحساب و نشرت الكتب و أسعرت النيران و زخرفت الجنان و اشتدّ الحرّ عليه و إذا هو قد عطش عطشا شديدا و بقي يطلب الماء فلا يجده.فالتفت يمينا و شمالا و إذا هو بحوض عظيم الطول و العرض.

قال:قلت في نفسي:هذا هو الكوثر فإذا فيه ماء أبرد من الثلج و أحلى من العذب و إذا عند الحوض رجلان و امرأة أنوارهم تشرق على الخلائق و مع ذلك لبسهم السواد و هم باكون محزونون فقلت:من هؤلاء؟

فقيل لي:هذا محمّد المصطفى و هذا الإمام علي المرتضى و هذه الطاهرة فاطمة

ص: 34

الزهراء عليهم السّلام.

فقلت:ما لي أراهم لابسين السواد و باكين و محزونين؟فقيل لي:أليس هذا يوم عاشوراء يوم مقتل الحسين عليه السّلام فهم محزونون لأجل ذلك.

قال:فدنوت من سيّدة النساء فاطمة و قلت لها يا بنت رسول اللّه إني عطشان فنظرت إليّ و قالت لي:أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب ولدي الحسين و مهجة قلبي و قرة عيني الشهيد المقتول ظلما و عدوانا؟لعن اللّه قاتليه و ظالميه و مانعيه من شرب الماء؟

قال الرجل:فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا و استغفرت اللّه كثيرا و ندمت على ما كان مني و أتيت إلى أصحابي الذين كنت معهم فأخبرتهم و تبت إلى اللّه عزّ و جلّ (1).4.

ص: 35


1- بحار الأنوار:293/44.

فضل كربلاء و تربتها

عن بشير الدهان قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ربّما فاتني الحج فأعرف عند قبر الحسين عليه السّلام فقال:أحسنت يا بشير أيّما مؤمن أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه في غير يوم عيد كتب اللّه له عشرين حجة و عشرين عمرة مبرورات مقبولات و عشرين حجة و عمرة مع نبي مرسل أو إمام عدل و من أتاه في يوم عيد كتب اللّه له مائة حجة و مائة عمرة و مائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عدل،قال:قلت له:كيف لي بمثل الموقف؟قال:فنظر إليّ شبه المغضب ثمّ قال لي:يا بشير إنّ المؤمن إذا أتى قبر الحسين عليه السّلام يوم عرفة و اغتسل من الفرات ثمّ توجه إليه كتب اللّه له بكلّ خطوة حجة بمناسكها-و لا أعلمه إلاّ-قال:و غزوة (1).

و عن الحسين بن محمّد قال:قال أبو الحسن موسى عليه السّلام:أدنى ما يثاب به زائر أبي عبد اللّه عليه السّلام بشط الفرات إذا عرف حقّه و حرمته و ولايته أن يغفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر (2).

عن ابن ميثم التمار،عن الباقر عليه السّلام قال:من بات ليلة عرفة بأرض كربلاء و أقام بها حتى يعيد و ينصرف وقاه اللّه شرّ سنته (3).

و عن عمر بن يزيد بياع السابري،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ أرض الكعبة قالت:

ص: 36


1- الكافي:580/4 ح 1.
2- الكافي:582/4 ح 9.
3- كامل الزيارات:269 ح 9.

من مثلي و قد بني بيت اللّه على ظهري يأتيني الناس من كلّ فج عميق و جعلت حرم اللّه و أمنه،فأوحى اللّه إليها:أن كفّي و قرّي ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلاّ بمنزلة الإبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر و لو لا تربة كربلاء ما فضلتك و لو لا من تضمنه أرض كربلاء ما خلقتك و لا خلقت البيت الذي به افتخرت فقري و استقري و كوني ذنبا متواضعا ذليلا مهينا غير مستنكف و لا مستكبر لأرض كربلاء و إلاّ سخت بك و هويت بك في نار جهنم (1).

و عن عمر بن ثابت،عن أبيه،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:خلق اللّه تبارك و تعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة و عشرين ألف عام و قدّسها و بارك عليها فما زالت قبل خلق اللّه الخلق مقدّسة مباركة و لا تزال كذلك حتى يجعلها اللّه أفضل أرض في الجنة و أفضل منزل و مسكن يسكن اللّه فيه أولياءه في الجنة (2).

و عن محمّد بن جعفر،عن محمّد بن الحسين،عن أبي سعيد،عن بعض رجاله، عن أبي الجارود قال:قال علي بن الحسين عليهما السّلام:اتخذ اللّه أرض كربلاء حرما آمنا مباركا قبل أن يخلق اللّه أرض الكعبة و يتخذها حرما بأربعة و عشرين ألف عام و انّه إذا زلزل اللّه تبارك و تعالى الأرض و سيّرها رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة و أفضل مسكن في الجنة لا يسكنها إلاّ النبيون و المرسلون،أو قال:أولوا العزم من الرسل فإنّها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لأهل الأرض يغشى نورها أبصار أهل الجنة جميعا و هي تنادي:أنا أرض اللّه المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنت سيد الشهداء و سيد شباب أهل الجنة (3).5.

ص: 37


1- كامل الزيارات 267 ح 3.
2- كامل الزيارات:268 ح 4.
3- كامل الزيارات 268 ح 5.

و عن أبي سعيد،عن حمّاد بن أيّوب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن أبيه عليه السّلام،عن آبائه عليهم السّلام،عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقبر ابني في أرض يقال لها:كربلا هي البقعة التي كانت عليها قبة الإسلام التي نجّى اللّه عليها المؤمنين الذين آمنوا مع نوح في الطوفان (1).

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:زوروا كربلا و لا تقطعوه فإنّ خير أولاد الأنبياء ضمنته، ألا و ان الملائكة زارت كربلاء ألف عام من قبل أن يسكنه جدي الحسين عليه السّلام و ما من ليلة تمضي إلاّ و جبرئيل و ميكائيل يزورانه فاجتهد يا يحيى ألاّ تفقد من ذلك الموطن (2).

عن عباد أبي سعيد العصفري،عن صفوان الجمال قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إنّ اللّه تبارك و تعالى فضل الأرضين و المياه بعضها على بعض فمنها ما تفاخرت و منها ما بغت فما من ماء و لا أرض إلاّ عوقبت لترك التواضع للّه حتى سلّط اللّه على الكعبة المشركين و أرسل إلى زمزم ماء مالحا حتى أفسد طعمه،و إنّ كربلاء و ماء الفرات أوّل أرض و أوّل ماء قدّس اللّه تبارك و تعالى و بارك عليها فقال لها:تكلّمي بما فضلّك اللّه،فقالت لمّا تفاخرت الأرضون و المياه بعضها على بعض قالت:أنا أرض اللّه المقدسة المباركة الشفاء في تربتي و مائي و لا فخر بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك و لا فخر على من دوني بل شكرا للّه،فأكرمها و زادها بتواضعها و شكرها للّه بالحسين عليه السّلام و أصحابه،ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من تواضع للّه رفعه اللّه و من تكبّر وضعه اللّه (3).

و عن سالم بن عبد الرحمن،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من بات ليلة النصف من5.

ص: 38


1- كامل الزيارات:269 ح 8.
2- كامل الزيارات:269 ح 10.
3- كامل الزيارات:270 ح 15.

شعبان بأرض كربلاء فقرأ ألف مرة قل هو اللّه أحد و يستغفر اللّه ألف مرة و يحمد اللّه ألف مرة ثمّ يقوم فيصلي أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة ألف مرة آية الكرسي و كلّ اللّه به ملكين يحفظانه من كلّ سوء و من شرّ كلّ شيطان و سلطان و يكتبان له حسناته و لا تكتب عليه سيئة و يستغفران له ما داما معه (1).

و عن ربعي قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:شاطيء الواد الأيمن الذي ذكره اللّه في كتابه هو الفرات و البقعة المباركة هي كربلاء و الشجرة هي محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (2).

و عن ابن سنان،عن أبي سعيد القماط،عن ابن أبي يعفور قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لرجل من مواليه:يا فلان أتزور قبر أبي عبد اللّه الحسين بن علي عليهما السّلام؟ قال:نعم إنّي أزوره بين ثلاث سنين مرّة فقال له:و هو مصفر وجهه أما و اللّه الذي لا إله إلاّ هو لو زرته كان أفضل مما أنت فيه فقال له:جعلت فداك أكلّ هذا الفضل؟ فقال:نعم و اللّه لو إنّي حدثتكم بفضل زيارته و بفضل قبره لتركتم الحج رأسا و ما حجّ منكم أحد،و يحك أما علمت أنّ اللّه اتخذ كربلاء حرما آمنا مباركا قبل أن يتخذ مكة حرما،قال ابن أبي يعفور فقلت له:قد فرض اللّه على الناس حجّ البيت و لم يذكر زيارة قبر الحسين عليه السّلام،فقال:و إن كان كذلك فإنّ هذا شيء جعله اللّه هكذا أما سمعت قول أبي أمير المؤمنين عليه السّلام حيث يقول:إنّ باطن القدم أحق بالمسح من ظاهر القدم و لكن اللّه فرض هذا على العباد أو ما علمت أنّ الموقف لو كان في الحرم كان أفضل لأجل الحرم و لكن اللّه صنع ذلك في غير الحرم (3).

و عن عمرو بن ثابت،عن أبيه،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:خلق اللّه تعالى كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة و عشرين ألف عام و قدّسها و بارك عليها فما زالت قبل أن2.

ص: 39


1- كامل الزيارات:181 ح 8.
2- كامل الزيارات:48 ح 11.
3- كامل الزيارات:266 ح 2.

يخلق اللّه الخلق مقدّسة مباركة و لا تزال كذلك و يجعلها أفضل أرض في الجنة (1).

عن عبد اللّه بن ميمون القداح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:مرّ أمير المؤمنين عليه السّلام بكربلا في أناس من أصحابه فلمّا مرّ بها اغر و رقت عيناه بالبكاء ثمّ قال:هذا مناخ ركابهم و هذا ملقى رحالهم و هنا تهرق دماؤهم طوبى لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبّة (2).

عن جابر بن الحر،عن جويرية بن مسهر العبدي قال:لمّا توجهنا مع أمير المؤمنين عليه السّلام إلى صفين فبلغنا طفوف كربلاء وقف ناحية من المعسكر ثمّ نظر يمينا و شمالا و استعبر ثمّ قال:هذا و اللّه مناخ ركابهم و موضع منيّتهم.فقيل له:يا أمير المؤمنين ما هذا الموضع؟فقال:هذا كربلاء يقتل فيه قوم يدخلون الجنة بغير حساب.ثمّ سار،فكان الناس لا يعرفون تأويل ما قال حتى كان من أمر الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما و أصحابه بالطف ما كان،فعرف حينئذ من سمع مقاله مصداق الخبر فيما أنبأهم به (3).

عن محمّد بن سنان،عمّن حدثه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:خرج أمير المؤمنين عليه السّلام يسير بالناس حتى إذا كان من كربلا على مسيرة ميل أو ميلين فتقدم بين أيديهم حتى إذا صار بمصارع الشهداء قال:قبض فيها مائتا نبي و مائتا وصي و مائتا سبط شهداء باتباعهم فطاف بها على بغلته خارجا رجليه من الركاب و انشأ يقول:مناخ ركاب و مصارع شهداء لا يسبقهم من كان قبلهم و لا يلحقهم من كان بعدهم (4).

عن محمّد بن همام قال:حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك قال:حدّثنا سعد بن7.

ص: 40


1- كامل الزيارات:270 ح 13.
2- كامل الزيارات:269 ح 11.
3- الارشاد:322/1.
4- التهذيب:72/6 ح 7.

عمرو الزهري قال:حدّثنا بكر بن سالم،عن أبيه،عن أبي حمزة الثمالي،عن علي بن الحسين عليهما السّلام في قوله: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (1)قال:خرجت من دمشق حتى أتت كربلا فوضعته في موضع قبر الحسين عليه السّلام ثمّ رجعت من ليلتها (2).

عن محمّد بن الفضل بن بنت داود الرقي قال:قال الصادق عليه السّلام:أربعة بقاع ضجت إلى اللّه من الغرق أيّام الطوفان قال:البيت المعمور فرفعه اللّه إليه و الغري و كربلا و طوس (3).

و أبي جعفر الطوسي فيما رواه عن جابر الجعفي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من بات عند قبر الحسين عليه السّلام ليلة عاشورا لقي اللّه يوم القيامة ملطخا بدمه و كأنّما قتل معه في عرصة كربلا (4).

و قال شيخنا المفيد في كتاب التواريخ الشرعيّة:و روي أنّ من زاره(يعني الحسين عليه السّلام)و بات عنده في ليلة عاشورا حتى يصبح حشره اللّه تعالى ملطخا بدم الحسين عليه السّلام في جملة الشهداء معه عليه السّلام (5).8.

ص: 41


1- سورة مريم:22.
2- التهذيب:73/6 ح 8.
3- التهذيب:110/6 ح 12.
4- الاقبال:558.
5- الاقبال:558.

فضل الحسين في مكارم أخلاقه

عن مسعدة قال:مر الحسين بن علي عليهما السّلام بمساكين قد بسطوا كساء لهم و ألقوا عليه كسرا فقالوا:هلم يا ابن رسول اللّه!فثنى و ركه فأكل معهم ثم تلا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ثم قال:قد أجبتكم فأجيبوني،قالوا:نعم يا ابن رسول اللّه، فقاموا معه حتى أتوا منزله،فقال للجارية:أخرجي ما كنت تدخرين (1).

عمرو بن دينار قال:دخل الحسين عليه السّلام على أسامة بن زيد و هو مريض،و هو يقول:و اغماه،فقال له الحسين عليه السّلام:و أما غمك يا أخي؟

قال:ديني و هو ستون ألف درهم فقال الحسين:هو علي قال:إني أخشى أن أموت،فقال الحسين لن تموت حتى أقضيها عنك،قال:فقضاها قبل موته.

و كان عليه السّلام يقول:شر خصال الملوك:الجبن من الأعداء،و القسوة على الضعفاء و البخل عند الإعطاء.

و في كتاب أنس المجالس أن الفرزدق أتى الحسين عليه السّلام لما أخرجه مروان من المدينة فأعطاه عليه السّلام أربعمائة دينار،فقيل له:إنه شاعر فاسق منتهر (2)فقال عليه السّلام إن .

ص: 42


1- بحار الأنوار:189/40-197 ح 1،و تفسير العياشي ج 2 ص 257،و الآية في النحل:22 و لفظها إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ
2- يقال:انتهره:استقبله بكلام يزجره به و فى بعض المصادر:«مشهر»فلو صح كان معناه أنه يشهر الناس بالفضائح و يهجوهم،و يحتمل أن يكون تصحيف"متهتر"أى مولع في تمزيق أعراض الناس بالفضائح و القبائح.

خير مالك ما وقيت به عرضك،و قد أثاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كعب بن زهير،و قال في عباس بن مرداس:إقطعوا لسانه عني.

و فد أعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس بها،فدل على الحسين عليه السّلام فدخل المسجد فوجده مصليا فوقف بإزائه و أنشد:

لم يخب الآن من رجاك و من حرك من دون بابك الحلقه

أنت جواد و أنت معتمد أبوك قد كان قاتل الفسقه

لو لا الذي كان من أوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقه

قال:فسلّم الحسين و قال:يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء؟

قال:نعم أربعة آلاف دينار،فقال:هاتها قد جاء من هو أحق بها منا،ثم نزع برديه و لفّ الدنانير فيها و أخرج يده من شق الباب حياء من الأعرابي و أنشد:

خذها فإني إليك معتذر و اعلم بأني عليك ذو شفقه

لو كان في سيرنا الغداة عصا أمست سمانا عليك مندفقه

لكن ريب الزمان ذو غير و الكف مني قليلة النفقه

قال:فأخذها الأعرابي و بكى فقال له:لعلك استقللت ما أعطيناك،قال:لا،و لكن كيف يأكل التراب جودك،و هو المروي عن الحسن بن علي عليهما السّلام (1).

بيان:قوله:«عصا؟لعل العصا كناية عن الامارة و الحكم،قال الجوهري قولهم:

لا ترفع عصاك عن أهلك،يراد به الأدب و إنه لضعيف العصا أي الرعاية و يقال أيضا:إنه للين العصا،أي رفيق حسن السياسة لما ولي انتهي،أي لو كان لنا أي سيرنا في هذه الغداة ولاية و حكم أو قوة لأمست يد عطائنا عليك صابة،و السماء كناية عن يد الجود و العطاء،و الإندفاق الإنصباب،و ريب الزمان حوادثه،و غير الدهر كعنب أحداثه،أي حوادث الزمان تغيّر الأمور،قوله:كيف يأكل التراب6.

ص: 43


1- بحار الأنوار:189/40-197 ح 2،و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 65 و 66.

جودك أي كيف تموت و تبيت تحت التراب فتمحى و يذهب جودك.

شعيب بن عبد الرحمن الخزاعي قال:وجد على ظهر الحسين بن علي يوم الطف أثر فسألوا زين العابدين عليه السّلام عن ذلك فقال:هذا لما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل و اليتامى و المساكين.

و قيل:إن عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسين عليه السّلام"الحمد"فلما قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار،و ألف حلة،و حشافاه درا،فقيل له في ذلك فقال:و أين يقع هذا من عطائه يعني تعليمه و أنشد الحسين عليه السّلام:

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها على الناس طرا قبل أن تتفلت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت و لا البخل يبقيها إذا ما تولت

و من تواضعه عليه السّلام أنه مر بمساكين و هم يأكلون كسرا لهم على كساء فسلّم عليهم،فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم،و قال:لو لا أنه صدقة لأكلت معكم،ثم قال:قوموا إلى منزلي،فأطعمهم و كساهم و أمر لهم بدراهم (1).

و حدّث الصولي عن الصادق عليه السّلام في خبر أنه جرى بينه و بين محمد بن الحنفية كلام فكتب ابن الحنفية إلى الحسين عليه السّلام:أما بعد يا أخي فإن أبي و أباك علي:لا تفضلني فيه و لا أفضلك،و أمك فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و لو كان ملء الأرض ذهبا ملك أمي ما وفت بأمك،فإذا قرأت كتابي هذا فصر إلي حتى تترضاني فإنك أحق بالفضل مني و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته،ففعل الحسين عليه السّلام ذلك فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء (2).

بيان:بأمك:أي بفضلها.6.

ص: 44


1- مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 129/7.
2- بحار الأنوار:189/40-197 ح 3،و نفس بعض المصادر ص 66.

و من آدابه عليه السّلام أنه كان يحاول تصحيح الخطأ بأساليب غاية في الأدب دون أن يشعر المخطئ بإحراج يمس كبرياءه أو يخدش مكابرته فلقد مر مع أخيه الحسن على شيخ يتوضأ و لا يحسن الوضوء فأظهرا تنازعا يقول كل منهما للآخر أنت لا تحسن الوضوء و قالا أيها الشيخ كن حكما بيننا،فتوضيا و قالا:أينا يحسن الوضوء؟فقال الشيخ:كلاكما تحسنان الوضوء و لكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يحسن (1)...

من دعائه:ما قاله عليه السّلام في يوم عرفة:

«...كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك،أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك و متى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك،عميت عين لا تراك عليها رقيبا، و خسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا...» (2).

و من شجاعته عليه السّلام أنه كان بين الحسين عليه السّلام و بين الوليد بن عقبة منازعة في ضيعة فتناول الحسين عليه السّلام عمامة الوليد عن رأسه و شدّها في عنقه و هو يومئذ و ال على المدينة،فقال مروان:باللّه ما رأيت كاليوم جرأة رجل على أميره،فقال الوليد:

و اللّه ما قلت هذا غضبا لي و لكنك حسدتني على حملي عنه،و إنما كانت الضيعة له، فقال الحسين:الضيعة لك يا وليد و قام.

و قيل له يوم الطف:إنزل على حكم بني عمك،قال:لا و اللّه لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل،و لا أفر فرار العبيد،ثم نادى يا عباد اللّه! إني عذت بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.ه

ص: 45


1- أعيان الشيعة 580/1.
2- إقبال الأعمال لابن طاووس 660،دار الحجة للثقافة،قم-ايران،ط 1،1418 ه

و قال عليه السّلام:موت في عز خير من حياة في ذل،و أنشد عليه السّلام يوم قتل:

الموت خير من ركوب العار و العار أولى من دخول النار

و اللّه ما هذا و هذا جاري ابن نباته:الحسين الذي رأى القتل في العز حياة و العيش في الذل قتلا.الحلية روى محمد بن الحسن أنه لما نزل القوم بالحسين و أيقن أنهم قاتلوه قال لأصحابه:قد نزل ما ترون من الأمر و إن الدنيا قد تغيّرت و تنكّرت، و أدبر معروفها و استمرت (1)حتى لم يبق منها إلا كصبابة الأناء،و إلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون الحق لا يعمل به،و الباطل لا يتناهى عنه،ليرغب المؤمن في لقاء اللّه و إني لا أرى الموت إلا سعادة،و الحياة مع الظالمين إلا برما و أنشد متمثلا لما قصد الطف:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى خيرا و جاهد مسلما

و واسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مذموما و خالف مجرما

أقدم نفسي لا أريد بقاءها لنلقى خميسا في الهياج عر مرما

فإن عشت لم أذمم و إن مت لم ألم كفى بك ذلا أن تعيش فترغما (2).

توضيح:الصبابة بالضم البقية من الماء في الإناء،و الوبلة بالتحريك الثقل و الوخامة،و قد وبل المرتع بالضم وبلا و وبالا فهو و بيل أي وخيم ذكره الجوهري و البرم بالتحريك السأمة و الملال و الخميس الجيش لانهم خمس فرق المقدمة و القلب و الميمنة و الميسرة و الساق و يوم الهياج يوم القتال و العرمرم:الجيش الكثير،و عرام الجيش:كثرته (3).

و لم ير الناس في جميع حقب التاريخ أشجع،و لا أربط جأشا و لا أقوى جنانا من0.

ص: 46


1- و لعله من المرارة أي صارت مرة ضد الحلوة.
2- بحار الأنوار:189/40-197 ح 4.
3- بحار الأنوار:196/40.

الإمام الحسين عليه السّلام فقد وقف يوم الطف موقفا حير فيه الألباب و أذهل فيه العقول، و تجلّت يوم عاشوراء شجاعته الفائقة فلم يعرف الخضوع أو الإستكانة،و قد قال بعض الرواة فيه:و الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جأشا و لا أمضى جنانا و لا أجرأ مقدما منه،و الله ما رأيت قبله و لا بعده مثله و ان كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه و عن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب (1).

-و حين أثخن بالجراح في ظهيرة العاشر من المحرم جعل يقاتلهم بسيفه و هم يتفرقون عنه يمينا و شمالا و هو يقول:أعلي تجتمعون،و هو الذي جبّن الشجعان و أخافهم و هو بين الموت و الحياة حين بدر خولي ليحتز رأسه فضعف و أرعد و في ذلك يقول الشاعر:

عفيرا متى عاينته الكماة يختطف الرعب ألوانها

فما أجلت الحرب عن مثله صريعا يجبن شجعانها (2).

و من زهده عليه السّلام أنه قيل له ما أعظم خوفك من ربك؟

قال:لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف اللّه في الدنيا.

إبانة بن بطة قال عبد اللّه بن عبيد أبو عمير:لقد حج الحسين بن علي عليهما السّلام خمسة و عشرين حجة ماشيا و إن النجائب لتقاد معه.

عيون المحاسن:إنه ساير أنس بن مالك فأتى قبر خديجة فبكى ثم قال:إذهب عني قال أنس:فاستخفيت عنه فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلا:

يا رب يا رب أنت مولاه فارحم عبيدا إليك ملجاه2.

ص: 47


1- الإرشاد للمفيد 111/2.
2- أعيان الشيعة 581/1-582.

يا ذا المعالي عليك معتمدي طوبى لمن كنت أنت مولاه

طوبى لمن كان خادما أرقا يشكو إلى ذي الجلال بلواه

و ما به علة و لا سقم أكثر من حبه لمولاه

إذا اشتكى بثه و غصته أجابه اللّه ثم لبّاه

إذا ابتلى بالظلام مبتهلا أكرمه اللّه ثم أدناه

فنودي:

لبيك عبدي و أنت في كنفي و كلما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي فحسبك الصوت قد سمعناه

دعاك عندي يجول في حجب فحسبك الستر قد سفرناه

لو هبت الريح من جوانبه خر صريعا لما تغشّاه

سلني بلا رغبة و لا رهب و لا حساب إني أنا اللّه (1)

بيان:الأرق بكسر الراء من يسهر بالليل،قوله:«قد سفرناه»أي حسبك أنا كشفنا الستر عنك،قوله:«لو هبت الريح من جوانبه»الضمير إما راجع إلى الدعاء كناية عن أنه يجول في مقام لو كان مكانه رجل لغشي عليه مما يغشاه من أنوار الجلال،و يحتمل إرجاعه إليه عليه السّلام على سبيل الإلتفات،لبيان غاية خضوعه و ولهه في العبادة بحيث لو تحركت ريح لأسقطته.

و له عليه السّلام:

يا أهل لذة دنيا لا بقاء لها إن اغترارا بظل زائل حمق

و يروى للحسين عليه السّلام:

سقت العالمين إلى المعالي بحسن خليقة و علو همة

و لاح بحكمتي نور الهدى في ليال في الضلالة مدلهمة9.

ص: 48


1- بحار الأنوار:189/40-197 ح 5،و نفس بعض المصادر:ج 4 ص 69.

يريد الجاحدون ليطفئه و يأبى اللّه إلا أن يتمه (1)

حفص بن غياث،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان في الصلاة و إلى جانبه الحسين فكبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلم يحر الحسين التكبير ثم كبّر رسول اللّه فلم يحر الحسين التكبير،و لم يزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يكبر و يعالج الحسين التكبير،فلم يحر حتى أكمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سبع تكبيرات فأحار الحسين عليه السّلام التكبير في السابعة.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فصارت سنة.

و روي عن الحسين بن علي عليهما السّلام أنه قال:صحّ عندي قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المؤمن بما لا إثم فيه،فإني رأيت غلاما يواكل كلبا فقلت له في ذلك،فقال:يا ابن رسول اللّه إني مغموم أطلب سرورا بسروره لأن صاحبي يهودي أريد أفارقه،فأتى الحسين إلى صاحبه بمائتي دينار ثمنا له،فقال اليهودي:الغلام فداء لخطاك،و هذا البستان له،و رددت عليك المال، فقال عليه السّلام:و أنا قد وهبت لك المال،قال:قبلت المال و وهبته للظلام.

فقال الحسين عليه السّلام:أعتقت الغلام و وهبته له جميعا،فقالت امرأته قد أسلمت و وهبت زوجي مهري،فقال اليهودي:و أنا أيضا أسلمت و أعطيتها هذه الدار.

الترمذي في الجامع:كان ابن زياد يدخل قضيبا في أنف الحسين عليه السّلام و يقول:ما رأيت مثل هذا الرأس حسنا فقال أنس:إنه أشبههم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و روي أن الحسين عليه السّلام كان يقعد في المكان المظلم فيهتدى إليه ببياض جبينه و نحره (2).

قال أنس:كنت عند الحسين عليه السّلام،فدخلت عليه جارية فحيته بطاقة ريحان،فقال7.

ص: 49


1- بحار الأنوار:189/40-197 ح 6،و نفس بعض المصادر:ج 4 ص 69 و ص 72.
2- بحار الأنوار:189/40-197 ح 7.

لها:أنت حرة لوجه اللّه،فقلت:تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟

قال:كذا أدبنا اللّه،قال اللّه: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها (1)و كان أحسن منها عتقها.

و قال يوما لأخيه عليهما السّلام:يا حسن وددت أن لسانك لي و قلبي لك.

و كتب إليه الحسن عليه السّلام يلومه على إعطاء الشعراء فكتب إليه:أنت أعلم مني بأن خير المال ما وقي العرض (2).

بيان:لعل لومه عليه السّلام ليظهر عذره للناس.

و دعاه عبد اللّه بن الزبير و أصحابه فأكلوا و لم يأكل الحسين عليه السّلام فقيل له:ألا تأكل؟

قال:إني صائم و لكن تحفة الصائم،قيل:و ما هي؟

قال:الدهن و المجمر.

و جنى غلام له جناية توجب العقاب عليه فأمر به أن يضرب،فقال:يا مولاي وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ قال:خلوا عنه،فقال:يا مولاي وَ الْعافِينَ عَنِ النّاسِ قال:قد عفوت عنك،قال:يا مولاي وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (3)قال:أنت حر لوجه اللّه،و لك ضعف ما كنت أعطيك.

و قال الفرزدق:لقيني الحسين عليه السّلام في منصرفي من الكوفة فقال:ما وراءك يا أبا فراس؟

قلت:أصدقك؟

قال:الصدق أريد،قلت:أما القلوب فمعك،و أما السيوف فمع بني أمية و النصر4.

ص: 50


1- سورة النساء:86.
2- بحار الأنوار:189/40-197 ح 8،و كشف الغمة:ج 2 ص 206.
3- سورة آل عمران:134.

من عند اللّه،قال عليه السّلام:ما أراك إلا صدقت،الناس عبيد المال و الدين لغو (1)على ألسنتهم،يحوطونه ما درّت به معايشهم،فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديانون.

و قال عليه السّلام:من أتانا لم يعدم خصلة من أربع:آية محكمة،و قضية عادلة و أخا مستفادا،و مجالسة العلماء.

و كان عليه السّلام يرتجز يوم قتل عليه السّلام و يقول:

الموت خير من ركوب العار و العار خير من دخول النار

و اللّه من هذا و هذا جاري

و قال عليه السّلام:صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك،فأكرم وجهك عن رده (2).

ذكر ابن عبد ربه في كتاب العقد أنه قيل لعلي بن الحسين عليهما السّلام ما أقل ولد أبيك؟

فقال:العجب كيف ولد كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة (3).

في أسانيد أخطب خوارزم أورده في كتاب له في مقتل آل الرسول أن أعرابيا جاء إلى الحسين بن علي عليهما السّلام فقال:يا ابن رسول اللّه قد ضمنت دية كاملة و عجزت عن أدائه،فقلت في نفسي:أسأل أكرم الناس،و ما رأيت أكرم من أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فقال الحسين:يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل،فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال،و إن أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال،و إن أجبت عن الكل أعطيتك الكل.

فقال الأعرابي:يا ابن رسول اللّه أمثلك يسأل عن مثلي و أنت من أهل العلم و الشرف؟0.

ص: 51


1- لعق ظ.
2- بحار الأنوار:189/40-197 ح 9،و كشف الغمة:ج 2 ص 207 و 208.
3- بحار الأنوار:189/40-197 ح 10.

فقال الحسين عليه السّلام:بلى سمعت جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:المعروف بقدر المعرفة،فقال الأعرابي:سل عما بدا لك،فإن أجبت و إلا تعلّمت منك،و لا قوة إلا باللّه.

فقال الحسين عليه السّلام:أي الأعمال أفضل؟

فقال الأعرابي:الإيمان باللّه،فقال الحسين عليه السّلام:فما النجاة من المهلكة؟

فقال الأعرابي:الثقة باللّه،فقال الحسين عليه السّلام:فما يزين الرجل؟

فقال الأعرابي:علم معه حلم،فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال:مال معه مروءة،فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال:فقر معه صبر،فقال الحسين عليه السّلام:فإن أخطأه ذلك؟

فقال الأعرابي:فصاعقة تنزل من السماء و تحرقه فإنه أهل لذلك؟

فضحك الحسين عليه السّلام و رمى بصرة إليه فيها ألف دينار،و أعطاه خاتمه،و فيه فص قيمته مائتا درهم و قال:يا أعرابي أعط الذهب إلى غرمائك،و اصرف الخاتم في نفقتك،فأخذ الأعرابي و قال: اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (1). (2)

روي في بعض مؤلفات أصحابنا عن أبي سلمة قال:حججت مع عمر بن الخطاب،فلما صرنا بالأبطح فإذا بأعرابي قد أقبل علينا فقال:يا أمير المؤمنين إني خرجت و أنا حاج محرم،فأصبت بيض النعام،فاجتنيت و شويت و أكلت،فما يجب علي؟

قال:ما يحضرني في ذلك شيء،فاجلس لعل اللّه يفرج عنك ببعض أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله.

فإذا أمير المؤمنين عليه السّلام قد أقبل و الحسين عليه السّلام يتلوه،فقال عمر:يا أعرابي هذا1.

ص: 52


1- سورة الانعام:124.
2- بحار الأنوار:189/40-197 ح 11.

علي ابن أبي طالب عليه السّلام فدونك و مسألتك،فقام الأعرابي و سأله فقال علي عليه السّلام:يا أعرابي سل هذا الغلام عندك يعني الحسين عليه السّلام.

فقال الأعرابي:إنما يحيلني كل واحد منكم على الآخر،فأشار الناس إليه:ويحك هذا ابن رسول اللّه فاسأله،فقال الأعرابي:يا ابن رسول اللّه إني خرجت منى بيتي حاجا و قص عليه القصة فقال له الحسين:ألك إبل؟

قال:نعم قال:خذ بعدد البيض الذي أصبت نوقا فاضربها بالفحولة،فما فصلت فاهدها إلى بيت اللّه الحرام.

فقال عمر:يا حسين النوق يزلقن،فقال الحسين:يا عمر إن البيض يمرقن فقال:صدقت و بررت،فقام علي عليه السّلام و ضمه إلى صدره و قال: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1).

محمد بن العباس،عن أبي الأزهر،عن الزبير بن بكار،عن بعض أصحابه قال:

قال رجل للحسين عليه السّلام:إن فيك كبرا.

فقال:كل الكبر للّه وحده و لا يكون في غيره،قال اللّه تعالى: وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ (2)(3).

محمد بن يحيى،عن علي بن إسماعيل،عن محمد بن عمرو الزيات عن رجل من أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لم يرضع الحسين عليه السّلام من فاطمة عليها السّلام و لا من أنثى،كان يؤتى به النبي صلّى اللّه عليه و آله فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه اليومين3.

ص: 53


1- بحار الأنوار:189/40-197 ح 12. و قد مر نظيرها في أخيه الحسن عليه السّلام ج 43 ص 354 عن كتاب المناقب نقلا عن القاضى النعمان في شرح الأخبار و فيه:فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:سل أي الغلامين شئت فقال الحسن الخ،راجع مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 10.
2- سورة المنافقون:8.
3- بحار الأنوار:197/40-205 ح 13.

و الثلاث،فنبت لحم للحسين عليه السّلام (1)من لحم رسول اللّه و دمه و لم يولد لستة أشهر إلا عيسى ابن مريم،و الحسين بن علي عليهم السلام.

و في رواية اخرى عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام أن النبي كان يؤتى به الحسين فيلقمه لسانه فيمصه فيجتزئ به و لم يرضع من أنثى (2).

و من جوده و كرمه أن دخل الحسين عليه السّلام على أسامة بن زيد في مرضه الذي توفي فيه فلما استقر به المجلس قال أسامة:و اغماه،فقال:و ما غمك؟

قال:ديني و هو ستون الف درهم،فقال:هو علي،قال:إني أخشى أن أموت قبل أن يقضى.قال:لن تموت حتى أقضيها عنك،و بادر الإمام عليه السّلام فقضاها عنه قبل موته (3).

-مر الحسين عليه السّلام بمساكين يأكلون في الصفة،فقالوا(الغداء)فنزل و قال:ان الله لا يحب المتكبرين،فتغدى ثم قال لهم:قد أجبتكم فأجيبوني،قالوا:نعم،فمضى بهم إلى منزله،فقال للرباب:أخرجي ما كنت تدخرين (4).

-قال أنس:كنت عند الحسين عليه السّلام فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحان فحيته بها،فقال لها:أنت حرة لوجه الله تعالى،و بهر أنس فقال:جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟

فأجابه(عليه السلام):كذا أدبنا اللّه،قال تبارك و تعالى وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها و كان أحسن منها عتقها (5).

ص: 54


1- كذا في الأصل نسخة المصنف و فى الكافي ج 1 ص 465 و هكذا نسخة الكمباني«فنبت لحم الحسين عليه السّلام».
2- بحار الأنوار:197/40-205 ح 14.
3- أعيان الشيعة 579/1.
4- مختصر تاريخ دمشق 129/7.
5- الفصول المهمة،لابن الصباغ:167-168،دار الأضواء،بيروت-لبنان،ط 2،1409 ه 1988 م.

-أتاه رجل فسأله حاجة فقال عليه السلام:إن المسألة لا تصلح إلا في غرم فادح أو فقر مدقع أو حمالة مفظعة،فقال الرجل:ما جئت إلا في احداهن،فأمر له بمائة دينار (1).

-خرج سائل يتخطى أزقة الكوفة،حتى أتى باب الحسين بن علي،فقرع الباب و أنشد يقول:

لم يخب اليوم من رجاك و من حرك من خلف بابك الحلقه

أنت ذو الجود و انت معدنه أبوك قد كان قاتل الفسقه

و كان الإمام الحسين واقفا يصلي فخفف من صلاته و خرج إلى الاعرابي فرأى عليه أثر الفاقة،فرجع و نادى بقنبر فلما مثل عنده قال له:ما تبقى من نفقتنا؟

قال:مائتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك،فقال:هاتها فقد أتى من هو أحق بها منهم،فأخذها و دفعها إلى الأعرابي معتذرا منه و هو ينشد هذه الأبيات:

خذها فاني إليك معتذر و اعلم بأني عليك ذو شفقه

لو كان في سيرنا الغداة عصا كانت سمانا عليك مندفقه

لكن ريب المنون ذو نكد و الكف منا قليلة النفقه

فأخذها الأعرابي شاكرا و داعيا له بالخير،و انبرى مادحا له:

مطهرون نقيات جيوبهم تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

و أنتم أنتم الأعلون عندكم علم الكتاب و ما جاءت به السور

من لم يكن علويا حين تنسبه فما له في جميع الناس مفتخر (2)2.

ص: 55


1- تحف العقول للحراني 246،مؤسسة النشر الإسلامي،قم-ايران،ط 4،1416 ه
2- مختصر تاريخ دمشق 131/7-132.

في قول النبي:«أهل بيتي أمان لأهل الأرض»

ابن بابويه في النصوص على الأئمة الإثني عشر قال:حدّثنا علي بن الحسن قال:حدّثنا أبو جعفر محمد بن الحسين البزوفري (1)قال:حدّثنا القاضي أبو إسماعيل جعفر ابن الحسن البلخي قال:حدّثنا شقيق بن أحمد البلخي عن سماك عن يزيد بن أسلم عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء».

قيل:يا رسول اللّه كم الأئمة بعدك من أهل بيتك؟

قال:«نعم الأئمة بعدي إثنا عشر،تسعة من صلب الحسين أمنّاء معصومون و منا مهدي هذه الأمة ألا إنهم أهل بيتي و عترتي من لحمي و دمي،ما بال أقوام يؤذوني فيهم لا أنا لهم اللّه شفاعتي» (2).

ص: 56


1- في بعض نسخ بعض المصادر:البرقوي.
2- كفاية الأثر:29 ما روي عن أبي سعيد الخدري.

في أن نجاة سفينة نوح كان بالحسين و آله

قال السيد الأجل أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن الطاووس العلوي الفاطمي في كتاب(أمان اخطار الأسفار)قال:رويت عن شيخي محمد بن النجار متقدم أهل الحديث بالمدرسة المنصورية و كان يجاريني على مقتضى عقيدته فيما رواه لنا من الأخبار النبوية من كتابه الذي جعله تذييلا على تاريخ الخطيب (1)فقال في ترجمة الحسن بن أحمد المحمدي بن محمد العلوي ما هذا لفظه:

حدث عن القاضي أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي و أبي عبد اللّه الغالبي و بكر بن أحمد بن محمد،روى عنه أبو عبد اللّه الحسيني بن الحسن ابن زيد الحسيني القصبي أنبأ القاضي أبو الفتح أحمد بن محمد بن بختيار الواسطي قال:كتبت إلى أبي جعفر محمد ابن الحسن بن محمد الهمداني قال:

أخبرني السيد أبو عبد اللّه الحسين بن الحسن بن زيد الحسيني بقراءتي عليه بجرجان.

قال:حدّثنا الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد بن العلوي المحمدي ببغداد في شهر رمضان من سنة خمس و عشرين و أربعمائة قال:حدّثنا القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرّحمن بن خلاد و بكر بن أحمد بن مخلد و أبو عبد اللّه الغالبي قالوا:

ص: 57


1- طبع الكتاب في ذيل تاريخ بغداد و لكنه ناقص من أوله و آخره و التي من ضمنها ترجمة الحسن بن أحمد.

حدّثنا محمد بن هارون المنصوري العباسي قال:حدّثنا أحمد بن شاكر قال:حدّثنا يحيى بن أكثم القاضي قال:حدّثنا المأمون عن عطية العوفي عن ثابت البناني عن أنس بن مالك عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«لما أراد اللّه عزّ و جل أن يهلك قوم نوح عليه السّلام أوحى اللّه إليه أن شق ألواح الساج فلمّا شقها لم يدر ما يصنع فهبط جبرائيل عليه السّلام فأراه هيئة السفينة و معه تابوت فيه مائة ألف مسمار فسمّر المسامير كلها في السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير فضرب بيده إلى مسمار منها فأشرق في يده و أضاء كما يضيء الكوكب الدرّي في أفق السماء،فتحيّر من ذلك نوح عليه السّلام فأنطق اللّه ذلك المسمار بلسان طلق زلق فقال:على اسم خير الأنبياء محمد بن عبد اللّه،فهبط جبرائيل فقال له:يا جبرائيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله؟

قال:هذا باسم خير الأولين و الآخرين محمد بن عبد اللّه أسمره في أولها على جانب السفينة الأيمن ثم ضرب بيده على مسمار ثان فأشرق و أنار فقال نوح:و ما هذا المسمار؟

قال:مسمار أخيه و ابن عمه علي بن أبي طالب عليه السّلام فأسمره على جانب السفينة الأيسر في أولها،ثم ضرب يده إلى مسمار ثالث فزهر و أشرق و أنار.

فقال له جبرائيل عليه السّلام:هذا مسمار فاطمة فأسمره إلى جانب مسمار أبيها،ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر و أنار.

فقال له:هذا مسمار الحسن عليه السّلام فأسمره إلى جانب مسمار أبيه،ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فأشرق و أنار.

فقال:يا جبرائيل ما هذه النداوة؟

فقال:هذا مسمار الحسين بن علي السيد الجليل الشهيد سيد الشهداء فأسمره إلى جانب مسمار أخيه».

ثم قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«قال اللّه تعالى: وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:

ص: 58

«الألواح خشب السفينة و نحن الدّسر و لو لا نا ما سارت السفينة بأهلها».

أقول:قال أبو القاسم عقيب هذا الحديث:يقول أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن الطاووس مصنف هذا الكتاب:و إنما ذكرت هذا الحديث لأنه يرويه محمد ابن النجّار الذي هو من أعيان أهل الحديث من الأربعة المذاهب و ثقاتهم و من لا يتهم فيما يرويه من فضائل أهل البيت عليهم السّلام و علوّ مقاماتهم و ما رأيت و لا رويته من طريق شيعتهم إلى الآن،فإذا كان نجاة سفينة نوح بأهلها هم و هم السبب في النجاة،و هم أصل كل من بقي من ولد آدم صلوات اللّه عليه،فلا عجب إذا صلّى الإنسان عليهم عند ركوب كل سفينة شكرا لعلوّ مقاماتهم،و ما ظفرنا به من النجاة ببركاتهم،و إن اختار كل من ركب في سفينة و خاف من أخطارها و معاطبها أن يكتب على جوانبها في المواضع التي كانت أسماؤهم في سفينة نوح عليه السّلام توسلا و توصلا في الظفر بما انتهت في النجاة سفينة نوح عليه السّلام إليه،و يكتبه في رقاع و يلصقها في جوانب سفينة ركوبه،فلا يبعد من فضل اللّه جلّ جلاله أن يظفر بمطلوبه و إدراك محبوبه إن شاء اللّه تعالى (1).

ابن بابويه من هذا الكتاب قال:حدّثنا علي بن الحسن بن محمد بن مندة قال:

حدّثنا أبو محمد هارون بن موسى قال:حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد قال:حدّثنا محمد بن سالم بن عبد الرّحمن الأزدي عن الحسن بن أبي جعفر قال:

حدّثنا علي ابن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي ذر قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«الأئمة من بعدي إثنا عشر تسعة من صلب الحسين تاسعهم قائمهم».

ثم قال عليه السّلام:«ألا إن مثلهم فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلّف عنها هلك9.

ص: 59


1- الآمان من أخطار الأسفار:118-120 الفصل الرابع،و نوادر المعجزات:64،و البحار:/11 328 ح 49.

و مثل باب حطّة في بني إسرائيل» (1).

و بإسناده قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلي عليّ و على أهل بيتي» (2).ق.

ص: 60


1- كفاية الأثر:34-35.
2- بعض المصادر السابق.

في أن الحسين و الأئمة هم العروة الوثقى

ابن بابويه بإسناده قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«الأئمة من ولد الحسين من أطاعهم فقد أطاع اللّه و من عصاهم فقد عصى اللّه هم العروة الوثقى و هم الوسيلة إلى اللّه تعالى» (1).

سعد بن عبد اللّه القمي في(بصائر الدرجات)عن أحمد و عبد اللّه ابني محمد بن عيسى و محمد بن الحسين بن الخطاب و يعقوب بن يزيد و محمد بن عيسى بن عبيد عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن غالب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال في خطبة طويلة له:«مضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خلف في أمته كتاب اللّه و وصيه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السّلام و إمام المتقين و حبل اللّه المتين و حبل اللّه المتين و عروته الوثقى التي لا انفصام لها و عهده المؤكد صاحبان مؤتلفان يشهد كل واحد منهما لصاحبه بالتصديق ينطق بالإمام عن اللّه عزّ و جل في الكتاب بما أوجب اللّه فيه على العباد من طاعة اللّه و طاعة الإمام و ولايته، و واجب حقه الذي أراد اللّه من استكمال دينه و إظهار أمره و الإحتجاج بحجته و الإستضاءة بنوره في معادن أهل صفوته و مصطفى أهل خيرته،فأوضح اللّه به الهدى (2)من أهل بيت نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله عن دينه،و أبلج بهم عن منهاج سبيله و وضح (3)بهم عن باطن ينابيع علمه،فمن عرف من أمة محمد صلّى اللّه عليه و آله واجب حق إمامته وجد طعم حلاوة إيمانه

ص: 61


1- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:/63/1ح 217.
2- في المصدر:قد ذخر اللّه بأئمة الهدى.
3- في بعض المصادر:و فتح.

و علم فضل طلاوة إسلامه؛لأن اللّه عزّ و جل و رسوله نصب الإمام علما لخلقه و حجة على أهل عالمه ألبسه تاج الوقار و غشّاه[من]نور الجبّار يمد بسبب إلى السماء لا ينقطع موادّه (1)و لا ينال ما عند اللّه إلاّ بجهة أسبابه (2)،و لا يقبل اللّه معرفة العباد إلا بمعرفته،هو عالم بما يرد عليه من ملبسات الوحي و معمّيات (3)السنن و مشتبهات الفتن،و لم يكن اللّه ليضلهم بعد إذ هداهم حتى يبيّن لهم ما يتقون و تكون الحجة من اللّه على العباد بالغة» (4).

و روى هذا الحديث محمد بن يعقوب في(الكافي)بزيادة و نقصان هكذا عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن غالب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة عليهم السّلام و صفاتهم:«إن اللّه عزّ و جل أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه و أبلج بهم عن سبيل منهاجه، و منح بهم-في نسخة:و فتح بهم-عن باطن ينابيع علمه،فمن عرف من أمة محمد صلّى اللّه عليه و آله و أحب حق إمامته وجد طعم حلاوة إيمانه و علم فضل طلاوة إسلامه،لأن اللّه تبارك و تعالى نصب الإمام علما لخلقه و جعله حجة على أهل موادّه و عالمه،ألبسه اللّه تاج الوقار و غشّاه من نور الجبار يمدّ بسبب إلى السماء لا ينقطع عنه موادّه،و لا ينال ما عند اللّه إلاّ بجهة أسبابه،و لا يقبل اللّه أعمال العباد إلاّ بمعرفته،فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى و معميات السنن و مشتبهات الفتن،فلم يزل اللّه تبارك و تعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين عليه السّلام من عقب كل إمام يصطفيهم لذلك و يجتبيهم و يرضى بهم لخلقه و يرتضيهم،كل ما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماما علما بيّنا و هاديا7.

ص: 62


1- في بعض المصادر:موارده.
2- في بعض المصادر:بجهد أسباب سبيله.
3- في بعض المصادر:مصيبات.
4- بصائر الدرجات:433 ح 2 باب 17.

نيرا و إماما قيما و حجة عالما،أئمة من اللّه يهدون بالحق و به يعدلون حجج اللّه و دعاته و رعاته على خلقه يدين بهداهم (1)العباد و تستهل بنورهم البلاد و ينمو ببركتهم التلاد، جعلهم اللّه حياة للأنام و مصابيح للظلام و مفاتيح للكلام و دعائم للإسلام جرت بذلك فيهم مقادير اللّه على محتومها.

فالإمام هو المنتجب المرتضى و الهادي المنتجى و القائم المرتجى اصطفاه اللّه بذلك و اصطنعه على عينه في الذر حين ذراه و في البرية حين برأه،ظلا قبل خلق نسمة عن يمين عرشه محبوا بالحكمة في علم الغيب عنده إختاره بعلمه و انتجبه لطهره،بقية من آدم عليه السّلام و خيرة من ذرية نوح و مصطفى من آل إبراهيم،و سلالة من إسماعيل صفوة من عترة محمد صلّى اللّه عليه و آله،لم يزل مرعيا بعين اللّه يحفظه و يكلؤه بستره،مطرودا عنه حبائل إبليس و جنوده مدفوعا عنه وقوب الغواسق (2)و نفوث كل فاسق،مصروفا عنه قوارف السوء مبرءا من العاهات،محجوبا عن الآفات معصوما من الزلات مصونا عن الفواحش كلها،معروفا بالحلم و البرّ في بقاعه (3)منسوبا إلى العفاف و العلم و الفضل عند انتهائه، مسندا إليه أمره والده صامتا عن النطق في حياته،فإذا انقطعت مدة والده إلى أن انتهت به مقادير اللّه إلى مشيئته و جاءت الارادة من اللّه فيه إلى محبته و بلغ منتهى مدة والده عليه السّلام فمضى و صار أمر اللّه إليه من بعده،و قلّده دينه و جعله الحجة على عباده و قيّمه في بلاده و أيّده بروحه و أتاه علمه و أنبأه أفضل (4)بيانه،و استودعه سره و انتد به لعظيم أمره و أنبأه فضل بيان علمه و نصبه علما لخلقه و جعله حجة على أهل عالمه و ضياء لأهل دينه و القيّم على عباده.ل.

ص: 63


1- في بعض المصادر:بهديهم.
2- الغاسق:الليل المظلم،و الوقوب:الدخول.
3- في بعض المصادر:يفاعه:و اليفاع أول السنة.
4- في بعض المصادر:فصل.

رضي اللّه به إماما لهم استودعه سره و استحفظه علمه و استخبأه حكمته و استرعاه لدينه و انتد به لعظيم أمره و أحيا به مناهج سبيله و فرائضه و حدوده،فقام بالعدل عند تحير أهل الجهل و تحيير أهل الجدل،بالنور الساطع و الشفاء النافع بالحق الأبلج و البيان اللائح من كل مخرج على طريق المنهج الذي مضى عليه الصادقون من آبائه عليهم السّلام فليس يجهل حق هذا العالم إلاّ شقي،و لا يجحده إلاّ غوي،و لا يصد عنه إلاّ جري على اللّه جلّ و علا» (1).2.

ص: 64


1- الكافي:205/1-203 ح 2.

في أن الحسين و الأئمة الاثني عشر أركان الإيمان

و لا يقبل اللّه جل جلاله الأعمال من العباد إلاّ بولايتهم

أبو المؤيد موفق بن أحمد من أعيان علماء العامة في كتاب(الفضائل)قال:

حدّثني فخرّ القضاة نجم الدين أبي منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي فيما كتب إليّ من همدان قال:أنبأنا الإمام الشريف نور الهدى أبو طالب الحسن بن محمد الزينبي قال:أخبرنا إمام الأئمة محمد بن أحمد بن شاذان قال:حدّثنا أحمد ابن محمد بن عبد اللّه الحافظ قال:حدّثنا علي بن سنان الموصلي عن أحمد بن محمد ابن صالح عن سليمان بن محمد عن زياد بن مسلم عن عبد الرّحمن بن زيد عن زيد ابن جابر عن سلامة عن أبي سليمان راعي رسول اللّه قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«ليلة أسري بي إلى السماء قال لي الجليل جل جلاله: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ فقلت: وَ الْمُؤْمِنُونَ قال:صدقت،قال:من خلفت في أمتك؟

قلت:خيرها،قال:علي بن أبي طالب،قلت:نعم يا رب،قال:يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من أسمائي فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي،فأنا المحمود و أنت محمد،ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا و شققت له اسما من أسمائي فأنا الأعلى و هو علي يا محمد إني خلقتك و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من نوري و عرضت ولايتكم على أهل السماوات و الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين و من جحدها كان عندي من الكافرين،يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما

ص: 65

غفرت له حتى يقرّ بولايتكم،يا محمد تحب أن تراهم؟

قلت:نعم يا رب فقال:التفت عن يمين العرش فالتفت فإذا بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و المهدي عليه السّلام في ضحضاح من نور قيام يصلّون و هو في وسطهم-يعني المهدي عليه السّلام-كأنه كوكب درّي و قال:يا محمد هؤلاء الحجج و هو الثائر من عترتك و عزّتي إنّه الحجة الواجبة لأوليائي و المنتقم من أعدائي» (1).

أبو المظفر السمعاني من أعيان علماء العامة في كتاب(مناقب الصحابة) بإسناده عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعرفات و أنا و علي عليه السّلام عنده فأومأ النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى علي عليه السّلام فقال:«يا علي ضع خمسك في خمسي- يعني كفك في كفي-يا علي خلقت أنا و أنت من شجرة أنا أصلها و أنت فرعها و الحسن و الحسين أغصانها فمن تعلق بغصن من أغصانها دخل الجنة،يا علي لو أن أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا و صلّوا حتى كانوا كالأوتار ثم أبغضوك لأكبّهم اللّه على وجوههم [في الدار]» (2).

و روى:هذا الحديث من طريق العامة أيضا إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة في كتاب(فرائد السمطين)قال:أخبرنا العدل ظهير الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمود الكازروني بقراءتي عليه ببغداد بالرباط البسطامي تجاه مسجد القمرية غربي دجلة قلت له:أخبرتك الشيخة الصالحة ضوء الصباح عجيبة بنت أبي بكر محمد بن أبي طالب بن أحمد بن مرزوق الباقداري إجازة فأقرّ به (3).6.

ص: 66


1- رواه عن الموفق بن أحمد ابن طاووس في الطرائف:/172ح 270،و لم نجده في المناقب.
2- تاريخ دمشق:6442/ ط.دار الفكر،و الفردوسي للديلمي:331/5 ح 8345.
3- فرائد السمطين:/51/1ب /4ح 16.

و أخبرني عنها أيضا إجازة الشيخ المحدث عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس بن الزجاج العلقمي بقراءته علينا في جمادى الأولى سنة أربع و أربعين و ستمائة قالت:أنبأنا الشيخ الثقة أبو الحسن يحيى عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف قراءة عليه و أنا استمع قال:أنبأنا أبو بكر عبد اللّه بن محمد بن جحشويه قال:أنبأنا الشيخ الزاهد الولي أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحربي القزويني قال:أنبأنا أبو الفتح يوسف بن عمرو بن مسرور القواس إملاء من لفظة يوم السبت لليلتين خلتا من شهر ربيع الآخر سنة ثلاثة و ثماني و ثلاثمائة قال:حدثني أبو بكر أحمد بن إبراهيم الطوابيقي إملاء من لفظة سنة سبع و عشرين و ثلاثمائة قال:أنبأنا أحمد بن زنجويه بن موسى قال:نبأنا عثمان بن عبد اللّه العثماني قال:نبأنا عبد اللّه بن لهيعة عن أبي الزبير المكي قال:

سمعت جابر بن عبد اللّه الأنصاري يقول:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعرفات و علي عليه السّلام تجاهه فأومأ إليّ و إلى علي عليه السّلام فأتينا فقال:«أدن منّي يا عليّ فدنا علي منه فقال:اطرح خمسك في خمسي-يعني كفّك في كفي-يا علي أنا و أنت من شجرة أنا أصلها و أنت فرعها و الحسن و الحسين أغصانها فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله اللّه تعالى الجنة، يا علي لو أن أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا و صلوا حتى يكونوا كالأوتار ثم أبغضوك لأكبّهم اللّه تعالى في النار» (1).

قال مؤلّف هذا الكتاب:يكفي في بغض علي و بنيه عليهم السّلام تقديم غيرهم عليهم و موالاة غيرهم كما جاءت به الروايات.

و من طريق العامة ما ذكره ابن شاذان أبو الحسن الفقيه في(المناقب المائة في فضائل أمير المؤمنين علي عليه السّلام و فضائل الأئمة عليهم السّلام)من طرق العامة بحذف الإسناد عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:حدّثني6.

ص: 67


1- فرائد السمطين:/51/1ب /4ح 16.

جبرائيل عن رب العزة جل جلاله أنه قال:من علم (1)أن لا إله إلا أنا وحدي و أن محمدا عبدي و رسولي،و أن علي بن أبي طالب خليفتي،و أن الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي و نجّيته من النار بعفوي و أبحت له جواري،و أوجبت له كرامتي و أتممت عليه نعمتي و جعلته من خاصتي و خالصتي،إن ناداني لبيته و إن دعاني أجبته،و إن سألني أعطيته و إن سكت ابتدأته و إن أساء رحمته و إن فرّ منّي دعوته و إن رجع إليّ قبلته،و إن قرع بابي فتحته.

و من لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي،أو شهد بذلك و لم يشهد أن محمدا عبدي و رسولي،أو شهد بذلك و لم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي،أو شهد بذلك و لم يشهد أن الأئمة من ولده حججي،فقد جحد نعمتي و صغّر عظمتي و كفر بآياتي و كتبي و رسلي،إن قصدني حجبته،و إن سألني حرمته و إن ناداني لم أسمع نداءه و إن دعاني لم أستجب دعاءه،و إن رجاني خيبته و ذلك جزاؤه منّي و ما أنا بظلاّم للعبيد.

فقام جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال:يا رسول اللّه و من الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟

قال:الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة،ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين،ثم الباقر محمد بن علي و ستدركه يا جابر فإذا أدركته فاقرئه منّي السلام،ثم الصادق جعفر بن محمد،ثم الكاظم موسى بن جعفر،ثم الرضا علي بن موسى،ثم التقي محمد بن علي،ثم النقي علي بن محمد،ثم الزكي الحسن بن علي،ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،هؤلاء يا جابر خلفائي و أوصيائي و أولادي و عترتي من أطاعهم فقد أطاعني و من عصاهم فقد عصاني و من أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني و بهم يمسك السماء أن تقع علىر.

ص: 68


1- في بعض المصادر:أقر.

الأرض[إلا باذنه]و بهم يحفظ اللّه الأرض أن تميد بأهلها» (1).

ابن يعقوب عن الحسين بن محمد بن معلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن فضالة عن أيوّب عن معاوية بن وهب عن ذريح قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأئمة عليهم السّلام بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:«كان أمير المؤمنين ثم كان الحسن إماما ثم كان علي بن الحسين إماما،ثم كان علي بن الحسين إماما،ثم كان محمد بن علي إماما،من أنكر ذلك كان كمن أنكر معرفة اللّه تبارك و تعالى و معرفة رسوله صلّى اللّه عليه و آله»-ثم قال-قلت:ثم أنت جعلت فداك؟فأعدتها عليه ثلاث مرات.

فقال لي:«إنما حدّثتك لتكون من شهداء اللّه تبارك و تعالى في أرضه» (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر قال:حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن علي بن معبد عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى عليهما السّلام عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أنا سيّد من خلق اللّه عزّ و جل و أنا خير من جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل و حملة العرش و جميع ملائكة اللّه المقربين و أنبياء اللّه المرسلين،و أنا صاحب الشفاعة و الحوض الشريف،و أنا و علي أبوا هذه الأمة من عرفنا فقد عرف اللّه و من أنكرنا فقد أنكر للّه عزّ و جل،و من علي سبطا أمتي و سيدا شباب أهل الجنة:الحسن،الحسين،و من ولد الحسين تسعة طاعتهم طاعتي و معصيتهم معصيتي تاسعهم قائمهم و مهديهم» (3).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكل قدّس سرّه قال:حدّثني محمد بن أبي عبد اللّه قال:حدّثنا موسى بن عمران النخعي عن عمّه الحسين بن يزيد عن الحسن بن علي أبي حمزة الثمالي عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن7.

ص: 69


1- مائة منقبة:167-169 المنقبة 92 و انظر الهامش.
2- بعض المصادر السابق:ح 5.
3- كمال الدين و تمام النعمة:/261ح 7.

آبائه عليهم السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:حدّثني جبرائيل عن رب العزّة جل جلاله أنّه قال:من علم أن لا إله إلاّ اللّه وحدي و أن محمدا عبدي و رسولي و أن علي بن أبي طالب خليفتي، و أن الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي و أنجيته من النار بعفوي و أبحت له جواري و أوجبت له كرامتي و أتممت عليه نعمتي و جعلته من خاصّتي و خالصتي إن ناداني لبيته،و إن سألني أعطيته،و إن سكت ابتدأته،و إن أساء رحمته،و إن فرّ منّي دعوته، و إن رجع إليّ قبلته،و إن قرع بابي فتحته.

و من لم يشهد أن لا إله إلاّ أنا وحدي أو شهد و لم يشهد أن محمدا عبدي و رسولي أو شهد بذلك و لم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي،أو شهد بذلك و لم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي و صغّر عظمتي و كفر بآياتي و كتبي إن قصدني حجبته،و إن سألني حرمته،و إن ناداني لم أسمع نداءه،و إن لم أسمع دعاءه،و إن رجاني خيبته و ذلك جزاؤه منّي و ما أنا بظلاّم للعبيد فقام جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال:يا رسول اللّه و من الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟

قال:الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين،ثم الباقر محمد بن علي و ستدركه يا جابر فإذا ادركته فاقرئه منّي السلام،ثم الصادق جعفر بن محمد،ثم الكاظم موسى بن جعفر،ثم الرضا علي بن موسى،ثم التقي محمد بن علي،ثم النقي علي بن محمد،ثم الزكي الحسن بن علي،ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،هؤلاء يا جابر خلفائي و أوصيائي و أولادي و عترتي من أطاعهم فقد أطاعني و من عصاهم فقد عصاني و من أنكرهم أو أنكر واحدا مهم فقد أنكرني بهم يمسك اللّه عزّ و جلّ السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه و بهم يحفظ الأرض أن تميد بأهلها» (1).

ابن بابويه قال:حدّثني علي بن الحسن قال:حدّثني هارون بن موسى قال:3.

ص: 70


1- كمال الدين و تمام النعمة:/258ح 3.

حدّثني أبو عبد اللّه الحسين بن أحمد بن شيبان القزويني قال:حدّثنا أبو عمر أحمد ابن علي الفندي قال:حدّثنا علي بن سعد بن مسروق حدّثنا عبد الكريم بن هلال المكي عن أبي الطفيل عن أبي ذر قدّس سرّه قال:سمعت فاطمة عليها السّلام تقول:«سألت أبي صلّى اللّه عليه و آله عن قول للّه تبارك و تعالى: وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ قال:هم الأئمة بعدي عليّ و سبطاي و تسعة من صلب الحسين عليهم السّلام فهم رجال الأعراف لا يدخل الجنة إلاّ من يعرفهم و يعرفونه و لا يدخل النار إلاّ من أنكرهم و ينكرونه و لا يعرف اللّه تعالى إلاّ بسبيل معرفتهم» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق قدّس سرّه قال أخبرنا محمد بن محمد الهمداني قال:حدّثني محمد بن هشام قال:حدّثنا علي بن الحسن السائح قال:سمعت الحسن بن علي عليه السّلام-أي العسكري عليه السّلام قال-«حدّثني أبي عن أبيه عن جده عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلي بن أبي طالب لا يحبك إلاّ مؤمن طابت ولادته و لا يبغضك إلاّ من خبثت ولادته و لا يواليك إلاّ مؤمن و لا يعاديك إلاّ كافر فقام إليه عبد اللّه بن مسعود فقال:يا رسول اللّه قد عرفنا علامة خبيث الولادة و الكافر في حياتك ببغض علي و عداوته فما علامة خبيث الولادة و الكافر بعد إذا أظهر الإسلام بلسانه و أخفى مكنون سريرته؟

فقال عليه السّلام:يابن مسعود علي بن أبي طالب إمامكم بعدي و خليفتي عليكم فإذا مضى فابني الحسن إمامكم بعده و خليفتي عليكم،فإذا مضى فابني الحسين إمامكم بعده و خليفتي عليكم ثم تسعة من ولد الحسين واحدا بعد واحد أئمتكم و خلفائي عليكم تاسعهم قائمهم قائم أمتي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما لا يحبهم إلاّ من طابت ولادته و لا يبغضهم إلاّ من خبثت ولادته و لا يواليهم إلا مؤمن و لا يعاديهم إلاّ كافر،و من أنكر واحدا منهم فقد أنكرني،و من أنكرني فقد أنكر اللّه،و من جحد واحدا5.

ص: 71


1- كفاية الأثر:195.

منهم فقد جحدني و من جحدني فقد جحد اللّه عزّ و جل؛لأن طاعتهم طاعتي و طاعتي طاعة اللّه و معصيتهم معصيتي و معصيتي معصية اللّه عزّ و جل يابن مسعود إياك أن تجد في نفسك حرجا مما قضيت فتكفر بعزة ربي و ما أنا متكلف و لا ناطق عن الهوى في علي و الأئمة من ولده ثم قال عليه السّلام-و هو رافع يديه إلى السماء-اللهمّ وال من والى خلفائي و الأئمة بعدي و عاد من عاداهم و انصر من نصرهم و اخذل من خذلهم،و لا تخلو الأرض من قائم منهم بحجتك ظاهرا أو خافيا مغمورا لئلا يبطل دينك و حجتك و برهانك ثم قال عليه السّلام:يابن مسعود و قد جمعت لكم في مقامي هذا ما إن فارقتموه هلكتم و إن تمسّكتم به نجوتم،و السلام على من اتبع الهدى» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن عبد اللّه الشيباني و القاضي أبو الفرج المعافي بن زكريا البغدادي و الحسين بن محمد بن سعيد و الحسين بن علي بن الحسن الرازي جميعا قالوا:حدّثنا أبو علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب قال:حدّثني الحسن بن محمد بن جمهور العمي عن أبيه محمد بن جمهور قال:حدّثني عثمان بن عمر قال:

حدّثنا شعبة بن سعيد (2)بن إبراهيم عن عبد الرّحمن الأعرج أن أبي هريرة قال:كنت عند النبي صلّى اللّه عليه و آله و أبو بكر و عمر و الفضل بن العباس و زيد بن حارثة و عبد اللّه بن مسعود إذ دخل الحسين بن علي عليه السّلام فأخذه النبي و قبله ثم قال:«حبقه حبقه ترق عين بقه و وضع فمه على فمه-ثم قال-:اللهم إني أحبه فأحبه و أحب من يحبه،يا حسين أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة،تسعة من ولدك أئمة أبرار،فقال له عبد اللّه بن مسعود:ما هؤلاء الأئمة الذين ذكرتهم في صلب الحسين؟فأطرق مليّا ثم رفع رأسه فقال:يا عبد اللّه سألت عظيما و لكني أخبرك أن ابني هذا-و وضع يده على كتف الحسين عليه السّلام-د.

ص: 72


1- كمال الدين و تمام النعمة:/261ح 8.
2- في بعض المصادر المعتمد:شعبة عن سعيد و بالهامش عن بعض نسخ بعض المصادر شعبة بن سعيد.

يخرج من صلبه ولد مبارك سميّ جده علي سيد العابدين و نور الزهّاد،و يخرج اللّه من صلب علي ولدا سمّي و اشبه الناس بي يبقر العلم بقرا و ينطق بالحق و يأمر بالصواب، و يخرج اللّه من صلبه كلمة الحق و لسان الصدق.

فقال له ابن مسعود:فما اسمه يا نبي اللّه؟

فقال له:جعفر صادق في قوله و فعله،الطّاعن عليه كالطاعن عليّ و الراد عليه كالراد عليّ،ثم دخل حسان بن ثابت و أنشد في رسول اللّه شعرا و انقطع الحديث،فلما كان من الغد صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم دخل بيت عائشة و دخلنا معه أنا و علي بن أبي طالب و عبد اللّه بن العبّاس و كان من دأبه إذا سئل أجاب و إذا لم يسأل ابتدأ فقلت له:بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه ألا تخبرني بباقي الخلفاء من صلب الحسين قال:نعم يا أبا هريرة، و يخرج اللّه من صلب جعفر مولودا تقيا طاهرا أسمر ربعة سميّي موسى بن عمران،ثم قال له ابن عباس:ثم من يا رسول اللّه؟

قال:يخرج من صلب موسى علي ابنه يدعى بالرضا موضع العلم و معدن الحلم،ثم قال صلّى اللّه عليه و آله بابني المقتول في أرض الغربة،و يخرج من صلب علي ابنه محمد المحمود أطهر الناس خلقا و أحسنهم خلقا،و يخرج من صلب محمد علي ابنه طاهر النجيب (1)صادق اللهجة،و يخرج من صلب علي الحسن الميمون النقي الطاهر الناطق عن اللّه و أبو حجة اللّه،و يخرج من صلب الحسن قائمنا أهل البيت يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا ظلما،له غيبة موسى و حكم داود و بهاء عيسى ثم تلا عليه السّلام ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (2)فقال له علي بن أبي طالب:بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه من هؤلاء الذين ذكرتهم؟

قال:يا علي أسماء الأوصياء من بعدك و العترة الطاهرة و الذرية المباركة ثم قال:4.

ص: 73


1- في المصدر:الحبيب.
2- آل عمران:34.

و الذي نفس محمد بيده لو أن رجلا عبد اللّه ألف عام ثم ألف عام بين الركن و المقام ثم أتاني جاحدا لولايتهم لأكبّه اللّه في النار كائنا من كان».

قال أبو علي بن همام:العجب كل العجب من أبي هريرة كيف يروي مثل هذه الأخبار ثم ينكر فضائل أهل البيت (1).

محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة عن أبي الحارث عبد اللّه بن عبد الملك ابن سهل الطبراني قال:حدّثنا محمد بن المثنى البغدادي قال:حدّثنا محمد بن إسماعيل الرقي قال:حدّثنا موسى بن عيسى بن عبد الرّحمن قال:حدّثنا هشام بن عبد اللّه الدستوائي قال:حدثني علي بن محمد عن عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد الجعفي عن محمد بن علي الباقر عليه السّلام عن سالم بن عبد اللّه بن عمر عن أبيه عبد اللّه بن عمر قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إن اللّه إليّ ليلة أسرى بي:يا محمد من خلفت في الأرض على أمتك-و هو أعلم بذلك،قلت:يا رب أخي،قال:يا محمد علي بن أبي طالب،قلت:نعم يا رب،قال:يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترك منها فلا أذكر حتى تذكر معي أنا المحمود و أنت محمد،ثم إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة أخرى فاخترت منها علي بن أبي طالب،فجعلته وصيّك فأنت سيد الأنبياء و علي سيد الأوصياء،ثم شققت له اسما من اسمائي فأنا الأعلى و هو علي،يا محمد إني خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من نور واحد ثم عرضت ولايتهم على الملائكة فمن قبلها كان من المقربين و من جحدها كان من الكافرين،يا محمد لو أن عبدا من عبادي عبدني حتى ينقطع ثم يلقاني (2)جاحدا لولايتهم أدخلته النار،ثم قال:يا محمد أتحب أن تراهم؟

قلت:نعم،فقال:تقدم أمامك،فتقدمت أمامي فإذا بعلي بن أبي طالب و الحسن بني.

ص: 74


1- كفاية الأثر:85.
2- في بعض المصادر:لقيني.

علي و الحسين بن علي و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و الحجة القائم كأنه الكوكب الدرّي في وسطهم،فقلت و من هؤلاء؟

قال:هؤلاء الأئمة و هذا القائم يحل (1)حلالي و يحرّم حرامي و ينتقم من أعدائي،يا محمد أحبّه فإني أحبه و أحب من يحبّه».

الشيخ المفيد في أماليه قال:حدّثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين-يعني ابن بابويه-قال:حدثني أبي قال:حدّثنا سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن الفضل بن عمر الجعفي عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السّلام عن أبيه عن جده قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلي بن أبي طالب:أنا و أنت و أبناؤك الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين أركان الدين و دعائم الإسلام من تبعنا نجا و من تخلّف عنّا فإلى النار» (2).4.

ص: 75


1- في بعض المصادر:محلل.
2- أمالي المفيد:/217مجلس /25ح 4.

بالحسين و الأئمة عليهم السلام يرحم اللّه العباد

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضى اللّه عنه قال:حدّثنا محمد بن أبي عبد اللّه الكوفي،عن موسى بن عمران النخعي،عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم،عن أبيه،عن أبي حمزة الثمالي،عن سعد الخفاف عن الأصبغ بن نباتة،عن عبد اللّه بن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لمّا عرج بي إلى السماء السابعة، و منها إلى سدرة المنتهى،و من السدرة إلى حجب النور ناداني ربي جل جلاله:يا محمد أنت عبدي و أنا ربك فلي فاخضع،و إياي فاعبد،و عليّ فتوكل،و بي فثق،فإني قد رضيت بك عبدا و حبيبا،و رسولا،و نبيا،و بأخيك (1)خليفة و بابا،فهو حجتي على عبادي،و إمام خلقي،و به يعرف أوليائي من أعدائي،و به يميز حزب الشيطان من حزبي،و به يقام ديني،و تحفظ حدودي،و تنفذ أحكامي،و بك و به و بالأئمة من ولده أرحم عبادي و إمائي،القائم منكم يعمر أرضي بتسبيحي،و تهليلي (2)،و تكبيري و تحميدي،و به أطهر الأرض من أعدائي،و أورثها أوليائي،و به أجعل كلمة الذين كفروا السفلى و كلمتي العليا و به أحيي عبادي و بلادي بعلمي،و به أظهر الكنوز و الذخائر بمشيتي،و إياه أظهر على الأسرار و الضمائر بارادتي،و أيده بملائكتي (3)لتؤيده على إنفاذ أمري و إعلان ديني، ذلك وليي حقا،و مهدي عبادي صدقا» (4).

ص: 76


1- في بعض المصادر:و بأخيك علي.
2- في بعض المصادر:و تهليلي و تقديسي.
3- في المصدر:و أمده بملائكتي.
4- أمالي الصدوق ص 565.

الحسين عليه السلام أحد أركان سفينة نوح

إبراهيم بن محمد الحمويني قال:أخبرني الجلّة من أهل الحلّة السيدان الامامان جمال الدين أحمد بن موسى بن طاوس الحسيني،و جلال الدين عبد الحميد بن فخار بن معد بن فخار الموسوي،و الإمام العلامة نجم الدين أبو القاسم جعفر بن محمد بن سعيد (1)-رحمهم اللّه-بروايتهم،عن السيد الإمام شمس الملة و الدين شيخ الشرف فخار بن معد بروايته،عن شاذان بن جبرائيل القمي،عن جعفر بن محمد الدورستي،عن أبيه،عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي-قدس اللّه أرواحهم-قال:حدّثنا علي بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي،عن أبيه،عن جده أحمد بن عبد اللّه،عن أبيه محمد بن خالد،عن غياث (2)بن إبراهيم،عن ثابت بن دينار،عن سعد بن طريف،عن سعيد بن جبير،عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلي بن أبي طالب:«يا علي أنا مدينة الحكمة و أنت بابها و لن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب،و كذب من زعم أنه يحبني و يبغضك لأنك مني و أنا منك،لحمك من لحمي،و دمك من دمي،و روحك من روحي،و سريرتك من سريرتي،و علانيتك من علانيتي،و أنت إمام أمتي و خليفتي عليها بعدي.

سعد من أطاعك و شقي من عصاك،و ربح من تولاك و خسر من عاداك،و فاز من لزمك،و هلك من فارقك،مثلك و مثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح،من ركب

ص: 77


1- في بعض المصادر:جعفر بن الحسن بن الحسين بن يحيى بن سعيد.
2- في بعض المصادر:عتاب.

فيها نجا و من تخلّف عنها غرق،و مثلكم مثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة» (1).7.

ص: 78


1- أمالي الطوسي:130/2-131.و فرائد السمطين 2:/243ح 517.

خدمة الملائكة للحسين عليه السلام و ذريته

ابن بابويه:قال:حدّثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي قال:حدّثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي قال:حدّثنا محمد بن علي بن أحمد الهمداني قال:حدثني أبو الفضل العباس بن عبد اللّه البخاري قال:حدّثنا محمد بن القاسم بن إبراهيم بن عبد اللّه بن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال:حدّثنا عبد السلام بن صالح الهروي، عن علي بن موسى الرضا عليه السّلام عن أبيه موسى بن جعفر،عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي،عن أبيه علي بن الحسين،عن أبيه الحسين بن علي،عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«ما خلق اللّه خلقا أفضل مني و لا أكرم مني عليه».

قال علي عليه السّلام:فقلت:«يا رسول اللّه فأنت أفضل أم جبرائيل»؟

قال عليه السّلام:«يا علي إن اللّه تبارك و تعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، و فضلني على جميع النبيين و المرسلين،و الفضل بعدي لك.

يا علي و للأئمة من بعدك فإن الملائكة لخدامنا و خدّام محبينا،يا علي اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا (1)بولايتنا.

يا علي لو لا نحن ما خلق اللّه آدم و لا حواء،و لا الجنة و لا النار،و لا الأرض،و كيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سبقناهم إلى التوحيد و معرفة ربنا عز و جل و تسبيحه و تقديسه و تهليله لأن اوّل ما خلق اللّه عز و جل أرواحنا فأنطقنا بتوحيده و تمجيده،ثم

ص: 79


1- غافر:7.

خلق الملائكة فلمّا شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا فسبّحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون و أنه منزه عن صفاتنا،فسبّحت الملائكة لتسبيحنا و نزّهته عن صفاتنا،فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا اللّه (1)فلما شاهدوا كبر محلّنا كبّرنا (2)لتعلم الملائكة أن اللّه أكبر من أن ينال،و إنه عظيم المحل،فلمّا شاهدوا ما جعل اللّه لنا من القدرة و القوة (3).

قلنا:لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم،لتعلم الملائكة ان لا حول و لا قوة إلا باللّه (4)،فلما شاهدوا ما أنعم اللّه به علينا و أوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا:الحمد للّه لتعلم الملائكة ما يحق للّه تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه.

فقالت الملائكة:الحمد للّه،فبنا اهتدوا إلى معرفة اللّه تعالى و تسبيحه و تهليله و تحميده و تمجيده.

ثم إن اللّه تعالى خلق آدم عليه السّلام و أودعنا صلبه و أمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا و إكراما و كان سجودهم للّه عز و جل عبودية و لآدم إكراما و طاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سجدوا لآدم كلهم أجمعون.

و إنه لما عرج بي إلى السماء:أذّن جبرائيل مثنى مثنى (5)ثم قال:تقدّم يا محمد، فقلت:يا جبرائيل أتقدم عليك؟

قال:نعم لأن اللّه تبارك و تعالى اسمه فضّل أنبياءه على ملائكته أجمعين و فضّلك خاصة،فتقدمت و صليت بهم و لا فخر،فلمّا انتهيت إلى حجب النور قال ليى.

ص: 80


1- في بعض المصادر:و انا عبيد و لسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه فقالوا لا إله إلاّ اللّه.فلما شاهدوا.
2- في بعض المصادر:كبرنا اللّه.
3- في بعض المصادر:من العزة و القوة.
4- في بعض المصادر:فقالت الملائكة:لا حول و لا قوة إلا باللّه،فلما شاهدوا.
5- في بعض المصادر:و أقام مثنى مثنى.

جبرائيل عليه السّلام:تقدّم يا محمد (1)إن هذا انتهاء حدي الذي وضعه اللّه لي في هذا المكان، فإن تجاوزته احترقت اجنحتي لتعدي حدود ربي جل جلاله،فزج (2)بي زجة في النور حتى انتهيت إلى حيث ما شاء اللّه عز و جل من ملكوته،فنوديت يا محمد أنت عبدي (3)و أنا ربك فإياي فاعبد،و علي فتوكل فإنك نوري في عبادي،و رسولي إلى خلقي، و حجتي في بريتي،لمن تبعك خلقت جنتي،و لمن خالفك خلقت ناري،و لأوصيائك أوجبت كرامتي،و لشيعتك أوجبت ثوابي.

فقلت:يا رب و من أوصيائي؟

فنوديت:يا محمد أوصياؤك المكتوبون على ساق العرش،فنظرت-و أنا بين يدي ربي-إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نورا،في كل نور سطر أخضر مكتوب عليه إسم كل وصي من أوصيائي،أوّلهم علي بن أبي طالب و آخرهم مهدي أمتي.

فقلت:يا رب أهؤلاء أوصيائي من بعدي؟

فنوديت:يا محمد هؤلاء أحبائي و أوليائي و أصفيائي و حججي بعدك على بريتي، و هم أوصياؤك و خلفاؤك،و خير خلقي بعدك.و عزتي و جلالي لأظهرنّ بهم ديني، و لأعلين بهم كلمتي،و لأطهّرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي،و لأملكنه (4)مشارق الأرض و مغاربها،و لأسخرن له الرياح،و لأذلن له الرقاب الصاب،و لأرقينه في الأسباب، و لأنصرنه بجندي،و لأمدنه بملائكتي حتى يعلن دعوتي و يجمع الخلق على توحيدي،ه.

ص: 81


1- في بعض المصادر:و تخلف عني،فقلت:يا جبرائيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال:يا محمد ان هذا.
2- في بعض المصادر:زخ.
3- في بعض المصادر:فنوديت يا محمد،فقلت:لبيك ربي و سعديك تباركت و تعاليت،فنوديت يا محمد أنت عبدي.
4- في المخطوط:و لأمكنه.

ثم لأديمن ملكه و لأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة» (1).

و عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام في حديث طويل جاء فيه:«و إن الملائكة تنزل علينا في رحالنا،و تأتينا بأخبار ما يحدث قبل أن يكون،و تصلي معنا و تدعو لنا،و تلقي علينا أجنحتها،و تتقلب على أجنحتها صبياننا،و تمنع الدواب أن تصل إلينا،و تأتينا مما في الأرض من كل نبات في زمانه،و تسقينا من ماء كل أرض،نجد ذلك في آنيتنا،و ما من يوم و لا ساعة و لا وقت صلاة إلاّ و هي تنبهنا لها» (2).4.

ص: 82


1- كمال الدين:254/1-256.
2- بحار الأنوار:374/25 باب غرائب افعالهم من كتاب الإمامة ح 24.

تفويض اللّه الى الحسين و الأئمة أمر الدين

محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن أبي زاهر عن عليّ بن إسماعيل عن صفوان بن يحيى عن عاصم بن حميد عن أبي إسحاق النحّوي قال:

دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فسمعته يقول:«انّ اللّه عزّ و جلّ أدّب نبيّه على محبّته فقال:

وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (1) ثمّ فوّض إليه فقال عزّ و جلّ: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (2)و قال عزّ و جلّ: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ (3)قال:ثمّ قال:و إن نبي اللّه فوّض إلى عليّ و ائتمنه فسّلمتم و جحد الناس فو اللّه لنحبّكم أن تقولوا إذا قلنا و أن تصمتوا إذا صمتنا و نحن فيما بينكم و بين اللّه عزّ و جلّ ما جعل اللّه لاحد خير في خلاف أمرنا». (4)

محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن يحيى بن أبي عمران عن يونس عن بكّار بن بكر عن موسى بن أشيم قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فسأله رجل عن آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ فأخبره بها ثمّ دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر الأوّل فدخلني من ذلك ما شاء اللّه حتّى كاد قلبي يشرح بالسكاكين فقلت في نفسي تركت أبا قتادة بالشّام لا يخطىء بالواو و شبهه و جئت

ص: 83


1- القلم:4.
2- الحشر:7.
3- النساء:80.
4- الكافي:/265/1باب التفويض إلى رسول اللّه.../ح 1.

إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كلّه فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني و أخبر صاحبي فسكنت نفسي فقلت:إنّ ذلك منه تقيّة قال ثمّ التفت و قال لي:«يا ابن أشيم انّ اللّه عزّ و جلّ فوّض إلى سليمان بن داود عليه السّلام فقال:

هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (1) و فوّض إلى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (2)فما فوّض إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقد فوّضه إلينا» (3).

محمّد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحجّال عن ثعلبة ابن ميمون عن زرارة قال:سمعت أبا جعفر و أبا عبد اللّه عليهما السّلام يقولان:«أنّ اللّه عزّ و جلّ فوّض إلى نبيه عليه السّلام أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثمّ تلا هذه الآية ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ». (4)

محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن فضيل بن يسار قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لبعض أصحابه قيس الماصر:«إنّ اللّه عزّ و جلّ أدّب نبيّه فأحسن أدبه فلمّا كمل الأدب قال: إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ثمّ فوّض إليه أمر الدين و الأمّة ليسوس عباده فقال عزّ و جلّ: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان مسدّدا موفقا و مؤيّدا بروح القدس لا يزلّ و لا يخطئ في شيء ما يسوس به الخلق فتأدّب بآداب اللّه ثمّ أنّ اللّه عزّ و جلّ فرض الصلاة ركعتين ركعتين عشر ركعات فأضاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى الركعتين ركعتين و إلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهنّ إلاّ في سفر و أفرد3.

ص: 84


1- ص:39.
2- الحشر:7.
3- الكافي:/265/1باب التفويض إلى رسول اللّه.../ح 2.
4- بعض المصادر السابق:ح 3.

الركعة في المغرب فتركها قائمة في السّفر و الحضر فأجاز اللّه له ذلك كلّه فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة،ثمّ سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله النوّافل أربعا و ثلاثين ركعة مثلي الفريضة فأجاز اللّه عزّ و جلّ له ذلك،و النّافلة و الفريضة إحدى و خمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر،و فرض اللّه عزّ و جلّ في السّنة صوم شهر رمضان و سن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صوم شهر شعبان و ثلاثة أيام من كلّ شهر مثلي الفريضة فأجاز اللّه عزّ و جلّ ذلك له،و حرّم اللّه عزّ و جلّ الخمر بعينها و حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المسكر من كلّ شراب فأجاز اللّه له ذلك،و عاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أشياء و كرهها و لم ينه عنها نهي حرام و انما نهى عنها نهي اعافة و كراهة،ثمّ رخص فيها فصار الأخذ برخصه واجبا على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه و عزائمه و لم يرخّص لهم رسول اللّه فيما نفاهم عنهم نهي حرام و لا فيما أمر به أمر فرض لازم،فكثير المسكر من الأشربة نهاهم عنه نهي حرام لم يرخص فيه لاحد و لم يرخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأحد تقصير الركعتين اللّتين ضمّها إلى ما فرض اللّه عزّ و جلّ بل ألزمهم ذلك إلزاما واجبا لم يرخص لأحد في شيء من ذلك الاّ للمسافر و ليس لأحد أن يرخصّ ما لم يرخّصه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فوافق أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر اللّه عزّ و جلّ و نهيه نهي اللّه عزّ و جلّ و وجب على العباد التسليم له كالتسليم للّه تبارك و تعالى» (1).

محمّد بن يعقوب عن أبي عليّ الاشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن ابن فضّال عن ثعلبة بن ميمون عن زرارة أنّه سمع أبا عبد اللّه و أبا جعفر عليهما السّلام يقولان:«انّ اللّه تبارك و تعالى فوض إلى نبيه أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثمّ تلا هذه الآية: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » (2).

محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان عن5.

ص: 85


1- الكافي:/266/1باب التفويض إلى رسول اللّه.../ح 4.
2- بعض المصادر السابق:ح 5.

إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«انّ اللّه تبارك و تعالى ادّب نبيّه صلّى اللّه عليه و آله فلمّا انتهى إلى ما أراده قال له: إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ففوّض اللّه إليه دينه فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و أنّ اللّه عزّ و جلّ فرض الفرائض و لم يقسم للجدّ شيئا و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أطعمه السّدس فأجاز اللّه جل ذكره له ذلك و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ » (1).

محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن زياد عن محمّد بن الحسن الميثمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:«انّ اللّه عزّ و جلّ أدّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى قوّمه على ما أراد ثمّ فوض إليه عزّ و جل: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فما فوّض اللّه إلى رسوله فقد فوّضه إلينا» (2).

محمّد بن يعقوب عن عليّ بن محمّد عن عدّة من أصحابنا (3)عن الحسين بن عبد الرحمن عن مندل (4)الحنّاط عن زيد الشحّام قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ قال:«أعطى سليمان ملكا عظيما ثمّ جرت هذه الآية في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فكان له أن يعطي ما يشاء و يمنع من يشاء و أعطاه أفضل مما اعطى سليمان لقوله تعالى: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ». (5)

محمّد بن الحسن الصّفار في بصائر الدّرجات عن يعقوب بن يزيد عن محمّد بن0.

ص: 86


1- بعض المصادر السابق:ح 6.
2- بعض المصادر السابق:ح 9.
3- في بعض المصادر:بعض أصحابنا.
4- في بعض المصادر:صندل.
5- الكافي:/268/1باب التفويض إلى رسول اللّه.../ح 10.

أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي أسامة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«خلق اللّه محمّدا فأدّبه حتّى بلغ أربعين سنة أوحى اللّه إليه[و فوّض إليه]الأشياء فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » (1).

محمّد بن الحسن الصّفار أيضا عن محمّد بن عبد الجبّار عن الحسن بن عليّ بن فضّال عن ثعلبة عن زرارة أنّه سمع أبا عبد اللّه و أبا جعفر عليهما السّلام يقولان:«انّ اللّه فوّض إلى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثم تلا هذه الآية: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » (2).

محمّد بن الحسن الصّفّار أيضا عن محمّد بن عبد الجبّار عن البرقي عن فضالة عن ربعي عن القاسم بن محمّد قال:أنّ اللّه تبارك و تعالى أدّب نبيّه صلّى اللّه عليه و آله فأحسن أدبه فقال: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ،فلمّا كان ذلك أنزل اللّه إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ و فوّض إليه أمر دينه فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فحرّم اللّه الخمر بعينها و حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المسكر فأجاز اللّه ذلك له و لم يفوض إلى أحد من الأنبياء (3).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه اللّه قال:حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن ياسر الخادم قال:قلت للرّضا عليه السّلام ما تقول في التفويض فقال:«إنّ اللّه تعالى فوّض إلى نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فأمّا الخلق و الرزق فلا»ثمّ قال عليه السّلام:«إنّ اللّه تعالى خالق كل شيء و يقول اللّه تعالى:

اَلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ3.

ص: 87


1- بصائر الدرجات:/398باب التفويض إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله/ح 1.و فيه عن أبي جعفر عليه السّلام
2- بعض المصادر السابق:ح 2.
3- بعض المصادر السابق:ح 3.

شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ » (1).

محمّد بن العبّاس بن ماهياد الثقة قال:حدّثنا الحسن بن أحمد المالكي عن محمّد ابن عيسى عن محمّد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال«قوله عزّ و جلّ: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و اتقوا اللّه عن ظلم آل محمّد فإنّ اللّه شديد العقاب لمن ظلمهم» (2).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عندما سئل عن الإمام فوّض اللّه إليه كما فوضى الى سليمان عليه السّلام؟

فقال:«نعم» (3).

و في حديث:«كان سليمان عنده اسم اللّه الأكبر الذي إذا سأله أعطى،و إذا دعا به اجاب،و لو كان اليوم لاحتاج إلينا» (4).

و قد أعطى اللّه سليمان بقوله تعالى: وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ... وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ و قال: وَ مِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَ يَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ و قال عز من قائل: وَ قالَ يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (5).

و عنه عليه السّلام قال:«إن اللّه فوّض الى سليمان بن داود فقال هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ و فوض الى نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فما فوّض الى رسول اللّه فقد فوضه إلينا» (6).م.

ص: 88


1- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:219/1،و الآية في سورة الروم:40.
2- كتاب سليم بن قيس:468.
3- -أصول الكافي:438/1 في معرفتهم أوليائهم ح 3،و بحار الأنوار:329/25.
4- -بصائر الدرجات:211 في أنهم أعطوا الإسم الأعظم.
5- -سبأ:12،و الأنبياء:81-82،و النمل:16.
6- -بصائر الدرجات:385 فإن ان ما فوّض للرسول فرض إليهم.

عظمة الحسين عليه السلام و حرمته

روى المفيد عن الرضا عليه السّلام قال:عري الحسن و الحسين عليه السّلام و أدركهما العيد فقالا لأمّهما:قد زيّنوا صبيان المدينة إلاّ نحن فما لك أن تزيّنينا؟

فقالت:إنّ ثيابكما عند الخيّاط فإذا أتاني زينتكما،فلمّا كانت ليلة العيد أعادا القول على أمّهما فبكت و رحمتهما،فلمّا أخذ الظلام قرع الباب قارع فقال:يا بنت رسول اللّه أنا الخيّاط جئت بالثياب،ففتحت الباب فإذا رجل و معه من لباس العيد فناولها منديلا مشدودا فإذا فيه قميصان و دراعتان و سروالان و رداءان و عمامتان و خفّان أسودان معقبان بحمرة،فألبستهما و دخل رسول اللّه و هما مزيّنان فحملهما و قبّلهما ثمّ قال:رأيت الخيّاط؟

قالت:نعم يا رسول اللّه قال:يا بنيّة ما هو خيّاط إنّما هو رضوان خازن الجنان ما عرج حتّى جاءني و أخبرني.

و روى الحسن البصري و أمّ سلمة:إنّ الحسن و الحسين دخلا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بين يديه جبرائيل فجعلا يدوران حوله يشبّهانه بدحية الكلبي فتناول جبرائيل تفّاحة و سفرجلة و رمّانة فناولهما ففرحا و سعيا إلى جدّهما فشمّهما و قال:صيرا إلى أمّكما و أبيكما،فلم يأكلوا حتّى صار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليهم فأكلوا جميعا فلم يزل كلّما أكل منه عاد إلى مكان حتّى قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

قال الحسين عليه السّلام:فلم يلحقه التغيير حتّى توفّيت فاطمة ففقدنا الرمّان،فلمّا توفّى أمير المؤمنين فقدنا السفرجل و بقيت التفاحة إلى الوقت الذي حوصرت من الماء،

ص: 89

فكنت أشمّها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي،فلمّا اشتدّ عليّ العطش عضضتها و أيقنت بالفناء.

قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة،فلمّا قضى نحبه و جد ريحها في مصرعه فالتمست فلم ير لها أثر و بقي ريحها بعد الحسين عليه السّلام و لقد زرت قبره فوجدت ريحها يفوح من قبره فمن أراد بذلك من شيعتنا الزائرين ليعتبر فليلتمس ذلك أوقات السحر فإنّه يجده إذا كان مخلصا (1).

و في أمالي أبو الفتح عن ابن عبّاس قال:كنّا جلوسا عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ هبط عليه جبرائيل و معه جام من البلور الأحمر مملوّ مسكا و عنبرا فقال:السلام يقرئك السلام و يحييك بهذه التحيّة و يأمرك أن تحيي بها عليّا و ولديه،فلمّا صارت في كفّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هلّلت ثلاثا و كبّرت ثلاثا و قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى فشمّها (2)و حيّا بها عليّا،فلمّا صارت في كفّه قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ،فاشتمها علي و حيّا بها الحسن،فلمّا صارت في كفّ الحسن قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الآية،فاشتمها [الحسن]و حيّا بها الحسين،فلمّا صارت في كفّه قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ثمّ ردّت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فلم أدر أإلى السماء صعدت أم في الأرض نزلت (3).

و في كتاب المعالم أنّ ملكا نزل من السماء فقعد على يد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سلّم عليه بالنبوّة و على يد عليّ فسلّم عليه بالوصيّة و على يد الحسن و الحسين فسلّم عليهما3.

ص: 90


1- مناقب آل أبي طالب:161/3.
2- -في بعض المصادر:فاشتمها النبي.
3- مناقب آل أبي طالب:162/3.

بالخلافة،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لم لا تقعد على يد فلان؟

فقال:أنا لا أقعد على يد عصي عليها اللّه فكيف أقعد على يد عصت اللّه أربعين عاما؟ (1).

و في كتاب مناقب[آل أبي طالب]:أذنب رجل ذنبا في حياة رسول اللّه فتغيّب حتّى و جد الحسن و الحسين في طريق خال فاحتملهما على عاتقيه و أتى بهما النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:يا رسول اللّه إنّي مستجير باللّه و بهما فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى ردّ يده إلى فمه ثمّ قال للرجل:إذهب فأنت طليق،و قال لحسن و حسين:قد شفّعتكما فيه فأنزل اللّه تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً (2)(3).

و في حديث مدرك بن أبي زيد:قلت لابن عبّاس-و قد أمسك للحسن ثمّ الحسين بالركاب و سوّى عليهما-:أنت أسنّ منهما تمسك لهما بالركاب فقال:يالكع و ما تدري من هذان،هذان ابنا رسول اللّه أو ليس ممّا أنعم اللّه عليّ به أن أمسك لهما و أسوّي عليهما (4).

و في الأمالي عن الباقر و الصادق عليهما السّلام:إنّ اللّه تعالى عوّض الحسين عليه السّلام من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيته و إجابة الدّعاء عند قبره و لا تعد أيّام زائريه جائيا و راجعا من عمره (5).

و عن ابن عبّاس قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:إنّ للّه تبارك و تعالى ملكا1.

ص: 91


1- مناقب آل أبي طالب:162/3.
2- سورة النساء:64.
3- مناقب آل أبي طالب:168/3.
4- مناقب آل أبي طالب:168/3.
5- الامالي:317 ح 91.

يقال له دركائيل له ستّة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح كما بين السماء و الأرض فجعل يوما يقول في نفسه:أفوق ربّنا جلّ جلاله شيء،فعلم اللّه تبارك و تعالى ما قال فزاده أجنحة مثلها و قال أوحي له:طر فطار مقدار خمسمائة عام فلم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش،فلمّا علم اللّه عزّ و جلّ إتعابه أوحى إليه:عدّ إلى مكانك فأنا أعظم فوق كلّ عظيم،فسلبه اللّه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة.

فلمّا ولد الحسين عليه السّلام و كان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة أوحى اللّه إلى مالك خازن النار:أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أوحى إلى رضوان خازن الجنّة أن زخرف الجنان و طيّبها لكرامة مولود ولد لمحمّد في دار الدّنيا،و أوحى إلى الحور العين تزيّن و تزاورن لكرامة مولود ولد لمحمّد و أوحى إلى الملائكة:أن قوموا صفوفا بالتسبيح لكرامة مولود ولد لمحمّد و أوحى إلى جبرائيل:أن اهبط إلى محمّد في ألف قبيل في القبيل ألف ألف ملك على خيول بلق مسرّجة ملجمة عليها قباب الدرّ و الياقوت معهم ملائكة يقال لهم الروحانيّون يهنّئون محمّدا بمولود له يقال له:الحسين،فبينا جبرائيل يهبط من السماء إلى الأرض إذ مرّ دركائيل فقال له:يا جبرائيل ما هذه الليلة في السماء هل قامت القيامة على أهل الدّنيا؟

قال:لا،و لكن ولد لمحمّد مولود في الدّنيا بعثني اللّه لأهنّئه بمولوده.

فقال:يا جبرائيل أقرئه منّي السلام و قل له:بحقّ هذا المولود عليك إلاّ ما سألت ربّك أن يرضى عنّي و يردّ عليّ أجنحتي و مقامي في صفوف الملائكة.

فلمّا هبط جبرائيل عليه السّلام و هنّأه و أخبره بقضية الملك فأخذ النبيّ الحسين عليه السّلام و هو ملفوف في خرق من صوف فأشار به إلى السماء و قال:اللّهمّ بحقّ هذا المولود عليك إن كان للحسين بن عليّ عندك حقّ فارض عن دركائيل و ردّ عليه أجنحته و مقامه في صفوف الملائكة،فاستجاب اللّه دعاءه و غفر للملك،و الملك لا يعرف في

ص: 92

الجنّة إلاّ بأن يقال:هذا مولى الحسين بن عليّ بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1).

قال السيد الجزائري في الرياض (2):لعلّ هذا مجرّد الخطرات التي تعتري أنواع الممكنات و أهل الزّلفى كالأنبياء و الملائكة يعاتبون عليها.

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام:لمّا عرج برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نزل بالصلاة عشر ركعات ركعتين ركعتين فلمّا ولد الحسن و الحسين زاد في الصلاة سبع ركعات شكرا للّه فأجاز اللّه له ذلك.

و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ الجنّة قالت:يا ربّ أسكنتني الضعفاء و المساكين،فقال اللّه تعالى:ألا ترضين إنّي زيّنت أركانك بالحسن و بالحسين،فماست كما تميس العروس فرحا (3).

و عن طاووس اليماني:إنّ الحسين عليه السّلام كان إذا جلس في مكان مظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه و نحره،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان كثيرا ما يقبّلهما (4).

و عن عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جائعا لا يقدر على ما يأكل فقال:هاتي ردائي فقلت:أين تريد؟

قال:إلى فاطمة ابنتي فأنظر إلى الحسن و الحسين فيذهب بعض ما بي من الجوع فدخل على فاطمة فقال:أين إبناي؟

فقالت:خرجا من الجوع يبكيان فخرج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في طلبهما فرأى أبا الدرداء فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا عويمر هل رأيت ابنيّ؟

قال:نعم يا رسول اللّه نائمان في ظلّ حائط بني جدعان فانطلق إليهما فضمّهما9.

ص: 93


1- مدينة المعاجز:3.436/.
2- -رياض الأبرار للسيد نعمت اللّه الجزائري مخطوط،قيد التحقيق.
3- مناقب آل أبي طالب:165/3.
4- مدينة المعاجز:46/4 ح 129.

و هما يبكيان و هو يمسح الدموع عنهما ثمّ قال:و الذي بعثني بالحقّ نبيّا لو قطر قطرة في الأرض لبقيت المجاعة في أمّتي إلى يوم القيامة،فحملهما و هما يبكيان و هو يبكي فجاء جبرائيل فقال:ربّك يقرئك السلام و يقول:ما هذا الجزع؟

فقال:ما أبكي جزعا من ذلّ الدّنيا.

فقال جبرائيل:إنّ اللّه تعالى يقول:أيسرّك أن أحوّل لك أحدا ذهبا و لا ينقص لك ممّا عندي شىء؟

قال:لا لأنّ اللّه تعالى لم يحبّ الدّنيا و لو أحبّها ما جعل المكاره أكملها.

فقال جبرائيل:أدع بالجفنة التي في ناحية البيت،فدعى بها فإذا فيها ثريد و لحم كثير فقال:كل يا محمّد و أطعم إبنيك و أهل بيتك فأكلوا و شبعوا و هي على حالها فأرسل بها إليّ فأكلت و شبعت ثمّ قالت:ما رأيت جفنة أعظم بركة منها فرفعت عنهم.

فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و الذي بعثني بالحقّ لو سكت لتداولها فقراء أمّتي إلى يوم القيامة (1).

و في الأخبار أنّ أعرابيّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:يا رسول اللّه لقد صدت خشفة غزالة و أتيت بها إليك هدية لولديك الحسن و الحسين،فقبلها و دعى له بالخير فإذا الحسن واقف عنده فرغب إليها فأعطاه إيّاها فما مضى ساعة إلاّ و الحسين عليه السّلام قد أقبل فرأى الخشفة عند أخيه يلعب بها فأتى إلى جدّه فقال:أعطيت أخي خشفة يلعب بها و لم تعطني فجعل يكرّر القول و جدّه ساكت،فهمّ الحسين عليه السّلام أن يبكي فبينما هو كذلك إذا بصياح ارتفع عند باب المسجد فنظرنا فإذا ظبية و معها خشفها و من خلفها ذئبة تسوقها إلى رسول اللّه فنطقت الغزالة و قالت:يا رسول اللّه كانت لي خشفتان إحداهما صادها الصيّاد و أتى بها إليك و بقيت لي هذه الأخرى و أنا بها2.

ص: 94


1- بحار الأنوار:310/43 ح 72.

مسرورة و كنت الآن أرضعها فسمعت قائلا يقول:أسرعي أسرعي يا غزالة بخشفك إلى النبيّ محمّد لأنّ الحسين واقف بين يديه و قد همّ أن يبكي و الملائكة بأجمعهم رفعوا رؤوسهم من صوامع العبادة،و لو بكى الحسين لبكت الملائكة المقرّبون لبكائه و سمعت أيضا قائلا يقول:اسرعي يا غزالة قبل جريان الدموع إلى خدّ الحسين فإن لم تفعلي سلّطت عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفتك فأتيت بخشفي إليك و قطعت مسافة بعيدة،لكن طويت لي الأرض حتّى أتيتك سريعة و أنا أحمد اللّه ربّي على أن جئتك قبل جريان دموع الحسين على خدّه،فارتفع التكبير و التهليل من الأصحاب و دعى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للغزالة و أخذ الحسين الخشفة و أتى بها إلى الزهراء فسرّت بذلك سرورا عظيما (1).

و عن عروة البرقي[كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقبل]الحسن و الحسين[و يقول:يا أصحابي إني أود أن أقاسمهما]حياتي لحبّي لهما،فهما ريحانتاي من الدّنيا (2).

و عن محمّد بن يزيد:حمل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحسن و حمل جبرائيل الحسين عليه السّلام فكانا بعد ذلك يفتخران فيقول الحسن:حملني خير أهل الأرض و يقول الحسين حملني خير أهل السماء (3).

و روى عن سلمان الفارسي قال:أهدي إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله قطف من العنب في غير أوانه فقال لي:يا سلمان ائتني بولديّ الحسن و الحسين ليأكلا معي من هذا العنب، قال سلمان الفارسي:فذهبت أطرق عليهما منزل أمهما فلم أرهما،فأتيت منزل أختهما أم كلثوم فلم أرهما.

فخبّرت النبي صلّى اللّه عليه و آله بذلك،فاضطرب و وثب قائما و هو يقول:وا ولداه و اقرّة عيناه7.

ص: 95


1- العوالم:42 ح 3.
2- مدينة المعاجز:426/3 ح 4.
3- مدينة المعاجز:288/3 ح 57.

من يرشدني عليهما فله على الله الجنة،فنزل جبرائيل من السماء و قال:يا محمد على من هذا الإنزعاج؟

فقال:على ولديّ الحسن و الحسين فإني خائف عليهما من كيد اليهود،فقال جبرائيل:يا محمد بل خف عليهما من كيد المنافقين،فإن كيدهم أشد من كيد اليهود، إعلم يا محمد أن ابنيك الحسن و الحسين نائمان في حديقة أبي الدحداح.

فسار النبي صلّى اللّه عليه و آله من وقته و ساعته إلى الحديقة و أنا معه حتى دخلنا الحديقة و إذا هما نائمان و قد اعتنق أحدهما الآخر و ثعبان في فيه طاقة ريحان يروّح بها وجهيهما.

فلما رأى الثعبان النبي صلّى اللّه عليه و آله ألقى ما كان في فيه فقال:السلام عليك يا رسول الله، لست أنا ثعبانا و لكني ملك من ملائكة الكرّوبيين غفلت عن ذكر ربي طرفة عين فغضب عليّ ربي و مسخني ثعبانا كما ترى و طردني من السماء إلى الأرض ولي منذ سنين كثيرة أقصد كريما إلى الله فأسأله أن يشفع لي عند ربي عسى أن يرحمني و يعيدني ملكا كما كنت أولا إنه على كل شي قدير.

قال:فجاء النبي صلّى اللّه عليه و آله يقبّلهما حتى استيقظا فجلسا على ركبتي النبي صلّى اللّه عليه و آله.

فقال لهما النبي صلّى اللّه عليه و آله:أنظرا يا ولديّ هذا ملك من ملائكة الله الكروبيين قد غفل عن ذكر ربه طرفة عين فجعله الله هكذا و أنا مستشفع بكما إلى الله فاشفعا له.

فوثب الحسن و الحسين عليهما السّلام فأسبغا الوضوء و صلّيا ركعتين و قالا:اللهم بحق جدّنا الجليل الحبيب محمد المصطفى،و بأبينا علي المرتضى،و بأمنا فاطمة الزهراء إلا ما رددته إلى حالته الأولى.

قال:فما استتمّ دعاؤهما فإذا بجبرائيل نزل من السماء في رهط من الملائكة و بشّر ذلك الملك برضى الله عنه و بردّه إلى سيرته الأولى ثم ارتفعوا إلى السماء و هم يسبّحون الله تعالى.

ص: 96

ثم رجع جبرائيل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو متبسم،و قال:يا رسول الله إن ذلك الملك يفتخر على ملائكة السبع السماوات و يقول لهم:من مثلي و أنا في شفاعة السيدين السبطين الحسن و الحسين عليهما السّلام (1).

السيد الرضي:قال:حدث جعفر بن محمد بن عمارة،عن أبيه،عن عطاء بن السائب،عن أخيه قال:شهدت يوم الحسين عليه السّلام فأقبل رجل من تميم يقال له عبد اللّه بن جويرية فقال:يا حسين.

فقال عليه السّلام:ما تشاء؟

فقال:أبشر بالنار.

فقال عليه السّلام:كلا إني أقدم على رب غفور و شفيع مطاع،و أنا من خير و إلى خير، من أنت؟

قال:أنا ابن جويرية،فرفع يده الحسين عليه السّلام حتى رأينا بياض إبطيه،و قال:

اللهم جره إلى النار،فغضب بن جويرية،فحمل عليه،فاضطرب به فرسه في جدول،و تعلق رجله بالركاب و وقع رأسه في الأرض،و نفر الفرس فأخذ يعدو به و يضرب رأسه بكل حجر و شجر،و انقطعت قدمه و ساقه و فخذه،و بقي جانبه الآخر متعلقا في الركاب،فصار لعنه اللّه إلى نار الجحيم (2).

ابن بابويه في أماليه:بإسناده عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث مقتله عليه السلام:إن الحسين عليه السّلام قال لأصحابه:قوموا فاشربوا من الماء يكون آخر زادكم، و توضأوا و اغتسلوا و اغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم.ثم صلّى بهم الفجر و عبأهم تعبئة الحرب،و أمر بحفيرته التي حول عسكره،فأضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد،و أقبل رجل من عسكر عمر بن سعد لعنه اللّه على فرس له يقال له:ابن1.

ص: 97


1- مدينة المعاجز:293/3 ح 899.
2- عيون المعجزات:65 و عنه البحار:18744 ذ ح 16 و العوالم:5217 ح 1.

أبي جويرية المزني.فلما نظر إلى النار تتقد صفق بيده،و نادى:يا حسين و أصحاب الحسين،أبشروا بالنار،فقد تعجلتموها في الدنيا.

فقال الإمام الحسين عليه السّلام:من الرجل؟

فقيل:ابن أبي جويرية المزني.

فقال الإمام الحسين عليه السّلام:اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا.فنفر به فرسه،فألقاه في تلك النار فاحترق (1).3.

ص: 98


1- مدينة المعاجز/السيد هاشم البحراني:474/3.

كرامات و معاجز الإمام الحسين عليه السلام

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:مرض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المرضة التي عوفي منها فعادته فاطمة و معها الحسن و الحسين عليهم السّلام فقعد الحسن عليه السّلام على جانبه الأيمن و الحسين عليه السّلام على جانبه الأيسر،فأقبلا يغمزان بدن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فما أفاق من نومه فقالت:ارجعا حتّى يفيق و ترجعان إليه فلم يقبلا فاضطجع الحسن على عضده الأيمن و الحسين على عضد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الأيسر فانتبها قبل أن ينتبه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد كانت فاطمة لمّا ناما انصرفت إلى منزلها فقالا لعائشة:ما فعلت أمّنا؟

قالت:رجعت إلى منزلها،فقاما و خرجا في ليلة ظلماء ذات رعد و برق فسطع لهما نور فمشيا حتّى أتيا حديقة بني النجّار فبقيا لا يعلمان أين يأخذان.

فقال الحسن:ننام حتّى نصبح فاضطجعا متعانقين فانتبه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من النوم فطلبهما في منزل فاطمة و افتقدهما فقال:إلهي و سيّدي هذان شبلاي خرجا من المجاعة،اللّهم أنت وكيلي عليهما،فسطع نور و مشى في ذلك النور إلى حديقة بني النجّار فإذاهما نائمان متعانقان و قد تقشّعت السماء فوقهما كطبق و هي تمطر و لم تمطر عليهما،و قد اكتنفتهما حية لها شعرات كأجام القصب و جناحان،جناح غطّت به الحسن و جناح غطّت به الحسين عليهما السّلام،فلمّا أن بصر بهما النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تنحنح فانسابت الحيّة و هي تقول:اللّهم إنّي اشهدك إنّي قد حفظت شبلي نبيّك و دفعتهما إليه سالمين فقال لها:أيّتها الحيّة من أنت؟

ص: 99

قالت:أنا رسول الجنّ إليك نسينا آية من كتاب اللّه فبعثوني إليك لتعلّمنا ما نسينا،فلمّا بلغت هذا الموضع سمعت مناديا ينادي:أيّتها الحيّة هذان شبلا رسول اللّه فاحفظيهما فأخذت الآية و انصرفت،فوضع الحسن على عاتقه الأيمن و الحسين على الأيسر.

فقال أبو بكر:ادفع إليّ بأحد شبليك أخفّف عنك فقال:امض فقد سمع اللّه كلامك و عرف مقامك.

و قال لعمر مثل ما قال لأبي بكر،فتلقّاه عليّ عليه السّلام فقال:ادفع إليّ أحد شبليك أخفّف عنك فقال للحسن:هل تمض إلى كتف أبيك؟

فقال:يا جدّاه إنّ كتفك لأحبّ إليّ من كتف أبي،و قال له الحسين مثل قول أخيه فأقبل إلى منزل فاطمة و قد ادّخرت لهما تميرات فأكلا و شبعا و فرحا.فقال لهما النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:قوما الآن فاصطرعا فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا حسن شدّ على الحسين فاصرعه،فقالت فاطمة:يا أبه و اعجباه أتشجّع الكبير على الصغير،فقال:يا بنيّة هذا جبرائيل يقول:يا حسين شدّ على الحسن فاصرعه (1).

و في كتاب الخرائج عن يحيى بن أمّ الطويل قال:كنّا عند الحسين عليه السّلام إذ دخل عليه شاب يبكي قال:إنّ والدتي توفّيت هذه الساعة و لم توص لها مال و قد كانت أمرتني ألاّ أحدث في أمرها شيئا حتّى أعلمك خبرها.

فقال الحسين عليه السّلام:قوموا حتّى نصير إلى هذه الحرّة فأتيناها فإذا هي مسجّاة فأشرف على البيت و دعى اللّه تعالى ليحييها حتّى توصي بما تحبّ من وصيّتها، فأحياها اللّه تعالى فجلست و هي تتشهّد،ثمّ نظرت إلى الحسين عليه السّلام فقالت:أدخل يا مولاي و مرني بأمرك فدخل و جلس على فخذه ثمّ قال لها:وصي يرحمك اللّه.

فقالت:يابن رسول اللّه لي من المال كذا و كذا في مكان كذا و كذا فقد جعلت ثلثه9.

ص: 100


1- بحار الأنوار:107/39.

إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك و الثلثان لا بني هذا إن علمت أنّه من أوليائك و إن كان مخالفا لك فلا حقّ للمخالفين في أموال المسلمين.

ثمّ سألته أن يصلّي عليها و أن يتولّى أمرها ثمّ صارت المرأة ميّتة كما ماتت (1).

و عن صفوان بن مهران قال:سمعت الصادق عليه السّلام يقول:رجلان اختصما في زمن الحسين عليه السّلام في امرأة و ولدها فقال:هذا لي،و قال الأخر:هذا لي فأمر بهما الحسين عليه السّلام فقال أحدهما:إنّ الإمرأة لي.

و قال الآخر:إن الولد لي.

فقال عليه السّلام للمدّعي الأوّل:اقعد فقعد و كان الغلام رضيعا فقال الحسين:يا هذه اصدقي من قبل أن يهتك اللّه سترك.

فقالت:هذا زوجي و الولد له و لا أعرف هذا.

فقال عليه السّلام:يا غلام ما تقول هذه؟انطق بإذن اللّه تعالى.

فقال له:ما أنا لهذا و لا لهذا و ما أبي إلاّ راعي لآل فلان.

فأمر عليه السّلام برجمها و لم يسمع أحد نطق هذا الغلام بعدها (2).

و في الكافي عن عبد اللّه الأودي قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام أراد القوم أن يوطئوه الخيل فقالت فضّة لزينب:يا سيّدتي إنّ سفينة (3)كسر به في البحر فخرج به إلى جزيرة فإذا هو بأسد فقال:يا أبا الحارث أنا مولى رسول اللّه فهمهم بين يديه حتّى وقفه على الطريق و الأسد رابض في ناحيته فدعيني أمضي إليه فأعلمه ما هم صانعون غدا،قال:فمضت إليه فقالت:يا أبا الحارث فرفع رأسه.ق.

ص: 101


1- الخرائج و الجرائح:246/1 ح 1.
2- مناقب آل أبي طالب:210/3.
3- سفينة بفتح السين و كسر الفاء مولى رسول اللّه و قد كسرت به السفينة في البحر فخرج على جزيرة من جزائر البحر و دلّه الأسد على الطريق.

ثمّ قالت:أتدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد اللّه؟يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره قال:فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسين عليه السّلام فأقبلت الخيل،فلمّا نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد لعنه اللّه:فتنة لا تثيروها إنصرفوا فانصرفوا

و في كتاب المناقب:عن زرارة بن أعين و رواه الكشي عن حمران بن أعين قال:

سمعت أبا عبد اللّه يحدث عن أبائه أن رجلا كان من شيعة أمير المؤمنين مريضا شديد الحمى فعاده الحسين عليه السّلام فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمى من الرجل فقال له:الحمى تهرب منكم.

فقال له الحسين عليه السّلام:و اللّه ما خلق شيئا إلاّ و قد أمره بالطّاعة لنا.

قال:فناداها يا حمى فإذا نحن نسمع الصوت و لا نرى الشخص يقول:لبّيك.

قال:أليس أمير المؤمنين أمرك أن لا تقربي إلاّ عدوّا أو مذنبا لكي تكون كفّارة لذنوبه فما بال هذا،و كان المريض عبد اللّه بن شدّاد بن الهادي؟ (1)3.

ص: 102


1- وسائل الشيعة:237/20 ح 683.

ما روي أن الحسين عليه السلام سيد الشهداء

1-حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن حنان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام زوروا الحسين عليه السّلام و لا تجفوه فإنه سيد شباب أهل الجنة من الخلق و سيد الشهداء.

2-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن معروف عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد اللّه قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام بالمدينة أين قبور الشهداء فقال أليس أفضل الشهداء عندكم و الذي نفسي بيده أن حوله أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة.

3-حدثني أبو العباس الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أبي داود المسترق عن أم سعيد الأحمسية قالت كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و قد بعثت من يكتري لي حمارا إلى قبور الشهداء فقال ما يمنعك من زيارة سيد الشهداء قالت:

قلت:و من هو قال الحسين عليه السّلام قالت:قلت:و ما لمن زاره قال حجة و عمرة مبرورة و من الخير كذا و كذا ثلاث مرات بيده.

4-و عنه عن محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين عن أم سعيد الأحمسية قالت جئت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخلت عليه فجاءت الجارية فقالت قد جئت بالدابة فقال لي يا أم سعيد أي شيء هذه الدابة أين تبغين تذهبين قالت:قلت:أزور قبور الشهداء قال:أخّري ذلك اليوم ما أعجبكم يا أهل العراق تأتون الشهداء من سفر بعيد و تتركون سيد الشهداء لا تأتونه قالت:قلت له:من سيد الشهداء.

ص: 103

فقال الحسين بن علي عليه السّلام قالت:قلت:إني امرأة فقال:لا بأس لمن كان مثلك أن يذهب إليه و يزوره قالت أي شيء لنا في زيارته قال تعدل حجة و عمرة و اعتكاف شهرين في المسجد الحرام و صيامها و خيرها كذا و كذا قالت و بسط يده و ضمها ضما ثلاث مرات.

5-حدّثني أبي و علي بن الحسين و محمد بن الحسن رحمهم اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة عن العباس بن عامر عن أحمد بن رزق الغمشاني عن أم سعيد الأحمسية قالت دخلت المدينة فاكتريت حمارا على أن أطوف على قبور الشهداء فقلت لا بدّ أن أبدأ بابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأدخل عليه فأبطأت على المكاري قليلا فهتف بي فقال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام ما هذا يا أم سعيد قلت له جعلت فداك تكاريت حمارا لأدور على قبور الشهداء قال:أفلا أخبرك بسيد الشهداء قلت بلى قال الحسين بن علي عليه السّلام.قلت:و إنه لسيد الشهداء.قال:نعم.

قلت:فما لمن زاره قال:حجة و عمرة و من الخير هكذا و هكذا.

6-حدّثني أبي و محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري جميعا عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن أبيه عن عبد اللّه القاسم الحارثي عن عبد اللّه بن سنان عن أم سعيد الأحمسية قالت دخلت المدينة فاكتريت البغل أو البغلة لأزور عليه قبور الشهداء قالت:قلت ما أحد أحق أن أبدأ به من جعفر بن محمد عليه السّلام قالت فدخلت عليه فأبطأت فصاح بي المكاري حبستينا عافاك اللّه فقال لي أبو عبد اللّه كأن إنسانا يستعجلك يا أم سعيد قلت نعم جعلت فداك إني اكتريت بغلا لأزور عليه قبور الشهداء فقلت ما آتي أحدا أحق من جعفر بن محمد عليه السّلام قالت فقال:يا أم سعيد فما يمنعك من أن تأتي قبر سيد الشهداء قالت فطمعت أن يدلني على قبر علي بن أبي طالب عليه السّلام فقلت بأبي أنت و أمي و من سيد الشهداء قال الحسين بن فاطمة عليه السّلام يا أم سعيد من أتاه ببصيرة و رغبة فيه كان له حجة(

ص: 104

حجة مبرورة و عمرة متقبلة)و عمرة مبرورة و كان له من الفضل هكذا و هكذا.

7-حدّثني محمد بن جعفر الرزاز عن خاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل عمن حدثه عن علي بن أبي حمزة عن الحسين بن أبي العلاء و أبي المعزاء و عاصم بن حميد الحناط جماعتهم عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ما من شهيد إلا(إلا و هو يحب لو أن الحسين بن علي حي)و يحب أن يكون مع الحسين عليه السّلام حتى يدخلوا الجنة معه (1).1.

ص: 105


1- كامل الزيارات:111.

في أمر رسول اللّه بالاقتداء بالحسين و الأئمة من آل محمد عليهم السّلام

إبراهيم الحمويني هذا قال:أخبرني السيد النسابة جلال الدين عبد الحميد عن أبيه الإمام شمس الدين شيخ الشرف فخار بن معد بن فخار الموسوي عن شاذان ابن جبرائيل القمي عن جعفر بن محمد الدورستي عن أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه رضى اللّه عنه قال:حدّثنا أبي رضى اللّه عنه قال:حدّثنا سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي الطفيل عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام:«أكتب ما أملي عليك،قال:يا نبي اللّه و تخاف عليّ النسيان!قال:لا و قد دعوت اللّه تعالى أن يحفظك و لا ينسيك،و لكن أكتب لشركائك قال:قلت و من شركائي يا نبي اللّه،قال:

الأئمة من ولدك بهم تسقى أمتي الغيث و بهم يستجاب دعاؤهم و بهم يصرف اللّه عنهم البلاء و بهم ينزل الرحمة من السماء،و هذا أولهم،و أومى بيده إلى الحسن عليه السّلام ثم أومى بيده إلى الحسين عليه السّلام ثم قال عليه و آله السلام:و الأئمة من ولده» (1).

ابن شاذان هذا من طريق العامة عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«علي مني كدمي من بدني،من تولاه رشد و من أحبه نهج و من تبعه نجا،عليّ رابع الأربعة في الفردوس أنا و الحسن و الحسين و علي بن أبي طالب عليهم السّلام» (2).

ابن شاذان من طريق العامة عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن آبائه عن

ص: 106


1- الإمامة و التبصرة:54 ح 38.
2- مائة منقبة:/69المنقبة 38.

أمير المؤمنين عليه السّلام أنه كان جالسا في الرحبة و الناس حوله،فقام إليه رجل فقال لأمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزل اللّه تعالى و أبوك معذب في النار فقال له:«مه فض اللّه فاك و الذي بعث محمدا بالحق نبيا،لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه اللّه،فتقول:أبي معذب في النار،و ابنه قسيم الجنة و النار،و الذي بعث محمدا بالحق نبيا إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفىء نور الخلائق إلاّ خمسة أنوار:نور محمد و نور فاطمة و نور الحسن و الحسين و نور ولده من الأئمة ألا إن نوره من نورنا، خلقه اللّه من قبل خلق آدم بألفي عام» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أبي قدّس سرّه و محمد بن الحسن قالا:حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال:

حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم البجلي عن جعفر بن محمد ابن سماعة عن عبد اللّه بن مسكان عن الحكم بن الصلت عن أبي جعفر محمد بن علي عن آبائه عليهم السّلام قال:«قال رسول اللّه:خذوا بحجزة هذا الأنزع-يعني عليا عليه السّلام-فإنه الصّديق الأكبر و هو الفاروق يفرق بين الحقّ و الباطل من أحبّه هداه اللّه و من أبغضه أبغضه اللّه،و من تخلّف عنه محقه اللّه،و منه سبطا أمتي الحسن و الحسين و هما إبناي،و من الحسين أئمة الهدى يعطيهم اللّه علمي و فهمي فتولّوهم و لا تتخذوا وليجة من دونهم فيحل عليكم غضب من ربكم و من يحلل عليه غضب من ربّه فقد هوى و ما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور» (2)، (3).

ابن بابويه أحمد بن الحسن القطان قال:حدّثنا العباس بن الفضل قال:حدّثنا أبو زرعة قال:حدّثنا عثمان بن محمد بن أبي شيبة العبسي قال:حدثنا عبد اللّه بن نمير عن الحارث بن حصيرة عن أبي سليمان زيد بن وهب عن عبد اللّه بن عبّاس قال:قال8.

ص: 107


1- مائة منقبة:/175المنقبة 98.
2- أمالي الصدوق:/285المجلس /38ح 7.
3- أمالي الصدوق:/771المجلس /38ح 8.

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«ولايتي و ولاية أهل بيتي أمان من النار» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطّار قال:حدّثنا أبي عن جعفر ابن محمد الفزاري عن عبّاد بن يعقوب عن منصور بن نويرة عن أبي بكر بن عيّاش عن أبي قدامة الغداني قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من منّ اللّه عليه بمعرفة أهل بيتي و ولايتهم فقد جمع اللّه له الخير كلّه» (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن موسى المتوكّل رضى اللّه عنه قال:حدّثنا محمد بن أبي عبد اللّه الكوفي قال:حدّثنا موسى بن عمران النخعي عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال:قال الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام:«من أقام فرائض اللّه و اجتنب محارم اللّه و أحسن الولاية لأهل بيت نبي اللّه و تبرّأ من أعداء اللّه عزّ و جل فليدخل من أي أبواب الجنّة الثمانية شاء» (3).

ابن بابويه قال:حدّثنا الحسين بن علي بن شعيب الجوهري رضى اللّه عنه قال:حدّثنا عيسى ابن محمد العلوي قال:حدّثنا الحسين بن الحسن الحيري بالكوفة قال:

حدّثنا الحسن بن الحسين العرني عن عمرو بن جميع عن أبي المقدام قال:قال جعفر بن محمد عليه السّلام:«نزلت هاتان الآيتان في أهل ولايتنا و أهل عداوتنا، فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ يعني في قبره وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ في الآخرة وَ أَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ يعني في قبره وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (4)يعني في الآخرة» (5).1.

ص: 108


1- أمالي الصدوق:/560المجلس /72ح 8.
2- أمالي الصدوق:/560المجلس /72ح 9.
3- أمالي الصدوق:/561المجلس /72ح 10.
4- الواقعة:88 الى 94.
5- أمالي الصدوق:/561المجلس /72ح 11.

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن عبد اللّه الورّاق قال:حدّثنا سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف الأشعري قال:حدّثنا الهيثم بن أبي مسروق النهدي عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:أنا سيدّ ولد آدم و أنت يا علي و الأئمة من ولدك سادة أمتي من أحبّنا فقد أحبّ اللّه،و من أبغضنا فقد أبغض اللّه،و من والانا فقد والى اللّه و من عادانا فقد عادى اللّه و من أطاعنا فقد اطاع اللّه و من عصانا فقد عصى اللّه» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن عمر قال:حدّثنا محمد بن حسين قال:حدّثنا أحمد بن غنم بن حكيم قال:حدّثنا شريح بن مسلمة قال:حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن عبد الجبار عن الأعشى الثقفي عن أبي صادق قال:قال لي علي عليه السّلام:«هي لنا أو فينا هذه الآية وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (2)» (3).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه قال:حدّثنا أبي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي عن أبيه عن خالد بن حمّاد الأسدي عن أبي الحسن العبدي عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال:سئل جابر بن عبد اللّه الأنصاري عن علي ابن أبي طالب عليه السّلام قال:«ذاك خير خلق اللّه من الأولين و الآخرين ما خلا النبيّين و المرسلين،إنّ اللّه لم يخلق خلقا بعد النبيين و المرسلين أكرم عليه من علي بن أبي طالب عليه السّلام و الأئمة من ولده بعده،قلت:فما تقول فيمن يبغضه و ينتقصه؟

فقال:لا يبغضه إلاّ كافر و لا ينتقصه إلاّ منافق،قلت:فما تقول فيمن يتولاّه و يتولى6.

ص: 109


1- أمالي الصدوق:/563المجلس /72ح 16.
2- القصص:5.
3- أمالي الصدوق:/566المجلس /72ح 26.

الأئمة من ولده بعده؟

فقال:إن شيعة علي و الأئمة من ولده هم الفائزون الآمنون يوم القيامة،ثم قال:ما ترون لو أن رجلا خرج يدعو الناس إلى ضلالة من كان أقرب الناس منه؟

قالوا:شيعته و أنصاره» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم قدّس سرّه قال:حدّثنا أبي عن أبيه عن محمد بن علي التميمي قال:حدّثني سيدي علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«من سرّه أن ينظر إلى القضيب الأحمر الذي غرسه اللّه بيده و يكون متمسّكا به فليتولّ علي بن أبي طالب عليه السّلام و الأئمة من ولده فإنّهم خيرة اللّه عزّ و جلّ و صفوته و هم المعصومون من كل ذنب و خطيئة» (2).7.

ص: 110


1- أمالي الصدوق:/586المجلس /75ح 4.
2- أمالي الصدوق:/679المجلس /85ح 27.

أمر النبي التمسك بالحسين و الأئمة عليهم السلام

الشيخ في أماليه قال:أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال:حدّثنا الحسن بن علي ابن زكريا أبو سعيد البصري قال:حدّثنا محمد بن صدقة العنبري قال:حدّثنا موسى بن جعفر،عن أبيه جعفر بن محمد،عن أبيه محمد بن علي،عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوما صلاة الفجر ثم انفتل و أقبل علينا يحدثنا،فقال:«أيها الناس من فقد الشمس فليتمسك بالقمر،و من فقد القمر فليتمسك بالفرقدين».

قال:فقمت أنا و أبو أيوب الأنصاري و معنا أنس بن مالك.

فقلنا:يا رسول اللّه من الشمس؟

قال:«أنا».فإذا هو صلّى اللّه عليه و آله قد ضرب لنا مثلا،فقال:«أن اللّه تعالى خلقنا فجعلنا بمنزلة نجوم السماء كلّما غاب نجم طلع نجم.فأنا الشمس فإذا ذهب بي فتمسكوا بالقمر».

قلنا:فمن القمر؟

قال:«أخي و وصيي و وزيري و قاضي ديني و أبو ولدي و خليفتي في أهلي علي بن أبي طالب».قلنا:فمن الفرقدان؟

قال:«الحسن و الحسين»،ثم مكث مليا فقال:«و فاطمة هي الزهرة،و أهل بيتي هم مع القرآن،و القرآن معهم لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض» (1).

العياشي بإسناده في تفسيره عن أبي حمزة الثمالي قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«يا أبا

ص: 111


1- أمالي الطوسي:130/2-131.

حمزة إنما يعبد اللّه من عرف اللّه و أما من لم يعرف اللّه كأنما يعبد غيره هكذا ضال».

قلت:أصلحك اللّه و ما معرفة اللّه؟

قال:تصدّق اللّه و تصدّق محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في موالاة علي و الإئتمام به و بأئمة الهدى من بعده و البراءة إلى اللّه من عدوّهم و كذلك عرفان اللّه».

قال:قلت:أصلحك اللّه أي شيء إذا عملته أنا استكملت حقيقة الإيمان؟

قال:«توالي أولياء اللّه و تعادي أعداء اللّه و تكون مع الصادقين كما أمرك اللّه».

قال:قلت:و من أولياء اللّه و من أعداء اللّه؟

فقال:«أولياء محمد رسول اللّه و علي و الحسن و الحسين و علي بن الحسين،ثم انتهى الأمر إلينا ثم ابني جعفر و أومأ إلى جعفر و هو جالس،فمن والى هؤلاء فقد والى أولياء اللّه و كان مع الصادقين كما أمر اللّه»

قلت:و من أعداء اللّه أصلحك اللّه؟

قال:«الأوثان الأربعة».

قال:قلت:من هم؟

قال:«أبو الفصيل و رمع و نعثل (1)و معاوية (2)و من دان بدينهم،فمن عادى هؤلاء فقد عادى أعداء اللّه» (3).5.

ص: 112


1- في بعض المصادر ذكرت الأسماء:يغوث و يعوق و نسر و هبل و ما أثبتناه موافق للمصدر و البحار.
2- أبو الفصيل كنية أبو بكر في الجاهلية،و رمع:مقلوبة من عمر،و نعثل اسم شخص طويل اللحية للإشارة لعثمان.
3- تفسير العياشي:116/2 ح 155.

ما روي في وجوب التمسّك بالثقلين

أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قدّس سرّه قال في كتاب النصوص على الأئمة الإثني عشر عليهم السّلام قال:حدّثنا محمد بن وهبان بن محمد البصري قال:حدّثنا محمد بن عمر الجعاني قال:حدثنا إسماعيل بن محمد بن شيبة القاضي قال:

حدثني محمد بن أحمد بن الحسن قال:حدّثنا يحيى بن خلف الراسبي عن عبد الرّحمن قال:حدّثنا يزيد بن الحسن عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول على منبره:«معاشر الناس إني فرطكم و أنتم واردون عليّ الحوض حوضا ما بين بصرى و صنعاء،فيه عدد النجوم قدحان من فضّة،و إني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما الثقل الأكبر كتاب اللّه سبب طرفه بيد اللّه و طرفه بيدكم فاستمسكوا به و لن تضلّوا و لا تبدّلوا في عترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض،معاشر أصحابي كأني على الحوض أنتظر من يرد عليّ منكم و سوف تؤخّر أناس دوني،فأقول:يا رب مني و من أمتي فيقال يا محمد هل شعرت بما عملوا؟ إنّهم ما رجعوا بعدك يرجعون على أعقابهم.ثم قال أوصيكم في عترتي خيرا و أهل بيتي.

فقام إليه سلمان فقال:يا رسول اللّه:من الأئمة من بعدك أما هم من عترتك؟

فقال:نعم الأئمة من بعدي من عترتي عدد نقباء بني إسرائيل تسعة من صلب الحسين أعطاهم اللّه علمي و فهمي فلا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم و اتبعوهم فإنهم أعلم

ص: 113

منكم و اتبعوهم فإنهم مع الحق و الحق معهم عليهم السّلام» (1).

ابن بابويه قال:أخبرنا أبو عبد اللّه بن عمر بن مسلم بن لا حق اللاحفي البصري في سنة عشر و ثلاثمائة قال:حدّثنا محمد بن عمارة السكري عن إبراهيم بن عاصم عن عبد اللّه بن هارون الكرخي قال:حدّثنا أحمد بن يزيد بن سلامة عن حذيفة بن اليمان،قال:صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم أقبل بوجهه الكريم علينا ثم قال:«معاشر أصحابي أوصيكم بتقوى اللّه و العمل بطاعته فمن عمل بها فاز و نجح و غنم،و من تركها حلّت عليه الندامة فالتمسوا بالتقوى السلامة من أهوال يوم القيامة،فكأني أدعى فأجيب و اني تارك فيكم الثقلين:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا و من تمسّك بعترتي من بعدي كان من الفائزين و من تخلف عنهم كان من الهالكين،فقلت:يا رسول اللّه على من تخلّفنا؟

قال:على من خلّف موسى بن عمران على قومه؟

قلت:على وصيّه يوشع بن نون،فقال:إنّ وصيي و خليفتي من بعدي علي بن أبي طالب قائد البررة و قاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله،فقلت:يا رسول اللّه:فكم تكون الأئمة من بعدك؟

قال:عدة نقباء بني إسرائيل تسعة من صلب الحسين أعطاهم اللّه تعالى علمي و فهمي خزان علم اللّه و وحي اللّه،قلت:يا رسول اللّه فما لأولاد الحسن؟

قال:إنّ اللّه تبارك و تعالى جعل الإمامة في عقب الحسين،ذلك قوله عزّ و جلّ وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (2)قلت:أفلا تسمّيهم لي يا رسول اللّه، قال:نعم لما عرج بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش فرأيت مكتوبا بالنور لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه أيّدته بعلي و نصرته به،و رأيت أنوار الحسن و الحسين و فاطمة8.

ص: 114


1- كفاية الأثر:127.
2- الزخرف:28.

و رأيت في ثلاثة مواضع عليا عليا عليا و محمدا محمدا و جعفرا و موسى و الحسن و الحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب درّيّ فقلت:يا رب من هؤلاء الذين قرنت أسماءهم باسمك؟

قال:يا محمد هم الأوصياء و الأئمة بعدك خلقتهم من طينتك فطوبى لمن أحبّهم، و الويل لمن أبغضهم،فبهم أنزل الغيث و بهم أثيب و أعاقب،ثم رفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يده إلى السماء و دعى بدعوات و سمعته يقول:اللهم اجعل العلم و الفقه في عقبي و عقب عقبي و في زرعي و زرع زرعي» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسن بن محمد بن مندة قال:حدّثنا هارون بن موسى قال:حدّثنا أبو الحسن محمد بن منصور الهاشمي قال:حدثني أبو موسى عيسى بن أحمد قال:حدّثنا أبو ثابت المدني قال:حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن هشام بن سعيد عن عيسى بن عبد اللّه بن مالك عن عمر بن الخطاب قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«أيها الناس إني فرط لكم و أنتم واردون عليّ الحوض أعرض ما بين صنعاء و بصرى فيه قدحان عدد النجوم من فضة و إني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما،السبب الأكبر كتاب اللّه طرفه بيد اللّه و طرفه بيدكم فاستمسكوا به و لا تبدّلوا و عترتي أهل بيتي فإنّه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فقلت يا رسول اللّه من عترتك؟

فقال:أهل بيتي من ولد عليّ و فاطمة و تسعة من صلب الحسين عليه السّلام أئمة أبرار هم عترتي من لحمي و دمي» (2).

محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة و محمد بن همام بن سهيل و عبد العزيز و عبد الواحد ابنا عبد اللّه بن يونس1.

ص: 115


1- كفاية الأثر:136.
2- كفاية الأثر:91.

[عن رجالهم]عن رجالهم عن عبد الرزاق بن همام قال:حدّثنا معمّر بن راشد عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قام خطيبا ثم لم يخطب بعد ذلك فقال:«أيها الناس إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسّكتم بهما كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،فإن اللطيف الخبير قد أخبرني و عهد إليّ أنّهما لا يفترقان (1)حتى يردا عليّ الحوض:قالوا اللهم شهدنا ذلك كلّه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقام اثنا عشر من الجماعة فقالوا:نشهد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين خطب في اليوم الذي قبض فيه قام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال:يا رسول اللّه لكل أهل بيتك؟

فقال:لا،و لكن الأوصياء منهم علي أخي و وزيري و وارثي و خليفتي في أمتي و ولي كل مؤمن بعدي و هو أولهم و خيرهم،ثم وصيه بعده ابني هذا و أشار إلى الحسن،ثم وصيّه ابني هذا و أشار إلى الحسين،ثم وصيّه ابني بعده سميّ أخي،ثم وصيّه بعده سميّي،ثم سبعة من بعده من ولده واحدا بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض،شهداء اللّه في أرضه و حججه على خلقه،من أطاعهم أطاع اللّه و من عصاهم عصى اللّه،فقام السبعون البدريون و نحوهم من المهاجرين فقالوا:ذكرتمونا ما كنا نسينا،نشهد أنا قد [كنا]سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (2).

قال:حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قدس سرّه قال:حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن غياث بن إبراهيم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السّلام قال:«سئل أمير المؤمنين عن معنى قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إني مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي،من العترة؟3.

ص: 116


1- في بعض المصادر:لن يفترقا.
2- كتاب الغيبة للنعماني:73.

قال:أنا و الحسن و الحسين و الأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم و قائمهم لا يفارقون كتاب اللّه و لا يفارقهم حتى يردا على رسول اللّه حوضه» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسين بن محمد قال:حدثنا عتبة بن عبد اللّه الحمصي بمكة قراءة عليه سنة ثمانين و ثلثمائة قال:حدثني عليّ بن موسى الغطفاني قال:حدثنا أحمد بن يوسف الحمصي قال:حدثني محمد بن عكاشة قال:

حدّثنا حسين بن يزيد بن عبد علي قال:حدثني عبد اللّه بن الحسن عن أبيه عن الحسن عليه السّلام قال:«خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوما فقال بعد ما حمد اللّه و أثنى عليه:معاشر الناس كأني أدعى فأجيب و إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا فتعلّموا منهم و لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم لا تخلوا الأرض منهم و لو خلت لا نساخت بأهلها ثم قال عليه السّلام:اللهم إني أعلم أن العلم لا يبيد و لا ينقطع و إنّك لا تخلي الأرض من حجة لك على خلقك ظاهرا ليس بالمطاع أو خائف مغمور كيلا تبطل حجّتك و لا تضلّ أوليائك بعد إذ هديتهم أولئك الأقلون عددا الأعظمون قدرا عند اللّه،فلما نزل عن منبره قلت له:يا رسول اللّه أما أنت الحجة على الخلق كلّهم؟

قال:يا حسن إن اللّه يقول: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (2)فأنا المنذر و علي الهادي قلت:يا رسول اللّه قولك:إن الأرض لا تخلو من حجة قال:نعم،علي هو الإمام و الحجة بعدي،و أنت الإمام و الحجة بعده،و الحسين الإمام و الحجة و الخليفة من بعدك، و لقد نبأني اللطيف الخبير أن يخرج من صلب الحسين ولد يقال له علي سمي جدّه، فإذا مضى الحسين قام بعده علي ابنه و هو الإمام و الحجة بعد أبيه و يخرج اللّه من صلب علي ولدا سميّي و أشبه الناس بي علمه علمي و حكمه حكمي،و هو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه تعالى من صلب محمد مولودا يقال له جعفر أصدق الناس فعلا و قولا7.

ص: 117


1- كمال الدين:240 ح 64 باب 22.
2- الرعد:7.

و هو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه تعالى من صلب جعفر مولودا يقال له موسى سمّي موسى بن عمران عليه السّلام أشد الناس تعبّدا فهو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب موسى ولدا يقال له علي معدن علم اللّه و موضع حكمه و هو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب علي مولودا يقال له محمد فهو الإمام و الحجة بعد أبيه، و يخرج اللّه من صلب محمد ولدا يقال له عليّ فهو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب علي مولودا يقال له الحسن فهو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب الحسن الحجة القائم إمام شيعته و منقذ أوليائه،يغيب حتى لا يرى و يرجع عن أمره قوم و يثبت عليه آخرون وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ و لو لم يكن من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه عزّ و جلّ ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما فلا تخلو الأرض منكم،أعطاكم اللّه علمي و فهمي و لقد دعوت اللّه تبارك و تعالى أن يجعل العلم و الفقه في عقبي و عقب عقبي و في زرعي و زرع زرعي» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدّب و جعفر بن محمد بن مسرور قدّس سرّه قالا:حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن الريّان بن الصلت قال:حضر الرضا عليه السّلام مجلس المأمون بمرو و قد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق و خراسان فقال المأمون:أخبروني عن معنى هذه الآية ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا (2)فقالت العلماء:أراد اللّه تعالى بذلك الأمة كلّها.

فقال المأمون:ما تقول يا أبا الحسن؟

فقال الرضا عليه السّلام:«لا أقول كما قالوا و لكني أقول أراد اللّه عزّ و جلّ بذلك العترة2.

ص: 118


1- كفاية الأثر:162.
2- فاطر:32.

الطاهرة»،فقال المأمون:و كيف عنى العترة الطاهرة من دون الأمة؟

فقال له الرضا عليه السّلام:«إنه لو أراد الأمة لكانت بأجمعها في الجنة لقول اللّه تعالى:

فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (1) ثم جمعهم كلّهم في الجنة فقال: جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ... (2)الآية.فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم».

فقال المأمون:من العترة الطاهرة؟

فقال الرضا عليه السّلام:«الذين وصفهم اللّه تعالى في كتابه فقال: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (3)و هم الذين قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي و إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما؛أيها الناس لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم».

قالت العلماء:أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة أهم الآل أم غير الآل؟

فقال الرضا عليه السّلام:«هم الآل».

فقالت العلماء:هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يؤثر عنه أنه قال:«أمتي آلي»و هؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه:آل محمد أمته فقال أبو الحسن عليه السّلام:

«أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟

قالوا:نعم،قال:فتحرم على الأمة؟

قالوا:لا،فقال:هذا فرق بين الآل و الأمة و يحكم أين يذهب بكم أضربتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون؟!أما علمتم أنه وقعت الوراثة و الطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟!3.

ص: 119


1- فاطر:32.
2- فاطر:33.
3- الأحزاب:33.

قالوا:و من أين يا أبا الحسن؟

فقال عليه السّلام:من قول اللّه تعالى: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِيمَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (1)فصارت النبوة و الكتاب للمهتدين دون الفاسقين،أما علمتم أنّ نوحا عليه السّلام سأل ربّه تعالى ذكره فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (2)و ذلك أن اللّه وعده أن ينجيه و أهله فقال له ربّه عزّ و جلّ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (3)».

فقال المأمون:هل فضّل اللّه العترة على سائر الناس؟

فقال أبو الحسن:«إنّ اللّه تعالى أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه، فقال له المأمون:أين ذلك من كتاب اللّه تعالى؟

فقال له الرضا عليه السّلام:في قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ (4)و قال عزّ و جلّ في موضع آخر: أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (5)ثم ردّ المخاطبة على أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (6)يعني الذين قرنهم الكتاب و الحكمة و حسدوا عليها فقوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً يعني الطاعة9.

ص: 120


1- الحديد:26.
2- هود:45.
3- هود:46.
4- آل عمران:33-34.
5- النساء:54.
6- النساء:59.

للمصطفين الطاهرين فالملك هاهنا هو الطاعة لهم.

قالت العلماء:فأخبرنا هل فسّر اللّه تعالى الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرضا عليه السّلام:«فسّر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعا و موطئا فأول ذلك قوله تعالى: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ و رهطك المخلصين هكذا في قراءة أبيّ بن كعب و هي ثابتة في مصحف عبد اللّه بن مسعود و هذه منزلة رفيعة و فضل عظيم و شرف عال حين عنى اللّه بذلك الآل فذكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فهذه واحدة،و الآية الثانية في الاصطفاء قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1)و هذا الفضل الذي لا يجهله أحد معاندا أصلا لأنه فضل بعد طهارة تنتظر فهذه الثانية،و أما الثالثة فحين ميّز اللّه تعالى الطاهرين من خلقه و أمر نبيه صلّى اللّه عليه و آله بالمباهلة بهم في آية الابتهال فقال عزّ و جلّ: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ (2)فأبرز النبي صلّى اللّه عليه و آله عليا و الحسن و الحسين و فاطمة(صلوات اللّه و سلامه عليهم)و قرن أنفسهم بنفسه،فهل تدرون ما معنى قوله عزّ و جل وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ؟.

قالت العلماء:عنى به نفسهم،فقال أبو الحسن:غلطتم إنما عنى به علي بن أبي طالب عليه السّلام و مما يدل على ذلك قول النبي صلّى اللّه عليه و آله حين قال:لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي.يعني علي بن أبي طالب عليه السّلام فهذه خصوصية لا يتقدّمه فيها أحد،و فضل لا يلحقه فيه بشر،و شرف لا يسبقه إليه خلق،إذ جعل نفس علي كنفسه فهذه الثالثة،و أما الرابعة فإخراجه صلّى اللّه عليه و آله الناس من مسجده ما خلا العترة التي حتى تكلّم الناس في ذلك و تكلّم العباس فقال:يا رسول اللّه تركت عليّا و أخرجتنا؟!فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:ما أنا تركته و أخرجتكم و لكنّ اللّه تركه و أخرجكم و في هذا تبيان لقوله صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام:أنت مني1.

ص: 121


1- الأحزاب:33.
2- آل عمران:61.

بمنزلة هارون من موسى.

قالت العلماء:و أين هذا من القرآن؟

قال أبو الحسن عليه السّلام:أوجدكم في ذلك قرآنا أقرأه عليكم؟

قالوا:هات.

قال:قول اللّه تعالى وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً (1)ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى و فيها أيضا منزلة علي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و مع هذا دليل ظاهر في قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين قال:ألا إنّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب إلاّ لمحمد و آله.

فقالت العلماء:يا أبا الحسن هذا الشرح و هذا البيان لا يوجد إلا عندكم معشر أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:و من ينكر لنا ذلك و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:أنا مدينة الحكمة و علي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها.ففيما أوضحنا و شرحنا من الفضل و الشرف و التقدمة و الاصطفاء و الطهارة ما لا ينكره معاند و للّه تعالى الحمد على ذلك فهذه الرابعة.

و الآية الخامسة قوله تعالى: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ (2)خصوصية خصّهم اللّه العزيز الجبار بها و اصطفاهم على الأمة فلما نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:ادعو إليّ فاطمة،فدعيت له فقال:يا فاطمة،قالت:لبّيك يا رسول اللّه فقال صلّى اللّه عليه و آله:هذه فدك هي مما لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و هي لي خاصة دون المسلمين فقد جعلتها لك لما أمرني اللّه تعالى به فخذيها لك و لولدك فهذه الخامسة.

و الآية السادسة قول اللّه عزّ و جل: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (3)3.

ص: 122


1- يونس:87.
2- الاسراء:26.
3- الشورى:23.

و هذه خصوصية للنبي صلّى اللّه عليه و آله إلى يوم القيامة،و خصوصية للآل دون غيرهم،و ذاك أنّ اللّه تعالى حكى في ذكر نوح عليه السّلام في كتابه يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ وَ ما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (1)و حكى عزّ و جلّ عن هود عليه السّلام انّه قال: يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَ فَلا تَعْقِلُونَ (2)و قال عزّ و جلّ لنبيّه محمد صلّى اللّه عليه و آله:قل يا محمد لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (3)و لم يفرض اللّه تعالى مودتهم إلاّ و قد علم انّهم لا يرتدون عن الدين أبدا و لا يرجعون إلى ضلال أبدا و أخرى أن يكون الرجل و ادا للرجل فيكون بعض أهل بيته عدّوا له فلا يسلم له قلب الرجل فأحب اللّه أن لا يكون في قلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على المؤمنين شيء ففرض اللّه عليهم مودّة ذوي القربى فمن أخذ بها و أحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أحب أهل بيته لم يستطع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يبغضه و من تركها و لم يأخذ بها و أبغض أهل بيته عليهم السّلام فعلى رسول اللّه أن يبغضه لأنه قد ترك فريضة من فرائض اللّه تعالى فأي فضيلة و أي شرف يتقدم هذا أو يدانيه فأنزل اللّه تعالى هذه الآية على نبيّه قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أصحابه فحمد اللّه و اثنى عليه و قال:أيها الناس قد فرض اللّه لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدّوه؟فلم يجبه أحد فقال:أيها الناس إنه ليس بذهب و لا فضة و لا مأكول و لا مشروب.

فقالوا:هات إذا،فتلا عليهم هذه الآية فقالوا:أمّا هذه فنعم.فما و فى بها أكثرهم، و ما بعث اللّه عزّ و جلّ نبيا إلاّ أوحى إليه أن لا يسأل قومه أجرا لأنّ اللّه تعالى يوفي أجر الأنبياء عليهم السّلام و محمد صلّى اللّه عليه و آله فرض اللّه عزّ و جل مودّة قرابته على أمته و أمره أن يجعل أجره فيهم ليودوه في قرابته بمعرفة فضلهم الذي أوجبه اللّه تعالى لهم فإن3.

ص: 123


1- هود:29.
2- هود:51.
3- الشورى:23.

المودّة إنّما تكون على قدر معرفة الفضل،فلمّا أوجب اللّه تعالى ذلك ثقل لثقل وجوب الطاعة فتمسّك بها قوم قد أخذ اللّه تعالى ميثاقهم على الوفاء و عاند أهل الشقاق و النفاق ألحدوا في ذلك فصرفوه عن حدّه الذي حدّه اللّه تعالى فقالوا:القرابة هم العرب كلها و أهل دعوته فعلى أي الحالتين كان فقد علمنا أن المودة هي القرابة فأقربهم من النبي صلّى اللّه عليه و آله أولاهم بالمودّة و كلما قربت القرابة كانت المودّة على قدرها و ما أنصفوا نبي اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حيطته و رأفته و ما منّ اللّه به على أمّته مما تعجز الألسن عن وصف الشكر عليه أن لا يودوه في ذريته و أهل بيته و أن لا يجعلوهم منهم كمنزلة العين من الرأس حفظا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيهم و حبّا لبنيه.

فكيف و القرآن ينطق به و يدعو إليه و الأخبار ثابتة بانّهم أهل المودّة و الذين فرض اللّه تعالى مودّتهم و وعد الجزاء عليها أنه ما وفى أحد بهذه المودّة مؤمنا مخلصا إلاّ استوجب الجنة لقول اللّه تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى مفسّرا و مبيّنا.

ثم قال أبو الحسن عليه السّلام:حدثني أبي عن جدّه عن اّبائه عن الحسن بن علي عليه السّلام قال:

«إجتمع المهاجرون و الأنصار إلى رسول اللّه فقالوا:إنّ لك يا رسول اللّه مؤونة في نفقتك و فيمن يأتيك من الوفود و هذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها بارّا مأجورا أعط ما شئت و أمسك ما شئت من غير حرج قال:فأنزل اللّه تعالى عليه الرّوح الأمين فقال:يا محمد قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى يعني:أن تودوا قرابتي من بعدي فخرجوا،فقال المنافقون:ما حمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على ترك ما عرضنا عليه إلاّ ليحثنا على قرابته من بعده إن هو إلاّ شيء افتراه في مجلسه،و كان ذلك من قولهم عظيما فأنزل اللّه تعالى جبريل بهذه الآية أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (1)فبعث إليهم النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:هل من حدث؟

«إجتمع المهاجرون و الأنصار إلى رسول اللّه فقالوا:إنّ لك يا رسول اللّه مؤونة في نفقتك و فيمن يأتيك من الوفود و هذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها بارّا مأجورا أعط ما شئت و أمسك ما شئت من غير حرج قال:فأنزل اللّه تعالى عليه الرّوح الأمين فقال:يا محمد قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى يعني:أن تودوا قرابتي من بعدي فخرجوا،فقال المنافقون:ما حمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على ترك ما عرضنا عليه إلاّ ليحثنا على قرابته من بعده إن هو إلاّ شيء افتراه في مجلسه،و كان ذلك من قولهم عظيما فأنزل اللّه تعالى جبريل بهذه الآية أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (1)فبعث إليهم النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:هل من حدث؟

فقالوا:أي و اللّه يا رسول اللّه،لقد قال بعضنا كلاما غليظا كرهناه فتلا عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الآية فبكوا و اشتدّ بكاؤهم فأنزل اللّه تعالى وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (2)فهذه السادسة.

و أما السابعة فقول اللّه تعالى: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (3)و قد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت هذه الآية قيل:يا رسول اللّه قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك؟

فقال:تقولون اللّهم صلّ على محمد و آل محمد كما صليت على إبراهيم و اّل إبراهيم إنك حميد مجيد،فهل بينكم معاشر الناس في هذا خلاف؟

قالوا:لا،قال المأمون:هذا مما لا خلاف فيه اصلا و عليه إجماع الأمة،فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا في القرآن؟

قال أبو الحسن عليه السّلام:«نعم أخبروني عن قول اللّه تعالى: يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)فمن عنى بقوله(يس)؟

قالت العلماء:(يس)محمد صلّى اللّه عليه و آله لم يشك فيه أحد.

قال أبو الحسن عليه السّلام:إن اللّه تعالى أعطى محمدا و آل محمد من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه إلاّ من عقله و ذلك انّ اللّه عزّ و جل لم يسلم على أحد إلاّ على الأنبياء عليهم السّلام4.

ص: 124


1- الأحقاف:8.
2- الشورى:25.
3- الأحزاب:56.
4- يس:1-4.

فقال تعالى: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (1)و قال: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (2)و قال:

سَلامٌ عَلى مُوسى وَ هارُونَ (3) و لم يقل سلام على آل نوح و لم يقل سلام على آل موسى و لا على آل إبراهيم و قال: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (4)يعني آل محمد صلّى اللّه عليه و آله»

فقال المأمون:قد علمت أن في معدن النبوة شرح هذا و بيانه،و هذه السابعة.

فأما الثامنة فقول اللّه: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ (5)فقرن سهم ذي القربى مع سهمه و سهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فهذا فصل أيضا بين الآل و الأمة لأنّ اللّه تعالى جعلهم في حيز و جعل الناس في حيز دون ذلك و رضي لهم ما رضي لنفسه و اصطفاهم فيه فبدأ بنفسه ثم برسوله ثم بذي القربى و كل ما كان من الفيء و الغنيمة و غير ذلك مما رضيه عزّ و جل لنفسه و رضيه لهم فقال و قوله الحق: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى فهذا تأكيد مؤكد و أثر قائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب اللّه الناطق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد و أما قوله: وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ فإن اليتيم إذ انقطع يتمه خرج من الغنائم و لم يكن له فيها نصيب و كذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب من المغنم و لا يحلّ له أخذه،و سهم ذي القربى قائم إلى يوم القيامة فيهم للغني و الفقير منهم لأنه لا أحد أغنى من اللّه عزّ و جلّ و لا من رسول اللّه فجعل لنفسه منهما سهما و لرسوله سهما فما رضيه لنفسه و لرسوله رضيه لهم و كذلك الفيء ما رضيه منه لنفسه و لنبيّه رضيه لذي القربى،كما أجراهم في الغنيمة فبدأ1.

ص: 125


1- الصافات:79.
2- الصافات:109.
3- الصافات:120.
4- الصافات:130.
5- الأنفال:41.

بنفسه جلّ جلاله ثم برسوله ثم بهم و قرن سهمهم بسهم اللّه و سهم رسوله و كذلك في الطاعة قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (1)فبدأ بنفسه ثم برسوله ثم بأهل بيته و كذلك آية الولاية: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا (2)فجعل ولايتهم مع طاعة الرسول مقرونة بطاعته كما جعل سهمهم مع سهم الرسول مقرونا بسهمه في الغنيمة و الفيء،فتبارك اللّه ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت فلما جاءت قصة الصدقة نزّه نفسه و نزّه رسوله و نزّه أهل بيته فقال اللّه تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ (3)فهل تجد في شيء من ذلك أنه جعل عز و جلّ سهما لنفسه أو لرسوله أو لذي القربى لأنه لما نزّه نفسه عن الصدقة و نزّه رسوله و نزّه أهل بيته لا بل حرّم عليهم لأن الصدقة محرّمة على محمد و آل محمد و هي أوساخ أيدي الناس لا يحل لهم لأنهم طهّروا من كل دنس و وسخ فلما طهّرهم اللّه و اصطفاهم رضي لهم ما رضي لنفسه و كره لهم ما كره لنفسه عزّ و جل فهذه الثامنة.

و أما التاسعة فنحن أهل الذكر الذين قال اللّه تعالى في محكم كتابه: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (4)فقالت العلماء:إنما عنى بذلك اليهود و النصارى فقال أبو الحسن:سبحان اللّه و هل يجوز ذلك؟!اذا يدعوننا إلى دينهم و يقولون:إنهم أيضا من دين الإسلام فقال المأمون:فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوا يا أبا الحسن؟

فقال عليه السّلام:نعم،الذكر:رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نحن أهله،و ذلك بيّن في كتاب اللّه عزّ و جل3.

ص: 126


1- النساء:59.
2- المائدة:55.
3- التوبة:60.
4- النحل:43.

حيث يقول في سورة الطلاق: فَاتَّقُوا اللّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّناتٍ و الذكر:رسول اللّه و نحن أهله فهذه التاسعة.

و أما العاشرة فقول اللّه تعالى في آية التحريم: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ... الآية إلى آخرها فأخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة ابني و ما تناسل من صلبي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يتزوجها لو كان حيا؟

قالوا:لا.

قال:فأخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها لو كان حيا؟

قالوا:نعم.

قال:ففي هذا بيان لأني أنا من آله،و لستم من آله،و لو كنتم من آله لحرّم عليه بناتكم كما حرّم عليه بناتي لأني من آله و أنتم من أمته فهذا فرق ما بيّن الآل و الأمة لأن الآل منه و الأمة إذا لم تكن من الآل ليست منه فهذه العاشرة.

و أما الحادي عشر فقول اللّه تعالى في سورة المؤمن حكاية عن قول رجل مؤمن من آل فرعون: وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّهُ وَ قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ تمام الآية و كان ابن خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه و لم يضفه إليه بدينه،و كذلك خصصنا نحن إذ كنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بولادتنا منه و عمّمنا الناس بالدين،فهذا فرق ما بين الآل و الأمة فهذا الحادي عشر.

و أما الثاني عشر فقوله عزّ و جلّ وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها فخصّنا اللّه تعالى بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع الأمّة بإقامة الصلاة ثم خصّنا من دون الأمة فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجيء إلى باب علي و فاطمة بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات فيقول:الصلاة رحمكم اللّه،و ما أكرم اللّه أحدا من ذراري الأنبياء عليهم السّلام بمثل هذه الكرامة التي أكرمنا اللّه بها و خصّنا من دون جميع أهل بيتهم».

فقال المأمون و العلماء:جزاكم اللّه أهل بيت نبيّكم عن الأمة خيرا فما نجد الشرح

ص: 127

و البيان فيما اشتبه علينا إلا عندكم (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال:حدّثنا الحسن بن علي بن الحسين السّكري عن محمد بن زكريا الجوهري عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«اني مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي و إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض كهاتين و ضمّ بين سبّابتيه فقام إليه جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال:يا رسول اللّه من عترتك؟

قال:علي و الحسن و الحسين و الأئمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة» (2).

محمد بن يعقوب عن محمد بن الحسين و غيره عن سهل عن محمد بن عيسى و محمد بن يحيى و محمد بن الحسين جميعا عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر و عبد الكريم بن عمرو عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«أوصى موسى إلى يوشع بن نون و أوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون،و لم يوص إلى ولده و لا إلى ولد موسى إنّ اللّه عزّ و جل له الخيرة يختار من يشاء ممن يشاء،و بشر موسى و يوشع بالمسيح عليه السّلام فلما أن بعث اللّه عزّ و جل المسيح قال المسيح عليه السّلام لهم:إنه سوف يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد من ولد إسماعيل عليه السّلام يجيء بتصديقي و تصديقكم و عذري و عذركم،و جرت من بعده في الحواريين في المستحفظين،و إنما سماهم اللّه عزّ و جل المستحفظين لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر و هو الكتاب الذي يعلم به علم كل شيء،الذي كان مع الأنبياء صلوات اللّه عليهم يقول اللّه عزّ و جل: لَقَدْ1.

ص: 128


1- أمالي الصدوق:/615مجلس /79ح 1.
2- معاني الأخبار:54/91.

أَرْسَلْنا رسلا من قبلك وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ (1)الكتاب الاسم الأكبر و إنما عرف مما يدعى الكتاب التورية الانجيل و الفرقان فيها كتاب نوح عليه السّلام و فيها كتاب صالح و شعيب و إبراهيم فاخبره اللّه عزّ و جل إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى (2)فأين صحف إبراهيم،إنما صحف إبراهيم الاسم الأكبر،و صحف موسى [الاسم الأكبر]فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله فلمّا بعث اللّه عزّ و جل محمدا أسلم له العقب من المستحفظين و كذبه بنو إسرائيل و دعا إلى اللّه عزّ و جل و جاهد في سبيله،ثم أنزل اللّه عز ذكره عليه أن أعلن فضل وصيّك فقال:يا ربّ إنّ العرب قوم جفاة لم يكن فيهم كتاب و لم يبعث إليهم نبي و لا يعرفون فضل بيوتات الأنبياء و لا شرفهم و لا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي فقال اللّه عز ذكره:

وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) فذكر من فضل وصيّه ذكرا فوقع النفاق في قلوبهم،فعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذلك و ما يقولون فقال اللّه جلّ ذكره:يا محمد: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (4)لكونهم (5)يجحدون بغير حجة لهم،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتألّفهم و يستعين ببعضهم على بعض،و لا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيّه حتى نزلت هذه السورة فاحتج عليهم حين أعلم بموته و نعيت إليه نفسه فقال اللّه جل ذكره: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَ إِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (6)يقول:فإذا فرغت فانصب علمك و أعلن وصيّك فأعلمهم فضله علانية فقال عليه السّلام:من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من8.

ص: 129


1- الآية: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا... الحديد:25.
2- الأعلى:18-19.
3- النحل:127.
4- الأنعام:33.
5- في بعض المصادر:و لكنهم.
6- الانشراح:8.

عاداه ثلاث مرات،ثم قال:لا بعثنّ رجلا يحب اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله ليس بفرّار، يعرض بمن رجع يجبن أصحابه و يجبنونه.

و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:عليّ سيد المؤمنين و قال:علي عمود الدين،و قال:هذا هو الذي يضرب الناس بالسيف على الحق بعدي،و قال:الحق مع علي أينما مال،و قال:إني تارك فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلّوا كتاب اللّه عزّ و جل و أهل بيتي عترتي،أيها الناس اسمعوا و قد بلغت انّكم ستردون عليّ الحوض فأسألكم عمّا فعلتم في الثقلين،و الثقلان كتاب اللّه جل ذكره و أهل بيتي فلا تسبقوهم فتهلكوا و لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

فوقعت الحجة بقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و بالكتاب الذي يقرأه الناس،فلم يزل يلقي فضل أهل بيته بالكلام و يبيّن لهم بالقرآن إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1)و قال عزّ ذكره: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى (2)ثم قال جلّ ذكره وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ (3)فكان علي عليه السّلام و كان حقه الوصية التي جعلت له،و الأسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النبوة فقال: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (4)ثم قال: وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (5)يقول:

أسألكم عن المودة التي أنزلت عليكم فضلها مودة القربى بأي ذنب قتلتموهم،و قال جل ذكره: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (6)قال:الكتاب:الذكر،و أهله آل محمد صلّى اللّه عليه و آله أمر اللّه عزّ و جل بسؤالهم و لم يؤمروا بسؤال الجهّال،و سمّى اللّه عزّ و جل القرآن ذكرا فقال تبارك و تعالى: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ3.

ص: 130


1- الاحزاب:33.
2- الانفال:42.
3- الاسراء:26.
4- الشورى:23.
5- التكوير:8-9.
6- النحل:43.

يَتَفَكَّرُونَ (1) و قال عزّ و جلّ: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ (2)و قال عزّ و جل: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (3)و قال عزّ و جل: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (4)فردّ اللّه الأمر- أمر الناس-إلى أولي الأمر منهم الذين أمر بطاعتهم و بالرد إليهم.

فلمّا رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من حجة الوداع نزل عليه جبرائيل عليه السّلام فقال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (5)فنادى الناس فاجتمعوا و أمر بسمرات فقم شوكهن ثم قال صلّى اللّه عليه و آله:يا أيها الناس من وليّكم و أولى بكم من أنفسكم؟

فقالوا:اللّه و رسوله،فقال:من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه ثلاث مرات،فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم و قالوا:ما أنزل عزّ و جلّ هذا على محمد قط،و ما يريد محمد إلاّ أن يرفع بضبع ابن عمّه،فلما قدم المدينة أتته الأنصار فقالوا:يا رسول اللّه إن اللّه جلّ ذكره قد أحسن إلينا و شرفنا بك و بنزولك بين ظهرانينا فقد فرّح اللّه صديقنا و كبت عدوّنا و قد يأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم فيشمت بك العدو،فنحب أن تأخذ ثلث أموالنا حتى إذا قدم عليك وفد مكة وجدت ما تعطيهم، فلم يرّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليهم شيئا و كان ينتظر ما يأتيه من ربّه فنزل عليه جبرائيل و قال:

قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى و لم يقبل أموالهم،فقال المنافقون:ما أنزل اللّه هذا على محمد و ما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه و يحمل علينا أهل بيته8.

ص: 131


1- النحل:44.
2- الزخرف:44.
3- النساء:59.
4- النساء:83.
5- المائدة:68.

يقول أمس:من كنت مولاه فعلي مولاه و اليوم:قل لا أسئلكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى،ثم نزل عليه آية الخمس فقالوا:يريد أن يعطيهم أموالنا و فيأنا،ثم أتاه جبرائيل فقال:يا محمد إنك قد قضيت نبوّتك و استكملت أيامك فاجعل الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النبوة عند علي،فإني لم أترك الأرض إلا و فيها عالم تعرف به طاعتي و تعرف به ولايتي،و يكون حجة لمن يولد بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر قال:

فأوصى إليه بالاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النبوة،و أوصى إليه بألف كلمة و ألف باب يفتح كل كلمة و كل باب ألف كلمة و الف باب» (1).

الشيخ في أماليه قال:أخبرنا محمد بن محمد-يعني المفيد-قال:حدّثنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه اللّه قال:حدثني أبي قال:حدثني سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب الزراد عن أبي محمد الأنصاري عن معاوية بن وهب قال:كنت جالسا عند جعفر بن محمد عليه السّلام إذ جاء شيخ قد انحنى من الكبر فقال:السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته فقال أبو عبد اللّه:

«و عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته يا شيخ ادن مني،فدنا منه و قبّل يده و بكى فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:و ما يبكيك يا شيخ قال له:يابن رسول اللّه إني مقيم على رجاء منكم منذ مائة سنة.

أقول:هذه السنة و هذا الشهر و هذا اليوم و لا أراه فيكم فتلومني أن أبكي،قال:

فبكى أبو عبد اللّه ثم قال:يا شيخ إن اخّرت منيّتك كنت معنا و ان عجلت كنت يوم القيامة مع ثقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال الشيخ:ما أبالي ما فاتني من بعد هذا يابن رسول اللّه فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا شيخ إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا كتاب اللّه المنزل و عترتي أهل بيتي تجيء و أنت معنا يوم القيامة،ثم قال:يا شيخ ما احسبك من أهل الكوفة،قال:لا،قال:فمن أين؟3.

ص: 132


1- أصول الكافي:296/1 ح 3.

قال:من سوادها جعلت فداك،قال:أين أنت من قبر جدي المظلوم الحسين عليه السّلام؟

قال:إني لقريب منه قال:كيف إتيانك له؟

قال:إني لآتيه و أكثر،قال:يا شيخ ذاك دم يطلب اللّه تعالى به ما أصيب ولد فاطمة و لا يصابون بمثل الحسين عليه السّلام و لقد قتل عليه السّلام في سبعة عشر من أهل بيته نصحوا للّه و صبروا في جنب اللّه فجزاهم أحسن جزاء الصابرين أنه إذا كان يوم القيامة أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه الحسين عليه السّلام و يده على رأسه يقطر دما فيقول:يا رب سل أمتي فيم قتلوا ابني و قال عليه السّلام:كل الجزع و البكاء مكروه سوى الجزع و البكاء على الحسين» (1).

سليم بن قيس الهلالي في كتابه و منه نسخت عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في آخر خطبة خطبها ثم قبض من يومه:«إني تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسّكتم بهما:كتاب اللّه و أهل بيتي،فإن اللطيف الخبير عهد إليّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض كهاتين و أشار باصبعيه المسبحتين-و لا أقول كهاتين إحداهما أطول من الأخرى (2)-و أشار بالمسبحة و الوسطى-،فتمسّكوا بهما لا تضلّوا و لا تقدّموهم فتهلكوا،و لا تخلّفوا عنهم فتمرقوا (3)و لا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم،قال:

قلت:يا أمير المؤمنين سمّهم (4)لي؟

قال:الذي نصبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بغدير خم فأخبرهم أنه أولى بهم من أنفسهم،ثم أمرهم أن يعلم الشاهد الغائب منهم.

فقلت:أنت هو يا أمير المؤمنين؟

قال:أنا أولهم و أفضلهم،ثم ابني الحسن من بعدي أولى بهم من أنفسهم،ثم ابنيه.

ص: 133


1- أمالي الطوسي:/161مجلس /6ح 20.
2- في بعض المصادر:لأن إحداهما قدام الاخرى.
3- في بعض المصادر:فتفرقوا.
4- في بعض المصادر:سمّه.

الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم،ثم أوصياء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى يردوا عليه حوضه واحدا بعد واحد» (1).

سليم بن قيس الهلالي في كتابه عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«كنت أدخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كل يوم دخلة و في كل ليلة دخلة فيخليني فيها أدور معه حيث دار،و قد علم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري[و ربما كان ذلك في منزلي يأتيني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي و أقام نساءه فلم يبق غيري]و غيره،و إذا أتاني للخلوة في منزلي لم تقم عنّا فاطمة و لا أحد من ابني،[كنت]إذا سألته أجابني و إذا سكت أو نفذت مسائلي ابتدأني،فما نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله آية من القرآن إلا أقرأنيها و أملاها عليّ و كتبتها بخطي،و دعى اللّه أن يفهّمني و يحفّظني فما نسيت من كتاب اللّه آية منذ حفظتها و علمت (2)تأويلها،[مذ حفظته و أملاه علي فكتبته،و ما ترك شيئا علّمه اللّه]و لا نزل عليه شيء من حلال و لا حرام و لا أمر و لا نهي و لا طاعة و لا معصية كان أو يكون[إلى يوم القيامة]إلاّ و قد علّمنيه و حفظته ثم لم أنس منه حرفا واحدا،ثم وضع صلّى اللّه عليه و آله يده على صدري و دعى اللّه أن يملأ قلبي علما و فهما و حكما و نورا،و أن يعلّمني فلا أجهل،و أن يحفّظني فلا أنسى.

فقلت له ذات يوم:يا نبي اللّه إنك منذ دعوت اللّه لي لم أنس شيئا مما علّمتني،فلم تمليه عليّ و تأمرني بكتابته أفتجوز (3)عليّ النسيان؟

فقال:يا أخي لست أتخوّف عليك النسيان و لا الجهل،فقد أخبرني اللّه عزّ و جل أنه استجاب لي فيك و في شركائك الذين يكونون من بعدك،فقلت:يا نبي اللّه و من شركائي؟

قال:الذين قرنهم اللّه تعالى بنفسه و بي معه و قد قال في حقهم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواب.

ص: 134


1- كتاب سليم بن قيس:178 ط.قم المحققة.
2- في بعض المصادر:و علمني.
3- في بعض المصادر:أتتخوف و هو الأنسب.

أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (1) قلت:يا نبي اللّه و من هم؟

قال:الأوصياء إلى أن يردوا عليّ حوضي كلّهم هداة مهديون (2)لا يضرهم كيد من كادهم و لا خذلان من خذلهم،هم مع القرآن و القرآن معهم،لا يفارقونه و لا يفارقهم،بهم ينصر اللّه أمتي و بهم يمطرون و يدفع عنهم بمستجاب دعوتهم،فقلت:يا رسول اللّه سمّهم لي؟

فقال:ابني هذا،و وضع يده على رأس الحسن ثم ابني هذا و وضع يده على رأس الحسين عليه السّلام ثم ابن له يسمى عليّا ثم ابنا له يسمى محمدا[باقر علمي و خازن وحي اللّه] فاقرئه عني السلام[ثم أقبل على الحسين عليه السّلام فقال:سيولد لك(محمد بن علي)في حياتك فاقرئه مني السلام]ثم تكملة الإثني عشر من ولده،فقلت:يا نبي اللّه سمّهم لي بأسمائهم،فسمّاهم رجلا رجلا منهم-و اللّه يا أخا بني هلال-مهدي أمة محمد الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،و اللّه إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن و المقام و أعرف أسماء الجميع و قبائلهم.

قال سليم:ثم لقيت الحسن و الحسين عليهما السّلام بالمدينة بعد ما قتل علي صلوات اللّه عليه فحدّثتهما بالحديث هذا من أبيهما فقالا:«صدقت،و قد حدّثك أبونا هذا الحديث و نحن جلوس و قد حفظنا ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما حدّثك عليّ سواء لم تزد و لم تنقص منه شيئا».

قال سليم:ثم لقيت علي بن الحسين عليه السّلام و عنده ابنه محمد بن علي عليه السّلام.فحدثته مما سمعته من أبيه و عمه عليهما السّلام و ما سمعته من علي عليه السّلام،فقال عليّ بن الحسين عليه السّلام:

«قد أقرأني أمير المؤمنين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو مريض و أنا صبي»ثم قال محمد:د.

ص: 135


1- هنا زيادة في بعض المصادر:فإن خفتم التنازع في شيء فأرجعوه إلى اللّه و إلى الرسول و الى أولي الامر منكم.
2- في بعض المصادر:هاد مهتد.

«فأقرأني جدي الحسين عليه السّلام بعهد من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله[و هو مريض]».

قال أبان راوي كتاب سليم:فحدّثت علي بن الحسين بهذا الحديث كلّه عن سليم فقال:«صدق سليم» (1).

محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس و علي بن محمد عن سهل بن زياد أبي سعيد عن محمد بن عيسى عن يونس عن ابن مسكان عن أبي بصير:قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (2)فقال:«نزلت في علي بن أبي طالب عليه السّلام و الحسن و الحسين عليهما السّلام،فقلت له:إن الناس يقولون:فما له لم يسم علي و أهل بيته في كتاب اللّه عزّ و جل؟

قال:فقال:قولوا لهم:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نزلت عليه الصلاة و لم يسمّ اللّه لهم ثلاثا و لا أربعا حتى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو الذي فسّر ذلك لهم،و نزلت عليه الزكاة و لم يسمّ لهم من كل أربعين درهما درهم حتى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو الذي فسّر ذلك لهم،و قد نزل الحج فلم يقل لهم:طوفوا أسبوعا حتى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو الذي فسّر ذلك لهم و نزلت أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و نزلت في علي و الحسن و الحسين فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في علي عليه السّلام:من كنت مولاه فعلي مولاه،و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أوصيكم بكتاب اللّه و أهل بيتي فإني سألت اللّه عزّ و جل أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما عليّ الحوض فأعطاني ذلك،و قال:لا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم،و قال:إنهم لن يخرجوكم من باب هدى و لن يدخلوكم في باب ضلالة،فلو سكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يبيّن من أهل بيته لادّعاها آل فلان و آل فلان،و لكن اللّه عزّ و جل أنزل في كتابه9.

ص: 136


1- كتاب سليم:184-185.
2- النساء:59.

تصديقا لنبيّه: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1)فكان علي و الحسن و الحسين و فاطمة عليهما السّلام فأدخلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تحت الكساء في بيت أم سلمة ثم قال:اللّهم إنّ لكل نبي أهلا و ثقلا و هؤلاء أهل بيتي،فقالت أم سلمة:ألست من أهلك؟

فقال إنك إلى خير و لكن هؤلاء أهلي و ثقلي،فلما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان علي عليه السّلام أولى الناس بالناس لكثرة ما بلّغ فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إقامته للناس و أخذه بيده،فلما مضى علي لم يستطع علي و لم يكن ليفعل أن يدخل محمد بن علي و لا العباس بن علي و لا واحدا من ولده،إذا لقال الحسن و الحسين:إنّ اللّه تبارك و تعالى أنزل فينا كما أنزل فيك،و أمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك و بلّغ فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما بلّغ فيك و أذهب عنا الرجس كما أذهب عنك،فلما مضى علي عليه السّلام كان الحسن أولى بها لكبره فلما تولى (2)لم يستطع أن يدخل ولده و لم يكن ليفعل و اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (3)فيجعلها في ولده إذا لقال الحسين عليه السّلام:أمر اللّه بطاعتي كما أمر بطاعتك و طاعة أبيك و بلّغ فيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما بلّغ فيك و في أبيك و أذهب اللّه عني الرجس كما أذهب عنك و عن أبيك،فلما صارت إلى الحسين عليه السّلام لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدّعي عليه كما كان هو يدّعي على أخيه و على أبيه،لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه و لم يكونا ليفعلا،ثم صارت حين أفضت إلى الحسين عليه السّلام فجرى تأويل هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين ثم صارت من بعد علي بن الحسين إلى محمد بن علي و قال:الرجس5.

ص: 137


1- الاحزاب:33.
2- في بعض المصادر:توفي.
3- الأنفال:75.

هو الشك و اللّه لا نشك في ربّنا أبدا» (1).

الشيخ محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة عن أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة (2)و محمد بن همّام بن سهل و عبد العزيز و عبد الواحد ابنا عبد اللّه بن يونس عن رجالهم عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس و أخبرنا به من غير هذه الطريق هارون بن محمد قال:

حدثني أحمد بن عبد اللّه بن جعفر بن المعلى الهمداني قال:حدثني أبو الحسن عمرو بن جامع بن عمرو بن حرب الكندي قال:حدّثنا عبد اللّه بن مبارك شيخ لنا كوفي ثقة قال:حدّثنا عبد الرزاق بن همام عن معمر عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، و ذكر أبان أنّه سمعه أيضا عن عمر بن أبي سلمة قال معمر:و ذكر أبو هارون العبدي أنّه سمعه أيضا عن عمر بن أبي سلمة عن سليم:أنّ معاوية لما دعا أبا الدرداء و أبا هريرة و نحن مع أمير المؤمنين عليه السّلام بصفين فحمّلهما الرسالة إلى أمير المؤمنين و أدّياه إليه قال:«قد بلغتماني ما أرسلكما به معاوية فاسمعا مني و بلّغاه عني، [كما بلغتماني]قالا:نعم.فأجابه علي عليه السّلام الجواب بطوله حتى انتهى إلى نصب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إياه بغدير خم بأمر اللّه عزّ و جل لمّا أنزل اللّه عزّ و جل عليه: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (3)فقال الناس:يا رسول اللّه أخاصة لبعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟فأمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يعلمهم ولاية من أمرهم اللّه بولايته،و أن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم و زكاتهم و صومهم و حجهم.

قال الإمام علي عليه السّلام:فنصبني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بغدير خم فقال:إنّ اللّه عزّ و جلّ أرسلني5.

ص: 138


1- اصول الكافي:288/1 ح 1.
2- كلمة غير مقروءة في الأصل.
3- المائدة:55.

برسالة ضاق بها صدري و ظننت أنّ الناس مكذبي فأوعدني لا بلّغنها أو ليعذبني ثم قال:

قم يا علي،ثم نادى بأعلى صوته بعد أن أمر أن ينادى بالصلاة جامعة فصلّى بهم الظهر، ثم قال:أيها الناس إنّ اللّه مولاي و أنا مولى المؤمنين و أنا أولى بهم من أنفسهم،من كنت مولاه فعليّ مولاه والى اللّه من والاه و عادى من عاداه،فقام إليه سلمان الفارسي فقال:يا رسول اللّه ولاء ماذا؟

فقال:من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه فأنزل اللّه: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (1).

فقال سلمان الفارسي:يا رسول اللّه أنزلت الآيات في عليّ خاصة؟

فقال:بل فيه و في أوصيائي إلى يوم القيامة،فقال:يا رسول اللّه سمّهم (2)لي؟

فقال:عليّ وصييّ و وزيري و وارثي و خليفتي في أمتي و وليّ كل مؤمن و مؤمنة من بعدي و أحد عشر إماما من بعدي من ولده أوّلهم ابني حسن ثم ابني حسين ثم تسعة من ولد الحسين عليه السّلام واحدا بعد واحد،هم مع القرآن و القرآن معهم لا يفارقونه و لا يفارقهم حتى يردوا عليّ حوضي،فقام اثنا عشر من البدريين الذين شهدوا مع عليّ صفين فقالوا:شهدنا أنّا سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما قلت يا أمير المؤمنين سواء،فلم تزد و لم تنقص،و قال بقية السبعين من البدريين الذين شهدوا مع عليّ صفين:قد حفظنا جلّ ما قلت و لم نحفظه كله،و هؤلاء الاثنا عشر خيارنا و أفاضلنا،فقال عليه السّلام:

صدقتم ليس كل الناس يحفظ و بعضهم أحفظ من بعض» (3).

محمد بن إبراهيم النعماني في الغيبة بالإسناد السابق في حديث أبي الدرداء و أبي هريرة في الحديث قال:و قام من الإثني عشر أربعة:الهيثم بن التيهان و أبو0.

ص: 139


1- المائدة:3.
2- في بعض المصادر المطبوع:بيّنهم.
3- كتاب الغيبة للنعماني:70.

أيوب و عمار و خزيمة[بن ثابت]ذو الشهادتين فقالوا:شهدنا أنّا حفظنا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله[و اللّه إنه لقائم]و عليّ قائم إلى جنبه و هو يقول:«يا أيها الناس إنّ اللّه أمرني أن أنصب لكم إمامكم و وصيّي (1)فيكم و خليفتي في أهلي و في أمتي من بعدي و الذي فرض اللّه طاعته على المؤمنين في كتابه و أمركم فيه بولايته فقلت:يا رب خشية طعن أهل النفاق و تكذيبهم فأوعدني لأبلّغها أو ليعاقبني،أيها الناس إن اللّه جلّ ذكره أمركم في كتابه بالصلاة و قد بيّنتها لكم و سننتها لكم و الزكاة و الصوم و الحج فبيّنته و فسّرته (2)، و أمركم في كتابه بولايته و إنّي أشهدكم أيها الناس أنها خاصة لعلي و أوصيائي من ولدي و ولده،أولهم حسن ثم ابني حسين ثم تسعة من ولد الحسين لا يفارقون كتاب اللّه حتى يردوا عليّ الحوض.

أيها الناس و قد أعلمتكم مفزعكم بعدي و وليكم و إمامكم و هاديكم بعدي،و هو أخي علي بن أبي طالب و هو فيكم بمنزلتي فقلّدوه دينكم و أطيعوه في جميع أموركم، فإنّ عنده جميع ما علّمني اللّه جلّ و عزّ،أمرني اللّه أن أعلّمه إياه و أن أعلمكم أنّه عنده فسلوه و تعلّموا منه و من أوصيائه،و لا تعلّموهم و لا تتقدموهم و لا تتخلّفوا عنهم فإنّهم مع الحق و الحق معهم لا يزايلونه و لا يزايلهم (3).

محمد بن إبراهيم النعماني في الغيبة بالسند السابق في الحديث ثم قال علي عليه السّلام لأبي الدرداء و أبي هريرة و من حوله:«أيها الناس أتعلمون أنّ اللّه أنزل في كتابه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (4)فجمعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله3.

ص: 140


1- في بعض المصادر المطبوع:لكم إماما يكون وصيي.
2- في بعض المصادر لم يذكر الحج و قال:فبينتهما.
3- كتاب الغيبة:72،و فيه تفاوت بسيط في الألفاظ أشرت إلى المهم منه.
4- الاحزاب:33.

و فاطمة و حسنا و حسينا في كساء فقال:اللهم هؤلاء لحمتي (1)و عترتي و ثقلي و حامتي (2)و أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،فقالت أم سلمة:و أنا،فقال لها:و أنت إلى خير،إنّما أنزلت فيّ و في أخي و ابنتي فاطمة و في ابني حسن و حسين و في تسعة من ولد الحسين خاصة ليس معنا أحد غيرنا؟

فقام جلّ القوم فقالوا:نشهد أنّ أم سلمة حدّثتنا بذلك فسألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فحدثنا كما حدثتنا أم سلمة.

فقال علي عليه السّلام:ألستم تعلمون أن اللّه عزّ و جل أنزل في سورة الحج يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ (3)فقام سلمان عند نزولها فقال:يا رسول اللّه من هؤلاء الذين أنت شهيد عليهم و هم شهداء على الناس الذين اختارهم اللّه و لم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:عنى بذلك ثلاثة عشر إنسانا،أنا و أخي عليا و أحد عشر من ولده.

فقالوا:اللهم نعم قد سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فقال علي عليه السّلام:أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه قام خطيبا ثم لم يخطب بعد ذلك فقال:أيها[الناس] (4)إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسّكتم بهما كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،فإنّ اللطيف الخبير أخبرني و عهد إليّ أنهما لا يفترقان حتى يردا عليّل.

ص: 141


1- كذا الظاهر من المخطوط و في بعض المصادر:أحبتي.
2- في بعض المصادر:و خاصتي.
3- الحج:77-78.
4- لا توجد في الأصل.

الحوض؟

قالوا:اللهم قد شهدنا ذلك كلّه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقام اثنا عشر من الجماعة فقالوا:نشهد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين خطب في اليوم الذي قبض فيه قام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال:يا رسول اللّه لكل أهل بيتك؟

فقال:لا،و لكن الأوصياء منهم عليّ أخي و وزيري و وارثي و خليفتي في أمتي و ولي كل مؤمن من بعدي و هو أولهم و خيرهم ثم وصيه بعده ابني هذا-و أشار إلى الحسن ثم وصيه ابني هذا-و أشار إلى الحسين-ثم وصيه ابني بعده سميّ أخي ثم وصيّه بعده سمّيي،ثم سبعة من بعده من ولده واحد بعد واحد،حتى يردوا عليّ الحوض شهداء اللّه في أرضه،و حججه على خلقه،من أطاعهم أطاع اللّه،و من عصاهم عصى اللّه».

فقام السبعون البدريون و نحوهم من المهاجرين فقالوا:ذكرتمونا ما كنا نسيناه،نشهد أنّا قد سمعنا ذلك من رسول اللّه،فانطلق أبو هريرة و أبو الدرداء فحدّثا معاوية بكل ما قال علي و ما استشهد عليه و ما رد على الناس و ما سمعوا به (1).

و روى هذه الأحاديث الثلاث أيضا ابن بابويه في كتاب الغيبة قال:حدّثنا أبي و محمد بن الحسن قدّس سرّه قالا:حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال:حدّثنا يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي و ذكر الاحاديث الثلاثة.

الشيخ أيضا في أماليه قال:أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال:حدّثنا الحسن ابن علي بن زكريا أبو سعيد البصري قال:حدّثنا محمد بن صدقة العنبري قال:

حدّثنا موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه محمد بن علي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوماة.

ص: 142


1- كتاب الغيبة للنعماني:74،و كمال الدين:279 ح 25 و هو كتاب الغيبة.

صلاة الفجر ثم انفتل و أقبل علينا يحدثنا ثم قال:«أيها الناس من فقد الشمس فليتمسّك بالقمر،و من فقد القمر فليتمسك بالفرقدين،قال:فقمت أنا و أبو أيوب الأنصاري و معنا أنس بن مالك فقلنا:يا رسول اللّه من الشمس؟

قال:أنا،فإذا هو صلّى اللّه عليه و آله قد ضرب لنا مثلا فقال:إنّ اللّه تعالى خلقنا فجعلنا بمنزلة نجوم السماء،كلما غاب نجم طلع نجم فأنا الشمس فإذا ذهب بي فتمسّكوا بالقمر،قلنا:فمن القمر؟

قال:أخي و وصيّي و وزيري و قاضي ديني و أبو ولدي و خليفتي في أهلي علي بن أبي طالب.

قلنا:فمن الفرقدان؟

قال:الحسن و الحسين-ثم مكث مليّا-فقال:و فاطمة هي الزهرة،و عترتي أهل بيتي هم مع القرآن و القرآن معهم لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض» (1).

الثامن و الخمسون:ابن بابويه في عيون أخبار الرضا عليه السّلام عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي قال:

«سئل أمير المؤمنين عن معنى قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي،من العترة؟

قال:أنا و الحسن و الحسين و الأئمة التسعة[من ولد الحسين]،تاسعهم مهديهم و قائمهم لا يفارقون كتاب اللّه و لا يفارقهم حتى يردوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حوضه (2).م.

ص: 143


1- أمالي الطوسي:/516مجلس /18ح 38.
2- عيون أخبار الرضا:60/2 ح 25 باب النصوص على الرضا عليه السّلام.

رعاية النبي للحسين عليهما السلام

أطلق رسول اللّه على الحسنين عليهما السّلام لفظ الابن في غير واحد من الأخبار فيكونان إبنيه حقيقة.

و من جملة هذه الأخبار الحديث المشهور أنه قال فيهما:هذان إبناي إمامان (1).

و عن سلمان قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:سمّى هارون إبنيه شبّرا و شبيرا،و إنني سميت ابنيّ الحسن و الحسين عليهما السّلام (2).

و عن الدار قطني بالإسناد عن ابن عمر قال:قال:إبناي هذان سيدا شباب أهل الجنة و أبوهما خير منهما.

و عن الراغب عن أبي هريرة و بريدة:رأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله يخطب على المنبر ينظر إلى الناس مرة و إلى الحسن مرة و قال:إن ابني هذا سيصلح اللّه به بين فئتين من المسلمين (3).

و عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:كنا جلوسا عند النبي صلّى اللّه عليه و آله إذ أقبل الحسين عليه السّلام فجعل ينزو على ظهر النبي صلّى اللّه عليه و آله و على بطنه،فبال و قال:دعوه،قال أبو عبيدة في غريب الحديث أنه قال:لا تزرموا ابني أي لا تقطعوا عليه بوله،ثم دعا

ص: 144


1- كتاب الاربعين:307.
2- مناقب آل أبي طالب:166/3.
3- مناقب آل أبي طالب:185/3.

بماء فصبّه على بوله (1).

و عن الطبري عن طاووس اليماني عن ابن عباس قال رسول الله:رأيت في الجنة قصرا من درّة بيضاء لا صدع فيها و لا وصل،فقلت:حبيبي جبرائيل لمن هذا القصر؟

قال:للحسين ابنك،ثم تقدمت أمامه فإذا أنا بتفاح فأخذت تفاحة ففلقتها فخرجت منها حوراء كأن مقاويم النسور أشفار عينيها،فقلت:لمن أنت؟فبكت ثم قالت:

لابنك الحسين عليه السّلام. (2)

و عن ظريف بن ناصح عن عبد الصمد بن بشير عن أبي الجارود عن أبي جعفر قال:

قال لي أبو جعفر:يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن و الحسين عليهما السّلام؟

قلت:ينكرون علينا أنهما ابنا رسول اللّه،قال:فبأي شي احتججتم عليهم؟

قلت:بقول اللّه عز و جل في عيسى ابن مريم: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ (3).

قال:فأي شيء قالوا لكم؟

قلت:قالوا:قد يكون ولد الإبنة من الولد و لا يكون من الصلب،قال:فأي شي احتججتم عليهم؟

قلت:احتججنا عليهم بقول اللّه عز و جل: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (4)الآية.1.

ص: 145


1- مناقب آل أبي طالب:226/3.
2- مناقب آل أبي طالب:229/3.
3- الأنعام:84.
4- آل عمران:61.

قال:فأي شي قالوا لكم؟

قلت:قالوا:قد يكون في كلام العرب إبني رجل واحد فيقول أبناءنا و إنما هما إبن واحد قال:فقال أبو جعفر:و اللّه يا أبا الجارود لأعطينّكما من كتاب اللّه تسمّى بصلب رسول اللّه لا يردها إلا الكافر،قال:قلت:جعلت فداك و أين؟

قال:حيث قال اللّه تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ إلى أن ينتهى إلى قوله تعالى: وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ (1).

فسلهم يا أبا الجارود:هل حلّ لرسول اللّه نكاح حليلتهما؟فإن قالوا:نعم،فكذبوا و اللّه و فجروا،و إن قالوا:لا،فهما و اللّه ابناه للصّلب و ما حرمتا عليه إلا للصلب (2).

قال المحدث العلامة المجلسي:وجه الإحتجاج بالآية الأخيرة هو اتفاقهم على دخول ولد البنت في هذه الآية و الأصل في الإستعمال الحقيقة أو أنهم يستدلون بهذه الآية على حرمة حليلة الولد و لا يتم إلا بكونه ولدا حقيقة للصّلب (3).

و عن عبد اللّه بن عباس قال:بينما نحن عند رسول اللّه إذ أقبلت فاطمة تبكي، فقال لها النبي صلّى اللّه عليه و آله:ما يبكيك؟

قالت:يا رسول اللّه إن الحسن و الحسين عليهما السّلام خرجا فو اللّه ما أدري أين سلكا.

فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:لا تبكي فداك أبوك فإن اللّه عز و جل خلقهما و هو أرحم بهما، اللهم إن كانا قد أخذا في برّ فاحفظهما،و إن كانا قد أخذا في بحر فسلّمهما.

فهبط جبرائيل فقال:يا أحمد لا تغتم و لا تحزن هما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة و أبوهما خير منهما و هما في حظيرة بني النجار نائمين،و قد وكّل اللّه بهما ملكا يحفظهما.8.

ص: 146


1- النساء:23.
2- بحار الأنوار:233/43 ح 9.
3- بحار الأنوار:233/43 ح 8.

قال ابن عباس:فقام رسول الله و قمنا معه حتى أتينا معه حظيرة بني النجار فإذا الحسن معانق الحسين عليهما السّلام و إذا الملك قد غطاهما بأحد جناحيه.

قال:فحمل النبي الحسن عليهما السّلام و أخذ الحسين عليه السّلام الملك و الناس يرون أنه حاملهما،فقال أبو بكر و أبو أيوب الأنصاري:يا رسول الله ألا نخفف عنك بأحد الصبيين؟

فقال:دعاهما فإنهما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة و أبوهما خير منهما، ثم قال:و الله لأشرّفنهما اليوم بما شرّفهما الله،فخطب فقال:

يا أيها الناس،ألا أخبركم بخير الناس جدا و جدة؟،قالوا:بلى يا رسول الله،قال:

الحسن و الحسين عليهما السّلام جدّهما رسول الله و جدّتهما خديجة بنت خويلد.

ألا أخبركم بخير الناس أبا و أما؟،قالوا:بلى يا رسول الله،قال:الحسن و الحسين أبوهما علي بن أبي طالب و أمهما فاطمة بنت محمد.

ألا أخبركم أيها الناس بخير الناس عمّا و عمة؟،قالوا:بلى يا رسول الله،قال:

الحسن و الحسين عمهما جعفر بن أبي طالب و عمتهما أم هاني بنت أبي طالب.

أيها الناس،ألا أخبركم بخير الناس خالا و خالة؟،قالوا:بلى يا رسول الله،قال:

الحسن و الحسين خالهما القاسم بن محمد و خالتهما زينب بنت محمد ألا إن أباهما في الجنة و أمهما في الجنة و جدّهما في الجنة و جدّتهما في الجنة و خالهما في الجنة و خالتهما في الجنة و عمّهما في الجنة و عمتهما في الجنة و هما في الجنة،و من أحبّهما في الجنة و من أحب من أحبهما في الجنة (1).

و روى الطبراني بإسناده عن سلمان قال:

كنا حول النبي صلّى اللّه عليه و آله فجاءت أم أيمن فقالت:يا رسول الله لقد ضلّ الحسن و الحسين،و ذلك عند ارتفاع النهار،فقال رسول الله:قوموا فاطلبوا ابنيّ،فأخذ كل3.

ص: 147


1- الامالي:523.

رجل تجاه وجهه و أخذت نحو النبي صلّى اللّه عليه و آله فلم يزل حتى أتى سفح الجبل و إذا الحسن و الحسين ملتزق كل واحد منهما بصاحبه،و إذا شجاع قائم على ذنبه يخرج من فيه شبه النار فأسرع إليهما رسول الله فالتفت مخاطبا لرسول الله،ثم انساب فدخل بعض الأجحرة،ثم أتاهما ففرّق بينهما و مسح وجهيهما و قال:بأبي و أمي أنتما ما أكرمكما على الله،ثم حمل أحدهما على عاتقه الأيمن و الآخر على عاتقه الأيسر، فقلت:طوبى لكما نعم المطية مطيتكما،فقال رسول الله:و نعم الراكبان هما و أبوهما خير منهما.

و قال:حكي عن عروة البارقي قال:

حججت في بعض السنين فدخلت مسجد رسول الله فوجدت رسول الله جالسا و حوله غلامان يافعان و هو يقبّل هذا مرة و هذا أخرى،فإذا رآه الناس يفعل ذلك أمسكوا عن كلامه حتى يقضي منهما و ما يعرفون لأي سبب حبّه إياهما.

فجئته و هو يفعل ذلك.

بهما فقلت:يا رسول الله هذان ابناك؟

فقال:إنهما ابنا ابنتي و ابنا أخي و ابن عمي و أحب الرجال إليّ و من هو سمعي و بصري و من نفسه نفسي و نفسي نفسه و من أحزن لحزنه و يحزن لحزني.

فقلت له:قد عجبت يا رسول اللّه من فعلك بهما و حبك لهما.

فقال له:أحدثك أيها الرجل أني لما عرج بي إلى السماء و دخلت الجنة انتهيت إلى شجرة في رياض الجنة فعجبت من طيب رائحتها فقال لي جبرائيل:يا محمد تعجب من هذه الشجرة فثمرها أطيب من ريحها،فجعل جبرائيل يتحفني من ثمرها و يطعمني من فاكهتها و أنا لا أملّ منها،ثم مررنا بشجرة أخرى فقال لي جبرائيل:يا محمد كل من هذه الشجرة فإنها تشبه الشجرة التي أكلت منها الثمر فهي أطيب طعما و أزكى رائحة.

ص: 148

قال:فجعل جبرائيل يتحفني بثمرها و يشمّني من رائحتها و أنا لا أملّ منها، فقلت:يا أخي جبرائيل ما رأيت في الأشجار أطيب و لا أحسن من هاتين الشجرتين، فقال لي:يا محمد أتدري ما اسم هاتين الشجرتين؟

فقلت:لا أدري،فقال:إحداهما الحسن و الأخرى الحسين،فإذا هبطت يا محمد إلى الأرض من فورك فأت زوجتك خديجة و واقعها من وقتك و ساعتك فإنه يخرج منك طيب رائحة الثمر الذي أكلته من هاتين الشجرتين فتلد لك فاطمة الزهراء،ثم زوّجها أخاك عليا فتلد له إبنيين فسمّ أحدهما الحسن و الآخر الحسين عليهما السّلام.

قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:ففعلت ما أمرني أخي جبرائيل فكان الأمر ما كان،فنزل إليّ جبرائيل بعد ما ولد الحسن و الحسين.

فقلت له:يا جبرائيل ما أشوقني إلى تينك الشجرتين،فقال لي:يا محمد إذا اشتقت إلى الأكل من ثمرة تينك الشجرتين فشمّ الحسن و الحسين عليهما السّلام.

قال:فجعل النبي صلّى اللّه عليه و آله كلما اشتاق إلى الشجرتين يشم الحسن و الحسين عليهما الصلاة و السلام و يلثمهما و هو يقول:صدق أخي جبرائيل،ثم يقبّل الحسن و الحسين عليهما السّلام و يقول:يا أصحابي إني أود أني أقاسمهما حياتي لحبي لهما و هما ريحانتاي من الدنيا،فتعجب الرجل من وصف النبي للحسن و الحسين عليهم السّلام (1).3.

ص: 149


1- مديند المعاجز:424/3.

مدح الإمام الحسين عليه السلام

عن يحيى بن سعيد،قال:أمر عمر الحسين بن علي أن يأتيه في بعض الحاجة، فأتاه حسين فلقيه عبد اللّه بن عمر،فقال له حسين:من أين جئت؟

قال:قد استأذنت على عمر فلم يؤذن لي،فرجع حسين فلقيه عمر فقال له:ما منعك يا حسين أن تأتيني؟

قال:قد أتيتك و لكن أخبرني عبد اللّه بن عمر أنه لم يؤذن له عليك فرجعت.

فقال له عمر:و أنت عندي مثله؟أنت عندي مثله،و هل أنبت الشعر على الرأس غيركم؟.

و عن عبيد بن حنين،عن الحسين بن علي،قال:صعدت إلى عمر و هو على المنبر فقلت:إنزل عن منبر أبي و اذهب إلى منبر أبيك،فقال:من علّمك هذا؟

قلت:ما علمنيه أحد،قال:منبر أبيك و اللّه!منبر أبيك و اللّه!و هل أنبت على رؤوسنا الشعر إلاّ أنتم[لو]جعلت تأتينا و جعلت تغشانا؟! (1)

و عن مدرك بن عمارة،قال:رأيت ابن عباس آخذا بركاب الحسن و الحسين فقيل له:أتأخذ بركابهما و أنت أسن منهما؟

فقال:إن هذين ابنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أو ليس من سعادتي أن آخذ بركابهما.

عن أبي سعيد الكلبي،قال:قال معاوية لرجل من قريش:إذا دخلت مسجد رسول

ص: 150


1- جواهر العقدين:387،و تاريخ بغداد:152/1،و الرياض النضرة:342/2،و تاريخ المدينة: 799/3 بتفاوت.

اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رؤوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد اللّه مؤتزرا على أنصاف ساقية ليس فيها من الهزّيلا شيء.

عن أبي المهزّم قال:كنا مع جنازة امرأة و معنا أبو هريرة فجيء بجنازة رجل فجعله بينه و بين المرأة فصلّى عليهما فلما أقبلنا أعيا الحسين فقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه فقال الحسين:يا أبا هريرة و أنت تفعل هذا،قال أبو هريرة:دعني فو اللّه لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم (1).

الشيخ الطوسي في أماليه قال:أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل قال:حدّثنا الحسن بن عليّ بن زكريا أبو سعيد البصري قال:حدّثنا محمد بن صدقة العنبري قال:حدّثنا موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن عليّ عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوما صلاة الفجر ثمّ انفتل و أقبل علينا يحدثنا ثمّ قال:أيّها الناس من فقد الشمس فليتمسك بالقمر و من فقد القمر فليتمسك بالفرقدين،قال:فقمت أنا و أبو أيوب الأنصاري و معنا أنس بن مالك فقلنا يا رسول اللّه من الشمس؟

قال:أنا،فإذا هو صلّى اللّه عليه و آله قد ضرب لنا مثلا فقال:إن اللّه تعالى خلقنا فجعلنا بمنزلة نجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم،فأنا الشمس فإذا ذهب بي فتمسكوا بالقمر.

قلنا:فمن القمر؟

قال:أخي و وصي و وزيري و قاضي ديني و أبو ولدي و خليفتي في أهلي.

قلنا:فمن الفرقدان؟

قال:الحسن و الحسين.

ثمّ مكث مليا فقال:هؤلاء و فاطمة هي الزهرة عترتي و أهل بيتي هم مع القرآن4.

ص: 151


1- تاريخ مدينة دمشق:180/14.

و القرآن معهم لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض (1).

و عن محمد بن زيد بن أرقم قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول لعليّ:«أنت الإمام، و الحسن و الحسين إمامان سيّدا شباب أهل الجنّة،و تسعة من صلب الحسين عليه السّلام أئمة أبرار معصومون،و منهم قائمنا أهل البيت،ثمّ قال:يا عليّ ليس في القيامة راكب غيرنا و نحن أربعة».

فقام إليه رجل من الأنصار فقال:فداك أبي و أمّي يا رسول اللّه و من هم؟

قال:«أنا على دابة البراق،و أخي صالح على ناقة اللّه التي عقرت،و عمّي حمزة على ناقتي العضباء،و أخي عليّ على ناقة من نوق الجنّة و بيده لواء الحمد ينادي:لا إله إلاّ اللّه،محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فيقول الآدميّون:ما هذا إلاّ ملك مقرّب أو نبي مرسل أو حامل عرش،فيجيبهم ملك من بطنان العرش:ليس هذا ملكا مقرّبا و لا نبيّا مرسلا و لا حامل عرش،هذا الصدّيق[الأكبر]عليّ بن أبي طالب» (2).

و عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السّلام قال:سألته عن الأئمّة عليهم السّلام قال:و اللّه لعهد عهده إلينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ الأئمة بعده إثنا عشر تسعة من صلب الحسين عليه السّلام، و منّا المهدي الذي يقيم الدّين في آخر الزمان،من أحبّنا حشر من حفرته معنا و من أبغضنا أو ردّنا أو ردّ واحدا منّا حشر من حفرته إلى النار (3).

و عن رزين بن حبش[حبيب]عن الحسن بن علي عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إن هذا الامر يملكه بعدي إثنا عشر إماما تسعة من صلب الحسين عليه السّلام أعطاهم اللّه علمي و فهمي» (4).6.

ص: 152


1- أمالي الطوسي:517 ح 1131 المجلس 18 ح 38.
2- عيون الأخبار:/53/1ح 189،و كفاية الأثر:100 ما روي عن زيد بن أرقم.
3- أمالي الصدوق:442 ح 590.
4- كفاية الاثر:165 و 166،و نقله في البحار:340/36.

و عن زراره قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«نحن إثنا عشر إماما منهم حسن و حسين ثم الأئمة من ولد الحسين» (1).

و عن سليم بن قيس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«إني أولى بالمؤمنين من انفسهم، ثم أخي علي بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا استشهد فابني الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم،ثم ابني الحسين أولى بالمؤمنين من انفسهم فإذا استشهد فابنه علي أولى بالمؤمنين من انفسهم و ستدركه يا علي،ثم ابنه محمد بن علي أولى بالمؤمنين من انفسهم و ستدركه يا حسين،ثم تكمله إثني عشر إماما من ولد الحسين عليه السّلام» (2).

و رواه النعماني عن سليم مع تفاوت (3).

و روي أيضا قريب منه عن المفضل عن الصادق عليه السّلام قال:«اثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين» (4).

و في رواية أم سلمة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«الأئمة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل تسعة من صلب الحسين أعطاهم اللّه علمي و فهمي فالويل لمبغضهم» (5).

و عن موسى بن عبد ربه عن الحسين بن علي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«...ألآ إن أهل بيتي أمان لكم فأحبوهم لحبي و تمسّكوا بهم لن تضلوا».

قيل:فمن أهل بيتك يا نبي اللّه؟4.

ص: 153


1- الكافي:533/1 ح 16،و الخصال:478/2 و 480،و تقريب المعارف 183.
2- كمال الدين:270/1،و كشف الغمة:298/3،و الخصال:477/2،و العيون:38/1، و الزام الناصب:199/1،و نقله في البحار:231/36.
3- غيبة النعماني:60-61،و البحار:276/36،و الزام الناصب:52/1.
4- إرشاد القلوب:421/2.
5- كفاية الاثر:184.

قال:«علي و سبطاي و تسعة من ولد الحسين أئمة أمناء معصومون» (1).

و في غيبة النعماني عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في غدير خم بعد ذكر استشهاد الامير على الغدير و نزول آية: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ و آية: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ قال عليه السّلام:«أشهدكم أيها الناس أنها خاصة لهذا و لأوصيائي من ولدي و ولده أولهم ابني حسن،ثم حسين ثم تسعة من ولد حسين لا يفارقهم الكتاب حتى يردوا عليّ الحوض» (2).

و في اثبات الوصية عن أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«إن اللّه اختار من الأيام الجمعة،و من الشهور شهر رمضان،و من الليالي ليلة القدر،و من الناس الأنبياء،و من الأنبياء الرسل،و اختارني من الرسل و اختار مني عليا،و اختار من علي الحسن و الحسين،و اختار من الحسين الأوصياء ينفون عن التنزيل تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين تاسعهم قائمهم و هو ظاهرهم و هو باطنهم» (3).

و في رواية أم سلمة قالت:...أهل بيته الذين أمرنا بالتمسك بهم،هم الأئمة بعده كما قال صلّى اللّه عليه و آله:«عدد نقباء بني إسرائيل علي و سبطاه و تسعة من صلب الحسين»، هم أهل بيته هم المطهرون و الأئمة المعصومون (4).

و في رواية أخرى عنها قالت:أشهد اللّه تعالى لقد سمعته يقول:«علي خير من أخلفه فيكم و هو الإمام و الخليفة بعدي،و سبطاي و تسعة من صلب الحسين أئمة أبرار لئن اتبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين،و لئن خالفتموهم ليكون2.

ص: 154


1- كفاية الاثر:171.
2- إرشاد القلوب:419/2 في فضائل علي و الأئمة عليهم السّلام.
3- اثبات الوصية:227.
4- كفاية الاثر:182.

الاختلاف فيكم إلى يوم القيامة» (1).

و عن داود الرقي عن الامام الصادق عليه السّلام قال:«...و كان أول من دخلها محمد و أمير المؤمنين و الحسن و الحسين و تسعة من الأئمة» (2).

و عن ابن عباس قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«أنا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون» (3).

و عن عبد اللّه بن مسعود قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«الأئمة بعدي إثنا عشر تسعة من صلب الحسين و تاسعهم مهديهم» (4).

و في رواية أبي سعيد الخدري:قيل يا رسول اللّه فالأئمة بعدك من أهل بيتك؟

قال:«نعم الأئمة بعدي إثنا عشر تسعة من صلب الحسين أمناء و معصومون و منا مهدي هذه الأئمة،ألآ إنهم أهل بيتي و عترتي من لحمي و دمي ما بال أقوام يؤذونني فيهم لا أنالهم اللّه شفاعتي» (5).

و عن أبي ذر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«الأئمة بعدي إثنا عشر تسعة من صلب الحسين عليه السّلام تاسعهم قائمهم،ألآ إن مثلهم فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلّف عنها هلك،و مثل باب حطة في بني إسرائيل» (6).

و في رواية عثمان بن عفان عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«الأئمة عليهم السّلام بعدي إثنا عشر تسعة من صلب الحسين و منا مهدي هذه الأمة،من تمسّك من بعدي بهم فقد8.

ص: 155


1- كفاية الاثر:199.
2- غيبة النعماني:56-57.
3- كفاية الاثر:19 و 69،و اعلام الورى:375،و العيون:52/1،و كشف الغمة:299/3،و كمال الدين:280/1 و ينابيع المودة:585/2،و مناقب آل أبي طالب:209/1،و البحار:286/36.
4- كفاية الاثر:23.
5- كفاية الاثر:29.
6- كفاية الاثر:38.

استمسك بحبل اللّه،و من تخلّى منهم فقد تخلّى من اللّه» (1).

و عن أنس قال:فقام إليه أبو ذر الغفاري و قال:يا رسول اللّه كم الأئمة بعدك؟

قال:«عدد نقباء بني إسرائيل».

فقال:كلهم من أهل بيتك.

قال صلّى اللّه عليه و آله:«كلهم من أهل بيتي تسعة من صلب الحسين و المهدي منهم» (2).

و عن الصّادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام،قال:سألته عن قول اللّه عزّ و جل:

وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (3) .

ما هذه الكلمات؟

قال:هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه و هو أنّه قال:يا ربّ أسألك بحقّ محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت عليّ،فتاب اللّه عليه إنّه هو التّواب الرّحيم فقلت:يا بن رسول اللّه فما يعني عزّ و جل بقوله أتمهنّ،قال:يعني أتمّهنّ إلى القائم إثنا عشر إماما،تسعة من ولد الحسين.

قال المفضّل:فقلت له:يابن رسول اللّه،فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (4).

قال:يعني بذلك الإمامة جعلها اللّه في عقب الحسين إلى يوم القيامة.

قال:فقلت له:يابن رسول اللّه فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون الحسن و هما جميعا ولدا رسول اللّه و سبطاه و سيّدا شباب أهل الجنّة؟8.

ص: 156


1- كفاية الاثر:94.
2- كفاية الاثر:74.
3- البقرة:124.
4- الزخرف:28.

فقال:إنّ موسى و هارون كانا نبيّين و مرسلين أخوين،فجعل اللّه النّبوة في صلب موسى دون صلب هارون و لم يكن لأحد أن يقول:لم فعل اللّه ذلك،فإنّ الإمامة خلافة اللّه عزّ و جلّ ليس لأحد أن يقول:لم جعلها اللّه في صلب الحسين دون صلب الحسن عليهما السّلام،لأنّ اللّه هو الحكيم في أفعاله لا يسأل عمّا يفعل و هم يسألون (1)

الشيخ الطوسي في كتاب مصابيح الأنوار بإسناده عن رجاله مرفوعا إلى المفضل بن عمر قال دخلت على الصادق عليه السّلام ذات يوم فقال لي:«يا مفضل عرفت محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين:كنه معرفتهم».

قلت:يا سيدي و ما كنه معرفتهم؟

قال:«يا مفضل تعلم أنهم في طير عن الخلائق بجنب الروضة الخضراء فمن عرفهم كنه معرفتهم كان معنا في السنام الاعلى».

قال:قلت:عرّفني ذلك يا سيدي،قال:«يا مفضّل تعلّم أنهم علموا ما خلق اللّه عزّ و جلّ و ذرأه و برأه و أنهم كلمة التقوى و خزناء السماوات و الأرضين و الجبال و الرمال و البحار،و عرفوا كم في السماء نجم و ملك،و وزن الجبال وكيل ماء البحار و أنهارها و عيونها و ما تسقط من ورقة إلاّ علموها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (2)و هو في علمهم و قد علموا ذلك».

فقلت:يا سيدي قد علمت ذلك و أقررت به و آمنت قال:«نعم يا مفضل يا مكرم نعم يا طيّب نعم يا محبور،طبت و طابت لك الجنّة و لكل مؤمن بها» (3).5.

ص: 157


1- معاني الاخبار:127.
2- الأنعام:59.
3- مدينة المعاجز:129/2،و مشارق أنوار اليقين:55.

مدح الحسين عليه السلام في الشعر العربي

عقبة بن عمرو السهمي:

مررت على قبر الحسين بكربلا ففاض عليه من دموعي غزيرها

و ما زلت أبكيه وارثي لشجوه و يسعد عيني دمعها و زفيرها (1).

خالد بن معدان الطائي:

قتلوك عطشانا و لما يرقبوا في قتلك التأويل و التنزيلا

و يكبرون بأن قتلت و إنّما قتلوا بك التكبير و التهليلا (2)

عوف بن عبد اللّه بن الأحمر الازدي:

ليبك حسينا كلما ذر شارق و عند غسوق الليل من كان باكيا

و يا ليتني اذ ذاك كنت شهدته فضاربت عنه الشانئين الأعاديا

و دافعت عنه ما استطعت مجاهدا و أعملت سيفي فيهم و سنانيا (3)

سليمان بن قتة:

و إن قتيل الطف من آل هاشم أذل رقاب المسلمين فذلت

ص: 158


1- أعيان الشيعة لمحسن الأمين 622/1،دار التعارف،بيروت-لبنان.
2- أعيان الشيعة لمحسن الامين 623/1.
3- تاريخ الأدب العربي للدكتور شوقي ضيف 316/2،دار المعارف،مصر،ط 6-1974 م.

و كانوا رجاء ثم أضحوا رزية لقد عظمت تلك الرزايا و جلت (1)

المنصور النمري:

متى يشفيك دمعك من همول و يبرد ما بقلبك من غليل

قتيل ما قتيل بني زياد إلا بأبي و أمي من قتيل (2)

الشافعي:

تأوب همي و الفؤاد كئيب و أرق عيني و الرقاد غريب

تزلزلت الدنيا لآل محمد و كادت لهم صم الجبال تذوب

فمن مبلغ عني الحسين رسالة و ان كرهتها أنفس و قلوب

قتيل بلا جرم كأن قميصه صبيغ بماء الأرجوان خضيب (3)

دعبل الخزاعي

أفاطم لو خلت الحسين مجد لا و قد مات عطشانا بشط فرات

إذا للطمت الخد فاطم عنده و أجريت دمع العين في الوجنات (4)

الشريف الرضي:

يا قتيلا قوض الدهر به عمد الدين و أركان الهدى

ص: 159


1- مختصر تاريخ دمشق 158/7،اتجاهات الشعر في العصر الأموي د.صلاح الدين الهادي 112، مكتبة الخانجي،القاهرة،ط 1،1407 ه-1986 م.
2- أعيان الشيعة لمحسن الامين 623/1.
3- ينابيع المودة للقندوزي الحنفي 99/3،دار الأسوة،بيروت-لبنان-ط 1،1416 ه
4- اعيان الشيعة لمحسن الأمين 623/1.

قتلوه بعد علم منهم انه خامس أصحاب الكسا (1)

الجبري المصري:

و أبكي قتيلا بالطفوف لأجله بكت السماء دما فحق بكاك

ان تبكهم في اليوم تلقاهم غدا عيني بوجه مسفر ضحاك (2)

عبد الباقي العمري:

كان أبوه سيدا كجده للانبيا و الأوصيا قد نصبا

ذبح عظيم أبعد الرحمن عن رحمته الذي به تقرّبا (3)

محمد مهدي الجواهري:

فيا أيها الوتر في الخالدين فذا إلى الآن لم يشفع

و يا عظة الطامحين العظام للاهين عن غدهم قنع

تعاليت من مفزع للحتوف و بورك قبرك من مفزع

تلوذ الدهور فمن سجد على جانبيه و من ركع

شممت ثراك فهب النسيم نسيم الكرامة من بلقع

و عفّرت خدي بحيث استرا ح خد تفرّى و لم يضرع (4)

ص: 160


1- أعيان الشيعة 624/1.
2- الغدير لعبد الحسين الاميني 317/4،دار الكتب الاسلامية،طهران،ط 5،1371 ه-ش.
3- أعيان الشيعة 625/1.
4- ديوان الجواهري 266/2،دار العودة،بيروت ط 3،1982 م

ص: 161

الفهرس

فضل الإمام الحسين بن علي عليه السّلام 3

فضل الحسين عليه السلام لا ينكر 34

فضل كربلاء و تربتها 36

فضل الحسين في مكارم أخلاقه 42

في قول النبي:«أهل بيتي أمان لأهل الأرض»56

في أن نجاة سفينة نوح كان بالحسين و آله 57

في أن الحسين و الأئمة هم العروة الوثقى 61

في أن الحسين و الأئمة الاثني عشر أركان الإيمان 65

بالحسين و الأئمة عليهم السلام يرحم اللّه العباد 76

الحسين عليه السلام أحد أركان سفينة نوح 77

خدمة الملائكة للحسين عليه السلام و ذريته 79

تفويض اللّه الى الحسين و الأئمة أمر الدين 83

عظمة الحسين عليه السلام و حرمته 89

كرامات و معاجز الإمام الحسين عليه السلام 99

ما روي أن الحسين عليه السلام سيد الشهداء 103

في أمر رسول اللّه بالاقتداء بالحسين و الأئمة من آل محمد عليهم السّلام 106

أمر النبي التمسك بالحسين و الأئمة عليهم السلام 111

ص: 162

ما روي في وجوب التمسّك بالثقلين 113

رعاية النبي للحسين عليهما السلام 145

مدح الإمام الحسين عليه السلام 151

مدح الحسين عليه السلام في الشعر العربي سليمان بن قتة:159

المنصور النمري:160

الشافعي:160

دعبل الخزاعي 160

الشريف الرضي:160

الجبري المصري:161

الفهرس 163

ص: 163

المجلد 5

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء الخامس

الآيات النازلة في الإمام الحسين عليه السلام

في قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (1)

الحديث الحادي عشر:محمد بن العباس الثقة في تفسيره قال:حدّثنا علي بن عبد اللّه بن أسد عن إبراهيم بن محمد عن عثمان بن سعيد عن إسحاق بن يزيد الفرا عن غالب الهمداني عن أبي إسحاق السبيعي قال:خرجت حاجا فلقيت محمد بن علي عليه السّلام فسألته عن هذه الآية ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فقال:«ما يقول فيها قومك يا أبا إسحاق؟»يعني أهل الكوفة.

قال:قلت:يقولون:إنها لهم،قال:«فما يخوّفهم إذا كانوا من أهل الجنة».

قلت:فما تقول أنت جعلت فداك؟

قال:«هي لنا خاصة يا أبا إسحاق أما السابقون بالخيرات فعلي و الحسن و الحسين عليهم السّلام و الإمام عليه السّلام منّا و المقتصد فصائم بالنهار و قائم بالليل،و الظالم لنفسه ففيه ما في الناس و هو مغفور له،يا أبا اسحق بنا يفك اللّه رقابكم و بنا يحل اللّه رباق الذل من أعناقكم،و بنا يغفر ذنوبكم،و بنا يفتح و بنا يختم و نحن كهفكم ككهف أصحاب الكهف و نحن سفينتكم كسفينة نوح و نحن باب حطتكم كباب حطة بني إسرائيل» (2).

محمد بن العباس قال:حدّثنا حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن7.

ص: 3


1- فاطر:32.
2- تأويل الآيات:481/2 ح 7.

ابن أبي حمزة عن زكريا المؤمن عن أبي سلام عن سور بن كليب قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام ما معنى قوله عزّ و جلّ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا الآية قال:«الظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام».

قلت:فمن المقتصد؟

قال:«الذي يعرف الإمام».

قلت فمن السابق بالخيرات؟

قال:«الإمام».

قلت:فما لشيعتكم؟

قال:«تكفّر ذنوبهم و تقضى ديونهم و نحن باب حطتهم و بنا يغفر لهم» (1).

الحديث الثالث عشر:محمد بن العباس قال:حدّثنا محمد بن الحسن بن حميد عن جعفر بن عبد اللّه المحمدي عن كثير بن عياش عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا قال:«فهم آل محمد صفوة اللّه فمنهم ظالم لنفسه و هو الهالك و منهم مقتصد و هم الصالحون و منهم سابق بالخيرات بإذن اللّه و هو علي بن أبي طالب عليه السّلام يقول اللّه عزّ و جلّ: ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ يعني في القرآن يقول اللّه عزّ و جلّ: جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يعني آل محمد يدخلون قصور جنات كل قصر من لؤلؤء واحدة ليس فيها صدع و لا وصل و لو اجتمع أهل الإسلام فيها ما كان ذلك القصر إلاّ سعة لهم،له القباب من الزبرجد كل قبة لها مصراعان المصراع طوله اثنا عشر ميلا،يقول اللّه عزّ و جلّ: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ قالوا:و الحزن ما أصابهم في الدنيا من الخوف و الشدة» (2).

الطبرسي في(الإحتجاج)عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هذه الآية0.

ص: 4


1- تأويل الآيات:482/2 ح 8.
2- تأويل الآيات:483/2 ح 10.

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا قال:«أي شيء تقول؟».

قلت:اني أقول إنها خاصة في ولد فاطمة فقال عليه السّلام:«أما من سل سيفه و دعا الناس إلى نفسه إلى الضلال من ولد فاطمة و غيرهم فليس بداخل في هذه الآية».

قلت:من يدخل فيها؟

قال:«الظالم لنفسه الذي لا يدعو الناس إلى ضلال و لا هدى و المقتصد منّا أهل البيت هو العارف حق الإمام و السابق بالخيرات هو الإمام» (1).

ابن شهر آشوب عن محمد بن عبد اللّه بن الحسن عن آبائه و السدي عن أبي مالك عن ابن عباس و محمد الباقر عليه السّلام في قوله تعالى: وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ «و إنه لهو علي بن أبي طالب عليه السّلام» (2).

الطبرسي روى أصحابنا عن ميسر بن عبد العزيز عن الصادق عليه السّلام أنه قال:

«الظالم من لا يعرف حق الإمام،و المقتصد منّا العارف بحق الإمام،و السابق بالخيرات [هو]الإمام و هؤلاء كلهم مغفور لهم» (3).

عن زياد بن المنذر عن أبي جعفر عليه السّلام:«أما الظالم لنفسه منّا فمن عمل عملا صالحا و آخر سيئا،و أما المقتصد فهو المتعبد المجتهد،و أما السابق بالخيرات فعلي و الحسن و الحسين عليهم السّلام و من قتل من آل محمد شهيدا» (4).

صاحب ثاقب المناقب عن أبي هاشم الجعفري قال:كنت عند أبي محمد يعني الحسن العسكري عليه السّلام،فسألناه عن قول اللّه تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ قال عليه السّلام:

«كلهم من آل محمد عليهم السّلام الظالم لنفسه الذي لا يقر بالإمام،و المقتصد العارف بالإمام3.

ص: 5


1- الإحتجاج:139/2.
2- مناقب آل أبي طالب:387/1.
3- مجمع البيان:246/8.
4- مناقب آل أبي طالب:274/3.

و السابق بالخيرات بإذن اللّه الإمام»قال:فدمعت عيناي و جعلت افكر في نفسي عظم ما أعطى اللّه آل محمد فنظر إليّ و قال:«الأمر أعظم بما حدّثتك به نفسك من عظم شأن آل محمد فاحمد اللّه فقد جعلك متمسكا بحبلهم تدعى يوم القيامة بهم إذا دعي كل اناس بإمامهم فأبشر يا أبا هاشم فإنك على خير» (1).6.

ص: 6


1- الثاقب في المناقب:506/566.

في قوله تعالى: (وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ)

سعد عن علي بن أحمد بن علي بن سعيد الأشعري عن حمدان بن يحيى عن بشر بن حبيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إنه سئل عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ بَيْنَهُما حِجابٌ قال:«سور بين الجنّة و النار عليه قائم محمد صلّى اللّه عليه و آله و علي و الحسن و الحسين و فاطمة و خديجة الكبرى فينادون أين محبونا أين شيعتنا؟فيقبلون إليهم فيعرفونهم بأسمائهم و أسماء أبائهم و ذلك قوله عزّ و جلّ: يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ أي بأسمائهم فيأخذون بأيديهم فيجوزون بهم على الصراط و يدخلونهم الجنة».

ص: 7

في قوله تعالى: (وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ

(1) ما رواه صدر الأئمة عند العامة موفق بن أحمد قال:أنبأني مهذب الأئمة أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمداني إجازة أخبرنا محمد بن الحسين بن علي البزاز أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد العزيز أخبرنا هلال بن محمد بن جعفر حدّثنا أبو بكر محمد بن عمرو الحافظ،قال:حدثني أبو الحسن علي بن موسى الخراز من كتابه حدّثنا الحسن بن علي الهاشمي حدثني إسماعيل بن أبان حدّثنا أبو مريم عن ثوير بن أبي فاختة عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال:قال أبي دفع النبي صلّى اللّه عليه و آله الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ففتح اللّه تعالى على يده و أوقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنه مولى كل مؤمن و مؤمنة و قال له:«أنت منّي و أنا منك»و قال له:«تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل»و قال له:«أنت مني بمنزلة هارون من موسى»و قال له:«أنا سلم لمن سالمك و حرب لمن حاربك»و قال له:

«أنت العروة الوثقى»و قال له:«أنت تبيّن لهم ما اشتبه عليهم من بعدي»و قال له:«أنت إمام كل مؤمن و مؤمنة و ولي كل مؤمن و مؤمنة بعدي»و قال له:«أنت الذي أنزل اللّه فيه وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» .

و قال له:«أنت الآخذ بسنتي و الذاب عن ملتي»و قال له:«أنا أول من تنشق الأرض عنه و أنت معي»و قال له:«أنا عند الحوض و أنت معي»و قال له:«أنا أول من يدخل الجنة و أنت معي تدخلها و الحسن و الحسين و فاطمة»و قال له:«إن اللّه تعالى أوحى إلي بأن أقوم بفضلك فقمت به في الناس و بلّغتهم ما أمرني اللّه تعالى بتبليغه»و قال له:«إتق

ص: 8


1- التوبة:3.

الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلاّ بعد موتي أولئك يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون»ثم بكى صلّى اللّه عليه و آله فقيل له:مم بكاؤك يا رسول اللّه؟

قال:«أخبرني جبرئيل عليه السّلام أنهم يظلمونه و يمنعونه حقه و يقاتلونه و يقتلون ولده و يظلمونهم بعده،و أخبرني جبرائيل عليه السّلام عن اللّه عزّ و جلّ أن ذلك الظلم يزول إذا قام قائمهم و علت كلمتهم و اجتمعت الامة على محبتهم و كان الشانىء لهم قليلا و الكاره لهم ذليلا و كثر المادح لهم،و ذلك حين تغيّر البلاد و ضعف العباد و اليأس من الفرج فعند ذلك يظهر القائم فيهم»قال النبي صلّى اللّه عليه و آله«إسمه كإسمي و اسم أبيه كاسم أبي،هو من ولد ابنتي فاطمة يظهر اللّه ألحق بهم و يخمد الباطل بأسيافهم و تتبعهم الناس راغب إليهم و خائف منهم»قال:و سكن البكاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم قال:«معاشر المسلمين أبشروا بالفرج فإن وعد اللّه لا يخلف،و قضاءه لا يرد و هو الحكيم الخبير،و إن فتح اللّه قريب اللهم إنهم اهلي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا اللّهم اكلأهم و ارعهم و كن لهم و انصرهم و أعزّهم و لا تذلّهم و اخلفني فيهم انك على ما تشاء قدير» (1).1.

ص: 9


1- المناقب:/61ح 31.

في قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً)

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي اللّه عنه قال:حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي قال:حدّثنا محمد بن زكريا قال:حدّثنا شعيب بن واقد قال:حدّثنا القاسم بن بهرام عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس و حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق قال:حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي قال:حدّثنا الحسن بن مهران قال:حدّثنا سلمة بن خالد عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ قال:«مرض الحسن و الحسين عليه السّلام و هما صبيان صغيران فعادهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه رجلان فقال أحدهما:يا أبا الحسن لو نذرت في إبنيك نذرا إن عافاهما اللّه فقال:أصوم ثلاثة أيام للّه شكرا للّه عزّ و جلّ و كذلك قالت فاطمة عليها السّلام و قال الصبيان:و نحن أيضا نصوم ثلاثة أيام و كذلك قالت جاريتهم فضة فألبسهما اللّه العافية فأصبحوا صائمين و ليس عندهم طعام فانطلق علي عليه السّلام إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف فقال:هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك إبنة محمد بثلاثة أصوع من شعير قال:نعم،فأعطاه فجاء بالصوف و الشعير و أخبر فاطمة فقبلت و أطاعت ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص،و صلّى علي عليه السّلام مع النبي صلّى اللّه عليه و اله المغرب ثم أتى منزله فوضع الخوان و جلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي عليه السّلام إذا مسكين قد وقف بالباب فقال:السلام عليكم يا أهل بيت محمد أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم اللّه على موائد الجنة فوضع اللقمة من يده ثم قال:

ص: 10

فاطم ذات المجد و اليقين يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين جاء إلى الباب له حنين

يشكو إلى اللّه و يستكين يشكو إلينا جائع حزين

كل أمرء بكسبه رهين من يفعل الخير يكن حسين

موعده في جنة رهين حرّمها اللّه على الضّنين

و صاحب البخل يقف حزين تهوي به النار إلى سجين

شرابه الحميم و الغسلين

فأقبلت فاطمة تقول:

أمرك سمع يابن عم و طاعة ما بي من لؤم و لا ضراعة

غذيت باللب و بالبراعة أرجو إذا اشبعت من مجاعة

إن ألحق الأخيار و الجماعة و أدخل الجنة في شفاعة

و عمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين و باتوا جياعا و أصبحوا صياما لم يذوقوا إلا الماء القراح،ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرص و صلّى علي عليه السّلام المغرب مع النبي صلّى اللّه عليه و آله ثم أتى إلى منزله فلما وضع الخوان بين يديه و جلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي عليه السّلام إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب فقال:

السلام عليكم يا أهل بيت محمد أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم اللّه على موائد الجنة فوضع علي عليه السّلام اللقمة من يده ثم قال:

فاطم بنت السيد الكريم بنت نبي ليس بالزنيم

قد جاءنا اللّه بذا اليتيم من يرحم اليوم فهو رحيم

موعده في جنة النعيم حرّمها اللّه على اللئيم

و صاحب البخل يقف ذميم تهوي به النار إلى الجحيم

شرابه الصديد و الحميم

ص: 11

فأقبلت فاطمة تقول:

فسوف أعطيه و لا أبالي و أوثر اللّه على عيالي

أمسوا جياعا و هم أشبالي أصغرهما يقتل في القتال

بكربلاء يقتل باغتيالي لقاتليه الويل مع وبال

يهوى في النار إلى سفالي كبوله زادت على الأكبال

ثم عمدت فأعطته جميع ما على الخوان و باتوا جياعا لم يذوقوا إلاّ الماء القراح فأصبحوا صياما و عمدت فاطمة عليه السّلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف و طحنت الصاع الباقي و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص و صلّى علي عليه السّلام المغرب مع النبي صلّى اللّه عليه و آله ثم أتى منزله فقرّب إليه الخوان فجلسوا خمستهم،فأول لقمة كسرها علي عليه السّلام إذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب فقالّ السلام عليكم يا أهل بيت محمد تأسروننا و تشدوننا و لا تطعموننا فوضع علي عليه السّلام اللقمة من يده ثم قال:

فاطم يا بنت النبي أحمد بنت نبي سيد مسود

قد جاءك الأسير ليس يهتد مكبلا في غله مقيد

يشكو إلينا الجوع قد تقدد من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلي الواحد الموحد ما يزرع الزارع سوف يحصد

فأعطيه و لا تجعليه بنكد

فأقبلت فاطمة عليه السّلام و هي تقول:

لم يبق مما كان غير صاع قد دبرت كفي مع الذراع

شبلاي و اللّه هما جياع يا رب لا تتركهما ضياع

أبوهما للخير ذو اصطناع عبل الذراعين طويل الباع

و ما على رأسي من قناع إلا عباء نسجها بصاع

و عمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه و باتوا جياعا و أصبحوا مفطرين و ليس عندهم شيء،قال شعيب في حديثه:و أقبل علي عليه السّلام بالحسن و الحسين عليهما السّلام نحو

ص: 12

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع فلما بصر بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«يا أبا الحسن أشد ما يسوءني ما أرى بكم انطلق إلى ابنتي فاطمة عليها السّلام»فانطلقوا اليها و هي في محرابها قد لصق بطنها بظرها من شدة الجوع و غارت عيناها فلما رآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ضمّها إليه و قال:«وا غوثاه باللّه أنتم منذ ثلاث فيما أرى»فهبط جبرائيل عليه السّلام:فقال:«يا محمد خذ ما هيألك في أهل بيتك»فقال:«و ما آخذ يا جبرائيل؟ قال: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ حتى بلغ إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً.

و قال الحسن بن مهران في حديثه:فوثب النبي صلّى اللّه عليه و آله حتى دخل منزل فاطمة عليها السّلام فرأى ما بهم فجمعهم ثم انكب عليهم يبكي و قال:«أنتم منذ ثلاث فيما أرى و أنا غافل عنكم»فهبط جبرائيل بهذه الآيات إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً قال:هي عين في دار النبي صلّى اللّه عليه و آله تفجر إلى دور الأنبياء و المؤمنين يُوفُونَ بِالنَّذْرِ يعني عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و جاريتهما فضة وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً عابسا كلوحا وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ يقول على شهوتهم:الطعام و ايثارهم له مسكينا من مساكين المسلمين،و يتيما من يتامى المسلمين،و أسيرا من أسارى المشركين و يقولون:إذا اطعموهم إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً قال:و اللّه ما قالوا اهذا لهم و لكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبر اللّه بإضمارهم يقولون لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً تكافوننا به وَ لا شُكُوراً تثنون علينا به و لكنا إنما أطعمناكم لوجه اللّه و طلب ثوابه قال اللّه تعالى ذكره: فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً نضرة في الوجوه،و سرورا في القلوب وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً جنة يسكنونها و حريرا يفرشونه و يكسونه مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ و الأريكة السرير عليه الحجلة لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً قال ابن عباس:فبينا أن أهل الجنة في الجنة إذا رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان فيقول أهل الجنة:يا رب إنك قلت

ص: 13

في كتابك لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً فيرسل اللّه جل اسمه إليهم جبرائيل عليه السّلام فيقول:

ليس هذه بشمس و لكن عليا و فاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما، و نزلت هَلْ أَتى فيهم...إلى قوله: وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (1).3.

ص: 14


1- امالي الصدوق:329-390/333.

في قوله تعالى: (وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً)

ابن شهر اشوب من طريق الخاصة و العامة روى ذلك عن ابن عباس و ابن مسعود و جابر و البراء و أنس و امّ سلمة و السدي و ابن سيرين و الباقر عليه السّلام في قوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً (1).

قال:«هو محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام»و في رواية«البشر الرسول و النسب فاطمة و الصهر علي» (2).

المالكي في(الفصول المهمة)عن محمد بن سيرين في قوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً الآية،أنها نزلت في النبي و علي بن أبي طالب رضى اللّه عنه ابن عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و زوج ابنته فاطمة فكان نسبا و صهرا (3).

ص: 15


1- الفرقان:54.
2- مناقب آل أبي طالب:29/2.
3- الفصول المهمة:28،و العمدة عن الثعلبي:288 ح 469.

في قوله تعالى: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

إلى قوله: لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً

محمد بن إبراهيم النعماني عن محمد بن همام قال:حدّثني جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي قال:حدّثني محمد بن أحمد عن محمد بن سنان عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا كان ليلة الجمعة أهبط الربّ تبارك و تعالى ملكا إلى سماء الدنيا فإذا طلع الفجر جلس ذلك الملك على العرش فوق البيت المعمور و نصب لمحمد و عليّ و الحسن و الحسين منابر من نور،فيصعدون عليها و يجمع لهم الملائكة و النبيّون و المؤمنون،و يفتح أبواب السماء فإذا زالت الشمس قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا رب ميعادك الذي أوعدته في كتابك و هو هذه الآية وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآية،و يقول الملائكة و النبيّون مثل ذلك ثم يخرّ محمد و عليّ و الحسن و الحسين سجّدا ثم يقولون:يا رب اغضب،يا رب اغضب،فإنّه انتهك حريمك و قتل أصفياؤك و أذلّ عبادك الصالحون» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أبو المفضل محمد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني رحمه اللّه قال:

حدّثنا أبو مزاحم موسى بن عبد اللّه بن يحيى بن خاقان المقرئ ببغداد قال:حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن إبراهيم الشافعي قال:حدّثنا محمد بن حماد بن هامان الدباغ أبو جعفر قال:حدّثنا عيسى بن إبراهيم قال:حدّثنا الحرث بن تيهان قال:

ص: 16


1- كتاب الغيبة:376.

حدّثنا عقبة بن يقطان عن أبي سعيد عن مكحول عن واثلة بن الأصقع بن قرضاب عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:دخل جندب بن جنادة بن جبير على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:يا رسول اللّه أخبرني عمّا ليس للّه،و عمّا ليس عند اللّه،و عمّا لا يعلمه اللّه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(أمّا ما ليس للّه فليس له شريك و أمّا ما ليس عند اللّه فليس عند اللّه ظلم العباد،و أمّا ما لا يعلمه اللّه فذلك قولكم يا معشر اليهود:عزير ابن اللّه،و اللّه لا يعلم له ولدا»فقال جندل:أشهد أن لا اله إلاّ اللّه و أنّك محمد رسول اللّه حقا.

ثم قال:يا رسول اللّه إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران فقال لي:

يا جندل أسلم على يد محمد و استمسك بالأوصياء من بعده،فقد أسلمت و رزقني اللّه ذلك فأخبرني عن الأوصياء من بعدك لأتمسك بهم فقال:«يا جندل أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل»فقال:يا رسول اللّه إنّهم كانوا اثني عشر هكذا وجدناهم في التوراة قال:«نعم،الائمة بعدي إثنا عشر»قال:يا رسول اللّه كلهم في زمن واحد قال:(لا،و لكن خلف بعد خلف و إنّك لن تدرك منهم إلاّ ثلاثة،أولهم سيّد الأوصياء أبو الائمة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،ثم ابناه الحسن و الحسين فاستمسك بهم من بعدي و لا يغرنّك جهل الجاهلين،فإذا كانت وقت ولادة ابنه عليّ بن الحسين سيّد العابدين يقضي اللّه عليك،و يكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه».

فقال:يا رسول اللّه هكذا وجدت في التوراة:إليا يقطوا شبرا و شبيرا،فلم أعرف أسماءهم،فكم من الحسين عليه السّلام من الأوصياء و ما أسماؤهم؟

فقال:«تسعة من صلب الحسين و المهدي منهم،فإذا انقضت مدة الحسين قام بالأمر علي ابنه و يلقّب زين العابدين،فإذا انقضت مدة عليّ قام بالأمر من بعده محمد ابنه يدعى الباقر،فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده جعفر و يدعى بالصادق،فإذا انقضت مدة جعفر قام بالأمر بعده موسى و يدعى بالكاظم،ثم إذا انقضت مدة موسى قام بالأمر من بعده ابنه علي و يدعى بالرضا،فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه و يدعى بالزكي،فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده علي ابنه و يدعى

ص: 17

بالنقي،فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر من بعده ابنه الحسن و يدعى بالأمين،ثم يغيب عنهم إمامهم.

قال:يا رسول اللّه هو الحسن يغيب عنهم؟

قال«لا،و لكن ابنه»قال:يا رسول اللّه فما اسمه؟

قال:«لا يسمى حتى يظهر».

فقال جندل:يا رسول اللّه وجدنا ذكرهم في التوراة و قد بشّرنا موسى بن عمران بك و بالأوصياء من ذرّيتك،ثم تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (1)فقال جندل:يا رسول اللّه فما خوفهم؟

قال:يا جندل في زمن كلّ واحد منهم سلطان يعتريه و يؤذيه،فإذا عجّل اللّه خروج قائمنا يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ما ملئت جورا و ظلما.ثم قال عليه السّلام:طوبى للصابرين في غيبته طوبى للمقيمين على محبتهم،أولئك من وصفهم الله في كتابه فقال اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (2)ثم قال:أولئك حزب اللّه ألا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (3).

قال ابن الأصقع:ثم عاش جندل إلى أيام الحسين بن علي ثم خرج إلى الطائف، فحدّثني نعيم بن أبي قيس قال:دخلت عليه بالطائف و هو عليل ثم إنه دعا بشربة من لبن فشربه فقال:هكذا عهد لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن،ثم مات و دفن بالطائف بالموضع المعروف بالكورارة (4).2.

ص: 18


1- التوبة:55.
2- البقرة:3.
3- الحديد:22.
4- كفاية الأثر:58-59،و التوحيد:23/377،و بحار الأنوار 307/32.

في قوله تعالى (فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ)

محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن إبراهيم الشعيري عن كثير بن كلثمة عن أحدهما عليهما السلام في قول الله عزّ و جلّ فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (1)قال:لا إله إلاّ أنت سبحانك اللهم و بحمدك عملت سوءا و ظلمت نفسي،فاغفر لي و أنت خير الغافرين،لا إله إلاّ أنت سبحانك اللهم و بحمدك،عملت سوءا و ظلمت نفسي،فاغفر لي و أنت أرحم الراحمين،لا إله إلاّ أنت سبحانك اللهم و بحمدك،عملت سوءا و ظلمت نفسي،فتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم.

قال الكليني:و في رواية أخرى في قوله عزّ و جلّ فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (2)

قال:سأله بحق محمد و علي و الحسن و الحسين و فاطمة صلّى اللّه عليهم (3).

ابن بابويه قال:حدّثني محمد بن موسى بن المتوكل قال:حدّثني يحيى بن أحمد عن العباس بن معروف عن بكر بن محمد قال:حدّثني أبو سعيد المدايني يرفعه في قول الله عزّ و جلّ فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (4)قال:سأله بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (5).

ص: 19


1- البقرة:37.
2- البقرة:37.
3- الكافي 305/8 ح 472.
4- البقرة:37.
5- معاني الاخبار 1/125.

العياشي في تفسيره بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:

إنّ الله تبارك و تعالى عرض على آدم في الميثاق ذريّته،فمرّ به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو متّكئ على علي عليه السّلام،و فاطمة عليها السلام تتلوهما،و الحسن و الحسين عليهما السّلام يتلوان فاطمة، فقال الله:يا آدم إياك أن تنظر إليهم بحسد أهبطك من جواري.

فلمّا أسكنه الله الجنة مثل له النبي صلّى اللّه عليه و آله و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم،فنظر إليهم بحسد،ثم عرضت عليه الولاية فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها،فلمّا تاب إلى الله من حسده و أقرّ بالولاية و دعى بحق الخمسة محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم غفر الله له،و ذلك قوله فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (1)الآية (2).

العياشي بإسناده عن محمد بن عيسى بن عبيد العلوي عن أبيه عن جده عن علي عليه السّلام قال:الكلمات التي تلقاها آدم من ربه قال:يا رب أسألك بحق محمد لما تبت عليّ،قال:و ما علمك بمحمد؟

قال:رأيته في سرادقك الأعظم مكتوبا و أنا في الجنة (3).

الإمام أبو محمد الحسن العسكري عليه السّلام في تفسيره:قال الله تعالى فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (4)يقولها،فقالها فتاب اللّه عليه بها إنه هو التوّاب الرحيم،القابل للتوبات،الرحيم بالتائبين، قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً كان أمر في الأول أن يهبط، و في الثاني أمرهم أن يهبطوا جميعا لا يتقدم أحدكم الآخر،و الهبوط إنما كان هبوط آدم و حواء من الجنة،و هبوط الحية أيضا منها،فإنها كانت من أحسن دوابها، و هبوط إبليس من حواليها،فإنه كان محرّما عليه دخول الجنة فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي7.

ص: 20


1- البقرة:37.
2- تفسير العياشي 41/1 ح 27.
3- تفسير العياشي 41/1 ح 28.
4- البقرة:37.

هُدىً يأتيكم و أولادكم من بعدكم مني هدى يا آدم و يا إبليس فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (1)لا خوف عليهم حين يخاف المخالفون،و لا يحزنون إذا يحزنون.

قال:فلمّا زلّت من آدم الخطيّة و اعتذر إلى ربه عزّ و جلّ قال:يا رب تب عليّ و اقبل معذرتي و أعدني إلى مرتبتي و ارفع لديك درجتي،لقد تبيّن نقص الخطيّة و ذلّها بأعضائي و سائر بدني.

قال الله تعالى:يا آدم أما تذكر أمري إياك أن تدعوني بمحمد و آله الطيبين عند شدائدك و دواهيك في النوازل ينهضك.

قال آدم:يا رب بلى،قال الله عزّ و جلّ:فهم محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم خصوصا فادعني أجبك إلى ملتمسك و ازدك فوق مرادك،فقال آدم:يا رب يا إلهي و قد بلغ عندك من محلّهم أنك بالتوسل بهم تقبل توبتي و تغفر خطيئتي و أنا الذي أسجدت له ملائكتك،و أسكنته جنتك،و زوجته حواء أمتك،و أخدمته كرام ملائكتك،قال الله تعالى:يا آدم إنما أمرت الملائكة بتعظيمك بالسجود لك إذ كنت وعاء لهذه الأنوار،و لو كنت سألتني بهم قبل خطيّتك أن أعصمك منها و أن أفطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحرز منه لكنت قد فعلت ذلك و لكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي،فالآن فبهم فادعني لأجيبك،فعند ذلك قال آدم:اللهم بجاه محمد و آله الطيبين،بجاه محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الطيبين من آلهم لمّا تفضلت عليّ بقبول توبتي و غفران خطيئتي و إعادتي من كرامتك إلى مرتبتي،فقال الله عزّ و جلّ:قد قبلت توبتك و أقبلت برضائي عليك،و صرفت آلائي و نعمائي إليك،و أعدتك إلى مرتبتك من كرامتي،و وفّرت نصيبك من رحماتي،فذلك قوله عزّ و جلّ فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ8.

ص: 21


1- البقرة:38.

كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ (1) ثم قال الله عزّ و جلّ للذين أهبطهم مع آدم و حواء و إبليس و الحية وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ مقام،فيها تعيشون و تحثكم لياليها و أيامها إلى السعي إلى الآخرة،فطوبى لمن تروضها لدار البقاء وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ لكم في الأرض منفعة إلى حين موتكم لأن الله تعالى يخرج زروعكم و ثماركم،و بها ينزهكم و ينعمكم،و فيها بالبلاء يمتحنكم،يلذذكم بنعيم الدنيا تارة ليذكّركم نعيم الآخرة الخالص مما ينقص نعيم الدنيا و يبطله و يزهّد فيه و يصغره و يحقره،و يمتحنكم تارة ببلايا الدنيا التي قد تكون في خلالها الرحمات و في تضاعيفها النقمات المجحفة،تدفع عن المبتلى بها مكارهها ليحذركم بذلك عذاب الأبد الذي لا يشوبه عافية،و لا يقع في تضاعيفه راحة و لا رحمة (2).

الإمام أبو محمد العسكري عليه السّلام:قال علي بن الحسين:حدّثني أبي عن أبيه عن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله قال:يا عباد الله إن آدم لما رأى النور ساطعا من صلبه إذ كان اللّه تعالى قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره،رأى النور و لم يتبين الأشباح فقال:يا رب ما هذه الأنوار؟

قال:أنوار؟

قال:أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك،و لذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح،فقال آدم:يا رب لو بيّنتها ليّ،فقال الله عزّ و جلّ:أنظر يا آدم إلى ذروة العرش،فنظر آدم عليه السّلام فوقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش،فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا فقال:ما هذه الأشباح يا رب؟

قال الله تعالى:يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي و بريّاتي هذا محمد و أنا المحمود الحميد في أفعالي،شققت له اسما من اسمي،و هذا علي و أنا العلي العظيم شققت له اسما من اسمي،و هذه فاطمة و أنا فاطر السماوات و الأرض،فاطم أعدائي من رحمتي6.

ص: 22


1- البقرة:37.
2- تفسير الإمام العسكري /266ح 105-106.

يوم فصل قضائي،و فاطم أوليائي عما يعرهم و يسيئهم فشققت لها اسما من اسمي، و هذا الحسن و هذا الحسين و أنا المحسن المجمل شققت اسميهما من اسمي.

هؤلاء خيار خلقي،و كرام بريتي،بهم آخذ و بهم أعطي،و بهم أعاقب و بهم أثيب، فتوسل إليّ بهم يا آدم،و إذا دهتك داهية فاجعلهم لي شفعاءك فإني آليت على نفسي قسما حقا لا أخيب بهم آملا،و لا أردّ بهم سائلا،فذلك حين زلت منه الخطيئة و دعى الله عزّ و جلّ فتاب عليه و غفر له (1).

ابن بابويه بإسناده عن معمر بن راشد قال:سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السّلام يقول:أتى يهودي إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقام بين يديه و جعل يحد النظر إليه فقال:يا يهودي ما حاجتك؟

فقال:أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلّمه الله و أنزل عليه التوراة و العصا و فلق له البحر و ظلله بالغمام؟

فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله:إنه يكره للعبد أن يزكّي نفسه،و لكني أقول:إنّ آدم لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال:اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما غفرت لي، فغفرها الله له.

و إنّ نوحا لما ركب السفينة و خاف الغرق قال:اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لمّا أنجيتني من الغرق،فنجاه الله منه.

و إنّ إبراهيم لما ألقي في النار قال:اللهم إنّي اسألك بحق محمد و آل محمد لما أنجيتني منها،فجعلها اللّه عليه بردا و سلاما.

و إنّ موسى لما ألقى عصاه و أوجس في نفسه خيفة قال:اللهم إنّي أسألك بحق محمد و آل محمد لما أمنتي منها،فقال الله جل جلاله لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى.

يا يهودي لو أدركني موسى و لم يؤمن بي و بنبوّتي ما نفعه إيمانه شيئا و لا نفعته النبوة.2.

ص: 23


1- تفسير الإمام العسكري 219-/220ح 102.

يا يهودي و من ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى ابن مريم لنصرته فقدّمه و صلّى خلفه (1).

عن الصادق عليه السّلام في قوله تعالى فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (2):إنّ الكلمات التي تلقاها آدم من ربه:اللهم بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلاّ تبت عليّ، فتاب الله عليه (3).4.

ص: 24


1- أمالي الصدوق /287ح 320.
2- البقرة:37.
3- مناقب آل أبي طالب:243/1،و الخصال:305 ح 84.

في قوله تعالى: (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ)

عليّ بن إبراهيم في تفسيره قال:حدّثني أبي عن حنان بن سدير عن عبد اللّه بن الفضل الهمداني عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«مرّ عليه رجل عدو للّه و لرسوله فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ (1)ثمّ مرّ عليه الحسين بن عليّ عليه السّلام فقال لكن هذا لتبكينّ عليه السماء و الأرض-و قال:و ما بكت السماء و الأرض إلاّ على يحيى بن زكريا و على الحسين بن عليّ عليه السّلام» (2).

الثاني:أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه في كامل الزيارات قال:حدّثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخنا عن عليّ بن الحسين و محمّد بن الحسن عن سعد بن عبد اللّه عن يعقوب بن يزيد عن أحمد بن الحسن الميثمي عن عليّ الازرق عن الحسن بن الحكم النخعي عن رجل قال:سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة و هو يتلو هذه الآية: «فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إذ خرج عليه الحسين بن عليّ عليهما السّلام من بعض أبواب المسجد فقال له:«أمّا هذا سيقتل و تبكي عليه السماء و الأرض» (3).

الثالث:أبو القاسم هذا قال:حدّثني عليّ بن الحسين بن موسى عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمّد بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا

ص: 25


1- الدخان:29.
2- تفسير القمّي:291/2.
3- كامل الزيارات:2/180.

مُنْظَرِينَ قال:«لم تبك السماء أحدا منذ قتل يحيى بن زكريا حتّى قتل الحسين عليه السّلام فبكت عليه». (1)

الرابع:أبو القاسم هذا قال:حدّثني أبي و عليّ بن الحسين جميعا عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمّد البرقي عن محمّد بن خالد عن عبد العظيم بن عبد اللّه بن عليّ بن زيد الحسني عن الحسن بن الحكيم النخعي عن كثير بن شهاب الحارثي قال:

بينا نحن جلوس عند أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة إذ طلع الحسين عليه السّلام فضحك عليّ ضحكا حتّى بدت نواجده ثمّ قال:«إن اللّه ذكر قوما فقال فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليقتلن هذا و لتبكين عليه السماء و الأرض» (2).

أبو القاسم هذا قال:حدّثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن خالد الرقي عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني العلوي عن الحكم بن الحسن النخعي عن كثير بن شهاب الحارثي قال بينما نحن جلوس عند أمير المؤمنين عليه السّلام بالرحبة إذ طلع الحسين عليه السّلام قال:

فضحك عليّ عليه السّلام حتّى بدت نواجده ثمّ قال:«إن اللّه ذكر قوما فقال فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليقتلن هذا و لتبكينّ عليه السماء و الأرض» (3).

أبو القاسم هذا،حدّثني أبي عن محمّد بن الحسن بن عليّ بن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن داود بن فرقد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

«كان الذي قتل الحسين ولد زنا و الذي قتل يحيى بن زكريا ولد زنا و قد احمرّت السماء حين قتل الحسين عليه السّلام سنة.6.

ص: 26


1- كامل الزيارات:8/182.
2- كامل الزيارات:24/187.
3- كامل الزيارات:21/186.

ثمّ قال:بكت السماء و الأرض على الحسين بن عليّ و يحيى بن زكريا و حمرتها بكاؤها» (1).

عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إذا قبض اللّه نبيا من الأنبياء بكت عليه السماء و الأرض أربعين سنة و إذا مات العالم العامل بعلمه بكيا عليه أربعين يوما،و أمّا الحسين عليه السّلام فتبكي عليه السماء و الأرض طول الدهر و تصديق ذلك أن يوم قتله قطرت السماء دما،و إن هذه الحمرة التي ترى في السماء ظهرت يوم قتل الحسين عليه السّلام و لم تر قبله أبدا و إن يوم قتله عليه السّلام لم يرفع حجر في الدنيا إلاّ وجد تحته دم. (2)

الطبرسي عن زرارة بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«بكت السماء على يحيى بن زكريا و على الحسين بن عليّ أربعين صباحا و لم تبك إلاّ عليهما».

قلت:فما بكاؤها؟

قال:«كانت تطلع حمراء و تغيب حمراء». (3)

عليّ بن إبراهيم في تفسيره قال:حدّثني أبي عن الحسن بن محبوب عن العلا عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«كان عليّ بن الحسين عليه السّلام يقول:أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السّلام و من معه حتّى تسيل على خده بوأه اللّه في الجنّة غرفا، و أيما مؤمن دمعت عيناه دمعا حتّى تسيل على خده لأذاء مسّنا من عدونا بوأه اللّه مبوأ صدق،و أيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى يسيل دمعه على خديه من مضاضته ما أوذى فينا؛صرف[اللّه]عن وجهه الأذى و آمنه يوم القيامة من سخطه و النار». (4)2.

ص: 27


1- كامل الزيارات:27/188،بحار الأنوار:213/45.
2- لم نجده في المصادر.
3- مجمع البيان:99/9.
4- تفسير القمّي:191/2.

عليّ بن إبراهيم قال:حدّثني أبي عن بكر بن محمّد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينيه دمع مثل جناح بعوضة غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر». (1)2.

ص: 28


1- تفسير القمّي:292/2.

في قوله تعالى (إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ)

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي رضي الله عنه قال:

حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال:حدّثنا أبو محمد بكر بن عبد الله بن حبيب قال:حدّثنا تميم بن بهلول عن أبيه عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال:قال أبو عبد الله:إن الله تبارك و تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام،فجعل أعلاها و أشرفها أرواح محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة بعدهم صلوات الله عليهم،فعرضها على السماوات و الأرض و الجبال فغشيها نورهم،فقال الله تبارك و تعالى للسماوات و الأرض و الجبال:هؤلاء أحبائي و أوليائي و حججي على خلقي و أئمة بريتي،ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منهم،و لمن تولاهم خلقت جنتي،و لمن خالفهم و عاداهم خلقت ناري،فمن ادّعى منزلتهم مني و محلّهم من عظمتي عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين و جعلته مع المشركين في أسفل درك من ناري،و من أقرّ بولايتهم و لم يدّع منزلتهم مني و مكانهم من عظمتي جعلته معهم في روضات جناتي،و كان لهم فيها ما يشاؤون عندي،و أبحتهم كرامتي،و أحللتهم جواري،و شفّعتهم في المذنبين من عبادي و إمائي،فولايتهم أمانة عند خلقي،فأيكم يحملها بأثقالها و يدّعيها لنفسه دون خيرتي؟فأبت السماوات و الأرض و الجبال أن يحملنها،و أشفقن من ادّعاء منزلتها و تمنّي محلّها من عظمة ربها.

فلما أسكن الله عزّ و جلّ آدم و زوجته الجنة قال لهما كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ -يعني شجرة الحنطة- فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ فنظرا إلى

ص: 29

منزلة محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة بعدهم فوجداها أشرف منازل أهل الجنة فقالا:يا ربنا لمن هذه المنزلة؟

فقال الله جل جلاله:ارفعا رأسيكما إلى ساق عرشي،فرفعا رأسيهما فوجدا اسم محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة صلوات الله عليهم مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الجبّار جل جلاله فقالا:يا ربنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك!و ما أحبهم إليك!و ما أشرفهم لديك فقال الله جل جلاله لولاهم ما خلقتكما،هؤلاء خزنة علمي و أمنائي على سرّي،إياكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد و تتمنيا منزلتهم عندي و محلّهم من كرامتي فتدخلا بذلك في نهيي و عصياني فتكونا من الظالمين،قالا:ربنا و من الظالمون،قال:المدّعون منزلتهم بغير حق قالا:

ربنا فأرنا منزلة ظالميهم في نارك حتى نراها كما رأينا منزلتهم في جنتك،فأمر الله تبارك و تعالى النار فأبرزت جميع ما فيها من أنواع النكال و العذاب،و قال عزّ و جلّ:

مكان الظالمين لهم المدّعين لمنزلتهم في أسفل درك منها،كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها،و كلّما نضجت جلودهم بدّلوا سواها ليذوقوا العذاب.

يا آدم و يا حواء لا تنظرا إلى أنواري و حججي بعين الحسد فأهبطكما من جواري و أحلّ بكما هواني،فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما،و قال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين و قاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور،و حملهما على تمنّي منزلتهم،فنظرا إليهم بعين الحسد فخذلا حتى أكلا من شجرة الحنطة فعاد مكان ما أكلاه شعيرا،فأصل الحنطة مما لم يأكلاه،و أصل الشعير كله مما عاد مكان ما أكلاه،فلمّا أكلا من الشجرة طار الحليّ و الحلل عن أجسادهما و بقيا عريانين، و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة و ناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة و أقل لكما إنّ الشيطان لكما عدو مبين قالا:ربنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين،قال:اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي

ص: 30

من يعصيني،فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش،فلمّا أراد الله عزّ و جلّ أن يتوب عليهما جاءهما جبرائيل فقال لهما:إنكما إنما ظلمتما أنفسكما بتمنّي منزلة من فضّل عليكما فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عز و جل إلى أرضه،فسلا ربكما بحق هذه الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما.

فقالا:اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة إلاّ تبت علينا و رحمتنا،فتاب الله عليهما،إنه هو التواب الرحيم، فلم يزل الأنبياء بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة و يخبرون بها أوصياءهم و المخلصين من أممهم،فيأبون حملها و يشفقون من ادّعائها و حملها الإنسان الذي قد عرف،فأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة،و ذلك قول الله عز و جل إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (1). (2)1.

ص: 31


1- الاحزاب:72.
2- معاني الاخبار 108-/110ح 1.

في قوله تعالى: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ

عبد الله بن أحمد بن حنبل قال:حدّثنا أبي قال:حدّثني سفيان عن أبي موسى عن الحسين بن علي عليه السّلام قال:فينا نزلت وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (1). (2)

أبو نعيم الحافظ عن رجاله عن أبي هريرة قال:قال علي بن أبي طالب عليه السّلام:يا رسول الله أيّما أحبّ إليك أنا أم فاطمة؟

قال:فاطمة أحبّ إليّ منك،و أنت أعزّ عليّ منها،و كأني بك و أنت على حوضي تذود عنه الناس،و إنّ عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء،و أنت و الحسن و الحسين و حمزة و جعفر في الجنة إخوانا على سرر متقابلين،أنت معي و شيعتك في الجنة،ثم قرأ رسول الله صلّى اللّه عليه و آله وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (3). (4)

إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة بحذف الإسناد بطوله و كثرة رواته عن زيد بن أرقم قال:دخلت على رسول الله صلّى اللّه عليه و آله مسجد المدينة فجعل يقول:أين فلان بن فلان؟و لم يزل يتفقدهم و يبعث خلفهم حتى اجتمعوا عدة،ثم ذكر حديث المواخاة إلى أن قال:فقال علي عليه السّلام:يا رسول الله ذهبت روحي و انقطع

ص: 32


1- الحجر:47.
2- بحار الأنوار 72/32 ذيل ح 22 عن مسند أحمد.
3- الحجر:47.
4- بحار الأنوار 72/32 ح 21.

ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري،فإن كان من سخطك عليّ فلك العتبى و الكرامة،قال:و الذي بعثني بالحق نبيّا ما أخّرتك إلاّ لنفسي،و أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي،و أنت أخي و وارثي،قلت:يا رسول الله ما أرث منك؟

قال:ما أورثت الأنبياء قبلي،قال:ما أورثت الأنبياء قبلك؟

قال:كتاب الله و سنة رسوله،و أنت معي في قصري في الجنة مع ابنتي فاطمة، و أنت أخي و رفيقي،ثم تلا رسول الله صلّى اللّه عليه و آله هذه الآية إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ الأخلاّء في الله ينظر بعضهم إلى بعض،الحديث على رواية الحافظ أبي نصر. (1)3.

ص: 33


1- فرائد السمطين:118/1 ك ب /21ح 83.

في قوله تعالى (وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها)

من تفسير مجاهد و أبي يوسف يعقوب بن سفيان قال ابن عباس في قوله تعالى وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً (1)إنّ دحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة فنزل عند أحجار الزيت،ثم ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه،فنفر الناس إليه إلاّ علي و الحسن و الحسين و فاطمة و سلمان و أبوذر و المقداد و صهيب،و تركوا النبي صلّى اللّه عليه و آله قائما يخطب على المنبر فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:لقد نظر الله إلى مسجدي يوم الجمعة،فلولا هؤلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي لأضرمت المدينة على أهلها نارا و حصبوا بالحجارة كقوم لوط و نزل فيهم رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ (2).

ص: 34


1- الجمعة:11.
2- مناقب آل أبي طالب 407/1.

في قوله تعالى (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ)

المالكي في الفصول المهمة عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قال:علي و فاطمة يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ (1)الحسن و الحسين،و رواه صاحب كتاب الدرر. (2)

محمد بن العباس من طريق العامة قال:حدّثنا علي بن عبد الله عن إبراهيم بن محمد عن محمد بن صلت عن أبي الجارود زياد بن المنذر عن الضحاك عن ابن عباس قال:قوله عز و جل مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قال:مرج البحرين علي و فاطمة عليهما السلام،بينهما برزخ لا يبغيان،قال:النبي صلى الله:

يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان،قال:الحسن و الحسين عليهما السلام. (3)

أبو علي الطبرسي روى من طريق العامة و غيرهم عن سلمان الفارسي رضي الله عنه و سعيد بن جبير و سفيان الثوري أنّ البحرين علي و فاطمة عليهما السلام، بينهما برزخ محمد رسول الله صلّى اللّه عليه و آله،يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان الحسن و الحسين عليهما السلام. (4)

ابن شهر آشوب من طريق العامة و غيرهم عن الخركوشي في كتاب اللوامع و شرف المصطفى،و أبو بكر الشيرازي في كتابه و أبي صالح و أبي إسحاق الثعلبي

ص: 35


1- الرحمن:19،20.
2- الإلمام للنويري:301/5،و تذكرة الخواص:212.
3- تاويل الآيات 636/2 ح 13.
4- مجمع البيان.

و علي بن أحمد الطائي و ابن علوية القطان في تفاسيرهم،عن سعيد بن جبير و سفيان الثوري و أبو نعيم الأصفهاني فيما نزل في القرآن في أمير المؤمنين عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس و عن أبي مالك عن ابن عباس و القاضي النظيري عن سفيان بن عيينة عن جعفر الصادق عليه السّلام و اللفظ له في قوله تعالى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قال:عليّ و فاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه.

و في رواية بَيْنَهُما بَرْزَخٌ رسول الله صلّى اللّه عليه و آله يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ قال:

الحسن و الحسين عليهما السلام. (1)

عن أبي معاوية الضرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي عباس أن فاطمة عليها السلام بكت للجوع و العري،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:إقنعي يا فاطمة بزوجك،فو الله إنه سيّد في الدّنيا سيّد في الآخرة،و أصلح بينهما فأنزل الله تعالى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (2)يقول:أنا اللّه أرسلت البحرين علي بن أبي طالب بحر العلوم و فاطمة بحر النبوة يلتقيان يتصلان،انا الله أوقعت الوصلة بينهما ثم قال: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ مانع،رسول الله يمنع علي بن أبي طالب أن يحزن لأجل الدّنيا،و يمنع فاطمة أن تخاصم بعلها لأجل الدّنيا.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما يا معشر الجن و الإنس تُكَذِّبانِ بولاية أمير المؤمنين و حبّ فاطمة الزهراء قال: اَللُّؤْلُؤُ الحسن وَ الْمَرْجانُ الحسين لأن اللؤلؤ الكبار و المرجان الصغار.

و لا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما و كثرة خيرهما،فإن البحر إنما سمي بحرا لسعته،و أجرى النبي عليه السّلام فرسا فقال:وجدته بحرا. (3)

كتاب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة عن المبارك بن مسرور قال:أخبرني3.

ص: 36


1- مناقب آل أبي طالب 101/3.
2- الرحمن:19.
3- مناقب آل أبي طالب 101/3.

القاضي أبو عبد الله قال:حدّثني أبي رحمه الله قال:أخبرني أبو غالب محمد بن عبد الله يرفعه إلى أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال:سئل ابن عباس عن قول الله عز و جل مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ فقال:علي و فاطمة بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (1)رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ (2)الحسن و الحسين عليهما السلام. (3)

الثعلبي في تفسيره في تفسير هذه الآية قال:أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري قال:حدّثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال:قرأ أبي علي أبي محمد الحسن بن علوية القطان من كتابه و أنا أسمع،حدّثنا بعض أصحابنا، حدّثني رجل من أهل مصر يقال له:طسم،حدّثنا أبو حذيفة عن أبيه عن سفيان الثوري في قول الله عز و جل مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قال:

فاطمة و علي يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ قال:الحسن و الحسين.

قال الثعلبي:و روى هذا القول أيضا عن سعيد بن جبير و قال:بينهما برزخ محمد صلّى اللّه عليه و آله (4).

علي بن إبراهيم قال:حدّثنا محمد بن أبي عبد الله قال:حدّثنا سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن يحيى بن سعيد العطار قال:

سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول في قول الله عز و جل مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ :أمير المؤمنين و فاطمة عليهما السلام يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ (5)الحسن و الحسين عليهما السلام. (6)2.

ص: 37


1- الرحمن:20.
2- الرحمن:22.
3- الدر المنثور 143/6.
4- العمدة:400 ح 810-811 عن الثعلبي المخطوط،و الدر المنثور:142/6.
5- الرحمن:22.
6- تفسير القمي 344/2.

ابن بابويه قال:حدّثنا أبي قال:حدّثنا أسعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الأصبهاني عن سليمان بن داود المنقري عن يحيى بن سعيد العطار قال:سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قال:علي و فاطمة بحران من العلم عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ الحسن و الحسين عليهما السلام. (1)

محمد بن العباس قال:حدّثنا أحمد بن محمد عن محفوظ بن بشير عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي عبد الله عليه السّلام في قوله عز و جل مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قال:لا يبغي علي على فاطمة،و لا فاطمة تبغي على علي يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ (2)قال:الحسن و الحسين عليهما السلام. (3)

محمد بن العباس قال:حدّثنا جعفر بن سهل عن أحمد بن محمد عن عبد الكريم عن يحيى عن عبد الحميد عن قيس عن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد في قوله عز و جل مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قال:علي و فاطمة لا يبغي هذا على هذه، و لا هذه على هذا يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ قال:الحسن و الحسين صلوات الله عليهم أجمعين (4).

محمد بن العباس عن علي بن مخلد الدهان عن أحمد بن سليمان عن إسحاق بن إبراهيم الأعمش عن كثير بن هشام عن كهمش بن الحسن عن أبي السليل عن أبي ذر رضي الله عنه في قوله عز و جل مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قال:علي و فاطمة عليهما السلام يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ (5)الحسن و الحسين عليهما السلام،0.

ص: 38


1- الخصال 96/65.
2- الرحمن:19،20.
3- تأويل الآيات:635/2 ح 11،و بحار الأنوار97/24 ح 1.
4- تأويل الآيات:636/2 ح 12،و بحار الأنوار 97/24 ح 2.
5- الواقعة:20.

فمن رأى مثل هؤلاء الأربعة علي و فاطمة و الحسن و الحسين؟و لا يحبهم إلاّ مؤمن و لا يبغضهم إلاّ كافر،فكونوا مؤمنين بحب أهل البيت،و لا تكونوا كفارا ببغض أهل البيت فتلقوا في النار. (1)4.

ص: 39


1- بحار الأنوار 98/24 ح 4.

في قوله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ)

ابن شهر آشوب عن تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان عن مجاهد و ابن عبّاس:أنّ المتّقين في ظلال و عيون من اتّقى الذنوب عليّ بن أبي طالب و الحسن و الحسين في ظلال من الشجر و الخيام من اللؤلؤ طول كلّ خيمة مسيرة فرسخ في فرسخ،ثمّ ساق الحديث إلى قوله: إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ المطيعين للّه أهل بيت محمّد في الجنّة (1).

ص: 40


1- مناقب آل أبي طالب:364/1.

في قوله تعالى: وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً)

ابن شهر آشوب عن مالك بن أنس عن سميّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس في قوله تعالى: وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ يعني محمّدا وَ الصِّدِّيقِينَ يعني عليّا و كان أوّل من صدّقه وَ الشُّهَداءِ يعني عليّا و جعفرا و حمزة و الحسن و الحسين عليهم السّلام (1).

ابن بابويه قال:أخبرنا المعافى بن زكريا قال:حدّثنا أبو سليمان أحمد بن أبي هراسة عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي عن عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري عن عثمان بن أبي شيبة قال:حدّثنا حريز عن الأعمش عن الحكم بن عتيبة عن قيس بن أبي حازم عن امّ سلمة قالت:سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن قول اللّه سبحانه: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً قال: اَلَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ أنا و اَلصِّدِّيقِينَ عليّ بن أبي طالب و اَلشُّهَداءِ الحسن و الحسين و اَلصّالِحِينَ حمزة، و حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً الأئمّة الاثني عشر بعدي (2).

ابن بابويه في كتاب«مصباح الأنوار»عن أنس بن مالك قال:صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في بعض الأيّام صلاة الفجر،ثمّ أقبل علينا بوجهه الكريم فقلت:يا رسول اللّه إن رأيت أن تفسّر لنا قول اللّه عزّ و جلّ: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ

ص: 41


1- مناقب آل أبي طالب:243/1.
2- كفاية الأثر:24،بحار الأنوار:347/32 ح 214.

وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فقال صلّى اللّه عليه و آله:أمّا النبيّون فأنا، و أمّا الصدّيقون فأخي عليّ بن أبي طالب،و أمّا الشهداء فعمّي حمزة،و أمّا الصالحون فابنتي فاطمة و أولادها الحسن و الحسين،قال:و كان العبّاس حاضرا فوثب و جلس بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال:ألسنا أنا و أنت و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين من نبعة واحدة؟

قال:و كيف ذلك يا عمّ؟

قال العبّاس:لأنّك تعرّف بعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين دوننا قال:فتبسّم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال:أمّا قولك يا عمّ ألسنا من نبعة واحدة فصدقت،و لكن يا عمّ إنّ اللّه خلقني و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق اللّه آدم حين لا سماء مبنيّة و لا أرض مدحيّة و لا ظلمة و لا نور و لا جنّة و لا نار و لا شمس و لا قمر،قال العبّاس:

و كيف كان بدء خلقكم يا رسول اللّه؟

قال:يا عمّ لمّا أراد اللّه أن يخلقنا تكلّم بكلمة خلق منها نورا،ثمّ تكلّم بكلمة فخلق منها روحا،فمزج النور بالروح فخلقني و أخي عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح و نقدّسه حين لا تقديس،فلمّا أراد اللّه أن ينشيء الصنعة،فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري و نوري من نور اللّه و نوري أفضل من العرش،ثمّ فتق نور أخي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور أخي عليّ و نور عليّ من نور اللّه و عليّ أفضل من الملائكة،ثمّ فتق نور ابنتي فاطمة عليها السّلام فخلق منه السماوات و الأرض فالسماوات و الأرض من نور ابنتي فاطمة و نور ابنتي فاطمة من نور اللّه عزّ و جلّ و ابنتي فاطمة أفضل من السماوات و الأرض،ثمّ فتق نور ولدي الحسن و خلق منه الشمس و القمر فالشمس و القمر من نور ولدي الحسن و نور ولدي الحسن من نور اللّه و الحسن أفضل من الشمس و القمر،ثمّ فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنّة و الحور العين فالجنّة و الحور العين من نور ولدي الحسين و نور ولدي من نور اللّه فولدي الحسين أفضل من

ص: 42

الجنّة و الحور العين،ثمّ أمر اللّه الظلمات أن تمرّ بسحائب الظلم فأظلمت السماوات على الملائكة،فضجّت الملائكة بالتسبيح و التقديس و قالت:إلهنا و سيّدنا منذ خلقتنا و عرّفتنا هذه الأشباح لم نر بأسا فبحقّ هذه الأشباح إلاّ ما كشفت عنّا هذه الظلمة فأخرج اللّه من نور ابنتي فاطمة قناديل فعلّقها في بطنان العرش فأزهرت السماوات و الأرض ثمّ أشرقت بنورها فلأجل ذلك سمّيت الزهراء.فقالت الملائكة:

إلهنا و سيّدنا لمن هذا النور الزاهر الذي أشرقت به السماوات و الأرض،فأوحى اللّه إليها هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة بنت حبيبي و زوجة وليّي و أخ نبيّي و أب حججي على عبادي أشهدكم يا ملائكتي إنّي قد جعلت ثواب تسبيحكم و تقديسكم لهذه المرأة و شيعتها و محبّيها إلى يوم القيامة قال:فلمّا سمع العبّاس من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وثب قائما و قبّل ما بين عينيّ عليّ عليه السّلام و قال:و اللّه يا عليّ أنت الحجّة البالغة لمن آمن باللّه و اليوم الآخر (1).

العيّاشي بإسناده عن أبي بصير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا أبا محمّد لقد ذكركم اللّه في كتابه فقال: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ الآية فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في هذا الموضع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و نحن الصدّيقون و الشهداء و أنتم الصالحون فتسمّوا بالصلاح كما سمّاكم اللّه (2).

عليّ بن إبراهيم في تفسيره المنسوب إلى الصادق عليه السّلام قال:قال:«النبيّين»رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله«و الصدّيقين»عليّ«و الشهداء»الحسن و الحسين«و الصالحين و حسن أولئك رفيقا»القائم من آل محمّد عليه الصلاة و السلام (3).1.

ص: 43


1- بحار الأنوار:82/33-84 ح 51.
2- تفسير العياشي:256/1 ح 190.
3- تفسير القمي:142/1.

في قوله تعالى: (وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)

الشيخ الطوسي في أماليه حديثا بإسناده عن رجاله عن نعيم بن حكيم عن أبي هريرة عن أبي مريم الثقفي عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:إنطلق بي رسول اللّه حتّى أتى بي إلى الكعبة فصعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على منكبي،ثمّ قال لي:إنهض فنهضت، فلمّا رأى ضعفا قال:إجلس فنزل ثمّ قال لي:يا علي إصعد على منكبي فصعدت على منكبيه،ثمّ نهض بي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خيّل لي انّي لو شئت لنلت افق السماء، فصعدت فوق الكعبة و تنحّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال لي:إلق صنمهم الأكبر و كان من النحاس موتّدا بأوتاد حديد فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:عالجه فعالجته و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:جاء الحقّ و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا،فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه فقال لي:إقذفه فقذفته فتكسّر فنزلت من فوق الكعبة و انطلقت أنا و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خشينا أن يرانا أحد من قريش و غيرهم (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن يحيى المكتب قال:حدّثنا أحمد بن محمّد الورّاق قال:حدّثني بشر بن سعيد بن قولويه المعدّل بالمرافقة قال:حدّثنا عبد الجبّار بن كثير التميمي اليماني قال:سمعت محمّد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول:سألت جعفر بن محمّد عليه السّلام فقلت له:يا بن رسول اللّه في نفسي مسألة اريد أن أسألك عنها فقال:إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني و إن شئت فسل،قال:فقلت له:يا بن رسول اللّه و بأيّ شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي عنه؟

قال:بالتوسّم و التفرّس أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ

ص: 44


1- مصباح الأنوار:287/1،و تأويل الآيات:287/1.

لِلْمُتَوَسِّمِينَ و قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه عزّ و جلّ، قال:فقلت له:يا بن رسول اللّه فأخبرني بمسألتي قال:أردت أن تسألني عن رسول اللّه لم يطق حمله عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عند حطّه الأصنام من سطح الكعبة مع قوّته و شدّته و ما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر و الرّمي به إلى ورائه أربعين ذراعا و كان لا يطيق حمله أربعون رجلا،و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يركب الناقة و الفرس و البغلة و الحمار و ركب البراق ليلة المعراج و كلّ ذلك دون عليّ عليه السّلام في القوّة و الشدّة.

قال:فقلت له:عن هذا و اللّه أردت أن أسألك يا بن رسول اللّه فاخبرني،فقال:إنّ عليّا عليه السّلام برسول اللّه تشرّف و به ارتفع و به وصل إلى إطفاء نار الشرك و إبطال كلّ معبود دون اللّه عزّ و جلّ و لو علاه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لحطّ الأصنام لكان بعليّ مرتفعا و تشريفا و واصلا إلى حطّ الأصنام،فلو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه ألا ترى أنّ عليّا قال:لمّا علوت ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شرفت و ارتفعت حتّى لو شئت أنال السماء لنلتها،أما علمت أنّ المصباح هو الذي يهتدي به في الظلمة و انبعاث فرعه من أصله و قد قال عليّ عليه السّلام أنا من أحمد كالضوء من الضوء،أما علمت أنّ محمّدا و عليّا صلوات اللّه عليهما كانا نورا بين يدي اللّه عزّ و جلّ قبل خلق الخلق بألفيّ عام و أنّ الملائكة لمّا رأت ذلك النور رأت له أصلا قد تشعّب منه شعاع لامع فقالوا:إلهنا و سيّدنا ما هذا النور؟

فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليهم هذا نور من نوري أصله نبوّة و فرعه إمامة،أمّا النبوّة فلمحمّد عبدي و رسولي،و امّا الإمامة لعليّ حجّتي و وليّي و لولاهما ما خلقت خلقي، أما علمت أنّ رسول اللّه رفع يدي عليّ عليه السّلام بغدير خمّ حتّى نظر الناس إلى بياض إبطيهما فجعله مولى المسلمين و إمامهم و قد احتمل الحسن و الحسين عليهما السّلام يوم حضيرة بني النجّار فلمّا قال له بعض أصحابه:ناولني أحدهما يا رسول اللّه.

قال صلّى اللّه عليه و آله:نعم الحاملان و نعم الراكبان و أبوهما خير منهما-و روي خبر آخر أنّ

ص: 45

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حمل الحسن و حمل جبرائيل الحسين و لهذا قال:نعم الحاملان- و كان الرسول صلّى اللّه عليه و اله يصلّي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته فلمّا سلّم قيل له يا رسول اللّه لقد أطلت هذه السجدة فقال عليه السّلام إنّ ابني ارتحلني فكرهت أن اعجّله حتّى ينزل و انّما أراد عليه السّلام بذلك رفعهم و تشريفهم فالنبيّ إمام و نبيّ و عليّ عليه السّلام إمام ليس بنبيّ و لا رسول فهو غير مطيق لحمل أثقال النبوّة؛قال محمّد بن حرب الهلالي:

فقلت له:زدني يابن رسول اللّه؟

فقال:إنّك لأهل للزيادة إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حمل عليّا على ظهره بذلك أنّه أبو ولده و إمام الأئمّة من صلبه و كما حوّل رداءه في صلاة الإستسقاء و أراد أن يعلم أصحابه بذلك أنّه قد حوّل الجدب خصبا.

قال:فقلت له:زدني يابن رسول اللّه؟

فقال:إحتمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عليّا عليه السّلام يريد بذلك أن يعلم قومه أنّه هو الذي يخفف عن ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما عليه من الدّين و العدات و الأداء عنه من بعده.

فقلت:يابن رسول اللّه زدني.

فقال:إنّه قد احتمله ليعلم ذلك أنّه قد احتمله و ما حمله إلاّ لأنّه معصوم لا يحمل أوزارا فتكون أفعاله عند الناس حكما و صوابا و قد قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لعليّ:يا عليّ إنّ اللّه تبارك و تعالى حمّلني ذنوب شيعتك ثمّ غفرها لي و ذلك قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ و لمّا أنزل اللّه تبارك و تعالى عليه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ قال النبيّ:يا أيّها الناس عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم و علي نفسي و أخي أطيعوا عليّا فإنّه مطهّر معصوم لا يضلّ و لا يشقى ثمّ تلا هذه الآية: قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ.

قال محمّد بن حرب الهلالي:ثمّ قال لي جعفر بن محمّد عليه السّلام:أيّها الأمير لو

ص: 46

أخبرتك بما في حمل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله عليّا عليه السّلام عند حطّ الأصنام من سطح الكعبة في المعاني التي أرادها به لقلت أنّ جعفر بن محمّد لمجنون فحسبك من ذلك ما قد سمعت؛فقمت و قبّلت رأسه و قلت اللّه أعلم حيث يجعل رسالته (1).1.

ص: 47


1- علل الشرائع:174/1-175 ح 1،معاني الأخبار:349-352 ح 1.

في قوله تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ

ابن شهر آشوب من تفسير مقاتل عن عطاء عن ابن عبّاس يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ لا يعذّب اللّه محمّدا وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ لا يعذّب عليّ بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين و حمزة و جعفر نُورُهُمْ يَسْعى يضيء على الصراط بعليّ و فاطمة مثل الدّنيا سبعين مرّة فيسعى نورهم بين أيديهم و يسعى عن أيمانهم و هم يتّبعونه،فيمضي أهل بيت محمّد أوّل الزمرة على الصراط مثل البرق الخاطف،ثمّ يمضي قوم مثل الريح،ثمّ قوم مثل عدو الفرس،ثمّ قوم مثل شدّ الرجل،ثمّ قوم مثل الحبو (1)،ثمّ قوم مثل الزحف و يجعله اللّه على المؤمنين عريضا و على المذنبين دقيقا،قال اللّه تعالى يقولون ربّنا أتمم لنا نورنا حتى نجتاز به على الصراط قال:فيجوز أمير المؤمنين عليه السّلام في هودج من الزمرّد الأخضر و معه فاطمة على نجيب من الياقوت الأحمر حولها سبعون ألف حور كالبرق اللاّمع (2).

أسند أبو نعيم إلى ابن عبّاس:أوّل ما يكسى من حلل الجنّة إبراهيم و محمّد ثمّ عليّ يزف بينهما ثمّ قرأ يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ (3).

ص: 48


1- الحبو:المشي على أربع.
2- مناقب آل أبي طالب:7/2.
3- بحار الأنوار:22/32 ح 5،و:221/35 ح 1.

في قوله تعالى: (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ) (1)

في قوله تعالى: (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ)(1)

أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه في كامل الزيارات من طريق العامّة قال:

حدّثني جعفر بن محمّد الزرار عن محمّد بن الحسين عن الحكم بن مسكين عن داود بن عيسى الأنصاري عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن إبراهيم النخعي قال:خرج أمير المؤمنين عليه السّلام فجلس في المسجد و اجتمع أصحابه حوله فجاء الحسين عليه السّلام حتّى قام بين يديه فوضع يده على رأسه فقال:«يا بني إن اللّه عيّر أقواما بالقرآن فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ و أيم اللّه لتقتلنّ من بعدي ثمّ تبكيك السماء و الأرض». (2)

أبو القاسم هذا قال:حدّثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمّد بن حسين بن أبي الخطاب بإسناده مثله (3).

الثعلبي في تفسيره قال السدي:لمّا قتل الحسين عليه السّلام بكت عليه السماء و بكاؤها حمرتها.

قال:و حكى ابن سيرين:أن الحمرة لم تر قبل قتله،و عن سليم القاضي:مطرنا دما أيام قتله (4).

ص: 49


1- الدخان:29.
2- كامل الزيارات:2/180،بحار الأنوار:209/45.
3- كامل الزيارات:3/180.
4- نقله عنه ابن البطريق في العمدة:/404ح 836،و رواه السيوطي في الدر المنثور:31/6.

في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ

إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة قال:أنبأنا السيد النسّابة جلال الدين عبد الحميد بن فخار بن معد الموسوي قال:أنبأنا والدي السيد شمس الدين شيخ شرف فخار الموسوي بروايته عن شاذان بن جبرائيل القمي عن جعفر بن محمد الدوريستي عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي قدّس سرّه قال:حدّثنا أبي و محمد بن الحسن رضي اللّه عنهما قال:أنبأنا سعد بن عبد اللّه قال:نبأنا يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن عمر بن اذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال:رأيت عليّا عليه السّلام في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في خلافة عثمان و جماعة يتحدثون و يتذاكرون العلم و الفقه فذكروا قريشا و فضلها و سوابقها و هجرتها و ما قال فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الفضل مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله:«الأئمة من قريش»و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«الناس تبع قريش و قريش أئمة العرب»و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«لا تسبوا قريشا»و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«إن للقرشي قوّة رجلين من غيرهم»و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«من أبغض قريشا أبغضه اللّه»و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«من أراد هوان قريش أهانه اللّه»و ذكروا الأنصار و فضلها و سوابقها و نصرتها و ما أثنى اللّه عليهم في كتابه و ما قال فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الفضل و ذكروا ما قال في سعد بن عبادة و غسيل الملائكة فلم يدعوا شيئا من فضلهم حتى قال كل حيّ منا فلان و فلان و قالت قريش منا رسول اللّه و منا حمزة و منا جعفر و منا عبيدة بن الحرث و زيد بن حارثة و أبو بكر و عمر و عثمان و أبو عبيدة و سالم مولى أبي حذيفة و عبد الرّحمن بن عوف فلم يدعوا من الحيين أحدا

ص: 50

من أهل السابقة إلاّ سمّوه و في الحلقة أكثر من مائتي رجل فيهم علي بن أبي طالب- صلوات اللّه عليه و آله-و سعد بن أبي و قاص و عبد الرحمن بن عوف و طلحة و الزبير و عمار و المقداد و أبو ذر و هاشم بن عتبة و ابن عمر و الحسن و الحسين عليهما السّلام و ابن عباس و محمد بن أبي بكر و عبد اللّه بن جعفر و من الأنصار أبي ابن كعب و زيد بن ثابت و أبو أيوب الأنصاري و أبو الهيثم بن التيهان و محمد بن مسلمة و قيس بن سعد بن عبادة و جابر بن عبد اللّه و أنس بن مالك و زيد بن أرقم و عبد اللّه بن أبي أوفى و أبو ليلى و معه ابنه عبد الرّحمن قاعد بجنبه غلام صبيح الوجه أمرد فجاء أبو الحسن البصري و معه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة قال:فجعلت أنظر إليه و إلى عبد الرّحمن بن أبي ليلى فلا أدري أيّهما أجمل غير أن الحسن أعظمهما و أطولهما فأكثر القوم و ذلك من بكرة إلى حين الزوال،و عثمان في داره لا يعلم بشيء ممّا هم فيه و علي بن أبي طالب عليه السّلام ساكت لا ينطق و لا أحد من أهل بيته،فأقبل القوم عليه فقالوا:يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلم؟

فقال:«ما من الحيين إلاّ و قد ذكر فضلا و قال حقا فأنا أسألكم يا معشر قريش و الأنصار ممن أعطاكم اللّه هذا الفضل أبأنفسكم و عشائركم و أهل بيوتاتكم أم بغيركم»؟

قالوا:بل أعطانا اللّه و منّ به علينا بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و عشيرته لا بأنفسنا و عشائرنا و لا بأهل بيوتاتنا.

قال:«صدقتم يا معشر قريش و الأنصار ألستم تعلمون أن الذي نلتم من خير الدنيا و الآخرة منّا أهل البيت خاصة دون غيرهم و إن ابن عمي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:إني و أهل بيتي كنّا نورا يسعى بين يدي اللّه تعالى قبل أن يخلق اللّه عزّ و جلّ آدم بأربعة عشر ألف سنة فلما خلق اللّه آدم عليه السّلام،وضع ذلك النور في صلبه و أهبطه إلى الأرض ثم حمله في السفينة في صلب نوح عليه السّلام،ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم عليه السّلام ثم لم يزل اللّه عزّ و جلّ ينقلنا في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة و من الأرحام الطاهرة إلى

ص: 51

الأصلاب الكريمة من الآباء و الامهات لم يلق واحد منا على سفاح قط؟»

فقال أهل السابقة و القدمة و أهل بدر و أهل أحد:نعم قد سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ثم قال:«أنشدكم اللّه أتعلمون أن اللّه عزّ و جلّ فضّل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية،و أني لم يسبقني إلى اللّه عزّ و جلّ و إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحد من هذه الامة؟»قالوا:اللهم نعم.

قال:«فأنشدكم اللّه أتعلمون حيث نزلت وَ السّابِقُونَ(1) الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (2)سئل عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:

أنزلها اللّه تعالى ذكره في الأنبياء و أوصيائهم فأنا أفضل أنبياء اللّه و رسله و علي بن أبي طالب وصيّي أفضل الأوصياء»

قالوا:اللهم نعم.

قال:«فأنشدكم اللّه أتعلمون حيث نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (3)و حيث نزلت إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (4)و حيث نزلت لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً (5)قال الناس:يا رسول اللّه خاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم فأمر اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يعلمهم ولاة أمرهم و أن يفسّر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم و زكاتهم و حجّهم و نصبني للناس بغدير خم ثم خطب فقال:أيها الناس إن اللّه أرسلني برسالة ضاق بها صدري و ظننت أن الناس مكذبي فأوعدني لأبلغنّها أو ليعذبني ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة ثم خطب فقال:أيها6.

ص: 52


1- الواقعة:10.
2- الواقعة:10-11.
3- النساء:59.
4- المائدة:55.
5- التوبة:16.

الناس أتعلمون أن اللّه عزّ و جلّ مولاي و أنا مولى المؤمنين،و أنا أولى بهم من أنفسهم؟

قالوا:بلى يا رسول اللّه قال:قم يا علي فقمت،فقال:من كنت مولاه فعلي هذا مولاه اللهم و ال من والاه و عاد من عاداه فقام سلمان فقال:يا رسول اللّه ولاء كماذا فقال ولاء كولايتي من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه فأنزل اللّه تعالى ذكره اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (1)فكبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال:«اللّه أكبر تمام نبوتي و تمام دين اللّه ولاية علي بعدي»فقام أبو بكر و عمر فقالا:يا رسول اللّه هذه الآيات خاصة في علي عليه السّلام قال:«بلى فيه و في أوصيائي إلى يوم القيامة»قالا:يا رسول اللّه بيّنهم لنا؟

قال علي أخي و وزيري و وارثي و وصيي و خليفتي في امتي و ولي كل مؤمن من بعدي ثم ابني الحسن ثم الحسين ثم التسعة من ولد ابني الحسين واحدا بعد واحد القرآن معهم و هم مع القرآن لا يفارقونه و لا يفارقهم حتى يردّوا عليّ الحوض»فقالوا كلهم:

اللهم نعم قد سمعنا ذلك و شهدنا كما قلت سواء،أو قال بعضهم:قد حفظنا جل ما قلت لم نحفظ كله و هؤلاء الذين حفظوا أخيارنا و أفاضلنا:فقال علي-صلوات اللّه عليه و آله-:«صدقتم ليس كل الناس يستوون في الحفظ أنشد اللّه عزّ و جلّ من حفظ ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما قام فأخبر به».

فقام زيد بن أرقم و البراء بن عازب و سلمان و أبوذر و المقداد و عمار فقالوا:

نشهد لقد حفظنا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو قائم على المنبر و أنت الى جنبه و هو يقول:

«أيها الناس إن اللّه عزّ و جلّ أمرني أن انصّب لكم إمامكم و القائم فيكم بعدي و وصيي و خليفتي و الذي فرض اللّه عزّ و جلّ على المؤمنين في كتابه طاعته فقرنه بطاعته و طاعتي و أمركم بولايته و إني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق و تكذيبهم فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني أيها الناس إن اللّه أمركم في كتابه بالصلاة،و قد بيّنتها لكم و الزكاة و الصوم و الحج فبيّنتها لكم و فسّرتها و أمركم بالولاية،و إني اشهدكم أنها لهذا خاصة3.

ص: 53


1- المائدة:3.

و وضع يده على علي بن أبي طالب عليه السّلام ثم قال لابنيه بعده ثم للأوصياء من بعدهم من ولدهم لا يفارقون القرآن و لا يفارقهم القرآن حتى يردوا علي حوضي.أيها الناس قد بيّنت لكم مفزعكم بعدي و إمامكم و دليلكم و هاديكم و هو أخي علي بن أبي طالب هو فيكم بمنزلتي فيكم فقلدوه دينكم و أطيعوه في جميع أموركم،فإن عنده جميع ما علّمني اللّه من علمه و حكمته فسلوه و تعلّموا منه و من أوصيائه بعده،و لا تعلّموهم و لا تتقدموهم و لا تخلّفوا عنهم،فإنهم مع الحق و الحق معهم لا يزايلوه و لا يزايلهم».

ثم جلسوا قال سليم ثم قال علي عليه السّلام«أيها الناس أتعلمون أن اللّه أنزل في كتابه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1)فجمعني و فاطمة و ابني حسنا و حسينا ثم ألقى علينا كساء و قال:اللهم هؤلاء أهل بيتي و لحمي يؤلمني ما يؤلمهم و يؤذيني ما يؤذيهم و يحرجني ما يحرجهم فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا،فقالت ام سلمة:و أنا يا رسول اللّه؟

فقال:أنت إلى خير إنما نزلت فيّ و في أخي علي بن أبي طالب و في ابني و في تسعة من ولد ابني الحسين خاصة،ليس معنا فيها لأحد شرك».

فقالوا كلهم:نشهد أن امّ سلمة حدّثتنا بذلك فسألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فحدثنا كما حدثتنا ام سلمة فقال علي-صلوات اللّه عليه-:«أنشدكم اللّه ألستم أتعلمون أن اللّه عزّ و جلّ أنزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ (2)فقال سلمان:يا رسول اللّه عامة هذا أم خاصة؟

قال:أما المؤمنون فعامة المؤمنين امروا بذلك،و أما الصادقون فخاصة لأخي علي و أوصيائي من بعده إلى اليوم القيامة؟»قالوا:اللهم نعم.

قال«أنشدكم اللّه تعالى أتعلمون أني قلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في غزوة تبوك:لم خلّفتني فقال:إن المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك و أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبّي9.

ص: 54


1- الأحزاب:33.
2- التوبة:119.

من بعدي؟»

قالوا:اللهم نعم.

قال:أنشدكم اللّه أتعلمون أن اللّه أنزل في سورة الحج يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ (1)...إلى آخر السورة فقام سلمان فقال:يا رسول اللّه من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد،و هم شهداء على الناس الذين اجتباهم اللّه و لم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة إبراهيم قال:عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الامة قال سلمان:بيّنهم لنا يا رسول اللّه قال:أنا و أخي علي واحد عشر من ولدي»قالوا:اللهم نعم.

فقال علي عليه السّلام:«أنشدكم اللّه أتعلمون أن رسول اللّه قام خطيبا لم يخطب بعد ذلك فقال:أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي فتمسكوا بهما لن تضلوا فإن اللطيف أخبرني و عهد إليّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فقام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال يا رسول اللّه:أكل أهل بيتك؟

فقال:لا و لكن أوصيائي منهم أولهم أخي و وزيري و وارثي و خليفتي في امتي و ولي كل مؤمن من بعدي و هو أولهم ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض شهداء اللّه في أرضه و حججه على خلقه و خزان علمه و معادن حكمته من أطاعهم فقد أطاع اللّه و من عصاهم عصى اللّه» فقال كلهم:نشهد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ذلك ثم تمادى بعلي عليه السّلام السؤال فما ترك شيئا إلا ناشدهم اللّه فيه و سألهم عنه حتى أتى اعلى آخر مناقبه و ما قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كثيرا كل ذلك يصدقونه و يشهدون أنه حق (2).

ابن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى و علي بن محمد عن سهل ابن زياد أبي سعيد عن محمد بن عيسى عن يونس عن ابن مسكان عن أبي بصير0.

ص: 55


1- الحج:77.
2- فرائد السمطين:/312/1ب /58ح 250.

قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فقال:«نزلت في علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين عليهم السّلام»فقلت له:إن الناس يقولون فما له لم يسمّ عليا و أهل بيته في كتاب اللّه عزّ و جلّ؟

قال:فقال:«قولوا لهم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله نزلت عليه الصلاة و لم يسم اللّه لهم ثلاثا و لا أربعا حتى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو الذي فسّر ذلك لهم،و نزلت عليه الزكاة و لم يسم لهم من كل أربعين درهما درهم حتى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو الذي فسّر ذلك لهم،و نزل الحج فلم يقل لهم:طوفوا اسبوعا حتى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله هو الذي فسّر ذلك لهم،و نزلت أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و نزلت في علي و الحسن و الحسين فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:من كنت مولاه فعلي مولاه،و قال صلّى اللّه عليه و اله:أوصيكم بكتاب اللّه و أهل بيتي فإني سألت اللّه عزّ و جلّ أن لا يفرّق بينهما حتى يوردهما على الحوض فأعطاني ذلك،و قال:لا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم،و قال:إنهم لن يخرجوكم من باب هدى و لن يدخلوكم في باب ضلالة،فلو سكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فلم يبين من أهل بيته لادّعاها آل فلان و آل فلان،لكن اللّه عزّ و جل أنزل في كتابه تصديقا لنبيّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1)فكان علي و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام فأدخلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تحت الكساء في بيت ام سلمة و قال:اللهمّ إن لكلّ نبي أهلا و ثقلا و هؤلاء أهل بيتي و ثقلي فقالت ام سلمة:ألست من أهلك؟

فقال لها:إنك على خير و لكن هؤلاء أهلي و ثقلي،فلما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان علي أولى الناس بالناس لكثرة ما بلّغ فيه رسول اللّه و إقامته للناس و أخذه بيده،فلما مضى علي فلم يكن علي يستطيع و لم يكن ليفعل أن يدخل محمد بن علي و لا العباس بن علي و لا واحد من ولده إذ لقال الحسن و الحسين:إن اللّه تبارك و تعالى أنزل فينا كما أنزل فيك و أمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك،و بلّغ فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كما بلّغ فيك،و أذهب عنا الرجس كما أذهب عنك،فلما مضى علي عليه السّلام كان الحسن أولى به لكبره،فلما توفي لم يستطع أن3.

ص: 56


1- الأحزاب:33.

يدخل ولده و لم يكن ليفعل ذلك و اللّه عزّ و جل يقول: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (1)فيجعلها في ولده إذ لقال الحسين عليه السّلام:أمر اللّه تبارك و تعالى بطاعتي كما أمر بطاعتك و طاعة أبيك،و بلّغ فيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كما بلّغ فيك و في أبيك، و أذهب عني الرجس كما أذهب عنك و عن أبيك،فلما صارت إلى الحسين لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدّعي عليه كما كان هو يدّعي على أخيه و على أبيه لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه،و لم يكونا ليفعلا،ثم صارت حين أفضت إلى الحسين فجرى تأويل هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين ثم صارت من بعد علي بن الحسين إلى محمد بن علي.

و قال عليه السّلام: اَلرِّجْسَ: هو الشك و اللّه لا نشك في ربّنا أبدا» (2).

ابن بابويه قال:حدثني غير واحد من أصحابنا قالوا حدّثنا محمد بن همام عن جعفر بن محمد بن مالك الفرازي عن الحسن بن محمد بن سماعة عن أحمد بن الحارث قال:حدثني المفضل بن عمر عن يونس بن ظبيان عن جابر بن يزيد الجعفي قال:سمعت جابر بن عبد اللّه الأنصاري[يقول:لما أنزل اللّه عزّ و جل على نبيه محمد صلّى اللّه عليه و اله:(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم) قلت:يا رسول اللّه عرفنا اللّه و رسوله]فمن أولو الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟

فقال صلّى اللّه عليه و اله«هم خلفائي يا جابر و أئمة المسلمين من بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة ب(الباقر)ستدركه يا جابر،فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميّي و كنّيي حجة اللّه في أرضه و بقيته في عباده ابن الحسن بن علي ذاك الذي7.

ص: 57


1- الأحزاب:6.
2- اصول الكافي:288/1 ح 1،و المزار(محمد بن المشهدي):287.

يفتح اللّه تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض و مغاربها ذاك الذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان»قال جابر:

فقلت له:يا رسول اللّه فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟

فقال عليه السّلام:«و الذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره و ينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس و إن تجلاها سحاب،يا جابر هذا من مكنون سر اللّه و مخزون علمه فاكتمه إلاّ عن أهله» (1).

محمد بن إبراهيم النعماني بإسناده عن عبد الرزاق عن معمر عن أبان عن سليم ابن قيس الهلالي قال:قلت لعلي عليه السّلام و ذكر حديثا فيه قال:«كنت أنا أدخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كل يوم دخلة و كل ليلة دخلة فيخلني فيها[خلوة أدور معه حيث دار]و قد علم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد[من الناس]غيري،و كنت إذا سألت أجابني،و إذا سكت ابتدأني (2)و دعى اللّه أن يحفظني و يفهمني فما نسيت شيئا أبدا منذ دعى لي،و إني قلت لرسول اللّه:يا نبي اللّه إنك منذ دعوت لي بما دعوت لم أنس شيئا مما تمليه علي فلم تأمرني بكتبه أتتخوف عليّ النسيان؟

قال:يا أخي لا أتخوف عليك النسيان و لا الجهل و قد أخبرني اللّه عزّ و جلّ أنه قد استجاب لي فيك و في شركائك الذين يكونون من بعدك و إنما تكتبه لهم قلت:يا رسول اللّه و من شركائي؟

قال الذين قرنهم اللّه بنفسه و بي فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قلت:يا نبي اللّه و من معنا؟

قال:الأوصياء إلى أن يردوا علي حوضي كلهم هاد مهتد،لا يضرهم خذلان منن.

ص: 58


1- كمال الدين و تمام النعمة:/253ح 3.
2- في المصدر تفاوت و زيادة:فربما كان ذلك في بيتي يأتيني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أكثر من ذلك في بيتي و كنت إذا دخلت عليه بعض منازله خلى بي و أقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري،و إذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة و لا أحد من ابني.و قد وضع في المصدر بين معكوفين.

خذلهم هم مع القرآن و القرآن معهم لا يفارقونه و لا يفارقهم بهم تنصر امتي و يمطرون، و يدفع عنهم بعظائم دعواتهم،قلت:يا رسول اللّه سمّهم لي؟

فقال:ابني هذا و وضع يده على رأس الحسن،ثم ابني هذا و وضع يده على رأس الحسين ثم ابن له على اسمك يا علي،ثم ابن علي اسمه محمد بن علي،ثم أقبل على الحسين عليه السّلام فقال سيولد محمد بن علي في حياتك فأقرئه منّي السلام،ثم تكلمه اثني عشر إماما،قلت:يا نبي اللّه سمّهم لي؟فسماهم رجلا رجلا،فهم و اللّه يا أخا بني هلال آخرهم مهدي امة محمد يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما» (1).0.

ص: 59


1- كتاب الغيبة للنعماني:/81ح 10.

في قوله تعالى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقّاق رضي اللّه عنه قال:حدّثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي قال:جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري قال:حدّثنا محمد بن الحسين بن زيد الزيّات قال:حدّثنا محمد بن زياد الأزدي عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام قال:سألته عن قول اللّه عز و جل:

وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ (1) ما هذه الكلمات قال:هي التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه و هو أنّه قال:يا رب اسألك بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت عليّ فتاب اللّه عليه إنّه هو التواب الرحيم».

فقلت له:يابن رسول اللّه فما يعني بقوله: فَأَتَمَّهُنَّ قال:«يعني أتمهنّ إلى القائم عليه السّلام اثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين»و قول إبراهيم عليه السّلام وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي «من حرف تبعيض يعلم أن من الذرية من يستحق الإمامة و منهم من لا يستحقها هذا من جملة المسلمين و ذلك أنه يستحيل أن يدعو إبراهيم بالإمامة للكافر أو للمسلم الذي ليس بمعصوم فصحّ أن باب التبعيض وقع على خواص المؤمنين،و الخواص إنما صاروا خواصا بالبعد من الكفر ثم من اجتنب الكبائر صار من جملة الخواص أخصّ ثم المعصوم هو الخاص الأخص،و لو كان للتخصيص صورة أربى عليه لجعل ذلك من أوصاف الإمام و قد سمّى اللّه عز و جل عيسى من ذرية إبراهيم و كان ابن بنته من بعد و لما صحّ أن ابن البنت ذرية و دعى إبراهيم لذريته بالامامة وجب على محمد صلّى اللّه عليه و اله الاقتداء به

ص: 60


1- البقرة:124.

في وضع الإمامة في المعصومين من ذريته حذو النعل بالنعل بعد ما أوحى اللّه عزّ و جلّ إليه و حكم عليه بقوله: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً (1)الآية و لو خالف ذلك لكان داخلا في قوله: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (2)جلّ نبي اللّه صلّى اللّه عليه و اله عن ذلك و قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ (3)و هذا النبي و الذين آمنوا و أمير المؤمنين عليه السّلام أبو ذرية النبي صلّى اللّه عليه و اله و وضع الإمام فيه و وضعها في ذرية المعصومين بعد و قوله عزّ و جلّ: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (4)يعني بذلك أن الإمامة لا تصلح لمن قد عبد وثنا أو صنما أو أشرك باللّه طرفة عين،و إن أسلم بعد ذلك و الظلم وضع الشيء في غير موضعه و أعظم الظلم الشرك قال عزّ و جلّ: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (5).

و كذلك لا يصلح للإمامة من قد ارتكب من المحارم شيئا صغيرا كان أو كبيرا،و إن تاب منه بعد ذلك و كذلك لا يقيم الحد من في جنبه حدّ،فإذا لا يكون الإمام إلاّ معصوما و لا تعلم عصمته إلاّ بنص اللّه عزّ و جلّ عليه على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و اله لأن العصمة ليست في ظاهر الخلقة فترى كالسواد و البياض و ما أشبه ذلك فهي مغيبة لا تعرف إلا بتعريف علام الغيوب عزّ و جلّ» (6).ف.

ص: 61


1- النحل:123.
2- البقرة:130.
3- آل عمران:68.
4- البقرة:124.
5- لقمان:13.
6- معاني الأخبار:/126ح 1 و اختصر المصنف.

في معنى قوله تعالى (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ)

علي بن إبراهيم في تفسيره قال:أخبرنا أحمد بن إدريس قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد اللّه عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال:«يجىء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في فرقة و علي عليه السّلام في فرقة و الحسن في فرقة و الحسين في فرقة و كل من مات في ظهراني قوم جاءوا معه» (1).

العياشي في تفسيره بإسناده عن الفضيل قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه:

يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ.

فقال عليه السّلام:«يجيء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في قومه و علي عليه السّلام في قومه و الحسن عليه السّلام في قومه و الحسين عليه السّلام في قومه و كل من مات بين ظهراني إمام جاء معه» (2).

ص: 62


1- تفسير القمي:22/2.
2- تفسير العياشي:302/2 ح 114.

في قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

الثعلبي قال:أخبرني الحسين بن محمد حدّثنا عمر بن الخطاب حدّثنا عبد اللّه بن الفضل حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا محمد بن مصعب عن الأوزاعي عن شداد ابن عمار قال:دخلت على وايلة بن الأصقع و عنده قوم فذكروا عليا فشتموه فشتمه معهم فلما قاموا قال لي لم شتمت هذا الرجل قلت رأيت القوم يشتمونه فشتمته معهم فقال:ألا أخبرك بما رأيت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟

قلت:بلى.

قال:أتيت فاطمة صلوات اللّه عليها أسألها عن علي فقالت:«توجه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله»فجلست أنتظر حتى جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و معه علي و حسن و حسين أخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل و أدنى عليا و فاطمة فأجلسهما بين يديه و أجلس حسنا و حسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لفّ عليهم ثوبه أو قال:كساه ثم تلاهذه الآية:

«إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1) »قال:«اللهم هؤلا أهل بيتي و أهل بيتي» (2).

و في حديث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«اللهم إن لكلّ نبي أهلا و هؤلاء أهل بيتي»فأنزل اللّه عزّ و جلّ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فقالت زينب:يا رسول اللّه ألا أدخل معكم؟

ص: 63


1- الاحزاب:33.
2- بحار الأنوار:217/31 ح 24 عن الثعلبي.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«مكانك فإنك إلى خير إن شاء اللّه» (1).

الثعلبي أبو عبد اللّه حدّثنا أبو سعيد أحمد بن علي بن عمر بن حبيش الرازي حدّثنا أحمد بن عبد الرحيم السناني أبو عبد الرّحمن حدّثنا أبو نويب حدّثنا هشام ابن يونس عن أبي إسحاق عن نفيع عن أبي داود و عن أبي الحمرا قال:أقمت بالمدينة تسعة أشهر كيوم واحد و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يجيء كل غداة فيقوم على باب علي و فاطمة عليهما السّلام فيقول:«الصلاة يرحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (2).

الثعلبي قال:أخبرني أبو عبد اللّه حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن يوسف بن مالك حدّثنا محمد بن إبراهيم بن زياد حدّثنا الحرث بن عبد اللّه الحاراثي حدّثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن عباية بن ربيعي عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:

«قسم اللّه الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما فذلك قوله تعالى: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ، فأنا من خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرهما ثلثا فذلك قوله تعالى: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ فأنا من السابقين و أنا من خير السابقين،ثم جعل إلا ثلاث قبائل فجعلني من خيرها قبيلة،فذلك قوله تعالى شُعُوباً وَ قَبائِلَ فأنا أتقى ولد آدم و أكرمهم على اللّه و لا فخر ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني من خيرها بيتا فذلك قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (3).

الحميدي قال:الرابع و الستون من المتفق عليه من الصحيحين عن البخاري و مسلم من مسند عائشة عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشةي.

ص: 64


1- بحار الأنوار:222/31 ح 30 عن الثعلبي.
2- بحار الأنوار:223/31 ح 30 عن الثعلبي.
3- العمدة:28/42 عن الثعلبي.

قالت:خرج النبي صلّى اللّه عليه و اله ذات غداة و عليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء عليّ فأدخله ثم قال: «إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» أ و ليس لمصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة في مسند من الصحيحين غير هذا (1).

و من الجمع بين الصحاح الستة من موطأ مالك بن أنس الأصبحي و صحيح مسلم و البخاري و سنن أبي داود السجستاني و صحيح الترمذي و النسخة الكبيرة من صحيح النسائي من جمع الشيخ أبي الحسن رزين بن معاوية العبداري السرقسطي الأندلسي من صحيح أبي داود السجستاني و هو كتاب السنن في تفسير قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً عن عائشة قالت:خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله قال: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال:

و عن امّ سلمة زوج النبي صلّى اللّه عليه و اله أن هذه الآية نزلت في بيتها إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قالت:و أنا جالسة عند الباب فقلت:يا رسول اللّه ألست من أهل البيت؟

فقال:«إنك إلى خير إنك من أزواج رسول اللّه»قالت:و في البيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و علي و فاطمة و حسن و حسين عليهم السّلام فجلّلهم بكساء و قال:«اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا» (2).

في سنن أبي داود و موطأ مالك عن أنس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان يمرّ بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر حين نزلت هذه الآية قريبا من ستة أشهر يقول:«الصلاة ياع.

ص: 65


1- الجمع بين الصحيحين:224/4 ح 3435.
2- سنن ابي داود:255/2 ح 4032 و العمدة:31/44 عن الجمع.

أهل البيت إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (1).

و من الجزء الثالث من الكتاب-اعني جمع رزين-أيضا في باب مناقب الحسن و الحسين عليهما السّلام من صحيح أبي داود و هو السنن بالإسناد المقدم عن صفية بنت شيبة قالت:قالت عائشة:خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله غداة و عليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي عليه السّلام فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: «إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (2).

مسلم بن الحجاج في صحيحه قال:حدّثني زهير بن حرب حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثني أبو حيان حدثني.يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال:قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله خطيبا بماء يدعي خمّا بين مكّة و المدينة فحمد اللّه و أثنى عليه و وعظ و ذكر ثم قال:«أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب،و أنا تارك فيكم ثقلين:أولهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور فخذوا بكتاب اللّه و استمسكوا به فحث على كتاب اللّه و رغّب فيه-ثم قال-و أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي».

فقال:حصين و من أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته و لكن أهل بيته من حرم عليه الصدقة بعده (3).

مسلم بن الحجاج أيضا في صحيحه قال:حدّثنا يزيد بن الريان حدّثنا حسان- يعني إبراهيم بن سعيد هو ابن مسروق-عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«إني تارك فيكم الثقلين:أحدهما كتاب اللّه هو حبل اللّه من اتبعه كان على الهدى و من تركه كان على ضلالة،ثم أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي،ثلاث7.

ص: 66


1- العمدة:32/45 عن الجمع.
2- العمدة:33/45 عن الجمع.
3- صحيح مسلم:123/7.

مرات»فقلنا:من أهل بيته نساؤه؟

قال:لا و أيم اللّه إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلّقها فترجع إلى أهلها و قومها،أهل بيته أصله و عصبته الذين حرموا الصدقة من بعده (1).

موفق بن أحمد صدر الأئمة عند المخالفين خطيب الخطباء في كتابه(فضائل امير المؤمنين عليه السّلام)قال:أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ أخبرنا والدي أحمد بن الحسين البيهقي أخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن يوسف الأصفهاني أخبرنا بكير بن أحمد بن سهل الصوفي بمكة حدّثنا موسى بن هارون قال:حدّثنا إبراهيم بن حبيب حدّثنا عبد اللّه بن سالم الملائي عن أبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جاء إلى باب علي عليه السّلام أربعين صباحا بعد ما دخل علي فاطمة فيقول:

«السلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته الصلاة يرحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (2).

موفق بن أحمد من أعيان علماء العامة في كتابه هذا عن أبي سعيد الخدري أنه قال:لما نزل قوله: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ (3)و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يأتي باب فاطمة و علي عليهم السّلام تسعة أشهر في كل صلاة فيقول:الصلاة يرحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (4).

موفق بن أحمد هذا بالإسناد المتقدم عن أحمد بن الحسين عن البيهقي قال:

أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ و أبو بكر أحمد بن الحسين القاضي و أبو عبد الرّحمن السلمي قالوا:حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدّثنا الحسن بن مكرم حدّثنا0.

ص: 67


1- صحيح مسلم:123/7.
2- المناقب:28/60.
3- طه:132.
4- المناقب:29/60.

عثمان بن عمر حدّثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن دينار عن شريك بن أبي نمر عن عطا بن يسار عن ام سلمة-رضي اللّه عنها-قالت:في بيتي نزلت إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قالت:فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين فقال:«هؤلاء أهلي»فقلت:يا رسول اللّه ما أنا من أهل البيت؟

فقال:«بلى إن شاء اللّه» (1).

إبراهيم بن محمد الحميويني من أعيان علماء المخالفين في كتاب(فرائد السمطين في فضائل المرتضى و البتول و السبطين عليهم السّلام)قال:حدثني الشيخ الإمام نجم الدين أبو عمر عثمان بن الموفق بقراءتي عليه بأسفراين أواخر جمادى الآخرة سنة خمس و ستين و ستمائة و المشايخ الأئمة فريد الدين داود بن محمد بن روزبهان أبو أحمد الشيرازي و كمال الدين محمد بن عمر بن المظفر أبو المكارم المروزي،و قدوة الحكماء محمد بن عثمان بن أبي بكر بن الحاحي الخورشاهي المتطيب الخوريدي إجازة بروايتهم عن والدي شيخ شيوخ الإسلام سلطان الأولياء و المحققين سعد الحق و الدين محمد بن المؤيد بن أبي بكر الحمويني رضي اللّه عنه و أرضاه إجازة بروايته عن شيخه شيخ الإسلام نجم الحق و الدين أبي الجناب أحمد بن عمر بن محمد بن عبد اللّه الصوفي الحموقي المعروف بكبرى إجازة إن لم يكن سماعا قال:أنبأنا محمد بن عمر بن علي الطوسي بقراءتي عليه بنيسابور، أنبأنا أبو العباس أحمد بن أبي الفضل السّعاني أنبأنا أبو سعيد محمد بن طلحة الجنابذي قال أنبأنا أبو عبد اللّه الحسين بن محمد الأنصاري بدمشق نبأنا أبو عبد اللّه أحمد بن عطار الروذباري حدثني علي بن محمد بن عبيد حدّثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي حدّثنا يحيى بن معين حدّثنا أبو عبيدة نبأنا طريف بن عيسى حدثني يوسف بن عبد الحميد قال:قال لي ثوبان مولى رسول اللّه:أجلس رسول1.

ص: 68


1- المناقب:30/61.

اللّه صلّى اللّه عليه و اله الحسن و الحسين على فخذيه و فاطمة في حجره و اعتنق عليا عليه السّلام ثم قال:

«اللهم هؤلاء أهل بيتي» (1).

إبراهيم بن محمد الحمويني قال:أخبرنا الإمام المفتي جلال الدين أحمد بن محمد عبد الجبار البكراني الأبهري بقراءتي عليه بداره في السابع عشر من شوال سنة سبع و ثمانين و ستمائة قال:أخبرني الإمام والدي نجم الدين محمد بن محمد و أخبرني الإمام نجد الدين أبو الفضائل محمد بن عبد اللّه بن الحسن الخراطي الآملي مشافهة بمدينة آمل طبرستان سنة ست و ستين و ستمائة قال:أنبأنا والدي الإمام مظهر الدين أبو الفضائل عبد اللّه بن الحسن إجازة و أخبرني إمام الدين يحيى بن الحسين بن عبد الكريم الكرخي إجازة بهمدان في شهور سنة إحدى و سبعين و ستمائة قالوا:أخبرنا الإمام رضي الدين أبو الخير أحمد بن الحسين الطالقاني القزويني إجازة قال:أنبأنا الشيخان أبو سعيد ناصر بن سهل بن أحمد البغدادي و أبو محمد محمد بن المنتصر بن أحمد بن حفص المتولي قالا:أنبأنا القاضي أبو سعيد محمد بن سعيد الفرخزادي أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال:أخبرني الحسين بن محمد حدّثنا ابن حبش المقري نبأنا أبو زرعة حدثني عبد الرّحمن بن عبد الملك بن شيبة أخبرني ابن أبي فديك حدثني ابن أبي ملائكة عن إسماعيل بن عبد اللّه بن جعفر عن أبيه قال:لما نظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى الرحمة هابطة من السماء قال:«من يدعو»مرتين،قالت زينب:أنا يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فقال لي:«ادعي إلي عليا و فاطمة و الحسن و الحسين»قال:فجعل حسنا عن يمناه و حسينا عن يسراه و عليا و فاطمة تجاهه ثم غشّاهم كساء خيبريا ثم قال:«اللهم إن لكل نبي أهل بيت و هؤلاء أهلي فأنزل اللّه عزّ و جلّ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» فقالت زينب:يا رسول اللّه ألا أدخل معك؟0.

ص: 69


1- فرائد السمطين:/14/2ب /2ح 360.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مكانك فإنك إلى خير إن شاء اللّه تعالى» (1).

إبراهيم بن محمد الحمويني هذا أخبرني الإمامان ابن عمي الشيخ الزاهد نظام الدين محمد بن علي بن المؤيد الحمويني و القاضي نصير الدين محمد بن علي البناكتي ثم الاسفرائيني إجازة بروايتهما عن والدي شيخ الإسلام سلطان الأولياء و المحققين سعد الحق و الدين محمد بن المؤيد الحمويني رضي اللّه عنه قال:البناكتي قرأة عليه بأسفراين قال:أنبأنا شيخ الشيوخ تاج الدين عبد السلام بمدينة رها قال أنبأنا أبي شيخ الشيوخ عماد الدين عمر بن شيخ الإسلام نجم الدين أبي الحسن بن محمد ابن حمويه قال أنبأنا الإمام الأجل قطب الدين مسعود بن محمد النيسابوري قال:

أنبأنا الشيخ عبد الجبار بن محمد الخواري قال:أنبأنا الإمام الحافظ شيخ السنّة أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي قال:أنبأنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة قال:نبأنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم قال:نبأنا إبراهيم بن إسحاق الزهري قال:نبأنا جعفر يعني ابن عون و يعلى عن أبي حيان التيمي عن يزيد بن حيان قال:سمعت زيد بن أرقم قال:قام فينا ذات يوم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:«أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول اللّه فاجيب،و إني تارك فيكم الثقلين:أولهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور فاستمسكوا بكتاب اللّه و خذوا به فحث على كتاب اللّه عزّ و جلّ و رغّب فيه ثم قال:و أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي ثلاث مرات»فقال له حصين:يا زيد من أهل بيته أليس نساءه من أهل بيته؟

قال:بلى إن نسائه من أهل بيته و لكن أهل بيته من حرّم الصدقة بعده قال:و من هم؟

قال:آل علي و آل جعفر و آل العباس و آل عقيل فقال:كل هؤلاء يحرم الصدقة؟

قال:نعم.

قال:الشيخ أحمد البيهقي قلت قد بيّن زيد بن أرقم أن نساءه من أهل بيته و اسم2.

ص: 70


1- فرائد السمطين:/18/2ب /3ح 362.

أهل البيت للنساء تحقيق و هو متناول الآل و اسم الآل لكل من حرّم الصدقة من أولاد هاشم و أولاد المطلب لقول النبي صلّى اللّه عليه و اله«إن الصدقة لا تحل لمحمد و لا لآل محمد» و إعطاؤه الخمس الذي عوّضهم من الصدقة بني هاشم و بني عبد المطلب و قد يسمّي أزواجه الاّ بمعنى التشبيه فأراد تخصيص الآل من أهل البيت بالذكر و لفظ النبي صلّى اللّه عليه و اله في الوصية بهم عامة يتناول الآل و الأزواج و قد أمرنا بالصلاة على جميعهم (1).

الحمويني هذا:قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد اللّه الحافظ،أنبأنا عبد اللّه بن محمد بن جعفر الحافظ،نبأنا محمد بن يحيى بن منده نبأنا حميد بن سعد،نبأنا حيّان الكرماني عن سعيد بن مسروق عن يزيد بن حيان قال:دخلنا على زيد بن أرقم فقال:خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:إني تارك فيكم الثقلين:أحدهما كتاب اللّه عزّ و جلّ من معه كان على الهدى و من تركه كان على ضلالة ثم أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي»ثلاث مرات قلنا:من أهل بيته نساؤه؟

قال:لا،أهل بيته عصبته الذين حرّموا الصدقة بعده آل علي و آل العباس و آل جعفر و آل عقيل (2).

الحمويني هذا بأسانيد إلى الحافظ أبي بكر البيهقي قال:أنبأنا أبو عبد اللّه الحافظ قال:أنبأنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسين بن جعفر بن عبد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صاحب كتاب النسب ببغداد قال:

أنبأنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السّلام قال:حدثني علي بن جعفر بن محمد بن علي عليهم السّلام قال:حدثني الحسين بن زيد بن علي عن عمّه عمر بن علي بن الحسين عن أبيه عليهم السّلام قال:خطب الحسن بن علي عليهما السّلام حين قتل علي عليه السّلام فقال:«لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون و لا0.

ص: 71


1- فرائد السمطين:/233/2ب /46ح 513.
2- فرائد السمطين:/250/2ب /48ح 520.

يدركه الآخرون و ما ترك على ظهر الأرض صفراء و لا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ثم قال«ألا يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا ابن النبي،و أنا ابن البشير،و أنا ابن النذير و أنا ابن الداعي إلى اللّه بإذنه و السراج المنير،و أنا من أهل البيت الذي كان جبرائيل عليه السّلام ينزل فينا و يصعد من عندنا، و أنا من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا،و أنا من أهل البيت الذين افترض اللّه مودتهم على كل مسلم ثم قرأ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت» (1).

ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة و هو من أعيان علماء المعتزلة قال:قد بيّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عترته من هي لمّا قال:«أنا تارك فيكم الثقلين»فقال:«و عترتي أهل بيتي» و بيّن في مقام آخر من أهل بيته حين طرح عليهم الكساء و قال حين نزل إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس»ثم قال ابن أبي الحديد:فإن قلت فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين بهذا الكلام؟

قلت:نفسه و ولديه.

و الأصل في الحقيقة نفسه لأن ولديه تابعان له و نسبتهما إليه مع وجوده كنسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة،و قد نبّه النبي صلّى اللّه عليه و اله على ذلك بقوله:

«و أبو كما خير منكما»قوله:«و هم أزمّة الحق»جمع زمام كأنه جعل الحق دائرا معهم حيث ما داروا ذاهبا معهم حيث ذهبوا كما أن الناقة طوع زمامها و قد نبّه الرسول صلّى اللّه عليه و اله على صدق هذه القضية بقوله:«و أدر الحق معه حيث دار»قوله:«و ألسنة الصدق من الألفاظ الشريفة القرآنية قال اللّه تعالى: وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ» لما كان لا يصدر عنهم حكم و لا قول إلا و هو موافق للحق و الصواب جعلهم اللّه كأنهم ألسنة الصدق لا يصدر عنها قول كاذب أصلا،بل هي كالمطبوعة على الصدق قوله:«فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن»تحته سر عظيم و ذاك أنه أمر1.

ص: 72


1- فرائد السمطين:/120/2ب /26ح 421.

المكلفين بأن يجروا العترة في إجلالها و إعظامها و الإنقياد لها و الطاعة لأوامرها مجرى القرآن ثم قال ابن أبي الحديد:فإن قلت:فهذا القول منه صلّى اللّه عليه و اله يشعر بأن العترة معصومة فما قول أصحابكم في ذلك قلت:نصّ أبو محمد بن مويه قدّس سرّه في كتاب (الكفاية)على أن عليا عليه السّلام معصوم،و إن لم يكن واجبا العصمة و لا العصمة شرط في الإمامة لكن أدلة النصوص قد دلّت على عصمته و القطع على باطنه و مغيبه و إن ذلك أمر اختص هو عليه السّلام به دون غيره من الصحابة و الفرق ظاهر بين قولنا:زيد معصوم و بين قولنا:زيد واجب العصمة لأنه إمام و من شرط الإمام أن يكوم معصوما، فالإعتبار الأول مذهبنا و الإعتبار الثاني مذهب الإمامية (1).

المالكي في كتاب الفصول المهمة عن الواحدي في كتابه المسمّى ب(أسباب النزول)يرفعه بسنده إلى ام سلمة-رضى اللّه عنها-أنها قالت:كان النبي في بيتها يوما فأتته فاطمة ببرمة فيها عصيدة (2)فدخلت بها.عليه فقال لها:«ادع لي زوجك و إبنيك»فجاء علي و الحسن و الحسين فدخلوا فجلسوا يأكلون و النبي صلّى اللّه عليه و اله جالس على دكة تحته كساء خيبري قالت:و أنا في الحجرة قريبا منهم فأخذ النبي صلّى اللّه عليه و اله الكساء فغشاهم به ثم قال:«اللهم أهل بيتي و خاصتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا»قالت:فأدخلت رأسي[في]البيت و قلت:و أنا معكم يا رسول اللّه؟

قال:«إنك إلى خير»فأنزل اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (3).

المالكي أيضا قال:ذكر الترمذي في جامعه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان وقت نزول هذه الآية إلى قرب ستة أشهر إذا خرج إلى الصلاة يمر بباب فاطمة ثم يقول: «إِنَّما2.

ص: 73


1- شرح نهج البلاغة:375/6.
2- العصيدة:دقيق يلت بالسمن و يطبخ.
3- أسباب النزول للواحدي:267 ط.مصر،و الفصول المهمة:24-152.

يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (1) .

أبو المؤيد موفق بن أحمد العامي المتقدم في كتاب(فضائل علي)عليه السّلام قال:أنبأني مهذب الأئمة أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمداني إجازة أخبرني محمد ابن الحسين بن علي البزاز أخبرني أبو منصور محمد بن علي بن عبد العزيز أخبرني هلال بن محمد بن جعفر حدّثنا أبو بكر محمد بن عمرو الحافظ حدثني أبو الحسن علي بن موسى الجزاز من كتابه حدثني الحسن بن علي الهاشمي حدثني إسماعيل بن أبان حدثني أبو مريم عن ثوير بن أبي فاخته عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال:قال أبي دفع النبي صلّى اللّه عليه و اله الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب عليه السّلام ففتح اللّه تعالى على يده و أوقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنه مولى كل مؤمن و مؤمنة و قال:له:«أنت مني و أنا منك»و قال له:«تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل»، و قال له:«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»و قال له«أنا سلم لمن سالمت و حرب لمن حاربت»،و قال له«أنت العروة الوثقى»،و قال له:«أنت تبيّن لهم ما اشتبه عليهم من بعدي».

و قال له:«أنت إمام كلّ مؤمن و مؤمنة و ولي كل مؤمن و مؤمنة بعدي»،و قال له:«أنت الذي أنزل اللّه فيك وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ (2)»،و قال له:

«أنت الآخذ بسنتي و الذاب عن ملتي»،و قال له:«أنا أول من تنشق الأرض عنه و أنت معي»،و قال له:«أنا عند الحوض و أنت معي»،و قال له:«أنا أول من يدخل الجنة و أنت معي تدخلها أنت و الحسن و الحسين و فاطمة»و قال له:«إن اللّه تعالى أوحى إليّ أن أقوم بفضلك فقمت به في الناس و بلغتهم ما أمرني اللّه بتبليغه»و قال له:«اتق الضعائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلاّ بعد موتى أولئك يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون»ثم بكى صلّى اللّه عليه و اله فقيل له:ممن بكاؤك يا رسول اللّه؟3.

ص: 74


1- الفصول المهمة:152-524،و سنن الترمذي:31/5 ح 3259.
2- التوبة:3.

قال:«أخبرني جبرائيل عليه السّلام أنهم يظلمونه و يمنعوهه حقه و يقاتلونه و يقتلون ولده و يظلمونهم بعده و أخبرني جبرائيل عليه السّلام عن اللّه عزّ و جلّ أن ذلك الظلم يزول إذا قام قائمهم و علت كلمتهم و اجتمعت الامة على محبتهم و كان الشانىء لهم قليلا و الكاره لهم ذليلا و كثر المادح لهم،و ذلك حين تغيّر البلاد و تضعف العباد و اليأس من الفرج فعند ذلك يظهر القائم فيهم»قال النبي صلّى اللّه عليه و اله«اسمه كاسمي و اسم أبيه كاسم أبي هو من ولد ابنتي يظهر اللّه الحق بهم،و يخمد الباطل بأسيافهم و يتبعهم الناس راغبا إليهم و خائفا منهم».

قال:و سكن البكاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثم قال:«معاشر الناس أبشروا بالفرج فإن وعد اللّه لا يخلف و قضاؤه لا يردّ و هو الحكيم الخبير،و إن فتح اللّه قريب،اللهمّ إنهم أهلي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا،اللهمّ اكلاهم و ارعهم و كن لهم و انصرهم و أعزهم و لا تذلهم و اخلفني فيهم إنك على ما تشاء قدير» (1).

موفق بن أحمد هذا قال:أخبرني سيد الحفّاظ شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إلى من همدان أخبرني أبو علي قال:أخبرني أبو نعيم أخبرني علي بن أحمد المصيصي حدّثنا أحمد بن خليد الحلبي أخبرني أبي توبة الربيع بن نافع حدثني يزيد بن ربيعة عن يزيد بن أبي مالك عن أبي الأزهر عن واثلة بن الأسقع قال:لما جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عليا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام تحت ثوبه قال:«أللهم قد جعلت صلواتك و رحمتك و مغفرتك و رضوانك على إبراهيم و آل إبراهيم،اللهمّ إنهم منّي و أنا منهم فاجعل صلواتك و رحمتك و مغفرتك و رضوانك علي و عليهم»قال واثلة:كنت واقفا بالباب فقلت و عليّ يا رسول اللّه بأبي أنت و امي قال:

«اللهم و على واثلة» (2).2.

ص: 75


1- المناقب:31/61.
2- المناقب:/63ح 32.

و من كتاب(المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة) (1)حدّث عبد الكريم بن روح عن عباد بن صهيب عن سعد بن أويس بن يحيى عن شريك بن عبد اللّه قال:رأيت أمير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم و هو قائم و أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جلوس و هو يقول لهم:«أنشدكم الذي لا أعظم منه أفيكم أخ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله غيري»؟

قالوا:لا،قال:«أنشدكم اللّه أفيكم من آمن باللّه و رسوله قبلي؟»فقالوا:لا،قال:

«فانشدكم اللّه أفيكم أحد صلّى القبلتين و بايع البيعتين قبلي»قالوا:لا،قال:«فانشدكم اللّه أفيكم من له عمّ كعمّي حمزة أسد اللّه و أسد رسوله و سيّد الشهداء و غسيل الملائكة» قالوا:لا،قال:«فانشدكم اللّه أفيكم أحد له زوجة تشبه زوجتي سليلة المصطفى و نبعة العلى و مريم الكبرى و فاطمة الزهراء و سيّدة نساء العالمين؟»

قالوا:لا،قال:«فانشدكم اللّه أفيكم أحد له ولد يشبه ولدي الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة؟»فقالوا:لا،فقال:«انشدكم اللّه أفيكم أحد أقرب من محمد رسول اللّه غيري؟»

قالوا:لا قال:«فانشدكم اللّه هل فيكم أحد غسّله غيري؟»قالوا:لا،قال:«فانشدكم اللّه هل فيكم أحد غمض عيني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله غيري؟»

قالوا:لا،قال:«فانشدكم اللّه أفيكم أحد فدى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بنفسه و نام على فراشه و بذل مهجته دونه غيري؟»قالوا:لا،قال:«فانشدكم اللّه أفيكم أحد كان إذا قاتل كان جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله غيري؟»قالوا:لا،قال:«فانشدكم اللّه هل فيكم أحد أمر اللّه بمودته حيث قال: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى غيري؟» قالوا:لا.

قال:«فأنشدكم اللّه هل فيكم من طهره اللّه تعالى في كتابه حيث قال: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً غيري و أهل بيتي؟»قالوا:لا،قال:

«فانشدكم اللّه هل فيكم أحد أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بيده يوم غدير خم و قال:من كنت مولاها.

ص: 76


1- للسيد الرضي ينقل عنه في مدينة المعاجز كثيرا.

فعلي مولاه اللهمّ و ال من والاه و عاد من عاداه غيري؟»قالوا:لا،قال:«فانشدكم اللّه هل فيكم أحد كان يأخذ ثلاثة أسهم:سهم القرابة و سهم الخاصة و سهم الهجرة غيري؟»

قالوا:لا.

قال:«فانشدكم اللّه هل فيكم من أمر اللّه رسوله صلّى اللّه عليه و اله فتح بابه حيث سدّت الأبواب غيري،حتى قام عمي و قال:يا رسول اللّه أمرت بسد أبوابنا و فتحت باب علي؟

فقال:و اللّه ما أسكنت عليا بل اللّه أسكنه و أخرجكم»

فقالوا:صدقت،فقال:«اللهم اشهد و كفى باللّه شهيدا» (1).

محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن المفضل بن صالح عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله:

إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً يعني الأئمة عليهم السّلام و ولايتهم من دخل فيها دخل في بيت النبي صلّى اللّه عليه و اله (2).

محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس و علي بن محمد عن سهل بن زياد أبي سعيد عن محمد بن عيسى عن ابن مسكان عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جل: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فقال«نزلت في علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين»فقلت له:إن الناس يقولون فما له لم يسم عليّا و أهل بيته في كتاب اللّه عزّ و جلّ؟

فقال:«قولوا لهم:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله نزلت عليه الصلاة و لم يسم اللّه لهم ثلاثا و لا أربعا حتى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله هو الذي فسّر ذلك لهم،و نزلت عليه الزكاة و لم يسم لهم من كل أربعين درهما درهم حتى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله هو الذي فسّر ذلك لهم،و نزل الحج فلم يقل لهم طوفوا سبعا حتى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله هو الذي فسّر ذلك لهم و نزلت أَطِيعُوا اللّهَ4.

ص: 77


1- لم نجده في المصادر،نعم في البحار ما يقرب منه:362/31 ح 17،و الروضة في المعجزات: 137.
2- الكافي:423/1 ح 54.

وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ نزلت في علي و الحسن و الحسين فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في علي:من كنت مولاه فعلي مولاه،و قال صلّى اللّه عليه و اله:أوصيكم بكتاب اللّه و أهل بيتي فإني سألت اللّه عزّ و جل أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما عليّ الحوض فأعطاني ذلك و قال:لا تعلّموهم فهم أعلم منكم،و قال:إنهم لن يخرجوكم من باب هدى و لن يدخلوكم في باب ضلالة فلو سكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فلم يبين من أهل بيته لادّعاها آل فلان و آل فلان و لكن اللّه عزّ و جلّ أنزله في كتابه تصديقا لنبيّه صلّى اللّه عليه و اله إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فكان علي و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام فأدخلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تحت الكساء في بيت امّ سلمة.

ثم قال:اللهم إن لكل نبي أهلا و ثقلا و هؤلاء أهل بيتي و ثقلي،فقالت:ام سلمة ألست من أهلك؟

فقال:إنك إلى خير و لكن هؤلاء أهلي و ثقلي،فلما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان علي أولى الناس بالناس لكثرة ما بلّغ فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و إقامته للناس و أخذ بيده فلما مضى علي لم يكن يستطيع علي و لم يكن ليفعل أن يدخل محمد بن علي و لا العباس بن علي و لا أحد من ولده اذا لقال الحسن و الحسين:إن اللّه تبارك و تعالى أنزل فينا كما أنزل فيك و أمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك،و بلّغ فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كما بلّغ فيك و أذهب عنا الرجس كما أذهبه عنك،فلما مضى علي عليه السّلام كان الحسن أولى بها لكبره فلما تولى لم يستطع أن يدخل ولده و لم يكن ليفعل ذلك و اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ فيجعلها في ولده إذا لقال الحسين عليه السّلام:أمر اللّه تبارك و تعالى بطاعتي كما أمر بطاعتك و طاعة أبيك و بلّغ فيّ رسول اللّه كما بلّغ فيك و في أبيك و أذهب اللّه عنّي الرجس كما أذهب عنك و عن أبيك،فلما صارت إلى الحسين لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدّعي عليه كما كان هو يدّعي على أخيه و على أبيه،و لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه،و لم يكونا ليفعلا ثم صارت حين أفضت إلى الحسين عليه السّلام فجرى تأويل هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ، ثم صارت من بعد

ص: 78

الحسين لعلي بن الحسين،ثم صارت من بعد علي بن الحسين إلى محمد بن علي،و قال:

اَلرِّجْسَ هو الشك و اللّه لا نشك في ربنا أبدا» (1).

محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد و الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن يحيى بن عمران الحلبي عن أيوب بن الحر و عمران بن علي الحلبي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثل ذلك (2).

محمد بن الحسن الصفار في(بصائر الدرجات)عن محمد بن خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«الرجس هو الشك و لا نشك في ديننا أبدا» (3).

ابن بابويه قال:حدّثنا أبي و محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه قالا:حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب قال:حدّثنا النضر بن شعيب عن عبد الغفار الجازي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال:«الرجس هو الشك» (4).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسين بن محمد قال:حدّثنا هارون بن موسى التلعكبري قال:حدّثنا عيسى بن موسى الهاشمي بسر من رأى قال:حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عن علي عليه السّلام قال:دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في بيت أم سلمة و قد نزلت عليه هذه الآية إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يا علي هذه الآية فيك و في سبطيّ و الأئمة من ولدك فقلت:يا رسول اللّه و كم الأئمة بعدك؟

قال:أنت يا علي ثم الحسن و الحسين و بعد الحسين علي ابنه و بعد علي محمد ابنه1.

ص: 79


1- الكافي:287/1 ح 1.
2- الكافي:288/1 ذيل ح 1.
3- بصائر الدرجات:13/206.
4- معاني الأخبار:/138ح 1.

و بعد محمد جعفر ابنه و بعد جعفر موسى ابنه و بعد موسى علي ابنه و بعد علي محمد ابنه و بعد محمد علي ابنه و بعد علي الحسن ابنه و الحجة من ولد الحسن هكذا أسماؤهم مكتوبة على ساق العرش فسألت اللّه تعالى عن ذلك فقال:يا محمد هؤلاء الأئمة مطهّرون معصومون و أعداؤهم ملعونون».

ابن بابويه قال:حدّثنا أبي قال:حدثني سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن موسى الخشّاب عن علي بن حسان الواسطي عن عمّه عبد الرّحمن بن كثير قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما عنى اللّه عزّ و جلّ بقوله إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ؟

قال:«نزلت في النبي صلّى اللّه عليه و اله و أمير المؤمنين و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام فلما قبض اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلّى اللّه عليه و اله كان أمير المؤمنين ثم الحسن و الحسين،ثم وقع تأويل هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ و كان علي بن الحسين عليه السّلام اماما ثم جرت في الأئمة من ولد الأوصياء عليهم السّلام فطاعتهم طاعة اللّه و معصيتهم معصية اللّه عزّ و جلّ» (1).

ابن بابويه عن علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب و جعفر بن محمد بن مسرور رضي اللّه عنه قالا:حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن الريّان بن الصلت عن الرضا عليه السّلام في حديث المأمون و العلماء و سؤالهم الرضا في الفرق بين آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الامة فكان في الحديث قال عليه السّلام:«فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم»فقال المأمون:من العترة الطاهرة؟

فقال الرضا عليه السّلام«الذين وصفهم اللّه تعالى في كتابه فقال جل و عز: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، و هم الذين قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:إني مخلف فيكم الثقلين:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي و إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما يا أيها الناس لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم».6.

ص: 80


1- علل الشرائع:/205/1ح /2ب 156.

و في الحديث قالت العلماء فأخبرنا هل فسّر اللّه تعالى الإصطفاء في الكتاب؟

فقال الرضا عليه السّلام:«فسّر الإصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثنى عشر موضعا و موطنا فأول ذلك قوله تعالى: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ هكذا في قراءة ابي بن كعب و هي ثابتة في مصحف عبد اللّه بن مسعود،و هذه منزلة رفيعة و فضل عظيم و شرف عال حين عنى اللّه بذلك الآل فذكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فهذه واحدة، و الآية الثانية في الإصطفاء قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و هذا الفضل الذي لا يجهله أحد معاندا أصلا لأنه فضل بعد طهارة تنتظر»و هذه الثانية و ساق الحديث بذكر الاثني عشر (1).

ابن بابويه قال:حدثنا أبي و محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه قالا:حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال:حدّثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحكم بن مسكين الثقفي عن أبي الجارود و هشام أبي ساسان و أبي طارق السرّاج عن عامر بن واثلة قال:كنت في البيت يوم الشورى فسمعت عليا عليه السّلام و هو يقول:«إستخلف الناس أبا بكر و أنا و اللّه أحق بالأمر و أولى به منه،و استخلف أبو بكر عمر و أنا و اللّه أحق بالأمر و أولى به منه إلا أن عمر جعلني مع خمسة نفر أنا سادسهم لا يعرف لهم علي فضلا و لو شاء لا حتججت عليهم بما لا يستطيع عربيهم و لا عجميهم المعاهد منهم و المشرك تغيير ذلك»

ثم ذكر عليه السّلام ما احتج به على أهل الشورى فقال في ذلك:«نشدتكم باللّه هل فيكم أحد أنزل اللّه فيه آية التطهير على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كساء خيبريا فضمّني فيه و فاطمة و الحسن و الحسين ثم قال:يا رب إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا»قالوا:اللهم لا (2).1.

ص: 81


1- أمالي الصدوق:/616مجلس /79ح 1.
2- الخصال:/553ح 31.

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال:حدّثنا عبد الرّحمن بن محمد الحسني قال:حدّثنا أبو جعفر محمد بن حفص الخثعمي قال:حدّثنا الحسن بن عبد الواحد قال:حدثني أحمد بن التغلبي قال:حدثني محمد بن عبد الحميد قال:حدثني حفص بن منصور العطّار قال:حدّثنا أبو سعيد الورّاق عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه عليه السّلام قال:لما كان من أمر أبي بكر و بيعة الناس له و فعلهم بعلي بن أبي طالب عليه السّلام ما كان لم يزل أبو بكر يظهر له الإنبساط و يرى منه انقباضا فكبر ذلك على أبي بكر فأحبّ لقاءه و استخراج ما عنده و المعذرة لما جتمع الناس عليه و تقليدهم إياه أمر الأمة و قلّة رغبته في ذلك و زهده فيه أتاه في وقت غفلة و طلب منه الخلوة و قال له:و اللّه يا أبا الحسن ما كان هذا الأمر مواطأة منّي و لا رغبة فيما وقعت فيه و لا حرصا عليه و لا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الامة لا قوة لي بمال و لا كثرة العشيرة و لا ابتزاز له دون غيري فما لك أن تضمر لي ما لا أستحق منك و تظهر لي الكراهه فيما صرت إليه و تنظر إلى بعين السأمة مني قال:فقال له علي عليه السّلام:«فأحملك عليه إذا لم ترغب فيه،و لا حرصت عليه و لا وثقت بنفسك في القيام به و بما يحتاج منك فيه»فقال أبو بكر بحديث سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله«إن اللّه لا يجمع امتي على ضلال»و لما رأيت اجتماعهم اتبعت حديث النبي صلّى اللّه عليه و اله و أحلت أن يكون اجتماعهم على خلاف الهدى و أعطيتهم قود الإجابة و لو علمت أن أحدا يختلف لامتنعت.

قال:فقال علي عليه السّلام:«أما قولك ما ذكرت من حديث النبي صلّى اللّه عليه و اله لا تجتمع أمتي على ضلال أفكنت من الامة أو لم أكن»؟

قال:بلى و كذلك العصابة الممتنعة عليك من سلمان و عمار و أبي ذر و المقداد و ابن عبادة و من معه من الأنصار قال:كل من الامة فقال علي عليه السّلام:«فكيف تحتج بحديث النبي صلّى اللّه عليه و اله و أمثال هؤلاء قد تخلّفوا عنك و ليس في الامة فيهم طعن و لا في صحبة الرسول و نصيحته منهم تقصير»قال:ما علمت بتخلّفهم إلاّ من بعد إبرام الأمر

ص: 82

و خفت إن دفعت عني الأمر أن يتفاقم إلى أن يرجع الناس مرتدين عن الدين و كان ممارستهم إلي أن أجبتهم أهون مؤونة على الدين و أبقى له من ضرب الناس بعضه بعضهم فيرجعون كفارا و علمت أنك لست بدوني في الإبقاء عليهم و على أديانهم قال علي عليه السّلام:«أجل و لكن أخبرني عن الذي يستحق الأمر بما يستحقه؟»فقال أبو بكر:

بالنصيحة و الوفاء و رفع المداهنة و المحاباة و حسن السيرة و إظهار العدل و العلم بالكتاب و السنّة و فصل الخطاب مع الزهد في الدنيا و قلة الرغبة فيها و إنصاف المظلوم من الظالم القريب و البعيد ثم سكت فقال علي عليه السّلام:«أنشدتك اللّه يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو فيّ؟»قال:بل فيك مما جاء فيه عن اللّه سبحانه و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و في كل ذلك يعترف له أبو بكر بذلك إلى أن قال علي عليه السّلام فيما احتج به عليه:«فأنشدتك اللّه إليّ و لأهل بيتي و ولدي آية التطهير من الرجس أم لك و لأهل بيتك؟»قال:بل لك و لأهل بيتك،قال:«فأنشدتك باللّه أنا صاحب دعوة رسول اللّه و أهلي و ولدي يوم الكساء اللهم هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار أم أنت؟»قال بل:أنت و أهلك و ولدك.

و ذكر له علي عليه السّلام سبعين منقبة ثم ذكر في الحديث بعد السبعين المنقبة فلم يزل عليه السّلام يعدّ مناقبه التي جعلها اللّه عزّ و جلّ له دونه و دون غير فقال له أبو بكر:بهذا و شبهه يستحق القيام بأمور أمة محمد صلّى اللّه عليه و اله فقال له علي عليه السّلام:«فما الذي غرّك عن اللّه و عن رسوله و عن دينه و أنت خلو مما يحتاج إليه أهل دينه»قال:فبكى أبو بكر و قال:

صدقت يا أبا الحسن أنظرني يومي هذا فأدبّر ما أنا فيه و ما سمعت منك قال:فقال له علي عليه السّلام:«لك ذلك يا أبا بكر»فرجع من عنده و خلا بنفسه يومه و لم يأذن لأحد إلى الليل و عمر يتردّد في الناس لما بلّغه خلوته بعلي عليه السّلام فبات في ليلته فرأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في منامه متمثلا له في مجلسه فقام إليه أبو بكر ليسلّم عليه فولّى وجهه فقال أبو بكر:يا رسول اللّه هل أمرت بأمر فلم أفعل فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«أردّ السلام عليك و قد عاديت اللّه و رسوله و عاديت من ولاّه اللّه و رسوله رد الحق إلى أهله»قال:

ص: 83

فقلت من أهله؟

قال:«من عاتبك عليه و هو علي»قال فقد رددت عليه يا رسول اللّه بأؤمرك قال:

فأصبح و بكى و قال لعلي عليه السّلام أبسط يدك فبايعه و سلّم إليه الأمر و قال له:أخرج إلى مسجد رسول اللّه فأخبر الناس بما رأيت في ليلتي و ما جرى بيني و بينك فأخرج نفسي من هذا الأمر و أسلّم عليك بالأمرة قال فقال له علي عليه السّلام:«نعم»فخرج من عنده متغيرا لونه فصادفه عمر و هو في طلبه فقال له:ما حالك يا خليفة رسول اللّه؟ فأخبره بما كان منه و ما رأى و ما جرى بينه و بين علي عليه السّلام فقال له عمر:أنشدك باللّه يا خليفة رسول اللّه أن تغترّ بسحر بني هاشم فليس بأول سحر منهم،فما زال به حتى ردّه عن رأيه و صرفه عن عزمه و رغّبه فيما هو فيه و أمره بالثبات عليه و القيام به؟!قال:فأتى علي عليه السّلام المسجد للميعاد فلم ير فيه أحدا فأحس بالشر منهم فقعد إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فمرّ به عمر فقال له:يا علي دون ما ترومه خرط القتاد فعلم بالأمر و قام و رجع إلى بيته (1).

ابن بابويه بالإسناد عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي إسحاق عن الحارث عن محمد بن الحنفية و عمرو بن أبي المقدام عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عن علي عليه السّلام في حديث طويل قال عليه السّلام:«و قد قبض محمد صلّى اللّه عليه و اله،و إن ولاية الامة في يده و في بيته لا في يد الأولى تناولوها و لا في بيوتهم و لأهل بيته الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا أولى بالأمر من بعده من غيرهم في جميع الخصال»ثم التفت عليه السّلام إلى أصحابه فقال:«أليس كذلك؟»قالوا:بلى يا أمير المؤمنين (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان و محمد بن أحمد السناني و علي ابن موسى الدقّاق و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب و علي بن عبد اللّه الوراق رضي اللّه عنهم قالوا:حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطّان7.

ص: 84


1- الخصال:/548ح 30.
2- الخصال:/374ح /58ب 7.

قال:حدّثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب قال:حدّثنا تميم بن بهلول قال:حدّثنا سليمان بن حكيم عن ثور بن يزيد عن مكحول قال:قال أمير المؤمنين أبي علي بن أبي طالب عليه السّلام:«لقد علم المستحفظون من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه ليس فيهم رجل له منقبة إلاّ قد شركته فيها و فضّلته ولي سبعون منقبة لم يشركني فيها أحد منهم».

قلت:يا أمير المؤمنين فأخبرني بهن فذكر أمير المؤمنين عليه السّلام المناقب إلى أن قال عليه السّلام:«و أمّا السبعون فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله نام و نومني و زوجتي فاطمة و ابني الحسن و الحسين و ألقى علينا عباءة قطوانية فأنزل اللّه تبارك و تعالى فينا إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و قال جبرائيل:أنا منكم يا محمد فكان سادسنا جبرائيل عليه السّلام» (1).

علي بن ابراهيم قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى و حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث فدك قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام لأبي بكر:«يا أبا بكر تقرأ الكتاب؟»قال:نعم،قال:«فأخبرني عن قول اللّه تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فيمن نزلت فينا أم في غيرنا؟»قال:بل فيكم (2).

محمد بن العباس بن ماهيار الثقة في تفسير القرآن فيما نزل في أهل البيت قال:

حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد عن الحسن بن علي بن بزيع عن إسماعيل بن يسار الهاشمي عن قنبر بن محمد الأعشى عن هاشم بن البريد عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عليه السّلام قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في بيت أم سلمة فأتى بحريرة فدعا عليا عليه السّلام و فاطمة و الحسن و الحسين عليه السّلام فأكلوا منها ثم جلل عليهم كساء خيبريا ثم قال:

«إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فقالت:أمّ سلمة:

و أنا معهم يا رسول اللّه؟2.

ص: 85


1- الخصال:/572ح 1.
2- تفسير القمي:156/2.

قال:«أنت إلى خير» (1).

محمد بن العباس هذا قال:حدّثنا عبد العزيز بن يحيى عن محمد بن زكريا عن جعفر بن محمد بن عمارة قال:حدثني أبي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال:قال علي بن أبي طالب عليه السّلام أن اللّه عزّ و جل فضّلنا أهل البيت و كيف لا يكون كذلك و اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فقد طهّرنا اللّه من الفواحش ما ظهر منها و ما بطن فنحن على منهاج الحق» (2).

محمد بن العباس قال:حدّثنا عبد اللّه بن علي بن عبد العزيز عن إسماعيل بن محمد عن علي بن جعفر بن محمد عن الحسين بن يزيد عن عمر بن علي قال:خطب الحسن بن علي عليهما السّلام الناس حين قتل علي عليه السّلام فقال:«قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعلم و لا يدركه الآخرون ما ترك على ظهر الأرض صفراء و لا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله-ثم قال-أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا الحسن بن علي،و أنا ابن البشير النذير الداعي إلى اللّه بإذنه و السراج المنير،أنا من أهل البيت الذي كان ينزل فيه جبرائيل و يصعد،و أنا من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا» (3).

محمد بن العباس قال:حدّثنا مظفر بن يونس بن مبارك عن عبد الأعلى بن حماد عن محمود بن إبراهيم عن عبد الجبار عن العباس عن عمار الذهبي عن عمرة بنت أفعى عن ام سلمة قالت:نزلت هذه الآية في بيتي،و في البيت سبعة جبرائيل و ميكائيل و رسول اللّه و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام قالت:و كنت على الباب فقلت:يا رسول اللّه ألست من أهل البيت؟5.

ص: 86


1- بحار الأنوار:213/25 ح 3.
2- بحار الأنوار:214/25 ح 4.
3- بحار الأنوار:214/25 ح 5.

قال:«إنك إلى خير،إنك من أزواج النبي»و ما قال:إنك من أهل البيت (1).

الشيخ الطوسي في أماليه قال:أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن محمد-يعني المفيد- قال:حدّثنا أبو بكر محمد بن عمر قدّس سرّه قال:حدثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى بالكوفة قال:حدّثنا عبدوس بن محمد الحضرمي قال:حدّثنا محمد بن فرات عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يأتينا كل غداة فيقول الصلاة رحمكم اللّه الصلاة إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (2).

و رواه:الشيخ المفيد في أماليه قال:حدّثنا أبو بكر محمد بن عمر و ساق الحديث بباقي السند و المتن (3).

الشيخ في أماليه عن أبي عمر قال:أخبرنا أحمد بن محمد قال:حدّثنا الحسين ابن عبد الرّحمن بن محمد الأزدي قال:حدّثنا أبي قال:حدّثنا عبد النور بن عبد اللّه بن شيبان قال:حدّثنا سليمان بن قرم قال:حدثني أبو الجحاف و سالم بن أبي حفصة عن نفيع أبي داود عن أبي الحمراء قال:«شهدت النبي صلّى اللّه عليه و اله أربعين صباحا يجيء إلى باب علي و فاطمة فيأخذ بعضادتي الباب ثم يقول:«السلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته الصلاة يرحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (4).

الشيخ في أماليه قال:أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن عبد اللّه بن محمد بن مهدي قال:حادثنا أحمد بن محمد يعني-ابن سعيد بن عقدة-قال:أخبرنا أحمد بن يحيى قال:حدّثنا عبد الرّحمن قال:حدّثنا أبي عن أبي إسحاق عن عبد اللّه بن المغيرة مولى9.

ص: 87


1- بحار الانوار:214/25 ح 6.
2- أمالي الطوس:/89ح 138.
3- امالي المفيد:/318ح 4.
4- أمالي الطوسي:/251المجلس /9ح 39.

أم سلمة عن ام سلمة زوج النبي صلّى اللّه عليه و اله أنها قالت:نزلت هذه الآية في بيتها إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن أرسل إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين فلما أتوه اعتنق عليا بيمينه و الحسن بشماله و الحسين على بطنه و فاطمة عند رجله ثم قال:«اللهم هؤلاء أهلي و عترتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا» (1).

الشيخ في أماليه بإسناده عن علي بن الحسين عليه السّلام عن ام سلمة قالت:نزلت هذه الآية في بيتي و في يومي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عندي فدعا علي و فاطمة و الحسن و الحسين و جاء جبرائيل فمد عليهم كساء فدكيا ثم قال:«اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا»قال:جبرائيل و أنا منكم يا محمد؟

فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:«و أنت منّا يا جبرائيل»قالت ام سلمة:فقلت يا رسول اللّه و أنا من أهل بيتك فجئت لأدخل معهم،فقال:«كوني مكانك يا ام سلمة إنك إلى خير أنت من أزواج نبي اللّه صلّى اللّه عليه و اله»فقال جبرائيل:إقرأ يا محمد إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً في النبي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام (2).

الشيخ في أماليه قال:أخبرنا الحفّار قال:حدّثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي الحافظ قال:حدثني أبو الحسن علي بن موسى الخزاز من كتابه قال:حدثني الحسن بن علي الهاشمي قال:حدثني إسماعيل بن أبان قال:حدّثنا أبو مريم عن ثوير بن أبي فاخته عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال:قال أبي:دفع النبي صلّى اللّه عليه و اله الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب و فتح اللّه عليه و أوقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنه مولى كل مؤمن و مؤمنة قال له:«أنت منّي و أنا منك»،و قال له:«تقاتل على التأويل كما قاتلت أنا على التنزيل»و قال له:«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي»و قال له:«أنا سلم لمن سالمت و حرب لمن حاربت»و قال له:«أنت العروة4.

ص: 88


1- أمالي الطوسي:/263المجلس /10ح 20 اختصر المصنف.
2- أمالي الطوسي:/368المجلس /13ح 34.

الوثقى»و قال له:«أنت تبين لهم ما اشتبه عليهم بعدي»،و قال له:«أنت إمام كل مؤمن و مؤمنة و ولي كل مؤمن و مؤمنة بعدي»،و قال له:«أنت الذي أنزل اللّه فيه و اذان من اللّه و رسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر».

و قال له:«أنت الآخذ بسنتي و الذاب عن ملّتي»و قال له:«أنا أول من تنشق الأرض عنه و أنت معي»و قال له:«أنا عند الحوض و أنت معي»و قال له:«أنا أول من يدخل الجنة و أنت بعدي تدخلها و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام»و قال له:«إن اللّه أوحى إليّ أن أقوم بفضلك فقمت به في الناس و بلّغتهم ما أمرني اللّه بتبليغه»و قال له:«اتق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلاّ بعد موتي أولئك يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون ثم بكى النبي صلّى اللّه عليه و اله فقيل له:ممّ بكاؤك يا رسول اللّه؟

قال:«أخبرني جبرائيل عليه السّلام أنهم يظلمونه و يمنعونه حقه و يقاتلونه و يقتلون ولده و يظلمونهم بعده،و أخبرني جبرائيل عليه السّلام عن ربّه عزّ و جلّ أن ذلك يزول إذا قام قائمهم و علت كلمتهم و اجتمعت الامة على محبتهم و كان الشانىء لهم قليلا و الكاره لهم ذليلا و كثر المادح لهم و ذلك حين تغيّر البلاد تضعف العباد و الإياس من الفرج،فعند ذلك يظهر القائم فيهم»

فقيل له:ما أسمه؟

قال النبي صلّى اللّه عليه و اله:«اسمه كاسمي و اسم أبيه كاسم أبي و هو من ولد ابنتي يظهر اللّه الحق بهم و يخمد الباطل بأسيافهم و يتبعهم الناس بين راغب فيهم و خائف لهم»قال:و سكن البكاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:معاشر المؤمنين أبشروا بالفرج فإن وعد اللّه لا يخلف و قضاؤه لا يرد و هو الحكيم الخبير فإن فتح اللّه قريب،اللهمّ إنهم أهلي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،اللهم أكلأهم و ارعهم و كن لهم و احفظهم و انصرهم و أعنهم و أعزهم و لا تذلهم و اخلفني فيهم إنك على كل شي قدير» (1).

و قد تقدّم هذا من طريق المخالفين في الباب السابق.6.

ص: 89


1- أمالي الطوسي:/351المجلس /12ح 66.

الشيخ في كتاب(المجالس)قال:أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال:حدّثنا الحسن بن علي بن زكريا العاصمي قال:حدّثنا أحمد بن عبيد اللّه العدلي قال:حدّثنا الربيع بن يسار قال:حدّثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد يرفعه إلى أبي ذر قدّس سرّه أن عليا عليه السّلام و عثمان و طلحه و الزبير و عبد الرّحمن بن عوف و سعد بن أبي و قاص أمرهم عمر بن الخطاب أن يدخلو بيتا و يغلقوا عليهم بابه و يتشاوروا في أمرهم و أجّلهم بينهم ثلاثة أيام فإن توافق خمسة على قول واحد و أبى رجل منهم قتل ذلك الرجل،و إن توافق أربعة و أبى اثنان قتل الإثنان فلما توافقوا جميعا على رأي واحد قال لهم علي بن أبي طالب عليه السّلام:«إني أحب أن تسمعوا منّي ما أقول لكم،فإن يكن حقا فاقبلوه،و إن يكن باطلا فأنكروه»قالوا:قل فذكر من فضائله عن اللّه سبحانه و عن رسوله اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هم يوافقونه و يصدقونه فيما قال و كان فيما قال عليه السّلام:«فهل فيكم أحد أنزل اللّه فيه آية التطهير حيث يقول اللّه تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً غيري و زوجتي و ابني»

قالوا:لا (1).

الشيخ في مجالسه قال:حدّثنا جماعة عن أبي المفضل قال:حدّثنا أبو طالب محمد بن أحمد بن أبي معشر السلمي الحراني بحران قال:حدّثنا أحمد بن الأسود أبو علي الحنفي القاضي قال:حدّثنا عبيد اللّه بن محمد بن حفص العائشي التيمي قال:حدثني أبي عن عمر بن اذينة العبدي عن وهب بن عبد اللّه بن أبي دبّي الهنائي قال:حدّثنا أبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن أبيه أبي الأسود قال:لما طعن أبو لؤلؤة عمر بن الخطاب جعل الأمر بين ستة نفر علي بن أبي طالب عليه السّلام و عثمان بن عفان و عبد الرّحمن بن عوف و طلحة و الزبير و سعد بن مالك و عبد اللّه بن عمر معهم يشهد النجوى و ليس له في الأمر نصيب و ذكر حديث المناشدة نحوه (2).7.

ص: 90


1- أمالي الطوسي:/545مجلس /20ح 4.
2- أمالي الطوسي:/556مجلس /20ح 7.

الشيخ في مجالسه قال:أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال:حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن جوريه الجندي سابوري من أصل كتابه قال:حدّثنا علي بن منصور الترجماني قال:أخبرنا الحسن بن عنبسه النهشلي قال:حدّثنا شريك بن عبد اللّه النخعي القاضي عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي أنه ذكر عنده علي بن أبي طالب عليه السّلام فقال:إن قوما ينالون منه أولئك هم وقود النار و لقد سمعت عدة من أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و اله منهم حذيفة بن اليمان و كعب بن عجرة يقول كل رجل منهم:

لقد أعطي علي ما لم يعطه بشر هو زوج فاطمة سيّدة نساء الأولين و الآخرين فمن رأى مثلها أو سمع أن تزوج بمثلها أحد في الأولين و الأخرين و هو أبو الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة من الأولين و الآخرين فمن له أيها الناس مثلهما و رسول للّه صلّى اللّه عليه و اله حموه و هو وصيي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في أهله و أزواجه و سدّت الأبواب التي في المسجد كلها غير بابه و هو صاحب باب خيبر و هو صاحب الراية يوم خيبر،و تفل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يومئذ في عينيه و هو أرمد فما اشتكاهما من بعد و لا وجد حرا أو بردا بعد يوم ذلك،و هو صاحب يوم غدير خمّ إذ نوّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله باسمه و ألزم أمته ولايته و عرّفهم بخطره و بيّن لهم مكانه فقال يومئذ:«أيها الناس من أولى بكم من انفسكم؟»قالوا:اللّه و رسوله،قال:«فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه و هو صاحب العباء و من أذهب اللّه عزّ و جلّ عنه الرجس و طهّره تطهيرا»و هو صاحب الطائر حين قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«اللهم اتني بأحب خلقك إليك يأكل معي»فجاء علي عليه السّلام فأكل معه و هو صاحب سورة براءة حين نزل بها جبرائيل عليه السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد سار أبو بكر بالسورة فقال له:يا محمد إنه لا يبلغها إلاّ أنت أو علي إنه منك و أنت منه،فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله منه في حياته و بعد وفاته و هو عيبة علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و من قال له النبي صلّى اللّه عليه و اله:«أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد العلم فليأت المدينة من بابها كما أمر اللّه فقال: وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها (1)و هو مفرّج الكرب عن رسول9.

ص: 91


1- البقرة:189.

اللّه صلّى اللّه عليه و اله في الحروب،و هو أول من آمن برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و صدّقه و اتبعه،و هو أول من صلّى فمن أعظم فريّه على اللّه و على رسول اللّه ممن قاس به أحدا أو شبّه به بشرا عليه السّلام! (1).

الشيخ في مجالسه قال أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال حدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرّحمن الهمداني بالكوفة قال:حدّثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس الأشعري قال:حدّثنا علي بن حسان الواسطي قال:

حدّثنا عبد الرّحمن بن كثير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عليه السّلام قال:«لما أجمع الحسن بن علي عليه السّلام على صلح معاوية خرج حتى لقيه،فلما اجتمعا قام معاوية خطيبا فصعد المنبر و أمر الحسن عليه السّلام أن يقوم أسفل منه بدرجة ثم تكلم معاوية و قال:أيها الناس هذا الحسن بن علي و ابن فاطمة رآنا للخلافة أهلا و لم ير نفسه لها أهلا قد أتانا ليبايع طوعا،ثم قال:قم يا حسن فقام الحسن عليه السّلام فخطب فقال:

الحمد للّه المستحمد بالآلاء و تتابع النعماء و صارف الشدائد و البلاء عند الفهماء و غير الفهماء،المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله و كبريائه و علوه من لحوق الأوهام ببقائه المرتفع عن كنه ظنانة المخلوقين من أن تحيط بمكنون غيبه رويّات عقول الرائين، و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده في ربوبيته و وجوده و وحدانيته صمدا لا شريك له فردا لا ظهير له،و أشهد أن محمد عبده و رسوله اصطفاه و انتجبه و ارتضاه و بعثه داعيا إلى الحق و سراجا منيرا و للعباد مما يخافون نذيرا و لما يأملون بشيرا فنصح للامة و صدع بالرسالة،و أبان لهم درجات العمالة شهادة عليها أموت و أحشر،و بها في الآجلة أقرب و أحبر،و أقول:معشر الخلائق فاسمعوا و لكم أفئدة و أسماع فعوا إنّا أهل بيت أكرمنا اللّه بالإسلام و اختارنا و اصطفانا و اجتبانا و أذهب عنا الرجس و طهرنا تطهيرا،و الرجس هو الشك فلا نشك في اللّه الحق و دينه أبدا و طهّرنا من كلّ أفن و غية،مخلصين إلى آدم نعمة منه،لم يفترق الناس فرقتين إلا جعلنا اللّه في خيرهما فأدت الامور و أفضت الدهور إلى8.

ص: 92


1- أمالي الطوسي:/558مجلس /20ح 8.

أن بعث اللّه محمدا صلّى اللّه عليه و آله للنبوة و اختاره للرسالة و أنزل عليه كتابه ثم أمره بالدعاء إلى اللّه عزّ و جلّ فكان أبي عليه السّلام أول من استجاب للّه تعالى و لرسوله و أول من آمن و صدق اللّه و رسوله و قد قال اللّه تعالى في كتابه المنزل على نبيّه المرسل: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ فرسول اللّه الذي على بينة من ربه و أبي الذي يتلوه و هو شاهد منه.

و قد قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حين أمره أن يسير إلى مكة و الموسم ببراءة سربها يا علي فإني أمرت أن لا يسير بها إلاّ أنا أو رجل منّي و أنت هو يا علي،فعليّ من رسول اللّه و رسول اللّه منه،و قال له نبي اللّه صلّى اللّه عليه و اله حين قضى بينه و بين أخيه جعفر بن أبي طالب عليه السّلام و مولاه زيد بن حارثة في ابنه حمزة أما أنت يا علي فمني و أنا منك و أنت ولي كل مؤمن بعدي فصدّق أبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله سابقا و وقاه بنفسه ثم لم يزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في كل موطن يقدّمه و لكل شديدة يرسله ثقة منه به و طمأنينة إليه لعلمه بنصيحة اللّه عزّ و جلّ و إنه أقرب من اللّه و رسوله،و قد قال اللّه عزّ و جل وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فكان أبي سابق السابقين إلى اللّه عز و جل و إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أقرب الأقربين و قد قال اللّه تعالى، لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً فأبي كان أولهم إسلاما و إيمانا أولهم إلى اللّه و رسوله هجرة و لحوقا و أولهم على وجده و وسعة نفقة قال سبحانه وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فالناس من جميع الامم يستغفرون له لسبقه إياهم إلى الإيمان بنبيّه صلّى اللّه عليه و اله و ذلك أنه لم يسبقه إلى الإيمان أحد و قد قال اللّه تعالى: وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ فهو سابق جميع السابقين،فكما أن اللّه عز و جل فضّل السابقين على المتخلفين و المتأخرين فضّل سابق السابقين على السابقين و قد قال اللّه عزّ و جلّ: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فكان أبي المؤمن باللّه و اليوم الآخر و المجاهد في سبيل اللّه

ص: 93

حقا و فيه نزلت هذه الآية و كان ممن استجاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عمّه حمزة و جعفر ابن عمه فقتلا شهيدين رضي اللّه عنهما في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فجعل اللّه تعالى حمزة سيد الشهداء من بينهم،و جعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء من بينهم و ذلك لمكانهما من رسول اللّه و منزلتهما و قرابتهما منه صلّى اللّه عليه و اله و صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه.

و كذلك جعل اللّه تعالى نساء النبي صلّى اللّه عليه و اله للمحسنة منهن أجرين و للمسيئة منهن وزرين ضعفين لمكانهنّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و جعل الصلاة في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بألف صلاة في سائر المساجد إلاّ مسجد إبراهيم خليله عليه السّلام بمكة؛و ذلك لمكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من ربه و فرض اللّه عزّ و جل الصلاة على نبيه صلّى اللّه عليه و اله على كافة المؤمنين،فقالوا:يا رسول اللّه كيف الصلاة عليك؟

فقال:قولوا«اللهم صل على محمد و آل محمد»فحق على كل مسلم أن يصلّي علينا مع الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و اله فريضة واجبة.

و أحلّ اللّه تعالى خمس الغنيمة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أوجبها له في كتابه و أوجب لنا من ذلك ما أوجب له و حرّم عليه الصدقة منه و حرّمها علينا منه فأدخلنا فله الحمد فيما أدخل فيه نبيه و أخرجنا و نزّهنا مما أخرجه منه و نزّهه عنه كرامة أكرمنا اللّه عزّ و جلّ بها و فضيلة فضّلنا بها على سائر العباد فقال اللّه تعالى لمحمد حين جحده كفرة أهل الكتاب و حاجوه: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فاخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من الأنفس معه أبي و من البنين أنا و أخي و من النساء فاطمة امي من الناس جميعا فنحن أهله و لحمه و دمه و نفسه و نحن منه و هو منا و قد قال اللّه تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فلما أنزلت آية التطهير جمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنا و أخي و امي و أبي فجعلنا و نفسه في كساء لأمّ سلمة خيبري و ذلك في حجرتها و في يومها فقال:اللهم

ص: 94

هؤلاء أهل بيتي و هؤلاء أهلي و عترتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا فقالت:ام سلمة رضي اللّه عنها أنا أدخل معهم يا رسول اللّه؟

فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يرحمك اللّه أنت على خير و إلى خير و ما أرضاني عنك، و لكنها خاصة لي و لهم،ثم مكث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بعد ذلك بقية عمره حتى قبضه اللّه إليه يأتينا كل يوم عند طلوع الفجر و يقول:الصلاة يرحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بسد الأبواب الشارعة في مسجده غير بابنا فكلّموه في ذلك فقال:إني لم أسد أبوابكم و افتح باب علي من تلقاء نفسي و لكن اتبع ما أوحي إلي و إن اللّه أمر بسدها و فتح بابه فلم يكن من بعده ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و يولد له غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أبي عليهما السّلام تكرمة من اللّه تعالى لنا و تفضلا اختصّنا به على جميع الناس و هذا باب أبي قرين باب رسول اللّه في مسجده و منزلنا بين منازل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و ذلك إن اللّه أمر نبيّه عليه السّلام أن يبني مسجده فبنى فيه عشرة أبيات تسعة لبنيه و أزواجه و عاشرها و هو متوسطها لأبي فها هو لبسبيل مقيم و البيت هو المسجد المطهر.

و هو الذي قال اللّه تعالى(أهل البيت)فنحن أهل البيت و نحن الذين أذهب اللّه عنا الرجس و طهرنا تطهيرا أيها الناس إني لو قمت حولا فحولا أذكر الذي أعطانا اللّه عزّ و جلّ و خصّنا به من الفضل في كتابه و على لسان نبيّه لم أحصه،و أنا ابن النبي النذير البشير و السراج المنير الذي جعله اللّه رحمة للعالمين و أبي عليّ ولي المؤمنين و شبيه هارون،و أن معاوية بن صخر زعم أني رأيته للخلافة أهلا و لم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية و أيم اللّه لأنا أولى الناس بالناس في كتاب اللّه و على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله غير أنّا لم نزل أهل البيت مخوفين مظلومين مضطهدين منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فاللّه بيننا و بين من ظلمنا حقنا و نزل على رقابنا و حمل الناس على أكتافنا و منعنا سهمنا في كتاب اللّه من الفيء و الغنائم و منع امنا فاطمة إرثها من أبيها إنّا لا نسمّي أحدا.

و لكن أقسم باللّه قسما تاليا لو أن الناس سمعوا قول اللّه عزّ و جلّ و رسوله لأعطتهم

ص: 95

السماء قطرها و الأرض بركتها و لما اختلف في هذه الامة سيفان و لأكلوها خضراء خضرة إلى يوم القيامة و ما طمعت فيها يا معاوية و لكنها لما أخرجت سالفا من معدنها، و زحزحت عن قواعدها،تنازعتها قريش بينها،و ترامتها كترامي الكرة حتى طمعت فيها أنت يا معاوية و أصحابك من بعدك و قد قال رسول اللّه ما ولّت امة أمرها رجلا قط و فيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا و قد تركت بنو إسرائيل و كانوا أصحاب موسى هارون أخاه و خليفته و وزيره و عكفوا على العجل و أطاعوا فيه سامريهم و هم يعلمون أنه خليفة موسى.

و قد سمعت هذه الامة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول ذلك لأبي عليه السّلام:إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبّي بعدي،و قد رأوا رسول اللّه حين نصبه لهم بغدير خم و سمعوه و نادى له بالولاية ثم أمرهم أن يبلّغ الشاهد منهم الغائب و قد خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حذارا من قومه إلى الغار لما أجمعوا على أن يمكروا به و هو يدعوهم لمّا لم يجد عليهم أعوانا و لو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم و قد كف أبي يده و ناشدهم و استغاث أصحابه فلم يغث و لم ينصر و لو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم و قد جعل في سعة كما جعل النبي صلّى اللّه عليه و اله في سعة و قد خذلتني الامة و بايعتك يابن حرب و لو وجدت عليك أعوانا يخلصون ما بايعتك و قد جعل اللّه عز و جل هارون في سعة حين استضعفه قومه و عادوه،كذلك أنا و أبي في سعة حين تركتنا الامة و تابعت غيرنا و لم نجد عليهم أعوانا،و إنما هي السنن و الأمثال تتبع بعضها بعضا أيها الناس إنكم لو التمستم بين المشرق و المغرب رجلا جده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أبوه وصيي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لم تجدوا غيري و غير أخي فاتقوا اللّه و لا تضلوا بعد البيان،و كيف بكم و أنى ذلك منكم ألى و إني قد بايعت هذا و أشار إلى معاوية و إن أدري لعلّه فتنة لكم و متاع إلى حين أيها الناس أنه لا يعاب أحد بترك حقه و إنما يعاب أن يأخذ ما ليس له و كل صواب نافع و كل خطأ ضار لأهله و قد كانت القضية فهمها سليمان فنفعت سليمان و لم تضرّ داود،و أما القرابة فقد نفعت المشرك و هي و اللّه للمؤمن أنفع قال رسول اللّه لعمه أبي طالب و هو في الموت قل:لا إله إلا اللّه أشفع لك بها

ص: 96

يوم القيامة و لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول له إلاّ ما يكون منه على يقين و ليس ذلك لأحد من الناس كلهم غير شيخنا أعني أبا طالب يقول اللّه عز و جل وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (1)أيها الناس إسمعوا و عوا و اتقوا اللّه و راجعوا و هيهات منكم الرجعة إلى الحق و قد صارعكم النكوص و خامركم الطغيان و الجحود أنلزمكموها و أنتم لها كارهون،و السلام على من اتبع الهدى قال:فقال معاوية:و اللّه ما نزل الحسن حتى أظلمت علي الأرض،و هممت أن أبطش به ثم علمت أن الإغضاء أقرب إلى العافية» (2).

الشيخ في مجالسه قال:أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال:حدّثنا عبد الرّحمن ابن محمد بن عبيد اللّه العرزمي عن أبيه عن عثمان أبي اليقظان عن أبي عمر زادان قال:لما ودّع الحسن بن علي عليه السّلام معاوية صعد معاوية المنبر و جمع الناس فخطبهم و قال:إن الحسن بن علي رآني للخلافة أهلا و لم ير نفسه لها أهلا و كان الحسن عليه السّلام أسفل منه بمرقاة فلما فرغ من كلامه قام الحسن فحمد اللّه تعالى بما هو أهله ثم ذكر المباهلة فقال:«فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من الأنفس بأبي و من الأبناء بي و بأخي و من النساء بامي،و كنّا أهله و نحن له،و هو منّا و نحن منه،و لما نزلت آية التطهير جمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في كساء لأمّ سلمة-رضي اللّه عنها-خيبري ثم قال:اللهم هؤلاء أهل بيتي و عترتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فلم يكن أحد في الكساء غيري و أخي و أبي و أمّي و لم يكن أحد يجنب في المسجد و يولد له فيه إلاّ النبي صلّى اللّه عليه و اله و أبي تكرمة من اللّه تعالى لنا و تفضيلا منه لنا و قد رأيتم مكان منزلتنا من رسول اللّه و أمر بسد الأبواب فسدّها و ترك بابنا فقيل له في ذلك فقال:أما إني لم أسدها و أفتح بابه و لكن اللّه عز و جل أمرني أن أسدها و أفتح بابه و إن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا و لم أر نفسي لها1.

ص: 97


1- النساء:18.
2- أمالي الطوسي:/561مجلس /21ح 1.

أهلا فكذب معاوية نحن أولى الناس بالناس في كتاب اللّه و على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و اله،و لم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض اللّه تعالى نبيّه صلّى اللّه عليه و اله،فاللّه بيننا و بين من ظلمنا حقّنا و توثب على رقابنا و حمل الناس علينا و منعنا سهمنا من الفيء،و منع امّنا ما جعل لها رسول صلّى اللّه عليه و اله و أقسم باللّه لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لأعطتهم السماء قطرها و الأرض بركتها و ما طمعت فيها يا معاوية فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها فطمعت فيها الطلقاء و أبناء الطلقاء أنت و أصحابك،و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:ما ولّت امة أمرها رجلا و فيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا فقد تركت بنو إسرائيل هارون،و هم يعلمون أنه خليفة موسى فيهم و اتّبعوا السامري،و قد تركت هذه الأمة أبي و بايعوا غيره،و قد سمعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي.

فقد رأوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نصب أبي يوم غدير خم و أمرهم أن يبلّغ الشاهد منهم الغائب،و قد هرب رسول اللّه من قومه و هو يدعوهم إلى اللّه تعالى حتى دخل الغار و لو وجد أعوانا ما هرب،و قد كف أبي يده حين ناشدهم و استغاث فلم يغث فجعل اللّه هارون في سعة حين استضعفوه و كادوا يقتلونه،و جعل اللّه النبي في سعة من اللّه حين دخل الغار و لم يجد أعوانا و كذلك أبي و أنا في سعة من اللّه حين خذلتنا الامة و بايعوك يا معاوية،و إنما هي السنن و الأمثال يتبع بعضها بعضا.

أيها الناس إنكم لو التمستم فيها بين المشرق و المغرب أن تجدوا رجلا ولده نبي غيري و أخي لم تجدوا و أني قد بايعت هذا،«و إن أدري لعلّه فتنة لكم و متاع إلى حين» (1).

الشيخ في مجالسه قال أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال:حدّثنا أبو علي أحمد ابن علي بن مهدي بن صدقة البرقي إملاء علي من كتابه قال:حدّثنا أبي قال:حدّثنا الرضا أبو الحسن علي بن موسى قال:«حدثني أبي،موسى بن جعفر قال:حدّثنا أبي9.

ص: 98


1- أمالي الطوسي:/559مجلس /20ح 9.

جعفر بن محمد قال:حدثني أبي محمد بن علي قال:حدثني أبي علي بن الحسين قال:

حدثني أبي الحسين بن علي قال:لما أتى أبو بكر و عمر إلى منزل أمير المؤمنين عليه السّلام و خاطباه في البيعة و خرجا من عنده خرج أمير المؤمنين عليه السّلام إلى المسجد فحمد اللّه و أثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت إذ بعث فيهم رسولا منهم و أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا ثم قال:إن فلانا و فلانا أتياني و طالباني للبيعة لمن سبيله أن يبايعني أنا ابن عم النبي و أبو ابنيه و الصديق الأكبر و أخو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لا يقولها أحد غيري إلاّ كاذب،و أسلمت و صلّيت و أنا وصيه و زوج ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد و أبو الحسن و الحسين سبطي رسول،اللّه و نحن أهل بيت الرحمة بنا هداكم اللّه و بنا استنقذكم من الضلالة،و أنا صاحب يوم الدوح و في سنّه سورة من القرآن،و أنا الوصي على الأموات من أهل بيته عليهم السّلام،و أنا بقيته على الأحياء من امته فاتقوا اللّه يثّبت أقدامكم و يتم نعمته عليكم،ثم رجع إلى بيته» (1).

الشيخ في(مجالسه)قال:أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال:حدّثنا محمد بن هارون بن حميد بن المجدر قال:حدّثنا محمد بن حميد الرازي قال:حدّثنا جرير عن أبي أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:كنت عند معاوية و قد نزل بذي طوى فجاء سعد بن أبي و قاص فسلّم عليه فقال معاوية:يا أهل الشام هذا سعد و هو صديق علي قال:فطأطأ القوم رؤوسهم و سبّوا عليا عليه السّلام فبكى سعد فقال له معاوية:ما الذي أبكاك؟

قال و لم لا أبكي لرجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يسب عندك و لا أستطيع أن أغير و قد كان في علي خصال لأن تكون فيّ واحدة منهنّ أحب إليّ من الدنيا و ما فيها أحدها:إن رجلا كان باليمن فجاءه علي بن أبي طالب عليه السّلام فقال:لأشكونّك إلى رسول اللّه فقدم علي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فسأله عن علي عليه السّلام فأثنى عليه فقال:«أنشدك اللّه الذي أنزل عليّ الكتاب و اختصني بالرسالة أعن سخط تقول ما تقول في علي عليه السّلام»1.

ص: 99


1- أمالي الطوسي:/568مجلس /22ح 1.

قال:نعم يا رسول اللّه،قال:«ألا تعلم أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم»قال:بلى قال:

«من كنت مولاه فعلي مولاه»و الثانية إنه بعث يوم خيبر عمر بن الخطاب إلى القتال فهزم و أصحابه فقال صلّى اللّه عليه و اله:«لأعطينّ الراية غدا إنسانا يحب اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله»فقعد المسلمون و علي عليه السّلام أرمد فدعاه فقال:«خذ الراية»فقال:«يا رسول اللّه إن عيني كما ترى»فتفل فيها فقام فأخذ الراية ثم مضى بها ففتح اللّه عليه.

و الثالثة خلّفه في بعض مغازيه فقال علي:«يا رسول اللّه خلّفتني مع النساء و الصبيان»فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ انه لا نبي بعدي».

و الرابعة سدّ الأبواب في المسجد إلاّ باب علي.

و الخامسة نزلت هذه الآية إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فدعا النبي صلّى اللّه عليه و اله عليا عليه السّلام و حسنا و حسينا و فاطمة عليهم السّلام فقال:«اللهم هؤلاء أهلي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا» (1).

أبو علي الطبرسي قدّس سرّه قال:ذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره قال:حدثني شهر ابن خوشب عن ام سلمة-رضي اللّه عنها-قال:جاءت فاطمة إلى النبي صلّى اللّه عليه و اله تحمل حريرة لها فقال لها:«ادّعي زوجك و ابنيك»فجاءت بهم فطعموا ثم ألقى عليهم كساء خيبريا و قال:«اللهم هؤلاء أهل بيتي و عترتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا» فقلت:يا رسول اللّه و أنا معهم؟

قال:«أنت إلى خير» (2).

علي بن إبراهيم في تفسيره قال:في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قالت:«نزلت هذه الآية في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام و ذلك8.

ص: 100


1- أمالي الطوسي:/598مجلس /26ح 17.
2- مجمع البيان:156/8.

في بيت ام سلمة زوج النبي صلّى اللّه عليه و اله فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام ثم ألبسهم كساء له خيبريا و دخل معهم فيه ثم قال:اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني اللهم أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا فنزلت هذه الآية فقالت ام سلمة:و أنا معهم يا رسول اللّه؟

فقال:أبشري يا ام سلمة إنك إلى خير»قال أبي الجاورد:و قال زيد بن علي بن الحسين:إن جهالا من الناس يزعمون إنما أراد بهذه الآية أزواج النبي صلّى اللّه عليه و اله و قد كذبوا و أثموا و أيم اللّه لو عنى بها أزواج النبي صلّى اللّه عليه و اله لقال:ليذهبن عنكن الرجس و يطهركن تطهيرا و لكان الكلام مؤنثا كما قال: وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ،...

...لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ (1) (2) .

ابن بابويه في أماليه قال:حدّثنا أبي قدّس سرّه قال:حدثني سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال:قلت للصادق جعفر بن محمد عليه السّلام من آل محمد قال:«ذريته».

قلت:من أهل بيته قال:«الأئمة الأوصياء».

قلت:من عترته؟

قال:«أصحاب العباء»فقلت:من امته؟

قال:«المؤمنون الذين صدقوا بما جاء به من عند اللّه عز و جل المستمسكون بالثقلين الذين أمروا بالتمسك بهما كتاب اللّه و عترته أهل بيته الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا و هما الخليفتان على الامة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله» (3).

ابن بابويه في أماليه قال:حدّثنا أبي قدّس سرّه قال:حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال:حدّثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب قال:حدّثنا علي بن أسباط قال:حدّثنا علي بن0.

ص: 101


1- الاحزاب:34.
2- تفسير القمي:193/2.
3- أمالي الصدوق:/312مجلس /42ح 10.

أبي حمزة عن أبي بصير عن الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام قال:«يا أبا بصير نحن شجرة العلم و نحن أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و اله و في دارنا مهبط جبرايل عليهم السّلام و نحن خزان علم اللّه و نحن معادن وحي اللّه من تبعنا نجا و من تخلّف عنا هلك حقا على اللّه عز و جل» (1).

محمد بن علي بن شهر اشوب في كتاب(المناقب)قال:نزلت في علي عليه السّلام بالإجماع إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (2).2.

ص: 102


1- أمالي الصدوق:/383مجلس /50ح 15.
2- مناقب آل أبي طالب:24/2.

في قوله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ (1)

في قوله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ(1)

من صحيح مسلم من الجزء الرابع في ثالث كراس من أوله في باب فضائل علي ابن أبي طالب عليه السّلام قال:حدّثنا قتيبة بن سعيد و محمد بن عبّاد و تقاربا في اللفظ قالا:

حدّثنا حاتم و هو ابن إسماعيل عن بيكر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال:أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال:ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟

قال:أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول اللّه فلن أسبّه لئن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول حين خلّفه في بعض مغازيه فقال له علي عليه السّلام:«يا رسول اللّه خلفتي مع النساء و الصبيان،فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي»و سمعته يقول يوم خيبر:«لأعطين الراية رجلا يحب اللّه و رسوله و يحبه اللّه و رسوله»قال فتطاولنا لها فقال:«أدعوا إلي عليا»فأتي به أرمد العين فبصق في عينه و دفع الراية إليه ففتح اللّه على يده،و لما نزلت هذه الآية فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عليا و فاطمة و حسنا و حسينا و قال:

«اللهم هؤلاء أهل بيتي» (2).

من صحيح مسلم من الجزء المذكور سابقا في آخره على حد كراسين قال:

ص: 103


1- آل عمران:61.
2- صحيح مسلم:121/7.

حدّثنا قتيبة بن سعيد و محمد بن عباد تقاربا في اللفظ قالا:حدّثنا حاتم-و هو ابن إسماعيل-عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال:أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال له:ما منعك أن تسب أبا تراب؟

فقال:أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فلن أسبه لئن يكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول له حين خلفّه في بعض مغازيه فقال له عليّ يا رسول اللّه:«خلفتني مع النساء و الصبيان فقال:أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبوة بعدي»و سمعته يقول يوم خيبر:

«لاعطين الراية رجلا يحب اللّه و رسوله و يحبه اللّه و رسوله»قال:فتطاولنا لها فقال:

«ادعوا إلي عليا»فأتى به أرمد فبصق في عينيه و دفع الراية إليه ففتح اللّه عليه و لما نزلت هذه الآية نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ دعا رسول اللّه عليا و فاطمة و حسنا و حسينا و قال:«اللهم هؤلاء أهل بيتي» (1).

الثعلبي في تفسيره قال:قال مقاتل و الكلبي:لما قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله هذه الآية على و فد نجران و دعاهم إلى المباهلة فقالوا له:حتى نرجع و ننظر في أمرنا و نأتيك غدا فخلا بعضهم الى بعض فقالوا للعاقب-و كان ديانهم و ذا رأيهم-يا عبد المسيح ما ترى؟

فقال:و اللّه لقد عرفتم يا معشر النصارى إن محمد نبي مرسل،و لقد جاءكم بالفضل من أمر صاحبكم و اللّه ما لاعن قوم قط نبيّا فعاش كبيرهم،و لا نبت صغيرهم و لئن فعلتم ذلك لتهلكن و ان أبيتم إلا تلف دينكم و الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قد غدا رسول اللّه محتضنا الحسن و أخذ بيد الحسين و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها و هو يقول لهم:«إذا أنا دعوت فآمّنوا»فقال أسقف نجران:يا معشر النصارى:

إن لأرى وجوها لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا و لا7.

ص: 104


1- صحيح مسلم:121/7.

يبقى على وجه الأرض من نصراني إلى يوم القيامة قالوا:يا أبا القاسم لقد رأينا أن لا نلاعنك و أن نتركك على دينك و نثبت على ديننا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين و عليكم ما عليهم»فأبوا فقال:«فإني أنابذكم»

فقالوا:ما لنا بحرب العرب طاقة و لكنا نصالحك على أن لا تغزونا و لا تخيفنا و لا تردّنا عن ديننا على أن نؤدّي إليك في كل عام ألفي حلة ألف في صفر و ألف في رجب فصالحهم النبي صلّى اللّه عليه و اله على ذلك و قال:«و الذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلّى على أهل نجران و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لاضطرم الوادي عليهم نارا و لاستأصل اللّه تعالى نجران و أهله حتى الطير على الشجر و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا فقال اللّه تعالى إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللّهُ وَ إِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فإن تولوّا أي أعرضوا عن الإيمان فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (1)(2).

أبو الحسن الفقيه ابن المغازلي الواسطي في مناقبه قال:أخبرني محمد بن أحمد ابن عثمان قال:أخبرنا محمد بن إسماعيل الوراق قال:حدّثنا أبو بكر بن أبي داود قال:حدّثنا يحيى بن حاتم العسكري قال:حدّثنا بشر بن مهران قال:حدّثنا محمد ابن دينار عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن جابر بن عبد اللّه قال:قدم و فد نجران على النبي صلّى اللّه عليه و اله العاقب و الطيب فدعاهما إلى الإسلام فقالا:أسلمنا يا محمد قبلك قال:

«كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام؟»قالا:فهات أنبئنا قال:«حب الصليب و شرب الخمر و أكل الخنزير»فدعاهما إلى الملاعنة فوعداه أن يغادياه بالغداة فغدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أخذ بيده علي و فاطمة و الحسن و الحسين ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه فأقرّا له بالخراج فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:«و الذي بعثني بالحق نبيّا لو فعلا لأمطر عليهما الوادي نارا»قال جابر:فيهم نزلت هذه الآية فقال فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ... الآية قال الشعبي أَبْناءَنا الحسن و الحسين وَ نِساءَناي.

ص: 105


1- آل عمران:63.
2- العمدة:290/189 عن الثعلبي.

فاطمة وَ أَنْفُسَنا علي بن أبي طالب عليه السّلام (1).

أبو المؤيد الموفق بن أحمد في كتاب فضائل علي و هو من أعيان علماء العامة قال أخبرنا قتيبة قال:حدّثنا حاتم بن إسماعيل عن بكير بن عمار عن عامر بن سعد ابن أبي وقاص عن أبيه قال:أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال:ما منعك أن تسب أبا تراب؟

قال:أما ذكرت ثلاثا قالهن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لئن تكون إليّ واحدة منهن أحب الي من حمر النعم سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول لعلي و قد خلّفه في بعض مغازيه قال له علي:

«يا رسول اللّه تخلّفني مع النساء و الصبيان فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبوة بعدي»،و سمعته يقول يوم خيبر:«لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللّه و رسوله و يحبه اللّه و رسوله»قال فتطاولنا لها فقال:«أدعوا إلي عليا»فأتى علي و به رمد فبصق في عينه و دفع الراية إليه ففتح اللّه عليه و نزلت هذه الآية فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ... الآية دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في المباهلة عليا و فاطمة و حسنا و حسينا ثم قال:«اللهم هؤلاء أهلي».

قال أبو عيسى:هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه قال له صلّى اللّه عليه و اله:«أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى»أخرجه الشيخان في صحيحة بطرق كثيرة.انتهى كلام موفق ابن أحمد (2).

أبو نعيم صاحب حلية الأولياء بإسناده عن عامر بن سعد بن أبي و قاص عن أبيه قال لما نزلت هذه الآية دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عليا و فاطمة و حسنا و حسينا عليهم السّلام فقال:«اللهم هؤلاء أهل بيتي» (3).

أبو نعيم الحافظ بإسناده عن الشعبي عن جابر قال:قدم على رسول للّه صلّى اللّه عليه و اله1.

ص: 106


1- مناقب ابن المغازلي:/171ح 310.
2- المناقب:/108ح 115.
3- بحار الأنوار:261/31.

العاقب و الطيب فدعاهما إلى الإسلام فقالا:أسلمنا يا محمد قبلك فقال:«كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام»فقالا:هات أنبئنا قال:«لحب الصليب و شرب الخمر و أكل لحم الخنزير»قال جابر:فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه إلى أن يغادياه بالغداة فغدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أخذ بيد علي و الحسن و الحسين عليهم السّلام و فاطمة فأرسل اليهما فأبيا أن يجيباه و أقرّا له بالخراج فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«و الذي بعثني بالحق نبيا لو فعلا لأمطر اللّه عليهما الوادي نارا»قال جابر:فيهم نزلت نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ قال جابر أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و علي أَبْناءَنا الحسن و الحسين عليهما السّلام وَ نِساءَنا فاطمة عليها السّلام (1).

أبو نعيم الحافظ بإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال:لما جاء أهل نجران و أنزل اللّه تعالى: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و معه علي و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام و قال:«إذا أنا دعوت فأمّنوا»فأبوا أن يلاعنوه و صالحوه على الجزية (2).

من الجزء الثاني من كتاب(المغازي)عن ابن إسحاق قال:لما قدم و فد نجران على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عليهم الحلل و خواتيم الذهب فسلّموا على النبي صلّى اللّه عليه و اله فلم يرد عليهم و تصدّوا لكلامه عليه السّلام نهارا طويلا فلم يكلمهم و عليهم تلك الحلل و الخواتيم الذهب فانطلقوا يبتغون عثمان بن عفان و عبد الرّحمن بن عوف و كانوا بمعرفة لهما [فوجدوهما في ناس من المهاجرين و الأنصار في مجلس فقالوا:يا عثمان و يا عبد الرحمن]إن نبيّكم قد كتب إلينا كتابا فأقبلنا إليه و سلّمنا عليه فلم يرد علينا السلام و تصدينا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلّمنا فما رأيكما أنعود أم نرجع؟

فقالا لعلي عليه السّلام:ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم،فقال علي لعثمان و لعبد الرّحمن:«أرى أن يضعوا حللهم هذه و خواتيمهم و يلبسوا ثياب سفرهم ثم1.

ص: 107


1- بحار الأنوار:262/31.
2- بحار الأنوار:264/31.

يعودوا إليه»،ففعل و فد نجران ذلك فوضعوا حللهم و خواتيمهم و أتوا النبي صلّى اللّه عليه و اله فسلّموا فرّد سلامهم ثم قال:«و الذي بعثني بالحق لقد أتوا المرة الاولى و إن إبليس لمعهم»ثم سألهم و سألوه فلم يزل به و بهم المسألة حتى قالوا:ما تقول في عيسى؟ فإنّا نرجع إلى قومنا و نحن نصارى ليسرنا إن كنت نبيّا أن نعلم ما تقول فيه؟

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«ما عندي في هذا شيء فأقيموا حتى أخبركم ما يقال لي في عيسى»فأصبح من الغد و قد أنزل اللّه تعالى عليه إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فأبوا أن يقرّوا بذلك فأصبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مشتملا على علي و الحسن و الحسين[في خميل له]و فاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة[و له يومئذ عدة نسوة] (1)فقال شرحبيل لصاحبه:يا عبد اللّه بن شرحبيل و يا جبار بن فضّ قد علمتم أن الوادي إذا اجتمع أعلاه و أسفله لم يردوا و لم يصدروا إلاّ عند رأيي فإني و اللّه أرى أمرا مقفلا (2)و اللّه إن كان هذا الرجل ملكا مبعوثا فكنّا أول العرب طعن في عيبته ورد عليه أمره،و لا يذهب لنا من صدور قومه حتى يصبونا بجائحة،و إنا لأدنى العرب منهم جوازا و لئن كان هذا الرجل نبيّا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر و لا ظفر إلاّ هلك.

فقال له صاحباه:فما الرأي يا أبا مريم فقد وضعتك الامور على ذراع فهات رأيك؟

فقال:رأيي أن أحكمه فإنّي أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا فقالا:أنت و ذاك،فتلقى شرحبيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك فقال:«و ما هو»فقال:

شرحبيل حكمك اليوم و ليلتك إلى الصباح فبما حكمت فينا فهو جائز،فقال رسولا.

ص: 108


1- زيادة من البداية و النهاية.
2- في البداية:ثقيلا.

اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لعل و راءك أحد يثرب عليك».

فقال له شرحبيل:سل صاحبيّ،فسألهما فقالا:ما يورد الوادي و لا يصدر إلاّ عن رأي شرحبيل،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«كافر جاحد موفق»فرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يلاعنهم حتى إذا كان من الغداة أتوه و كتب لهم هذا الكتاب:

بسم اللّه الرّحمن الرحيم هذا ما كتبه محمد صلّى اللّه عليه و اله لنجران:أن كان عليهم حكمه في كل ثمرة و كل صفراء و بيضاء و سوداء و رقيق فأفضل عليهم و ترك ذلك كله على ألفي حلة في كل رجب ألف حلة،و في كل صفر ألف حلة أو قيمه ما زادت حلل الخرج أو نقصت [الى أن قال:بعثه رسول اللّه إلى نجران].ليجمع صدقاتهم و يقدم عليهم بجزيتهم» (1).

إبراهيم بن محمد الحمويني في كتاب(فرائد السمطين)و هو من أعيان علماء العامة قال:أنبأني عبد الحميد بن فخّار عن أبي طالب بن عبد السميع إجازة عن شاذان بن جبرئيل قرأة عليه عن محمد بن عبد العزيز عن محمد بن أحمد بن علي قال:أنبأنا أبو منصور محمود بن إسماعيل بن محمد الصيرفي:قال أنبأنا أبو الحسين بن فاذشاه قال:أنبأنا سليمان بن أحمد قال:أنبأنا أحمد بن داود المكي و محمد بن زكريا الغلابي قالا:أنبأنا بشر بن مهران الخصّاف قال:حدّثنا محمد بن دينار عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن جابر قال:قدم على النبي صلّى اللّه عليه و اله العاقب الطيب فدعاهما إلى الإسلام فقالا أسلمنا يا محمد قال:«كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام»قالا:فهات أنبئنا قال:«حبّكما الصليب و شرب الخمر و أكل لحم الخنزير»قال جابر فدعاهما إلى الملاعنة و واعداه أن يغادياه بالغداة فغدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أخذ بيده علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم فأرسل إليهما فأبيا أن يجيباه و أقرّا له فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«و الذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر عليهما الوادي نارا»قال جابر فيهم نزلت: نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ قال الشعبي:قالا.

ص: 109


1- البداية و النهاية:65/5 ط.دار إحياء التراث،و طبقات ابن سعد:288/1-358 بتفاوت، و فتوح البلدان:76،و البحار:360/21 مختصرا.

جابر: وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ قال:رسول اللّه و علي صلوات اللّه عليهما وَ نِساءَنا فاطمة عليها السّلام أَبْناءَنا الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهما (1).

أبو المؤيد موفق بن أحمد المتقدم في الباب عن ابن عباس رضي اللّه عنه و الحسن و الشعبي و السّدي قالوا في حديث المباهلة:إن و فد نجران أتوا النبي صلّى اللّه عليه و اله ثم تقدّم الأسقف فقال:يا أبا القاسم موسى من أبوه؟

قال:«عمران»فقال:يوسف من أبوه؟

قال:«يعقوب»قال:فأنت من أبوك؟

قال:«عبد اللّه بن عبد المطلب»قال:فعيسى من أبوه؟فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ينتظر الوحي من السماء فهبط جبرئيل عليه السّلام بهذه الآية: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فقال الأسقف لا نجد هذا فيما اوحى إلينا قال:فبهط جبرئيل عليه السّلام بهذه الآية فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ قال:أنصفت متى نباهلك؟

قال:«غدا إن شاء اللّه تعالى»فانصرف القوم ثم قال الأسقف لأصحابه أنظروا إن خرج في عدة من أصحابه فباهلوه،فإنه كذّاب،و إن خرج في خاصة من أهله فلا تباهلوه فإنه نبي و لئن باهلنا لنهلكن و قالت النصارى:و اللّه إنا لنعلم أنه النبي الذي كنّا ننتظره و لئن باهلناه لنهلكن و لا نرجع إلى أهل و لا مال قالت اليهود و النصارى:

كيف نعمل؟

قال أبو الحرث الأسقف:رأيناه رجلا كريما نغدوا عليه فنسأله أن يقيلنا فلما أصبحوا بعث النبي صلّى اللّه عليه و اله إلى أهل المدينة و من حولها فلم تبق بكر لم تر الشمس إلاّ خرجت و خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و علي بن يديه و الحسن عن يمينه قابضا بيده و الحسين عن شماله و فاطمة خلفه ثم قال:«هلّموا فهؤلاء أبناءنا الحسن و الحسين5.

ص: 110


1- فرائد السمطين:/23/2ب /4ح 365.

و هولاء أنفسنا لعلي و نفسه و هذه نساءنا لفاطمة»قال:فجعلوا يستترون بالأساطين و يستر بعضهم ببعض تخوفا أن يبدأهم بالملاعنة ثم أقبلوا حتى بركوا بين يديه و قالوا:أقلنا أقالك اللّه يا أبا القاسم قال صلّى اللّه عليه و اله:«أقلّتكم»و صالحوا على الفي حلة (1).

إبراهيم بن محمد الحمويني المتقدم من كتابه قال:أخبرنا أبو الحسين علي بن عبد الرّحمن بن عيسى الدهقان في الكوفة من أصل كتابه قال:نبأنا الحسين بن الحكم الحبري قال:حدّثنا الحسن بن الحسين العرني قال:نبأنا حبان بن علي العنزي قال:نبأنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز و جل: تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ نزلت في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و علي عليه السّلام نفسه وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ في فاطمة عليهما السّلام أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ في حسن و حسين صلوات اللّه عليهما و الدعاء على الكذابين نزلت في العاقب و السيد و عبد المسيح و أصحابه (2).

الحمويني هذا قال:أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن علي بن عبد الحميد الصنعاني قال:نبأنا محمد بن بور عن ابن جريج في قوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ بلغنا أن نصارى نجران قدم و فدهم على النبي صلّى اللّه عليه و اله فمنهم:السيد و العاقب و أخبرت أن معهما عبد المسيح و هما يومئذ سيدا أهل نجران فقالوا:يا محمد بن تشتم صاحبنا؟

قال:«و من صاحبكم؟»قال:عيسى ابن مريم تزعم أنه عبد قال النبي صلّى اللّه عليه و اله:«أجل هو عبد اللّه و كلمته ألقاها إلى مريم»فغضبوا و قالوا إن كنت صادقا فأرنا عبدا يحيي الموتى و يبرئ الأكمه و الأبرص و يخلق من الطين كهيئة الطير و لكنه اللّه فسكت النبي صلّى اللّه عليه و اله حتى جاءه جبرئيل فقال:يا محمد لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قال النبي صلّى اللّه عليه و اله:«إنهم قد سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى»قال جبرائيل: إِنَّ4.

ص: 111


1- المناقب:/159ح 189.
2- فرائد السمطين:/205/2ب /40ح 484.

مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ... فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ في عيسى يا محمد من بعد هذا فقل تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ... الآية إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللّهُ الآية،فأخذ النبي صلّى اللّه عليه و اله بيد علي و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم و جعلوا فاطمة عليهما السّلام و راءهم ثم قال:«هؤلاء أبناءنا و أنفسنا و نساؤنا فهلموا أنفسكم و أبناءكم و نساءكم و نجعل لعنة اللّه على الكاذبين»فأبى السيد و قالوا:

نصالحك فصالحوه على ألف حلة كل عام في كل رجب ألف حلة و قال النبي صلّى اللّه عليه و اله:

«و الذي نفسي بيده لو لا عنوني ما حال الحول و منهم بشر إلا أهلك اللّه الكاذبين» (1).

الحمويني هذا قال:حدّثنا أبو جعفر بن محمد بن نصير الخلدي قال:أنبأنا قتيبة ابن سعيد قال:حدّثنا حاتم بن إسماعيل عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد عن أبيه قال:لما نزلت هذه الآية نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عليا و فاطمة و حسنا و حسينا صلوات اللّه عليهم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«اللهم هؤلاء أهلي» (2).

المالكي في(الفصول المهمة)قال:روى مسلم و الترمذي أن معاوية قال لسعد ابن أبي و قاص:ما منعك أن تسب عليا أبا تراب؟

فقال:أما ذكرت ثلاثة قالهن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فلن أسبّه و لئن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول و قد خلّفه في بعض مغازيه فقال علي:«خلفتي مع النساء و الصبيان»فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«أما ترضى أن تكن منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»و سمعته يقول:يوم خيبر:«لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللّه و رسوله و يحبه اللّه و رسوله»فتطاولنا إليها فقال:«أدعوا لي عليا»فأتي به أرمد فبصق في عينيه فبرأ و دفع إليه الراية ففتح اللّه على يديه،و لما نزلت هذه الآية فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ7.

ص: 112


1- فرائد السمطين:/205/2ب /40ح 485.
2- فرائد السمطين:/377/2ب /69ح 307.

دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عليا و فاطمة و حسنا و حسينا و قال:«اللهم هؤلاء أهلي» (1).

المالكي في فصول المهمة و هو من أعيان علماء العامة قال أهل البيت على ما ذكره المفسرون في تفسير المباهلة و على ما روي عن ام سلمة رضي اللّه عنها هم النبي صلّى اللّه عليه و اله و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام أما آية المباهلة و هي قوله تعالى:

إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ و سبب نزول هذه الآية أنه لما قدم و فد نجران على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله دخلوا عليه المسجد بعد صلاة العصر و عليهم ثياب الحبرات و أردية الحرير،لابسين الحلل متختمين بخواتم الذهب،يقول من رآهم من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و اله:ما رأينا قبلهم و فدا مثلهم و فيهم ثلاثة من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم و هم:العاقب و اسمه عبد المسيح كان أمير القوم و صاحب رأيهم و مشورتهم لا يصدرون إلاّ عن رأية و السيد و هو الأيهم و كان ثمالهم و صاحب رأيهم و مجتمعهم،و أبو حاتم بن علقة و كان أسقفهم و حبرهم و إمامهم و صاحب مدارسهم و كان رجلا من العرب من بني بكر بن وائل و لكنه تنصّر فعظّمته الروم و ملوكها و شرّفوه،و بنوا له الكنائس و موّلوه و أخدموه،لما علموا من صلابته في دينهم،و قد كان يعرف[أمر]رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و شأنه و صفته[بما علمه]من الكتب المتقدمة،و لكنه حمله جهله على الاستمرار في النصرانية لما رأى من تعظيمه و وجاهته عند أهلها.

فتكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مع أبي حاتم بن علقة و العاقب عبد المسيح و سألهما و سألاه،ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بعد أن تكلم مع هذين الحبرين منهم دعاهم إلى الإسلام،فقالوا:قد أسلمنا فقال:«كذبتم إنّه يمنعكم من الإسلام ثلاثة:عبادتكم الصليب،و أكلكم الخنزير،و قولكم:للّه ولدا»فقالوا:هل رأيت ولدا بغير أب فمن أبو8.

ص: 113


1- الفصول المهمة:120 و 22،و صحيح مسلم:121/7،و سنن الترمذي:301/5 ح 3808.

عيسى؟فأنزل اللّه تعالى إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ...الآية فلما نزلت هذه الآية مصرّحة بالمباهلة دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و فد نجران إلى المباهلة و تلا عليهم الآية فقالوا:حتى ننظر في أمرنا و نأتيك غدا،فلمّا خلا بعضهم ببعض قالوا للعاقب صاحب مشورتهم:ما ترى في الرأي؟

فقال:[و اللّه لقد عرفتم يا معاشر النصارى أن محمدا نبي مرسل،و لقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم]و اللّه ما لاعن قوم قط نبيّا إلاّ هلكوا عن آخرهم،فاحذروا كلّ الحذر أن يكون آفة الاستئصال منكم،و إن أبيتم إلاّ ألف دينكم و الإقامة عليه فوادعوا الرجل و أعطوه الجزية ثم انصرفوا إلى مقركم،فلما أصبحوا جاءوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فخرج و هو محتضن الحسين آخذا بيد الحسن و فاطمة خلفه و علي خلفهم و هو يقول:«اللهم هؤلاء أهلي،إذا أنا دعوت أمّنوا»فلما رأى و فد نجران ذلك و سمعوا قوله قال كبيرهم:يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألت من اللّه تعالى أن يزيل جبلا لأزاله لا تبتهلوا فتهلكوا و لا يبقى على وجه الأرض نصراني منكم إلى يوم القيامة،فاقبلوا الجزية،فقبلوا الجزية ثم انصرفوا،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«و الذي نفس محمد بيده إن العذاب قد نزل على أهل نجران و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير،و لاضرم الوادي عليهم نارا و لاستأصل اللّه نجران و أهله حتى الطير على الشجر و لم يحل الحول على النصارى حتى هلكوا» (1)(2).

المالكي أيضا:قال جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه: أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ محمد صلّى اللّه عليه و اله و علي عليه السّلام أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ الحسن و الحسين وَ نِساءَنا فاطمة رضوان اللّه عليهم أجمعين (3).

المالكي أيضا عن الحاكم في مستدركه عن علي بن عيسى و قال صحيح على3.

ص: 114


1- الفصول المهمة:23،المقدمة ط.النجف.
2- و رواه الثعلبي بتفاوت،في التفسير المخطوط مواد الآية.
3- الفصول المهمة:23.

شرط مسلم مثله (1).

المالكي أيضا عن أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الشعبي مرسلا مثله (2).

علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره:قال حدثني أبي عن النضر بن سويد عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إن نصارى نجران لما وفدوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،و كان سيدهم الأهتم و العاقب و السيد و حضرت صلاتهم فأقبلوا يضربون بالناقوس و صلّوا فقال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يا رسول اللّه هذا في مسجدك؟

فقال:«دعوهم»فلما فرغوا دنوا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقالوا له:إلى ما تدعونا؟

فقال:«إلى شهادة أن لا إله اللّه،و أني رسول اللّه و أن عيسى عبد مخلوق يأكل و يشرب و يحدث»فقالوا من أبوه؟فنزل الوحي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:قل لهم:ما تقولون في آدم أكان عبدا مخلوقا يأكل و شرب و ينكح؟فسألهم النبي صلّى اللّه عليه و اله فقالوا:نعم فقال:«فمن أبوه»فبهتوا فبقوا ساكتين فنزل اللّه إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ إلى قوله فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«فباهلوني فإن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم،و إن كنت كاذبا نزلت عليّ»فقالوا:أنصفت فتواعدوا للمباهلة فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساءهم السيد العاقب و الأهتم:إن باهلنا بقومه باهلناه،فإنه ليس بنبي و ان باهلنا بأهل بيته خاصة فلا نباهله،فإنّه لا يقدم على أهل بيته إلاّ و هو صادق فلما أصبحوا جاءوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و معه أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام فقال النصارى:من هؤلاء؟ فقيل لهم:هذا ابن عمّه و وصيه و ختنه علي بن أبي طالب و هذه ابنته فاطمة و هذان ابناه الحسن و الحسين،فعرفوا فقالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة فصالحهم رسول اللّه على الجزية و انصرفوا» (3).1.

ص: 115


1- الفصول المهمة:24.
2- الفصول المهمة:25.
3- تفسير القمي:104/1.

الشيخ الطوسي في أماليه بالإسناد قال:حدّثنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس قال:أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد الصائغ قال:حدّثنا محمد بن إسحاق السراج قال:حدّثنا قتيبة بن سعيد قال:حدّثنا حاتم بن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد عن أبيه قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول لعلي ثلاث:فلئن يكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول لعلي و قد خلّفه في بعض مغازيه فقال:«يا رسول اللّه تخلّفني مع النساء و الصبيان»؟

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله«أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي»و سمعته يقول يوم خيبر:«لأعطين الراية رجلا يحب اللّه و رسوله و يحبه اللّه و رسوله»قال:فتطاولنا لها فقال:«ادعوا لي عليا»فأتى علي عليه السّلام أرمد العين،فبصق في عينيه،و دفع إليه الراية ففتح اللّه تعالى عليه و لما نزلت هذه الآية نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عليّا و فاطمة و حسنا و حسينا عليهم السّلام و قال:«اللهمّ هؤلاء أهلي» (1).

الشيخ في أماليه قال:أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال حدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرّحمن الهمداني بالكوفة قال:حدثنا محمد بن الفضل بن إبراهيم بن قيس الأشعري قال:حدّثنا علي بن حسان الواسطي قال:

حدّثنا عبد الرّحمن بن كثير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عليه السّلام عن عمه الحسن عليه السّلام قال:قال:الحسن عليه السّلام:«قال اللّه تعالى لمحمد صلّى اللّه عليه و اله حين جحده كفرة أهل الكتاب و حاجّوه فقل: تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فاخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من الأنفس معه أبي و من البنين أنا و أخي و من النساء فاطمة امي من الناس جميعا فنحن أهله و لحمه و دمه و نفسه و نحن منه و هو منّا» (2).1.

ص: 116


1- أمالي الطوسي:/306المجلس /11ح 63.
2- أمالي الطوسي:/564المجلس /21ح 1.

الشيخ المفيد في كتاب(الإختصاص)عن محمد بن الحسن بن أحمد-يعني ابن الوليد-عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن محمد بن إسماعيل العلوي قال:حدثني محمد بن الزّبرقان الدمغاني الشيخ قال:قال أبو الحسن موسى عليه السّلام قال:

«إجتمعت الامة برها و فاجرها أن حديث النجراني حين دعاه النبي صلّى اللّه عليه و اله إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلاّ النبي صلّى اللّه عليه و اله و علي و فاطمة و الحسن و الحسين فقال اللّه تبارك و تعالى فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ فكان تأويل أبنائنا الحسن و الحسين و نسائنا فاطمة و أنفسنا علي بن أبي طالب» (1).

الشيخ في مجالسه قال:أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال:حدّثنا الحسن بن علي بن زكريا العاصمي قال:حدّثنا أحمد بن عبيد اللّه العدلي قال:حدّثنا الربيع بن يسار قال:حدّثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد يرفعه إلى أبي ذر رضي اللّه عنه أن عليا عليه السّلام و عثمان و طلحة و الزبير و عبد الرّحمن بن عوف و سعد بن أبي و قاص أمرهم عمر بن الخطاب أن يدخلوا بيتا و يغلقوا عليهم بابه و يتشاوروا في أمرهم و أجلّهم ثلاثة أيّام فإن توافق خمسة على قول واحد و أبى رجل منهم قتل ذلك الرجل،و ان توافق أربعة و أبى اثنان قتل الإثنان فلما توافقوا جميعا على رأي واحد قال لهم علي بن أبي طالب عليه السّلام:«إني أحب أن تسمعوا منّي ما أقول لكم،فإن يكن حقا فاقبلوا،و إن يكن باطلا فأنكروه»قالوا:قل و ذكر فضائله عليهم و هم يعترفون به قال لهم:«فهل فيكم أحد أنزل اللّه عزّ و جلّ فيه و في زوجته و ولديه آية المباهلة و جعل اللّه عزّ و جلّ نفسه نفس رسوله غيري»؟

قالوا:لا (2).

الشيخ المفيد في(الاختصاص)قال:حدثني أبو بكر محمد بن إبراهيم العلاف4.

ص: 117


1- الاختصاص:56.
2- أمالي الطوسي:/545المجلس /20ح 4.

الهمداني بهمدان قال:حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن جعفر بن شاذان البزار قال:حدّثنا أبو عبد اللّه الحسين بن محمد بن سعيد البزّاز المعروف ب(ابن المطبقي)و جعفر الدّقاق قالا:حدّثنا أبو الحسن محمد بن الفيض بن فيّاض الدمشقي بدمشق قال:

حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه ابن أخي عبد الرزاق قال:حدّثنا عبد الرزاق بن همام الصنعاني قال:حدّثنا معمر بن راشد قال:حدّثنا محمد بن المنكدر عن أبيه عن جده قال:لما قدم السيد و العاقب أسقفا نجران في سبعين راكبا و فدا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كنت معهم فبينا كرز يسير و كرز صاحب نفقاتهم إذ عثرت بغلته فقال:تعس من نأتيه-يعني النبي صلّى اللّه عليه و اله-فقال له صاحبه و هو العاقب:بل تعست و انتكست.

فقال:فلم ذلك؟

قال لأنك أتعست النبي الامي أحمد قال:و ما عملك بذلك؟

قال:أما تقرأ من المفتاح الرابع من الوحي إلى المسيح أن قل لبني إسرائيل ما أجهلكم تتطيّبون بالطيب لتطيّبوا به في الدنيا عند أهلها و أهلكم و أجوافكم عندي كجيفة الميتة (1)يا بني إسرائيل آمنوا برسولي النبي الامي الذي يكون في آخر الزمان و صاحب الوجه الأقمر و الجمل الأحمر المشرّب بالنورذي الجناب الحسن و الثياب الخشن و سيد الماضين عندي و أكرم الباقين على المستن بسنتي و الصابر في ذات جنبي،و المجاهد بيده المشركين من أجلي فبشر به بني إسرائيل،و مرّ بني إسرائيل أن يعزّروه،و أن ينصروه قال عيسى عليه السّلام:«قدوس قدوس من هذا العبد الصالح الذي قد أحبّه قلبي و لم تره عيني؟

قال:هو منك و أنت منه و هو صهرك على امك قليل الأولاد كثير الأزواج يسكن مكة من موضع أساس من وطىء إبراهيم نسله من مباركة و هي ضرة امك في الجنة له شأن من الشأن تنام عيناه،و لا ينام قلبه يأكل الهدية و لا يقبل الصدقة له حوض من شفير زمزم إلى مغيب الشمس حيث يغرب فيه شرابان من الرحيقة.

ص: 118


1- في المصدر:كالجيفة المنتنة.

و التسنيم فيه أكواب عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يضما بعدها أبدا و ذلك بتفضلي إياه على سائر المرسلين.

يوافق قوله فعله و سريرته علانيته فطوبى له و طوبى لامته الذين على ملته يحيون و على سنته يموتون و مع أهل بيته يميلون آمنين مؤمنين مطمئنين مباركين و يظهر في زمن قحط و جدب فيدعوني فترخى السماء عزاليها حتّى يرى أثر بركاتها في أكنافها و ابارك فيما يضع فيه يده قال:«إلهي سمّه»قال:نعم،هو أحمد و هو محمد رسولي إلى الخلق كافة و أقربهم منّي منزلة و أحضرهم عندي شفاعة لا يأمر إلا بما أحب و ينهى لما أكره قال له صاحبه فأين تعدّينا على من هذه صفته قال:نشهد أحواله و ننظر أيامه،فإن يكن هو هو ساعدناه بالمسالمة و نكفه بأموالنا عن أهل ديننا من حيث لا يشعر بنا،و إن يكن كاذبا كفينا بكذبه على اللّه عز و جل قال:و لم إذا رأيت العلامة لا تتبعه قال:أما رأيت ما فعل بنا هؤلاء القوم أكرّمونا و موّلونا و نصبوا لنا الكنائس و أعلوا فيه ذكرنا،فكيف تطيب النفس بالدخول في دين يستوي فيه الشريف و الوضيع.

فلما قدموا المدينة قال من رآهم من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما رأينا و فدا من و فود العرب كانوا أجمل منهم لهم شعور و عليهم ثياب الحبر،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله متنائي عن المسجد و حضرت صلاتهم فقاموا فصلّوا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تلقاء المشرق فهمّ بهم رجال من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بمنعهم،فأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:«دعوهم»فلمّا قضوا صلاتهم جلسوا إليه و ناظروه فقالوا:يا أبا القاسم حاجنا في عيسى قال:«هو عبد اللّه و رسوله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه»فقال أحدهما:بل هو ولده و ثاني اثنين،و قال آخر:بل هو ثالث ثلاثة أب و ابن و روح القدس،و قد سمعناه في قرآن نزل عليك يقول فعلنا و جعلنا و خلقنا،و لو كان واحد لقال:خلقت و جعلت و فعلت فتغشى النبي صلّى اللّه عليه و اله الوحي فنزل عليه صدر سورة آل عمران إلى قوله رأس الستين منها فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ إلى آخر الآية فقص عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله القصة و تلا عليهم القرآن فقال بعضهم لبعض قد و اللّه أتاكم بالفضل من خبر صاحبكم،فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«إن اللّه عزّ و جلّ قد أمرني بمباهلتكم».

فلما قدموا المدينة قال من رآهم من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما رأينا و فدا من و فود العرب كانوا أجمل منهم لهم شعور و عليهم ثياب الحبر،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله متنائي عن المسجد و حضرت صلاتهم فقاموا فصلّوا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تلقاء المشرق فهمّ بهم رجال من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بمنعهم،فأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:«دعوهم»فلمّا قضوا صلاتهم جلسوا إليه و ناظروه فقالوا:يا أبا القاسم حاجنا في عيسى قال:«هو عبد اللّه و رسوله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه»فقال أحدهما:بل هو ولده و ثاني اثنين،و قال آخر:بل هو ثالث ثلاثة أب و ابن و روح القدس،و قد سمعناه في قرآن نزل عليك يقول فعلنا و جعلنا و خلقنا،و لو كان واحد لقال:خلقت و جعلت و فعلت فتغشى النبي صلّى اللّه عليه و اله الوحي فنزل عليه صدر سورة آل عمران إلى قوله رأس الستين منها فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ إلى آخر الآية فقص عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله القصة و تلا عليهم القرآن فقال بعضهم لبعض قد و اللّه أتاكم بالفضل من خبر صاحبكم،فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«إن اللّه عزّ و جلّ قد أمرني بمباهلتكم».

فقالوا:إذا كان غدا باهلناك،فقال القوم بعضهم لبعض:حتى ننظر بما يباهلنا غدا بكثرة أتباعه من أوباش الناس أم بالقلة من أهل الصفوة و الطهارة،فإنهم و شج الأنبياء و موضع نهلهم،فلما كان من الغد غدا النبي صلّى اللّه عليه و اله بيمينه علي و بيساره الحسن و الحسين و من ورائهم فاطمة عليها السّلام عليهم النمار النجرانية (1)،و على كتف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كساء قرقف رقيق خشن ليس بكثيف و لا لين فأمر بشجرتين فكسح ما بينهما و نشر الكساء عليهما و أدخلهم تحت الكساء و أدخل منكبه الأيسر معهم تحت الكساء معتمدا على قوسه النبع و رفع يده اليمنى إلى السماء للمباهلة و أشرف الناس ينظرون و اصفرّ لون السيد و العاقب و كرا حتى كاد أن يطيش عقولهما،فقال أحدهما لصاحبه:أنباهله؟

قال:أو ما علمت أنه ما باهل قوم قط نبيّا فنشأ صغيرهم أو بقي كبيرهم،و لكن أره إنّك غير مكترث و أعطه من المال و السلاح ما أراد فإن الرجل محارب،و قل له أبهؤلاء تباهلنا لئلا يرى أنه تقدمت معرفتنا بفضله و فضل أهل بيته،فلما رفع النبي صلّى اللّه عليه و اله يده إلى السماء للمباهلة قال أحدهما لصاحبه و أي رهبانية دارك الرجل فإنه إن فاه بهبلة لم نرجع إلى أهل و لا مال فقالا:يا أبا القاسم أبهؤلاء تباهلنا قال:

«نعم هؤلاء أوجه من على وجه الأرض بعدي إلى اللّه عز و جل وجهة و أقربهم إليه وسيلة»قال:فبصبصا-يعني ارتعدا و كرّا-و قالا له:يا أبا القاسم نعطيك ألف سيف و ألف درع و ألف حجفة و ألف دينار كل عام على أن الدرع و السيف و الحجفة عندك إعارة حتى يأتي من ورائنا من قومنا فنعلمهم بالذي رأيناه و شاهدناه فيكون الأمرد.

ص: 119


1- أي:جرة و شملة فيها خطوط بيض و سود.

على ملأ منهم فأما الإسلام،و إمّا الجزية و إمّا المقاطعة في كل عام،فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله «قد قبلت ذلك منكم أما و الذي بعثني بالكرامة لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم اللّه عز و جل عليكم الوادي نارا تأجج تأججا حتى يسوقها إلى من وراءكم أسرع من طرفة عين فأحرقتهم»فهبط عليه جبرائيل الروح الامين فقال:يا محمد اللّه يقرئك السلام و يقول لك و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لو باهلت بمن تحت الكساء أهل السماوات و أهل الأرض لسقطت السماء كسفا متهافتة و لتقطعت الأرضون زبرا سائحة فلم يستقر عليها بعد ذلك فرفع النبي صلّى اللّه عليه و اله يديه حتى رئي بياض إبطيه ثم قال و على من ظلمكم حقكم و بخسني الأمر الذي افترضه اللّه فيكم عليهم بهلة اللّه تتابع إلى يوم القيامة (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب و جعفر بن محمد بن مسرور رضي اللّه عنه عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن الريّان بن الصلت عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في حديثه عليه السّلام مع المأمون و العلماء في الفرق بين العترة و الامة و فضل العترة على الامة و اصطفاء العترة و ذكر الحديث بطوله و الحديث قالت العلماء:هل فسّر اللّه تعالى الإصطفاء في الكتاب؟

فقال الرضا عليه السّلام:«فسّر الإصطفاء في الظاهر سوى الباطن في إثني عشر موضعا و ذكر المواضع من القرآن»و قال عليه السّلام:«و أمّا الثالثة حين ميّز اللّه تعالى الطاهرين من خلقه و أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و اله بالمباهلة بهم في الآية الابتهال فقال عزّ و جلّ: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ»

قالت العلماء:عنى به نفسه؟

قال أبو الحسن عليه السّلام«غلطتم إنما عنى به علي بن أبي طالب،و ممّا يدل على ذلك قول النبي صلّى اللّه عليه و اله حين قال لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي-يعني علي بن أبي طالب-و عنى بالأنباء الحسن و الحسين و عنى بالنساء فاطمة عليها السّلام فهذه خصوصية لا6.

ص: 120


1- الاختصاص:112-116.

يتقدم فيها أحد و فضل لا يلحقهم فيه بشر و شرف لا ييسبقهم إليه خلق إذ جعل نفس علي كنفسه فهذه الثالثة و أما الرابعة»و ساق الحديث بذكر الإثنى عشر موضعا من القرآن (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أبو أحمد هاني بن أبي محمد بن محمود العبدي رضي اللّه عنه قال:

حدّثنا أبي بإسناده رفعه إلى موسى بن جعفر عليه السّلام في حديث له مع الرشيد قال الرشيد له عليه السّلام كيف قلتم:إنّا ذرية النبي و النبي لم يعقب و إنما العقب للذكر لا للأنثى و أنتم ولد البنت و لا يكون لها عقب فقلت:«أسألك بحق القرابة و القبر و من فيه إلا ما أعفيتني عن هذه المسألة»فقال:لا،أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي و أنت يا موسى يعسوبهم و إمام زمانهم كذا أنهي إليّ و لست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب اللّه أنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شيء ألف و لا واو إلاّ و تأويله عندكم و احتججتم بقوله عز و جل: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ و قد استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم فقلت:«تأذن لي في الجواب؟»

فقال:هات.

قلت:«أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرّحمن الرحيم وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟

فقال:ليس له أب.

فقلت:«إنما ألحقه بذراري الأنبياء عليهم السّلام من طريق مريم عليها السّلام،و كذلك ألحقنا اللّه تعالى بذراري النبي صلّى اللّه عليه و آله من قبل امّنا فاطمة عليها السّلام أزيدك يا امير المؤمنين؟»

قال:هات.

قلت:«قول اللّه عز و جل فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ1.

ص: 121


1- أما لي الصدوق:/618المجلس /79ح 1.

أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ و لم يدع أحد أنه أدخل النبي صلّى اللّه عليه و اله تحت الكساء عند المباهلة مع النصارى إلاّ علي بن أبي طالب عليه السّلام و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام،فكان تأويل قوله عزّ و جلّ ابناءنا الحسن و الحسين و نساءنا فاطمة و أنفسنا علي بن أبي طالب» (1).

العياشي في تفسيره بإسناده عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ أمير المؤمنين سئل عن فضائله فذكر بعضها ثم قالوا له زدنا فقال:«إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أتاه حبران من أحبار النصارى من أهل نجران فتكلما في أمر عيسى فأنزل اللّه هذه الآية إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ إلى آخر الآية فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأخذ بيد علي و الحسن و الحسين و فاطمة ثم خرج و رفع كفه إلى السماء و فرج بين أصابعه و دعاهم إلى المباهلة-قال:و قال أبو جعفر عليه السّلام:و كذلك المباهلة يشبّك يده في يده يرفعهما إلى السماء فلما رآه الحبران قال أحدهما لصاحبه:و اللّه لئن كان نبيّا لنهلكنّ،و إن كان غير نبي كفانا قومه فكفا و انصرفا» (2).

العياشي عن محمد بن سعيد الازدني عن موسى بن محمد بن الرضا عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام أنه قال في هذه الآية: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ و لو قال تعالوا نبتهل فنجعل لعنة اللّه عليكم لم يكونوا يجيبون للمباهلة و قد علم أن نبيّه مؤدّ عنه رسالاته و ما هو من الكاذبين» (3).

العياشي بإسناده عن أبي جعفر الأحول قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«ما تقول قريش في الخمس؟

قال:قلت:تزعم أنه لها،قال:«ما أنصفوا و اللّه لو كان مباهلة ليباهلن بنا و لئن كان5.

ص: 122


1- عيون أخبار الرضا:81/1.
2- تفسير العياشي:176/1 ح 54.
3- تفسير العياشي:176/1 ح 55.

مبارزة ليبارزن بنا ثم نكون و هم على سواء» (1).

العياشي بإسناده عن الأحول قال:عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:سيّما مما أنكر به الناس فقال:«قل لهم إن قريشا قالوا:نحن أولو القربى الذين هم لهم الغنيمة فقل لهم كان رسول اللّه لم يدع للبراز يوم بدر غير أهل بيته،و عند المباهلة جاء بعلي و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام،أفيكون لنا المر و لهم الحلو» (2).

العياشي بإسناده عن المنذر قال:حدّثنا علي عليه السّلام قال:لما نزلت هذه الآية فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ.. الآية قال:«أخذ بيد علي و فاطمة و ابنيهما عليهم السّلام فقال رجل من النصارى:لا تفعلوا فتصيبكم عنت فلم يدعوه» (3).

العياشي بإسناده عن عامر بن سعد قال:قال معاوية لأبي ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟

قال:لثلاث رويتهنّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لما نزلت آية المباهلة فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا...

الآية أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام،قال:«هؤلاء أهلي» (4).

الشيخ في أماليه قال:أخبرنا أبو عمر قال:أخبرنا أحمد قال:أخبرنا محمد بن أحمد بن الحسن قال:حدّثنا أبي فقال حدّثنا هاشم بن المنذر عن الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن علي عليه السّلام قال:«خرج رسول اللّه حين خرج لمباهلة النصارى بي و بفاطمة و الحسن و الحسين رضوان اللّه عليهم» (5).7.

ص: 123


1- تفسير العياشي:176/1 ح 56.
2- تفسير العياشي:177/1 ح 57.
3- تفسير العياشي:177/1 ح 58.
4- تفسير العياشي:177/1 ح 59.
5- أمالي الطوسي:/259مجلس /10ح 7.

في قوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)

من مسند أحمد بن حنبل عن أبيه أحمد قال:و فيما كتب إلينا محمد بن عبد اللّه بن سليمان الحضرمي يذكر أن الحارث بن الحسن الطحّان حدّثه قال:حدّثنا حسين الأشقر عن قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال:لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (1).

قالوا:يا رسول اللّه من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم قال:«علي و فاطمة و ابناهما» (2).

من الجزء السادس من(صحيح البخاري)على حدّ من أوله في تفسير قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال:حدثني محمد بن بشار قال:حدّثنا محمد بن جعفر قال:حدّثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال:سمعت طاووسا عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال سعيد بن جبير:قربى آل محمد صلوات اللّه عليهم (3).

من صحيح مسلم من الجزء الخامس في أوّله في تفسير قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال:سئل ابن عباس رضي اللّه عنه عن هذه الآية فقال ابن جبير:هي قربى آل محمد عليهم السّلام (4).

ص: 124


1- الشورى:23.
2- فضائل الصحابة لابن حنبل:669/2 ح 1141.
3- صحيح البخاري:37/6.
4- لم يوجد في صحيح مسلم المطبوع و نقله في العمدة عن مسلم:49 ح 40،و كذلك في الطرائف:/113ح 169.

الثعلبي في تفسير قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً... الآية قال:اختلفوا في قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله الذين أمر اللّه تعالى بمودتهم قال:فأخبرني الحسين بن محمد الثقفي العدل حدّثنا برهان بن علي الصوفي حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن سليم الحضرمي حدّثنا حرب بن الحسن الطحّان حدّثنا حسين الأشقر عن قيس عن الأشتر بن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال:لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا:يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟

قال:«علي و فاطمة و ابناهما صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين» (1).

و من(تفسير الثعلبي)أيضا قال:أنبأني عقيل بن محمد أخبرنا المعاني بن المبتلى حدّثنا محمد بن جرير حدثني محمد بن عمارة حدّثنا إسماعيل بن أبان حدّثنا الصباح بن يحيى المرى عن السدي عن أبي الديلم قال:لما جيء بعلي بن الحسين صلوات اللّه عليه أسيرا قائما على درج مسجد دمشق قام رجل من أهل الشام فقال:الحمد للّه الذي قتلكم و استأصل شأفتكم (2)و قطع قرن الفتنة فقال له علي بن الحسين عليه السّلام:«أ قرأت القرآن؟»

قال:نعم.

قال:«قرأت ال حم قال:قرأت القرآن و لم أقرأ آل حم.

قال:«قرأت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

قال:لأنتم هم؟!

قال:«نعم» (3).

ثم قال علي بن الحسين عليه السّلام:أفقرأت في بني اسرائيل وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُي.

ص: 125


1- العمدة:23-24 عن الثعلبي.
2- في المصدر:و استأصلكم.
3- بحار الانوار:252/23 ح 31 عن الثعلبي.

قال:و أنكم القرابة التي أمر اللّه أن يؤتى حقه؟

قال:نعم.

الثعلبي أيضا في تفسيره قال:أخبرني ابن فيجويه حدّثنا ابن حبش حدّثنا أبو القاسم الفضل حدّثنا علي بن الحسين حدّثنا إسماعيل بن موسى حدّثنا الحكم بن ظهير عن السدي عن ابن مالك عن ابن عباس رضي اللّه عنه وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً (1)قال:المودة لآل محمد صلّى اللّه عليه و اله (2).

و من(الجمع بين الصحاح الستة)لأبي الحسن رزين من الجزء الثاني من أجزاء أربعة في تفسير سورة حم قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال ابن جبير:قربى آل محمد عليهم السّلام (3).

و من الجمع بين الصحاح الستة أيضا بإسناده عن طاوس أن ابن عباس رضي اللّه عنه سئل عن قوله تعالى: إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقال سعيد بن جبير:قربى آل محمد عليهم السّلام (4).

محمد بن جرير برجاله في كتاب(المناقب)أن النبي صلّى اللّه عليه و اله قال لعلي عليه السّلام:«أخرج فناد في الناس ألا من ظلم أجيرا أجره فعليه لعنة اللّه،ألا من تولّى غير مواليه لعنة اللّه ألا من سبّ أبويه فعليه لعنة اللّه»فنادى بذلك فدخل عمر و جماعة على النبي صلّى اللّه عليه و اله و قالوا:هل من تفسير لما نادى؟

قال:«نعم أمرته أن ينادي ألا من ظلم أجيرا أجره لعنه اللّه و إن اللّه يقول: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فمن ظلمنا فعليه لعنة اللّه و أمرته أن ينادي من تولّى غير مواليه فعليه لعنه اللّه و اللّه يقول النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم،و من كنت8.

ص: 126


1- الشورى:23.
2- العمدة:27 عن الثعلبي.
3- بحار الأنوار:250/23 ذيل ح 24.
4- الطرائف:27-28.

مولاه فعلي مولاه فمن والى غيره و غير ذريته فعليه لعنة اللّه و أمرته أن ينادي من سب أبويه فعليه لعنة اللّه و أنا أشهد اللّه و أشهدكم أنا و علي أبوا المؤمنين فمن سبّ أحدنا فعليه لعنة اللّه»فلما خرجوا قال عمر:يا أصحاب محمد ما أكد النبي لعلي بغدير خم و لا في غيره أشد من تأكيده في يومنا هذا قال خباب بن الإرث:كان ذلك قبل وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بتسعة عشر يوما (1).

إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان العامة قال:أخبرنا شيخنا العلاّمة نجم الدين عثمان بن الموفق الأذكاني بقراءتي عليه و أنا اسمع في رجب أو شعبان سنة خمس و ستين و ستمائة قال:أنبأنا الشيخ رضي الدين[المؤيد بن محمد بن علي الطوسي ثم النيشابوري و الشيخ الإمام شهاب الدين]أبو بكر بن أبي سعيد عبد اللّه ابن الصفّار النيسابوري بسماعه من والده و بإجازته من عبد الجبار بن محمد الخواري قال أنبأنا شيخ الدين عبد الجبار بن محمد الخواري البيهقي سماعا عليه قال:أنبأنا أبو حنان المزكي أنبأنا أبو العباس محمد بن إسحاق نبأنا الحسن بن علي بن زياد السري نبأنا يحيى بن عبد الحميد الحماني نبأنا حسين الأشقر نبأنا قيس نبأنا الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.

قالوا:يا رسول اللّه من هؤلاء الذين يأمرنا اللّه بمودتهم؟

قال:«علي و فاطمة و ولدهما عليهم السّلام» (2).

علي بن الحسين بن محمد الأصبهاني في كتاب(مقاتل الطالبين)قال:قال الحسن في خطبة له بعد موت أبيه:«أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد،أنا ابن البشير أنا ابن النذير أنا ابن الداعي إلى اللّه بإذنه،و أنا ابن السراج المنير و أنا من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا،9.

ص: 127


1- الطرائف:37-38.
2- السمطين:/13/2ب /2ح 359.

و الذين افترض اللّه مودتهم في كتابه إذ يقول: وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً (1)فالحسنة مودّتنا أهل البيت» (2).

موفق بن أحمد عن مقاتل و الكعبي لما نزلت هذه الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا:هل رأيتم أعجب من هذا يسفّه أحلامنا و يشتم آلهتنا و يرى قتلنا و يطمع أن نحبّه فنزل قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ أي ليس لي من ذلك أجر لأن منفعة المودّة تعود إليكم و هو ثواب اللّه تعالى و رضاه (3).

أبو نعيم صاحب(حلية الأبرار)بإسناده إلى الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال:لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا:يا رسول اللّه من هؤلاء الذين يأمرنا اللّه بمودّتهم؟

قال:«علي و فاطمة و أولادهما» (4).

المالكي في(الفصول المهمة)قال:روى الإمام أبو الحسين البغوي في تفسيره يرفعه بسنده إلى ابن عباس رضي اللّه عنه قال:لما نزلت قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا:يا رسول اللّه من هؤلاء الذين أمرنا اللّه بمودتهم؟

قال:«علي و فاطمة و ابناهما» (5).

المالكي قال:روى السدي عن ابن مالك عن ابن عباس رضي اللّه عنه في قوله تعالى: وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً قال:المودة لآل محمد صلّى اللّه عليه و اله فهؤلاء هم أهل بيتي (6).

ابن المغازلي الشافعي في كتاب(المناقب)أخبرنا أحمد بن محمد بنة.

ص: 128


1- الشورى:23.
2- مقاتل الطالبيين:33 ط.النجف و في طبعة:إن ذكر الخبر في بيعته،و شرح النهج لابن أبي الحديد:30/16.
3- المناقب:255/275.
4- حلية الأولياء:201/3،و شواهد التنزيل:189/2.
5- الفصول المهمة:152،و شواهد التنزيل:189/2 ح 822،و تفسير ابن كثير:122/4.
6- تفسير القرطبي:24/16،و تفسير الدر المنثور:7/6 مورد الآية.

عبد الوهاب إجازة أن أبا أحمد عمر بن عبد اللّه بن شوذب أخبرهم حدّثنا عثمان ابن أحمد الدقّاق حدّثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام قال حدّثنا محمد بن الصباح الدّولابي قال:حدّثنا الحكم بن ظهير عن السدي في قوله تعالى: وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً قال:المودّة في آل محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:و في قوله تعالى وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى قال:رضى محمد صلّى اللّه عليه و اله أن يدخل أهل بيته الجنة (1).

صاحب(المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة)قال:أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان قال أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن صابر قال:حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن هاشم بدمشق عن عبد اللّه بن جعفر العسكري بالرقة عن يحيى بن عبد الحميد عن جعفر ابن الاشعري عن الأعمش عن سعد بن جبير عن ابن عباس رضى اللّه عنه قال:لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا:يا رسول اللّه من هؤلاء الذين أمر اللّه تعالى بمودتهم؟

قال:«علي و فاطمة و ولداهما» (2).

عن الحسين بن محمد الأشعري عن معلى بن محمد عن الوشا عن المثنى عن زرارة عن عبد اللّه بن عجلان عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال:«هم الأئمة عليهم السّلام» (3).

عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن إسماعيل بن عبد الخالق قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي جعفر الأحول و أنا أسمع فقال:

«أتيت البصرة»قال:نعم فقال:«كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الأمر و دخولهم فيه» فقال:و اللّه إنهم لقليل و قد فعلوا و ان ذلك لقليل فقال:«عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير»ثم قال:«ما يقول أهل البصرة في هذه الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ7.

ص: 129


1- مناقب ابن المغازلي:/195ح 360.
2- تفسير نور الثقلين:572/4 ح 68،و تأويل الآيات:545/2،و في رحاب النبي و آله:79.
3- الكافي:413/1 ح 7.

اَلْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ؟

قلت:جعلت فداك إنهم يقولون:إنهم لأقارب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:«كذبوا إنما نزلت فينا خاصة في أهل البيت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين أصحاب الكساء عليهم السّلام» (1).

عبد اللّه بن جعفر الحميري في(قرب الإسناد)عن محمد بن خالد الطيالسي عن إسماعيل بن عبد الخالق قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام للأحول:«أتيت البصرة»و ذكر مثله إلا لفظة خاصة (2).

محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن حكيم عن أبي مسروق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت إنا نكلّم الناس فنحتج عليهم بقول اللّه عز و جل: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فيقولون:نزلت في أمراء السرايا فنحتج عليهم بقوله عز و جل: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ... إلى آخر الآية فيقولون:نزلت في المؤمنين و نحتج عليهم بقول اللّه عز و جل: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فيقولون:نزلت في قربى المسلمين قال:فلم أدع شيئا مما حضرني ذكره من هذا و شبهه إلاّ ذكرته فقال لي:«إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة».

قلت:و كيف اصنع؟

قال:«أصلح نفسك ثلاثا»و أظنه قال«و صم و اغتسل و ابرز أنت و هو إلى الجبال فشبّك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه ثم أنصفه و ابدأ بنفسك و قل:اللهم رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع عالم الغيب و الشهادة الرّحمن الرحيم إن كان أبو مسروق جحد حقا و ادّعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ثم ردّ الدعوة عليه فقل:و إن كان فلان جحد حقا و ادّعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء8.

ص: 130


1- الكافي:93/8 ح 66.
2- قرب الاسناد:450/128.

أو عذابا اليما»ثم قال لي:«فإنك لا تلبث أن ترى ذلك فيه فو اللّه ما وجدت خلقا يجيبني إليه» (1).

ابن يعقوب عن علي بن محمد عن علي بن العباس عن علي بن حماد عن عمرو ابن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً قال:«من تولى الأوصياء من آل محمد و اتبع آثارهم فذاك يزيده ولاية من مضى من النبيين و المؤمنين الأولين حتى تصل ولايتهم إلى آدم عليه السّلام،و هو قول اللّه عز و جل: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها يدخله الجنة و هو قول اللّه عز و جل: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ يقول:أجر المودة الذي لم أسألكم غيره فهو لكم تهتدون به و تنجون من عذاب يوم القيامة و قال لأعداء اللّه أولياء الشيطان أهل التكذيب و الإنكار:

قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ يقول متكلفا:إن أسألكم ما لستم بأهله فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض.أما يكفي محمد أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا فقالوا ما أنزل اللّه هذا و ما هو إلا شيء يتقوله يريد أن يرفع أهل بيته على رقابنا (2)و لئن قتل محمد أو مات لننزعنها من أهل بيته ثم لا نعيدها فيهم أبدا و أراد اللّه عز و جل ذكره أن يعلم نبيّه صلّى اللّه عليه و اله الذي أخفوا في صدورهم و اسرّوا به فقال في كتابه عزّ و جلّ: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ يقول:لو شئت حبست عنك الوحي فلم تكلم بفضل أهل بيتك و لا بمودتهم،و قد قال اللّه عز و جل: يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ يقول الحق:

لأهل بيتك الولاية أنه عليم بذات الصدور و يقول بما ألقوه في صدورهم من العداوة لأهل بيتك و الظلم بعدك:و هو قول اللّه عز و جل: وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3).3.

ص: 131


1- الكافي:513/2 ح 1.
2- الكافي:379/8 ح 574.
3- الانبياء:3.

ابن يعقوب عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشاء عن أبان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه تبارك و تعالى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً (1)قال:«الإقتراف التسليم لنا و الصدق علينا و أن لا يكذب علينا» (2).

سعد بن عبد للّه في بصائر الدرجات عن محمد بن عيسى بن عبيد عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً فقال:«الإقتراف الحسنة هو التصديق لنا و الصدق علينا» (3).

سعد هذا عن يعقوب و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد اللّه عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام مثله (4).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب و جعفر بن محمد بن مسرور قدّس سرّه قالا:حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن الريان بن الصلت قال حضر الرضا عليه السّلام مجلس المأمون بمرو و قد اجتمع إليه في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق و خراسان و ذكر حديث الفرق بين الآل و الامة و ذكر عليه السّلام آيات الاصطفاء للآل عليهم السّلام من القرآن في الظاهر دون الباطن و هي اثنتا عشرة إلى أن قال عليه السّلام:«السادسة قوله عز و جل: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (5)و هذه خصوصية للنبي صلّى اللّه عليه و اله إلى يوم القيامة و خصوصية للآل دون غيرهم، و ذلك أن اللّه عز و جل ذكر نوحا عليه السّلام في كتابه يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ وَ ما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (6)9.

ص: 132


1- الشورى:23.
2- الكافي:391/1 ح 4.
3- بصائر الدرجات:6/521 و في المصدر:الاقتراف:التسليم لنا و الصدق علينا و لا يكذب علينا.
4- بصائر الدرجات:7/521.
5- الشورى:23.
6- هود:29.

و حكى عز و جلّ عن هود عليه السّلام أنه قال: لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَ فَلا تَعْقِلُونَ (1)

و قال عز و جل لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله:قل يا محمد قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً و لم يفرض اللّه مودتهم إلا و قد علم أنهم لا يرتدون عن الدين أبدا و لا يرجعون إلى ضلال أبدا،و اخرى أن يكون الرجل و ادّا للرجل فيكون بعض أهل بيته عدوّا له فلا يسلم قلب الرجل له فأحبّ اللّه عز و جل أن لا يكون في قلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على المؤمنين شيء ففرض عليهم مودّة ذوي القربى فمن أخذ بها و أحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أحب أهل بيته لم يستطع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يبغضه و من تركها و لم يأخذ بها و أبغض أهل بيته فعلى رسول اللّه أن يبغضه؛لأنه ترك فريضة من فرائض اللّه،فأي فضيلة و أي شرف يتقدم هذا أو يدانيه؟فأنزل اللّه هذه الآية على نبيّه قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أصحابه فحمد اللّه و أثنى عليه و قال:يا أيها الناس إن اللّه قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدّوه فلم يجبه أحد فقال:يا أيها الناس إنّه ليس بذهب و لا فضة و لا مطعم و لا مشرب فقالوا:هات إذا فتلا عليهم هذه الآية فقالوا:أما هذه فنعم فما و فى بها أكثرهم،و ما بعث اللّه عزّ و جلّ نبيا إلاّ أوحى إليه لا يسأل قومه أجرا لأن اللّه يوفي أجر الأنبياء و محمد صلّى اللّه عليه و آله فرض اللّه عز و جل مودة قرابته على امته و أمره أن يجعل أجره فيهم ليوادّوه في قرابته بمعرفة فضلهم الذي أوجب اللّه عز و جل لهم فإن المودة أنما تكون على قدر معرفة الفضل فلما أوجب اللّه ذلك ثقل لثقل وجوب الطاعة فأخذ بها قوم أخذ اللّه ميثاقهم على الوفاء و عاند أهل الشقاق و النفاق و ألحدوا في ذلك فصرفوه عن حده الذي حدّه اللّه.

فقالوا:القرابة هم العرب كلها و أهل دعوته فعلى أي الحالين كان فقد علمنا أن المودة هي للقرابة فأقربهم من النبي صلّى اللّه عليه و آله أولاهم بالمودة كلما قربت القرابة كانت المودة على قدرها،و ما أنصفوا نبي اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حيطته و رأفته،و ما منّ اللّه به على امته مما تعجز1.

ص: 133


1- هود:51.

الألسن عن وصف الشكر عليه لا يودّوه في قرابته و ذريته و أهل بيته و أن لا يجعلوهم منهم بمنزلة العين من الرأس حفظا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و حبا لنبيه فكيف و القرآن ينطق به و يدعو إليه و الأخبار ثابتة أنهم أهل المودة و الذين فرض اللّه مودتهم و وعد الجزاء عليها أنه ما وافى أحد بهذه المودة مؤمنا مخلصا إلاّ استوجب الجنة؛لقول اللّه عزّ و جلّ في هذه الآية: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى مفسّرا و مبيّنا.

ثم قال أبو الحسن عليه السّلام:«حدثني أبي عن جدي عن أبائه عن الحسين بن علي عليهما السّلام قال:إجتمع المهاجرين و الأنصار إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالوا:يا رسول اللّه إن لك مؤونة في نفقتك و فيمن يأتيك من الوفود و هذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها بارا مأجورا أعط منها ما شئت و أمسك ما شئت من غير حرج فأنزل اللّه الروح الأمين فقال يا محمد قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى يعني تودّوا قرابتي من بعدي فخرجوا فقال المنافقون:ما حمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على ترك ما عرضنا عليه إلاّ ليحثنا على قرابته من بعده إن هو إلاّ شيء افتراه في مجلسه،و كان ذلك من قولهم عظيما فأنزل اللّه عز و جل أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فبعث إليهم النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:هل من حدث؟

فقالوا:أي و اللّه قال بعضنا كلاما غليظا كرهناه فتلا عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فبكوا و اشتد بكاؤهم فأنزل اللّه عز و جل هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا عبد العزيز بن يحيى البصري قال:حدّثنا محمد بن زكريا قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن يزيد قال حدثني أبو نعيم قال محمد بن إبراهيم بن1.

ص: 134


1- أمالي الصدوق:/619المجلس /79ح 1.

إسحاق ابن حاجب قال:حدثنا عبد اللّه بن زياد عن علي بن الحسين عليهم السّلام قال لرجل:

«أما قرأت كتاب اللّه عز و جل؟»قال:نعم.

قال:«أما قرأت هذه الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال:بلى قال:«فنحن أولئك» (1).

محمد بن العباس بن ماهيار في تفسيره فيما نزل في أهل البيت عليهم السّلام في القرآن و هو ثقة في الحديث قال:حدّثنا الحسن بن محمد بن يحيى العلوي عن أبي محمد إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن محمد بن جعفر بن محمد قال:حدثني عمي علي ابن جعفر عن الحسين بن زيد عن الحسن بن زيد عن أبيه عن جده عليه السّلام قال:خطب الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السّلام حين قتل علي عليه السّلام فقال:«و أنا من أهل بيت افترض اللّه مودّتهم على كل مسلم حيث يقول: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت» (2).

ابن العباس قال:حدّثنا عبد العزيز عن محمد بن زكريا عن محمد بن عبد اللّه الجشمي عن الهيثم بن عدي عن سعيد بن صفوان عن عبد الملك بن عمير عن الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما في قوله عز و جل: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال:«إن القرابة التي أمر اللّه بصلتها و عظم حقها و جعل الخير فيها قرابتنا أهل البيت الذين أوجب اللّه حقّنا على كل مسلم» (3).

أحمد بن محمد بن خالد البرقي في كتاب(المحاسن)عن الحسن بن علي الخزاز عن مثنى الحنّاط عن عبد اللّه بن عجلان قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال:«هم الأئمة الذين لا يأكلون الصدقة و لا7.

ص: 135


1- أمالي الصدوق:/230ح 242.
2- بحار الانوار:251/23 ح 26.
3- بحار الانوار:251/23 ح 27.

تحل لهم» (1).

عبد اللّه بن جعفر الحميري في(قرب الإسناد)عن هارون بن مسلم قال:حدثني مسعدة بن صدقة قال:حدّثنا جعفر بن محمد عن آبائه أنه لما نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:

«أيها الناس إن اللّه تبارك و تعالى قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدّوه؟

قال:فلم يجبه أحد منهم فانصرف فلما كان من الغد قام فيهم فقال مثل ذلك ثم قام فيهم فقال مثل ذلك في اليوم الثالث فلم يتكلم أحد فقال:أيها الناس إنه ليس من ذهب و لا فضة و لا مطعم و لا مشرب قالوا:فألقه إذا قال:إن اللّه تبارك و تعالى أنزل عليّ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» قالوا:أما هذه فنعم فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فو اللّه ما و فى بها إلاّ سبعة نفر سلمان و أبو ذر و عمار و المقداد بن الأسود الكندي و جابر بن عبد اللّه الأنصاري و مولى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقال له:الكببيت (2)و زيد بن أرقم» (3).

المفيد في(الإختصاص)قال:حدثني جعفر بن الحسين عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن هارون بن مسلم عن أبي الحسن الليثي عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام و ذكر مثل الحديث السابق (4).

علي بن إبراهيم في تفسيره قال:حدثني أبي عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن مسلم قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في قول اللّه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى «يعني في أهل بيته قال:جاء الأنصار إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقالوا:إنا قد آوينا و نصرنا فخذ طائفة من أموالنا استغن بها على ما أنابك فأنزل اللّه قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً يعني على النبوة إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أي في أهل بيته ثم3.

ص: 136


1- المحاسن:145/1 ح 48.
2- في المصدر:الثبيت.
3- قرب الاسناد:254/78.
4- الاختصاص:63.

قال:ألا ترى إن الرجل يكون له صديق و في نفس ذلك الرجل شيء على أهل بيته فلا يسلم صدره فأراد اللّه أن لا يكون في نفس رسول اللّه شيء على امته ففرض عليهم المودة في القربى،فإن أخذوا أخذوا مفروضا و إن تركوا تركوا مفروضا».

قال:«فانصرفوا من عنده و بعضهم يقول:عرضنا عليه أموالنا فقال قاتلوا عن أهل بيتي من بعدي و قالت طائفة:ما قال هذا رسول اللّه و جحدوه و قالوا كما حكى اللّه تعالى أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً فقال اللّه فَإِنْ يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ قال لو افتريت وَ يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ يعني يبطله وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ يعني بالنبي و بالأئمة عليهم السّلام و القائم من آل محمد إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ثم قال وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ... إلى قوله: وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ يعني الذين قالوا:إن القول ما قال رسول اللّه ثم قال: وَ الْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (1).

و قال أيضا قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (2)قال:أجر النبوة أن لا تؤذوهم و لا تقطعوهم و لا تبغضوهم و تصلوهم و لا تنقضوا العهد فيهم لقوله تعالى:

اَلَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (3) قال:«جاءت الأنصار إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقالوا:إنا قد نصرنا و فعلنا فخذ من أموالنا ما شئت فأنزل اللّه قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى يعني في أهل بيته ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بعد ذلك من حبس أجيرا أجره فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين،لا يقبل اللّه منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا،و هو محبة آل محمد ثم قال: وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً (4)و هي إقرار الإمامة لهم و الإحسان إليهم و برّهم وصلتهم نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً أي تكافىء ذلك3.

ص: 137


1- الشورى:24-26.
2- الشورى:23.
3- الرعد:21.
4- الشورى:23.

بالإحسان» (1).

الشيخ في أماليه بإسناده عن الحسن عليه السّلام في خطبة له قال:«فيما أنزل اللّه على محمد صلّى اللّه عليه و اله قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً و اقتراف الحسنة مودّتنا» (2).

الطبرسي ذكر أبو أبو حمزة الثمالي في تفسيره قال:حدثني عثمان بن عمير عن سعيد بن جبير عن عبد اللّه بن العباس رضي اللّه عنه قال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حين قدم المدينة و استحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها:نأتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فنقول:إن تعرك امور هذه أموالنا تحكم فيها من غير حرج و لا محظور فأتوه في ذلك فنزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقرأها عليهم فقال:تودون قرابتي من بعدي، فخرجوا من عنده مسلمين لقوله،فقال المنافقون:إن هذا لشيء افتراه في مجلسه و أراد يذللنا لقرابته من بعده فنزلت أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً فأرسل إليهم فتلا عليهم فبكوا و اشتد بكاؤهم (3)فأنزل اللّه وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ الآية.فأرسل في أثرهم فبشّرهم و قال: وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا و هم الذين سلّموا لقوله.

ثم قال الطبرسي:ذكر أبو حمزة الثمالي عن السدي أنه قال:إن اقتراف الحسنة المودة لآل محمد صلّى اللّه عليه و اله،ثم قال:و صح عن الحسن بن علي عليه السّلام أنه خطب الناس فقال في خطبته:«إنا من[أهل البيت]الذين افترض اللّه مودتهم على كل مسلم فقال: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت[أصحاب الكساء]» (4).

و قال أيضا في معنى الآية:إن معناه ألاّ تؤذوا قرابتي و عترتي و تحفظوني فيهم،ر.

ص: 138


1- تفسير القمي:275/2.
2- امالي الطوسي:/270ذيل ح 501.
3- في المصدر:عليهم.
4- ليست في المصدر.

عن علي بن الحسين عليه السّلام و سعيد بن جبير و عمر بن شعيب و جماعة،قال:و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام (1).

الطبرسي قال:و أخبرنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني قال:أخبرنا الحاكم أبو القاسم[الحسكاني]قال:حدّثنا القاضي أبو بكر الحميري قال:أخبرنا أبو العباس الضّبعي قال:أخبرنا الحسن بن علي بن زياد السّري قال:أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال:أخبرنا الحسين بن الأشتر قال:أخبرنا قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً الآية قالوا:يا رسول اللّه من هؤلاء الذين أمرنا اللّه بمودتهم؟

قال:«علي و فاطمة و ولدهما» (2).

قال:و أخبرنا السيد أبو الحمد قال:أخبرنا أبو القاسم الحاكم بالاسناد المذكور في كتاب(شواهد التنزيل لقواعد التفضيل)مرفوعا إلى أبي امامة الباهلي قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«إن اللّه تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى و خلقت أنا و علي من شجرة واحدة،فأنا أصلها و علي فرعها و فاطمة لقاحها و الحسن و الحسين ثمارها و أشياعنا أوراقها،فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا و من زاغ عنها هوى،و لو أن عبدا عبد اللّه بين الصفا و المروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام حتى يصير كالشن البالي،ثم لم يدرك محبّتنا كبّه اللّه على منخريه في النار ثم تلا: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» (3).

الطبرسي قال:و روى زاذان عن علي عليه الصلاة و السلام قال:«فينا،في آل حم، آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن»ثم قرأ هذه الآية (4).9.

ص: 139


1- مجمع البيان:49/9-48،و تفسير أبي حمزة:294.
2- مجمع البيان:48/9.
3- مجمع البيان:48/9-49،و شواهد التنزيل:210/2.
4- مجمع البيان:49/9.

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق قدّس سرّه قال:حدّثنا عبد العزيز بن يحيى البصري قال:أخبرنا محمد بن زكريا قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن يزيد قال:حدّثنا أبو نعيم قال:حدثني حاجب عبيد اللّه بن زياد(لعنه اللّه)و ذكر حديث سبّي آل محمد و يسيرهم إلى يزيد إلى أن قال:و قال أهل الشام الجفاة ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء فمن أنتم فقالت:سكينة بنت الحسين عليه السّلام نحن سبايا آل محمد فأقيموا على درج المسجد حيث يقام السبايا و فيهم علي بن الحسين عليه السّلام و هو يومئذ فتى شاب فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال لهم:الحمد للّه الذي قتلكم و أهلككم و قطع قرن الفتنة فلم يأل من شتمهم فلما انقضى كلامه قال له علي ابن الحسين عليه السّلام:

«أما قرأت كتاب اللّه عز و جل؟»قال:نعم،قال:«أما قرأت هذه الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ؟»قال:بلى قال:«فنحن أولئك»ثم قال:«أما قرأت هذه الآية وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ؟»قال:بلى قال:«فنحن هم فهل قرأت هذه الآية إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ؟»قال:بلى«فنحن هم»فرفع الشامي رأسه إلى السماء ثم قال:اللهم إني أتوب إليك ثلاث مرات،اللهم إني أبرأ إليك من عدوّ آل محمد و من قتلة أهل بيت محمد لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم (1).

الشيخ في أماليه قال:أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي في منزله بدرب الزعفراني ببغداد في الكرخ سنة عشرة و أربعمائة قال:أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة في يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة أملأ في مسجد براثا لثمان بقين من جمادى الاولى سنة ثلاثين و ثلاثمائة قال:حدّثنا علي ابن الحسين بن عبيد قال:حدّثنا إسماعيل بن أبان عن سلام بن أبي عمرة عن معروف عن أبي الطفيل قال:خطب الحسن بن علي عليهما السّلام بعد وفاة علي عليه السّلام و ذكر أمير المؤمنين فقال:«خاتم الوصيين و وصيي خاتم الأنبياء و أمير المؤمنين و الشهداء3.

ص: 140


1- أمالي الصدوق:/229مجلس /31ح 3.

و الصالحين»ثم قال:أيها الناس لقد فارقكم رجل ما سبقه الأولون و لا يدركه الآخرون لقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يعطيه الراية فيقاتل جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح اللّه عليه،ما ترك ذهبا و لا فضة إلاّ شيء له على صبي له،و ما ترك في بيت المال إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادما لام كلثوم».

ثم قال:«من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد النبي المصطفى صلّى اللّه عليه و اله»ثم تلا هذه الآية قول يوسف: «اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ أنا ابن البشير و أنا ابن النذير و أنا ابن الداعي إلى اللّه و أنا ابن السراج المنير و أنا ابن الذي أرسل رحمة للعالمين و أنا من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا و أنا من أهل البيت الذين كان جبرائيل ينزل عليهم و منهم كان يعرج و أنا من أهل البيت الذين افترض اللّه مودتهم و ولايتهم فقال فيما أنزل على محمد صلّى اللّه عليه و اله قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً و اقتراف الحسنة مودّتنا» (1).9.

ص: 141


1- أمالي الطوسي:/270مجلس /10ح 39.

في قوله تعالى (اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ...)

ما رواه ابن المغازلي الشافعي في كتاب(المناقب)يرفعه إلى علي بن جعفر قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ (1)قال:

«المشكاة فاطمة عليها السّلام و المصباح الحسن و الحسين عليهما السّلام و الزجاجة كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ قال:

كانت فاطمة كوكبا درّيا بين نساء العالمين يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ الشجرة المباركة إبراهيم لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ لا يهودية و لا نصرانية يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ قال:يكاد العلم ينطق منها و لو لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ قال:فيها إمام بعد إمام يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ قال:يهدي اللّه لولايتنا من يشاء (2).

صاحب(المناقب الفاخرة)في العترة الطاهرة بإسناده إلى علي بن جعفر قال:

سألت أبا الحسن رضي اللّه عنه عن قول اللّه تعالى: كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ قال:

«المشكاة فاطمة عليها السّلام و المصباح الحسن و الزجاجة الحسين كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ [قال:

كانت فاطمة كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ]من نساء العالمين توقد من شجرة مباركة،الشجرة إبراهيم عليه السّلام لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ لا يهودية و لا نصرانية يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ معناه يكاد العلم ينطق منها نُورٌ عَلى نُورٍ منها إمام بعد إمام يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ [قال:يهدي لولايتنا من يشاء]» (3).

ابن يعقوب عن علي بن محمد و محمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن محمد بن

ص: 142


1- النور:35.
2- مناقب ابن المغازلي:/195ح 361.
3- الصراط المستقيم:296/1،و البحار:315/23.

الحسن بن شمون عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأصم عن عبد اللّه بن القاسم عن صالح بن سهل الهمداني قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فاطمة عليها السّلام فِيها مِصْباحٌ الحسن اَلْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الحسين اَلزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ فاطمة كوكب درّي بين نساء أهل الدنيا يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ إبراهيم عليه السّلام زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ لا يهودية و لا نصرانية يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ يعني يكاد العلم ينفجر بها وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ إمام منها بعد إمام يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يهدي اللّه للائمة عليهم السّلام من يشاء وَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ قلت أَوْ كَظُلُماتٍ قال الأول و صاحبه يَغْشاهُ مَوْجٌ الثالث مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ظلمات الثاني بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ معاوية لعنه اللّه و فتن بني امية إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ المؤمن في ظلمة فتنتهم لَمْ يَكَدْ يَراها وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّهُ لَهُ نُوراً إماما من ولد فاطمة عليها السّلام فَما لَهُ مِنْ نُورٍ يوم القيامة (1).

ابن يعقوب عن علي بن محمد عن علي بن العباس عن علي بن حماد عن عمرو ابن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي و هو قول اللّه عز و جل: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ يقول:

أنا هادي السماوات و الأرض مثل العلم الذي أعطيته و هو نوري الذي يهتدى به مثل كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ فالمشكاة قلب محمد صلّى اللّه عليه و اله و المصباح النور الذي فيه العلم و قوله اَلْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ يقول:إني اريد أن اقبضك فاجعل الذي عندك عند الوصي كما يجعل المصباح في الزجاجة كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ فأعلمهم فضل الوصي يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ فأصل الشجرة المباركة إبراهيم عليه السّلام و هو قول اللّه عز و جل رحمة اللّه و بركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد،و هو قول اللّه عز و جل: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ لا شرقية و لا غربية فيقول:لستم يهودا فتصلون قبل المغرب و لا نصارى5.

ص: 143


1- الكافي:195/1 ح 5.

فتصلون قبل المشرق،و أنتم على ملة إبراهيم عليه السّلام و قد قال اللّه عز و جل: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ و قوله: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يقول:مثل أولادكم الذين يولدون منكم كمثل الزيت الذي يتخذ من الزيتون: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يقول:يكادون أن يتكلموا بالنبوة و لو لم ينزل عليهم ملك» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا إبراهيم بن هارون الهيسي بمدينة السلام قال:

حدثني محمد بن أحمد بن أبي الثلج قال:حدّثنا الحسين بن أيوب عن الحسين بن سليمان عن محمد بن هارون الذهبي عن الفضل بن يسار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الصادق عليه السّلام: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قال:كذلك اللّه عز و جل قال:قلت مَثَلُ نُورِهِ قال:«محمد صلّى اللّه عليه و اله».

قلت: كَمِشْكاةٍ قال«صدر محمد صلّى اللّه عليه و اله».

قلت: فِيها مِصْباحٌ قال:«فيه نور العلم يعني النبوة».

قلت اَلْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ قال:«علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله صدر إلى قلب علي عليه السّلام».

قلت: كَأَنَّها قال:«لأي شيء تقرأ كَأَنَّها» فقلت:فكيف اقرأ جعلت فداك؟

قال: كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ قلت يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ قال:«ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام لا يهودي و لا نصراني».

قلت: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ قال:«يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد صلّى اللّه عليه و اله من قبل أن ينطق به».

قلت: نُورٌ عَلى نُورٍ قال:«الإمام في أثر الإمام» (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا إبراهيم بن هارون الهيسي قال:حدّثنا محمد بن أحمد بن5.

ص: 144


1- الكافي:380/8 ح 574.
2- معاني الأخبار:7/15.

أبي الثلج قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن الحسين الزهري قال:حدّثنا أحمد بن صبيح قال:حدّثنا طريف بن ناصح عن عيسى بن راشد عن محمد بن علي بن الحسين في قول اللّه عز و جل: كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ قال: «كَمِشْكاةٍ نور العلم في صدر محمد صلّى اللّه عليه و اله اَلْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزجاجة صدر علي عليه السّلام صار علم النبي صلّى اللّه عليه و اله الى صدر علي عليه السّلام اَلزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ قال نور العلم لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ قال:لا يهودية و لا نصرانية يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ قال:يكاد العالم من آل محمد عليهم السّلام يتكلم بالعلم قبل أن يسأل نُورٌ عَلى نُورٍ يعني إماما مؤيدا بنور العلم و الحكمة في أثر إمام من آل محمد عليهم السّلام و ذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة».

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن عبد اللّه الورّاق قال:حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال:

حدّثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن محمد بن أسلم الجبلي عن الخطاب ين عمرو مصعب بن عبد اللّه الكوفيين عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ «فالمشكاة صدر نبي اللّه صلّى اللّه عليه و اله فيه المصباح اَلْمِصْباحُ هو العلم فِي زُجاجَةٍ و الزجاجة أمير المؤمنين و علم نبي اللّه صلّى اللّه عليه و اله عنده» (1).

ابن بابويه رواه مرسلا عن الصادق عليه السّلام أنه سئل عن قول اللّه عز و جل اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ فقال:«هو مثل ضربه اللّه عز و جل لنا» (2).

علي بن إبراهيم قال:حدّثنا محمد بن همام قال:حدّثنا جعفر بن محمد قال:

حدّثنا محمد بن الحسين الصايغ قال:حدّثنا الحسن بن علي عن صالح بن سهل الهمداني قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في قول اللّه عز و جل: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ7.

ص: 145


1- التوحيد:5/159.
2- التوحيد:2/157.

وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ «المشكاة فاطمة عليها السّلام فيها مصباح الحسن المصباح و الحسين في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري كأن فاطمة عليها السّلام كوكب درّي بين نساء أهل الأرض يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ توقد من إبراهيم عليه السّلام لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يعني لا يهودية و لا نصرانية يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ يكاد العلم ينفجر منها وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ إمام منها بعد إمام يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يهدي اللّه إلى الأئمة من يشاء أن يدخله في نور ولايتهم مخلصا وَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (1).

علي بن هاشم قال:حدثني أبي عن عبد اللّه بن جندب قال:كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام أسأله عن تفسير هذه الآية فكتب إليّ الجواب:«أما بعد فإن محمدا صلّى اللّه عليه و اله كان أمين اللّه في خلقه فلما قبض النبي صلّى اللّه عليه و اله كنا أهل البيت ورثته فنحن امناء اللّه في أرضه عندنا علم المنايا و البلايا و أنساب العرب و مولد الإسلام و ما من فئة تضل مائة و تهدي مائة إلاّ و نحن نعرف سائقها و قائدها و ناعقها،و إنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان و حقيقة النفاق،و إن شيعتنا المكتوبون بأسمائهم أسماء آبائهم أخذ اللّه علينا و عليهم الميثاق و يردون موردنا و يدخلون مدخلنا ليس على ملة الإسلام غيرنا و غيرهم إلى يوم القيامة،نحن الآخذون بحجزة نبينا و نبيّنا آخذ بحجزة ربنا،و الحجزة النور و شيعتنا آخذون بحجزتنا من فارقنا هلك،و من تابعنا نجا و المفارق لنا و الجاحد لولايتنا كافر و متبعنا و تابع أوليائنا مؤمن لا يحبنا كافر و لا يبضغنا مؤمن و من مات و هو يحبنا كان حقا على اللّه أن يبعثه معنا نحن نور لمن تبعنا و هدى لمن اهتدى بنا،و من لم يكن منّا فليس من الإسلام في شيء بنا فتح اللّه الدين،و بنا يختمه و بنا أطعمكم اللّه عشب الأرض و بنا أنزل قطر السماء و بنا آمنكم اللّه من الغرق في بحركم و من الخسف في بركم و بنا نفعكم اللّه في حياتكم و في قبوركم و في محشركم و عند الصراط و عند الميزان و عند دخولكم الجنان مثلنا في كتاب اللّه مشكاة،و المشكاة في القنديل فنحن المشكاة فيها2.

ص: 146


1- تفسير القمي:102/2.

مصباح المصباح محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،و المصباح في زجاجة من عنصره الطاهر الزجاجة،كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية و لا دعية و لا منكرة يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ القرآن نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فالنور علي عليه السّلام يهدي اللّه لولايتنا من أحب و حق على اللّه أن بعث ولينا مشرقا وجهه منيرا برهانه طاهرا عند اللّه حجته حقا على اللّه أن يجعل أولياءنا المتقين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا فشهداؤنا لهم فضل على الشهداء بعشر درجات،و لشهيد شيعتنا فضل على كل شهيد غيرنا بتسع درجات.

نحن النجباء و نحن أفراط الأنبياء و نحن أولاد الأوصياء و نحن المخصوصون في كتاب اللّه و نحن أولى الناس برسول اللّه و نحن الذين شرع اللّه لنا دينه فقال في كتابه شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً و الذي أوحينا إليك يا محمد ما وصيّنا به إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب قد علمنا و بلّغنا ما علمنا و استودعنا علمهم و نحن ورثة الأنبياء و نحن ورثه أولي العلم و أولي العزم من الرسل و الأنبياء أن أقيموا الدين كما قال و لا تتفرقوا فيه و إن كبر على المشركين من أشرك بولاية علي ما تدعوهم إليه من ولاية اللّه يا محمد يهدي إليه من ينيب من يجيبك إلى ولاية علي عليه السّلام و قد بعثت بكتاب منه هدى فتدبّره و افهمه فإنه شفاء لما في الصدور» (1).

محمد بن العباس بن ماهيار الثقة في تفسيره فيما نزل في أهل البيت عليهم السّلام قال:

حدّثنا محمد بن جعفر الحسني عن إدريس بن زياد الحنّاط عن أبي عبد اللّه أحمد بن عبد اللّه الخراساني عن يزيد بن إبراهيم أبي حبيب الساجي عن أبي عبد اللّه عن أبيه علي بن الحسين عليه السّلام أنّه قال:«مثلنا في كتاب اللّه كمثل مشكاة فنحن المشكاة و المشكاة الكوّة فيها مصباح،و المصباح في زجاجة و الزجاجة محمد صلّى اللّه عليه و اله كأنه كوكب دري يوقد من شجرة مباركة قال:علي عليه السّلام زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ2.

ص: 147


1- تفسير القمي:104/2.

تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ القرآن يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يهدي لولايتنا من أحب (1).

محمد بن العباس قال:حدّثنا الحسين بن أحمد عن محمد بن عيسى عن يونس ابن عبد الرّحمن قال:حدّثنا أصحابنا أن أبا الحسن عليه السّلام كتب إلى عبد اللّه بن جندب قال لي علي بن الحسين عليه السّلام:«إن مثلنا في كتاب اللّه كمثل المشكاة،و المشكاة في القنديل فنحن المشكاة فِيها مِصْباحٌ و المصباح محمد صلّى اللّه عليه و اله اَلْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ نحن الزجاجة يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ علي زَيْتُونَةٍ معروفة لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ لا منكرة و لا دعية يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ القرآن عَلى نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ بأن يهدي من أحب إلى ولايتنا» (2).

محمد بن العباس بن محمد بن أبي الحسين الخطاب الزيّات قال:حدثني أبي عن موسى بن سعد عن عبد اللّه بن القاسم بإسناده إلى صالح بن سهل قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ قال:المشكاة فاطمة عليها السّلام فِيها مِصْباحٌ «الحسن اَلْمِصْباحُ الحسين فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ فاطمة كوكب دريّ بين نساء أهل الجنة يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ إبراهيم عليه السّلام زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ لا يهودية و لا نصرانية يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ أي يكاد العلم ينفجر منها وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ إمام بعد إمام يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يهدي اللّه للأئمة من يشاء وَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3).

المفيد في(الإختصاص)عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن2.

ص: 148


1- بحار الأنوار:311/23 ح 16.
2- بحار الأنوار:324/23 ح 40.
3- بحار الأنوار:305/23 ح 2.

سنان عن عمار بن مروان عن المنحل بن جميل عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ «فهو محمد صلّى اللّه عليه و اله فيها مصباح هو العلم، اَلْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ فزعم أنّه أمير المؤمنين و علم نبي اللّه عنده» (1).

أبو علي الطبرسي قال:روى عن الرضا عليه السّلام أنه قال:«نحن المشكاة فيها و المصباح هو محمد صلّى اللّه عليه و آله يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يهدي اللّه لولايتنا من أحب» (2).

جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:دخلت إلى مسجد الكوفة و أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه يكتب بإصبعيه و يتبسم،فقلت له:يا أمير المؤمنين ما الذي يضحكك؟

فقال:«عجبت لمن يقرأ هذه الاّية و لم يعرفها حق معرفتها»فقلت له:أي آية يا أمير المؤمنين؟

فقال:«قوله تعالى اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ المشكاة محمد صلّى اللّه عليه و اله فِيها مِصْباحٌ أنا اَلْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ الحسن و الحسين كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ و هو علي بن الحسين يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ محمد ابن علي مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ جعفر بن محمد لا شَرْقِيَّةٍ موسى بن جعفر وَ لا غَرْبِيَّةٍ علي بن موسى الرضا يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ محمد بن علي وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ علي بن محمد نُورٌ عَلى نُورٍ الحسن بن علي يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ القائم المهدي وَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (3).6.

ص: 149


1- الاختصاص:278.
2- مجمع البيان:251/7.
3- تفسير البرهان:136/3 ح 16،و اللمعة البيضاء بتفاوت:156.

في قوله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ رِجالٌ

عن أنس و بريدة قالا:قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ إلى قوله اَلْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ (1)فقام رجل قال:أي بيوت هذه يا رسول اللّه؟

قال:«بيوت الأنبياء».

فقال:يا رسول اللّه هذا البيت منها بيت علي و فاطمة قال:«نعم من أفاضلها» (2).

من تفسير مجاهد و أبي يوسف يعقوب بن سفيان قال ابن عباس في قوله تعالى:

وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً أن دحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميره فنزل عند أحجار الزيت ثم ضرب بالطبول ليأذن بقدومه و مضى الناس إليه إلاّ على و الحسن و الحسين و فاطمة و سلمان و أبو ذر و المقداد و صهيب و تركوا النبي صلّى اللّه عليه و اله قائم يخطب على المنبر فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:«لقد نظر اللّه يوم الجمعة إلى مسجدي فلولا هؤلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي لاضطرمت المدينة على أهلها نارا و حصبوا بالحجارة كقوم لوط و نزل فيهم رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ» (3).

الثعلبي في تفسيره في تفسير الآية برفع الإسناد إلى أنس بن مالك قال قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله هذه الآية فقام رجل فقال يا رسول اللّه أي بيوت هذه يا رسول اللّه؟

قال:«بيوت الأنبياء»فقام إليه أبو بكر فقال:يا رسول اللّه هذا البيت منها،يعني

ص: 150


1- النور:36.
2- الدر المنثور:50/5.
3- مناقب آل أبي طالب:407/1.

بيت علي و فاطمة؟

قال:«نعم من أفاضلها» (1).

الثعلبي في تفسيره في معنى الآية قال:حدّثنا المنذر بن محمد القابوسي حدّثنا الحسين بن سعيد حدثني أبي عن أبان بن تغلب عن مصقع بن الحرث عن أنس بن مالك و عن بريدة قالا:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:هذه الآية فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ...إلى قوله: وَ الْأَبْصارُ فقام إليه أبو بكر فقال:يا رسول اللّه هذا البيت منها يعني بيت علي و فاطمة قال نعم:«من أفاضلها» (2).

محمد بن العباس عن محمد بن همام عن محمد بن إسماعيل عن عيسى بن داود قال:حدّثنا الإمام موسى بن جعفر عن أبيه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ رِجالٌ... قال:«بيوت آل محمد صلّى اللّه عليه و اله بيت علي و فاطمة و الحسن و الحسين و حمزة و جعفر عليهم السّلام».

قلت: بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ ؟

قال:«الصلاة في أوقاتها»قال:«ثم وصفهم اللّه عزّ و جل و قال: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ قال:«هم الرجال لم يخلط اللّه معهم غيرهم».

ثم قال: لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قال:«ما اختصهم به من المودّة و الطاعة المفروضة و صيّر مأواهم الجنة و اللّه يرزق من يشاء بغير حساب» (3).

أبو علي الطبرسي في مجمع البيان قال:روي عن ابن عباس رضي اللّه عنه أنّه قال:كنت في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قد قرأ القارىء: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ.4.

ص: 151


1- العمدة:152 عن الثعلبي.
2- العمدة:152 عن الثعلبي.
3- بحار الأنوار:326/23 ح 4.

فقلت:يا رسول اللّه ما البيوت (1)؟

فقال صلّى اللّه عليه و اله:«بيوت الأنبياء عليهم السّلام و أومأ بيده إلى بيت فاطمة الزهراء عليها السّلام ابنته عليها السّلام» (2).ن.

ص: 152


1- في المصدر:أي بيوت هذه؟
2- مجمع البيان:253/7 بتفاوت و فيه:فقام أبو بكر فقال:يا رسول اللّه:هذا البيت منها؟يعني بيت علي و فاطمة،فقال:نعم من أفاضلها.و فضائل ابن شاذان:104،و البحار:326/23 كما في المتن.

في قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ

الثعلبي في تفسير هذه الآية قال:حدّثنا أبو محمد عبد اللّه بن محمد القاضي قال:

حدّثنا أبو الحسين محمد بن عثمان بن الحسن النصيبي قال:حدّثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن صالح السبيعي قال أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال:حدّثنا أحمد بن ميثم بن نعيم قال:حدّثنا أبو عبادة السلولي عن الأعمش عن أبي واثل قال:

قرأت في مصحف عبد اللّه بن مسعود (إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (1)(2).

عن ابن عباس رضى اللّه عنه آل إبراهيم و آل عمران المؤمنون من آل إبراهيم و آل عمران و آل يس و آل محمد عليهم السّلام بقوله تعالى: إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (3).

الشيخ الطوسي في أماليه عن أبي محمد الفحام قال:حدثني محمد بن عيسى عن هارون قال أبو عبد الصمّد إبراهيم عن أبيه عن جده و هو إبراهيم بن عبد الصمد بن محمد بن إبراهيم قال:سمعت جعفر بن محمد عليهما السّلام يقرأ (إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) قال:هكذا نزلت (4).و قال الطبرسي

ص: 153


1- آل عمران:33.
2- العمدة:55 ح 55 عن الثعلبي،و شواهد التنزيل:152/1 ح 165.
3- العمدة:63/59 عن الثعلبي.
4- أمالي الطوسي:/300ح 592.

في مجمع البيان:و في قراءة أهل البيت:و آل محمد على العالمين (1).

علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره قال العالم عليه الرحمة:«نزل آل إبراهيم و آل عمران و آل محمد على العالمين» (2).

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدّب و جعفر بن محمد بن مسرور رضى اللّه عنهما قال:حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن الريان بن الصّلت قال:حضر الرضا عليه السّلام مجلس المأمون بمرو و قد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق و خراسان و ذكر الحديث إلى أن قال فيه:قال المأمون:هل فضّل اللّه العترة على سائر الناس؟

فقال أبو الحسن عليه السّلام«إن اللّه عزّ و جلّ أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه»فقال له المأمون:و أين ذلك من كتاب اللّه؟

فقال له الرضا عليه السّلام:«في قوله عزّ و جلّ: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ (3)قلت:يعني انّ العترة داخلون في آل إبراهيم عليهم السّلام لانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من ولد إبراهيم عليه السّلام و هو دعوة أبيه إبراهيم على ما في رواية الخاصة و العامّة في قوله صلّى اللّه عليه و اله:«أنا دعوة أبي إبراهيم عليه السّلام»و عترة الرسول منه صلّى اللّه عليه و اله.

محمد بن إبراهيم المعروف ب(ابن زينب النعماني)في كتاب(الغيبة)عن أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني قال:حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه و حدثني محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران عن أحمد بن محمد بن عيسى و حدّثني علي بن محمد و غيره عن سهل بن زياد جميعا عن الحسن بن محبوب و حدثنا عبد الواحد بن عبد اللّه الموصلي عن أبي عليّ أحمد بن محمد بن أبي ناشد عن أحمد بن3.

ص: 154


1- مجمع البيان:278/2.
2- تفسير القمي:100/1.
3- أمالي الصدوق:/615ح 843.

هلال عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن جابر بن يزيد الجعفي قال:قال:أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام:«يا جابر إلزم الأرض و لا تحرك يدا و لا رجلا حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها»و ذكر علامات القائم عليه السّلام إلى أن قال في الحديث:«فينادي-يعني القائم عليه السّلام-يا أيها الناس إنا نستنصر اللّه فمن أجابنا من النّاس،فإنّا أهل بيت نبيكم محمد و نحن أولى الناس باللّه و بمحمد فمن حاجني في آدم فإنّا أولى الناس بآدم،و من حاجني في نوح فإنّا أولى الناس بنوح،و من حاجني في إبراهيم فإنّا أولى الناس بابراهيم،و من حاجني في محمد صلّى اللّه عليه و اله فإنّا أولى الناس بمحمد صلّى اللّه عليه و اله و من حاجني في النبيين فإنّا أولى الناس بالنبيين،أليس اللّه يقول في محكم كتابه إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فإنّا بقية من آدم و ذخيرة من نوح و مصطفى من إبراهيم و صفوة من محمد صلى اللّه عليهم أجمعين» (1).

محمد بن الحسن الصفار في كتاب(بصائر الدرجات)عن إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد اللّه البرقي عن خلف بن حماد عن محمد القبطي قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«الناس غفلوا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في علي يوم غدير خم كما غفلوا يوم مشربة إبراهيم أتاه الناس يعودونه فجاء علي عليه السّلام ليدنو من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فلم يجد مكانا فلما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنهم لا يوسعون لعلي نادى:يا معشر الناس أفرجوا لعلي ثم أخذ بيده و أقعده معه على فراشه ثم قال:يا معشر الناس هؤلاء أهل بيتي تستخفون بهم و أنا حي بين ظهرانيكم أما و اللّه لئن غبت عنكم فإن اللّه لا يغيب عنكم إنّ الروح و الراحة و الرضوان و البشر و البشارة و الحبّ و المحبة لمن ائتمّ بعلي و ولايته و سلّم له و للأوصياء من بعده حقا لأدخلنهم في شفاعتي لأنهم اتباعي و من تبعني فإنّه منّي مثل ما جرى فيمن اتّبع إبراهيم لأني من إبراهيم و إبراهيم منّي و ديني دينه و دينه ديني و سنّته سنّتي و فضله من فضلي،و أنا أفضل منه و فضلي له فضل تصديق قوله قولي ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ1.

ص: 155


1- الغيبة:279-67/281.

بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و ثبت قدم في مشربة أم إبراهيم حين عاده الناس في مرضه قال هذا» (1).

أحمد بن محمد بن خالد البرقي في(المحاسن)عن علي بن الحكم عن سعد بن خلف عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«الروح و الراحة و الفلح و الفلاح و النجاح و البركة و العفو و العافية و المعافاة و البشرى و النصرة و الرضى و القرب و القرابة و النصر و الظفر و التمكين و السرور و المحبة من اللّه تبارك و تعالى علي من أحب علي بن أبي طالب عليه السّلام و والاه و ائتمّ به و أقرّ بفضله و تولى الأوصياء من بعده حق عليّ أن أدخلهم في شفاعتي و حق على ربي أن يستجيب لي فيهم،و إنهم أتباعي و من تبعني فإنه منّي جرى في مثل إبراهيم عليه السّلام و في الأوصياء من بعدي لأني من إبراهيم و إبراهيّم منّي، دينه ديني و سنّته سنتي،و أنا أفضل منه و فضلي من فضله و فضله من فضلي و تصديق قولي قول ربي: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (2).

محمد بن مسعود العياشي في تفسيره بإسناده عن حبان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ قال نحن منهم و نحن بقية تلك العترة» (3).

العياشي بإسناده عن هشام بن سالم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام:عن قول اللّه إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً فقال:«هو آل إبراهيم و آل محمد على العالمين فوضعوا اسما مكان اسم» (4).

العياشي بإسناده عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«لما قضى محمد صلّى اللّه عليه و اله نبوّته و استكملت أيامه أوحى اللّه:يا محمد قد قضيت نبوّتك و استكملت أيامك فاجعل0.

ص: 156


1- بصائر الدرجات:1/53.
2- المحاسن:152/1 ح 74.
3- تفسير العياشي:168/1 ح 29.
4- تفسير العياشي:168/1 ح 30.

العلم الذي عندك من الإيمان و الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النبوة في العقب من ذريتك فإني لم أقطع العلم و الإيمان و الإسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك و بين أبيك آدم و ذلك قول اللّه: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ و إن اللّه تعالى لم يجعل العلم جهلا و لم يكل أمره إلى أحد من خلقه لا إلى ملك مقرب،و لا إلى نبي مرسل،و لكنه أرسل رسلا من ملائكته فقال له كذا و كذا فأمرهم بما يحب و نهاهم عما يكره فقصّ عليه أمر خلقه بعلمه فعلّم ذلك العلم و علّم أنبياءه و أصفياءه من الأنبياء و الأعوان و الذرية التي بعضها من بعض فذلك قوله: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (1)فأما الكتاب فهو النبوّة،و أما الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء في الصفوة،و أما الملك العظيم فهم الأئمة الهداة في الصفوة و كل هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض التي جعل فيهم البقية و فيهم العاقبة و حفظ الميثاق و حتى تنقضي الدنياو للعلماء و لولاة الأمر الاستنباط للعلم و الهداية» (2).

العياشي بإسناده عن أبي عبد الرّحمن عن أبي كلدة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:الروح و الراحة و الرحمة و النصر و اليسر و اليسار و الرضى و الرضوان و المخرج و الفلح و القرب و المحبة من اللّه و من رسوله لمن أحب عليا و ائتمّ بالأوصياء من بعده حقا علي أن أدخلهم في شفاعتي،و حق على ربي أن يستجيب لي فيهم،لأنهم أتباعي و من تبعني فإنّه منّي مثل إبراهيم جرى في ولايته منّي،و أنا منه دينه ديني و ديني دينه و سنّته سنتي و سنّتي سنّته و فضلي فضله و أنا أفضل منه و فضلي له فضل تصديق قول ربي: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (3).3.

ص: 157


1- النساء:54.
2- تفسير العياشي:168/1 ح 31.
3- تفسير العياشي:169/1 ح 33.

العياشي بإسناده إلى أيوب قال:سمعني أبو عبد اللّه عليه السّلام و أنا أقول إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ فقال لي:«و آل محمد كانت فمحوها و تركوا آل إبراهيم و آل عمران» (1).

أبو عمرو الزبيري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:ما الحجة في كتاب اللّه أن آل محمد هم أهل بيته؟

قال:«قول اللّه تبارك و تعالى: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ هكذا نزلت عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ و لا يكون الذرية من القوم إلاّ نسلهم من أصلابهم و قال: اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ صلّى اللّه عليه و اله رواية أبي خالد القماط (2).

و عن الشيخ الطوسي قدّس سرّه روى أبو جعفر القلاني قال:حدّثنا الحسين بن الحسن قال:حدّثنا عمرو بن أبي المقدام عن يونس بن حباب عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:ما بال اقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم و آل عمران فرحوا و استبشروا و إذا ذكر عندهم آل محمد اشمأزت قلوبهم و الذي نفس محمد بيده لو أن أحدهم وافى بعمل سبعين نبيا يوم القيامة ما قبل اللّه ذلك منه حتى يوافي بولايتي و ولاية علي بن أبي طالب عليه السّلام» (3)و قال أيضا روح بن روح عن رجاله عن إبراهيم النخعي عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال:دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام فقلت:يا أبا الحسن أخبرني بما أوصى إليك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟

فقال:«سأخبركم إن اللّه اصطفى لكم الدين و ارتضاه و أتم عليكم نعمته إن كنتم أحق بها و أهلها،و إن اللّه أوحى إلى نبيه أن يوصي إليّ فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:يا علي احفظ وصيتيي.

ص: 158


1- تفسير العياشي:169/1 ح 34.
2- تفسير العياشي:169/1 ح 35.
3- أمالي الطوسي:/140ح 229،و فيه:حتى يلقاه بولايتي و ولاية أهل بيتي.

و ارفع ذمامي و اوف بعهدي و انجز عداتي و اقض ديني و أحيي سنتي و ادع إلى ملتي؛ لأن اللّه تعالى اصطفاني و اختارني فذكرت دعوة أخي موسى عليه السّلام فقلت:اللهم اجعل لي وزيرا من أهلي كما جعلت هارون من موسى فأوحى اللّه عز و جل إليّ أنّ عليا و زيرك و ناصرك و الخليفة من بعدك ثم قال:يا علي أنت من أئمة الهدى و أولادك منك فأنتم قادة الهدى و التقى و الشجرة التي أنا أصلها و أنتم فروعها فمن تمسك بها فقد نجا و من تخلف عنها فقد هلك و هوى و أنتم الذين أوجب اللّه تعالى مودّتكم و ولايتكم و الذين ذكرهم اللّه في كتابه و وصفهم لعباده فقال عزّ و جلّ من قائل: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فأنتم صفوة اللّه من آدم و نوح و آل إبراهيم و آل عمران و أنتم الاسرة من إسماعيل و العترة الهادية من محمد صلى اللّه عليه و آله أجمعين» (1).4.

ص: 159


1- بحار الأنوار:222/23 ح 24.

في قوله تعالى (وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)

من مسند أحمد بن حنبل روى عبد اللّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال:حدّثنا أسود بن عامر قال:حدّثنا شريك عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد اللّه الأسدي عن علي عليه السّلام قال:«لما نزلت هذه الآية وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (1)جمع النبي صلّى اللّه عليه و اله من أهل بيته فاجتمع ثلاثون فأكلوا و شربوا».

قال:فقال لهم:«من يضمن عني ديني و مواعيدي و يكون معي في الجنة و يكون خليفتي في أهلي،فقال رجل لم يسمه شريك:يا رسول اللّه أنت كنت تجد من يقوم بهذا؟

قال ثم قال لآخر:قال فعرض ذلك على أهل بيته،فقال علي:عليه السّلام أنا» (2).

عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال:حدّثنا أبو خيثمة قال:حدّثنا أسود بن عامر قال:

أخبرنا شريك عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد اللّه الأسدي عن علي عليه السّلام:«لما نزلت وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بأربعين رجلا من أهل بيته،و إن الرجل منهم لا تحل جذعة و إن كان شاربا فرقا،فقدّم إليهم فأكلوا حتى شبعوا،فقال لهم:من يضمن عني ديني و مواعيدي و يكون معي في الجنة و يكون خليفتي في أهلي؟فعرض ذلك على أهل بيته،فقال عليّ عليه السّلام:أنا»قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:

«علي يقضي ديني عني و ينجز مواعيدي»و لفظ الحديث للحماني و بعضه لحديث أبي

ص: 160


1- الشعراء:214.
2- مسند أحمد:111/1.

خيثمة (1).

الثعالبي في تفسيره في سورة الشعراء في تفسير هذه الآية قال:أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين حدّثنا موسى بن محمد حدّثنا الحسن بن علي بن شعيب العمري حدّثنا عباد بن يعقوب حدّثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكرى بن ميسرة عن أبي إسحاق عن البراء قال:لما نزلت وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بني عبد المطلب،و هم يؤمئذ أربعون رجلا الرجل منهم يأكل المسنة و يشرب العس،فأمر عليا أن يدخل شاة فأدمها ثم قال:

«أدنوا بسم اللّه»فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا،ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة»ثم قال لهم:«إشربوا بسم اللّه»فشربوا حتى رووا،فبدرهم أبو لهب فقال:

هذا ما سحركم به الرجل،فسكت النبي صلّى اللّه عليه و اله يومئذ فلم يتكلم ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك الطعام و الشراب ثم أنذرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:«يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من اللّه عز و جل و البشير لما لم يجىء به أحد جئتكم بالدنيا و الآخرة فأسلموا و أطيعوني تهتدوا و من يواخيني و يوازرني و يكون ولييّ و وصييّ بعدي و خليفتي في أهلي و يقضي ديني؟»فسكت القوم و أعاد ذلك ثلاثا كل ذلك يسكت القوم و يقول عليّ:«أنا»،فقال:أنت.

فقام القوم و هم يقولون لأبي طالب:أطع ابنك فقد أمّر عليك.

و روى ذلك من طريق الثعلبي في تفسيره بالسند و المتن بتغيير يسير لا يضر بالمعنى (2).

ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة و هو من أعيان علماء العامة قال:ذكر الطبري في تاريخه عن عبد اللّه بن عباس عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:«لما نزلتي.

ص: 161


1- كنز العمال:129/13 بتفاوت،و جواهر المطالب:71/1،و تاريخ دمشق:32/4 ط.دار الفكر.
2- العمدة:38 عن الثعلبي.

هذه الآية وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله دعاني فقال:يا علي إن اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا و علمت أنه متى ما أبادرهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت حتى جاءني جبرائيل فقال يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرت به يعذ بك ربك،فاصنع لنا صاعا من طعام و اجعل عليه رجل شاة و املأ لنا عسا من لبن ثم اجمع بني عبد المطلب حتى أكلمهم و أبلغهم ما أمرت به ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم و هم يؤمئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا،فيهم أعمامه أبو طالب و حمزة و العباس و أبو لهب،فلما اجتمعوا إليه دعا بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به.

فلما وضعته تناول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال:كلوا بسم اللّه،فأكلوا حتى مالهم إلى شىء من حاجة،و أيم اللّه الذي نفس علي بيده إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمته لجميعهم،ثم قال:اسق القوم يا علي فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعا،و أيم اللّه إن كان الرجل منهم ليشرب مثله.

فلما أراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال:لشد ما سحركم صاحبكم فتفرّق القوم و لم يتكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:من الغد يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول فتفرّق القوم قبل أن أكلمهم فعد لنا اليوم إلى مثل ما صنعت بالأمس ثم اجمعهم لي،ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتى مالهم بشيء حاجة ثم قال:اسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا منه جميعا حتى رووا ثم تكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثم قال:يا بني عبد المطلب إني و اللّه ما أعلم أن شابا في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به،إني قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة و قد أمرني اللّه أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم،فأحجم القوم عنها جميعا و قلت:أنا و إني لأحدثهم سنا و أرمصهم عينا و أعظمهم بطنا و أحمشهم ساقا قال:قلت:أنا يا رسول اللّه أكون وزيرك

ص: 162

عليه فأعاد القول فأمسكوا،و أعدت ما قلت فأخذ برقبتي ثم قال لهم:هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب:قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع» (1).

ابن أبي الحديد في(شرح نهج البلاغة)قال:روى أبو جعفر الطبري أيضا في التاريخ أن رجلا قال لعلي عليه السّلام:يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن عمك دون عمك؟

فقال علي عليه السّلام:«هاؤم ثلاث مرات حتى اشرأب الناس و نشروا أذانهم ثم قال:جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بني عبد المطلب بمكة و هم رهط كلهم يأكل الجذعة و يشرب الفرق فصنع مدا من طعام حتى أكلوا و شبعوا و بقى الطعام كما هو كأنه لم يمس ثم دعا بغمر فشربوا و رووا و بقي الشراب كأنه لم يشرب ثم قال:يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم خاصة و إلى الناس عامة،فأيكم يبايعني على أن يكون أخي و صاحبي و وارثي فلم يقم عليه أحد فقمت إليه،و كنت من أصغر القوم فقال:إجلس قال ذلك ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول إجلس حتى كان في الثالثة فضرب بيده على يدي،فعند ذلك ورثت ابن عمي دون عمي» (2).3.

ص: 163


1- شرح نهج البلاغة:210/13.
2- شرح نهج البلاغة:212/13.

في قوله تعالى (فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ)

علي بن إبراهيم قال:أخبرنا أحمد بن إدريس قال:حدّثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن إسماعيل بن عباد عن الحسين بن أبي يعقوب عن بعض أصحابه عن أبي جعفر عليه السّلام: «أَ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يعني يقتل في قتله بنت النبي صلّى اللّه عليه و اله يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً يعني الذي جهّز به النبي صلّى اللّه عليه و اله في جيش العسرة أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قال:فساد كان في نفسه أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ يعني رسول اللّه وَ لِساناً يعني أمير المؤمنين وَ شَفَتَيْنِ يعني الحسن و الحسين وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ إلى ولايتهما فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ يقول:ما أعلمك و كل شيء في القرآن و ما أدراك فهو ما أعلمك يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و المقربة قرباه أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ يعني أمير المؤمنين متربا بالعلم» (1).

ص: 164


1- تفسير القمي:423/2.

في قوله تعالى (وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)

محمد بن يعقوب عن أبي القاسم رضى اللّه عنه رفعه عن عبد العزيز بن مسلم و روى ابن بابويه في كتاب(معاني الأخبار)قال أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضى اللّه عنه قال:حدّثنا أبو أحمد القاسم بن أحمد بن محمد بن علي الهاروني قال:

حدّثنا أبو حامد عمران بن موسى بن إبراهيم عن الحسن بن القاسم الزمام قال:

حدثني القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم و اللفظ لمحمد بن يعقوب قال كنا مع الرضا عليه السّلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة.و ذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي عليه السّلام فأعلمته خوض الناس في ذلك فتبسم عليه السّلام ثم قال:«يا عبد العزيز جهل القوم و خدعوا عن أديانهم إن اللّه عز و جل لم يقبض نبيه صلّى اللّه عليه و اله حتى أكمل لهم الدين و أنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء بيّن فيه الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام و جميع ما يحتاج الناس إليه كملا و قال عز و جل: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ و أنزل في حجة الوداع و هي آخر عمره صلّى اللّه عليه و اله اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فأمر الإمامة من تمام الدين و لم يمض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حتى بيّن لامته معالم دينهم و أوضح لهم سبيلهم و تركهم على قصد سبيل الحق و أقام لهم عليا عليه السّلام علما و إماما و ما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلاّ بيّنه فمن زعم أن اللّه عز و جل لم يكمل دينه فقد رد كتاب اللّه،و من رد كتاب اللّه فهو كافر.

هل تعرفون قدر الإمامة و محلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم إن الإمامة أجل قدرا و أعظم شأنا و أعلى مكانا و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها

ص: 165

بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم إن الإمامة خص ژ اللّه عزّ و جلّ بها إبراهيم الخليل عليه السّلام بعد النبوة و الخلة مرتبة ثالثة و فضيلة شرّفه بها و أشاد بها ذكره فقال: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً فقال الخليل عليه السّلام سرورا بها: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي ؟

قال اللّه تبارك و تعالى: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة فصارت في الصفوة ثم أكرمه اللّه تعالى بأن جعلها اللّه في ذريته أهل الصفوة و الطهارة فقال: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ.

فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورّثها اللّه عزّ و جلّ النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال جل و تعالى إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ فكانت له خاصة فقلّدها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عليا عليه السّلام بأمر اللّه عز و جل على رسم ما فرضها اللّه فصارت في ذريته الأوصياء الذين آتاهم اللّه العلم و الإيمان بقوله جل و علا: وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فهي في ولد علي عليه السّلام خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد صلّى اللّه عليه و اله فمن أين يختار هؤلاء الجهال الإمامة.

إن الإمامة هي منزلة الأنبياء و إرث الأوصياء إن الإمامة خلافة اللّه و خلافة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و مقام أمير المؤمنين عليه السّلام و ميراث الحسن و الحسين عليهما السّلام،لقوله عزّ و جل وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ إن الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عز المؤمنين،إن الإمامة اسّ الإسلام النامي و فرعه السامي بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد و توفير الفيء و الصدقات و امضاء الحدود و الأحكام و منع الثغور و الأطراف و الإمام يحل حلال اللّه و يحرّم حرام اللّه و يقيم حدود اللّه و يذب عن دين اللّه و يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة بالحجة البالغة و الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم و هي في الافق بحيث لا تنالها الأيدي و الأبصار،

ص: 166

و الإمام البدر المنير و السراج الزاهر و النور الساطع و النجم الهادي في غياهب الدجى، و البلدان القفار و لجج البحار،و الإمام الماء العذب على الظماء و الدال على الهدى المنجي من الردى،الإمام النار على اليفاع (1)الحار لمن اسطلى و الدليل في المهالك من فارقه فهالك.

الإمام السحاب الماطر و الغيث الهاطل و الشمس المضيئة و السماء الظليلة و الأرض البسيطة و العين الغزيرة و الغدير و الروضة الإمام الأنيس الرفيق و الوالد الشفيق و الأخ الشقيق و الام البّرة بالولد الصغير و مفزع العباد في الداعية الناد،الإمام أمين اللّه في خلقه و حجته على عباده و خليفته في بلاده و الداعي إلى اللّه و الذاب عن حرم اللّه،و الإمام المطهر من الذنوب المبرأ من العيوب المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم نظام الدين و عز المسلمين و غيظ المنافقين و بوار الكافرين،و الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد و لا يعادله عالم لا يوجد عنه بدل و لا له مثل و لا نظير مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له و لا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب،فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره؟هيهات هيهات ضلت العقول و تاهت الحلوم و حارت الألباب و خسئت العيون و تصاغرت العظماء و تحيّرت الحكماء و تقاصرت الحلماء و حصرت الخطباء و جهلت الألبّاء وكّلت الشعراء و عجزت الأدباء و عييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله فأقرّت بالعجز و التقصير و كيف يوصف بكله أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه و يغني غناه.

لا و كيف و انى و هو بحيث النجم من أيدي المتناولين و وصف الواصفين فأين الاختيار من هذا؟!و أين العقول عن هذا؟!و أين يوجد مثل هذا أظنوا أن ذلك يوجد في غير آل محمد صلّى اللّه عليه و آله كذبتهم و اللّه أنفسهم و منّتهم الأباطيل فارتقوا مرتقا صعبا دحضا).

ص: 167


1- في الحديث:«الإمام النار كلما اليفاع»أي يضيء القريب و البعيد«للحار لمن اصطلى»أي لمن أراد الانتفاع،و اليفاع ما ارتفع من الأرض،و اليفاع ما ارتفع من كل شيء مجمع البحرين(هامش المخطوط).

تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم راموا إقامة الإمام بعقول جائرة بائرة ناقصة و آراء مضلة فلم يزدادوا منه إلاّ بعدا قاتلهم اللّه أنى يؤفكون و لقد راموا صعبا و قالوا افكا و ضلوا ضلالا بعيدا و وقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ و رغبوا عن اختيار اللّه و اختيار رسوله إلى اختيارهم و القرآن يناديهم وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللّهِ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ.

و قال عز و جل: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ و قال: ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ.

و قال عز و جل: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها أم طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أم قالُوا سَمِعْنا وَ هُمْ لا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ وَ لَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ أم قالُوا سَمِعْنا وَ عَصَيْنا بل ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ فكيف لهم باختيار الإمام؟!و الإمام عالم لا يجهل وداع لا ينكل معدن القدس و الطهارة و النسك و النزاهة و العلم و العبادة مخصوص بدعوة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و نسل الطاهرة البتول لا مغمز فيه في نسب و لا يدانيه ذو حسب في النسب من قريش و الذروة من هاشم و العترة من الرسول صلّى اللّه عليه و اله و الرضى من اللّه جلّ و عزّ شرف الأشراف و الفرع من عبد مناف نامي العلم كامل الحلم مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر اللّه عز و جل ناصح لعباد اللّه عز و جل حافظ لدين اللّه،إن الأنبياء و الأئمة صلوات اللّه عليهم يوفقهم اللّه و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم ليكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله جل و تعالى: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ و قوله تبارك و تعالى: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً

ص: 168

كَثِيراً و قوله في طالوت: إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ و قال لنبيه صلّى اللّه عليه و اله أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً و قال في الأئمة من أهل بيت نبيه و عترته و ذريته صلوات اللّه عليهم: أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَ كَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً.

و إن العبد إذا اختاره اللّه عز و جل لأمور عباده شرح لذلك صدره و أودع قلبه ينابيع الحكمة و ألهمه العلم إلهاما،فلم يع بعده بجواب و لا يحير فيه عن صواب فهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد أمن الخطأ و الزلل و العثار،و يخصه بذلك ليكون حجته على عباده و شاهده على خلقه و ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ فهل يقدرون على مثل هذا؟فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه بعدوا و بيت اللّه من الحق و نبذوا كِتابَ اللّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ و في كتاب اللّه الهدى و الشفاء فنبذوه و اتبعوا أهواءهم فذمهم اللّه و مقتهم و أنفسهم فقال جل و تعالى: وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ و قال: فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ و قال: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ و صلى اللّه على النبي و آله و سلم تسليما كثيرا» (1).1.

ص: 169


1- الكافي:198/1 ح 1،معاني الأخبار:96-2/101.

في قوله تعالى (وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)

أبو نعيم الإصفهاني صاحب(حلية الأبرار)بإسناده إلى عون بن أبي جحيفة عن أبيه في قوله تعالى: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (1)عن علي ابن أبي طالب عليه السّلام قال:«إلى ولايتنا» (2).

محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير و محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال جميعا عن أبي جميلة عن خالد بن عمار عن سدير قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام و هو داخل و أنا خارج و أخذ بيدي ثم استقبل البيت فقال:«يا سدير إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا و هو قول اللّه تعالى: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ثم أومأ بيده إلى صدره إلى ولايتنا»ثم قال:«يا سدير فاريك الصادين عن دين اللّه»ثم نظر إلى أبي حنيفة و سفيان الثوري في ذلك الزمان و هم حلق في المسجد فقال:«هؤلاء الصادون عن دين اللّه تعالى بلا هدى من اللّه و لا كتاب مبين إن هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس فلم يجدوا أحدا يخبرهم عن اللّه تبارك و تعالى و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حتى يأتونا فنخبرهم عن اللّه تبارك و تعالى و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله» (3).

محمد بن الحسن الصفار في كتاب(بصائر الدرجات)عن محمد بن عيسى عن

ص: 170


1- طه:82.
2- بحار الأنوار:166/32 ح 151.
3- الكافي:393/1 ح 3.

صفوان عن يعقوب بن شعيب قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه تبارك و تعالى:

وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى قال:«و من تاب من ظلم و آمن من كفر و عمل صالحا ثم اهتدى إلى ولايتنا»ثم أومأ بيده إلى صدره (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن أحمد بن عبد اللّه عن أبيه عن محمد بن خالد قال:

حدّثنا سهل بن زياد الفارسي قال:حدّثنا محمد بن منصور عن عبد اللّه بن جعفر عن محمد بن الفيض بن المختار عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه عن جده عليه السّلام قال:«خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ذات يوم و هو راكب،و خرج علي عليه السّلام و هو يمشي،فقال له:يا أبا الحسن إما أن تركب و إما أن تنصرف»و ذكر الحديث إلى أن قال فيه:«و اللّه يا علي ما خلقت إلا لتعبد ربك و ليشرف بك معالم الدين و يصلح بك دارس السبيل و لقد ضل من ضل عنك و لن يهتدي الى اللّه عزّ و جل من لم يهتد إليك و إلى ولايتك و هو قول ربي عز و جل: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى يعني إلى ولايتك» (2).

علي بن إبراهيم في تفسيره قال:حدّثنا أحمد بن علي بن محمد قال:حدّثنا الحسن بن عبيد اللّه عن السندي بن محمد عن أبان عن الحارث بن يحيى عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى «ألا ترى كيف اشترط و لم تنفعه التوبة و الإيمان و العمل الصالح حتى اهتدى و اللّه لو جهد أن يعمل بعمل ما قبل منه حتى يهتدي»قال:قلت:إلى من جعلني اللّه فداك؟

قال:«إلينا» (3).

محمد بن العباس قال:حدّثنا علي بن عباس البلخي قال:حدّثنا عباد بن يعقوب عن علي بن هاشم عن جابر بن الحر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله2.

ص: 171


1- بصائر الدرجات:6/78.
2- امالي الصدوق:803/583.
3- تفسير القمي:61/2.

تعالى: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى قال:«إلى ولايتنا» (1).

محمد بن العباس قال:حدّثنا الحسين بن عامر عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن المنخل عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى قال:«إلى ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام» (2).

الشيخ في أماليه قال:أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد اللّه بن محمد ابن مهدي قال:أخبرنا-أحمد يعني ابن عقدة-قال:أخبرنا الحسن بن علي بن بزيع قال:حدّثنا القاسم بن الضحاك قال:حدّثنا شهر بن خوشب أخو العوام عن أبي سعيد الهمداني عن أبي جعفر عليه السّلام إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً قال:«و اللّه لو أنه تاب و آمن و عمل صالحا و لم يهتد إلى ولايتنا و مودتنا و معرفة فضلنا ما اغنى عنه ذلك شيئا» (3).

محمد بن العباس قال:حدّثنا محمد بن همام عن محمد بن إسماعيل العلوي عن عيسى بن داود النجار عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام في قول اللّه عز رجل:

وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى قال:«إلى ولايتنا» (4).

أحمد بن محمد بن خالد البرقي في(المحاسن)عن أبيه عن حماد بن عيسى فيما أعلم عن يعقوب بن شعيب قال:سألت أبا عبد اللّه عن قول اللّه عز و جل:إلا من تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى قال:«إلى ولايتنا و اللّه أما ترى كيف اشترط اللّه عز و جل» (5).

أبو علي الطبرسي في(مجمع البيان)قال أبو جعفر الباقر عليه السّلام:« ثُمَّ اهْتَدى إلى5.

ص: 172


1- بحار الأنوار:148/24 ح 26.
2- بحار الأنوار:148/24 ح 27.
3- امالي الطوسي:468/259.
4- بحار الأنوار:150/24 ح 34.
5- المحاسن:142/1 ح 35.

ولايتنا[أهل البيت فو اللّه]لو أن رجلا عبد اللّه عمره ما بين الركن و المقام ثم مات و لم يجيء بولايتنا إلاّ أكبه (1)اللّه في النار على وجهه» (2).

الطبرسي قال:روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده و أورده العياشي في تفسيره من عدة طرق (3).

و عن محمد بن سليمان بإسناد عن داود بن كثير البرقي قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت له:جعلت فداك قوله تعالى: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى فما هذا الاهتداء بعد التوبة و الإيمان و العمل الصالح؟

فقال:«معرفة الأئمة و اللّه إمام بعد إمام» (4).

علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن الفضيل عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى ثُمَّ اهْتَدى قال:«اهتدى إلينا» (5).2.

ص: 173


1- في المصدر:لأكبه.
2- مجمع البيان:45/7.
3- مجمع البيان:45/7.
4- فضائل الشيعة:/26ح 22،تأويل الآيات:316/1 ح 9.
5- تفسير القمي:61/2.

في قوله تعالى (وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ)

إسماعيل بن عبد اللّه محمّد بن عليّ قال:أخبرنا محمّد بن عبد اللّه بن المطلّب الشيباني رضى اللّه عنه قال:حدّثنا محمّد أبو بكر بن هارون الدينوري قال:حدّثنا محمّد بن العيّاش المصري قال:حدّثنا عبد اللّه بن إبراهيم الغفاري قال:حدّثنا حريز بن عبد اللّه الحذّاء قال:حدّثنا إسماعيل بن عبد اللّه قال:قال الحسين بن عليّ عليه السّلام:قال لمّا أنزل اللّه تبارك و تعالى هذه الآية: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن تأويلها فقال:و اللّه ما يعني بها غيركم و أنتم أولوا الأرحام فإذا متّ فأبوك عليّ أولى بي فإذا مضى أبوك فأخوك الحسن أولى به فإذا مضى الحسن فأنت أولى به،قلت:يا رسول اللّه فمن بعدي؟

قال:ابنك عليّ أولى بك من بعدك فإذا مضى فابنه محمّد أولى به من بعده فإذا مضى محمّد فابنه جعفر أولى به من بعده و بمكانه فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى به من بعده فإذا مضى موسى فابنه عليّ أولى به من بعده فإذا مضى عليّ فابنه محمّد أولى به من بعده فإذا مضى محمّد فابنه عليّ أولى به من بعده فإذا مضى عليّ فابنه جعفر أولى به من بعده و بمكانه فإذا مضى الحسن وقعت الغيبة في التاسع من ولدك فهذه الأئمّة التسعة من صلبك أعطاهم اللّه علمي و فهمي،طينتهم من طينتي ما لقوم يؤذونني فيهم لا أنالهم اللّه شفاعتي (1).

محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن المفضل بن صالح عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله:

ص: 174


1- كفاية الأثر:176،و بحار الأنوار:344/36 ح 209.

إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً يعني الأئمة عليهم السّلام و ولايتهم من دخل فيها دخل في بيت النبي صلّى اللّه عليه و اله (1).

محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس و علي بن محمد عن سهل بن زياد أبي سعيد عن محمد بن عيسى عن ابن مسكان عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جل: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فقال«نزلت في علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين»فقلت له:إن الناس يقولون فما له لم يسم عليّا و أهل بيته في كتاب اللّه عزّ و جلّ؟

فقال:«قولوا لهم:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله نزلت عليه الصلاة و لم يسم اللّه لهم ثلاثا و لا أربعا حتى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله هو الذي فسّر ذلك لهم،و نزلت عليه الزكاة و لم يسم لهم من كل أربعين درهما درهم حتى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله هو الذي فسّر ذلك لهم،و نزل الحج فلم يقل لهم طوفوا سبعا حتى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله هو الذي فسّر ذلك لهم و نزلت أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ نزلت في علي و الحسن و الحسين فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في علي:من كنت مولاه فعلي مولاه،و قال صلّى اللّه عليه و اله:أوصيكم بكتاب اللّه و أهل بيتي فإني سألت اللّه عزّ و جل أن لا يفرّق بينهما حتى يوردهما عليّ الحوض فأعطاني ذلك و قال:لا تعلّموهم فهم أعلم منكم،و قال:إنهم لن يخرجوكم من باب هدى و لن يدخلوكم في باب ضلالة فلو سكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فلم يبين من أهل بيته لادّعاها آل فلان و آل فلان و لكن اللّه عزّ و جلّ أنزله في كتابه تصديقا لنبيّه صلّى اللّه عليه و اله إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فكان علي و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام فأدخلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تحت الكساء في بيت أمّ سلمة ثم قال:اللهم إن لكل نبي أهلا و ثقلا و هؤلاء أهل بيتي و ثقلي،فقالت:ام سلمة ألست من أهلك؟

فقال:إنك إلى خير و لكن هؤلاء أهلي و ثقلي،فلما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان علي أولى الناس بالناس لكثرة ما بلّغ فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و إقامته للناس و أخذ بيده فلما مضى علي4.

ص: 175


1- الكافي:423/1 ح 54.

لم يكن يستطيع علي و لم يكن ليفعل أن يدخل محمد بن علي و لا العباس بن علي و لا أحد من ولده اذا لقال الحسن و الحسين:إن اللّه تبارك و تعالى أنزل فينا كما أنزل فيك و أمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك،و بلّغ فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كما بلّغ فيك و أذهب عنا الرجس كما أذهبه عنك،فلما مضى علي عليه السّلام كان الحسن أولى بها لكبره فلما تولى لم يستطع أن يدخل ولده و لم يكن ليفعل ذلك و اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ فيجعلها في ولده إذا لقال الحسين عليه السّلام:أمر اللّه تبارك و تعالى بطاعتي كما أمر بطاعتك و طاعة أبيك و بلّغ فيّ رسول اللّه كما بلّغ فيك و في أبيك و أذهب اللّه عنّي الرجس كما أذهب عنك و عن أبيك،فلما صارت إلى الحسين لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدّعي عليه كما كان هو يدّعى على أخيه و على أبيه،و لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه،و لم يكن ليفعلا ثم صارت حين أفضت إلى الحسين عليه السّلام فجرى تأويل هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ، ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين،ثم صارت من بعد علي بن الحسين إلى محمد بن علي،و قال:

اَلرِّجْسَ هو الشك و اللّه لا نشك في ربنا أبدا» (1).1.

ص: 176


1- الكافي:287/1 ح 1.

جملة ما نزل بالحسين عليه السّلام من الآيات

عليّ بن إبراهيم في تفسيره قال:حدّثني أبي عن حنان بن سدير عن عبد اللّه بن الفضل الهمداني عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«مرّ عليه رجل عدو للّه و لرسوله فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ الدخان:29.ثمّ مرّ عليه الحسين بن عليّ عليه السّلام فقال لكن هذا لتبكينّ عليه السماء و الأرض-و قال:و ما بكت السماء و الأرض إلاّ على يحيى بن زكريا و على الحسين بن عليّ عليه السّلام» (1).

عن الحسن بن الحكم النخعي عن رجل قال:سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة و هو يتلو هذه الآية:« فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إذ خرج عليه الحسين بن عليّ عليه السّلام من بعض أبواب المسجد فقال له:«أمّا هذا سيقتل و تبكي عليه السماء و الأرض». (2)

عن أبي جميلة عن محمّد بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى:

فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ قال:«لم تبك السماء أحدا منذ قتل يحيى بن زكريا حتّى قتل الحسين عليه السّلام فبكت عليه». (3)

عن كثير بن شهاب الحارثي قال:بينا نحن جلوس عند أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة إذ طلع الحسين عليه السّلام فضحك عليّ ضحكا حتّى بدت نواجده ثمّ قال:«إن اللّه ذكر قوما فقال فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ و الذي فلق الحبة

ص: 177


1- تفسير القمّي:291/2.
2- كامل الزيارات:2/180.
3- كامل الزيارات:8/182.

و برأ النسمة ليقتلن هذا و لتبكين عليه السماء و الأرض» (1).

و عن داود بن فرقد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«كان الذي قتل الحسين ولد زنى و الذي قتل يحيى بن زكريا ولد زنى و قد احمرّت السماء حين قتل الحسين عليه السّلام سنة.

ثمّ قال:بكت السماء و الأرض على الحسين بن عليّ و يحيى بن زكريا و حمرتها بكاؤها». (2)

و عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إذا قبض اللّه نبيا من الأنبياء بكت عليه السماء و الأرض أربعين سنة إذا مات العالم العامل بعلمه بكيا عليه أربعين يوما،و أمّا الحسين عليه السّلام فتبكي عليه السماء و الأرض طول الدهر و تصديق ذلك أن يوم قتله قطرت السماء دما،و إن هذه الحمرة التي ترى في السماء ظهرت يوم قتل الحسين عليه السّلام و لم تر قبله أبدا و إن يوم قتله عليه السّلام لم يرفع حجر في الدنيا إلاّ وجد تحته دم.

الطبرسي عن زرارة بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«بكت السماء على يحيى بن زكريا و على الحسين بن عليّ أربعين صباحا و لم تبك إلاّ عليهما»

قلت:فما بكاؤها؟

قال:«كانت تطلع حمراء و تغيب حمراء». (3)

و في الإحتجاج عن سعد بن عبد اللّه قال:سألت القائم عليه السّلام عن تأويل كهيعص فقال:هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع اللّه عليها عبده زكريا ثمّ قصّها على محمّد صلّى اللّه عليه و اله و ذلك أنّ زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة فعلّمه إيّاها،فكان زكريا إذا ذكر محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن تجلّى عنه همّه،و إذا ذكر الحسين9.

ص: 178


1- كامل الزيارات:24/187-21.
2- كامل الزيارات:27/188،بحار الأنوار:213/45.
3- مجمع البيان:99/9.

خنقته العبرة فقال يوما:إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة تسلّيت بأسمائهم من همومي و إذا ذكرت الحسين تدمع عيني؟فأنبأه اللّه تعالى عن قصّته.

فقال:(كهيعص)فالكاف اسم كربلاء و الهاء هلاك العترة و الياء يزيد و هو ظالم الحسين،و العين عطشه و الصاد صبره.

فلمّا سمع زكريا عليه السّلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام و منع فيهنّ الناس من الدخول عليه و أقبل على البكاء و النحيب و كان يرثيه:إلهي أتفجّع خيرة جميع خلقك بولده إلهي أتنزل بلوى هذه الرزيّة بفنائه،إلهي أتلبس عليّا و فاطمة ثياب هذه المصيبة بساحتهما،ثمّ كان يقول:إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ثمّ افجعني به كما تفجع محمّدا حبيبك بولده فرزقه اللّه يحيى و فجعه به،و كان حمل يحيى ستّة أشهر و حمل الحسين عليه السّلام كذلك،الحديث.

و في الأمالي عن كعب الأخبار قال في كتابنا يعني التوراة:إنّ رجلا من ولد محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقتل و لا يجف عرق دواب أصحابه حتّى يدخلوا الجنّة فيعانقوا الحور العين فمرّ بنا الحسن عليه السّلام فقلنا:هو هذا؟

قال:لا،فمرّ بنا الحسين عليه السّلام فقلنا:هو هذا؟

قال:نعم (1).

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ قال:حسب فرأى ما يحلّ بالحسين عليه السّلام فقال:إنّي سقيم لما يحلّ بالحسين عليه السّلام (2).

السقم هنا ليس في بدن و إنما في النفس و القلب لأجل ما رأى فيما ينزل بالحسين عليه السّلام ولد خاتم الأنبياء من المصيبة و البلية في نفسه و أهله و ولده.

في تفسير العيّاشي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في تفسير هذه الآية: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ5.

ص: 179


1- دلائل الامامة:514.
2- الكافي:465/1 ح 5.

قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ مع الحسن وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ... فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ مع الحسين... قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ إلى خروج القائم عليه السّلام فإنّ معه النصر و الظفر،قال اللّه: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى (1).

و في كنز الفوائد مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:إقرأوا سورة الفجر في نوافلكم و فرائضكم فإنّها سورة الحسين بن عليّ لقوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إنّما يعني الحسين بن علي فهو ذو النفس المطمئنّة الراضية المرضية و أصحابه من آل محمّد هم الراضون عن اللّه يوم القيامة و هو عنهم راض.

و هذه السورة في الحسين بن عليّ و شيعته،من أدمن قراءة و الفجر كان مع الحسين بن عليّ في درجته في الجنّة إنّ اللّه عزيز حكيم (2).

و روى صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى: فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ إنّه رأى على ساق العرش أسماء النبيّ و الأئمّة عليهم السّلام فلقّنه جبرائيل:قل يا حميد بحقّ محمّد يا عالي بحقّ علي يا فاطر بحقّ فاطمة يا محسن بحقّ الحسن و الحسين و منك الإحسان،فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه و قال:يا جبرائيل في ذكر الخامس تسيل عبرتي و ينكسر قلبي قال:هذا ولدك يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب؛ يقتل عطشانا غريبا وحيدا ليس له ناصر و لا معين و لو تراه يا آدم و هو يقول:

و اعطشاه و اقلّة ناصراه حتّى يحول العطش بينه و بين السماء كالدّخان فلم يجبه أحد إلاّ بالسيوف فيذبح ذبح الشاة من قفاه و ينهب رحله أعداؤه و تشهر رؤوسهم هو و أنصاره في البلدان و معهم النسوان فبكى آدم بكاء الثكلى (3).4.

ص: 180


1- تفسير العياشي:258/1 ح 195.
2- بحار الانوار:219/44 ح 8.
3- بحار الانوار:245/44 ح 44.

عن سلام،عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى: قُولُوا آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا (1)قال:«إنّما عنى بذلك عليا عليه السّلام و فاطمة و الحسن و الحسين و جرت بعدهم في الأئمة عليهم السّلام، ثم يرجع القول من اللّه في النّاس فقال: فَإِنْ آمَنُوا يعني النّاس بمثل ما آمَنْتُمْ بِهِ (2)يعني عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة عليهم السّلام فقد اهتدوا،و إن تولّوا فإنما هم في شقاق».

و عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:إنّ الله تبارك و تعالى عرض على آدم في الميثاق ذريّته،فمرّ به النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و هو متّكئ على علي عليه السّلام،و فاطمة عليها السلام تتلوهما،و الحسن و الحسين عليه السّلام يتلوان فاطمة،فقال الله:يا آدم إياك أن تنظر إليهم بحسد أهبطك من جواري.

فلمّا أسكنه الله الجنة مثل له النبي صلّى اللّه عليه و اله و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم،فنظر إليهم بحسد،ثم عرضت عليه الولاية فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها،فلمّا تاب إلى الله من حسده و أقرّ بالولاية و دعا بحق الخمسة محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم غفر الله له،و ذلك قوله فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ الآية (3).

و عن سماعة بن مهران،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال:الحسن و الحسين وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ (4)قال:إمام تأتمّون به.

قوله يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال علي بن إبراهيم:قوله عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ أي نصيبين من رحمته8.

ص: 181


1- سورة البقرة:136.
2- -سورة البقرة:137.
3- تفسير العياشي 41/1 ح 27.
4- -سورة الحديد:28.

أحديهما أن لا يدخل النار،و الثانية أن يدخل الجنة.

و قوله عزّ و جلّ: وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ يعني الإيمان.

ثم قال:أخبرني الحسين بن علي عن أبيه عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه في قوله تعالى: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال:الحسن و الحسين وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ قال:إمام تأتمون به (1).

ابن شهر اشوب من طريق الخاصة و العامة روى ذلك عن ابن عباس و ابن مسعود و جابر و البراء و أنس و امّ سلمة و السدي و ابن سيرين و الباقر عليه السّلام في قوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً قال:«هو محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام»و في رواية«البشر الرسول و النسب فاطمة و الصهر علي» (2).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إنه سئل عن قول اللّه عز و جل وَ بَيْنَهُما حِجابٌ (3)قال:

«سور بين الجنّة و النار عليه قائم آل محمد صلّى اللّه عليه و اله و علي و الحسن و الحسين و فاطمة و خديجة الكبرى فينادون أين محبونا أين شيعتنا؟فيقبلون إليهم فيعرفونهم بأسمائهم و أسماء آبائهم و ذلك قوله عزّ و جلّ: يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ أي بأسمائهم فيأخذون بأيديهم فيجوزون بهم على الصراط و يدخلونهم الجنة».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم رضى اللّه عنه بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال:مرّ عليه رجل عدوّ للّه و رسوله فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ (4).

ثمّ مرّ عليه الحسين عليه السّلام فقال:فقال هذا لتبكين عليه السماء و الأرض و ما بكت9.

ص: 182


1- الكافي:195/1 ح 3.
2- مناقب آل أبي طالب:29/2.
3- سورة الاعراف:46.
4- الدخان:29.

السماء و الأرض إلاّ على يحيى بن زكريا و الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما (1).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«مرّ عليه رجل عدو للّه و لرسوله فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ (2)ثمّ مرّ عليه الحسين بن عليّ عليه السّلام فقال لكن هذا لتبكينّ عليه السماء و الأرض-و قال:و ما بكت السماء و الأرض إلاّ على يحيى بن زكريا و على الحسين بن عليّ عليه السّلام». (3)

و عن الحسن بن الحكم النخعي عن رجل قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة و هو يتلو هذه الآية: «فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إذ خرج عليه الحسين بن عليّ عليه السّلام من بعض أبواب المسجد فقال له:«أمّا هذا سيقتل و تبكي عليه السماء و الأرض». (4)

عن كثير بن شهاب الحارثي قال:بينا نحن جلوس عند أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة إذ طلع الحسين عليه السّلام فضحك عليّ ضحكا حتّى بدت نواجده ثمّ قال:«إن اللّه ذكر قوما فقال فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ.

و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليقتلن هذا و لتبكين عليه السماء و الأرض». (5)

و عن داود بن فرقد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«كان الذي قتل الحسين ولد زنى و الذي قتل يحيى بن زكريا ولد زنى و قد احمرّت السماء حين قتل الحسين عليه السّلام سنة.

ثمّ قال:بكت السماء و الأرض على الحسين بن عليّ و يحيى بن زكريا و حمرتها بكاؤها». (6)5.

ص: 183


1- بحار الانوار:168/14 ح 8.
2- الدخان:29.
3- تفسير القمّي:291/2.
4- كامل الزيارات:2/180.
5- كامل الزيارات:24/187-21.
6- كامل الزيارات:27/188،بحار الأنوار:213/45.

و عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إذا قبض اللّه نبيا من الأنبياء بكت عليه السماء و الأرض أربعين سنة و إذا مات العالم العامل بعلمه بكيا عليه أربعين يوما،و أمّا الحسين عليه السّلام فتبكي عليه السماء و الأرض طول الدهر و تصديق ذلك أن يوم قتله قطرت السماء دما،و إن هذه الحمرة التي ترى في السماء ظهرت يوم قتل الحسين عليه السّلام و لم تر قبله أبدا و إن يوم قتله عليه السّلام لم يرفع حجر في الدنيا إلاّ وجد تحته دم. (1)

و عن أبي هريرة قال:سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عن قوله عز و جل: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ (2)قال:جعل الامامة في عقب الحسين عليه السّلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة،و منهم مهدي هذه الامة» (3).

و عن أبي أمامة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«الأئمة بعدي إثنا عشر كلهم من قريش تسعة من صلب الحسين و المهدي منهم» (4).

و نحوه عن أبي سعيد،و عمر بن عثمان عن أبيه،و عبد اللّه بن مسعود،و ابن السائب،و أبي ذر،و عمر بن الخطاب،و زيد بن ثابت جميعا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:«الأئمة بعدي إثنا عشر تسعة من صلب الحسين و التاسع مهديهم» (5).

و قريب منه ما روي عن سلمان و فاطمة عليها السّلام معا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و يونس بن ضبيان و أبان عن الصادق عليه السّلام أبي مريم عن الباقر عليه السّلام (6).0.

ص: 184


1- غاية المرام.
2- زخرف:28.
3- كفاية الاثر:86.
4- كفاية الاثر:106.
5- البحار:282/36 و 291 و 292 و 293 و 317 و 318،و مناقب آل أبي طالب:209/1، و كفاية الاثر:99 و 97.
6- البحار:304/36،و كفاية الاثر:45 و 124 و 194 و 197،و مناقب آل أبي طالب:209/1، البحار:358/36 و 352 و 350.

عن فاطمة الزهراء عليها السّلام قالت:سألت أبي عن قول اللّه تبارك و تعالى وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ (1).

قال:«هم الأئمة بعدي علي و سبطاي و تسعة من صلب الحسين» (2).6.

ص: 185


1- سورة الاعراف:46.
2- كفاية الأثر:194،و نقله في البحار:351/36.

الفهرس

الآيات النازلة في الإمام الحسين عليه السلام

الآيات النازلة في الحسين عليه السلام 1

الآيات النازلة في الإمام الحسين عليه السلام 3

في قوله تعالى: (و على الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) 7

في قوله تعالى: (و أذان من اللّه و رسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر 8

في قوله تعالى: (يوفون بالنذر و يخافون يوما كان شره مستطيرا) 10

في قوله تعالى: (و هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا) 15

في قوله تعالى: وعد اللّه الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات 16

في قوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) 19

في قوله تعالى: (فما بكت عليهم السّماء و الأرض و ما كانوا منظرين) 25

في قوله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض) 29

في قوله تعالى: و نزعنا ما في صدورهم من غلّ إخوانا 32

في قوله تعالى: (و إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) 34

في قوله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان) 35

في قوله تعالى: (إنّ المتّقين في جنّات و عيون) 40

في قوله تعالى: و من يطع اللّه و الرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم 41

في قوله تعالى: (و قل جاء الحقّ و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا) 44

في قوله تعالى: يوم لا يخزي اللّه النّبيّ و الّذين آمنوا 48

ص: 186

في قوله تعالى: (فما بكت عليهم السّماء و الأرض و ما كانوا منظرين) 49

في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه و أطيعوا الرسول 50

في قوله تعالى: إني جاعلك للناس إماما قال و من ذرّيتي 60

في معنى قوله تعالى: (يوم ندعو كل اناس بإمامهم) 62

في قوله تعالى: إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت 63

في قوله تعالى: فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا 103

في قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودّة في القربى) 125

في قوله تعالى: (اللّه نور السماوات و الأرض مثل نوره كمشكاة) 143

في قوله تعالى: في بيوت اذن اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه 151

في قوله تعالى: إن اللّه اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران 154

في قوله تعالى: (و أنذر عشيرتك الأقربين) 161

في قوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة و ما ادراك ما العقبة فك رقبة) 165

في قوله تعالى: (و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة) 166

في قوله تعالى: (و إني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدى) 171

في قوله تعالى: (و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه) 175

جملة ما نزل بالحسين عليه السلام من الآيات 178

الفهرس 187

ص: 187

المجلد 6

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء السادس

معاجز الامام الحسين و التوسل به

كرامات الإمام الحسين عليه السلام

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:مرض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المرضة التي عوفي منها فعادته فاطمة و معها الحسن و الحسين عليه السّلام فقعد الحسن عليه السّلام على جانبه الأيمن و الحسين عليه السّلام على جانبه الأيسر،فأقبلا يغمزان بدن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فما أفاق من نومه فقالت:ارجعا حتّى يفيق و ترجعان إليه فلم يقبلا فاضطجع الحسن على عضده الأيمن و الحسين على عضد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الأيسر فانتبها قبل أن ينتبه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد كانت فاطمة لمّا ناما انصرفت إلى منزلها فقالا لعائشة:ما فعلت امّنا؟

قالت:رجعت إلى منزلها،فقاما و خرجا في ليلة ظلماء ذات رعد و برق فسطع لهما نور فمشيا حتّى أتيا حديقة بني النجّار فبقيا لا يعلمان أين يأخذان.

فقال الحسن:ننام حتّى نصبح فاضطجعا متعانقين فانتبه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من النوم فطلبهما في منزل فاطمة و افتقدهما فقال:إلهي و سيّدي هذان شبلاي خرجا من المجاعة،اللّهم أنت وكيلي عليهما،فسطع نور و مشى في ذلك النور إلى حديقة بني النجّار فإذا هما نائمان متعانقان و قد تقشّعت السماء فوقهما كطبق و هي تمطر و لم تمطر عليهما،و قد اكتنفتهما حية لها شعرات كأجام القصب و جناحان،جناح غطّت به الحسن و جناح غطّت به الحسين عليه السّلام،فلمّا أن بصر بهما النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تنحنح فانسابت الحيّة و هي تقول:اللّهم إنّي اشهدك إنّي قد حفظت شبلي نبيّك و دفعتهما إليه سالمين فقال لها:أيّتها الحيّة من أنت؟

قالت:أنا رسول الجنّ إليك نسينا آية من كتاب اللّه فبعثوني إليك لتعلّمنا ما

ص: 3

نسينا،فلمّا بلغت هذا الموضع سمعت مناديا ينادي:أيّتها الحيّة هذان شبلا رسول اللّه فاحفظيهما فأخذت الآية و انصرفت،فوضع الحسن على عاتقه الأيمن و الحسين على الأيسر.

فقال أبو بكر:إدفع إليّ بأحد شبليك أخفّف عنك فقال:إمض فقد سمع اللّه كلامك و عرف مقامك.

و قال لعمر مثل ما قال لأبي بكر،فتلقّاه عليّ عليه السّلام فقال:إدفع إليّ أحد شبليك أخفّف عنك فقال للحسن:هل تمض إلى كتف أبيك؟

فقال:يا جدّاه إنّ كتفك لأحبّ إليّ من كتف أبي،و قال له الحسين مثل قول أخيه فأقبل إلى منزل فاطمة و قد ادّخرت لهما تميرات فأكلا و شبعا و فرحا.

فقال لهما النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:قوما الآن فاصطرعا فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا حسن شدّ على الحسين فاصرعه،فقالت فاطمة:يا أبه وا عجباه أتشجّع الكبير على الصغير،فقال:

يا بنيّة هذا جبرائيل يقول:يا حسين شدّ على الحسن فاصرعه (1).9.

ص: 4


1- بحار الانوار:107/39.

فضل كربلاء و زيارة الحسين عليه السّلام

ما رواه في كامل الزيارات في فضل الزيارة:

1-عن المفضل بن عمر قال في حديث...ثم تنفس أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال:يا مفضل إن بقاع الأرض تفاخرت،ففخرت كعبة البيت الحرام على بقعة كربلاء فأوحى اللّه إليها أن اسكتي يا كعبة اللّه الحرام و لا تفتخري على كربلاء فإنها البقعة التي نودي موسى منها من الشجرة و إنها الربوة التي أوت إليها مريم و المسيح و إنها الدالية (1)التي غسل فيها رأس الحسين عليه السّلام و فيها غسلت مريم عيسى، و اغتسلت من ولادتها و إنها خير بقعة عرج رسول اللّه منها وقت غيبته و ليكونن لشيعتنا فيها خيره إلى ظهور قائمنا (2)..

الحسين بن أحمد بن المغيرة فيه حديث رواه شيخه أبو القاسم رحمه اللّه مصنف هذا الكتاب و نقل عنه و هو عن زائدة عن مولانا علي بن الحسين عليه السّلام ذهب على شيخنا رحمه اللّه أن يضمّنه كتابه هذا و هو مما يليق بهذا الباب و يشتمل أيضا على معان شتى حسن تام الألفاظ أحببت إدخاله و جعلته أول الباب و جميع أحاديث هذا الباب و غيرها مما يجري مجراها يستدل بها على صحة قبر مولانا الحسين عليه السّلام بكربلاء لأن كثيرا من المخالفين ينكرون أن قبره بكربلاء كما ينكرون أن قبر مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام بالغري بظهر نجف الكوفة و قد كنت

ص: 5


1- يريد الفرات.
2- بحار الأنوار:53/12.

استفدت هذا الحديث بمصر عن شيخي أبي القاسم علي بن محمد بن عبدوس الكوفي رحمه اللّه مما نقله عن مزاحم بن عبد الوارث البصري بإسناده عن قدامة بن زائدة عن أبيه زائدة عن علي بن الحسين عليه السّلام و قد ذاكرت شيخنا ابن قولويه بهذا الحديث بعد فراغه من تصنيف هذا الكتاب ليدخله فيه فما قضى ذلك و عاجلته منيته رضي اللّه عنه و ألحقه بمواليه عليه السّلام و هذا الحديث داخل فيما أجاز لي شيخي ره و قد جمعت بين الروايتين بالألفاظ الزائدة و النقصان و التقديم و التأخير فيهما حتى صح بجميعه عمن حدّثني به أولا ثم الآن و ذلك أني ما قرأته على شيخي ره و لا قرأه علي غير أني أرويه عمن حدّثني به عنه و هو أبو عبد اللّه أحمد بن محمد بن عياش قال:

حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال:حدثني أبو عيسى عبيد اللّه بن الفضل بن محمد بن هلال الطائي البصري ره قال:حدثني أبو عثمان سعيد بن محمد قال:حدثنا محمد بن سلام بن يسار(سيار)الكوفي قال:حدثني أحمد ابن محمد الواسطي قال:حدثني عيسى بن أبي شيبة القاضي قال:حدثني نوح بن دراج قال:حدثني قدامة بن زائدة عن أبيه قال:قال علي بن الحسين عليه السّلام:بلغني يا زائدة أنك تزور قبر أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام أحيانا.

فقلت:إن ذلك لكما بلغك.

فقال لي:فلماذا تفعل ذلك و لك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحدا على محبتنا و تفضيلنا و ذكر فضائلنا و الواجب على هذه الأمة من حقنا.

فقلت:و اللّه ما أريد بذلك إلا اللّه و رسوله و لا أحفل بسخط من سخط و لا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه.

فقال عليه السّلام:و اللّه إن ذلك لكذلك.

فقلت:و اللّه إن ذلك لكذلك يقولها ثلاثا و أقولها ثلاثا.

فقال:أبشر ثم أبشر ثم أبشر فلأخبرنك بخبر كان عندي في النخب(البحر)

ص: 6

المخزون فإنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا و قتل أبي عليه السّلام و قتل من كان معه من ولده و إخوته و سائر أهله و حملت حرمه و نساؤه على الأقتاب يراد بنا الكوفة فجعلت أنظر إليهم صرعى و لم يواروا فعظم ذلك في صدري و اشتد لما أرى منهم قلقي فكادت نفسي تخرج و تبيّنت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي عليه السّلام فقالت:ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي و أبي و إخوتي.

فقلت:و كيف لا أجزع و أهلع و قد أرى سيدي و إخوتي و عمومتي و ولد عمي و أهلي مصرعين بدمائهم مرملين بالعراء مسلبين لا يكفنون و لا يوارون و لا يعرج عليهم أحد و لا يقربهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم و الخزر فقالت:لا يجزعنك ما ترى فو اللّه إن ذلك لعهد من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى جدك و أبيك و عمك و لقد أخذ اللّه الميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة و هم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها و هذه الجسوم المضرجة و ينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره و لا يعفو رسمه على كرور الليالي و الأيام و ليجتهدن أئمة الكفر و أشياع الضلالة في محوه و تطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا و أمره إلا علوا.

فقلت:و ما هذا العهد و ما هذا الخبر فقالت:نعم،حدثتني أم أيمن أن رسول اللّه ص زار منزل فاطمة عليه السّلام في يوم من الأيام فعملت له حريرة و أتاه علي عليه السّلام بطبق فيه تمر ثم قالت أم أيمن:فأتيتهم بعس فيه لبن و زبد فأكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليه السّلام من تلك الحريرة و شرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و شربوا من ذلك اللبن ثم أكل و أكلوا من ذلك التمر و الزبد ثم غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يده و علي يصب عليه الماء فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه ثم نظر إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين نظرا عرفنا به السرور في وجهه ثم رمق بطرفه نحو السماء مليا،ثم إنه وجّه وجهه نحو القبلة و بسط يديه و دعى ثم خر ساجدا و هو ينشج فأطال النشوج و علا نحيبه و جرت دموعه ثم رفع رأسه و أطرق إلى الأرض

ص: 7

و دموعه تقطر كأنها صوب المطر فحزنت فاطمة و علي و الحسن و الحسين عليهم السّلام و حزنت معهم لما رأينا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وهبناه أن نسأله حتى إذا طال ذلك قال له علي و قالت له فاطمة:ما يبكيك يا رسول اللّه لا أبكى اللّه عينيك فقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك فقال:يا أخي سررت بكم.

و قال مزاحم بن عبد الوارث في حديثه هاهنا:فقال:يا حبيبي إني سررت بكم سرورا ما سررت مثله قط و إني لأنظر إليكم و أحمد اللّه على نعمته علي فيكم إذ هبط على جبرئيل عليه السّلام فقال:يا محمد إن اللّه تبارك و تعالى اطلع على ما في نفسك و عرف سرورك بأخيك و ابنتك و سبطيك فأكمل لك النعمة و هنأك العطية بأن جعلهم و ذرياتهم و محبيهم و شيعتهم معك في الجنة لا يفرّق بينك و بينهم يحبون كما تحب و يعطون كما تعطي حتى ترضى و فوق الرضى على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا و مكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك و يزعمون أنهم من أمتك براء من اللّه و منك خبطا خبطا و قتلا قتلا مصارعهم شتى نائية قبورهم خيرة من اللّه لهم و لك فيهم فاحمد اللّه عز و جل على خيرته و ارض بقضائه فحمدت اللّه و رضيت بقضائه بما اختاره لكم ثم قال لي جبرئيل:يا محمد إن أخاك مضطهد بعدك مغلوب على أمتك متعوب من أعدائك ثم مقتول بعدك يقتله أشر الخلق و الخليقة و أشقى البرية يكون نظير عاقر الناقة ببلد تكون إليه هجرته و هو مغرس شيعته و شيعة ولده و فيه على كل حال يكثر بلواهم و يعظم مصابهم و إن سبطك هذا و أومأ بيده إلى الحسين عليه السّلام مقتول في عصابة من ذريتك و أهل بيتك و أخيار من أمتك بضفة الفرات بأرض يقال لها كربلاء من أجلها يكثر الكرب و البلاء على أعدائك و أعداء ذريتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه و لا تفنى حسرته و هي أطيب بقاع الأرض و أعظمها حرمة يقتل فيها سبطك و أهله و أنها من بطحاء الجنة فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك و أهله و أحاطت به كتائب أهل الكفر و اللعنة تزعزعت الأرض من أقطارها و مادت الجبال و كثر اضطرابها و اصطفقت البحار بأمواجها و ماجت

ص: 8

السماوات بأهلها غضبا لك يا محمد و لذريتك و استعظاما لما ينتهك من حرمتك و لشر ما تكافى به في ذريتك و عترتك،و لا يبقى شيء من ذلك إلا استأذن اللّه عزّ و جلّ في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجة اللّه على خلقه بعدك فيوحي اللّه إلى السماوات و الأرض و الجبال و البحار و من فيهن،إني أنا اللّه الملك القادر الذي لا يفوته هارب و لا يعجزه ممتنع و أنا أقدر فيه على الإنتصار و الإنتقام و عزتي و جلالي لأعذبن من وتر رسولي و صفيي و انتهك حرمته و قتل عترته و نبذ عهده و ظلم أهل بيته(أهله)عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فعند ذلك يضج كل شيء في السماوات و الأرضين بلعن من ظلم عترتك و استحل حرمتك فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولّى اللّه عز و جل قبض أرواحها بيده و هبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت و الزمرد مملوة من ماء الحياة و حلل من حلل الجنة و طيب من طيب الجنة فغسلوا جثثهم بذلك الماء و ألبسوها الحلل و حنطوها بذلك الطيب و صلّت الملائكة صفا صفا عليهم ثم يبعث اللّه قوما من أمتك لا يعرفهم الكفار لم يشركوا في تلك الدماء بقول و لا فعل و لا نية فيوارون أجسامهم و يقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحق و سببا للمؤمنين إلى الفوز و تحفّه ملائكة من كل سماء مائة ألف ملك في كل يوم و ليلة و يصلّون عليه و يطوفون عليه و يسبحون اللّه عنده و يستغفرون اللّه لمن زاره و يكتبون أسماء من يأتيه زائرا من أمتك متقربا إلى اللّه تعالى و إليك بذلك و أسماء آبائهم و عشائرهم و بلدانهم و يوسمون في وجوههم بميسم نور عرش اللّه هذا زائر قبر خير الشهداء و ابن خير الأنبياء فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار يدل عليهم و يعرفون به و كأني بك يا محمد بيني و بين ميكائيل و علي أمامنا و معنا من ملائكة اللّه ما لا يحصى عددهم و نحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتى ينجيهم اللّه من هول ذلك اليوم و شدائده و ذلك حكم اللّه و عطاؤه لمن زار قبرك يا

ص: 9

محمد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك لا يريد به غير اللّه عز و جل و سيجتهد أناس ممن حقت عليهم اللعنة من اللّه و السخط أن يعفوا رسم ذلك القبر و يمحوا أثره فلا يجعل اللّه تبارك و تعالى لهم إلى ذلك سبيلا.

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:فهذا أبكاني و أحزنني قالت زينب:فلما ضرب ابن ملجم لعنه اللّه أبي عليه السّلام و رأيت عليه أثر الموت منه قلت له:يا أبة حدثتني أم أيمن بكذا و كذا و قد أحببت أن أسمعه منك؟

فقال:يا بنية الحديث كما حدثتك أم أيمن و كأني بك و بنساء أهلك سبايا بهذا البلد أذلاء خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس فصبرا صبرا فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة ما للّه على ظهر الأرض يومئذ ولي غيركم و غير محبيكم و شيعتكم و لقد قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين أخبرنا بهذا الخبر:إن إبليس لعنه اللّه في ذلك اليوم يطير فرحا فيجول الأرض كلها بشياطينه و عفاريته فيقول يا معاشر الشياطين قد أدركنا من ذرية آدم الطلبة و بلغنا في هلاكهم الغاية و أورثناهم النار إلا من اعتصم بهذه العصابة فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم و حملهم على عداوتهم و إغرائهم بهم و أوليائهم حتى تستحكموا ضلالة الخلق و كفرهم و لا ينجو منهم ناج و لقد صدق عليهم إبليس و هو كذوب أنه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح و لا يضر مع محبتكم و موالاتكم ذنب غير الكبائر.

قال زائدة:ثم قال علي بن الحسين عليه السّلام بعد أن حدثني بهذا الحديث:خذه إليك ما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولا لكان قليلا.

2-أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي الفقيه رحمه اللّه قال:

حدثني أبي و علي بن الحسين و جماعة مشايخي رحمهم اللّه عن سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن أبي سعيد القماط قال:حدثني عبد اللّه بن أبي يعفور قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لرجل من مواليه:يا فلان أتزور قبر أبي عبد اللّه الحسين بن علي عليه السّلام قال:نعم إني أزوره بين

ص: 10

ثلاث سنين أو سنتين مرة فقال له:و هو مصفر الوجه:أما و اللّه الذي لا إله إلا هو لو زرته لكان أفضل لك مما أنت فيه فقال له:جعلت فداك أكل هذا الفضل.

فقال:نعم و اللّه لو إني حدثتكم بفضل زيارته و بفضل قبره لتركتم الحج رأسا و ما حج منكم أحد ويحك أما تعلم أن اللّه اتخذ(بفضل قبره)كربلاء حرما آمنا مباركا قبل أن يتخذ مكة حرما.

قال ابن أبي يعفور:فقلت له:قد فرض اللّه على الناس حج البيت و لم يذكر زيارة قبر الحسين عليه السّلام فقال:و إن كان كذلك فإن هذا شيء جعله اللّه هكذا أما سمعت قول أبي أمير المؤمنين عليه السّلام حيث يقول:إن باطن القدم أحق بالمسح من ظاهر القدم و لكن اللّه فرض هذا على العباد أو ما علمت أن الموقف لو كان في الحرم كان أفضل لأجل الحرم و لكن اللّه صنع ذلك في غير الحرم.

3-حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن أبي سعيد القماط عن عمر بن يزيد بياع السابري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

إن أرض الكعبة قالت من مثلي و قد بنى اللّه بيته(بني بيت اللّه)على ظهري و يأتيني الناس من كل فج عميق و جعلت حرم اللّه و أمنه فأوحى اللّه إليها أن كفي و قري فو عزتي و جلالي ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت به أرض كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غرست(غمست)في البحر فحملت من ماء البحر و لو لا تربة كربلاء ما فضلتك و لو لا ما تضمنته أرض كربلاء لما خلقتك و لا خلقت البيت الذي افتخرت به فقري و استقري و كوني دنيا متواضعا ذليلا مهينا غير مستنكف و لا مستكبر لأرض كربلاء و إلا سخت بك و هويت بك في نار جهنم.

و حدثني أبي و علي ابن الحسين عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن علي قال:حدثنا عباد أبو سعيد العصفري عن عمر بن يزيد بياع السابري عن جعفر بن محمد عليه السّلام.و ذكر مثله.

4-حدثني أبو العباس الكوفي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أبي

ص: 11

سعيد العصفري عن عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي جعفر عليه السّلام قال:خلق اللّه تبارك و تعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة و عشرين ألف عام و قدّسها و بارك عليها فما زالت قبل خلق اللّه الخلق مقدّسة مباركة و لا تزال كذلك حتى يجعلها اللّه أفضل أرض في الجنة و أفضل منزل و مسكن يسكن اللّه فيه أولياءه في الجنة.

5-حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أبي سعيد عن بعض رجاله عن أبي الجارود قال:قال علي بن الحسين عليه السّلام:اتخذ اللّه أرض كربلاء حرما آمنا مباركا قبل أن يخلق اللّه أرض الكعبة و يتخذها حرما بأربعة و عشرين ألف عام و أنه إذا زلزل اللّه تبارك و تعالى الأرض و سيّرها رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة و أفضل مسكن في الجنة لا يسكنها إلا النبيون و المرسلون أو قال:

أولو العزم من الرسل و أنها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لأهل الأرض يغشي نورها أبصار أهل الجنة جميعا و هي تنادي أنا أرض اللّه المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنت سيد الشهداء و سيد شباب أهل الجنة.

حدثني أبي و علي بن الحسين و جماعة مشايخي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن علي عن عباد أبي سعيد العصفري عن رجل عن أبي الجارود قال:قال علي بن الحسين..و ذكر مثله.

6-و روي قال أبو جعفر عليه السّلام الغاضرية هي البقعة التي كلّم اللّه فيها موسى بن عمران عليه السّلام و ناجى نوحا فيها و هي أكرم أرض اللّه عليه و لو لا ذلك ما استودع اللّه فيها أولياءه و أنبياءه فزوروا قبورنا بالغاضرية.

7-و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:الغاضرية تربة من بيت المقدس.

8-و عنهما بهذا الإسناد عن أبي سعيد العصفري عن حماد بن أيوب عن أبي

ص: 12

عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يقبر ابني بأرض يقال لها كربلاء هي البقعة التي كانت فيها قبة الإسلام التي أنجى اللّه عليها المؤمنين الذين آمنوا مع نوح في الطوفان.

9-و بإسناده عن ميثم التمار عن الباقر عليه السّلام قال:من بات ليلة عرفة في كربلاء و أقام بها حتى يعيد و ينصرف وقاه اللّه شر سنة.

10-و بهذا الإسناد عن علي بن حرب(الحارث)عن الفضل بن يحيى عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:زوروا كربلاء و لا تقطعوه فإن خير أولاد الأنبياء ضمنته ألا و إن الملائكة زارت كربلاء ألف عام من قبل أن يسكنه جدي الحسين عليه السّلام و ما من ليلة تمضي إلا و جبرائيل و ميكائيل يزورانه فاجتهد يا يحيى أن لا تفقد من ذلك الموطن.

11-حدثني أبي و جماعة مشايخي رحمهم اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن جعفر بن محمد بن عبيد اللّه عن عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:مر أمير المؤمنين عليه السّلام بكربلاء في أناس من أصحابه فلما مر بها أغرورقت عيناه بالبكاء ثم قال:هذا مناخ ركابهم و هذا ملقى رحالهم و هنا تهرق دماؤهم طوبى لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبة.

12-حدثني أبي و محمد بن الحسن ره عن الحسن بن متيل عن سهل بن زياد عن علي بن أسباط عن محمد بن سنان عمن حدثه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:خرج أمير المؤمنين عليه السّلام يسير بالناس حتى إذا كان من كربلاء على مسيرة ميل أو ميلين تقدم بين أيديهم حتى صار بمصارع الشهداء ثم قال:قبض فيها مائتا نبي و مائتا وصي و مائتا سبط كلهم شهداء بأتباعهم فطاف بها على بغلته خارجا رجله من الركاب فأنشأ يقول:مناخ ركاب و مصارع الشهداء لا يسبقهم من كان قبلهم و لا يلحقهم من أتى بعدهم.

ص: 13

13-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي جعفر عليه السّلام قال:خلق اللّه تعالى كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة و عشرين ألف عام و قدّسها و بارك عليها فما زالت قبل أن يخلق اللّه الخلق مقدّسة مباركة و لا تزال كذلك و يجعلها أفضل أرض في الجنة.

14-و روى هذا الحديث جماعة مشايخنا رحمهم اللّه أبي و أخي و غيرهم عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن محمد بن الحسين عن محمد بن علي عن أبي سعيد العصفري عن عمرو بن ثابت أبي المقدام عن أبيه عن أبي جعفر عليه السّلام مثله و زاد فيه و أفضل منزل و مسكن يسكن اللّه فيه أولياءه في الجنة.

حدثني به أبي و أخي و علي بن الحسين ره عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن علي قال:حدثنا عباد أبو سعيد العصفري عن عمرو بن ثابت أبي المقدام عن أبيه عن أبي جعفر عليه السّلام..و ذكر مثله مع الزيادة.

15-حدثني أبي ره عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن علي قال:حدثنا عباد أبو سعيد العصفري عن صفوان الجمال قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إن اللّه تبارك و تعالى فضّل الأرضين و المياه بعضها على بعض فمنها ما تفاخرت و منها ما بغت فما من ماء و لا أرض إلا عوقبت لتركها التواضع للّه حتى سلّط اللّه المشركين على الكعبة و أرسل إلى زمزم ماء مالحا حتى أفسد طعمه و إن أرض كربلاء و ماء الفرات أول أرض و أول ماء قدّس اللّه تبارك و تعالى فبارك اللّه عليهما فقال لها:تكلمي بما فضّلك اللّه تعالى فقد تفاخرت الأرضون و المياه بعضها على بعض.

قالت:أنا أرض اللّه المقدسة المباركة الشفاء في تربتي و مائي و لا فخر بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك و لا فخر على من دوني بل شكرا للّه فأكرمها و زاد

ص: 14

في تواضعها(و زادها لتواضعها)و شكرها اللّه بالحسين عليه السّلام و أصحابه.

ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من تواضع للّه رفعه اللّه و من تكبّر وضعه اللّه تعالى (1).1.

ص: 15


1- كامل الزيارات:271.

فضل الحائر و حرمته

اشارة

1-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن عمار قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:موضع قبر الحسين بن علي عليه السّلام منذ يوم دفن فيه روضة من رياض الجنة و قال:موضع قبر الحسين عليه السّلام ترعة من ترع الجنة.

2-حدثني أبي و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني عن محمد بن إسماعيل البصري عمن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

حرمة قبر الحسين فرسخ في فرسخ من أربعة جوانبه.

3-حدثني حكيم بن داود بن حكيم رحمه اللّه عن سلمة بن الخطاب عن منصور ابن العباس يرفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:حرم قبر الحسين عليه السّلام خمس فراسخ من أربعة جوانب القبر.

4-حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن عمار قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إن لموضع قبر الحسين بن علي عليه السّلام حرمة معلومة من عرفها و استجار بها أجير قلت:فصف لي موضعها جعلت فداك.

قال:امسح من موضع قبره اليوم فامسح خمسة و عشرين ذراعا من ناحية رجليه و خمسة و عشرين ذراعا مما يلي وجهه و خمسة و عشرين ذراعا من خلفه و خمسة و عشرين ذراعا من ناحية رأسه.و موضع قبره منذ يوم دفن روضة من

ص: 16

رياض الجنة و منه معراج يعرج فيه بأعمال زواره إلى السماء فليس ملك و لا نبي في السماوات إلا و هم يسألون اللّه أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه السّلام ففوج ينزل و فوج يعرج.

5-حدثني أبي و جماعة مشايخي ره عن سعد بن عبد اللّه عن هارون بن مسلم عن عبد الرحمن بن الأشعث عن عبد اللّه بن حماد الأنصاري عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:قبر الحسين عليه السّلام عشرون ذراعا في عشرين ذراعا مكسرا روضة من رياض الجنة..و ذكر الحديث و عنه عن سعد عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله (1).2.

ص: 17


1- كامل الزيارات:272.

إن الحائر من المواضع التي يحب اللّه أن يدعى فيها

1-حدثني أبي و محمد بن الحسن عن الحسن بن متيل عن سهل بن زياد عن أبي هاشم الجعفري قال:بعث إلي أبو الحسن عليه السّلام في مرضه و إلى محمد بن حمزة فسبقني إليه محمد بن حمزة فأخبرني أنه ما زال يقول:إبعثوا إلى الحائر.

فقلت لمحمد ألا قلت:أنا أذهب إلى الحائر ثم دخلت عليه فقلت له:جعلت فداك أنا أذهب إلى الحائر.

فقال:انظروا في ذلك.

ثم قال:إن محمدا ليس له سر من زيد بن علي و أنا أكره أن يسمع ذلك قال:

فذكرت ذلك لعلي بن بلال فقال:ما كان يصنع بالحائر و هو الحائر فقدمت العسكر فدخلت عليه فقال لي:إجلس حين أردت القيام فلما رأيته أنس بي ذكرت قول علي ابن بلال فقال لي:ألا قلت له:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يطوف بالبيت و يقبل الحجر و حرمة النبي صلّى اللّه عليه و آله و المؤمن أعظم من حرمة البيت و أمره اللّه أن يقف بعرفة إنما هي مواطن يحب اللّه أن يذكر فيها فأنا أحب أن يدعى لي حيث يحب اللّه أن يدعى فيها و الحائر(الحير)من تلك المواضع.

2-حدثني علي بن الحسين و جماعة عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسى عن أبي هاشم الجعفري قال:دخلت أنا و محمد بن حمزة عليه نعوده و هو عليل فقال لنا:وجّهوا قوما إلى الحائر من مالي فلما خرجنا من عنده قال لي محمد بن حمزة المشير يوجهنا إلى الحائر و هو بمنزلة من في الحائر قال:فعدت إليه فأخبرته فقال لي:ليس هو هكذا إن للّه مواضع يحب أن يعبد فيها و حائر

ص: 18

الحسين عليه السّلام من تلك المواضع.

3-قال الحسين بن أحمد بن المغيرة و حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد بن علي الرازي المعروف بالوهوردي بنيشابور بهذا الحديث...و ذكر في آخره غير ما مضى في الحديثين الأولين أحببت شرحه في هذا الباب لأنه منه

قال أبو محمد الوهوردي:حدثني أبو علي محمد بن همام ره قال:حدثني محمد الحميري قال:حدثني أبو هاشم الجعفري قال:دخلت على أبي الحسن علي بن محمد عليه السّلام و هو محموم عليل فقال لي:يا أبا هاشم إبعث رجلا من موالينا إلى الحائر يدعو اللّه لي فخرجت من عنده فاستقبلني علي بن بلال فأعلمته ما قال لي و سألته أن يكون الرجل الذي يخرج فقال:السمع و الطاعة و لكنني أقول إنه أفضل من الحائر:إذ كان بمنزلة من في الحائر و دعاؤه لنفسه أفضل من دعائي له بالحائر فأعلمته عليه السّلام ما قال فقال لي:قل له:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أفضل من البيت و الحجر و كان يطوف بالبيت و يستلم الحجر و إن للّه تعالى بقاعا يحب أن يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه و الحائر منها (1).4.

ص: 19


1- كامل الزيارات:274.

معجزة الحسين عليه السلام ببركة مجالس العزاء

اشارة

ينقل آية دستغيب هذه القصة عن السيّد الزاهد مولانا الحاج فرج اللّه البهبهاني و القصة بخط السّيد فرج اللّه نفسه و هي:

كان هناك شخص اسمه عبد اللّه يسكن بهبهان وفي ليلة 28 محرم الحرام من عام 1382 ه شلّت إحدى رجليه و لم يستطع الحركة بعدها إلاّ بالإستعانة بعكازتين يضعهما تحت إبطيه و كانت تصله حقوق من أمير المؤمنين تمكّنه من مواصلة العيش بكرامة.

و كان عبد اللّه قد راجع مرارا الدكتور غلامي في مدينتنا لكن الدكتور أجابه بأن حالته ميؤوس منها ثم جاء إليّ يوما يطلب العون حتى أرسله إلى مدينة أهواز فهيأت له الوسيلة و أعطيته كتاب توصية لحضرة آية اللّه البهبهاني حيث استقبله خير استقبال و أرسله إلى الدكتور فرهاد طبيب زاده..فأخذ لرجله الصور الشعاعية اللازمة و بعد تدقيقها أجابه بأن حالته لا يمكن شفاؤها حيث شوهدت غدة سرطانية في ركتبه فأرسله إلى مشفى في آبادان حيث أخذت له مرة أخرى أربع صور شعاعية و ظهر أن علاجه مستعص فأقفل راجعا إلى بهبهان و هو يائس من الشفاء على أيدي الأطباء.

و كان-عبد اللّه-يقول أنه كان يرى خلال هذه الفترة أحلاما تسره و تحفز فيه الأمل بالشفاء فيستيقظ مسرورا.

و قال عبد اللّه:و من هذه الأحلام أنني رأيت نفسي يوما و قد دخلت القسم

ص: 20

الخارجي من داركم (1)و لم تكونوا هناك و لكنني شاهدت سيدين مهيبين نورانيين قد جلسا تحت شجرة التفاح ثم رأيتكم تدخلون الباحة في هذه الأثناء و بعد التحية و السلام قدّم السيدان نفسيهما إليك فكان أحدهما الإمام الحسين عليه السّلام و الثاني ولده علي الأكبر عليه السّلام.

ثم أعطاكم الإمام الحسين عليه السّلام تفاحتين و قال:إحداهما لك و الأخرى لولدك حيث ستكون نتيجة ذلك بعد سنتين ستكلم الحجة بن الحسن ست كلمات.

ثم أضاف عبد اللّه:لقد طلبت من جنابكم أن تطلبوا شفائي من الإمام الحسين عليه السّلام فقال أحدهما:سنعقد يوم الاثنين من جمادى الثانية لعام 84 مجلس العزاء الحسيني في منزل فلان(و ذكر اسم السيد البهبهاني)فعليك بالجلوس عند منبر الحسين و سوف تشفى إن شاء اللّه عزّ و جلّ بعد مراسم العزاء الحسيني.

ثم استيقظ عبد اللّه من النوم مسرورا و جاء إلى داري و أخبرني بالحكاية و بقي ينتظر اليوم الموعود.

و في يوم الإثنين المذكور شاهدت عبد اللّه بعكازيته و هو يدخل المجلس ثم يجلس بقرب المنبر الحسيني.

ثم يتابع عبد اللّه بقية القصة:بعد أن جلست حوالي الساعة أحسست بان رجلي المشلولة قد دبّ فيها شيء ما و ربما هو جريان الدم فمددت رجلي ثم جمعتها فإذا هي سالمة لا ألم فيها،و لم يكن مجلس العزاء أثناء ذلك قد انتهى و لكن من فرحتي تحدثت مع من حولي.ثم توجه عبد اللّه إليّ و صافحني مسرورا و إذا بالحاضرين في المجلس قد علا صوتهم بالصلاة على محمّد و آل محمّد و قد شفي عبد اللّه تماما.

و بهذه المناسبة العظيمة انعقدت مجالس الفرح في مدينة بهبهان و في اليوم التالي أي 22 مهر أقيمت في منزلي مراسم الفرح باسم معاجز سيد الشهداء حيثي.

ص: 21


1- أي دار السيّد البهبهاني.

حضر جمع غفير من أهالي المدينة و أخذت الصور العديدة لهذه المناسبة السعيدة (1).6.

ص: 22


1- القصص العجيبة:45 قصة رقم 26.

قصة أخرى

أصيبت عائلة الحاج عبد الرحيم بمرض التيفوئيد في شهر محرم الحرام و في إحدى اللّيالي خرج للمشاركة بالمجلس الحسيني فعند ما رجع وجد أطفاله يأكلون الخبز اليابس القديم فانزعج و قال:ألاّ تعلمون أنه مضر لمرضكم.

فقالت ابنته:لقد شفينا يا والدي من المرض ببركة أهل البيت عليه السّلام.

فسألها عن ذلك فقالت:رأيت كأن الغرفة أصبحت منيرة فدخل رجل نوراني مهيب فافترش الأرض ببساط أسود و دخل خمسة أشخاص و معهم امرأة فجلسوا و أقاموا العزاء باللّغة العربية فلم نكن نفهم شيئا و لكن فهمنا كلمة القاسم،و كانوا حفاة الأقدام.

فتقدمت و سألت عن أمير المؤمنين عليه السّلام فأجاب أهيبهم فسألته لماذا أنتم حفاة، فقال:نحن في هذه الأيام نقيم العزاء و نحن حفاة.

فقلت له:نحن مرضى فقام و مسح على رؤوسنا و وجوهنا فردا فردا و قال:

قوموا أنتم أصحاء و قد شفاكم اللّه.

فقلت له:و والدتي كذلك.

فقال:إنها يجب أن تذهب.فبكيت فرّق قلبه و مسح عليها فشفيت أيضا (1).

ص: 23


1- القصص العجيبة:45.

قيمة تضحية الحسين عليه السلام

اشارة

كان أحد المتعلمين يداوم على زيارة الحسين عليه السّلام في كل المناسبات في حرمه الشريف و في أحد الأيام سمع حديثا في حق الإمام ما معناه إنه مهما أعطى اللّه الحسين فإنه قليل في حق الحسين عليه السّلام..فحمل هذا الحديث على المبالغة و نحوه..

و هو في طريقة لزيارة الحسين على فرسه إعترضه شاب و قال له:اصحبني معك؟قال:أنت راجل و أنا راكب.

قال:و إن أركض معك فمشيا معا.

و في أثناء الطريق قال الشاب للمتعلم:حدثنا بحديث نستفيد منه،فقال:لا أعلم شيئا.

فقال الشاب:إذا أنا أحدثك.

كان في قديم الزمان ملك يذهب إلى الصيد في كل فرصة فتوفي و خلّف ولدا في الثامنة عشر من عمره مع سفراء أربعة.

فسار الولد على مسار أبيه و في إحدى سفراته للصيد شذّت فرسه عن الطريق فضاع عن الحاشية في الصحراء حتى وصل إلى كوخ فيه امرأة و عجوز فتقدما منه و أنزلاه عن الفرس و ربطاه و أشعلا له الحطب لكي يتدفأ إذ كانت الأيام أيام ربيع و الوقت متأخر في المساء.و لم يكن يملك إلاّ شاة واحدة فذبحاها و أطعماه كبدها من دون علمهما بأنه الملك و قالا له في الصباح تحلّ مشكلتك..

و ما إن انفلج عمود الصباح حتى كانت الحاشية تحيط بالكوخ فقص لهم القصة و قال لهم:إنه بمنزلة والدي لقد أحياني.فبما أكافيه مخاطبا سفراءه:

فقال الأوّل:أعطاك شاة فأعطه مئة.

ص: 24

و قال الثاني:أعطاك شاة فأعطه ألف.

و قال الثالث:أعطاك شاة فأعطه ملكا عظيما و قرّبه.

و لم يتكلم الرابع.فاعترض الملك..

فقال الرابع:رأيي لو قلته لا تعمل به.

فقال الملك:لا بدّ منه.

فقال الرابع:لقد أعطاك كل ما يملك فإذا أردت أن تكون مثله فأعطه كل ما تملك، و إذا أردت أن تتفضل فكن له عبدا،إضافة إلى ملك.

فقبل الملك و أعطاه كل ما يملك..

فقال الشاب:أعلمت معنى الحديث؟إن العجوز قدّم كبشا للملك فأعطاه كل ما يملك و لم يتفضل عليه.

فكيف بالحسين عليه السّلام الذي قدّم نفسه و طفله و عياله و أصحابه أكباشا للّه الملك القهار فهل يجزي الملك كله؟!

فتوقف المتعلّم منتبها فتلفّت فلم يجد الشاب فكان الحجة عليه السّلام أرواحنا له الفدى.

تأييد

روي أن السيّد الجليل مهدي-بحر العلوم-جاء إلى الشيخ الكبير حسين العارف و سأله عن عظم ما ورد في الأخبار من مثوبات الحسين عليه السّلام كيف يستقيم عند العقل بهذه الأعمال الجزئية الحقيرة.

فأجابه الشيخ أن الحسين عليه السّلام مهما كان فهو ممكن مخلوق جسد و مع ذلك أعطى في محبة اللّه و رضاه كلّه من المال و الجاه و الأخوة و الأولاد صغارا و كبارا و الروح حتى بدنه بعد القتل:فكيف تستكثر أن يعطيه الكريم الجواد المتفضل كلّه

ص: 25

للحسين عليه السّلام-فاستحسنه بحر العلوم رضوان اللّه عليه و قبله (1).

الحسين عليه السلام لكل الملهوفين

روى السيد دستغيب:أنه باع أحد الهندوس عقارا بمبلغ كبير و رجع إلى بيته و إذ بلصّين من الشيعة يراقبانه فلحقاه إلى المنزل فاختبآ فيه فدخل اللصان و سألا زوجته عنه،فقالت:لم يأت بعد فعذباها بأسلوب ما فقالت:أقسموا لي بالحسين أنكما لا تفعلان شيئا فأقسما.فدلّتهما عليه فأتوا به و أخذوا المال و قطعوا رأسه.

فأصاب الذعر الزوجة و قالت بقلب كله إيمان:يا حسين الشيعة لقد سلّمت زوجي لهما بسبب اطمئناني و ثقتي بالقسم بك.

و إذ بشخص نوراني يقتل اللّصّين و يحيي الزوج الهندوسي و يختفي فتطلع السلطات على ذلك و تحقق في المسألة فتعلم صدق القصة فيعلن الهندوسي و زوجته الإسلام و التشيع.

و الحمد لله رب العالمين

ص: 26


1- المراقبات:88.

أثر جوار الحسين عليه السلام

عن الإستاذ الأكبر المحقق البهبهاني رحمه اللّه أنه قال:رأيت الإمام أبا عبد اللّه الحسين عليه السّلام في المنام.

فقلت له:سيدي و مولاي،أيسأل من دفن بجواركم؟

فقال عليه السّلام:من يجرؤ من الملائكة أن يسأل ذلك الميت (1).

سألتكم باللّه أن تدفنوني

إذا متّ في قبر بأرض عقير

فإني به جار الشهيد بكربلا

سليل رسول اللّه خير مجير

فإني به في حفرتي غير خائف

بلا مرية من منكر و نكير

آمنت به موقفي و قيامتي

إذا اناس خافوا من لظى و سعير

فإني رأيت العرب يحمى نزيلها

و يمنعه من أن ينال يضير

فكيف بسبط المصطفى أن يذود من

بحائره ثاو بغير نصير

ص: 27


1- منازل الآخرة،ص:31.

و عار على حامي الحمى و هو في الحمى

إذا ضلّ في البيدا عقال بعير (1).

و يروي أحد العمال عند ما كانوا يرممون أحد القبور و إذ يتبين جسد أحدهم طريا كأنه اليوم مدفون و يتأملون و إذ به يتجه نحو قبر الحسين بدلا من التوجه إلى جهة القبلة التي كانت مخالفة لجهة الحسين عليه السّلام تماما.

-و هناك قصة مشابهة جرت في كربلاء أيضا حيث تبين أنّ ثلاثة أشخاص وجوهم إلى جهة الحسين عليه السّلام بدل القبلة و كان من بينهم العالم المتقي الميرزا إسماعيل أصفهاني البنا-و حضر الناس لرؤية هذه الحادثة الغريبة و من جملتهم ابن الميرزا إسماعيل حيث قال:لقد وضعته بيدي باتجاه القبلة فتحوّل إلى القبلة الحقيقة!؟

و روي أنّ ابنا رأى أمّه في المنام و هي تقول له:لقد دفنتني في مكان ضيق لا أقدر أن أمد رجلي فيه.

و مرّت مده من الزمن لم يعرف المقصود حتى سمع بالقصة الثانية فعلم أنها لا تقدر مدّ رجليها باتجاه الحسين عليه السّلام احتراما لمقامه الشريف.4.

ص: 28


1- روضات الجنات،ج:1،ص:33-34.

إسلام نهراني على رأس الإمام الحسين عليه السّلام

حكى عبد الملك بن هشام أن ابن زياد لما أنفذ رأس الحسين رضى اللّه عنه الى يزيد،كانوا إذا وصلوا منزلا أخرجوا الرأس من صندوق أعدوه له فوضعوه على رمح و حرسوه الى وقت الرحيل،فوصلوا منزلا فيه دير راهب،فأخرجوا الرأس و وضعوه على الرمح مسندا الى الدير،فرأى الراهب نورا من مكان الرأس الى عنان السماء،فأشرف على القوم،فسألهم عن الرأس،فقالوا رأس الحسين ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

قال:نبيكم؟

قالوا:نعم.

قال:بئس القوم أنتم لو كان للمسيح ولد لأسكنّاه أحداقنا.

ثم قال:هل لكم في عشرة آلاف دينار تأخذونها و تعطوني الرأس يكون عندي الليلة،فإذا رحلتم خذوه.

قالوا:و ما يضرنا فناولوه الرأس و ناولهم الدنانير.

فأخذ الرأس و غسّله و طيّبه و أخذه و تركه على فخذه و قعد يبكي الى الصبح، و قال:أيها الرأس أنا لا أملك إلاّ نفسي،و أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أن محمدا رسول اللّه،ثم خرج من الدير و ما فيه و صار يخدم أهل البيت عليهم السّلام.

ثم إنهم أخذوا الرأس و ساروا فلما قربوا من دمشق أخذوا الأكياس ليقتسموها ففتحوها،فإذا الدنانير قد تحوّلت خزفا و على أحد جانبي الدينار مكتوب:و لا تحسبن اللّه غافلا عما يعمل الظالمون،و على الجانب الآخر:و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.انتهى (1).

ص: 29


1- المشرع الروي:48/1.

دخول الحية في منخري ابن زياد

لقد انتقم اللّه عز و جل من ابن زياد على يد المختار بن أبي عبيدة،و كان ابن زياد بالموصل،و ذلك بعد تطاول الفتن و ترادفها و كان في ثلاثين ألفا فبعث المختار إليه إبراهيم بن الأشتر في طائفة سنة تسع و ستين،فالتقى بابن زياد فقتله على الفرات في يوم عاشوراء،و كان من غرق من أصحابه أكثر ممن قتل،و بعث ابن الأشتر برأس ابن زياد الى المختار،فنصب في المكان الذي نصب فيه رأس الحسين عليه السّلام، ثم ألقاه و أصحابه في اليوم الثاني في الرحبة،فجاءت حية تتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد اللّه بن زياد،فمكثت هنية،ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت، ثم جاءت فعلت ذلك مرتين أو ثلاثا،و كان في ذلك عبرة لأولي الألباب (1).

ص: 30


1- سنن الترمذي:660/5 ح 3780 كتاب المناقب-مناقب الحسن و الحسين و قال:حسن صحيح،و تذكرة الخواص:257 ذكر سليمان بن صرد،و المعجم الكبير للطبراني:112/3-113 ح 2832.

رضى النبي الأعظم على مكرم رأس الحسين عليه السلام

روي عن الحسن البصري رضى اللّه عنه قال:إن سليمان بن عبد الملك رأى النبي صلّى اللّه عليه و آله في المنام يلاطفه و يبشره،فلما اصبح سليمان سأل الحسن عن ذلك،فقال له الحسن:لعلك صنعت الى أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله معروفا.

قال:نعم وجدت رأس الحسين بن علي عليه السّلام في خزانة يزيد فكسوته خمسة أثواب و صلّيت عليه مع جماعة من أصحابي و قبرته.

فقال له الحسن عليه السّلام:إن رضى النبي صلّى اللّه عليه و آله بسبب ذلك،و أمر للحسن بجائزة سنية (1).

ص: 31


1- نظم درر السمطين:226 ذكر قتل الحسين،و المشرع الروي:54/1-55.

حضور الحسين و آله عليهم السلام عند كل ميت

قال الإمام الصادق عليه السّلام:«إذا بلغت نفس أحدكم هذه قيل له:أمّا ما كنت تحزن من هم الدنيا و حزنها فقد أمنت منه و يقال له:أمامك رسول اللّه و علي و فاطمة عليهم السّلام» (1).

و عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:و الذي نفسي بيده لا تفارق روح جسد صاحبها حتى يأكل من ثمر الجنة أو من شجر الزقوم،و حتى يرى ملك الموت و يراني و يرى عليا و فاطمة و الحسن و الحسين..» (2).

و في قصة السيد الحميري و رؤيته لامير المؤمنين عليه السّلام عند موته ما يؤيد ذلك و أنشد في ذلك شعرا:

كذب الزاعمون أن عليا لن ينجي محبه من هنات

قد و ربي دخلت جنة عدن و عفا لي الإله عن سيئاتي

فابشروا اليوم أولياء علي و تولّوا علي حتى الممات

ثم من بعده تولّوا بنيه واحدا بعد واحد بالصفات (3)

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«و يمثل له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين و فاطمة

ص: 32


1- بحار الأنوار:184/6 ح 17 باب ما يعاين المؤمن و الكافر عند الموت،و الكافي:134/3 ح 10.
2- أهل البيت لتوفيق ابو علم:68-69 الباب الثاني،و بشارة المصطفى:6 ح 7 مع تفاوت بسيط.
3- كشف الغمة:39/2-40 مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام،و البحار:192/6 ح 42 باب ما يعاني المؤمن و الكافر عند الموت.

و الحسن و الحسين و الأئمة من ذريتهم عليه السّلام» (1).

و روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه لا يموت ميت حتى يشاهده عليه السّلام حاضرا عنده و أنشد للحارث الهمداني:

يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن او منافق قبلا

يعرفني طرفه و أعرفه بعينه و اسمه و ما فعلا

أقول للنار و هي توقد لل عرض ذريه لا تقربي الرّجلا

ذريه لا تقربيه إن له حبلا بحبل الوصي متصلا

و أنت يا حار إن تمت ترني فلا تخف عثرة و لا زللا

أسقيك من بارد على ظمأ تخاله في الحلاوة العسلا (2)

و الروايات في ذلك كثيرة.و هي تثبت حضور أصحاب الكساء عند كل ميت في آن واحد و في أكثر من مكان،و أيضا في إمكان رؤيتهم بروحهم و جسدهم و بمثاله.

و قد جوّز ابن العربي رؤية النبي محمد صلّى اللّه عليه و آله بجسمه و روحه و بمثاله الآن (3).

و قال تاج الدين السبكي لمن سأله عن رؤية القطب في أكثر من مكان:الرجل الكبير(القطب)يملأ الكون.

و أنشد بعضهم:

كالشمس في كبد السماء و ضوؤها يغشى البلاد مشارقا و مغاربا (4)

و صرّح السيوطي بإمكان رؤية الأنبياء يقظة (5).2.

ص: 33


1- بحار الأنوار:196/6 ح 49.
2- شرح النهج لابن أبي الحديد:299/1 الخطبة 20،و رسائل الشريف المرتضى:133/3.
3- الحاوي للفتاوى:450/2.
4- الحاوي للفتاوي:454/2.
5- الرسائل العشرة:18،و شرح الشمائل المحمدية:246/2.

و قال في الذخائر المحمدية:إن رؤيا النبي صلى اللّه عليه و سلم ممكن لعامة أهل الأرض في ليلة واحدة (1).

و أجاب الشيخ بدر الدين الزركشي عن سؤال له في آن واحد من أقطار متباعدة مع أن رؤيته صلّى اللّه عليه و آله حق:بأنه صلّى اللّه عليه و آله سراج و نور الشمس في هذا العالم،مثال نوره في العوالم كلها،و كما أن الشمس يراها من في المشرق و المغرب في ساعة واحدة و بصفات مختلفة،فكذلك النبي صلّى اللّه عليه و آله.و للّه در القائل:

كالبدر من أي النواحي جئته يهدي الى عينيك نورا ثاقبا (2)

و استدل عليه الحافظ البرسي في مشارقه ببعض الآيات القرآنية فلتراجع (3).

هذا،و تواتر حديث:«من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل مكاني-لا يستطيع أن يتمثل بي-لا يتكون في صورتي-لا يتشبه بي» (4).

و قال العلماء في معناه:هو في الدنيا قطعا و لو عند الموت لمن وفّق لذلك (5).

و روى الإمام الرضا عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي و لا في صورة أحد من أوصيائي» (6)

و قال القاضي أبو بكر بن العربي:رؤيته صلّى اللّه عليه و آله بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة،و رؤيته على غير صفته إدراك للمثال،فإن الصواب أن الأنبياء لا تغيرهم الأرض،و يكون إدراك الذات الكريمة حقيقة،و إدراك الصفات إدراك المثال (7).4.

ص: 34


1- الذخائر المحمدية:146.
2- المواهب اللدنية:297/2 خصائص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
3- مشارق أنوار اليقين:142.
4- المواهب اللدنية:293/2 الى 301 ذكر خصائصه و ذكر جملة من المصادر،و كشف الغمة:/2 269.
5- الذخائر المحمدية:147.
6- كشف الغمة:120/3 فضائل الرضا،و الأنوار النعمانية:54/4.
7- المواهب اللدنية:294/2 خصائص النبي صلّى اللّه عليه و آله،و ارشاد الساري:502/14.

و قال القسطلاني:فإن قلت:كثيرا يرى على خلاف صورته المعروفة و يراه شخصان في حالة واحدة في مكانين و الجسم الواحد لا يكون إلاّ في مكان واحد.

أجيب:بأنه في صفاته لا في ذاته،فتكون ذاته عليه الصلاة و السلام مرئية، و صفاته متخيلة غير مرئية،فالإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار و لا قرب المسافة،فلا يكون المرئي مدفونا في الأرض و لا ظاهرا عليها،و إنما يشترط كونه موجودا (1).

و من حال كثير من العلماء و قصصهم يعلم إمكان رؤية النبي و أهل بيته عليهم السّلام، و كما ذكر ذلك في محله (2).

قال الشيخ المرسي:لو حجب عني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين. (3)

و يؤيد ذلك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إن للشمس وجهين وجه يلي أهل السماء و وجه يلي أهل الأرض،فالإمام مع الخلق كلهم لا يغيب عنهم و لا يحجبون عنه» (4).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«الحجة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق» (5).

و عن علي بن موسى الرضا عليه السّلام قال لمن سأله أن يدعو له:«أو لست أفعل؟و اللّه إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم و ليلة» (6).

و أخرج عبد الرزاق عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أنتم تعرضون علي بأسمائكم4.

ص: 35


1- إرشاد الساري:503/14.
2- راجع المواهب اللدنية:297/2-301،و ينابيع المودة:551/2-554،و كشف الغمة:/1 239-383،و الزام الناصب:340/ الى 427،و دلائل الامامة:273 الى 288 و 294 الى 320.
3- المواهب اللدنية:300/2 خصائص النبي صلّى اللّه عليه و آله.
4- مشارق انوار اليقين:139.
5- كمال الدين:221/1 باب 22 ح 5،و الانسان الكامل:87.
6- أصول الكافي:219/1 عرض الاعمال على النبي ح 4.

و سيمائكم» (1).

و أخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي ذر أنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«عرضت علي أعمال أمتي-حسنها و سيئها-فوجدت محاسن أعمالهم» (2).

أخرج الحارث و البزار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«حياتي خير لكم تحدثون و نحدث لكم و موتي خير لكم تعرض علي أعمالكم». (3)

و يؤيد ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام عندما قال:«سلوني قبل أن تفقدوني،اسألوني عن طرق السموات،فإني أعرف بها مني بطرق الأرض».

فقام رجل من القوم فقال:يا أمير المؤمنين أين جبرائيل هذا الوقت؟

فقال:«دعني أنظر،فنظر الى فوق و إلى الأرض يمنة و يسرة،فقال عليه السّلام:«أنت جبرائيل».

فطار من بين القوم شق سقف المسجد بجناحه،فكبّر الناس و قالوا:اللّه أكبر يا أمير المؤمنين من أين علمت أن هذا جبرائيل.

فقال:«إني لما نظرت الى السماء بلغ نظري ما فوق العرش و الحجب،و لما نظرت الى الأرض خرق بصري طبقات الأرض الى الثرى،و لما نظرت يمنة و يسرة رأيت ما خلق و لم أر جبرائيل في هذه المخلوقات،فعلمت أنه هو» (4).

و هذا يدل على إمكان إحاطة الأمير بالكون بأجمعه في لحظة واحدة.

و قال الإمام الصادق في حق الإمام الكاظم عليه السّلام:«بلغ ما بلغه ذو القرنين و جازه بأضعاف مضاعفة،فشاهد كل مؤمن و مؤمنة» (5).9.

ص: 36


1- المصنف:214/2 ح 3111 عن مجاهد.
2- الأدب المفرد:80 ح 231 باب إماطة الأذى(116).
3- المطالب العالية:22/4 ح 3853.
4- الأنوار النعمانية:32/1.
5- الهداية الكبرى للخصيبي:270 باب 9.

و أسلم الراهب ببركة الإمام الحسين!

قال الراوندي:و منها(من المعاجز)ما أخبرني به سعيد بن أبي الرجاء يرفعه إلى الأعمش في حديث طويل:أن رجلا قال:أنا أحد من كان في عسكر عمر بن سعد حين قتل الحسين عليه السّلام،و كنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى بعيد من الكوفة،فلما حملناه على طريق الشام فنزلنا على دير للنصارى،و كان الرأس حمل على رمح و معه الحراس فوضعنا الطعام و جلسنا لنأكل فإذا بكف من حائط الدير تكتب شعرا:

أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب

قال:فجزعنا من ذلك جزعا شديدا،و أهوى بعضنا إلى الكف ليأخذه فغابت،ثم عاد أصحابي إلى الطعام،فإذا بالكف قد عادت تكتب شعرا:

فلا و اللّه ليس لهم شفيع و هم يوم القيامة في العذاب

فقام أصحابي إليها ليأخذوها فغابت،ثم عادوا إلى الطعام فعادت الكف تكتب شعرا:

و قد قتلوا الحسين بحكم جور فخالف حكمهم حكم الكتاب

فامتنعت و ما هنأني أكله،ثم أشرف علينا راهب من الدير فرأى نورا ساطعا من فوق الرأس فبذل لعمر بن سعد عشرة آلاف درهم فأخذها و نقدها،ثم أخذ الرأس يبيته عنده ليلته تلك،و أسلم على يده و ترك الدير،و قطن في بعض الجبال،يعبد اللّه على دين محمد صلّى اللّه عليه و آله فلما وصل عمر بن سعد إلى قرب الشام طلب الدراهم فإذا هي

ص: 37

قد تحوّلت خزفا و إذا على أحد جانبيها مكتوب: وَ لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ (1)و على الجانب الآخر: وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (2). (3).2.

ص: 38


1- سورة إبراهيم:42.
2- سورة إبراهيم:42.
3- الخرائج و الجرائح:578/2 ح 2.

كرامة الحسين عليه السلام في يوم الطف

لما أرسل عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة و حالوا بين الحسين عليه السّلام و بين الماء نادى عبد اللّه بن أبي الحصين الازدي:يا حسين أما تنظر إلى الماء لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا.

فقال الحسين عليه السّلام:«اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا».فمرض عبد اللّه بن أبي الحصين الأزدي فيما بعد فكان يشرب الماء ثم يتقيؤه ثم يعود فيشرب و لم يرو ثم يتقيؤه فما زال كذلك حتى مات (1).

و روي أنه عندما زحف جيش ابن سعد نحو معسكر الحسين عليه السّلام تقدّم رجل منهم يقال له ابن حوزة؟

فقال:يا حسين،يا حسين،فقال الحسين عليه السّلام،فما حاجتك؟

قال:يا حسين أبشر بالنار،قال له:كذبت بل أقدم على رب رحيم و شفيع مطاع فمن أنت؟

قال:ابن حوزة،فرفع الحسين عليه السّلام يديه فقال:اللهم حزه إلى النار،فغضب ابن حوزة فأقحم فرسه في نهر بينهما فوقع فيه و تعلقت رجله بالركاب و وقع رأسه في الأرض،و نفر الفرس فأخذ يمر به فيضرب برأسه كل حجر و كل شجر حتى مات (2).

ص: 39


1- الكامل في التاريخ 54/4.
2- تاريخ الطبري 322/3.

التوسل بالإمام الحسين عليه السلام

توسل الملائكة بالحسين و خدمته

إبراهيم بن محمد الحمويني هذا من أعيان علماء العامة قال:أنبأني الشيخ سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي رضى اللّه عنه عن الشيخ الفقيه مهذب الدين أبي عبد اللّه الحسين بن أبي الفرج بن ردّة[السلمي]رضى اللّه عنه (1)بروايته عن محمد بن الحسين بن علي بن عبد الصمد عن والده عن جده محمد عن أبيه عن جماعة منهم السيد أبو البركات علي بن الحسين الجوري العلوي و أبو بكر محمد بن أحمد بن علي المعمري و الفقيه أبو جعفر محمد بن إبراهيم القايني بروايتهم عن الشيخ الفقيه جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي-قدس اللّه أرواحهم الشريفة-قال:حدثّنا ابن ماجيلويه رضى اللّه عنه قال:حدّثنا عمي محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي قال:حدّثنا محمد بن علي القرشي قال:

حدّثنا أبو الربيع الزهراني قال:حدثنا جرير عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال:

قال ابن عباس:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول:«إن للّه تبارك و تعالى ملكا يقال له دردائيل كان له ستة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح هواء،و الهواء كما بين السماء إلى الأرض فجعل يوما يقول في نفسه:أفوق ربنا جل جلاله شيء؟فعلم اللّه ما قال فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان و ثلاثون ألف جناح،ثم أوحى اللّه جل جلاله إليه أن طر فطار

ص: 40


1- في المصدر:النيلي.

مقدار خمسين عاما فلم ينل رأس قائمة من قوائم العرش فلما علم اللّه أتعابه أوحى إليه:

أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظيم كل عظيم و ليس فوقي شيء عظيم و لا أوصف بمكان،فسلبه اللّه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة.

فلما ولد الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما و آلهما و كان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة،أوحى اللّه عز و جل إلى مالك خازن النار أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد صلّى اللّه عليه و آله في دار الدنيا،و أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان و طيّبها لكرامة مولود ولد لمحمد صلّى اللّه عليه و آله في دار الدنيا،و أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى حور العين أن تزيّنوا و تزاوروا لكرامة مولود ولد لمحمد صلّى اللّه عليه و آله في دار الدنيا و أوحى اللّه عز و جل إلى جبرائيل أن اهبط إلى نبيي محمد صلّى اللّه عليه و آله في ألف قبيل و القبيل ألف ألف من الملائكة على خيول بلق مسرجة ملجمة،عليها قباب الدرّ و الياقوت و معهم ملائكة يقال لهم الروحانيون،بأيديهم حراب من نور أن يهنّئوا محمدا صلّى اللّه عليه و آله بمولوده،و أخبره يا جبرائيل أنه قد سمّيته الحسين فهنّئه و عزّه و قل له:يا محمد يقتله شر أمتك على شر الدواب،فويل للقاتل و ويل للسابق و ويل للقائد،قاتل الحسين انا منه بريء و هو مني برىء،و لأنه لا يأتي يوم القيامة أحد من المذنبين إلا و قاتل الحسين أعظم جرما منه،قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع اللّه الها آخر،و النار أشوق إلى قاتل الحسين ممن أطاع اللّه الى الجنة.

قال:فبينا جبرئيل عليه السّلام يهبط من السماء إلى الأرض إذ مرّ بدردائيل فقال له دردائيل:

يا جبرئيل ما هذه الليلة في السماء هل قامت القيامة على أهل الدنيا؟

قال:لا و لكن ولد لمحمد صلّى اللّه عليه و آله مولود في دار الدنيا و قد بعثني اللّه عز و جل إليه لأهنّيه بمولوده،فقال له الملك:يا جبرائيل بالذي خلقني و خلقك إذا هبطت إلى محمد فأقرئه مني السلام و قل له:بحق هذا المولود عليك إلا ما سألت ربك أن يرضى عني و يرد عليّ أجنحتي و مقامي من صفوف الملائكة،فهبط جبرائيل عليه السّلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله فهنّاه كما أمره اللّه عز و جل و عزّاه فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله:تقتله أمتي،فقال له:نعم يا محمد،فقال

ص: 41

النبي صلّى اللّه عليه و آله:ما هؤلاء بأمتي،أنا منهم بريء و اللّه منهم بريء،قال جبرائيل عليه السّلام:و أنا بريء منهم يا محمد،فدخل النبي صلّى اللّه عليه و آله على فاطمة عليها السّلام فهنّاها و عزّاها فبكت فاطمة عليها السّلام ثم قالت:يا ليتني لم الده،قاتل الحسين في النار،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:و أنا أشهد بذلك يا فاطمة،و لكنه لا يقتل حتى يكون منه إمام يكون منه الأئمة الهادية،قال عليه السّلام:

و الأئمة بعدي عليهم السّلام:الهادي علي و المهتدي الحسن و الناصر الحسين و المنصور علي بن الحسين،و الشافع (1)محمد بن علي و النفاع جعفر بن محمد،و الأمين موسى بن جعفر و الرضا علي بن موسى،و الفعال محمد بن علي و المؤتمن علي بن محمد و العلاّم الحسن بن علي،و من يصلي خلفه عيسى ابن مريم عليه السّلام ابن الحسن بن علي القائم عليه السّلام» (2)،فسكتت فاطمة عليها السّلام من البكاء ثم أخبر جبرائيل عليه السّلام النبي صلّى اللّه عليه و آله بقصة الملك و ما أصيب به،قال ابن عباس:فأخذ النبي صلّى اللّه عليه و آله الحسين عليه السّلام و هو ملفوف في خرقة من صوف فأشار به إلى السماء ثم قال:«اللهم بحق هذا المولود عليك لا بل بحقك عليه و على جده محمد و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب،إن كان للحسين بن علي و ابن فاطمة عندك قدر فارض عن دردائيل و ردّ عليه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة،فاستجاب اللّه دعاءه و غفر للملك فالملك لا يعرف في الجنة إلا بأن يقال:هذا مولى الحسين بن علي و ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (3).3.

ص: 42


1- عن هامش المصدر:في بعض النسخ:الشفاع و في بعضها النفاح.
2- في ترتيب الأسماء و الصفات اختلاف عن المخطوط.
3- كمال الدين و تمام النعمة:282 ح 36،و مجمع النورين:163،و البحار:248/43.

توسّل الأنبياء بالحسين عليهم السلام

ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق-رضي اللّه عنه- قال:حدّثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي،قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري،قال:حدّثنا محمد بن الحسين بن زيد الزيات،قال:حدّثنا محمد بن زياد الأزدي،عن المفضل بن عمر،عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام قال:سألته عن قول اللّه عز و جل: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ (1)ما هذه الكلمات التي (2)تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه،و هو أنّه قال:«يا رب أسألك بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت عليّ»،فتاب اللّه عليه إنه هو التواب الرحيم،فقلت:يابن رسول اللّه فما يعني عز و جل بقوله:(فأتمهنّ)؟

قال:«يعني أتمهن إلى القائم عليه السّلام إثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين عليه السّلام».

قال المفضل:فقلت له:يابن رسول اللّه فأخبرني عن قول اللّه عز و جل: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ (3)قال:«يعني بذلك الإمامة جعلها اللّه في عقب الحسين عليه السّلام إلى يوم القيامة».

قال:فقلت له:يا بن رسول اللّه فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين و هما جميعا ولدا رسول اللّه و سبطاه،و سيّدا شباب أهل الجنة؟

فقال عليه السّلام:«إن موسى و هارون كانا نبيّين مرسلين أخوين فجعل اللّه النبوة في صلب

ص: 43


1- البقرة:124.
2- في المصدر:قال:هي الكلمات التي.
3- الزخرف:27.

هارون دون صلب موسى،و لم يكن لأحد أن يقول:لم فعل اللّه ذلك؟فإن الإمامة خلافة اللّه عز و جل ليس لأحد أن يقول:لم جعلها في صلب الحسين دون صلب الحسن،لأن اللّه تبارك و تعالى هو الحكيم في أفعاله لا يسأل عما يفعله و هم يسألون» (1).

و من ذلك ما روي عن الفضل بن دكين عن معمّر عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام:

قال:«سمعت أبا عبد اللّه يقول:أتى يهودي النبي صلّى اللّه عليه و آله فقام بين يديه يحد النظر، فقال:يا يهودي ما حاجتك؟

قال:أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلّمه اللّه و أنزل عليه التوراة و العصا و فلق له البحر و أظلّه بالغمام؟ (2).

فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله:إنّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه،و لكني أقول:

أن آدم عليه السّلام لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال:«اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما غفرت لي»فغفر اللّه له.

و إن نوحا عليه السّلام لما ركب في السفينة و خاف الغرق قال:«اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما أنجيتني من الغرق»فنجّاه اللّه منه.

و إن إبراهيم عليه السّلام لما ألقي في النار قال:«اللهم إني اسألك بحق محمد و آل محمد لما نجّيتني منها»فجعلها اللّه عليه بردا و سلاما.

و إن موسى عليه السّلام لما ألقى عصاه و أوجس في نفسه خيفة قال:«اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما آمنتني»فقال اللّه جل جلاله:(لا تخف إنك أنت الأعلى) (3)، يا يهودي إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي و بنبوّتي ما نفعه إيمانه شيئا و لا نفعته النبوة.8.

ص: 44


1- معاني الاخبار ص 126-127.
2- أقول يأتي في فصول هذا الكتاب بحث مفصل حول تفضيل الأئمة و النبي الأعظم على جميع الأنبياء و أولي العزم عليهم السّلام-الكتاب التاسع-.
3- طه:68.

يا يهودي و من ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى ابن مريم لنصرته و قدّمه و صلى خلفه (1).

و روي عن أبي فضال عن أبيه عن الرضا علي بن موسى عليه السّلام قال:«لما أشرف نوح عليه السّلام (2)على الغرق دعى اللّه بحقنا فدفع اللّه عنه الغرق،و لما رمي ابراهيم عليه السّلام في النار دعى اللّه بحقنا فجعل اللّه النار عليه بردا و سلاما.

و إن موسى عليه السّلام لما ضرب طريقا في البحر دعى اللّه بحقنا فجعلها يبسا.

و إن عيسى عليه السّلام لما أراد اليهود قتله دعا اللّه بحقنا فنجّي من القتل فرفعه اليه (3).

و في حديث:«قال بنو إسرائيل لموسى بعد أن صعق بعضهم:فإن كانت إنما أصابتهم لردّهم عليك في أمر محمد و علي و آلهما فاسأل اللّه ربك بمحمد و آله هؤلاء الذين تدعونا إليهم أن يحيي هؤلاء المصعوقين لنسألهم لماذا أصابهم ما أصابهم.

فدعى اللّه لهم موسى،فأحياهم اللّه»و الحديث طويل (4).

و ابن عبّاس في حديث قصّة يوسف عليه السّلام يقول في آخره:«هبط جبرئيل على يعقوب فقال:ألا اعلّمك دعاء يردّ اللّه به بصرك و يردّ عليك إبنيك؟

قال:بلى.

قال:فقل ما قاله أبوك آدم فتاب اللّه عليه،و ما قاله نوح فاستوت سفينته على الجودي و نجا من الغرق،و ما قاله أبوك إبراهيم خليل الرحمن حين ألقي في النار فجعلها اللّه عليه بردا و سلاما.م.

ص: 45


1- راجع روضة الواعظين:272 مجلس في مناقب آل محمد عليهم السّلام،و بحار الأنوار:319/26- 320 باب أن دعاء الأنبياء استجيب بهم ح 1.
2- البحار:366/16 عن جامع الأخبار و الامالي و الاحتجاج،و كنز العمال:455/11 ح 32138.
3- البحار 325/26 ح 7 عن قصص الأنبياء.
4- بحار الأنوار:328/26-329 ح 11 باب أن دعاء الأنبياء استجيب بهم.

قال يعقوب:و ما ذلك يا جبرائيل؟

فقال:قل:«اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام أن تأتيني بيوسف و بنيامين جميعا،و تردّ عليّ عيني».

فقاله،فما استتمّ يعقوب هذا الدعاء حتّى جاء البشير فألقى قميص يوسف عليه فارتدّ بصيرا (1).7.

ص: 46


1- الوسائل:100/7 ح 8847.

توسّل النبي موسى عليه السّلام

قال الإمام الصادق عليه السّلام في قوله تعالى: وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ قال:

و اذكروا يا بني إسرائيل إذ استسقى موسى لقومه،طلب لهم السقي،لمّا لحقهم العطش في التيه،و ضجّوا بالبكاء إلى موسى،و قالوا:هلكنا بالعطش.

فقال موسى عليه السّلام:إلهي بحقّ محمّد سيّد الأنبياء،و بحقّ علي سيّد الأوصياء و بحقّ فاطمة سيّدة النساء،و بحقّ الحسن سيّد الأولياء،و بحقّ الحسين أفضل الشهداء،و بحقّ عترتهم و خلفائهم سادة الأزكياء،لما سقيت عبادك هؤلاء.

فأوحى اللّه تعالى:يا موسى اِضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ ،فضربه بها، فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كلّ قبيلة من بني أب من أولاد يعقوب (1).

ص: 47


1- مستدرك الوسائل:236/5 ح 5768.

توسّل النبي آدم عليه السّلام

و منها ما روي عن ابن سنان عن المفضّل عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام.

قال:«إن اللّه تبارك و تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام،فجعل أعلاها و أشرفها أرواح محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة بعدهم صلوات اللّه عليهم.-و ساق الحديث إلى أن قال عليه السّلام:قال جبرائيل لآدم و حواء:فسلا ربكما بحق الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما،فقالا:«اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك:محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة إلاّ تبت علينا و رحمتنا».

فتاب اللّه عليهما إنه هو التواب الرحيم (1).

*و أخرج ابن النجار عن ابن عباس قال:سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه،قال:«سأل بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت عليّ،فتاب عليه» (2).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام في قوله تعالى: فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ قال:

«فرفع آدم رأسه إلى القبة فوجد خمسة أسماء مكتوبة من نور:أنا المحمود و هذا محمد،و أنا الأعلى و هذا علي،و أنا الفاطر و هذه فاطمة،و أنا المحسن و هذا الحسن، و مني الإحسان و هذا الحسين.

ص: 48


1- معاني الأخبار:110 باب معنى الإمانة،و البحار:172/11-174 و 322/26.
2- الدر المنثور:60/1 مورد الاية،و مناقب ابن المغازلي:59 ط.بيروت و 63 ح 89 ط.النجف، و منتخب كنز العمال:419/1 بهامش المسند،و تذكرة الموضوعات:98.

فقال جبريل:يا آدم إحفظ هذه الأسماء فانك تحتاج اليها.

فلما هبط آدم بكى ثلاثمائة عام ثم دعى بهذه الأسماء و قال:يا رب بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين،يا محمود يا أعلى يا فاطر يا محسن اغفر لي و تقبّل توبتي.

فأوحى اللّه اليه:يا آدم لو سألتني في جميع ذريتك لغفرت لهم» (1).

و عن أبي هريرة في حديث الأشباح الخمسة قال اللّه تعالى لآدم:«يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجيهم و بهم أهلكهم،فإذا كان لك اليّ حاجة فبهؤلاء توسل» (2).

*و في رواية أخرى عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام:«...قال اللّه تعالى لآدم:يا آدم أما تذكر أمري إياك و تدعوني بمحمد و آله الطيبين عند شدائدك و دواهيك و في النوازل تبهظك؟ (3).

فقال آدم عليه السّلام:«اللهم بجاه محمد و آله الطيبين،بجاه محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين،و الطيبين من آلهم لما تفضّلت بقبول توبتي و غفران زلّتي و إعادتي من كرامتك إلى مرتبتي.

قال اللّه عزّ و جلّ:قد قبلت توبتك» (4).

*أقول:رواها القندوزي عن تفسير الإمام عليه السّلام بتفصيل آخر قال:

«قال آدم:ما هذه الأشباح يا رب؟

قال اللّه تعالى:يا آدم هذه الاشباح أشباح أفضل خلائقي و برياتي:هذا محمدم.

ص: 49


1- نزهة المجالس:230/2 باب مناقب الحسن و الحسين،و معارج النبوة:9/2 ط.الهند.
2- فرائد السمطين:36/1 الباب الأول ح 1.
3- تبهظك:يثقل عليك من قولهم و تعجز عنه.
4- البحار:192/11 ح 47 باب ارتكاب ترك الأولى من كتاب النبوة،عن تفسير الإمام العسكري عليه السّلام.

و أنا المحمود في أفعالي شققت له اسما من اسمي،و هذا علي و أنا العلي العظيم شققت له اسما من اسمي،و هذه فاطمة و أنا فاطر السماوات و الأرض،فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل القضاء و فاطم أوليائي مما يبيرهم و يشينهم؛شققت لها اسما من اسمي،و هذا الحسن و هذا الحسين و أنا المحسن المجمل و مني الإحسان شققت لهما اسميهما من اسمي.

و هولاء خيار خلقي و كرائم بريتي،بهم آخذ و بهم أعطي و بهم أعاقب و بهم أثيب فتوسّل بهم الي يا آدم،و إذا دهتك داهية فاجعلهم لي شفعاء» (1).

و في رواية عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«اللهم إني اسألك بحق محمد و آل محمد سبحانك لا إله إلاّ أنت عملت سوء و ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم» (2).

*أقول:توسل آدم عليه السّلام بأهل البيت و بأصحاب الكساء عليه السّلام خاصة من الأمور المشهورة:

1-فقد روي عن ابن مسعود عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3).

2-و عن ابن أبي نجيج عن مجاهد عن ابن عباس (4).

3-و روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (5).ل.

ص: 50


1- ينابيع المودة:97/1 ط.اسلامبول و 112 ط.النجف.
2- كنز العمال:359/2 ح 4237 باب التفسير-البقرة-قوله:فتلقى آدم من ربه كلمات،و الدر المنثور:60/1 ذيل الآية،و الفضائل الخمسة:206/1.
3- البحار:331/26.
4- مناقب ابن المغازلي:59 ط.بيروت و ط.النجف:63 ح 89،و البحار:175/11 و /26 325،و تفسير اللوامع:217/1.
5- كتاب الأربعين للحافظ الخزاعي:59 ح 17،و معاني الأخبار 125 باب معنى الكلمات التي تلقاها آدم،و الطرائف:112/1 ح 166،و ارشاد القلوب:210/2،و رواه في البحار:176/11 و 324/26 ح 4،و ينابيع المودة:97 ط.إسلامبول.

4-و أخرجه ابن النجار عن ابن عباس (1).

5-و عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس (2).

6-و عن محمد بن زياد عن المفضّل عن الإمام الصادق عليه السّلام (3).

7-و عن معمر بن راشد عن الإمام الصادق عليه السّلام (4).

8-و روي عن الحسن الخزاز عن ابن سنان عن الإمام الصادق عليه السّلام (5).

9-و روي عن عبد الرحمن بن كثير عن الإمام الصادق عليه السّلام (6).

10-و روي عن معاوية بن عمار عن الإمام الصادق عليه السّلام (7).

11-و روي عن بكر بن محمد عن أبي سعيد المدائني عن الصادق عليه السّلام (8).

12-و روي عن سلمان و المقداد و عمار و حذيفة و خزيمة و عامر (9).

13-و روي عن عمر بن الخطاب (10).

14-و روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أخرجه الديلمي (11).3.

ص: 51


1- الدر المنثور:60/1 ذيل آية: (فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) .و فضائل الخمسة:205/1.
2- تفسير فرات:13 ح 44،و نقله في البحار عنه:333/26 ح 15،و مناقب الكوفي:547/1 ح 487،و الوسائل:98/7 ح 8843،و مستدرك الوسائل:232/5 ح 5764 و 237 ح 5770 و 238 ح 5771.
3- ارشاد القلوب:421/2،و البحار323/26 عن معاني الأخبار:37
4- البحار:319/26 باب ان دعاء الأنبياء استجيب بهم ح 1.
5- البحار:181/11 و 324/26 ح 6 عن قصص الأنبياء.
6- البحار:187/11 و 326/26.
7- الأنوار النعمانية:246/1 نور آدمي.
8- معاني الأخبار:125 باب معنى الكلمات التي تلقاها آدم،و رواه في البحار:177/11 و /26 324 ح 5،و الوسائل:99/7 ح 8844.
9- الفضائل لابن شاذان:128-127-126.
10- تفسير اللوامع:215/1 ط.لاهور عن دلائل النبوة.
11- هامش احقاق الحق:78/3.

15-و روي عن علي بن الحسين عليه السّلام (1).

16-و روي عن الإمام الباقر عن رسول اللّه عليه السّلام (2).1.

ص: 52


1- البحار:327/26 ح 10.
2- الهداية الكبرى:101.

توسّل النبي يوسف عليه السّلام

و هو ما ذكره الثعلبي في قصة يوسف و الجب:

قال جبرائيل ليوسف:أتحب أن تخرج من هذا الجب؟

قال:نعم.

قال:قل:«يا صانع كل مصنوع و يا جابر كل مكسور،أسألك يا من له الحمد يا بديع السماوات و الأرض يا مالك الملك،و يا ذا الجلال و الإكرام أسألك أن تصلي على محمد و على آل محمد و أن تجعل لي من أمري و من ضيقي فرجا و مخرجا،و ترزقني من حيث أحتسب و من حيث لا أحتسب».

فقالها يوسف فجعل اللّه له من الجب مخرجا،و من كيد إخوته فرجا،و آتاه ملك مصر من حيث لا يحتسب (1).فقبل ذكر حاجته وسّط أهل البيت عليهم السّلام.

ص: 53


1- قصص الأنبياء(المسمى عرائس المجالس):للثعلبي:114 قصة يوسف القول في القصة ط. 4،دار الرائد العربي بيروت و:157 من مطبعة الحيدري في بمباي سنة 1294،و فضائل الخمسة من الصحاح الستة:250/1.

توسّل الإمام الصادق عليه السّلام

ما رواه المسعودي في خبر إشخاص الصادق عليه السّلام إلى المنصور إذا علا و نزل- [النجف]فتأهب للصلاة ثم صلى و رفع يديه و قال:«يا ناصر المظلوم المبغى عليه، يا حافظ الغلامين لأبيهما،إحفظني اليوم لأبائي محمد و علي و الحسن و الحسين،اللهم إضرب بالذل بين عينيه،ثم قال:باللّه أستفتح،و باللّه أستنجح،و بمحمد و آله أتوجه، اللهم إنك تمحو ما تشاء و تثبت و عندك أم الكتاب..الخ» (1).

و عنه عليه السّلام قال:ما لأحدكم إذا ضاق بالأمر ذرعا،أن(لا)يتناول المصحف بيده قائلا:اللهمّ انّي أتوجّه إليك بالقرآن العظيم...بحقّ محمّد،و علي،و فاطمة، و الحسن،و الحسين و علي السجّاد،و محمّد الباقر،و جعفر الصادق،و موسى الكاظم و علي الرضا و محمّد الجواد،و علي الهادي،و الحسن العسكري و الخلف الحجّة من آل محمّد عليه و عليهم السلام» (2).

ص: 54


1- اثبات الوصية:159 أخر أيام الصادق عليه السّلام.
2- مستدرك الوسائل:301/4 ح 4744.

توسّل قس بن ساعدة

في خبر الجارود بن المنذر عن قس بن ساعدة في نص التوراة حيث ذكر توسّل قس بن ساعدة في محضر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«اللهم رب السموات[السبعة] الأرفعة و الأرضين الممرعة،بحق محمد و الثلاثة المحاميد معه،و العليين الأربعة، و فاطم و الحسنين الأبرعة،و جعفر و موسى التبعة،سمي الكليم الصرعة[و الحسن ذي الرفعة]،أولئك النقباء الشفعة و الطريق المهيعة،راسة[درسة]الأناجيل[و حفظة التنزيل]،و حماة الأضاليل،و نفاة الأباطيل،الصادقون في القيل،عدد نقباء بني إسرائيل،فهم أول البداية،و عليهم تقوم الساعة،و بهم تنال الشفاعة،و لهم من اللّه فرض الطاعة،اسقنا غيثا مغيثا» (1).

2-و منها ما عن ابن عباس في خبر الرجل الذي طلب من عمر تعويذة فلم تنفعه فلقي أمير المؤمنين عليه السّلام فعلّمه هذا التوسل:

قال:إذا انصرفت إلى الموضع الذي هي فيه(المواشي)قل:«اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة،و أهل بيته الذين اخترتهم على علم على العالمين،اللهم ليّن لي صعوبتها...» (2).

3-و منها ما عن جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام عن أبائه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال لعلي بن أبي طالب عليه السّلام:إذا هالك أمر فقل:«اللهم إني أسألك بحق محمد و آل

ص: 55


1- مناقب آل أبي طالب:287/1،و كنز الفوائد:257 رسالة البرهان في طول عمر صاحب الزمان.
2- خصائص امير المؤمنين(ع)للرضي:15.

محمد،أسألك أن تكفيني ما أخاف و أحذر».فإنك تكفى ذلك الأمر (1).

توسل أهل النار

فعن الإمام الباقر عليه السّلام قال:«إن عبدا مكث في النار سبعين خريفا-و الخريف سبعون سنة-قال:ثم إنه سأل اللّه عز و جل بحق محمد و أهل بيته لما رحمتني.

قال:فأوحى اللّه إلى جبرائيل ان هبط إلى عبدي فأخرجه....

قال اللّه:حتم على نفسي لا يسألني عبد بحق محمد و أهل بيته الاّ غفرت له ما كان بيني و بينه،و قد غفرت له اليوم» (2).

ص: 56


1- جواهر العقدين:226 الباب الثاني،و فرائد السمطين:39/1 الباب الأول ح 2.
2- بشارة المصطفى:210.

توسّل شيخ

عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:جاء شيخ كبير فأخذ بأستار الكعبة و أنشد:

بحقّ جلالك يا ولي بحقّ الهاشمي الأبطحي

بحقّ الذكر إذ يوحى إليه بحقّ وصيّه البطل الكمّي

بحقّ الطاهرين ابني علي و امّهما إبنة البرّ الزكي

بحقّ أئمة سلفوا جميعا على منهاج جدّهم النبي

بحقّ القائم المهدي إلاّ غفرت خطيئة العبد المسي

قال:فسمع هاتفا يقول:يا شيخ،كان ذنبك عظيما،و لكن غفرنا لك جميع ذنوبك،بحرمة شفعائك،فلو سألتنا ذنوب أهل الأرض لغفرنا لهم،غير عاقر الناقة، و قتله الأنبياء و الأئمة الطاهرين عليه السّلام (1).

ص: 57


1- مستدرك الوسائل:230/5 ح 5766.

آثار التوسل الإمام بالحسين عليه السّلام

1-رفع عذاب البرزخ:

يقول العالم التقي المشهور ب(ملاّ أبو الحسن)-رحمه اللّه-كان لي صديق اسمه(ملاّ جعفر)،مات في فترة من زمانه جمع من الناس في منطقته بمرض الطاعون،فكان الكثيرون منهم يوصون(ملاّ جعفر)بأموالهم و ممتلكاتهم ليتصرف فيها على الوجه الشرعي فيما يرتأيه الدين الإسلامي.إلاّ أن الطاعون لم يمهل الشيخ أيضا فمات و ترك الأموال من دون ضبط النواحي الشرعية،فأدّى ذلك إلى التلاعب فيها من قبل أناس فاسدين.

و لعله كان يتمكن من ضبط الأمور و الإسراع في إيصال الأمور إلى جهاتها الشرعية و لكنه تهاون حتى باغته الموت.

مضت مدة على وفاة الشيخ(ملاّ جعفر)حتى سافرت إلى كربلاء و هناك ذات ليلة رأيت في المنام رجلين يجرّان رجلا مقيدا في سلاسل و عليه آثار العذاب.

و بينما كنت من هول المنظر خائفا إذ اقترب منّي و إذا به صديقي(ملاّ جعفر)،أراد أن يكلّمني و لكن الرجلين سحباه بشدّة حتى صرخت أنا مفزوعا،و قمت من نومي مدهوشا.و قام أحد العلماء الذي كان نائما معي في الحجرة،سألني:ما ذا بك؟لما ذا صرخت في النوم؟

فنقلت له رؤياي،ثم ذهبت إلى صرح الإمام الحسين سيّد الشهداء عليه السّلام،و دعوت لفكاك صديقي من العذاب و طلبت من اللّه تعالى أن يعفو عنه.

ص: 58

و في تلك السنة تشرّفت بحجّ بيت اللّه الحرام و سافرت إلى المدينة المنوّرة لزيارة مرقد النبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة الأطهار عليهم السّلام في البقيع،فأصابني مرض حتى سلبني جميع قواي،ترجّيت أصدقائي أن يعينوني على الإستحمام و أن ألبس ثيابا نظيفة و يأخذوني إلى حرم النبي صلّى اللّه عليه و آله،فطلبت من اللّه تعالى أن يشفيني و طلبت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يشفع لصديقي(ملاّ جعفر)و غيره من الأموات.في هذه الساعة شعرت بالسلامة و استعدت قواي و نشاطي فقمت بنفسي و رجعت إلى محل سكني،و بعد أيام ذهبت مع الأصدقاء لزيارة قبور أحد،هناك بعد الزيارة نمت و إذا بي أرى في المنام صديقي(الملاّ جعفر)بثياب بيض و وجه بشوش و بيده عصا،إقترب نحوي و قال:(مرحبا بالأخوّة و الصداقة).لقد كنت معذّبا في عالم البرزخ و لكن الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله شفع لي و أهدى إليّ هذه الثياب،و أهدت لي فاطمة الزهراء عليها السّلام هذه العباءة،و كل ذلك من بركة دعائك أنت.و الآن جئتك أخبرك عن وضعي الجديد و أشكرك على ما قدّمته لي من خدمة،و أبشّرك أنك تعود إلى أهلك سالما إلى سالمين (1).8.

ص: 59


1- قصص و خواطر،ص:598.

2-نزول المطر:

عن عبد اللّه بن جعفر الحميري في قرب الإسناد بإسناده عن أبي النجيري وهب القرشي عن جعفر عن أبيه عن جده قال:إجتمع عند علي بن أبي طالب عليه السّلام قوم فاشتكوا إليه قلة المطر و قالوا:يا أبا الحسن ادع اللّه بدعوات الإستسقاء،قال:فدعا علي الحسن و الحسين عليهما السلام ثم قال للحسن عليه السّلام:ادع لنا بدعوات في الإستسقاء فقال:اللهم هيّج لنا السحاب بفتح الأبواب بماء عباب و ساق دعاء الإستسقاء.

ثم قال للحسين عليه السّلام:ادع،فقال الحسين عليه السّلام:اللهم معطي الخيرات و ساق دعاء الإستسقاء فما فرغا من دعائهما حتى صبّ اللّه تبارك و تعالى عليهم المطر صبّا

قال:فقيل لسلمان:يا أبا عبد اللّه علّمنا هذا الدعاء،فقال:و يحكم أين أنتم من حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث يقول:إن اللّه قد أجرى على لسان أهل بيتي مصابيح الحكمة (1).

ص: 60


1- مدينة المعاجز،ج:2،ص:244.

3-إحياء الموتى:

عندما كان أحد العلماء-الشيخ محمّد حسين قمشهئي-في الثامنة عشر من عمره أصيب بمرض شديد فمات فلم تتحمل والدته فخرجت من الدار و صعدت السطح و أخذت معها القرآن و بدأت بالتضرع و الدعاء للّه قائلة:إنني لن أتخلى عن تضرعي و بكائي و دعائي حتى ترجعوا إليّ ولدي حيا سالما-تخاطب الحسين عليه السّلام -فلم تمض دقائق حتى رجعت الروح إليه.

فأخبروا والدته بذلك و سئل عما رأى فأخبرهم أنّه جاءه شخصان نورانيان مسحا على جسمه فشفياه و جاء رجل نوراني ثالث و قال لقد وهبناه ثلاثين عاما من عمره من أجل تضرع والدته.و فعلا توفي بعد ثلاثين عاما.

4-استجابة كل الحاجات:

يقول السيد المرعشي النجفي رحمه اللّه:في عام 1339 ه كنت من طلبة(مدرسة قوام)في النجف الأشرف.

و لا أنسى أنّي كنت أدرّس حاشية المولى عبد اللّه اليزدي في المنطق.

و لكني كنت في ضيق دائم،أرى نفسي لا منجا منه و لا مهرب،صرت أعيش عيشا ضنكا،حيث أشعر بغلق جميع أبواب الرجاء و نوافذ الأمنيات فاجتمعت على قلبي المكاره و الآلام و الأسقام،فأوشكت أن أتيه في وادي الخيبة و أبقى في عزلة الظنون و الخيال إلى ما شاء اللّه تعالى.

ص: 61

و كان ما كان من جرّاء أمور هاجمتني و أنا في معهد العلم و حوزة التقى،فإن كنت سائلا عنها،(فدونكها مخطوطة مرحولة)

أولها:كنت في ضيق من أخلاق بعض المعممين الذين يتكلمون انتقاصا بالمراجع الكرام،فحصل لي سوء الظن بهم و بكافة الأنام،و اعترتني حالة عدم الإنسجام مع الخاص و العام،حيث تركت صلاة الجماعة خلف العدول،و ما هو بالمأمول،فلم أصدّق أحدا أبدا.

ثانيها:كان أحد المنسوبين لي يمنعني من الدراسة بكل شدة،حتى تصل النوبة إلى أن يذهب لأستاذي و يمنعه من تعليمي و تدريسي،فلا يمكنني التتلمذ عند الأساتذة و الحالة هذه.

ثالثها:أبتليت بمرض الحصبة،و بعد الشفاء أصابني الخمول الذهني،فنسيت كل شيء و لم أحفظ شيئا أبدا.

رابعها:ضعفت عيناي إلى أبعد الحدود بحيث لا يمكنني الإستفادة من قراءة أو كتابة حسب ما يرام.

خامسها:عجزت عن الكتابة السريعة إلى أبعد الحدود.

سادسها:الفقر المفرط بحيث لا أحصل على أكل في بعض الليالي.و كان معي آنذاك(في الحجرة)حجتا الإسلام العلاّمة الحاج الميرزا حسن الشيرازي و العلامة الميرزا حسين الميرزا الشيرازي قدّس سرّه و لم يعلما بحالي و فقري و فاقتي،و كانا يسألاني عن اصفرار وجهي فلم أبح لهما بسرّي

سابعها:كنت أشعر بمرض دائم في قلبي و لم أسترح ساعة واحدة.

ثامنها:كانت تتزلزل عقيدتي(رويدا رويدا)بالنسبة لبعض الأمور المعنوية.

تاسعها:كان بودي أن لا أصدّع قلب أحد بلساني سيّما في الدرس.

عاشرها:كانت حاجتي أن يخرج حب الدّنيا من قلبي بكل أنواعه،و بالأخص حب الدينار و الدرهم.

ص: 62

الحادي عشر:أتمنى حج بيت اللّه الحرام بشرط أن أموت فيه أو في المدينة المنورة،و أدفن في أحد البلدين الطاهرين.

الثاني عشر:أريد التوفيق من اللّه تعالى للعلم و العمل الصالح من كل وجوه البر و الآثار الخيرية ما دمت حيا.

كل ذلك جعلني أن أفكر بالتوسل إلى اللّه تعالى بجاه الحسين عليه السّلام.

فشددت الرحال و تحركت من المدرسة متوجها إلى كربلاء المقدّسة،و أنا أملك روبية واحدة آنذاك،فاشتريت قرصين من الخبز و كوز ماء،و كان ذلك في أواسط أيام الدراسة،و أظن أنه كان في شهر شوّال المكرم،و أنا حاف باك قاصدا مشهد الإمام الحسين المظلوم صلوات اللّه و سلامه عليه من طريق(خان حماد)و لم أتوجه لتعب و اضناء و عناء أبدا.

دخلت كربلاء و أنا متوجه نحو نهر الحسينية للإغتسال فاغتسلت غسل الزيارة و جئت إلى الحرم الشريف،و بعد الزيارة و الدعاء قرب الغروب،فذهبت إلى غرفة السادان المرحوم السيد عبد الحسين صاحب كتاب(بغية النبلاء في تاريخ كربلاء) و هو-أي السيد عبد الحسين-كان من أصدقاء العلاّمة والدي قدّس سرّه و طاب رمسه، فاستدعيت منه أن يسمح لي بالبقاء في الحضرة الشريفة ليلا و كان البقاء ممنوعا منعا باتا،و لكنه رحمه اللّه لاحظ صداقته مع المغفور له والدي رضوان اللّه تعالى عليه،فأذن لي بالبيتوتة عند قبر سيّدي و مولاي أبي عبد اللّه عليه السّلام.

و عند ذلك جددت الوضوء و تشرفت بدخول الحرم المقدّس الشريف في الساعة التي أرادوا غلق الأبواب،و هنا صرت أفكر في أي مكان من الحرم أجلس، و المعمول أنّ الناس يجلسون في طرف الرأس الشريف،و لكني فكرت بأنّ الإمام روحي فداه،كان في حياته(الظاهرية)متوجها دوما إلى ولده علي الأكبر عليه السّلام، و قلت في نفسي لا بدّ أن ينظر إليه فيما بعدها أيضا.

فلذا جلست ممّا يلي رجلي الإمام صلوات اللّه عليه بجنب قبر علي بن

ص: 63

الحسين عليه السّلام.

و بعد هنيهة من جلوسي هناك سمعت صوتا للقرآن الكريم،و ذلك من جهة خلف الحضرة المقدّسة،و كانت القراءة بصوت حزين،حيث جلبني فتوجهت إلى هناك،و إذا بأبي رحمه اللّه تعالى جالس و بجنبه 13 رجلا يتلون القرآن الكريم، و أمامه رجل أيضا و عليه قرآن و كان يتلوه هو،قدمت إليه و قبّلت يده و سألت عن حاله فأجابني مستبشرا بأنه في أتم راحة و استقرار و نعيم،فسألته:ما ذا تعملون هنا؟

أجاب قدّس سرّه:نحن هنا 14 نفر مشغولون بتلاوة القرآن المجيد في الحرم المطهر دائما.فسألته أين هم؟

فقال:ذهبوا إلى خارج الحرم لبعض حوائجهم،و هذا الرجل الذي بجانبي هو العلامة الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي-أحد رجال الثورة العراقية و زعماء الشيعة آنذاك-و الرجل الذي بعده العلاّمة المرحوم الشيخ زين العابدين المرندي من أوتاد علماء النجف الأشرف،و الذي بجانبه العلاّمة الشيخ زين العابدين المازندي الشهير صاحب كتاب ذخيرة العباد فعد جميع أولئك العظماء،و لكن مع الأسف لم يحضرني أسماء الباقين.

ثم سألني والدي المغفور له:لماذا أتيت إلى هنا و الأيام أيام دارسة و تحصيل؟ فعرضت بخدمته حوائجي التي ذكرتها أعلاه متوسلا بالإمام الحسين عليه أفضل الصلاة و السلام.فأمرني بالذهاب و عرض حاجاتي على سيّدي و مولاي.

فسألت أين هو روحي فداه،فأشار قائلا:هو هذا فوق الضريح الطاهر،فعجّل لأن الإمام عليه السّلام يريد الذهاب إلى زائر مريض في أحد(الخانات).

فقمت و ذهبت إلى قرب الضريح الشريف،فرأيته و إذا بي لا يمكنني النظر إلى وجهه الشريف حيث عليه هالة من نور يغشى البصر،فكانت عيني تغشى لنور وجهه المبارك،فكنت أراه من بين النور المحيط به بكل جهد.

ص: 64

سلّمت عليه و هو في أعلى الضريح،فأجابني السلام:

ثم قال عليه السّلام:إصعد إلى فوق!فعرضت بخدمته إنّي لست جديرا بذلك،فأمر ثانيا بصعودي فتوقيت أيضا و امتنعت استحياء.فأذن لي بالبقاء في مكاني أي بجنب الضريح.

ثم توجّهت بقوّة البصر الذي لا يتمكن من رؤيته فنظرت إليه بكل جهد،و إذا به عليه السّلام يبتسم بملاحة ما فوقها ملاحة.

ثم سألني:ماذا تريد؟..فقرأت بالفارسية:

آنجا كه عيان است جه حاجت به بيان است

يعني إنّك تعلم ما أكنّه في ضميري.فأدلى بقطعة من(النبات السكر)قائلا:أنت ضيفنا فاحلو لي فمك.

ثم أخذ يقول صلوات اللّه و سلامه عليه:

ماذا رأيت من عباد اللّه لتسيء بهم الظن؟!

فصرت أحس بتغيير جذري في نفسي،و لا شك أنّ هذا من تصرّف الإمام عليه السّلام بي بالولاية.

فمنها ما رأيت في نفسي من سوء الظن بأحد أبدا.

و رأيت أني منسجم مع الخاص و العام بحيث صرت أسلم على كل من أراه و أعانقه و أصافحه.و كان هناك رجل ظاهر الصلاح فصلّيت خلفه بعد آذان الصبح و ما كنت أظن أني أصلي خلف هذا يوما ما.

هذا:و قال لي عليه السّلام:توجه لدراستك،فإنّ الذي يعارضك لا يتمكن من إيذائك و إيقاف درسك.و لما رجعت إلى النجف الأشرف أتاني القرابة قائلا:يا فلان فكّرت و رأيت أنه لا يمكنك إلاّ الدراسة فادرس بشرط أن تستغني عنّا ماديا.

و الثالثة:أنه قال عليه السّلام:طلبنا شفاءك من اللّه تعالى،فأحسست في نفسي-من ساعتي-أنه لا يعتريني أي مرض،و ذهب عنّي ذاك الخمول الذهني فصرت حفاظا

ص: 65

عجيبا و إلى اليوم و الحمد للّه.

و الرابعة:أنه عليه السّلام قال:طلبنا من اللّه تعالى لعينك النور القوي.

و منه صرت أطالع كل الخطوط مهما نعمت و إلى اليوم الذي أنا في العقد التاسع من عمري.

و الخامسة:أنه عليه السّلام:أكرمني قلما،و قال:خذ و اكتب بكل سرعة،فسرع قلمي من ذلك الوقت بشكل عجيب.

و السادسة:تكلم صلوات اللّه عليه فيما يخص الفقر و الفاقة-مما لم تحضرني الكلمات.

و السابعة:طلبنا راحة قلبك.فشعرت بالراحة التامة في قلبي.

و الثامنة:دعى صلوات اللّه و سلامه عليه لي بثبات العقيدة بالنسبة للأمور المعنوية.

و التاسعة:قال عليه السّلام:طلبنا لك من اللّه تعالى أن يصبّرك على تعبك مع أهل العلم و لا يصدع قلب أحدهم منك سيّما في التدريس.

و العاشرة:دعاءه سلام اللّه عليه بخروج حب الدنيا من قلبي سيّما الدرهم و الدينار.

و الحادي عشر:قال عليه السّلام:كما دعونا لتوفيقك للخدمات الدينية و قبول الأعمال.

و الخلاصة:إنه عليه أفضل الصلاة و السلام أجاب جميع ما أردت سوى الحج، فلم يتعرض إليه أبدا،و ما سألته عنه (1).2.

ص: 66


1- قبسات من حياة المرعشي،ص:102.

ثواب و آثار زيارة الإمام الحسين عليه السلام

زيارة الإمام الحسين عليه السلام

في الأمالي بإسناده إلى عليّ عليه السّلام قال:زارنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم فقدّمنا إليه طعاما فأكل منه،فلمّا غسل يديه مسح وجهه و لحيته ببلّة يديه ثمّ قام إلى مسجد في جانب البيت فخرّ ساجدا فبكى فأطال البكاء،ثمّ رفع رأسه فما اجترأ منّا أهل البيت أحد أن يسأله عن شيء،فقام الحسين يدرج حتّى صعد على فخذي رسول اللّه فأخذ برأسه إلى صدره و قال:يا أبه ما يبكيك؟

فقال:يا بنيّ إنّي نظرت إليكم اليوم فسررت بكم سرورا لم أسر بكم قبله مثله، فهبط إليّ جبرئيل فأخبرني إنّكم قتلى و أنّ مصارعكم شتّى.

فقال:يا أبه ما لمن يزور قبورنا و يتعاهدها على تشتّتها؟

قال:طوائف من امّتي يريدون بذلك برّي و صلتي أتعاهدهم في الموقف و آخذ بأعضادهم فأنجيهم من أهواله و شدائده (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان الحسين بن علي ذات يوم في حجر النبي عليه السّلام يلاعبه و يضاحكه فقالت عائشة:ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي.

فقال لها:ويلك هو ثمرة فؤادي أما أنّ امّتي ستقتله فمن زاره بعد وفاته كتب اللّه

ص: 67


1- كامل الزيارات:127.

له حجّة من حججي قالت:يا رسول اللّه حجّة من حججك؟

قال:و حجّتين من حججي.

قالت:حجّتين من حججك؟

قال:نعم و أربعة،فلم تزل تزاده و يزيد و يضعف حتّى بلغ تسعين حجّة من حجج رسول اللّه باعمارها (1).

و عن أبي جعفر عليه السّلام:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا دخل الحسين عليه السّلام يقبّله و يبكي فيقول:يا أبه لم تبكي؟

فيقول:يا بنيّ اقبّل موضع السيوف منك و أبكي.

قال:يا أبه و أقتل؟

قال:إي و اللّه و أبوك و أخوك و أنت.

قال:يا أبه فقبورنا شتّى؟

قال:نعم يا بني،قال:فمن يزورنا من امّتك؟

قال:لا يزورنا إلاّ الصدّيقون من امّتي (2).

و عن زين العابدين عليه السّلام في حديث طويل يقول فيه:قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فإذا برز الحسين عليه السّلام و أصحابه إلى مضاجعهم تولّى اللّه عزّ و جلّ قبض أرواحهم بيده و أهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت و الزمرّد مملوءة من ماء الحياة و حلل من حلل الجنّة و طيب من طيب الجنّة فغسلوا جثثهم بذلك الماء و ألبسوها الحلل و حنّطوها بذلك الطيب و صلّى الملائكة صفّا صفّا عليهم ثمّ يبعث اللّه قوما لا يعرفهم الكفّار فيوارون أجسامهم و يقيمون رسما لسيّد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحقّ و سببا للمؤمنين إلى الفوز و يتحفه ملائكة كلّ سماء مائة ألف ملك في كلّ يوم و ليلة يصلّون عليه و يسبّحون اللّه عنده5.

ص: 68


1- كامل الزيارات:144 ح 1.
2- البحار:119/97 ح 15.

و يستغفرون اللّه لزوّاره و يكتبون أسماء من يأتيه زائرا متقرّبا إلى اللّه و إلى رسوله و أسماء آبائهم و عشائرهم و بلدانهم و يوسمون في وجوههم بميسم نور عرش اللّه هذا زائر قبر خير الشهداء و ابن خير الأنبياء،فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار و يعرفون به و يلتقطهم الملائكة و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم القيامة بذلك النور حتّى ينجيهم من هول ذلك اليوم، و لقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ إبليس يوم قتل الحسين يطير فرحا فيجول الأرض كلّها في شياطينه و عفاريته فيقول:يا معشر الشياطين قد أدركنا من ذرّية آدم الطلبة و بلغنا في هلاكهم الغاية و أورثناهم النار إلاّ من اعتصم بهذه العصابة فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم و حملهم على عداوتهم حتّى لا ينجو منهم ناج.

ثمّ قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام بعد ما حدّث بهذا الحديث:خذ إليك ما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولا لكان قليلا (1).

و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:جعلت فداك ما تقول فيمن ترك زيارة الحسين عليه السّلام و هو يقدر على ذلك؟

قال عليه السّلام:إنّه قد عقّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عقّنا و استخفّ بأمر هو له و من زاره كان اللّه له من وراء حوائجه و كفي ما أهمّه من أمر دنياه و إنّه ليجلب الرزق على العبد و يخلف عليه ما أنفق و يغفر له ذنوب خمسين سنة و يرجع إلى أهله و ما عليه وزر و لا خطيئة فإن هلك في سفره نزلت الملائكة فغسّلته و فتح له باب إلى الجنّة يدخل عليه روحها حتّى ينشر و إن سلم فتح الباب الذي ينزل منه رزقه فجعل له بكلّ درهم أنفقه عشرة آلاف درهم و إنّ اللّه تبارك و تعالى نظر لك و ذخرها لك عنده و الحمد للّه (2).

ابن قولويه،عن ابن الوليد،عن الصفار،عن الحسن بن موسى الخشاب،عن4.

ص: 69


1- كامل الزيارات:448.
2- كامل الزيارات:246 ح 4.

بعض رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ زائر الحسين جعل ذنوبه جسرا عند باب داره ثمّ عبرها كما يخلف أحدكم الجسر وراءه إذا عبر (1).

ابن قولويه،عن أبي العباس الرزاذ،عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب،عن محمّد بن اسماعيل،عن الخيبري،عن الحسين بن محمّد القمي قال:قال أبو الحسن موسى عليه السّلام:أدنى ما يثاب به زائر الحسين عليه السّلام بشاطىء الفرات إذا عرف حقّه و حرمته و ولايته أن يغفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر (2).

ابن قولويه،عن أبيه،عن الحسين بن الحسن بن أبان،عن محمّد بن اورمة،عن زكريا المؤمن،عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أراد أن يكون في كرامة اللّه يوم القيامة و في شفاعة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فليكن للحسين زائرا ينال من اللّه الفضل و الكرامة و حسن الثواب و لا يسأله عن ذنب عمله في الحياة الدنيا و لو كانت ذنوبه عدد رمل عالج و جبال تهامة و زبد البحر أنّ الحسين عليه السّلام قتل مظلوما مضطهدا عطشانا هو و أهل بيته و أصحابه (3).

ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد،عن أحمد بن محمّد بن عيسى،عن البرقي،عن القاسم بن يحيى،عن جده الحسن بن راشد،عن أبي ابراهيم عليه السّلام قال:من خرج من بيته يريد زيارة قبر أبي عبد اللّه الحسين بن علي عليهما السّلام وكّل به ملكا فوضع إصبعه في قفاه فلم يزل يكتب ما يخرج من فيه حتى يرد الحائر فإذا خرج من باب الحائر وضع كفّه وسط ظهره ثمّ قال له:أمّا ما مضى فقد غفر لك فاستأنف العمل (4).

ابن قولويه،عن الحسن بن عبد اللّه،عن أبيه،عن الحسن بن محبوب،عن داود الرقي قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:ما خلق اللّه خلقا أكثر من الملائكة و أنّه7.

ص: 70


1- كامل الزيارات:152 ح 1.
2- كامل الزيارات:153 ح 5.
3- كامل الزيارات:153 ح 6.
4- كامل الزيارات:153 ح 7.

ينزل من السماء كلّ مساء سبعون ألف ملك يطوفون بالبيت الحرام ليلتهم حتى إذا طلع الفجر إنصرفوا إلى قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيسلّمون عليه ثمّ يأتون قبر أمير المؤمنين عليه السّلام فيسلّمون عليه ثمّ يأتون قبر الحسين عليه السّلام فيسلّمون عليه ثمّ يعرجون إلى السماء قبل أن تطلع الشمس ثمّ تنزل ملائكة النهار سبعون ألف ملك فيطوفون بالبيت الحرام نهارهم حتى إذا غربت الشمس إنصرفوا إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيسلّمون عليه ثمّ يأتون قبر أمير المؤمنين عليه السّلام فيسلّمون عليه ثمّ يأتون قبر الحسين عليه السّلام فيسلّمون عليه ثمّ يعرجون إلى السماء قبل أن تغيب الشمس (1).

ابن قولويه،عن أبيه،و جماعة من مشايخه،عن سعد بن عبد اللّه،عن الحسين بن عبد اللّه،عن الحسن بن علي بن أبي عثمان،عن محمّد بن الفضيل،عن اسحاق بن عمار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ما بين قبر الحسين عليه السّلام إلى السماء مختلف الملائكة (2).

ابن قولويه،عن القاسم بن محمّد بن علي بن ابراهيم،عن أبيه،عن جده،عن عبد اللّه بن حماد،عن اسحاق بن عمار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك يابن رسول اللّه كنت في الحيرة ليلة عرفة فرأيت نحوا من ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف رجل جميلة وجوههم طيبة ريحهم شديدة بياض ثيابهم يصلّون الليل أجمع فلقد كنت أريد أن آتي قبر الحسين عليه السّلام و أقبّله و أدعو بدعواتي فما كنت أصل إليه من كثرة الخلق فلما طلع الفجر سجدت سجدة فرفعت رأسي فلم أر منهم أحدا،فقال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:أتدري من هؤلاء؟

قلت:لا جعلت فداك.

فقال:أخبرني أبي عن أبيه قال:مرّ بالحسين عليه السّلام أربعة آلاف ملك و هو يقتل فعرجوا إلى السماء فأوحى اللّه إليهم يا معشر الملائكة مررتم بابن حبيبي و صفيّي3.

ص: 71


1- كامل الزيارات:114 ح 2.
2- كامل الزيارات:114 ح 3.

محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يقتل و يضطهد مظلوما فلم تنصروه فانزلوا إلى الأرض إلى قبره فابكوه شعثا غبرا إلى يوم القيامة فهم عنده إلى أن تقوم القيامة (1).

ابن قولويه،عن أبيه و أخيه و جماعة من مشايخه،عن محمّد بن يحيى،و أحمد ابن ادريس،عن حمدان بن سليمان النيسابوري،عن عبد اللّه بن محمّد اليماني،عن منيع بن حجاج،عن يونس،عن صفوان الجمّال قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام لما أتى الحيرة:هل لك في قبر الحسين عليه السّلام؟

قلت:تزوره جعلت فداك؟

قال:و كيف لا أزوره و اللّه يزوره في كلّ ليلة جمعة يهبط مع الملائكة إليه و الأنبياء و الأوصياء و محمّد أفضل الأنبياء و نحن أفضل الأوصياء.

فقال صفوان:جعلت فداك فتزوره في كلّ جمعة حتى تدرك زيارة الرب؟

قال:نعم يا صفوان إلزم ذلك يكتب لك زيارة قبر الحسين عليه السّلام،و ذلك تفضيل و ذلك تفضيل (2).

زيارة اللّه للإمام الحسين عليه السّلام عبارة عن تنزّل الرحمة و زيادة مقام الحسين عليه السّلام،أو رحمة من يكون في مقام الحسين عليه السّلام ليلة الجمعة.

ابن قولويه،عن الحسن بن عبد اللّه،عن أبيه،عن الحسن بن محبوب،عن اسحاق ابن عمار قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:ليس من نبيّ في السموات إلاّ و يسألون اللّه تعالى أن يأذن لهم في زيارة الحسين عليه السّلام ففوج ينزل و فوج يصعد (3).

ابن قولويه،عن محمّد بن عبد اللّه الحميري،عن أبيه،عن هارون بن مسلم،عن عبد اللّه بن الأشعث،عن عبد اللّه بن حماد الأنصاري،عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:قبر الحسين بن علي صلوات اللّه عليه عشرون ذراعا في1.

ص: 72


1- كامل الزيارات:115 ح 5.
2- كامل الزيارات:113.
3- كامل الزيارات:111 ح 1.

عشرين ذراعا مكسّرا روضة من رياض الجنة و فيه معراج الملائكة إلى السماء و ليس من ملك مقرّب و لا نبي مرسل إلاّ و هو يسأل اللّه أن يزوره،ففوج يهبط و فوج يصعد (1).

ابن قولويه،عن الحسن بن عبد اللّه،عن أبيه،عن الحسن بن محبوب،عن الحسين بن بنت أبي حمزة الثمالي قال:خرجت في آخر زمان بني مروان إلى زيارة قبر الحسين عليه السّلام مستخفيا من أهل الشام حتى انتهيت إلى كربلاء فاختفيت في ناحية القرية حتى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر فلما دنوت منه أقبل نحوي رجل فقال:إنصرف مأجورا فإنّك لا تصل إليه،فرجعت فزعا حتى إذا كاد يطلع الفجر أقبلت نحوه حتى إذا دنوت منه خرج اليّ الرجل فقال لي:يا هذا إنّك لا تصل إليه.

فقلت له:عافاك اللّه و لم لا أصل إليه و قد أقبلت من الكوفة أريد زيارته فلا تحل بيني و بينه عافاك اللّه و أنا أخاف أن أصبح فيقتلني أهل الشام إن أدركوني ههنا، قال:فقال لي:إصبر قليلا فإنّ موسى بن عمران عليه السّلام سأل اللّه أن يأذن له في زيارة قبر الحسين بن علي عليهما السّلام فأذن له فهبط من السماء في سبعين ألف ملك فهم بحضرته من أوّل الليل ينتظرون طلوع الفجر ثمّ يعرجون إلى السماء.

قال:فقلت له:فمن أن عافاك اللّه؟

قال:أنا من الملائكة الذين أمروا بحرس قبر الحسين عليه السّلام و الإستغفار لزواره فانصرفت و قد كاد أن يطير عقلي لما سمعت منه قال:فأقبلت لمّا طلع الفجر نحوه فلم يحل بيني و بينه أحد فدنوت من القبر و سلّمت عليه و دعوت اللّه على قتلته و صليت الصبح و أقبلت مسرعا مخافة أهل الشام (2).

و روي أنّ آدم عليه السّلام لمّا هبط إلى الأرض لم ير حوّاء فصار يطوف الأرض في2.

ص: 73


1- كامل الزيارات:112 ح 3.
2- كامل الزيارات:111 ح 2.

طلبها فمرّ بكربلاء فاغتمّ و ضاق صدره من غير سبب و عثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين حتّى سال الدم من رجله،فقال:إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به،فأوحى إليه:يا آدم يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلما فسال دمك موافقة لدمه و هو سبط النبيّ و قاتله يزيد.

فقال:أيّ شيء أصنع؟

قال:إلعنه أربع مرّات،فلعنه و مشى إلى جبل عرفات فوجد حوّاء هناك.

و أنّ نوحا لمّا ركب في السفينة طافت به جميع الدّنيا،فلمّا مرّت بكربلاء أخذته الأرض و خاف نوح الغرق فقال:إلهي أصابني فزع في هذه الأرض فقال جبرئيل عليه السّلام:يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمّد خاتم الأنبياء قاتله لعين أهل السماوات فلعنه نوح أربع مرّات،و سارت السفينة حتّى استقرّت على الجودي.

و أنّ إبراهيم عليه السّلام مرّ بأرض كربلاء و هو راكب فرسا فعثرت به و سقط إبراهيم و شجّ رأسه و سال دمه فأخذ في الإستغفار.

فقال:إلهي أيّ شيء حدث منّي؟

فقال:يا إبراهيم ما حدث منك ذنب،و لكن هنا يقتل سبط الأنبياء فسال دمك موافقة لدمه و قاتله لعين أهل السماوات و الأرضين و القلم جرى على اللّوح بلعنه بغير إذن ربّه،فأوحى اللّه تعالى إلى القلم إنّك استحققت الثناء بهذا اللّعن فلعن إبراهيم عليه السّلام يزيدا لعنا كثيرا و قال فرسه:آمين.

فقال إبراهيم لفرسه:أيّ شيء عرفت حتّى تؤمّن على دعائي؟

فقال:يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك عليّ،فلمّا عثرت و سقطت عن ظهري خجلت، و كان سبب ذلك يزيد لعنه اللّه.

و إنّ إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات فأخبره الراعي أنّها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوما،فسأل ربّه عن ذلك،فقال جبرئيل عليه السّلام:سل

ص: 74

غنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك،فقال لها:لم لا تشربين من هذا الماء؟

فقالت بلسان فصيح:قد بلغنا أنّ ولدك الحسين يقتل هنا عطشانا فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزنا عليه فسألها عن قاتله فقالت:يقتله لعين أهل السماوات و الأرض فلعنه إسماعيل.

و أنّ موسى عليه السّلام كان ذات يوم سائرا و معه يوشع بن نون،فلمّا جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله و انقطع شراكه و دخل الحسك في رجله و سال دمه فقال:إلهي أيّ شيء حدث منّي؟

فأوحى اللّه إليه أنّ هنا يقتل الحسين فسال دمك موافقة لدمه و قاتله لعين السمك في البحار و الوحوش في القفار و الطير في الهواء،فلعن موسى يزيدا و أمّن يوشع على دعائه.

و أنّ سليمان عليه السّلام كان يجلس على بساطه و يسير في الهواء فمرّ بأرض كربلاء فأدارت الريح بساطه ثلاثة دورات حتّى خافوا السقوط،فسكنت الريح و نزل البساط،فقال سليمان للريح:لم سكنتي؟

فقالت:إنّ هنا يقتل الحسين عليه السّلام و هو سبط محمّد المختار و قاتله يزيد،فلعنه سليمان و أمّن على دعائه الإنس و الجنّ فهبّت الريح و سار البساط.

و أنّ عيسى عليه السّلام كان سائحا في البراري و معه الحواريّون فمرّوا بكربلاء فرأوا أسدا قد أخذ الطريق.

فقال عيسى للأسد:لم جلست في هذا الطريق لا تدعنا نمرّ فيه؟

فقال بلسان فصيح:إنّي لم أدعكم تمرّوا حتّى تلعنوا يزيدا قاتل الحسين سبط محمّد و قاتله لعين الوحوش و الذئاب و السباع خصوصا أيّام عاشوراء،فلعنه و أمّن الحواريّون فتنحّى الأسد عن الطريق (1).3.

ص: 75


1- البحار للعلاّمة المجلسي:244/44 ح 43.

ابن قولويه،عن أبيه،و محمّد بن عبد اللّه،و علي بن الحسين،و محمّد بن الحسن، عن عبد اللّه بن جعفر الحميري،عن موسى بن عمر،عن حسان البصري،عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لي:يا معاوية لا تدع زيارة قبر الحسين عليه السّلام لخوف فإنّ من ترك زيارته رأى من الحسرة ما يتمنّى إنّ قبره كان عنده أما تحب أن يرى اللّه شخصك و سوادك فيمن يدعو له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ و فاطمة و الأئمة عليهم السّلام (1).

ابن قولويه بهذا الاسناد،عن موسى بن عمر،عن حسان البصري،عن معاوية ابن وهب قال:إستأذنت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقيل لي:أدخل فدخلت فوجدته في مصلاه في بيته فجلست حتى قضى صلاته فسمعته يناجي ربّه و هو يقول:«اللّهم يا من خصّنا بالكرامة و وعدنا بالشفاعة و خصّنا بالوصية و أعطانا ما مضى و علم ما بقي و جعل أفئدة من الناس تهوي إلينا اغفر لي و لإخواني و زوّار قبر أبي الحسين الذين أنفقوا أموالهم و أشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا و رجاء لما عندك من صلتنا و سرورا أدخلوه على نبيّك و إجابة منهم لأمرنا و غيظا أدخلوه على عدونا أرادوا بذلك رضاك فكافهم عنّا بالرضوان و اكلأهم بالليل و النهار و اخلف على أهاليهم و أولادهم الذين خلّفوا بأحسن الخلف و اصحبهم و اكفهم شرّ كلّ جبار عنيد و كلّ ضعيف من خلقك و شديد و شرّ شياطين الإنس و الجن و أعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم و ما آثرونا به على أبنائهم و أهاليهم و قراباتهم،اللهم إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافا منهم على من خالفنا فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس و ارحم تلك الخدود التي تتقلّب على حضرة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و ارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا و ارحم تلك القلوب التي جزعت و احترقت لنا و ارحم تلك الصرخة التي كانت لنا.1.

ص: 76


1- كامل الزيارات:116 ح 1.

اللهم اني أستودعك تلك الأبدان و تلك الأنفس حتى توفّيهم على الحوض يوم العطش الأكبر».

فما زال يدعو و هو ساجد بهذا الدعاء فلما انصرف،قلت:جعلت فداك لو أنّ هذا الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف اللّه لظننت أنّ النار لا تطعم منه شيئا أبدا و اللّه لقد تمنيّت أني كنت زرته و لم أحجّ،فقال لي:ما أقربك منه فما الذي يمنعك من زيارته؟

ثمّ قال:يا معاوية لم تدع ذلك؟

قلت:جعلت فداك لم أر أنّ الأمر يبلغ هذا كله،فقال:يا معاوية من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض (1).

ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد بن عبد اللّه،عن موسى بن عمر،عن حسّان البصري،عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لي:يا معاوية لا تدع زيارة الحسين عليه السّلام لخوف فإنّ من تركه رأى من الحسرة ما يتمنّى أنّ قبره كان عنده أما تحب أن يرى اللّه شخصك و سوادك فيمن يدعو له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و علي و فاطمة و الأئمة عليهم السّلام أما تحبّ أن تكون ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى و يغفر لك ذنوب سبعين سنة أما تحب أن تكون ممن يخرج من الدنيا و ليس عليه ذنب تتبع به، أما تحب أن تكون غدا ممن يصافحه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (2)؟

ابن قولويه،عن حكيم بن داود،عن سلمة بن خطاب،عن الحسن بن علي الوشاء،عمّن ذكره،عن داود بن كثير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ فاطمة عليها السّلام بنت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تحضر لزوار قبر ابنها الحسين فتستغفر لهم ذنوبهم (3).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا زرتم الحسين فالزموا الصمت إلاّ من خير و إنّ ملائكة الليل و النهار من الحفظة تحضر و الملائكة الذين بالحائر فتصافحهم4.

ص: 77


1- كامل الزيارات:116 ح 2.
2- كامل الزيارات:117 ح 3.
3- كامل الزيارات:118 ح 4.

فلا يجيبونها من شدّة البكاء فينتظرونهم حتّى تزول الشمس و حتّى ينور الفجر ثمّ يكلّمونهم و يسألونهم عن أشياء من أمر السماء،فأمّا ما بين هذين الوقتين فإنّهم لا ينطقون و لا يفترون عن البكاء و الدّعاء و لا يشغلونهم في هذين الوقتين عن أصحابهم فإنّما شغلهم بكم إذا نطقتم،قلت:و ما الذي يسألونهم؟

قال أهل الحائر:يسألون الحفظة لأنّ أهل الحائر من الملائكة لا يبرحون و الحفظة تنزل و تصعد،قلت:فما يسألونهم؟

قال:إنّهم يمرون إذا عرّجوا بإسماعيل صاحب الحوافر بما و افقوا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنده و فاطمة و الحسين و الحسن و الأئمّة ممّن مضى منهم فيسألونهم عن أشياء و من حضر منكم الحائر و يقولون:بشّروهم بدعائكم فيقول الحفظة:كيف نبشّرهم و هم لا يسمعون كلامنا؟فيقولون لهم:باركوا عليهم و ادعوا لهم عنّا فهي البشارة منّا و إذا انصرفوا فحفّوهم بأجنحتكم حتّى يحسوا مكانكم و لو يعلموا ما في زيارته من الخير لاقتتلوا على زيارته بالسيوف و لباعوا أموالهم في إتيانه و أنّ فاطمة عليها السّلام إذا نظرت إليهم و معها ألف نبي و ألف صدّيق و ألف شهيد و من الكروبيين ألف ألف يساعدونها على البكاء و أنّها لتشهق شهقة فلا يبقى في السماوات ملك إلاّ بكى رحمة لصوتها و ما تسكن حتّى يأتيها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقول:يا بنيّة قد أبكيت أهل السماوات و شغلتيهم عن التسبيح و التقديس فكفى حتّى يقدّسوا فإنّ اللّه بالغ أمره و انّا لننظر إلى من حضر منكم فنسأل اللّه لهم كلّ خير (1).

و في الكافي و غيره عن حريز و قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك ما أقلّ بقاءكم أهل البيت و أقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة هذا الخلق إليكم.

فقال:إنّ لكلّ واحد منّا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدّته فإذا انقضى ما فيها ممّا أمر به عرف أنّ أجله قد حضر و أتاه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ينعي إليه8.

ص: 78


1- كامل الزيارات:177 ح 18.

نفسه و أنّ الحسين عليه السّلام قرأ صحيفته التي أعطيها و فسّر له ما يأتي و ما يبقى و بقي منها أشياء لم تنقضي فخرج إلى القتال و كانت تلك الأمور التي بقيت أنّ الملائكة سألت اللّه تعالى في نصرته فأذن لهم فمكث تستعدّ للقتال حتّى قتل فنزلت و قد انقطعت مدّته فقالت الملائكة:يا ربّ أذنت لنا في نصرته و قد قبضته إليك،فأوحى إليهم الزموا قبّته حتى ترونه و قد خرج فانصروه و ابكوا عليه و على ما فاتكم من نصرته فإذا خرج صلوات اللّه عليه يكونون أنصاره (1).

و عنه عليه السّلام:إنّ عند قبره أربعة آلاف ملك لا يزوره زائر إلاّ استقبلوه و لا يودّعه مودّع إلاّ شيّعوه و لا يمرض إلاّ عادوه و لا يموت إلاّ صلّوا على جنازته و استغفروا له بعد موته و هم في الأرض ينتظرون قيام القائم عليه السّلام (2).

ابن قولويه،عن محمّد بن جعفر القرشي الرزاذ،عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب،عن صفوان بن يحيى،عن أبي أسامة زيد الشحام قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:من أتى قبر الحسين عليه السّلام تشوّقا إليه كتبه اللّه من الآمنين يوم القيامة و أعطي كتابه بيمينه و كان تحت لواء الحسين عليه السّلام حتى يدخل الجنة فيسكنه في درجته إنّ اللّه عزيز حكيم (3).

ابن قولويه،عن الحسن بن عبد اللّه،عن أبيه،عن الحسن بن محبوب،عن العلاء ابن رزين،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لو يعلم الناس ما في زيارة قبر الحسين عليه السّلام من الفضل لماتوا شوقا و تقطّعت أنفسهم عليه حسرات،قلت:و ما فيه؟

قال:من أتاه تشوّقا كتب اللّه له ألف حجة متقبلة و ألف عمرة مبرورة و أجر ألف شهيد من شهداء بدر و أجر ألف صائم و ثواب ألف صدقة مقبولة و ثواب ألف نسمة1.

ص: 79


1- البحار:176/79.
2- كامل الزيارات:235 ح 348.
3- كامل الزيارات:142 ح 1.

أريد بها وجه اللّه و لم يزل محفوظا سنته من كلّ آفة أهونها الشيطان و وكل به ملك كريم يحفظه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله و من فوق رأسه و من تحت قدمه،فإن مات سنته حضرته ملائكة الرحمة يحضرون غسله و تكفينه و الإستغفار له و يشيّعونه إلى قبره بالإستغفار له و يفسح له في قبره مدّ بصره و يؤمنه اللّه من ضغطة القبر و من منكر و نكير أن يروّعانه و يفتح له باب إلى الجنّة و يعطى كتابه بيمينه و يعطى له يوم القيامة نورا يضيىء لنوره ما بين المشرق و المغرب و ينادي مناد هذا من زار الحسين شوقا إليه فلا يبقى أحد يوم القيامة إلاّ تمنّى يومئذ أنّه كان من زوّار الحسين عليه السّلام (1).

ابن قولويه،عن الحسن بن عبد اللّه،عن أبيه،عن الحسن بن محبوب،عن أبي أيّوب الخزاز،عن محمّد بن مسلم قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما لمن أتى قبر الحسين عليه السّلام؟

قال:من أتاه شوقا إليه كان من عباد اللّه المكرمين و كان تحت لواء الحسين بن علي حتى يدخلهما اللّه الجنّة (2).

ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمّد بن عيسى،عن أحمد بن محمّد بن خالد،عن أبان الأحمر،عن محمّد بن الحسين الخزاز،عن هارون ابن خارجة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:جعلت فداك ما لمن أتى قبر الحسين زائرا له عارفا بحقه يريد به وجه اللّه تعالى و الدار الآخرة؟

فقال له:يا هارون من أتى قبر الحسين عليه السّلام زائرا له عارفا بحقه يريد به وجه اللّه و الدار الآخرة غفر اللّه،و اللّه،ما تقدّم من ذنبه و ما تأخر ثمّ قال لي ثلاثا:ألم أحلف لك، ألم أحلف لك،ألم أحلف لك (3).2.

ص: 80


1- كامل الزيارات:142 ح 3.
2- كامل الزيارات:143 ح 4.
3- كامل الزيارات:144 ح 2.

ابن قولويه،عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري،عن أبيه،عن علي بن محمّد ابن سالم،عن محمّد بن خالد،عن عبد اللّه بن حماد البصري،عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم،عن عبد اللّه بن مسكان قال:شهدت أبا عبد اللّه عليه السّلام و قد أتاه قوم من أهل خراسان فسألوه عن إتيان قبر الحسين عليه السّلام و ما فيه من الفضل؟

قال:حدثني أبي عن جدي أنّه كان يقول:من زاره يريد به وجه اللّه أخرجه اللّه من ذنوبه كمولود ولدته أمّه و شيّعته الملائكة في مسيره فرفرفت على رأسه قد صفّوا بأجنحتهم عليه حتى يرجع إلى أهله و سألت الملائكة المغفرة له من ربّه و غشيته الرحمة من أعنان السماء و نادته الملائكة طبت و طاب من زرت و حفظ في ماله (1).

ابن قولويه،عن أبيه،و محمّد بن الحسن،عن محمّد بن الحسن الصفار جميعا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي،عن الحسن بن علي بن فضال،عن أبي أيّوب ابراهيم بن عثمان الخزاز،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السّلام فإنّ إتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين عليه السّلام بالإمامة من اللّه (2).

ابن قولويه،عن أبيه و أخيه،و علي بن الحسين،و محمّد بن الحسن جميعا،عن أحمد بن ادريس،عن عبيد اللّه بن موسى،عن الوشاء قال:سمعت الرضا عليه السّلام يقول:

لكلّ إمام عهدا في عنق أوليائه و شيعته و إنّ من تمام الوفاء بالعهد و حسن الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم و تصديقا لما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة (3).

ابن قولويه،عن أبيه،عن الحسن بن متيل،عن الحسن بن علي الكوفي،عن علي بن حسان الهاشمي،عن عبد الرحمن بن كثير مولى أبي جعفر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام2.

ص: 81


1- كامل الزيارات:145 ح 5.
2- كامل الزيارات:121 ح 1 باب 43.
3- كامل الزيارات:122 ح 2.

قال:لو أنّ أحدكم حج دهره ثمّ لم يزر الحسين بن علي عليه السّلام لكان تاركا حقا من حقوق اللّه و حقوق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنّ حق الحسين عليه السّلام فريضة من اللّه واجبة على كلّ مسلم (1).

ابن قولويه،عن محمّد بن جعفر الرزاز،عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أبي داود المسترق،عن ام سعيد الأحمسيّة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قالت قال لي:يا امّ سعيد تزورين قبر الحسين؟

قالت:قلت:نعم.

فقال لي:زوريه فإنّ زيارة قبر الحسين واجبة على الرجال و النساء (2).

ابن قولويه،عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر،عن أبيه،عن علي بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد،عن عبد اللّه بن حماد البصري،عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم،عن حماد ذي الناب،عن روحي،عن زرارة قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:ما تقول فيمن زار أباك على خوف؟

قال:يؤمنه اللّه يوم الفزع الأكبر و تلقّاه الملائكة بالبشارة و يقال له:لا تخف و لا تحزن هذا يومك الذي فيه فوزك (3).

ابن قولويه بإسناده إلى الأصم،عن أبي بكير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:

إني أنزل الأرجان و قلبي ينازعني إلى قبر أبيك فإذا خرجت فقلبي و جل مشفق حتى أرجع خوفا من السلطان و السعاة و أصحاب المصالح،فقال:يابن بكير أما تحبّ أن يراك اللّه فينا خائفا أما تعلم أنّه من خاف لخوفنا أظلّه اللّه في ظلّ عرشه و كان محدّثه الحسين عليه السّلام تحت العرش و آمنه اللّه من أفزاع يوم القيامة يفزع الناس و لا يفزع فإن1.

ص: 82


1- كامل الزيارات:122 ح 4.
2- كامل الزيارات:122 ح 3.
3- كامل الزيارات:125 ح 1.

فزع و قرته الملائكة و سكنت قلبه بالبشارة (1).

ابن قولويه،عن عليّ بن الحسين،عن سعد بن عبد اللّه،عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب،عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع،عن الخيبري،عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:جعلت فداك زيارة قبر الحسين عليه السّلام في حال التقية؟

قال:إذا أتيت الفرات فاغتسل ثمّ البس أثوابك الطاهرة ثمّ تمرّ بإزاء القبر و قل:

صلى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه صلى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه صلى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه فقد تمت زيارتك (2).

ابن قولويه،عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري،عن أبيه،عن علي بن محمّد بن سالم،عن محمّد بن خالد،عن عبد اللّه بن حماد البصري،عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم،عن مدلج،عن محمّد بن مسلم في حديث طويل قال:قال لي أبو جعفر محمّد بن علي عليه السّلام:هل تأتي قبر الحسين؟

قلت:نعم على خوف و وجل.

فقال:ما كان من هذا أشدّ فالثواب فيه على قدر الخوف و من خاف في إتيانه أمّن اللّه روعته يوم القيامة يوم يقوم الناس لربّ العالمين و انصرف بالمغفرة و سلّمت عليه الملائكة و زاره النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و دعى له و انقلب بنعمة من اللّه و فضل لم يمسسه سوء و اتبع رضوان اللّه ثمّ ذكر الحديث (3).

ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد بن عبد اللّه،و محمّد بن يحيى العطار،عن أحمد بن محمّد بن عيسى،عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع،عن أبي أيّوب،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السّلام فإنّ إتيانه5.

ص: 83


1- كامل الزيارات:125 ح 2.
2- كامل الزيارات:126 ح 4.
3- كامل الزيارات:126 ح 5.

يزيد في الرزق و يمدّ في العمر و يدفع مدافع السوء و إتيانه مفترض على كل مؤمن يقرّ للحسين بالإمامة من اللّه (1).

ابن قولويه،عن محمّد بن عبد اللّه الحميري،عن أبيه،عن محمّد بن عبد الحميد، عن سيف بن عميرة،عن منصور بن حازم،قال:سمعناه يقول:من أتى عليه حول لم يأت قبر الحسين أنقص اللّه من عمره حولا و لو قلت أنّ أحدكم يموت قبل أجله بثلاثين سنة لكنت صادقا و ذلك لأنّكم تتركون زيارة الحسين عليه السّلام،فلا تدعوا زيارته يمدّ اللّه في أعماركم و يزيد في أرزاقكم و إذا تركتم زيارته نقّص اللّه من أعماركم و أرزاقكم فتنافسوا في زيارته و لا تدعوا ذلك فإنّ الحسين شاهد لكم في ذلك عند اللّه و عند رسوله و عند فاطمة و عند أمير المؤمنين (2).

ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمّد بن عيسى،عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،عن بعض أصحابنا،عن أبان،عن عبد الملك الخثعمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لي:يا عبد الملك لا تدع زيارة الحسين بن علي عليهما السّلام و أمر أصحابك بذلك يمدّ اللّه في عمرك و يزيد اللّه في رزقك و يحييك اللّه سعيدا و لا تموت إلاّ سعيدا و يكتبك سعيدا (3).

ابن قولويه،عن أبيه،و جماعة،عن سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمّد بن عيسى،عن الحسن بن علي الوشاء،عن أحمد بن عايذ،عن أبي خديجة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن زيارة قبر الحسين عليه السّلام قال:انّه أفضل ما يكون من الأعمال (4).

و روى ابن قولويه،عن أبي العباس الكوفي،عن محمّد بن الحسين،عن الحسن1.

ص: 84


1- كامل الزيارات:150 ح 1.
2- كامل الزيارات:151 ح 2.
3- كامل الزيارات:151 ح 5.
4- كامل الزيارات:146 ح 1.

ابن محبوب،عن رجل،عن أبان الأزرق،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أحبّ الأعمال إلى اللّه تعالى زيارة قبر الحسين عليه السّلام و أفضل الأعمال عند اللّه إدخال السرور على المؤمن و أقرب ما يكون العبد إلى اللّه تعالى و هو ساجد باك (1).

ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمّد،عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع،عن صالح بن عقبة،عن زيد الشحام قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام؟

قال:كان كمن زار اللّه في عرشه.

قال:قلت:ما لمن زار أحدا منكم؟

قال:كمن زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (2).

ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمّد بن عيسى،عن محمّد بن اسماعيل،عن الخيبري،عن الحسين بن محمّد القمي،عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:من زار قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام بشط الفرات كان كمن زار اللّه فوق عرشه (3).

ابن قولويه،عن محمّد بن جعفر الزراد،عن محمّد بن الحسين،عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع،عن الخيبري،عن الحسين بن محمّد القمي قال:قال لي الرضا عليه السّلام:من زار قبر أبي ببغداد كان كمن زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين ألاّ إنّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السّلام فضلهما قال:ثمّ قال لي:من زار قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام بشط الفرات كان كمن زار اللّه فوق كرسيه(في عرشه) (4).

ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمّد بن عيسى،عن ابن7.

ص: 85


1- كامل الزيارات:146 ح 4.
2- كامل الزيارات:147 ح 1.
3- كامل الزيارات:147 ح 2.
4- كامل الزيارات:148 ح 7.

فضال،عن عبد اللّه بن مسكان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أتى قبر الحسين عليه السّلام كتبه اللّه في عليين (1).

ابن قولويه،عن محمّد بن الحسن،عن الصفار و سعد بن عبد اللّه،عن علي بن اسماعيل،عن محمّد بن عمرو الزيات،عن هارون بن خارجة قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه كتبه اللّه في أعلى علييّن (2).

ابن قولويه،عن عبد اللّه بن جعفر الحميري،عن أبيه،عن محمّد بن الحسن بن شمون البصري،عن محمّد بن سنان،عن بشير الدهان قال:كنت أحج في كلّ سنة فأبطات سنة عن الحج فلما كان من قابل حججت و دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام،فقال لي:يا بشير ما أبطأك عن الحج في عامنا الماضي؟

قال:قلت:جعلت فداك،مال كان لي على الناس خفت ذهابه غير أنّي عرّفت عند قبر الحسين عليه السّلام.

قال:فقال لي:ما فاتك شيء مما كان فيه أهل الموقف،يا بشير من زار قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه كان كمن زار اللّه في عرشه (3).

ابن قولويه،عن أبيه،و أخيه و جماعة من مشايخه،عن محمّد بن علي المدائني، عن محمّد بن سعيد البجلي،عن قبيصة،عن جابر الجعفي قال:دخلت على جعفر بن محمّد عليه السّلام في يوم عاشوراء فقال لي:هؤلاء زوار اللّه و حق على المزور أن يكرم الزائر،من بات عند قبر الحسين عليه السّلام ليلة عاشوراء لقي اللّه ملطّخا بدمه يوم القيامة كأنّما قتل معه في عرصته و قال:من زار قبر الحسين عليه السّلام أي يوم عاشوراء و بات1.

ص: 86


1- كامل الزيارات:148 ح 8.
2- كامل الزيارات:148 ح 6.
3- كامل الزيارات:149 ح 11.

عنده كان كمن استشهد بين يديه (1).

ابن قولويه،عن محمّد بن همام،عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري،عن أحمد بن علي بن عبيد الجعفي،عن حسين بن سليمان،عن الحسين بن أسد،عن حماد بن عيسى،عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:من زار الحسين يوم عاشوراء وجبت له الجنّة (2).

ابن قولويه،عن محمّد بن عبد اللّه الحميري،عن أبيه،عن يعقوب بن يزيد الأنباري،عن محمّد بن أبي عمير،عن زيد الشحام،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من زار قبر الحسين بن علي يوم عاشوراء عارفا بحقه كان كمن زار اللّه في عرشه (3).

ابن قولويه،عن الحسين بن محمّد بن عامر،عن المعلى بن محمّد،عن محمّد بن جمهور القمي،عمّن ذكره عنهم عليه السّلام قال:من زار قبر الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء كان كمن تشحّط بدمه بين يديه.

ابن قولويه،عن حكيم بن داود بن حكيم و غيره،عن محمّد بن موسى الهمداني، عن محمّد بن خالد الطيالسي،عن سيف بن عميرة،و صالح بن عقبة جميعا،عن علقمة بن محمّد الحضرمي،و محمّد بن اسماعيل،عن صالح بن عقبة،عن مالك الجهني،عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:من زار الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء من المحرم حتى يظلّ عنده باكيا لقي اللّه تعالى يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجة و ألفي ألف عمرة و ألفي ألف غزوة و ثواب كلّ حجة و عمرة و غزوة كثواب من حج و اعتمر و غزا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مع الأئمة الراشدين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

قال:قلت:جعلت فداك فما لمن كان في بعد البلاد و أقاصيها و لم يمكنه4.

ص: 87


1- كامل الزيارات:173 ح 1.
2- كامل الزيارات:173 ح 2.
3- كامل الزيارات:174 ح 3 و 4.

المصير (1)إليه في ذلك اليوم؟

قال:إذا كان ذلك اليوم برز إلى الصحراء أو صعد سطحا مرتفعا في داره و أومى إليه بالسلام و اجتهد على قاتله بالدعاء و صلى بعده ركعتين يفعل ذلك في صدر النهار قبل الزوال ثمّ ليندب الحسين عليه السّلام و يبكيه و يأمر من في داره بالبكاء عليه و يقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه و يتلاقون بالبكاء بعضهم بعضا في البيوت و ليعزّ بعضهم بعضا بمصاب الحسين عليه السّلام فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على اللّه جميع هذا الثواب.

فقلت:جعلت فداك و أنت الضامن لهم إذا فعلوا ذلك و الزعيم به؟

قال:أنا الضامن لهم ذلك و الزعيم لمن فعل ذلك.

قال:قلت:فكيف يعزّي بعضهم بعضا؟

قال:يقولون عظّم اللّه أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السّلام و جعلنا و إيّاكم من الطالبين بثأره مع وليّه الامام المهدي من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.فإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل.فانّه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة و إن قضيت لم يبارك له فيها و لم ير رشدا و لا تدّخرنّ لمنزلك شيئا فانّه من ادّخر لمنزله شيئا في ذلك اليوم لم يبارك له فيما يدّخره و لا يبارك له في أهله.

فمن فعل ذلك كتب له ثواب ألف ألف حجة و ألف ألف عمرة و ألف ألف غزوة كلّها مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كان له ثواب مصيبة كلّ نبي و رسول و صديق و شهيد مات أو قتل منذ خلق اللّه الدنيا إلى أن تقوم الساعة.

قال صالح بن عقبة الجهني و سيف بن عميرة:قال علقمة بن محمّد الحضرمي فقلت لأبي جعفر عليه السّلام:علّمني دعاء أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زرته من قريب و دعاء أدعو به إذا لم أزره من قريب أومأت إليه من بعد البلاد و من سطح داريل.

ص: 88


1- المسير.نسخة بدل.

بالسلام.

قال:فقال:يا علقمة إذا أنت صليت ركعتين بعد أن تومىء إليه بالسلام فقلت عند الإيماء إليه و من بعد الركعتين هذا القول فانّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة و كتب اللّه لك بها ألف ألف حسنة و محى عنك ألف ألف سيئة و رفع لك مأة ألف ألف درجة و كنت ممن استشهد مع الحسين بن علي حتى تشاركهم في درجاتهم و لا تعرف إلاّ في الشهداء الذين استشهدوا معه و كتب لك ثواب كلّ نبي و رسول و زيارة من زار الحسين بن علي عليهما السّلام منذ يوم قتل.(ثمّ ذكر زيارة عاشوراء المعروفة ثمّ قال بعد ذكر سجودها):

قال علقمة:قال أبو جعفر عليه السّلام:يا علقمة إن استطعت أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزيارة من دهرك فافعل فلك ثواب جميع ذلك إن شاء اللّه تعالى (1).

الطوسي رفعه إلى محمّد بن خالد الطيالسي،عن سيف بن عميرة،قال:خرجت مع صفوان بن مهران الجمال و جماعة من أصحابه إلى الغري-بعد ما خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام-فسرنا من الحيرة إلى الغري فلما فرغنا من الزيارة،صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لنا:نزور الحسين عليه السّلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين عليه السّلام من هاهنا أو ما إليه أبو عبد اللّه عليه السّلام و أنا معه.

قال:فدعى صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمّد الحضرمي عن أبي جعفر عليه السّلام في يوم عاشوراء ثمّ صلّى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين عليه السّلام و ودّع في دبرهما أمير المؤمنين عليه السّلام و أومأ إلى الحسين عليه السّلام بالسلام منصرفا بوجهه نحوه و ودّع في دبرها و كان فيما دعى في دبرها.

(ثمّ ذكر الدعاء المعروف بعد صلاة زيارة عاشوراء).

قال سيف بن عميرة:فسألت صفوان فقلت له:إنّ علقمة بن محمّد الحضرمي لم8.

ص: 89


1- كامل الزيارات:174 ح 8.

يأتنا بهذا الدعاء عن أبي جعفر عليه السّلام،إنّما أتانا بدعاء الزيارة.

فقال صفوان:وردت مع سيدي أبي عبد اللّه عليه السّلام إلى هذا المكان ففعل مثل الذي فعلنا في زيارتنا و دعى بهذا الدعاء عند الوداع بعد أن صلّى كما صلّينا و ودّع كما ودعنا.

ثمّ قال لي صفوان:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:تعاهد هذه الزيارة و ادع بهذا الدعاء و زره فاني ضامن على اللّه تعالى لكل من زار بهذه الزيارة و دعى بهذا الدعاء من قرب أو بعد أن زيارته مقبولة و سعيه مشكور و سلامه واصل غير محجوب و حاجته مقضية من اللّه بالغا ما بلغت غير محجبة.

يا صفوان وجدت هذه الزيارة أنّها مضمونة بهذا الضمان عن أبي عن أبيه علي بن الحسين مضمونا بهذا الضمان و الحسين عن أخيه الحسن مضمونا بهذا الضمان و الحسن عن أبيه أمير المؤمنين عليهما السّلام مضمونا بهذا الضمان و أمير المؤمنين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مضمونا بهذا الضمان و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن جبرئيل مضمونا بهذا الضمان و جبرئيل عن اللّه تعالى مضمونا بهذا الضمان.

قد آلى اللّه على نفسه أنّ من زار الحسين عليه السّلام بهذه الزيارة من قرب أو بعد و دعى بهذا الدعاء قبلت منه زيارته و شفّعته في مسألته بالغا ما بلغت و أعطيته سؤله ثمّ لا ينقلب عنّي خائبا و أقلبه مسرورا قريرا عينه بقضاء حاجته و الفوز بالجنّة و العتق من النار و شفّعته في كلّ من شفع خلا ناصب لنا أهل البيت،آلى اللّه تعالى على نفسه و أشهدنا بما شهدت به ملائكته و ملكوته على ذلك.

ثمّ قال جبرئيل:يا رسول اللّه أرسلني اللّه إليك سرورا و بشرى لك و سرورا و بشرى لعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة و شيعتكم إلى يوم البعث.

قال صفوان:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا صفوان إذا حدث لك إلى اللّه تعالى حاجة فزر بهذه الزيارة من حيث كنت و ادع بهذا الدعاء و سل ربّك حاجتك تأتيك من اللّه

ص: 90

و اللّه غير مخلف وعده رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمنّه و الحمد للّه (1).

ابن قولويه،عن محمّد بن جعفر،عن محمّد بن الحسين،عن أحمد بن النضر،عن شهاب بن عبد ربّه أو عن رجل،عن شهاب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألني فقال:

يا شهاب كم حججت من حجة؟

فقلت:تسعة عشر حجة؟

فقال لي:تممها عشرين حجة تحسب لك بزيارة الحسين عليه السّلام (2).

ابن قولويه،عن علي بن الحسين،عن سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمّد بن عيسى،عن محمّد بن اسماعيل،عن صالح بن عقبة،عن يزيد بن عبد الملك قال:

كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فمرّ قوم على حمير فقال لي:أين يريدون هؤلاء؟

قلت:قبور الشهداء قال:فما يمنعهم من زيارة الغريب الشهيد؟

فقال له رجل من أهل العراق:زيارته واجبة؟

فقال:زيارته خير من حجة و عمرة و عمرة و حجة حتى عدّ عشرين حجة و عشرين عمرة مبرورات متقبلات قال:فو اللّه ما قمت حتى أتاه رجل فقال:اني قد حججت تسعة عشر حجة فادع اللّه أن يرزقني تمام العشرين قال:فهل زرت الحسين عليه السّلام؟

قال:لا،قال:لزيارته خير من عشرين حجة (3).

ابن قولويه،عن أبي العباس،عن محمّد بن الحسين،عن ابن سنان،عن حذيفة ابن منصور قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام كم حججت؟

قلت:تسعة عشر قال:فقال:أما إنّك لو أتممت إحدى و عشرين حجة لكنت كمن8.

ص: 91


1- مصباح المتهجد:(723-718)،و نقل عنه ابن طاوس في مصباح الزائر:(277-272).
2- كامل الزيارات:161 ح 3.
3- كامل الزيارات:163 ح 8.

زار الحسين عليه السّلام (1).

ابن قولويه،عن محمّد بن الحسن،عن الصفار،عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع،عن صالح بن عقبة،عن أبي سعيد المدائني قال:

دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت:جعلت فداك آتي قبر الحسين عليه السّلام؟

قال:نعم يا أبا سعيد إئت قبر الحسين بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أطيب الأطيبين و أطهر الطاهرين و أبرّ الأبرار فإنّك إذا زرته كتب اللّه لك به خمسة و عشرين حجة (2).

ابن قولويه،عن أبي العباس الكوفي،عن محمّد بن الحسين،عن محمّد بن اسماعيل،عن الخيبري،عن موسى بن القاسم الحضرمي قال:قدم أبو عبد اللّه عليه السّلام في أوّل ولاية أبي جعفر فنزل النجف فقال:يا موسى إذهب إلى الطريق الأعظم فقف على الطريق فانظر فإنّه سيأتيك رجل من ناحية القادسية فإذا دنا منك فقل له:ههنا رجل من ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يدعوك فسيجيء معك قال:فذهبت حتى قمت على الطريق و الحر شديد فلم أزل قائما حتى كدت أعصي و أنصرف و أدعه إذ نظرت إلى شيء يقبل شبه رجل على بعير فلم أزل أنظر إليه حتى دنا منّي فقلت:يا هذا ههنا رجل من ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يدعوك و قد وصفك لي قال:إذهب بنا إليه،قال:

فجئت به حتى أناخ بعيره ناحية قريبا من الخيمة فدعا به فدخل الأعرابي إليه و دنوت أنا فصرت إلى باب الخيمة أسمع الكلام و لا أراهم.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من أين قدمت؟

قال:من أقصى اليمن.

قال:أنت من موضع كذا و كذا.

قال:نعم أنا من موضع كذا و كذا قال:فبما جئت ههنا؟2.

ص: 92


1- كامل الزيارات:162 ح 4.
2- كامل الزيارات:161 ح 2.

قال:جئت زائرا للحسين عليه السّلام.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فجئت من غير حاجة ليس إلاّ للزيارة قال:جئت من غير حاجة إلاّ أن أصلّي عنده و أزوره فأسلّم عليه و أرجع إلى أهلي،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام و ما ترون في زيارته؟

قال:نرى في زيارته البركة في أنفسنا و أهلينا و أولادنا و أموالنا و معايشنا و قضاء حوائجنا قال:فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أفلا ازيدك من فضله فضلا يا أخا اليمن؟

قال:زدني يابن رسول اللّه.

قال:إنّ زيارة الحسين عليه السّلام تعدل حجة مقبولة زاكية مع رسول اللّه فتعجب من ذلك،قال:أي و اللّه و حجتين مبرورتين متقبلتين زاكيتين مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتعجب،فلم يزل أبو عبد اللّه عليه السّلام يزيد حتّى قال:ثلاثين حجة مبرورة متقبّلة زاكية مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1).

ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد بن عبد اللّه،عن أبي القاسم هارون بن مسلم بن سعدان،عن مسعدة بن صدقة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام؟

قال:تكتب له حجة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:قلت له:جعلت فداك حجة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال:نعم و حجتان قال:قلت:جعلت فداك حجتان؟

قال:نعم و ثلاث فما زال يعدّ حتى بلغ عشرا قلت:جعلت فداك عشر حجج مع رسول اللّه؟

قال:نعم و عشرون حجة،قلت:جعلت فداك و عشرون؟

فما زال يعد حتى بلغ خمسين فسكت (2).9.

ص: 93


1- كامل الزيارات:162 ح 7.
2- كامل الزيارات:163 ح 9.

ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد،عن محمّد بن الحسين،عن محمّد بن صدقة،عن مالك بن عطية،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من زار الحسين عليه السّلام كتب اللّه له ثمانين حجة مبرورة (1).

ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد بن عبد اللّه،عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن سنان،عن محمّد بن صدقة،عن صالح النيلي قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه كان كمن حج مائة حجة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (2).

ابن قولويه،عن محمّد بن الحسن بن الوليد،عن الصفار،عن أحمد بن محمّد بن عيسى،عن أبيه،عن عبد اللّه بن المغيرة،عن عبد اللّه بن ميمون القداح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:ما لمن أتى قبر الحسين عليه السّلام زائرا عارفا بحقه غير مستكبر و لا مستنكف؟

قال:يكتب له ألف حجة و ألف عمرة مبرورة و إن كان شقيّا كتب سعيدا و لم يزل يخوض في رحمة اللّه (3).

الكليني،عن محمّد بن يحيى،عن محمّد بن الحسين،عن محمّد بن اسماعيل،عن صالح بن عقبة،عن بشير الدهان قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ربّما فاتني الحج فأعرّف عند قبر الحسين عليه السّلام فقال:أحسنت يا بشير أيّما مؤمن أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه في غير يوم عيد كتب له عشرون حجة و عشرون عمرة مبرورات مقبولات و عشرون حجة و عمرة مع نبي مرسل أو إمام عدل و من أتاه في يوم عيد كتب اللّه له مائة حجة و مائة عمرة و مائة غزوة مع نبي مرسل أو امام عدل.0.

ص: 94


1- كامل الزيارات:162 ح 6.
2- كامل الزيارات:162 ح 5.
3- كامل الزيارات:164 ح 10.

قال:قلت له:كيف لي بمثل الموقف؟

قال:فنظر اليّ شبه المغضب ثمّ قال لي:يا بشير إنّ المؤمن إذا أتى قبر الحسين عليه السّلام يوم عرفة و اغتسل من الفرات ثمّ توجّه إليه كتب اللّه له بكل خطوة حجة بمناسكها-و لا أعلمه إلاّ قال:و غزوة (1).

-الطوسي بإسناده إلى ابن قولويه،عن محمّد بن عبد المؤمن،عن محمّد بن يحيى،عن محمّد بن الحسين،عن أحمد بن محمّد الكوفي،عن محمّد بن جعفر بن اسماعيل،عن محمّد بن سنان،عن يونس بن ظبيان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من زار قبر الحسين عليه السّلام يوم عرفة كتب اللّه له ألف ألف حجة مع القائم عليه السّلام و ألف ألف عمرة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عتق ألف ألف نسمة و حملان ألف ألف فرس في سبيل اللّه و سمّاه اللّه عبدي الصديق آمن بوعدي و قالت الملائكة:فلان صدّيق زكّاه اللّه من فوق عرشه و سمّي في الأرض كروبيا (2).

-الطوسي بإسناده عن سعد بن عبد اللّه،عن محمّد بن عيسى،عن محمّد بن سنان،عن أبي اسماعيل القماط،عن بشار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من كان معسرا فلم يتهيأ له حجة الإسلام فليأت قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام و ليعرّف عنده فذلك يجزيه عن حجة الإسلام،أما إنّي لا أقول يجزي ذلك عن حجة الإسلام إلاّ لمعسر، فأمّا الموسر إذا كان قد حج حجة الإسلام فأراد أن يتنفل بالحج و العمرة فمنعه عن ذلك شغل دنيا أو عائق فأتى الحسين بن علي عليه السّلام في يوم عرفة أجزاه ذلك عن أداء حجته و عمرته و ضاعف اللّه له بذلك أضعافا مضاعفة.

قلت:كم تعدل حجة؟و كم تعدل عمرة؟

قال:لا يحصى ذلك.

قلت:مائة؟8.

ص: 95


1- الكافي:580/4 ح 1.
2- التهذيب:49/6 ح 28.

قال:و من يحصي ذلك.

قلت:ألف؟

قال:و أكثر ثمّ قال: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها (1)(2).9.

ص: 96


1- سورة النحل:18.
2- التهذيب:50/6 ح 29.

أهمية زيارة الحسين عليه السلام

و تواترت الأخبار عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بفضل زيارة سيد الشهداء عليه السّلام و قد ذهب بعض الفقهاء إلى وجوبها،و قد ألف محمد بن علي العلوي كتابا يقع في جزأين أسماه«فضل زيارة الحسين»و نلمح إلى بعض تلك الأخبار.

1-روى أبو حمزة الثمالي قال:سألت علي بن الحسين عن زيارة الحسين عليه السّلام فقال:«زره كل يوم فإن لم تقدر فكل جمعة،فإن لم تقدر فكل شهر،فمن لم يزره فقد استخف بحق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

2-روى أبو الجارود قال:«قال لي أبو جعفر:كم قبر الحسين منكم؟قال:قلت له:

يوم للراكب و يوم و ليلة للراحل،قال:لو كان منا كما هو منكم لاتخذناه هجرة».

3-و روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين،فإن إتيانه يزيد في الرزق و يمد في العمر و يدفع مدافع السوء،و إتيانه مفترض على كل مؤمن يقر له بالإمامة من الله».و الأخبار بذلك كثيرة،و هي مما تفيد القطع بالصدور عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام.

ص: 97

دعاء الإمام الصادق لزوار الحسين عليهما السلام

و دعا الإمام الصادق بهذا الدعاء الشريف لزوار قبر جده الحسين و قد رواه الثقة معاوية بن وهب و هذا نصه:

قال:استأذنت على أبي عبد الله عليه السّلام فقيل لي ادخل فدخلت فوجدته في مصلاه، فجلست حتى قضى صلاته فسمعته و هو يناجي ربه و هو يقول:

«يا من خصنا بالكرامة،و خصنا بالوصية،و وعدنا بالشفاعة،و أعطانا علم ما مضى و ما بقي،و جعل أفئدة من الناس تهوي إلينا،اغفر لي و لأخواني،و لزوار قبر أبي الحسين عليه السّلام الذين أنفقوا أموالهم و أشخصوا أبدانهم رغبة في برنا و رجاء لما عندك في صلتنا،و سرورا ادخلوه على نبيك صلواتك عليه و آله و إجابة منهم لأمرنا،و غيظا ادخلوه على عدونا أرادوا بذلك رضاك،فكافهم عنا بالرضوان و اكلأهم بالليل و النهار و اخلف على أهاليهم و أولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف،و أعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم،و ما آثرونا به على أبنائهم و أهاليهم و اقربائهم.

اللّهم:إن أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم يمنعهم ذلك عن الشخوص إلينا، و خلافا منهم على من خالفنا،فارحم تلك الوجوه التي قد غيرتها الشمس،و ارحم تلك الخدود التي تقلبت على حفرة أبي عبد الله،و ارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا،و ارحم تلك القلوب التي جزعت و احترقت لنا و ارحم الصرخة التي كانت لنا».

«اللّهم:إني استودعك تلك الأنفس و تلك الأبدان حتى توافيهم على الحوض يوم العطش»فما زال و هو ساجد يدعو الله بهذا الدعاء فلما انصرف قلت:

ص: 98

«جعلت فداك لو أن هذا الذي سمعت كان لمن لا يعرف الله لظننت أن النار لا تطعم منه شيئا،و الله لقد تمنيت أن كنت زرته و لم أحج».

فقال عليه السّلام:

«ما أقربك منه فما ذا الذي يمنعك من زيارته؟لم تدع ذلك؟».

«لم أدر أن الأمر يبلغ هذا كله».

«يا معاوية من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض،يا معاوية لا تدعه فمن تركه رأى من الحسرة ما يتمنى أن قبره كان عنده،أما تحب أن يرى اللّه شخصك و سوادك فيمن يدعو له رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و علي و فاطمة و الأئمة، أما تحب أن تكون غدا ممن تصافحه الملائكة،أما تحب أن تكون غدا فيمن يخرج و ليس له ذنب فيتبع به،أما تحب أن تكون غدا ممن يصافح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن مصرع الإمام العظيم لنستقبل سبايا أهل البيت في الكوفة (1).3.

ص: 99


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:235/3.

زيارة الأنبياء للحسين بن علي عليه السّلام

1-حدثني الحسن بن عبد اللّه عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن عمار قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول ليس نبي في السماوات و الأرض إلا يسألون اللّه تعالى أن يأذن لهم في زيارة الحسين عليه السّلام ففوج ينزل و فوج يصعد(يعرج).

2-و عنه عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن الحسين بن بنت أبي حمزة الثمالي قال:خرجت في آخر زمان بني مروان إلى زيارة قبر الحسين عليه السّلام مستخفيا من أهل الشام حتى انتهيت إلى كربلاء فاختفيت في ناحية القرية حتى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر فلما دنوت منه أقبل نحوي رجل فقال لي:إنصرف مأجورا فإنك لا تصل إليه فرجعت فزعا حتى إذا كاد يطلع الفجر أقبلت نحوه حتى إذا دنوت منه خرج إلي الرجل فقال لي:يا هذا إنك لا تصل إليه.

فقلت له:عافاك اللّه و لم لا أصل إليه و قد أقبلت من الكوفة أريد زيارته فلا تحل بيني و بينه عافاك اللّه و أنا أخاف إن أصبح فيقتلني أهل الشام إن أدركوني هاهنا قال:فقال لي اصبر قليلا فإن موسى بن عمران عليه السّلام سأل اللّه أن يأذن له في زيارة قبر الحسين بن علي فأذن له فهبط من السماء في سبعين ألف ملك فهم بحضرته من أول الليل ينتظرون طلوع الفجر ثم يعرجون إلى السماء.

قال:فقلت له:فمن أنت عافاك اللّه؟

قال:أنا من الملائكة الذين أمروا بحرس قبر الحسين عليه السّلام و الاستغفار لزواره

ص: 100

فانصرفت و قد كاد أن يطير عقلي لما سمعت منه قال:فأقبلت لما طلع الفجر نحوه فلم يحل بيني و بينه أحد فدنوت من القبر و سلمت عليه و دعوت اللّه على قتلته و صليت الصبح و أقبلت مسرعا مخافة أهل الشام.

3-حدثني محمد بن عبد اللّه الحميري عن أبيه عن هارون بن مسلم عن عبد الرحمن بن الأشعث عن عبد اللّه بن حماد الأنصاري عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:قبر الحسين بن علي صلّى اللّه عليه و آله عشرون ذراعا في عشرين ذراعا مكسّرا روضة من رياض الجنة و فيه(و منه)معراج الملائكة إلى السماء و ليس من ملك مقرّب و لا نبي مرسل إلا و هو يسأل اللّه أن يزوره ففوج يهبط و فوج يصعد.

4-حدثني أبي و أخي و جماعة مشايخي عن محمد بن يحيى و أحمد بن إدريس عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن عبد اللّه بن محمد اليماني عن منيع بن حجاج عن يونس عن صفوان الجمال قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام لما أتى الحيرة هل لك في قبر الحسين عليه السّلام قلت:و تزوره جعلت فداك.

قال:و كيف لا أزوره و اللّه يزوره في كل ليلة جمعة يهبط مع الملائكة إليه و الأنبياء و الأوصياء و محمد أفضل الأنبياء و نحن أفضل الأوصياء.

فقال صفوان:جعلت فداك فتزوره في كل جمعة حتى تدرك زيارة الرب.

قال:نعم يا صفوان إلزم ذلك يكتب لك زيارة قبر الحسين عليه السّلام و ذلك تفضيل و ذلك تفضيل.

و حدثني القاسم بن محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني عن أبيه عن جده عن عبد اللّه بن حماد الأنصاري عن الحسين بن أبي حمزة قال:خرجت في آخر زمان بني أمية..

و ذكر مثل الحديث المتقدم في الباب و حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن أحمد بن إدريس عن العمركي بن علي البوفكي عن عدة من أصحابنا عن

ص: 101

الحسن بن محبوب عن الحسين ابن ابنة أبي حمزة الثمالي قال:خرجت في آخر زمان بني مروان..

و ذكر مثل حديثه الذي مر في أول الباب سواء (1).3.

ص: 102


1- كامل الزيارات:113.

زيارة الملائكة الحسين بن علي عليه السّلام

1-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:ليس من ملك في السماوات و الأرض إلا و هم يسألون اللّه عز و جل أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه السّلام ففوج ينزل و فوج يعرج.

2-و عنه عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن داود الرقي قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:ما خلق اللّه خلقا أكثر من الملائكة و إنه ينزل من السماء كل مساء سبعون ألف ملك يطوفون بالبيت الحرام ليلتهم حتى إذا طلع الفجر انصرفوا إلى قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله فيسلّمون عليه ثم يأتون قبر أمير المؤمنين عليه السّلام فيسلّمون عليه ثم يأتون قبر الحسين عليه السّلام فيسلّمون عليه ثم يعرجون إلى السماء قبل أن تطلع الشمس ثم تنزل الملائكة النهار سبعون ألف ملك فيطوفون بالبيت الحرام نهارهم حتى إذا غربت الشمس إنصرفوا إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيسلّمون عليه ثم يأتون قبر أمير المؤمنين عليه السّلام فيسلّمون عليه ثم يأتون قبر الحسين عليه السّلام فيسلّمون عليه ثم يعرجون إلى السماء قبل أن تغيب الشمس.

3-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن الحسين بن عبد اللّه عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن محمد بن الفضيل عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ما بين قبر الحسين عليه السّلام إلى السماء مختلف الملائكة.

4-حدثني القاسم بن محمد بن علي بن إبراهيم عن أبيه عن جده عن عبد اللّه بن

ص: 103

حماد الأنصاري عن عبد اللّه بن سنان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:قبر الحسين عليه السّلام عشرون ذراعا في عشرين ذراعا مكسّرا روضة من رياض الجنة منه معراج إلى السماء فليس من ملك مقرب و لا نبي مرسل إلا و هو يسأل اللّه تعالى أن يزور الحسين عليه السّلام ففوج يهبط و فوج يصعد.

5-و عنه عن أبيه عن جده عن عبد اللّه بن حماد عن إسحاق بن عمار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك يا ابن رسول اللّه كنت في الحيرة ليلة عرفة فرأيت نحوا من ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف رجل جميلة وجوههم طيبة ريحهم شديدة بياض ثيابهم يصلّون الليل أجمع فلقد كنت أريد أن آتي قبر الحسين عليه السّلام و أقبّله و أدعو بدعواتي فما كنت أصل إليه من كثرة الخلق فلما طلع الفجر سجدت سجدة فرفعت رأسي فلم أر منهم أحدا.

فقال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:أتدري من هؤلاء؟

قلت:لا جعلت فداك.

فقال:أخبرني أبي عن أبيه قال:مر بالحسين عليه السّلام أربعة آلاف ملك و هو يقتل فعرجوا إلى السماء فأوحى اللّه إليهم يا معشر الملائكة مررتم بابن حبيبي و صفيي محمد صلّى اللّه عليه و آله و هو يقتل و يضطهد مظلوما فلم تنصروه فانزلوا إلى الأرض إلى قبره فابكوه شعثا غبرا إلى يوم القيامة فهم عنده إلى أن تقوم القيامة(الساعة).

6-حدثني أبي رحمه اللّه تعالى عن سعد بن عبد اللّه عن بعض أصحابه عن أحمد ابن قتيبة الهمداني عن إسحاق بن عمار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إني كنت بالحائر ليلة عرفة و كنت أصلّي و ثم نحو من خمسين ألفا من الناس جميلة وجوههم طيبة روائحهم و أقبلوا يصلّون الليلة(الليل)أجمع فلما طلع الفجر سجدت ثم رفعت رأسي فلم أر منهم أحدا.

فقال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنه مر بالحسين عليه السّلام خمسون ألف ملك و هو يقتل فعرجوا إلى السماء فأوحى اللّه تعالى إليهم مررتم بابن حبيبي و هو يقتل فلم

ص: 104

تنصروه فاهبطوا إلى الأرض فاسكنوا عند قبره شعثا غبرا إلى يوم تقوم الساعة (1).6.

ص: 105


1- كامل الزيارات:116.

دعاء رسول اللّه و علي و فاطمة و الأئمة لزوار الحسين عليه السّلام

1-حدثني أبي رحمه اللّه و محمد بن عبد اللّه و علي بن الحسين و محمد بن الحسن رحمهم اللّه جميعا عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن موسى بن عمر عن حسان البصري عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لي:يا معاوية لا تدع زيارة قبر الحسين عليه السّلام لخوف فإن من ترك زيارته رأى من الحسرة ما يتمنى أن قبره كان عنده أما تحب أن يرى اللّه شخصك و سوادك فيمن يدعو له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و علي و فاطمة و الأئمة عليهم السّلام.

2-و بهذا الإسناد عن موسى بن عمر عن حسان البصري عن معاوية بن وهب قال:استأذنت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقيل لي أدخل فدخلت فوجدته في مصلاه في بيته فجلست حتى قضى صلاته فسمعته يناجي ربه و هو يقول:اللهم يا من خصّنا بالكرامة و وعدنا بالشفاعة و خصّنا بالوصية و أعطانا علم ما مضى و علم ما بقي و جعل أفئدة من الناس تهوي إلينا اغفر لي و لإخواني و زوار قبر أبي الحسين الذين أنفقوا أموالهم و أشخصوا أبدانهم رغبة في برنا و رجاء لما عندك في صلتنا و سرورا أدخلوه على نبيك و إجابة منهم لأمرنا و غيظا أدخلوه على عدونا أرادوا بذلك رضاك فكافهم عنا بالرضوان و اكلأهم بالليل و النهار و اخلف على أهاليهم و أولادهم الذين خلّفوا بأحسن الخلف و اصحبهم و اكفهم شرّ كل جبار عنيد و كل ضعيف من خلقك و شديد و شر شياطين الإنس و الجن و أعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم و ما آثرونا به على أبنائهم و أهاليهم و قراباتهم.

اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافا

ص: 106

منهم على من خالفنا فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس و ارحم تلك الخدود التي تتقلّب على حضرة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و ارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا و ارحم تلك القلوب التي جزعت و احترقت لنا و ارحم تلك الصرخة التي كانت لنا.

اللهم إني أستودعك تلك الأبدان و تلك الأنفس حتى توفّيهم على الحوض يوم العطش الأكبر فما زال يدعو و هو ساجد بهذا الدعاء فلما انصرف قلت:جعلت فداك لو أن هذا الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف اللّه عز و جل لظننت أن النار لا تطعم منه شيئا أبدا و اللّه لقد تمنيت أني كنت زرته و لم أحج فقال لي ما أقربك منه فما الذي يمنعك من زيارته ثم قال:يا معاوية لم تدع ذلك قلت:جعلت فداك لم أر أن الأمر يبلغ هذا كله فقال:يا معاوية من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض و حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن معاوية بن وهب قال:استأذنت على أبي عبد اللّه عليه السّلام..و ذكر مثله.

3-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن موسى بن عمر عن حسان( غسان)البصري عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لي:يا معاوية لا تدع زيارة الحسين عليه السّلام لخوف فإن من تركه رأى من الحسرة ما يتمنى أن قبره كان عنده أما تحب أن يرى اللّه شخصك و سوادك فيمن يدعو له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و علي و فاطمة و الأئمة عليهم السّلام أما تحب أن تكون ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى و يغفر لك ذنوب سبعين سنة أما تحب أن تكون ممن يخرج من الدنيا و ليس عليه ذنب تتبع به أما تحب أن تكون غدا ممن يصافحه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد اللّه بن حماد عن عبد اللّه الأصم عن معاوية بن وهب قال:استأذنت على أبي عبد اللّه عليه السّلام..و ذكر الحديث و الدعاء لزوار الحسين عليه السّلام.

ص: 107

و حدثني محمد بن الحسين بن مت الجوهري عن محمد بن أحمد بن يحيى عن موسى بن عمر عن عسان(غسان)البصري عن معاوية بن وهب و حدثني محمد بن يعقوب و علي بن الحسين عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن بعض أصحابنا عن إبراهيم بن عقبة عن معاوية بن وهب قال:استأذنت على أبي عبد اللّه عليه السّلام..و ذكر مثل حديث الدعاء الذي في زوار الحسين عليه السّلام حدثني أبي و علي بن الحسين و جماعة مشايخنا عن أحمد بن إدريس و محمد ابن يحيى جميعا عن العمركي بن علي البوفكي عن يحيى خادم أبي جعفر الثاني عليه السّلام عن ابن أبي عمير عن معاوية بن وهب قال:استأذنت على أبي عبد اللّه عليه السّلام..و ذكر الحديث.

4-حدثني حكيم بن داود عن سلمة بن الخطاب عن الحسن بن علي الوشاء عمن ذكره عن داود بن كثير عن أبي عبد اللّه قال:إن فاطمة بنت محمد صلّى اللّه عليه و آله تحضر لزوار قبر ابنها الحسين عليه السّلام فتستغفر لهم ذنوبهم (1).8.

ص: 108


1- كامل الزيارات:118.

دعاء الملائكة لزوار قبر الحسين عليه السّلام

1-حدثني محمد بن جعفر الرزاز الكوفي عن خاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن موسى بن سعدان عن عبد اللّه بن القاسم عن عمر بن أبان الكلبي عن أبان بن تغلب قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أربعة آلاف ملك عند قبر الحسين عليه السّلام شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة رئيسهم ملك يقال له منصور و لا يزوره زائر إلا استقبلوه و لا يودعه مودع إلا شيعوه و لا يمرض إلا عادوه و لا يموت إلا صلّوا عليه (و على جنازته)و استغفروا له بعد موته.

2-و حدثني أبي و محمد بن الحسن و علي بن الحسين عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:وكّل اللّه تبارك و تعالى بالحسين عليه السّلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كل يوم شعثا غبرا و يدعون لمن زاره و يقولون يا رب هؤلاء زوار الحسين عليه السّلام إفعل بهم و افعل بهم(كذا و كذا).

3-حدثني حكيم بن داود عن سلمة عن موسى بن عمر عن حسان(غسان) البصري عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لا تدع زيارة الحسين عليه السّلام أما تحب أن تكون فيمن تدعو له الملائكة.

4-حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:وكّل اللّه تعالى بقبر الحسين عليه السّلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كل يوم شعثا غبرا من يوم قتل إلى ما شاء اللّه يعني بذلك قيام

ص: 109

القائم عليه السّلام و يدعون لمن زاره و يقولون يا رب هؤلاء زوار الحسين عليه السّلام إفعل بهم و افعل بهم.

5-حدثني الحسين بن محمد بن عامر عن أحمد بن إسحاق بن سعد عن سعدان ابن مسلم عن عمر بن أبان عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كأني بالقائم على نجف الكوفة و قد لبس درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فينتفض هو بها فتستدير عليه فيغشّيها بحداجة من إستبرق و يركب فرسا أدهم بين عينيه شمراخ فينتفض به انتفاضة لا يبقى أهل بلد إلا و هم يرون أنه معهم في بلادهم فينشر راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمودها من عمود العرش و سائرها من نصر اللّه لا يهوي بها إلى شيء أبدا إلا هتكه اللّه فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد و يعطى المؤمن قوة أربعين رجلا و لا يبقى مؤمن إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره و ذلك حين يتزاورون في قبورهم و يتباشرون بقيام القائم فينحط (1)عليه ثلاثة عشر ألف ملك و ثلاثمائة و ثلاثة عشر ملكا قلت كل هؤلاء الملائكة قال:نعم الذين كانوا مع نوح في السفينة و الذين كانوا مع إبراهيم حين ألقي في النار و الذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل و الذين كانوا مع عيسى حين رفعه اللّه إليه و أربعة آلاف ملك مع النبي صلّى اللّه عليه و آله مسومين و ألف مردفين و ثلاثمائة و ثلاث عشرة ملائكة بدريين و أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين عليه السّلام فلم يؤذن لهم في القتال فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة و رئيسهم ملك يقال له منصور فلا يزوره زائر إلا استقبلوه و لا يودعه مودع إلا شيّعوه و لا يمرض مريض إلا عادوه و لا يموت ميت إلا صلّوا على جنازته و استغفروا له بعد موته و كل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم عليه السّلام إلى وقت خروجه عليه صلوات اللّه سلامه (2).1.

ص: 110


1- أي يسقط.
2- كامل الزيارات:121.

فضل صلاة الملائكة لزوار الحسين عليه السّلام

1-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن أبي المعزاء عن عنبسة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:وكّل اللّه بقبر الحسين بن علي عليه السّلام سبعين ألف ملك يعبدون اللّه عنده الصلاة الواحدة من صلاة أحدهم تعدل ألف صلاة من صلاة الآدميين يكون ثواب صلاتهم لزوار قبر الحسين بن علي عليه السّلام و على قاتله لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين أبد الآبدين.

2-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه عن سيف بن عميرة عن بكر بن محمد الأزدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:وكّل اللّه تعالى بقبر الحسين عليه السّلام سبعين ألف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة يصلون عنده الصلاة الواحدة من صلاة أحدهم تعدل ألف صلاة من صلاة الآدميين يكون ثواب صلاتهم و أجر ذلك لمن زار قبره عليه السّلام (1).

ص: 111


1- كامل الزيارات:121.

إن زيارة الحسين عليه السّلام فرض و عهد لازم له و لجميع الأئمة

على كل مؤمن و مؤمنة

1-حدثني أبي و محمد بن الحسن عن الحسن بن متيل و قال محمد بن الحسن:

و حدثني محمد بن الحسن الصفار جميعا عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي قال:

حدثنا الحسن بن علي بن فضال قال:حدثني أبو أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السّلام فإن إتيانه مفترض على كل مؤمن يقر للحسين عليه السّلام بالإمامة من اللّه عز و جل.

2-حدثني أبي و أخي و علي بن الحسين و محمد بن الحسن رحمهم اللّه جميعا عن أحمد بن إدريس عن عبيد اللّه بن موسى عن الوشاء قال:سمعت الرضا عليه السّلام يقول:إن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه و شيعته و إن من تمام الوفاء بالعهد و حسن الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم و تصديقا لما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة.حدثني محمد بن يعقوب الكليني عن أحمد بن إدريس بإسناده مثله سواء.

3-حدثني محمد بن جعفر الرزاز قال:حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أبي داود المسترق عن أم سعيد الأحمسية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قالت:

قال لي:يا أم سعيد تزورين قبر الحسين قالت:قلت:نعم فقال لي زوريه فإن زيارة قبر الحسين واجبة على الرجال و النساء.

4-حدثني أبي و محمد بن الحسن رحمهم اللّه جميعا عن الحسن بن متيل عن الحسن بن علي الكوفي عن علي بن حسان الهاشمي عن عبد الرحمن بن كثير مولى

ص: 112

أبي جعفر عليه السّلام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لو أن أحدكم حج دهره ثم لم يزر الحسين ابن علي عليه السّلام لكان تاركا حقا من حقوق اللّه و حقوق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأن حق الحسين عليه السّلام فريضة من اللّه واجبة على كل مسلم (1).2.

ص: 113


1- كامل الزيارات:122.

ثواب من زار الحسين بنفسه أو جهز إليه غيره

1-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن محمد البصري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعت أبي يقول لرجل من مواليه و سأله عن الزيارة فقال له:من تزور و من تريد به؟قال:اللّه تبارك و تعالى.

فقال:من صلّى خلفه صلاة واجبة(واحدة)يريد بها اللّه لقي اللّه يوم يلقاه و عليه من النور ما يغشى له كل شيء يراه و اللّه يكرم زواره و يمنع النار أن تنال منهم شيئا و إن الزائر له لا يتناهى(لا يتناسى)له دون الحوض و أمير المؤمنين عليه السّلام قائم على الحوض يصافحه و يرويه من الماء و ما يسبقه أحد إلى وروده الحوض حتى يروى ثم ينصرف إلى منزله من الجنة و معه ملك من قبل أمير المؤمنين يأمر الصراط أن يذل له و يأمر النار أن لا يصيبه من لفحها شيء حتى يجوزها و معه رسوله الذي بعثه أمير المؤمنين عليه السّلام.

2-و بإسناده عن الأصم قال:حدثنا هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل قال:أتاه رجل فقال له يا ابن رسول اللّه هل يزار والدك قال:فقال:نعم و يصلّى عنده و قال:يصلّي خلفه و لا يتقدم عليه قال:فما لمن أتاه؟

قال:الجنة إن كان يأتم به.

قال:فما لمن تركه رغبة عنه قال:الحسرة يوم الحسرة.

قال:فما لمن أقام عنده؟

قال:كل يوم بألف شهر قال:فما للمنفق في خروجه إليه و المنفق عنده؟

قال:درهم بألف درهم.

قال:فما لمن مات في سفره إليه؟

قال:تشيعه الملائكة و تأتيه بالحنوط و الكسوة من الجنة و تصلّي عليه إذ كفن

ص: 114

و تكفنه فوق أكفانه و تفرش له الريحان تحته و تدفع الأرض حتى تصور من بين يديه مسيرة ثلاثة أميال و من خلفه مثل ذلك و عند رأسه مثل ذلك و عند رجليه مثل ذلك و يفتح له باب من الجنة إلى قبره و يدخل عليه روحها و ريحانها حتى تقوم الساعة قلت فما لمن صلّى عنده؟

قال:من صلّى عنده ركعتين لم يسأل اللّه تعالى شيئا إلا أعطاه إياه قلت فما لمن اغتسل من ماء الفرات ثم أتاه قال:إذا اغتسل من ماء الفرات و هو يريده تساقطت عنه خطاياه كيوم ولدته أمه قال:قلت فما لمن يجهّز إليه و لم يخرج لعلّه تصيبه (لقلة نصيبه)قال:يعطيه اللّه بكل درهم أنفقه مثل أحد من الحسنات و يخلف عليه أضعاف ما أنفقه و يصرف عنه من البلاء مما قد نزل ليصيبه و يدفع عنه و يحفظ في ماله قال:قلت فما لمن قتل عنده جار عليه سلطان فقتله قال:أول قطرة من دمه يغفر له بها كل خطيئة و تغسل طينته التي خلق منها الملائكة حتى تخلص كما خلصت الأنبياء المخلصين و يذهب عنها ما كان خالطها من أجناس طين أهل الكفر و يغسل قلبه و يشرح صدره و يملأ إيمانا فيلقي اللّه و هو مخلّص من كل ما تخالطه الأبدان و القلوب و يكتب له شفاعة في أهل بيته و ألف من إخوانه و تولّى الصلاة عليه الملائكة مع جبرئيل و ملك الموت و يؤتى بكفنه و حنوطه من الجنة و يوسّع قبره عليه و يوضع له مصابيح في قبره و يفتح له باب من الجنة و تأتيه الملائكة بالطرف من الجنة و يرفع بعد ثمانية عشر يوما إلى حظيرة القدس فلا يزال فيها مع أولياء اللّه حتى تصيبه النفخة التي لا تبقي شيئا فإذا كانت النفخة الثانية و خرج من قبره كان أول من يصافحه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام و الأوصياء و يبشرونه و يقولون له الزمناء و يقيمونه على الحوض فيشرب منه و يسقي من أحب قلت فما لمن حبس في إتيانه.

قال:له بكل يوم يحبس و يغتم فرحة إلى يوم القيامة فإن ضرب بعد الحبس في إتيانه كان له بكل ضربة حوراء و بكل وجع يدخل على بدنه ألف ألف حسنة و يمحى

ص: 115

بها عنه ألف ألف سيئة و يرفع له بها ألف ألف درجة و يكون من محدّثي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى يفرغ من الحساب فيصافحه حملة العرش و يقال له سل ما أحببت و يؤتى ضاربه للحساب فلا يسأل عن شيء و لا يحاسب بشيء و يؤخذ بضبعيه حتى ينتهي به إلى ملك يحبوه و يتحفه بشربة من الحميم و شربة من الغسلين و يوضع على مثال(مقال)في النار فيقال له ذق بما قدّمت يداك فيما آتيت إلى هذا الذي ضربته سببا إلى وفد اللّه و وفد رسوله و يأتي بالمضروب إلى باب جهنم و يقال له أنظر إلى ضاربك و إلى ما قد لقي فهل شفيت صدرك و قد اقتص لك منه فيقول الحمد للّه الذي انتصر لي و لولد رسوله منه.

3-و بهذا الإسناد عن الأصم عن عبد اللّه بن بكير في حديث طويل قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا ابن بكير إن اللّه اختار من بقاع الأرض ستة البيت الحرام و الحرم و مقابر الأنبياء و مقابر الأوصياء و مقاتل(مقابر)الشهداء و المساجد التي يذكر فيها اسم اللّه يا ابن بكير هل تدري ما لمن زار قبر أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام إذ جهله الجاهل(الجاهلون)ما من صباح إلا و على قبره هاتف من الملائكة ينادي يا طالب الخير أقبل إلى خالصة اللّه ترحل بالكرامة و تأمن الندامة يسمع أهل المشرق و أهل المغرب إلا الثقلين و لا يبقى في الأرض ملك من الحفظة إلا عطف عليه عند رقاد العبد حتى يسبّح اللّه عنده و يسأل اللّه الرضى عنه و لا يبقى ملك في الهواء يسمع الصوت إلا أجاب بالتقديس للّه تعالى فتشتد أصوات الملائكة فيجيبهم أهل السماء الدنيا فتشتد أصوات الملائكة و أهل السماء الدنيا حتى تبلغ أهل السماء السابعة فيسمع اللّه أصواتهم النبيين(فيسمع أصواتهم النبيون)فيترحّمون و يصلّون على الحسين عليه السّلام و يدعون لمن زاره (1).5.

ص: 116


1- كامل الزيارات:125.

ثواب من زار الحسين عليه السّلام و عليه خوف

1-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن حماد ذي الناب عن رومي عن زرارة قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام ما تقول فيمن زار أباك على خوف؟

قال:يؤمنه اللّه يوم الفزع الأكبر و تلقاه الملائكة بالبشارة و يقال له لا تخف و لا تحزن هذا يومك الذي فيه فوزك.

2-و بإسناده عن الأصم عن ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:إني أنزل الأرجان و قلبي ينازعني إلى قبر أبيك فإذا خرجت فقلبي و جل مشفق حتى أرجع خوفا من السلطان و السعاة و أصحاب المصالح فقال:يا ابن بكير أما تحب أن يراك اللّه فينا خائفا أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله اللّه في ظل عرشه و كان محدثه الحسين عليه السّلام تحت العرش و آمنه اللّه من أفزاع يوم القيامة يفزع الناس و لا يفزع فإن فزع و قرته(قوته)الملائكة و سكّنت قلبه بالبشارة.

3-حدثني حكيم بن داود بن حكيم السراج عن سلمة بن الخطاب عن موسى بن عمر عن حسان البصري عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال:يا معاوية لا تدع زيارة قبر الحسين عليه السّلام لخوف فإن من تركه رأى من الحسرة ما يتمنى أن قبره كان عنده أما تحب أن يرى اللّه شخصك و سوادك فيمن يدعو له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و علي و فاطمة و الأئمة عليهم السّلام أما تحب أن تكون ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى و يغفر له ذنوب سبعين سنة أما تحب أن تكون ممن يخرج من الدنيا

ص: 117

و ليس عليه ذنب يتبع به أما تحب أن تكون غدا ممن يصافحه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

4-حدثني علي بن الحسين رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الخيبري عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:جعلت فداك زيارة قبر الحسين عليه السّلام في حال التقية؟

قال:إذا أتيت الفرات فاغتسل ثم البس أثوابك الطاهرة(ثوبيك الطاهرين)ثم تمر بإزاء القبر و قل:صلى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه صلى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه فقد تمت زيارتك.

5-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم قال:حدثنا مدلج عن محمد بن مسلم في حديث طويل قال:قال لي أبو جعفر محمد بن علي عليه السّلام:هل تأتي قبر الحسين عليه السّلام؟

قلت:نعم على خوف و وجل.

فقال:ما كان من هذا أشد فالثواب فيه على قدر الخوف و من خاف في إتيانه أمن اللّه روعته يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين و انصرف بالمغفرة و سلّمت عليه الملائكة و زاره النبي صلّى اللّه عليه و آله و دعى له و انقلب بنعمة من اللّه و فضل لم يمسسه سوء و اتبع رضوان اللّه ثم ذكر الحديث (1).7.

ص: 118


1- كامل الزيارات:127.

ثواب ما للرجل في نفقته إلى زيارة الحسين عليه السّلام

1-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم قال:حدثنا معاذ عن أبان قال:سمعته يقول:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من أتى قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام فقد وصل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و وصلنا و حرمت غيبته و حرم لحمه على النار و أعطاه اللّه بكل درهم أنفقه عشرة آلاف مدينة له في كتاب محفوظ و كان اللّه له من وراء حوائجه و حفظ في كل ما خلف و لم يسأل اللّه شيئا إلا أعطاه و أجابه فيه إما أن يعجّله و إما أن يؤخّره له.

و حدثني بذلك محمد بن همام بن سهيل رحمه اللّه عن جعفر بن محمد بن مالك عن محمد بن إسماعيل عن عبد اللّه بن حماد عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن معاذ عن أبان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله.

2-و حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن الحسين عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل قال:قلت:

جعلت فداك ما تقول فيمن ترك زيارته و هو يقدر على ذلك؟

قال:أقول إنه قد عق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عقّنا و استخفّ بأمر هو له و من زاره كان اللّه له من وراء حوائجه و كفي ما أهمه من أمر دنياه و إنه ليجلب الرزق على العبد و يخلف عليه ما أنفق و يغفر له ذنوب خمسين سنة و يرجع إلى أهله و ما عليه وزر و لا خطيئة إلا و قد محيت من صحيفته فإن هلك في سفره نزلت الملائكة فغسّلته

ص: 119

و فتحت له أبواب الجنة و يدخل(و فتح له باب إلى الجنة يدخل)عليه روحها حتى ينشر و إن سلم فتح له الباب الذي ينزل منه الرزق و يجعل له بكل درهم أنفقه عشرة آلاف درهم و ذخر ذلك له فإذا حشر قيل له لك بكل درهم عشرة آلاف درهم و إن اللّه نظر لك و ذخرها لك عنده.

3-و بإسناده عن الأصم عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:إن رجلا أتاه فقال له يا ابن رسول اللّه هل يزار والدك قال:فقال:نعم و يصلّى عنده و يصلّى خلفه و لا يتقدم عليه.

قال:فما لمن أتاه؟

قال:الجنة إن كان يأتم به.

قال:فما لمن تركه رغبة عنه؟

قال:الحسرة يوم الحسرة.

قال:فما لمن أقام عنده؟

قال:كل يوم بألف شهر.

قال:فما للمنفق في خروجه إليه و المنفق عنده؟

قال:الدرهم بألف درهم..و ذكر الحديث بطوله.

4-و بإسناده عن الأصم عن ابن سنان قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك إن أباك كان يقول في الحج يحسب له بكل درهم أنفقه ألف درهم فما لمن ينفق في المسير إلى أبيك الحسين عليه السّلام فقال:يا ابن سنان يحسب له بالدرهم ألف و ألف حتى عد عشرة و يرفع له من الدرجات مثلها و رضى اللّه خير له و دعاء محمد صلّى اللّه عليه و آله و دعاء أمير المؤمنين و الأئمة خير له.

5-حدثني أبي رحمه اللّه عن محمد بن إدريس و محمد بن يحيى العطار عن العمركي بن علي قال:حدثنا يحيى و كان في خدمة أبي جعفر الثاني عليه السّلام عن علي عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث له طويل قال:قلت فما لمن صلّى

ص: 120

عنده يعني الحسين عليه السّلام قال:من صلّى عنده ركعتين لم يسأل اللّه تعالى شيئا إلا أعطاه إياه.

فقلت:فما لمن اغتسل من ماء الفرات ثم أتاه؟

قال:إذا اغتسل من ماء الفرات و هو يريده تساقطت عنه خطاياه كيوم ولدته أمه قلت فما لمن جهّز إليه و لم يخرج لعلّه قال:يعطيه اللّه بكل درهم أنفقه من الحسنات مثل جبل أحد و يخلف عليه أضعاف ما أنفق و يصرف عنه من البلاء مما قد نزل فيدفع و يحفظ في ماله..و ذكر الحديث بطوله (1).9.

ص: 121


1- كامل الزيارات:129.

ما يكره اتخاذه لزيارة الحسين بن علي عليه السّلام

1-حدثني أبي رحمه اللّه و علي بن الحسين و جماعة مشايخي رحمهم اللّه عن سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن بعض أصحابنا قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:بلغني أن قوما أرادوا الحسين عليه السّلام حملوا معهم السفر فيها الحلاوة و الأخبصة و أشباهها لو زاروا قبور أحبائهم ما حملوا معهم هذا.

2-و حدثني محمد بن الحسن بن أحمد و غيره عن سعد بن عبد اللّه عن موسى بن عمر عن صالح بن السندي الجمال عن رجل من أهل الرقة يقال له أبو المضا قال:

قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام تأتون قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت:نعم،قال:أفتتخذون لذلك سفرا قلت:نعم.

فقال:أما لو أتيتم قبور آبائكم و أمهاتكم لم تفعلوا ذلك قال:قلت:أي شيء نأكل قال:الخبز و اللبن.

قال:و قال كرام لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك إن قوما يزورون قبر الحسين عليه السّلام فيطيبون السفر.

قال:فقال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:أما إنهم لو زاروا قبور أمهاتهم و آبائهم ما فعلوا ذلك.

3-حدثني حكيم بن داود عن سلمة بن الخطاب عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن بعض أصحابنا قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:بلغني أن قوما إذا زاروا الحسين بن علي حملوا معهم السفر فيها الحلاوة و الأخبصة و أشباهها لو زاروا

ص: 122

قبور أحبائهم ما حملوا ذلك.

4-حدثني محمد بن أحمد بن الحسين قال:حدثني الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن الحسين بن سعيد عن زرعة بن محمد الحضرمي عن المفضل بن عمر قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:تزورون خير من أن لا تزورون و لا تزورون خير من أن تزورون.

قال:قلت:قطعت ظهري.

قال:تاللّه إن أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيبا حزينا و تأتونه أنتم بالسفر كلا حتى تأتونه شعثا غبرا (1).0.

ص: 123


1- كامل الزيارات:130.

كيف يجب أن يكون زائر الحسين بن علي عليه السّلام

1-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم قال:حدثنا مدلج عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:إذا خرجنا إلى أبيك أفكنا(أفلسنا)في حج قال:بلى.قلت:فيلزمنا ما يلزم الحاج؟

قال:من ما ذا؟

قلت:من الأشياء التي يلزم الحاج قال:يلزمك حسن الصحبة لمن يصحبك و يلزمك قلة الكلام إلا بخير و يلزمك كثرة ذكر اللّه و يلزمك نظافة الثياب و يلزمك الغسل قبل أن تأتي الحائر و يلزمك الخشوع و كثرة الصلاة و الصلاة على محمد و آل محمد و يلزمك التوقير لأخذ ما ليس لك و يلزمك أن تغض بصرك و يلزمك أن تعود إلى أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعا و المواساة و يلزمك التقية التي قوام دينك بها و الورع عما نهيت عنه و الخصومة و كثرة الأيمان و الجدال الذي فيه الإيمان فإذا فعلت ذلك تم حجك و عمرتك و استوجب من الذي طلبت ما عنده بنفقتك و اغترابك عن أهلك و رغبتك فيما رغبت أن تنصرف بالمغفرة و الرحمة و الرضوان.

2-حدثني محمد بن أحمد بن الحسين عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن الحسن بن سعيد عن زرعة بن محمد الحضرمي عن المفضل بن عمر قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:تزورون خير من أن لا تزورون و لا تزورون خير من أن تزورون قال:قلت:قطعت ظهري.

ص: 124

قال:تاللّه إن أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيبا حزينا و تأتونه أنتم بالسفر كلا حتى تأتونه شعثا غبرا.

3-حدثني أبي و أخي و علي بن الحسين و غيرهم رحمهم اللّه عن سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري عن علي بن الحكم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا أردت زيارة الحسين عليه السّلام فزره و أنت كئيب حزين مكروب شعثا مغبرا جائعا عطشانا فإن الحسين قتل حزينا مكروبا شعثا مغبرا جائعا عطشانا و سله الحوائج و انصرف عنه و لا تتخذه وطنا.

4-و بهذا الإسناد عن سعد بن عبد اللّه عن موسى بن عمر عن صالح بن السندي الجمال عمن ذكره عن كرام بن عمرو قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لكرام:إذا أردت أنت قبر الحسين عليه السّلام فزره و أنت كئيب حزين شعث مغبر فإن الحسين عليه السّلام قتل و هو كئيب حزين شعث مغبر جائع عطشان (1).2.

ص: 125


1- كامل الزيارات:132.

ثواب من زار الحسين راكبا أو ماشيا و مناجاة اللّه لزائره

1-حدثني أبي و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه و محمد بن يحيى و عبد اللّه بن جعفر الحميري و أحمد بن إدريس جميعا عن الحسين بن عبيد اللّه عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن عبد الجبار النهاوندي عن أبي سعيد عن الحسين ابن ثوير بن أبي فاختة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا حسين من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي صلّى اللّه عليه و آله إن كان ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة حسنة و محى عنه سيئة حتى إذا صار في الحائر كتبه اللّه من المصلحين المنتجبين(فلحين المنجحين)حتى إذا قضى مناسكه كتبه اللّه من الفائزين حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقرئك السلام و يقول لك:إستأنف العمل فقد غفر لك ما مضى.

2-حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه و محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن بشير الدهان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن الرجل ليخرج إلى قبر الحسين عليه السّلام فله إذا خرج من أهله بأول خطوة مغفرة ذنوبه ثم لم يزل يقدّس بكل خطوة حتى يأتيه فإذا أتاه ناجاه اللّه تعالى فقال:عبدي سلني أعطك ادعني أجبك أطلب مني أعطك سلني حاجة أقضيها لك.

قال:و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:و حق على اللّه أن يعطي ما بذل.

3-و بهذا الإسناد عن صالح عن الحرث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن للّه ملائكة موكلين بقبر الحسين عليه السّلام فإذا هم بزيارته الرجل أعطاهم اللّه ذنوبه فإذا خطا محوها ثم إذا خطا ضاعفوا له حسناته فما تزال حسناته تضاعف حتى توجب

ص: 126

له الجنة ثم اكتنفوه و قدّسوه و ينادون ملائكة السماء أن قدّسوا زوار(حبيب) حبيب اللّه فإذا اغتسلوا ناداهم محمد صلّى اللّه عليه و آله يا وفد اللّه أبشروا بمرافقتي في الجنة ثم ناداهم أمير المؤمنين عليه السّلام أنا ضامن لقضاء حوائجكم و دفع البلاء عنكم في الدنيا و الآخرة ثم التقاهم(اكتنفهم)النبي صلّى اللّه عليه و آله عن أيمانهم و عن شمائلهم حتى ينصرفوا إلى أهاليهم.

4-و حدثني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه و جماعة رحمهم اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة عن العباس بن عامر عن جابر المكفوف عن أبي الصامت قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو يقول:من أتى قبر الحسين عليه السّلام ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة ألف حسنة و محا عنه ألف سيئة و رفع له ألف درجة ثم قال:فإذا أتيت الفرات فاغتسل و علّق نعليك و امش حافيا و امش مشي العبد الذليل فإذا أتيت باب الحائر فكبر أربعا ثم امش قليلا ثم كبر أربعا ثم ائت رأسه فقف عليه فكبر أربعا(فكبر و صل عنده و اسأل)و صل أربعا و اسأل اللّه حاجتك.

5-حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع عن صالح بن عقبة عن عبد اللّه بن هلال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:

جعلت فداك ما أدنى ما لزائر قبر الحسين عليه السّلام؟

فقال لي:يا عبد اللّه إن أدنى ما يكون له أن اللّه يحفظه في نفسه و أهله حتى يردّه إلى أهله فإذا كان يوم القيامة كان اللّه الحافظ له.

6-حدثني أبي رحمه اللّه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن أورمة عمن حدثه عن علي بن ميمون الصائغ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:يا علي زر الحسين و لا تدعه.

قال:قلت:ما لمن أتاه من الثواب؟

قال:من أتاه ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة حسنة و محي عنه سيئة و رفع له

ص: 127

درجة فإذا أتاه وكّل اللّه به ملكين يكتبان ما خرج من فيه من خير و لا يكتبان ما يخرج من فيه من شر و لا غير ذلك فإذا انصرف و دّعوه و قالوا يا ولي اللّه مغفورا لك أنت من حزب اللّه و حزب رسوله و حزب أهل بيت رسوله و اللّه لا ترى النار بعينك أبدا و لا تراك و لا تطعمك أبدا.

7-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه و عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي عن أبيه عن عبد العظيم بن عبد اللّه بن الحسن عن الحسين بن الحكم النخعي عن أبي حماد الأعرابي عن سدير الصيرفي قال:كنا عند أبي جعفر عليه السّلام فذكر فتى قبر الحسين عليه السّلام فقال له أبو جعفر عليه السّلام:ما أتاه عبد فخطا خطوة إلا كتب اللّه له حسنة و حط عنه سيئة.

8-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من زار الحسين عليه السّلام:من شيعتنا لم يرجع حتى يغفر له كل ذنب و يكتب له بكل خطوة خطاها و كل يد رفعتها دابته ألف حسنة و محي عنه ألف سيئة و ترفع له ألف درجة.

9-حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز عن خاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أحمد بن بشير السراج عن أبي سعيد القاضي قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام في غريفة له و عنده مرازم فسمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:من أتى قبر الحسين عليه السّلام ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة و بكل قدم يرفعها و يضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل و من أتاه بسفينة فكفّت بهم سفينتهم نادى مناد من السماء طبتم و طابت لكم الجنة.

10-حدثني أبي رحمه اللّه و علي بن الحسين عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن أحمد بن حمدان القلانسي عن محمد بن الحسين المحاربي عن أحمد بن ميثم عن محمد بن عاصم عن عبد اللّه بن النجار قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:تزورون

ص: 128

الحسين عليه السّلام و تركبون السفن.

فقلت:نعم.

قال:أما علمت أنها إذا انكفت بكم نوديتم ألا طبتم و طابت لكم الجنة (1).5.

ص: 129


1- كامل الزيارات:135.

كرامة اللّه تبارك و تعالى لزوار الحسين بن علي

1-حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن إسماعيل بن زيد عن عبد اللّه الطحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته و هو يقول:ما من أحد يوم القيامة إلا و هو يتمنى أنه من زوار الحسين لما يرى مما يصنع بزوار الحسين عليه السّلام من كرامتهم على اللّه تعالى.

2-و روى صالح الصيرفي عن عمران الميثمي عن صالح بن ميثم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من سرّه أن يكون على موائد النور يوم القيامة فليكن من زوار الحسين بن علي عليه السّلام.

3-حدثني الحسين بن محمد بن عامر عن معلى بن محمد البصري قال:حدثني أبو الفضل عن ابن صدقة عن المفضل بن عمر قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:كأني بالملائكة و اللّه قد ازدحموا مع المؤمنين على قبر الحسين عليه السّلام قال:قلت:فيتراءون له.

قال:هيهات هيهات قد لزموا و اللّه المؤمنين حتى أنهم ليمسحون وجوههم بأيديهم.

قال:و ينزل اللّه على زوار الحسين عليه السّلام غدوة و عشية من طعام الجنة و خدامهم الملائكة لا يسأل اللّه عبد حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلا أعطاها إياه.

قال:قلت:هذه و اللّه الكرامة.

قال لي:يا مفضل أزيدك؟

ص: 130

قلت:نعم سيدي.

قال:كأني بسرير من نور قد وضع و قد ضربت عليه قبة من ياقوتة حمراء مكللة بالجواهر و كأني بالحسين عليه السّلام جالس على ذلك السرير و حوله تسعون ألف قبة خضراء و كأني بالمؤمنين يزورونه و يسلّمون عليه فيقول اللّه عز و جل لهم أوليائي سلوني فطال ما أوذيتم و ذللتم و اضطهدتم فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلا قضيتها لكم فيكون أكلهم و شربهم في الجنة فهذه و اللّه الكرامة التي لا انقضاء لها و لا يدرك منتهاها (1).6.

ص: 131


1- كامل الزيارات:136.

أن زائري الحسين يكونون في جوار رسول اللّه و علي و فاطمة عليهم السّلام

1-حدثني علي بن الحسين و علي بن محمد بن قولويه ره عن محمد بن يحيى العطار و علي بن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين اليقطيني عمن حدثه عن أبي خالد ذي الشامة قال:حدثني أبو أسامة قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:من أراد أن يكون في جوار نبيه صلّى اللّه عليه و آله و جوار علي و فاطمة فلا يدع زيارة الحسين بن علي عليه السّلام.

2-و بإسناده عن أبي بصير قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام و(أو)أبا جعفر عليه السّلام يقول:من أحب أن يكون مسكنه الجنة و مأواه الجنة فلا يدع زيارة المظلوم قلت:من هو؟

قال:الحسين بن علي صاحب كربلاء من أتاه شوقا إليه و حبا لرسول اللّه و حبا لفاطمة و حبا لأمير المؤمنين صلّى اللّه عليه و آله أقعده اللّه على موائد الجنة يأكل معهم و الناس في الحساب..

3-حدثني محمد بن همام بن سهيل عن جعفر بن محمد بن مالك قال:حدثنا محمد بن عمران قال:حدثنا الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن أيوب عن الحرث بن المغيرة النصري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن اللّه تبارك و تعالى جعل ملائكة موكلين بقبر الحسين عليه السّلام فإذا همّ الرجل بزيارته و اغتسل نادى محمد صلّى اللّه عليه و آله يا وفد اللّه أبشروا بمرافقتي في الجنة..و ذكر الحديث (1).

ص: 132


1- كامل الزيارات:137.

ثواب من زار الحسين عليه السّلام عارفا بحقه

1-حدثني أبي رحمه اللّه عن عبد اللّه بن جعفر الحميري و حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن علي بن إسماعيل القمي عن محمد بن عمرو الزيات عن قائد الحناط عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال:من زار الحسين عليه السّلام عارفا بحقه غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

2-حدثني أبو العباس الكوفي قال:حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن علي بن فضال عن محمد بن الحسين بن كثير عن هارون بن خارجة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنهم يرون أنه من زار الحسين عليه السّلام كانت له حجة و عمرة قال لي:من زاره و اللّه عارفا بحقه غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخر.

و حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخنا عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين بإسناده مثله.

3-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن الخيبري عن الحسين بن محمد القمي قال:قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام:أدنى ما يثاب به زائر الحسين عليه السّلام بشط الفرات إذا عرف بحقه و حرمته و ولايته أن يغفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

4-و حدثني أبو العباس عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه غفر(اللّه) له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخر.

5-و عنه عن محمد بن الحسين عن أبي داود سليمان بن سفيان المسترق عن

ص: 133

بعض أصحابنا عن مثنى الحناط عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام قال:

سمعته يقول:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه غفر(اللّه)له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

6-و حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين عن هند الحناط قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:من زار الحسين عليه السّلام عارفا بحقه يأتم به غفر(اللّه)له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

7-حدثني القاسم بن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن عبد اللّه بن حماد الأنصاري عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

8-و حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة عن العباس بن عامر قال:أخبرني يوسف الأنباري عن قائد الحناط قال:قلت لأبي الحسن عليه السّلام:إنهم يأتون قبر الحسين عليه السّلام بالنوائح و الطعام؟

قال:قد سمعت.

قال:فقال:يا قائد من أتى قبر الحسين بن علي عليه السّلام عارفا بحقه غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

9-و حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن قائد عن أبي الحسن الأول عليه السّلام قال:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه غفر(اللّه)له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

10-و حدثني أبي و محمد بن الحسن و علي بن الحسين و جماعة عن سعد بن عبد اللّه و محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن يحيى بن علي التميمي قال:أخبرني رجل عن عبيد اللّه بن عبد اللّه و علي بن الحسين بن علي عليه السّلام قال:سمعت أبي يقول:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

ص: 134

11-و بإسناده عن صالح بن عقبة عن يحيى بن علي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه غفر له ما تقدّم من و ما تأخّر.

حدثني محمد بن جعفر القرشي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام بهذين الحديثين سواء.

12-حدثني الحسين بن محمد بن عامر عن معلى بن محمد البصري عن أبي داود المسترق عن بعض أصحابنا عن مثنى الحناط عن أبي الحسن الأول قال:

سمعته يقول:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

13-حدثني محمد بن يعقوب عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

14-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن هارون بن مسلم عن الحسن بن علي عن أحمد بن عائذ عن أبي يعقوب الأبزاري عن قائد عن عبد صالح عليه السّلام قال:دخلت عليه فقلت له:جعلت فداك إن الحسين عليه السّلام قد زاره الناس من يعرف هذا الأمر و من ينكره و ركبت إليه النساء و وقع حال الشهرة و قد انقبضت منه لما رأيت من الشهرة قال:فمكث مليا لا يجيبني ثم أقبل علي فقال:يا عراقي إن شهروا أنفسهم فلا تشهر أنت نفسك فو اللّه ما أتى الحسين عليه السّلام آت عارفا بحقه إلا غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

15-حدثني الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد عن أبي داود المسترق عن بعض أصحابنا عن مثنى الحناط عن أبي الحسن الأول عليه السّلام قال:

سمعته يقول:من أتى الحسين عليه السّلام عارفا بحقه غفر له من ذنبه ما تقدّم و ما تأخّر.

16-حدثني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن محمد بن صدقة

ص: 135

عن صالح النيلي قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه كان كمن حج ثلاث حجج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

17-حدثني أبي و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه قال:حدثني أحمد بن علي بن عبيد الجعفي قال:حدثني محمد بن أبي جرير القمي قال:سمعت أبا الحسن الرضا عليه السّلام يقول لأبي:من زار الحسين بن علي عليه السّلام عارفا بحقه كان من محدّثي اللّه فوق عرشه ثم قرأ إنّ المتّقين في جنّات و نهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر (1).1.

ص: 136


1- كامل الزيارات:141.

من زار الحسين حبا لرسول اللّه و أمير المؤمنين و فاطمة عليها السّلام

1-حدثني أبي ره عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن بعض أصحابه عن جويرية بن العلاء عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين زوار الحسين بن علي فيقوم عنق من الناس لا يحصيهم إلا اللّه تعالى فيقول لهم ما أردتم بزيارة قبر الحسين عليه السّلام فيقولون يا رب أتيناه حبا لرسول اللّه و حبا لعلي و فاطمة و رحمة له مما ارتكب منه فيقال لهم هذا محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين فالحقوا بهم فأنتم معهم في درجتهم الحقوا بلواء رسول اللّه فينطلقون إلى لواء رسول اللّه فيكونون في ظله و اللواء في يد علي عليه السّلام حتى يدخلون الجنة جميعا فيكونون أمام اللواء و عن يمينه و عن يساره و من خلفه.

2-و بإسناده عن أبي بصير قال:سمعت أبا عبد اللّه أو(و)أبا جعفر عليه السّلام يقول:من أحب أن يكون مسكنه الجنة و مأواه الجنة فلا يدع زيارة المظلوم.

قلت:و من هو؟

قال:الحسين بن علي صاحب كربلاء من أتاه شوقا إليه و حبا لرسول اللّه و حبا لأمير المؤمنين و حبا لفاطمة أقعده اللّه على موائد الجنة يأكل معهم و الناس في الحساب.

3-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف القمي عن محمد بن عيسى اليقطيني عن رجل عن فضيل بن عثمان الصيرفي عمن حدثه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أراد اللّه به الخير قذف في قلبه حب الحسين عليه السّلام و حب زيارته و من أراد اللّه به السوء قذف في قلبه بغض الحسين و بغض زيارته

ص: 137

من زار الحسين عليه السّلام تشوقا إليه

1-حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن صفوان بن يحيى عن أبي أسامة زيد الشحام قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:من أتى قبر الحسين عليه السّلام تشوقا إليه كتبه اللّه من الآمنين يوم القيامة و أعطي كتابه بيمينه و كان تحت لواء الحسين عليه السّلام حتى يدخل الجنة فيسكنه في درجته إن اللّه عزيز حكيم.

2-و روي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام أن من أحب أن يكون مسكنه الجنة و مأواه الجنة فلا يدع زيارة المظلوم.

قلت:من هو؟

قال:الحسين بن علي صاحب كربلاء من أتاه شوقا إليه و حبا لرسول اللّه و حبا لأمير المؤمنين و حبا لفاطمة صلوات اللّه عليه و آله و عليهم أجمعين أقعده اللّه على موائد الجنة يأكل معهم و الناس في الحساب.

3-حدثني الحسن بن عبد اللّه عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لو يعلم الناس ما في زيارة قبر الحسين عليه السّلام من الفضل لماتوا شوقا و تقطّعت أنفسهم عليه حسرات.

قلت:و ما فيه؟

قال:من أتاه تشوقا كتب اللّه له ألف حجة متقبلة و ألف عمرة مبرورة و أجر ألف شهيد من شهداء بدر و أجر ألف صائم و ثواب ألف صدقة مقبولة و ثواب ألف نسمة أريد بها وجه اللّه و لم يزل محفوظا سنته من كل آفة أهونها الشيطان و وكل به ملك

ص: 138

كريم يحفظه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله و من فوق رأسه و من تحت قدمه فإن مات سنته حضرته ملائكة الرحمة يحضرون غسله و إكفانه و الإستغفار له و يشيعونه إلى قبره بالاستغفار له و يفسح له في قبره مد بصره و يؤمنه اللّه من ضغطة القبر و من منكر و نكير أن يروعانه و يفتح له باب إلى الجنة و يعطى كتابه بيمينه و يعطى له يوم القيامة نورا يضيء لنوره ما بين المشرق و المغرب و ينادي مناد هذا من زار الحسين شوقا إليه فلا يبقى أحد يوم القيامة إلا تمنى يومئذ أنه كان من زوار الحسين عليه السّلام.

4-و عنه عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز عن محمد بن مسلم قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما لمن أتى قبر الحسين عليه السّلام؟

قال:من أتاه شوقا إليه كان من عباد اللّه المكرمين و كان تحت لواء الحسين بن علي حتى يدخلهم اللّه الجنة.

5-و عنه عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن أبي المعزى عن ذريح المحاربي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما ألقى من قومي و من بني إذا أنا أخبرتهم بما في إتيان قبر الحسين عليه السّلام من الخير إنهم يكذبوني و يقولون إنك تكذب على جعفر بن محمد.

قال:يا ذريح دع الناس يذهبون حيث شاءوا و اللّه إن اللّه ليباهي بزائر الحسين و الوافد يفده الملائكة المقربون و حملة عرشه حتى أنه ليقول لهم أما ترون زوار قبر الحسين أتوه شوقا إليه و إلى فاطمة بنت رسول اللّه أما و عزتي و جلالي و عظمتي لأوجبن لهم كرامتي و لأدخلنهم جنتي التي أعددتها لأوليائي و لأنبيائي و رسلي يا ملائكتي هؤلاء زوار الحسين حبيب محمد رسولي و محمد حبيبي و من أحبني أحب حبيبي و من أحب حبيبي أحب من يحبه و من أبغض حبيبي أبغضني و من أبغضني كان حقا علي أن أعذبه بأشد عذابي و أحرقه بحر ناري و أجعل جهنم مسكنه و مأواه و أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا

ص: 139

من العالمين.

6-و حدثني من رفعه إلى أبي بصير قال:سمعت أبا عبد اللّه و أبا جعفر عليه السّلام يقولان:من أحب أن يكون مسكنه و مأواه الجنة.إلى آخره كما في صدر الباب.

ص: 140

من زار الحسين عليه السلام احتسابا

1-حدثني أبي و علي بن الحسين و محمد بن الحسن جميعا عن محمد بن يحيى العطار عن حمدان بن سليمان النيسابوري قال:حدثنا عبد اللّه بن محمد اليماني عن منيع بن الحجاج عن يونس بن عبد اللّه(عبد الرحمن)عن قدامة بن ملك(مالك) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من زار الحسين محتسبا لا أشرا و لا بطرا و لا رياء و لا سمعة محّصت عنه ذنوبه كما يمحّص الثوب بالماء فلا يبقى عليه دنس و يكتب له بكل خطوة حجة و كلما رفع قدما عمرة.

2-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن أبان الأحمر عن محمد بن الحسين الخزاز عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:جعلت فداك ما لمن أتى قبر الحسين زائرا له عارفا بحقه يريد به وجه اللّه تعالى و الدار الآخرة.

فقال له:يا هارون من أتى قبر الحسين عليه السّلام زائرا له عارفا بحقه يريد به وجه اللّه و الدار الآخرة غفر اللّه(و اللّه)له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

ثم قال لي ثلاثا:ألم أحلف لك ألم أحلف لك ألم أحلف لك.

3-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه محمد بن عيسى بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن المغيرة عن عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:ما لمن أتى قبر الحسين بن علي عليه السّلام زائرا عارفا بحقه غير مستنكف و لا مستكبر؟

قال عليه السّلام:يكتب له ألف حجة مقبولة و ألف عمرة مبرورة و إن كان شقيا كتب

ص: 141

سعيدا و لم يزل يخوض في رحمة اللّه.

4-حدثني أبي عن محمد بن يحيى العطار عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن عبد اللّه بن محمد اليماني عن منيع بن الحجاج عن صفوان بن يحيى عن صفوان بن مهران الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من زار قبر الحسين عليه السّلام و هو يريد اللّه عز و جل شيّعه جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل حتى يرد إلى منزله.

5-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن عبد اللّه بن مسكان قال:شهدت أبا عبد اللّه عليه السّلام و قد أتاه قوم من أهل خراسان فسألوه عن إتيان قبر الحسين عليه السّلام و ما فيه من الفضل قال:حدثني أبي عن جدي أنه كان يقول:من زاره يريد به وجه اللّه أخرجه اللّه من ذنوبه كمولود ولدته أمه و شيّعته الملائكة في مسيره فرفرفت على رأسه قد صفوا بأجنحتهم عليه حتى يرجع إلى أهله و سألت الملائكة المغفرة له من ربه و غشيته الرحمة من أعنان السماء و نادته الملائكة طبت و طاب من زرت و حفظ في أهله.

6-و حدثني عبيد اللّه بن الفضل بن محمد بن هلال قال:حدثنا عبد الرحمن قال:

حدثنا سعيد بن خيثم عن أخيه معمر قال:سمعت زيد بن علي يقول:من زار قبر الحسين بن علي عليه السّلام لا يريد به إلا وجه اللّه تعالى غفر له جميع ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر فاستكثروا من زيارته يغفر اللّه لكم ذنوبكم.

7-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر عن أبيه عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من زار قبر الحسين عليه السّلام للّه و في اللّه أعتقه اللّه من النار و آمنه يوم الفزع الأكبر و لم يسأل اللّه تعالى حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلا أعطاه (1).6.

ص: 142


1- كامل الزيارات:146.

إن زيارة الحسين أفضل ما يكون من الأعمال

1-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة أصحابنا عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن زيارة قبر الحسين عليه السّلام؟

قال عليه السّلام:إنه أفضل ما يكون من الأعمال.

2-و عنه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة(سلمة)عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن زيارة قبر الحسين عليه السّلام.

قال عليه السّلام:إنه أفضل ما يكون من الأعمال.

3-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد عن الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن زيارة قبر الحسين عليه السّلام قال:إنه أفضل ما يكون من الأعمال.

4-حدثني أبو العباس الكوفي عن محمد بن الحسين عن الحسن بن محبوب عن رجل عن أبان الأرزق عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أحب الأعمال إلى اللّه تعالى زيارة قبر الحسين عليه السّلام و أفضل الأعمال عند اللّه إدخال السرور على المؤمن و أقرب ما يكون العبد إلى اللّه تعالى و هو ساجد باك.

5-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبي جهم عن أبي خديجة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما يبلغ من زيارة قبر الحسين عليه السّلام؟

ص: 143

قال:أفضل ما يكون من الأعمال.

6-حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي هاشم الرزاز(البزاز)قال:حدثنا سالم أبو سلمة و هو أبو خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن زيارة الحسين عليه السّلام أفضل ما يكون من الأعمال

ص: 144

إن من زار الحسين كان كمن زار اللّه في عرشه و كتب في أعلى عليين

1-حدثني أبي رحمه اللّه و علي بن الحسين و جماعة مشايخي ره عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد و محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن صالح بن عقبة عن زيد الشحام قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام؟

قال:كان كمن زار اللّه في عرشه.

قال:قلت:ما لمن زار أحدا منكم(أحدكم).

قال عليه السّلام:كمن زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

2-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل عن الخيبري عن الحسين بن محمد القمي عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:من زار قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام بشط الفرات كان كمن زار اللّه فوق(في) عرشه.

3-و حدثني علي بن الحسين و جماعة مشايخي ره عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن عمر عن عيينة بياع القصب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه كتبه اللّه في أعلى عليين.

4-حدثني أبو العباس الكوفي عن محمد بن الحسين عن أبي داود المسترق عن عبد اللّه بن مسكان عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه كتبه اللّه(كتب)في أعلى عليين.

5-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن

ص: 145

علي بن الحكم عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه كتب اللّه له في عليين(من أتى قبر الحسين كتبه اللّه في عليين).

6-و حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار و سعد بن عبد اللّه جميعا عن علي بن إسماعيل عن محمد بن عمرو الزيات عن هارون بن خارجة قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه كتبه اللّه في أعلى عليين.

7-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الخيبري عن الحسين بن محمد القمي قال:قال لي الرضا عليه السّلام:من زار قبر أبي ببغداد كان كمن زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين إلا أن لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام فضلهما.قال:ثم قال لي:من زار قبر أبي عبد اللّه بشط الفرات كان كمن زار اللّه فوق كرسيه(في عرشه).

8-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة عن العباس بن عامر عن أبان عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أتى قبر الحسين عليه السّلام كتبه اللّه في عليين.

9-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أتى قبر الحسين عليه السّلام كتبه اللّه في عليين.

10-و حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي الكوفي عن عباس بن عامر عن ربيع بن محمد المسلي عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أتى قبر الحسين عليه السّلام كتبه اللّه في عليين.

11-و حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه قال:حدثني محمد بن الحسن بن شمون البصري قال:حدثني محمد بن سنان عن بشير الدهان قال:

ص: 146

كنت أحج في كل سنة فأبطأت سنة عن الحج فلما كان من قابل حججت و دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لي:يا بشير ما أبطأك عن الحج في عامنا الماضي.

قال:قلت:جعلت فداك ما كان لي على الناس خفت ذهابه غير أني عرفت عند قبر الحسين عليه السّلام.

قال:فقال عليه السّلام لي:ما فاتك شيء مما كان فيه أهل الموقف يا بشير من زار قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه كان كمن زار اللّه في عرشه.

و عنه عن أبيه عن محمد بن الحسن بن شمون قال:حدثني جعفر بن محمد الخزاعي عن بعض أصحابه عن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن عمه عن رجل عن جابر نحوه.

12-و حدثني أبي رحمه اللّه و محمد بن عبد اللّه رحمه اللّه عن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال:حدثنا عبد اللّه بن محمد بن خالد الطيالسي عن ربيع بن محمد عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أتى قبر الحسين عليه السّلام كتبه اللّه في عليين.

ص: 147

إن زيارة الحسين و الأئمة تعدل زيارة رسول اللّه

1-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن جويرية بن العلاء عن بعض أصحابنا قال:من سرّه أن ينظر إلى اللّه يوم القيامة و تهون عليه سكرة الموت و هول المطلع فليكثر زيارة قبر الحسين عليه السّلام فإن زيارة الحسين عليه السّلام زيارة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

2-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز الكوفي عن خاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الزيات عن الحسن بن محبوب عن فضل بن عبد الملك أو عن رجل عن الفضل عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن زائر الحسين بن علي عليه السّلام زائر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

3-حدثني محمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن صالح بن عقبة عن زيد الشحام قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما لمن زار أحدا منكم(أحدكم)؟

قال:كمن زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

4-حدثني أبي رحمه اللّه عن الحسن بن متيل عن سهل بن زياد الآدمي عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن زيد الشحام قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما لمن زار الحسين عليه السّلام(رسول اللّه و عليا).

قال عليه السّلام:كمن زار اللّه في عرشه.

قال:قلت:فما لمن زار أحدا منكم؟

ص: 148

قال عليه السّلام:كمن زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله (1).0.

ص: 149


1- كامل الزيارات:150.

إن زيارة الحسين تزيد في العمر و الرزق و إن تركها تنقصهما

1-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه و محمد بن يحيى العطار و عبد اللّه بن جعفر الحميري جميعا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السّلام فإن إتيانه يزيد في الرزق و يمد في العمر و يدفع مدافع السوء و إتيانه مفترض على كل مؤمن يقر للحسين بالإمامة من اللّه.

2-حدثني محمد بن عبد اللّه الحميري عن أبيه عن محمد بن عبد الحميد عن سيف بن عميرة عن منصور بن حازم قال:سمعناه يقول:من أتى عليه حول لم يأت قبر الحسين عليه السّلام أنقص اللّه من عمره حولا و لو قلت:إن أحدكم ليموت قبل أجله بثلاثين سنة لكنت صادقا و ذلك لأنكم تتركون زيارة الحسين عليه السّلام فلا تدعوا زيارته يمد اللّه في أعماركم و يزيد في أرزاقكم و إذا تركتم زيارته نقص اللّه من أعماركم و أرزاقكم فتنافسوا في زيارته و لا تدعوا ذلك فإن الحسين شاهد لكم في ذلك عند اللّه و عند رسوله و عند فاطمة و عند أمير المؤمنين.

3-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عمن حدثه عن عبد اللّه بن وضاح عن داود الحمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من لم يزر قبر الحسين عليه السّلام فقد حرم خيرا كثيرا و نقص من عمره سنة.

4-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن صباح الحذاء عن محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:زوروا

ص: 150

الحسين عليه السّلام و لو كل سنة فإن كل من أتاه عارفا بحقه غير جاحد لم يكن له عوض غير الجنة و رزق رزقا واسعا و آتاه اللّه من قبله بفرح(بفرج)عاجل..و ذكر الحديث.

و حدثني جماعة أصحابنا عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب بإسناده مثله سواء.

5-حدثني أبي ره و جماعة مشايخي ره عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد ابن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابنا عن أبان عن عبد الملك الخثعمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لي:يا عبد الملك لا تدع زيارة الحسين بن علي عليه السّلام و مر أصحابك بذلك يمد اللّه في عمرك و يزيد اللّه في رزقك و يحييك اللّه سعيدا و لا تموت إلا سعيدا(شهيدا)و يكتبك سعيدا

ص: 151

إن زيارة الحسين تحط الذنوب

1-حدثني محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن الحسن بن موسى الخشاب عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن زائر الحسين جعل ذنوبه جسرا باب داره ثم عبرها كما يخلف أحدكم الجسر وراءه إذا عبر.

2-حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن بشير الدهان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن الرجل ليخرج إلى قبر الحسين عليه السّلام فله إذا خرج من أهله بكل خطوة مغفرة من ذنوبه ثم لم يزل يقدّس بكل خطوة حتى يأتيه فإذا أتاه ناجاه اللّه فقال:عبدي سلني أعطك ادعني أجبك أطلب مني أعطك سلني حاجتك أقضيها لك قال:و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:و حق على اللّه أن يعطي ما بذل.

3-و عنه بهذا الإسناد عن صالح بن عقبة عن الحرث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن للّه ملائكة موكلين بقبر الحسين عليه السّلام فإذا هم الرجل بزيارته أعطاهم ذنوبه فإذا خطا محوها ثم إذا خطا ضاعفوا حسناته فما تزال حسناته تضاعف حتى توجب له الجنة ثم اكتنفوه و قدّسوه و ينادون ملائكة السماء أن قدّسوا زوار حبيب حبيب اللّه فإذا اغتسلوا ناداهم محمد صلّى اللّه عليه و آله يا وفد اللّه أبشروا بمرافقتي في الجنة ثم ناداهم أمير المؤمنين عليه السّلام أنا ضامن لقضاء حوائجكم و دفع البلاء عنكم في الدنيا و الآخرة ثم اكتنفوهم عن أيمانهم و عن شمائلهم حتى ينصرفوا إلى أهاليهم.

4-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه الجاموراني الرازي

ص: 152

عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن الحسن بن محمد بن عبد الكريم عن المفضل ابن عمر عن جابر الجعفي قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل:فإذا انقلبت من عند قبر الحسين عليه السّلام ناداك مناد لو سمعت مقالته لأقمت عمرك عند قبر الحسين عليه السّلام و هو يقول:طوبى لك أيها العبد قد غنمت و سلمت قد غفر لك ما سلف فاستأنف العمل..و ذكر الحديث بطوله.

5-حدثني أبو العباس الرزاز قال:حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل عن الخيبري عن الحسين بن محمد القمي قال:قال أبو الحسن موسى عليه السّلام:أدنى ما يثاب به زائر الحسين عليه السّلام بشاطئ الفرات إذا عرف حقه و حرمته و ولايته أن يغفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

6-حدثني أبي عن الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن أورمة عن زكريا المؤمن أبي عبد اللّه عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أراد أن يكون في كرامة اللّه يوم القيامة و في شفاعة محمد صلّى اللّه عليه و آله فليكن للحسين زائرا ينال من اللّه الفضل و الكرامة(أفضل الكرامة)و حسن الثواب و لا يسأله عن ذنب عمله في الحياة الدنيا و لو كانت ذنوبه عدد رمل عالج و جبال تهامة و زبد البحر إن الحسين عليه السّلام قتل مظلوما مضطهدا نفسه عطشانا هو و أهل بيته و أصحابه.

7-حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد البرقي عن القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد عن جده الحسن بن راشد عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال:من خرج من بيته يريد زيارة قبر أبي عبد اللّه الحسين بن علي وكّل اللّه به ملكا فوضع إصبعه في قفاه فلم يزل يكتب ما يخرج من فيه حتى يرد الحائر(الحير)فإذا خرج من باب الحائر(الحير)وضع كفه وسط ظهره، ثم قال له:أما ما مضى فقد غفر لك فاستأنف العمل و بهذا الإسناد عن الحسن بن راشد عن إبراهيم بن أبي البلاد بإسناده مثله.

8-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن

ص: 153

سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد الأنصاري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن عبد اللّه بن مسكان قال:شهدت أبا عبد اللّه عليه السّلام و قد أتاه قوم من أهل خراسان فسألوه عن إتيان قبر الحسين عليه السّلام و ما فيه من الفضل قال:حدثني أبي عن جدي أنه كان يقول:من زاره يريد به وجه اللّه أخرجه اللّه من ذنوبه كمولود ولدته أمه و شيّعته الملائكة في مسيره فرفرفت على رأسه قد صفّوا بأجنحتهم عليه حتى يرجع إلى أهله و سألت الملائكة المغفرة له من ربه و غشيته الرحمة من أعنان السماء و نادته الملائكة طبت و طاب من زرت و حفظ في أهله (1).4.

ص: 154


1- كامل الزيارات:154.

إن زيارة الحسين تعدل عمرة

1-حدثني أبي و علي بن الحسين و محمد بن يعقوب ره جميعا عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال:سأل بعض أصحابنا أبا الحسن الرضا عليه السّلام عمن أتى قبر الحسين عليه السّلام قال:تعدل عمرة.

2-و حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن إسماعيل بن عباد عن الحسن بن علي عن أبي سعيد المدائني قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت:جعلت فداك آتي قبر الحسين؟

قال:نعم يا أبا سعيد ائت قبر ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أطيب الطيبين و أطهر الطاهرين و أبر الأبرار فإذا زرته كتب لك اثنتان و عشرون عمرة.

3-و عنه عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان قال:سمعت الرضا عليه السّلام يقول:زيارة قبر الحسين عليه السّلام تعدل عمرة مبرورة متقبلة.

4-حدثني أبي ره و محمد بن الحسن عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد و عبد اللّه ابني محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم عن الحسن بن الجهم قال:قلت لأبي الحسن عليه السّلام:ما تقول في زيارة قبر الحسين عليه السّلام؟.

فقال لي:ما تقول أنت فيه فقلت بعضنا يقول:حجة و بعضنا يقول:عمرة.

فقال:هو عمرة مقبولة.

5-و حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن علي قال:حدثنا إبراهيم بن يحيى القطان عن أبيه أبي البلاد قال:سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن زيارة قبر الحسين عليه السّلام فقال:ما تقولون أنتم

ص: 155

قلت:نقول حجة و عمرة.

قال:تعدل عمرة مبرورة.

6-حدثني علي بن الحسين عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن أحمد بن أشيم عن صفوان بن يحيى قال:سألت الرضا عليه السّلام عن زيارة قبر الحسين عليه السّلام أي شيء فيه من الفضل قال:تعدل عمرة.

7-حدثني أبي ره و محمد بن عبد اللّه جميعا عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي بن مهزيار عن محمد بن سنان قال:سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول:إن زيارة قبر الحسين عليه السّلام تعدل عمرة مبرورة متقبلة.

8-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه السّلام قال:سألته عن زيارة قبر الحسين عليه السّلام أي شيء فيه من الفضل؟

قال:تعدل عمرة.

9-حدثني جماعة أصحابنا عن أحمد بن إدريس و محمد بن يحيى العطار عن العمركي بن علي عن بعض أصحابه عن بعضهم عليه السّلام قال:أربع عمر تعدل حجة و زيارة قبر الحسين عليه السّلام تعدل عمرة.

10-و بهذا الإسناد عن العمركي بن البوفكي عمن حدثه عن محمد بن الفضل عن أبي رباب(رئاب)قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن زيارة قبر الحسين عليه السّلام؟

قال عليه السّلام:نعم تعدل عمرة و لا ينبغي أن يتخلف عنه أكثر من أربع سنين (1).6.

ص: 156


1- كامل الزيارات:156.

إن زيارة قبر الحسين تعدل حجة

1-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن جميل بن دراج عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام قال:زيارة قبر الحسين عليه السّلام و زيارة قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و زيارة قبور الشهداء تعدل حجة مبرورة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

2-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان قال:

سمعت أبا الحسن الرضا عليه السّلام يقول:من أتى قبر الحسين عليه السّلام كتب اللّه له حجة مبرورة.

3-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة عن عباس بن عامر قال:أخبرني عبد اللّه بن عبيد الأنباري قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك أنه ليس كل سنة يتهيأ لي ما أخرج به إلى الحج؟.

فقال:إذا أردت الحج و لم يتهيأ لك فأت قبر الحسين عليه السّلام فإنها تكتب لك حجة و إذا أردت العمرة و لم يتهيأ لك فأت قبر الحسين عليه السّلام فإنها تكتب لك عمرة.

4-و حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد ابن عيسى عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن عبد الكريم بن حسان قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما يقال إن زيارة قبر الحسين عليه السّلام تعدل حجة و عمرة.

قال:فقال:إنما الحج و العمرة هاهنا و لو أن رجلا أراد الحج و لم يتهيأ له فأتاه كتب اللّه له حجة و لو أن رجلا أراد العمرة و لم يتهيأ له كتبت له عمرة.

5-و عنه عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن

ص: 157

الحسن بن علي بن فضال عن حريز عن فضيل بن يسار قال:قال عليه السّلام:إن زيارة قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و زيارة قبور الشهداء و زيارة قبر الحسين عليه السّلام تعدل حجة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن حريز عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله.

6-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام قال:زيارة قبر الحسين عليه السّلام تعدل حجة مبرورة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

7-حدثني محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن علي بن مهزيار عن الحسن بن سعيد عن صفوان بن يحيى عن حريز و الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن فضيل بن يسار عنهما قالا:زيارة قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و زيارة قبور الشهداء و زيارة قبر الحسين عليه السّلام تعدل حجة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

8-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى بن عبيد عن أبي سعيد القماط عن ابن أبي يعفور قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

لو أن رجلا أراد الحج و لم يتهيأ له ذلك فأتى قبر الحسين عليه السّلام فعرف عنده يجزيه ذلك عن الحج.

9-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن إبراهيم بن عقبة قال:كتبت إلى العبد الصالح عليه السّلام إن رأى سيدنا أن يخبرني بأفضل ما جاء به في زيارة الحسين عليه السّلام و هل تعدل ثواب الحج لمن فاته فكتب عليه السّلام تعدل الحج لمن فاته الحج.

ص: 158

في أن زيارة الحسين تعدل حجة و عمرة

1-حدثني جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبيد اللّه بن موسى بن جعفر عن عبد اللّه بن أحمد بن نهيك عن محمد بن أبي عمير عن الحسين الأحمسي عن أم سعيد الأحمسية قالت:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن زيارة قبر الحسين عليه السّلام فقال:تعدل حجة و عمرة و من الخير هكذا و هكذا و أومأ بيده.

2-و عنه عن عبد اللّه بن نهيك عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن عبد الكريم بن حسان قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما يقال إن زيارة قبر أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام تعدل حجة و عمرة؟

فقال عليه السّلام:إنما الحج و العمرة هاهنا و لو أن رجلا أراد الحج و لم يتهيأ له فأتاه كتب اللّه له حجة و لو أن رجلا أراد العمرة و لم يتهيأ له فأتاه كتب اللّه له عمرة.

3-حدثني أبي رحمه اللّه و محمد بن الحسن عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم عن هارون بن خارجة قال:سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده فقال:ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام؟

فقال عليه السّلام:إن الحسين وكّل اللّه به أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة.

فقلت له:بأبي أنت و أمي روي عن أبيك الحج و العمرة.

قال عليه السّلام:نعم حجة و عمرة حتى عد عشرة.

4-حدثني أبي ره و علي بن الحسين عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد عن

ص: 159

الحسن بن علي الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة عن رجل سأل أبا جعفر عليه السّلام عن زيارة قبر الحسين عليه السّلام فقال:إنها تعدل حجة و عمرة.و قال بيده هكذا:من الخير يقول بجميع يديه هكذا.

5-حدثني أبي رحمه اللّه عن محمد بن يحيى عن حمدان بن سليمان النيسابوري أبي سعيد قال:حدثنا عبد اللّه بن محمد اليماني عن منيع بن الحجاج عن يونس عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:زيارة قبر الحسين عليه السّلام حجة و من بعد الحجة حجة و عمرة من بعد حجة الإسلام.

6-و بإسناده عن يونس عن الرضا عليه السّلام قال:من زار قبر الحسين عليه السّلام فقد حج و اعتمر قال:قلت:يطرح عنه حجة الإسلام.

قال:لا هي حجة الضعيف حتى يقوى و يحج إلى بيت اللّه الحرام أما علمت أن البيت يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك حتى إذا أدركهم الليل صعدوا و نزل غيرهم فطافوا بالبيت حتى الصباح و إن الحسين عليه السّلام لأكرم على اللّه من البيت و إنه في وقت كل صلاة لينزل عليه سبعون ألف ملك شعث غبر لا تقع عليهم النوبة إلى يوم القيامة.

7-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد و محمد بن عبد الحميد عن يونس بن يعقوب عن أم سعيد الأحمسية قالت:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

أي شيء تذكر في زيارة قبر الحسين عليه السّلام من الفضل؟

قال:يذكر فيه يا أم سعيد فضل حجة و عمرة و خيرها كذا و بسط يديه(يده) و نكس أصابعه.

8-حدثني محمد بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن حبيب عن فضيل بن يسار قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:وكّل اللّه بقبر الحسين عليه السّلام أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة و إتيانه يعدل حجة و عمرة و قبور الشهداء.

9-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن

ص: 160

علي الكوفي عن العباس بن عامر عن أبان عن الحسين بن عطية أبي الناب بياع السابري قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو يقول:من أتى قبر الحسين عليه السّلام كتب اللّه له حجة و عمرة أو عمرة و حجة..و ذكر الحديث.

10-و بإسناده عن العباس بن عامر عن أبان بن عثمان قال:حدثني أبو خلان( أبو فلان)الكندي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أتى قبر الحسين عليه السّلام كتب اللّه له حجة و عمرة.

11-و حدثني محمد بن الحسن بن علي عن أبيه عن جده علي بن مهزيار عن أبي القاسم عن القاسم بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم عن هارون بن خارجة قال:

سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام في حديث له طويل يقول في آخره:بأبي أنت و أمي رووا عن أبيك في الحج قال:نعم حجة و عمرة حتى عد عشرة.

12-حدثني أبي و جماعة مشايخي ره عن محمد بن يحيى العطار عن العمركي عمن حدثه عن محمد بن الحسن عن محمد بن فضيل عن محمد بن مصادف قال:

حدثني مالك الجهني عن أبي جعفر عليه السّلام في زيارة قبر الحسين عليه السّلام قال:من أتاه زائرا له عارفا بحقه كتب اللّه له حجة و لم يزل محفوظا حتى يرجع.

قال:فمات مالك في تلك السنة و حججت فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت:إن مالك حدثني بحديث عن أبي جعفر عليه السّلام في زيارة قبر الحسين عليه السّلام.

قال:هاته فحدثته فلما فرغت قال عليه السّلام:نعم يا محمد حجة و عمرة.

13-و حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن محمد بن يحيى العطار و أحمد بن إدريس جميعا عن العمركي عمن حدثه عن حماد بن عيسى عن الحسين ابن المختار قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام(سألت أبا عبد اللّه)عن زيارة قبر الحسين عليه السّلام فقال:فيها حجة و عمرة.

14-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي الزيتوني عن هارون بن مسلم عن عيسى بن راشد قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت:جعلت

ص: 161

فداك ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام و صلّى عنده ركعتين؟

قال:كتبت له حجة و عمرة.

قال:قلت له:جعلت فداك و كذلك كل من أتى قبر إمام مفترض طاعته.

قال:و كذلك كل من أتى قبر إمام مفترض طاعته.

15-حدثني محمد بن جعفر القرشي الكوفي الرزاز عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن صالح بن عقبة عن يزيد بن عبد الملك قال:كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فمر قوم على حمير فقال:أين يريدون هؤلاء.

قلت:قبور الشهداء.

قال:فما يمنعهم من زيارة الشهيد الغريب.

قال:فقال له:رجل من أهل العراق زيارته واجبة.

قال:زيارته خير من حجة و عمرة حتى عد عشرين حجة و عمرة ثم قال:

مبرورات متقبلات.

قال:فو اللّه ما قمت من عنده حتى أتاه رجل فقال له:إني قد حججت تسع عشرة حجة فادع اللّه لي أن يرزقني تمام العشرين.

قال:فهل زرت قبر الحسين عليه السّلام.

قال:لا.

قال عليه السّلام:إن زيارته خير من عشرين حجة (1).1.

ص: 162


1- كامل الزيارات:161.

إن زيارة الحسين تعدل حججا

1-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن الحسين بن مختار عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

زيارة الحسين عليه السّلام تعدل عشرين حجة و أفضل من عشرين حجة.

و حدثني محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بإسناده مثله.

2-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن صالح بن عقبة عن أبي سعيد المدائني قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت:جعلت فداك آتي قبر الحسين عليه السّلام؟

قال:نعم يا أبا سعيد ائت قبر الحسين بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أطيب الأطيبين و أطهر الطاهرين و أبر الأبرار فإنك إذا زرته كتب اللّه لك به خمسا و عشرين حجة حدثني محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل بإسناده مثله.

3-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن أحمد بن النضر عن شهاب بن عبد ربه أو عن رجل عن شهاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألني فقال:يا شهاب كم حججت من حجة فقلت:تسع عشرة حجة؟

فقال لي:تممها عشرين حجة تحسب لك بزيارة الحسين عليه السّلام.

4-حدثني أبو العباس قال:حدثني محمد بن الحسين عن ابن سنان عن حذيفة ابن منصور قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:كم حججت؟

ص: 163

قلت:تسعة عشر.

قال:فقال:أما إنك لو أتممت إحدى و عشرين حجة لكنت كمن زار الحسين عليه السّلام.

5-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن محمد بن صدقة عن صالح النيلي قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه كان كمن حج مائة حجة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

6-و عنه عن سعد عن محمد بن الحسين عن محمد بن صدقة عن مالك بن عطية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من زار الحسين عليه السّلام كتب اللّه له ثمانين حجة مبرورة.

7-حدثني أبو العباس الكوفي عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن الخيبري عن موسى بن القاسم الحضرمي قال:قدم أبو عبد اللّه عليه السّلام في أول ولاية أبي جعفر فنزل النجف فقال:يا موسى إذهب إلى الطريق الأعظم فقف على الطريق فانظر فإنه سيأتيك رجل من ناحية القادسية فإذا دنا منك فقل له هاهنا رجل من ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يدعوك فسيجيء معك قال:فذهبت حتى قمت على الطريق و الحر شديد فلم أزل قائما حتى كدت أعصي و أنصرف و أدعه إذ نظرت إلى شيء يقبل شبه رجل على بعير فلم أزل أنظر إليه حتى دنا مني فقلت:يا هذا هاهنا رجل من ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يدعوك و قد وصفك لي.

قال:اذهب بنا إليه قال:فجئت به حتى أناخ بعيره ناحية قريبا من الخيمة فدعا به فدخل الأعرابي إليه و دنوت أنا فصرت إلى باب الخيمة أسمع الكلام و لا أراهم فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من أين قدمت؟

قال:من أقصى اليمن قال:أنت من موضع كذا و كذا قال:نعم أنا من موضع كذا و كذا قال:فبما جئت هاهنا؟

قال:جئت زائرا للحسين عليه السّلام.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فجئت من غير حاجة ليس إلا للزيارة قال:جئت من غير

ص: 164

حاجة إلا أن أصلي عنده و أزوره فأسلم عليه و أرجع إلى أهلي فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام و ما ترون في زيارته قال:نرى في زيارته البركة في أنفسنا و أهالينا و أولادنا و أموالنا و معايشنا و قضاء حوائجنا قال:فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أفلا أزيدك من فضله فضلا يا أخا اليمن قال:زدني يا ابن رسول اللّه.

قال:إن زيارة الحسين عليه السّلام تعدل حجة مقبولة زاكية مع رسول اللّه فتعجّب من ذلك قال:إي و اللّه و حجتين مبرورتين متقبلتين زاكيتين مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتعجب فلم يزل أبو عبد اللّه عليه السّلام يزيد حتى قال:ثلاثين حجة مبرورة متقبلة زاكية مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

8-و حدثني علي بن الحسين عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن يزيد بن عبد الملك قال:كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فمر قوم على حمير فقال لي:أين يريدون هؤلاء.

قلت:قبور الشهداء.

قال عليه السّلام:فما يمنعهم من زيارة الغريب الشهيد؟

فقال له رجل من أهل العراق:زيارته واجبة؟

فقال عليه السّلام:زيارته خير من حجة و عمرة و عمرة و حجة حتى عد عشرين حجة و عشرين عمرة مبرورات متقبلات قال:فو اللّه ما قمت حتى أتاه رجل فقال:إني قد حججت تسع عشرة حجة فادع اللّه أن يرزقني تمام العشرين.

قال عليه السّلام:فهل زرت الحسين عليه السّلام.

قال:لا.

قال عليه السّلام:لزيارته خير من عشرين حجة.

9-حدثني أبي ره و علي بن الحسين ره عن سعد بن عبد اللّه عن أبي القاسم هارون بن مسلم بن سعدان عن مسعدة بن صدقة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام؟

ص: 165

قال:تكتب له حجة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

قال:قلت له:جعلت فداك حجة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

قال:نعم و حجتان.

قال:قلت:جعلت فداك حجتان؟

قال:نعم و ثلاث فما زال يعد حتى بلغ عشرا.

قلت:جعلت فداك عشر حجج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

قال:نعم و عشرون حجة.

قلت:جعلت فداك و عشرون،فما زال يعد حتى بلغ خمسين فسكت.

10-و حدثني محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه عن عبد اللّه بن المغيرة عن عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:ما لمن أتى قبر الحسين عليه السّلام زائرا عارفا بحقه غير مستكبر و لا مستنكف؟

قال:يكتب له ألف حجة و ألف عمرة مبرورة و إن كان شقيا كتب سعيدا و لم يزل يخوض في رحمة اللّه عز و جل.

ص: 166

إن زيارة الحسين تعدل عتق الرقاب

1-حدثني محمد بن جعفر الرزاز الكوفي عن محمد بن الحسين الزيات عن محمد بن سنان عن محمد بن صدقة عن صالح النيلي قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه كتب اللّه له أجر من أعتق ألف نسمة و كمن حمل على ألف فرس في سبيل اللّه مسرجة ملجمة حدثني أبي ره و محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب بإسناده مثله.

2-و حدثني أبو العباس القرشي عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن أبي سعيد المدائني قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك آتي قبر ابن رسول اللّه.

قال عليه السّلام:نعم يا أبا سعيد ائت قبر ابن رسول اللّه أطيب الطيبين(الأطيبين) و أطهر الأطهرين و أبر الأبرار فإذا زرته كتب اللّه لك عتق خمس و عشرين رقبة.

حدثني أبي رحمه اللّه عن عدة من أصحابنا عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن أبي سعيد المدائني قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:..و ذكر مثله

ص: 167

إن زوار الحسين مشفعون

1-حدثني محمد بن الحسين بن مت الجوهري عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري عن موسى بن عمر عن علي بن النعمان عن عبد اللّه بن مسكان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إن اللّه تبارك و تعالى يتجلّى لزوار قبر الحسين عليه السّلام قبل أهل عرفات و يقضي حوائجهم و يغفر ذنوبهم و يشفّعهم في مسائلهم ثم يثنّي بأهل عرفات فيفعل بهم ذلك.

2-حدثني أبي رحمه اللّه و محمد بن الحسن و علي بن الحسين جميعا عن سعد ابن عبد اللّه عن محمد بن عيسى بن عبيد عن صفوان بن يحيى عن رجل عن سيف التمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:زائر الحسين عليه السّلام مشفّع يوم القيامة لمائة رجل كلهم قد وجبت لهم النار ممن كان في الدنيا من المسرفين.

3-حدثني أبي رحمه اللّه و محمد بن الحسن و علي بن الحسين و علي بن محمد ابن قولويه جميعا عن أحمد بن إدريس و محمد بن يحيى عن العمركي بن علي البوفكي قال:حدثنا يحيى و كان في خدمة أبي جعفر الثاني عليه السّلام عن علي عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث له طويل قلت:فما لمن قتل عنده يعني عند قبر الحسين جار عليه السلطان فقتله؟

قال عليه السّلام:أول قطرة من دمه يغفر له بها كل خطيئة و تغسل طينته التي خلق منها الملائكة حتى يخلص كما خلصت الأنبياء المخلصين و يذهب عنها ما كان خالطها من أدناس طين أهل الكفر و الفساد و يغسل قلبه و يشرح و يملأ إيمانا فيلقى اللّه و هو مخلص من كل ما تخالطه الأبدان و القلوب و يكتب له شفاعة في أهل بيته و ألف من إخوانه

ص: 168

و تتولى الصلاة عليه الملائكة مع جبرئيل و ملك الموت و يؤتى بكفنه و حنوطه من الجنة و يوسع قبره و يوضع له مصابيح في قبره و يفتح له باب من الجنة و تأتيه الملائكة بطرف من الجنة و يرفع بعد ثمانية عشر يوما إلى حظيرة القدس فلا يزال فيها مع أولياء اللّه حتى تصيبه النفخة التي لا تبقي شيئا فإذا كانت النفخة الثانية و خرج من قبره كان أول من يصافحه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين و الأوصياء و يبشّرونه و يقولون له الزمناء و يقيمونه على الحوض فيشرب منه و يسقي من أحب.

4-حدثني أبي ره عن الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن أورمة عن أبي عبد اللّه المؤمن عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سمعته يقول:إن للّه في كل يوم و ليلة مائة ألف لحظة إلى الأرض يغفر لمن يشاء منه و يعذب من يشاء منه و يغفر لزائري قبر الحسين عليه السّلام خاصة و لأهل بيتهم و لمن يشفع له يوم القيامة كائنا من كان و إن كان رجلا قد استوجبه النار.

قال:قلت:و إن كان رجلا قد استوجبه النار؟

قال عليه السّلام:و إن كان ما لم يكن ناصبيا.

5-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن وضاح عن عبد اللّه بن شعيب التميمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ينادي مناد يوم القيامة أين شيعة آل محمد فيقوم عنق من الناس لا يحصيهم إلا اللّه تعالى فيقومون ناحية من الناس ثم ينادي مناد أين زوار قبر الحسين عليه السّلام فيقوم أناس كثير فيقال لهم خذوا بيد من أحببتم إنطلقوا بهم إلى الجنة فيأخذ الرجل من أحب حتى أن الرجل من الناس يقول لرجل:يا فلان أما تعرفني أنا الذي قمت لك يوم كذا و كذا فيدخله الجنة لا يدفع و لا يمنع (1).7.

ص: 169


1- كامل الزيارات:167.

إن زيارة الحسين ينفس بها الكرب و تقضى بها الحوائج

1-حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبد اللّه الموسوي العلوي عن عبد اللّه(عبيد اللّه)بن نهيك عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن فضيل بن يسار قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إن إلى جانبكم لقبرا ما أتاه مكروب إلا نفّس اللّه كربته و قضى حاجته.

2-و عنه عن عبيد اللّه بن نهيك عن محمد بن أبي عمير عن سلمة صاحب السابري عن أبي الصباح الكناني قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إن إلى جانبكم قبرا ما أتاه مكروب إلا نفّس اللّه كربته و قضى حاجته و إن عنده أربعة آلاف ملك منذ يوم قبض شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة فمن زاره شيّعوه إلى مأمنه و من مرض عادوه و من مات اتبعوا جنازته.

3-حدثني أبي ره عن سعد بن عبد اللّه عن علي بن إسماعيل بن عيسى عن محمد بن عمرو الزيات عن كرام عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سمعته يقول:إن الحسين عليه السّلام قتل مكروبا و حقيق على اللّه أن لا يأتيه مكروب إلا ردّه اللّه مسرورا.

4-و حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن مفضل بن صالح عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن اللّه عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها إلا أهل الكوفة و إن إلى جانبها قبرا لا يأتيه مكروب فيصلّي عنده أربع ركعات إلا أرجعه اللّه مسرورا بقضاء حاجته.

ص: 170

5-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:إن الحسين صاحب كربلاء قتل مظلوما مكروبا عطشانا لهفانا(فإلى اللّه عز و جل على نفسه إن)و حق على اللّه عز و جل أن لا يأتيه لهفان و لا مكروب و لا مذنب و لا مغموم و لا عطشان و لا ذو عاهة ثم دعى عنده و تقرّب بالحسين عليه السّلام إلى اللّه عز و جل إلا نفّس اللّه كربته و أعطاه مسألته و غفر ذنوبه(ذنبه)و مد في عمره و بسط في رزقه فاعتبروا يا أولي الأبصار.

6-حدثني أبي و جماعة مشايخي و محمد بن الحسن عن محمد بن يحيى و أحمد بن إدريس عن العمركي عن يحيى و كان في خدمة أبي جعفر عليه السّلام عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن بظهر الكوفة لقبرا ما أتاه مكروب قط إلا فرّج اللّه كربته يعني قبر الحسين عليه السّلام.

7-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن ناجية عن عامر بن كثير عن أبي النمير قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:إن ولايتنا عرضت على أهل الأمصار فلم يقبلها قبول أهل الكوفة و ذلك لأن قبر علي عليه السّلام فيها و أن إلى لزقه لقبرا آخر-يعني قبر الحسين عليه السّلام-فما من آت يأتيه فيصلي عنده ركعتين أو أربعة ثم يسأل اللّه حاجته إلا قضاها له و إنه ليحف به كل يوم ألف ملك.

8-حدثني أبو العباس الكوفي عن محمد بن الحسين عن صفوان عن الوليد بن حسان عن ابن أبي يعفور قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:دعاني الشوق إليك أن تجشمت إليك على مشقة؟

فقال لي:لا تشك ربك فهلا أتيت من كان أعظم حقا عليك مني فكان من قوله فهلاّ أتيت من كان أعظم حقا عليك مني أشد علي من قوله لا تشك ربك.

قلت:و من أعظم علي حقا منك؟

قال:الحسين بن علي عليه السّلام ألا أتيت الحسين عليه السّلام فدعوت اللّه عنده و شكوت إليه

ص: 171

حوائجك.

9-حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة بن الخطاب عن إبراهيم بن محمد عن علي بن المعلى عن إسحاق بن زياد(يزداد)قال:أتى رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال:إني قد ضربت على كل شيء لي ذهبا و فضة و بعت ضياعي.

فقلت:أنزل مكة؟

فقال:لا تفعل فإن أهل مكة يكفرون باللّه جهرة قال:ففي حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

قال:هم شر منهم.

قال:فأين أنزل؟

قال:عليك بالعراق الكوفة فإن البركة منها على اثني عشر ميلا هكذا و هكذا و إلى جانبها قبر ما أتاه مكروب قط و لا ملهوف إلا فرج اللّه عنه.

ص: 172

أوقات زيارة الإمام الحسين عليه السلام

ثواب زيارة الحسين يوم عرفة

1-حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز الكوفي عن خاله محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن بشير الدهان قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ربما فاتني الحج فأعرف عند قبر الحسين عليه السّلام فقال:

أحسنت يا بشير أيما مؤمن أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه في غير يوم عيد كتب اللّه له عشرين حجة و عشرين عمرة مبرورات متقبلات و عشرين غزوة مع نبي مرسل أو إمام عدل و من أتاه في يوم عيد كتب اللّه له مائة حجة و مائة عمرة و مائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عدل و من أتاه يوم عرفة عارفا بحقه كتب اللّه له ألف حجة و ألف عمرة متقبلات و ألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عدل قال:فقلت له:

و كيف لي بمثل الموقف؟

قال:فنظر إلى شبه المغضب ثم قال:يا بشير إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين عليه السّلام يوم عرفة و اغتسل في الفرات ثم توجه إليه كتب اللّه له بكل خطوة حجة بمناسكها و لا أعلمه إلا قال:و غزوة.

2-حدثني أبي ره و علي بن الحسين و محمد بن الحسن ره جميعا عن سعد بن عبد اللّه عن علي بن إسماعيل بن عيسى عن محمد بن عمرو بن سعيد الزيات عن داود الرقي قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام و أبا الحسن الرضا عليه السّلام و هما يقولان من أتى قبر الحسين عليه السّلام بعرفة أقلبه اللّه ثلج الفؤاد.

ص: 173

3-و عنهم عن سعد عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي عن علي بن أسباط عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن اللّه تبارك و تعالى يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين عليه السّلام عشية عرفة قال:قلت:قبل نظره لأهل الموقف؟

قال:نعم.

قلت:كيف ذلك؟

قال:لأن في أولئك أولاد زنا و ليس في هؤلاء أولاد زنا.

4-حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن موسى بن عمر عن علي بن النعمان عن عبد اللّه بن مسكان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إن اللّه تبارك و تعالى يتجلى لزوار قبر الحسين عليه السّلام قبل أهل عرفات و يقضي حوائجهم و يغفر ذنوبهم و يشفّعهم في مسائلهم ثم يأتي أهل عرفة فيفعل ذلك بهم.

5-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن محمد بن يحيى العطار عن حمدان بن سليمان النيسابوري أبي سعيد قال:حدثنا عبد اللّه بن محمد اليماني عن منيع بن الحجاج عن يونس بن يعقوب بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من فاتته عرفة بعرفات فأدركها بقبر الحسين عليه السّلام لم يفته و إن اللّه تبارك و تعالى ليبدأ بأهل قبر الحسين عليه السّلام قبل أهل عرفات.

ثم قال:يخالطهم بنفسه(في نفسه).

6-حدثني أبي ره و علي بن الحسين عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد البرقي عن القاسم بن يحيى بن الحسن بن الراشد عن جده الحسن عن يونس بن ظبيان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من زار الحسين عليه السّلام ليلة النصف من شعبان و ليلة الفطر و ليلة عرفة في سنة واحدة كتب اللّه له ألف حجة مبرورة و ألف عمرة متقبلة و قضيت له ألف حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة.

7-حدثني محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد البرقي عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي

ص: 174

عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا كان يوم عرفة اطلع اللّه تعالى على زوار قبر أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام فقال لهم:إستأنفوا فقد غفرت لكم ثم يجعل إقامته على أهل عرفات.

8-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عمن ذكره عن عمر بن الحسن العرزمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:إذا كان يوم عرفة نظر اللّه إلى زوار قبر الحسين عليه السّلام فيقول إرجعوا مغفورا لكم ما مضى و لا يكتب على أحد منهم ذنب سبعين يوما من يوم ينصرف.

9-حدثني أبي ره و جماعة أصحابي ره عن محمد بن يحيى و أحمد بن إدريس جميعا عن العمركي بن علي عن يحيى الخادم لأبي جعفر الثاني عليه السّلام عن محمد بن سنان عن بشير الدهان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول و هو نازل بالحيرة و عنده جماعة من الشيعة فأقبل إلي بوجهه فقال:يا بشير أحججت العام.

قلت:جعلت فداك لا و لكن عرفت بالقبر قبر الحسين عليه السّلام؟

فقال:يا بشير و اللّه ما فاتك شيء مما كان لأصحاب مكة بمكة.

قلت:جعلت فداك فيه عرفات فسرّه لي؟

فقال عليه السّلام:يا بشير إن الرجل منكم ليغتسل على شاطئ الفرات ثم يأتي قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه فيعطيه اللّه بكل قدم يرفعها و(أو)يضعها مائة حجة مقبولة و مائة عمرة مبرورة و مائة غزوة مع نبي مرسل إلى أعداء اللّه و أعداء رسوله(إلى أعدى عدو له يا بشير)يا بشير اسمع و أبلغ من احتمل قلبه من زار الحسين عليه السّلام يوم عرفة كان كمن زار اللّه في عرشه.

10-حدثني محمد بن عبد المؤمن ره عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد الكوفي عن محمد بن جعفر بن إسماعيل العبدي عن محمد بن عبد اللّه بن مهران عن محمد بن سنان عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من زار قبر الحسين عليه السّلام يوم عرفة كتب اللّه له ألف ألف حجة مع القائم و ألف ألف عمرة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عتق ألف ألف نسمة و حملان ألف ألف فرس

ص: 175

في سبيل اللّه و سمّاه اللّه عبدي الصديق آمن بوعدي و قالت الملائكة:فلان صديق زكاه اللّه من فوق عرشه و سمّي في الأرض كروبيا.

11-حدثني أبي ره عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن صالح بن عقبة عن بشير الدهان قال:قال جعفر بن محمد عليه السّلام:من زار قبر الحسين عليه السّلام يوم عرفة عارفا بحقه كتب اللّه له ثواب ألف حجة و ألف عمرة و ألف غزوة مع نبي مرسل و من زار أول يوم من رجب غفر اللّه له البتة.

12-حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسى بن عبيد عن محمد بن سنان عن أبي سعيد القماط عن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من كان معسرا فلم يتهيأ له حجة الإسلام فليأت قبر الحسين عليه السّلام و ليعرف عنده فذلك يجزيه عن حجة الإسلام أما إني لا أقول يجزي ذلك عن حجة الإسلام إلا للمعسر،فأما الموسر إذا كان قد حج حجة الإسلام فأراد أن يتنفل بالحج أو العمرة و منعه من ذلك شغل دنيا أو عائق فأتى قبر الحسين عليه السّلام في يوم عرفة أجزأه ذلك عن أداء الحج أو العمرة و ضاعف اللّه له ذلك أضعافا مضاعفة.

قال:قلت:كم تعدل حجة و كم تعدل عمرة.

قال عليه السّلام:لا يحصى ذلك.

قال:قلت مائة.

قال:و من يحصي ذلك.

قلت:ألف؟

قال:و أكثر.

ثم قال عليه السّلام:و إن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها إن اللّه واسع كريم(عليم) (1).3.

ص: 176


1- كامل الزيارات:173.

ثواب زيارة الحسين في النصف من شعبان

1-حدثني أبي و علي بن الحسين و محمد بن يعقوب ره جميعا عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن بعض أصحابه عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا كان النصف من شعبان نادى مناد من الأفق الأعلى زائري الحسين عليه السّلام ارجعوا مغفورا لكم ثوابكم على اللّه ربكم و محمد نبيكم.

2-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي الزيتوني و غيره عن أحمد بن هلال عن محمد بن أبي عمير ره عن حماد بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و الحسن بن محبوب عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليه السّلام قالا من أحب أن يصافحه مائة ألف نبي و أربعة و عشرون ألف نبي فليزر قبر أبي عبد اللّه الحسين بن علي عليه السّلام في النصف من شعبان فإن أرواح النبيين عليه السّلام يستأذنون اللّه في زيارته فيؤذن لهم منهم خمسة أولو العزم من الرسل قلنا:من هم؟

قال:نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمد صلى اللّه عليهم أجمعين قلنا له ما معنى أولي العزم قال:بعثوا إلى شرق الأرض و غربها جنّها و إنسها.

3-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن الحسين عن إبراهيم بن هاشم عن صندل عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا كان النصف من شعبان نادى مناد من الأفق الأعلى زائري الحسين عليه السّلام ارجعوا مغفورا لكم ثوابكم على ربكم و محمد نبيكم.

4-و رواه صافي البرقي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من زار أبا عبد اللّه عليه السّلام ثلاث

ص: 177

سنين متواليات لا فصل فيها في النصف من شعبان غفر له ذنوبه.

5-و بإسناده عن داود بن كثير الرقي قال:قال الباقر عليه السّلام:زائر الحسين عليه السّلام في النصف من شعبان يغفر له ذنوبه و لن يكتب عليه سيئة في سنة حتى يحول عليه الحول فإن زار في السنة المقبلة غفر اللّه له ذنوبه.

6-حدثني جماعة مشايخي عن محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن أبي سارة المدائني عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج أو غيره اسمه الحسين قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من زار قبر الحسين عليه السّلام ليلة من ثلاث ليال غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر.

قال:قلت:أي الليالي جعلت فداك؟

قال عليه السّلام:ليلة الفطر و ليلة الأضحى و ليلة النصف من شعبان.

7-و حدثني أبي و علي بن الحسين و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن القاسم بن يحيى عن جده الحسين بن راشد عن يونس بن ظبيان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من زار الحسين عليه السّلام ليلة النصف من شعبان و ليلة الفطر و ليلة عرفة في سنة واحدة كتب اللّه له ألف حجة مبرورة و ألف عمرة متقبلة و قضيت له ألف حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة.

ص: 178

ما يجب العمل به ليلة النصف من شعبان

8-سالم بن عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من بات ليلة النصف من شعبان بأرض كربلاء فقرأ ألف مرة قل هو اللّه أحد و يستغفر اللّه ألف مرة و يحمد اللّه ألف مرة ثم يقوم فيصلي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة ألف مرة آية الكرسي وكّل اللّه تعالى به ملكين يحفظانه من كل سوء و من شر كل شيطان و سلطان و يكتبان له حسناته و لا تكتب عليه سيئة و يستغفران له ما داما معه ما شاء اللّه.

9-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من زار قبر الحسين عليه السّلام في النصف من شعبان غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

10-حدثني أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن يعقوب بن إسحاق بن عمار عن علي ابن الحسن بن علي بن فضال عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا يونس ليلة النصف من شعبان يغفر اللّه لكل من زار الحسين عليه السّلام من المؤمنين ما تقدّم من ذنوبهم و ما تأخّر و قيل لهم استقبلوا العمل.

قال:قلت:هذا كله لمن زار الحسين عليه السّلام في النصف من شعبان؟

فقال عليه السّلام:يا يونس لو أخبرت الناس بما فيها لمن زار الحسين عليه السّلام لقامت ذكور الرجال على الخشب.

11-حدثني جعفر بن محمد بن عبد اللّه بن موسى عن عبيد اللّه بن نهيك عن ابن أبي عمير عن زيد الشحام عن جعفر بن محمد عليه السّلام قال:من زار(قبر)الحسين عليه السّلام ليلة النصف من شعبان غفر اللّه له ما تقدّم من ذنوبه و ما تأخّر و من زاره يوم عرفة

ص: 179

كتب اللّه له ثواب ألف حجة متقبلة و ألف عمرة مبرورة و من زاره يوم عاشوراء فكأنما زار اللّه(في)فوق عرشه

ص: 180

ثواب من زار الحسين في رجب

1-حدثني أبو علي محمد بن همام بن سهيل عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد بن مالك عن الحسن بن محمد الأبزاري عن الحسن بن محبوب عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال:سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام في أي شهر نزور الحسين عليه السّلام قال:في النصف من رجب و النصف من شعبان.

و رواه أحمد بن هلال عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام مثله غير أنه قال:أي الأوقات أفضل أن تزور فيه الحسين.

2-حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن صالح بن عقبة عن بشير الدهان عن جعفر بن محمد عليه السّلام قال:من زار الحسين عليه السّلام يوم عرفة عارفا بحقه كتب اللّه له ثواب ألف حجة و ألف عمرة و ألف غزوة مع نبي مرسل من زاره أول يوم من رجب غفر اللّه له البتة.

ص: 181

ثواب من زار الحسين في غير يوم عيد و لا عرفة

1-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن بشير الدهان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أيما مؤمن زار الحسين عليه السّلام عارفا بحقه في غير عيد و لا عرفة كتب اللّه له عشرين حجة و عشرين عمرة مبرورات متقبلات و عشرين غزوة مع نبي مرسل أو إمام عدل.

2-و عنه عن محمد بن الحسين عن محمد بن صالح عن عبد اللّه بن هلال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:جعلت فداك ما أدنى ما لزائر الحسين عليه السّلام؟

فقال لي:يا عبد اللّه إن أدنى ما يكون له أن اللّه يحفظه في نفسه و ماله حتى يرده إلى أهله فإذا كان يوم القيامة كان اللّه الحافظ له.

حدثني أبي(ره)عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن صالح مثل حديثه الأول في الباب.

3-حدثني أبي ره عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد ابن إدريس عن العمركي بن علي البوفكي عن صندل عن داود بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من زار قبر الحسين عليه السّلام في كل جمعة غفر اللّه له البتة و لم يخرج من الدنيا و في نفسه حسرة منها و كان مسكنه في الجنة مع الحسين بن علي عليه السّلام.

ثم قال:يا داود من لا يسره أن يكون في الجنة جار الحسين عليه السّلام.

قلت:من؟

قال:لا أفلح.

4-و عنه عن أحمد بن إدريس عن العمركي عن صندل عن داود بن فرقد قال:

ص: 182

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما لمن زار الحسين عليه السّلام في كل شهر من الثواب؟

قال:له(من الثواب)ثواب مائة ألف شهيد مثل شهداء بدر.

5-و بإسناده عن صندل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا كان ليلة القدر فيها يفرق كل أمر حكيم نادى مناد تلك الليلة من بطنان العرش إن اللّه قد غفر لمن زار قبر الحسين عليه السّلام في هذه اليلة.

6-حدثني محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن صالح بن عقبة عن بشير الدهان قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ربما فاتني الحج فأعرف عند قبر الحسين عليه السّلام.

قال:أحسنت يا بشير أيما مؤمن أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه في غير يوم عيد و لا عرفة كتب اللّه له عشرين حجة و عشرين عمرة مبرورات متقبلات و عشرين غزوة مع نبي مرسل أو إمام عدل و من أتاه في يوم عيد..و ذكر الحديث بطوله (1).4.

ص: 183


1- كامل الزيارات:184.

ثواب من زار الحسين يوم عاشوراء

1-حدثني أبي و أخي و جماعة مشايخي عن محمد بن يحيى عن محمد بن علي المدائني قال:أخبرني محمد بن سعيد البجلي عن قبيصة عن جابر الجعفي قال:

دخلت على جعفر بن محمد عليه السّلام في يوم عاشوراء فقال لي:هؤلاء زوار اللّه و حق على المزور أن يكرم الزائر من بات عند قبر الحسين عليه السّلام ليلة عاشوراء لقي اللّه ملطخا بدمه يوم القيامة كأنما قتل معه في عرصته(عصره).

و قال:من زار قبر الحسين عليه السّلام أي يوم عاشوراء و(أو)بات عنده كان كمن استشهد بين يديه.

2-حدثني أبو علي محمد بن همام قال:حدثني جعفر بن محمد بن مالك الفزاري قال:حدثني أحمد بن علي بن عبيد الجعفي قال:حدثني حسين بن سليمان عن الحسين بن أسد عن حماد بن عيسى عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام من زار الحسين يوم عاشوراء وجبت له الجنة.

3-و حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن يعقوب بن يزيد الأنباري عن محمد بن أبي عمير عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من زار قبر الحسين بن علي يوم عاشوراء عارفا بحقه كان كمن زار اللّه في عرشه.

4-حدثني الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد عن محمد بن جمهور العمي عمن ذكره عنهم عليه السّلام قال:من زار(قبر)الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء كان كمن تشحّط بدمه بين يديه.

5-و روى محمد بن أبي يسار(سيار)المدائني بإسناده قال:من سقى يوم

ص: 184

عاشوراء عند قبر الحسين عليه السّلام كان كمن سقى عسكر الحسين عليه السّلام و شهد معه.

6-حدثني جعفر بن محمد بن إبراهيم الموسوي عن عبيد اللّه بن نهيك عن ابن أبي عمير عن زيد الشحام عن جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام قال:من زار الحسين عليه السّلام ليلة النصف من شعبان غفر اللّه له ما تقدم من ذنوبه و ما تأخر و من زاره يوم عرفة كتب اللّه له ثواب ألف حجة متقبلة و ألف عمرة مبرورة و من زاره يوم عاشوراء فكأنما زار اللّه فوق(في)عرشه.

7-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر عن أبيه عبد اللّه بن جعفر الحميري عن محمد بن الحسين عن حمدان بن المعافي عن ابن أبي عمير عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام..و ذكر مثله.

8-حدثني حكيم بن داود بن حكيم و غيره عن محمد بن موسى الهمداني عن محمد بن خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة و صالح بن عقبة جميعا عن علقمة بن محمد الحضرمي و محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن مالك الجهني عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:من زار الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء من المحرم حتى يظل عنده باكيا لقي اللّه تعالى يوم القيامة بثواب ألفي ألف(ألف)حجة و ألفي(ألف) ألف عمرة و ألفي ألف غزوة و ثواب كل حجة و عمرة و غزوة كثواب من حج و اعتمر و غزا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و مع الأئمة الراشدين صلوات اللّه عليهم أجمعين قال:قلت:

جعلت فداك فما لمن كان في بعد البلاد و أقاصيها و لم يمكنه المصير(المسير) إليه في ذلك اليوم قال:إذا كان ذلك اليوم برز إلى الصحراء أو صعد سطحا مرتفعا في داره و أومأ إليه بالسلام و اجتهد على قاتله بالدعاء و صلّى بعده ركعتين يفعل ذلك في صدر النهار قبل الزوال ثم ليندب الحسين عليه السّلام و يبكيه و يأمر من في داره بالبكاء عليه و يقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه و يتلاقون بالبكاء بعضهم بعضا في البيوت و ليعز بعضهم بعضا بمصاب الحسين عليه السّلام فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على اللّه عز و جل جميع هذا الثواب.

ص: 185

فقلت:جعلت فداك و أنت الضامن لهم إذا فعلوا ذلك و الزعيم به؟

قال عليه السّلام:أنا الضامن لهم ذلك و الزعيم لمن فعل ذلك.

قال:قلت:فكيف يعزي بعضهم بعضا.

قال:يقولون عظّم اللّه أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السّلام و جعلنا و إياكم من الطالبين بثأره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله فإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل فإنه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة و إن قضيت لم يبارك له فيها و لم ير رشدا و لا تدخرن لمنزلك شيئا فإنه من ادخر لمنزله شيئا في ذلك اليوم لم يبارك له فيما يدخره و لا يبارك له في أهله فمن فعل ذلك كتب له ثواب ألف ألف حجة و ألف ألف عمرة و ألف ألف غزوة كلها مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان له ثواب مصيبة كل نبي و رسول و صديق و شهيد مات أو قتل منذ خلق اللّه الدنيا إلى أن تقوم الساعة.

قال صالح بن عقبة الجهني و سيف بن عميرة:قال علقمة بن محمد الحضرمي:

فقلت لأبي جعفر عليه السّلام:علّمني دعاء أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زرته من قريب و دعاء أدعو به إذا لم أزره من قريب و أومأت إليه من بعد البلاد و من سطح داري بالسلام.

قال:فقال عليه السّلام:يا علقمة إذا أنت صلّيت ركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام و قلت عند الإيماء إليه و من بعد الركعتين هذا القول فإنك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة و كتب اللّه لك بها ألف ألف حسنة و محا عنك ألف ألف سيئة و رفع لك مائة ألف(ألف)درجة و كنت ممن استشهد مع الحسين بن علي حتى تشاركهم في درجاتهم و لا تعرف إلا في الشهداء الذين استشهدوا معه و كتب لك ثواب كل نبي و رسول و زيارة من زار الحسين بن علي عليه السّلام منذ يوم قتل:

السلام عليك يا أبا عبد اللّه السلام عليك يا ابن رسول اللّه السلام عليك يا خيرة اللّه و ابن خيرته السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين و ابن سيد الوصيين السلام عليك يا

ص: 186

ابن فاطمة سيدة نساء العالمين السلام عليك يا ثار اللّه و ابن ثاره و الوتر الموتور السلام عليك و على الأرواح التي حلت بفنائك و أناخت برحلك عليكم مني جميعا سلام اللّه أبدا ما بقيت و بقي الليل و النهار يا أبا عبد اللّه لقد عظمت الرزية و جلت المصيبة بك علينا و على جميع أهل السماوات و الأرض فلعن اللّه أمة أسست أساس الظلم و الجور عليكم أهل البيت و لعن اللّه أمة دفعتكم عن مقامكم و أزالتكم عن مراتبكم التي رتّبكم اللّه فيها و لعن اللّه أمة قتلتكم و لعن اللّه الممهدين لهم بالتمكين من(قتالك)قتالكم برئت إلى اللّه و إليكم منهم و من أشياعهم و أتباعهم يا أبا عبد اللّه إني سلم لمن سالمكم و حرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة فلعن اللّه آل زياد و آل مروان و لعن اللّه بني أمية قاطبة و لعن اللّه ابن مرجانة و لعن اللّه عمر بن سعد و لعن اللّه شمرا و لعن اللّه أمة أسرجت و ألجمت و تهيأت لقتالك.

يا أبا عبد اللّه بأبي أنت و أمي لقد عظم مصابي بك فأسأل اللّه الذي أكرم مقامك أن يكرمني بك و يرزقني طلب ثارك مع إمام منصور من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله.

اللهم اجعلني وجيها عندك بالحسين(بالحسين عندك)في الدنيا و الآخرة يا سيدي يا أبا عبد اللّه إني أتقرب إلى اللّه تعالى و إلى رسوله و إلى أمير المؤمنين و إلى فاطمة و إلى الحسن و إليك صلّى اللّه عليك و سلّم و عليهم بموالاتك يا أبا عبد اللّه و بالبراءة من أعدائك و ممن قاتلك و نصب لك الحرب و من جميع أعدائكم و بالبراءة ممن أسس الجور و بنى عليه بنيانه و أجرى ظلمه و جوره عليكم و على أشياعكم برئت إلى اللّه و إليكم منهم و أتقرب إلى اللّه ثم إليكم بموالاتكم و موالاة وليكم و البراءة من أعدائكم و من الناصبين لكم الحرب و البراءة من أشياعهم و أتباعهم إني سلم لمن سالمكم و حرب لمن حاربكم و ولي(موال)لمن والاكم و عدو لمن عاداكم فأسأل اللّه الذي أكرمني بمعرفتكم و معرفة أوليائكم و رزقني البراءة من أعدائكم أن يجعلني معكم في الدنيا و الآخرة و أن يثبت لي عندكم قدم صدق في الدنيا و الآخرة و أسأله أن يبلغني المقام المحمود لكم عند اللّه و أن يرزقني طلب

ص: 187

ثأركم مع إمام مهدي ناطق لكم و أسأل اللّه بحقكم و بالشأن الذي لكم عنده أن يعطيني بمصابي بكم أفضل ما أعطي مصابا بمصيبة(بمصيبته)أقول إنا للّه و إنا إليه راجعون يا لها من مصيبة ما أعظمها و أعظم رزيتها في الإسلام و في جميع أهل السماوات و الأرض(الأرضين).

اللهم اجعلني في مقامي هذا ممن تناله منك صلوات و رحمة و مغفرة.

اللهم اجعل محياي محيا محمد و آل محمد و مماتي ممات محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله.

اللهم إن هذا يوم تنزلت(تنزل)فيه اللعنة على آل زياد و آل أمية و ابن آكلة الأكباد اللعين بن اللعين على لسان نبيك في كل موطن و موقف وقف فيه نبيك صلى اللّه عليه و آله.

اللهم العن أبا سفيان و معاوية و على يزيد بن معاوية اللعنة أبد الآبدين.

اللهم فضاعف عليهم اللعنة أبدا لقتلهم الحسين عليه السّلام.

اللهم إني أتقرب إليك في هذا اليوم في موقفي هذا و أيام حياتي بالبراءة منهم و اللعنة(باللعن)عليهم و بالموالاة لنبيك محمد و أهل بيت نبيك صلى اللّه عليه و عليهم أجمعين.

ثم تقول مائة مرة:اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد و آل محمد(آل محمد حقوقهم)و آخر تابع له على ذلك.

اللهم العن العصابة التي حاربت(جاهدت)الحسين و شايعت و بايعت( تابعت)أعداءه على قتله و قتل أنصاره اللهم العنهم جميعا.

ثم قل مائة مرة:السلام عليك يا أبا عبد اللّه و على الأرواح التي حلت بفنائك و أناخت برحلك عليكم مني سلام اللّه أبدا ما بقيت و بقي الليل و النهار و لا جعله اللّه آخر العهد من زيارتكم السلام على الحسين و على علي بن الحسين و على أصحاب الحسين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

ثم تقول مرة واحدة:اللهم خص أنت أول ظالم ظلم آل نبيك باللعن ثم العن أعداء

ص: 188

آل محمد من الأولين و الآخرين.

اللهم العن يزيد و أباه و العن عبيد اللّه بن زياد و آل مروان و بني أمية قاطبة إلى يوم القيامة.

ثم تسجد سجدة تقول فيها:اللهم لك الحمد حمد الشاكرين على مصابهم الحمد للّه على عظيم مصابي و رزيتي فيهم.

اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود و ثّبت لي قدم صدق عندك مع الحسين و أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السّلام صلوات اللّه عليهم أجمعين.

قال علقمة:قال أبو جعفر الباقر عليه السّلام:يا علقمة إن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة من دهرك فافعل فلك ثواب جميع ذلك إن شاء اللّه تعالى (1).9.

ص: 189


1- كامل الزيارات:179.

الفهرس

معاجز و كرامات الحسين 1

زيارة الحسين و التوسل به 1

كرامات الإمام الحسين عليه السلام 3

فضل كربلاء و زيارة الحسين عليه السّلام 5

فضل الحائر و حرمته 16

إن الحائر من المواضع التي يحب اللّه أن يدعى فيها 18

معجزة الحسين عليه السلام ببركة مجالس العزاء 20

قصة أخرى 23

قيمة تضحية الحسين عليه السلام 24

تأييد 25

الحسين عليه السلام لكل الملهوفين 26

أثر جوار الحسين عليه السلام 27

إسلام نهراني على رأس الإمام الحسين عليه السلام 29

دخول الحية في منخري ابن زياد 30

رضى النبي الأعظم على مكرم رأس الحسين عليه السلام 31

حضور الحسين و آله عليهم السلام عند كل ميت 32

و أسلم الراهب ببركة الإمام الحسين!37

كرامة الحسين عليه السلام في يوم الطف 39

التوسل بالإمام الحسين عليه السلام 40

توسل الملائكة بالحسين و خدمته 40

توسّل الأنبياء بالحسين عليهم السلام 43

توسّل النبي موسى عليه السّلام 47

توسّل النبي آدم عليه السّلام 48

توسّل النبي يوسف عليه السّلام 53

توسّل الإمام الصادق عليه السّلام 54

توسّل قس بن ساعدة 55

ص: 190

توسل أهل النار 56

توسّل شيخ 57

آثار التوسل الإمام بالحسين عليه السّلام 58

5-رفع عذاب البرزخ:58

6-نزول المطر:60

7-إحياء الموتى:61

8-استجابة كل الحاجات:61

ثواب و آثار زيارة الإمام الحسين عليه السلام 67

زيارة الإمام الحسين عليه السلام 67

أهمية زيارة الحسين عليه السلام 97

دعاء الإمام الصادق لزوار الحسين عليهما السلام 98

زيارة الأنبياء للحسين بن علي عليه السّلام 100

زيارة الملائكة الحسين بن علي عليه السّلام 103

دعاء رسول اللّه و علي و فاطمة و الأئمة لزوار الحسين عليه السّلام 106

دعاء الملائكة لزوار قبر الحسين عليه السّلام 109

فضل صلاة الملائكة لزوار الحسين عليه السّلام 111

إن زيارة الحسين عليه السّلام فرض و عهد لازم له و لجميع الأئمة 112

على كل مؤمن و مؤمنة 112

ثواب من زار الحسين بنفسه أو جهز إليه غيره 114

ثواب من زار الحسين عليه السّلام و عليه خوف 117

ثواب ما للرجل في نفقته إلى زيارة الحسين عليه السّلام 119

ما يكره اتخاذه لزيارة الحسين بن علي عليه السّلام 122

كيف يجب أن يكون زائر الحسين بن علي عليه السّلام 124

ثواب من زار الحسين راكبا أو ماشيا و مناجاة اللّه لزائره 126

كرامة اللّه تبارك و تعالى لزوار الحسين بن علي 130

ص: 191

أن زائري الحسين يكونون في جوار رسول اللّه و علي و فاطمة عليهم السّلام 132

ثواب من زار الحسين عليه السّلام عارفا بحقه 133

من زار الحسين حبا لرسول اللّه و أمير المؤمنين و فاطمة عليها السّلام 137

من زار الحسين عليه السّلام تشوقا إليه 138

من زار الحسين عليه السلام احتسابا 141

إن زيارة الحسين أفضل ما يكون من الأعمال 143

إن من زار الحسين كان كمن زار اللّه في عرشه و كتب في أعلى عليين 145

إن زيارة الحسين و الأئمة تعدل زيارة رسول اللّه 148

إن زيارة الحسين تزيد في العمر و الرزق و إن تركها تنقصهما 150

إن زيارة الحسين تحط الذنوب 152

إن زيارة الحسين تعدل عمرة 155

إن زيارة قبر الحسين تعدل حجة 157

في أن زيارة الحسين تعدل حجة و عمرة 159

إن زيارة الحسين تعدل حججا 163

إن زيارة الحسين تعدل عتق الرقاب 167

إن زوار الحسين مشفعون 168

إن زيارة الحسين ينفس بها الكرب و تقضى بها الحوائج 170

أوقات زيارة الإمام الحسين عليه السلام 173

ثواب زيارة الحسين يوم عرفة 173

ثواب زيارة الحسين في النصف من شعبان 177

ما يجب العمل به ليلة النصف من شعبان 179

ثواب من زار الحسين في رجب 181

ثواب من زار الحسين في غير يوم عيد و لا عرفة 182

ثواب من زار الحسين يوم عاشوراء 184

ص: 192

المجلد 7

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء السابع

آداب زيارة الإمام الحسين عليه السلام

الإغتسال في الفرات

1-حدثني أبي و جماعة مشايخي عن محمد بن يحيى العطار عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن عبد اللّه بن محمد اليماني عن منيع بن الحجاج عن يونس عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من اغتسل بماء الفرات و زار قبر الحسين عليه السّلام كان كيوم ولدته أمه صفرا من الذنوب و لو اقترفها كبائر و كانوا يحبون الرجل إذا زار(يحبون إذا زار الرجل)قبر الحسين عليه السّلام اغتسل و إذا ودّع لم يغتسل و مسح يده على وجهه إذا ودّع.

2-حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن صالح بن عقبة عن بشير الدهان قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل قال:ويحك يا بشير إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه فاغتسل في الفرات ثم خرج كتب له بكل خطوة حجة و عمرة مبرورات متقبلات و غروة مع نبي مرسل أو إمام عدل.

3-حدثني أبي رحمه اللّه عن محمد بن يحيى و أحمد بن إدريس عن العمركي بن علي عن يحيى و كان في خدمة الإمام أبي جعفر الثاني عليه السّلام عن محمد بن سنان عن بشير الدهان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو نازل بالحيرة و عنده جماعة من الشيعة فأقبل إلي بوجهه فقال:يا بشير حججت العام.

قلت:جعلت فداك لا و لكن عرفت بالقبر قبر الحسين عليه السّلام.

ص: 3

فقال:يا بشير و اللّه ما فاتك شيء مما كان لأصحاب مكة بمكة.

قلت:جعلت فداك فيه عرفات فسّر لي؟

فقال عليه السّلام:يا بشير إن الرجل منكم ليغتسل على شاطئ الفرات ثم يأتي قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه فيعطيه اللّه بكل قدم يرفعها أو يضعها مائة حجة مقبولة و معها مائة عمرة مبرورة و مائة غزوة مع نبي مرسل(إلى أعدى عدو له)إلى أعداء اللّه و أعداء الرسول..و ذكر الحديث.

4-و حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم قال:حدثنا هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث له طويل قال:أتاه رجل فقال له:هل يزار والدك؟

فقال:نعم.

فقال:ما لمن اغتسل بالفرات ثم أتاه؟

قال:إذا اغتسل من ماء الفرات و هو يريده تساقطت عنه خطاياه كيوم ولدته أمه..و ذكر الحديث بطوله.

5-حدثني أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري عن أبي علي محمد بن همام ابن سهيل عن أحمد بن هانيدار عن أحمد بن المعافي الثعلبي عن أهل رأس العين عن علي بن جعفر الهماني قال:سمعت علي بن محمد العسكري عليه السّلام يقول:من خرج من بيته يريد زيارة الحسين عليه السّلام فصار إلى الفرات فاغتسل منه كتب(اللّه) من المفلحين فإذا سلّم على أبي عبد اللّه كتب اللّه من الفائزين فإذا فرغ من صلاته أتاه ملك فقال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقرئك السلام و يقول لك:أما ذنوبك فقد غفر لك استأنف العمل.

6-حدثني حسين بن محمد بن عامر عن أحمد بن علوية الأصفهاني عن إبراهيم بن محمد الثقفي رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام:أنه كان يقول عند(بعد)

ص: 4

غسل الزيارة إذا فرغ:اللهم اجعله لي نورا و طهورا و حرزا و كافيا من كل داء و سقم و من كل آفة و عاهة و طهّر به قلبي و جوارحي و لحمي و دمي و شعري و بشري و مخي و عظامي و عصبي و ما أقلّت الأرض مني فاجعله لي شاهدا يوم القيامة و يوم حاجتي و فقري و فاقتي.

7-حدثني محمد بن همام بن سهيل الإسكافي عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري عن الحسن بن عبد الرحمن الرواسي عمن حدثه عن بشير الدهان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أتى الحسين بن علي عليه السّلام فتوضأ و اغتسل في الفرات لم يرفع قدما و لم يضع قدما إلا كتب اللّه له حجة و عمرة.

8-حدثني أبي رحمه اللّه و محمد بن الحسن جميعا عن الحسين بن حسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن يوسف الكناسي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا أتيت قبر الحسين عليه السّلام فأت الفرات و اغتسل بحيال قبره.

9-حدثني جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبيد اللّه الموسوي عن عبد اللّه بن نهيك عن محمد الفراشي عن إبراهيم بن محمد الطحان عن بشير الدهان عن رفاعة ابن موسى النحاس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن من خرج إلى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه و بلغ الفرات و اغتسل فيه و خرج من الماء(فاغتسل بماء الفرات و خرج)كان كمثل الذي خرج من الذنوب فإذا مشى إلى الحائر(الحير)لم يرفع قدما و لم يضع أخرى إلا كتب اللّه له عشر حسنات و محا عنه عشر سيئات.

ص: 5

الرخصة في ترك الغسل لزيارة الحسين عليه السّلام

1-حدثني أبي و أخي عن الحسن بن متويه بن السندي عن أبيه قال:حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب بالكوفة عن صفوان بن يحيى عن العيص بن القاسم البجلي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:من زار الحسين بن علي عليه السّلام عليه غسل؟

قال:فقال:لا و حدثني أبي ره عن سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن صفوان عن العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن العيص عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله.

2-حدثني علي بن الحسين بن موسى عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد ابن عيسى عن العباس بن معروف عن عبد اللّه بن المغيرة عن أبي اليسع قال:سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا أسمع عن الغسل إذا أتى قبر الحسين عليه السّلام فقال:لا حدثني جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين عن أيوب بن نوح و غيره عن عبد اللّه بن المغيرة قال:حدثنا أبو اليسع..و ذكر الحديث بنفسه.

و حدثني محمد بن أحمد بن الحسين عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه علي عن أيوب ابن نوح و غيره عن عبد اللّه بن المغيرة عن أبي اليسع قال:سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام..و ذكر مثله.

3-حدثني جماعة مشايخي عن محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن أبي زاهر عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن صفوان بن يحيى عن سيف بن عميرة عن العيص بن القاسم البجلي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:من زار الحسين عليه السّلام

ص: 6

عليه غسل.

قال:لا.

4-حدثني جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبيد اللّه بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق عليه السّلام عن عبيد اللّه بن نهيك عن محمد بن زياد عن أبي حنيفة السابق عن يونس بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا كنت منه قريبا يعني الحسين عليه السّلام فإن أصبت غسلا فاغتسل و إلا فتوضأ ثم ائته.

5-حدثني محمد بن أحمد بن يعقوب عن علي بن الحسن بن فضال عن العباس ابن عامر عن الحسن بن عطية أبي ناب قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الغسل إذا أتيت قبر الحسين عليه السّلام قال:ليس عليك غسل.

6-حدثني الحسن بن الزبرقان الطبري بإسناد له يرفعه إلى الصادق عليه السّلام قال:

قلت:ربما أتينا قبر الحسين عليه السّلام فيصعب علينا الغسل للزيارة من البرد أو غيره.

فقال عليه السّلام:من اغتسل في الفرات و زار الحسين عليه السّلام كتب له من الفضل ما لا يحصى فمتى ما رجع إلى الموضع الذي اغتسل فيه و توضأ و زار الحسين عليه السّلام كتب له ذلك الثواب (1).9.

ص: 7


1- كامل الزيارات:189.

تشييع الملائكة لزائري الحسين

1-حدثني أبي و محمد بن الحسن عن الحسين بن حسن بن أبان عن الحسين ابن سعيد عن القاسم بن محمد الجوهري عن إسحاق بن إبراهيم عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:وكّل اللّه بقبر الحسين عليه السّلام أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة فمن زاره عارفا بحقه شيّعوه حتى يبلغوه مأمنه و إن مرض عادوه غدوة و عشية و إن مات شهدوا جنازته و استغفروا له إلى يوم القيامة.

2-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي إسماعيل السراج عن يحيى بن معمر العطار عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال:أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكون الحسين عليه السّلام إلى يوم القيامة فلا يأتيه أحد إلا استقبلوه و لا يرجع أحد من عنده إلا شيّعوه و لا يمرض أحد إلا عادوه و لا يموت أحد إلا شهدوه.

و حدثني أبي ره عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع بإسناده مثله حدثني أبي عن سعد عن محمد بن الحسين عن موسى بن سعدان عن عبد اللّه بن القاسم عن عمر بن أبان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله.

3-حدثني جعفر بن محمد بن إبراهيم عن عبد اللّه بن نهيك عن ابن أبي عمير عن سلمة صاحب السابري عن أبي الصباح الكناني قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

إن إلى جانبكم قبرا ما أتاه مكروب إلا نفّس اللّه كربته و قضى حاجته و إن عنده أربعة ألف ملك منذ يوم قبض شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة فمن زاره شيّعوه و من مرض عادوه و من مات اتبعوا جنازته.

ص: 8

4-حدثني أبي و جماعة مشايخي عن محمد بن يحيى العطار عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن عبد اللّه بن محمد اليماني عن منيع بن الحجاج عن يونس ابن عبد الرحمن عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن الرجل إذا خرج من منزله يريد زيارة الحسين عليه السّلام شيّعه سبعمائة ملك من فوق رأسه و من تحته و عن يمينه و عن شماله و من بين يديه و من خلفه حتى يبلغوه مأمنه فإذا زار الحسين عليه السّلام ناداه مناد قد غفر لك فاستأنف العمل ثم يرجعون معه مشيعين له إلى منزله فإذا صاروا إلى منزله قالوا نستودعك اللّه فلا يزالون يزورونه إلى يوم مماته ثم يزورون قبر الحسين عليه السّلام في كل يوم و ثواب ذلك للرجل.

5-و عنه عن محمد بن يحيى بإسناده إلى منيع عن زياد عن عبد اللّه بن مسكان عن محمد الحلبي قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إن اللّه وكّل بقبر الحسين عليه السّلام أربعة آلاف ملك شعثا غبرا إلى أن تقوم الساعة يشيّعون من زاره يعودونه إذا مرض و يشهدون جنازته إذا مات.

6-حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن وليد عن محمد بن الحسن الصفار عن الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة عن العباس بن عامر عن أبان عن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن اللّه و كّل بقبر الحسين عليه السّلام أربعة آلاف ملك شعثا غبرا فلم يزل يبكونه من طلوع الفجر إلى زوال الشمس فإذا زالت الشمس هبط أربعة آلاف ملك و صعد أربعة آلاف ملك فلم يزل يبكونه حتى يطلع الفجر و يشهدون لمن زاره و يشيّعونه بالوفاء إلى أهله و يعودونه إذا مرض و يصلّون عليه إذا مات.

7-حدثني أبي و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد البرقي عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال:من خرج من بيته يريد زيارة قبر أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و كّل اللّه به ملكا يضع(فوضع)إصبعه في قفاه فلم يزل يكتب ما يخرج من فيه حتى يرد الحائر(الحير)فإذا دخل من باب الحائر(الحير)وضع كفه

ص: 9

وسط ظهره ثم قال له:أما ما مضى فقد غفر لك فاستأنف العمل حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن أبي راشد عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال:من خرج من بيته يريد زيارة قبر الحسين عليه السّلام مثله.

8-حدثني أبي و محمد بن عبد اللّه ره جميعا عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي بن مهزيار عن أبي القاسم عن القاسم بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم عن هارون بن خارجة قال:سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده فقال:ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام قال:إن الحسين عليه السّلام لما أصيب بكته حتى البلاد فوكّل اللّه به أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة فمن زاره عارفا بحقه شيّعوه حتى يبلغوه مأمنه و إن مرض عادوه غدوة و عشية و إن مات شهدوا جنازته و استغفروا له إلى يوم القيامة.

9-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن موسى بن سعدان عن عبد اللّه بن القاسم عن عمر بن أبان الكلبي عن أبان بن تغلب قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:هبط أربعة آلاف ملك يريدون القتال مع الحسين عليه السّلام فلم يؤذن لهم في القتال فرجعوا في الإستئذان فهبطوا و قد قتل الحسين عليه السّلام فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة رئيسهم ملك يقال له منصور فلا يزوره زائر إلا استقبلوه و لا يودّعه مودع إلا شيّعوه و لا يمرض مريض إلا عادوه و لا يموت إلا صلّوا على جنازته و استغفروا له بعد موته و كل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم عليه السّلام.

10-حدثني أبو العباس الرزاز عن ابن أبي الخطاب قال:حدثني محمد بن الفضيل عن محمد بن مضارب عن مالك الجهني عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال:يا مالك إن اللّه تبارك و تعالى لما قبض الحسين عليه السّلام بعث إليه أربعة ألف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة فمن زاره عارفا بحقه غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما

ص: 10

تأخّر و كتب له حجة و لم يزل محفوظا حتى يرجع إلى أهله قال:فلما مات مالك و قبض أبو جعفر عليه السّلام دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخبرته بالحديث فلما انتهيت إلى حجة قال:و عمرة يا محمد (1).2.

ص: 11


1- كامل الزيارات:192.

ترك زيارة الإمام الحسين عليه السلام و أثره

1-حدثني الحسن بن عبد اللّه عن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن عاصم بن حميد الحناط عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

قال:من لم يأت قبر الحسين عليه السّلام من شيعتنا كان منتقص الإيمان منتقص الدين و إن دخل الجنة كان دون المؤمنين في الجنة.

2-حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبي المعزى عن عنبسة بن مصعب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من لم يأت قبر الحسين عليه السّلام حتى يموت كان منتقص الدين منتقص الإيمان و إن دخل الجنة كان دون المؤمنين في الجنة.

3-حدثني أبي و علي بن الحسين عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه عن سيف بن عميرة عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من لم يأت قبر الحسين عليه السّلام و هو يزعم أنه لنا شيعة حتى يموت فليس هو لنا بشيعة و إن كان من أهل الجنة فهو من ضيفان أهل الجنة.

4-و بإسناده عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سمعته يقول:من أراد أن يعلم أنه من أهل الجنة فيعرض حبنا على قلبه فإن قبله فهو مؤمن و من كان لنا محبا فليرغب في زيارة قبر الحسين عليه السّلام فمن كان للحسين عليه السّلام زوارا عرفناه بالحب لنا أهل البيت و كان من أهل الجنة و من لم يكن للحسين زوّارا كان ناقص الإيمان.

5-حدثني أبي و جماعة مشايخي عن أحمد بن إدريس عن العمركي بن علي

ص: 12

البوفكي عمن حدثه عن صندل عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عمن ترك الزيارة زيارة قبر الحسين بن علي من غير علة قال عليه السّلام:هذا رجل من أهل النار.

6-حدثني محمد بن جعفر الرزاز الكوفي القرشي عن خاله محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب عمن حدثه عن علي بن ميمون قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:لو أن أحدكم حج ألف حجة ثم لم يأت قبر الحسين بن علي عليه السّلام لكان قد ترك حقا من حقوق اللّه تعالى و سئل عن ذلك فقال:حق الحسين عليه السّلام مفروض على كل مسلم.

7-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم قال:حدثنا هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:أنه قال في حديث له طويل أنه أتاه رجل فقال له:هل يزار والدك؟

فقال:نعم،قال:فما لمن زاره؟

قال:الجنة إن كان يأتم به.

قال:فما لمن تركه رغبة عنه؟

قال:الحسرة يوم الحسرة و ذكر الحديث بطوله (1).4.

ص: 13


1- كامل الزيارات:194.

ما يكره من الجفاء لزيارة قبر الحسين عليه السّلام

1-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن بعض أصحابه عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كم بينكم و بين قبر الحسين عليه السّلام قلت:ستة عشر فرسخا.

قال:أو ما تأتونه؟

قلت:لا.

قال عليه السّلام:ما أجفاكم.

2-و عنه عن سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن الفضل عن علي بن الحكم عمن حدثه عن حنان بن سدير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:ما تقول في زيارة قبر الحسين عليه السّلام؟

فقال:زره و لا تجفه فإنه سيد الشهداء و سيد شباب أهل الجنة و شبيه يحيى بن زكريا و عليهما بكت السماء و الأرض.

3-و حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن أبي داود عن سعد عن أبي عمر الجلاب عن الحرث الأعور قال:قال علي عليه السّلام:بأبي و أمي الحسين المقتول بظهر الكوفة و اللّه لكأني أنظر إلى الوحش مادة أعناقها على قبره من أنواع الوحش يبكونه و يرثونه ليلا حتى الصباح فإذا كان ذلك فإياكم و الجفاء.

4-حدثني أبي و أخي و علي بن الحسين و محمد بن الحسن عن محمد بن يحيى العطار عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن عبد اللّه بن محمد اليماني عن منيع

ص: 14

بن الحجاج عن يونس بن عبد الرحمن عن حنان بن سدير عن أبيه سدير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام يا سدير تزور قبر الحسين عليه السّلام في كل يوم قلت:لا.

قال عليه السّلام:ما أجفاكم.

قال:أتزوره في كل جمعة؟

قلت:لا.

قال:فتزوره في كل شهر.

قلت:لا.

قال:فتزوره في كل سنة.

قلت:قد يكون ذلك.

قال:يا سدير ما أجفاكم بالحسين عليه السّلام أما علمت أن للّه ألف ملك شعثا غبرا يبكونه و يرثونه لا يفترون زوّارا لقبر الحسين و ثوابهم لمن زاره..و ذكر الحديث.

5-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن حنان بن سدير قال:كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فدخل عليه رجل فسلّم عليه و جلس فقال أبو جعفر عليه السّلام:من أي البلدان أنت فقال له الرجل:أنا رجل من أهل الكوفة و أنا محب لك موال.

فقال له أبو جعفر عليه السّلام:أفتزور قبر الحسين عليه السّلام في كل جمعة.

قال:لا.

قال:ففي كل شهر.

قال:لا.

قال:ففي كل سنة.

قال:لا.

فقال له أبو جعفر عليه السّلام إنك لمحروم من الخير..و ذكر الحديث.

ص: 15

6-و حدثني محمد بن جعفر قال:حدثني محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد اللّه عن الفضيل بن يسار قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ما أجفاكم يا فضيل لا تزورون الحسين عليه السّلام أما علمتم أن أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة.

7-و عنه عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن حماد عن محمد بن مسلم عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كم بينكم و بين قبر الحسين عليه السّلام قال:قلت:

ستة عشر فرسخا أو سبعة عشر فرسخا قال:ما تأتونه.

قلت:لا.قال:ما أجفاكم.

8-حدثني أبي رحمه اللّه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن أورمة عن أبي عبد اللّه المؤمن عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:عجبا لأقوام يزعمون أنهم شيعة لنا و يقال إن أحدهم يمر به دهره و لا يأتي قبر الحسين عليه السّلام جفاء منه و تهاون و عجز و كسل أما و اللّه لو يعلم ما فيه من الفضل ما تهاون و لا كسل.

قلت:جعلت فداك و ما فيه من الفضل؟

قال:فضل و خير كثير أما أول ما يصيبه أن يغفر له ما مضى من ذنوبه و يقال له استأنف العمل.

9-حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة بن الخطاب عن عبد اللّه بن الخطاب عن عبد اللّه بن محمد بن سنان عن منيع بن الحجاج عن يونس بن عبد الرحمن عن حنان عن أبيه قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام يا سدير تزور قبر الحسين عليه السّلام في كل يوم قلت:جعلت فداك لا.

قال:ما أجفاكم فتزوره في كل جمعة قلت:لا.

قال:فتزوره في كل شهر.

قلت:لا.

ص: 16

قال:فتزوره في كل سنة.

قلت:قد يكون ذلك.

قال:يا سدير ما أجفاكم بالحسين عليه السّلام و ذكر الحديث.

10-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد عن محمد بن عيسى بن عبيد عن محمد بن ناجية عن محمد بن علي عن عامر بن كثير السراج النهدي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال لي:كم بينك و بين قبر الحسين عليه السّلام؟

قلت:يوم للراكب و يوم و بعض يوم للماشي.

قال:أفتأتيه كل جمعة؟

قلت:لا ما آتيه إلا في حين قال:ما أجفاكم أما لو كان قريبا منا لا تخذناه هجرة أي نهاجر إليه حدثني جماعة مشايخي عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن محمد بن ناجية عن محمد بن علي عن عامر بن كثير النهدي السراج عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام مثله (1).3.

ص: 17


1- كامل الزيارات:293.

أقل ما يزار فيه الحسين و أكثر ما يجوز تأخير زيارته

1-حدثني جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبد اللّه الموسوي عن عبيد اللّه(عبد اللّه)بن نهيك عن محمد بن أبي عمير عن أبي أيوب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:حق على الغني أن يأتي قبر الحسين عليه السّلام في السنة مرتين و حق على الفقير أن يأتيه في السنة مرة.

2-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن عامر بن عمير و سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ائتوا قبر الحسين عليه السّلام في كل سنة مرة.

3-حدثني أبو العباس عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن مسلم عن عامر بن عمير و سعيد الأعرج جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ائتوا قبر الحسين عليه السّلام في كل سنة مرة.

4-حدثني جعفر بن محمد بن عبد اللّه الموسوي عن عبد اللّه(عبيد اللّه)بن نهيك عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن زيارة قبر الحسين عليه السّلام قال:في السنة مرة إني أكره الشهرة.

5-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن ابن أبي ناب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:حق على الفقير أن يأتي قبر الحسين عليه السّلام في السنة مرة و حق على الغني أن يأتيه في السنة مرتين.

6-حدثني أبي و محمد بن الحسن عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين ابن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في

ص: 18

زيارة قبر الحسين عليه السّلام قال:في السنة مرة إني أكره الشهرة.

7-حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة عن العباس بن عامر قال:قال علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السّلام قال:لا تجفوه يأتيه الموسر في كل أربعة أشهر،و المعسر لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها.

قال العباس:لا أدري.

قال:هذا لعلي أو لأبي ناب.

8-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد ابن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن زيارة الحسين عليه السّلام قال:في السنة مرة إني أخاف الشهرة.

9-حدثني أبو العباس عن الزيات عن جعفر بن بشير عن حماد عن ابن مسلم عن عامر بن عمير و سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ائتوا قبر الحسين عليه السّلام في كل سنة مرة.

10-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد عن علي بن إسماعيل بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن العيص بن القاسم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل لزيارة القبر صلاة مفروضة؟

قال:ليس له صلاة مفروضة(شيء مفروض).

قال:و سألته في كم يوم يزار قال:ما شئت.

11-حدثني أبي رحمه اللّه عن عبد اللّه بن جعفر الحميري بإسناده رفعه إلى علي ابن ميمون الصائغ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:يا علي بلغني أن قوما من شيعتنا يمر بأحدهم السنة و السنتان لا يزورون الحسين.

قلت:جعلت فداك إني أعرف أناسا كثيرة بهذه الصفة؟

قال:أما و اللّه لحظهم أخطأوا و عن ثواب اللّه زاغوا و عن جوار محمد صلّى اللّه عليه و آله

ص: 19

تباعدوا.

قلت:جعلت فداك في كم الزيارة؟

قال:يا علي إن قدرت أن تزوره في كل شهر فافعل.

قلت:لا أصل إلى ذلك لأني أعمل بيدي و أمور الناس بيدي و لا أقدر أن أغيّب وجهي عن مكاني يوما واحدا.

قال:أنت في عذر و من كان يعمل بيده و إنما عنيت من لا يعمل بيده ممن إن خرج في كل جمعة هان ذلك عليه أما إنه ما له عند اللّه من عذر و لا عند رسوله من عذر يوم القيامة.

قلت:فإن أخرج عنه رجلا فيجوز ذلك.

قال:نعم و خروجه بنفسه أعظم أجرا و خيرا له عند ربه يراه ربه ساهر الليل له تعب النهار ينظر اللّه إليه نظرة توجب له الفردوس الأعلى مع محمد و أهل بيته فتنافسوا في ذلك و كونوا من أهله.

12-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن صباح الحذاء عن محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:زوروا قبر الحسين عليه السّلام و لو كل سنة مرة..و ذكر الحديث.

13-حدثني أبي رحمه اللّه عن أحمد بن إدريس و محمد بن يحيى عن العمركي بن علي البوفكي قال:حدثنا يحيى و كان في خدمة أبي جعفر الثاني عليه السّلام عن علي عن صفوان بن مهران الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل.

قلت له:من يأتيه زائرا ثم ينصرف متى يعود إليه و في كم يوم يؤتى و كم يسع الناس تركه.

قال عليه السّلام:لا يسع أكثر من شهر و أما بعيد الدار ففي كل ثلاث سنين فما جاز ثلاث سنين فلم يأته فقد عقّ رسول اللّه ص و قطع حرمته إلا من علة.

14-حدثني علي بن الحسين بن موسى رحمه اللّه عن علي بن إبراهيم بن هاشم

ص: 20

عن أبيه عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن عبيد اللّه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:إنا نزور قبر الحسين عليه السّلام في السنة مرتين أو ثلاث.

فقال أبو عبد اللّه:أكره أن تكثروا القصد إلي زوروه في السنة مرة.

قلت:كيف أصلّي عليه.

قال عليه السّلام:تقوم خلفه عند كتفيه ثم تصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله و تصلّي على الحسين عليه السّلام.

15-و قال العمركي بإسناده قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنه يصلي عند قبر الحسين عليه السّلام أربعة آلاف ملك من طلوع الفجر إلى أن تغيب الشمس ثم يصعدون و ينزل مثلهم فيصلون إلى طلوع الفجر فلا ينبغي للمسلم أن يتخلّف عن زيارة قبره أكثر من أربع سنين.

16-و بإسناده عن محمد بن الفضل عن أبي ناب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن زيارة قبر الحسين صلّى اللّه عليه و آله قال:نعم تعدل عمرة و لا ينبغي التخلف عنه أكثر من أربع سنين.

17-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن صفوان الجمال قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام و نحن في طريق المدينة نريد مكة فقلت له:يا ابن رسول اللّه ما لي أراك كئيبا حزينا منكسرا؟

فقال لي:لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مساءلتي.

قلت:و ما الذي تسمع.

قال عليه السّلام:ابتهال الملائكة إلى اللّه على قتلة أمير المؤمنين عليه السّلام و على قتلة الحسين عليه السّلام و نوح الجن عليهما و بكاء الملائكة الذين حولهم و شدة حزنهم فمن يتهنأ مع هذا بطعام أو شراب أو نوم.

قلت له:فمن يأتيه زائرا ثم ينصرف فمتى يعود إليه و في كم يوم يؤتى و في كم

ص: 21

يسع الناس تركه.

قال:أما القريب فلا أقل من شهر و أما بعيد الدار ففي كل ثلاث سنين فما جاز الثلاث سنين فقد عقّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قطع رحمه إلا من علة و لو يعلم زائر الحسين عليه السّلام ما يدخل على رسول اللّه و ما يصل إليه من الفرح و إلى أمير المؤمنين و إلى فاطمة و الأئمة عليهم السّلام و الشهداء منا أهل البيت و ما ينقلب به من دعائهم له و ما له في ذلك من الثواب في العاجل و الآجل و المذخور له عند اللّه لأحب أن يكون مأثم داره ما بقي و أن زائره ليخرج من رحله فما يقع فيئه على شيء إلا دعى له فإذا وقعت الشمس عليه أكلت ذنوبه كما تأكل النار الحطب و ما تبقي الشمس عليه من ذنوبه شيئا فينصرف و ما عليه ذنب و قد رفع له من الدرجات ما لا يناله المتشحط بدمه في سبيل اللّه و يوكل به ملك يقوم مقامه و يستغفر له حتى يرجع إلى الزيارة أو يمضي ثلاث سنين أو يموت..و ذكر الحديث بطوله.

حدثني أبي رحمه اللّه عن أحمد بن إدريس و محمد بن يحيى جميعا عن العمركي بن علي البوفكي قال:حدثنا يحيى و كان في خدمة أبي جعفر الثاني عليه السّلام عن علي عن صفوان بن مهران الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته في طريق المدينة..

و ذكر الحديث بطوله (1).8.

ص: 22


1- كامل الزيارات:298.

أثر ترك زيارة الإمام الحسين عليه السلام

1-نقصان الإيمان:

عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال:من أراد أن يعلم أنه من أهل الجنة فليعرض حبنا على قلبه،فإن قبله فهو مؤمن،و من كان لنا محبا فليرغب في زيارة قبر الحسين عليه السّلام، فمن كان للحسين عليه السّلام زوّارا عرفناه بالحب لنا أهل البيت،و كان من أهل الجنة، و من لم يكن للحسين زوّارا كان ناقص الإيمان (1).

2-أراد اللّه به سوءا:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:من أراد اللّه به الخير قذف في قلبه حب الحسين عليه السّلام و حب زيارته،و من أراد اللّه به سوءا قذف في قلبه بغض الحسين و بغض زيارته (2).

3-تنقص العمر:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من لم يزر قبر الحسين عليه السّلام فقد حرم خيرا كثيرا

ص: 23


1- كامل الزيارات،ص:356.
2- كامل الزيارات،ص:269.

و نقص من عمره سنة (1).

4-شدة حسرة:

عن معاوية بن وهب،قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو في مصلاه،فجلست حتى قضى صلاته،فسمعته و هو يناجي ربه قائلا:يا من خصّنا بالكرامة،و وعدنا الشفاعة،و حمّلنا الرسالة،و جعلنا ورثة الأنبياء،و ختم بنا الأمم السالفة،و خصّنا بالوصية،و أعطانا علم ما مضى و علم ما بقي،و جعل أفئدة من الناس تهوي إلينا إغفر لي و لإخواني،و لزوار قبر أبي عبد اللّه الحسين بن علي صلى اللّه عليه،الذين أنفقوا أموالهم،و أشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا،و رجاء لما عندك في صلتنا، و سرورا أدخلوه على نبيك محمد صلّى اللّه عليه و آله،و إجابة منهم لأمرنا،و غيظا أدخلوه على عدونا،أرادوا بذلك رضوانك.فكافهم عنا بالرضوان،و اكلأهم بالليل و النهار، و اخلف على أهاليهم و أولادهم الذين خلّفوا بأحسن الخلف،و اصحبهم،و اكفهم شرّ كل جبّار عنيد،و كل ضعيف من خلقك و شديد،و شر شياطين الجن و الإنس، و أعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم،و ما آثرونا على أبنائهم و أهاليهم و قراباتهم.

اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم خروجهم،فلم ينههم ذلك عن النهوض و الشخوص إلينا خلافا منهم على من خالفنا،اللّهم فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، ارحم تلك الخدود التي تقلّب على قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام،و ارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا،و ارحم تلك القلوب التي جزعت و احترقت لنا،و ارحم تلك الصرخة التي كانت لنا.

ص: 24


1- وسائل الشيعة،ج:10،ص:335.

اللهم إني استودعك تلك الأنفس،و تلك الأبدان،حتى ترويهم من الحوض يوم العطش.

قال:فما زال صلوات اللّه عليه يدعو بهذا الدعاء و هو ساجد،فلما انصرف قلت له:

جعلت فداك لو أن الدعاء الذي سمعته منك كان لمن لا يعرف اللّه لظننت أن النار لا تطعم شيئا منه أبدا،و اللّه لقد تمنيت إني كنت زرته و لم أحج.

فقال:ما أقربك منه فما الذي يمنعك من زيارته،ثم قال:يا معاوية و لم تدع ذلك، قلت:جعلت فداك لم أدر أن الأمر يبلغ هذا كله.

قال:يا معاوية و من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو له في الأرض،يا معاوية لا تدعه لخوف من أحد،فمن تركه لخوف رأى من الحسرة ما يتمنّى أن قبره كان بيده.... (1).

5-البعد عن جوار محمد صلّى اللّه عليه و آله:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:يا علي بلغني أن قوما من شيعتنا يمر بأحدهم السنة و السنتان لا يزورون الحسين.

قلت:جعلت فداك إني أعرف أناسا كثيرة بهذه الصفة،قال:أما و اللّه لحظهم أخطأوا و عن ثواب اللّه زاغوا و عن جوار محمد صلّى اللّه عليه و آله تباعدوا،قلت:جعلت فداك في كم الزيارة.

قال:يا علي إن قدرت أن تزوره في كل شهر فافعل.

قلت:لا أصل إلى ذلك لأني أعمل بيدي و أمور الناس بيدي و لا أقد أن أغيّب وجهي عن مكاني يوما واحدا.

ص: 25


1- المزار،ص:334-336.

قال عليه السّلام:أنت في عذر و من كان يعمل بيده،و إنما عنيت من لا يعمل بيده ممن إن خرج في كل جمعة هان ذلك عليه،أما أنه ما له عند اللّه من عذر و لا عند رسوله من عذر يوم القيامة.

قلت:فإن أخرج عنه رجلا فيجوز ذلك.

قال عليه السّلام:نعم و خروجه بنفسه أعظم أجرا و خيرا له عند ربه،يراه ربه ساهر الليل له تعب النهار،ينظر اللّه إليه نظرة توجب له الفردوس الأعلى مع محمد و أهل بيته،فتنافسو في ذلك و كونوا من أهله (1).3.

ص: 26


1- كامل الزيارات،ص:492-493.

نصوص زيارات الإمام الحسين عليه السّلام

اشارة

1-حدثني محمد بن جعفر الرزاز الكوفي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن يزيد بن إسحاق عن الحسن بن عطية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا دخلت الحائر(الحير)فقل:اللهم إن هذا مقام أكرمتني (كرمتني)به و شرّفتني به اللهم فأعطني فيه رغبتي على حقيقة إيماني بك و برسلك سلام اللّه عليك يا ابن رسول اللّه و سلام ملائكته فيما تروح و تغتدي به الرائحات الطاهرات الطيبات لك و عليك و سلام على ملائكة اللّه المقرّبين و سلام على المسلّمين لك بقلوبهم الناطقين لك بفضلك بألسنتهم أشهد أنك صادق صديق صدقت فيما دعوت إليه و صدقت فيما أتيت به و إنك ثار اللّه في الأرض من الدم الذي لا يدرك ثاره(ترته)من الأرض إلا بأوليائك اللهم حبب إلي مشاهدهم و شهادتهم حتى تلحقني بهم و تجعلني لهم فرطا و تابعا في الدنيا و الآخرة ثم تمشي قليلا و تكبّر بسبع تكبيرات.

ثم تقوم بحيال القبر و تقول:سبحان الذي سبّح له الملك و الملكوت و قدّست بأسمائه جميع خلقه و سبحان اللّه الملك القدوس رب الملائكة و الروح اللهم اكتبني في وفدك إلى خير بقاعك و خير خلقك اللهم العن الجبت و الطاغوت و العن أشياعهم و أتباعهم اللهم أشهدني مشاهد الخير كلها مع أهل بيت نبيك اللهم توفّني مسلما و اجعل لي قدما(قدم صدق)مع الباقين الوارثين الذين يرثون(يرثون الأرض من عبادك)الفردوس هم فيها خالدون من عبادك الصالحين ثم كبّر خمس تكبيرات ثم تمشي قليلا و تقول:اللهم إني بك مؤمن و بوعدك موقن اللهم

ص: 27

اكتب لي إيمانا و ثبّته في قلبي اللهم اجعل ما أقول بلساني حقيقته في قلبي و شريعته في عملي اللهم اجعلني ممن له مع الحسين عليه السّلام قدم ثبات و أثبتني فيمن استشهد معه.

ثم كبّر ثلاث تكبيرات و ترفع يديك حتى تضعهما على القبر جميعا.

ثم تقول:أشهد أنك طهر طاهر من طهر طاهر طهرت و طهرت بك البلاد و طهرت أرض أنت بها و طهر حرمك أشهد أنك أمرت بالقسط و العدل و دعوت إليهما و أنك ثار اللّه في أرضه حتى يستشير لك من جميع خلقه ثم ضع خديك جميعا على القبر ثم تجلس و تذكر اللّه بما شئت و توجه إلى اللّه فيما شئت أن تتوجه ثم تعود و تضع يديك عند رجليه ثم تقول:صلوات اللّه على روحك و على بدنك صدقت و أنت الصادق المصدق و قتل اللّه من قتلك بالأيدي و الألسن ثم تقبل إلى علي ابنه فتقول ما أحببت ثم تقوم قائما فتستقبل قبور الشهداء فتقول:السلام عليكم أيها الشهداء أنتم لنا فرط و نحن لكم تبع أبشروا بموعد اللّه الذي لا خلف له اللّه مدرك لكم و تركم و مدرك بكم في الأرض عدوه أنتم سادة الشهداء في الدنيا و الآخرة ثم تجعل القبر بين يديك ثم تصلي ما بدالك.

ثم تقول:جئت وافدا إليك و أتوسل إلى اللّه بك في جميع حوائجي من أمر دنياي و آخرتي بك يتوسل المتوسلون إلى اللّه في حوائجهم و بك يدرك عند اللّه أهل التراث طلبتهم ثم تكبّر إحدى عشرة تكبيرة متتابعة و لا تعجل فيها ثم تمشي قليلا فتقوم مستقبل القبلة فتقول الحمد للّه الواحد المتوحد في الأمور كلها خلق الخلق فلم يغب شيء من أمورهم عن علمه فعلمه بقدرته ضمنت الأرض و من عليها دمك و ثارك يا ابن رسول اللّه صلى اللّه عليك أشهد أن لك من اللّه ما وعدك من النصر و الفتح و أن لك من اللّه الوعد الصادق في هلاك أعدائك و تمام موعد اللّه إياك أشهد أن من تبعك الصادقون الذين قال اللّه تبارك و تعالى فيهم أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ.

ص: 28

ثم كبر سبع تكبيرات ثم تمشي قليلا ثم تستقبل القبر و تقول:الحمد للّه الذي لم يتخذ ولدا و لم يكن له شريك في الملك و خلق كل شيء فقدّره تقديرا أشهد أنك دعوت إلى اللّه و إلى رسوله و وفيت للّه بعهده و قمت للّه بكلماته و جاهدت في سبيل اللّه حتى أتاك اليقين لعن اللّه أمة قتلتك و لعن اللّه أمة ظلمتك و لعن اللّه أمة خذلتك و لعن اللّه أمة خدعتك(خذلت عنك).

اللهم إني أشهدك بالولاية لمن و اليت و والته رسلك و أشهد بالبراءة ممن برئت منه و برئت منه رسلك اللهم العن الذين كذّبوا رسلك و هدموا كعبتك و حرفوا كتابك و سفكوا دماء أهل بيت نبيك و أفسدوا في بلادك و استذلّوا عبادك اللهم ضاعف عليهم(لهم)العذاب فيما جرى من سبلك و برك و بحرك اللهم العنهم في مستسر السرائر و ظاهر العلانية في أرضك و سمائك.

و كلما دخلت الحائر فسلّم وضع يدك(خدك)على القبر.

زيارة أخرى

2-حدثني أبي و علي بن الحسين و محمد بن الحسن رحمهم اللّه جميعا عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن القاسم بن يحيى عن الحسن بن راشد عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة قال:كنت أنا و يونس بن ظبيان و المفضل بن عمر و أبو سلمة السراج جلوسا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و كان المتكلم يونس و كان أكبر منا سنا.

فقال له:جعلت فداك إني أحضر مجالس هؤلاء القوم يعني ولد(س ا ب ع)فما أقول.

قال:إذا حضرتهم و ذكرتنا فقل اللهم أرنا الرخاء و السرور فإنك تأتي على كل ما تريد فقلت:جعلت فداك إني كثيرا ما أذكر الحسين عليه السّلام فأي شيء أقول؟.

ص: 29

قال عليه السّلام:قل:السلام عليك يا أبا عبد اللّه تعيد ذلك ثلاثا فإن السلام يصل إليه من قريب و من بعيد.

ثم قال:إن أبا عبد اللّه عليه السّلام لما مضى بكت عليه السماوات السبع و الأرضون السبع و ما فيهن و ما بينهن و من يتقلّب في الجنة و النار من خلق ربنا و ما يرى و ما لا يرى بكى على أبي عبد اللّه عليه السّلام:إلا ثلاثة أشياء لم تبك عليه.

قلت:جعلت فداك ما هذه الثلاثة أشياء.

قال عليه السّلام:لم تبك عليه البصرة و لا دمشق و لا آل عثمان.

قال:قلت:جعلت فداك إني أريد أن أزوره فكيف أقول و كيف أصنع.

قال:إذا أتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام فاغتسل على شاطئ الفرات ثم البس ثيابك الطاهرة ثم امش حافيا فإنك في حرم من حرم اللّه و حرم رسوله و عليك بالتكبير و التهليل و التمجيد و التعظيم للّه كثيرا و الصلاة على محمد و أهل بيته حتى تصير إلى باب الحائر(الحسين عليه السّلام)ثم قل:

السلام عليك يا حجة اللّه و ابن حجته السلام عليكم يا ملائكة اللّه و زوار قبر ابن نبي اللّه.

ثم اخط عشر خطوات فكبّر ثم قف فكبّر ثلاثين تكبيرة ثم امش حتى تأتيه من قبل وجهه و استقبل بوجهك وجهه و اجعل القبلة بين كتفيك ثم تقول:السلام عليك يا حجة اللّه و ابن حجته السلام عليك يا قتيل اللّه و ابن قتيله السلام عليك يا ثار اللّه و ابن ثاره السلام عليك يا وتر اللّه الموتور في السماوات و الأرض أشهد أن دمك سكن في الخلد و اقشعرت له أظلة العرش و بكى له جميع الخلائق و بكت له السماوات السبع و الأرضون السبع و ما فيهن و ما بينهن و من يتقلّب في الجنة و النار من خلق ربنا و ما يرى و ما لا يرى أشهد أنك حجة اللّه و ابن حجته و أشهد أنك قتيل اللّه و ابن قتيله و أشهد أنك ثار اللّه في الأرض و ابن ثاره و أشهد أنك وتر اللّه الموتور في السماوات و الأرض و أشهد أنك قد بلّغت و نصحت و وفيت و وافيت

ص: 30

و جاهدت في سبيل ربك و مضيت على بصيرة للذي كنت عليه شهيدا و مستشهدا و شاهدا و مشهودا أنا عبد اللّه و مولاك و في طاعتك و الوافد إليك ألتمس كمال المنزلة عند اللّه و ثبات القدم في الهجرة إليك و السبيل الذي لا يختلج دونك من الدخول في كفالتك التي أمرت بها من أراد اللّه بدأ بكم(من أراد اللّه بدأ بكم من أراد اللّه بدأ بكم)بكم يبين اللّه الكذب و بكم يباعد اللّه الزمان الكلب و بكم فتح اللّه و بكم يختم اللّه و بكم يمحو اللّه ما يشاء و بكم يثبت و بكم يفك الذل من رقابنا و بكم يدرك اللّه ترة كل مؤمن يطلب و بكم تنبت الأرض أشجارها و بكم تخرج الأرض (الأشجار)أثمارها و بكم تنزل السماء قطرها و رزقها و بكم يكشف اللّه الكرب و بكم ينزل اللّه الغيث و بكم تسبّح اللّه الأرض التي تحمل أبدانكم و تستقل جبالها على مراسيها إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم و تصدر من بيوتكم و الصادق عما فصل من أحكام العباد لعنت أمة قتلتكم و أمة خالفتكم و أمة جحدت ولايتكم و أمة ظاهرت عليكم و أمة شهدت و لم تستشهد الحمد للّه الذي جعل النار مأواهم و بئس ورد الواردين و بئس الورد المورود الحمد للّه رب العالمين.

و تقول ثلاثا:صلّى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه أيضا ثلاثا إنا إلى اللّه ممن خالفك بريء.

ثم تقوم فتأتي ابنه عليا عليه السّلام و هو عند رجليه فتقول:السلام عليك يا ابن رسول اللّه السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين السلام عليك يا ابن الحسن و الحسين السلام عليك يا ابن خديجة الكبرى و فاطمة الزهراء صلّى اللّه عليك-ثلاثا-لعن اللّه من قتلك ثلاثا أنا إلى اللّه منهم بريء-ثلاثا-.

ثم تقوم فتومىء بيدك إلى الشهداء و تقول:السلام عليكم ثلاثا فزتم و اللّه ثلاثا فليت إني معكم فأفوز فوزا عظيما ثم تدور فتجعل قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام بين يديك و أمامك فتصلّي ست ركعات و قد تمّت زيارتك فإن شئت أقم و إن شئت فانصرف.

ص: 31

زيارة أخرى

3-حدثني أبي و محمد بن الحسن عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين ابن سعيد عن فضالة بن أيوب عن نعيم بن الوليد عن يوسف الكناسي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا أتيت قبر الحسين عليه السّلام فأت الفرات و اغتسل بحيال قبره و توجّه إليه و عليك السكينة و الوقار حتى تدخل الحائر(الحير)من جانبه الشرقي و قل حين تدخله:

السلام على ملائكة اللّه المقربين السلام على ملائكة اللّه المنزلين السلام على ملائكة اللّه المردفين السلام على ملائكة اللّه المسومين السلام على ملائكة اللّه الذين هم في هذا الحائر بإذن اللّه مقيمون،فإذا استقبلت قبر الحسين عليه السّلام فقل:السلام على رسول اللّه صلى اللّه على محمد أمين اللّه و على رسوله و عزائم أمره الخاتم لما سبق و الفاتح لما استقبل و المهيمن على ذلك كله و السلام عليه و رحمة اللّه و بركاته ثم تقول:السلام على أمير المؤمنين عبدك و أخي رسولك الذي انتجبته بعلمك و جعلته هاديا لمن شئت من خلقك و الدليل على من بعثته برسالاتك و ديان الدين بعدلك و فصل قضائك بين خلقك و المهيمن على ذلك كله و السلام عليه و رحمة اللّه و بركاته.

اللهم صل على الحسن بن علي عبدك و ابن رسولك الذي انتجبته بعلمك إلى آخر ما صليت على أمير المؤمنين ثم تسلّم على الحسين و سائر الأئمة كما صلّيت و سلّمت على الحسن بن علي.

ثم تأتي قبر الحسين عليه السّلام فتقول:السلام عليك يا أبا عبد اللّه السلام عليك يا ابن رسول اللّه صلى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه رحمك اللّه يا أبا عبد اللّه أشهد أنك قد بلّغت عن اللّه ما أمرك به ولم تخش أحدا غيره و جاهدت في سبيله و عبدته صادقا مخلصا حتى أتاك اليقين أشهد أنكم كلمة التقوى و باب الهدى و العروة الوثقى و الحجة على

ص: 32

من يبقى و من تحت الثرى أشهد أن ذلك لكم سابق فيما مضى و ذلك لكم فاتح فيما بقي أشهد أن أرواحكم و طينتكم طينة طيبة طابت و طهرت هي بعضها من بعض منّا من اللّه و(من)رحمته فأشهد اللّه و أشهدكم أني بكم مؤمن و بإيابكم موقن و لكم تابع في ذات نفسي و شرائع ديني و خاتمة عملي و منقلبي و مثواي فأسأل اللّه البر الرحيم أن يتمم لي ذلك و أشهد أنكم قد بلّغتم عن اللّه ما أمركم به حتى لم تخشوا أحدا غيره و جاهدتم في سبيله و عبدتموه حتى أتاكم اليقين فلعن اللّه من قتلكم و لعن اللّه من أمر به و لعن اللّه من بلغه ذلك فرضي به أشهد أن الذين انتهكوا حرمتك و سفكوا دمك ملعونون على لسان النبي الأمي.

ثم تقول:اللهم العن الذين بدّلوا نعمتك و خالفوا ملتك و رغبوا عن أمرك و اتهموا رسولك و صدوا عن سبيلك اللهم احش قبورهم نارا و أجوافهم نارا و احشرهم و أتباعهم إلى جهنم زرقا اللهم العنهم لعنا يلعنهم به كل ملك مقرب و كل نبي مرسل و كل عبد مؤمن امتحنت قلبه للايمان.

اللهم العنهم في مستسر السر و ظاهر العلانية اللهم العن جوابيت هذه الأمة و طواغيتها و العن فراعنتها و العن قتلة أمير المؤمنين و العن قتلة الحسن و الحسين و عذّبهم عذابا أليما لا تعذّب به أحدا من العالمين اللهم اجعلنا ممن تنصره و تنتصر به و تمن عليه بنصرك لدينك في الدنيا و الآخرة.

ثم اجلس عند رأسه صلّى اللّه عليه و آله فقل صلّى اللّه عليك أشهد أنك عبد اللّه و أمينه بلّغت ناصحا و أدّيت أمينا و قتلت صديقا و مضيت على يقين لم تؤثر عمى على هدى و لم تمل من حق إلى باطل أشهد أنك قد أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و اتبعت الرسول و تلوت الكتاب حق تلاوته و دعوت إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة صلّى اللّه عليك و سلّم تسليما كثيرا أشهد أنك كنت على بينة من ربك قد بلّغت ما أمرت به و قمت بحقه و صدقت من قبلك غير واهن و لا موهن صلّى اللّه عليك و سلّم تسليما فجزاك اللّه من صديق خيرا عن رعيتك أشهد أن

ص: 33

الجهاد معك جهاد و أن الحق معك و إليك و أنت أهله و معدنه و ميراث النبوة عندك و عند أهل بيتك عليه السّلام أشهد أنك صدّيق عند اللّه و حجته على خلقه و أشهد أن دعوتك حق و كل داع منصوب غيرك فهو باطل مدحوض و أشهد أن اللّه هو الحق المبين ثم تحوّل عند رجليه و تخيّر من الدعاء و تدعو لنفسك.

ثم تحوّل عند رأس علي بن الحسين عليه السّلام و تقول:سلام اللّه و سلام ملائكته المقربين و أنبيائه المرسلين عليك يا مولاي و ابن مولاي و رحمة اللّه و بركاته صلّى اللّه عليك و على أهل بيتك و عترة آبائك الأخيار الأبرار الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا.

ثم تأتي قبور الشهداء و تسلّم عليهم و تقول:السلام عليكم أيها الربانيون أنتم لنا فرط و سلف و نحن لكم أتباع و أنصار أشهد أنكم أنصار اللّه كما قال اللّه تبارك و تعالى في كتابه وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا فما وهنتم و ما ضعفتم و ما استكنتم حتى لقيتم اللّه على سبيل الحق و نصره كلمة اللّه التامة صلّى اللّه على أرواحكم و أبدانكم و سلّم تسليما أبشروا بموعد اللّه الذي لا خلف له إنه لا يخلف الميعاد اللّه مدرك لكم ثار ما وعدكم أنتم سادة الشهداء في الدنيا و الآخرة أنتم السابقون و المهاجرون و الأنصار أشهد أنكم قد جاهدتم في سبيل اللّه و قتلتم على منهاج رسول اللّه و ابن رسول اللّه الحمد للّه الذي صدقكم وعده و أراكم ما تحبون.

ثم تقول:أتيتك يا حبيب رسول اللّه و ابن رسوله و إني لك عارف و بحقك مقر و بفضلك مستبصر و بضلالة من خالفك موقن عارف بالهدى الذي أنت عليه بأبي أنت و أمي و نفسي اللهم إني أصلّي عليه كما صلّيت أنت عليه و رسلك و أمير المؤمنين صلاة متتابعة متواصلة مترادفة يتبع بعضها بعضا لا انقطاع لها و لا أمد و لا أبد و لا أجل في محضرنا هذا و إذا غبنا و شهدنا و السلام عليه و رحمة اللّه و بركاته.

ص: 34

زيارة أخرى

4-حدثني أبي و محمد بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن عبد اللّه بن محمد بن خالد الطيالسي عن الحسن بن علي عن أبيه عن فضل بن عثمان الصائغ عن معاوية بن عمار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما أقول إذا أتيت قبر الحسين عليه السّلام؟

قال:قل:السلام عليك يا أبا عبد اللّه صلّى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه رحمك اللّه يا أبا عبد اللّه لعن اللّه من قتلك و لعن اللّه من شرك في دمك و لعن اللّه من بلغه ذلك فرضي به أنا إلى اللّه من ذلك بريء.

ص: 35

زيارة أخرى

زيارة وارث

5-حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه الرازي عن الحسن بن علي ابن أبي حمزة عن الحسن بن محمد بن عبد الكريم أبي علي عن المفضل بن عمر عن جابر الجعفي قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام للمفضل:كم بينك و بين قبر الحسين عليه السّلام؟

قلت:بأبي أنت و أمي يوم و بعض يوم آخر.

قال:فتزوره؟

فقال:نعم.

قال:فقال:ألا أبشرك ألا أفرحك ببعض ثوابه.

قلت:بلى جعلت فداك.

قال:فقلت:إن الرجل منكم ليأخذ في جهازه و يتهيأ لزيارته فيتباشر به أهل السماء فإذا خرج من باب منزله راكبا أو ماشيا و كّل اللّه به أربعة آلاف ملك من الملائكة يصلّون عليه حتى يوافي قبر الحسين عليه السّلام يا مفضل إذا أتيت قبر الحسين بن علي عليه السّلام فقف بالباب و قل هذه الكلمات فإن لك بكل كلمة كفلا من رحمة اللّه.

فقلت:ما هي جعلت فداك؟

قال:تقول:السلام عليك يا وارث آدم صفوة اللّه السلام عليك يا وارث نوح نبي اللّه السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل اللّه السلام عليك يا وارث موسى كليم اللّه السلام عليك يا وارث عيسى روح اللّه السلام عليك يا وارث محمد حبيب(نبي)

ص: 36

اللّه السلام عليك يا وارث علي وصي رسول اللّه السلام عليك يا وارث الحسن الرضي السلام عليك يا وارث فاطمة بنت رسول اللّه السلام عليك أيها الصديق الشهيد السلام عليك أيها الوصي البار التقي السلام عليك يا حجة اللّه و ابن حجته السلام على الأرواح التي حلت بفنائك و أناخت برحلك السلام على ملائكة اللّه المحدقين بك أشهد أنك قد أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و عبدت اللّه مخلصا حتى أتاك اليقين السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.

ثم تسعى فلك بكل قدم رفعتها و وضعتها كثواب المتشحط بدمه في سبيل اللّه فإذا سلمت على القبر فالتمسه بيدك و قل:السلام عليك يا حجة اللّه في سمائه و أرضه.

ثم تمضي إلى صلاتك و لك بكل ركعة ركعتها عنده كثواب من(حج ألف حجة و اعتمر ألف عمرة)حج و اعتمر ألف مرة و أعتق ألف رقبة و كأنما وقف في سبيل اللّه ألف مرة مع نبي مرسل فإذا انقلبت من عند قبر الحسين ناداك مناد لو سمعت مقالته لأقمت عمرك عند قبر الحسين عليه السّلام و هو يقول:طوبى لك أيها العبد قد غنمت و سلمت قد غفر لك ما سلف فاستأنف العمل فإن هو مات من عامه أو في ليلته أو يومه لم يل قبض روحه إلا اللّه و تقبل الملائكة معه و يستغفرون له و يصلّون عليه حتى يوافي منزله و تقول الملائكة:يا رب هذا عبدك قد وافى قبر ابن نبيك صلّى اللّه عليه و آله و قد وافى منزله فأين نذهب فيناديهم النداء من السماء يا ملائكتي قفوا بباب عبدي فسبّحوا و قدّسوا و اكتبوا ذلك في حسناته إلى يوم يتوفّى قال:فلا يزالون ببابه إلى يوم يتوفّى يسبّحون اللّه و يقدّسونه و يكتبون ذلك في حسناته فإذا توفّي شهدوا جنازته و كفنه و غسله و الصلاة عليه و يقولون ربنا وكلتنا بباب عبدك و قد توفّي فأين نذهب فيناديهم يا ملائكتي قفوا بقبر عبدي فسبّحوا و قدّسوا و اكتبوا ذلك في حسناته إلى يوم القيامة.

حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة بن الخطاب عن أبي عبد اللّه الرازي

ص: 37

الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة بإسناده مثله.

زيارة أخرى

6-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عن جده محمد بن عيسى بن عبد اللّه عن إبراهيم بن أبي البلاد قال:قلت لأبي الحسن عليه السّلام:ما تقول في زيارة قبر الحسين عليه السّلام؟

فقال لي:ما تقولون أنتم فيه.

فقلت:بعضنا يقول:حجة و بعضنا يقول:عمرة.

قال:فأي شيء تقول إذا أتيت.

فقلت أقول:السلام عليك يا أبا عبد اللّه السلام عليك يا ابن رسول اللّه أشهد أنك قد أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و دعوت إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و أشهد أن الذين سفكوا دمك و استحلّوا حرمتك ملعونون معذبون على لسان داود و عيسى ابن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون.

حدثني أبي عن موسى بن جعفر البغدادي عمن حدثه عن إبراهيم بن أبي البلاد قال:قال لي أبو الحسن عليه السّلام:كيف السلام على أبي عبد اللّه عليه السّلام؟

قال:قلت:أقول:السلام عليك يا أبا عبد اللّه السلام عليك يا ابن رسول اللّه أشهد أنك قد أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و دعوت إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة أشهد أن الذين سفكوا دمك و استحلّوا حرمتك ملعونون معذّبون على لسان داود و عيسى ابن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون.

قال:نعم هو هكذا.

ص: 38

زيارة أخرى

7-حدثني حكيم بن داود عن سلمة بن الخطاب عن علي بن محمد عن بعض أصحابه عن سليمان بن حفص المروزي عن الرجل قال:تقول عند قبر الحسين عليه السّلام:السلام عليك يا أبا عبد اللّه السلام عليك يا حجة اللّه في أرضه و شاهده على خلقه السلام عليك يا ابن رسول اللّه السلام عليك يا ابن علي المرتضى السلام عليك يا ابن فاطمة الزهراء أشهد أنك قد أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و جاهدت في سبيل اللّه حتى أتاك اليقين و صلّى اللّه عليك حيا و ميتا.

ثم ضع خدك الأيمن على القبر و قل:أشهد أنك على بينة من ربك جئتك مقرا بالذنوب اشفع لي عند ربك يا ابن رسول اللّه.

ثم اذكر الأئمة واحدا واحدا و قل:أشهد أنهم حجج اللّه ثم قل اكتب لي عندك عهدا و ميثاقا بأني أتيتك مجددا الميثاق فاشهد لي عند ربك إنك أنت الشاهد.

حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة بن الخطاب عن الحسين بن زكريا عن سليمان بن حفص المروزي عن المبارك قال:تقول عند قبر الحسين عليه السّلام:السلام عليك يا أبا عبد اللّه السلام عليك يا حجة اللّه في أرضه و شاهده على خلقه السلام عليك يا ابن رسول اللّه السلام عليك يا ابن علي المرتضى السلام عليك يا ابن فاطمة الزهراء أشهد أنك قد أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و جاهدت في سبيل اللّه حتى أتاك اليقين فصلى اللّه عليك حيا و ميتا.

ثم ضع خدك الأيمن على القبر و قل:أشهد أنك على بينة من ربك جئتك مقرا بالذنوب لتشفع لي عند ربك يا ابن رسول اللّه ثم اذكر الأئمة بأسمائهم واحدا بعد واحد و قل:أشهد أنهم حجج اللّه ثم قل اكتب لي عندك ميثاقا و عهدا إني أتيتك مجددا الميثاق فاشهد لي عند ربك إنك أنت الشاهد.

ص: 39

زيارة أخرى

8-حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عبد الجبار عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن عامر بن جذاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا أتيت الحسين عليه السّلام فقل:الحمد للّه و صلّى اللّه على محمد النبي و آله و السلام عليه و عليهم و رحمة اللّه و بركاته صلى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه لعن اللّه من قتلك و من شارك في دمك و من بلغه ذلك فرضي به أنا إلى اللّه منهم بريء ثلاثا.

حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن محمد بن أبي عمير عن عامر بن جذاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا أتيت الحائر فقل الحمد للّه و صلّى اللّه على محمد و أهل بيته و السلام عليه و عليهم السلام و رحمة اللّه و بركاته عليك السلام يا أبا عبد اللّه لعن اللّه من قتلك و من شارك في دمك و من بلغه ذلك فرضي به أنا إلى اللّه منهم بريء.

زيارة أخرى

9-حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه و عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد المدائني عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:تقول إذا أتيت(انتهيت)إلى قبره:السلام عليك يا ابن رسول اللّه السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين السلام عليك يا أبا عبد اللّه السلام عليك يا سيد شباب أهل الجنة و رحمة اللّه و بركاته السلام عليك يا من رضاه من رضى الرحمن و سخطه من سخط الرحمن السلام عليك يا أمين اللّه و حجته و باب اللّه و الدليل على اللّه و الداعي إلى اللّه أشهد أنك قد حللت حلال اللّه

ص: 40

و حرّمت حرام اللّه و أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و دعوت إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و أشهد أنك و من قتل معك شهداء أحياء عند ربكم ترزقون و أشهد أن قاتليك في النار أدين اللّه بالبراءة ممن قاتلك و ممن قتلك و شايع عليك و ممن جمع عليك و ممن سمع صوتك و لم يجبك(و لم يعنك)يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزا عظيما حدثني علي بن الحسين عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن يزيد بن إسحاق عن الحسن بن عطية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:تقول عند قبر الحسين عليه السّلام ما أحببت.

زيارة أخرى

10-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن أبي سعيد المدائني قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت:

جعلت فداك آتي قبر الحسين عليه السّلام؟

قال:نعم يا أبا سعيد ائت قبر الحسين عليه السّلام أطيب الطيبين و أطهر الطاهرين و أبر الأبرار و إذا زرته يا أبا سعيد فسبّح عند رأسه تسبيح أمير المؤمنين عليه السّلام ألف مرة و سبّح عند رجليه تسبيح فاطمة الزهراء عليه السّلام ألف مرة ثم صل عنده ركعتين تقرأ فيهما يس و الرحمن فإذا فعلت ذلك كتب اللّه لك ثواب ذلك إن شاء اللّه تعالى.

قال:قلت:جعلت فداك علّمني تسبيح علي و فاطمة عليهما السّلام.

قال:نعم يا أبا سعيد تسبيح علي عليه السّلام سبحان الذي لا تنفذ خزائنه سبحان الذي لا تبيد معالمه سبحان الذي لا يفنى ما عنده سبحان الذي لا يشرك أحدا في حكمه سبحان الذي لا اضمحلال لفخره سبحان الذي لا انقطاع لمدته سبحان الذي لا إله غيره و تسبيح فاطمة عليها السّلام سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم سبحان ذي العز الشامخ المنيف سبحان ذي الملك الفاخر القديم سبحان ذي البهجة و الجمال

ص: 41

سبحان من تردّى بالنور و الوقار سبحان من يرى أثر النمل في الصفا و وقع الطير في الهواء.

زيارة أخرى

11-حدثني أبي و غير واحد عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن موسى الوراق عن يونس عن عامر بن جذاعة قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إذا أتيت قبر الحسين عليه السّلام فقل السلام عليك يا ابن رسول اللّه السلام عليك يا أبا عبد اللّه عليه السّلام لعن اللّه من قتلك و لعن اللّه من بلغه ذلك فرضي به أنا إلى اللّه منهم بريء.

زيارة أخرى

12-حدثني الحسين بن محمد بن عامر عن أحمد بن إسحاق بن سعد قال:

حدثنا سعدان بن مسلم قائد أبي بصير قال:حدثنا بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا أتيت القبر بدأت فأثنيت على اللّه عز و جل و صلّيت على النبي صلّى اللّه عليه و آله و اجتهدت في ذلك.

ثم تقول:سلام اللّه و سلام ملائكته فيما تروح و تغدو الزاكيات الطاهرات لك و عليك و سلام اللّه و سلام ملائكته المقربين و المسلمين لك بقلوبهم و الناطقين بفضلك و الشهداء على أنك صادق صديق صدقت و نصحت فيما أتيت به و أنك ثار اللّه في الأرض و الدم الذي لا يدرك ثاره(ترته)أحد من أهل الأرض و لا يدركه إلا اللّه وحده جئتك يا ابن رسول اللّه وافدا إليك و أتوسل إلى اللّه بك في جميع حوائجي من أمر دنياي و آخرتي و بك يتوسل المتوسلون إلى اللّه في حوائجهم و بك

ص: 42

يدرك أهل الترات من عباد اللّه طلبتهم ثم امش قليلا ثم تستقبل القبر و القبلة بين كتفيك فقل الحمد للّه الواحد الأحد المتوحد بالأمور كلها خالق الخلق فلم يعزب عنه شيء من أمرهم و عالم كل شيء بلا(بغير)تعليم ضمن الأرض و من عليها دمك و ثارك يا ابن رسول اللّه أشهد أن لك من اللّه ما وعدك من النصر و الفتح و أن لك من اللّه الوعد الحق في هلاك عدوك و تمام موعده إياك أشهد أنه قاتل معك ربيون كثير كما قال اللّه تعالى وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ ثم كبّر سبع تكبيرات ثم امش قليلا و استقبل القبر ثم قل:الحمد للّه الذي لم يتخذ صاحبة و لا ولدا و لم يكن له شريك في الملك خلق كل شيء فقدّره تقديرا أشهد أنك قد بلّغت عن اللّه ما أمرت به و وفيت بعهد اللّه و تمت بك كلماته و جاهدت في سبيله حتى أتاك اليقين لعن اللّه أمة قتلتك و أمة خذلتك و لعن اللّه أمة خذّلت عنك.

اللهم إني أشهد بالولاية لمن و اليت و والت رسلك و أشهد بالبراءة ممن برئت منه و برئت منه رسلك اللهم العن الذين كذّبوا رسولك و هدموا كعبتك و حرّفوا كتابك و سفكوا دماء أهل بيت نبيك و أفسدوا عبادك و استذلوهم اللهم ضاعف لهم اللعنة فيما جرت به سنّتك في برك و بحرك اللهم العنهم في سمائك و أرضك اللهم و اجعل لي لسان صدق في أوليائك و حبب إلي مشاهدهم حتى تلحقني بهم و تجعلهم لي فرطا و تجعلني لهم تبعا في الدنيا و الآخرة.

ثم امش قليلا فكبّر سبعا و هلّل سبعا و احمد اللّه سبعا و سبّح اللّه تعالى سبعا و أجبه سبعا و تقول:لبيك داعي اللّه لبيك داعي اللّه إن كان لم يجبك بدني فقد أجابك قلبي و شعري و بشري و رأيي و هواي على التسليم لخلف النبي المرسل و السبط المنتخب و الدليل العالم و الأمين المستخزن و المرضي البليغ(الوصي المبلغ) و المظلوم المهتضم جئت انقطاعا إليك و إلى ولدك و ولد ولدك الخلف من بعدك على بركة الحق فقلبي لكم مسلّم و أمري لكم متّبع و نصرتي لكم معدة حتى يحكم اللّه و هو خير الحاكمين لديني و يبعثكم فمعكم معكم لا مع عدوكم إني من المؤمنين

ص: 43

برجعتكم لا أنكر للّه قدره و لا أكذّب له مشيئته و لا أزعم أن ما شاء لا يكون.

ثم امش حتى تنتهي إلى القبر و قل و أنت قائم:سبحان اللّه الذي يسبّح له ذي الملك و الملكوت و يقدّس بأسمائه جميع خلقه سبحان اللّه الملك القدوس ربنا و رب الملائكة و الروح.

اللهم اجعلني في وفدك إلى خير بقاعك و خير خلقك اللهم العن الجبت و الطاغوت.

ثم ارفع يديك حتى تضعهما ممدودتين على القبر.

ثم تقول:أشهد أنك طهر طاهر من طهر طاهر قد طهرت بك البلاد و طهرت أرض أنت فيها و أنك ثار اللّه في الأرض حتى يستثير لك من جميع خلقه.

ثم ضع خديك و يديك جميعا على القبر ثم اجلس عند رأسه و اذكر اللّه بما أحببت و توجّه إليه و اسأل حوائجك ثم ضع يديك و خديك عند رجليه و قل:صلّى اللّه عليك و على روحك و بدنك فلقد صدقت و صبرت و أنت الصادق المصدق قتل اللّه من قتلك بالأيدي و الألسن.

ثم تقوم إلى قبر ولده و تثني عليهم بما أحببت و تسأل ربك حوائجك و ما بدا لك ثم تستقبل قبور الشهداء قائما فتقول:السلام عليكم أيها الربانيون أنتم لنا فرط و نحن لكم تبع و أنصار أبشروا بموعد اللّه الذي لا خلف له و أن اللّه مدرك بكم ثأركم و أنتم سادة الشهداء في الدنيا و الآخرة.

ثم اجعل القبر بين يديك و صل ما بدا لك و كلما دخلت الحائر(الحير)فسلّم.

ثم امش حتى تضع يديك و خديك جميعا على القبر فإذا أردت أن تخرج فاصنع مثل ذلك و لا تقصّر عنده من الصلاة ما أقمت و إذا انصرفت من عنده فودّعه و قل:

سلام اللّه و سلام ملائكته المقربين و أنبيائه المرسلين و عباده الصالحين عليك يا ابن رسول اللّه و على روحك و بدنك و ذريتك و من حضرك من أوليائك.

حدثني بهذه الزيارة أحمد بن محمد بن الحسن بن سهل عن أبيه عن جده عن

ص: 44

موسى بن الحسن بن عامر عن أحمد بن هلال قال:حدثنا أمية بن علي القيسي الشامي عن سعدان بن مسلم عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله و زاد في آخره من عند من حضرك من أوليائك:فإذا بلغت الرواح فقل هذا الكلام من أوله إلى آخره كما قلت حين دخلت الحائر(الحير)فإذا دخلت منزلك فقل:الحمد للّه الذي سلّمني و سلم مني الحمد للّه في الأمور كلها و على كل حال الحمد للّه رب العالمين.

ثم كبّر إحدى و عشرين تكبيرة متتابعة و سهّل و لا تعجل فيها إن شاء اللّه تعالى.

و الباقي مثله.

زيارة أخرى

13-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة عن العباس بن عامر عن أبان عن الحسين بن عطية أبي ناب بياع السابري قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو يقول:من أتى قبر الحسين عليه السّلام كتب اللّه له حجة و عمرة و(أو)عمرة و حجة.

قال:قلت:جعلت فداك فما أقول إذا أتيته.

قال:تقول:السلام عليك يا أبا عبد اللّه السلام عليك يا ابن رسول اللّه السلام عليك يوم ولدت و يوم تموت و يوم تبعث حيا أشهد أنك حي شهيد ترزق عند ربك و أتوالى وليك و أبرأ من عدوك و أشهد أن الذين قاتلوك و انتهكوا حرمتك ملعونون على لسان النبي الأمي و أشهد أنك قد أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و جاهدت في سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة أسأل اللّه وليك و ولينا أن يجعل تحفتنا من زيارتك الصلاة على نبينا و المغفرة لذنوبنا اشفع لي يا ابن رسول اللّه عند ربك.

14-حدثني علي بن الحسين عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي بن عبد اللّه

ص: 45

ابن المغيرة عن العباس بن عامر عن جابر المكفوف عن أبي الصامت عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:من أتى الحسين عليه السّلام ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة ألف حسنة و محا عنه ألف سيئة و رفع له ألف درجة فإذا أتيت الفرات فاغتسل و علّق نعليك و امش حافيا و امش بمشي(مشي)العبد الذليل فإذا أتيت باب الحائر (الحير)فكبّر اللّه أربعا و صل عنده و اسأل(سل اللّه)حاجتك.

زيارة خفيفة

15-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن صفوان بن يحيى عن أبي الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أو عن أبي بصير عنه عليه السّلام قال:قلت:كيف السلام على الحسين بن علي عليه السّلام؟

قال:تقول:السلام عليك يا أبا عبد اللّه السلام عليك يا ابن رسول اللّه لعن اللّه من قتلك و لعن اللّه من أعان عليك و من بلغه ذلك فرضي به أنا إلى اللّه منهم بريء.

زيارة خفيفة

16-و بإسناده عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن أبان بن عثمان عن أبي همام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا أتيت قبر الحسين عليه السّلام فقل:السلام عليك يا أبا عبد اللّه لعن اللّه من قتلك و لعن اللّه من شرك في دمك و من بلغه ذلك فرضي به و أنا إلى اللّه منهم بريء.

ص: 46

زيارة أخرى

17-حدثني أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن الحسين العسكري و محمد بن الحسن جميعا عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه علي بن مهزيار عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن مروان عن أبي حمزة الثمالي قال:قال الصادق عليه السّلام:إذا أردت المسير إلى قبر الحسين عليه السّلام فصم يوم الأربعاء و الخميس و الجمعة فإذا أردت الخروج فاجمع أهلك و ولدك و ادع بدعاء السفر و اغتسل قبل خروجك و قل حين تغتسل:اللهم طهرني و طهر قلبي و اشرح لي صدرى و أجر على لساني ذكرك و مدحتك و الثناء عليك فإنه لا قوة إلا بك و قد علمت أن قوام ديني التسليم لأمرك و الإتباع لسنّة نبيك و الشهادة على جميع أنبيائك و رسلك إلى جميع خلقك اللهم اجعله نورا و طهورا و حرزا و شفاء من كل داء و سقم و آفة و عاهة و من شر ما أخاف و أحذر فإذا خرجت فقل:اللهم إني إليك وجّهت وجهي و إليك فوّضت أمري و إليك أسلمت نفسي و إليك ألجأت ظهري و عليك توكلت لا ملجأ و لا منجى إلا إليك تباركت و تعاليت عز جارك و جل ثناؤك.

ثم قل:بسم اللّه و باللّه و من اللّه و إلى اللّه و في سبيل اللّه و على ملة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على اللّه توكلت و إليه أنبت فاطر السماوات السبع و الأرضين السبع و رب العرش العظيم اللهم صل على محمد و آل محمد و احفظني في سفري و اخلفني في أهلي بأحسن الخلف.

اللهم إليك توجهت و إليك خرجت و إليك و فدت و لخيرك تعرّضت و بزيارة حبيب حبيبك تقرّبت اللهم لا تمنعني خير ما عندك بشر ما عندي اللهم اغفر لي ذنوبي و كفّر عني سيئاتي و حط عني خطاياي و اقبل مني حسناتي.

و تقول:اللهم اجعلني في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد اللهم إني أبرأ

ص: 47

إليك من الحول و القوة ثلاث مرات و اقرأ فاتحة الكتاب و المعوذتين و قل هو اللّه أحد و إنا أنزلناه و آية الكرسي و يس و آخر سورة الحشر لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ.

و لا تدهن و لا تكتحل حتى تأتي الفرات و أقل من الكلام و المزاح و أكثر من ذكر اللّه تعالى و إياك و المزاح و الخصومة فإذا كنت راكبا أو ماشيا فقل:اللهم إني أعوذ بك من سطوات النكال و عواقب الوبال و فتنة الضلال و من أن تلقاني بمكروه و أعوذ بك من الحبس و اللبس و من وسوسة الشيطان و طوارق السوء و من شر كل ذي شر و من شر شياطين الجن و الإنس و من شر من ينصب لأولياء اللّه العداوة و من أن يفرطوا علي و أن يطغوا و أعوذ بك من شر عيون الظلمة و من شر كل ذي شرك إبليس و من يرد عن الخير باللسان و اليد فإذا خفت شيئا فقل:لا حول و لا قوة إلا باللّه به احتجبت و به اعتصمت اللهم اعصمني من شر خلقك فإنما أنا بك و أنا عبدك فإذا أتيت الفرات فقل قبل أن تعبره اللهم أنت خير من وفد إليه الرجال و أنت يا سيدي أكرم مأتي و أكرم مزور و قد جعلت لكل زائر كرامة و لكل وافد تحفة و قد أتيتك زائرا قبر ابن نبيك صلواتك عليه فاجعل تحفتك إياي فكاك رقبتي من النار و تقبّل مني عملي و اشكر سعيي و ارحم مسيري إليك بغير منّ مني بل لك المن علي إذ جعلت لي السبيل إلى زيارته و عرّفتني فضله و حفظتني حتى بلغتني قبر ابن وليك و قد رجوتك فصل على محمد و آل محمد و لا تقطع رجائي و قد أتيتك فلا تخيب أملي و اجعل هذا كفارة لما كان قبله من ذنوبي و اجعلني من أنصاره يا أرحم الراحمين.

ثم اعبر الفرات و قل:اللهم صل على محمد و آل محمد و اجعل سعيي مشكورا و ذنبي مغفورا و عملي مقبولا و اغسلني من الخطايا و الذنوب و طهر قلبي من كل آفة تمحق ديني أو تبطل عملي يا أرحم الراحمين.

ثم تأتي النينوى فتضع رحلك بها و لا تدهن و لا تكتحل و لا تأكل اللحم ما دمت

ص: 48

مقيما بها.

ثم تأتي الشط بحذاء نخل القبر و اغتسل و عليك الوقار و قل و أنت تغتسل:اللهم طهّرني و طهّر لي قلبي و اشرح لي صدري و أجر على لساني محبتك و مدحتك و الثناء عليك فإنه لا حول و لا قوة إلا بك و قد علمت أن قوام ديني التسليم لأمرك و الشهادة على جميع أنبيائك و رسلك بالألفة بينهم أشهد أنهم أنبياؤك و رسلك إلى جميع خلقك اللهم اجعله لي نورا و طهورا و حرزا و شفاء من كل سقم وداء و من كل آفة و عاهة و من شر ما أخاف و أحذر.

اللهم طهّر به قلبي و جوارحي و عظامي و لحمي و دمي و شعري و بشري و مخي و عصبي و ما أقلّت الأرض مني و اجعله لي شاهدا يوم فقري و فاقتي ثم البس أطهر ثيابك فإذا لبستها فقل اللّه أكبر ثلاثين مرة و تقول:الحمد للّه الذي إليه قصدت فبلغني و إياه أردت فقبلني و لم يقطع بي و رحمته ابتغيت فسلّمني اللهم أنت حصني و كهفي و حرزي و رجائي و أملي لا إله إلا أنت يا رب العالمين فإذا أردت المشي فقل:اللهم إني أردتك فأردني و إني أقبلت بوجهي إليك فلا تعرض بوجهك عني فإن كنت علي ساخطا فتب علي و ارحم مسيري إلى ابن حبيبك أبتغي بذلك رضاك عني فارض عني و لا تخيبني يا أرحم الراحمين.

ثم امش حافيا و عليك السكينة و الوقار بالتكبير و التهليل و التمجيد و التحميد و التعظيم للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و قل أيضا:الحمد للّه الواحد المتوحد بالأمور كلها خالق الخلق لم يعزب عنه شيء من أمورهم و عالم كل شيء بغير تعليم صلوات اللّه و صلوات ملائكته المقربين و أنبيائه المرسلين و رسله أجمعين على محمد و أهل بيته الأوصياء الحمد للّه الذي أنعم علي و عرّفني فضل محمد و أهل بيته صلّى اللّه عليه و آله.

ثم امش قليلا و قصّر خطاك فإذا وقفت على التل فاستقبل القبر فقف و قل:اللّه أكبر ثلاثين مرة و تقول:لا إله إلا اللّه في علمه منتهى علمه و لا إله إلا اللّه بعد علمه منتهى علمه و لا إله إلا اللّه مع علمه منتهى علمه و الحمد للّه في علمه منتهى علمه

ص: 49

و الحمد للّه بعد علمه منتهى علمه و الحمد للّه مع علمه منتهى علمه سبحان اللّه في علمه منتهى علمه و سبحان اللّه بعد علمه منتهى علمه و سبحان اللّه مع علمه منتهى علمه و الحمد للّه بجميع محامده على جميع نعمه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر و حق له ذلك لا إله إلا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلي العظيم لا إله إلا اللّه نور السماوات السبع و نور الأرضين السبع و نور العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين.

السلام عليك يا حجة اللّه و ابن حجته السلام عليكم يا ملائكة اللّه و زوار قبر ابن نبي اللّه.

ثم امش عشر خطوات و كبّر ثلاثين تكبيرة و قل و أنت تمشي لا إله إلا اللّه تهليلا لا يحصيه غيره قبل كل واحد(أحد)و بعد كل واحد و مع كل واحد و عدد كل واحد و سبحان اللّه تسبيحا لا يحصيه غيره قبل كل واحد و بعد كل واحد و مع كل واحد و عدد كل واحد و سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر قبل كل واحد و بعد كل واحد و مع كل واحد و عدد كل واحد أبدا أبدا أبدا.

اللهم إني أشهدك و كفى بك شهيدا فاشهد لي أني أشهد أنك حق و أن رسولك حق و أن حبيبك حق و أن قولك حق و أن قضاءك حق و أن قدرك حق و أن فعلك حق و أن حشرك حق و أن نارك حق و أن جنتك حق و أنك مميت الأحياء و محيي الموتى و أنك باعث من في القبور و أنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه و أنك لا تخلف الميعاد.

السلام عليك يا حجة اللّه و ابن حجته السلام عليكم يا ملائكة اللّه و يا زوار قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام.

ثم امش قليلا و عليك السكينة و الوقار بالتكبير و التهليل و التمجيد و التحميد و التعظيم للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و قصّر خطاك فإذا أتيت الباب الذي يلي المشرق فقف على الباب و قل:أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا صلّى اللّه عليه و آله عبده و رسوله أمين اللّه على خلقه و أنه سيد الأولين و الآخرين و أنه سيد الأنبياء و المرسلين سلام على رسول اللّه الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لو لا أن

ص: 50

هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربنا بالحق.

اللهم إني أشهد أن هذا قبر ابن حبيبك و صفوتك من خلقك و أنه الفائز بكرامتك أكرمته بكتابك و خصصته و ائتمنته على وحيك و أعطيته مواريث الأنبياء و جعلته حجة على خلقك من الأصفياء فأعذر في الدعاء و بذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الضلالة و الجهالة و العمى و الشك و الإرتياب إلى باب الهدى من الردى و أنت ترى و لا ترى و أنت بالمنظر الأعلى حتى ثار عليه من خلقك من غرّته الدنيا و باع الآخرة بالثمن الأوكس الأدنى و أسخطك و أسخط رسولك و أطاع من عبادك من أهل الشقاق و النفاق و حملة الأوزار من استوجب النار لعن اللّه قاتلي ولد رسولك و ضاعف عليهم العذاب الأليم.

ثم تدنو قليلا و قل:السلام عليك يا وارث آدم صفوة اللّه السلام عليك يا وارث نوح نبي اللّه السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل اللّه السلام عليك يا وارث موسى كليم اللّه السلام عليك يا وارث عيسى روح اللّه السلام عليك يا وارث محمد حبيب اللّه صلّى اللّه عليه و آله السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصي رسول اللّه و ولي اللّه السلام عليك يا وارث الحسن بن علي الزكي السلام عليك يا وارث فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين السلام عليك أيها الصديق الشهيد السلام عليك أيها الوصي الرضي البار التقي السلام عليك أيها الوفي النقي أشهد أنك قد أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و عبدت اللّه مخلصا حتى أتاك اليقين السلام عليك يا أبا عبد اللّه و رحمة اللّه و بركاته السلام عليك و على الأرواح التي حلت بفنائك و أناخت برحلك السلام على ملائكة اللّه المحدقين بك السلام على ملائكة اللّه و زوار قبر ابن نبي اللّه.

ثم ادخل الحائر(الحير)و قل حين تدخل السلام على ملائكة اللّه المقربين السلام على ملائكة اللّه المنزلين السلام على ملائكة اللّه المسومين السلام على ملائكة اللّه الذين هم مقيمون في هذا الحائر بإذن ربهم السلام على ملائكة اللّه الذين

ص: 51

هم في هذا الحائر يعلمون و لأمر اللّه مسلمون السلام عليك يا ابن رسول اللّه و ابن أمين اللّه و ابن خالصة اللّه السلام عليك يا أبا عبد اللّه إنا للّه و إنا إليه راجعون ما أعظم مصيبتك عند جدك(أبيك)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما أعظم مصيبتك عند من عرف اللّه عز و جل و أجل مصيبتك عند الملأ الأعلى و عند أنبياء اللّه و رسله(عند رسل اللّه) السلام مني إليك و التحية مع عظيم الرزية عليك كنت نورا في الأصلاب الشامخة و نورا في ظلمات الأرض و نورا في الهواء و نورا في السماوات العلى كنت فيها نورا ساطعا لا يطفئ و أنت الناطق بالهدى.

ثم امش قليلا و قل:اللّه أكبر سبع مرات و هلله سبعا و احمده سبعا و سبحه سبعا و قل:لبيك داعي اللّه لبيك سبعا و قل:إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك و لساني عند استنصارك فقد أجابك قلبي و سمعي و بصري و رأيي و هواي على التسليم لخلف النبي المرسل و السبط المنتخب و الدليل العالم و الأمين المستخزن و المؤدي المبلغ و المظلوم المضطهد جئتك يا مولاي انقطاعا إليك و إلى جدك و أبيك و ولدك الخلف من بعدك فقلبي لكم مسلم و رأيي لكم متبع و نصرتي لكم معدة حتى يحكم اللّه بدينه و يبعثكم و أشهد اللّه أنكم الحجة و بكم ترجى الرحمة فمعكم معكم لا مع عدوكم إني بكم من المؤمنين لا أنكر للّه قدرة و لا أكذب منه بمشية.

ثم امش و قصر خطاك حتى تستقبل القبر و اجعل القبلة بين كتفيك و استقبل بوجهك وجهه و قل:السلام عليك من اللّه و السلام على محمد أمين اللّه على رسله و عزائم أمره الخاتم لما سبق و الفاتح لما استقبل و المهيمن على ذلك كله و رحمة اللّه و بركاته و السلام عليك و تحياته اللهم صل على محمد و آل محمد صاحب ميثاقك و خاتم رسلك و سيد عبادك و أمينك في بلادك(عبادك)و خير بريتك كما تلا كتابك و جاهد عدوك حتى أتاه اليقين اللهم صل على أمير المؤمنين عبدك و أخي رسولك الذي انتجبته بعلمك و جعلته هاديا لمن شئت من خلقك و الدليل على من بعثته برسالاتك و ديان الدين بعدلك و فصل قضائك بين خلقك و المهيمن على ذلك

ص: 52

كله و السلام عليه و رحمة اللّه و بركاته اللهم أتمم به كلماتك و أنجز به وعدك و أهلك به عدوك و اكتبنا في أوليائه و أحبائه اللهم اجعلنا له شيعة و أنصارا و أعوانا على طاعتك و طاعة رسولك و ما وكلته به و استخلفته عليه يا رب العالمين اللهم صل على فاطمة بنت نبيك و زوجة وليك و أم السبطين الحسن و الحسين الطاهرة المطهرة الصديقة الزكية سيدة نساء العالمين(أهل الجنة أجمعين)صلاة لا يقوى على إحصائها غيرك اللهم صل على الحسن بن علي عبدك و ابن أخي رسولك الذي انتجبته بعلمك و جعلته هاديا لمن شئت من خلقك و الدليل على من بعثته برسالاتك و ديان الدين بعدلك و فصل قضائك بين خلقك و المهيمن على ذلك كله و رحمة اللّه و بركاته اللهم صل على الحسين بن علي عبدك و ابن أخي رسولك الذي انتجبته بعلمك و جعلته هاديا لمن شئت من خلقك و الدليل على من بعثته برسالاتك و ديان الدين بعدلك و فصل قضائك بين خلقك و المهيمن على ذلك كله و رحمة اللّه و بركاته و تصلي على الأئمة كلهم كما صليت على الحسن و الحسين عليه السّلام و تقول:

اللهم أتمم بهم كلماتك و أنجز بهم وعدك و أهلك بهم عدوك و عدوهم من الجن و الإنس أجمعين.

اللهم اجزهم عنا خير ما جازيت نذيرا عن قومه اللهم اجعلنا لهم شيعة و أنصارا و أعوانا على طاعتك و طاعة رسولك اللهم اجعلنا لهم ممن يتبع النور الذي أنزل معهم و أحينا محياهم و أمتنا مماتهم و أشهدنا مشاهدهم في الدنيا و الآخرة اللهم إن هذا مقام أكرمتني به و شرّفتني به و أعطيتني فيه رغبتي على حقيقة إيماني بك و برسولك ثم تدنو قليلا من القبر و تقول:السلام عليك يا ابن رسول اللّه و سلام اللّه و سلام ملائكته المقربين و أنبيائه المرسلين كلما تروح الرائحات الطاهرات لك و عليك سلام المؤمنين لك بقلوبهم الناطقين لك بفضلك بألسنتهم أشهد أنك صادق صديق صدقت فيما دعوت إليه و صدقت فيما أتيت به و أنك ثار اللّه في الأرض اللهم أدخلني في أوليائك و حبّب إلي مشاهدهم و شهادتهم في الدنيا و الآخرة إنك على كل

ص: 53

شيء قدير.

و تقول:السلام عليك يا أبا عبد اللّه رحمك اللّه يا أبا عبد اللّه صلى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه السلام عليك يا إمام الهدى السلام عليك يا علم التقى السلام عليك يا حجة اللّه على أهل الدنيا السلام عليك يا حجة اللّه و ابن حجته السلام عليك يا ابن نبي اللّه السلام عليك يا ثار اللّه و ابن ثاره السلام عليك يا وتر اللّه و ابن وتره أشهد أنك قتلت مظلوما و أن قاتلك في النار و أشهد أنك جاهدت في اللّه حق جهاده لم تأخذك(لم تؤخرك)في اللّه لومة لائم و أنك عبدته حتى أتاك اليقين أشهد أنكم كلمة التقوى و باب الهدى و الحجة على خلقه أشهد أن ذلك لكم سابق فيما مضى و فاتح فيما بقي و أشهد أن أرواحكم و طينتكم طينة طيبة طابت و طهرت بعضها من بعض من اللّه و من رحمته و أشهد اللّه تبارك و تعالى و كفى به شهيدا و أشهدكم أني بكم مؤمن و لكم تابع في ذات نفسي و شرائع ديني و خواتيم(خاتمة)عملي و منقلبي و مثواي فأسأل اللّه البر الرحيم أن يتمم ذلك لي أشهد أنكم قد بلّغتم و نصحتم و صبرتم و قتلتم و غضبتم و أسيء إليكم فصبرتم لعن اللّه أمة خالفتكم و أمة جحدت ولايتكم و أمة تظاهرت عليكم و أمة شهدت و لم تستشهد الحمد للّه الذي جعل النار مثواهم و بئس الورد المورود و بئس الرفد المرفود.

و تقول:صلّى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه ثلاثا و على روحك و بدنك لعن اللّه قاتليك و لعن اللّه سالبيك و لعن اللّه خاذليك و لعن اللّه من شايع على قتلك و من أمر بقتلك و شارك في دمك و لعن اللّه من بلغه ذلك فرضي به أو سلّم إليه أنا أبرأ إلى اللّه من ولايتهم و أتولى اللّه و رسوله و آل رسوله و أشهد أن الذين انتهكوا حرمتك و سفكوا دمك ملعونون على لسان النبي الأمي اللهم العن الذين كذّبوا رسلك و سفكوا دماء أهل بيت نبيك صلواتك عليهم اللهم العن قتلة أمير المؤمنين و ضاعف عليهم العذاب الأليم اللهم العن قتلة الحسين بن علي و قتلة أنصار الحسين بن علي و أصلهم حر نارك و أذقهم بأسك و ضاعف عليهم العذاب الأليم و العنهم لعنا و بيلا اللهم أحلل

ص: 54

بهم نقمتك و ائتهم من حيث لا يحتسبون و خذهم من حيث لا يشعرون و عذّبهم عذابا نكرا و العن أعداء نبيك و آل نبيك لعنا وبيلا اللهم العن الجبت و الطاغوت و الفراعنة إنك على كل شيء قدير.

و تقول:بأبي أنت و أمي يا أبا عبد اللّه إليك كانت رحلتي مع بعد شقّتي و لك فاضت عبرتي و عليك كان أسفي و نحيبي و صراخي و زفرتي و شهيقي و إليك كان مجيئي و بك أستتر من عظيم جرمي أتيتك وافدا قد أو قرت ذنوبي ظهري بأبي أنت و أمي يا سيدي بكيتك يا خيرة اللّه و ابن خيرته و حق لي أن أبكيك و قد بكتك السماوات و الأرضون و الجبال و البحار فما عذري إن لم أبكك و قد بكاك حبيب ربي و بكتك الأئمة عليهم السّلام و بكاك من دون سدرة المنتهى إلى الثرى جزعا عليك.

ثم استلم القبر و قل:السلام عليك يا أبا عبد اللّه يا حسين بن علي يا ابن رسول اللّه السلام عليك يا حجة اللّه و ابن حجته أشهد أنك عبد اللّه و أمينه بلّغت ناصحا و أديت أمينا و قلت صادقا و قتلت صديقا فمضيت شهيدا و مضيت على يقين لم تؤثر عمى على هدى و لم تمل من حق إلى باطل و لم تجب إلا اللّه وحده و أشهد أنك كنت على بينة من ربك بلّغت ما أمرت به و قمت بحقه و صدّقت من كان قبلك غير واهن و لا موهن فصلّى اللّه عليك و سلّم تسليما جزاك اللّه من صديق خيرا أشهد أن الجهاد معك جهاد و أن الحق معك و إليك و أنت أهله و معدنه و ميراث النبوة عندك و عند أهل بيتك و أشهد أنك قد بلّغت و نصحت و وفيت و جاهدت في سبيل اللّه بالحكمة و الموعظة الحسنة و مضيت للذي كنت عليه شهيدا(شاهدا)و مستشهدا و مشهودا فصلّى اللّه عليك و سلّم تسليما أشهد أنك طهر طاهر مطهر من طهر طاهر مطهر طهرت و طهرت أرض أنت بها و طهر حرمك و أشهد أنك أمرت بالقسط(أمرت بالقسط و دعوت إليه)و العدل و دعوت إليهما و أشهد أن أمة قتلتك أشرار خلق اللّه و كفرته و إني أستشفع بك إلى اللّه ربك و ربي من جميع ذنوبي و أتوجّه بك إلى اللّه في جميع حوائجي و رغبتي في أمر آخرتي و دنياي.

ص: 55

ثم ضع خدك الأيمن على القبر و قل:اللهم إني أسألك بحق هذا القبر و من فيه و بحق هذه القبور و من أسكنتها أن تكتب اسمي عندك في أسمائهم حتى توردني مواردهم و تصدرني مصادرهم إنك على كل شيء قدير و تقول:رب أفحمتني ذنوبي و قطعت مقالتي فلا حجة لي و لا عذر لي فأنا المقر بذنبي الأسير ببليتي المرتهن بعملي المتجلد في خطيئتي المتحير عن قصدي المنقطع بي قد أوقفت نفسي يا رب موقف الأشقياء الأذلاء المذنبين المجترئين عليك المستخفّين بوعيدك يا سبحانك أي جرأة اجترأت عليك و أي تغرير غررت بنفسي و أي سكرة أو بقتني و أي غفلة أعطبتني ما كان أقبح سوء نظري و أوحش فعلي يا سيدي فارحم كبوتي لحر وجهي و زلة قدمي و تعفيري في التراب خدي و ندامتي على ما فرط مني و أقلني عثرتي و ارحم صراخي و عبرتي و اقبل معذرتي و عد بحلمك على جهلي و بإحسانك على خطيئاتي و بعفوك علي رب أشكو إليك قساوة قلبي و ضعف عملي فامنح بمسألتي فأنا المقر بذنبي المعترف بخطيئتي و هذه يدي و ناصيتي أستكين لك بالقود من نفسي فاقبل توبتي و نفّس كربتي و ارحم خشوعي و خضوعي و انقطاعي إليك سيدي وا أسفي على ما كان مني و تضرعي و تعفيري في تراب قبر ابن نبيك بين يديك فأنت رجائي و ظهري و عدّتي و معتمدي لا إله إلا أنت.

ثم كبّر خمسا و ثلاثين تكبيرة.

ثم ترفع يديك و تقول:إليك يا رب صمدت من أرضى و إلى ابن نبيك قطعت البلاد رجاء للمغفرة فكن لي يا ولي اللّه سكنا و شفيعا و كن بي رحيما و كن لي منحا يوم لا تنفع الشفاعة إلا لمن ارتضى يوم لا تنفع شفاعة الشافعين و يوم يقول أهل الضلالة ما لنا من شافعين و لا صديق حميم فكن يومئذ في مقامي بين يدي ربي لي منقذا فقد عظم جرمي إذا ارتعدت فرائصي و أخذ بسمعي و أنا منكس رأسي بما قدّمت من سوء عملي و أنا عائد كما ولدتني أمي و ربي يسألني فكن لي شفيعا و منقذا فقد أعددتك ليوم حاجتي و يوم فقري و فاقتي.

ص: 56

ثم ضع خدك الأيسر على القبر و تقول:اللهم ارحم تضرعي في تراب قبر ابن نبيك فإني في موضع رحمة يا رب و تقول:بأبي أنت و أمي يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليك إني أبرأ إلى اللّه من قاتلك و من سالبك يا ليتني كنت معك فأفوز فوزا عظيما و أبذل مهجتي فيك و أقيك بنفسي و كنت فيمن أقام بين يديك حتى يسفك دمي معك فأظفر معك بالسعادة و الفوز بالجنة و تقول:لعن اللّه من رماك لعن اللّه من طعنك لعن اللّه من احتز رأسك لعن اللّه من حمل رأسك لعن اللّه من نكت بقضيبه بين ثناياك لعن اللّه من أبكى نساءك لعن اللّه من أيتم أولادك لعن اللّه من أعان عليك لعن اللّه من سار إليك لعن اللّه من منعك من ماء الفرات لعن اللّه من غشّك و خلاّك لعن اللّه من سمع صوتك فلم يجبك لعن اللّه ابن آكلة الأكباد و لعن اللّه ابنه و أعوانه و أتباعه و أنصاره و ابن سمية و لعن اللّه جميع قاتليك و قاتلي أبيك و من أعان على قتلكم وحشا اللّه أجوافهم و بطونهم و قبورهم نارا و عذّبهم عذابا أليما.

ثم تسبح عند رأسه ألف تسبيحة من تسبيح أمير المؤمنين عليه السّلام و إن أحببت تحوّلت إلى عند رجليه و تدعو بما قد فسّرت لك.

ثم تدور من عند رجيله إلى عند رأسه فإذا فرغت من الصلاة سبّحت و التسبيح تقول:سبحان من لا تبيد معالمه سبحان من لا تنقص خزائنه سبحان من لا انقطاع لمدته سبحان من لا ينفد ما عنده سبحان من لا اضمحلال لفخره سبحان من لا يشاور أحدا في أمره سبحان من لا إله غيره.

ثم تحوّل عند رجليه وضع يدك على القبر و قل:صلى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه ثلاثا صبرت و أنت الصادق المصدق قتل اللّه من قتلكم بالأيدي و الألسن.

و تقول:اللهم رب الأرباب صريخ الأخيار إني عذت معاذا ففك رقبتي من النار جئتك يا ابن رسول اللّه وافدا إليك أتوسل إلى اللّه في جميع حوائجي من أمر آخرتي و دنياي و بك يتوسل المتوسلون إلى اللّه في جميع حوائجهم و بك يدرك أهل الثواب من عباد اللّه طلبتهم أسأل وليك و ولينا أن يجعل حظي من زيارتك الصلاة على

ص: 57

محمد و آله و المغفرة لذنوبي اللهم اجعلنا ممن تنصره و تنتصر به لدينك في الدنيا و الآخرة.

ثم تضع خديك عليه و تقول:اللهم رب الحسين اشف صدر الحسين اللهم رب الحسين اطلب بدم الحسين اللهم رب الحسين انتقم ممن رضي بقتل الحسين اللهم رب الحسين انتقم ممن خالف الحسين اللهم رب الحسين انتقم ممن فرح بقتل الحسين.

و تبتهل إلى اللّه في اللعنة على قاتل الحسين و أمير المؤمنين عليه السّلام و تسبّح عند رجليه ألف تسبيحة من تسبيح فاطمة الزهراء صلّى اللّه عليه و آله فإن لم تقدر فمائة تسبيحة و تقول:سبحان ذي العز الشامخ المنيف سبحان ذي الجلال و الإكرام الفاخر العظيم(العميم)سبحان ذي الملك الفاخر القديم سبحان ذي الملك الفاخر العظيم سبحان من لبس العز و الجمال سبحان من تردى بالنور و الوقار سبحان من يرى أثر النمل في الصفا و خفقان الطير في الهواء سبحان من هو هكذا و لا هكذا غيره.

ثم صر إلى قبر علي بن الحسين فهو عند رجل الحسين فإذا وقفت عليه فقل:

السلام عليك يا ابن رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته و ابن خليفة رسول اللّه و ابن بنت رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته مضاعفة كلما طلعت شمس أو غربت السلام عليك و على روحك و بدنك بأبي أنت و أمي من مذبوح و مقتول من غير جرم بأبي أنت و أمي دمك المرتقى به إلى حبيب اللّه بأبي أنت و أمي من مقدّم بين يدي أبيك يحتسبك و يبكي عليك محترقا عليك قلبه يرفع دمك بكفه إلى أعنان السماء لا يرجع منه قطرة و لا تسكن عليك من أبيك زفرة و دّعك للفراق فكمانكما عند اللّه مع آبائك الماضين و مع أمهاتك في الجنان منعمين أبرأ إلى اللّه ممن قتلك و ذبحك.

ثم انكب على القبر وضع يديك(يدك)عليه و قل:سلام اللّه و سلام ملائكته المقربين و أنبيائه المرسلين و عباده الصالحين عليك يا مولاي و ابن مولاي و رحمة اللّه و بركاته صلّى اللّه عليك و على عترتك و أهل بيتك و آبائك و أبنائك و أمهاتك

ص: 58

الأخيار الأبرار الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا.

السلام عليك يا ابن رسول اللّه و ابن أمير المؤمنين و ابن الحسين بن علي و رحمة اللّه و بركاته لعن اللّه قاتلك و لعن اللّه من استخف بحقكم و قتلكم لعن اللّه من بقي منهم و من مضى نفسي فداؤكم و لمضجعكم صلّى اللّه عليكم و سلم تسليما كثيرا.

ثم ضع خدك على القبر و قل:صلّى اللّه عليك يا أبا الحسن ثلاثا بأبي أنت و أمي أتيتك زائرا وافدا عائذا مما جنيت على نفسي و احتطبت على ظهري أسأل اللّه وليك و وليي أن يجعل حظي من زيارتك عتق رقبتي من النار و تدعو بما أحببت.

ثم تدور من خلف الحسين عليه السّلام إلى عند رأسه و صل عند رأسه ركعتين تقرأ في الأولى:الحمد و يس،و في الثانية:الحمد و الرحمن و إن شئت صليت خلف القبر و عند رأسه أفضل.

فإذا فرغت فصل ما أحببت إلا أن ركعتي الزيارة لا بد منهما عند كل قبر فإذا فرغت من الصلاة فارفع يديك و قل:

اللهم إنا أتيناه مؤمنين به مسلمين له معتصمين بحبله عارفين بحقه مقرين بفضله مستبصرين بضلالة من خالفه عارفين بالهدى الذي هو عليه اللهم إني أشهدك و أشهد من حضر من ملائكتك إني بهم مؤمن و إني بمن قتلهم كافر.

اللهم اجعل لما أقول بلساني حقيقة في قلبي و شريعة في عملي اللهم اجعلني ممن له مع الحسين بن علي قدم ثابت و أثبتني فيمن استشهد معه اللهم العن الذين بدّلوا نعمتك كفرا سبحانك يا حليم عما يعمل الظالمون في الأرض تباركت و تعاليت يا عظيم ترى عظيم الجرم من عبادك فلا تعجل عليهم تعاليت يا كريم أنت شاهد غير غائب و عالم بما أوتي إلى أهل صفوتك و أحبائك من الأمر الذي لا تحمله سماء و لا أرض و لو شئت لا نتقمت منهم و لكنك ذو أناة و قد أمهلت الذين اجترءوا عليك و على رسولك و حبيبك فأسكنتهم أرضك و غذّوتهم بنعمتك إلى أجل هم

ص: 59

بالغوه و وقت هم صائرون إليه ليستكملوا العمل الذي قدّرت و الأجل الذي أجّلت لتخلّدهم في محط و وثاق و نار جهنم و حميم و غساق و الضريع و الإحراق و الأغلال و الأوثاق و غسلين و زقوم و صديد مع طول المقام في أيام لظى و في سقر التي لا تبقي و لا تذر و في الحميم و الجحيم.

ثم تنكب على القبر و تقول:يا سيدي أتيتك زائرا موقرا بالذنوب أتقرب إلى ربي بوفودي إليك و بكائي عليك و عويلي و حسرتي و أسفي و بكائي و ما أخاف على نفسي رجاء أن تكون لي حجابا و سندا و كهفا و حرزا و شافعا و وقاية من النار غدا و أنا من مواليكم الذين أعادي عدوكم و أوالي وليكم على ذلك أحيى و على ذلك أموت و عليه أبعث إن شاء اللّه تعالى و قد أشخصت بدني و ودّعت أهلي و بعدت شقتي و أؤمل في قربكم النجاة و أرجو في أيامكم الكرة و أطمع في النظر إليكم و إلى مكانكم غدا في جنات ربي مع آبائكم الماضين.

و تقول:يا أبا عبد اللّه يا حسين بن رسول اللّه جئتك مستشفعا بك إلى اللّه اللهم إني أستشفع إليك بولد حبيبك و بالملائكة الذين يضجون عليه و يبكون و يصرخون لا يفترون و لا يسأمون و هم من خشيتك مشفقون و من عذابك حذرون لا تغيرهم الأيام و لا ينهزمون من نواحي الحير يشهقون و سيدهم يرى ما يصنعون و ما فيه يتقلّبون قد انهملت منهم العيون فلا ترقأ و اشتد منهم الحزن بحرقة لا تطفىء.

ثم ترفع يديك و تقول:اللهم إني أسألك مسألة المسكين المستكين العليل الذليل الذي لم يرد بمسألته غيرك فإن لم تدركه رحمتك عطب أسألك أن تداركني بلطف منك و أنت الذي لا يخيب سائلك و تعطي المغفرة و تغفر الذنوب فلا أكونن يا سيدي أنا أهون خلقك عليك و لا أكون أهون من وفد إليك بابن حبيبك فإني أملت و رجوت و طمعت و زرت و اغتربت رجاء لك أن تكافأني إذ أخرجتني من رحلي فأذنت لي بالمسير إلى هذا المكان رحمة منك و تفضلا منك يا رحمان يا رحيم و اجتهد في

ص: 60

الدعاء ما قدرت عليه و أكثر منه إن شاء اللّه تعالى ثم تخرج من السقيفة و تقف بحذاء قبور الشهداء و تومئ إليهم أجمعين.

و تقول:السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته السلام عليكم يا أهل القبور من أهل ديار من المؤمنين السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار السلام عليكم يا أولياء اللّه السلام عليكم يا أنصار اللّه و أنصار رسوله و أنصار أمير المؤمنين و أنصار ابن رسوله و أنصار دينه أشهد أنكم أنصار اللّه كما قال اللّه عز و جل وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا فما ضعفتم و ما استكنتم حتى لقيتم اللّه على سبيل الحق صلّى اللّه عليكم و على أرواحكم و أبدانكم و أجسادكم أبشروا بموعد اللّه الذي لا خلف له و لا تبديل إن اللّه لا يخلف وعده و اللّه مدرك بكم ثار ما وعدكم أنتم خاصة اللّه اختصكم اللّه لأبي عبد اللّه أنتم الشهداء و أنتم السعداء سعدتم عند اللّه و فزتم بالدرجات من جنات لا يظعن أهلها و لا يهرمون و رضوا بالمقام في دار السلام مع من نصرتم جزاكم اللّه خيرا من أعوان جزاء من صبر مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنجز اللّه ما وعدكم من الكرامة في جواره و داره مع النبيين و المرسلين و أمير المؤمنين و قائد الغر المحجلين، أسأل اللّه الذي حملني إليكم حتى أراني مصارعكم أن يرينيكم على الحوض رواء مرويين و يريني أعداءكم في أسفل درك من الجحيم فإنهم قتلوكم ظلما و أرادوا إماتة الحق و سلبوكم لابن سمية و ابن آكلة الأكباد فأسأل اللّه أن يرينيهم ظماء مظمئين مسلسلين مغلغلين يساقون إلى الجحيم السلام عليكم يا أنصار اللّه و أنصار ابن رسوله مني ما بقيت و بقي الليل و النهار و السلام عليكم دائما إذا فنيت و بليت لهفي عليكم أي مصيبة أصابت كل مولى لمحمد و آل محمد.

لقد عظمت و خصّت و جلت و عمّت مصيبتكم أنا بكم لجزع و أنا بكم لموجع محزون و أنا بكم لمصاب ملهوف هنيئا لكم ما أعطيتم و هنيئا لكم ما به حييتم فلقد بكتكم الملائكة و حفّتكم و سكنت معسكركم و حلّت مصارعكم و قدّست و صفّت

ص: 61

بأجنحتها عليكم ليس لها عنكم فراق إلى يوم التلاق و يوم المحشر و يوم المنشر طافت عليكم رحمة من اللّه و بلغتم بها شرف الدنيا و الآخرة أتيتكم شوقا و زرتكم خوفا أسأل اللّه أن يرينيكم على الحوض و في الجنان مع الأنبياء و المرسلين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا.

ثم در في الحائر و أنت تقول:يا من إليه وفدت و إليه خرجت و به استجرت و إليه قصدت و إليه بابن نبيه تقربت صل على محمد و آل محمد و من علي بالجنة و فك رقبتي من النار اللهم ارحم غربتي و بعد داري و ارحم مسيري إليك و إلى ابن حبيبك و اقلبني مفلحا منجحا قد قبلت معذرتي و خضوعي و خشوعي عند إمامي و سيدي و مولاي و ارحم صرختي و بكائي و همي و جزعي و خشوعى و حزني و ما قد باشر قلبي من الجزع عليه فبنعمتك علي و بلطفك لي خرجت إليه و بتقويتك إياي و صرفك المحذور عني و كلائتك بالليل و النهار لي و بحفظك و كرامتك إياي و كل بحر قطعته و كل واد و فلاة سلكتها و كل منزل نزلته فأنت حملتني في البر و البحر و أنت الذي بلّغتني و وفّقتني و كفيتني و بفضل منك و وقاية بلغت و كانت المنة لك علي في ذلك كله و أثري مكتوب عندك و اسمي و شخصي فلك الحمد على ما أبليتني و اصطنعت عندي.

اللهم فارحم قربي منك و مقامي بين يديك و تملّقي و اقبل مني توسلي إليك بابن حبيبك و صفوتك و خيرتك من خلقك و توجّهي إليك و أقلني عثرتي و اقبل عظيم ما سلف مني و لا يمنعك ما تعلم مني من العيوب و الذنوب و الإسراف على نفسي و إن كنت لي ماقتا فارض عني و إن كنت علي ساخطا فتب علي إنك على كل شيء قدير.

اللهم اغفر لي و لوالدي و ارحمهما كما ربياني صغيرا و اجزهما عني خيرا اللهم اجزهما بالإحسان إحسانا و بالسيئات غفرانا اللهم أدخلهما الجنة برحمتك و حرّم وجوههما عن عذابك و برّد عليهما مضاجعهما و افسح لهما في قبريهما و عرّفنيهما

ص: 62

في مستقر من رحمتك و جوار حبيبك محمد صلّى اللّه عليه و آله (1).5.

ص: 63


1- كامل الزيارات:245.

زيارة الإمام الحسين عن بعد

1-حدثني أبي ره عن سعد و محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن أبي عمير عمن رواه قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إذا بعدت بأحدكم الشقة و نأت به الدار فليعل أعلى منزل له فيصلّي ركعتين و ليؤمىء بالسلام إلى قبورنا فإن ذلك يصير إلينا.

2-حدثني علي بن الحسين و علي بن محمد بن قولويه ره جميعا عن محمد بن يحيى العطار عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن عبد اللّه بن محمد اليماني عن منيع بن الحجاج عن يونس بن عبد الرحمن عن حنان بن سدير عن أبيه في حديث طويل قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا سدير و ما عليك أن تزور قبر الحسين عليه السّلام في كل جمعة خمس مرات و في كل يوم مرة قلت:جعلت فداك إن بيننا و بينه فراسخ كثيرة فقال:تصعد فوق سطحك.

ثم تلتفت يمنة و يسرة ثم ترفع رأسك إلى السماء ثم تتحرى نحو قبر الحسين عليه السّلام ثم تقول:السلام عليك يا أبا عبد اللّه السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته يكتب لك زورة و الزورة حجة و عمرة.

قال سدير:فربما فعلته في النهار أكثر من عشرين مرة.

3-حدثني حكيم بن داود عن سلمة بن الخطاب عن عبد اللّه بن الخطاب عن عبد اللّه بن محمد بن سنان عن منيع عن يونس بن عبد الرحمن عن حنان بن سدير عن أبيه قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا سدير تزور قبر الحسين عليه السّلام في كل يوم.

قلت:جعلت فداك لا؟

ص: 64

قال:ما أجفاكم أفتزوره في كل شهر.

قلت:لا.

قال:فتزوره في كل سنة.

قلت:يكون ذلك.

قال عليه السّلام:يا سدير ما أجفاكم بالحسين عليه السّلام(بذلك)أما علمت أن للّه ألف ألف ملكا شعثا غبرا يبكون و يزورون لا يفترون و ما عليك يا سدير أن تزور قبر الحسين عليه السّلام في كل جمعة خمس مرات..و ذكر مثل الحديث الأول.

4-و روى سليمان بن عيسى عن أبيه قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كيف أزورك و لم أقدر على ذلك؟

قال:قال لي:يا عيسى إذا لم تقدر على المجيء فإذا كان يوم الجمعة فاغتسل أو توضأ و اصعد إلى سطحك و صل ركعتين و توجّه نحوي فإنه من زارني في حياتي فقد زارني في مماتي و من زارني في مماتي فقد زارني في حياتي.

5-حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن عبد اللّه بن محمد الدهقان(الدهان)عن منيع بن الحجاج عن حنان بن سدير عن أبيه قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا سدير تكثر من زيارة قبر أبي عبد اللّه الحسين قلت:إنه من الشغل.

فقال عليه السّلام:ألا أعلّمك شيئا إذا أنت فعلته كتب اللّه لك بذلك الزيارة.

فقلت:بلى جعلت فداك؟

فقال لي:اغتسل في منزلك و اصعد إلى سطح دارك و أشر إليه بالسلام يكتب لك بذلك الزيارة.

6-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد ابن عيسى عن إسماعيل بن سهل عن أبي أحمد عمن رواه قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:إذا بعدت عليك الشقة و نأت بك الدار فلتعل على أعلى منزلك و لتصل

ص: 65

ركعتين و لتؤمىء بالسلام إلى قبورنا فإن ذلك يصل إلينا.

7-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن أبيه رفع الحديث إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:دخل حنان بن سدير الصيرفي على أبي عبد اللّه عليه السّلام و عنده جماعة من أصحابه فقال:يا حنان بن سدير تزور أبا عبد اللّه عليه السّلام في كل شهر مرة.

قال:لا.

قال:ففي كل شهرين مرة.

قال:لا.

قال:ففي كل سنة مرة.

قال:لا.

قال:ما أجفاكم لسيدكم.

فقال:يا ابن رسول اللّه قلة الزاد و بعد المسافة.

قال عليه السّلام:ألا أدلكم على زيارة مقبولة و إن بعد النائي.

قال:فكيف أزوره يا ابن رسول اللّه.

قال عليه السّلام:اغتسل يوم الجمعة أو أي يوم شئت و البس أطهر ثيابك و اصعد إلى أعلى موضع في دارك أو الصحراء و استقبل القبلة بوجهك بعد ما تبين أن القبر هناك يقول اللّه تبارك و تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ.

ثم تقول:السلام عليك يا مولاي و ابن مولاي و سيدي و ابن سيدي السلام عليك يا مولاي الشهيد بن الشهيد و القتيل بن القتيل السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته أنا زائرك يا ابن رسول اللّه بقلبي و لساني و جوارحي و إن لم أزرك بنفسي مشاهدة لقبتك فعليك السلام يا وارث آدم صفوة اللّه و وارث نوح نبي اللّه و وارث إبراهيم خليل اللّه و وارث موسى كليم اللّه و وارث عيسى روح اللّه و وارث محمد حبيب اللّه و نبيه و رسوله و وارث علي أمير المؤمنين وصي رسول اللّه و خليفته و وارث

ص: 66

الحسن بن علي وصي أمير المؤمنين لعن اللّه قاتليك وجدد عليهم العذاب في هذه الساعة و في كل ساعة أنا يا سيدي متقرب إلى اللّه جل و عز و إلى جدك رسول اللّه و إلى أبيك أمير المؤمنين و إلى أخيك الحسن و إليك يا مولاي فعليك السلام و رحمة اللّه و بركاته بزيارتي لك بقلبي و لساني و جميع جوارحي فكن لي يا سيدي شفيعي لقبول ذلك مني و بالبراءة من أعدائك و اللعنة لهم و عليهم أتقرّب إلى اللّه و إليكم أجمعين فعليك صلوات اللّه و رضوانه و رحمته.

ثم تحوّل على يسارك قليلا و تحول وجهك إلى قبر علي بن الحسين و هو عند رجل أبيه و تسلّم عليه مثل ذلك.

ثم ادع اللّه بما أحببت من أمر دينك و دنياك.

ثم تصلّي أربع ركعات فإن صلاة الزيارة ثمان أو ست أو أربع أو ركعتان، و أفضلها ثمان.

ثم تستقبل نحو قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام و تقول:أنا مودعك يا مولاي و ابن مولاي و يا سيدي و ابن سيدي و مودعك يا سيدي و ابن سيدي يا علي بن الحسين و مودعكم يا ساداتي يا معاشر الشهداء فعليكم سلام اللّه و رحمته و رضوانه و بركاته (1).0.

ص: 67


1- كامل الزيارات:290.

الصلاة عند ضريح و قبر الإمام الحسين عليه السلام

اشارة

1-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد البرقي و حدثني محمد بن عبد اللّه عن أبيه عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبي عبد اللّه البرقي عن جعفر بن ناجية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:صل عند رأس قبر الحسين عليه السّلام.

2-و حدثني أبي رحمه اللّه و علي بن الحسين و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن موسى بن عمر و أيوب بن نوح عن عبد اللّه بن المغيرة عن أبي اليسع قال:سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا أسمع قال:إذا أتيت قبر الحسين عليه السّلام اجعله قبلة إذا صليت قال:تنح هكذا ناحية.

3-حدثني علي بن الحسين ره عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن يزيد بن إسحاق عن الحسن بن عطية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا فرغت من التسليم على الشهداء أتيت(فأت)قبر الحسين.

ثم تجعله بين يديك ثم تصلي ما بدالك.

4-و عنه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:إنا نزور قبر الحسين عليه السّلام فكيف نصلي عنده قال:تقوم خلفه عند كتفيه ثم تصلي على النبي صلّى اللّه عليه و آله و تصلي على الحسين عليه السّلام.

5-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن أيوب بن نوح و غيره عن عبد اللّه بن المغيرة قال:حدثني أبو اليسع قال:سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا أسمع

ص: 68

عن الصلاة إذا أتى قبر الحسين عليه السّلام قال:اجعله قبلة إذا صليت.

قال:تنح هكذا ناحية.

قال:آخذ من طين قبره و يكون عندي أطلب بركته.

قال:نعم أو قال:لا بأس بذلك.

6-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم قال:

حدثنا هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:أنه أتاه رجل فقال له:يا ابن رسول اللّه هل يزار والدك.

قال:فقال:نعم و يصلّى عنده.

و قال عليه السّلام:و يصلّى خلفه و لا يتقدّم.

ص: 69

التقصير في الفريضة و الرخصة في التطوع عنده

1-حدثني أبي و محمد بن الحسن ره عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد الجوهري عن علي بن أبي حمزة قال:سألت العبد الصالح عن زيارة قبر الحسين بن علي عليه السّلام فقال:ما أحب لك تركه قلت:ما ترى في الصلاة عنده و أنا مقصّر.

قال:صل في المسجد الحرام ما شئت تطوعا و في مسجد الرسول ما شئت تطوعا و عند قبر الحسين عليه السّلام فإني أحب ذلك قال:و سألته عن الصلاة بالنهار عند قبر الحسين عليه السّلام تطوعا فقال:نعم.

2-حدثني جعفر بن محمد بن إبراهيم الموسوي عن عبيد اللّه بن نهيك عن ابن أبي عمير عن أبي الحسن عليه السّلام قال:سألته عن التطوع عند قبر الحسين عليه السّلام و بمكة و المدينة و أنا مقصّر قال:تطوع عنده و أنت مقصّر ما شئت و في المسجد الحرام و في مسجد الرسول و في مشاهد النبي صلّى اللّه عليه و آله فإنه خير.

حدثني علي بن الحسين عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن ابن أبي عمير و إبراهيم بن عبد الحميد جميعا عن أبي الحسن عليه السّلام مثله.حدثني أبي ره عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن موسى الخشاب عن جعفر بن محمد بن حكيم الخثعمي عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السّلام مثله.

3-حدثني علي بن محمد بن يعقوب الكسائي قال:حدثنا علي بن الحسن بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى الساباطي قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في الحائر قال:ليس الصلاة إلا الفرض

ص: 70

بالتقصير و لا تصلّي النوافل.

4-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن إسماعيل عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السّلام قال:سألته عن التطوع عند قبر الحسين عليه السّلام و مشاهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و الحرمين و التطوع فيهن بالصلاة و نحن مقصّرون قال:نعم تطوّع ما قدرت عليه هو خير.

5-حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار قال:قلت لأبي الحسن عليه السّلام جعلت فداك أتنفل في الحرمين و عند قبر الحسين عليه السّلام و أنا أقصّر قال:نعم ما قدرت عليه.

6-حدثني أبي ره و محمد بن الحسن عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد الجوهري عن علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال:سألته عن التطوع عند قبر الحسين عليه السّلام و مشاهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و الحرمين في الصلاة و نحن نقصّر قال:نعم تطوّع ما قدرت عليه.

7-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه قال:سألت أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد مكة و المدينة و الكوفة و قبر الحسين عليه السّلام الأربعة الذي روى فيها فقال:أنا أقصّر و كان صفوان يقصّر و ابن أبي عمير و جميع أصحابنا يقصّرون (1).8.

ص: 71


1- كامل الزيارات:248.

التمام عند قبر الإمام الحسين عليه السّلام

1-حدثني أبي و محمد بن الحسن عن الحسن بن متيل عن سهل بن زياد الآدمي عن محمد بن عبد اللّه عن صالح بن عقبة عن أبي شبل قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

أزور قبر الحسين عليه السّلام قال:زر الطيب و أتم الصلاة عنده قال:أتم الصلاة عنده؟

قال:أتم.

قلت:فإن بعض أصحابنا يروي التقصير.

قال:إنما يفعل ذلك الضعفة حدثني محمد بن يعقوب ره عن جماعة مشايخه عن سهل بن زياد بإسناده مثله سواء.

2-حدثني أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد العسكري عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه علي عن الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن أبي البلاد عن رجل من أصحابنا يقال له الحسين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:تتم الصلاة في ثلاثة مواطن في المسجد الحرام و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و عند قبر الحسين عليه السّلام.

3-حدثني أبي رحمه اللّه و أخي و علي بن الحسين عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد ابن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن عبد الملك القمي عن إسماعيل بن جابر عن عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:تتم الصلاة في أربعة مواطن في المسجد الحرام و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و مسجد الكوفة و حرم الحسين عليه السّلام.

4-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن أبيه عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

ص: 72

من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن بمكة و المدينة و مسجد الكوفة و الحائر.

5-قال ابن قولويه:وزاده الحسين بن أحمد بن المغيرة عقب هذا الحديث في هذا الباب بما أخبره به حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي بإجازته بخطه باجتيازه للحج عن أبي النضر محمد بن مسعود العياشي عن علي بن محمد قال:

حدثني محمد بن أحمد عن الحسن بن علي بن النعمان عن أبي عبد اللّه البرقي و علي بن مهزيار و أبي علي بن راشد جميعا عن حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال:من مخزون علم اللّه الإتمام في أربعة مواطن حرم اللّه و حرم رسوله و حرم أمير المؤمنين و حرم الحسين عليهم السّلام.

6-حدثني محمد بن همام بن سهيل عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري قال:

حدثنا محمد بن حمدان المدائني عن زياد القندي قال:قال أبو الحسن موسى عليه السّلام:

أحب لك ما أحب لنفسي و أكره لك ما أكره لنفسي أتم الصلاة في الحرمين و بالكوفة و عند قبر الحسين عليه السّلام.

7-حدثني علي بن حاتم القزويني قال:أخبرنا محمد بن أبي عبد اللّه الأسدي قال:حدثنا القاسم بن الربيع الصحاف عن عمرو بن عثمان عن عمرو بن مرزوق قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصلاة في الحرمين و في الكوفة و عند قبر الحسين عليه السّلام قال:أتم الصلاة فيهم.

8-حدثني محمد بن يعقوب و جماعة مشايخي ره عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور قال:حدثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:تتم الصلاة في المسجد الحرام و مسجد الرسول و مسجد الكوفة و حرم الحسين.

9-و من زيادة الحسين بن أحمد بن المغيرة ما في حديث أحمد بن إدريس بن أحمد بن زكريا القمي قال:حدثني محمد بن عبد الجبار عن علي بن إسماعيل عن

ص: 73

محمد بن عمرو عن قائد الحناط عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال:سألته عن الصلاة في الحرمين فقال:تتم و لو مررت به مارا.

10-حدثني أحمد بن إدريس قال:حدثني أحمد بن أبي زاهر عن محمد بن الحسين الزيات عن حسين بن عمران عن عمران قال:قلت لأبي الحسن عليه السّلام:أقصر في المسجد الحرام أو أتم.

قال:إن قصرت فلك و إن أتممت فهو خير و زيادة في الخير خير (1).1.

ص: 74


1- كامل الزيارات:251.

ثواب صلاة الفريضة عند ضريح الإمام الحسين

1-حدثني جعفر بن محمد بن إبراهيم الموسوي عن عبيد اللّه بن نهيك عن ابن أبي عمير عن رجل عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال لرجل:يا فلان ما يمنعك إذا عرضت لك حاجة أن تأتي قبر الحسين عليه السّلام فتصلّي عنده أربع ركعات.

ثم تسأل حاجتك فإن الصلاة الفريضة عنده تعدل حجة و النافلة تعدل عمرة.

2-حدثني أبي و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه الجاموراني الرازي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن الحسن بن محمد بن عبد الكريم أبي علي عن المفضل بن عمر عن جابر الجعفي قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام للمفضل في حديث طويل في زيارة قبر الحسين عليه السّلام.

ثم تمضي إلى صلاتك و لك بكل ركعة ركعتها عنده كثواب من حج ألف حجة و اعتمر ألف عمرة و أعتق ألف رقبة و كأنما وقف في سبيل اللّه ألف مرة مع نبي مرسل..و ذكر الحديث.

3-حدثني علي بن الحسين عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد و حدثني محمد بن الحسين بن مت الجوهري عن محمد بن أحمد عن هارون بن مسلم عن أبي علي الحراني قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام قال:من أتاه و زاره و صلّى عنده ركعتين أو أربع ركعات كتب اللّه(كتبت)له حجة و عمرة.

قال:قلت:جعلت فداك و كذلك لكل من أتى قبر إمام مفترض طاعته؟

قال:و كذلك لكل من أتى قبر إمام مفترض طاعته حدثني أبي(ره)عن سعد بن

ص: 75

عبد اللّه عن أبي القاسم عن أبي علي الخزاعي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام..و ذكر مثله.

4-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن شعيب العقرقوفي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:

من أتى قبر الحسين عليه السّلام ما له من الثواب و الأجر جعلت فداك؟

قال عليه السّلام:يا شعيب ما صلّى عنده أحد الصلاة إلا قبلها اللّه منه و لا دعى عنده أحد دعوة إلا استجيب له عاجله و آجله.

فقلت:جعلت فداك زدني فيه؟

قال عليه السّلام:يا شعيب أيسر ما يقال لزائر الحسين بن علي عليه السّلام قد غفر لك يا عبد اللّه فاستأنف عملا جديدا (1).2.

ص: 76


1- كامل الزيارات:252.

وداع قبر الإمام الحسين بن علي

1-حدثني أبي و محمد بن الحسن عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين ابن سعيد و حدثني أبي و علي بن الحسين و محمد بن الحسن عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد و حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن نعيم بن الوليد عن يوسف الكناسي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا أردت أن تودع الحسين بن علي عليه السّلام فقل السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته أستودعك اللّه و أقرأ عليك السلام آمنا باللّه و بالرسول و بما جئت به و دللت عليه و اتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين اللهم لا تجعله آخر العهد منا و منه اللهم إنا نسألك أن تنفعنا بحبه اللهم ابعثه مقاما محمودا تنصر به دينك و تقتل به عدوك و تبير به من نصب حربا لآل محمد فإنك وعدته ذلك و أنت لا تخلف الميعاد و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته أشهد أنكم شهداء نجباء جاهدتم في سبيل اللّه و قتلتم على منهاج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم تسليما أنتم السابقون و المهاجرون و الأنصار أشهد أنكم أنصار اللّه و أنصار رسوله فالحمد للّه الذي صدقكم وعده و أراكم ما تحبون و صلى اللّه على محمد و آل محمد و رحمة اللّه و بركاته اللهم لا تشغلني في الدنيا عن ذكر نعمتك لا بإكثار تلهيني عجائب بهجتها و تفتنني زهرات زينتها و لا بإقلال يضر بعملي كده و يملأ صدري همه أعطني من ذلك غنى عن شرار خلقك و بلاغا أنال به رضاك يا أرحم الراحمين و صلى اللّه على رسوله محمد ابن عبد اللّه و على أهل بيته الطيبين الأخيار و رحمة اللّه و بركاته.

ص: 77

2-حدثني أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن الحسين العسكري بعسكر مكرم عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن مروان عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا أردت الوداع بعد فراغك من الزيارات فأكثر منها ما استطعت و ليكن مقامك بنينوى أو الغاضرية و متى أردت الزيارة فاغتسل وزر زورة الوداع فإذا فرغت من زيارتك فاستقبل بوجهك وجهه و التمس القبر و قل:السلام عليك يا ولي اللّه السلام عليك يا أبا عبد اللّه أنت لي جنة من العذاب و هذا أوان انصرافي عنك غير راغب عنك و لا مستبدل بك سواك و لا مؤثر عليك غيرك و لا زاهد في قربك و قد جدت بنفسي للحدثان و تركت الأهل و الأوطان فكن لي يوم حاجتي و فقري و فاقتي و يوم لا يغني عني والدي و لا ولدي و لا حميمي و لا رفيقي و لا قريبي أسأل اللّه الذي قدّر و خلق أن ينفّس بك كربي و أسأل اللّه الذي قدّر علي فراق مكانك أن لا يجعله آخر العهد مني و من رجعتي و أسأل اللّه الذي أبكى عليك عيني أن يجعله سندالي و أسأل اللّه الذي نقلني إليك من رحلي و أهلي أن يجعله ذخرا لي و أسأل اللّه الذي أراني مكانك و هداني للتسليم عليك و لزيارتي إياك أن يوردني حوضكم و يرزقني مرافقتكم في الجنان مع آبائك الصالحين صلى اللّه عليهم أجمعين.

السلام عليك يا صفوة اللّه السلام على رسول اللّه محمد بن عبد اللّه حبيب اللّه و صفوته و أمينه و رسوله و سيد النبيين السلام على أمير المؤمنين و وصي رسول رب العالمين و قائد الغر المحجلين السلام على الأئمة الراشدين المهديين السلام على من في الحائر منكم السلام على ملائكة اللّه الباقين المسبّحين المقيمين الذين هم بأمر ربهم قائمون السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين و الحمد للّه رب العالمين.

و تقول:سلام اللّه و سلام ملائكته المقرّبين و أنبيائه المرسلين و عباده الصالحين عليك يا ابن رسول اللّه و على روحك و بدنك و على ذريتك و على من

ص: 78

حضرك من أوليائك أستودعك اللّه و أسترعيك و أقرأ عليك السلام آمنا باللّه و برسوله و بما جاء به من عند اللّه(عنده)اللهم اكتبنا مع الشاهدين.

و تقول:اللهم صل على محمد و آل محمد و لا تجعله آخر العهد من زيارتي ابن رسولك و ارزقني زيارته أبدا ما أبقيتني اللهم و انفعني بحبه يا رب العالمين اللهم ابعثه مقاما محمودا إنك على كل شيء قدير اللهم إني أسألك بعد الصلاة و التسليم أن تصلي على محمد و آل محمد و أن لا تجعله آخر العهد من زيارتي إياه فإن جعلته يا رب فاحشرني معه و مع آبائه و أوليائه و إن أبقيتني يا رب فارزقني العود إليه ثم العود إليه بعد العود برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم اجعل لي لسان صدق في أوليائك و حبب إلي مشاهدهم.

اللهم صل على محمد و آل محمد و لا تشغلني عن ذكرك بإكثار علي من الدنيا تلهيني عجائب بهجتها و تفتنني زهرات زينتها و لا بإقلال يضر بعملي كده و يملأ صدري همه و أعطني بذلك غنى عن شرار خلقك و بلاغا أنال به رضاك يا رحمان و السلام عليكم يا ملائكة اللّه و زوار قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام.

ثم ضع خدك الأيمن عن القبر مرة.

ثم الأيسر مرة و ألح في الدعاء و المسألة فإذا خرجت فلا تول وجهك على القبر حتى تخرج (1).6.

ص: 79


1- كامل الزيارات:256.

زيارة عاشوراء

اشارة

و أما زيارة عاشوراء من قرب أو بعد فمن أراد ذلك و كان بعيدا عنه عليه السّلام فليبرز إلى الصحراء أو يصعد سطحا مرتفعا في داره و يومىء إليه عليه السّلام و يجتهد بالدعاء على قاتله ثم يصلّي ركعتين وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس ثم ليندب الحسين عليه السّلام و يبكيه و يأمر من في داره بذلك ممن لا يتقيه و يقيم في داره مع من حضره المصيبة بإظهار الجزع عليه و ليعز بعضهم بعضا بمصابهم بالحسين عليه السّلام فيقول أعظم اللّه أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام و جعلنا اللّه و إياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام فإذا أنت صليت الركعتين المذكورتين آنفا فكبر اللّه مائة مرة ثم أومىء إليه عليه السّلام و قل:

السلام عليك يا أبا عبد اللّه السلام عليك يا ابن رسول اللّه السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين و ابن سيد الوصيين السلام عليك يا ابن فاطمة سيدة نساء العالمين السلام عليك يا ثار اللّه و ابن ثاره و الوتر الموتور السلام عليك و على الأرواح التي حلت بفنائك عليكم مني جميعا سلام اللّه أبدا ما بقيت و بقي الليل و النهار يا أبا عبد اللّه لقد عظمت الرزية و جلّت المصيبة بك علينا و على جميع أهل الإسلام و جلّت و عظمت مصيبتك في السماوات على جميع أهل السماوات فلعن اللّه أمة أسست أساس الظلم و الجور عليكم أهل البيت و لعن اللّه أمة دفعتكم عن مقامكم و أزالتكم عن مراتبكم التي رتّبكم اللّه فيها و لعن اللّه أمة قتلتكم و لعن اللّه الممهدين لكم بالتمكين من قتالكم برئت إلى اللّه و إليكم منهم و من أشياعهم و أتباعهم و أوليائهم يا أبا عبد اللّه إني سلم لمن سالمكم و حرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة و لعن اللّه آل زياد و آل مروان و لعن اللّه بني أمية قاطبة و لعن اللّه ابن مرجانة و لعن اللّه عمر بن سعد و لعن اللّه شمرا و لعن اللّه أمة أسرجت

ص: 80

و ألجمت و تهيأت و تنقبت لقتالك بأبي أنت و أمي لقد عظم مصابي بك فأسأل اللّه الذي أكرم مقامك و أكرمني بك أن يرزقني طلب ثارك مع إمام[معصوم]منصور من أهل بيت محمد صلى اللّه عليه و آله اللهم اجعلني عندك وجيها بالحسين عليه السلام في الدنيا و الآخرة يا أبا عبد اللّه إني أتقرب إلى اللّه و إلى رسوله و إلى أمير المؤمنين و إلى فاطمة و إلى الحسن و إليك بموالاتك و بالبراءة ممن قاتلك و نصب لك الحرب و بالبراءة ممن أسس أساس الظلم و الجور عليكم و أبرأ إلى اللّه و إلى رسوله ممن أسس أساس ذلك و بنى عليه بنيانه و جرى في ظلمه و جوره عليكم أهل البيت و على أشياعكم برئت إلى اللّه و إليكم منهم و أتقرب إلى اللّه و إلى رسوله ثم إليكم بموالاتكم و موالاة وليكم و بالبراءة من أعدائكم و الناصبين لكم الحرب و بالبراءة من أشياعهم و أتباعهم إني سلم لمن سالمكم و حرب لمن حاربكم و ولي لمن والاكم عدو لمن عاداكم فأسأل اللّه الذي أكرمني بمعرفتكم و معرفة أوليائكم و رزقني البراءة من أعدائكم أن يجعلني معكم في الدنيا و الآخرة و أن يثبت لي عندكم قدم صدق في الدنيا و الآخرة و أسأله أن يبلغني المقام المحمود الذي لكم عند اللّه و أن يرزقني طلب ثاركم[ثاري]مع إمام مهدي ظاهر ناطق منكم و أسأل اللّه بحقكم و بالشأن الذي لكم عنده أن يعطيني بمصابي بكم أفضل ما يعطي مصابا بمصيبته[بمصيبة]يا لها من مصيبة[مصيبة]ما أعظمها و أعظم رزيتها في الإسلام و في جميع أهل السماوات الأرض اللهم اجعلني في مقامي هذا ممن تناله منك صلوات و رحمة و مغفرة اللهم اجعل محياي محيا محمد و آل محمد و مماتي ممات محمد و آل محمد اللهم إن هذا يوم تبركت به بنو أمية و ابن آكلة الأكباد اللعين ابن اللعين على لسانك و لسان نبيك في كل موطن و موقف وقف فيه نبيك اللهم العن أبا سفيان و معاوية و يزيد بن معاوية عليهم منك اللعنة أبد الآبدين و هذا يوم فرحت فيه[به] آل زياد و آل مروان بقتلهم الحسين عليه السلام اللهم فضاعف[ضاعف]عليهم اللعن منك و العذاب الأليم اللهم إني أتقرب إليك في هذا اليوم و في موقفي هذا و أيام حياتي بالبراءة منهم و اللعنة عليهم و بالموالاة لنبيك و آل نبيك عليهم السلام.

ص: 81

ثم تقول مائة مرة:اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد و آل محمد و آخر تابع له على ذلك اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين عليه السلام و شايعت و بايعت و تابعت على قتله اللهم العنهم جميعا.

ثم تقول مائة مرة:السلام عليك يا أبا عبد اللّه و على الأرواح التي حلت بفنائك عليك مني سلام اللّه أبدا ما بقيت و بقي الليل و النهار و لا جعله اللّه آخر العهد مني لزيارتكم[لزيارتك]السلام على الحسين و على علي بن الحسين[و على أولاد الحسين]و على أصحاب الحسين.

ثم تقول:اللهم خص أنت أول ظالم باللعن مني و أبدأ به أول[أولا-الأول]ثم الثاني و[ثم]الثالث و[ثم]الرابع.

اللهم العن يزيد خامسا و العن عبيد اللّه بن زياد و ابن مرجانة و عمر بن سعد و شمرا و ال أبي سفيان و آل زياد و آل مروان إلى يوم القيامة.

ثم اسجد و قل:اللهم لك الحمد حمد الشاكرين لك على مصابهم الحمد للّه على عظيم رزيتي اللهم ارزقني شفاعة الحسين عليه السلام يوم الورود و ثبت لي قدم صدق عندك مع الحسين[و أولاد الحسين]و أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام.

ثم صل ركعتي الزيارة بمهما شئت و قل بعدهما:اللهم إني لك صليت و لك ركعت و لك سجدت وحدك لا شريك لك لأنه لا تجوز الصلاة و الركوع السجود إلا لك لأنك أنت اللّه لا إله إلا أنت اللهم صل على محمد و آل محمد و أبلغهم أفضل السلام و التحية واردد علي منهم السلام اللهم و هاتان الركعتان هدية مني إلى سيدي و مولاي الحسين بن علي عليهما السلام اللهم صل على محمد و آله تقبلهما مني و أجرني عليهما أفضل أملي و رجائي فيك و في وليك يا ولي المؤمنين.

و يستحب أن يصلى أيضا في يوم عاشوراء أربع ركعات و قد مر كيفية فعلها في فضل الصلوات.

ص: 82

الدعاء بعد زيارة عاشوراء

ثم ادع بعد هذه الزيارة بهذا الدعاء المروي عن الصادق عليه السّلام و هو:

يا اللّه يا اللّه يا اللّه يا مجيب دعوة المضطرين و يا كاشف كرب المكروبين و يا غياث المستغيثين و يا صريخ المستصرخين و يا من هو أقرب إلي من حبل الوريد و يا من يحول بين المرء و قلبه و يا من هو بالمنظر الأعلى و بالأفق المبين و يا من هو الرحمن الرحيم على العرش استوى و يا من يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور و يا من لا تخفى عليه خافية يا من لا تشتبه عليه الأصوات و يا من لا تغلّطه الحاجات و يا من لا يبرمه إلحاح الملحين يا مدرك كل فوت و يا جامع كل شمل و يا بارئ النفوس بعد الموت يا من هو كل يوم في شأن يا قاضي الحاجات يا منفس الكربات يا معطي السؤلات يا ولي الرغبات يا كافي المهمات يا من يكفي من كل شيء و لا يكفي منه شيء في السماوات و الأرض أسألك بحق محمد و علي و بحق فاطمة بنت نبيك و بحق الحسن و الحسين و التسعة من ولد الحسين عليهم السلام فإني بهم أتوجه إليك في مقامي هذا و بهم أتوسل و بهم أتشفع إليك و بحقهم أسألك و أقسم و أعزم عليك و بالشأن الذي لهم عندك و بالقدر الذي لهم عندك و بالذي فضّلتهم على العالمين و باسمك الذي جعلته عندهم و به خصصتهم دون العالمين و به أبنتهم[و أبنت فضلهم من فضل العالمين حتى فاق فضلهم فضل العالمين]أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تكشف عني غمي و همي و كربي تكفيني المهم من أموري و تقضي عني ديني و تجيزني من الفقر و تجبرني من الفاقة و تغنيني عن المسألة إلى المخلوقين و تكفيني هم من أخاف همه و عسر من أخاف عسره و حزونة من أخاف حزونته و شر من[ما]أخاف شره و مكر من

ص: 83

أخاف مكره و بغي من أخاف بغيه و جور من أخاف جوره و سلطان من أخاف سلطانه وكيد من أخاف كيده و مقدرة من أخاف بلاء مقدرته علي و ترد عني كيد الكيدة و مكر المكرة.

اللهم من أرادني بسوء فأرده و من كادني فكده و اصرف عني كيده و مكره و بأسه و أمانيه و امنعه عني كيف شئت و أنى شئت.

اللهم أشغله عني بفقر لا تجبره و ببلاء لا تستره و بفاقة لا تسدها و بسقم لا تعافيه و ذل لا تعزه و بمسكينة لا تجبرها اللهم اضرب بالذل نصب عينيه و أدخل عليه الفقر في منزله و العلة و السقم في بدنه حتى تشغله عني بشغل شاغل لا فراغ له و أنسه ذكري كما أنسيته ذكرك و خذ عني بسمعه و بصره و لسانه و يده و رجله و قلبه و جميع جوارحه و أدخل عليه في جميع ذلك السقم و لا تشفه حتى تجعل ذلك شغلا شاغلا له عني و عن ذكري و اكفني يا كافي ما لا يكفي سواك فإنك الكافي لا كافي سواك و مفرّج لا مفرّج سواك و مغيث لا مغيث سواك و جار سواك خاف من كان جاره سواك و مغيثه سواك و مفزعه إلى سواك و مهربه و ملجأه إلى غيرك منجاه من مخلوق غيرك فأنت ثقتي و رجائي و مفزعي و مهربي و ملجئي و منجاي فبك أستفتح و بك أستنجح و بمحمد و آل محمد أتوجه إليك و أتوسل و أتشفع فأسألك يا اللّه يا اللّه يا اللّه فلك الحمد و لك الشكر و إليك المشتكى و أنت المستعان فأسألك يا اللّه يا اللّه يا اللّه بحق محمد و آل محمد أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تكشف عني غمي و همي و كربي في مقامي هذا كما كشفت عن نبيك صلى اللّه عليه و آله همه و غمه و كربه و كفيته هول عدوه فاكشف عني كما كشفت عنه و فرّج عني كما فرّجت عنه و اكفني كما كفيته هول ما أخاف هوله و مئونة ما أخاف مئونته و هم ما أخاف همه بلا مئونة على نفسي من ذلك و اصرفني بقضاء حوائجي و كفاية ما أهمّني همّه من أمر آخرتي و دنياي يا أمير المؤمنين و يا أبا عبد اللّه عليكما مني سلام اللّه أبدا ما[بقيت و]بقي الليل و النهار و لا جعله اللّه آخر العهد من زيارتكما و لا فرّق اللّه بيني و بينكما.

ص: 84

اللهم أحيني حياة محمد صلى اللّه عليه و آله و ذريته و أمتني مماتهم و توفني على ملتهم و احشرني في زمرتهم و لا تفرّق بيني و بينهم طرفة عين في الدنيا و الآخرة يا أمير المؤمنين و يا أبا عبد اللّه قصد تكما بقلبي زائرا و متوسلا إلى اللّه ربي و ربكما و متوجها إليه بكما و مستشفعا بكما إلى اللّه في حاجتي هذه فاشفعا لي فإن لكما عند اللّه المقام المحمود و الجاه الوجيه و المنزل الرفيع و الوسيلة إني أنقلب عنكما منتظرا لتنجز الحاجة و قضاءها و نجاحها من اللّه بشفاعتكما لي إلى اللّه فلا أخيب و لا يكون منقلبي منقلبا خائبا خاسرا بل يكون منقلبي منقلبا راجيا مفلحا منجحا مستجابا بقضاء جميع حوائجي و تشفعا لي إلى اللّه انقلبت على ما شاء اللّه و لا حول و لا قوة إلا باللّه مفوضا أمري إلى اللّه ملجئا ظهري إلى اللّه متوكلا على اللّه و أقول حسبي اللّه و كفى سمع اللّه لمن دعى ليس وراء اللّه و وراءكم يا سادتي منتهى ما شاء اللّه[ربي]كان و ما لم يشأ لم يكن و لا حول و لا قوة إلا باللّه أستودعكم اللّه و لا جعله اللّه آخر العهد مني إليكما انصرفت يا سيدي يا أمير المؤمنين و مولاي و أنت يا أبا عبد اللّه و سلامي عليكما متصل ما اتصل الليل و النهار و اصل ذلك إليكما غير محجوب عنكما سلامي إن شاء اللّه و أسأله بحقكما أن يشاء ذلك و يفعل فإنه حميد مجيد و انقلبت يا سيدي عنكما تائبا حامدا للّه شاكرا راجيا للإجابة غير آيس و لا قانط آئبا عائدا إلى زيارتكما غير راغب عنكما و لا عن زيارتكما بل راجع عائد إن شاء اللّه تعالى و لا حول و لا قوة إلا باللّه يا سادتي رغبت إليكما و إلى زيارتكما بعد أن زهد فيكما و في زيارتكما أهل الدنيا فلا خيّبني اللّه ما رجوت و ما أملت في زيارتكما إنه قريب مجيب (1).0.

ص: 85


1- المصباح الكفعمي:483-490.

آثار ترك السعي لحوائج الدنيا يوم عاشوراء

ورد عن الإمام الرضا عليه السّلام أنه قال:من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه له حوائج الدنيا و الآخرة.

و من كان يوم عاشوراء يوم مصيبته و حزنه و بكائه جعل اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة يوم فرحه و سروره،و قرّت بنا في الجنان عينه.

و من سمّى يوم عاشوراء يوم بركة و ادّخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادّخر و حشر يوم القيامة مع يزيد و عبيد اللّه بن زياد و عمر بن سعد-لعنهم اللّه-إلى أسفل درك من النار (1).

و نقل أحد العلماء أنه صادف في أحد السنين أن اتفق يوم العاشر من محرم مع يوم ولادة ملك إيران(شاه رضا)فطلب الشاه من أصحاب المحلات و الباعة في سوق طهران بأن لا يقفلوا محلاتهم في ذلك اليوم و أن يزينوا الشوارع و أبواب محلاتهم و أن يعلّقوا الأضواء و الثريات.

فامتثل لهذا الأمر أغلب أصحاب المحلات و كان في محلة من سوق طهران تدعى الميدان الأخضر صاحب محل لم يمتثل لهذا الأمر فأغلق دكّانه في ذلك اليوم يوم شهادة الإمام الحسين عليه السّلام و في الغد حدث أن اشتعلت النيران في تلك المحلة فاحترقت كافة المحلات التجارية ما عدا محل ذلك الشخص بقي سالما و لم تقترب منه النيران (2).

ص: 86


1- آثار و بركات سيد الشهداء،ص:227.
2- جزاء الأعمال،ص:114.

آثار زيارة عاشوراء

1-رد الحسين السلام على زائره

يروي أحد العلماء(حسين مشكور)الزهاد أنه رأى في منامه شابا يتقدم لزيارة الإمام الحسين عليه السّلام فيبتسم هو و يبتسم الإمام أيضا فاستيقظ.

ثم في إحدى ليالي الجمعة رأى ذلك الشاب يزور الحسين عليه السّلام و يبتسم أيضا دون رؤية الإمام فسلّمت عليه بعد الزيارة و قلت له المنام و سألته عن السبب فقال:

لي أبوين عجوزين،في كل ليلة جمعة أركب أحدهما على الحمار و آتي به إلى كربلاء(من بلدها)لزيارة الإمام الحسين عليه السّلام و في إحدى الليالي الممطرة أخذت أبي فأصرّت أمي على الذهاب خوفا من الموت قبل الزيارة فقلت لها:الحمار لا يتحمّل و الأرض موحلة و لكن قبلت و حملتها على ظهري و والدي على الحمار و جئنا للزيارة فعند ما سلّمنا عليه رأيته يبتسم و يرد السلام و هكذا كل ليلة جمعة..

2-خدمة الملائكة له بالبرزخ:

رأى الشيخ جواد بن الشيخ مشكور-العالم الرباني الفقيه-في منامه ليلة 26 من صفر سنة 1326،أن عزرائيل زاره فسأله من أين أتيت؟

فقال:من شيراز و قبضت روح الميرزا محلاتي.

فقال الشيخ مشكور:و كيف حاله في البرزخ.

ص: 87

فأجابه عزرائيل:في الجنة البرزخية بين يديه 1000 ملك.

فسأل الشيخ ماذا عمل الميرزا حتى نال ذلك هل بسبب درجته العلمية و تدريسه أم بسبب صلاته الجماعية و إيصال أحكام اللّه و القرآن الكريم للناس؟

فقال عزرائيل:لا،سببه قراءة زيارة عاشوراء الحسين عليه السّلام.

(حيث كان الميرزا خلال 30 عاما يقرأ الزيارة كل يوم) (1).

3-رفع العذاب عن جيران الزائر:

حكى الميرزا آغا جواد التبريزي في المراقبات عن بعض الثقاة من أهل العلم أن عشارا مات و دفن في المقبرة فرآه صديقه في المنام و هو في عيشة جيدة هنيئة فسأله عن السبب فأجابه كنت في هذه المقبرة معذبا حتى دفنت فيها امرأة-زوجة فلان-فزارها الحسين عليه السّلام في الليلة التي دفنت فيها ثلاث مرات و في الثالثة أمر الملائكة برفع العذاب عن جيرانها فشملتنا..

و في الصباح ذهب الصديق إلى زوجها فسأله عن مكان الدفن فكان كما قال العشار فسأله عن ارتباطها بالإمام الحسين عليه السّلام فقال:لا يوجد لها عمل معه سوى المداومة على زيارة عاشوراء..

4-عدم الوقوع في المرض المحتم:

قال مؤسس الحوزة العلمية في قم المقدسة آية اللّه العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري قدّس سرّه كنا جالسين عند آية اللّه العظمى المجدد الشيرازي في سامراء إذ دخل

ص: 88


1- القصص العجيبة،ص:190،بتصرف.

آية اللّه السيد محمد الفشاركي منقبض الوجه قلقا،و يظهر أنه كان مضطربا من مرض الوباء الذي اجتاح العراق في تلك الأيام.

فقال لنا أستاذنا آية اللّه الشيرازي:هل تروني مجتهدا أم لا؟

قلنا:نراك مجتهدا.

قال:و هل تروني عادلا؟قلنا:نعم.

و كان يريد المجدد الشيرازي بهذين السؤالين أن يأخذ من تلامذته الإقرار ليصدر حكما لا يترددون في تنفيذه.

و هكذا لمّا أقررنا على اجتهاده و عدالته،قال:«إني آمر كل امرأة و رجل من الشيعة بأن يقرأوا زيارة عاشوراء نيابة عن الوالدة المعظمة للإمام الحجة عليه السّلام يقسمون عليها بحق إبنها(عج)كي يشفع لنا الإمام عند اللّه تعالى فينجي اللّه المسلمين من مرض الوباء».

يقول آية اللّه العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري:«لمجرد صدور هذا الحكم إلتزم شيعة سامراء بالطاعة،و كانت النتيجة أن لا أحد منهم أصيب بهذا المرض، في الوقت الذي كان في اليوم الواحد يموت من غيرهم عشرة إلى خمسة عشر شخصا بسبب الوباء» (1).

5-إنقاذ غريق:

قال الشيخ محمد الأنصاري:تشرفت بزيارة كربلاء في العام 1370 ه ق و كان ابني مريضا و كنت قد اصطحبته معي طلبا لشفائه و في يوم الأربعين(20 صفر) ذهبت مع ولدي الى زاوية من النهر و شرعنا بالغسل،و بينما أنا كذلك إذ رأيت الماء

ص: 89


1- قصص و خواطر،ص:204-205.

قد أخذ ولدي و قد ابتعد عني و لم أعد أرى منه سوى رأسه و لم أكن أقوى على السباحة و لم يكن هناك أحد لينجيه فتوجهت إلى اللّه بقلب خاضع و أقسمت على اللّه بحق سيد الشهداء طالبا منه إنقاذ ولدي حتى رأيته يعود إلي فأمسكت بيده و أخرجته من الماء و سألته عمّا جرى له.

فقال لي:لم أر أحدا لكني أحسست و كأن أحدا أخذ بعضدي و توجّه بي نحوك.

فسجدت و شكرت اللّه على إجابته دعائي (1).0.

ص: 90


1- القصص العجيبة،ص:220.

أثر التصدق في عاشوراء

6-حور العين:

ذكر الإمام الحريفيش في كتابه«الروض الفائق»قال:قيل أنه كان بمصر رجل تاجر بالتمر يقال له:عطية بن خلف،و كان من أهل الثروة،ثم افتقر و لم يبق له سوى ثوب يستر عورته،فلما كان يوم عاشوراء صلّى الصبح في جامع عمرو بن العاص و كان من عادة هذا الجامع أن لا تدخله النساء إلاّ في يوم عاشوراء لأجل الدعاء،فوقف يدعو مع جملة الناس،و هو بمعزل عن النساء،فجاءته امرأة و معها أطفال أيتام فقالت:يا سيدي سألتك باللّه إلاّ ما فرّجت عني و آثرتني بشيء أستعين به على قوت هذه الأطفال،فقد مات أبوهم و ما ترك لهم شيئا و أنا شريفة و لا أعرف أحدا أقصده و ما خرجت اليوم إلاّ عن ضرورة أحوجتني الى بذل وجهي و ليس لي عادة بذلك.

فقال الرجل في نفسه:أنا لا أملك شيئا و ليس عندي غير هذا الثوب و إن خلعته انكشفت عورتي،و إن رددتها فأي عذر لي عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فقال لها:إذهبي معي حتى أعطيك شيئا،فذهبت معه الى منزله فأوقفها على الباب و دخل و خلع ثوبه و اتزر بخلق كان عنده،ثم ناولها الثوب من شق الباب.

فقالت:ألبسك اللّه من حلل الجنة و لا أحوجك باقي عمرك،ففرح بدعائها و دخل البيت و أغلق الباب و جلس يذكر اللّه الى الليل،ثم نام فرأى في المنام حوراء لم ير الراؤون أحسن منها،و بيدها تفاحة قد عطّرت ما بين السماء و الأرض فناولته

ص: 91

التفاحة فكسرها فخرج منها حلة من حلل الجنة لا تقوم بها الدنيا و ما فيها،فألبسته الحلة و جلست في حجره،فقال لها:من أنت.

قالت:أنا عاشوراء زوجتك في الجنة.

قال:بم نلت ذلك؟

قالت:بدعوة تلك العلوية المسكينة الأرملة و الأيتام الذين أحسنت إليهم بالأمس.

فانتبه و عنده من السرور ما لا يعلمه إلاّ اللّه عز و جل،و قد عبق من طيبه المكان فتوضا و صلى ركعتين شكرا للّه عزّ و جلّ،ثم رفع طرفه الى السماء و قال:اللهم إن كان منامي حقا و هذه زوجتي في الجنة فاقبضني إليك،فما استتم الكلام حتى عجّل اللّه بروحه الى دار السلام (1).ء.

ص: 92


1- الروض الفائق في المواعظ و الرقائق:167 المجلس الثاني و الاربعين ط.مصر 1320،و ذكر عدة قصص في أثر التصدق في عاشوراء.

زيارة أربعين الحسين عليه السلام

و أما زيارة الأربعين فرواها صفوان بن مهران عن الصادق عليه السّلام قال:تزور عند ارتفاع النهار بهذه الزيارة فتقول:

السلام على ولي اللّه و حبيبه السلام على خليل اللّه و نجيه السلام على صفي اللّه و ابن صفيه السلام على الحسين المظلوم الشهيد السلام على أسير الكربات و قتيل العبرات اللهم إني أشهد أنه وليك و ابن وليك و صفيك و ابن صفيك الفائز بكرامتك أكرمته بالشهادة و حبوته بالسعادة و اجتبيته بطيب الولادة جعلته على خلقك من الأوصياء فأعذر في الدعاء و منح النصح و بذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة و حيرة الضلالة و قد توازر عليه من غرّته الدنيا و باع حظه بالأرذل الأدنى و شرى آخرته بالثمن الأوكس و تغطرس و تردى في هواه أسخطك و أسخط نبيك و أطاع من عبادك أهل الشقاق و النفاق و حملة الأوزار المستوجبين للنار فجاهدهم فيك صابرا محتسبا حتى سفك في طاعتك دمه و استبيح حريمه اللهم فالعنهم لعنا وبيلا و عذبهم عذابا أليما.

السلام عليك يا ابن رسول اللّه السلام عليك يا ابن سيد الأوصياء أشهد أنك أمين اللّه و ابن أمينه عشت سعيدا و مضيت حميدا و مت فقيدا مظلوما شهيدا و أشهد أن اللّه منجز ما وعدك و مهلك من خذلك و معذب من قتلك و أشهد أنك و فيك بعهد اللّه و جاهدت في سبيله حتى أتاك اليقين فلعن اللّه من قتلك و لعن اللّه من ظلمك و لعن اللّه أمة سمعت بذلك فرضيت به.

اللهم إني أشهدك أني ولي لمن والاه و عدو لمن عاداه بأبي أنت و أمي يا ابن رسول

ص: 93

اللّه أشهد أنك كنت نورا في الأصلاب الشامخة و الأرحام الطاهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها و لم تلبسك المدلهمات من ثيابها[و أشهد أنك من دعائم الدين و أركان المسلمين و معقد المؤمنين]و أشهد أنك الإمام البر التقي الرضي الزكي الهادي المهدي و أشهد أن الأئمة من ولدك كلمة التقوى و أعلام الهدى و العروة الوثقى و الحجة على أهل الدنيا و أشهد أني بكم مؤمن و بإيابكم موقن بشرائع ديني و خواتيم عملي و قلبي لقلبكم سلم و أمري لأمركم متبع و نصرتي لكم معدة حتى يأذن اللّه لكم فمعكم معكم لا مع عدوكم صلوات اللّه عليكم و على أرواحكم و أجسادكم[أجسامكم]و شاهدكم و غائبكم و ظاهركم و باطنكم[و رحمة اللّه و بركاته آمين يا رب العالمين].

ثم تصلي ركعتي الزيارة و تدعو بما أحببت.

ثم زر علي بن الحسين و الشهداء و العباس عليه السّلام بما سنذكره إن شاء اللّه تعالى في زيارة عرفة و هكذا تفعل في كل زيارة للحسين عليه السّلام.

ص: 94

استحباب زيارة الحسين عليه السلام كل شهر

يستحب زيارة الحسين عليه السّلام في كل شهر بل في كل يوم.أما في كل شهر فلما ورد عن الصادق عليه السّلام:من زار الحسين عليه السّلام في كل شهر كان له ثواب مائة ألف شهيد من شهداء بدر.

استحباب زيارة الحسين عليه السلام كل يوم

و أما زيارته عليه السّلام في كل يوم فلما روي أن الصادق عليه السّلام قال لسدير بن حكيم يا سدير أتزور الحسين عليه السّلام في كل يوم قلت:لا.

قال:ما أجفاكم أفتزوره في كل شهر قلت:لا.قال:أفتزوره في كل سنة قلت قد يكون ذلك قال:ما أجفاكم بالحسين عليه السّلام أما علمت أن للّه تعالى ألف ألف ملك شعث غبر يبكونه و يزورونه و لا يفترون و ما عليك يا سدير أن تزور الحسين عليه السّلام في كل يوم مرة قال:فقلت:جعلت فداك بيننا و بينه فراسخ كثيرة.

فقال:إصعد فوق سطحك ثم التفت يمنة و يسرة ثم ارفع رأسك إلى السماء ثم تنحو نحو القبر و تقول:السلام عليك يا أبا عبد اللّه السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته

ص: 95

زيارة الحسين عليه السلام أول ليلة من رجب و يومه و نصفه

و أما زيارة أول ليلة من رجب و يومه و نصفه:

فقف بعد الاغتسال على باب قبته مستقبل القبلة و سلّم على النبي و فاطمة و الأئمة(ع)ثم استأذن بما مر ذكره و ادخل وقف على ضريحه عليه السّلام و استقبل وجهك بوجهه تجعل القبلة بين كتفيك.

و هكذا تفعل في كل زيارة له عليه السّلام إذا كانت الزيارة من قرب.

ثم كبر مائة تكبيرة و قل:السلام عليك يا ابن رسول اللّه السلام عليك يا ابن خاتم النبيين السلام عليك يا ابن سيد المرسلين السلام عليك يا ابن سيد الوصيين.

السلام عليك يا أبا عبد اللّه السلام عليك أيها الحسين بن علي السلام عليك يا ابن فاطمة سيدة نساء العالمين السلام عليك يا ولي اللّه و ابن وليه السلام عليك يا صفي اللّه و ابن صفيه السلام عليك يا حجة اللّه و ابن حجته السلام عليك يا حبيب اللّه و ابن حبيبه السلام عليك يا سفير اللّه و ابن سفيره السلام عليك يا خازن الكتاب المسطور السلام عليك يا وارث التوراة و الإنجيل و الزبور.

السلام عليك يا أمين الرحمن السلام عليك يا شريك القرآن السلام عليك يا عمود الدين السلام عليك يا باب حكمة رب العالمين السلام عليك يا عيبة علم اللّه السلام عليك يا موضع سر اللّه السلام عليك يا ثار اللّه و ابن ثاره و الوتر الموتور السلام عليك و على الأرواح التي حلّت بفنائك و أناخت برحلك بأبي أنت أمي و نفسي يا أبا عبد اللّه لقد عظمت المصيبة و جلت الرزية بك علينا و على جميع أهل الإسلام فلعن اللّه أمة أسست أساس الظلم و الجور عليكم أهل البيت و لعن اللّه أمة دفعتكم عن مقامكم

ص: 96

و أزالتكم عن مراتبكم التي رتّبكم اللّه فيها بأبي أنت و أمي و نفسي يا أبا عبد اللّه لقد اقشعرت لدمائكم أظلة العرش مع أظلة الخلائق و بكتكم السماء الأرض و سكان الجنان و البر و البحر صلى اللّه عليك عدد ما في علم اللّه لبيك داعي اللّه إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك و لساني عند استنصارك فقد أجابك قلبي و سمعي و بصري سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا أشهد أنك طهر طاهر مطهر من طهر طاهر مطهر طهرت و طهرت بك البلاد و طهرت أرض أنت فيها[بها]و طهر حرمك أشهد أنك أمرت بالقسط و العدل و دعوت إليهما و أنك صادق صديق[صديق]صدقت فيما دعوت إليه و أنك ثار اللّه في الأرض و أشهد أنك قد بلّغت عن اللّه و عن جدك رسول اللّه و عن أبيك أمير المؤمنين و عن أخيك الحسن و نصحت و جاهدت في سبيل اللّه[ربك]و عبدت اللّه مخلصا حتى أتاك اليقين فجزاك اللّه خير جزاء السابقين و صلى اللّه عليك و سلم تسليما.

اللهم صل على محمد و آل محمد و صل على الحسين المظلوم[الشهيد]السعيد الرشيد قتيل العبرات و أسير الكربات صلاة نامية زاكية مباركة يصعد أولها و لا ينفد آخرها أفضل ما صليت على أحد من أولاد أنبيائك المرسلين يا إله العالمين.

ثم قبّل الضريح و زر علي بن الحسين و الشهداء و العباس عليه السّلام بما يأتي ذكره في زيارة عرفة إن شاء اللّه تعالى (1).2.

ص: 97


1- المصباح الكفعمي:483-492.

آثار زيارة أهل البيت عليهم السّلام

7-ضمن له الجنة:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال:بينما الحسين بن علي عليه السّلام في حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ رفع رأسه فقال له:يا أبة ما لمن زارك بعد موتك.

فقال:يا بني من أتاني زائرا بعد موتي فله الجنة و من أتى أباك زائرا بعد موته فله الجنة و من أتى أخاك زائرا بعد موته فله الجنة و من أتاك زائرا بعد موتك فله الجنة (1).

ص: 98


1- كامل الزيارات،ص:38.

آثار زيارة الإمام الحسين عليه السلام

1-مجاورة محمد و علي و فاطمة عليهم السّلام:

فعن الإمام أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام أنه كان يقول:من أراد أن يكون في جوار نبيه صلّى اللّه عليه و آله و جوار علي و فاطمة فلا يدع زيارة الحسين بن علي عليه السّلام (1).

2-زيارة اللّه في عرشه:

عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه:«من زار قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام بشط الفرات كان كمن زار اللّه فوق عرشه (2).

قال العلامة المجلسي قدّس سرّه في شرح فقره:«كمن زار اللّه في عرشه»:أي عبد اللّه هناك،أو لاقى الأنبياء و الأوصياء هناك.فإن زيارتهم كزيارة اللّه أو يحصل له مرتبة من القرب كمن صعد عرش ملك و زاره (3).

3-تبشره الملائكة بالجنة:

عن أبي المفضل الشيباني باسناده من كتاب علي بن عبد الواحد النهدي في

ص: 99


1- كامل الزيارات،ص:260.
2- كامل الزيارات،ص:148.
3- بحار الأنوار،ج:101،ص:70.

حديث،يقول فيه عن الصادق عليه السّلام أنه قيل له:فما ترى لمن حضر قبره-يعني الحسين عليه السّلام-ليلة النصف من شهر رمضان؟

فقال:بخ بخ،من صلّى عند قبره ليلة النصف من شهر رمضان عشر ركعات من بعد العشاء من غير صلاة الليل،يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و(قل هو اللّه أحد) عشر مرّات و استجار من النار،كتبه اللّه عتيقا من النار و لم يمت حتى يرى في منامه ملائكة يبشّرونه بالجنة و ملائكة يؤمّنونه من النار (1).

4-تدفع الهدم:

5-تدفع الغرق:

6-تدفع الحرق:

7-تدفع أكل السبع:

عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السّلام قال:مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي عليه السّلام فإن زيارته تدفع الهدم و الغرق و الحرق و أكل السبع،و زيارته مفترضة على من أقرّ للحسين بالإمامة من اللّه عزّ و جلّ (2).

8-لا يخلو من الرحمة طرفة عين:

9-يموت شهيدا:

10-الحفظة تدعوا له ما بقي:

11-لم يزل في حفظ اللّه و أمنه حتى يفارق الدنيا:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان الحسين مع أمه تحمله فأخذه النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال:

ص: 100


1- إقبال الأعمال،ج:1،ص:294.
2- الأمالي-الشيخ الصدوق،ص:206.

لعن اللّه قاتلك،و لعن اللّه سالبك،و أهلك اللّه المتوازرين عليك و حكم اللّه بيني و بين من أعان عليك.

قالت فاطمة عليها السّلام:يا أبة أي شيء تقول؟...الى أن قال:

أما ترضين أن يكون من أتاه زائرا في ضمان اللّه و يكون من أتاه بمنزلة من حجّ إلى بيت و اعتمرو لم يخلو من الرحمة طرفة عين و إذا مات مات شهيدا و إن بقي لم تزل الحفظة تدعوا له ما بقي و لم يزل في حفظ اللّه و أمنه حتى يفارق الدنيا.

قالت:يا أبة سلّمت و رضيت و توكلت على اللّه،فمسح على قلبها و مسح عينيها.. (1).

12-زيادة الإيمان

عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال:من أراد أن يعلم أنه من أهل الجنة فليعرض حبنا على قلبه،فإن قبله فهو مؤمن،و من كان لنا محبا فليرغب في زيارة قبر الحسين عليه السّلام، فمن كان للحسين عليه السّلام زوّارا عرفناه بالحب لنا أهل البيت،و كان من أهل الجنة، و من لم يكن للحسين زوارا كان ناقص الإيمان (2).

13-بركة الأنفس و الأهل و الأولاد و الأموال و المعايش:

عن موسى بن القاسم الخضرمي،قال:ورد أبو عبد اللّه عليه السّلام في أول ولاية أبي جعفر فنزل النجف فقال:يا موسى إذهب إلى الطريق الأعظم فقف على الطريق و انظر فإنه سيأتيك رجل من ناحية القادسية،فإذا دنا منك فقل له:ها هنا رجل من

ص: 101


1- تفسير فرات الكوفي،ص:171-172.
2- كامل الزيارات،ص:356.

ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يدعوك،فإنه سيجىء معك.

قال:فذهبت حتى قمت على الطريق و الحر شديد،فلم أزل قائما حتى كدت أعصي و أنصرف و أدعه،إذ نظرت إلى شيء يقبل شبه رجل على بعير،فلم أزل أنظر إليه حتى دنا مني،فقلت له:يا هذاها هنا رجل من ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يدعوك و قد وصفك لي،فقال:اذهب بنا إليه.

قال:فجئت به حتى أناخ بعيره ناحية قريبا من الخيمة،فدعا فدخل الأعرابي إليه و دنوت أنا،فصرت على باب الخيمة أسمع الكلام و لا أراهما.

فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:من أين قدمت.

قال:من أقصى اليمن.

قال:أنت من موضع كذا و كذا،قال:نعم أنا من موضع كذا و كذا.

قال:فيم جئت ها هنا.

قال:جئت زائرا للحسين عليه السّلام،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فجئت من غير حاجة ليس إلا للزيارة.

قال:جئت من غير حاجة إلا أن أصلّي عنده و أزوره فأسلّم عليه و أرجع إلى أهلي.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:و ما ترون في زيارته.

قال:نرى في زيارته البركة في أنفسنا و أهالينا و أولادنا و أموالنا و معايشنا و قضاء حوائجنا.

قال:فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أ فلا أزيدك من فضله فضلا يا أخا اليمن.

قال:زدني يا بن رسول اللّه.

قال:إن زيارة الحسين عليه السّلام تعدل حجة مقبولة زاكية مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.فتعجّب من ذلك،فقال:إي و اللّه و حجتين مبرورتين متقبلتين زاكيتين مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فتعجّب،فلم يزل أبو عبد اللّه عليه السّلام يزيد حتى قال:ثلاثين حجة مبرورة متقبلة زاكية

ص: 102

مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).

14-تقديس الملائكة له:

15-مضاعفة الحسنات:

16-تدفع البلاء

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن للّه عزّ و جل ملائكة موكلين بقبر الحسين عليه السّلام فإذا هم الرجل بزيارته أعطاهم ذنوبه فإذا اخطا محوها ثم إذا اخطا ضاعفوا له حسناته فما تزال حسناته تضاعف حتى توجب له الجنة ثم اكتنفوه فقدّسوه و ينادون ملائكة السماء أن قدّسوا زوّار قبر حبيب حبيب اللّه فإذا اغتسلوا ناداهم محمد صلّى اللّه عليه و آله يا وفد اللّه أبشروا بمرافقتي في الجنة،ثم ناداهم أمير المؤمنين علي عليه السّلام أنا ضامن لحوائجكم و دفع البلاء عنكم في الدنيا و الآخرة ثم اكتنفوهم عن أيمانهم و عن شمائلهم حتى ينصرفوا إلى أهاليهم (2).

و عنه عليه السّلام أنه قال:ما أتى قبر الحسين بن علي عليهما السلام مكروب قط إلاّ و فرّج اللّه كربته،و قضى حاجته (3).

17-حفظ الزائر في ماله و نفسه و أهله:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:جعلت فداك ما أدنى ما لزائر قبر الحسين عليه السّلام فقال لي:يا عبد اللّه أدنى ما يكون له أن اللّه يحفظه في نفسه و أهله حتى يرده إلى أهله،

ص: 103


1- كامل الزيارات،ص:304-306.
2- ثواب الأعمال،ص:91-92.
3- المقنعة للمفيد،ص:467.

فإذا كان يوم القيامة كان اللّه الحافظ له (1).

18-حفظ ملك كريم له سنة كاملة:

19-تحضر جنازته ملائكمة الرحمة:

20-يؤمن من ضغطة القبر:

21-يؤمن من منكر و نكير أن يروعانه:

22-يعطى كتابه بيمينه:

23-يعطى نورا يضيء لنوره ما بين المشرق و المغرب:

عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لو يعلم الناس ما في قبر الحسين عليه السّلام من الفضل لماتوا شوقا و تقطعت أنفسهم عليه حسرات.

قلت:و ما فيه.

قال:من أتاه تشوقا كتب اللّه له ألف حجة متقلبة و ألف عمرة مبرورة و أجر ألف شهيد من شهداء بدر و أجر ألف صائم،و ثواب ألف صدقة مقبولة و ثواب ألف نسمة أريد بها وجه اللّه،و لم يزل محفوظا سنته من كل آفة أهونها الشيطان،و وكّل به ملك كريم يحفظه من بين يديه و من خلفه،و عن يمينه و عن شماله،و من فوق رأسه و من تحت قدمه.فإن مات سنته حضرته ملائكة الرحمة يحضرون غسله و تكفينه و الإستغفار له،و يشيعونه إلى قبره بالإستغفار له،و يفسح له في قبره مد بصره،و يؤمنه اللّه من ضغطة القبر و من منكر و نكير أن يروعانه،و يفتح له باب إلى الجنة،و يعطى كتابه بيمينه،و يعطى له يوم القيامة نورا يضيء لنوره ما بين المشرق و المغرب،و نادى مناد:هذا من زوار الحسين شوقا إليه،فلا يبقى أحد يوم

ص: 104


1- كامل الزيارات،ص:255.

القيامة إلا تمنّى يومئذ أنه كان من زوار الحسين عليه السّلام (1).

24-إستغفار الملائكة له:

روي أن اللّه تعالى يخلق من عرق زوار قبر الحسين عليه السّلام من كل عرقة سبعين ألف ملك يسبّحون اللّه و يستغفرونه له و لزوار الحسين عليه السّلام،إلى أن تقوم الساعة (2).

عن عبد اللّه بن مسكان،قال:شهدت أبا عبد اللّه عليه السّلام و قد أتاه قوم من أهل خراسان فسألوه عن إتيان قبر الحسين عليه السّلام و ما فيه من الفضل.

قال:حدثني أبي عن جدي أنه كان يقول:من زاره يريد به وجه اللّه أخرجه اللّه من ذنوبه كمولود ولدته أمه،و شيّعته الملائكة في مسيره،فرفرفت على رأسه قد صفوا بأجنحتهم عليه حتى يرجع إلى أهله،و سألت الملائكة المغفرة له من ربه و غشيته الرحمة من أعنان السماء،و نادته الملائكة:طبت و طاب من زرت،و حفظ في أهله (3).

25-أراد اللّه به خيرا:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:من أراد اللّه به الخير قذف في قلبه حب الحسين عليه السّلام و حب زيارته،و من أراد اللّه به سوءا قذف في قلبه بغض الحسين و بغض زيارته (4).

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من لم يزر قبر الحسين عليه السّلام فقد حرم خيرا كثيرا

ص: 105


1- كامل الزيارات،ص:270-271.
2- مستدرك الوسائل،ج:10،ص:256.
3- كامل الزيارات،ص:275.
4- كامل الزيارات،ص:269.

و نقص من عمره سنة (1).

26-العتق من النار:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من زار قبر الحسين عليه السّلام للّه و في اللّه أعتقه اللّه من النار و آمنه يوم الفزع الأكبر و لم يسأل اللّه تعالى حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلاّ أعطاه (2).

27-النجاة من النار:

نقل عن ملاّ محمد كاظم الهزار أنه كان في مدينة الموصل رجل ناصبي لم يرزق بولد فنذر للّه إن رزقه ولد فإنه يجعله قطاع طرق لزوار الحسين عليه السّلام يمنعهم من الزيارة و يقتلهم و يسلب أموالهم.

فلما رزقه اللّه بولد،و استوى أخبره والده بما نذره للّه،فقام ابنه بتنفيذ النذر و أخذ يقتل و ينهب الزوار.

و ذات ليلة رأى في عالم الرؤيا أن القيامة قد حصلت و جاءت ملائكة العذاب عليه فأخذوه إلى نار جهنم و ألقوه فيها،و لكن النار لا تؤثر فيه،فقالت الملائكة للنار:لم لا تحرقينه؟

فأجابت النار:كيف أحرق من كان على بدنه تراب زوار كربلاء ففزع من نومه و علم حقيقة الأمر و اعتنق مذهب الحق«التشيع»و جاور كربلاء ثم أنشد على البداهة:

إذا شئت النجاة فزر حسينا لكي تلقى الإله قرير عين

ص: 106


1- وسائل الشيعة،ج:10،ص:335.
2- جامع أحاديث الشيعة،ج:12،ص:455.

فإن النار ليست تمسّ جسما عليه غبار زوّار الحسين (1).

28-تمحى خطاياه كلها:

عن الصادق عليه السّلام:من زاره(الحسين)كان اللّه له من وراء حوائجه،و كفاه ما أهمّه من أمر دنياه،و إنه ليجلب الرزق على العبد،و يخلف عليه ما أنفق،و يغفر له ذنوب خمسين سنة،و يرجع إلى أهله و ما عليه وزر و لا خطيئة إلا و قد محيت من صحيفته،فإن هلك في سفره نزلت الملائكة فغسّلته و فتح له باب إلى الجنة يدخل عليه روحها حتى ينشر... (2).

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن زيارة الحسين عليه السّلام في شهر رمضان؟

فقال عليه السّلام:من جاءه عليه السّلام خاشعا محتسبا مستغفرا فشهد قبره عليه السّلام في إحدى ثلاث ليال من شهر رمضان:أول ليلة من الشهر أو ليلة النصف أو آخر ليلة منه تساقطت عنه ذنوبه و خطاياه التي اجترحها كما يتساقط هشيم الورق بالريح العاصف،حتى أنه يكون من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه،و كان له مع ذلك من الأجر مثل أجر من حج في عامه ذلك و اعتمر و يناديه ملكان يسمع نداءهما كل ذي روح إلا الثقلين من الجن و الإنس يقول أحدهما:يا أبا عبد اللّه طهرت فاستأنف العمل و يقول الآخر يا عبد اللّه أحببت فأبشر بمغفرة من اللّه و فضل (3).

29-استغفار فاطمة عليها السلام له:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:إن فاطمة بنت محمد صلّى اللّه عليه و آله تحضر لزوار قبر ابنها

ص: 107


1- دار السلام،ج:2،ص:68.
2- العوالم،الإمام الحسين عليه السّلام،ص:506.
3- بحار الأنوار،ج:98،ص:99.

الحسين عليه السّلام فتستغفر لهم ذنوبهم (1).

30-تأكل الشمس ذنوبه كما تأكل النار الحطب:

عن صفوان الجمال قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام و نحن في طريق المدينة نريد مكة فقلت له:يابن رسول اللّه مالي أراك كئيبا حزينا منكسرا.

فقال لي:لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مساءلتي.

قلت:و ما الذي تسمع.

قال:ابتهال الملائكة إلى اللّه على قتلة أمير المؤمنين عليه السّلام و على قتلة الحسين عليه السّلام و نوح الجن عليهما و بكاء الملائكة الذين حولهم و شدة حزنهم فمن يتهنأ مع هذا بطعام أو شراب أو نوم.

قلت له:فمن يأتيه زائرا ثم ينصرف فمتى يعود إليه و في كم يوم يؤتى و في كم يسع الناس تركه.

قال عليه السّلام:أما القريب فلا أقل من شهر و أما بعيد الدار ففي كل ثلاث سنين فما جاز الثلاث سنين فقد عقّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قطع رحمه إلاّ من علّة و لو يعلم زائر الحسين عليه السّلام ما يدخل على رسول اللّه و ما يصل إليه من الفرح و إلى أمير المؤمنين و إلى فاطمة و الأئمة و الشهداء منّا أهل البيت و ما ينقلب به من دعائهم له و ماله في ذلك من الثواب في العاجل و الآجل و المذخور له عند اللّه لأحب أن يكون ما ثم (2)داره ما بقي.

و إن زائره ليخرج من رحله فما يقع فيئه على شيء إلا دعى له فإذا وقعت الشمس

ص: 108


1- كامل الزيارات،ص:231.
2- في هامش المصدر:ما ثم:أي يكون داره عنده عليه السلام لا يفارقه،و ما تم:أي ما تم و ما استقر به داره.

عليه أكلت ذنوبه كما تأكل النار الحطب و ما تبقي الشمس عليه من ذنوبه شيئا فينصرف و ما عليه من ذنب و قد رفع له من الدرجات ما لا يناله المتشحط بدمه في سبيل اللّه و يوكل به ملك يقوم مقامه و يستغفر له حتى يرجع إلى الزيارة أو يمضي ثلاث سنين أو يموت (1)

31-تغشاه الرحمة:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:ما لمن أتى(قبر)الحسين بن علي عليه السّلام زائرا عارفا بحقه غير مستنكف و لا مستكبر؟

قال:يكتب له ألف حجة مقبولة و ألف عمرة مبرورة،و إن كان شقيا كتب سعيدا و لم يزل يخوض في رحمة اللّه (2).

عن عبد اللّه بن مسكان،قال:شهدت أبا عبد اللّه عليه السّلام و قد أتاه قوم من أهل خراسان فسألوه عن إتيان قبر الحسين عليه السّلام و ما فيه من الفضل.

قال:حدثني أبي عن جدي أنه كان يقول:من زاره يريد به وجه اللّه أخرجه اللّه من ذنوبه كمولود ولدته أمه،و شيّعته الملائكة في مسيره،فرفرفت على رأسه قد صفوا بأجنحتهم عليه حتى يرجع إلى أهله،و سألت الملائكة المغفرة له من ربه و غشيته الرحمة من أعنان السماء،و نادته الملائكة:طبت و طاب من زرت،و حفظ في أهله (3).

ص: 109


1- جامع أحاديث الشيعة،ج:12،ص:443-444.
2- مستدرك الوسائل،ج:10،ص:310.
3- كامل الزيارات،ص:275.

32-زيادة الرزق:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أتى قبر الحسين عليه السّلام فقد وصل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و وصلنا و حرمت غيبته و حرم لحمه على النار و أعطاه اللّه بكل درهم أنفقه عشرة آلاف مدينة له في كتاب محفوظ و حرم لحمه على النار و كان اللّه له من وراء حوائجه و حفظ في كل ما خلف و لم يسأل اللّه شيئا إلا أعطاه و أجابه فيه إما أن يعجله و إما أن يؤخرّه له (1).

و في حديث:من زاره كان اللّه له من وراء حوائجه،و كفاه ما أهمّه من أمر دنياه، و إنه ليجلب الرزق على العبد،و يخلف عليه ما أنفق،و يغفر له ذنوب خمسين سنة، و يرجع إلى أهله و ما عليه وزر و لا خطيئة إلا و قد محيت من صحيفته،فإن هلك في سفره نزلت الملائكة فغسّلته و فتح له باب إلى الجنة يدخل عليه روحها حتى ينشر، و إن سلم فتح الباب الذي ينزل منه رزقه،فجعل له بكل درهم أنفقه عشرة ألالف درهم(و ذخر ذلك له،فإذا حشر قيل له:لك بكل درهم عشرة آلاف درهم)و إن اللّه تبارك و تعالى نظر لك و ذخرها لك عنده (2).

33-يمد في العمر:

34-يدفع مدافع السوء:

عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السّلام،فإن إتيانه يزيد الرزق و يمد في العمر و يدفع مدافع السوء و إتيانه

ص: 110


1- موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السّلام،ج:4،ص:402-403.
2- العوالم،الإمام الحسين عليه السّلام،ص:506.

مفترض على كل مؤمن يقر له بالإمامة من اللّه (1).

35-تحصيل السعادة و مباهات الملائكة له:

36-ترحم أهل البيت عليه:

عن عبد اللّه بن حماد البصري،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قال لي:إن عندكم-أو قال:في قربكم-لفضيلة ما أوتي أحد مثلها،و ما أحسبكم تعرفونها كنه معرفتها، و لا تحافظون عليها و لا على القيام بها،و إن لها لأهلا خاصة قد سمّوا لها،و أعطوها بلا حول منهم و لا قوة،إلا ما كان من صنع اللّه لهم و سعادة حباهم اللّه بها و رحمة و رأفة و تقدم.

قلت:جعلت فداك و ما هذا الذي و صفت و لم تسمّه.

قال:زيارة جدي الحسين بن علي عليهما السلام،فإنه غريب بأرض غربة،يبيكه من زاره،و يحزن له من لم يزره،و يحترق له من لم يشهده،و يرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجله،في أرض فلاة لا حميم قربه و لا قريب،ثم منع الحق و توازر عليه أهل الردة،حتّى قتلوه و ضيّعوه و عرّضوه للسباع،و منعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب،و ضيّعوا حق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و وصيته به و بأهل بيته،فأمسى مجفوا في حفرته،صريعا بين قرابته،و شيّعته بين أطباق التراب،قد أوحش قربه في الوحدة و البعد عن جده،و المنزل الذي لا يأتيه إلا من امتحن اللّه قلبه للإيمان و عرّفه حقنا.

فقلت له:جعلت فداك قد كنت آتيه حتى بليت بالسلطان و في حفظ أموالهم و أنا عندهم مشهور،فتركت للتقية إتيانه و أنا أعرف ما في إتيانه من الخير.

فقال عليه السّلام:هل تدري ما فضل من آتاه و ما له عندنا من جزيل الخير.

ص: 111


1- تهذيب الأحكام،ج:6،ص:42.

فقلت:لا.

فقال:أما الفضل فيباهيه ملائكة السماء،و أما ما له عندنا فالترحم عليه كل صباح و مساء.

و لقد حدثني أبي أنه لم يخل مكانه منذ قتل من مصلي يصلي عليه من الملائكة، أو من الجن أو من الإنس أو من الوحش،و ما من شيء إلا و هو يغبط زائره و يتمسح به و يرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قبره.ثم قال:بلغني أن قوما يأتونه من نواحي الكوفة و ناسا من غيرهم،و نساء يندبنه،و ذلك في النصف من شعبان،فمن بين قارىء يقرأ،و قاص يقص،و نادب يندب،و قائل يقول المراثي.

فقلت له:نعم جعلت فداك قد شهدت بعض ما تصف.

فقال عليه السّلام:الحمد للّه الذي جعل في الناس من يفد إلينا و يمدحنا و يرثي لنا،و جعل عدونا من يطعن عليهم من قرابتنا و غيرهم يهدرونهم و يقبّحون ما يصنعون (1).

37-شفاء صاحب العاهة:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نحن نقول بظهر الكوفة قبر لا يلوذ به ذو عاهة إلا شفاه اللّه (2).

38-الطهارة من الدنس:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أراد زيارة قبر الحسين عليه السّلام لا أشرا و لا بطرا و لا رياءا و لا سمعة محّصت ذنوبه كما يمحّص الثوب في الماء فلا يبقى عليه دنس،

ص: 112


1- كامل الزيارات،ص:537-539.
2- تهذيب الأحكام،ج:6،ص:34.

و يكتب اللّه له بكل خطوة حجة،و كل ما رفع قدمه عمرة (1).

سئل الصادق عليه السّلام عن زيارة الحسين عليه السّلام في شهر رمضان؟

فقال:من جاءه عليه السّلام خاشعا محتسبا مستغفرا فشهد قبره عليه السّلام في إحدى ثلاث ليال من شهر رمضان:أول ليلة من الشهر أو ليلة النصف أو آخر ليلة منه تساقطت عنه ذنوبه و خطاياه التي اجترحها كما يتساقط هشيم الورق بالريح العاصف،حتى أنه يكون من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه،و كان له مع ذلك من الأجر مثل أجر من حج في عامه ذلك و اعتمر و يناديه ملكان يسمع نداءهما كل ذي روح إلا الثقلين من الجن و الإنس يقول أحدهما:يا عبد اللّه طهرت فاستأنف العمل و يقول الآخر:يا عبد اللّه أحببت فأبشر بمغفرة من اللّه و فضل (2).

39-زيادة العمر:

عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال:حدثني أبو سعيد الحسن بن علي ابن زكريا العدوي البصري عن هيثم بن عبد اللّه الرماني عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام قال:قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام:إن أيام زائري الحسين عليه السّلام لا تحسب من أعمارهم و لا تعد من آجالهم (3).

40-يصافحه رسول اللّه و الملائكة:

41-غيظ الأعداء:

عن معاوية بن وهب،قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو في مصلاه،فجلست

ص: 113


1- تهذيب الأحكام،ج:6،ص:44.
2- بحار الأنوار،ج:98،ص:99.
3- كامل الزيارات:136-260.

حتى قضى صلاته،فسمعته و هو يناجي ربه قائلا:يا من خصّنا بالكرامة،و وعدنا الشفاعة،و حمّلنا الرسالة،و جعلنا ورثة الأنبياء،و ختم بنا الأمم السالفة،و خصّنا بالوصية،و أعطانا علم ما مضى و علم ما بقي،و جعل أفئدة من الناس تهوي إلينا إغفر لي و لإخواني،و لزوار قبر أبي عبد اللّه الحسين بن علي صلى اللّه عليه،الذين أنفقوا أموالهم،و أشخصوا أبدانهم رغبة في برنا،و رجاء لما عندك في صلتنا، و سرورا أدخلوه على نبيك محمد صلّى اللّه عليه و آله،و إجابة منهم لأمرنا،و غيظا أدخلوه على عدونا،أرادوا بذلك رضوانك.فكافهم عنا بالرضوان،و اكلأهم بالليل و النهار، و اخلف على أهاليهم و أولادهم الذين خلّفوا بأحسن الخلف،و اصحبهم،و اكفهم شرّ كل جبّار عنيد،و كل ضعيف من خلقك و شديد،و شر شياطين الجن و الإنس، و أعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم،و ما آثرونا على أبنائهم و أهاليهم و قراباتهم.اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم خروجهم،فلم ينههم ذلك عن النهوض و الشخوص إلينا خلافا منهم على من خالفنا،اللّهم فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس،ارحم تلك الخدود التي تقلّب على قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام،و ارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا،و ارحم تلك القلوب التي جزعت و احترقت لنا،و ارحم تلك الصرخة التي كانت لنا.

اللهم إني استودعك تلك الأنفس،و تلك الأبدان،حتى ترويهم من الحوض يوم العطش.

قال:فما زال صلوات اللّه عليه يدعو بهذا الدعاء و هو ساجد،فلما انصرف قلت له:

جعلت فداك لو أن الدعاء الذي سمعته منك كان لمن لا يعرف اللّه لطننت أن النار لا تطعم شيئا منه أبدا،و اللّه لقد تمنيت إني كنت زرته و لم أحج.

فقال عليه السّلام:ما أقربك منه فما الذي يمنعك من زيارته،ثم قال:يا معاوية و لم تدع ذلك،قلت:جعلت فداك لم أدر أن الأمر يبلغ هذا كله.

قال:يا معاوية و من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو له في الأرض،يا

ص: 114

معاوية لا تدعه لخوف من أحد،فمن تركه لخوف رأى من الحسرة ما يتمنى أن قبره كان بيده أما تحب أن يرى اللّه شخصك و سوادك فيمن يدعو له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (و علي و فاطمة و الأئمة عليهم السّلام،أما تحب أن تكون غدا ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى و يغفر له ذنوب سبعين سنة)،أما تحب أن تكون غدا فيمن تصافحه الملائكة،أما تحب أن تكون غدا فيمن رؤي و ليس عليه ذنب فيتبع به،أما تحب أن تكون غدا فيمن يصافح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).

42-يكتب من المفلحين الفائزين:

عن علي بن جعفر الهماني،قال:سمعت علي بن محمد العسكري عليهما السلام يقول:من خرج من بيته يريد زيارة الحسين عليه السّلام فصار إلى الفرات فاغتسل منه كتب من المفلحين،فإذا سلّم على أبي عبد اللّه كتب من الفائزين،فإذا فرغ من صلاته أتاه ملك فقال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقرئك السلام و يقول لك:أما ذنوبك فقد غفر لك استأنف العمل (2).

43-يكرمه اللّه:

عن ذريح المحاربي،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما ألقى من قومي و من بني إذا أنا أخبرتهم بما في إتيان قبر الحسين عليه السّلام من الخير إنهم يكذّبوني و يقولون:إنك تكذب على جعفر بن محمد،قال:يا ذريح دع الناس يذهبون حيث شاءوا،و اللّه إن اللّه ليباهي بزائر الحسين و الوافد يفده الملائكة المقربون و حملة عرشه،حتى أنه

ص: 115


1- المزار،ص:334-336.
2- كامل الزيارات،ص:344-345.

ليقول لهم:أما ترون زوار قبر الحسين أتوه شوقا إليه و إلى فاطمة بنت رسول اللّه، أما و عزتي و جلالي و عظمتي لأوجبن لهم كرامتي و لأدخلنهم جنتي التي أعددتها لأوليائي و لأنبيائي و رسلي (1).

44-تصاحبه الملائكة:

في حديث الصادق عليه السّلام لرفاعة:قال:أخبرني أبي أن من خرج إلى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه غير مستكبر صحبه ألف ملك عن يمينه و ألف ملك عن يساره،و كتب له ألف حجة و ألف عمرة مع نبي أو وصي نبي (2).

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن الرجل إذا خرج من منزله يريد زيارة الحسين شيّعه سبعمائة ملك من فوق رأسه و من تحته،و عن يمينه و عن شماله،و من بين يديه و من خلفه،حتى يبلغونه مأمنه،فإذا زار الحسين عليه السّلام ناداه مناد:قد غفر اللّه لك فاستأنف العمل،ثم يرجعون معه مشيعين له إلى منزله،فإذا صاروا إلى منزله قالوا:نستودعك اللّه،فلا يزالون يزورونه إلى يوم مماته،ثم يزورون قبر الحسين عليه السّلام في كل يوم،و ثواب ذلك للرجل (3).

45-نصرة اللّه له:

عن أبي جعفر أنه تلا الآية: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ الحسين بن علي منهم،و و اللّه إن بكاءكم عليه و حديثكم بما جرى عليه و زيارتكم قبره نصرة لكم في الدنيا،فأبشروا فإنكم معه في جوار رسول

ص: 116


1- كامل الزيارات،ص:271-272.
2- وسائل الشيعة،ج:14،ص:464.
3- كامل الزيارات،ص:351.

اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).

46-ينظر اللّه إليه نظرة توجب له الفردوس الأعلى مع محمد:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:يا علي بلغني أن قوما من شيعتنا يمر بأحدهم السنة و السنتان لا يزورون الحسين.

قلت:جعلت فداك إني أعرف أناسا كثيرة بهذه الصفة،قال:أما و اللّه لحظهم أخطأوا و عن ثواب اللّه زاغوا و عن جوار محمد صلّى اللّه عليه و آله تباعدوا.

قلت:جعلت فداك في كم الزيارة.

قال:يا علي إن قدرت أن تزوره في كل شهر فافعل.قلت:لا أصل إلى ذلك لأني أعمل بيدي و أمور الناس بيدي و لا أقد أن أغيّب وجهي عن مكاني يوما واحدا.

قال عليه السّلام:أنت في عذر لمن كان يعمل بيده،و إنما عنيت من لا يعمل بيده ممن إن خرج في كل جمعة هان ذلك عليه،أما أنه ما له عند اللّه من عذر و لا عند رسوله من عذر يوم القيامة.

قلت:فإن أخرج عنه رجلا فيجوز ذلك.

قال عليه السّلام:نعم و خروجه بنفسه أعظم أجرا و خيرا له عند ربه،يراه ربه ساهر الليل له تعب النهار،ينظر اللّه إليه نظرة توجب له الفردوس الأعلى مع محمد و أهل بيته،فتنافسوا في ذلك و كونوا من أهله (2).

47-يطبع في وجه بنور العرش:

من جملة ما جاء في حديث حول شأن من زار قبر الحسين عليه السّلام«أن الملائكة

ص: 117


1- تفسير أبي حمزة الثمالي،ص:290.
2- كامل الزيارات،ص:492-493.

يستغفرون اللّه لزوّاره و يكتبون أسماء من يأتيه زائرا و أسماء آبائهم و عشائرهم و بلدانهم،و يوسمون في وجوههم بميسم نور عرش اللّه»هذا زائر قبر خير الشهداء، و ابن خير الأنبياء (1).

48-تهون عليه سكرات الموت:

عن بعض أصحابنا،قال عليه السّلام:من سرّه أن ينظر إلى اللّه يوم القيامة و تهون عليه سكرة الموت و هول المطلع فليكثر زيارة قبر الحسين عليه السّلام فإن زيارة الحسين عليه السّلام زيارة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (2).

49-ريح تفوح من القبر:

قالت أم سلمة:إن الحسن و الحسين دخلا على رسول اللّه و بين يديه جبرئيل فجعلا يدوران حوله يشبّهانه بدحية الكلبي فجعل جبرائيل يوميء بيده كالمتناول شيئا فإذا في يده تفاحة و سفرجلة و رمانة فناولهما و تهلل و جهاهما و سعيا إلى جدهما فأخذ منهما فشمّهما ثم قال:صيرا إلى أمكما بما معكما و ابدءا بأبيكما، فصارا كما أمرهما فلم يأكلوا حتى صار النبي إليهم فأكلوا جميعا فلم يزل كلما أكل منه عاد إلى مكانه حتى قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال الحسين عليه السّلام:فلم يلحقه التغيير و النقصان أيام فاطمة بنت رسول اللّه حتى توفيت،فلما توفيت فقدنا الرمان و بقي التفاح و السفرجل أيام أبي،فلما استشهد أمير المؤمنين فقد السفرجل و بقي التفاح على هيئته عند الحسن حتى مات في سمّه،و بقيت التفاحة إلى الوقت الذي حوصرت عن الماء فكنت أشمها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي فلما اشتد علي

ص: 118


1- العوالم،الإمام الحسين عليه السّلام،ص:365.
2- كامل الزيارات،ص:282-283.

العطش عضضتها و أيقنت بالفناء.

قال علي بن الحسين عليه السّلام:سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة،فلما قضى نحبه وجد ريحا في مصرعه فالتمست و لم يرلها أثر،فبقي ريحها بعد الحسين،و لقد زرت قبره فوجدت ريحها تفوح من قبره،فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك في أوقات السحر فإنه يجده إذا كان مخلصا (1).

50-يجاور الحسين عليه السلام:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من زار قبر الحسين عليه السّلام في كل جمعة غفر اللّه له البتة و لم يخرج من الدنيا و في نفسه حسرة منها و كان مسكنه في الجنة مع الحسين بن علي عليهما السلام (2).

51-تصافحه الأنبياء:

عن أبي حمزة الثمالي قال:سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول:من أحب أن يصافحه مائة ألف نبي و أربعة و عشرون ألف نبي،فليزر الحسين عليه السّلام ليلة النصف من شعبان،فإن الملائكة و أرواح النبيين يستأذنون اللّه في زيارته فيأذن لهم،فطوبى لمن صافحهم و صافحوه (3).

ص: 119


1- مناقب آل أبي طالب،ج:3،ص:161.
2- جامع أحاديث الشيعة،ج:12،ص:427.
3- إقبال الأعمال،ج:3،ص:338-339.

52-تتنزل عليه ليلة القدر:

عن زيد بن أبي أسامة،عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السلام في هذه الآية: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، قال:هي ليلة القدر،يقضي فيه أمر السّنة من حج و عمرة أو رزق أو أجل أو أمر أو سفر أو نكاح أو ولد،إلى سائر ما يلاقي ابن آدم مما يكتب له أو عليه في بقية ذلك الحول من تلك الليلة إلى مثلها من عام قابل،و هي في العشر الأواخر من شهر رمضان،فمن أدركها-أو قال:شهدها-عند قبر الحسين عليه السّلام يصلي عنده ركعتين أو ما تيسر له،و سأل اللّه تعالى الجنة،و استعاذ به من النار،آتاه اللّه تعالى ما سأل،و أعاذه مما استعاذ منه،و كذلك إن سأل اللّه تعالى أن يؤتيه من خير ما فرّق و قضى في تلك الليلة،أن يقيه من شر ما كتب فيها، أو دعى اللّه و سأله تبارك و تعالى في أمر لا إثم فيه رجوت أن يؤتى سؤله،و يوقى محاذيره و يشفع في عشرة من أهل بيته،كلهم قد استوجبوا العذاب،و اللّه إلى سائله و عبده بالخير أسرع (1).

53-تصافحه روح أربعة و عشرين ألف ملك و نبي

عن عبد العظيم الحسني،عن أبي جعفر الثاني في حديث قال:من زار الحسين عليه السّلام ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان،و هي الليلة التي يرجى أن تكون ليلة القدر و فيها يفرق كل أمر حكيم،صافحه روح أربعة و عشرين ألف ملك و نبي،كلهم يستأذن اللّه في زيارة الحسين عليه السّلام في تلك الليلة (2).

ص: 120


1- إقبال الأعمال،ج:1،ص:383.
2- إقبال الأعمال،ج:1،ص:383.

54-يزكيه اللّه من فوق العرش:

و قال عليه السّلام:من زار قبر الحسين عليه السّلام يوم عرفة كتب اللّه له ألف ألف حجة مع القائم و مئة ألف ألف عمرة مع رسول صلّى اللّه عليه و آله و عتق ألف ألف نسمة و حملان ألف ألف فرس في سبيل اللّه و سمّاه عبدي الصدّيق آمن بوعدي و قالت الملائكة:فلان صدّيق زكّاه اللّه من فوق عرشه و سمّى في الأرض كروبيا (1).

55-ينظر اللّه إليه قبل الحجيج:

عن علي بن أسباط يرفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن اللّه تبارك و تعالى يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين بن علي عليهما السلام عشية عرفة.

قال:قلت:قبل نظره إلى أهل عرفات.

قال:قلت:قبل نظره الى أهل الموقف؟

قال عليه السّلام:نعم.

قلت:و كيف ذاك؟

قال عليه السّلام:لأنّ في أولئك أولاد زنا و ليس في هؤلاء أولاد زنا (2).

56-نجاة الغرقى:

عمل المتوكل العباسي لعنه اللّه على قتل زوّار الحسين عليه السّلام و سمل عيونهم

ص: 121


1- روضة الواعظين،ص:195.
2- مصباح المتهجد،ص:715.

و قطع أيديهم كل ذلك محاولة للمنع من زيارته عليه السّلام و صدّ الناس عنه عليه السّلام،و لما يئس من ذلك إقترح عليه بعض وزرائه أن يرفع العذاب عن الزوّار و يفرض عليهم الجزية لتكون المنفعة أكبر للدولة،فأعلنوا في البلاد أنّ الخليفة أذن في زيارة الحسين عليه السّلام على أن يدفع كلّ زائر مائة دينار،فأخذت الشيعة تتوافد على زيارة الإمام الحسين عليه السّلام بعد دفع الجزية للمتوكل العباسي،و ذات يوم جلس المتوكل في سطح قصره المطل على طريق الزوار و هو ينظر إليهم و هم أفواج،فرأى إمرأة عجوز جاءت من جهة المشرق-إيران-و هي تقعد تارة و تمشي أخرى قد ظهرت عليها علامات الإرهاق و التعب و بيدها عصا تتوكأ عليها فأمر المتوكل بها فذهبوا إليها و حملوها إلى قصر المتوكل فلمّا حضرت عنده قال لها:هل علمت أنّا فرضنا الجزية على زوّار الحسين عليه السّلام؟

فقالت:نعم.

فقال لها:و هل لديك مائة دينار؟

فقالت:نعم فقال:أين هي،ففتحت هميانها و أخرجت مائة دينار.

فقال لها:إن كنت تملكين هذا المال فلماذا لا تملكين الدابة؟

فقالت:أنا لم أكن أملك هذا المال و لكني بعد ما سمعت بأمر الجزية عملت للناس بالأجرة طيلة العام و جمعت هذه المائة،و ذات يوم سمعت المنادي ينادي بتحرك القافلة لزيارة الإمام الحسين عليه السّلام فهلعت و أخذني الشوق و تحرّكت معهم بلا دابة حتّى وصلت إلى هنا بعد الشقاء و التعب و الآن خذ جزيتك و اتركني أزور سيدي الحسين قبل أن أموت،فلما سمع المتوكل ذلك ثار من الغضب المتولّد من الحقد الدفين فيه،فأمر جلاوزته أن يلقوها في نهر دجلة فقاموا برميها من أعلى القصر إلى دجلة فسقطت في الماء ثم دفعها الماء إلى الأعلى و هي تنادي:يا دواء المرضى يابن الزهراء قد جئتك زائرة أدركني يا نور العالمين أدركني يا حسين،فرأت رجلا على جواده وسط الماء عليه النقاب فقال لها:أيتها المرأة العجوز أمسكي بيدي

ص: 122

فأمسكت يده و أخرجها إلى اليابسة.

فقالت له:من أنت أيها المنقّب حتى أنقذتني من الغرق؟

فقال لها:أنا حامل لواء الحسين أنا ساقي العطاشى أنا أخو الحسين أنا العباس (1).

و نقل الشيخ محمد الأنصاري القصة التالية:

تشرفت بزيارة كربلاء في العام 1370 ه ق و كان ابني مريضا و كنت قد اصطحبته معي طلبا لشفائه و في يوم الأربعين(20 صفر)ذهبت مع ولدي الى زاوية من النهر و شرعنا بالغسل،و بينما أنا كذلك إذ رأيت الماء قد أخذ ولدي و قد ابتعد عني و لم أعد أرى منه سوى رأسه و لم أكن أقوى على السباحة و لم يكن هناك أحد لينجيه فتوجّهت إلى اللّه بقلب خاضع و أقسمت على اللّه بحق سيد الشهداء طالبا منه إنقاذ ولدي حتى رأيته يعود إلي فأمسكت بيده و أخرجته من الماء و سألته عمّا جرى له.

فقال لي:لم أر أحدا لكني أحسست و كأن أحدا أخذ بعضدي و توجّه بي نحوك.

فسجدت و شكرت اللّه على إجابته دعائي (2).

57-قضاء الدين:

كتب أحد العلماء المعروفين في مدينة أصفهان في مذكراته:ألهمت في الرؤيا في إحدى الليالي بإعطاء مبلغ(45000)تومان إلى رجل محترم من أهالي مدينة أصفهان لم يذكر اسمه.و في صباح اليوم الثاني تحيّرت في العمل بما أمرت به في

ص: 123


1- مزار الأولياء،ص:203.
2- القصص العجيبة،ص:220.

الرؤيا،و هل كان ما فهمته صحيحا أم لا،و لم يكن لي علم بمقدار ما أملك من النقود، و لما عددت نقودي وجدتها(45000)تومان فذهبت إلى دكّان ذلك الرجل المحترم (كان يعرفه و كان صاحب دكان صغير)في أول فرصة سنحت لي فرأيت شخصين أمام دكانه.

فقلت لصاحب الدكان:لي عندك حاجة،و أرجو أن تأتي معي لمكان ما،و نرجع بسرعة،أخذته إلى مسجد النبي الواقع في شارع(جي)و كان في المسجد عمّال و بنّائين للتعمير،جلسنا في إحدى زوايا المسجد نحو القبلة و قلت له:أنا أمرت أن أرفع عنك الكرب و المعضلة التي أنت فيها الآن،و أرجو أن توضّح لي مشكلتك، أصررت عليه،و لكنه أبى أن يقول شيئا..و في آخر الأمر أعطيته النقود،و لم أقل له مقدارها،فانتحب الرجل باكيا و قال:عليّ قرض مقداره(45000)تومان،و نذرت أن أقرأ زيارة عاشوراء 40 مرة صباح كل يوم بعد صلاة الصبح،و اليوم أتممت القراءة الاخيرة (1).

58-إنجاب الذرّية:

يقول السيد علي الموحد الأبطحي:في سفري إلى مدينة يزد للحصول على نسخة تحتوي شرحا لزيارة عاشوراء في مكتبة المرحوم الوزيزي،التقيت بسماحة الشيخ علي أكبر السعيدي إمام جماعة مسجد(طهماسب)و هو شيخ ذو صلاح و وقار من الملازمين للشيخ غلام رضا اليزدي،و كان معاشه من الأعمال التي كان يعلمها بيده.

فقال لي:تزوج المرحوم الحاج أبو القاسم بنت زردشتية بعد إسلامها،و لم تلد

ص: 124


1- زيارة عاشوراء و آثارها العجيبة،ص:32.

أولادا،و بعد عشرين سنة علّموها قراءة زيارة عاشوراء فقرأتها أربعين يوما مع اللعن مائة مرة و السلام مائة مرة و دعاء صفوان المعروف بدعاء علقمة،فمنّ اللّه عليها بولد ذكر،و كبر الولد و تزوج و قضى حياته في مدينة يزد (1).

59-الإطلاع على الأمور الغيبية:

قال السيد صادق الروحاني،أخبرنا شيخ كان يأتي إلى مجلسنا في بعض الأوقات أنه سيحدث في هذه الأيام كذا و كذا،و فعلا تحقق ما قاله كما أخبر به.

فقلت له بعد ذلك:من أخبرك بهذه الأحداث؟

فقال:ألتقي برجل في بعض الأحيان،و يحدثني عن هذه الأمور و الأحداث الآتية، في أحد الأيام قال لي:أتعرف لماذا أشرح لك و أعلمك بهذه المطالب؟

قلت:لا.

قال:لأنك مستمر على قراءة زيارة عاشوراءة مع اللعن و السلام مائة مرة (2).

60-الشفاء من الأسقام:

كتب أحد الأخوة و كان يعمل صافّا للحروف في أحد المطابع،في الأيام التي كنت مشغولا فيها بصف حروف كتاب(زيارة عاشوراء و الآثار العجيبة)كنت مبتليا بحرقة و ورم و احمرار في عيني،و كان نظري قد ضعف،و عند اطلاعي على مضمون ذلك الكتاب،أوجب علي التوسل بزيارة عاشوراء و كان طلبي من اللّه شفاء عيني،و فعلا مع قراءتي المستمرة و بعد عدة أيام واجهت عناية ربّانية،

ص: 125


1- زيارة عاشوراء و آثارها العجيبة،ص:37.
2- زيارة عاشوراء و آثارها العجيبة،ص:34.

و شفيت عيني،و الحمد للّه رب العالمين (1).

61-حلّ المشاكل العويصة:

و يذكر المرحوم آية اللّه النجفي القوجاني قدّس سرّه الذي كان من طلاب الآخوند الخرساني البارزين عن ذكريات أيام دراسته في أصفهان التي استمرت أربع سنوات(1314-1318 ه ق)فيقول:بعد المجيء إلى المدينة رأيت ذات ليلة،الموت في النوم على شكل حيوان بحجم عجل عمره سنة و رأيت خلفه ثلاثة أو أربعة من أولاده و هم يسيرون خلفه في الهواء و هم أصغر منه..و أثناء مسيرهم في الهواء مرا من فوق منزلنا الذي كان في قوجان و نزل واحد من أولاده فقط على حائط منزلنا،كتبت إلى والدي أخبرني عن وضعك لأني مشوش البال عليك و قبل أن تصله رسالتي وصلتني رسالته يخبرني فيها بوفاة زوجته..و كتب أيضا أن مبلغ الإثني عشر تومانا الذي اقترضته قبل عشر سنوات لزيارة العتبات قد أصبح بسبب الربا ثمانين تومانا..و لم تكن كل ممتلكات أبي تعادل ثمانين تومانا.

قررت أن أقرأ زيارة عاشوراء أربعين يوما على سطح مسجد الشاه في أصفهان و كان لي ثلاث حوائج:أحدها دين والدي،و الثاني المغفرة و الثالثة العلم الكثير و الإجتهاد،كنت أبدأ بقراءتها قبل الظهر و أنتهي منها قبل الأذان،كانت تستغرق ساعتين،انتهت أربعون يوما..و لم يمضي شهر حتى جاءتني رسالة من والدي يقول فيها:لقد أدى الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام ديني.

فكتبت إليه بل أداه سيد الشهداء(و كلهم نور واحد)و لأن زيارة عاشوراء ظهر أثرها سريعا و لم يكن ذلك ممكنا بحسب الأسباب الظاهرية فقد عقدت العزم على أن أقرأها في محرم و صفر لحاجة هي أهم الحاجات في رأيي،و قرأتها أربعين يوما

ص: 126


1- زيارة عاشوراء و آثارها العجيبة،ص:75.

على سطح مسجد الشاه بكامل الإهنمام و كمال الإحتياط بمعنى أني كنت أمضي ساعتين متجها إلى القبلة،واقفا مقابل الشمس حتى النهاية.

انتهى الختم الثاني بعدها رأيت مناما أن الحاجة قضيت (1).

يقول صاحب كتاب الإستشفاء بأهل البيت عليهم السّلام:نقل لي أحد الأخوة المؤمنين عن أحد المؤمنين من أهل القطيف (2)ما مضمونه:أنه كان يعمل في شركة لعدة سنوات،و كان مقرها قريب من محل إقامته قبل أن يأتي قرار بنقله إلى فرع آخر يقع في منطقة بعيدة تبعد عن مقر إقامته عدة ساعات،فاستاء و اغتم جدا لما فيه من مشقة و ابتعاد عن الأهل،فحاول كثيرا ثني المسؤولين عن نقله و لكن بدون جدوى، حتى تم نقله،و لأنه كان قد سمع كثيرا عن قصص زيارة عاشوراء و آثارها اصطحب معه أحد كتب الأدعية و أخذ يقرأ الزيارة بشكل يومي مع التسليم و اللعن مائة مرة،و بعد أيام قلائل استجيبت دعوته و جاء القرار بإرجاعه إلى مقره الأول.

و الطريف أنه أثناء تواجده بالفرع الجديد إلتقى بأحد الأشخاص من أهل المنطقة الشرقية كان قد نقل منذ عدة أشهر و هو يحاول أن يحصل على أمر بنقله إلى مكانه حتى أنه أعطى بعض الموظفين(20)ألف ريال لكي يتوسط له في إرجاعه و لم يستفد شيئا ثم أعطى آخرا مبلغ(10)آلاف ريال و لكن دون فائدة لذلك استغرب كثيرا من أخيه هذا حيث حصل على قرار النقل بهذه السهولة،فسأله كم دفعت و لمن حتى حصلت على قرار النقل بهذه السرعة؟

فقال له:لم أدفع لأحد شيء،و إنما هذا كله بفضل زيارة عاشوراء،فأعطاه كتاب الدعاء و قال له إقرأ،و أخذ يقرأ الزيارة كل يوم و لم تمر عشرة أيام حتى تم نقله هو الآخر إلى منطقته ببركة زيارة عاشوراء (3).5.

ص: 127


1- سياحة في الشرق.
2- إحدى مدن المنطقة الشرقية بالعربية السعودية.
3- الإستشفاء بأهل البيت عليهم السّلام،ص:135.

62-حلّ المشاكل العامة

نقل الشيخ نصيري و هو من ملازمي المرحوم آية اللّه العظمى(السيد محمد الكوه كمره أي)و(الشيخ كل محمدي الأبهري)و عدد آخر بأنه في أيام الحرب العالمية الثانية و أيام المتفقين واجه الناس مشاكل و مصاعب كثيرة،و بسبب عدم سقوط الأمطار و الغلاء وقع طلاب العلوم الدينية و الناس في مشاكل كثيرة،بحيث وصل سعر الرغيف الواحد إلى تومان واحد في الوقت الذي كانت فيه شهرية الطلاب في الحوزة العلمية مائة ريال فقط،لهذا أمر المرحوم آية اللّه السيد(محمد الكوه كمره أي)أربعين شخصا من طلاب العلوم-كان منهم ناقل هذه الرواية الشيخ النصيرى،و كّل محمدي،و واعظي الذي كان لمدة أربع سنوات وكيلا لمجلس الشورى-أن يذهبوا إلى مسجد جمكران،و يصعدون إلى السطح، و يقرأون زيارة عاشوراء أربعين مرة مع اللعن مائة مرة و السلام مائة مرة، و يتوسّلون بالإمام موسى بن جعفر،و حضرة أبي الفضل العباس،و الطفل الرضيع للإمام الحسين عليهم السّلام و يدعون لهطول الأمطار،و رفع البلاء.

و في النهاية و بعد أن تمت الأعمال و التوسلات،رجعنا من مسجد جمكران، و رغم أن الوقت كان صيفا فقد تلبدت السماء بالغيوم،و هطلت الأمطار بكثرة إلى درجة أن المياه ملأت الشوارع،و هكذا عن طريق الرحمة الإلهية هبطت الأسعار و أصبح سعر الرّغيف الواحد من الخبز ستّة ريالات بعد أن كان سعره تومانا واحدا.

ص: 128

63-النجاة من غذاب القبر:

1-للشيخ محمد حسن الأنصاري ابن أخ و صهر خاتم الفقهاء الشيخ مرتضى الأنصاري عدة أولاد،الولد الثالث منهم هو الشيخ مرتضى المعروف بالشيخ الكبير،كان من أهل العلم و الفضل في النجف الأشرف،ولد عام 1289،و توفي سنة 1322 في دزفول عن عمر يناهز 33 عام على أثر لدغة حية،و قد كان هذا الشيخ الجليل مولعا بزيارة عاشوراء و قراءتها صباحا و عصرا،و عند وفاته،رآه بعض أصحابه في عالم الرؤيا،فسأله عن أفضل الأعمال نفعا هناك،فقال في الجواب ثلاثا:زيارة عاشوراء (1).

2-كتب الولد الكبير لآية اللّه الأميني الدكتور محمد هادي الأميني:بعد أربعة سنين من وفاة والدي المرحوم العلامة الأميني رأيته في إحدى ليالي الجمعة و قبل آذان الفجر سنة 1394 ه في عالم الرويا فرحا و على هيئة حسنة فتقدمت نحوه، و سلمت عليه،و سألته:أي الأعمال أوصلتك إلى هذه السعادة؟

قال:ماذا تقول أنت؟و عرضت عليه السؤال مرة أخرى هكذا:....أي الأعمال أوصلتك إليه:كتاب الغدير أو بقية التأليفات؟أو تأسيس مكتبة أمير المؤمنين عليه السّلام؟

قال:وضّح أكثر لا أعرف مقصود سؤالك هذا،قلت:أنت بعيد الآن عنّا،و ذهبت إلى عالم الآخرة،فبأي الأعمال العلمية و الخدمات الدينية و المذهبية و صلت إلى ما أرى؟فمكث المرحوم الأميني قليلا،ثم قال:فقط عن طريق زيارة أبي عبد اللّه عليه السّلام، ثم سألته:أنت تعرف في الوقت الحاضر أن الروابط السياسية بين إيران و العراق غير عادية و الذهاب إلى كربلاء غير ممكن.

ص: 129


1- زيارة عاشوراء و آثارها العجيبة،ص:30.

قال:أقيموا و اشتركوا في مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السّلام فلها ثواب زيارة مرقد أبي الأحرار الحسين عليه السّلام ثم قال لي:يا ولدي أوصيتك في السابق كثيرا بقراءة زيارة عاشوراء،و الآن أكرر عليك و أقول:استمر بقراءتها و لا تتركها لأي سبب كان،إقرأها دائما و كأنها جزء من واجباتك اليومية،فإن لهذه الزيارة فوائد و بركات كثيرة،و هي طريق نجاتك في الدنيا و الآخرة،أسألكم الدعاء.

و كتب ابن المرحوم الأميني:كان العلامة الأميني مع كثرة مشاغله و تأليفاته و اهتمامه بمكتبة أمير المؤمنين عليه السّلام في النجف الأشرف محافظا و مستمرا على زيارة عاشوراء،و أنا منذ 30 سنة مستمر على قراءتها (1).

3-نقل أحد العلماء القصة التالية فقال:رأيت في عالم الرؤيا المرحوم آية اللّه الحاج آقا حسين الخادمي و الحاج الشيخ عباس القمي صاحب مفاتيح الجنان، و الحاج الشيخ عبد الجواد مدّاحيان قارىء مراثي الإمام الحسين عليه السّلام جالسين في غرفة واحدة من غرف الجنة،فسلمت على آية اللّه الخادمي،و سألته عن علة جلوسهم و مؤانستهم،فقلت:أنت من الآيات العلماء،و الحاج الشيخ عباس القمي من المحدثين،و الحاج الشيخ عبد الجواد مدّاحيان قارىء مراثي الإمام الحسين عليه السّلام فكيف جمعتم في مكان واحد و بأي مناسبة؟

فقال:كنا متساوين في مقدار قراءة زيارة عاشوراء (2).

و روى الميرزا جواد التبريزي قدّس سرّه في المراقبات عن أحد أجلّة الثقاة من أهل العلم،أنه كان له رفيق في صغره من أهل بلد يعرفه،ثم إذا كبر الرفيق صار عشّارا (3)،و مضى عليه مدة في هذا العمل،فمات و دفن في مقبرة،فرآه في النوم في حال جيّد و عيش هنيء،فسأله عن ذلك و عن سبب نجاته.ة.

ص: 130


1- زيارة عاشوراء و آثارها العجيبة،ص:45.
2- زيارة عاشوراء و آثارها العجيبة،ص:59.
3- العشّار:الذي يأخذ أعشار أموال الناس عند اجتياز الحدود،للظلمة.

فقال:إني كنت معذّبا(بعد موتي)بسوء أعمالي،إلى أن دفنت في هذه المقبرة في اليوم الفلاني،المرأة الفلانية،زوجة فلان فزارها الحسين عليه السّلام في الليلة التي دفنت فيها ثلاث مرات،و إذا صارت المرّة الثالثة أمر الملائكة أن يرفعوا العذاب عن جيرانها،فرفع عنّا العذاب،و حسن حالنا.

فاستيقظ من نومه،(ثم)تفقّد عن زوج المرأة فوجده و سأله عن زوجته و موتها و مكان دفنها،فكان كما أخبره العشّار،فسأله عن أحوالها و أعمالها،فلم أجد لها عملا مربوطا بالحسين عليه السّلام،إلاّ مداومتها لزيارة عاشوراء» (1).

و روى السيد آية اللّه دستغيب في كتابه(القصص العجيبة)عن العالم الفقيه الشيخ جواد مشكور أنه رأى في منامه ليلة 26 صفر من سنة 1326 أن عزرائيل عليه السّلام زاره فسأله من أين أتى؟

قال:من شيراز و قبضت روح الميرزا محلاتي.

فقال الشيخ مشكور:و كيف حال الميرزا في البرزخ؟

فقال عليه السّلام:في جنّة البرزخ و بين يديه ألف ملك

فقال الشيخ:بماذا نال ذلك الميرزا؟هل بدرجته العلمية و تدريسه أم بسبب صلاته الجماعية؟أم بسبب إيصال الأحكام إليالناس؟

فقال:بل بسبب مداومته على قراءة زيارة عاشوراء الحسين عليه السّلام.

حيث كان الميرزا محلاتي و لمدة ثلاثين عاما يداوم على زيارة عاشوراء يوميا» (2).ف.

ص: 131


1- المراقبات:230 مع تصرف يسير.
2- القصص العجيبة،ص:190،بتصرف.

64-الشفاء من الطاعون:

قال مؤسس الحوزة العلمية في قم المقدسة آية اللّه العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري قدّس سرّه:كنا جالسين عند آية اللّه العظمى المجدد الشيرازي في سامراء إذ دخل آية اللّه السيد محمد الفشاركي منقبض الوجه قلقا،و يظهر أنه كان مضطربا من مرض الوباء الذي اجتاح العراق في تلك الأيام.

فقال لنا أستاذنا آية اللّه الشيرازي،هل تروني مجتهدا أم لا؟

قلنا:نراك مجتهدا.

قال:و هل تروني عادلا؟،قلنا:نعم.

و كان يريد المجدد الشيرازي بهذين السؤالين أن يأخذ من تلامذته الإقرار ليصدر حكما لا يترددون في تنفيذه.

و هكذا لما أقررنا على اجتهاده و عدالته،قال:«إني آمر كل امرأة و رجل من الشيعة بأن يقرأوا زيارة عاشوراء نيابة عن الوالدة المعظمة للإمام الحجة عليه السّلام يقسمون عليها بحق ابنها(عج)كي يشفع لنا الإمام عند اللّه تعالى فينجي اللّه المسلمين من مرض الوباء».

يقول آية اللّه العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري:«لمجرد صدور هذا الحكم إلتزم شيعة سامراء بالطاعة،و كانت النتيجة أن لا أحد منهم أصيب بهذا المرض،في الوقت الذي كان في اليوم الواحد يموت من غيرهم عشرة إلى خمسة عشر شخصا بسبب الوباء» (1).

ص: 132


1- قصص و خواطر،ص:204-205.

65-يدخلون الجنة قبل الناس:

عن علي بن الحسين و محمد بن الحسن عن محمد بن يحيى العطار عن العمركي بن علي البوفكي عن صندل عن عبد اللّه بن بكير عن عبد اللّه بن زرارة قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إن لزوار الحسين بن علي عليه السّلام يوم القيامة فضلا على الناس.

قلت:و ما فضلهم؟

قال:يدخلون الجنة قبل الناس بأربعين عاما و سائر الناس في الحساب و الموقف (1).

66-الهداية الى الصواب:

في دار السلام نقل الشيخ الأجل الأورع الأكرم الحاج ملا علي عن والده الماجد الحاج ميرزا خليل الطهراني(رحمه اللّه)قال:كنت في مشهد الحسين عليه السّلام و أمي كانت في مدينة طهران،فرأيت ليلة في ما يراه النائم:إن والدتي جاءت إلي،و قالت لي:يا بني إني مت،و جاءوا بي إليك،و هشّموا أنفي.فانتبهت من النوم فزعا مرعوبا.

فبقيت كذلك الى أن جاءني كتاب من بعض الإخوان:إن والدتك توفيت و أرسلناها مع الجنائز.

فلما أتى الجنازون قالوا:خلفنا تلك الجنازة في رباط قريب من ذي الكفل لأنا

ص: 133


1- كامل الزيارات:138.

زعمنا (1)أنك في بلد المشهد(النجف الأشرف).فبقيت متحيرا في معنى هشّموا أنفي.

فلما أتوا بنعش والدتي كشفت عنها،فرأيت أنفها مكسورا،فسألت عن ذلك، فقالوا:إن هذه الجنازة كانت موضوعة فوق الجنائز،فتصادمت الخيول في الرباط،فطرحتها من أعلى الجنائز،و لم نعلم غير هذا.فجئت بها الى ساحة أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام.

فقلت:يا أبا الفضل إن والدتي لم تحسن الصلاة و الصيام و هي دخيلتك،فادفع عنها الأذى يا سيدي،و علي بضمانك خمسين سنة صوم و صلاة أستنيب عنها.

فدفنتها،و بقيت مدة من الزمان،فبينا أنا نائم في ليلة من الليالي،و إذا بي أسمع ضوضاءا في باب داري،فخرجت من الدار،فرأيت والدتي موثوقة بشجرة و تضرب بالسياط.

فقلت:ما بالها،و أي ذنب لها حتى تضرب؟

فقالوا:أمرنا أبو الفضل أن نضربها حتى تدفع مبلغا مقدّرا.فذهبت الى داخل الدار،و أتيت بالدارهم،و أطلقت والدتي،و أتيت بها الى داخل الدار،و اشتغلت بخدمتها فلما انتبهت رأيت المقدار الذي أخذوه مني هو مقدار خمسين سنة عبادة.

فأخذت ذلك المبلغ و ذهبت الى السيد صاحب الرياض(رحمه اللّه)و قلت:هذه قيمة خمسين سنة عبادة عن والدتي،و الأمر كيت و كيت.

قال شيخنا الأجل صاحب دار السلام(أحله اللّه دار السلام)و في هذه الرؤيا من عظم الأمر و خطر العاقبة و عدم جواز التهاون بما عاهد اللّه على نفسه و علو مقام أوليائه المخبتين ما لا يخفى على من تأملها بعين البصيرة و نظر الإعتبار (2).2.

ص: 134


1- لعله يقصد(لانا توهمنا أو ظننا).
2- منازل الآخرة و المطالب الفاخرة/الشيخ عباس القمي:171،و دار السلام:246/2.

67-الحصول على شفاعة النبي:

68-ينال من اللّه أفضل الكرامة:

عن الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن أورمة عن زكريا المؤمن أبي عبد اللّه عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أراد أن يكون في كرامة اللّه يوم القيامة و في شفاعة محمد صلّى اللّه عليه و آله فليكن للحسين زائرا ينال من اللّه الفضل و الكرامة (أفضل الكرامة)و حسن الثواب و لا يسأله عن ذنب عمله في الحياة الدنيا و لو كانت ذنوبه عدد رمل عالج و جبال تهامة و زبد البحر إن الحسين عليه السّلام قتل مظلوما مضطهدا نفسه عطشانا هو و أهل بيته و أصحابه (1).

ص: 135


1- كامل الزيارات:154.

أثر من زار الحسين ثم حبس

سأل رجل الإمام الصادق عليه السّلام في شأن من قصد زيارة الحسين عليه السّلام ثم حبس:

يقول الراوي:قلت:فما لمن حبس في إتيانه؟

قال:له بكل يوم يحبس و يغتم فرحة يوم القيامة.

قلت فإذا ضرب بعد الحبس في إتيانه؟

قال:له بكل ضربة حوراء،و بكل وجع يدخل عليه ألف ألف حسنة،و يمحى بها عنه ألف ألف سيئة،و يرفع له بها ألف ألف درجة (1).

ص: 136


1- مستدرك الوسائل،ج:10،ص:280.

أثر تجهيز الزائر

عن ابن سنان قال:قلت:لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إن أباك كان يقول في الحج:يحسب له بكل درهم أنفقه ألف،فما لمن ينفق في المسير إلى أبيك الحسين عليه السّلام؟

قال:يا ابن سنان يحسب له بالدرهم ألف ألف حتى عد عشرة،و يرفع له من الدرجات مثلها و رضى اللّه خير له و دعاء محمد و دعاء أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السّلام خير له (1).

سأل رجل الإمام الصادق عليه السّلام فقال له:ما لمن يجهّز إليه و لم يخرج لعلة تصيبه، قال:يعطيه اللّه بكل درهم أنفقه مثل أحد من الحسنات و يخلف عليه أضعاف ما أنفقه و يصرف عنه من البلاء مما قد نزل ليصيبه و يدفع عنه و يحفظ في ماله (2).

ص: 137


1- وسائل الشيعة،ج:14،ص:481-482.
2- جامع أحاديث الشيعة،ج:12،ص:435-436.

أثر من مات في سفر زيارته للحسين عليه السّلام

قال ابن سنان للإمام الصادق عليه السّلام:فما لمن مات في سفره إليه.

قال عليه السّلام:تشيعه الملائكة و تأتيه بالحنوط و الكسوة من الجنة و تصلّي عليه إذ كفن،و تكفنه فوق أكفانه و تفرش له الريحان تحته و تدفع الأرض حتى تصير من بين يديه مسيرة ثلاثة أميال،و من خلفه مثل ذلك،و عند رأسه مثل ذلك،و عند رجليه مثل ذلك،و يفتح له باب من الجنة إلى قبره،و يدخل عليه روحها و ريحانها حتى تقوم الساعة (1).

أثر من قتل في سبيل زيارته عليه السّلام

بإسناده عن الأصم قال:حدثنا هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل قال:أتاه رجل فقال له:يا ابن رسول اللّه هل يزار والدك؟

قال:فقال:نعم و يصلى عنده،و قال:يصلى خلفه و لا يتقدم عليه.

قال:فما لمن أتاه.

قال:الجنة إن كان يأتم به.

قال:فما لمن تركه رغبة عنه.

قال:الحسرة يوم الحسرة قال:فما لمن أقام عنده؟

ص: 138


1- كامل الزيارات،ص:240.

قال:كل يوم بألف شهر قال:فما للمنفق في خروجه إليه و المنفق عنده.

قال:درهم بألف درهم.

قال:فما لمن مات في سفره إليه.

قال:تشيعه الملائكة و تأتيه بالحنوط و الكسوة من الجنة و تصلي عليه إذ كفن و تكفنه فوق أكفانه و تفرش له الريحان تحته و تدفع الأرض حتى تصور من بين يديه مسيرة ثلاثة أميال و من خلفه مثل ذلك و عند رأسه مثل ذلك و عند رجليه مثل ذلك و يفتح له باب من الجنة إلى قبره و يدخل عليه روحها و ريحانها حتى تقوم الساعة.

قلت:فما لمن صلى عنده؟

قال:من صلى عنده ركعتين لم يسأل اللّه تعالى شيئا إلا أعطاه إياه.

قلت:فما لمن اغتسل من ماء الفرات ثم أتاه؟.

قال:إذا اغتسل من ماء الفرات و هو يريده تساقطت عنه خطاياه كيوم ولدته أمه.

قال:قلت:فما لمن يجهز إليه و لم يخرج لعله تصيبه[لقلة نصيبه].

قال:يعطيه اللّه بكل درهم أنفقه مثل أحد من الحسنات و يخلف عليه أضعاف ما أنفقه و يصرف عنه من البلاء مما قد نزل ليصيبه و يدفع عنه و يحفظ في ماله.

قال:قلت:فما لمن قتل عنده جار عليه سلطان فقتله؟

قال:أول قطرة من دمه يغفر له بها كل خطيئة و تغسل طينته التي خلق منها الملائكة حتى تخلص كما خلصت الأنبياء المخلصين و يذهب عنها ما كان خالطها من أجناس طين أهل الكفر و يغسل قلبه و يشرح صدره و يملأ إيمانا فيلقي اللّه و هو مخلص من كل ما تخالطه الأبدان و القلوب و يكتب له شفاعة في أهل بيته و ألف من إخوانه و تولى الصلاة عليه الملائكة مع جبرئيل و ملك الموت و يؤتى بكفنه و حنوطه من الجنة و يوسع قبره عليه و يوضع له مصابيح في قبره و يفتح له باب من الجنة و تأتيه الملائكة بالطرف من الجنة و يرفع بعد ثمانية عشر يوما إلى حظيرة القدس فلا يزال فيها مع أولياء اللّه حتى

ص: 139

تصيبه النفخة التي لا تبقى شيئا فإذا كانت النفخة الثانية و خرج من قبره كان أول من يصافحه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام و الأوصياء و يبشرونه و يقولون له الزمناء و يقيمونه على الحوض فيشرب منه و يسقي من أحب.

قلت:فما لمن حبس في إتيانه.

قال:له بكل يوم يحبس و يغتم فرحه إلى يوم القيامة فإن ضرب بعد الحبس في إتيانه كان له بكل ضربة حوراء و بكل وجع يدخل على بدنه ألف ألف حسنة و يمحى بها عنه ألف ألف سيئة و يرفع له بها ألف ألف درجة و يكون من محدثي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى يفرغ من الحساب فيصافحه حملة العرش و يقال له سل ما أحببت و يؤتى ضاربه للحساب فلا يسأل عن شيء و لا يحتسب بشيء و يؤخذ بضبعيه حتى ينتهي به إلى ملك يحبوه و يتحفه بشربة من الحميم و شربة من الغسلين و يوضع على مثال[مقال]في النار فيقال له ذق بما قدمت يداك فيما آتيت إلى هذا الذي ضربته سببا إلى وفد اللّه و وفد رسوله و يأتي بالمضروب إلى باب جهنم و يقال له انظر إلى ضاربك و إلى ما قد لقي فهل شفيت صدرك و قد اقتص لك منه فيقول الحمد للّه الذي انتصر لي و لولد رسوله منه (1).0.

ص: 140


1- كامل الزيارات،ص:240.

تربة و طين قبر الحسين عليه السّلام

اشارة

ما يستحب من طين قبر الحسين و أنه شفاء

1-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد ابن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن كرام عن ابن أبي يعفور قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين عليه السّلام فينتفع به و يأخذ غيره فلا ينتفع به؟

فقال:لا و اللّه الذي لا إله إلا هو ما يأخذه أحد و هو يرى أن اللّه ينفعه به إلا نفعه اللّه به.

2-حدثني محمد بن عبد اللّه عن أبيه عن أبي عبد اللّه البرقي عن بعض أصحابنا قال:دفعت إلي امرأة غزلا فقالت ادفعه إلى حجبة مكة ليخاط به كسوة الكعبة قال:

فكرهت أن أدفعه إلى الحجبة و أنا أعرفهم فلما أن صرنا إلى المدينة دخلت على أبي جعفر عليه السّلام فقلت له:جعلت فداك إن امرأة أعطتني غزلا فقالت:ادفعه بمكة ليخاط به كسوة الكعبة فكرهت أن أدفعه إلى الحجبة.

فقال:اشتر به عسلا و زعفرانا و خذ من طين قبر الحسين عليه السّلام و اعجنه بماء السماء و اجعل فيه من العسل و الزعفران و فرّقه على الشيعة ليداووا به مرضاهم.

3-و حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل البصري و لقبه فهد عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:طين قبر الحسين عليه السّلام شفاء من كل داء.

ص: 141

4-و عنه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن أبيه عن محمد ابن سليمان البصري عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:في طين قبر الحسين عليه السّلام الشفاء من كل داء و هو الدواء الأكبر.

5-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن شيخ من أصحابنا عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:طين قبر الحسين عليه السّلام فيه شفاء و إن أخذ على رأس ميل.

6-و روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أصابته علة فبدأ بطين قبر الحسين عليه السّلام شفاه اللّه من تلك العلة إلا أن تكون علة السام.

7-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم قال:حدثنا مدلج عن محمد بن مسلم قال:خرجت إلى المدينة و أنا وجع فقيل له محمد بن مسلم وجع فأرسل إلي أبو جعفر عليه السّلام شرابا مع غلام مغطى بمنديل فناولنيه الغلام و قال لي:اشربه فإنه قد أمرني أن لا أبرح حتى تشربه فتناولته فإذا رائحة المسك منه و إذا بشراب طيب الطعم بارد فلما شربته قال لي الغلام:يقول لك مولاك:إذا شربته فتعال ففكرت فيما قال لي و ما أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي فلما استقر الشراب في جوفي فكأنما نشطت من عقال فأتيت بابه فاستأذنت عليه فصوّت بي صح الجسم أدخل فدخلت عليه و أنا باك فسلّمت عليه و قبّلت يده و رأسه فقال لي:و ما يبكيك يا محمد؟

قلت:جعلت فداك أبكي على اغترابي و بعد الشقة و قلة القدرة على المقام عندك أنظر إليك.

فقال لي:أما قلة القدرة فكذلك جعل اللّه أولياءنا و أهل مودتنا و جعل البلاء إليهم سريعا و أما ما ذكرت من الغربة فإن المؤمن في هذه الدنيا غريب و في هذا الخلق المنكوس حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة اللّه و أما ما ذكرت من بعد الشقة فلك

ص: 142

بأبي عبد اللّه عليه السّلام أسوة بأرض نائية عنا بالفرات و أما ما ذكرت من حبك قربنا و النظر إلينا و أنك لا تقدر على ذلك فاللّه يعلم ما في قلبك و جزاؤك عليه.

ثم قال لي:هل تأتي قبر الحسين عليه السّلام؟

قلت:نعم على خوف و وجل.

فقال عليه السّلام:ما كان في هذا أشد فالثواب فيه على قدر الخوف و من خاف في إتيانه أمّن اللّه روعته يوم يقوم الناس لرب العالمين و انصرف بالمغفرة و سلّمت عليه الملائكة وزار(و رآه)النبي صلّى اللّه عليه و آله و ما يصنع و دعى له انقلب بنعمة من اللّه و فضل لم يمسسه سوء و اتبع رضوان اللّه ثم قال لي:كيف وجدت الشراب.

فقلت:أشهد أنكم أهل بيت الرحمة و أنك وصي الأوصياء و لقد أتاني الغلام بما بعثته و ما أقدر على أن أستقل على قدمي و لقد كنت آيسا من نفسي فناولني الشراب فشربته فما وجدت مثل ريحه و لا أطيب من ذوقه و لا طعمه و لا أبرد منه فلما شربته قال لي الغلام:إنه أمرني أن أقول لك إذا شربته فأقبل إلي و قد علمت شدّة ما بي.

فقلت:لأذهبن إليه و لو ذهبت نفسي فأقبلت إليك فكأني نشطت من عقال فالحمد للّه الذي جعلكم رحمة لشيعتكم و رحمة علي.

فقال:يا محمد إن الشراب الذي شربته فيه من طين قبر الحسين عليه السّلام و هو أفضل ما استشفي به فلا تعدل به فإنا نسقيه صبياننا و نساءنا فنرى فيه كل خير.

فقلت له:جعلت فداك إنا لنأخذ منه و نستشفي به؟

فقال:يأخذه الرجل فيخرجه من الحائر و قد أظهره فلا يمر بأحد من الجن به عاهة و لا دابة و لا شيء فيه آفة إلا شمّه فتذهب بركته فيصير بركته لغيره و هذا الذي يتعالج به ليس هكذا و لو لا ما ذكرت لك ما يمسح به شيء و لا شرب منه شيء إلا أفاق من ساعته و ما هو إلا كحجر الأسود أتاه صاحب العاهات و الكفر و الجاهلية و كان لا يتمسح به أحد إلا أفاق و كان كأبيض ياقوتة فاسودّ حتى صار إلى ما رأيت فقلت:جعلت فداك و كيف أصنع به؟

ص: 143

فقال عليه السّلام:تصنع به مع إظهارك إياه ما يصنع غيرك تستخف به فتطرحه في خرجك و في أشياء دنسة فيذهب ما فيه مما تريده له.

فقلت:صدقت جعلت فداك.

قال:ليس يأخذه أحد إلا و هو جاهل بأخذه و لا يكاد يسلم بالناس.

فقلت:جعلت فداك و كيف لي أن آخذه كما تأخذه.

فقال لي:أعطيك منه شيئا فقلت:نعم،قال:إذا أخذته فكيف تصنع به.

فقلت:أذهب به معي.

فقال عليه السّلام:في أي شيء تجعله.

فقلت:في ثيابي.

قال عليه السّلام:فقد رجعت إلى ما كنت تصنع إشرب عندنا منه حاجتك و لا تحمله فإنه لا يسلم لك فسقاني منه مرتين فما أعلم أني وجدت شيئا مما كنت أجد حتى انصرفت.

8-حدثني محمد بن الحسين بن مت الجوهري عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن الخيبري عن أبي ولاد عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لو أن مريضا من المؤمنين يعرف حق أبي عبد اللّه عليه السّلام و حرمته و ولايته أخذ من طين قبره مثل رأس أنملة كان له دواء (1).8.

ص: 144


1- كامل الزيارات:278.

إن طين قبر الحسين شفاء و أمان

1-حدثني أبي و جماعة ره عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسى عن رجل قال:بعث إلي أبو الحسن الرضا عليه السّلام من خراسان ثياب رزم و كان بين ذلك طين فقلت للرسول:ما هذا؟

قال:طين قبر الحسين عليه السّلام ما كان يوجّه شيئا من الثياب و لا غيره إلا و يجعل فيه الطين و كان يقول:هو أمان بإذن اللّه.

2-حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن موسى بن سعدان عن عبد اللّه بن القاسم عن الحسين بن أبي العلاء قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:حنّكوا أولادكم بتربة الحسين عليه السّلام فإنه أمان.

3-حدثني أبي ره عن سعد بن عبد اللّه عن أيوب بن نوح عن عبد اللّه بن المغيرة قال:حدثنا أبو اليسع قال:سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا أسمع قال:آخذ من طين قبر الحسين يكون عندي أطلب بركته؟

قال عليه السّلام:لا بأس بذلك.

4-و عنه عن سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن موسى الوراق عن يونس عن عيسى بن سليمان عن محمد بن زياد عن عمته قلت:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إن في طين الحائر الذي فيه الحسين عليه السّلام شفاء من كل داء و أمان من كل خوف.

5-و حدثني أبي ره عن أحمد بن إدريس و محمد بن يحيى عن العمركي بن علي البوفكي عن يحيى و كان في خدمة أبي جعفر الثاني عن عيسى بن سليمان عن

ص: 145

محمد بن مارد عن عمته قالت:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إن في طين الحائر الذي فيه الحسين عليه السّلام شفاء من كل داء و أمان من كل خوف.

6-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن الخيبري عن أبي ولاد عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لو أن مريضا من المؤمنين يعرف حق أبي عبد اللّه و حرمته و ولايته أخذ له من طين قبره على رأس ميل كان له دواء و شفاء.

ص: 146

من أين يؤخذ طين قبر الحسين و كيف يؤخذ

1-حدثني أبي ره عن سعد بن عبد اللّه عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن علي عن يونس بن رفيع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن عند رأس الحسين بن علي عليه السّلام لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء إلا السام قال:فأتيت القبر بعد ما سمعنا هذا الحديث فاحتفرنا عند رأس القبر فلما حفرنا قدر ذراع انحدرت علينا من رأس القبر مثل السهلة حمراء قدر درهم فحملناه إلى الكوفة فمزجناه و خبيناه فأقبلنا نعطي الناس يتداوون به.

2-حدثني أبي ره و محمد بن الحسن و علي بن الحسين عن سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن رزق اللّه بن العلاء عن سليمان بن عمرو السراج عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:يؤخذ طين قبر الحسين عليه السّلام من عند القبر على قدر سبعين باعا.

3-حدثني علي بن الحسين عن علي بن إبراهيم عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي عن عبد اللّه بن حماد الأنصاري عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا تناول أحدكم من طين قبر الحسين عليه السّلام فليقل اللهم إني أسألك بحق الملك الذي تناوله و الرسول الذي بوّأه و الوصي الذي ضمّن فيه أن تجعله شفاء من كل داء كذا و كذا و يسمّي ذلك الداء.

4-حدثني حكيم بن داود عن سلمة عن علي بن الريان بن الصلت عن الحسين ابن أسد عن أحمد بن مصقلة عن عمه عن أبي جعفر الموصلي أن أبا جعفر عليه السّلام قال:إذا أخذت طين قبر الحسين فقل اللهم بحق هذه التربة و بحق الملك الموكل بها

ص: 147

و الملك الذي كربها (1)و بحق الوصي الذي هو فيها صل على محمد و آل محمد و اجعل هذا الطين شفاء من كل داء و أمانا من كل خوف فإن فعل ذلك كان حتما شفاء من كل داء و أمانا من كل خوف.

5-حدثني محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار عن جده علي بن مهزيار عن الحسن بن سعيد عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم قال:حدثنا أبو عمرو شيخ من أهل الكوفة عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كنت بمكة و ذكر في حديثه قلت:جعلت فداك إني رأيت أصحابنا يأخذون من طين الحائر ليستشفون به هل في ذلك شيء مما يقولون من الشفاء.

قال:يستشفى بما بينه و بين القبر على رأس أربعة أميال و كذلك قبر جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كذلك طين قبر الحسن و علي و محمد فخذ منها فإنها شفاء من كل سقم و جنة مما تخاف و لا يعدلها شيء من الأشياء التي يستشفى بها إلا الدعاء و إنما يفسدها ما يخالطها من أو عيتها و قلة اليقين لمن يعالج بها فأما من أيقن أنها له شفاء إذا يعالج بها كفته بإذن اللّه من غيرها مما يعالج به و يفسدها الشياطين و الجن من أهل الكفر منهم يتمسّحون بها و ما تمر بشيء إلا شمّها و أما الشياطين و كفار الجن فإنهم يحسدون بني آدم عليها فيتمسّحون بها ليذهب عامة طيبها و لا يخرج الطين من الحائر إلا و قد استعد له ما لا يحصى منهم و أنه لفي يد صاحبها و هم يتمسّحون بها و لا يقدرون مع الملائكة أن يدخلوا الحائر مع الملائكة و لو كان من التربة شيء يسلم ما عولج به أحد إلا برأ من ساعته فإذا أخذتها فاكتمها و أكثر عليها من ذكر اللّه تعالى و قد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئا يستخف به حتى أن بعضهم ليطرحها في مخلاة البغل و الحمار و في وعاء الطعام و ما يمسح به الأيدي من الطعام و الخرج و الجوالق فكيف يستشفي به من هذا حاله عنده و لكن القلبا.

ص: 148


1- في بعض المصادر:الموكل بها.

الذي ليس فيه يقين من المستخف بما فيه صلاحه يفسد عليه عمله.

6-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد ابن عيسى عن رزق اللّه بن العلاء عن سليمان بن عمرو السراج عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:يؤخذ طين قبر الحسين عليه السّلام من عند القبر على سبعين باعا في سبعين باعا.

7-حدثني محمد بن يعقوب عن علي بن محمد بن علي رفعه قال:قال:الختم على طين قبر الحسين عليه السّلام أن يقرأ عليه إنا أنزلناه في ليلة القدر.

8-و روي إذا أخذته فقل اللهم بحق هذه التربة الطاهرة و بحق البقعة الطيبة و بحق الوصي الذي تواريه و بحق جده و أبيه و أمه و أخيه و الملائكة الذين يحفّون به و الملائكة العكوف على قبر وليك ينتظرون نصره صلى اللّه عليهم أجمعين و اجعل لي فيه شفاء من كل داء و أمانا من كل خوف و غنى من كل فقر و عزا من كل ذل و أوسع به علي في رزقي و أصحّ به جسمي.

9-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن رجل من أهل الكوفة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:حريم قبر الحسين عليه السّلام فرسخ في فرسخ في فرسخ في فرسخ.

10-حدثني جعفر بن محمد بن إبراهيم الموسوي عن عبد اللّه(عبيد اللّه) ابن نهيك عن سعد بن صالح عن الحسن بن علي بن أبي المغيرة عن بعض أصحابنا قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إني رجل كثير العلل و الأمراض و ما تركت دواء إلا و قد تداويت به؟

فقال عليه السّلام لي:فأين أنت عن تربة الحسين عليه السّلام فإن فيها الشفاء من كل داء و الأمن من كل خوف و قل إذا أخذته:اللهم إني أسألك بحق هذه الطينة و بحق الملك الذي أخذها و بحق النبي الذي قبضها و بحق الوصي الذي حل فيها صل على محمد و أهل

ص: 149

بيته و اجعل لي فيها شفاء من كل داء و أمانا من كل خوف.

قال:ثم قال عليه السّلام:إن الملك الذي أخذها جبرائيل و أراها النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:هذه تربة ابنك هذا تقتله أمتك من بعدك و النبي الذي قبضها فهو محمد صلّى اللّه عليه و آله و أما الوصي الذي حل فيها فهو الحسين بن علي سيد الشهداء قلت قد عرفت الشفاء من كل داء فكيف (فما)الأمان من كل خوف قال:إذا خفت سلطانا أو غير ذلك فلا تخرج من منزلك إلا و معك من طين قبر الحسين عليه السّلام و قل إذا أخذته:اللهم إن هذه طينة قبر الحسين وليك و ابن وليك اتخذتها حرزا لما أخاف و لما لا أخاف فإنه قد يرد عليك ما لا تخاف قال الرجل:فأخذتها كما قال فصحّ و اللّه بدني و كان لي أمانا من كل ما خفت و ما لم أخف كما قال،فما رأيت بحمد اللّه بعدها مكروها.

11-أخبرني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة عن أحمد(محمد)بن إسحاق القزويني عن أبي بكار قال:أخذت من التربة التي عند رأس قبر الحسين بن علي عليه السّلام فإنها طينة حمراء فدخلت على الرضا عليه السّلام فعرضتها عليه فأخذها في كفه ثم شمها ثم بكى حتى جرت دموعه ثم قال:هذه تربة جدي.

12-حدثني أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن الحسين العسكري بالعسكر قال:حدثنا الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن مروان عن أبي حمزة الثمالي قال:قال الصادق عليه السّلام:إذا أردت حمل الطين من قبر الحسين عليه السّلام فاقرأ فاتحة الكتاب و المعوذتين و قل هو اللّه أحد و إنا أنزلناه في ليلة القدر و يس و آية الكرسي و تقول:

اللهم بحق محمد عبدك و رسولك و حبيبك و نبيك و أمينك و بحق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عبدك و أخي رسولك و بحق فاطمة بنت نبيك و زوجة وليك و بحق الحسن و الحسين و بحق الأئمة الراشدين و بحق هذه التربة و بحق الملك الموكل بها و بحق الوصي الذي حل فيها و بحق الجسد الذي تضمّنت و بحق السبط الذي ضمنت و بحق جميع ملائكتك و أنبيائك و رسلك صل على محمد و آل محمد و اجعل لي هذا

ص: 150

الطين شفاء من كل داء و لمن يستشفي به من كل داء و سقم و مرض و أمانا من كل خوف اللهم بحق محمد و أهل بيته اجعله علما نافعا و رزقا واسعا و شفاء من كل داء و سقم و آفة و عاهة و جميع الأوجاع كلها إنك على كل شيء قدير.

و تقول:اللهم رب هذه التربة المباركة الميمونة و الملك الذي هبط بها و الوصي الذي هو فيها صل على محمد و آل محمد و سلم و انفعني بها إنك على كل شيء قدير (1).4.

ص: 151


1- كامل الزيارات:284.

ما يقول الرجل إذا أكل من تربة قبر الحسين عليه السّلام

1-حدثني أبي ره و جماعة عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسى بن عبيد عن محمد بن إسماعيل البصري عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:طين قبر الحسين عليه السّلام شفاء من كل داء و إذا أكلته فقل بسم اللّه و باللّه اللهم اجعله رزقا واسعا و علما نافعا و شفاء من كل داء إنك على كل شيء قدير.

2-قال و روى لي بعض أصحابنا يعني محمد بن عيسى قال:نسيت إسناده قال:إذا أكلته تقول:اللهم رب هذه التربة المباركة و رب هذا الوصي الذي وارته صل على محمد و آل محمد و اجعله علما نافعا و رزقا واسعا و شفاء من كل داء.

3-حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا أخذت من تربة المظلوم و وضعتها في فيك فقل اللهم إني أسألك بحق هذه التربة و بحق الملك الذي قبضها و النبي الذي حضنها و الإمام الذي حلّ فيها أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تجعل لي فيها شفاء نافعا و رزقا واسعا و أمانا من كل خوف و داء فإنه إذا قال ذلك وهب اللّه له العافية و شفاه (1).

ص: 152


1- كامل الزيارات:286.

إن الطين كله حرام إلا طين قبر الحسين فإنه شفاء

1-حدثني محمد بن يعقوب و جماعة مشايخي ره عن محمد بن يحيى عن أحمد ابن محمد بن عيسى عن أبي يحيى الواسطي عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

الطين كله حرام كلحم الخنزير و من أكله ثم مات منه لم أصل عليه إلا طين قبر الحسين عليه السّلام فإن فيه شفاء من كل داء و من أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء.

2-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن عباد بن سليمان عن سعد بن سعد قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الطين قال:فقال:أكل الطين حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير إلا طين قبر الحسين فإن فيه شفاء من كل داء و أمن من كل خوف.

3-حدثني أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن يعقوب عن علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليه السّلام قال:إن اللّه تبارك و تعالى خلق آدم عليه السّلام من طين فحرّم الطين على ولده.

قال:فقلت:ما تقول في طين قبر الحسين صلّى اللّه عليه و آله؟

فقال:يحرم على الناس أكل لحومهم و يحل عليهم أكل لحومنا و لكن الشيء اليسير منه مثل الحمصة.

4-و روى سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كل طين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين عليه السّلام من أكله من وجع شفاه اللّه تعالى.

5-و وجدت في حديث الحسين بن مهران الفارسي عن محمد بن سيار عن يعقوب بن يزيد يرفع الحديث إلى الصادق عليه السّلام قال:من باع طين قبر الحسين عليه السّلام فإنه يبيع لحم الحسين عليه السّلام و يشتريه.

ص: 153

آثار تربة الحسين عليه السلام

1-أمان من كل داء:
2-و أمان من كل خوف:

ورد في كتاب التهذيب عن بعضهم أنه قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إني رجل كثير العلل و الأمراض و ما تركت دواء إلاّ و تداويت به.

فقال لي:و أين أنت من طين قبر الحسين عليه السّلام فإنه فيه شفاء من كل داء و الأمن من كل خوف.

فقال السائل:و كيف الأمان من كل خوف؟

قال عليه السّلام:إذا خفت سلطانا أو غير ذلك فلا تخرج من منزلك إلاّ و معك من طين قبر الحسين عليه السّلام و قل إذا أخذتها:

اللهم إن هذه طينة قبر الحسين عليه السّلام وليّك و ابن وليك أخذتها حرزا لما أخاف و ما لا أخاف فإنه يرد عليك ما لا تخاف» (1).

و سيأتي مزيد بيان عن التربة الحسينية و كيفية الإستشفاء بها و آدابها و ما يتعلق بالحسين عليه السّلام عامة في فصل آخر فترقّب.

ص: 154


1- التهذيب،ج:22،ص:6.
3-إمكان دفن الميت:

عن الحسن ين يوسف بن المطهر العلامة في منتهى المطلب قال:إن امرأة كانت تزني و تضع أولادها و كانت تحرقهم بالنار خوفا من أهلها و لم يعلم بها غير أمها فلما ماتت دفنت فانكشف التراب عنها و لم تقبلها الأرض فنقلت من ذلك المكان إلى غيره فجرى لها ذلك فجاء أهلها إلى الإمام الصادق عليه السّلام و حكوا له القصة.

فقال لأمها:ما كانت تصنع هذه في حياتها من المعاصي فأخبرته بباطن أمرها.

فقال الصادق عليه السّلام:إن الأرض لا تقبل هذه لأنها كانت تعذّب خلق اللّه بعذاب اللّه اجعلوا في قبرها شيئا من تربة الحسين عليه السّلام ففعلوا ذلك فسترها اللّه تعالى (1).

4-الشفاء السريع:

ذكر صاحب كتاب قصص و خواطر تحت هذا العنون القصة التالية:

نقل لي آية اللّه الحاج الشيخ حسن علي مرواريد(دام ظله العالي)أن المرحوم الحاج صدر الحفاظ-و كان من التجار المحترمين في مشهد و ذى علاقة قوية مع جدي من أمي آية اللّه الحاج الشيخ حسن علي الطهراني قدّس سرّه ذكر لي قائلا:

مرضت ذات مرة حتى أحسست من شدّة الضعف بأني مقبل على الوفاة.

فأرسلت أن يأتيني سماحة الشيخ فلما حضر عند رأسي رجوت منه أن يقبل ما أهبه إليه من ثرواتي كلها على أن يقوم بعد وفاتي بإيهابهم إلى أولادي بصفتهم فقراء محتاجين.

ص: 155


1- وسائل الشيعة،ج:3،ص:39.

بهذه الفكرة كنت أريد أولا أن أتخلص من أي شبهة في ثرواتي كأن تكون-من باب الإحتمال-خليطا مع حقوق الآخرين و أنا لا أعلم.

و ثانيا:تعود الأموال بعد تصفيتها إلى الورثة كيلا يبقوا من غير شيء فتبسّم الشيخ و قال:فكرة ذكية تخرج أموالك من جيب و تدخلها إلى جيبك الآخر وهنا أدخل الشيخ إصبعه في طرف عمامته و أخرج قليلا من تربة قبر الحسين عليه السّلام فقال:

أعطيك هذه التربة فتشفى و تستغني عن وضع خطط و أفكار لثروتك كهذه، و الأعجب من هذا أني لمجرد أن وضعت التربة في فمي شفيت حالا،فجلست و قلت له باستغراب:

أهكذا سريعة الأثر هذه التربة و أنت على هذه الدرجة شديد الإطمئنان بها؟

فقال الشيخ:هذا ليس بشيء بالنسبة إلى العبد الذي لا يخون مولاه.

يقول سماحة الشيخ مرواريد:أذكر أي نقلت هذه القصة لأحد كبار علماء مشهد المقدسة قديما فقال لي:إنّ هذه الكلمة الأخيرة للمرحوم جدك هي أهم نقطة في القصّة (1)8.

ص: 156


1- قصص و خواطر،ص:87-88.

قصة في أثر تربة الحسين عليه السلام

نقل عن موسى بن عبد العزيز أنه قال:طرقني يوحنا الطبيب النصراني يوما و قال لي:قل لي بحق دينك و نبيك من هذا الشخص المدفون في كربلاء و الذي تزورونه دائما؟

فقلت له:أنه ابن علي بن أبي طالب و أمه ابنة نبي آخر الزمان.

فقال لي:سأحدّثك بحديث عجيب،ثم قال:جاءني خادم هارون الرشيد سابور في منتصف الليل و قال لي:أجب أمر الخليفة و اذهب إلى منزل موسى بن عيسى الهاشمي،فحضرت عنده و هو في غيبوبته زائل العقل ثمّ أفاق فسألته ما بك؟ فأحضروا لي طشتا فيه أمعاؤه و أحشاؤه الممزقة فقلت له:ما القصة ماذا حدث لك؟

فقالوا لي:قبل هذا الوقت كان جالسا مع ندمائه و أصحابه فتذاكروا تربة قبر الحسين بن علي عليه السّلام و كان في المجلس رجل من بني هاشم فقال موسى بن عيسى:ما أشدّ غلو الرافضة فإنهم يزعمون أن في تربة قبر الحسين شفاء للأمراض،فقال الرجل الهاشمي:نعم لقد جرّبت ذلك و شفيت من مرضي.فقال له موسى بن عيسى:هل لديك من هذه التربة؟

فقال:نعم.

فقال:ناولني قليلا منها،فأعطاه شيئا يسيرا منها فأخذه و وضعه في دبره مستهزئا بها،فلم تمضي لحظات و إذا به يصرخ و يصيح و ينادي بأعلى صوته النار...النار...الطشت...الطشت،فكانت أمعاؤه تخرج من فيه و نجاسته تخرج من

ص: 157

دبره كماترى حاله،فقال لي خادم هارون الرشيد:هل ترى له من حيلة؟فدعوت بشمعة فنظرت فإذا كبده و طحاله و رئته و فؤاده خرج منه في الطشت.فقلت:ما لأحد في هذا صنع إلاّ أن يكون لعيسى الذي يحيي الموتى.

فقال لي سابور:صدقت و لكن كن في الدار إلى أن يتبين ما يكون من أمره،فبتّ عندهم و هو بتلك الحال ما رفع رأسه فمات وقت السحر.

و على أثر هذه الحادثة أسلم يوحنا الطبيب و حسن إسلامه،و أخذ بزيارة الإمام الحسين عليه السّلام في كربلاء يطلب غفران الذنوب و الزلفى لدى اللّه تبارك و تعالى (1).

قصة أخرى

عن الحسن ين يوسف بن المطهر العلامة في منتهى المطلب رقعة،قال:إن امرأة كانت تزني و تضع أولادها و كانت تحرقهم بالنار خوفا من أهلها و لم يعلم بها غير أمها فلما ماتت دفنت فانكشف التراب عنها و لم تقبلها الأرض فنقلت من ذلك المكان إلى غيره فجرى لها ذلك فجاء أهلها إلى الإمام الصادق عليه السّلام و حكواله القصة.

فقال لأمها:ما كانت تصنع هذه في حياتها من المعاصي فأخبرته بباطن أمرها.

فقال الإمام الصادق عليه السّلام:إن الارض لا تقبل هذه لأنها كانت تعذب خلق اللّه بعذاب اللّه اجعلوا في قبرها شيئا من تربة الحسين عليه السّلام ففعلوا ذلك فسترها اللّه تعالى (2).

ص: 158


1- أمالي الطوسي،مجلس:11،ص:320.
2- وسائل الشيعة،ج:3،ص:39.

أثر الإستهتار بتربة الحسين عليه السلام

تقطيع الأمعاء و الموت:

نقل عن موسى بن عبد العزيز أنه قال:طرقني يوحنا الطبيب النصراني يوما و قال لي:قل لي بحق دينك و نبيك من هذا الشخص المدفون في كربلاء و الذي تزورونه دائما؟

فقلت له:إنه ابن علي بن أبي طالب و أمه ابنة نبي آخر الزمان.

فقال لي:سأحدّثك بحديث عجيب،ثم قال:جاءني خادم هارون الرشيد سابور في منتصف الليل و قال لي:أجب أمر الخليفة و اذهب إلى منزل موسى بن عيسى الهاشمي،فحضرت عنده و هو في غيبوبته زائل العقل ثمّ أفاق فسألته ما بك؟ فاحضروا لي طشتا فيه أمعاؤه و أحشاؤه الممزقة.

فقلت له:ما القصة ماذا حدث لك؟

فقالوا لي:قبل هذا الوقت كان جالسا مع ندمائه و أصحابه فتذاكروا تربة قبر الحسين بن علي عليه السّلام و كان في المجلس رجل من بني هاشم فقال موسى بن عيسى:ما أشدّ غلو الرافضة فإنهم يزعمون أن في تربة قبر الحسين شفاء للأمراض.

فقال الرجل الهاشمي:نعم لقد جرّبت ذلك و شفيت من مرضي.

فقال له موسى بن عيسى:هل لديك من هذه التربة؟

فقال:نعم.

فقال:ناولني قليلا منها،فأعطاه شيئا يسيرا منها فأخذه و وضعه في دبره

ص: 159

مستهزئا بها،فلم تمضي لحظات و إذا به يصرخ و يصيح و ينادي بأعلى صوته النار...النار...الطشت...الطشت،فكانت أمعاؤه تخرج من فيه و نجاسته تخرج من دبره كما ترى حاله،فقال لي خادم هارون الرشيد:هل ترى له من حيلة؟فدعوت بشمعة فنظرت فإذا كبده و طحاله و رئته و فؤاده خرج منه في الطشت فقلت:ما لأحد في هذا صنع إلاّ أن يكون لعيسى الذي يحيي الموتى.

فقال لي سابور:صدقت و لكن كن في الدار إلى أن يتبين ما يكون من أمره،فبتّ عندهم و هو بتلك الحال ما رفع رأسه فمات وقت السحر.

و على أثر هذه الحادثة أسلم يوحنا الطبيب و حسن إسلامه،و أخذ بزيارة الإمام الحسين عليه السّلام في كربلاء يطلب غفران الذنوب و الزلفى لدى اللّه تبارك و تعالى (1).0.

ص: 160


1- أمالي الطوسي،مجلس:11،ص:320.

زيارة العباس بن علي عليهما السلام

1-حدثني أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن الحسين العسكري بالعسكر عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه علي بن مهزيار عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن مروان عن أبي حمزة الثمالي قال:قال الصادق عليه السّلام:إذا أردت زيارة قبر العباس بن علي عليه السّلام و هو على شط الفرات بحذاء الحائر(الحير)فقف على باب السقيفة و قل:

سلام اللّه و سلام ملائكته المقربين و أنبيائه المرسلين و عباده الصالحين و جميع الشهداء و الصديقين و الزاكيات الطيبات فيما تغتدي و تروح عليك يا ابن أمير المؤمنين أشهد لك بالتسليم و التصديق و الوفاء و النصيحة لخلف النبي المرسل و السبط المنتجب و الدليل العالم و الوصي المبلغ و المظلوم المهتضم فجزاك اللّه عن رسوله و عن أمير المؤمنين و عن الحسن و الحسين صلّى اللّه عليه و آله أفضل الجزاء بما صبرت و احتسبت و أعنت فنعم عقبى الدار لعن اللّه من قتلك و لعن اللّه من جهل حقك و استخف بحرمتك و لعن اللّه من حال بينك و بين ماء الفرات أشهد أنك قتلت مظلوما و أن اللّه منجز لكم ما وعدكم جئتك يا ابن أمير المؤمنين وافدا إليكم و قلبي مسلّم لكم و أنا لكم تابع و نصرتي لكم معدة حتى يحكم اللّه و هو خير الحاكمين فمعكم معكم لا مع عدوكم إني بكم و بإيابكم من المؤمنين و بمن خالفكم و قتلكم من الكافرين قتل اللّه أمة قتلتكم بالأيدي و الألسن.

ثم ادخل و انكب على القبر و قل:السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع للّه و لرسوله و لأمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السّلام السلام عليك و رحمة اللّه

ص: 161

و بركاته و رضوانه و على روحك و بدنك أشهد و أشهد اللّه أنك مضيت على ما مضى عليه البدريون المجاهدون في سبيل اللّه المناصحون له في جهاد أعدائه المبالغون في نصرة أوليائه الذابون عن أحبائه فجزاك اللّه أفضل الجزاء و أكثر الجزاء و أوفر الجزاء و أوفى جزاء أحد ممن و في ببيعته و استجاب له دعوته و أطاع و لاة أمره و أشهد أنك قد بالغت في النصيحة و أعطيت غاية المجهود فبعثك اللّه في الشهداء و جعل روحك مع أرواح الشهداء و أعطاك من جنانه أفسحها منزلا و أفضلها غرفا و رفع ذكرك في عليين و حشرك مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا أشهد أنك لم تهن و لم تنكل و أنك مضيت على بصيرة من أمرك مقتديا بالصالحين و متبعا للنبيّين فجمع اللّه بيننا و بينك و بين رسوله و أوليائه في منازل المخبتين فإنه أرحم الراحمين (1).8.

ص: 162


1- كامل الزيارات:258.

وداع قبر العباس بن علي عليه السّلام

1-حدثني أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن الحسين العسكري بالعسكر عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه علي بن مهزيار عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن مروان عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا ودعت العباس فأته و قل:

أستودعك اللّه و أسترعيك و أقرأ عليك السلام آمنا باللّه و برسوله و بكتابه و بما جاء به من عند اللّه اللهم اكتبنا مع الشاهدين اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارة قبر ابن أخي نبيك و ارزقني زيارته أبدا ما أبقيتني و احشرني معه و مع آبائه في الجنان اللهم و عرّف بيني و بينه و بين رسولك و أوليائك اللهم صل على محمد و آل محمد و توفّني على الإيمان بك و التصديق برسولك و الولاية لعلي بن أبي طالب و الأئمة من ولده و البراءة من عدوهم فإني قد رضيت بذلك يا رب و تدعو لنفسك و لوالديك و المؤمنين و المسلمين و تخيّر من الدعاء (1).

ص: 163


1- كامل الزيارات:258.

وداع قبور الشهداء عليه السّلام

1-تقول:اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارتي إياهم و أشركني معهم و أدخلني في صالح ما أعطيتهم على نصرهم ابن بنت نبيك و حجتك على خلقك و جهادهم معه في سبيلك اللهم اجمعنا و إياهم في جنتك مع الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا أستودعكم اللّه و أقرأ عليكم السلام اللهم ارزقني العود إليهم و احشرني معهم يا أرحم الراحمين (1).

ص: 164


1- كامل الزيارات:259.

جور الخلفاء على قبر الإمام الحسين و معجزات الضريح

ابن حشيش،عن محمد بن عبد اللّه،عن علي بن محمد بن مخلد،عن أحمد بن ميثم، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني ألى علي في منزله قال:خرجت أيام ولاية موسى ابن عيسى الهاشمي الكوفة من منزلي فلقيني أبو بكر بن عياش فقال لي:إمض بنا يا يحيى إلى هذا،فلم أدر من يعني،و كنت أجلّ أبا بكر عن مراجعته،و كان راكبا حمارا له،فجعل يسير عليه،و أنا أمشي مع ركابه،فلما صرنا عند الدار المعروفة بدار عبد اللّه بن حازم،التفت إلي و قال:يا ابن الحماني إنما جررتك معي و جشّمتك (1)أن تمشي خلفي لأسمعك ما أقول لهذه الطاغية.

قال:فقلت:من هو يا أبا بكر؟

قال:هذا الفاجر الكافر موسى بن عيسى،فسكت عنه و مضى و أنا أتبعه حتى إذا صرنا إلى باب موسى بن عيسى،و بصر به الحاجب و تبيّنه و كان الناس ينزلون عند الرحبة،فلم ينزل أبو بكر هناك و كان عليه يومئذ قميص و إزار،و هو محلول الأزرار،قال:فدخل على حماره و ناداني:تعال يا ابن الحماني،فمنعني الحاجب فزجره أبو بكر و قال له:أتمنعه يا فاعل!و هو معي؟

فتركني فمازال يسير على حماره حتى دخل الايوان،فبصر بنا موسى و هو قاعد في صدر الايوان على سريره،و بجانبي السرير رجال متسلحون و كذلك كانوا يصنعون فلما أن رآه موسى رحّب به و قرّبه و أقعده على سريره،و منعت

ص: 165


1- يقال:جشمته الامر و أجشمته اياه:كلفته اياه قال:"مهما تجشمنى فإني جاشم".

أنا حين وصلت إلى الايوان أن أتجاوزه،فلما استقر أبو بكر على السرير إلتفت فرآني حيث أنا واقف،فناداني فقال:و يحك!فصرت إليه و نعلي في رجلي و علي قميص و إزار فأجلسني بين يديه،فالتفت إليه موسى فقال:هذا رجل تكلمنا فيه؟

قال:لا،ولكني جئت به شاهدا عليك،قال:فيماذا؟

قال:إني رأيتك و ما صنعت بهذا القبر،قال:أي قبر؟

قال:قبر الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان موسى قد وجّه إليه من كرّبه و كرّب جمع أرض الحائر و حرثها و زرع الزرع فيها،فانتفخ موسى حتى كاد أن ينقد ثم قال:و ما أنت و ذا؟

قال:إسمع حتى أخبرك إعلم أني رأيت في منامي كأني خرجت إلى قومي بني غاضرة،فلما صرت بقنطرة الكوفة،اعترضني خنازير عشرة تريدني فأغاثني اللّه برجل كنت أعرفه من بني أسد،فدفعها عني فمضيت لوجهي،فلما صرت إلى شاهي ضللت الطريق،فرأيت هناك عجوزا فقالت لي:أين تريد أيها الشيخ؟

قلت:أريد الغاضرية،قالت لي:تنظر هذا الوادي فإنك إذا أتيت إلى آخره اتضح لك الطريق،فمضيت و فعلت ذلك،فلما صرت إلى نينوى إذا أنا بشيخ كبير جالس هناك، فقلت:من أين أنت أيها الشيخ؟

فقال لي:أنا من أهل هذه القرية،فقلت:كم تعد من السنين؟

فقال:ما أحفظ مامر من سني و عمري،و لكن أبعد ذكري أني رأيت الحسين بن علي عليه السّلام و من كان معه من أهله و من تبعه،يمنعون الماء الذي تراه،و لا تمنع الكلاب و لا الوحوش شربه فاستفظعت ذلك و قلت له:و يحك أنت رأيت هذا؟

قال:إي و الذي سمك السماء لقد رأيت هذا أيها الشيخ و عاينته،و إنك و أصحابك الذين تعينون على ما قدر أينا مما أقرح عيون المسلمين إن كان في الدنيا مسلم، فقلت:و يحك و ما هو؟

قال:حيث لم تنكروا ما أجرى سلطانكم إليه،قلت:و ما جرى؟

ص: 166

قال عليه السّلام:أيكرب قبر ابن النبي و يحرث أرضه؟

قلت:و أين القبر؟

قال:ها هو ذا أنت واقف في أرضه،فأما القبر فقد عمي عن أن يعرف موضعه.

قال أبو بكر بن عياش:و ما كنت رأيت القبر ذلك الوقت قط و لا أتيته في طول عمري،فقلت:من لي بمعرفته؟فمضى معي الشيخ حتى وقف بي على حير (1)له باب و آذن و إذا جماعة كثيرة على الباب،فقلت للآذن:أريد الدخول على ابن رسول اللّه،فقال:لا تقدر على الوصول في هذا الوقت،قلت:و لم؟

قال:هذا وقت زيارة إبراهيم خليل اللّه،و محمد رسول اللّه،و معهما جبرئيل و ميكائيل،في رعيل من الملائكة كثير.

قال أبو بكر بن عياش:فانتبهت و قد دخلني روع شديد و حزن و كآبة و مضت بي الايام حتى كدت أن أنسى المنام،ثم اضطررت إلى الخروج إلى بني غاضرة لدين كان لي على رجل منهم،فخرجت و أنا لا أذكر الحديث حتى صرت بقنطرة الكوفة لقيني عشرة من اللصوص فحين رأيتهم،ذكرت الحديث و رعبت من خشيتي لهم، فقالوا لي:ألق ما معك و انج بنفسك،و كانت معي نفيقة فقلت:و يحكم أنا أبو بكر بن عياش و إنما خرجت في طلب دين لي و اللّه(و)اللّه لا تقطعوني عن طلب ديني و تصرفاتي في نفقتي فإني شديد الإضافة،فنادى رجل منهم مولاي و رب الكعبة، لا يعرض له،ثم قال لبعض فتيانهم:كن معه حتى تصير به إلى الطريق الأيمن.

قال أبو بكر:فجعلت أتذكر ما رأيته في المنام و أتعجب من تأويل الخنازير حتى صرت إلى نينوى،فرأيت و اللّه الذي لا إله إلا هو الشيخ الذي كنت رأيته في منامي بصورته و هيئته،رأيته في اليقظة كما رأيته في المنام سواء،فحين رأيته ذكرت الامر و الرؤيا،فقلت:لا إله إلا اللّه!ما كان هذا إلا وحيا ثم سألته كمسألتي إياه فيم.

ص: 167


1- الحير البستان،و المراد الحائر الحسينى عليه السّلام.

المنام فأجابني بما كان أجابني ثم قال لي:إمض بنا،فمضيت فوقفت معه على الموضع،و هو مكروب فلم يفتني شيء من منامي إلا الآذن و الحير فإني لم أرحيرا و لم أر آذنا فاتق اللّه أيها الرجل فإني قد آليت على نفسي أن لا أدع إذاعة هذا الحديث و لا زيارة ذلك الموضع،و قصده و إعظامه،فان موضعا يؤمه إبراهيم و محمد و جبرئيل و ميكائيل لحقيق بأن يرغب في إتيانه و زيارته،فان أبا حصين حدثني أن رسول اللّه قال:من رآني في المنام فإياي رأى فإن الشيطان لا يتشبه بي فقال له موسى:إنما أمسكت عن إجابة كلامك لأستوفي هذه الحمقة التي ظهرت منك،و تاللّه إن بلغني بعد هذا الوقت أنك تحدّث بهذا لأضربن عنقك و عنق هذا الذي جئت به شاهدا علي فقال له أبو بكر:إذا يمنعني اللّه و إياه منك فاني إنما أردت اللّه بما كلّمتك به.

فقال له:أتراجعني يا ماص...و شتمه.

فقال له:أسكت أخزاك اللّه و قطع لسانك فأزعل (1)موسى على سريره،ثم قال:

خذوه فأخذوا الشيخ عن السرير،و أخذت أنا،فو اللّه لقد مربنا من السحب و الجر و الضرب ما ظننت أننا لا نكثر الأحياء أبدا،و كان أشد ما مرّبي من ذلك أن رأسي كان يجر على الصخر،و كان بعض مواليه يأتيني فينتف لحيتي،و موسى يقول:

اقتلوهما ابني كذا و كذا-بالزاني لا يكني-و أبو بكر يقول له:أمسك قطع اللّه لسانك، و انتقم منك،اللهم إياك أردنا و لولد نبيك غضبنا،و عليك توكلنا:فصير بنا جميعا إلى الحبس فما لبثنا في الحبس إلا قليلا فالتفت إلي أبو بكر و رأى ثيابي قد خرقت و سالت دمائي،فقال:يا حماني قد قضينا للّه حقا و اكتسبنا في يومنا هذا أجرا و لن يضيع ذلك عند اللّه و لا عند رسوله،فما لبثنا إلا قدر غدائه و نومه،حتى جاءنا رسوله فأخرجنا إليه و طلب حمار أبي بكر فلم يوجد،فدخلنا عليه،و إذا هو في سرداب لهه.

ص: 168


1- في الأمالي:فأرعد،و زاغله بمعنى أزعجه.

يشبه الدور سعة و كبرا،فتعبنا في المشي إليه تعبا شديدا،و كان أبو بكر إذا تعب في مشيه جلس يسيرا ثم يقول:

اللهم إن هذا فيك فلا تنسه،فلما دخلنا على موسى و إذا هو على سرير له،فحين بصر بنا قال:لا حيا اللّه و لا قرّب من جاهل أحمق متعرض لما يكره،و يلك يادعي ما دخولك فيما بيننا معشر بني هاشم.

فقال له أبو بكر:قد سمعت كلامك،و اللّه حسيبك،فقال له:أخرج قبّحك اللّه و اللّه إن بلغني أن هذا الحديث شاع أو ذكر عنك لأضربن عنقك.

ثم التفت إلي و قال:يا كلب و شتمني و قال:إياك ثم إياك أن تظهر هذا فإنه إنما خيّل لهذا الشيخ الأحمق شيطان يلعب به في منامه،أخرجا عليكما لعنة اللّه و غضبه، فخرجنا و قد أيسنا من الحياة،فلما وصلنا إلى منزل الشيخ أبي بكر و هو يمشي و قد ذهب حماره فلما أراد أن يدخل منزله إلتفت إلي و قال:إحفظ هذا الحديث،و أثبته عندك و لا تحدثن هؤلاء الرعاع و لكن حدّث به أهل العقول و الدين (1).

بيان:تقول:كربت الأرض أي قلبتها للحرث،و الرعيل القطعة من الخيل و الإضافة:الضيافة،و قال الجوهري:قولهم يا مصان،و للانثى يا مصانة،شتم أي يا ماص فرج أمه و يقال أيضا رجل مصان إذا كان يرضع الغنم(من لؤمه)و زاعله أزعجه قوله"إننا لا نكثر الإحياء أبدا"هو كناية عن الموت أي لا نكون بينهم حتى يكثر عددهم بنا قوله بالزاني لا يكني أي كان يقول في الشتم ألفاظا صريحة في الزنا و لا يكتفي بالكناية.

ابن حشيش،عن أبي المفضل الشيباني،عن أحمد بن عبد اللّه الثقفي عن علي بن محمد بن سليمان،عن الحسين بن محمد بن مسلمة،عن إبراهيم الديزج قال:بعثني المتوكل إلى كربلا لتغيير قبر الحسين عليه السّلام و كتب معي إلى جعفر بن محمد بن4.

ص: 169


1- بحار الانوار:391/41-394.

عمار القاضي:أعلمك أني قد بعثت إبراهيم الديزج إلى كربلا لينبش قبر الحسين فاذا قرأت كتابي فقف على الأمر حتى تعرف فعل أو لم يفعل قال الديزج:فعرّفني جعفر بن محمد بن عمار ما كتب به إليه،ففعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمار،ثم أتيته فقال لي:ما صنعت؟

فقلت:قد فعلت ما أمرت به،فلم أرشيئا و لم أجد شيئا،فقال لي:أفلا عمقته؟

قلت:قد فعلت فما رأيت فكتب إلي السلطان أن إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئا و أمرته فمخره بالماء،و كربه بالبقر.

قال أبو علي العماري:فحدثني إبراهيم الديزج و سألته عن صورة الأمر،فقال لي:أتيت في خاصة غلماني فقط و إني نبشت فوجدت بارية جديدة و عليها بدن الحسين بن علي،و وجدت منه رائحة المسك فتركت البارية على حالها و بدن الحسين على البارية،و أمرت بطرح التراب عليه و أطلقت عليه الماء و أمرت بالبقر لتمخره و تحرثه،فلم تطأه البقر،و كانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه،فحلفت لغلماني باللّه و بالأيمان المغلظة،لئن ذكر أحد هذا لأقتلنه (1).

بيان:يقال:مخرت الأرض أي أرسلت فيه الماء،و مخرت السفينة إذا جرت تشق الماء مع صوت.

عن أبي المفضل،عن محمد بن إبراهيم بن أبي السلاسل،عن أبي عبد اللّه الباقطاني قال:ضمّني عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان إلى هارون المعري و كان قائدا من قواد السلطان أكتب له،و كان بدنه كله أبيض شديد البياض،حتى يديه و رجليه كانا كذلك و كان وجهه أسود شديد السواد كأنه القير،و كان يتفقا مع ذلك مدة منتنة،قال:فلما أنس بي سألته عن سواد وجهه فأبى أن يخبرني ثم إنه مرض مرضه الذي مات فيه،فقعدت فسألته فرأيته كأنه يحب يأن يكتم عليه،فضمنت له1.

ص: 170


1- بحار الانوار:395/41.

الكتمان فحدثني قال:وجّهني المتوكل أنا و الديزج لنبش قبر الحسين،و إجراء الماء عليه،فلما عزمت على الخروج و المسير إلى الناحية رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في المنام فقال:لا تخرج مع الديزج و لا تفعل ما أمرتم به في قبر الحسين!

فلما أصبحنا جاءوا يستحثّوني في المسير فسرت معهم حتى وفينا كربلاء و فعلنا ما أمرنا به المتوكل فرأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله في المنام فقال:ألم آمرك أن لا تخرج معهم؟و لا تفعل فعلهم؟فلم تقبل حتى فعلت ما فعلوا؟ثم لطمني و تفل في وجهي فصار وجهي مسودا كماترى،و جسمي على حالته الاولى (1).

بيان:تفقأ الدمل و القرح تشقق.

عن أبي المفضل،عن سعيد بن أحمد أبي القاسم الفقيه،عن الفضل بن محمد بن عبد الحميد،قال:دخلت على إبراهيم الديزج و كنت جاره أعوده في مرضه الذي مات فيه،فوجدته بحال سوء و إذا هو كالمدهوش،و عنده الطبيب فسألته عن حاله، و كانت بيني و بينه خلطة و أنس توجب الثقة بي و الإنبساط إلي فكاتمني حاله، و أشار إلى الطبيب فشعر الطبيب بإشارته و لم يعرف من حاله ما يصف له من الدواء ما يستعمله،فقام فخرج،و خلا الموضع،فسألته عن حاله فقال:أخبرك و اللّه و أستغفر اللّه إن المتوكل أمرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين عليه السّلام فأمرنا أن نكر به و نطمس أثر القبر،فوافيت الناحية مساء و معنا الفعلة و الدر كاريون (2)معهم المساحي و المرود فتقدّمت إلى غلماني و أصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر، و حرث أرضه،فطرحت نفسي لما نالني من تعب السفر و نمت فذهب بي النوم،فاذا ضوضاء شديدة،و أصوات عالية،و جعل الغلمان ينبّهوني فقمت و أنا ذعر،فقلت للغمان:ما شأنكم؟ا.

ص: 171


1- بحار الانوار:396/41.
2- الروزكاريون خ ل و المساحى:جمع مسحاة و المرود-هنا:محور البكرة من الحديد و هى خشبة مستديرة في وسطها محز يستقى عليها.

قالوا:أعجب شأن،قلت:و ما ذاك؟

قالوا:إن بموضع القبر قوما قد حالوا بيننا و بين القبر و هم يرموننا مع ذلك بالنشاب فقمت معهم لأتبين الأمر،فوجدته كما وصفوا،و كان ذلك في أول الليل من ليالي البيض،فقلت:ارموهم فرموا فعادت سهامنا إلينا فما سقط سهم منا إلا في صاحبه الذي رمى به،فقتله فاستوحشت لذلك و جزعت،و أخذتني الحمى و القشعريرة،و رحلت عن القبر لوقتي،و وطّنت نفسي على أن يقتلني المتوكل لمالم أبلغ في القبر جميع ما تقدّم إلي به.

قال أبو برزة:فقلت له:قد كفيت ما تحذر من المتوكل قد قتل بارحة الأولى، و أعان عليه في قتله المنتصر،فقال لي:قد سمعت بذلك،و قد نالني في جسمي ما لا أرجو معه البقاء.

قال أبو برزة:كان هذا في أول النهار،فما أمسى الديزج حتى مات.

قال ابن حشيش:قال أبو المفضل إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة فسأل رجلا من الناس عن ذلك،فقال له:قد وجب عليه القتل إلا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر،قال:ما أبالي إذا أطعت اللّه بقتله أن لا يطول لي عمر،فقتله و عاش بعده سبعة أشهر (1).

عن أبي المفضل،عن علي بن عبد المنعم بن هارون الخديجي الكبير من شاطئ النيل قال:حدثني جدي القاسم بن أحمد بن معمر الاسدي الكوفي و كان له علم بالسيرة و أيام الناس،قال:بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السّلام،فيصير إلى قبره منهم خلق كثير،فأنفذ قائدا من قواده و ضم إليه كنفا من الجند كثيرا ليشعث قبر الحسين عليه السّلام و يمنع الناس من زيارته و الإجتماع إلى قبره،فخرج القائد إلى الطف و عمل بما أمر،1.

ص: 172


1- بحار الانوار:396/41.

و ذلك في سنة سبع و ثلاثين و مائتين،فثار أهل السواد به و اجتمعوا عليه،و قالوا:

لو قتلنا عن آخر نالما أمسك من بقي منا عن زيارته و رأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا،فكتب بالامر إلى الحضرة فورد كتاب المتوكل إلى القائد بالكف عنهم و المسير إلى الكوفة،مظهرا أن مسيره إليها في مصالح أهلها،و الإنكفاء إلى المصر فمضى الأمر على ذلك حتى كانت سنة سبع و أربعين فبلغ المتوكل أيضا مصير الناس من أهل السواد و الكوفة إلى كربلا لزيارة قبر الحسين عليه السّلام و أنه قد كثر جمعهم لذلك،و صار لهم سوق كبير فأنفذ قائدا في جمع كثير من الجند و أمر مناديا ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبره،و نبش القبر و حرث أرضه و انقطع الناس عن الزيارة،و عمل على تتبع آل أبي طالب و الشيعة،فقتل و لم يتم له ما قدّره (1).

بيان:قوله كنفا من الجند أي جانبا كناية عن الجماعة منهم،و في بعض النسخ بالثاء و هو بالفتح الجماعة،قوله ليشعب أي يشق و ينش،و في بعض النسخ المصححة ليشعث من قبره،يقال شعث منه تشعيثا نضح عنه و ذب و دفع،و انكفأ رجع.

عن أبي المفضل،عن عبد الرزاق بن سليمان بن غالب الازدي قال:حدثني عبد اللّه ابن رابية الطوري قال:حججت سنة سبع و أربعين و مائتين فلما صدرت من الحج صرت إلى العراق،فزرت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام على حال خيفة من السلطان،و زرته ثم توجهت إلى زيارة الحسين عليه السّلام فإذا هو قد حرث أرضه، و مخرفيها الماء،و أرسلت الثيران العوامل في الأرض،فبعيني و بصري كنت رأيت الثيران تساق في الأرض فتنساق لهم حتى إذا حازت مكان القبر حادت عنه يمينا و شمالا فتضرب بالعصا الضرب الشديد،فلا ينفع ذلك فيها و لا تطأ القبر بوجه و لا سبب فما أمكنتني الزيارة فتوجّهت إلى بغداد و أنا أقول:1.

ص: 173


1- بحار الانوار:397/41.

تاللّه إن كانت أمية قد أتت قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثلها هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا في قتله فتتبعوه رميما

فلما قدمت بغداد سمعت الهايعة فقلت:ما الخبر؟

قالوا:سقط الطائر بقتل جعفر المتوكل،فعجبت لذلك و قلت:إلهي ليلة بليلة. (1)

بيان:قال الفيروزآبادي:الهيعة و الهايعة الصوت تفزع منه و تخافه من عدو.

عن أبي المفضل،عن محمد بن علي بن هاشم الآبلي،عن الحسن ابن أحمد بن النعمان الجوزجاني،عن يحيى بن المغيرة الرازي قال:كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق فسأله جرير عن خبر الناس فقال:تركت الرشيد و قد كرب قبر الحسين عليه السّلام و أمر أن تقطع السدرة التي فيه،فقطعت قال:

فرفع جرير يديه و قال:اللّه أكبر جاءنا فيه حديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أنه قال:لعن اللّه قاطع السدرة ثلاثا فلم نقف على معناه حتى الآن لأن القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين عليه السّلام حتى لا يقف الناس على قبره (2).

عن أبي المفضل،عن محمد بن جعفر بن محمد بن فرج الرحجي قال:حدثني أبي،عن عمه عمر بن فرج قال:أنفذني المتوكل في تخريب قبر الحسين عليه السّلام فصرت إلى الناحية،فأمرت بالبقر فمرّ بها على القبور كلها،فلما بلغت قبر الحسين عليه السّلام لم تمر عليه،قال عمي عمر بن فرج:فأخذت العصا بيدي فما زلت أضربها حتى تكسّرت العصا في يدي فو اللّه ما جازت على قبره و لا تخطته.

قال لنا محمد بن جعفر:كان عمي عمر بن فرج كثير الإنحراف عن آل محمد صلى اللّه عليه و آله فأنا أبرأ إلى اللّه منه،و كان جدي أخوه محمد بن فرج شديد7.

ص: 174


1- بحار الانوار:398/41 ح 6.
2- المصدر السابق ح 7.

المودة لهم رحمه اللّه و رضي عنه فأنا أتولاه لذلك و أفرح بولادته (1).

عن أبي المفضل،عن عمر بن الحسين بن علي،عن المنذر بن محمد القابوسي، عن الحسين بن محمد الازدي،عن أبيه قال:صليت في جامع المدينة و إلى جانبي رجلان على أحدهما ثياب السفر فقال أحدهما لصاحبه:يا فلان أما علمت أن طين قبر الحسين عليه السّلام شفاء من كل داء؟و ذلك أنه كان بي وجع الجوف،فتعالجت بكل دواء فلم أجد فيه عافية و خفت على نفسي و آيست منها و كانت عندنا امرأة من أهل الكوفة عجوز كبيرة،فدخلت علي و أنا في أشد ما بي من العلة فقالت لي:يا سالم ما أرى علتك إلا كل يوم زائدة،فقلت لها:نعم فقالت:فهل لك أن أعالجك فتبرأ باذن اللّه عز و جل؟

فقلت لها:ما أنا إلى شيء أحوج مني إلى هذا،فسقتني ماء في قدح فسكنت عني العلة،و برئت حتى كأن لم يكن بي علة قط فلما كان بعد أشهر دخلت علي العجوز، فقلت لها:باللّه عليك يا سلمة-و كان اسمها سلمة-بماذا داويتني؟

فقالت بواحدة مما في هذه السجة من سبحة كانت في يدها فقلت:و ما هذه السبحة؟

فقالت:إنها من طين قبر الحسين عليه السّلام.

فقلت لها:يا رافضية داويتني بطين قبر الحسين؟فخرجت من عندي مغضبة و رجعت و اللّه علني كأشد ما كانت،و أنا اقاسي منها الجهد و البلاء و قد و اللّه خشيت على نفسي ثم أذّن المؤذن فقاما يصليان و غابا عني (2).

عن أبي المفضل،عن الفضل بن محمد بن أبي طاهر،عن محمد بن موسى الشريعي،عن أبيه موسى بن عبد العزيز قال:لقيني يوحنا بن سراقيون النصراني المتطبب في شارع أبي أحمد فاستوقفني و قال لي:بحق نبيك و دينك من هذا الذي9.

ص: 175


1- بحار الانوار:399/41 ح 8.
2- بحار الانوار:399/41 ح 9.

يزور قبره قوم منكم بناحية قصر ابن هبيرة؟من هو أصحاب نبيكم؟

قلت:ليس هو من أصحابه هو ابن بنته،فما دعاك إلى المسألة لي عنه؟

فقال له:عندي حديث طريف،فقلت:حدثني به،فقال:وجه إلي سابور الكبير الخادم الرشيدي في الليل فصرت إليه فقال:تعال معي،فمضى و أنا معه حتى دخلنا على موسى بن عيسى الهاشمي فوجدناه زائل العقل متكئا على و سادة و إذا بين يديه طست فيها حشو جوفه،و كان الرشيد استحضره من الكوفة فأقبل سابور على خادم كان من خاصة موسى فقال له:و يحك ما خبره؟

فقال له:أخبرك إنه كان من ساعته جالسا و حوله ندماؤه،و هو من أصح الناس جسما و أطيبهم نفسا إذ جرى ذكر الحسين بن علي عليه السّلام.

قال يوحنا:هذا الذي سألتك عنه فقال موسى:إن الرافضة ليغلون فيه حتى أنهم فيما عرفت يجعلون تربته دواء يتداوون به،فقال له رجل من بني هاشم كان حاضرا:قد كانت بي علة غليلة،فتعالجت لها بكل علاج فما نفعني حتى وصف لي كاتبي أن خذ من هذه التربة،فأخذتها فنفعني اللّه بها و زال عني ما كنت أجده قال:

فبقي عندك منها شيء؟

قال:نعم:فوجّه فجاءه منها بقطعة فناولها موسى بن عيسى فأخذها موسى فاستدخلها دبره استهزاء بمن تداوى بها و احتقارا و تصغيرا لهذا الرجل الذي هي تربته يعني الحسين عليه السّلام فما هو إلا أن استدخلها دبره،حتى صاح:النار النار الطست الطست فجئناه بالطست فأخرج فيها ما ترى فانصرف الندماء،و صار المجلس مأتما فأقبل علي سابور فقال:أنظر هل لك فيه حيلة؟فدعوت بشمعة فنظرت فإذا كبده و طحاله و ريته و فؤاده خرج منه في الطست فنظرت إلى أمر عظيم،فقلت:ما لأحد في هذا صنع إلا أن يكون لعيسى الذي كان يحبي الموتى،فقال لي سابور:صدقت،و لكن كن ههنا في الدار إلى أن يتبين ما يكون من أمره،فبت عندهم و هو بتلك الحال ما رفع رأسه،فمات في وقت السحر.

ص: 176

قال محمد بن موسى:قال لي موسى بن سريع:كان يوحنا يزور قبر الحسين و هو على دينه،ثم أسلم بعد هذا و حسن إسلامه (1).

في المناقب:أخذ المسترشد من مال الحائر و كربلا و قال:إن القبر لا يحتاج إلى الخزانة و أنفق على العسكر فلما خرج قتل هو و ابنه الراشد.كتابي ابن بطة و النطنزي:روى أبو عبد الرحمن بن أحمد بن حنبل بإسناده عن الاعمش قال:أحدث رجل على قبر الحسين عليه السّلام فأصابه و أهل بيته جنون و جذام و برص،و هم يتوارثون الجذام إلى الساعة.

و روى جماعة من الثقات أنه لما أمر المتوكل بحرث قبر الحسين عليه السّلام و أن يجري الماء عليه من العلقمي،أتى زيد المجنون و بهلول المجنون إلى كربلا فنظرا إلى القبر و إذا هو معلّق بالقدرة في الهواء.

فقال زيد:يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم و يأبى اللّه إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون،و ذلك أن الحراث حرث سبع عشرة مرة و القبر يرجع إلى حاله،فلما نظر الحراث إلى ذلك آمن باللّه و حلّ البقر فأخبر المتوكل فأمر بقتله (2).

قال المجلسي:وجدت في بعض مؤلفات أصحابنا،قال:روي عن سليمان الأعمش أنه قال:كنت نازلا بالكوفة و كان لي جار و كنت آتي إليه و أجلس عنده، فأتيت ليلة الجمعة إليه.

فقلت له:يا هذا ما تقول في زيارة الحسين عليه السّلام؟

فقال لي:هي بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ذي ضلالة في النار.

قال سليمان:فقمت من عنده و أنا ممتلئ عليه غيظا فقلت في نفسي:إذا كان وقت السحر آتيه و أحدثه شيئا من فضائل الحسين عليه السّلام فإن أصر على العناد قتله.

قال سليمان:فلما كان وقت السحر أتيته و قرعت عليه الباب و دعوته باسمه،فإذا4.

ص: 177


1- بحار الانوار:400/41 ح 10.
2- مناقب آل أبى طالب:64/4.

بزوجته تقول لي:إنه قصد إلى زيارة الحسين من أول الليل.

قال سليمان:فسرت في أثره إلى زيارة الحسين عليه السّلام فلما دخلت إلى القبر فإذا أنا بالشيخ ساجد للّه عز و جل و هو يدعو و يبكي في سجوده و يسأله التوبة و المغفرة، ثم رفع رأسه بعد زمان طويل فرآني قريبا منه.

فقلت له:يا شيخ بالأمس كنت تقول زيارة الحسين عليه السّلام:بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ذي ضلالة في النار و اليوم أتيت تزوره؟

فقال:يا سليمان لا تلمني فاني ما كنت أثبت لاهل البيت إمامة حتى كانت ليلتي تلك،فرأيت رؤيا هالتني و روّعتني فقلت له:ما رأيت أيها الشيخ؟

قال:رأيت رجلا جليل القدر لا بالطويل الشاهق،و لا بالقصير اللاصق لا أقدر أصفه من عظم جلاله و جماله،و بهائه و كماله و هو مع أقوام يحفون به حنيفا و يزفونه زفيفا و بين يديه فارس و على رأسه تاج و للتاج أربعة أركان و في كل ركن جوهرة تضيئ من مسيرة ثلاثة أيام فقلت لبعض خدامه:من هذا؟

فقال:هذا محمد المصطفى،قلت:و من هذا الآخر؟

فقال:علي المرتضى وصي رسول اللّه،ثم مددت نظري فإذا أنا بناقة من نور، و عليها هودج من نور،و فيه امرأتان و الناقة تطير بين السماء و الأرض،فقلت:لمن هذه الناقة؟

فقال:لخديجة الكبرى و فاطمة الزهراء عليهما السلام،فقلت:و من هذا الغلام؟

فقال:هذا الحسن بن علي،فقلت:و إلى أين يريدون بأجمعهم؟

فقالوا:لزيارة المقتول ظلما شهيد كربلا الحسين بن علي المرتضى،ثم إني قصدت نحو الهودج الذي فيه فاطمة الزهراء،و إذا أنا برقاع مكتوبة تتساقط من السماء فسألت ما هذه الرقاع؟

فقال:هذه رقاع فيها أمان من النار لزوار الحسين عليه السّلام في ليلة الجمعة فطلبت منه رقعة فقال لي:إنك تقول:زيارته بدعة؟فإنك لا تنالها حتى تزور الحسين عليه السّلام

ص: 178

و تعتقد فضله و شرفه،فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا،و قصدت من وقتي و ساعتي إلى زيارة سيدي الحسين عليه السّلام و أنا تائب إلى اللّه تعالى،فو اللّه يا سليمان لا أفارق قبر الحسين حتى يفارق روحي جسدي (1).

قال:و روى الثقاة عن أبي محمد الكوفي،عن دعبل بن علي الخزاعي قال:لما انصرفت عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام بقصيدتي التائية نزلت بالري و إني في ليلة من الليالي و أنا أصوغ قصيدة و قد ذهب من الليل شطره فاذا طارق يطرق الباب فقلت:من هذا؟

فقال:أخ لك فبدرت إلى الباب ففتحته فدخل شخص اقشعر منه بدني و ذهلت منه نفسي،فجلس ناحية و قال لي:لا ترع أنا أخوك من الجن ولدت في الليلة التي ولدت فيها و نشأت معك،و إني جئت أحدثك بما يسرك و يقوّى نفسك و بصيرتك،قال:

فرجعت نفسي و سكن قلبي فقال:يا دعبل إني كنت من أشد خلق اللّه بغضا و عداوة لعلي بن أبي طالب،فخرجت في نفر من الجن المردة العتاة فمررنا بنفر يريدون زيارة الحسين عليه السّلام قد جهنّم الليل فهممنابهم و إذا ملائكة تزجرنا من السماء و ملائكة في الأرض تزجر عنهم هوامها،فكأني كنت نائما فانتبهت أو غافلا فتيقّظت،و علمت أن ذلك لعناية بهم من اللّه تعالى لمكان من قصدوا له،و تشرّفوا بزيارته فأحدثت توبة وجددت نية وزرت مع القوم،و وقفت بوقوفهم و دعوت بدعائهم،و حججت بحجهم تلك السنة،وزرت قبر النبي صلى اللّه عليه و آله و مررت برجل حوله جماعة،فقلت:من هذا؟

فقالوا:هذا ابن رسول اللّه الصادق عليه السّلام قال:فدنوت منه و سلّمت عليه فقال لي:

مرحبا بك يا أهل العراق أتذكر ليلتك ببطن كربلا و ما رأيت من كرامة اللّه تعالى لأوليائنا؟إن اللّه قد قبل توبتك و غفر خطيئتك.1.

ص: 179


1- بحار الانوار:403/41.

فقلت:الحمد للّه الذي منّ علي بكم،و نوّر قلبي بنور هدايتكم،و جعلني من المعتصمين بحبل ولايتكم،فحدثني يا ابن رسول اللّه بحديث أنصرف به إلى أهلي و قومي،فقال:نعم،حدثني أبي محمد بن علي،عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين،عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا علي الجنة محرّمة على الانبياء حتى أدخلها أنا،و على الاوصياء حتى تدخلها أنت، و على الأمم حتى تدخلها أمتي،و على أمتي حتى يقرّوا بولايتك و يدينوا بإمامتك، يا علي و الذي بعثني بالحق لا يدخل الجنة أحد إلا من أخذ منك بنسب أو سبب،ثم قال:خذها يا دعبل فلن تسمع بمثلها من مثلي أبدا ثم ابتلعته الأرض فلم أره قال:

و روي أن المتوكل من خلفاء بني العباس كان كثير العداوة،شديد البغض لاهل بيت الرسول،و هو الذي أمر الحارثين بحرث قبر الحسين عليه السّلام و أن يخربوا بنيانه و يحفوا آثاره و أن يجروا عليه الماء من النهر العلقمي بحيث لا يبقى له أثرو لا أحد يقف له على خبر،و توعّد الناس بالقتل لمن زار قبره،و جعل رصدا من أجناده و أوصاهم:كل من وجدتموه يريد زيارة الحسين عليه السّلام فاقتلوه،يريد بذلك إطفاء نور اللّه و إخفاء آثار ذرية رسول اللّه،فبلغ الخبر إلى رجل من أهل الخير يقال له زيد المجنون،و لكنه ذو عقل سديد،و رأي رشيد،و إنما لقّب بالمجنون لانه أفحم كل لبيب و قطع حجة كل أديب،و كان لا يعيي من الجواب،و لا يمل من الخطاب فسمع بخراب بنيان قبر الحسين عليه السّلام و حرث مكانه،فعظم ذلك عليه و اشتد حزنه و تجدد مصابه بسيده الحسين عليه السّلام و كان مسكنه يومئذ بمصر،فلما غلب عليه الوجد و الغرام لحرث قبر الامام عليه السّلام خرج من مصر ماشيا هائما على وجهه شاكيا وجده إلى ربه،و بقي حزينا كئيبا حتى بلغ الكوفة،و كان البهلول يومئذ بالكوفة،فلقيه زيد المجنون و سلّم عليه فرد عليه السلام،فقال له البهلول:من أين لك معرفتي فلم ترني قط؟

فقال زيد:يا هذا إعلم أن قلوب المؤمنين جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف و ما

ص: 180

تناكر منها اختلف،فقال له البهلول:يا زيد ما الذي أخرجك من بلادك بغير دابة و لا مركوب؟

فقال:و اللّه ما خرجت إلا من شدة وجدي و حزني،و قد بلغني أن هذا اللعين أمر بحرث قبر الحسين عليه السّلام و خراب بنيانه و قتل زواره،فهذا الذي أخرجني من موطني و نقّص عيشي و أجرى دموعي و أقلّ هجوعي.

فقال البهلول:و أنا و اللّه كذلك.فقال له:قم بنا نمضي إلى كربلا لنشاهد قبور أولاد علي المرتضى قال:فأخذ كل بيد صاحبه حتى وصلا إلى قبر الحسين عليه السّلام و إذا هو على حاله لم يتغير،و قد هدموا بنيانه،و كلما أجروا عليه الماء غار و حار و استدار بقدرة العزير الجبار،و لم يصل قطرة واحدة إلى قبر الحسين عليه السّلام و كان القبر الشريف إذا جاءه الماء ترتفع أرضه باذن اللّه تعالى فتعجب زيد المجنون مما شاهده و قال:أنظر يا بهلول يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواهم و يأبى اللّه إلا أن يتم نوره و لو كره المشركون.

قال:و لم يزل المتوكل يأمر بحرث قبر الحسين عليه السّلام مدة عشرين سنة و القبر على حاله لم يتغير،و لا يعلوه قطرة من الماء،فلما نظر الحارث إلى ذلك قال:آمنت باللّه و بمحمد رسول اللّه و اللّه لأهربن على وجهي و أهيم في البراري و لا أحرث قبر الحسين ابن بنت رسول اللّه و إن لي مدة عشرين سنة أنظر آيات اللّه و أشاهد براهين آل بيت رسول اللّه و لا أتعظ و لا أعتبر،ثم إنه حل الثيران و طرح الفدان (1)و أقبل يمشي نحو زيد المجنون و قال له:من أين أقبلت يا شيخ؟

قال:من مصر،فقال له:و لأي شيء جئت إلى هنا و إني لاخشى عليك من القتل فبكى زيد و قال:و اللّه قد بلغني حرث قبر الحسين عليه السّلام فأحزنني ذلك و هيّج حزني و وجدي فانكب الحارث على أقدام زيد يقبّلهما و هو يقول:فداك أبي و أمي،فو اللّهن.

ص: 181


1- أراد بالفدان:آلة الثورين للحرث لقوله"طرح"و النيران يحتمل كونه تصحيف"الثيران"لقوله" حل"و سيأتى في البيان.

يا شيخ من حين ما أقبلت إلي أقبلت إلي الرحمة و استنار قلبي بنور اللّه،و إني آمنت باللّه و رسوله و إن لي مدة عشرين سنة و أنا أحرث هذه الارض،و كلما أجريت الماء إلى قبر الحسين عليه السّلام غار و حار و استدار،و لم يصل إلى قبر الحسين منه قطرة و كأني كنت في سكر و أفقت الآن ببركة قدومك إلي فبكى زيد و تمثل بهذه الابيات:

تاللّه إن كانت أمية قد أتت قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا في قتله فتتبعوه رميما

فبكى الحارث و قال:يا زيد قد أيقظتني من رقدتي،و أرشدتني من غفلتي و ها أنا الآن ماض إلى المتوكل بسر من رأى،أعرّفه بصورة الحال إن شاء أن يقتلني و إن شاء أن يتركني،فقال له زيد:و أنا أيضا أسير معك إليه و أساعدك على ذلك قال:فلما دخل الحارث إلى المتوكل و خبره بما شاهد من برهان قبر الحسين عليه السّلام استشاط غيظا و ازداد بغضا لأهل بيت رسول اللّه و أمر بقتل الحارث و أمر أن يشد في رجله حبل،و يسحب على وجهه في الأسواق،ثم يصلب في مجتمع الناس،ليكون عبرة لمن اعتبر،و لا يبقى أحد يذكر أهل البيت بخير أبدا و أما زيد المجنون فانه ازداد حزنه و اشتد عزاؤه و طال بكاؤه و صبر حتى أنزلوه من الصلب و ألقوه على مزبلة هناك،فجاء إليه زيد فاحتمله إلى الدجلة و غسّله و كفّنه و صلّى عليه و دفنه،و بقي ثلاثة أيام لا يفارق قبره،و هو يتلو كتاب اللّه عنده،فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع صراخا عاليا،و نوحا شجيا،و بكاء عظيما،و نساء بكثرة منشرات الشعور، مشققات الجيوب،مسودات الوجوه و رجالا بكثرة يندبون بالويل و الثبور،و الناس كافة في اضطراب شديد،و إذا بجنازة محمولة على أعناق الرجال و قد نشرت لها الاعلام و الريات،و الناس من حولها أفواجا قد انسدت الطرق من الرجال و النساء.

قال زيد:فظننت أن المتوكل قدمات،فتقدّمت إلى رجل منهم و قلت له:من يكون هذا الميت؟

ص: 182

فقال:هذه جنازة جارية المتوكل و هي جارية سوداء حبشية و كان اسمها ريحانة،و كان يحبها حبا شديدا،ثم إنهم عملوا لها شأنا عظيما و دفنوها في قبر جديد،و فرشوا فيه الورد و الرياحين.و المسك و العنبر،و بنوا عليها قبه عالية فلما نظر زيد إلى ذلك ازدادت أشجانه،و تصاعدت نيرانه و جعل يلطم وجهه و يمزق أطماره،و يحثي التراب على رأسه،و هو يقول:و اويلاه وا أسفاه عليك يا حسين أتقتل بالطف غريبا وحيدا ظمآنا شهيدا،و تسبى نساؤك و بناتك و عيالك،و تذبح أطفالك،و لم يبك عليك أحد من الناس،و تدفن بغير غسل و لا كفن،و يحرث بعد ذلك قبرك ليطفئوا نورك و أنت ابن علي المرتضى،و ابن فاطمة الزهراء و يكون هذا الشأن العظيم لموت جارية سوداء،و لم يكن الحزن و البكاء لابن محمد المصطفى.

قال:و لم يزل يبكي و ينوح حتى غشي عليه و الناس كافة ينظرون إليه فمنهم من رق له،و منهم من جنى عليه،فلما أفاق من غشوته أنشد يقول:

أيحرث بالطف قبر الحسين و يعمر قبر بني الزانية

لعل الزمان بهم قد يعود و يأتي بدولتهم ثانية

ألا لعن اللّه أهل الفساد و من يأمن الدنية الفانية

قال:إن زيدا كتب هذه الابيات في ورقة و سلّمها لبعض حجاب المتوكل قال:فلما قرأها اشتد غيظه و أمر باحضاره،فأحضر و جرى بينه و بينه من الوعظ و التوبيخ ما أغاظه حتى أمر بقتله،فلما مثل بين يديه سأله عن أبي تراب من هو؟استحقارا له،فقال:و اللّه إنك عارف به،و بفضله و شرفه،و حسبه،و نسبه،فو اللّه ما يجحد فضله إلا كل كافر مرتاب،و لا يبغضه إلا كل منافق كذاب،و شرع يعدد فضله و مناقبه حتى ذكر منها ما أغاظ المتوكل فأمر بحبسه فحبس فلما أسدل الظلام و هجع،جاء إلى المتوكل هاتف،و رفسه برجله و قال له:قم و أخرج زيدا من حبسه، و إلا أهلكك اللّه عاجلا،فقام هو بنفسه،و أخرج زيدا من حبسه،و خلع عليه خلعة سنية،و قال له:أطلب ما تريد؟

ص: 183

قال:أريد عمارة قبر الحسين عليه السّلام و أن لا يتعرض أحد لزواره فأمر له بذلك، فخرج من عنده فرحا مسرورا و جعل يدور في البلدان و هو يقول:من أراد زيارة الحسين عليه السّلام فله الأمان طول الأزمان بيان:نير الفدان،بالكسر الخشبة المعترضة في عنق الثورين،و الجمع النيران و الأنيار،و الفدان بالتشديد البقرة التي تحرث، و الأسدال إرخاء الستر و إرساله،و فيه استعارة،و الرفس الضرب بالرجل (1).

عن سعد،عن بعض أصحابه،عن أحمد بن قتيبة الهمداني عن إسحاق بن عمار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إني كنت بالحير (2)ليلة عرفة و كنت اصلّي و ثم نحو من خمسين ألفا من الناس جميلة وجوههم طيبة أرواحهم و أقبلوا يصلّون بالليل أجمع،فلما طلع الفجر سجدت ثم رفعت رأسي فلم أر منهم أحدا.

فقال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنه مر بالحسين بن علي عليهما السّلام خمسون ألف ملك و هو يقتل،فعرجوا إلى السماء فأوحى اللّه إليهم:مررتم بابن حبيبي و هو يقتل (3).

الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى،عن أبيه،عن الحسن بن محبوب،عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي قال:خرجت في آخر زمان بني مروان إلى قبر الحسين بن علي عليه السّلام مستخفيا من أهل الشام حتى انتهيت إلى كربلا فاختفيت في ناحية القرية،حتى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر فلما دنوت منه أقبل نحوي رجل فقال لي:إنصرف مأجورا فإنك لا تصل إليه فرجعت فزعا حتى إذا كاد يطلع الفجر أقبلت نحوه حتى إذا دنوت منه خرج إلي الرجل،فقال لي:يا هذا إنك لن تصل إليه،فقلت له:عافاك اللّه و لم لا أصل إليه و قد أقبلت من الكوفة أريد زيارته؟ فلا تحل بيني و بينه عافاك اللّه،و أنا أخاف أن أصبح فيقتلني أهل الشام إن أدركوني5.

ص: 184


1- بحار الانوار:405/41 ح 12.
2- يعنى الحائر الحسينى عليه السّلام فلم تنصروه؟فاهبطوا إلى الارض فاسكنوا عند قبره،شعثا غبرا إلى أن تقوم الساعة.
3- كامل الزيارات ص 115.

هاهنا،قال:فقال لي:إصبر قليلا فإن موسى بن عمران عليه السّلام سأل اللّه أن يأذن له في زيارة قبر الحسين بن علي فأذن له فهبط من السماء في سبعين ألف ملك فهم بحضرته من أول الليل ينتظرون طلوع الفجر،ثم يرجعون (1)إلى السماء قال:فقلت:

فمن أنت عافاك اللّه؟

قال:أنا من الملائكة الذين أمروا بحراسة قبر الحسين عليه السّلام و الإستغفار لزواره، فانصرفت و قد كاد يطير عقلي لما سمعت منه،قال:فأقبلت حتى إذا طلع الفجر أقبلت نحوه فلم يحل بيني و بينه أحد فدنوت منه فسلّمت عليه،و دعوت اللّه على قتلته،و صلّيت الصبح،و أقبلت مسرعا مخافة أهل الشام (2).

و في دعوات الراوندي:حدثني الشيخ أبو جعفر النيشابوري رضي اللّه عنه قال:

خرجت ذات سنة إلى زيارة الحسين عليه السّلام في جماعة فلما كنا على فرسخين من المشهد أو أكثر،أصاب رجلا من الجماعة الفالج،و صار كأنه قطعة لحم،قال:

و جعل يناشدنا باللّه أن لا نخليه،و أن نحمله إلى المشهد،فقام عليه من يراعيه و يحافظه على البهيمة،فلما دخلنا الحضرة وضعناه على ثوب و أخذ رجلان منا طرفي الثوب و رفعناه على القبر،و كان يدعو و يتضرع و يبكي و يبتهل و يقسم على اللّه بحق الحسين أن يهب له العافية،قال:فلما وضع الثوب على الأرض جلس الرجل و مشى و كأنما نشط من عقال (3).4.

ص: 185


1- في المصدر:يعرجون،راجع ص 112.
2- بحار الانوار:406/41 ح 13.
3- بحار الانوار:406/41 ح 14.

الفهرس

آداب زيارة الإمام الحسين عليه السلام 3

الإغتسال في الفرات 3

الرخصة في ترك الغسل لزيارة الحسين عليه السّلام 6

تشييع الملائكة لزائري الحسين 8

ترك زيارة الإمام الحسين عليه السلام و أثره 12

ما يكره من الجفاء لزيارة قبر الحسين عليه السّلام 14

أقل ما يزار فيه الحسين و أكثر ما يجوز تأخير زيارته 18

أثر ترك زيارة الإمام الحسين عليه السلام 23

1-نقصان الإيمان:23

2-أراد اللّه به سوءا:23

3-تنقص العمر:23

4-شدة حسرة:24

5-البعد عن جوار محمد صلّى اللّه عليه و آله:25

نصوص زيارات الإمام الحسين عليه السلام 27

زيارة أخرى 29

زيارة أخرى 32

زيارة أخرى 35

زيارة أخرى 36

زيارة وارث 36

زيارة أخرى 38

زيارة أخرى 39

زيارة أخرى 40

زيارة أخرى 40

زيارة أخرى 41

ص: 186

زيارة أخرى 42

زيارة أخرى 42

زيارة أخرى 45

زيارة خفيفة 46

زيارة خفيفة 46

زيارة أخرى 47

زيارة الإمام الحسين عن بعد 64

الصلاة عند ضريح و قبر الإمام الحسين عليه السلام 68

التقصير في الفريضة و الرخصة في التطوع عنده 70

التمام عند قبر الإمام الحسين عليه السلام 72

ثواب صلاة الفريضة عند ضريح الإمام الحسين عليه السّلام 75

وداع قبر الإمام الحسين بن علي 77

زيارة عاشوراء 80

الدعاء بعد زيارة عاشوراء 83

آثار ترك السعي لحوائج الدنيا يوم عاشوراء 86

آثار زيارة عاشوراء 87

5-رد الحسين السلام على زائره 87

6-خدمة الملائكة له بالبرزخ:87

7-رفع العذاب عن جيران الزائر:88

8-عدم الوقوع في المرض المحتم:88

9-إنقاذ غريق:89

أثر التصدق في عاشوراء 91

10-حور العين:91

زيارة أربعين الحسين عليه السلام 93

استحباب زيارة الحسين عليه السلام كل شهر 95

ص: 187

استحباب زيارة الحسين عليه السلام كل يوم 95

زيارة الحسين عليه السلام أول ليلة من رجب و يومه و نصفه 96

آثار زيارة أهل البيت عليهم السّلام 98

11-ضمن له الجنة:98

آثار زيارة الإمام الحسين عليه السلام 99

12-مجاورة محمد و علي و فاطمة:عليهم السّلام 99

13-زيارة اللّه في عرشه:99

14-تبشره الملائكة بالجنة:99

15-تدفع الهدم:100

16-تدفع الغرق:100

17-تدفع الحرق:100

18-تدفع أكل السبع:100

19-لا يخلو من الرحمة طرفة عين:100

20-يموت شهيدا:100

21-الحفظة تدعوا له ما بقي:100

22-لم يزل في حفظ اللّه و أمنه حتى يفارق الدنيا:100

23-زيادة الإيمان 101

24-بركة الأنفس و الأهل و الأولاد و الأموال و المعايش:101

25-تقديس الملائكة له:103

26-مضاعفة الحسنات:103

27-تدفع البلاء 103

28-حفظ الزائر في ماله و نفسه و أهله:103

29-حفظ ملك كريم له سنة كاملة:104

30-تحضر جنازته ملائكة الرحمة:104

31-يؤمن من ضغطة القبر:104

ص: 188

32-يؤمن من منكر و نكير أن يروعانه:104

33-يعطى كتابه بيمينه:104

34-يعطى نورا يضيء لنوره ما بين المشرق و المغرب:104

35-إستغفار الملائكة له:105

36-أراد اللّه به خيرا:105

37-العتق من النار:106

38-النجاة من النار:106

39-تمحى خطاياه كلها:107

40-استغفار فاطمة عليها السلام له:107

41-تأكل الشمس ذنوبه كما تأكل النار الحطب:108

42-تغشاه الرحمة:109

43-زيادة الرزق:110

44-يمد في العمر:110

45-يدفع مدافع السوء:110

46-تحصيل السعادة و مباهات الملائكة له:111

47-ترحم أهل البيت عليه:111

48-شفاء صاحب العاهة:112

49-الطهارة من الدنس:112

50-زيادة العمر:113

51-يصافحه رسول اللّه و الملائكة:113

52-غيظ الأعداء:114

53-يكتب من المفلحين الفائزين:115

54-يكرمه اللّه:115

55-تصاحبه الملائكة:116

56-نصرة اللّه له:117

ص: 189

57-ينظر اللّه إليه نظرة توجب له الفردوس الأعلى مع محمد:117

58-يطبع في وجه بنور العرش:118

59-تهون عليه سكرات الموت:118

60-ريح تفوح من القبر:118

61-يجاور الحسين عليه السلام:119

62-تصافحه الأنبياء:119

63-تتنزل عليه ليلة القدر:120

64-تصافحه روح أربعة و عشرين ألف ملك و نبي 120

65-يزكيه اللّه من فوق العرش:121

66-ينظر اللّه إليه قبل الحجيج:121

67-نجاة الغرقى:122

68-قضاء الدين:124

69-إنجاب الذرّية:124

70-الإطلاع على الأمور الغيبية:125

71-الشفاء من الأسقام:126

72-حلّ المشاكل العويصة:126

73-حلّ المشاكل العامة 128

74-النجاة من غذاب القبر:129

75-الشفاء من الطاعون:132

76-يدخلون الجنة قبل الناس:133

77-الهداية الى الصواب:133

78-الحصول على شفاعة النبي:135

79-ينال من اللّه أفضل الكرامة:135

أثر من زار الحسين ثم حبس 136

أثر تجهيز الزائر 137

ص: 190

أثر من مات في سفر زيارته للحسين عليه السّلام 138

أثر من قتل في سبيل زيارته عليه السّلام 138

تربة و طين قبر الحسين عليه السلام 141

ما يستحب من طين قبر الحسين عليه السّلام و أنه شفاء 141

إن طين قبر الحسين شفاء و أمان 145

من أين يؤخذ طين قبر الحسين و كيف يؤخذ 147

ما يقول الرجل إذا أكل من تربة قبر الحسين عليه السّلام 152

إن الطين كله حرام إلا طين قبر الحسين فإنه شفاء 153

آثار تربة الحسين عليه السلام 154

80-أمان من كل داء:154

81-و أمان من كل خوف:154

82-إمكان دفن الميت:155

83-الشفاء السريع:155

قصة في أثر تربة الحسين عليه السلام 157

قصة أخرى 158

أثر الإستهتار بتربة الحسين عليه السلام 159

تقطيع الأمعاء و الموت:159

زيارة العباس بن علي عليهما السلام 161

وداع قبر العباس بن علي عليه السّلام 163

وداع قبور الشهداء عليهم السّلام 164

جور الخلفاء على قبر الإمام الحسين و معجزات الضريح 165

ص: 191

المجلد 8

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء الثامن

اسباب و معطيات ثورة عاشوراء

أسباب واقعة الطف

علل و أسباب نهضة عاشوراء

اشارة

قال الإمام الخميني (1):في صدر الإسلام و بعد رحلة النبي الخاتم صلّى اللّه عليه و اله-مرسي أسس العدالة و الحرية-أوشك الإسلام أن ينمحي و يتلاشى بسبب انحرافات بني أمية و كاد يسحق تحت أقدام الظالمين و يبتلع من قبل الجبابرة،فهب سيد الشهداء عليه السّلام لتفجير نهضة عاشوراء العظيمة.

لقد أوشكت حكومة يزيد و جلاوزته الجائرة أن تمحو الإسلام و تضيع جهود النبي صلّى اللّه عليه و اله المضنية و جهود مسلمي صدر الإسلام و دماء الشهداء،و تلقي بها في زاوية النسيان،و تعمل ما من شأنه أن يضيع كل ذلك سدى.

لقد كاد الدين الإسلامي يندثر و يتلاشى نتيجة انحرافات حثالات الجاهلية و خططهم الهادفة لإحياء الشعور الوطني و القومي برفعهم شعار"لا خبر جاء و لا وحي نزل"هو جزء من شعر عبد اللّه بن الزبعري الذي يقول فيه:لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل و قيل أن يزيد(لعنة اللّه عليه)استشهد بهذه الأبيات عند ما دخل عليه أهل بيت العصمة و الطهارة في الشام و كانت بيده عصا يضرب بها على الثغر الطاهر للإمام الحسين عليه السّلام.

فقد عملوا على تحويل حكومة العدل الإسلامي إلى حكم ملكي امبراطوري

ص: 3


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

و عزل الإسلام و الوحي و إزوائهما حتى نهض فجأة رجل عظيم تغذى من عصارة الوحي الإلهي و تربى في أحضان سيد الرسل محمد المصطفى صلّى اللّه عليه و اله و سيد الأولياء على المرتضى عليه السّلام و ترعرع في أحضان الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السّلام، فانتفض ثائرا ليصنع-و من خلال تضحيته الفذة و نهضته الإلهية-أكبر ملحمة جهادية في التاريخ.

لقد هدف بنو أمية للقضاء على الإسلام.

لقد أوشك حكم بني أمية المنحط أن يظهر الإسلام بمظهر الحكم الطاغوتي و يشوه سمعة النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله،و قد فعل معاوية و ابنه الظالم الأفاعيل ضد الإسلام و ارتكب ما لم يرتكبه جنكيز خان.هاجم جنكيز خان قائد المغول في عام 616 ه ق رافعا شعار"أنا عذاب اللّه"المدن الإيرانية التي كانت عامرة بأهلها في ذلك اليوم و قام أولا بقتل سكان المدن المكتظة من الشبان و الشيوخ و الكبار و الصغار مثل مرو و بخارى و نيشابور و ري و قم و آذربيجان و خيوه،ثم قضى على جميع الكائنات الحية و أحرق الأشجار،و دمر كل ما يشير إلى التمدن كالمكتبات و المدارس و المساجد و الأبنية و البيوت و البساتين و الدكاكين ثم حرث تلك الخرائب و فتح عليها الماء و قام بزراعتها ضد إيران.فقد بدّل أساس عقيدة الوحي و معالمها إلى نظام شيطاني.

لقد رأى سيد الشهداء(سلام اللّه عليه)أن معاوية و ابنه-لعنة اللّه عليهما- يعملان على هدم الدين و تقويض أركانه،و تشويه الإسلام و طمس معالمه،لقد جاء الإسلام ليقوّم سلوك الإنسان،و لم يأت لكي يستحوذ على السلطة،بل ليعدّ الإنسان و يبنيه.

لقد حاول ذلك الأب و الابن يقصد الإمام رضوان اللّه عليه رضا خان بهلوي و ولده محمد رضا(أي معاوية و ابنه يزيد)طمس معالم الدين و تشويه صورته

ص: 4

الناصعة مثلما عمل هذا الأب و الابن(رضا خان و ابنه محمد رضا آخر ملكين حكما إيران)بالنهج نفسه،فمعاوية و ابنه كانا يشربان الخمر،و يؤمان المصلين أيضا، و كان مجلساهما من مجالس اللهو و اللعب و الطرب تمارس فيهما كل الإنحرافات، ثم تقام بعده صلاة الجماعة،فيتقدمان هما لإمامة تلك الجماعة،تصوروا لاعب ميسر يصبح إمام جماعة،كانا يتوليان إمامة الجماعة،و كانا يؤمان الجمعة و يرتقيان منبر الخطابة فقد كانا خطيبين يتحركان ضد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله باسم خلافة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

يرفعان عقيرتهما بنداء(لا إله إلاّ اللّه)لكنهما يقفان بوجه الألوهية،لقد كانت ممارساتهما و أعمالهما شيطانية في حين أنهما كانا يدّعيان أنهما خلفاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

لقد كان يزيد هو الآخر حاكما جائرا،يتمتع بكل مظاهر السلطنة،و جاء بعد معاوية طبعا.فبأي حجة قام سيد الشهداء عليه السّلام ضد سلطان عصره؟و بأي دليل ثار على من كان يعد نفسه(ظل اللّه)و رد عن الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله قوله:السلطان العادل المتواضع ظل اللّه و رمحه في الأرض.و السلطان ظل اللّه في الأرض يأوي إليه الضعيف و به ينصر المظلوم.

و استغل أغلب حكام الجور و السلاطين المستبدين و القادة الفاسدين في البلدان الإسلامية هذه التعابير الجميلة للنبي الأعظم صلّى اللّه عليه و اله و ذلك بسبب جهل عامة الناس و انخفاض مستوى إدراكها السياسي و أطلقوا على أنفسهم لقب"ظل اللّه"في الأرض رغم الظلم و الفساد الواسع الذي كانت تمارسه حكوماتهم.؟

و لما كان من غير المناسب مس السلطان،فلماذا ثار ضد سلطان عصره؟ألم يكن سلطان عصره ينطق بالشهادتين و يقول إني خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.لقد ثار الحسين عليه السّلام بوجهه لأنّه كان شخصا سيئا،يريد أن يستغل الشعب و يأتي على

ص: 5

ثرواته و ينهب خيراته،و يستولي عليها هو و جلاوزته.

إن نظام السلطنة و ولاية العهد هو نفس ذلك النمط المشؤوم من الحكومة التي ضحّى سيد الشهداء عليه السّلام و استشهد من أجل الحيلولة دون استمرار بقائه،و لما لم يكن يرغب في الخضوع لولاية العهد التي أسندت ليزيد و لم يرغب الإعتراف رسميا بسلطنته،فقد قام و ثار و دعا المسلمين إلى القيام و الثورة،فهذه الأمور(السلطنة و ولاية العهد)ليست من الإسلام،ليس في الإسلام سلطنة و ولاية عهد.

ص: 6

خطورة معاوية و يزيد على الإسلام

قال الإمام الخميني:إن الخطر الذي كان يمثله معاوية و يزيد ضد الإسلام لم ينحصر في كونهما غاصبين للخلافة،فهو أهون من الخطر الأكبر الآخر و هو أنهما حاولا جعل الإسلام عبارة عن سلطنة و ملكية و أرادا أن يحوّلا الأمور المعنوية إلى طاغوت،و محاولتهما-و بذريعة أنهما خلفاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله-قلب حقيقة الإسلام إلى نظام طاغوتي.لقد كان هذا الأمر مهما لدرجة أن من سبقوهم لم يضاهوهم في إلحاق الضرر بالإسلام و لم يبلغوا ما بلغاه.فقد حاولا قلب حقيقة الإسلام.فقد امتلأت مجالسهم بشرب الخمر و لعب القمار.

كان الواحد منهم يزعم أنه خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،و يشرب الخمر في مجلسه و يلعب القمار!ثم يبقى خليفة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و يتوجه إلى الصلاة و يؤم صلاة الجماعة.إن هذا خطر كبير واجه الإسلام مما دفع سيد الشهداء عليه السّلام للقيام لرفضه.

لم تكن القضية قضية غصب الخلافة فحسب،لقد كان قيام سيد الشهداء(سلام اللّه عليه)و ثورته قياما ضد السلطة الطاغوتية...تلك السلطنة التي كانت تريد أن تصبغ الإسلام بصبغة أخرى و لو أنها نجحت في تلك لأصبح الإسلام شيئا آخر تماما،و لصار مثل النظام الإمبراطوري الذي كان قائما لألفين و خمسمائة عام أقام نظام الشاه بتاريخ 12 أكتوبر 1971 أكثر الإحتفالات في التاريخ إنفاقا،يعني احتفالات ذكرى مرور 2500 سنة على الأمبراطورية الفارسية و قرر مجلس النواب و مجلس الشيوخ في اجتماع مشترك في الذكرى السنوية لولادة رضا خان بتغيير

ص: 7

التاريخ الرسمي الإيراني من الهجري الشمسي إلى التاريخ الملكي،أي أن يبدأ التاريخ منذ تشكيل الملكية في إيران و بداية عهد الحكم الحخامنشي بواسطة كورش و يقارن ذلك عام 529 قبل الميلاد.و هكذا نرى أن الملك كان يفتخر ب 2500 سنة من التمدن الملكي و ذلك رغم الفقر و الحرمان الذي كان يعاني منه أغلب أبناء الشعب الإيراني و منع أي نوع من النشاط السياسي و سيطرة الإرهاب على جميع المجالات.(في إيران).

إنهم أرادوا مواجهة الإسلام الذي جاء للقضاء على النظام الملكي و إزالة حكم السلاطين و إقامة الحكم الإلهي في العالم،و تحطيم الطاغوت.أرادوا أن يعيدوا عبادة الطاغوت و نفس الأوضاع التي كانت سائدة في الجاهلية (1).ء.

ص: 8


1- انظر كتاب نهضة عاشوراء.

شهادة الحسين عليه السلام لم تكن هزيمة

قال الإمام الخميني:إن شهادة الإمام الحسين عليه السّلام لم تكن هزيمة،فثورة سيد الشهداء(سلام اللّه عليه)كانت قياما للّه،و ليس في القيام من أجل اللّه أية هزيمة.

كان بنو أمية يريدون القضاء على الإسلام من الأساس و قلع جذوره و إقامة حكم عربي سلطوي.غير أن ثورة سيد الشهداء عليه السّلام أفهمت العرب و العجم جميعا و نبّهت المسلمين كلهم إلى أن القضية ليست قضية عرب و عجم إنما هي:اللّه و الإسلام.

عند ما رأى سيد الشهداء عليه السّلام إن هؤلاء يلوثون بأعمالهم سمعة الإسلام و يشوهون صورته باسم خلافة الرسول و يرتكبون المعاصي و يحكمون بالظلم و الجور،و أن انعكاس ذلك على الصعيد العالمي هو أن خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يمارس هذه الأعمال،رأى من واجبه أن ينهض و يثور حتى لو أدى الأمر إلى مقتله، المهم هو إزالة ما تركه معاوية و ابنه من آثار على الإسلام.

لقد تحرك سيد الشهداء عليه السّلام مع عدد قليل من الأنصار و ثار بوجه يزيد الذي كان حاكما متجبرا يرأس حكومة غاشمة جائرة،و يتظاهر بالإسلام و يستغل قرابته وصلته العائلية إن بني أمية(الأمويين)و بني هاشم(الهاشميين)هما من فروع عبد المناف من قبيلة قريش.و بمجرد أن بعث الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله من بين الهاشميين أصيب الأمويون بالذهول و بدأوا يحاربون الرسول حتى إنهم أجبروه على الهجرة.

ص: 9

إلتحق بنو هاشم في المدينة بالرسول و وقعت مكة بيد بني أميه و خضعت كل قريش لهم.و أدى انتصار الرسول و خسارة قريش إلى أن يصبحوا مسلمين جميعا،لكن عداوة بني أمية إلى بني هاشم(عشيرة الرسول)استمرت إلى ما بعد ذلك،و تحمّل الإسلام على طول التاريخ ضربات شديدة بسبب هذه العداوة للإمام عليه السّلام.

قد كان رغم تظاهره بالإسلام و زعمه أن حكومته حكومة إسلامية و أنه خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان امرءا ظالما يهيمن على مقدرات بلد دون حق.لذا فإن الإمام أبا عبد اللّه الحسين عليه السّلام ثار بوجهه مع قله الأنصار لأنّه رأى أن واجبه و تكليفه يقتضي ذلك،و أنّ عليه أن يستنكر ما يحدث و أن ينهى عن المنكر.

عند ما يرى سيد الشهداء(سلام اللّه عليه)أن حاكما ظالما يحكم في الناس بالجور و العدوان فإنه يقول:من رأى حاكما جائرا يحكم في الناس بالظلم و الجور فعليه أن يقوم بوجهه و يمنعه من الظلم بمقدار ما يستطيع و لو كان معه بضعة أنصار فقط يقفون بوجه ذلك الحاكم ذي الجيش العظيم الجرار.

لما أراد الحسين عليه السّلام أن يثور خطب في الناس خطبة أوضح فيها أسباب الثورة (1)و أسقط عذر من يتذرع.

فلننظر ماذا فعل يزيد ليثور سيد الشهداء عليه السّلام ضده و يصفه بما وصفه و سلك ذلك النهج،فالموضوع الذي تكلم به الإمام سيد الشهداء عليه السّلام يخص الجميع،فهو4.

ص: 10


1- قال أبو مخنف عن عقبة بن أبي العيزار:إن الحسين خطب أصحابه و أصحاب الحر بالبيضة فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:أيها الناس إن رسول الله(صلى الله عليه و آله)قال:من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله،ناكثا لعهد الله،مخالفا لسنة رسول الله(صلى الله عليه و آله)يعمل في عباد الله بالإثم و العدوان،فلم يغير عليه بفعل و لا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله.و انظر تاريخ الطبري:ج 4 ص 394.

يقول:(من رأى)يعني كل من رأى و عاصر سلطانا جائرا يتصف بتلك الصفات و بقي ساكتا أمامه لا يعارضه بقول و لا فعل فإن مصيره و مآله هو ذات مصير و مآل ذلك السلطان الجائر.

لقد كان يزيد امرء متشبثا-حسب الظاهر-بالإسلام و يعد نفسه خليفة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و يؤدي الصلاة أيضا،و يمارس كل ما نمارسه نحن،و لكن ماذا ارتكب غير ذلك؟إنه يقترف المعاصي و يخالف سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.و كان يخالف أسلوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في معاملة المسلمين و صيانة دمائهم و حفظ أموالهم،فهو يسفك الدماء و يهدر الأموال و يبذرها،و هي ذات الأفعال التي كان يقوم بها أبوه معاوية و التي دعت أمير المؤمنين عليه السّلام إلى معارضته،كل ما في الأمر أن الإمام عليا عليه السّلام كان يمتلك جيشا في حين لم يمتلك الحسين عليه السّلام سوى عدد قليل في مقابل حكومة مقتدرة.

إن عظماء الإسلام قد ضحوا بأرواحهم عند ما رأوا الخطر محدقا بالإسلام و أن سمعته تكاد تشوّه فقد حاول معاوية و ابنه يزيد تشويه سمعة الإسلام و تقبيح صورته باسم الخلافة على المسلمين،فقد ارتكبوا باسم خلافة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تلك الجرائم،و عقدوا تلك المجالس.

و هنا اقتضى التكليف أن ينهض عظماء الإسلام بمهمة المعارضة و المجاهدة و إزالة التشويه الذي يوشك أن يلحقه هؤلاء بسمعة و مكانة الإسلام و ما يمكن أن يشتبه المغفلون في إدراكه و هو كون أن هذا هو الإسلام و أن الخلافة هي هذه التي يتظاهر بها معاوية و ابنه يزيد،الأمر الذي يتهدد الإسلام بالخطر و هذا ما يجب على الإنسان أن يندفع عنده للمجاهدة حتى لو أدى إلى التضحية بالنفس (1).ء.

ص: 11


1- انظر كتاب نهضة عاشوراء.

سبب استشهاد الإمام الحسين عليه السلام

قال السيد مرتضى العسكري:ينبغي أن نبحث في هذا المقام عن أمرين:أ-عن قاتل الإمام الحسين لماذا أقدم على قتله؟ب-عن الإمام الحسين لماذا اختار القتل.

و قد روى الطبري و غيره و اللفظ للطبري (1)في بيان ذلك و قال:بويع ليزيد بن معاوية بالخلافة بعد وفاة أبيه في رجب سنة ستين و أمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و لم يكن ليزيد همة حين ولّى إلاّ بيعة النفر الذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد حين دعا الناس إلى بيعته و إنه ولى عهده بعده و الفراغ من أمرهم،فكتب إلى الوليد يخبره بموت معاوية و كتب إليه في صحيفة كأنها أذن فأرة:أما بعد.

فخذ حسينا و عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا و السلام.

فأشار عليه مروان أن يبعث إليهم في تلك الساعة و يدعوهم إلى البيعة و الدخول في الطاعة فإن فعلوا قبل منهم و كفّ عنهم و إن أبوا قدّمهم فضرب أعناقهم فإنهم إن علموا بموت معاوية وثب كل منهم في جانب و أظهر الخلاف و المنابذة و دعا إلى نفسه عدا ابن عمر فإنه لا يرى القتال إلاّ أن يدفع الأمر إليه عفوا.

فأرسل عبد اللّه بن عمرو بن عثمان إلى الحسين و ابن الزبير يدعوهما فوجدهما في المسجد فدعاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس فقالا:إنصرف الان

ص: 12


1- الطبري باب خلافة يزيد بن معاوية 188/6.

نأتيه فقال حسين لابن الزبير:أرى طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر فقال:و أنا ما أظن غيره.

فقام الحسين عليه السّلام و جمع إليه مواليه و أهل بيته و سار إلى باب الوليد و قال لهم:

إنى داخل فإن دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فاقتحموا علي و الا فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم،فدخل على الوليد و مروان جالس عنده فأقرأه الوليد الكتاب و دعاه إلى البيعة فاسترجع الحسين و قال:إن مثلي لا يعطى بيعته سرا و لا أراك تجتزئ بها منى سرا دون أن تظهرها على رؤوس الناس علانية،قال:أجل؟قال:

فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا فقال له الوليد،و كان يحب العافية:إنصرف على اسم اللّه،فقال له مروان:و اللّه لئن فارقك الساعة و لم يبايع لا قدرت منه على مثلها حتى تكثر القتلى بينكم و بينه احبس الرجل و لا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه فوثب عند ذلك الحسين،فقال:يا ابن الزرقاء (1)أنت تقتلني أم هو؟كذبت و اللّه و أثمت (2).

و في تاريخ أعثم و مقتل الخوارزمي و مثير الأحزان (3)و اللهوف و اللفظ للأخير (4)،كتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها عامة و خاصة على5.

ص: 13


1- قال ابن الأثير في تاريخه الكامل 160/4 ط.أوروبا:و كان يقال له-أي لمروان و لولده بنو الزرقاء يقول ذلك من يريد ذمهم و عيبهم و هي الزرقاء بنت موهب جدة مروان بن الحكم لأبيه و كانت من ذوات الرايات التي تستدل على بيوت البغاء فلهذا كانوا يلمون بها و قال البلاذري:اسمها مارية ابنة موهب و كان قبنا.و انظر أنساب الأشراف 126/5.
2- الطبري 190/6.
3- مثير الأحزان لابن نما نجم الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء(ت:645 ه)ط.المطبعة الحيدرية في النجف سنة 1369 ه ص 14-15.
4- اللهوف في قتلى الطفوف ط.مكتبة الأندلس بيروت ص 9-10 تأليف علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسيني(ت:614 ه)،فتوح أعثم ج 10/5 مقتل الخوارزمي 180/1-185.

الحسين عليه السّلام و يقول له:إن أبى عليك فاضرب عنقه،ثم أوردوا الخبر نظير ما ذكره الطبري إلى قولهما،فغضب الحسين و قال:ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي؟كذبت و لؤمت نحن أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و يزيد فاسق شارب الخمر و قاتل النفس و مثلي لا يبايع مثله.

قال الطبري:فقال له الوليد-و كان يحب العافية-:انصرف على اسم اللّه.

و في الرواية الأولى:فلما أصبح الحسين لقية مروان فقال أطعني ترشد،قال:

قل،قال:بايع أمير المؤمنين يزيد فهو خير لك في الدارين فقال الحسين:"إنا للّه و انا إليه راجعون"و على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد (1).

أما ابن الزبير فإنهم ألحّوا عليه و تعلل و لم يحضر دار الوليد و بعث الوليد إلى عبد اللّه ابن عمر فقال:بايع ليزيد.

فقال:إذا بايع الناس بايعت فانتظر حتى جاءت البيعة من البلدان فتقدّم إلى الوليد فبايعه (2).

و في رواية:أن الحسين خرج من منزله بعد ذلك و أتى قبر جده فقال:السلام عليك يا رسول اللّه أنا الحسين بن فاطمة فرخك و ابن فرختك و سبطك و الثقل الذي خلفته في أمتك،فاشهد عليهم يا نبي اللّه إنهم قد خذلوني و ضيعوني و لم يحفظوني،و هذه شكواي إليك حتى ألقاك صلى اللّه عليك.

ثم صف قدميه فلم يزل راكعا ساجدا (3)إلى الفجر.

و في رواية أخرى:فصلّى ركعات فلما فرغ من صلاته جعل يقول:اللهم هذا قبر نبيك محمد صلّى اللّه عليه و اله و أنا ابن بنت نبيك و قد حضرني من الأمر ما قد علمت،اللهم إني1.

ص: 14


1- مثير الأحزان 14-15،اللهوف ص 9-10،و فتوح أعثم و مقتل الخوارزمي.
2- الطبري 190/6-191.
3- مقتل الخوارزمي 186/1.

أحب المعروف و أنكر المنكر و إني أسألك يا ذا الجلال و الاكرام بحق هذا القبر و من فيه إلاّ اخترت من أمري ما هو لك رضى و لرسولك رضى و للمؤمنين رضى،ثم جعل يبكى عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى فإذا هو برسول اللّه قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه و شماله و بين يديه و من خلفه فجاء و ضمّ الحسين إلى صدره و قبّل بين عينيه و قال"حبيبي يا حسين كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك،مذبوحا بأرض كربلاء،بين عصابة من أمتي،و أنت في ذلك عطشان لا تسقى،و ظمآن لا تروى،و هم في ذلك يرجون شفاعتي،ما لهم لا أنالهم اللّه شفاعتي ما لهم لا أنالهم اللّه شفاعتي يوم القيامة،و ما لهم عند اللّه من خلاق،حبيبي يا حسين إن أباك و أمك و أخاك قدموا علي و هم إليك مشتاقون،و ان لك في الجنة لدرجات لن تنالها إلاّ بالشهادة (1).الحديث.

و ذهب إلى قبر أمه و أخيه و ودعهما.

و روى عمر بن علي الأطراف و قال:لما امتنع أخي الحسين عليه السّلام عن البيعة ليزيد بالمدينة دخلت عليه فوجدته خاليا،فقلت له:جعلت فداك يا أبا عبد اللّه:حدثني أخوك أبو محمد الحسن عن أبيه عليه السّلام.

ثم سبقتني الدمعة،و علا شهيقي،فضمّني إليه،و قال:أحدّثك أني مقتول؟

فقلت:حوشيت يا ابن رسول اللّه.

فقال:سألتك بحق أبيك،بقتلي خبرك أبي؟

فقلت:نعم،فلولا تأولت و بايعت.

فقال:حدّثني أبي:أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أخبره بقتله و قتلي و أن تربتي تكون بقرب تربته،فتظن أنك علمت ما لم أعلمه و اني لا أعطى الدنية من نفسي أبدا و لتلقين1.

ص: 15


1- فتوح أعثم 29/5،و مقتل الخوارزمي 187/1.

فاطمة أباها شاكية ما لقيت ذريتها من أمته و لا يدخل الجنة أحد آذاها في ذريتها (1).

كان حكام ذلك العصر و أشياعهم قد اعتادوا على تسمية تغيير أحكام اللّه بالتأويل كما شرحناه في بحث الإجتهاد حتى أصبح المتبادر إلى الذهن من لفظ التأويل هو التغيير،و أصبح ذلك شائعا و سائغا و من ثم كان معاصرو الإمام الحسين الذين بلغهم نبأ استشهاد الحسين في العراق عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يلحّون على الإمام الحسين أن يأول قضاء اللّه هذا أي يغيره بعدم ذهابه إلى العراق و بعضهم كان يضيف إلى ذلك طلبه من الإمام ان يأوله بالبيعة اي يغيره بالبيعة، و هذا ما عناه عمر بن علي بقوله(فلولا تأولت و بايعت)أي فلولا أولت قضاء اللّه بقتلك ببيعتك،و كذلك كان قصد محمد بن الحنفية في حوار أخيه الإمام الحسين و ان لم يصرح به.

كما روى الطبري و المفيد و غيرهما و اللفظ للمفيد:إن محمد بن الحنفية قال للحسين عليه السّلام لما عزم على الخروج من المدينة:يا أخي أنت أحب الناس إلي و أعزهم علي و لست أدخر النصيحة لأحد من الخلق إلاّ لك و أنت أحق بها.

تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية و عن الأمصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فإن بايعك الناس و بايعوا لك حمدت اللّه على ذلك و ان اجتمع الناس على غيرك لم ينقص اللّه بذلك دينك و لا عقلك و لا تذهب به مروءتك و لا فضلك إني أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك و أخرى عليك فيقتتلون فتكون لأول الأسنة غرضا،فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا و أبا و أما أضيعها دما و أذلها أهلا.

فقال له الحسين عليه السّلام:فأين أذهب يا أخي؟قال:إنزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فسبيل ذلك و إن نبت بك لحقت بالرمال و شعف الجبال و خرجت من بلد إلى بلد1.

ص: 16


1- اللهوف ص 11.

حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس إليه فإنك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا (1).

و في فتوح أعثم و مقتل الخوارزمي بعده:فقال له الحسين:يا أخي و اللّه لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية أبدا و قد قال صلّى اللّه عليه و اله:اللهم لا تبارك في يزيد،فقطع محمد بن الحنفية الكلام و بكى فبكى معه الحسين ساعة ثم قال:جزاك اللّه يا أخي عنى خيرا لقد نصحت و أشرت بالصواب و أنا أرجو أن يكون إن شاء اللّه رأيك موفقا مسددا و إني قد عزمت على الخروج إلى مكة،و قد تهيأت لذلك أنا و إخوتي و بنو إخوتي و شيعتي و أمرهم أمري و رأيهم رأيي و أما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم و لا تخف علي شيئا من أمورهم.

ثم دعا بدواة و بياض و كتب هذه الوصية لأخيه محمد (2). (3)9.

ص: 17


1- إرشاد الشيخ المفيد ص 183.
2- فتوح أعثم 32/5-33.
3- معالم المدرستين للعسكري:45/3-49.

حال المسلمين قبل قيام الإمام الحسين عليه السلام

قال السيد مرتضى العسكري:ذكرنا في ما سبق كيف اجتهد الخلفاء بعد رسول اللّه في أحكام الإسلام حكما بعد حكم بما رأوا فيه مصلحة عامة أو مصلحة خاصة مما حفلت بذكره كتب الخلاف و أوردنا بعضها في ما سبق،و الى جانب ذلك وجه المسلمون توجيها خاصا إلى تقديس مقام الخليفتين أبي بكر و عمر خاصة بحيث أصبح مستساغا لدى عامتهم أن يشترط في البيعة بعد الخليفة عمر:العمل بكتاب اللّه و سنة نبيه و سيرة الشيخين،و بذلك أقر المسلمون أن تكون سيرة الشيخين في عداد كتاب اللّه و سنة نبيه،مصدرا للتشريع في المجتمع الاسلامي،و استمر الأمر كذلك حتى إذا جاء إلى الحكم الإمام علي عليه السّلام بقوة الجماهير بعد عثمان،لم يستطع أيضا أن يعيد إلى المجتمع الأحكام الإسلامية التي اجتهد فيها الخلفاء، و تعالت صيحات:وا سنة عمراه،من جيشه عندما نهاهم عن إقامة صلاة النافلة جماعة في شهر رمضان،و لم يرضوا بسنة الرسول بديلا عن سنة عمر في هذا الحكم،و ذلك لان الجماهير المسلمة عند ما بايعته لم تكن تدرك بأنه مخالف في اتجاهه في الحكم سيرة الشيخين،و هذا ما كان يحاول معاوية جاهدا أن ينبه الجماهير الإسلامية إليه،ليثوروا عليه.

و الإمام و ان لم يستطع أن يعيد إلى المجتمع الأحكام الإسلامية التي جاء بها الرسول بديلا عن اجتهادات الخلفاء،إستطاع هو وثلة من صحبه ان ينشروا بين المسلمين من حديث الرسول ما كان محظورا نشره قبل ذاك.

ص: 18

فأنتجت هذه النهضة من الإمام علي و جماعته في نشر الحديث المحظور عن الرسول،تيارا فكريا مخالفا لما ألفه المسلمون زهاء خمس و عشرين سنة مدة حكومة الخلفاء الثلاثة قبله،و هذا ما أشار إليه سليم بن قيس حين قال لأمير المؤمنين:"إني سمعت من سلمان و المقداد و أبي ذر شيئا من تفسير القرآن و أحاديث عن نبي اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنتم تخالفونهم فيها،و تزعمون أن ذلك كله باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول اللّه متعمّدين و يفسّرون القرآن برأيهم؟"كان ما سمعه سليم من سلمان و أبي ذر و المقداد و ليس غيرهم قبل هذا،بتكتم و ائتمان على سر،ثم سمعه بعد ذلك من أمير المؤمنين و صحبه جهارا و في غير سر من قبل مناشدة أمير المؤمنين الركبان في رحبة مسجد الكوفة:من سمع النبي يقول في غدير خم(من كنت مولاه فهذا علي مولاه)فليشهد.

فقام اثنا عشر بدريا و شهدوا بذلك.

و ما كشفه عن واقع الأمر في خطبته الشقشقية حين قال:"أما و اللّه لقد تقمصها فلان-ابن أبي قحافة-و إنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عنى السيل و لا يرقى إلي الطير فسدلت دونها ثوبا و طويت عنها كشحا و طفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير و يكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه،فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت و في العين قذى و في الحلق شجى أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول لسبيله فأدلى إلى فلان بعده.

شتان ما يومى على كورها و يوم حيان أخي جابر

فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته،إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها،و يخشن مسها،و يكثر العثار فيها،و الإعتذار منها،فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم،و إن أسلس لها

ص: 19

تقحم،فمني الناس لعمر اللّه-بخبط و شماس و تلون و اعتراض،فصبرت على طول المدة و شدة المحنة،حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم ،فيا للّه و للشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر!!لكني أسففت إذ أسفّوا و طرت إذ طاروا،فصغى رجل منهم لضغنه و مال الآخر لصهره مع هن و هن إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله و معتلفه، و قام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتله، و أجهز عليه عمله و كبت به بطنته فما راعني إلا و الناس كعرف الضبع إلي،ينثالون علي من كل جانب،حتى لقد وطئ الحسنان،و شق عطفاي،مجتمعين حولي كربيضة الغنم فلما نهضت بالامر نكثت طائفة،و مرقت أخرى،و قسط آخرون...

الخطبة.

و مثل قوله:قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله متعمدين لخلافه،ناقضين لعهده مغيرين لسنته،و لو حملت الناس على تركها،و حوّلتها إلى مواضعها،و الى ما كانت في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،لتفرق عنى جندي حتى أبقى وحدي،أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي و فرض إمامتي من كتاب اللّه عزّ و جلّ و سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله (1). (2).3.

ص: 20


1- راجع الهامش رقم 1 في صفحة 132،و نهج البلاغة باب المختار من حكم أمير المؤمنين رقم 147.
2- معالم المدرستين للعسكري:13/3.

انقسام الأمة إلى قسمين

تلكم التظاهرة الضخمة في الأقوال أدت إلى انقسام الأمة إلى قسمين،و ذلك أن الناس مدى الدهر ينقسمون إلى قسمين:

1-همج رعاع،أتباع كل ناعق،يميلون مع كل ريح-كما وصفهم الإمام علي عليه السّلام (1).

2-و قسم آخر يتحركون،و اعين لتحركهم هادفين و ينظر في تقييم أفعال الناس في المجتمع و تعليلها إلى الواعين الهادفين.

و الواعون الهادفون في المجتمع يومذاك انقسموا على أثر تلك التظاهرة إلى قسمين:أ-محب لأهل البيت،موال لهم مقر بفضلهم.

ب-مستنكر للاستهانة بمقام الشيخين مستهزئ بأقوال الإمام،يزداد حقدهم له يوما بعد يوم،و كان جل هؤلاء الحاقدين على الإمام ممن ثار قبل ذلك على عثمان حتى قتلوه:و هؤلاء هم الخوارج الذين رفعوا شعار"لا حكم إلاّ اللّه"و أشرب في قلوبهم حب الشيخين،و السخط على عائشة،و طلحة،و الزبير،و عثمان، و علي.

و خرج هؤلاء على الإمام فقاتلهم في النهروان.

و لم يقض عليهم،فأردوه قتيلا في محرابه،و استولى على الحكم معاوية بعده،

ص: 21


1- ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر،ط الأولى سنة 1935 ه بمطبعة العاملية /2 285 الحديث 501-528 خاصة رقم 521-522.

فبذل جهده في عشرين سنة مدة حكمه في توجيه الأمة توجيها تساير مع هواه و تسير طائعة راغبة إلى ما يشتهيه.

و كان معاوية بالإضافة إلى ذلك يغيضه انتشار ذكر بني هاشم أعداء أسرته التقليديين عامة،و خاصة ذكر الرسول و ابن عمه الإمام علي،و ذلك لانتشار ذكرهما بين المسلمين انتشارا هائلا (1)في مقابل خمول ذكر بني أبيه أمثال عتبة، و شيبة،و أبي سفيان،و الحكم بن أبي العاص أولا،و ثانيا لما يناقض انتشار ذكر الرسول و ابن عمه ما يتوخاه من تركيز الخلافة لنفسه،و توريثه لعقبه،فإن مع انتشار ذكرهما تتجه أنظار المسلمين إلى شبليهما الحسن و الحسين،لهذا كله جد معاوية في إطفاء نورهم عامة،و خاصة ذكر الرسول و ابن عمه،فقدر لهذا،و دبّر ما يلي:

أ-رفع ذكر الخليفتين أبي بكر و عمر،و ألحق بهما أخيرا ابن عمه عثمان ثالث الخلفاء (2).

ب-العمل سرا لتحطيم شخصية الرسول في نفوس المسلمين و جهارا لتحطيم شخصية ابن عمه،و للوصول إلى هذين الهدفين،دفع قوما من الصحابة و التابعين ليضعوا أحاديث في ما يرفع ذكر الخلفاء،و يضع من كرامة الرسول و ابن عمه و صرف حوله و طوله في انجاح هذا التدبير،و كتم أنفاس من خالفه في ذلك من أولياء علي و أهل بيته و قتلهم شر قتلة،صلبا على جذوع النخل،و تمثيلاد.

ص: 22


1- أما انتشار ذكر الرسول فواضح و اما اسم على فمن مواقفه في بدر و أحد و خندق و خيبر و من أحاديث الرسول في شأنه في تلك المواقف و فى تبوك و الغدير،و عمل الرسول في المباهلة،و عند نزول آية التطهير،و آيات صدر سورة البراءة. من كل ذلك و نظائرها انتشر له ذكر جميل،و سعى معاوية لاخفاء معالمه.
2- راجع قبله فصل"على عهد معاوية"من باب الحديث 336 فما بعد.

بهم،و دفنهم أحياء.

فنجح في ما دبّر نجاحا منقطع النظير حين انتشر بين الأمة على أثر ذلك أحاديث تروى عن رسول اللّه أنه قال في مناجاته لربه:إني بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما مؤمن لعنته أو سببته،فاجعلها له صلاة و زكاة و قربة تقرّبه بها إليك يوم القيامة.

و في رواية"طهورا:أجرا" (1).

و أنه قال"أنتم أعلم بأمر دنياكم"أو قال"و إذا أمرتكم بشئ من رأي فإنما أنا بشر"و انه قال ذلك عندما نهاهم عن تأبير النخل و فسد تمرهم (2)أو أنه رفع زوجته عائشة لتنظر إلى رقص الحبشة بمسجده (3)،أو أنه أقيم مجلس الغناء في داره (4)6.

ص: 23


1- صحيح مسلم باب"من لعنه النبي صلّى اللّه عليه و اله أو سبه كان له زكاة و أجرا و رحمة"من كتاب البرح 88 -97،و أبو داود السنة-10،و الدارمي الرقاق-52،و مسند أحمد 317/2 و 390 و 449 و 448 و 493 و 496 و 33/3 و 391 و 400 و 437/5 و 439 و 45/6.
2- صحيح مسلم،باب"وجوب امتثال ما قاله شرعا،دون ما ذكره صلّى اللّه عليه و اله من معايش الدنيا على سبيل الرأي"من كتاب الفضائل ح 139-141،و ابن ماجة باب تلقيح النخل،و مسند أحمد /1 162 و 152/3.
3- صحيح البخاري كتاب الصلاة باب أصحاب الحراب في المسجد كتاب العيدين،باب:25، كتاب الجهاد،باب 79. و كتاب النكاح باب نظر المرأة إلى الجيش و نحوهم من غير ريبة و باب حسن المعاشرة مع الأهل و كتاب المناقب باب قصة الحبش. و صحيح مسلم كتاب صلاة العيدين باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه. مساجد 18،نسائي 34 و 35،مسند أحمد 368/2 و 56/6 و 83 و 84 و 85 و 166 و 186.
4- صحيح البخاري"كتاب فضائل النبي"باب مقدم أصحاب النبي المدينة-و كتاب العيدين- باب سنة العيدين لأهل الإسلام،و باب إذا فإنه العيد يصلى ركعتين،و باب الحراب و الدرق،و كتاب مناقب الأنصار46/ و صحيح مسلم باب اللعب الذي لا معصية فيه كتاب العيدين16/. سنن ابن ماجة،كتاب النكاح-21،و مسند أحمد 134/6.

هذه الأحاديث إلى عشرات غيرها،نراها قد وضعت بإمعان في عصر معاوية (1)و امتد أثرها على مدرسة الخلفاء إلى يومنا الحاضر،و أنها هي التي جعلت طائفة من المسلمين لا ترى لرسول اللّه القدرة على إتيان المعجزات،و لا الشفاعة،و لا حرمة لقبره،و لا ميزة له بعد موته.

أما الإمام علي عليه السّلام فقد نجح معاوية في تحطيم شخصيته في المجتمع الاسلامي يومذاك إلى حد أن المسلمين استمروا على لعنه فوق جميع منابرهم في شرق الأرض و غربها،خاصة في خطبة الجمعة كفريضة من فرائض صلاة الجمعة زهاء الف شهر مدة حكم آل أمية،و الى جانب ذلك نجح معاوية في رفع مقام الخلافة في نفوس المسلمين (2).

و استمرت الأمة بعده في سيرها الفكري على هذا الاتجاه إلى حد أنه أمكن الولاة أن يقولوا على منابر المسلمين أخليفة أحدكم أكرم عنده أم رسوله؟أي أن الخليفة الذي يعتبرونه خليفة اللّه في الأرض أكرم على اللّه من رسوله خاتم النبيين (3).3.

ص: 24


1- راجع فصل"مع معاوية"من كتاب أحاديث عائشة للمؤلف.
2- سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.
3- معالم المدرستين للعسكري:15/3.

نتيجة مساعي الخليفة معاوية

و كانت نتيجة تلك المساعي أن المسلمين و غير المسلمين منذ عهد معاوية و إلى اليوم عرفوا رسول اللّه و ابن عمه و الخلفاء الثلاثة و شخصيات إسلامية أخرى من خلال ما وضع من حديث على عهد معاوية و كما أراد معاوية و كان ما أراده خلاف الواقع الذي كانوا عليه،و بالإضافة إلى ذلك كان لمعاوية اجتهادات في تغيير الأحكام الإسلامية بدّل منها ما بدّل باجتهاده،سمّى بعضها بأوليات معاوية (1).

استطاع معاوية بكل تلك الجهود أن يبدّل الإسلام و يعرّفه كما يشتهي،حتى لم يبق من الإسلام في آخر عهده إلاّ اسمه و من القرآن إلاّ رسمه،و إنما حافظ معاوية و من جاء بعده على اسم الإسلام لأنهم كانوا يحكمون باسم الإسلام.

كذلك كانت حالة المسلمين عندما توفي معاوية في سنة ستين و استولى على الحكم ابنه يزيد،فما كان أمام سبط الرسول و وريثه الا واحدة من اثنتين:البيعة، أو القتال.

و بيعة الحسين عليه السّلام ليزيد كان معناها إقراره على أفعاله و تصديقه لأقواله.

فأبى الحسين عليه السّلام أن يبايع يزيد و استشهد في سبيل ذلك (2).

ص: 25


1- ذكر بعضها اليعقوبي في تأريخه و السيوطي في تاريخ الخلفاء في ذكر سيرة معاوية.
2- معالم المدرستين للعسكري:16/3.

امتناع الإمام الحسين عليه السلام من بيعة يزيد

فكيف كان يزيد في أفعاله و أقواله؟و لماذا أبى الإمام أن يبايعه؟و هل كان يعرف مصيره حين أبى؟و ماذا كان أثر استشهاده على الإسلام و المسلمين؟في ما يلي نحاول تفهم كل ذلك من خلال كتب الحديث و السيرة إن شاء اللّه تعالى.

أولا:يزيد في أفعاله و أقواله في تاريخ ابن كثير:كان يزيد صاحب شراب، فأحب معاوية أن يعظه في رفق،فقال:يا بني ما أقدرك على أن تصل حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءتك و قدرك و يشمت بك عدوك و يسئ بك صديقك،ثم قال:

يا بني إني منشدك أبياتا فتأدب بها و احفظها فأنشده:

أنصب نهارك في طلاب العلا و اصبر على هجر الحبيب القريب

حتى إذا الليل أتى بالدجا و اكتحلت بالغمض عين الرقيب

فباشر الليل بما تشتهى فإنما الليل نهار الأريب

كم فاسق تحسبه ناسكا قد باشر الليل بأمر عجيب

غطّى عليه الليل أستاره فبات في أمن و عيش خصيب

و لذة الأحمق مكشوفة يسعى بها كل عدو مريب (1).

و قال:و كان فيه أيضا إقبال على الشهوات و ترك بعض الصلوات،في بعض الأوقات،و إقامتها في غالب الأوقات (2).

ص: 26


1- تاريخ ابن كثير 228/8.
2- تاريخ ابن كثير 230/8.

لما أراد معاوية أن يأخذ البيعة ليزيد من الناس،طلب من زياد أن يأخذ بيعة المسلمين في البصرة،فكان جواب زياد له:ما يقول الناس إذا دعوناهم إلى بيعة يزيد،و هو يلعب بالكلاب و القرود،و يلبس المصبغات،و يدمن الشراب،و يمشي على الدفوف و بحضرتهم الحسين بن علي،و عبد اللّه بن عباس،و عبد اللّه بن الزبير،و عبد اللّه بن عمر،و لكن تأمره يتخلق بأخلاق هؤلاء حولا أو حولين فعسانا أن نموه على الناس (1).

فاغزى معاوية يزيد الصائفة مع الجيش الغازي الروم«فتثاقل و عتل و أمسك عنه أبوه» (2)فأصاب المسلمين حمى و جدري في بلاد الروم و يزيد حينذاك كان مصطبحا بدير مران مع زوجته أم كلثوم بنت عبد اللّه بن عامر،فلما بلغه خبرهم قال:

إذا ارتفقت على الأنماط مصطبحا بدير مران عندي أم كلثوم

فما أبالي بما لاقت جنودهم بالغذ قدونة من حمى و من موم (3)

و بعده في معجم البلدان:فبلغ معاوية ذلك فقال:لاجرم ليلحقن بهم و يصيبه ما أصابهم و الا خلعته فتهيأ للرحيل و كتب إليه:

تجنى لا تزل تعد ذنبا لتقطع حبل وصلك من حبالي

فيوشك أن يريحك من بلائي نزولي في المهالك و ارتحالي (4)

و أرسل معاوية يزيد إلى الحج و قيل بل أخذه معه فجلس يزيد بالمدينة على شراب فاستأذن عليه عبد اللّه بن العباس و الحسين بن علي فأمر بشرابه فرفع،ن.

ص: 27


1- تاريخ اليعقوبى 220/2.
2- هذا نص ابن الأثير في تاريخه 181/3 في ذكر حوادث سنة 49.
3- تاريخ اليعقوبي 229/2،و الأغاني ط ساسى 33/16،و أنساب الأشراف 3/2/4.
4- ترجمة دير مران و الغذقدونة:من معجم البلدان.

و قيل له:إن ابن عباس ان وجد ريح شرابك عرفه،فحجبه و أذن للحسين،فلما دخل وجد رائحة الشراب مع الطيب،فقال:ما هذا يا ابن معاوية؟

فقال:يا أبا عبد اللّه هذا طيب يصنع لنا بالشام ثم دعا بقدح فشربه ثم دعا بقدح آخر فقال:إسق أبا عبد اللّه يا غلام.

فقال الحسين:عليك شرابك أيها المرء.

فقال يزيد:

ألا يا صاح للعجب دعوتك ثم لم تجب

إلى القينات و اللذات و الصهباء و الطرب

و باطية مكللة عليها سادة العرب

و فيهن التي تبلت فؤادك ثم لم تتب

فوثب الحسين عليه و قال:بل فؤادك يا ابن معاوية تبلت (1).

و حج معاوية و حاول أن يأخذ البيعة من أهل مكة و المدينة فأبى عبد اللّه بن عمر و قال:نبايع من يلعب بالقرود و الكلاب و يشرب الخمر و يظهر الفسوق،ما حجتنا عند اللّه؟

و قال ابن الزبير:لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و قد أفسد علينا ديننا (2)و في رواية:إن الحسين قال له:كأنك تصف محجوبا أو تنعت غائبا أو تخبر عما كان احتويته لعلم خاص و قد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه فخذ ليزيد في ما أخذ من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش و الحمام السبق لأترابهن،2.

ص: 28


1- الأغاني 61/14،و تاريخ ابن الأثير 50/4 في ذكره سيرة يزيد و قد أوردت الخبر بإيجاز.
2- تاريخ اليعقوبي 228/2.

و القينات ذوات المعازف و ضروب الملاهي تجده ناصرا ودع عنك ما تحاول (1).

انتهى.

قال المؤلف:لست أدري هل كان هذا الحوار من سبط النبي مع معاوية و حوار ابن الزبير و ابن عمر معه في مجلس واحد أو في مجلسين،و مهما يكن من أمره فإن معاوية لم يستطع ان يأخذ البيعة من هؤلاء و استطاع أن يأخذ البيعة من أهل الحرمين و يموه عليهم أمر المبايعة في بيعة ابنه و ارتحل عنهم.

وجدنا يزيد في سفريه إلى الحج و الغزو يتظاهر باللامبالاة بالمقدسات الإسلامية و عدم الإكتراث بنكبة الجيش الاسلامي الغازي،خلافا لرغبة أبيه معاوية و وصية دعيه زياد أن يتظاهر بالتخلّق بالأخلاق الإسلامية حولا أو حولين عساهم ان يموهوا على الناس أمره و لم يكتف بذلك حتى نظم في سكره و إعلام أمره ما سارت به الركبان.

و أكثر يزيد من نظم الشعر في الخمر و الغناء مثل قوله:

معشر الندمان قوموا و اسمعوا صوت الأغاني

و اشربوا كأس مدام و اتركوا ذكر المثاني (2)

شغلتني نغمة العيدان عن صوت الأذان

و تعوضت من الحور عجوزا في الدنان

و قوله:

و لو لم يمس الأرض فاضل بردها لما كان عندي مسحة للتيمم

و أظهر ذات صدره في قصيدته التي يقول فيها:ة.

ص: 29


1- الإمامة و السياسة لابن قتيبة 170/1.
2- في الأصل:"المعاني"تحريف و يقصد بالمثاني:السبع المثاني أي اتركوا قراءة الحمد في الصلاة.

عليه هاتي و اعلني و ترنمي بذلك إني لا أحب التناجيا

حديث أبي سفيان قدما سما بها إلى أحد حتى أقام البواكيا

ألا هات اسقني على ذاك قهوة تخيرها العنسي كرما شاميا

إذا ما نظرنا في أمور قديمة وجدنا حلال شربها متواليا

و ان مت يا أم الأحيمر فانكحي و لا تأملي بعد الفراق تلاقيا

فإن الذي حدثت عن يوم بعثنا أحاديث طسم تجعل القلب ساهيا

و لا بد لي من أن أزور محمدا بمشمولة صفراء تروى عظاميا

إلى غير ذلك مما نقلت من ديوانه.

انتهى نقلا عن تذكرة خواص الأمة (1).

يخاطب يزيد في هذه القصيدة حبيبته و يقول لها:ترنمي و أعلني قصة أبي سفيان لما جاء إلى أحد و فعل ما فعل،حتى أقام البواكي على حمزة و غيره من شهداء أحد،أعلني ذلك و لا تذكريه في نجوى،و اسقني على ذلك خمرا تخيرها الساقي من كروم الشام.

فإنا إذ نظرنا في أمور قديمة من أعراف قريش و آل أمية في الجاهلية وجدنا حلالا شربها متواليا و أما ما قيل لنا عن البعث فهي من قبيل أساطير(طسم)تشغل قلبنا فلا بعث و لا نشور فإذا مت فانكحي بعدي فلا تلاقي بعد الموت،ثم يستهزئ بالرسول،و يقول:و لا بد أن ألقاه بخمرة باردة تروي عظامي،كان يزيد يستهين بمشاعر المسلمين و ينادم النصارى.

و روى صاحب الأغاني و قال:كان يزيد بن معاوية أول من سنّ الملاهي في الإسلام من الخلفاء و آوى المغنين و أظهر الفتك و شرب الخمر،و كان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه،و الأخطل-الشاعر النصراني-و كان يأتيه من المغنين4.

ص: 30


1- تذكرة خواص الأمة-ص 164.

سائب خاثر فيقيم عنده فيخلع عليه (1).

كان يزيد بن معاوية أول من أظهر شرب الشراب و الإستهتار بالغناء و الصيد و اتخاذ القيان و الغلمان و التفكه بما يضحك منه المترفون من القرود و المعافرة بالكلاب و الديكة (2).

و كان من الطبيعي أن يتأثر بيزيد حاشيته و يتظاهر الخلعاء و الماجنون أمرهم كما ذكره المسعودي في مروجه قال:و غلب على أصحاب يزيد و عماله ما كان يفعله من الفسوق،و في أيامه ظهر الغناء بمكة و المدينة،و استعملت الملاهي و أظهر الناس شرب الشراب.

و كان له قرد يكنى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته،و يطرح له متكأ،و كان قردا خبيثا،و كان يحمله على أتان وحشية قد ريضت و ذللت لذلك بسرج و لجام و يسابق بها الخيل يوم الحلبة فجاء في بعض الأيام سابقا،فتناول القصبة و دخل الحجرة قبل الخيل و على أبى قيس قباء من الحرير الأحمر و الأصفر مشمر و على رأسه قلنسوة من الحرير ذات الألوان بشقائق،و على الأتان سرج من الحرير الأحمر منقوش ملمع بأنواع من الألوان فقال في ذلك بعض شعراء الشام في ذلك اليوم

تمسّك أبا قيس بفضل عنانها فليس عليها إن سقطت ضمان

ألا من رأى القرد الذي سبقت به جياد أمير المؤمنين أتان (3)

و روى البلاذري عن قصة هذا القرد و قال:كان ليزيد بن معاوية قرد يجعله بين8.

ص: 31


1- الأغاني 68/16.
2- أنساب الأشراف للبلاذري ج 4 القسم الأول ص 1. المعافرة كالمهارشة.
3- مروج الذهب 67/3-68.

يديه و يكنيه أبا قيس،و يقول:هذا شيخ من بني إسرائيل أصاب خطيئة فمسخ و كان يسقيه النبيذ و يضحك مما يصنع و كان يحمله على أتان وحشية و يرسلها مع الخيل فيسبقها،فحمله يوما و جعل يقول تمسك.البيتين (1).

و اشتهر يزيد بمنادمة القرود حتى قال فيه رجل من التنوخ:

يزيد صديق القرد مل جوارنا فحن إلى أرض القرود يزيد

فتبا لمن أمسى علينا خليفة صحابته الأدنون منه قرود (2)

و قال ابن كثير:اشتهر يزيد بالمعازف و شرب الخمور و الغناء و الصيد و اتخاذ القيان و الكلاب و النطاح بين الأكباش و الدباب و القرود و ما من يوم إلاّ و يصبح فيه مخمورا:و كان يشد القرد على فرس مسرجة بحبال و يسوق به و يلبس القرد قلانس الذهب و كذلك الغلمان و كان يسابق بين الخيل و كان إذا مات القرد حزن عليه و قيل أن سبب موته أنه حمل قردة و جعل ينقزها فعضته (3).

و روى البلاذري عن شيخ من أهل الشام:إن سبب وفاة يزيد أنه حمل قردة على الأتان و هو سكران ثم ركض خلفها فسقط فاندقت عنقه أو انقطع في جوفه شيء.

و روى عن ابن عياش أنه قال:خرج يزيد يتصيد بحوارين و هو سكران فركب و بين يديه أتان وحشية قد حمل عليها قردا و جعل يركض الأتان و يقول:

أبا خلف إحتل لنفسك حيلة فليس عليها إن هلكت ضمان

فسقط و اندقت عنقه (4).س.

ص: 32


1- أنساب الأشراف 1/1/4-2 و فى لفظ البيتين اختلاف يسير مع رواية المسعودي.
2- أنساب الأشراف 2/1/4.
3- ابن كثير 436/8.
4- 4)أنساب الأشراف 2/1/4 و يبدو ان هذا القرد الذي كناه أبا خلف غير القرد الذي كناه أبا قيس.

و لا منافاة بين هذه الروايات فمن الجائز أنه أركب قردة على أتان و ركب هو أيضا و ركض خلفه و جعل ينقزها فعضته و سقط و اندقت عنقه و انقطع في جوفه شيء و هكذا استشهد الخليفة قتيل القرد.

كان هذا شيئا من سيرة يزيد،و كان أبناء الأمة آنذاك قد تبلد إحساسها و أخلدت إلى سبات عميق و ما غيّر حالها تلك عدا استشهاد الإمام الحسين عليه السّلام كما نشرحه في الباب التالي (1).2.

ص: 33


1- معالم المدرستين للعسكري:9/3-22.

دراسة علل ثورة الإمام الحسين عليه السلام

قال السيد الخامنئي:من المهم دراسة علل و دوافع ثورة الإمام الحسين عليه السّلام و الأسباب التي حدت به إلى الثورة؛أي تحليل الدوافع الدينية و العلمية و السياسية لهذه الثورة.

و سبق لنا و أن تحدثنا فيما مضى عن هذا الموضوع بالتفصيل،إضافة إلى ما للفضلاء و الأكابر من دراسات قيّمة فيه (1).

الدروس المستقاة من عاشوراء

مع وجود كل ما قيل بشأن واقعة عاشوراء و ما قلناه نحن و سمعناه و لكن لا يزال هناك مجال للحديث و التأمل و التدبر و الإعتبار بهذه الحادثة.فهذه الحادثة العظيمة يمكن التأمل فيها من جهتين.

إن بحث الدروس المستقاة من عاشوراء بحث حيّ و خالد على مر الزمن و لا يختص بزمن معين دون سواه.

فدرس عاشوراء هو درس التضحية و الشجاعة و المواساة،و درس القيام للّه، و الإيثار و المحبّة.

و أحد دروس عاشوراء هي هذه الثورة الكبرى التي فجرتموها أنتم أبناء الشعب

ص: 34


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:173.

الإيراني امتثالا لنداء حسين العصر و حفيد أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام.

و هذا بحد ذاته واحد من دروس عاشوراء.

لعاشوراء بيانات و دروس.عاشوراء علمتنا أنه يجب أن نضحي لأجل الدين، علّمتنا أنه يجب التغاضي عن كل شيء في سبيل القرآن،علّمتنا أنّ جميع الأشخاص من صغير أو كبير و من رجل أو امرأة و من كهل أو شاب و من شريف أو وضيع و من إمام أو رعية يقفون صفا واحدا في ميدان الصراع بين الحق و الباطل.

علّمتنا أنّ جبهة العدو مع كل قدراتها الظاهرية فإنها تتصدع،كما تصدعت جبهة بني أمية بواسطة قافلة سبايا عاشوراء في الكوفة و الشام و المدينة و أخيرا انجرّ الأمر الى انهيار الجبهة السفيانية بالثورة الحسينية.

تعلّمنا عاشوراء أنّ البصيرة لازمة للإنسان في دفاعه عن الدين أكثر من أي شيء آخر،فإن عديمي البصيرة ينخدعون من دون علم و يقعون في جبهة الباطل كما كان هناك أشخاص في جبهة إبن زياد و لم يكونوا فساقا و لا فجارا بل عديمي بصائر،هذه هي دروس من عاشوراء،بالطبع فإن هذه الدروس تكفي لنقل أمة من الذلة الى العزّ،هذه الدروس تستطيع أن تهزم جبهة الكفر و الإستكبار،و هي دروس حياتية.

هذه هي الجهة الاولى من قضية عاشوراء.

ص: 35

العبر العاشورائية

من الجهات المتعلقة بعاشوراء هي العبر المستفادة منها،فعاشوراء مضافا الى دروسها هي ساحة للعبر.

فيجب أن ينظر الإنسان في هذه الساحة فيعتبر.

ما معنى أخذ العبرة؟معناه أن يقيس نفسه مع ذلك الوضع و يدرك أنه في أي وضع و حال.ما الذي يهدده؟و ما هي الأشياء التي تلزمه؟هذه هي العبرة.

فمثلا عند ما تعبر الشارع و ترى سيارة مقلوبة أو مصطدمة باخرى و قد تضررت للغاية و قضي على ركابها فإنك تتوقف لترى ما هو السبب حتى تعتبر، و تعرف أية سرعة و أية قيادة تؤدي الى هذا المصير.

و هو نوع آخر من الدورس و لكنه درس عن طريق الإعتبار،و الآن نريد أن نبحث هذا الأمر بدقة أكثر.

و البحث في عبر عاشوراء يختص بالزمن الذي تكون فيه الحاكمية للإسلام.

و يمكن القول-على أدنى الاحتمالات-أنّ مثل هذا البحث يختص الجانب الأساسي منه بمثل هذا الزمن الذي يوجب علينا و على بلدنا أخذ العبرة.

و رأينا طرح هذه القضية وفقا للصيغة التالية،و هي كيف أنّ المجتمع الإسلامي الذي التفّ حول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله و أحبّه و آمن به و امتلأ بالدين حبّا و شغفا، و نشأ و تنامى في ضوء الأحكام التي سنتحدث لاحقا عن شيء منها،و فيه من أدرك

ص: 36

عصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،كيف وصل به الحال بعد خمسين سنة أن يجتمع و يقتل سبط الرسول أبشع قتلة؟و هل هناك ارتداد و نكوص و انحراف أشد من هذا؟!

ألقت زينب الكبرى(سلام اللّه عليها)في سوق الكوفة خطبة عصماء بليغة تمحورت حول هذا،قالت فيها:«ألا يا أهل الكوفة يا أهل الختل و الغدر،أتبكون؟» و ذلك لأنهم حينما شاهدوا رأس الحسين عليه السّلام على الرمح،و بنت علي عليها السّلام مسبيّة، و لمسوا عمق المأساة ضجّوا بالبكاء.«فلا رقأت الدمعة و لا هدأت الرنّة،..»ثم قالت:

«إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة انكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم» (1).

و هذا هو النكوص و الارتداد و التراجع القهقرى.فأنتم في الحقيقة كالمرأة التي غزلت الصوف و من بعد ما أتمته نقضت الغزل و عادت إلى ما كانت عليه،و أنتم في حقيقة الأمر نقضتم غزلكم و أعدتموه صوفا،و هذا هو التراجع.و هذه عبرة.

كل مجتمع إسلامي معرّض لمثل هذا الخطر.لقد كانت أكبر مفخرة لإمامنا الخميني أنه حفّز الأمة على العمل بأحاديث الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله.

و هل يمكن مقارنة غير الأنبياء عليهم السّلام و غير المعصومين بشخصية عظيمة كشخصية الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله الذي بنى ذلك المجتمع؟!و لكن انتهى الحال بذلك المجتمع إلى اقتراف تلك الجريمة.فهل كل مجتمع إسلامي معرّض للإنسياق لمثل هذه الخاتمة؟

من الطبيعي أنه إذا اعتبر لا ينتهي إلى مثلها،و لكنه إذا لم يعتبر فمن الممكن أن يتسافل إلى هذا الحد.فهذه عبر عاشوراء.

أما نحن فقد وفّقنا في هذا العصر بحمد اللّه و فضله لاقتفاء السبيل من جديد، و إحياء إسم الإسلام في العالم،و رفع راية الإسلام و القرآن عالية.و كانت هذه2.

ص: 37


1- الإحتجتج:30/2.

المنقبة من نصيب الشعب الإيراني الذي مرّت على ثورته عشرون سنة تقريبا و هو ما انفكّ مرابطا و صامدا على هذا النهج،إلا أننا إذا انتابتنا الغفلة،و لم نحترس أو نحاذر و نثبت على المسار كما ينبغي،فمن الممكن أن ننتهي إلى نفس ذلك المصير.

و هنا يتضح معنى العبرة من عاشوراء (1).4.

ص: 38


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:174.

ما حلّ بالمجتمع حتى يضطر الحسين للتضحية

أول عبرة تلفت إنتباهنا في قضية عاشوراء هي أن نلاحظ ماذا حدث بعد خمسين سنة من وفاة الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله بحيث وصل الحد الى أن يضطر مثل الإمام الحسين عليه السّلام الى أن يضحي بنفسه لأجل إنقاذ المجتمع الإسلامي،تارة تكون هذه التضحية بعد ألف عام من صدر الإسلام أو تكون في مركز الدول و الشعوب المعاندة للإسلام و المعارضة له و هذا كلام آخر،و لكن الذي يجدر بالبحث و التأمل هو أن تكون هذه الثورة في مركز الإسلام و في المدينة و مكة (مركز الوحي)و بواسطة الإمام الحسين ابن علي عليه السّلام بحيث لا يجد وسيلة غير التضحية بنفسه تضحية دموية عظيمة.

إذن فأي وضع كان بحيث يشعر الحسين بن علي عليه السّلام أن حياة الإسلام مرهونة بالتضحية بنفسه،و إلا سيفرّط بالإسلام؟

العبرة هنا،نحن يجب أن ننظر و نلاحظ الذي حدث حتى آل الأمر الى أن يصبح شخص كيزيد حاكما على المجتمع الإسلامي؟المجتمع الإسلامي الذي كان النبي الحاكم في مكة و المدينة يعطي فيه الرايات بيد المسلمين فيذهبون الى أقصى نقاط جزيرة العرب و حدود الشام و يهددون الإمبراطورية الرومانية و يفرّ جنود العدو أمامهم كذلك و يرجع المسلمون مؤزرين بالنصر(كما حدث في تبوك)كيف أصبح هذا المجتمع الإسلامي الذي كان يعلو في مسجده و شوارعه صوت تلاوة القرآن و يقرأ فيه شخصية كالنبي صلّى اللّه عليه و اله الآيات القرآنية بلحنه و أنفاسه و يعظ فيه الناس

ص: 39

و يقودهم الى الصراط القويم.

ماذا حلّ بهذا المجتمع و هذا البلد و هذه المدن بحيث ابتعدوا عن الإسلام لدرجة أن يتأمر عليهم شخص كيزيد؟

لماذ يحلّ ظرف بحيث يكون فيه مثل الحسين بن علي عليه السّلام مضطرا الى هذه التضحية العظيمة و التي لا نظير لها في التاريخ.

ما الذي حصل حتى وصلوا الى هذه الحالة؟هذه هي العبرة.يجب أن نبحث هذا الأمر بدقة.

نحن اليوم مجتمع إسلامي.و يجب أن نرى ما هي الآفة التي حلّت بذلك المجتمع الإسلامي بحيث أوكل أمره الى يزيد.ما الذي حصل؟حتى آل الأمر الى رفع رؤوس أولاد أمير المؤمنين عليه السّلام على القنا و أن يطاف بها في المدينة التي كان يحكم فيها قبل عشرين سنة!

الكوفة هي نفس تلك المدينة التي كان أمير المؤمنين عليه السّلام يتجول في أسواقها، و يحمل سوطه على عاتقه ليأمر الناس بالمعروف و ينهاهم عن المنكر.و هناك كانت تعلو أصوات تلاوة القرآن في أناء الليل و أطراف النهار من المسجد.هذه هي المدينة التي يطاف فيها ببنات و حرم أمير المؤمنين عليه السّلام أسارى في سوقها.

ما الذي حدث حتى وصل الحال الى هنا بعد عشرين عاما؟!

ص: 40

مرض المجتمع الإسلامي الخطير

الجواب هو وجود مرض في المجتمع له القدرة على أن يوصل خلال بضع عقود مجتمعات كان يترأسها أمثال الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و أمير المؤمنين عليه السّلام الى هذا الوضع المأساوي.

إذن فهذا مرض خطير يجب أن نكون على حذر منه.فعند ما كان إمامنا العزيز يعد نفسه تلميذا من تلامذة الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله فإنّه كان يفتخر بذلك.لقد كان الإمام يفتخر بأنه قادر على إدراك أحكام النبي صلّى اللّه عليه و اله ابتلي بعد عدة سنوات بذلك الوضع.

و لذا يجب أن يحذر مجتمعنا من الإبتلاء بهذا المرض.العبرة هاهنا.يجب أن نحدد هذا المرض و نعتبره خطرا جديا و نتجنب عنه.

و في نظري فإن نداء عاشوراء هذا أشد فورية لنا اليوم من سائر دروس و نداءات عاشوراء.

يجب أن ندرك أيّ بلاء حلّ على المجتمع بحيث يطاف برأس الحسين بن علي عليه السّلام السبط الأول في العالم الإسلامي و ابن خليفة المسلمين علي بن أبي طالب عليه السّلام في نفس المدينة التي كان يتربع والده على منبر الخلافة فيها و من دون أن يتحرك ساكن يجب أن نفهم كيف جاء أشخاص من تلك المدينة الى كربلاء ليقتلوه هو و أصحابه عطاشى و يسبوا حرم أمير المؤمنين عليه السّلام.

ص: 41

آفتان و مرضان للإنحراف

الكلام كثير في هذا المجال.و لكنني أعرض آية قرآنية في مقام الجواب عن هذه التساؤلات.لقد أعطى القرآن الجواب و حدده للمسلمين في آفتين و مرضين.و هذه هي الآية: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (1).

إذن هناك عاملان هما أساس للضلالة و الإنحراف العام،أحدهما الإبتعاد عن ذكر الله و الذي يتجلى في الصلاة و العبادة،و الذي يعني الغفلة عن الله و المعنويات و فصل الحياة عن المعايير المعنوية،إهمال التوجه الى الله تعالى و الذكر و الدعاء و التوسل و طلب التوفيق منه،و التوكل عليه و فصل الحسابات الإلهية عن الحياة.

و العامل الآخر هو اتباع الشهوات و الملذات،و بعبارة واحدة:السعي وراء الدنيا و الإشتغال بجمع الثروة و المال و الوقوع فريسة للشهوات الدنيوية و اعتبارها أساسا و مبدأ و نسيان الأهداف الحقيقية.

هذا مرض رئيسي و خطير و يمكن أن نبتلي نحن به أيضا.فلو أنّ الحالة المبدئية تزول أو تضعف عندنا و كل منا يفكر بأن ينتزع حصته من الغنيمة حتى لا نتخلف في دنيانا عن الآخرين،و يقول في نفسه أن الآخرين قد جمعوا لأنفسهم و يجب أن نذهب نحن أيضا لنجمع لأنفسنا و نضع مصالحنا فوق مصالح المجتمع.

فمن المعلوم حينئذ أن يصل بنا الحال الى ذلك الوضع.فسر وجود النظام الإسلامي و بقائه و تطوره هو الإيمان و الهمم العالية و الإهتمام بالمبادئ و إحيائها.

ص: 42


1- سورة مريم:59.

و معلوم أنّ توهين الأهداف و اللامبالاة في أصول الإسلام و الثورة و فهم كل الامور و التعامل معها بذهنية مادية سوف يصل بالمجتمع الى تلك الوضعية.

و لهذا السبب ابتلي بها أولئك الناس،ففي وقت كان المسلمون يهتمون بتطوير الإسلام و رضى الله و تعليم الدين و المعارف الإسلامية و الإطلاع على القرآن و الأنس بمعارفه،و كان الجهاز الحكومي و الإداري للبلاد جهازا زاهدا في الدنيا نقيا،لا يعير أهمية لزخارف الدنيا و الشهوات الشخصية،فكانت النتيجة حينذاك تلك الحركة العظيمة التي توجه الناس فيها الى ربهم.

في تلك الوضعية يبرز مثل علي بن أبي طالب عليه السّلام خليفة للمسلمين و مثل الحسين ابن علي عليه السّلام شخصية مرموقة.

و السبب هو أنّ تلك المعايير تتجسد فيهم أكثر من غيرهم.عندما يكون المعيار هو الله و التقوى و الإعراض عن الدنيا و الجهاد في سبيل الله،فإن الذي يتواجد في الساحة حينئذ هم الأفراد الواجدون لهذه المعايير.هؤلاء هم الذين يأخذون مقاليد الامور بأيديهم و يصبح المجتمع مجتمعا إسلاميا.

و لكن عندما تتبدل المعايير الإلهية فسوف يستلم الامور كل من هو أحرص على الدنيا و أشد في إتباع الشهوة و تحصيل المنافع الشخصية و أبعد عن الصدق و الحقيقة،حينذاك تكون النتيجة صيرورة أمثال عمر بن سعد و الشمر و عبيد الله بن زياد أمراء،و ذهاب أمثال الحسين بن علي عليه السّلام الى المذبح و إستشهاده في كربلاء و هذه قضية منطقية ف(2+2-4).

لا ينبغي أن يسمح الأشخاص الحريصون بتبدل المعايير في المجتمع.فلو أبدل معيار التقوى في المجتمع فمما لا شك فيه أن يراق دم إنسان تقي كالإمام الحسين ابن علي عليه السّلام.

ص: 43

و لو أنّ الدهاء و الانغماس في الشؤون الدنيوية و الإيقاع بالآخرين و الدجل و عدم الإهتمام بالقيم الإسلامية،اعتبرت ملاكا في الأفضلية،فإن شخصا كيزيد يجب أن يكون على رأس السلطة و يجب أن يصبح شخص مثل عبيد الله الرجل الأول في العراق.

لقد كان همّ الإسلام هو تغيير هذه المقاييس و كل همّ ثورتنا كان الوقوف بوجه هذه المقاييس المادية العالمية الباطلة و الخاطئة و تغييرها.

ص: 44

أثر التخلي عن القيم و الفضائل:حاكميّة يزيد

دنيا اليوم هي دنيا الدجل و القوة و اتباع الشهوات و دنيا تفضيل القيم المادية على القيم المعنوية.هكذا هي الدنيا و لا يختص الأمر بأيامنا هذه.فلقرون متمادية كانت المعنويات تتجه نحو الضعف و الأفول.لقد سعى المستكبرون لمحو المعنوية.

أصحاب القدرة و عبدة المال و الأثرياء نسجوا نظاما و بساطا ماديا ترأسه قوة عظمى كأمريكا أكثر الجميع دجلا و مكرا و أقلهم رعاية للفضائل الإنسانية و رحمة بالبشرية.

هكذا قدرة في الرأس ويليها أصدقاؤها على الترتيب هذا وضع الدنيا.الثورة الإسلامية تعني بعث الإسلام من جديد و إحياء مبدأ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ (1)و الثورة جاءت لتحطيم هذا الترتيب العالمي الخاطئ و تنشىء مكانه ترتيبا جديدا.

لو كان الترتيب العالمي ترتيبا ماديا فلا ريب في مجيء أفراد فاسدين،أتباع شهوات،ضالين و أشقياء مثل محمّد رضا على رأس الامور،و حينئذ ينبغي أن يكون شخص فاضل و متنوّر مثل الإمام في السجن أو المنفى.فليس للإمام مكان

ص: 45


1- سورة الحجرات:13.

في مجتمع بهذا الوضع.

عند ما تسود القوة و الفساد و الكذب و الرذيلة فإن إنسانا فاضلا و صادقا و نيرا و عارفا و متوجها الى الله إما أن يكون في السجون أو في المقاصل و المجازر.

و عند ما يترأس الامور شخص كالإمام فمعنى ذلك قلب الأوراق،و انزواء أتباع الشهوات و حب الدنيا و التعلق بها و الفساد،و معناه عودة التقوى و الزهد و الصفاء و النورانية و الجهاد و الحرص على الناس و الرحمة و المروءة و الأخوة و الإيثار و الصفح عن الآخرين.

عند ما يحكم الإمام فإن هذه الخصال و الفضائل سوف تسود في المجتمع، و هذه القيم هي التي سوف تطرح للناس.إذا حافظتم على هذه القيم فسوف يبقى نظام الإمامة،و حينئذ لن يؤتى بأمثال الحسين بن علي عليه السّلام الى المذبحة.

و لكن كيف إذا تخلينا عن هذه الامور؟كيف إذا فقدنا الروحية؟و كيف إذا انشغلنا بامور الرفاهية الشخصية بدلا من التوجه الى الوظيفة و التكليف و الهدف الإلهي؟كيف إذا أجبرنا الشاب(التعبوي)المؤمن و المخلص على الإنزواء و هو لا يريد منا سوى تهيئة ساحة يجاهد بها في سبيل الله،و سلّطنا على الأمور أفرادا ذوي وقاحة و جشع،و طمّاعين خبثاء؟في هذه الحالة سيتبدل كل شيء.

فلو كانت الفترة الفاصلة بين رحلة النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و شهادة فلذة كبده في صدر الإسلام خمسين سنة فمن الممكن أن تكون هذه الفترة أقصر بكثير في زماننا هذا،و ترتقي الفضائل و أصحاب الفضيلة على المقاصل بسرعة أكبر.يجب أن لا نسمح بوقوع أمر كهذا.يجب أن نواجه الإنحراف الذي يمكن أن يفرضه أعداؤنا علينا.هذا هو الإعتبار من عاشوراء.

ص: 46

نظرة إلى دقائق التاريخ

إنّ قضية الإمام الحسين عليه السلام عبرة لنا،و العبرة أن يرى الإنسان كيف أنّ الحسين بن علي عليهما السلام الّذي كان يجلس على كتف رسول الله صلى الله عليه و آله أمام أنظار المسلمين،يقتل بتلك الصورة الفجيعة بعد مرور نصف قرن من ذلك.فهذا الطفل الّذي يبجّل إلى هذا المدى من قبل النبيّ صلى الله عليه و آله أمام أعين النّاس،و لم يقل النبي صلى الله عليه و آله في حقّه إنّني أحبّه فحسب- فالإنسان قد يحبّ شخصا اليوم لكن قد يخرج حبّه من قلبه غدا لمشكلة بينهما-بل قال صلى الله عليه و آله:"سيدا شباب أهل الجنّة"،و الجنّة ثمرة لعاقبة العمل،فقد يكون الكثير صالحين في وسط الطريق لكنهم يتهاوون في النهاية،فعندما يقال:

سيد شباب أهل الجنّة،فمعناه أنك تذهب من الدّنيا سيّدا و محبوبا عند الله و تصبح سيّد شباب أهل الجنّة،و قد قال النبيّ صلى الله عليه و آله ذلك بحقّ الحسن و الحسين عليهما السلام،في حين أنّ هذه الأمّة قتلت الحسين بن علي عليهما السلام بتلك الصورة الفجيعة أمام أعين الّذين رأوه على كتف النبيّ صلى الله عليه و آله.

أليس من الهزل أن تساق بنات رسول الله صلى الله عليه و آله في الأسواق و الطرقات و تهان إمرأة كزينب عليها السلام،فكيف آل الأمر إلى هذا الحدّ؟

إنّها عبرة،و أعظم من درس.إنّها نظرة إلى أعماق الروح و دقائق التاريخ و الأحداث.

ص: 47

الحسين عليه السلام و الارتداد

إنّ زينب الكبرى عليها السلام قد أشارت في الكوفة إلى هذا المرض(الردّة و الارتداد)فقالت:"إنّما مثلكم كمثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة انكاثا"،و هذا هو الإرتداد.

أي أنّ الخطر متربّص بأمّة خاتم النبيين صلى الله عليه و آله بمقدار ما كان متربّصا بأمّة موسى عليه السلام.و إنّكم-و لله الحمد-فقد رأيتم الإمام(ره)عن قرب،و رأيتم كيف كان الإمام الخميني(ره)و ببيان يهيب بالشعب على إنجاز عمل ما،و تتذكّرون ما كان يحدث عند ما كان الإمام(ره)يقول شيئا في الحوادث المهمّة.

فمثلا لو ضاعفنا شخص الإمام(ره)إلى ما لا نهاية،لأصبح النبي صلى الله عليه و آله هذا الإنسان المتّصل بالوحي الإلهي و العالم بجميع الحوادث الصغرى و الكبرى،و كانت توحى إليه الآيات القرآنيّة،لكن على الرغم من أنّه صلى الله عليه و آله بنى المجتمع بكلّ صراحة و وضوح و دون أدنى إبهام إلاّ أنّه وقع بعده ارتداد فجيع و أليم لا ينسى في التاريخ أبدا.

فهذه هي جرثومة الردّة و الإرتداد (1).

ص: 48


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:185.

[سببان لواقعة كربلاء]

سبب واقعة كربلاء

إنّ العامل الرئيس في وقوع هذه القضيّة هو استشراء حبّ الدنيا و الفساد و الفحشاء بحيث سلبت الغيرة الدينية و الشعور بالمسؤولية الإيمانية،فإنّنا عند ما نؤكّد على قضيّة الفساد و الفحشاء،و الجهاد و النهي عن المنكر و أمثال هذه الامور، فإنّ أحد أسبابها الرئيسية هو تسبّبها في تخدير المجتمع،فالمدينة المنوّرة التي كانت القاعدة الاولى لتأسيس الحكومة الإسلامية تحوّلت بعد فترة قصيرة إلى مركز لأفضل الموسيقيين و المغنّين و أشهر الراقصات،بحيث عند ما كان يراد دعوة أفضل المغنّين إلى بلاط الشام،كانوا يبعثون إلى أفضل المغنّين و العازفين في المدينة.

و هذا التجاسر لم يحدث بعد مائة أو مائتي عام،إنّما في زمان استشهاد بضعة فاطمة الزهراء(عليها السلام)و قرّة عين الرسول صلّى اللّه عليه و اله،بل حتى قبل ذلك،أي في زمن معاوية،و لهذا أصبحت المدينة مركزا للفساد و الفحشاء،و وقع أبناء الشخصيات و الأعيان حتّى بعض شباب بني هاشم في الفساد و الفحشاء أيضا، و قد أدرك رجال الحكومة الفاسدة ما يجب فعله و وضع البنان عليه و الترويج له، و هذه البلية لم تنفرد بها المدينة فقط،بل وقعت فيها مناطق أخرى.

و من هنا تظهر أهمية التمسّك بالدين و التقوى و المعنوية و الورع و العفة،و لأجل ذلك كنّا نكرّر و نكرّر لصفوة شباب هذا العصر توصياتنا و تأكيداتنا بالحذر من

ص: 49

تيّار الفساد.

إنّ الباري تعالى قد حفظ-و لله الحمد-قداسة و معنوية هذه الثورة إلى اليوم، فالشباب أطهار و أتقياء،لكن اعلموا أنّ زينة الدنيا و بهرجها أمر خطير،تهزّ القلوب الراسخة و تزلزل الأقوياء،فيجب الصمود أمام هذه الوساوس،و هذا هو ما يعبّر عنه بالجهاد الأكبر،فلقد أدّيتم الجهاد الأصغر بالصورة المطلوبة،و بلغتم اليوم هذه المرحلة،فعليكم بأداء الجهاد الأكبر على النحو المطلوب أيضا.

إنّ الأعداء يرغبون في إلهاء الشعوب الإسلامية بعيش يسوده الذلّ و الغفلة و الغرق في مستنقع الفساد و الرضوخ لسلطة الأجانب،مثلما كان عليه شعبنا قبل الثورة،و ما عليه كثير من شعوب العالم اليوم.

ص: 50

سبب آخر لواقعة كربلاء

العامل الآخر الذي أدّى إلى وقوع هذا الأمر-حيث يشاهد الإنسان هذا المعنى في حياة الأئمة(عليهم السلام)-هو إعراض و عدم اهتمام أتباع الحقّ الذين كانوا يشكّلون الأركان الحقيقيّة للولاية و التشيّع بمصير العالم الإسلامي،فقد تظاهر البعض بالحماس و الثورة فترة،فضايقهم الحكّام،كقضيّة الهجوم على المدينة في عهد يزيد،حيث ثار هؤلاء ضدّ يزيد،فبعث إليهم رجلا ظالما قام بمقتلة عظيمة، فتركت هذه الجماعة كل شيء جانبا و نست القضية،و هذه الجماعة لم تشمل كلّ أهل المدينة،و كانت الخلافات قائمة بينها،فافتقدوا للوحدة و التنظيم و الإرتباط الكامل بين الأفراد،أي عملوا خلافا للتعاليم الإسلامية تماما،و كانت النتيجة أنّ هاجمهم العدو بكل شراسة،فتراجع هؤلاء في أول خطوة.

و هذه نقطة مهمة؛لأنّ من البديهي أن تتقاتل جبهتا الحقّ و الباطل و توجّهان الضربات إلى بعضهما البعض،فكما أنّ جبهة الحقّ توجّه الضربات إلى الباطل،كذا الباطل يوجّه الضربات إلى جبهة الحقّ،فتتبادل الضربات،و تظهر نتيجته عند ما تتعب إحدى الجبهتين،فالجبهة التي تتعب بشكل أسرع تنهزم.

إنّ رمز استمرار تعاليم الأنبياء منذ البداية حتّى النهاية هو كلمة التوحيد و الفضائل و القيم الدينية التي كرّروها،و قد ملئت الدنيا بهذه التعاليم اليوم،و أينما تلقون أبصاركم تجدون تعاليم الأنبياء رغم القمع الذي واجهه الأنبياء عدا بعض منهم،فقد آذوا موسى عليه السّلام كثيرا،و طاردوا عيسى ابن مريم عليه السّلام و ضيّقوا عليه،

ص: 51

لكن رغم كلّ ذلك بقيت تعاليمهم إلى يومنا هذا،و السرّ الرئيسي هو عدم تقهقر الأنبياء عليه السّلام،و هزيمة أحدهم لم تسبّب تراجع الآخر عن محاربة الباطل،فقد تلقّى جميع الأنبياء عليه السّلام في حياتهم-عدا البعض منهم-الضربات من الأعداء،لكن كانت نتيجة عمل هذه المجموعة-الذين إمّا قتّلوا أو حرّقوا أو سجنوا أو قطّعوا بالمناشير و هم أحياء،أو عذّبوا من قبل المتسلّطين-إنّ العالم يعيش اليوم تحت ظلّ تعاليم الأنبياء(عليهم السلام)و تعاليمهم مطروحة أينما تذهبون،و كلّ الأخلاق الحسنة و المسمّيات الجميلة كالعدالة و الصلح و...سببها تعاليم الأنبياء عليه السّلام، و السرّ في ذلك هو عدم شعورهم بالتعب و تقهقرهم.

لكن هذه القاعدة كانت مفقودة في عهد الإمام الحسين عليه السلام و في ذلك المقطع من تاريخ الإسلام الذي وقعت فيه الكثير من الفجائع؛و ذلك لعدم وجود ارتباط و علاقة بينهم،و شعورهم بالهزيمة و التعب سريعا،و إخلائهم الساحة ليتقدّم العدوّ.

ص: 52

الماضي مثال للحاضر

و لكن قد يأتي البعض و يتفلسف بأن الماضي لا يمكن أن يكون مثالا للحاضر.

هذه الآراء يثيرها البعض و يتصور أنه قادر على صياغتها كأطروحة فلسفية،لكنه لا يستطيع ذلك!و لا شأن لنا بأمثال هؤلاء.

القرآن صادق مصدّق و هو يدعونا إلى استقاء العبرة من التاريخ.

و الإعتبار بالتاريخ يعني حالة القلق،لأن التاريخ تكتنفه أمور لو أردنا الإعتبار بها لساورتنا بعض الهواجس،و هذه الهواجس ذات صلة بالمستقبل،و لكن لماذا؟ و ما سبب هذه الهواجس؟و ما الذي جرى عبر التاريخ؟

الواقعة التي حدثت كانت في صدر الإسلام.و الأمة الإسلامية حريّ بها أن تفكر في السبب الذي وصل بالبلاد الإسلامية بعد وفاة الرسول صلّى اللّه عليه و اله بخمسين سنة فقط إلى أن يجتمع أبناؤها من وزير و أمير و قائد و عالم و قاضي و قارئ للقرآن في الكوفة و كربلاء،و يمزقوا كبد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بتلك الطريقة الفجيعة.

على الإنسان أن يطيل النظر في الأسباب التي انتهت إلى تلك الحالة.

ص: 53

ماذا حصل في كربلاء

إنّ الأمور وصلت إلى الحد الذي جعلهم يأتون بحرم الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله إلى الشوارع و الأسواق أمام أنظار الناس و يسمونهم بسمة الخوارج.و الخوارج في الإسلام مصطلح يطلق على من يخرج على الإمام العادل و يشق عليه عصا الطاعة، و يستحق لعنة اللّه و رسوله و المؤمنين،هذا هو معنى الخوارج.و لهذا السبب كان المسلمون آنذاك يتنفّرون من الخوارج«من سلّ سيفه فدمه هدر» (1)،هذا مع أنّ الإسلام يولي أهمية فائقة لدماء الناس.

لقد أشاعوا أن سبط رسول اللّه،ابن فاطمة و ابن أمير المؤمنين،خارج على الإمام العادل-و ذلك الإمام العادل هو يزيد بن معاوية-و صدّقهم الناس!!

إنّ أفراد السلطة الحاكمة أناس ظلمة يقولون ما يحلو لهم،و لكن لماذا يصدّقهم الناس؟و لماذا يلتزمون الصمت إزاءهم؟إن ما يثير هواجسي هو هذا الجانب من القضية،لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد؟و لماذا أصيبت الأمة الإسلامية و هي على تلك الدرجة من التدقيق في تفاصيل الأحكام الإسلامية و الآيات القرآنية،لماذا أصيب بهذه الحالة من الغفلة و التهاون و التراخي الذي انتهى إلى بروز فاجعة كهذه؟هذه المسألة تشغل فكر الإنسان.

و هل نحن أقوى عزما و أشد شكيمة من مجتمع عهد الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله و عهد

ص: 54


1- نوادر الراوندي:171.

أمير المؤمنين عليه السّلام و ماذا نفعل حتى لا يجري مثلما جرى؟

طبعا السؤال الذي أثرته حول تلك الأسباب،لم يجب عليه أحد،و لكن جوابه عندي.

و أشير إلى أن أحدا لم يتحدث في هذا الموضوع؛أو أنهم قد تحدّثوا حوله و لكن ليس بالشكل الوافي و الكافي.

ص: 55

ماذا حصل في مجتمع النبي حتى ذبحوا ابنه؟

إذا لم نقف أنا و أنتم بوجه الرذائل و الإنحرافات،فلا تعجبوا إذا رأيتم مجتمعنا الإسلامي وصل إلى تلك الحالة التي كانت في المجتمع الإسلامي في عهد الحسين عليه السّلام،ربما بعد خمسين سنة أو بعد خمس سنوات أو بعد عشر سنوات،إلاّ إذا كانت هناك أبصار حادّة تسبر أغوار الأمور،و عين أمينة تدل على الطريق، و أصحاب فكر يوجهون الأمور،و إرادة صلبة تساند هذا المسار،ليتكون عند ذاك ساتر متين و قلعة حصينة لا يستطيع أحد اختراقها،و إلاّ فستتكرر الحالة ذاتها فيما إذا أهملنا،و عندها ستذهب كل هذه الدماء هدرا.

بلغت الأمور في ذلك العهد حدا تربع فيه أبناء و أحفاد من قتلوا يوم بدر على يد أمير المؤمنين عليه السّلام و حمزة و بقية قادة الإسلام،في مكان الرسول،و وضع أمامه رأس مهجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،و صار يضرب على ثناياه بعود من الخيزران و ينشد:

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل

هنا يأمر القرآن بالإعتبار و يقول: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (1)انظروا ما الذي وقع،و التزموا جانب الحذر.

و لأجل أن يسري هذا المعنى إن شاء اللّه في الثقافة الحالية لبلدنا على يد المفكرين و الباحثين و أصحاب الرأي،سأتعرض إليكم باقتضاب لهذا الموضوع.

ص: 56


1- سورة الروم:42.

أقسام الناس في المجتمعات إذا نظرتم إلى المجتمع البشري؛أي مجتمع كان، و في أية مدينة أو بلد،تجدون الناس فيه يقسمون-من وجهة نظر معينة-إلى فئتين:

فئة تسير عن فكر و فهم و وعي و إرادة،و هي تعرف طريقها و تسلكه-و لا يهمنا في المقام أنّ هذه الفئة على صواب في مسلكها أو أنه مسلك خاطئ-هذه الفئة يمكن تسميتها بالخواص.

و فئة أخرى لا تنظر لترى ما هو الطريق الصحيح،و ما هو الموقف الصائب،و لا يهمّها أن تفهم و تحلّل و تقيس و تدرك،بل تتبع الجو السائد و الهوى العام،و لنسمّ هذه الفئة بالعوام،إذن فالمجتمع يمكن تصنيفه إلى خواص و عوام.دققوا النظر، أريد الاشارة إلى نقطة بشأن العوام و الخواص و يجب أن لا يقع فيها أي إلتباس.

أثر الخواص و العوام

من هم الخواص؟هل هم طبقة خاصّة؟كلا لأن هذه الفئة التي نسمّيها بالخواص تضم بين أفرادها أشخاصا متعلمين و آخرين غير متعلمين،فقد يكون أحيانا بين الخواص شخص غير متعلم لكنه يفهم ما ينبغي عليه فعله،و هو يعمل وفقا لتخطيط و إرادة حتى و إن لم يكن قد دخل المدرسة أو لديه شهادة أو يرتدي زي العلماء،لكنه متفهم لحقيقة الأمور.

في أيام اندلاع الثورة-و قبل انتصارها-كنت في المنفى في مدينة«إيرانشهر» و كان في إحدى المدن القريبة منها عدّة أشخاص من بينهم سائق،كان هؤلاء الأشخاص من ذوي الثقافة و المعرفة،رغم أنهم يصنّفون ظاهريا في عداد العوام،

ص: 57

إلاّ أنهم في الحقيقة كانوا من الخواص؛كانوا يأتون للقائنا في إيرانشهر بشكل منتظم،و ينقلون لي حوارهم مع عالم الدين في مدينتهم،و قد كان الآخر رجلا طيّبا إلاّ أنه كان من العوام!

لاحظوا،سائق الشاحنة من الخواص،بينما ذلك العالم المبجّل إمام الجماعة كان من العوام!كان العالم يقول:لماذا حينما يذكر اسم النبي صلّى اللّه عليه و اله تصلّون عليه مرّة واحدة،في حين إذا ذكر اسم السيد الخميني تصلّون على النبي ثلاث مرّات؟ألا تفهمون؟!فكان السائق يرد عليه بالقول:يوم نفرغ من المجابهة،يوم يكون الإسلام قد ساد كل الأرجاء،و إذا انتصرت الثورة فإنا سنترك الصلاة عند ذكر اسم الخميني،ثلاث مرّات،بل لا نصلي و لا مرّة واحدة؛هذه الصلوات الثلاثة أسلوب من أساليب المجابهة.لاحظوا أنّ هذا الرجل يفهم مع أنه سائق،لكن ذلك العالم لا يفهم.

ذكرت هذا المثال لتعلموا أننا حينما نقول الخواص،فلا يعني ذلك أنهم فئة ترتدي زيّا بعينه؛فقد يكون رجلا و قد يكون امرأة،و قد يكون ثريا و قد يكون فقيرا، و قد يكون من العاملين في الأجهزة الحكومية و قد يكون من المعارضين لأجهزة الحكومة الطاغوتية.و كلمة الخواص نقصد بها طبعا الصالح و الطالح منهم،ثم إننا سنصنّف الخواص إلى أقسام أخرى أيضا.

الخواص هم الذين عند ما يؤدون عملا يتخذون موقفا،و النهج الذي يختارونه، يختارونه عن فكر و تحليل،أي أنهم يفهمون و يقررون و يعملون.هؤلاء هم الخواص.و الذين يقفون في الجانب المقابل لهم هم العوام.

العوام هم الذين يسيرون مع مسير الماء،ليس لديهم تحليل للمواقف،حينما يشاهدون الناس يهتفون«يعيش»يهتفون معهم،و حينما يهتف الناس«الموت ل..»يرددون نفس الهتاف.عند ما تكون الأجواء في وضع معين يأتون هنا،و حينما

ص: 58

تكون على منوال آخر يذهبون هناك!

نفترض أنّ مسلم بن عقيل دخل الكوفة،تراهم يقولون:لقد وفد ابن عم الإمام الحسين عليه السّلام،لقد جاء مبعوث بني هاشم،و هو عازم على الثورة و النهوض، فيستثارون و يلتفون حوله و يبايعونه؛بايعه ثمانية عشر ألفا.و بعد خمس أو ست ساعات دخل رؤساء القبائل إلى الكوفة و قالوا للناس:لماذا اتخذتم هذا الموقف؟ عمّن تريدون الدفاع؟و ضد من؟إنكم ستدفعون الثمن غاليا!إنسحب أولا زعماء القبائل كل إلى داره.و بعد ما حاصر جنود ابن زياد دار طوعة للقبض على مسلم، إنبرى أولئك الناس أنفسهم لمحاربة مسلم!هؤلاءهم العوام.سلوكهم لا ينطلق عن تفكير،و لا ينبثق عن تشخيص،و لا هو قائم على تحليل صائب،بل يتحركون وفقا لما يمليه الجو العام.

إذن في كل مجتمع هناك خواص و هناك عوام.لنترك قضية العوام جانبا، و نبحث في وضع الخواص.

أقسام الخواص

و يقسم الخواص طبعا إلى فريقين:خواص فريق الحق،و خواص فريق الباطل، أليس كذلك؟أهل الثقافة و الفكر و المعرفة منهم يعملون لصالح جبهة الحق.عرفوا الحق،و علموا أنّ الحق مع هذا الجانب فهم يتحركون و يعملون لأجله،إذن فهم يعرفون الحق،و قادرون على تشخيصه،هؤلاء يمثلون فريقا.أمّا الفريق الآخر فهم الذين يقفون على الطرف المضاد لطرف الحق.

و إذا ما عدنا إلى صدر الإسلام ثانية؛فهناك فريق أصحاب أمير المؤمنين

ص: 59

و الإمام الحسين عليه السّلام و بني هاشم.و فريق آخرهم أصحاب معاوية،كان فيهم من الخواص،كان فيهم أشخاص أذكياء من ذوي الرأي و التدبير يناصرون بني أمية، و هؤلاء من الخواص أيضا.

إذن خواص كل مجتمع على نمطين:الخواص من أنصار الحق،و الخواص من أنصار الباطل.و ماذا ترجون من الخواص المشايعين للباطل؟لا تتوقعوا منهم سوى التآمر ضد الحق و ضدكم.و هذا ما يفرض عليكم محاربتهم؛حاربوا الخواص من أنصار الباطل،هذا أمر لا نقاش فيه.

خواص أنصار الحق

نأتي الآن إلى الخواص من أنصار الحق،و أنا أتحدث إليكم الآن،أنظروا إلى أنفسكم لتروا في أي موضع أنتم.و حينما نقول أنّ الأصل هو الفكر و الاتباع عن رؤية لا نخلط بين التاريخ و القصّة،التاريخ وجه آخر لسيرتنا الذاتية.

التاريخ معناه أنا و أنتم،معناه نحن الموجودون اليوم هنا.و إذا كنا نحن الذين نقوّم و نشرح التاريخ،فلا بدّ أن ينظر كلّ منا محله من هذه القصّة،و في أي موضع منها.ثم لنرى ما الذي فعله من كان يومذاك في مثل موضعنا حتى كان نصيبه الخسران،لخطئه؟حتى لا نقع في الخطأ نفسه.مثل ما هو متعارف في دروس التعليم العسكري،يفرض جهة معادية،و الأخرى جهتنا،ثمّ يلاحظ خطأ خطة جهتنا.

و تجدون أنّ العقل الذي وضع الخطّة قد أخطأ في هذا المكان،إذن حينما تريدون أنتم وضع الخطّة يجب أن لا تقعوا في ذلك الخطأ نفسه.أو يفرض أنّ الخطة كانت

ص: 60

صحيحة إلا أنّ الآمر أو المخابر أو المدفعي أو المراسل أو جنديا عاديا في جبهتنا إرتكب خطأ،تدركون أنتم وجوب عدم الوقوع في ذلك الخطأ.هكذا هي مسيرة التاريخ.و الآن عليكم العثور على ذاتكم في هذا المشهد الذي أتحدث عنه في صدر الإسلام.

بعض الناس من طبقة العوام،و لا قدرة لهم على اتخاذ القرار،و أمرهم منوط بالفرصة المتاحة أمام الخواص،فإذا صادف أن كانوا في زمن يتصدى لزمام الأمور إمام-كالإمام أمير المؤمنين عليه السّلام،أو كالإمام الراحل(ره)-و يسير بهم نحو الجنّة،فخير على خير.

و أمثال هؤلاء يسوقهم الصالحون،و ينتهي بهم الأمر إن شاء اللّه إلى الجنّة.أما إذا صادف و عاشوا في زمن من يصفهم القرآن بقوله: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (1)أو أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (2)،يكون مصيرهم إلى النار.

إذن احذروا أن تكونوا من العوام،و لا نقصد بكلامنا هذا وجوب إكمال مراحل دراسية متقدمة،أبدا،و قد قلت أن معنى العوام ليس هذا؛فما أكثر الذين أنهوا مراحل دراسية عليا،لكنهم يحسبون في عداد العوام،و ما أكثر من درسوا العلوم الدينية و هم من العوام،و ما أكثر الفقراء أو الأغنياء الذين يدخلون في عداد العوام.

إنّ صفة العوام رهن إرادتي و إرادتكم،و لهذا علينا أن ننتبه و لا نكون من العوام،أي يجب أن يكون كل فعل نفعله،عن بصيرة،و من لا يعمل عن بصيرة فهو من العوام،8.

ص: 61


1- سورة القصص:41.
2- سورة إبراهيم:28.

و لهذا ورد في القرآن الكريم على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي وَ سُبْحانَ اللّهِ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1).

إذن انظروا أولا هل أنتم من فئة العوام أم لا؟فإذا كنتم من تلك الفئة فسارعوا إلى الخروج منها،حاولوا أن تكون لكم قدرة على التحليل و الدراية و المعرفة.

أمّا إذا كنا في عداد الخواص،فلنرى هل نحن من خواص أنصار الحق أم من خواص أنصار الباطل؟و المسألة هنا واضحة؛فالخواص في مجتمعنا من أنصار الحق بلا ريب،لأنهم يدعون الناس إلى القرآن و إلى السنّة و إلى العترة و إلى سبيل اللّه،و إلى القيم الإسلامية،هذه هي طبيعة الجمهورية الإسلامية.إذن فلا نتحدث الآن عن الخواص من أنصار الباطل و لا شأن لنا بهم حاليا،بل تمام الكلام في الخواص من أنصار الحق،و المشكلة كلها تبدأ من هنا.

أقسام أنصار الحق

اشارة

إعلموا يا أعزائي أنّ خواص أنصار الحق يقسمون إلى فريقين:

الفريق الأول هم الذين يتغلبون في الصراع مع مغريات الدنيا و الحياة من الجاه و الشهوة و المال و اللذة و الرفاه و السمعة.و الفريق الآخر هم الذين يخفقون في هذا الصراع.هذه-أي اللذة و السمعة و الجاه و ما شابه-كلها أمور حسنة،و كلها من مباهج الدنيا زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ

ص: 62


1- سورة يوسف:108.

حُسْنُ الْمَآبِ (1) .

و القرآن حينما يصفها بأنها متاع الحياة الدنيا فلا يعني ذلك أنها قبيحة،فالمتاع جعله اللّه ليتمتّع به الإنسان؛و لكن إذا انغمس فيها إلى الحد الذي يعجز معه عن اجتنابها فيما إذا استدعت التكاليف الصعبة منه ذلك،فهذا شيء،و إذا استمتع فيها إلى الحد الذي يستطيع معه الكف عنها بكل سهولة عند حصول أي امتحان عسير، فهذا شيء آخر.

هذه الأمور تستدعي إعمال النظر فيها،و تستلزم الدراسة و الدقّة؛لأن أفراد المجتمع،و النظام،و الثورة لا يمكن ضمان مستقبلهم اعتباطا،فكل مجتمع يوجد فيه هذان النمطان من أنصار الحق.إذا كان الفريق الصالح منهما،أي الذين يستطيعون عند الحاجة الانتهاء عن متاع الدنيا،هم الأكثر،فلن يقع المجتمع بما وقع فيه على عهد الإمام الحسين عليه السّلام،و كونوا على ثقة أنّ المستقبل سيكون مضمونا إلى الأبد.

أما إذا كانوا قلّة،و كان ذلك الفريق من الخواص،أي المناصرين للحق و لكن في الوقت نفسه تنهار معنوياتهم أمام المغريات الدنيوية،بما فيها من ثروة،و دار و شهرة و منصب و جاه،و الذين يعرضون عن سبيل اللّه لأجل أنفسهم،فيلتزمون الصمت حيثما يجب قول الحق،حفاظا على أرواحهم أو مناصبهم أو أعمالهم أو ثرواتهم أو لحب الأولاد و الأسرة و الأقارب و الأصدقاء،هؤلاء إذا كانوا هم الكثرة، فالويل الويل حينئذ،عندها ينزل السائرون على خطى الحسين عليه السّلام إلى أرض الشهادة و يقادون إلى مسالخ الذبح،و يتسلط أتباع يزيد على مقاليد الأمور، و سيحكم بنو أمية الدولة التي أسسها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و يطول حكمهم ألف شهر،4.

ص: 63


1- سورة آل عمران:14.

و تتحول الإمامة إلى ملك و سلطان!

المجتمع الإسلامي مجتمع الإمامة،أي يكون الإمام فيه على رأس السلطة و هو الشخص الذي يكون بيده زمام الأمور،و الناس ينقادون له انقيادا قلبيا نابعا من الإيمان.

أما السلطان فهو على خلاف ذلك؛يحكم الناس بالقهر و الغلبة،و الناس لا يعتقدون به و لا يقبلون حكمه و لا يميلون إليه،و المقصود من الناس هنا ذو و الفهم و الوعي.

لقد بدّل بنو أمية الإمامة في الإسلام إلى سلطنة و ملكية،و حكموا هذه الدولة الإسلامية الكبرى ألف شهر أي تسعين سنة.حينذاك وضعت أسس بناء هشّ انتهى إلى الثورة ضد بني أمية الذين انقرضوا و جاء من بعدهم بنو العباس، و حكموا العالم الإسلامي ستة قرون أي ستمائة سنة على أساس أنهم خلفاء الرسول صلّى اللّه عليه و اله!

بنو العباس الذين كان خلفاؤهم أو بتعبير أدق ملوكهم يمارسون الفساد و الفسق و شرب الخمور و الفجور و الفحشاء و الخبائث و جمع الثروات و اللهو و الملذات و آلاف أنواع المفاسد الأخرى،كانوا يحضرون المساجد أيضا-كما هو حال سائر الملوك في العالم-و يأمّون الناس في الصلاة.و كان الناس يصلّون خلفهم اضطرارا-و إن لم يبلغ اضطرارهم ذلك الحد-أو من باب الاعتقاد المغلوط، و هو ما أدى بالنتيجة إلى تخريب معتقدات الناس!

إذا أصبح الخواص المناصرون للحق في مجتمع ما-كلهم أو أكثرهم-يخافون على حياتهم و على فقدان الأموال و المناصب و الجاه و المكانة الاجتماعية و يخشون العزلة،بسبب تعلقهم بالدنيا،حينذاك لا يناصرون الحق و لا يضحّون

ص: 64

بأنفسهم.و حينما تصير الأمور إلى هذا الحال،حينئذ يقع في طليعة الأمور استشهاد الإمام الحسين عليه السّلام بتلك الصورة المأساوية،و يكون آخرها تسلط بني أمية و العصابة المروانية و من بعدهم بنو العباس،ثم سلسلة السلاطين الذين حكموا العالم الإسلامي إلى يومنا هذا.

انظروا اليوم الى العالم الإسلامي،و إلى مختلف البلدان الإسلامية،انظروا إلى محل بيت اللّه و المدينة المنورة و لاحظوا من يحكمهما،و هكذا في بقية الأماكن.

و من هنا تقولون في زيارة عاشوراء:«اللّهم العن أول ظالم ظلم حق محمّد و آل محمّد» (1)،و هذه هي الحقيقة.

حسنا،اقتربنا شيئا من تحليل واقعة عاشوراء ذات العبر الكثيرة،و بعد ما سمعتم هذه المقدّمة ننتقل إلى التاريخ.

بدأ انزلاق الخواص المؤيدين للحق بعد وفاة الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله بست أو سبع أو ثمان سنوات،و حديثي هنا مع غض النظر عن مسألة الخلافة تماما،قضية الخلافة على حدة،بل أتحدث الآن حول هذا النهج بسبب ما يتصف به من خطورة.

القضايا بأجمعها وقعت بعد وفاة الرسول بسبع سنوات،و برزت أولى مؤشراتها في قولهم:لا يجوز أن يستوي ذو و السابقة في الإسلام-و هم أصحاب الرسول و من شهد منهم حروبه-مع سائر الناس؛هؤلاء يجب أن تكون لهم امتيازات! فمنحت لهم امتيازات مالية من بيت المال!

كانت هذه هي اللبنة الأولى،و هذا هو حال سائر التيارات المنحرفة؛تبدأ من نقطة صغيرة ثم يستفحل شأنها و يتفاقم مع كل خطوة.الانحرافات بدأت من هنا6.

ص: 65


1- مصباح المتهجد:776.

إلى أن بلغت عهد عثمان،حيث آلت الأوضاع في أواسط عهد الخليفة الثالث إلى حالة صار فيها كبار صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أثرى الأثرياء في زمانهم.أي أنّ كبار الصحابة من ذوي الأسماء المعروفة-كطلحة و الزبير و سعد بن أبي وقاص و أمثالهم-الذين كان لهم مفاخر،باتوا من رأسماليي الطراز الأول!بحيث أن أحدهم لمّا مات و أرادوا تقسيم أمواله بين وارثيه اضطروا إلى كسر الذهب-الذي أذابه و حوّله إلى سبائك-بالفؤوس،كالحطب الذي يكسر بالفؤوس،فكم كان مقدار الذهب إذن حتى يكسر بالفؤوس؟و الحال أنّ الذهب يوزن بالمثاقيل،هذا ما سجّله التاريخ!

هذا ليس مما يقال أنّ الشيعة سطّروه في كتبهم،أبدا،هذا ما كتبه الجميع، فالمبالغ التي خلفوها من الدنانير و الدراهم كانت مبالغ خيالية!و هذه الحالة هي التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث على عهد أمير المؤمنين عليه السّلام،أي بما أنّ البعض صار يولي أهمية فائقة للمنصب،لذلك فقد دخلوا في صراع معه.

ص: 66

مرحلة أمير المؤمنين عليه السلام

هذا و قد مرت خمس و عشرون سنة على وفاة الرسول صلّى اللّه عليه و اله،و قد بدأت الكثير من الأخطاء و الإشتباهات.إن نفس أمير المؤمنين عليه السّلام هي نفس الرسول صلّى اللّه عليه و اله، و لولا هذه الفترة-الخمس و عشرون سنة-لما كانت تواجه عليا عليه السّلام أية مشكلة في بناء ذلك المجتمع،إلا أنه عليه السّلام جوبه بمثل هذا المجتمع الذي يوصف بعض أفراده بأنهم«يتخذون مال اللّه دولا و عباده خولا و دينه دخلا بينهم» (1).

مجتمع ضاعت القيم فيه في خضم حب الدنيا،مجتمع يواجه فيه أمير المؤمنين عليه السّلام مصاعب جمّة عند ما يريد قيادة الناس إلى الجهاد.

كان أكثر الخواص في عهد أمير المؤمنين عليه السّلام من المناصرين للحق؛أي من الذين كانوا يعرفون الحق،و لكنهم يرجحون الدنيا على الآخرة.و هو ما أدى به إلى خوض ثلاث معارك،و أنهى فترة حكمه التي استمرت أربع سنوات و تسعة أشهر في هذه المعارك الثلاثة!إلى أنّ استشهد في نهاية المطاف على يد أحد الأشقياء.

إنّ دم أمير المؤمنين عليه السّلام غال كدم الإمام الحسين عليه السّلام.تقرأون في زيارة عاشوراء:«السلام عليك يا ثار اللّه و ابن ثاره».أي أنّ اللّه تعالى هو ولي دم الإمام الحسين عليه السّلام و ولي دم أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام،و لم يرد مثل هذا التعبير لأحد غيره.

من البديهي ان لكل دم يراق ولي،و هو ما يسمّى بولي الدم؛فالأب ولي دم ولده،

ص: 67


1- نهج البلاغة:120/3.

و الولد ولي دم أبيه،و الأخ ولي دم أخيه،و يسمّى هذا عند العرب ثأرا،المطالبة بالدم و مالكية حق الدم يسمونها بالثأر.

و الذي يطالب بدم الإمام الحسين عليه السّلام هو اللّه تعالى،كما أنه هو المطالب بدم أمير المؤمنين عليه السّلام،إذن وليّ دم هاتين الشخصيتين هو اللّه تعالى.

ص: 68

تكليف الخواص

و عند ما ثار الإمام الحسين عليه السّلام لم يأت الكثير من هؤلاء الخواص لنصرته مع ما كانت له من منزلة عظمى في المجتمع الإسلامي!لاحظوا مدى الضرر الناجم عن وجود هؤلاء الخواص في المجتمع؛الخواص الذين يرجّحون دنياهم حتى على مصير العالم الإسلامي لقرون مقبلة،مع ما كان للإمام الحسين عليه السّلام من مكانة و شهرة.

كنت أنظر في قضايا ثورة الإمام الحسين عليه السّلام و حركته من المدينة،و لاحظت أنه في الليلة التي سبقت مسيره من المدينة كان عبد اللّه بن الزبير قد خرج من المدينة أيضا،و في الحقيقة كان كلاهما في وضع واحد،و لكن أين الإمام الحسين عليه السّلام من عبد اللّه بن الزبير؟حديث الإمام الحسين،كلامه،خطابه،أجبر والي المدينة آنذاك-و هو الوليد-على أن يرقّق كلامه و لا يتبع الغلظة مع الحسين عليه السّلام،و ما إن تفوّه مروان بكلمة،إلاّ و الحسين عليه السّلام يرد عليه مهددا غاضبا، و لا حيلة لمروان إلاّ السكوت ذليلا.

هؤلاء الأشخاص أنفسهم ذهبوا و حاصروا دار عبد اللّه بن الزبير،فأخرج إليهم أخاه،فاستأذن منهم أن يسير معهم إلى دار الإمارة في تلك اللحظة،فأهانوه و هددوه إن هو لم يخرج إليهم قتلوه،حتى خضع لهم و توسّل إليهم في أن يأذنوا له أن يرسل أخاه،و غدا يأتيهم بنفسه.

و مع أنّ عبد اللّه بن الزبير كان شخصية بارزة أيضا إلا أن موقفه كان يختلف

ص: 69

إلى هذا الحد مع موقف الإمام الحسين عليه السّلام.لم يكن أحد يتجرأ على التصرف مع الإمام الحسين عليه السّلام أو مخاطبته بهذا الأسلوب لما له من حرمة و ما يتسم به من عظمة و شخصية و هيبة و قوّة روحية.

و في طريقه إلى مكة كان كل من يلقاه و يتكلم معه يخاطبه بالقول:جعلت فداك، أو بأبي أنت و أمي،أو عمّي و خالي فداك.هكذا كانوا يكلمون الإمام الحسين عليه السّلام، و هكذا كانت له مكانة ممتازة و بارزة في المجتمع الإسلامي.

جاءه عبد اللّه بن مطيع و هو بمكة و قال له:«يا ابن رسول اللّه،و لئن قتلوك لا يهابون بعدك أحدا أبدا إن قتلت لنسترقن من بعدك» (1).أي أنّ هؤلاء القوم يحجزهم عن أذانا خشيتهم لك و هيبتهم منك،و إنك إذا ثرت عليهم و قتلت اتخذونا رقيقا لهم.

كانت للإمام الحسين عليه السّلام مكانة و عظمة يخضع لها حتى عبد اللّه ابن عباس، و عبد اللّه بن جعفر و حتى عبد اللّه بن الزبير-مع أنه لم يكن ينظر للإمام الحسين عليه السّلام بعين الإرتياح-كان يبدي له غاية التبجيل و الإكرام.

جميع الأكابر و الخواص من أنصار الحق،أي الذين لم يكونوا إلى جانب الحكومة الأموية و لم يدخلوا جبهة الباطل،و حتى من بينهم الكثير من الشيعة الذين يقرّون بإمامة أمير المؤمنين عليه السّلام و يعتبرونه الخليفة الأول شرعا،هؤلاء بأجمعهم حينما أحسوا ببطش السلطة الحاكمة،تخاذلوا رغبة في الحفاظ على أنفسهم و أموالهم و مناصبهم.و نتيجة لتخاذل هؤلاء،مال عوام الناس إلى جانب الباطل.4.

ص: 70


1- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السّلام:414.

خواص أهل الكوفة و فعلهم

لو نظرنا إلى أسماء أهل الكوفة الذين كاتبوا الإمام الحسين عليه السّلام و دعوه للقدوم إليهم،و كان كلهم طبعا من طبقة الخواص و من أكابر القوم و وجهاء الناس،و كان عدد الرسائل هائلا بلغ مئات الصفحات،و ربّما ملأت عدّة أخرج.و الذين كتبوها غالبا من الأعيان و الوجهاء،يتبيّن من خلال لهجة تلك الرسائل كم عدد الخواص من أنصار الحق،من كان على استعداد للتضحية بدينه من أجل دنياه،و من منهم كان حريصا على التضحية بالدنيا في سبيل الدين.و هذا ما يمكن أن يستشف من خلال الرسائل.

و لكن بما أن عدد الذين كانوا يميلون إلى التضحية بالدين في سبيل الدنيا كان أكبر،آلت النتيجة إلى مقتل مسلم بن عقيل في الكوفة بعد ما كان قد بايعه ثمانية عشر ألفا من أهلها.

و بعد ذلك خرج منها عشرون أو ثلاثون ألفا لقتال الإمام الحسين عليه السّلام بكربلاء.

معنى هذا أنّ حركة الخواص تجلب في أعقابها حركة العوام.لا أدري هل عظمة هذه الحقيقة التي تلازم الناس الواعين على الدوام،تتبين لنا بشكل واضح صحيح أم لا؟لا بدّ و أنكم سمعتم بما جرى في الكوفة؛إذ كان القوم قد كتبوا الرسائل إلى الإمام الحسين عليه السّلام أن أقدم علينا معززا،فأوفد إليهم مسلم بن عقيل ليطلع على حقيقة الموقف؛إن كان خيرا سار إليهم بنفسه.

سار مسلم إلى الكوفة،و دخل دور كبار الشيعة؛و تلا عليهم كتاب الإمام

ص: 71

الحسين عليه السّلام إليهم،فأخذ الناس يفدون عليه زرافات زرافات و يعلنون عن ولائهم.

و كان النعمان بن بشير والي الكوفة آنذاك شخصا ضعيفا و مسالما،فأعلن أنه لا يقاتل إلا من يقاتله؛و لم ينهض لمجابهة مسلم بن عقيل،فرأى الناس أنّ المجال مفسوح أمامهم،فجاءوا إلى مسلم و بايعوه.

بعث بعض الخواص المؤيدين للباطل-من أنصار الأموين-رسالة إلى يزيد يعلمونه فيها إن كانت له في الكوفة حاجة فليولّي عليها رجلا حازما،و إن النعمان بن بشير لا طاقة له على مجابهة مسلم بن عقيل.

كتب يزيد إلى عبيد اللّه بن زياد الذي كان واليا على البصرة حينذاك يعلمه فيها بأنّه عيّنه واليا على الكوفة مع احتفاظه بولاية البصرة.و انطلق عبيد اللّه من ساعته يحث السير من البصرة إلى الكوفة.و يتضح دور الخواص أيضا من خلال مجيئه إلى هناك.

ص: 72

نموذج للعوام

وصل عبيد اللّه إلى مشارف الكوفة ليلا،و ما إن رأى الناس رجلا ملثما قادما و معه الخيل و العدّة،حتى ظنّه العوام أنه الإمام الحسين عليه السّلام،فتقدموا إليه بكل بساطة و حييّوه قائلين:«السلام عليك يا ابن رسول اللّه».هذه صفة عوام الناس؛ ليست لأحدهم قدرة على التحليل أو النظر في الأمر،فما إن رأوا شخصا قادما و معه الخيل و العدّة حتى ظنّوه الإمام الحسين عليه السّلام حتى قبل أن يتحدث معهم بكلمة وحدة.و أخذ الجميع يردد:إنه الإمام الحسين عليه السّلام.كان الجدير بهم أن يتأملوا ليعرفوا من هو.

لكن هذا القادم لم يلتفت إلى الناس،و سار إلى دار الإمارة و عرّفهم بنفسه و دخل القصر.

و بدأ يخطط من هناك للقضاء على وثبة مسلم بن عقيل،و تركزت مساعيه على استخدام أشد أساليب الضغط و التهديد و التعذيب ضد أنصار مسلم بن عقيل.

و احتال على هاني بن عروة و استقدمه إلى القصر،و شجّ رأسه و وجهه.و لما احتشد بعض الناس حول القصر نجح بتفريقهم بأساليب الحيلة و الكذب.و هنا أيضا يتضح دور الخواص الفاسدين الذين يسمّون بأنصار الحق،و هم الذين عرفوا الحق و ميّزوه،لكنهم رجّحوا دنياهم على الدين.

ص: 73

مسلم ضحيّة العوام

و بعد أن سار مسلم بن عقيل بحشد كبير من أنصاره-جاء في كتاب ابن الأثير ان عددهم بلغ ثلاثين الفا،و الذين أحاطوا بداره فقط بلغ عددهم أربعة آلاف يحملون السيوف دفاعا عنه،كان هذا في اليوم التاسع من ذي الحجة-سارع ابن زياد إلى بث بعض خواص الباطل بينهم لأجل إثارة الخوف و الرعب فيهم، و يشيعوا بينهم أنّ لبني أمية كل شيء؛السلاح و المال و القوّة،و إنّ هؤلاء لا شيء عندهم.فاستشرى الذعر بين الناس و أخذوا يتفرقون عنه تدريجيا،و ما إن حان وقت صلاة العشاء حتى لم يبق مع مسلم أحد.

و نادى منادي ابن زياد:يجب أن يحضر الجميع إلى مسجد الكوفة عند صلاة العشاء ليصلّوا معه!و جاء في المصادر التاريخية أنّ المسجد امتلأ بالناس للصلاة خلف ابن زياد.

ص: 74

تخاذل أنصار الحق

حسنا،لماذا آلت الأمور إلى ذلك المآل؟إنني حينما أنظر أرى أنّ ذلك يعزى إلى الخواص من أنصار الحق الذين سلك بعضهم مسلكا اتسم بغاية التخاذل،من أمثال شريح القاضي!شريح هذا لم يكن من بني أمية و كان يعرف حقيقة الأوضاع و يدرك الحق مع من.

فحينما جاءوا بهاني بن عروة و شجّوا رأسه و جرحوا وجهه و ألقوه في السجن،هبّت عشيرته و حاصرت قصر ابن زياد،فخشي ابن زياد اجتماعهم؛إذ يرون أن قاتل هاني هو ابن زياد،لذلك أمر شريحا أن يذهب ليرى بعينه أنّ هاني حيّ.

اطلع شريح على حياة هاني بنفسه و لكنه وجده مجروحا،فما إن رأى هاني شريحا القاضي حتى استغاث بالمسلمين(مخاطبا لشريح)أين قومي؟هل ماتوا؟ لماذا لا يأتون و ينقذوني مما أنا فيه؟

يقول شريح:أردت أن أذهب و أبلغ المجتمعين حول قصر الإمارة بمقالة هاني، لكن للأسف كان هناك جاسوس ابن زياد،فلم أستطع!ماذا يعني(لم استطع)؟يعني ترجيح الدنيا على الدين.

ص: 75

أثر كذبة شريح القاضي على التاريخ

لعل شريح لو كان فعل ذلك لتغير التاريخ،لو قال للناس إنّ هاني حي و لكنه في السجن،و ابن زياد يريد قتله-و لم يكن ابن زياد قد استولى على الأمور بعد- لهجموا و أنقذوا هاني و أصبحوا أكثر قوّة و شكيمة و لقبضوا على ابن زياد و قتلوه أو أخرجوه من هناك،و لا ستتب أمر الكوفة للحسين عليه السّلام،و لما وقعت حادثة كربلاء!و لو لم تقع حادثة كربلاء لانتهى الأمر إلى استلام الإمام الحسين عليه السّلام لزمام الحكم،و لو أنّ هذا الحكم استمر تسعة أشهر-و ربما كان يمتد لفترة أطول- لكانت له بركة كبيرة في التاريخ.

قد تؤدي حركة ما أحيانا إلى تبديل وجه التاريخ.و قد تقود حركة أخرى مغلوطة و ناتجة عن الخوف و الضعف و حب الدنيا و الحرص على الحياة،إلى جعل التاريخ يتمرغ في مهاوي الضياع.أنت(يا شريح القاضي)لماذا لم تشهد بالحق حينما رأيت هاني على تلك الحالة؟!هذا هو دور الخواص الذين يفضّلون الدنيا على الدين.

حينما أمر ابن زياد رؤساء القبائل أن يذهبوا و يعملوا على تفريق الناس من حول مسلم،لماذا أطاعوا أمره؟فهم لم يكونوا بأجمعهم من الأمويين،و لم يكونوا قد قدموا من الشام،بل أن بعضهم كان ممن كتب الرسائل إلى الإمام الحسين عليه السّلام كشبث بن ربعي الذي كان قد كتب له رسالة و دعاه إلى القدوم!هذا الرجل كان من جملة الذين أمرهم ابن زياد بالسعي لتفريق الناس،فذهب و أخذ يثبط الناس و يستخدم أساليب التهديد و التخويف و الإغراء،و ساهم في تفريق الناس عنه.لماذا

ص: 76

فعلوا هكذا؟

أثر تخاذل شبث بن ربعي

لو أن شخصا كشبث بن ربعي خشي اللّه في لحظة مصيرية،بدلا من خشية ابن زياد،لتبدّل وجه التاريخ!لكن هؤلاء انبروا لتثبيط الناس؛فتفرق العوام.

و لكن لماذا تفرق الخواص المؤمنون المحيطون بمسلم؟مع أنهم كان من بينهم شخصيات خيّرة و صالحة و بعضهم سار في ما بعد إلى كربلاء و استشهد هناك.

لكنهم أخطأوا في ذلك الموقف.

من الطبيعي أنّ الذين استشهدوا في كربلاء قد كفّروا عن خطئهم ذلك.و نحن هنا لا نتحدث عنهم و لا نذكر أسماءهم.و لكن أيضا كان من بينهم من لم يأت إلى كربلاء!لم يستطيعوا أو لم يوفقوا،لكنهم انخرطوا في ما بعد في صفوف التوابين.

أثر التحرك في وقته

و لكن ما فائدة ذلك بعد ما وقعت فاجعة كربلاء و قتل سبط الرسول صلّى اللّه عليه و اله،و بدأت حركة التاريخ بالإنتكاس؟و لهذا السبب كان عدد التوابين عدّة أضعاف شهداء كربلاء.شهداء كربلاء صرعوا كلهم في يوم واحد،و التوابون صرعوا كلهم في يوم واحد أيضا.

و لكن تلاحظون أنّ الأثر الذي تركه التوابون في التاريخ لا يعدل واحدا من ألف مما خلّفه شهداء كربلاء!و ذلك لأنهم لم يبادروا إلى ذلك العمل في وقته،و لأن

ص: 77

تشخيصهم و قرارهم قد جاء متأخّرا.

أثر تخلي الخواص عن مسلم

لماذا تركوا مسلم وحده،بعد ما جاء إليهم كمندوب عن الإمام الحسين عليه السّلام، و بعد ما بايعوه و الكلام هنا للعوام لا للخواص لماذا حينما جنّ عليه الليل تركوه يلتجئ إلى دار طوعة؟!

لو أنّ الخواص لم يتخلّوا عن مسلم،و لو وقف الى جانبه على سبيل المثال مائة رجل،و آووه في دار أحدهم و دافعوا عنه،و مسلم حتى حينما كان وحده حينما أرادوا اعتقاله بقي يقاوم عدّة ساعات،و استطاع بعد أنّ هجموا عليه عدة مرّات- و رغم كثرة عددهم-أن يردهم على أعقابهم،و لو كان معه مائة رجل،هل كان بإمكانهم القبض عليه؟!كلا؛لأن الناس سيهبون لنجدتهم.

إذن الخواص قصّروا هنا إذ لم يهبّوا المؤازرة مسلم.

أثر موقف الخواص في الوقت المناسب

لاحظوا أينما تذهبون تصطدمون بموقف الخواص.من الواضح أنّ قرار الخواص في الوقت المناسب،و رؤيتهم الصائبة للأمور في الوقت المناسب، و تجاوزهم عن الدنيا في اللحظة المناسبة،و موقفهم في سبيل اللّه في الفرصة المؤاتية،هو الذي يستنقذ التاريخ و يصون القيم.

و هذا ما يوجب اتخاذ الموقف المناسب في اللحظة المناسبة،أما إذا فات الأوان، فلا جدوى في ما وراء ذلك.

ص: 78

نموذج تاريخي معاصر

بعد الانتخابات التي جرت في الجزائر و فازت فيها الجبهة الإسلامية،سيطر الجيش على مقاليد الحكم بتحريض من أمريكا و غيرها.

في اليوم الأول لمجيء حكومة العسكر إلى السلطة،لم تكن لها أية قوّة،فلو أن مسؤولي الجبهة الإسلامية قادوا الناس إلى الشوارع منذ اليوم الأول-و قد أعلنت لهم ذلك-حين لم تكن الحكومة العسكرية يومذاك على درجة من القوّة،و لا قادرة على أي عمل،لقضوا عليها و لأقاموا حكما إسلاميا،و لكانت في الجزائر اليوم حكومة إسلامية.و لكنهم لم يتخذوا قرارا كهذا.بعضهم أخذته الرهبة،و البعض الآخر انتابه الضعف،و البعض قال:لنا الرئاسة،أو لهذا أو لذاك!

نموذج تاريخي معاكس

عصر يوم الحادي و العشرين من بهمن عام 1357 ه ش أعلنت الأحكام العرفية في طهران،لكن الإمام دعا الناس للنزول إلى الشوارع و لو لم يتخذ الإمام هذا القرار في تلك اللحظة لكان محمّد رضا لا يزال يحكم هذا البلد.

و لو أنّ الناس حين إعلان الأحكام العرفية لزموا منازلهم،لبدأوا أول ما بدأوا بالإمام و من بعده مدرسة الرفاه ثم بقية المناطق،و لقضوا على كل شيء،و لكانوا

ص: 79

قتلوا في طهران خمسمائة ألف شخص،و انتهى كل شيء!على غرار ما حصل في أندونيسيا حيث قتلوا مليون شخص ثم عاد كل شيء إلى محلّه،و الإمام اتخذ القرار اللازم في اللحظة الحاسمة،في موقعه.

أثر تقصير الخواص

لو أنّ الخواص شخّصوا ما ينبغي عمله في الظرف المناسب،و طبّقوا ذلك لتغير وجه التاريخ،و لما سيق أمثال الحسين بن علي عليه السّلام إلى ميدان كميدان كربلاء.و إذا كان الخواص قد أساءوا الفهم،أو أبطأوا في الفهم،أو فهموا و لكن اختلفوا،و حتى إذا كان المتصدون للعمل كفوئين،إلا أنّ طبقة الخواص لم تتجاوب معهم،و قال أحد أفرادها نحن مشغولون حاليا و قال غيره لقد انتهت الحرب،دعونا نتفرّغ لأعمالنا و نكسب لقمة عيشنا و جمعوا خلال بضع سنوات إمكانات هائلة و إننا قد سئمنا القتال و التجوال بين هذه الجبهة و تلك؛تارة في جبهة الغرب و تارة في جبهة الجنوب،إذا تصرف الخواص بهذه الصورة،فاعلموا أنّ التاريخ ستتكرر فيه وقائع كواقعة كربلاء!

ص: 80

النصر مشروط بالتضحية

وعد اللّه تعالى بنصرة من ينصره،إن قام أحد للّه و بذل جهده يكون النصر حليفه لا بمعنى يكتب النصر لكل واحد من الأشخاص،بل معناه أنّ أية جماعة عند ما تتحرك تنال النصر،و من الطبيعي أنّ مسارها تحفّه المصاعب و القتل و الآلام،و لكن فيه انتصار أيضا.

يقول الباري تعالى: وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (1)و لا يقول ننصركم دون أن يدمى أنف أحدكم،لا أبدا،و إنما يقول إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (2).و لكن ينتصرون،هذه سنّة إلهية.

حينما نخاف على دمائنا،و على كرامتنا،و على أموالنا،و لأجل عوائلنا و أحبائنا، و حينما نخشى على الراحة و المعيشة الوادعة،و نحرص على الكسب و على الحصول على دار فيها غرفة أكثر من غرف الدار السابقة،عند ما تعيقنا أمثال هذه الأمور عن الحركة،يصبح من الواضح حينها أنه حتى لو كان أشخاص كالإمام الحسين تزعموا الطريق،لاستشهدوا عن آخرهم،مثلما استشهد أمير المؤمنين عليه السّلام،و كما استشهد الحسين عليه السّلام.

ص: 81


1- سورة الحج:40.
2- سورة التوبة:111.

الخواص،الخواص،طبقة الخواص.أنظروا يا أعزائي أين موقعكم؛إن كنتم من الخواص-و أنتم فعلا منهم-فحاذروا.

عدم إنقياد الخواص للدنيا

في كل زمن كان يجب فيه على الخواص العمل بتكاليفهم و اجتناب انقيادهم لمغريات الدنيا،و يجب البحث في كيفية عدم الإنقياد للدنيا،مع ذكر الأمثلة و المصاديق على ذلك.

إنّ السير على طريق اللّه له معارضون على الدوام.و لو أن شخصا من هؤلاء الخواص الذين تحدثنا عنهم أراد أن يقدم على عمل-إنّ هو أراد ذلك-لا نبرى له جماعة آخرون من أولئك الخواص أنفسهم باللوم و التعنيف و التقريع على موقفه ذاك.

مثلما كانوا يفعلون في أيام ثورتنا.لكن الخواص يجب عليهم أن يقاوموا؛هذه إحدى ضرورات جهاد الخواص،و هي الصبر على اللوم و التقريع،لأنهم يتلقون من المعارضين التهم و الإساءات على الدوام.

إنّ أي عمل يؤديه الخواص و في أي قطاع كان،و قد يكون من القضايا الهامّة التي قد تطرأ في المستقبل،-و ما ذكر كان نموذجا مصغرا-سيؤدي إلى إثارة الإعتراضات و التساؤلات من قبل البعض! (1).

ص: 82


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:213.

نظرة في أسباب الثورة الحسينية

اشارة

قال السيد باقر القرشي:و أحاطت بالإمام عليه السّلام عدة من المسؤوليات الدينية و الواجبات الاجتماعية و غيرها،فحفزته إلى الثورة،و دفعته إلى التضحية و الفداء و هذه بعضها:

1-المسؤولية الدينية

و أعلن الإسلام المسؤولية الكبرى على كل مسلم عما يحدث في بلاد المسلمين من الأحداث و الأزمات التي تتنافى مع دينهم،و تتجافى مع مصالحهم،فإنه ليس من الإسلام في شي أن يقف المسلم موقفا يتسم بالميوعة و اللامبالاة أمام الهزات التي تدهم الأمة و تدمّر مصالحها،و قد أعلن الرسول صلّى اللّه عليه و اله هذه المسؤولية،يقول صلّى اللّه عليه و اله:

«كلكم راع،و كلكم مسؤول عن رعيته»فالمسلم مسؤول أمام الله عن رعاية مجتمعه،و السهر على صالح بلاده،و الدفاع عن أمته.

و على ضوء هذه المسؤولية الكبرى ناهض الإمام جور الأمويين،و ناجز مخططاتهم الهادفة إلى استعباد الأمة و إذلالها،و نهب ثرواتها،و قد أدلى عليه السّلام بما يحتّمه الإسلام عليه من الجهاد لحكم الطاغية يزيد،أمام الحر و أصحابه قال عليه السّلام:

«أيها الناس إن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قال:من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله،مخالفا لسنّة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله يعمل في عباد الله بالإثم و العدوان،فلم

ص: 83

يغير عليه بقول و لا فعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله».

لقد كان الواجب الديني يحتّم عليه القيام بوجه الحكم الأموي الذي استحلّ حرمات الله،و نكث عهوده و خالف سنّة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله،و قد صرّح جماعة من علماء المسلمين بأن الواجب الديني كان يقضي على الإمام أن ينطلق في ميادين الجهاد دفاعا عن الإسلام،و فيما يلي بعضهم.

[ قد صرّح جماعة من علماء المسلمين بأن الواجب الديني كان يقضي على الإمام أن ينطلق في ميادين الجهاد دفاعا عن الإسلام]

-1-الإمام محمد عبده:

و ألمع الإمام محمد عبده في حديثه عن الحكومة العادلة و الجائرة في الإسلام إلى خروج الإمام على حكومة يزيد،و وصفه بأنه كان واجبا شرعيا عليه،قال:«إذا وجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع،و حكومة جائرة تعطّله،وجب على كل مسلم نصر الأولى،و خذل الثانية...و من هذا الباب خروج الإمام الحسين عليه السّلام سبط الرسول صلّى اللّه عليه و اله على إمام الجور و البغي الذي ولي أمر المسلمين بالقوة و المنكر يزيد بن معاوية خذله الله،و خذل من انتصر له من الكرامية و النواصب».

-2-محمد عبد الباقي:

و تحدث الأستاذ محمد عبد الباقي سرور عن المسؤولية الدينية و الاجتماعية اللتين تحتمان على الإمام القيام بمناهضة حكم يزيد قال:

«لو بايع الحسين يزيد الفاسق المستهتر،الذي أباح الخمر و الزنا و حط بكرامة الخلافة إلى مجالسة الغانيات،و عقد حلقات الشراب في مجلس الحكم،و الذي ألبس الكلاب و القرود خلاخل من ذهب،و مئات الآلاف من المسلمين صرعى الجوع، و الحرمان.

ص: 84

لو بايع الحسين يزيد أن يكون خليفة لرسول الله صلّى اللّه عليه و اله على هذا الوضع لكانت فتيا من الحسين بإباحة هذا للمسلمين،و كان سكوته هذا أيضا رضى،و الرضى من ارتكاب المنكرات و لو بالسكوت إثم و جريمة في حكم الشريعة الإسلامية، و الحسين بوضعه الراهن في عهد يزيد هو الشخصية المسؤولة في الجزيرة العربية بل في البلاد الإسلامية كافة عن حماية التراث الإسلامي لمكانته في المسلمين،و لقرابته من رسول رب العالمين،و لكونه بعد موت كبار المسلمين كان أعظم المسلمين في ذلك الوقت علما و زهدا و حسبا و مكانة.فعلى هذا الوضع أحس بالمسؤولية تناديه و تطلبه لإيقاف المنكرات عند حدها،و لا سيما أن الذي يضع هذه المنكرات و يشجع عليها هو الجالس في مقعد رسول الله صلّى اللّه عليه و اله هذا أولا.

و ثانيا:إنه عليه السّلام جاءته المبايعات بالخلافة من جزيرة العرب،و جاءه ثلاثون ألفا من الخطابات من ثلاثين ألف من العراقيين من سكان البصرة و الكوفة يطلبون فيها منه الشخوص لمشاركتهم في محاربة يزيد بن معاوية،و ألحوا تكرارا هذه الخطابات حتى قال رئيسهم عبد الله بن الحصين الأزدي:يا حسين سنشكوك إلى الله تعالى يوم القيامة إذا لم تلب طلبنا،و تقوم بنجدة الإسلام،و كيف و الحسين ذو حمية دينية و نخوة إسلامية،و المفاسد تترى أمام عينيه،كيف لا يقوم بتلبية النداء، و على هذا الوضع لبى النداء،كما تأمر به الشريعة الإسلامية،و توجه نحو العراق».

و هذا الرأي وثيق للغاية فقد شفّع بالأدلة الشرعية التي حمّلت الإمام مسؤولية الجهاد و الخروج على حكم طاغية زمانه.

-3-عبد الحفيظ أبو السعود:

يقول الأستاذ عبد الحفيظ أبو السعود:«و رأى الحسين أنه مطالب الآن-يعني بعد هلاك معاوية-أن يعلن رفضه لهذه البيعة،و أن يأخذ البيعة لنفسه من

ص: 85

المسلمين،و هذا أقل ما يجب حفاظا لأمر الله،و رفعا للظلم،و إبعادا لهذا العابث يعني يزيد-عن ذلك المنصب الجليل».

-4-الدكتور أحمد محمود صبحي:

و ممن صرّح بهذه المسؤولية الدينية الدكتور أحمد محمود صبحي قال:«ففي إقدام الحسين على بيعة يزيد انحراف عن أصل من أصول الدين من حيث أن السياسة الدينية للمسلمين لا ترى في ولاية العهد وراثة الملك إلا بدعة هرقلية دخيلة على الإسلام،و من حيث أن اختيار شخص يزيد مع ما عرف عنه من سوء السيرة،و ميله إلى اللهو و شرب الخمر،و منادمة القرود ليتولى منصب الخلافة عن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله أكبر وزر يحل بالنظام السياسي للإسلام،يتحمل وزره كل من شارك فيه و رضي عنه،فما بالك إذا كان المقدم على ذلك هو ابن بنت رسول الله.

كان خروج الحسين إذا أمرا يتصل بالدعوة و العقيدة أكثر مما يتصل بالسياسة و الحرب».

-5-العلايلي:

يقول العلايلي:«و هناك واجب على الخليفة إذا تجاوزه وجب على الأمة إسقاطه، و وجبت على الناس الثورة عليه و هو المبالغة باحترام القانون الذي يخضع له الناس عامة،و إلا فأي تظاهر بخلافه يكون تلاعبا و عبثا،و من ثم وجب على رجل القانون أن يكون أكثر تظاهرا باحترام القانون من أي شخص آخر،و أكبر مسؤولية من هذه الناحية،فإذا فسق الملك ثم جاهر بفسقه و تحدى الله و رسوله

ص: 86

و المؤمنين لم يكن الخضوع له إلا خضوعا للفسق و خضوعا للفحشاء و المنكر،و لم يكن الإطمئنان إليه إلا اطمئنانا للتلاعب و المعالنة الفاسقة.

هذا هو المعنى التحليلي لقوله عليه السّلام:«و يزيد رجل فاسق،شارب للخمر و قاتل النفس المحرمة،معلن بالفسق».

هذه بعض الآراء التي أدلى بها جماعة من العلماء في إلزام الإمام شرعا بالخروج على حكم الطاغية يزيد،و أنه ليس له أن يقف موقفا سلبيا أمام ما يقترفه يزيد من الظلم و الجور.

ص: 87

2-المسؤولية الاجتماعية

و كان الإمام عليه السّلام بحكم مركزه الاجتماعي مسؤولا أمام الأمة عما منيت به من الظلم و الاضطهاد من قبل الأمويين،و من هو أولى بحمايتها و رد الاعتداء عنها غيره فهو سبط رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و ريحانته،و الدين دين جده،و الأمة أمة جده،و هو المسؤول بالدرجة الأولى عن رعايتهما.

لقد رأى الإمام أنه مسؤول عن هذه الأمة،و أنه لا يجدي بأي حال في تغيير الأوضاع الاجتماعية التزام جانب الصمت،و عدم الوثوب في وجه الحكم الأموي الملىء بالجور و الآثام،فنهض عليه السّلام بأعباء هذه المسؤولية الكبرى،و أدى رسالته بأمانة و إخلاص،و ضحّى بنفسه و أهل بيته و أصحابه ليعيد على مسرح الحياة عدالة الإسلام و حكم القرآن.

3-إقامة الحجة عليه

و قامت الحجة على الإمام لإعلان الجهاد،و مناجزة قوى البغي و الإلحاد،فقد تواترت عليه الرسائل و الوفود من أقوى حامية عسكرية في الإسلام،و هي الكوفة فكانت رسائل أهلها تحمّله المسؤولية أمام الله إن لم يستجب لدعواتهم الملحة لإنقاذهم من عسف الأمويين و بغيهم،و من الطبيعي أنه لو لم يجيبهم لكان مسؤولا أمام الله،و أمام الأمة في جميع مراحل التأريخ،و تكون الحجة قائمة عليه.

ص: 88

4-حماية الإسلام

و من أوكد الأسباب التي ثار من أجلها حفيد الرسول صلّى اللّه عليه و اله حماية الإسلام من خطر الحكم الأموي الذي جهد على محو سطوره،و قلع جذوره و إقبار قيمه،فقد أعلن يزيد و هو على دست الخلافة الإسلامية الكفر و الإلحاد بقوله:

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل

و كشف هذا الشعر عن العقيدة الجاهلية التي كان يدين بها يزيد فهو لم يؤمن بوحي و لا كتاب،و لا جنة و لا نار،و قد رأى السبط أنه إن لم يثأر لحماية الدين فسوف يجهز عليه حفيد أبي سفيان و يجعله أثرا بعد عين،فثار عليه السّلام ثورته الكبرى التي فدى بها دين الله،فكان دمه الزاكي المعطر بشذى الرسالة،هو البلسم لهذا الدين،فإن من المؤكد أنه لولا تضحيته لم يبق للإسلام اسم و لا رسم،و صار الدين دين الجاهلية و دين الدعارة و الفسوق،و لذهبت سدى جميع جهود النبي صلّى اللّه عليه و اله و ما كان ينشده للناس من خير و هدى،و قد نظر النبي صلّى اللّه عليه و اله من وراء الغيب و استشف مستقبل أمّته،فرأى بعين اليقين،ما تمنى به الأمة من الانحراف عن الدين،و ما يصيبها من الفتن و الخطوب على أيدي أغيلمة من قريش،و رأى أن الذي يقوم بحماية الإسلام هو الحسين عليه السّلام فقال صلّى اللّه عليه و اله كلمته الخالدة:«حسين مني و أنا من حسين»فكان النبي صلّى اللّه عليه و اله حقا من الحسين لأن تضحيته كانت وقاية للقرآن، و سيبقى دمه الزكي يروي شجرة الإسلام على ممر الأحقاب و الآباد.

ص: 89

5-صيانة الخلافة

و من ألمع الأسباب التي ثار من أجلها الإمام الحسين عليه السّلام تطهير الخلافة الإسلامية من أرجاس الأمويين الذين نزوا عليها بغير حق..فلم تعد الخلافة-في عهدهم كما يريدها الإسلام-وسيلة لتحقيق العدل الاجتماعي بين الناس،و القضاء على جميع أسباب التخلف و الفساد في الأرض.

لقد اهتم الإسلام اهتماما بالغا بشأن الخلافة باعتبارها القاعدة الصلبة لإشاعة الحق و العدل بين الناس،فإذا صلحت نعمت الأمة بأسرها،و إذا انحرفت عن واجباتها فإن الأمة تصاب بتدهور سريع في جميع مقوماتها الفكرية و الاجتماعية..و من ثم فقد عني الإسلام في شأنها أشد ما تكون العناية،فألزم من يتصدى لها بأن تتوفر فيه النزعات الخيرة و الصفات الشريفة من العدالة و الأمانة، و الخبرة بما تحتاج إليه الأمة فى مجالاتها الإقتصادية و الإدارية و السياسية،و حرّم على من فقد هذه الصفات أن يرشح نفسه للخلافة..و قد تحدث عليه السّلام في أولى رسائله إلى أهل الكوفة عن الصفات التي يجب أن تتوفر فيمن يرشح نفسه إلى إمامة المسلمين و إدارة شؤونهم قال عليه السّلام:

«فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب،و الآخذ بالقسط،و الدائن بالحق،و الحابس نفسه على ذات الله».

فمن تحلّى بهذه الصفات كان له الحق في تقديم نفسه لإمامة المسلمين و خلافتهم،و من لم يتصف بها فلا حق له في التصدي لهذا المركز الخطير الذي كان

ص: 90

يشغله الرسول صلّى اللّه عليه و اله...إن الخلافة الإسلامية ليست مجرد سلطة زمنية على الأمة، و إنما هي نيابة عن الرسول صلّى اللّه عليه و اله و امتداد ذاتي لحكومته المشرقة.

و قد رأى الإمام الحسين أن مركز جده قد صار إلى سكير مستهتر لا يعي إلا شهواته و رغباته،فثار عليه السّلام ليعيد للخلافة الإسلامية كيانها المشرق و ماضيها الزاهر.

6-تحرير إرادة الأمة:

و لم تملك الأمة في عهد معاوية و يزيد إرادتها و اختيارها فقد كانت جثة هامدة لا وعي فيها و لا اختيار،قد كبّلت بقيود ثقيلة سدّت في وجهها منافذ النور و الوعي، و حيل بينها و بين إرادتها.

لقد عمل الحكم الأموي على تخدير المسلمين و شل تفكيرهم،و كانت قلوبهم مع الإمام الحسين،إلا أنهم لا يتمكنون من متابعة قلوبهم و ضمائرهم فقد استولت عليها حكومة الأمويين بالقهر،فلم يملكوا من أمرهم شيئا،فلا إرادة لهم و لا اختيار، و لا عزم و لا تصميم فأصبحوا كالأنصاب لا وعي فيهم و لا حراك،قد قبعوا أذلاء صاغرين تحت وطأة سياط الأمويين و بطشهم».

لقد هبّ الإمام إلى ساحات الجهاد و الفداء ليطعّم المسلمين بروح العزة و الكرامة،فكان مقتله نقطة تحوّل في تأريخ المسلمين و حياتهم،فانقلبوا رأسا على عقب،فتسلّحوا بقوة العزم و التصميم،و تحرّروا من جميع السلبيات التي كانت ملمة بهم،و انقلبت مفاهيم الخوف و الخنوع التي كانت جاثمة عليهم إلى مبادىء الثورة و النضال،فهبّوا متضامنين في ثورات مكثفة،و كان شعارهم(يا لثارات الحسين)فكان هذا الشعار هو الصرخة المدوية التي دكت عروش الأمويين و أزالت سلطانهم.

ص: 91

7-تحرير اقتصاد الأمة:

و انهار اقتصاد الأمة الذي هو شرايين حياتها الاجتماعية و الفردية فقد عمد الأمويون بشكل سافر إلى نهب الخزينة المركزية و الاستئثار بالفيء و سائر نمرات الفتوح و الغنائم،فحازوا الثراء العريض،و تكدست في بيوتهم الأموال الهائلة التي حاروا في صرفها،و قد أعلن معاوية أمام المسلمين أن المال مال الله،و ليس مال المسلمين فهو أحق به،و يقول سعيد بن العاص:إنما السواد بستان قريش،و قد أخذوا ينفقون الأموال على أغراضهم السياسية التي لا تمت بصلة لصالح الأمة.أما مواد إنفاقهم البارزة فهي:

أ-شراء الضمائر و الأديان،و قد تقدمت الشواهد المؤيدة لذلك عند البحث عن سياسة معاوية الاقتصادية.

ب-الإنفاق على لجان الوضع لافتعال الأخبار التي تدعم الكيان الأموي و تحط من قيمة أهل البيت،و قد ألمحنا إلى ذلك بصورة مفصلة.

ج-الهبات الهائلة و العطايا الوافرة للوجوه و الأشراف لكم أفواههم عما تقترفه السلطة من الظلم للرعية.

د-الصرف على المجون و الدعارة،فقد امتلأت بيوتهم بالمغنين و المغنيات و أدوات العزف و سائر المنكرات.

هذه بعض الموارد التي كان ينفق عليها الأموال،في حين أن الجوع قد نهش الأمة و عمّت فيها المجاعة،و انتشر شبح الفقر في جميع الأقطار الإسلامية سوى الشام فقد رفّه عليها لأنها الحصن المنيع الذي كان يحمي جور الأمويين و ظلمهم.

ص: 92

و قد ثار الإمام الحسين عليه السّلام ليحمي اقتصاد الأمة و يعيد توازن حياتها المعاشية،و قد صادر أموالا من الخراج كانت قد أرسلت لمعاوية،كما صادر أموالا أخرى أرسلت من اليمن إلى خزينة دمشق في أيام يزيد،و قد أنفقها على الفقراء و المعوزين،و كان عليه السّلام أكثر ما يعاني من الآلام هو أنه يرى الفقر قد أخذ بخناق المواطنين،و لم ينفق شيئا من بيت المال على إنعاش حياتهم.

8-المظالم الاجتماعية:

و انتشرت المظالم الاجتماعية في أنحاء البلاد الإسلامية،فلم يعد قطر من الأقطار إلا و هو يعج بالظلم و الاضطهاد من جورهم،و كان من مظاهر ذلك الظلم مايلي:

-1-فقد الأمن

و انعدم الأمن في جميع أنحاء البلاد،و ساد الخوف و الإرهاب على جميع المواطنين،فقد أسرفت السلطة الأموية بالظلم،فجعلت تأخذ البريء بالسقيم، و المقبل بالمدبر،و تعاقب على الظنة و التهمة،و تسوق الأبرياء بغير حساب إلى السجون و القبور،و كان الناس في عهد زياد يقولون:«أنج سعد فقد هلك سعيد»و لا يوجد أحد إلا و هو خائف على دمه،و ماله،فثار الإمام الحسين عليه السّلام لينقذ الناس من هذا الجور الهائل.

-2-احتقار الأمة

و كان الخط السياسي الذي انتهجه الأمويون العمل على إذلال الأمة و الاستهانة بها و كان من مظاهر ذلك الاحتقار إنهم كانوا يختمون في أعناق المسلمين كما

ص: 93

توسم الخيل علامة لاستعبادهم كما نقشوا على أكف المسلمين علامة لاسترقاقهم كما يصنع بالعلوج من الروم و الحبشة و قد هب الإمام عليه السّلام في ميادين الجهاد ليفتح للمسلمين أبواب العزة و الكرامة،و يحطم عنهم ذلك الكابوس المظلم الذي أحال حياتهم إلى ظلام قاتم لا بصيص فيه من النور.

9-المظالم الهائلة على الشيعة:

و ذهبت نفس الإمام الحسين أسى على ما عانته الشيعة-في عهد معاوية-من ضروب المحن و البلاء،فقد أمعن معاوية في ظلمهم و إرهاقهم و فتك بهم فتكا ذريعا،و راح يقول للإمام الحسين:«يا أبا عبد الله علمت أنا قتلنا شيعة أبيك فحنّطناهم و كفّناهم و صلّينا عليهم و دفناهم»و قد بذل قصارى جهوده في تصفية الحساب معهم،و قد ذكرنا عرضا مفصلا لما عانوه في عهد معاوية و خلاصته.

-1-إعدام أعلامهم كحجر بن عدي،و عمرو بن الحمق الخزاعي و صيفي بن فسيل و غيرهم.

-2-صلبهم على جذوع النخل.

-3-دفنهم أحياءا.

-4-هدم دورهم.

-5-عدم قبول شهاداتهم.

-6-حرمانهم من العطاء.

-7-ترويع السيدات من نسائهم.

-8-إذاعة الذعر و الخوف في جميع أوساطهم.

ص: 94

إلى غير ذلك من صنوف الإرهاق الذي عانوه،و قد ذعر الإمام الحسين عليه السّلام مما حل بهم،فبعث بمذكرته الخطيرة لمعاوية التي سجّل فيها ما ارتكبه جرائم في حق الشيعة،و قد ذكرناها في البحث عن حكومة معاوية.

لقد كانت الإجراءات القاسية التي اتخذها الحكم الأموي ضد الشيعة من أسباب ثورته فهب لإنقاذهم من واقعهم المرير،و حمايتهم من الجور و الظلم.

10-محو ذكر أهل البيت:

و من ألمع الأسباب التي ثار من أجلها أبو الشهداء عليه السّلام هو أن الحكم الأموي قد جهد على محو ذكر أهل البيت عليهم السّلام و استئصال مآثرهم و مناقبهم و قد استخدم معاوية في هذا السبيل أخبث الوسائل و هي:

-1-إفتعال الأخبار في الحط من شأنهم.

-2-إستخدام أجهزة التربية و التعليم لتربية النشء على بغضهم.

-3-معاقبة من يذكر مناقبهم بأقصى العقوبات.

-4-سبّهم على المنابر و المآذن و خطب الجمعة.

و قد عقد الإمام الحسين عليه السّلام مؤتمره السياسي الكبير في مكة المكرمة و أحاط المسلمين علما بالإجراءات الخطيرة التي اتخذها معاوية إلى إزالة أهل البيت عن الرصيد الإسلامي...و كان عليه السّلام يتحرق شوقا إلى الجهاد،و يود أن الموت قد وافاه و لا يسمع سب أبيه على المنابر و المآذن.

ص: 95

11-تدمير القيم الإسلامية:

اشارة

و عمد الأمويون إلى تدمير القيم الإسلامية،فلم يعد لها أي ظل على واقع الحياة الإسلامية و هذه بعضها:

أ-الوحدة الإسلامية

و أشاع الأمويون الفرقة و الاختلاف بين المسلمين فأحيوا العصبيات القبلية، و شجّعوا الهجاء بين الأسر و القبائل العربية حتى لا تقوم وحدة بين المسلمين،و قد شجّع يزيد الأخطل على هجاء الأنصار الذين آووا النبي صلّى اللّه عليه و اله و حاموا عن دينه أيام غربة الإسلام و محنته.

لقد كانت الظاهرة البارزة في شعر ذلك العصر هي الهجاء المقذع فقد قصر الشعراء مواهبهم الأدبية على الهجاء و التفنن في أساليب القذف و السب للأسر التي كانت تنافس قبائلهم،و قد خلا الشعر الأموي عن كل نزعة إنسانية أو مقصد إجتماعي،و تفرّد بظاهرة الهجاء،و قد خولف بذلك ما كان ينشده الإسلام من الوحدة الشاملة بين أبنائه.

ب-المساواة:

و هدم الأمويون المساواة العادلة التي أعلنها الإسلام،فقدّموا العرب على الموالي و أشاعوا جوا رهيبا من التوتر و التكتل السياسي بين المسلمين،و كان من

ص: 96

جراء ذلك أن ألّف الموالي مجموعة من الكتب في نقص العرب و ذمهم،كما ألّف العرب كتبا في نقص الموالي و احتقارهم،و على رأس القائمة التي أثارت هذا النحو من التوتر بين المسلمين زياد بن أبيه فقد كان حاقدا على العرب،و قد عهد إلى الكتاب بانتقاصهم.

و قد خالفت هذه السياسة النكراء روح الإسلام الذي ساوى بين المسلمين في جميع الحقوق و الواجبات على اختلاف قومياتهم.

ج-الحرية:

و لم يعد أي مفهوم للحرية ماثلا على مسرح الحياة طيلة الحكم الأموي فقد كانت السلطة تحاسب الشعب حسابا منكرا و عسيرا على كل بادرة لا تتفق مع رغباتها، حتى لم يعد في مقدور أي أحد أن يطالب بحقوقه،أو يتكلم بأي مصلحة للناس فقد كان حكم النطع و السيف هو السائد في ذلك العصر.

لقد ثار أبو الأحرار لينقذ الإنسان المسلم و غيره من الاضطهاد الشامل و يعيد للناس حقوقهم التي ضاعت في أيام معاوية و يزيد.

ص: 97

12-انهيار المجتمع

اشارة

و انهار المجتمع في عصر الأمويين،و تحلل من جميع القيم الإسلامية أما أهم العوامل التي أدت إلى انهياره فهي:

-1-حرمان المجتمع من التربية الروحية فلم يحفل بها أحد من الخلفاء سوى الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام فقد عنى بها عناية بالغة إلا أنه قد مني بالأحداث الرهيبة التي منعته من مواصلة مسيرته في إصلاح الناس و تقويم أخلاقهم.

-2-إمعان الحكم الأموي في إفساد المجتمع و تضليله،و تغذيته بكل ما هو بعيد عن واقع الإسلام و هديه.

إن هذين العاملين-فيما تحسب-من أهم العوامل التي أدت إلى إنهيار ذلك المجتمع...أما مظاهر ذلك التحلل و الانهيار فهي:

1-نقض العهود

و لم يتأثم أغلب أبناء ذلك المجتمع من نقض العهود و المواثيق،فقد كان عدم الوفاء بها أمرا عاديا،و متسالما عليه،و قد شجّعهم على ذلك(كسرى العرب)،فقد أعلن في خطابه بالنخيلة إن كل ما شرطه على نفسه للإمام الحسن لا يفي به،و عمد إلى نقض جميع الشروط التي أعطاها له..و كانت هذه الظاهرة من أبرز ذاتيات الكوفيين،فقد أعطوا للإمام الحسين أعظم العهود و المواثيق على مناصرته،

ص: 98

و مناجزة عدوه إلا أنهم خاسوا ما عاهدوا عليه الله فخذلوه و قتلوه.

2-عدم التحرج من الكذب

و من الأعراض التي أصيب بها ذلك المجتمع عدم التحرج من الكذب و قد مني الكوفيون بذلك بصورة خاصة،فإنهم لما أحاطوا بالإمام الحسين عليه السّلام-يوم الطف -لقتله،وجه عليه السّلام سؤالا إلى قادة الفرق الذين كاتبوه بالقدوم إليهم فقال:

«يا شبث بن ربعي،و يا حجار بن أبجر،و يا قيس بن الأشعث،و يا زيد بن الحرث،ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار،و اخضر الجناب و إنما تقدم على جند لك مجندة..».

و لم تخجل تلك النفوس القذرة من تعمد الكذب فأجابوه مجمعين:

«لم نفعل».

و بهر الإمام فاندفع يقول:

«سبحان الله!!بلى و الله لقد فعلتم..».

و قد جروا إلى المجتمع بما اقترفوه من الآثام كثيرا من الويلات و الخطوب، و تسلّح بهم أئمة الظلم و الجور إلى اضطهاد المسلمين و إرغامهم على ما يكرهون.

3-عرض الضمائر للبيع

و قد كان من أحط ما وصل إليه ذلك المجتمع من الإنحراف و الزيغ عرض الضمائر و الأديان لبيعها على السلطة جهارا،و قد ألمحنا إلى ذلك بصورة مفصلة عند البحث عن عهد معاوية.

ص: 99

4-الإقبال على اللهو

و أقبل المجتمع بنهم على اللهو و الدعارة،و قد شجّع الأمويون بصورة مباشرة حياة المجون لزعزعة العقيدة الدينية من النفوس،و صرف الناس عما ينشده الإسلام من التوازن في سلوك الفرد.

هذه بعض الأمراض التي ألمّت بالمجتمع الإسلامي،و قد أدت إلى تسيبه، و انهيار قيمة و قد ثار الإمام الحسين عليه السّلام ليقضي على التذبذب و الإنحراف الذي منيت به الأمة.

13-الدفاع عن حقوقه

اشارة

و انبرى الإمام الحسين عليه السّلام للجهاد دفاعا عن حقوقه التي نهبها الأمويون و اغتصبوها،و أهمها-فيما نحسب-مايلي:

1-الخلافة

و آمن الإمام الحسين عليه السّلام-كأبيه-أن العترة الطاهرة أولى بمقام رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أحق بمركزه من غيرهم،لأنهم أهل بيت النبوة،و معدن الرسالة و مختلف الملائكة،بهم فتح الله،و بهم ختم-على حد تعبيره-و قد طبع على هذا الشعور و هو في غضون الصبا،فقد انطلق إلى عمر و كان على منبر رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فصاح به:

ص: 100

«إنزل عن منبر أبي،و اذهب إلى منبر أبيك».

و لم ينفرد الإمام الحسين بهذا الشعور و إنما كان سائدا عند أئمة أهل البيت عليهم السّلام فهم يرون أن الخلافة من حقوقهم لأنهم ألصق الناس برسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أكثرهم وعيا لأهدافه...و هناك شيء آخر جدير بالإهتمام و هو أن الحسين عليه السّلام كان هو الخليفة الشرعي بمقتضى معاهدة الصلح التي تم الإتفاق عليها،فقد جاء في بنودها ليس لمعاوية أن يعهد بالأمر إلى أحد من بعده و الأمر بعده للحسن،فإن حدث به حدث فالأمر للحسين»و على هذا،فلم تكن بيعة يزيد شرعية،فلم يخرج الإمام الحسين عليه السّلام على إمام من أئمة المسلمين-كما يذهب لذلك بعض ذوي النزعات الأموية و إنما خرج عليه السّلام على ظالم مغتصب لحقه.

2-الخمس

و الخمس حق مفروض لأهل البيت عليهم السّلام نص عليه القرآن و تواترت به السنّة، و لكن الحكومات السابقة تناهبته فلم تؤد لهم منه شيئا لشل حركة المقاومة عند العلويين،و قد أشار الإمام الحسين عليه السّلام إلى ذلك في حديثه مع أبي هريرة الذي نهاه عن الخروج على بني أمية،فقال عليه السّلام له:

«و يحك أبا هريرة إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت».

و أكبر الظن أن المال الذي أخذته بنو أمية منه هو الخمس،و قد أعلن ذلك دعبل الخزاعي في رائعته التي أنشدها أمام الرضا عليه السّلام في خراسان بقوله:

أرى فيأهم في غيرهم متقسما و أيديهم من فيئهم صفرات

و التاع الإمام الرضا عليه السّلام فجعل يقلّب يديه و هو يقول:

«إنها-و الله-لصفرات»و قد أقض مضاجع العلويين منعهم من الخمس

ص: 101

باعتباره أحد المصادر الرئيسية لحياتهم الإقتصادية.

و لعل الإمام الحسين قد استهدف بنهضته إرجاع هذا الحق السليب لأهل البيت عليهم السّلام.

14-الأمر بالمعروف:

و من أوكد الأسباب التي ثار من أجلها أبي الضيم عليه السّلام إقامة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فإنهما من مقومات هذا الدين،و الإمام بالدرجة الأولى مسؤول عنهما،و قد أدلى عليه السّلام بذلك في وصيته لأخيه ابن الحنفية التي أعلن فيها عن أسباب خروجه على يزيد،فقال عليه السّلام«إني لم أخرج أشرا،و لا بطرا،و لا ظالما،و لا مفسدا، و إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر».

لقد انطلق عليه السّلام إلى ميادين الجهاد ليقيم هذا الصرح الشامخ الذي بنيت عليه الحياة الكريمة في الإسلام،و قد انهارت دعائمه أيام الحكم الأموي فقد أصبح المعروف في عهدهم منكرا،و المنكر معروفا،و قد أنكر عليهم الإمام في كثير من المواقف،و التي كان منها خطابه الرائع أمام المهاجرين و الأنصار،فقد شجب فيه تخاذلهم عن نصرة الحق و دحض الباطل،و إيثارهم للعافية،و قد ذكرناه في الحلقة الأولى من هذا الكتاب.

و مما قاله عليه السّلام في هذا المجال أمام أصحابه و أهل بيته يوم الطف:«ألا ترون إلى الحق لا يعمل به،و إلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه»لقد آثر الموت على الحياة،لأنه يرى الحق قد تلاشى و الباطل قد استشرى.

ص: 102

15-إماتة البدع:

و عمد الحكم الأموي إلى نشر البدع بين المسلمين،التي لم يقصد منها إلا محق الإسلام،و إلحاق الهزيمة به،و قد أشار الإمام عليه السّلام إلى ذلك في رسالته التي بعثها لأهل البصرة يقول عليه السّلام:«فإن السنّة قد أميتت و البدعة قد أحييت».

لقد ثار عليه السّلام ليقضي على البدع الجاهلية التي تبناها الأمويون،و يحيي سنة جده التي أماتوها،فكانت نهضته الخالدة من أجل إماتة الجاهلية و نشر راية الإسلام.

16-العهد النبوي:

و استشف النبي صلّى اللّه عليه و اله من وراء الغيب ما يمنى به الإسلام من الأخطار الهائلة على أيدي الأمويين،و أنه لا يمكن بأي حال تجديد رسالته و تخليد مبادئه إلا بتضحية ولده الإمام الحسين عليه السّلام فإنه هو الذي يكون الدرع الواقي لصيانة الإسلام فعهد إليه بالتضحية و الفداء،و قد أدلى الحسين بذلك حينما عذله المشفقون عليه من الخروج إلى العراق فقال عليه السّلام لهم:

«أمرني رسول الله صلّى اللّه عليه و اله بأمر و أنا ماض إليه..».

و يقول المؤرخون:إن النبي صلّى اللّه عليه و اله كان قد نعى الحسين إلى المسلمين و أحاطهم علما بشهادته و ما يعانيه من أهوال المصائب،و كان-باستمرار-يتفجع عليه و يلعن قاتله،و كذلك أخبر الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بشهادته و ما يجري عليه،و قد ذكرنا في الحلقة الأولى من هذا الكتاب الأخبار المتواترة بذلك...و كان الإمام الحسين عليه السّلام على علم وثيق بما يجري عليه فقد سمع ذلك من جده و أبيه و قد أيقن

ص: 103

بالشهادة،و لم يكن له أي أمل في الحياة فمشى إلى الموت بعزم و تصميم امتثالا لأمر جده الذي عهد إليه بذلك.

17-العزة و الكرامة:

و من أوثق الأسباب التي ثار من أجلها أبو الأحرار هو العزة و الكرامة فقد أراد الأمويون إرغامه على الذل،و الخنوع،فأبى إلا أن يعيش عزيزا تحت ظلال السيوف و الرماح،و قد أعلن سلام الله عليه ذلك يوم الطف بقوله:

«ألا و إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة،و هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك و رسوله،و نفوس أبية،و أنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام..».

و قال عليه السّلام:

«لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين الا برما..».

لقد عانق الموت بثغر باسم في سبيل إبائه و عزته،و ضحّى بكل شي من أجل حريته و كرامته.

ص: 104

18-غدر الأمويين و فتكهم:

اشارة

و أيقن الإمام الحسين عليه السّلام أن الأمويين لا يتركونه،و لا تكف أيديهم عن الغدر و الفتك به حتى لو سالمهم و بايعهم،و ذلك لما يلي:

-1-إن الإمام كان ألمع شخصية في العالم الإسلامي،و قد عقد له المسلمون في دخائل نفوسهم خالص الود و الولاء لأنه حفيد نبيهم و سيد شباب أهل الجنة،و من الطبيعي أنه لا يروق للأمويين وجود شخصية تتمتع بنفوذ قوي،و مكانة مرموقة في جميع الأوساط فإنها تشكل خطرا على سلطانهم و ملكهم.

-2-إن الأمويين كانوا حاقدين على النبي صلّى اللّه عليه و اله لأنه و ترهم في واقعة بدر،و ألحق بهم الهزيمة و العار،و كان يزيد يترقب الفرص للإنتقام من أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و اله ليأخذ ثارات بدر منهم،و يقول الرواة إنه كان يقول:

لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل

و لما استوفى ثأره و روى أحقاده بإبادتهم أخذ يترنم و يقول:

قد قتلنا القرم من ساداتهم و عدلناه ببدر فاعتدل

-3-إن الأمويين قد عرفوا بالغدر و نقض العهود،فقد صالح الحسن معاوية، و سلّم إليه الخلافة و مع ذلك فقد غدر معاوية به فدس إليه سما فقتله،و أعطوا الأمان لمسلم بن عقيل فخانوا به..و قد ذكرنا في البحوث السابقة مجموعة من الشخصيات التي اغتالها معاوية خشية منهم.

و قد أعلن الإمام الحسين عليه السّلام أن بني أمية لا يتركونه يقول عليه السّلام لأخيه محمد بن

ص: 105

الحنفية:«لو دخلت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقتلوني» و قال عليه السّلام لجعفر بن سليمان الضبعي:

«و الله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة-يعني قلبه الشريف-من جوفي».

و اختار عليه السّلام أن يعلن عليهم الحرب و يموت ميتة كريمة تهز عروشهم و تقضي على جبروتهم و طغيانهم.

هذه بعض الأسباب التي حفّزت أبا الأحرار إلى الثورة على حكم يزيد.

رأي رخيص:

و وصف جماعة من المتعصبين لبني أمية خروج الإمام على يزيد بأنه كان من أجل الملك و الظفر بخيرات البلاد،و هذا الرأي ينم عن حقدهم على الإمام بما أحرزه من الإنتصارات الرائعة في نهضته المباركة التي لم يظفر بمثل معطياتها أي مصلح اجتماعي في الأرض،و قد يكون لبعضهم العذر لجهلهم بواقع النهضة الحسينية، و عدم الوقوف على أسبابها،لقد كان الإمام على يقين بإخفاق ثورته في الميادين العسكرية،لأن خصمه كان يدعمه جند مكثف أولو قوة و أولو بأس شديد،و هو لم تكن عنده أية قوة عسكرية ليحصل على الملك،و لو كان الملك غايته-كما يقولون- لعاد إلى الحجاز أو مكان آخر حينما بلغه مقتل سفيره مسلم بن عقيل،و انقلاب الكوفة عليه،و يعمل حينئذ من جديد على ضمان غايته،و نجاح مهمته،لقد كان الإمام على علم بأن الأوضاع السائدة كلها كانت في صالح بني أمية و ليس منها مما يدعمه أو يعود لصالحه،يقول ابن خلدون:«إن هزيمة الحسين كانت أمرا محتما لأن الحسين لم تكن له الشوكة التي تمكنه من هزيمة الأمويين لأن عصبية مضر في قريش،و عصبية قريش في عبد مناف و عصبية عبد مناف في بني أمية،فعرف

ص: 106

ذلك لهم قريش و سائر الناس لا ينكرونه».

لقد كانت ثورة الإمام من أجل غاية لا يفكر بها أولئك الذين فقدوا وعيهم، و اختيارهم فقد كان خروجه على حكم يزيد من أجل حماية المثل الإسلامية و القيم الكريمة من الأمويين الذين حملوا عليها معول الهدم..يقول بعض الكتاب المعاصرين:

«و يحق لنا أن نسأل ماذا كان هدف الحسين عليه السّلام،و ماذا كانت القضية التي يعمل من أجلها؟أما لو كان هدفه شخصيا يتمثل في رغبته في إسقاط يزيد ليتولى هو بنفسه الخلافة التي كان يطمح إليها،ما وجدنا فيه هذا الإصرار على التقدم نحو الكوفة رغم وضوح تفرق الناس من حوله،و استسلامهم لابن زياد،و حملهم السلاح في أعداد كثيرة لمواجهته و القضاء عليه.

إن أقصر الناس نظرا كان يدرك أن مصيره لن يختلف عما آل إليه فعله.و لو كان الحسين بهذه المكانة من قصر النظر لعاد إلى مكة ليعمل من جديد للوصول إلى منصب الخلافة..و لو كان هدفه في أول الأمر الوصول إلى منصب الخلافة ثم لما بلغه مصرع ابن عمه قرر مواصلة السفر للثأر من قاتليه-كما يزعم بعض الباحثين-استجابة لقضية أهله و أقاربه،لو كان هذا هدفه لأدرك أن جماعته التي خرجت معه للثأر و هي لا تزيد على التسعين رجالا و نساءا و أطفالا لن تصل إلى شي من ذلك من دون أن يقضى على أفرادها جميعا،و بغير أن يضحي هو بنفسه ضحية رخيصة في ميدان الثأر.و من ثم يكون من واجبه للثأر أن يرجع ليعيد تجميع صفوف أنصاره و أقربائه،و يتقدم في الجمع العظيم من الغاصبين و الموتورين.

فالقضية إذا ليست قضية ثأر و الهدف ليس هدفا شخصيا،و إنما الأمر أمر الأمة، و القضية كانت للحق،و الإقدام إقدام الفدائي الذي أراد أن يضرب المثل بنفسه في

ص: 107

البذل و التضحية،و لم يكن إصرار الحسين على التقدم نحو الكوفة بعد ما علم من تخاذل أهلها و نكوصهم عن الجهاد إلا ليجعل من استشهاده علما تلتف حوله القلة التي كانت لا تزال تؤمن بالمثل و تلتمس في القادة من ينير لها طريق الجد في الكفاح..و تحريكا لضمائر المتخاذلين القاعدين عن صيانة حقوقهم و رعاية مصالحهم».

و ألمّ هذا القول بالواقع المشرق الذي ناضل من أجله الإمام الحسين فهو لم يستهدف أي مصلحة ذاتية،و إنما استهدف مصلحة الأمة و صيانتها من الأمويين (1).0.

ص: 108


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:192/2-210.

أثر المفاهيم الخاطئة على المجتمعات

نماذج من التاريخ

قال السيد الخامني:هناك نموذجين يبيّنوا كيف أنّ المفاهيم الخاطئة بإمكانها تقسيم المجتمع إلى فئتين:

الأول في حرب صفين؛فبعدما تغلّب جيش أمير المؤمنين عليه السّلام على جيش معاوية،فإن معاوية و أتباعه رفعوا المصاحف على أسنّة الرماح،فوجدوها قد أحدثت خلافا بين جنود أمير المؤمنين عليه السّلام،حيث إن هذه الحركة تعني أنّ القرآن بيننا و بينكم،فانهار البعض قائلين لا طاقة لنا بمحاربة القرآن!في حين قال البعض الآخر بأنّ أساس قتال هؤلاء هو ضد القرآن،فرفعوا القرآن شكلا لكنهم يحاربون معناه و هو أمير المؤمنين عليه السّلام.

و في النهاية دبّ الخلاف بين صفوف جيش المسلمين فتفرّقوا و ضعفوا،و كانت هذه هي حيلة العدو.

و أما النموذج الثاني فهو أيضا من نفس هذه الحرب،فعندما ألزموا أمير المؤمنين عليه السّلام بقبول التحكيم،برزت طائفة من داخل معسكر المؤمنين-و كانت من جماعته-و رفعت شعار"لا حكم إلاّ لله".و واضح أنه لا حكم إلا لله كما ورد في القرآن الكريم،فماذا أرادوا أن يقولوا؟لقد أرادوا بهذا الشعار خلع أمير

ص: 109

المؤمنين عليه السّلام من الخلافة!و لكن أمير المؤمنين كشف النقاب عن خطتهم،و قال:إنّ الحكم و الحكومة لله،و لكنهم لم يعنوا ذلك،بل عنوا"لا إمرة الا لله"،أي أنه لا داعي لوجود أمير المؤمنين عليه السّلام،بل إن على الله أن يأتي متمثلا و مجسدا ليدبر شؤونكم! فهذا الشعار أخرج مجموعة من معسكر أمير المؤمنين عليه السّلام فالتحقت بتلك الفرقة الجاهلة الضالة السطحية و ربما المغرضة،و من هنا نشأت قضية الخوارج.

ص: 110

رأي الإسلام في العنف

اشارة

إن هذه الأحداث تقع الآن بيننا و للآسف؛فثمة شعارات ترفع،بعضها واضح وجيد،و لكن العدو يستغلها.و إنني سأتحدث عن مصطلحين راجيا بذلك ألاّ يستطيع ذو و القلوب المريضة التفريق بيننا و بين أبناء الأمة الإسلامية بعد اليوم أبدا.فأحدهما"العنف"و الثاني"الإصلاح".فما هو المقصود بالعنف؟

إنّ العنف هو القتل و الضرب و السجن و سوء الخلق و الحدّة،و هو أمر واضح و معنى بديهي.و هناك سؤال ما زال يثار حول ما إذا كان العنف أمرا جيدا أم سيئا، أو ما إذا كان هذا الشخص يقبل العنف و ذلك الآخر يرفضه،أو ما إذا كان الإسلام يقول به أو لا يقول به!فهل هذا الموضوع معقد هكذا و بالغ الأهمية،أو أنّ هناك نوايا أخرى خلف الستار؟!

إن للإسلام رأيا واضحا و صريحا حول العنف؛فالإسلام لم يجعل العنف أصلا من حيث المبدأ،و لكنه لم ينفه أيضا في الحالات التي يكون فيها قانونيا.

العنف القانوني

إن لدينا نوعين من العنف،أحدهما قانوني،أي أنّ القانون يستخدم العنف عند الضرورة فينص على حبس هذا الشخص إذا ارتكب هذه الجناية أو الجريمة.فهذا عنف،لكنه ليس سيئا،لأنه يحول دون الاعتداء على حقوق البشر و يقمع الخارجين

ص: 111

على القانون و يجازي المعتدي.فإذا لم يستخدم العنف ضد المعتدين لازدادت الجرائم في المجتمع،فهو ضروري في هذه الحالة.

العنف غير القانوني

و الثاني عنف غير قانوني،أي أن يعتدي أحد على حقوق الآخرين كما يهوى و بلا سبب و لا دليل و خلافا للقانون و الدستور،كأن يصفع شخصا،فهل هذا جيد أم سيّئ؟!واضح أنه سيّئ و بلا شك.

إن الإسلام يصف سلوك الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله و خلقه الشخصي،فيقول فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (1)كما يقول القرآن الكريم في موضع آخر مخاطبا النبي صلّى اللّه عليه و اله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ (2)فالجذر الثلاثي"غلظ"الذي ورد في الآية السابقة جاء في هذه الآية أيضا،سوى أن الآية الأولى تتحدث عن طبيعة التعامل مع المؤمنين و عن السلوك الفردي،و أما الثانية فتدور حول تطبيق القانون و إدارة المجتمع و استقرار الهدوء و النظام؛فالغلظة في الأولى أمر سيّئ،لكنها أمر جيد في الثانية، أي أنّ العنف سيّئ في الأولى و جيد في الثانية.

لقد دخل الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله مكة فاتحا،و التقى أولئك الذين آذوه و كذّبوه على مدى ثلاثة عشر عاما و جرّوا عليه كافة أنواع الويلات،و لكنه خاطبهم قائلا:

إذهبوا فأنتم الطلقاء..و لم ينتقم منهم.

ص: 112


1- سورة آل عمران:159.
2- سورة التوبة:73.

و في نفس الوقت فإنه صلّى اللّه عليه و اله ذكر جماعة بالإسم و قال اقتلوهم حيث ثقفتموهم! و كان من بينهم أربع نساء و أربعة رجال.فهاهنا كان يلزم العنف،و أما هنالك فالرفق و اللين.

إن الإسلام يوضح الآثام و الذنوب،فيقول لا تتجسسوا،و لا تتبعوا عورات الآخرين و خطاياهم،و لا تتهموهم ظلما و عدوانا.و لكن عند ما تثبت الجريمة فإنه يقول: وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ (1).

فالإسلام دين شامل و ليس أحادي الجانب؛فعند ما تقف الحكومة الإسلامية لمواجهة القوة و الإعتداء و الإضطرابات و الهجمات و الخروج عن القانون فلا بد لها من القوة و الصرامة و العنف دون خشية من هذه الكلمة.و بالعكس،أي عند ما تتعامل مع أفراد الشعب و الرعيّة،فعليها بالرفق و اللين عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (2)؛فلكل مقام مقال.

و عند ما توجه الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله إلى مكة في العام الثامن للهجرة في حجه الأخير-حجة الوداع-فإن أمير المؤمنين عليه السّلام كان على رأس بعثة في اليمن لتعليم أهله الدين و جمع أموال الزكاة،فكان من بينها عدد من البردات اليمنية،و هو نوع من الألبسة اليمنية الممتازة و المفضّلة يومذاك.و لم يكن لدى أمير المؤمنين عليه السّلام الوقت الكافي ليتحرك مع هذه القافلة،فوضع عليها أحد الأشخاص و أمره بالمجيء بهذا المتاع،و أسرع هو للالتحاق برسول الله صلّى اللّه عليه و اله ليكون معه في أداء مناسك الحج.

فلما وصلت القافلة إلى مكة ذهب أمير المؤمنين عليه السّلام ليستطلع أمرها،فاكتشف8.

ص: 113


1- سورة النور:2.
2- سورة التوبة:128.

عدم وجود تلك الألبسة اليمنية و أنهم قسموها فيما بينهم في غيابه،فارتدى كل واحد منهم بردة له!فقال ليس من الجائز تقسيمها قبل وصولها إلى رسول الله صلّى اللّه عليه و اله-و بتعبير آخر وصولها إلى الخزانة كما هو الحال في زماننا هذا-و إن هذا خلاف الشرع و الدين!فأمرهم بخلعها،و من لم يشأ تسليمها أخذها منه بالقوة.

و بالطبع فإن المرء سيشعر بالضيق إذا جرّد من شيء ما إلاّ إذا كان شديد الإيمان؛ فذهب بعضهم إلى رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و اشتكوا إليه أمير المؤمنين!فسألهم ماذا حدث،و لماذا هذه الشكوى؟

فأجابوا لقد جرّدنا أمير المؤمنين من تلك الملابس.فقال لهم رسول الله صلّى اللّه عليه و اله:لا تلوموا عليّا على ذلك«إنه خشن في ذات الله» (1).

فالعنف القانوني هو ذلك الحد الذي يشرّعه الإسلام.و هو أمر ضروري فضلا عن أنه جيد.

و أما العنف غير القانوني فهو جريمة فضلا عن أنه سيّئ،و ينبغي مواجهته، و هذا هو رأي الإسلام؛فلا نقاش فيه و لا جدال حتى يأتي البعض بدون معرفة بالأسس الإسلامية و علم بحقيقة الأمور و يملأوا صفحات بعض الصحف بعناوين بارزة و مثيرة و مبهرة و مضلّلة!

و بالتأكيد فإن الأعداء الذين يريدون إشعال الساحة بنار البحث و الجدال حول هذا الموضوع لهم أهداف أخرى.إنهم يعتبرون العنف أمرا كلّيا،و لا يفرّقون بين العنف القانوني و غير القانوني،و ليسوا على وفاق مع العنف القانوني؛و هم يقولون إذا أثار أحد الاضطرابات في شوارع طهران،و سلب الناس أمنهم و راحتهم،و بدّد أموالهم،و عرّض أبناءهم للخطر،فلا تصطدموا به لأن هذا عنف،بينما هم5.

ص: 114


1- شرح إحقاق الحق:442/15.

يمارسون أشد أنواع العنف و الوحشية في كافة أنحاء العالم!

إنّ الكيان الصهيوني-الذي تعتبر إذا عته من مروّجي معارضة العنف و التي ترفع باستمرار ذلك شعارا-يقصف جنوب لبنان كل يوم فيقتل النساء و الأطفال و الكبار و الصغار،و هكذا يفعل أيضا رفاقهم في كافة بقاع العالم و هم الذين يسيطرون على وسائل الإعلام العالمية!

إنني لا أنسى ألمي الشديد منذ عام و نصف لدى اغتيال الشهيد لاجوردي،ذلك الشهيد الرفيع المنزلة و السيد العزيز العظيم و الرجل صاحب الشخصية البارزة و الذي قدّم الكثير في مرحلة النضال السلبي و القمع،و هم لا يدرون كم عانى هذا الرجل و كيف عاش و كم تحمّل من آلام السجن و الإعتقال و كم قاسى من الشدائد، و كيف أنه تقبّل الكثير من المسؤوليات الصغيرة في ظاهرها و العظيمة و الشاقة في حقيقتها بعد انتصار الثورة ثم ختم جهاده بالشهادة.

و مع هذا فإن إحدى الصحف الألمانية تكتب في تلك الأيام و تقول:إن اغتيال لاجوردي ليس اغتيالا!أي أنهم حرّفوا أيضا معنى الإغتيال،فلماذا؟!لأن الذي قام به هم المتمردون في الداخل!و هكذا هي وسائل الإعلام العالمية حيث تسيطر الأمبراطورية الإستكبارية الخبرية على اتجاه الرأي العام العالمي و أفكاره.فكفاح الشعب الفلسطيني من أجل استرداد أراضيه المغتصبة يعتبر إرهابا،و نضال الشعب اللبناني لطرد المحتلين الصهاينة من أرضه يعدّ إرهابا،و أما دخول المجرمين الصهاينة إلى لبنان و قيامهم بعمليات الإختطاف و القتل و هدم القرى فليس إرهابا!إن هذا هو منطقهم،فيجب أن لا يخدعنا العدو بما يبثّه من دعايات،بل علينا أن نفكر و نستخدم عقولنا.

إن الاستقلال الفكري هو أسمى مظاهر استقلال الإنسان؛فانظروا ماذا يقول الإسلام،و تدبّروا المنطق السليم.هل العنف سيئ أم جيد؟و الجواب هو أنه ليس

ص: 115

سيئا و لا جيدا،و هو أيضا سيئ و جيد في نفس الوقت.فالعنف القانوني جيد و ضروري،و أما غير القانوني فهو سيئ و قبيح و إجرام.

إنهم يثيرون هذا الموضوع يوميا لكي يجعلوا الأجواء متوترة في البلاد،و هم دائما و بلا نهاية ينقلون كلاما عن هذا و كلاما عن ذاك و يحرّفون أقوال بعض الشخصيات البارزة ليقول أحد الشباب إنّ العنف جيد،بينما يقول الآخر كلا،بل قبيح،و يتهم الواحد الآخر بالعنف،فيتهمه الآخر أيضا بالعنف!فلماذا يفعلون كل هذا؟إن شبابنا ليسوا من أنصار العنف،و المؤمنون و المتدينون عندنا ليسوا من أنصار العنف.و لكن العنف سيستخدم عند ما يقتضي القانون ذلك.

إنّ القانون قانون و ليس أمرا خافيا.و عند ما أصدر الرسول صلّى اللّه عليه و اله أوامره بقتل أولئك النفر فإنه لم يقل ذلك في الخفاء،بل صرّح به و أعلنه على الملأ،و قال من رأى هند فليقتلها،و من رأى فلانا فليقتله.كما أن الإمام الخميني(رضوان الله عليه)قال أيضا من وجد سلمان رشدي فليقتله.

و الآن أيضا فإن القائد إذا رأى أن الأمر يقتضي ذلك فسيعلنه على رؤوس الأشهاد و لن يفعله في الباطن و لا في الخفاء! (1).6.

ص: 116


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:216.

بداية الإنحراف

ركائز بنية النظام النبوي

أشير أولا و كمقدّمة للموضوع إلى أنّ الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله أرسى أسس نظام كانت بنيته الأساسية تقوم على عدّة ركائز..تعتبر أربعة منها الثقل في ذلك البناء، و هي:الأول:المعرفة المتقنة الخالية من الغموض في شؤون الدين،و معرفة الأحكام،و المجتمع،و التكليف،و معرفة اللّه و الرسول،و معرفة الطبيعة.و هذه هي المعرفة التي انتهت إلى تراكم العلوم و بلغت بالمجتمع الإسلامي في القرن الرابع للهجرة ذروة المدنية و الحضارة العلمية.

فالرسول الكريم صلّى اللّه عليه و اله لم يترك أي إبهام و غموض.و لدينا في هذا الصدد آيات مدهشة من القرآن الكريم لا مجال هنا لذكرها.و حيثما كان هناك موضع غموض أو التباس،كانت تنزل آية تجلّيه.

الثاني:العدالة المطلقة التي لا محاباة فيها سواء في حقل القضاء،أم في حقل الإستحقاقات العامّة-لا ما يتعلق بحقه الشخصي إذ كان صلّى اللّه عليه و اله يعفو عن حقّه-أي العدل التام فيما يتعلق بعامة الناس و يجب تقسيمه بينهم بالعدل.و كذا العدالة في تطبيق حدود اللّه،و في توزيع المناصب و تفويض المسؤوليات،و تحمّل المسؤولية.

ص: 117

الفرق بين العدل و المساواة

و من البديهي أنّ العدالة غير المساواة.لا يلتبس الأمر عليكم،فقد يكون في المساواة ظلم أحيانا.

بينما العدالة تعني وضع كل شيء في نصابه،و إعطاء كل شخص حقّه.فقد كان العدل حينذاك عدلا مطلقا لا تشوبه شائبة.و لم يكن في عهد الرسول استثناء لأي شخص يجعله خارج إطار العدالة.

الثالث:العبودية الخالصة للّه و الخالية من أي شرك؛أي العبودية للّه في العمل الفردي..العبودية في الصلاة حيث يجب أن يكون فيها قصد التقرب إليه.و كذلك العبودية له في بناء المجتمع و في النظام الحكومي و في نظام الحياة،و العلاقات الاجتماعية بين الناس.و هذا موضوع يستلزم بحد ذاته شرحا مستفيضا.

الرابع:المحبّة الغامرة و العاطفة الفياضة.و هذه من السمات الأساسية للمجتمع الإسلامي..حبّ اللّه،و حبّه تعالى للناس قال سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (1)، وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ

ص: 118


1- سورة المائدة:54.

يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (1) ، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (2).1.

ص: 119


1- سورة البقرة:222.
2- سورة آل عمران:31.

الحب..حب الزوجة و حب الأولاد

من المستحب تقبيل الأولاد،و تستحب محبتهم،و يستحب حب الزوجة، و يستحب حبّ الأخوة المسلمين و التحبب إليهم،و الأعظم هو حب الرسول صلّى اللّه عليه و اله و أهل بيته عليهم السّلام قال تعالى: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (1).لقد رسم الرسول صلّى اللّه عليه و اله هذه الخطوط العريضة و أرسى ركائز المجتمع على أساسها،و وضع معالم الحكومة عشر سنوات على هذا المنوال.و من الواضح طبعا أن تربية الناس تأتي على نحو تدريجي و لا تتحقق جملة وحدة.

و قد بذل الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله قصارى جهده على امتداد هذه السنوات العشرة لترسيخ تلك الأسس،و العمل على مد تلك الجذور في أعماق الأرض.

إلا أن فترة العشر سنوات تعتبر قصيرة جدا إذا ما أريد بها تربية الناس على خلاف ما كانوا قد ترعرعوا عليه من سجايا و خصائص،فقد كان المجتمع الجاهلي في كل شؤونه على النقيض تماما من مضامين هذه الركائز الأربعة؛لأنه كان فارغا من أية معرفة و غارقا في حيرة الجهل و الضلال،و لم تكن لديه أية عبودية للّه،بل كان مجتمع تجبّر و طغيان،و كان مجتمعا بعيدا عن العدالة و مليئا بألوان الظلم

ص: 120


1- سورة الشورى:23.

و التمييز.

رسم أمير المؤمنين عليه السّلام في الخطبة الثانية من نهج البلاغة صورة فنية رائعة عمّا كان سائدا في العصر الجاهلي من ظلم و تمييز،جاء فيها:«في فتن داستهم بأخفافها و وطأتهم بأظلافها» (1).

كان المجتمع آنذاك مجردا من معاني المحبّة،كانوا يئدون بناتهم،و كانت كل قبيلة تثأر لقتيلها من أي رجل تجده من قبيلة القاتل،سواء كان مستحقا للقتل أم غير مستحق،و سواء كان مجرما أم بريئا،و سواء كان عالما بتلك القضية أم لا..

كان يسودهم الإضطهاد و القسوة و الغلظة و الفضاضة المطلقة.

من نشأ في تلك الحالة يمكن أن يصلح و يهذّب على مدى عشر سنوات-إن تحققت شروط ذلك-و يمكن إدخاله في الإسلام،و لكن لا يمكن غرس هذه القيم و المفاهيم في أعماق نفسه إلى الحد الذي يجعل لديه القدرة على إيجاد نفس هذا التأثير على الآخرين.

دخل الناس في الإسلام أفواجا أفواجا،و دخل في الإسلام أناس لم يعايشوا الرسول صلّى اللّه عليه و اله و لم يدركوا تلك السنوات العشرة مع النبي صلّى اللّه عليه و اله.

و هنا تتجلّى أهمية مسألة الوصية التي يعتقد بها الشيعة،و يكمن منشأ الوصية و النص الإلهي،من أجل ديمومة ذلك النهج التربوي؛و إلا فمن الواضح أنّها ليست من سنخ أنواع الوصايا الأخرى المتداولة في هذا العالم،فكل إنسان يوصي قبل وفاته لابنه،إلا أنّ القضية هناك تعني لزوم استمرارية نهج الرسول صلّى اللّه عليه و اله من بعده.

لا أريد الدخول في المباحث الكلامية بل أريد تناول التاريخ بشيء من التحليل6.

ص: 121


1- الإمامة و التبصرة:6.

و لتتناولوه أنتم أيضا بمزيد من التحليل.لهذا البحث-طبعا-صلة بالجميع و لا يختص بالشيعة وحدهم،فهو للشيعة و للسنّة و لجميع الفرق الإسلامية على حد سواء.و نظرا لما يتصف به من الأهمية،يجب أن يحظى إذن باهتمام من قبل الجميع.

ص: 122

المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول صلّى اللّه عليه و اله

و أما عن الوقائع التي جرت من بعد رحيل الرسول الأعظم،فما الذي حدا بالمجتمع الإسلامي خلال تلك الخمسين سنة للنكوص عن تلك الحالة إلى هذه؟ و هذا هو أصل القضية..و يجب أن يلاحظ متن التأريخ بشأنها.

من البديهي أنّ البناء الذي بناه الرسول ما كان لينهار بهذه السهولة.و لهذا نلاحظ أن من بعد رحيل الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله استمرت عامة الأمور-باستثناء قضية الوصية-على ما كانت عليه.

فكانت العدالة في وضع حسن،و الذكر في حالة حسنة،و العبادة على ما يرام.

و إذا نظر المرء إلى الهيكل العام للمجتمع الإسلامي في سنواته الأولى يجد الأمور كما كانت و لم يرجع شيء القهقرى.نعم كانت تقع بعض الحوادث بين الفينة و الأخرى إلا أنّ ظواهر الأمور كانت تعكس بقاء نفس الأسس و الركائز التي وضعها الرسول الكريم صلّى اللّه عليه و اله.

بيد أنّ ذلك الوضع لم يدم طويلا،فكلما كان الوقت يمضي كان المجتمع الإسلامي ينحدر تدريجيا صوب الضعف و الخواء (1).

ص: 123


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:227.

مواجهة الإمام الحسين في كربلاء مع عالم من الانحراف

إنّ الوقت الذي استغرقته واقعة كربلاء لم يتجاوز نهارا أو زاد عليه قليلا، و استشهد فيها عدة أشخاص-إثنان و سبعونا و أكثر أو أقل بقليل-و الحال أنّ من استشهد أو يستشهد كثير.فشموخ واقعة كربلاء-و هي أهل لهذا الشموخ و العظمة،بل هي أسمى و أعظم و قد نفذ أثرها و بركاتها في عمق الوجود البشري- لم يكن إلاّ لحقيقة و روح هذه الواقعة،فهي بكل القضية و جسمها لم يكن ذا حجم يذكر،فهناك أطفال قتلوا في كل بقعة من العالم،بينما قتل في كربلاء رضيع لستة اشهر.

الأعداء أبادوا الأهالي في بعض الأماكن و قتلوا مئات الأطفال.القضية ليست مطروحة هنا في بعدها المادي،بل تكمن أهميتها في روحها و معناها.

روح القضية هي أنّ الإمام الحسين عليه السّلام لم يكن يواجه في تلك الواقعة جيشا كبيرا جرّارا و لم تكن مواجهته مع الجمع الغفير-و إن زاد عدده مائة ضعف-بل إن مواجهة الإمام الحسين عليه السّلام مع عالم من الإنحراف و الظلمة،و هذا هو المهم.و هو في الوقت الذي كان يواجه فيه ذلك العالم من الظلمة و الظلم و الإنحراف،كان ذلك العالم يملك كل شيء،و لديه المال و الذهب و القوة و الكتّاب و الشعراء و المحدثون و الخطباء.

يا له من موقف رهيب،ترتعد له فرائص الإنسان،و لكن لم يرتعش للإمام

ص: 124

الحسين قلب و لا قدم.

و لم تساوره مشاعر الضعف و لم يتردد،و برز إلى الميدان وحيدا فريدا.

عظمة القضية تكمن في أنّ القيام كان للّه.

ص: 125

تشابه موقف النبي و الإمام الحسين عليهما السلام

يمكن تنظير موقف الإمام الحسين عليه السّلام و مقايسته مع موقف جده رسول اللّه محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و اله في بعثته؛فكما واجه النبي هناك عالما بأسره،وقف الإمام الحسين في كربلاء بمواجهة عالم بأسره.فالرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله لم يعتريه أي خوف،بل صمد و سار إلى الأمام،و كذلك الحال بالنسبة للإمام الحسين عليه السّلام الذي لم يرهبه شيء بل ثبت و سار قدما.

الحركة النبوية و الحركة الحسينية كدائرتين متحدتين في المركز متجهتين نحو مسار واحد.و هنا يظهر معنى«حسين مني و أنا من حسين».هذه عظمة موقف الإمام الحسين.

عند ما قال الإمام الحسين عليه السّلام ليلة العاشر من محرم:«إذهبوا فأنتم في حل مني و هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا و ليأخذ كل واحد منكم بيد واحد من أهل بيتي فالقوم يطلبوني...» (1).

لم يكن يمزح في قوله ذاك.نفترض لو أنهم وافقوه و انصرفوا و بقي وحده أو برفقة عشرة اشخاص،هل كان ذلك ينقص من عظمة عمله؟كلا،بل تبقى له هذه العظمة بعينها.

و لو كان بدل هؤلاء الإثنين و السبعين،اثنان و سبعون ألفا حول الحسين،هل

ص: 126


1- أبصار العين في أنصار الحسين عليه السّلام:164.

كان ذلك ينقص من عظمة موقفه؟أبدا إنّ عظمة موقف الحسين عليه السّلام تكمن في ثباته و اطمئنانه و هو يواجه دنيا تعترضه و تدّعي حقّه،فلم يتزلزل،و الحال أنّ موقفا كهذا،يضطرب فيه عامة الناس،و حتى المميزين المتفوقين منهم.

إن عبد اللّه بن عباس-و هو شخصية كبيرة مرموقة-و جميع أمراء قريش، كانوا في غاية الإستياء من ذلك الوضع.و هكذا كان حال عبد اللّه بن الزبير،و عبد اللّه بن عمر،و عبد الرحمن بن أبي بكر،و أبناء كبار الصحابة،و بعض الصحابة.كان في المدينة عدد كبير من الصحابة،و كانوا من ذوي المروءة-لا يتصوّرن أحد أنهم لم يكن لهم مروءة و غيرة-و هم أنفسهم الذين تصدوا لمسلم بن عقبة و قاتلوه في وقعة«الحرّة»حينما هجم على المدينة و ارتكب المذابح فيها بعد سنة من واقعة كربلاء.لا تتصوروا أنهم كانوا جبناء،بل كانوا فرسانا و شجعانا.

لكن شجاعة البروز إلى ساحة الحرب مسألة،و شجاعة مواجهة عالم برمّته مسألة أخرى.و الموقف الذي خاضه الحسين عليه السّلام هو الثاني،و كانت حركته لأجله.

و من هنا فإنّ حركة إمامنا الكبير كانت حركة حسينية؛لقد انطوى موقف إمامنا الكبير في عصرنا الحالي على نفحة من حركة الحسين عليه السّلام.قد يقول قائل أن الحسين قتل في صحراء كربلاء عطشانا،و إمامنا قد حكم و عاش بعز،و لما رحل شيّعته الجماهير.

لكنّ هذا ليس شاخص القضية و معلمها بل الأساس هو مواجهة غول عظيم- فارغ المحتوى-يرافقه كل شيء.

و قد ذكرت في ما مضى ما كان لدى أعداء الإمام الحسين من مال و قوة و فرسان و خطباء،و مبلّغين (1).9.

ص: 127


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:229.

الإنحراف في زمن أمير المؤمنين عليه السلام

النظام الإسلامي إنما يعتريه التزلزل حقّا متى ما نسي امتلاكه لنموذج و مثال عظيم كعلي بن أبي طالب عليه السّلام.فيجب أن يكون الحكم العلوي نصب أعيننا على الدوام و نتحرك باتجاهه و نصبو إليه و نعمل من أجله،فأحلام من قاسى الظلم على مر العصور إنما ستتحقق في ظل حكومة تدار بالسيرة العلوية ليس إلاّ.

ما الذي قاسته البشرية على امتداد قرون تاريخها الطويل و أية آلام عانتها؟لقد قاست البشرية من الإجحاف و التمييز و الغطرسة و هيمنة القوى الغاصبة و كذلك من القسوة و التقاتل.

و لقد عانت البشرية من الجهل،حيث أطبقت القوى الظالمة على مقدرات البشر، و ناءت على الدوام بالجهل و الظلم و التمييز،و منها نجمت أغلب أنواع الحرمان على مر التاريخ،نجمت عن تسلّط الظالمين و الغرباء و عن الطبيعة الهمجية و القسوة و إشعال الحروب،و بقيت البشرية تعاني الحرمان من حقوقها الأصلية و الطبيعية؛ و الحكومة العلوية تحقق للبشرية العدالة و الإستقرار و الإيمان بالمعنويات و الصفاء و الأخوة و السلام و الصداقة الحقيقية،لا كالذين يرددون اسم و شعار السلام عالميا لكنهم هم الذين يؤججون نيران الحروب و هم الذين يثيرون الفتن بين البشر.

إن النظام العلوي و الحكومة العلوية تجعل الناس-ببركة العدل-يعيشون الأمن و الاستقرار الحقيقيين،و لو منح أمير المؤمنين عليه السّلام الفرصة لبنى عالما زاهرا ماديا

ص: 128

و معنويا ملؤه العدل و الإستقرار و السلام الحقيقي لم يسبق للبشرية أن رأت مثله؛ و اليوم من المستعصي بلوغ تلكم الأماني إلاّ في ظل مثل هذه السيرة.و بناء على هذا فإن السيرة العلوية تعد درسا أبديا بالنسبة لنا،لا تتوقف على عام واحد.

و بطبيعة الحال فإن الأهداف الكبرى إنما يتيسر تحقيقها بما يناسبها من الزمن المديد و السعي و المجاهدة،و لا يمكن بلوغها بالخلود إلى الدعة و مجانا،بل لا بد من بذل الجهد و التخطيط.

هنالك اتجاهان فيما يتعلق بمكافحة الفساد:أحدهما إفراط و الآخر تفريط؛ فالبعض عند ما يجري الحديث عن مكافحة الفساد يتصور أنها ذريعة سياسية لقمع هذا أو ذاك،و هذا خطأ،فمكافحة الفساد هي مكافحة للفساد..فإذا ما حدد مكمن الفساد في أي من المجتمعات و جرى القضاء عليه توقف الفساد،و إلاّ فإنه يستفحل..

و الفارق بين النظام الإسلامي و النظام الصالح و بين الأنظمة الفاسدة الهزيلة بوجه استشراء الفساد،هو أن كبار المسؤولين في بلادنا من الغيارى على الشعب و من ذوي الصلاح،و إن الصلاح هو السائد على برامج البلاد و مسيرتها.

و من الطبيعي وجود من هو فاسد أيضا،غاية الأمر أنه يتوجب التصدي له،و هذا النوع من التصدي هو الذي يحدو بالبعض لأن يتصوروا أن مكافحة الفساد عبارة عن حركة سياسية،و هو تصور خاطئ،فهي ليست حركة سياسية،و إنما هي حركة حقيقية و أمر ضروري.فيما يقف آخرون في مقابل ذلك ديدنهم الإفراط؛فإذا ما جرى الحديث عن الفساد تصوروا أنّ الفساد عمّ الأرجاء!كلا،فليس الأمر كذلك، فما يحفّزنا هو وجود الفساد و لو في مفصل واحد أو زاوية واحدة و على أيدي أناس معدودين،و نحن نعلم بأنه لو لم تكافح هذه الظاهرة فإنها ستتجذر و تتعمق و بالتالي يستعصي القضاء عليها و استئصالها،و ذلك لا يعني استيلاء العناصر

ص: 129

الفاسدة و المفسدة على زمام الأمور في كافة الأماكن.كلا،فكثيرة هي العناصر الصالحة المؤمنة الغيورة تتولى عملية التنفيذ و إنجاز مهماتها على أفضل وجه، غاية الأمر أن مفسدا أو مخربا واحدا يشوه صورة الآخرين (1).2.

ص: 130


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:232.

أنواع النعم

ثمة نقطة في سورة الحمد.فحينما يدعو الإنسان ربّه: اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (1)يوضح بعدها معنى ذلك الصراط المستقيم في قوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ (2)فهو تعالى قد أنعم على كثير من الأقوام و الأمم؛فأنعم على بني اسرائيل: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيّايَ فَارْهَبُونِ (3)و النعمة الإلهية لا تختص بالأنبياء عليهم السّلام و الصالحين و الشهداء: وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (4)هؤلاء أيضا نالوا النعمة،و كذلك بنو إسرائيل نالوا النعمة.

و الذين ينعم عليهم فريقان:

فريق حينما ينال النعمة لا يتعرض لغضب اللّه،و لا يحقق دواعي الغضب الإلهي و لا يضل سبيل الهداية،و هؤلاء هم الذين ندعوا اللّه أن يهدينا سبيلهم.و عبارة غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ (5)تمثل في الحقيقة صفة اَلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ أي أنّ

ص: 131


1- سورة الفاتحة:5.
2- سورة الفاتحة:6.
3- سورة البقرة:40.
4- سورة النساء:69.
5- سورة الفاتحة:7.

صفة(الذين)هي(غير المغضوب عليهم).

أما الفريق الآخر فهم الذين حينما أنعم اللّه عليهم،بدّلوا النعمة و تمّردوا عليها، و لهذا حلّ عليهم غضبه.أو أنهم إئتموا بأولئك فضلّوا السبيل.

و تشير رواياتنا إلى أنّ المراد من اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ هم اليهود،و هذا البيان مصداق لتلك الحقيقة.لأن اليهود و حتى زمن النبي عيسى عليه السّلام،كانوا يحاربون النبي موسى و أوصياءه عن علم و قصد.

أمّا اَلضّالِّينَ فهم النصارى..إنهم ضلوا بادئ بدء أو ضل أكثرهم على أدنى الإحتمالات،حينما أنعم اللّه عليهم.

أمّا المسلمون فأنزل اللّه عليهم نعمته..إلاّ أنّ النعمة تبدّلت-نتيجة لما اقترفوه- صوب المغضوب عليهم و صوب الضالين.و لهذا ورد عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال:«لما قتل الحسين اشتد غضب اللّه على أهل الأرض» (1)و ذلك لأنه إمام معصوم.

و يفهم من هذا أنّ المجتمع الذي ينال النعمة الإلهية قد يسير في اتجاه يجلب عليه غضب اللّه.و لهذا يجب توقّي أقصى درجات الدقّة و الحذر في المسير،و هو أمر عسير طبعا و يستلزم الإنتباه و اليقظة.1.

ص: 132


1- مكيال المكارم:121/1.

نماذج الإنحرافات قبل عصر الحسين عليه السلام

أورد في ما يلي بعض الأمثلة.فالخواص و العوام أصبح لكل منهما وضعه الخاص به،فإذا ضلّ الخواص قد يدخلون في خانة «الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» ،أما العوام قد يصبحون في فئة «الضّالِّينَ» .و كتب التاريخ زاخرة طبعا بالمصاديق و الأمثلة.

و سأنقل لكم-من هنا فصاعدا-مما جاء في تاريخ ابن الأثير،و أجتنب النقل من أي مصدر شيعي،بل و لا أنقل حتى من مصادر التاريخ السنيّة التي يشكك السنّة في رواياتها،مثل ابن قتيبة الدينوري؛إذ جاء في كتابه«الإمامة و السياسة»أمور و قضايا تثير الحيرة.

حينما ينظر المرء إلى مضامين كتاب ابن الأثير الموسوم ب«الكامل في التاريخ» يشعر بوجود عصبية أموية و عثمانية فيه،و أحتمل أنه انتهج ذلك الأسلوب مداراة لبعض الإعتبارات،فقد نقل هذا المؤرخ عن أحداث مقتل عثمان،إنّ عثمان قتله أهل مصر و الكوفة و البصرة و المدينة و غيرهم.و بعد ما نقل نصوص و أخبار تاريخية مختلفة يقول:و قد تركنا كثيرا من الأسباب التي جعلها الناس ذريعة إلى قتل (عثمان)لعلل دعت إلى ذلك.

و عند نقله لقصة أبي ذر و كيف أن معاوية حمله إلى المدينة من الشام بغير وطاء،و نفّاه من المدينة إلى الربذة بصورة شنيعة،قال:و قد حصلت أمور لا يصح نقلها.و على هذا فإمّا أن يكون هذا المؤرخ قد انتهج أسلوبا من الرقابة الشخصية- حسب التعبير المعاصر-و إمّا أن يكون متعصبا.و هو على كل الأحوال لم يكن

ص: 133

شيعيا و لا يميل إلى التشيع،بل يحتمل أنه كان أموي و عثماني الهوى.و أؤكد ثانية على أنّ كل ما سأورده بعد الآن إنما أنقله عن ابن الأثير هذا.

أنقل في ما يلي أمثلة عن الخواص؛كيف كان الخواص على امتداد هذه السنوات الخمسين بحيث وصلت الأمور إلى هذا الحد؟و حينما أدقق النظر في أحداث و ظروف ذلك العصر ألاحظ أنّ هذه الركائز الأربعة:العبودية،و المعرفة،و العدالة، و المحبة..قد تزعزعت.و اضرب لكم بعض الأمثلة كما وردت في التاريخ عينا.

كان سعيد بن العاص من بني أمية و من أقارب عثمان.و قد تولّى بعد الوليد بن عقبة بن أبي معيط ليصلح ما كان قد أفسده الوليد.

قال ذات يوم رجل في مجلسه:«ما أجود طلحة!»و لا بدّ أنّ طلحة كان قد وهب أحدا مالا أو تكرّم على شخص.فقال سعيد:«إن من له مثل النشاستج لحقيق أن يكون جوادا»و كانت النشاستج ضيعة كبيرة قرب الكوفة يملكها صحابي الرسول صلّى اللّه عليه و اله،طلحة بن عبد اللّه الذي كان يعيش حينذاك في المدينة.ثم أردف قائلا:

«و اللّه لو أنّ لي مثله لأعاشكم اللّه به عيشا رغدا» (1).

قارنوا بين هذا الوضع و بين حالة الزهد في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الفترة الأولى من بعد رحيله و لاحظوا طبيعة الحياة التي كان يعيشها الأكابر و الأمراء و الصحابة في تلك السنوات و كيف كانوا ينظرون إلى الدنيا.لقد وصلت الأمور إلى هذا الحد من بعد مضي عشر سنوات أو خمس عشرة سنة فقط!

المثال الآخر هو أبو موسى الأشعري..والي البصرة-و هو الأشعري صاحب الموقف الشهير في قضية التحكيم-فقد صعد المنبر ذات يوم،حينما كان واليا على3.

ص: 134


1- تاريخ الطبري:361/3،و الكامل في التاريخ:138/3.

البصرة،كان الناس يستعدون لإحدى الغزوات،فنادى في الناس و حضّهم على الجهاد و ذكر شيئا في فضل الجهاد ماشيا،فترك نفر دوابهم و أجمعوا أن يخرجوا رجّالة طمعا في الثواب.«فحملوا على فرسهم»أي طردوها من أمام عيونهم لأنها تحرمهم من الثواب إلا أن جماعة آخرين من العقلاء فضلّوا التأمل و مشاهدة حقائق الأمور و قالوا لا نعجل في شيء حتى ننظر ما يصنع؛فإن أشبه قوله فعله، فعلنا كما يفعل.

جاء في نص عبارة ابن الأثير في هذا الصدد:«فلما خرج أخرج ثقله من قصره على أربعين بغلا» (1).

كانت تلك ممتلكاته الثمينة و كان مضطرا إلى اصطحابها حيثما حل و ارتحل و حتى في ميادين الجهاد.و سبب ذلك أنه لم تكن ثمة مصارف أو بنوك في ذلك العصر،أضف إلى أنّ الحكومات لا اعتبار لها،فقد يأتيه الأمر من الخليفة و هو في ساحة الجهاد بعزله من منصبه،و إذ حصل ذلك لا يمكنه الرجوع إلى البصرة و أخذ تلك الأموال،لذلك كان مضطرا لحملها معه.فحمل ممتلكاته الثمينة على أربعين بغلا و أخذها معه إلى ميدان الجهاد.

فلما خرج جاءه قوم و تعلّقوا بعنانه و قالوا:احملنا على بعض هذه الفضول و ارغب في المشي كما رغّبتنا،فضرب القوم بسوطه،فتركوا دابته فمضى.إلا أنهم طبعا لم يتحمّلوا ذلك منه بل ذهبوا إلى المدينة و شكوه إلى عثمان،فعزله.

إن أبا موسى الذي كان من صحابة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و من طبقة الخواص،كان على مثل هذا الحال!

المثال الثالث هو سعد بن أبي وقاص الذي عيّن واليا على الكوفة فروي أن سعدار.

ص: 135


1- تاريخ الطبري:320/3 ط.الأعلمي،و الكامل في التاريخ لإبن الأثير:99/3،ط.دار صادر.

اقترض مالا من بيت المال.لم يكن بيت المال بيد الوالي،لأنهم كانوا في ذلك العصر ينصبون الوالي للقيام بأمور الحكومة و إدارة شؤون الناس،و ينصبون شخصا غيره للشؤون المالية و هو مسؤول أمام الخليفة مباشرة.و حينما عين سعد بن أبي وقاص واليا على الكوفة،كان خازن بيت المال عبد اللّه بن مسعود و كان صحابيا جليلا.

بعد ما اقترض سعد من عبد اللّه بن مسعود من بيت المال مالا،تقاضاه ابن مسعود بعد مدّة،فلم يتيسّر له قضاؤه،فارتفع بينهما الكلام،و اشتد النزاع و كان هاشم بن عتبة ابن أبي وقّاص حاضرا-و هو من أصحاب أمير المؤمنين و كان رجلا شريفا-فقال:إنكما لصاحبا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الناس ينظرون إليكما،لا تتنازعا و حاولا حل القضية بينكما على نحو ما.

فخرج ابن مسعود-و كان رجلا أمينا-ثم استعان بأناس على استخراج المال من دار سعد بذلك،و هذا يعني أنّ المال كان موجودا.

و لما علم سعد إستعان-هو الآخر-بأناس آخرين على منع أولئك.و نتجت عن مماطلة ابن أبي وقّاص في رد الأموال منازعة شديدة.

فإذا كان سعد بن أبي وقاص و هو من أصحاب الشورى الستّة قد وصل به الأمر إلى هذا الحد بعد بضع سنوات بحيث وصف ابن الأثير تلك الحادثة بالقول:«فكان أول ما نزع به بين أهل الكوفة».فأول نزاع يقع بين أهل الكوفة-بتعبير ابن الأثير- سببه رجل من الخواص تغلّب عليه حب الدنيا إلى هذا الحد.

المثال الآخر هو أنّ المسلمين لما فتحوا بلاد أفريقية و قسموا الغنائم في الجيش،كان يجب عليهم إرسال خمس تلك الأموال إلى المدينة،و كان مقدارها هائلا.نقل ابن الأثير في موضع آخر أنّ هذا المبلغ حينما أرسل إلى المدينة اشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار.و كان هذا المبلغ ضخما جدا إضافة إلى أنّ

ص: 136

قيمة ذلك الخمس كانت أكبر من ذلك المبلغ بكثير.و كان هذا مما أخذ على الخليفة عثمان في ما بعد.

و كان عثمان يعتذر عن ذاك طبعا و يقول:إنه رحمي،و أنا أصل به رحمي لأنه يعيش في ضنك و أنا أريد مساعدته!و خلاصة القول هي أنّ الخواص كانوا يتهافتون على جمع الأموال.

و القضية الأخرى هي أنه عزل(عثمان)سعد بن أبي وقاص عن الكوفة و استعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط،و كان الأخير من أقارب الخليفة.و لما دخلها تعجّب أهلها من تولية هذا الشخص عليهم لأنه كان معروفا بالحماقة و الفساد، و فيه نزلت الآية الشريفة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (1)أي أنّ القرآن وصفه بالفسق،لأنه جاء بخبر عاد بالضرر على البعض في عهد الرسول صلّى اللّه عليه و اله.

أنظروا إلى المعايير و المقاييس و تبدّل أحوال الناس.فهذا الشخص الذي سمّاه القرآن الذي كان الناس يقرأونه يوميا-فاسقا أصبح واليا.و حتى إنّ سعد بن أبي وقاص نفسه،و عبد اللّه بن مسعود تعجّبا حين شاهداه قادما إلى الكوفة واليا،و قال له عبد اللّه بن مسعود لما وقع بصره عليه:«ما أدري أصلحت بعدنا أم فسد الناس؟» (2).

و كانت دهشة سعد بن أبي وقاص من بعد آخر،حيث قال له:«أكست (3)بعدنا أم حمقنا بعدك؟»فقال له الوليد:«لا تجزعنّ أبا اسحق،كل ذلك لم يكن إنما هو الملك4.

ص: 137


1- سورة الحجرات:6.
2- الغارات:251/1.
3- أكست:من الكيّس و هو العقل و الفطنة وجودة القريحة،انظر مجمع البحرين:101/4.

يتغدّاه قوم و يتعشّاه آخرون» (1).

فتألم سعد بن أبي وقاص من هذا الكلام؛فهو من صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،و قال له:«أراكم جعلتموها ملكا!».

و روي أنّ عمر سأل سلمان ذات مرّة:«أملك أنا أم خليفة؟».و كان سلمان شخصية كبيرة و محترمة و هو من الصحابة الكبار و لرأيه وزن كبير.فقال له سلمان:إنّ أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر و وضعته في غير حقّه فأنت ملك لا خليفة.لقد بيّن له المعيار.

قال ابن الأثير:فبكى عمر (2).فقد كانت موعظة عميقة المغزى حقّا.فالقضية قضية خلافة،و الولاية و الخلافة معناها الحكومة المقرونة بالمحبّة و بالتلاحم مع الجماهير،و يواكبها عطف و حنو على أبناء الشعب،و هي ليست تسلّط أو تحكّم،في حين لا تحمل الملكية مثل هذا المعنى و لا شأن لها بشؤون الناس؛فالملك حاكم متسلّط يفعل ما يشاء.

هكذا كان حال الخواص،و إلى هذا الحد انتهى بهم المآل خلال تلك السنوات.

و هذا ما حصل طبعا في عهد الخلفاء الراشدين الذين كانوا يولون أهمية للتمسك بالأحكام،بسبب معايشتهم فترة طويلة لعهد الرسول الأعظم الذي لا زال صداه صلّى اللّه عليه و اله يدوي في المدينة حتى ذلك الحين،و كان شخص كعلي بن أبي طالب عليه السّلام حاضرا في ذلك المجتمع.و لكن بعد انتقال مركز الخلافة إلى دمشق تجاوزت القضية تلك الحدود كثيرا.

كانت هذه أمثلة بسيطة لما كانت عليه أحوال الخواص.و لو نقّب شخص فير.

ص: 138


1- البحار:152/31،و شرح إحقاق الحق:110/30.
2- الكامل لإبن الأثير:59/3،ط.دار صادر.

تاريخ ابن الأثير أو المصادر التاريخية الأخرى المعتبرة لدى الأخوة المسلمين لعثر على آلاف-و ليس مئات-الأمثلة من هذا القبيل (1).لأنه من الطبيعي حينما تضيع العدالة،و حينما تزول عبودية اللّه،يصبح المجتمع مجتمعا خاويا و تفسد النفوس.

فذلك المجتمع حين يصل به التهافت على حطام الدنيا و اكتناز الثروة إلى ذلك الحد،و الشخص الذي ينقل فيه المعارف للناس هو كعب الأحبار اليهودي الذي أسلم لاحقا و لم يدرك عهد الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله؛فهو لم يدخل الإسلام في عهد الرسول و لا في عهد أبي بكر و إنّما في عهد عمر،و توفي في عهد عثمان..ما بالك بذلك المجتمع؟!

يقول البعض إن تسمية هذا الرجل بكعب الأخبار خطأ،و إنما هو«كعب الأحبار»،و الأحبار جمع حبر،و الحبر هو عالم اليهود.فهذا الرجل كان قطب علماء اليهود..وثب فدخل في الإسلام،ثم أخذ يتحدث في مسائل الإسلام.

و كان ذات يوم جالسا في مجلس عثمان إذ دخل أبو ذر،فقال قولا أغضب أبا ذر، فقال أبو ذر:ما لك ههنا؟أتعلّمنا الإسلام و أحكامه و نحن سمعناها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟

حينما تفتقد المعايير و تضيع المقاييس و تتقوّض القيم،و تفرغ القضايا من المحتوى..و تقتصر على الظواهر،و حينما يستولي حب الدنيا و جمع المال على أناس قضوا عمرا مديدا بالعزة و الزهد في زخارف الدنيا و قيّض لهم نشر تلك الراية عاليا،حينها يتصدى لشؤون الثقافة و المعرفة مثل ذلك الشخص الذي اعتنق الإسلام لاحقا و يطرح باسم الإسلام ما يراه هو شخصيا لا ما يقوله الإسلام،ثم يريد البعض تقديم قوله على قول مسلم له سابقة في الإيمان!م.

ص: 139


1- لقد ذكرنا تفصيل ذلك في موسوعة أهل البيت عليهم السلام.

هذا حال الخواص.

ثم إنّ العوام يتبعون الخواص و يسيرون وراءهم حيثما ساروا.و لهذا فإنّ من أكبر الجرائم التي ترتكبها الشخصيات البارزة المتميّزة في المجتمع هو انحرافها؛ لأن انحرافها ينتهي إلى انحراف الكثير من الناس الذين إذا رأوا القيم قد خرقت و أن الأعمال تناقض الأقوال و تناقض ما جاء في سنة الرسول،تجدهم يسيرون هم أيضا في هذا المسار أسوة بالخواص.

و أنقل لكم مثلا عن عامة الناس..كتب والي البصرة إلى الخليفة يذكر له كثرة أهل البصرة و عجز خراجهم عن المصارف،و سأله أن يزيد أهل البصرة خراج مدينتين.و لما بلغ أهل الكوفة ذلك سألوا واليهم عمار بن ياسر-الرجل النبيل الذي بقي صامدا كالطود الشامخ..و لا شك في أنه كان هناك أشخاص لم تهزّهم الهزاهز إلا أنّ عددهم كان قليلا-أن يكتب للخليفة يطلب منه أن يزيدهم خراج مدينتين.إلا أنه رفض تلبية طلبهم فأبغضوه لذلك و شكوه إلى الخليفة،فعزله عن الولاية.

و وقع مثل هذا لأبي ذر و لآخرين،و لعل عبد اللّه بن مسعود كان أحدهم.فحينما لا تراعى مثل هذه الجوانب يتجرد المجتمع حينها من القيم.و هنا تكمن واحدة من تلك العبر.

ص: 140

أهمية التقوى

إعلموا يا أعزائي أنّ المرء لا يقف على حقيقة مثل هذه التطورات الإجتماعية إلا بعد مرور وقت طويل.و هذا ما يوجب علينا الإنتباه و الحذر و المراقبة؛و هو معنى التقوى..فالتقوى معناها أنّ يتحرّز على نفسه من ليس له سلطان إلا على نفسه،و أن يتحرّز على نفسه و على غيره من له سلطان على غيره أيضا.أما الذين يقفون على رأس السلطة فيجب عليهم التحرز على أنفسهم و على المجتمع كلّه لكي لا ينزلق نحو التهافت على الدنيا و التعلق بزخارفها،و لا يسقط في هاوية حب الذات.

و هذا لا يعني طبعا الإنصراف عن بناء المجتمع،بل يجب بناء المجتمع و الاستكثار من الثروة،و لكن لا لأنفسهم،فهذا مستقبح.كل من لديه قدرة على زيادة ثروة المجتمع و القيام بإنجازات كبرى،يكسب ثوابا عظيما.لقد استطاع البعض خلال هذه السنوات بناء البلد و رفع راية الإعمار عاليا و إنجاز أعمال كبرى، و هذه مفخرة لهم،و لا يدخل عملهم هذا في إطار حب الدنيا.و إنما يصدق حب الدنيا فيما لو كان المرء يطلب النفع لذاته و يعمل لنفسه،أو يفكر في جمع الثروة لنفسه من بيت مال المسلمين أو من غيره.و هذا هو التصرف القبيح.

يجب إذن الحذر من الوقوع في مثل هذه المنزلقات،و إذا انعدم الحذر ينحدر المجتمع تدريجيا نحو التخلي عن القيم و يبلغ مرحلة لا تبقى له فيها سوى القشرة الخارجية،و قد يأتيه على حين غرّة و يفاجئه ابتلاء شديد-كالإبتلاء الذي تعرّض له ذلك المجتمع حين اندلاع ثورة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام-فلا يخرج منه ظافرا.

ص: 141

الإنحراف في عهد الحسين عليه السلام

عرضت على عمر بن سعد ولاية الري.و كانت الري في ذلك الوقت ولاية شاسعة و غنيّة.و لم يكن منصب الإمارة(على عهد بني أمية)كمنصب المحافظ في الوقت الحاضر؛فالمحافظون اليوم موظفون حكوميون يتقاضون مرتبات و يبذلون جهودا شاقّة.و لم يكن الأمر حينذاك على هذا النحو.الشخص الذي ينصب واليا كان مطلق اليد في التصرف بجميع الثروات الموجودة في تلك المدينة يتصرف فيها كيف يشاء بعد أن يرسل مقدارا منها إلى عاصمة الخلافة.و لهذا كان لمنصب الوالي أهمية عظمى.

ثم شرطوا تولّيه الري بمحاربة الحسين عليه السّلام.

من الطبيعي أنّ الإنسان النبيل و صاحب القيم لا يتردد لحظة في رفض مثل هذا العرض،ما قيمة الري و غير الري؛لو وضعت الدنيا بين يديه فلا يعبس بوجه الحسين عليه السّلام و لا يكفهر بوجه الحسين؛فما بالك بالنهوض لمحاربة عزيز الزهراء عليها السّلام و قتله هو و أطفاله.

هكذا يقف الإنسان الذي يحمل قيما.و لكن حينما يكون المجتمع خاويا و مجردا من القيم،و حينما تضعف هذه المبادئ الأساسية بين أفراد المجتمع،ترتعد الفرائص عند ذاك،و أكثر ما يستطيع المرء عمله في مثل هذا الموقف هو أنه يستمهلهم ليلة واحدة للتفكير في الأمر.و حتى لو أنه فكر سنة كاملة لوصل إلى نفس النتيجة و لا تخذ نفس القرار؛إذ لا قيمة لمثل هذا النمط من التفكير،إلا أنّ الرجل

ص: 142

فكر في الأمر ليلة و أعلن في اليوم التالي عن موافقته على ذلك العرض.لكن اللّه تعالى لم يمكّنه من بلوغ تلك الغاية.

و كانت نتيجة ذلك أن وقعت فاجعة كربلاء (1).3.

ص: 143


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:243.

مرحلة الإمام الحسين عليه السلام

لقد استشهد أمير المؤمنين عليه السّلام بسبب تلك الأوضاع.و من بعده جاء ابنه الحسن عليه السّلام الذي لم يتسنّ له الصمود بوجه تلك الحالة أكثر من ستة أشهر،إذ تخلّى عنه أنصاره و تركوه فريدا وحيدا؛فرأى أنه إذا سار لمحاربة معاوية بهذه الثلّة القليلة و استشهد فلن يطالب أحد حتى بثأره نتيجة لاستشراء الإنحطاط الأخلاقي في المجتمع الإسلامي،و بين هؤلاء الخواص!و إن دعاية معاوية و أمواله و حيله ستستحوذ على الجميع،و سيقول الناس بعد مضي سنة أو سنتين:إنّ الإمام الحسن عليه السّلام لم يحسن صنعا-أساسا-حين تحدّى معاوية،و معنى هذا أنّ دمه سيذهب هدرا،لذلك تحمّل جميع المصاعب و لم يلق بنفسه في ميدان الشهادة.

ص: 144

الفرق بين زمن الحسن و زمن الحسين عليهما السلام

اشارة

أنتم تعلمون أنّ الشهادة تكون أحيانا أسهل من البقاء على قيد الحياة.و هذا المعنى يدركه جيدا أهل الحكمة و الدقة و الآفاق المعنوية.أحيانا تصبح الحياة و العمل في أجواء معيّنة أصعب بكثير من القتل و الشهادة و لقاء اللّه،لكن الإمام الحسن عليه السّلام سلك هذا السبيل الأصعب.

في تلك الأوضاع كان الخواص في حالة انهيار و لم يكونوا على استعداد للقيام بأي تحرّك.و لهذا السبب حينما استلم يزيد السلطة ثار عليه الإمام الحسين عليه السّلام؛ لأن يزيد بما يتصف به من صفات سيئة كان من السهولة محاربته،و فيما لو قتل أحد في محاربته لا تذهب دماؤه هدرا.

كانت الأوضاع في عهده لا خيار فيها إلاّ خيار الثورة،على العكس من زمن الإمام الحسن عليه السّلام الذي فيه خياران خيار الشهادة و خيار الحياة،و كان البقاء على قيد الحياة أكثر ثوابا و جدوى و مشقة من القتل،و الإمام الحسن عليه السّلام اختار هذا المسلك الأوعر.و لكن الوضع لم يكن على هذه الصورة في عهد الإمام الحسين عليه السّلام و لم يكن هناك إلاّ خيار واحد!و البقاء على قيد الحياة الذي يعني عدم الثورة ما كان له آنذاك أي معنى،كان لا بد له من الثورة،سواء انتهى به الأمر إلى القبض على الحكم أم كان مصيره إلى الشهادة.كان عليه أن يرسم الطريق و يركز لواء الدلالة عليه،ليكون واضحا أنّ الأمور إذا بلغت هذا الحد لا بدّ و أن يكون التحرك في هذا

ص: 145

الاتجاه(الثورة) (1).

قال السيد محمد باقر القرشي:و تقلّد الإمام الحسن عليه السّلام أزمّة الخلافة الإسلامية بعد أبيه،فتسلم قيادة حكومة شكلية عصفت بها الفتن،و مزقت جيشها الحروب و الأحزاب و لم تعد هناك أية قاعدة شعبية تستند إليها الدولة،فقد كان الاتجاه العام الذي يمثله الوجوه و الأشراف مع معاوية،فقد كانوا على اتصال وثيق به قبل مقتل الإمام و بعده،كما كان لهم الدور الكبير في إفساد جيش الإمام حينما مني جيش معاوية بالهزيمة و الفرار،و على أي حال فإن الإمام الحسن بعد أن تقلّد الخلافة أخذ يتهيأ للحرب،و قد أمر بعقد اجتماع عام في جامع الكوفة و قد حضرته القوات المسلحة و غيرها،و ألقى الإمام خطابا رائعا و مؤثرا دعا فيه إلى تلاحم القوى و وحدة الصف،و حذّر فيه من الدعايات التي تبثها أجهزة الحكم الأموي،ثم ندب الناس لحرب معاوية فلما سمعوا ذلك وجلت قلوبهم و كمّت أفواههم،و لم يستجب منهم أحد سوى البطل الملهم عدي بن حاتم فانبرى يعلن دعمه الكامل للإمام، و وجه أعنف اللوم و التقريع لأهل الكوفة على موقفهم الإنهزامي و استبان للإمام و غيره أن جيشه لا يريد الحرب،فقد خلع يد الطاعة،و انساب في ميادين العصيان و التمرد.

و بعد جهود مكثفة قام بها بعض المخلصين للإمام نفر للحرب أخلاط من الناس -على حد تعبير الشيخ المفيد-كان أكثرهم من الخوارج و الشكاكين و ذوي الأطماع،و هذه العناصر لم تؤمن بقضية الإمام،و قد تطعمت بالخيانة و الغدر، و يقول الرواة أن الإمام أسند مقدمة قيادة جيشه لعبيد الله بن العباس الذي وتره معاوية بابنيه ليكون ذلك داعية إخلاص له و حينما التقى جيشه بجيش معاوية،مد2.

ص: 146


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:202.

إليه معاوية أسلاك مكره فمنّاه بمليون درهم يدفع نصفه في الوقت و النصف الآخر إذا التحق به و سال لعاب عبيد الله فاستجاب لدنيا معاوية و مال عن الحق فالتحق بمعسكر الظلم و الجور و معه ثمانية آلاف من الجيش غير حافل بالخيانة و العار، و لا بالأضرار الفظيعة التي ألحقها بجيش ابن عمه،فقد تفللت جميع وحداته و قواعده،و لم تقتصر الخيانة على عبيد الله،و إنما خان غيره من كبار قادة ذلك الجيش،فالتحقوا بمعاوية،و تركوا الإمام في أرباض ذلك الجيش المنهزم يصعد آهاته و آلامه.

و لم تقتصر محنة الإمام و بلاؤه في جيشه على خيانة قادة فرقه،و إنما تجاوز بلاؤه إلى ما هو أعظم من ذلك،فقد قامت فصائل من ذلك الجيش بأعمال رهيبة بالغة الخطورة و هي:

ص: 147

1-الإعتداء على الإمام:

و قام الرجس الخبيث الجراح بن سنان بالإعتداء على الإمام فطعنه في فخذه بمغول فهوى الإمام جريحا،و حمل إلى المواني لمعالجة جرحه و طعنه شخص آخر بخنجر في أثناء الصلاة كما رماه شخص بسهم في أثناء الصلاة إلا أنه لم يؤثر فيه شيئا و أيقن الإمام أن أهل الكوفة جادون في قتله و اغتياله.

-2-الحكم عليه بالكفر:

و أصيب ذلك الجيش بدينه و عقيدته فقد رموا حفيد نبيهم و ريحانته بالكفر و المروق من الدين،فقد جابهه الجراح بن سنان رافعا عقيرته قائلا:

«أشركت يا حسن كما أشرك أبوك...».

و كان هذا رأي جميع الخوارج الذين كانوا يمثّلون الأكثرية الساحقة في ذلك الجيش.

-3-الخيانة العظمى:

و الخيانة العظمى التي قام بها بعض زعماء ذلك الجيش أنهم راسلوا معاوية و ضمنوا له تسليم الإمام أسيرا أو اغتياله متى رغب و شاء،و أقض ذلك مضجع الإمام فخاف أن يؤسر و يسلّم إلى معاوية فيمن عليه،و يسجل بذلك يدا لبني أمية على الأسرة النبوية،كما كان عليه السّلام يتحدث بذلك بعد إبرام الصلح.

ص: 148

-4-نهب أمتعة الإمام:

و عمد أجلاف أهل الكوفة إلى نهب أمتعة الإمام و أجهزته فنزعوا بساطا كان جالسا عليه كما سلبوا منه رداءه.

هذه بعض الأحداث الرهيبة التي قام بها ذلك الجيش الذي تمرّس في الخيانة و الغدر.

ص: 149

الصلح:

و وقف الإمام الحسن من هذه الفتن السود موقف الحازم اليقظ الذي تمثّلت فيه الحكمة بجميع رحابها و مفاهيمها،فرأى أنه أمام أمرين:

-1-أن يفتح باب الحرب مع معاوية،و هو على يقين لا يخامره أدنى شك أن الغلبة ستكون لمعاوية،فإما أن يقتل هو و أصحابه و أهل بيته الذين يمثلون القيم الإسلامية،و يخسر الإسلام بتضحيتهم قادته و دعاته من دون أن تستفيد القضية الإسلامية أي شيء فإن معاوية بحسب قابلياته الدبلوماسية يحمل المسؤولية على الإمام،و يلقي على تضحيته ألف حجاب،أو أنه يؤسر فيمنّ عليه معاوية فتكون سبة على بني هاشم و فخرا لبني أمية.

-2-أن يصالح معاوية فيحفظ للإسلام رجاله و دعاته،و يبرز في صلحه واقع معاوية،و يكشف عنه ذلك الستار الصفيق الذي تستر به،و قد اختار عليه السّلام هذا الأمر على ما فيه من قذى في العين و شجى في الحلق،و يقول المؤرخون إنه جمع جيشه فعرض عليهم الحرب أو السلم فتعالت الأصوات من كل جانب و هم ينادون.

«البقية البقية»

لقد استجابوا للذل،و رضوا بالهوان،و مالوا عن الحق،و قد أيقن الإمام أنهم قد فقدوا الشعور و الإحساس،و أنه ليس بالمستطاع أن يحملهم على الطاعة و يكرههم على الحرب فاستجاب-على كره و مرارة-إلى الصلح.

ص: 150

لقد كان الصلح أمرا ضروريا يحتّمه الشرع،و يلزم به العقل،و تقضي به الظروف الإجتماعية الملبدة بالمشاكل السياسية فإن من المؤكد أنه لو فتح باب الحرب لمني جيشه بالهزيمة،و منيت الأمة من جراء ذلك بكارثة لا حد لأبعادها.

أما كيفية الصلح و شروطه و أسبابه و زيف الناقدين له فقد تحدثنا عنها بالتفصيل في كتابنا حياة الإمام الحسن عليه السّلام.

ص: 151

موقف الإمام الحسين عليه السلام

و الشي المحقق أن الإمام الحسين قد تجاوب فكريا مع أخيه في أمر الصلح،و أنه تم باتفاق بينهما فقد كانت الأوضاع الراهنة تقضي بضرورته،و أنه لا بد منه، و هناك بعض الروايات الموضوعة تعاكس ما ذكرناه،و أن الإمام الحسين كان كارها للصلح و قد همّ أن يعارضه فأنذره أخوه بأن يقذفه في بيت فيطينه عليه حتى يتم أمر الصلح،فرأى أن من الوفاء لأخيه أن يطيعه و لا يخالف له أمرا فأجابه إلى ذلك،و قد دللنا على افتعال ذلك و عدم صحته إطلاقا في كتابنا حياة الإمام الحسن.

عدي بن حاتم مع الحسين:

و لما أبرم أمر الصلح خف عدي بن حاتم و معه عبيدة بن عمر إلى الإمام الحسين و قلبه يلتهب نارا فدعا الإمام إلى إثارة الحرب قائلا:

«يا أبا عبد الله شريتم الذل بالعز،و قبلتم القليل و تركتم الكثير،أطعنا اليوم، و اعصنا الدهر،دع الحسن،و ما رأى من هذا الصلح،و اجمع إليك شيعتك من أهل الكوفة و غيرها و ولني و صاحبي هذه المقدمة،فلا يشعر ابن هند إلا و نحن نقارعه بالسيوف».

فقال الحسين عليه السّلام:«إنا قد بايعنا و عاهدنا و لا سبيل لنقض بيعتنا»و لو كان الحسين يرى مجالا للتغلب على الأحداث لخاض الحرب،و ناجز معاوية،و لكن قد سدّت عليه و على أخيه جميع النوافذ و السبل،فرأوا أنه لا طريق لهم إلا الصلح.

ص: 152

تحوّل الخلافة:

و تحوّلت الخلافة الإسلامية من طاقتها الأصيلة و مفاهيمها البناءة إلى ملك عضوض مستبد لا ظل فيه للعدل،و لا شبح فيه للحق قد تسلّطت الطغمة الحاكمة من بني أمية على الأمة و هي تمعن في إذلالها و نهب ثرواتها،و إرغامها على العبودية،يقول بعض الكتاب:«و نجم عن زوال الخلافة الراشدة و انتقال الخلافة إلى بني أمية نتائج كبيرة فقد انتصرت أسرة بني أمية على الأسرة الهاشمية،و هذا كان معناه انتصار الأرستقراطية القرشية،و أصحاب رؤوس المال و المضاربات التجارية على أصحاب المبادىء و المثل،لقد كان نصر معاوية هزيمة لكل الجهود التي بذلت للحد من طغيان الرأسمالية القرشية،هزيمة لحلف الفضول،و هزيمة للدوافع المباشرة لقيام الإسلام و حربه على الإستغلال و الظلم،هزيمة للمثل و المبادىء،و نجاح للحنكة و السياسة المدعومة بالتجربة و المال،و لقد كان لهذه الهزيمة وقع مفجع على الإسلام و أجيال المسلمين..».

و يقول(نيكلسون):

«و اعتبر المسلمون انتصار بني أمية و على رأسها معاوية انتصارا للأرستقراطية الوثنية التي ناصبت الرسول و أصحابه العداء،و التي جاهدها رسول الله صلّى اللّه عليه و اله حتى قضى عليها،و صبر معه المسلمون على جهادها و مقاومتها حتى نصرهم الله،و أقاموا على أنقاضها دعائم الإسلام ذلك الدين السمح الذي جعل الناس سواسية في السراء و الضراء،و أزال سيادة رهط كانوا يحتقرون

ص: 153

الفقراء،و يستذلون الضعفاء،و يبتزون الأموال...».

و على أي حال فقد فجع العالم الإسلامي-بعد الصلح-بكارثة كبرى فخرج من عالم الدعة و الأمن و الإستقرار إلى عالم مليء بالظلم و الجور فقد أسرع الأمويون بعد أن استتب لهم الأمر إلى الإستبداد بشؤون المسلمين،و إرغامهم على ما يكرهون.

و عانى الكوفيون من الظلم ما لم يعانه غيرهم،فقد أخذت السلطة تحاسبهم حسابا عسيرا على وقوفهم مع الإمام في أيام صفين،و عهدت في شؤونهم إلى الجلادين أمثال المغيرة بن شعبة و زياد بن أبيه فصبّوا عليهم وابلا من العذاب الأليم،و أخذ الكوفيون يندبون حظهم التعيس على ما اقترفوه من عظيم الإثم في خذلانهم للإمام أمير المؤمنين و ولده الحسن،و جعلوا يلحّون على الإمام الحسين بوفودهم و رسائلهم لينقذهم من ظلم الأمويين و جورهم إلا أن من المدهش حقا أنه لما استجاب لهم شهروا في وجهه السيوف،و قطعوا أوصاله و أوصال أبنائه على صعيد كربلا..و بهذا ينتهي بنا المطاف عن أفول دولة الحق (1).2.

ص: 154


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:85/2.

الفهرس

أسباب واقعة الطف

علل و أسباب نهضة عاشوراء 3

خطورة معاوية و يزيد على الإسلام 7

شهادة الحسين عليه السلام لم تكن هزيمة 9

سبب استشهاد الإمام الحسين عليه السلام 12

حال المسلمين قبل قيام الإمام الحسين عليه السلام 18

انقسام الأمة إلى قسمين 21

نتيجة مساعي الخليفة معاوية 25

امتناع الإمام الحسين عليه السلام من بيعة يزيد 26

دراسة علل ثورة الإمام الحسين عليه السلام 34

الدروس المستقاة من عاشوراء 34

العبر العاشورائية 36

ما حلّ بالمجتمع حتى يضطر الحسين للتضحية 39

مرض المجتمع الإسلامي الخطير 41

آفتان و مرضان للإنحراف 42

أثر التخلي عن القيم و الفضائل:حاكميّة يزيد 45

ص: 155

نظرة إلى دقائق التاريخ 47

الحسين عليه السلام و الارتداد 48

سبب واقعة كربلاء 49

سبب آخر لواقعة كربلاء 51

الماضي مثال للحاضر 53

ماذا حصل في كربلاء 54

ماذا حصل في مجتمع النبي حتى ذبحوا ابنه؟56

أثر الخواص و العوام 57

أقسام الخواص 59

خواص أنصار الحق 60

أقسام أنصار الحق 62

مرحلة أمير المؤمنين عليه السلام 67

تكليف الخواص 69

خواص أهل الكوفة و فعلهم 71

نموذج للعوام 73

مسلم ضحيّة العوام 74

تخاذل أنصار الحق 75

أثر كذبة شريح القاضي على التاريخ 76

أثر تخاذل شبث بن ربعي 77

أثر التحرك في وقته 77

أثر تخلي الخواص عن مسلم 78

أثر موقف الخواص في الوقت المناسب 78

ص: 156

نموذج تاريخي معاصر 79

نموذج تاريخي معاكس 79

أثر تقصير الخواص 80

النصر مشروط بالتضحية 81

عدم إنقياد الخواص للدنيا 82

نظرة في أسباب الثورة الحسينية 83

1-المسؤولية الدينية 83

-1-الإمام محمد عبده:84

-2-محمد عبد الباقي:84

-3-عبد الحفيظ أبو السعود:85

-4-الدكتور أحمد محمود صبحي:86

-5-العلايلي:86

2-المسؤولية الاجتماعية 88

3-إقامة الحجة عليه 88

4-حماية الإسلام 89

5-صيانة الخلافة 90

6-تحرير إرادة الأمة:91

7-تحرير اقتصاد الأمة:92

8-المظالم الاجتماعية:93

9-المظالم الهائلة على الشيعة:94

10-محو ذكر أهل البيت:95

11-تدمير القيم الإسلامية:96

ص: 157

أ-الوحدة الإسلامية 96

ب-المساواة:96

ج-الحرية:97

12-انهيار المجتمع 98

1-نقض العهود 98

2-عدم التحرج من الكذب 99

3-عرض الضمائر للبيع 99

4-الإقبال على اللهو 100

13-الدفاع عن حقوقه 100

1-الخلافة 100

2-الخمس 101

14-الأمر بالمعروف:102

15-إماتة البدع:103

16-العهد النبوي:103

17-العزة و الكرامة:104

18-غدر الأمويين و فتكهم:105

رأي رخيص:106

أثر المفاهيم الخاطئة على المجتمعات 109

نماذج من التاريخ 109

رأي الإسلام في العنف 111

العنف القانوني 111

العنف غير القانوني 112

ص: 158

بداية الإنحراف

ركائز بنية النظام النبوي 117

الفرق بين العدل و المساواة 118

الحب..حب الزوجة و حب الأولاد 120

المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول 9 123

مواجهة الإمام الحسين في كربلاء مع عالم من الانحراف 124

تشابه موقف النبي و الإمام الحسين عليهما السلام 126

الإنحراف في زمن أمير المؤمنين عليه السلام 128

أنواع النعم 131

نماذج الإنحرافات قبل عصر الحسين عليه السلام 133

أهمية التقوى 141

الإنحراف في عهد الحسين عليه السلام 142

مرحلة الإمام الحسن عليه السلام 144

الفرق بين زمن الحسن و زمن الحسين عليهما السلام 145

1-الإعتداء على الإمام:148

2-الحكم عليه بالكفر:148

3-الخيانة العظمى:148

4-نهب أمتعة الإمام:149

الصلح:150

موقف الإمام الحسين عليه السلام 152

ص: 159

عدي بن حاتم مع الحسين:152

تحوّل الخلافة:153

الفهرس 155

ص: 160

المجلد 9

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

[الجزء التاسع(أسباب و معطيات ثورة عاشوراء)]

بداية الإنحراف

حكومة معاوية

اشارة

و استقبل المسلمون حكومة معاوية-بعد الصلح-بكثير من الذعر و الفزع و الخوف،فقد عرفوا واقع معاوية،و وقفوا على اتجاهاته الفكرية و العقائدية فخافوه على دينهم،و على نفوسهم و أموالهم،و قد وقع ما خافوه فإنه لم يكد يستولي على رقاع الدولة الإسلامية حتى أشاع الظلم و الجور و الفساد في الأرض، و يقول المؤرخون إنه ساس المسلمين سياسة لم يألفوها من قبل،فكانت سياسته تحمل شارات الموت و الدمار،كما كانت تحمل معول الهدم على جميع القيم الأخلاقية و الإنسانية،و قد انتعشت في عهده الوثنية بجميع مساوئها التي نفر منها الناس،يقول السيد مير علي الهندي:

«و مع ارتقاء معاوية الخلافة في الشام عاد حكم التوليغارشية الوثنية السابقة فاحتل موقع ديمقراطية الإسلام و انتعشت الوثنية بكل ما يرافقها من خلاعات،و كأنها بعثت من جديد،كما وجدت الرذيلة و التبذل الخلقي لنفسها متسعا في كل مكان ارتادته رايات حكام الأمويين من قادة جند الشام...».

و الشىء المؤكد أن حكومة معاوية لم تستند إلى رضى الأمة أو مشورتها،و إنما فرضت عليها بقوة السلاح،و قد اعترف معاوية بذلك اعترافا رسميا بتصريح أدلى

ص: 3

به أمام جمهور غفير من الناس فقال:«و الله ما وليتها-أي الخلافة-بمحبة علمتها منكم و لا مسرة بولايتي،و لكن جالدتكم بسيفي هذا مجالدة،فإن لم تجدوني أقوم مجتمعكم كله فاقبلوا مني بعضه..».

و لما وقعت الأمة فريسة تحت أنيابه-بعد الصلح-خطب في(النخيلة)خطابا قاسيا أعلن فيه عن جبروته و طغيانه على الأمة و استهانته بحقوقها فقد جاء فيه:

«و الله إني ما قاتلتكم لتصلّوا و لا لتصوموا،و لا لتحجّوا و لا لتزكّوا،إنكم لتفعلون ذلك، و إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم،و قد أعطاني الله ذلك و أنتم له كارهون».

و مثّل هذا الخطاب الإتجاهات الشريرة التي يحملها معاوية فمن أجل الإمرة و السيطرة على العباد أراق دماء المسلمين،و أشاع في بيوتهم الثكل و الحزن و الحداد.

و لا بد لنا من دراسة موجزة للمخططات السياسية التي تبنتها حكومة معاوية، و ما رافقها من الأحداث الجسام فإنها-فيما نعتقد-من ألمع الأسباب في ثورة الإمام الحسين،فقد رأى ما مني به المسلمون في هذا العهد من الحرمان و الإضطهاد،و ما أصيبوا به من الإنحراف و التذبذب من جراء النقائص الإجتماعية التي أوجدها الحكم الأموي،فهبّ سلام الله عليه-بعد هلاك معاوية-إلى تفجير ثورته الكبرى التي أدت إلى إيقاظ الوعي الإجتماعي الذي اكتسح الحكم الأموي و أزال جميع معالمه و آثاره...و هذه بعض معالم سياسة معاوية.

سياسته الاقتصادية

و لم تكن لمعاوية أية سياسة اقتصادية في المال حسب المعنى المصطلح لهذه الكلمة،و إنما كان تصرفه في جباية الأموال و إنفاقها خاضعا لرغباته و أهوائه فهو

ص: 4

يهب الثراء العريض للقوى المؤيدة له و يحرم العطاء للمعارضين له،و يأخذ الأموال و يفرض الضرائب كل ذلك بغير حق.

إن من المقطوع به أنه لم يعد في حكومة معاوية أي ظل للإقتصاد الإسلامي الذي عالج القضايا الإقتصادية بأروع الوسائل و أعمقها،فقد عنى بزيادة الدخل الفردي،و مكافحة البطالة،و إذابة الفقر،و اعتبر مال الدولة ملكا للشعب يصرف على تطوير وسائل حياته،و ازدهار رخائه،و لكن معاوية قد أشاع الفقر و الحاجة عند الأكثرية الساحقة من الشعب،و أوجد الرأسمالية عند فئة قليلة راحت تتحكم في مصير الناس و شؤونهم.و هذه بعض الخطوط الرئيسية في سياسته الاقتصادية:

الحرمان الاقتصادي
اشارة

و أشاع معاوية الحرمان الإقتصادي في بعض الأقطار التي كانت تضم الجبهة المعارضة له فنشر فيها البؤس و الحاجة حتى لا تتمكن من القيام بأية معارضة له، و هذه بعض المناطق التي قابلها بالإضطهاد و الحرمان.

1-يثرب:

و سعى معاوية لإضعاف يثرب فلم ينفق على المدنيين أي شي من المال و جهد على فقرهم و حرمانهم لأنهم من معاقل المعارضة لحكمه،و فيهم كثير من الشخصيات الحاقدة على الأسرة الأموية و الطامعة في الحكم،و يقول المؤرخون أنه أجبرهم على بيع أملاكهم فاشتراها بأبخس الأثمان،و قد أرسل القيم على أملاكه لتحصيل وارداتها فمنعوه عنها،و قابلوا حاكمهم عثمان بن محمد،و قالوا

ص: 5

له:إن هذه الأموال لنا كلها،و إن معاوية آثر علينا في عطائنا،و لم يعطنا درهما فما فوقه حتى مضّنا الزمان و نالتنا المجاعة فاشتراها بجزء من مائة من ثمنها،فرد عليهم حاكم المدينة بأقسى القول و أمرّه.

و وفد على معاوية الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري فلم يأذن له تحقيرا و توهينا به فانصرف عنه،فوجّه له معاوية بستمائة درهم فردّها جابر و كتب إليه:

و إني لأختار القنوع على الغنى إذا اجتمعا و الماء بالبارد المحض

و أقضي على نفسي إذ الأمر نابني و في الناس من يقضى عليه و لا يقضي

و ألبس أثواب الحياء و قد أرى مكان الغنى إلا أهين له عرضي

و قال لرسول معاوية:«قل له و الله يابن آكلة الأكباد لا تجد في صحيفتك حسنة أنا سببها أبدا».

و انتشر الفقر في بيوت الأنصار،و خيّم عليهم البؤس حتى لم يتمكن الرجل منهم على شراء راحلة يستعين بها على شؤونه،و لما حج معاوية و اجتاز على يثرب استقبله الناس،و منهم الأنصار و كان أكثرهم مشاة فقال لهم:

«ما منعكم من تلقيّ كما يتلقاني الناس!!؟»

فقال له سعيد بن عبادة:

«منعنا من ذلك قلة الظهر،و خفة ذات اليد،و إلحاح الزمان علينا،و إيثارك بمعروفك غيرنا».

فقال له معاوية باستهزاء و سخرية.

«أين أنتم عن نواضح المدينة؟».

فسدد له سعيد سهما من منطقه الفياض قائلا:

«نحرناها يوم بدر،يوم قتلنا حنظلة بن أبي سفيان».

ص: 6

لقد قضت سياسة معاوية بنشر المجاعة في يثرب و حرمان أهلها من الصلة و العطاء،يقول عبد الله بن الزبير في رسالته إلى يزيد:«فلعمري ما تؤتينا مما في يدك من حقنا إلا القليل و إنك لتحبس عنا منه العريض...».

و قد أوعز معاوية إلى الحكومة المركزية في يثرب برفع أسعار المواد الغذائية فيها حتى تعم فيها المجاعة،و قد ألمع إلى ذلك يزيد في رسالته التي بعثها للمدنيين و وعدهم فيها بالإحسان إن خضعوا لسلطانه،و قد جاء فيها:

«و لهم علي عهد أن أجعل الحنطة كسعر الحنطة عندنا،و العطاء الذي يذكرون أنه احتبس عنهم في زمان معاوية فهو علي لهم وفرا كاملا».

«و قد جعل معاوية الولاة على الحجاز تارة مروان بن الحكم،و أخرى سعيد بن العاص و كان يعزل الأول و يولي الثاني،و قد جهدا في إذلال أهل المدينة و فقرهم.

2-العراق:

أما العراق فقد قابله معاوية بالمزيد من العقوبات الإقتصادية باعتباره المركز الرئيسي للمعارضة،و القطر الوحيد الساخط على حكومته،و كان و اليه المغيرة بن شعبة يحبس العطاء و الأرزاق عن أهل الكوفة،و قد سار حكام الأمويين من بعد معاوية على هذه السيرة في اضطهاد العراق و حرمان أهله،فإن عمر بن عبد العزيز أعدلهم لم يساو بين العراقيين و الشاميين في العطاء،فقد زاد في عطاء الشاميين عشرة دنانير و لم يزد في عطاء أهل العراق.

لقد عانى العراق في عهد الحكم الأموي أشد ألوان الضيق مما جعل العراقيين يقومون بثورات متصلة ضد حكمهم.

ص: 7

3-مصر:

و نالت مصر المزيد من الإضطهاد الإقتصادي فقد كتب معاوية إلى عامله:«أن زد على كل امرىء من القبط قيراطا»فأنكر عليه عامله و كتب إليه:«كيف أزيد عليهم و في عهدهم أن لا يزاد عليهم».

و شمل الضيق الإقتصادي سائر الأقطار الإسلامية ليشغلها عن معارضة حكمه.

الرفاه على الشام

و بينما كانت البلاد الإسلامية تعاني الجهد و الحرمان نجد الشام في رخاء شامل و أسعار موادها الغذائية منخفضة جدا،لأنها أخلصت للبيت الأموي،و عملت على تدعيم حكمه،فكان الرفاه يعد فيها شائعا،أما ما يؤيد ذلك فهي رسالة يزيد التي ذكرناها قبل قليل..و قد حملوا أهل الشام على رقاب الناس كما ألمح إلى ذلك مالك بن هبيرة في حديثه مع الحصين بن نمير.

يقول له:«هلمّ فلنبايع لهذا الغلام-أي خالد بن يزيد-الذي نحن ولدنا أباه و هو ابن اختنا،فقد عرفت منزلتنا من أبيه فإنه كان يحملنا على رقاب العرب..».

استخدام المال في تدعيم ملكه:

و استخدم معاوية الخزينة المركزية لتدعيم ملكه و سلطانه،و اتخذ المال سلاحا يمكنه من قيادة الأمة و رئاسة الدولة،يقول السيد مير علي الهندي:«و كانت

ص: 8

الثروات التي جمعها معاوية من عمالته على الشام يبذّرها هو و بطانته على جنوده المرتزقة الذين ساعدوه بدورهم على إخفات كل همسة ضدهم..».

و كانت هذه السياسة غريبة على المسلمين لم يفكر فيها أحد من الخلفاء السابقين،و قد سار عليها من جاء بعده من خلفاء الأمويين فاتخذوا المال وسيلة لدعم سلطانهم،يقول الدكتور محمد مصطفى:«و كان من عناصر سياسة الأمويين استخدام المال سلاحا للإرهاب،و أداة للتقريب فحرموا منه فئة من الناس، و أغدقوه أضعافا مضاعفة لطائفة أخرى ثمنا لضمائرهم،و ضمانا لصمتهم..».

و جعل شكري فيصل المال أحد العاملين الأساسيين اللذين خضع لهما المجتمع الإسلامي خضوعا عجيبا،و كان من جملة الأسباب في فتن السياسة،و سيطرة الطبقة الحاكمة من قريش،كما أنه أحد الأسباب في وقوع الخلاف ما بين العرب و العجم بل و ما بين العرب أنفسهم.

المنح الهائلة لأسرته

و منح معاوية الأموال الهائلة لأسرته فوهبهم الثراء العريض و ذلك لتقوية مركزهم،و بسط نفوذهم على العالم الإسلامي،في حين أشاع البؤس و الحرمان عند أغلب فئات الشعب.

منح خراج مصر لعمرو

و وهب معاوية خراج مصر لابن العاص،و جعله طعمة له ما دام حيا،و ذلك لتعاونه معه على مناجزة الإمام أمير المؤمنين رائد الحق و العدالة في الأرض،و قد

ص: 9

ألمحنا إلى تفصيل ذلك في البحوث السابقة.

هبات الأموال للمؤيدين

و أغدق معاوية الأموال الهائلة على المؤيدين له و المنحرفين عن الإمام أمير المؤمنين و قد أسرف في ذلك إلى حد بعيد،و يقول الرواة:أن يزيد بن منبه قدم عليه من البصرة يشكو له دينا قد لزمه،فقال معاوية لخازن بيت المال:أعطه ثلاثين ألفا، و لما ولّى قال:و ليوم الجمل ثلاثين ألفا أخرى.لقد وهب له هذه الأموال الضخمة جزاءا لمواقفه و مواقف أخيه الذي أمدّ المتمردين في حرب الجمل بالأموال التي نهبها من بيت مال المسلمين،و قد حفل التأريخ ببوادر كثيرة من هبات معاوية للقوى المنحرفة عن الإمام،و المؤيدة له.

شراء الأديان

و فتح معاوية بابا جديدا في سياسته الإقتصادية و هي شراء الأديان و خيانة الذمم،فقد وفد عليه جماعة من أشراف العرب فأعطى كل واحد منهم مائة ألف و أعطى الحتات عم الفرزدق سبعين ألفا،فلما علم الحتات بذلك رجع مغضبا إلى معاوية فقال له:

«فضحتني في بني تميم،أما حسبي فصحيح،أو لست ذا سن؟ألست مطاعا في عشيرتي؟».

«بلى..».

«فما بالك خست بي دون القوم و أعطيت من كان عليك أكثر ممن كان لك!!».

فقال معاوية بلا حياء و لا خجل:

ص: 10

«إني اشتريت من القوم دينهم،و وكلتك إلى دينك».

«أنا أشتري مني ديني».

فأمر له بإتمام الجائزة.

لقد خسرت هذه الصفقة التي كشفت عن مسخ الضمائر و تحوّلها إلى سلعة تباع و تشرى.

عجز الخزينة المركزية

و منيت الخزينة المركزية بعجز مالي خطير نتيجة الإسراف في الهبات لشراء الذمم و الأديان و لم تتمكن الدولة من تسديد رواتب الموظفين مما اضطر معاوية إلى أن يكتب لابن العاص راجيا منه أن يسعفه بشي من خراج مصر الذي جعله طعمة له فقد جاء في رسالته:«أما بعد:فإن سؤال أهل الحجاز،و زوّار أهل العراق قد كثروا علي،و ليس عندي فضل من أعطيات الجنود فأعنّي بخراج مصر هذه السنة..»و لم يستجب له ابن العاص و راح ينكر عليه،و يذكره بأياديه التي أسداها عليه و قد أجابه بهذه الأبيات:

معاوي إن تدركك نفس شحيحة و ما ورّثتني مصر أمي و لا أبي

و ما نلتها عفوا و لكن شرطتها و قد دارت الحرب العوان على قطب

و لولا دفاعي الأشعري و صحبه لألفيتها ترغو كراغية السغب

و لما قرأ معاوية الأبيات تأثر منه،و لم يعاوده بشي من أمر مصر.

مصادرة أموال المواطنين

و اضطر معاوية بعد إسرافه و تبذيره إلى مصادرة أموال المواطنين ليسد

ص: 11

العجز المالي الذي منيت به خزينة الدولة،و قد صادر مواريث الحتات عم الفرزدق فأنكر عليه الفرزدق و قال يهجوه:

أبوك و عمي يا معاوي أورثا

تراثا فيختار التراث أقاربه

فما بال ميراث الحتات أخذته

و ميراث صخر جامد لك ذائبه

فلو كان هذا الأمر في جاهلية

علمت من المرء القليل حلائبه

و لو كان في دين سوى ذا شنئتم

لنا حقنا أو غص بالماء شاربه

ألست أعز الناس قوما و أسرة

و أمنعهم جارا إذا ضيم جانبه

و ما ولدت بعد النبي و آله

كمثلي حصان في الرجال يقاربه

و بيتي إلى جنب الثريا فناؤه

و من دونه البدر المضىء كواكبه

أنا ابن الجبال الشم في عدد الحصى

و عرق الثرى عرقي فمن ذا يحاسبه

و كم من أب لي يا معاوي لم يزل

أغر يباري الريح ازورّ جانبه

نمته فروع المالكين و لم يكن

أبوك الذي من عبد شمس يقاربه

ص: 12

و معنى هذه الأبيات أن الأموال التي خلفها صخر جد معاوية قد انتقلت إلى وراثة في حين أن ميراث عم الفرزدق قد صادره معاوية،و لو كان ذلك في الجاهلية لكان معاوية أقصر باعا من أن تمتد يده إليه،فإن الفرزدق ينتمي إلى أسرة هي من أعز الأسر العربية و أمنعها.

ضريبة النيروز

و فرض معاوية على المسلمين ضريبة النيروز ليسد بها نفقاته،و قد بالغ في إرهاق الناس و اضطهادهم على أدائها،و قد بلغت فيما يقول المؤرخون عشرة ملايين درهم و هي من الضرائب التي لم يألفها المسلمون،و قد اتخذها الخلفاء من بعده سنّة فأرغموا المسلمين على أدائها.

نهب الولاة و العمال

و أصبحت الولاية في عهد معاوية مصدرا من مصادر النهب و السرقة، و مصدرا للثراء و جمع الأموال،يقول أنس بن أبي أناس لحارثة الغداني صاحب زياد بن أبيه حينما ولي على(سرق)و هي إحدى كور الأهواز:

أحار بن بدر قد وليت إمارة فكن جرذا فيها تخون و تسرق

و باه تميما بالغنى أن للغنى لسانا به المرء الهيوبة ينطق

و لا تحقرن يا حار شيئا أصبته فحظك من ملك العراقين سرق

و يصف عقبة بن هبيرة الأسدي ظلم الولاة و استصفائهم أموال الرعية بقوله:

معاوي إننا بشر فاسجح فلسنا بالجبال و لا الحديد

ص: 13

أكلتم أرضنا فجرّدتموها فهل من قائم أو من حصيد

ففينا أمة ذهبت ضياعا يزيد أميرها و أبو يزيد

أنطمع في الخلافة إذ هلكنا و ليس لنا و لا لك من خلود

ذروا خول الخلافة و استقيموا و تأمير الأراذل و العبيد

و أعطونا السوية لا تزركم جنود مردفات بالجنود

و قد عانى المسلمون ضروبا شاقة و عسيرة من جور الولاة و ظلم الجباة،فقد تمرسوا بالسلب و النهب،و لم يتركوا عند أحد من الناس فضلا من المال إلا صادروه.

جباية الخراج

أما جباية الخراج فكانت خاضعة لرغبات الجباة و أهوائهم،و قد سأل صاحب أخنا عمرو بن العاص عن مقدار ما عليه من الجزية فنهره ابن العاص و قال له:

«لو أعطيتني من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك إنما أنتم خزانة لنا إن كثر علينا كثرنا عليكم،و ان خفف عنا خففنا عنكم..».

و هدمت هذه الإجراءات الظالمة جميع قواعد العدل و المساواة التي جاء بها الإسلام.

اصطفاء الذهب و الفضة

و أوعز معاوية إلى زياد بن أبيه أن يصطفي له الذهب و الفضة فقام زياد مع عماله بإجبار المواطنين على مصادرة ما عندهم من ذلك و إرساله إلى دمشق و قد ضيّق بذلك على الناس،و ترك الفقر آخذا بخناقهم.

ص: 14

شل الحركة الإقتصادية

و شلّت الحركة الإقتصادية في جميع أنحاء البلاد فخربت الزراعة و التجارة، و أصيب الإقتصاد العام بنكسة شاملة نتيجة تبذير معاوية و إسرافه،و قد أعلن ذلك عبد الله بن همام السلولي فقد كتب شعرا في رقاع و ألقاها في المسجد الجامع يشكو فيها الجور الهائل و المظالم الفظيعة التي صبّها معاوية و عماله على الناس و هذه هي الأبيات:

ألا أبلغ معاوية بن صخر فقد خرب السواد فلا سوادا

أرى العمال اقساء علينا بعاجل نفعهم ظلموا العبادا

فهل لك أن تدارك بالدنيا و تدفع عن رعيتك الفسادا

و تعزل تابعا أبدا هواه يخرب من بلادته البلادا

إذا ما قلت اقصر عن هواه تمادى في ضلالته و زادا

و قد صوّر السلولي بهذه الأبيات سوء الحالة الإقتصادية و تسلّط الولاة على ظلم الرعية و دعا السلطة إلى عزلهم و إقصائهم عن وظائفهم فقد جهدوا في خراب السواد و امتصوا الدماء،و اتّبعوا الهوى،و ضلّوا عن الطريق القويم.

حجة معاوية

و يرى معاوية أن أموال الأمة و خزينتها المركزية ملك له يتصرف فيها حيث ما شاء يقول:«الأرض لله،و أنا خليفة الله،فما أخذ من مال الله فهو لي،و ما تركته جائزا إلي..».

ص: 15

و هذا المنطق بعيد عن روح الإسلام،و بعيد عن اتجاهاته فقد قنن أسسه الاقتصادية على أساس أن المال مال الشعب،و أن الدولة ملزمة بتنميته و تطويره، و ليس لرئيس الدولة و غيره أن يتلاعب باقتصاد الأمة و ينفقه على رغباته و أهوائه فإن ذلك يؤدي إلى إذاعة الحاجة و نشر البطالة و يعرّض البلاد للأزمات الإقتصادية...لقد اعتبر الإسلام الفقر كارثة اجتماعية و وباءا شاملا يجب مكافحته بكل الطرق و الوسائل،و ليس لرئيس الدولة أن يصطفي من مال الأمة أي شيء،هذا هو رأي الإسلام،و لكن معاوية-بصورة لا تقبل الجدل-لم يع ذلك،فتصرّف بأموال المسلمين حسب رغباته و أهوائه.

هذه بعض معالم سياسة معاوية الإقتصادية التي فقدت روح التوازن و أشاعت البؤس و الحرمان في البلاد.

سياسة التفريق

و بنى معاوية سياسته على تفريق كلمة المسلمين و تشتيت شملهم،و بث روح التفرقة و البغضاء بينهم،إيمانا منه بأن الحكم لا يمكن أن يستقر له إلا في تفلل وحدة الأمة و إشاعة العداء بين أبنائها،يقول العقاد:«و كانت له-أي لمعاوية-حيلته التي كررها و أتقنها و برع فيها،و استخدمها مع خصومه في الدولة من المسلمين و غير المسلمين،و كان قوام تلك الحيلة العمل الدائب على التفرقة و التخذيل بين خصومه بإلقاء الشبهات بينهم،و إثارة الإحن فيهم،و منهم من كانوا من أهل بيته و ذوي قرباه..كان لا يطيق أن يرى رجلين ذوي خطر على وفاق،و كان التنافس الفطري بين ذوي الأخطار مما يعينه على الإيقاع بهم».

لقد شتت كلمة المسلمين،و فصم عرى الأخوة الإسلامية التي عقد أواصرها

ص: 16

الرسول الكريم،و بنى عليها مجتمعه.

اضطهاد الموالي

و بالغ معاوية في اضطهاد الموالي و إذلالهم،و قد رام أن يبيدهم إبادة شاملة يقول المؤرخون:إنه دعا الأحنف بن قيس و سمرة بن جندب و قال لهما:«إني رأيت هذه الحمراء قد كثرت،و أراها قد قطعت على السلف،و كأني أنظر إلى وثبة منهم على العرب و السلطان،فقد رأيت أن أقتل شطرا منهم،و أدع شطرا لإقامة السوق و عمارة الطريق».

و لم يرتض الأحنف و سمرة هذا الإجراء الخطير فأخذا يلطفان به حتى عدل عن رأيه.

لقد سنّ معاوية اضطهاد الموالي،و أخذت الحكومات التي تلت من بعده تشيع فيهم الجور و الحرمان بالرغم من اشتراكهم في الميادين العسكرية و غيرها من أعمال الدولة،يقول شاعر الموالي شاكيا مما ألمّ بهم من الظلم:

أبلغ أمية عني إن عرضت لها و ابن الزبير و أبلغ ذلك العربا

أن الموالي أضحت و هي عاتبة على الخليفة تشكو الجوع و الحربا

و انبرى أحد الخراسانيين إلى عمر بن عبد العزيز يطالبه بالعدل فيهم قائلا له:

«يا أمير المؤمنين عشرون ألفا من الموالي يغزون بلا عطاء،و لا رزق،و مثلهم قد أسلموا من أهل الذمة يؤدون الخراج».و كان الشعبي قاضي عمر بن عبد العزيز قد بغض المسجد حتى صار أبغض إليه من كناسة داره-حسب ما يقول-لأن الموالي كانت تصلّي فيه و قد اضطر الموالي إلى تأسيس مسجد خاص لهم أسموه(مسجد الموالي)كانوا يقيمون الصلاة فيه و يميل خودا بخش إلى الظن أنهم إنما اضطروا

ص: 17

إلى تأدية صلاتهم فيه بعد ما رأوا تعصب العرب ضدهم،و أنهم لم يكونوا يسمحون لهم بالعبادة معهم في مسجد واحد و كان الموالي يلطفون بالرد على العرب و يدعونهم إلى الهدى قائلين:«إننا لا ننكر تباين الناس،و لا تفاضلهم،و لا السيد منهم و المسود،و الشريف و المشروف،و لكننا نزعم أن تفاضل الناس فيما بينهم هو ليس بآبائهم،و لا بأحسابهم و لكنه بأفعالهم و أخلاقهم،و شرف أنفسهم، و بعد همهم،فمن كان دني الهمة،ساقط المروؤة لم يشرف و إن كان من بني هاشم في ذؤابتها!!إنما الكريم من كرمت أفعاله،و الشريف من شرفت همته..».

و لم يع الأمويون و من سار في ركابهم هذا المنطق المشتق من واقع الإسلام و هديه الذي أمر ببسط المساواة و العدل بين جميع الناس من دون فرق بين قومياتهم.

و على أي حال فقد أدّت هذه السياسة العنصرية إلى إشاعة الأحقاد بين المسلمين و اختلاف كلمتهم،كما أدّت إلى تجنيد الموالي لكل حركة ثورية تقوم ضد الحكم الأموي و كانوا بالأخيرهم القوة الفعالة التي أطاحت بالأمويين و طوت معالمهم و آثارهم.

العصبية القبلية

و تبعا لسياسة التحزب و التفريق التي سار عليها الأمويون فقد أحيوا العصبيات القبلية،و قد ظهرت في الشعر العربي صور مريعة و مؤلمة من ألوان ذلك الصراع الذي كانت تخلقه السلطة الأموية لإشغال الناس بالصراع القبلي عن التدخل في الشؤون السياسية،و إبعادهم عما يقننه معاوية من الظلم و الجور،و يقول المؤرخون:إنه عمد إلى إثارة الأحقاد القديمة ما بين الأوس و الخزرج محاولا بذلك التقليل من أهميتهم،و إسقاط مكانتهم أمام العالم العربي و الإسلامي...كما تعصب

ص: 18

لليمنيين على المضريين،و أشعل نار الفتنة فيما بينهم حتى لا تتحد لهم كلمة تضر بمصالح دولته.

و سار عمال معاوية على وفق منهج سياسته التخريبية فكان زياد بن أبيه يضرب القبائل بعضها ببعض و يؤجج نار الفتنة فيما بينها حتى تكون تحت مناطق نفوذه يقول و لها وزن:«و عرف زياد كيف يخضع القبائل بأن يضرب إحداها بالأخرى،و كيف يجعلها تعمل من أجله،و أفلح في ذلك..».

و حفلت مصادر التأريخ ببوادر كثيرة من ألوان التناحر القبلي الذي أثاره معاوية و عماله مما أدى إلى انتشار الضغائن بين المسلمين،و قد عانى الإسلام من جراء ذلك أشد ألوان المحن فقد أوقف كل نشاط مثمر له،و خولف ما كان يدعو له النبي صلّى اللّه عليه و آله من التآخي و التعاطف بين المسلمين.

سياسة البطش و الجبروت

و ساس معاوية الأمة سياسة بطش و جبروت فاستهان بمقدراتها و كرامتها، و قد أعلن-بعد الصلح-أنه إنما قاتل المسلمين و سفك دماءهم ليتأمر عليهم،و أن جميع ما أعطاه للإمام الحسن عليه السّلام من شروط فهي تحت قدميه لا يفي بشىء منها، و قد أدلى بتصريح عبّر فيه عن كبريائه و جبروته فقال:«نحن الزمان من رفعناه ارتفع،و من وضعناه اتضع..».

و سار عماله و ولاته على هذه الخطة الغادرة فقد خطب عتبة بن أبي سفيان بمصر فقال:

«يا حاملي ألأم أنوف ركبت بين أعين،إني قلّمت أظفاري عنكم ليلين مسيئكم و سألتكم إصلاحكم إذا كان فسادكم باقيا عليكم فأما إذا أبيتم إلا الطعن على السلطان و النقص للسلف،فو الله لأقطعن بطون السياط على ظهوركم،فإن حسمت

ص: 19

أداوئكم و إلا فإن السيف من ورائكم،فكم حكمة منا لم تعها قلوبكم،و من موعظة منا صمّت عنها آذانكم،و لست أبخل بالعقوبة إذا جدتم بالمعصية..».

و خاطب المصريين في خطاب آخر له فقال:

«يا أهل مصر إياكم أن تكونوا للسيف حصيدا فإن لله ذبيحا لعثمان لا تصيروا إلى وحشة الباطل بعد أنس الحق بإحياء الفتنة،و إماتة السنن فأطأكم و الله وطأة لا رمق معها حتى تنكروا ما كنتم تعرفون».

و مثلت هذه القطع من خطابه مدى أحقاده على الأمة و تنكره لجميع قيمها و أهدافها و من أولئك الولاة الذين كفروا بالحق و العدل،خالد القسري،فقد خطب في مكة،و هو يهدد المجتمع بالدمار و الفناء،فقد جاء في خطابه:

أيها الناس عليكم بالطاعة،و لزوم الجماعة،و إياكم و الشبهات فإني-و الله-ما أوتي لي بأحد يطعن على إمامه إلا صلبته في الحرم...

و كانت هذه الظاهرة ماثلة عند جميع حكام الأمويين و ولاتهم يقول الوليد بن يزيد:

فدع عنك إدكارك آل سعدى فنحن الأكثرون حصى و مالا

و نحن المالكون الناس قسرا نسومهم المذلة و النكالا

و نوردهم حياض الخسف ذلا و ما نألوهم إلا خبالا

و صوّرت هذه الأبيات مدى استهانته بالأمة،فإنه مع بقية الحكام من أسرته،قد ملكوا الناس بالغلبة و القوة،و أنهم يسومونهم الذل،و يوردونهم حياض الخسف...

و من أولئك الملوك عبد الملك بن مروان فقد خطب في يثرب أمام أبناء المهاجرين و الأنصار فقال:

«الا و إني لا أداوي أمر هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم قناتكم،و إنكم تحفظون أعمال المهاجرين الأولين،و لا تعملون مثل عملهم،و إنكم تأمروننا

ص: 20

بتقوى الله،و تنسون أنفسكم و الله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا-إلا ضربت عنقه..».

و حفل هذا الخطاب بالطغيان الفاجر على الأمة،فهو لا يرى حلا لأزماتها إلا بسفك الدماء و إشاعة الجور و الإرهاب،أما بسط العدل و نشر الدعة و الرفاهية بين الناس فلم يفكر به و لا دار بخلده و لا في خلد واحد من حكام الأمويين.

احتقار الفقراء

و تبنّى الحكم الأموي في جميع أدواره اضطهاد الفقراء و احتقار الضعفاء، و يقول المؤرخون أن بني أمية كانوا لا يسمحون للفقراء بالدخول إلى دوائرهم الرسمية إلا في آخر الناس يقول زياد بن أبيه لعجلان حاجبه:

-كيف تأذن للناس؟

-على البيوتات،ثم على الأسنان،ثم على الأدب.

-من تؤخر؟

-الذين لا يعبأ الله بهم.

-من هم؟

-الذين يلبسون كسوة الشتاء في الصيف،و كسوة الصيف في الشتاء.

و هدمت هذه السياسة قواعد العدل و المساواة التي جاء بها الإسلام فإنه لم يفرّق بين المسلمين و جعلهم سواسية كأسنان المشط.

سياسة الخداع

و أقام معاوية دولته على المخاتلة و الخداع فلا ظل للواقع في أي تحرك من

ص: 21

تحركاته السياسية،فما كان مثل ذلك الضمير المتحجر أن يعي الواقع أو يفقه الحق،و قد حفل التأريخ بصور كثيرة من خداعه،و هذه بعضها:

-1-لما دس معاوية السم إلى الزعيم الكبير مالك الأشتر أقبل على أهل الشام فقال لهم:

«إن عليا وجّه الأشتر إلى مصر فادعوا الله أن يكفيكموه..».

فكان أهل الشام يدعون عليه في كل صلاة،و لما أخبر بموته أنبأ أهل الشام بأن موته نتج عن دعائهم لأنهم حزب الله،ثم همس في أذن ابن العاص قائلا له:«إن لله جنودا من عسل».

-2-و من خداع معاوية و أضاليله أن جرير البجلي لما أوفده الإمام إلى معاوية يدعوه إلى بيعته،طلب معاوية حضور شرحبيل الكندي،و هو من أبرز الشخصيات في الشام و قد عهد إلى جماعة من أصحابه أن ينفرد كل واحد منهم به، و يلقي في روعه أن عليا هو الذي قتل عثمان بن عفان،و لما قدم عليه شرحبيل أخبره معاوية بوفادة جرير،و أنه يدعوه إلى بيعة الإمام،و قد حبس نفسه في البيعة حتى يأخذ رأيه لأن الإمام قد قتل عثمان،و طلب منه شرحبيل أن يمهله لينظر في الأمر،فلما خرج إلتقى به القوم كل على حدة،و أخبروه أن الإمام هو المسؤول عن إراقة دم عثمان فلم يشك الرجل في صدقهم فانبرى إلى معاوية و هو يقول له:

«يا معاوية أين الناس؟ألا أن عليا قتل عثمان،و الله إن بايعت لنخرجنك من شامنا و لنقتلنك..».

فقال معاوية مخادعا له:

«ما كنت لأخالف عليكم ما أنا إلا رجل من أهل الشام..».

بمثل هذا الخداع و البهتان أقام دعائم سلطانه،و بنى عليه عرش دولته.

-3-و من ألوان خداعه لأهل الشام أنه لما راسل الزعيم قيس بن سعد يستميله

ص: 22

و يمنّيه بسلطان العراقين و بسلطان الحجاز لمن أحب من أهل بيته إن صار معه فرد عليه قيس بأعنف القول فأظهر معاوية لأهل الشام أنه قد بايع،و أمرهم بالدعاء له و اختلق كتابا نسبه إليه و قد قرأه عليهم و هذا نصه:

«أما بعد:إن قتل عثمان كان حدثا في الإسلام عظيما،و قد نظرت لنفسي و ديني فلم أر بوسعي مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلما محرما برا تقيا فنستغفر الله لذنوبنا ألا و إني قد ألقيت لكم بالسلام،و أحببت قتال قتلة إمام الهدى المظلوم، فاطلب مني ما أحببت مني من الأموال و الرجال أعجله إليك..».

و بهذه الأساليب المنكرة خدع أهل الشام وزج بهم لحرب وصي رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و باب مدينة علمه.

-4-لقد كان الخداع من ذاتيات معاوية،و من العناصر المقومة لسياسته،و قد بهر ولده يزيد حينما بويع و كان الناس يمدحونه فقال لأبيه:

«يا أمير المؤمنين ما ندري أنخدع الناس أم يخدعوننا؟؟».

فأجابه معاوية:

«كل من أردت خديعته فتخادع له حتى تبلغ منه حاجتك فقد خدعته».

لقد جر معاوية ذيله على الخداع و غذّى به أهل مملكته حتى نشأ جيل كانت هذه الظاهرة من أبرز ما عرف منه.

إشاعة الإنتهازية:

و عملت حكومة معاوية على إشاعة الانتهازية و الوصولية بين الناس،و لم يعد ماثلا عند الكثيرين منهم ما جاء به الإسلام من إيثار الحق و نكران الذات،و من مظاهر ذلك التذبذب ما رواه المؤرخون أن يزيد بن شجرة الرهاوي قد وفد على معاوية،و بينما هو مقبل على سماع حديثه إذ أصابه حجر عاثر فأدماه فأظهر تصنعا عدم الاعتناء به فقال له معاوية:

ص: 23

«لله أنت ما نزل بك!!؟».

«ما ذاك يا أمير المؤمنين؟».

«هذا دم وجهك يسيل...».

«إن حديث أمير المؤمنين ألهاني حتى غمز فكري فما شعرت بشيء حتى نبّهني أمير المؤمنين..».

فبهر معاوية و راح يقول:

«لقد ظلمك من جعلك في ألف من العطاء،و أخرجك من عطاء أبناء المهاجرين، و كماة أهل صفين.»و أمر له بخمسمائة ألف درهم،و زاد في عطائه ألف درهم...

و كانت هذه الظاهرة سائدة في جميع أدوار الحكم الأموي فقد ذكر المؤرخون أن إسماعيل بن يسار كان زبيري الهوى فلما ظفر آل مروان بآل الزبير انقلب إسماعيل عن رأيه و أصبح مروانيا،و قد استأذن على الوليد فأخّره ساعة فلما أذن له دخل و هو يبكي فسأله الوليد عن سبب بكائه فقال:«أخّرتني و أنت تعلم مروانيتي،و مروانية أبي..».

و أخذ الوليد يعتذر منه،و هو لا يزداد إلا إغراقا في البكاء،فهوّن عليه الوليد و أحسن صلته،فلما خرج تبعه شخص ممن يعرفه فسأله عن مروانيته التي ادعاها متى كانت؟فقال له:

«بغضنا لآل مروان،و هي التي حملت أباه يسار في حال موته أن يتقرب إلى الله بلعن مروان بن الحكم،و هي التي دعت أمه أن تلعن آل مروان مكان ما تتقرب به إلى الله من التسبيح..».

و نقل المؤرخون بوادر كثيرة من ألوان هذا الخداع الذي ساد في تلك العصور و هو من دون شك من مخلفات سياسة معاوية الذي ربّى جيله على التذبذب و الإنحراف عن الحق.

ص: 24

الخلاعة و المجون

و عرف معاوية بالخلاعة و المجون،يقول ابن أبي الحديد:«كان معاوية أيام عثمان شديد التهتك موسوما بكل قبيح،و كان في أيام عمر يستر نفسه قليلا خوفا منه إلا أنه كان يلبس الحرير و الديباج و يشرب في آنية الذهب و الفضة،و يركب البغلات ذوات السروج المحلات بها-أي بالذهب-و عليها جلال الديباج و الوشي، و كان حينئذ شابا و عنده نزق الصبا،و أثر الشبيبة و سكر السلطان و الإمرة،و نقل الناس عنه في كتب السيرة أنه كان يشرب الخمر في أيام عثمان في الشام.

و لا خلاف في أنه سمع الغناء،و طرب عليه،و وصل عليه أيضا.و تأثر به ولده يزيد فكان مدمنا خليعا مستهترا،و تأثر بهذا السلوك جميع خلفاء بني أمية،يقول الجاحظ:«و كان يزيد-يعني بن معاوية-لا يمسي إلا سكرانا،و لا يصبح إلا مخمورا،و كان عبد الملك بن مروان يسكر في كل شهر مرة حتى لا يعقل في السماء هو أو في الماء..و كان الوليد بن عبد الملك يشرب يوما،و يدع يوما،و كان سليمان بن عبد الملك يشرب في كل ثلاث ليال ليلة،و كان هشام يشرب في كل جمعة،و كان يزيد بن الوليد،و الوليد بن يزيد يدمنان اللهو و الشراب،فأما يزيد بن الوليد فكان دهره بين حالتي سكر و خمار،و لا يوجد أبدا إلا و معه إحدى هاتين، و كان مروان بن محمد يشرب ليلة الثلاثاء و ليلة السبت...

و ولّى هشام بن عبد الملك الوليد على الحج سنة(119 ه)فحمل معه كلابا في صناديق فسقط منها صندوق و فيه كلب..و حمل معه قبة عملها على قدر الكعبة ليضعها عليها،و حمل معه خمرا،و أراد أن ينصب القبة على الكعبة و يجلس فيها فخوفه أصحابه،و قالوا له:لا نأمن الناس عليك و علينا فترك و وفد علي بن عباس على الوليد بن يزيد في خلافته،و قد أتي بابن شراعة من الكوفة،فبادره قائلا:

ص: 25

«و الله ما بعثت إليك لأسألك عن كتاب الله و سنّة رسوله..»فضحك ابن شراعة و قال:

-إنك لو سألتني عنهما لوجدتني حمارا.

-أنا أرسلت إليك لأسألك عن القهوة-أي الخمر-أخبرني عن الشراب؟

-يسأل أمير المؤمنين عما بداله.

-ما تقول في الماء؟

-لا بد منه و الحمار شريكي فيه.

-و أخذ يسأله عن المشروبات حتى انتهى إلى الخمر فقال له:

-ما تقول في الخمر؟

أواه تلك صديق روحي.

-أنت و الله صديق روحي.

و أرسل الوليد إلى عامله على الكوفة يطلب منه أن يبعث إليه الخلعاء و الشعراء الماجنين ليستمع إلى ما يلهو به من الفسق و المجون،و قد سخّر جميع أجهزة دولته للذاته و شهواته،و كتب إلى و اليه على خراسان أن يبعث إليه ببرابط و طنابير، و قال أحد شعراء عصره ساخرا منه:

أبشر يا أمين الله أبشر بتباشير

بإبل يحمل المال عليها كالأنابير

بغال تحمل الخمر حقائبها طنابير

فهذا لك في الدنيا و في الجنة تحبير

و سادت اللذة و اللهو في المجتمع العربي،و تهالك الناس على الفسق و الفجور، و من طريف ما ينقل في هذا الموضوع أنه أوتي بشيخ إلى هشام بن عبد الملك و كان معه قيان و خمر و بربط،فقال:اكسروا الطنبور على رأسه فبكى الشيخ فقال له أحد

ص: 26

الجالسين:عليك بالصبر،فقال له الشيخ:أتراني أبكي للضرب؟إنما أبكي لاحتقاره البربط إذ سماه طنبورا.

لقد كانت سيرة الأمويين في جميع أدوارهم امتدادا لسيرة معاوية الذي أشاع حياة اللهو و الخلاعة في البلاد للقضاء على أصالة الأمة،و سلب و عيها الديني و الاجتماعي.

إشاعة المجون في الحرمين

و عمد معاوية إلى إشاعة الدعارة و المجون في الحرمين للقضاء على قدسيتهما و إسقاط مكانتهما الاجتماعية في نفوس المسلمين،يقول العلايلي:«و شجّع الأمويون حياة المجون في مكة و المدينة إلى حد الإباحة،فقد استأجر طوائف من الشعراء و المخنثين من بينهم عمر بن أبي ربيعة لأجل أن يمسحوا عاصمتي مكة و المدينة بمسحة لا تليق،و لا تجعلهما صالحتين للزعامة الدينية.و قد قال الأصمعي:دخلت المدينة فما وجدت الا المخنثين،و رجلا يضع الأخبار و الطرف» و قد شاعت في يثرب مجالس الغناء،و كان الوالي يحضرها و يشارك فيها و انحسرت بذلك روح الأخلاق،و انصرف الناس عن المثل العليا التي جاء بها الإسلام.

الاستخفاف بالقيم الدينية

و استخف معاوية بكافة القيم الدينية،و لم يعن بجميع ما جاء به الإسلام من الأحكام فاستعمل أواني الذهب و الفضة،و أباح الربا،و تطيّب في الإحرام،و عطّل

ص: 27

الحدود،و قد ألغيت معظم الأحكام الإسلامية في أغلب أدوار الحكم الأموي،و في ذلك يقول شاعر الإسلام الكميت:

و عطلت الأحكام حتى كأننا على ملة غير التي نتنحل

أ أهل كتاب نحن فيه و أنتم على الحق نقضي بالكتاب و نعدل

كأن كتاب الله يعني بأمره و بالنهي فيه الكوذني المركل

فتلك ملوك السوء قد طال ملكهم فحتام حتام العناء المطول

و ما ضرب الأمثال في الجور قبلنا لا جور من حكامنا المتمثل

و استخف معاوية بالمقدسات الإسلامية و احتقرها،يقول الرواة إنه لما تغلّب قيل له:لو سكنت المدينة،فهي دار الهجرة،و بها قبر النبي صلّى اللّه عليه و اله فقال:قد ضللت إذا و ما أنا من المهتدين و اقتدى به في ذلك جميع بني أمية فقد انبرى يحيى بن الحكم إلى عبد الله بن جعفر فقال له:

«كيف تركت الخبيثة-يعني مدينة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله-؟»فأنكر عليه ابن جعفر و صاح به:

«سمّاها رسول الله صلّى اللّه عليه و اله طيبة و تسمّيها خبيثة،قد اختلفتما في الدنيا و ستختلفان في الآخرة..».

قال يحيى:«و الله لئن أموت و أدفن بأرض الشام المقدسة أحب إلي من أن أدفن بها..».

فقال له:

«اخترت مجاورة اليهود و النصارى على مجاورة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و المهاجرين».

استلحاق زياد

و من مظاهر استخفاف معاوية بالقيم الإسلامية استلحاقه زياد بن عبيد

ص: 28

الرومي،و إلصاقه بنسبه من دون بينة شرعية،و إنما اعتمد على شهادة أبي مريم الخمار و هو مما لا يثبت به نسب شرعي،و قد خالف بذلك قول رسول الله صلّى اللّه عليه و اله:

«الولد للفراش و للعاهر الحجر».

لقد قام بذلك انطلاقا وراء أهدافه السياسية،و تدعيما لحكمه و سلطانه...و من طريف ما ينقل في الموضوع أن نصر بن حجاج خاصم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد عند معاوية في عبد الله مولى خالد بن الوليد فأمر معاوية حاجبه أن يؤخرهما حتى يحتفل مجلسه،فلما اكتمل مجلسه،أمر بحجر فأدني منه،و ألقى عليه طرفا من ثيابه ثم أذن لهما،فترافعا عنده في شأن عبد الله فقال له نصر:

«إن أخي و ابن أبي عهد إلي أنه-يعني عبد الله-منه».

و قال عبد الرحمن:«مولاي و ابن عبد أبي و أمته ولد على فراشه»و أصدر معاوية الحكم في المسألة فقال:يا حرسي خذ هذا الحجر فادفعه إلى نصر بن حجاج،فقد قال رسول الله صلّى اللّه عليه و اله:«الولد للفراش و للعاهر الحجر».

و انبرى نصر فقال:«أفلا أجريت هذا الحكم في زياد؟».

فقال معاوية:«ذلك حكم معاوية و هذا حكم رسول الله».

إنكار الإمام الحسين:

و أنكر الإمام الحسين عليه السّلام على معاوية هذا الإستلحاق الذي خالف به قول رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فكتب إليه مذكرة تضمنت الأحداث الجسام التي اقترفها معاوية و قد جاء فيها:

«أو لست المدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك،و قد قال رسول الله صلّى اللّه عليه و اله الولد للفراش و للعاهر الحجر فتركت سنة رسول الله تعمدا و اتبعت هواك بغير هدى من الله.

لقد أثار استلحاق معاوية لزياد موجة من الغضب و الإستياء عند الأخيار

ص: 29

و المتحرجين في دينهم،و قد بسطنا الكلام في ذلك في كتابنا(حياة الإمام الحسن عليه السّلام).

الحقد على النبي

و حقد معاوية على النبي صلّى اللّه عليه و اله فقد مكث في أيام خلافته أربعين جمعة لا يصلّي عليه،و سأله بعض أصحابه عن ذلك فقال:«لا يمنعني عن ذكره إلا أن تشمخ رجال بآنافها و سمع المؤذن يقول:أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله،فلم يملك إهابه،و اندفع يقول:

«لله أبوك يا ابن عبد الله لقد كنت عالي الهمة،ما رضيت لنفسك إلا أن يقرن اسمك باسم رب العالمين..».

و من مظاهر حقده على الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله ما رواه مطرف بن المغيرة قال:

وفدت مع أبي على معاوية،فكان أبي يتحدث عنده ثم ينصرف إلي،و هو يذكر معاوية و عقله،و يعجب بما يرى منه،و أقبل ذات ليلة،و هو غضبان فأمسك عن العشاء،فانتظرته ساعة،و قد ظننت أنه لشىء حدث فينا أو في عملنا،فقلت له:

-مالي أراك مغتما منذ الليلة؟

-يا بني جئتك من عند أخبث الناس.

-ما ذاك؟

-خلوت بمعاوية فقلت له:إنك قد بلغت مناك يا أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلا و بسطت خيرا،فإنك قد كبرت،و لو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم اليوم شىء تخافه..فثار معاوية و اندفع يقول:

ص: 30

«هيهات!!هيهات ملك أخو تيم فعدل،و فعل ما فعل فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره،إلا أن يقول قائل أبو بكر،ثم ملك أخو عدي فاجتهد و شمّر عشر سنين فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل عمر،ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل به ما عمل فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره و إن أخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات؛أشهد أن محمدا رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فأي عمل يبقى بعد هذا لا أم لك إلا دفنا دفنا..».

و دلّت هذه البادرة على مدى زعزعة العقيدة الدينية في نفس معاوية و أنها لم تكن إلا رداءا رقيقا يشف عما تحته من حب الجاهلية و التأثر بها إلى حد بعيد، و كانت النزعة الإلحادية ماثلة عند أغلب ملوك الأمويين يقول الوليد في بعض خمرياته منكرا للبعث و النشور:

أدر الكأس يمينا لا تدرها ليسار

إسق هذا ثم هذا صاحب العود النضار

من كميت عتّقوها منذ دهر في جرار

ختموها بالأماوية و كافور وقار

فلقد أيقنت أني غير مبعوث لنار

سأروض الناس حتي يركبوا دين الحمار

و ذروا من يطلب الجنة يسعى لتبار

و تأثر الكثيرون من ولاتهم بهذه النزعة الإلحادية،فكان الحجاج يخاطب الله أمام الجماهير الحاشدة قائلا:«أرسولك أفضل أم خليفتك يعني أن عبد الملك أفضل من النبي العظيم صلّى اللّه عليه و اله».و كان ينقم على الذين يزورون قبر رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و يقول:«تبا لهم إنما يطوفون بأعواد و رمة بالية،هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله».

ص: 31

و هكذا كان جهاز الحكم الأموي في كثير من أدواره قد تنكّر للرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله و ازدرى برسالته.

تغيير الواقع الإسلامي

و عمد معاوية إلى تغيير الواقع الإسلامي المشرق الذي تبنّى الحركات النضالية و القضايا المصيرية لجميع الشعوب،فأهاب بالمسلمين أن لا يقرّوا على كظة ظالم، و لا سغب مظلوم،و قد تبنى هذا الشعار المقدس الصحابي العظيم أبو ذر الغفاري الذي فهم الإسلام،عن واقعه،فرفع راية الكفاح في وجه الحكم الأموي،و طالب عثمان،و معاوية بإنصاف المظلومين و المضطهدين و توزيع ثروات الأمة على الفقراء و المحرومين.

لقد أراد معاوية إقبار هذا الوعي الديني،و إماتة الشعور بالمسؤولية فأوعز إلى لجان الوضع التي ابتدعها أن تفتعل الأحاديث على لسان المحرر العظيم الرسول صلّى اللّه عليه و آله في إلزام الأمة بالخضوع للظلم،و الخنوع للجور،و التسليم لما تقترفه سلطاتها من الجور و الاستبداد و هذه بعض الأحاديث:

-1-روى البخاري بسنده عن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله أنه قال لأصحابه:«إنكم سترون بعدي أثرة،و أمورا تنكرونها قالوا:فما تأمرنا يا رسول الله؟قال:أدوا إليهم حقهم، و اسألوا الله حقكم..».

-2-روى البخاري بسنده عن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله أنه قال:«من رأى من أميره شيئا يكره فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة فمات،مات ميتة جاهلية..».

-3-روى البخاري بسنده عن مسلمة بن زيد الجعفي أنه سأل رسول الله صلّى اللّه عليه و آله

ص: 32

فقال له:يا نبي الله أ رأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم،و يمنعونا حقنا فما ترى؟فأعرض«ص»عنه فسأله ثانيا و ثالثا و الرسول معرض فجذبه الأشعث بن قيس،فقال رسول الله صلّى اللّه عليه و اله:إسمعوا و أطيعوا فإن عليهم ما حمّلوا و عليكم ما حمّلتم».

-4-روى البخاري بسنده عن عجرفة قال:سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله يقول:إنه ستكون هنات و هنات فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الأمة و هي جمع فاضربوه بالسيف كائنا ما كان..».

إلى غير ذلك من الموضوعات التي خدّرت الأمة،و شلّت حركتها الثورية، و جعلتها قابعة ذليلة تحت و طأة الاستبداد الأموي و جوره،و قد هبّ الإمام الحسين عليه السّلام الثائر الأول في الإسلام إلى إعلان الجهاد المقدس ليوقظ الأمة من سباتها و يعيد للإسلام نضارته و روحه النضالية التي انحسرت في عهد الحكم الأموي:

عزل أهل البيت عليهم السلام
اشارة

و سخّر معاوية جميع أجهزته للحط من قيمة أهل البيت عليهم السّلام الذين هم وديعة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و العصب الحساس في هذه الأمة،و قد استخدم أخطر الوسائل في محاربتهم و إقصائهم عن واقع الحياة الإسلامية،و كان من بين ما استخدمه في ذلك ما يلي:

-1-تسخير الوعاظ.

و سخر معاوية الوعاظ في جميع أنحاء البلاد ليحوّلوا القلوب عن أهل البيت و يذيعوا الأضاليل في انتقاصهم تدعيما للحكم الأموي.

ص: 33

-2-استخدام معاهد التعليم.

و استخدم معاوية معاهد التعليم و أجهزة الكتاتيب لتغذية النش ببغض أهل البيت عليهم السّلام و خلق جيل معاد لهم و قد قامت تلك الأجهزة بدور خطير في بث روح الكراهية في نفوس النشء لعترة النبي صلّى اللّه عليه و اله.

-3-افتعال الأخبار.
اشارة

و أقام معاوية شبكة لوضع الأخبار تعد من أخطر الشبكات التخريبية في الإسلام فعهد إليها بوضع الأحاديث على لسان النبي صلّى اللّه عليه و اله للحط من قيمة أهل البيت عليهم السّلام أما الأعضاء البارزون في هذه اللجنة فهم:

-1-أبو هريرة الدوسي.

-2-سمرة بن جندب.

-3-عمرو بن العاص.

-4-المغيرة بن شعبة.

و قد افتعلوا آلاف الأحاديث على لسان النبي صلّى اللّه عليه و اله و كانت عدة طوائف مختلفة حسب التخطيط السياسي للدولة و هي:

الطائفة الأولى:وضع الأخبار في فضل الصحابة لجعلهم قبال أهل البيت،

و قد عدّ الإمام الباقر عليه السّلام أكثر من مائة حديث منها:

أ-أن عمر محدّث-بصيغة المفعول-أي تحدثه الملائكة.

ب-إن السكينة تنطق على لسان عمر.

ج-إن عمر يلقّنه الملك.

د-إن الملائكة لتستحي من عثمان.

إلى كثير من أمثال هذه الأخبار التي وضعت في فضل الصحابة،يقول المحدث ابن عرفة المعروف بنفطويه:«إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة

ص: 34

افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم..«كما وضعوا في فضل الصحابة الأحاديث المماثلة للأحاديث النبوية في فضل العترة الطاهرة كوضعهم:«إن سيدي كهول أهل الجنة أبو بكر و عمر»و قد عارضوا بذلك الحديث المتواتر:«الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة».

الطائفة الثانية:وضع الأخبار في ذم العترة الطاهرة و الحط من شأنها

فقد أعطى معاوية سمرة بن جندب أربع مائة ألف على أن يخطب في أهل الشام،و يروي لهم أن الآية الكريمة نزلت في علي و هي قوله تعالى: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ* وَ إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ فروى لهم سمرة ذلك و أخذ العوض الضخم من بيت مال المسلمين..و مما رووا أن النبي صلّى اللّه عليه و اله قال في آل أبي طالب«إن آل أبي طالب ليسوا بأولياء لي إنما وليي الله و صالح المؤمنين»و روى الأعمش أنه لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة(سنة 41)جاء إلى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا،و قال:يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب على رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أحرق نفسي بالنار؟لقد سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله يقول:إن لكل نبي حرما،و إن حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيهما حدثا فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين،و أشهد بالله أن عليا أحدث فيها!!فلما بلغ معاوية قوله أجازه و أكرمه و ولاّه إمارة المدينة.

إلى كثير من أمثال هذه الموضوعات التي تقدح في العترة الطاهرة التي هي مصدر الوعي و الإحساس في العالم الإسلامي.

الطائفة الثالثة:افتعال الأخبار في فضل معاوية لمحو العار الذي لحقه و لحق

أباه و أسرته في مناهضتهم للإسلام،و إخفاء ما أثر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في ذمهم،

و هذه

ص: 35

بعض الأخبار المفتعلة:

-1-قال صلّى اللّه عليه و اله:«معاوية بن أبي سفيان أحلم أمتي و أجودها».

-2-قال صلّى اللّه عليه و اله:«صاحب سري معاوية بن أبي سفيان».

-3-قال صلّى اللّه عليه و اله:«اللهم علّمه-يعني معاوية-الكتاب وقه العذاب و أدخله الجنة..».

-4-قال صلّى اللّه عليه و اله:«إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه فإنه أمين هذه الأمة» إلى غير ذلك من الأحاديث الموضوعة التي تعكس الصراع الفكري ضد الإسلام عند معاوية و أنه حاول جاهدا محو هذا الدين و القضاء عليه.

حديث مفتعل على الحسين

من الأحاديث الموضوعة على الإمام الحسين ما روي أنه وفد على معاوية زائرا في يوم الجمعة و كان قائما على المنبر خطيبا،فقال له رجل من القوم:ائذن للحسين يصعد المنبر فقال له معاوية:ويلك دعني أفتخر،ثم حمد الله و أثنى عليه،و وجّه خطابه للحسين قائلا له:

-سألتك يا أبا عبد الله أليس أنا ابن بطحاء مكة؟

-أي و الذي بعث جدي بشيرا.

-سألتك يا أبا عبد الله أليس أنا خال المؤمنين؟

-أي و الذي بعث جدي نبيا.

-سألتك يا أبا عبد الله أليس أنا كاتب الوحي؟

-أي و الذي بعث جدي نذيرا.

ثم نزل معاوية عن المنبر،فصعد الحسين فحمد الله بمحامد لم يحمده الأولون و الآخرون بمثلها ثم قال:حدثني أبي عن جدي عن جبرائيل عن الله تعالى أن تحت

ص: 36

قائمة كرسي العرش ورقة آس خضراء مكتوب عليها«لا إله إلا الله محمد رسول الله،يا شيعة آل محمد لا يأتي أحدكم يوم القيامة إلا أدخله الله الجنة».

فقال له معاوية:سألتك يا أبا عبد الله من شيعة آل محمد؟فقال عليه السّلام:الذين لا يشتمون الشيخين أبا بكر و عمر،و لا يشتمون عثمان و لا يشتمونك يا معاوية.

و علّق الحافظ ابن عساكر على هذا الحديث بقول:«هذا حديث منكر و لا أرى سنده متصلا إلى الحسين».

و قد امتحن المسلمون امتحانا عسيرا بهذه الموضوعات التي دوّنت في كتب السنة،و ظن الكثيرون من المسلمين أنها حق،فأضفوا على معاوية ثوب القداسة، و ألحقوه بالرعيل الأول من الصحابة المتحرجين في دينهم و هم من دون شك لو علموا واقعها لتبرأوا منها-كما يقول المدايني-

و لم تقتصر الموضوعات على تقديس معاوية و الحط من شأن أهل البيت عليهم السّلام و إنما تدخّلت في شؤون الشريعة فألصقت بها المتناقضات و المستحيلات مما شوّهت الواقع الإسلامي و أفسدت عقائد المسلمين.

سب الإمام أمير المؤمنين

و تمادى معاوية في عدائه للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام فأعلن سبّه و لعنه في نواديه العامة و الخاصة و أوعز إلى جميع عماله و ولاته أن يذيعوا سبّه بين الناس، و سرى سب الإمام في جميع أنحاء العالم الإسلامي،و قد خطب معاوية في أهل الشام فقال لهم:

«أيها الناس،إن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قال لي إنك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدسة-يعني الشام-فإن فيها الأبدال،و قد اخترتكم فالعنوا أبا تراب».

ص: 37

و عج أهل الشام بسب الإمام و خطب في أولئك الوحوش فقال لهم:

«ما ظنكم برجل-يعني عليا-لا يصلح لأخيه-يعني عقيلا-يا أهل الشام إن أبا لهب المذموم في القرآن هو عم عليّ بن أبي طالب».

و يقول المؤرخون:إنه كان إذا خطب ختم خطابه بقوله:«اللّهم إن أبا تراب ألحد في دينك و صد عن سبيلك فالعنه لعنا و بيلا،و عذبه عذابا أليما..».

و كان يشاد بهذه الكلمات على المنابر و لما ولّى معاوية المغيرة بن شعبة إمارة الكوفة كان أهم ما عهد إليه أن لا يتسامح في شتم الإمام عليه السّلام و الترحم على عثمان، و العيب لأصحاب علي و إقصائهم،و أقام المغيرة واليا على الكوفة سبع سنين و هو لا يدع ذم علي و الوقوع فيه.و قد أراد معاوية بذلك أن يصرف القلوب عن الإمام عليه السّلام و أن يحول بين الناس و بين مبادئه التي أصبحت تطارده في قصوره يقول الدكتور محمود صبحي:«لقد أصبح علي جثة هامدة لا يزاحمهم في سلطانهم،و يخيفهم بشخصه،و لا يعني ذلك-أي سب الإمام-إلا أن مبادئه في الحكم و آراءه في السياسة كانت تنغص عليهم في موته كما كانت في حياته..».

لقد كان الإمام رائد العدالة الإنسانية و المثل الأعلى لهذا الدين،يقول الجاحظ:«لا يعلم رجل في الأرض متى ذكر السبق في الإسلام و التقدم فيه،و متى ذكر النخوة و الذب عن الإسلام،و متى ذكر الفقه في الدين،و متى ذكر الزهد في الأمور التي تناصر الناس عليها كان مذكورا في هذه الخلال كلها إلا في علي..».

و يقول الحسن البصري:

«و الله لقد فارقكم بالأمس رجل كان سهما صائبا من مرامي الله تعالى،رباني هذه الأمة بعد نبيها صلّى اللّه عليه و اله و صاحب شرفها و فضلها و ذا القرابة القريبة من رسول الله صلّى اللّه عليه و اله غير مسؤوم لأمر الله،و لا سروقة لمال الله أعطى القرآن عزائمه فأورده رياضا مونقة،و حدائق مغدقة ذلك عليّ بن أبي طالب..».

ص: 38

لقد عادت اللعنات التي كان يصبها معاوية و ولاته على الإمام بإظهار فضائله فقد برز الإمام للناس أروع صفحة في تأريخ الإنسانية كلها،و ظهر للمجتمع أنه المنادي الأول بحقوق الإنسان،و المؤسس الأول للعدالة الاجتماعية في الأرض لقد انطوت السنون و الأحقاب،و اندكّت معالم تلك الدول التي ناوأت الإمام سواء أكانت من بني أمية أم من بني العباس،و لم يبق لها أثر،و بقي الإمام عليه السّلام وحده قد احتل قمة المجد فها هو رائد الإنسانية الأول و قائدها الأعلى و إذا بحكمه القصير الأمد يصبح طغراء في حكام هذا الشرق،و إذا الوثائق الرسمية التي أثرت عنه تصبح منارا لكل حكم صالح يستهدف تحقيق القضايا المصيرية للشعوب،و إذا بحكم معاوية أصبح رمزا للخيانة و العمالة و رمزا لاضطهاد الشعوب و احتقارها.

ستر فضائل أهل البيت عليهم السلام

و حاول معاوية بجميع طاقاته حجب فضائل آل البيت عليهم السّلام و ستر مآثرهم عن المسلمين،و عدم إذاعة ما أثر عن النبي صلّى اللّه عليه و اله في فضلهم،يقول المؤرخون:إنه بعد عام الصلح حج بيت الله الحرام فاجتاز على جماعة فقاموا إليه تكريما و لم يقم إليه ابن عباس،فبادره معاوية قائلا:

يابن عباس ما منعك من القيام؟كما قام أصحابك إلا لموجدة علي بقتالي إياكم يوم صفين!!يابن عباس إن ابن عمي عثمان قتل مظلوما.!فرد عليه ابن عباس ببليغ منطقه قائلا:

-فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوما،فسلّم الأمر إلى ولده،و هذا ابنه-و أشار إلى عبد الله بن عمر-

أجابه معاوية بمنطقه الرخيص:

ص: 39

«إن عمر قتله مشرك..».

فانبرى ابن عباس قائلا:

-فمن قتل عثمان؟

-قتله المسلمون.

و أمسك ابن عباس بزمامه فقال له:

«فذلك أدحض لحجتك إن كان المسلمون قتلوه و خذلوه فليس إلا بحق»و لم يجد معاوية مجالا للرد عليه،فسلك حديثا آخر أهم عنده من دم عثمان فقال له:

«إنا كتبنا إلى الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي و أهل بيته فكف لسانك يابن عباس».

فانبرى ابن عباس بفيض من منطقه و بليغ حجته يسدد سهاما لمعاوية قائلا:

-فتنهانا عن قراءة القرآن؟

-لا.

-فتنهانا عن تأويله؟

-نعم.

-فنقرأه و لا نسأل عما عنى الله به؟

-نعم.

-فأيهما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟

-العمل به.

-فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟

-سل عن ذلك ممن يتأوله على غير ما تتأوله أنت و أهل بيتك.

-إنما نزل القرآن على أهل بيتي،فأسأل عنه آل أبي سفيان و آل أبي معيط؟!!

-فاقرأوا القرآن،و لا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم،و مما قاله رسول الله صلّى اللّه عليه و اله

ص: 40

فيكم،و ارووا ما سوى ذلك.

و سخر منه ابن عباس...

و صاح به معاوية:

«اكفني نفسك،و كف عني لسانك،و إن كنت فاعلا فليكن سرا،و لا تسمعه أحدا علانية..».

و دلّت هذه المحاورة على عمق الوسائل التي اتخذها معاوية في مناهضته لأهل البيت،و إخفاء مآثرهم.

و بلغ الحقد بمعاوية على الإمام أنه لما ظهر عمرو بن العاص بمصر على محمد بن أبي بكر،و قتله استولى على كتبه و مذكراته و كان من بينها عهد الإمام له،و هو من أروع الوثائق السياسية،فرفعه ابن العاص إلى معاوية فلما رآه قال لخاصته:إنا لا نقول هذا من كتب علي بن أبي طالب و لكن نقول هذا من كتب أبي بكر التي كانت عنده.

التحرج من ذكر الإمام

و أسرف الحكم الأموي إلى حد بعيد في محاربة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام فقد عهد بقتل كل مولود يسمّى عليا،فبلغ ذلك علي بن رباح فخاف،و قال:لا أجعل في حل من سمّاني عليا فإن اسمي علي-بضم العين-و يقول المؤرخون:أن العلماء و المحدثين تحرّجوا من ذكر الإمام علي و الرواية عنه خوفا من بني أمية فكانوا إذا أرادوا أن يرووا عنه يقولون:«روى أبو زينب»و روى معمر عن الزهري عن عكرمة عن ابن عباس قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و اله:«إن الله تعالى منع بني إسرائيل قطر السماء لسوء رأيهم في أنبيائهم،و اختلافهم في دينهم،و إنه أخذ على هذه الأمة

ص: 41

بالسنين،و منعهم قطر السماء ببغضهم عليّ بن أبي طالب».

قال معمر:حدثني الزهري في مرضة مرضها،و لم أسمعه يحدث عن عكرمة قبلها و لا بعدها فلما أبل من مرضه ندم على حديثه لي و قال:

«يا يماني اكتم هذا الحديث،و اطوه دوني فإن هؤلاء-يعني بني أمية-لا يعذرون أحدا في تقريض علي و ذكره».

قال معمر:«فما بالك عبت عليا مع القوم،و قد سمعت الذي سمعت؟..».

قال الزهري:«حسبك يا هذا أنهم أشركونا مهمامهم فاتبعناهم في أهوائهم..».

و قد امتحن المسلمون امتحانا عسيرا في مودتهم للإمام و تحرّجوا أشد التحرّج في ذلك،يقول الشعبي:«ماذا لقينا من علي إن أحببناه ذهبت دنيانا و إن أبغضناه ذهب ديننا»و يقول الشاعر:

حب علي كله ضرب ير جف من تذكاره القلب

هذه بعض المحن التي عاناها المسلمون في مودتهم لأهل البيت عليهم السّلام التي هي جزء من دينهم.

أذية الشيعة

و اضطهدت الشيعة أيام معاوية اضطهادا رسميا في جميع أنحاء البلاد، و قوبلوا بمزيد من العنف و الشدة،فقد انتقم منهم معاوية كأشد ما يكون الانتقام قسوة و عذابا،فقد قاد مركبة حكومته على جثث الضحايا منهم،و قد حكى الإمام الباقر عليه السّلام صورا مريعة من بطش الأمويين بشيعة آل البيت عليهم السّلام يقول:«و قتلت شيعتنا بكل بلدة،و قطعت الأيدي و الأرجل على الظنة،و كان من يذكر بحبنا و الانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره»و تحدّث بعض رجال الشيعة إلى

ص: 42

محمد بن الحنفية عما عانوه من المحن و الخطوب بقوله:

«فما زال بنا الشين في حبكم حتى ضربت عليه الأعناق،و أبطلت الشهادات، و شردنا في البلاد،و أوذينا حتى لقد هممت أن أذهب في الأرض قفرا،فأعبد الله حتى ألقاه،لولا أن يخفى علي أمر آل محمد صلّى اللّه عليه و اله و حتى هممت أن أخرج مع أقوام شهادتنا و شهادتهم واحدة على أمرائنا فيخرجون فيقاتلون..».

لقد كان معاوية لا يتهيب من الإقدام على اقتراف أية جريمة من أجل أن يضمن ملكه و سلطانه،و قد كانت الشيعة تشكل خطرا على حكومته فاستعمل معهم أعنف الوسائل و أشدها قسوة من أجل القضاء عليهم،و من بين الإجراءات القاسية التي استعملها ضدهم ما يلي:

القتل الجماعي

و أسرف معاوية إلى حد كبير في سفك دماء الشيعة،فقد عهد إلى الجلادين من قادة جيشه بتتبع الشيعة و قتلهم حيثما كانوا،و قد قتل بسر بن أبي أرطاة-بعد التحكيم-ثلاثين ألفا عدا من أحرقهم بالنار و قتل سمرة بن جندب ثمانية آلاف من أهل البصرة و أما زياد بن أبيه فقد ارتكب أفظع المجازر فقطع الأيدي و الأرجل و سمل العيون،و أنزل بالشيعة من صنوف العذاب ما لا يوصف لمرارته و قسوته.

إبادة القوى الواعية
اشارة

و عمد معاوية إلى إبادة القوى المفكرة و الواعية من الشيعة،و قد ساق زمرا منهم إلى ساحات الإعدام،و أسكن الثكل و الحداد في بيوتهم،و فيما يلي بعضهم:

ص: 43

-1-حجر بن عدي
اشارة

لقد رفع حجر بن عدي علم النضال،و كافح عن حقوق المظلومين و المضطهدين،و سحق إرادة الحاكمين من بني أمية الذين تلاعبوا في مقدرات الأمة و حولوها إلى مزرعة جماعية لهم و لعملائهم و أتباعهم...لقد استهان حجر بالموت و سخر من الحياة،و استلذ الشهادة في سبيل عقيدته،فكان أحد المؤسسين لمذهب أهل البيت عليهم السّلام.

و امتحن حجر كأشد ما تكون المحنة قسوة حينما رأى السلطة تعلن سب الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و ترغم الناس على البراءة منه فأنكر ذلك،و جاهر بالرد على ولاة الكوفة،و استحل زياد بن أبيه دمه فألقى عليه القبض،و بعثه مخفورا مع كوكبة من إخوانه إلى معاوية،و أوقفوا في(مرج عذراء)فصدرت الأوامر من دمشق بإعدامهم،و نفّذ الجلادون فيهم حكم الإعدام فخرّت جثثهم على الأرض و هي ملفعة بدم الشهادة و الكرامة و هي تضيء للناس معالم الطريق نحو حياة أفضل لا ظلم فيها،و لا طغيان.

ص: 44

مذكرة الإمام الحسين

و فزع الإمام الحسين حينما و افته الأنباء بمقتل حجر فرفع مذكرة شديدة اللهجة إلى معاوية ذكر فيها أحداثه و بدعه،و التي كان منها قتله لحجر و البررة من أصحابه،و قد جاء فيها:

«ألست القاتل حجرا أخا كندة،و المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم و يستعظمون البدع،و لا يخافون في الله لومة لائم...قتلتهم ظلما و عدوانا من بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة،و المواثيق المؤكدة أن لا تأخذهم بحدث كان بينك و بينهم و لا بإحنة تجدها في نفسك عليهم..».

و احتوت هذه المذكرة على ما يلي:

-1-الإنكار الشديد على معاوية لقتله حجرا و أصحابه من دون أن يقترفوا جرما أو يحدثوا فسادا في الأرض.

-2-إنها أشادت بالصفات البطولية في هؤلاء الشهداء من إنكار الظلم،و مقاومة الجور و استعظام البدع و المنكرات التي أحدثتها حكومة معاوية،و قد هبّوا إلى ميادين الجهاد لإقامة الحق و مناهضة المنكر.

-3-إنها أثبتت أن معاوية قد أعطى حجرا و أصحابه عهدا خاصا في وثيقة وقّعها قبل إبرام الصلح أن لا يعرض لهم بأي إحنة كانت بينه و بينهم،و لا يصيبهم بأي مكروه،و لكنه قد خاس بذلك فلم يف به كما لم يف للإمام الحسن بالشروط التي أعطاها له،و إنما جعلها تحت قدميه كما أعلن ذلك في خطابه الذي ألقاه في النخيلة.

ص: 45

لقد كان قتل حجر من الأحداث الجسام في الإسلام،و قد توالت صيحات الإنكار على معاوية من جميع الأقاليم الإسلامية،و قد ذكرناها بالتفصيل في كتابنا(حياة الإمام الحسن«ع»).

-2-رشيد الهجري

و في فترات المحنة الكبرى التي منيت بها الشيعة في عهد ابن سمية تعرّض رشيد الهجريّ لأنواع المحن و البلوى فقد بعث زياد شرطته إليه فلما مثل عنده صاح به:«ما قال لك خليلك-يعني عليا-إنا فاعلون بك؟..»فأجابه بصدق و إيمان:

«تقطعون يديّ و رجليّ،و تصلبوني».

و قال الخبيث مستهزئا و ساخرا:

«أما و الله لأكذبن حديثه،خلّوا سبيله».

و خلّت الجلاوزة سراحه و ندم الطاغية فأمر بإحضاره فصاح به:«لا نجد شيئا أصلح مما قال صاحبك،إنك لا تزال تبغي لنا سوءا إن بقيت،إقطعوا يديه و رجليه» و بادر الجلادون فقطعوا يديه و رجليه،و هو غير حافل بما يعانيه من الآلام،و يقول المؤرخون:إنه أخذ يذكر مثالب بني أمية،و يدعو إلى إيقاظ الوعي و الثورة،مما غاظ ذلك زيادا فأمر بقطع لسانه الذي كان يطالب بالحق و العدل،و ينافح عن حقوق الفقراء و المحرومين.

-3-عمرو بن الحمق الخزاعي
اشارة

و من شهداء العقيدة الصحابي العظيم عمرو بن الحمق الخزاعي الذي دعى له النبي صلّى اللّه عليه و اله أن يمتّعه الله بشبابه،و استجاب الله دعاء نبيه فقد أخذ عمرو بعنق

ص: 46

الثمانين عاما و لم تر في كريمته شعرة بيضاء و تأثر عمرو بهدي أهل البيت و أخذ من علومهم فكان من أعلام شيعتهم.و في أعقاب الفتنة الكبرى التي منيت بها الكوفة في عهد الطاغية زياد بن سمية شعر عمرو بتتبع السلطة له ففر مع زميله رفاعة بن شداد إلى الموصل،و قبل أن ينتهيا إليه كمنا في جبل ليستجما فيه، و ارتابت الشرطة فبادرت إلى إلقاء القبض على عمرو أما رفاعة ففر و لم تستطع أن تلقي عليه القبض وجيء بعمرو مخفورا إلى حاكم الموصل عبد الرحمن الثقفي، فرفع أمره إلى معاوية فأمره بطعنه تسع طعنات بمشاقص لأنه طعن عثمان بن عفان؛و بادرت الجلاوزة إلى طعنه فمات في الطعنة الأولى،و احتز رأسه الشريف و أرسل إلى طاغية دمشق فأمر أن يطاف به في الشام،و يقول المؤرخون أنه أول رأس طيف به في الإسلام،ثم أمر به معاوية أن يحمل إلى زوجته السيدة آمنة بنت شريد،و كانت في سجنه،فلم تشعر الا و رأس زوجها قد وضع في حجرها،فذعرت و كادت أن تموت و حملت من السجن إلى معاوية و جرت بينها و بينه محادثات دلّت على ضعة معاوية و استهانته بالقيم العربية و الإسلامية القاضية بمعاملة المرأة معاملة كريمة و لا تؤخذ بأي ذنب يقترفه زوجها أو غيره.

مذكرة الإمام الحسين

و التاع الإمام الحسين عليه السّلام أشد ما تكون اللوعة حينما علم بمقتل عمرو فرفع مذكرة إلى معاوية عدّد فيها أحداثه و ما تعانيه الأمة في عهده من الاضطهاد و الجور،و جاء فيما يخص عمروا:

«أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلّى اللّه عليه و اله العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه،و اصفر لونه،بعد ما أمّنته،و أعطيته من عهود الله و مواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس الجبل،ثم قتلته جراءة على ربك و استخفافا

ص: 47

بذلك العهد..».

لقد خاس معاوية بما أعطاه لهذا الصحابي الجليل-بعد الصلح-من العهد و المواثيق بأن لا يعرض له بسوء و لا مكروه.

-4-أوفى بن حصن

و كان أوفى بن حصن من خيار الشيعة-في الكوفة-و أحد أعلامهم النابهين، و هو من أشد الناقمين على معاوية فكان يذيع مساوئه و أحداثه؛و لما علم به ابن سمية أوعز إلى الشرطة بإلقاء القبض عليه و لما علم أوفى بذلك اختفى،و في ذات يوم استعرض زياد الناس فاجتاز عليه أوفى فشكّ في أمره فسأل عنه فأخبر باسمه،فأمر بإحضاره فلما مثل عنده سأله عن سياسته فعابها و أنكرها؛فأمر زياد بقتله،فهوى الجلادون عليه بسيوفهم و تركوه جثة هامدة.

-5-الحضرمي مع جماعته
اشارة

و كان عبد الله الحضرمي من أولياء الإمام أمير المؤمنين و من خلّص شيعته كما كان من شرطة الخميس؛و قد قال له الإمام يوم الجمل:«أبشر يا عبد الله فإنك و أباك من شرطة الخميس،لقد أخبرني رسول الله باسمك و اسم أبيك في شرطة الخميس و لما قتل الإمام جزع عليه الحضرمي و بنى له صومعة يتعبد فيها و انضم إليه جماعة من خيار الشيعة،فأمر ابن سمية بإحضارهم،و لما مثلوا عنده أمر بقتلهم،فقتلوا صبرا».

لقد كانت فاجعة عبد الله كفاجعة حجر بن عدي فكلاهما قتل صبرا و كلاهما أخذ بغير ذنب سوى الولاء لعترة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله.

ص: 48

إنكار الإمام الحسين

و فزع الإمام الحسين كأشد ما يكون الفزع ألما و محنة على مقتل الحضرمي و جماعته الأخيار فأنكر على معاوية في مذكرته التي بعثها له و قد جاء فيها:

«أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه إليك زياد أنه على دين علي عليه السّلام فكتبت إليه أن اقتل كل من كان على دين علي،فقتلهم و مثّل فيهم بأمرك،و دين علي هو دين ابن عمه صلّى اللّه عليه و اله الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه،و لو لا ذلك لكان شرفك و شرف آبائك تجشّم الرحلتين رحلة الشتاء و الصيف».

و دلّت هذه المذكرة-بوضوح-على أن معاوية قد عهد إلى زياد بقتل كل من كان على دين علي عليه السّلام الذي هو دين رسول الله صلّى اللّه عليه و اله كما دلّت على أن زيادا قد مثّل بهؤلاء البررة بعد قتلهم تشفيا منهم لولائهم لعترة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله.

-6-جويرية العبدي

و من عيون شيعة الإمام جويرية بن مسهر العبدي،و في فترات المحنة الكبرى التي امتحنت بها الشيعة أيام ابن سمية،بعث خلفه فأمر بقطع يده و رجله و صلبه على جذع قصير.

-7-صيفي بن فسيل

و من أبطال العقيدة الإسلامية صيفي بن فسيل الذي ضرب أروع الأمثلة للإيمان فقد سعي به إلى الطاغية زياد فلما جىء به إليه صاح به:

-يا عدو الله ما تقول في أبي تراب؟

-ما أعرف أبا تراب.

ص: 49

-ما أعرفك به؟

-أما تعرف عليّ بن أبي طالب؟

-بلى.

-فذاك أبو تراب.

-كلا ذاك أبو الحسن و الحسين.

و انبرى مدير شرطة زياد منكرا عليه:

«يقول لك الأمير هو أبو تراب،و تقول أنت لا!!»

فصاح به البطل العظيم مستهزئا منه و من أميره:

«و إن كذب الأمير أتريد أن أكذب؟و أشهد على باطل كما شهد.و تحطّم كبرياء الطاغية،و ضاقت به الأرض فقال له:

«و هذا أيضا مع ذنبك».

و صاح بشرطته:علي بالعصا،فأتوه بها،فقال له:

«ما قولك؟»

و انبرى البطل بكل بسالة و إقدام غير حافل به قائلا:

«أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين..».

و أوعز السفاك إلى جلاديه بضرب عاتقه حتى يلتصق بالأرض،فسعوا إليه بهراواتهم فضربوه ضربا مبرحا حتى وصل عاتقه إلى الأرض،ثم أمرهم بالكف عنه،و قال له:

«إيه ما قولك في علي؟»

و حسب الطاغية أن وسائل تعذيبه سوف تقلبه عن عقيدته فقال له:و الله لو شرحتني بالمواسي و المدى،ما قلت إلا ما سمعت مني».

و فقد السفاك إهابه فصاح به:

ص: 50

«لتلعنه أو لأضربن عنقك..».

و هتف صيفي يقول:

«إذا تضربها و الله قبل ذلك،فإن أبيت إلا أن تضربها رضيت بالله و شقيت أنت..».

و أمر به أن يوقر في الحديد،و يلقى في ظلمات السجون ثم بعثه مع حجر بن عدي فاستشهد معه.

-8-عبد الرحمن

و كان عبد الرحمن العنزي من خيار الشيعة و قد وقع في قبضة جلاوزة زياد فطلب منهم مواجهة معاوية لعلّه أن يعفو عنه فاستجابوا له و أرسلوه مخفورا إلى دمشق فلما مثل عند الطاغية قال له:

«إيه أخا ربيعة ما تقول في علي؟..»

«دعني و لا تسألني فهو خير لك..».

«و الله لا أدعك..».

فانبرى البطل الفذ يدلي بفضائل الإمام،و يشيد بمقامه قائلا:

«أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا،و الآمرين بالحق،و القائمين بالقسط، و العافين عن الناس».

و التاع معاوية فعرج نحو عثمان لعلّه أن ينال منه فيستحل إراقة دمه فقال له:

«ما قولك في عثمان؟».

فأجابه عن انطباعاته عن عثمان،فغاظ ذلك معاوية و صاح به:

«قتلت نفسك».

ص: 51

«بل إياك قتلت،و لا ربيعة بالوادي».

و ظن عبد الرحمن أن أسرته ستقوم بحمايته و إنقاذه،فلم ينبر إليه أحد و لما أمن منهم معاوية بعثه إلى الطاغية زياد،و أمره بقتله فبعثه زياد إلى«قس الناطف» فدفنه و هو حي.

لقد رفع هذا البطل العظيم راية الحق،و حمل معول الهدم على قلاع الظلم و الجور، و استشهد منافحا عن أقدس قضية في الإسلام.

هؤلاء بعض الشهداء من أعلام الشيعة الذين حملوا مشعل الحرية،و أضاءوا الطريق لغيرهم من الثوار الذين أسقطوا هيبة الحكم الأموي،و عملوا على إنقاضه.

المروّعون من أعلام الشيعة

و روّع معاوية طائفة كبيرة من الشخصيات البارزة من رؤساء الشيعة و فيما يلي بعضهم:

-1-عبد الله بن هاشم المرقال.

-2-عدي بن حاتم الطائي.

-3-صعصعة بن صوحان.

-4-عبد الله بن خليفة الطائي.

و قد أرهق معاوية هؤلاء الأعلام إرهاقا شديدا،فطاردتهم شرطته و أفزعتهم إلى حد بعيد و قد ذكرنا ما عانوه من الخطوب في كتابنا«حياة الإمام الحسن».

ترويع النساء

و لم يقتصر معاوية في تنكيله على السادة من رجال الشيعة،و إنما تجاوز ظلمه

ص: 52

إلى السيدات من نسائهم،فأشاع فيهن الذعر و الإرهاب،فكتب إلى بعض عماله بحمل بعضهن إليه،فحملت له هذه السيدات:

-1-الزرقاء بنت عدي.

-2-أم الخير البارقية.

-3-سودة بنت عمارة.

-4-أم البراء بنت صفوان.

-5-بكارة الهلالية.

-6-أروى بنت الحارث.

-7-عكرشة بنت الأطرش.

-8-الدارمية الحجونية.

و قد قابلهم معاوية بمزيد من التوهين و الإستخفاف،و أظهر لهن الجبروت و القدرة على الانتقام غير حافل بوهن المرأة و ضعفها،و قد ذكرنا ما جرى عليهن في مجلسه من التحقير في كتابنا«حياة الإمام الحسن».

هدم دور الشيعة

و أوعز معاوية إلى جميع عماله بهدم دور الشيعة،فقاموا بنقضها و تركوا شيعة آل البيت عليهم السّلام بلا مأوى يأوون إليه،و لم يكن هناك أي مبرر لهذه الإجراءات القاسية سوى تحويل الناس عن عترة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله.

حرمان الشيعة من العطاء

و من المآسي الكئيبة التي عانتها الشيعة في أيام معاوية أنه كتب إلى جميع

ص: 53

عماله نسخة واحدة جاء فيها:«أنظروا إلى من قامت عليه البينة أنه يحب عليا و أهل بيته فامحوه من الديوان و أسقطوا عطاءه و رزقه»و بادر عماله في الفحص في سجلاتهم فمن وجدوه محبا لآل البيت عليهم السّلام محوا اسمه و أسقطوا عطاءه.

عدم قبول شهادة الشيعة

و عمد معاوية إلى إسقاط الشيعة اجتماعيا فعهد إلى جميع عماله بعدم قبول شهادتهم في القضاء و غيره مبالغة في إذلالهم و تحقيرهم.

إبعاد الشيعة إلى خراسان

و أراد زياد بن أبيه تصفية الشيعة من الكوفة،و كسر شوكتهم فأجلى خمسين ألفا منهم إلى خراسان المقاطعة الشرقية في فارس و قد دق زياد بذلك أول مسمار في نعش الحكم الأموي،فقد أخذت تلك الجماهير التي أبعدت إلى فارس تعمل على نشر التشيع في تلك البلاد،حتى تحوّلت إلى مركز للمعارضة ضد الحكم الأموي، و هي التي أطاحت به تحت قيادة أبي مسلم الخراساني.

هذا بعض ما عانته الشيعة في عهد معاوية من صنوف التعذيب و الإرهاب، و كان ما جرى عليهم من المآسي الأليمة من أهم الأسباب في ثورة الإمام الحسين، فقد رفع علم الثورة لينقذهم من المحنة الكبرى التي امتحنوا بها و يعيد لهم الأمن و الاستقرار.

ص: 54

البيعة ليزيد
اشارة

و ختم معاوية حياته بأكبر إثم في الإسلام و أفظع جريمة في التأريخ،فقد أقدم غير متحرج على فرض خليعه يزيد خليفة على المسلمين يعيث في دينهم و دنياهم، و يخلد لهم الويلات و الخطوب،...و قد استخدم معاوية شتى الوسائل المنحطة في جعل الملك وراثة في أبنائه،و يرى الجاحظ أنه تشبّه بملوك الفرس و البزنطيين فحوّل الخلافة إلى ملك كسروي،و عصب قيصري..و قبل أن نعرض إلى تلك البيعة المشؤومة،و ما رافقها من الأحداث نذكر عرضا موجزا لسيرة يزيد،و ما يتصف به من القابليات الشخصية التي عجّت بذمها كتب التأريخ من يومه حتى يوم الناس هذا،و فيما يلي ذلك:

ولادة يزيد

ولد يزيد سنة(25)أو(26 ه)و قد دهمت الأرض شعلة من نار جهنم و زفيرها تحوط به دائرة السوء و غضب من الله،و هو أخبث إنسان وجد في الأرض فقد خلق للجريمة و الإساءة إلى الناس،و أصبح علما للانحطاط الخلقي و الظلم الاجتماعي و عنوانا بغيضا للاعتداء على الأمة و قهر إرادتها في جميع العصور،يقول الشيخ محمد جواد مغنية:«أما كلمة يزيد فقد كانت من قبل اسما لابن معاوية أما هي الآن عند الشيعة فإنها رمز للفساد و الاستبداد،و التهتك و الخلاعة و عنوان للزندقة و الإلحاد فحيث يكون الشر و الفساد فثم اسم يزيد،و حيثما يكون الخير و الحق و العدل فثم اسم الحسين».

و قد أثر عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنه نظر إلى معاوية يتبختر في بردة حبرة و ينظر إلى

ص: 55

عطفيه فقال صلّى اللّه عليه و اله:«أي يوم لأمتي منك،و أي يوم سوء لذريتي منك من جرو يخرج من صلبك يتخذ آيات الله هزوا و يستحل من حرمتي ما حرّم الله تعالى».

نشأته

نشأ يزيد عند أخواله في البادية من بني كلاب الذين كانوا يعتنقون المسيحية قبل الإسلام،و كان مرسل العنان مع شبابه الماجنين،فتأثر بسلوكهم إلى حد بعيد فكان يشرب معهم الخمر و يلعب معهم بالكلاب،يقول العلايلي:«إذا كان يقينا أو يشبه اليقين أن تربية يزيد لم تكن إسلامية خالصة أو بعبارة أخرى كانت مسيحية خالصة،فلم يبق ما يستغرب معه أن يكون متجاوزا مستهترا مستخفا بما عليه الجماعة الإسلامية،لا يحسب لتقاليدها و اعتقاداتها أي حساب،و لا يقيم لها وزنا بل الذي نستغرب أن يكون على غير ذلك».

و الذي نراه أن نشأته كانت نشأة جاهلية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة،و لا تحمل أي طابع من الدين مهما كان،فإن استهتاره في الفحشاء و إمعانه في المنكر و الإثم مما يوحي إلى الاعتقاد بذلك.

صفاته:

أما صفاته الجسمية فقد كان شديد الأدمة بوجهه آثار الجدري كما كان ضخما ذا سمنة كثير الشعر و أما صفاته النفسية فقد ورث صفات جده أبي سفيان و أبيه معاوية من الغدر و النفاق،و الطيش و الإستهتار يقول السيد مير علي الهندي:

«و كان يزيد قاسيا غدارا كأبيه،و لكنه ليس داهية مثله كانت تنقصه القدرة على تغليف تصرفاته القاسية بستار من اللباقة الدبلو ماسية الناعمة و كانت طبيعته

ص: 56

المنحلة،و خلقه المنحط لا تتسرب إليهما شفقة و لا عدل..كان يقتل و يعذب نشدانا للمتعة و اللذة التي يشعر بها،و هو ينظر إلى آلام الآخرين،و كان بؤرة لأبشع الرذائل،و ها هم ندماؤه من الجنسين خير شاهد على ذلك..لقد كانوا من حثالة المجتمع..».

لقد كان جافي الخلق مستهترا،بعيدا عن جميع القيم الإنسانية،و من أبرز ذاتياته ميله إلى إراقة الدماء،و الإساءة إلى الناس ففي السنة الأولى من حكمه القصير أباد عترة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و في السنة الثانية أباح المدينة ثلاثة أيام و قتل سبعمائة رجل من المهاجرين و الأنصار و عشرة آلاف من الموالي و العرب و التابعين.

ولعه بالصيد

و من مظاهر صفات يزيد ولعه بالصيد فكان يقضي أغلب أوقاته فيه،و يقول المؤرخون:

«كان يزيد بن معاوية كلفا بالصيد لاهيا به،و كان يلبس كلاب الصيد الأساور من الذهب و الجلال المنسوجة منه،و يهب لكل كلب عبدا يخدمه».

شغفه بالقرود

و كان يزيد-فيما أجمع عليه المؤرخون-ولعا بالقرود،فكان له قرد يجعله بين يديه و يكنيه بأبي قيس،و يسقيه فضل كأسه،و يقول:هذا شيخ من بني إسرائيل أصابته خطيئة فمسخ،و كان يحمله على أتان وحشية و يرسله مع الخيل في حلبة السباق،فحمله يوما فسبق الخيل فسر بذلك و جعل يقول:

ص: 57

تمسك أبا قيس بفضل زمامها فليس عليها إن سقطت ضمان

فقد سبقت خيل الجماعة كلها و خيل أمير المؤمنين أتان

و أرسله مرة في حلبة السباق فطرحته الريح فمات فحزن عليه حزنا شديدا و أمر بتكفينه و دفنه كما أمر أهل الشام أن يعزوه بمصابه الأليم،و انشأ راثيا له:

كم من كرام و قوم ذوو محافظة جاءوا لنا ليعزوا في أبي قيس

شيخ العشيرة أمضاها و أحملها على الرؤوس و في الأعناق و الريس

لا يبعد الله قبرا أنت ساكنه فيه جمال و فيه لحية التيس

و ذاع بين الناس هيامه و شغفه بالقرود حتى لقّبوه بها،و يقول رجل من تنوخ هاجيا له:

يزيد صديق القرد ملّ جوارنا فحنّ إلى أرض القرود يزيد

فتبا لمن أمسى علينا خليفة صحابته الأدنون منه قرود

إدمانه على الخمر

و الظاهرة البارزة من صفات يزيد إدمانه على الخمر،و قد أسرف في ذلك إلى حد كبير فلم ير في وقت إلا و هو ثمل لا يعي من السكر،و من شعره في الخمر:

أقول لصحب ضمّت الكأس شملهم و داعي صبابات الهوى يترنم

خذوا بنصيب من نعيم و لذة فكل و إن طال المدى يتصرم

و جلس يوما على الشراب و عن يمينه ابن زياد بعد قتل الحسين فقال:

إسقني شربة تروي شاشي ثم صل ملء فاسق مثلها ابن زياد

صاحب السر و الأمانة عندي و لتسديد مغنمي و جهادي

و في عهده طرأ تحوّل كبير على شكل المجتمع الإسلامي فقد ضعف ارتباط

ص: 58

المجتمع بالدين،و انغمس الكثيرون من المسلمين في الدعارة و المجون و لم يكن ذلك التغيير إقليميا،و إنما شمل جميع الأقاليم الإسلامية فقد سادت فيها الشهوات و المتعة و الشراب،و قد تغيرت الإتجاهات الفكرية التي ينشدها الإسلام عند أغلب المسلمين.

و قد اندفع الأحرار من شعراء المسلمين في أغلب عصورهم إلى هجاء يزيد لإدمانه على الخمر،يقول الشاعر ابن عرادة:

أبني أمية أن آخر ملككم جسد بحوّراين ثمّ مقيم

طرقت منيته و عند وساده كوب وزق راعف مرثوم

و مرنة تبكي على نشوانه بالصنج تقعد تارة و تقوم

و يقول فيه أنور الجندي:

خلقت نفسه الأثيمة بالمكر و هامت عيناه بالفحشاء

فهو الكأس في عناق طويل و هو و العار و الخناء في خباء

و يقول فيه بولس سلامة:

و ترفق بصاحب العرش مشغولا عن الله بالقيان الملاح

ألف«الله أكبر»لا تساوي بين كفي يزيد نهلة راح

تتلظى في الدن بكرا فلم تدنس بلثم و لا بماء قراح

لقد عاقر يزيد الخمر،و أسرف في الإدمان حتى أن بعض المصادر تعزو سبب وفاته إلى أنه شرب كمية كبيرة منه فأصابه انفجار فهلك منه.

ندماؤه:

و اصطفى يزيد جماعة من الخلعاء و الماجنين فكان يقضي معهم لياليه الحمراء بين الشراب و الغناء و في طليعة ندمائه الأخطل الشاعر المسيحي الخليع فكانا

ص: 59

يشربان و يسمعان الغناء،و إذا أراد السفر صحبه معه و لما هلك يزيد و آل أمر الخلافة إلى عبد الملك بن مروان قرّبه فكان يدخل عليه بغير استئذان،و عليه جبة خز،و في عنقه سلسلة من ذهب،و الخمر يقطر من لحيته.

نصيحة معاوية ليزيد

و لما شاع استهتار يزيد و اقترافه لجميع ألوان المنكر و الفساد،استدعاه معاوية فأوصاه بالتكتم في نيل الشهوات لئلا تسقط مكانته الاجتماعية،قائلا:

يا بني ما أقدرك على أن تصير إلى حاجتك من غير تهتك يذهب بمروؤتك و قدرك ثم أنشده:

إنصب نهارا في طلاب العلى و اصبر على هجر الحبيب القريب

حتى إذا الليل أتى بالدجى و اكتحلت بالغمض عين الرقيب

فباشر الليل بما تشتهي فإنما الليل نهار الأريب

كم فاسق تحسبه ناسكا قد باشر الليل بأمر عجيب

دفاع محمد عزة دروزة:

من الكتاب الذين يحملون النزعة الأموية في هذا العصر محمد عزة دروزة فقد جهد نفسه-مع الأسف-على الدفاع عن منكرات الأمويين و تبرير ما أثر عنهم من الظلم و الجور و الفساد،و قد دافع عن معاوية و نزّهه عما اقترفه من الموبقات التي هي لطخة عار في تأريخ الإنسانية...و قد علّق على هذه البادرة بقوله:«نحن ننزّه معاوية صاحب رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و كاتب وحيه،و الذي أثرت عنه مخافة الله و تقواه و حرصه،عن أن يرضى من ابنه الشذوذ عن هذه الحدود بل التشجيع بل نستبعد هذا عن يزيد»و هذا مما يدعو إلى السخرية و التفكه،فقد تنكر دروزة للواضحات

ص: 60

التي لا يشك فيها أي إنسان يملك عقله و اختياره،و قديما قد قيل:

و ليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

إن ما أثر عن معاوية من الأحداث الجسام كقتله حجر بن عدي،و رشيد الهجري و عمرو بن الحمق الخزاعي و نظرائهم من المؤمنين،و سبه للعترة الطاهرة، و نكايته بالأمة بفرض يزيد خليفة عليها و غير ذلك من الجرائم التي ألمحنا إلى بعضها في البحوث السابقة و هي مما تدل على تشويه إسلامه و انحرافه عن الطريق القويم،و لكن دروزة و أمثاله لا ينظرون إلى الواقع إلا بمنظار أسود فراحوا يقدّسون الأمويين الذين أثبتوا بتصرفاتهم السياسية و الإدارية أنهم خصوم الإسلام و أعداؤه.

إقرار معاوية لاستهتار يزيد

و هام معاوية بحب ولده يزيد فأقرّه على فسقه و فجوره،و لم يردعه عنه و يقول المؤرخون:إنه نقل له أن ولده على الشراب فأتاه يتجسس عليه فسمعه ينشد:

أقول لصحب ضمت الكأس شملهم و داعي صبابات الهوى يترنم

خذوا بنصيب من نعيم و لذة فكل و إن طال المدى يتصرم

و لا تتركوا يوم السرور إلى غد فإن غدا يأتي بما ليس يعلم

ألا أن أهنأ العيش ما سمحت به صروف الليالي و الحوادث نوم

فعاد معاوية إلى مكانه و لم يعلمه بنفسه،و راح يقول:

و الله لا كنت عليه،و لا نغصت عليه عيشه

ص: 61

حقد يزيد على النبي صلّى اللّه عليه و آله

و أترعت نفس يزيد بالحقد على النبي صلّى اللّه عليه و آله و البغض له،لأنه وتره بأسرته يوم بدر،و لما أباد العترة الطاهرة جلس على أريكة الملك جذلانا مسرورا يهز أعطافه فقد استوفى ثأره من النبي صلّى اللّه عليه و آله و تمنى حضور أشياخه ليروا كيف أخذ بثأرهم و جعل يترنم بأبيات ابن الزبعري:

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من أشياخهم و عدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل

لست من خندف إن لم انتقم من بني أحمد ما كان فعل

بغض يزيد للأنصار

و كان يزيد يبغض الأنصار بغضا عارما لأنهم ناصروا النبي صلّى اللّه عليه و اله و قاتلوا قريشا،و حصدوا رؤوس أعلامهم،كما كانوا يبغضون بني أمية فقد قتل عثمان بين ظهرانيهم و لم يدافعوا عنه،ثم بايعوا عليا،و ذهبوا معه إلى صفين لحرب معاوية،و لما استشهد الإمام كانوا من أهم العناصر المعادية لمعاوية،و كان يزيد يتميز من الغيظ عليهم و طلب من كعب بن جعيل التغلبي أن يهجوهم فامتنع و قال له:

«أردتني إلى الإشراك بعد الإيمان،لا أهجو قوما نصروا رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و لكن أدلك

ص: 62

على غلام منا نصراني كأن لسانه لسان ثور-يعني الأخطل-».

فدعا يزيد الأخطل،و طلب منه هجاء الأنصار فأجابه إلى ذلك،و هجاهم بهذه الأبيات المقذعة:

لعن الإله من اليهود عصابة ما بين صليصل و بين صرار

قوم إذا هدر القصير رأيتهم حمرا عيونهم من المسطار

خلوا المكارم لستم من أهلها و خذوا مساحيكم بني النجار

إن الفوارس يعلمون ظهوركم أولاد كل مقبح أكار

ذهبت قريش بالمكارم كلها و اللؤم تحت عمائم الأنصار

لقد ابتدأ الأخطل هجاءه للأنصار بذم اليهود و قرن بينهم و بين الأنصار لأنهم يساكنونهم في يثرب،و قد عاب على الأنصار بأنهم أهل زرع و فلاحة و أنهم ليسوا أهل مجد و لا مكارم و اتهمهم بالجبن عند اللقاء،و نسب الشرف و المجد إلى القرشيين و اللؤم كله تحت عمائم الأنصار،و قد أثار هذا الهجاء المر حفيظة النعمان بن بشير الذي هو أحد عملاء الأمويين،فانبرى غضبانا إلى معاوية فلما مثل عنده حسر عمامته عن رأسه و قال:

«يا معاوية أترى لؤما؟».

«لا بل أرى خيرا و كرما،فما ذاك؟!!»

زعم الأخطل أن اللؤم تحت عمائمنا!!»

و اندفع النعمان يستجلب عطف معاوية قائلا:

معاوي ألا تعطنا الحق تعترف لحق الأزد مسدولا عليها العمائم

أيشتمنا عبد الأراقم ضلة فما ذا الذي تجدي عليك الأراقم

فمالي ثأر دون قطع لسانه فدونك من ترضيه عنه الدراهم

قال معاوية:

ص: 63

-ما حاجتك؟

-لسانه.

-ذلك لك.

و بلغ الخبر الأخطل فأسرع إلى يزيد مستجيرا به و قال له:هذا الذي كنت أخافه فطمأنه يزيد و ذهب إلى أبيه،فأخبره بأنه قد أجاره،فقال معاوية:لا سبيل إلى ذمة أبي خالد-يعني يزيدا-فعفا عنه،و جعل الأخطل يفخر برعاية يزيد له،و يشمت بالنعمان بقوله:

أبا خالد دافعت عني عظيمة و أدركت لحمي قبل أن يتبددا

و أطفأت عني نار نعمان بعد ما أغد لأمر عاجز و تجردا

و لما رأى النعمان دوني ابن حرة طوى الكشح إذ لم يستطعني و عردا

هذه بعض نزعات يزيد و اتجاهاته،و قد كشفت عن مسخه و تمرسه في الجريمة و تجرده من كل خلق قويم...و إن من مهازل الزمن و عثرات الأيام أن يكون هذا الخليع حاكما على المسلمين و إماما لهم.

دعوة المغيرة لبيعة يزيد

و أول من تصدى لهذه البيعة المشؤومة أعور ثقيف المغيرة بن شعبة صاحب الأحداث و الموبقات في الإسلام و قد وصفه بركلمان بأنه رجل إنتهازي لا ذمة له و لا ذمام و هو أحد دهاة العرب الخمسة و قد قضى حياته في التآمر على الأمة، و السعي وراء مصالحه الخاصة.

أما السبب في دعوته لبيعة يزيد-فيما يرويه المؤرخون-فهو أن معاوية أراد عزله من الكوفة ليولّي عليها سعيد بن العاص فلما بلغه ذلك سافر إلى دمشق ليقدم

ص: 64

استقالته من منصبه حتى لا تكون حزازة عليه في عزله،و أطال التفكير في أمره فرأى أن خير وسيلة لإقراره في منصبه أن يجتمع بيزيد فيحبذ له الخلافة حتى يتوسط في شأنه إلى أبيه و التقى الماكر بيزيد فأبدى له الإكبار،و أظهر له الحب، و قال له:

قد ذهب أعيان محمد صلّى اللّه عليه و اله و كبراء قريش و ذوو أسنانهم،و إنما بقي أبناؤهم، و أنت من أفضلهم و أحسنهم رأيا،و أعلمهم بالسنّة و السياسة،و لا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة؟..».

و غزت هذه الكلمات قلب يزيد فشكره و أثنى على عواطفه،و قال له:

-أترى ذلك يتم؟

-نعم.

و انطلق يزيد مسرعا إلى أبيه فأخبره بمقالة المغيرة،فسر معاوية بذلك و أرسل خلفه،فلما مثل عنده أخذ يحفزه على المبادرة في أخذ البيعة ليزيد قائلا:

«يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كان من سفك الدماء و الاختلاف بعد عثمان و في يزيد منك خلف فاعقد له،فإن حدث بك حدث كان كهفا للناس،و خلفا منك،و لا تسفك دماء،و لا تكون فتنة».

و أصابت هذه الكلمات الوتر الحساس في قلب معاوية فراح يخادعه مستشيرا في الأمر قائلا:

-من لي بهذا؟

-أكفيك أهل الكوفة،و يكفيك زياد أهل البصرة،و ليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك.

و استحسن معاوية رأيه فشكره عليه و أقره على منصبه و أمره بالمبادرة إلى الكوفة لتحقيق غايته،و لما خرج من عند معاوية قال لحاشيته:

ص: 65

لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد صلّى اللّه عليه و اله و فتقت عليه فتقا لا يرتق ثم تمثل بقول الشاعر:

بمثلي شاهد النجوى و غالى بي الأعداء و الخصم الغضابا

ففي سبيل المغنم فتق المغيرة على أمة محمد صلّى اللّه عليه و آله فتقا لا يرتق،و أخلد لها الكوارث و الخطوب.

و سار المغيرة إلى الكوفة،و هو يحمل الشر و الدمار لأهلها و لعموم المسلمين، وفور وصوله عقد اجتماعا ضم عملاء الأمويين فعرض عليهم بيعة يزيد فأجابوه إلى ذلك،و أوفد جماعة منهم إلى دمشق و جعل عليهم ولده أبا موسى،فلما انتهوا إلى معاوية حفّزوه على عقد البيعة ليزيد،فشكرهم على ذلك و أوصاهم بالكتمان، و التفت إلى ابن المغيرة فقال له:

-بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟

-بثلاثين ألف درهم.

فضحك معاوية و قال ساخرا:

-لقد هان عليهم دينهم.

ثم أوصلهم بثلاثين ألف درهم لقد استجاب لهذه البيعة و رضي بها كل من يحمل ضميرا قلقا عرضه للبيع و الشراء.

ص: 66

تبرير معاوية
اشارة

و دافع جماعة من المؤلفين و الكتاب عن معاوية و برروا بيعته ليزيد التي كانت من أفجع النكبات التي مني بها العالم الإسلامي،و فيما يلي بعضهم:

-1-أحمد دحلان

و من أصلب المدافعين عن معاوية أحمد دحلان قال:«فلما نظر معاوية إلى قوة شوكتهم-يعني الأمويين-و استحكام عصبيتهم حتى أنهم لو خرجت الخلافة عنهم بعده يحدثون فتنة و يقع افتراق للأمة فأراد اجتماع الكلمة بجعل الأمر فيهم، ثم إنه نظر فيمن كان منهم أقوى شوكة فرآه ابنه يزيد لأنه كان كبيرا،و باشر إمارة الجيوش في حياة أبيه و صارت له هيبة عند الأمراء،و له تمكن،و نفاذ كلمة فلو جعل الأمر لغيره منهم كان ذلك سببا لمنازعته لا سيما و له تمكن و اقتدار على الاستيلاء على ما في بيت المال من الأموال فيقع الإفتراق و الإختلاف لو جعل الأمر لغيره، فرأى أن جعل الأمر له بهذا الإجتهاد يكون سببا للألفة،و عدم الإفتراق و هذا هو السبب في جعله ولي عهده،و لم يعلم ما يبديه الله بعد ذلك..».

حفنة من التراب على أمثال هؤلاء الذين دفعتهم العصبية الآثمة إلى تبرير المنكر و توجيه الباطل،فهل أن أمر الخلافة التي هي ظل الله في الأرض يعود إلى الأمويين حتى يرعى معاوية عواطفهم و رغباتهم و هم الذين ناهضوا نبي الإسلام،و ناجزوه

ص: 67

الحرب،و عذّبوا كل من دخل في دين الإسلام فكيف يكون أمر الخلافة بأيديهم و لو كان هناك منطق و وعي ديني لكانوا في ذيل القافلة و لا يحسب لهم أي حساب.

-2-الدكتور عبد المنعم:

و من المبررين لمعاوية في بيعته ليزيد الدكتور عبد المنعم ماجد قال:«و يبدو أن معاوية قصد من وراء توريث يزيد الخلافة القضاء على افتراق كلمة الأمة الإسلامية،و وقوع الفتنة مثلما حدث بعد عثمان،و لعله أيضا أراد أن يوجد حلا للمسألة التي تركها النبي صلّى اللّه عليه و اله دون حل و هي إيجاد سلطة دائمة للإسلام و من المحقق أن معاوية لم يكن له مندوحة من أن يفعل ذلك خوفا من غضب بني أمية الذين لم يكونوا يرضون بتسليم الأمر إلى سواهم..«و هذا الرأي لا يحمل أي طابع من التوازن فإن معاوية في بيعته ليزيد لم يجمع كلمة المسلمين و إنما فرّقها و أخلد لهم الشر و الخطوب فقد عانت الأمة-في عهد يزيد-من ضروب البلاء و المحن ما لا يوصف لفظاعته و مرارته،فقد جهد حفيد أبي سفيان على تدمير الإسلام،و سحق جميع مقدساته و قيمه،فأباد العترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم حسب النصوص النبوية المتواترة و أنزل بأهل المدينة في واقعة الحرة من الجرائم ما تندى له جبين الإنسانية،فهل جمع بذلك معاوية كلمة المسلمين و وحّد صفوفهم و مما يدعو إلى السخرية ما ذهب إليه من أن النبي صلّى اللّه عليه و اله ترك مسألة الخلافة بغير حل فجاء معاوية فحل هذه العقدة،ببيعته ليزيد!!إن النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يترك أي شأن من شؤون أمته بغير حل و إنما وضع لها الحلول الحاسمة،و كان أهم ما عنى به شأن الخلافة فقد عهد بها إلى أفضل أمته و باب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و قد بايعه كبار الصحابة و عموم من كان معه في يوم الغدير،و لكن القوم كرهوا اجتماع النبوة و الخلافة في بيت واحد فزووا الخلافة عن أهل بيت نبيهم فأدى ذلك

ص: 68

أن يلي أمر المسلمين يزيد و أمثاله من المنحرفين الذين أثبتوا في تصرفاتهم أنهم لا علاقة لهم بالإسلام،و لا عهد لهم بالدين.

-3-حسين محمد يوسف:

و من المدافعين-بحرارة-عن معاوية في ولايته ليزيد حسين محمد يوسف و قد أطال الكلام-بغير حجة-في ذلك،قال في آخر حديثه:«و خلاصة القول في موقف معاوية أنه كان مجتهدا في رأيه،و أنه حين دعا الأمة إلى بيعة يزيد،كان حسن الظن به لأنه لم يثبت عنده أي نقص فيه،بل كان يزيد يدس على أبيه من يحسّن له حاله،حتى اعتقد أنه أولى من أبناء بقية الصحابة كلهم فإن كان معاوية قد أصاب في اختياره فله أجران،و إن كان قد أخطأ فله أجر واحد،و ليس لأحد بعد ذلك أن يخوض فيما وراء ذلك فإنما الأعمال بالنيات و لكل امرىء ما نوى».

إن من المؤسف-حقا-أن ينبري هؤلاء لتبرير معاوية في اقترافه لهذه الجريمة النكراء التي أغرقت العالم الإسلامي بالفتن و الخطوب..و متى اجتهد معاوية في فرض ابنه خليفة على المسلمين؟فقد سلك في سبيل ذلك جميع المنعطفات و الطرق الملتوية،فأرغم عليها المسلمين،و فرضها عليهم تحت غطاء مكثف من قوة الحديد...إن معاوية لم يجتهد في ذلك،و إنما استجاب لعواطفه المترعة بالحنان و الولاء لولده من دون أن يرعى أي مصلحة للأمة في ذلك.

هؤلاء بعض المؤيدين لمعاوية في عقده البيعة ليزيد،و هم مدفوعون بدافع غريب على الإسلام،و بعيد كل البعد عن منطق الحق.

كلمة الحسن البصري

و شجب الحسن البصري بيعة يزيد،و جعلها من جملة موبقات معاوية قال:

ص: 69

«أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة:انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم،و فيهم بقايا الصحابة و ذوو الفضيلة،و استخلاف ابنه بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير، و يضرب بالطنابير،و ادعاؤه زيادا،و قد قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:الولد للفراش و للعاهر الحجر،و قتله حجرا و أصحابه ويل له من حجر و أصحابه..».

كلمة ابن رشد

و يرى الفيلسوف الكبير ابن رشد أن بيعة معاوية ليزيد قد غيّرت مجرى الحياة الإسلامية و هدمت الحكم الصالح في الإسلام،قال:«إن أحوال العرب في عهد الخلفاء الراشدين كانت على غاية من الصلاح فكأنما وصف أفلاطون حكومتهم في (جمهوريته)الحكومة الجمهورية الصحيحة التي يجب أن تكون مثالا لجميع الحكومات،و لكن معاوية هدم ذلك البناء الجليل القديم،و أقام مكانه دولة بني أمية و سلطانها الشديد ففتح بذلك بابا للفتن التي لا تزال إلى الآن قائمة حتى في بلادنا هذه-يعني الأندلس-».

لقد نقم على معاوية في بيعة يزيد جميع أعلام الفكر و قادة الرأي في الأمة الإسلامية منذ عهد معاوية حتى يوم الناس هذا،و وصفوها بأنها اعتداء صارخ على الأمة و خروج على إرادتها.

دوافع معاوية

أما الدوافع التي دعت معاوية لفرض ابنه السكير خليفة على المسلمين فكان من أبرزها الحب العارم لولده،فقد هام بحبه،و قد أدلى بذلك في حديثه مع سعيد بن

ص: 70

عثمان حينما طلب منه أن يرشحه للخلافة،و يدع ابنه يزيد،فسخر منه معاوية و قال له:

«و الله«لو ملئت لي الغوطة رجالا مثلك لكان يزيد أحب إلي منكم كلكم..».

لقد أعماه حبه لولده،و أضله عن الحق،و قد قال:

«لو لا هواي في يزيد لأبصرت رشدي..».

و كان يؤمن بأن استخلافه ليزيد من أعظم ما اقترفه من الذنوب،و قد صارح ولده بذلك فقال له:

«ما ألقى الله بشيء أعظم في نفسي من استخلافي إياك».

لقد اقترف معاوية وزرا عظيما فيما جناه على الأمة بتحويل الخلافة إلى ملك عضوض لا يعنى فيه بإرادة الأمة و اختيارها.

الوسائل الدبلوماسية في أخذ البيعة
اشارة

أما الوسائل الدبلوماسية التي اعتمد عليها معاوية في فرض خليعه على المسلمين فهي:

-1-استخدام الشعراء

أما الشعراء فكانوا في ذلك العصر-من أقوى أجهزة الأعلام و قد أجزل لهم معاوية العطاء،و أغدق عليهم الأموال فانطلقت ألسنتهم بالمديح و الثناء على يزيد فأضافوا إليه الصفات الرفيعة،و خلعوا عليه النعوت الحسنة،و فيما يلي بعضهم:

العجاج:

ص: 71

و مدحه العجاج مدحا عاطرا فقال فيه:

إذا زلزل الأقوام لم تزلزل عن دين موسى و الرسول المرسل

و كنت سيف الله لم يفلل يفرع أحيانا و حينا يختلي

و معنى هذا الشعر أن يزيد يقتفي أثر الرسول موسى و النبي محمد صلّى اللّه عليه و اله و أنه سيف الله البتار إلا أنه كان مشهورا على أولياء الله و أحبائه.

الأحوس:

و مدحه الشاعر الأحوس بقصيدة جاء فيها:

ملك تدين له الملوك مبارك كادت لهيبته الجبال تزول

يجبى له بلخ و دجلة كلها و له الفرات و ما سقى و النيل

لقد جاءته تلك الهيبة التي تخضع لها الجباه،و تزول منها الجبال من إدمانه على الخمر و مزاملته للقرود،و لعبه بالكلاب و اقترافه للجرائم و الموبقات.

مسكين الدارمي:

و من الشعراء المرتزقة مسكين الدارمي،و قد أوعز إليه معاوية أن يحثه على بيعة يزيد أمام من كان عنده من بني أمية و أشراف أهل الشام،فدخل مسكين على معاوية فلما رأى مجلسه حاشدا بالناس رفع عقيرته:

إن أدع مسكينا فإني ابن معشر من الناس أحمي عنهم و أذود

ألا ليت شعري ما يقول ابن عامر و مروان أم ماذا يقول سعيد

بني خلفاء الله مهلا فإنما يبوئها الرحمن حيث يريد

إذا المنبر الغربي خلاه ربه فإن أمير المؤمنين يزيد

على الطائر الميمون و الجد ساعد لكل أناس طائر و جدود

فلا زلت أعلى الناس كعبا و لم تزل وفود تساميها إليك وفود

و لا زال بيت الملك فوقك عاليا تشيد أطناب له و عمود

ص: 72

هؤلاء بعض الشعراء الذين مدحوا يزيد،و افتعلوا له المآثر لتغطية ما ذاع عنه من الدعارة و المجون.

بذل الأموال للوجوه

و أنفق معاوية الأموال الطائلة بسخاء للوجوه و الأشراف ليقروه على فرض ولده السكير خليفة على المسلمين،و يقول المؤرخون:إنه أعطى عبد الله بن عمر مائة ألف درهم فقبلها منه و كان ابن عمر من أصلب المدافعين عن بيعة يزيد و قد نقم على الإمام الحسين عليه السّلام خروجه عليه،و سنذكر ذلك بمزيد من التفصيل في البحوث الآتية.

مراسلة الولاة

و راسل معاوية جميع عماله و ولاته في الأقاليم الإسلامية بعزمه على عقد البيعة ليزيد،و أمرهم بتنفيذ مايلي:

-1-إذاعة ذلك بين الجماهير الشعبية،و إعلامها بما صممت عليه حكومة دمشق من عقد الخلافة ليزيد.

-2-الإيعاز للخطباء و سائر أجهزة الإعلام بالثناء على يزيد،و افتعال المآثر له.

-3-إرسال الوفود إليه من الشخصيات الإسلامية حتى يتعرف على رأيها في البيعة ليزيد و قام الولاة بتنفيذ ما عهد إليهم،فأذاعوا ما صمم عليه معاوية من عقد البيعة ليزيد،كما أوعز للخطباء و غيرهم بالثناء على يزيد.

ص: 73

وفود الأقطار الإسلامية:

و اتصلت الحكومات المحلية في الأقطار الإسلامية بقادة الفكر فعرضت عليهم ما عزم عليه معاوية من تولية ولده للخلافة،و طلبوا منهم السفر فورا إلى دمشق لعرض آرائهم على معاوية،و سافرت الوفود إلى دمشق و كان في طليعتهم.

-1-الوفد العراقي بقيادة زعيم العراق الأحنف بن قيس.

-2-الوفد المدني بقيادة محمد بن عمرو بن حزم.

و انتهت الوفود إلى دمشق لعرض آرائها على عامل الشام،و قد قام معاوية بضيافتهم و الإحسان إليهم.

مؤتمر الوفود الإسلامية:

و عقدت وفود الأقطار الإسلامية مؤتمرا في البلاط الأموي في دمشق لعرض آرائها في البيعة ليزيد،و قد افتتح المؤتمر معاوية بالثناء على الإسلام،و لزوم طاعة ولاة الأمور،ثم ذكر يزيد و فضله،و علمه بالسياسة و دعاهم لبيعته.

المؤيدون للبيعة:

و انبرت كوكبة من أقطاب الحزب الأموي فأيدوا معاوية و حثوه على الإسراع للبيعة و هم:

-1-الضحاك بن قيس.

ص: 74

-2-عبد الرحمن بن عثمان.

-3-ثور بن معن السلمي.

-4-عبد الله بن عصام.

-5-عبد الله بن مسعدة.

و كان معاوية قد عهد إليهم بالقيام بتأييده،و الرد على المعارضين له.

خطاب الأحنف بن قيس

و انبرى إلى الخطابة زعيم العراق و سيد تميم الأحنف بن قيس الذي تقول فيه ميسون أم يزيد:«لو لم يكن في العراق إلا هذا لكفاهم»و تقدم فحمد الله و أثنى عليه ثم التفت إلى معاوية قائلا:

«أصلح الله أمير المؤمنين إن الناس في منكر زمان قد سلف،و معروف زمان مؤتنف،و يزيد بن أمير المؤمنين نعم الخلف،و قد حلبت الدهر أشطره.

يا أمير المؤمنين فاعرف من تسند إليه الأمر من بعدك،ثم أعص أمر من يأمرك، و لا يغررك من يشير عليك،و لا ينظر لك،و أنت أنظر للجماعة،و أعلم باستقامة الطاعة مع أن أهل الحجاز و أهل العراق لا يرضون بهذا،و لا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيا..».

و أثار خطاب الأحنف موجة من الغضب و الإستياء عند الحزب الأموي فاندفع الضحاك بن قيس منددا به،و شتم أهل العراق،و قدح بالإمام الحسن،و دعا الوفد العراقي إلى الإخلاص لمعاوية و الامتثال لما دعا إليه،و لم يعن به الأحنف فقام ثانيا فنصح معاوية و دعاه إلى الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه من تسليم الأمر إلى الحسن من بعده حسب اتفاقية الصلح التي كان من أبرز بنودها إرجاع الخلافة من

ص: 75

بعده إلى الإمام الحسن كما أنه هدد معاوية بإعلان الحرب إذا لم يف بذلك:

فشل المؤتمر

و فشل المؤتمر فشلا ذريعا بعد خطاب الزعيم الكبير الأحنف بن قيس،و وقع نزاع حاد بين أعضاء الوفود و أعضاء الحزب الأموي،و انبرى يزيد بن المقفع فهدد المعارضين باستعمال القوة قائلا:

«أمير المؤمنين هذا-و أشار إلى معاوية-فإن هلك فهذا-و أشار إلى يزيد-و من أبى فهذا-و أشار إلى السيف-».

فاستحسن معاوية قوله و راح يقول له:

«اجلس فأنت سيد الخطباء و أكرمهم».

و لم يعن به الأحنف بن قيس فانبرى إلى معاوية فدعاه إلى الإمساك عن بيعة يزيد،و أن لا يقدم أحدا على الحسن و الحسين،و أعرض عنه معاوية،و بقي مصرا على فكرته التي هي أبعد ما تكون عن الإسلام.

و على أي حال فإن المؤتمر لم يصل إلى النتيجة التي أرادها معاوية فقد استبان له أن بعض الوفود الإسلامية لا تقره على هذه البيعة و لا ترضى بها.

سفر معاوية ليثرب

و قرر معاوية السفر إلى يثرب التي هي محط أنظار المسلمين،و فيها أبناء الصحابة الذين يمثلون الجبهة المعارضة للبيعة،فقد كانوا لا يرون يزيدا ندا لهم، و إن أخذ البيعة له خروج على إرادة الأمة،و انحراف عن الشريعة الإسلامية التي لا

ص: 76

تبيح ليزيد أن يتولى شؤون المسلمين لما عرف به من الإستهتار و تفسخ الأخلاق.

و سافر معاوية إلى يثرب في زيارة رسمية،و تحمّل أعباء السفر لتحويل الخلافة الإسلامية إلى ملك عضوض لا ظل فيه للحق و العدل.

اجتماع مغلق

وفور وصول معاوية إلى يثرب أمر بإحضار عبد الله بن عباس،و عبد الله بن جعفر،و عبد الله بن الزبير،و عبد الله بن عمر،و عقد معهم اجتماعا مغلقا،و لم يحضر معهم الحسن و الحسين لأنه قد عاهد الحسن أن تكون الخلافة له من بعده فكيف يجتمع به،و ماذا يقول له؟و قد أمر حاجبه أن لا يسمح لأي أحد بالدخول عليه حتى ينتهي حديثه معهم.

كلمة معاوية:

و ابتدأ معاوية الحديث بحمد الله و الثناء عليه،و صلّى على نبيه ثم قال:

«أما بعد؛فقد كبر سني،و وهن عظمي،و قرب أجلي،و أوشكت أن أدعى فأجيب؟ و قد رأيت أن أستخلف بعدي يزيد،و رأيته لكم رضى و أنتم عبادلة قريش، و خيارهم،و أبناء خيارهم،و لم يمنعني أن أحضر حسنا و حسينا إلا أنهما أولاد أبيهما علي،على حسن رأي فيهما و شدة محبتي لهما فردّوا على أمير المؤمنين خيرا رحمكم الله..».

و لم يستعمل معهم الشدة و الإرهاب استجلابا لعواطفهم و لم يخف عليهم ذلك، فانبروا جميعا إلى الإنكار عليه.

ص: 77

كلمة عبد الله بن عباس:

و أول من كلّمه عبد الله بن عباس فقال بعد حمد الله و الثناء عليه:

«أما بعد:فإنك قد تكلمت فأنصتنا و قلت فسمعنا،و إن الله جل ثناؤه و تقدّست أسماؤه إختار محمدا صلّى اللّه عليه و اله لرسالته،و اختاره لوحيه و شرّفه على خلقه فأشرف الناس من تشرّف به،و أولاهم بالأمر أخصهم به،و إنما على الأمة التسليم لنبيها إذا اختاره الله لها،فإنه إنما اختار محمدا بعلمه،و هو العليم الخبير،و أستغفر الله لي و لكم..».

و كانت دعوة ابن عباس صريحة في إرجاع الخلافة لأهل البيت عليهم السّلام الذين هم ألصق الناس برسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أمسّهم به رحما،فإن الخلافة إنما هي امتداد لمركز رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فأهل بيته أحق بمقامه و أولى بمكانته.

كلمة عبد الله بن جعفر:

و انبرى عبد الله بن جعفر فقال بعد حمد الله و الثناء عليه:

«أما بعد:فإن هذه الخلافة إن أخذ فيها بالقرآن فأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله،و إن أخذ فيها بسنة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فأولو رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و إن أخذ فيها بسنة الشيخين أبي بكر و عمر فأي الناس أفضل و أكمل و أحق بهذا الأمر من آل الرسول صلّى اللّه عليه و اله؟و أيم الله لو ولّوه بعد نبيهم لوضعوا الأمر موضعه لحقه و صدقه،و لأطيع الرحمن،و عصي الشيطان،و ما اختلف في الأمة سيفان، فاتق الله يا معاوية فإنك قد صرت راعيا و نحن رعية فانظر لرعيتك فإنك مسؤول

ص: 78

عنها غدا،و أما ما ذكرت من ابني عمي،و تركك أن تحضرهما،فو الله ما أصبت الحق،و لا يجوز ذلك إلا بهما،و إنك لتعلم أنهما معدن العلم و الكرم فقل أودع، و أستغفر الله لي و لكم..».

و حفل هذا الخطاب بالدعوة إلى الحق و الإخلاص للأمة فقد رشح أهل البيت عليهم السّلام للخلافة و قيادة الأمة،و حذّره من صرفها عنهم كما فعل غيره من الخلفاء فكان من جراء ذلك أن منيت الأمة بالأزمات و النكسات و عانت أعنف المشاكل و أقسى الحوادث.

كلمة عبد الله بن الزبير:

و انطلق عبد الله بن الزبير للخطابة فحمد الله و أثنى عليه و قال:

«أما بعد:فإن هذه الخلافة لقريش خاصة تتناولها بمآثرها السنية و أفعالها المرضية،مع شرف الآباء و كرم الأبناء،فاتق الله يا معاوية و أنصف نفسك فإن هذا عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و هذا عبد الله بن جعفر ذو الجناحين ابن عم رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أنا عبد الله بن الزبير ابن عمة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و علي خلّف حسنا و حسينا و أنت تعلم من هما و ما هما؟فاتق الله يا معاوية،و أنت الحاكم بيننا و بين نفسك..».

و قد رشّح ابن الزبير هؤلاء النفر للخلافة،و قد حفّزهم بذلك لمعارضة معاوية و إفساد مهمته.

كلمة عبد الله بن عمر:

و اندفع عبد الله بن عمر فقال بعد حمد الله و الصلاة على نبيه:

ص: 79

«أما بعد،فإن هذه الخلافة ليست بهرقلية،و لا قيصرية،و لا كسروية يتوارثها الأبناء عن الآباء،و لو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي فو الله ما أدخلني مع الستة من أصحاب الشورى،إلا على أن الخلافة ليست شرطا مشروطا و إنما هي في قريش خاصة لمن كان لها أهلا ممن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ممن كان أتقى و أرضى،فإن كنت تريد الفتيان من قريش فلعمري أن يزيد من فتيانها،و اعلم أنه لا يغني عنك من الله شيئا..».

و لم تعبّر كلمات العبادلة عن شعورهم الفردي،و إنما عبّرت تعبيرا صادقا عن رأي الأغلبية الساحقة من المسلمين الذين كرهوا خلافة يزيد،و لم يرضوا بها.

كلمة معاوية:

و ثقل على معاوية كلامهم،و لم يجد ثغرة ينفذ منها للحصول على رضاهم، فراح يشيد بابنه فقال:

«قد قلت و قلتم و إنه قد ذهبت الآباء،و بقيت الأبناء فابني أحب إلي من أبنائهم،مع أن ابني إن قاولتموه وجد مقالا..و إنما كان هذا الأمر لبني عبد مناف لأنهم أهل رسول الله فلما مضى رسول الله ولّى الناس أبا بكر و عمر من غير معدن الملك و الخلافة غير أنهما سارا بسيرة جميلة ثم رجع الملك إلى بني عبد مناف فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة،و قد أخرجك الله يابن الزبير،و أنت يابن عمر منها،فأما ابنا عمي هذان فليسا بخارجين من الرأي إن شاء الله..».

و انتهى اجتماع معاوية بالعبادلة،و قد أخفق فيه إخفاقا ذريعا،فقد استبان له أن القوم مصممون على رفض بيعة يزيد..و على أثر ذلك غادر يثرب،و لم تذكر المصادر التي بأيدينا اجتماعه بسبطي رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فقد أهملت ذلك و أكبر الظن

ص: 80

أنه لم يجتمع بهما.

فزع المسلمين:

و ذعر المسلمون حينما و افتهم الأنباء بتصميم معاوية على فرض ابنه خليفة عليهم،و كان من أشد المسلمين خوفا المدنيون و الكوفيون،فقد عرفوا واقع يزيد، و وقفوا على اتجاهاته المعادية للإسلام،يقول توماس آرنولد:«كان تقرير معاوية للمبدأ الوراثي نقلة خطيرة في حياة المسلمين الذين ألفوا البيعة و الشورى،و النظم الأولى في الإسلام و هم بعد قريبون منها و لهذا أحسوا-و خاصة في مكة و المدينة حيث كانوا يتمسكون بالأحاديث و السنن النبوية الأولى-أن الأمويين نقلوا الخلافة إلى حكم زمني متأثر بأسباب دنيوية مطبوع بالعظمة و حب الذات بدلا من أن يحتفظوا بتقوى النبي و بساطته».

لقد كان إقدام معاوية على فرض ابنه يزيد حاكما على المسلمين تحولا خطيرا في حياة المسلمين الذين لم يألفوا مثل هذا النظام الثقيل الذي فرض عليهم بقوة السلاح.

ص: 81

الجبهة المعارضة
اشارة

و أعلن الأحرار و المصلحون في العالم الإسلامي رفضهم القاطع لبيعة يزيد، و لم يرضوا به حاكما على المسلمين،و فيما يلي بعضهم:

1-الإمام الحسين:
اشارة

و في طليعة المعارضين لبيعة يزيد الإمام الحسين فقد كان يحتقر يزيد،و يكره طباعه الذميمة،و وصفه بأنه صاحب شراب و قنص،و أنه قد لزم طاعة الشيطان، و ترك طاعة الرحمن،و أظهر الفساد و عطل الحدود و استأثر بالفيء،و أحلّ حرام الله و حرّم حلاله و إذا كان بهذه الضعة فكيف يبايعه و يقرّه حاكما على المسلمين، و لما دعاه الوليد إلى بيعة يزيد قال له الإمام:«أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة،و مختلف الملائكة بنا فتح الله،و بنا يختم،و يزيد رجل فاسق،شارب الخمر،و قاتل النفس المحترمة،معلن بالفسق،و مثلي لا يبايع مثله».

و رفض بيعة يزيد جميع أفراد الأسرة النبوية تبعا لزعيمهم العظيم،و لم يشذوا عنه.

الحرمان الاقتصادي:

و قابل معاوية الأسرة النبوية بحرمان اقتصادي عقوبة لهم لا متناعهم عن بيعة

ص: 82

يزيد،فقد حبس عنهم العطاء سنة كاملة و لكن ذلك لم يثنهم عن عزمهم في شجب البيعة و رفضها.

2-عبد الرحمن بن أبي بكر:

و من الذين نقموا على بيعة يزيد عبد الرحمن بن أبي بكر،فقد وسمها بأنها هرقلية كلما مات هرقل قام مكانه هرقل آخر و أرسل إليه معاوية مائة ألف درهم ليشتري بها ضميره فأبى و قال:لا أبيع ديني.

-3-عبد الله بن الزبير:

و رفض عبد الله بن الزبير بيعة يزيد،و وصفه بقوله:«يزيد الفجور،و يزيد القرود،و يزيد الكلاب،و يزيد النشوات،و يزيد الفلوات»و لما أجبرته السلطة المحلية في يثرب على البيعة فرّ منها،إلى مكة.

-4-المنذر بن الزبير:

و كره المنذر بن الزبير بيعة يزيد،و شجبها،و أدلى بحديث له عن فجور يزيد أمام أهل المدينة فقال:«إنه قد أجازني بمائة ألف،و لا يمنعني ما صنع بي أن أخبركم خبره و الله إنه ليشرب الخمر،و الله إنه ليسكر حتى يدع الصلاة».

-5-عبد الرحمن بن سعيد:

و امتنع عبد الرحمن بن سعيد من البيعة ليزيد،و قال في هجائه:

لست منا و ليس خالك منا يا مضيع الصلاة للشهوات

ص: 83

-6-عابس بن سعيد:

و رفض عابس بن سعيد بيعة يزيد،حينما دعاه إليها عبد الله بن عمرو بن العاص،فقال له:«أنا أعرف به منك،و قد بعت دينك بدنياك».

-7-عبد الله بن حنظلة:

و كان عبد الله بن حنظلة من أشد الناقمين على البيعة ليزيد،و كان من الخارجين عليه في وقعة الحرة،و قد خاطب أهل المدينة فقال لهم:«فو الله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء..إن رجلا ينكح الأمهات و البنات،و يشرب الخمر،و يدع الصلاة و الله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاءا حسنا..»و كان يرتجز في تلك الواقعة:

بعدا لمن رام الفساد و طغى و جانب الحق و آيات الهدى

لا يبعد الرحمن إلا من عصى

ص: 84

موقف الأسرة الأموية:
اشارة

و نقمت الأسرة الأموية على معاوية في عقده البيعة ليزيد،و لكن لم تكن نقمتهم عليه مشفوعة بدافع ديني أو اجتماعي،و إنما كانت من أجل مصالحهم الشخصية الخاصة،لأن معاوية قلّد ابنه الخلافة و حرمهم منها،و فيما يلي بعض الناقمين:

-1-سعيد بن عثمان

و حينما عقد معاوية البيعة ليزيد أقبل سعيد بن عثمان إلى معاوية و قد رفع عقيرته قائلا:

«علام جعلت ولدك يزيد ولي عهدك فو الله لأبي خير من أبيه،و أمي خير من أمه، و أنا خير منه،و قد وليناك فما عزلناك،و بنا نلت ما نلت..».

فرواغ معاوية و قال له:

«أما قولك إن أباك خير من أبيه فقد صدقت،لعمر الله إن عثمان لخير مني،و أما قولك إن أمك خير من أمه فحسب المرأة أن تكون في بيت قومها و ان يرضاها بعلها،و ينجب ولدها،و أما قولك إنك خير من يزيد،فو الله ما يسرني أن لي بيزيد ملء الغوطة ذهبا مثلك و أما قولك إنكم وليتموني فما عزلتموني فما وليتموني إنما و لاني من هو خير منكم عمر بن الخطاب فأقررتموني،و ما كنت بئس الوالي لكم، لقد قمت بثأركم،و قتلت قتلة أبيكم،و جعلت الأمر فيكم و أغنيت فقيركم،و رفعت الوضيع منكم..».

و كلّمه يزيد فأرضاه،و جعله واليا على خراسان.

ص: 85

-2-مروان بن الحكم

و شجب مروان بن الحكم البيعة ليزيد،و تقديمه عليه فقد كان شيخ الأمويين و زعيمهم،فقال له:

«أقم يا ابن أبي سفيان و اهدأ من تأميرك الصبيان،و اعلم أن لك في قومك نظراء و أن لهم على مناوأتك وزرا».

فخادعه معاوية و قال له:

«أنت نظير أمير المؤمنين بعده،و في كل شدة عضده،فقد وليتك قومك، و أعظمنا في الخراج سهمك،و إنا مجير و وفدك و محسنو رفدك».

و قال مروان لمعاوية:«جئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم».

-3-زياد بن أبيه

و كره زياد بن أبيه بيعة معاوية لولده،و ذلك لما عرف به من الاستهتار و الخلاعة و المجون و يقول المؤرخون:إن معاوية كتب إليه يدعوه إلى أخذ البيعة بولاية العهد ليزيد،و أنه ليس أولى من المغيرة بن شعبة،فلما قرأ كتابة دعا برجل من أصحابه كان يأتمنه حيث لا يأتمن أحدا غيره فقال له:إني أريد أن أئتمنك على ما لم أئتمن عليه بطون الصحائف إئت معاوية و قل له يا أمير المؤمنين إن كتابك ورد علي بكذا،فما ذا يقول الناس إنا دعوناهم إلى بيعة يزيد،و هو يلعب بالكلاب و القرود،و يلبس المصبغ،و يد من الشراب،و يمسي على الدفوف،و يحضرهم-أي الناس-الحسين بن علي،و عبد الله بن عباس،و عبد الله بن الزبير،و عبد الله بن عمر،و لكن تأمره أن يتخلق بأخلاق هؤلاء حولا أو حولين،فعسانا أن نموه على الناس،و سار الرسول إلى معاوية فأدى إليه رسالة زياد فاستشاط غضبا،و راح

ص: 86

يتهدده و يقول:

«و يلي على ابن عبيد لقد بلغني أن الحادي حداله أن الأمير بعدي زياد،و الله لأردّنه إلى أمه سمية و إلى أبيه عبيد.».

هؤلاء بعض الناقدين لمعاوية من الأسرة الأموية و غيرهم في توليته لخليعه يزيد خليفة على المسلمين.

إيقاع الخلاف بين الأمويين:

و اتبع معاوية سياسة التفريق بين الأمويين حتى يصفو الأمر لولده يزيد،فقد عزل عامله على يثرب سعيد بن العاص،و استعمل مكانه مروان بن الحكم،ثم عزل مروان و استعمل سعيدا مكانه،و أمره بهدم داره،و مصادرة أمواله،فأبى سعيد من تنفيذ ما أمره به معاوية فعزله،و ولّى مكانه مروان،و أمره بمصادرة أموال سعيد و هدم داره فلما همّ مروان بتنفيذ ما عهد إليه أقبل إليه سعيد و أطلعه على كتاب معاوية في شأنه فامتنع مروان من القيام بما أمره معاوية،و كتب سعيد إلى معاوية رسالة يندد فيها بعمله و قد جاء فيها:

«العجب مما صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا له أن يضغن بعضنا على بعض...

فأمير المؤمنين في حمله و صبره على ما يكره من الأخبثين،و عفوه و إدخاله القطيعة بنا،و الشحناء و توارث الأولاد ذلك».

و علّق عمر أبو النصر على سياسة التفريق التي اتبعها معاوية مع أسرته بقوله:

«إن سبب هذه السياسة هو رغبة معاوية في إيقاع الخلاف بين أقاربه الذين يخشى نفوذهم على يزيد من بعده فكان يضرب بعضهم ببعض حتى يظلوا بحاجة إلى عطفه و عنايته..».

ص: 87

تجميد البيعة:

و جمّد معاوية رسميا البيعة ليزيد إلى أجل آخر حتى يتم له إزالة الحواجز و السدود التي تعترض طريقه،و يقول المؤرخون:إنه بعد ما التقى بعبادلة قريش في يثرب و اطلع على آرائهم المعادية لما ذهب إليه أوقف كل نشاط سياسي في ذلك و أرجأ العمل إلى وقت آخر.

اغتيال الشخصيات الإسلامية:
اشارة

و رأى معاوية أنه لا يمكن بأي حال تحقيق ما يصبو إليه من تقليد ولده الخلافة مع وجود الشخصيات الرفيعة التي تتمتع باحترام بالغ في نفوس المسلمين فعزم على القيام باغتيالهم ليصفو له الجو فلا يبقى أمامه أي مزاحم و قد قام باغتيال الذوات التالية:

-1-سعد بن أبي وقاص

و لسعد المكانة العليا في نفوس الكثيرين من المسلمين فهو أحد أعضاء الشورى و فاتح العراق،و قد ثقل مركزه على معاوية فدس إليه سما فمات منه.

-2-عبد الرحمن بن خالد

و أخلص أهل الشام لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد و أحبوه كثيرا و قد شاورهم

ص: 88

معاوية فيمن يعقد له البيعة بعد وفاته،فقالوا له:رضينا بعبد الرحمن بن خالد، فشق ذلك عليه و أسرّها في نفسه،و مرض عبد الرحمن،فأمر معاوية طبيبا يهوديا كان مكينا عنده أن يأتيه للعلاج فيسقيه سقية تقتله،فسقاه الطبيب فمات على أثر ذلك.

-3-عبد الرحمن بن أبي بكر

و كان عبد الرحمن بن أبي بكر من أقوى العناصر المعادية لبيعة معاوية لولده، و قد أنكر عليه ذلك،و بعث إليه معاوية بمائة ألف درهم فردّها عليه،و قال:لا أبيع ديني بدنياي و لم يلبث أن مات فجأة بمكة و تعز المصادر سبب وفاته إلى أن معاوية دس إليه سما فقتله.

-4-الإمام الحسن

و قام معاوية باقتراف أعظم جريمة و إثم في الإسلام،فقد عمد إلى اغتيال سبط النبي صلّى اللّه عليه و اله و ريحانته الإمام الحسن عليه السّلام الذي عاهده بأن يكون الخليفة من بعده...

و لم يتحرج الطاغية من هذه الجريمة في سبيل إنشاء دولة أموية تنتقل بالوراثة إلى أبنائه و أعقابه،و قد وصفه«الميجر أو زبورن»بأنه مخادع و ذا قلب خال من كل شفقة،و أنه كان لا يتهيب من الإقدام على أية جريمة من أجل أن يضمن مركزه فالقتل إحدى وسائله لإزالة خصومه و هو الذي دبر تسميم حفيد الرسول صلّى اللّه عليه و اله كما تخلص من مالك الأشتر قائد علي بنفس الطريقة.

و قد استعرض الطاغية السفاكين ليعهد إليهم القيام باغتيال ريحانة النبي صلّى اللّه عليه و اله

ص: 89

فلم ير أحدا خليقا بارتكاب الجريمة سوى جعيدة بنت الأشعث فإنها من بيت قد جبل على المكر و طبع على الغدر و الخيانة،فأرسل إلى مروان بن الحكم سما فاتكا كان قد جلبه من ملك الروم،و أمره بأن يغري جعيدة بالأموال،و زواج ولده يزيد إذا استجابت له،و فاوضها مروان سرا،ففرحت،فأخذت منه السم،و دسته للإمام و كان صائما في وقت ملتهب من شدة الحر،و لما وصل إلى جوفه تقطعت أمعاؤه، و التفت إلى الخبيثة فقال لها:

«قتلتيني قتلك الله،و الله لا تصيبن مني خلفا،لقد غرّك-يعني معاوية-و سخر منك يخزيك الله،و يخزيه..».

و أخذ حفيد الرسول صلّى اللّه عليه و اله يعاني الآلام الموجعة من شدة السم،و قد ذبلت نضارته و اصفر لونه،حتى وافاه الأجل المحتوم،و قد ذكرنا تفصيل وفاته مع ما رافقها من الأحداث في كتابنا(حياة الإمام الحسن) (1).2.

ص: 90


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:158/2.
إعلان البيعة رسميا ليزيد

و صفا الجو لمعاوية بعد اغتياله لسبط الرسول صلّى اللّه عليه و آله و ريحانته،فقد قضى على من كان يحذر منه،و قد استتبت له الأمور،و خلت الساحة من أقوى المعارضين له، و كتب إلى جميع عماله أن يبادروا دونما أي تأخير إلى أخذ البيعة ليزيد،و يرغموا المسلمين على قبولها،و أسرع الولاة في أخذ البيعة من الناس،و من تخلّف عنها نال أقصى العقوبات الصارمة.

مع المعارضين في يثرب:

و امتنعت يثرب من البيعة ليزيد،و أعلن زعماؤها و على رأسهم الإمام الحسين عليه السّلام رفضهم القاطع للبيعة،و رفعت السلطة المحلية ذلك إلى معاوية فرأى أن يسافر إلى يثرب ليتولى بنفسه إقناع المعارضين،فإن أبوا أجبرهم على ذلك، و اتجه معاوية إلى يثرب في موكب رسمي تحوطه قوة هائلة من الجيش،و لما انتهى إليها استقبله أعضاء المعارضة فجفاهم و هددهم و في اليوم الثاني أرسل إلى الإمام الحسين و إلى عبد الله بن عباس،فلما مثلا عنده قابلهما بالتكريم و الحفاوة، و أخذ يسأل الحسين عليه السّلام عن أبناء أخيه و الإمام يجيبه ثم خطب معاوية فأشاد بالنبي صلّى اللّه عليه و اله و أثنى عليه،و عرض إلى بيعة يزيد و منح ابنه الألقاب الفخمة و النعوت الكريمة و دعاهما إلى بيعته.

ص: 91

خطاب الإمام الحسين عليه السلام

و انبرى أبي الضيم فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

«أما بعد:يا معاوية فلن يؤدي المادح و إن أطنب في صفة الرسول صلّى اللّه عليه و اله من جميع جزءا،و قد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله صلّى اللّه عليه و اله من إيجاز الصفة،و التنكب عن استبلاغ النعت،و هيهات هيهات يا معاوية!!فضح الصبح فحمة الدجى،و بهرت الشمس أنوار السرج و لقد فضلت حتى أفرطت،و استأثرت حتى أجحفت،و منعت حتى بخلت،و جرت حتى جاوزت،ما بذلت لذي حق من اسم حقه من نصيب،حتى أخذ الشيطان حظه الأوفر،و نصيبه الأكمل.

و فهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله،و سياسته لأمة محمد صلّى اللّه عليه و اله تريد أن توهم الناس في يزيد كأنك تصف محجوبا أو تنعت غائبا،أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص،و قد دلّك يزيد من نفسه على موقع رأيه،فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش و الحمام السبق لأترابهن،و القيان ذوات المعازف،و ضروب الملاهي تجده ناصرا.

ودع عنك ما تحاول فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه، فو الله ما برحت تقدح باطلا في جور،و حنقا في ظلم،حتى ملأت الأسقية،و ما بينك و بين الموت إلا غمضة فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود،و لات حين مناص، و رأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر،و متعتنا عن آبائنا تراثا،و لعمر الله أورثنا الرسول صلّى اللّه عليه و اله ولادة،و جئت لنا بها ما حججتم به القائم عند موت الرسول فأذعن للحجة بذلك ورده الإيمان إلى النصف فركبتم الأعاليل،و فعلتم الأفاعيل و قلتم كان و يكون حتى أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك فهناك فاعتبروا يا

ص: 92

أولي الأبصار.

و ذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و تأميره له،و قد كان ذلك و لعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول و بيعته له،و ما صار لعمر الله يومئذ مبعثهم حتى أنف القوم إمرته،و كرهوا تقديمه و عدوا عليه أفعاله،فقال صلّى اللّه عليه و اله:

لا جرم يا معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري،فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحكام،و أولاها بالمجتمع عليه من الصواب؟أم كيف صاحبت بصاحب تابعا،و حولك من لا يؤمن في صحبته،و لا يعتمد في دينه و قرابته،و تتخطاهم إلى مسرف مفتون،تريد أن تلبس الناس شبهة يسعد بهذا الباقي في دنياه و تشقى بها في آخرتك،إن هذا لهو الخسران المبين،و أستغفر الله لي و لكم...».

و فنّد الإمام في خطابه جميع شبهات معاوية و سد عليه جميع الطرق و النوافذ، و حمّله المسؤولية الكبرى فيما أقدم عليه من إرغام المسلمين على البيعة لولده، كما عرض للخلافة و ما منيت به من الإنحراف عما أرادها الله من أن تكون في العترة الطاهرة إلا أن القوم زووها عنهم،و حرفوها عن معدنها الأصيل.

و ذهل معاوية من خطاب الإمام،و ضاقت عليه جميع السبل فقال لابن عباس:

«ما هذا يابن عباس؟».

«لعمر الله إنها لذرية الرسول صلّى اللّه عليه و اله و أحد أصحاب الكساء،و من البيت المطهر قاله عما تريد،فإن لك في الناس مقنعا حتى يحكم الله بأمره و هو خير الحاكمين..».

و نهض أبي الضيم و ترك معاوية يتميز من الغيظ،و قد استبان له أنه لا يتمكن أن يخدع الإمام الحسين و يأخذ البيعة منه.

ص: 93

إرغام المعارضين:

و غادر معاوية يثرب متجها إلى مكة و هو يطيل التفكير في أمر المعارضين فرأى أن يعتمد على وسائل العنف و الإرهاب،و حينما وصل إلى مكة أحضر الإمام الحسين،و عبد الله بن الزبير،و عبد الرحمن بن أبي بكر و عبد الله بن عمر و عرض عليهم مرة أخرى البيعة إلى يزيد فأعلنوا رفضهم لها،فانبرى إليهم مغضبا و قال:

«إني أتقدم إليكم أنه قد أعذر من أنذر إني كنت أخطب فيكم فيقوم إلي القائم منكم فيكذّبني على رؤوس الناس فأحمل ذلك و أصفح،و إني قائم بمقالة فأقسم بالله لئن رد علي أحدكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف إلى رأسه،فلا يسبقني رجل إلا على نفسه..».

و دعا صاحب حرسه بحضرتهم فقال له:أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين،و مع كل واحد سيف فإن ذهب رجل منهم يرد عليّ كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفيهما،ثم خرج و خرجوا معه فرقى المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

«إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين و خيارهم لا يبتز أمر دونهم،و لا يقضى إلا عن مشورتهم،و إنهم رضوا و بايعوا ليزيد،فبايعوا على اسم الله..».

فبايعه الناس،ثم ركب رواحله،و غادر مكة و قد حسب معاوية أن الأمر قد تم لولده،و استقر الملك في بيته،و لم يعلم أنه قد جر الدمار على دولته،و أعد المجتمع للثورة على حكومة ولده.

موقف الإمام الحسين:

كان موقف الإمام الحسين مع معاوية يتسم بالشدة و الصرامة،فقد أخذ يدعو

ص: 94

المسلمين بشكل سافر إلى مناهضة معاوية،و يحذّرهم من سياسته الهدامة الحاملة لشارات الدمار إلى الإسلام.

وفود الأقطار الإسلامية:

و أخذت الوفود تترى على الإمام من جميع الأقطار الإسلامية و هي تعج بالشكوى إليه و تستغيث به مما ألم بها من الظلم و الجور،و تطلب منه القيام بإنقاذها من الاضطهاد،و نقلت الإستخبارات في يثرب إلى السلطة المحلية تجمع الناس و اختلافهم على الإمام الحسين،و كان الوالي مروان ففزع من ذلك و خاف إلى حد بعيد.

مذكرة مروان لمعاوية:

و رفع مروان مذكرة لمعاوية سجّل فيها تخوفه من تحرك الإمام،و اختلاف الناس عليه،و هذا نصها:

«أما بعد فقد كثر اختلاف الناس إلى الحسين،و الله إني لأرى لكم منه يوما عصيبا».

جواب معاوية:

و أمره معاوية بعدم القيام بأي حركة مضادة للإمام فقد كتب إليه:

«أترك حسينا ما تركك،و لم يظهر لك عداوته،و يبدي صفحته،و اكمن عنه

ص: 95

كمون الثرى إن شاء الله و السلام..».

لقد خاف معاوية من تطور الأحداث،فعهد إلى مروان بعدم التعرض له بأي أذى أو مكروه.

رأي مروان في إبعاد الإمام:

و اقترح مروان على معاوية إبعاد الإمام عن يثرب و فرض الإقامة الجبرية عليه في الشام،ليقطعه عن الاتصال بأهل العراق،و لم يرتض معاوية ذلك فرد عليه:

«أردت و الله أن تستريح منه و تبتليني به،فإن صبرت عليه صبرت على ما أكره و إن أسأت إليه قطعت رحمه..».

رسالة معاوية للحسين:

و اضطرب معاوية من تحرك الإمام و اختلاف الناس عليه فكتب إليه رسالة،و قد رويت بصورتين:

-1-رواها البلاذري و هذا نصها:«أما بعد:فقد أنهيت إلي عنك أمور إن كانت حقا فإني لم أظنها بك رغبة عنها،و إن كانت باطلة فأنت أسعد الناس بمجانبتها،و بحظ نفسك تبدأ،و بعهد الله توفي فلا تحملني على قطيعتك و الإساءة إليك،فإنك متى تنكرني أنكرك،و متى تكدني أكدك فاتق الله يا حسين في شق عصا الأمة،و أن تردهم في فتنة..».

-2-رواها ابن كثير و هذا نصها:«إن من أعطى الله صفقة يمينه و عهده لجدير بالوفاء،و قد أنبئت أن قوما من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق،و أهل العراق من

ص: 96

قد جربت،قد أفسدوا على أبيك و أخيك،فاتق الله،و اذكر الميثاق فإنك متى تكدني أكدك».

و احتوت هذه الرسالة حسب النص الأخير على ما يلي:

-1-إن معاوية قد طالب الإمام بتنفيذ ما شرطه عليه في بنود الصلح أن لا يخرج عليه،و قد وفى له الإمام بذلك إلا أن معاوية لم يف بشيء مما أبرمه على نفسه من شروط الصلح.

-2-إن معاوية كان على علم بوفود أهل الكوفة التي دعت الإمام للخروج عليه و قد وسمهم بأنهم أهل الشقاق و أنهم قد غدروا بعلي و الحسن من قبل.

-3-التهديد السافر للإمام بأنه متى كاد معاوية فإنه يكيده.

جواب الإمام:

و رفع الإمام إلى معاوية مذكرة خطيرة كانت جوابا لرسالته حمّله مسؤوليات جميع ما وقع في البلاد من سفك الدماء،و فقدان الأمن،و تعريض الأمة للأزمات، و هي من أروع الوثائق الرسمية التي حفلت بذكر الأحداث التي صدرت من معاوية و هذا نصها:

«أما بعد:فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور أنت عنها راغب و أنا بغيرها عندك جدير،و إن الحسنات لا يهدي لها و لا يسدد إليها إلا الله تعالى.

أما ما ذكرت أنه رقي إليك عني،فإنه إنما رقاه إليك الملاقون المشاؤون بالنميمة،المفرقون بين الجمع،و كذب الغاوون،ما أردت لك حربا،و لا عليك خلافا، و إني لأخشى الله في ترك ذلك منك،و من الإعذار فيه إليك و إلى أوليائك القاسطين حزب الظلمة.

ص: 97

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة و أصحابه المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم،و يستعظمون البدع،و يأمرون بالمعروف،و ينهون عن المنكر،و لا يخافون في الله لومة لائم،ثم قتلتهم ظلما و عدوانا،من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلظة و المواثيق المؤكدة،جراءة على الله و استخفافا بعهده.

أو لست قاتل عمرو بن الحمق الخزاعي صاحب رسول الله صلّى اللّه عليه و اله العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه و اصفر لونه،فقتلته بعد ما أمّنته و أعطيته ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال.

أو لست بمدّعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف،فزعمت أنه ابن أبيك،و قد قال رسول الله صلّى اللّه عليه و اله:الولد للفراش و للعاهر الحجر فتركت سنّة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله تعمدا و تبعث هواك بغير هدى من الله ثم سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم و يقطع أيديهم و أرجلهم،و يسمل أعينهم،و يصلبهم على جذوع النخل،كأنك لست من هذه الأمة و ليسوا منك.

أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه إليك زياد أنه على دين علي كرم الله وجهه فكتبت إليه أن اقتل كل من كان على دين علي،فقتلهم،و مثّل بهم بأمرك، و دين علي هو دين ابن عمه صلّى اللّه عليه و اله الذى أجلسك مجلسك الذي أنت فيه،و لو لا ذلك لكان شرفك و شرف آبائك تجشم الرحلتين رحلة الشتاء و الصيف.

و قلت فيما قلت أنظر لنفسك و دينك و لأمة محمد صلّى اللّه عليه و اله و اتق شق عصا هذه الأمة، و أن تردهم إلى فتنة،و إني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها،و لا أعظم لنفسي ولديني و لأمة محمد صلّى اللّه عليه و اله أفضل من أن أجاهرك،فإن فعلت فإنه قربة إلى الله،و إن تركته فإني أستغفر الله لديني،و أسأله توفيقه لإرشاد أمري.

و قلت فيما قلت إني إن أنكرتك تنكرني،و إن أكدك تكدني فكدني ما بدالك.فإني أرجو أن لا يضرني كيدك،و أن لا يكون على أحد أضر منه على نفسك،لأنك قد

ص: 98

ركبت جهلك و تحرّصت على نقض عهدك.

و لعمري ما وفيت بشرط،و لقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح و الأيمان و العهود و المواثيق فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا و قتلوا،و لم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا و تعظيمهم حقنا،مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوا،أو ماتوا قبل أن يدركوا.

فأبشر يا معاوية بالقصاص،و استيقن بالحساب،و اعلم أن لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها،و ليس الله بناس لأخذك بالظنة و قتلك أولياءه على التهم،و نفيك إياهم من دورهم إلى دار الغربة و أخذك الناس ببيعة ابنك الغلام الحدث يشرب الشراب،و يلعب بالكلاب ما أراك إلا قد خسرت نفسك،و تبرّت دينك و غششت رعيتك و سمعت مقالة السفيه الجاهل و أخفت الورع التقي و السلام».

لا أكاد أعرف وثيقة سياسية في ذلك العهد عرضت لعبث السلطة و سجّلت الجرائم التي ارتكبها معاوية،و الدماء التي سفكها،و النفوس التي أرعبها غير هذه الوثيقة،و هي صرخة في وجه الظلم و الإستبداد و لله كم هي هذه الكلمة رقيقة شاعرة(كأنك لست من هذه الأمة و ليسوا منك)هذه الكلمة المشبعة بالشعور القومي الشريف و قديما قال الصابيء:«إن الرجل من قوم ليست له أعصاب تقسو عليهم،و هو اتهام من الحسين لمعاوية في وطنيته و قوميته،و اتخذ من الدماء الغزيرة المسفوكة عنوانا على ذلك».

لقد حفلت هذه المذكرة بالأحداث الخطيرة التي اقترفها معاوية و عماله خصوصا زياد ابن سمية الذي نشر الإرهاب و الظلم بين الناس فقتل على الظنة و التهمة،و أعدم كل من كان على دين الإمام أمير المؤمنين الذي هو دين ابن عمه رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و قد أسرف هذا الطاغية في سفك الدماء بغير حق،و من الطبيعي أنه لم يقترف ذلك إلا بإيعاز من معاوية فهو الذي عهد إليه بذلك.

ص: 99

صدى الرسالة:

و لما انتهت رسالة الإمام إلى معاوية ضاق بها ذرعا،و راح يراوغ على عادته و يقول:«إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا».

المؤتمر السياسي العام:

و عقد الإمام في مكة مؤتمرا سياسيا عاما دعا فيه جمهورا غفيرا ممن شهد موسم الحج من المهاجرين و الأنصار و التابعين و غيرهم من سائر المسلمين فانبرى عليه السّلام خطيبا فيهم،و تحدث ببليغ بيانه بما ألم بعترة النبي صلّى اللّه عليه و اله و شيعتهم من المحن و الخطوب التي صبها عليهم معاوية و ما اتخذه من الإجراءات المشددة من إخفاء فضائلهم،و ستر ما أثر عن الرسول الأعظم في حقهم و ألزم حضار مؤتمره بإذاعة ذلك بين المسلمين،و فيما يلي نص حديثه فيما رواه سليم بن قيس قال:

«و لما كان قبل موت معاوية بسنة حج الحسين بن علي،و عبد الله بن عباس، و عبد الله بن جعفر،فجمع الحسين بني هاشم و نساءهم و مواليهم،و من حج من الأنصار ممن يعرفهم الحسين و أهل بيته،ثم أرسل رسلا،و قال لهم:لا تدعوا أحدا حج العام من أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه و اله المعروفين بالصلاح و النسك الا اجمعوهم لي،فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل و هم في سرادق،عامتهم من التابعين،و نحو من مائتي رجل من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و اله فقام فيهم خطيبا فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:أما بعد فإن هذا الطاغية-يعني معاوية-قد فعل بنا و بشيعتنا ما قد رأيتم،و علمتم و شهدتم،و إني أريد أن أسألكم عن شيء فإن صدقت فصدقوني،

ص: 100

و إن كذبت فكذبوني،إسمعوا مقالتي،و اكتبوا قولي،ثم ارجعوا إلى أمصاركم و قبائلكم،فمن أمنتم من الناس،و وثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا،فإني أتخوف أن يدرس هذا الأمر و يغلب،و الله متم نوره و لو كره الكافرون.

و ما ترك شيئا مما أنزله الله فيهم من القرآن إلا تلاه و فسّره و لا شيئا مما قاله رسول الله صلّى اللّه عليه و اله في أبيه و أخيه و في نفسه و أهل بيته إلا رواه.

و كل ذلك يقول أصحابه:اللّهم نعم،قد سمعنا و شهدنا،و يقول التابعي:اللّهم قد حدثني به من أصدقه و أئتمنه من الصحابة فقال عليه السّلام:

«أنشدكم الله إلا حدّثتم به من تثقون به و بدينه..».

و كان هذا المؤتمر أول مؤتمر إسلامي عرفه المسلمون في ذلك الوقت و قد شجب فيه الإمام سياسة معاوية و دعا المسلمين لإشاعة فضائل أهل البيت عليهم السّلام، و إذاعة مآثرهم التي حاولت السلطة حجبها عن المسلمين.

رسالة جعدة للإمام:

و كان جعدة بن هبيرة بن أبي وهب من أخلص الناس للإمام الحسين عليه السّلام، و أكثرهم مودة له و قد اجتمعت عنده الشيعة،و أخذوا يلحون عليه في مراسلة الإمام للقدوم إلى مصرهم ليعلن الثورة على حكومة معاوية،و رفع جعدة رسالة للإمام و هذا نصها:

«أما بعد:فإن من قبلنا من شيعتك متطلعة أنفسهم إليك،لا يعدلون بك أحدا،و قد كانوا عرفوا رأي الحسن أخيك في الحرب.و عرفوك باللين لأوليائك و الغلظة على أعدائك،و الشدة في أمر الله،فإن كنت تحب أن تطلب هذا الأمر فأقدم علينا فقد وطنّا أنفسنا على الموت معك.».

ص: 101

جواب الإمام:

و لم يكن من رأي الإمام الحسين الخروج على معاوية،و ذلك لعلمه بفشل الثورة و عدم نجاحها،فإن معاوية بما يملك من وسائل دبلوماسية و عسكرية لا بد أن يقضي عليها،و يخرجها من إطارها الإسلامي إلى حركة غير شرعية و يوسم القائمين بها بالتمرد و الخروج على النظام،و قد أجابهم عليه السّلام بعد البسملة و الثناء على الله بما يلي:

«أما أخي فإني أرجو أن يكون الله قد وفّقه و سدّده،و أما أنا فليس رأيي اليوم ذاك،فالصقوا رحمكم الله بالأرض،و اكمنوا في البيوت و احترسوا من الظنة ما دام معاوية حيا،فإن يحدث الله به حدثا و أنا حي كتبت إليكم برأيي و السلام..».

لقد أمر عليه السّلام شيعته بالخلود إلى الصبر و الإمساك عن المعارضة،و أن يلزموا بيوتهم خوفا عليهم من سلطان معاوية الذي كان يأخذ البرىء بالسقيم و المقبل بالمدبر و يقتل على الظنة و التهمة،و أكبر الظن أن هذه الرسالة كانت في عهد زياد الذي سمل عيون الشيعة،و صلبهم على جذوع النخل و دمّرهم تدميرا ساحقا.

نصيحة الخدري للإمام:

و شاعت في الأوساط الإجتماعية أنباء وفود أهل الكوفة على الإمام الحسين عليه السّلام و استنجادهم به لإنقاذهم من ظلم معاوية و جوره،و لما علم أبو سعيد الخدري بذلك خفّ مسرعا للإمام ينصحه و يحذره،و هذا نص حديثه:«يا أبا عبد الله إني أنا ناصح،و إني عليكم مشفق،و قد بلغني أنه قد كاتبك قوم من شيعتكم

ص: 102

بالكوفة،يدعونكم إلى الخروج إليهم،فلا تخرج إليهم،فإني سمعت أباك يقول بالكوفة،و الله لقد مللتهم،و أبغضتهم و ملّوني و أبغضوني،و ما يكون منهم وفاء قط،و من فاز بهم فاز بالسهم الأخيب،و الله ما لهم ثبات و لا عزم على أمر،و لا صبر على السيف».

و ليس من شك في أن أبا سعيد الخدري كان من ألمع أصحاب الإمام أمير المؤمنين و أكثرهم إخلاصا و ولاء لأهل البيت،و قد دفعه حرصه على الإمام الحسين،و خوفه عليه من معاوية أن يقوم بالنصيحة له في عدم خروجه على معاوية،و لم تذكر المصادر التي بأيدينا جواب الإمام الحسين له.

استيلاء الحسين على أموال للدولة:

و كان معاوية ينفق أكثر أموال الدولة على تدعيم ملكه،كما كان يهب الأموال الطائلة لبني أمية لتقوية مركزهم السياسي و الإجتماعي،و كان الإمام الحسين يشجب هذه السياسة،و يرى ضرورة إنقاذ الأموال من اليمن إلى خزينة دمشق، فعمد الإمام إلى الإستيلاء عليها،و وزّعها على المحتاجين من بني هاشم و غيرهم و كتب إلى معاوية:

«من الحسين بن علي إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد:فإن عيرا مرت بنا من اليمن تحمل مالا و حللا و عنبرا و طيبا إليك،لتودعها خزائن دمشق،و تعل بها بعد النهل بني أبيك،و إني احتجت إليها فأخذتها و السلام..».

و أجابه معاوية:

«من عبد الله معاوية إلى الحسين بن علي،أما بعد:فإن كتابك ورد علي تذكر أن

ص: 103

عيرا مرت بك من اليمن تحمل مالا،و حللا و عنبرا و طيبا إلي لأودعها خزائن دمشق، و أعل بها بعد النهل بني أبي،و أنك احتجت إليها فأخذتها،و لم تكن جديرا بأخذها إذ نسبتها إلي لأن الوالي أحق بالمال،ثم عليه المخرج منه،و أيم الله لو تركت ذلك حتى صار إلي لم أبخسك حظك منه و لكنني قد ظننت يابن أخي أن في رأسك نزوة، و بودي أن يكون ذلك في زماني فأعرف لك قدرك،و أتجاوز عن ذلك و لكنني و الله أتخوف أن تبلى بمن لا ينظرك فواق ناقة».

و كتب في أسفل كتابه هذه الأبيات:

يا حسين بن علي ليس ما جئت بالسائغ يوما و العلل

أخذك المال و لم تؤمر به إن هذا من حسين لعجل

قد أجزناها و لم نغضب لها و احتملنا من حسين ما فعل

يا حسين بن علي ذا الأمل لك بعدي وثبة لا تحتمل

و بودي إنني شاهدها فإليها منك بالخلق الأجل

إنني أرهب أن تصل بمن عنده قد سبق السيف العذل

و في هذا الكتاب تهديد للإمام بمن يخلف معاوية و هو ابنه يزيد الذي لا يؤمن بمقام الحسين و مكانته من رسول الله صلّى اللّه عليه و اله.

و على أي حال فقد قام الإمام بإنقاذ هذه الأموال من معاوية و أنفقها على الفقراء في حين أنه لم يكن يأخذ لنفسه أي صلة من معاوية،و قد قدّم له مالا كثيرا و ثيابا وافرة و كسوة فاخرة فرد الجميع عليه،و قد روى الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام أن الحسن و الحسين كانا لا يقبلان جوائز معاوية.

حديث موضوع:

من الأخبار الموضوعة ما روي أن الإمام الحسين وفد مع أخيه الحسن على

ص: 104

معاوية فأمر لهما بمائة ألف درهم و قال لهما:

«خذاها و أنا ابن هند،ما أعطاها أحد قبلي،و لا يعطيها أحد بعدي..».

فانبرى إليه الإمام الحسين قائلا:

«و الله ما أعطى أحد قبلك و لا بعدك لرجلين أشرف منا..».

و لا مجال للقول بصحة هذه الرواية فإن الإمام الحسين عليه السّلام لم يفد على معاوية بالشام،و إنما وفد عليه الإمام الحسن عليه السّلام لا لأجل الصلة و العطاء كما يذهب لذلك بعض السذج من المؤرخين،و إنما كان الغرض إبراز الواقع الأموي،و التدليل على مساوىء معاوية،كما أثبتت ذلك مناظراته مع معاوية و بطانته،و التي لم يقصد فيها إلا تلك الغاية،و قد أوضحنا ذلك بصورة مفصلة في كتابنا(حياة الإمام الحسن).

الحسين مع بني أمية:

كانت العداوة بين الحسين و بين بني أمية ذاتية فهي عداوة الضد للضد،و قد سأل سعيد الهمداني الإمام الحسين عن بني أمية فقال عليه السّلام«إنا و هم الخصمان اللذان اختصما في ربهم..».

أجل إنهم خصمان في أهدفاهما،و خصمان في اتجاههما،فالحسين عليه السّلام كان يمثل جوهر الإيمان بالله،و يمثل القيم الكريمة التي يشرف بها الإنسان و بنو أمية كانوا يمثلون مساوىء الجاهلية التي تهبط بالإنسان إلى مستوى سحيق و كان الأمويون بحسب طباعهم الشريرة،يحقدون على الإمام الحسين و يبالغون في توهينه،و قد جرت منازعة بين الحسين و بين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في مال كان بينهما فتحامل الوليد على الحسين في حقه،فثار الإمام في وجهه و قال:

ص: 105

«أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن سيفي،ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أدعون بحلف الفضول..».

لقد أراد أن يحيي حلف الفضول الذي أسسه الهاشميون و الذي كان شعاره إنصاف المظلومين و الأخذ بحقوقهم،و قد حاربه الأمويون في جاهليتهم لأنه يتنافى مع طباعهم و مصالحهم.

و انبرى عبد الله بن الزبير فانضم للحسين و انتصر له و قال:

«و أنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي ثم لأقومن معه حتى ينتصف من حقه أو نموت جميعا..».

و بلغ المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري الحديث فانضم للحسين،و قال بمثل مقالته و شعر الوليد بالوهن و الضعف،فتراجع عن غيه،و أنصف الحسين عليه السّلام من حقه.

و من ألوان الحقد الأموي على الحسين أنه كان جالسا في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و اله فسمع رجلا يحدث أصحابه،و يرفع صوته ليسمع الحسين و هو يقول:

«إنا شاركنا آل أبي طالب في النبوة حتى نلنا منها مثل ما نالوا منها من السبب و النسب و نلنا من الخلافة ما لم ينالوا فبم يفخرون علينا؟».

و كرر هذا القول ثلاثا،فأقبل عليه الحسين فقال له:إني كففت عن جوابك في قولك الأول حلما،و في الثاني عفوا،و أما في الثالث فإني مجيبك أني سمعت أبي يقول:إن في الوحي الذي أنزله الله على محمد صلّى اللّه عليه و اله إذا قامت القيامة الكبرى حشر الله بني أمية في صور الذر يطأهم الناس حتي يفرغ من الحساب ثم يؤتى بهم فيحاسبوا،و يصار بهم إلى النار و لم يطق الأموي جوابا و انصرف و هو يتميز من الغيظ..و بهذا ينتهي بنا الحديث عن موقف الإمام مع معاوية و بني أمية،و نعرض فيما يلي إلى وفاة معاوية و ما رافقها من الأحداث.

ص: 106

مرض معاوية:

و مرض معاوية و تدهورت صحته،و لم تجد معه الوصفات الطبية،فقد تناهبت جسمه الأمراض،و قد شعر بدنو أجله،و كان في حزن على ما اقترفه في قتله لحجر ابن عدي فكان ينظر إليه شبحا مخيفا،و كان يقول:و يلي منك يا حجر!إن لي مع ابن عدي ليوما طويلا و تحدث الناس عن مرضه،فقالوا إنه الموت،فأمر أهله أن يحشوا عينيه أثمدا،و يسبغوا على رأسه الطيب،و يجلسوه ثم أذن للناس فدخلوا و سلّموا عليه قياما فلما خرجوا من عنده أنشد قائلا:

و تجلّدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع

فسمعه رجل من العلويين فأجابه:

و إذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع

وصاياه:

و لما ثقل حال معاوية عهد بوصيته إلى يزيد،و قد جاء فيها:«يا بني إني قد كفيتك الشر و الترحال،و وطأت لك الأمور،و ذللت لك الأعداء و أخضعت لك رقاب العرب و جمعت لك ما لم يجمعه أحد فانظر أهل الحجاز فإنهم أصلك،و أكرم من قدم عليك منهم،و تعاهد من غاب،و انظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل كل يوم عاملا فافعل فإن عزل عامل أيسر من أن يشهر عليك مائة ألف سيف،و انظر أهل الشام فليكونوا بطانتك و عيبتك،فإن رابك من عدوك شيء فانتصر بهم فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم فإن أقاموا بغير بلادهم تغيّرت أخلاقهم..و إني لست أخاف عليك أن ينازعك في هذا الأمر إلا أربعة نفر من قريش الحسين بن علي،و عبد

ص: 107

الله بن عمر،و عبد الله بن الزبير و عبد الرحمن بن أبي بكر،فأما ابن عمر فإنه رجل قد وقذته العبادة،فإذا لم يبق أحد غيره بايعك و أما الحسين بن علي فهو رجل خفيف،و لن يتركه أهل العراق حتى يخرجوه،فإن خرج و ظفرت به فاصفح عنه فإن له رحما ماسة و حقا عظيما و قرابة من محمد،و أما ابن أبي بكر فإن رأى أصحابه صنعوا شيئا صنع مثله ليس له همة إلا في النساء و اللهو،و أما الذي يجثم لك جثوم الأسد،و يراوغك مراوغة الثعلب فإن أمكنته فرصة و ثب فذاك ابن الزبير فإن هو فعلها بك فظفرت به فقطّعه إربا إربا و احقن دماء قومك ما استطعت..».

و أكبر الظن أن هذه الوصية من الموضوعات فقد افتعلت لإثبات حلم معاوية و أنه عهد إلى ولده بالإحسان الشامل إلى المسلمين و هو غير مسؤول عن تصرفاته..و مما يؤيد وضعها ما يلي:

-1-إن المؤرخين رووا أن معاوية أوصى يزيد بغير ذلك فقال له:إن لك من أهل المدينة يوما فإن فعلوها فارمهم بمسلم بن عقبة فإنه رجل قد عرفنا نصيحته و كان مسلم بن عقبة جزارا جلادا لا يعرف الرحمة و الرأفة،و قد استعمله يزيد بعهد من أبيه في واقعة الحرة فاقترف كل موبقة و إثم،فكيف تلتقي هذه الوصية بتلك الوصية التي عهد فيها بالإحسان إلى أهل الحجاز.

-2-إنه أوصاه برعاية عواطف العراقيين،و الإستجابة لهم إذا سألوه في كل يوم عزل من ولاّه عليهم،و هذا يتنافى مع ما ذكره المؤرخون إنه عهد بولاية العراق إلى عبيد الله بن زياد،و هو يعلم شدته و صرامته و غدره،فهو ابن زياد الذي أغرق العراق بدماء الأبرياء فهل العهد إليه بولاية العراق من الإحسان إلى العراقيين و البر بهم؟!!

-3-إنه جاء في هذه الوصية أنه يتخوف عليه من عبد الله بن عمر و قد وصفه بأنه قد وقذته العبادة،و إذا كان كذلك فهو بطبيعة الحال منصرف عن السلطة

ص: 108

و المنازعات السياسية فما معنى التخوف منه؟!!

-4-إنه جاء في هذه الوصية أنه يتخوف عليه من عبد الرحمن بن أبي بكر،و قد نص المؤرخون أنه توفي في حياة معاوية،فما معنى التخوف عليه من إنسان ميت؟!

-5-إنه أوصاه برعاية الحسين عليه السّلام و إن له رحما ماسة و حقا عظيما و قرابة من رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و من المؤكد أن معاوية بالذات لم يرع أي جانب من جوانب القرابة من رسول الله،فقد قطع جميع أواصرها فقد فرض سبّها على رؤوس الإشهاد، و عهد إلى لجان التربية و التعليم بتربية النشء ببغض أهل البيت،و لم يتردد في ارتكاب أي وسيلة للحط من شأنهم،و قد علّق الأستاذ عبد الهادي المختار على هذه الفقرات من الوصية بقوله:

«و تقول بعض المصادر أن معاوية أوصى ولده يزيد برعاية الحسين و الذي نعتقده أنه لا أثر لها من الصحة،فإن معاوية لم يتردد في اغتيال الإمام الحسن حتى بعد ما بايعه،فكيف يوصي ولده بالعفو عن الحسين إن ظفر به.

لم يكن معاوية بالذي يرعى لرسول الله صلّى اللّه عليه و اله حرمة أو قرابة حتى يوصي ابنه برعاية آل محمد،كلا أبدا فقد حارب الرسول في الجاهلية حتى أسلم كرها يوم فتح مكة،ثم حارب صهر الرسول و خليفته و ابن عمه عليا،و نزا على خلافة المسلمين، و انتزعها قهرا،و سم ابن بنت الرسول الحسن،فهل يصدق بعد هذا كله أن يوصي بمثل ما أوصى به.

قد يكون أوصاه أن يغتاله سرا و يدس له السم،أو يبعث له من يطعنه بليل،ربما كان هذا الفرض أقرب إلى الصحة من تلك الوصية-و لكن المؤرخين سامحهم الله أرادوا أن يبرئوا ساحة الأب،و يلقوا جميع التبعات على الابن و هما في الحقيقة غرس إثم واحد و ثمرة جريمة واحدة و أضاف يقول:

ص: 109

و لو أن الوصية المزعومة كانت صحيحة لما كان يزيد لا هم له بعد موت أبيه إلا تحصيل البيعة من الحسين و تشديده على عامله بالمدينة بلزوم إجبار الحسين على البيعة.».

موت معاوية

و استقبل معاوية الموت غير مطمئن فكان يتوجع و يظهر الجزع على ما اقترفه من الإسراف في سفك دماء المسلمين و نهب أموالهم،و قد وافاه الأجل في دمشق محروما عن رؤية ولده الذي اغتصب له الخلافة و حمله على رقاب المسلمين،و كان يزيد فيما يقول المؤرخون مشغولا عن أبيه-في أثناء وفاته-برحلات الصيد و عربدات السكر،و نغمة العيدان.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن حكومة معاوية،و ما رافقها من الأحداث الجسام (1).

ص: 110


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:173/2.

حكومة يزيد

اشارة

و تسلّم يزيد بعد هلاك أبيه قيادة الدولة الإسلامية،و هو في غضارة العمر،لم تهذبه الأيام و لم تصقله التجارب،و إنما كان-فيما أجمع عليه المؤرخون-موفور الرغبة في اللهو و القنص و الخمر و النساء و كلاب الصيد و ممعنا كل الإمعان في اقتراف المنكر و الفحشاء،و لم يكن حين هلاك أبيه في دمشق،و إنما كان في رحلات الصيد في حوارين الثنية فأرسل إليه الضحاك بن قيس رسالة يعزّيه فيها بوفاة معاوية،و يهنئه بالخلافة،و يطلب منه الإسراع إلى دمشق ليتولّى أزمّة الحكم، و حينما قرأ الرسالة اتجه فورا نحو عاصمته في ركب من أخواله،و كان ضخما كثير الشعر،و قد شعث في الطريق و ليس عليه عمامة،و لا متقلدا بسيف،فأقبل الناس يسلّمون عليه،و يعزّونه،و قد عابوا عليه ما هو فيه،و راحوا يقولون:

«هذا الأعرابي الذي ولاّه معاوية أمر الناس،و الله سائله عنه»

و اتجه نحو قبر أبيه فجلس عنده و هو باك العين،و انشأ يقول:

جاء البريد بقرطاس يخب به فأوجس القلب من قرطاسه فزعا

قلنا لك الويل ماذا في كتابكم قال الخليفة أمسى مدنفا و جعا

ثم سار متجها نحو القبة الخضراء في موكب رسمي تحف به علوج أهل الشام و أخواله و سائر بني أمية.

ص: 111

خطاب العرش

و اتجه يزيد نحو منصة الخطابة ليعلن للناس سياسته،و مخططات حكومته، فلما استوى عليها ارتج عليه،و لم يطق الكلام،فقام إليه الضحاك بن قيس،فصاح به يزيد ما جاء بك؟قال له الضحاك:كلم الناس و خذ عليهم،فأمره بالجلوس،و انبرى خطيبا فقال:

«الحمد لله الذي ما شاء صنع،و من شاء منع،و من شاء خفض و من شاء رفع،إن أمير المؤمنين-يعني معاوية-كان حبلا من حبال الله مدّه،ما شاء أن يمدّه،ثم قطعه حين أراد أن يقطعه،و كان دون من قبله،و خيرا مما يأتي بعده،و لا أزكّيه عند ربه و قد صار إليه،فإن يعف عنه فبرحمته و إن يعاقبه فبذنبه؛و قد ولّيت بعده الأمر و لست أعتذر من جهل،و لا آتي على طلب علم،و على رسلكم إذا كره الله شيئا غيّره و إذا أحب شيئا يسرّه..».

و لم يعرض يزيد في هذا الخطاب لسياسة دولته،و لم يدل بأي شي مما تحتاج إليه الأمة في مجالاتها الإقتصادية و الإجتماعية،و من المقطوع به أن ذلك مما لم يفكر به،و إنما عرض لطيشه و جبروته و استهانته بالأمة فهو لا يعتذر إليها من أي جهل يرتكبه،و لا من سيئة يقترفها،و إنما على الأمة الإذعان و الرضى لظلمه و بطشه.

خطابه في أهل الشام

و خطب في أهل الشام خطابا أعلن فيه عن عزمه و تصميمه على الخوض في حرب مدمرة مع أهل العراق،و هذا نصه:

ص: 112

«يا أهل الشام فإن الخير لم يزل فيكم،و سيكون بيني و بين أهل العراق حرب شديد،و قد رأيت في منامي كأن نهرا يجري بيني و بينهم دما عبيطا،و جعلت أجهد في منامي أن أجوز ذلك النهر فلم أقدر على ذلك حتى جاءني عبيد الله بن زياد فجازه بين يدي،و أنا أنظر إليه».

و انبرى أهل الشام فأعلنوا تأييدهم و دعمهم الكامل له قائلين:

«يا أمير المؤمنين امض بنا حيث شئت و اقدم بنا على من أحببت فنحن بين يديك،و سيوفنا تعرفها أهل العراق في يوم صفين».

فشكرهم يزيد و أثنى على إخلاصهم و ولائهم له و قد بات من المقطوع به عند أوساط الشام أن يزيد سيعلن الحرب على أهل العراق لكراهتهم لبيعته،و تجاوبهم مع الإمام الحسين.

مع المعارضة في يثرب:

و لم يرق ليزيد أن يرى جبهة معارضة،لا تخضع لسلطانه،و لا تدين بالولاء لحكومته و قد عزم على التنكيل بها بغير هوادة،فقد استتبت له الأمور و خضعت له الرقاب،و صارت أجهزة الدولة كلها بيده فما الذي يمنعه من إرغام أعدائه و مناوئيه.

و أهم ما كان يفكر به من المعارضين الإمام الحسين عليه السّلام لأنه يتمتع بنفوذ واسع النطاق،و مكانة مرموقة بين المسلمين فهو حفيد صاحب الرسالة و سيد شباب أهل الجنة،أما ابن الزبير فلم تكن له تلك الأهمية البالغة في نفسه.

ص: 113

الأوامر المشددة إلى الوليد:

و أصدر يزيد أوامره المشددة إلى عامله على يثرب الوليد بن عتبة بإرغام المعارضين له على البيعة،و قد كتب إليه رسالتين:

الأولى و قد رويت بصورتين و هما:

-1-رواها الخوارزمي و هذا نصها:«أما بعد فإن معاوية كان عبدا من عباد الله أكرمه،و استخلصه،و مكّن له ثم قبضه إلى روحه و ريحانه و رحمته،عاش بقدر و مات بأجل،و قد كان عهد إلي و أوصاني بالحذر من آل أبي تراب لجرأتهم على سفك الدماء،و قد علمت يا وليد أن الله تبارك و تعالى منتقم للمظلوم عثمان بآل أبي سفيان لأنهم أنصار الحق و طلاب العدل فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة على أهل المدينة».

و قد احتوت هذه الرسالة على ما يلي:

-1-نعي معاوية إلى الوليد

-2-تخوف يزيد من الأسرة النبوية لأنه قد عهد إليه أبوه بالحذر منها،و هذا يتنافى مع تلك الوصية المزعومة لمعاوية التي جاء فيها اهتمامه بشأن الحسين عليه السّلام و إلزام ولده بتكريمه و رعاية مقامه.

-3-الإسراع في أخذ البيعة من أهل المدينة.

الصورة الثانية:رواه البلاذري،و هذا نصها:«أما بعد:فإن معاوية بن أبي سفيان كان عبدا من عباد الله أكرمه الله،و استخلفه،و خوّله،و مكّن له فعاش بقدر و مات بأجل،فرحمة الله عليه،فقد عاش محمودا و مات برا تقيا و السلام..».

و أكبر الظن أن هذه الرواية هي الصحيحة فإنها قد اقتصرت على نعي معاوية إلى الوليد من دون أن تعرض إلى أخذ البيعة من الحسين و غيره من المعارضين،

ص: 114

أما على الرواية الأولى،فإنه يصبح ذكر الرسالة التالية-التي بعثها يزيد إلى الوليد لإرغام الحسين على البيعة لغوا.

الثانية:رسالة صغيرة،و صفت كأنها أذن فأرة،و قد رويت بثلاث صور:

-1-رواها الطبري و البلاذري،و هذا نصها:«أما بعد فخذ حسينا،و عبد الله بن عمرو عبد الله بن الزبير أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا و السلام».

-2-رواها اليعقوبي و هذا نصها:«إذا أتاك كتابي فأحضر الحسين بن علي و عبد الله بن الزبير،فخذهما بالبيعة فإن امتنعا فاضرب عنقيهما،و ابعث إلي برأسيهما و خذ الناس بالبيعة فمن امتنع فانفذ فيه الحكم،و في الحسين بن علي و عبد الله بن الزبير و السلام».

و ليس في الرواية الثانية ذكر لعبد الله بن عمر،و أكبر الظن أنه أضيف اسمه إلى الحسين و ابن الزبير لإلحاقه بالجبهة المعارضة و تبريره من التأييد السافر لبيعة يزيد.

-3-رواها الحافظ ابن عساكر،و هذا نصها:«أن ادع الناس فبايعهم،و ابدأ بوجوه قريش و ليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي فإن أمير المؤمنين-يعني معاوية-عهد إلي في أمره الرفق و استصلاحه».

و ليس في هذه الرواية ذكر لابن الزبير و ابن عمر إذ لم تكن لهما أية أهمية في نظر يزيد إلا أنا نشك فيما جاء في آخر هذه الرسالة من أن معاوية قد عهد إلى يزيد الرفق بالحسين و استصلاحه،فإن معاوية قد وقف موقفا إيجابيا يتسم بالعداء و الكراهية لعموم أهل البيت عليهم السّلام و اتخذ ضدهم جميع الإجراءات القاسية كما ألمحنا إلى ذلك في البحوث السابقة،و أكبر الظن أن هذه الجملة قد أضيفت إليها لتبرير معاوية،و نفي المسؤولية عنه فيما ارتكبه ولده من الجرائم ضد العترة الطاهرة.

ص: 115

بقي هنا شي و هو أن هذه الرسالة قد وصفها المؤرخون كأنها أذن فأرة لصغرها و لعل السبب في إرسالها بهذا الحجم هو أن يزيد قد حسب أن الوليد سينفذ ما عهد إليه من قتل الحسين و ابن الزبير،و من الطبيعي أن لذلك كثيرا من المضاعفات السيئة و من أهمها ما يلحقه من التذمر و السخط الشامل بين المسلمين فأراد أن يجعل التبعة على الوليد،و أنه لم يعهد إليه بقتلهما،و أنه لو أمره بذلك لأصدر مرسوما خاصا مطولا به.

و حمل الرسالتين زريق مولى معاوية فأخذ يجد في السير لا يلوي على شي حتى انتهى إلى يثرب و كان معه عبد الله بن سعد بن أبي سرح متلثما لا يبدو منه إلا عيناه فصادفه عبد الله بن الزبير فأخذ بيده و جعل يسأله عن معاوية و هو لا يجيبه، فقال له:أمات معاوية؟فلم يكلمه بشي فاعتقد بموت معاوية،و قفل مسرعا إلى الحسين و أخبره الخبر،فقال له الحسين:إني أظن أن معاوية قد مات،فقد رأيت البارحة في منامي كأن منبر معاوية منكوس،و رأيت داره تشتعل نارا فأوّلت ذلك في نفسي بموته.

و أقبل زريق إلى دار الوليد فقال للحاجب:إستأذن لي،فقال:قد دخل و لا سبيل إليه،فصاح به زريق:إني جئته بأمر،فدخل الحاجب و أخبره بالأمر فأذن له،و كان جالسا على سرير فلما قرأ كتاب يزيد بوفاة معاوية جزع جزعا شديدا،و جعل يقوم على رجليه،و يرمي بنفسه على فراشه.

فزع الوليد

و فزع الوليد مما عهد إليه يزيد من التنكيل بالمعارضين،فقد كان على يقين من أن أخذ البيعة من هؤلاء النفر ليس بالأمر السهل،حتى يقابلهم بالعنف،أو يضرب

ص: 116

أعناقهم-كما أمره يزيد-إن هؤلاء النفر لم يستطع معاوية مع ما يتمتع به من القابليات الدبلوماسية أن يخضعهم لبيعة يزيد،فكيف يصنع الوليد أمرا عجز عنه معاوية.

استشارته لمروان

و حار الوليد في أمره فرأى أنه في حاجة إلى مشورة مروان عميد الأسرة الأموية فبعث خلفه،فأقبل مروان و عليه قميص أبيض و ملأه موردة فنعى إليه معاوية فجزع مروان و عرض عليه ما أمره يزيد من إرغام المعارضين على البيعة له و إذا أصروا على الإمتناع فيضرب أعناقهم،و طلب من مروان أن يمنحه النصيحة،و يخلص له في الرأي.

رأي مروان:

و أشار مروان على الوليد فقال له:إبعث إليهم في هذه الساعة فتدعوهم إلى البيعة و الدخول في طاعة يزيد،فإن فعلوا قبلت ذلك منهم،و ان أبوا قدّمهم،و اضرب أعناقهم قبل أن يدروا بموت معاوية،فإنهم إن علموا ذلك و ثب كل رجل منهم فأظهر الخلاف،و دعا إلى نفسه،فعند ذلك أخاف أن يأتيك من قبلهم ما لا قبل لك به، إلا عبد الله بن عمر فإنه لا ينازع في هذا الأمر أحدا..مع أني أعلم أن الحسين بن علي لا يجيبك إلى بيعة يزيد،و لا يرى له عليه طاعة،و و الله لو كنت في موضعك لم أراجع الحسين بكلمة واحدة حتى أضرب رقبته كائنا في ذلك ما كان.

و عظم ذلك على الوليد و هو أحنك بني أمية و أملكهم لعقله و رشده فقال لمروان:

ص: 117

«يا ليت الوليد لم يولد و لم يك شيئا مذكورا».

فسخر منه مروان و راح يندد به قائلا:

«لا تجزع مما قلت لك،فإن آل أبي تراب هم الأعداء من قديم الدهر و لم يزالوا و هم الذين قتلوا الخليفة عثمان بن عفان،ثم ساروا إلى أمير المؤمنين-يعني معاوية- فحاربوه..».

و نهره الوليد فقال له:

«ويحك يا مروان عن كلامك هذا،و أحسن القول في ابن فاطمة فإنه بقية النبوة».

و اتفق رأيهم على استدعاء القوم،و عرض الأمر عليهم للوقوف على مدى تجاوبهم مع السلطة في هذا الأمر.

أضواء على موقف مروان:

لقد حرّض مروان الوليد على التنكيل بالمعارضين،و استهدف بالذات الإمام الحسين،فألح بالفتك به إن امتنع من البيعة و فيما أحسب أنه إنما دعاه لذلك ما يلي:

-1-إن مروان كان يحقد على الوليد،و كانت بينهما عداوة متأصلة و هو-على يقين-أن الوليد يحب العافية،و لا ينفّذ ما عهد إليه في شأن الإمام الحسين،فاستغل الموقف،و راح يشدد عليه في اتخاذ الإجراءات الصارمة ضد الإمام،ليستبين لطاغية الشام موقفه فيسلب ثقته عنه،و يقصيه عن ولاية يثرب،و فعلا قد تحقق ذلك فإن يزيد حينما علم بموقف الوليد مع الحسين عليه السّلام غضب عليه و أقصاه عن منصبه.

-2-إن مروان كان ناقما على معاوية حينما عهد بالخلافة لولده و لم يرشحه لها، لأنه شيخ الأمويين و أكبرهم سنا،فأراد أن يورط يزيد في قتل الإمام ليكون به

ص: 118

زوال ملكه.

-3-كان مروان من الحاقدين على الحسين لأنه سبط رسول الله صلّى اللّه عليه و اله الذي حصد رؤوس بني أمية،و نفى أباه الحكم عن يثرب،و قد لعنه و لعن من تناسل منه، و قد بلغ الحقد بمروان للأسرة النبوية أنه منع من دفن جنازة الحسن عليه السّلام مع جده رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و يقول المؤرخون:إنه كان يبغض أبا هريرة لأنه يروي ما سمعه من رسول الله صلّى اللّه عليه و اله في فضل سبطيه و ريحانتيه،و قد دخل على أبي هريرة عائدا له فقال له:

«يا أبا هريرة ما وجدت عليك في شىء منذ اصطحبنا إلا في حبك الحسن و الحسين».

فأجابه أبو هريرة:

«أشهد لقد خرجنا مع رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فسمع الحسن و الحسين يبكيان،فقال:ما شأن ابني؟فقالت فاطمة:العطش..يا مروان كيف لا أحب هذين،و قد رأيت من رسول الله ما رأيت».

لقد دفع مروان الوليد إلى الفتك بالحسين لعله يستجيب له فيروي بذلك نفسه المترعة بالحقد و الكراهية لعترة النبي صلّى اللّه عليه و اله.

-4-كان مروان-على يقين-أنه سيلي الخلافة،فقد أخبره الإمام أمير المؤمنين وصي النبي صلّى اللّه عليه و اله و باب مدينة علمه حينما تشفّع الحسنان به بعد واقعة الجمل، فقال:إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه،و قد اعتقد بذلك مروان،و قد حرّض الوليد على الفتك بالحسين ليكون ذلك سببا لزوال ملك بني سفيان،و رجوع الخلافة إليه.

هذه بعض الأسباب التي حفّزت مروان إلى الإشارة على الوليد بقتل الإمام الحسين و أنه لم يكن بذلك مشفوعا بالولاء و الإخلاص إلى يزيد.

ص: 119

استدعاء الحسين:

و أرسل الوليد في منتصف الليل عبد الله بن عمرو بن عثمان و هو غلام حدث خلف الحسين و ابن الزبير،و إنما بعثه في هذا الوقت لعله يحصل على الوفاق من الحسين و لو سرا على البيعة ليزيد،و هو يعلم أنه إذا أعطاه ذلك فلن يخيس بعهده، و لن يتخلف عن قوله.

و مضى الفتى يدعو الحسين و ابن الزبير للحضور عند الوليد فوجدهما في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و اله فدعاهما إلى ذلك فاستجابا له،و أمراه بالإنصراف و ذعر ابن الزبير،فقال الإمام:

-ما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها؟

-أظن أن طاغيتهم-يعني معاوية-قد هلك فبعث إلينا بالبيعة قبل أن يفشو بالناس الخبر.

-و أنا ما أظن غيره فما تريد أن تصنع؟

-أجمع فتياني الساعة،ثم أسير إليه،و أجلسهم على الباب.

-إني أخاف عليك إذا دخلت.

-لا آتيه إلا و أنا قادر على الإمتناع

و انصرف أبي الضيم إلى منزله فاغتسل،و صلى و دعا الله و أمر أهل بيته بلبس السلاح و الخروج معه،فخفّوا محدقين به،فأمرهم بالجلوس على باب الدار،و قال لهم:إني داخل فإذا دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فادخلوا علي بأجمعكم، و دخل الإمام على الوليد فرأى مروان عنده و كانت بينهما قطيعة فأمرهما الإمام بالتقارب و الإصلاح،و ترك الأحقاد،و كانت سجية الإمام عليه السّلام التي طبع عليها الإصلاح حتى مع أعدائه و خصومه،فقال عليه السّلام لهما:

ص: 120

«الصلة خير من القطيعة،و الصلح خير من الفساد،و قد آن لكما أن تجتمعا،أصلح الله ذات بينكما».

و لم يجيباه بشىء فقد علاهما صمت رهيب،و التفت الإمام إلى الوليد فقال له:هل أتاك من معاوية خبر؟فإنه كان عليلا و قد طالت علته،فكيف حاله الآن؟

فقال الوليد بصوت خافت حزين النبرات:

«آجرك الله في معاوية فقد كان لك عم صدوق،و قد ذاق الموت و هذا كتاب أمير المؤمنين يزيد..».

فاسترجع الحسين،و قال له:

«لماذا دعوتني؟».

«دعوتك للبيعة».

فقال عليه السّلام:إن مثلي لا يبايع سرا،و لا يجتزأ بها مني سرا،فإذا خرجت إلى الناس و دعيتهم للبيعة،دعوتنا معهم كان الأمر واحدا.

لقد طلب الإمام تأجيل الأمر إلى الصباح،حتى يعقد اجتماع جماهيري فيدلي برأيه في شجب البيعة ليزيد،و يستنهض همم المسلمين على الثورة و الإطاحة بحكمه،و كان الوليد-فيما يقول المؤرخون-يحب العافية و يكره الفتنة فشكر الإمام على مقالته،و سمح له بالانصراف إلى داره،و انبرى الوغد الخبيث مروان بن الحكم و هو مغيظ محنق فصاح بالوليد:

«لئن فارقك الساعة و لم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم و بينه،احبسه فإن بايع و إلا ضربت عنقه».

و وثب أبي الضيم إلى الوزغ ابن الوزغ فقال له:

«يابن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو؟كذبت و الله و لؤمت».

و أقبل على الوليد فأخبره عن عزمه و تصميمه على رفض البيعة ليزيد قائلا:

ص: 121

«أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة،و معدن الرسالة،و مختلف الملائكة و محل الرحمة، بنا فتح الله،و بنا ختم،و يزيد رجل فاسق،شارب خمر قاتل النفس المحرّمة،معلن بالفسق،و مثلي لا يبايع مثله،و لكن نصبح و تصبحون،و ننظر و تنظرون أينا الحق بالخلافة و البيعة».

و كان هذا أول إعلان له على الصعيد الرسمي-بعد هلاك معاوية-في رفض البيعة ليزيد،و قد أعلن ذلك في بيت الإمارة و رواق السلطة بدون مبالاة و لا خوف و لا ذعر.

لقد جاء تصريحه بالرفض لبيعة يزيد معبرا عن تصميمه،و توطين نفسه حتى النهاية على التضحية عن سمو مبدئه،و شرف عقيدته،فهو بحكم مواريثه الروحية،و بحكم بيته الذي كان ملتقى لجميع الكمالات الإنسانية كيف يبايع يزيد الذي هو من عناصر الفسق و الفجور،و لو أقرّه إماما على المسلمين لساق الحياة الإسلامية إلى الانهيار و الدمار و عصف بالعقيدة الدينية في متاهات سحيقة من مجاهل هذه الحياة.

و كانت كلمة الحق الصارخة التي أعلنها أبو الأحرار قد أحدثت استياء في نفس مروان فاندفع يعنّف الوليد و يلومه على إطلاق سراحه قائلا:

«عصيتني!لا و الله لا يمكّنك مثلها من نفسه أبدا».

و تأثر الوليد من منطق الإمام،و تيقظ ضميره فاندفع يرد أباطيل مروان قائلا:

«ويحك!!إنك أشرت علي بذهاب ديني و دنياي،و الله ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها،و إني قتلت حسينا،سبحان الله!!أقتل حسينا إن قال لا أبايع،و الله ما أظن أحدا يلقى الله بدم الحسين إلا و هو خفيف الميزان،لا ينظر الله إليه يوم القيامة،و لا يزكيه و له عذاب أليم».

و سخر منه مروان و طفق يقول:

ص: 122

«إذا كان هذا رأيك فقد أصبت!!».

و عزم الحسين على مغادرة يثرب و التوجه إلى مكة ليلوذ بالبيت الحرام و يكون بمأمن من شرور الأمويين و اعتدائهم.

الحسين مع مروان:

و التقى أبي الضيم في أثناء الطريق بمروان بن الحكم في صبيحة تلك الليلة التي أعلن فيها رفضه لبيعة يزيد،فبادره مروان قائلا:

«إني ناصح،فأطعني ترشد و تسدد..».

«و ما ذاك يا مروان؟».

«إني آمرك ببيعة أمير المؤمنين يزيد فإنه خير لك في دينك و دنياك».

و التاع كأشد ما تكون اللوعة و استرجع،و أخذ يرد على مقالة مروان ببليغ منطقه قائلا:«على الإسلام السلام،إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد،ويحك يا مروان!! أتأمرني ببيعة يزيد،و هو رجل فاسق لقد قلت شططا من القول..لا ألومك على قولك، لأنك اللعين الذي لعنك رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أنت في صلب أبيك الحكم بن أبي العاص» و أضاف الإمام يقول:

«إليك عني يا عدو الله!!فإنا أهل بيت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و الحق فينا،و بالحق تنطق ألسنتنا،و قد سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله يقول:الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان،و على الطلقاء و أبناء الطلقاء،و قال:إذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه،فو الله لقد رآه أهل المدينة على منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به..».

و تميّز الخبيث الدنس مروان غيظا و غضبا،و اندفع يصيح:

«و الله لا تفارقني أو تبايع ليزيد صاغرا فإنكم آل أبي تراب،قد أشربتم بغض آل

ص: 123

أبي سفيان،و حق عليكم أن تبغضوهم،و حق عليهم أن يبغضوكم»و صاح به الإمام:

«إليك عني فإنك رجس،و أنا من أهل بيت الطهارة الذين أنزل الله فيهم على نبيه صلّى اللّه عليه و اله: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

و لم يطق مروان الكلام،و قد تحرّق ألما و حزنا،فقال له الإمام:«أبشر يابن الزرقاء بكل ما تكره من الرسول صلّى اللّه عليه و آله يوم تقدم على ربك فيسألك جدي عن حقي و حق يزيد..».

و انصرف مروان مسرعا إلى الوليد فأخبره بمقالة الحسين له.

اتصال الوليد بدمشق:

و أحاط الوليد يزيد علما بالأوضاع الراهنة في يثرب،و عرّفه بامتناع الحسين عليه السّلام من البيعة،و أنه لا يرى له طاعة عليه،و لما فهم يزيد بذلك تميّز غيظا و غضبا.

الأوامر المشددة من دمشق:

و أصدر يزيد أوامره المشددة إلى الوليد بأخذ البيعة من أهل المدينة ثانيا،و قتل الحسين عليه السّلام و إرسال رأسه إليه و هذا نص كتابه:

«من عبد الله يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة،أما بعد:فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة ثانيا على أهل المدينة بتوكيد منك عليهم و ذر عبد الله بن الزبير فإنه لن يفوت أبدا ما دام حيا،و ليكن مع جوابك إلي برأس الحسين بن علي،

ص: 124

فإن فعلت ذلك،فقد جعلت لك أعنة الخيل و لك عندي الجائزة،و الحظ الأوفر و النعمة و السلام..».

رفض الوليد:

و رفض الوليد رسميا ما عهد إليه يزيد من قتل الحسين،و قال:لا و الله لا يراني الله قاتل الحسين بن علي..لا أقتل ابن بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و لو أعطاني يزيد الدنيا بحذافيرها و قد جاءته هذه الرسالة بعد مغادرة الإمام يثرب إلى مكة.

وداع الحسين لقبر جده:

و خفّ الحسين عليه السّلام في الليلة الثانية إلى قبر جده صلّى اللّه عليه و اله و هو حزين كئيب ليشكو إليه ظلم الظالمين له،و وقف أمام القبر الشريف-بعد أن صلى ركعتين-و قد ثارت مشاعره و عواطفه،فاندفع يشكو إلى الله ما ألم به من المحن و الخطوب قائلا:

«اللّهم إن هذا قبر نبيك محمد،و أنا ابن بنت محمد،و قد حضرني من الأمر ما قد علمت،اللّهم إني أحب المعروف و أنكر المنكر،و أنا أسألك يا ذا الجلال و الإكرام بحق هذا القبر و من فيه إلا ما اخترت لي ما هو لك رضى و لرسولك رضى».

رؤيا الحسين لجده:

و أخذ الحسين يطيل النظر إلى قبر جده،و قد وثقت نفسه أنه لا يتمتع برؤيته، و انفجر بالبكاء،و قبل أن يندلع نور الفجر غلبه النوم فرأى جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله قد

ص: 125

أقبل في كتيبة من الملائكة فضم الحسين إلى صدره و قبّل ما بين عينيه،و هو يقول له:

«يا بني كأني عن قريب أراك مقتولا مذبوحا بأرض كرب و بلاء،بين عصابة من أمتي، و أنت مع ذلك عطشان لا تسقى،و ظمآن لا تروى،و هم مع ذلك يرجون شفاعتي يوم القيامة،فمالهم عند الله من خلاق.

حبيبي يا حسين إن أباك و أمك و أخاك قد قدموا علي،و هم إليك مشتاقون،إن لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة..».

و جعل الحسين يطيل النظر إلى جده صلّى اللّه عليه و اله و يذكر عطفه و حنانه عليه فازداد و جيبه،و تمثلت أمامه المحن الكبرى التي يعانيها من الحكم الأموي فهو إما أن يبايع فاجر بني أمية أو يقتل،و أخذ يتوسل إلى جده و يتضرع إليه قائلا:

«يا جداه لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا،فخذني إليك،و أدخلني معك إلى منزلك».

و التاع النبي صلّى اللّه عليه و اله فقال له:

«لا بد لك من الرجوع إلى الدنيا،حتى ترزق الشهادة،و ما كتب الله لك فيها من الثواب العظيم فإنك،و أباك،و أخاك،و عمك،و عم أبيك تحشرون يوم القيامة،في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنة».

و استيقظ الحسين فزعا مرعوبا قد ألمّت به تيارات من الأسى و الأحزان و صار على يقين لا يخامره أدنى شك أنه لا بد أن يرزق الشهادة،و جمع أهل بيته فقص عليهم رؤياه الحزينة،فطافت بهم الآلام،و أيقنوا بنزول الرزء القاصم،و وصف المؤرخون شدة حزنهم،بأنه لم يكن في ذلك اليوم لا في شرق الأرض و لا في غربها أشد غما من أهل بيت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و لا أكثر باكية و باك منهم.

ص: 126

وداعه لقبر أمه و أخيه:

و توجّه الحسين في غلس الليل البهيم إلى قبر أمه وديعة النبي صلّى اللّه عليه و اله و بضعته، و وقف أمام قبرها الشريف مليا،و هو يلقي عليه نظرات الوداع الأخير،و قد تمثلت أمامه عواطفها الفياضة،و شدة حنوها عليه،و قد ودّ أن تنشق الأرض لتواريه معها،و انفجر بالبكاء،و ودع القبر وداعا حارا،ثم انصرف إلى قبر أخيه الزكي أبي محمد،فأخذ يروّي ثرى القبر من دموع عينيه،و قد ألمت به الآلام و الأحزان،ثم رجع إلى منزله،و هو غارق بالأسى و الشجون.

فزع الهاشميات:

و لما عزم الإمام على مغادرة يثرب و اللجوء إلى مكة اجتمعن السيدات من نساء بني عبد المطلب،و قد جاشت عواطفهن بالأسى و الحزن،فقد تواترت عليهن الأنباء عن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله عن مقتل ولده الحسين،و جعلن ينحن،و تعالت أصواتهن بالبكاء،و كان منظرا مفزعا،و انبرى إليهن الحسين،و هو رابط الجأش فقال لهن:

«أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله و لرسوله».

فذابت نفوسهن،و صحن:

«لمن نستبقي النياحة و البكاء،فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله صلّى اللّه عليه و اله،و علي و فاطمة و الحسن..جعلنا الله فداك يا حبيب الأبرار..».

و أقبلت عليه بعض عماته،و هي شاحبة اللون،فقالت بنبرات منقطعة بالبكاء لقد سمعت هاتفا يقول:

و إن قتيل الطف من آل هاشم أذل رقابا من قريش فذلت

ص: 127

و جعل الإمام عليه السّلام يهدىء أعصابها،و يأمرها بالخلود إلى الصبر،كما أمر سائر السيدات من بني عبد المطلب بذلك.

مع أخيه ابن الحنفية:

و فزع محمد ابن الحنفية إلى الحسين،فجاء يتعثر في خطاه،و هو لا يبصر طريقه من شدة الحزن و الأسى،و لما استقر به المجلس أقبل على الحسين و قال له بنبرات مشفوعة بالإخلاص و الحنو عليه:

«يا أخي فدتك نفسي،أنت أحب الناس إلي،و أعزهم علي،و لست و الله أدخر النصيحة لأحد من الخلق،و ليس أحد أحق بها منك فإنك كنفسي و روحي،و كبير أهل بيتي،و من عليه اعتمادي،و طاعته في عنقي لأن الله تبارك و تعالى قد شرّفك و جعلك من سادات أهل الجنة و إني أريد أن أشير عليك برأيي فاقبله مني..».

لقد عبّر محمد بهذا الحديث الرقيق عن عواطفه الفياضة المترعة بالولاء و الإكبار لأخيه،و أقبل عليه الإمام فقال له محمد:

«أشير عليك أن تتنحى بيعتك عن يزيد بن معاوية و عن الأمصار ما استطعت، ثم إبعث برسلك إلى الناس،فإن بايعوك حمدت الله على ذلك و إن اجتمعوا على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك،و لا عقلك،و لم تذهب مروؤتك،و لا فضلك،و اني أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فطائفة معك، و أخرى عليك،فيقتتلون،فتكون لأول الأسنة غرضا،فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا و أبا و أما أضيعها دما و أذلّها أهلا..».

و بادر الإمام الحسين فقال له:

«أين أذهب؟».

ص: 128

«تنزل مكة فإن اطمأنت بك الدار،و إلا لحقت بالرمال،و شعب الجبال و خرجت من بلد إلى آخر حتى ننظر ما يصير إليه أمر الناس،فإنك أصوب ما تكون رأيا و أحزمهم عملا،حتى تستقبل الأمور استقبالا و لا تكون الأمور أبدا أشكل عليك منها حتى تستدبرها استدبارا».

و انطلق الإمام و هو غير حافل بالأحداث،فأخبره عن عزمه و تصميمه الكامل على رفض البيعة ليزيد قائلا:

«يا أخي لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية».

و انفجر ابن الحنفية بالبكاء،فقد أيقن بالرزء القاصم،و استشف ماذا سيجري على أخيه من الرزايا و الخطوب،و شكر الإمام نصيحته و قال له:

«يا أخي،جزاك الله خيرا لقد نصحت،و أشرت بالصواب،و أنا عازم على الخروج إلى مكة،و قد تهيأت لذلك أنا و أخوتي و بنو أخي و شيعتي أمرهم أمري، و رأيهم رأيي،و أما أنت فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا لا تخف عني شيئا من أمورهم».

وصيته لابن الحنفية:

و عهد الإمام بوصيته الخالدة إلى أخيه ابن الحنفية،و قد تحدث فيها عن أسباب ثورته الكبرى على حكومة يزيد و قد جاء فيها بعد البسملة:

«هذا ما أوصى به الحسين بن علي إلى أخيه محمد بن الحنفية،أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،و أن محمدا عبده و رسوله جاء بالحق من عنده، و أن الجنة حق،و النار حق،و أن الساعة آتية لا ريب فيها،و أن الله يبعث من في القبور.

ص: 129

و إني لم أخرج أشرا،و لا بطرا،و لا مفسدا،و لا ظالما،و إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلّى اللّه عليه و اله أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر،و أسير بسيرة جدي و أبي علي بن أبي طالب،فمن قبلني بقبول الحق،فالله أولى بالحق، و من رد علي أصبر حتى يقضي الله بيني و بين القوم و هو خير الحاكمين.

و هذه وصيتي إليك يا أخي،و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب».

من أجل هذه الأهداف النبيلة فجّر الإمام ثورته الخالدة فهو لم يخرج أشرا و لا بطرا،و لم يبغ أي مصلحة مادية له أو لأسرته،و إنما خرج على حكم الظلم و الطغيان،يريد أن يقيم صروح العدل بين الناس،و ما أروع قوله:

«فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق،و من رد علي أصبر حتى يقضي الله بيني و بين القوم و هو خير الحاكمين».

لقد حدد الإمام خروجه بأنه كان من أجل إحقاق الحق و إماتة الباطل و دعا الأمة باسم الحق إلى الالتفاف حوله لتحمي حقوقها و تصون كرامتها و عزتها التي انهارت على أيدي الأمويين،و إذا لم تستجب لنصرته فسيواصل وحده مسيرته النضالية بصبر و ثبات في مناجزة الظالمين و المعتدين حتى يحكم الله بينه و بينهم بالحق و هو خير الحاكمين..كما حدد الإمام خروجه بأنه يريد أن يسير على منهاج جده و أبيه،و ليس على منهج أي أحد من الخلفاء.

و هذه الوصية من البنود التي نرجع إليها في دراستنا عن أسباب ثورته عليه السّلام.

و تهيأ الإمام بعد وصيته لأخيه محمد إلى السفر إلى مكة ليلتقي بحجاج بيت الله الحرام و غيرهم،و يعرض عليهم الأوضاع الراهنة في البلاد،و ما تعانيه الأمة من الأزمات و الأخطار في عهد يزيد.

و قبل أن يغادر الإمام عليه السّلام يثرب متجها إلى مكة دخل مسجد جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله و هو غارق في الأسى و الشجون فألقى عليه نظرة الوداع الأخير،و قد نظر إلى

ص: 130

محراب جده صلّى اللّه عليه و اله و منبره،فطافت به ذكريات ذلك العطف الذي كان يفيضه عليه جده صلّى اللّه عليه و اله حينما كان في غضون الصبا،فلم ينس الحسين في جميع فترات حياته ذلك الحنان الذي أغدقه عليه جده حينما يقول فيه:

«حسين مني و أنا من حسين،أحب الله من أحب حسينا،حسين سبط من الأسباط..».

و تذكر كيف كان النبي صلّى اللّه عليه و اله يفرغ عليه ما انطوت عليه نفسه الكبيرة من المثل العليا التي كان عليها خاتم النبيين و سيد المرسلين،و أيقن أنه لم يكن يشيع ذلك في نفسه بمحض العاطفة بل بشعور آخر هو الإبقاء على رسالته،و مبادئه،و رأى أنه لا بد أن يقدّم التضحية الرهيبة التي تصون رسالة الإسلام من عبث الناقمين عليه...

و يقول المؤرخون:إنه دخل المسجد بين أهل بيته،و هو يعتمد في مشيه على رجلين و يتمثل بقول يزيد بن مفرغ:

لا ذعرت السوام في فلق الصبح مغيرا و لا دعيت يزيدا

يوم أعطى من المهانة ضيما و المنايا ترصدنني أن أحيدا

و يقول أبو سعيد:لما سمعت هذين البيتين قلت في نفسي إنه ما تمثل بهما إلا لشيء يريده فما مكث إلا قليلا حتى بلغني أنه سار إلى مكة لقد صمم على التضحية و الفداء ليغير مجرى الحياة،و يرفع كلمة الله و فكرة الخير في الأرض.

أما يثرب مهد النبوة فإنه حينما أذيع فيها مغادرة الحسين عنها علتها الكآبة و خيّم على أهلها الحزن و الذعر فقد أيقنوا بالخسارة الفادحة التي ستحل بهم، فسيغيب عنهم قبس من نور الرسالة الذي كان يضىء لهم الحياة،و حزنت البقية الباقية من صحابة النبي صلّى اللّه عليه و اله كأعظم ما يكون الحزن،فقد كانوا يرون في الحسين امتدادا لجده الرسول صلّى اللّه عليه و اله الذي أنقذهم من حياة التيه في الصحراء (1).2.

ص: 131


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:82/2-192.
الثورة الحسينية أسبابها و مخططاتها

و لم يفجّر الإمام الحسين عليه السّلام ثورته الكبرى أشرا،و لا بطرا،و لا ظالما،و لا مفسدا-حسب ما يقول-و إنما انطلق ليؤسس معالم الإصلاح في البلاد،و يحقق العدل الإجتماعي بين الناس،و يقضي على أسباب النكسة الأليمة التي مني بها المسلمون في ظل الحكم الأموي الذي ألحق بهم الهزيمة و العار.

لقد انطلق الإمام ليصحح الأوضاع الراهنة في البلاد،و يعيد للأمة ما فقدته من مقوماتها و ذاتياتها،و يعيد لشرايينها الحياة الكريمة التي تملك بها إرادتها و حريتها في مسيرتها النضالية لقيادة أمم العالم في ظل حكم متوازن تذاب فيه الفوارق الإجتماعية،و تقام الحياة على أسس صلبة من المحبة و الإخاء،إنه حكم الله خالق الكون و واهب الحياة،لا حكم معاوية الذي قاد مركبة حكومته على إماتة وعي الإنسان،و شل حركاته الفكرية و الإجتماعية.

لقد فجّر الإمام عليه السّلام ثورته الكبرى التي أوضح الله بها الكتاب،و جعلها عبرة لأولي الألباب،فأضاء بها الطريق،و أوضح بها القصد،و أنار بها الفكر،فانهارت بها السدود و الحواجز التي وضعها الحكم الأموي أمام التطور الشامل الذي يريده الإسلام لأبنائه،فلم يعد بعد الثورة أي ظل للسلبيات الرهيبة التي أقامها الحكم الأموي على مسرح الحياة الإسلامية،فقد انتفضت الأمة-بعد مقتل الإمام-كالمارد الجبار و هي تسخر من الحياة،و تستهزىء بالموت،و تزج بأبنائها في ثورات متلاحقة حتى أطاحت بالحكم الأموي،و اكتسحت معالم زهوه.

ص: 132

و لم يقدم الإمام على الثورة إلا بعد أن انسدت أمامه جميع الوسائل و انقطع كل أمل له في إصلاح الأمة،و إنقاذها من السلوك في المنعطفات فأيقن أنه لا طريق للإصلاح إلا بالتضحية الحمراء،فهي وحدها التي تتغير بها الحياة،و ترتفع راية الحق عالية في الأرض (1).2.

ص: 133


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:82/2-192.
إخفاق الثورة

قال السيد محمد باقر القرشي:و يتساءل الكثيرون عن الأسباب التي أدت إلى إخفاق مسلم في ثورته مع ما كان يتمتع به من القوى العسكرية في حين أن خصمه لم تكن عنده أية قوة يستطيع أن يدافع بها عن نفسه فضلا عن الهجوم و الدخول في عمليات القتال،و يعزو بعضهم السبب في ذلك إلى قلة خبرة مسلم في الشؤون السياسية،و عجزه من السيطرة على الموقف،فترك المجال مفتوحا لعدوه حتى تغلب عليه...و هذا الرأي-فيما يبدو-سطحي ليست له أية صبغة من التحقيق،و ذلك لعدم ابتنائه على دراسة الأحداث بعمق و شمول و من أهمها-فيما نحسب-دراسة المجتمع الكوفي،و ما مني به من التناقض في سلوكه الفردي و الإجتماعي، و الوقوف على المخططات السياسية التي اعتمد عليها ابن زياد للتغلب على الأحداث،و النظر في الصلاحيات المعطاة لمسلم بن عقيل من قبل الإمام فإن الإحاطة بهذه الأمور توضح لنا الأسباب في إخفاق الثورة و فيما يلي ذلك:

ص: 134

المجتمع الكوفي:
اشارة

و لا بد لنا أن نتحدث بمزيد من التحقيق عن طبيعة المجتمع الكوفي فإنه المرآة الذي تنعكس عليه الأحداث الهائلة التي لعبت دورها الخطير في تأريخ الإسلام السياسي،و أن نتبين العناصر التي سكنت الكوفة،و ننظر إلى طبيعة الصلات الإجتماعية فيما بينها،و الحياة الإقتصادية التي كانت تعيش فيها،فإن البحث عن ذلك يلقي الأضواء على فشل الثورة،كما يلقي الأضواء على التذبذب و الإنحرافات الفكرية التي مني بها هذا المجتمع و التي كان من نتائجها ارتكابه لأبشع جريمة في تأريخ الإنسانية،و هي إقدامه على قتل ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و إلى القراء ذلك:

ص: 135

الظواهر الاجتماعية:
اشارة

أما الظواهر الاجتماعية التي تفرّد بها المجتمع الكوفي دون بقية الشعوب فهي:

التناقض في السلوك:

و الظاهرة الغريبة في المجتمع الكوفي أنه كان في تناقض صريح مع حياته الواقعية،فهو يقول شيئا و يفعل ضده،و يؤمن بشي و يفعل ما ينافيه و الحال أنه يجب أن تتطابق أعمال الإنسان مع ما يؤمن به،و قد أدلى الفرزدق بهذا التناقض حينما سأله الإمام عن أهل الكوفة فقال له:

«خلّفت قلوب الناس معك،و سيوفهم مشهورة عليك».

و كان الواجب يقضي أن تذب سيوفهم عما يؤمنون به،و أن يناضلوا عما يعتقدون به،و لا توجد مثل هذه الظاهرة في تأريخ أي شعب من الشعوب.

و من غرائب هذا التناقض أن المجتمع الكوفي قد تدخل تدخلا إيجابيا في المجالات السياسية و هام في تياراتها،فكان يهتف بسقوط الدولة الأموية،و قد كاتبوا الإمام الحسين لينقذهم من جور الأمويين و بطشهم،و بعثوا الوفود إليه مع آلاف الرسائل التي تحثه على القدوم لمصرهم،و لما بعث إليهم سفيره مسلم بن عقيل قابلوه بحماس بالغ،و أظهروا له الدعم الكامل،حتى كاتب الإمام الحسين بالقدوم إليهم،و لكن لما دهمهم ابن مرجانة و نشر الرعب و الفزع في بلادهم تخلّوا

ص: 136

عن مسلم،و أقفلوا عليهم بيوتهم و راحوا يقولون:

«ما لنا و الدخول بين السلاطين».

إن حياتهم العملية لم تكن صدى لعقيدتهم التي آمنوا بها،فقد كانوا يمنّون قادتهم بالوقوف معهم ثم يتخلّون عنهم في اللحظات الحاسمة.

و من مظاهر ذلك التناقض أنهم بعد ما أرغموا الإمام الحسن عليه السّلام على الصلح مع معاوية،و غادر مصرهم جعلوا ينوحون و يبكون على ما فرّطوه تجاهه،و لما قتلوا الإمام الحسين عليه السّلام و دخلت سبايا أهل البيت عليهم السّلام مدينتهم أخذوا يعجّون بالنياحة و البكاء فاستغرب الإمام زين العابدين عليه السّلام ذلك منهم و راح يقول:

«إن هؤلاء يبكون و ينوحون من أجلنا،فمن قتلنا؟!!».

إن فقدان التوازن في حياة ذلك المجتمع جرّ لهم الويلات و الخطوب و ألقاهم في شر عظيم.

الغدر و التذبذب:

و الظاهرة الأخرى في المجتمع الكوفي الغدر،فقد كان من خصائصهم التي اشتهروا بها،و قد ضرب بهم المثل فقيل:«أغدر من كوفي»كما ضرب المثل بعدم وفائهم فقيل:«الكوفي لا يوفي».

و قد وصفهم أمير المؤمنين عليه السّلام بقوله:«أسود رواغة و ثعالب رواغة».و قال فيهم:«إنهم أناس مجتمعة أبدانهم،مختلفة أهواؤهم و أن من فاز بهم فاز بالسهم الأخيب و أنه أصبح لا يطمع في نصرتهم و لا يصدّق قولهم».

لقد كان الجانب العملي في حياتهم هو التقلب و التردد و التخاذل،و قد غروا زيد بن علي الثائر العظيم فقالوا له:إن معك مائة ألف رجل من أهل الكوفة يضربون

ص: 137

دونك بأسيافهم و قد أحصى ديوانه منهم خمسة عشر ألفا كانوا قد بايعوه على النصرة ثم لما أعلن الثورة هبط عددهم إلى مائتين و ثمانية عشر رجلا و قد نصح داود بن علي زيدا بأن لا ينخدع بأهل الكوفة فقال له:

«يابن عم إن هؤلاء يغرونك من نفسك،أليس قد خذلوا من كان أعز عليهم منك جدك عليّ بن أبي طالب حتى قتل،و الحسن من بعده بايعوه ثم و ثبوا عليه فانتزعوا رداءه من عنقه،و انتهبوا فسطاطه و جرحوه؟أو ليس قد أخرجوا جدك الحسين و حلفوا له بأوكد الأيمان ثم خذلوه و أسلموه ثم لم يرضوا بذلك حتى قتلوه».

و كانوا ينكثون البيعة بعد البيعة،و قد ألمع إلى هذه الظاهرة أعشى همدان الذي كان شاعر ثورة محمد بن الأشعث الذي ثار على الحجاج يقول داعيا على أهل الكوفة:

أبى الله إلا أن يتمم نوره و يطفىء نور الفاسقين فيخمدا

و ينزل ذلا بالعراق و أهله لما نقضوا العهد الوثيق المؤكدا

و ما أحدثوا من بدعة و عظيمة من القول لم تصعد إلى الله مصعدا

و ما نكثوا من بيعة بعد بيعة إذا ضمنوها اليوم خاسوا بها غدا

و قد عرفوا بهذا السمت عند جميع الباحثين،و يرى«فلهوزن»أنهم مترددون متقلبون و أنهم لم يألفوا النظام و الطاعة،و أن الإخلاص السياسي و العسكري لم يكن معروفا لهم على الإطلاق،و أكد ذلك الباحث«وزتر شنين»يقول:إن من صفاتهم المميزة البارزة الهوائية و التقلّب و نقص الثقة بأنفسهم.

و لم يكن هذا التذبذب في حياتهم مقتصرا على العامة،و إنما كان شائعا حتى عند رجال الفكر و الأدب فسراقة الشاعر المعروف وقف في وجه المختار،و اشترك في قتاله يوم جبانة السبيع فلما انتصر المختار وقع سراقة أسيرا بين يدي أصحابه فزج به في السجن فأخذ سراقة يستعطفه و ينظم القصيد في مدحه،و يذكر مبادىء

ص: 138

ثورته و يبالغ في تمجيده فكان مما قاله فيه:

نصرت على عدوك كل يوم بكل كتيبة تنعى حسينا

كنصر محمد في يوم بدر و يوم الشعب إذ لاقى حنينا

فاسجح إذ ملكت فلو ملكنا لجرنا في الحكومة و اعتدينا

تقبل توبة مني فإني سأشكر إن جعلت النقد دينا

و لما عفا عنه المختار خرج من الكوفة فلم يبعد عنها قليلا حتى أخذ يهجو المختار و يحرّض عليه،و قد قال في هجائه:

ألا أبلغ أبا إسحاق أني رأيت البلق دهما مصمتات

كفرت بوحيكم و جعلت نذرا علي قتالكم حتى الممات

أرى عيني ما لم تبصراه كلانا عالم بالترهات

إذا قالوا أقول لهم كذبتم و إن خرجوا لبست لهم أداتي

لقد مضى يصب ثورته و سخريته على المختار و أصحابه في نفس الوزن الذي نظم فيه قصيدته السابقة،و من الطبيعي أن هذا التناقض في حياتهم كان ناجما من الإضطراب النفسي،و عدم التوازن في السلوك.

و من غرائب ذلك التناقض أن بعضهم كان يحتاط في أبسط الأمور و لا يتحرج من اقتراف أعظم الموبقات،فقد جاء رجل من أهل الكوفة إلى عبد الله بن عمر يستفتيه في دم البعوض يكون على الثوب أطاهر أم نجس؟فقال له ابن عمر:

-من أين أنت؟

-من أهل العراق.

فبهر ابن عمر و راح يقول:أنظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض!!و قد قتلوا ابن بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و قد سمعته يقول فيه و في أخيه:هما ريحانتاي من الدنيا.

و يعزو بعضهم السبب في هذا الاضطراب إلى الظروف السياسية القاسية التي

ص: 139

مرت عليهم،فإن الحكم الأموي كان قد عاملهم بمنتهى القسوة و الشدة فرماهم بأقسى الولاة و أشدهم عنفا أمثال المغيرة بن شعبة و زياد بن سمية مما جعل الحياة السياسية ضيقة و متحرجة مما نجم عنه هذا التناقض في السلوك.

ص: 140

التمرد على الولاة:

و الطابع الخاص الذي عرف به المجتمع الكوفي التمرد على الولاة و التبرم منهم، فلا يكاد يتولى عليهم و ال و حاكم حتى أعلنوا الطعن عليه فقد طعنوا في سعد بن أبي و قاص مؤسس مدينتهم و اتهموه بأنه لا يحسن الصلاة فعزله عمرو و ولّى مكانه الصحابي الجليل عمار بن ياسر،و لم يلبثوا أن شكوه إلى عمر فعزله،و ولّى مكانه أبا موسى الأشعري،و لم تمض أيام من ولايته حتى طعنوا فيه،و قالوا:لا حاجة لنا في أبي موسى و ضاق عمر بهم ذرعا و بدا عليه الضجر فسأله المغيرة عن شأنه فقال له:

«ما فعلت هذا يا أمير المؤمنين إلا من عظيم،فهل نابك من نائب؟».

فانبرى عمر يشكو إليه الألم الذي داخله من أهل الكوفة قائلا:

«و أي نائب أعظم من مائة ألف لا يرضون عن أمير،و لا يرضى عنهم أمير..».

و تحدث عمر عنهم فقال:

«من عذيري من أهل الكوفة إن استعملت عليهم القوي فجروه،و إن وليت عليهم الضعيف حقروه..».

لقد جبلوا على التمرد فهم لا يطيقون الهدوء و الإستقرار،و يرى ديمومين أن هذه الظاهرة اعتادها الكوفيون من أيام الفرس الذين دأبوا على تغيير حكامهم دوما و يذهب فان فلوتن إلى أن العرب المستقرين بالكوفة كانوا قد تعودوا على حياة الصحراء بما فيها من ضغن و شحناء و حب الإنتقام،و التخريب و الأخذ بالثأر فلذا تعودوا على التمرد،و عدم الطاعة للنظام.

ص: 141

الانهزامية:

و الظاهرة الغريبة التي عرف بها المجتمع الكوفي هي الإنهزامية،و عدم الصمود أمام الأحداث فإذا جد الجد ولّوا منهزمين على أعقابهم فقد أجمعوا في حماس على مبايعة مسلم و نصرته،و لما أعلن الثورة على ابن مرجانة انفضوا من حوله حتى لم يبق معه إنسان يدله علي الطريق و قد وقفوا مثل هذا الموقف مع زيد بن علي،فقد تركوه وحده يصارع جيوش الأمويين،و راح يقول:«فعلوها حسينية»و بايعوا عبد الله بن معاوية فقالوا له:«أدع إلى نفسك فبنو هاشم أولى بالأمر من بني مروان» و أخرجوه حيث كان مقيما،و أدخلوه القصر فبايعوه،و لما زحف لقتاله والي الأمويين عبد الله بن عمر فروا منهزمين و نظر عبد الله بن معاوية فإذا الأرض بيضاء من أصحابه فقد غدر به قائد قواته لأنه كان على اتفاق مع والي الأمويين فانهزم و انهزم معه الجيش و كان عيسى بن زيد يقول فيهم:«لا أعرف موضع ثقة يفي ببيعته،و يثبت عند اللقاء».

مساوىء الأخلاق:

و اتصفت الأكثرية الساحقة من أهل الكوفة بمساوىء الأخلاق.يقول فيهم عبد الله بن الحسن أنهم:نفج العلانية،خور السريرة،هوج الردة،جزع في اللقاء، تقدمهم ألسنتهم،و لا تشايعهم قلوبهم،و وصفهم الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بقوله:

«إن أهملتم خفتم،و إن حوربتم خرتم،و إن اجتمع الناس على إمام طعنتم،و إن جئتم

ص: 142

إلى مشاقة نكصتم»و وصفهم المختار لعبد الله بن الزبير حينما سأله عنهم فقال:

«لسلطانهم في العلانية أولياء و في السر أعداء»و علّق ابن الزبير على قول المختار فقال:«هذه صفة عبيد السوء إذا رأوا أربابهم خدموهم و أطاعوهم،فإذا غابوا عنهم شتموهم».

و هجاهم أعشى همدان بقوله:

وجبنا حشاه ربهم في قلوبهم فما يقربون الناس إلا تهددا

فلا صدق في قول و لا صبر عندهم و لكم فخرا فيهم و تزيدا

و يقول فيهم أبو السرايا:

و مارست أقطار البلاد فلم أجد لكم شبها فيما و طأت من الأرض

خلافا و جهلا و انتشار عزيمة و وهنا و عجزا في الشدائد و الخفض

لقد سبقت فيكم إلى الحشر دعوة فلا عنكم راض و لا فيكم مرضي

سأبعد داري من قلى عن دياركم فذوقوا إذا وليت عاقبة البغض

و حلل الدكتور يوسف خليف هذه الأبيات بقوله:«و أبو السرايا في هذه الأبيات يردد تلك الفكرة القديمة التي عرفت عن أهل الكوفة من أنهم أهل شقاق و نفاق و مساوى أخلاق،فيصفهم بالشقاق و الجهل و تفرق العزيمة و الضعف و العجز، و يرى أن هذه صفاتهم التي تلازمهم دائما في الحرب و السلم،و هي صفات لم تجعل أحدا من زعمائهم أو أئمتهم يرضى عنهم،و هم منفردون بها من بين سائر البشر في جميع أقطار الأرض التي و طأتها قدماه،ثم يعلن في النهاية ببغضه لهم و اعتزامه البعد عنهم ليذوقوا من بعده سوء العاقبة و سوء المصير».

و وصفهم أبو بكر الهذلي بقوله:«إن أهل الكوفة قطعوا الرحم و وصلوا المثانة، كتبوا إلى الحسين بن علي أنّا معك مائة ألف،و غرّوه حتى إذا جاء خرجوا إليه و قتلوه و أهل بيته صغيرهم و كبيرهم،ثم ذهبوا يطلبون دمه،فهل سمع السامعون

ص: 143

بمثل هذا؟».

الجشع و الطمع:

و هناك نزعة عامة سادت في أوساط المجتمع الكوفي،و هي التهالك على المادة و السعي على حصولها بكل طريق،فلا يبالون في سبيلها بالعار و الخزي،و لقد لعبت هذه الجهة دورها الخطير في إخفاق ثورة مسلم،فقد بذل ابن زياد الأموال بسخاء للوجوه و الأشراف فخفّوا إليه سراعا فغدروا بمسلم،و نكثوا عهودهم،و قد ملكهم ابن زياد بعطائه فأخرجهم لحرب ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله بعد أن أقسموا الأيمان المغلظة على نصرته و الذب عنه.

التأثر بالدعايات:

و ظاهرة أخرى من ظواهر المجتمع الكوفي و هي سرعة التأثر بالدعايات من دون فحص و وقوف على واقعها،و قد استغل هذه الظاهرة الأمويون أيام«مسكن» فأشاعوا في أوساط الجيش العراقي أن الحسن صالح معاوية و حينما سمعوا بذلك ماجوا في الفتنة و ارتطموا في الإختلاف،فعمدوا إلى أمتعة الإمام فنهبوها، كما اعتدوا عليه فطعنوه في فخذه و لما أذاعت عصابة ابن زياد بين جيوش مسلم أن جيش أهل الشام قد أقبل إليكم فلا تجعلوا أنفسكم عرضة للنقمة و العذاب،فلما سمعوا ذلك انهارت أعصابهم،و ولوا منهزمين،و أمسى ابن عقيل وحده ليس معه إنسان يدله على الطريق.

هذه بعض مظاهر الحياة الاجتماعية في الكوفة،و هي تكشف عن ضحالة ذلك

ص: 144

المجتمع،و انهياره أمام الأحداث،فلم تكن له إرادة صلبة و لا وعي اجتماعي أصيل و قد جرّوا لهم بذلك الويل،فدمّروا قضاياهم المصيرية و تنكّروا لجميع حقوقهم، و فتحوا المجال للطاغية ابن مرجانة أن يتحكم فيهم و يصب عليهم وابلا من العذاب الأليم (1).2.

ص: 145


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:303/2.
الحياة الاقتصادية:

أما الحياة الاقتصادية في الكوفة فكانت تتسم بعدم التوازن فقد كانت فيها الطبقة الأرستقراطية التي غرقت في الثراء العريض فقد منحتها الدولة الأموية أيام عثمان و معاوية الهبات و الامتيازات الخاصة فأثرت على حساب الضعفاء و المحرومين،و من بين هؤلاء:

-1-الأشعث بن قيس،و قد اشترى في أيام عثمان أراض واسعة في العراق، و كان في طليعة الإقطاعيين في ذلك العصر،و هو الذي أرغم الإمام على قبول التحكيم لأن حكومته كانت تهدد مصالحه و امتيازاته الخاصة.

-2-عمرو بن حريث،و كان أثرى رجل في الكوفة،و قد لعب دورا خطيرا في إفساد ثورة مسلم و شل حركتها.

-3-شبث بن ربعي،و هو من الطبقة الأرستقراطية البارزة في الكوفة،و هو أحد المخذلين عن مسلم،كما تولّى قيادة بعض الفرق التي حاربت الحسين.

هؤلاء بعض المثرين في ذلك العصر،و كانوا يدا لابن مرجانة و ساعده القوي الذي أطاح بثورة مسلم،فقد كانوا يملكون نفوذا واسعا في الكوفة و قد استطاعوا أن يعلنوا معارضتهم للمختار رغم ما كان يتمتع به من الكتل الشعبية الضخمة المؤلفة من الموالي و العبيد،و هم الذين أطاحوا بحكومته.

أما الأكثرية الساحقة في المجتمع الكوفي فكانت مرتبطة بالدولة تتلقى موادها المعاشية منها باعتبارها المعسكر الرئيسي للدولة فهي التي تقوم بالإنفاق عليها،

ص: 146

و قد عانى بعضهم الحرمان و البؤس،و قد صوّر الشاعر الأسدي سوء حياته الاقتصادية بقصيدة يمدح بها بعض نبلاء الكوفة لينال من معروفه و كرمه يقول فيها:

يا أبا طلحة الجواد أغثني بسجال من سيبك المقسوم

أحي نفسي-فدتك نفسي-فإني مفلس-قد علمت ذاك-عديم

أو تطوع لنا بسلت دقيق أجره-إن فعلت ذاك-عظيم

قد علمتم-فلا تعامس عني- ما قضى الله في طعام اليتيم

ليس لي غير جرة و أصيص و كتاب منمنم كالوشوم

و كساء أبيعه برغيف قد رقعنا خروقه بأديم

و أكاف أعارنيه نشيط هو لحاف لكل ضيف كريم

إذا رأيت هذا الفقر المدقع الذي دعا الشاعر إلى هذا الإستعطاف و التذلل إنها مشكلة الفقر الذي أخذ بخناقه و علّق شوقي ضيف على هذه الأبيات بقوله:«و من هنا ارتفع صوت المال في القصيدة الأموية و احتل جوانب غير قليلة منها فقد كان أساسيا في حياة الناس،فطبيعي أن يكون أساسيا في فنهم و شعرهم،أليس دعامة هامة من دعائم الحياة،فلم لا يكون دعامة هامة من دعائم البناء الفني،إنه يستتر في قاع الحياة،و قاع الشعر لأن الشعر إنما هو تعبير عن الحياة.

إن الحياة الاقتصادية تؤثر أثرا عميقا و فعالا في كيان المجتمع،و تلعب دورا خطيرا في توجيه المجتمع نحو الخير أو الشر،و قد ثبت أن كثيرا من الجرائم التي يقترفها بعض المصابين في سلوكهم إنما جاءت نتيجة لفقرهم و بؤسهم أو لجشعهم على تحصيل المادة،و قد اندفع أكثر الجيش الذي خرج لحرب الإمام الحسين عليه السّلام حينما مناهم ابن مرجانة بزيادة مرتباتهم التي يتقاضونها من الدولة.

على أي حال فإن سوء الحالة الاقتصادية في الكوفة كانت من الأسباب الفعالة

ص: 147

في إخفاق ثورة مسلم و تحوّل الجماهير عنه حينما أغدق ابن زياد الأموال على الوجوه و العرفاء و غيرهم فاندفعوا إلى القيام بمناهضة مسلم و صرف الناس عنه.

عناصر السكان:
اشارة

كانت الكوفة أممية قد امتزجت فيها عناصر مختلفة في لغاتها،و متباينة في طباعها و عاداتها و تقاليدها فكان فيها العربي و الفارسي و النبطي إلى جانب العبيد و غيرهم،و لم تعد مدينة عربية خالصة كمكة و المدينة و إنما كانت مدينة أهلها أخلاط من الناس-كما يقول اليعقوبي-و قد هاجرت إليها هذه العناصر باعتبارها المركز الرئيسي للمعسكر الإسلامي فمنها تتدفق الجيوش الإسلامية للجهاد كما تتدفق بها المغانم الكثيرة التي وعد الله بها المجاهدين،و قد بلغ نصيب الجندي المقاتل من في المدائن اثني عشر ألفا مما دعا ذلك إلى الهجرة إليها باعتبارها السبيل إلى الثروة و نلمّح إلى بعض تلك العناصر:

العرب:
اشارة

و حينما تم تأسيس الكوفة على يد فاتح العراق سعد بن أبي وقاص اتجهت إليها أنظار العرب،و تسابقوا إلى الهجرة إليها،فقد سكنها في وقت مبكر سبعون بدريا و ثلثمائة من أصحاب الشجرة و قد ترجم ابن سعد في طبقاته مائة و خمسين صحابيا ممن نزلوا الكوفة و يقول فيها السفاح:«و هي-أي الكوفة-منزل خيار الصحابة و أهل الشرف أما القبائل العربية التي سكنتها فهي:

ص: 148

القبائل اليمنية:

و تسابقت القبائل اليمنية إلى سكنى الكوفة فكان عددهم-فيما يقول المؤرخون -اثني عشر ألفا و هي:

-1-قضاعة.

-2-غسان.

-3-بجيلة.

-4-خثعم.

-5-كندة.

-6-حضرموت.

-7-الأزد.

-8-مذحج.

-9-حمير.

-10-همدان.

-11-النخع.

فهذه هي الأسر التي تنتمي إلى اليمن،و قد استوطنت الكوفة،و نزلت في الجانب الشرقي من المسجد،و يرى فلهوزن أن القبائل المشهورة من اليمن و هي مذحج و همدان و كندة قد كانت لها السيطرة و السيادة على الكوفة،و يقول عبد الملك بن مروان بعد دخوله إلى الكوفة حينما جاءته قبائل مذحج و همدان:

«ما أرى لأحد مع هؤلاء،شيئا».

ص: 149

القبائل العدنانية:

أما القبائل العدنانية التي سكنت الكوفة فكان عددها ثمانية آلاف شخص،و هي تتشكل من أسرتين.

-1-تميم.

-2-بنو العصر.

قبائل بني بكر:

و سكنت الكوفة قبائل بني بكر،و هي عدة أسر منها:

-1-بنو أسد.

-2-غطفان.

-3-محارب.

-4-نمير.

و هناك مجموعة أخرى من القبائل العربية استوطنت الكوفة،و هي كنانة، و جدايلة،و ضبيعة و عبد القيس،و تغلب و أياد و طي و ثقيف و عامر و مزينة،و يرى مانسيون أنه إلى جانب القرشيين الذين سكنوا الكوفة عناصر شديدة البداوة من سكان الخيام و بيوت الشعر،و أصحاب الأبل من بني دارم التميمي و جيرانهم اليمنيين القدماء من طي،و عناصر نصف رحالة من ربيعة،و أسد من الغرب و الشمال الغربي،و بكر من الشرق و الجنوب الشرقي و عبد القيس الذين جاءوا من هجر من الجنوب الشرقي ثم عناصر متحضرة من القبائل الجنوبية الأصيلة من

ص: 150

العربية الذين نزحوا من اليمن و حضرموت،و هؤلاء كانوا قسمين:عناصر نصف متحضرة من كندة و بجيلة و عناصر متحضرة تماما من سكان المدن و القرى اليمنية من مذحج و حمير و همدان.

إن العنصر العربي الذي استوطن الكوفة منذ تأسيسها كان مزيجا من اليمانية و النزارية و غيرها و لكن اليمانية كانت أكثر عددا كما كان تأثيرها في حياة المجتمع الكوفي أشد من غيرها.

الروح القبلية:

و سادت في قبائل المجتمع العربي في الكوفة الروح القبلية فكانت كل قبيلة تنزل في حي معين لها لا يشاركها فيها إلا حلفاؤها،كما كان لكل قبيلة مسجدها الخاص، و مقبرتها الخاصة،و يرى ماسنيون أن جبانات الكوفة هي إحدى الصفات المميزة لطبو غرافيتها كما سمّيت شوارعها و سككها بالقبائل التي كانت تقطن فيها و غدت المدينة صورة تامة للحياة القبلية و بلغ الإحساس بالروح القبلية و التعصب لها إلى درجة عالية،فكانت القبائل تتنافس فيما بينها على إحراز النصر كما حدث في واقعة الجمل.

و من هنا غلب على الحياة فيها طابع الحياة الجاهلية،و يحدثنا ابن أبي الحديد عن الروح القبلية السائدة في الكوفة بقوله:«إن أهل الكوفة في آخر عهد علي كانوا قبائل فكان الرجل يخرج من منازل قبيلته فيمر بمنازل قبيلة أخرى،فينادي باسم قبيلته يا للنخع أو يا لكندة،فيتألب عليه فتيان القبيلة التي مربها فينادون يا لتميم أو يا لربيعة،و يقبلون إلى ذلك الصائح فيضربونه فيمضي إلى قبيلته فيستصرخها فتسل السيوف و تثور الفتنة».

ص: 151

لقد كانت الروح القبلية هي العنصر البارز في حياة المجتمع الكوفي و قد استغل ابن سمية هذه الظاهرة في إلقاء القبض على حجر و إخماد ثورته فضرب بعض الأسر ببعض،و كذلك استغل هذه الظاهرة ابنه للقضاء على حركة مسلم و هانى، و عبد الله بن عفيف الأزدي.

الفرس:

و إلى جانب العنصر العربي الذي استوطن الكوفة كان العنصر الفارسي، و كانوا يسمّون الحمراء و قد سألوا عن أمنع القبائل العربية فقيل لهم تميم فتحالفوا معهم و أكبر موجة فارسية استوطنت الكوفة عقيب تأسيسها هي المجموعة الضخمة من بقايا فلول الجيوش الساسانية التي انضمت إلى الجيش العربي، و أخذت تقاتل معه،و قد عرفت في التأريخ باسم«حمراء ديلم»فكان عددهم-فيما يقول المؤرخون-أربعة آلاف جندي يرأسهم رجل يسمى(ديلم)قاتلوا معه تحت قيادة رستم في القادسية فلما انهزمت الفرس،و قتل رستم عقدوا أمانا مع سعد بن أبي وقاص،و شرطوا عليه أن ينزلوا حيث شاءوا،و يحالفوا من أحبّوا و أن يفرض لهم العطاء،و قد حالفوا زهرة بن حوية التميمي أحد قادة الفتح،و فرض لهم سعد في ألف ألف،و أسلموا و شهدوا فتح المدائن معه كما شهدوا فتح جلولاء،ثم تحوّلوا فنزلوا الكوفة.

و قد كوّنت هذه الجالية مجموعة كبيرة في المجتمع الكوفي،و يذكر فلهوزن أنهم كانوا أكثر من نصف سكان الكوفة،و قد أخذ عددهم بازدياد حتى تضاءلت نسبة العرب في الكوفة،و تغلّبوا في عصر المأمون حتى كانت اللغة الفارسية تحتل الصدارة في ذلك العصر و يقول الجاحظ:إن اللغة الفارسية أثرت تأثيرا كبيرا في

ص: 152

لغة الكوفة.

و على أي حال فإن الفرس كانوا يشكّلون عنصرا مهما في الكوفة و كوّنوا بها جالية متميزة فكان أهل الكوفة يقولون:«جئت من حمراء ديلم»و يقول البلاذري:

إن زيادا سيّر بعضهم إلى الشام،و سيّر قوما منهم إلى البصرة و قد شاركت هذه الجالية في كثير من الفتوحات الإسلامية،كما شكّلت المد العالي للإطاحة بالحكم الأموي.

الأنباط:

و كانت الأنباط من العناصر التي سكنت الكوفة،و قد أثّروا في الحياة العامة تأثيرا عقليا و اجتماعيا،و يقول المؤرخون:إن الأنباط ليسوا عنصرا خاصا من البشر و إنما هم من العرب و كانوا يستخدمون اللغة الدارمية في كتابتهم،و كانوا يستوطنون بلاد العرب الصخرية و قد انتقلوا منها إلى العراق،و اشتغلوا بالزراعة، و كانوا ينطقون بلغتهم الدارمية.

و قد أثّروا تأثيرا بالغا في حياة الكوفة يقول أبو عمرو بن العلاء لأهل الكوفة:

«لكم حذلقة النبط،و صلفهم،و لنا زهاء الفرس و أحلامهم»و يروي الطبري أن رجلا من بني عبس أسر رجلا من أهل نهاوند اسمه دينار،و كان يواصل العبسي و يهدي إليه،و قد قدم الكوفة في أيام معاوية فقام في الناس و قال لهم:«يا معشر أهل الكوفة أنتم أول من مررتم بنا كنتم خيار الناس،فعمرتم بذلك زمان عمر و عثمان ثم تغيرتم،و فشت فيكم خصال أربع:بخل،و خب،و غدر،و ضيق و لم يكن فيكم واحدة منهن فرافقتكم فإذا ذلك مواليدكم،فعلمت من أين أتيتم».

و يرى(دي بود)أن التغيّر الاجتماعي و تبدّل الأخلاق في الكوفة قد نشأ في وقت

ص: 153

مبكر أيام معاوية بن أبي سفيان و من الطبيعي أن للأنباط ضلعا كبيرا في هذا التغيير.

السريانية:

و العنصر الرابع الذي شارك في تكوين الكوفة هي السريانية،فقد كانت منتشرة في العراق قبل الفتح الإسلامي،و كان الكثيرون منهم مقيمين على حوض دجلة، و بعضهم كان مقيما في الحيرة و الكوفة و قد ارتبطوا بأهل الكوفة و تأثروا بعاداتهم و أخلاقهم فإن الحياة الاجتماعية-كما يقول علماء الاجتماع-حياة تأثير و تأثر فكل إنسان يتأثر و يؤثر فيمن حوله.

هذه هي العناصر التي شاركت في استيطان الكوفة و بناء مجتمعها فهي لم تكن عربية خالصة و إنما امتزجت بها هذه العناصر،و قد نشأت بينها المصاهرة،فنشأ جيل مختلط من هذه العناصر و لكن التغلب الجنسي كان للعرب باعتبارهم الأكثرية الساحقة في القطر،فقد أصبحت التقاليد الدينية و العادات الاجتماعية خاضعة للعرب،كما كانت لهم الكلمة العليا في البلاد..و بهذا ينتهي بنا الحديث عن عناصر السكان في الكوفة.

الأديان:
اشارة

و لم يكن المجتمع الكوفي يدين بدين واحد،و إنما كانت فيه أديان متعددة،و لكل دين الحرية في إقامة طقوسه الدينية،و هذه بعضها:

ص: 154

-1-الإسلام
اشارة

و كان الإسلام دين الأكثرية الساحقة للعرب الذين استوطنوا الكوفة فإنها إنما أنشأت لتكون حامية للجنود الإسلامية التي كانت تبعث بهم الدولة لحركات الفتوح،و عمليات الجهاد،و لكن الإسلام لم ينفذ إلى أعماق قلوب الكثيرين منهم، و إنما جرى على ألسنتهم طمعا بثمرات الفتوح التي أفاء الله بها على المجاهدين، و قد أكد علم الاجتماع أن التحوّل الاجتماعي لا يكون إلا بعد أجيال و أجيال،و أن المجتمع يظل محافظا على عاداته و تقاليده التي اكتسبها من آبائه،و يؤيد ذلك ما مني به من الحركات الفكرية التي تتنافى مع الإسلام،و إلى الإنقسامات الخطيرة بين صفوفه،و نلمح إلى بعض تلك الإنقسامات:

الخوارج:

و اعتنق هذه الفكرة القراء و أصحاب الجباه السود حينما رفعت المصاحف في صفين،و قد أرغموا الإمام على قبول التحكيم بعد ما مني معاوية بالهزيمة الساحقة،فاستجاب لهم الإمام على كره،و قد حذّرهم من أنها مكيدة و خديعة فلم يكن يجدي ذلك معهم،و أصرّوا على فكرتهم و لما استبان لهم ضلال ما اقترفوه أقبلوا على الإمام و هم يقولون له:«إنا قد كفرنا و تبنا،فأعلن توبتك و قر على نفسك بالكفر،لنكون معك»،فأبى عليه السّلام فاعتزلوه،و اتخذوا لهم شعارا«لا حكم الا لله» و انغمسوا في الباطل و ماجوا في الضلال،فحاربهم الإمام و قضى على الكثيرين منهم إلا أن البقية الباقية منهم ظلت تواصل نشر أفكارها بنشاط،و قد لعبت دورا مهما في إفساد جيش الإمام الحسن حتى اضطر إلى الصلح مع معاوية،كما كان

ص: 155

أكثر الجيش الذي زجّه ابن زياد لحرب الإمام الحسين من الخوارج و كانوا موتورين من الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام فرووا أحقادهم من أبنائه الطيبين في كارثة كربلاء (1).2.

ص: 156


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:311/2.
الحزب الأموي:

و هؤلاء يمثلون وجوه الكوفة و زعماءها كقيس بن الأشعث،و عمرو بن الحجاج الزبيدي،و يزيد بن الحرث،و شبث بن ربعي،و عمرو بن حريث و عمر بن سعد، و كانوا يدينون بالولاء لبني أمية،و يرون أنهم أحق بالخلافة و أولى بزعامة الأمة من آل البيت عليهم السّلام و قد لعبوا دورا خطيرا في فشل ثورة مسلم،كما زجّوا الناس لحرب الإمام الحسين.

الشيعة:

و هي التي تدين بالولاء لأهل البيت،و ترى أنه فرض ديني،و قد أخلصت شيعة الكوفة في الولاء لهم،أما مظاهر حبهم فهي:

-1-الخطب الحماسية التي يمجّدون فيها أهل البيت،و يذكرون فضلهم و مآثرهم،و ما شاهدوه من صنوف العدل و الحق في ظل حكومة الإمام أمير المؤمنين.

-2-الدموع السخية التي يهرقونها حينما يذكرون آلام آل البيت عليهم السلام و ما عانوه في عهد معاوية من التوهين و التنكيل،و لكنهم لم يبذلوا أي تضحية تذكر لعقيدتهم فقد كان تشيعهم عاطفيا لا عقائديا و قد تخلّوا عن مسلم و تركوه فريسة بيد الطاغية ابن مرجانة،و يروي البلاذري أنهم كانوا في كربلاء،و هم ينظرون إلى ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و قد تناهبت جسمه الشريف السيوف و الرماح فكانوا يبكون،و يدعون الله قائلين:«اللّهم أنزل نصرك على ابن بنت نبيك»فانبرى إليهم

ص: 157

أحدهم فأنكر عليهم ذلك الدعاء و قال لهم:«هلا تهبون إلى نصرته بدل هذا الدعاء»، و قد جرّدهم الإمام الحسين عليه السّلام من إطار التشيع و صاح بهم يا شيعة آل أبي سفيان.

و الحق أن الشيعة بالمعنى الصحيح لم تكن إلا فئة نادرة في ذلك العصر و قد التحقق بعضهم بالإمام الحسين و استشهدوا معه،كما زجّ الكثيرون منهم في ظلمات السجون.

و على أي حال فلم يكن المسلمون في الكوفة على رأي واحد و إنما كانت هناك انقسامات خطيرة بين صفوفهم.

النصارى:
اشارة

من العناصر التي سكنت الكوفة النصارى،فقد أقبلوا إليها من الحيرة بعد زوال مجدها و قد أقاموا لهم في الكوفة عدة كنائس،فقد كانت لهم كنيسة في ظهر قبلة المسجد الأعظم و كان لهم أسقفان أحدهما نسطوري،و الآخر يعقوبي و كانوا طائفتين!!

-1-نصارى تغلب

و قد استوطنوا الكوفة عند تخطيطها مع سعد،و كانت لهذه الطائفة عزة و منعة و قد رفض أبناؤها دفع الجزية مما اضطر عمر أن يعاملهم معاملة المسلمين فجعل جزيتهم مثل صدقة المسلمين.

ص: 158

-2-نصارى نجران

نزلوا الكوفة في خلافة عمر،و استوطنوا في ناحية منها سميت محلة (التجرانية).

و قد شاركت النصارى مشاركة إيجابية في كثير من أعمال الدولة فقد اتخذ أبو موسى الأشعري أمير الكوفة كاتبا نصرانيا كما ولّى الوليد بن عقبة والي عثمان رجلا مسيحيا لإدارة شؤون مسجد قريب من الكوفة.

و قد شغل المسيحيون في الكوفة أعمال الصيرفة،و كوّنوا أسواقا لها و كانت الحركة المصرفية بأيديهم،كما كانوا يقومون بعقد القروض لتسهيل التجارة، و كانت تجارة التبادل و الصيرفة بأيديهم،و قد مهروا في الصيرفة،و نظّموها على شكل يشبه البنوك في هذا العصر.

و كانت هذه البنوك الأهلية تستقرض منها الحكومة المحلية الأموال إذا حدثت ثورة في القطر،فكانت الأموال توزع على أعضاء الثورة لإخمادها و قد استقرض منها ابن زياد الأموال فوزّعها على وجوه الكوفة و أشرافها للقضاء على ثورة مسلم.

و على أي حال فإن المجتمع الكوفي كان مزيجا بين المسلمين و المسيحيين و كانت العلاقة بينهما وثيقة للغاية.

اليهود:

و استوطن اليهود الكوفة سنة(20 ه)و قد قدم قسم كبير منهم من الحجاز بعد أن أجلاهم منه عمر بن الخطاب و قد كانت لهم محلة تعرف باسمهم في الكوفة كما

ص: 159

بنوا فيها معابد لهم،و يذكر الرحالة بنيامين أن بالكوفة سبعة آلاف يهودي،و فيها قبر يسكنه اليهود و حوله كنيس لهم و قد زاولوا بعض الحرف التي كان العرب يأنفون منها كالصياغة و غيرها..و كانت اليهود تحقد على الرسول صلّى اللّه عليه و اله كأعظم ما يكون الحقد لأنه أباد الكثيرين منهم و ألحق بهم العار و الهزيمة،و قد قاموا بدور فعال-فيما يقول بعض المحققين-في مجزرة كربلا تشفيا من النبي صلّى اللّه عليه و اله بأبنائه و ذريته..و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض الأديان السائدة في الكوفة،و قد اشترك معظمها في حركات الجهاد و عمليات الحروب في ذلك العصر.

تنظيم الجيش:
اشارة

و أنشأت الكوفة لتكون معسكرا للجيوش الإسلامية،و قد نظّم الجيش فيها على أساس قبلي كما كانوا مرتبين وفق قبائلهم،و كانوا يقسمون في معسكراتهم باعتبار القبائل و البطون التي ينتمون إليها و قد رتّبت كما يلي:

نظام الأسباع:

و وزع الجيش توزيعا سباعيا يقوم قبل كل شي على أساس قبلي بالرغم من أنهم كانوا يقاتلون في سبيل الله إلا أن الروح القبلية كانت سائدة و لم تضعف، و فيما يلي أنظمتها:

السبع الأول:كنانة و حلفاؤها من الأحابيش و غيرهم،و جديلة و كانوا أعوانا طيعين للولاة القرشيين منذ إمارة سعد،و تولّوا بإخلاص عمال بني أمية و ولاتهم.

السبع الثاني:قضاعة،و غسان،و بجيلة،و خثعم،و كندة،و حضرموت،و الأزد.

ص: 160

السبع الثالث:مذحج و حمير و همدان و حلفاؤهم،و قد اتسموا بالعداء لبني أمية و المساندة الكاملة للإمام علي و أبنائه.

السبع الرابع:تميم و سائر الرباب و حلفاؤهم.

السبع الخامس:أسد و غطفان و محارب و ضبيعة و تغلب و النمر.

السبع السادس:أياد و عك و عبد القيس و أهل هجر و الحمراء.

السبع السابع:طي.

و تحتوي هذه الأسباع على قطعات قبلية من الجيش،و قد استعمل هذا النظام لأجل التعبئة العامة للحروب التي جرت في ذلك العصر،و توزيع الغنائم عليها بعد العودة من الحرب و ظلت الكوفة على هذا التقسيم حتى إذا كانت سنة(50 ه)عمد زياد بن أبيه حاكم العراق فغيّر ذلك المنهج و جعله رباعيا،فكان على النحو التالي:

-1-أهل المدينة،و جعل عليهم عمرو بن حريث.

2-تميم و همدان،و عليهم خالد بن عرفطة.

3-ربيعة بكر و كندة،و عليهم قيس بن الوليد بن عبد شمس.

4-مذحج و أسد و عليهم أبو بردة بن أبي موسى.

و إنما عمد إلى هذا التغيير لإخضاع الكوفة لنظام حكمه،كما أن الذين انتخبهم لرئاسة الأنظمة قد عرفوا بالولاء و الإخلاص للدولة،و قد استعان بهم ابن زياد لقمع ثورة مسلم،كما تولّى بعضهم قيادة الفرق التي زجّها الطاغية لحرب الإمام الحسين،فقد كان عمرو بن حريث و خالد بن عرفطة من قادة ذلك الجيش.

أما رؤساء الانظمة فقد كانت الدولة لا تنتخب إلا من ذوي المكانة الاجتماعية المعروفين بالنجدة و البسالة و التجربة في الحرب و رؤساء الأرباع يكونون خاضعين للسلطة الحكومية،كما أن اتصال السلطة بالشعب يكون عن طريقهم، و نظرا لأهميتهم البالغة في المصر فقد كتب إليهم الإمام الحسين يدعوهم إلى

ص: 161

نصرته و الذب عنه.

العرافة:

و كانت الدولة تعتمد على العرفاء فكانوا يقومون بأمور القبائل و يوزعون عليهم العطاء كما كانوا يقومون بتنظيم السجلات العامة التي فيها أسماء الرجال و النساء و الأطفال،و تسجيل من يولد ليفرض له العطاء من الدولة،و حذف العطاء لمن يموت كما كانوا مسؤولين عن شؤون الأمن و النظام،و كانوا في أيام الحرب يندبون الناس للقتال و يحثّونهم على الحرب،و يخبرون السلطة بأسماء الذين يتخلّفون عن القتال و إذا قصّر العرفاء أو أهملوا واجباتهم فإن الحكومة تعاقبهم أقسى العقوبات و أشدها.

و من أهم الأسباب في تفرّق الناس عن مسلم هو قيام العرفاء في تخذيل الناس عن الثورة و إشاعة الإرهاب و الأراجيف بين الناس كما كانوا السبب الفعال في زج الناس و إخراجهم لحرب الإمام الحسين.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن مظاهر الحياة الاجتماعية في الكوفة،و كان الإلمام بها من ضرورات البحث و ذلك لما لها من الأثر في إخفاق الثورة.

ص: 162

الطاغية ابن مرجانة:
اشارة

و لا بد لنا أن نتعرف على قائد الانقلاب الطاغية ابن مرجانة فنقف على نشأته و صفاته و مخططاته الرهيبة التي أدت إلى القضاء على الثورة،و إلى القراء ذلك.

ولادته:

ولد الطاغية سنة«39 ه»و قد ولد لخلق الكوارث و إشاعة الخطوب في الأرض، و على هذا فيكون عمره يوم قتله لريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله«21 سنة»و لم تعين المصادر التي بأيدينا المكان الذي ولد فيه.

أبواه:

أما أبوه فهو زياد بن سمية،و هو من عناصر الشر و الفساد في الأرض فقد سمل عيون الناس و صلبهم على جذوع النخل،و قتل على الظنة و التهمة و أخذ البرىء بذنب السقيم،و أغرق العراق بالحزن و الثكل و الحداد.

و أما أمه مرجانة فكانت مجوسية و قد عرفت بالبغي،و قد عرّض بها عبيد الله التميمي أمام ابنها عبيد الله فقال:إن عمر بن الخطاب كان يقول اللّهم إني أعوذ بك من الزانيات و أبناء الزانيات،فالتاع ابن زياد و ردّ عليه:إن عمر كان يقول:لم يقم جنين في بطن حمقاء تسعة أشهر إلا خرج مائقا،و فارق زياد مرجانة فتزوج بها شيروية.

ص: 163

نشأته:

نشأ الطاغية في بيت الجريمة،و قد قطع دور طفولته في بيت زوج أمه شيروية، و لم يكن مسلما و لما ترعرع أخذه أبوه زياد،و قد ربّاه على سفك الدماء و البطش بالناس،و ربّاه على الغدر و المكر،و قد ورث جميع صفات أبيه الشريرة من الظلم و التلذذ بالإساءة إلى الناس،و قد كان لا يقل قسوة عن أبيه،و قد قال الطاغية في بعض خطبه:

«أنا ابن زياد أشبهته من بين من وطأ الحصى،و لم ينتزعني شبه خال و لا ابن عم»لقد كان كأبيه في شدته و صرامته في الباطل و تنكره للحق.

صفاته:

أما صفاته النفسية فكان من أبرزها القسوة و التلذذ بسفك الدماء،و قد أخذ امرأة من الخوارج فقطع يديها و رجليها،و أمر بعرضها في السوق و وصفه الحسن البصري بأنه غلام سفيه سفك الدماء سفكا شديدا و يقول فيه مسلم بن عقيل:

«و يقتل النفس التي حرّم الله قتلها على الغضب و العداوة،و سوء الظن و هو يلهو و يلعب كأنه لم يصنع شيئا».

و كان متكبرا لا يسمع من أحد نصيحة،و قد دخل عليه الصحابي عائذ بن عمرو فقال له:

«أي بني إني سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله يقول:إن شر الدعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم».

فلذعه قوله و صاح به:

«إجلس إنما أنت من نخالة أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه و اله».

ص: 164

فأنكر عليه عائذ و قال:«و هل كان فيهم نخالة؟إنما كانت النخالة بعدهم و في غيرهم».

و عرف في أثناء ولايته على البصرة بالغش للرعية و الخديعة لها،و قد نصحه معقل بن يسار أن يترك ذلك و قال له:إني سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله يقول:ما من عبد يسترعيه الله رعيته و يموت و هو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة هذه بعض نزعاته و صفاته النفسية أما صفاته الجسمية فقد كان منها ما يلي:

اللكنة:

و نشأ الطاغية في بيت أمه مرجانة،و لم تكن عربية فأخذ لكنتها،و لم يكن يفهم اللغة العربية،فقد قال لجماعة:«إفتحوا سيوفكم»و هو يريد سلّوا سيوفكم،و إلى هذا يشير يزيد بن المفرغ في هجائه له:

و يوم فتحت سيفك من بعيد أضعت و كل أمرك للضياع

و جرت بينه و بين سويد مشادة فقال له عبيد الله:

«إجلس على أست الأرض».

فسخر منه سويد و قال:

«ما كنت أحسب أن للأرض أستا».

و كان لا ينطق بالحاء و قد قال لهانىء:«أهروري ثائر اليوم»يريد أحروري، و كان يقلب العين همزة كما كان يقلب القاف كافا،فقد قال يوما:«من كاتلنا كاتلناه» يريد من قاتلنا قاتلناه.

نهمه في الطعام

و يقول المؤرخون:إنه كان نهما في الطعام فكان في كل يوم يأكل خمس أكلات

ص: 165

آخرها جنبة بغل و يوضع بين يديه بعد ما يفرغ عناق أو جدي فيأتي عليه وحده و كذلك كان مسرفا في النساء فقد بنى ليلة قدومه إلى الكوفة بأم نافع بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط هذه بعض صفاته الجسمية.

ولايته على البصرة

و أسند إليه معاوية إمارة البصرة و ولاه أمور المسلمين،و كان في ميعة الشباب و غروره و طيشه،و قد ساس البصرة كما ساسها أبوه فكان يقتل على الظنة و التهمة،و يأخذ البريء بالسقيم و المقبل بالمدبر،و قد وثق به معاوية و ارتضى سيرته،و كتب إليه بولاية الكوفة إلا أنه هلك قبل أن يبعث إليه بهذا العهد.

ص: 166

أحقاد يزيد على ابن مرجانة

و كان يزيد ناقما على ابن مرجانة،كأشد ما يكون الإنتقام لأمور كان من أهمها أن أباه زيادا كان من المنكرين على معاوية ولايته ليزيد،لاستهتاره،و إقباله على اللهو و المجون،و قد أراد يزيد أن يعزل عبيد الله من البصرة،و يجرّده من جميع الإمتيازات إلا أنه لما أعلن الإمام الحسين عليه السّلام الثورة و بعث سفيره مسلما لأخذ البيعة من أهل الكوفة أشار عليه سرجون بأن يقرّه على ولاية البصرة و يضم إليه الكوفة،و يندبه للقضاء على الثورة فاستجاب له يزيد،و قد خلص العراق بأسره لحكم ابن زياد فقبض عليه بيد من حديد،و اندفع كالمسعور للقضاء على الثورة ليحرز بذلك ثقة يزيد به،و ينال إخلاص البيت الأموي له.

ص: 167

مخططات الانقلاب

و بالرغم من حداثة سن ابن زياد فإنه كان من أمهر السياسيين في الانقلابات، و أكثرهم تغلبا على الأحداث و قد استطاع بغدره و مكره أن يسيطر على حامية الكوفة،و يقضي على جذور الثورة و يخمد نارها،و قد كانت أهم مخططاته ما يلي:

1-التجسس على مسلم و الوقوف على جميع شؤون الثورة.

2-نشر أوبئة الخوف،و قد أثار جوا من الفزع و الإرهاب لم تشهد له الكوفة نظيرا،و انشغل الناس بنفوسهم عن التدخل في أي شأن من الشؤون السياسية.

3-بذل المال للوجوه و الأشراف،و قد صاروا عملاء عنده يوجههم حيثما شاء، و قد أفسدوا عشائرهم و ألحقوا الهزيمة بجيش مسلم.

4-الإحتيال على هانىء بإلقاء القبض عليه،و هو أمنع شخصية في المصر،و قد قضى بذلك على أهم العناصر الفعالة في الثورة

هذه بعض المخططات الرهيبة التي استطاع أن يسيطر بها الطاغية على الموقف، و يقضي على الثورة و يزج حامية الكوفة إلى حرب ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله.

ص: 168

مسلم بن عقيل

قال السيد القرشي:أما مسلم بن عقيل فكان من أعلام التقوى في الإسلام،و كان متحرّجا في دينه كأشد ما يكون التحرّج فلم يسلك أي منعطف في طريقه،و لا يقر أي وسيلة من وسائل المكر و الخداع،و إن توقّف عليها النصر السياسي شأنه في ذلك شأن عمه أمير المؤمنين عليه السّلام بالإضافة إلى ذلك أنه لم يبعث إلى الكوفة كوال مطلق حتى يتصرّف حسبما يراه،و إنما كانت مهمته محدودة و هي أخذ البيعة للإمام،و الاستطاع على حقيقة الكوفيين فإن رآهم مجتمعين بعث إلى الإمام الحسين بالقدوم إليهم،و لم يؤمر بغير ذلك،و قد أطلنا الحديث في هذه الجهة في البحوث السابقة.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن إخفاق ثورة مسلم التي كانت فاتحة لفاجعة كربلا، و مصدرا لآلامها العميقة (1).

ص: 169


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:296/2-320.

الفهرس

بداية الإنحراف حكومة معاوية 3

سياسته الاقتصادية 4

الحرمان الاقتصادي 5

1-يثرب:5

2-العراق:7

3-مصر:8

الرفاه على الشام 8

استخدام المال في تدعيم ملكه:8

المنح الهائلة لأسرته 9

منح خراج مصر لعمرو 9

هبات الأموال للمؤيدين 10

شراء الأديان 10

عجز الخزينة المركزية 11

مصادرة أموال المواطنين 11

ضريبة النيروز 13

ص: 170

نهب الولاة و العمال 13

جباية الخراج 14

اصطفاء الذهب و الفضة 14

شل الحركة الإقتصادية 15

حجة معاوية 15

سياسة التفريق 16

اضطهاد الموالي 17

العصبية القبلية 18

سياسة البطش و الجبروت 19

احتقار الفقراء 21

سياسة الخداع 21

الخلاعة و المجون 25

إشاعة المجون في الحرمين 27

الاستخفاف بالقيم الدينية 27

استلحاق زياد 28

الحقد على النبي 30

تغيير الواقع الإسلامي 32

عزل أهل البيت عليهم السلام 33

حديث مفتعل على الحسين 36

سب الإمام أمير المؤمنين 37

ستر فضائل أهل البيت عليهم السلام 39

التحرج من ذكر الإمام 41

ص: 171

أذية الشيعة 42

القتل الجماعي 43

إبادة القوى الواعية 43

-1-حجر بن عدي 44

مذكرة الإمام الحسين 45

-2-رشيد الهجري 46

-3-عمرو بن الحمق الخزاعي 46

مذكرة الإمام الحسين 47

-4-أوفى بن حصن 48

-5-الحضرمي مع جماعته 48

إنكار الإمام الحسين 49

-6-جويرية العبدي 49

-7-صيفي بن فسيل 49

-8-عبد الرحمن 51

المروّعون من أعلام الشيعة 52

ترويع النساء 52

هدم دور الشيعة 53

حرمان الشيعة من العطاء 53

عدم قبول شهادة الشيعة 54

إبعاد الشيعة إلى خراسان 54

البيعة ليزيد 55

ولادة يزيد 55

ص: 172

نشأته 56

صفاته:56

ولعه بالصيد 57

شغفه بالقرود 57

إدمانه على الخمر 58

ندماؤه:59

نصيحة معاوية ليزيد 60

إقرار معاوية لاستهتار يزيد 61

حقد يزيد على النبي صلّى اللّه عليه و آله 62

بغض يزيد للأنصار 62

دعوة المغيرة لبيعة يزيد 64

تبرير معاوية 67

-1-أحمد دحلان 67

-2-الدكتور عبد المنعم:68

-3-حسين محمد يوسف:69

كلمة الحسن البصري 69

كلمة ابن رشد 70

دوافع معاوية 70

الوسائل الدبلوماسية في أخذ البيعة 71

-1-استخدام الشعراء 71

بذل الأموال للوجوه 73

مراسلة الولاة 73

ص: 173

وفود الأقطار الإسلامية:74

مؤتمر الوفود الإسلامية:74

المؤيدون للبيعة 74

خطاب الأحنف بن قيس 75

فشل المؤتمر 76

سفر معاوية ليثرب 76

اجتماع مغلق 77

كلمة معاوية:77

كلمة عبد الله بن عباس:78

كلمة عبد الله بن جعفر:78

كلمة عبد الله بن الزبير:79

كلمة عبد الله بن عمر:79

كلمة معاوية:80

فزع المسلمين:81

الجبهة المعارضة 82

1-الإمام الحسين:82

الحرمان الاقتصادي:82

2-عبد الرحمن بن أبي بكر:83

-3-عبد الله بن الزبير:83

-4-المنذر بن الزبير:83

-5-عبد الرحمن بن سعيد:83

-6-عابس بن سعيد:84

ص: 174

-7-عبد الله بن حنظلة:84

موقف الأسرة الأموية:85

-1-سعيد بن عثمان 85

-2-مروان بن الحكم 86

-3-زياد بن أبيه 86

إيقاع الخلاف بين الأمويين:87

تجميد البيعة:88

اغتيال الشخصيات الإسلامية:88

-1-سعد بن أبي وقاص 88

-2-عبد الرحمن بن خالد 88

-3-عبد الرحمن بن أبي بكر 89

-4-الإمام الحسن 89

إعلان البيعة رسميا ليزيد 91

مع المعارضين في يثرب:91

خطاب الإمام الحسين عليه السلام 92

إرغام المعارضين:94

موقف الإمام الحسين:94

وفود الأقطار الإسلامية:95

مذكرة مروان لمعاوية:95

جواب معاوية:95

رأي مروان في إبعاد الإمام:96

رسالة معاوية للحسين:96

ص: 175

جواب الإمام:97

صدى الرسالة:100

المؤتمر السياسي العام:100

رسالة جعدة للإمام:101

جواب الإمام:102

نصيحة الخدري للإمام 102

استيلاء الحسين على أموال للدولة:103

و أجابه معاوية:103

حديث موضوع:104

الحسين مع بني أمية:105

مرض معاوية:107

وصاياه:107

موت معاوية 110

حكومة يزيد 111

خطاب العرش 112

خطابه في أهل الشام 112

مع المعارضة في يثرب:113

الأوامر المشددة إلى الوليد:114

فزع الوليد 116

استشارته لمروان 117

رأي مروان:117

أضواء على موقف مروان:118

ص: 176

استدعاء الحسين:120

الحسين مع مروان:123

اتصال الوليد بدمشق:124

الأوامر المشددة من دمشق:124

رفض الوليد:125

وداع الحسين لقبر جده:125

رؤيا الحسين لجده:125

وداعه لقبر أمه و أخيه:127

فزع الهاشميات:127

مع أخيه ابن الحنفية:128

وصيته لابن الحنفية:129

الثورة الحسينية أسبابها و مخططاتها 132

إخفاق الثورة 134

المجتمع الكوفي:135

الظواهر الاجتماعية:136

التناقض في السلوك:136

الغدر و التذبذب:137

التمرد على الولاة:141

الانهزامية:142

مساوىء الأخلاق:142

الجشع و الطمع:144

التأثر بالدعايات:144

ص: 177

الحياة الاقتصادية:146

عناصر السكان:148

العرب:148

القبائل اليمنية:149

القبائل العدنانية:150

قبائل بني بكر:150

الروح القبلية:151

الفرس:152

الأنباط:153

السريانية:154

الأديان:154

-1-الإسلام 155

الخوارج:155

الحزب الأموي:157

الشيعة:157

النصارى:158

-1-نصارى تغلب 158

-2-نصارى نجران 159

اليهود:159

تنظيم الجيش:160

نظام الأسباع:160

العرافة:162

ص: 178

الطاغية ابن مرجانة:163

ولادته:163

أبواه:163

نشأته:164

صفاته:164

اللكنة:165

نهمه في الطعام 165

ولايته على البصرة 166

أحقاد يزيد على ابن مرجانة 167

مخططات الانقلاب 168

مسلم بن عقيل 169

ص: 179

المجلد 10

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء العاشر(الأخبار بشهادة الحسين عليه السّلام و نصرته و عذاب و لعن خاذله)

إخبار اللّه تعالى أنبياءه و نبينا بشهادة الإمام الحسين

سعد بن عبد اللّه قال:سألت القائم عليه السّلام عن تأويل كهيعص قال عليه السّلام:هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع اللّه عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد عليه و آله السلام، و ذلك أن زكريا سأل اللّه ربه أن يعلّمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل عليه السّلام فعلّمه إياها،فكان زكريا إذا ذكر محمدا و عليا و فاطمة و الحسن عليهم السلام سري عنه همه،و انجلى كربه،و إذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة،و وقعت عليه البهرة، فقال عليه السّلام ذات يوم:إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي،و إذا ذكرت الحسين تدمع عيني و تثور زفرتي؟فأنبأه اللّه تبارك و تعالى عن قصته فقال:كهيعص،فالكاف اسم كربلا،و الهاء هلاك العترة الطاهرة،و الياء يزيد و هو ظالم الحسين،و العين عطشه،و الصاد صبره.

فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام،و منع فيهن الناس من الدخول عليه،و أقبل على البكاء و النحيب و كان يرثيه:إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده؟ إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما.

ثم كان يقول:إلهي ارزقني ولدا تقربه عيني على الكبر،فإذا رزقتنيه فافتني بحبه،ثم أفجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده،فرزقه اللّه يحيى وفجعه به، و كان حمل يحيى ستة أشهر،و حمل الحسين عليه السّلام كذلك،الخبر (1).

بيان:سري عنه همه بضم السين و كسر الراء المشددة:انكشف و البهرة بالضم

ص: 3


1- بحار الأنوار:229/40-237 ح 1،و الاحتجاج:239.

تتابع النفس،و زفر:أخرج نفسه بعد مده إياه،و الزفرة و يضم التنفس كذلك.

عن ابن المتوكل،عن محمد العطار،عن ابن عيسى،عن علي بن الحكم،عن عمر بن حفص،عن زياد بن المنذر،عن سالم بن أبي جعدة قال:سمعت كعب الاحبار يقول:إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول اللّه يقتل و لا يجف عرق دواب أصحابه حتى يدخلوا الجنة فيعانقوا الحور العين،فمر بنا الحسن عليه السّلام فقلنا:

هو هذا؟

قال:لا،فمر بنا الحسين فقلنا:هو هذا؟

قال:نعم (1).

أبي،عن سعد،عن ابن أبي الخطاب،عن نصر بن مزاحم،عن عمر بن سعد، عن أبي شعيب التغلبي،عن يحيى بن يمان،عن إمام لبني سليم،عن أشياخ لهم قالوا:غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنائسهم فوجدنا فيها مكتوبا:

أيرجو معشر قتلوا حسينا شفاعة جده يوم الحساب

قالوا:فسألنا منذكم هذا في كنيستكم؟قالوا:قبل أن يبعث نبيكم بثلاث مائة عام (2).

قال عفر بن نما في مثير الاحزان:روى النطنزي،عن جماعة،عن سليمان الاعمش قال:بينا أنا في الطواف أيام الموسم إذا رجل يقول:اللهم اغفرلي و أنا أعلم أنك لا تغفر،فسألته عن السبب فقال:كنت أحد الاربعين الذين حملوا رأس الحسين إلى يزيد على طريق الشام،فنزلنا أول مرحلة رحلنا من كربلا على دير للنصارى و الرأس مركوز على رمح،فوضعنا الطعام و نحن نأكل إذا بكف على حائط الدير يكتب عليه بقلم حديد سطرا بدم.3.

ص: 4


1- بحار الأنوار:229/40-237 ح 2،و أمالي الصدوق المجلس 29 الرقم 4.
2- بحار الأنوار:229/40-237 ح 3.

أترجوا أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب.

فجزعنا جزعا شديدا و أهوى بعضنا إلى الكف ليأخذه فغابت،فعاد أصحابي.

و حدّث عبد الرحمان بن مسلم،عن أبيه أنه قال:غزونا بلاد الروم فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من القسطنطينية و عليها شيء مكتوب فسألنا أناسا من أهل الشام يقرأون بالرومية فإذا هو مكتوب هذا البيت.

و ذكر أبو عمرو الزاهد في كتاب الياقوت قال:قال عبد اللّه بن الصفار صاحب أبي حمزة الصوفي:غزونا غزاة و سبينا سبيا و كان فيهم شيخ من عقلاء النصارى فأكرمناه و أحسنا إليه فقال لنا:أخبرني أبي،عن آبائه أنهم حفروا في بلاد الروم حفرا قبل أن يبعث[محمد]العربي بثلاث مائة سنة فأصابوا حجرا عليه مكتوب بالمسند هذا البيت:

أترجو عصبة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب

و السند كلام أولاد شيث عليه السّلام (1).

أبي،عن حبيب بن الحسين التغلبي،عن عباد بن يعقوب،عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (2)قال:كان النبي صلّى اللّه عليه و اله في بيت أم سلمة فقال لها:لا يدخل علي أحد فجاء الحسين عليه السّلام و هو طفل فما ملكت معه شيئا حتى دخل على النبي فدخلت أم سلمة على أثره فإذا الحسين على صدره و إذا النبي يبكي و إذا في يده شيء يقلبه.

فقال النبي:يا أم سلمة إن هذا جبرئيل يخبرني أن هذا مقتول و هذه التربة التي يقتل عليها فضعيه عندك،فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي،فقالت أم سلمة:يا رسول اللّه سل اللّه أن يدفع ذلك عنه؟م.

ص: 5


1- بحار الأنوار:229/40-237 ح 4.
2- في المصدر:عن أبي جعفر عليه السّلام.

قال:قد فعلت فأوحى اللّه عز و جل إلي أن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين، و أن له شيعة يشفعون فيشفعون،و أن المهدي من ولده فطوبى لمن كان من أولياء الحسين و شيعته هم و اللّه الفائزون يوم القيامة (1).

عن ابن عبدوس،عن ابن قتيبة،عن الفضل قال:سمت الرضا عليه السّلام يقول:لما أمر اللّه عز و جل إبراهيم عليه السّلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنّى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده و أنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه، ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده عليه بيده،فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب.

فأوحى اللّه عز و جل إليه:يا إبراهيم من أحب خلقي إليك؟

فقال:يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلي من حبيبك محمد،فأوحى اللّه إليه:أفهو أحب إليك أم نفسك؟

قال:بل هو أحب إلي من نفسي،قال:فولده أحب إليك أم ولدك؟

قال:بل ولده،قال:بذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟

قال:يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي.

قال:يا إبراهيم فإن طائفة تزعم أنها من أمة محمد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما و عدوانا كما يذبح الكبش،و يستوجبون بذلك سخطي،فجزع إبراهيم لذلك و توجّع قلبه و أقبل يبكي،فأوحى اللّه عز و جل:يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين و قتله،و أوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب و ذلك قول اللّه عز و جل: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (2).

ص: 6


1- بحار الأنوار:229/40-237 ح 5،و المصدر المجلس 29 تحت الرقم 3.
2- سورة الصافات:107،بحار الأنوار:229/40-237 ح 6،و الحديث في عيون أخبار الرضا عليه السّلام باب 17،ج 209/1.

أقول:قد أورد على هذا الخبر إعضال و هو أنه إذا كان المراد بالذبح العظيم قتل الحسين عليه السّلام لا يكون المفدى عنه أجلّ رتبة من المفدى به فإن أئمتنا صلوات اللّه عليهم أشرف من أولي العزم عليهم السلام فكيف من غيرهم؟مع أن الظاهر من استعمال لفظ الفداء،التعويض عن الشيء بما دونه في الخطر و الشرف.و أجيب بأن الحسين عليه السّلام لما كان من أولاد إسماعيل فلو كان ذبح إسماعيل لم يوجد نبينا و كذا سائر الائمة و سائر الأنبياء عليهم السلام من ولد إسماعيل عليه السّلام فإذا عوّض من ذبح إسماعيل بذبح واحد من أسباطه و أولاده و هو الحسين عليه السّلام فكأنه عوّض عن ذبح الكل و عدم وجودهم بالكلية بذبح واحد من الأجزاء بخصوصه و لا شك في أن مرتبة كل السلسلة أعظم و أجل من مرتبة الجزء بخصوصه.

و أقول:ليس في الخبر أنه فدى إسماعيل بالحسين،بل فيه أنه فدى جزع إبراهيم على إسماعيل،بجزعه على الحسين عليه السّلام،و ظاهر أن الفداء على هذا ليس على معناه بل المراد التعويض،و لما كان أسفه على مافات منه من ثواب الجزع على ابنه، عوضّه اللّه بما هو أجل و أشرف و أكثر ثوابا،و هو الجزع على الحسين عليه السّلام.

و الحاصل أن شهادة الحسين عليه السّلام كان أمرا مقررا و لم يكن لرفع قتل إسماعيل حتى يرد الإشكال،و على ما ذكرنا فالآية تحتمل وجهين:الأول أن يقدر مضاف، أي فديناه بجزع مذبوح عظيم الشأن و الثاني أن يكون الباء سبيية أي فديناه بسبب مذبوح عظيم بأن جزع عليه و على التقديرين لا بد من تقدير مضاف أو تجوز في إسناد في قوله«فديناه و اللّه يعلم.

عن الصفار،عن ابن يزيد،عن ابن أبي عمير و محمد بن سنان،عمن ذكره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن إسماعيل الذي قال اللّه عز و جل في كتابه: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ1.

ص: 7

إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا (1) لم يكن إسماعيل بن إبراهيم بل كان نبيا من الأنبياء،بعثه اللّه عز و جل إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه و وجهه،فأتاه ملك فقال:إن اللّه جل جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت،فقال:لي أسوة بما يصنع بالحسين عليه السّلام (2).

عن أبي،عن سعد،عن ابن عيسى و ابن أبي الخطاب و ابن يزيد جميعا عن محمد ابن سنان مثله.

عن أبي،عن سعد،عن ابن يزيد،عن محمد بن سنان،عن عمار بن مروان عن سماعة،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن إسماعيل كان رسولا نبيا سلّط عليه قومه فقشروا جلدة وجهه و فروة رأسه،فأتاه رسول من رب العالمين فقال له:

ربك يقرئك السلام و يقول:قد رأيت ما صنع بك،و قد أمرني بطاعتك فمرني بما شئت،فقال:يكون لي بالحسين بن علي أسوة (3).

عن أبي،عن سعد،عن ابن عيسى،و ابن أبي الخطاب و ابن يزيد جميعا،عن محمد بن سنان مثله.

عن محمد بن الحسن،عن أبيه،عن جده،عن علي بن مهزيار،عن محمد بن سنان،عمن ذكره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله (4).

عن ابن حشيش،عن أبي المفضل الشيباني،عن محمد بن علي بن معمر عن ابن أبي الخطاب،عن ابن أبي عمير و محمد بن سنان،عن هارون بن خارجة،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:بينا الحسين عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إذ8.

ص: 8


1- سورة مريم:54،و الحديث في المصدر ج 1 ص 73.
2- بحار الأنوار:229/40-237 ح 7.
3- علل الشرائع ج 1 ص 73 و 74.
4- بحار الأنوار:229/40-237 ح 8.

أتاه جبرئيل فقال:يا محمد أتحبه؟

قال:نعم،قال:أما إن أمتك ستقتله فحزن رسول اللّه لذلك حزنا شديدا فقال جبرئيل:أيسرك أن أريك التربة التي يقتل فيها؟

قال:نعم،قال:فخسف جبرئيل ما بين مجلس رسول اللّه إلى كربلا حتى التقت القطعتان هكذا و جمع بين السبابتين فتناول بجناحيه من التربة فناولها رسول اللّه صلىّ اللّه عليه و آله ثم دحيت الأرض أسرع من طرف العين،فقال رسول اللّه:طوبى لك من تربة،و طوبى لمن يقتل فيك.

محمد بن جعفر الرزاز،عن محمد بن الحسين،عن محمد بن سنان مثله (1).

بيان:أقول قد بينت معنى التقاء القطعتين في باب أحوال بلقيس في كتاب النبوة (2).

عن محمد بن مسلمة،عن يونس بن أرقم،عن الاعمش،عن سالم بن أبي الجعد عن أنس بن مالك أن عظيما من عظاماء الملائكة استأذن ربه عز و جل في زيارة النبي فأذن له فبينما هو عنده إذ دخل عليه الحسين فقبله النبي و أجلسه في حجره فقال له الملك:أتحبه؟ض.

ص: 9


1- بحار الأنوار:229/40-237 ح 9.
2- عنه،عن أبي المفضل،عن ابن عقدة،عن إبراهيم بن عبد اللّه النحوي قال قدس سره في باب قصة سليمان مع بلقيس تحت الرقم 11،ج 14 ص 115،من الطبعة الحديثة:ظاهر اكثر تلك الأخبار ان الأرض التى كانت بينه و بين السرير انخسفت و تحركت الأرض التى كان السرير عليها،حتى أحضرته عنده. فإن قيل:كيف انخسفت الابنية التى كانت عليها؟قلنا:يحتمل أن تكون تلك الابنية تحرك بأمره تعالى يمينا و شمالا،و كذا ما عليها من الحيوانات و الاشجار و غيرها.و يمكن أن يكون حركة السرير من تحت الأرض بأن غار في الأرض و طويت و تكاثفت الطبقة التحتانية حتى خرج من تحت سريره ثم دحيت تلك الطبقة من تحت الأرض.

قال:أجل أشد الحب إنه ابني،قال له:إن أمتك ستقتله قال:أمتي تقتل ولدي؟

قال:نعم،و إن شئت أريتك من التربة التي يقتل عليها قال:نعم،فأراه تربة حمراء طيبة الريح،فقال:إذا صارت هذه التربة دما عبيطا فهو علامة قتل ابنك هذا.

قال سالم بن أبي الجعد:أخبرت أن الملك كان ميكائيل عليه السّلام (1).

عنه عن أبي المفضل،عن هاشم بن نقية الموصلي،عن جعفر بن محمد بن جعفر المدائني،عن زياد بن عبد اللّه المكاري،عن ليث بن أبي سليم،عن عبد اللّه المازني،عن زيد مولى زينب بنت جحش قالت:كان رسول اللّه ذات يوم عندي نائما فجاء الحسين فجعلت أعلله مخافة أن يوقظ النبي فغفلت عنه فدخل و أتبعته فوجدته قد قعد على بطن النبي صلّى اللّه عليه و اله فوضع زبيته في سرة النبي فجعل يبول عليه.

فأردت أن آخذه عنه فقال رسول اللّه:دعي ابني يا زينب حتى يفرغ من بوله،فلما فرغ توضأ النبي صلّى اللّه عليه و اله و قام يصلي فلما سجد ارتحله الحسين فلبث النبي صلّى اللّه عليه و آله حتى نزل فلما قام عاد الحسين فحمله حتى فرغ من صلاته.فبسط النبي يده و جعل يقول:أرني أرني يا جبرئيل،فقلت:يا رسول اللّه فقد رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك صنعته قط قال:نعم،جاءني جبرئيل فعزاني في ابني الحسين و أخبرني أن أمتي تقتله و أتاني بتربة حمراء.

فقال زياد بن عبد اللّه:أنا شككت في اسم الشيخ حدير أو حدمر بن عبد اللّه (2)و قد أثنى عليه ليث خيرا و ذكر من فضله (3).

من تاريخ محمد النجار شيخ المحدثين بالمدرسة المستنصرية بإسناد مرفوع1.

ص: 10


1- بحار الأنوار:229/40-237 ح 10.
2- لم نر في كتب الرجال من يسمى حدمر نعم في القاموس:الحذمر بالكسر القصير،و لعل الصواب هو الأول حدير بالتصغير كما في الاصابة،و لعله أبو فوزة السلمى فراجع.
3- بحار الأنوار:229/40-237 ح 11.

إلى أنس بن مالك،عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنه قال:لما أراد اللّه أن يهلك قوم نوح أوحى إليه أن شق ألواح الساج،فلما شقّها لم يدر ما يصنع بها.

فهبط جبرئيل فأراه هيئة السفينة و معه تابوت به مائة ألف مسمار و تسعة و عشرون ألف مسمار فسمّر بالمسامير كلها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير فضرب بيده إلى مسمار فأشرق بيده،و أضاء كما يضيئ الكوكب الدري في أفق السماء فتحير نوح،فأنطق اللّه المسمار بلسان طلق ذلق:أنا على اسم خير الأنبياء محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

فهبط جبرئيل فقال له:يا جبرئيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله؟

فقال:هذا باسم سيد الأنبياء محمد بن عبد اللّه أسمره على أولها على جانب السفينة الايمن،ثم ضرب بيده إلى مسمار ثان فأشرق و أنار فقال نوح:و ما هذا المسمار؟

فقال:هذا مسمار أخيه و ابن عمه سيد الاوصياء علي بن أبي طالب فأسمره على جانب السفينة الايسر في أولها،ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر و أشرق و أنار فقال جبرئيل:هذا مسمار فاطمة فأسمره إلى جانب مسمار أبيها،ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر و أنار،فقال جبرئيل:هذا مسمار الحسن فأسمره إلى جانب مسمار أبيه،ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فزهر و أنار و أظهر النداوة فقال جبرئيل:هذا مسمار الحسين فأسمره إلى جانب مسمار أبيه،فقال نوح:يا جبرئيل ما هذه النداوة؟

فقال:هذا الدم فذكر قصة الحسين عليه السّلام و ما تعمل الامة به،فلعن اللّه قاتله و ظالمه و خاذله (1).

عنه عن أبي المفضل،عن العباس بن خليل،عن محمد بن هاشم،عن سويد بن2.

ص: 11


1- بحار الأنوار:229/40-237 ح 12.

عبد العزيز،عن داود بن عيسى الكوفي،عن عمارة بن عرية،عن محمد بن إبراهيم التيمي،عن أبي سلمة،عن عائشة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أجلس حسينا على فخذه و جعل يقبله،فقال جبرئيل:أتحب ابنك هذا؟

قال:نعم،قال:فإن أمتك ستقتله بعدك،فدمعت عينا رسول اللّه فقال له:إن شئت أريتك من تربته التي يقتل عليها؟

قال:نعم،فأراه جبرئيل ترابا من تراب الأرض التي يقتل عليها و قال:تدعى الطف (1).

عنه،عن الحسين بن الحسن بن عامر،عن محمد بن دليل بن بشر عن علي بن سهل،عن مؤمل،عن عمارة بن زاذان،عن ثابت،عن أنس أن ملك المطر استأذن أن يأتي رسول اللّه فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله لأم سلمة:أملكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد فجاء الحسين ليدخل فمنعته فوثب حتى دخل فجعل يثب على منكبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و يقعد عليهما.

فقال له الملك:أتحبه؟

قال:نعم،قال،فإن أمتك ستقتله،و إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه،فمد يده فإذا طينة حمراء.فأخذتها أم سلمة فصيرتها إلى طرف خمارها قال ثابت:

فبلغنا أنه المكان الذي قتل به بكربلا (2).

محمد بن جعفر الرزاز،عن ابن أبي الخطاب،عن محمد بن سنان عن سعيد بن يسار أو غيره قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام:يقول:لما أن هبط جبرئيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بقتل الحسين،أخذ بيد علي فخلابه مليا من النهار فغلبتهما عبرة فلم يتفرقا حتى هبط عليهما جبرئيل أو قال:رسول اللّه رب العالمين،فقال لهما:ربكما4.

ص: 12


1- بحار الأنوار:229/40-237 ح 13.
2- بحار الأنوار:229/40-237 ح 14.

يقرئكما السلام و يقول:قد عزمت عليكما لما صبرتما قال:فصبرا (1).

عن أبي،عن سعد،عن ابن يزيد،عن ابن سنان،عن سعيد مثله (2).

عن أبي،عن سعد،عن ابن عيسى،عن الوشاء،عن أحمد بن عائذ عن سالم بن مكرم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لما حملت فاطمة بالحسين عليه السّلام جاء جبرئيل إلى رسول اللّه فقال:إن فاطمة ستلد ولدا تقتله أمتك من بعدك،فلما حملت فاطمة الحسين كرهت حمله و حين وضعته كرهت وضعه ثم قال أبو عبد اللّه عله السلام:

هل رأيتم في الدنيا أما تلد غلاما فتكرهه و لكنها كرهته لأنها علمت أنه سيقتل قال:

و فيه نزلت هذه الآية: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (3).

بيان:قوله عليه السّلام لما حملت لعل المعنى قرب حملها أو المراد بقوله«جاء جبرئيل»مجيئه قبل ذلك أو بقوله حملت ثانيا شعرت به و لعله على هذا التأويل الباء في قوله بوالديه للسببية،و حسنا مفعول وصينا و في بعض القراءات حسنا بالتحريك فهو صفة لمصدر محذوف أي إيصاء حسنا،فعلى هذا يحتمل أن يكون المراد بقوله وصينا جعلناه وصيا قال في مجمع البيان:قرأ أهل الكوفة إحسانا و الباقون حسنا و روي عن علي عليه السّلام و أبي عبد الرحمان السمني حسنا بفتح الحاء و السين انتهى.و الوالدان رسول اللّه و أمير المؤمنين كما في سائر الأخبار و يحتمل الظاهر أيضا.

محمد بن جعفر الرزاز،عن ابن أبي الخطاب،عن محمد بن عمرو بن سعيد،عن6.

ص: 13


1- المصدر ص 55 و هكذا ما يليه.
2- بحار الأنوار:229/40-237 ح 15.
3- سورة الأحقاف:15،بحار الأنوار:229/40-237 ح 16،و الحديث في كامل الزيارات ص 55 و 56.

رجل من أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن جبرئيل نزل على محمد صلّى اللّه عليه و اله فقال:يا محمد إن اللّه يقرأ عليك السلام،و يبشرك بمولود يولد من فاطمة عليها السّلام تقتله أمتك من بعدك،فقال:يا جبرئيل و على ربي السلام لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي،قال:فعرج جبرئيل ثم هبط فقال له مثل ذلك فقال:يا جبرئيل و على ربي السلام لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي فعرج جبرئيل إلى السماء ثم هبط فقال له:يا محمد إن ربك يقرئك السلام و يبشرك أنه جاعل في ذريته الامامة و الولاية و الوصية فقال:قد رضيت.

ثم أرسل إلى فاطمة:أن اللّه يبشرني بمولود يولد منك تقتله أمتي من بعدي فأرسلت إليه:أن لا حاجة لي في مولود يولد مني تقتله أمتك من بعدك فأرسل إليها أن اللّه جاعل في ذريته الامامة و الولاية و الوصية فأرسلت إليه أني قد رضيت حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي (1)فلو أنه قال:أصلح لي ذريتي لكانت ذريته كلهم أئمة.

و لم يرضع الحسين عليه السّلام من فاطمة و لا من أنثى و لكنه كان يؤتى به النبي فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه اليومين و الثلاثة،فينبت لحم الحسين من لحم رسول اللّه،و دمه،و لم يولد مولود لستة أشهر إلا عيسى ابن مريم و الحسين بن علي عليهم السلام (2).

عن سعد،عن محمد بن حماد،عن أخيه أحمد،عن محمد بن عبد اللّه،عن أبيه قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:أتى جبرئيل رسول اللّه فقال له:السلام عليك يا7.

ص: 14


1- سورة الأحقاف:15 و الحديث في المصدر ص 57.
2- بحار الأنوار:229/40-237 ح 17.

محمد ألا أبشرك بغلام تقتله أمتك من بعدك؟

فقال:لا حاجة لي فيه[قال:فانقض إلى السماء ثم عاد إليه الثانية فقال مثل ذلك فقال:لا حاجة لي فيه فانعرج إلى السماء ثم انقض عليه الثالثة فقال له مثل ذلك فقال:

لا حاجة لي فيه] (1).

فقال:إن ربك جاعل الوصية في عقبه فقال:نعم.

ثم قام رسول اللّه فدخل على فاطمة فقال لها:إن جبرئيل أتاني فبشرني بغلام تقتله أمتي من بعدي فقالت:لا حاجة لي فيه،فقال لها:إن ربي جاعل الوصية في عقبه فقالت:نعم،إذن.

قال:فأنزل اللّه تبارك و تعالى عند ذلك هذه الآية فيه حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً لموضع إعلام جبرئيل إياها بقتله،فحملته كرها بأنه مقتول،و وضعته كرها لأنه مقتول (2).

عن أبي و ابن الوليد معا،عن الصفار،عن ابن عيسى،عن ابن فضال عن ابن بكير،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:دخلت فاطمة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عيناه تدمع فسألته مالك؟

فقال:إن جبرئيل أخبرني أن أمتي تقتل حسينا،فجزعت و شق عليها،فأخبرها بمن يملك من ولدها فطابت نفسها و سكنت (3).

عن ابن الوليد،عن سعد،عن اليقطيني،عن صفوان،عن الحسين بن أبي غندر، عن عمرو بن شمر،عن جابر،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:زارنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قد أهدت لنا أم أيمن لبنا و زبدا و تمرا فقدّمنا منه فأكل ثم قام إلى9.

ص: 15


1- ما بين العلامتين ساقط عن نسخة الكمبانى.راجع المصدر ص 56.
2- بحار الأنوار:229/40 الى ص 237 ح 18.
3- بحار الأنوار:229/40-237 ح 19.

زاوية البيت فصلى ركعات فلما كان في آخر سجوده بكى بكاء شديدا فلم يسأله أحد منا إجلالا و إعظاما له.

فقام الحسين في حجره و قال له:يا أبه لقد دخلت بيتنا فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك ثم بكيت بكاء غمنا فما أبكاك؟

فقال:يا بني أتاني جبرئيل عليه السّلام آنفا فأخبرني أنكم قتلى،و أن مصارعكم شتى فقال:يا أبه فما لمن يزور قبورنا،على تشتتها؟

فقال:يا بني أولئك طوائف من أمتي يزورونكم فيلتمسون بذلك البركة،و حقيق علي أن آتيهم يوم القيامة حتى أخلّصهم من أهوال الساعة من ذنوبهم و يسكنهم اللّه الجنة (1).

الحسين بن إبراهيم القزويني،عن محمد بن وهبان،عن علي بن حبيش عن ا لعباس بن محمد بن الحسين،عن أبيه،عن صفوان مثله.

ابن الوليد،عن محمد بن أبي القاسم،عن محمد بن علي القرشي،عن عبيد بن يحيى الثوري،عن محمد بن الحسين بن علي بن الحسين،عن أبيه،عن جده عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:زارنا رسول اللّه ذات يوم فقدمنا إليه طعاما و أهدت إلينا أم أيمن صحفة من تمر وقعبا من لبن و زبد،فقدّمنا إليه فأكل منه فلما فرغ قمت فسكبت على يده ماء فلما غسل يده مسح وجهه و لحيته ببلة يديه ثم قام إلى مسجد في جانب البيت فخر ساجدا فبكى فأطال البكاء ثم رفع رأسه فما اجترأ منا أهل البيت أحد يسأله عن شيء.

فقام الحسين يدرج حتى يصعد على فخذي رسول اللّه فأخذ برأسه إلى صدره و وضع ذقنه على رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثم قال:يا أبه ما يبكيك؟

فقال:يا بني إني نظرت إليكم اليوم فسررت بكم سرورا لم أسر بكم مثله قط،0.

ص: 16


1- بحار الأنوار:229/40-237 ح 20.

فهبط إلي جبرئيل فأخبرني أنكم قتلى،و أن مصارعكم شتى،فحمدت اللّه على ذلك، و سألته لكم الخيرة.

فقال له:يا أبه!فمن يزور قبورنا و يتعاهدها على تشتتها؟

قال:طوائف من أمتي يريدون بذلك بري وصلتي،أتعاهدهم في الموقف و آخذ بأعضادهم فأنجيهم من أهواله و شدائده (1).

أبي،عن سعد،عن ابن عيسى،عن الاهوازي،عن النضر،عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن جبرئيل أتى رسول اللّه و الحسين يلعب بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأخبره أن أمته ستقتله،قال:

فجزع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:ألا اريك التربة التي يقتل فيها؟

قال:فخسف ما بين مجلس رسول اللّه إلى المكان الذي قتل فيه حتى التقت القطعتان فأخذ منها و دحيت في أسرع من طرفة العين فخرج (2)و هو يقول:طوبى لك من تربة و طوبى لمن يقتل حولك.

قال:و كذلك صنع صاحب سليمان تكلم باسم اللّه الاعظم فخسف ما بين سرير سليمان و بين العرش من سهولة الأرض و حزونتها حتى التقت القطعتان فاجتر العرش قال سليمان:يخيل إلي أنه خرج من تحت سريري قال:و دحيت في أسرع من طرفة العين (3).

أبي،عن سعد،عن محمد بن عبد الحميد،عن أبي جميلة،عن زيد الشحام،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نعى جبرئيل عليه السّلام الحسين عليه السّلام إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في بيت أم2.

ص: 17


1- كامل الزيارات ص 58،و بحار الأنوار:229/40-237 ح 21.
2- كذا في نسخة الأصل نسخة المصنف و هكذا المصدر ص 59 و فى نسخة كمباني:فجزع و هو تصحيف.
3- بحار الأنوار:229/40-237 ح 22.

سلمة فدخل عليه الحسين و جبرئيل عنده،فقال:إن هذا تقتله أمتك فقال رسول اللّه:

أرني من التربة التي يسفك فيها دمه،فتناول جبرئيل قبضة من تلك التربة فإذا هي تربة حمراء (1).

أبي،عن سعد،عن علي بن إسماعيل و ابن أبي الخطاب و ابن هاشم جميعا،عن عثمان بن عيسى،عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله و زاد فيه:فلم تزل عند أم سلمة حتى ماتت رحمها اللّه (2).

أبي،عن سعد،عن محمد بن الوليد الخزاز،عن حماد بن عثمان عن عبد الملك ابن أعين قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إن رسول اللّه كان في بيت أم سلمة و عنده جبرئيل فدخل عليه الحسين فقال له جبرئيل:إن أمتك تقتل ابنك هذا،ألا اريك من تربة الأرض التي يقتل فيها؟

فقال رسول اللّه:نعم،فأهوى جبرئيل بيده و قبض قبضة منها فأراها النبي صلّى اللّه عليه و آله (3).

أبي،عن سعد،عن ابن عيسى،عن الوشاء،عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لما ولدت فاطمة الحسين جاء جبرئيل إلى رسول اللّه فقال له:إن أمتك تقتل الحسين من بعدك،ثم قال:ألا اريك من تربتها؟فضرب بجناحه فأخرج من تربة كربلاء فأراه إياها ثم قال:هذه التربة التي يقتل عليها (4).

أحمد بن عبد اللّه بن علي،عن جعفر بن سليمان،عن أبيه،عن عبد الرحمان الغنوي،عن سليمان قال:و هل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول اللّه يعزيه6.

ص: 18


1- بحار الأنوار:229/40-237 ح 23.
2- بحار الأنوار:229/40-237 ح 24.
3- بحار الأنوار:229/40-237 ح 25.
4- بحار الأنوار:229/40-237 ح 26.

في ولده الحسين؟و يخبره بثواب اللّه إياه،و يحمل إليه تربته مصروعا عليها، مذبوحا مقتولا،طريحا مخذولا،فقال رسول اللّه:اللهم اخذل من خذله،و اقتل، و اذبح من ذبحه،و لا تمتعه بما طلب.

قال عبد الرحمان:و اللّه لقد عوجل الملعون يزيد،و لم يتمتع بعد قتله و لقد أخذ مغافصة بات سكرانا و أصبح ميتا متغيرا،كأنه مطلي بقار،أخذ على أسف و ما بقي أحد ممن تابعه على قتله أو كان في محاربته إلا أصابه جنون أو جذام أو برص و صار ذلك وراثة في نسلهم لعنهم اللّه.

عن عبيد اللّه بن الفضل،عن جعفر بن سليمان مثله (1).

الحسين بن علي الزعفراني،عن محمد بن عمرو الاسلمي،عن عمرو بن عبد اللّه ابن عنبسة،عن محمد بن عبد اللّه بن عمرو،عن أبيه،عن ابن عباس قال:الملك الذي جاء إلى محمد صلّى اللّه عليه و اله يخبره بقتل الحسين كان جبرئيل الروح الامين منشور الاجنحة،باكيا صارخا قد حمل من تربته،و هو يفوح كالمسك فقال رسول اللّه:

و تفلح أمة تقتل فرخي؟أو قال:فرخ ابنتي؟

قال جبرئيل:يضربها اللّه بالاختلاف فيختلف قلوبهم.

عن عبيد اللّه بن الفضل بن هلال،عن محمد بن عمرة الاسلمي،عن عمر بن عبد اللّه بن عنبسة مثله (2).

محمد بن جعفر الرزاز،عن ابن أبي الخطاب،و أحمد بن الحسن بن فضال،عن الحسن بن فضال،عن مروان بن مسلم،عن بريد العجلي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

يا ابن رسول اللّه أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره اللّه في كتابه حيث يقول: وَ اذْكُرْ7.

ص: 19


1- بحار الأنوار:229/40-237 ح 27.
2- بحار الأنوار:229/40-237 ح 27.

فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا (1) أكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام فإن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم.

فقال عليه السّلام:إن إسماعيل مات قبل إبراهيم و إن إبراهيم كان حجة للّه قائدا صاحب شريعة فإلى من ارسل إسماعيل إذن؟

قلت:فمن كان جعلت فداك؟

قال ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي بعثه اللّه إلى قومه فكذبوه و قتلوه و سلخوا وجهه فغضب اللّه عليهم[له]فوجّه إليه سطاطائيل ملك العذاب فقال له:يا إسماعيل أنا سطاطائيل ملك العذاب وجّهني رب العزة إليك لأعذّب قومك بأنواع العذاب إن شئت فقال له إسماعيل:لا حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل.

فأوحى اللّه إليه فما حاجتك يا إسماعيل؟

فقال إسماعيل:يا رب إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية،و لمحمد بالنبوة، و لأوصيائه بالولاية،و أخبرت خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي عليهما السّلام من بعد نبيها،و إنك وعدت الحسين أن تكرّه إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا رب أن تكرّني إلى الدنيا حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي ما فعل،كما تكرّ الحسين فوعد اللّه إسماعيل بن حزقيل ذلك،فهو يكرّ مع الحسين بن علي عليهما السّلام (2).

أبي،عن سعد،عن اليقطيني،عن محمد بن سنان،عن أبي سعيد القماط،عن ابن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في منزل فاطمة و الحسين في حجره إذ بكى و خر ساجدا ثم قال:يا فاطمة يا بنت محمد إن العلي إلا على تراءى الي في بيتك هذا ساعتي هذه في أحسن صورة و أهيأ هيئة و قال لي:يا8.

ص: 20


1- سورة مريم:54.
2- بحار الأنوار:229/40-237 ح 28.

محمد أتحب الحسين؟

فقلت:نعم قرة عيني،و ريحانتي،و ثمرة فؤادي،و جلدة ما بين عيني،فقال لي:

يا محمد و وضع يده على رأس الحسين بورك من مولود عليه بركاتي و صلواتي و رحمتي و رضواني،و لعنتي و سخطي و عذابي و خزيي و نكالي على من قتله و ناصبه و ناوأه و نازعه،أما إنه سيد الشهداء من الأولين و الآخرين في الدنيا و الآخرة و سيد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين و أبوه أفضل منه و خير فأقرئه السلام و بشره بأنه راية الهدى،و منار أوليائي و حفيظي و شهيدي على خلقي و خازن علمي و حجتي على أهل السماوات و أهل الارضين و الثقلين الجن و الانس (1).

بيان:«إن العلي الاعلى»أي رسوله جبرئيل أو يكون الترائي كناية عن غاية الظهور العلمي،و حسن الصورة كناية عن ظهور صفات كماله تعالى له،و وضع اليد كناية عن إفاضة الرحمة.

روى الاوزاعي،عن عبد اللّه بن شداد،عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقالت:يا رسول اللّه رأيت الليلة حلما منكرا قال:و ما هو؟

قالت:إنه شديد،قال:و ما هو؟

قالت:رأيت كأن قطعة من جسدك قد قطعت و وضعت في حجري فقال رسول اللّه:خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فيكون في حجرك.

فولدت فاطمة عليهما السّلام الحسين عليه السّلام قالت:و كان في حجري كما قال رسول اللّه فدخلت به يوما على النبي فوضعته في حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثم حانت مني التفاتة، فإذا عينا رسول اللّه تهرقان بالدموع،فقلت:بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه مالك؟

قال:أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي تقتل ابني هذا و أتاني بتربة حمراء من9.

ص: 21


1- المصدر ص 67،و بحار الأنوار:237/40-245 ح 29.

تربته (1).

روى سماك،عن ابن المخارق،عن أم سلمة قالت:بينا رسول اللّه ذات يوم جالسا و الحسين جالس في حجره إذ هملت عيناه بالدموع،فقلت[له]يا رسول اللّه ما لي أراك تبكي جعلت فداك؟

قال:جاءني جبرئيل فعزاني بابني الحسين و أخبرني أن طائفة من أمتي تقتله، لا أنالها اللّه شفاعتي.

و روي بإسناد آخر عن أم سلمة رضي اللّه عنها أنها قالت:خرج رسول اللّه من عندنا ذات ليلة فغاب عنا طويلا،ثم جاءنا و هو أشعث أغبر،و يده مضمومة فقلت له:يا رسول اللّه ما لي أراك شعثا مغبرا؟

فقال:أسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له كربلا فأريت فيه مصرع الحسين ابني و جماعة من ولدي و أهل بيتي فلم أزل ألقط دماءهم فها هو في يدي و بسطها إلي فقال:خذيها فاحتفظي بها فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة و شددت رأسها و احتفظت بها.

فلما خرج الحسين عليه السّلام من مكة متوجها نحو العراق كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم و ليلة و أشمها و أنظر إليها ثم أبكي لمصابه،فلما كان[في]اليوم العاشر من المحرم و هو اليوم الذي قتل فيه عليه السّلام أخرجتها في أول النهار و هي بحالها ثم عدت إليها آخر النهار فإذا هي دم عبيط فصحت في بيتي و بكيت و كظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيتسرعوا بالشماتة فلم أزل حافظة للوقت و اليوم حتى جاء الناعي ينعاه فحقق ما رأيت (2).1.

ص: 22


1- بحار الأنوار:237/40-245 ح 30،و إرشاد المفيد ص 234.
2- بحار الأنوار:237/40-245 ح 31.

قال سعد بن أبي وقاص:إن قس بن ساعدة الأيادي (1)قال قبل مبعث النبي:

تخلف المقدار منهم عصبة ثاروا بصفين و في يوم الجمل و التزم الثار الحسين بعده و احتشدوا على ابنه حتى قتل (2).

بيان:«تخلف المقدار»أي جازوا قدرهم و تعدوا طورهم،أو كثروا حتى لا يحيط بهم مقدار و عدد،قوله:ثاروا من الثوران أو من الثأر من قولهم ثأرت القتيل أي قتلت قاتله،فإنهم كانوا يدّعون طلب دم عثمان و من قتل منهم في غزوات الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و يؤيده قوله:و التزم الثار أي طلبوا الثأر بعد ذلك من الحسين عليه السّلام لأجل من قتل منهم في الجمل و صفين و غير ذلك،أو المعنى أنهم قتلوه حتى لزم ثأره (3).

باسناده عن حذيفة،عن النبي صلّى اللّه عليه و اله قال:لما أسري بي أخذ جبرئيل بيدي فأدخلني الجنة،و أنا مسرور فإذا أنا بشجرة من نور مكللة بالنور،في أصلها ملكان يطويان الحلي و الحلل إلى يوم القيامة،ثم تقدمت أمامي فإذا أنا بتفاح لم أر تفاحا هو أعظم منه،فأخذت واحدة ففلقتها فخرجت علي منها حوراء كأن أجفانها مقاديم أجنحة النسور،فقلت:لمن أنت؟فبكت و قال:لابنك المقتول ظلما الحسين ابن علي بن أبي طالب.

ثم تقدمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد،و أحلى من العسل،فأخذت رطبة2.

ص: 23


1- هو قس بن ساعدة بن جذامة بن زفر بن اياد بن نزار الايادي،البليغ الخطيب المشهور،مات قبل البعثة و ذكره أبو حاتم السجستانى في المعمرين و قال انه عاش ثلاث مائة و ثمانين سنة،و قيل انه عاش ستمائة سنة و هو أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية،و أول من كتب من فلان إلى فلان و أول من توكأ على عصا في الخطبة،و أول من قال أما بعد،و في رواية ابن الكلبى انه قال في خطبة له:لو على الأرض دين افضل من دين قد أظلكم زمانه و أدرككم أوانه،فطوبى لمن أدركه فاتبعه، و ويل لمن خالفه،و فيه قال رسول اللّه يرحم اللّه قسا انى لارجو يوم القيامة أن يبعث أمة وحده.
2- مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 62.
3- بحار الأنوار:237/40-245 ح 32.

فأكلتها و أنا أشتهيها فتحولت الرطبة نطفة في صلبي،فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ففاطمة حوراء إنسية فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة (1).

أقول:قد مضى كثير من الأخبار في ذلك في باب ولادته صلوات اللّه عليه.

و روي في بعض كتب المناقب المعتبرة،عن الحسن بن أحمد الهمداني عن أبي علي الحداد،عن محمد بن أحمد الكاتب،عن عبد اللّه بن محمد،عن أحمد بن عمرو، عن إبراهيم بن سعيد،عن محمد بن جعفر بن محمد،عن عبد الرحمن بن محمد بن عمر بن أبي سلمة،عن أبيه،عن جده،عن أم سلمة قالت:جاء جبرئيل إلى النبي صلّى اللّه عليه و اله فقال:إن أمتك تقتله يعني الحسين بعدك ثم قال:ألا أريك من تربته؟

قالت:فجاء بحصيات فجعلهن رسول اللّه في قارورة فلما كان ليلة قتل الحسين قالت أم سلمة:سمعت قائلا يقول:أيها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب و التنكيل قد لعنتم على لسان داود و موسى و صاحب الانجيل قالت:فبكيت ففتحت القارورة فإذا قد حدث فيها دم (2).

و روي في مؤلفات بعض الاصحاب عن أم سلمة قالت:دخل رسول اللّه ذات يوم و دخل في أثره الحسن و الحسين عليهما السّلام و جلسا إلى جانبيه فأخذ الحسن على ركبته اليمني،و الحسين على ركبته اليسرى،و جعل يقبل هذا تارة و هذا اخرى و إذا بجبرئيل قد نزل و قال:يا رسول اللّه إنك لتحب الحسن و الحسين؟

فقال:و كيف لا أحبهما و هما ريحانتاي من الدنيا و قرتا عيني.

فقال جبرئيل:يا نبي اللّه إن اللّه قد حكم عليهما بأمر فاصبر له،فقال:و ما هو يا أخي؟4.

ص: 24


1- بحار الأنوار:237/40-245 ح 33،و تفسير فرات ص 10 و الحديث مختصر.
2- بحار الأنوار:237/40-245 ح 34.

فقال:قد حكم على هذا الحسن أن يموت مسموما،و على هذا الحسين أن يموت مذبوحا و إن لكل نبي دعوة مستجابة،فإن شئت كانت دعوتك لولديك الحسن و الحسين فادع اللّه أن يسلّمهما من السم و القتل،و إن شئت كانت مصيبتهما ذخيرة في شفاعتك للعصاة من أمتك يوم القيامة.

فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:يا جبرئيل أنا راض بحكم ربي لا أريد إلا ما يريده،و قد أحببت أن تكون دعوتي ذخيرة لشفاعتي في العصاة من أمتي و يقضي اللّه في ولدي ما يشاء (1).

و روي أن رسول اللّه كان يوما مع جماعة من أصحابه مارا في بعض الطريق، و إذا هم بصبيان يلعبون في ذلك الطريق،فجلس النبي صلّى اللّه عليه و اله عند صبي منهم و جعل يقبل ما بين عينيه و يلاطفه،ثم أقعده على حجره و كان يكثر تقبيله،فسئل عن علة ذلك،فقال صلّى اللّه عليه و اله:إني رأيت هذا الصبي يوما يلعب مع الحسين و رأيته يرفع التراب من تحت قدميه،و يمسح به وجهه و عينيه،فأنا أحبه لحبه لولدي الحسين،و لقد أخبرني جبرئيل أنه يكون من أنصاره في وقعة كربلا (2).

و روي مرسلا أن آدم لما هبط إلى الأرض لم يرحواء فصار يطوف الأرض في طلبها فمر بكربلا فاغتم،و ضاق صدره من غير سبب،و عثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين،حتى سال الدم من رجله،فرفع رأسه إلى السماء و قال:إلهي هل حدث مني ذنب آخر فعاقبتني به؟فإني طفت جميع الأرض،و ما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض.فأوحى اللّه إليه يا آدم ما حدث منك ذنب،و لكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلما فسال دمك موافقة لدمه،فقال آدم:يا رب أيكون الحسين نبيا قال:لا،و لكنه سبط النبي محمد،فقال:و من القاتل له؟6.

ص: 25


1- بحار الأنوار:237/40-245 ح 35.
2- بحار الأنوار:237/40-245 ح 36.

قال:قاتله يزيد لعين أهل السماوات و الأرض،فقال آدم:فأي شيء أصنع يا جبرئيل؟

فقال:إلعنه يا آدم فلعنه أربع مرات و مشى خطوات إلى جبل عرفات فوجد حواء هناك (1).

و روي أن نوحا لما ركب في السفينة طافت به جميع الدنيا فلما مرت بكربلا أخذته الأرض،و خاف نوح الغرق فدعى ربه و قال:إلهي طفت جميع الدنيا و ما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض فنزل جبرئيل و قال:يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمد خاتم الأنبياء،و إبن خاتم الاوصياء فقال:و من القاتل له يا جبرئيل؟

قال:قاتله لعين أهل سبع سماوات و سبع أرضين،فلعنه نوح أربع مرات فسارت السفينة حتى بلغت الجودي و استقرت عليه (2).

و روي أن إبراهيم عليه السّلام مر في أرض كربلا و هو راكب فرسا فعثرت به و سقط إبراهيم و شج رأسه و سال دمه،فأخذ في الإستغفار و قال:إلهي أي شيء حدث مني؟فنزل إليه جبرئيل و قال:يا إبراهيم ما حدث منك ذنب،و لكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء،و ابن خاتم الأوصياء،فسال دمك موافقة لدمه.

قال:يا جبرئيل و من يكون قاتله؟

قال:لعين أهل السماوات و الارضين و القلم جرى على اللوح بلعنه بغير إذن ربه، فأوحى اللّه تعالى إلى القلم إنك استحققت الثناء بهذا اللعن.

فرفع إبراهيم عليه السّلام يديه و لعن يزيد لعنا كثيرا و أمّن فرسه بلسان فصيح فقال إبراهيم لفرسه:أي شيء عرفت حتى تؤمن على دعائي؟8.

ص: 26


1- بحار الأنوار:237/40-245 ح 37.
2- بحار الأنوار:237/40-245 ح 38.

فقال:يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك علي فلما عثرت و سقطت عن ظهري عظمت خجلتي و كان سبب ذلك من يزيد لعنه اللّه تعالى (1).

و روي أن إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات،فأخبره الراعي أنها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوما فسأل ربه عن سبب ذلك فنزل جبرئيل و قال:يا إسماعيل سل غنمك فانها تجيبك عن سبب ذلك؟

فقال لها:لم لا تشربين من هذا الماء؟

فقالت بلسان فصيح؟قد بلغنا أن ولدك الحسين عليه السّلام سبط محمد يقتل هنا عطشانا فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزنا عليه،فسألها عن قاتله فقالت يقتله لعين أهل السماوات و الارضين و الخلائق أجمعين،فقال إسماعيل:اللهم العن قاتل الحسين عليه السّلام (2).

و روي أن موسى كان ذات يوم سائرا و معه يوشع بن نون،فلما جاء إلى أرض كربلا انخرق نعله،و انقطع شراكه،و دخل الحسك في رجليه،و سال دمه،فقال:

إلهي أي شيء حدث مني؟فأوحى إليه أن هنا يقتل الحسين عليه السّلام و هنا يسفك دمه، فسال دمك موافقة لدمه فقال:رب و من يكون الحسين؟فقيل له:هو سبط محمد المصطفى،و ابن علي المرتضى،فقال:و من يكون قاتله؟فقال:هو لعين السمك في البحار،و الوحوش في القفار،و الطير في الهواء،فرفع موسى يديه و لعن يزيد و دعى عليه و أمّن يوشع بن نون على دعائه و مضى لشأنه (3).

و روي أن سليمان كان يجلس على بساطه و يسير في الهواء،فمر ذات يوم و هو سائر في أرض كربلا فأدارت الريح بساطه ثلاث دورات حتى خاف السقوط1.

ص: 27


1- بحار الأنوار:237/40-245 ح 39.
2- بحار الأنوار:237/40-245 ح 40.
3- بحار الأنوار:237/40-245 ح 41.

فسكنت الريح،و نزل البساط في أرض كربلا.

فقال سليمان للريح:لم سكنتي؟

فقالت:إن هنا يقتل الحسين عليه السّلام فقال و من يكون الحسين؟

فقالت:هو سبط محمد المختار،و ابن علي الكرار،فقال:و من قاتله؟

قالت:لعين أهل السماوات و الأرض يزيد،فرفع سليمان يديه و لعنه و دعى عليه و أمّن على دعائه الإنس و الجن،فهبت الريح و سار البساط (1).

و روي أن عيسى كان سائحا في البراري،و معه الحواريون،فمروا بكربلا فرأوا أسد كاسرا (2)قد أخذ الطريق فتقدم عيسى إلى الأسد،فقال له:لم جلست في هذا الطريق؟

و قال:لا تدعنا نمر فيه؟

فقال الاسد بلسان فصيح:إني لن أدع لكم الطريق حتى تلعنوا يزيد قاتل الحسين عليه السّلام فقال عيسى عليه السّلام:و من يكون الحسين؟

قال:هو سبط محمد النبي الأمي و ابن علي الولي قال:و من قاتله؟

قال:قاتله لعين الوحوش و الذباب و السباع أجمع خصوصا أيام عاشوراء فرفع عيسى يديه و لعن يزيد و دعى عليه و أمّن الحواريون على دعائه فتنحى الاسد عن طريقهم و مضوا لشأنهم (3).و روى صاحب الدار الثمين في تفسير قوله تعالى:

فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (4) أنه رأى ساق العرش و أسماء النبي و الائمة عليهم السلام فلقنه جبرئيل قل:يا حميد بحق محمد،يا عالي بحق علي،يا فاطر بحق7.

ص: 28


1- بحار الأنوار:237/40-245 ح 42.
2- أسد كاسر:أي قوي يكسر فريسته.
3- بحار الأنوار:237/40-245 ح 43.
4- سورة البقرة:37.

فاطمة،يا محسن بحق الحسن و الحسين و منك الاحسان.

فلما ذكر الحسين سالت دموعه و انخشع قلبه،و قال:يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي و تسيل عبرتي؟

قال جبرئيل عليه السّلام:ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب،فقال:يا أخي و ما هي؟

قال:يقتل عطشانا غريبا وحيدا فريدا ليس له ناصر و لا معين،و لو تراه يا آدم و هو يقول:و اعطشاه و اقلة ناصراه،حتى يحول العطش بينه و بين السماء كالدخان،فلم يجبه أحد إلا بالسيوف،و شرب الحتوف،فيذبح ذبح الشاة من قفاه، و ينهب رحله أعداؤه و تشهر رؤوسهم هو و أنصاره في البلدان،و معهم النسوان، كذلك سبق في علم الواحد المنان،فبكى آدم و جبرئيل بكاء الثكلى (1).

و روي عن بعض الثقاة الأخيار أن الحسن و الحسين عليهما السّلام دخلا يوم عيد إلى حجرة جدهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقالا:يا جداه،اليوم يوم العيد،و قد تزين أولاد العرب بألوان اللباس،و لبسوا جديد الثياب،و ليس لنا ثوب جديد و قد توجهنا لذلك إليك،فتأمل النبي حالهما و بكى،و لم يكن عنده في البيت ثياب تليق بهما،و لا رأى أن يمنعهما فيكسر خاطرهما،فدعى ربه و قال:إلهي اجبر قلبهما و قلب أمهما.

فنزل جبرئيل و معه حلتان بيضاوان من حلل الجنة،فسر النبي صلّى اللّه عليه و اله و قال لهما:

يا سيدي شباب أهل الجنة خذا أثوابا خاطها خياط القدرة على قدر طولكما،فلما رأيا الخلع بيضا قالا:يا جداه كيف هذا و جميع صبيان العرب لا بسون ألوان الثياب،فأطرق النبي ساعة متفكرا في أمرهما.

فقال جبرئيل:يا محمد طب نفسا وقر عينا إن صابغ صبغة اللّه عز و جل يقضي لهما هذا الأمر و يفرّح قلبيهما بأي لون شاءا،فأمر يا محمد بإحضار الطست4.

ص: 29


1- بحار الأنوار:237/40-245 ح 44.

و الإبريق فاحضرا فقال جبرئيل:يا رسول اللّه أنا أصب الماء على هذه الخلع و أنت تفركهما بيدك فتصبغ لهما بأي لون شاءا.

فوضع النبي حلة الحسن في الطست فأخذ جبرئيل يصب الماء ثم أقبل النبي على الحسن و قال له:يا قرة عيني بأي لون تريد حلتك؟

فقال:أريدها خضراء ففركها النبي بيده في ذلك الماء،فأخذت بقدرة اللّه لونا أخضر فائقا كالزبرجد الأخضر،فأخرجها النبي و أعطاها الحسن،فلبسها.

ثم وضع حلة الحسين في الطست و أخذ جبرئيل يصب الماء فالتفت النبي إلى نحو الحسين،و كان له من العمر خمس سنين و قال له:يا قرة عيني أي لون تريد حلتك؟

فقال الحسين:يا جداه أريدها حمراء ففركها النبي بيده في ذلك الماء فصارت حمراء كالياقوت الأحمر فلبسها الحسين فسرّ النبي بذلك و توجّه الحسن و الحسين إلى أمهما فرحين مسرورين.

فبكى جبرئيل عليه السّلام لما شاهد تلك الحال فقال النبي:يا أخي جبرئيل في مثل هذا اليوم الذي فرح فيه ولداي تبكي و تحزن؟فباللّه عليك إلا ما أخبرتني فقال جبرئيل:

إعلم يا رسول اللّه أن اختيار ابنيك على اختلاف اللون،فلا بد للحسن أن يسقوه السم و يخضر لون جسده من عظم السم و لا بد للحسين أن يقتلوه و يذبحوه و يخضب بدنه من دمه،فبكى النبي و زاد حزنه لذلك (1).

و روى الشيخ جعفر بن نما في مثير الاحزان بإسناده عن زوجة العباس بن عبد المطلب و هي أم الفضل لبابة بنت الحارث قالت:رأيت في النوم قبل مولد الحسين عليه السّلام كأن قطعة من لحم رسول اللّه قطعت و وضعت في حجري،فقصصت الرؤيا على رسول اللّه،فقال:إن صدقت رؤياك فإن فاطمة ستلد غلاما و أدفعه إليك5.

ص: 30


1- بحار الأنوار:245/40-253 ح 45.

لترضعيه،فجرى الأمر على ذلك،فجئت به يوما فوضعته في حجري فبال، فقطرت منه قطرة على ثوبه صلّى اللّه عليه و اله فقرصته فبكى.

فقال كالمغضب:مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل و قد أوجعت ابني،قالت:

فتركته و مضيت لآتيه بماء،فجئت فوجدته صلّى اللّه عليه و اله يبكي فقلت:مم بكاؤك يا رسول اللّه فقال:إن جبرئيل أتاني و أخبرني أن أمتي تقتل ولدي هذا (1).

قال:و قال أصحاب الحديث فلما أتت على الحسين سنة كاملة،هبط على النبي اثنا عشر ملكا على صور مختلفة أحدهم على صورة بني آدم يعزونه و يقولون إنه سينزل بولدك الحسين ابن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل،و سيعطى مثل أجر هابيل،و يحمل على قاتله مثل وزر قابيل،و لم يبق ملك إلا نزل إلى النبي يعزونه و النبي يقول:اللهم اخذل خاذله،و اقتل قاتله،و لا تمتعه بما طلبه.

و عن أشعث بن عثمان،عن أبيه،عن أنس بن أبي سحيم قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:إن ابني هذا يقتل بأرض العراق،فمن أدركه منكم فلينصره فحضر أنس مع الحسين كربلا و قتل معه.

و رويت عن عبد الصمد بن أحمد بن أبي الجيش،عن شيخه أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي،عن رجاله،عن عائشة قالت:دخل الحسين على النبي و هو غلام يدرج فقال:أي عائشة ألا أعجبك لقد دخل علي آنفا ملك ما دخل علي قط فقال:إن ابنك هذا مقتول،و إن شئت أريتك من تربته التي يقتل بها فتناول ترابا أحمر فأخذته أم سلمة فخزنته في قارورة فأخرجته يوم قتل و هو دم.

و روي مثل هذا عن زينب بنت جحش.

و عن عبد اللّه بن يحيى قال:دخلنا مع علي إلى صفين فلما حاذى نينوى نادىر.

ص: 31


1- ترى الحديث في تذكرة خواص الامة ص 133 نقلا عن ابن سعد في الطبقات و قد ترك ذيل الخبر.

صبرا يا أبا عبد اللّه،فقال:دخلت على رسول اللّه و عيناه تفيضان فقلت:بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه ما لعينيك تفيضان؟أغضبك أحد؟

قال:لا،بل كان عندي جبرئيل فأخبرني أن الحسين يقتل بشاطئ الفرات،و قال:

هل لك أن أشمك من تربته؟

قلت:نعم فمد يده فأخذ قبضة من تراب فأعطانيها،فلم أملك عيني أن فاضتا، و اسم الأرض كربلا.

فلما أتت عليه سنتان خرج النبي إلى سفر فوقف في بعض الطريق و استرجع و دمعت عيناه فسئل عن ذلك فقال:هذا جبرئيل يخبرني عن أرض بشط الفرات يقال لها كربلا يقتل فيها ولدي الحسين و كأني أنظر إليه و إلى مصرعه و مدفنه بها، و كأني أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا و قد أهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه اللّه،فو اللّه ما ينظر أحد إلى رأس الحسين و يفرح إلا خالف اللّه بين قلبه و لسانه، و عذّبه اللّه عذابا أليما.

ثم رجع النبي من سفره مغموما مهموما كئيبا حزينا فصعد المنبر و أصعد معه الحسن و الحسين و خطب و وعظ الناس فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن و يده اليسرى على رأس الحسين عليهما السّلام،و قال:اللهم إن محمدا عبدك و رسولك و هذان أطائب عترتي،و خيار أرومتي،و أفضل ذريتي و من أخلفهما في أمتي و قد أخبرني جبرئيل أن ولدي هذا مقتول بالسم و الآخر شهيد مضرج بالدم اللهم فبارك له في قتله،و اجعله من سادات الشهداء اللهم و لا تبارك في قاتله و خاذله و أصله حر نارك،و احشره في أسفل درك الجحيم.

قال:فضج الناس بالبكاء و العويل،فقال لهم النبي:أيها الناس أتبكونه و لا تنصرونه،اللهم فكن أنت له وليا و ناصرا،ثم قال:يا قوم إني مخلف فيكم الثقلين:

كتاب اللّه و عترتي و أرومتي و مزاج مائي،و ثمرة فؤادي،و مهجتي،لن يفترقا حتى

ص: 32

يردا علي الحوض ألا و إني لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي أن أسألكم عنه، أسألكم عن المودة في القربى،و احذروا أن تلقوني غدا على الحوض و قد آذيتم عترتي،و قتلتم أهل بيتي و ظلمتموهم.

ألا إنه سيرد علي يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الامة:الاولى راية سوداء مظلمة قد فزعت منها الملائكة فتقف علي فأقول لهم:من أنتم؟فينسون ذكري، و يقولون:نحن أهل التوحيد من العرب،فأقول لهم:أنا أحمد نبي العرب و العجم، فيقولون:نحن من أمتك،فأقول:كيف خلفتموني من بعدي في أهل بيتي و عترتي و كتاب ربي؟فيقولون:أما الكتاب فضيعناه،و أما العترة فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض فلما أسمع ذلك منهم أعرض عنهم وجهي،فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم.

ثم ترد علي راية اخرى أشد سوادا من الاولى،فأقول لهم:كيف خلفتموني من بعدي في الثقلين كتاب اللّه و عترتي؟فيقولون:أما الاكبر فخالفناه،و أما الاصغر فمزقناهم كل ممزق،فأقول:إليكم عني فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم.

ثم ترد علي راية تلمع وجوههم نورا فأقول لهم:من أنتم؟فيقولون:نحن أهل كلمة التوحيد و التقوى من أمة محمد المصطفى،و نحن بقية أهل الحق،حملنا كتاب ربنا و حلّلنا حلاله و حرّمنا حرامه و أحببنا ذرية نبينا محمد،و نصرناهم من كل ما نصرنا به أنفسنا،و قاتلنا معهم من ناوأهم،فأقول لهم:أبشروا فأنا نبيكم محمد و لقد كنتم في الدنيا كما قلتم،ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويين مستبشرين ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الآبدين (1).

و عن سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف عن أحمد بن محمد بن عيسى و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و يعقوب بن يزيد جميعا عن محمد بن سنان عمن ذكره6.

ص: 33


1- بحار الأنوار:237/40-245 ح 46.

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن إسماعيل الذي قال اللّه تعالى في كتابه وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا لم يكن إسماعيل بن إبراهيم عليه السّلام كان نبيا من الأنبياء بعثه اللّه إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه و وجهه فأتاه ملك عن اللّه تبارك و تعالى فقال إن اللّه بعثني إليك فمرني بما شئت فقال لي أسوة بما يصنع بالحسين عليه السّلام.

عن عبد اللّه عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنه كان للّه رسولا نبيا تسلط عليه قومه فقشروا جلده وجهه و فروة رأسه فأتاه رسول من رب العالمين فقال له ربك يقرئك السلام و يقول قد رأيت ما صنع بك و قد أمرني بطاعتك فمرني بما شئت فقال يكون لي بالحسين أسوة.

محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن جده علي بن مهزيار عن محمد ابن سنان عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن إسماعيل الذي قال اللّه تعالى في كتابه وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ أخذ فسلخت فروة وجهه و رأسه فأتاه ملك فقال إن اللّه بعثني إليك فمرني بما شئت فقال لي أسوة بالحسين ابن علي عليه السّلام (1).6.

ص: 34


1- كامل الزيارات:66.

ما أخبر به النبي و علي و الحسين عليهم السلام بشهادته

بإسناد أخي دعبل،عن الرضا،عن آبائه،عن علي بن الحسين عليهم السلام قال:حدّثتني أسماء بنت عميس الخثعمية قالت:قبلت (1)جدتك فاطمة بنت رسول اللّه بالحسن و الحسين،قالت:فلما ولدت الحسن جاء النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:يا أسماء هاتي ابني،قالت فدفعته إليه في خرقة صفراء،فرمى بها و قال:ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء،و دعا بخرقة بيضاء فلفه بها،ثمّ أذن في أذنه اليمني،و أقام في أذنه اليسرى،و قال لعلي عليه السّلام:بما سميت ابني هذا؟

قال:ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول اللّه قال:و أنا ما كنت لأسبق ربي عز و جل قال:فهبط جبرئيل قال:إن اللّه يقرأ عليك السلام و يقول لك:يا محمد علي منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك،فسم ابنك باسم ابن هارون،قال:

النبي صلّى اللّه عليه و آله و ما اسم ابن هارون؟

قال جبرئيل:شبر،قال:و ما شبر؟

قال:الحسن قالت أسماء:فسمّاه الحسن.

قالت أسماء:فلما ولدت فاطمة الحسين عليه السّلام نفستها به فجاءني النبي فقال:هلم ابني يا أسماء،فدفعته إليه في خرقة بيضاء،ففعل به كما فعل بالحسن.

قالت:و بكى رسول اللّه ثم قال:إنه سيكون له حديث!اللهم العن قاتله،لا تعلمي فاطمة عليهما السّلام بذلك.

ص: 35


1- قبل المرأة كعلم قبالة بالكسر كانت قابلة و هى المرأة التى تأخذ الولد عند الولادة.

قالت أسماء:فلما كان في يوم سابعه جاءني النبي فقال:هلمي ابني فأتيته به:

ففعل به كما فعل بالحسن و عق عنه كما عق عن الحسن كبشا أملح (1)و أعطى القابلة الورك و رجلا و حلق رأسه و تصدق بوزن الشعر ورقا،و خلق رأسه بالخلوق و قال:إن الدم من فعل الجاهلية (2)قالت:ثم وضعه في حجره ثم قال:يا أبا عبد اللّه عزيز علي ثم بكى.فقلت:بأبي أنت و أمي فعلت في هذا اليوم و في اليوم الأول فما هو؟

قال:أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لعنهم اللّه لا أنالهم اللّه شفاعتي يوم القيامة،يقتله رجل يثلم الدين و يكفر باللّه العظيم.ثم قال:اللهم إني أسألك فيهما ما سألك إبراهيم في ذريته اللهم أحبهما و أحب من يحبهما،و العن من يبغضهما ملء السماء و الأرض (3).

بيان:نفستها به:لعل المعنى كنت قابلتها و إن لم يرد بهذا المعنى فيما عندنا منع.

ص: 36


1- الملحة بياض يخالطه سواد،يقال:كبش أملح و تيس أملح:إذا كان شعره خليسا،و قد املح الكبش املحاحا:صار أملح ذكره الجوهرى،و الخلوق،طيب معروف مركب من الزعفران و غيره من أنواع الطيب و تغلب عليه الصفرة و الحمرة.
2- روى ابو داود في سننه ج 2 ص 96 باسناده عن أبي بريدة يقول:كنا في الجاهلية إذا ولد لاحدنا غلام ذبح شاة و لطخ رأسه بدمها،فلما جاء اللّه بالاسلام كنا نذبح شاة و نحلق رأسه و نلطخه بزعفران. نعم قد روى أبو داود عن حفص بن عمر النمرى عن همام عن قتادة،عن الحسن،عن سمرة،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:كل غلام رهينة بعقيقة تذبح عنه يوم السابع و يحلق رأسه و يدمى قال:فكان قتادة إذا سئل عن الدم كيف يصنع به؟ قال:إذا ذبحت رأسه أخذت منها صوفة و استقبلت به أو داجها ثم توضع على يا فوخ الصبى حتى يسيل على العقيقة مثل الخيط ثم يغسل رأسه بعد و يحلق. لكهنم و هموا هماما في روايته ذلك و قالوا:إن الصحيح من الحديث يسمى بدل يدمي.
3- قد مر مثله في ج 43 ص 238 240 ب 11 تحت الرقم 4 عن الصدوق في عيون أخبار الرضا و عن ابن شهر آشوب في المناقب،فراجع.

اللغة،يحتمل أن يكون من نفس به بالكسر بمعنى ضن،أي ضننت به و أخذته منها، و خلقه تخليقا طيّبه.

قوله صلّى اللّه عليه و اله عزيز علي أي قتلك قال الجزري:عز علي يعز أن أراك بحال سيئة أي يشتد و يشق علي (1).

السناني،عن ابن زكريا،عن ابن حبيب،عن ابن بهلول،عن علي بن عاصم،عن الحصين بن عبد الرحمان،عن مجاهد،عن ابن عباس قال:كنت مع أمير المؤمنين عليه السّلام في خرجته إلى صفين فلما نزل بنينوى و هو بشط الفرات قال بأعلا صوته:يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع؟

قلت له:ما أعرفه يا أمير المؤمنين فقال عليه السّلام:لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي.

قال:فبكى طويلا حتى اخضلت لحيته،و سالت الدموع على صدره،و بكينا معا و هو يقول:أوه أوه مالي و لآل أبي سفيان؟مالي و لآل حرب حزب الشيطان؟ و أولياء الكفر؟صبرا يا أبا عبد اللّه فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم.ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة فصلى ما شاء اللّه أن يصلي ثم ذكر نحو كلامه الأول إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته و كلامه ساعة ثم انتبه فقال:يا ابن عباس فقلت:ها أنا ذا، فقال:ألا أحدثك بما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟

فقلت:نامت عيناك و رأيت خيرا يا أمير المؤمنين.

قال:رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء معهم أعلام بيض قد تقلدوا سيوفهم و هي بيض تلمع،و قد خطوا حول هذه الأرض خطة ثم رأيت كأن هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض تضطرب بدم عبيط و كأني بالحسين سخلي و فرخي و مضغتي و مخي قد غرق فيه يستغيث فيه فلا يغاث،و كأن الرجال البيض1.

ص: 37


1- بحار الأنوار:237/40-245 ح 1.

قد نزلوا من السماء ينادونه و يقولون:صبرا آل الرسول،فإنكم تقتلون على أيدي شرار الناس،و هذه الجنة يا أبا عبد اللّه إليك مشتاقة،ثم يعزونني و يقولون:يا أبا الحسن أبشر،فقد أقر اللّه به عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين.ثم انتبهت هكذا، و الذي نفس علي بيده،لقد حدّثني الصادق المصدّق أبو القاسم صلّى اللّه عليه و اله أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا،و هذه أرض كرب و بلاء،يدفن فيها الحسين عليه السّلام و سبعة عشر رجلا من ولدي و ولد فاطمة و إنها لفي السماوات معروفة،تذكر أرض كرب و بلاء،كما تذكر بقعة الحرمين،و بقعة بيت المقدس.

ثم قال لي:يا ابن عباس أطلب لي حولها بعر الظباء فو اللّه ما كذبت و لا كذبت و هي مصفرة لونها لون الزعفران،قال ابن عباس فطلبتها فوجدتها مجتمعة فناديته يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي،فقال علي عليه السّلام:

صدق اللّه و رسوله.

ثم قام عليه السّلام يهرول إليها فحملها و شمّها،و قال:هي هي بعينها،أتعلم يا ابن عباس ما هذه الأبعار؟هذه قد شمّها عيسى بن مريم،و ذلك أنه مربها و معه الحواريون فرأى ههنا الظباء مجتمعة و هي تبكي فجلس عيسى،و جلس الحواريون معه،فبكى و بكى الحواريون،و هم لا يدرون لم جلس و لم بكى.

فقالوا:يا روح اللّه و كلمته ما يبكيك؟

قال:أتعلمون أي أرض هذه؟

قالوا:لا.

قال:هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد صلّى اللّه عليه و اله و فرخ الحرة الطاهرة البتول، شبيهة أمي،و يلحد فيها طينة أطيب من المسك لأنها طينة الفرخ المستشهد،و هكذا يكون طينة الأنبياء و أولاد الأنبياء،فهذه الظباء تكلّمني و تقول:إنها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك و زعمت أنها آمنة في هذه الأرض.

ص: 38

ثم ضرب بيده إلى هذه الصيران (1)فشمها و قال:هذه بعر الظباء على هذه الطيب لمكان حشيشها اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه فيكون له عزاء و سلوة قال، فبقت إلى يوم الناس هذا و قد اصفرت لطول زمنها و هذه أرض كرب و بلاء.

ثم قال بأعلى صوته:يا رب عيسى بن مريم!لا تبارك في قتلته،و المعين عليه و الخاذل له.

ثم بكى بكاء طويلا و بكينا معه حتى سقط لوجهه و غشي عليه طويلا ثم أفاق فأخذ البعر فصرّه في ردائه و أمرني أن أصرّها كذلك ثم قال:يا ابن عباس إذا رأيتها تنفجر دما عبيطا،و يسيل منها دم عبيط،فاعلم أن أبا عبد اللّه قد قتل بها،و دفن.

قال ابن عباس:فو اللّه لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لبعض ما افترض اللّه عز و جل علي و أنا لا أحلها من طرف كمي فبينما أنا نائم في البيت إذ انتبهت فإذا هي تسيل دما عبيطا،و كان كمي قد امتلأ دما عبيطا،فجلست و أنا باك و قلت قد قتل و اللّه الحسين،و اللّه ما كذبني علي قط في حديث حدّثني و لا أخبرني بشيء قط أنه يكون إلا كان كذلك لأن رسول اللّه كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره.

ففزعت و خرجت و ذلك عند الفجر فرأيت و اللّه المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين ثم طلعت الشمس و رأيت كأنها منكسفة،و رأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط،فجلست و أنا باك فقلت:قد قتل و اللّه الحسين،و سمعت صوتا من ناحية البيت و هو يقول:إصبروا آل الرسول قتل الفرخ النحول (2)نزل الروح الامين ببكاء و عويل ثم بكى بأعلى صوته و بكيت فأثبت عندي تلك الساعة و كان شهرم.

ص: 39


1- الصيران:جمع صوار كغراب و كتاب و من معانيها وعاء المسك،كأنه أراد تشبيه البعر بنافجة المسك لطيبها،و يحتمل أن يكون جمع صور بالفتح و أراد به الحشيش الملتف النابت في تلك الأرض.
2- كذا في النسخ كلها و الصواب النحيل صفة من النحول و هو الانسب بقافية النظم.

المحرم يوم عاشورا لعشر مضين منه،فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره و تاريخه كذلك فحدثت هذا الحديث أولئك الذين كانوا معه،فقالوا:و اللّه لقد سمعنا ما سمعت و نحن في المعركة و لا ندري ما هو،فكنا نرى أنه الخضر عليه السّلام (1).

أحمد بن محمد بن الحسن القطان،و كان شيخا لأصحاب الحديث ببلد الري، يعرف بأبي علي بن عبد ربه،عن أحمد بن يحيى بن زكريا بالإسناد المتقدم مثله سواء (2).

بيان:قال الجوهري:قولهم عند الشكاية أوه من كذا ساكنة الواو إنما هو توجع، و ربما قلبوا الواو ألفا فقالوا:آه من كذا،و ربما شددوا الواو و كسروها و سكنوا الهاء،فقالوا:أوه من كذا و قال:«المضغة»قطعة لحم،و قلب الانسان مضغة من جسده.

قوله عليه السّلام:«و لا كذبت»على بناء المجهول،من قولهم كذب الرجل أي أخبر بالكذب أي ما أخبرني رسول اللّه بكذب قط و يحتمل أن يكون على بناء التفعيل أي ما أظهر أحد كذبي و الأول أظهر،و الضباب بالفتح ندى كالغيم أو سحاب رقيق كالدخان.قوله«أثر عين»أي من الاعيان الموجودة في الخارج و النحول من النحل (3)بمعنى الهزال.

القفطان،عن السكري،عن الجوهري،عن قيس بن حفص الدارمي،عن حسينب.

ص: 40


1- بحار الأنوار:253/40-261 ح 2،و أمالي الصدوق المجلس 87 تحت الرقم:5.
2- كمال الدين ج 2 ص 214 217 ب 51 الرقم 4،و بحار الأنوار:253/40-261 ح 3.
3- النحل بالضم:الاسم من النحلة بالضم و هى الدقة و الهزال،و فى حديث معبد لم تعبه نحلة نقله الشرتونى في ذيل أقرب الموارد عن التاج.و لكن في سائر المعاجم النحل بالضم:مصدر نحل ينحل كقطع يقطع بمعنى اعطاء الشيء من غير عوض بطيب نفس و أما الذى بمعنى الهزال فهو النحول،و أظن ما ذكره التاج من كلام المولدين. ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب.

الاشقر،عن منصور بن الاسود،عن أبي حسان التيمي،عن نشيط بن عبيد،عن رجل منهم،عن جرداء بنت سمين،عن زوجها هرثمة بن أبي مسلم قال:غزونا مع علي بن أبي طالب عليه السّلام صفين فلما انصرفنا نزل بكربلا فصلى بها الغداة ثم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال:واها لك أيتها التربة فرجع هرثمة إلى زوجته و كانت شيعة لعلي عليه السّلام فقال:ألا أحدثك عن وليك أبي الحسن نزل بكربلا فصلى ثم رفع إليه من تربتها فقال:واها لك أيتها التربة ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب قالت:أيها الرجل فإن أمير المؤمنين عليه السّلام لم يقل إلا حقا.

فلما قدم الحسين عليه السّلام قال هرثمة:كنت في البعث الذين بعثهم عبيد اللّه بن زياد لعنهم اللّه،فلما رأيت المنزل و الشجر ذكرت الحديث فجلست على بعيري ثم صرت إلى الحسين عليه السّلام فسلمت عليه و أخبرته بما سمعت من أبيه في ذلك المنزل الذي نزل به الحسين،فقال:معنا أنت أم علينا؟

فقلت:لا معك و لا عليك،خلفت صبية أخاف عليهم عبيد اللّه بن زياد قال:فامض حيث لا ترى لنا مقتلا و لا تسمع لنا صوتا فو الذي نفس حسين بيده لا يسمع اليوم واعيتنا أحد فلا يعيننا إلا كبّه اللّه لوجهه في[نار]جهنم (1).

بيان:قال الجوهري:إذا تعجبت من طيب الشيء قلت:واها له ما أطيبه.

أقول:لعل المراد أن مع سماع الواعية و ترك النصرة العذاب أشد و إلا فالظاهر وجوب نصرتهم على أي حال.

أبي،عن الكميداني،عن ابن عيسى،عن ابن أبي نجران،عن جعفر بن محمد الكوفي،عن عبيد السمين،عن ابن طريف،عن أصبغ بن نباته قال:بينا أمير المؤمنين عليه السّلام يخطب الناس و هو يقول:«سلوني قبل أن تفقدوني فو اللّه لا تسألوني عن0.

ص: 41


1- بحار الأنوار:253/40-261 ح 4،و المصدر:المجلس 28،الرقم:6.و ترى مثله في شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 350.

شيء مضى و لا عن شيء يكون إلا نبأتكم به»فقام إليه سعد بن أبي وقاص فقال:يا أمير المؤمنين أخبرني كم في رأسي و لحيتي من شعرة؟

فقال له:أما و اللّه لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنك ستسألني عنها،و ما في رأسك و لحيتك من شعرة إلا و في أصلها شيطان جالس، و إن في بيتك لسخلا يقتل الحسين ابني،و عمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه (1).

أبي،عن سعد،عن محمد بن عبد الجبار،عن ابن أبي نجران،عن جعفر بن محمد بن حكيم،عن عبيد السمين يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال:كان أمير المؤمنين عليه السّلام يخطب الناس و ذكر مثله (2).

ابن مسرور،عن ابن عامر،عن عمه،عن الازدي،عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب،عن عكرمة،عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:من سره أن يحيى حياتي،و يموت ميتتي،و يدخل جنة عدن منزلي،و يمسك قضيبا غرسه ربيه.

ص: 42


1- المصدر المجلس 28،تحت الرقم:1،و لا يخفى ما في الحديث من تسمية الرجل السائل المتعنت بأنه سعد بن أبي وقاص،حيث ان سعد بن أبي وقاص اعتزل عن الجماعة و امتنع عن بيعة أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السّلام فاشترى أرضا و اشتغل بها فلم يكن ليجىء إلى الكوفة و يجلس إلى خطبة على عليه السّلام.على أن عمر بن سعد قد ولد في السنة التى مات فيها عمر بن الخطاب و هى سنة ثلاث و عشرين كما نص عليه ابن معين فكان عمر بن سعد حين يخطب على عليه السّلام هذه الخطبة بالكوفة غلاما بالغا أشرف على عشرين لا انه سخل في بيته. و لما كان أصل القصة مسلمة مشهورة،عدل الشيخ المفيد في الارشاد على ما سيأتى تحت الرقم 7 عن تسمية الرجل،و تبعه الطبرسى في اعلام الورى 186،و لعل الصحيح ما ذكره ابن أبي الحديد حيث ذكر الخطبة في شرحه على النهج ج 1 ص 253 عن كتاب الغارات لابن هلال الثقفى عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد بن على عليهما السّلام و قال في آخره:و الرجل هو سنان بن أنس النخعى.
2- بحار الأنوار:253/40-261 ح 5،و راجع كامل الزيارات ص 74.و قال فيه المحشى في عبيد السين:الظاهر انه.

عز و جل ثم قال له:كن فكان،فليتول علي بن أبي طالب و ليأتم بالاوصياء من ولده، فإنهم عترتي،خلقوا من طينتي،إلى اللّه أشكو أعداءهم من أمتي المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي،و أيم اللّه ليقتلن ابني بعدي الحسين لا أنالهم اللّه شفاعتي (1).

جاء في الآثار أن أمير المؤمنين عليه السّلام كان يخطب فقال في خطبته سلوني قبل أن تفقدوني فو اللّه لا تسألوني عن فئة تضل مائة و تهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها و سائقها إلى يوم القيامة.

فقام إليه رجل فقال:أخبرني كم في رأسي و لحيتي من طاقة شعر؟

فقال أمير المؤمنين:و اللّه لقد حدثني خليلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بما سألت عنه و إن على كل طاقة شعر في رأسك ملك يلعنك،و على كل طاقة شعر في لحيتك شيطان يستفزك و إن في بيتك لسخلا يقتل ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آية ذلك مصداق ما خبرتك به و لو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به و لكن آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك و سخلك الملعون،و كان ابنه في ذلك الوقت صبيا صغيرا يحبو.

فلما كان من أمر الحسين ما كان تولى قتله كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام (2).

بيان:استنفره أي استخفه و أزعجه.

محمد بن عيسى،عن القداح،عن جعفر بن محمد،عن أبيه عليهما السّلام قال:مر علي بكربلا في اثنين من أصحابه قال:فلما مر بها ترقرقت عيناه للبكاء ثم قال:هذا مناخ ركابهم،و هذا ملقى رحالهم،و ههنا تهرق دماؤهم،طوبى لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبة (3).0.

ص: 43


1- بحار الأنوار:253/40-261 ح 6،و أمالي الصدوق المجلس 9 تحت الرقم 11.
2- بحار الأنوار:253/40-261 ح 7،و الارشاد:ص 156،الاحتجاج:ص 132 و اللفظ له.
3- بحار الأنوار:253/40-261 ح 8،و المصدر ص 20.

محمد بن الحسين،عن يزيد شعر،عن هارون بن حمزة،عن أبي عبد الرحمان، عن سعد الاسكاف،عن محمد بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:قال رسول اللّه:من سره أن يحيى حياتي،و يموت ميتتي،و يدخل جنة ربي التي و عدني،جنة عدن منزلي،قضيب من قضبانه غرسه ربي تبارك و تعالى بيده فقال له:كن!فكان،فليتول علي بن أبي طالب و الأوصياء من ذريته،إنهم الائمة من بعدي،هم عترتي من لحمي و دمي،رزقهم اللّه فضلي و علمي و ويل للمنكرين فضلهم من أمتي،القاطعين صلتي،و اللّه ليقتلن ابني لا أنا لهم اللّه شفاعتي (1).

بيان:قوله قضيب أي فيها قضيب.

سلام بن أبي عمرة الخراساني،عن أبان بن تغلب،عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السّلام، أنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:من أراد أن يحيى حياتي و يموت ميتتي،و يدخل جنة ربي-جنة عدن غرسه ربي-فليتول عليا و ليعاد عدوه،و ليأتم بالأوصياء من بعده، فإنهم أئمة الهدى من بعدي أعطاهم اللّه فهمي و علمي،و هم عترتي من لحمي و دمي، إلى اللّه أشكو من أمتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي،و أيم اللّه ليقتلن ابني يعني الحسين لا أنا لهم اللّه شفاعتي (2).

عبد اللّه بن محمد،عن ابن محبوب،عن أبي حمزة،عن سويد بن غفلة قال:أنا عند أمير المؤمنين عليه السّلام إذ أتاه رجل فقال:يا أمير المؤمنين جئتك من وادي القرى، و قد مات خالد بن عرفطة فقال له أمير المؤمنين:إنه لم يمت فأعادها عليه،فقال له علي عليه السّلام:لم يمت و الذي نفسي بيده لا يموت،فأعادها عليه الثالثة فقال:سبحان اللّه أخبرك أنه مات،و تقول لم يمت؟

فقال له علي عليه السّلام:لم يمت و الذي نفسي بيده،لا يموت حتى يقود جيش ضلالة0.

ص: 44


1- بحار الأنوار:253/40-261 ح 9،و كامل الزيارات ص 69 و فيه:عن أبي جعفر عليه السّلام.
2- بحار الأنوار:253/40-261 ح 10.

يحمل رايته حبيب بن جماز (1).

قال:فسمع بذلك حبيب فأتى أمير المؤمنين فقال له:أنا شدك في و إني لك شيعة، و قد ذكرتني بأمر لا و اللّه ما أعرفه من نفسي،فقال له علي عليه السّلام:إن كنت حبيب بن جماز فتحملنها[فولى حبيب بن جماز و قال:إن كنت حبيب بن جماز لتحملنها] (2).

قال أبو حمزة:فو اللّه مامات حتى بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي عليه السّلام و جعل خالد بن عرفطة على مقدمته،و حبيب صاحب رايته (3).

الحسن بن محبوب،عن ثابت الثمالي،عن أبي إسحاق السبيعي عن سويد بن غفلة عنه عليه السّلام مثله و زاد في آخره:و سار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل (4).

أبي،و ابن الوليد معا،عن سعد،عن اليقطيني،عن صفوان و جعفر بن عيسى، عن الحسين بن أبي غندر،عمن حدثه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان الحسين بن علي ذات يوم في حجر النبي صلّى اللّه عليه و اله يلاعبه و يضاحكه،فقالت عائشة:يا رسول اللّه ما أشد إعجابك بهذا الصبي؟

فقال لها:ويلك و كيف لا أحبه و لا أعجب به،و هو ثمرة فؤادي،و قرة عيني؟أما إن أمتي ستقتله،فمن زاره بعد وفاته كتب اللّه له حجة من حججي.

قالت:يا رسول اللّه حجة من حججك؟

قال:نعم،و حجتين من حججي قالت:يا رسول اللّه حجتين من حججك؟

قال:نعم،و أربعة قال:فلم تزل تزاده و يزيد و يضعف حتى بلغ تسعين حجة3.

ص: 45


1- ضبطه في الاصابة:حبيب بن حمار.
2- ما بين العلامتين ساقط من نسخة الكمبانى.
3- بحار الأنوار:253/40-261 ح 11،و بصائر الدرجات:ص 85.
4- الارشاد:ص 155 و مثله في الاختصاص:ص 280،اعلام الورى:ص 177،شرح النهج لابن أبي الحديد:ج 1 ص 253.

من حجج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بأعمارها (1).

الحسين بن إبراهيم القزويني،عن محمد بن وهبان،عن علي بن جيش عن العباس بن محمد بن الحسين،عن أبيه،عن صفوان،عن الحسين مثله (2).

محمد الحميري،عن أبيه،عن ابن أبي الخطاب،عن محمد بن حماد الكوفي،عن إبراهيم بن موسى الانصاري،عن مصعب،عن جابر،عن محمد بن علي عليهما السّلام قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:من سرّه أن يحيى حياتي،و يموت مماتي و يدخل جنتي:جنة عدن غرسها ربي بيده،فليتول عليا و يعرف فضله و الأوصياء من بعده،و يتبرأ من عدوي،أعطاهم اللّه فهمي،و علمي،هم عترتي من لحمي و دمي،أشكو إليك ربي عدوهم من أمتي المنكرين لفضلهم،القاطعين فيهم صلتي و اللّه ليقتلن ابني ثم لا تنالهم شفاعتي (3).

الحسن بن عبد اللّه بن محمد،عن أبيه،عن ابن محبوب،عن علي بن شجرة،عن عبد اللّه بن محمد الصنعاني،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إذا دخل الحسين عليه السّلام اجتذبه إليه ثم يقول لأمير المؤمنين عليه السّلام:أمسكه،ثم يقع عليه فيقبله و يبكي،فيقول:يا أبه لم تبكي؟فيقول:يا بني أقبل موضع السيوف منك و أبكي قال:يا أبه و أقتل؟

قال:إي و اللّه و أبوك و أخوك و أنت قال:يا أبه فمصارعنا شتى؟

قال:نعم،يا بني قال:فمن يزورنا من أمتك؟

قال:لا يزورني و يزور أباك و أخاك و أنت إلا الصديقون من أمتي (4).0.

ص: 46


1- المصدر ص 68.
2- أمالي الشيخ ص 62.
3- بحار الأنوار:253/40-261 ح 13،و كامل الزيارات ب 22 الرقم 7.
4- بحار الأنوار:253/40-261 ح 14،و المصدر ص 70.

محمد بن جعفر الرزاز،عن خاله ابن أبي الخطاب،عن علي بن النعمان،عن عبد الرحمان بن سيابه،عن أبي داود البصري،عن أبي عبد اللّه الجدلي قال:دخلت على أمير المؤمنين عليه السّلام و الحسين إلى جنبه فضرب بيده على كتف الحسين ثم قال:

إن هذا يقتل و لا ينصره أحد،قال:قلت يا أمير المؤمنين!و اللّه إن تلك لحياة سوء قال:إن ذلك لكائن (1).

أبي،عن سعد و الحميري و محمد العطار جميعا،عن ابن أبي الخطاب مثله.

عن محمد بن جعفر،عن خاله ابن أبي الخطاب،عن نصر بن مزاحم عن عمرو ابن سعيد،عن يزيد بن إسحاق،عن هانئ بن هانئ،عن علي عليه السّلام قال:ليقتل الحسين قتلا و إني لأعرف تربة الأرض التي يقتل عليها قريبا من النهرين.

عن أبي،عن سعد،عن ابن أبي الخطاب مثله (2).

محمد بن جعفر،عن خاله ابن أبي الخطاب،و حدثني أبي و جماعة عن سعد و محمد العطار معا عن ابن أبي الخطاب،عن نصر بن مزاحم،عن عمرو بن سعيد، عن علي بن حماد،عن عمرو بن شمر،عن جابر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال علي للحسين:يا أبا عبد اللّه أسوة أنت قدما؟

فقال:جعلت فداك ما حالي؟

قال:علمت ما جهلوا و سينتفع عالم بما علم،يا بني إسمع و أبصر من قبل أن يأتيك فو الذي نفسي بيده ليسفكن بنو أمية دمك ثم لا يريدونك عن دينك،و لا ينسونك ذكر ربك،فقال الحسين عليه السّلام:و الذي نفسي بيده حسبي،و أقررت بما أنزل اللّه و أصدّق نبي اللّه و لا أكذّب قول أبي (3).7.

ص: 47


1- بحار الأنوار:253/40-261 ح 15،و المصدر ص 71 و فيه عن ابى داود السبيعى.
2- بحار الأنوار:261/40-269 ح 16.
3- بحار الأنوار:261/40-269 ح 17.

بيان:الأسوة و يضم القدوة،و ما يأتسي به الحزين أي ثبت قديما أنك أسوة الخلق يقتدون بك،أو يأتسي بذكر مصيبتك كل حزين.

قوله عليه السّلام:«لا يريدونك»أي لا يريدون صرفك عن دينك و الأصوب لا يردونك (1).

روى إسماعيل بن صبيح،عن يحيى بن المسافر العابدي،عن إسماعيل بن زياد [قال]إن عليا عليه السّلام قال للبراء بن عازب ذات يوم:يا براء يقتل ابني الحسين و أنت حي لا تنصره،فلما قتل الحسين عليه السّلام كان البراء بن عازب يقول:صدق و اللّه علي بن أبي طالب،قتل الحسين و لم أنصره،ثم يظهر على ذلك الحسرة و الندم (2).

روى عبد اللّه بن شريك العامري قال:كنت أسمع أصحاب علي إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون هذا قاتل الحسين،و ذلك قبل أن يقتل بزمان طويل (3).

روى سالم بن أبي حفصة قال:قال عمر بن سعد للحسين عليه السّلام:يا أبا عبد اللّه إن قبلنا ناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك فقال له الحسين:إنهم ليسوا سفهاء و لكنهم حلماء أما إنه يقر عيني أن لا تأكل بر العراق بعدي إلا قليلا (4).

ابن عباس:سألت هند عائشة أن تسأل النبي تعبير رؤيا فقال:قولي لها:

فلتقصص رؤياها فقالت:رأيت كأن الشمس قد طلعت من فوقي،و القمر قد خرج من مخرجي،و كأن كوكبا خرج من القمر أسود فشد على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعها فاسود الأفق لابتلاعها ثم رأيت كواكب بدت8.

ص: 48


1- بل الصحيح:«لا يزيلونك»كما في المصدر ص 72،و يريدونك تصحيف منه ظاهر.
2- بحار الأنوار:261/40-269 ح 18،و الارشاد:ص 156.
3- بحار الأنوار:261/40-269 ح 19،و كشف الغمة:ج 2 ص 178،ارشاد المفيد:ص 235.
4- بحار الأنوار:261/40-269 ح 20،و ارشاد المفيد:ص 235،كشف الغمة:ج 2 ص 178.

من السماء و كواكب مسودة في الأرض إلا أن المسودة أحاطت بأفق الأرض من كل مكان.

فاكتحلت عين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بدموعه ثم قال:هي هند أخرجي يا عدوة اللّه مرتين فقد جددت علي أحزاني و نعيت إلي أحبابي فلما خرجت قال:اللهم العنها و العن نسلها.

فسئل عن تفسيرها فقال عليه السّلام:أما الشمس التي طلعت عليها فعلي بن أبي طالب عليه السّلام و الكوكب الذي خرج كالقمر أسود فهو معاوية مفتون فاسق جاحد للّه، و تلك الظلمة التي زعمت،و رأت كوكبا يخرج من القمر أسود فشد على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعها فاسودت فذلك ابني الحسين عليه السّلام يقتله ابن معاوية فتسود الشمس و يظلم الأفق،و أما الكواكب السود في الأرض أحاطت بالارض من كل مكان فتلك بنو أمية (1).

جعفر بن محمد الفزاري معنعنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان الحسين مع أمه تحمله فأخذه النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال:لعن اللّه قاتلك،و لعن اللّه سالبك و أهلك اللّه المتوازرين عليك،و حكم اللّه بيني و بين من أعان عليك.

قالت فاطمة الزهراء:يا أبت أي شيء تقول؟

قال:يا بنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي و بعدك من الأذى و الظلم و الغدر و البغي، و هو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء،و يتهادون إلى القتل،و كأني أنظر إلى معسكرهم،و إلى موضع رحالهم و تربتهم.

قالت:يا أبه و أين هذا الموضع الذي تصف؟

قال:موضع يقال له كربلا و هي دار كرب و بلاء علينا و على الأمة (2)يخرج عليهمل.

ص: 49


1- بحار الأنوار:261/40-269 ح 21.
2- الائمة خ ل.

شرار أمتي لو أن أحدهم شفع له من في السماوات و الأرضين ما شفّعوا فيه،و هم المخلدون في النار.

قالت:يا أبه فيقتل؟

قال:نعم يا بنتاه،و ما قتل قتلته أحد كان قبله و تبكيه السماوات و الارضون، و الملائكة،و الوحش،و النباتات،و البحار،و الجبال و لو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفس،و يأتيه قوم من محبينا ليس في الأرض أعلم باللّه و لا أقوم بحقنا منهم،و ليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم أولئك مصابيح في ظلمات الجو،و هم الشفعاء،و هم واردون حوضي غدا أعرفهم إذا وردوا علي بسيماهم، و كل أهل دين يطلبون أئمتهم،و هم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا،و هم قوام الأرض، و بهم ينزل الغيث.

فقالت فاطمة الزهراء عليها السّلام:يا أبه إنا للّه،و بكت فقال لها:يا بنتاه!إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا،بذلوا أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا،فما عند اللّه خير من الدنيا و ما فيها قتلة أهون من ميتة،و من كتب عليه القتل،خرج إلى مضجعه،و من لم يقتل فسوف يموت.

يا فاطمة بنت محمد أما تحبين أن تأمري غدا بأمر فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب؟أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش؟أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة؟أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه و يذود عنه أعداءه؟أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار:

يأمر النار فتطيعه،يخرج منها من يشاء و يترك من يشاء.أما ترضين أن تنظري إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك و إلى ما تأمرين به،و ينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق و هو يخاصمهم عند اللّه فما ترين اللّه صانع بقاتل ولدك و قاتليك و قاتل

ص: 50

بعلك إذا أفلجت حجته على الخلائق،و أمرت النار أن تطيعه؟

أما ترضين أن تكون الملائكة تبكي لابنك،و تأسف عليه كل شيء؟أما ترضين أن يكن من أتاه زائرا في ضمان اللّه و يكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت اللّه و اعتمر،و لم يخل من الرحمة طرفة عين،و إذا مات مات شهيدا و إن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي،و لم يزل في حفظ اللّه و أمنه حتى يفارق الدنيا.قالت:يا أبه سلّمت،و رضيت و توكلت على اللّه،فمسح على قلبها و مسح عينيها،و قال:إني و بعلك و أنت و ابنيك في مكان تقر عيناك،و يفرح قلبك (1).

محمد الحميري،عن أبيه،عن علي بن محمد بن سالم،عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري،عن عبد اللّه بن عبد الرحمان الاصم،عن مسمع بن عبد الملك،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله إلى قوله:بهم ينزل الغيث ثم قال:و ذكر هذا الحديث بطوله (2).

بيان:قوله:«يتهادون إلى القتل»إما من الهدية كأنه يهدي بعضهم بعضا إلى القتل،أو من قولهم:تهادت المرأة:تمايلت في مشيتها،أو من قولهم هداه أي تقدمه أي يتسابقون،و على التقديرات كناية عن فرحهم و سرورهم بذلك،و الذود الطرد و الدفع.

أقول:قد مر بعض الأخبار في باب الولادة.

و روي في بعض الكتب المعتبرة عن لوط بن يحيى،عن عبد اللّه بن قيس قال:

كنت مع من غزى مع أمير المؤمنين عليه السّلام في صفين و قد أخذ أبو أيوب الاعور السلمي (3)الماء و حرزه عن الناس فشكى المسلمون العطش فأرسل فوارس علىته

ص: 51


1- تفسير فرات:ص 55و56.
2- بحار الأنوار:261/40-269 ح 22،و كامل الزيارات ص 69.
3- هو عمرو بن سفيان بن عبد شمس ينتهى نسبه إلى ثعلبة بن بهثة بن سليم،و هو مشهور بكنيته و هى أبو الاعور و لم نرفى أصحاب التراجم من كناه بأبى أيوب،كان مع معاوية و كان من أشد من عنده على على عليه السّلام و كان عليه السّلام يذكره في القنوت في صلاة الغداة و يدعو عليه،و هو الذى كان لى المشارع يوم صفين حين منعوا الماء عن عسكر على عليه السّلام،و المشهور أن الذى طردهم عن المشرعة، الاشتر في اثنى عشر ألفا من أهل العراق.

كشفه فانحرفوا خائبين،فضاق صدره،فقال له ولده الحسين عليه السّلام أمضي إليه يا أبتاه؟

فقال:إمض يا ولدي،فمضى مع فوارس فهزم أبا أيوب عن الماء،و بنى خيمته و حط فوارسه،و أتى إلى أبيه و أخبره.

فبكى علي عليه السّلام فقيل له:ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟و هذا أول فتح ببركة الحسين عليه السّلام فقال:ذكرت أنه سيقتل عطشانا بطف كربلا،حتى ينفر فرسه و يحمحم و يقول:«الظليمة لأمة قتلت ابن بنت نبيها».

و روى ابن نماره في مثير الاحزان،عن ابن عباس قال:لما اشتد برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مرضه الذي مات فيه،ضم الحسين عليه السّلام إلى صدره يسيل من عرقه عليه و هو يجود بنفسه،و يقول:ما لي و ليزيد لا بارك اللّه فيه اللهم العن يزيد ثم غشي عليه طويلا و أفاق و جعل يقبل الحسين و عيناه تذرفان،و يقول:أما إن لي و لقاتلك مقاما بين يدي اللّه عز و جل (1).

في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السّلام:

حسين إذا كنت في بلدة غريبا فعاشر بآدابها

فلا تفخرن فيهم بالنهى فكل قبيل بألبابها

و لو عمل ابن أبي طالب بهذا الامور كأسبابها

و لكنه اعتام أمر الإله فأحرق فيهم بأنيابها

عذيرك من ثقة بالذي ينيلك دنياك من طابها4.

ص: 52


1- بحار الأنوار:261/40-269 ح 24.

فلا تمرحن لاوزارها و لا تضجرن لا وصابها

قس الغد بالامس كى تستريح فلا تبتغي سعي رغابها

كأني بنفسي و أعقابها و بالكربلاء و محرابها

فتخضب منا اللحى بالدماء خضاب العروس بأثوابها

أراها و لم يك رأي العيان و اوتيت مفتاح أبوابها

مصائب تأباك من أن ترد فأعدد لها قبل منتابها

سقى اللّه قائمنا صاحب القيامة و الناس في دأبها

هو المدرك الثأر لي يا حسين بل لك فاصبر لأتعابها

لكل دم ألف ألف و ما يقصر في قتل أحزابها

هناك لا ينفع الظالمين قول بعذر و إعتابها

حسين فلا تضجرن للفراق فديناك أضحت لتخرابها

سل الدور تخبر و أفصح بها بأن لا بقاء لأربابها

أنا الدين لا شك للمؤمنين بآيات وحي و إيجابها

لناسمة الفخر في حكمها فصلّت علينا بإعرابها

فصل على جدك المصطفى

و سلم عليه لطلابها (1).

بيان:«و لو عمل»لو للتمني،و قال الجوهري:العيمة بالكسر خيار المال و اعتام الرجل إذا أخذ العيمة،و قال:حرقت الشيء حرقا بردته و حككت بعضه ببعض، و منه قولهم حرق نابه يحرقه و يحرقه أي سحقه حتى سمع له صريف.

و قال:«عذيرك من فلان»أي هلم من يعذرك منه،بل يلومه و لا يلومك.

و قال الرضي:معنى من فلان:من أجل الإساءة إليه و إيذائه أي أنت ذو عذر فيما5.

ص: 53


1- بحار الأنوار:261/40-269 ح 25.

تعامله به من المكروه،و إضافة الدنيا إلى المخاطب للإشعار بأن لا علاقة بينه عليه السّلام و بين الدنيا.

و قال الجوهري:الطاب الطيب،و قال:المرح شدة الفرح،و قال:الوصب المرض.

و قوله«سعي»إما مفعول به لقوله لا تبتغي أو مفعول مطلق من غير اللفظ و المحراب محل الحرب،و العروس نعت يستوي فيه الرجل و المرأة،و المنتاب مصدر ميمي من قولهم انتاب فلان القوم أي أتاهم مرة بعد أخرى.

و وصف القائم عليه السّلام بصاحب القيامة لا تصال زمانه بها أو لرجعة بعض الأموات في زمانه،و الدأب مصدر دأب في عمله أي جد و تعب أو العادة و الشأن،و الأتعاب بالفتح جمع التعب و الإعتاب الإرضاء،و التخراب بالفتح مبالغة في الخراب و تخبر على بناء الفاعل أو المفعول،و أفصح بها للتعجب،و الحمل في أنا الدين للمبالغة، و إشارة إلى قوله تعالى: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (1)و إلى أن الإسلام لا يتم إلا بولايته لقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ (2).

و قوله عليه السّلام:للمؤمنين متعلق بالنسبة بين أنا و الدين أو خبر لا و بآيات متعلق بالنسبة أو بالمؤمنين قوله«و إيجابها»أي إيجاب الآيات طاعتي و ولايتي على الناس و المصراع بعده إشارة إلى ما نزل في شأن أهل البيت عليهم السلام عموما و إسناد الصلاة إلى الآيات مجاز،و الإعراب الإظهار و البيان.

و قال شارح الديوان:المصراع الذي بعده إشارة إلى قراءة نافع و ابن عامر و يعقوب آل ياسين بالاضافة و إلى ما روي أن يس اسم محمد صلّى اللّه عليه و اله أو إلى قوله تعالى: «وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى» و لطف إعرابها على التوجيه الأول8.

ص: 54


1- سورة المائدة:7.
2- سورة آل عمران:18.

غير خفي انتهى.

أقول:لا وجه للتخصيص غير التعصب،بل ربع القرآن نازل فيهم عليهم السلام كما عرفت و ستعرفه (1).5.

ص: 55


1- بحار الأنوار:269/40 ح 25.

الإخبارات العامة بقتل الحسين عليه السلام

عن أبي اليمان،عن إمام لبني سليم،عن أشياخ له،قالوا:غزونا بلاد الروم فوجدنا في كنيسة من كنائسها مكتوبا:

أ ترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب

فقلنا للروم:من كتب هذا في كنيستكم؟

قالوا:قبل مبعث نبيكم بثلاثمائة عام،كذا قال.و إنما هو يحيى بن اليمان (1).

و عن ابن عباس،قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيما يرى النائم بنصف النهار أغبرا أشعثا،و بيده قارورة فيها دم،فقلت:بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه ما هذا؟

قال:هذا دم الحسين و أصحابه،لم أزل منذ اليوم ألتقطه.

فأحصى ذلك اليوم فوجدوه قتل يومئذ.

و عن علي بن زيد بن جدعان،قال:استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع و قال:

قتل الحسين و اللّه.

فقال له أصحابه:كلا يا ابن عباس،كلا،قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و معه زجاجة من دم،فقال:ألا تعلم ما صنعت أمتي من بعدي؟قتلوا ابني الحسين،و هذا دمه و دم أصحابه أرفعها إلى اللّه عزّ و جلّ.

قال:فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه،و تلك الساعة،قال:فما لبثوا إلاّ أربعة

ص: 56


1- سير الأعلام:2653/6.

و عشرين يوما حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنه قتل ذلك اليوم،و تلك الساعة.

و عن سلمى،قالت:دخلت على أم سلمة و هي تبكي،فقلت:ما يبكيك؟

قالت:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في المنام و على رأسه و لحيته التراب.

فقلت:ما لك يا رسول اللّه؟

قال:شهدت قتل الحسين آنفا (1).

عن رأس الجالوت،قال:كنا نسمع أنه يقتل بكربلاء ابن نبي فكنت إذا دخلتها ركضت فرسي حتى أجوز عنها،فلما قتل حسين،جعلت أسير بعد ذلك على هيئتي (2).

و عن أشياخ بني سليم قالوا:غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنائسهم فوجدنا فيها مكتوبا شعرا:

أيرجو معشر قتلوا حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب

فسألنا منذكم هذا في كنيستكم؟

قالوا:قبل أن يبعث نبيّكم بثلاثمائة عام (3).

و عن الأعمش قال:بينا أنا في الطواف إذا برجل يقول:اللهم أغفر لي و أنا أعلم أنك لا تغفر،فسألته عن السبب فقال:كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين عليه السّلام الى يزيد على طريق الشام فنزلنا أول مرحلة من رحلتنا من كربلاء على دير للنصارى و الرأس مركوز على رمح،فوضعنا الطعام و نحن نأكل إذ كف3.

ص: 57


1- سنن الترمذي(50)كتاب المناقب،(31)باب مناقب الحسن و الحسين(ح:3771)ج 657/5: و فيه«رزين».
2- تاريخ الطبري:393/5.
3- الامالي:193 ح 203.

على حائط الدير مكتوب عليه بقلم حديد سطّر بالدم:

أترجو أمّة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب

فجزعنا جزعا شديدا و أهوى بعضنا إلى الكفّ ليأخذه فغاب (1).

و في كتاب الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:بينا الحسين عليه السّلام عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذ أتاه جبرائيل عليه السّلام فقال:يا محمّد أتحبّه؟

قال:نعم،قال:أما إنّ أمّتك ستقتله،فحزن لذلك حزنا شديدا فقال جبرائيل عليه السّلام:

أيسرّك أن أريك التربة التي يقتل فيها؟

قال:نعم،قال:فخسف جبرائيل عليه السّلام ما بين مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى كربلاء حتّى التقت القطعتان هكذا،و جمع بين السبابتين فتناول بجناحه من التربة فناولها الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ثمّ دحيت الأرض أسرع من طرف العين.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:طوبى لك من تربة و طوبى لمن يقتل فيك (2).

و في المناقب عن ابن عبّاس قال:سألت هند عائشة أن تسأل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عن تعبير رؤيا فقال قولي لها تقصص رؤياها.

قالت:رأيت كأنّ الشمس طلعت من فوقي و القمر قد خرج من مخرجي و كأنّ كوكبا قد خرج من القمر أسود فشد على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعتها فاسودّ الأفق لابتلاعها ثمّ رأيت كواكب بدت من السماء و كواكبا مسودّة في الأرض إلاّ أنّ المسودّة أحاطت بافق الأرض من كلّ مكان فاكتحلت عين رسول اللّه بدموعه ثمّ قال:أخرجي يا عدوّة اللّه مرّتين فقد جدّدت عليّ أحزاني و نعيت إلي أحبابي،فلمّا خرجت قال اللّهم العنها و العن نسلها.8.

ص: 58


1- الأمالي:193،و الخرائج و الجرائح:578/2.
2- أمالي الطوسي:314 ح 638.

فسئل عن تفسيرها،فقال عليه السّلام:أمّا الشمس التي طلعت عليها فعليّ بن أبي طالب و الكوكب الذي خرج كالقمر أسود فهو معاوية مفتون فاسق و تلك الظلمة التي زعمت و رأت كوكبا يخرج من القمر أسود فشدّ على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعتها فاسودّت فذلك ابني الحسين يقتله ابن معاوية فتسودّ الشمس و يظلم الافق،و أمّا الكواكب السود في الأرض أحاطت بالأرض من كلّ مكان فتلك بنو أميّة.

و عن أم سلمة،قالت:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«يقتل حسين على رأس ستين من مهاجري» (1).

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:مرّ عليّ عليه السّلام بكربلاء في إثنين من أصحابه فترقرقت عيناه بالبكاء ثمّ قال:هذا و اللّه مناخ ركابهم و هذا ملقى رحالهم و هاهنا تهرق دماؤهم طوبى لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبّة (2).

و منها ما رواه عن الخصيبي مسندا عن أبي حمزة الثّمالي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:أرسل رسول الله صلّى اللّه عليه و اله سرية فقال:تصلون ساعة كذا و كذا من الليل أرضا لا تهتدون فيها سيرا فإذا وصلتم إليها فخذوا ذات الشمال فإنكم تمرّون برجل فاضل خيّر فتستر شدونه فيأبى أن يرشدكم حتى تأكلوا من طعامه و يذبح لكم كبشا فيطعمكم ثم يقوم معكم فيرشدكم إلى الطريق فاقرئوه مني السلام و أعلموه أني قد ظهرت في المدينة.

فمضوا فلمّا وصلوا إلى الموضع في الوقت ضلّوا،فقال قائل منهم:ألم يقل لكم رسول الله صلّى اللّه عليه و اله خذوا ذات الشمال،ففعلوا فمرّوا بالرجل الذي وصفه رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فاسترشدوه الطريق فقال:إنّي لا أرشدكم حتى تأكلوا من طعامي فذبح7.

ص: 59


1- مجمع الزوائد:191/9.
2- قرب الاسناد:26 ح 87.

لهم كبشا فأكلوا من طعامه و قام معهم فأرشدهم إلى الطريق فقال:أظهر النبي بالمدينة؟

فقالوا:نعم،فأبلغوه سلامه فخلّف في شأنه من خلّف و مضى إلى رسول الله صلّى اللّه عليه و اله،و هو عمرو بن الحمق الخزاعي بن الكاهن بن حبيب بن عمرو بن القين بن درّاج بن عمرو بن سعد بن كعب،فلبث معه ما شاء الله.

ثمّ قال له رسول الله صلّى اللّه عليه و اله:إرجع إلى الموضع الذي هاجرت إليّ منه فإذا نزل أخي أمير المؤمنين عليه السّلام الكوفة و جعلها دار هجرته فآته.

فانصرف عمرو بن الحمق إلى شأنه حتى إذا نزل أمير المؤمنين عليه السّلام أتاه فأقام معه في الكوفة.

فبينا أمير المؤمنين عليه السّلام جالس و عمرو بين يديه فقال له:يا عمرو ألك دار؟

قال:نعم،قال:بعها و اجعلها في الأزد فإني غدا لو قد غبت عنكم لطلبت فتتبعك الأزد حتى تخرج من الكوفة متوجها نحو الموصل،فتمر برجل نصراني فتقعد عنده فتستسقيه الماء فيسقيكه و يسألك عن شأنك فتخبره و ستصادفه مقعدا فادعه إلى الإسلام فإنّه يسلم فإذا أسلم فأمرر بيدك على ركبتيه فإنّه ينهض صحيحا سليما و يتبعك.

و تمر برجل محجوب جالس على الجادّة فتستسقيه الماء فيسقيك و يسألك عن قصّتك و ما الذي أخافك و ممن تتوقع فحدّثه بأن معاوية طلبك ليقتلك و يمثل بك لإيمانك بالله و رسوله صلّى اللّه عليه و اله و طاعتك لي و إخلاصك في ولايتي و نصحك لله تعالى في دينك فادعه إلى الإسلام فإنّه يسلم،فأمرر يدك على عينيه فإن يرجع بصيرا بإذن الله فيتبعانك و يكونان معك و هما اللذان يواريان جثتك في الأرض.

ثمّ تصير إلى الدير على نهر يدعى بالدّجلة فإن فيه صديقا عنده من علم المسيح ما تجده لك أعون الأعوان على سرّك و ما ذاك إلاّ ليهديه الله بك فإذا أحسّت بك

ص: 60

شرطة ابن أم الحكم و هو خليفة معاوية بالجزيرة و يكون مسكنه بالموصل فاقصد إلى الصديق الذي في الدير في أعلى الموصل فناده فإنه يمتنع عليك فاذكر اسم الله الذي علّمتك إياه فإنّ الدير يتواضع لك حتى تصير في ذروته فإذا رآك ذلك الراهب الصديق قال لتلميذ معه:ليس هذا أوان المسيح هذا شخص كريم و محمد قد توفاه الله و وصيّه قد استشهد بالكوفة و هذا من حواريه ثم يأتيك ذليلا خاشعا فيقول لك أيّها الشخص العظيم قد أهلتني لما لم أستحقه فبم تأمرني؟فتقول أستر تلميذي هذين عندك و تشرف على ديرك هذا فانظر ماذا ترى،فإذا قال لك إنّي أرى خيلا غامرة نحونا.

فخلّف تلميذيك عنده و انزل و اركب فرسك و أقصد نحو غار على شاطىء الدجلة تستتر فيه فإنه لا بد من أن يسترك و فيه فسقة من الجن و الإنس،فإذا استترت فيه عرفك فاسق من مردة الجن يظهر لك بصورة تنين فينهشك نهشا يبالغ في إضعافك فينفر فرسك فتبدر بك الخيل فيقولون هذا فرس عمرو و يقفون أثره.

فإذا أحسست بهم دون الغار فابرز إليهم بين دجلة و الجادة فقف لهم في تلك البقعة فإن الله جعلها حفرتك و حرمك فالقهم بسيفك فاقتل منهم ما استطعت حتى يأتيك أمر الله فإذا غلبوك حزّوا رأسك و شهروه على قناة إلى معاوية و رأسك أول رأس يشهر في الإسلام من بلد إلى بلد.

ثم بكى أمير المؤمنين عليه السّلام و قال:بنفسي ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و ثمرة فؤاده و قرّة عينه ابني الحسين عليه السّلام فإني رأيته يسير و ذراريه بعدك يا عمرو من كربلا بغربي الفرات إلى يزيد بن معاوية عليهما لعنة الله.

ثم ينزل صاحبك المحجوب و المقعد فيواريان جسدك في موضع مصرعك و هو من الدير و الموصل على مائة و خمسين خطوة من الدير (1).3.

ص: 61


1- مدينة المعاجز:182/3.

أنباء باستشهاد الحسين عليه السلام قبل وقوعه

1-خبر رأس الجالوت:

قال السيد مرتضى العسكري:روى الطبري و البلاذري و الطبراني و ابن سعد و اللفظ للأول عن رأس الجالوت عن أبيه قال:ما مررت بكربلا،إلاّ و أنا أركض دابتي حتى أخلف المكان،قال:قلت:لم؟

قال:كنا نتحدث أن ولد نبي مقتول في ذلك المكان و كنت أخاف أن أكون أنا، فلما قتل الحسين قلنا:هذا الذي كنا نتحدث،و كنت بعد ذلك إذا مررت بذلك المكان أسير و لا أركض (1).

ص: 62


1- 1)تاريخ الطبري 223/6 و ترجمة الإمام الحسين بمعجم الطبراني الكبير تأليف أبى القاسم سليمان بن أحمد(ت:360 ه)،ح-61. ص 128 و قد طبع ضمن مجموعة باسم الحسين و السنة اختيار و تنظيم السيد عبد العزيز الطباطبائي بمطبعة مهر قم. و في المجموعة بالإضافة إليه فضائل الحسين من كتاب فضائل امام الحنابلة أحمد بن حنبل،و فى تاريخ ابن عساكر ح-641 و فى لفظه فلما قتل حسين كنت أسير على هيئتي،و سير النبلاء /3 195 بإيجاز.

2-خبر كعب

روى الذهبي و الهيثمي و العسقلاني و ابن كثير عن عمار الدهني قال:مر علي عليه السّلام على كعب فقال:يقتل من ولد هذا رجل في عصابة لا يجف عرق خيولهم حتى يردوا على محمد صلّى اللّه عليه و اله،فمر حسن عليه السّلام فقالوا:هذا؟

قال:لا،فمر حسين عليه السّلام فقالوا:هذا؟

قال:نعم (1).

و قال المجلسي:وجدت في بعض مؤلّفات المعاصرين أنّه لمّا جمع ابن زياد لعنه اللّه قومه لحرب الحسين عليه السّلام كانوا سبعين ألف فارس فقال:أيّها الناس من منكم يتولّى قتل الحسين و له ولاية أيّ بلد شاء؟فلم يجبه أحد فاستدعى بعمر بن سعد لعنه اللّه و قال له:أريد أن تتولّى حرب الحسين بنفسك،فقال:اعفني من ذلك، فقال:قد أعفيتك فاردد علينا عهدنا الذي كتبنا إليك بولاية الرّي فقال:إمهلني الليلة فانصرف إلى منزله و جعل يستشير من يثق به فلم يشر عليه أحد و كان عنده رجل من أهل الخير يقال له كامل و كان صديقا لأبيه من قبله فقال له:يا عمر ما الذي أنت عازم عليه؟

قال:إنّي ولّيت أمر هذا الجيش في حرب الحسين و إنّما قتله عندي و أهل بيته كشربة ماء و إذا قتلته خرجت إلى ملك الري،فقال له كامل:أف لك يابن سعد تريد قتل الحسين ابن بنت رسول اللّه؟!إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و ما الذي تقول غدا

ص: 63


1- معجم الطبراني الكبير ح 85،و طبقات ابن سعد بترجمة الإمام الحسين ح 27،تاريخ ابن عساكر ح-639 و 640،و تاريخ الإسلام للذهبي 11/3،و سير النبلاء له 195/3،و مجمع الزوائد 193/9،و فى مقتل الخوارزمي أخبار من كعب بقتل الحسين 165/1،و تهذيب التهذيب 347/2،و الروض النضبر شرح مجموع الفقه الكبير تأليف الحسين بن أحمد بن الحسين السياغي الحيمي الصنعاني(ت:1221 ه)و فى لفظ بعضهم مع بعض اختلاف.

لرسول اللّه إذا وردت عليه و إنّه في زماننا هذا كجدّه في زمانه و طاعته فرض علينا و أشهد اللّه أنّك إن أعنت على قتله لا تلبث بعده في الدّنيا إلاّ قليلا.

فقال عمر:بالموت تخوّفني و إنّي إذا فرغت من قتله أكون أميرا على سبعين ألف فارس و أتولّى ملك الري؟

فقال له كامل:إنّي أحدّثك بحديث صحيح أرجو لك فيه النجاة إن وفّقت لقبوله؛ إعلم انّي سافرت مع أبيك إلى الشام فانقطعت بي مطيّتي عن أصحابي و عطشت فلاح لي دير راهب فأتيت إلى باب الدّير و قلت للراهب إنّي عطشان فقال لي:أنت من أمّة هذا النبيّ الذين يقتل بعضهم بعضا على حبّ الدّنيا؟

فقلت له:أنا من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

فقال:إنّكم شرّ أمّة و قد غدوتم إلى عترة نبيّكم تسبون نساءه و تنهبون أمواله، فقلت:يا راهب نحن نفعل ذلك؟

قال:نعم،و إنّكم إذا فعلتم ذلك عجّت السماوات و الأرضون و البحار و الجبال و الوحوش و الأطيار باللعنة على قاتله و لا يلبث قاتله في الدّنيا إلاّ قليلا ثمّ يظهر رجل يطلب بثأره فلا يدع أحدا شارك في قتله إلاّ قتله و عجّل اللّه بروحه إلى النار،ثمّ قال الراهب:إنّي لأرى لك قرابة من قاتل هذا الإبن الطيّب و اللّه أنّي لو أدركت أيّامه لوقيته بنفسي من حرّ السيوف،فقلت:إنّي أعيذ نفسي من أن اقاتل ابن بنت رسول اللّه،فقال:إن لم تكن أنت فرجل قريب منك و أنّ عذاب قاتله أشدّ من عذاب فرعون و هامان ثمّ رد الباب في وجهي و أبى أن يسقيني ماء فركبت فرسي و لحقت أصحابي فحدّثت أباك سعدا بقصّة الراهب فقال لي:صدقت ثمّ إنّ سعدا أخبرني أنّه نزل بدير هذا الراهب مرّة من قبلي فأخبره أنّه هو الرجل الذي يقتل ابن بنت رسول اللّه فخاف أبوك من ذلك و خشي أن تكون أنت قاتله فأبعدك عنه و أقصاك فاحذر يا عمر من قتله،فبلغ الخبر ابن زياد فطلب كامل و قطع لسانه فعاش يوما أو بعض

ص: 64

يوم (1).

و أخرج ابن قولويه(ت:367 ه)أربع روايات في باب علم الأنبياء بمقتل الحسين من كتابه كامل الزيارة،و في باب علم الملائكة حديثا واحدا،و في باب لعن اللّه و لعن الأنبياء لقاتليه روايتين إحداهما ما رواها عن كعب أن إبراهيم و موسى و عيس أنبأوا بقتله و لعنوا قاتله (2).

3-حديث أسماء بنت عميس

عن علي بن الحسين عليه السّلام قال:حدثتني أسماء بنت عميس قالت:قبلت جدتك فاطمة بالحسن و الحسين...

فلما ولد الحسين فجاءني النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:يا أسماء هاتي ابني فدفعته إليه في خرقة بيضاء،فأذّن في أذنه اليمنى،و أقام في اليسرى،ثم وضعه في حجره و بكى، قالت أسماء:فقلت فداك أبي و أمي مم بكاؤك؟

قال:على ابني هذا.

ص: 65


1- مدينة الامعاجز:66/4 ح 1088.
2- تاريخ الطبري 223/6 و ترجمة الإمام الحسين بمعجم الطبراني الكبير تأليف أبى القاسم سليمان بن أحمد(ت:360 ه)،ح-61. ص 128 و قد طبع ضمن مجموعة باسم الحسين و السنة اختيار و تنظيم السيد عبد العزيز الطباطبائي بمطبعة مهر قم. و في المجموعة بالإضافة إليه فضائل الحسين من كتاب فضائل امام الحنابلة أحمد بن حنبل،و فى تاريخ ابن عساكر ح-641 و فى لفظه فلما قتل حسين كنت أسير على هيئتي،و سير النبلاء /3 195 بإيجاز.

قلت:انه ولد الساعة.

قال:يا أسماء تقتله الفئة الباغية لا أنالهم اللّه شفاعتي،ثم قال:يا أسماء لا تخبري فاطمة بهذا،فإنها قريبة عهد بولادته.الحديث (1).

4-حديث أم الفضل

في مستدرك الصحيحين و تأريخ ابن عساكر و مقتل الخوارزمي و غيرها و اللفظ للأول عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالت:يا رسول اللّه إني رأيت حلما منكرا الليلة،قال:و ما هو؟

قالت:إنه شديد قال:و ما هو؟

قالت:رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت و وضعت في حجري،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:رأيت خيرا،تلد فاطمة-إن شاء اللّه-غلاما فيكون في حجرك،فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري-كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله-فدخلت يوما إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فوضعته في حجره،ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تهريقان من الدموع قالت:فقلت:يا نبي اللّه بأبي أنت و أمي مالك؟

قال:أتاني جبرئيل عليه الصلاة و السلام فأخبرني ان أمتي ستقتل ابني هذا،

ص: 66


1- معجم الطبراني الكبير ح 85،و طبقات ابن سعد بترجمة الإمام الحسين ح 277،تاريخ ابن عساكر ح-639 و 640،و تاريخ الإسلام للذهبي 11/3،و سير النبلاء له 195/3،و مجمع الزوائد 193/9،و فى مقتل الخوارزمي أخبار من كعب بقتل الحسين 165/1،و تهذيب التهذيب 347/2،و الروض النضبر شرح مجموع الفقه الكبير تأليف الحسين بن أحمد بن الحسين السياغي الحيمي الصنعاني(ت:1221 ه)و فى لفظ بعضهم مع بعض اختلاف. نقلنا هذا الخبر عن كعب مع عدم اعتمادنا عليه،لتواتر الاخبار عن رسول اللّه أنه أنبأ بقتل الحسين فلعل كعبا سمع ممن سمع من النبي و من الجائز أنه قرأ شيئا من ذلك في كتب أهل الكتاب.

فقلت:هذا؟

فقال:نعم،و أتاني بتربة من تربته حمراء.

قال الحاكم:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه (1).

5-في مقتل الخوارزمي

لما أتى على الحسين من ولادته سنة كاملة هبط على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اثنا عشر ملكا محمرة وجوههم قد نشروا أجنحتهم و هم يقولون:يا محمد سينزل بولدك الحسين ما نزل بهابيل من قابيل،و سيعطى مثل أجر هابيل،و يحمل على قاتله مثل وزر قابيل،قال:و لم يبق في السماء ملك إلاّ و نزل على النبي يعزيه بالحسين و يخبره بثواب ما يعطي،و يعرض عليه تربته،و النبي يقول:اللهم اخذل من خذله، و اقتل من قتله،و لا تمتعه بما طلبه.و لما أتت على الحسين من مولده سنتان كاملتان خرج النبي في سفر فلما كان في بعض الطريق وقف فاسترجع و دمعت عيناه،فسئل عن ذلك فقال:هذا جبريل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها:

كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين بن فاطمة،فقيل:من يقتله يا رسول اللّه؟

فقال:رجل يقال له يزيد،لا بارك اللّه في نفسه،و كأني أنظر إلى منصرفه و مدفنه بها،و قد أهدي رأسه،و اللّه ما ينظر أحد إلى رأس ولدي الحسين فيفرح إلاّ

ص: 67


1- مستدرك الصحيحين 176/3 و باختصار في ص 179 منه،و تاريخ ابن عساكر ح-631، و قريب منه في ح-630،و فى مجمع الزوائد 179/9،و مقتل الخوارزمي 159/1 و فى 162 بلفظ آخر،و تاريخ ابن كثير 230/6 و أشار إليه في 199/8،و أمالي السجري ص 188. و راجع الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 145،و الروض النضير 89/1،و الصواعق 115 و فى ط 190،و راجع كنز العمال ط القديمة 223/6،و الخصائص الكبرى 125/2. و فى كتب اتباع مدرسة أهل البيت ورد في مثير الأحزان ص 8 و اللهوف لابن طاوس 6-7.

خالف اللّه بين قلبه و لسانه-يعني ليس في قلبه ما يكون بلسانه من الشهادة.

قال:ثم رجع النبي من سفره ذلك مغموما فصعد المنبر فخطب و وعظ و الحسين بين يديه مع الحسن،فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسين و رفع رأسه إلى السماء و قال:اللهم إني محمد عبدك و نبيك و هذان أطائب عترتي و خيار ذريتي و أرومتي و من أخلفهما بعدي.

اللهم و قد أخبرني جبريل بان ولدي هذا مقتول مخذول،اللهم فبارك لي في قتله و اجعله من سادات الشهداء انك على كل شيء قدير،اللهم و لا تبارك في قاتله و خاذله.

قال:فضج الناس في المسجد بالبكاء،فقال النبي:أتبكون و لا تنصرونه؟اللهم فكن له أنت وليا و ناصرا (1).

6-رواية زينب بنت جحش في بيتها

في تاريخ ابن عساكر و مجمع الزوائد و تأريخ ابن كثير و غيرها و اللفظ للأول عن زينب،قالت:بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في بيتي و حسين عندي حين درج،فغفلت عنه، فدخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:دعيه-إلى قولها-ثم قام فصلى فلما قام احتضنه إليه فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فبكى،ثم مديده فقلت حين قضى الصلاة:

يا رسول اللّه إني رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك تصنعه؟

قال:إن جبريل أتاني فأخبرني ان هذا تقتله أمتي،فقلت:فأرني تربته،فأتاني

ص: 68


1- مقتل الخوارزمي 163/1-164 و قد أوردنا ما ذكره باختصار.

بتربة حمراء (1).

7-حديث أنس بن مالك

في مسند أحمد و معجم الكبير للطبراني و تأريخ ابن عساكر و غيرها و اللفظ للأول عن أنس بن مالك،قال:استأذن ملك القطر ربه أن يزور النبي صلّى اللّه عليه و اله فأذن له و كان في يوم أم سلمة،فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:يا أم سلمة احفظي علينا الباب،لا يدخل علينا أحد قال:فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي عليه السّلام فاقتحم ففتح الباب فدخل فجعل النبي صلّى اللّه عليه و اله يلتزمه و يقبله فقال الملك:أتحبه؟

قال:نعم.

قال:إن أمتك ستقتله،ان شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه؟

قال:نعم.

قال:فقبض قبضة من المكان الذي قتل فيه فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها.

قال ثابت:فكنا نقول إنها كربلاء (2)

ص: 69


1- تاريخ ابن عساكر ح-629 و مجمع الزوائد 188/9،و كنز العمال 112/13،و أشار إليه ابن كثير بتاريخه 199/8 و ورد في كتب اتباع مدرسة أهل البيت بأمالي الشيخ الطوسي 323/1،و مثير الأحزان ص 7-8،و ورد قسم منه في ص 9-10 و فى آخره تتمة مهمة و كذلك في اللهوف:7-9.
2- مسند أحمد 242/3 و 265،تاريخ ابن عساكر ح-615 و 617،و تهذيبه 325/4 و اللفظ له، و بترجمة الحسين من المعجم الكبير للطبراني ح-47،و مقتل الخوارزمي 160/1-162، و الذهبي في تاريخ الإسلام 10/3،و سير النبلاء 194/3،و ذخائر العقبى ص 146-147، و مجمع الزوائد 187/9،و فى ص 190 منه بسند آخر و قال:اسناده حسن،و فى باب الاخبار بمقتل الحسين من تاريخ ابن كثير 229/6 في لفظه"و كنا نسمع يقتل بكربلاء"،و في ج 199/8، و كنز العمال 266/16،و الصواعق ص 115،و راجع الدلائل للحافظ أبي نعيم 202/3،و الروض النضير 192/1،و المواهب اللدنية للقسطلاني 195/2،و الخصائص للسيوطي 25/2،و موارد الظمآن بزوائد صحيح ابن حبان لأبي بكر الهيتمي ص 554. و في كتب اتباع مدرسة أهل البيت بأمالي الشيخ الطوسي(ت:460 ه)ط-النعمان بالنجف سنة 1384 ه 221/1 و فى لفظه:ان عظيما من عظماء الملائكة.

8-حديث ابي أمامة

في تاريخ ابن عساكر و الذهبي و مجمع الزوائد و غيرها و اللفظ للأول عن أبي أمامة.

قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لنسائه:لا تبكوا هذا الصبي يعني حسينا.

قال:و كان يوم أم سلمة فنزل جبرئيل فدخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله الداخل و قال لأم سلمة:لا تدعي أحدا يدخل عليّ،فجاء الحسين فلما نظر إلى النبي صلّى اللّه عليه و اله في البيت أراد أن يدخل فأخذته أم سلمة فاحتضنته و جعلت تناغيه و تسكته فلما اشتد في البكاء خلّت عنه،فدخل حتى جلس في حجر النبي صلّى اللّه عليه و اله فقال جبريل للنبي صلّى اللّه عليه و اله إن أمتك ستقتل ابنك هذا،فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:يقتلونه و هم مؤمنون بي؟

قال:نعم يقتلونه.

فتناول جبريل تربة فقال:مكان كذا و كذا،فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قد احتضن حسينا كاسف البال،مهموما.

فظنت أم سلمة انه غضب من دخول الصبي عليه فقالت:يا نبي اللّه جعلت لك الفداء إنك قلت لنا:لا تبكوا هذا الصبي،و أمرتني أن لا أدع أحدا يدخل عليك،فجاء فخلّيت عنه،فلم يرد عليها،فخرج إلى أصحابه و هم جلوس فقال:«إن أمتي يقتلون

ص: 70

هذا»و في القوم أبو بكر و عمر،و في آخر الحديث:فأراهم تربته (1).

9-روايات أم سلمة

أ-عن عبد اللّه بن وهب بن زمعة:في مستدرك الصحيحين و طبقات ابن سعد و تاريخ ابن عساكر و غيرها و اللفظ للأول-قال:أخبرتني أم سلمة:رضي اللّه عنها:

إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ و هو حائر (2)ثم اضطجع فرقد ثم استيقظ و هو حائر دون ما رأيت به المرة الأولى ثم اضطجع فاستيقظ و في يده تربة حمراء يقبلها (3)فقلت:ما هذه التربة يا رسول اللّه؟

قال:أخبرني جبريل(عليه الصلاة و السلام)ان هذا يقتل بأرض العراق-للحسين -فقلت لجبريل:أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها.

فقال:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه (4).

ص: 71


1- تاريخ ابن عساكر ح-618،و تهذيبه 325/4،تاريخ الإسلام للذهبي 10/3،و سير النبلاء له 10/3،و مجمع الزوائد 189/9،و تاريخ ابن كثير 199/8،و أمالي الشجري ص 186 و فى الروض النضير 93/1-94 اسناده حسن،و أبو امامة هذا صدى بن عجلان.
2- كذا في لفظ الحاكم و البيهقي و فى غيرهما من الأصول:خائر،و فى النهاية:أصبح رسول اللّه و هو خائر النفس،أي ثقيل النفس غير طيب و لا نشيط ه.
3- في الحديث الآتي يقلبها.
4- مستدرك الصحيحين 398/4،و المعجم الكبير للطبراني ح-55،و تاريخ ابن عساكر ح-619 -621،و ترجمة الحسين بطبقات ابن سعد بترجمة الحسين ح-267،و الذهبي في تاريخ الإسلام 11/3،و سير النبلاء 194/3-195،و الخوارزمي في المقتل 158/1-159 باختصار، و المحب الطبري في ذخائر العقبى ص 148-149،و تاريخ ابن كثير 230/6،و كنز العمال للمتقي 266/16.

ب-عن صالح بن أربد:روى الطبراني و ابن أبي شيبة و الخوارزمي و غيرهم و اللفظ للأول،عن صالح بن أربد عن أم سلمة رضي اللّه عنها قالت:قال رسول اللّه:

إجلسي بالباب،و لا يلجن علي أحد،فقمت بالباب إذ جاء الحسين رضي اللّه عنه فذهبت أتناوله فسبقني الغلام فدخل على جده،فقلت:يا نبي اللّه جعلني اللّه فداك أمرتني أن لا يلج عليك أحد،و ان ابنك جاء فذهبت أتناوله فسبقني،فلما طال ذلك تطلعت من الباب فوجدتك تقلب بكفيك شيئا و دموعك تسيل و الصبي على بطنك؟

قال:نعم،أتاني جبريل عليه السّلام فأخبرني أن أمتي يقتلونه،و أتاني بالتربة التي يقتل عليها فهي التي أقلب بكفي (1).

ج-عن المطلب بن عبد اللّه بن حنطب:في معجم الطبراني و ذخائر العقبى و مجمع الزوائد و غيرها و اللفظ للأول،عن المطلب بن عبد اللّه بن حنطب عن أم سلمة قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جالسا ذات يوم في بيتي فقال:لا يدخل علي أحد فانتظرت فدخل الحسين رضي اللّه عنه فسمعت نشيج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يبكي فاطلعت فإذا حسين في حجره و النبي صلّى اللّه عليه و اله يمسح جبينه و هو يبكي فقلت:و اللّه ما علمت حين دخل فقال:إن جبريل عليه السّلام كان معنا في البيت فقال:أتحبه؟

قلت:أما من الدنيا فنعم.

قال:إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها:كربلاء.

فتناول جبريل عليه السّلام من تربتها فأراها النبي صلّى اللّه عليه و اله.

فلما أحيط بحسين حين قتل قال:ما اسم هذه الأرض؟ر.

ص: 72


1- ترجمة الحسين في المعجم الكبير للطبراني ح-54-ص 124،و طبقات ابن سعد ح-268، و مقتل الخوارزمي 158/1،و كنز العمال 226/16 أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ج 12 بلفظ آخر.

قالوا:كربلاء،قال:صدق اللّه و رسوله،أرض كرب و بلاء (1).

د-عن شقيق بن سلمة:في معجم الطبراني و تأريخ ابن عساكر و مجمع الزوائد و غيرها و اللفظ للأول،عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن أم سلمة قالت:كان الحسن و الحسين رضي اللّه عنهما يلعبان بين يدي النبي صلّى اللّه عليه و اله في بيتي فنزل جبريل عليه السّلام فقال:يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك فأومأ بيده إلى الحسين،فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و وضعه إلى صدره،ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:وديعة عندك هذه التربة، فشمّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قال:ويح كرب و بلاء.

قالت:و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل،قال:فجعلتها أم سلمة في قارورة.

ثم جعلت تنظر إليها كل يوم و تقول:إن يوما تجولين دما ليوم عظيم (2).

ه-عن سعيد بن أبي هند:في تاريخ ابن عساكر و ذخائر العقبى و تذكرة خواص الأمة و غيرها و اللفظ للأول عن عبد اللّه بن سعيد بن أبي هند عن أبيه قال:

قالت أم سلمة رضي اللّه عنها.كان النبي صلّى اللّه عليه و اله نائما في بيتي فجاء حسين رضي اللّه عنه يدرج فقعدت على الباب فأمسكته مخافة أن يدخل فيوقظه،ثم غفلت في شيء فدب فدخل فقعد على بطنه قالت:فسمعت نحيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فجئت فقلت:يا رسول اللّه و اللّه ما علمت به فقال:إنما جاءني جبريل عليه السّلام-و هو على بطني قاعد-3.

ص: 73


1- معجم الطبراني ح-53 ص 125،مجمع الزوائد 188/9-189،و كنز العمال 265/16، و فى ذخائر العقبى ص 147 بإيجاز،و راجع نظم الدرر ص 215 للحافظ جمال الدين الزرندي.
2- معجم الطبراني ح-51 ص 124،و تاريخ ابن عساكر ح 622،و تهذيبه 325/4،و بايجاز في ذخائر العقبى ص 147،و مجمع الزوائد 189/9،و راجع طرح التثريب للحافظ العراقي 42/1، و المواهب اللدنية 195/2،و الخصائص الكبرى للسيوطي 152/2،و الصراط السوي للشيخاني المدني 93،و جوهرة الكلام ص 120،و الروض النضير 92/1-93.

فقال لي:أتحبه؟

فقلت:نعم.

قال:إن أمتك ستقتله،ألا أريك التربة التي يقتل بها؟

قال:فقلت:بلى قال:فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة.

قالت:و إذا في يده تربة حمراء و هو يبكي و يقول:يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟ (1).

و-عن شهر بن حوشب:في فضائل ابن حنبل و تاريخ ابن عساكر و ذخائر العقبى و غيرها و اللفظ للأول،عن شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت:كان جبريل عند النبي صلّى اللّه عليه و اله معي فبكى فتركته فدنا من النبي صلّى اللّه عليه و اله فقال جبريل:أتحبه يا محمد؟

فقال:نعم،قال:إن أمتك ستقتله و ان شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، فأراه إياها فإذا الأرض يقال لها:كربلاء (2)2.

ز-عن داود:في تأريخ ابن عساكر و غيره و اللفظ له،عن داود،قال:قالت أم سلمة:دخل الحسين على رسول اللّه ففزع،فقالت أم سلمة:مالك يا رسول اللّه؟

قال:إن جبريل أخبرني أن ابني هذا يقتل و انه اشتد غضب اللّه على من يقتله (3).3.

ص: 74


1- تاريخ ابن عساكر ح-626،و ذخائر العقبى ص 147،و راجع الفصول المهمة ص 154، و تذكرة خواص الأمة 142 نقلا عن الإمام الحسين عليه السلام و أمالي الشجري ص 163 و 166 و 181.
2- فضائل الحسن و الحسين عن كتاب الفضائل تأليف أحمد بن حنبل ح-44 ص 23 من المجموعة و طبقات ابن سعد ح-272،و تاريخ ابن عساكر ح-624،و العقد الفريد في الخلفاء و تواريخهم و قد أسنده إلى أم سلمة،و ذخائر العقبى ص 147.
3- تاريخ ابن عساكر ح-623،و تهذيبه 325/4،كنز العمال 112/23،و الروض النضير /1 93.

ح-في معجم الطبراني و تاريخ ابن عساكر و غيرهما و اللفظ للأول،عن أم سلمة قالت:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقتل الحسين بن علي عليه السّلام على رأس ستين من مهاجري (1).

ط-في معجم الطبراني عن أم سلمة،قالت:قال رسول اللّه يقتل الحسين حين يعلوه القتير.

قال الطبراني:القتير:الشيب (2).

10-روايات عائشة

أ-عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في تاريخ ابن عساكر و مقتل الخوارزمي و مجمع الزوائد و غيرها و اللفظ للثاني،عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة، قالت:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أجلس حسينا على فخذه فجاء جبريل إليه،فقال:هذا ابنك؟

قال:نعم.

قال:أما ان أمتك ستقتله بعدك،فدمعت عينا رسول اللّه،فقال جبريل:إن شئت أريتك الأرض التي يقتل فيها؟

قال:نعم فأراه جبريل ترابا من تراب الطف.

و في لفظ آخر:فأشار له جبريل إلى الطف بالعراق فأخذ تربة حمراء،فأراه إياها

ص: 75


1- ترجمة الحسين ح-41 ص 121 من المجموعة،و تاريخ ابن عساكر ح-634،و تهذيبه /4 325،و مجمع الزوائد 189/9،و مقتل الخوارزمي 161/1،و أمالي الشجري ص 184.
2- ترجمة الحسين من معجم الطبراني ح-42 ص 121 من المجموعة،و أمالي الشجري ص 184.

فقال:هذه من تربة مصرعه (1).

ب-عن عروة بن الزبير:في مجمع الطبراني و غيره و اللفظ له،عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي اللّه عنها،قالت:دخل الحسين بن علي رضي اللّه عنه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو يوحي إليه فنزا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو منكب و لعب على ظهره فقال جبريل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:أتحبه يا محمد؟

قال:يا جبريل و مالي لا أحب ابني؟

قال:فإن أمتك ستقتله من بعدك،فمد جبريل عليه السّلام يده فأتاه بتربة بيضاء فقال:

في هذه الأرض يقتل ابنك هذا يا محمد و اسمها الطف،فلما ذهب جبريل عليه السّلام من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و التربة في يده يبكي فقال:يا عائشة ان جبريل عليه السّلام أخبرني أن الحسين ابني مقتول في أرض الطف،و ان أمتي ستفتتن بعدي،ثم خرج إلى أصحابه،فيهم علي و أبو بكر و عمر و حذيفة و عمار و أبو ذر،رضي اللّه عنهم و هو يبكي فقالوا:ما يبكيك يا رسول اللّه؟

فقال:أخبرني جبريل:إن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف و جاءني بهذه التربة و أخبرني أن فيها مضجعه (2).

ج-عن المقبري:في طبقات ابن سعد و تاريخ ابن عساكر و اللفظ للثاني،عن عثمان بن مقسم عن المقبري عن عائشة قالت:بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله راقد إذ جاء الحسين يحبو إليه فنحيته عنه ثم قمت لبعض أمري فدنا منه فاستيقظ يبكي.6.

ص: 76


1- طبقات ابن سعد ح-269 تاريخ ابن عساكر بترجمة الحسين ح-627،و مقتل الخوارزمي /1 159 و اللفظ له.
2- بترجمة الحسين(ع)من معجم الطبراني ح-48 و ص 123 من المجموعة،و مجمع الزوائد 9 187/،و راجع اعلام النبوة للماوردي ص 83،و أمالي الشجري ص 166.

فقلت:ما يبكيك؟

قال:إن جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين،فاشتد غضب اللّه على من يسفك دمه،و بسط يده فإذا فيها قبضة من بطحاء فقال:يا عائشة و الذي نفسي بيده انه ليحزنني،فمن هذا من أمتي يقتل حسينا بعدي (1)؟

د-عن عبد اللّه بن سعيد،في طبقات ابن سعد و معجم الطبراني و غيرهما و اللفظ للأخير عن عبد اللّه بن سعيد عن أبيه عن عائشة:إن الحسين بن علي دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله،يا عائشة ألا أعجبك لقد دخل علي ملك آنفا ما دخل علي قط فقال:إن ابني هذا مقتول،و قال:إن شئت أريتك تربة يقتل فيها،فتناول الملك بيده فأراني تربة حمراء (2).

و عن أم سلمة أو عائشة،كما في مسند أحمد و فضائله و طبقات ابن سعد و تاريخ الإسلام و سير النبلاء للذهبي و مجمع الزوائد و اللفظ للأول،عن عبد اللّه بن سعيد عن أبيه عن عائشة أو أم سلمة-شك عبد اللّه أن النبي قال لإحداهما:لقد دخل على البيت ملك لم يدخل علي قبلها،فقال لي:إن ابنك هذا حسين مقتول،و ان شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها،قال:فأخرج تربة حمراء (3).ح.

ص: 77


1- ترجمة الحسين من طبقات ابن سعد ح-270 و تاريخ ابن عساكر ح-628.
2- حديث ابن عساكر ح-627،و معجم الطبراني ح-49 ص 124 من المجموعة،و كنز العمال 113/13،و تاريخ ابن كثير 199/8.
3- مسند أحمد 294/6 و بترجمة الحسين من فضائل أحمد ح-10،و تاريخ ابن عساكر ح- 625،و قال الذهبي في تاريخ الاسلام 11/3،اسناده صحيح.

11-رواية معاذ بن جبل:

في معجم الطبراني و مقتل الخوارزمي و كنز العمال و اللفظ للأول،عن عبد اللّه ابن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أخبره قال:خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله متغير اللون فقال:أنا محمد أوتيت فواتح الكلام و خواتمه،فأطيعوني ما دمت بين أظهركم،فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب اللّه عزّ و جلّ أحلّوا حلاله،و حرّموا حرامه، أتتكم المؤتية بالروح و الراحة،كتاب اللّه من اللّه سبق،أتتكم فتن كقطع الليل المظلم، كلما ذهب رسل جاء رسل،تناسخت النبوة فصارت ملكا رحم اللّه من أخذها بحقها،و خرج منها كما دخلها.

أمسك يا معاذ و احص،قال:فلما بلغت خمسة.

قال:يزيد لا يبارك اللّه في يزيد،ثم ذرفت عيناه،ثم قال:نعي إلي حسين، و أوتيت بتربته،و أخبرت بقاتله،و الذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعوه إلاّ خالف اللّه بين صدورهم و قلوبهم،و سلّط عليهم شرارهم و ألبسهم شيعا،ثم قال:واها لفراخ آل محمد صلّى اللّه عليه و اله من خليفة مستخلف مترف،يقتل خلفي و خلف الخلف.الحديث (1).

12-رواية سعيد بن جمهان

في تاريخ ابن عساكر و الذهبي و ابن كثير و اللفظ للأول،عن سعيد بن جمهان:

أن النبي صلّى اللّه عليه و اله أتاه جبريل بتراب من تراب القرية التي يقتل بها الحسين،فقال:اسمها

ص: 78


1- معجم الطبراني ح-95 ص 140،و مقتل الخوارزمي 160-161،و كنز العمال 113/13.

كربلاء،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كرب و بلاء (1).

13-روايات ابن عباس

أ-أبو الضحى:في مقتل الخوارزمي،عن أبي الضحى،عن ابن عباس قال:ما كنا نشك أهل البيت و هم متوافرون ان الحسين بن علي يقتل بالطف (2).

ب-سعيد بن جبير:في تاريخ ابن عساكر،عن سعيد بن جبير،عن ابن عباس، قال:أوحى اللّه تعالى:يا محمد،إني قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا،و اني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا،و سبعين ألفا (3).

و سنذكر بقية رواياته في باب سبب استشهاد الحسين عليه السّلام إن شاء اللّه تعالى.

و روى ابن قولويه في باب قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن الحسين عليه السّلام تقتله أمته من بعده في كامل الزيارة سبع روايات عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله (4).

14-رواية أنس بن الحارث و استشهاده

في تاريخ البخاري و ابن عساكر و الاستيعاب و غيرها ان أنس بن الحارث بن نبيه قتل مع الحسين،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:ان ابني هذا-يعنى الحسين-يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك فلينصره،فخرج أنس ابن

ص: 79


1- تاريخ ابن عساكر ح-632،و تاريخ الإسلام للذهبي 11/3،و تاريخ ابن كثير 200/8.
2- مقتل الخوارزمي 16/1.
3- تاريخ ابن عساكر ح-684،و تهذيبه 339/4،و أمالي الشجري ص 160.
4- كامل الزيارة ص 68-71 الباب 22.

الحارث إلى كربلاء فقتل بها مع الحسين.

و في مثير الأحزان:خرج أنس بن الحارث الكاهلي و هو يقول:

قد علمت كاهلنا و ذودان و الخندفيون و قيس علان

بأن قومي آفة للأقران يا قوم كونوا كأسود خفان

و استقبلوا القوم بضرب الان آل علي شيعة الرحمن

و آل حرب شيعة الشيطان (1)

15-رجل من بنى أسد:

روى كل من ابن سعد و ابن عساكر عن العريان بن هيثم بن الأسود النخعي الكوفي الأعور،قال:كان أبي يتبدى (2)فينزل قريبا من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين،فكنا لا نبدو (3)إلاّ وجدنا رجلا من بني أسد هناك،فقال له أبي:إني أراك ملازما هذا المكان؟

قال:بلغني ان حسينا يقتل هاهنا،فأنا اخرج لعلي أصادفه،فأقتل معه،فلما قتل الحسين،قال أبي:إنطلقوا ننظر،هل الأسدي في من قتل؟و اتينا المعركة فطوفنا فإذا الأسدي مقتول (4).

أوردنا في ما سبق من الأحاديث التي فيها إنباء باستشهاد الإمام الحسين قبل وقوعه،ما رواها الفريقان أو ما تفرّد بروايتها أتباع مدرسة الخلفاء،و تركنا ايراد

ص: 80


1- ترجمة أنس بن الحارث في الجرح و التعديل للرازي 287/1،و تاريخ البخاري الكبير 30/1 رقم الترجمة 1583.
2- يتبدى أي يقيم في البادية.
3- نبدو أي نخرج إلى البادية.
4- بترجمة الحسين من كل من طبقات ابن سعد ح-280،و تاريخ ابن عساكر ح-666.

ما تفرّد بروايتها أتباع مدرسة أهل البيت (1)و تخيرنا في ما رواها الفريقان لفظ روايات مدرسة الخلفاء،و ينبغي ان نبحث بعد هذا عن سبب استشهاد الإمام الحسين و نرجع في هذا البحث في ما يلي إلى كتب الفريقين المشهورة دونما تخير رواية فريق على آخر (2).6.

ص: 81


1- مثل ما روى الصدوق في أماليه ط.النجف،ص 112،و ط.دار الكتب الإسلامية طهران سنة 1355 ش هش ص 126-127 عن ميثم رواية مفصلة و ما ورد في أمالي الشيخ الطوسي(ره)/1 323-4،و مثير الأحزان ص 9-13.
2- معالم المدرستين للعسكري:/3-4426.

16-روايات الإمام علي عليه السلام

أ-عن أبي حبرة:في ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام بمعجم الطبراني عن أبي حبرة، قال:صحبت عليا عليه السّلام حتى أتى الكوفة فصعد المنبر،فحمد اللّه و أثنى عليه،ثم قال:

كيف أنتم إذا نزل بذرية نبيكم بين ظهرانيكم؟

قالوا:إذن نبلي اللّه فيهم بلاءا حسنا،فقال:و الذي نفسي بيده لينزلن بين ظهرانيكم و لتخرجن إليهم فلتقتلنهم ثم أقبل يقول:

هم أوردوهم بالغرور و عردوا أجيبوا نجاة لا نجاة و لا عذرا (1).

ب-عن هانئ بن هانئ في معجم الطبراني و تاريخ ابن عساكر و تاريخ الإسلام للذهبي و غيرها و اللفظ لابن عساكر عن هانئ بن هانئ عن علي،قال:يقتل الحسين ابن علي قتلا و اني لأعرف تربة الأرض التي يقتل بها،يقتل بقرية(بتربة)قريبة من النهرين (2).

ج-في مقتل الخوارزمي:إن أمير المؤمنين علي عليه السّلام لما سار إلى صفين نزل بكربلاء و قال لابن عباس:أتدري ما هذه البقعة؟

ص: 82


1- معجم الطبراني ح-57 ص 128،و فى مجمع الزوائد 191/9"أجيبوا دعاه،و أنساب الأشراف للبلاذري ص 38 عن مجاهد بإيجاز.
2- معجم الطبراني ح-57،ص-128،و فى لفظه:ليقتلن الحسين قتلا،و انى لأعرف التربة التي يقتل فيها قريبا من النهرين،و تاريخ الإسلام للذهبي 11/3،و سير النبلاء له 195/3، و مجمع الزوائد 190/9،و كنز العمال 279/16،و من كتب حديث أهل البيت بكامل الزيارة ص- 72.

قال:لا،قال:لو عرفتها لبكيت بكائي،ثم بكى بكاء شديدا،ثم قال:مالي و لآل أبي سفيان؟ثم التفت إلى الحسين.

و قال:صبرا يا بني فقد لقى أبوك منهم مثل الذي تلقى بعده (1).

د-عن الحسن بن كثير،في صفين:عن الحسن بن كثير،عن أبيه:إن عليا أتى كربلاء فوقف بها،فقيل:يا أمير المؤمنين هذه كربلاء؟

قال:ذات كرب و بلاء،ثم أوما بيده إلى مكان فقال هاهنا موضع رحالهم،و مناخ ركابهم،و أومأ إلى موضع آخر فقال:هاهنا مهراق دمائهم (2).

ه-عن الأصبغ بن نباتة:و في ذخائر العقبى و غيره،عن الأصبغ بن نباتة قال:

أتينا مع علي فمررنا بموضع قبر الحسين،فقال علي:هاهنا مناخ ركابهم،و هاهنا موضع رحالهم،هاهنا مهراق دمائهم،فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكى عليهم السماء و الأرض (3).

و-عن غرفة الأزدي:في أسد الغابة،عن غرفة الأزدي قال:دخلني شك من شأن على خرجت معه على شاطئ الفرات فعدل عن الطريق و وقف،و وقفنا حوله، فقال بيده:هذا موضع رواحلهم و مناخ ركابهم و مهراق دمائهم بأبي من لا ناصر له في الأرض و لا في السماء إلاّ اللّه،فلما قتل الحسين خرجت حتى أتيت المكان الذي قتلوا فيه فإذا هو كما قال ما أخطأ شيئا قال:فاستغفرت اللّه مما كان منى من الشك،ه.

ص: 83


1- مقتل الخوارزمي 162/1.
2- صفين لنصر بن مزاحم ص 142،و شرح نهج البلاغة 278/1.
3- ذخائر العقبى ص 97،و راجع دلائل النبوة لأبي نعم 211/3،و فى تذكرة خواص الأمة ص 142 هذا مصرع الرجل ثم ازداد بكاؤه.

و علمت أن عليا رضي اللّه عنه لم يقدم إلاّ بما عهد إليه فيه (1).

ز-عن أبي جحيفة:في صفين لنصر بن مزاحم عن أبي جحيفة قال:جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب،فسأله و أنا أسمع،فقال:حديث حدثتنيه عن علي بن أبي طالب،قال:نعم،بعثني مخنف بن سليم إلى علي فأتيته بكربلاء،فوجدته يشير بيده و يقول:هاهنا،هاهنا فقال له رجل:و ما ذلك يا أمير المؤمنين؟

قال:ثقل لآل محمد ينزل هاهنا فويل لهم منكم،و ويل لكم منهم فقال له الرجل:ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين قال:ويل لهم منكم تقتلونهم،و ويل لكم منهم:يدخلكم اللّه بقتلهم النار.

و قد روى هذا الكلام على وجه آخر:أنه عليه السّلام قال فويل لكم منهم و ويل لكم عليهم قال الرجل:أما ويل لنا منهم فقد عرفت و ويل لنا عليهم ما هو؟

قال:ترونهم يقتلون و لا تستطيعون نصرهم (2).

و روي بوجه ثالث قال:جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب فسأله و أنا أسمع، فقال:حديث حدثتنيه عن عليّ بن أبي طالب قال:نعم،بعثني مخنف بن سليم إلى علي فأتيته بكربلا فوجدته يشير بيده و يقول:

«هاهنا،هاهنا».

فبدر إليه رجل فقال له:

«ما ذلك يا أمير المؤمنين؟».

قال عليه السّلام:«ثقل لآل محمد ينزل هاهنا فويل لهم منكم،و ويل لكم منهم».

و لم يعرف الرجل معنى كلامه،فقال:2.

ص: 84


1- أسد الغابة 169/4
2- صفين نصر بن مزاحم ص 142.

«ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟!!».

فقال عليه السّلام:«ويل لهم منكم تقتلونهم،و ويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم النار» (1).

ح-عون بن أبي جحيفة:في تاريخ ابن عساكر،عن عون بن أبي جحيفة،قال:

إنا لجلوس عند دار أبى عبد اللّه الجدلي،فأتانا ملك بن صحار الهمداني،فقال:

دلوني على منزل فلان،قال:قلنا له:ألا ترسل فيجئ؟إذ جاء فقال:أتذكر إذ بعثنا أبو مخنف إلى أمير المؤمنين و هو بشاطئ الفرات،فقال:ليحلن هاهنا ركب من آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يمر بهذا المكان فيقتلونهم فويل لكم منهم و ويل لهم منكم (2).

ط-في تاريخ ابن كثير:روى محمد بن سعد و غيره من غير وجه عن علي بن أبي طالب:انه مر بكربلاء عند أشجار الحنظل و هو ذاهب إلى صفين فسأل عن اسمها فقيل:كربلاء.

فقال:كرب و بلاء،فنزل و صلى عند شجرة هناك ثم قال:يقتل هاهنا شهداءهم خير الشهداء غير الصحابة،يدخلون الجنة بغير حساب-و أشار إلى مكان هناك- فعلّموه بشيء،فقتل فيه الحسين (3).

ي-عن نجى الحضرمي:في مسند أحمد و معجم الطبراني و تاريخ ابن عساكر و غيرها و اللفظ للأول،عن عبد اللّه بن نجي عن أبيه:أنه سار مع علي رضي اللّه عنه، فلما جاءوا نينوى و هو منطلق إلى صفين،فنادى على:إصبر أبا عبد اللّه إصبر أبا عبد اللّه!بشط الفرات،قلت:و ماذا؟

قال:دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ذات يوم و عيناه تفيضان.9.

ص: 85


1- انظر حياة الإمام الحسين للقرشي:306/1.
2- تاريخ ابن عساكر ح-635 و تهذيبه 325/4.
3- تاريخ ابن كثير 199/8-200،و مجمع الزوائد 191/9.

قلت:يا نبي اللّه أغضبك أحد؟ما شأن عينيك تفيضان؟

قال:بل قام من عندي جبريل قبل،فحدثني:أن الحسين يقتل بشط الفرات،قال فقال:هل لك إلى أن أشهدك من تربته؟

قال:قلت:نعم،فمديده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها،فلم أملك عيني أن فاضتا (1).

و في رواية:و كان صاحب مطهرته فلما حاذوا نينوى و هو منطلق إلى صفين نادى على:صبرا أبا عبد اللّه صبرا أبا عبد اللّه بشط الفرات،قلت:و من ذا أبو عبد اللّه..هل لك أن أشمك من تربته. (2)

ك-عن عامر الشعبي:في طبقات ابن سعد و تاريخ ابن عساكر و الذهبي و تذكرة خواص الأمة عن عامر الشعبي:أن عليا قال و هو بشط الفرات:صبرا أبا عبد اللّه ثم قال:دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عيناه تفيضان،فقلت:أحدث حدث؟

قال:أخبرني جبريل أن حسينا يقتل بشاطئ الفرات ثم قال:أتحب أن أريك من تربته؟

قلت:نعم،فقبض قبضة من تربتها فوضعها في كفي فما ملكت عيني أن فاضتا (3).

ل-عن كدير الضبي:في تاريخ ابن عساكر عن كدير الضبي قال:بينا أنا مع علي بكربلاء،بين أشجار الحرمل،-إذ-أخذ بعرة ففركها،ثم شمّها،ثم قال:2.

ص: 86


1- في مسند أحمد 85/1.
2- كما في أحاديث تاريخ ابن كثير،و الروض النضير 92/1.
3- طبقات ابن سعد ح-173،و تاريخ ابن عساكر ح-614 ص 393،و تاريخ الإسلام للذهبي /3 10،و النبلاء 194/3،و أشار إليه ابن كثير في 199/8 من تاريخه و تذكره خواص الأمة ص 142.

ليبعثن اللّه من هذا الموضع قوما يدخلون الجنة بغير حساب (1).

م-عن هرثمة:في معجم الطبراني عن هرثمة،كنت مع علي عليه السّلام بنهري كربلا فمر بشجرة تحتها بعر غزلان فأخذ منه قبضة فشمّها،ثم قال:يحشر من هذا الظهر سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب (2).

حدّث هرثمة بن سليم قال:غزونا مع علي بن أبي طالب غزوة صفين،فلما نزلنا بكربلا صلى بنا صلاة،فلما سلّم رفع إليه من تربتها فشمّها ثم قال:«واها لك أيتها التربة،ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب».

و بهر هرثمة.و ظل حديث الإمام يراوده في كل فترة،و كان منكرا له فلما رجع إلى زوجته جرداء بنت سمير،و كانت شيعة لعلي حدّثها بما سمعه من الإمام، فقالت له:

«دعنا منك أيها الرجل فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا».

و لم تمض الأيام حتى بعث ابن زياد بجيوشه لحرب ريحانة رسول الله و كان فيهم هرثمة فلما انتهى إلى كربلا و رأى الحسين و أصحابه تذكر قول الإمام أمير المؤمنين فكره حربه،و أقبل على الإمام الحسين،و أخبره بما سمعه من أبيه،فقال له الإمام:

-معنا أنت أو علينا؟

-لا معك،و لا عليك،تركت أهلي و ولدي،و أخاف عليهم من ابن زياد.

فنصحه الإمام،و قال له:

«ولّ هاربا حتى لا ترى لنا مقتلا،فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم8.

ص: 87


1- تاريخ ابن عساكر ح-638،و تهذيبه 326/4.
2- معجم الطبراني ح-59 ص 128.

رجل،و لا يغيثنا إلا أدخله الله النار..».

و انهزم هرثمة من كربلا و لم يشهد مقتل الإمام الحسين (1).

و قد روى عن هرثمة حضوره مع الإمام علي بكربلاء و ما تبع ذلك غير واحد و كل راو يؤيد ما قاله الآخر كما نذكره في ما يلي:

1-رواية نشيط مولى هرثمة:في مقتل الخوارزمي بسنده إلى نشيط أبى فاطمة قال:جاء مولاي هرثمة من صفين فأتيناه فسلّمنا عليه فمرّت شاة و بعرت فقال:لقد ذكرتني هذه الشاة حديثا.

أقبلنا مع علي و نحن راجعون من صفين فنزلنا كربلاء،فصلّى بنا الفجر بين شجرات ثم أخذ بعرات من بعر الغزال ففتها في يده،ثم شمّها فالتفت إلينا و قال:

يقتل في هذا المكان قوم يدخلون الجنة بغير حساب (2).

2-رواية أبى عبد اللّه الضبي:في طبقات ابن سعد و تاريخ ابن عساكر بسنده عن أبي عبد اللّه الضبي قال:دخلنا على ابن هرثم (3)الضّبي حين أقبل من صفّين، و هو مع علي-و هو جالس على دكان له-و له امرأة يقال لها جرداء هي أشد حبا لعلي و أشد لقوله تصديقا-فجاءت شاة له فبعرت فقال لها:لقد ذكرني بعر هذه الشاة حديثا لعلي،قالوا:و ما علم[عليّ]بهذا؟

قال:أقبلنا مرجعنا من صفّين فنزلنا كربلاء،فصلّى بنا علي صلاة الفجر بينة.

ص: 88


1- انظر حياة الإمام الحسين للقرشي:306/1.
2- مقتل الخوارزمي 165/1-166 و فى لفظ أبو هرثمة.
3- في نسخة:هرثمة.

شجيرات و دوحات حرمل (1)،ثم أخذ كفا من بعر الغزلان فشمّه ثم قال:أوه أوه يقتل بهذا الغائط قوم يدخلون الجنة بغير حساب،قال:قالت جرداء:و ما تنكر من هذا؟هو أعلم بما قال منك،نادت بذلك و هي في جوف البيت (2).

3-عن هرثمة بن سليم:عن أبي عبيدة،عن هرثمة بن سليم قال:غزونا مع علي بن أبي طالب غزوة صفين،فلما نزلنا بكربلاء صلّى بنا صلاة،فلما سلّم رفع إليه من تربتها فشمّها ثم قال:واها لك أيتها التربة،ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب.

فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته-و هي جرداء بنت سمير،و كانت شيعة لعلى فقال لها زوجها هرثمة:ألا أعجبك من صديقك أبى الحسين؟لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمّها و قال:واها لك يا تربة،ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب و ما علمه بالغيب؟

فقالت:دعنا منك أيها الرجل،فإن أمير المؤمنين لم يقل إلاّ حقا.

فلما بعث عبيد اللّه بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن علي و أصحابه،قال:

كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم،فلما انتهيت إلى القوم و حسين و أصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا علي فيه و البقعة التي رفع إليه من ترابها،و القول الذي قاله،فكرهت مسيري،فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين،فسلّمت عليه، و حدّثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل،فقال الحسين عليه السّلام:معنا أنت أو علينا؟

فقلت يا ابن رسول اللّه لا معك و لا عليك.

تركت أهلي و ولدي و عيالي أخاف عليهم من ابن زياد.ت.

ص: 89


1- حرمل:نبات حبة كحبة السمسم.
2- في طبقات ابن سعد ح-276،و تاريخ ابن عساكر ح-636،و فى مقتل الخوارزمي 165/1 عن نشيط أبى فاطمة قال:جاء مولاي أبو هرثمة من صفين فاتيناه فسلمنا عليه فمرت شاة فبعرت.

فقال الحسين:فول هربا حتى لا ترى لنا مقتلا،فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل و لا يغيثنا إلاّ أدخله اللّه النار.

قال:فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفى علي مقتلهم (1).

4-عن جرداء بنت سمير:عن زوجها هرثمة بن سلمى،قال:خرجنا مع علي في بعض غزواته،فسار حتى انتهى إلى كربلاء،فنزل إلى شجرة فصلّى تحتها فأخذ تربة من الأرض فشمّها،ثم قال:واها لك تربة ليقتلن بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب.

قال:فقفلنا من غزوتنا و قتل علىّ و نسيت الحديث،قال:و كنت في الجيش الذين ساروا إلى الحسين فلما انتهيت إليه نظرت إلى الشجرة،فذكرت الحديث،فتقدمت على فرس لي فقلت:أبشرك يا ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،و حدثته الحديث،قال:معنا أو علينا؟

قلت:لا معك و لا عليك،تركت عيالا و تركت-كذا و كذا- (2)قال:أما لا فول في الأرض،فو الذي نفس حسين بيده،لا يشهد قتلنا اليوم رجل إلاّ دخل جهنم.

فانطلقت هاربا موليا في الأرض حتى خفي على مقتله (3).

ن-عن شيبان بن مخرم في معجم الطبراني و تاريخ ابن عساكر و مجمع الزوائد و غيرها و اللفظ لابن عساكر عن ميمون عن شيبان بن مخرم-و كان عثمانيا يبغض عليا-قال:رجعنا مع علي إلى صفين فانتهينا إلى موضع،قال:4.

ص: 90


1- صفين لابن مزاحم ص 140-141،و تاريخ ابن عساكر ح 636 و 638 باختصار و أمالي الشجري ص 184.
2- تهذيب ابن عساكر 328/4.
3- تاريخ ابن عساكر ح 677،و أمالي الشجري ص 184.

فقال:ما إسم هذا الموضع؟

قال:قلنا:كربلاء قال:كرب و بلاء.

قال:ثم قعد على دابته،و قال يقتل هاهنا قوم أفضل شهداء على ظهر الأرض لا يكون شهداء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:قلت بعض كذباته و رب الكعبة.

قال:فقلت لغلامي،و ثمة حمار ميت:جئني برجل هذا الحمار فأوتدته في المقعد الذي كان فيه قاعدا،فلما قتل الحسين قلت لأصحابنا:إنطلقوا ننظر،فانتهينا إلى المكان فإذا جسد الحسين على رجل الحمار و إذا أصحابه ربضة حوله (1).

و أخرج ابن قولويه في باب قول أمير المؤمنين في قتل الحسين من كامل الزيارة أربعة أحاديث (2).

خبر عبد اللّه بن يحيى:

-روى عبد الله بن يحيى عن أبيه أنه سافر مع علي إلى صفين،و كان صاحب مطهرته،فلما حاذوا نينوى،تأثر الإمام،و رفع صوته قائلا:

«صبرا أبا عبد الله،صبرا أبا عبد الله،بشط الفرات!».

فذهل يحيى،و انبرى يقول:«من ذا أبو عبد الله؟».

فأجابه الإمام و قلبه يتقطع ألما و حزنا قائلا:

«دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عيناه تفيضان،فقلت يا نبي الله أغضبك أحد؟ما شأن عينيك تفيضان؟

ص: 91


1- ترجمة الحسين من طبقات ابن سعد ح-275،و تاريخ ابن عساكر ح-675،و تهذيب ابن عساكر 337/4-338
2- كامل الزيارة باب 23 ص 71-72.

قال:قام من عندي حبرائيل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات،و قال:هل لك أن أشمك من تربته؟

قال:قلت:نعم فقبض قبضة فأعطانيها،فلم أملك عيني أن فاضتا» (1).

خبر سويد بن غفلة

-روى ثابت عن سويد بن غفلة أن عليا عليه السّلام خطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره،فقال:

يا أمير المؤمنين إني مررت بوادي القرى،فوجدت خالد بن عرفطة قد مات، فاستغفر له فقال عليه السّلام:

«و الله ما مات و لا يموت حتى يقود جيش ضلالة،صاحب لوائه حبيب بن حمار».

فقام إليه رجل و رفع عقيرته قائلا:

«يا أمير المؤمنين،أنا حبيب بن حمار،و إني لك شيعة و محب».

فقال الإمام:

«أنت حبيب بن حمار؟».

«نعم».

و كرر الإمام قوله:«أنت حبيب»و هو يقول:نعم،فقال عليه السّلام:

«إي و الله إنك لحاملها،و لتحملنها،و لتدخلن من هذا الباب-و أشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة-.».

قال ثابت:و الله ما مت حتى رأيت ابن زياد،و قد بعث عمر بن سعد إلى الحسين

ص: 92


1- انظر حياة الإمام الحسين للقرشي:305/1.

ابن علي،و جعل خالد بن عرفطة على مقدمته،و حبيب بن حمار صاحب رايته فدخل بها من باب الفيل (1).

خبر البراء

-قال عليه السّلام للبراء بن عازب:«يا براء أيقتل الحسين و أنت حي فلا تنصره؟!»

فقال البراء:لا كان ذلك يا أمير المؤمنين،و لما قتل الحسين ندم البراء و تذكر مقالة الإمام أمير المؤمنين فكان يقول:«أعظم بها حسرة إذ لم أشهده و أقتل دونه» (2).

ما رواه ابن أبي الحديد

-و خطب الإمام أمير المؤمنين فكان من جملة خطابه:«سلوني قبل أن تفقدوني، فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة،أو تهدي مائة إلا نبأتكم بناعقها و سائقها،و لو شئت لأخبرت كل واحد منكم بمخرجه و مدخله،و جميع شأنه»فانبرى إليه الوغد الخبيث تميم بن أسامة التميمي فقال ساخرا و مستهزئا:

«كم في رأسي طاقة شعر؟..».

فرمقه الإمام بطرفه و قال له:

«أما و الله إني لأعلم ذلك،و لكن أين برهانه لو أخبرتك به،و لقد أخبرتك بقيامك و مقالك،و قيل لي:إن على كل شعرة من شعر رأسك ملكا يلعنك،و شيطانا

ص: 93


1- انظر حياة الإمام الحسين للقرشي:308/1.
2- انظر حياة الإمام الحسين للقرشي:308/1

يستفزك،و آية ذلك أن في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله،و يحض على قتله..».

يقول ابن أبي الحديد:«فكان الأمر بموجب ما أخبر به عليه السّلام كان ابنه حصين- بالصاد المهملة-يومئذ طفلا صغيرا يرضع اللبن،ثم عاش إلى أن صار على شرطة عبيد الله بن زياد،و أخرجه عبيد الله إلى عمرو بن سعد يأمره بمناجزة الحسين و يتوعده على لسانه إن أرجأ ذلك،فقتل عليه السّلام صبيحة اليوم الذي ورد فيه الحصين بالرسالة في ليلته» (1).

كما رواه الطبراني:

-روى الطبراني بسنده عن علي أنه قال:«ليقتلن الحسين،و اني لأعرف التربة التي يقتل فيها بين النهرين» (2).

ما رواه القرشي

-قال أمير المؤمنين:«كأني بالقصور و قد شيدت حول قبر الحسين عليه السّلام و كأني بالأسواق و قد حفّت حول قبره،و لا تذهب الأيام و الليالي حتى يسار إليه من الآفاق، و ذلك بعد انقطاع بني مروان».

و تحقق ما أخبر به الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام الذي هو باب مدينة علم النبي صلّى اللّه عليه و اله و مستودع أسراره و حكمته،فإنه لم تكد تنقرض الدولة الأموية حتى ظهر مرقد ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أصبح حرم الله الأكبر الذي تهفو إليه قلوب المؤمنين،

ص: 94


1- انظر حياة الإمام الحسين للقرشي:308/1.
2- انظر حياة الإمام الحسين للقرشي:306/1.

و تتلهف على زيارته ملايين المسلمين،و تشد إليه الرحال من كل فج عميق، فالسعيد السعيد الذي يحظى بالتبرك بزيارته و يلثم أعتاب مرقده.

لقد أصبح مرقده العظيم عند المسلمين و غيرهم رمزا للكرامة الإنسانية و منارا مشرقا لكل تضحية تقوم على الحق و العدل،و عنوانا فذا لأقدس ما يشرف به هذا الحي من بين سائر الأحياء في جميع الأعصار و الآباد.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن الحلقة الأولى من هذا الكتاب،و نستقبل الإمام الحسين عليه السّلام في الحلقة الثانية و هي تعرض للأحداث الرهيبة التي منيت بها الخلافة الإسلامية في عهد الإمام علي عليه السّلام،و التي امتحن بها المسلمون امتحانا عسيرا،فقد أدت إلى خذلانه،و إجبار الإمام الحسن على التنازل عن الخلافة و تسلط الطغمة الأموية على رقاب المسلمين،و إخضاعهم للذل،و إرغامهم على ما يكرهون، و تدميرهم للقيم العليا التي جاء هذا الدين ليقيمها في ربوع الأرض (1).

و عن الإمام علي عليه السّلام قال:ليقتل الحسين بن علي قتلا و إني لأعرف تربة الأرض التي يقتل بها،يقتل بقرب قريب من النهرين (2).3.

ص: 95


1- انظر حياة الإمام الحسين للقرشي:305/1-310.
2- سير الأعلام:290/3.

علم الملائكة بقتل الحسين عليه السّلام

1-حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز الكوفي قال:حدثني خالي محمد بن الحسين بن أبي الخطاب قال:حدثني موسى بن سعدان الحناط عن عبد اللّه بن القاسم الحضرمي عن إبراهيم بن شعيب الميثمي قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول إن الحسين بن علي عليه السّلام لما ولد أمر اللّه عز و جل جبرئيل عليه السّلام أن يهبط في ألف من الملائكة فيهنئ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من اللّه و من جبرئيل عليه السّلام قال:و كان مهبط جبرئيل عليه السّلام على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له فطرس كان من الحملة فبعث في شيء فأبطأ فيه فكسر جناحه و ألقي في تلك الجزيرة يعبد اللّه فيها ستمائة عام حتى ولد الحسين عليه السّلام فقال الملك لجبرئيل عليه السّلام أين تريد قال:إن اللّه تعالى أنعم على محمد صلّى اللّه عليه و اله بنعمة فبعثت أهنئه من اللّه و مني فقال يا جبرئيل إحملني معك لعل محمدا صلّى اللّه عليه و اله يدعو اللّه لي قال:فحمله فلما دخل جبرئيل على النبي صلّى اللّه عليه و اله و هنأه من اللّه و هنأه منه و أخبره بحال فطرس فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يا جبرئيل أدخله فلما أدخله أخبر فطرس النبي صلّى اللّه عليه و اله بحاله فدعى له النبي صلّى اللّه عليه و اله و قال له:تمسح بهذا المولود و عد إلى مكانك.

قال:فتمسح فطرس بالحسين عليه السّلام و ارتفع و قال:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أما إن أمتك ستقتله و له علي مكافاة أن لا يزوره زائر إلا بلّغته عنه و لا يسلّم عليه مسلم إلا بلّغته سلامه و لا يصلّي عليه مصل إلا بلّغته عليه صلاته قال ثم ارتفع (1).

ص: 96


1- كامل الزيارات:67.

الأمر بنصرة الحسين عليه السلام

أنس بن الحارث يقول:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول:«إن ابني هذا-يعني الحسين- يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره» (1).

عن جابر بن عبد اللّه-قال:و حدّثنا مرة أخرى عن أبيه عن جابر-قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو يفحج بين فخذي الحسين و يقبل زبيبته و يقول:«لعن اللّه قاتلك».

قال جابر:فقلت:يا رسول اللّه و من قاتله؟قال:«رجل من أمتي يبغض عترتي لا تناله شفاعتي كأن بنفسه بين أطباق النيران يرسب تارة و يطفو أخرى و إن جوفه ليقول غق غق» (2).

و عن ابن عباس قال:أوحى اللّه تعالى[إلى]محمد صلّى اللّه عليه و سلّم أني قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا،و أنا قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا و سبعين ألفا (3).

و في كتاب التخريج عن ابن عبّاس قال:رأيت الحسين عليه السّلام قبل أن يتوجّه إلى العراق على باب الكعبة و كفّ جبرائيل في كفّه و جبرائيل ينادي هلمّوا إلى بيعة اللّه عزّ و جلّ (4).

و عن شريك يرفعه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة في لمة من نسائها فيقال لها:ادخلي الجنة،فتقول:لا أدخل حتى أعلم ما صنع بولديّ

ص: 97


1- أسد الغابة:123/1 ترجمة أنس بن الحارث و 349/1،و ذخائر العقبى:146.
2- تاريخ بغداد:290/3 في ترجمة محمد بن مزيد أبي بكر الخزاعي.
3- تاريخ بغداد:142/1 في ترجمة الحسين بن علي.
4- مناقب آل أبي طالب:211/3.

من بعدي،فيقال لها:انظري في قلب القيامة،فتنظر إلى الحسين عليه السّلام قائما و ليس عليه رأس فتصرخ صرخة و أصرخ لصراخها و تصرخ الملائكة لصراخنا،فيغضب الله لنا عند ذلك فيأمر نارا يقال لها هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودّت لا يدخلها روح أبدا و لا يخرج منها غمّ أبدا،فيقال لها:التقطي قتلة الحسين عليه السّلام و حملة القرآن،فتلتقطهم فإذا صاروا في حوصلتها صهلت و صهلوا بها و شهقت و شهقوا بها و زفرت و زفروا بها،فينطقون بألسنة زلقة طلقة:يا ربنا بما أوجبت النار لنا قبل عبدة الأوثان؟فيأتيهم الجواب عن الله عز و جل إن من علم ليس كمن لا يعلم (1).

و عن محمد بن سنان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و اله إذا كان يوم القيامة نصب لفاطمة قبّة من نور و أقبل الحسين رأسه على يده،فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقى في الجمع ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا عبد مؤمن إلا بكى لها،فيمثل الله عز و جل رجلا لها في أحسن صورة و هو يخاصم قتلته بلا رأس،فيجمع الله قتلته،و المجهزين عليه و من شارك في قتله فيقتلهم حتى يأتي على آخرهم،ثم ينشرون فيقتلهم أمير المؤمنين عليه السّلام،ثم ينشرون فيقتلهم الحسن،ثم ينشرون فيقتلهم الحسين عليه السّلام،ثم ينشرون فلا يبقى من ذرّيتنا أحد إلا قتلهم قتلة،فعند ذلك يكشف الله الغيظ و ينسي الحزن.ثم قال أبو عبد الله:رحم الله شيعتنا،شيعتنا و الله هم المؤمنون فقد و الله شاركونا في المصيبة بطول الحزن و الحسرة (2).

و عن أبي عبد الله قال:إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين و الآخرين في صعيد واحد فينادي مناد:غضّوا أبصاركم و نكّسوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد الصراط.7.

ص: 98


1- بحار الأنوار:127/7 ح 6.
2- بحار الأنوار:222/43 ح 7.

قال:فتغضّ الخلائق أبصارهم،فتأتي فاطمة سلام الله عليها على نجيب من نجب الجنة يشيّعها سبعون ألف ملك،فتقف موقفا شريفا من مواقف القيامة،ثم تنزل من نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن علي عليهما الصلاة و السلام بيدها مضمخا بدمه،و تقول:يا ربّ هذا قميص ولدي الحسين عليه السّلام و قد علمت ما صنع به، فيأتيها النداء من قبل الله عزّ و جلّ:يا فاطمة لك عندي الرضى،فتقول:يا رب انتصر لي من قاتله،فيأمر الله تعالى عنقا من النار فتخرج من جهنم،فتلتقط قتلة الحسين بن علي صلوات الله و سلامه عليهما كما يلتقط الطير الحب،ثم يعود العنق بهم إلى النار،فيعذّبون فيها بأنواع العذاب.

ثم تركب فاطمة سلام الله عليها نجيبها حتى تدخل الجنة و معها الملائكة المشيّعون لها و ذرّيتها بين يديها و أولياؤهم من الناس عن يمينها و شمالها (1).

كأنني بالبتول الطّهر واقفة في الحشر تشكو إلى الرحمن باريها

تأتي و قد ضمخت ثوب الحسين دما فيض النحور البحاري ويل مجريها

تدعو ألا أين مسمومي و يا أسفا على ذبيحي و أسرى من ذراريها

تقول و احزني بل آه وا حسني هذا حسيني قتيل في فيافيها

هذا حسيني رضيض الجسم منجدلا تسفى على جسمه العاري سوافيها

آه على جثث بالطف قد قطعت رؤوسها و هجير السيف يصليها

آه على جثث فيها القنا لعبت و أركضت ماضيات في تراقيها

يا فتية ذبحت في كربلا وثوت على الوجوه عرايا في صحاريها

بنتم فبان لكم سلوان فاطمة و لا عج الوجد بالوجدان يشجيها

ألا لعنة الله على القوم الظالمين،و سيعلم الذين ظلموا آل محمد صلّى الله عليه و عليهم حقّهم أي منقلب ينقلبون.6.

ص: 99


1- الامالي:130 ح 6.

أثر ترك نصرة الإمام الحسين عليه السلام

نقل سبط بن الجوزي عن الواقدي عن ابن الرماح قال:كان بالكوفة شيخ أعمى قد شهد قتل الحسين بن علي،فسألناه عن ذهاب بصره،قال:كنت في القوم و كنا عشرة غير أني لم أضرب بالسيف و لم أطعن برمح،و لا رميت بسهم،فلما قتل الحسين و حمل رأسه رجعت الى منزلي،و أنا صحيح و عيناي كأنهما كوكبان، فنمت تلك الليلة فأتاني آت في منامي و قال:أجب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

فقلت:ما لي و لرسول اللّه،فأخذ بيدي و انتهرني و لزم بلباتي و انطلق بي الى مكان فيه جماعة و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جالس،و هو مغتم و معتجر حاسر عن ذراعيه، و بيده سيف و بين يديه نطع،فإذا أصحابي العشرة مذبوحون فسلّمت عليه،فقال:

لا سلّم اللّه عليك و لا حياك يا عدو اللّه الملعون،أما استحييت مني تهتك حرمتي،و لم ترع حقي.

قلت يا رسول اللّه:ما قاتلت.

قال:نعم،و لكنك كثّرت السواد،و إذا بطشت عن يمينه فيه دم الحسين عليه السّلام.

فقال:أقعد فجثوت بين يديه،فأخذ مرودا أحماه فكحل به عيني،فأصبحت كما ترون (1).

ص: 100


1- تذكرة الخواص:252 فصل في عقوبة قاتلي الحسين،و جواهر العقدين:419 باب 14 و نقل قصة أخرى عن السري مشابهة،و المشرع الروي:50/1-51.

ما جرى على من لم ينصر الحسين عليه السلام

و عن إسحاق بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي كنت بالحيرة ليلة عرفة و كنت أصلّي و ثمّ نحو من خمسين ألفا من الناس جميلة وجوههم طيّبة أرواحهم و أقبلوا يصلّون بالليل أجمع.

فلمّا طلع الفجر سجدت ثمّ رفعت رأسي فلم أر منهم أحدا.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّه مرّ بالحسين عليه السّلام خمسون ألف ملك و هو يقتل فلم ينصروه فأهبطوا إلى الأرض فأسكنوا عند قبره شعثا غبرا إلى يوم القيامة (1).

و سأل عبد اللّه بن رياح القاضي رجلا أعمى فقال:كنت حضرت كربلاء و ما قاتلت فنمت فرأيت شخصا هائلا قال لي:أجب رسول اللّه،فجرّني إليه فوجدته حزينا و في يده حربة و قدّامه نطع و ملك بين يديه قائم في يده سيف من النار يضرب أعناق القوم و تقع النار فيهم فتحرقهم ثمّ يحيون و يقتلون أيضا هكذا.

فقلت:يا رسول اللّه ما ضربت بسيف و لا طعنت و لا رميت.

فقال:ألست كثّرت السواد،فأخذ من طشت فيه دم فكحّلني من ذلك الدمّ فاحترقت عيناي،فلمّا انتبهت كنت أعمى (2).

و في أمالي المفيد عن محمّد بن سليمان عن عمّه قال:صرنا إلى كربلاء و ليس بها موضع نسكنه فبنينا كوخا،فلمّا جاء الليل أشعلنا نفطا و صرنا نتذاكر أمر

ص: 101


1- البحار:226/45 ح 20.
2- مدينة المعاجز:84/4.

الحسين و من قتله.

فقلنا:ما بقي أحد من قتلة الحسين عليه السّلام إلاّ رماه اللّه ببليّة في بدنه.

فقال ذلك الرجل:أنا كنت فيمن قتله و ما أصابني مكروه و أنّكم تكذبون فأمسكنا عنه و قام ليصلح الفتيلة بإصبعه فأخذت النار كفّه فألقى نفسه إلى الفرات فرأيناه يدخل رأسه في الماء و النار على وجه الماء فإذا أخرج رأسه سرت النار إليه فلم يزل ذلك دأبه حتّى هلك (1).

و عن سعيد المسيّب قال:لمّا قتل مولاي الحسين عليه السّلام حججت البيت فبينما أنا أطوف بالكعبة و إذا أنا برجل مقطوع اليدين و وجهه كالليل المظلم متعلّق بأستار الكعبة و يقول:اللّهم اغفرلي و ما أظنّك تفعل و لو تشفع فيّ سكّان السماوات و الأرض،فاجتمع عليه الناس.

و قالوا:يا ويلك كيف تيأس من رحمة اللّه؟

فقال:يا قوم أنا أعرف بذنبي؛إنّي كنت جمّالا للحسين عليه السّلام لمّا خرج من المدينة إلى العراق و كنت أراه إذا أراد الوضوء يضع سراويله عندي فأرى تكة تغشي الأبصار بحسن إشراقها و كنت أتمنّاها تكون لي الى أن صرنا بكربلاء و قتل الحسين و هي معه فدفنت نفسي في مكان من الأرض،فلمّا صار الليل خرجت فرأيت من تلك المعركة نورا لا ظلمة و نهارا لا ليلا و القتلى مطروحين على وجه الأرض فذكرت التكة فطلبت الحسين فوجدته مكبوبا على وجهه و هو جثّة بلا رأس و نوره مشرق مرمّل بدمائه فنظرت إلى سراويله كما كنت أراها فضربت يدي إلى التكة لآخذها فإذا هو قد عقدها عقدا كثيرة حتّى حللت عقدة منها فمدّ يده اليمنى و وضعها على التكة فدعتني نفسي إلى أن أقطع يده فوجدت قطعة سيف فقطعتها و نحّيتها عن التكة فمدّ يده اليسرى و وضعها على التكة فطعنتها بالسيف و مددت1.

ص: 102


1- أمالي الطوسي:163 ح 21.

يدي على التكة فإذا الأرض ترجف و السماء تهتزّ و إذا بجلبة عظيمة و قائل يقول:وا أبتاه وا مقتولاه و اذبيحاه و احسيناه وا غريباه يا بني قتلوك و ما عرفوك و من شرب الماء منعوك.

فرميت نفسي بين القتلى و إذا بثلاث نفر و امرأة و حولهم خلائق وقوف و قد امتلأت الأرض بأجنحة الملائكة و إذا بالحسين قد جلس و رأسه على بدنه و هو يقول:يا جدّاه يا رسول اللّه و يا أبتاه يا أمير المؤمنين و يا امّاه يا فاطمة الزهراء و يا أخاه المقتول بالسمّ عليكم منّي السلام ثمّ بكى و قال:يا جدّاه قتلوا رجالنا و ذبحوا أطفالنا يعزّ و اللّه عليك أن ترى حالنا و ما فعلوا بنا و إذا هم جلسوا يبكون حوله و فاطمة تقول:يا أباه أما ترى ما فعلت أمّتك بولدي فأخذت من دمه و مسحت شعرها و قالت:ألقى اللّه عزّ و جلّ و أنا مختضبة بدم ولدي الحسين و أخذ منه رسول اللّه و عليّ بن أبي طالب و الحسن و مسحوا به صدورهم و أيديهم إلى المرافق.

و سمعت رسول اللّه يقول:فديتك يا حسين يعزّ عليّ و اللّه أن أراك مقطوع الرأس مكبوبا على قفاك مقطوع الكفّين،يا بني من قطع يدك اليمنى و ثنّى باليسرى؟

فقال:يا جدّاه كان معي جمّال من المدينة و حكى له كما فعلته به.

فبكى النبيّ و أتى إليّ بين القتلى فقال:ما لي و ما لك يا جمّال تقطع يدين طالما قبّلهما جبرئيل و ملائكة اللّه و تباركت بهما أهل السماوات و الأرضين سوّد اللّه وجهك يا جمّال في الدّنيا و الآخرة و قطع اللّه يديك و رجليك فشلّت يداي و اسودّ وجهي و بقيت على هذه الحالة فجئت إلى هذا البيت أستشفع و أنا أعلم أنّه لا يغفر لي أبدا،فلم يبق بمكّة أحد إلاّ لعنه و خرج من مكّة (1).

و في كتاب الإحتجاج بالإسناد إلى العسكري عليه السّلام أنّ عليّ بن الحسين عليه السّلام كان يذكر حال من مسخهم اللّه قردة ثمّ قال:إنّ اللّه تعالى مسخ أولئك القوم لاصطياد3.

ص: 103


1- مدينة المعاجز:83/3.

السمك فكيف ترى حال من قتل أولاد رسول اللّه و إن لم يمسخهم في الدّنيا فإنّ المعدّ لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ.

فقيل له:يابن رسول اللّه قال لنا بعض النصّاب إن كان قتل الحسين باطلا فهو أعظم من صيد السمك في السبت فما كان يغضب على قاتليه كما غضب على صيّادي السّمك؟

قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:قل لهؤلاء النصاب فإن كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر بإغوائه فأهلك اللّه من شاء منهم كقوم نوح و فرعون و لم يهلك إبليس و هو أولى بالهلاك فما باله أهلك هؤلاء الذين قصروا عن إبليس في عمل الكبائر الموبقة و أمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات ألا كان ربّنا حكيما بتدبيره فيمن أهلك و فيمن استبقى،فكذلك هؤلاء الصيّادون في السبت و هؤلاء القاتلون للحسين يفعل في الفريقين ما يعلم أنّه أولى بالحكمة لا يسأل عمّا يفعل و عباده يسألون (1).

و في كتاب الفردوس قال ابن عبّاس:أوحى اللّه تعالى إلى محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا و أقتل بابن بنتك سبعين ألفا و سبعين ألفا.

و قال الصادق عليه السّلام:قتل بالحسين صلوات اللّه عليه مائة ألف و ما طلب بثأره و سيطلب بثأره عليّ بن الحسين (2).

و في كتاب المناقب روي أنّ الحسين عليه السّلام قال لعمر بن سعد إنّه ممّا تقرّ به عيني أنّك لا تأكل من برّ العراق بعدي إلاّ قليلا،فقال مستهزئا:يا أبا عبد اللّه في الشعير خلف فكان كما قال لم يصل إلى الري و قتله المختار.

و في أمالي القطان عن ابن عيينة قال:أدركت من قتلة الحسين رجلين أمّا3.

ص: 104


1- الاحتجاج:41/2.
2- مناقب آل أبي طالب:234/3.

أحدهما فإنّه طال ذكره حتّى كان يلفّه.

و في رواية كان يحمله على عاتقه،و أمّا الآخر فكان يستقبل الرواية فيشربها و لا يروى و ذلك إنّه نظر إلى الحسين و قد أهوى إلى فيه بماء و هو يشرب فرماه بسهم فقال الحسين عليه السّلام:لا أرواك اللّه فعطش الرجل حتّى ألقى نفسه في الفرات و شرب حتّى مات (1).

و في خبر أنّه لمّا رماه الدارمي بسهم فأصاب حنكه جعل يتلقّى الدم و يرميه إلى السماء فكان هذا الرجل يصيح من الحرّ في بطنه و البرد في ظهره بين يديه المراوح و الثلج و خلفه الكانون و النار و هو يقول اسقوني فيشرب القربة ثمّ يقول اسقوني أهلكني العطش فانقدّت بطنه و مات لا رحمه اللّه (2).

و في أحاديث ابن الحاشر قال:كان عندنا رجل خرج على الحسين عليه السّلام و انتهب من عسكره زعفرانا و جملا،فلمّا دقّوا الزعفران ضار نارا و كلّ امرأة لطخت منه صارت برصاء و نحروا البعير فخرجت منه النار و طبخوه فضارت القدر نارا (3).

و سأل عبد اللّه بن رياح القاضي رجلا به عمى فقال:كنت حضرت كربلاء و ما قاتلت فنمت فرأيت شخصا هائلا قال لي:أجب رسول اللّه.

فجرّني إليه فوجدته حزينا و في يده حربة و قدّامه نطع و ملك بين يديه قائم في يده سيف من النار يضرب أعناق القوم و تقع النار فيهم فتحرقهم ثمّ يحيون و يقتلون أيضا هكذا،فقلت:يا رسول اللّه ما ضربت بسيف و لا طعنت و لا رميت.

فقال:ألست كثّرت السواد،فأخذ من طشت فيه دم فكحّلني من ذلك الدمّ3.

ص: 105


1- مناقب آل أبي طالب:214/3.
2- مناقب آل أبي طالب:214/3.
3- أمالي الطوسي:727 ح 3.

فاحترقت عيناي،فلمّا انتبهت كنت أعمى (1).

عن عامر بن سعد البجلي قال:لما قتل الحسين بن علي رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في المنام فقال:إن رأيت البراء بن عازب فأقرئه مني السلام،و أخبره أن قتلة الحسين ابن علي في النار،و إن كاد اللّه أن يسحت أهل الأرض منه بعذاب أليم.

قال:فأتيت البراء فأخبرته،فقال:صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتصور بي» (2).

و عن الفضل بن الزبير،قال:كنت جالسا[عند شخص]فأقبل رجل فجلس إليه، رائحته رائحة القطران،فقال له:يا هذا أتبيع القطران؟قال:ما بعته قط،قال:فما هذه الرائحة؟قال:كنت ممن شهد عسكر عمر بن سعد،و كنت أبيعهم أوتاد الحديد،فلمّا جنّ عليّ الليل رقدت[فرأيت في نومي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و معه علي،يسقي القتلى من أصحاب الحسين]فقلت له:اسقني فأبى،فقلت:يا رسول اللّه مره يسقيني فقال:

ألست ممن عاون علينا؟فقلت:يا رسول اللّه،و اللّه ما ضربت بسيف و لا طعنت برمح و لا رميت بسهم،و لكني كنت أبيعهم أوتاد الحديد،فقال:يا علي اسقه فناولني قعبا مملوءا قطرانا فشربت منه قطرانا،و لم أزل أبول القطران أياما ثم انقطع ذلك البول عني،و بقيت الرائحة في جسمي.

فقال له السّدي:يا عبد اللّه كل من برّ العراق و اشرب من ماء الفرات فما أراك تعاين محمدا أبدا (3).

و عن ثابت بن إسماعيل،عن أبي النضر الجرمي،قال:رأيت رجلا سمج العمى فسألته عن سبب ذهاب بصره فقال:كنت ممن حضر عسكر عمر بن سعد،فلما جاء7.

ص: 106


1- مدينة المعاجز:84/4.
2- بستان العارفين:18،و مسند الروباني:175/1،و الفردوس:635/3 ح 6406-5989.
3- مختصر ابن منظور:157/7.

الليل رقدت فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في المنام بين يديه طشت فيها دم و ريشة في الدم، و هو يؤتى بأصحاب عمر بن سعد،فيأخذ الريشة فيخط بها بين أعينهم فأتي بي، فقلت:يا رسول اللّه،و اللّه ما ضربت بسيف و لا طعنت برمح و لا رميت بسهم،قال:

أفلم تكثّر عدونا؟فأدخل إصبعيه في الدم-السبابة و الوسطى-و أهوى بهما إلى عيني فأصبحت و قد ذهب بصري.

و روي أنّ رجلا كان في الكوفة من أعيان أهلها من امراء الكوفة و جنودها و كان له ديانة و ميل إلى الشيعة قال:و كان ذات ليلة نائما على سطح داره،فلمّا أصبح تخيّل إليه أنّ يستخير اللّه سبحانه في طريق النزول فاستخار أن ينزل من الدرج فكانت الاستخارة نهيا،و كذلك استخار على وضع درج ينزل منه و كلّما يستخير اللّه سبحانه على طريق تأتي الاستخارة نهيا حتّى استخار أن يرمي بنفسه من فوق السطح فجاءت موافقة الأمر فرمى بنفسه و انكسرت رجله فحمل إلى داخل منزله وشدّ عليها الجبائر و بقي يداويها فاتّفق في ذلك الوقت أنّ ابن زياد أرسل عساكر الكوفة لقتال الحسين عليه السّلام فأرسل إلى ذلك الرجل ليكون مع الجند،فقيل له:إنّه مريض و أنّ رجله مكسورة لا يقدر على الركوب.

فقال:إذا لم يقدر على المسير فليحمل و يوضع على باب الكوفة يكتب العساكر التي تخرج إلى قتال الحسين.

فحمل على بساط و وضع على باب الكوفة و أحصى في دفتر أسماء الخارجين إلى القتال و كان ذلك الدفتر عنده حتّى طابت رجله و خرج المختار و كان يتبع من خرج في العسكر فتارة يعرفهم و تارة لا يعرفهم لكثرتهم لأنّه كما سبق كانوا سبعين ألفا فأتى ذلك الرجل إلى المختار و طلب منه الأمان و دفع إليه ذلك الدفتر فكان يقتل بني أميّة و من خرج من ذلك الدفتر حتّى أتى على آخرهم (1).ط.

ص: 107


1- رياض الأبرار للجزائري،مخطوط.

لعن قتلة الحسين عليه السلام

عن عبد الرحمن الغنوي عن سلمان قال:و هل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول اللّه يعزّيه في ولده الحسين و يحمل إليه تربته مصروعا عليها مذبوحا مقتولا طريحا مخذولا فقال رسول اللّه:اللّهمّ اخذل من خذله و اقتل من قتله و لا تمتّعه بما طلب.

قال عبد الرحمن:فو اللّه لقد عوجل الملعون يزيد و لم يتمتّع بعد قتله و لقد بات سكرانا و أصبح ميّتا متغيّرا كأنّه مطلي بقار،و ما بقي أحد ممّن تابعه على قتله أو كان في محاربته إلاّ أصابه جنون أو جذام أو برص و صار ذلك وراثة في نسلهم (1).

و روي في بعض مؤلّفات أصحابنا مرسلا أنّ نصرانيا أتى رسولا من ملك الروم إلى يزيد لعنه اللّه و قد حضر المجلس الذي أتي فيه برأس الحسين عليه السّلام،فبكى النصراني و صاح ثمّ قال:إعلم يا يزيد إنّي دخلت المدينة تاجرا في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسألت أصحابه أيّ شيء أحبّ إليه من الهدايا؟

فقالوا:الطيب،فحملت إليه من المسك و العنبر و هو يومئذ في بيت زوجته أمّ سلمة فرأيت نورا ساطعا فتعلّق قلبي بمحبّته فقلت:هذا هدية محقرة فقال لي:إن قبلت منّي الإسلام و أنا وزير ملك الروم و لمّا كنت في حضرة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم رأيت هذا الذي رأسه بين يديك دخل على جدّه من باب الحجرة و النبيّ فاتح باعه ليأخذه فوضعه في حجره و جعل يقبّل شفتيه و ثناياه و يقول:لعن اللّه من قتلك يا حسين

ص: 108


1- كامل الزيارات:132.

و أعان على قتلك و هو مع ذلك يبكي،فلمّا كان اليوم الثاني كنت مع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في مسجده إذ أتاه الحسين مع أخيه الحسن و قال:يا جدّاه قد تصارعت مع أخي الحسن و لم يغلب أحدنا الآخر و إنّما نريد أن تعلم أيّنا أشدّ قوّة من الآخر،فقال:يا حبيبي إنّ التصارع لا يليق بكما و لكن اذهبا فتكاتبا فمن كان خطّه أحسن كذلك تكون قوّته أكثر فكتب كلّ واحد منهما سطرا و أتيا جدّهما فأعطياه اللوح ليقضي بينهما فنظر و لم يرد أن يكسر قلب أحدهما فقال:إنّي امّي لا أعرف الخط إذهبا إلى أبيكما يحكم بينكما،فقام النبي معهما و دخلوا بيت فاطمة فما كان إلاّ ساعة حتّى أقبل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و سلمان الفارسي فقلت:يا سلمان بحقّ دين الإسلام إلاّ ما أخبرتني كيف حكم أبوهما بينهما؟

فقال:لمّا أتيا إلى أبيهما لم يرد أن يكسر قلب أحدهما فقال:امضيا إلى أمّكما فعرضا عليها ما كتبا فتفكّرت و قالت:إنّي أقطع قلادتي على رأسيكما فأيّكما يلتقط من لؤلؤها أكثر كان خطّه أحسن و قوّته أكثر و كان في قلادتها سبع لؤلؤات فقطعت القلادة فالتقط الحسن ثلاث لؤلؤات و التقط الحسين ثلاث لؤلؤات فبقيت الاخرى فمدّا أيديهما إليها فأمر اللّه تعالى جبرئيل أن يقدّها بجناحه نصفين فأخذ كلّ واحد منهما نصفا فانظر يا يزيد كيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أمير المؤمنين و فاطمة و ربّ العزّة لم يريدوا كسر قلب أحدهما و أنت هكذا تفعل بابن بنت رسول اللّه؟!أف لك يا يزيد.

ثمّ قام النصراني إلى رأس الحسين و جعل يقبّله و يبكي و يقول:يا حسين اشهد لي عند جدّك المصطفى و عند أبيك المرتضى و عند أمّك فاطمة الزهراء صلوات اللّه عليهم أجمعين (1).

و عن الفضل عن الرّضا عليه السّلام قال:من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر5.

ص: 109


1- البحار:142/45.

الحسين عليه السّلام و ليلعن يزيد و آل زياد يمحو اللّه عزّ و جلّ بذلك ذنوبه و لو كانت كعدد النجوم (1).

سبب ذلك أنّ الملعون يزيد لمّا وضع عنده رأس الحسين عليه السّلام لعب بالشطرنج و شرب خمر الفقاع و كان كلّما غلب صاحبه صبّ على رأس الحسين عليه السّلام بقيّة القدح من الفقاع.

و عنه عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ قاتل الحسين بن عليّ عليه السّلام في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدّنيا و قد شدّت يداه و رجلاه بسلاسل من نار منكس في النار حتّى يقع في قعر جهنّم و له ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربّهم من شدّة نتنه و هو فيها خالد ذائق العذاب الأليم مع جميع من شايع على قتله كلّما نضجت جلودهم بدّلهم عزّ و جلّ جلودا غيرها حتّى يذوقوا العذاب الأليم لا يفتر عنهم ساعة و يسقون من حميم جهنّم فالويل لهم من عذاب النار (2).

و عن أبي جعفر عليه السّلام:إنّ في النار منزلة لم يكن يستحقّها أحد من الناس إلاّ بقتل الحسين بن علي و يحيى بن زكريا (3).

و في ثواب الأعمال عن عيص بن القاسم قال:ذكر عند أبي عبد اللّه عليه السّلام قاتل الحسين عليه السّلام فقال بعض أصحابه:كنت أشتهي أن ينتقم اللّه منه في الدّنيا فقال:

كأنّك تستقلّ له عذاب اللّه و ما عند اللّه أشدّ عذابا و أشدّ نكالا (4).

و عن داود الرّقي قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ استسقى الماء،فلمّا شربه رأيته قد استعبر و اغرورقت عيناه بدموعه ثمّ قال لي:يا داود لعن اللّه قاتل الحسين6.

ص: 110


1- الدعوات:162 ح 447.
2- البحار:300/44.
3- البحار:301/44.
4- ثواب الاعمال:216.

فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين و لعن قاتله إلاّ كتب اللّه له مائة ألف حسنة و حطّ عنه مائة ألف سيّئة و رفع له مائة ألف درجة و كأنّما أعتق مائة ألف نسمة و حشره اللّه يوم القيامة ثلج الفؤاد (1).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّه قال:لعن اللّه قتله الحسين و محبيهم و ناصريهم و الساكتين عن لعنهم من غير تقيّة تسكتهم،إلا و صلّى اللّه على الباكين على الحسين رحمة و شفقة،و اللاعنين لأعدائهم و الممتلئين عليهم غيظا و حنقا (2).

و عن أنس بن مالك عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّه قال:لمّا أراد اللّه سبحانه أن يهلك قوم نوح أوحى إليه أن شق ألواح الساج،فلمّا شقّها لم يدر ما يصنع بها فهبط جبرئيل عليه السّلام و أراه هيئة السفينة و معه تابوت بها مائة ألف مسمار و تسع و عشرون ألف مسمار فسمّر السفينة بالمسامير كلّها إلى أن بقيت خمسة مسامير فضرب بيده إلى مسمار فأضاء كالكوكب الدّري فتحيّر نوح فأنطق اللّه المسمار فقال:أنا على اسم خير الأنبياء محمّد بن عبد اللّه فقال له جبرئيل:أسمره على جانب السفينة الأيمن ثمّ ضرب يده على مسمار ثان فأضاء و أنار فقال نوح:ما هذا المسمار؟

فقال:هذا مسمار أخيه عليّ بن أبي طالب،فأسمره على جانب السفينة الأيسر في أوّلها ثمّ ضرب يده إلى مسمار ثالث فأشرق،فقال:هذا مسمار فاطمة فأسمره على جانب مسمار أبيها ثمّ ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر و أنار.

فقال:هذا مسمار الحسن فأسمره إلى جانب مسمار أبيه ثمّ ضرب بيده إلى مسمار خامس فزهر و أنار و أظهر النداوة.

فقال جبرئيل:هذا مسمار الحسين فأسمره إلى جانب مسمار أبيه؟8.

ص: 111


1- الدروس:48/3.
2- العوالم:598.

فقال نوح:يا جبرئيل ما هذه النداوة؟

فقال:هذا الدم.فذكر قصّة الحسين عليه السّلام و ما تعمل الامّة فلعن قاتله و ظالمه و خاذله (1).

و روي أنّ آدم عليه السّلام لمّا هبط إلى الأرض لم ير حوّاء فصار يطوف الأرض في طلبها فمرّ بكربلاء فاغتمّ و ضاق صدره من غير سبب و عثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين حتّى سال الدم من رجله،فقال:إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به،فأوحى إليه:يا آدم يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلما فسال دمك موافقة لدمه و هو سبط النبيّ و قاتله يزيد.

فقال:أيّ شيء أصنع؟

قال:العنه أربع مرّات،فلعنه و مشى إلى جبل عرفات فوجد حوّاء هناك.

و أنّ نوحا لمّا ركب في السفينة طافت به جميع الدّنيا،فلمّا مرّت بكربلاء أخذته الأرض و خاف نوح الغرق فقال:إلهي أصابني فزع في هذه الأرض فقال جبرئيل عليه السّلام:يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمّد خاتم الأنبياء قاتله لعين أهل السماوات فلعنه نوح أربع مرّات،و سارت السفينة حتّى استقرّت على الجودي.

و أنّ إبراهيم عليه السّلام مرّ بأرض كربلاء و هو راكب فرسا فعثرت به و سقط إبراهيم و شجّ رأسه و سال دمه فأخذ في الإستغفار،فقال:إلهي أيّ شيء حدث منّي؟

فقال:يا إبراهيم ما حدث منك ذنب،و لكن هنا يقتل سبط الأنبياء فسال دمك موافقة لدمه و قاتله لعين أهل السماوات و الأرضين و القلم جرى على اللّوح بلعنه بغير إذن ربّه،فأوحى اللّه تعالى إلى القلم إنّك استحققت الثناء بهذا اللّعن فلعن إبراهيم عليه السّلام يزيدا لعنا كثيرا و قال فرسه:آمين.9.

ص: 112


1- نوادر المعجزات:65 ح 29.

فقال إبراهيم لفرسه:أيّ شيء عرفت حتّى تؤمّن على دعائي؟

فقال:يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك عليّ،فلمّا عثرت و سقطت عن ظهري خجلت، و كان سبب ذلك يزيد لعنه اللّه.

و إنّ إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات فأخبره الراعي أنّها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوما،فسأل ربّه عن ذلك،فقال جبرئيل عليه السّلام:سل غنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك،فقال لها:لم لا تشربين من هذا الماء؟

فقالت بلسان فصيح:قد بلغنا أنّ ولدك الحسين يقتل هنا عطشانا فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزنا عليه فسألها عن قاتله فقالت:يقتله لعين أهل السماوات و الأرض فلعنه إسماعيل.

و أنّ موسى عليه السّلام كان ذات يوم سائرا و معه يوشع بن نون،فلمّا جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله و انقطع شراكه و دخل الحسك في رجله و سال دمه فقال:إلهي أيّ شيء حدث منّي؟

فأوحى اللّه إليه أنّ هنا يقتل الحسين فسال دمك موافقة لدمه و قاتله لعين السمك في البحار و الوحوش في القفار و الطير في الهواء،فلعن موسى يزيدا و أمّن يوشع على دعائه.

و أنّ سليمان عليه السّلام كان يجلس على بساطه و يسير في الهواء فمرّ بأرض كربلاء فأدارت الريح بساطه ثلاث دورات حتّى خافوا السقوط،فسكنت الريح و نزل البساط،فقال سليمان للريح:لم سكنتي؟

فقالت:إنّ هنا يقتل الحسين عليه السّلام و هو سبط محمّد المختار و قاتله يزيد،فلعنه سليمان و أمّن على دعائه الإنس و الجنّ فهبّت الريح و سار البساط.

و أنّ عيسى عليه السّلام كان سائحا في البراري و معه الحواريّون فمرّوا بكربلاء فرأوا أسدا قد أخذ الطريق،فقال عيسى للأسد:لم جلست في هذا الطريق لا تدعنا نمرّ فيه؟

ص: 113

فقال بلسان فصيح:إنّي لم أدعكم تمرّوا حتّى تلعنوا يزيدا قاتل الحسين سبط محمّد و قاتله لعين الوحوش و الذئاب و السباع خصوصا أيّام عاشوراء،فلعنه و أمّن الحواريّون فتنحّى الأسد عن الطريق (1).

و عن صفوان الجمّال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته في طريق المدينة و نحن نريد مكّة مالي أراك حزينا منكسرا؟

فقال:لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مساءلتي.

فقلت:و ما الذي تسمع؟

قال:دعاء الملائكة على قتلة أمير المؤمنين و قتلة الحسين و نوح الجنّ و بكاء الملائكة الذين حوله و شدّة جزعهم فمن يتهنّأ مع هذا بطعام أو شراب أو نوم (2).

و روى الصدوق في كتاب المعراج عن الصادق عليه السّلام:إنّ اللّه عزّ و جلّ صوّر صورة عليّ عليه السّلام في السماء الخامسة لتنظر إليه الملائكة إذا اشتهت النظر إلى عليّ عليه السّلام و لمّا ضربه اللعين ابن ملجم على رأسه صارت تلك الضربة في صورته التي في السماء و لمّا قتل الحسين عليه السّلام هبطت الملائكة و حملته حتّى أوقفته مع صورة عليّ عليه السّلام في السماء الخامسة فكلّما هبطت الملائكة أو صعدت لزيارة صورة علي و النظر إليه و إلى الحسين عليه السّلام متشحّطا بدمه لعنوا يزيدا و ابن زياد و قتلة الحسين إلى يوم القيامة،و قال عليه السّلام:هذا مكنون العلم و مخزونه لا تخرجوه إلاّ إلى أهله (3).

و في الكافي عن داود بن فرقد قال:كنت جالسا في بيت أبي عبد اللّه فنظرت إلى حمام راغبي يقرقر فقال:يا داود هذا الطير يدعو على قتلة الحسين عليه السّلام فاتّخذوه في5.

ص: 114


1- البحار:244/44 ح 43.
2- كامل الزيارات:187 ح 23.
3- البحار:229/45.

منازلكم. (1)

و في حديث آخر:إنّها تلعن قتلة الحسين.

حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني عن محمد بن سنان عن أبي سعيد القماط عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في منزل فاطمة عليه السّلام و الحسين في حجره إذ بكى وخر ساجدا ثم قال يا فاطمة يا بنت محمد إن العلي الأعلى تراءى لي في بيتك هذا في ساعتي هذه في أحسن صورة و أهيأ هيئة و قال لي يا محمد أتحب الحسين عليه السّلام فقلت نعم قرة عيني و ريحانتي و ثمرة فؤادي و جلدة ما بين عيني فقال لي يا محمد و وضع يده على رأس الحسين عليه السّلام بورك من مولود عليه بركاتي و صلواتي و رحمتي و رضواني و لعنتي و سخطي و عذابي و خزيي و نكالي على من قتله و ناصبه و ناوأه و نازعه أما إنه سيد الشهداء من الأولين و الآخرين في الدنيا و الآخرة و ذكر الحديث.

و حدثني أبو الحسين محمد بن عبد اللّه بن علي الناقد قال:حدثني أبو هارون العيسي(العبسي)عن أبي الأشهب جعفر بن حنان(حيان)عن خالد الربعي قال:حدثني من سمع كعبا يقول أول من لعن قاتل الحسين بن علي عليه السّلام:

إبراهيم خليل الرحمن لعنه و أمر ولده بذلك و أخذ عليهم العهد و الميثاق ثم لعنه موسى بن عمران و أمر أمته بذلك ثم لعنه داود و أمر بني إسرائيل بذلك ثم لعنه عيسى و أكثر أن قال يا بني إسرائيل العنوا قاتله و إن أدركتم أيامه فلا تجلسوا عنه فإن الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء مقبل غير مدبر و كأني أنظر إلى بقعته و ما من نبي إلا و قد زار كربلاء و وقف عليها و قال:إنك لبقعة كثيرة الخير فيك يدفن القمر الأزهر.

حدثني الحسين بن علي الزعفراني بالري قال:حدثنا محمد بن عمر النصيبي6.

ص: 115


1- الكافي:/5476.

عن هشام بن سعد قال:أخبرني المشيخة أن الملك الذي جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أخبره بقتل الحسين بن علي عليه السّلام كان ملك البحار و ذلك أن ملكا من ملائكة الفردوس نزل على البحر فنشر أجنحته عليها ثم صاح صيحة و قال يا أهل البحار البسوا أثواب الحزن فإن فرخ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مذبوح ثم حمل من تربته في أجنحته إلى السماوات فلم يبق ملك فيها إلا شمّها و صار عنده لها أثر و لعن قتلته و أشياعهم و أتباعهم (1).6.

ص: 116


1- كامل الزيارات ص:76.

دعاء الحمام و لعنها على قاتل الحسين عليه السّلام

1-حدثني أبي رحمه اللّه و علي بن الحسين عن(علي بن هارون)عن علي ابن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الحسين بن يزيد النوفلي عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:اتخذوا الحمام الراعبية في بيوتكم فإنها تلعن قتلة الحسين عليه السّلام.

2-حدثني أبي و أخي و علي بن الحسين و محمد بن الحسن جميعا عن أحمد بن إدريس بن أحمد عن أبي عبد اللّه الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن صندل(صفوان)عن داود بن فرقد قال:كنت جالسا في بيت أبي عبد اللّه عليه السّلام فنظرت إلى الحمام الراعبي يقرقر طويلا فنظر إلي أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال:يا داود أتدري ما يقول هذا الطير؟

قلت:لا و اللّه جعلت فداك؟

قال:تدعو على قتلة الحسين بن علي عليه السّلام فاتخذوه في منازلكم و حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه الجاموراني بإسناده مثله (1).

ص: 117


1- كامل الزيارات:98.

ثواب من شرب الماء و ذكر الحسين عليه السّلام و لعن قاتله

حدثني محمد بن جعفر الرزاز الكوفي عن محمد بن الحسين عن الخشاب عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن داود الرقي قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ استسقى الماء فلما شربه رأيته قد استعبر و اغرورقت عيناه بدموعه ثم قال لي:يا داود لعن اللّه قاتل الحسين عليه السّلام فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السّلام و لعن قاتله إلا كتب اللّه له مائة ألف حسنة وحط عنه مائة ألف سيئة و رفع له مائة ألف درجة و كأنما أعتق مائة ألف نسمة و حشره اللّه تعالى يوم القيامة ثلج الفؤاد حدثني محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن جعفر بن إبراهيم الحضرمي عن سعد بن سعد مثله (1).

ص: 118


1- كامل الزيارات:106.

كفر قتلة الحسين و ثواب لعنهم و شدة عذابهم

عن الريان بن شبيب،عن الرضا عليه السّلام قال:يا ابن شبيب إن سرّك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي و آله،فالعن قتلة الحسين عليه السّلام،يا ابن شبيب إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السّلام فقل متى ما ذكرته يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما الخبر (1).

أقول:قد أوردنا في باب ما وقع في الشام عن ابن عبدوس،عن ابن قتيبة عن الفضل،عن الرضا عليه السّلام قال:من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر

الحسين عليه السّلام و ليلعن يزيد و آل زياد،يمحو اللّه عز و جل بذلك ذنوبه،و لو كانت كعدد النجوم (2).

بالاسانيد الثلاثة،عن الرضا،عن آبائه عليهم السلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:

إن قاتل الحسين بن علي عليهما السّلام في تابوت من نار،عليه نصف عذاب أهل الدنيا،و قد شديداه و رجلاه بسلاسل من نار،منكس في النار،حتى يقع في قعر جهنم،و له ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدة نتنه،و هو فيها خالد ذائق العذاب الاليم،مع جميع من شايع على قتله،كلما نضجت جلودهم بدّل اللّه عزّ و جل عليهم الجلود

ص: 119


1- بحار الأنوار:302/40-310 ح 1،و أمالي الصدوق المجلس 27 الرقم 5،و قد مر في باب 34 تحت الرقم 23..
2- بحار الأنوار:302/40-310 ح 2،و راجع عيون أخبار الرضا ج 6 ص 22 باب 30 الرقم 50 في حديث.

[غيرها]حتى يذوقوا العذاب الأليم لا يفتر عنهم ساعة،و يسقون من حميم جهنم، فالويل لهم من عذاب النار (1).

عنه عليه السّلام مثله.

بهذا الإسناد قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:إن موسى بن عمران عليه السّلام سأل ربه عز و جل فقال:يا رب إن أخي هارون مات فاغفر له،فأوحى اللّه عز و جل إليه:يا موسى لو سألتني في الأولين و الآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن علي فإني أنتقم له من قاتله (2).

باسناد التميمي،عن الرضا،عن آبائه عليهم السلام قال:قال النبي صلّى اللّه عليه و اله يقتل الحسين شر الامة و يتبرأ من ولده من يكفر بي (3).

حمزة العلوي،عن أحمد الهمداني،عن يحى بن الحسن،عن محمد بن ميمون، عن عبد اللّه بن ميمون،عن جعفر بن محمد،عن أبيه،عن علي بن الحسين عليهم السلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:ستة لعنهم اللّه و كل نبي مجاب:الزائد في كتاب اللّه، و المكذب بقدر اللّه،و التارك لسنّتي،و المستحل من عترتي ما حرّم اللّه،و المتسلّط بالجبروت ليذل من أعزه اللّه و يعز من أذله اللّه،و المستأثر بفىء المسلمين المستحل له (4).

أقول:قد مضى مثل هذا الخبر بأسانيد متعددة في باب القضاء و القدر (5).

المفيد،عن أحمد بن الوليد،عن أبيه،عن الصفار،عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير،عن الحسن بن أبي فاختة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إني أذكر الحسين بنة.

ص: 120


1- بحار الأنوار:302/40-310 ح 3،و المصدر:ج 2 ص 47 باب 31 الرقم 178 و 179.
2- بحار الأنوار:302/40-310 ح 4،و المصدر:ج 2 ص 47 باب 31 الرقم 178 و 179.
3- بحار الأنوار:302/40-310 ح 5.
4- بحار الأنوار:302/40-310 ح 6.
5- راجع ج 5 ص 87 و 88 من الطبعة الحديثة.

علي عليهما السّلام فأي شيء أقول إذا ذكرته؟

فقال:قل صلى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه!تكررها ثلاثا الخبر (1).

أبي،عن سعد،عن ابن يزيد،عن زياد القندي،عن محمد بن أبي حمزة،عن عيص بن القاسم قال:ذكر عند أبي عبد اللّه قاتل الحسين بن علي عليهما السّلام فقال بعض أصحابه:كنت أشتهي أن ينتقم اللّه منه في الدنيا فقال:كأنك تستقل له عذاب اللّه، و ما عند اللّه أشد عذابا و أشد نكالا (2).

ابن الوليد،عن الصفار،عن ابن هاشم،عن عثمان بن عيسى عن عمرو بن شمر،عن جابر،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:إن في النار منزلة لم يكن يستحقها أحد من الناس إلا بقتل الحسين بن علي و يحيى ابن زكريا عليهما السّلام (3).

عن أبي،عن سعد،عن ابن هاشم مثله (4).

محمد بن عبد اللّه بن علي الناقد،عن أبي هارون العبسي،عن جعفر بن حيان، عن خالد الربعي قال:حدثني من سمع كعبا يقول:أول من لعن قاتل الحسين بن علي عليهما السّلام إبراهيم خليل الرحمن،و أمر ولده بذلك،و أخذ عليهم العهد و الميثاق ثم لعنه موسى بن عمران و أمر أمته بذلك،ثم لعنه داود و أمر بني إسرائيل بذلك.ثم لعنه عيسى و أكثر أن قال:يا بني إسرائيل إلعنوا قاتله،و إن أدركتم أيامه فلا تجلسوا عنه،فإن الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء،مقبل غير مدبر و كأني أنظر إلى بقعته،و ما من نبي إلا و قد زار كربلا،و وقف عليها،و قال:إنك لبقعة كثيرة الخير، فيك يدفن القمر الازهر (5).7.

ص: 121


1- بحار الأنوار:302/40-310 ح 7.
2- بحار الأنوار:302/40-310 ح 8.
3- بحار الأنوار:302/40-310 ح 9.
4- كامل الزيارات:ص 77 و 78.
5- بحار الأنوار:302/40-310 ح 10،و المصدر:ص 67.

بيان:قوله«مقبل»الاصوب مقبلا أي كشهيد استشهد معهم حال كونه مقبلا على القتال غير مدبر،و على ما في النسخ،صفة لقوله كالشهيد،لأنه في قوة النكرة.

محمد الحميري،عن الحسن بن علي بن زكريا،عن عمرو بن المختار،عن إسحاق بن بشر،عن العوام مولى قريش قال:سمعت مولاي عمر بن هبيرة قال:

رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الحسن و الحسين في حجره يقبل هذا مرة و يقبل هذا مرة و يقول للحسين:الويل لمن يقتلك (1).

عن ابن الوليد،عن الصفار،عن اليقطيني،عن زكريا المؤمن عن أيوب بن عبد الرحمان،و زيد أبي الحسن و عباد جميعا،عن سعد الاسكاف قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:من سرّه أن يحيى حياتي و يموت مماتي و يدخل جنة عدن،قضيب غرسه ربي بيده،فليتول عليا و الأوصياء من بعده،و ليسلّم لفضلهم فإنهم الهداة المرضيون،أعطاهم اللّه فهمي،و علمي،و هم عترتي من لحمي و دمي إلى اللّه أشكو عدوهم من أمتي،المنكرين لفضلهم،القاطعين فيهم صلتي و اللّه ليقتلن ابني لا نالتهم شفاعتي (2).

أبي،و جماعة مشايخي،عن سعد،عن ابن عيسى،و ابن أبي الخطاب،عن جعفر بن بشير،عن حماد،عن كليب بن معاوية،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا،و كان قاتل الحسين عليه السّلام ولد زنا،و لم تبك السماء إلا عليهما (3).

ابن الوليد و محمد بن أحمد بن الحسين معا،عن الحسن بن علي بن مهزيار عنه.

ص: 122


1- بحار الأنوار:302/40-310 ح 11،و كامل الزيارات:ص 70.
2- بحار الأنوار:302/40-310 ح 12،و المصدر:الباب 22 الرقم 3،راجع ص 69.
3- المصدر:ص 77 و هكذا ما يليه.

أبيه،عن الحسن،عن فضالة،عن كليب بن معاوية مثله (1).

عن ابن الوليد،عن الصفار،عن ابن عيسى،عن ابن فضال،عن مروان بن مسلم،عن إسماعيل بن كثير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله.

أبي،و ابن الوليد معا،عن الصفار،عن ابن عيسى،عن ابن فضال،عن ابن بكير، عن زرارة،عن عبد الخالق،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان قاتل الحسين بن علي عليهما السّلام ولد زنا،و قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا (2).

محمد بن جعفر،عن محمد بن الحسين،عن صفوان،عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله.

أبي،عن سعد،عن ابن هاشم،عن ابن أبي عمير،عن بعض أصحابه،عن ابن مسكان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قاتل الحسين بن علي عليهما السّلام ولد زنا (3).

محمد بن جعفر،عن محمد بن الحسين،عن الخشاب،عن علي بن حسان،عن عبد الرحمن بن كثير،عن داود الرقي قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذا استسقى الماء،فلما شربه رأيته قد استعبر،و اغرورقت عيناه بدموعه ثم قال لي:يا داود لعن اللّه قاتل الحسين عليه السّلام فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين و لعن قاتله،إلا كتب اللّه له مائة ألف حسنة،و حط عنه مائة ألف سيئة،و رفع له مائة ألف درجة،و كأنما أعتق مائة ألف نسمة،و حشره اللّه يوم القيامة ثلج الفؤاد (4).

عن الكليني،عن علي بن محمد،عن سهل،عن جعفر بن إبراهيم،عن سعد ابن سعد مثله (5).

ص: 123


1- بحار الأنوار:302/40-310 ح 13.
2- بحار الأنوار:302/40-310 ح 14.
3- بحار الأنوار:302/40-310 ح 15.
4- المصدر:ص 106،و بحار الأنوار:302/40-310 ح 16.
5- كذا في نسخ الكتاب حتى نسخة الأصل نسخة المؤلف قدس سره و هكذا المصدر ص 107:ذكر السند بلفظه بعد الحديث المتقدم بلا فصل.و الظاهر اختلال نسخة المصدر،حيث ان الكلينى رحمه اللّه انما روى الحديث في كتاب الاشربة باب النوادر تحت الرقم 6(راجع ج 6 ص 390) و سنده هكذا:محمد بن يحيى،عن أحمد بن محمد،عن محمد بن جعفر،عمن ذكره(و أظنه محمد بن الحسين).

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لما نزلت وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ الآية (1)في اليهود أي الذين نقضوا عهد اللّه،و كذّبوا رسل اللّه،و قتلوا أولياء اللّه:أفلا أنبئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الامة؟

قالوا:بلى يا رسول اللّه قال:قوم من أمتي ينتحلون أنهم من أهل ملتي،يقتلون أفاضل ذريتي و أطائب أرومتي،و يبدّلون شريعتي و سنّتي،و يقتلون ولدي الحسن و الحسين كما قتل أسلاف اليهود زكريا و يحيى.ألا و إن اللّه يلعنهم كما لعنهم،و يبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم ألا و لعن اللّه قتلة الحسين عليه السّلام و محبيهم و ناصريهم،و الساكنين عن لعنهم من غير تقية يسكتهم.

ألا و صلّى اللّه على الباكين على الحسين رحمة و شفقة،و اللاعنين لأعدائهم و الممتلئين عليهم غيظا و حنقا،ألا و إن الراضين بقتل الحسين شركاء قتلته ألا و إن قتلته و أعوانهم و أشياعهم و المقتدين بهم براء من دين اللّه.

إن اللّه ليأمر ملائكته المقرّبين أن يتلقّوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسين إلى الخزان في الجنان،فيمزجوها بماء الحيوان،فتزيد عذوبتها و طيبها ألف ضعف و إن الملائكة ليتلقون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسين يتلقّونها في الهاوية و يمزجونها بحميمها و صديدها و غساقها و غسلينها فيزيد في شدة حرارتها و عظيم عذابها ألف ضعف يشدد بها على المنقولين إليها من أعداء آل محمدر.

ص: 124


1- سورة البقرة 84 و الخبر في المصدر ص 148 مع اختلاف يسير.

عذابهم (1).

العدة،عن أحمد بن محمد،عن الجالموراني،عن ابن أبي حمزة،عن صندل عن داود بن فرقد قال:كنت جالسا في بيت أبي عبد اللّه عليه السّلام فنظرت إلى حمام راعبي يقرقر،فنظر لي أبو عبد اللّه عليه السّلام،فقال:يا داود أتدري ما يقول هذا الطير؟قلت:لا و اللّه جعلت فداك،قال:يدعو على قتلة الحسين عليه السّلام فاتخذو في منازلكم (2).

عن علي،عن أبيه،عن النوفلي،عن السكوني،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:اتخذوا الحمام الراعبية في بيوتكم فانها تلعن قتلة الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام و لعن اللّه قاتله (3).

أقول:وجدت في بعض مؤلفات المعاصرين أنه لما جمع ابن زياد لعنه اللّه قومه لحرب الحسين عليه السّلام كانوا سبعين ألف فارس،فقال ابن زياد:أيها الناس من منكم يتولى قتل الحسين و له ولاية أي بلد شاء؟فلم يجبه أحد منهم،فاستدعى بعمر بن سعد لعنه اللّه و قال له يا عمر أريد أن تتولى حرب الحسين بنفسك.

فقال له:اعفني من ذلك فقال ابن زياد:قد أعفيتك يا عمر فاردد علينا عهدنا الذي كتبنا إليك بولاية الري.

فقال عمر:أمهلنا الليلة فقال له:قد أمهلتك،فانصرف عمر بن سعد إلى منزله، و جعل يستشير قومه و إخوانه،و من يثق به من أصحابه،فلم يشر عليه أحد بذلك، و كان عند عمر بن سعد رجل من أهل الخير يقال له:كامل،و كان صديقا لأبيه من قبله.م.

ص: 125


1- بحار الأنوار:302/40-310 ح 17.
2- بحار الأنوار:302/40-310 ح 18.
3- بحار الأنوار:302/40-310 ح 19،و الكافي كتاب الدواجن باب الحمام الرقم 10 و 13، و الحمام الراعبى جنس من الحمام.

فقال له:يا عمر مالي أراك بهيئة و حركة،فما الذي أنت عازم عليه؟و كان كامل كاسمه ذا رأي و عقل و دين كامل.

فقال له ابن سعد لعنه اللّه:إني قد وليت أمر هذا الجيش في حرب الحسين و إنما قتله عندي و أهل بيته كأكلة آكل أو كشربة ماء،و إذا قتلته خرجت إلى ملك الري فقال له كامل:اف لك يا عمر بن سعد تريد أن تقتل الحسين ابن بنت رسول اللّه؟اف لك ولدينك يا عمر أسفهت الحق و ضللت الهدى،أما تعلم إلى حرب من تخرج؟ و لمن تقاتل؟إنا للّه و إنا إليه راجعون.

و اللّه لو أعطيت الدنيا و ما فيها على قتل رجل واحد من أمة محمد لما فعلت فكيف تريد تقتل الحسين ابن بنت رسول اللّه عليه السّلام؟و ما الذي تقول غدا لرسول اللّه إذا وردت عليه و قد قتلت ولده و قرة عينه و ثمرة فؤاده و ابن سيدة نساء العالمين و ابن سيد الوصيين و هو سيد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين و إنه في زماننا هذا بمنزلة جده في زمانه،و طاعته فرض علينا كطاعته،و إنه باب الجنة و النار فاختر لنفسك ما أنت مختار و إني أشهد باللّه إن حاربته أو قتلته أو أعنت عليه أو على قتله لا تلبث في الدنيا بعده إلا قليلا.

فقال له عمر بن سعد:فبالموت تخوفني و إني إذا فرغت من قتله أكون أميرا على سبعين ألف فارس،و أتولى ملك الري،فقال له كامل:إني أحدثك بحديث صحيح أرجو لك فيه النجاة إن وفّقت لقبوله.

إعلم أني سافرت مع أبيك سعد إلى الشام فانقطعت بي مطيتي عن أصحابي و تهت و عطشت،فلاح لي دير راهب فملت إليه،و نزلت عن فرسي،و أتيت إلى باب الدير لأشرب ماء فأشرف علي راهب من ذلك الدير و قال:ما تريد؟

فقلت له:إني عطشان،فقال لي:أنت من أمة هذا النبي الذين يقتل بعضهم بعضا على حب الدنيا مكالبة:و يتنافسون فيها على حطامها؟فقلت له:أنا من الأمة

ص: 126

المرحومة أمة محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم.

فقال إنّكم أشر أمة فالويل لكم يوم القيامة و قد غدوتم إلى عترة نبيكم و تسبون نساءه و تنهبون أمواله،فقلت له:يا راهب نحن نفعل ذلك؟

قال:نعم و إنّك إذا فعلتم ذلك عجّت السماوات و الأرضون:و البحار،و الجبال، و البراري و القفار،و الوحوش،و الأطيار باللعنة على قاتله،ثم لا يلبث قاتله في الدنيا إلا قليلا،ثم يظهر رجل يطلب بثأره،فلا يدع أحدا شرك في دمه إلا قتله و عجّل اللّه بروحه إلى النار،ثم قال الراهب:إني لأرى لك قرابة من قاتل هذا الابن الطيب، و اللّه إني لو أدركت أيامه لوقيته بنفسي من حر السيوف.

فقلت:يا راهب إني اعيذ نفسي أن أكون ممن يقاتل ابن بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله.

فقال:إن لم تكن أنت فرجل قريب منك،و إن قاتله عليه نصف عذاب أهل النار، و إن عذابه أشد من عذاب فرعون و هامان،ثم ردم الباب في وجهي و دخل يعبد اللّه تعالى،و أبى أن يسقيني الماء.

قال كامل:فركبت فرسي و لحقت أصحابي،فقال لي أبوك سعد:ما أبطأك عنا يا كامل؟فحدّثته بما سمعته من الراهب،فقال لي:صدقت.

ثم إن سعدا أخبرني أنه نزل بدير هذا الراهب مرة من قبلي فأخبره أنه هو الرجل الذي يقتل ابن بنت رسول اللّه،فخاف أبوك سعد من ذلك و خشي أن تكون أنت قاتله فأبعدك عنه و أقصاك،فاحذر يا عمر أن تخرج عليه،يكون عليك نصف عذاب أهل النار،قال:فبلغ الخبر ابن زياد لعنه اللّه،فاستدعى بكامل و قطع لسانه فعاش يوما أو بعض يوم و مات رحمه اللّه.

قال:و حكي أن موسى بن عمران رآه إسرائيلي مستعجلا و قد كسته الصفرة و اعترى بدنه الضعف،و حكم بفرائصه الرجف،و قد اقشعر جسمه،و غارت عيناه

ص: 127

و نحف،لأنه كان إذا دعاه ربه للمناجاة يصير عليه ذلك من خيفة اللّه تعالى،فعرفه الاسرائيلي و هو ممن آمن به،فقال له:يا نبي اللّه أذنبت ذنبا عظيما فاسأل ربك أن يعفو عني فأنعم،و سار،فلما ناجى ربه قال له:يا رب العالمين أسألك و أنت العالم قبل نطقي به فقال تعالى:يا موسى ما تسألني أعطيك،و ما تريد أبلغك،قال:رب إن فلانا عبدك الإسرائيلي أذنب ذنبا و يسألك العفو،قال:يا موسى أعفو عمن استغفرني إلا قاتل الحسين،قال موسى:يا رب و من الحسين؟

قال له:الذي مر ذكره عليك بجانب الطور،قال:يا رب و من يقتله؟

قال تقتله أمة جده الباغية الطاغية في أرض كربلا و تنفر فرسه و تحمحم و تصهل،و تقول في صهيلها:الظليمة الظليمة من أمة قتلت ابن بنت نبيها فيبقى ملقى على الرمال من غير غسل و لا كفن،و ينهب رحله،و يسبى نساؤه في البلدان، و يقتل ناصره،و تشهر رؤوسهم مع رأسه على أطراف الرماح يا موسى صغيرهم يميته العطش،و كبيرهم جلده منكمش،يستغيثون و لا ناصر و يستجيرون و لا خافر (1).

قال:فبكى موسى عليه السّلام و قال:يا رب و ما لقاتليه من العذاب؟

قال:يا موسى عذاب يستغيث منه أهل النار بالنار،لا تنالهم رحمتي،و لا شفاعة جده،و لو لم تكن كرامة له لخسفت بهم الأرض.

قال موسى برئت إليك اللهم منهم و ممن رضي بفعالهم،فقال سبحانه:يا موسى كتبت رحمة لتابعيه من عبادي،و اعلم أنه من بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرمت جسده على النار.

تذنيب:قال مؤلف كتاب إلزام النواصب و غيره:إن ميسون بنت بجدل الكلبية أمكنت عبد أبيها من نفسها،فحملت يزيد لعنه اللّه و إلى هذا أشار النسابة الكلبيه.

ص: 128


1- خفره و به و عليه خفرا:أجاره و منعه و حماه و أمنه.

بقوله

فإن يكن الزمان أتى علينا بقتل الترك و الموت الوحي

فقد قتل الدعي و عبد كلب بأرض الطف أولاد النبي

أراد بالدعي عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه فإن أباه زياد بن سمية كانت أمه سمية مشهورة بالزنا،و ولد على فراش أبي عبيد عبد بني علاج من ثقيف فادعى معاوية أن أبا سفيان زنى بام زياد فأولدها زيادا،و أنه أخوه،فصار اسمه الدعي و كانت عائشة تسميه زياد بن أبيه لأنه ليس له أب معروف،و مراده بعبد كلب:يزيد بن معاوية،لأنه من عبد بجدل الكلبي.

و أما عمر بن سعد لعنه اللّه فقد نسبوا أباه سعدا إلى غير أبيه و أنه من رجل من بني عذرة كان خدنا لامه:و يشهد بذلك قول معاوية لعنه اللّه حين قال سعد لمعاوية:أنا أحق بهذا الأمر منك فقال له معاوية يأبى عليك ذلك بنو عذرة، و ضرط له،روى ذلك النوفلي ابن سليمان من علماء السنة،و يدل على ذلك قول السيد الحميري:

قدما تداعوا زنيما ثم سادهم لو لا خول بني سعد لما سادوا (1)0.

ص: 129


1- بحار الأنوار:310/40.

عذاب من شارك في القتل

و روى ابن لهيعة و غيره قال:كنت أطوف بالبيت فإذا برجل يقول:اللّهم اغفرلي و ما أراك فاعلا.

فقلت له:يا عبد اللّه اتّق اللّه فإنّه غفور رحيم،قال:قصّتي إنّنا كنّا خمسين نفرا ممّن سار مع رأس الحسين إلى الشام و كنّا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت و شربنا الخمر،فشرب أصحابي ليلة و لم أشرب،فلمّا جنّ الليل سمعت رعدا و برقا فإذا السماء قد فتحت و نزل آدم و نوح و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معهم جبرئيل و خلق من الملائكة فدنا جبرئيل من التابوت فأخرج الرأس و ضمّه إلى صدره و قبّله و كذلك فعل الأنبياء و بكى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على رأس الحسين فقال جبرئيل:يا محمّد إنّ اللّه أمرني أن أطيعك فإن أمرتني زلزلت بهم الأرض و جعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط،فقال:لا يا جبرئيل إنّ لي معهم موقفا يوم القيامة بين يدي اللّه،ثمّ صلّوا عليه ثمّ أتى قوم من الملائكة و قالوا:إنّ اللّه تعالى أمرنا بقتل الخمسين.

فقال لهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:شأنكم بهم فجعلوا يضربونهم بالحربات ثمّ قصدني واحد منهم بحربة.

فقلت:الأمان الأمان يا رسول اللّه.

فقال صلّى اللّه عليه و اله:إذهب فلا غفر اللّه لك فلمّا أصبحت رأيت أصحابي كلّهم رمادا (1).

ص: 130


1- بحار الأنوار:126/45.

عذاب من لم ينصر الحسين عليه السلام و إن لم يقاتل

و عن إسحاق بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي كنت بالحيرة ليلة عرفة و كنت اصلّي و ثمّ نحو من خمسين ألفا من الناس جميلة وجوههم طيّبة أرواحهم و أقبلوا يصلّون بالليل أجمع.

فلمّا طلع الفجر سجدت ثمّ رفعت رأسي فلم أر منهم أحدا.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّه مرّ بالحسين عليه السّلام خمسون ألف ملك و هو يقتل فلم ينصروه فأهبطوا إلى الأرض فأسكنوا عند قبره شعثا غبرا إلى يوم القيامة (1).

و عن الفضل بن الزبير،قال:كنت جالسا[عند شخص]فأقبل رجل فجلس إليه، رائحته رائحة القطران،فقال له:يا هذا أتبيع القطران؟قال:ما بعته قط،قال:فما هذه الرائحة؟قال:كنت ممن شهد عسكر عمر بن سعد،و كنت أبيعهم أوتاد الحديد،فلمّا جنّ عليّ الليل رقدت[فرأيت في نومي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و معه علي،يسقي القتلى من أصحاب الحسين]فقلت له:اسقني فأبى،فقلت:يا رسول اللّه مره يسقيني فقال:

ألست ممن عاون علينا؟فقلت:يا رسول اللّه،و اللّه ما ضربت بسيف و لا طعنت برمح و لا رميت بسهم،و لكني كنت أبيعهم أوتاد الحديد،فقال:يا علي اسقه فناولني قعبا مملوءا قطرانا فشربت منه قطرانا،و لم أزل أبول القطران أياما ثم انقطع ذلك البول عني،و بقيت الرائحة في جسمي.

فقال له السّدي:يا عبد اللّه كل من برّ العراق و اشرب من ماء الفرات فما أراك

ص: 131


1- البحار:226/45 ح 20.

تعاين محمدا أبدا (1).

و عن ثابت بن إسماعيل،عن أبي النضر الجرمي،قال:رأيت رجلا سمج العمى فسألته عن سبب ذهاب بصره فقال:كنت ممن حضر عسكر عمر بن سعد،فلما جاء الليل رقدت فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في المنام بين يديه طشت فيها دم و ريشة في الدم، و هو يؤتى بأصحاب عمر بن سعد،فيأخذ الريشة فيخط بها بين أعينهم فأتي بي، فقلت:يا رسول اللّه،و اللّه ما ضربت بسيف و لا طعنت برمح و لا رميت بسهم،قال:

أفلم تكثّر عدونا؟فأدخل إصبعيه في الدم-السبابة و الوسطى-و أهوى بهما إلى عيني فأصبحت و قد ذهب بصري.7.

ص: 132


1- مختصر ابن منظور:157/7.

ما حصل بقاتلي الحسين عليه السلام

و سأل عبد اللّه بن رياح القاضي رجلا أعمى فقال:كنت حضرت كربلاء و ما قاتلت فنمت فرأيت شخصا هائلا قال لي:أجب رسول اللّه،فجرّني إليه فوجدته حزينا و في يده حربة و قدّامه نطع و ملك بين يديه قائم في يده سيف من النار يضرب أعناق القوم و تقع النار فيهم فتحرقهم ثمّ يحيون و يقتلون أيضا هكذا.

فقلت:يا رسول اللّه ما ضربت بسيف و لا طعنت و لا رميت.

فقال:ألست كثّرت السواد،فأخذ من طشت فيه دم فكحّلني من ذلك الدمّ فاحترقت عيناي،فلمّا انتبهت كنت أعمى (1).

و في أمالي المفيد عن محمّد بن سليمان عن عمّه قال:صرنا إلى كربلاء و ليس بها موضع نسكنه فبنينا كوخا،فلمّا جاء الليل أشعلنا نفطا و صرنا نتذاكر أمر الحسين و من قتله.

فقلنا:ما بقي أحد من قتلة الحسين عليه السّلام إلاّ رماه اللّه ببليّة في بدنه.

فقال ذلك الرجل:أنا كنت فيمن قتله و ما أصابني مكروه و أنّكم تكذبون فأمسكنا عنه و قام ليصلح الفتيلة بإصبعه فأخذت النار كفّه فألقى نفسه إلى الفرات فرأيناه يدخل رأسه في الماء و النار على وجه الماء فإذا أخرج رأسه سرت النار إليه فلم يزل ذلك دأبه حتّى هلك (2).

ص: 133


1- مدينة المعاجز:84/4.
2- أمالي الطوسي:163 ح 21.

و عن سعيد المسيّب قال:لمّا قتل مولاي الحسين عليه السّلام حججت البيت فبينما أنا أطوف بالكعبة و إذا أنا برجل مقطوع اليدين و وجهه كالليل المظلم متعلّق بأستار الكعبة و يقول:اللّهم اغفر لي و ما أظنّك تفعل و لو تشفع فيّ سكّان السماوات و الأرض،فاجتمع عليه الناس.

و قالوا:يا ويلك كيف تيأس من رحمة اللّه؟

فقال:يا قوم أنا أعرف بذنبي؛إنّي كنت جمّالا للحسين عليه السّلام لمّا خرج من المدينة إلى العراق و كنت أراه إذا أراد الوضوء يضع سراويله عندي فأرى تكة تغشي الأبصار بحسن إشراقها و كنت أتمنّاها تكون لي الى أن صرنا بكربلاء و قتل الحسين و هي معه فدفنت نفسي في مكان من الأرض،فلمّا صار الليل خرجت فرأيت من تلك المعركة نورا لا ظلمة و نهارا لا ليلا و القتلى مطروحين على وجه الأرض فذكرت التكة فطلبت الحسين فوجدته مكبوبا على وجهه و هو جثّة بلا رأس و نوره مشرق مرمّل بدمائه فنظرت إلى سراويله كما كنت أراها فضربت يدي إلى التكة لآخذها فإذا هو قد عقدها عقدا كثيرة حتّى حللت عقدة منها فمدّ يده اليمنى و وضعها على التكة فدعتني نفسي إلى أن أقطع يده فوجدت قطعة سيف فقطعتها و نحّيتها عن التكة فمدّ يده اليسرى و وضعها على التكة فطعنتها بالسيف و مددت يدي على التكة فإذا الأرض ترجف و السماء تهتزّ و إذا بجلبة عظيمة و قائل يقول:وا أبتاه و امقتولاه و اذبيحاه و احسيناه و اغريباه يا بني قتلوك و ما عرفوك و من شرب الماء منعوك.

فرميت نفسي بين القتلى و إذا بثلاث نفر و امرأة و حولهم خلائق وقوف و قد امتلأت الأرض بأجنحة الملائكة و إذا بالحسين قد جلس و رأسه على بدنه و هو يقول:يا جدّاه يا رسول اللّه و يا أبتاه يا أمير المؤمنين و يا أمّاه يا فاطمة الزهراء و يا أخاه المقتول بالسمّ عليكم منّي السلام ثمّ بكى و قال:يا جدّاه قتلوا رجالنا و ذبحوا

ص: 134

أطفالنا يعزّ و اللّه عليك أن ترى حالنا و ما فعلوا بنا و إذا هم جلسوا يبكون حوله و فاطمة تقول:يا أباه أما ترى ما فعلت أمّتك بولدي فأخذت من دمه و مسحت شعرها و قالت:ألقى اللّه عزّ و جلّ و أنا مختضبة بدم ولدي الحسين و أخذ منه رسول اللّه و عليّ بن أبي طالب و الحسن و مسحوا به صدورهم و أيديهم إلى المرافق.

و سمعت رسول اللّه يقول:فديتك يا حسين يعزّ عليّ و اللّه أن أراك مقطوع الرأس مكبوبا على قفاك مقطوع الكفّين،يا بني من قطع يدك اليمنى و ثنّى باليسرى؟

فقال:يا جدّاه كان معي جمّال من المدينة و حكى له كما فعلته به.

فبكى النبيّ و أتى إليّ بين القتلى فقال:ما لي و ما لك يا جمّال تقطع يدين طالما قبّلهما جبرئيل و ملائكة اللّه و تباركت بهما أهل السماوات و الأرضين سوّد اللّه وجهك يا جمّال في الدّنيا و الآخرة و قطع اللّه يديك و رجليك فشلّت يداي و اسودّ وجهي و بقيت على هذه الحالة فجئت إلى هذا البيت أستشفع و أنا أعلم أنّه لا يغفر لي أبدا،فلم يبق بمكّة أحد إلاّ لعنه و خرج من مكّة (1).3.

ص: 135


1- مدينة المعاجز:83/3.

إنتقام القائم من قتلة الحسين عليهما السلام

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لمّا كان من أمر الحسين عليه السّلام ما كان ضجّت الملائكة إلى اللّه بالبكاء و قالت:يفعل هذا بالحسين صفيّك و ابن نبيّك؟

قال:فأقام اللّه لهم ظلّ القائم عليه السّلام و قال:بهذا أنتقم لهذا (1).

و في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السّلام عن الهروي قال:قلت للرضا عليه السّلام:ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السّلام إنّه قال:إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السّلام بفعال آبائها؟

فقال عليه السّلام:هو كذلك،فقلت:قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (2)ما معناه؟

قال عليه السّلام:إنّ ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم و يفتخرون بها،و من رضي شيئا كان كمن أتاه و لو أنّ رجلا قتل بالمشرق فرضي رجل بقتله بالمغرب لكان الراضي عند اللّه عزّ و جلّ شريك القاتل.

قلت:بأيّ شيء يبدأ القائم إذا قام؟

قال عليه السّلام يقطع أيدي بني شيبة لأنّهم سرّاق بيت اللّه عزّ و جلّ. (3)

ص: 136


1- الكافي:465/1 ح 1.
2- سورة الانعام:164.
3- وسائل الشيعة:139/16 ح 4.

عذاب قتلة الحسين عليه السلام

و في كتاب الإحتجاج بالإسناد إلى العسكري عليه السّلام أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان يذكر حال من مسخهم اللّه قردة ثمّ قال:إنّ اللّه تعالى مسخ أولئك القوم لاصطياد السمك فكيف ترى حال من قتل أولاد رسول اللّه و إن لم يمسخهم في الدّنيا فإنّ المعدّ لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ.

فقيل له:يابن رسول اللّه قال لنا بعض النصّاب إن كان قتل الحسين باطلا فهو أعظم من صيد السمك في السبت فما كان يغضب على قاتليه كما غضب على صيّادي السّمك؟

قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:قل لهؤلاء النصاب فإن كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر بإغوائه فأهلك اللّه من شاء منهم كقوم نوح و فرعون و لم يهلك إبليس و هو أولى بالهلاك فما باله أهلك هؤلاء الذين قصروا عن إبليس في عمل الكبائر الموبقة و أمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات إلا كان ربّنا حكيما بتدبيره فيمن أهلك و فيمن استبقى،فكذلك هؤلاء الصيّادون في السبت و هؤلاء القاتلون للحسين يفعل في الفريقين ما يعلم أنّه أولى بالحكمة لا يسأل عمّا يفعل و عباده يسألون (1).

و في كتاب الفردوس قال ابن عبّاس:أوحى اللّه تعالى إلى محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا و أقتل بابن بنتك سبعين ألفا و سبعين ألفا.

ص: 137


1- الاحتجاج:41/2.

و قال الصادق عليه السّلام:قتل بالحسين صلوات اللّه عليه مائة ألف و ما طلب بثأره و سيطلب بثأره عليّ بن الحسين (1).

و في كتاب المناقب روي أنّ الحسين عليه السّلام قال لعمر بن سعد إنّه ممّا تقرّ به عيني أنّك لا تأكل من برّ العراق بعدي إلاّ قليلا،فقال مستهزئا:يا أبا عبد اللّه في الشعير خلف فكان كما قال لم يصل إلى الري و قتله المختار.

و في أمالي القطان عن ابن عيينة قال:أدركت من قتلة الحسين رجلين أمّا أحدهما فإنّه طال ذكره حتّى كان يلفّه.

و في رواية كان يحمله على عاتقه،و أمّا الآخر فكان يستقبل الرواية فيشربها و لا يروى و ذلك إنّه نظر إلى الحسين و قد أهوى إلى فيه بماء و هو يشرب فرماه بسهم فقال الحسين عليه السّلام:لا أرواك اللّه فعطش الرجل حتّى ألقى نفسه في الفرات و شرب حتّى مات (2).

و في خبر أنّه لمّا رماه الدارمي بسهم فأصاب حنكه جعل يتلقّى الدم و يرميه إلى السماء فكان هذا الرجل يصيح من الحرّ في بطنه و البرد في ظهره بين يديه المراوح و الثلج و خلفه الكانون و النار و هو يقول اسقوني فيشرب القربة ثمّ يقول اسقوني أهلكني العطش فانقدّت بطنه و مات لا رحمه اللّه (3).

و في أحاديث ابن الحاشر قال:كان عندنا رجل خرج على الحسين عليه السّلام و انتهب من عسكره زعفرانا و جملا،فلمّا دقّوا الزعفران صار نارا و كلّ امرأة لطخت منه صارت برصاء و نحروا البعير فخرجت منه النار و طبخوه فضارت القدر نارا (4).3.

ص: 138


1- مناقب آل أبي طالب/:234/3.
2- مناقب آل أبي طالب:214/3.
3- مناقب آل أبي طالب:214/3.
4- أمالي الطوسي:727 ح 3.

و سأل عبد اللّه بن رياح القاضي رجلا به عمى فقال:كنت حضرت كربلاء و ما قاتلت فنمت فرأيت شخصا هائلا قال لي:أجب رسول اللّه.

فجرّني إليه فوجدته حزينا و في يده حربة و قدّامه نطع و ملك بين يديه قائم في يده سيف من النار يضرب أعناق القوم و تقع النار فيهم فتحرقهم ثمّ يحيون و يقتلون أيضا هكذا،فقلت:يا رسول اللّه ما ضربت بسيف و لا طعنت و لا رميت.

فقال:ألست كثّرت السواد،فأخذ من طشت فيه دم فكحّلني من ذلك الدّم فاحترقت عيناي،فلمّا انتبهت كنت أعمى (1).4.

ص: 139


1- مدينة المعاجز:84/4.

شدة عذاب قتلة الحسين عليه السلام في النار

عن عامر بن سعد البجلي قال:لما قتل الحسين بن علي رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في المنام فقال:إن رأيت البراء بن عازب فاقرئه مني السلام،و أخبره أن قتلة الحسين ابن علي في النار،و إن كاد اللّه أن يسحت أهل الأرض منه بعذاب أليم.

قال:فأتيت البراء فأخبرته،فقال:صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتصور بي» (1).

و في كتاب الأمالي عن يحيى الرازي قال:كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق فسأله جرير عن خبر الناس.

فقال:تركت الرشيد و قد كرب قبر الحسين عليه السّلام و أمر أن تقطع السدرة التي فيه فقطعت قال:فرفع جرير يديه و قال:اللّه أكبر جاءنا فيه حديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّه قال:لعن اللّه قاطع السدرة،ثلاثا (2).

فلم نقف على معناه حتّى الآن لأنّ القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين عليه السّلام حتّى لا يقف الناس على قبره (3).

و عن محمّد بن فرج عن أبيه عن عمّه قال:أنفذني المتوكّل في تخريب قبر الحسين فصرت إليه و أمرت بالبقر فمرّ بها على القبور كلّها،فلمّا بلغت قبر الحسين

ص: 140


1- بستان العارفين:18،و مسند الروباني:175/1،و الفردوس:635/3 ح 6406-5989.
2- .مالي الطوسي:325 ح 98.
3- أمالي الطوسي:325 ح 98.

لم تمرّ عليه.

قال عمّي:فأخذت العصا بيدي فما زلت أضربها حتّى انكسرت العصا في يدي فو اللّه ما جازت على قبره و لا تخطّته.

و في ذلك الكتاب عن موسى بن عبد العزيز قال:لقيني يوحنا النصراني المتطيّب فقال لي:بحقّ دينك من هذا الذي يزور قبره قوم منكم بناحية قصر ابن هبيرة؟

قلت:هو ابن بنته.

فقال:له عندي حديث طريف و هو أنّه وجّه إلي سابور الكبير الخادم الرشيدي في الليل إليه و مضينا حتّى دخلنا على موسى بن عيسى الهاشمي فوجدناه زائل العقل متّكئا على وسادة و إذا بين يديه طشت فيها حشو جوفه و كان الرشيد استحضره من الكوفة فأقبل سابور على خادم كان من خاصّة موسى فقال له:

ويحك ما خبره؟

فقال له:أخبرك إنّه كان من ساعته جالسا و حوله ندماؤه و هو من أصحّ الناس جسما و أطيبهم نفسا إذ جرى ذكر الحسين بن علي.

قال يوحنّا:هذا الذي سألتك عنه،فقال موسى:إنّ الرافضة ليغلون فيه حتّى أنّهم يجعلون تربته دواء يتداوون به فقال له رجل من بني هاشم قد كانت بي علّة فتعالجت لها بكلّ علاج فما نفعني حتّى وصف لي كاتبي لآخذ من هذه التربة فأخذتها فنفعني اللّه بها و زال عنّي ما كنت أجده.

قال:فبقي عندك منها شيء؟

قال:نعم،فوجّه فجاءه منها بقطعة فناولها موسى بن عيسى فأخذها عيسى فاستدخلها دبره استهزاء بمن يتداوى بها و احتقارا و تصغيرا لهذا الرجل الذي هي تربته يعني الحسين عليه السّلام فما هو إلاّ أن استدخلها دبره حتّى صاح النار النار الطشت الطشت فجئناه بالطشت فأخرج فيها ما ترى فانصرف الندماء و صار المجلس

ص: 141

مأتما فأقبل علي سابور.

فقال:أنظر هل لك فيه حيلة فدعوت بشمعة فنظرت فإذا كبده و طحاله وريّته و فؤاده خرجت منه في الطشت فنظرت إلى أمر عظيم فقال لي سابور:كن هاهنا في الدار إلى أن يظهر أمره فبتّ عندهم فمات في وقت السحر ثمّ كان يوحنّا يزور قبر الحسين و هو على دينه ثمّ أسلم بعد هذا و حسن إسلامه.

أخذ المسترشد العبّاسي من مال الحائر و كربلاء و قال:إنّ القبر لا يحتاج إلى الخزانة و أنفق على العسكر،فلمّا خرج قتل هو و ابنه الراشد (1).

و عن الأعمش قال:أحدث رجل على قبر الحسين عليه السّلام فأصابه و أهل بيته جنون و جذام و برص و هم يتوارثون الجذام إلى الساعة.

و روى جماعة من الثقاة أنّه لمّا أمر المتوكّل بحرث قبر الحسين عليه السّلام و أن يجرى الماء عليه من العلقمي أتى زيد المجنون و بهلول المجنون إلى كربلاء فنظرا إلى القبر و إذا هو معلّق بالقدرة في الهواء فقال زيد: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (2)و ذلك أنّ الحرّاث حرث سبع عشرة مرّة و القبر يرجع إلى حاله،فلمّا نظر الحرّاث إلى ذلك آمن باللّه و حلّ البقر فأخبر المتوكّل فأمر بقتله (3).

و عن سليمان الأعمش قال:كنت نازلا بالكوفة و كان لي جار من النواصب فقلت:

آتيه ليلة الجمعة و اكلّمه في فضائل الحسين فإن رأيته مصرّا على حاله قتلته،فلمّا كان السحر أتيته فقالت لي امرأته:إنّه خرج إلى زيارة الحسين من أوّل الليل فسرت في إثره إلى زيارة الحسين عليه السّلام،فلمّا دخلت إلى القبر فإذا بالشيخ ساجد يدعو1.

ص: 142


1- أمالي الطوسي:321 ح 96.
2- سورة الصف:8.
3- البحار:401/45 ح 11.

و يسأل اللّه التوبة ثمّ رفع رأسه فقلت له:يا شيخ كنت تقول بالأمس:زيارة الحسين بدعة و كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة في النار و اليوم تزوره؟

فقال:يا سليمان لا تلمني فإنّي ما كنت أثبت لأهل البيت إمامة حتّى كانت ليلتي تلك فرأيت رؤيا هالتني رأيت رجلا جليل القدر لا أقدر أن أصفه من عظم جماله و جلاله و بين يديه فارس على رأسه تاج و التاج له أربعة أركان في كلّ ركن جوهرة تضيء من مسيرة ثلاثة أيّام،فقلت لبعض خدّامه:من هذا؟

قال:هذا محمّد المصطفى و الآخر عليّ المرتضى ثمّ نظرت فإذا أنا بناقة من نور عليها هودج من نور و فيه امرأتان و الناقة تطير بين السماء و الأرض،فقلت:لمن هذه الناقة؟

فقال:لخديجة الكبرى و فاطمة الزهراء و هذا الغلام الحسن بن عليّ يريدون زيارة المقتول ظلما شهيد كربلاء الحسين بن عليّ،ثمّ قصدت نحو الهودج الذي فيه الزهراء عليهما السّلام و إذا برقاع مكتوبة تسقط من السماء فقيل هذه رقاع فيها أمان من النار لزوّار الحسين في ليلة الجمعة فطلبت منه رقعة فقال لي:إنّك تقول زيارته بدعة فإنّك لا تنالها حتّى تزور الحسين و تعتقد فضله و شرفه،فانتبهت من نومي فزعا و قصدت إلى زيارة سيّدي الحسين و أنا تائب إلى اللّه و لا افارق قبر الحسين حتّى تفارق روحي جسدي (1).

و روى الثقاة عن دعبل الخزاعي قال:لمّا انصرفت عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام بقصيدتي التائية نزلت بالريّ و أنّي في ليلة أصوغ قصيدة و قد ذهب من الليل شطره فإذا طارق يطرق الباب،فقلت:من هذا؟

قال:أخ لك،ففتحت الباب فدخل رجل اقشعرّ منه بدني،فقال لي:لا تخف أنا أخوك من الجنّ ولدت في الليلة التي ولدت فيها و نشأت معك و أنّي جئت أحدّثك بما2.

ص: 143


1- مستدرك الوسائل:296/10 ح 42.

يسرّك و يقوّي بصيرتك.

فقال:يا دعبل إنّي كنت من أشدّ الناس عداوة لعليّ بن أبي طالب فخرجت في نفر من الجنّ المردة العتاة فمررت بنفر يريدون زيارة الحسين قد جنّهم الليل فهممنا بهم و إذا ملائكة تزجرنا من السماء و ملائكة في الأرض تزجر عنهم هوامها فكأنّي كنت نائما فانتبهت و علمت أنّ ذلك لعناية اللّه تعالى بمن تشرّفوا بزيارته فأحدثت توبة وزرت مع القوم و دعوت بدعائهم و حججت بحجّهم تلك السنة وزرت قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و مررت برجل حوله جماعة فقلت:من هذا؟

قالوا:هذا ابن رسول اللّه الصادق عليه السّلام فدنوت منه و سلّمت عليه.

فقال لي:مرحبا بك يا أخ أهل العراق أتذكر ليلتك ببطن كربلاء و ما رأيت من كرامة اللّه تعالى لأوليائنا؛إنّ اللّه قد قبل توبتك.

فقلت:الحمد للّه الذي منّ عليّ بكم،فحدّثني يا ابن رسول اللّه بحديث أنصرف به إلى أهلي و قومي،فقال:حدّثني أبي عن أبيه عن الحسين بن عليّ عن أبيه عليّ بن أبي طالب قال:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا عليّ الجنّة محرّمة على الأنبياء حتّى أدخلها أنا،و على الأوصياء حتّى تدخلها أنت و على الامم حتّى تدخلها أمّتي و على امّتي حتّى يقرّوا بولايتك،يا عليّ و الذي بعثني بالحقّ لا يدخل الجنّة أحد إلاّ من أخذ منك بسبب أو نسب.

ثمّ قال:خذها يا دعبل فلن تسمع بمثلها من مثلي أبدا ثمّ ابتلعته الأرض فلم أره.

و روي أنّ المتوكّل العبّاسي كان شديد العداوة لأهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و هو الذي أمر الحارث بحرث قبر الحسين عليه السّلام و أن يخربوا بنيانه و يخفوا آثاره و أن يجروا عليه الماء من النهر العلقمي حتّى لا يبقى له أثر،و توعّد الناس ممّن زار قبره و جعل رصدا من أجناده يقتلون كلّ من يزور الحسين ليطفئوا نور اللّه،فبلغ الخبر رجلا من أهل الخير يقال له زيد المجنون و لكنّه ذو عقل سديد و إنّما لقّب بالمجنون

ص: 144

لأنّه أفحم كلّ لبيب و قطع حجّة كلّ أديب فعظم ذلك عليه و اشتدّ حزنه و تجدّد مصابه بالحسين و كان يسكن مصر،فلمّا سمع أن يحرث قبر الإمام خرج من مصر ماشيا هائما على وجهه حتّى بلغ الكوفة و كان البهلول بها فلقيه زيد المجنون و سلّم عليه فردّ عليه السلام.

فقال له البهلول:من أين لك معرفتي و لم ترني؟

فقال زيد:قلوب المؤمنين جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف،فقال له البهلول:ما الذي أخرجك من بلادك بغير دابّة و لا مركوب؟

فقال:بلغني أنّ هذا اللعين أمر بحرث قبر الحسين و خراب بنيانه و قتل زوّاره فهذا الذي أخرجني و أجرى دموعي.

فقال له البهلول:و أنا و اللّه كذلك،فقال له:قم إلى كربلاء لنشاهد قبور أولاد عليّ المرتضى،فوصلا إلى قبر الحسين و إذا هو على حاله لم يتغيّر و قد هدّموا بنيانه و كلّما أجروا عليه الماء غار و حار و استدار و كان القبر إذا جاءه الماء ترتفع أرضه بإذن اللّه تعالى.

فقال زيد المجنون:أنظر يا بهلول يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم.

و لم يزل المتوكّل يأمر بحرث قبر الحسين مدّة عشرين سنة و القبر على حاله لم يتغيّر و لا يعلوه قطرة من الماء،فلمّا نظر الحارث إلى ذلك قال:آمنت باللّه و بمحمّد رسول اللّه،و اللّه لأهر بن على وجهي و أهيم في البراري و لا أحرث قبر الحسين و أنّ لي مدّة عشرين سنة اشاهد براهين آل بيت رسول اللّه و لا أتّعظ،ثمّ إنّه حلّ الثيران و طرح الفدان و أقبل نحو زيد المجنون و قال:يا شيخ لأيّ شيء جئت إلى هنا و أنّي لأخشى عليك من القتل؟

فبكى زيد و قال:و اللّه قد بلغني حرث قبر الحسين فأحزنني فانكبّ الحارث على أقدام زيد يقبّلهما و يقول:فداك أبي و أمّي فو اللّه يا شيخ من حين أقبلت إلي أقبلت إليّ

ص: 145

الرحمة و استنار قلبي بنور اللّه و أنّ لي مدّة عشرين سنة أحرث هذه الأرض و كلّما أجريت الماء غار و حار و استدار و لم يصل إلى القبر منه قطرة و كأنّي كنت في سكر و أفقت الآن ببركة قدومك،فبكى زيد و قال له الحارث:ها أنا الآن ماض إلى المتوكّل بسرّ من رأى أعرّفه بصورة الحال إن شاء أن يقتلني و إن شاء أن يتركني.

فقال له زيد:و أنا أسير معك،فلمّا دخل الحارث على المتوكّل و خبّره بما شاهد من برهان قبر الحسين عليه السّلام ازداد بغضا لأهل البيت و أمر بقتل الحارث و صلبه،.

و أمّا زيد فازداد حزنه و صبر حتّى أنزلوه من الصلب و ألقوه على مزبلة فاحتمله زيد إلى الدجلة و غسّله و كفّنه و صلّى عليه و دفنه و بقي ثلاثة أيّام يتلو عنده القرآن فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع صراخا عاليا و نساء منشرات الشعور و الناس كافّة في اضطراب شديد و إذا بجنازة محمولة على أعناق الرّجال و قد نشرت لها الأعلام و انسدّت الطرق من الرجال و النساء قال زيد:ظننت أنّ المتوكّل مات، فسألت فقيل لي:هذه جارية المتوكّل ماتت؛جارية سوداء حبشية و إسمها ريحانة و كان المتوكّل يحبّها.

فلمّا نظر زيد إلى ذلك زادت أحزانه و جعل يلطم وجهه و يقول:وا أسفاه يا حسين أتقتل بالطفّ غريبا و تسبى نساؤك و بناتك و تذبح أطفالك و لم يبك عليك أحد من الناس و تدفن بغير غسل و لا كفن و يحرث بعد ذلك قبرك ليطفئوا نورك و أنت ابن عليّ المرتضى و ابن فاطمة الزهراء و يكون هذا الشأن العظيم لموت جارية سوداء!و لم يزل يبكي حتّى غشي عليه،فلمّا أفاق أنشد يقول،شعرا:

أيحرث بالطف قبر الحسين و يعمر قبر بني الزانية

لعلّ الزمان بهم قد يعود و يأتي بدولتهم ثانية

ألا لعن اللّه أهل الفساد و من يأمن الدنية الفانية

فكتب هذه الأبيات في ورقة و سلّمها لبعض حجّاب المتوكّل.

ص: 146

فلمّا قرأها المتوكّل أمر بقتله،فلمّا مثل بين يديه سأله عن أبي تراب من هو استحقارا له،فقال:و اللّه إنّك عارف به و بفضله و لا يجحده إلاّ كلّ كافر فأمر المتوكّل بحبسه،فلمّا أسدل الظلام جاء إلى المتوكّل هاتف و رفسه برجله و قال له:قم و أخرج زيدا من حبسه و إلاّ أهلك اللّه عاجلا،فقام بنفسه و أخرج زيدا و خلع عليه خلعة سنية و قال له:أطلب ما تريد؟

قال:اريد عمارة قبر الحسين عليه السّلام و أن لا يتعرّض أحد لزوّاره،فأمر له بذلك فخرج من عنده فرحا مسرورا و جعل يدور في البلدان و يقول:من أراد زيارة الحسين عليه السّلام فله الأمان طول الأزمان (1).

و في كتاب بحار الأنوار عن الحسين بن بنت أبي حمزة الثمالي قال:خرجت في آخر زمان بني مروان إلى قبر الحسين عليه السّلام مستخفيا من أهل الشام حتّى انتهيت إلى كربلاء فاختفيت في ناحية القرية حتّى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحوه حتّى إذا دنوت منه خرج إليّ رجل فقال:يا هذا إنّك لن تصل إليه.

فقلت له:عافاك اللّه و لم لا أصل إليه و قد أقبلت من الكوفة اريد زيارته فلا تحل بيني و بينه و أنا أخاف أن أصبح فيقتلني أهل الشام.

فقال:إصبر قليلا فإنّ موسى بن عمران صلوات اللّه عليه سأل اللّه أن يأذن له في زيارة قبر الحسين فأذن له فهبط من السماء في سبعين ألف ملك فهم بحضرته من أوّل الليل ينتظرون طلوع الفجر ثمّ يعرجون إلى السماء.

فقلت:من أنت؟

قال:أنا من الملائكة الذين أمروا بحرس قبر الحسين و الإستغفار لزوّاره فانصرفت فقد كاد يطير عقلي لما سمعت منه،فلمّا طلع الفجر أقبلت نحوه و دعوت2.

ص: 147


1- البحار:407/45 ح 12.

اللّه على قتلته و صلّيت الصبح و أقبلت مسرعا مخافة أهل الشام (1).

و روي عن الأعمش قال:أحدث رجل على قبر الحسين عليه السّلام فأصابه و أهل بيته جنون و جذام و برص و هم يتوارثون الجذام إلى الساعة (2).3.

ص: 148


1- مستدرك الوسائل:405/10.
2- مناقب ال أبي طالب:221/3.

قصة في من تخلف عن الحسين عليه السلام

روي أنّ رجلا كان في الكوفة من أعيان أهلها من امراء الكوفة و جنودها و كان له ديانة و ميل إلى الشيعة قال:و كان ذات ليلة نائما على سطح داره،فلمّا أصبح تخيّل إليه أنّ يستخير اللّه سبحانه في طريق النزول فاستخار أن ينزل من الدرج فكانت الاستخارة نهيا،و كذلك استخار على وضع درج ينزل منه و كلّما يستخير اللّه سبحانه على طريق تأتي الاستخارة نهيا حتّى استخار أن يرمي بنفسه من فوق السطح فجاءت موافقة الأمر فرمى بنفسه و انكسرت رجله فحمل إلى داخل منزله و شدّ عليها الجبائر و بقي يداويها فاتّفق في ذلك الوقت أنّ ابن زياد أرسل عساكر الكوفة لقتال الحسين عليه السّلام فأرسل إلى ذلك الرجل ليكون مع الجند،فقيل له:إنّه مريض و أنّ رجله مكسورة لا يقدر على الركوب.

فقال:إذا لم يقدر على المسير فليحمل و يوضع على باب الكوفة يكتب العساكر التي تخرج إلى قتال الحسين.

فحمل على بساط و وضع على باب الكوفة و أحصى في دفتر أسماء الخارجين إلى القتال و كان ذلك الدفتر عنده حتّى طابت رجله و خرج المختار و كان يتبع من خرج في العسكر فتارة يعرفهم و تارة لا يعرفهم لكثرتهم لأنّه كما سبق كانوا سبعين ألفا فأتى ذلك الرجل إلى المختار و طلب منه الأمان و دفع إليه ذلك الدفتر فكان يقتل بني اميّة و من خرج من ذلك الدفتر حتّى أتى على آخرهم (1).

ص: 149


1- رياض الأبرار للجزائري،مخطوط.

ما استدل به على قتل الحسين بن علي في البلاد

1-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن رجل عن يحيى بن بشير قال سمعت أبا بصير يقول قال أبو عبد اللّه عليه السّلام بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي فأشخصه إلى الشام فلما دخل عليه قال له:يا أبا جعفر أشخصناك لنسألك عن مسألة لم يصلح أن يسألك عنها غيري و لا أعلم في الأرض خلقا ينبغي أن يعرف أو عرف هذه المسألة إن كان إلا واحدا فقال أبي ليسألني أمير المؤمنين عما أحب فإن علمت أجبت ذلك و إن لم أعلم قلت:لا أدري و كان الصدق أولى بي فقال هشام أخبرني عن الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب عليه السّلام بما استدل به الغائب عن المصر الذي قتل فيه على قتله و ما العلامة فيه للناس فإن علمت ذلك و أجبت فأخبرني هل كان تلك العلامة لغير علي عليه السّلام في قتله فقال له أبي يا أمير المؤمنين أنه لما كانت تلك الليلة التي قتل فيها أمير المؤمنين عليه السّلام لم يرفع عن وجه الأرض حجر إلا وجد تحته دم عبيط حتى طلع الفجر و كذلك كانت الليلة التي قتل فيها هارون أخو موسى عليه السّلام و كذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون و كذلك كانت الليلة التي رفع فيها عيسى ابن مريم إلى السماء و كذلك كانت الليلة التي قتل فيها شمعون بن حمون الصفا و كذلك كانت الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب عليه السّلام و كذلك كانت الليلة التي قتل فيها الحسين بن علي عليه السّلام قال فتربد وجه هشام حتى انتقع لونه و هم أن يبطش بأبي فقال له أبي يا أمير المؤمنين الواجب على العباد الطاعة لإمامهم و الصدق له بالنصيحة و إن

ص: 150

الذي دعاني إلى أن أجيب أمير المؤمنين فيما سألني عنه معرفتي إياه بما يجب له علي من الطاعة فليحسن أمير المؤمنين علي الظن فقال له هشام إنصرف إلى أهلك إذا شئت قال فخرج فقال له هشام عند خروجه أعطني عهد اللّه و ميثاقه أن لا توقع هذا الحديث إلى أحد حتى أموت فأعطاه أبي من ذلك ما أرضاه و ذكر الحديث بطوله.

2-حدثني أبو الحسين أحمد بن عبد اللّه بن علي الناقد قال:حدثني عبد الرحمن البلخي(السلمي)قال لي أبو الحسين و أخبرني عمي عن أبيه عن أبي نصر عن رجل من أهل بيت المقدس أنه قال و اللّه لقد عرفنا أهل بيت المقدس و نواحيها عشية قتل الحسين بن علي عليه السّلام قلت:و كيف ذاك قال ما رفعنا حجرا و لا مدرا و لا صخرا إلا و رأينا تحتها دما عبيطا يغلي و احمرت الحيطان كالعلق و مطر ثلاثة أيام دما عبيطا و سمعنا مناديا ينادي في جوف الليل يقول:

أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب

معاذ اللّه لا نلتم يقينا شفاعة أحمد و أبي تراب

قتلتم خير من ركب المطايا و خير الشيب طرا و الشباب

و انكسفت الشمس ثلاثة أيام ثم تجلّت عنها و انشبكت النجوم فلما كان من غد أرجفنا بقتله فلم يأت علينا كثير شيء حتى نعي إلينا الحسين عليه السّلام.

3-حدثنا أبو الحسين أحمد بن عبد اللّه بن علي الناقد بإسناده قال:قال عمر بن سعد قال:حدثني أبو معشر عن الزهري قال لما قتل الحسين عليه السّلام لم يبق في بيت المقدس حصاة إلا وجد تحتها دم عبيط (1).8.

ص: 151


1- كامل الزيارات:78.

ما جاء في قاتل الحسين و قاتل يحيى بن زكريا عليه السّلام

1-حدثني أبي رحمه اللّه تعالى و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد ابن محمد بن عيسى و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن جعفر بن بشير عن حماد عن كليب بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا و كان قاتل الحسين عليه السّلام ولد زنا و لم تبك السماء إلا عليهما حدثني محمد بن الحسن و محمد بن أحمد بن الحسين جميعا عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن الحسن عن فضالة بن أيوب عن كليب بن معاوية الأسدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله.

2-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن إبراهيم بن هاشم عن عثمان ابن عيسى عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:إن في النار لمنزلة لم يكن يستحقها أحد من الناس إلا قاتل الحسين بن علي و يحيى ابن زكريا عليه السّلام.

3-حدثني أبي رحمه اللّه و علي بن الحسين عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:تقتل و اللّه ذراري قتلة الحسين بفعل آبائها.

4-حدثني أبي رحمه اللّه و محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة عن عبد الخالق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان قاتل الحسين عليه السّلام ولد زنا و قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا.

ص: 152

5-حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز عن خاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن علي بن النعمان عن مثنى عن سدير قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

إن اللّه جعل قتل أولاد النبيين من الأمم الماضية على يدي أولاد زنا.

6-و عنه عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان الذي قتل الحسين بن علي عليه السّلام ولد زنا و الذي قتل يحيى بن زكريا ولد زنا.

7-و عنه عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط عن إسماعيل بن أبي زياد عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول فرعون ذروني أقتل موسى فقيل له من كان يمنعه قال:كان لرشده لأن الأنبياء و الحجج لا يقتلها إلا أولاد زنا و البغايا و حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف عن محمد بن الحسين بهذا الحديث(بهذه الأحاديث).

8-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قاتل الحسين بن علي ولد زنا.

9-و حدثني أبي رحمه اللّه و محمد بن الحسن عن سعد بن عبد اللّه عن إبراهيم ابن هاشم عن عثمان بن عيسى عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لا يقتل النبيين و أولاد النبيين إلا أولاد زنا.

10-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه و عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن أبيه محمد بن خالد عن عبد العظيم بن عبد اللّه بن علي الحسني عن الحسن بن الحسين العمري عن الحسين بن شداد الجعفي عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:لا يقتل الأنبياء و أولاد الأنبياء إلا ولد زنا.

ص: 153

11-حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن الفضال عن مروان بن مسلم عن إسماعيل بن كثير قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول كان قاتل الحسين بن علي ولد زنا و كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا و لم تبك السماء و الأرض إلا لهما و ذكر الحديث (1).0.

ص: 154


1- كامل الزيارات:80.

العلة التى من أجلها أخّر اللّه العذاب عن قتلة الحسين

الهمداني،عن علي،عن أبيه،عن الهروي قال:قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام:يا ابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السّلام أنه قال:إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السّلام بفعال آبائها؟

فقال عليه السّلام:هو كذلك فقلت:و قول الله عز و جل: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (1).

ما معناه؟

قال:صدق الله في جميع أقواله،و لكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم،و يفتخرون بها،و من رضي شيئا كان كمن أتاه،و لو أن رجلا قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند الله عز و جل شريك القاتل و إنما يقتلهم القائم عليه السّلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم قال:قلت له:بأي شيء يبدأ القائم منكم إذا قام؟

قال:يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم لانهم سراق بيت الله عزّ و جل.

بالإسناد إلى أبي محمد العسكري،عن آبائه عليهم السلام أن علي بن الحسين عليه السّلام كان يذكر حال من مسخهم الله قردة من بني إسرائيل و يحكي قصتهم فلما بلغ آخرها قال:إن الله تعالى مسخ أولئك القوم لاصطياد السمك فكيف ترى عند الله يكون حال من قتل أولاد رسول الله صلى الله عليه و آله و هتك حريمه إن الله تعالى و إن لم يمسخهم في الدنيا فإن المعدّ لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ،فقيل له:يا ابن رسول الله فإنا قد سمعنا منك هذا الحديث

ص: 155


1- سورة الانعام:164،و الحديث في العيون ج 1 ص 273،علل الشرائع ج 1 ص 219.

فقال لنا بعض النصاب:فإن كان قتل الحسين باطلا فهو أعظم من صيد السمك في السبت،أفما كان يغضب على قاتليه كما غضب على صيادي السمك؟

قال علي بن الحسين عليه السّلام:قل لهؤلاء النصاب:فإن كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر بإغوائه،فأهلك الله من شاء منهم كقوم نوح و فرعون و لم يهلك إبليس و هو أولى بالهلاك فما باله أهلك هؤلاء الذين قصّروا عن إبليس في عمل الموبقات و أمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات؟ألا كان ربنا عز و جل حكيما بتدبيره و حكمه فيمن أهلك و فيمن استبقى فكذلك هؤلاء الصائدون في السبت و هؤلاء القاتلون للحسين عليه السّلام،يفعل في الفريقين ما يعلم أنه أولى بالصواب و الحكمة لا يسأل عما يفعل و عباده يسألون.

و قال الإمام الباقر عليه السّلام:لما حدّث علي بن الحسين بهذا الحديث قال له بعض من في مجلسه:يا ابن رسول الله كيف يعاتب الله و يوبّخ هؤلاء الأخلاف على قبائح أتى بها أسلافهم؟و هو يقول: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ؟

فقال زين العابدين عليه السّلام:إن القرآن نزل بلغة العرب،فهو يخاطب فيه أهل اللسان بلغتهم يقول الرجل التميمي قد أغار قومه على بلد و قتلوا من فيه:أغرتم على بلد كذا و يقول العربي أيضا:و نحن فعلنا ببني فلان و نحن سبينا آل فلان و نحن خربنا بلد كذا،لا يريد أنهم باشروا ذلك،و لكن يريد هؤلاء بالعذل،و أولئك بالإفتخار أن قومهم فعلوا كذا،و قول الله عز و جل في هذه الآية إنما هو توبيخ لأسلافهم و توبيخ العذل على هؤلاء الموجودين لأن ذلك هو اللغة التي أنزل بها القرآن،و لأن هؤلاء الأخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم مصوّبون ذلك لهم،فجاز أن يقال لهم:

أنتم فعلتم،أي إذ رضيتم قبيح فعلهم (1).

ابن الوليد،عن الصفار،عن أحمد بن محمد،عن محمد بن سنان،عن إسماعيل بن0.

ص: 156


1- كتاب الاحتجاج ص 160.

جابر،عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:سمعته يقول:القائم و الله يقتل ذراري قتلة الحسين بفعال آبائها.

محمد بن جعفر الرزاز،عن محمد بن الحسين،عن عثمان بن عيسى عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السّلام في قول الله تبارك و تعالى: فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ (1)قال:أولاد قتلة الحسين عليه السّلام.

عن سعد،عن ابن هاشم و ابن أبي الخطاب،عن عثمان بن عيسى مثله (2).

بيان:لعل المراد بالعدوان ما يسمّى ظاهرا عدوانا،و إن كان في الواقع موافقا للعدل.

عن سعد،عن ابن عيسى،عن ابن معروف،عن صفوان عن حكم الحناط (3)عن ضريس،عن أبي خالد الكابلي،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سمعته يقول في قول الله عز و جل: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (4)قال:علي و الحسن و الحسين عليهم السلام.

محمد بن جعفر القرشي الرزاز،عن ابن أبي الخطاب،عن موسى بن سعدان الحناط،عن عبد الله بن القاسم الحضرمي،عن صالح بن سهل،عن أبي عبد الله عليه السّلام في قول الله عز و جل: وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ (5)قال:قتل أمير المؤمنين و طعن الحسن بن علي عليهما السلام وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ،قتل الحسين بن علي عليه السّلام فإذا جاء وعد أولاهما.2.

ص: 157


1- سورة البقرة:193.
2- كامل الزيارات ص 64.
3- يظهر من حديث في الكافى ج 5 ص 274 أنه كان خياطا،قال:قلت لابى عبد الله عليه السلام انى اتقبل الثوب بدرهم و أسلمه بأكثر من ذلك الحديث.
4- سورة الحج:39،راجع المصدر ص 63.
5- سورة أسرى:4 و 5،راجع المصدر ص 62.

قال: إِذا جاءَ نَصْرُ الحسين بن علي بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ قوما يبعثهم الله قبل قيام القائم لا يدعون وترا لآل محمد إلا أحرقوه وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً (1).

عن سعد،عن ابن عيسى،عن محمد بن سنان،عن علي بن أبي حمزة،عن أبي بصير،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:تلاهذه الآية إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (2)قال:الحسين بن علي منهم و لم ينصر بعد ثم قال:و الله لقد قتل قتلة الحسين و لم يطلب بدمه بعد.

ابن الوليد،عن الصفار،عن ابن معروف،عن محمد بن سنان،عن رجل قال:

سألت عن أبا عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ (3)قال:ذلك قائم آل محمد يخرج فيقتل بدم الحسين بن علي فلو قتل أهل الارض لم يكن سرفا و قوله تعالى: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ لم يكن ليصنع شيئا يكون سرفا ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يقتل و الله ذراري قتلة الحسين بفعال آبائها.

عن الحسن بياع الهروي يرفعه،عن أحدهما عليهما السلام في قوله:«لا عدوان إلا على الظالمين»قال:إلا على ذرية قتلة الحسين (4).

عن إبراهيم،عمن رواه،عن أحدهما قال:قلت: فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ قال:

لا يعتدي الله على أحد إلا على نسل ولد قتلة الحسين عليه السّلام.

تاريخ بغداد و خراسان و الابانة و الفردوس قال:ابن عباس:أوحى الله تعالى إلى

ص: 158


1- بحار الأنوار:297/41-305.
2- سورة غافر:51،راجع كامل الزيارات ص 63.
3- سورة أسرى:33،راجع المصدر ص 63.
4- تفسير العياشى ج 1 ص 86 و هكذا ما يليه ص 87.

محمد صلى الله عليه و آله أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا و أقتل بابن بنتك سبعين ألفا و سبعين ألفا.

الصادق عليه السّلام:قتل بالحسين مائة ألف و ما طلب بثأره،و سيطلب بثأره (1).

علي بن الحسين قال:خرجنا مع الحسين فما نزل منزلا و لا ارتحل عنه إلا و ذكر يحيى بن زكريا و قال يوما:من هو ان الدنيا على الله أن رأس يحيى أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.

و في حديث مقاتل،عن زين العابدين(عن أبيه)أن امرأة ملك بني إسرائيل كبرت و أرادت أن تزوج ابنتها منه للملك،فاستشار الملك يحيى بن زكريا فنهاه عن ذلك فعرفت المرأة ذلك و زيّنت ابنتها و بعثتها إلى الملك فذهبت و لعبت بين يديه،فقال لها الملك:ما حاجتك؟

قالت:رأس يحيى بن زكريا فقال الملك:يا بنية حاجة غير هذا،قالت:ما أريد غيره،و كان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملكه،فخيّر بين ملكه و بين قتل يحيى فقتله،ثم بعث برأسه إليها في طست من ذهب فأمرت الارض فأخذتها و سلّط اللّه عليهم بختنصر فجعل يرمي عليهم بالمناجيق و لا تعمل شيئا فخرجت إليه عجوز من المدينة فقالت:أيها الملك إن هذه مدينة الأنبياء لا تنفتح إلا بما أدلك عليه قال:لك ما سألت قالت:إرمها بالخبث و العذرة ففعل فتقطّعت فدخلها فقال:علي بالعجوز فقال لها:ما حاجتك؟

قالت:في المدينة دم يغلي فاقتل عليه حتى يسكن فقتل عليه سبعين ألفا حتى سكن،يا ولدي يا علي و الله لا يسكن دمي حتى يبعث اللّه المهدي فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفا (2).4.

ص: 159


1- المناقب ج 4 ص 81.
2- المناقب:81/4.

فهرس الموضوعات

إخبار اللّه تعالى أنبياءه و نبينا بشهادة الإمام الحسين 3

ما أخبر به النبي و علي و الحسين عليهم السلام بشهادته 35

الإخبارات العامة بقتل الحسين عليه السلام 56

أنباء باستشهاد الحسين عليه السلام قبل وقوعه 62

1-خبر رأس الجالوت:62

2-خبر كعب 63

3-حديث أسماء بنت عميس 65

4-حديث أم الفضل 66

5-في مقتل الخوارزمي 67

6-رواية زينب بنت جحش في بيتها 68

7-حديث أنس بن مالك 69

8-حديث أبي أمامة 70

9-روايات أم سلمة 71

10-روايات عائشة 75

11-رواية معاذ بن جبل:78

12-رواية سعيد بن جمهان 78

13-روايات ابن عباس 79

14-رواية أنس بن الحارث و استشهاده 79

ص: 160

15-رجل من بنى أسد:80

16-روايات الإمام علي عليه السلام 82

خبر عبد اللّه بن يحيى:91

خبر سويد بن غفلة 92

خبر البراء 93

ما رواه ابن أبي الحديد 93

كما رواه الطبراني:94

ما رواه القرشي 94

علم الملائكة بقتل الحسين عليه السّلام 96

الأمر بنصرة الحسين عليه السلام 97

أثر ترك نصرة الإمام الحسين عليه السلام 100

ما جرى على من لم ينصر الحسين عليه السلام 101

لعن قتلة الحسين عليه السلام 108

دعاء الحمام و لعنها على قاتل الحسين عليه السّلام 117

ثواب من شرب الماء و ذكر الحسين عليه السّلام و لعن قاتله 118

كفر قتلة الحسين و ثواب لعنهم و شدة عذابهم 119

عذاب من شارك في القتل 130

عذاب من لم ينصر الحسين عليه السلام و إن لم يقاتل 131

ما حصل بقاتلي الحسين عليه السلام 133

إنتقام القائم من قتلة الحسين عليهما السلام 136

عذاب قتلة الحسين عليه السلام 137

ص: 161

شدة عذاب قتلة الحسين عليه السلام في النار 140

قصة في من تخلف عن الحسين عليه السلام 149

ما استدل به على قتل الحسين بن علي في البلاد 150

ما جاء في قاتل الحسين و قاتل يحيى بن زكريا عليه السّلام 152

العلة التى من أجلها أخّر اللّه العذاب عن قتلة الحسين 155

ص: 162

المجلد 11

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

[الجزء الحادي عشر(التخطيط لثورة عاشوراء)]

التخطيط للثورة الكبرى

حال المسلمين في عصر الإمام الحسين عليه السلام

قال السيد مرتضى العسكري:كان المسلمون في عاصمتي الإسلام مكة و المدينة و عاصمتي الخلافة الكوفة و الشام يرون التمسك بالدين في طاعة الخليفة مهما كانت صفاته و في كل ما يأمر،و يرون في الخروج عليه شقا لعصا المسلمين و مروقا من الدين،هذه كانت حالتهم و فيهم بقية ممن رأى رسول اللّه و سمع حديثه و فيهم التابعون باحسان و فيهم علية المسلمين.

و بالقياس إلى هؤلاء،كيف كانت حال المسلمين في سائر الحواضر الإسلامية و بلاده النائية مثل من كان في أقاصي أفريقيا و إيران و الجزيرة العربية ممن لم يروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لم يصاحبوا أهل بيته أو خريجي مدرسته،أولئك المسلمين الذين كانوا يعرفون الإسلام من خلال ما يرونه في عاصمة الخلافة و بلاط الخليفة خاصة و يمثل الإسلام في عرفهم الخليفة و سيرته!و ما أدراك ما الخليفة و ما سيرته!

الخليفة الذي لا يردعه رادع من دين عن نيل ما يشتهيه!الخليفة الذي يشرب الخمر،و يترك الصلاة!و يضرب بالطنابير و يعزف عنده القيان و يلعب بالكلاب و يسمر عنده الخراب و الفتيان.

ص: 3

الخليفة الذي ينكح أمهات الأولاد و البنات و الأخوات (1).

الخليفة الذي يأمر بقتل سبط الرسول و يسبي بناته و يبيح حرم الرسول و يرمي الكعبة بالمنجنيق و ينشد:

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل (2)

هذا هو الإسلام الذي كانوا يجدونه لدى خليفة اللّه و خليفة رسوله (3).

و كان يقال للمسلمين في كل مكان ان التمسك بالدين في طاعة هذا الخليفة.

إذا فقد تبيّن أن المشكلة يوم ذاك لم تكن مشكلة تسلط الحاكم الجائر كي يعالج بتبديله بحاكم عادل،بل كانت مشكلة ضياع الأحكام الإسلامية،و تدين المسلمين بطاعة الخليفة مهما كانت أوامره و رؤيتهم لمقام الخلافة و مع هذه الحالة كان العلاج منحصرا بتغيير رؤية المسلمين هذه و عقيدتهم تلك كي يتيسر بعد ذلك إعادة الاحكام الإسلامية من جديد و كان الإنسان الوحيد الذي يستطيع أن ينهض بعبء هذا التغيير هو الإمام الحسين عليه السّلام من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و مقامه منه،و لما ورد في حقه من الآيات و الأحاديث.

كان على هذا الإنسان مع تلك الميزات أن يختار يومئذ أحد أمرين لا ثالث لهما.

إما أن يبايع يزيدا و يحظى بعيش رغيد في الدنيا مع بقاء حب المسلمين و احترام كافة الناس إياه و هو يعلم أن بيعته أولا-إقرار منه ليزيد على كل فجوره و كفره و تظاهره بهما!و ثانيا-إقرار منه للمسلمين في ما يعتقدونه في أمثال يزيد ممن3.

ص: 4


1- هكذا وصفه أماثل أهل المدينة الذين وفدوا إليه و شاهدوه من قريب مع أنه برهم و أكرمهم.
2- ذكرنا مصادر هذه الأخبار في ما سبق من هذا الكتاب.
3- كانت عصبة الخلافة تسمي الخليفة بخليفة اللّه كما مر الإشارة إليه،و قد قال مروان بن أبي حفصة في وصف دفاع معن عن المنصور يوم الهاشمية: ما زلت يوم الهاشمية معنا بالسيف دون خليفة الرحمن مروج الذهب 286/3.

تربع على دست الخلافة بالبيعة بأنهم الممثلون الشرعيون للّه و رسوله و أن طاعتهم واجبة على كل حال و في كل ما يأمرون!و في الإقرارين قضاء على شريعة جده سيد المرسلين،و تؤول شريعته بعد ذاك مآل شريعة موسى و عيسى و شرائع سائر النبيين و بذلك كان سبط رسول اللّه يحمل آثام أهل عصره و آثام من جاء بعدهم إلى يوم القيامة فإنه لم يكن قد بقي من الرسول سبط غير الحسين و لم يمهد لأحد ما مهد له كما ذكرنا،و لم يكن يأتي بعده من يصبح له شأن عند المسلمين كشأن الإمام الحسين عليه السّلام.

إذن فهو الإنسان الوحيد الذي أنيطت به تلك المهمة الخطيرة مدى الدهر و عليه أن يختار أحد أمرين إما أن يبايع أو ينكر على يزيد أعماله و على المسلمين كافة إقرارهم أعمال يزيد،و بذلك يغير ما كانوا عليه و يمكن الأئمة من بعده أن يقوموا بإحياء ما اندرس من شريعة جده و هذا ما اختاره الإمام الحسين عليه السّلام و استهدفه في قيامه و اتخذه شعارا لنفسه و سلك سبيلا يوصله إليه كما نبينه في ما يأتي من أبحاث (1).1.

ص: 5


1- معالم المدرستين للعسكري:299/3-301.

الإمام الحسين مع أخيه محمد بن الحنفية

في اللهوف:سار محمد بن الحنفية إلى الحسين عليه السّلام في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها عن مكة،فقال:يا أخي ان أهل الكوفة من عرفت غدرهم بأبيك و أخيك و قد خفت أن يكون حالك كحال من مضى،فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من في الحرم و أمنعه.

فقال:يا أخي خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم،فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت (1).

وصية الحسين عليه السلام

بسم اللّه الرحمن الرحيم-هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية ان الحسين يشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله،جاء بالحق من عند الحق،و أن الجنة و النار حق،و أن الساعة آتية لا ريب فيها،و أن اللّه يبعث من في القبور،و اني لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و لا ظالما و إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلّى اللّه عليه و اله،أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر،و أسير بسيرة جدي و أبي علي بن أبي طالب فمن

ص: 6


1- في فتوح أعثم 34/5،مقتل الخوارزمي 188/1 و بعد سيرة جدي و أبي،أضافت يد التحريف «و سيرة الخلفاء الراشدين المهديين رضي اللّه عنهم»و ان الراشدين اصطلاح تأخر استعماله عن عصر الخلافة الأموية و لم يرد في نص ثبت وجوده قبل ذلك و يقصد بالراشدين الذين أتوا إلى الحكم بعد رسول اللّه متواليا من ضمنهم الإمام علي،فلا يصح ان يعطف الراشدين على اسم الإمام،كل هذا يدلنا على أن الجملة أدخلت في لفظ الإمام الحسين.

قبلني بقبول الحق فاللّه أولى بالحق و من رد على هذا أصبر حتى يقضي اللّه بيني و بين القوم بالحق و هو خير الحاكمين و هذه وصيتي يا أخي إليك و ما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكلت و اليه أنيب.ثم طوى الحسين الكتاب و ختمه بخاتمه و دفعه إلى أخيه محمد ثم ودعه و خرج في جوف الليل (1).ن.

ص: 7


1- في فتوح أعثم 34/5،مقتل الخوارزمي 188/1 و بعد سيرة جدي و أبي،أضافت يد التحريف «و سيرة الخلفاء الراشدين المهديين رضي اللّه عنهم»و ان الراشدين اصطلاح تأخر استعماله عن عصر الخلافة الأموية و لم يرد في نص ثبت وجوده قبل ذلك و يقصد بالراشدين الذين أتوا إلى الحكم بعد رسول اللّه متواليا من ضمنهم الإمام علي،فلا يصح ان يعطف الراشدين على اسم الإمام،كل هذا يدلنا على أن الجملة أدخلت في لفظ الإمام الحسين.

سبب تخلّف محمّد ابن الحنفية عن الإمام الحسين عليه السلام

قيل في أسباب تخلّف محمّد بن عليّ عليه السّلام وجوه:

منها:إنّ الحسين عليه السّلام لمّا خرج من المدينة لحقه محمّد و أشار عليه أن يقيم إمّا بمكّة أو يسير إلى اليمن،و أبى الإمام عليه السّلام إلاّ المسير إلى العراق ثمّ قال لمحمّد:و أمّا أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم لا تخفي عنّي شيئا من امورهم ثمّ دعا بدواة و بياض و كتب وصيّته و جعل محمّدا الوصيّ (1).فيكون تخلّف محمّد بأمر الإمام الحسين عليه السّلام.

على أنّ من جملة المصالح في تخلّفه بالمدينة بأن يكون مرجعا لبني هاشم كيلا يضاموا بعد خروج الحسين عليه السّلام.

و منها:ما روي أنّه لما عوتب محمّد بن عليّ عليه السّلام على ترك الخروج ذكر كلاما حاصله:إنّي علمت بعلم عهده إليّ أبي أمير المؤمنين عليه السّلام أسماء الذين يستشهدون مع الحسين عليه السّلام و أسماء آبائهم و لم أر إسمي بينهم فعلمت أنّي لست من الشهداء معه و خاف أن يكون في سيره معه مثله مثل خروج عقيل إلى معاوية و تركه أمير المؤمنين عليه السّلام و إن كان محمّد أجلّ شأنا و أرفع مكانا من أن تعتريه مثل هذه الهواجس.

ص: 8


1- البحار:329/44.

و منها:ما روي في الأثر أنّ محمّد بن الحنفيّة قد أصابته عين في يده فخرج بها خراج و قد تعطّلت عن حمل السلاح فيكون معذورا في ترك الخروج مع أنّ الحسين عليه السّلام لم يطلب منه الخروج معه و ذاك محلّ الإشكال.

ص: 9

دراسة الإمام لأبعاد الثورة

اشارة

قال السيد محمد باقر القرشي:درس الإمام الحسين عليه السّلام أبعاد الثورة بعمق و شمول،و خطط أساليبها بوعي و إيمان،فرأى أن يزج بجميع ثقله في المعركة، و يضحّي بكل شيء لإنقاذ الأمة من محنتها في ظل ذلك الحكم الأسود الذي تنكّر لجميع متطلبات الأمة..و قد أدرك المستشرق الألماني ماريين تخطيط الإمام الحسين لثورته،فاعتبر أن الحسين قد توخّى النصر منذ اللحظة الأولى،و علم النصر فيه،فحركة الحسين في خروجه على يزيد-كما يقول-إنما كانت عزمة قلب كبير عز عليه الإذعان،و عز عليه النصر العاجل،فخرج بأهله و ذويه ذلك الخروج الذي يبلغ به النصر الآجل بعد موته،و يحيي به قضية مخذولة ليس لها بغير ذلك حياة.

لقد أيقن أبو الشهداء عليه السّلام أن القضية الإسلامية لا يمكن أن تنتصر إلا بفخامة ما يقدمه من التضحيات فصمم بعزم و إيمان على تقديم أروع التضحيات و هذه بعضها:

1-التضحية بنفسه

و أعلن الإمام عليه السّلام عن عزمه على التضحية بنفسه،فأذاع ذلك في مكة فأخبر المسلمين أن أوصاله سوف تتقطع بين النواويس و كربلا،و كان في أثناء مسيرته إلى العراق يتحدث عن مصرعه،و يشابه بينه و بين أخيه يحيى بن زكريا و أن رأسه

ص: 10

الشريف سوف يرفع إلى بغي من بغايا بني أمية كما رفع رأس يحيى إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.

لقد صمم على الموت و استهان بالحياة من أجل أن ترتفع راية الحق و تعلو كلمة الله في الأرض و بقي صامدا على عزمه الجبار فلم يرتهب حينما أحاطت به الجيوش الهائلة و هي تبيد أهل بيته و أصحابه في مجزرة رهيبة اهتز من هولها الضمير الإنساني،و قد كان في تلك المحنة الحازبة من أربط الناس جأشا، و أمضاهم جنانا،فلم ير قبله و لا بعده شبيها له في شدة بأسه و قوة عزيمته،كما لا يعرف التأريخ في جميع مراحله تضحية أبلغ أثرا في حياة الناس من تضحيته عليه السّلام فقد بقيت صرخة مدوية في وجوه الظالمين و المستبدين.

2-التضحية بأهل بيته

و أقدم أبو الشهداء عليه السّلام على أعظم تضحية لم يقدمها أي مصلح اجتماعي في الأرض،فقد قدّم أبناءه و أهل بيته و أصحابه فداءا لما يرتأيه ضميره من تعميم العدل و إشاعة الحق و الخير بين الناس.

و قد خطط هذه التضحية،و آمن بأنها جزء من رسالته الكبرى،و قد أذاع ذلك و هو في يثرب حينما خفت إليه السيدة أم سلمة زوج النبي تعذله عن الخروج، فأخبرها عن قتله و قتل أطفاله..و قد مضى إلى ساحات الجهاد و هو متسلح بهذا الإيمان،فكان يشاهد الصفوة من أصحابه الذين هم من أنبل من عرفتهم الإنسانية في ولائهم للحق،و هم يتسابقون إلى المنية بين يديه،و يرى الكواكب من أهل بيته و أبنائه،و هم في غضارة العمر و ريعان الشباب،و قد تناهبت أشلاءهم السيوف و الرماح،فكان يأمرهم بالثبات و الخلود إلى الصبر قائلا:

«صبرا يا بني عمومتي،صبرا يا أهل بيتي لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا!!».

ص: 11

و اهتزت الدنيا من هول هذه التضحية التي تمثل شرف العقيدة،و سمو القصد و عظمة المبادىء التي ناضل من أجلها،و هي-من دون شك-ستبقى قائمة على ممر القرون و الأجيال،تضيء للناس الطريق،و تمدهم بأروع الدروس عن التضحية في سبيل الحق و الواجب.

ص: 12

3-التضحية بأمواله

و ضحى أبي الضيم بجميع ما يملك فداءا للقرآن،و وقاية لدين الله،و قد هجمت- بعد مقتله-الوحوش الكاسرة من جيوش الأمويين على مخيمه فتناهبوا ثقله و متاعه حتى لم يتركوا ملحفة أو إزارا على مخدرات الرسالة إلا نهبوه،و مثّلوا بذلك خسة الإنسان حينما يفقد ذاتياته،و يمسخ ضميره.

4-حمل عقائل النبوة

و كان من أروع ما خططه الإمام العظيم عليه السّلام في ثورته الكبرى حمله لعقائل النبوة و مخدرات الرسالة إلى كربلاء،و هو يعلم ما سيجري عليهن من النكبات و الخطوب، و قد أعلن ذلك حينما عذله ابن عباس عن حملهن معه إلى العراق،فقال له:

«قد شاء الله أن يراهن سبايا...».

لقد أراد عليه السّلام بذلك أن يستكمل أداء رسالته الخالدة في تحرير الأمة و إنقاذها من الاستعباد الأموي..و قد قمن تلك السيدات بدور مشرق في إكمال نهضة أبي الشهداء عليه السّلام فأيقظن المجتمع بعد سباته،و أسقطن هيبة الحكم الأموي،و فتحن باب الثورة عليه،و لولاهن لم يتمكن أحد أن يفوه بكلمة واحدة أمام ذلك الطغيان الفاجر، و قد أدرك ذلك كل من تأمل في نهضة الإمام و درس أبعادها،و قد ألمح إليها بعض العلماء و الكتاب،و فيما يلي بعضهم:

ص: 13

سبب اصطحاب النساء

رأي الإمام كاشف الغطاء

و أكد الإمام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كثير من مؤلفاته أن الغاية من خروج الإمام بعائلته إلى كربلا إكمالا لنهضته و بلوغا إلى هدفه في تحطيم دولة الأمويين يقول:«و هل تشك و ترتاب في أن الحسين عليه السّلام لو قتل هو و ولده،و لم يتعقبه قيام تلك الحرائر في تلك المقامات بتلك التحديات لذهب قتله جبارا،و لم يطلب به أحد ثارا و لضاع دمه هدرا،فكان الحسين يعلم أن هذا عمل لا بد منه،و أنه لا يقوم به إلا تلك العقائل فوجب عليه حتما أن يحملهن معه لا لأجل المظلومية بسببهن فقط،بل لنظر سياسي و فكر عميق،و هو تكميل الغرض،و بلوغ الغاية من قلب الدولة على يزيد،و المبادرة إلى القضاء عليها قبل أن تقضي على الإسلام و تعود الناس إلى جاهليتها الأولى..».

ص: 14

رأي أحمد فهمي

يقول الأستاذ السيد أحمد فهمي:«و قد أدرك الحسين أنه مقتول إذ هو يعلم علم اليقين قبح طوية يزيد،و إسفاف نحيزته،و سوء سريرته فيزيد بعد قتل الحسين ستمتد يده إلى أن يؤذي النبي صلّى اللّه عليه و اله في سلالته من قتل الأطفال الأبرياء،و انتهاك حرمة النساء،و حملهن و من بقي من الأطفال من قفرة إلى قفرة و من بلد إلى بلد، فيثير مرأى أولئك حفيظة المسلمين،فليس ثمة أشنع،و لا أفظع من التشفي و الانتقام من النساء و الأطفال بعد قتل الشباب و الرجال فهو بخروجه بتلك الحالة أراد أن يثأر من يزيد في خلافته،و يقتله في كرامته،و حقا لقد وقع ما توقعه،فكان لما فعله يزيد و عصبته من فظيع الأثر في نفوس المسلمين،و زاد في أضغانهم ما عرّضوا به سلالة النبوة من هتك خدر النساء،و هن اللاتي ما عرفن إلا بالصيانة و الطهر و العز و المنعة،مما أطلق ألسنة الشعراء بالهجاء و الذم،و نفر أكثر المسلمين من خلافة الأمويين،و أسخط عليهم قلوب المؤمنين،فقد قتله الحسين أشد من قتله إياه».

ص: 15

رأي أحمد محمود صبحي

يقول الدكتور أحمد محمود صبحي:«ثم رفض-يعني الحسين-إلا أن يصحب أهله ليشهد الناس على ما يقترفه أعداؤه بما لا يبرره دين و لا وازع من إنسانية،فلا تضيع قضيته مع دمه المراق في الصحراء فيفترى عليه أشد الافتراء حين يعدم الشاهد العادل على كل ما جرى بينه و بين أعدائه،تقول الدكتورة بنت الشاطى:

أفسدت زينب أخت الحسين على ابن زياد و بني أمية لذة النصر،و سكبت قطرات من السم الزعاف في كؤوس الظافرين و إن كل الأحداث السياسية التي ترتبت بعد ذلك من خروج المختار و ثورة ابن الزبير و سقوط الدولة الأموية و قيام الدولة العباسية ثم تأصل مذهب الشيعة إنما كانت زينب هي باعثة ذلك و مثيرته.

أريد أن أقول ماذا يكون الحال لو قتل الحسين و من معه جميعا من الرجال إلا أن يسجل التأريخ هذه الحادثة الخطيرة من وجهة نظر أعدائه فيضيع كل أثر لقضيته مع دمه المسفوك في الصحراء..».

هذه بعض الآراء التي تدعم ما ذكرناه من أن خروج الحسين عليه السّلام بعائلته لم يكن الغرض منه إلا بلورة الرأي العام،و إيضاح المقاصد الرفيعة التي ثار من أجلها و من أهمها القضاء على دولة الأمويين التي كانت تشكل خطرا مباشرا على العقيدة الإسلامية و هناك رأي آخر أدلى به العلامة المغفور له الشيخ عبد الواحد المظفر، و هو أن الحسين إنما خرج بعائلته خوفا عليها من اعتقال الأمويين و زجها في سجونهم قال:«الحسين لو أبقى النساء في المدينة لوضعت السلطة الأموية عليها الحجر،لا بل اعتقلتها علنا و زجتها في ظلمات السجون،و لا بد له حينئذ من أحد

ص: 16

أمرين خطيرين كل منهما يشل أعضاء نهضته المقدسة!

إما الاستسلام لأعدائه و إعطاء صفقته لهم طائعا ليستنقذ العائلة المصونة و هذا خلاف الإصلاح الذي ينشده،و فرض على نفسه القيام به مهما كلفه الأمر من الأخطار،أو يمضي في سبيل إحياء دعوته،و يترك المخدرات اللواتي ضرب عليهن الوحي سترا من العظمة و الإجلال،و هذا ما لا تطيق احتماله نفس الحسين الغيور و لا يردع أمية رادع من الحياء،و لا يزجرها زاجر من الإسلام.

إن أمية لا يهمها اقتراف الشائن في بلوغ مقاصدها،و إدراك غاياتها فتتوصل إلى غرضها و لو بارتكاب أقبح المنكرات الدينية و العقلية.

ألم يطرق سمعك سجن الأمويين لزوجة عمرو بن الحمق الخزاعي،و زوجة عبيد الله بن الحر الجعفي و أخيرا زوجة الكميت الأسدي».

و على أي حال فقد حطم الإمام بخروجه و عائلته جميع مخططات السياسة الأموية و نسف جميع ما أقامه معاوية من معالم الظلم،فقد قمن عقائل الوحي بدور فعال ببث الوعي الاجتماعي،و تعريف المجتمع بواقع الأمويين و تجريدهم من الإطار الديني،و لولاهن لاندرست معالم ثورة الحسين،و ذهبت أدراج الرياح.

إن من ألمع الأسباب في استمرار خلود مأساة الإمام الحسين عليه السّلام و استمرار فعالياتها في بث الإصلاح الاجتماعي على امتداد التأريخ هو حمل و دائع الرسالة و عقائل الوحي مع الإمام فقد قمن بدور مشرق ببلورة الرأي العام،فحملن راية الإيمان التي حملها الإمام العظيم،و نشرن مبادئه العليا التي استشهد من أجلها،فقد انبرت حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و شقيقة الحسين السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السّلام إلى ساحات الجهاد،و هي تدك حصون الظالمين،و تدمر جميع ما أحرزوه من الانتصارات في قتل أخيها،و تلحق بهم الهزيمة و العار،و تملأ بيوتهم مأساة و حزنا.

لقد أقبلت قائدة المسيرة الحسينية عقيلة الوحي زينب عليه السّلام إلى ساحة المعركة

ص: 17

و هي تشق صفوف الجيش تفتش عن جثمان أخيها الإمام العظيم فلما وقفت عليه شخصت لها أبصار الجيش،و استحال إلى سمع فماذا تقول أمام هذه الخطوب المذهلة التي تواكبت عليها؟

إنها وقفت عليه غير مدهوشة لم تذهلها الرزايا التي تميد منها الجبال،فشخصت ببصرها إلى السماء؟و هي تقول بحماسة الإيمان و حرارة العقيدة قائلة:

«اللّهم تقبل منا هذا القربان».

و أطلقت بذلك أول شرارة للثورة على الحكم الأموي بعد أخيها،و ود الجيش أن تسيخ به الأرض فقد استبان له عظم ما اقترفه من الإثم و أنه قد أباد عناصر الإسلام،و مراكز الوعي و الإيمان.

و لما اقتربت سبايا أهل البيت عليهم السّلام إلى الكوفة خرجت الجماهير الحاشدة لاستقبال السبايا فخطبت فيهم عقيلة الوحي خطابا مثيرا و مذهلا و إذا بالناس حيارى لا يعون و لا يدرون قد استحالت بيوتهم إلى مآتم و هم يندبون حظهم التعيس و يبكون على ما اقترفوه من الجرم،و حينما انتهت إلى دار الإمارة استقبلها الطاغية متشفيا بأحط و أخس ما يكون التشفي قائلا:

«كيف رأيت صنع الله بأخيك؟».

و انطلقت عقيلة بني هاشم ببسالة و صمود فأجابته بكلمات النصر و الظفر قائلة:

«ما رأيت إلا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، و سيجمع الله بينك و بينهم فتحاج و تخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمك يابن مرجانة».

و أخزت هذه الكلمات ابن مرجانة فكانت أشق عليه من ضرب السيوف و طعن الرماح،و لما انتهت إلى الشام هزت العرش الأموي بخطابها المثير الرائع،و حققت بذلك من النصر ما لم تحققه الجيوش...

لقد كان حمل الإمام الحسين لعائلته قائما على أساس من الوعي العميق الذي

ص: 18

أحرز به الفتح و النصر.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض أسباب الثورة الحسينية و مخططاتها (1).2.

ص: 19


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:218/2.

بداية التخطيط في مكة

اشارة

و بعد ما أعلن الإمام الحسين عليه السّلام رفضه الكامل لبيعة يزيد اتجه مع أهل بيته إلى مكة التي هي حرم الله،و حرم رسوله،عائذا ببيتها الحرام الذي فرض فيه تعالى الأمن و الطمأنينة لجميع العباد.

لقد اتجه إلى هذا البلد الأمين ليكون بمأمن من شرور الأمويين و اعتداءاتهم، و يقول المؤرخون:إنه خرج ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب سنة(60 ه)و قد خيم الذعر على المدنيين حينما رأوا آل النبي صلّى اللّه عليه و اله ينزحون عنهم إلى غير مآب.

و فصل الركب من يثرب،و هو جاد في مسيرته،و كان الإمام عليه السّلام يتلو قوله تعالى:

«رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ» .

لقد شبه خروجه بخروج موسى على فرعون زمانه،و كذلك قد خرج على طاغية زمانه فرعون هذه الأمة ليقيم الحق،و يبني صروح العدل و سلك الطريق العام الذي يسلكه الناس من دون أن يتجنب عنه،و أشار عليه بعض أصحابه أن يحيد عنه- كما فعل ابن الزبير-مخافة أن يدركه الطلب من السلطة في يثرب،فأجابه عليه السّلام بكل بساطة و ثقة في النفس قائلا:

«لا و الله لا فارقت هذا الطريق أبدا أو أنظر إلى أبيات مكة،أو يقضي الله في ذلك ما يحب و يرضى..».

لقد رضي بكل قضاء يبرمه الله،و لم يضعف،و لم توهن عزيمته الأحداث الهائلة التي لا يطيقها أي إنسان،و كان يتمثل في أثناء مسيرته بشعر يزيد بن المفرغ:

لا ذعرت السوام في فلق الصبح مغيرا و لا دعيت يزيدا

ص: 20

يوم أعطي مخافة الموت ضيما و المنايا ترصدنني أن أحيدا

لقد كان على ثقة أن المنايا ترصده ما دام مصمما على عزمه الجبار في أن يعيش عزيزا لا يضام و لا يذل و لا يخضع لحكم يزيد..و يقول بعض الرواة أنه كان في مسيرته ينشد هذه الأبيات:

إذا المرء لم يحم بنيه و عرسه و نسوته كان اللئيم المسببا

و في دون ما يبغي يزيد بنا غدا نخوض حياض الموت شرقا و مغربا

و نضرب كالحريق مقدما إذا ما رآه ضيغم راح هاربا

و دل هذا الشعر على مدى عزمه على أن يخوض حياض الموت سواء أكانت في المشرق أم في المغرب و لا يبايع يزيد بن معاوية.

مع عبد الله بن مطيع

و استقبله في أثناء الطريق عبد الله بن مطيع العدوي،فقال له:

أين تريد أبا عبد الله،جعلني الله فداك؟

-أما في وقتي هذا أريد مكة،فإذا صرت إليها استخرت الله في أمري بعد ذلك.

-خار الله لك يا ابن بنت رسول الله فيما قد عزمت عليه،إني أشير عليك بمشورة فاقبلها مني.

-ما هي؟

-إذا أتيت مكة فاحذر أن يغرك أهل الكوفة،فبها قتل أبوك و أخوك طعنوه بطعنة كادت أن تأتي على نفسه،فالزم الحرم فإنك سيد العرب في دهرك فو الله لئن هلكت ليهلكن أهل بيتك بهلاكك.و شكره الإمام و ودّعه و دعى له بخير و سار موكب الإمام يجد السير لا يلوي على شي حتى انتهى إلى مكة فلما نظر الإمام إلى جبالها تلا قوله تعالى: وَ لَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ.

ص: 21

لقد كانت هجرته إلى مكة كهجرة موسى إلى مدين،فكل منهما قد فر من فرعون زمانه،و هاجر لمقاومة الظلم و مناهضة الطغيان.

وصول الإمام الى مكة

و انتهى الإمام إلى مكة ليلة الجمعة لثلاث ليال مضين من شعبان و قد حط رحله في دار العباس بن عبد المطلب و قد استقبل استقبالا حافلا من المكيين،و جعلوا يختلفون إليه بكرة و عشية،و هم يسألونه عن أحكام دينهم،و أحاديث نبيهم،يقول ابن كثير:«و عكف الناس بمكة يفدون إليه،و يجلسون حواليه،و يستمعون كلامه، و ينتفعون بما يسمع ون منه،و يضبطون ما يروون عنه»لقد كان بجاذبيته الروحية مهوى القلوب،و ندى الأفئدة،و قد حامت حوله النفوس تروي غليلها من نمير علومه التي هي امتداد من علوم جده مفجر العلم و النور في الأرض.

احتفاف الحجاج و المعتمرين به

و أخذ القادمون إلى بيت الله من الحجاج و المعتمرين من سائر الآفاق يختلفون إليه و يهتفون بالدعوة إليه،و يطوفون حوله،هذا يلتمس منه العلم و الحديث،و ذاك يقتبس منه الحكم النافعة،و الكلم الجامعة ليهتدي بأنوارهما في ظلمات الحياة و لم يترك الإمام ثانية من وقته تمر دون أن يبث الوعي الاجتماعي،و يدعو إلى اليقظة و الحذر من السياسة الأموية الهادفة إلى استعباد المسلمين و إذلالهم (1).

ص: 22


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:221/2.
فزع ابن الزبير

و كان ابن الزبير لاجئا إلى مكة فرارا من البيعة ليزيد،و قد ثقل عليه اختلاف الناس على الإمام الحسين عليه السّلام و إجماعهم على تعظيمه و تبجيله و زهد الناس و انصرافهم عنه لأنه لم يكن يتمتع بصفة محبوبة،و لا بنزعة كريمة،يقول زيد بن علي الجذعاني:«و كانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة لأنه كان بخيلا ضيق العطن سيء الخلق،حسودا كثير الخلاف أخرج محمد بن الحنفية،و نفى عبد الله بن عباس إلى الطائف»و من مظاهر ذاتياته الشح و البخل،و فيه يقول الشاعر:

رأيت أبا بكر و ربك غالب على أمره يبغي الخلافة بالتمر

و قد عانى الشعب في أيام حكمه القصير الجوع و الحرمان،كما عانت الموالي التي بالغت في نصرته أشد ألوان الضيق،و قد عبّر شاعرهم عن خيبة أملهم في نصرته يقول:

إن الموالي أمست و هي عاتبة على الخليفة تشكو الجوع و السغبا

ماذا علينا و ماذا كان يرزؤنا أي الملوك على من حولنا غلبا

و قد أظهر ابن الزبير النسك و الطاعة و التقشف تصنعا لصيد البسطاء و إغراء السذج،و قد وصفه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بقوله:«ينصب حبالة الدين لاصطفاء الدنيا».

و من المؤكد أنه لم يكن يبغي في خروجه على سلطان بني أمية وجه الله و إنما كان يبغي الملك و السلطان،و قد أدلى بذلك عبد الله بن عمر حينما ألحّت عليه زوجته في مبايعته،و ذكرت له طاعته و تقواه فقال لها:

ص: 23

«أما رأيت بغلات معاوية التي كان يحج عليها الشهباء؟فإن ابن الزبير ما يريد غيرهن».

و على أي حال فإن ابن الزبير لم يكن شيء أثقل عليه من أمر الحسين لعلمه بأنه لا يبايعه أحد مع وجود الحسين عليه السّلام لأنه ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فليس على وجه الأرض أحد يساميه و لا يساويه-كما يقول ابن كثير-و أكد ذلك(أوكلي)قال:«إن ابن الزبير كان مقتنعا تماما بأن كل جهود ستضيع عبثا طالما بقي الحسين على قيد الحياة،و لكن إذا أصابه مكروه فإن طريق الخلافة سيكون ممهدا له».

و كان يشير إلى الإمام بالخروج إلى العراق للتخلص منه،و يقول له:«ما يمنعك من شيعتك و شيعة أبيك؟فو الله لو أن لي مثلهم ما توجهت إلا إليهم».

و لم يمنح ابن الزبير النصيحة للإمام،و لم يخلص له في الرأي،و إنما أراد أن يستريح منه،و لم تخف على الإمام دوافعه،فراح يقول لأصحابه:

«إن هذا-و أشار إلى ابن الزبير-ليس شيء من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز و قد علم أن الناس لا يعدلونه بي فود أني خرجت حتى يخلو له».

و لم تحفل السلطة الأموية بابن الزبير و إنما وجهت جميع اهتمامها نحو الإمام الحسين.

رأي الغزالي

و استبعد الشيخ محمد الغزالي أن ابن الزبير قد أشار على الحسين بالخروج إلى العراق ليستريح منه،قال:«فعبد الله بن الزبير أتقى لله و أعرق في الإسلام من أن يقترف هذه الدنية».

و هذا الرأي بعيد عن الواقع فإن ابن الزبير لم تكن له أية حريجة في الدين فهو الذي أجج نار الفتنة في حرب الجمل و زج أباه فيها،و قد تهالك على السلطان،

ص: 24

و ضحى بكل شيء في سبيله،و قد كان من أعدى الناس للعترة الطاهرة،و من كان هذا شأنه فهل يكون تقيا و عريقا في الإسلام؟.

رأي رخيص

من الآراء الرخيصة ما ذهب إليه أنيس زكريا المعروف بنزعته الأموية أن من أهم الأسباب التي أدت إلى قتل الإمام الحسين عليه السّلام تشجيع ابن الزبير له في الخروج إلى العراق،فقد كان له أثره المهم في نفسه و هذا القول من أهزل الآراء فإن الإمام الحسين عليه السّلام لم يتأثر بقول ابن الزبير،و لم ينخدع بتشجيعه له،و إنما كانت هناك عوامل أخرى حفزته إلى الخروج إلى العراق،و قد ذكرناها بالتفصيل في البحوث السابقة.

ص: 25

فزع السلطة المحلية

و ذعرت السلطة المحلية في مكة من قدوم الإمام إليها،و خافت أن يتخذها مقرا سياسيا لدعوته،و منطلقا لإعلان الثورة على حكومة دمشق،و قد خف حاكم مكة عمرو بن سعيد الأشدق و هو مذعور فقابل الإمام،فقال له:

-ما أقدمك؟

-عائذا بالله،و بهذا البيت...

لقد جاء الإمام عائذا ببيت الله الحرام الذي من دخله كان آمنا و كان محصنا من كل ظلم و اعتداء.

و لم يحفل الأشدق بكلام الإمام و إنما رفع رسالة إلى يزيد أحاطه بها علما بمجي الإمام إلى مكة،و اختلاف الناس إليه،و ازدحامهم على مجلسه،و إجماعهم على تعظيمه،و أخبره أن ذلك يشكل خطرا على الدولة الأموية (1).

ص: 26


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:220/2.
قلق يزيد

و اضطرب يزيد كأشد ما يكون الاضطراب حينما وافته الأنباء بامتناع الحسين عن بيعته و هجرته إلى مكة،و اتخاذها مركزا لدعوته،و إرسال العراق الوفود و الرسائل إلى الدعوة لبيعته،فكتب إلى عبد الله بن عباس رسالة،و هذا نصها:

أما بعد فإن ابن عمك حسينا،و عدو الله ابن الزبير التويا ببيعتي و لحقا بمكة مرصدين للفتنة،معرضين أنفسهما للهلكة،فأما ابن الزبير فإنه صريع الفنا،و قتيل السيف غدا،و أما الحسين فقد أحببت الإعذار إليكم أهل البيت مما كان منه،و قد بلغني أن رجالا من شيعته من أهل العراق يكاتبونه،و يكاتبهم،و يمنّونه الخلافة، و يمنيهم الإمرة،و قد تعلمون ما بيني و بينكم من الوصلة و عظيم الحرمة و نتائج الأرحام،و قد قطع ذلك الحسين،و بتّه،و أنت زعيم أهل بيتك،و سيد بلادك،فالقه فاردده عن السعي في الفتنة،فإن قبل منك و أناب فله عندي الأمان،و الكرامة الواسعة،و أجري عليه ما كان أبي يجريه على أخيه و إن طلب الزيادة فأضمن له ما أديك،و أنفذ ضمانك،و أقوم له بذلك و له علي الأيمان المغلظة،و المواثيق المؤكدة بما تطمئن به نفسه،و يعتمد في كل الأمور عليه،عجل بجواب كتابي،و بكل حاجة لك قبل و السلام و ختم كتابه بهذه الأبيات:

يا أيها الراكب العادي مطيته على غذافرة في سيرها فحم

أبلغ قريشا على نأي المزار بها بيني و بين الحسين الله و الرحم

و موقف بفناء البيت أنشده عهد الإله غدا و ما توفي به الذمم

عنيتم قومكم فخرا بأمكم أم لعمري حصان عفة كرم

ص: 27

هي التي لا يداني فضلها أحد بنت الرسول و خير الناس قد علموا

إني لأعلم أو ظنا كعالمه و الظن يصدق أحيانا فينتظم

أن سوف يترككم ما تدعون بها قتلى تهاداكم العقبان و الرخم

يا قومنا لا تشبوا الحرب إذ سكنت و أمسكوا بحبال السلم و اعتصموا

قد جرب الحرب من قد كان قبلكم من القرون و قد بادت بها الأمم

فانصفوا قومكم لا تهلكوا برحا فرب ذي برح زلت به القدم

و دلت هذه الرسالة على غباوة يزيد فقد حسب أن الإمام يطلب المال و الثراء في خروجه عليه،و لم يعلم أنه إنما ناهضه لا يبغي بذلك إلا الله و التماس الأجر في الدار الآخرة.

جواب ابن عباس

و أجابه ابن عباس«أما بعد:فقد ورد كتابك تذكر فيه لحاق الحسين و ابن الزبير بمكة،فأما ابن الزبير فرجل منقطع عنا برأيه و هواه يكاتمنا مع ذلك أضغانا يسرها في صدره يوري علينا وري الزناد،لا فك الله أسيرها فأرى في أمره ما أنت راء..

و أما الحسين فإنه لما نزل مكة و ترك حرم جده،و منازل آبائه سألته عن مقدمه فأخبرني أن عمالك بالمدينة أساءوا إليه،و عجلوا عليه بالكلام الفاحش،فأقبل إلى حرم الله مستجيرا به،و سألقاه فيما أشرت إليه،و لن أدع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة،و يطفىء به النائرة،و يخمد به الفتنة،و يحقن به دماء الأمة،فاتق الله في السر و العلانية،و لا تبيتن ليلة و أنت تريد لمسلم غائلة،و لا ترصده بمظلمة،و لا تحفر له مهراة فكم من حافر لغيره حفرا وقع فيه،و كم من مؤمل أملا لم يؤت أمله، و خذ بحظك من تلاوة القرآن،و نشر السنة،و عليك بالصيام و القيام لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا و أباطيلها فإن كل ما اشتغلت به عن الله يضر و يفنى و كل ما

ص: 28

اشتغلت به من أسباب الآخرة ينفع و يبقى و السلام..».

و حفلت هذه الرسالة بما يلي:

-1-إنه لا علاقة لبني هاشم بابن الزبير،و لا هم مسؤولون عن تصرفاته،فقد كان عدوا لهم يتربص بهم الدوائر،و يبغي له الغوائل.

-2-إن الإمام الحسين إنما نزح من يثرب إلى مكة لا لإثارة الفتنة و إنما لإساءة عمال يزيد له،و قد قدم إلى مكة ليستجير ببيتها الحرام.

ص: 29

إقصاء حاكم المدينة

كان الوليد بن عتبة بن أبي سفيان واليا على يثرب بعد عزل مروان عنها،و كان- فيما يقول المؤرخون-فطنا ذكيا يحب العافية و يكره الفتنة،و لما امتنع الإمام الحسين عليه السّلام من البيعة ليزيد لم يتخذ معه الإجراءات الصارمة،و لم يكرهه على ما لا يحب،و إنما فسح له المجال في الرحيل إلى مكة من دون أن يعوقه عنها،في حين أنه قد أصر عليه مروان بالتنكيل به فرفض ذلك،و قد نقل الأمويون موقفه المتسم باللين و التسامح مع الحسين إلى يزيد فغضب عليه و عزله عن ولايته،و قد عهد بها إلى جبار من جبابرة الأمويين عمرو بن سعيد الأشدق و قد عرف بالقسوة و الغلظة،قدم إلى المدينة في رمضان بعد أن تسلم ولايته عليها فصلى بالناس صلاة العتمة،و في الصباح خرج على الناس و عليه قميص أحمر و عمامة حمراء فرماه الناس بأبصارهم منكرين ما هو عليه فصعد المنبر فقال:

«يا أهل المدينة،ما لكم ترموننا بأبصاركم كأنكم تقروننا سيوفكم؟أنسيتم ما فعلتم!أما لو أنتقم في الأولى ما عدتم إلى الثانية،أغركم إذ قتلتم عثمان فوجدتموه صابرا حليما،و إماما،فذهب غضبه،و ذهبت ذاته،فاغتنموا أنفسكم،فقد وليكم إمام بالشباب المقتبل البعيد الأمل،و قد اعتل جسمه،و اشتد عظمه،و رمى الدهر ببصره، و استقبله بأسره،فهو إن عض لهس،و ان وطىء فرس،لا يقلقه الحصى،و لا تقرع له العصا»و عرض في خطابه لابن الزبير فقال:

«فو الله لنغزونه،ثم لئن دخل الكعبة لنحرقنها عليه،على رغم أنف من رغم...».

و رعف الطاغية على المنبر فألقى إليه رجل عمامة فمسح بها دمه فقال رجل من

ص: 30

خثعم:«دم على المنبر في عمامة،فتنة عمت و علا ذكرها و رب الكعبة».

و قد أثر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنه قال:«يرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية فيسيل رعافه».

و عزم الأشدق على مقابلة الجبهة المعارضة بالقوة و البطش،و قد حفزه إلى ذلك ما حل بسلفه الوليد من الإقصاء و سلب الثقة عنه نتيجة تساهله مع الحسين عليه السّلام، و لعل من أوثق الأسباب التي دعت الإمام الحسين عليه السّلام إلى مغادرة الحجاز هو الحذر من بطش هذا الطاغية به،و الخوف من اغتياله و هو في الحرم (1).2.

ص: 31


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:224/2.
الحسين مع ابن عمر و ابن عباس

و كان عبد الله بن عباس،و عبد الله بن عمر مقيمين في مكة حينما أقبل الإمام الحسين إليها،و قد خفا لاستقباله و التشرف بخدمته،و كانا قد عزما على مغادرة مكة،فقال له ابن عمر:

«أبا عبد الله،رحمك الله،إتق الله الذي إليه معادك،فقد عرفت من عداوة أهل هذا البيت-يعني بني أمية-لكم،و قد ولي الناس هذا الرجل يزيد بن معاوية،و لست آمن أن يميل الناس إليه لمكان هذه الصفراء و البيضاء،فيقتلونك،و يهلك فيك بشر كثير، فإني قد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:

«حسين مقتول،و لئن قتلوه و خذلوه،و لن ينصروه ليخذلهم الله إلى يوم القيامة،و أنا أشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس و اصبر كما صبرت لمعاوية من قبل،فلعل الله أن يحكم بينك و بين القوم الظالمين..».

فقال له أبي الضيم:

«أنا أبايع يزيد،و أدخل في صلحه؟!!و قد قال النبي صلّى اللّه عليه و اله فيه و في أبيه ما قال»

و انبرى ابن عباس فقال له:

«صدقت أبا عبد الله قال النبي صلّى اللّه عليه و اله في حياته:«مالي و ليزيد لا بارك الله في يزيد، و إنه قتل ولدي،و ولد ابنتي الحسين،و الذي نفسي بيده،لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلا خالف الله بين قلوبهم و ألسنتهم».

و بكى ابن عباس و الحسين،و التفت إليه قائلا:

«يابن عباس أتعلم أني ابن بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله؟».

ص: 32

«اللّهم نعم،نعلم ما في الدنيا أحد هو ابن بنت رسول الله غيرك و إن نصرك لفرض على هذه الأمة كفريضة الصلاة و الزكاة التي لا يقبل أحدهما دون الأخرى..».

فقال له الحسين:

«يا بن عباس،ما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله من داره، و قراره،و مولده،و حرم رسوله،و مجاورة قبره،و مسجده و موضع مهاجره، فتركوه خائفا مرعوبا لا يستقر في قرار،و لا يأوي في موطن،يريدون في ذلك قتله، و سفك دمه،و هو لم يشرك بالله و لا اتخذ من دونه وليا،و لم يغير عما كان عليه رسول الله صلّى اللّه عليه و اله..».

و انبرى ابن عباس يؤيد كلامه،و يدعم قوله قائلا:

«ما أقول فيهم إلا أنهم كفروا بالله و رسوله،و لا يأتون الصلاة إلا و هم كسالى يراؤون الناس و لا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء،و من يضل الله فلن تجد له سبيلا،و على مثل هؤلاء تنزل البطشة الكبرى،و أما أنت يا بن رسول الله فإنك رأس الفخار برسول الله،فلا تظن يابن بنت رسول الله أن الله غافل عما يفعل الظالمون و أنا أشهد أن من رغب عن مجاورتك،و طمع في محاربتك،و محاربة نبيك محمد فما له من خلاق..».

و انبرى الإمام الحسين فصدق قوله قائلا:«اللّهم نعم».

و انطلق ابن عباس يظهر له الاستعداد للقيام بنصرته قائلا:

«جعلت فداك يابن بنت رسول الله،كأنك تريدني إلى نفسك،و تريد مني أن أنصرك،و الله الذي لا إله إلا هو أن لو ضربت بين يديك بسيفي هذا بيدي حتى انخلعا جميعا من كفي لما كنت ممن و فى من حقك عشر العشر،و ها أنا بين يديك مرني بأمرك».

و قطع ابن عمر كلامه،و أقبل على الحسين فقال له:

ص: 33

«مهلا عما قد عزمت عليه،و ارجع من هنا إلى المدينة،و ادخل في صلح القوم،و لا تغب عن وطنك،و حرم جدك رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و لا تجعل لهؤلاء الذين لا خلاق لهم على نفسك حجة،و سبيلا،و إن أحببت أن لا تبايع فأنت متروك حتى ترى رأيك،فإن يزيد بن معاوية عسى أن لا يعيش إلا قليلا فيكفيك الله أمره».

و زجره الإمام،ورد عليه قوله قائلا:

«أف لهذا الكلام أبدا ما دامت السماوات و الأرض،أسألك يا عبد الله أنا عندك على خطأ من أمري؟فإن كنت على خطأ ردني فأنا أخضع،و أسمع و أطيع».

فقال ابن عمر:

«اللّهم لا،و لم يكن الله تعالى يجعل ابن بنت رسول الله على خطأ و ليس مثلك من طهارته و صفوته من رسول الله صلّى اللّه عليه و اله على مثل يزيد بن معاوية،و لكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الحسن الجميل بالسيوف و ترى من هذه الأمة ما لا تحب،فارجع معنا إلى المدينة،و إن لم تحب أن تبايع،فلا تبايع أبدا،و اقعد في منزلك».

و التفت إليه الإمام فأخبره عن خبث الأمويين،و سوء نواياهم نحوه قائلا:

«هيهات يا بن عمر إن القوم لا يتركوني،و إن أصابوني،و إن لم يصيبوني،فلا يزولون حتى أبايع و أنا كاره،أو يقتلوني،أما تعلم يا عبد الله أن من هوان الدنيا على الله تعالى أنه أتي برأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل، و الرأس ينطق بالحجة عليهم؟!!أما تعلم يا أبا عبد الرحمن أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون و يشترون كلهم كأنهم لم يصنعوا شيئا،فلم يعجل الله عليهم ثم أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر..».

و كشفت هذه المحاورة عن تصميمه على الثورة،و عزمه على مناجزة يزيد لأنه لا يتركه و شأنه،فإما أن يبايع،و بذلك يذل هو و يذل الإسلام و تستباح حرماته،و إما أن يقتل عزيزا كريما،فاختار المنية للحفاظ على كرامته و كرامة الأمة و مقدساتها.

ص: 34

وصية الحسين لابن عباس

و أقبل الحسين على ابن عباس،فعهد إليه بهذه الوصية قائلا:«و أنت يابن عباس ابن عم أبي لم تزل تأمر بالخير منذ عرفتك،و كنت مع أبي تشير عليه بما فيه الرشاد و السداد،و قد كان أبي يستصحبك و يستنصحك و يستشيرك،و تشير عليه بالصواب،فامض إلى المدينة في حفظ الله،و لا تخف علي شيئا من أخبارك،فإني مستوطن هذا الحرم،و مقيم به ما رأيت أهله يجيبونني و ينصرونني،فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم،و استعصمت بالكلمة التي قالها إبراهيم يوم ألقي في النار حسبي الله و نعم الوكيل،فكانت النار عليه بردا و سلاما..» (1).

ص: 35


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:229/2.

التخطيط في البصرة

رسائله إلى زعماء البصرة

قال السيد القرشي:و كتب الإمام إلى رؤساء الأخماس بالبصرة يستنهضهم على نصرته و الأخذ بحقه و قد كتب إلى الأشراف و من بينهم:

-1-مالك بن مسمع البكري.

-2-الأحنف بن قيس.

-3-المنذر بن الجارود.

-4-مسعود بن عمرو.

-5-قيس بن الهيثم.

-6-عمر بن عبيد الله بن معمر.

و قد أرسل كتابا إليهم بنسخة واحدة و هذا نصه:

«أما بعد فإن الله اصطفى محمدا صلّى اللّه عليه و اله من خلقه،و أكرمه بنبوته،و اختاره لرسالته،ثم قبضه إليه،و قد نصح لعباده،و بلغ ما أرسل به،و كنا أهله و أولياءه و أوصياءه و ورثته،و أحق الناس بمقامه فاستأثر علينا قومنا بذلك،فرضينا، و كرهنا الفرقة،و أحببنا العافية،و نحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه.و قد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب،و أنا أدعوكم إلى كتاب الله و سنة نبيه،فإن السنة قد أميتت،و البدعة قد أحييت فإن تسمعوا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد..».

ص: 36

و ألقت هذه الرسالة الأضواء على الخلافة الإسلامية فهي-حسب تصريح الإمام -حق لأهل البيت عليهم السّلام لأنهم ألصق الناس برسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أكثرهم وعيا لأهدافه إلا أن القوم استأثروا بها،فلم يسع العترة الطاهرة إلا الصبر كراهة للفتنة و حفظا على وحدة المسلمين...كما حفلت هذه الرسالة بالدعوة إلى الحق بجميع رحابه و مفاهيمه،فدعت إلى إحياء كتاب الله و سنة نبيه فإن الحكم الأموي عمد إلى إقصائهما عن واقع الحياة...و علق بعض الكتاب على دعوة الإمام لأهل البصرة لبيعته فقال:

«إن رسالة الحسين إلى أهل البصرة ترينا كيف كان يعرف مسؤوليته و يمضي معها،فأهل البصرة لم يكتبوا إليه و لم يدعوه إلى بلدهم،كما فعل أهل الكوفة،و مع هذا فهو يكتب إليهم،و يعدهم للمجابهة المحتومة ذلك أنه حين قرر أن ينهض بتبعات دينه و أمته،كان قراره هذا آتيا من أعمال روحه و ضميره،و ليس من حركة أهل الكوفة و دعوتهم إياه».

و على أي حال فقد بعث الإمام كتبه لأهل البصرة بيد مولى له يقال له سليمان، و يكنى أبا رزين،و قد جد في السير حتى انتهى إلى البصرة فسلّم الكتب إلى أربابها.

جواب الأحنف بن قيس

و أجاب الأحنف بن قيس زعيم العراق الإمام برسالة كتب فيها هذه الآية الكريمة و لم يزد عليها«فاصبر إن وعد الله حق،و لا يستخفنك الذين لا يوقنون»و قد طلب من الإمام الخلود إلى الصبر،و لا يستخفه الذين لا يوقنون بالله و لا يرجون له وقارا.

ص: 37

جريمة المنذر

أما المنذر بن الجارود العبدي فقد كان من أجلاف العرب و حقرائهم فقد عمد إلى رسول الإمام فبعثه مخفورا إلى ابن زياد،و كان زوج ابنته ليظهر له الإخلاص و الولاء،فقتله ابن مرجانة و صلبه عشية الليلة التي خرج في صبيحتها إلى الكوفة و اعتذر بعض المؤرخين عن المنذر أو هو اعتذر عن نفسه بأنه خشي أن يكون الرسول من قبل ابن مرجانة لاختباره فلذا سلّمه إليه و هو اعتذار مهلهل،فإن اللازم كان إجراء التحقيق معه حتى يستبين له الأمر.

استجابة يزيد بن مسعود

و استجاب الزعيم الكبير يزيد بن مسعود النهشلي إلى تلبية نداء الحق فاندفع بوحي من إيمانه و عقيدته إلى نصرة الإمام،فعقد مؤتمرا عاما دعا فيه القبائل العربية الموالية له و هي:

-1-بنو تميم.

-2-بنو حنظلة.

-3-بنو سعد.

و لما اجتمعت هذه القبائل،انبرى فيهم خطيبا،فوجّه خطابه أولا إلى بني تميم فقال لهم:

«يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم،و حسبي منكم؟!»

و تعالت أصوات بني تميم،و هي تعلن ولاءها المطلق،و إكبارها له قائلين بلسان واحد:

«بخ بخ!!أنت و الله فقرة الظهر،و رأس الفخر حللت في الشرف وسطا،و تقدمت فيه فرطا..».

ص: 38

و سرّه تأييدهم فانطلق يقول:

«إني جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم،و أستعين بكم عليه..».

و اندفعوا جميعا يظهرون له الولاء و الطاعة قائلين:

«إنا و الله نمنحك النصيحة،و نجهد لك الرأي فقل حتى نسمع».

و تطاولت الأعناق،و اشرأبت النفوس لتسمع ما يقول الزعيم الكبير،و انبرى قائلا:

«إن معاوية مات،فأهون به-و الله-هالكا و مفقودا،إلا أنه قد انكسر باب الجور و الإثم،و تضعضعت أركان الظلم،و كان قد أحدث بيعة عقد بها أمرا ظن أنه قد أحكمه،و هيهات الذي أراد!!اجتهد و الله ففشل،و شاور فخذل،و قد قام يزيد شارب الخمور و رأس الفجور يدّعي الخلافة على المسلمين،و يتآمر عليهم بغير رضى منهم مع قصر حلم و قلة علم،لا يعرف من الحق موطىء قدميه،فأقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين.

و هذا الحسين بن علي،و ابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله ذو الشرف الأصيل و الرأي الأثيل له فضل لا يوصف،و علم لا ينزف،و هو أولى بهذا الأمر لسابقته و سنه،و قدمه و قرابته،يعطف على الصغير،و يحسن إلى الكبير،فأكرم به راعي رعية،و إمام قوم وجبت لله به الحجة و بلغت به الموعظة،فلا تعشوا عن نور الحق،و لا تسكعوا في وهد الباطل،فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و نصرته،و الله لا يقصر أحدكم عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده،و القلة في عشيرته.

و ها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها،و ادرعت لها بدرعها،من لم يقتل يمت،و من يهرب لم يفت،فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب»

و حفل هذا الخطاب الرائع بأمور بالغة الأهمية و هي:

أولا-الاستهانة بهلاك معاوية،و أنه قد انكسر بموته باب الظلم و الجور.

ص: 39

ثانيا-القدح في بيعة معاوية ليزيد.

ثالثا-عرض الصفات الشريرة الماثلة في يزيد من الإدمان على الخمر،و فقد الحلم،و عدم العلم،و عدم التبصر بالحق.

رابعا-الدعوة إلى الالتفاف حول الإمام الحسين عليه السّلام و ذلك لما يتمتع به من الصفات الشريفة كأصالة الفكر،و غزارة العلم،و كبر السن،و العطف على الكبير و الصغير و غير ذلك من النزعات الكريمة التي تجعله أهلا لإمامة المسلمين.

خامسا-إنه عرض للجماهير عن استعداده الكامل للقيام بنصرة الإمام و الذب عنه.

و لما أنهى الزعيم العظيم خطابه انبرى و جهاء بني حنظلة فأظهروا الدعم الكامل له قائلين:

«يا أبا خالد نحن نبل كنانتك،و فرسان عشيرتك،إن رميت بنا أصبت،و إن غزوت بنا فتحت،لا تخوض و الله غمرة إلا خضناها و لا تلقى و الله شدة إلا لقيناها ننصرك بأسيافنا و نقيك بأبداننا إذا شئت».

و كان منطقا مشرفا دل على تعاطفهم،و وقوفهم إلى جانبه،و قام من بعدهم بنو عامر فأعربوا عن ولائهم العميق له قائلين:

«يا أبا خالد نحن بنو أبيك،و حلفاؤك لا نرضى إن غضبت،و لا نبقى إن ظعنت و الأمر إليك فادعنا إذا شئت..».

و أما بنو سعد فأظهروا التردد و عدم الرغبة فيما دعاهم إليه،قائلين:

«يا أبا خالد إن أبغض الأشياء إلينا خلافك،و الخروج عن رأيك،و قد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال يوم الجمل،فحمدنا أمرنا،و بقي عزنا فينا،فأمهلنا نراجع المشورة،و نأتيك برأينا..».

و ساءه تخاذلهم فاندفع يندد بهم قائلا:

«لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا،و لا زال سيفكم فيكم..».

ص: 40

جوابه للإمام

و رفع يزيد بن مسعود رسالة للإمام دلت على شرفه و نبله،و استجابته لدعوته، و هذا نصها:

«أما بعد فقد وصل إلي كتابك،و فهمت ما ندبتني إليه،و دعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك،و الفوز بنصيبي من نصرتك..و إن الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير،و دليل على سبيل نجاة،و أنتم حجة الله على خلقه،و وديعته في أرضه تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها و أنتم فرعها،فأقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك أعناق بني تميم،و تركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها و قد ذللت لك رقاب بني سعد،و غسلت درن قلوبها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع..».

و حفلت هذه الرسالة بسمو أدبه،و كريم طباعه،و تقديره البالغ للإمام،و يقول بعض المؤرخين أنها انتهت إلى الإمام في اليوم العاشر من المحرم بعد مقتل أصحابه و أهل بيته،و هو وحيد فريد قد أحاطت به القوى الغادرة،فلما قرأ الرسالة طفق يقول:

«مالك،آمنك الله من الخوف،و أرواك يوم العطش الأكبر»

و لما تجهز ابن مسعود لنصرة الإمام بلغه قتله فجزع لذلك و ذابت نفسه أسى و حسرات.

ص: 41

استجابة يزيد البصري

و لبى نداء الحق يزيد بن نبيط البصري،و كان-فيما يقول المؤرخون-يتردد إلى دار مارية ابنة سعد أو منقذ،و كانت دارها من منتديات الشيعة،و فيها تذاع فضائل أهل البيت عليهم السّلام و تنشر مآثرهم،و لما وجه الإمام دعوته إلى أهل البصرة لنصرته استجاب لها يزيد بن نبيط،و لحق به من أولاده العشرة عبد الله و عبيد الله،و خاف عليه أصحابه أن يدركه الطلب من شرطة ابن زياد،فقال لهم:لو استوت أخفافها بالجدد لهان علي طلب من طلبني و استوى على جواده مع ولديه،و صحبه مولاه عامر،و سيف بن مالك و الأدهم بن أمية فلحقوا بالإمام في مكة و صحبوه إلى العراق و استشهدوا بين يديه في كربلا (1).

ص: 42


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:228/2-232.

التخطيط في العراق

نقمة العراق على الأمويين

قال السيد القرشي:و كره العراقيون بصورة عامة حكم الأمويين،و بغضوا سلطانهم،و فيما نحسب أن الأسباب في ذلك ما يلي:

-1-إن العراق أيام معاوية أصبح يساس بالروح العسكرية و الأحكام العرفية التي لا تتقيد بالقانون خصوصا أيام زياد بن سمية فقد كان يأخذ البري بالسقيم، و المقبل بالمدبر،و يقتل على الظنة و التهمة،مما أدى إلى إشاعة الكراهية للأمويين.

-2-إن الكوفة كانت في عهد الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام عاصمة الدولة الإسلامية، و في أيام معاوية أصبحت دمشق العاصمة و مركز الحكم و أصبح العراق مصرا كسائر الأمصار،و انتقلت عنه الخزينة المركزية،و قد أخذ الكوفيون يندبون حظهم التعيس بعد تحول الخلافة عنهم و أصبح اسم الإمام عندهم رمزا إلى دولتهم المفقودة،و تعلقت آمالهم بأبناء الإمام فكانوا ينظرون إليهم أنهم الأبطال لاستقلال بلادهم السياسي و تحررها من التبعية لدمشق فقد كره أهل العراق الخضوع لأهل الشام،كما كره أهل الشام الخضوع و السيطرة لأهل العراق و قد صور شاعر الشام هذه النزعة بقوله:

أرى الشام تكره ملك العراق و أهل العراق لهم كارهونا

و قالوا علي إمام لنا فقلنا رضينا ابن هند رضينا

و صور شاعر العراق هذه النزعة السائدة عند العراقيين بقوله مخاطبا أهل

ص: 43

الشام:

أتاكم علي بأهل العراق و أهل الحجاز فما تصنعونا

فإن يكره القوم ملك العراق فقدما رضينا الذي تكرهونا

و كانت الثورات المتلاحقة التي قام بها العراق إنما هي لكراهية أهل الشام و التخلص من حكم الأمويين.

-3-إن السياسة الخاطئة التي اتّبعها معاوية مع زعماء الشيعة الذين تبنّوا القضايا المصيرية للشعب العراقي و كافة الشعوب الإسلامية و ما عانوه من القتل و التنكيل قد هزت مشاعر الكوفيين،و أوغرت صدورهم بالحقد على الأمويين،كما أن سب الإمام على المنابر قد زاد في بغضهم للأمويين و أشعل جذوة المعارضة في نفوسهم.

-4-إن الأمويين كانوا ينظرون إلى أهل الكوفة أنهم الجبهة المعارضة لحكمهم و أنهم المصدر الخطير الذي يهدد دولتهم فقابلوهم بمزيد من القسوة و الإرهاب، مما دعا الكوفيين إلى العمل المستمر لمناهضة الحكم الأموي و تقويض سلطانه...

هذه بعض الأسباب التي أدت إلى نقمة العراق على الحكم الأموي و بغضهم له.

إعلان التمرد في العراق

و بعد هلاك معاوية أيقن العراقيون بانهيار الدولة الأموية،و قد رأوا أن في تقليد يزيد مهام الخلافة إنما هو استمرار للحكم الأموي الذي جهد على إذلالهم و قهرهم.

و قد أجمعت الشيعة في الكوفة على مناجزته و الخروج على سلطانه و رأوا أن في كفاحهم له جهادا دينيا،حسب ما يقول(جولد تسهير)و يرى(كريمر)أن الأخيار و الصلحاء من الشيعة كانوا ينظرون إلى يزيد نظرتهم إلى ورثة أعداء الإسلام و خلفاء أبي سفيان.

ص: 44

و على أي حال فإن شيعة الكوفة لم ترض بحكم يزيد،و أجمعت على خلعه، و البيعة للإمام الحسين عليه السّلام و قد قاموا بما يلي:

المؤتمر العام

و عقدت الشيعة بعد هلاك معاوية مؤتمرا عاما في بيت أكبر زعمائها سليمان ابن صرد الخزاعي،و اندفعوا اندفاعا كليا في إلقاء الخطب الحماسية التي تظهر مساوىء الحكم الأموي و فضائحه،كما أشادوا بالإمام الحسين و دعوا إلى البيعة له.

خطبة سليمان

و اعتلى سليمان بن صرد منصة الخطابة،فافتتح أولى جلساتهم بهذا الخطاب، و قد جاء فيه:

«إن معاوية قد هلك،و إن حسينا قد قبض على القوم ببيعته،و قد خرج إلى مكة و أنتم شيعته،و شيعة أبيه فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه و مجاهدوا عدوه فاكتبوا إليه،و إن خفتم الوهن و الفشل فلا تغروا الرجل من نفسه..».

و تعالت أصواتهم من كل جانب و هم يقولون بحماس بالغ:

«نقتل أنفسنا دونه..».

«لا بل نقاتل عدوه..».

و أظهروا رغبتهم الملحة و دعمهم الكامل للإمام،و قرروا ما يلي:

-1-خلع بيعة يزيد.

-2-إرسال وفد للإمام يدعونه للقدوم إليهم.

ص: 45

-3-بعث الرسائل للإمام من مختلف الطبقات الشعبية التي تمثل رغبة الجماهير الحاشدة لحكم الإمام.

وفد الكوفة

و أوفدت الكوفة وفدا إلى الإمام يدعوه إلى القدوم إليهم،و من بين ذلك الوفد عبد الله الجدلي و لما مثل الوفد عند الإمام عرض عليه إجماع أهل الكوفة على نصرته و الأخذ بحقه،و أنه ليس لهم إمام غيره،و حثوه على القدوم إليهم.

ص: 46

الرسائل

و عمد أهل الكوفة بعد مؤتمرهم فكتبوا الرسائل إلى الإمام عليه السّلام و هي تعرب عن إخلاصهم و ولائهم له،و تحثه على القدوم إليهم ليتولى قيادة الأمة و هذه بعضها.

-1-قد جاء فيها بعد البسملة ما نصه:

«من سليمان بن صرد،و المسيب بن نجية،و رفاعة بن شداد،و حبيب بن مظاهر،و شيعته و المسلمين من أهل الكوفة:

أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد-يعني معاوية-الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها،و اغتصبها فيئها،و تآمر عليها بغير رضى منها،ثم قتل خيارها و استبقى شرارها،و جعل مال الله دولة بين جبابرتها و أغنيائها فبعدا له كما بعدت ثمود...إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق، و النعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة،و لا نخرج معه إلى عيد،و لو بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله و السلام عليك و رحمة الله و بركاته..».

و كتبت هذه الرسالة في أواخر شهر شعبان،و حملها عبد الله الهمدان و عبد الله بن وائل الهمداني و قد أمروهما بالإسراع و الحذر من العدو،و أخذا يجذّان في السير لا يلويان على شيء و قدما مكة لعشر مضين من رمضان و سلّما الرسالة للإمام و عرّفاه بشوق الناس إلى قدومه.

و قد عرضت هذه الرسالة مساوىء الحكم الأموي،فوصفت معاوية بالجبار العنيد،و أنه ابتز أمر الأمة بالقهر و الغلبة،و تأمر عليها بغير رضى منها،و قد قتل

ص: 47

خيارها و صلحاءها و جعل العطاء خاصة للأغنياء و الوجوه،و حرم منه بقية طوائف الشعب،كما عرضت إلى مقاطعة الشيعة لحاكم الكوفة النعمان بن بشير، و أنهم إذا بلغهم قدوم الإمام قاموا بإقصائه عن الكوفة و إلحاقه بدمشق.

-2-و قد أرسل الرسالة الثانية جماعة من أهل الكوفة و هذا نصها:

«إلى الحسين بن علي من شيعته و المسلمين،أما بعد فحيّ هلا فإن الناس ينتظرونك و لا رأي لهم غيرك فالعجل ثم العجل و السلام»و حمل هذه الرسالة قيس بن مسهر الصيداوي من بني أسد،و عبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي و عمارة بن عبد الله السلولي،كما حملوا معهم نحوا من خمسين صحيفة من الرجل و الاثنين و الثلاثة و الأربعة و هي تحث الإمام على الإسراع إليهم و الترحيب بقدومه، و تعلن دعمهم الكامل له.

-3-و أرسل هذه الرسالة جماعة من الانتهازيين الذين لا يؤمنون بالله،و هم شبث بن ربعي اليربوعي و محمد بن عمر التميمي،و حجار بن أبجر العجلي،و يزيد بن الحراث الشيباني،و عزرة بن قيس الأحمسي،و عمرو بن الحجاج الزبيدي،و هذا نصها:

«أما بعد فقد اخضر الجناب،و أينعت الثمار،و طمت الجمام فأقدم على جند لك مجندة و السلام عليك..».

و أعربت هذه الرسالة عن شيوع الأمل و ازدهار الحياة،و تهيئة البلاد عسكريا للأخذ بحق الإمام،و مناجزة خصومه،و قد وقّعها أولئك الأشخاص الذين كانوا في طليعة القوى التي زجها ابن مرجانة لحرب الإمام و من المؤكد أنهم لم يكونوا مؤمنين بحقه،و إنما اندفعوا لمساومة السلطة الأموية،و الحصول منها على الأموال و منع الحياة،كما صرح الإمام الحسين بذلك أمام أصحابه.

-4-و من بين تلك الرسائل«إنا قد حبسنا أنفسنا عليك،و لسنا نحضر الصلاة مع الولاة،فأقدم علينا فنحن في مائة ألف سيف،فقد فشا فينا الجور،و عمل فينا بغير

ص: 48

كتاب الله و سنة نبيه،و نرجو أن يجمعنا الله بك على الحق،و ينفي عنا بك الظلم، فأنت أحق بهذا الأمر من يزيد و أبيه الذي غصب الأمة،و شرب الخمور،و لعب بالقرود و الطنابير،و تلاعب بالدين».

-5-و كتب جمهور أهل الكوفة الرسالة الآتية و وقعوها و هذا نصها:

«للحسين بن علي أمير المؤمنين من شيعة أبيه عليه السّلام أما بعد فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم في غيرك العجل العجل يابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لعل الله يجمعنا بك على الحق و يؤيد بك المسلمين و الإسلام...بعد أجزل السلام و أتمه عليك و رحمة الله و بركاته».

-6-و كتب إليه جماعة هذه الرسالة الموجزة:«إنا معك،و معنا مائة ألف سيف».

-7-و كانت آخر الرسائل التي وصلت إليه هذه الرسالة:«عجل القدوم يابن رسول الله فإن لك بالكوفة مائة ألف سيف فلا تتأخر».

و قد تتابعت عليه الرسائل ما ملأ منها خرجين،و يقول المؤرخون:إنه اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب و ورد إليه قائمة فيها مائة و أربعون ألف اسم يعربون عن نصرتهم له حالما يصل إلى الكوفة كما وردت عليه في يوم واحد ستمائة كتاب.

و على أي حال فقد كثرت كتب أهل الكوفة إلى الإمام و قد وقع فيها الأشراف و قراء المصر و هي تمثل تعطشهم لقدوم الإمام ليكون منقذا لهم من طغمة الحكم الأموي و لكن بمزيد الأسف فقد انطوت صحيفة ذلك الأمل،و انقلب الوضع و تغيرت الحالة،و إذا بالكوفة تنتظر الحسين لتسقي سيوفها من دمه،و تطعم نبالها من لحمه..تريد أن تحتضن جسد الحسين لتوزعه السيوف،و تطعنه الرماح،و تسحقه الخيول بحوافرها.

الكوفة تنتظر الحسين لتثب عليه و ثبة الأسد،و تنشب أظفارها بذلك الجسد الطاهر،الكوفة تنتظر الحسين لتسبي عياله بدل أن تحميهم،و تروع أطفاله بدل أن

ص: 49

تؤويهم.

و هكذا شاءت المقادير،و لا راد لأمر الله على نكث القوم لبيعة الإمام و إجماعهم على حربه و يقول المؤرخون أن الإمام بعد ما و افته هذه الرسائل عزم على أن يلبي أهل الكوفة و يوفد إليهم ممثله العظيم مسلم بن عقيل (1).2.

ص: 50


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:235/2.

[قصة مسلم بن عقيل و ما اتفق في الكوفة]

إرسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة

قال السيد مرتضى العسكري:و هكذا تلاقت الرسل و تكدست الكتب لديه فكتب الإمام في جوابهم إلى الملأ من المؤمنين و المسلمين:أما بعد قد فهمت كل الذي اقتصصتم و ذكرتم و مقالة جلّكم أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل اللّه أن يجمعنا بك على الهدى و الحق و قد بعثت إليكم أخي و ابن عمى و ثقتي من أهل بيتي و أمرته أن يكتب إليّ بحالكم و أمركم و رأيكم فإن كتب إلى أنه قد أجمع رأي ملئكم و ذوي الفضل و الحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم و قرأت في كتبكم،أقدم عليكم و شيكا إن شاء اللّه فلعمري ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب و الآخذ بالقسط و الدائن بالحق و الحابس نفسه على ذات اللّه و السلام (1).

و أرسل إليهم مسلم بن عقيل (2)فأقبل حتى دخل الكوفة فاجتمع إليه الشيعة و استمعوا إلى كتاب الحسين و هم يبكون و بايعه ثمانية عشر ألفا (3).

فكتب مسلم بن عقيل إلى الحسين:أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله و قد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي فإن الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي و لا هوى و السلام (4).

و في رواية بايع مسلم بن عقيل خمسة و عشرون ألفا.

ص: 51


1- الطبري 198/6،و الاخبار الطوال للدينوري 238.
2- الطبري 198/6.
3- الطبري 211/6،و مثير الأحزان ص 21،و اللهوف ص 10.
4- الطبري 211/6.

و في رواية أخرى أربعين ألفا (1).

قال المؤلف:و لعل أهل الكوفة استمروا على البيعة لمسلم بعد ارساله الكتاب إلى الإمام الحسين حتى بلغوا خمسا و عشرين أو أربعين ألفا.

قال الطبري:اجتمع ناس من الشيعة بالبصرة و تذاكروا أمر الحسين و التحق بعضهم به و سار معه حتى استشهد و كتب إليهم الحسين يستنصرهم (2).

قال:و عزل يزيد نعمان بن بشير عن ولاية الكوفة و ولّى عبيد اللّه بن زياد عليها (3)بالإضافة إلى ولايته على البصرة و كتب إليه أن يطلب مسلم بن عقيل حتى يقتله فقدم الكوفة و تتبع الشيعة فثار عليه مسلم بن عقيل و خذله من بايعه من أهل الكوفة و بقى وحيدا يحارب جنود ابن زياد فضرب بسيف قطع شفته العليا و نصلت ثناياه و أخذوا يرمونه بالحجارة من فوق البيوت و يلهبون النار في أطنان القصب ثم يقلبونها عليه فتقدم إليه محمد بن الأشعث و قال:لك الأمان لا تقتل نفسك و كان قد أثخن بالحجارة و عجز عن القتال و انبهر و أسند ظهره إلى جنب الدار فدنا منه ابن الأشعث فقال:لك الأمان قال:آمن أنا؟

قال:نعم.

و قال القوم:أنت آمن.

فقال:أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم فاجتمعوا حوله و انتزعوا سيفه من عنقه فقال:هذا أول الغدر أين أمانكم؟ثم أقبل على ابن الأشعث و قال له:

انى أراك و اللّه ستعجز عن أماني فهل عندك خير؟تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني يبلغ حسينا فإني لا أراه إلاّ قد خرج إليكم اليوم مقبلا أو هو خارج غدا5.

ص: 52


1- تاريخ ابن عساكر 649.
2- الطبري 198/6-200.
3- الطبري 199/6-215.

هو و أهل بيته و إن ما ترى من جزعي لذلك فيقول:إن ابن عقيل بعثني إليك و هو في أيدي القوم أسير لا يرى أن تمشي حتى تقتل،إرجع باهل بيتك و لا يغرك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل،إن أهل الكوفة قد كذبوك و كذبوني و ليس لمكذوب رأي.

فقال الأشعث:و اللّه لأفعلن و لأعلمن ابن زياد أنى قد أمّنتك.

و أدخل مسلم على ابن زياد على تلك الحالة و جرى بينهم محاورة فقال له ابن زياد لعمري لتقتلن.

قال:كذلك؟قال:نعم قال:فدعني أوص إلى بعض قومي فنظر إلى جلساء عبيد اللّه و فيهم عمر بن سعد.

فقال:يا عمر ان بيني و بينك قرابة ولى إليك حاجة و قد يجب لي عليك نجح حاجتي و هو سر،فأبى أن يمكنه من ذكرها فقال له عبيد اللّه:لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك فقام معه فجلس حيث ينظر إليه ابن زياد فقال له:إن علي بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم فاقضها عنى و انظر جثتي فاستوهبها من ابن زياد فوارها و ابعث إلى حسين من يرده فإني قد كتبت إليه أعلمه أن الناس معه و لا أراه إلاّ مقبلا.

فأخبر ابن سعد ابن زياد بما قال مسلم فقال ابن زياد.

إنه لا يخونك الأمين و لكن يؤتمن الخائن و امر بمسلم ان يصعد به فوق القصر و يضرب عنقه فقال لابن الأشعث:أما و اللّه لو لا أنك أمنتني ما استسلمت قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمتك فصعد به و هو يكبر و يستغفر و يصلّي على ملائكة اللّه و رسله و يقول:اللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا و أذلونا.

و أشرف به و ضربت عنقه و أتبع جسده رأسه.

و أمر ابن زياد بهانئ بن عروة فأخرج إلى السوق فضرب عنقه و أرسل ابن زياد برأسيهما مع كتاب إلى يزيد فكتب إليه يزيد:أما بعد فإنك لم تعد إن كنت كما أحب

ص: 53

عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش فقد أغنيت و كفيت و صدقت ظني بك و رأيي فيك (1). (2).

قال السيد محمد باقر القرشي:و تتابعت كتب أهل الكوفة-كالسيل-إلى الإمام الحسين،و هي تحثه على المسير و القدوم إليهم لإنقاذهم من ظلم الأمويين و عنفهم، و كانت بعض تلك الرسائل تحمله المسؤولية أمام الله و الأمة إن تأخر عن إجابتهم.

و رأى الإمام-قبل كل شيء-أن يختار للقياهم سفيرا له يعرّفه باتجاهاتهم، و صدق نياتهم،فإن رأى منهم نية صادقة،و عزيمة مصممة فيأخذ البيعة منهم،ثم يتوجه إليهم بعد ذلك،و قد اختار لسفارته ثقته و كبير أهل بيته،و المبرز بالفضل فيهم مسلم بن عقيل،و هو من أفذاذ التأريخ،و من أمهر الساسة،و أكثرهم قابلية على مواجهة الظروف،و الصمود أمام الأحداث،و عرض عليه الإمام القيام بهذه المهمة،فاستجاب له عن رضى و رغبة،و زوده برسالة رويت بصور متعددة و هي:

الأولى:رواها أبو حنيفة الدينوري و هذا نصها:

«من الحسين بن علي إلى من بلغه كتابي هذا من أوليائه و شيعته بالكوفة،سلام عليكم،أما بعد:فقد أتتني كتبكم،و فهمت ما ذكرتم من محبتكم لقدومي عليكم،و أنا باعث إليكم بأخي و ابن عمي،و ثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ليعلم لي كنه أمركم، و يكتب إلي بما يتبين له من اجتماعكم فإن كان أمركم على ما أتتني به كتبكم، و أخبرتني به رسلكم أسرعت القدوم إليكم إن شاء الله و السلام..».

الثانية:رواها صفي الدين و قد جاء فيها بعد البسملة:

«أما بعد فقد وصلتني كتبكم،و فهمت ما اقتضته آراؤكم،و قد بعثت إليكم ثقتي و ابن عمي مسلم بن عقيل،و سأقدم عليكم و شيكا في أثره إن شاء الله..».3.

ص: 54


1- انظر تاريخ الطبري 199/6-215،و إرشاد المفيد 199-200.
2- معالم المدرستين للعسكري:55/3.

و هذه الرواية شاذة إذ لم يذكر فيها مهمة مسلم في إيفاده إليهم من أخذ البيعة له،و غير ذلك مما هو من صميم الموضوع في إرسال مسلم.

الثالثة:رواها الطبري و قد جاء فيها بعد البسملة:

«من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين و المسلمين أما بعد:فإن هانئا و سعيدا قدما علي بكتبكم،و كانا آخر من قدم علي من رسلكم و قد فهمت كل الذي اقتصصتم و ذكرتم،و مقالة جلّكم،أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الهدى و الحق.

و قد بعثت لكم أخي و ابن عمي،و ثقتي من أهل بيتي،و أمرته أن يكتب إلي بحالكم و أمركم و رأيكم،فإن كتب أنه قد اجتمع رأي ملئكم و ذوي الفضل و الحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم،و قرأت في كتبكم،أقدم عليكم و شيكا إن شاء الله، فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب و الآخذ بالقسط و الدائن بالحق،و الحابس نفسه على ذات الله و السلام..».

و حفلت هذه الرسالة-حسب نص الطبري-بالأمور التالية:

-1-توثيق مسلم و التدليل على سمو مكانته،فهو ثقة الحسين.

-2-تحديد صلاحية مسلم باستكشاف الأوضاع الراهنة،و معرفة التيارات السياسية،و مدى صدق القوم في دعواهم،و من الطبيعي أنه لا تناط معرفة هذه الأمور الحساسة إلا بمن كانت له المعرفة التامة بشؤون المجتمع و أحوال الناس.

-3-أنه أوقف قدومه عليهم بتعريف مسلم له بإجماع الجماهير و رجال الفكر على بيعته،فلا يقدم عليهم حتى يعرفه سفيره بذلك.

-4-أنه تحدث عما يجب أن يتصف به الإمام،و القائد لمسيرة الأمة من الصفات و هي:

أ-العمل بكتاب الله.

ب-الأخذ بالقسط.

ص: 55

ج-الإدانة بالحق

د-حبس النفس على ذات الله

و لم تتوفر هذه الصفات الرفيعة إلا في شخصيته الكريمة التي تحكي اتجاهات الرسول صلّى اللّه عليه و اله و نزعاته.

و تسلم مسلم هذه الرسالة،و قد أوصاه الإمام بتقوى الله،و كتمان أمره و غادر مسلم مكة ليلة النصف من رمضان و عرج في طريقه على يثرب فصلى في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و اله و طاف بضريحه،و ودع أهله و أصحابه و كان ذلك هو الوداع الأخير لهم،و اتجه صوب العراق و كان معه قيس بن مسهر الصيداوي،و عمارة بن عبد الله السلولي،و عبد الرحمن بن عبد الله الأزدي،و استأجر من يثرب دليلين من قيس يدلانه على الطريق.

و سارت قافلة مسلم تجذ في السير لا تلوي على شيء،يتقدمها الدليلان و هما يتنكبان الطريق خوفا من الطلب،فضلا عن الطريق،و لم يهتديا له و قد أعياهما السير و اشتد بهما العطش،فأشارا إلى مسلم بسنن الطريق بعد أن بان لهما،و توفيا في ذلك المكان حسبما يقوله المؤرخون و سار مسلم مع رفقائه حتى أفضوا إلى الطريق،و وجدوا ماءا فأقاموا فيه ليستريحوا مما ألم بهم من عظيم الجهد و العناء.

ص: 56

رسالة مسلم للحسين

و يقول المؤرخون أن مسلم تخوف من سفره و تطير بعد أن أصابه من الجهد و موت الدليلين،فرفع للإمام رسالة يرجو فيها الاستقالة من سفارته و هذا نصها:

«أما بعد:فإني أقبلت من المدينة مع دليلين،فجازا عن الطريق فضلا و اشتد عليهما العطش فلم يلبثا أن ماتا،و أقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا،و ذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبث،و قد تطيّرت من توجهي هذا فإن رأيت أعفيتني منه،و بعثت غيري و السلام..».

جواب الإمام الحسين عليه السلام

و كتب الإمام الحسين جوابا لرسالة مسلم ندد فيه بموقفه،و اتهمه بالجبن و هذا نصه:

«أما بعد:فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن،فامض لوجهك الذي وجهتك فيه و السلام..».

أضواء على الموضوع

و أكبر الظن أن رسالة مسلم مع جواب الإمام من الموضوعات،و لا نصيب لها من الصحة و ذلك لما يلي:

-1-إن مضيق الخبث الذي بعث منه مسلم رسالته إلى الإمام يقع ما بين مكة

ص: 57

و المدينة حسب ما نص عليه الحموي في حين أن الرواية تنص على أنه استأجر الدليلين من يثرب،و خرجوا إلى العراق فضلوا عن الطريق،و مات الدليلان،و من الطبيعي أن هذه الحادثة وقعت ما بين المدينة و العراق و لم تقع ما بين مكة و المدينة.

-2-إنه لو كان هناك مكان يدعى بهذا الاسم يقع ما بين يثرب و العراق لم يذكره الحموي فإن السفر منه إلى مكة ذهابا و إيابا يستوعب زمانا يزيد على عشرة أيام في حين أن سفر مسلم من مكة إلى العراق قد حدده المؤرخون فقالوا:إنه سافر من مكة في اليوم الخامس عشر من رمضان،يقطعها المسافر من مكة إلى المدينة فإن المسافة بينهما تزيد على ألف و ستمائة كيلو متر،و إذا استثنينا من هذه المدة سفر رسول مسلم من ذلك المكان و رجوعه إليه،فإن مدة سفره من مكة إلى الكوفة تكون أقل من عشرة أيام و يستحيل عادة قطع تلك المسافة بهذه الفترة من الزمن.

و الشجاعة النادرة ما يبهر العقول فإنه حينما انقلبت عليه جموع أهل الكوفة قابلها وحده من دون أن يعينه أو يقف إلى جنبه أي أحد،و قد أشاع في تلك الجيوش المكثفة القتل مما ملأ قلوبهم ذعرا و خوفا و لما جيء به أسيرا إلى ابن زياد لم يظهر عليه أي ذل أو انكسار،و يقول فيه البلاذري أنه أشجع بني عقيل و أرجلهم بل هو أشجع هاشمي عرفه التأريخ بعد أئمة أهل البيت عليهم السّلام..إن هذا الحديث من المفتريات الذي وضع للحط من قيمة هذا القائد العظيم الذي هو من مفاخر الأمة العربية و الإسلامية.

في بيت المختار

و سار مسلم يطوي البيداء حتى دخل الكوفة فاختار النزول في بيت المختار الثقفي و هو من أشهر أعلام الشيعة و أحد سيوفهم،و من أحب الناس و أنصحهم للإمام الحسين.

ص: 58

لقد اختار مسلم النزول في بيت المختار دون غيره من زعماء الشيعة و ذلك لوثوقه بإخلاصه للإمام الحسين،و تفانيه في حبه،كما أن هناك عاملا آخر له أهميته،فقد كان المختار زوجا لعمرة بنت النعمان بن بشير حاكم الكوفة،و لا شك أن يده لن تمتد إلى مسلم طالما كان مقيما في بيت صهره المختار،و قد دل ذلك على إحاطة مسلم بالشؤون الاجتماعية.

و فتح المختار أبواب داره لمسلم،و قابله بمزيد من الحفاوة و التكريم و دعا الشيعة إلى مقابلته فأقبلوا إليه من كل حدب و صوب،و هم يظهرون له الولاء و الطاعة.

ابتهاج الكوفة

و عمّت الأفراح بمقدم مسلم جميع الأوساط الشيعية في الكوفة،و قد وجد منهم مسلم ترحيبا حارا،و تأييدا شاملا،و كان يقرأ عليهم رسالة الحسين،و هم يبكون، و يبدون التعطش لقدومه،و التفاني في نصرته،لينقذهم من جور الأمويين و ظلمهم،و يعيد في مصرهم حكم الإمام أمير المؤمنين مؤسس العدالة الكبرى في الأرض،و كان مسلم يوصيهم بتقوى الله،و كتمان أمرهم حتى يقدم إليهم الإمام الحسين.

ص: 59

البيعة للإمام الحسين عليه السلام

و انثالت الشيعة على مسلم تبايعه للإمام الحسين،و كانت صيغة البيعة الدعوة إلى كتاب الله و سنة رسوله،و جهاد الظالمين،و الدفاع عن المستضعفين و إعطاء المحرومين،و قسمة الغنائم بين المسلمين بالسوية،ورد المظالم إلى أهلها، و نصرة أهل البيت،و المسالمة لمن سالموا،و المحاربة لمن حاربوا و قد شبه السيد المقرم هذه البيعة ببيعة الأوس و الخزرج للنبي صلّى اللّه عليه و اله و كان حبيب بن مظاهر الأسدي يأخذ البيعة منهم للحسين.

كلمة عابس الشاكري

و انبرى المؤمن الفذ عابس بن شبيب الشاكري فأعرب لمسلم عن ولائه الشخصي و استعداده للموت في سبيل الدعوة إلا أنه لم يتعهد له بأي أحد من أهل مصره قائلا:

«أما بعد:فإني لا أخبرك عن الناس،و لا أعلم ما في أنفسهم.و ما أغرك منهم،و الله إني محدثك عمّا أنا موطن عليه نفسي،و الله لأجيبنكم إذا دعوتم،و لأقاتلن معكم عدوكم، و لأضربن بسيفي دونكم حتى ألقى الله،لا أريد بذلك إلا ما عند الله..».

و قد صدق عابس ما عاهد عليه الله،فلم يخن ضميره ففدى بنفسه ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و استشهد بين يديه في كربلا..و انبرى حبيب بن مظاهر فخاطب عابسا قائلا له:

ص: 60

«رحمك الله،فقد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك،و أنا و الله الذي لا إله إلا هو على مثل ما أنت عليه».

و اندفع سعيد الحنفي فأيد مقالة صاحبيه و هؤلاء الأبطال من أنبل من عرفهم التأريخ صدقا و وفاء،فقد بذلوا أرواحهم بسخاء إلى الإمام الحسين،و استشهدوا بين يديه في كربلا.

عدد المبايعين

و تسابقت جماهير الكوفة إلى بيعة الحسين على يد سفيره مسلم بن عقيل،و قد اختلف المؤرخون في عدد من بايعه،و هذه بعض الأقوال:

-1-أربعون ألفا.

-2-ثلاثون ألفا و من بينهم حاكم الكوفة النعمان بن بشير.

-3-ثمانية و عشرون ألفا.

-4-ثمانية عشر ألفا،حسب ما جاء في رسالة مسلم إلى الحسين يقول فيها:

«و قد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا فعجّل الإقبال».

-5-إثنا عشر ألفا.

رسالة مسلم للحسين

و ازداد مسلم إيمانا و وثوقا بنجاح الدعوة حينما بايعه ذلك العدد الهائل من أهل الكوفة،فكتب للإمام رسالة يستحثه فيها على القدوم إليهم،و كان قد كتبها قبل شهادته ببضع و عشرين ليلة و هذا نصها:

«أما بعد:فإن الرائد لا يكذب أهله،و قد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا

ص: 61

فعجّل حين يأتيك كتابي،فإن الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي و لا هوى».

لقد كتب مسلم هذه الرسالة لأنه لم ير أية مقاومة لدعوته،و إنما رأى إجماعا شاملا على بيعة الإمام،و تلهفا حارا لرؤيته،و حمل الكتاب جماعة من أهل الكوفة، و عليهم البطل العظيم عابس الشاكري،و قدم الوفد مكة المكرمة،و سلم الرسالة إلى الإمام،و قد استحثوه على القدوم إلى الكوفة،و ذكروا إجماع أهلها على بيعته،و ما لاقاه مسلم من الحفاوة البالغة منهم،و عند ذلك تهيأ الإمام إلى السفر للكوفة.

موقف النعمان بن بشير

كان موقف النعمان بن بشير من الثورة موقفا يتسم باللين و التسامح و قد اتهمه الحزب الأموي بالضعف،أو التضاعف في حفظ مصلحة الدولة و الاهتمام بسلامتها فأجابهم:

«لئن أكون ضعيفا و أنا في طاعة الله أحب إلي من أن أكون قويا في معصية الله، و ما كنت لأهتك سترا ستره الله».

و قد أعطى الشيعة بموقفه هذا قوة،و شجّعهم على العمل ضد الحكومة علنا، و لعل سبب ذلك يعود لأمرين:

-1-إن مسلم بن عقيل كان ضيفا عند المختار و هو زوج ابنته عمرة فلم يعرض للثوار بسوء رعاية للمختار.

-2-إن النعمان كان ناقما على يزيد و ذلك لبغضه للأنصار فقد أغرى الأخطل الشاعر المسيحي في هجائهم فثأر لهم النعمان كما ألمحنا إلى ذلك في البحوث السابقة،و لعل لهذا و لغيره لم يتخذ النعمان أي إجراء مضاد للثورة.

ص: 62

خطبة النعمان

و أعطى النعمان للشيعة قوة في ترتيب الثورة و تنظيمها،و هيأ لهم الفرص في إحكام قواعدها مما ساء الحزب الأموي،فأنكروا عليه ذلك،و حرّضوه على ضرب الشيعة فخرج النعمان،و صعد المنبر فأعلن للناس سياسته المتسمة بالرفق،فقال بعد حمد الله و الثناء عليه.

«أما بعد:فاتقوا الله عباد الله،و لا تسارعوا إلى الفتنة و الفرقة فإن فيهما تهلك الرجال و تسفك الدماء،و تغصب الأموال.إني لم أقاتل من لم يقاتلني،و لا أثب على من لا يثب علي،و لا أشاتمكم،و لا أتحرش بكم،و لا آخذ بالقرف و لا الظنة و لا التهمة،و لكنكم إن أبديتم صفحتكم لي،و نكثتم بيعتكم،و خالفتم إمامكم فو الله الذي لا إله إلا هو لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي،و لو لم يكن لي منكم ناصر،أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل».

و ليس في هذا الخطاب أي ركون إلى وسائل العنف و الشدة،و إنما كان فيه تحذير من مغبة الفتنة و حب للعافية،و عدم التعرض لمن لا يثب على السلطة،و عدم أخذ الناس بالظنة و التهمة كما كان يفعل زياد بن أبيه والي العراق،و علّق أنيس زكريا على خطاب النعمان بقوله:

«و لنا من خطبه-أي خطب النعمان-في الكوفة برهان آخر على أنه كان يرى الفتنة يقظى،و لا بد أن تشتعل،و أنه لن يهاجم القائمين بها قبل أن يهاجموه،فجعل لأنصارها قوة وطيدة الأركان،و يدا فعالة في ترتيب المؤامرة و تنظيمها على الأسس المتينة».

ص: 63

سخط الحزب الأموي

و أغضبت سياسة النعمان عملاء الحكم الأموي فانبرى إليه عبد الله بن مسلم الحضرمي حليف بني أمية،فأنكر خطته قائلا:

«إنه لا يصلح ما ترى إلا الغشم إن هذا الذي أنت عليه فيما بينك و بين عدوك رأي المستضعفين؟!».

و دافع النعمان عن نفسه بأنه لا يعتمد على أية وسيلة تبعده عن الله و لا يسلك طريقا يتجافى مع دينه،و قد استبان للحزب الأموي ضعف النعمان،و انهياره أمام الثورة.

اتصال الحزب الأموي بدمشق

و فزع الحزب الأموي من تجاوب الرأي العام مع مسلم،و اتساع نطاق الثورة في حين أن السلطة المحلية أغضت النظر عن مجريات الأحداث و قد اتهمتها بالضعف أو بالتوطأ مع الثوار،و قام الحزب الأموي باتصال سريع بحكومة دمشق،و طلبوا منها اتخاذ الإجراءات الفورية قبل أن يتسع نطاق الثورة،و يأخذ العراق استقلاله، و ينفصل عن التبعية لدمشق،و من بين الرسائل التي وفدت على يزيد رسالة عبد الله الحضرمي،جاء فيها:

«أما بعد:فإن مسلم بن عقيل،قدم الكوفة،و بايعته الشيعة للحسين بن علي،فإن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك،و يعمل مثل عملك في عدوك فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف».

ص: 64

و تدعو هذه الرسالة إلى إقصاء النعمان عن مركزه،و استعمال شخص آخر مكانه قوي البطش ليتمكن من القضاء على الثورة،فإن النعمان لا يصلح للقضاء عليها،و كتب إليه بمثل ذلك عمارة بن الوليد بن عقبة و عمر بن سعد.

فزع يزيد

و فزع يزيد حينما توافدت عليه رسائل عملائه في الكوفة بمبايعة أهلها للحسين، فراودته الهواجس،و ظل ينفق ليله ساهرا يطيل التفكير في الأمر فهو يعلم أن العراق مركز القوة في العالم الإسلامي و هو يبغضه و يحقد على أبيه،فقد أصبح موترا منهم لما صبوه عليه من الظلم و الجور،و إن كراهية أهل العراق ليزيد لا تقل عن كراهيتهم لأبيه،كما أنه على يقين أن الأغلبية الساحقة في العالم الإسلامي تتعطش لحكم الإمام الحسين لأنه الممثل الشرعي لجده و أبيه،و لا يرضون بغيره بديلا.

استشارته لسرجون

و أحاطت الهواجس بيزيد،و شعر بالخطر الذي يهدد ملكه فاستدعى سرجون الرومي،و كان مستودع أسرار أبيه،و من أدهى الناس،فعرض عليه الأمر،و قال له:

«ما رأيك أن حسينا قد توجه إلى الكوفة،و مسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين،و قد بلغني عن النعمان ضعف و قول سيء،فما ترى من استعمل على الكوفة؟».

و تأمل سرجون،و أخذ يطيل التفكير فقال له:

«أرأيت أن معاوية لو نشر أكنت آخذا رأيه؟».

ص: 65

فقال يزيد:«نعم».

فأخرج سرجون عهد معاوية لعبيد الله بن زياد على الكوفة،و قال:«هذا رأي معاوية و قد مات،و قد أمر بهذا الكتاب»أما دوافع سرجون في ترشيح ابن زياد لولاية الكوفة فهي لا تخلو من أمرين:

-1-إنه يعرف قسوة ابن زياد و بطشه و أنه لا يقوى أحد على إخضاع العراق غيره فهو الذي يتمكن من القضاء على الثورة بما يملك من وسائل الإرهاب و العنف.

-2-إنه قد دفعته العصبية القومية لهذا الترشيح فإن ابن زياد رومي النسب و سرجون رومي.

ص: 66

ولاية ابن زياد على الكوفة

و كان يزيد ناقما على ابن زياد كأشد ما تكون النقمة،و أراد عزله عن البصرة و ذلك لمعارضة أبيه في البيعة له،إلا أنه استجاب لرأي سرجون فقد رأى فيه الحفاظ على مصلحة دولته،فعهد له بولاية الكوفة و البصرة،و بذلك فقد خضع العراق بأسره لحكمه،و كتب إليه هذه الرسالة:

«أما بعد:فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشق عصا المسلمين،فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه،و السلام».

و أشارت هذه الرسالة إلى مدى قلق السلطة في دمشق و فزعها من مسلم بن عقيل،و قد شددت على ابن زياد في الإسراع بالسفر إلى الكوفة لإلقاء القبض عليه، و تنص بعض المصادر أن يزيد كتب إلى ابن زياد«إن كان لك جناحان فطر إلى الكوفة»و هذا مما ينبي عن الخوف الذي ألمّ بيزيد من الثورة في العراق.

و حمل مسلم بن عمرو الباهلي العهد لابن زياد بولاية الكوفة مع تلك الرسالة، و يقول المؤرخون أن الباهلي كان من عيون بني أمية في الكوفة و من أهم عملائهم، كما كان من أجلاف العرب و هو الذي ظن على مسلم أن يشرب جرعة من الماء حينما جي به أسيرا إلى ابن زياد.

و تسلم ابن زياد من الباهلي العهد له بولاية الكوفة،و قد طار فرحا فقد تم له الحكم على جميع أنحاء العراق بعد ما كان مهددا بالعزل عن ولاية البصرة،و قد سر بما خولته دمشق من الحكم المطلق على العراق،و بما سوغت له من استعمال

ص: 67

الشدة و القسوة و سفك الدماء لكل من لا يدخل في طاعة يزيد أو يشترك بأية مؤامرة ضده،و كان هذا التفويض المطلق في استعمال القسوة على الناس مما يتفق مع رغبات ابن زياد و ميوله فقد كان من عوامل استمتاعاته النفسية حب الجريمة و الإساءة إلى الناس،و عدم التردد في سفك الدماء.

ص: 68

خطبة ابن زياد في البصرة

و تهيأ ابن زياد لمغادرة البصرة و التوجه إلى الكوفة،و قبل مغادرته لها جمع الناس،و خطب فيهم خطابا قاسيا جاء فيه:

«إن أمير المؤمنين يزيد و لاني الكوفة،و أنا غاد إليها الغداة،فو الله إني ما تقرن بي الصعبة،و لا يقعقع لي بالشنآن،و إني لنكل لمن عاداني،و سم لمن حاربني، انصف القارة من راماها.

يا أهل البصرة قد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان،و إياكم و الخلاف و الأرجاف فو الله الذي لا إله غيره لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنه و عرينه و وليه،و لآخذن الأدنى بالأقصى حتى تسمعوا لي،و لا يكون فيكم مخالف و لا مشاق...أنا ابن زياد أشبهته من بين من وطأ الحصى،و لم ينتزعني شبه خال و لا ابن عم».

ما أهون سفك الدماء عند أولئك البرابرة الوحوش من ولاة بني أمية!!لقد تحدث الطاغية عن نفسيته الشريرة التي توغلت في الإثم،فهو يأخذ البريء بالسقيم، و المقبل بالمدبر،و الأدنى بالأقصى،و يقتل على الظنة و التهمة كما كان يفعل أبوه زياد الذي أشاع القتل في ربوع العراق.

سفر الطاغية إلى الكوفة:

و سار الخبيث الدنس من البصرة متجها إلى الكوفة ليقترف أعظم موبقة لم يقترفها شقي غيره،و قد صحبه من أهل البصرة خمسمائة رجل فيهم عبد الله بن الحارث بن نوفل و شريك بن الأعور الحارثي و هو من أخلص أصحاب الإمام

ص: 69

الحسين،و قد صحب ابن زياد ليكون عينا عليه،و يتعرف على خططه،و قد صحب ابن زياد هذا العدد ليستعين بهم على بث الإرهاب،و إذاعة الخوف بين الناس و الاتصال بزعماء الكوفة لصرفهم عن الثورة.

على أي حال فقد أخذ ابن زياد يجد في السير لا يلوي على شيء قد واصل السير إلى الكوفة مخافة أن يسبقه الحسين إليها،و قد جهد أصحابه،و أعياهم المسير فسقط منهم جماعة منهم عبد الله بن الحارث فلم يعبأ بهم،و لما ورد القادسية سقط مولاه(مهران)فقال له ابن زياد:

«إن سكت على هذا الحال فتنتظر إلى القصر فلك مائة ألف».

فقال له مهران:لا و الله لا أستطيع،و نزل الطاغية فلبس ثيابا يمانية و عمامة سوداء و تلثم،ليوهم من رآه أنه الحسين و سار وحده فدخل الكوفة مما يلي النجف و كان قلبه كجناح طائر من شدة الخوف،و لو كانت عنده مسكة من البسالة و الشجاعة لما تنكر و غير بزته،و أوهم على الناس أنه الحسين..و قد تذرع الجبان بهذه الوسائل لحماية نفسه،و تنص بعض المصادر أنه حبس نفسه عن الكلام خوفا من أن يعرفه الناس فتأخذه سيوفهم (1).2.

ص: 70


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:243/2.

ابن زياد في قصر الإمارة

و أسرع الخبيث نحو قصر الإمارة و قد علاه الفزع،و ساءه كأشد ما يكون الاستياء من تباشير الناس و فرحهم بقدوم الإمام الحسين،و لما انتهى إلى باب القصر وجده مغلقا،و النعمان بن بشير مشرف من أعلى القصر،و كان قد توهم أن القادم هو الحسين لأن أصوات الناس قد تعالت بالترحيب به و الهتاف بحياته، فانبرى يخاطبه.

«ما أنا بمؤد إليك أمانتي يابن رسول الله،و مالي في قتالك من إرب..».

و لمس ابن مرجانة في كلام النعمان الضعف،و الانهيار فصاح به بنبرات تقطر غيظا:

«افتح لا فتحت فقد طال ليلك».

و لما تكلم عرفه بعض من كان خلفه فصاح الناس:«إنه ابن مرجانة و رب الكعبة»و من الغريب أن ذلك المجتمع لم يميز بين الإمام الحسين و بين ابن مرجانة، مع أن كلا منهما قد عاش فترة في ديارهم،و لعل الذي أوقعهم في ذلك تغيير ابن زياد لبزته،و لبسه للعمامة السوداء.

و على أي حال فإن الناس حينما علموا أنه ابن زياد جفلوا و خفوا مسرعين إلى دورهم،و هم يتحدثون عما عانوه من الظلم و الجور أيام أبيه و قد أوجسوا من عبيد الله الشر..و بادر ابن زياد في ليلته فاستولى على المال و السلاح،و أنفق ليله ساهرا قد جمع حوله عملاء الحكم الأموي فأخذوا يحدثونه عن الثورة و يعرفونه بأعضائها البارزين،و يضعون معه المخططات للقضاء عليها.

ص: 71

خطابه في الكوفة

و عند ما انبثق نور الصبح أمر ابن مرجانة بجمع الناس في المسجد الأعظم، فاجتمعت الجماهير،و قد خيم عليها الذعر و الخوف،و خرج ابن زياد متقلدا سيفه و معتما بعمامة،فاعتلى أعواد المنبر،و خطب الناس فقال:

«أما بعد:فإن أمير المؤمنين-أصلحه الله-و لاني أمركم و ثغركم و فيأكم، و أمرني بإنصاف مظلومكم و إعطاء محرومكم،و بالإحسان إلى سامعكم و مطيعكم،و بالشدة على مريبكم،فأنا لمطيعكم كالوالد البر الشفيق و سيفي و سوطي على من ترك أمري،و خالف عهدي فليبق امرؤ على نفسه الصدق ينبى عنك لا الوعيد..».

و حفل هذا الخطاب بمايلي:

-1-إعلام أهل الكوفة بولايته على مصرهم،و عزل النعمان بن بشير عنه.

-2-تعريفهم أن حكومة دمشق قد عهدت له بالإحسان على من يتبع السلطة، و لم يتمرد عليها و استعمال الشدة و القسوة على الخارجين عليها.

و لم يعرض ابن مرجانة في خطابه للإمام الحسين و سفيره مسلم خوفا من انتفاضة الجماهير عليه و هو بعد لم يحكم أمره.

نشر الإرهاب

و عمد ابن زياد إلى نشر الإرهاب،و إذاعة الخوف،و يقول بعض المؤرخين:إنه لما أصبح ابن زياد بعد قدومه إلى الكوفة صال و جال،و أرعد و أبرق،و أمسك

ص: 72

جماعة من أهل الكوفة فقتلهم في الساعة و قد عمد إلى ذلك لإماتة الأعصاب، و صرف الناس عن الثورة.

و في اليوم الثاني أمر بجمع الناس في المسجد.و خرج إليهم بزي غير ما كان يخرج به،فخطب فيهم خطابا عنيفا تهدد فيه و توعد،فقد قال بعد حمد الله و الثناء عليه:

«أما بعد:فإنه لا يصلح هذا الأمر إلا في شدة من غير عنف،و لين من غير ضعف، و أن آخذ البريء بالسقيم،و الشاهد بالغائب،و الولي بالولي».

فانبرى إليه رجل من أهل الكوفة يقال له أسد بن عبد الله المري فرد عليه:

«أيها الأمير،إن الله تبارك و تعالى يقول: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى إنما المرء بجده و السيف بحده،و الفرس بشده،و عليك أن تقول و علينا أن نسمع،فلا تقدم فينا السيئة قبل الحسنة..».

و أفحم ابن زياد فنزل عن المنبر و دخل قصر الإمارة.

ص: 73

تحول مسلم إلى دار هانى

و اضطر مسلم إلى تغيير مقره،و إحاطة نشاطه السياسي بكثير من السر و الكتمان،فقد شعر بالخطر الذي داهمه حينما قدم الطاغية إلى الكوفة فهو يعلم بخبث هذا الوغد،و أنه لا يرجو لله وقارا و لا يتحرج من اقتراف الإثم.و قد أجمع أمره على مغادرة دار المختار لأنه لم تكن عنده قوة تحميه و لم يكن يأوي إلى ركن شديد،فالتجأ إلى دار هانى بن عروة فهو سيد المصر و زعيم مراد،و عنده من القوة ما يضمن حماية الثورة و التغلب على الأحداث،فقد كان فيما يقول المؤرخون:إذا ركب يركب معه أربعة آلاف دارع و ثمانية آلاف راجل،فإذا أجابتها أحلافها من كندة و غيرها كان في ثلاثين ألف دارع كما كانت له ألطاف و أياد بيضاء على أسرته مما جعلتهم يكنون له أعمق الود و الإخلاص.

و مضى مسلم إلى دار هذا الزعيم العربي الكبير فرحب به،و استقبله بحفاوة بالغة،و تنص بعض المصادر أنه قد ثقل على هانى استجارة مسلم به،و عظم عليه أن يتخذ داره معقلا للثورة،و مركزا للتجمعات ضد الدولة،فإنه بذلك يعرض نفسه للنقمة و البلاء إلا أنه استجاب لمسلم على كره خضوعا للعادات العربية التي لا تطرد اللاجى إليها،و إن عانت من ذلك أعظم المصاعب و المشاكل..و الذي نراه أنه لا صحة لذلك فإن مسلما لو شعر منه عدم الرضى،و القبول لما ركن إليه،و تحرج كأشد ما يكون التحرج من دخول داره و ذلك لما توفرت في مسلم من الطاقات التربوية الدينية،و ما عرف به من الشمم و الإباء الذي يبعده كل البعد من سلوك أي طريق فيه حرج أو تكلف على الناس،و بالإضافة إلى ذلك فإن مسلما لو لم يحرز منه

ص: 74

التجاوب التام،و الإيمان الخالص بدعوته لما التجأ إليه في تلك الفترة العصيبة التي تحيط به.

إن من المؤكد أن هانيا لم يستجب لحماية مسلم و الدفاع عنه على كره أو حياء، و إنما استجاب له عن رضى و إيمان بوحي من دينه و عقيدته.

و على أي حال فقد استقر مسلم في دار هانى و اتخذها مقرا للثورة،و قد احتف به هانى،و دعا القبائل لمبايعته،فبايعه في منزله ثمانية عشر ألفا و قد عرف مسلم هانئا بشؤون الثورة،و أحاطه علما بدعائها و أعضائها البارزين.

امتناع مسلم من اغتيال ابن زياد

و ذهب معظم المؤرخين إلى أن شريك بن الأعور مرض مرضا شديدا في بيت هانى بن عروة أو في بيته فانتهى خبره إلى ابن زياد فأرسل إليه رسولا يعلمه أنه آت لعيادته،فاغتنم شريك هذه الفرصة فقال لمسلم:«إنما غايتك و غاية شيعتك هلاك هذا الطاغية،و قد أمكنك الله منه و هو صائر إلي ليعودني فقم فادخل الخزانة حتى إذا اطمأن عندي فاخرج إليه فاقتله،ثم صر إلى قصر الإمارة فاجلس فيه فإنه لا ينازعك فيه أحد من الناس،و إن رزقني الله العافية صرت إلى البصرة فكفيتك أمرها،و بايع لك أهلها».

و كره هانى أن يقتل ابن زياد في داره تمسكا بالعادات العربية التي لا تبيح قتل الضيف و القاصد إليها في بيوتها فقال له:

«ما أحب أن يقتل في داري».

فقال له شريك:«و لم فو الله إن قتله لقربان إلى الله».

و لم يعن شريك بهانىء و التفت إلى مسلم يحثه على اغتيال ابن زياد قائلا له:«لا تقصر في ذلك»و بينما هم في الحديث و إذا بالضجة على الباب فقد أقبل ابن مرجانة

ص: 75

مع حاشيته،فقام مسلم و دخل الخزانة مختفيا بها،و دخل ابن زياد فجعل يسأل شريكا عن مرضه،و شريك يجيبه،و لما استبطأ شريك خروج مسلم جعل يقول:

ما الانتظار بسلمى أن تحيّوها حيّوا سليمى و حيوا من يحيّيها

كأس المنية بالتعجيل فاسقوها

و رفع صوته ليسمع مسلما قائلا:

«لله أبوك أسقنيها و إن كانت فيها نفسي».

و غفل ابن زياد عن مراده،و ظن أنه يهجر فقال لهانىء:

-أيهجر؟

-نعم أصلح الله الأمير لم يزل هكذا منذ أصبح.

و فطن مهران مولى ابن زياد،و كان ذكيا إلى ما دبر لسيده،فغمزه و نهض به سريعا فقال له شريك:أيها الأمير إني أريد أن أوصي إليك فقال له ابن زياد:إني أعود إليك و التفت مهران و هو مذعور إلى ابن زياد،فقال له:

«إنه أراد قتلك».

فبهر ابن زياد،و قال:

«كيف مع إكرامي له؟!!!و في بيت هانى ويد أبي عنده«!

و لما ولّى الطاغية خرج مسلم من الحجرة،فالتفت إليه شريك و قلبه يذوب أسى و حسرات قال له:

«ما منعك من قتله؟».

فقال مسلم:منعني منه خلتان:إحداهما كراهية هانى لقتله في منزله،و الأخرى قول رسول الله صلّى اللّه عليه و اله:إن الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن،فقال له شريك:أما و الله لو قتلته لاستقام لك أمرك،و استوسق لك سلطانك.

و لم يلبث شريك بعد الحادثة إلا ثلاثة أيام حتى توفي،فصلّى عليه ابن زياد و دفنه بالثوية،و لما تبيّن له ما دبّره له شريك طفق يقول:و الله لا أصلي على جنازة

ص: 76

عراقي،و لو لا أن قبر زياد فيهم لنبشت شريكا.

أضواء على الموقف

و يتساءل الكثيرون من الناس عن موقف مسلم،فيلقون عليه اللوم و التقريع، و يحمّلونه مسؤولية ما وقع من الأحداث،فلو اغتال الطاغية لأنقذ المسلمين من شر عظيم،و ما مني المسلمون بتلك الأزمات الموجعة التي أغرقتهم في المحن و الخطوب...أما هذا النقد فليس موضوعيا،و لا يحمل أي طابع من التوازن و التحقيق،و ذلك لعدم التقائه بسيرة مسلم و لا بواقع شخصيته،فقد كان الرجل فذا من أفذاذ الإسلام في ورعه و تقواه،و تحرّجه في الدين،فقد تربى في بيت عمه أمير المؤمنين عليه السّلام و حمل اتجاهاته الفكرية،و اتخذ سيرته المشرقة منهاجا يسير على أضوائها في حياته،و قد بنى الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام واقع حياته على الحق المحض الذي لا التواء فيه،و تحرّج كأعظم ما يكون التحرّج في سلوكه فلم يرتكب أي شيء شذ عن هدي الإسلام و واقعه و هو القائل:«قد يرى الحول القلب وجه الحيلة و دونها حاجز من تقوى الله».

و على ضوء هذه السيرة بنى ابن عقيل حياته الفكرية،و تكاد أن تكون هذه السيرة هي المنهاج البارز في سلوك العلويين يقول الدكتور محمد طاهر دروش:

«كان للهاشميين مجال يحيون فيه،و لا يعرفون سواه،فهم منذ جاهليتهم للرئاسة الدينية قد طبعوا على ما توحي به من الإيمان و الصراحة و الصدق و العفة و الشرف و الفضيلة،و الترفع و الخلائق المثالية و المزايا الأدبية و الشمائل الدينية و الآداب النبوية».

إن مسلما لم يقدم على اغتيال عدوه الماكر لأن الإيمان قيد الفتك،و لا يفتك مؤمن،و علّق هبة الدين على هذه الكلمة بقوله:«كلمة كبيرة المغزى،بعيدة المدى

ص: 77

فإن آل علي من قوة تمسكهم بالحق و الصدق نبذوا الغدر و المكر حتى لدى الضرورة،و اختاروا النصر الآجل بقوة الحق على النصر العاجل بالخديعة، شنشنة فيهم معروفة عن أسلافهم،و موروثة في أخلاقهم،كأنهم مخلوقون لإقامة حكم العدل و الفضيلة في قلوب العرفاء الأصفياء،و قد حفظ التأريخ لهم الكراسي في القلوب».

و يقول الشيخ أحمد فهمي:

«فهذا عبيد الله بن زياد،و هو من هو في دهائه،و شدة مراسه أمكنت مسلما الفرصة منه إذ كان بين يديه،و رأسه قريب المنال منه،و كان في استطاعته قتله و لو أنه فعل ذلك لحرم يزيد نفسا جبارة،و يدا فتاكة،و قوة لا يستهان بها،و لكن مسلما متأثر بهدي ابن عمه عاف هذا المسلك و صان نفسه من أن يقتله غيلة و مكرا».

إن مهمة مسلم التي عهد بها إليه هي أخذ البيعة من الناس و التعرف على مجريات الأحداث،و لم يعهد إليه بأكثر من ذلك،و لو قام باغتيال الطاغية لخرج عن حدود مسؤولياته..على أن الحكومة التي جاء ممثلا لها إنما هي حكومة دينية تعنى قبل كل شيء بمبادى الدين و الالتزام بتطبيق سننه و أحكامه،و ليس من الإسلام في شيء القيام بعملية الاغتيال.

و قد كان أهل البيت عليهم السّلام يتحرجون كأشد ما يكون التحرّج من السلوك في المنعطفات،و كانوا ينعون على الأمويين شذوذ أعمالهم التي لا تتفق مع نواميس الدين،و ما قام الحسين بنهضته الكبرى إلا لتصحيح الأوضاع الراهنة و إعادة المنهج الإسلامي إلى الناس...و ماذا يقول مسلم للأخيار و المتحرجين في دينهم لو قام بهذه العملية التي لا يقرها الدين.

و على أي حال فقد استمسك مسلم بفضائل دينه و شرفه من اغتيال ابن زياد، و كان تحت قبضته،و إن من أهزل الأقوال و أوهنها القول بأن عدم فتكه به ناشىء عن ضعفه و خوره،فإن هذا أمر لا يمكن أن يصغى إليه فقد أثبت في مواقفه

ص: 78

البطولية في الكوفة حينما غدر به أهلها ما لم يشاهد التأريخ له نظيرا في جميع مراحله،فقد صمد أمام ذلك الزحف الهائل من الجيوش فقابلها وحده و لم تظهر عليه أي بادرة من الخوف و الوهن،فقد قام بعزم ثابت يحصد الرؤوس و يحطم الجيوش حتى ضجت الكوفة من كثرة من قتل منها،فكيف يتهم بطل هاشم و فخر عدنان بالوهن و الضعف؟ (1)2.

ص: 79


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:250/2.

المخططات الرهيبة

اشارة

و أدت المخططات الرهيبة التي صممها الطاغية إلى نجاحه في الميادين السياسية و تغلبه على الأحداث،فبعد أن كانت الكوفة تحت قبضة مسلم انقلبت عليه رأسا على عقب،فزج بها الماكر الخبيث إلى حرب مسلم،و القضاء عليه،و من بين هذه المخططات.

1-التجسس على مسلم

و أول بادرة سلكها ابن زياد هي التجسس على مسلم،و معرفة جميع نشاطاته السياسية و الوقوف على نقاط القوة و الضعف عنده،و قد اختار للقيام بهذه المهمة مولاه معقلا،و كان من صنائعه،و تربى في كنفه،و درس طباعه،و وثق بإخلاصه، و كان فطنا ذكيا،فأعطاه ثلاثة آلاف درهم،و أمره أن يتصل بالشيعة،و يعرفهم أنه من أهل الشام،و أنه مولى لذي الكلاع الحميري،و كانت الصبغة السائدة على الموالي هي الإخلاص لأهل البيت عليهم السّلام و لذا أمره بالانتساب إلى الموالي،حتى ينفي الشك و الريب عنه،و قال له:إنه إذا التقى بهم فليعرفهم بأنه ممن أنعم الله عليه بحب أهل البيت عليهم السّلام و قد بلغه قدوم رجل إلى الكوفة يدعو للإمام الحسين،و عنده مال يريد أن يلقاه ليوصله إليه حتى يستعين به على حرب عدوه،و مضى معقل في مهمته فدخل الجامع،و جعل يفحص و يسأل عمن له معرفة بمسلم،فأرشد إلى مسلم بن عوسجة،فانبرى إليه،و هو يظهر الإخلاص و الولاء للعترة الطاهرة قائلا

ص: 80

له:

«إني أتيتك لتقبض مني هذا المال،و تدلني على صاحبك لأبايعه،و إن شئت أخذت بيعتي قبل لقائي إياه..».

فقال مسلم:لقد سرّني لقاؤك إياي لتنال الذي تحب،و ينصر الله بك أهل نبيه، و قد ساءني معرفة الناس إياي من قبل أن يتم مخافة هذا الطاغية و سطوته،ثم أخذ منه البيعة و أخذ منه المواثيق المغلظة على النصيحة و كتمان الأمر و في اليوم الثاني أدخله على مسلم فبايعه و أخذ منه المال و أعطاه إلى أبي ثمامة الصائدي، و كان قد عينه لقبض المال ليشتري به السلاح و الكراع،و كان معقل فيما يقول المؤرخون أول من يدخل على مسلم،و آخر من يخرج منه،و جميع البوادر و الأحداث التي تصدر ينقلها بتحفظ في المساء إلى ابن زياد حتى وقف على جميع أسرار الثورة مع أعضاء الثورة.

و الذي يواجه أعضاء الثورة من المؤاخذات ما يلي:

أولا:إن معقل كان من أهل الشام الذين عرفوا بالبغض و الكراهية لأهل البيت عليهم السّلام و الولاء لبني أمية و التفاني في حبهم فما معنى الركون إليه؟

ثانيا:إن اللازم التريب حينما أعطى المال لمسلم بن عوسجة و هو يبكي،فما معنى بكائه أو تباكيه؟أليس ذلك مما يوجب الريب في شأنه.

ثالثا:إنه حينما اتصل بهم كان أول داخل و آخر خارج،فما معنى هذا الاستمرار و المكث الطويل في مقر القيادة العامة؟أليس ذلك مما يوجب الشك في أمره؟

لقد كان الأولى بالقوم التحرز منه،و لكن القوم قد خدعتهم المظاهر المزيفة، و من الحق أن هذا الجاسوس كان ماهرا في صناعته،و خبيرا فيما انتدب إليه.

و على أي حال فإن ابن زياد قد استفاد من عملية التجسس أمورا بالغة الخطورة فقد عرف العناصر الفعالة في الثورة،و عرف مواطن الضعف فيها،و غير ذلك من الأمور التي ساعدته على التغلب على الأحداث.

ص: 81

2-رشوة الزعماء و الوجوه

و وقف ابن زياد على نبض الكوفة،و عرف كيف يستدرج أهلها فبادر إلى رشوة الوجوه و الزعماء فبذل لهم المال بسخاء فاستمال و دهم،و استولى على قلوبهم فصارت ألسنتهم تكيل له المدح و الثناء،و كانوا ساعده القوي في تشتيت شمل الناس و تفريق جموعهم عن مسلم.

لقد استعبدهم ابن مرجانة بما بذله من الأموال فأخلصوا له و منحوه النصيحة و خانوا بعهودهم و مواثيقهم التي أعطوها لمسلم،و قد أخبر بعض أهل الكوفة الإمام عن هذه الظاهرة حينما التقى به في أثناء الطريق فقال له:

«أما أشراف الناس فقد عظمت رشوتهم،و ملئت غرائزهم،يستمال و دهم، و يستخلص به نصيحتهم،و أما سائر الناس فإن أفئدتهم تهوي إليك،و سيوفهم غدا مشهورة عليك».

لقد تناسى الكوفيون كتبهم التي أرسلوها للإمام و بيعتهم له على يد سفيره من أجل الأموال التي أغدقتها عليهم السلطة،يقول بعض الكتاب:

«إن الجماعات التي أقامها النكير على بني أمية،و راسلت الحسين و أكدت له إخلاصها،و ذرفت أمام مسلم أعز دموعها هي الجماعات التي ابتاعها عبيد الله بن زياد بالدرهم و الدينار،و قد ابتاعها فيما بعد مصعب بن الزبير فتخلّوا عن المختار، و تركوه وحيدا يلقى حتفه ثم اشتراها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان فتخلّوا عن مصعب،و تركوه يلقى مصيره على يد عبد الملك بن مروان».

ص: 82

الإحجام عن كبس دار هانىء

و علم الطاغية أن هانئا هو العضو البارز في الثورة،فقد أطلعه الجاسوس الخطير معقل على الدور الفعال الذي يقوم به هانىء في دعم الثورة،و مساندتها بجميع قدراته،و عرّفه أن داره أصبحت المركز العام للشيعة،و المقر الرئيسي لسفير الحسين مسلم...فلماذا لم يقم بكبسها و تطويقها بالجيش ليقضي بذلك على الثورة،و إنما أحجم عن ذلك لعجزه عسكريا،و عدم مقدرته على فتح باب الحرب فإن دار هانىء مع الدور التي كانت محيطة بها كانت تضم أربعة آلاف مقاتل ممن بايعوا مسلما بالإضافة إلى أتباع هانىء و مكانته المرموقة في المصر،فلهذا لم يستطع ابن زياد من القيام بذلك نظرا للمضاعفات السيئة.

رسل الغدر

و أنفق ابن زياد لياليه ساهرا يطيل التفكير،و يطيل البحث مع حاشيته في شأن هانىء،فهو أعز من في المصر،و أقوى شخصية يستطيع القيام بحماية الثورة،و لا يدع مسلما فريسة لأعدائه،فإذا قضى عليه فقد استأصل الثورة من جذورها،و قد أعرضوا عن إلقاء القبض عليه،و تطويق داره فإن ذلك ليس بالأمر الممكن،و قد اتفق رأيهم على خديعته بإرسال وفد إليه من قبل السلطة يعرض عليه رغبة ابن زياد في زيارته،فإذا وقع تحت قبضته فقد تم كل شيء،و يكون تشتت أتباعه ليس بالأمر العسير،و شكّلوا وفدا لدعوته و هم:

ص: 83

-1-حسان بن أسماء بن خارجة زعيم فزارة.

-2-محمد بن الأشعث زعيم كندة.

-3-عمرو بن الحجاج.

و لم يكن لحسان بن أسماء علم بالمؤامرة التي دبّرت ضد هانىء،و إنما كان يعلم بها محمد بن الأشعث و عمرو بن الحجاج،و قد أمرهم ابن زياد أن يحملوا له عواطفه و رغبته الملحة في زيارته،و يعملوا جاهدين على إقناعه.

ص: 84

اعتقال هانىء

و أسرع الوفد إلى هانىء عشية فوجدوه جالسا على باب داره فسلّموا عليه، و قالوا له:

«ما يمنعك من لقاء الأمير فإنه قد ذكرك؟و قال لو أعلم أنه شاك لعدته».

فقال لهم:«الشكوى تمنعني».

و أبطلوا هذا الزعم و قالوا له:«إنه قد بلغه أنك تجلس كل عشية على باب دارك، و قد استبطأك،و الإبطاء و الجفاء لا يحتمله السلطان،أقسمنا عليك لما ركبت معنا».

و أخذوا يلحّون عليه في زيارته فاستجاب لهم على كره فدعا بثيابه فلبسها، و دعا ببغلة فركبها فلما كان قريبا من القصر أحست نفسه بالشر فعزم على الانصراف و قال لحسان بن أسماء:«يابن الأخ إني و الله لخائف من هذا الرجل فما ترى؟»فقال حسان:«يا عم و الله ما أتخوف عليك شيئا و لم تجعل على نفسك سبيلا؟»و أخذ القوم يلحون عليه حتى أدخلوه على ابن مرجانة،فاستقبله بعنف و شراسة،و قال:

«أتتك بخائن رجلاه».

و كان شريح إلى جانبه،فقال له:

أريد حياته و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد و ذعر هانىء فقال له:

«ما ذاك أيها الأمير؟».

فصاح به الطاغية بعنف:

ص: 85

«إيه يا هانىء ما هذه الأمور التي تتربص في دارك لأمير المؤمنين و عامة المسلمين؟جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك،و جمعت له السلاح و الرجال في الدور حولك،و ظننت أن ذلك يخفى علي؟».

فأنكر ذلك هانىء و قال:

«ما فعلت ذلك و ما مسلم عندي».

«بلى قد فعلت».

و طال النزاع و احتدم الجدال بينهما،فرأى ابن زياد أن يحسم النزاع فدعا معقلا الذي جعله عينا عليهم فلما مثل عنده قال لهانىء:

«أتعرف هذا؟».

«نعم».

و أسقط ما في يدي هانىء،و أطرق برأسه إلى الأرض،و لكن سرعان ما سيطرت شجاعته على الموقف،فانتفض كالأسد،و قال لابن مرجانة:

«قد كان الذي بلغك،و لن أضيع يدك عندي،تشخص لأهل الشام أنت و أهل بيتك سالمين بأموالكم،فإنه جاء حق من هو أحق من حقك و حق صاحبك..».

فثار ابن زياد و صاح به:

«و الله لا تفارقني حتى تأتيني به».

و سخر منه هانىء،و أنكر عليه قائلا له مقالة الرجل الشريف:

«لا آتيك بضيفي أبدا».

و لما طال الجدال بينهما انبرى إلى هانىء مسلم بن عمر الباهلي و هو من خدام السلطة،و لم يكن رجل في المجلس غريب غيره فطلب من ابن زياد أن يختلي بهانىء،ليقنعه فأذن له،فقام و خلا به ناحية بحيث يراهما ابن زياد و يسمع صوتهما إذا علا،و حاول الباهلي إقناع هانىء فحذره من نقمة السلطان و أن السلطة لا تنوي السوء بمسلم قائلا:

ص: 86

«يا هانىء أنشدك اللّه أن تقتل نفسك،و تدخل البلاء على قومك،إن هذا الرجل- يعني مسلما-ابن عم القوم،و ليسوا بقاتليه،و لا ضائريه،فادفعه إليه فليس عليك بذلك مخزاة،و لا منقصة إنما تدفعه إلى السلطان..».

و لم يخف على هانىء هذا المنطق الرخيص،فهو يعلم أن السلطة إذا ظفرت بمسلم فسوف تنكل به،و لا تدعه حيا و أن ذلك يعود عليه بالعار و الخزي إن سلم ضيفه وافد آل محمد فريسة لهم قائلا:

«بلى و اللّه عليّ في ذلك أعظم العار أن يكون مسلم في جواري و ضيفي و هو رسول ابن بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أنا حي صحيح الساعدين كثير الأعوان،و الله لو لم أكن إلا وحدي لما سلّمته أبدا».

و حفل هذا الكلام بمنطق الأحرار الذين يهبون حياتهم للمثل العليا و لا يخضعون لما يخل بشرفهم.

و لما يئس الباهلي من إقناع هانىء انطلق نحو ابن زياد فقال له:

«أيها الأمير قد أبى أن يسلّم مسلما أو يقتل».

و صاح الطاغية بهانىء:

«لتأتيني به أو لأضربن عنقك».

فلم يعبأ به هانىء و قال:

«إذن تكثر البارقة حولك».

فثار الطاغية و انتفخت أوداجه و قال:

«و الهفا عليك أبالبارقة تخوّفني».

و صاح بغلامه مهران و قال:خذه،فأخذ بضفيرتي هانىء،و أخذ ابن زياد القضيب فاستعرض به وجهه،و ضربه ضربا عنيفا حتى كسر أنفه و نثر لحم خديه و جبينه على لحيته حتى تحطّم القضيب و سالت الدماء على ثيابه،و عمد هانىء إلى قائم سيف شرطي محاولا اختطافه ليدافع به عن نفسه فمنعه منه،فصاح به ابن

ص: 87

زياد:

«أحروري أحللت بنفسك و حل لنا قتلك».

و أمر ابن زياد باعتقاله في أحد بيوت القصر و اندفع حسان بن أسماء بن خارجة و كان ممن أمّن هانئا و جاء به إلى ابن زياد،و قد خاف من سطوة عشيرته و نقمتهم عليه،فأنكر عليه ما فعله بهانىء قائلا:

«أرسله يا غادر أمرتنا أن نجيئك بالرجل فلما أتيناك به هشمت وجهه،و سيلت دماءه و زعمت أنك تقتله».

و غضب منه ابن زياد فأوعز إلى شرطته بتأديبه فلهز و تعتع ثم ترك و أما ابن الأشعث المتملق الحقير فجعل يحرك رأسه و يقول ليسمع الطاغية:

«قد رضينا بما رأى الأمير لنا كان أم علينا،إنما الأمير مؤدب»و لا يهم ابن الأشعث ما اقترفه الطاغية من جريمة في سبيل تأمين مصالحه و رغباته.

ص: 88

انتفاضة مذحج:

و انتهى خبر هانىء إلى أسرته فاندفعت بتثاقل كالحشرات فقاد جموعها الانتهازي الجبان عمرو بن الحجاج الذي لا عهد له بالشرف و المرؤءة،فأقبل و معه مذحج و هو يرفع عقيرته لتسمع السلطة مقالته قائلا:

«أنا عمرو بن الحجاج و هذه فرسان مذحج و وجوهها لم نخلع طاعة و لم نفارق جماعة».

و حفل كلامه بالخنوع و المسالمة للسلطة و ليس فيه اندفاع لإنقاذ هانىء و لذا لم يحفل به ابن زياد فالتفت إلى شريح القاضي فقال له:أدخل على صاحبهم فانظر إليه،ثم اخرج إليهم فأعلمهم أنه حي،و خرج شريح فدخل على هانىء فلما بصر به صاح مستجيرا:

«يا للمسلمين أهلكت عشيرتي؟!!أين أهل الدين أين أهل المصر!أيحذرونني عدوهم و كان قد سمع الأصوات و ضجيج الناس فالتفت إلى شريح قائلا:

«يا شريح إني لأظنها أصوات مذحج و شيعتي من المسلمين،إنه إن دخل علي عشرة أنفر أنقذوني..».

و خرج شريح و كان عليه عين لابن زياد مخافة أن يدلي بشي على خلاف رغبات السلطة فيفسد عليها أمرها فقال لهم:

«قد نظرت إلى صاحبكم و أنه حي لم يقتل».

و بادر عمرو بن الحجاج فقال:

«إذا لم يقتل فالحمد الله».

ص: 89

و ولّوا منهزمين كأنما أتيح لهم الخلاص من السجن و هم يصحبون العار و الخزي،و ظلّوا مثالا للخيانة و الجبن على امتداد التأريخ-و فيما أحسب-أن هزيمة مذحج بهذه السرعة و عدم تأكدها من سلامة زعيمها جاءت نتيجة اتفاق سري بين زعماء مذحج و بين ابن زياد للقضاء على هانى،و لو لا ذلك لنفرت مذحج حينما أخرج هانى من السجن في وضح النهار،و نفذ فيه حكم الإعدام في سوق الحذائين.

و على أي حال فقد خلدت مذحج للذل،و رضيت بالهوان،و انبرى شاعر مجهول أخفى اسمه حذرا من نقمة الأمويين و بطشهم فرثى هانئا و ندد بأسرته محاولا بذلك أن يثير في نفوسهم روح العصبية القبلية ليثأروا لقتيلهم يقول:

فإن كنت لا تدرين ما الموت

فانظري إلى هانى في السوق و أين عقيل

إلى بطل قد هشم السيف وجهه

و آخر يهوي من طمار قتيل

أصابهما أمر الأمير فأصبحا

أحاديث من يسري بكل سبيل

ترى جسدا قد غير الموت لونه

و نضح دم قد سال كل مسيل

فتى كان أحيى من فتاة حيية

و أقطع من ذي شفرتين صقيل

أيركب أسماء الهماليج آمنا

و قد طلبته مذحج بذحول

تطوف حواليه(مراد)و كلهم

على رقبة من سائل و مسول

ص: 90

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم

فكونوا بغايا أرضيت بقليل

و علّق الدكتور يوسف خليف على هذه الأبيات بقوله:«و اللحن هنا تأثر عنيف، و التعبير فيه قوي صريح بل تصل فيه الصراحة إلى درجة الجرأة،و شجع الشاعر على هذه الجرأة أنه كان في مأمن من بطش الأمويين لأنه استطاع أن يخفي اسمه، حتى أصبح شخصا مختلفا فيه عند بعض الرواة،و مجهولا تماما عند بعضهم، و هو في هذا اللحن لا يتحدث عن الحسين،و لا عن السياسة،و إنما كل حرصه أن يثير روح العصبية القبلية في نفوس اليمنية ليثأروا لقتيلهم و هو-من أجل هذا- أغفل متعمدا من غير شك ذكر محمد بن الأشعث اليمني،و لم يذكر إلا أسماء بن خارجة الفزاري على أنه هو المسؤول عن دم هانى مع أن كليهما كان رسول ابن زياد إليه،و لكن الشاعر حرص على أن يغفل ذكر ابن الأشعث حتى لا يثير فتنة أو انقساما بين اليمنية،و هو في أشد الحاجة إلى أن يوحّد صفوفهم حتى يدركوا ثأرهم،و اعتمد الشاعر في قصيدته على هذه الصورة المفزعة التي رسمها للقتيلين اللذين هشم السيف وجه أحدهما و ألقي بالآخر من أعلى القصر،و اللذين أصبحا أحاديث للناس في كل مكان.و هو حريص في هذه الصورة على أن يعرض للناس منظرين رهيبين يثيران في نفوسهم كل عواطف الحزن و السخط و الإنتقام،منظر هذين الجسدين و قد غيّر الموت من لونهما،و هذا الدم الذي ينضح منهما و يسيل كل مسيل،ثم منظر أسماء بن خارجة و هو يحتال في طرقات الكوفة على دوابه التي تتبختر به آمنا مطمئنا،و يسأل إلى متى سيظل هذا الرجل في أمنه و خيلائه و من حوله قبيلة القتيل تطالبه بالثأر،فلا يجد أشد من طعنها في كرامتها،فيقول لهم إن لم تثأروا لقتيلكم فكونوا بغايا يبغى شرفهن بثمن بخس دراهم معدودات.

لقد تنكرت مذحج لزعيمها الكبير فلم تف له حقوقه فتركته أسيرا بيد ابن مرجانة يمعن في إرهاقه من دون أن تحرك ساكنا في حين أنها كانت لها السيادة

ص: 91

و السيطرة على الكوفة كما يرى ذلك فلهوزن.

و على أي حال فقد كان لاعتقال هانىء الأثر الكبير في ذيوع الفزع و الخوف في نفوس الكوفيين مما أدى إلى تفرق الناس عن مسلم و إخفاق الثورة.

ص: 92

ثورة مسلم

و لما علم مسلم بما جرى على هانىء بادر لإعلان الثورة على ابن زياد لعلمه بأنه سيلقى نفس المصير الذي لاقاه هانئا،فأوعز إلى عبد الله بن حازم أن ينادي في أصحابه و قد ملأ بهم الدور،فاجتمع إليه أربعة آلاف أو أربعون ألفا و هم ينادون بشعار المسلمين يوم بدر.

«يا منصور أمت».

و قام مسلم بتنظيم جيشه،و أسند القيادات العامة في الجيش إلى من عرفوا بالولاء و الإخلاص لأهل البيت عليهم السّلام و هم:

-1-عبد الله بن عزيز الكندي:جعله على ربع كندة.

-2-مسلم بن عوسجة:جعله على ربع مذحج.

-3-أبو ثمامة الصائدي:جعله على ربع قبائل بني تميم و همدان

-4-العباس بن جعدة الجدلي:جعله على ربع المدينة.

و اتجه مسلم بجيشه نحو قصر الإمارة فأحاطوا به و كان ابن زياد قد خرج من القصر ليخطب الناس على أثر اعتقاله لهانىء،فجاء إلى المسجد الأعظم فاعتلى أعواد المنبر،ثم التفت إلى أصحابه فرآهم عن يمينه و شماله و في أيديهم الأعمدة و قد شهروا سيوفهم للحفاظ عليه،فهدأ روعه و خاطب أهل الكوفة قائلا:

«أما بعد يا أهل الكوفة فاعتصموا بطاعة الله و رسوله،و طاعة أئمتكم و لا تختلفوا،و لا تفرقوا فتهلكوا،و تذلوا،و تندموا،و تقهروا،فلا يجعلن أحد على نفسه سبيلا و قد أعذر من أنذر».

ص: 93

و ما أتم الطاغية خطابه حتى سمع الضجة و أصوات الناس قد علت فسأل عن ذلك فقيل له:

«الحذر،الحذر،هذا مسلم بن عقيل قد أقبل في جميع من بايعه..».

و اختطف الرعب لونه،و سرت الرعدة بجميع أوصاله فأسرع الجبان نحو القصر و هو يلهث من شدة الخوف،فدخل القصر،و أغلق عليه أبوابه و امتلأ المسجد و السوق من أصحاب مسلم،و ضاقت الدنيا على ابن زياد،و أيقن بالهلاك إذ لم تكن عنده قوة تحميه سوى ثلاثين رجلا من الشرط،و عشرين رجلا من الأشراف الذين هم من عملائه،و قد تزايد جيش مسلم حتى بلغ فيما يقول بعض المؤرخين ثمانية عشر ألفا و قد نشروا الأعلام و شهروا السيوف،و قد ارتفعت أصواتهم بقذف ابن زياد و شتمه،و جرى بين أتباع ابن زياد و بين جيش مسلم قتال شديد كما نص على ذلك بعض المؤرخين.

و أمعن الطاغية في أقرب الوسائل التي تمكنه من إنقاذ حكومته من الثورة فرأى أن لا طريق له سوى حرب الأعصاب و دعايات الإرهاب فسلك ذلك.

حرب الأعصاب

و أوعز الطاغية إلى جماعة من وجوه أهل الكوفة أن يبادروا ببث الذعر و نشر الخوف بين الناس،و قد انتدب للقيام بهذه المهمة الذوات التالية:

-1-كثير بن شهاب الحارثي.

-2-القعقاع بن شور الذهلي.

-3-شبث بن ربعي التميمي.

-4-حجار بن أبجر.

-5-شمر بن ذي الجوشن الضبابي.

ص: 94

و انطلق هؤلاء إلى صفوف جيش مسلم فأخذوا يشيعون الخوف،و يبثون الأراجيف فيهم و يظهرون لهم الإخلاص و الولاء خوفا عليهم من جيوش أهل الشام فكان ما قاله كثير بن شهاب:

«أيها الناس:إلحقوا بأهاليكم،و لا تعجلوا الشر،و لا تعرّضوا أنفسكم للقتل،فإن هذه جنود أمير المؤمنين-يعني يزيد-قد أقبلت،و قد أعطى الله الأمير-يعني ابن زياد-العهد لئن أقمتم على حربه،و لم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء،و يفرق مقاتلكم في مغازي أهل الشام من غير طمع،و أن يأخذ البريء بالسقيم،و الشاهد بالغائب،حتى لا تبقى فيكم بقية من أهل المعصية إلا ذاقها و بال ما جرّت أيديها»

و كان هذا التهديد كالصاعقة على رؤوس أهل الكوفة فقد كان يحمل ألوانا قاسية من الإرهاب و هي:

أ-التهديد بجيوش أهل الشام،فقد زحفت إليهم،و هي ستشيع فيهم القتل و التنكيل إن بقوا مصرين على المعصية و العناد.

ب-حرمانهم من العطاء:و قد كانت الكوفة حامية عسكرية تتلقى جميع مواردها الإقتصادية من الدولة.

ج-تجميرهم في مغازي أهل الشام،و زجهم في ساحات الحروب.

د-إنهم إذا أصروا على التمرد فإن ابن زياد سيعلن الأحكام العرفية و يسوسهم بسياسة أبيه التي تحمل شارات الموت و الدمار حتى يقضي على جميع ألوان الشغب و العصيان.

و قام بقية عملاء السلطة بنشر الإرهاب و إذاعة الذعر،و كان من جملة ما أذاعوه بين الناس:

«يا أهل الكوفة اتقوا الله،و لا تستعجلوا الفتنة،و لا تشقوا عصا هذه الأمة،و لا توردوا على أنفسكم خيول الشام،فقد ذقتموها،و جربتم شوكتها..».

ص: 95

أوبئة الفزع و الخوف

و سرت أوبئة الخوف و الفزع في نفوس الكوفيين،و انهارت أعصابهم و كأن الموت قد خيم عليهم،فجعل بعضهم يقول لبعض:

«ما نصنع بتعجيل الفتنة،و غدا تأتينا جموع أهل الشام،ينبغي لنا أن نقيم في منازلنا،و ندع هؤلاء القوم حتى يصلح الله ذات بينهم».

و كانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها أو زوجها،و هي مصفرة الوجه من الخوف فتتوسل إليه قائلة:

«الناس يكفونك».

و كان الرجل يأتي إلى ولده و أخيه فيملأ قلبه رعبا و خوفا،و قد نجح ابن زياد في ذلك إلى حد بعيد فقد تغلّب على الأحداث،و سيطر على الموقف سيطرة تامة و قد خلع الكوفيون ما كانوا يرتدونه من ثياب التمرد على بني أمية و لبسوا ثياب الذل و العبودية من جراء ذلك الإرهاب الهائل و القسوة في الحكم فكانت الدماء تترقرق بين العمائم و اللحى.

هزيمة جيش مسلم

و مني جيش مسلم بهزيمة مخزية لم يحدث لها نظير في جميع فترات التأريخ، فقد هزمته الدعايات المضللة من دون أن تكون في قباله أية قوة عسكرية،و يقول المؤرخون:أن مسلما كلما انتهى إلى زقاق انسل جماعة من أصحابه،و فروا منهزمين و هم يقولون:

«مالنا و الدخول بين السلاطين!».

ص: 96

و لم يمض قليل من الوقت حتى انهزم معظمهم،و قد صلى بجماعة منهم صلاة العشاء في الجامع الأعظم فكانوا يفرون في أثناء الصلاة،و ما أنهى ابن عقيل صلاته حتى انهزموا بأجمعهم بما فيهم قادة جيشه،و لم يجد أحدا يدله على الطريق،و بقي حيرانا لا يدري إلى أين مسراه و مولجه و كان قد أثخن بالجراح فيما يقوله بعض المؤرخين و قد أمسى طريدا مشردا لا مأوى يأوي إليه،و لا قلب يعطف عليه.

ص: 97

مسلم في ضيافة طوعة

و سار القائد العظيم سليل هاشم و فخر عدنان متلددا في أزقة الكوفة و شوارعها،و مضى هائما على وجهه في جهة كندة يلتمس دارا لينفق فيها بقية الليل،و قد خلت المدينة من المارة،و عادت كأنها واحة موحشة،فقد أسرع كل واحد من جيشه و أعوانه،إلى داره،و أغلق عليه الأبواب مخافة أن تعرفه مباحث الأمن و عيون ابن زياد بأنه كان مع ابن عقيل فتلقي عليه القبض.

و أحاط بمسلم تيارات مذهلة من الهموم،و كاد قلبه أن ينفجر من شدة الألم و عظيم الحزن،و قد هاله إجماع القوم على نكث بيعته و غدرهم به،و استبان له أنه ليس في المصر رجل شريف يقوم بضيافته و حمايته أو يدله على الطريق،فقد كان لا يعرف مسالك البلد و طرقها..و سار و هو حائر الفكر خائر القوى حتى انتهى إلى سيدة يقال لها(طوعة)هي سيدة من في المصر رجالا و نساء بما تملكه من إنسانية و نبل و كانت أم ولد للأشعث بن قيس أعتقها،فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا و كانت السيدة واقفة على الباب تنتظر ابنها،و ترتقب طلوعه للأحداث الرهيبة التي حلت في المصر،و لما رآها مسلم بادر إليها،فسلم عليها فردت عليه السّلام بتثاقل،و قالت له:

-ما حاجتك؟

-إسقني ماء.

فبادرت إلى دارها،و جاءته بالماء،فشرب منه،ثم جلس فارتابت منه فقالت له:

-ألم تشرب الماء؟

ص: 98

-بلى.

-إذهب إلى أهلك إن مجلسك مجلس ريبة.

و سكت مسلم،فأعادت عليه القول بالانصراف و هو ساكت،و كررت عليه القول ثالثا فلم يجبها فذعرت منه،و صاحت به:

«سبحان الله!!إني لا أحل لك الجلوس على بابي!».

و لما حرّمت عليه الجلوس لم يجد بدا من الانصراف فقال لها بصوت خافت حزين النبرات:

«ليس لي في هذا المصر منزل و لا عشيرة،فهل لك إلى أجر و معروف؟و لعلّي أكافئك بعد اليوم».

و شعرت المرأة بأن الرجل غريب،و أنه على شأن كبير،و له مكانة عظمى يستطيع أن يجازيها على معروفها و إحسانها فبادرته قائلة:

«ما ذاك؟».

فقال لها و عيناه تفيضان دموعا:

«أنا مسلم بن عقيل كذبني القوم و غروني».

فقالت المرأة في دهشة و إكبار:

«أنت مسلم بن عقيل».

«نعم».

و انبرت السيدة بكل خضوع و تقدير فسمحت لضيفها الكبير بالدخول إلى منزلها،و قد حازت الشرف و المجد فقد آوت سليل هاشم،و سفير ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أدخلته في بيت في دارها غير البيت الذي كانت تأوي إليه،و جاءته بالضوء و الطعام،فأبى أن يأكل،فقد مزق الأسى قلبه الشريف،و أيقن بالرزء القاصم، و تمثلت أمامه الأحداث الرهيبة التي سيواجهها،و كان أكثر ما يفكر به كتابه للحسين بالقدوم إلى الكوفة.

ص: 99

و لم يمض قليل من الوقت حتى جاء بلال ابن السيدة طوعة،فرأى أمه تكثر الدخول و الخروج إلى ذلك البيت لتقوم برعاية ضيفها،فأنكر عليها ذلك،و استراب منه،فسألها عنه،فأنكرته فألح عليها فأخبرته بالأمر بعد أن أخذت عليه العهود و المواثيق بكتمان الأمر..و طارت نفس الخبيث فرحا و سرورا،و قد أنفق ليله ساهرا يترقب بفارغ الصبر انبثاق نور الصبح ليخبر السلطة بمقام مسلم عندهم...و قد تنكر هذا الخبيث للأخلاق العربية التي تلزم بقرى الضيف و حمايته،فقد كان هذا الخلق سائدا حتى في العصر الجاهلي...و إنا لنتخذ من هذه البادرة مقياسا عاما و شاملا لانهيار القيم الأخلاقية و الإنسانية في ذلك المجتمع الذي تنكر لجميع العادات و القيم العربية.

و على أي حال فقد طوى مسلم ليلته حزينا،قد ساورته الهموم،و توسد الأرق، و كان فيما يقول المؤرخون قد قضى شطرا من الليل في عبادة الله ما بين الصلاة و قراءة القرآن،و قد خفق في بعض الليل فرأى عمه أمير المؤمنين عليه السّلام فأخبره بسرعة اللحاق به فأيقن عند ذلك بدنو الأجل المحتوم منه.

ص: 100

تأكد الطاغية من فشل الثورة

و لما انهزمت جيوش أهل الكوفة،و ولت الأدبار تصحب معها العار و الخيانة، و قد خلا الجامع الأعظم منهم،فلم يطمئن الطاغية الجبان من ذلك،خوفا من أن يكون ذلك مكيدة و خديعة،فعهد إلى أذنابه بالتأكد من انهزام جيش مسلم و أمرهم بأن يشرفوا على ظلال المسجد لينتظروا هل كمن أحد من الثوار فيه؟و أخذوا يدلون القناديل،و يشعلون النار في القصب،و يدلونها بالحبال فتصل إلى صحن الجامع،و فعلوا ذلك بالظلة التي فيها المنبر،فلم يروا إنسانا،فأخبروه بذلك، فاطمأنّ بفشل الثورة و أيقن بالقضاء عليها.

ص: 101

إعلان حالة الطوراىء

و أعلن الطاغية في الصباح الباكر حالة الطوارىء في جميع أنحاء المصر و قد شدد على المدير العام لشرطته الحصين بن تميم بتنفيذ مايلي:

أ-تفتيش جميع الدور و المنازل في الكوفة تفتيشا دقيقا للبحث عن مسلم.

ب-الإحاطة بالطرق و السكك لئلا يهرب منها مسلم.

ج-الاعتقالات الواسعة لجميع المؤيدين للثورة،و قد ألقت الشرطة القبض على هؤلاء:

-1-عبد الأعلى بن يزيد الكلبي.

-2-عمارة بن صلخن الأزدي.

-3-عبد الله بن نوفل بن الحارث.

-4-المختار الثقفي.

-5-الأصبغ بن نباتة.

-6-الحارث الأعور الهمداني.

راية الأمان

و أوعز الطاغية إلى محمد بن الأشعث أن يرفع راية الأمان،و يعلن إلى الملأ أن من انضم إليها كان آمنا،و لعل أسباب ذلك مايلي:

-1-التعرف على العناصر الموالية لمسلم لإلقاء القبض عليها.

ص: 102

-2-إعلان الانتصار و القضاء على الثورة.

-3-شل حركة المقاومة،و إظهار سيطرة الدولة على جميع الأوضاع في البلاد.

و رفعت راية الأمان فسارع الكوفيون الذين كانوا مع مسلم إلى الانضمام إليها لنفي التهمة و إظهار إخلاصهم للحكم القائم آنذاك.

اشتباه

و من الغريب ما ذكره ابن قتيبة و الحر العاملي من أن مسلما كان في بيت المختار ثم خرج لحرب ابن زياد،و بعد فشل ثورته التجأ إلى بيت هانىء،فأجاره هانىء،و قال له:إن ابن زياد يدخل داري فاضرب عنقه،فامتنع مسلم من الفتك به، و قام ابن زياد باعتقال هانىء ثم أرسل شرطه لإلقاء القبض على مسلم فقاتلهم حتى ضعف عن المقاومة فوقع أسيرا بأيديهم،و هذا الذي أفاداه لم يذهب إليه أحد من المؤرخين فإن تفصيل الحادثة حسب ما ذكرناه،و ما عداه فهو من الأقوال الشاذة التي نشأت من قلة التتبع.

ص: 103

خطبة ابن زياد

و لما أيقن الطاغية بفشل ثورة مسلم،و تفلل قواته المسلحة أمر بجمع الناس في الجامع،فتوافدت الجماهير،و قد خيم عليها الذعر و الخوف فجاء الطاغية،و هو يرعد و يبرق و يتهدد و يتوعد فصعد المنبر،فقال:

«أيها الناس إن مسلما بن عقيل أتى هذه البلاد،و أظهر العناد،و شق العصا»و قد برئت الذمة من رجل أصبناه في داره..و من جاء به فله ديته،اتقوا الله عباد الله، و الزموا طاعتكم و بيعتكم،و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا،و من أتاني بمسلم بن عقيل فله عشرة آلاف درهم،و المنزلة الرفيعة من يزيد بن معاوية،و له في كل يوم حاجة مقضية».

و حفل هذا الخطاب بالقسوة و الصرامة و فيه النقاط التالية:

أ-الحكم بالإعدام على كل من آوى مسلما مهما كانت لذلك الشخص من مكانة اجتماعية في المصر.

ب-إن دية مسلم تكون لمن جاء به.

ج-إن من ظفر بمسلم تمنحه السلطة عشرة آلاف درهم.

د-إن من يأتي به يكون من المقربين عند يزيد،و ينال ثقته.

ه-تكافىء السلطة من جاء به بقضاء حاجة له في كل يوم.

و تمنى أكثر أولئك الأوغاد الظفر بمسلم لينالوا المكافأة من ابن مرجانة و القرب إلى يزيد بن معاوية.

ص: 104

الإفشاء بمسلم

و طالت تلك الليلة على بلال ابن السيدة الكريمة طوعة التي آوت مسلما،فقد ظل يترقب بفارغ الصبر طلوع الصبح ليخبر السلطة بمقام مسلم عندهم،و لم يرقد تلك الليلة من الفرح و السرور،فقد تمت-فيما يحسب-بوارق آماله و أحلامه،و لما طلع الصبح بادر إلى القصر بحالة تلفت النظر إليها من الدهشة،فقصد عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث،و هو من الأسرة الخبيثة التي لا عهد لها بالشرف و المروؤة فساره،و أعلمه بمكان مسلم عنده،فأمره عبد الرحمن بالسكوت لئلا يسمع غيره فيبادر بإخبار ابن زياد فينال الجائزة منه،و أسرع عبد الرحمن إلى أبيه محمد بن الأشعث،فأخبره بالأمر،و فطن ابن زياد إلى خطورة الأمر فبادر يسأل ابن الأشعث قائلا:

-ما قال لك عبد الرحمن!

-أصلح الله الأمير البشارة العظمى!!

-ما ذاك؟مثلك من بشر بخير.

-إن ابني هذا يخبرني أن مسلما بن عقيل في دار طوعة.

و سر ابن زياد،و لم يملك أهابه من الفرح،فانبرى يمنّي ابن الأشعث بالمال و الجاه قائلا:

«قم فأتني به،و لك ما أردت من الجائزة و الحظ الأوفى».

لقد تمكن ابن مرجانة من الظفر بسليل هاشم ليجعله قربانا إلى أمويته اللصيقة التي نحر في سبيلها هو و أبوه جميع القيم الإنسانية،و استباحا كل ما حرّمه الله من إثم و فساد.

ص: 105

الهجوم على مسلم

و ندب الطاغية لحرب مسلم عمرو بن حريث المخزومي صاحب شرطته و محمدا بن الأشعث و ضم إليهما ثلثمائة رجل من صناديد الكوفة و فرسانها، و أقبلت تلك الوحوش الكاسرة لحرب القائد العظيم الذي أراد أن يحررها من الذل و العبودية،و ينقذها من الظلم و الجور..و لما سمع وقع حوافر الخيل و زعقات الرجال علم أنه قد أتي إليه فبادر إلى فرسه فأسرجه و ألجمه و صب عليه درعه، و تقلد سيفه،و التفت إلى السيدة الكريمة طوعة فشكرها على ضيافتها،و أخبرها أنه إنما أتي إليه من قبل ابنها الباغي اللئيم قائلا:

«رحمك الله،و جزاك عني خيرا...اعلمي إنما أتيت من قبل ابنك..».

و اقتحم الجيش عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه،ففروا منهزمين،ثم عادوا إليه فأخرجهم منها و انطلق نحوهم في السكة شاهرا سيفه لم يختلج في قلبه خوف و لا رعب،فجعل يحصد رؤوسهم بسيفه و قد أبدى من البطولات النادرة ما لم يشاهد لها التأريخ نظيرا في جميع عمليات الحروب،و كان يقاتلهم و هو يرتجز:

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع فأنت بكأس الموت لا شك جارع

فصبرا لأمر الله جلّ جلاله فحكم قضاء الله في الخلق ذايع

و أبدى سليل هاشم من الشجاعة و قوة البأس ما حيّر الألباب،و أبهر العقول،فقد قتل منهم فيما يقول بعض المؤرخين واحدا و أربعين رجلا ما عدا الجرحى،و كان من قوته النادرة أنه يأخذ الرجل بيده و يرمي به من فوق البيت و ليس في تأريخ الإنسانية مثل هذه البطولة،و لا مثل هذه القوة و ليس هذا غريبا عليه فعمه عليّ بن أبي طالب أشجع الناس و أقواهم بأسا،و أشدهم عزيمة.

و استعمل معه الجبناء من أنذال أهل الكوفة ألوانا قاسية و شاذة من الحرب فقد

ص: 106

اعتلوا سطوح بيوتهم،و جعلوا يرمونه بالحجارة و قذائف النار و لو كانت في ميدان فسيح لأتى عليهم و لكنها كانت في الأزقة و الشوارع.

ص: 107

فشل الجيوش

و فشلت جيوش أهل الكوفة،و عجزت عن مقاومة البطل العظيم فقد أشاع فيهم القتل،و ألحق بهم خسائر فادحة و أسرع الخائن الجبان محمد بن الأشعث يطلب من سيده ابن مرجانة أن يمده بالخيل و الرجال فقد عجز عن مقاومة مسلم،و لامه الطاغية قائلا:

«سبحان الله!!بعثناك إلى رجل واحد تأتينا به،فثلم في أصحابك هذه الثلمة العظيمة».

و ثقل هذا التقريع على ابن الأشعث،فراح يشيد بابن عقيل قائلا:

«أ تظن أنك أرسلتني إلى بقال من بقالي الكوفة أو جرمقاني من جرامقة الحيرة و إنما بعثتني إلى أسد ضرغام و سيف حسام في كف بطل همام من آل خير الأنام».

و أمده ابن زياد بقوى مكثفة من الجيش،فجعل البطل العظيم يقاتل وحده و هو يرتجز:

أقسمت لا أقتل إلا حرا و إن رأيت الموت شيئا نكرا

أو يخلط البارد سخنا مرا رد شعاع الشمس فاستقرا

كل امرى يوما يلاقي شرا أخاف أن أكذب أو أغرا

لقد كنت يابن عقيل سيد الأحرار،فقد رفعت لواء العزة و الكرامة و رفعت شعار الحرية و الإباء،و أما خصومك الحقراء فهم العبيد الذين رضوا بالذل و الهوان...

و حلل الدكتور يوسف خليف هذا الرجز بقوله:«هو رجز-من الناحية النفسية- صادق كل الصدق،معبر تعبيرا دقيقا عن الموجات النفسية التي كانت تندفع في نفس الشاعر،و هو في موقفه الضيق الحرج،فهو قبل كل شيء مصمم على أن

ص: 108

يحتفظ بحريته و لو أدى هذا إلى قتله،و هو يعلن في صراحة و صدق أن الموت شيء منكر و لا يقول هذا كما يقوله غيره ممن يغالطون أنفسهم أن الموت شيء محبب إلى نفسه،و إنما يعبر عن نفسيته تعبيرا صادقا،فالموت شيء لا يحبه،و لكنه لا يفر منه دام قد صمم على الاحتفاظ بحريته.ثم يحاول أن يهدى من روعه،و يجعل هذه الموجة العالية الرهيبة تنحسر عن نفسه دون أن يجذبها في تيارات من الهلع و الفزع،فيحدث عن نفسه بأن الدنيا متقلبة،و كل امرى فيها لا بد أن يلاقي ما يسوؤه،و هو يعرض هذا الحديث النفسي في صورة فنية رائعة.

و أضاف يقول:إنه حريص على الحياة،و لكنه حريص على الحرية بجعله مترددا لأنه يخشى-بل يخاف-أن يكذب عليه أعداؤه أو يخدعوه فيقتلوه دون محاولة منه لتنفيذ عهده بأن يموت في سبيل حريته،أو يأسروه فيفقد حريته التي يحرص عليها حرصه على الحياة.أرأيت كيف استطاع أن يصور موقفه الضيق الحرج هذا التصوير الفني الرائع الذي يشمل روعته من تعبيره عن نفسيته تعبيرا صادقا لا رياء فيه و لا تضليل؟إن هذا هو السر الذي يجعل هذه الشطور القليلة تؤثر في نفوسنا تأثيرا يجعلنا نشعر بما كان يعانيه قائلها من صراع داخلي هائل لا يعد له إلا صراعه الخارجي مع أعدائه».

ص: 109

أمان ابن الأشعث

و لما سمع محمد بن الأشعث رجز مسلم الذي أقسم فيه أن يموت ميتة الأحرار، و أن لا يخدع و لا يغر انبرى إليه قائلا:«إنك لا تكذب و لا تخدع إن القوم بنو عمك و ليسوا بقاتليك و لا ضاريك».

فلم يعتن به مسلم،و إنما مضى يقاتلهم أعنف القتال و أشده،ففروا منهزمين من بين يديه،و اعتلوا فوق بيوتهم يرمونه بالحجارة،فأنكر عليهم مسلم ذلك قائلا:

«ويلكم!!ما لكم ترمونني بالحجارة،كما ترمى الكفار!!و أنا من أهل بيت الأبرار، ويلكم أما ترعون حق رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و ذريته..».

و لم يستطيعوا مقابلته و جبنوا عن مقاتلته،و ضاق بابن الأشعث أمره فصاح بالجيش:ذروه حتى أكلمه،و دنا منه،فخاطبه:

«يابن عقيل،لا تقتل نفسك،أنت آمن،و دمك في عنقي».

و لم يحفل به مسلم فإنه على علم بأن الأشعث لم يمر في تأريخه و لا في تأريخ أسرته أي معنى من معاني الشرف و النبل و الوفاء،فاندفع يقول له:

«يابن الأشعث،لا أعطي بيدي أبدا،و أنا أقدر على القتال،و الله لا كان ذلك أبدا..».

و حمل مسلم على ابن الأشعث ففر الجبان يلهث كأنه الكلب،و أخذ العطش القاسي من مسلم مأخذا عظيما فجعل يقول:

«اللّهم إن العطش قد بلغ مني».

و تكاثرت الجنود عليه إلا أنها منيت بالذعر و الجبن،و صاح بهم ابن الأشعث:

«إن هذا هو العار و الفشل أن تجزعوا من رجل واحد هذا الجزع احملوا عليه

ص: 110

بأجمعكم حملة واحدة».

و حملوا عليه حملة واحدة فضربه بكير بن حمران الأحمري ضربة منكرة على شفته العليا،و أسرع السيف إلى السفلى،و ضربه مسلم ضربة أردته إلى الأرض.

ص: 111

أسر مسلم

و بعد ما أثخن مسلم بالجراح،و أعياه نزيف الدم،انهارت قواه،و ضعف عن المقاومة فوقع أسيرا بأيدي أولئك الأوغاد،فتسابقوا إلى ابن زياد يحملون له البشرى بأسرهم للقائد العظيم الذي جاء ليحررهم من الذل و العبودية،و قد طار الطاغية فرحا،فقد ظفر بخصمه،و تم له القضاء على الثورة..أما كيفية أسره فقد اختلفت فيها أقوال المؤرخين،و هذه بعضها:

-1-ما ذكره ابن أعثم الكوفي أن مسلما وقف ليستريح مما ألمّ به من الجروح، فطعنه من خلفه رجل من أهل الكوفة طعنة غادرة فسقط إلى الأرض فأسرعوا إلى أسره.

-2-ما ذكره الشيخ المفيد أن مسلما لما أثخن بالحجارة و عجز عن القتال أسند ظهره إلى جنب دار فقال له ابن الأشعث:لك الأمان.

فقال مسلم:أأمن؟

قال:نعم.

فقال للقوم الذين معه:ألي الأمان؟

قالوا:نعم،إلا عبيد الله بن العباس السلمي فإنه قال:لا ناقة لي في هذا و لا جمل، و تنحّى.

فقال مسلم:أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم،و أتى ببغلة فحمل عليها فاجتمعوا حوله،و انتزعوا سيفه فكأنه عند ذلك أيس،فقال:هذا أول الغدر.

-3-ما ذكره أبو مخنف أنهم عملوا له حفيرة و ستروها بالتراب،ثم انكشفوا بين

ص: 112

يديه،فحمل عليهم فانكشفوا بين يديه،فلما انتهى إليها سقط فيها فازدحموا عليه و أسروه و هذا القول لم يذهب إليه غير أبي مخنف.

ص: 113

مسلم مع عبيد الله السلمي

و لم يفكر مسلم في تلك الساعة الحرجة بما سيعانيه من القتل و التنكيل على يد الطاغية ابن مرجانة،و انما شغل فكره ما كتبه للإمام الحسين بالقدوم إلى هذا المصر،فقد أيقن أنه سيلاقي نفس المصير الذي لاقاه،فدمعت عيناه،و ظن عبيد الله ابن العباس السلمي أنه يبكي لما صار إليه،من الأسر،فأنكر عليه ذلك و قال له:

«إن من يطلب مثل الذي تطلب،إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك..».

فرد عليه مسلم ما توهمه فيه قائلا:

«إني و الله ما لنفسي بكيت،و لا لها من القتل أرثي،و إن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا،و لكن أبكي لأهلي المقبلين...أبكي لحسين...».

و ازدحمت الشوارع و الأزقة بالجماهير الحاشدة لتنظر ما يؤول إليه أمر القائد العظيم و ما سيلاقيه من الأمويين،و لم يستطع أحد منهم أن ينبس ببنت شفة حذرا من السلطة العاتية.

مع الباهلي

وجي بمسلم أسيرا تحف به الشرطة و قد شهرت عليه السيوف،فلما انتهي به إلى قصر الإمارة رأى جرة فيها ماء بارد،و قد أخذ العطش منه مأخذا أليما،فالتفت إلى من حوله قائلا:

«اسقوني من هذا الماء».

ص: 114

فانبرى إليه اللئيم الدنس مسلم بن عمرو الباهلي فقال له:

«أتراها ما أبردها؟و الله لا تذوق منها قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنم..».

و لا حد لظلم الإنسان،و لا منتهى لوحشيته و جفائه،فما يضر أولئك الجفاة لو سقوه الماء و هو أسير بين أيديهم لا يملك من أمره شيئا،و كان هذا السمت من التردي و سقوط الأخلاق قد عرف به جميع السفلة الساقطين من قتلة المصلحين..

فانبرى مسلم فأراد التعرف على هذا الإنسان الممسوخ الذي تنكر لأبسط القيم الإنسانية قائلا له:

«من أنت؟»

فأجابه مفتخرا بأنه من عملاء السلطة الأموية و أذنابها قائلا:

«أنا من عرف الحق إذ تركته،و نصح الأمة،و الإمام إذ غششته و سمع و أطاع إذ عصيته..أنا مسلم بن عمرو».

أي حق عرفه الباهلي؟و أي نصيحة أسداها للأمة هذا الجلف الجافي؟الذي ارتطم في الباطل و ماج في الضلال لقد كان منتهى ما يفخر به تماديه في خدمة ابن مرجانة الذي هو صفحة عار و خزي على الإنسانية في جميع مراحل التأريخ ورد عليه مسلم بمنطقه الفياض قائلا:

«لأمك الثكل،ما أجفاك و أفظك و أقسى قلبك و أغلظك؟!!أنت يابن باهلة أولى بالحميم و الخلود في نار جهنم مني».

و استحيى عمارة بن عقبة من جفوة الباهلي و قسوته،فدعا بماء بارد،فصبه في قدح فأخذ مسلم كلما أراد أن يشرب يمتلى القدح دما و فعل ذلك ثلاثا فقال و قد ذاب قلبه من الظمأ:

«لو كان من الرزق المقسوم لشربته».

و هكذا شاءت المقادير أن يحرم من الماء و يموت ظامئا،كما حرم من الماء ابن عمه ريحانة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سيد شباب أهل الجنة.

ص: 115

مع ابن زياد

و كان من أعظم ما رزى به مسلم أن يدخل أسيرا على الدعي ابن مرجانة،فقد ود أن الأرض وارته،و لا يمثل أمامه و قد شاءت المقادير أن يدخل عليه و قد دخل تحف به الشرطة،فلم يحفل البطل بابن زياد و لم يعن به فسلّم على الناس و لم يسلّم عليه، فأنكر عليه الحرسي و هو من صعاليك الكوفة قائلا:

«هلاّ تسلّم على الأمير؟».

فصاح به مسلم محتقرا له و لأميره:

«اسكت لا أم لك،مالك و الكلام،و اللّه ليس لي بأمير فأسلم عليه».

و كيف يكون ابن مرجانة أميرا على مسلم سيد الأحرار،و أحد المستشهدين في سبيل الكرامة الإنسانية،إنما هو أمير على أولئك الممسوخين الذين لم يألفوا إلا الخنوع و الذل و العار.

و التاع الطاغية من احتقار مسلم له،و تبدد جبروته،فصاح به:

«لا عليك سلّمت أم لم تسلّم فإنك مقتول».

و لم يملك الطاغية سوى سفك الدم الحرام،و حسب أن ذلك يخيف مسلما أو يوجب انهياره و خضوعه له،فانبرى إليه بطل عدنان قائلا بكل ثقة و اعتزاز بالنفس:

«إن قتلتني فقد قتل من هو شر منك من كان خيرا مني».

و لذعه هذا الكلام الصارم،و أطاح بغلوائه،فقد ألحقه مسلم بالجلادين و السفاكين من قتلة الأحرار و المصلحين،و اندفع الطاغية يصيح بمسلم:

«يا شاق،يا عاق خرجت على إمام زمانك،و شققت عصا المسلمين و ألقحت الفتنة...».

ص: 116

أي إمام خرج عليه مسلم و أي عصا للمسلمين شقّها،و أي فتنة ألقحها؟إنما خرج على قرين الفهود و القرود لقد خرج لينقذ الأمة من محنتها أيام ذلك الحكم الأسود، و انبرى مسلم يرد عليه قائلا:

«و الله ما كان معاوية خليفة بإجماع الأمة،بل تغلب على وصي النبي صلّى اللّه عليه و اله بالحيلة،و أخذ منه الخلافة بالغصب،و كذلك ابنه يزيد..و أما الفتنة فإنما ألقحتها أنت و أبوك زياد من بني علاج.

و أنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يد شر بريته،فو الله ما خالفت و لا كفرت و لا بدلت،و إنما أنا في طاعة أمير المؤمنين الحسين بن علي و نحن أولى بالخلافة من معاوية و ابنه و آل زياد».

و كانت هذه الكلمات أشد على ابن مرجانة من الموت،فقد كشفت واقعه أمام شرطته و عملائه،و جردته من كل نزعة إنسانية،و أبرزته كأحقر مخلوق على وجه الأرض،و لم يجد الدعي وسيلة يلجأ إليها سوى الافتعالات الكاذبة التي هي بضاعته و بضاعة أبيه زياد من قبل،فأخذيتهم مسلما بما هو بري منه قائلا:

«يا فاسق ألم تكن تشرب الخمر في المدينة؟».

فصاح به مسلم:

«أحق و الله بشرب الخمر من يقتل النفس المحرمة،و هو يلهو و يلعب كأنه لم يسمع شيئا».

و استرد الطاغية تفكيره فرأى أن هذه الأكاذيب لا تجديه شيئا فراح يقول له:

-منتك نفسك أمرا حال الله بينك و بينه و جعله لأهله.

فقال مسلم باستهزاء و سخرية:

-من أهله؟

-يزيد بن معاوية.

-الحمد لله كفى بالله حاكما بيننا و بينكم.

ص: 117

-أتظن أن لك من الأمر شيئا؟

-لا و الله ما هو الظن و لكنه اليقين.

-قتلني الله إن لم أقتلك.

-إنك لا تدع سوء القتلة،و قبح المثلة،و خبث السريرة،و الله لو كان معي عشرة ممن أثق بهم،و قدرت على شربة ماء لطال عليك أن تراني في هذا القصر،و لكن إن كنت عزمت على قتلي فأقم لي رجلا من قريش أوصي له بما أريد و سمح له الطاغية بأن يوصي بما أهمّه.

ص: 118

وصية مسلم بن عقيل

و نظر مسلم في مجلس ابن زياد فرأى عمر بن سعد فأحب أن يعهد إليه بوصيته فقال له

«لا أرى في المجلس قرشيا غيرك ولي إليك حاجة و هي سر..».

و استشاط ابن زياد غضبا حيث نفاه مسلم من قريش،و أبطل استلحاقه ببني أمية فقد أبطل ذلك النسب اللصيق الذي ثبت بشهادة أبي مريم الخمار و لم يستطع أن يقول ابن زياد شيئا.

و امتنع ابن سعد من الإستجابة لمسلم إرضاء لعواطف سيده ابن مرجانة، و كسبا لمودته،و قد لمس ابن زياد خوره و خنوعه فأسرّها في نفسه و رأى أنه خليق بأن يرشحه لقيادة قواته المسلحة التي يزج بها لحرب ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله.

و أمر ابن زياد عمر بن سعد بأن يقوم مع مسلم ليعهد إليه بوصيته،و قام ابن سعد معه فأوصاه مسلم بما يلي:

-1-إن عليه دينا بالكوفة يبلغ سبعمائة درهم،فيبيع سيفه و درعه ليوفيها عنه و قد دل ذلك على شدة احتياطه و تحرّجه في دينه،كما أوصى أن يعطي لطوعة ما يفضل من وفاء دينه.

-2-أن يستوهب جثته من ابن زياد فيورايها و ذلك لعلمه بخبث الأمويين،و أنهم لا يتركون المثلة.

-3-أن يكتب للحسين بخبره فقد شغله أمره لأنه كتب إليه بالقدوم إلى الكوفة

ص: 119

و أقبل ابن سعد يلهث على ابن زياد فقال له:

«أتدري أيها الأمير ما قال لي؟إنه قال كذا و كذا».

و أنكر عليه ابن زياد إبداءه السر فقال:

«لا يخونك الأمين،و لكن قد يؤتمن الخائن،أمّا ماله فهو لك تصنع به ما شئت، و أمّا الحسين فإن لم يردنا لم نرده،و إن أرادنا لم نكف عنه،و أما جثته فإنا لن نشفعك فيها»

لقد ترك الطاغية شفاعة ابن سعد في جثة مسلم فقد عزم على التمثيل بها للتشفي منه،و ليتخذ من ذلك وسيلة لإرهاب الناس و خوفهم.

الطاغية مع مسلم

و صاح ابن مرجانة بمسلم فقال له:«بماذا أتيت إلى هذا البلد؟شتت أمرهم، و فرّقت كلمتهم،و رميت بعضهم على بعض»و انطلق فخر هاشم قائلا بكل ثقة و اعتزاز بالنفس:

«لست لذلك أتيت هذا البلد،و لكنكم أظهرتم المنكر،و دفنتم المعروف،و تأمرتم على الناس من غير رضى،و حملتموهم على غير ما أمركم الله به،و عملتم فيهم بأعمال كسرى و قيصر،فأتيناهم لنأمر بالمعروف،و ننهى عن المنكر،و ندعوهم إلى حكم الكتاب و السنة،و كنا أهلا لذلك فإنه لم تزل الخلافة لنا منذ قتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب،و لا تزال الخلافة لنا فإنا قهرنا عليها...إنكم أول من خرج على إمام هدى،و شقّ عصا المسلمين،و أخذ هذا الأمر غصبا،و نازع أهله بالظلم و العدوان...».

و أدلى مسلم بهذا الحديث عن أسباب الثورة التي أعلنها الإمام الحسين على الحكم الأموي،و قد التاع الطاغية من كلام مسلم،و تبددت نشوة ظفره،فلم يجد

ص: 120

مسلكا ينفذ منه لإطفاء غضبه سوى السب للعترة الطاهرة فأخذ يسب عليا و الحسن و الحسين،و ثار مسلم في وجهه فقال له:

«أنت و أبوك أحق بالشتم منهم،فاقض ما أنت قاض،فنحن أهل بيت موكل بنا البلاء».

لقد ظل مسلم حتى الرمق الأخير من حياته عالي الهمة،و جابه الأخطار ببأس شديد،فكان في دفاعه و منطقه مع ابن مرجانة مثالا للبطولات النادرة (1).2.

ص: 121


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:290/2.

شهادة مسلم بن عقيل

و آن للقائد العظيم أن ينتقل عن هذه الحياة بعد ما أدى رسالته بأمانة و إخلاص، و قد رزق الشهادة على يد الممسوخ القذر ابن مرجانة فندب لقتله بكيرا بن حمران الذي ضربه مسلم،فقال له:

«خذ مسلما،و اصعد به إلى أعلى القصر،و اضرب عنقه بيدك ليكون ذلك أشفى لصدرك».

و التفت مسلم إلى ابن الأشعث الذي أعطاه الأمان فقال له:«يابن الأشعث أما و الله لو لا أنك آمنتني ما استسلمت،قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمتك»فلم يحفل به ابن الأشعث.

و استقبل مسلم الموت بثغر باسم،فصعد به إلى أعلى القصر و هو يسبح الله و يستغفره بكل طمأنينة و رضى و هو يقول:

«اللّهم احكم بيننا و بين قوم غرونا،و خذلونا».

و أشرف به الجلاد على موضع الحذائيين فضرب عنقه،و رمى برأسه و جسده إلى الأرض و هكذا انتهت حياة هذا البطل العظيم الذي يحمل نزعات عمه أمير المؤمنين عليه السّلام و مثل ابن عمه الحسين و قد استشهد دفاعا عن الحق و دفاعا عن حقوق المظلومين و المضطهدين.

و نزل القاتل الأثيم فاستقبله ابن زياد فقال له:

«ما كان يقول و أنتم تصعدون به؟».

«كان يسبح الله،و يستغفره،فلما أردت قتله قلت له الحمد لله الذي أمكنني منك

ص: 122

و أقادني منك فضربته ضربة لم تغن شيئا فقال لي أما ترى فيّ خدشا تخدشنيه، وفاء من دمك أيها العبد».

فبهر ابن زياد و راح يبدي إعجابه و إكباره له قائلا.

«أو فخرا عند الموت!!».

و قد انطوت بقتل مسلم صفحة مشرقة من أروع صفحات العقيدة و الجهاد في الإسلام،فقد استشهد في سبيل العدالة الاجتماعية،و من أجل إنقاذ الأمة و تحريرها من الظلم و الجور،و هو أول شهيد من الأسرة النبوية يقتل علنا أمام المسلمين،و لم يقوموا بحمايته و الذب عنه.

سلب مسلم

و انبرى سليل الخيانة محمد بن الأشعث إلى سلب مسلم،فسلب سيفه و درعه، و هو غير حافل بالعار و الخزي،و قد تعرّض للنقد اللاذع من جميع الأوساط في الكوفة،و يقول بعض الشعراء في هجائه:

و تركت ابن عمك أن تقاتل دونه فشلا و لو لا أنت كان منيعا

و قتلت وافد آل بيت محمد و سلبت أسيافا له و دروعا

و عمد بعض أجلاف أهل الكوفة فسلبوا رداء مسلم و ثيابه.

ص: 123

تنفيذ الإعدام في هانىء

و أمر الطاغية بإعدام الزعيم الكبير هانىء بن عروة،و إلحاقه بمسلم مبالغة في إذلال زعماء الكوفة و إذاعة للذعر و الخوف بين الناس،و قام محمد بن الأشعث فتشفع فيه خوفا من بطش أسرته قائلا:

«أصلح الله الأمير إنك قد عرفت شرفه في عشيرته و قد عرف قومه أني و أسماء بن خارجة جئنا به إليك،فأنشدك الله أيها الأمير لما وهبته لي،فإني أخاف عداوة أهل بيته،و أنهم سادات أهل الكوفة و أكثرهم عددا...».

فلم يحفل به ابن زياد،و إنما زبره و صاح به فسكت العبد،و أخرج البطل إلى السوق في موضع تباع فيه الأغنام مبالغة في إذلاله،و لما علم أنه ملاق حتفه جعل يستنجد بأسرته،و قد رفع عقيرته.

«و امذحجاه و لا مذحج لي اليوم و اعشيرتاه».

و لو كانت عند مذحج صبابة من الشرف و النبل لانبرت إلى إنقاذ زعيمها،و لكنها كانت كغيرها من قبائل الكوفة،قد طلّقت المعروف ثلاثا...و عمد هانىء إلى إخراج يده من الكتاف،و هو يطلب السلاح ليدافع به عن نفسه،فلما بصروا به بادروا إليه فأوثقوه كتافا و قالوا له:

«أمدد عنقك...».

فأجاب برباطة جأش و رسوخ يقين:«لا و اللّه ما كنت بالذي أعينكم على نفسي» و انبرى إليه وغد؟؟؟ من شرطة ابن زياد يقال له رشيد التركي فضربه بالسيف فلم يصنع به شيئا،و رفع هانىء صوته قائلا:

ص: 124

«اللّهم إلى رحمتك و رضوانك اللهم اجعل هذا اليوم كفارة لذنوبي،فإني إنما تعصبت لابن بنت نبيك محمد...».

و ضربه الباغي ضربة أخرى فهوى إلى الأرض يتخبط بدمه الزاكي و لم يلبث قليلا حتى فارق الحياة و كان عمره يوم استشهد تسعا و تسعين سنة و قد مضى شهيدا دون مبادئه و عقيدته و جزع لقتله الأحرار و المصلحون،و قد رثاه أبو الأسود الدؤلي بقوله:

أقول و ذاك من جزع و وجد أزال الله ملك بني زياد

هم جدعوا الأنوف و كن شما بقتلهم الكريم أخا مراد

و رثاه الأخطل بن زياد بقوله:

و لم يك عن يوم ابن عروة غائبا كما لم يغب عن ليلة ابن عقيل

أخو الحرب صراها فليس بناكل جبار و لا وجب الفؤاد ثقيل

السحل في الشوارع

و عهد الطاغية إلى زبانيته و عملائه بسحل جثة مسلم و هانىء في الشوارع و الأسواق،فعمدوا إلى شد أرجلهما بالحبال،و أخذوا يسحلونهما في الطرق و ذلك لإخافة العامة و شيوع الإرهاب،و ليكونا عبرة لكل من تحدّثه نفسه بالخروج على الحكم الأموي.

لقد سحب هانىء أمام أسرته و قومه،و لو كان عندهم ذرة من الشرف و الحمية لانبروا إلى تخليص جثة زعيمهم من أيدي الغوغاء الذين بالغوا في إهانتها.

صلب الجثتين

و لما قضى الطاغية إربه في سحل جثة مسلم و هانىء أمر بصلبهما،فصلبا

ص: 125

منكوسين في الكناسة فكان مسلم-فيما يقول المؤرخون-أول قتيل صلبت جثته من بني هاشم و قد استعظم المسلمون كأشد ما يكون الاستعظام هذا الحادث الخطير،فإن هذا التمثيل الفظيع إنما هو جزاء الذين يحاربون الله و رسوله، و يسعون في الأرض فسادا،و مسلم و هانىء إنما هما من رواد الحق و دعاة الإصلاح في الأرض.

و على أي حال فقد أخضع الطاغية بعد قتله لمسلم و هانىء-العراق الثائر، و ارتمت جميع أوساطه تحت قدميه بدون أية مقاومة.

ص: 126

الرؤوس إلى دمشق

و عمد ابن مرجانة إلى إرسال رأس مسلم و هانىء و عمارة بن صلخب الأزدي هدية إلى سيده يزيد لينال الجائزة،و يحرز إخلاص الأسرة المالكة له،و قد أرسل معها هذه الرسالة:

«أما بعد:فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقه،و كفاه مؤونة عدوه..أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أن مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانىء بن عروة المرادي، و أني جعلت عليهما العيون،و دسست إليهما الرجال،و كدتهما حتى استخرجتهما، و أمكن الله منهما فضربت أعناقهما،و بعثت إليك برأسيهما مع هانىء بن أبي حية الوداعي الهمداني،و الزبير بن الأروح التميمي،و هما من أهل السمع و الطاعة، فليسألهما أمير المؤمنين عما أحب فإن عندهما علما و صدقا و فهما و ورعا و السلام».

و احتوت هذه الرسالة على العمليات التي قام بها الطاغية للقضاء على الثورة، و التي كان من أهمها:

-1-استعانته بالعيون و الجواسيس في معرفة شؤون الثورة،و الوقوف على أسرارها،و قد قام بهذه العملية معقل مولاه.

-2-إنه دس لهانىء العضو البارز في الثورة الرجال حتى صار تحت قبضته، و اعتقله،و كذلك كاد لمسلم حينما ثار عليه،فقد أرسل عيون أهل الكوفة و وجوهها مع العرفاء فأخذوا يذيعون الذعر و ينشرون الإرهاب حتى انهزم جيشه.

ص: 127

جواب يزيد

و لما انتهت الرؤوس إلى دمشق سر يزيد بذلك سرورا بالغا،و كتب لابن مرجانة جوابا عن رسالته شكره فيها،و هذا نصه:

«أما بعد:فإنك لم تعد إذ كنت كما أحب،عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابض،فقد كفيت،و صدقت ظني و رأيي فيك و قد دعوت رسوليك فسألتهما عن الذين ذكرت،فقد وجدتهما في رأيهما و عقلهما و فهمهما و فضلهما، و مذهبهما كما ذكرت،و قد أمرت لكل واحد منهما بعشرة آلاف درهم،و سرّحتهما إليك فاستوص بهما خيرا.

و قد بلغني أن الحسين بن علي قد عزم على المسير إلى العراق،فضع المراصد و المناظر،و احترس،و احبس على الظن،و اكتب إلي في كل يوم بما يتجدد لك من خير أو شر و السلام».

و حفلت هذه الرسالة بالتقدير البالغ لابن زياد،و أضفت عليه صفة الحازم اليقظ، و أنه قد حقق ظن يزيد فيه أنه أهل للقيام بمثل هذه الأعمال الخطيرة..و قد عرّفه يزيد بعزم الإمام الحسين على التوجه إلى العراق،و أوصاه باتخاذ التدابير التالية.

-1-وضع المراصد و الحرس على جميع الطرق و المواصلات.

-2-التحرس في أعماله،و أن يكون حذرا يقظا.

-3-أخذ الناس بسياسة البطش و الإرهاب.

-4-أن يكون على اتصال دائم مع يزيد،و يكتب له بجميع ما يحدث في القطر و طبّق ابن مرجانة جميع ما عهده إليه سيده و نفذ ما يلي:

ص: 128

إعلان الأحكام العرفية

و بعد ما أطاح الطاغية بثورة مسلم قبض على العراق بيد من حديد،و أعلن الأحكام العرفية في جميع أنحاء العراق،و اعتمد في تنفيذ خططه على القسوة البالغة فأشاع من الظلم و الجور ما لا يوصف..فكان اسمه موجبا لإثارة الفزع و الخوف في نفوس العراقيين كما كان اسم أبيه زياد من قبل.

لقد فوضت إليه حكومة دمشق السلطات الواسعة،و أمرته بأخذ الناس بالظنة، و إعدام كل من يحقد على الحكم الأموي،أو له ضلع بالإشتراك في أية مؤامرة تحاك ضده.و بهذه الأساليب الرهيبة ساق الناس لحرب الحسين،فقد كان يحكم بالموت على كل من يتخلف أو يرتدع عن الخوض في المعركة.

ص: 129

احتلال الحدود العراقية

و احتل ابن زياد جميع الحدود العراقية احتلالا عسكريا،و منع الناس من الدخول للعراق و الخروج منه إلا بإذن و تأشير خاص من شرطة الحدود و كانوا إذا أخذوا رجلا أجروا معه التحقيق الكامل فإن علموا براءته أطلقوا سراحه،و إلا بعثوه مخفورا إلى السلطة المركزية في الكوفة لتجري معه المزيد من التحقيق،و قد احتاط في هذه الجهة أشد الاحتياط مخافة أن يلج أحد إلى العراق أو يخرج منه من شيعة الإمام الحسين،و يقول المؤرخون إنه جعل على جميع المفارق،و رؤوس المنازل عيونا من عسكره،كما عين في البر نقاطا و مسالح ترصد جميع الحركات و قد بعث الحصين بن نمير رئيس شرطته إلى القادسية و منها إلى خفان،ثم إلى القطقطانية و جبل لعلع و رتب في كل مكان جماعة من الفرسان و الخيالة لتفتيش الداخل و الخارج،و قد حفظت هذه الإجراءات تلك المناطق من الإشتراك بأي عمل ضد الدولة،كما حفظت خطوط المواصلات بين الكوفة و الشام،و قد ألقت الشرطة القبض على مسهر الصيداوي رسول الإمام الحسين إلى الكوفة،و بعثته مخفورا إلى ابن زياد،و سنذكر حديثه في البحوث الآتية:

الاعتقالات الواسعة

و قام ابن زياد بحملة اعتقالات واسعة النطاق في صفوف الشيعة فاعتقل منهم فيما يقول بعض المؤرخين اثني عشر ألفا و كان من بين المعتقلين سليمان بن

ص: 130

صرد الخزاعي،و المختار بن يوسف الثقفي و أربعمائة من الأعيان و الوجوه.

و قد أثارت هذه الإجراءات عاصفة من الفزع و الهلع لا في الكوفة فحسب،و إنما في جميع أنحاء العراق و قد ابتعد الكوفيون عن التدخل في أية مشكلة سياسية،و لم تبد منهم أية حركة من حركات المعارضة و أيقنوا أن لا قدرة لهم على الإحاطة بالعرش الأموي،و ظلوا قابعين تحت وطأة سياطه القادسية (1).5.

ص: 131


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:239/2-295.

وصول نبأ مقتل مسلم للحسين

النبأ المفجع بمقتل مسلم حمله إلى الإمام عبد الله بن سليمان و المنذر بن المشمعل الأسديان،و كانا-فيما يقول المؤرخون-قد انتهيا من أداء مناسك الحج، و كانت لهما رغبة ملحة في الاتصال بالإمام و التعرف على شؤونه فأخذا يجدّان في السير حتى التحقا به في زرود،و بينما هما معه و إذا برجل قد أقبل من جهة الكوفة فلما رأى الحسين عدل عن الطريق،و قد وقف الحسين يريد مسألته فلما رآه قد مال عنه سار في طريقه،و لما عرف الأسديان رغبة الإمام في سؤاله تبعاه حتى أدركاه فسلّما عليه و سألاه عن أسرته فأخبرهما أنه أسدي فانتسبا له ثم سألاه عن خبر الكوفة،فقال لهما:انه لم يخرج منها حتى قتل مسلم بن عقيل و هانىء بن عروة، و رآهما يجران بأرجلهما في الأسواق،و ودعاه،و أقبلا مسرعين حتى لحقا بالإمام، فلما نزل الإمام بالثعلبية قالا له:

«رحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك علانية،و إن شئت سرا...:

و تأمل في أصحابه فقال عليه السّلام:

«ما دون هؤلاء سر».

«أرأيت الراكب الذي استقبلته عشاء أمس؟».

«نعم و أردت مسألته»

«و الله استبرأنا لك خبره،و كفيناك مسألته،و هو امرؤ منا ذو رأي و صدق و عقل،و انه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم و هانىء و رآهما يجران في السوق بأرجلهما».

ص: 132

و كان النبأ المؤلم كالصاعقة على العلويين فانفجروا بالبكاء على فقيدهم العظيم حتى ارتج الموضع بالبكاء و سالت الدموع كل مسيل و استبان للإمام غدر أهل الكوفة،و أيقن أنه مع الصفوة من أهل بيته و أصحابه سيلاقون نفس المصير الذي لاقاه مسلم،و انبرى إلى الإمام بعض أصحابه فقال له:«ننشدك الله إلا رجعت من مكانك فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة بل نتخوف أن يكونوا عليك».

و التفت الإمام إلى بني عقيل فقال لهم:

«ما ترون فقد قتل مسلم؟».

و وثبت الفتية و هي تعلن استهانتها بالموت قائلين:

«لا و الله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق مسلم».

و راح الإمام يقول بمقالتهم:

«لا خير في العيش بعد هؤلاء».

و قال عليه السّلام متمثلا:

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى اذا ما نوى حقا و جاهد مسلما فإن مت لم أندم و إن عشت لم آلم كفى بك عارا أن تذل و ترغما

لقد مضى الإمام قدما،و هو مرفوع الجبين و قد أيقن أنه يسير إلى الفتح الذي ليس مثله فتح،لقد مضى ليؤدي رسالة الله بأمانة و إخلاص كما أداها جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله من قبل (1).

و روي أنه لما وصل الإمام إلى الثعلبية (2)أخبره أسديان عن صاحبهم أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل و هانىء بن عروة و رآهما يجران في الأسواق بأرجلهما.7.

ص: 133


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:51/3.
2- الثعلبية من منازل طريق الحاج من العراق مثير الأحزان ص 33،و اللهوف ص 27.

فقال الإمام:إنا للّه و إنا إليه راجعون رحمة اللّه عليهما و ردد ذلك مرارا،فقالا:

ننشدك اللّه في نفسك و أهل بيتك إلاّ انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة بل نتخوف أن تكون عليك،فوثب عند ذلك بنو عقيل،و قالوا:لا و اللّه لا نبرح حتى ندرك ثارنا أن نذوق ما ذاق أخونا.

فنظر الحسين إلى الأسديين و قال:لا خير في العيش بعد هؤلاء.قالا:فعلمنا أنّه عزم له رأيه على المسير،فقلنا:خار اللّه لك.

فقال:رحمكما اللّه (1).8.

ص: 134


1- انظر تاريخ الطبري 225/6،و ابن الأثير 17/4،و الدينوري ص 247 باختصار،و ابن كثير /8 168.

ذكر قصة مسلم برواية أبي مخنف

ذكر أبو مخنف قصة مسلم بن عقيل و شخوصه إلى الكوفة و مقتله أشبع و اتم من خبر غيره عن أبي جعفر عن هشام بن محمد عنه قال:حدثني عبد الرحمان بن جندب،قال:حدثني عقبة بن سمعان مولى الرباب ابنة امرئ القيس الكلبية امرأة الحسين و كانت مع سكينة ابنة الحسين و هو مولى لابيها و هي إذ ذاك صغيرة،قال:

خرجنا فلزمنا الطريق الأعظم.

فقال للحسين أهل بيته:لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير لا يلحقك الطلب قال:لا و اللّه لا أفارقه حتى يقضي اللّه ما هو أحب إليه قال:فاستقبلنا عبد اللّه ابن مطيع.

فقال للحسين:جعلت فداك أين تريد؟

قال:أما الآن فإني أريد مكة،و أما بعدها فإني استخير اللّه،قال:خار اللّه لك و جعلنا فداك فإذا أنت أتيت مكة فإياك ان تقرب الكوفة فانها بلدة مشؤومة بها قتل أبوك و خذل أخوك و اغتيل بطعنة كانت تأتي على نفسه،إلزم الحرم فإنك سيد العرب لا يعدل بك و اللّه أهل الحجاز أحدا و يتداعى إليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فذاك عمي و خالي فو اللّه لئن هلكت لنسترقن بعدك،فأقبل حتى نزل مكة فأقبل أهلها يختلفون إليه و يأتونه و من كان بها من المعتمرين و أهل الآفاق و ابن الزبير بها قد لزم الكعبة فهو قائم يصلي عندها عامة النهار و يطوف و يأتي حسينا فيمن يأتيه فيأتيه اليومين المتواليين و يأتيه بين كل يومين مرة و لا يزال يشير عليه بالرأي و هو أثقل خلق اللّه على ابن الزبير قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه و لا

ص: 135

يتابعونه أبدا ما دام الحسين بالبلد و إن حسينا أعظم في أعينهم و أنفسهم منه و أطوع في الناس منه.فلما بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية أرجف أهل العراق بيزيد و قالوا قد امتنع الحسين و ابن الزبير و لحقا بمكة و كتب أهل الكوفة إلى الحسين و عليهم النعمان بن بشير.

قال أبو مخنف:فحدثني الحجاج بن علي عن محمد بن بشر الهمداني قال:

اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد فذكرنا هلاك معاوية فحمدنا اللّه عليه، فقال لنا سليمان بن صرد:إن معاوية قد هلك و إن حسينا قد تقبض على القوم ببيعته و قد خرج إلى مكة و أنتم شيعته و شيعة أبيه،فإن كنتم تعلمون إنكم ناصروه و مجاهدو عدوّه فاكتبوا إليه،و إن خفتم الوهل و الفشل فلا تغروا الرجل من نفسه.

قالوا لا بل نقاتل عدوه و نقتل أنفسنا دونه.

قال:فاكتبوا إليه،فكتبوا إليه(بسم اللّه الرحمن الرحيم)لحسين بن علي من سليمان بن صرد و المسيب بن نجمة و رفاعة بن شداد و حبيب بن مظاهر و شيعته من المؤمنين و المسلمين من أهل الكوفة سلام عليك فإنا نحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو:

أما بعد فالحمد للّه الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها و غصبها فيأها و تأمر عليها بغير رضى منها،ثم قتل خيارها و استبقى شرارها و جعل مال اللّه دولة بين جبابرتها و أغنيائها،فبعدا له كما بعدت ثمود انه ليس علينا إمام،فأقبل لعل اللّه ان يجمعنا بك على الحق،و النعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة و لا نخرج معه إلى عيد،و لو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء اللّه و السلام و رحمة اللّه عليك.

قال:ثم سرحنا بالكتاب مع عبد اللّه بن سبع الهمداني و عبد اللّه بن و ال و أمرناهما

ص: 136

بالنجاء،فخرج الرجلان مسرعين حتى قدما على الحسين لعشر مضين من شهر رمضان بمكة،ثم لبثنا يومين ثم سرّحنا إليه قيس بن مسهر الصيداوي و عبد الرحمان بن عبد اللّه بن الكدن الأرحبي و عمارة بن عبيد السلولي فحملوا معهم نحوا من ثلاثة و خمسين صحيفة من الرجل و الاثنين و الاربعة.

قال:ثم لبثنا يومين آخرين ثم سرّحنا إليه هانىء بن هانىء السبيعي و سعيد بن عبد اللّه الحنفي و كتبنا معهما(بسم اللّه الرحمن الرحيم)لحسين بن علي من شيعته من المؤمنين و المسلمين:أما بعد فحيهلا فإن الناس ينتظرونك و لا رأي لهم في غيرك فالعجل العجل و السلام عليك.و كتب شبث بن ربعى و حجار بن أبجر و يزيد بن الحارث و يزيد بن رويم و عزرة بن قيس و عمرو بن الحجاج الزبيدي و محمد بن عمير التميمي:أما بعد فقد اخضرّ الجناب و أينعت الثمار و طمت الجمام فإذا شئت فأقدم على جندلك مجند و السلام عليك و تلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب و سأل الرسل عن أمر الناس.

ثم كتب مع هانىء بن هانىء السبيعي و سعيد بن عبد اللّه الحنفي و كان آخر الرسل(بسم اللّه الرحمن الرحيم)من حسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين و المسلمين:أما بعد فإن هانئا و سعيدا قدما علي بكتبكم و كانا آخر من قدم علي من رسلكم،و قد فهمت كل الذي اقتصصتم و ذكرتم و مقالة جلّكم:إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل اللّه ان يجمعنا بك على الهدى و الحق.و قد بعثت إليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي،و أمرته أن يكتب الي بحالكم و أمركم و رأيكم،فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأى ملئكم و ذوي الفضل و الحجى منكم علي مثل ما قدمت علي به رسلكم و قرأت في كتبكم أقدم عليكم و شيكا إن شاء اللّه،فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب و الآخذ بالقسط و الدائن بالحق و الحابس نفسه على ذات اللّه و السلام.

قال أبو مخنف:و ذكر أبو المخارق الراسبي قال:إجتمع ناس من الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبد القيس يقال لها:مارية ابنة سعد أو منقذ أياما

ص: 137

و كانت تتشيّع و كان منزلها لهم مألفا يتحدثون فيه.و قد بلغ ابن زياد إقبال الحسين فكتب إلى عامله بالبصرة:أن يضع المناظر و يأخذ بالطريق،قال:فأزمع يزيد بن نبيط الخروج و هو من عبد القيس إلى الحسين،و كان له بنون عشرة،فقال:أيكم يخرج معي؟فانتدب معه ابنان له:عبد اللّه و عبيد اللّه،فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة:إني قد أزمعت على الخروج و أنا خارج،فقالوا له:إنا نخاف عليك أصحاب ابن زياد،فقال:إني و اللّه لو قد استوت أخفافهما بالجدد لهان علي طلب من طلبني.

قال:ثم خرج فقوي في الطريق حتى انتهى إلى الحسين عليه السّلام فدخل في رحله بالأبطح و بلغ الحسين مجيئه فجعل يطلبه،و جاء الرجل إلى رحل الحسين فقيل له:

قد خرج إلى منزلك فأقبل في أثره،و لما لم يجده الحسين جلس في رحله ينتظره، و جاء البصري فوجده في رحله جالسا فقال:بفضل اللّه و برحمته فبذلك فليفرحوا قال:فسلم عليه و جلس إليه فأخبره بالذي جاء له،فدعى له بخير،ثم أقبل معه حتى أتى فقاتل معه فقتل معه هو و ابناه.

ثم دعا مسلم بن عقيل فسرّحه مع قيس بن مسهر الصيداوي و عمارة بن عبيد السلولى و عبد الرحمان بن عبد اللّه بن الكدن الأرحبي فأمره بتقوى اللّه و كتمان أمره و اللطف،فإن رأى الناس مجتمعين مستوثقين عجّل إليه بذلك،فأقبل مسلم حتى أتى المدينة فصلّى في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و ودع من أحب من أهله.

ثم استأجر دليلين من قيس فأقبلا به فضلاّ الطريق و جارا و أصابهم عطش شديد،و قال الدليلان:هذا الطريق حتى ينتهي إلى الماء و قد كادوا ان يموتوا عطشا.

فكتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي إلى حسين و ذلك بالمضيق من بطن الخبيت.أما بعد فإني أقبلت من المدينة معي دليلان لي فجارا عن الطريق و ضلا و اشتد علينا العطش فلم يلبثنا ان ماتا و أقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بخشاشة أنفسنا و ذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبيت و قد تطيرت من

ص: 138

وجهي هذا فإن رأيت أعفيتنى منه و بعثت غيري و السلام.فكتب إليه الحسين:أما بعد فقد خشيت ألا يكون حملك على الكتاب إلي في الإستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن،فامض لوجهك الذي وجهتك له و السلام عليك.

فقال مسلم لمن قرأ الكتاب:هذا ما لست أتخوفه على نفسي،فأقبل كما هو حتى مربماء لطيئ فنزل بهم ثم ارتحل منه فإذا رجل يرمي الصيد فنظر إليه قد رمى ظبيا حين أشرف له فصرعه،فقال مسلم:يقتل عدونا إن شاء اللّه.

ثم أقبل مسلم حتى دخل الكوفة فنزل دار المختار بن أبي عبيد و هي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيب،و أقبلت الشيعة تختلف إليه،فلما اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب الحسين فأخذوا يبكون،فقام عابس بن أبي شبيب الشاكري فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فإني لا أخبرك عن الناس،و لا أعلم ما في أنفسهم،و ما أغرك منهم،و اللّه أحدثك عما أنا موطن نفسي عليه،و اللّه لأجيبنكم إذا دعوتم،و لأقاتلن معكم عدوكم و لأضربن بسيفي دونكم حتى ألقى اللّه،لا أريد بذلك إلا ما عند اللّه.

فقام حبيب بن مظاهر الأسدي فقال:رحمك اللّه قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك،ثم قال:و إنا و اللّه الذي لا إله إلا هو على مثل ما هذا عليه.

ثم قال الحنفي مثل ذلك،فقال الحجاج بن علي:فقلت لمحمد بن بشر فهل كان منك أنت قول؟

فقال:إن كنت لأحب أن يعز اللّه أصحابي بالظفر و ما كنت لأحب ان أقتل و كرهت أن أكذب،و اختلفت الشيعة إليه حتى علم مكانه فبلغ ذلك النعمان بن بشير.

قال أبو مخنف:حدثني نمر بن وعلة عن أبي الوداك قال خرج إلينا النعمان بن بشير فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فاتقوا اللّه عباد اللّه و لا تسارعوا إلى الفتنة و الفرقة فإن فيهما يهلك الرجال و تسفك الدماء و تغصب الاموال و كان حليما ناسكا يحب العافية.

ص: 139

قال:إني لم أقاتل من لم يقاتلني و لا أثب على من لا يثب على و لا أشاتمكم و لا أتحرش بكم و لا آخذ بالقرف و لا الظنة و لا التهمة و لكنكم إن أبديتم صفحتكم لي و نكثتم بيعتكم و خالفتم إمامكم فو اللّه الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي و لو لم يكن لي منكم ناصر،أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل،قال:فقام إليه عبد اللّه بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بني أمية فقال:إنه لا يصلح ما ترى إلى الغشم إن هذا الذي أنت عليه فيما بينك و بين عدوك رأى المستضعفين.

فقال:أن أكون من المستضعفين في طاعة اللّه أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية اللّه،ثم نزل و خرج عبد اللّه بن مسلم و كتب إلى يزيد بن معاوية أما بعد:

فإن مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي،فإن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك و يعمل مثل عملك في عدوك،فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف و هو يتضعف فكان أول من كتب إليه.

ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص بمثل ذلك.

قال هشام:قال عوانة:فلما اجتمعت الكتب عند يزيد ليس بين كتبهم إلا يومان دعا يزيد بن معاوية سرجون مولى معاوية فقال:ما رأيك؟فإن حسينا قد توجه نحو الكوفة،و مسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين،و قد بلغني عن النعمان ضعف و قول سيئ،و أقرأه كتبهم فما ترى من استعمل على الكوفة؟و كان يزيد عاتبا على عبيد اللّه بن زياد،فقال سرجون:أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذا برأيه؟

قال:نعم فأخرج عهد عبيد اللّه على الكوفة فقال:هذا رأى معاوية و مات

و قد أمر بهذا الكتاب،فأخذ برأيه و ضم المصرين إلى عبيد اللّه و بعث إليه بعهده على الكوفة،ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلى و كان عنده فبعثه إلى عبيد اللّه بعهده إلى البصرة و كتب إليه معه:أما بعد فإنه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن

ص: 140

ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشق عصا المسلمين،فسرحين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه و السلام.فأقبل مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد اللّه بالبصرة فأمر عبيد اللّه بالجهاز و التهيئ و المسير إلى الكوفة من الغد و قد كان حسين كتب إلى أهل البصرة كتابا.

قال هشام:قال أبو مخنف:حدثني الصقعب بن زهير عن أبي الصقعب (1)ابن زهير بن عبد اللّه الأزدي الكوفي عن عطاء بن يسار و عمرو بن شعيب،و عنه ابن أخيه لوط و أبو إسماعيل الأزدي...قال عثمان النهدى قال:كتب الحسين مع مولى لهم يقال له:سليمان،و كتب بنسخة إلى رؤوس الأخماس بالبصرة و إلى الأشراف، فكتب إلى مالك بن مسمع البكري،و الى الاحنف بن قيس،و إلى المنذر بن الجارود، و إلى مسعود بن عمرو،و إلى قيس بن الهيثم،و إلى عمرو بن عبيد اللّه بن معمر فجاءت منه نسخة واحدة إلى جميع أشرافها:

أما بعد فإن اللّه اصطفى محمدا صلّى اللّه عليه و اله على خلقه و أكرمه بنبوته و اختاره لرسالته ثم قبضه اللّه إليه،و قد نصح لعباده و بلّغ ما أرسل به صلّى اللّه عليه و اله و كنا أهله و أوليائه و أوصياءه و ورثته و أحق الناس بمقامه في الناس،فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا و كرهنا الفرقة و أحببنا العافية،و نحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه،و قد أحسنوا و أصلحوا و تحرّوا الحق،فرحمهم اللّه و غفر لنا و لهم، و قد بعثت رسولى إليكم بهذا الكتاب و أنا أدعوكم إلى كتاب اللّه و سنة نبيه صلّى اللّه عليه و اله فإنم،

ص: 141


1- انظر خلاصة تذهيب تهذيب الكمال:176 ط.حلب. و في الهامش:الصقعب بإسكان القاف و فتح العين،وثقه أبو زرعة.و في تهذيب التهذيب"ج 4 ص 432"الصقعب بن زهير بن عبد اللّه بن زهير بن سليم الأزدي الكوفي،روى عن زيد بن سلم و عطاء بن أبي رباح و عمرو بن شعيب و غيرهم،و عنه جرير بن حازم و حماد بن زيد و ابن اخته لوط بن يحيى أبو مخنف و أبو إسماعيل الأزدي و عباد بن عباد و غيرهم،

السنة قد أميتت،و إن البدعة قد أحييت،و أن تسمعوا قولي و تطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد،و السلام عليكم و رحمة اللّه.فكل من قرأ ذلك الكتاب من أشراف الناس كتمه غير المنذر بن الجارود فإنه خشي بزعمه ان يكون دسيسا من قبل عبيد اللّه،فجاءه بالرسول من العشية التي يريد صبيحتها أن يسبق إلى الكوفة و أقرأه كتابه،فقدّم الرسول فضرب عنقه و صعد عبيد اللّه منبر البصرة فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فو اللّه ما تقرن بي الصعبة،و لا يقعقع لي بالشنان،و إني لنكل لمن عاداني،و سم لمن حاربني،أنصف القارة من راماها،يا أهل البصرة إن أمير المؤمنين و لأني الكوفة و أنا غاد إليها الغداة،و قد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان،و إياكم و الخلاف و الإرجاف،فو الذي لا إله غيره لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنه و عريفه و وليه،و لآخذن الأدنى بالأقصى حتى تستمعوا لي و لا يكون فيكم مخالف و لا مشاق،أنا بن زياد أشبهته من بين من وطئ الحصى و لم ينتزعني شبه خال و لا ابن عم.

ثم خرج من البصرة و استخلف أخاه عثمان بن زياد و أقبل إلى الكوفة و معه مسلم بن عمرو الباهلى،و شريك بن الأعور الحارثي،و حشمه و أهل بيته حتى دخل الكوفة و عليه عمامة سوداء و هو متلثّم و الناس قد بلغهم إقبال الحسين إليهم فهم ينتظرون قدومه،فظنوا حين قدم عبيد اللّه أنه الحسين،فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلّموا عليه و قالوا:مرحبا بك يابن رسول اللّه،قدمت خير مقدم،فرأى من تباشيرهم بالحسين عليه السّلام ما ساءه.

فقال مسلم:بن عمرو لما أكثروا:تأخّروا هذا الأمير عبيد اللّه بن زياد،فأخذ حين أقبل على الظهر و إنما معه بضعة عشر رجلا،فلما دخل القصر و علم الناس أنه عبيد اللّه بن زياد دخلهم من ذلك كآبة و حزن شديد،و غاظ عبيد اللّه ما سمع منهم و قال:ألا أرى هؤلاء كما أرى.

قال هشام:قال أبو مخنف:فحدثني المعلى بن كليب عن أبي وداك،قال:لما نزل

ص: 142

القصر نودي:الصلاة جامعة،قال:فاجتمع الناس فخرج إلينا فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فإن أمير المؤمنين أصلحه اللّه ولاّني مصركم و ثغركم و أمرني بإنصاف مظلومكم،و إعطاء محرومكم،و بالإحسان إلى سامعكم و مطيعكم، و بالشدة على مريبكم و عاصيكم،و أنا متبع فيكم أمره،و منفذ فيكم عهده،فأنا لمحسنكم و مطيعكم كالوالد البر،و سوطي و سيفي على من ترك أمري،و خالف عهدي،فليبق امرؤ على نفسه الصدق ينبىء عنك لا الوعيد،ثم نزل فأخذ العرفاء و الناس أخذا شديدا فقال:اكتبوا إلى الغرباء و من فيكم من طلبة أمير المؤمنين و من فيكم من الحرورية و أهل الريب الذين رأيهم الخلاف و الشقاق،فمن كتبهم لنا فبرئ،و من لم يكتب لنا أحدا فيضمن لنا ما في عرافته ألا يخالفنا منهم مخالف،و لا يبغي علينا منهم باغ،فمن لم يفعل برئت منه الذمة،و حلال لنا ماله و سفك دمه، و أيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يعرفه إلينا صلب على باب داره و ألغيت تلك العرافة من العطاء وسّر؟؟؟ إلى موضع بعمان الزارة.

و أما عيسى بن يزيد الكناني فإنه قال:فيما ذكر عمر بن شبة عن هارون بن مسلم عن علي بن صالح عنه،قال:لما جاء كتاب يزيد إلى عبيد اللّه بن زياد إنتخب من أهل البصرة خمسمائة فيهم عبد اللّه بن الحارث بن نوفل،و شريك بن الأعور، و كان شيعة لعلي،فكان أول من سقط بالناس شريك،فيقال:انه تساقط غمرة و معه ناس،ثم سقط عبد اللّه بن الحارث،و سقط معه ناس و رجوا أن يلوى عليهم عبيد اللّه و يسبقه الحسين إلى الكوفة،فجعل لا يلتفت إلى من سقط و يمضي حتى ورد القادسية و سقط مهران مولاه فقال:أيا مهران على هذه الحال إن أمسكت عنك حتى تنظر إلى القصر فلك مائة ألف قال لا و اللّه ما أستطيع فنزل عبيد اللّه فأخرج ثيابا مقطعة من مقطعات اليمن،ثم اعتجر بمعجرة يمانية،فركب بغلته ثم انحدر راجلا وحده،فجعل يمر بالمحارس،فكلما نظروا إليه لم يشكوا انه الحسين فيقولون:

مرحبا بك يابن رسول اللّه،و جعل لا يكلمهم و خرج إليه الناس من دورهم و بيوتهم،

ص: 143

و سمع بهم النعمان بن بشير فغلق عليه و على خاصته.و انتهى إليه عبيد اللّه و هو لا يشك أنّه الحسين و معه الخلق يضجّون.

فكلّمه النعمان فقال:أنشدك اللّه إلا تنحيت عني،ما أنا بمسلّم إليك أمانتى و مالي في قتلك من أرب،فجعل لا يكلمه،ثم إنه دنا و تدلّى الآخر بين شرفتين فجعل يكلمه فقال:إفتح لا فتحت،فقد طال ليلك،فسمعها إنسان خلقه فتكفى إلى القوم.

فقال:أي قوم ابن مرجانة و الذي لا إله غيره،فقالوا:و يحك إنما هو الحسين ففتح له النعمان فدخل و ضربوا الباب في وجوه الناس فانفضوا و أصبح فجلس على المنبر فقال:أيها الناس إني لأعلم انه قد سار معي و أظهر الطاعة لي من هو عدو للحسين حين ظن أن الحسين قد دخل البلد و غلب عليه،و اللّه ما عرفت منكم أحدا ثم نزل و أخبر أن مسلم بن عقيل قدم قبله بليلة و أنه بناحية الكوفة،فدعا مولى لبني تميم فأعطاه مالا و قال:إنتحل هذا الأمر و أعنهم بالمال و اقصد لهانىء و مسلم و انزل عليه،فجاء هانئا فأخبره أنه شيعة و أن معه مالا.و قدم شريك بن الاعور شاكيا فقال لهانىء:مر مسلما يكون عندي فإن عبيد اللّه يعودني،و قال شريك لمسلم:أرأيتك إن أمكنتك من عبيد اللّه أضاربه أنت بالسيف؟

قال:نعم و اللّه،و جاء عبيد اللّه شريكا يعوده في منزل هانىء و قد قال شريك لمسلم إذا سمعتني أقول:إسقوني ماء فاخرج عليه فاضربه،و جلس عبيد اللّه على فراش شريك و قام على رأسه مهران فقال:اسقوني ماء،فخرجت جارية بقدح فرأت مسلما فزالت،فقال شريك:اسقوني ماء ثم قال الثالثة:ويلكم تحموني الماء اسقونيه و لو كانت فيه نفسي،ففطن مهران فغمز عبيد اللّه فوثب،فقال شريك:أيها الأمير إني أريد أن أوصي إليك،قال أعود إليك،فجعل مهران يطرد به و قال:أراد و اللّه قتلك،قال:و كيف مع إكرامي شريكا و في بيت هانىء و يد أبي عنده يد،فرجع فأرسل إلى أسماء بن خارجة و محمد بن الأشعث فقال:ائتياني بهانىء،فقالا له:انه لا يأتي إلا بالأمان.

ص: 144

قال:و ماله و للأمان،و هل أحدث حدثا؟انطلقا فإن لم يأت إلا بأمان فآمناه، فأتياه،فدعواه فقال:إنه إن أخذني قتلني فلم يزالا به حتى جاءا به و عبيد اللّه يخطب يوم الجمعة فجلس في المسجد و قد رجل هانىء غديرتيه،فلما صلى عبيد اللّه قال:

يا هانىء فتبعه و دخل فسلّم،فقال عبيد اللّه:يا هانىء أما تعلم أن أبي قدم هذا البلد فلم يترك أحدا من هذه الشيعة إلا قتله غير أبيك و غير حجر،و كان مع حجر ما قد علمت،ثم لم يزل يحسن صحبتك،ثم كتب إلى أمير الكوفة إن حاجتي قبلك هاني، قال:نعم.

قال:فكان جزائي أن خبأت في بيتك رجلا ليقتلني؟

قال:ما فعلت،فأخرج التميمي الذي كان عينا عليهم،فلما رآه هانىء علم أن قد أخبره الخبر.

فقال أيها الأمير قد كان الذي بلغك و لن أضيع يدك عني،فأنت آمن و أهلك فسر حيث شئت،فكبا عندها و مهران قام على رأسه في يده معكزة،فقال،واذلاه هذا العبد الحائك يؤمنك في سلطانك؟

فقال:خذه،فطرح المعكزة و أخذ بضفيرتي هانىء ثم أقنع بوجهه،ثم أخذ عبيد اللّه المعكزة فضرب به وجه هاني و ندر الزج فارتز في الجدار،ثم ضرب وجهه حتى كسر أنفه و جبينه و سمع الناس الهيعة و بلغ الخبر مذحج فأقبلوا و أطافوا بالدار، و أمر عبيد اللّه بهاني فألقى في بيت،و صيح المذحجيون و أمر عبيد اللّه مهران أن يدخل عليه شريحا فخرج فأدخله عليه و دخلت الشرط معه.

فقال:يا شريح قد ترى ما يصنع بي؟

قال:أراك حيا.

قال:وحي أنا مع ما ترى؟أخبر قومي أنهم إن انصرفوا قتلني،فخرج إلى عبيد اللّه فقال رأيته حيا و رأيت أثرا سيئا قال:و تنكر أن يعاقب الوالى رعيته،أخرج إلى هؤلاء فأخبرهم،فخرج و أمر عبيد اللّه الرجل فخرج معه فقال لهم شريح:ما هذه الرعة

ص: 145

السيئة،الرجل حي و قد عاتبه سلطانه بضرب لم يبلغ نفسه،فانصرفوا و لا تحلوا بأنفسكم و لا بصاحبكم فانصرفوا.

و ذكر هشام عن أبي مخنف عن المعلى بن كليب عن أبي الوداك قال:نزل شريك بن الأعور على هاني بن عروة المرادي و كان شريك شيعيا و قد شهد صفين مع عمار،و سمع مسلم بن عقيل بمجيء عبيد اللّه و مقالته التي قالها و ما أخذ به العرفاء و الناس،فخرج من دار المختار و قد علم به حتى انتهى إلى دار هاني بن عروة المرادي فدخل،بابه و أرسل إليه أن أخرج،فخرج إليه هاني فكره هاني مكانه حين رآه.

فقال له مسلم:أتيتك لتجيرني و تضيفني،فقال:رحمك اللّه لقد كلّفتني شططا، و لو لا دخولك داري و ثقتك لأحببت و لسألتك أن تخرج عني غير أنه يأخذني من ذلك ذمام و ليس مردود مثلي على مثلك عن جهل أدخل،فآواه و أخذت الشيعة تختلف إليه في دار هاني بن عروة.و دعا ابن زياد مولى يقال له معقل فقال له:خذ ثلاثة آلاف درهم ثم اطلب مسلم بن عقيل و اطلب لنا أصحابه ثم أعطهم هذه الثلاثة آلاف و قل لهم:استعينوا بها على حرب عدوكم و أعلمهم أنك منهم،فإنك لو قد أعطيتها إياهم اطمأنوا إليك و وثقوا بك و لم يكتموك شيئا من أخبارهم،ثم اغد عليهم ورح، ففعل ذلك فجاء حتى أتى إلى مسلم بن عوسجة الأسدي من بني سعد بن ثعلبة في المسجد الأعظم و هو يصلي و سمع الناس يقولون أن هذا يبايع للحسين،فجاء فجلس حتى فرغ من صلاته.

ثم قال يا عبد اللّه:إني امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع أنعم اللّه علي بحب أهل هذا البيت و حب من أحبهم،فهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم، بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و كنت أريد لقاءه فلم أجد احدا يدلّني عليه و لا يعرف مكانه،فإني لجالس آنفا في المسجد إذ سمعت نفرا من المسلمين يقولون:هذا رجل له علم بأهل هذا البيت و إني أتيتك لتقبض هذا المال

ص: 146

و تدخلني على صاحبكم فأبايعه و إن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.

فقال:أحمد اللّه على لقائك إياي فقد سرني ذلك لتنال ما تحب و لينصر اللّه بك أهل بيت نبيه،و لقد ساءني معرفتك إياي بهذا الأمر من قبل أن ينمى مخافة هذا الطاغية و سطوته،فأخذ بيعته قبل أن يبرح و أخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن و ليكتمن فأعطاه من ذلك ما رضي به.

ثم قال له:اختلف إلى أياما في منزلي فأنا طالب لك الإذن على صاحبك،فأخذ يختلف مع الناس فطلب له الإذن،فمرض هاني بن عروة فجاء عبيد اللّه عائدا له،فقال له عمارة بن عبيد السلولي:إنما جماعتنا و كيدنا قتل هذا الطاغية فقد أمكنك اللّه منه فاقتله،قال هاني:ما أحب أن يقتل في داري،فخرج فما مكث إلا جمعة حتى مرض شريك بن الاعور و كان كريما على ابن زياد و على غيره من الأمراء و كان شديد التشيع فأرسل إليه عبيد اللّه إني رائح إليك العشية.

فقال لمسلم:إن هذا الفاجر عائدي العشية فإذا جلس فاخرج إليه فاقتله ثم اقعد في القصر ليس أحد يحول بينك و بينه،فإن برئت من وجعي هذا أيامى هذه سرت إلى البصرة و كفيتك أمرها،فلما كان من العشي أقبل عبيد اللّه لعيادة شريك.فقام مسلم بن عقيل ليدخل و قال له شريك:لا يفوتنك إذا جلس،فقام هاني بن عروة إليه.

فقال:إني لا أحب أن يقتل في داري كأنه استقبح ذلك،فجاء عبيد اللّه بن زياد فدخل فجلس فسأل شريكا عن وجعه و قال:ما الذي تجد و متى اشتكيت،فلما طال سؤاله إياه و رآى أن الآخر لا يخرج خشي أن يفوته فأخذ يقول:ما تنظرون بسلمى أن تحيّوها إسقنيها و إن كانت فيها نفسي،فقال ذلك مرتين أو ثلاثا،فقال عبيد اللّه و لا يفطن ما شأنه:أترونه يهجر؟

فقال له هاني:نعم أصلحك اللّه ما زال هذا ديدنه قبيل عماية الصبح حتى ساعته هذه.

ثم إنه قام فانصرف،فخرج مسلم فقال له شريك ما منعك من قتله؟

ص: 147

فقال:خصلتان أما أحدهما فكراهة هاني أن يقتل في داره،و أما الأخرى فحديث حدّثه الناس عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أن الايمان قيد الفتك و لا يفتك مؤمن،فقال هاني:أما و اللّه لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا،و لكن كرهت أن يقتل في داري،و لبث شريك بن الاعور بعد ذلك ثلاثا ثم مات،فخرج ابن زياد فصلى عليه و بلغ عبيد اللّه بعد ما قتل مسلما و هانيا أن ذلك الذي كنت سمعت من شريك في مرضه إنما كان يحرض مسلما و يأمره بالخروج إليك ليقتلك.

فقال عبيد اللّه:و اللّه لا اصلى على جنازة رجل من أهل العراق أبدا و و اللّه لولا أن قبر زياد فيهم لنبشت شريكا،ثم إن معقلا مولى ابن زياد الذي دسّه بالمال إلى ابن عقيل و أصحابه اختلف إلى مسلم بن عوسجة أياما ليدخل على ابن عقيل فأقبل به حتى أدخل عليه بعد موت شريك بن الاعور فأخبره خبره كله فأخذ ابن عقيل بيعته.و أمر أبا ثمامة الصائدي فقبض ماله الذي جاء به و هو الذي كان يقبض أموالهم و ما يعين به بعضهم بعضا،يشتري لهم السلاح و كان به بصيرا،و كان من فرسان العرب و وجوه الشيعة و أقبل ذلك الرجل يختلف إليهم فهو أول داخل و آخر خارج يسمع أخبارهم و يعلم أسرارهم ثم ينطلق بها حتى يقرها في أذن ابن زياد، قال:و كان هاني يغدو و يروح إلى عبيد اللّه،فلما نزل به مسلم انقطع من الاختلاف و تمارض فجعل لا يخرج فقال ابن زياد لجلسائه:مالي لا أرى هانئا؟

فقالوا:هو شاك.

فقال:لو علمت بمرضه لعدته.

قال أبو مخنف:فحدثني المجالد بن سعيد،قال:دعا عبيد اللّه محمد بن الأشعث و أسماء بن خارجة.

قال أبو مخنف:حدثني الحسن ابن عقبة المرادى أنه بعث معهما عمرو بن الحجاج الزبيدي.

قال أبو مخنف:و حدثني نمر بن وعلة عن أبي الوداك قال:كانت روعة أخت

ص: 148

عمرو بن الحجاج تحت هاني بن عروة،و هي أم يحيى بن هانئ فقال لهم:ما يمنع هانئ بن عروة من إتياننا؟

قالوا:ما ندري أصلحك اللّه و إنه ليشتكي.

قال:قد بلغني انه قد برأ و هو يجلس على باب داره فألقوه،فمروه ألا يدع ما عليه في ذلك من الحق فإني لا أحب ان يفسد عندي مثله من أشراف العرب،فأتوه حتى وقفوا عليه عشية و هو جالس على بابه فقالوا:ما يمنعك من لقاء الأمير فإنه قد ذكرك و قد قال لو أعلم أنه شاك لعدته فقال لهم:الشكوى يمنعنى فقالوا له:بلغه أنك تجلس كل عشية على باب دارك و قد استبطأك و الإبطاء و الجفاء لا يحتمله السلطان أقسمنا عليك لما ركبت معنا.فدعا بثيابه فلبسها ثم دعا ببغلة فركبها حتى إذا دنا من القصر كأن نفسه أحست ببعض الذي كان،فقال لحسان بن أسماء بن خارجة:

يابن أخي إني و اللّه من هذا الرجل لخائف فما ترى؟

قال:أي عم و اللّه ما أتخوف عليك شيئا و لم تجعل على نفسك سبيلا،و أنت بريء و زعموا أن أسماء لم يعلم في أي شيئ بعث إليه عبيد اللّه،فأما محمد فقد علم به.

فدخل القوم على ابن زياد و دخل معهم فلما طلع قال عبيد اللّه أتتك بخائن رجلاه و قد عرس عبيد اللّه إذ ذاك بأم نافع ابنة عمارة بن عقبة فلما دنا من ابن زياد و عنده شريح القاضي إلتفت نحوه فقال:

أريد حباءه و يريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد

و قد كان له أول ما قدم مكرما ملطفا.

فقال له هاني:و ما ذاك أيها الأمير؟

قال:إيه يا هاني بن عروة ما هذه الأمور التي تربص في دورك لأمير المؤمنين و عامة المسلمين جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك و جمعت له السلاح و الرجال في الدور حولك و ظننت أن ذلك يخفي علي،قال:ما فعلت و ما مسلم عندي.

قال:بلى قد فعلت.

ص: 149

قال:ما فعلت.

قال:بلى،فلما كثر ذلك بينهما و أبى هاني إلا مجاحدته و مناكرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فجاء حتى وقف بين يديه فقال تعرف هذا قال:نعم.

و علم هانئ عند ذلك أنه كان عينا عليهم و أنه قد أتاه بأخبارهم فسقط في خلده ساعة ثم إن نفسه راجته فقال له:إسمع مني و صدّق مقالتي،فو اللّه لا أكذبك و اللّه الذي لا إله غيره ما دعوته إلى منزلي و لا علمت بشيء من أمره حتى رأيته جالسا على بابي فسألني النزول علي فاستحييت من رده و دخلني من ذلك ذمام فأدخلته داري و ضفته و آويته،و قد كان من أمره الذي بلغك فإن شئت أعطيت الآن موثقا مغلظا و ما تطمئن إليه ألا أبغيك سوءا و إن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتى آتيك و أنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض فأخرج من ذمامه و جواره،فقال لا و اللّه لا تفارقني أبدا حتى تأتيني به،فقال:لا و اللّه لا أجيئك به أبدا أنا أجيئك بضيفي تقتله؟

قال:و اللّه لتأتيني به.

قال:و اللّه لا آتيك به.فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي و ليس بالكوفة شامي و لا بصري غيره فقال:أصلح اللّه الأمير خلّني و إياه حتى أكلمه لما رأى لجاجته و تأبّيه على ابن زياد أن يدفع إليه مسلما،فقال لهانئ:قم إلى هايهنا حتى أكلمك،فقام فخلا به ناحية من ابن زياد و هما منه على ذلك قريب حيث يراهما إذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان و إذا خفضا خفي عليه ما يقولان.

فقال له مسلم:يا هاني إني أنشدك اللّه أن لا تقتل نفسك و تدخل البلاء على قومك و عشيرتك فو اللّه إني لا نفس بك عن القتل و هو يرى أن عشيرته ستحرك في شأنه أن هذا الرجل ابن عم القوم و ليسوا قاتليه و لا ضائريه فادفعه إليه فإنه ليس عليك بذلك مخزاة و لا منقصة إنما تدفعه إلى السلطان،قال:بلى و اللّه ان علي في ذلك الخزي و العار أنا أدفع جاري و ضيفي و أنا حي صحيح أسمع و أرى شديد

ص: 150

الساعد كثير الأعوان و اللّه لو لم أكن إلا واحدا ليس لي ناصر لم ادفعه حتى أموت دونه،فأخذينا شده و هو يقول و اللّه لا أدفعه إليه أبدا.فسمع ابن زياد ذلك فقال:

أدنوه مني،فأدنوه منه،فقال:و اللّه لتأتيني به أو لأضربن عنقك،قال:إذا تكثر البارقة حول دارك،فقال:و الهفا عليك أبا لبارقة تخوفني و هو يظن أن عشيرته سيمنعونه.

فقال ابن زياد:أدنوه مني فأدني فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب أنفه و جبينه و خده حتى كسر أنفه و سيّل الدماء على ثيابه و نثر لحم خديه و جبينه على لحيته حتى كسر القضيب،و ضرب هاني بيده إلى قائم سيف شرطي من تلك الرجال و جابذه الرجل و منع،فقال عبيد اللّه أحرورى ثائر اليوم أحللت بنفسك قد حلّ لنا قتلك خذوه فألقوه في بيت من بيوت الدار و اغلقوا عليه بابه و اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به.

فقام إليه أسماء بن خارجة فقال:أرسل غدر سار اليوم؟أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتى إذا جئناك به و أدخلناه عليك هشّمت وجهه و سيلت دمه على لحيته و زعمت أنك تقتله.

فقال له عبيد اللّه:و أنك لهيهنا فأمر به فلهز و تعتع به ثم ترك فحبس.

و أما محمد بن الأشعث فقال:قد رضينا بما رأى الأمير لنا كان أم علينا إنما الأمير مؤدب.و بلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل فأقبل في مذحج حتى أحاط بالقصر و معه جمع عظيم ثم نادى أنا عمرو بن الحجاج هذه فرسان مذحج و وجوهها لم تخلع طاعة و لم تفارق جماعة.

و قد بلغهم أن صاحبهم يقتل فأعظموا ذلك،فقيل لعبيد اللّه:هذه مذحج بالباب فقال لشريح القاضي أدخل على صاحبهم فانظر إليه ثم اخرج فأعلمهم انه حي لم يقتل و انك قد رأيته فدخل إليه شريح فنظر إليه.

قال أبو مخنف:فحدثني الصقعب بن زهير عن عبد الرحمان بن شريح قال سمعته يحدث إسماعيل بن طلحة قال:دخلت على هاني فلما رآني قال:يا اللّه يا

ص: 151

للمسلمين أهلكت عشيرتي فأين أهل الدين و أين أهل المصر تعاقدوا يخلوني و عدوهم و ابن عدوهم و الدماء تسيل على لحيته إذ سمع الرجة على باب القصر و خرجت و اتبعني فقال يا شريح إني لأظنها أصوات مذحج و شيعتي من المسلمين إن دخل على عشرة نفر أنقذوني.

قال:فخرجت إليهم و معي حميد بن بكر الأحمري أرسله معي ابن زياد و كان من شرطه ممن يقوم على رأسه و أيم اللّه لولا مكانه معي لكنت أبلغت أصحابه ما أمرني به،فلما خرجت إليهم قلت:إن الأمير لما بلغه مكانكم و مقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول إليه فأتيته فنظرت إليه فأمرني أن ألقاكم و أن أعلمكم أنه حي و إن الذي بلغكم من قتله كان باطلا،فقال عمرو و أصحابه فأما إذ لم يقتل و الحمد للّه ثم انصرفوا.

قال أبو مخنف:حدثني الحجاج بن علي عن محمد بن بشير الهمداني قال:لما ضرب عبيد اللّه هانئا و حبسه خشى أن يثب الناس به فخرج فصعد المنبر و معه أشراف الناس و شرطه و حشمه فحمد اللّه و أثنى عليه.

ثم قال:أما بعد أيها الناس فاعتصموا بطاعة اللّه و طاعة أئمتكم و لا تختلفوا و لا تفرقوا فتهلكوا و تذلوا و تجفوا و تحرموا،إن اخاك من صدقك و قد أعذر من أنذر قال:ثم ذهب لينزل فما نزل عن المنبر حتى دخلت النظارة المسجد من قبل التمارين يشتدون و يقولون قد جاء ابن عقيل قد جاء ابن عقيل فدخل عبيد اللّه القصر مسرعا و أغلق أبوابه.

قال أبو مخنف:حدثني يوسف بن يزيد عن عبد اللّه بن حازم،قال:أنا و اللّه رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر إلى ما صار أمر هانئ،قال:فلما ضرب و حبس ركبت فرسي و كنت أول أهل الدار دخل على مسلم بن عقيل بالخبر و إذ نسوة لمراد مجتمعات ينادين يا عثرتاه يا ثكلاه،فدخلت على مسلم بن عقيل بالخبر فأمرني أن أنادي في أصحابه و قد ملأ منهم الدور حوله و قد بايعه ثمانية عشر ألفا و في الدور

ص: 152

أربعة آلاف رجل فقال لي:نادي يا منصور أمت و ناديت يا منصور أمت و تنادى أهل الكوفة فاجتمعوا إليه.فعقد مسلم لعبيد اللّه بن عمرو بن عزير الكندي على ربع كندة و ربيعة و قال:سر أمامى في الخيل ثم عقد لمسلم بن عوسجة الاسدي على ربع مذحج و أسد و قال إنزل في الرجال فأنت عليهم و عقد لابن ثمامة الصائدي على ربع تميم و همدان و عقد لعباس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة ثم أقبل نحو القصر فلما بلغ ابن زياد إقباله تحرز في القصر و غلق الأبواب.

قال أبو مخنف:حدثني يوسف بن أبي إسحاق عن عباس الجدلي قال:خرجنا مع ابن عقيل أربعة آلاف فلما بلغنا القصر إلا و نحن ثلثمائة قال:و أقبل مسلم يسير في الناس من مراد حتى أحاط بالقصر ثم إن الناس تداعوا إلينا و اجتمعوا فو اللّه ما لبثنا إلا قليلا حتى امتلأ المسجد من الناس و السوق و ما زالوا يثوبون حتى المساء، فضاق بعبيد اللّه ذرعه و كان كبر أمره أن يتمسك بباب القصر و ليس معه إلا ثلاثون رجلا من الشرط و عشرون رجلا من أشراف الناس و أهل بيته و موإليه و أقبل أشراف الناس يأتون ابن زياد من قبل الباب الذي يلي دار الرومين و جعل من بالقصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم فيتقون أن يرموهم بالحجارة و إن يشتموهم و هم لا يفترون على عبيد اللّه و على أبيه و دعا عبيد اللّه كثير بن شهاب ابن حصين الحارثي فأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج فيسير بالكوفة و يخذل الناس عن ابن عقيل و يخوفهم الحرب و يحذرهم عقوبة السلطان،و أمر محمد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة و حضر موت فيرفع رايه أمان لمن جاءه من الناس،و قال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي و شبث بن ربعي التميمي و حجار بن أبجر العجلي و شمر بن ذي الجوشن العامري و حبس سائر وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم لقلة عدد من معه من الناس،و خرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن ابن عقيل.

قال أبو مخنف:فحدّثني ابن جناب الكلبي أن كثيرا لقي رجلا من كلب يقال له

ص: 153

عبد الأعلى بن يزيد قد لبس سلاحه يريد ابن عقيل في بني فتيان فأخذه حتى أدخله على ابن زياد فأخبره خبره،فقال لابن زياد إنما أردتك،قال:و كنت وعدتني ذلك من نفسك،فأمر به فحبس،و خرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني عمارة و جاءه عمارة بن صلخب الأزدي و هو يريد ابن عقيل عليه سلاحه،فأخذه فبعث به إلى ابن زياد فحبسه فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الأشعث من المسجد عبد الرحمان بن شريح الشامي،فلما رآى محمد بن الأشعث كثرة من أتاه أخذ يتنحى و يتأخر و أرسل القعقاع بن شور الذهلي إلى محمد الأشعث قد حلت على ابن عقيل من العرار فتأخر عن موقفه.

فأقبل حتى دخل على ابن ذياد من قبل دار الروميين،فلما اجتمع عند عبيد اللّه كثير بن شهاب و محمد و القعقاع فيمن أطاعهم من قومهم فقال له كثير و كانوا مناصحين لابن زياد:أصلح اللّه الأمير معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس و من شرطك و أهل بيتك و مواليك.فاخرج بنا إليهم،فأبى عبيد اللّه،و عقد لشبث بن ربعي لواء فأخرجه.و أقام الناس مع ابن عقيل يكبرون و يثوبون حتى المساء و أمرهم شديد فبعث عبيد اللّه إلى الأشراف فجمعهم إليه ثم قال:أشرفوا على الناس فمنّوا أهل الطاعة الزيادة و الكرامة،و خوّفوا أهل المعصية الحرمان و العقوبة و أعلموهم وصول الجنود من الشام إليهم.

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن عبد اللّه بن حازم الكبرى من الأزد من بني كبير،قال أشرف علينا الأشراف فتكلّم كثير بن شهاب أول الناس حتى كادت الشمس أن تجب فقال:أيها الناس إلحقوا بأهاليكم و لا تعجلوا الشر و لا تعرضوا أنفسكم للقتل فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت،و قد أعطى اللّه الأمير عهدا لئن أتممتم على حربه و لم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء و يفرّق مقاتلتكم في مغازي أهل الشام على غير طمع و أن يأخذ البريء بالسقيم و الشاهد بالغائب حتى لا يبقى له فيكم بقية من اللّه المعصية إلا أذاقها و بال

ص: 154

ما جرّت أيديها و تكلّم الأشراف بنحو من كلام هذا فلما سمع مقالتهم الناس أخذوا يتفرقون و أخذوا ينصرفون.

قال أبو مخنف:فحدثني المجالد بن سعيد،أن المرأة كانت تأتي ابنها أو أخاها فتقول.إنصرف الناس يكفونك،و يجيء الرجل إلى ابنه أو اخيه فيقول غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب و الشر إنصرف فيذهب به فما زالوا يتفرقون و يتصدعون حتى أمسى ابن عقيل و ما معه ثلاثون نفسا في المسجد حتى صلّيت المغرب فما صلّى مع ابن عقيل إلا ثلاثون نفسا فلما رأى انه قد أمسى و ليس معه إلا أولئك النفر خرج متوجها نحو أبواب كندة،فلما بلغ الأبواب و معه منهم عشرة،ثم خرج من الباب و إذا ليس معه إنسان و التفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق و لا يدله على منزل و لا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو،فمضى على وجهه يتلدد في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب حتى خرج إلى دور بني جبلة من كندة،فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها:طوعة أم ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا.

و كان بلال قد خرج مع الناس و أمه قائمة تنتظره،فسلّم عليها ابن عقيل،فردت عليه،فقال لها:يا أمة اللّه اسقيني ماء،فدخلت فسقته فجلس،و أدخلت الاناء ثم خرجت فقالت:يا عبد اللّه ألم تشرب؟

قال:بلى،قالت:فاذهب إلى أهلك،فسكت،ثم عادت فقالت مثل ذلك فسكت،ثم قالت له:فئ للّه سبحان اللّه يا عبد اللّه فمر إلى أهلك عافاك اللّه فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي و لا أحلّه لك فقام فقال يا أمة اللّه مالي في هذا المصر منزل و لا عشيرة،فهل لك إلى أجر و معروف و لعلي مكافأتك به بعد اليوم،فقالت يا عبد اللّه و ما ذاك؟

قال:أنا مسلم بن عقيل،كذبني هؤلاء القوم و غروني قالت أنت مسلم؟

قال:نعم،قالت:أدخل،فأدخلته بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه،و فرشت

ص: 155

له و عرضت عليه العشاء،فلم يتعش و لم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت و الخروج منه،فقال:و اللّه ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة و خروجك منه إن لك لشأنا.

قالت يا بني:أله عن هذا،قال لها:و اللّه لتخبّرني،قالت:أقبل على شأنك و لا تسألني عن شيء،فألح عليها فقالت:يا بني لا تحدثن أحدا من الناس بما أخبرك به و أخذت عليه الأيمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع و سكت و زعموا أنه قد كان شريدا من الناس.

و قال بعضهم كان يشرب مع أصحاب له،و لما طال على ابن زياد و أخذ لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كان يسمعه قبل ذلك قال لأصحابه:أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا؟

فأشرفوا فلم يروا أحدا،قال:فانظروا لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم ففرعوا بحابح المسجد و جعلوا يخفضون شعل النار في أيديهم ثم ينظرون هل في الظلال أحد و كانت أحيانا تضيء لهم و أحيانا لا تضيء لهم كما يريدون فدلّوا القناديل و أنصاف الطنان تشد بالحبال ثم تجعل فيها النيران ثم تدلى حتى تنتهي إلى الأرض،ففعلوا ذلك في أقصى الظلال و أدناها و أوسطها حتى فعلوا ذلك بالظلة التي فيها المنبر.فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر و خرج أصحابه معه فأمرهم فجلسوا حوله قبيل العتمة و أمر عمرو بن نافع فنادى ألا برئت الذمة من رجل من الشرطة و العرفاء أو المناكب أو المقاتلة صلّى العتمة إلى في المسجد فلم يكن له إلا ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس ثم أمر مناديه فأقام الصلاة.

فقال الحصين بن تميم إن شئت صليت بالناس أو يصلّي بهم غيرك و دخلت أنت فصليت في القصر فإني لا آمن أن يغتالك بعض أعدائك فقال:مر حرسي فليقوموا و رائي كما كانوا يقفون و در فيهم فإني لست بداخل إذا فصلّ بالناس.

ص: 156

ثم قام فحمد اللّه و أثنى عليه،ثم قال:أما بعد فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف و الشقاق،فبرئت ذمة اللّه من رجل وجدناه في داره و من جاء به فله ديته اتقوا اللّه عباد اللّه و الزموا طاعتكم و بيعتكم و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا،يا حصين بن تميم ثكلتك أمك إن صاح باب سكة من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل و لم تأتني به و قد سلّطتك على دور أهل الكوفة فابعث مراصدة على أفواه السكك و اصبح غدا و استبر الدور و جس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل، و كان الحصين على شرطه و هو من بني تميم.

ثم نزل ابن زياد فدخل و قد عقد لعمرو بن حريث راية و أمّره على الناس فلما أصبح جلس مجلسه و أذن للناس فدخلوا عليه و أقبل محمد بن الأشعث فقال مرحبا بمن لا يستغش ولايتهم ثم أقعده إلى جنبه و أصبح ابن تلك العجوز و هو بلال بن أسيد الذي اوت أمه ابن عقيل فغدا إلى عبد الرحمان بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان ابن عقيل عند أمه.

قال:فأقبل عبد الرحمان حتى أتى أباه و هو عند ابن زياد فساره،فقال له ابن زياد:ما قال لك قال:أخبرني ان ابن عقيل في دار من دورنا،فنخس بالقضيب في جنبه ثم قال:قم فأتني به الساعة.

قال أبو مخنف:فحدثني قدامة بن سعيد بن زائده بن قدامة الثقفي:أن ابن الأشعث حين قام ليأتيه بابن عقيل بعث إلى عمرو بن حريث و هو في المسجد خليفته على الناس ان ابعث مع ابن الأشعث ستين أو سبعين رجلا كلهم من قيس،و إنما كره ان يبعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصادف فيهم مثل ابن عقيل، فبعث معه عمرو بن عبيد اللّه بن عباس السلمي في ستين أو سبعين من قيس حتى أتوا الدار التي فيها ابن عقيل.فلما سمع وقع حوافر الخيل و أصوات الرجال عرف أنه قد أتي،فخرج إليهم بسيفه و اقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار،ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك.فاختلف هو و بكير بن

ص: 157

حمران الأحمري ضربتين فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا و أشرع السيف في السفلى و نصلت لها ثنيتاه،فضربه مسلم ضربة في رأسه منكرة و ثنّى بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع على جوفه،فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق ظهر البيت فأخذوا يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في أطنان القصب ثم يقبلونها عليه من فوق البيت،فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة فقاتلهم،فأقبل عليه محمد بن الأشعث فقال:يا فتى لك الأمان لا تقتل نفسك،فأقبل يقاتلهم و هو يقول:

أقسمت لا أقتل إلا حرا و إن رأيت الموت شيئا نكرا

كل امرئ يوما ملاق شرا و يخلط البارد سخنا مرا

رد شعاع الشمس فاستقرا أخاف ان أكذب أو أغرا.

فقال له محمد بن الأشعث:إنك لا تكذب و لا تخدع و لا تغر،إن القوم بنو عمك و ليسوا بقاتليك و لا ضاربيك،و قد أثخن بالحجارة و عجز عن القتال و انبهر فأسند ظهره إلى جنب تلك الدار،فدنا محمد بن الأشعث،فقال:لك الأمان.

فقال:آمن انا؟

قال:نعم.

و قال القوم:أنت آمن غير عمرو بن عبيد اللّه بن العباس السلمى فإنه قال:لا ناقة لي في هذا و لا جمل و تنحّى.

و قال ابن عقيل:أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم،و أتي ببغلة فحمل عليها و اجتمعوا حوله و انتزعوا سيفه من عنقه،فكأنه عند ذلك آيس من نفسه، فدمعت عيناه،ثم قال هذا أول الغدر،قال محمد بن الأشعث:أرجو ألا(لا)يكون عليك بأس،قال:ما هو إلا الرجاء أين أمانكم؟إنا للّه و إنا إليه راجعون و بكى.

فقال له عمرو بن عبيد اللّه بن عباس:إن من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك قال:إني و اللّه ما لنفسي أبكي و لا لها من القتل أرثي و إن كنت لم

ص: 158

أحب لها طرفة عين تلفا و لكن أبكي لأهلي المقبلين إلي،أبكي لحسين و آل الحسين، ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال:يا عبد اللّه إني أراك و اللّه ستعجز عن أماني فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني يبلغ حسينا فإني لا أراه إلا قد خرج إليكم اليوم مقبلا أو هو خرج غدا هو و أهل بيته و إن ما ترى من جزعي لذلك.

فيقول:إن ابن عقيل بعثني إليك و هو في أيدي القوم أسير لا يرى أن تمشي حتى تقتل،و هو يقول:إرجع بأهل بيتك و لا يغرك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل،ان أهل الكوفة قد كذبوك و كذبوني و ليس لمكذوب رأي،فقال ابن الأشعث:و اللّه لأفعلن و لأعلمن ابن زياد إني قد أمّنتك.

قال أبو مخنف:فحدثني جعفر بن حذيفة الطائي و قد عرف سعيد بن شيبان الحديث قال:دعا محمد بن الأشعث أياس بن العثل الطائي من بني مالك بن عمرو ابن ثمامة،و كان شاعرا و كان لمحمد زوارا،فقال له:إلق حسينا فأبلغه هذا الكتاب، و كتب فيه الذي أمره ابن عقيل و قال له:هذا زادك و جهازك و متعة لعيالك،فقال:من أين لي براحلة فإن راحلتي قد أنضيتها،قال:هذه راحلة فاركبها برحلها.

ثم خرج فاستقبله بزبالة لأربع ليال فأخبره الخبر و بلّغه الرسالة،فقال له الحسين عليه السّلام:كل ما حكم نازل،و عند اللّه نحتسب أنفسنا و فساد أمتنا،و قد كان مسلم بن عقيل حيث تحول إلى دار هاني بن عروة و بايعه ثمانية عشر ألفا قدّم كتابا إلى الحسين مع عابس بن أبي شبيب الشاكري:

أما بعد:فإن الرائد لا يكذب أهله،و قد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا، فعجل الإقبال حين يأتيك كتابي فإن الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأى و لا هوى و السلام.و أقبل محمد بن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر فاستأذن، فأذن له،فأخبر عبيد اللّه خبر ابن عقيل و ضرب بكير إياه،فقال:بعدا له،فأخبره محمد بن الأشعث بما كان منه و ما كان من أمانه إياه.

ص: 159

فقال عبيد اللّه:ما أنت و الأمان،كأنا أرسلناك تؤمنه؟إنما أرسلناك تأتينا به فسكت،و انتهى ابن عقيل إلى باب القصر و هو عطشان و على باب القصر ناس جلوس ينتظرون الإذن منهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط،و عمرو بن حريث، و مسلم بن عمرو،و كثير بن شهاب.

قال أبو مخنف:فحدثني قدامة بن سعد:إن مسلم بن عقيل حين انتهى إلى باب القصر فإذا قلة باردة موضوعة على الباب،فقال ابن عقيل:أسقوني من هذا الماء، فقال له مسلم بن عمرو أتراها ما أبردها،لا و اللّه لا تذوق منها قطرة أبدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم،قال له ابن عقيل:ويحك من أنت؟

قال:أنا ابن من عرف الحق إذا أنكرته،و نصح لامامه إذ غششته،و سمع و أطاع إذ عصيته و خالفت،أنا مسلم بن عمرو الباهلي،فقال ابن عقيل:لأمك الثكل ما أجفاك و ما أفظّك و أقسى قلبك و أغلظك؟أنت يابن باهلة أولى بالحميم و الخلود في نار جهنم مني،ثم جلس متساندا إلى حائط.

قال أبو مخنف:و حدثني سعيد بن مدرك بن عمارة:إن عمارة بن عقبة بعث غلاما له يدعى قيسا فجاءه بقلة عليها منديل و معه قدح فصب فيه ماء ثم سقاه، فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما،فلما ملأ القدح المرة الثالثة ذهب ليشرب فسقطت ثنيتاه فيه،فقال:الحمد للّه لو كان لي من الرزق المقسوم شربته.و أدخل مسلم علي ابن زياد فلم يسلّم عليه بالإمرة،فقال له الحرسى:إلا تسلّم على الأمير؟

فقال له:إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه و إن كان لا يريد قتلى فلعمري ليكثرن سلامي عليه.

فقال له ابن زياد:لعمرى لتقتلن،قال كذلك،قال:نعم.

قال:فدعني أوصي إلى بعض قومي،فنظر إلى جلساء عبيد اللّه و فيهم عمر بن سعد،فقال يا عمر:إن بيني و بينك قرابة ولي إليك حاجة و قد يجب لى عليك نجح حاجتي و هو سر فأبى ان يمكنه من ذكرها،فقال له عبيد اللّه:لا تمتنع أن تنظر في

ص: 160

حاجة ابن عمك،فقام معه فجلس حيث ينظر إليه ابن زياد،فقال له:إنّ علي بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمأة درهم فاقضها عني،و انظر جثتي فاستوهبها من ابن زياد فوارها،و ابعث إلى الحسين من يرده،فإني قد كتبت إليه أعلمه ان الناس معه و لا أراه إلا مقبلا.

فقال عمر لابن زياد:أتدري ما قال لي؟انه ذكر كذا و كذا،قال له ابن زياد:انه لا يخونك الأمين و لكن قد يؤتمن الخائن،أما مالك فهو لك و لسنا نمنعك أن تصنع فيه ما أحببت،و أما الحسين فإنه إن لم يردنا لم نرده،و إن أرادنا لم نكف عنه،و أما جثته فانا لن نشفعك فيها إنه ليس بأهل منا لذلك،قد جاهدنا و خالفنا و جهد على هلاكنا، و زعموا أنه قال:أما جئته فانا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها.

ثم إن ابن زياد قال:إيه يابن عقيل أتيت الناس و أمرهم جميع و كلمتهم واحدة لتشتتهم و تفرق كلمتهم و تحمل بعضهم على بعض.

قال:كلا لست لذلك أتيت،و لكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم و سفك دماءهم،و عمل فيهم أعمال كسرى و قيصر،فأتيناهم لنأمر بالعدل و ندعوا إلى حكم الكتاب.

قال:و ما أنت و ذاك يا فاسق أ و لم نكن نعمل بذاك فيهم إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟

قال:أنا اشرب الخمر،و اللّه إن اللّه ليعلم أنك غير صادق،و إنك قلت بغير علم، و إني لست كما ذكرت،و إن أحق بشرب الخمر مني و أولى بها من يلغ في دماء المسلمين ولغا،فيقتل النفس التي حرّم اللّه قتلها،و يقتل النفس بغير النفس و يسفك الدم الحرام،و يقتل على الغضب و العداوة و سوء الظن و هو يلهو و يلعب كأن لم يصنع شيئا.

فقال له ابن زياد:يا فاسق ان نفسك تمنيك ما حال اللّه دونه و لم يرك أهله،قال:

فمن أهله يابن زياد؟

ص: 161

قال:أمير المؤمنين يزيد،فقال:الحمد للّه على كل حال رضينا باللّه حكما بيننا و بينكم،قال:كأنك تظن أن لكم في الأمر شيئا،قال:و اللّه ما هو بالظن و لكنه اليقين، قال:قتلني اللّه إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام.

قال:أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما لم يكن فيه،أما إنك لا تدع سوء القتلة و قبح المثلة و خبث السيرة و لؤم الغلبة،و لا أحد من الناس أحق بها منك.و أقبل ابن سمية يشتمه و يشتم حسينا و عليا و عقيلا و أخذ مسلم لا يكلمه.و زعم أهل العلم أن عبيد اللّه امر له بماء فسقي بخزفة.

ثم قال له:إنه لم يمنعنا نسقيك فيها إلا كراهة ان تحرم بالشرب فيها ثم نقتلك و لذلك سقيناك في هذا.

ثم قال:إصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه،ثم أتبعوا جسده رأسه،فقال:يا ابن الأشعث أما و اللّه لو لا أنك آمنتني ما استسلمت،قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمتك.

ثم قال:يابن زياد أما و اللّه لو كانت بيني و بينك قرابة ما قتلتني.

ثم قال ابن زياد:أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف و عاتقه؟فدعي فقال:إصعد فكن أنت الذي تضرب عنقه،فصعد به و هو يكبر و يستغفر و يصلى على ملائكة اللّه و رسله و هو يقول:اللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا و أذلّونا و أشرف به على موضع الجرارين اليوم،فضربت عنقه و أتبع جسده رأسه.

قال أبو مخنف:حدثني الصقعب بن زهير عن عوف بن أبي حجيفة قال:نزل الاحمري بكير بن حمران الذي قتل مسلما فقال له ابن زياد:قتلته؟

قال:نعم،قال:فما كان يقول و أنتم تصعدون به؟

قال:كان يكبر و يسبح و يستغفر،فلما أدنيته لأقتله قال:اللهم احكم بيننا و بين قوم كذبونا و غرونا و خذلونا و قتلونا،فقلت له:أدن مني الحمد للّه الذي أقادني منك فضربته ضربة لم تغن شيئا.

ص: 162

فقال:أما ترى في خدش تخدشنيه وفاء من دمك أيها العبد،فقال ابن زياد:

و فخرا عند الموت،قال:ثم ضربته الثانية فقتلته.

قال:و قام محمد بن الأشعث إلى عبيد اللّه بن زياد فكلمه في هاني بن عروة و قال:

إنك قد عرفت منزلة هاني بن عروة في المصر و بيته في العشيرة،و قد علم قومه إني و صاحبي سقناه إليك،فأنشدك اللّه لما وهبته لي فإني أكره عداوة قومه،هم أعز أهل المصر و عدد أهل اليمن.

قال:فوعده أن يفعل،فلما كان من أمر مسلم بن عقيل ما كان بداله فيه و أبى أن يفي له بما قال،قال:فأمر بهانئ بن عروة حين قتل مسلم بن عقيل فقال:أخرجوه إلى السوق،فاضربوا عنقه،قال:فأخرج بهانئ حتى انتهى إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم،و هو مكتوف فجعل يقول:وا مذحجاه و لا مذحج لي اليوم وا مذ حجاه و أين مني مذحج.فلما رأى ان أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال:أما من عصا أو سكين او حجر أو عظم يجاحش به رجل عن نفسه؟

قال:و وثبوا إليه فشدوه وثاقا،ثم قيل له:أمدد عنقك فقال:ما أنا بها مجد سخيّ، و ما أنا بمعينكم على نفسي،قال:فضربه مولى لعبيد اللّه بن زياد تركي يقال له رشيد بالسيف فلم يصنع سيفه شيئا فقال هاني:إلى اللّه المعاد اللهم إلى رحمتك و رضوانك،ثم ضربه أخرى فقتله.

قال:فبصر به عبد الرحمان بن الحصين المرادي بخازر و هو مع عبيد اللّه بن زياد،فقال الناس هذا قاتل هاني بن عروة،فقال ابن الحصين قتلني اللّه إن لم أقتله أو أقتل دونه،فحمل عليه بالرمح،فطعنه فقتله.

ثم إن عبيد اللّه بن زياد لما قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة دعا بعبد الأعلى الكلبي الذي كان أخذه كثير بن شهاب في بني فتيان فأتى به:فقال له:أخبرني بأمرك فقال:أصلحك اللّه خرجت لأنظر ما يصنع الناس فأخذني كثير بن شهاب،فقال له:

فعليك و عليك من الايمان المغلظة إن كنت خرجت لما زعمت،فأبى أن يحلف،فقال

ص: 163

عبيد اللّه:انطلقوا بهذا إلى جبانة السبع فاضربوا عنقه بها،قال:فانطلق به فضربت عنقه.

قال:و أخرج عمارة بن صلخب الأزدي و كان ممن يريد أن يأتي مسلم بن عقيل بالنصرة لينصره،فأتي به أيضا عبيد اللّه،فقال له:ممن أنت؟

قال:من الأزد،قال:إنطلقوا به إلى قومه فضربت عنقه فيهم.

فقال عبد اللّه بن الزبير الأسدي في قتلة مسلم بن عقيل و هاني بن عروة المرادى و يقال قاله الفرزدق:

ان كنت لا تدرين ما الموت فانظرى إلى هانئ في السوق و ابن عقيل

إلى بطل قد هشّم السيف وجهه و آخر يهوى من طمار قتيل

أصابهما أمر الأمير فأصبحا أحاديث من يسري بكل سبيل

ترى جسدا قد غيّر الموت لونه و نضح دم قد سال كل مسيل

فتى هو أحيى من فتاة حيية و اقطع من ذي شفرتين صقيل

أيركب أسماء الهما ليج آمنا و قد طلبته مذحج بذخول

تطيف حواليه مراد و كلهم على رقبة من سائل و مسول

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم فكونوا بغايا أرضيت بقليل

قال أبو مخنف:عن أبي جناب يحيى بن أبي حية الكلبي قال:ثم إن عبيد اللّه بن زياد لما قتل مسلما و هانئا بعث برأسيهما مع هانئ بن أبي حية الوادعى و الزبير بن الاروح التميمى إلى يزيد بن معاوية و أمر كاتبه عمرو بن نافع أن يكتب إلى يزيد بن معاوية بما كان من مسلم و هانئ فكتب إليه كتابا أطال فيه و كان أول من أطال في الكتب،فلما نظر فيه عبيد اللّه بن زياد كرهه و قال:ما هذا التطويل و هذه الفضول أكتب:أما بعد فالحمد للّه الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقه،و كفاه مؤونة عدوه،أخبر أمير المؤمنين أكرمه اللّه أن مسلم عقيل لجأ إلى دار هاني بن عروة المرادى،و إني جعلت عليهما العيون،و دسست إليهما الرجال،و كدتهما حتى استخرجتهما،

ص: 164

و أمكن اللّه منهما فقدمتهما فضربت أعناقهما،و قد بعثت إليك برأسيهما مع هاني بن أبي حية الهمداني و الزبير بن الاروح التميمي،و هما من أهل السمع و الطاعة و النصيحة،فليسألهما أمير المؤمنين عما أحب من أمر،فإن عندهما علما و صدقا و فهما و ورعا و السلام.

فكتب إليه يزيد:أما بعد فإنك لم تعد أن كنت كما أحب،عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش،فقد أغنيت و كفيت،و صدقت ظني بك و رأيي فيك،و قد دعوت رسوليك فسألتهما و ناجيتهما فوجدتهما في رأيهما و فضلهما كما ذكرت فاستوص بهما خيرا،و انه قد بلغني:أن الحسين بن علي قد توجه نحو العراق فضع المناظر و المسالح،و احترس على الظن،و خذ على التهمة غير أن لا تقتل إلا من قاتلك،و اكتب إلى في كل ما يحدث من الخبر و السلام عليك و رحمة اللّه.

قال أبو مخنف:حدثني الصقعب بن الزهير عن عون بن أبي حجيفة قال:كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة سنة 60 ه و يقال يوم الأربعاء لسبع مضين سنة 60 ه من يوم عرفة بعد مخرج الحسين من مكة مقبلا إلى الكوفة بيوم،قال:و كان مخرج الحسين من المدينة إلى مكة يوم الأحد لليلتين بقيتا من رجب سنة 60،و دخل مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان،فأقام بمكة شعبان و شهر رمضان و شوال و ذي القعده.

ثم خرج منها لثمان مضين من ذي الحجة يوم الثلاثاء يوم التروية في اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل،و ذكر هارون بن مسلم عن علي بن صالح عن عيسى بن يزيد:أن المختار بن أبي عبيد و عبد اللّه بن الحارث بن نوفل كانا خرجا مع مسلم، خرج المختار براية خضراء،و خرج عبد اللّه براية حمراء و عليه ثياب حمر،و جاء المختار برايته فركزها على باب عمرو بن حريث.

و قال:إنما خرجت لأمنع عمرا و أن الأشعث و القعقاع بن شور و شبث بن ربعي قاتلوا مسلما و أصحابه عشية سار مسلم إلى قصر ابن زياد قتالا شديدا،و إن شبثا

ص: 165

جعل يقول:إنتظروا بهم الليل يتفرقوا فقال له القعقاع:إنك قد سددت على الناس وجه مصيرهم،فافرج لهم ينسربوا،و أن عبيد اللّه أمر ان يطلب المختار و عبد اللّه بن الحارث و جعل فيهما جعلا فأتي بهما فحبسا (1).1.

ص: 166


1- مقتل الحسين لأبي مخنف:13-61.

الفهرس

التخطيط للثورة الكبرى حال المسلمين في عصر الإمام الحسين عليه السلام 3

الإمام الحسين مع أخيه محمد بن الحنفية 6

وصية الحسين عليه السلام 6

سبب تخلّف محمّد ابن الحنفية عن الإمام الحسين عليه السلام 8

دراسة الإمام لأبعاد الثورة 10

1-التضحية بنفسه 10

2-التضحية بأهل بيته 11

3-التضحية بأمواله 13

4-حمل عقائل النبوة 13

سبب اصطحاب النساء 14

رأي الإمام كاشف الغطاء 14

رأي أحمد فهمي 15

رأي أحمد محمود صبحي 16

بداية التخطيط في مكة 20

مع عبد الله بن مطيع 21

وصول الإمام الى مكة 22

احتفاف الحجاج و المعتمرين به 22

ص: 167

فزع ابن الزبير 23

رأي الغزالي 24

رأي رخيص 25

فزع السلطة المحلية 26

قلق يزيد 27

جواب ابن عباس 28

إقصاء حاكم المدينة 30

الحسين مع ابن عمر و ابن عباس 32

وصية الحسين لابن عباس 35

التخطيط في البصرة 36

رسائله إلى زعماء البصرة 36

جواب الأحنف بن قيس 37

جريمة المنذر 38

استجابة يزيد بن مسعود 38

جوابه للإمام 41

استجابة يزيد البصري 42

التخطيط في العراق 43

نقمة العراق على الأمويين 43

إعلان التمرد في العراق 44

المؤتمر العام 45

خطبة سليمان 45

وفد الكوفة 46

الرسائل 47

ص: 168

قصة مسلم بن عقيل إرسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة 51

رسالة مسلم للحسين 57

جواب الإمام الحسين عليه السلام 57

أضواء على الموضوع 57

في بيت المختار 58

ابتهاج الكوفة 59

البيعة للإمام لحسين عليه السلام 60

كلمة عابس الشاكري 60

عدد المبايعين 61

رسالة مسلم للحسين 61

موقف النعمان بن بشير 62

خطبة النعمان 63

سخط الحزب الأموي 64

اتصال الحزب الأموي بدمشق 64

فزع يزيد 65

استشارته لسرجون 65

ولاية ابن زياد على الكوفة 67

خطبة ابن زياد في البصرة 69

ابن زياد في قصر الإمارة 71

خطابه في الكوفة 72

ص: 169

نشر الإرهاب 72

تحول مسلم إلى دار هانى 74

امتناع مسلم من اغتيال ابن زياد 75

أضواء على الموقف 77

المخططات الرهيبة 80

1-التجسس على مسلم 80

2-رشوة الزعماء و الوجوه 82

الإحجام عن كبس دار هانىء 83

رسل الغدر 83

اعتقال هانىء 85

انتفاضة مذحج:89

ثورة مسلم 93

حرب الأعصاب 94

أوبئة الفزع و الخوف 96

هزيمة جيش مسلم 96

مسلم في ضيافة طوعة 98

تأكد الطاغية من فشل الثورة 101

إعلان حالة الطوراىء 102

راية الأمان 102

اشتباه 103

خطبة ابن زياد 104

الإفشاء بمسلم 105

الهجوم على مسلم 106

ص: 170

فشل الجيوش 108

أمان ابن الأشعث 110

أسر مسلم 112

مسلم مع عبيد الله السلمي 114

مع الباهلي 114

مع ابن زياد 116

وصية مسلم بن عقيل 119

الطاغية مع مسلم 120

شهادة مسلم بن عقيل 122

سلب مسلم 123

تنفيذ الإعدام في هانىء 124

السحل في الشوارع 125

صلب الجثتين 125

الرؤوس إلى دمشق 127

جواب يزيد 128

إعلان الأحكام العرفية 129

احتلال الحدود العراقية 130

الاعتقالات الواسعة 130

وصول نبأ مقتل مسلم للحسين 132

ذكر قصة مسلم برواية أبي مخنف 135

الفهرس 167

ص: 171

المجلد 12

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

[الجزء الثانى عشر] الإمام الحسين قبل المسير من الكوفة

عزم الإمام الحسين عليه السلام على المسير إلى العراق

اشارة

قال السيد مرتضى العسكري:استعد الإمام الحسين بعد تسلمه كتاب سفيره مسلم للتوجه إلى العراق و لما علم ابن الزبير بقصده قال له:أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها،ثم خشي أن يتهمه فقال:أما انك لو أقمت بالحجاز ثم أردت هذا الأمر ههنا ما خولف عليك إن شاء اللّه و لما خرج من عند الإمام الحسين قال الإمام:إن هذا ليس شيء يؤتاه من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق و قد علم أنه ليس له من الأمر معي شيء و ان الناس لم يعدلوه بي فودّ أني خرجت منها لتخلو له (1).

و في يوم التروية التقيا بين الحجر و الباب فقال له ابن الزبير:إن شئت أقمت فوليت هذا الأمر آزرناك و ساعدناك و نصحناك و بايعناك فقال له الحسين:إن أبي حدثني أن بها كبشا يستحل حرمتها فما أحب أن أكون ذلك الكبش فقال له ابن الزبير:فأقم ان شئت و توليني أنا الأمر فتطاع و لا تعصى فقال:و ما أريد هذا ثم إنهما أخفيا كلامهما (2).

و فى رواية:فسار ابن الزبير الحسين فالتفت إلينا الحسين،فقال:يقول ابن

ص: 3


1- الطبري 216/6.
2- الطبري 317/6،و راجع أنساب الأشراف ص 164.

الزبير:أقم في هذا المسجد أجمع لك الناس،ثم قال:و اللّه لئن أقتل خارجا منها أحب إلى من أن أقتل داخلا منها بشبر،و أيم اللّه لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم و و اللّه ليعتدن على كما اعتدت اليهود في السبت (1).

و في تاريخ ابن عساكر و ابن كثير:لئن أقتل بمكان كذا و كذا أحب إلى من أن تستحل بي يعني مكة (2).

ثم طاف الحسين بالبيت و بين الصفا و المروة و قص من شعره و أحل من احرامه و جعلها عمرة (3).

خطبة الإمام عليه السلام

و قال:و في مثير الأحزان بعد المحاورة السابقة:ثم قام خطيبا فقال:الحمد للّه و ما شاء اللّه،و لا قوة إلاّ باللّه،خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف،و خير لي مصرع انا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلا،فيملأن مني أكراشا جوفا و أحوية سغبا،لا محيص عن يوم خط بالقلم،رضا اللّه رضانا أهل البيت نصبر على بلائه و يوفينا أجور الصابرين،لن تشذ عن رسول اللّه لحمته، و هي مجموعة له في حظيرة القدس،تقر بهم عينه و ينجز بهم وعده،من كان باذلا فينا مهجته،و موطنا على لقاء اللّه نفسه،فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء

ص: 4


1- الطبري 217/6،ابن الأثير 16/4،و قوله"ليعتدن على"في طبقات ابن سعد ح-278، و تاريخ ابن عساكر ح-664،و ابن كثير 166/8.
2- تاريخ ابن عساكر ح-648،و ابن كثير 166/8.
3- إرشاد المفيد ص 201،و تاريخ ابن كثير 166/8.

اللّه (1).

لفت نظر

لم نتوخ في ايراد هذه المحاورات تسجيلها حسب تسلسلها الزماني أو المكاني كي نبحث عنها كذلك ثم نرتب تدوينها حسبما يؤدى إليه البحث لأنا استهدفنا في هذا البحث اعطاء صورة عن رؤية الإمام الحسين و رؤية معاصريه لواقعة استشهاده لنتمكن من معرفة حكمة استشهاده و آثارها،و كان يكفينا في هذا المقام ايراد المحاورات و الحوادث حسبما أدى إليه ظننا و هكذا فعلنا.

أوامر الخليفة يزيد

و لما بلغ نبأ مسير الإمام إلى يزيد كتب إلى ابن زياد:إنه قد بلغني ان حسينا قد سار إلى الكوفة و قد ابتلى به زمانك من بين الأزمان،و بلدك من بين البلدان، و ابتليت به أنت من بين العمال،و عندها تعتق أو تعود عبدا كما تعتبد العبيد (2).

لعل يزيد يشير في كتابه إلى أن زيادا والد عبيد ابن زياد،ولد من أبوين عبدين و هما عبيد و سمية،و بعد ان الحقه معاوية بأبيه أبي سفيان،أصبح أمويا (3)و من

ص: 5


1- مثير الأحزان ص 29،و في اللهوف ص 23 انه خطب بها في مكة لما عزم على الخروج و فى لفظه"أجربة سغبا".
2- تاريخ ابن عساكر ح-657،و فى ح-656 امره بمحاربته،و فى تهذيبه 332/4،و معجم الطبراني ح-80،و أنساب الأشراف للبلاذري بترجمة الحسين ح 180 ص 160،و تاريخ الإسلام للذهبي 344/2،و تاريخ ابن كثير 165/8.
3- راجع كتاب عبد اللّه بن سبأ ج 1 فصل استلحاق زياد.

الأحرار في حساب العرف القبلي الجاهلي،و ان يزيد يهدد ابنه ابن زياد:إنه ان لم يقم بواجبه في القضاء على الحسين فإنه سينفيه من نسب آل أبي سفيان فيعود عبدا.

و في رواية:إن عمرو بن سعيد أيضا كتب إلى ابن زياد نظير هذا الكتاب (1)(2).

الحسين مع ابن عباس

و في تاريخ الطبري و غيره،لما عزم على الخروج أتاه ابن عباس و قال له في ما قال:أقم في هذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عاملهم و عدوهم،ثم أقدم عليهم فإن أبيت إلاّ أن تخرج فسر إلى اليمن فإن بها حصونا و شعابا و هي أرض عريضة طويلة و لابيك بها شيعة و أنت عن الناس في عزلة فتكتب إلى الناس و ترسل و تبث دعاتك.

فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحب.

فقال له الحسين:يا ابن عم اني و اللّه و أعلم أنك ناصح مشفق و قد أزمعت و أجمعت المسير،فقال له ابن عباس:فإن كنت سائرا فلا تسر بنسائك و صبيتك، فإني خائف أن تقتل كما قتل عثمان و نساؤه و ولده ينظرون إليه،و في الاخبار الطوال بعده قال الحسين:يابن عم ما أرى الخروج إلا بالأهل و الولد (3).

و في رواية:فقال الحسين:لئن اقتل بمكان كذا و كذا أحب إلى من أن أقتل بمكة

ص: 6


1- تاريخ ابن عساكر ح-653،و تهذيبه 326/4،و تاريخ ابن كثير 165/8،و تاريخ الإسلام للذهبي 343/2.
2- معالم المدرستين للعسكري:62/3.
3- الطبري 216/6-217،و ابن الأثير 16/4،و الاخبار الطوال ص 244.

و تستحل بي،فبكى ابن عباس (1).

و في رواية فقال:فذلك الذي سلا بنفسي عنه (2).

كتابه إلى بني هاشم

في كامل الزيارة قال:كتب الحسين بن علي من مكة إلى محمد بن علي:بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى محمد بن علي و من قبله من بني هاشم،أما بعد:فإن من لحق بي استشهد و من تخلف لم يدرك الفتح و السلام (3).

قال ابن عساكر:و بعث حسين إلى المدينة فقدم عليه من خف معه من بني عبد المطلب.و تبعهم محمد بن الحنفية بمكة.

الإمام الحسين مع أخيه محمد بن الحنفية

في اللهوف:سار محمد بن الحنفية إلى الحسين عليه السّلام في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها عن مكة،فقال:يا أخي ان أهل الكوفة من عرفت غدرهم بأبيك و أخيك و قد خفت أن يكون حالك كحال من مضى،فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من في الحرم و أمنعه،فقال:يا أخي خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم،فأكون

ص: 7


1- تاريخ ابن عساكر بترجمة الإمام الحسين الحديث 642-644،و ابن كثير 165/8،و ذخائر العقبى ص 151،و مقتل الخوارزمي 219/1.
2- معجم الطبراني ح-93،و مجمع الزوائد 192/9.
3- كامل الزيارة ص 75 باب 75،و فى اللهوف عن الكليني:إن هذا الكتاب كتبه إليهم لما فصل من مكة و لفظه من الحسين بن علي إلى بني هاشم اما بعد،فإنه من لحق بي منكم استشهد و من تخلف عنى لم يبلغ الفتح،اللهوف ص 25 و مثير الأحزان ص 27.

الذي يستباح به حرمة هذا البيت (1).

وصية الحسين عليه السلام

وصية الحسين عليه السلام(2)

بسم اللّه الرحمن الرحيم-هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية ان الحسين يشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله،جاء بالحق من عند الحق،و أن الجنة و النار حق،و أن الساعة آتية لا ريب فيها،و أن اللّه يبعث من في القبور،و إني لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و لا ظالما و إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلّى اللّه عليه و اله،أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر،و أسير بسيرة جدي و أبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فاللّه أولى بالحق و من رد على هذا أصبر حتى يقضي اللّه بيني و بين القوم بالحق و هو خير الحاكمين و هذه وصيتي يا أخي إليك و ما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكلت و اليه أنيب.ثم طوى الحسين الكتاب و ختمه بخاتمه و دفعه إلى أخيه محمد ثم ودعه و خرج في جوف الليل (3).

ص: 8


1- في فتوح أعثم 34/5،مقتل الخوارزمي 188/1 و بعد سيرة جدي و أبي،أضافت يد التحريف «و سيرة الخلفاء الراشدين المهديين رضي اللّه عنهم»و ان الراشدين اصطلاح تأخر استعماله عن عصر الخلافة الأموية و لم يرد في نص ثبت وجوده قبل ذلك و يقصد بالراشدين الذين أتوا إلى الحكم بعد رسول اللّه متواليا من ضمنهم الإمام علي،فلا يصح ان يعطف الراشدين على اسم الإمام،كل هذا يدلنا على أن الجملة أدخلت في لفظ الإمام الحسين.
2- اخترنا لفظ محمد بن أبي طالب الموسوي حسب رواية المجلسى في البحار:329/44.
3- في فتوح أعثم 34/5،مقتل الخوارزمي 188/1 و بعد سيرة جدي و أبي،أضافت يد التحريف «و سيرة الخلفاء الراشدين المهديين رضي اللّه عنهم»و ان الراشدين اصطلاح تأخر استعماله عن عصر الخلافة الأموية و لم يرد في نص ثبت وجوده قبل ذلك و يقصد بالراشدين الذين أتوا إلى الحكم بعد رسول اللّه متواليا من ضمنهم الإمام علي،فلا يصح ان يعطف الراشدين على اسم الإمام،كل هذا يدلنا على أن الجملة أدخلت في لفظ الإمام الحسين.

مع عبد اللّه بن جعفر و كتاب الوالي

فكتب إليه عبد اللّه بن جعفر مع ابنيه عون و محمد:أما بعد،فإني أسألك باللّه لما انصرفت حين تنظر في كتابي فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجه له أن يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك،و إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض،فإنك علم المهتدين،و رجاء المؤمنين،فلا تعجل بالسير،فإني في أثر الكتاب و السلام.

و طلب من عمرو بن سعيد أن يكتب له أمانا و يمنيه البر و الصلة و يبعثه إليه، فكتب:أما بعد،فإني أسأل اللّه ان يصرفك عما يوبقك،و ان يهديك لما يرشدك، بلغني أنك توجهت إلى العراق،و اني أعيذك باللّه من الشقاق،فإني أخاف عليك فيه الهلاك،و قد بعث إليك عبد اللّه بن جعفر،و يحيى بن سعيد-أخا الوالي-فأقبل إلي معهما،فإن لك عندي الأمان،و الصلة و البر و حسن الجوار..فذهبا بالكتاب و لحقا الإمام الحسين،و اقرأه يحيى الكتاب فجهدا به و كان مما اعتذر به أن قال:إني رأيت رؤيا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أمرت فيها بأمر انا ماض له على كان أولي،فقالا:فما تلك الرؤيا؟

قال:ما حدثت بها أحدا و ما انا محدث بها حتى القى ربي (1).

و كتب الإمام الحسين في جواب عمرو بن سعيد:اما بعد فإنه لم يشاقق اللّه و رسوله من دعا إلى اللّه عزّ و جلّ و قال:إنني من المسلمين،و قد دعوت إلى الأمان و البر و الصلة،فخير الأمان أمان اللّه،و لن يؤمن اللّه يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا،فنسأل اللّه مخافة في الدنيا توجب لنا أمانه يوم القيامة فإن كنت نويت

ص: 9


1- الطبري 219/6-220،و ابن الأثير 17/3،و ابن كثير 167/8،و في 163 منه بإيجاز و ارشاد المفيد ص 202،و تاريخ الإسلام للذهبي 343/2.

بالكتاب صلتي و بري،فجزيت خيرا (1).

كتاب عمرة بنت عبد الرحمن

و في تاريخ ابن عساكر:كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريدان يصنع،و تأمره بالطاعة و لزوم الجماعة،و تخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه، و تقول:اشهد لحدثتني عائشة انها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:يقتل حسين بأرض بابل،فلما قرأ كتابها،قال:فلا بد لي إذا من مصرعي،و مضى (2).

مع ابن عمر

و فيه أيضا:إن عبد اللّه بن عمر كان بمال له فبلغه ان الحسين بن علي قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليال و نهاه عن المسير إلى العراق فأبى الحسين،فاعتنقه ابن عمر،و قال:استودعك اللّه من قتيل (3).

و في فتوح أعثم و مقتل الخوارزمي و مثير الأحزان و غيرها و اللفظ للأخير:إن ابن عمر لما بلغه توجه الحسين إلى العراق لحقه و أشار عليه بالطاعة و الانقياد، فقال له الحسين:يا عبد اللّه أما علمت أن من هوان الدنيا على اللّه أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل-إلى قوله-فلم يعجل اللّه عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر،ثم قال:اتق اللّه يا أبا عبد الرحمن و لا تدعن

ص: 10


1- في الطبري و ابن الأثير و ابن كثير تتمة للخبر السابق.
2- تاريخ ابن عساكر بعد الحديث 653. و عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية أكثرت عن عائشة ثقة من الثالثة ماتت قبل المائة و انظر تقريب التهذيب 607/2.
3- تاريخ ابن عساكر:645 و 646،و تهذيبه 329/4،و قد أوردنا موجزا من الحديث،و أنساب الأشراف ح 21 ص 163.

نصرتي (1). (2).3.

ص: 11


1- فتوح أعثم 42/5-43،و المقتل 192/1-193،و مثير الأحزان 29،و اللهوف ص 93، و يبدو ان ابن عمر حاور الحسين في هذا الأمر مرتين أولا هما عند توجهه إلى مكة و الثانية بعد خروجه منها متوجها إلى العراق.
2- معالم المدرستين للعسكري:60/3.

بدء المسير

مسير الإمام الحسين عليه السلام إلى مكة المكرمة

خرج الإمام الحسين من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة (1)فاعترضه رسل الوالي من قبل يزيد عمرو بن سعيد،و تدافع الفريقان و اضطربوا بالسياط،و امتنع الحسين و أصحابه منهم امتناعا قويا،و مضى فنادوه:يا حسين ألا تتقي اللّه تخرج من الجماعة و تفرق بين هذه الأمة فتأول حسين قول اللّه عزّ و جلّ:

لِي عَمَلِي وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ.

و روى الطبري و المفيد:أن الوليد أرسل إلى ابن الزبير بعد خروج الحسين فطاوله حتى خرج في جوف الليل إلى مكة و تنكب الطريق فلما أصبحوا سرح في طلبه الرجال فلم يدركوه فرجعوا و تشاغلوا به عن الحسين عليه السّلام فلما أمسوا،أرسل إلى الحسين فقال لهم:أصبحوا ثم ترون و نرى،فكفوا عنه فسار من ليلته إلى مكة و هو يتلو فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ:رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ و أبى أن يتنكب الطريق الأعظم مثل ابن الزبير (2).

و في تاريخ الطبري و غيره،أن عبد اللّه بن عمر التقى بالحسين و ابن الزبير في

ص: 12


1- الطبري 211/6.
2- تاريخ الطبري 190/6،و ارشاد المفيد ص 184.

الطريق فقال لها:اتقيا اللّه و لا تفرقا جماعة المسلمين (1).

و لقى الحسين عليه السّلام-أيضا-عبد اللّه بن مطيع،فقال له:جعلت فداك أين تريد؟ قال:أما الآن فمكة و أما بعد فإني أستخير اللّه.

قال:خار اللّه لك و جعلنا فداءك فإذا أتيت مكة فإياك أن تقرب الكوفة فإنها بلدة مشؤومة بها قتل أبوك و خذل أخوك و اغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه.

الزم الحرم فإنك سيد العرب لا تعدل بك أهل الحجاز أحدا و يتداعى إليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فداك عمى و خالي فو اللّه لئن هلكت لنسترقن بعدك، و سار الحسين حتى دخل مكة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان و هو يقرأ:" و لما توجه تلقاء مدين،قال:عسى ربي أن يهديني سواء السبيل،"و دخل ابن الزبير مكة و لزم الكعبة،يصلي عندها عامة النهار،و يطوف و يأتي حسينا في من يأتيه، و يشير عليه بالرأي،و هو أثقل خلق اللّه على ابن الزبير،قد عرف ان أهل الحجاز لا يبايعونه أبدا ما دام الحسين بالبلد و أنه أعظم في أعينهم و أنفسهم منه و أطوع في الناس منه (2).

فأقبل أهلها يختلفون إليه و يأتيه المعتمرون و أهل الآفاق (3).

و في هذه السنة عزل يزيد الوليد و ولى على الحرمين عمرو بن سعيد (4)و بلغ أهل الكوفة موت معاوية و امتناع الحسين و ابن الزبير و ابن عمر عن البيعة فاجتمعوا و كتبوا إليه كتابا واحدا:أما بعد فالحمد للّه الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزل على هذه الأمة فابتزها أمرها و تآمر عليها بغير رضى منها فبعدا له كما بعدت ثمود إنه ليس علينا امام فأقبل لعل اللّه أن يجمعنا بك على الحق6.

ص: 13


1- تاريخ الطبري 191/6.
2- تاريخ الطبري 196/6-197.
3- الطبري 196/6.
4- الطبري 191/6.

و النعمان بن بشير-الوالي-في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة و لا عيد و لو قد بلغنا أنك قد أقبلت أخرجناه حتى نلحقه بالشام و بعثوا بالكتاب مع رجلين فأغذا السير حتى قدما على الإمام الحسين لعشر مضين من شهر رمضان.

ثم مكثوا يومين و سرحوا إليه ثلاثة رجال معهم نحوا من ثلاث و خمسين صحيفة من الرجال و الاثنين و الأربعة ثم لبثوا يومين آخرين و أرسلوا رسولين و كتبوا معهما إلى الحسين بن علي من شيعته المؤمنين و المسلمين،أما بعد فحي هلا فإن الناس ينتظرونك و لا رأى لهم في غيرك فالعجل العجل و السّلام عليك.

و كتب إليه رؤوس من رؤساء الكوفة كتابا ورد فيه:فاقدم على جند لك مجندة و السّلام عليك (1).

و في رواية الطبري:كتب إليه أهل الكوفة"أنه معك مائة ألف (2)

الخروج من مكة

اشارة

انطلق الحسين عليه السّلام من مكة المكرمة يوم التروية يوم الثامن من ذي الحجة عام 60 ه-متوجها إلى العراق بعد ان كتب إليه مسلم بن عقيل و طلب منه القدوم (3).

خيم الأسى على أهل مكة فلم يبق أحد إلا حزن لخروجه (4).

كان الإمام الحسين عليه السّلام حريصا أشد الحرص على حرمة بيت الله،و قد علم ان بني أمية لا يرون له حرمة فخشي على انتهاكه،فقد عهد يزيد إلى عمرو بن سعيد الأشدق ان يناجز الإمام الحسين عليه السّلام الحرب و ان عجز عن ذلك اغتاله،و قدم الأشدق

ص: 14


1- الطبري 197/6،و راجع أنساب الأشراف ص 157-158.
2- الطبري 221/6،و مثير الأحزان ص 16.
3- تاريخ الطبري 293/3.
4- الصواعق المحرقة 118.

في جند مكثف إلى مكة،فلما علم الإمام الحسين عليه السّلام خرج منها فلم يعتصم بالبيت الحرام الذي من دخله كان آمنا حفاظا على قداسته يقول عليه السّلام:و الله لئن أقتل خارجا منها-أي مكة-بشبر أحب إلى من أن أقتل فيها،و لئن أقتل خارجا منها بشبرين أحب إلي من أن أقتل خارجا منها بشبر،و ايم الله لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني (1).

و بلغ والي يزيد على الحجاز عمرو بن سعيد بن العاص نبأ خروج الحسين عليه السّلام من مكة،فأرسل بعضا من رجاله ليعترضوا مسير الحسين عليه السّلام و تضارب الفريقان بالسياط و امتنع الحسين و أصحابه (2).

الحسين عليه السّلام في منطقة التنعيم

سار الحسين عليه السّلام و مر ب«التنعيم»موضع بمكة فرأى بها عيرا قد أقبلت من اليمن تحمل هدايا من الورس و الحلل ارسلها والي يزيد على اليمن(بحير بن يسار الحميري)،فأخذها الحسين و قال لأصحاب الإبل:من أحب منكم أين يمضي معنا إلى العراق أوفينا كراءه و احسنا صحبته،و من أحب ان يفارقنا من مكاننا اعطيناه نصيبه من الكراء،فمن فارق منهم اعطاه حقه،و من سار معه اعطاه كراءه و كساه (3).

ص: 15


1- الكامل في التاريخ 38/4.
2- الكامل في التاريخ 39/4.
3- الكامل في التاريخ 40/4.

الحسين عليه السلام في منطقة الصفاح

لما انتهى موكب الإمام الحسين عليه السّلام إلى موضع يسمى الصفاح لقيه الشاعر الفرزدق فسأله عن خبر الناس خلفه فقال الفرزدق:قلوبهم معك و سيوفهم مع بني أمية،فقال الحسين عليه السّلام صدقت،لله الأمر يفعل من يشاء و كل يوم ربنا في شأن،إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه،و هو المستعان على اداء الشكر،و ان حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته و التقوى سريرته» (1).

الحسين عليه السلام في وادي العقيق

مضى الإمام في مسيره حتى بلغ«وادي العقيق»و في هذا الموضع جاء عون و محمد ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يحملان رسالة أبيهما التي يطلب فيها من الحسين عليه السّلام الرجوع إلى مكة و عدم التوجه إلى العراق،و قد انضم عون و محمد إلى أنصار الحسين عليه السّلام و مضيا حيث مضى الإمام الحسين عليه السّلام.

الحسين عليه السّلام في منطقة الحاجر

ساروا جميعا حتى دخلوا«الحاجر»و هو واد معروف بطريق مكة كان منزلا لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة و فيه تجتمع أهل الكوفة و البصرة و كتب الإمام الحسين عليه السّلام كتابا لأهل الكوفة جوابا على كتاب مسلم بن عقيل يخبره بقدومه

ص: 16


1- تأريخ الطبري 296/3.

و بعث الكتاب مع(قيس بن مسهر الصيداوي) (1).

الحسين عليه السّلام في منطقة الخزيمية

واصل الإمام الحسين عليه السّلام و صحبه طريقهم حتى وصلوا«الخزيمية»و هي احدى منازل الحج فأقام فيها يوما و ليلة ليستريح من جهد الطريق و عناء السفر فلما أصبح أقبلت إليه اخته زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السّلام فقالت:يا أخي!إلا أخبرك بشيء سمعته البارحة؟

فقال الحسين عليه السّلام و ما ذاك؟

فقالت بنبرات مشفوعة بالبكاء:إني سمعت هاتفا يقول:

الا يا عين فاحتفلي بجهد فمن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا بمقدار إلى انجاز وعدي

فقال الحسين عليه السّلام:يا اختاه كل الذي قضى فهو كائن.

الحسين عليه السّلام في منطقة زرود

انتهت قافلة الحسين عليه السّلام إلى«زرود»فأقام فيها بعض الوقت و قد نزل بالقرب منه زهير بن القين البجلي،و قد أبلغ بالنبأ المفجع بمقتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة.

ص: 17


1- البداية و النهاية 168/8.

الحسين عليه السّلام في منطقة زبالة

لما انتهى الإمام الحسين عليه السّلام إلى«زبالة»وافاه نبأ مقتل رسوله و أخيه بالرضاعة عبد اللّه بن يقطر الحميري و كان الإمام قد أوفده للقيا مسلم بن عقيل فالقت عليه الشرطة القبض في القادسية و بعث إلى ابن زياد فلما مثل عنده صاح به الخبيث:

اصعد المنبر و العن الكذاب ابن الكذاب ثم انزل حتى أرى رأيي فيك...»

و اعتلى عبد الله بن يقطر المنبر و رفع صوته الهادر قائلا:

«أيها الناس أنا رسول الحسين عليه السّلام بن فاطمة لتنصروه و تؤازروه على ابن مرجانة الدعي ابن الدعي لعنه الله» (1).

أخذ يلعن ابن زياد و يذكر مساوي بني أمية و يدعو إلى نصرة ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فاستشاط ابن زياد غضبا و أمر ان يلقى من فوق القصر كما فعل بقيس بن مسهر الصيداوي،فرمته الشرطة من أعلى القصر فتكسرت عظامه،و بقي به رمق من الحياة فأسرع إليه الوغد الخبيث عبد الملك اللخمي فذبحه ليتقرب إلى سيده ابن مرجانة،و قد عاب الناس عليه ذلك فاعتذر لهم أنه أراد ان يريحه (2).

الحسين عليه السّلام في منطقة بطن العقبة

تحرك الإمام الحسين عليه السّلام من زبالة حتى نزل«بطن العقبة»و خفق الإمام الحسين عليه السّلام وقت الظهيرة فرأى رؤيا مفزعة فانتبه مذهولا فأقبل عليه ولده علي

ص: 18


1- وقعة الطف،لابي مخنف 163.
2- الكامل في التاريخ 42/4-43.

الأكبر فقال له:مالي أراك فزعا؟

قال:رأيت رؤيا اهالتني فقال علي الأكبر:خيرا رأيت؟

فقال الحسين عليه السّلام:رأيت فارسا وقف علي و هو يقول:

أنتم تسرعون و المنايا تسرع بكم إلى الجنة،فعلمت ان أنفسنا نعيت إلينا.

فقال علي الأكبر:ألسنا على الحق؟

قال أبوه:بلى،و الذي إليه مرجع أمر العباد.

فقال لأبيه:يا أبة لا نبالي بالموت،فشكره الحسين عليه السّلام على ذلك قائلا:«جزاك الله يا بني خير ما جزى به ولد عن والده...» (1).

الحسين عليه السلام في منطقة شراف

سار الإمام الحسين عليه السّلام حتى نزل«شراف»و فيها عين للماء فأمر الإمام فتيانه أن يستسقوا من الماء و يكثروا منه،ففعلوا ذلك،ثم سار فلما انتصف النهار جاءتهم خيل أهل الكوفة و هم زهاء ألف فارس،بقيادة الحر بن يزيد الرياحي و قد وقفوا قبال الإمام في وقت الظهيرة و كان الوقت شديد الحر،و رآهم الإمام الحسين عليه السّلام و قد أشرفوا على الهلاك من شدة الظمأ،فأمر اصحابه ان يسقوهم و يرشفوا خيولهم،و قام أصحاب الحسين فسقوا الجيش ثم انعطفوا إلى الخيل و سقيت جميعها،فأمر الحسين عليه السّلام مؤذنه بالاذان فأذن،و خرج الحسين عليه السّلام إليهم فحمد الله و اثنى عليه ثم قال:أيها الناس إنها معذرة إلى الله عز و جل و إليكم...أني لم آتكم حتى أتتني كتبكم،و قدمت بها علي رسلكم ان أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام و لعل الله ان يجمعنا بك على الهدى،فان كنتم على ذلك فقد جئتكم،فاعطوني ما اطمئن به من

ص: 19


1- الفتوح،لابن الأعثم 79/5.

عهودكم و مواثيقكم،و ان كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم (1).و بعد فراغه قال الإمام الحسين للحر:أ تريد ان تصلي بأصحابك؟

فقال:بل نصلي بصلاتك فصلى بهم الحسين عليه السّلام و انصرفوا و لما حضر وقت صلاة العصر جاء الحر مع قومه فاقتدوا بالحسين عليه السّلام في صلاة العصر ثم استقبلهم بوجهه فحمد الله و اثنى عليه ثم قال:«اما بعد أيها الناس فإنكم ان تتقوا الله و تعرفوا الحق لأهله يكن ارضى لله،و نحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين فيكم بالجور و العدوان،فان أنتم كرهتمونا و جهلتم حقنا و كان رأيكم الآن على غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم.

و انبرى إليه الحر و هو لا يعلم بشأن الكتب،و قال:ما هذه الكتب التي تذكرها؟ فأمر الحسين عليه السّلام عقبة ابن سمعان باحضارها فأخرج خرجين مملوءين صحفا نثرها بين يدي الحر فبهر الحر قائلا:

«لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك».

و وقعت مشادة عنيفة بين الإمام عليه السّلام و الحر كادت ان تنذر باندلاع نار الحرب إلا ان الحر ثاب إلى الهدوء فقال للإمام:

«اني لم أومر بقتالك،و إنما أمرت ان لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة و لا يردك إلى المدينة حتى اكتب إلى ابن زياد و تكتب انت إلى يزيد أو إلى ابن زياد فلعل الله ان يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك فتياسر الإمام عن طريق العذيب و القادسية و الحر يسايره.4.

ص: 20


1- الكامل في التاريخ 47/4.

الحسين عليه السّلام في منطقة البيضة

لما انتهى موكب الإمام إلى«البيضة»ألقى عليه السّلام خطابا على الحر و أصحابه و دعاهم إلى نصرته و قد قال بعد حمد الله و الثناء عليه:

«أيها الناس ان رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قال:من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله يعمل في عباد الله بالاثم و العدوان،فلم يغير ما عليه بفعل و لا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله»،إلا أن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمن،و اظهروا الفساد و عطلوا الحدود و استأثروا بالفي و احلوا حرام الله و حرموا حلاله و انا احق ممن غير،و قد اتتني كتبكم، و قدمت على رسلكم ببيعتكم انكم لا تسلموني،و لا تخذلوني،فان أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم و انا الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله نفسي مع انفسكم و أهلي مع أهليكم و لكم في أسوة،و ان لم تفعلوا و نقضتم عهدكم، و خلعتم بيعتي،فلعمري ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي و أخي و ابن عمي مسلم فالمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم،و نصيبكم ضيعتم،و من نكث فإنما ينكث على نفسه،و سيغني الله عنكم و السلام (1).

لما سمع الحر خطابه أقبل عليه فقال له:إني أذكرك الله في نفسك،فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن،فقال له الحسين عليه السّلام:أ بالموت تخوفني؟و هل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني،و ما أدري ما أقول لك؟و لكني أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه و هو يريد نصرة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله:أين تذهب؟فإنك مقتول فقال له:

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا و جاهد مسلما

ص: 21


1- الكامل في التاريخ 48/4.

و واسى رجالا صالحين بنفسه و خالف مثبورا و فارق مجرما

فان عشت لم أندم و ان مت لم ألم كفى بك ذلا ان تعيش و ترغما (1)

و لما سمع الحر ذلك تنحى عنه.

الحسين عليه السلام في منطقة عذيب الهجانات

و لما وصل الإمام إلى منطقة«عذيب الهجانات»و افاه أربعة رجال من الكوفة جاءوا إلى نصرته،و قد أقبلوا على رواحلهم يخبئون فرسا لنافع بن هلال و لم يخرج أحد لاستقبال الحسين عليه السّلام من أهل الكوفة سواهم و هم:

1-نافع بن هلال المرادي

2-عمرو بن خالد الصيداوي

3-سعد مولى عمرو بن خالد

4-مجمع بن عبد الله العابدي من مذحج

و أراد الحر منعهم من الالتحاق بالحسين عليه السّلام فصاح به الإمام الحسين عليه السّلام:

«إذا أمنعهم بما أمنع فيه نفسي،إنما هؤلاء أنصاري،و أعواني و قد جعلت لي أن لا تعرض بي حتى يأتيك كتاب ابن زياد»

و كف الحر عنهم،فالتحقوا بالإمام الحسين فرحب بهم،و سألهم عن أهل الكوفة فقالوا له:

«أما الأشراف فقد عظمت رشوتهم،و ملئت غرائرهم ليستمال و دهم،و تستنزف نصايحهم،فهم عليك إلبا واحدا،و ما كتبوا إليك إلا ليجعلوك سوقا و مكسبا و أما سائر الناس فأفئدتهم تهوي إليك و سيوفهم غدا مشهورة عليك (2).

ص: 22


1- الكامل في التاريخ 48/4-49.
2- الكامل في التاريخ 49/4.

-التحق الطرماح بالإمام الحسين عليه السّلام في اثناء الطريق و قد صحبه بعض الوقت و قد أقبل الإمام على أصحابه فقال لهم:

هل فيكم أحد يخبر الطريق على غير الجادة؟

فانبرى إليه الطرماح بن عدي الطائي فقال له:

أنا أخبر الطريق فقال له:سر بين أيدينا،و سار الطرماح يتقدم موكب العترة الطاهرة.

قال الطرماح للإمام الحسين عليه السّلام:

«و الله إني لأنظر فما أرى معك أحدا،و لو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازمين لك مع الحر لكان ذلك بلاء فكيف و قد رأيت قبل خروجي من الكوفة بيوم ظهر الكوفة مملوءا رجالا فسألت عنهم فقيل ليوجهوا إلى الحسين عليه السّلام،فنا شدتك الله ان لا تقدم إليهم شبرا إلا فعلت (1).

الحسين عليه السّلام في قصر بني مقاتل

مضى الحسين عليه السّلام حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فرأى فسطاطا مضروبا و رمحا مركوزا و فرسا واقفا فسأل عنه فقيل هو لعبيد الله بن الحر الجعفي،فأوفد للقياه الحجاج بن مسروق الجعفي،فحف إليه فبادره عبيد الله قائلا:ما وراءك؟ فأجابه ابن مسروق:هدية إليك و كرامة ان قبلتها...هذا الحسين يدعوك إلى نصرته،فان قاتلت بين يديه أجرت،و ان مت فقد استشهدت.

فقال عبيد الله بن الحر:و الله ما خرجت من الكوفة إلا مخافة ان يدخلها الحسين و انا فيها،و الله ما أريد ان أراه و لا يراني فأتاه الرسول فأخبره فقال الحسين عليه السّلام:

ص: 23


1- الكامل في التاريخ 50/4.

فو الله لا يسمع و اعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك (1).

الحسين عليه السّلام في قرية نينوى

و هكذا واصل الركب الحسيني مسيره حتى وصل إلى قرية من أرض العراق تدعى«نينوى»و التقى في هذا المكان رسول عبيد الله بن زياد،والي يزيد بن معاوية على الكوفة،بالحر بن يزيد الرياحي و ناوله رسالة من ابن زياد جاء فيها:

«اما بعد....فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي،و يقدم عليك رسولي فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن و على غير ماء و قد أمرت رسولي ان يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري و السلام».

عندئذ قال الحسين عليه السّلام للحر بن يزيد الرياحي:إذا دعنا ننزل نينوى أو الغاضريات أو شفية...فمنعهم الحر و قال:لا استطيع.

و انبرى زهير بن القين فقال للإمام الحسين عليه السّلام:

«انه لا يكون بعد ما ترون إلا ما هو أشد منه...يابن رسول الله ان قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم،مما لا قبل لنا به».

فقال الحسين عليه السّلام:ما كنت لأبدأهم بقتال.

و تابع زهير حديثه قائلا:

«سر بنا إلى هذه القرية حتى ننزلها فإنها حصينة-و هي على شاطئ الفرات- فان منعونا قاتلناهم فقتالهم أهون علينا من قتال من يجي بعدهم»

و سأل الإمام عن اسم تلك الأرض؟

ص: 24


1- تاريخ الطبري 308/3-309.

فقالوا له:انها تسمى العقر،فتشأم منها وراح يقول:اللهم إني أعوذ بك من العقر (1).

و أصر الحر على الإمام الحسين ان ينزل في ذلك المكان و لا يتجاوزه،و لم يجد الإمام بدا من النزول في ذلك المكان و القى ببصره عليه و التفت إلى أصحابه فقال لهم:ما اسم هذا المكان؟.

قالوا:كربلاء.

و دمعت عيناه و راح يقول:

«اللهم اني أعوذ بك من الكرب و البلاء».

ثم حدث أصحابه قائلا:

«هذا موضع كرب و بلاء،ههنا مناخ ركابنا،و محط رحالنا و سفك دمائنا» (2).

الاقامة في كربلاء:

-اقام الحسين عليه السّلام و صحبه البررة في كربلاء يوم الخميس في الثاني من المحرم سنة 61 ه- (3).

-لما كان من الغد قدم عليه عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف (4).

-لما نزل القوم بالحسين عليه السّلام و أيقن أنهم قاتلوه،قام في أصحابه خطيبا فحمد الله و اثنى عليه ثم قال:

«أما بعد:فقد نزل ما قد ترون و أن الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها،و لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء و خسيس عيش كالمرعى الوبيل،إلا ترون إلى الحق لا يعمل0.

ص: 25


1- الكامل في التأريخ 52/4.
2- الفتوح،لابن الأعثم 94/5.
3- الفتوح،لابن الأعثم 94/5.
4- وقعة الطف،لابي مخنف 180.

به والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله،فإني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما» (1).

لما انهى خطابه تقدم إليه أصحابه معلنين له الولاء المطلق و استعدادهم التام على الشهادة،و هم يضربون أروع الأمثلة للتضحية و الفداء من أجل العدل و الحق و كان أول من تكلم من اصحابه زهير بن القين فقد قال:«سمعنا يابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مقالتك،و لو كانت الدنيا لنا باقية،و كنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الاقامة فيها (2).

-انبرى رجل آخر من الأصحاب و هو برير فخاطب الإمام قائلا:

«يابن رسول الله لقد منّ الله بك علينا ان نقاتل بين يديك و تقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة (3).

و قال نافع بن هلال و هو من أنصار الحسين و أصحابه:

«...فو اللّه ما اشفقنا من قدر الله،و لا كرهنا لقاء ربنا،و انا على نياتنا و بصائرنا نوالي من والاك و نعادي من عاداك» (4).

لما اشتد العطش من الحسين عليه السّلام و اصحابه،و كادوا أن يموتوا عطشا دعا أخاه العباس بن أبي طالب،فبعثه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا و بعث معهم عشرين قربة فأقبلوا في جوف الليل حتى دنوا من الفرات فقال عمرو ابن الحجاج:من هذا؟

فقالوا:رجال من أصحاب الحسين عليه السّلام يريدون الماء،فاقتتلوا على الماء قتالا عظيما،فكان قوم يقتتلون و قوم يملؤون القرب حتى ملؤوها فقتل من أصحابق.

ص: 26


1- حلية الأولياء 39/2.
2- اللهوف في قتلى الطفوف،لابن طاووس 34.
3- اللهوف في قتلى الطفوف،لابن طاووس 34-35.
4- المصدر السابق.

عمر بن سعد جماعة و لم يقتل من أصحاب الحسين أحد ثم رجع القوم إلى معسكرهم و شرب الحسين من القرب و من كان معه (1).

ارسل الحسين عليه السّلام إلى عمر بن سعد أني أريد ان أكلمك فالقني الليلة بين عسكري و عسكرك،فخرج إليه عمر بن سعد في عشرين فارسا و أقبل الحسين في مثل ذلك،فلما التقيا أمر الحسين عليه السّلام أصحابه فتنحوا عنه و بقي معه أخوه العباس و ابنه علي الأكبر و أمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك ففاوضه الحسين عليه السّلام طويلا،و اقنعه بأن يمسك الطرفان عن القتال و يرجع الحسين عليه السّلام من حيث أتى أو يذهب الى حيث يريد من بلاد الله،و كتب عمر ابن سعد بذلك إلى عبيد اللّه بن زياد فأبى ابن زياد ذلك و كتب إليه:

«أما بعد فإني لم ابعثك إلى الحسين عليه السّلام لتكف عنه و لا لتطاوله،و لا لتمنحه السلامة و البقاء و لا لتعقد له عندي شافعا،و انظر فإن نزل الحسين و أصحابه على الحكم،و استسلموا فابعث بهم إلي سلما،و ان أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم و تمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون،فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره و ظهره (2).4.

ص: 27


1- الفتوح لابن الأعثم 102/5،وقعة الطف،لابي مخنف 191-192.
2- تاريخ الطبري 31/3،الكامل في التاريخ 55/4.

الخروج من مكة برواية أبي مخنف

قال هشام عن أبي مخنف:حدثني الصقعب بن زهير عن عمر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام المخزومي،قال:لما قدمت كتب أهل العراق إلى الحسين و تهيأ للمسير إلى العراق أتيته فدخلت عليه و هو بمكة،فحمدت اللّه و اثنيت عليه ثم قلت:

أما بعد فإني أتيتك يابن عم لحاجة أريد ذكرها لك نصيحة،فإن كنت ترى أنك تستنصحني و إلاّ كففت عما أريد ان أقول،فقال:قل،فو اللّه ما اظنك بسيئ الرأي و لا هو القبيح من الأمر و الفعل،قال:قلت له:انه قد بلغني أنك تريد المسير إلى العراق و إني مشفق عليك من مسيرك،إنك تأتي بلدا فيه عما له و امراءه و معهم بيوت الأموال،و إنما الناس عبيد لهذا الدرهم و الدينار،و لا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره و من أنت أحب إليه ممن يقاتلك معه،فقال الحسين:جزاك اللّه خيرا يا ابن عم، فقد و اللّه علمت إنك مشيت بنصح و تكلمت بعقل،و مهما يقض من أمر يكن أخذت برأيك أو تركته فأنت عندي أحمد مشير و أنصح ناصح،قال:فانصرفت من عنده فدخلت على الحارث بن خالد بن العاص بن هشام فسألني هل لقيت حسينا؟

فقلت له:نعم،قال:فما قال لك و ما قلت له؟

قال،فقلت له:قلت كذا و كذا و قال:كذا و كذا،فقال نصحته و رب المروة الشهباء أما و رب البنية ان الرأي لما رأيته قبله أو تركه ثم قال:رب مستنصح يغش و يردى و ظنين بالغيب يلفى نصيحا.

قال أبو مخنف:و حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عتبة بن سمعان ان حسينا لما اجمع المسير إلى الكوفة إتاه عبد اللّه بن عباس فقال:يا بن عم إنك قد ارجف

ص: 28

الناس،إنك سائر إلى العراق،فبين لي ما أنت صانع؟

قال:إني قد اجمعت المسير في أحد يومي هذين إن شاء اللّه تعالى.

فقال له ابن عباس:فإني اعيذك باللّه من ذلك،أخبرني رحمك اللّه اتسير إلى قوم قد قتلوا أميرهم و ضبطوا بلادهم و نفوا عدوهم؟فإن كانوا قد فعلوا ذلك،فسر إليهم،و إن كانوا إنما دعوك إليهم و أميرهم عليهم قاهر لهم،و عماله تجبي بلادهم، فإنهم إنما دعوك إلى الحرب و القتال و لا آمن عليك ان يغروك و يكذبوك و يخالفوك و يخذلوك و إن يستنفروا إليك فيكونوا اشد الناس عليك.

فقال له حسين:و إني استخير اللّه و انظر ما يكون؟

قال:فخرج ابن عباس من عنده و إتاه ابن الزبير فحدثه ساعة،ثم قال:ما ادرى ما تركنا هؤلاء القوم و كفنا عنهم و نحن ابناء المهاجرين و ولاة هذا الأمر دونهم خبرني ما تريد ان تصنع؟

فقال الحسين عليه السّلام:و اللّه لقد حدثت نفسي باتيان الكوفة و لقد كتب إلى شيعتي بها و أشراف اهلها و استخير اللّه.

فقال له ابن الزبير:أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها.

قال:ثم إنه خشي ان يتهمه فقال:أما انك لو اقمت بالحجاز ثم أردت هذا الأمر هيهنا ما خولف عليك إن شاء اللّه،ثم قام فخرج من عنده.

فقال الحسين:ها أن هذا ليس شيء يؤتاه من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق،و قد علم ان ليس له من الأمر معي شيء و إن الناس لم يعدلوه بي، فود أني خرجت منها لتخلو له.

قال:فلما كان من العشى أو من الغد أتى الحسين عبد اللّه بن العباس فقال:يابن عم إني اتصبر و لا اصبر،إني اتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك و الاستئصال،ان أهل العراق قوم غدر فلا تقربنهم،اقم بهذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز،فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عدوهم ثم اقدم عليهم،فإن ابيت إلا

ص: 29

أن تخرج فسر إلى اليمن،فإن بها حصونا و شعابا و هي أرض عريضة طويلة، و لابيك بها شيعة،و أنت عن الناس في عزلة،فتكتب إلى الناس و ترسل و تبث دعاتك،فإني أرجو ان يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية فقال له الحسين:يابن عم إني و اللّه لأعلم أنك ناصح مشفق،و لكني قد ازمعت و اجمعت على المسير،فقال له ابن عباس:فإن كنت سائرا فلا تسر بنسائك و صبيتك،فو اللّه إني لخائف ان تقتل كما قتل عثمان و نساءه و ولده ينظرون إليه.

ثم قال ابن عباس:لقد اقررت عين ابن الزبير بتخليتك إياه و الحجاز و الخروج منها و هو يوم لا ينظر إليه أحد معك،و اللّه الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك و ناصيتك حتى يجتمع علي و عليك الناس اطعتني لفعلت ذلك،قال:ثم خرج ابن عباس من عنده فمر بعبد اللّه بن الزبير فقال:قرت عينك يابن الزبير ثم قال:

يا لك من قنبرة بمعمر خلا لك الجو فبيضّي و اسفري

و انقرى ما شئت ان تنقري

هذا حسين يخرج إلى العراق و عليك بالحجاز (1).

قال أبو مخنف:قال أبو جناب يحيى بن أبي حية عن عدي بن حرملة الأسدي عن عبد اللّه بن سليم و المذري بن المشمعل الاسديين قالا:خرجنا حاجين من الكوفة حتى قدمنا مكة،فدخلنا يوم التروية فإذا نحن بالحسين و عبد اللّه بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر و الباب،قالا:فتقربنا منهما فسمعنا ابن الزبير و هو يقول للحسين:إن شئت ان تقيم اقمت فوليت هذا الأمر،فآزرناك و ساعدناك و نصحنا لك و بايعناك.ت.

ص: 30


1- في الكامل ذكر بعد هذا:و كان الحسين يقول:و اللّه لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي،فإذا فعلوا سلط اللّه عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرام المرأة،قال:و(الفرام)خرقة تجعلها المرأة في قبلها إذا حاضت.

فقال له الحسين:إن أبي حدثني ان بها كبشا يستحل حرمتها فما أحب ان أكون انا ذلك الكبش،فقال له ابن الزبير:فاقم إن شئت و توليني انا الأمر فتطاع و لا تعصى، فقال:و ما أريد هذا أيضا.

قالا:ثم انهما اخفيا كلامهما دوننا فما زالا يتناجيان حتى سمعنا دعاء الناس رائحين متوجهين إلى مني عند الظهر،قالا:فطاف الحسين بالبيت و بين الصفا و المروة و قص من شعره و حل من عمرته ثم توجه نحو الكوفة و توجهنا نحو الناس إلى منى.

قال أبو مخنف عن أبي سعيد عقيصي عن بعض أصحابه قال:سمعت الحسين بن علي و هو بمكة و هو واقف مع عبد اللّه بن الزبير إلي يا بن فاطمة فأصغى إليه فساره،قال:ثم التفت إلينا الحسين فقال:أ تدرون ما يقول ابن الزبير؟فقلنا:لا ندري جعلنا اللّه فداك،فقال:قال:أقم في هذا المسجد اجمع لك الناس،ثم قال الحسين:و اللّه لان أقتل خارجا منها بشبر أحب إلى من ان أقتل داخلا منها بشبر،و ايم اللّه لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم،و و اللّه ليعتدن على كما اعتدت اليهود في السبت.

قال أبو مخنف:حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان قال:لما خرج الحسين من مكة اعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد فقالوا له:انصرف ابن تذهب،فأبى عليهم و مضى،و تدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط ثم إن الحسين و أصحابه امتنعوا منهم امتناعا قويا.

و مضى الحسين عليه السّلام على وجهه فنادوه يا حسين:إلا تتقي اللّه تخرج من الجماعة و تفرق بين هذه الأمة؟فتأول حسين قول اللّه عز و جل(لي عملى و لكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل و أنا برىء مما تعملون).

قال:ثم إن الحسين أقبل حتى مر بالتنعيم فلقي بها عيرا قد أقبل بها من اليمن بعث بها بحير بن ريسان الحميري إلى يزيد بن معاوية،و كان عامله على اليمن

ص: 31

و على العير الورس و الحلل ينطلق بها إلى يزيد فأخذها الحسين،فانطلق بهم قال لأصحاب الإبل:لا أكرهكم من أحب أن يمضي معنا إلى العراق أوفينا كراءه و أحسنا صحبته و من أحب أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الأرض،قال:فمن فارقه منهم حوسب فأوفي حقه و من مضى منهم معه أعطاه كراءه و كساه.

قال أبو مخنف:عن أبي جناب عن عدي بن حرملة عن عبد اللّه بن سليم و المذري قالا:اقبلنا حتى انتهينا إلى الصفاح فلقينا الفرزدق بن غالب الشاعر فواقف حسينا فقال له:اعطاك اللّه سؤلك و املك فيما تحب فقال له الحسين:بين لنا نبأ الناس خلفك فقال له الفرزدق:من الخبير سألت قلوب الناس معك و سيوفهم مع بني أمية و القضاء ينزل من السماء و اللّه يفعل ما يشاء فقال له الحسين:صدقت للّه الأمر و اللّه يفعل ما يشاء و كل يوم ربنا في شأن ان نزل القضاء بما نحب فنحمد اللّه على نعمائه و هو المستعان على اداء الشكر و إن حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته و التقوى سريرته ثم حرك الحسين راحلته فقال:السلام عليك ثم افترقا.

قال أبو مخنف:حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،قال:لما خرجنا من مكة كتب عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب إلى الحسين بن علي مع ابنيه عون و محمد أما بعد:فإني أسألك باللّه لما انصرفت حين تنظر في كتابي فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجه له ان يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك ان هلكت اليوم طفئ نور الأرض فإنك علم المهتدين و رجاء المؤمنين،فلا تعجل بالسير فإني في أثر الكتاب و السلام.

قال:و قام عبد اللّه بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلمه و قال:اكتب إلى الحسين كتابا تجعل له فيه الأمان و تمنيه فيه البر و الصلة و توثق له في كتابك و تسأله الرجوع لعله يطمئن إلى ذلك فيرجع فقال عمرو بن سعيد:اكتب ما شئت و أتني به حتى اختمه فكتب عبد اللّه بن جعفر الكتاب ثم أتى به عمرو بن سعيد فقال

ص: 32

له:اختمه و ابعث به مع اخيك يحيى بن سعيد فإنه احرى أن تطمئن نفسه إليه و يعلم انه الجد منك ففعل.و كان عمرو بن سعيد عامل يزيد بن معاوية على مكة،قال:

فلحقه يحيى و عبد اللّه بن جعفر ثم انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب فقالا:اقرأناه الكتاب و جهدنا به،و كان مما اعتذر به إلينا أن قال:إني رأيت رؤيا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و امرت فيها بأمر انا ماض له على كان اولى فقالا له:فما تلك الرؤيا؟

قال:ما حدثت أحدا بها و ما انا محدث بها حتى ألقى ربي قال:و كان كتاب عمرو ابن سعيد إلى الحسين بن علي.

بسم اللّه الرحمن الرحيم من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي أما بعد فإني اسأل اللّه ان يصرفك عما يوبقك و إن يهديك لما يرشدك بلغني أنك قد توجهت إلى العراق و إني اعيذك باللّه من الشقاق فإني أخاف عليك فيه الهلاك،و قد بعثت إليك عبد اللّه بن جعفر و يحيى بن سعيد فأقبل إلي معهما فإن لك عندي الأمان و الصلة و البر و حسن الجوار لك اللّه على بذلك شهيد و كفيل و مراع و وكيل و السلام عليك.

قال:و كتب إليه الحسين:أما بعد فإنه لم يشاقق اللّه و رسوله من دعا إلى اللّه عز و جل و عمل صالحا و قال:انني من المسلمين،و قد دعوت إلى الأمان و البر و الصلة فخير الأمان امان اللّه و لن يؤمن اللّه يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا فنسأل اللّه مخافة في الدنيا توجب لنا امانة يوم القيامة فإن كنت نويت بالكتاب صلتي و بري فجزيت خيرا في الدنيا و الآخرة و السلام.

قال أبو مخنف:عن هشام بن الوليد عمن شهد ذلك قال:أقبل الحسين بن علي باهله من مكة و محمد بن الحنفية بالمدينة قال:فبلغه خبره و هو يتوضأ في طست، فبكى حتى سمعت و كف دموعه في الطست.

قال أبو مخنف:حدثني يونس بن أبي إسحاق السبيعي قال:و لما بلغ عبيد اللّه اقبال الحسين من مكة إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطه حتى نزل

ص: 33

القادسية و نظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان،و ما بين القادسية إلى القطقطانة و إلى لعلع و قال الناس:هذا الحسين يريد العراق.

قال أبو مخنف:و حدثني محمد بن قيس ان الحسين أقبل حتى إذا بلغ الحاجر من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى أهل الكوفة و كتب معه إليهم:بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى اخوانه من المؤمنين و المسلمين،سلام عليكم فإني أحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلا هو،أما بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم و اجتماع ملئكم على نصرنا و الطلب بحقنا فسألت اللّه ان يحسن لنا الصنع و إن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر،و قد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فاكمشوا أمركم و جدوا،فأتى قادم عليكم في أيامي هذه إن شاء اللّه و السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.و كان مسلم بن عقيل قد كان كتب إلى الحسين قبل أن يقتل بسبع و عشرين ليلة:أما بعد فأن الرائد لا يكذب أهله،ان جمع أهل الكوفة معك فأقبل حين تقرأ كتابي و السّلام عليك.

قال:فأقبل الحسين بالصبيان و النساء معه لا يلوى على شيء،و أقبل قيس بن مسهر الصيداوي إلى الكوفة بكتاب الحسين حتى إذا انتهى إلى القادسية أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى عبيد اللّه بن زياد،فقال له عبيد اللّه:اصعد إلى القصر فسب الكذاب بن الكذاب،فصعد ثم قال:أيها الناس ان هذا الحسين بن علي خير خلق اللّه ابن فاطمة بنت رسول اللّه و إنا رسوله إليكم و قد فارقته بالحاجر فأجيبوه.

لعن عبيد اللّه بن زياد و أباه و استغفر لعلي بن أبي طالب،قال:فأمر به عبيد اللّه بن زياد أن يرمي به من فوق القصر فرمى به فتقطع فمات.

ثم أقبل الحسين سيرا إلى الكوفة فانتهى إلى ماء من مياه العرب،فإذا عليه عبد اللّه بن مطيع العدوي و هو نازل هيهنا،فلما رأى الحسين قام إليه فقال:بأبي أنت و امي يابن رسول اللّه،ما اقدمك؟و احتمله فانزله.

ص: 34

فقال له الحسين:كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب إلى أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم،فقال له عبد اللّه بن مطيع:اذكرك اللّه يابن رسول اللّه و حرمة الإسلام ان تنتهك،انشدك اللّه في حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،أنشدك اللّه في حرمة العرب، فو اللّه لئن طلبت ما في ايدي بني أمية ليقتلنك،و لئن قتلوك لا يهابون بعدك أحدا أبدا، و اللّه و انها لحرمة الإسلام تنتهك،و حرمة قريش و حرمة العرب،فلا تفعل و لا تأت الكوفة و لا تعرض لبني أمية.

قال:فأبى إلا أن يمضي،قال:فأقبل الحسين حتى إذا كان بالماء فوق زرود.

قال أبو مخنف:فحدثني السدى عن رجل من بني فزارة قال:لما كان زمن الحجاج ابن يوسف كنا في دار الحارث بن أبي ربيعة التي في التمارين التي أقطعت بعد زهير بن القين من بني عمرو بن يشكر من بجيلة و كان أهل الشام لا يدخلونها فكنا محتبين فيها،قال:فقلت للفزاري حدثني عنكم حين أقبلتم مع الحسين بن علي قال:كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة نساير الحسين فلم يكن شيء ابغض إلينا من ان نسايره في منزل،فإذا سار الحسين تخلف زهير بن القين،و إذا نزل الحسين تقدم زهير حتى نزلنا يومئذ في منزل لم نجد بدا من ان ننازله فيه، فنزل الحسين من جانب و نزلنا في جانب،فبينا نحن جلوس نتغدى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين حتى سلم ثم دخل فقال:يا زهير بن القين ان أبا عبد اللّه الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه،قال:فطرح كل انسان ما في يده حتى كائنا على رؤوسنا الطير.

قال أبو مخنف:فحدثني دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين قالت:فقلت له:

أ يبعث إليك ابن رسول اللّه ثم لا تأتيه سبحان اللّه لو أتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفت،قالت:فاتاه زهير بن القين فما لبث ان جاء مستبشرا قد اسفر وجهه، قالت:فأمر بفسطاطه و ثقله و متاعه فقدم و حمل إلى الحسين،ثم قال لامرأته:أنت طالق،الحقى بأهلك فإني لا أحب ان يصيبك من سببي الاخير ثم قال لأصحابه:من

ص: 35

أحب منكم أن يتبعني و إلاّ فإنه آخر العهد،إني سأحدثكم حديثا غزونا بلنجر ففتح اللّه علينا و اصبنا غنائم،فقال لنا سلمان الباهلي:أفرحتم بما فتح اللّه عليكم و أصبتم من المغانم؟فقلنا نعم فقال لنا:إذا أدركتم شباب آل محمد فكونوا اشد فرحا بقتالكم معهم بما اصبتم من الغنائم فأما انا فإني استودعكم اللّه،قال:ثم و اللّه ما زال في أول القوم حتى قتل.

قال أبو مخنف:حدثني أبو جناب الكلبي عن عدى بن حرملة الأسدي عن عبد اللّه ابن سليم و المذري بن المشمعل الاسديين قالا:لما قضينا حجنا لم يكن لناهمة إلا اللحاق بالحسين في الطريق لننظر ما يكون من أمره و شأنه،فأقبلنا ترفل بنانا قتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود فلما دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين.

قالا:فوقف الحسين كأنه يريده ثم تركه و مضى و مضينا نحوه،فقال أحدنا لصاحبه:اذهب بنا إلى هذا فلنسأله فإن كان عنده خبر الكوفة علمناه،فمضينا حتى انتهينا إليه فقلنا:السلام عليك.

قال:و عليكم السلام و رحمة اللّه.

ثم قلنا:فمن الرجل؟

قال:أسدي.فقلنا:فنحن أسديان فمن أنت؟

قال انا بكير بن المثعبة،فانتسبنا له ثم قلنا:أخبرنا عن الناس وراءك قال:نعم لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة فرأيتهما يجران بارجلهما في السوق،قالا فاقبلنا حتى لحقنا بالحسين فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا فقلنا له:يرحمك اللّه ان عندنا خبرا فإن شئت حدثنا علانية و إن شئت سرا قال:فنظر إلى أصحابه و قال:ما دون هؤلاء سر،فقلنا له:ا رأيت الراكب الذي استقبلك غشاء امس؟

قال:نعم و قد أردت مسألته،فقلنا:قد استبرأنا لك خبره و كفيناك مسألته،و هو

ص: 36

ابن امرئ من أسد منا ذو رأي و صدق و فضل و عقل و انه حدثنا انه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة و حتى رآهما يجران في السوق بارجلهما،فقال:إنا للّه و إنا إليه راجعون رحمة اللّه عليهما،فردد ذلك مرارا،فقلنا:

ننشدك اللّه في نفسك و اهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة بل نتخوف ان تكون عليك قال:فوثب عند ذلك بنو عقيل بن أبي طالب.

قال أبو مخنف:حدثني عمر بن خالد عن زيد بن علي بن حسين و عن داود بن علي بن عبد اللّه بن عباس ان بني عقيل قالوا:لا و اللّه لا نبرح حتى ندرك ثارنا أو تذوق ما ذاق أخونا.

قال أبو مخنف:عن أبي جناب الكلبي عن عدي بن حرملة عن عبد اللّه بن سليم و المذري بن المشمعل الاسديين قالا:فنظر إلينا الحسين فقال:لا خير في العيش بعد هؤلاء قالا:فعلمنا انه قد عزم له رأيه على المسير قالا:فقلنا:خار اللّه لك،قالا:

فقال:رحمكما اللّه قالا:فقال له بعض أصحابه:إنك و اللّه ما أنت مثل مسلم بن عقيل و لو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع،قال الاسديان:ثم انتظر حتى إذا كان السحر قال لفتيانه و غلمانه:أكثروا من الماء فاستقوا و أكثروا ثم ارتحلوا و ساروا حتى انتهوا إلى زبالة.

قال أبو مخنف:حدثني أبو علي الأنصاري عن بكر بن مصعب المزني قال:كان الحسين لا يمر باهل ماء إلا اتبعوه حتى انتهى إلى زبالة سقط إليه مقتل اخيه من الرضاعة مقتل عبد اللّه بن بقطر و كان سرحه إلى مسلم بن عقيل من الطريق و هو لا يدري أنه قد اصيب فتلقاه خيل الحصين بن نمير بالقادسية فسرح به إلى عبيد اللّه بن زياد،فقال:اصعد فوق القصر فالعن الكذاب بن الكذاب ثم انزل حتى أرى فيك رأيي قال:فصعد فلما اشرف على الناس قال:أيها الناس إني رسول الحسين ابن فاطمة ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلم لتنصروه و توازروه على ابن مرجانة ابن

ص: 37

سمية الدعي،فأمر به عبيد اللّه فالقى من فوق القصر إلى الأرض فكسرت عظامه و بقي به رمق،فأتاه رجل يقال له:عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه،فلما عيب ذلك عليه قال،إنما أردت ان أريحه قال هشام:حدثنا أبو بكر بن عياش عمن أخبره قال:

و اللّه ما هو عبد الملك بن عمير الذي قام إليه فذبحه و لكنه قام إليه رجل جعد طوال يشبه عبد الملك بن عمير قال:فأتى ذلك الخبر حسينا و هو بزبالة،فاخرج للناس كتابا فقرأ عليهم:بسم اللّه الرحمن الرحيم أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة و عبد اللّه بن بقطر و قد خزلتنا شيعتنا،فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام.

قال:فتفرق الناس عنه تفرقا،فأخذوا يمينا و شمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاؤا معه من المدينة،و إنما فعل ذلك لانه ظن إنما اتبعه الأعراب لأنهم ظنوا أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله فكره ان يسيروا معه إلا و هم يعلمون علام يقدمون، و قد علم أنهم إذا بين لهم لم يصحبه إلا من يريد مواساته و الموت معه.

قال:فلما كان من السحر أمر فتيانه فاستقوا الماء و أكثروا ثم سار حتى مر بطن العقبة فنزل بها.

قال أبو مخنف:فحدثني لوذان أحد بني عكرمة:إن أحد عمومته سأل الحسين عليه السّلام أين تريد؟فحدثه،فقال له:إني انشدك اللّه لما انصرفت فو اللّه لا تقدم إلا على إلا سنة وحد السيوف،فإن هولاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال و وطئوا لك الاشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا.فأما على هذه الحال التي تذكرها فإني لا أرى لك ان تفعل،قال:فقال له يا عبد اللّه انه ليس يخفى على الرأي ما رأيت و لكن اللّه لا يغلب على أمره ثم ارتحل منها (1).0.

ص: 38


1- انظر مقتل الحسين لأبي مخنف:63-80.

اختيار الإمام الهجرة إلى العراق و سبب ذلك

اشارة

قال السيد محمد باقر القرشي:و اختار الإمام الحسين عليه السّلام الهجرة إلى العراق دون غيره من أقاليم العالم الإسلامي،و هو على علم بما مني به أهل العراق من التذبذب و الاضطراب في سلوكهم،و لعل سبب اختياره له دون غيره يعود لما يلي:

أولا-إن العراق في ذلك العصر كان قلب الدولة الإسلامية و موطن المال و الرجال،و قد أنشأت فيه الكوفة حامية الجيوش الإسلامية و قد لعبت دورا خطيرا في حركة الفتح الإسلامي،فقد شاركت في فتح رامهرمز و السوس و تستر و نهاوند،و كان عمر بن الخطاب يستنجد بها،فقد كتب إلى واليه سعد بن أبي وقاص:«ان ابعث إلى الأهواز بعثا كثيفا مع النعمان بن مقرن»و كثيرا ما تمر في أخبار الفتوح الإسلامية هذه العبارة«و أمدهم عمر بأهل الكوفة»و كان عمر يثني عليهم و يقول:«جزى اللّه أهل الكوفة خيرا يكفون حوزتهم،و يمدون أهل الأمصار» و قال فيهم رجل من أهل الشام:«إنكم كنز الإسلام ان استمدكم أهل البصرة أمددتموهم،و إن استمدكم أهل الشام أمددتموهم».

و مضافا إلى أن العراق كان قاعدة حربية فإنه قد اشتهر منذ القدم بثرائه«فهو قلب الأرض،و خزانة الملك الأعظم،و ما قد خص اللّه جل و علا به أهل الكوفة من عمل الوشي و الخز،و غير ذلك من أنواع الفواكه و التمور»ان الأمويون قد اتخذوه موردا مهما لبيت المال في دمشق إذ بلغت جباية معاوية للكوفة و سوادها خمسين ألف ألف درهم.

و بلغ خراج البطائح خمسة آلاف ألف درهم.

لقد كان العراق قلب الدولة الإسلامية النابض و قد بزّ سائر الأمصار في ميادين

ص: 39

السياسة و الاقتصاد و الاجتماع،و قد تهافت عليه جميع الثائرين ليتخذوه منطلقا لأهدافهم السياسية...إن الكوفة كانت البلد الوحيد في الأقطار الإسلامية التي تفقه قيم الأحداث و مغزى التيارات السياسية فقد ساد فيها الوعي الاجتماعي إلى حد كبير و قد كان الكوفيون يفرضون آراءهم على حكامهم،و إذا لم يحققوا رغباتهم سلوا في وجوههم السيوف و ثاروا عليهم.

و على أي حال فقد اختار الإمام الهجرة إلى الكوفة باعتبارها مركز القوة في العالم الإسلامي،يقول عبد المتعال الصعيدي:

«و لم يخطىء الإمام الحسين حينما أزمع على الهجرة إلى العراق لأنه المركز الصالح لقيام حكم عام يجمع أمر المسلمين،و لهذا اختاره من قبله و قد حققت الأيام للعراق هذا الحكم فقامت به الدولة العباسية التي حكمت المسلمين نحو خمسمائة سنة».

ثانيا-إن الكوفة كانت مهدا للشيعة و موطنا من مواطن العلويين و قد أعلنت اخلاصها لأهل البيت في كثير من المواقف،فقد اندفعت جموع الثائرين تحت قيادة مالك الأشتر النخعي أحد أعلام الشيعة،إلى يثرب فحاصروا عثمان و أجهزوا عليه، و قاموا بترشيح الإمام للخلافة،و قد غرست بذرة التشيع في الكوفة منذ خلافة عمر،فقد كان من ولاتها عمار بن ياسر و عبد اللّه بن مسعود،فأخذا يشيعان في أوساطها مآثر الإمام و فضائله،و ما أثر عن النبي صلّى اللّه عليه و اله في حقه حتى تغدو على حبه و الولاء له،و قد خاض الكوفيون حرب الجمل و صفين مع الإمام و كانوا يقولون له:

«سر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت فنحن حزبك و أنصارك نعادي من عاداك، و نشايع من أناب إليك و أطاعك»و كان الإمام أمير المؤمنين يثني عليهم ثناء عاطرا فيرى أنهم أنصاره و أعوانه المخلصون له يقول لهم:«يا أهل الكوفة أنتم اخواني و أنصاري و أعواني على الحق و مجيبي إلى جهاد المحلين،بكم أضرب المدبر، و أرجو إتمام طاعة المقبل»و يقول عليه السّلام:«الكوفة كنز الإيمان،و جمجمة الإسلام،

ص: 40

و سيف اللّه و رمحه يضعه حيث يشاء».

و قد خاض العراق أعنف المعارك و أشدها ضراوة من أجل أهل البيت فانتقم من قتلتهم و أخذ بثأرهم على يد الثائر العظيم المختار بن أبي عبيدة الثقفي،لقد كان اختيار الإمام للهجرة إلى الكوفة ناشئا عما عرف به أهل هذه المدينة من الولاء العميق لأهل البيت.

ثالثا-إن الكوفة كانت المقر الرئيسي لمعارضة الحكم الأموي،فقد كان الكوفيون طوال فترة حكم الأمويين لم يكفوا عن معارضتهم،و يتمنون زوال دولتهم،و يعزو فلهوزن سبب بغض الكوفيين للأمويين إلى أن الخلافة قد انتقلت من الكوفة إلى دمشق،و انهم-بعد أن كانوا أصحاب الدولة-أصبحت مدينتهم مجرد ولاية في الدولة الجديدة و ان دخلهم من خراج الأرض التي فتحوها فقد فقدوه،و لم يعد أمامهم إلا أن يقنعوا بالفتات الذي يتساقط عليهم من موائد سادتهم الأمويين،و لكنهم-مع الأسف-لم يشعروا بهذه المرارة إلا بعد فوات الأوان،و من هنا لم يكن من الغريب أن يروا في حكم أهل الشام نيرا ثقيلا على رقابهم يتربصون به الفرصة الملائمة ليتخلصوا منه،و يلقوه بعيدا عنهم».

و مما زاد في نقمة الكوفيين على الأمويين أن معاوية ولى عليهم شذاذ الآفاق كالمغيرة بن شعبة و زياد ابن أبيه فأشاعوا فيهم الظلم و الجور،و أخرجوهم من الدعة و الاستقرار،و بالغوا في حرمانهم الاقتصادي،و اتبعوا فيهم سياسة التجويع و الحرمان...و ظلت الكوفة مركزا للمؤامرات على حكم الأمويين،و لم يثنهم عن ذلك ما عانوه من التعذيب و القتل و البطش على أيدي الولاة.

لقد كانت هجرة الإمام إلى الكوفة و اختيارها مقرا للثورة باعتبارها البلد الوحيد المعادي للأمويين،و قد وصل الحماس فيها ضد الأمويين ذروته بعد هلاك معاوية.

رابعا-إن الإمام الحسين إنما اختار الهجرة للعراق للدعوات الملحة و الإصرار

ص: 41

البالغ من الأغلبية الساحقة من أهل الكوفة للقدوم حتى في زمن معاوية،فقد توافدت عليه كتبهم،و هي تحثه على المسير إليهم،و تحمله المسؤولية أمام الله و الأمة إن تأخر عن إجابتهم لا سيما بعد أن كتب إليه سفيره مسلم بن عقيل يخبره باجتماع الناس على بيعته و تطلعهم إلى قدومه و يحثه على السفر إليهم فلم ير عليه السّلام بدا من إجابتهم يقول الدكتور محمد حلمي:«إنه لم يخرج الحسين من الحجاز في اتجاه الكوفة استجابة للدعوات التي وصلته من أهلها طالبة إليه القدوم عليهم ليتزعم ثورتهم على خلافة يزيد...لم يخرج الحسين إلا بعد أن اختبر استعداد الكوفيين للقيام بهذه الثورة و ذلك بإرسال ممثل له،ليتعرف على مدى هذا الاستعداد و ذهب مسلم بن عقيل بن أبي طالب في هذه المهمة،و نجح في فترة قصيرة في قيادة اثني عشر ألفا في ثورة عارمة بايعت الحسين،و نزعت بيعة يزيد، و كتب مسلم بهذا إلى الحسين الذي قرر الخروج لقيادة الحركة بنفسه،و بهذا لم يكن الحسين متسرعا في خروجه،و لا مندفعا،فقد أتته الكتب،و أراد أن يطمئن على مدى جديتها،فاطمأن بخروج هؤلاء الآلاف في الفترة القصيرة التي نشط فيها ممثله».

خامسا-إن الإمام الحسين لو نزح إلى قطر آخر غير الكوفة فإن الجيش الأموي لا بد أن يلاحقه،و لا بد أن يستشهد فيتجه له اللوم و التقريع و يقال له:لماذا لم تتجه إلى العراق البلد الذي يضم أنصارك و شيعتك،و قد بعث إليك أهله آلاف الرسائل تحثك على القدوم إليهم،فماذا يكون حينئذ جوابه لو سار إلى قطر آخر و لا حقته جيوش الأمويين؟

هذه بعض الأسباب التي حفزت الإمام إلى اختيار الهجرة إلى الكوفة ليجعلها مقرا لثورته (1).3.

ص: 42


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:8/3.

أثناء المسير إلى العراق

اشارة

قال السيد محمد باقر القرشي:أف لهذه الدنيا،و بعدا لهذه الحياة مثل ابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و ريحانته تضيق عليه الدنيا،و تتقاذفه أمواج من الهموم فلا يدري إلى أين مسراه و مولجه،فقد وافته الأنباء أن الطاغية يزيد قد عهد إلى شرطته باغتياله،و لو كان متعلقا بأستار الكعبة.

لقد أيقن سبط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن يزيد لا يتركه و شأنه،و لا بد أن يسفك دمه و ينتهك حرمته و قد أدلى بذلك في كثير من المواطن،و كان منها:

1-ما رواه جعفر بن سليمان الضبعي أنه عليه السّلام قال:«و اللّه لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة-و أشار إلى قلبه الشريف-من جوفي فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة..».

2-قال عليه السّلام لأخيه محمد ابن الحنفية:«لو دخلت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقتلوني».

3-ما رواه معاوية بن قرة قال:قال الحسين:«و اللّه ليعتدن علي كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت».

و استولت الحيرة على الإمام و أحاطت به موجات من الأسى و الشجون و تلبد أمامه الجو بالمشاكل الرهيبة و الأحداث المفزعة فهو إن بقي في مكة يخش من الاغتيال و ان ذهب إلى العراق فإنه غير مطمئن من أهل الكوفة و انهم سيغدرون به، و قد أدلى بذلك لبعض من شاهده في الطريق حسبما يرويه عنه يزيد الرشك يقول:

حدثني من شافه الحسين قال:إني رأيت أخبية مضروبة بفلاة من الأرض فقلت:

ص: 43

«لمن هذه؟».

«هذه للحسين».

فأتيته،فإذا شيخ يقرأ القرآن،و الدموع تسيل على خديه و لحيته قلت له:بأبي و أمي يا بن بنت رسول اللّه ما أنزلك هذه البلاد و الفلاة التي ليس بها أحد؟

فقال:هذه كتب أهل الكوفة إلي،و لا أراهم إلا قاتلي،فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها،فيسلط اللّه عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة.

لقد كان متشائما من أهل الكوفة فهو يعلم غدرهم و عدم وفائهم،و أنهم سيكونون إلبا عليه،و يدا لأعدائه.

و على أي حال فإنا نعرض لبعض الأحداث التي جرت على الإمام في مكة قبل سفره منها،و نتبين دوافع هجرته إلى العراق و ما جرى له في أثناء سفره (1).

لماذا الإعراض عن الحجاز؟

بقي هنا شيء و هو ان الإمام لماذا لم يبق بالحجاز يتخذه منطلقا للثورة،و لعل السبب في رفضه لذلك يعود إلى ما يلي:

أ-إن البيئة الحجازية كانت تتصف بقلة الموارد الاقتصادية فقد أشاع معاوية فيها الفقر و البؤس،و من الطبيعي أن الثورة تحتاج إلى دعم مالي كبير،و مع انعدام المال في الحجاز كيف يفجر الإمام ثورته فيه.

ب-انعدام الوعي السياسي في الحجاز فقد انصرفت الأكثرية الساحقة فيه عن الشؤون السياسية في حين أن العراق كان مشعل الوعي السياسي في البلاد العربية.

ص: 44


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:46/3.

ج-إن الحجاز كان لا يصلح لأن يكون مركزا للثورة فقد أصبح مهددا بالغزو من الجيوش الأموية،فقد بعث يزيد بجيش مكثف لقتال ابن الزبير بقيادة أخيه عمرو بن الزبير.

د-إن الحجاز لم تكن فيه حامية عسكرية حتى يلجأ إليها الإمام لتقوم بالذب و الدفاع عنه.

ه-إن الأغلبية الساحقة في الحجاز كانت تحقد على أهل البيت عليهم السّلام،و كانت ميولها مع بني أمية،يقول أبو جعفر الاسكافي:

«أما أهل مكة فكلهم كانوا يبغضون عليا،و كانت قريش كلها على خلافه،و كان الجمهور مع بني أمية»و يقول الإمام علي بن الحسين عليه السّلام:«ما بمكة و المدينة عشرون رجلا يحبنا»و مع شيوع الكراهية في الحجاز لأهل البيت عليهم السّلام كيف يتخذه الإمام مقرا له؟..لقد نزح الإمام من الحجاز بمرأى و مسمع من جميع الحجازيين فلم يخفوا معه،و لم يتبعه أحد منهم سوى أهل بيته،للقيام بنصرته و الذب عنه.

الإعراض عن مصر

و أعرض الإمام عن مصر،و لم يراسل أحدا منهم،و ذلك لأن أهلها كانوا طيلة عهد الخلفاء و طيلة الحكم الأموي ميالين إلى الدعة و السلام،و البعد عن التيارات السياسية على أنه لم ترد منهم أية رسالة للإمام يدعونه فيها للقدوم إليهم،فكيف يهاجر إليهم الإمام،و مضافا إلى ذلك فإن في مصر نزعة عثمانية،و قد كان واليه عمرو بن العاص،فأشاع فيها البغض و الكراهية لأهل البيت عليهم السّلام و غرس فيها الولاء لبني أمية،فكيف يقصدها الإمام.

ص: 45

الاعراض عن اليمن

و أشار ابن الحنفية و غيره على الإمام أن يهاجر إلى اليمن لأن فيها شيعة له و لأبيه،و لم يستجب الإمام إلى هذا الرأي،و فيما نحسب أن أسباب إعراضه عنه تعود إلى ما يلي:

1-إنه لم تكن في اليمن حامية عسكرية حتى تتمكن من حمايته و الذب عنه إذا داهمته جيوش بني أمية،فقد كان اليمانيون عزلا من السلاح و العتاد،و لا قابلية لهم على الخوض في عمليات الحروب.

2-إن جماهير اليمن لم تقم بحماية بلادهم حينما دهمتهم جيوش معاوية بقيادة الباغي بسر بن أبي ارطأة فأشاع فيهم القتل،و سبى نساءهم و باعها في الأسواق فمن كانت أعظم ساقا بيعت بثمن أكثر،و لم يثأروا للدفاع عن أعراضهم، و إنما استسلموا للعدوان الأموي الذي أصاب من دمائهم و أموالهم حسب ما شاء و مع هذا الحال كيف يهاجر الإمام إليها؟.

3-إن اليمن قد منيت بالفقر و البؤس فكانت الحياة الاقتصادية فيها مشلولة،و لا قدرة لأهلها على مد الثورة بما تحتاج إليه من المال و السلاح،و قد نزح الكثيرون منها إلى الكوفة طلبا للرزق و الرفاهية.

4-ان الإمام لو ذهب إلى اليمن لما تركه يزيد و أرسل إليه جيوشه لمناجزته و تسفك بذلك الدماء،و يتهم الامام بإثارة الفتنة و شق عصا الطاعة و تضيع بذلك عدالة قضيته حسب ما يقول الدكتور أحمد محمود صبحي و بما ذكرناه من هذا التحقيق يتضح و هن ما ذهب إليه الدكتور على حسين الخربوطلي من تخطئة الامام على عدم ذهابه لليمن و تخليه عن الحجاز لأن بها أنصاره الحقيقيين و شيعة أبيه المخلصين،و ان اليمن كانت تمتاز ببعدها عن مركز الخلافة،و مناعة حصونها

ص: 46

و كثرة شعابها و هذا الرأي لا يحمل أي طابع من التحقيق فإن الإمام لم يكن عنده أنصار حقيقيون في الحجاز،و لو كانوا لخفوا معه حينما أعلن الذهاب إلى العراق، و ما تركوه وحده فريسة بيد الطاغية ابن مرجانة،و أما اليمن فقد ذكرنا أنها غير صالحة استراتيجيا لأن يتخذها الإمام مقرا لثورته.

الإعراض عن فارس

و أعرض الإمام عن فارس لأنه لم يكن له فيها أي رصيد،و لم تتبلور فيها الدعوة لأهل البيت عليهم السّلام و انما كانت مركزا لدعوة العلويين بعد ردح من الزمن حينما نزحت إليها المجموعة الكبيرة من الشيعة التي نفاها زياد إليها فقد أخذت تعمل على نشر التشيع هناك،و قد استغل دعاة بني العباس تلك الثمرة التي أوجدتها دعاة الشيعة في فارس فاتخذوها مقرا لهم،و منها انطلقت الثورة على بني أمية فأطاحت بعرشهم،و سلطانهم.

الإعراض عن البصرة

و أعرض الامام عن البصرة لأنها كانت عثمانية الهوى،و كان الكثيرون من أبنائها شيعة للزبير و طلحة،يقول أبو جعفر الاسكافي:«كان أهل البصرة كلهم يبغضون عليا»و سبب ذلك حرب الجمل التي حصدت رؤوس الكثيرين من أبنائها فأترعت نفوسهم بالكراهية للامام و أبنائه نعم فيها بعض الشيعة و قد كاتبهم الامام عندما أراد التوجه إلى الكوفة.

و على أي حال فإن الكوفة كانت أصلح مركز لإعلان الثورة على الأمويين فقد تزعمت هذه المدينة الثائرة الحركة المعارضة لبني أمية،كما كانت أهم موقع

ص: 47

استراتيجي في العالم الاسلامي،و قد تهيأت تهيّؤا تاما بعد هلاك معاوية لدعوة الإمام كما كانت الوطن الأم لشيعته،فقد كانت قلوب أهلها تفيض بالحب و الولاء له.

لقد كان اختيار الامام عليه السّلام الهجرة إلى الكوفة دون غيرها مبنيا على دراسته الوثيقة لواقع الأقطار الإسلامية و إحاطته باتجاهات المواطنين فيها سواء في الميادين السياسية أو العقائدية،و مدى قدرتهم الاقتصادية و العسكرية،فقد خبر الإمام كل ذلك و وقف عليه،فلم ير هناك قطرا تتوفر فيه الاستراتيجية الكاملة لحماية الثورة و ضمان نجاحها سوى الكوفة التي كانت تضم القوى المؤيدة له، و المنحرفة عن الحكم الأموي،فكان الاتجاه إليها ضرورة ملحة لا غنى له عنها.

مشفقون و منددون

اشارة

و لما أذيع تصميم الحسين عليه السّلام و عزمه على مغادرة الحجاز و التوجه إلى الكوفة أشفق عليه جماعة من أهل بيته و شيعته كما أظهر له الاخلاص رياء بعض ذوي الأطماع السياسية كعبد اللّه بن الزبير،و الأشدق الذي أشفق عليه بالخروج خوفا على انهيار الحكم الأموي و قد حذروا الامام و خافوا عليه من انقلاب أهل الكوفة و غدرهم به كما غدروا بأخيه الامام الحسن من قبل،و قد أشاروا عليه بأن لا يتوجه لهذا القطر و لا يقرب منه،كما ندد بخروجه جماعة من عملاء السلطة و أذنابها خوفا على تصدع الحكم الأموي و انهياره،و قال بمثل مقالتهم جماعة من المنحرفين عن أهل البيت في كثير من العصور،و فيما يلي آراء كلا الفريقين.

ص: 48

المشفقون

اشارة

أما المشفقون من شيعة الإمام الحسين و أهل بيته فكانت قلوبهم تذوب أسى و حزنا على مغادرة الامام للحجاز،و كانوا يتكلمون بلغة العاطفة و يفكرون في شيء لم يكن الإمام يفكر به،فكانوا يشيرون عليه بمهادنة السلطة و البيعة ليزيد ليكون بمأمن من شروره و اعتدائه،و كان عليه السّلام يرى دين جده صلّى اللّه عليه و اله قد صار ألعوبة بيد حفيد أبي سفيان،فلا بد أن يثأر لكرامة هذا الدين و يضحي بكل شيء لحمايته،فهذا هو مغزاه الذي كان لا يثنيه عنه شي..و لنستمع إلى حديث المشفقين عليه، و العاذلين له.

1-المسور بن مخرمة

و ذعر المسور بن مخرمة حينما سمع بعزم الامام على مغادرة الحجاز و التوجه إلى العراق فكتب إليه هذه الرسالة:

«إياك أن تغتر بكتب أهل العراق،و يقول لك ابن الزبير:الحق بهم فإنهم ناصروك،إياك أن تبرح الحرم،فإنهم-أي أهل العراق-إن كانت لهم بك حاجة فسيضربون آباط الإبل حتى يوافوك،فتخرج إليهم في قوة و عدة».

و لما قرأ الامام رسالته أثنى على عواطفه،و قال لرسوله:«استخير اللّه في ذلك».

ص: 49

2-عبد اللّه بن جعفر

و خاف عبد اللّه بن جعفر على ابن عمه حينما علم بعزمه على التوجه إلى العراق، فأحاطت به موجات من الأسى،فبعث إليه بابنيه عون و محمد،و كتب معهما هذه الرسالة:

«أما بعد:فإني أسألك الله لما انصرفت حين تقرأ كتابي هذا فإني مشفق عليك من هذا الوجه أن يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك،إن هلكت اليوم أطفئ نور الأرض فإنك علم المهتدين و رجاء المؤمنين،فلا تعجل بالسير فإني في أثر كتابي و السلام».

و أسرع ابن جعفر و هو خائر القوى ذاهل اللب إلى عمرو بن سعيد حاكم مكة فأخذ منه كتابا فيه أمان للحسين،و جاء مسرعا إليه و كان معه يحيى بن سعيد بن العاص،فعرض عليه الإقامة في مكة و عدم النزوح إلى العراق فلم يستجب الامام له، و أخذ يتضرع إليه عبد اللّه و يتوسل في أن ينصرف عن نيته،فقال الإمام:

«إني رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في منامي،و أمرني بأمر لا بد أن أنتهي إليه...».

فسأله ابن جعفر عن الرؤيا،فأبى أن يحدثه بها و قال له:«ما حدثت بها أحدا»و ما أنا بمحدث بها حتى ألقى اللّه تعالى»و انصرف ابن جعفر و هو غارق بالأسى و الشجون و أيقن بنزول الرزء القاصم و قد أمر ابنيه بمصاحبة خالهما الحسين.

3-عبد اللّه بن عباس

و أسرع عبد اللّه بن عباس و هو حزين كئيب إلى الامام،فقال له:«إن الناس أرجفوا بأنك سائر إلى العراق،فهل عزمت على شيء من ذلك؟».

«نعم قد أجمعت على المسير في أحد يومي هذين إلى الكوفة أريد اللحاق بابن عمي مسلم إن شاء اللّه تعالى».

ص: 50

و فزع ابن عباس فقال للإمام:

«اني أعيذك بالله من ذلك،أخبرني أتسير إلى قوم قتلوا أميرهم و ضبطوا بلادهم،فإن كان قد فعلوا فسر إليهم و ان كانوا إنما دعوك و أميرهم عليهم قاهر لهم،و عمالهم تجبي بلادهم و تأخذ خراجهم فإنما دعوك إلى الحرب،و لا آمن عليك أن يغروك،و يكذبوك،و يخذلوك و يبيعوك فيكونوا أشد الناس عليك».

و لم تخف شيء من هذه النقاط الحساسة على الإمام،فقد كان على بصيرة من أمره فقال لابن عباس:

«إني استخير الله.و أنظر ماذا يكون؟».

و أحاطت بابن عباس موجات من القلق و الاضطراب،فلم يتمكن أن يهدئ أعصابه،فراجع الامام،و قال له:

«إني أتصبر و لا أصبر،إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك و الاستئصال...

ان أهل العراق قوم غدر فلا تقربهم،أقم في هذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز،فإن كان أهل العراق يريدوك-كما زعموا-فاكتب إليهم فلينفوا عاملهم و عدوهم،ثم اقدم عليهم،فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن فإن بها حصونا،و شعابا و هي أرض عريضة طويلة،و لأبيك بها شيعة،و أنت عن الناس في عزلة،فتكتب إلى الناس و ترسل و تبث دعاتك فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية...».

و أخبره الإمام عن تصميمه على السفر،و أنه قد بتّ به،فقال له ابن عباس:«إن كنت سائرا فلا تسر بنسائك و صبيتك،فإني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان و نساؤه و ولده ينظرون إليه...لقد أقررت عين ابن الزبير بخروجك من الحجاز، و هو اليوم لا ينظر إليه أحد معك».

و فقد ابن عباس اهابه،و اندفع بثورة عارمة،فقال حسبما يروي المؤرخون:

«و اللّه الذي لا إله إلا هو لو أعلم اني إن أخذت بشعرك و ناصيتك حتى يجتمع علينا الناس أطعتني فأقمت لفعلت»و لم يخف على الإمام كل ما قاله ابن عباس فقد

ص: 51

كان مصمما على غايته التي بها انتصار الإسلام.

و خرج ابن عباس و هو يتعثر في خطاه،قد نخر الحزن قلبه فاتجه نحو ابن الزبير فقال له:

«لقد قرت عينك يا بن الزبير،ثم أنشد:

يا لك من قنبرة بمعمر خلا لك الجو فبيضي و اصفري

و نقري ما شئت أن تنقري

هذا الحسين يخرج إلى العراق و يخليك و الحجاز...».

إن الإمام لو كان يروم الملك و السلطان لاستجاب لرأي ابن عباس و لكنه عليه السّلام كان يبغي الاصلاح،و إعادة الحياة الإسلامية إلى واقعها المشرق،و أيقن أن ذلك لا يتحقق إلا بالتضحية الحمراء فهي وحدها التي تحقق ما يصبو إليه.

4-أبو بكر المخزومي

و هرع أبو بكر بن عبد الرحمن المخزومي إلى الإمام فقال له:«إن الرحم يظأرني عليك و لا أدري كيف أنا في النصيحة؟كان أبوك أشد بأسا،و الناس له أرجى،و منه اسمع،و عليه أجمع فسار إلى معاوية،و الناس مجتمعون عليه إلا أهل الشام-و هو أعز منه-فخذلوه و تثاقلوا عنه حرصا على الدنيا و ضنا بها فجرعوه الغيظ، و خالفوه حتى صار إلى ما صار إليه من كرامة اللّه و رضوانه...ثم صنعوا بأخيك بعد أبيك ما صنعوا-و قد شهدت ذلك كله و رأيته-ثم أنت تسير إلى الذين عدوا على أبيك و أخيك تقاتل بهم أهل الشام و أهل العراق،و من هو أعد منك،و أقوى،و الناس منه أخوف،و له أرجى،فلو بلغهم مسيرك إليهم لاستطعموا الناس بالأموال-و هم عبيد الدنيا-فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك،و يخذلك من أنت أحب إليه من ينصره،فاذكر اللّه في نفسك...».

ص: 52

و شكر له الإمام نصيحته و عواطفه،و عرفه أنه مصمم على ما عزم عليه،و يئس أبو بكر فانطلق و هو يقول:

«عند اللّه نحتسب أبا عبد الله».

و أقبل أبو بكر على والي مكة و هو يقول:

كم ترى ناصحا يقول فيعصى و ظنين المغيب يلقى نصيحا

«ما ذاك يا أبا بكر؟

فأخبره بما قال للحسين:فقال له،نصحت له و رب الكعبة».

5-عبد اللّه بن جعدة

و أشفق عبد اللّه بن جعدة بن هبيرة على الإمام فألحقه بولده عون و بعث إليه رسالة يسأله فيها الرجوع،و يذكر فيها تخوفه في مسيره إلى العراق،فلم يعجب الإمام ذلك.

6-جابر بن عبد الله

و خفّ جابر بن عبد اللّه الأنصاري إلى الامام و طلب منه أن لا يخرج فأبى عليه السّلام.

7-عبد اللّه بن مطيع

و التقى الإمام بعبد الله بن مطيع،و كان في طريقه إلى العراق،و عرف عبد الله قصد الامام فقال له:

«يا بن رسول اللّه أذكرك اللّه في حرمة الإسلام أن تنتهك،أنشدك اللّه في حرمة

ص: 53

قريش و ذمة العرب،و اللّه لئن طلبت ما في يد بني أمية ليقتلوك،و لئن قتلوك لا يهابون بعدك أحدا أبدا...و اللّه إنها لحرمة الإسلام و حرمة قريش،و حرمة العرب، فالله اللّه لا تفعل و لا تأت الكوفة،و لا تعرض نفسك لبني أمية».

8-عمرو بن سعيد

و أرسل عمرو بن سعيد الأشدق رسالة للإمام يتعهد فيها له بالأمان و عدم التعرض له بمكروه،و قد جاء فيها:

«إني اسأل الله أن يلهمك رشدك،و ان يعرفك عما يراد بك،بلغني أنك قد عزمت على الشخوص إلى العراق،فإني أعيذك بالله من الشقاق،فإن كنت خائفا فأقبل إلي فلك عندي الأمان و الصلة».

و كيف يخضع أبي الضيم للأشدق،و يطلب منه الأمان،لقد أراد الأشدق أن يكون الإمام تحت قبضته حتى لا يملك من أمره شيئا و لم يخف على الإمام ذلك فأجابه:

«إن كنت أردت بكتابك صلتي فجزيت خيرا في الدنيا و الآخرة..و انه لم يشاقق من دعا إلى اللّه و عمل صالحا و قال:إنني من المسلمين،و خير الأمان أمان الله،و لم يؤمن بالله من لم يخفه في الدنيا،فنسأل اللّه مخافة في الدنيا توجب أمان الآخرة عنده».

9-محمد ابن الحنفية

و كان محمد ابن الحنفية في يثرب،فلما علم بعزم أخيه على الخروج إلى العراق توجه إلى مكة،و قد وصل إليها في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها إلى العراق، و قصده فور وصوله فبادره قائلا:

ص: 54

«يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك و أخيك،و قد خفت أن يكون حالك حال من مضى،فإن أردت أن تقيم في الحرم فإنك أعز من بالحرم،و أمنعهم».

و شكر له الإمام عواطفه و نصيحته و قال له:

«خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية،فأكون الذي تستباح به حرمة هذا البيت».

فقال محمد:«فإن خفت ذلك فسر إلى اليمن أو بعض نواحي البر فإنك أمنع الناس به،و لا يقدر عليك أحد».

قال الحسين:«انظر فيما قلت».

و لما كان وقت السحر بلغه شخوصه إلى العراق و كان يتوضأ فبكى حتى سمع وقع دموعه في الطست و أسرع محمد إلى أخيه،فأخذ بزمام ناقته،و قال له:

«يا أخي ألم تعدني فيما سألتك؟».

«بلى و لكن أتاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بعد ما فارقتك،و قال لي يا حسين اخرج فإن الله شاء أن يراك قتيلا».

و ذعر محمد،و سرت الرعدة بأوصاله،و دموعه تتبلور على خديه و هو يقول:

«فما معنى حمل هؤلاء النساء و الأطفال،و أنت خارج على مثل هذا الحال».

فأجابه الإمام بعزم و طمأنينة قائلا:

«قد شاء اللّه أن يراهن سبايا».

10-السيدة أم سلمة

و فزعت أم المؤمنين السيدة أم سلمة حينما علمت أن الإمام قد عزم على الخروج إلى العراق،و كان في ذلك الوقت في يثرب قبل أن يتوجه إلى مكة فهرعت إليه قائله بصوت حزين النبرات:

«يا بني لا تحزنّي بخروجك إلى العراق فإني سمعت جدك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:

ص: 55

يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء،و عندي تربتك في قارورة دفعها إلي النبي».

فأجابها الإمام بعزم و رباطة جأش قائلا:

«يا أماه،و أنا أعلم أني مقتول مذبوح ظلما و عدوانا،و قد شاء تعالى أن يرى حرمي و رهطي مشردين،و أطفالي مذبوحين،مأسورين مقيدين،و هم يستغيثون فلا يجدون ناصرا..».

فالتاعت أم سلمة و رفعت صوتها قائلة:

«وا عجبا فأين تذهب و أنت مقتول؟!!».

فأجابها الإمام و هو ساخر من الموت و هازىء من الحياة قائلا:

«يا أماه إن لم أذهب اليوم ذهبت غدا،و إن لم أذهب في غد ذهبت بعد غد،و ما من الموت بد،و إني لأعرف اليوم الذي أقتل فيه و الساعة التي أقتل فيها،و الحفرة التي أدفن فيها كما أعرفك،و انظر إليها كما أنظر إليك».

11-عبد اللّه بن الزبير

و لما عزم الإمام على مغادرة مكة خفّ إليه عبد اللّه بن الزبير من باب المجاملة قال البلاذري:و إنما أراد ابن الزبير بذلك لئلا يتهمه و أن يعذر في القول فأظهر له الحنان و الولاء قائلا:

«أين تذهب إلى قوم قتلوا أباك،و طعنوا أخاك؟».

فقال عليه السّلام:

«لئن أقتل بمكان كذا و كذا أحب إلي من أن تستحل بي-يعني مكة-

و أصر الإمام على فكرته،و لم يصده عنها عذل العاذلين،و إشفاق المشفقين عليه فقد أيقن أنه لا يمكن بأي حال أن تنتصر القضية الإسلامية و تعلو كلمة اللّه في

ص: 56

الأرض إلا بالتضحية و الفداء يقول الأستاذ خالد محمد خالد:

«إن القضية التي خرج البطل حاملا لواءها لم تكن قضية شخصية تتعلق بحق له في الخلافة..أو ترجع إلى عداوة شخصية يضمرها ليزيد كما أنها لم تكن قضية طموح يستحوذ على صاحبه،و يدفعه إلى المغامرة التي يستوي فيها احتمال الربح و الخسران.

كانت القضية أجل و أسمى و أعظم.

كانت قضية الإسلام و مصيره و المسلمين و مصيرهم.

و إذا صمت المسلمون جميعهم تجاه هذا الباطل الذي أنكره البعض بلسانه، و أنكره الجميع بقلوبهم فمعنى ذلك أن الإسلام قد كفّ عن إنجاب الرجال.

معناه أن المسلمين قد فقدوا أهلية الانتماء لهذا الدين العظيم...و معناه أيضا أن مصير الإسلام و المسلمين معا قد أمسى معلقا بالقوة الباطشة فمن غلب ركب،و لم يعد للقرآن و لا للحقيقة سلطان..

تلك هي القضية في روع الحسين.

بهذا المنطق أصر على الخروج.

لقد رغب إليه المشفقون أن لا يجيب دعاة الكوفة،و يقبع في بيته مسالما ليزيد، و لكن أبي الضيم كان يرى ما لا يرونه،كان يرى أن الحياة الإسلامية قد امتحنت بفقر الدم امتحانا أدى بها إلى الهلكة و الدمار و انه لا بد أن يرويها من دمه الزاكي لتعود للمسلمين لهم الحياة نشطة تتدفق بها الحيوية من دمه الذي هو دم جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله.

ص: 57

منددون

اشارة

قال القرشي:و ندد جماعة بخروج الإمام،و شجبوا إعلانه للجهاد لأن فيه تصديعا للحكم الأموي الذي كانوا ينعمون بخيراته و صلاته،و قد قال بمثل مقالتهم بعض المتأخرين من الكتّاب الذين اندلعت أقلامهم تحمل شررا من نار لنقد الإمام على خروجه على حكومة يزيد التي لا تحمل أي طابع شرعي،و هذه آراؤهم.

1-عبد اللّه بن عمر

و ندد عبد اللّه بن عمر بخروج الإمام،و نعى عليه الدخول في المعترك السياسي فقال:«غلبنا الحسين بن علي بالخروج و لعمري لقد رأى في أبيه و أخيه عبرة،و رأى من الفتنة و خذلان الناس لهم،ما كان ينبغي أن يتحرك ما عاش،و أن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس فإن الجماعة خير».

2-سعيد بن المسيب

و شجب سعيد بن المسيب خروج الإمام،و قال:لو أن حسينا لم يخرج لكان خيرا له.

ص: 58

3-أبو واقد الليثي

و كان أبو واقد الليثي من صنائع بني أمية،فأقبل على الإمام و جعل يناشده الله أن لا يخرج على يزيد و لم يكن بذلك مدفوعا بدافع الحب للإمام و إنما خوفا على ملك بني أمية،فلم يعن به الإمام و أعرض عنه.

4-أبو سلمة

و من الشاجبين لخروج الإمام على يزيد أبو سلمة بن عبد الرحمن قال:«كان لحسين أن يعرف أهل العراق،و لا يخرج إليهم،و لكن شجعه ابن الزبير».

5-أبو سعيد

و ندد أبو سعيد بخروج الإمام و قال:«غلبني الحسين على الخروج و قد قلت له:

اتق اللّه و الزم بيتك،و لا تخرج على امامك».

6-عمرة بنت عبد الرحمن

و كانت عمرة بنت عبد الرحمن تدين بالولاء لبني أمية،و تخشى على سلطانهم، و قد رفعت إلى الإمام رسالة استعظمت فيها خروجه على يزيد،و حثته على الطاعة و لزوم الجماعة و حذرته من الخروج و انه سوف يساق إلى مصرعه،و ذكرت في رسالتها أنها سمعت عائشة تروي عن النبي صلّى اللّه عليه و اله انه قال:يقتل ولدي الحسين،و لما

ص: 59

قرأ الإمام رسالتها،و ما جاء فيها من أخبار النبي صلّى اللّه عليه و اله بقتله قال:لا بد إذا من مصرعي».

هؤلاء بعض المنددين بخروج الحسين من معاصريه،و لم ينظروا إلى خروجه من زاوية الحكم الشرعي،و إنما نظروا إليه بعين المنفعة المادية فقد كان الحكم الأموي يغدق عليهم بالأموال،فخافوا عليه من الانهيار و الدمار.

ص: 60

المستحدثون

اشارة

و ندد جماعة من المتأخرين بخروج الإمام على يزيد و اعتبروه خروجا على إرادة الأمة.

1-الشيخ محمد الخضري

و تنكر الشيخ الخضري شيخ الأزهر في بحوثه التاريخية و الإسلامية لأهل البيت عليهم السّلام الذين أمر اللّه بمودتهم و الإخلاص إليهم فقال في الحسين«إن الحسين أخطأ خطأ عظيما في خروجه هذا الذي جرّ للأمة و بال الفرقة و الاختلاف:و زعزع عماد ألفتها إلى يومنا هذا».

إن الإمام قد أصاب كل الصواب و أحسن إلى الأمة في خروجه فله الفضل على كل مسلم فإنه لولا تضحيته لما بقي للإسلام اسم و لا رسم فقد قضى عليه السّلام،على المخططات الأموية الهادفة إلى محو الإسلام و إزالة جميع أرصدته،و قد فدى الحسين بتضحيته دين الإسلام و كلمة التوحيد.

2-محمد النجار

يقول محمد النجار:«أما أحقية الحسين بالخلافة فهي فكرة تنطوي عليها قلوب الغالبية من الناس،و لكن ما قيمة هذه القلوب إذا لم تؤيدها السيوف و هي مع ذلك لا

ص: 61

تقتضي الخروج،فإن إمامة المفضول مع وجود الأفضل جائزة،و قد كان علي بن أبي طالب يعتقد أحقيته بالخلافة و لم يخرج على أحد».

و يرى النجار أن خلافة يزيد كانت شرعية،و انها من إمامة المفضول التي هي سائغة عندهم...أما إمامة المفضول مع وجود الأفضل فقد توفرت الأدلة العلمية على بطلانها،و قد أقام المتكلمون من الشيعة الأدلة الحاسمة على زيفها،و ذكروا أن الالتزام بذلك خروج على المنطق و خروج على هدي الإسلام الذي يتبع في تشريعاته سنن الحياة،و ما تمليه المصلحة العامة،و ليس من المنطق في شيء تسويغ تقديم المفضول على الفاضل فإن فيه هدما للكفاءات و خروجا على صالح الأمة،و قد أنكر القرآن الكريم المساواة بينهما قال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ و لو سلمنا-كما يقول الأصوليون-بهذه القاعدة فإنها لا تنطبق على خلافة يزيد فقد كان-بإجماع المسلمين-لا فضل فيه،و إنما كان إنسانا ممسوخا قد تمرس في الجرائم و هام في المنكرات فكان الخروج عليه واجبا شرعيا.

3-محمد الغزالي

و ندد الشيخ محمد الغزالي بنهضة الإمام الحسين،و وصفها بأنها مجازفة لا أثر فيها لحسن السياسة و قد كان المتعين على الحسين حسب ما يراه الغزالي أن يبايع ليزيد،و يخضع لقيادة هذا الخليع الماجن الذي لا يملك أية كفاءة لقيادة الأمة،و هذا مما يأباه الحسين و تأباه مثله العليا و هو المسؤول بالدرجة الأولى عن صيانة الإسلام و الحفاظ على مقدساته و قيمه.

ص: 62

4-أحمد شبلي

و أحمد شبلي من المسعورين في الدفاع عن يزيد و الإنكار على الإمام في خروجه عليه قال:«نجيء إلى الحسين لنقر-مع الأسف-ان تصرفاته كانت في بعض نواحي هذه المشكلة غير مقبولة فهو-أولا-لم يقبل نصح الناصحين و خاصة عبد اللّه بن عباس،و استبد برأيه و-ثانيا-نسي أو تجاهل خلق أهل الكوفة و ما فعلوه مع أبيه و أخيه و هو-ثالثا-يخرج بنسائه و أطفاله كأنه ذاهب إلى نزهة خلوية أو زيارة قريب و يعرف في الطريق غدر أهل الكوفة و مع هذا يواصل السير إليهم و ينقاد لرأي بني عقيل و يذهب بجماعة من الأطفال و النساء و قليل من الرجال ليأخذ بثأر مسلم يا لله قد تكون ولاية يزيد العهد عملا خاطئا،و لكن هل هذا هو الطريق لمحاربة الخطأ و العودة إلى الصواب؟».

و لم ينظر شبلي بعمق و دراسة إلى واقع الحياة الإسلامية في عهد يزيد و إنما نظر إليها حسب ميوله التقليدية و العاطفية،فراح يشذ و يسلك في المنعطفات فيما كتبه،لقد كان الإسلام مهددا بالخطر و الدمار في عهد يزيد و ان خروج الإمام كان من أجل إعادة الحياة إلى شرايين الأمة الإسلامية و قد أعلن عليه السّلام أنه لم يخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و إنما خرج ليأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يحطم معالم الحياة الجاهلية التي تبناها الحكم الأموي،و قد ألمعنا في الجزء الثاني إلى أسباب نهضة الإمام بما يوضح القصد و ينفي الشبهات.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن المنددين بخروج الإمام على حكومة يزيد (1).

ص: 63


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:11/3-35.

رسالة الإمام لبني هاشم من مكة

اشارة

قال السيد محمد باقر القرشي:لما صمم الإمام على مغادرة مكة إلى العراق كتب هذه الرسالة لبني هاشم،و قد جاء فيها بعد البسملة:

«من الحسين بن علي إلى أخيه محمد،و من قبله من بني هاشم،أما بعد:فإنه من لحق بي منكم استشهد،و من لم يلحق بي لم يدرك الفتح و السلام...».

لقد أخبر عليه السّلام الأسرة النبوية بأن من لحقه منهم سوف يظفر بالشهادة و من لم يلحق به فإنه لا ينال الفتح فأي فتح هذا الذي عناه الإمام؟

إنه الفتح الذي لم يحرزه غيره من قادة العالم و أبطال التأريخ،فقد انتصرت مبادئه،و انتصرت قيمه و تألقت الدنيا بتضحيته،و أصبح اسمه رمزا للحق و العدل، و أصبحت شخصيته العظيمة ليست ملكا لأمة دون أمة و لا لطائفة دون أخرى، و إنما هي ملك للإنسانية الفذة في كل زمان و مكان فأي فتح أعظم من هذا الفتح، و أي نصر أسمى من هذا النصر؟

التحاق بني هاشم به

و لما وردت رسالة الإمام إلى بني هاشم في يثرب بادرت طائفة منهم إلى الالتحاق به ليفوزوا بالفتح و الشهادة بين يدي ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و كان فيهم أبناء عمومته و أخوته كما سافر معهم محمد ابن الحنفية ليصد الإمام عن السفر إلى العراق إلا انه لم يستجب له،و قد ذكرنا حديثه في البحوث السابقة.

ص: 64

أسباب الهجرة من مكة

اشارة

أما بواعث هجرة الإمام من مكة،و خروجه إلى العراق بهذه السرعة فهي-فيما نحسب-تعود إلى ما يلي:

1-الحفاظ على الحرم

و خاف الإمام على انتهاك بيت اللّه الحرام الذي من دخله كان آمنا فإن بني أمية كانوا لا يرون له حرمة فقد عهد يزيد إلى عمرو بن سعيد الأشدق أن يناجز الإمام الحرب،و ان عجز عن ذلك اغتاله،و قدم الأشدق في جند مكثف إلى مكة،فلما علم الإمام خرج منها فلم يعتصم بالبيت الحرام حفظا على قداسته يقول عليه السّلام:«لأن أقتل خارجا منها-أي من مكة-بشبر أحب إلي»و يقول عليه السّلام لابن الزبير:«لئن أقتل بمكان كذا و كذا أحب إلي من أن تستحل-يعني مكة-»و قد كشفت الأيام عدم تقديس الأمويين لهذا البيت العظيم،فقد قذفوه بالمنجنيق و أشعلوا فيه النار عند ما حاربوا ابن الزبير،كما استباحوا المدينة قبل ذلك..لقد تحرج الإمام كأشد ما يكون التحرج على قداسة بيت اللّه من أن تنتهك حرمته،فنزح عنه لئلا تسفك فيه الدماء.

2-الخوف من الاغتيال

و خاف الإمام من الاغتيال في مكة أو يقع غنيمة باردة بأيدي الأمويين فقد دس

ص: 65

إليه يزيد شرطته لاغتياله،يقول عبد اللّه بن عباس في رسالته ليزيد:«و ما أنس من الأشياء فلست بناس اطرادك الحسين بن علي من حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى حرم الله و دسك إليه الرجال تغتاله فأشخصته من حرم اللّه إلى الكوفة فخرج منها خائفا يترقب و قد كان أعز أهل البطحاء بالبطحاء قديما و أعز أهلها بها حديثا،و اطوع أهل الحرمين بالحرمين لو تبوأ بها مقاما و استحل بها قتالا».

3-رسالة مسلم

و مما دعا الإمام إلى الخروج من مكة رسالة سفيره مسلم بن عقيل التي تحثه على السفر إلى العراق،و قد جاء فيها:إن جميع أهل الكوفة معه و ان عدد المبايعين له يربو على ثمانية عشر ألفا...هذه بعض الأسباب التي حفزت الإمام على الخروج إلى العراق،و ان من أوهى الأقوال القول بأن خروجه من مكة كان راجعا إلى وجود ابن الزبير فيها،فإن ابن الزبير لم تكن له أية أهمية حتى يخرج الإمام منها،و إنما الأسباب التي ألمعنا إليها فقد أصبحت مكة لا تصلح لأن تكون مركزا للحركات السياسية بعد أن أصبحت مهددة بغزو الجيوش الأموية لها.

ص: 66

خطاب الإمام عليه السّلام في مكة

و لما عزم الإمام على مغادرة الحجاز و التوجه إلى العراق أمر بجمع الناس ليلقي عليهم خطابه التاريخي،و قد اجتمع إليه خلق كثير في المسجد الحرام من الحجاج و أهالي مكة فقام فيهم خطيبا فاستهل خطابه بقوله:

«الحمد لله و ما شاء الله،و لا قوة إلا بالله،و صلّى اللّه على رسوله خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة،و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف،و خير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلاة بين النواويس و كربلاء،فيملأن مني اكراشا جوفا،و أجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم،رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه،و يوفينا أجور الصابرين،لن تشذ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لحمته،بل هي مجموعة له في حضيرة القدس،تقر بهم عينه،و ينجز بهم وعده،ألا و من كان فينا باذلا مهجته،موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى».

لا أعرف خطابا أبلغ و لا أروع من هذا الخطاب فقد حفل بالدعوة إلى الحق و الاستهانة بالحياة في سبيل الله،و قد جاء فيه هذه النقاط:

1-إنه نعى نفسه،و رحب بالموت،و اعتبره زينة للإنسان كالقلادة التي تتزين بها جيد الفتاة،و هذا التشبيه من أروع و أبدع ما جاء في الكلام العربي.و من الطبيعي أن الموت الذي يتحلى به الإنسان إنما هو الموت في سبيل اللّه و الحق.

2-إنه أعرب عن شوقه البالغ إلى أسلافه الطيبين الذين استشهدوا في سبيل الله،و قد كان شوقه إليهم كاشتياق يعقوب إلى يوسف حسب ما يقول:

3-إنه أخبر أن اللّه تعالى قد اختار له الشهادة الكريمة،و الميتة المشرفة دفاعا

ص: 67

عن الحق وذودا عن الإسلام.

4-إنه أعلن عن البقعة الطيبة التي يسفك على صعيدها دمه الزاكي و هي ما بين النواويس و كربلاء،فبها تتقطع أوصاله،و تتناهب الرماح جسمه الشريف.

5-إنه أخبر أن الذئاب الكاسرة من وحوش بني أمية و أذنابهم لا يقر لهم قرار حتى تمتلى اكراشهم من لحمه و دمه،و هو كناية عن تسلطهم على الأمة بعد قتله، فيمعنون في نهب ثروات الأمة و خيراتها.

6-و أخبر عليه السّلام أن ما يجري عليه من الخطوب و الأهوال أمر لا محيص عنه،فقد خط عليه بالقلم و جرى في علم الله،و ليس من الممكن بأي حال من الأحوال تبديل أو تغيير ما كتبه اللّه عليه.

7-أعلن أن اللّه تعالى قد قرن رضاه برضا أهل البيت،و قرن طاعته بطاعتهم، و حقا أن يكون ذلك فهم دعاة دين اللّه و الادلاء على مرضاته و تحملوا من الأهوال التي لا توصف في سبيله.

8-إنه تحدث عن نزعة كريمة من نزعات أهل البيت عليهم السّلام و هي الخلود إلى الصبر، و التسليم لأمر اللّه على ما يجري عليهم من عظيم المحن و الخطوب،و ان اللّه تعالى قد أجزل لهم الثواب و وفاهم بذلك أجور الصابرين.

9-و أخبر عليه السّلام أن الواقع المشرق لأهل البيت إنما هو امتداد ذاتي لواقع الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله فهم لحمته و فرعه و الفرع لا يختلف عن أصله،و سوف تقر عين النبي صلّى اللّه عليه و اله في حضيرة القدس بعترته التي سهرت على أداء رسالته و جاهدت كأعظم ما يكون الجهاد في الذود عن دينه.

10-إنه دعا المسلمين إلى الخوض معه في ساحات الجهاد،و ان من ينطلق معه فقد بذل مهجته و وطّن نفسه على لقاء الله.

و هذه النقاط المشرقة في خطابه دلت على أنه آيس من الحياة و عازم على الموت،و مصمم على التضحية و لو كان يروم الملك لما عرض لذلك و كان عليه أن

ص: 68

يقدم الوعود المعسولة،و الآمال البراقة لمن يسير معه.

و لم يستجب لنداء الإمام أحد من أهالي مكة،و لا أحد من الحجاج الذين سمعوا خطابه سوى نفر يسير من المؤمنين.و هذا مما يكشف عن قلة الوعي الديني، و تخدير المجتمع،و انحرافه عن الحق.

إتمام العمرة

و لما عزم الإمام على مغادرة مكة أحرم للعمرة المفردة فطاف بالبيت و سعى و قصر و طاف طواف النساء،و أحل من عمرته،و ذكر الشيخ المفيد أن الإمام الحسين لما أراد التوجه إلى العراق طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل من احرامه و جعلها عمرة لأنه لم يتمكن من إتمام الحج مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفذ به إلى يزيد و هذا لا يخلو من تأمل فإن المصدود عن الحج يكون احلاله بالهدي حسبما نص عليه الفقهاء لا بقلب إحرام الحج إلى عمرة فإن هذا لا يوجب الاحلال من احرام الحج،أما ما ذكرناه فتدعمه روايتان ذكرهما الشيخ الحر بالعاملي في وسائل الشيعة في كتاب الحج في«باب أنه يجوز أن يعتمر في أشهر الحج عمرة مفردة،و يذهب حيث شاء».

أما الروايتان فهما:

1-رواها إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم خرج إلى بلاده قال:لا بأس و إن حج من عامه ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم،و ان الحسين بن علي عليه السّلام خرج يوم التروية إلى العراق و كان معتمرا.

2-رواها معاوية بن عمار قال:قلت لأبي عبد الله:من أين افترق المتمتع و المعتمر؟

فقال عليه السّلام:إن المتمتع مرتبط بالحج،و المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء،و قد

ص: 69

اعتمر الحسين عليه السّلام في ذي الحجة ثم راح يوم التروية في العراق،و الناس يروحون إلى منى،و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج و هذه الرواية نص فيما ذكرناه.

الخروج قبل الحج

و الشي الذي يدعو إلى التساؤل هو أن الإمام عليه السّلام قد غادر مكة في اليوم الثامن من ذي الحجة و هو اليوم الذي يتأهب فيه الحجاج للخروج إلى عرفة فلماذا لم يتم حجه؟و فيما أحسب أن هناك عدة عوامل دعته إلى الخروج من مكة بهذه السرعة و هي:

1-أن السلطة قد ضايقته مضايقة شديدة حتى اطمأنّ أنها ستفتح معه باب الحرب أو تغتاله و هو مشغول في أداء مناسك الحج،و تستحل بذلك حرمة الحج، كما تضيع أهدافه المقدسة التي منها تحرير الأمة تحريرا كاملا من الذل و العبودية.

2-إنه إذا لم تناجزه السلطة أيام مناسك الحج،فإنها حتما ستناجزه الحرب بعدها فيصبح في مكة أما مقاتلا أو مقتولا و في كلا الأمرين سفك للدماء في البيت الحرام و في الشهر الحرام فغادر مكة حفاظا على المقدسات الإسلامية.

3-إن خروجه في ذلك الوقت الحساس كان من أهم الوسائل الإعلامية ضد السلطة في ذلك العصر فإن حجاج بيت اللّه الحرام قد حملوا إلى أقطارهم نبأ خروج الإمام في هذا الوقت من مكة و هو غضبان على الحكم الأموي،و إنه قد أعلن الثورة على يزيد،و لم يبق في مكة صيانة للبيت الحرام من أن ينتهك على أيدي الأمويين..

هذه بعض الأسباب التي حفّزت الإمام على الخروج قبل إتمام حجه.

ص: 70

مع ابن الزبير

و لما علم ابن الزبير بمغادرة الإمام إلى العراق خفّ إليه يسأله عن مسألة لم يهتد إليها فقال له:

«يابن رسول اللّه لعلنا لا نلتقي بعد اليوم،فأخبرني متى يرث المولود و يورث؟ و عن جوائز السلطان هل تحل أم لا؟».

فأجابه عليه السّلام«أما المولود فإذا استهل صارخا..و أما جوائز السلطان فحلال ما لم يغصب الأموال».

و لم تكن عند ابن الزبير أية بضاعة فقهية فراح يستفتي الإمام في مثل هذه الأمور الواضحة،و الغريب انه مع هذا الحال كيف يتصدى لإمامة المسلمين و خلافتهم؟!!

السفر إلى العراق

و قبل أن يغادر الإمام مكة انطلق إلى البيت الحرام فأدى له التحية بطوافه و صلاته،و كان ذلك هو الوداع الأخير له و أدى فيه فريضة صلاة الظهر ثم خرج مودعا له لقد انطلق الحسين مودعا الكعبة حاملا روحها بين جنبيه و شعلتها بكلتا يديه.

تواكبه الملائك و تباركه و تطيف به كأنها حذرة عليه...

فإنه البقية من إرث السماء على الأرض.

لقد نزح عن مكة خائفا من حفيد أبي سفيان،كما نزح عنها جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله خوفا من المشركين بزعامة أبي سفيان،و قد صحبه اثنان و ثمانون رجلا من أهل بيته و خاصته و مواليه كما صحب معه السيدات من مخدرات الرسالة و عقائل

ص: 71

النبوة..لقد خرج الإمام و هو يحمل معه التحرير الكامل للأمة الإسلامية يريد أن يقيم في ربوعها حكم القرآن،و عدالة السماء و يرد عنها كيد المعتدين.

و كان خروجه فيما يقوله أكثر المؤرخين في اليوم الثامن من ذي الحجة سنة ستين من الهجرة و قد خيّم الأسى على أهل مكة فلم يبق أحد إلا حزن لخروجه..

و انفصل الركب عن مكة،فلم ينزل الإمام منزلا إلا حدث أهل بيته عن مقتل يحيى ابن زكريا متنبئا بما سيجري عليه من القتل كما جرى على يحيى.

ملاحقة السلطة له

و لم يبعد الإمام كثيرا عن مكة حتى لا حقته مفرزة من الشرطة بقيادة يحيى بن سعيد،فقد بعثها والي مكة عمرو بن سعيد لصد الإمام عن السفر إلى العراق، و جرت بينهما مناوشات،و قد عجزت الشرطة عن المقاومة و كان ذلك الإجراء فيما نحسب صوريا،فقد خرج الإمام في وضح النهار من دون أية مقاومة تذكر...لقد كان الغرض من إرسال هذه المفرزة العسكرية إبعاد الإمام عن مكة،و التحجير عليه في الصحراء حتى يسهل القضاء عليه بسهولة،و أكد ذلك الدكتور عبد المنعم ماجد بقوله:«و يبدو لنا أن عامل يزيد على الحجاز لم يبذل محاولة جدية لمنع الحسين من الخروج من مكة إلى الكوفة بسبب وجود كثير من شيعته في عمله.بل لعله قدر سهولة القضاء عليه في الصحراء بعيدا عن أنصاره،بحيث إن بني هاشم فيما بعد اتهموا يزيد بأنه هو الذي دس إليه الرجال حتى يخرج».

ص: 72

اتصال دمشق بالكوفة

و كانت دمشق على اتصال دائم بالكوفة،كما كانت على علم بجميع تحركات الإمام،و قد اضطربت من فشل المؤامرة التي دبرتها لاغتياله في مكة و نزوحه إلى العراق ليتولى بنفسه قيادة الثورة التي عهد بشؤونها إلى سفيره مسلم بن عقيل...

و قد صدرت من يزيد عدة رسائل إلى حاكم الكوفة الطاغية ابن زياد،و هي تضع له المخططات الرهيبة التي يسلكها و تأمره بالحزم أمام الأحداث التي تعترض طريقه، و من بين هذه الرسائل:

1-كتب يزيد هذه الرسالة إلى ابن زياد بعد ما خرج الإمام من مكة و قد جاء فيها «أما بعد عليك بالحسين بن علي لا يفوت بادره قبل أن يصل إلى العراق».

و منطق هذه الرسالة إلزام السلطة بالكوفة المبادرة التامة لقتال الحسين في الصحراء قبل أن يصل إلى العراق،و عدم التماهل في ذلك.

2-و قد جاء فيها«أما بعد:فقد بلغني أن حسينا قد سار إلى الكوفة و قد ابتلي به زمانك من بين الأزمان و بلدك من بين البلدان،و ابتليت به أنت من بين العمال، و عندها تعتق أو تعود عبدا كما يعتق العبيد».

و تحمل هذه الرسالة طابعا من القسوة و الشدة،فقد أنذر فيها يزيد عامله ابن زياد فيما إذا قصر في مهمته،و لم يخلص في حربه للحسين أن يفصم التحاقه ببني أمية،و يعود إلى جده عبيد الرومي فيكون عبدا كسائر العبيد يباع و يعتق...و قد أعلن ابن زياد-فور وصول هذه الرسالة إليه-الأحكام العرفية،و أغلق جميع الحدود العراقية فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام،و إلى طريق البصرة،فلم يدع أحدا

ص: 73

يلج إلى صحراء العراق و لا أحدا يخرج منه.كما شكل قطعات من الجيش تجوب في العراق للتفتيش عن الإمام الحسين،و من بينها الكتيبة العسكرية التي تضم زهاء ألف فارس بقيادة الحر بن يزيد الرياحي،و هي التي أرغمت الإمام على النزول في كربلاء،و صرفته من التوجه إلى بلد آخر.

3-و عهد يزيد إلى ابن زياد أن يجزل بالعطاء إلى الزعماء و الوجوه و غيرهم حتى يستميل ودهم،و هذا نص رسالته.

«أما بعد:فزد أهل الكوفة أهل السمع و الطاعة في أعطياتهم مائة مائة»و أغدق ابن زياد الأموال على الأعيان و الوجوه فاستمالهم لحرب ابن رسول الله.

ص: 74

موقف الأمويين

اشارة

أما موقف الأمويين إزاء تحرك الإمام،و مغادرته الحجاز إلى العراق فقد كان مضطربا فطائفة منهم كانت تحب العافية و تخاف عواقب الأمور و تخشى على الإمام أن يناله ابن زياد بمكروه فيكون ذلك سببا لزوال ملكهم،و طائفة كانت تخاف على العرش الأموي و تحذر من ذهاب الملك منهم و ترى ضرورة البطش بالإمام و مقابلته ليسلم لهم الملك و السلطان.أما الطائفة الأولى فيمثلها الوليد بن عتبة،و أما الثانية فيمثلها عمرو بن سعيد الأشدق،و قد كتب كل منهما رسالة لابن زياد تمثل رأيه و اتجاهه.

ص: 75

1-رسالة الوليد بن عتبة

اشارة

و ليس في بني أمية مثل الوليد بن عتبة في أصالة رأيه و عمق تفكيره فقد فزع حينما علم بمغادرة الإمام للحجاز و توجهه إلى الكوفة،و هو يعلم بغرور يزيد و طيش ابن زياد،فرفع رسالة إلى ابن زياد يحذره فيها من أن ينال الإمام بمكروه فإن ذلك يعود بالأضرار البالغة على بني أمية،و هذا نص رسالته:

«من الوليد بن عتبة إلى عبيد الله بن زياد،أما بعد:فإن الحسين بن علي قد توجه نحو العراق،و هو ابن فاطمة،و فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فاحذر يا بن زياد من أن تبعث إليه رسولا فتفتح على نفسك ما لا تختار من الخاص و العام و السلام...».

و لم يعن به ابن زياد،و إنما مضى سادرا في غيه و طيشه مطبقا لما عهدت إليه حكومة دمشق.

اشتباه ابن كثير

و اشتبه ابن كثير فزعم أن مروان كتب لابن زياد ينصحه بعدم التعرض للحسين،و يحذره مغبة الأمر،و رسالته التي بعثها إليه تضارع رسالة الوليد السابقة مع بعض الزيادة عليها و هذا نصها:

«أما بعد:فإن الحسين بن علي قد توجه إليك،و هو الحسين ابن فاطمة.و فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و تالله ما أحد يسلمه اللّه أحب إلينا من الحسين،فإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شي،و لا تنساه العامة،و لا تدع ذكره آخر الدهر و السلام».

ص: 76

إن من المقطوع به أن هذه الرسالة ليست من مروان فإنه لم يفكر بأي خير يعود للأمة،و لم يفعل في حياته أي مصلحة للمسلمين،يضاف إلى ذلك مواقفه العدائية للعترة الطاهرة و بالأخص للإمام الحسين فهو الذي أشار على حاكم المدينة بقتله، و حينما بلغه مقتل الإمام أظهر الفرح و السرور فكيف يوصي ابن زياد برعايته و الحفاظ عليه؟

2-رسالة الأشدق

و أرسل إلى ابن زياد عمرو بن سعيد الأشدق رسالة يأمره فيها بأن يتخذ مع الإمام جميع الاجراءات الصارمة،و قد جاء فيها:

«أما بعد:فقد توجه إليك الحسين،و في مثلها تعتق أو تكون عبدا تسترق كما تسترق العبيد» (1).

ص: 77


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:39/3.

حوادث على الطريق الى العراق

مصادرة أموال ليزيد

و لم يبعد الإمام كثيرا عن مكة حتى اجتازت عليه و هو في«التنعيم»قافلة من العير تحمل ورسا و حللا كثيرة أرسلها والي اليمن بجير بن يسار إلى الطاغية يزيد فأمر الإمام بمصادرتها،و قال لأصحاب الإبل من أحب منكم أن ينصرف معنا إلى العراق أو فينا كراءه و أحسنا صحبته،و من أحب المفارقة أعطيناه من الكراء على ما قطع من الأرض،ففارقه بعضهم بعد أن استوفى كراءه،و مضى في صحبته من أحب منهم و قد أنقذ الإمام هذه الأموال من أن تنفق على موائد الخمور،و تدعيم الظلم،و الإساءة إلى الناس،و قد تقدم أن الإمام قام بنفس هذه العملية أيام معاوية، و قد ذهب آية اللّه المغفور له السيد مهدي آل بحر العلوم إلى عدم صحة ذلك،فإن مقام الإمام أسمى و أرفع من الإقدام على مثل هذه الأمور و الذي نراه أنه لا مانع من ذلك إطلاقا فإن الإمام كان يرى الحكم القائم في أيام معاوية و يزيد غير شرعي، و يرى أن أموال المسلمين تنفق على فساد الأخلاق و نشر العبث و المجون فكان من الضروري انقاذها لتنفق على الفقراء و المحتاجين و أي مانع شرعي أو اجتماعي من ذلك؟

ص: 78

مع الفرزدق

و لما انتهى موكب الإمام إلى موضع يسمى ب«الصفاح» (1)التقى الشاعر الكبير الفرزدق همام بن غالب بالإمام،فسلم عليه و حياه،و قال له:

«بأبي أنت و أمي يابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما أعجلك عن الحج».

«لو لم أعجل لأخذت».

و بادره الإمام قائلا:

-من أين أقبلت يا أبا فراس؟

-من الكوفة.

-بيّن لي خبر الناس.

-على الخبير سقطت،قلوب الناس معك،و سيوفهم مع بني أمية و القضاء ينزل من السماء،و اللّه يفعل ما يشاء...و ربنا كل يوم هو في شأن.

و استصوب الإمام حديث الفرزدق فقال له:

«صدقت لله الأمر من قبل و من بعد،يفعل اللّه ما يشاء،و كل يوم ربنا في شأن، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد اللّه على نعمائه.و هو المستعان على أداء الشكر، و إن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعد من كان الحق نيته و التقوى سريرته..».

ثم حرك الحسين راحلته فقال:السلام عليك (2).

ص: 79


1- الصفاح بين حنين و انصاب الحرم يسرة الداخل إلى مكة.
2- الطبري 218/6،و ابن الأثير 16/4،و ارشاد المفيد ص 201،و ابن كثير 168/8،و أنساب الأشراف ص 165-166.

و أنشأ الإمام يقول:

لئن كانت الدنيا تعد نفيسة فدار ثواب اللّه أعلى و أنبل

و إن كانت الأبدان للموت أنشئت فقتل امرى بالسيف في اللّه أفضل

و ان كانت الأرزاق شيئا مقدرا فقلة سعي المرء في الرزق أجمل

و ان كانت الأموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء يبخل

و سأله الفرزدق عن بعض المسائل الشرعية فأجابه عنها،ثم سلم عليه و انصرف عنه..و يعطينا هذا الالتقاء صورة عن خنوع الناس،و عدم اندفاعهم لنصرة الحق،فالفرزدق الذي كان يملك و عيا اجتماعيا و وعيا ثقافيا مع علمه بأن الإمام سيقتل لم يندفع إلى نصرته و الالتحاق بموكبه ليذب عنه،فإذا كان هذا حال الفرزدق،فكيف بغيره من سواد الناس و جهالهم.

و على أي حال فقد واصل الإمام مسيرته بعزم و ثبات،و لم يثنه عن نيته قول الفرزدق في تخاذل الناس عنه،و تجاوبهم مع بني أمية،و لو كان الإمام يروم الملك لصده قول الفرزدق عن التوجه إلى العراق».6.

ص: 80

كتاب الحسين لأهل الكوفة

و لما وافى الإمام الحسين الحاجر من بطن ذي الرمة،و هو أحد منازل الحج من طريق البادية كتب كتابا لشيعته من أهل الكوفة يعلمهم بالقدوم إليهم.و قد جاء فيه بعد البسملة:

«من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين و المسلمين،سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد،فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني بحسن رأيكم و اجتماع ملئكم على نصرنا،و الطلب بحقنا،فنسأل الله أن يحسن لنا الصنيع،و أن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر و قد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية،فإذا قدم عليكم رسولي فاكتموا أمركم، وجدوا فإني قادم عليكم من أيامي هذه إن شاء الله و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته» (1).

و دفع الكتاب بيد البطل الفذ قيس بن مسهر الصيداوي فأخذ يجد في السير لا يلوي على شيء حتى انتهى إلى القادسية فاستولت عليه مفرزة من الشرطة أقيمت هناك تفتش كل من يدخل للعراق و يخرج منه تفتيشا دقيقا،و أسرع قيس إلى الكتاب فخرقه لئلا تطلع الشرطة على ما فيه و أرسلته الشرطة مخفورا و معه القطع

ص: 81


1- الطبري 223/6-224،الاخبار الطوال للدينوري ص 245،و كان الحاجر ببطن الرمة و يجتمع فيه أهل الكوفة و البصرة بطريق مكة-مادة الحاجر و بطن الرمة بمعجم البلدان و راجع أنساب الأشراف ص 166.

المخرقة من الكتاب إلى الطاغية ابن زياد فلما مثل عنده قال له:

-من أنت؟

-رجل من شيعة أمير المؤمنين الحسين بن علي.

-لم خرقت الكتاب الذي كان معك؟

-خوفا من أن تعلم ما فيه.

-ممن الكتاب و إلى من؟

-من الحسين إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم.

و غضب الطاغية و فقد إهابه و صاح به:

«و اللّه لا تفارقني أبدا،أو تدلني على هؤلاء القوم الذين كتب إليهم هذا الكتاب،أو تصعد المنبر فتسب الحسين و أباه و أخاه،فتنجو من يدي أو لأقطعنك».

فقال له قيس:

«أما هؤلاء القوم فلا أعرفهم،و أما اللعن فأفعل».

و ظن ابن زياد أنه من قبيل أو غاد أهل الكوفة الذين تغريهم المادة و يرهبهم الموت و ما عرف أنه من أفذاذ الأحرار الذين يصنعون تأريخ الأمم و الشعوب، و ترتفع بهم كلمة الحق و العدل في الأرض..و أمر ابن مرجانة بجمع الناس في المسجد الأعظم ليريهم من لعن قيس لأهل البيت-كما توهم-أمثلة لنكث العهد حتى يعلمهم عليها و يجعلها من أخلاقهم و ذاتياتهم.

و انبرى البطل العظيم و هو هازىء من الموت و ساخر من الحياة ليؤدي رسالة الله بأمانة و إخلاص،فاعتلى منصة المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله و أكثر من الترحم على علي و ولده ثم لعن عبيد اللّه و لعن أباه و عتاة بني أمية عن آخرهم،و رفع صوته الهادر الذي هو صوت الحق و الإسلام قائلا:

«أيها الناس...ان الحسين بن علي خير خلق اللّه ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنا

ص: 82

رسوله إليكم،و قد فارقته بالحاجر فأجيبوه..».

و أسرعت الجلاوزة إلى ابن زياد فأخبرته بشأنه فتميز غيظا،و أمر أن يصعد به من أعلى القصر فيرمى منه و هو حي،و أمسكته الشرطة و ألقت به من أعلى القصر فتقطعت أوصاله و تهشمت عظامه،و مات ميتة الأبطال في سبيل مبدئه و عقيدته..

و لما بلغ مقتله الحسين بلغ به الحزن أقصاه،و استعبر باكيا و اندفع يقول:

«اللّهم اجعل لنا و لشيعتنا منزلا كريما عندك،و اجمع بيننا و إياهم في مستقر رحمتك إنك على كل شيء قدير» (1).

مع أبي هرة

و لما انتهى الإمام إلى ذات عرق خف إليه أبو هرة فقال له:يابن رسول اللّه ما الذي أخرجك عن حرم الله،و حرم جدك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و تأثر الإمام،فقال له:

«ويحك يا أبا هرة إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت،و شتموا عرضي فصبرت،و طلبوا دمي فهربت و ايم اللّه لتقتلني الفئة الباغية،و ليلبسهم اللّه ذلا شاملا،و سيفا قاطعا، و ليسلطن عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم و دمائهم حتى أذلتهم».

و انصرف الإمام،و هو ملتاع حزين من هؤلاء الناس الذين لا يملكون وعيا لنصرة الحق قد آثروا العافية و كرهوا الجهاد في سبيل الله.

ص: 83


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:42/3.

مع بعض مشايخ العرب

و لما انتهت قافلة الإمام إلى(بطن العقبة)بادر إليه بعض مشايخ العرب المقيمين هناك فقال له:

«أنشدك اللّه إلا ما انصرفت،ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف و ان هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال،و وطؤوا لك الأمور فقدمت على غير حرب كان ذلك رأيا و أما على هذا الحال الذي ترى فلا أرى لك ذلك».

فقال عليه السّلام:«لا يخفى علي شيء مما ذكرت،و لكني صابر و محتسب إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا».

فزع السيدة زينب

و سارت قافلة الإمام حتى انتهت إلى(الخزيمية)و هي إحدى منازل الحج فأقام فيها الإمام يوما و ليلة ليستريح من جهد الطريق و عناء السفر،و قد خفت إليه أخته الحوراء عقيلة بني هاشم،و هي تجر ذيلها و قلبها الزاكي يتقطع من الأسى و الحزن، و هي تقول له بنبرات مشفوعة بالبكاء إني سمعت هاتفا يقول:

ألا يا عين فاحتفلي بجهد فمن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا بمقدار إلى إنجاز وعدي

فقال لها أبي الضيم:

«يا أختاه كل الذي قضي فهو كائن».

لقد أراد من شقيقته أن تخلد إلى الصبر،و أن تقابل الخطوب و الرزايا برباطة جأش و عزم حتى تقوى على أداء رسالته.

ص: 84

مع زهير بن القين

و انتهت قافلة الإمام إلى«زرود»فأقام الإمام فيها بعض الوقت و قد نزل بالقرب منه زهير بن القين البجلي،و كان عثماني الهوى،و قد حج بيت اللّه في تلك السنة، و كان يساير الإمام في طريقه،و لا يحب أن ينزل معه مخافة الاجتماع به إلا أنه اضطر إلى النزول قريبا منه،فبعث إليه رسولا يدعوه إليه،و كان زهير مع جماعته يتناولون طعاما صنع لهم فأبلغه الرسول مقالة الحسين فذعر القوم و طرحوا ما في أيديهم من طعام كأن على رؤوسهم الطير،و أنكرت زوجة زهير عليه ذلك و قالت له:

«سبحان الله!!أيبعث إليك ابن بنت رسول اللّه ثم لا تأتيه لو أتيته فسمعت كلامه!!»و انطلق زهير على كره منه إلى الإمام فلم يلبث أن عاد مسرعا و قد تهلل وجهه و امتلأ غبطة و سرورا ثم أمر بفسطاطه و ما كان عنده من ثقل و متاع فحوله إلى الإمام الحسين عليه السّلام و قال لزوجته:«أنت طالق».

ماذا أسر إليه ريحانة رسول اللّه حتى جعله يتغير هذا التغيير؟هل وعده بمال أو مغنم،و لو وعده بذلك لما طلق زوجته،و لا ودع أصحابه الوداع الأخير...لقد بشّره بالشهادة و الفوز بالجنة،و ذكرّه بحديث طالت عليه الأيام فنساه...و قد حدث به أصحابه قائلا:

«سأحدثكم حديثا غزونا(بلنجر)ففتح اللّه علينا،و أصبنا غنائم ففرحنا،و كان معنا سلمان الفارسي،فقال لنا:أفرحتم بما فتح اللّه عليكم و أصبتم من الغنائم؟ فقلنا نعم:فقال إذا أدركتم سيد شباب آل محمد صلّى اللّه عليه و اله فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه مما أصبتم اليوم من الغنائم».

ص: 85

و روى إبراهيم بن سعيد و كان قد صحب زهيرا حينما مضى إلى الإمام أنه عليه السّلام قال له:إنه يقتل في كربلاء،و إن رأسه الشريف يحمله زجر بن قيس إلى يزيد يرجو نواله فلا يعطيه شيئا.

لقد ساعد التوفيق زهيرا فالتحق بموكب العترة الطاهرة،و صار من أصلب المدافعين عنها،و من ألمع أصحاب الإمام،ففداه بروحه و استشهد في سبيل قضيته العادلة (1).3.

ص: 86


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:44/3.

النبأ المفجع بمقتل مسلم

اشارة

أما النبأ المفجع بمقتل مسلم فقد حمله إلى الإمام عبد اللّه بن سليمان و المنذر بن المشمعل الأسديان،و كانا-فيما يقول المؤرخون-قد انتهيا من أداء مناسك الحج، و كانت لهما رغبة ملحة في الاتصال بالإمام و التعرف على شؤونه فأخذا يجذان في السير حتى التحقا به في زرود،و بينما هما معه و إذا برجل قد أقبل من جهة الكوفة فلما رأى الحسين عدل عن الطريق،و قد وقف الحسين يريد مسألته فلما رآه قد مال عنه سار في طريقه،و لما عرف الأسديان رغبة الإمام في سؤاله تبعاه حتى أدركاه فسلما عليه و سألاه عن أسرته فأخبرهما أنه أسدي فانتسبا له ثم سألاه عن خبر الكوفة،فقال لهما:انه لم يخرج منها حتى قتل مسلم بن عقيل و هانىء بن عروة، و رآهما يجران بأرجلهما في الأسواق،و ودعاه،و أقبلا مسرعين حتى لحقا بالإمام، فلما نزل الإمام بالثعلبية قالا له:

«رحمك اللّه إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك علانية،و إن شئت سرا»...

و تأمل في أصحابه فقال عليه السّلام:

«ما دون هؤلاء سر».

«أرأيت الراكب الذي استقبلته عشاء أمس؟».

«نعم و أردت مسألته»

«و اللّه استبرأنا لك خبره،و كفيناك مسألته،و هو امرؤ منا ذو رأي و صدق و عقل،و إنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم و هانىء و رآهما يجران في السوق بأرجلهما».

ص: 87

و كان النبأ المؤلم كالصاعقة على العلويين فانفجروا بالبكاء على فقيدهم العظيم حتى ارتج الموضع بالبكاء و سالت الدموع كل مسيل و استبان للإمام غدر أهل الكوفة،و أيقن أنه مع الصفوة من أهل بيته و أصحابه سيلاقون نفس المصير الذي لاقاه مسلم،و انبرى إلى الإمام بعض أصحابه فقال له:«ننشدك الله إلا رجعت من مكانك فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة بل نتخوف أن يكونوا عليك».

و التفت الإمام إلى بني عقيل فقال لهم:

«ما ترون فقد قتل مسلم؟».

و وثبت الفتية و هي تعلن استهانتها بالموت قائلين:

«لا و اللّه لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق مسلم».

و راح الإمام يقول بمقالتهم:

«لا خير في العيش بعد هؤلاء».

و قال عليه السّلام متمثلا:

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى اذا ما نوى حقا و جاهد مسلما فإن مت لم أندم و إن عشت لم آلكفى بك عارا أن تذل و ترغما

لقد مضى الإمام قدما،و هو مرفوع الجبين و قد أيقن أنه يسير إلى الفتح الذي ليس مثله فتح،لقد مضى ليؤدي رسالة اللّه بأمانة و إخلاص كما أداها جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله من قبل (1).

وصول النبأ بمصرع عبد الله

و لما انتهت قافلة الإمام إلى«زبالة»و افاه النبأ الفظيع بقتل رسوله عبد اللّه بن يقطر،و كان الإمام قد أوفده للقيا مسلم بن عقيل فألقت عليه الشرطة القبض في

ص: 88


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:51/3.

القادسية،و بعثته مخفورا إلى ابن مرجانة فلما مثل عنده صاح به الخبيث:

«اصعد المنبر،و العن الكذاب ابن الكذاب،ثم انزل حتى أرى رأيي فيك..».

و ظن ابن مرجانة أنه يفعل ذلك،و ما درى أنه من أفذاذ الأحرار الذين ترتفع بهم كلمة اللّه في الأرض و اعتلى البطل العظيم المنبر،و رفع صوته الهادر قائلا:

«أيها الناس أنا رسول الحسين بن فاطمة،لتنصروه و تؤازروه على ابن مرجانة الدعي ابن الدعي لعنه الله».

و أخذ يلعن ابن زياد،و يذكر مساوى بني أمية،و يدعو إلى نصرة ريحانة الرسول صلّى اللّه عليه و اله فاستشاط ابن زياد غضبا،و أمر أن يلقى من فوق القصر كما فعل بقيس بن مصهر الصيداوي،فرمته الشرطة من أعلى القصر فتكسرت عظامه، و بقي به رمق من الحياة فأسرع إليه الوغد الخبيث عبد الملك اللخمي فذبحه ليتقرب إلى سيده ابن مرجانة،و قد عاب الناس عليه ذلك فاعتذر لهم أنه أراد أن يريحه.

و لما انتهى خبره إلى الإمام عليه السّلام شق عليه ذلك،و يئس من الحياة و أمر بجمع أصحابه،و الذين اتبعوه طلبا للعافية لا للحق فقال لهم:

«أما بعد:فقد خذلنا شيعتنا،فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام».

و تفرق عنه ذباب المجتمع من أرباب المطامع الذين تبعوه لأجل الغنيمة، و خلص إليه الصفوة من أصحابه الذين جاؤوا معه من مكة و لو كان الحسين يروم الملك و السلطان لما صارح الذين اتبعوه بالأوضاع الراهنة التي تحيط به،فقد أعلمهم أن من يلتحق به لا ينال منصبا أو مالا و إنما يقدم إلى ساحات الجهاد فيفوز بالشهادة و لو كان من عشاق الملك لما أدلى بذلك في تلك الساعات الحرجة الذي هو في أمس الحاجة إلى الناصر و الصديق الذي يذب عنه.

لقد نصح الإمام أصحابه و أهل بيته مرارا في التخلي عنه،و ما ذلك إلا ليحاربوا على بصيرة و بينة من أمرهم..و فعلا فقد تبعه خيرة الرجال و أصلبهم في الدفاع

ص: 89

عن الحق،تبعوه و نفوسهم مليئة بالإيمان بالله،و الإخلاص إلى الجهاد في سبيله.

رؤيا الإمام الحسين عليه السلام

و خفق الإمام الحسين وقت الظهيرة فرأى رؤيا أفزعته،فانتبه مذهولا فأقبل عليه ولده البار علي الأكبر فقال له:

-ما لي أراك فزعا؟

-رأيت رؤيا أهالتني.

-خيرا رأيت؟

و فاجأه أبوه بالرؤيا المفجعة قائلا:

«رأيت فارسا وقف علي،و هو يقول:أنتم تسرعون،و المنايا تسرع بكم إلى الجنة،فعلمت أن أنفسنا قد نعيت إلينا».

و أسرع الولد البار قائلا:

«ألسنا على الحق؟».

«بلى و الذي إليه مرجع أمر العباد».

و طفق فخر هاشم يلقي على الأجيال أروع صور الإيمان و التضحية في سبيل الله قائلا لأبيه:

«يا أبة لا نبالي بالموت..».

و وجد الحسين في ولده خير عون له على أداء رسالته الكبرى،فشكره على ذلك قائلا:

«جزاك اللّه يا بني خير ما جزي به ولد عن والده..» (1).

ص: 90


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:48/3.

الالتقاء بالحر

اشارة

و انتهى موكب الإمام إلى شراف،و فيها عين للماء فأمر الإمام فتيانه أن يستقوا من الماء،و يكثروا منه،ففعلوا ذلك،ثم سارت القافلة تطوي البيداء،و بادر بعض أصحاب الإمام فكبر،فاستغرب الإمام و قال له:

-لم كبرت؟

-رأيت النخل.

و أنكر عليه رجل من أصحاب الإمام ممن خبر الطريق و عرفه فقال له:

«ليس ههنا نخل،و لكنها أسنة الرماح و آذان الخيل».

و تأملها الإمام فطفق يقول:و أنا أرى ذلك،و عرف الإمام أنها طلائع جيش العدو جاءت لمناهضته،فقال لأصحابه:

«أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا،و نستقبل القوم من وجه واحد؟».

و كان بعض أصحابه ممن يعرف سنن الطريق فقال له:

«بلى هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فإن سبقت إليه فهو كما تريد».

و مال موكب الإمام إليه إلا أنه لم يبعد كثيرا حتى أدركه جيش مكثف بقيادة الحر بن يزيد الرياحي كان ابن زياد قد عهد إليه أن يجوب في صحراء الجزيرة للتفتيش عن الإمام،و إلقاء القبض عليه و كان عدد الجيش زهاء ألف فارس،و وقفوا قبال الإمام في وقت الظهيرة،و كان الوقت شديد الحر،و رآهم الإمام و قد أشرفوا على الهلاك من شدة الظمأ فرق عليهم،و غض نظره من أنهم جاؤوا لقتاله و سفك دمه،فأمر أصحابه أن يسقوهم،و يرشفوا خيولهم،و قام أصحاب الإمام فسقوا الجيش ثم انعطفوا إلى الخيل فجعلوا يملأون القصاص و الطساس فإذا عب فيها

ص: 91

ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت و سقي الآخر حتى سقوا الخيل عن آخرها لقد كان الإمام على استعداد كامل في سفره،فقد كانت الأواني وحدها تسع لسقاية ألف فارس مع خيولهم،فضلا عن سائر الأثاث و الأمتعة الأخرى.

و على أي حال فقد تكرم الإمام بإنقاذ هذا الجيش الذي جاء لحربه و يقول المؤرخون إنه كان من بين هذا الجيش علي بن الطعان المحاربي،و قد تحدث عن سجاحة طبع الإمام و عظيم أخلاقه،يقول:كنت ممن أضر بي العطش،فأمرني الحسين بأن أنخ الرواية فلم أفقه كلامه لأن الرواية بلغة الحجاز هي الجمل،و لما عرف أني لم أفهم كلامه قال لي:«انخ الجمل»فأنخته و لما أردت أن أشرب جعل الماء يسيل من السقاء،فقال لي اخنث السقاء،فلم أدر ما أصنع فقام أبي الضيم فخنث السقاء حتى ارتويت أنا و فرسي.

و لم تهز هذه الأريحية و لا هذا النبل نفس هذا الجيش،و ما تأثر أحد منهم بهذا الخلق الرفيع إلا الحر فقد تأثر ضميره اليقظ الحساس بهذا المعروف و الإحسان، فاندفع بوحي من ضميره حتى التحق بالإمام و استشهد بين يديه.

خطاب الإمام

و استقبل الإمام قطعات ذلك الجيش فخطب فيهم خطابا بليغا أوضح لهم في أنه لم يأتهم محاربا،و إنما قدمت عليه رسلهم و كتبهم تحثه بالقدوم إليهم،فاستجاب لهم،و قد قال بعد حمد اللّه و الثناء عليه:

«أيها الناس إنها معذرة إلى اللّه تعالى و إليكم..إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم، و قدمت بها على رسلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام،و لعل اللّه أن يجمعنا بك على الهدى،فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم،فأعطوني ما أطمئن به من عهودكم و مواثيقكم،

ص: 92

و ان كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم».

و أحجموا عن الجواب لأن أكثرهم كانوا ممن كاتبوه بالقدوم إليهم و بايعوه على يد سفيره مسلم بن عقيل..و حضر وقت الصلاة فأمر الإمام مؤذنه الحجاج بن مسروق أن يؤذن و يقيم لصلاة الظهر،و بعد فراغه قال الإمام للحر:

-أتريد أن تصلي بأصحابك؟

-بل نصلي بصلاتك.

و ائتموا بالإمام في صلاة الظهر،و بعد الفراغ منها انصرفوا إلى أخبيتهم و لما حضر وقت صلاة العصر جاء الحر مع قومه فاقتدوا بالإمام في صلاة العصر.

خطبة الإمام

و بعد ما فرغ الإمام من صلاة العصر انبرى بعزم وثيق فخطب في ذلك الجيش خطابا رائعا،فقال بعد حمد اللّه و الثناء عليه:

«أيها الناس،إنكم إن تتقوا الله،و تعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله،و نحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم،و السائرين فيكم بالجور و العدوان،فإن أنتم كرهتمونا و جهلتم حقنا و كان رأيكم الآن على غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم».

و دعاهم بهذا الخطاب إلى طاعة الله،و التمسك بدعاة الحق و أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السّلام فهم أولى بهذا الأمر من بني أمية الذين أشاعوا فيهم الجور و الظلم، و عرض لهم أنه ينصرف عنهم إذا تبدل رأيهم،و نقضوا بيعتهم...و انبرى إليه الحر و هو لا يعلم بشأن الكتب،فقد كان-فيما يبدو-في تلك الفترة بمعزل عن الحركات السياسية في الكوفة،فقال له:

«ما هذه الكتب التي تذكرها؟».

ص: 93

فأمر الإمام عقبة بن سمعان بإحضارها،فأخرج خرجين مملوءين صحفا نثرها بين يدي الحر،فبهر الحر،و تأملها و قال:

«لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك» (1).3.

ص: 94


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:50/3.

المشادة بين الحسين و الحر

اشارة

و وقعت مشادة عنيفة بين الإمام و الحر،فقد قال الحر للإمام:قد أمرت أن لا أفارقك إذا لقيتك حتى أقدمك الكوفة على ابن زياد.و لذعت الإمام هذه الكلمات القاسية فثار في وجه الحر و صاح به:

«الموت أدنى إليك من ذلك».

لقد ترفع أبي الضيم من مبايعة يزيد،فكيف يخضع لابن مرجانة الدعي ابن الدعي؟و كيف ينقاد أسيرا إليه؟فالموت أدنى للحر من الوصول إلى هذه الغاية الرخيصة..و أمر الحسين أصحابه بالركوب،فلما استووا على رواحلهم أمرهم بالتوجه إلى يثرب،فحال بينهم و بين ذلك،فاندفع الحسين فصاح به.

«ثكلتك أمك ما تريد منا؟».

و اطرق الحر برأسه إلى الأرض،و تأمل ثم رفع رأسه فخاطب الإمام بأدب فقال له:

«أما و اللّه لو غيرك من العرب يقولها لي ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان، و لكني و اللّه ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه..».

و سكن غضب الإمام فقال له:

-ما تريد منا؟

-أريد أن انطلق بك إلى ابن زياد.

-و ثار الإمام فصاح به:

-و اللّه لا اتبعك.

ص: 95

-إذن و اللّه لا أدعك.

و كاد الوضع أن ينفجر باندلاع نار الحرب إلا أن الحر ثاب إلى الهدوء فقال للإمام:

«إنني لم أؤمر بقتالك،و إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة،فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة و لا يردك إلى المدينة،حتى اكتب إلى ابن زياد،و تكتب أنت إلى يزيد أو إلى ابن زياد فلعل اللّه أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن ابتلي من أمرك».

و اتفقا على هذا،فتياسر الإمام عن طريق العذيب و القادسية و أخذت قافلته تطوي البيداء،و كان الحر يتابعه عن كثب،و يراقبه كأشد ما تكون المراقبة.

قول شاذ

من الأقوال الشاذة التي لا مدرك لها ما ذكره البستاني،و هذا نصه:«لما قرب الحسين من الكوفة لقيه الحر بن يزيد الرياحي،و معه ألف فارس من أصحاب ابن زياد،و قال له:أرسلني عبيد اللّه عينا عليك،و قال لي ان ظفرت به لا تفارقه أو تجئ به،و أنا كاره أن يبتلني اللّه بشيء من أمرك فخذ غير هذا الطريق،و اذهب إلى حيث شئت،و أنا أقول لابن زياد إنك خالفتني في الطريق،و انشدك اللّه في نفسك،و فيمن معك،فسلك الحسين عليه السّلام طريقا غير الجادة،و رجع قاصدا إلى الحجاز،و سار هو و أصحابه ليلتهم،فلما أصبحوا لقوا الحر،فقال له الحسين:ما جاء بك؟

قال:سعي بي إلى ابن زياد أني اطلقتك بعد ما ظفرت بك،فكتب إلي أن أدركك،و لا أفارقك حتى تأتي مع الجيوش..».

و هذا القول من الأساطير فإن التقاء الإمام بالحر لم يكن قريبا من الكوفة.و إنما كان في أثناء الطريق على مرحلة قريبة من(شراف)،و مضافا إلى ذلك فإن الحر لم

ص: 96

يعرض على الإمام أن يسير حيثما شاء،و إنما صدرت إليه الأوامر المشددة من ابن زياد أن يلقي عليه القبض،و يأتي به إلى الكوفة حسبما ذكرناه،و هو مما أجمع عليه المؤرخون و أرباب المقاتل.

خطأ ابن عنبة

من الأخطاء الفاحشة ما ذكره النسابة ابن عنبة من أن الحر أراد إرغام الإمام على الدخول إلى الكوفة فامتنع،و عدل نحو الشام قاصدا إلى يزيد بن معاوية،فلما صار إلى كربلاء منعوه عن المسير،و أرسلوا إليه ثلاثين ألفا عليهم عمر بن سعد، و أرادوا دخوله إلى الكوفة و النزول على حكم عبيد اللّه بن زياد فامتنع عليهم، و اختار المضي نحو يزيد فمنعوه و ناجزوه الحرب و لم يذهب لهذا القول أحد من المؤرخين،فقد أجمعوا على أن الإمام بقي مصمما على رفض البيعة ليزيد،و لو أنه أراد أن يبايع ليزيد لما فتحوا معه باب الحرب،و ما شهروا في وجهه السيوف (1).

ص: 97


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:53/3.

رواية أخرى في المقام

اشارة

و قيل أنّ الحسين عليه السّلام سار على مرحلتين من الكوفة،فوافاه إنسان يقال له الحر بن يزيد الرياحي و معه ألف فارس من أصحاب ابن زياد شاكين في السلاح،فقال للحسين عليه السّلام:إنّ الأمير عبيد اللّه بن زياد قد أمرني أن لا أفارقك أو أقدم بك عليه و أنا و اللّه كاره أن يبتليني اللّه بشيء من أمرك،غير أنّي قد أخذت بيعة القوم.

فقال له الحسين عليه السلام:(إنّي لم أقدم هذا البلد حتى أتتني كتب أهله و قدمت عليّ رسلهم يطلبونني و أنتم من أهل الكوفة فإن دمتم على بيعتكم و قولكم فيّ و كتبكم دخلت مصركم و إلاّ انصرفت من حيث أتيت).

فقال له الحر:و اللّه ما أعلم هذه الكتب،و لا الرسل و أنا فما يمكنني الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا،فخذ طريقا غير هذا و ارجع فيه حيث شئت،لأكتب إلى ابن زياد أنّ الحسين خالفني فلم أقدر عليه،و أنشدك اللّه في نفسك.

فسلك الحسين طريقا آخر راجعا إلى جهة الحجاز غير الجادة،و سار و أصحابه طول ليلتهم فلما أصبح الحسين عليه السّلام و إذا قد ظهر الحر و جيشه فقال له الحسين عليه السّلام:(ما وراءك يا بن يزيد؟).

فقال:و افإني كتاب ابن زياد يؤنبني في أمرك و قد سيّر من هو معي،و هو عين عليّ و لا سبيل إلى مفارقتك أو نقدم بك عليه.و طال الكلام بينهما فرحل الحسين عليه السّلام و أهله و أصحابه و نزلوا كربلاء يوم الأربعاء أو الخميس على ما قيل الثاني من المحرم.

فقال عليه السّلام:(هذه كربلاء موضع كرب و بلاء،هذا مناخ ركابنا،و محط رحالنا،

ص: 98

و مقتل رجالنا).

فنزل القوم و حطوا الأثقال،و نزل الحر بجيشه قبالة الحسين عليه السّلام،ثم كتب إلى عبيد اللّه بنزول الحسين بأرض كربلاء،فكتب عبيد اللّه كتابا إلى الحسين عليه السّلام:

أما بعد،فقد بلغني يا حسين نزولك بكربلاء و قد كتب إليّ يزيد بن معاوية أن لا أتوسد الوثير،و لا أشبع من الخمير،حتى ألحقك باللطيف الخبير،أو ترجع إلى حكمي و حكم يزيد بن معاوية و السلام.

فلمّا ورد الكتاب على الحسين عليه السّلام و قرأه ألقاه من يده،و قال للرسول:(ما له عندي جواب).

فرجع الرسول فأخبر ابن زياد فاشتد غضبه،و جمع الناس و جهّز العساكر و سيّر مقدمها عمر بن سعد-و كان قد ولاّه الري و أعمالها و كتب له بها-فاستعفى من خروجه معه إلى قتال الحسين.

فقال له ابن زياد:إمّا أن تخرج و إمّا تعيد إلينا كتابنا بتوليتك الري و أعمالها و تقعد في بيتك.فاختار ولاية الري،و طلع إلى قتال الحسين عليه السّلام بالعسكر،فما زال عبيد اللّه يجهّز مقدما و معه طائفة من الناس إلى أن اجتمع عند عمر بن سعد إثنان و عشرون ألفا ما بين فارس و راجل.

و أول من خرج إلى عمر بن سعد الشمر بن ذي الجوشن السكوني في أربعة آلاف فارس،ثم زحفت خيل عمر بن سعد حتى نزلوا شاطىء الفرات،و حالوا بين الماء و بين الحسين و أصحابه،ثم كتب عبيد اللّه كتابا إلى عمر بن سعد يحثه على مناجزة الحسين عليه السّلام،فعندها ضيّق الأمر عليهم،و إشتدّ بهم العطش،فقال إنسان من أصحاب الحسين عليه السّلام يقال له يزيد بن حصين الهمداني-و كان زاهدا- للحسين عليه السّلام:إئذن لي يا بن رسول اللّه لآتي إلى ابن سعد فأكلمه في أمر الماء عساه يرتدع.

فقال له عليه السلام:(ذلك إليك).

ص: 99

فجاء الهمداني إلى عمر بن سعد فدخل عليه و لم يسلّم.

قال:يا أخا همدان ما منعك من السّلام عليّ،أ لست مسلما أعرف اللّه و رسوله!

فقال له الهمداني:لو كنت مسلما كما تقول لمّا خرجت إلى عترة رسول اللّه تريد قتلهم،و بعد فهذا ماء الفرات تشرب منه كلاب السواد و خنازيرها و هذا الحسين بن علي و إخوته و نساؤه و أهل بيته يموتون عطشا قد حلت بينهم و بين ماء الفرات أن يشربوه،و تزعم أنّك تعرف اللّه و رسوله.

فأطرق عمر بن سعد ثم قال:و اللّه يا أخا همدان إني لأعلم حرمة أذاهم و لكن:

دعاني عبيد اللّه من دون قومه إلى خطة فيها خرجت لحين

فو اللّه ما أدري و إنّي لواقف على خطر لا أرتضيه و مين

أ أترك (1)ملك الري و الري رغبتي أم أرجع مطلوبا بقتل (2)حسين

و في قتله النار التي ليس دونها حجاب و ملك الري قرة عين

يا أخا همدان ما أجد نفسي تجيبني إلى ترك الري لغيري.

فرجع يزيد بن حصين الهمداني فقال للحسين عليه السّلام:يا بن رسول اللّه إنّ عمر بن سعد قد رضي أن يقتلك بولاية الري.فلمّا تيقّن الحسين أنّ القوم مقاتلوه،أمر أصحابه فاحتفروا حفيرة شبيهة بالخندق و جعلوها جهة واحدة يكون القتال منها، و ركب عسكر بن سعد و أحدقوا بالحسين و اقتتلوا (3)و لم يزل يقتل من أهل الحسين و أصحابه واحدا واحدا إلى أن قتل من أهله و أصحابه ما ينيف على خمسين رجلا فعند ذلك ضرب الحسين بيده الخيمة (4)و صاح:(أما من مغيث يغيثنا لوجه اللّه،أما من ذاب يذب عن حرم رسول اللّه).ه.

ص: 100


1- في رواية:أ أخذ.
2- -في نسخة:بدم.
3- -في نسخة:و قتلوا.
4- في نسخة:إلى لحيته.

و إذا بالحر بن يزيد الرياحي الذي تقدم ذكره قد أقبل على فرسه إليه و قال:يا بن رسول اللّه إنّي كنت أول من خرج عليك و أنا الآن في حزبك،فمرني لأكون أول مقتول في نصرتك،لعلّي أنال شفاعة جدك غدا.

ثم كرّ على عسكر عمر بن سعد فلم يزل يقاتلهم حتى قتل و التحم القتال حتى قتل أصحاب الحسين عليه السّلام بأسرهم،و ولده و اخوته و بنو عمه و بقي وحده و بارز بنفسه إلى أن أثخنته الجراحات،و السهام تأخذه من كل جانب و الشمر في قبيلة عظيمة يقاتله.

ثم حال بينه عليه السّلام و بين رحله و حرمه فصاح الحسين عليه السّلام(ويلكم يا شيعة الشيطان (1)إن لم يكن لكم دين و لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا و ارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم أعرابا كما تزعمون،أنا الذي أقاتلكم فكفوا سفهاءكم و جهّالكم عن التعرض لحرمي،فإنّ النساء لم تقاتلكم).

فقال الشمر لأصحابه:كفوا عن النساء و حرم الرجل و اقصدوه في نفسه،ثم صاح الشمر بأصحابه و قال:ويلكم ما تنتظرون بالرجل و قد أثخنته السهام و توالت عليه الرماح و السهام.

فسقط على الأرض فوقف عليه عمر بن سعد و قال لأصحابه:إنزلوا و حزوا رأسه.

فنزل إليه نصر بن خرشبه الضبابي(لعنه اللّه)ثم جعل يضرب بسيفه في مذبح الحسين،فغضب عليه عمر بن سعد و قال لرجل عن يمينه:ويحك إنزل إلى الحسين فأرحه.

فنزل إليه خولي بن يزيد(في النار خلده اللّه) (2)فاحتز رأسه،ثم سلبوه و دخلواه.

ص: 101


1- في بعض المصادر:آل سفيان.
2- في بعض المصادر:لعنه اللّه.

على حرمه فاستلبوا بزتهن ثم إنّ عمر بن سعد أرسل بالرأس إلى ابن زياد مع بشر بن مالك (1)،فلما وضع الرأس بين يدي عبيد اللّه قال:

إملأ ركابي فضة و ذهبا فقد قتلت الملك المحجبا

و من يصلي القبلتين في الصبا و خيرهم إذ يذكرون النسبا

قتلت خير الناس أما و أبا

فغضب عبيد اللّه بن زياد من قوله ثم قال (2):إذا علمت أنّه كذلك فلم قتلته؟و اللّه لا نلت منّي خيرا و لألحقنك به،ثم قدّمه و ضرب عنقه.

ثمّ إنّ القوم إستاقوا الحرم كما تساق الأسارى حتى أتوا الكوفة فخرج الناس فجعلوا ينظرون و يبكون و ينوحون،و كان علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام و قد أنهكه المرض فجعل يقول:(ألا إنّ هؤلاء يبكون و ينوحون من أجلنا فمن قتلنا؟)

و كان اليوم الذي قتل فيه عليه السّلام قيل (3):يوم الجمعة،و هو يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى و ستين للهجرة (4)و دفن بالطف بأرض كربلاء من العراق، و مشهده عليه السّلام به معروف يزار من الجهات و الآفاق.

و هذه الوقائع أوردها صاحب كتاب الفتوح (5)،فهي مضافة إليه و عهدتها لمن أراد أن يتبعها عند مطالعتها عليه.فهذا تلخيص ما تلقّته الأذهان و العقول،مما أهداه إليها المروي و المنقول،و قد ألبس العقول (6)ثوب حداد ما لصبغة سواده فصول،ب.

ص: 102


1- -إختلفت المصادر في تسميته فيذكرونه مرة ببكر بن مالك و اخرى بسنان بن أنس و اختلفوا في الأخير بأنه أنشدها عند باب عمر بن سعد،و أخرى بين يدي إبن زياد فضرب عنقه.
2- -في نسخة زيادة:له.
3- -في نسخة:قتل.
4- تاريخ ابن الخشاب:176،مقاتل الطالبيين:78،الاستيعاب 1:378،صفة الصفوة 1:763.
5- -الفتوح لابن أعثم 5:85-139،و كذا الأخبار الطوال 249-256.
6- -في كشف الغمة:القلوب.

و على الجملة فأقول:

ألا أيّها العادون إنّ إمامكم

مقام سؤال و الرسول سؤول

و موقف حكم و الخصوم محمد

و فاطمة الزهراء و هي ثكول

و إن عليّا في الخصام مؤيد

له الحق فيما يدّعي و يقول

فماذا تردون الجواب عليهم

و ليس إلى ترك الجواب سبيل

و قد سؤتموهم في بنيهم بقتلهم

و وزر الذي أحدثتموه ثقيل

و لا يرتجى في ذلك اليوم شافع

سوى خصمكم و الشرح فيه يطول

و من كان في الحشر الرسول خصيمه

فإنّ له نار الجحيم مقيل

و كان عليكم واجبا في إعتمادكم

رعايتهم إن تحسنوا و تنيلوا

فإنّهم آل النبي و أهله

و نهج هداهم بالنجاة كفيل

مناقبهم بين الورى مستنيرة

لها غرر مجلوة و حجول

مناقب جلّت أن تحاط بحصرها

نمتها فروع قد زكت و أصول

ص: 103

مناقب من خلق النبي و خلقه

ظهرن فما يغتالهن أفول (1)

و لمّا وصل القلم في ميدان البيان إلى هذا المقام،أبدت الأيام من المام الآلام ما منع من إتمام المرام على أتم الأقسام،و لم ير حزم نظام الكلام دون موقف الإختتام،فاختصر مضمون الأبواب و اقتصر منه على اللباب،و قصر من إطناب الأطناب،و قصر إسهاب الإستهاب،فجاء محصول فصوله ملخصا (2)من تطويل مبانيه إقتصارا يتسغنى بمحصله عن النهاية فيه،و إرشادا يكتفي بمختصره عن بسيطه و حاويه (3).

و روي أيضا أنه لما سار الحسين و نزل شراف كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا.

و سار الحسين من شراف فلما انتصف النهار،كبر رجل من أصحابه فقال له مما كبرت؟

قال:رأيت النخل.

فقال رجلان من بني أسد ما بهذه الأرض نخلة قط فقال الحسين فما هو؟

فقالا:لا نراه إلاّ هوادى الخيل فقال و أنا أيضا أراه ذلك و قال لهما أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا و نستقبل القوم من وجه واحد فقالا:بلى هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد فمال إليه فما كان بأسرع من أن طلعت الخيل و عدلوا إليهم فسبقهم الحسين إلى الجبل فنزل و جاء القوم و هم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي ثم اليربوعي فوقفوا مقابل الحسين2.

ص: 104


1- -انظر الغدير 5:417.
2- -في كشف الغمة:في معانيه و مدلول اصوله مخلصا.
3- كشف الغمة:264/2.

و أصحابه في نحر الظهيرة فقال الحسين لأصحابه و فتيانه:اسقوا القوم و ارووهم من الماء و رشفوا الخيل ترشيفا و سقوا القوم من الماء حتى ارووهم و اقبلوا يملؤون القصاع و الاتوار و الطساس من الماء،ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيه ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه و سقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها،قال علي بن الطعان المحاربي:كنت آخر من جاء من أصحاب الحر فلما رأى الحسين ما بي و بفرسي من العطش قال:أنخ الرواية و الرواية عندي السقاء،ثم قال:يا ابن أخي أنخ الجمل فأنخته،فقال:اشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء،فقال الحسين أخنث السقاء أي اعطفه.

قال:فجعلت لا أدري كيف أفعل،قال:فقام الحسين فخنثه فشربت و سقيت فرسي.

قال المؤلف:الاّ يجد الباحث في أمر الإمام بارواء ألف فارس و فرسه في هذا اليوم تعليلا لما أمر به فتيانه في سحر هذا اليوم ان يستقوا و انهم استقوا و أكثروا؟ الاّ يجوز أن يكون الإمام الحسين قد سمع من جده الرسول في هذا الشأن خاصة أنباء تلقاه الرسول عن علام الغيوب؟

قال الطبري و غيره:و كان مجيء الحر من القادسية،أرسله الحصين بن نمير في هذه الألف و ذلك أن عبيد اللّه بن زياد لما بلغه اقبال الحسين بعث الحصين التميمي و كان على شرطه فأمره ان ينزل القادسية و يضع المسالح ما بين القطقطانة إلى خفان فأرسل الحصين الحر ليستقبل الحسين.

فلم يزل موافقا الحسين حتى حضرت صلاة الظهر فأمر الحسين مؤذنه بالاذان فأذن فخرج الحسين إليهم،فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أيها الناس انها معذرة إلى اللّه عزّ و جلّ و إليكم أنى لم آتكم حتى أتتني كتبكم و قدمت على رسلكم ان أقدم علينا فإنه ليس لنا امام لعل اللّه يجمعنا بك على الهدى فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فإن تعطوني ما اطمئن إليه من عهودكم و مواثيقكم أقدم مصركم و ان لم

ص: 105

تفعلوا و كنتم لمقدمي كارهين،انصرف عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم قال فسكتوا عنه و قالوا للمؤذن أقم فأقام الصلاة فقال الحسين عليه السّلام للحر:أتريد أن تصلي بأصحابك.قال:لا بل تصلي أنت و نصلي بصلاتك قال:فصلى بهم الحسين ثم إنه دخل و اجتمع إليه أصحابه و انصرف الحر إلى مكانه الذي كان به فدخل خيمة قد ضربت له فاجتمع إليه جماعة من أصحابه و عاد أصحابه إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته و جلس في ظلها فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيؤا للرحيل ثم إنه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر و أقام فاستقدم الحسين فصلى بالقوم ثم سلم و انصرف إلى القوم بوجهه فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:اما بعد أيها الناس فإنكم ان تتقوا و تعرفوا الحق لأهله يكن أرضى للّه و نحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين فيكم بالجور و العدوان و ان أنتم كرهتمونا و جهلتم حقنا و كان رأيكم غير ما أتتني كتبكم و قدمت به على رسلكم انصرفت عنكم.

فقال له الحر بن يزيد انا و اللّه ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر؟

فقال الحسين يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلى فأخرج خرجين مملؤين صحفا فنثرها بين أيديهم.

فقال الحر:فإنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك و قد أمرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتى نقدمك على عبيد اللّه ابن زياد فقال له الحسين:الموت أدنى إليك من ذلك ثم قال لأصحابه:قوموا فاركبوا فركبوا و انتظروا حتى ركبت نساؤهم فقال لأصحابه انصرفوا بنا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الانصراف فقال الحسين للحر:ثكلتك أمك،ما تريد؟

قال اما و اللّه لو غيرك من العرب يقولها لي و هو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل ان أقوله كائنا من كان و لكن و اللّه ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلاّ بأحسن ما يقدر عليه،فقال له الحسين فما تريد؟

ص: 106

قال الحر:أريد و اللّه أن انطلق بك إلى عبيد اللّه بن زياد قال له الحسين:اذن و اللّه لا أتبعك.

فقال له الحر:اذن و اللّه لا أدعك،فترادا القول ثلاث مرات و لما كثر الكلام بينهما قال له الحر إني لم أومر بقتلك و إنما أمرت ان لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة و لا تردك إلى المدينة تكون بيني و بينك نصفا حتى اكتب إلى ابن زياد و تكتب أنت إلى يزيد بن معاوية ان أردت أن تكتب إليه أو إلى عبيد اللّه بن زياد إن شئت فلعل اللّه إلى ذاك ان يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك قال:فخذ ههنا فتياسر عن طريق العذيب و القادسية و بينه و بين العذيب ثمانية و ثلاثون ميلا ثم إن الحسين سار في أصحابه و الحر يسايره.

و خطب الحسين أصحابه و أصحاب الحر بالبيضة فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أيها الناس إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه ناكثا لعهد اللّه مخالفا لسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يعمل في عباد اللّه بالاثم و العدوان فلم يغير عليه بفعل و لا قول كان حقا على اللّه ان يدخله مدخله،ألا و إن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمن و أظهروا الفساد و عطلوا الحدود و استأثروا بالفىء و أحلوا حرام اللّه و حرموا حلاله و أنا أحق من غير و قد اتتني كتبكم و قدمت على رسلكم ببيعتكم انكم لا تسلموني و لا تخذلوني فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم فأنا الحسين بن علي و ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله نفسي مع أنفسكم و أهلي مع أهليكم فلكم في أسوة و ان لم تفعلوا و نقضتم عهدكم و خلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر،لقد فعلتموها بأبي و أخي و ابن عمي مسلم و المغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم و نصيبكم ضيعتم و من نكث فإنما ينكث على نفسه و سيغني اللّه عنكم و السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.

و خطب بذي حسم فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و استمرت جذاء فلم يبق منها

ص: 107

إلاّ صبابة كصبابة الاناء و خسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون ان الحق لا يعمل به و ان الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقا فإني لا أرى الموت إلا شهادة و لا الحياة مع الظالمين إلاّ برما.

فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه:تكلمون أم أتكلم؟

قالوا:لا بل تكلم فحمد اللّه فأثنى عليه،ثم قال:قد سمعنا هداك اللّه يابن رسول اللّه مقالتك،و اللّه لو كانت الدنيا لنا باقية و كنا فيها مخلدين إلاّ ان فراقها في نصرك و مواساتك،لاثرنا الخروج معك على الإقامة فيها فدعا له الحسين ثم قال له خيرا، و أقبل الحر يسايره و هو يقول له يا حسين انى أذكرك اللّه في نفسك فإني اشهد لئن قاتلت لتقتلن و لئن قوتلت لتهلكن فيما أرى.

فقال له الحسين:أفبالموت تخوفني و هل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني،ما أدري ما أقول لك و لكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه و لقيه و هو يريد نصرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال له:أين تذهب فإنك مقتول!فقال:

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا و جاهد مسلما

و آسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا يغش و يرغما

فلما سمع ذلك منه الحر تنحى عنه و كان يسير بأصحابه في ناحية و حسين في ناحية أخرى حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات و كان بها هجائن النعمان ترعي هنالك فإذا هم بأربعة نفر قد اقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له الكامل و معهم دليلهم الطرماح بن عدي على فرسه و هو يقول:

يا ناقتي لا تذعري من زجري و شمري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان و خير سفر حتى تحلي بكريم النجر

الماجد الرح رحيب الصدر اتى به اللّه لخير أمر

ثمت أبقاه بقاء الدهر

قال:فلما انتهوا إلى الحسين انشدوه هذه الأبيات فقال اما و اللّه إني لأرجو أن

ص: 108

يكون خيرا ما أراد اللّه بنا قتلنا أم ظفرنا (1).

و أقبل إليهم الحر بن يزيد فقال إن هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن اقبل معك و انا حابسهم أو رادهم فقال له الحسين:لأمنعنهم مما امنع منه نفسي إنما هؤلاء أنصاري و أعواني و قد كنت أعطيتني ان لا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن زياد فقال:أجل لكن لم يأتوا معك قال:هم أصحابي و هم بمنزلة من جاء معي فإن أتممت على ما كان بيني و بينك و إلا ناجزتك،فكف عنهم الحر،ثم قال لهم الحسين:أخبروني خير الناس وراءكم؟

فقال له مجمع بن عبد اللّه العائذي،و هو أحد النفر الأربعة الذين جاؤوه:اما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم و ملئت غرائرهم،يستميل ودهم،و يستخلص به نصيحتهم،فهم ألب واحد عليك،و اما سائر الناس بعد فإن أفئدتهم تهوى إليك و سيوفهم غدا مشهورة عليك،قال:أخبروني فهل لكم برسولي إليكم.

قالوا:من هو؟

قال:قيس بن مصهر الصيداوي،فقالوا:نعم اخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره ابن زياد ان يلعنك و يلعن أباك فصلى عليك و على أبيك و لعن ابن زياد و أباه و دعا إلى نصرتك،و أخبرهم بقدومك،فأمر به ابن زياد فألقى من طمار القصر،فترقرقت عينا الحسين عليه السّلام و لم يملك دمعه ثم قال:منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا،اللهم اجعل لنا و لهم الجنة نزلا،و اجمع بيننا و بينهم في مستقر من رحمتك و رغائب مذخور ثوابك.

ثم دنا الطرماح بن عدي من الحسين فقال له و اللّه إني لأنظر فما أرى معك أحدا و لو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم و قد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة و فيه من الناس ما لم تر عيني في صعيد واحد4.

ص: 109


1- انظر كامل الزيارات:194.

جمعا أكثر منه فسألت عنهم فقيل اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحون إلى الحسين فأنشدك اللّه إن قدرت على أن لا تقدم عليهم شبرا إلا فعلت فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك اللّه به حتى ترى من رأيك و يستبين لك ما أنت صانع،فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى أجأ امتنعنا و اللّه به من ملوك غسان و حمير و من النعمان بن المنذر و من الأسود و الأحمر،و اللّه ان دخل علينا ذل قط،فأسير معك حتى أنزلك القرية ثم نبعث إلى الرجال ممن بأجأ و سلمى من طيئ فو اللّه لا يأتي عليك عشرة أيام حتى يأتيك طيئ رجالا و ركبانا ثم أقم فينا ما بدا لك فإن هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم و اللّه لا يوصل إليك أبدا و منهم عين تطرف فقال له جزاك اللّه و قومك خيرا انه قد كان بيننا و بين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف و لا ندري على ما تنصرف بنا و بهم الأمور في عاقبة و مضى الحسين حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به فإذا هو بفسطاط مضروب فقال لمن هذا الفسطاط فقيل:لعبيد اللّه بن الحر الجعفي،قال:ادعوه لي و بعث إليه فلما إتاه الرسول.

قال:هذا الحسين بن علي يدعوك،فقال عبيد اللّه بن الحر إنا للّه و إنا إليه راجعون،و اللّه ما خرجت من الكوفة إلاّ كراهة ان يدخلها الحسين و انا بها،و اللّه ما أريد ان أراه و لا يراني،فأتاه الرسول فأخبره،فأخذ الحسين نعليه فانتعل،ثم قام فجاءه حتى دخل عليه،فسلم و جلس،ثم دعاه إلى الخروج معه،فأعاد إليه ابن الحر تلك المقالة فقال:فإلا تنصرنا فاتق اللّه أن تكون ممن يقاتلنا فو اللّه لا يسمع و اعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك،قال:اما هذا فلا يكون ذلك ابدا إن شاء اللّه،ثم قام الحسين من عنده حتى دخل رحله.

قال المؤلف:لعل الباحث يجد بادئ ذي بدء تناقضا بين موقف الإمام ممن تجمع عليه في منزل زبالة يفرقهم من حوله،بين موقف الإمام هنا مع ابن الحر و قبله مع ابن القين و كذلك مع غيرهما حيث كان يدعوهم فرادى و جماعات إلى

ص: 110

نصرته،و لكنه إذا تدبر خطب الإمام و كلامه في كل مكان و مع أي إنسان كان، أدرك ان الإمام كان يبحث عن أنصار ينضمون تحت لوائه و يبايعونه على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و استنكار بيعة أئمة الضلالة أمثال يزيد على الحكم، أنصارا و اعين لأهداف قيامه،يقاومون الاغراء بالدنيا،يصارعون الحكم الغاشم حتى يقتلوا في سبيل ذلك!

إستقاء مرة أخرى

روى الطبري و غيره و اللفظ للطبري (1)عن عقبة بن سمعان،قال:لما كان في آخر الليل أمر الحسين بالاستقاء من الماء ثم أمرنا بالرحيل ففعلنا قال:فلما ارتحلنا من قصر بني مقاتل و سرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة ثم انتبه و هو يقول:

إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ،و الحمد للّه رب العالمين.

قال:ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا.

قال:فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له،فقال:يا أبت جعلت فداك مم حمدت اللّه و استرجعت،قال:يا بني،إني خفقت برأسي خفقة فعن لي فارس على فرس،فقال:القوم يسيرون و المنايا تسرى إليهم،فعلمت انها أنفسنا نعيت إلينا قال له:يا أبت،لا أراك اللّه سوء السنا على الحق؟

قال:بلى و الذي إليه مرجع العباد.

قال:يا أبت:إذا لا نبالي،نموت محقين،فقال له:جزاك اللّه من ولد خير ما جزى ولدا عن والده (2).

ص: 111


1- المصادر لا تزال هي التي ذكرناه في أول فصل"لقاء الإمام الحسين مع الحر".
2- معالم المدرستين للعسكري:61/3-75.

خطبة الإمام في البيضة

قال السيد محمد باقر القرشي:و لما انتهى موكب الإمام إلى«البيضة»ألقى عليه السّلام خطابا على الحر و أصحابه،و قد أدلى بدوافعه في الثورة على يزيد،و دعا القوم إلى نصرته و قد قال بعد حمد اللّه و الثناء عليه:

«أيها الناس إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:«من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله،مخالفا لسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يعمل في عباد اللّه بالإثم و العدوان،فلم يغير ما عليه بفعل و لا قول كان حقا على اللّه أن يدخله مدخله».

إلا أن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمن،و أظهروا الفساد، و عطلوا الحدود،و استأثروا بالفي،و أحلوا حرام الله،و حرموا حلاله،و أنا أحق ممن غيّر،و قد أتتني كتبكم،و قدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني،و لا تخذلوني،فإن أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم و أنا الحسين بن علي و ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله نفسي مع أنفسكم و أهلي مع أهليكم،و لكم في أسوة،و ان لم تفعلوا،و نقضتم عهدكم،و خلعتم بيعتي،فلعمري ما هي لكم بنكر،لقد فعلتموها بأبي و أخي و ابن عمي مسلم،فالمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم،و نصيبكم ضيعتم و من نكث فإنما ينكث على نفسه،و سيغني اللّه عنكم و السلام».

و حفل هذا الخطاب المشرق بكثير من النقاط المهمة،و هي:

أولا-إنه إنما أعلن الثورة على حكومة يزيد استجابة للواجب الديني الذي كان يقضي عليه،فإن الإسلام لا يقر السلطان الجائر،و يلزم بمناهضته،و من لم يستجب للجهاد يكون مشاركا لما يقترفه من الجور و الظلم.

ص: 112

ثانيا-إنه ندد بالأمويين،و شجب سياستهم القائمة على طاعة الشيطان، و معصية الرحمن،و إظهار الفساد،و تعطيل حدود الله،و الاستئثار بالفي،و تحليل الحرام،و تحريم الحلال.

ثالثا-إن الإمام أحق و أولى من غيره بالقيام بتغيير الأوضاع الراهنة التي تنذر بالخطر على الإسلام،فإنه عليه السّلام المسؤول الأول عن القيام بأعباء هذه المهمة.

رابعا-إنه عليه السّلام عرض لهم أنه إذا تقلد شؤون الحكم،فسيجعل نفسه مع أنفسهم، و أهله مع أهاليهم.من دون أن يكون له أي امتياز عليهم.

خامسا-إنهم إذا نكثوا بيعتهم،و نقضوا عهودهم التي أعطوها له فإنه ليس بغريب عليهم فقد غدروا من قبل بأبيه و أخيه و ابن عمه،و قد أخطؤوا بذلك حظهم، و حرموا نفوسهم السعادة.

لقد وضع الإمام بهذا الخطاب النقاط على الحروف.و فتح لهم منافذ النور، و دعاهم إلى الإصلاح الشامل الذي ينعمون في ظلاله.

و لما سمع الحر خطابه أقبل عليه فقال له:«إني أذكرك اللّه في نفسك،فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن»و انبرى الإمام قائلا له:

«أ بالموت تخوفني،و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني،و ما أدري ما أقول لك؟!! و لكني أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه و هو يريد نصرة رسول اللّه أين تذهب فإنك مقتول؟

فقال له:

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى خيرا و جاهد مسلما و آسى الرجال الصالحين بنفسه و خالف مثبورا و فارق مجرما فإن عشت لم أندم و إن مت لم آلكفى بك ذلا أن تعيش و ترغما

و لما سمع الحر ذلك تنحى عنه و عرف أنه مصمم على الموت،و عازم على

ص: 113

التضحية في سبيل غايته الهادفة إلى الإصلاح الشامل (1).

التحاق جماعة من الكوفة بالامام

و لما انتهى الإمام إلى عذيب الهجانات و افاه أربعة أشخاص من أهل الكوفة جاؤوا إلى نصرته،و قد أقبلوا على رواحلهم يجنبون فرسا لنافع بن هلال،و لم يخرج أحد لاستقبال الحسين من أهل الكوفة سواهم و هم:

1-نافع بن هلال المرادي.

2-عمرو بن خالد الصيداوي.

3-سعد مولى عمرو بن خالد.

4-مجمع بن عبد اللّه العابدي من مذحج.

و أراد الحر منعهم من الالتحاق بالحسين،فصاح به الإمام:

«إذا أمنعهم بما أمنع فيه نفسي،إنما هؤلاء أنصاري و أعواني و قد جعلت لي أن لا تعرض بي حتى يأتيك كتاب ابن زياد».

و كفّ الحر عنهم.فالتحقوا بالإمام فرحب بهم،و سألهم عن أهل الكوفة فقالوا له:

«أما الأشراف فقد عظمت رشوتهم،و ملئت غرائرهم ليستمال و دهم، و تستنزف نصايحهم،فهم عليك إلبا واحدا،و ما كتبوا إليك إلا ليجعلوك سوقا و مكسبا..و أما سائر الناس فأفئدتهم تهوي إليك،و سيوفهم غدا مشهورة عليك».

و كشف هذا الحديث عن نقاط بالغة الأهمية و هي:

1-إن السلطة قد اشترت ضمائر الوجوه و الاشراف من أهل الكوفة بالأموال

ص: 114


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:54/3.

و أغرتهم بالجاه و النفوذ فصاروا إلبا واحدا مجمعين و متفقين على حرب الامام، و قد مهر الأمويون في هذه السياسة الماكرة فكانوا يستميلون الوجوه بكل الوسائل الممكنة.و أما الرعاع فيلهبون ظهورهم بالسياط.

2-إن أشراف أهل الكوفة انما كاتبوا الحسين بالقدوم إليهم لا إيمانا منهم بعدالة قضيته و باطل الأمويين و إنما كتبوا إليه ليكون سوقا و مسكبا للظفر بأموال بني أمية،فكانوا يعلنون لهم أنكم إن لم تغدقوا علينا بالأموال فسنكون من أنصار الحسين،فكانت كتبهم إليه وسيلة من وسائل الكسب.

3-إن سواد الناس كانت قلوبهم مع الحسين،و لكنهم منقادون لزعمائهم من دون أن تكون لهم أية إرادة أو اختيار على متابعة ما يؤمنون به،فكانوا جنود السلطة و أداتها الضاربة.

هذه بعض النقاط المهمة التي حفل بها كلام هؤلاء القوم،و قد دلت على دراستهم الوثيقة لشؤون مجتمعهم (1).3.

ص: 115


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:55/3.

مع الطرماح

و التحق الطرماح بالإمام في أثناء الطريق،و قد صحبه بعض الوقت و قد أقبل الإمام على أصحابه،فقال لهم:

«هل فيكم أحد يخبر الطريق على غير الجادة؟».

فانبرى إليه الطرماح بن عدي الطائي فقال له:

«أنا أخبر الطريق»

«سر بين أيدينا»

و سار الطرماح يتقدم موكب العترة الطاهرة،و قد ساورته الهموم فجعل يحدو بالإبل بصوت حزين و هو يرتجز:

يا ناقتي لا تذعري من زجري و امضي بنا قبل طلوع الفجر

بخير فتيان و خير سفر آل رسول اللّه أهل الفخر

السادة البيض الوجوه الزهر الطاعنين بالرماح السمر

الضاربين بالسيوف البتر حتى تحلى بكريم النجر

بما جد الجد رحيب الصدر أتى به اللّه لخير أمر

عمره اللّه بقاء الدهر يا مالك النفع معا و الضر

امدد حسينا سيدي بالنصر على الطغاة من بقايا الكفر

على اللعينين سليلي صخر يزيد لا زال حليف الخمر

و العود و الصنج معا و الزمر و ابن زياد العهر و ابن العهر

و أسرعت الإبل في سيرها على نغمات هذا الشعر الحزين،و قد فاضت عيون

ص: 116

أصحاب الحسين و أهل بيته من الدموع،و هم يؤمنون على دعاء الطرماح للحسين بالنصر و التأييد،و حلل الدكتور يوسف خليف هذا الرجز بقوله:«و الرجز هنا- و لعله أول شعر كوفي يظهر فيه الحديث عن الحسين-يعتمد على البساطة في عرض الفكرة،فهو لا يعدو أن يكون صورة من تحية البدو و ترحيبهم بضيف عزيز قادم إليهم،و هم خارجون لاستقباله.فالراجز يحث ناقته على السير السريع لتحل برحاب هذا الضيف الذي يضفي عليه صفات المدح المألوفة عند البدو،و يخلع عليه ما يتمثله البدوي في الرجل من مثل و فضائل فهو عنده كريم الأصل،ماجد حر واسع الصدر...لأن هذا الضيف ليس شخصا عاديا،و إنما هو حفيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و مبعوث العناية الإلهية إليهم لأمر هو خير الأمور،ثم يختم هذه التحية البدوية بدعاء فطري ساذج،و لكنه معبر عما يحمله له في نفسه من محبة صادقة و إخلاص أكيد فيدعو أن يبقيه اللّه بقاء الدهر».

و قال الطرماح للإمام:«و اللّه إني لأنظر فما أرى معك أحدا،و لو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازمين لك مع الحر لكان ذلك بلاء فكيف و قد رأيت قبل خروجي من الكوفة بيوم ظهر الكوفة مملوءا رجالا فسألت عنهم فقيل ليوجهوا إلى الحسين،فناشدتك اللّه أن لا تقدم إليهم شبرا إلا فعلت».

و إلى أي مكان يرجع الإمام؟و أين يذهب؟و الأرض كلها تحت قبضة الأمويين، فلم يكن له بد من الاستمرار في سفره إلى العراق،و عرض له الطرماح أن يسير معه إلى جبل بني طي،و تعهد له بعشرين ألف طائي يقاتلون بين يديه،و لم يستجب الإمام لهذا الوعد الذي هو غير مضمون،و استأذن الطرماح من الإمام أن يمضي لأهله ليوصل إليهم الميرة و يعود إلى نصرته،فأذن له و انصرف إلى أهله،فمكث أياما ثم قفل راجعا إلى الإمام فلما وصل إلى عذيب الهجانات بلغه مقتل الإمام، فأخذ يبكي على ما فاته من شرف الشهادة مع ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

ص: 117

مع عبيد اللّه بن الحر

و اجتازت قافلة الإمام على قصر بني مقاتل،فنزل الإمام فيه و كان بالقرب منه بيت مضروب،و أمامه رمح قد غرس في الأرض يدل على بسالة صاحبه و شجاعته،و قباله فرس،فسأل الإمام عن صاحب البيت،فقيل له انه عبيد اللّه بن الحر،فأوفد للقياه الحجاج بن مسروق الجعفي فخف إليه،فبادره عبيد اللّه قائلا:

-ما وراؤك؟

-قد أهدى اللّه إليك كرامة.

-ما هي؟

-هذا الحسين بن علي يدعوك إلى نصرته،فإن قاتلت بين يديه أجرت،و ان مت فقد استشهدت.

-ما خرجت من الكوفة إلا مخافة أن يدخلها الحسين و أنا فيها فلا أنصره لأنه ليس له فيها شيعة و لا أنصار إلا و قد مالوا إلى الدنيا إلا من عصم الله!!

و قفل الحجاج راجعا فأدى مقالته إلى الامام،و رأى عليه السّلام أن يقيم عليه الحجة و يجعله على بينة من أمره فانطلق إليه مع الصفوة الطيبة من أهل بيته و أصحابه، و استقبله عبيد اللّه استقبالا كريما،و احتفى به احتفاء بالغا،و قد غمرته هيبة الإمام، فراح يحدث عنها بعد ذلك يقول:

«ما رأيت قط أحسن من الحسين،و لا املأ للعين،و لا رققت على أحد قط رقتي عليه حين رأيته يمشي و الصبيان من حوله،و نظرت إلى لحيته فرأيتها كأنها جناح غراب،فقلت له:أسواد أم خضاب؟

قال!يا بن الحر عجل علي الشيب فعرفت أنه خضاب».

ص: 118

و تعاطى الإمام معه الشؤون السياسية العامة،و الأوضاع الراهنة،ثم دعاه إلى نصرته قال له:

«يابن الحر إن أهل مصركم كتبوا إليّ أنهم مجتمعون على نصرتي و سألوني القدوم عليهم فقدمت،و ليس رأي القوم على ما زعموا فإنهم أعانوا على قتل ابن عمي مسلم و شيعته،و أجمعوا على ابن مرجانة عبيد اللّه بن زياد...يابن الحر اعلم أن اللّه تعالى مؤاخذك بما كسبت من الذنوب في الأيام الخالية،و أنا أدعوك إلى توبة تغسل بها ما عليك من ذنوب..أدعوك إلى نصرتنا أهل البيت».

و ألقى ابن الحر معاذيره الواهية فحرم نفسه السعادة و الفوز بنصرة سبط الرسول،قائلا:

«و اللّه إني لأعلم أن من شايعك كان السعيد في الآخرة،و لكن ما عسى أن أغني عنك،و لم أخلف لك بالكوفة ناصرا فأنشدك اللّه أن تحملني على هذه الخطة،فإن نفسي لا تسمح الموت،و لكن فرسي هذه«الملحقة»و اللّه ما طلبت عليها شيئا إلا لحقته،و لا طلبني أحد و أنا عليها إلا سبقته فهي لك».

و ما قيمة فرسه عند الإمام فرد عليه قائلا:

«ما جئناك لفرسك و سيفك؟إنما أتيناك لنسألك النصرة،فإن كنت قد بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في شيء من مالك،و لم أكن بالذي أتخذ المضلين عضدا و إني أنصحك إن استطعت أن لا تسمع صراخنا و لا تشهد وقعتنا فافعل،فو اللّه لا يسمع و اعيتنا أحد و لا ينصرنا إلا أكبه اللّه في نار جهنم».

فأطرق ابن الحر برأسه إلى الأرض و قال بصوت خافت حياء من الإمام.

«أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء اللّه تعالى».

و ما كان مثل ابن الحر و هو الذي اقترف الكثير من الجرائم ان يوفق إلى نصرة الإمام و يفوز بالشهادة بين يديه.

و قد ندم ابن الحر كأشد ما يكون الندم على ما فرط في أمر نفسه من ترك

ص: 119

نصرة ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أخذت تعاوده خلجات حادة من و خز الضمير، و نظم ذوب حشاه بأبيات سنذكرها عند البحث عن النادمين عن نصرة الحسين عليه السّلام.

مع عمرو بن قيس

و التقى الإمام في قصر بني مقاتل بعمرو بن قيس المشرفي،و كان معه ابن عم له،فسلم على الإمام و قال له:

«يا أبا عبد اللّه هذا الذي أرى خضابا؟

قال عليه السّلام:«خضاب،و الشيب إلينا بني هاشم أسرع و اعجل»و التفت عليه السّلام لهما فقال:

«جئتما لنصرتي؟».

«لا.إنا كثيرو العيال»و في أيدينا بضائع للناس،و لم ندر ما ذا يكون؟و نكره أن نضيع الأمانة».

و نصحهما الإمام فقال لهما:

«انطلقا فلا تسمعا لي واعية،و لا تريا لي سوادا فإنه من سمع و اعيتنا أو رأى سوادنا فلم يجبنا أو يغثنا كان حقا على اللّه تعالى أن يكبه على منخريه في النار».

و ارتحل الإمام من قصر بني مقاتل،و أخذت قافلته تقطع الصحارى الملتهبة، و تجتاز أغوارها في جهد و عناء،و تعاني لفحها الضارب كريح السموم (1).

ص: 120


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:60/3.

رسالة ابن زياد للحر

و تابعت قافلة الإمام عليه السّلام سيرها في البيداء،و هي تارة تتيامن و أخرى تتياسر، و جنود الحر يذودون الركب عن البادية،و يدفعونه تجاه الكوفة و الركب يمتنع عليهم،و إذا براكب يجذ في سيره و يطوي الرمال فلبثوا هنيئة ينتظرونه،و إذا هو رسول من ابن زياد إلى الحر،فسلم الخبيث على الحر،و لم يسلم على الحسين، و ناول الحر رسالة من ابن زياد جاء فيها:

«أما بعد:فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي،و يقدم عليك رسولي،فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن و على غير ماء،و قد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري و السلام».

و استثنى ابن مرجانة ما عهد به إلى الحر من إلقاء القبض على الإمام و إرساله مخفورا إلى الكوفة،و لعله خاف من تطور الأحداث و انقلاب الأوضاع عليه،فرأى التحجير عليه في الصحراء بعيدا عن المدن لئلا يتجاوب أهلها إلى نصرته ليتم القضاء عليه بسهولة،و تلا الحر الكتاب على الإمام الحسين فأراد الإمام أن يستأنف سيره متجها صوب قرية أو ماء،فمنعهم الحر،و قال:لا أستطيع،فقد كانت نظرات الرقيب الوافد من ابن زياد تتابع الحر،و كان يسجل كل بادرة يخالف بها الحر أوامر ابن زياد...و انبرى زهير بن القين فقال للإمام:

«إنه لا يكون بعد ما ترون إلا ما هو أشد منه...يا بن رسول اللّه إن قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم،مما لا قبل لنا به».

ص: 121

فقال الحسين عليه السّلام:ما كنت لأبدأهم بقتال.

و تابع زهير حديثه قائلا:

«سر بنا إلى هذه القرية حتى ننزلها فإنها حصينة-و هي على شاطى الفرات- فإن منعونا قاتلناهم،فقتالهم أهون علينا من قتال من يجي بعدهم».

و سأل الإمام عن اسم تلك الأرض؟

فقالوا له:إنها تسمى العقر،فتشاءم منها،و راح يقول:اللّهم إني أعوذ بك من العقر،و أصر الحر على الامام أن ينزل في ذلك المكان و لا يتجاوزه،و لم يجد الإمام بدا من النزول في ذلك المكان و ألقى ببصره عليه،و التفت إلى أصحابه فقال لهم:ما اسم هذا المكان؟

قالوا:كربلاء.

و دمعت عيناه و راح يقول:

«اللّهم إني أعوذ بك من الكرب و البلاء».

و طفق يحدث أصحابه و قد أيقن بنزول الرزء القاصم قائلا:

«هذا موضع كرب و بلاءها هنا مناخ ركابنا،و محط رحالنا و سفك دمائنا..».

و طافت به الذكريات،و قد مثل أمامه ذلك اليوم الذي تحدث فيه أبوه أمير المؤمنين و هو في هذه البقعة،و كان في طريقه إلى صفين،فقال:ههنا محط رحالهم،و مهراق دمائهم..

فسئل عن ذلك فقال عليه السّلام:نفر من آل محمد ينزلون ههنا و ذابت الدنيا في عين الإمام،و انقطع كل أمل له في الحياة،و أيقن أن أوصاله سوف تتقطع على صعيد هذه الأرض إلا أنه خلد إلى الصبر،و استسلم لقضاء اللّه و قدره.

و نهض الإمام بقوة و عزم مع أصحابه و أهل بيته إلى توطيد مخدرات الرسالة و عقائل الوحي،فنصبوا لهن الخيام و كانت خيم الأصحاب،و خيم أهل البيت، محيطة بها عن اليمين و الشمال،و أسرع فتيان بني هاشم فأنزلوا السيدات من

ص: 122

المحامل،و جاؤوا بهن إلى خيامهن،و قد استولى عليهن الرعب و الذعر،فقد أحسسن بالأخطار الهائلة التي ستجري عليهن في هذه الأرض (1).3.

ص: 123


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:61/3.

مع عبد اللّه بن مطيع

اشارة

مع عبد اللّه بن مطيع(1)

و في بعض المياه التقى بعبد اللّه بن مطيع العدوي فقال له:بأبي أنت و أمي يا ابن رسول اللّه ما أقدمك؟فأخبره الحسين بخبره فقال ابن مطيع:أذكرك اللّه يا ابن رسول اللّه و حرمة الإسلام ان تنتهك،أنشدك اللّه في حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،أنشدك اللّه في حرمة العرب،فو اللّه لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك:و لئن قتلوك لا يهابون بعدك أحدا ابدا،و اللّه انها لحرمة الإسلام تنتهك و حرمة قريش و حرمة العرب،فلا تفعل و لا تأت الكوفة و لا تعرض لبني أمية،فأبى إلاّ أن يمضي (2).

و في رواية،فقال الحسين:لن يصيبنا إلاّ ما كتب اللّه لنا،ثم ودعه و مضى (3). (4)

من رأى أن الحسين عليه السّلام لا يجوز فيه السلاح

خلافا لمن سبق ذكر رأيه كان عبد اللّه بن عمرو بن العاص من عصبة الخلافة من الصحابة يأمر الناس باتباع الإمام الحسين،قال الفرزدق بعد ذكره لقاءه للإمام

ص: 124


1- عبد اللّه بن مطيع بن الأسود العدوي المدني،له رؤية،و كان رأس قريش يوم الحرة و أمره ابن الزبير على الكوفة ثم قتل معه سنة ثلاث و سبعين اخرج حديثه البخاري و مسلم.تقريب التهذيب /2 452.
2- الطبري 224/6،و ارشاد المفيد ص 203،و أنساب الأشراف ص 155.
3- الاخبار الطوال للدينوري 246.
4- معالم المدرستين للعسكري:63/3.

الحسين:ثم مضيت فإذا بفسطاط مضروب في الحرم و هيئته حسنة فاتيته فإذا هو لعبد اللّه بن عمرو بن العاص فسألني فأخبرته بلقاء الحسين بن علي،فقال لي:

ويلك فهلا اتبعته:فو اللّه سيملكن و لا تجوز السلاح فيه و لا في أصحابه.

قال:فهممت و اللّه أن ألحق به و وقع في قلبي مقالته ثم ذكرت الأنبياء و قتلهم فصدني ذلك عن اللحاق بهم.الحديث (1).

مع زهير بن القين

سار الإمام الحسين حتى نزل زرود فالتقى فيها بزهير بن القين-و كان عثمانيا (2)قال الراوي الذي كان مع زهير:اقبلنا من مكة نساير الحسين فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل فإذا سار الحسين تخلف زهير و إذا نزل تقدم،حتى نزلنا منزلا لم نجد بدا من أن ننازله فيه،فنزل الحسين في جانب و نزلنا في جانب،فبينا نحن جلوس نتغذى إذ أقبل رسول الحسين فسلم،و قال:يا زهير بن القين ان أبا عبد اللّه الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه،قال:فطرح كل إنسان ما في يده حتى كأننا على رؤوسنا الطير.

فقالت له زوجته:أيبعث إليك ابن رسول اللّه ثم لا تأتيه؟سبحان اللّه لو أتيته فسمعت من كلامه!فأتاه زهير بن القين،فما لبث أن جاء مستبشرا قد أسفر وجهه، فأمر بفسطاطه و متاعه فحمل إلى الحسين،ثم قال لامرأته:أنت طالق!الحقي بأهلك،فإني لا أحب ان يصيبك من سببي إلاّ خير،ثم قال لأصحابه:من أحب منكم

ص: 125


1- الطبري 218/6-219.
2- في أنساب الأشراف ط.الأولى،1397 ص 168 و ص 167 و تاريخ ابن الأثير 17/4 انه كان عثمانيا و زرود في وسط رمال عالج كان منزلا للحاج العراقي.

أن يتبعني و الا فإنه آخر العهد.

و في رواية:من أحب منكم الشهادة فليقم و من كرهها فليتقدم إني سأحدثكم حديثا غزونا بلنجر ففتح اللّه علينا و أصبنا غنائم،فقال لنا سلمان الباهلي:أفرحتم بما فتح اللّه عليكم و أصبتم من المغانم؟فقلنا:نعم.

فقال لنا:إذا أدركتم شباب آل محمد-و في رواية:سيد شباب أهل محمد (1)فكونوا أشد فرحا بقتالكم معهم بما أصبتم من الغنائم فاما أنا فأستودعكم اللّه (2)فقالت له زوجته:خار اللّه لك و أسألك ان تذكرني يوم القيامة عند جد الحسين عليه السّلام (3).8.

ص: 126


1- ابن الأثير 17/4.
2- نقلنا الرواية من الطبري 224/6-225،و سلمان المذكور في الخبر هو ابن ربيعة الباهلي أرسله الخليفة عثمان لغزو اران من آذربايجان ففتح كورها صلحا و حربا و قتل خلف نهر بلنجر،فتوح البلدان ص 240-241،و راجع أسد الغابة ترجمته 225/2.
3- الأخبار الطوال ص 246-247،و أنساب الأشراف ص 168.

وصول خبر قتل مسلم و هانئ

اشارة

لما وصل الإمام إلى الثعلبية (1)أخبره أسديان عن صاحبهم أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة و رآهما يجران في الأسواق بأرجلهما.

فقال الإمام:إنا للّه و إنا إليه راجعون رحمة اللّه عليهما و ردد ذلك مرارا،فقالا:

ننشدك اللّه في نفسك و أهل بيتك إلاّ انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة بل نتخوف أن تكون عليك،فوثب عند ذلك بنو عقيل،و قالوا:لا و اللّه لا نبرح حتى ندرك ثارنا أو نذوق ما ذاق أخونا.

فنظر الحسين إلى الأسديين و قال:لا خير في العيش بعد هؤلاء.

قالا:فعلمنا انه عزم له رأيه على المسير،فقلنا:خار اللّه لك،فقال:رحمكما اللّه (2).

رسولا ابن الأشعث و ابن سعد إلى الحسين عليه السلام

في تاريخ الإسلام للذهبي:ارسل ابن سعد رجلا على ناقة إلى الحسين يخبره

ص: 127


1- الثعلبية من منازل طريق الحاج من العراق مثير الأحزان ص 33،و اللهوف ص 27.
2- تاريخ الطبري 225/6،و ابن الأثير 17/4،و الدينوري ص 247 باختصار،و ابن كثير /8 168.

بقتل مسلم بن عقيل.

و في الاخبار الطوال:لما وافى زبالة و افاه بها رسول محمد بن الأشعث،و عمر بن سعد بما كان سأله مسلم أن يكتب به إليه من أمره و خذلان أهل الكوفة إياه بعد ان بايعوه و قد كان مسلم سأل محمد بن الأشعث ذلك فلما قرأ الكتاب استيقن بصحة الخبر (1).

و روى الطبري:إن محمد بن الأشعث ارسل اياس بن العثل الطائي،و قال له:

الق حسينا فأبلغه هذا الكتاب و كتب فيه الذي أمره مسلم بن عقيل فاستقبله بزبالة و أخبره الخبر و بلغه الرسالة،فقال حسين:كل ما حم نازل و عند اللّه نحتسب أنفسنا و فساد أمتنا (2).6.

ص: 128


1- الدينوري في الاخبار الطوال ص 248 تاريخ الإسلام للذهبي 270/2 و 344،و زبالة منزل مشهور كان به حصن و جامع لبني أسد.
2- الطبري 211/6.

الإمام يخبر الناس بقتل مسلم و يحلهم عن بيعته

قال الطبري و غيره:كان الحسين لا يمر بأهل ماء إلاّ اتبعوه حتى انتهى إلى زبالة و فيها جاءه خبر قتل ابن زياد،عبد اللّه بن يقطر و كان سرحه إلى أهل الكوفة فاخرج للناس كتابا فقرأه عليهم:بسم اللّه الرحمن الرحيم أما بعد،فإنه قد أتانا خير فظيع قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة و عبد اللّه بن يقطر و قد خذلتنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام،فتفرق الناس عنه يمينا و شمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة و إنما فعل ذلك لأنه ظن إنما اتبعه الاعراب لأنهم ظنوا انه يأتي بلدا استقامت له طاعة أهله فكره أن يسيروا معه إلاّ و هم يعلمون على ما يقدمون و قد علم أنهم إذا بين لهم لم يصحبه إلاّ من يريد مواساته.

رجل من بني عكرمة

قال الراوي:فلما كان من السحر أمر فتيانه فاستقوا الماء و أكثروا ثم سار حتى نزل ببطن العقبة (1).

و في هذا المكان لقيه رجل من بني عكرمة فسأله:أين تريد؟فحدثه الحسين

ص: 129


1- الطبري 226/6،و أنساب الأشراف ص 168 ابن كثير 168/8-169 و قد تخيرت لفظ الطبري في هذا الخبر و ما قبله إلاّ ما ذكرت مصدره و العقبة أيضا من منازل الطريق.

فقال له:إني أنشدك اللّه لما انصرفت فو اللّه لا تقدم إلا على الأسنة و حد السيوف فإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال و وطؤوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا فاما على هذه الحال التي تذكرها فإني لا أرى لك ان تفعل،فقال له:يا عبد اللّه،انه ليس يخفى على،الرأي ما رأيت و لكن اللّه لا يغلب على أمره (1).

و في الاخبار الطوال:و أخبره بتوطيد ابن زياد الخيل ما بين القادسية إلى العذيب رصدا له-و في لفظه-فلا تتكلن على الذين كتبوا لك فإن أولئك أول الناس مبادرة إلى حربك-الحديث (2).

و في رواية ثم قال:و اللّه لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي.

فإذا فعلوا سلط اللّه عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم (3).

نذير آخر

و في تاريخ ابن عساكر و ابن كثير قال الراوي:رأيت أخبية مضروبة بفلاة من الأرض،فقلت:لمن هذه؟

قالوا:هذه لحسين قال:فأتيته فإذا شيخ يقرأ القرآن و الدموع تسيل على خديه و لحيته،قلت:بأبي و أمي يا ابن رسول اللّه ما أنزلك هذه البلاد و الفلاة التي ليس بها أحد،فقال:هذه كتب أهل الكوفة إلى و لا أراهم إلاّ قاتلي،فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا للّه

ص: 130


1- الطبري 226/6،و ابن الأثير 17/3-18،و ابن كثير 168/8 و 171.
2- الاخبار الطوال ص 248.
3- ارشاد المفيد ص 206،و قد روى كلام الحسين هذا أيضا غيره و لم يذكروا أين خطب،مثل الطبري في 223/6،و ابن الأثير 16/3،و ابن كثير 169/8 و فى لفظهما"حتى يكونوا أذل من فرام الأمة"أو فرمة الأمة. و قال ابن الأثير بعده"و الفرام خرقة تجعلها المرأة في قبلها إذا حاضت"و طبقات ابن سعد ح-268.

حرمة إلاّ انتهكوها،فيسلط اللّه عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قدم الأمة- يعني مقنعتها (1).

و يبدو من مقارنة الروايات بعضها ببعض ان الإمام كان قد أخبر بأنهم سيقتلونه و يذلهم اللّه و يسلط عليهم،في محاورته مع ثلاثة اشخاص و في ثلاثة أماكن.

و كذلك كان يكرر التصريح بأمثال هذه الأقوال قال علي بن الحسين:خرجنا مع الحسين عليه السّلام فما نزل منزلا و لا ارتحل منه إلاّ ذكر يحيى بن زكريا و مقتله،و قال يوما:و من هوان الدنيا على اللّه ان رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل (2). (3)3.

ص: 131


1- تاريخ ابن عساكر ح-665،و تاريخ الإسلام للذهبي 345/2،تاريخ ابن كثير 169/8.
2- ارشاد المفيد ص 236،و إعلام الورى ص 218.
3- معالم المدرستين للعسكري:68/3.

انتهاء المسير و الوصول الى كربلاء

نزول ركب آل الرسول صلّى اللّه عليه و اله أرض كربلاء

قال السيد مرتضى العسكري:قال:فلما أصبح نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد ان يعرقهم فيأتيه الحر بن يزيد فيردهم فيرده،فجعل إذا ردهم إلى الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتسايرون حتى انتهوا إلى نينوى المكان الذي نزل به الحسين.

قال:فإذا راكب على نجيب له و عليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة فوقفوا جميعا ينتظرونه فلما انتهى إليهم سلم على الحر بن يزيد و أصحابه و لم يسلم على الحسين عليه السّلام و أصحابه فدفع إلى الحر كتابا من عبيد اللّه بن زياد فإذا فيه اما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي و يقدم عليك رسولي فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن و على غير ماء و قد أمرت رسولي ان يلزمك و لا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك امرى و السلام.

قال:فلما قرأ الكتاب،قال لهم الحر:هذا كتاب الأمير عبيد اللّه بن زياد يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه،و هذا رسوله،و قد امره أن لا يفارقني حتى انفذ رأيه و أمره،فنظر إلى رسول عبيد اللّه،يزيد بن زياد بن المهاصر أبو الشعثاء الكندي ثم الهندي فعن له فقال:أمالك بن النسير البدي؟

قال:نعم،و كان أحد كندة،فقال له يزيد بن زياد:ثكلتك أمك!ماذا جئت فيه

ص: 132

قال:و ما جئت فيه أطعت امامي و وفيت ببيعتي،فقال له أبو الشعثاء:عصيت ربك و أطعت امامك في هلاك نفسك،كسبت العار و النار،قال اللّه عزّ و جلّ:"و جعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار و يوم القيامة لا ينصرون"فهو إمامك.

قال:و اخذ الحر بن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان على غير ماء و لا في قرية فقالوا دعنا ننزل في هذه القرية يعنون نينوى أو هذه القرية.يعنون الغاضرية أو هذه الأخرى يعنون شفية فقال لا و اللّه ما أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إلى عينا فقال له زهير بن القين يابن رسول اللّه ان قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا من بعدهم فلعمري ليأتينا من بعد من ترى ما لا قبل لنا به،فقال له الحسين ما كنت لأبدأهم بالقتال.

و في الأخبار الطوال بعده:فقال له زهير:فههنا قرية بالقرب منا على شط الفرات،و هي في عاقول (1)حصينة،الفرات يحدق بها إلا من وجه واحد.

قال الحسين عليه السّلام:و ما اسم تلك القرية؟

قال:العقر.

قال الحسين عليه السّلام:نعوذ باللّه من العقر (2).

فقال الحسين للحر:سر بنا قليلا،ثم ننزل.

فسار معه حتى أتوا كربلاء،فوقف الحر و أصحابه أمام الحسين و منعوهم من المسير،و قال:انزل بهذا المكان،فالفرات منك قريب.

قال الحسين:و ما اسم هذا المكان (3)؟

قالوا له:كربلاء.9.

ص: 133


1- عاقول الوادي ما أعوج منه،و الأرض العاقول التي لا يهتدى إليها.
2- مكان قرب كربلاء من نواحي الكوفة.
3- روى هذه المحاورة الدينوري في الاخبار الطوال ص 252-253،و تاريخ الخميس 297/2، و مجمع الزوائد 192/9.

قال:ذات كرب و بلاء،و لقد مر أبى بهذا المكان عند مسيره إلى صفين،و أنا معه،فوقف،فسأل عنه،فأخبر باسمه،فقال:ههنا محط ركابهم،و هاهنا مهراق دمائهم"،فسئل عن ذلك،فقال:"ثقل لآل بيت محمد،ينزلون ههنا" (1).

و قبض قبضة منها فشمها و قال هذه و اللّه هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول اللّه انني أقتل فيها،أخبرتني أم سلمة،قالت:كان جبرئيل عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أنت معي فبكيت.

فقال رسول اللّه دعى ابني،فتركتك فأخذك و وضعك في حجره.

فقال جبرئيل:أتحبه؟

قال:نعم،قال:فإن أمتك ستقتله،و ان شئت أريتك تربة أرضه التي يقتل فيها، قال:نعم فبسط جبرئيل جناحه على أرض كربلاء فأراه إياها (2).

و في رواية:لما أحيط بالحسين بن علي،قال:ما اسم هذه الأرض؟قيل:

كربلاء.

فقال:صدق النبي صلّى اللّه عليه و اله انها أرض كرب و بلاء (3).

قال المؤرخون:ثم أمر بأثقاله فحطت بذلك المكان يوم الأربعاء غرة محرم سنة 61 ه (4).

أو يوم الخميس الثاني من المحرم (5).0.

ص: 134


1- المصدر السابق.
2- أوردتها بلفظ سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة 142.
3- ترجمة الحسين بمعجم الطبراني ح-46،و كنز العمال 26-266،و مجمع الزوائد 192/9 ذيل الرواية التي أوردناها آنفا بلفظ سبط ابن الجوزي.
4- الدينوري في الاخبار الطوال ص 253.
5- الطبري 232/6،و ابن كثير 174/8،و أنساب الأشراف للبلاذري ص 176،و ارشاد المفيد ص 210.

و لما نزل كربلاء كتب إلى ابن الحنفية و جماعة من بني هاشم:اما بعد:فكأن الدنيا لم تكن،و كأن الآخرة لم تزل (1). (2).3.

ص: 135


1- كامل الزيارة لابن قولويه ص 75 باب 23. و قد استفاد بعد الإمام الحسين الحسن البصري منه و كتب به إلى عمر بن عبد العزيز كما يبدو،و راجع الأغاني ط.ساسى 105/8.
2- معالم المدرستين للعسكري:78/3.

قدوم عمر بن سعد على الحسين عليه السلام

قال الطبري و غيره و اللفظ للطبري (1):

فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف،قال و كان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين عليه السّلام ان عبيد اللّه ابن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبي و كانت الديلم قد خرجوا إليها و غلبوا عليها فكتب إليه ابن زياد عهده على الري و أمره بالخروج فخرج معسكرا بالناس بحمام أعين فلما كان من أمر الحسين ما كان و أقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال سر إلى الحسين فإذا فرغنا مما بيننا و بينه سرت إلى عملك فقال له عمر بن سعد:إن رأيت رحمك اللّه ان تعفيني فافعل،فقال له عبيد اللّه:نعم،على أن ترد لنا عهدنا فلما قال له ذلك قال عمر بن سعد:امهلني اليوم حتى انظر فانصرف عمر يستشير نصحاءه،فلم يكن يستشير أحدا إلاّ نهاه و جاء حمزة بن المغيرة بن شعبة و هو ابن أخته،فقال:أنشدك اللّه يا خال ان تسير إلى الحسين

ص: 136


1- رجعنا إلى رواية المصادر التي ذكرناها في أول فصل"لقاء الإمام الحسين مع الحر"و ما كان من غيرها،صرحنا به في الهامش،و هي تاريخ الطبري 232/6-270،و ابن الأثير 19-38،و ابن كثير 172/8-198،و الدينوري في الاخبار الطوال ص 253-261،و هو يوجز الاخبار و أنساب الأشراف للبلاذري ص 176-227،و سياقه غير سياق الطبري،و ارشاد المفيد 210-236، و إعلام الورى 231-250. و ما تفرد به أحدهم صرحنا به و كذلك ما نقلناه عن غير هؤلاء.

فتأثم بربك،و تقطع رحمك،فو اللّه لان تخرج من دنياك و مالك و سلطان الأرض كلها لو كان ذلك خير لك من أن تلقى اللّه بدم الحسين،فقال له عمر بن سعد:فإني افعل إن شاء اللّه.

و روى عن عبد اللّه بن يسار الجهني قال:دخلت على عمر بن سعد و قد أمر بالمسير إلى الحسين فقال لي:إن الأمير أمرني بالمسير إلى الحسين،فأبيت ذلك عليه فقلت له:أصاب اللّه بك،أرشدك اللّه،أجل فلا تفعل،و لا تسر إليه،قال:

فخرجت من عنده فأتاني آت و قال:هذا عمر بن سعد يندب الناس إلى الحسين، قال:فأتيته فإذا هو جالس،فلما رآني اعرض بوجهه،فعرفت انه قد عزم على المسير إليه،فخرجت من عنده.

و روى الطبري و قال:فأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد،فقال:أصلحك اللّه انك وليتني هذا العمل و كتبت لي العهد و سمع به الناس فإن رأيت أن تنفذ لي ذلك فافعل، و ابعث إلى الحسين في هذا الجيش من اشراف الكوفة من لست بأغنى و لا أجزأ عنك في الحرب منه،فسمى له أناسا فقال له ابن زياد:لا تعلمني بأشراف أهل الكوفة،و لست أستأمرك فيمن أريد ان ابعث،ان سرت بجندنا و الا فابعث إلينا بعهدنا،فلما رآه قد لج،قال:فإني سائر،قال:فأقبل في أربعة آلاف حتى نزل بالحسين من الغد من يوم نزل الحسين نينوى (1).3.

ص: 137


1- معالم المدرستين للعسكري:80/3.

بين ابن سعد و الحسين عليه السلام

قال:فبعث عمر بن سعد إلى الحسين عليه السّلام عزرة بن قيس الأحمسي،فقال:ائته فسله ما الذي جاء به،و ما ذا يريد،و كان عزرة ممن كتب إلى الحسين،فاستحيا منه ان يأتيه،قال:فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلهم أبى و كرهه،قال:

و قام إليه كثير بن عبد اللّه الشعبي،و كان فارسا شجاعا ليس يرد وجهه شيء، فقال:انا اذهب إليه،و اللّه لان شئت لأفتكن به،فقال له عمر بن سعد:ما أريد ان يفتك به،و لكن ائته فسله ما الذي جاء به،فأقبل إليه فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين:أصلحك اللّه أبا عبد اللّه قد جاءك شر أهل الأرض و أجرأه على دم و أفتكه، فقام إليه،فقال:ضع سيفك:قال:لا و اللّه و لا كرامة،إنما انا رسول فإن سمعتم مني أبلغتكم ما أرسلت به إليكم،و إن أبيتم انصرفت عنكم،فقال له:فإني آخذ بقائم سيفك،ثم تكلم بحاجتك،قال:لا و اللّه لا تمسه!فقال له:أخبرني ما جئت به و أنا أبلغه عنك و لا أدعك تدنو منه،فإنك فاجر!قال:فاستبا ثم انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر:فدعا عمر قرة بن قيس الحنظلي فقال له:ويحك يا قرة!الق حسينا،فسله ما جاء به،و ماذا يريد.

قال:فأتاه قرة بن قيس فلما رآه الحسين مقبلا،قال:أ تعرفون هذا؟

فقال حبيب بن مظاهر:نعم!هذا رجل من حنظلة تميمي و هو ابن أختنا،و لقد كنت اعرفه بحسن الرأي،و ما كنت أراه يشهد هذا المشهد!قال:فجاء حتى سلم على الحسين،و أبلغه رسالة عمر بن سعد إليه،فقال له الحسين:كتب إلي أهل مصركم هذا ان أقدم فأما إذ كرهوني فأنا انصرف عنهم.

ص: 138

قال:ثم قال له حبيب بن مظاهر:ويحك!يا قرة بن قيس،أنى ترجع إلى القوم الظالمين!انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك اللّه بالكرامة و إيانا معك!فقال له قرة:

ارجع إلى صاحبي بجواب رسالته و أرى رأيي،قال:فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر،فقال له عمر بن سعد:انى لأرجو ان يعافيني اللّه من حربه و قتاله.

ص: 139

مكاتبة ابن سعد و ابن زياد

قال:كتب عمر بن سعد إلى عبيد اللّه بن زياد:بسم اللّه الرحمان الرحيم،اما بعد،فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما اقامه و ماذا يطلب و يسأل،فقال:كتب إلى أهل هذه البلاد و اتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت فأما إذ كرهوني فبدا لهم غير ما اتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم.

فلما قرئ الكتاب على ابن زياد قال:

ألآن إذ عقلت مخالبنا به يرجو النجاة و لات حين مناص

و كتب إلى عمر بن سعد:بسم اللّه الرحمان الرحيم،اما بعد،فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت فاعرض على الحسين ان يبايع ليزيد بن معاوية هو و جميع أصحابه فإذا فعل ذلك رأينا رأينا و السلام.

قال فلما اتى عمر بن سعد الكتاب،قال:قد حسبت ان لا يقبل ابن زياد العافية.

ص: 140

ابن زياد يأمر بالنفير العام

اشارة

و روى البلاذري في أنساب الأشراف و قال:لما سرح ابن زياد عمر بن سعد، أمر الناس فعسكروا بالنخيلة،و أمر أن لا يتخلف أحد منهم،و صعد المنبر فقرض معاوية و ذكر إحسانه و ادراره الأعطيات و عنايته بأهل الثغور،و ذكر اجتماع الألفة به و على يده،و قال:إن يزيد ابنه المتقيل له (1)السالك لمناهجه المحتذي لمثاله،و قد زادكم مائة مائة في أعطيتكم،فلا يبقين رجل من العرفاء و المناكب و التجار و السكان إلاّ خرج فعسكر معي،فأيما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن العسكر برئت منه الذمة.

ثم خرج ابن زياد فعسكر و بعث إلى الحصين بن تميم و كان بالقادسية في أربعة آلاف،فقدم النخيلة في جميع من معه.

ثم دعا ابن زياد كثير بن شهاب الحارثي و محمد بن الأشعث بن قيس و القعقاع ابن سويد بن عبد الرحمان المنقري و أسماء بن خارجة الفزاري و قال:طوفوا في الناس فمروهم بالطاعة و الاستقامة،و خوفوهم عواقب الأمور و الفتنة و المعصية، و حثوهم على العسكرة[كذا]فخرجوا فعزروا و داروا بالكوفة.

ثم لحقوا به غير كثير بن شهاب،فإنه كان مبالغا يدور بالكوفة يأمر الناس بالجماعة،و يحذرهم الفتنة و الفرقة و يخذل عن الحسين!!!و سرح ابن زياد أيضا حصين بن تميم في الأربعة الآلاف الذين كانوا معه إلى الحسين بعد شخوص عمر

ص: 141


1- أي المشبه له المتخلق بأخلاقه و سجيته.

ابن سعد بيوم أو يومين.

و وجه أيضا إلى الحسين حجار بن أبجر العجلي في ألف.

و تمارض شبث بن ربعي فبعث إليه فدعاه و عزم عليه أن يشخص إلى الحسين في ألف ففعل.

و كان الرجل يبعث في ألف فلا يصل إلا في ثلاث مئة و أربع مئة و أقل من ذلك كراهة منهم لهذا الوجه.

و وجه أيضا يزيد بن الحرث بن يزيد بن رويم في ألف أو أقل.

ثم إن ابن زياد استخلف على الكوفة عمرو بن حريث،و أمر القعقاع بن سويد بن عبد الرحمان بن بجير المنقري بالتطواف بالكوفة في خيل فوجد رجلا من همدان قد قدم يطلب ميراثا له بالكوفة،فأتى به ابن زياد فقتله،فلم يبق بالكوفة محتلم إلاّ خرج إلى العسكر بالنخيلة.

ثم جعل ابن زياد يرسل العشرين و الثلاثين و الخمسين إلى المئة،غدوة و ضحوة و نصف النهار و عشية من النخيلة يمد بهم عمر بن سعد.

ذكر ابن نما في مثير الأحزان:إن عددهم بلغ لست خلون من المحرم عشرين ألفا (1).

و روى البلاذري في أنساب الأشراف و قال:و وضع ابن زياد المناظر على الكوفة (2)لئلا يجوز أحد من العسكر مخافة لان يلحق الحسين مغيثا له،و رتبء.

ص: 142


1- المناظر:جمع المنظرة:القوم يصعدون إلى أعلى الأماكن ينظرون و يراقبون ما ارتفع من الأرض أو البناء.
2- المناظر:جمع المنظرة:القوم يصعدون إلى أعلى الأماكن ينظرون و يراقبون ما ارتفع من الأرض أو البناء.

المسالح حولها (1)و جعل على حرس الكوفة زحر بن قيس الجعفي.

و رتب بينه و بين عسكر عمر بن سعد خيلا مضمرة مقدحة (2)فكان خبر ما قبله يأتيه في كل وقت (3). (4).

منع الماء عن عترة الرسول صلّى اللّه عليه و اله

روى الطبري عن حميد بن مسلم الأزدي قال جاء من عبيد اللّه بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد:اما بعد فحل بين الحسين و أصحابه و بين الماء و لا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان.

قال:فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة و حالوا بين حسين و أصحابه و بين الماء أن يسقوا منه قطرة و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث قال:و نازله عبد اللّه بن أبي حصين الأزدي و عداده في بجيلة فقال:يا حسين!ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء!و اللّه لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا،فقال الحسين عليه السّلام:اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا!

قال حميد بن مسلم:و اللّه لعدته بعد ذلك في مرضه فو اللّه الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتى يبغر ثم يقىء ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى فما زال ذلك دأبه حتى لفظ غصته يعني نفسه.

ص: 143


1- المسالح:جمع المسلحة:المرقب أو قوم ذوو السلاح يحرسون و يراقبون.
2- مقدحة من قولهم:"قدح الفرس":ضمره. أي صيره هزالا خفيف اللحم كي يكون عند الجري سريعا يسبق أقرانه إلى الهدف.
3- الرواية الأولى و الثانية في أنساب الأشراف ح-33 بترجمة الحسين.
4- معالم المدرستين للعسكري:83/3.

معركة على الماء

قال:و لما اشتد على الحسين و أصحابه العطش دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه فبعثه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا و بعث معهم بعشرين قربة فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلا و استقدم امامهم باللواء نافع بن هلال الجملي،فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي:من الرجل؟فجئ ما جاء بك قال:جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه،قال:فاشرب هنيئا،قال:لا و اللّه لا أشرب منه قطرة و حسين عطشان و من ترى من أصحابه،فطلعوا عليه،فقال:لا سبيل إلى سقي هؤلاء إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء،فلما دنا منه أصحابه قال لرجاله:

املؤوا قربكم فشد الرجالة فملأوا قربهم و ثار إليهم عمرو بن الحجاج و أصحابه، فحمل عليهم العباس بن علي و نافع بن هلال فكفوهم،ثم انصرفوا إلى رحالهم فقالوا:امضوا و وقفوا دونهم فعطف عليهم عمرو بن الحجاج و أصحابه و اطردوا قليلا،ثم إن رجلا من صداء طعن من أصحاب عمرو بن الحجاج،طعنه نافع بن هلال فظن أنها ليست بشيء ثم إنها انتفضت بعد ذلك،فمات منها و جاء أصحاب حسين بالقرب فأدخلوها عليه.

ص: 144

اعذار الإمام قبل القتال

و روي عن هانئ بن ثبيت الحضرمي و كان قد شهد قتل الحسين،قال:بعث الحسين عليه السّلام إلى عمر بن سعد عمرو بن قرضة بن كعب الأنصاري ان القني الليل بين عسكري و عسكرك قال:فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارسا و أقبل حسين في مثل ذلك فلما التقوا أمر حسين أصحابه ان يتنحوا عنه و أمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك،قال:فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما،و لا كلامهما،فتكلما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع،ثم انصرف كل واحد منهما إلى عسكره بأصحابه،و تحدث الناس فيما بينهما ظنا يظنونه أن حسينا قال لعمر بن سعد:اخرج معي إلى يزيد بن معاوية و ندع العسكرين قال عمر:إذن تهدم داري قال:أنا أبنيها لك.قال:اذن تؤخذ ضياعي،قال:اذن أعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز قال:فتكرّه ذلك عمر،قال:فتحدث الناس بذلك و شاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئا و لا علموه.

و روى عن عقبة بن سمعان قال:صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة و من مكة إلى العراق و لم أفارقه حتى قتل و ليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة و لا بمكة و لا في الطريق و لا بالعراق و لا في عسكر إلى يوم مقتله إلا و قد سمعتها،ألا و اللّه ما أعطاهم ما يتذاكر الناس و ما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية و لا ان يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين و لكنه قال:دعوني لأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس.

و روى عن أبي مخنف عن رجاله:أنهما كانا التقيا مرارا ثلاثا أو أربعا حسين

ص: 145

و عمر بن سعد قال:فكتب عمر بن سعد إلى عبيد اللّه بن زياد:أما بعد فإن اللّه قد اطفأ النائرة،و جمع الكلمة و أصلح أمر الأمة،هذا حسين قد أعطاني ان يرجع إلى المكان الذي منه أتى أو أن نسيره إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئنا فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم أو ان يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده فيرى فيما بينه و بينه رأيه،و في هذا لكم رضى و للأمة صلاح،قال:فلما قرأ عبيد اللّه الكتاب قال:هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على قومه نعم قد قبلت قال:فقام إليه شمر بن ذي الجوشن،فقال:أتقبل هذا منه و قد نزل بأرضك إلى جنبك،و اللّه لئن رحل من بلدك،و لم يضع يده في يدك،ليكونن أولى بالقوة و العز، و لتكونن أولى بالضعف و العجز،فلا تعطه هذه المنزلة،فإنها من الوهن،و لكن لينزل على حكمك،هو و أصحابه،فإن عاقبت فأنت ولى العقوبة و ان غفرت كان ذلك لك،و اللّه لقد بلغني أن حسينا و عمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل.

فقال له ابن زياد:نعم ما رأيت،الرأي رأيك (1).3.

ص: 146


1- معالم المدرستين للعسكري:86/3.

ابن زياد يمنع الإمام من الرجوع

قال:ثم إن عبيد اللّه بن زياد دعا شمر بن ذي الجوش فقال له:اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد،فليعرض على الحسين و أصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما،و ان هم أبوا فليقاتلهم،فإن فعل فاسمع له و أطع،و ان هو أبى فقاتلهم،فأنت أمير الناس و ثب عليه فاضرب عنقه،و ابعث إلى برأسه.

قال:ثم كتب عبيد اللّه بن زياد إلى عمر بن سعد:اما بعد فإني لم أبعثك إلى حسين لتكف عنه و لا لتطاوله و لا لتمنيه السلامة و البقاء،و لا لتقعد له عندي شافعا، انظر،فإن نزل حسين و أصحابه على الحكم،و استسلموا،فابعث بهم إلي سلما و إن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم،و تمثل بهم،فإنهم لذلك مستحقون،فإن قتل حسين فأوطئ الخيل صدره و ظهره،فإنه عاق مشاق قاطع ظلوم،و ليس دهري في هذا ان يضر بعد الموت شيئا و لكن علي قول:لو قد قتلته فعلت هذا به!إن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع،و إن أبيت فاعتزل عملنا و جندنا و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر،فإنا قد أمرناه بأمرنا و السلام.

ص: 147

أمان ابن زياد للعباس و اخوته

قال:لما قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب،قام هو و عبد اللّه بن أبي المحل، و كانت عمته أم البنين ابنة حزام عند علي بن أبي طالب عليه السّلام فولدت له العباس و عبد اللّه و جعفرا و عثمان،فقال عبد اللّه بن أبي المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب:أصلح اللّه الأمير ان بني أختنا مع الحسين، فإن رأيت أن تكتب لهم أمانا،فعلت.

قال:نعم،و نعمة عين،فأمر كاتبه فكتب لهم أمانا فبعث به عبد اللّه بن أبي المحل مع مولى له يقال له:كزمان،فلما قدم عليهم دعاهم فقال:هذا أمان بعث به خالكم.

فقال له الفتية:أقرئ خالنا الإسلام،و قل له:إن لا حاجة لنا في أمانكم،أمان اللّه خير من أمان بن سمية.

قال:فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد اللّه بن زياد إلى عمر بن سعد، فلما قدم به عليه،فقرأه،قال له عمر،مالك!ويلك لا قرب اللّه دارك،و قبح اللّه ما قدمت به علي،و اللّه إني لأظنك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه،أفسدت علينا أمرا كنا رجونا أن يصلح،لا يستسلم و اللّه حسين،إن نفسا أبية لبين جنبيه،فقال له شمر:أخبرني ما أنت صانع أتمضي لأمر أميرك و تقتل عدوه؟و إلا فخل بيني و بين الجند و العسكر قال:لا!و لا كرامة لك،و انا أتولى ذلك،قال:فدونك و كن أنت على الرجال.

قال:و جاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين فقال أين بنو أختنا؟فخرج

ص: 148

إليه العباس و جعفر و عثمان بنو علي فقالوا له:مالك و ما تريد؟

قال:أنتم يا بني أختي آمنون،قال له الفتية:لعنك اللّه و لعن أمانك،لئن كنت خالنا أتؤمننا و ابن رسول اللّه لا أمان له (1).7.

ص: 149


1- معالم المدرستين للعسكري:76/3-87.

موضع الخيام

قال القرشي:و نصبت خيام أهل البيت عليهم السّلام في البقعة الطاهرة التي لا تزال آثارها باقية إلى اليوم يقول السيد هبة الدين الشهرستاني:«و أقام الإمام في بقعة بعيدة عن الماء تحيط بها سلسلة ممدودة،و ربوات تبدأ من الشمال الشرقي متصلة بموضع باب السدرة في الشمال،و هكذا إلى موضع الباب الزينبي إلى جهة الغرب،ثم تنزل إلى موضع الباب القبلي من جهة الجنوب و كانت هذه التلال المتقاربة تشكل للناظرين نصف دائرة،و في هذه الدائرة الهلالية حوصر ريحانة الرسول صلّى اللّه عليه و اله».

و نفى صديقنا الاستاذ السيد محمد حسن الكليدار أن يكون الموضع المعروف بمخيم الحسين هو الموضع الذي حط فيه الإمام اثقاله،و إنما يقع المخيم بمكان ناء بالقرب من المستشفى الحسيني،مستندا في ذلك إلى أن التخطيط العسكري المتبع في تلك العصور يقضي بالفصل بين القوى المتحاربة بما يقرب من ميلين،و ذلك لما تحتاجه العمليات الحربية من جولان الخيل و غيرها من مسافة،كما أن نصب الخيام لا بد أن يكون بعيدا عن رمي السهام و النبال المتبادلة بين المحاربين و استند أيضا إلى بعض الشواهد التأريخية التي تؤيد ما ذهب إليه.

و أكبر الظن ان المخيم إنما هو في موضعه الحالي،أو يبعد عنه بقليل و ذلك لأن الجيش الأموي المكثف الذي زحف لحرب الإمام لم يكن قباله إلا معسكر صغير عبر عنه الحسين بالأسرة،فلم تكن القوى العسكرية متكافئة في العدد حتى يفصل بينها بميلين أو أكثر..

ص: 150

لقد أحاط الجيش الأموي بمعسكر الإمام حتى إنه لما أطلق ابن سعد السهم الذي أنذر به بداية القتال،و أطلق الرماة من جيشه سهامهم لم يبق أحد من معسكر الإمام إلا أصابه سهم حتى اخترقت السهام بعض أزر النساء،و لو كانت المسافة بعيدة لما أصيبت نساء أهل البيت بسهامهم.و مما يدعم ما ذكرناه أن الإمام الحسين عليه السّلام لما خطب في الجيش الأموي سمعت نساؤه خطابه فارتفعت أصواتهن بالبكاء،و لو كانت المسافة بعيدة لما انتهى خطابه إليهن،و هناك كثير من البوادر التي تدل على أن المخيم في وضعه الحالي.

ص: 151

في كربلاء

و أقام موكب العترة الطاهرة في كربلاء يوم الخميس المصادف اليوم الثاني من المحرم سنة(61 ه)و قد خيم الرعب على أهل البيت،و أيقنوا بنزول الرزء القاصم،و علم الإمام مغبة الأمر،و تجلت له الخطوب المفزعة،و الأحداث الرهيبة التي سيعانيها على صعيد كربلاء،و يقول المؤرخون:إنه جمع أهل بيته و أصحابه فألقى عليهم نظرة حنان و عطف و أيقن أنهم عن قريب سوف تنقطع أوصالهم، فأغرق في البكاء.و رفع يديه بالدعاء يناجي ربه،و يشكو إليه ما ألمّ به من عظيم الرزايا و الخطوب قائلا:

«اللّهم:انا عترة نبيك محمد صلّى اللّه عليه و اله قد أخرجنا و طردنا و ازعجنا عن حرم جدنا،و تعدت بنو أمية علينا اللّهم فخذ لنا بحقنا و انصرنا على القوم الظالمين».

ثم أقبل على أولئك الأبطال فقال لهم:

«الناس عبيد الدنيا و الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء،قلّ الديانون».

يا لها من كلمات مشرفة حكت واقع الناس في جميع مراحل التأريخ فهم عبيد الدنيا في كل زمان و مكان،و اما الدين فلا ظل له في أعماق نفوسهم،فإذا دهمتهم عاصفة من البلاء تنكروا له و ابتعدوا منه...نعم ان الدين بجوهره إنما هو عند الإمام الحسين و عند الصفوة من أهل بيته و أصحابه قد امتزج بمشاعرهم،و تفاعل مع عواطفهم فانبروا إلى ساحات الموت ليرفعوا شأنه،و قد أعطوا بتضحيتهم دروسا لأجيال الدنيا في الولاء الباهر للدين.

ص: 152

و بعد حمد اللّه و الثناء عليه خاطب أصحابه قائلا:

«أما بعد:فقد نزل بنا ما قد ترون...و ان الدنيا قد تغيرت،و تنكرت و أدبر معروفها، و لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء،و خسيس عيش كالمرعى الوبيل.ألا ترون إلى الحق لا يعمل به،و إلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله،فإني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما».

لقد أدلى بهذا الخطاب عما نزل به من المحن و البلوى،و أعلمهم أن الظروف مهما تلبدت بالمشاكل و الخطوب فإنه لا ينثني عن عزمه الجبار لإقامة الحق الذي خلص له.و قد وجه عليه السّلام هذا الخطاب لأصحابه لا ليستدر عواطفهم،و لا ليستجلب نصرهم،فماذا يغنون عنه بعد ما أحاطت به القوى المكثفة التي ملأت البيداء،و انما قال ذلك ليشاركونه المسؤولية في إقامة الحق الذي آمن به و اختاره قاعدة صلبة لنهضته الخالدة و قد جعل الموت في هذا السبيل هو الأمل الباسم في حياته الذي لا يضارعه أي أمل آخر.

و لما أنهى خطابه هبّ أصحابه جميعا،و هم يضربون أروع الأمثلة للتضحية و الفداء من أجل العدل و الحق...و كان أول من تكلم من أصحابه زهير بن القين و هو من أفذاذ الدنيا فقد قال:

«سمعنا يابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مقالتك،و لو كانت الدنيا لنا باقية،و كنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها».

و مثلت هذه الكلمات شرف الإنسان و انطلاقه في سبيل الخير،و بلغ كلام زهير في نفوس الأنصار أقصى الرضا،و حكى ما صمموا عليه من الولاء للإمام و التفاني في سبيله..و انبرى بطل آخر من أصحاب الإمام و هو برير الذي ارخص حياته في سبيل اللّه فخاطب الامام:

«يابن رسول اللّه لقد منّ اللّه بك علينا أن نقاتل بين يديك،و تقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة».

ص: 153

لقد أيقن برير أن نصرته للإمام فضل من الله عليه،ليفوز بشفاعة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله..و قام نافع و هو يقرر نفس المصير الذي اختاره الأبطال من إخوانه قائلا:

«أنت تعلم أن جدك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لم يقدر أن يشرب الناس محبته،و لا أن يرجعوا إلى أمره ما أحب،و قد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر،و يضمرون له الغدر يلقونه بأحلى من العسل،و يخلفونه بأمر من الحنظل،حتى قبضه اللّه إليه، و إن أباك عليا كان في مثل ذلك فقوم قد أجمعوا على نصره و قاتلوا معه الناكثين و القاسطين و المارقين حتى أتاه أجله فمضى إلى رحمة اللّه و رضوانه.و أنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة،فمن نكث عهده،و خلع بيعته فلن يضر إلا نفسه و اللّه مغن عنه فسر بنا راشدا معافى،مشرقا إن شئت أو مغربا،فو اللّه ما أشفقنا من قدر الله، و لا كرهنا لقاء ربنا،و إنا على نياتنا و بصائرنا نوالي من والاك و نعادي من عاداك».

و تكلم أكثر أصحاب الإمام بمثل هذا الكلام،و قد شكرهم الإمام على هذا الإخلاص و التفاني في سبيل الله (1).3.

ص: 154


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:65/3.

انتظار الأسدي للإمام

و التحق بالإمام فور قدومه إلى كربلاء رجل من بني أسد أهمل المؤرخون اسمه،و قد حكى قصته العريان بن الهيثم قال:كان أبي ينزل قريبا من الموضع الذي كانت فيه واقعة الطف،و كنا لا نجتاز في ذلك المكان إلا وجدنا رجلا من بني أسد مقيما هناك،فقال له أبي:إني أراك ملازما هذا المكان؟

فقال له:بلغني أن حسينا يقتل ههنا،فإنما أخرج لعلي أصادفه فأقتل معه،و لما قتل الحسين قال أبي:انطلق معي لننظر إلى الأسدي هل قتل؟فأتينا المعركة و طفنا في القتلى فرأينا الأسدي معهم لقد فاز بالشهادة بين يدي ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و نال أسمى المراتب،فكان في أعلى عليين مع النبيين و الصديقين و الشهداء و حسن أولئك رفيقا.

رسالة الإمام لابن الحنفية

و رفع الإمام عليه السّلام رسالة من كربلاء إلى أخيه محمد ابن الحنفية و سائر ابن هاشم،نعى فيها نفسه،و اعرب عن دنو الأجل المحتوم منه هذا نصها:«أما بعد:

فكأن الدنيا لم تكن و كأن الآخرة لم تزل و السلام»و هذه أوجز رسالة تكتب في مثل هذه المحن الشاقة التي تعصف بالصبر.

ص: 155

مع هرثمة بن سلمى

و التحق هرثمة بن سلمى بمعسكر ابن زياد،و لما انتهى إلى كربلاء تذكر حديثا مضت عليه حفنة من السنين فنساه فقد كان مع الإمام أمير المؤمنين في غزوة له، و قد مر على كربلاء فنزل إلى شجرة،و صلّى تحت ظلالها،فلما فرغ من صلاته أخذ قبضة من تلك الأرض و شمها و أخذ يقول:

«واها لك من تربة ليقتلن بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب!!»

و مضى هرثمة إلى الحسين مسرعا فحدثه بما سمعه من أبيه،فقال عليه السّلام له:

«معنا أو علينا؟»

«لا معك و لا عليك،تركت عيالا».

و ساق له الإمام نصيحته فأمره بمغادرة كربلاء لئلا يشهد واعية أهل البيت قائلا له:

«ولّ في الأرض فو الذي نفس حسين بيده لا يشهد قتلنا اليوم رجل إلا دخل جهنم».

و انهزم هرثمة من كربلاء حتى وافته الأنباء بمقتل الإمام و قد حرم من الشهادة بين يدي ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

التحاق أنس بن الحرث بالإمام

و التحق الصحابي الجليل أنس بن الحرث بالإمام،و قد حدث الإمام بما سمعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله انه قال:«إن ابني هذا-يعني الحسين-يقتل بأرض يقال لها كربلاء، فمن شهده منكم فلينصره»،و ظل أنس ملازما للإمام حتى رزق الشهادة بين يديه.

ص: 156

رسالة ابن زياد للحسين

و لما علم ابن مرجانة أن الحر قد حاصر الحسين في كربلاء،بعث إليه رسالة دلت على مدى طيشه و غروره،و هذا نصها:

«أما بعد:يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلاء،و قد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الوثير و لا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير أو تنزل على حكمي و حكم يزيد..».

أنت يا بن مرجانة و سيدك يزيد خليقان بأن لا تشبعا من الخمر و خليقان بأن تقترفا كل منكر في الإسلام.

و لما قرأ الإمام رسالة ابن مرجانة رماها من يده استهانة به و احتقارا لهذا الإنسان الممسوخ و راح يقول:

«لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق».

و طالبه الرسول بجواب يرجع به إلى ابن زياد فقال عليه السّلام:

«ما له عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب».

و قفل الرسول راجعا فأخبر ابن مرجانة بمقالة الإمام فاستشاط غضبا و أخذ يتهيأ للحرب و يزج بجميع ما لديه من القوى العسكرية لحرب ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله (1).

ص: 157


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:62/3-67.

يوم عاشوراء

اشارة

الحسين عليه السّلام يوم العاشر

روي عن عليّ بن الحسين زين العابدين أنّه قال:لمّا أصبحت الخيل تقبل على الحسين رفع يديه و قال:اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب،و أنت رجائي في كلّ شدّة و أنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة و عدّة،كم من همّ يضعف فيه الفؤاد و تقلّ فيه الحيلة و يخذل فيه الصديق و يشمت فيه العدوّ أنزلته بك و شكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك ففرّجته عنّي و كشفته فأنت وليّ كلّ نعمة و صاحب كلّ حسنة و منتهى كلّ رغبة (1).

و قال أبو جعفر الطبري في التاريخ:قال أبو مخنف:حدّثني عبد اللّه بن عاصم قال:حدّثني الضحّاك المشرقي،لمّا دنا منه-يعني من أبي عبد اللّه أحد سيّدي شباب أهل الجنة الحسين بن عليّ في واقعة الطف-القوم دعا براحلته فركبها ثمّ نادى بأعلى صوته بصوت عال دعاء يسمع جلّ النّاس:

أيّها النّاس اسمعوا قولي و لا تعجلوني حتى أعظكم بما لحقّ لكم عليّ و حتّى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم فإن قبلتم عذري و صدّقتم قولي و أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد،و لم يكن لكم عليّ سبيل،و إن لم تقبلوا منّي العذر و لم تعطوا النصف من أنفسكم

ص: 158


1- مستدرك الوسائل:112/11 ح 12558.

إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصّالِحِينَ (1) .

قال:فلمّا سمع أخواته كلامه هذا صحن و بكين و بكى بناته فارتفعت أصواتهنّ فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس بن عليّ و عليّا ابنه،و قال لهما:اسكتاهنّ فلعمري ليكثرنّ بكاءهنّ.

قال:فلمّا ذهبا ليسكتاهنّ قال:لا يبعد ابن عبّاس،قال:فظنّنا أنّه إنما قالها حين سمع بكاؤهنّ لأنه قد كان نهاه أن يخرج بهنّ،فلمّا سكتن حمد اللّه و أثنى عليه و ذكر الله بما هو أهله و صلّى على محمد و على ملائكته و أنبيائه و ذكر من ذلك ما اللّه أعلم و ما لا يحصى ذكره،قال:فو اللّه ما سمعت متكلّما قطّ قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه،ثمّ قال:

أمّا بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يحلّ لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟

ألست ابن بنت نبيّكم و ابن وصيّه و ابن عمّه و أوّل المؤمنين بالله و المصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه؟أو ليس حمزة سيّد الشّهداء عمّ أبي؟أو ليس جعفر الشّهيد الطّيار ذو الجناحين عمّي؟أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم أنّ رسول الله قال لي و لأخي:هذان سيّدا شباب أهل الجنّة فإن صدّقتموني بما أقول و هو الحقّ، و اللّه ما تعمّدت كذبا مذ علمت أنّ اللّه يمقت عليه و يضرّ به من اختلقه؛فإن كذّبتموني فإنّ فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم،سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري،أو أبا سعيد الخدري،أو سهل بن سعد الساعدي،أو زيد بن أرقم،أو أنس بن مالك يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه لي و لأخي،أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي.الخبر (2).ن.

ص: 159


1- الاعراف:196.
2- تاريخ الطبري:328/7 من طبع ليدن.

و قال السيد مرتضى العسكري:قال:فلما صلّى عمر بن سعد الغداة يوم الجمعة،و كان ذلك اليوم يوم عاشوراء خرج فيمن معه من الناس،قال:و عبأ الحسين أصحابه و صلّى بهم صلاة الغداة،و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا،فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه،و حبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه و أعطى رايته العباس بن علي أخاه.

و جعلوا البيوت في ظهورهم،و أمر بحطب و قصب كان من وراء البيوت تحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.

قال:و كان الحسين عليه السّلام أتي بقصب و حطب إلى مكان من ورائهم منخفض كأنه ساقية فحفروه في ساعة من الليل،فجعلوه كالخندق،ثم ألقوا فيه ذلك الحطب و القصب،و قالوا:إذا غدوا علينا فقاتلونا ألقينا فيه النار كيلا نؤتى من ورائنا، و قاتلونا من وجه واحد،ففعلوا،و كان لهم نافعا.

قال:لما خرج عمر بن سعد بالناس كان على ربع أهل المدينة يومئذ عبد اللّه ابن زهير بن سليم الأزدي،و على ربع مذحج و أسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الحنفي و على ربع ربيعة و كندة قيس بن الأشعث بن قيس،و على ربع تميم و همدان الحر بن يزيد الرياحي،فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين إلا الحر بن يزيد فإنه عدل إلى الحسين و قتل معه،و جعل عمر على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي،و على ميسرته شمر بن ذي الجوشن بن شرحبيل بن الأعور بن عمر بن معاوية و هو الضباب ابن كلاب،و على الخيل عزرة بن قيس الأحمسي،و على الرجال شبث بن ربعي اليربوعي و أعطى الراية ذويدا مولاه.

استبشارهم بالشهادة

و روى عن غلام لعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري،قال:كنت مع مولاي فلما حضر الناس و أقبلوا إلى الحسين،أمر الحسين بفسطاط فضرب،ثم أمر بمسك

ص: 160

فميث في جفنة عظيمة أو صحفة.

قال:ثم دخل الحسين ذلك الفسطاط فتطلى بالنورة،قال:و مولاي عبد الرحمن ابن عبد ربه،و برير بن حضير الهمداني على باب الفسطاط،تحتك منا كهما،فازدحما أيهما يطلى على أثره،فجعل برير يهازل عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن:دعنا فو اللّه ما هذه بساعة باطل،فقال له برير:و اللّه لقد علم قومي إني ما أحببت الباطل شابا و لا كهلا،و لكن و اللّه انى لمستبشر بما نحن لاقون،و اللّه إن بيننا و بين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم،و لوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم.

قال:فلما فرغ الحسين دخلنا فأطلينا.

قال:ثم إن الحسين ركب دابته و دعا بمصحف فوضعه امامه (1)قال:فاقتتل أصحابه بين يديه قتالا شديدا،فلما رأيت القوم قد صرعوا أفلت و تركتهم.ه.

ص: 161


1- في تذكرة خواص الأمة أنه نشره على رأسه و خاطبهم كما يأتي إن شاء اللّه.

دعاء الحسين يوم عاشورا

و روى الطبري،و قال:لما صبحت الخيل الحسين رفع الحسين يديه،فقال:

اللهم أنت ثقتي في كل كرب و رجائي في كل شدة و أنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة،كم من هم يضعف فيه الفؤاد،و تقل فيه الحيلة،و يخذل فيه الصديق، و يشمت فيه العدو،أنزلته بك،و شكوته إليك،رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته و كشفته،فأنت ولي كل نعمة و صاحب كل حسنة و منتهى كل رغبة (1).

و روى عن الضحاك المشرقي قال:لما أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب و القصب الذي كنا ألهبنا فيه النار من ورائنا لئلا يأتونا من خلفنا،إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة فلم يكلمنا حتى مرّ على أبياتنا فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلا حطبا تلتهب النار فيه،فرجع راجعا فنادى بأعلى صوته:يا حسين!استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة؟!

فقال الحسين عليه السّلام:من هذا؟كأنه شمر بن ذي الجوشن!

فقالوا:نعم أصلحك اللّه هو هو.

فقال:يا ابن راعية المعزى!أنت أولى بها صليا.

فقال له مسلم بن عوسجة:يا ابن رسول اللّه!جعلت فداك.

ص: 162


1- و رواه بالإضافة إلى الطبري و من ذكرنا ابن عساكر ح-667،و تهذيبه 333/4 و فى لفظه" منتهى كل غاية".

ألا ارميه بسهم،فإنه قد أمكنني و ليس يسقط سهم،فالفاسق من أعظم الجبارين.

فقال له الحسين عليه السّلام:لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم،و كان مع الحسين فرس له يدعى لاحقا حمل عليه ابنه علي بن الحسين (1).3.

ص: 163


1- معالم المدرستين للعسكري:96/3.

خطبة الحسين الأولى

قال:فلما دنا منه القوم دعا براحلته،فركبها،ثم نادى بأعلى صوته بصوت عال دعاء يسمع جل الناس:أيها الناس!اسمعوا قولي،و لا تعجلوني حتى أعظكم بما الحق لكم علي،و حتى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم،فإن قبلتم عذري و صدقتم قولي و أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد،و لم يكن لكم على سبيل،و ان لم تقبلوا مني العذر و لم تعطوا النصف من أنفسكم،فأجمعوا أمركم و شركاءكم،ثم لا يكن أمركم عليكم غمة،ثم اقضوا إلي و لا تنظرون،ان وليي اللّه الذي نزل الكتاب، و هو يتولى الصالحين (1).

قال:فلما سمع أخواته كلامه هذا،صحن و بكين و بكت بناته،فارتفعت أصواتهن،فأرسل إليهن أخاه العباس بن علي،و عليا ابنه،و قال عليه السّلام لهما:أسكتاهن فعمري ليكثرن بكاؤهن فلما سكتن،حمد اللّه و أثنى عليه و ذكر اللّه بما هو أهله و صلى على محمد صلّى اللّه عليه و على ملائكته و أنبيائه فذكر من ذلك ما اللّه اعلم، و ما لا يحصى ذكره،قال:فو اللّه ما سمعت متكلما قط قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه،ثم قال:أما بعد فانسبوني فانظروا من انا ثم ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يحل لكم قتلي و انتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم صلّى اللّه عليه و اله:و ابن وصيه؟ و ابن عمه؟و أول المؤمنين باللّه و المصدق لرسوله بما جاء به من عند ربه؟أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟أ و ليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي؟أو لم

ص: 164


1- رواها ابن نما في مثير الأحزان في اليوم السادس من المحرم.

يبلغكم قول مستفيض فيكم:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال لي و لأخي:هذان سيدا شباب أهل الجنة.فإن صدقتموني بما أقول و هو الحق،و اللّه ما تعمدت كذبا مذ علمت أن اللّه يمقت عليه أهله،و يضربه من اختلقه!و ان كذبتموني فإن فيكم من أن سألتموه عن ذلك أخبركم،سلوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري!أو أبا سعيد الخدري!أو سهل بن سعد الساعدي!أو زيد بن أرقم!أو أنس بن مالك!يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لي و لأخي أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟

فقال له شمر بن ذي الجوشن:هو يعبد اللّه على حرف،إن كان يدري ما تقول، فقال له حبيب بن مظاهر:و اللّه إني لأراك تعبد اللّه على سبعين حرفا،و أنا اشهد انك صادق ما تدري ما يقول،قد طبع اللّه على قلبك!ثم قال لهم الحسين:فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أثرا ما إني ابن بنت نبيكم فو اللّه ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري منكم و لا من غيركم انا ابن بنت نبيكم خاصة، أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته!أو مال لكم استهلكته؟!أو بقصاص من جراحة؟

قال:فأخذوا لا يكلمونه،قال:فنادى:يا شبث بن ربعي!و يا حجار بن أبجر! و يا قيس بن الأشعث!و يا يزيد بن الحارث!ألم تكتبوا إلى أن قد أينعت الثمار، و أخضر الجناب و طمت الجمام،و إنما تقدم على جند لك مجندة،فأقبل!قالوا له:لم نفعل!فقال:سبحان اللّه!بلى و اللّه لقد فعلتم!

ثم قال:أيها الناس!إذ كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمني من الأرض،قال:فقال له قيس بن الأشعث:أولا تنزل على حكم بني عمك،فإنهم لن يروك إلاّ ما تحب،و لن يصل إليك منهم مكروه،فقال له الحسين:أنت أخو أخيك، أ تريد ان يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل!لا و اللّه لا أعطيهم بيدي اعطاء الذليل و لا أقر اقرار العبيد.

عباد اللّه!إني عذت بربي و ربكم أن ترجمون أعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا

ص: 165

يؤمن بيوم الحساب،قال:ثم إنه أناخ راحلته و أمر عقبة بن سمعان فعقلها،و اقبلوا يزحفون نحوه (1).3.

ص: 166


1- معالم المدرستين للعسكري:97/3.

خطبة زهير بن القين

و روى عن كثير بن عبد اللّه الشعبي،قال:لما زحفنا قبل الحسين،خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح فقال:يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب اللّه نذار!ان حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم،و نحن حتى الآن اخوة، و على دين واحد،و ملة واحدة،ما لم يقع بيننا و بينكم السيف،و أنتم للنصيحة منا أهل،فإذا وقع السيف انقطعت العصمة و كنا أمة،و أنتم أمة،ان اللّه قد ابتلانا و إياكم بذرية نبيه محمد صلّى اللّه عليه و اله،لينظر ما نحن و أنتم عاملون،انا ندعوكم إلى نصرهم، و خذلان الطاغية عبيد اللّه بن زياد،فإنكم لا تدركون منهما إلاّ بسوء عمر سلطانهما كله!ليسملان أعينكم!و يقطعان أيديكم و أرجلكم!و يمثلان بكم!و يرفعانكم على جذوع النخل!و يقتلان أماثلكم و قراءكم أمثال حجر بن عدي و أصحابه و هانئ بن عروة و أشباهه.

قال:فسبوه و أثنوا على عبيد اللّه بن زياد و دعوا له و قالوا:و اللّه لا نبرح حتى نقتل صاحبك و من معه!أو نبعث به و بأصحابه إلى الأمير عبيد اللّه سلما!فقال لهم:

عباد اللّه!ان ولد فاطمة رضوان اللّه عليها أحق بالود و النصر من ابن سمية!فإن لم تنصروهم فأعيذكم باللّه ان تقتلوهم فخلوا بين هذا الرجل و بين ابن عمه يزيد بن معاوية فلعمري إن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين.

قال فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم!و قال:اسكت اسكت اللّه نأمتك أبرمتنا بكثرة كلامك!فقال له زهير:يا ابن البوال على عقبه ما إياك أخاطب،إنما أنت بهيمة، و اللّه ما أظنك تحكم من كتاب اللّه آيتين،فأبشر بالخزي يوم القيامة و العذاب الأليم!

ص: 167

فقال له شمر:إن اللّه قاتلك و صاحبك عن ساعة،قال أفبالموت تخوفني؟فو اللّه الموت معه أحب إلي من الخلد معكم،قال:ثم اقبل على الناس رافعا صوته،فقال عباد اللّه:لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي و أشباهه فو اللّه لا تنال شفاعة محمد صلّى اللّه عليه و اله قوما هرقوا دماء ذريته و أهل بيته و قتلوا من نصرهم و ذب عن حريمهم.

قال فناداه رجل فقال له ان أبا عبد اللّه يقول لك اقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه و أبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء و أبلغت لو نفع النصح و الابلاغ (1).3.

ص: 168


1- معالم المدرستين للعسكري:98/3.

توبة الحر

اشارة

و روي عن عدي بن حرملة قال:إن الحر بن يزيد لما زحف عمر بن سعد قال له أصلحك اللّه مقاتل أنت هذا الرجل؟!قال:إي و اللّه!قتالا أيسره ان تسقط الرؤوس و تطيح الأيدي!قال:أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضى؟!

قال عمر بن سعد:اما و اللّه لو كان الأمر إلي لفعلت!و لكن أميرك قد أبى ذلك، قال:فأقبل حتى وقف من الناس موقفا،معه رجل من قومه يقال له:قرة ابن قيس، فقال:يا قرة!هل سقيت فرسك اليوم؟!

قال:لا،قال:أفما تريد ان تسقيه؟

قال:فظننت و اللّه انه يريد ان يتنحى،فلا يشهد القتال،و كره ان أراه حين يصنع ذلك،فيخاف أن أرفعه عليه،فقلت له:لم اسقه،و انا منطلق فساقيه،قال:

فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه،قال:فو اللّه لو أنه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين.

قال:فأخذ يدنو من حسين،قليلا قليلا،فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس:ما تريد يابن يزيد؟أتريد ان تحمل؟فسكت و أخذه مثل العرواء،فقال له:

يابن يزيد!و اللّه ان امرك لمريب!و اللّه ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن!و لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلا؟ما عدوتك!فما هذا الذي أرى منك.

قال:إني و اللّه أخير نفسي بين الجنة و النار و و اللّه لا اختار على الجنة شيئا،و لو قطعت و حرقت،ثم ضرب فرسه فلحق بحسين عليه السّلام فقال له:جعلني اللّه فداك يابن رسول اللّه انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع و سايرتك في الطريق،و جعجعت بك في هذا المكان،و اللّه الذي لا إله إلاّ هو ما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضت

ص: 169

عليهم أبدا!و لا يبلغون منك هذا المنزلة!فقلت في نفسي:لا أبالي ان أطيع القوم في بعض أمرهم و لا يرون إني خرجت من طاعتهم،و اما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم،و و اللّه لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، و اني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي و مواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك افترى ذلك لي توبة،قال:نعم يتوب اللّه عليك،و يغفر لك،ما اسمك؟

قال:انا الحر بن يزيد!قال عليه السّلام:أنت الحر،كما سمتك أمك،أنت الحر إن شاء اللّه في الدنيا و الآخرة،انزل.

قال:انالك فارسا،خير مني راجلا،أقاتلهم على فرسي ساعة و الى النزول ما يصير آخر أمري،قال الحسين:فاصنع يرحمك اللّه ما بدا لك.

موعظة الحر لأهل الكوفة

فاستقدم امام أصحابه ثم قال:أيها القوم ألا تقبلون من حسين خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم اللّه من حربه و قتاله؟

قالوا:هذا الأمير عمر بن سعد فكلمه فكلمه بمثل ما كلمه به قبل،و بمثل ما كلم به أصحابه،قال عمر:قد حرصت لو وجدت إلى ذلك سبيلا فعلت،فقال:يا أهل الكوفة!لامكم الهبل و العبر إذ دعوتموه حتى إذا اتاكم أسلمتموه،و زعمتم إنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه،أمسكتم بنفسه و أخذتم بكظمه و أحطتم به من كل جانب،فمنعتموه التوجه في بلاد اللّه العريضة حتى يأمن و يأمن أهل بيته،و أصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا و لا يدفع ضرا،و حلأتموه و نساءه و أصبيته و أصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي و المجوسي و النصراني،و تمرغ فيه خنازير السواد و كلابه،و ها هم قد صرعهم العطش،بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم اللّه يوم الظماء،ان لم تتوبوا

ص: 170

و تنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا،في ساعته هذه،فحملت عليه رجالة لهم ترميه بالنبل،فأقبل حتى وقف أمام الحسين عليه السّلام (1).3.

ص: 171


1- معالم المدرستين للعسكري:100/3.

خطبة الحسين عليه السّلام الثانية

قال سبط ابن الجوزي:ثم إن الحسين عليه السّلام ركب فرسه،و قال عليه السّلام:إن بيني و بينكم كتاب اللّه و سنة جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله (1).

و قال الخوارزمي:لما عبأ ابن سعد أصحابه،فأحاطوا بالحسين،من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة خرج الحسين من أصحابه،فأتاهم، فاستنصتهم،فأبوا ان ينصتوا فقال لهم:ويلكم!ما عليكم ان تنصتوا إلى فتسمعوا قولي!و إنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد!فتلاوم أصحاب عمر بن سعد،و قالوا:

أنصتوا له،فقال:تبا لكم أيتها الجماعة و ترحا!أحين استصرختمونا و الهين، فأصرخناكم موجفين،سللتم علينا سيفا لنا في ايمانكم،و حششتم علينا نارا اقتدحناها على عدونا و عدوكم،فأصبحتم ألبا لأعدائكم على أوليائكم،بغير عدل أفشوه فيكم،و لا أمل أصبح لكم فيهم،فهلا لكم الويلات تركتمونا و السيف مشيم و الجأش طامن،و الرأي لما يستحصف،و لكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا، و تداعيتم عليها كتهافت الفراش،ثم نقضتموها فسحقا لكم يا عبيد الأمة!و شذاذ الأحزاب،و نبذة الكتاب،و محرفي الكلم،و عصبة الآثم و نفثة الشيطان،و مطفئي السنن،ويحكم!أ هؤلاء تعضدون،و عنا تتخاذلون أجل و اللّه غدر فيكم قديم، و شجت عليه أصولكم،تأزرت فروعكم،فكنتم أخبث ثمر،شجى للناظر و أكلة للغاصب!ألا و إن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منا

ص: 172


1- تذكرة الخواص ص 252.

الذلة يأبى اللّه لنا ذلك،و رسوله و المؤمنون،و حجور طابت و طهرت،و أنوف حمية،و نفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام،على مصارع الكرام،إلاّ و إني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد و خذلان الناصر،ثم أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي (1):

فإن نهزم فهزامون قدما و إن نهزم فغير مهزمينا

و ما إن طبنا جبن و لكن منايانا و دولة آخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا

إذا ما الموت رفع عن أناس بكلكله أناخ بآخرينا

أما و اللّه لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يركب الفرس،حتى تدور بكم دور الرحى، و تقلق بكم قلق المحور،عهد عهده إلى أبي عن جدي رسول اللّه"فاجمعوا أمركم و شركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي و لا تنظرون،إني توكلت على اللّه ربى و ربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم" (2).

ثم رفع يديه نحو السماء و قال:اللهم احبس عنهم قطر السماء و ابعث عليهم سنين كسني يوسف و سلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة فإنهم كذبونا و خذلونا و أنت ربنا عليك توكلنا و اليك المصير (3).

و اللّه لا يدع أحدا منهم إلا انتقم لي منه قتلة بقتلة و ضربة بضربة و إنه لينتصر لي و لأهل بيتي و اشياعي (4).3.

ص: 173


1- قال ابن حجر في الإصابة ج 3 ص 205:في ترجمة فروة بن مسيك:وفد على النبي صلّى اللّه عليه و اله سنة تسع مع مذحج و استعمله النبي على مراد و مذحج و زبيد،و فى الاستيعاب سكن الكوفة أيام عمر.
2- تاريخ ابن عساكر ح 670،و تهذيبه ج 2 ص 334،و المقتل للخوارزمي ج 2 ص 7 و قد ذكرا البيتين الأول و الثاني و لم ينسباهما إلى أحد.
3- اللهوف ص 56 ط صيدا و المقتل للخوارزمي ج 2 ص 7.
4- معالم المدرستين للعسكري:101/3.

استجابة دعاء الحسين على ابن حوزة

و روى الطبري،قال:إن رجلا من بني تميم يقال له:عبد اللّه بن حوزة،جاء حتى وقف أمام الحسين فقال:يا حسين!يا حسين!فقال حسين:ما تشاء؟

قال عليه السّلام:أبشر بالنار!قال:كلا!إني أقدم على رب رحيم،و شفيع مطاع،من هذا؟

قال له أصحابه:هذا ابن حوزة قال:رب حزه إلى النار،قال:فاضطرب به فرسه في جدول،فوقع فيه،و تعلقت رجله بالركاب و وقع رأسه في الأرض و نفر الفرس فأخذه،يمر به،فيضرب برأسه كل حجر،و كل شجرة،حتى مات.

و في رواية ان عبد اللّه بن حوزة حين وقع فرسه بقيت رجله اليسرى في الركاب و ارتفعت اليمنى فطارت و عدا به فرسه يضرب رأسه كل حجر واصل شجرة حتى مات.

و روى عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي عن أخيه مسروق بن وائل قال:كنت في أوائل الخيل ممن سار إلى الحسين فقلت:أكون في أوائلها لعلي أصيب رأس الحسين،فأصيب به منزلة عند عبيد اللّه بن زياد،قال:فلما انتهينا إلى حسين تقدم رجل من القوم يقال له ابن حوزة فقال أفيكم حسين؟

قال:فسكت حسين،فقالها ثانية فأسكت حتى إذا كانت الثالثة،قال:قولوا له نعم،هذا حسين،فما حاجتك؟

قال:يا حسين!ابشر بالنار،قال:كذبت بل أقدم على رب غفور،و شفيع مطاع، فمن أنت؟

قال:ابن حوزة.

قال:فرفع الحسين يديه حتى رأينا بياض إبطيه من فوق الثياب ثم قال عليه السّلام:

ص: 174

اللهم حزه إلى النار.

قال:فغضب ابن حوزة فذهب ليقحم إليه الفرس،و بينه و بينه نهر،قال:فعلقت قدمه بالركاب و جالت به الفرس فسقط عنها،قال:فانقطعت قدمه و ساقه و فخذه و بقي جانبه الآخر متعلقا بالركاب،قال:فرجع مسروق،و ترك الخيل من ورائه، قال:فسألته،فقال:لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا لا أقاتلهم أبدا قال:و نشب القتال (1). (2).1.

ص: 175


1- في أمالي الشجري ص 160،و في تاريخ ابن عساكر ح 716 بإيجاز.
2- معالم المدرستين للعسكري:94/3-101.

ص: 176

الفهرس

بداية المسير إلى كربلاء

الإمام الحسين قبل المسير من الكوفة

عزم الإمام الحسين عليه السّلام على المسير إلى العراق 3

خطبة الإمام عليه السّلام 4

لفت نظر 5

أوامر الخليفة يزيد 5

الحسين مع ابن عباس 6

كتابه إلى بني هاشم 7

الإمام الحسين مع أخيه محمد بن الحنفية 7

وصية الحسين عليه السّلام 8

مع عبد اللّه بن جعفر و كتاب الوالي 9

كتاب عمرة بنت عبد الرحمن 10

مع ابن عمر 10

بدء المسير 12

مسير الإمام الحسين عليه السّلام إلى مكة المكرمة 12

الخروج من مكة 14

ص: 177

الحسين عليه السّلام في منطقة التنعيم 15

الحسين عليه السّلام في منطقة الصفاح 16

الحسين عليه السّلام في وادي العقيق 16

الحسين عليه السّلام في منطقة الحاجر 16

الحسين عليه السّلام في منطقة الخزيمية 17

الحسين عليه السّلام في منطقة زرود 17

الحسين عليه السّلام في منطقة زبالة 18

الحسين عليه السّلام في منطقة بطن العقبة 18

الحسين عليه السّلام في منطقة شراف 19

الحسين عليه السّلام في منطقة البيضة 21

الحسين عليه السّلام في منطقة عذيب الهجانات 22

الحسين عليه السّلام في قصر بني مقاتل 23

الحسين عليه السّلام في قرية نينوى 24

الخروج من مكة برواية أبي مخنف 28

اختيار الإمام الهجرة إلى العراق و سبب ذلك 39

أثناء المسير إلى العراق 43

لماذا الإعراض عن الحجاز؟44

الإعراض عن مصر 45

الاعراض عن اليمن 46

الإعراض عن فارس 47

الإعراض عن البصرة 47

مشفقون و منددون 48

المشفقون 49

ص: 178

1-المسور بن مخرمة 49

2-عبد الله بن جعفر 50

3-عبد الله بن عباس 50

4-أبو بكر المخزومي 52

5-عبد الله بن جعدة 53

6-جابر بن عبد الله 53

7-عبد الله بن مطيع 53

8-عمرو بن سعيد 54

9-محمد ابن الحنفية 54

10-السيدة أم سلمة 55

11-عبد الله بن الزبير 56

منددون 58

1-عبد الله بن عمر 58

2-سعيد بن المسيب 58

3-أبو واقد الليثي 59

4-أبو سلمة 59

5-أبو سعيد 59

6-عمرة بنت عبد الرحمن 59

المستحدثون 61

1-الشيخ محمد الخضري 61

2-محمد النجار 61

3-محمد الغزالي 62

4-أحمد شبلي 63

ص: 179

رسالة الإمام لبني هاشم من مكة 64

التحاق بني هاشم به 64

أسباب الهجرة من مكة 65

1-الحفاظ على الحرم 65

2-الخوف من الاغتيال 65

3-رسالة مسلم 66

خطاب الإمام عليه السلام في مكة 67

إتمام العمرة 69

الخروج قبل الحج 70

مع ابن الزبير 71

السفر إلى العراق 71

ملاحقة السلطة له 72

اتصال دمشق بالكوفة 73

موقف الأمويين 75

1-رسالة الوليد بن عتبة 76

اشتباه ابن كثير 76

2-رسالة الأشدق 77

حوادث على الطريق الى العراق 78

مصادرة أموال ليزيد 78

مع الفرزدق 79

كتاب الحسين لأهل الكوفة 81

مع أبي هرة 83

مع بعض مشايخ العرب 84

ص: 180

فزع السيدة زينب 84

مع زهير بن القين 85

النبأ المفجع بمقتل مسلم 87

وصول النبأ بمصرع عبد الله 88

رؤيا الإمام الحسين عليه السلام 90

الالتقاء بالحر 91

خطاب الإمام 92

خطبة الإمام 93

المشادة بين الحسين و الحر 95

قول شاذ 96

خطأ ابن عنبة 97

رواية أخرى في المقام 98

إستقاء مرة أخرى 111

خطبة الإمام في البيضة 112

التحاق جماعة من الكوفة بالامام 114

مع الطرماح 116

مع عبيد الله بن الحر 118

مع عمرو بن قيس 120

رسالة ابن زياد للحر 121

مع عبد اللّه بن مطيع 124

من رأى أن الحسين عليه السلام لا يجوز فيه السلاح 124

مع زهير بن القين 125

وصول خبر قتل مسلم و هانئ 127

ص: 181

رسولا ابن الأشعث و ابن سعد إلى الحسين عليه السلام 127

الإمام يخبر الناس بقتل مسلم و يحلهم عن بيعته 129

رجل من بني عكرمة 129

نذير آخر 130

انتهاء المسير و الوصول الى كربلاء 132

نزول ركب آل الرسول صلّى اللّه عليه و اله أرض كربلاء 132

قدوم عمر بن سعد على الحسين عليه السلام 136

بين ابن سعد و الحسين عليه السلام 138

مكاتبة ابن سعد و ابن زياد 140

ابن زياد يأمر بالنفير العام 141

منع الماء عن عترة الرسول صلّى اللّه عليه و اله 143

معركة على الماء 144

اعذار الإمام قبل القتال 145

ابن زياد يمنع الإمام من الرجوع 147

أمان ابن زياد للعباس و اخوته 148

موضع الخيام 150

في كربلاء 152

انتظار الأسدي للإمام 155

رسالة الإمام لابن الحنفية 155

مع هرثمة بن سلمى 156

التحاق أنس بن الحرث بالإمام 156

رسالة ابن زياد للحسين 157

ص: 182

يوم عاشوراء

الحسين عليه السلام يوم العاشر 158

استبشارهم بالشهادة 160

دعاء الحسين يوم عاشورا 162

خطبة الحسين الأولى 164

خطبة زهير بن القين 167

توبة الحر 169

موعظة الحر لأهل الكوفة 170

خطبة الحسين عليه السلام الثانية 172

استجابة دعاء الحسين على ابن حوزة 174

ص: 183

المجلد 13

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء الثالث عشر

بداية الحرب فى كربلاء

مقتل الاصحاب

بداية الحرب

زحف الكوفة للحرب

قال السيد القرشي:و حينما أذيع النبأ باستيلاء جيش ابن زياد على الإمام الحسين،و فرض الحصار عليه في كربلاء سادت موجات رهيبة من الذعر و الخوف في جميع أوساط الكوفة،و تخدرت الجماهير تحت ضغط هائل من قوة السيوف و الرماح فقد أشاع ابن زياد الإرهاب،و اعلن الأحكام العرفية في جميع أنحاء الكوفة،فكان يحكم بالموت و الإعدام لمجرد الظنة و التهمة،و صار الناس لا يملكون من أمرهم شيئا.

لقد تمت بوارق ابن مرجانة،و تحققت أحلامه حينما ظفر بابن فاتح مكة و محطم أوثان قريش ليتقرب بقتله إلى حفيد أبي سفيان زعيم الأحزاب المناوئة للإسلام، و يتخذ من ذلك وسيلة لإقرار نسبه اللصيق ببني أمية الذي شهد به أبو مريم الخمار.

و انفق ابن مرجانة جميع وقته لتهيئة الحرب،و اتخاذ جميع الوسائل الاحتياطية للتغلب على مجريات الأحداث،و قد احتف به الوجوه و الأشراف من الذين باعوا ضمائرهم عليه لوضع المخططات الرهيبة في عمليات الحرب.

انتخاب ابن سعد قائدا عاما

اشارة

و انتخب ابن مرجانة عمر بن سعد قائدا عاما لقواته المسلحة التي زجّ بها لحرب

ص: 3

ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله،و قبل أن نعرض أسباب انتخابه نقدم عرضا لبعض شؤونه.

أخبار النبي بسوء عاقبته

و اجتاز ابن سعد على النبي صلّى اللّه عليه و اله فلما رآه نفر منه،و أخبر صلّى اللّه عليه و اله عن سوء عاقبته و قال:«يكون مع قوم يأكلون الدنيا بألسنتهم كما تلحس الأرض البقرة بلسانها».

و قد أخبر أمير المؤمنين عليه السّلام بسوء مصيره يقول الرواة انه نظر إليه و حدثه فرأى فيه طيشا و استهانة بالحق و جرأة على ارتكاب الباطل فقال له:«ويحك يابن سعد!!كيف بك إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة و النار فتختار النار».

كراهية سعد له

و كان سعد ناقما على ولده عمر لما سمعه من رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فيه و يقول الرواة:

انه عهد إلى ورثته أن لا يعطوه أي شيء من مواريثه.

لعن الرشيد له

و لعن هارون الرشيد عمر بن سعد و حكم عليه بالإلحاد و المروق من الدين، و ذلك في قصة طريفة لا تخلو من متعة نسوقها إلى القراء يقول الرواة إنه جي بإسحاق بن إبراهيم مخفورا إلى الرشيد بتهمة أنه كان من الملحدين،فقال له إسحاق:

«يا أمير المؤمنين إني مؤمن بالله و بجميع رسله و أنبيائه،و ليس هذا ذنبي،

ص: 4

و لكن لي ذنبا آخر؟».

فبهر الرشيد و قال له:

-ما هو؟

-الولاء لكم أهل البيت،فهل من يدين بحبكم و يراه فرضا عليه يحكم عليه بالإلحاد؟

و تبسم الرشيد،و أمر بأن يرفع عنه النطع و السيف،و اندفع إسحاق فقال له:

يا أمير المؤمنين،ما رأيك في عمر بن سعد قاتل الحسين الذي يقول:

يقولون:إن الله خالق جنة و نار و تعذيب و غل يدين

فأطرق الرشيد برأسه،و تأمل كثيرا ثم قال:

«لعن الله عمر بن سعد كان لا يثبت صانعا،و لا يقول ببعثة و لا نبوة..يا إسحاق أتدري من أين أخذ قوله هذا؟».

(نعم يا أمير المؤمنين أخذه من شعر يزيد بن معاوية..).

«ما قال يزيد؟»

أنه قال:

علية هاتي ناوليني و اعلني حديثك إني لا أحب التناجيا

حديث أبي سفيان لما سجا به إلى أحد حتى أقام البواكيا

فرام به عمرو عليا ففاته و أدركه الشيخ اللعين معاويا

فإن مت يا أم الأحيمر فانكحي و لا تأملي بعد الممات تلاقيا

فإن الذي حدثت في يوم بعثنا أحاديث زور تترك القلب ساهيا

و لو لا فضول الناس زرت محمدا بمشمولة صرف تروي عظاميا

و لا خلف بين الناس ان محمدا تبوأ قبرا بالمدينة ثاويا

فقد ينبت المرعى على دمن الثرى له غصن من تحته السر باديا

و نفنى و لا تبقى على الأرض دمنة و تبقى حزازات النفوس كما هيا

ص: 5

و تأثر الرشيد فاندفع يقول:

«لعن الله يزيد ما كان يثبت صانعا،و لا يقول ببعثة و لا نبوة،أتدري يا إسحاق من أين أخذه؟».

«نعم يا أمير المؤمنين أخذه من شعر أبيه معاوية».

«ما قال معاوية؟».

«إنه قال:

سائلوا الدير من بصرى صبابات فلا تلمني فلا تغني الملامات

قم نجل في الظلماء شمس ضحى نجومها الزهر طاسات و كاسات

لعلنا إن يدع داع الفراق بنا نمضي و أنفسنا منها رويات

خذ ما تعجل و اترك ما وعدت به فعل اللبيب فللتأخير آفات

قبل ارتجاع الليالي كل عارية فإنما خلع الدنيا استعارات

فلعن الرشيد معاوية،و قال فيه ما قاله في يزيد.

توثيق العجلي لابن سعد

و وثق العجلي عمر بن سعد،فقال:كان يروي عن أبيه أحاديث،و روى الناس عنه،و هو تابعي ثقة،و هو الذي قتل الحسين و لم نعلم كيف كان ابن سعد ثقة مع قتله لريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و إبادته للعترة الطاهرة التي أوجب الله مودتها على عموم المسلمين...لقد كان العجلي منحرفا عن الحق،فكان ميزان التعديل عنده للرواة هو النصب لأهل البيت و بغضهم،كما ان مقياس الجرح عنده هو الولاء و المودة لهم.

و قد أنكر الأخيار و المتحرجون في دينهم على من يروي عن ابن سعد فقد روى عنه العيزار بن حريث فأنكر عليه رجل في مجلسه و قال له:أما تخاف الله؟تروي

ص: 6

عن عمر بن سعد فبكى العيزار و قال:لا أعود لذلك.

و من الغريب أن ابن حجر ترجمه في تهذيب التهذيب الذي لا يترجم فيه إلا الثقاة من الرواة عنده.

نزعات ابن سعد
اشارة

و لم يحمل ابن سعد في دخائل نفسه أي نزعة شريفة،فليس في ضميره المتحجر أي بصيص من الكرامة و الشرف و النبل،و هذه بعض مظاهر ذاتياته.

أ-الخنوع للسلطة

و كان الخنوع للسلطة هو الظاهرة البارزة من ذاتيات ابن سعد،فكان-فيما أجمع عليه المؤرخون-يذوب أمام الولاة،و يفقد توازنه،طمعا بالحصول على المنصب و الإمارة،و قد جهد نفسه،و حملها من أمره رهقا على الظفر بثقة ابن مرجانة به، و قد قال له بعد قتله للحسين:

«أما و الله لقد نصحتك في الحسين نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص لكنت قد أديت حقه»إنه لم تكن له شخصية مستقلة و لا إرادة كريمة،و انما كان ذنبا للسلطة يسعى لكسب عواطفها بأي وسيلة يملكها.

ب-التهالك على السلطة

و ظاهرة أخرى من نزعات ابن سعد هي التهالك على السلطة و السعي وراء المناصب،و يقول المؤرخون إنه كان يحث أباه على الحضور في التحكيم لعلهم

ص: 7

يعدلون عن علي و معاوية و يولونه إلا أن أباه امتنع من ذلك و قنع بما هو فيه و لما ولاه ابن زياد ولاية الري،و هدده بعزله عنها إن لم يخرج لحرب الحسين سمعه أهله يقول:

أأترك ملك الري و الري بغيتي أم ارجع مأثوما بقتل حسين

لقد رأى أنه إذا حصل على ولاية الري فسوف يظفر بالعيش الوفير و الثراء الفاحش،فأقدم على أخطر جريمة في الإسلام.

ج-خسة الطبع

و من ذاتيات ابن سعد خسة الطبع،فقد انمحت عن نفسه جميع أفانين الشرف و الكرامة فقد طلب منه مسلم بن عقيل حينما وقع أسيرا بيد ابن زياد أن يعهد بوصيته إليه فامتنع من إجابته تقربا لسيده ابن مرجانة و لم يستجب له حتى سمح له بذلك و لما عهد إليه مسلم بوصيته سرا انبرى مسرعا إلى ابن زياد فأخبره بما أوصى به مسلم فأنكر عليه ابن زياد ذلك و قال:«لا يخونك الأمين و لكن قد يؤتمن الخائن».

و من خسة طبعه أنه لما قتل الحسين عليه السّلام عمد إلى سلب درعه فلبسها و لو كانت عنده صبابة من الشرف و النبل لما قدم على سلب ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فقد فتح بذلك باب النهب للجفاة من جيشه فعمدوا إلى سلب حرائر النبوة حتى لم يتركوا عليهن ملحفة و لا ازارا إلا سلبوه.

د-الجبن

و لم تكن عند ابن سعد أية مسكة من البسالة و الشجاعة،و انما كان جبانا خائر

ص: 8

العزيمة ضعيف النفس،و لما ظهر أمر التوابين داخله خوف شديد فكان لا ينام في داره،و انما ينام في قصر الإمارة لتحرسه جنود القصر،و هو وجل القلب ينفق الليل ساهرا من شدة الوجل و الرعب،و لما هجمت عليه شرطة المختار قام مرعوبا من فراشه،و لكثرة ما داخله من الفزع عثر قبل أن يأخذ لامة حربه فقتلته الشرطة و هو على فراشه و قد استجيبت بذلك دعوة الإمام الحسين أن يذبحه الله على فراشه، و من الغريب أن خير الدين الزركلي وصفه بأنه من القادة الشجعان و لو كان شجاعا-كما يقول الزركلي-لما ترك أهله و لجأ إلى قصر الإمارة يطارد الرعب و الفزع.

ه الشك في البعث و النشور

و لم يكن ابن سعد يؤمن بالبعث و النشور،فقد كان شاكا فيهما كما جاء في شعره حينما ندب لحرب الحسين عليه السّلام حيث يقول:

يقولون:إن الله خالق جنة و نار و تعذيب و غل يدين

فهو لا يؤمن بحساب و لا جنة و لا نار كما يقول هارون الرشيد...هذه بعض نزعات ابن سعد،و هي تكشف عن إنسان ممسوخ متمرس في الجريمة و الإثم.

دوافع انتخابه

و إنما انتخبه ابن مرجانة لحرب الإمام الحسين عليه السّلام ليغري به سواد الناس و جهالهم،و يزج بهم لحرب ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فإنه ابن فاتح العراق و أحد المرشحين الستة من قبل عمر بن الخطاب لزعامة الخلافة الإسلامية،و انه قرشي و ممن يمت للإمام بصلة،و مضافا إلى ذلك فإنه قد وقف على اتجاهاته الفكرية،

ص: 9

و عرف نقاط الضعف التي عنده،فرأى أنه لا يقوم أحد باقتراف هذه الجريمة سواه.

حيرة ابن سعد

و كان ابن زياد قد كتب لابن سعد بولاية الري و ثغردستبي و الديلم فطلب منه أن يسير لحرب الحسين فاستعفى ابن سعد فهدده باسترجاع ولاية الري منه،و طلب منه ليلته لينظر في الأمر،فأمهله،و مضى إلى داره،و قد أنفق ليله ساهرا يطيل التفكير في الأمر هل يقدم على حرب ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و في قتله العذاب الدائم و الخزي الخالد أو يستقيل من ذلك فتفوته امارة الري التي تضمن له العيش الوفير، و سمعه أهله يقول:

أأترك ملك الري و الري بغيتي أم ارجع مأثوما بقتل حسين

و في قتله النار التي ليس دونها حجاب و ملك الري قرة عيني

العاذلون له

و يقول المؤرخون:إنه بادر إليه جماعة من المشفقين عليه فأشاروا عليه باعتزال الحرب،و كان ممن أشار عليه ابن أخته حمزة بن المغيرة بن شعبة فقال له:يا خال إن سرت إلى الحسين أثمت بربك،و قطعت رحمك فوالله لئن تخرج من دنياك و مالك خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين و منحه النصيحة قوم آخرون فقالوا له:اتق الله و لا تفعل و قد حاول أن يجهد نفسه على اعتزال الحرب إلا أنه لم يطق صبرا عن ولاية الري،فقد سال لها لعابه،و ضعفت نفسه عن مقاومة رغباته فلم يسفر الصبح حتى استقر رأيه على حرب ابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فأسرع إلى ابن مرجانة يخبره باستجابته،و قد فرح ابن زياد برضا ابن سعد لأنه قد وجد فيه حجة

ص: 10

تسند إباطيله ان لامه الناس على حرب ابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و لو استجاب أحد غيره لما كان له مثل هذا السرور و الرضا.

و سار ابن سعد و معه جيشه البالغ أربعة آلاف،و هو يعلم اتجاهه و انه خرج ليقاتل ذرية رسول الله صلّى اللّه عليه و اله الذين هم خيرة من في الأرض و انتهى إلى كربلاء فانضم إلى الجيش الرابض هناك بقيادة الحر بن يزيد الرياحي (1).3.

ص: 11


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:82/3.

[ابن مرجانة]

الاستعراض العسكري

و استعرض ابن مرجانة جميع الكتائب التي بعثها لحرب الحسين ليرى قدرتها على القتال و مدى استعدادها للخوض في المعركة،و يقول الطرماح:رأيت قبل خروجي من الكوفة بيوم على ظهر الكوفة،و فيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد جمعا أكثر منه فسألت عنهم فقيل اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحوا إلى حرب الحسين و قد زج بجميع ثقله العسكري في الحرب خوفا من الطوارىء و تقلب الأوضاع.

خطبة ابن مرجانة

و أمر الطاغية بجمع الناس في رحاب المسجد الأعظم فهرعوا كالأغنام خوفا من الطاغية و رهبة منه و قد امتلأ الجامع منهم فقام فيهم خطيبا فقال:

«أيها الناس:إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون و هذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة محسنا إلى الرعية،يعطي العطاء في حقه، و قد أمنت السبل على عهده،و كذلك كان أبوه معاوية في عصره،و هذا ابنه يزيد يكرم العباد و يغنيهم بالأموال و قد زادكم في أرزاقكم مائة مائة،و أمرني أن أوفرها عليكم، و أخرجكم إلى حرب عدوه الحسين فاسمعوا له و أطيعوا»لقد خاطبهم باللغة التي يخضعون لها،فمناهم بالأموال،و زجهم لاقتراف أفظع جريمة في تأريخ الإنسانية.

و أوعز إلى كل من الحصين بن نمير التميمي و حجار بن أبجر و شمر بن ذي

ص: 12

الجوشن بالخروج إلى حرب الإمام بعد أن أسند لكل واحد منهم القيادة على بعض الوحدات العسكرية فزحفوا بمن معهم إلى كربلاء لمساعدة ابن سعد.

تحريض سمرة لحرب الإمام

و لعب سمرة بن جندب الصحابي الكذاب دورا مهما في حث الناس على حرب ابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فقد كان على شرطة عبيد الله بن زياد و أخذ يدفع الناس إلى قتال ريحانة رسول الله.

تعارض شبث بن ربعي

و كان المنافق شبث بن ربعي كارها للخروج إلى حرب الحسين فأظهر المرض تصنعا و لم يكن يخفى على ابن زياد ذلك فأرسل إليه إن رسولي يخبرني بتمارضك،و أخاف أن تكون من الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا و إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون فإن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعا،و أقبل إليه شبث مسرعا بعد العشاء لئلا ينظر إلى وجهه فلا يجد عليه أثر العلة،و قد أجابه إلى ما أراد فخرج لحرب الحسين،و تولى قيادة بعض الفرق (1).

ص: 13


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:84/3.
النفير العام

و أصدر ابن زياد أوامره المشددة بحمل أهل الكوفة في الحرب،و إرغامهم على الخوض في قتال الإمام،و قد أصدر مرسوما-قبل أن يعسكر في النخيلة-جاء فيه «فلا يبقى رجل من العرفاء و المناكب و التجار و السكان إلا خرج فعسكر معي،و أيما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن المعسكر إلا برئت الذمة منه»و أمر بإذاعة ذلك بين الناس،و قد أوعز إلى كل من كثير بن شهاب الحارثي،و محمد بن الأشعث،و القعقاع بن سويد بن عبد الرحمن المنقري،و أسماء بن خارجة الفزاري،أن يطوفوا في الناس يحثونهم على الطاعة،و يحذرونهم من المعصية،و يخوفونهم عواقب الأمور،و قد طافوا بالكوفة و أذاعوا ما أمروا به،ثم لحقوا به في النخيلة إلا كثير بن شهاب فإنه ظل مقيما بالكوفة يخذل الناس عن نصرة الإمام و يشيع الإرهاب و الخوف على المتخلفين عن الحرب و قد ألقت الشرطة القبض على رجل من همدان قدم الكوفة يطلب ميراثا له،فأتي به إلى ابن زياد فأمر بقتله،و لما رأى الناس ذلك هرعوا إلى الحرب حتى لم يبق في الكوفة محتلم إلا خرج إلى المعسكر في النخيلة لقد حققت هذه السياسة ما توخاه ابن زياد من حمل الناس على حرب الإمام،و قد سيطر سيطرة تامة على الموقف،فلم يدع لأي أحد حريته و لا اختياره.

الرقابة الدقيقة على الكوفة

و فرض ابن زياد الرقابة الصارمة على الكوفة مخافة أن يخرج منها أحد لنصرة الإمام عليه السّلام فقد بث الجواسيس و العيون،و فرض نوعا من الأحكام العرفية كانت في

ص: 14

منتهى القسوة،فإذا اتهم أحد بالعمل ضد سياسة الدولة ألقي عليه القبض و سيق بلا هوادة و لا رحمة إلى الإعدام أو السجون و قد كان عبد الله بن يسار يحفز الناس إلى نصرة الإمام،و خذلان بني أمية فعلم به ابن زياد فأمر بإلقاء القبض عليه، فأخفى نفسه و أخذت الشرطة تبحث عنه،فظفر به عبيد الله بن الحر فأتى به إلى السبخة فقتله و هو غير عبيد الله بن الحر الجعفي.

و قد وضع ابن زياد المناظر،و رتب المسالح حول الكوفة،و جعل على الحرس زجر بن قيس الجعفي،و رتب بينه و بين عسكر ابن سعد خيلا مضمرة مقدحة فكانت كل بادرة تحدث تأتيه في الوقت.

هرب الجنود

و هربت الأكثرية الساحقة من جيش ابن زياد من وحداتها العسكرية و قد لاذ الكثيرون منهم بالانهزام فرارا من حرب سبط رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و يقول البلاذري:إن القائد يكون على ألف مقاتل لا يصل إلى كربلاء إلا و معه ثلاث مائة أو أربع مائة أو أقل من ذلك،فقد كانوا يفرون كراهة منهم لهذا الوجه لقد كانوا على يقين لا يخامره أدنى شك بضلال هذه الحرب و انهم انما يحاربون الله و رسوله،و يقاتلون من أمروا بمودته و طاعته.

الطاغية في النخيلة

و نزح الطاغية إلى النخيلة فعسكر بها و معه قطعات كبيرة من الجيش،و قد استخلف على الكوفة عمرو بن حريث،و قد بلغه أن الرجل و الرجلين و الثلاثة يتسللون إلى معسكر الإمام عن طريق الفرات،فأمر بضبط الجسر و حراسته فلم

ص: 15

يترك أحدا يجوزه.

محاولة لاغتيال ابن زياد

و حاول البطل الشهم عمار بن أبي سلامة الدالابي أن يغتال ابن زياد في النخيلة إلا أنه لم يتمكن من ذلك نظرا للرقابة الشديدة و الحرس المكثف الذي يحرسه،و لما فشل في مهمته توجه إلى الطف حتى لحق بالحسين و استشهد بين يديه.

ص: 16

عدد الجيش الأموي

اشارة

و اختلف المؤرخون في عدد الجيش الذي نزح لحرب الإمام عليه السّلام و فيما يلي بعض ما ذكروه:

1-ثمانون ألف فارس.

2-خمسون ألف فارس.

3-خمسة و ثلاثون ألف فارس.

4-ثلاثون ألفا.

5-اثنان و عشرون ألفا.

6-عشرون ألفا.

7-ستة عشر ألف فارس.

8-اثنا عشر ألفا.

9-ثمانية آلاف.

10-ستة آلاف.

11-أربعة آلاف.

هذه بعض الأقوال التي ذكرها المؤرخون،و هناك أقوال أخرى لا تخلو من المبالغة.

التحقيق في الموضوع

و لا بد لنا من وقفة قصيرة للتحقيق في هذه الأقوال المختلفة التي حددت عدد

ص: 17

الجيش الذي تدفق إلى كربلاء و اشترك في عمليات الحرب،لنختار منها ما تساعد عليه الأدلة...و نلقي-قبل كل شيء-نظرة خاطفة على عدد الجيش في الكوفة التي كانت أعظم حامية عسكرية في ذلك الوقت،فقد كان عدد الجيش في أواسط القرن الأول أربعين ألفا يغزو كل عام منهم عشرة آلاف و قد ازداد هذا العدد منذ اتخذها الإمام عاصمة له،فقد كثرت الهجرة إليها،فقد زحف معه لحرب صفين سبعة و خمسون ألفا،و ثمانية آلاف من مواليهم و هناك بعض التصريحات التي أدلى بها بعض الشخصيات تدل على أن احصاء الجيش في ذلك العصر بلغ مائة ألف،فقد أنكر سليمان بن صرد الخزاعي على الإمام الحسن عليه السّلام أمر الصلح و قال له:«لا ينقضي تعجبي من بيعتك معاوية و معك مائة ألف مقاتل من أهل العراق»و جاء في بعض رسائل أهل الكوفة إلى الإمام الحسين«انا معك مائة ألف»و فيما أحسب أن هذا العدد لا يخلو من المبالغة،و ان العد أقل من ذلك بكثير...أما سكان الكوفة فإنا لم نقف لهم على أحصاء إلا أن من المؤكد انهم كانوا أضعاف عدد الجيش فإن الكثيرين من ذوي المهن و الحرف و التجار و غيرهم ممن لم ينضموا إلى المنظمة العسكرية...و نقف-بعد هذا العرض الموجز لعدد جيش الكوفة و سكانها-أمام تلك الأقوال بين أمرين:

الأول:الإذعان و التصديق لكل ما قيل في عدد الجيش من الكثرة لأن ابن زياد قد أعلن النفير العام في الكوفة فلم يبق بها محتلم إلا خرج لحرب الحسين،و من تخلف كان مصيره الاعدام أو السجن،حتى لم تبق في الكوفة واسطة من وسائط النقل إلا استعملت لنقل الناس للحرب،و إذا قيل ان عدد الجيش مائة ألف أو يزيد فليس في ذلك أية مبالغة.

الثاني:التشكيك في تلك الكثرة لأن أكثر الجنود قد استعظموا حرب الإمام ففروا منهزمين في البيداء،بالإضافة إلى أن طائفة كبيرة من الجيش كانت في معسكر النخيلة مع ابن زياد،و على هذا فالجيش الذي تدفق إلى كربلاء لحرب الإمام ليس

ص: 18

بذلك العدد الضخم الذي يذهب إليه بعض المؤرخين.

و أكبر الظن ان الرواية التي أثرت عن الإمام الصادق عليه السّلام انه ازدلف ثلاثون ألفا لحرب الإمام هي أقرب ما قيل في عدد الجيش فإن هذا العدد و ما يزيد عليه قد اشترك في حرب ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله (1).3.

ص: 19


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:86/3.
القادة العسكريون

و أمدنا المؤرخون بأسماء بعض قادة الجيش الذين اشتركوا في كارثة كربلاء و هم:

1-الحر بن يزيد الرياحي،و كان على ألف فارس،و هو الذي حاصر الحسين في كربلاء.

2-عمر بن سعد،و قد أسند إليه ابن زياد القيادة العامة لجميع قواته المسلحة، و كان أميرا على أربعة آلاف.

3-شبث بن ربعي جعله أميرا على ألف فارس.

4-مضاير بن رهينة المازني أمير على ثلاثة آلاف.

5-نصر بن حرشة أمير على ألفين.

6-كعب بن طلحة أمير على ثلاثة آلاف.

7-حجار بن أبجر أمير على ألف.

8-الحصين بن نمير على أربعة آلاف.

9-شمر بن ذي الجوشن أمير على أربعة آلاف.

10-يزيد بن الركاب على ألفين.

11-يزيد بن الحرث بن رويم أمير على ألف.

و هؤلاء بعض قادة الجيش و قد انضم تحت ألويتهم خمسة و عشرون ألف مقاتل،و يقول ابن الجوزي:

انه كان على ربع الكوفة عبد الله بن زهرة بن سليم الأزدي،و على ربع ربيعة

ص: 20

و كندة قيس بن الأشعث و على ربع مذحج و أسد عبد الله بن سبرة الجعفي،و على ربع ربيعة و همدان الحر بن يزيد الرياحي.

أدوات الحرب
اشارة

و تسلح جيش ابن زياد بجميع أدوات الحرب السائدة في تلك العصور فقد كان استعداده لحرب الإمام استعدادا هائلا و يحدثنا المؤرخون عن ضخامة ذلك الاستعداد،فقالوا:إن الحدادين،و صانعي أدوات الحرب في الكوفة كانوا يعملون ليلا و نهارا في بري النبال و صقل السيوف في مدة كانت تربو على عشرة أيام...لقد دفع ابن زياد لحرب الحسين بقوة عسكرية مدججة بالسلاح بحيث كانت لها القدرة على فتح قطر من الأقطار.

1-الرماة

و هم الذين كانوا يسددون النبال و السهام،و قد لعبوا دورا خطيرا في الحرب، و هم أول من فتح باب الحرب على الإمام،فسددوا سهامهم نحو معسكره فلم يبق أحد منهم إلا أصابه سهم،حتى أصيبت بعض النساء فدهشن و أرعبن،و قد قتل بعض أبناء الأسرة النبوية بتلك السهام الغادرة كعبد الله بن مسلم،و عبد الله بن الحسن،و عبد الله الرضيع و غيرهم.

2-الجوالة

و هي كتائب من الجيش كانت ترمي بالحجارة،و سلاحها المقاليع.

ص: 21

3-المجففة

و هم الذي كانوا يلبسون الجنود الآلات التي تقيهم في الحرب،كما كانوا يضعون على الخيل الآلات التي تقيها من النبال و الرماح (1).

ص: 22


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:87/3.

عدد أصحاب الحسين عليه السلام

أما أصحاب الإمام الحسين فكانوا فئة قليلة،و قد اختلف المؤرخون في عددهم، و هذه بعض الأقوال:

1-ما ذهب إليه المسعودي أنهم خمسمائة فارس و نحو من مائة راجل و انفرد المسعودي بهذا القول و لم يذهب إليه أحد غيره.

2-ما رواه عمار الدهني عن أبي جعفر انهم كانوا خمسا و أربعين فارسا و مائة راجل.

3-ما ذكره ابن شهراشوب انهم اثنان و ثمانون رجلا الفرسان منهم اثنان و ثلاثون.

4-ما قاله سعد بن عبده:اني لأنظر إليهم و هم قريبون من مائة رجل فيهم من صلب علي خمسة أو سبعة و عشرة من بني هاشم،و رجل من كنانة و آخر من سليم.

5-ما ذكره ابن كثير و الفاخوري انهم اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا.

و الذي نراه انهم ثمانون رجلا بمن فيهم من أبناء الأسرة النبوية و الذي يدعم ذلك أن الرؤوس التي احتزت و بعث بها إلى ابن مرجانة و يزيد بن معاوية كانت (79)رأسا لا غير.

و على أي حال فإن هؤلاء الأبطال على قلتهم كانوا كفوا لذلك الجيش و قد ألحقوا به أفدح الخسائر و قد مثلوا بمواقفهم البطولية شرف العقيدة و سمو المبدأ.

ص: 23

رسول ابن سعد مع الإمام

و كان ابن سعد كارها لقتال الإمام فأراد التخلص من ذلك،فدعا عزرة بن قيس أن يلتقي بالإمام و يسأله عما جاء به؟فامتنع عزرة لأنه كان ممن كاتب الإمام بالقدوم إلى الكوفة،فندب لمقابلته كثير بن عبد الله الشعبي و كان فاتكا جريئا فقال:

«أنا له و إن شئت أن أفتك به لفعلت».

فلم يرض ابن سعد بذلك،و انما طلب منه أن يمضي إليه و يسأله عما جاء به؟ و أقبل كثير يشتد نحو الإمام،و لما بصر به أبو ثمامة الصائدي ارتاب منه،فقام في وجهه،و طلب أن ينزع سيفه حتى يقابل الإمام فأبى أن يسمح له بالدخول فولى منصرفا غضبانا و أخبر ابن سعد بذلك فطلب من قرة بن قيس الحنظلي ملاقاة الإمام فأجابه،فلما أقبل قال الإمام لأصحابه:

«هل تعرفونه؟»

فأجابه حبيب بن مظاهر:نعم انه من بني تميم،و قد كنت أعرفه بحسن الرأي، و ما ظننت أنه يشهد هذا المشهد!!

و تقدم قرة نحو الإمام فسلم عليه،و سأله عما جاء به؟

فقال عليه السّلام:

«إني لم أرد إلى هاهنا حتى كتب إلي أهل مصركم أن يبايعونني،و لا يخذلوني، و ينصرونني،فإن كرهوني أنصرف عنهم من حيث جئت».

و انبرى إليه حبيب فأسدى له النصيحة قائلا:

«يا قرة عهدي بك،و أنت حسن الرأي في أهل البيت فما الذي غيرّك؟فأقم عندنا و انصر هذا الرجل».

فقال قرة:لقد قلت الحق و لكن ارجع إلى صاحبي بجواب رسالته و انظر في ذلك،

ص: 24

و قفل قرة إلى ابن سعد فعرض عليه كلام الإمام و سر ابن سعد بذلك و رأى أنه بالإمكان التوصل لحل سلمي يجنبه من الخوض في معركة تطوق عنقه بالآثام و الأوزار.

ابن سعد مع الإمام

و أراد ابن سعد التأكد من ذلك فطلب من الإمام الاجتماع به فأجابه إلى ذلك،و لما مثل عنده قال له:

-ما جاء بك؟

-أهل الكوفة.

-أما عرفت ما فعلوا معكم؟

-من خادعنا في الله انخدعنا له.

-قد وقعت الآن فما ترى؟

-أرجع فأقيم بمكة أو بالمدينة،أو أقيم ببعض الثغور.

و فرح ابن سعد من موقف الإمام و رأى فيه بادرة لإحلال السلام و التجنب من الحرب.

رسالة ابن سعد لابن زياد

و بادر ابن سعد فكتب رسالة إلى أميره ابن مرجانة جاء فيها:

«أما بعد:فإن الله أطفأ النائرة،و جمع الكلمة،و أصلح أمر الأمة.هذا حسين أعطاني عهدا أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له مالهم،و عليه ما عليهم أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد

ص: 25

فيضع يده في يده،فيرى فيما بينه و بينه رأيه و في هذا رضا لك،و للأمة صلاح».

افتراء ابن سعد

و مما لا شبهة فيه أن ابن سعد قد افترى على الإمام الحسين في تلك الرسالة،فإن أكثر بنودها مما لم يفه به الإمام عليه السّلام و قد تحدث عن افتعالها عقبة بن سمعان الذي صاحب الإمام من المدينة إلى مكة ثم إلى العراق و ظل ملازما له حتى قتل،يقول:

«صحبت الحسين من المدينة إلى مكة،و منها إلى العراق،و لم أفارقه حتى قتل، و قد سمعت جميع كلامه،فما سمعت منه ما يتذاكر فيه الناس من أن يضع يده في يد يزيد،و لا أن يسير إلى ثغر من الثغور لا في المدينة و لا في مكة و لا في العراق و لا في عسكره إلى حين قتل،نعم سمعته يقول:دعوني أذهب إلى هذه الأرض العريضة حتى أنظر ما يصير إليه الناس».

و نفى الشيخ محمد الخضري صحة هذه الرسالة فقال:«ليس بصحيح الاعراض عليهم أن يضع يده في يد يزيد،و انما عرض عليهم أن يدعوه أن يرجع إلى المكان الذي خرج منه».

لقد افتعل ابن سعد هذه الرسالة ليتخلص من إثم المعركة،و يكون بمنجى من قتل ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و لو أن الإمام قال ذلك لانفض جيش ابن زياد و انتهى كل شي...لقد رفض الإمام منذ بداية الأمر الخضوع لعصابة الإجرام،و صمد في وجه الأعاصير.و دلل في جميع مواقفه الخالدة على إبائه و عزة نفسه،و صلابة إرادته.

ص: 26

إفساد الشمر لمهمة السلام

و لما وردت رسالة ابن سعد إلى ابن مرجانة استصوب رأيه،و رأى فيه حلا للمشكلة و جمعا للكلمة،و انه قد جنبه الحرب،فطفق يقول بإعجاب:

«هذا كتاب ناصح مشفق».

و كان شمر بن ذي الجوشن إلى جانبه فضاق ذرعا بالأمر فقد عرف الخبيث بوضاعة النسب و الحقد على ذوي الأحساب العريقة،و كان قد حسد ابن سعد على أمرته للجيش فاندفع بإضرام نار الحرب،فقال لابن مرجانة:

«أتقبل هذا منه؟بعد أن نزل بأرضك،و الله لئن رحل من بلادك،و لم يضع يده في يدك،ليكونن أولى بالقوة،و تكون أولى بالضعف و الوهن».

و ألهبت هذه الكلمات الموقف،و نسفت كل أمل في الصلح و الوئام فقد تفطن ابن زياد إلى أمر خطير قد خفي عليه،و هو أن الإمام إذا خلص منه،و لم يبايع ليزيد، و التحق بقطر من الأقطار،فسوف يتبلور الموقف و تهب الأمة لحمايته من العصابة المجرمة،و سيكون الطاغية أولى بالوهن و الضعف و الحسين أولى بالمنعة و القوة لأنه ابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و ريحانته،و غابت هذه النقاط الحساسة عن ابن مرجانة، فرأى في كلمات الشمر الاخلاص و النصيحة».

و لما رأى الشمر أنه قد سيطر على الموقف،و أفسد مهمة ابن سعد اندفع ليوهن مكانته عنده لعله أن يتخذ من ذلك وسيلة لإقصائه عن منصبه و يكون بمحله،فقال له:

«و الله لقد بلغني أن حسينا و ابن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة

ص: 27

الليل».

و معنى هذا أن شمرا قد جعل له استخبارات خاصة على ابن سعد لعله أن يقصر في أداء مهمته فينقل ذلك إلى السلطة لتقصيه عن منصبه و يتولى هو قيادة الجيش».

رفض ابن زياد الحلول السلمية

و رفض ابن مرجانة جميع الحلول السلمية التي كتب بها ابن سعد،و سد جميع نوافذ السلم و الوئام،و قد كتب إليه:

«أما بعد:فإني لم أبعثك للحسين لتكفّ عنه،و لا لتطاوله،و لا لتمنيه السلامة،و لا لتكون له عندي شفيعا.

انظر فإن نزل حسين و أصحابه على حكمي فابعث بهم إلي سلما،و إن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم و تمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون.فإن قتلت حسينا فأوطى الخيل صدره و ظهره،و لست أرى أنه يضر بعد الموت،و لكن على قول قلته لو قتلته لفعلت هذا به،فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع،و إن أبيت فاعتزل عملنا و جندنا و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر فإنا قد أمرناه بذلك».

و كانت هذه الرسالة صارمة لا رحمة فيها،و محتوياتها ما يلي:

1-انها قصرت صلاحية ابن سعد على عمليات الحرب و القتال،و لم تمنحه أي صلاحية لإجراء الصلح أو المفاوضة مع الإمام.

2-و عرضت ان الإمام إذا استجاب للصلح فعليه أن ينزل ضارعا لحكم ابن مرجانة لينال نصيبه منه فإن شاء عفا عنه و إن شاء قتله،و قد أراد أن يمثل الإمام عنده كأسير أو مذنب ليسترحمه.

ص: 28

3-ان الإمام إذا لم يستجب للنزول على حكمه فعلى ابن سعد أن يسارع إلى قتله و التمثيل به.

4-انه هدده بالعزل عن منصبه إذا تردد في تنفيذ ما عهد إليه و عليه أن يسلم جميع مهام الجيش إلى شمر بن ذي الجوشن ليقوم بتنفيذ ما عهد إليه.

و يقول المؤرخون:ان ابن زياد جعل يقول:«الآن و قد علقت مخالبنا به يرجو النجاة و لات حين مناص»و أسرع الشمر و هو جذلان مسرور،و جعل يجذ في السير ليصل لابن سعد لعله لا يستجيب لأوامر ابن مرجانة فيكون هو الأمير على الجيش،و وصل الشمر إلى كربلاء و كان ابن سعد مستنقعا في الفرات.فبادر إليه رجل فقال له:

«قد بعث إليك جويرة بن بدر التميمي و أمره إن أنت لم تقاتل أن يضرب عنقك».

و وثب ابن سعد إلى ثيابه فلبسها و التفت إلى شمر بن ذي الجوشن و قد عرف أنها من مكيدته فقال له:

«ويلك لا قرب الله دارك،و قبح الله ما جئت به،و اني لأظن أنك الذي نهيته، و أفسدت علينا أمرا رجونا أن يصلح...و الله لا يستسلم حسين فإن نفس أبيه بين جنبيه».

فأجابه الشمر:

«أخبرني ما أنت صانع أتمضي لأمر أميرك؟و الا فخل بيني و بين العسكر...».

و استسلم ابن سعد لهواه و أطماعه فرضي أن يبقى قائدا لجيش ظلوم فقال له:

«لا و لا كرامة،و لكن أتولى الأمر».

و ظل الشمر رقيبا على ابن سعد لعله أن يقصر في أوامر سيده ابن مرجانة ليتولى هو قيادة الجيش،و بعث ابن سعد بجواب ابن زياد إلى الامام،فقال عليه السّلام:

«لا و الله ما وضعت يدي في يد ابن مرجانة».

ص: 29

الإمام مع ابن سعد

و طلب الإمام من ابن سعد الاجتماع به،فأجابه-على كره-فالتقى معه ليلا، و عقد معه اجتماعا مغلقا لم يحضره إلا العباس و علي الأكبر من جانب الحسين و مع ابن سعد حفص و غلام لابن سعد،فقال الإمام له:

«يا ابن سعد أتقاتلني؟أما تتقي الله الذي إليه معادك،فإني ابن من قد علمت ألا تكون معي و تدع هؤلاء فإنه أقرب إلى الله تعالى».

و ألقى ابن سعد معاذيره الواهية قائلا:

-أخاف أن تهدم داري.

-أنا أبنيها.

-أخاف أن تؤخذ ضيعتي.

-أنا أخلف عليك خيرا منها في الحجاز.

-ان لي بالكوفة عيالا و أخاف عليهم من ابن زياد القتل.

و لم يجد منه الإمام أي تجاوب،و انما رأى منه اصرارا على الغي و العدوان فاندفع يدعو عليه:

«ما لك ذبحك الله على فراشك عاجلا،و لا غفر لك يوم حشرك،فو الله اني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق إلا يسيرا».

و ولى ابن سعد،و هو يقول للإمام بسخرية:ان في الشعير كفاية (1).

ص: 30


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:90/3.

أمان الشمر لأخوة العباس

و ظن الخبيث الأبرص شمر بن ذي الجوشن أن يقنع أخوة الحسين بالعدول عن نصرة أخيهم فحمل لهم أمانا من عبيد الله بن زياد،و جاء يشتد حتى وقف أمامهم، و هتف مناديا:

«أين بنو اختنا العباس و اخوته؟».

و هبت إليه الفتية كالأسود،فقالوا له:

«ما تريد يابن ذي الجوشن؟».

«لكم الأمان».

و صاحوا به و هم يتميزون من الغيظ قائلين:

«لعنك الله و لعن أمانك،أتأمننا،و ابن بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله لا أمان له».

و ولى الأثيم خائبا،و قد ظن أن أخوة الإمام من طراز أصحابه الممسوخين،و لم يعلم أنهم من أفذاذ الدنيا الذين صاغوا الكرامة الإنسانية و صنعوا الفخر و المجد للإنسان.

منع الامدادات

و فرض ابن سعد الحصار على الإمام الحسين عليه السّلام فأحاط بجميع الطرق مخافة أن يصل إليه أي إمداد من الخارج،و قد أحكم هذه الجهة حتى صار من غير الممكن أن يلتحق أي أحد بمعسكر الإمام أو يوصلهم بأي إمداد.

ص: 31

احتلال الفرات

و أخطر عملية قام بها ابن سعد احتلاله لنهر الفرات فقد صدرت إليه الأوامر المشددة من ابن مرجانة بمنع الماء عن الإمام الحسين و أهل بيته و أصحابه فلا يذوقوا منه قطرة واحدة،كما صنع بعثمان بن عفان،و أرسل قوة عسكرية تتألف من خمسمائة فارس،و قيل أربعة آلاف فارس بقيادة عمرو بن الحجاج فاحتلوا جميع الشرائع و الأنهر المتفرعة من نهر الفرات،و أوصدوا على الحسين و أصحابه باب الورود إلى الماء.و فيما أحسب أنه إنما اتخذ هذا الإجراء القاسي الرهيب لما يلي:

أولا:الإضرار بمعسكر الإمام حتى لا تكون عندهم أية قدرة أو مقاومة على الحرب،فلا تصاب قواته بالخسائر.

ثانيا:سد الطريق أمام من يحاول الالتحاق بالحسين عن طريق الماء.

ثالثا:المبالغة في التشفي و الانتقام من الأسرة النبوية لما فعله المسلمون بعثمان يوم الدار حينما حوصر،و منعوا عنه الماء،و لكن الحسين فيما أجمع عليه المؤرخون قد حمل الماء إليه حينما حوصر و قد تنكر الأمويون لهذه اليد التي أسداها الإمام عليهم.

رابعا:إن ابن زياد كان يأمل بهذا الإجراء أن يستسلم الإمام و يخضع لأوامره.

هذه بعض الأسباب التي دعت ابن مرجانة لإصدار أوامره باحتلال الفرات،و منع الماء عن الحسين و أصحابه.

و يقول المؤرخون:إنه حيل بين الحسين و بين الماء قبل قتله بثلاثة أيام،و كان أعظم ما عاناه الإمام من المحن الشاقة مشاهدة أطفاله و حرائر الرسالة،و هم

ص: 32

يعجون من ألم الظمأ القاتل،فقد كان الأطفال ينادون:الماء...الماء.

و لم يستطع الأطفال مقاومة العطش،و كانوا ينظرون إلى الفرات و هو فياض بمائه،فيزداد صراخهم،و ذاب قلب الإمام رحمة و حنانا لذلك المشهد الرهيب،فقد ذبلت شفاه أطفاله،و ذوى عودهم،و جف لبن المراضع.بينما ينعم أولئك الجفاة بالماء،يقول أنور الجندي:

و ذئاب الشرور تنعم بالماء و أهل النبي من غير ماء

يا لظلم الأقدار يظمأ قلب الليث و الليث موثق الأعضاء

و صغار الحسين يبكون في الصحراء يا رب أين غوث القضاء

إن جميع الشرائع و المذاهب لا تبيح منع الماء عن الأطفال و النساء،و خصوصا الشريعة الإسلامية،فقد جعلت الناس جميعا شركاء في الماء و الكلاء،و سوغت الشرب من الأنهار المملوكة حتى لو لم يأذن أربابها و كرهت أشد الكراهة ذبح الحيوان الأعجم عطشانا،لكن الجيش الأموي لم يحفل بذلك،و استباح جميع ما حرمته الشرائع و الأديان.

لقد تنكر أولئك الجفاة لليد البيضاء التي أسداها الإمام على مقدمة جيوشهم التي كانت تتألف من ألف فارس بقيادة الحر لإلقاء القبض على الإمام و الحصار عليه في البيداء،و كان قد بلغ بهم العطش كل مبلغ حتى أشرفوا على الهلاك،و كان باستطاعته أن يبيدهم عطشا فأبت مروءته و رحمته أن يعاملهم بالقسوة فأمر فتيانه و هو معهم فسقاهم عن آخرهم كما أمر بسقي خيولهم و ترشيفها على أنه كان في حاجة إلى الماء لأنه في وسط الصحراء اللاهبة،و لم يقدر أولئك الأجلاف هذه النجدة فحرموه من الماء و حرموا من كان في كنفه من سيدات أهل البيت و أحفاد النبي صلّى اللّه عليه و اله.

ص: 33

الطباع اللئيمة

اشارة

و أخذ أولئك الممسوخون يتباهون و يتفاخرون باستيلائهم على ماء الفرات و حرمان ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله منه،و من بينهم:

1-المهاجر بن أوس

و انبرى المهاجر بن أوس التميمي صوب الإمام رافعا صوته:

«يا حسين ألا ترى إلى الماء يلوح كأنه بطون الحيات،و الله لا تذوقه أو تموت» فرد عليه الإمام:

«إني لأرجو أن يوردنيه الله و يحلئكم عنه».

2-عمرو بن الحجاج

و أقبل عمرو بن الحجاج،و كان ممن كاتب الحسين بالقدوم إلى الكوفة حتى قرب من معسكر الحسين فرفع صوته:

«يا حسين هذا الفرات تلغ فيه الكلاب،و تشرب فيه الحمير و الخنازير،و الله لا تذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم».

ص: 34

3-عبد الله بن حصين

و أقبل عبد الله بن حصين الأزدي يشتد كأنه الكلب نحو الإمام فنادى:

«يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء،و الله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا».

فرفع الإمام يديه بالدعاء عليه و قال:

«اللّهم اقتله عطشا،و لا تغفر له أبدا».

لقد فخر أولئك الأجلاف باحتلالهم لماء الفرات،تقربا لسيدهم ابن مرجانة و إرضاء لعواطفه لينالوا جوائزه و هباته (1).

ص: 35


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:92/3.

الإنكار على ابن سعد

اشارة

و أنكر جماعة من أصحاب الإمام الحسين و غيرهم على ابن سعد منعه الماء عن ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فقد كان ذلك أحط أسلوب في الانتقام فقد أشرف أطفال الحسين على الهلاك و هم يرون الماء أمامهم،و ليس هناك من سبب يدعو إلى هذا الانتقام إلا الخسة و الوحشية المتأصلة في نفوس ذلك الجيش،و من بين المنكرين عليه.

1-يزيد بن حصين

و خرج يزيد بن الحصين فقال لابن سعد:«هذا الفرات تشرب منه الكلاب،و هذا الحسين ابن بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أهل بيته عطاشى و أنت تزعم أنك تعرف الله و رسوله؟!».

و أطرق ابن سعد بوجهه الخبيث إلى الأرض،و لم يتكلم بشي.

2-برير بن خضير

و انطلق برير بن خضير الهمداني نحو ابن سعد فرفع صوته قائلا:

«يا عمر أ تترك بيت النبوة يموتون عطشا و أنت بينهم و بين الفرات أن يشربوا منه، و تزعم أنك تعرف الله و رسوله».

ص: 36

فأجابه ابن سعد:

«إني و الله أعلم يا برير أن قاتلهم إلى النار،و لكن تشير علي أن أترك ولاية الري فتصير إلى غيري،ما أجد نفسي تجيبني إلى ذلك أبدا».

3-الحر

و حينما التحق الحر بمعسكر الإمام و تاب على يده خرج إلى جيش ابن سعد فرفع صوته قائلا:

«يا أهل الكوفة لأمكم الهبل و العبر إذ دعوتموه،و أخذتم بكظمه و أحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة حتى يأمن و أهل بيته،و أصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا،و حلأتموه و نساءه و صبيته و صحبه عن ماء الفرات الجاري الذي تشربه اليهود و النصارى و المجوس و تمرغ فيه خنازير السواد و كلابه،و ها هم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ».

و لم يجد معهم هذا الإنكار،و أصروا على بغيهم و عنادهم فحرموا أبناء النبي صلّى اللّه عليه و اله من الماء حتى صرعهم العطش.

ص: 37

العثور على عين ماء

و أضر العطش بأهل البيت فتصارخت الأطفال،و العيال،و قام الإمام عليه السّلام فأخذ فأسا و حفر حول خيمة النساء فنبعت عين ماء عذب فشربوا منها إلا أنها لم تلبث إلا قليلا حتى غارت و نقلت الاستخبارات لابن زياد ذلك فتميز غيظا فأرسل إلى ابن سعد رسالة جاء فيها:

«بلغني أن الحسين يحفر الآبار،و يصيب الماء فيشرب هو و أصحابه فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت،و ضيق عليهم غاية التضييق...».

و فرض ابن سعد الرقابة الشديدة على حفر الآبار،كما أحاط نهر الفرات بمزيد من الحرس و الجنود مخافة أن يأتي أحد منهم فيشرب من الماء.

القتال على الماء

و التاع الإمام كأشد ما تكون اللوعة ألما و محنة حينما رأى أطفاله و أهل بيته و هم يستغيثون من الظمأ القاتل،فندب أخاه و ابن والده أبا الفضل العباس لتحصيل الماء فانبرى البطل العظيم،و صحب معه ثلاثين فارسا و عشرين راجلا،و حملوا معهم عشرين قربة،و اقتحموا بأجمعهم نهر الفرات،و قد تقدمهم نافع بن هلال المرادي،فاستقبله عمرو بن الحجاج الزبيدي،و كان هو المسؤول عن حراسة الفرات،فقال له:

ص: 38

-ما جاء بك؟

-جئنا لنشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه.

-اشرب هنيئا.

-أفأشرب و الحسين عطشان و من ترى من أصحابه.

-لا سبيل إلى سقي هؤلاء..إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء.

و لم يحفل به أصحاب الإمام،فاقتحموا الفرات ليملأوا قربهم فثار عليهم عمرو ابن الحجاج مع مفرزة من جنوده،و التحم معهم العباس و نافع بن هلال،و دارت بينهم معركة إلا أنه لم يقتل فيها أحد و عاد أصحاب الإمام بعد أن ملأوا قربهم من الماء و قيل إنهم لم يعودوا إلا بشيء يسير منه واروى العباس عطاشى أهل البيت و أنقذهم من الظمأ،و لقب من ذلك اليوم بالسقاء و هو من أشهر ألقابه ذيوعا،و من أحبها عنده (1).3.

ص: 39


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:95/3.

استنجاد حبيب بأسرته

و كان حبيب بن مظاهر من أفذاذ أصحاب الحسين و من أكثرهم اخلاصا و ولاء له،و لما رأى وحدة الإمام و تظافر القوى الغادرة على حربه طلب منه أن يأذن له ليستنجد بأسرته من بني أسد ليحظون بالجهاد بين يديه قائلا:

«إن ههنا حيا من بني أسد أعرابا ينزلون ب)النهرين)و ليس بيننا و بينهم إلا رواحة أفتأذن لي في إتيانهم و دعائهم،لعل الله أن يجد بهم إليك نفعا أو يدفع عنك مكروها».

فأذن له الإمام فانطلق مسرعا إليهم،و لما مثل عندهم قال:

«إني أدعوكم إلى شرف الآخرة و فضائلها و جسيم ثوابها..أنا أدعوكم إلى نصرة ابن بنت رسول الله نبيكم صلّى اللّه عليه و اله فقد أصبح مظلوما،دعاه أهل الكوفة لينصروه فلما أتاهم خذلوه و عمدوا عليه ليقتلوه».

فاستجاب له سبعون شخصا و كان من بينهم عبد الله بن بشر الأسدي،فقال:أنا أول من يجيب هذه الدعوى ثم جعل يرتجز:

قد علم القوم إذا تواكلوا و أحجم الفرسان أو تثاقلوا

أني شجاع بطل مقاتل كأنني ليث عرين باسل

و خفوا إلى نصرة الإمام إلا أنه كان في المجلس عين لابن سعد فأسرع إليه و أخبره بذلك،فجهز مفرزة من جيشه بقيادة جبلة بن عمر فحالوا بينهم و بين الالتحاق بالحسين،فرجع حبيب حزينا فأخبر الإمام بذلك فقال:«الحمد لله كثيرا» و ظل الإمام مع أصحابه و هم يعانون أشد الضيق من الحصار الذي فرض عليهم،

ص: 40

و ينتظرون الأحداث الرهيبة التي يلاقونها على صعيد كربلاء.

مع المعسكرين

اشارة

و على الصعيد الطيب من أرض كربلاء التحمت القوى الغادرة مع جنود الله و خلايا التوحيد الذين شرح الله صدورهم للايمان فناضلوا و هم على يقين بعدالة قضيتهم...على العكس من خصومهم الذين كانوا تملكهم الحيرة و القلق النفسي فكانوا يقاتلون و هم على علم بضلالة قصدهم و انحرافهم عن الطريق القويم،و لا بد لنا من وقفة قصيرة للتحدث عن كلا المعسكرين.

المعسكر الحسيني
اشارة

أما المعسكر الحسيني فإنه كان يمثل شرف الإنسان،و يمثل القيم الكريمة و الاتجاهات العظيمة التي يسمو بها كل إنسان نبيل،و حسبه أنه وحده في تأريخ هذه الدنيا قد كتب له الخلود و البقاء فليس في أسرة شهداء العالم مثل شهداء كربلاء شرفا و مجدا و اندفاعا في نصرة الحق،و تفانيا في سبيل العدل،و نشير إلى بعض المظاهر من أهدافهم و ذاتياتهم (1).

ص: 41


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:97/3.
عناصر جيش الإمام الحسين عليه السلام
اشارة

و يتألف جيش الإمام من عنصرين و هما:

1-الموالي

أما الموالي فكانوا على علاقة وثيقة بالإمام الحسين عليه السّلام نظرا للسياسة العادلة التي تبناها الإمام أمير المؤمنين فيهم،و لو كانت الظروف متهيّئة لهم لالتحق القسم الكبير منهم بالإمام،و قد ضمّ جيشه من يلي منهم:

1-سليمان مولى للحسين.

2-قارب الدئلي مولى للحسين.

3-الحارث بن نبهان مولى لحمزة بن عبد المطلب.

4-سحح مولى للحسين.

5-عامر بن مسلم مولى لسالم.

6-جابر بن الحجاج مولى لعامر بن نهشل.

7-سعد مولى لعمر بن خالد الصيداوي.

8-رافع مولى لأهل شنوة.

9-شوذب مولى لشاكر بن عبد الله الهمداني الشاكري.

10-أسلم التركي مولى للحسين.

11-جون مولى أبي ذر الغفاري.

ص: 42

12-زاهر مولى لعمرو بن الخزاعي.

و هؤلاء الموالي الذين فاقوا الأحرار في شرفهم و اندفاعهم لنصرة الحق قد فازوا بنصرة سيد شباب أهل الجنة و نعموا بالشهادة بين يديه.

[2-] العرب

و بقية أنصار الحسين الممجدين كانوا من العرب و أكثرهم من سكان الكوفة، و أما من البصرة فإنه لم يستشهد معه إلا عدد قليل،كما التحق به من الحجاز الصحابي الكبير أنس بن الحارث الكاهلي.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن معسكر الحسين.

ص: 43

المعسكر الأموي
اشارة

أما المعسكر الأموي فقد كانوا مجموعة من الخونة و باعة الضمير و ليس فيهم أي إنسان شريف،كما كانوا على يقين لا يخامره أدنى شك في ضلالة قصدهم، و انحرافهم عن الطريق القويم...و هذه بعض مظاهر ما اتصفوا به.

[بعض مظاهر المعسكر الاموى]
1-فقدان الإرادة

و الظاهرة البارزة في ذلك الجيش فقدانه لإرادته و اختياره،فقد كان أكثرهم- فيما يقول المؤرخون-قلوبهم مع الإمام،و سيوفهم مشهورة عليه،لقد خفوا إلى حرب من يعتقدون بعدالة قضيته،و انه وحده الذي يحقق أهدافهم و ما يصبون إليه، و لو كان عندهم ذرة من الشعور و الإحساس لفدوه بأرواحهم و نفوسهم،و ما خانوه بعد ما عاهدوا الله في نصرته و الذب عنه.

2-القلق و الحيرة

و استوعبت الحيرة و خيانة النفس نفوس الكثيرين من المعسكر الأموي فقد كانوا على يقين أنهم على مزلقة الباطل،و ان الحسين و أصحابه على جادة الحق، و قد أدلى شبث بن ربعي،و هو أحد زعماء ذلك الجيش،و من أركانه القياديين بهذه الظاهرة يقول:

ص: 44

«قاتلنا مع عليّ بن أبي طالب،و مع ابنه الحسن من بعده آل أبي سفيان خمس سنين، ثم عدونا على ولده و هو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية و ابن سمية الزانية،ضلال يا لك من ضلال!!و الله لا يعطي الله أهل هذا المصر خيرا أبدا،و لا يسددهم لرشد».

و كشفت هذه الكلمات عن مدى القلق النفسي الذي كان يساور شبث بن ربعي، و لا شك أن هناك المئات من أمثاله ممن كانوا يجدون في قراره نفوسهم تأنيبا حادا على حربهم لريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله كما أن الكثيرين منهم كانوا يحجمون من الدخول في عمليات الحرب،و قد لمس ذلك فيهم عمرو بن الحجاج فاندفع يقول لهم:

«لا ترتابوا في قتال من مرق من الدين».

و من مظاهر تلك الحيرة أنه لم يؤثر عن أحد أنه أنشد رجزا أشاد فيه بالغاية التي كان ينشدها و يقاتل من أجلها الإمام،فقد كمت الأفواه و أخرست الألسن،و إنما كان الرجز من أصحاب الإمام الحسين و أهل بيته فقد مثل أهدافهم و مبادئهم التي استشهدوا من أجلها...لقد كان الرجز هو النشيد العسكري السائد في تلك العصور فيه يتغنى المقاتلون في أثناء الحرب،و يفتخرون بشجاعتهم و بطولاتهم، و يتوعدون أعداءهم بالقتل و الهزيمة،لقد أصبح الرجز في تلك المعارك كسلاح من أسلحة القتال يعتمد عليه المقاتلون كما يعتمدون على آلات الحروب من السيوف و السهام و الرماح،ففي واقعة الجمل كان أصحاب عائشة ينشدون الرجز الذي يمثل اندفاعهم نحو أمهم،و أصحاب الإمام كانوا يذكرون في رجزهم دفاعهم عن الإمام أمير المؤمنين،و انه فرض ديني عليهم،و كذلك في معركة صفين،أما في واقعة كربلاء فلم يؤثر بيت من الشعر نظمه أو تمثل به أحد من المعسكر الأموي و هو آية على شيوع الحيرة و التردد في نفوسهم فقد عرفوا جميعا عرفانا لا تسعه المغالطة و لا الإنكار إثم ما اقترفوه و انهم قد ارتطموا في الباطل و ماجوا في الضلال...

ص: 45

3-الفسق

و طائفة كبيرة كانت في الجيش الأموي قد عرفت بالفسق و التحلل،فقد كانوا من المدمنين على الخمر،و يقول المؤرخون:إن الذين حملوا رؤوس الشهداء إلى دمشق كانوا يشربون الخمر طيلة الطريق و قد ذكرنا في البحوث السابقة بعض ما اتصفوا به من الكذب و عدم الحريجة في الدين.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض صفات ذلك الجيش.

عناصر الجيش
اشارة

و يتألف الجيش الأموي من عدة عناصر و من بينها:

1-الانتهازيون

و هم الذين يخدمون السلطة للرغبة و الرهبة،و يسعون وراء مصالحهم و لا يؤثرون الحق في سلوكهم و تصرفاتهم سوى السعي وراء مصالحهم الخاصة، و قد شاعت هذه الفئة في معسكر ابن زياد،و أسندت لها المناصب الحساسة في الجيش و هم أمثال عمر بن سعد،و حجار بن أبجر،و شبث بن ربعي،و شمر بن ذي الجوشن،و قيس بن الأشعث و يزيد بن الحرث و غيرهم من الذين طلقوا المعروف ثلاثا،و لم تصدر منهم في جميع فترات حياتهم أية بادرة من بوادر الخير سوى ما يضر الناس.

ص: 46

2-المرتزقة

و هناك طائفة كبيرة من الجيش قد اندفعوا لحرب الإمام تسوقهم الأطماع الرخيصة،و الأمل على حصول مغنم في الحرب،و قد هرعوا بعد قتل الإمام-بخسة -إلى السلب و النهب فمالوا على ثقل الإمام و متاعه فنهبوه،و عمدوا إلى سلب حرائر النبوة و عقائل الوحي فلم يتركوا ما عليهن من حلي و حلل،و عمدوا إلى سلب ما على الإمام و سائر الشهداء من الملابس و لا مات الحرب،و يقول المؤرخون:انهم سلبوا جميع ملابس الحسين حتى تركوه عريانا ليس عليه ما يواري جسده الشريف،و سنعرض لذلك عند التحدث عن مقتل الإمام.

3-الممسوخون

و من بين العناصر التي ضمها المعسكر الأموي الممسوخون،و هم الذين امتلأت صدورهم بالحقد و الكراهية لجميع الناس،و أهم رغباتهم النفسية المذابح الطائشة،و الاندفاع نحو الجريمة تلبية لنداء الجريمة المتأصلة في نفوسهم.

و قد بالغت تلك الطغمة من الممسوخين في اقتراف الجرائم،فتسابقوا إلى قتل الأطفال من آل النبي و ترويع النساء،و هم يفخرون بما يقترفونه من الخزي و العار، و من بين هؤلاء الوحوش الكواسر السفاح الحقير شمر بن ذي الجوشن،و حرملة ابن كاهل و الحكيم بن طفيل الطائي و سنان بن أنس و عمرو بن الحجاج،و أمثالهم من كلاب الطراد كما سماهم بذلك بعض المؤرخين،و قد صدرت منهم في كربلاء من القساوة ما تترفع عنه الوحوش و الكلاب.

ص: 47

4-المكرهون

و هناك طائفة من الجيش قد أرغمت على حرب الإمام،فقد حملتهم السلطة على الخوض في هذه المعركة و كانت عواطفهم و مشاعرهم مع الإمام إلا أن الجبن و خور النفس،قد منعهم من نصرته،و هؤلاء لم يشتركوا في الحرب،و انما كانوا يتضرعون إلى الله في أن ينزل نصره على ابن بنت نبيه،و قد أنكر عليهم واحد منهم فقال لهم:هلا تهبوا إلى نصرته و الدفاع عنه بدل الدعاء و مما لا شبهة فيه أنهم قد اقترفوا إثما عظيما،و شاركوا المحاربين في جريمتهم لأنهم لم يقوموا بإنقاذ الإمام و حمايته من المعتدين.

5-الخوارج

و من بين العناصر التي اشتركت في حرب الإمام الخوارج،و هم من أحقد الناس على آل النبي صلّى اللّه عليه و اله لأن الإمام أمير المؤمنين)ع)قد وترهم في واقعة النهروان، فتسابقوا إلى قتل العترة الطاهرة للتشفي منها.

هذه بعض العناصر التي ضمها جيش ابن زياد،و قد جاء وصفهم في إحدى زيارات الإمام الحسين عليه السّلام ما نصه:

«و قد توازر عليه-أي على حرب الإمام-من غرته الدنيا،و باع حظه بالأرذل الأدنى، و شرى آخرته بالثمن الأوكس،و تردى في هواه».

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن معسكر الإمام،و معسكر ابن زياد،لنقف على فصول المأساة في دنيا الأحزان.

ص: 48

المأساة الخالدة

و لم تشاهد أمة من الأمم محنة أوجع و لا أفجع من كارثة كربلاء،فلم تبق رزية من رزايا الدهر،و لا فاجعة من فواجع الدنيا إلا جرت على سبط رسول الله و ريحانته...و قد ألهبت رزاياه العواطف حزنا و أسى و أثارت اللوعة حتى عند أقل الناس إحساسا و أقساهم قلبا و قد أثرت على الباغي اللئيم عمر بن سعد فراح يبكي من أهوال ما جرى على الإمام من فوادح الخطوب.

لقد انتهكت في كارثة كربلاء حرمة الرسول صلّى اللّه عليه و اله في عترته و ذريته يقول الإمام الرضا عليه السّلام:

«إن يوم الحسين أقرح جفوننا و أذل عزيزنا...».

و نعرض إلى فصول تلك المأساة الخالدة في دنيا الأحزان،و ما رافقها من الأحداث الموجعة.

ص: 49

زحف الجيش

و تدافعت القوى الغادرة التي ملئت نفوسها الشريرة بالأحقاد و الأضغان على العترة الطاهرة التي تبنت حقوق المظلومين و المضطهدين،و جاهدت من أجل إحقاق الحق.

لقد زحفت طلائع جيش ابن سعد نحو الإمام في عصر الخميس لتسع خلون من شهر محرم،فقد صدرت إلى القيادة العامة الأوامر المشددة من ابن زياد بتعجيل القتال خوفا من أن يتبلور رأي الجيش و يحدث انقسام في صفوفه،و لما زحف ذلك الجيش كان الحسين جالسا أمام بيته محتبيا بسيفه إذ خفق برأسه،فسمعت أخته عقيلة بني هاشم زينب عليه السّلام أصوات الرجال و تدافعهم نحو أخيها فانبرت إليه و هي فزعة مرعوبة فأيقظته فرفع الإمام رأسه فرأى أخته،فقال لها بعزم و ثبات:

«إني رأيت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله في المنام،فقال:إنك تروح إلينا...».

و ذابت نفس العقيلة،و انهارت قواها فلطمت وجهها و قالت بنبرات حزينة:

«يا وليتاه..».

و التفت أبو الفضل العباس إلى أخيه فقال له:يا أخي أتاك القوم فطلب منه الإمام أن يتعرف على خبرهم قائلا له:

«اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم،فتقول لهم:ما بدا لكم،و ما تريدون؟».

و أسرع أبو الفضل نحوهم،و معه عشرون فارسا من أصحابه،و فيهم زهير ابن القين و حبيب بن مظاهر،و سألهم العباس عن زحفهم،فقالوا له:

«جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم النزول على حكمه أو نناجزكم».

ص: 50

و قفل العباس إلى أخيه يعرض عليه الأمر،و أقبل حبيب بن مظاهر على القوم فجعل يعظهم،و يذكرهم الدار الآخرة قائلا:

«أما و الله لبئس القوم يقدمون غدا على الله تعالى،و على رسوله محمد صلّى اللّه عليه و اله و قد قتلوا ذريته و أهل بيته المجتهدين بالأسحار،الذاكرين الله كثيرا بالليل و النهار و شيعته الأتقياء الأبرار».

فرد عليه عزرة بن قيس قائلا:

«يابن مظاهر إنك لتزكي نفسك!!».

و انبرى إليه زهير بن القين قائلا:

«اتق الله يابن قيس،و لا تكن من الذين يعينون على الضلال،و يقتلون النفس الزكية الطاهرة عترة خيرة الأنبياء».

فقال له عزرة:

«كنت عندنا عثمانيا فما بالك؟».

فقال زهير:

«و الله ما كتبت إلى الحسين،و لا أرسلت إليه رسولا،و لكن الطريق جمعني و إياه،فلما رأيته ذكرت به رسول الله و عرفت ما تقدمون من غدركم،و نكثكم، و سبيلكم إلى الدنيا فرأيت أن أنصره،و أكون في حزبه حفظا لما ضيعتم من حق رسول الله صلّى اللّه عليه و اله».

و عرض أبو الفضل مقالة القوم على أخيه،فقال له:

«ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة لعلنا نصلي لربنا هذه الليلة،و ندعوه، و نستغفره فهو يعلم أني أحب الصلاة و تلاوة كتابه و كثرة الدعاء و الاستغفار».

و رجع إليهم أبو الفضل العباس،فأخبرهم بكلام أخيه،و عرض ابن سعد الأمر على الشمر خوفا من وشايته إذا استجاب لطلب الإمام و أخر القتال فقد كان المنافس الوحيد له على إمارة الجيش كما كان عينا عليه،أو أنه أراد أن يكون

ص: 51

شريكا له في المسؤولية فيما إذا عاتبه ابن زياد على تأخير الحرب.

و على أي حال فإن الشمر لم يبد رأيه في الموضوع،و إنما أحاله لابن سعد، و انبرى عمرو بن الحجاج الزبيدي فأنكر عليهم احجامهم عن إجابة الإمام قائلا:

«سبحان الله!!و الله لو كان من الديلم ثم سألكم هذه المسألة لكان ينبغي أن تجيبوه..».

و لم يزد ابن الحجاج على ذلك فلم يقل إنه ابن رسول الله)ص)خوفا من أن تنقل الاستخبارات العسكرية حديثه إلى ابن مرجانة فينال العقاب أو العتاب و الحرمان منه...و أيد ابن الأشعث مقالة ابن الحجاج فقال لابن سعد:

«أجبهم إلى ما سألوا فلعمري ليصحبنك بالقتال غدا».

و إنما قال ابن الأشعث ذلك لأنه حسب أن الإمام يتنازل لابن زياد فلذا رغب في تأخير القتال،إلا أنه لما استبان له أن الإمام مصمم على الحرب ندم على كلامه و راح يقول:

«و الله لو أعلم أنهم يفعلون ما أخرتهم».

لقد اتخذ ابن الأشعث من خلقه و أخلاق أهل الكوفة مقياسا يقيس به قيم الرجال فظن أن الإمام سوف يستجيب للذل و الهوان و يتنازل عن أداء رسالته الكبرى،و لم يعلم أن الإمام يستمد واقعه و اتجاهاته من جده العظيم.

ص: 52

تأجيل الحرب إلى الصبح

و استجاب ابن سعد إلى تأجيل الحرب بعد أن رضيت به أكثرية القادة من جيشه،و أوعز ابن سعد إلى رجل من أصحابه أن يعلن ذلك فدنا من معسكر الحسين و صاح:«يا أصحاب الحسين بن علي قد أجلناكم يومكم هذا إلى غد فإن استسلمتم و نزلتم على حكم الأمير وجهنا بكم إليه و إن أبيتم ناجزناكم»و أرجى القتال إلى اليوم العاشر من المحرم و ظل أصحاب ابن سعد ينتظرون الغد هل يجيبهم الإمام أو يرفض ما دعوه إليه (1).

استمهال الحسين عنهم

قيل:و أتى العباس بن علي حسينا بما عرض عليه عمر بن سعد،فقال له:ارجع إليهم فإن استطعت ان تؤخرهم إلى غدوة و تدفعهم عنا العشية لعلنا نصلى لربنا و ندعوه و نستغفره فهو يعلم انى قد كنت أحب الصلاة له و تلاوة كتابه و كثرة الدعاء و الاستغفار.

قال:و أقبل العباس ابن علي يركض حتى انتهى إليهم،فقال:يا هؤلاء ان أبا عبد اللّه يسألكم ان تنصرفوا هذه العشية،حتى ينظر في هذا الأمر فإن هذا أمر لم يجر بينكم و بينه فيه منطق،فإذا أصبحنا التقينا إن شاء اللّه،فإما رضيناه،فأتينا بالامر

ص: 53


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:111/3.

الذي تسألونه و تسومونه،أو كرهنا فرددناه،و إنما أراد بذلك ان يردهم عنه تلك العشية،حتى يأمر بأمره و يوصي أهله،فلما اتاهم العباس بن علي بذلك،قال عمر بن سعد:ما ترى يا شمر!قال:ما ترى أنت،أنت الأمير و الرأي رأيك!قال قد أردت أن لا أكون،ثم اقبل على الناس فقال:ماذا ترون؟

فقال عمرو بن الحجاج بن سلمة الزبيدي.

سبحان اللّه!و اللّه لو كانوا من الديلم ثم سألوك هذه المنزلة،لكان ينبغي لك ان تجيبهم إليها،و قال قيس بن الأشعث:أجبهم إلى ما سألوك فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة،فقال:و اللّه لو اعلم أن يفعلوا ما أخرتهم العشية.

و روى عن علي بن الحسين قال:أتانا رسول من قبل عمر بن سعد فقام مثل حيث يسمع الصوت فقال:انا قد أجلناكم إلى غد،فإن استلمتم سرحنا بكم إلى أميرنا عبيد اللّه بن زياد و إن أبيتم فلسنا تاركيكم (1).3.

ص: 54


1- معالم المدرستين للعسكري:89/3.

أحداث ليلة العاشر من محرم

روي عن أهل البيت عليهم السّلام أنه لمّا جمع ريحانة رسول الله سيّد الشهداء الحسين ابن عليّ أصحابه عندما قرب المساء من يوم التّاسوعاء و قال لهم:إنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حلّ ليس عليكم منّي ذمام هذا اللّيل قد غشيكم فاتّخذوه جملا.

فبعد ما قال أعوانه من إخوته و أبنائه و بني أخيه و بني عقيل و ابني عبد الله بن جعفر ما قالوا،قام إليه مسلم بن عوسجة رضوان الله عليه فقال:أنحن نخلّي عنك و بما نعتذر إلى الله في أداء حقّك أما و الله حتّى أطعن في صدورهم برمحي و أضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي و لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة و الله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك،أما و الله لو قد علمت أنّي أقتل ثمّ أحيى ثمّ أحرق ثمّ أحيى ثمّ أذرى يفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك و كيف لا أفعل ذلك و إنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا.

و قام زهير بن القين رحمة الله عليه فقال:و الله لوددت أنّي قتلت ثم نشرت ثمّ قتلت حتّى أقتل هكذا ألف مرّة و أنّ الله عزّ و جلّ يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك. (1)

و قال السيد مرتضى العسكري:قال:ثم إن عمر بن سعد نهض إليه عشية الخميس لتسع مضين من المحرم،و نادى:يا خيل اللّه اركبي و ابشري:فركب في

ص: 55


1- الإرشاد:92/2.

الناس،ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر،و حسين جالس امام بيته محتبيا بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه و سمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها فقالت:يا أخي!اما تسمع الأصوات قد اقتربت قال:فرفع الحسين رأسه،فقال:إني رأيت رسول صلّى اللّه عليه و اله في المنام فقال لي إنك تروح إلينا،قال:فلطمت أخته وجهها، و قالت:يا ويلنا!فقال:ليس لك الويل يا أخية اسكني،رحمك الرحمن،و قال العباس بن علي:يا أخي اتاك القوم،قال:فنهض،ثم قال:يا عباس!اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم فتقول لهم:ما لكم و ما بدالكم؟و تسألهم عما جاء بهم،فأتاهم العباس،فاستقبلهم في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين و حبيب بن مظاهر فقال لهم العباس:ما بدالكم و ما تريدون؟

قالوا:جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه،أو ننازلكم.

قال:فلا تعجلوا حتى ارجع إلى أبي عبد اللّه فأعرض عليه ما ذكرتم،قال:

فوقفوا.

ثم قالوا:القه فأعلمه ذلك،ثم القنا بما يقول،قال:فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين يخبر بالخبر،و وقف أصحابه يخاطبون القوم،فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين كلم القوم،ان شئت،و ان شئت كلمتهم،فقال له زهير:أنت بدأت بهذا،فكن أنت تكلمهم،فقال لهم حبيب بن مظاهر:أما و اللّه لبئس القوم عند اللّه غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه صلّى اللّه عليه و اله و عترته،و أهل بيته عليه السّلام و عباد أهل هذا المصر المجتهدين بالاسحار و الذاكرين اللّه كثيرا،فقال له عزرة بن قيس:انك لتزكى نفسك ما استطعت،فقال له زهير:يا عزرة!ان اللّه قد زكاها و هداها،فاتق اللّه يا عزرة!فإني لك من الناصحين،أنشدك اللّه يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية،قال:يا زهير!ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانيا!

قال:أفلست تستدل بموقفي هذا إني منهم؟اما و اللّه ما كتبت إليه كتابا قط،و لا

ص: 56

أرسلت إليه رسولا قط،و لا وعدته نصرتي قط،و لكن الطريق جمع بيني و بينه، فلما رأيته ذكرت به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و مكانه منه،و عرفت ما يقدم عليه من عدوه و حزبكم؟

فرأيت أن انصره،و ان أكون في حزبه،و ان اجعل نفسي دون نفسه حفظا لما ضيعتم من حق اللّه،و حق رسوله صلّى اللّه عليه و اله (1).3.

ص: 57


1- معالم المدرستين للعسكري:88/3.

خطبة الحسين عليه السلام في أصحابه ليلة العاشر

اشارة

و روى عن علي بن الحسين عليه السّلام،قال:جمع الحسين أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد،و ذلك عند قرب المساء قال علي بن الحسين:فدنوت منه لا سمع و انا مريض فسمعت أبي و هو يقول لأصحابه:أثنى على اللّه تبارك و تعالى أحسن الثناء و أحمده على السراء و الضراء اللهم!إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة و علمتنا القرآن،و فقهتنا في الدين،و جعلت لنا اسماعا و أبصارا و أفئدة،و لم تجعلنا من المشركين،اما بعد فإني لا اعلم أصحابا أولى و لا خيرا من أصحابي،و لا أهل بيت أبر و لا أوصل من أهل بيتي،فجزاكم اللّه عني جميعا خيرا ألا و إني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا،ألا و إني قد رأيت لكم،فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام.

هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم تفرقوا في سوادكم و مدائنكم حتى يفرج اللّه فإن القوم إنما يطلبوني و لو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري.

الإمام يأذن لأصحابه بالتفرق

و جمع الإمام عليه السّلام أصحابه و أهل بيته ليلة العاشر من المحرم،و طلب منهم أن ينطلقوا في رحاب الأرض و يتركوه وحده ليلقى مصيره المحتوم،و قد أراد أن يكونوا على هدى و بينة من أمرهم،فقال لهم:

ص: 58

«اثني على الله أحسن الثناء،و احمده على السراء و الضراء...اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة و علمتنا القرآن،و فهمتنا في الدين و جعلت لنا اسماعا و ابصارا و أفئدة و لم تجعلنا من المشركين.

أما بعد:فإني لا أعلم أصحابا أوفى و لا خيرا من أصحابي فجزاكم الله جميعا عني خيرا،ألا و إني لأظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا،و إني قد أذنت لكم جميعا فانطلقوا في حل ليس عليكم مني ذمام،و هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، و ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعا خيرا،ثم تفرقوا في سوادكم و مدائنكم حتى يفرج الله فإن القوم إنما يطلبونني،و لو أصابونني لهوا عن طلب غيري».

و تمثلت روعة الإيمان بهذا الخطاب العظيم الذي كشف جانبا كبيرا عن نفسية الإمام رائد الكرامة الإنسانية،فقد تجنب في هذا الموقف الدقيق جميع ألوان المنعطفات،فجعل أصحابه و أهل بيته أمام الأمر الواقع و حدد لهم النتيجة التي لا مفر منها و هي القتل و التضحية و ليس هناك شيء آخر غيرها..و قد رغب أن يخلوا عنه،و ينصرفوا تحت جنح الظلام فيتخذون منه ستارا دون كل عين فلعلهم يخجلون أن يبتعدوا عنه في ضوء النهار،أو أنهم يخشونه فجعلهم في حل من التزاماتهم تجاهه،و عرفهم انه بالذات هو الهدف لتلك الوحوش الكاسرة فإذا ظفروا به فلا ارب لهم في طلب غيره (1).

جواب أهل بيته

و لم يكد يفرغ الإمام من كلماته حتى هبت الصفوة الطيبة من أهل بيته،و هم يعلنون اختيار الطريق الذي يسلكه،و يتبعونه في مسيرته و لا يختارون غير

ص: 59


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:111/3.

منهجه،فانبروا جميعا و عيونهم تفيض دموعا قائلين:

«لم نفعل ذلك؟لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا».

بدأهم بهذا القول أخوه أبو الفضل العباس و تابعته الفتية الطيبة من أبناء الأسرة النبوية،و التفت الإمام إلى أبناء عمه من بني عقيل فقال لهم:

«حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا فقد أذنت لكم».

وهبت فتية آل عقيل تتعالى أصواتهم قائلين بلسان واحد:

«إذن ما يقول الناس؟و ما نقول؟إنا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا خير الأعمام و لم نرم معهم بسهم،و لم نطعن برمح،و لم نضرب بسيف و لا ندري ما صنعوا؟لا و الله لا نفعل و لكن نفديك بأنفسنا و أموالنا و أهلينا نقاتل معك،حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك» (1).

جواب أصحابه
اشارة

و اترعت قلوب أصحاب الإمام إيمانا فقد صهرهم أبو عبد الله بمثله التي لا تحد، فقد رأوا فضائله و مزاياه،و اندفاعه نحو الحق،و انه لم يكن يسعى بأي حال لجاه أو مال أو سيادة،و انه قد رفض كل مساومة على حساب أمته و دينه،مما أثر في أعماق قلوبهم فاستهانوا بالحياة و سخروا من الموت،و قد اندفعوا يعلنون له الفداء و التضحية و هذه كلمات بعضهم:

1-مسلم بن عوسجة

و انبرى مسلم بن عوسجة و دموعه تتبلور على وجهه فخاطب الإمام قائلا:

«أنحن نخلي عنك و بماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك،أما و الله لا أفارقك حتى

ص: 60


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:111/3.

أطعن في صدورهم برمحي و اضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي و لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك».

و عبرت هذه الكلمات عن عميق إيمانه فهو يرى أنه مسؤول أمام الله عن أداء حق ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و انه سيبذل جميع طاقاته في الدفاع عنه.

2-سعيد بن عبد الله

و تكلم سعيد بن عبد الله الحنفي فأعلن ولاءه الصادق للإمام قائلا:«و الله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك...أما و الله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أذرى يفعل بي ذلك سبعون مرة لما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك،و كيف لا أفعل ذلك و إنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا».

و ليس في قاموس الوفاء أنبل و لا أصدق من هذا الوفاء أنه يتمنى انه تجري عليه عملية القتل سبعين مرة ليفدي الإمام و يحفظ غيبة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و كيف لا يستطيب الموت في سبيله و إنما هو مرة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها.

3-زهير بن القين

و انطلق زهير فأعلن نفس الاتجاه الذي أعلنه أخوانه قائلا:«و الله لوددت أني قتلت ثم نشرت،ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف مرة،و ان الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك...».

لقد ارتفع هؤلاء الأبطال إلى مستوى من النبل لم يبلغه أي إنسان،فأعطوا الدروس المشرقة للفداء في سبيل الحق.

ص: 61

و انبرى بقية أصحاب الإمام فأعلنوا الترحيب بالموت في سبيله و التفاني في الفداء من أجله فجزاهم الإمام خيرا و أكد لهم جميعا أنهم سيلاقون حتفهم فهتفوا جميعا:

«الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك،و شرفنا بالقتل معك،أو لا نرضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله».

لقد اختبرهم الإمام فوجدهم من خيرة الرجال صدقا و وفاء،قد أشرقت نفوسهم بنور الإيمان،و تحرروا من جميع شواغل الحياة،و آمنوا أنهم صائرون إلى الفردوس الأعلى،و كانوا-فيما يقول المؤرخون-في ظمأ إلى الشهادة ليفوزوا بنعيم الآخرة (1).

رواية أخرى

و روي من طريق آخر أنه قال له اخوته و أبناؤه و بنو أخيه و ابنا عبد اللّه بن جعفر:لم نفعل لنبقى بعدك لا أرانا اللّه ذلك ابدا،بدأهم بهذا القول العباس بن علي، ثم إنهم تكلموا بهذا و نحوه،فقال الحسين عليه السّلام يا بني عقيل!حسبكم من القتل بمسلم،اذهبوا قد أذنت لكم،قالوا:فما يقول الناس؟يقولون:إنا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا خير الأعمام و لم نرم معهم بسهم،و لم نطعن معهم برمح، و لم نضرب معهم بسيف،و لا ندري ما صنعوا!لا و اللّه لا نفعل!و لكن تفديك أنفسنا و أموالنا،و أهلونا،و نقاتل معك حتى نرد موردك،فقبح اللّه العيش بعدك.

و قال:فقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي،فقال:أنحن نخلي عنك و لما نعذر إلى اللّه في أداء حقك؟!اما و اللّه!حتى اكسر في صدورهم رمحي،و أضربهم بسيفي

ص: 62


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:111/3.

ما ثبت قائمه في يدي،و لا أفارقك و لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك،حتى أموت معك.

قال:و قال سعد بن عبد اللّه الحنفي:و اللّه لا نخليك حتى يعلم اللّه انا قد حفظنا غيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فيك،و اللّه لو علمت انى اقتل،ثم أحيا،ثم أحرق حيا،ثم أذر، يفعل ذلك بي سبعين مرة،ما فارقتك حتى القى حمامي دونك،فكيف لا افعل ذلك؟ و إنما هي قتلة واحدة،ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها ابدا،قال:و قال زهير ابن القين:و اللّه لوددت إني قتلت ثم نشرت،ثم قتلت،حتى أقتل كذي ألف قتلة،و أن اللّه يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك،قال:و تكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد،فقالوا:و اللّه لا نفارقك، و لكن أنفسنا لك الفداء،نقيك بنحورنا،و جباهنا و أيدينا فإذا نحن قتلنا كنا و فينا و قضينا ما علينا.

سند آخر لهذه الرواية:و روى الطبري هذه الرواية بإيجاز عن الضحاك ابن عبد اللّه المشرقي قال:قدمت و مالك بن النضر الأرحبي على الحسين فسلمنا عليه ثم جلسنا إليه فرد علينا فرحب بنا و سألنا عما جئنا له فقلنا جئنا لنسلم عليك و ندعو اللّه لك بالعافية و نحدث بك عهدا و نخبرك خبر الناس و إنا نحدثك أنهم قد جمعوا على حربك فرّ رأيك،فقال الحسين عليه السّلام حسبي اللّه و نعم الوكيل قال فتذممنا و سلمنا عليه و دعونا اللّه له قال:فما يمنعكما من نصرتي فقال مالك بن النضر:علي دين ولي عيال،فقلت له:إن على دينا و إن لي لعيالا و لكنك ان جعلتني في حل من الانصراف إذا لم أجد مقاتلا قاتلت عنك ما كان لك نافعا و عنك دافعا.

قال:قال:فأنت في حل فأقمت معه.

ثم نقل الضحاك الخبر السابق بإيجاز (1)3.

ص: 63


1- معالم المدرستين للعسكري:91/3.

الحسين عليه السلام ينعى نفسه و يوصي أخته بالصبر

اشارة

روى الطبري عن علي بن الحسين بن علي عليه السّلام،قال:إني جالس في تلك العشية التي قتل أبي صبيحتها،و عمتي زينب عندي تمرضني إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له و عنده حوي مولى أبي ذر الغفاري (1)و هو يعالج سيفه و يصلحه و أبي يقول:

يا دهر أف لك من خليل كم لك بالاشراق و الأصيل

من صاحب أو طالب قتيل و الدهر لا يقنع بالبديل

و إنما الأمر إلى الجليل و كل حي سالك السبيل

قال:فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها فعرفت ما أراد،فخنقتني عبرتي فرددت دمعي و لزمت السكوت،فعلمت ان البلاء قد نزل،فأما عمتي فإنها سمعت ما سمعت و هي امرأة و في النساء الرقة و الجزع فلم تملك نفسها أن و ثبت تجر ثوبها و إنها لحاسرة حتى انتهت إليه فقالت،وا ثكلاه!ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمي!و علي أبي!و حسن أخي!يا خليفة الماضي و ثمال الباقي، فنظر إليها الحسين عليه السّلام،فقال:يا أخية!لا يذهبن حلمك الشيطان،قالت:بأبي أنت و أمي،يا أبا عبد اللّه استقتلت!نفسي فداك!فرد غصته و ترقرقت عيناه و قال:لو ترك القطا ليلا لنام.

قالت:يا ويلتا!أفتغصب نفسك اغتصابا!فذلك اقرح لقلبي!و أشد على نفسي!

ص: 64


1- ورد في مقتل الخوارزمي و غيره في خبر مقتله بلفظ"جون".

و لطمت وجهها و أهوت إلى جيبها و شقته!و خرت مغشيا عليها!فقام إليها الحسين، فصب على وجهها الماء!و قال لها:يا أخية!اتقي اللّه!و تعزي بعزاء اللّه!و اعلمي ان أهل الأرض يموتون،و ان أهل السماء لا يبقون،و ان كل شىء هالك إلا وجه اللّه الذي خلق الأرض بقدرته،و يبعث الخلق فيعودون،و هو فرد وحده،أبي خير مني، و أمي خير مني،و أخي خير مني،و لي و لهم و لكل مسلم برسول اللّه أسوة،قال:

فعزاها بهذا و نحوه،و قال لها:يا أخية!إني أقسم عليك فأبري قسمي لا تشقي علي جيبا!و لا تخمشي على وجها!و لا تدعي علي بالويل و الثبور إذا انا هلكت!قال:ثم جاء بها حتى اجلسها عندي و خرج إلى أصحابه،فأمرهم ان يقربوا بعض بيوتهم من بعض و ان يدخلوا الاطناب بعضها في بعض،و ان يكونوا هم بين البيوت،إلا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم (1).

رواية أخرى في المقام

و روي من طريق آخر:أنه كان في الخيمة الإمام زين العابدين و العقيلة زينب، أما الإمام زين العابدين فلما سمع كلام أبيه عرف ما أراد فخنقته العبرة،و لزم السكوت و علم أن البلاء قد نزل-حسبما يقول-و أما عقيلة بني هاشم فإنها لما سمعت هذه الأبيات أحست أن شقيقها و بقية أهلها عازمون على الموت و مصممون على الشهادة فأمسكت قلبها في ذعر،و وثبت و هي تجر ذيلها،و قد فاضت عيناها بالدموع،فقالت لأخيها بنبرات لفظت فيها شظايا قلبها.

«وا ثكلاه!وا حزناه!ليت الموت أعدمني الحياة،يا حسيناه،يا سيداه،يا بقية أهل بيتاه،استسلمت،و يئست من الحياة،اليوم مات جدي رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أمي فاطمة

ص: 65


1- معالم المدرستين للعسكري:92/3.

الزهراء و أبي علي و أخي الحسن،يا بقية الماضين و ثمال الباقين».

فقال الإمام لها بحنان:

«يا أخية لا يذهبن بحلمك الشيطان».

و انبرت العقيلة إلى أخيها و هي شاحبة اللون قد مزق الأسى قلبها الرقيق المعذب فقالت له بأسى و التياع:

«اتغتصب نفسك اغتصابا،فذاك أطول لحزني و أشجى لقلبي».

و لم تملك صبرها بعد ما أيقنت أن شقيقها مقتول،فعمدت إلى جيبها فشقته، و لطمت وجهها،و خرت على الأرض فاقدة لوعيها و شاركتها النسوة في المحنة القاسية،و صاحت السيدة أم كلثوم:

«وا محمداه،وا علياه،وا أماه،وا حسيناه،وا ضيعتاه بعدك».

و أثر المنظر الرهيب في نفس الإمام فذاب قلبه الزاكي أسى و حسرات و تقدم إلى السيدات من بنات الوحي فجعل يأمرهن بالخلود إلى الصبر و التحمل لأعباء هذه المحنة الكبرى قائلا:

«يا أختاه،يا أم كلثوم،يا فاطمة،يا رباب،انظرن إذا قتلت فلا تشققن علي جيبا و لا تخمشن وجها،و لا تقلن هجرا».

لقد عانى الإمام العظيم ألوانا قاسية و مذهلة من المحن و الخطوب كانت بقدر إيمانه بالله فلم يكد يفرغ من محنة حتى يواجهه سيل من المحن الكبرى التي لا يطيقها أي إنسان (1).3.

ص: 66


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:116/3.

إحياء أهل البيت و الأصحاب الليل بالعبادة

و روى عن الضحاك بن عبد اللّه المشرقي قال:فلما امسى حسين و أصحابه، قاموا الليل كله يصلون،و يستغفرون،و يدعون،و يتضرعون،قال:فتمر بنا خيل لهم،تحرسنا،و ان حسينا ليقرأ:و لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما و لهم عذاب مهين،ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب.فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا،فقال:نحن و رب الكعبة الطيبون!ميزنا منكم!قال فعرفته فقلت لبرير بن حضير:تدري من هذا؟

قال:لا،قلت:هذا أبو حرب السبيعي عبد اللّه بن شهر،و كان مضحاكا بطالا و كان شريفا،شجاعا فاتكا،و كان سعيد بن قيس ربما حبسه في جناية،فقال له برير بن حضير:يا فاسق أنت يجعلك اللّه في الطيبين؟

فقال له:من أنت؟

قال:أنا برير بن حضير،قال:إنا للّه عز علي!هلكت و اللّه!هلكت و اللّه يا برير،قال:

يا أبا حرب هل لك ان تتوب إلى اللّه من ذنوبك العظام؟!فو اللّه انا لنحن الطيبون، و لكنكم لأنتم الخبيثون،قال:و أنا على ذلك من الشاهدين قلت:ويحك!أفلا ينفعك معرفتك؟

قال:جعلت فداك فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزي من عنز بن وائل،قال:ها هو ذا معي،قال:قبح اللّه رأيك على كل حال.

أنت سفيه!قال:ثم انصرف عنا و كان الذي يحرسنا بالليل في الخيل عزرة بن

ص: 67

قيس الأحمسي و كان على الخيل (1).

الإمام يكشف مكيدة أهل الكوفة

و كشف الإمام عليه السّلام لأصحابه مكيدة أهل الكوفة له في رسائلهم التي بعثوها إليه بالقدوم لمصرهم قائلا:

«ما كتب إلي من كتب إلا مكيدة لي،و تقربا لابن معاوية».

إن الرسائل التي كتبها أكثر أهل الكوفة إنما كانت بإيعاز من يزيد لأجل أن يقدم الإمام إليهم فيقتلوه،و ما كتبوا إليه من إيمان بعدالة قضيته.

مع محمد بن بشير

و من بين أصحاب الإمام الذين بلغوا أعلى المستويات في الإيمان محمد بن بشير الحضرمي،و قد بلغه أن ابنه قد أسر بثغر الري،فقال:ما أحب أن يؤسر،و أنا أبقى بعده حيا،و استشعر الإمام من هذه الكلمات رغبته في انقاذ ابنه من الأسر فأذن له في التخلي عنه قائلا:أنت في حل فاعمل في فكاك ولدك و اندفع البطل العظيم يعلن تصميمه الصادق على ملازمة الإمام و الفداء في سبيله قائلا:

«أكلتني السباع حيا ان فارقتك..».

أليس هذا أصدق مثل للإيمان العميق و الفداء الرائع في سبيل الإمام لقد أحبوه و أخلصوا له،و استهانوا بالموت من أجله.

ص: 68


1- معالم المدرستين للعسكري:88/3-92.

انهزام فراس المخزومي

و فراس بن جعدة المخزومي كانت له رحم ماسة مع الإمام فإن أباه جعدة أمه أم هانى بنت أبي طالب،و كان ممن كاتب الحسين بالثورة على الأمويين أيام معاوية،و قد التحق بالإمام في مكة و سايره في هذه المدة حتى انتهى إلى العراق إلا أنه لما رأى صعوبة الأمر و تضافر الجيوش على حرب الإمام هاله الأمر،و جبن عن الحرب،و استولى عليه الرعب و الخوف،و قد أدرك الإمام اضطرابه فأذن له في الانصراف،فانهزم في جنح الليل البهيم و لم يحظ بالشهادة،كما أن قوما آخرين قد انهزموا و لم يفوزوا بنصرة الإمام.

ص: 69

الإمام لا يأذن بالشهادة لمن كان عليه دين

و روى الطبراني أن الإمام أمر مناديا ينادي في أصحابه«لا يقتل معنا رجل و عليه دين»فقام إليه رجل من أصحابه فقال له:

«إن علي دينا و قد ضمنته زوجتي».

فقال عليه السّلام:و ما ضمان امرأة؟لقد أراد الإمام أن يكون المستشهد بين يديه متحرجا في دينه خالي الذمة من حقوق الناس و أموالهم،إلا أنه هنا اشكالا فقد أنكر الإمام ضمان المرأة لما في ذمة زوجها من دين،و الحال أن القواعد الفقهية مجمعة على صحة ضمان المرأة للأموال و غيرها و مساواتها للرجل في هذه الجهة،و فيما نحسب أن الجملة الأخيرة من الموضوعات،فقد ذكر البلاذري الخبر إلا أنه لم يذكر قول الرجل إن علي دينا و قد ضمنته زوجتي (1).

ص: 70


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:115/3.

التخطيط العسكري ليلة العاشر

و وضع الإمام أرقى المخططات العسكرية و أدقها في ذلك العصر فنظم جبهته تنظيما رائعا،و أحاط معسكره بكثير من الحماية،فقد خرج في غلس الليل البهيم، و كان معه نافع بن هلال،فجعل يتفقد التلاع و الروابي و ينظر إليها بدقة مخافة أن تكون مكمنا لهجوم الأعداء حين الحرب،و قد أمر أصحابه بصنع ما يلي:

أولا-مقاربة البيوت بعضها من بعض،بما في ذلك بيوت الهاشميين و الأصحاب،و فيما نحسب أنها كانت عدة صفوف من كل جهة لا صفا واحدا،و إنما صنع ذلك لئلا يكون هناك مجال لتسرب العدو و تخلله من بينها.

ثانيا-حفر خندق من الخلف محيط بخيم أهله و عياله،و ملئه بالحطب،لإشعال النار فيه وقت الحرب و إنما أمر بذلك لما يلي:

أ-أن تكون عوائلكم في مأمن من العدو أثناء العمليات الحربية فإنه لا يتمكن من اقتحام النار و الهجوم عليها.

ب-استقبال العدو من جهة واحدة،و عدم تعدد الجبهات القتالية نظرا لقلة أصحاب الإمام،و لو لا هذا التدبر لأحاط بهم العدو من الجهات الأربع و قضى عليهم في فترة و جيزة،و ما طالت الحرب يوما كاملا.

هذه بعض المخططات التي اتخذها الإمام عليه السّلام و هي تدل على مدى إحاطته التامة في التنظيمات العسكرية و وقوفه على دقائقها.

ص: 71

استبشار أصحاب الإمام

و استبشر أصحاب الإمام بالشهادة بين يدي ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و قد حدث المؤرخون عنهم بما يبهر العقول،فهذا حبيب بن مظاهر خرج إلى أصحابه و هو يضحك قد غمرته الأفراح فأنكر عليه يزيد بن الحصين التميمي قائلا:

«ما هذه ساعة ضحك؟!».

فأجابه حبيب عن ايمانه العميق قائلا:

«أي موضع أحق من هذا بالسرور؟!و الله ما هو إلا أن تميل علينا هذه الطغاة بسيوفهم فنعانق الحور العين».

و داعب برير عبد الرحمن الأنصاري فاستغرب منه و قال له:

«ما هذه ساعة باطل!!».

فأجابه برير:

«لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلا و لا شابا،و لكني مستبشر بما نحن لاقون،و الله ما بيننا و بين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم،و وددت انهم مالوا علينا الساعة».

و ليس في أسرة شهداء العالم مثل هذا الإيمان الذي تفجر عن براكين هائلة من اليقين و المعرفة و صدق النية،و عظيم الإخلاص..لقد استبشروا بالفوز في جنان الخلد مع النبيين و الصديقين،و أيقنوا أنهم يموتون أهنأ موتة و أعظمها في تأريخ البشرية في جميع الأجيال و الآباد (1).

ص: 72


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:118/3.

سخرية الشمر بالإمام

و كان الإمام يصلي،و قد أشرف عليه الخبيث الدنس شمر بن ذي الجوشن فسمعه يقرأ في صلاته قوله تعالى:

وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ ما كانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (1) فجعل الشمر يهزأ بالإمام، و اندفع رافعا صوته.

رؤيا الإمام الحسين عليه السلام

و خفق الإمام الحسين خفقة بعدما أعيته الآلام المرهقة،فاستيقظ،و التفت إلى أصحابه و أهل بيته فقال لهم:

-أتعلمون ما رأيت في منامي؟

-ما رأيت يابن رسول الله؟

-رأيت كأن كلابا قد شدت علي تناشبني و فيها كلب أبقع أشدها علي،و أظن الذي يتولى قتلي رجل أبرص من هؤلاء القوم...

ص: 73


1- آل عمران:178-179.

ثم إني رأيت جدي رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و معه جماعة من أصحابه،و هو يقول لي:يا بني أنت شهيد آل محمد،و قد استبشرت بك أهل السماوات و أهل الصفيح الأعلى، فليكن إفطارك عندي الليلة،عجل و لا تؤخر هذا ما رأيت و قد أزف الأمر و اقترب الرحيل من هذه الدنيا.

و خيم على أهل بيته و أصحابه حزن عميق،و أيقنوا بنزول الرزء القاصم و اقتراب الرحيل عن هذه الحياة (1).

فزع عقائل الوحي

و فزعت عقائل الوحي كأشد ما يكون الفزع،فلم يهدأن في تلك الليلة الخالدة في دنيا الأحزان،و قد طافت بهن تيارات من الهواجس و الأفكار،و تمثل أمامهن المستقبل الملبد بالكوارث و الخطوب،فماذا سيجري عليهن بعد مفارقة الحماة من أبناء الرسول صلّى اللّه عليه و اله؟و هن في دار غربة قد أحاط بهن الأعداء الجفاة،و خلدن إلى البكاء و العويل و الابتهال إلى الله لينقذهن من هذه المحنة التي تقصم الأصلاب.

و أما أعداء أهل البيت عليهم السّلام فقد باتوا و هم في شوق إلى إراقة تلك الدماء الزكية ليتقربوا بها إلى ابن مرجانة و كانت الخيل تدور وراء معسكر الحسين و عليها عزرة بن قيس الأحمسي خوفا من أن يفوت الحسين من قبضتهم أو يلتحق بمعسكره أحد من الناس.

ص: 74


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:119/3.

تطيب الإمام و حنوطه

و استعد الإمام هو و أصحابه إلى لقاء الله،و وطنوا نفوسهم على الموت،و قد أمر عليه السّلام بفسطاط فضرب له،و أتي بجفنة فيها مسك،كما أتي بالحنوط،و دخل الفسطاط فتطيب و تحنط،ثم دخل من بعده برير فتطيب و تحنط،و هكذا فعل جميع أصحابه استعدادا للموت و الشهادة في سبيل الله (1).

ص: 75


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:120/3.

أحداث يوم عاشوراء من المحرم

اشارة

و ما طلع فجر في سماء الدنيا كفجر اليوم العاشر من المحرم في مآسيه و أحزانه،و لا أشرقت شمس كتلك الشمس في كآبتها و آلامها...فليس هناك حادث في التأريخ يفوق في كوارثه و آلامه تلك المشاهد الحزينة التي تم تمثيلها يوم عاشوراء على صعيد كربلاء،فلم تبق محنة من محن الدنيا و لا غصة من غصص الدهر إلا جرت على ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله يقول الإمام زين العابدين عليه السّلام:

«ما من يوم أشد على رسول الله صلّى اللّه عليه و اله من يوم أحد قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله،و أسد رسوله،و بعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب،ثم قال:و لا يوم كيوم الحسين ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب إلى الله تعالى بدمه،و هو بالله يذكرهم فلا يتعظون حتى قتلوه بغيا و ظلما و عدوانا».

و بدأ الإمام العظيم في فجر اليوم العاشر بالصلاة،و كان فيما يقول المؤرخون قد تيمم هو و أصحابه للصلاة نظرا لعدم وجود الماء عندهم و قد ائتم به أهله و صحبه و قبل أن يتموا تعقيبهم دقت طبول الحرب من معسكر ابن زياد،و اتجهت فرق من الجيش و هي مدججة بالسلاح تنادي بالحرب أو النزول على حكم ابن مرجانة.

دعاء الإمام

و خرج أبي الضيم فرأى البيداء قد ملئت خيلا و رجالا،و قد شهرت السيوف

ص: 76

و الرماح،و هم يتعطشون إلى إراقة دمه و دماء البررة من أهل بيته و أصحابه لينالوا الأجر الزهيد من ابن مرجانة فدعا عليه السّلام بمصحف فنشره على رأسه،و أقبل على الله يتضرع إليه قائلا:

«اللّهم أنت ثقتي في كل كرب،و رجائي في كل شدة،و أنت لي في كل أمر نزل بي ثقة و عدة،كم من هم يضعف فيه الفؤاد،و تقل فيه الحيلة،و يخذل فيه الصديق،و يشمت فيه العدو،أنزلته بك و شكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته و كشفته و كفيته، فأنت و لي كل نعمة و صاحب كل حسنة و منتهى كل رغبة».

و يلمس في هذا الدعاء مدى إيمانه العميق فقد أناب إلى الله و أخلص له في جميع مهامه فهو وليه،و الملجأ الذي يلجأ إليه في كل نازلة نزلت به (1).

إشعال النار في الخندق

و أمر الإمام في أول الصبح بإشعال النار في الخندق الذي كان محيطا بخيم النساء ليحميها من هجوم الخيل،كي لا تتعدد عليهم جبهات القتال و تنحصر في جهة واحدة.

هرير الممسوخين
اشارة

و لما اشتعلت النار في الخندق اشتد بعض الممسوخين من معسكر ابن سعد نحو الإمام كأنهم الكلاب،و قد رفعوا أصواتهم بهرير منكر،و من بينهم:

ص: 77


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:121/3.
1-شمر بن ذي الجوشن

و أقبل الخبيث الدنس شمر بن ذي الجوشن على معسكر الإمام فرفع صوته:

«يا حسين تعجلت بالنار؟».

فرد عليه الإمام«أنت تقول هذا يابن راعية المعزى؟أنت و الله أولى بها صليا».

و رام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم إلا أن الإمام نهاه و قال:إني أكره أن أبدأهم بقتال.

2-محمد بن الأشعث

و اشتد الوضر الخبيب محمد بن الأشعث نحو الإمام و هو ينادي:

«يا حسين أنت الساعة ترد جهنما».

فأجابه الإمام:لعنك الله و لعن أباك و قومك يابن المرتد الفاجر عدو الله و رسوله و المسلمين.

3-عبد الله بن حوزة

و اندفع الوغد عبد الله بن حوزة إلى معسكر الإمام،و صاح:«ابشر يا حسين بالنار».

فرد عليه الإمام كلامه:اني أقدم على رب رحيم،و شفيع مطاع،و سأل عنه فقيل له إنه ابن حوزة فرفع يديه بالدعاء و قال:(حازه الله إلى النار)فاضطرب به فرسه في جدول فتعلقت رجله بالركاب و سقط إلى الأرض،و قد نفر به الفرس فجعل

ص: 78

يضرب رأسه بالأحجار و أصول الأشجار حتى هلك.و قيل ألقته فرسه في النار المشتعلة بالخندق فاحترق بها،و لما رأى الإمام سرعة استجابة دعائه رفع صوته قائلا:

«اللّهم إنا أهل بيت نبيك و ذريته فاقصم من ظلمنا و غصبنا حقنا إنك سميع قريب».

و لما رأى ذلك مسروق بن وائل الحضرمي و كان يحدث نفسه بقتل الإمام لينال الجائزة من ابن مرجانة ندم على ما فكر به و علم أن لأهل البيت حرمة و مكانة عند الله،فترك المعركة و انهزم مخافة غضب الله.

ص: 79

التعبئة العامة في المعسكرين

و قام كلا المعسكرين بتعبئة عامة،فعبأ الإمام أصحابه و كانوا اثنين و ثمانين فارسا و راجلا و جعل زهير بن القين في الميمنة،و حبيب بن مظاهر في الميسرة، و ثبت هو و أهل بيته في القلب و أعطى رايته إلى أخيه و عضده أبي الفضل العباس و عبأ ابن سعد جيشه فجعل على ربع أهل المدينة عبد الله بن زهير الأزدي،و على ربع ربيعة و كندة قيس بن الأشعث،و على ربع مذحج و أسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي،و على ربع بني تميم و همدان الحر بن يزيد الرياحي و جعل على ميمنة جيشه عمرو بن الحجاج الزبيدي و على ميسرته شمر بن ذي الجوشن، و على الخيل عروة بن قيس الأحمسي و على الرجالة شبث بن ربعي و أعطى الراية دريدا مولاه و بذلك فقد استعد كلا المعسكرين للحرب و القتال.

الاحتجاجات الصارمة

اشارة

و رأى الإمام مع أعلام أصحابه أن يقيموا الحجة على أهل الكوفة ليكونوا على بينة من أمرهم و بصيرة على ما قدموا عليه من إثم تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا و قد اعذروا في الدعاء و منحوا النصيحة لإنقاذ أولئك الممسوخين من خطر الجريمة التي تؤدي بهم إلى النار.

ص: 80

خطبة الإمام

و قال القرشي:و دعا الإمام براحلته فركبها،و اتجه نحو معسكر ابن سعد،و هو بتلك الهيبة التي تحكي هيبة جده الرسول،فخطب فيهم خطابه التأريخي الذي هو من أبلغ و أروع ما أثر في الكلام العربي،و قد نادى بصوت عال يسمعه جلهم:

«أيها الناس:اسمعوا قولي و لا تعجلوا حتى أعظكم بما هو حق لكم علي،و حتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم فإن قبلتم عذري،و صدقتم قولي،و اعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد،و لم يكن لكم علي سبيل،و إن لم تقبلوا مني العذر و لم تعطوا النصف من أنفسكم فاجمعوا أمركم و شركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة،ثم اقضوا إلي و لا تنظرون ان ولي الله الذي نزل الكتاب و هو يتولى الصالحين».

و نقل الأثير كلماته إلى السيدات من عقائل النبوة و حرائر الوحي فتصارخن بالبكاء،و ارتفعت أصواتهن،فبعث إليهن أخاه العباس و ابنه عليا،و قال لهما:

سكتاهن فلعمري ليكثر بكاؤهن.

و لما سكتن استرسل في خطابه فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي صلّى اللّه عليه و اله و على الملائكة و الأنبياء،و قال في ذلك ما لا يحصى ذكره و لم يسمع لا قبله و لا بعده أبلغ منه في منطقه و قال:

«أيها الناس:إن الله تعالى خلق الدنيا فجعلها دار فناء و زوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال،فالمغرور من غرته،و الشقي من فتنته،فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها،و تخيب طمع من طمع فيها،و أراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم،و أعرض بوجهه الكريم عنكم،و أحل بكم نقمته،فنعم الرب ربنا،و بئس العبيد أنتم أقررتم بالطاعة،و آمنتم بالرسول محمد صلّى اللّه عليه و اله ثم إنكم زحفتم إلى ذريته و عترته تريدون قتلهم،لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم،فتبا لكم و لما

ص: 81

تريدون،إنا لله و إنا إليه راجعون،هؤلا قوم كفروا بعد إيمانهم فبعدا للقوم الظالمين».

لقد وعظهم بهذه الكلمات التي تمثل هدي النبوة،و محنة الأنبياء في أممهم، فحذرهم من فتنة الدنيا و غرورها،و دلل على عواقبها الخاسرة و أهاب بهم من الإقدام على قتل عترة نبيهم فإنهم بذلك يخرجون من الإسلام إلى الكفر، و يستوجبون عذاب الله الخالد،و سخطه الدائم،ثم استرسل عليه السّلام في خطابه فقال:

«أيها الناس:انسبوني من أنا؟ثم ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها و انظروا هل يحل لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟!ألست ابن بنت نبيكم و ابن وصيه و ابن عمه؟ و أول المؤمنين بالله و المصدق لرسوله بما جاء من عند ربه؟أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟أو ليس جعفر الطيار عمي أو لم يبلغكم قول رسول الله صلّى اللّه عليه و اله لي و لأخي:«هذان سيدا شباب أهل الجنة»فإن صدقتموني بما أقول و هو الحق،و الله ما تعمدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله،و يضر به من اختلقه،و ان كذبتموني فإن فيكم من إذا سألتموه أخبركم.سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري و أبا سعيد الخدري،و سهل بن سعد الساعدي،و زيد بن أرقم و أنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلّى اللّه عليه و اله لي و لأخي أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟».

لا أعرف خطابا أرق و لا أبلغ من هذا الخطاب،فأي خطيب مهما كان يتمتع برائع البيان فإنه ليعجز عن الكلام في مثل هذا الموقف الرهيب الذي تخرس فيه الأسود، و تحجم فيه الأبطال...و كان خليقا بهذا الخطاب أن يرجع إليهم حوازب أحلامهم، و يحدث انقلابا فكريا و عمليا في صفوفهم لقد دعاهم لأن يرجعوا إلى نفوسهم و عقولهم لو كانوا يملكونها ليمعنوا النظر في شأنه،فهو حفيد نبيهم و ابن وصيه، و ألصق الناس و أمسهم رحما به،و هو سيد شباب أهل الجنة،و في ذلك حصانة له من سفك دمه و انتهاك حرمته،إلا أن ذلك الجيش لم يع هذا المنطق الفياض فقد خلد إلى الجريمة،و استولى على قلوبهم زيغ قائم من الضلال فأنساهم ذكر الله.

ص: 82

و انبرى إليه الرجس الخبيث شمر بن ذي الجوشن و هو ممن غرق في الإثم فقال له:

«و هو يعبد الله على حرف ان كان يدري ما تقول؟».

و ما كان مثل ذلك الضمير المتحجر الذي ران عليه الباطل أن يعي منطق الإمام أو يفهم مقالته،و تصدى لجوابه حبيب بن مظاهر فقال له:

«و الله إني أراك تعبد الله على سبعين حرفا،و أنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول:قد طبع الله على قلبك»و استمر الإمام في خطابه فقال:

«فإن كنتم في شك من هذا القول،أفتشكون أني ابن بنت نبيكم فو الله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم،و يحكم اتطلبونني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة».

و زلزلت الأرض تحت أقدامهم،و غدوا حيارى لا يملكون جوابا لرده فهم لا يشكون أنه ابن بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و ريحانته،و انهم لا يطلبونه بقتيل قتله و لا بمال استهلكه منهم.ثم نادى الإمام قادة الجيش الذين دعوه برسائلهم للقدوم إلى الكوفة،فقال:

«يا شبث بن ربعي،و يا حجار بن ابجر،و يا قيس بن الأشعث و يا زيد بن الحرث،ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار و اخضر الجناب و إنما تقدم على جند لك مجندة».

و لم تخجل تلك النفوس من خيانة العهد،و حنث الايمان فأجابوه مجمعين على الكذب:

«لم نفعل».

و استغرب الإمام منهم ذلك فقال لهم:

«سبحان الله!!بلى و الله لقد فعلتم».

و اعرض الإمام عنهم و وجه خطابه إلى جميع قطعات الجيش فقال لهم:

«أيها الناس:إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض».

ص: 83

فانبرى إليه قيس بن الأشعث و هو ممن عرف بالغدر و النفاق،و قد خلع كل شرف و حياء،و حسبه أنه من أسرة لم تنجب شريفا قط فقال له:

«أو لا تنزل على حكم بني عمك؟فإنهم لن يروك إلا ما تحب،و لن يصل إليك منهم مكروه».

فأجابه الإمام:

«أنت أخو أخيك؟أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟لا و الله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل و لا أفر فرار العبيد عباد الله إني عذت بربي و ربكم أن ترجمون أعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب».

تزول المماليك و تدول الدول،و هذه الكلمات أحق بالبقاء و أجدر بالخلود من كل شيء فقد مثلت عزة الحق،و منعة الأحرار و شرف الاباة.

و من المؤسف أنه لم تنفذ هذه الكلمات النيرة إلى قلوبهم فقد أقفل الجهل جميع أبواب الفهم في نفوسهم خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ (1)، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (2)،لقد اعرضوا اعراضا تاما عن دعوة الإمام فلم يحفلوا بها،و صدق الله تعالى إذ يقول: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (3). (4).4.

ص: 84


1- البقرة:7.
2- الفرقان:44.
3- النمل:80.
4- حياة الإمام الحسين للقرشي:67/3-124.
خطبة الإمام الحسين في كربلاء

و قال في البحار:كان ذلك اليوم يوم الخميس و هو الثاني من المحرّم سنة إحدى و ستّين فقام الحسين عليه السّلام خطيبا في أصحابه و قال:إنّه قد نزل من الأمر ما ترون و أنّ الدّنيا تغيّرت و تنكّرت و أدبر معروفها و إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة،فقام زهير بن القين و قال:يابن رسول اللّه لو كانت الدّنيا لنا باقية لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها و تكلّم أصحابه عليه السّلام مثل كلام زهير فساروا مع الحرّ حتّى نزلوا كربلاء في اليوم الثاني من المحرّم و قال:هذه أرض كرب و بلاء فبكى ساعة،و قال:

اللّهمّ إنّا عترة نبيّك و قد أخرجنا و طردنا و أزعجنا عن حرم جدّنا و تعدّت بنو اميّه علينا ثمّ قال هذه الأرض مناخ ركابنا و محطّ رحالنا و مقتل رجالنا و سفك دمائنا، و كتب الحرّ إلى ابن زياد:إنّ الحسين نزل كربلاء فأرسل عمر بن سعد في أربعة آلاف فارس فنزل نينوى و أرسل إلى الحسين عليه السّلام:ما الذي أتى بك؟

فقال:كتبكم،فإذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم،ثمّ إنّ ابن زياد أرسل إليه الخيل و الرجال حتّى تكاملت عنده ثلاثون ألفا فنزلوا على شاطئ الفرات و حالوا بينه و أصحابه و بين الماء و أضرّ العطش بأصحاب الحسين فأخذ عليه السّلام فأسا و حفر فنبعت عين من الماء فشربوا بأجمعهم و غارت العين و بلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلى ابن سعد أن امنعهم حفر الآبار و لا تدعهم يذوقوا الماء.فبعث عمرو بن الحجّاج في خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة و حالوا بين الحسين و بين الماء و ذلك قبل قتل الحسين عليه السّلام بثلاثة أيّام و نادى ابن حصين:يا حسين ألا تنظرون إلى الماء كأنّه كبد السماء و اللّه لا تذوقون منه قطرة حتّى تموتوا عطشا.

ص: 85

فقال الحسين عليه السّلام:اللّهم اقتله عطشا،قال حميد بن مسلم:و اللّه لقد رأيته بعد ذلك يشرب الماء ثمّ يقيئه و يصيح العطش العطش و هكذا حتّى خرجت روحه و لمّا رأى الحسين عليه السّلام نزول العساكر مع ابن سعد أرسل إليه:اريد أن ألقاك فاجتمعا و تناجيا طويلا ثمّ رجع ابن سعد إلى مكانه و كتب إلى ابن زياد:هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى أو إلى أحد الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم.

فلمّا قرأ الكتاب قال:هذا كتاب ناصح مشفق على قومه فقام إليه شمر فقال:لئن رحل الحسين من بلادك ليكوننّ قويّا و أنت ضعيف فلا تعطه هذه المنزلة و لكن ينزل على حكمك،فقال ابن زياد:نعم ما رأيت فكتب إلى ابن سعد:لم أبعثك إلى الحسين لتمنّيه السلامة و لا لتكون له عندي شفيعا أنظر إن نزل حسين على حكمي فابعث به إليّ سالما و إن أبى فاقتله و أصحابه و مثّل بهم فإن قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره و ظهره فإنّه عات ظلوم فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع و إن أبيت فاعتزل و خل بين شمر و بين العسكر فأقبل شمر بكتاب ابن زياد إلى ابن سعد.

فلمّا قرأ الكتاب قال:لا قرّب اللّه دارك و اللّه إنّي لأظنّك نهيته عمّا كتبت به إليه و اللّه لا يبايع الحسين؛إنّ نفس أبيه بين جنبيه فقال له الشمر:إن لم تمض لأمر أميرك و إلاّ فخلّ بيني و بين الجند،قال:لا و كرامة لك و لكن أنا أتولّى ذلك و دونك فكن على الرجّالة،و جاء شمر حتّى وقف على أصحاب الحسين فقال:أين بنو اختنا فخرج إليه جعفر و العبّاس و عثمان بنو عليّ فقال لهم:أنتم يا بني اختي آمنون فقالوا له:

لعنك اللّه و لعن إمامك أتؤمننا و ابن رسول اللّه لا أمان له.

ثمّ نادى ابن سعد:يا خيل اللّه اركبي فرجف الناس إليهم بعد العصر و الحسين عليه السّلام جالس أمام بيته محتب بسيفه فخفق برأسه على ركبتيه و سمعت اخته الصيحة فدنت من أخيها و قالت:يا أخي ما تسمع هذه الأصوات؟

ص: 86

فرفع الحسين عليه السّلام رأسه فقال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الساعة في المنام و هو يقول:إنّك تروح إلينا غدا فلطمت وجهها و نادت بالويل،فقال الحسين عليه السّلام للعبّاس إمض إليهم و أخّرهم إلى غد لعلّنا نصلّي لربّنا هذه الليلة و ندعوه و نستغفره، فمضى إليهم و أجّلوه إلى غد فجمع أصحابه عند المساء فقال لهم:إنّي أذنت لكم فانطلقوا في حلّ هذا الليل قد غشيكم فقالوا:نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا اللّه ذلك أبدا،بدأهم بذلك العبّاس ثمّ قام إليه ابن عوسجة فقال:لو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة و لو علمت أنّي اقتل ثمّ احيا ثمّ احرق ثمّ احيا ثمّ اذرّى يفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك فكيف لا أفعل ذلك و إنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها،و تكلّموا مثل كلامه فجزاهم الحسين عليه السّلام خيرا و انصرف إلى منزله.

و قيل لبشر بن محمد الحضرمي في تلك الحال قد أسر ابنك بثغر الريّ فقال عند اللّه أحتسبه و نفسي فسمع الحسين عليه السّلام قوله فقال له:أنت في حلّ من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك فقال:أكلتني السباع حيّا إن فارقتك فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار لفكاك ابنه و بات الحسين عليه السّلام و أصحابه تلك الليلة و لهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع و ساجد و قائم و قاعد فلمّا كان الغداة أمر الحسين عليه السّلام بفسطاط فضرب و أمر بجفنة فيها مسك كثير فجعل فيها نورة ثمّ دخل ليطلي و أصحابه بعده فجعل برير يضاحك عبد الرحمن الأنصاري فقال له عبد الرحمن:ما هذه ساعة ضحك، فقال:إنّما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه فو اللّه ما هو إلاّ نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم ساعة ثمّ نعانق الحور العين.

و قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:إنّي جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها فدخل أبي في خباء له يعالج سيفه و يصلحه و يقول شعرا:

يا دهر اف لك من خليل كم لك في الإشراق و الأصيل

من طالب و صاحب قتيل و الدهر لا يقنع بالبديل

ص: 87

و إنّما الأمر إلى الجليل و كلّ حيّ سالك سبيلي

فعلمت ما أراد فخنقتني العبرة و علمت أنّ البلاء قد نزل،و أمّا عمّتي زينب فلم تملك نفسها فمشت تجرّ ثوبها حتّى انتهت إليه و قالت:وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت امّي فاطمة و أبي علي و أخي الحسن يا خليفة الماضي و ثمال الباقي.

فقال لها:يا اختاه لا يذهبن حلمك الشيطان و ترقرقت عيناه بالدموع و قال:لو ترك القطا لنام،فقالت:يا ويلتاه تغصب نفسك اغتصابا،ثمّ لطمت وجهها و شقّت جيبها و خرّت مغشيّة عليها فصبّ الحسين عليه السّلام على وجهها الماء و قال:يا اختاه اعلمي أنّ أهل الأرض يموتون و أهل السماء لا يبقون و أنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجهه ثمّ قال:أقسم عليك إذا أنا قتلت فلا تشقّي عليّ جيبا و لا تخمشي عليّ وجها ثمّ خرج إلى أصحابه و أمرهم أن يقرّبوا بين بيوتهم و أن يشدّوا الأطناب بعضها في بعض ليقاتلوا القوم من وجه واحد،فلمّا كان وقت السحر خفق برأسه خفقة ثمّ استيقظ فقال:رأيت كأنّ كلابا شدّت عليّ لتنهشني و فيها كلب أبقع رأيته أشدّ عليّ و أظنّ أنّ الذي يتولّى قتلي رجل أبرص،ثمّ رأيت بعد ذلك جدّي في جماعة من أصحابه و هو يقول:يا بني أنت شهيد آل محمّد و قد استبشر بك أهل السماوات فليكن إفطارك عندي الليلة عجّل و لا تؤخّر فهذا ملك نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء فهذا ما رأيت و قد اقترب الرحيل من هذه الدّنيا فأصبح فعبّأ أصحابه بعد صلاة الغداة و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا.

و في رواية اخرى اثنان و ثمانون راجلا.

و عن الباقر عليه السّلام:كانوا خمسة و أربعين فارسا و مائة راجل فكان زهير بن القين في الميمنة و حبيب بن مظاهر في الميسرة و على رايته العبّاس و أصبح ابن سعد في ذلك اليوم و هو يوم الجمعة،و قيل:يوم السبت و عبّأ أصحابه و كان على الميمنة عمرو بن الحجّاج و على الميسرة شمر بن ذي الجوشن.

ص: 88

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام لمّا أقبلت الخيل على الحسين عليه السّلام رفع يديه و قال:

اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب و رجائي في كلّ شدّة و أنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة و عدّة كم من كرب يضعف عنه الفؤاد و تقلّ فيه الحيلة و يخذل فيه الصديق و يشمت به العدوّ أنزلته لديك و شكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك ففرّجته و كشفته فأنت وليّ كلّ نعمة و صاحب كلّ حسنة و منتهى كلّ رغبة،فأقبل القوم يجولون حول الحسين عليه السّلام و تقدّم الحسين عليه السّلام إلى القوم فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّهم السيل و قال:أمّا بعد فانسبوني و انظروا من أنا ثمّ راجعوا أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يحلّ لكم قتلي ألست ابن نبيّكم و ابن وصيّه أما بلغكم قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فيّ و في أخي هذان سيّدا شباب أهل الجنّة،و يحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته؟ألم تكتبوا إليّ؟

فقال له قيس بن الأشعث:ما يقول؟

فقال عليه السّلام في خطبة خطبها في ذلك الموقف:اللّهم احبس عنهم قطر السماء و ابعث عليهم سنينا كسنيّ يوسف،و سلّط عليهم غلام ثقيف لا يدع أحدا منهم إلاّ قتله ينتقم لي و لأوليائي،يابن سعد تقتلني تزعم أن يولّيك الدعيّ بن الدّعي بلاد الري و جرجان و اللّه لا تهنأ بذلك أبدا عهدا معهودا و لكأنّي برأسك على قصبة قد نصبت بالكوفة يتراماه الصبيان و يتّخذونه هدفا فاغتاظ من كلامه ثمّ نادى ما تنتظرون به إحملوا بأجمعكم إنّما هم أكلة واحدة،ثمّ نادى ابن سعد:يا دريد أدن رايتك فأدناها ثمّ وضع سهما في كبد قوسه ثمّ رمى و قال:إشهدوا إنّي أوّل من رمى الحسين و أصحابه.

فرمى أصحابه كلّهم فما بقي من أصحاب الحسين أحد إلاّ أصابه من سهامهم و قتل في هذه الحملة خمسون رجلا ثمّ صاح الحسين:أما من مغيث يغيثنا لوجه اللّه،أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللّه،ثمّ تبارزوا و كان كلّ من خرج من أصحاب الحسين عليه السّلام و دّعه و قال:السلام عليك يابن رسول اللّه،فيقول له:و عليك السلام

ص: 89

و نحن خلفك و يقرأ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (1). (2).

خطاب زهير

قال القرشي:و انبرى زهير بن القين فألقى عليهم خطابه الحافل بالنصيحة و الإرشاد لهم قائلا:

«يا أهل الكوفة:أنذركم من عذاب الله،إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم، و نحن حتى الآن أخوة على دين واحد ما لم يقع بيننا و بينكم السيف،و أنتم للنصيحة منا أهل،فإذا وقع السيف انقطعت العصمة و كنا أمة و أنتم أمة،إن الله ابتلانا و إياكم بذرية نبيه محمد صلّى اللّه عليه و اله لينظر ما نحن و أنتم عاملون،إنا ندعوكم إلى نصرهم و خذلان الطاغية يزيد،و عبيد الله بن زياد فإنكم لا تدركون منهما إلا سوء عمر سلطانهما،يسملان أعينكم،و يقطعان أيديكم و أرجلكم،و يمثلان بكم، و يرفعانكم على جذوع النخل،و يقتلان أماثلكم و قراءكم أمثال حجر بن عدي و أصحابه و هانىء بن عروة و أشباهه».

و حفل هذا الخطاب بأبلغ و أروع ما تكون الحجة،ففيه الدعوة إلى الحق بجميع رحابه و مفاهيمه،و التحذير من عذاب الله و سخطه،لقد عرفهم بأنه إنما ينصحهم امتثالا للواجب الديني الذي يقضي بنصيحة المسلم لأخيه المسلم إذا رآه قد انحرف عن الحق..و عرفهم قبل أن تندلع نار الحرب أن الأخوة الإسلامية تجمعهم، فإذا وقعت الحرب انفصمت عرى تلك الأخوة،و كان كل منهما أمة مستقلة لا تجمعهما روابط الدين و الإسلام،و قد عرض لهم ان الله قد ابتلى المسلمين بعترة

ص: 90


1- سورة الأحزاب:23.
2- بحار الأنوار:12/45.

نبيه فأوجب مودتهم في كتابه العزيز،لينظر إلى الأمة ما هي صانعة فيهم؟

و ذكرهم بجور الأمويين و بطشهم،و ما صنعوه في صلحائهم أمثال حجر بن عدي و ميثم التمار و غيرهم من الذين ناهضوا الجور و قاوموا الاستبداد،فقد صبت عليهم السلطة الأموية وابلا من العذاب الأليم،فسملت عيونهم و قطعت أيديهم و أرجلهم و صلبتهم على جذوع النخل.

و ما أنهى زهير خطابه إلا و توقح جماعة من جيش ابن سعد فسبوه و توعدوه مع الإمام الحسين بالقتل قائلين«لا نبرح حتى نقتل صاحبك و من معه،أو نبعث به و بأصحابه إلى عبيد الله بن زياد سلما».

و اندفع زهير فخاطبهم بمنطق الحق قائلا:

«عباد الله:إن ولد فاطمة أحق بالود و النصر من ابن سمية،فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم...فخلوا بين الرجل و بين يزيد فلعمري إنه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين».

و وجم الكثيرون،و استولت عليهم الحيرة و الذهول،و لما رأى ذلك شمر بن ذي الجوشن خاف أن يثوب الجيش إلى الرشاد،فسدد سهما إلى زهير و هو يقول:

«اسكت أسكت الله نامتك،أبرمتنا بكثرة كلامك».

و احتقره زهير فنظر إليه كأقذر مخلوق قائلا له:

«ما اياك أخاطب إنما أنت بهيمة،و الله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين،فابشر بالخزي يوم القيامة،و العذاب الأليم».

و التاع الوغد الخبيث من كلام زهير فصاح به:

«إن الله قاتلك و صاحبك عن ساعة».

«أبا الموت تخوفني؟فو الله للموت أحب إلي من الخلد معكم»و التفت زهير إلى الجيش قائلا:

«عباد الله لا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي و اشباهه،فو الله لا تنال شفاعة

ص: 91

محمد صلّى اللّه عليه و اله قوما هرقوا دماء ذريته و أهل بيته،و قتلوا من نصرهم و ذب عن حريمهم».

و رأى الإمام أن نصائح زهير لا تجدي مع هؤلاء الممسوخين فأوعز إلى بعض أصحابه يأمره بالكف عن الكلام،و انطلق إليه فناداه:إن أبا عبد الله يقول لك:أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح قومه،و أبلغ في الدعاء فلقد نصحت هؤلاء و أبلغت لو نفع النصح و الإبلاغ.

خطاب برير

و اندفع الشيخ الجليل برير بن خضير لنصيحة ذلك الجيش قائلا:

«يا معشر الناس:إن الله بعث محمدا صلّى اللّه عليه و اله بشيرا و نذيرا،و داعيا إلى الله و سراجا منيرا..و هذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد و كلابه و قد حيل بينه و بين ابن بنت رسول الله أفجزاء محمد صلّى اللّه عليه و اله هذا؟».

و قد خلعوا الشرف و الحياء فقالوا له:

«يا برير قد أكثرت الكلام فاكفف عنا،فو الله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله».

و وجه إليهم النصيحة و الإرشاد قائلا:

«يا قوم:إن ثقل محمد صلّى اللّه عليه و اله قد أصبح بين أظهركم،و هؤلاء ذريته و عترته و بناته، و حرمه فهاتوا ما عندكم،و ما الذي تريدون أن تصنعوه بهم؟».

فأجابوه:نريد أن نمكن منهم الأمير عبيد الله بن زياد فيرى رأيه،و أخذ برير يذكرهم بعهودهم و كتبهم التي بعثوها للإمام قائلا:

«أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا منه؟ويلكم يا أهل الكوفة، أنسيتم كتبكم و عهودكم التي أعطيتموها،و أشهدتم الله عليها و عليكم؟أدعوتم

ص: 92

أهل بيت نبيكم و زعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد و حلأتموهم عن ماء الفرات بئسما خلفتم نبيكم في ذريته،ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة،فبئس القوم أنتم».

و انبرى جماعة ممن زاغت ضمائرهم فأنكروا كتبهم و عهودهم للإمام قائلين له:

«ما ندري ما تقول؟»

و استبان لبرير تماديهم في الاثم و إجماعهم على اقتراف المنكر فقال:

«الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة،اللّهم اني أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم، اللّهم الق بأسهم حتى يلقوك و أنت عليهم غضبان».

فجعلوا يضحكون منه،و عمدوا إليه فرشقوه بسهامهم فانصرف عنهم.

ص: 93

خطاب الإمام الحسين عليه السلام

و أبت رحمة الإمام و شفقته على أعدائه إلا أن يقوم بإسداء النصيحة لهم ثانيا، حتى يستبين لهم الحق،و لا يدعي أحد منهم أنه على غير بينة من أمره فانطلق نحوهم،و قد نشر كتاب الله العظيم،و اعتم بعمامة جده رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و لبس لامته، و كان على هيبة تعنو لها الجباه،و تغض عنها الأبصار فقال لهم:

«تبا لكم أيتها الجماعة و ترحا أحين استصرختمونا و الهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا في أيمانكم و حششتم علينا نارا اقتدحناها على عدونا و عدوكم فأصبحتم إلبا لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم،و لا أمل أصبح لكم فيهم،فهلا لكم الويلات تركتمونا و السيف مشيم و الجأش طامن، و الرأي لما يستحصف،و لكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا و تداعيتم عليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها،فسحقا لكم يا عبيد الأمة،و شذاذ الأحزاب،و نبذة الكتاب، و محرفي الكلم،و عصبة الاثم،و نفثة الشيطان،و مطفئي السنن،و يحكم أهؤلاء تعضدون!!و عنا تتخاذلون!أجل و الله غدر فيكم و شجت عليه أصولكم،و تأزرت فروعكم فكنتم أخبث ثمرة شجى للناظر و أكلة للغاصب.

الا و ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة يأبى لنا الله ذلك و رسوله و المؤمنون،و حجور طابت و طهرت و أنوف حمية و نفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام،إلا و اني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد و خذلان الناصر،ثم أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي:

فإن نهزم فهزامون قدما و إن نهزم فغير مهزمينا

ص: 94

و ما أن طبنا جبن و لكن منايانا و دولة آخرينا

فقل للشامتين بنا افيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا

إذا ما الموت رفع عن أناس بكلكله أناخ بآخرينا

أما و الله لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى، و تقلق بكم قلق المحور عهد عهده إلي أبي عن جدي رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَ لا تُنْظِرُونِ (1)إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَ رَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (2)و رفع يديه بالدعاء عليهم قائلا:«اللّهم احبس عنهم قطر السماء،و ابعث عليهم سنين كسني يوسف و سلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة فإنهم كذبونا و خذلونا،و أنت ربنا عليك توكلت و إليك المصير».

لقد انفجر الإمام بهذا الخطاب كما ينفجر البركان،و قد أبدى من صلابة العزم و قوة الإرادة ما لم يشاهد مثله و قد حفل خطابه بالنقاط التالية:

أولا:إنه أو غل في تأنيبهم بشدة لما أبدوه من التناقض في سلوكهم فقد هبوا إليه يستنجدون و يستغيثون به لينقذهم من ظلم الأمويين و جورهم،فلما خف لإنقاذهم انقلبوا عليه،و سلوا عليه سيوفهم التي كان من الواجب أن تسل على أعدائهم الذين بالغوا في إذلالهم و إرغامهم على ما يكرهون.

ثانيا:انه أبدى أسفه البالغ على دعمهم للحكم الأموي في حين أنه لم يبسط فيهم عدلا أو يشيع فيهم حقا،أو يكون لهم أي أمل أو رجاء فيه.

ثالثا:انه شجب الصفات الماثلة فيهم و التي كانوا بها من أحط شعوب الأرض فهم عبيد الأمة و شذاذ الأحزاب،و نبذة الكتاب و عصبة الإثم،إلى غير ذلك من6.

ص: 95


1- يونس:71.
2- هود:56.

نزعاتهم الشريرة.

رابعا:انه أعلن رفضه الكامل لدعوة الطاغية ابن مرجانة من الاستسلام له،فقد أراد له الذل و هيهات أن يرضخ لذلك فقد خلق ليمثل الكرامة الإنسانية و المثل العليا فكيف يذعن للدعي ابن الدعي؟

خامسا:انه أعلن تصميمه على الحرب،و ان يخوض المعركة بأسرته التي مثلت البطولات و مضاء العزيمة و الاستهانة بالموت.

سادسا:انه أخبرهم عن مصيرهم بعد قتلهم له،فإن الله سيسلط عليهم من يسقيهم كأسا مصبرة،و ينزل بهم العذاب الأليم،و لم يمض قليل من الوقت حتى ثار عليهم المختار فملأ قلوبهم فزعا و رعبا و نكل بهم تنكيلا فظيعا.

هذه بعض النقاط الحساسة التي حفل بها كلامه الشريف الذي تتدفق بقوة البيان،و روعة القصد،و قد وجم جيش ابن سعد (1).3.

ص: 96


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:135/3.
إستجابة الحر

و ثابت نفس الحر إلى الرشاد و استيقظ ضميره بعد ما سمع خطاب الإمام، و جعل يتأمل و يفكر في تلك اللحظات الحاسمة من حياته،فقد استولت عليه موجات رهيبة من الصراع النفسي،فهل يلتحق بالحسين فيضحي بحياته و منصبه بعد ما كان القائد المقرب من السلطة،و قد وثقت به و جعلته أميرا على مقدمة جيشها،أو أنه يبقى محاربا إلى الإمام و في ذلك العذاب الدائم،و اختار الحر نداء ضميره،و تغلب على صراعه النفسي فصمم على الالتحاق بالحسين و قبل أن يتوجه إليه أسرع نحو ابن سعد فقال له:

«أمقاتل أنت هذا الرجل؟».

و سارع ابن سعد قائلا بلا تردد ليظهر أمام قادة الفرق إخلاصه لسيده ابن مرجانة.

«أي و الله قتالا أيسره أن تسقط فيه الرؤوس و تطيح الأيدي».

فقال له الحر:

«افما لكم في واحدة من الخصال التي عرضها عليكم رضا؟»و اندفع ابن سعد قائلا:

«لو كان الأمر لي لفعلت و لكن أميرك أبى ذلك».

و لما أيقن أن القوم مصممون على حرب الإمام مضى يشق الصفوف و قد سرت الرعدة بأوصاله فأنكر ذلك المهاجر بن أوس و هو من أصحاب ابن زياد فقال بنبرة المستريب منه:

ص: 97

«و الله إن أمرك لمريب،و الله ما رأيت منك في موقف قط مثل ما أراه الآن،و لو قيل لي:من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك؟».

و كشف له عن حقيقة حاله و أطلعه على ما صمم عليه قائلا:

«إني و الله أخير نفسي بين الجنة و النار،و لا أختار على الجنة شيئا و لو قطعت و أحرقت..».

و ألوى بعنان فرسه صوب الإمام و هو مطرق برأسه إلى الأرض حياء و ندما، فلما دنا من الإمام رفع صوته قائلا:

«اللّهم إليك أنيب فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد نبيك...يا أبا عبد الله إني تائب فهل لي من توبة؟».

و نزل عن فرسه فوقف قبال الإمام و دموعه تتبلور على وجهه،و جعل يخاطب الإمام و يتوسل إليه:

«جعلني الله فداك يابن رسول الله أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، و جعجعت بك في هذا المكان و والله-الذي لا إله إلا هو-ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضت عليهم أبدا،و لا يبلغون منك هذه المنزلة أبدا،فقلت في نفسي:لا أبالي أن أطيع القوم في بعض أمرهم،و لا يرون أني خرجت من طاعتهم،و أما هم فيقبلون بعض ما تدعوهم إليه،و والله لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك و اني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي مواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك أفترى لي توبة؟».

و استبشر به الإمام و منحه الرضا،و العفو و قال له:نعم يتوب الله عليك و يغفر و أقبل الحر يحدث الإمام و يقص عليه رؤيا كان قد رآها قائلا:

«سيدي:رأيت أبي في المنام البارحة فقال لي:ما تصنع في هذه الأيام؟و أين كنت؟فقلت له:كنت في الطريق على الحسين،فقال لي:وا ويلاه عليك ما لك و الحسين ابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله...و أريد منك أن تأذن لي بالمحاربة لأكون أول قتيل

ص: 98

بين يديك،كما كنت أول خارج عليك.

خطاب الحر للجيش

و استأذن الحر من الإمام الحسين ليعظ أهل الكوفة و ينصحهم لعل بعضهم أن يرجع عن غيه و يثوب إلى الحق،فأذن له الإمام فانبرى إليهم رافعا صوته:

«يا أهل الكوفة لأمكم الهبل و العبر أدعوتموه حتى إذا أتاكم أسلمتموه و زعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه،ثم عدوتم عليه لتقتلوه؟أمسكتم بنفسه،و أحطتم به، و منعتموه من التوجه في بلاد الله العريضة حتى يأمن و يأمن أهل بيته،فأصبح كالأسير لا يملك لنفسه نفعا و لا يدفع عنها ضرا،و منعتموه و من معه عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهودي و النصراني و المجوسي،و يتمرغ فيه خنازير السواد و كلابه و ها هو و أهله قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا و تفزعوا عما أنتم عليه».

و زلزلت الأرض تحت أقدامهم،فقد كان هنا مئات أمثال الحر ممن هاموا في تيارات من الصراع النفسي و كانوا على يقين بباطل قصدهم إلا أنهم استجابوا لرغباتهم النفسية،في حب البقاء.

و توقح بعض أولئك الممسوخين فرموا الحر بالنبل و هو كل ما يملكون من حجة في الميدان.

ص: 99

التحاق ثلاثين فارسا بالإمام

و التحق بمعسكر الإمام ثلاثون فارسا من جيش ابن سعد،و جعلوا يقولون لأهل الكوفة:يعرض عليكم ابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله ثلاث خصال فلا تقبلون منها شيئا، و جعلوا يقاتلون ببسالة مع الإمام حتى استشهدوا بين يديه.

الحرب

و فشلت جميع الوسائل التي اتخذها الإمام لصيانة السلم و عدم سفك الدماء، و قد خاف ابن سعد من إطالة الوقت لئلا يحدث انقسام في صفوف جيشه فقد أربكه التحاق الحر بالإمام مع ثلاثين فارسا من جيشه،و زحف الباغي إلى مقربة من معسكر الإمام فأخذ سهما فأطلقه صوب الإمام و هو يصيح:

«اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى الحسين».

و اتخذ ابن سعد من السهم الذي فتح به الحرب وسيلة يتقرب به إلى سيده ابن مرجانة،و يطلب من الجيش أن يشهدوا له عنده ليكون على ثقة من إخلاصه و وفائه،و ان ينفي عنه الشبهات من أنه غير جاد في قتاله للحسين.

و تتابعت السهام من معسكر ابن سعد على أصحاب الحسين كأنها المطر حتى لم يبق أحد منهم إلا أصابه سهم منها،و بطلت بذلك حجة السلم التي حرص الإمام عليها،و كان على انتظار من أعدائه القيام بهذا العدوان الغادر،فلما بدأوه من جانبهم وجب عليه الدفاع عن النفس وجوبا لا شبهة فيه و التفت الإمام إلى أصحابه

ص: 100

فأذن لهم في الحرب قائلا:

«قوموا يا كرام فهذه رسل القوم إليكم».

و تقدمت طلائع الحق من أصحاب الإمام إلى ساحة الحرب و بدأت بذلك المعركة الرهيبة و احتدم القتال كأشد و أعنف ما يكون القتال،و من المؤكد أنه لم تكن مثل تلك المعركة في جميع الحروب التي جرت في الأرض.فقد تقابل اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا مع عشرات الألوف و كانت تلك القلة كفوا لتلك الكثرة التي تملك أضخم العتاد و السلاح،و أبدت تلك القلة من صنوف البسالة و الشجاعة ما يبهر العقول و يحير الألباب.

لقد خاض أصحاب الإمام غمار تلك الحرب عن إيمان و إخلاص،فقد كانوا على ثقة أنهم إنما يقاتلون في سبيل الدين الذي أخلصوا له و وهبوا في سبيله حياتهم، و قد سجلوا بجهادهم المشرق شرفا لهذه الأمة لا يساويه شرف،و أعطوا للإنسانية أفضل ما قدم لها من عطاء على امتداد التأريخ (1).9.

ص: 101


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:127/3-139.

مقتل أصحاب الإمام الحسين عليهم السلام

اشارة

قال السيد القرشي:و تدافعت جيوش الباطل و الضلال و هي مدججة بالسلاح في صفوف كأنها السيل نحو أولئك الصفوة الأحرار الذين وهبوا حياتهم لله فلم يشغلهم شاغل عن نصرة الحق و إزهاق الباطل و قد صمدوا بصبر و إخلاص أمام تلك الوحوش الكاسرة فلم ترهبهم كثرتها،و ما تتمتع به من آلات الحرب و القتال، و قد أبدوا من البسالة و الشجاعة مما يدعو إلى الزهو و الافتخار...و نعرض إلى مجريات القتال و ما رافقها من شهادة أولئك الأبرار.

الهجوم العام

و شنت قوات ابن سعد هجوما عاما واسع النطاق على أصحاب الإمام و خاضوا معهم معركة رهيبة،و هذه هي الحملة الأولى التي خاضها أصحاب الإمام و هي حملة جماعية ضاربة اشترك فيها معسكر الكوفة بكامل قطعانه و قد خاض أصحاب الحسين تلك المعركة بعزم يستمد من العقيدة،و يشتق من نفس مفطورة على الإخلاص و التضحية دفاعا عن الإسلام و جهادا في سبيل الله،و قد برزت معنويتهم العسكرية للعيان فكانوا يهزمون الجمع و يخترقون الجيش،و قد اخترقوا جيش ابن سعد عدة مرات بقلوب أقوى من الصخر و قد استشهد نصفهم في هذه الحملة.

ص: 102

عدد الضحايا من أصحاب الإمام

أما عدد الضحايا من أصحاب الإمام في الحملة الأولى فكانوا واحدا و أربعين شهيدا-حسبما نص عليه ابن شهر اشوب-و هم:نعيم بن عجلان،عمران بن كعب ابن حارث الأشجعي،حنظلة بن عمرو الشيباني،قاسط بن زهير،كنانة بن عتيق، عمرو بن مشيعة،ضرغامة بن مالك،عامر بن مسلم،سيف بن مالك النميري،عبد الرحمن الدرجي،مجمع العائذي،حباب بن الحارث،عمرو الجندعي،الحلاس بن عمرو الراسبي،سوار بن أبي عمير الفهمي،عمار بن أبي سلامة الدالاني،النعمان ابن عمرو الراسبي،زاهر بن عمرو مولى بني الحمق،جبلة بن علي،مسعود بن الحجاج،عبد الله بن عروة الغفاري،زهير بن سليم،عبد الله و عبيد الله ابنا زيد البصري،و عشرة من موالي الحسين و موليان للإمام علي.

المبارزة بين المعسكرين

اشارة

و بدأت المبارزة بين المعسكرين بعد الحملة الأولى فقد برز يسار مولى زياد، و سالم مولى عبيد الله بن زياد،و طلبا من أصحاب الإمام الخروج لمبارزتهما فوثب إليهما حبيب بن مظاهر و برير فلم يأذن لهما الإمام،و انبرى إليهما البطل الشهم عبد الله بن عمير الكلبي و كان شجاعا شديد المراس فقال الحسين عليه السّلام:احسبه للأقران قتالا،و لما مثل أمامهما سألاه عن نسبه فأخبرهما به فزهدا فيه،و قالا له:لا نعرفك ليخرج إلينا زهير أو حبيب أو برير فثار البطل،و صاح بيسار:

«يابن الزانية أو بك رغبة عن مبارزة أحد من الناس لا يخرج أحد إلا و هو خير منك...».

ص: 103

و ما أروع قوله:«لا يخرج أحد إلا و هو خير منك»ان أي أحد من أصحاب الإمام هو خير منه و من ذلك الجيش لأنه إنما يقاتل على بصيرة من أمره،و هم يقاتلون- على يقين بضلالة قصدهم و انحرافهم عن الطريق القويم.

و حمل الكلبي على يسار فأرداه صريعا يتخبط بدمه،و حمل عليه سالم فلم يعبأ به فضربه الكلبي على يده فأطارت أصابع كفه اليسرى،ثم أجهز عليه فقتله،و ذعر العسكر من هذه البطولة النادرة،و بينما هو يقاتل إذ خفت إليه السيدة زوجته أم وهب و قد أخذت بيدها عمودا و هي تشجعه على الحرب قائلة له:

«فداك أبي و أمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد صلّى اللّه عليه و اله».

لقد اشتد أنصار الحسين في رعاية الإمام و حمايته من دون فرق بين الرجل و المرأة و الصغير و الكبير.

لقد استبسلوا للقتال بعواطفهم الملتهبة و هاموا بحب الإمام و الإخلاص له.

و لما رأى الكلبي زوجته تهرول خلفه أمرها بالرجوع إلى خيم النساء فأبت عليه، و بصر بها الإمام فأسرع إليها قائلا:

«جزيتم من أهل بيت خيرا ارجعي رحمك الله ليس الجهاد على النساء...».

و رجعت أم وهب إلى خيمة النساء و جعل الكلبي يرتجز:

إن تنكروني فأنا ابن الكلبي اني امرؤ ذو مرة و عضب

و لست بالخوار عند النكب

و عرف نفسه بهذا الرجز فهو من بني كلب إحدى قبائل قضاعة كما دلل على بسالته الفائقة و شجاعته النادرة،و حصافة رأيه،و صلابة منطقه فهو ليس بخوار و لا بضعيف عندما تعصف الفتن و إنما يقف منها موقف الحازم اليقظ،و بذلك فقد حدد أبعاد شخصيته الكريمة التي هي في القمة من الأحرار.

ص: 104

هجوم فاشل

و شنت قوات ابن سعد هجوما شاملا على مخيم أصحاب الإمام فتصدوا لها على قلتهم و جثوا لها على الركب و شرعوا لها الرماح فلم تتمكن الخيل على افتحامهم،و ولت منهزمة،فرشقهم أصحاب الإمام بالنبل فصرعوا رجالا، و جرحوا آخرين و منيت قوات ابن سعد بخسائر فادحة و لم تحقق أي نصر لها.

مباهلة برير ليزيد

و اشتد يزيد بن معقل حليف بني عبد القيس نحو معسكر الإمام حتى إذا دنا منه، رفع صوته ينادي برير بن خضير الهمداني:

«يا برير كيف ترى صنع الله بك؟».

فأجابه برير بكل ثقة و ايمان:

«و الله لقد صنع بي خيرا،و صنع بك شرا»..

أجل لقد صنع الله ببرير الخير حيث هداه إلى الحق و جعله من أنصار ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أما خصمه الباغي اللئيم فأضله و جعله من قتلة أولاد النبيين،ورد هذا الجلف على برير قائلا:

«كذبت و قبل اليوم ما كنت كذابا،و أنا أشهد أنك من الضالين».

لقد اعترف هذا الدعي بصدق برير قبل هذا اليوم الذي انتصر فيه للحق و فيه- حسب ما يزعم-يكون كذابا،و دعاه برير إلى المباهلة قائلا:

«هل لك أن أباهلك أن يلعن الله الكاذب منا و يقتل المبطل».

فاستجاب له يزيد،و تباهلا أمام المعسكرين ثم برز كل منهما للآخر فضرب

ص: 105

يزيد بريرا ضربة لم تعمل فيه شيئا،و انعطف عليه برير فضربه ضربة منكرة قدت المغفر و بلغت الدماغ فسقط الرجس الخبيث صريعا يتخبط بدمه و السيف في رأسه،و لم يلبث إلا قليلا حتى هلك و حمل برير على معسكر ابن سعد و هو مثلوج القلب باستجابة دعائه،و قد تطلع العسكر بجميع فصائله إلى هذه البطولة النادرة فجعل برير يرتجز:

أنا برير و أبي خضير ليس يروع الأسد عند الزأر

يعرف فينا الخير أهل الخير أضربكم و لا أرى من ضر

و ذاك فعل الحر من برير

لقد عرف نفسه إلى معسكر ابن سعد كما عرفهم بشجاعته الفذة و انه كالأسد لا يروعه الزأر،و إنما يشتد بها بأسه،و انه إذ ينزل بهم الضربات القاسية فإنه لا يرى في ذلك بأسا و لا إثما.

مصرع برير

و أخذ برير يقاتل قتال الأبطال المستميتين قد امتلأت نفسه إيمانا و عزما و تصميما على الدفاع عن ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و هو يهتف بمعسكر ابن سعد قائلا:

«اقتربوا مني يا قتلة المؤمنين،اقتربوا مني يا قتلة ابن بنت رسول رب العالمين».

و حمل عليه الرجس رضي بن منقذ العبدي فاعتنقه و اعترك معه ساعة فتمكن منه برير فجلس على صدره و بينما هو مشغول في الإجهاز عليه إذ حمل عليه الوغد الخبيث كعب بن جابر الأزدي من الخلف لأنه لم يستطع مواجهته فطعنه في ظهره و لما أحس بالألم هوى على العبدي فعض أنفه و قطع طرفه و شد عليه كعب فقتله و انتهت بذلك حياة هذا المؤمن العظيم الذي كان من خيار أهل الكوفة و سيد

ص: 106

القراء فيها،و قد عيب على القاتل و احتقره الناس حتى نفرت منه زوجته و حرمت على نفسها الكلام معه و قالت له:

«أعنت على ابن فاطمة و قتلت بريرا سيد القراء،و الله لا أكلمك أبدا...».

و نقم عليه ابن عمه عبيد الله بن جابر فقال له:ويلك قتلت بريرا فبأي وجه تلقى الله،و قد ندم الخبيث كأشد ما يكون الندم،و قد نظم أبياتا ذكر فيها أسفه و حزنه على اقترافه لهذه الجريمة و قد ذكرناها في البحوث السابقة.

شهادة عمرو الأنصاري

و انبرى إلى ساحات الجهاد و الشرف عمرو بن قرظة الأنصاري و هو من أفذاذ الأنصار و أحرارهم،و قد خاض في استبسال معركة الفداء و الإيمان فجعل يحصد الرؤوس،و ينزل الدمار و الموت بالأعداء و هو يرتجز:

قد علمت كتيبة الأنصار اني سأحمي حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكس شار دون حسين مهجتي و داري

و دلل بهذا الرجز على أنه من حماة الذمار،و أصحاب الإمام كلهم موصوفون بهذه الظاهرة فهم نخبة المسلمين في حماية الذمار و الحفاظ على العهد،و أعلن لهم أنه سينزل بهم الضربات القاسية و يحاربهم ببسالة و شجاعة ليذب عن سيده الحسين و يفديه بنفسه و مهجته،و جعل يقاتل بنية صادقة و عزم ثابت حتى استشهد و سمت روحه إلى الرفيق الأعلى،و كان له أخ من الضالين مع ابن سعد فلما رأى أخاه قتيلا دنا من معسكر الإمام و اندفع يصيح:

«يا حسين،يا كذاب ابن الكذاب أضللت أخي حتى قتلته».

ورد عليه الإمام:

«إن الله لم يضل أخاك،و لكنه هداه و أضلك».

ص: 107

لقد هدى الله عمرا و عمرّ قلبه بالإيمان فجاهد حتى استشهد عن أقدس قضية في الإسلام،و أما أخوه فقد أضله الله و أزاغ قلبه فاشترك في أخطر جريمة يقترفها الأشقياء.

ص: 108

رفض الجيش الأموي للمبارزة

و ضاق المعسكر الأموي ذرعا من المبارزة فقد رسم أصحاب الإمام صورا رائعة للبطولات،و قد ضج الجيش من الخسائر الفادحة التي مني بها،و قد رأى عمرو بن الحجاج الزبيدي و هو من الأعضاء البارزين في قيادة جيش ابن سعد أن الاستمرار في المبارزة سيؤدي إلى هلاك جيشه و ذلك لشدة بأس أصحاب الإمام و قوة يقينهم و استهانتهم بالموت،فهتف بجيشه ينهاهم عن المبارزة قائلا:

«يا حمقاء أتدرون من تقاتلون؟تقاتلون نقاوة فرسان أهل المصر و قوما مستقلين مستميتين،فلا يبرزن لهم منكم أحد إلا قتلوه..و الله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم».

و وضعت هذه الكلمات اليد على السمات البارزة من صفات أصحاب الإمام و اتجاهاتهم و هي:

أ-إنهم فرسان أهل المصر بما يملكون من البطولات النادرة و قوة الإرادة التي لم تتوفر في جيش ابن سعد.

ب-إنهم أهل البصائر الذين وعوا الحق و فهموا القيم النبيلة التي رفع شعارها الإمام و ناضل من أجلها،فهم يقاتلون على بصيرة و بينة من أمرهم،و ليسوا كخصومهم الذين تردوا في الغواية و ماجوا في الباطل و الضلال.

ج-إنهم مستميتون في دفاعهم عن الإمام عليه السّلام و لا أمل لهم في الحياة.

لقد توفرت فيهم جميع فضائل الإنسان من العقل الراجح،و الشجاعة الفائقة و الشرف الرفيع و الإيمان العميق.

ص: 109

يقول المؤرخون:إن ابن سعد قد استصوب رأي ابن الحجاج فأصدر أوامره إلى جميع قواته بترك المبارزة مع أصحاب الإمام.

هجوم عمرو بن الحجاج

و شن عمرو بن الحجاج هجوما عاما على أصحاب الإمام،و التحموا معهم التحاما رهيبا،و اشتد القتال كأشد ما يكون القتال عنفا،و قد تكبد كلا الفريقين بخسائر كبيرة في الأرواح.

مصرع مسلم بن عوسجة

و سقط في المعركة صريعا علم من أصحاب الإمام و فذ لامع من أنصاره مسلم بن عوسجة،و مشى لمصرعه الإمام،و كان مسلم يعالج سكرات الموت فدنا منه و قال له:

«رحمك الله يا مسلم، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (1).

و اقترب منه زميله و أخوه في الجهاد حبيب بن مظاهر،فقال له:

«عزّ علي مصرعك،يا مسلم أبشر بالجنة».

فقال مسلم بصوت خافت:

«بشرك الله بخير».

و انبرى حبيب فقال له:

ص: 110


1- الأحزاب:23.

«لو لا اني أعلم أني في أثرك لأحببت أن توصي إلي بما أهمك».

و عهد إليه مسلم بأعز و أخلص ما عنده قائلا:

«أوصيك بهذا-و أشار إلى الإمام-أن تموت دونه».

و كانت هذه الكلمات آخر ما تلفظ به لقد كانت هذه هي العظمة حقا بما تحمل من معاني السمو و الشرف لدى أصحاب الإمام،لقد كان كل واحد منهم يمثل شرف الإنسانية في جميع عصورها و مواطنها.

إنه الوفاء الذي بنبض بالإيمان الذي لا حد له،فلم يفكر في تلك اللحظة من حياته بأهله،أو بأي شأن من شؤون الدنيا،و إنما استوعب فكره الحسين فقد أخلص في حبه حتى النفس الأخير من حياته.

و تنفس معسكر ابن سعد بمقتل البطل العظيم مسلم فجعلوا يتباشرون و هم ينادون في شماتة ظاهرة:

«قتلنا مسلما».

و ثقل ذلك على شبث بن ربعي فقد كان يعرف مسلما،و يقدر فضله فخاطب من حوله بتأثر:

«ثكلتكم أمهاتكم،إنما تقتلون أنفسكم بأيديكم،و تذلون أنفسكم لغيركم، أتفرحون بقتل مثل مسلم؟!!أما و الذي أسلمت له لرب موقف له قد رأيته في المسلمين،فقد رأيته يوم سلق أذربيجان قتل ستة من المشركين قبل أن تنام خيول المسلمين،أفيقتل مثله و تفرحون؟».

إن أولئك الممسوخين الذين قتلوا هذا البطل العظيم،إنما قتلوا نفوسهم لأنه إنما قتل دفاعا عن مصالحهم و حقوقهم التي استهترت بها السلطة الأموية.

و يقول المؤرخون:إن مسلما قتل جماعة من عيون المعسكر الأموي منهم ابن عبد الله الضبابي و عبد الرحمن بن أبي خشكارة البجلي.

ص: 111

هجوم الشمر

و هجم الأبرص الخبيث شمر بن ذي الجوشن مع مفرزة من جيشه على ميسرة أصحاب الإمام و كانوا اثنين و ثلاثين فارسا و قد قاتلوا بضراوة و صبر،و أنزلوا بأعدائهم أفدح الخسائر فلم يحملوا على جانب من خيل أهل الكوفة إلا كشفوه.

مصرع عبد الله الكلبي

و جاهد عبد الله بن عمير الكلبي جهاد الأبطال،فكان يضرب بسيفه ذات اليمين و اليسار،و قد قتل فيما يقول المؤرخون تسعة عشر فارسا،و اثني عشر راجلا و قد أصابته جراحات كثيرة فشد عليه هانى بن ثبيت الحضرمي و بكير بن حي التميمي فقتلاه و انتهت بذلك حياة هذا البطل الذي وهب حياته لله و تفانى في الولاء و الإخلاص لريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و قد انطلقت زوجته السيدة أم وهب تبحث عنه بين جثث القتلى فلما عثرت عليه جلست إلى جانبه و هي تبارك له شهادته بإيمان و إخلاص قائلة:

«هنيئا لك الجنة،أسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك».

و أخذت تتضرع إلى الله أن يحشرها معه في الفردوس الأعلى،و بصر بها الخبيث الدنس شمر بن ذي الجوشن الذي يحمل رجس أهل الأرض فأوعز إلى غلامه رستم بقتلها،فغافلها العبد من الخلف و هشم رأسها بعمود،فماتت شهيدة في المعركة،و يقول المؤرخون إنها أول امرأة قتلت من أصحاب الحسين و معنى ذلك ان هناك نساء أخرى من نساء أصحاب الإمام قد استشهدن في المعركة،و قد انتهكت بذلك سنن القتال التي كانت سائدة في الجاهلية و الإسلام من تحريم قتل

ص: 112

النساء و الأطفال.

و قال في البحار:و برز إليهم عبد اللّه الكلبي و كانت معه امّه فقالت:قم يا بني و انصر ابن بنت رسول اللّه،فقال:أفعل يا امّاه فبرز و قاتل حتّى قتل منهم جماعة، فرجع إلى امّه و امرأته فقال:يا امّاه أرضيت؟

فقالت:ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين عليه السّلام فيكون جدّه في القيامة شفيعا لك،فرجع حتّى قتل تسعة عشر فارسا و اثنا عشر راجلا ثمّ قطعت يداه فأخذت امرأته عمودا و أقبلت نحوه تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر فأمر غلامه فقتلها و هي أوّل امرأة قتلت في عسكر الحسين عليه السّلام.

و روي أنّ امّه أخذت عمود الفسطاط فقتلت رجلين فقال لها الحسين عليه السّلام:

ارجعي أنت و ابنك مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فإنّ الجهاد مرفوع عن النساء و كان يقتل من أصحاب الحسين الواحد و الإثنان فيبيّن ذلك فيهم لقلّتهم و يقتل من أصحاب عمر الجماعة فلا يبين فيهم لكثرتهم ثمّ حضر وقت الصلاة و صلّى الحسين بأصحابه صلاة الخوف،و قيل:إنّهم صلّوا فرادى بالإيماء.

و روي أنّ سعيد الحنفي تقدّم أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلّما جاء إلى الحسين سهم تلقّاه بنفسه حتّى سقط إلى الأرض و هو يقول:اللّهم أبلغ نبيّك عنّي السلام و أبلغه ما لقيت من ألم الجراح ثمّ مات فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف و طعن الرّماح.

استنجاد عروة

و عروة بن قيس من القادة البارزين في معسكر ابن سعد،و كان ممن يديرون عمليات الحرب و قد ذهل من بسالة أصحاب الإمام و ما أنزلوه بالجيش من الأضرار البالغة فاستنجد بابن سعد ليمده بالرماة و الرجال قائلا:

ص: 113

«ألا ترى ما تلقى خيلي هذا اليوم من هذه العدة اليسيرة ابعث إليهم الرجال و الرماة...».

و طلب ابن سعد من شبث بن ربعي القيام بنجدته فأبى و قال:«سبحان الله شيخ مضر و أهل المصر عامة تبعثه في الرماة لم تجد لهذا غيري!!».

و كان شبث بن ربعي يشعر بوخز في ضميره من الخوض في هذه المعركة، و قد صرح بذلك غير مرة قائلا:

«لا يعطي الله أهل هذا المصر خيرا أبدا،و لا يسددهم لرشد،ألا تعجبون أنا قاتلنا خير أهل الأرض،نقاتله مع آل معاوية و ابن سمية الزانية ضلال يا لك من ضلال..».

و لما سمع ذلك منه ابن سعد دعا الحصين بن نمير فبعث معه المجففة و خمسمائة من الرماة فأمرهم برشق أصحاب الإمام بالسهام،فسددوا إليهم سهامهم فأصابوا خيولهم فعقروها فصاروا كلهم رجالة،و لكن لم تزدهم هذه الخسارة الجسيمة إلا استبسالا في القتال و استهانة بالموت فثبتوا كالجبال الشامخات و لم يتراجعوا خطوة واحدة،و قد قاتل معهم الحر بن يزيد الرياحي راجلا،و استمر القتال كأعنف و أشد ما يكون ضراوة،و وصفه المؤرخون بأنه أشد قتال خلقه الله،و قد استمر حتى انتصف النهار.

فتح جبهة ثانية

و رأى ابن سعد أن وحدة الجبهة في القتال ستكبد جيشه أفدح الخسائر، و تقضي بطول الوقت و امتداد الحرب،فرأى أن يفتح جبهة ثانية حتى يسهل القضاء على البقية الباقية من أصحاب الإمام فأوعز بتقويض مضارب الإمام و بيوته التي كانت محيطة بأصحابه يمينا و شمالا حتى يشتغلوا بالدفاع عنها،و تضعف بذلك جبهتهم،و هجمت جنوده فجعلوا يقوضونها فكمن لهم بعض أصحاب الإمام

ص: 114

فجعلوا يقتلونهم و يعقرون خيولهم،و باءت هذه الخطة بالفشل بالذريع،و لم تحقق أي نصر لها،و أمر ابن سعد ثانيا بخرق الخيام حتى تهجم خيله عليهم و حاول أصحاب الإمام منعهم عن ذلك فنهاهم الإمام و قال:دعوهم ليحرقوها فإذا أحرقوها فلا يستطيعون أن يجوزوا إليكم،فكان الأمر كما قال:فقد حالت النار بينهم و بين أصحاب الإمام،و بقيت جبهة القتال واحدة.

ص: 115

محاولة الشمر لإحراق حرائر الوحي

و حمل الرجس الخبيث شمر بن ذي الجوشن على فسطاط الإمام الذي يضم السيدات من عقائل النبوة و حرائر الوحي و نادى الوغد رافعا عقيرته:

«علي بالنار لأحرقه على أهله».

لقد تردى هذا الإنسان الممسوخ في متاهات سحيقة من الخبث و اللؤم و من المؤكد أنه ليس في مجرمي الحروب و شذاذ الآفاق مثل هذا المجرم في خبث الطوية و لؤم العنصر و خساسة الطبع.

و اختطف الرعب قلوب بنات رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و سرت الرعدة بأوصالهن فخرجن من الخيام مذعورات،و ارتفعت أصواتهن بالبكاء،و خلفهن الصبية و الأطفال و هم يعجون بالبكاء،فكان هول منظرهم مما تذيب له النفوس أسى و حسرات،و التاع الإمام الحسين،فصاح بالخبيث الدنس:«أنت تحرق بيتي على أهلي؟أحرقك الله بالنار».

و لم ينثن الرجس عن عزمه،و ظل يهتف بجنوده ليوفوه بقبس من النار ليحرق خيام أهل البيت.

إنكار حميد بن مسلم

و أنكر على الشمر حميد بن مسلم،فقد خف إليه بعدما رأى الذعر و الخوف قد استولى على بنات رسول الله فقال له:

ص: 116

«إن هذا لا يصلح لك،أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين،تعذب بعذاب الله،و تقتل الولدان و النساء،و الله إن في قتل الرجال لما يرضى به أميرك».

فصاح به الشمر:

«من أنت؟».

و خشي حميد بن مسلم أن يعرفه بنفسه فيوشي به عند ابن زياد فقال له:

«لا أخبرك من أنا».

و ظل الباغي اللئيم مصرا على غيه ليضيف إلى موبقاته جرائم أخرى.

توبيخ شبث بن ربعي:

و أسرع إليه شبث بن ربعي فوبخه،و نهاه فاستجاب له الأثيم على كره و ولى ليرجع فحمل عليه زهير بن القين مع عشرة من أصحابه فأرغموه على الرجوع، و قد التحموا مع جنده فقتلوا أبا عزرة الضبابي،و هو من أسرة الشمر،و تكاثرت الجيوش على أصحاب الإمام فكان إذا قتل أحد منهم بان ذلك فيهم لقلتهم إلا أنه إذا قتل أحد من أصحاب ابن سعد لا يبين ذلك فيهم لكثرة عددهم.

ص: 117

وقت الظهيرة من نهار يوم العاشر

و انتصف النهار و جاء ميقات صلاة الظهر فوقف المؤمن المجاهد أبو ثمامة الصائدي فجعل يقلب وجهه في السماء كأنه ينتظر أعز شيء عنده و هي الصلاة، فلما رأى الشمس قد زالت التفت إلى الإمام قائلا:

«نفسي لنفسك الفداء أرى هؤلاء قد اقتربوا منك،و الله لا تقتل حتى أقتل دونك و أحب أن ألقى ربي و قد صليت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها..».

لقد كان الموت منه على قاب قوسين أو أدنى و هو لم يغفل عن ذكر ربه،و لا عن أداء فريضة دينية،و جميع أصحاب الإمام كانوا على هذا الطراز ايمانا بالله و تفانيا في أداء فرائضه.

و رفع الإمام رأسه إلى السماء فجعل يتأمل في الوقت فرأى أنه قد حان أداء الفريضة،فقال لأبي ثمامة:

«ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين،نعم هذا أول وقتها..».

و أمر الإمام أصحابه أن يطلبوا من معسكر ابن زياد أن يكفوا عنهم القتال ليصلوا لربهم،فسألوهم ذلك فانبرى الرجس الخبيث الحصين ابن نمير قائلا:

«إنها لا تقبل».

فقال له حبيب بن مظاهر بسخرية:

«زعمت أن لا تقبل الصلاة من آل رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و تقبل منك يا حمار..».

و حمل عليه الحصين،فسارع إليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشبت به الفرس فسقط عنها،و بادر إليه أصحابه فاستنقذوه و استمر القتال،و قبل أن يؤدي

ص: 118

الإمام الصلاة قتل جماعة من حماة أصحابه ثم بعد ذلك أدى الفريضة كما سنذكره.

مصرع حبيب

و حبيب بن مظاهر من ألمع أصحاب الإمام و أشدهم اندفاعا في الذود عنه،فكان عضده و ساعده و كان حبيب ممن زكا نفسه و غذاها بالحكمة و الصواب،و هو من أصحاب الإمام أمير المؤمنين و من شرطة الخميس و كان نافذ البصيرة صلب الإيمان،و يقول المؤرخون:إنه كان يوم الطف من أشد أصحاب الإمام سرورا و غبطة بما يصير إليه من الشهادة بين يدي ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و قد برز فجعل يقاتل قتال المشتاقين إلى مصرعه و هو يرتجز:

انا حبيب و أبي مظهر فارس هيجاء و حرب تسعر

و أنتم منا لعمري أكثر و نحن أوفى منكم و أصبر

و نحن أعلى حجة و أظهر حقا و أبقى منكم و أعذر

لقد عرفهم بنفسه الكريمة و بما يتمتع به من الصفات الرفيعة فهو بطل الحرب و الفارس المعلم الذي لم يختلج في قلبه خوف و لا رعب،و أعلن أنه بالرغم من كثافة عدد جيش ابن سعد إلا أن أصحاب الإمام على قلتهم يمتازون عليهم بالوفاء و الصبر و علو الحجة،و ظهور الحق فيهم فهم بهذه الصفات أحق بالخلود و أجدر بالبقاء.

و قاتل حبيب قتالا أهونه الشديد،فقد قتل منهم على شيخوخته فيما يقول بعض المؤرخين اثنين و ستين رجلا،و حمل عليه الرجس الخبيث بديل بن صريم فضربه بسيفه،و طعنه و غد آخر من تميم برمحه فهوى إلى الأرض،و رام أن يقوم ليستأنف الجهاد فبادر إليه الحصين بن نمير فعلا رأسه الشريف بالسيف فسقط

ص: 119

إلى الأرض و نزل التميمي فاحتز رأسه و صعدت تلك الروح الطاهرة إلى ربها راضية مرضية و قد هدّ مقتله الحسين،فوقف على الجثمان العظيم و هو يصعد آهاته و أحزانه و يقول:«عند الله أحتسب نفسي و حماة أصحابي».

مصرع الحر

و برز البطل العظيم الحر بن يزيد الرياحي الذي استجاب لنداء الحق و آثر الآخرة على الدنيا فاستقبل الموت بثغر باسم و سرور بالغ لنصرة ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و جعل يقاتل أعنف القتال و أشده و هو يرتجز:

إني أنا الحر و مأوى الضيف أضرب في أعراضكم بالسيف

عن خير من حلّ بلاد الخيف اضربكم و لا أرى من حيف

لقد دلل بهذا الرجز على كرمه و سخائه و ان بيته كان مأوى للضيوف و موطنا للقاصدين،كما أعلن أنه إنما يضرب في أعناقهم بسيفه حماية عن الإمام العظيم الذي هو خير من استوطن بلاد الخيف،و هو بذلك لا يرى بأسا أو حيفا في قتاله لهم.

و كان الحر يقاتل و معه زهير بن القين،و كان إذا شد أحدهما و استلحم شد الآخر و استنقذه و داما على ذلك ساعة و أصيب فرس الحر بجراحات فلم ينزل عنه و إنما ظل يقاتل عليه و كان يتمثل بقول عنترة:

ما زلت أرميهم بثغرة نحره و لبانه حتى تسربل بالدم

و كانت بين الحر و بين يزيد بن سفيان عداوة قديمة و متأصلة فاستغلها الحصين بن نمير فقال له:هذا الحر الذي كنت تتمنى قتله،و حمل عليه يزيد فشد عليه الحر فقتله،و سدد أيوب بن مشرح سهما لفرس الحر فعقره و شب به الفرس فوثب عنه كأنه الليث،و لم يصب بضرر و جعل يقاتل ببسالة و هو راجل حتى قتل فيما يقول بعض المؤرخين نيفا و أربعين رجلا و حملت عليه الرجالة بسيوفها

ص: 120

و رماحها فأردته إلى الأرض صريعا يتخبط بدمه الزاكي،و بادر أصحاب الإمام فحملوه و وضعوه أمام الفسطاط الذي كان يقاتل دونه،و وقف عليه الإمام فجعل يتأمل وجهه الوديع بنظرات ملؤها نور الله،و وقف أصحابه في خشوع و انبرى الإمام فجعل يمسح الدم من وجهه و هو يؤبنه بهذه الكلمات:

«أنت الحر كما سمتك أمك،و أنت الحر في الدنيا و الآخرة».

لقد كان الحر حرا حينما تغلب عقله على هواه و اختار الشهادة على الحياة فنصر سيد شباب أهل الجنة،و مات ميتة كريمة في سبيل الحق،و انبرى بعض أصحاب الإمام فرثاه بخشوع:

لنعم الحر حر بني رياح صبور عند مشتبك الرماح

و نعم الحر إذ فادى حسينا و جاد بنفسه عند الصباح

ص: 121

أداء فريضة الصلاة

و بالرغم مما كان الإمام يعانيه من الخطوب الفادحة التي تتصدع من هولها الجبال فإن فكره كان مشغولا بأداء فريضة الصلاة التي هي من أهم العبادات في الإسلام،و طلب من أعدائه أن يمهلوه ليصلي لربه،فاستجابوا له،و أقبل على الله بقلب منيب فصلى بمن بقي من أصحابه صلاة الخوف و كانت صلاته في تلك اللحظات الرهيبة من أصدق مظاهر الإخلاص و الطاعة لله،و انبرى أمام الحسين سعيد بن عبد الله الحنفي يقيه بنفسه السهام و الرماح التي تواجهه من معسكر الأعداء الذين خانوا ما عاهدوا الإمام عليه من إيقاف عمليات الحرب حتى يؤدي فريضة الله فقد اغتنموا الفرصة فراحوا يرشقون الإمام و أصحابه بسهامهم، و كان سعيد الحنفي فيما يقول المؤرخون-يبادر نحو السهام فيتقيها بصدره و نحره،و وقف ثابتا كأنه الجبل الم تزحزحه السهام التي اتخذته هدفا لها،و لم يكد يفرغ الإمام من صلاته حتى أثخن بالجراح فهوى إلى الأرض يتخبط بدمه،و هو يقول بنبرات خافتة:

«اللّهم العنهم لعن عاد و ثمود،و أبلغ نبيك مني السلام،و ابلغه ما لقيت من ألم الجراح فإني أردت بذلك ثوابك و نصرة ذرية نبيك».

و التفت إلى الإمام ليرى هل أدى حقه و وفى له بعهده قائلا:

«أوفيت يابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله؟».

فأجابه الإمام شاكرا له:

«نعم أنت أمامي في الجنة».

ص: 122

و أترعت نفسه بالرضا و المسرات حينما سمع قول الإمام ثم فاضت نفسه الزكية إلى بارئها،و قد تخرق جسده من السهام و الرماح فقد أصيب بثلاثة عشر سهما عدا الضرب و الطعن لقد كان حقا هذا هو الوفاء الذي لا يبلغه وصف و لا إطراء (1).3.

ص: 123


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:147/3.
مصرع زهير

و من أنصار الإمام الحسين الذين صهر نفوسهم الإيمان بالله زهير بن القين فقد كان يتعجل الرواح إلى الجنة لمصافحة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و قد اتجه صوب الإمام و هو جذلان مسرور بما يقوم به من التضحية في سبيله،و وضع يده على منكب الحسين و هو يخاطبه بهذا الرجز:

اقدم هديت هاديا مهديا فاليوم القى جدك النبيا

و حسنا و المرتضى عليا و ذا الجناحين الفتى الكميا

و اسد الله الشهيد الحيا

و كشف هذا الرجز عن ايمانه الراسخ فإنه على يقين لا يخامره شك انه سيحظى بملاقاة النبي صلّى اللّه عليه و اله و وصيه الإمام أمير المؤمنين و الحسن و جعفر و حمزة،و كان ذلك من أروع ما يصبو إليه.و أجابه الإمام:

«و أنا ألقاهم على أثرك».

و حمل البطل على معسكر ابن زياد و هو يرتجز:

أنا زهير و أنا ابن القين

أذودكم بالسيف عن حسين

لقد عرفهم بنفسه،و أعلن لهم انه إنما يناجزهم الحرب دفاعا عن سيده الحسين، و قاتل كأعنف و أشد ما يكون القتال،و قد قتل فيما يقول المؤرخون مائة و عشرين رجلا و أبلى في المعركة بلاء يتعاظم عنه الوصف،و شد عليه المهاجر بن أوس، و كثير بن عبد الله الشعبي فقتلاه و مشى لمصرعه الحسين و هو مثقل بالهموم

ص: 124

و الأحزان فألقى عليه نظرة الوداع الأخير،و راح يؤبنه قائلا:

«لا يبعدنك الله يا زهير،و لعن قاتليك لعن الذين مسخوا قردة و خنازير..» (1).

و قال في البحار:و خرج زهير و هو يرتجز شعرا:

أنا زهير و أنا ابن القين أذودكم بالسيف عن حسيني

إنّ حسينا أحد السبطين من عترة البرّ التقيّ الزينيّ

فقاتل حتّى قتل مائة و عشرين ثمّ قتل رضوان اللّه عليه،و لمّا قتل أصحاب الحسين عليه السّلام و لم يبق إلاّ أهل بيته و هم ولد علي و ولد جعفر و ولد عقيل و ولد الحسن و ولده عليهم السّلام إجتمعوا و ودّع بعضهم بعضا و عزموا على الحرب فأوّل من برز من أهل بيته عبد اللّه بن مسلم بن عقيل و قال شعرا:

اليوم ألقى مسلما و هو أبي و فتية بادوا على دين النبيّ

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب لكن خيار و كرام النسب

من هاشم السادات أهل الحسب

فقتل ثمانية و تسعين رجلا في ثلاث حملات و اشترك في قتله الصيداوي و أسد بن مالك (2).

مصرع نافع بن هلال

و قال القرشي:و ممن وهب حياته لله نافع بن هلال الجملي فقد انبرى بإيمان و صدق فجعل يرمي أعداء الله بسهام مسمومة كان قد كتب عليها اسمه و هو يقول:

ارمي بها معلمة أفواقها مسمومة تجري بها اخفاقها

ص: 125


1- حياة الحسين للقرشي:152/3.
2- شرح الأخبار:196/3 ح 92.

ليملأن أرضها رشاقها و النفس لا ينفعها اشفاقها

و لم يزل يرميهم بسهامه حتى نفدت ثم عمد إلى سيفه فسله و حمل عليهم و هو يرتجز:

أنا الغلام التميمي البجلي ديني على دين حسين بن علي

ان اقتل اليوم و هذا عملي و ذاك رأيي أو لاقي عملي

لقد عرفهم بنفسه،و عرفهم بعقيدته فهو على دين الحسين ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و هو إنما يقاتل دفاعا عن عقيدته و مبدئه.

و جعل يقاتل بعزم شامخ قد استمد من وحدة سيده الحسين و غربته النشاط و الحماس،و قد قتل منهم اثني عشر رجلا سوى المجروحين و أحاط به أعداء الله فجعلوا يرشقونه بالسهام و يقذفونه بالحجارة حتى كسروا عضديه،فلم يتمكن أن يقل سيفه فبادروا إليه و أخذوه أسيرا إلى ابن سعد فقال له:

«ما حملك على ما صنعت بنفسك؟».

فأجابه جواب المؤمن بربه قائلا:

«ان ربي يعلم ما أردت».

و التفت إليه بعض أصحاب ابن سعد و قد رأى الدماء تسيل على وجهه و لحيته فقال له:

«أما ترى ما بك؟».

فقال مستهزئا و مثيرا لغضبهم:

«و الله لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت،و ما ألوم نفسي على الجهد،و لو بقيت لي عضد ما أسرتموني».

و ثار الأبرص الخبيث شمر بن ذي الجوشن فعمد إلى سيفه فسله،فصاح به نافع:

«و الله يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا فالحمد لله

ص: 126

الذي جعل منايانا على أيدي شرار خلقه».

أجل و الله لو كان عند الشمر مسكة من الدين لما اقترف تلك الجرائم التي لا يقترفها إلا من لا علاقة له بالله،و اندفع الوغد إلى نافع فضرب عنقه و بذلك انتهت حياة هذا البطل العظيم الذي أخلص لدينه،و اخلص في الدفاع عن ابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و هو من أعظم رجال الإسلام صلابة في الحق و صدقا في الدفاع عنه.

عابس مع شوذب

و لما رأى البطل الملهم عابس بن شبيب الشاكري وحدة الإمام و اجتماع أهل الكوفة على قتله أقبل على رفيقه في الجهاد شوذب مولى شاكر فقال له:

«يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟».

فانبرى شوذب يعلن ما صمم عليه من الفداء و التضحية قائلا:

«أقاتل حتى أقتل».

فشكره عابس و أثنى عليه قائلا:

«تقدم بين يدي أبي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك فإن هذا يوم نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه».

فأي إيمان مثل هذا الإيمان؟انه كان يسعى جاهدا بجميع طاقاته ليظفر بما يقربه إلى الله زلفى،و تقدم شوذب فأدى التحية إلى الإمام و حمل على معسكر ابن سعد فقاتل قتال الأبطال حتى استشهد بين يدي أبي عبد الله.

مصرع عابس الشاكري

و عابس الشاكري كان من أسرة عريقة في الشرف و النبل،عرفت بالشجاعة و الإخلاص للحق،و فيهم يقول الإمام علي عليه السّلام:«لو تمت عدتهم ألفا لعبد الله حق

ص: 127

عبادته،و كانوا يلقبون«فتيان الصباح»و كان عابس في طليعة أسرته،و من أفذاذهم و هو الذي حمل رسالة مسلم إلى الحسين التي يطلب فيها قدومه إلى العراق،و ظل ملازما للإمام من مكة إلى كربلاء و كان من ألمع أصحابه في الولاء و الإخلاص له،و قد تقدم إليه يطلب منه الإذن في القتال و خاطب الإمام فأعرب له بما يحمله في نفسه من الولاء العميق قائلا:

«ما أمسى على ظهر الأرض قريب و لا بعيد أعز علي منك،و لو قدرت أن أدفع الضيم عنك بشيء أعز علي من نفسي لفعلت السلام عليك أشهد أني على هداك و هدى أبيك».

ثم هجم على معسكر ابن سعد،و طلب منهم المبارزة فلم يجبه أحد فقد جبنوا جميعا عن مقابلته لأنهم كانوا يعرفونه من أشجع الناس،فجعلوا يتصايحون و قد ملأ الذعر قلوبهم و اختطف الخوف ألوانهم قائلين:

«هذا أسد الأسود،هذا ابن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم...».

و صاح ابن سعد بجيشه

«ارضخوه بالحجارة».

و عمدوا إلى الحجارة فجعلوا يرضخونه بها من كل جانب،و لما رأى البطل جبنهم و إحجامهم عن مقابلته ألقى درعه و مغفره و شد عليهم كالليث فكان يطرد ما بين يديه أكثر من مائة فارس ثم انعطفوا عليه من كل جانب فأردوه صريعا، و احتزوا رأسه الشريف،و جعلوا يتخاصمون فيما بينهم كل واحد منهم يدعي انه قتله ليحظى بالجائزة و أنكر ابن سعد أن يكون قد قتله واحد منهم و إنما اشترك في قتله جماعة منهم.و قد انتهت بذلك حياة هذا البطل العظيم الذي أبلى في الدفاع عن الإسلام بلاء حسنا،و جاهد جهاد النبيين.

ص: 128

هزيمة الضحاك

و كان الضحاك بن عبد الله المشرفي من أصحاب الإمام إلا أنه لما رأى كثرة القتلى من أصحاب الحسين صمم على الهزيمة و الفرار،و جاء إلى الحسين فقال له:

«لقد كنت رافقتك على أن أقتل معك ما وجدت مقاتلا،فاذن لي في الانصراف فإني لا أقدر على الدفاع عنك،و لا عن نفسي».

و اذن له الإمام في الانصراف فولى منهزما،و عرض له قوم من أصحاب ابن سعد إلا انهم خلوا سبيله فمضى هاربا فلم يرزق الشهادة بين يدي ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله (1).

ص: 129


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:154/3.
شهادة جون

و جون من أفذاذ الإسلام،و هو مولى لأبي ذر الغفاري،و كان شيخا كبيرا قد أترعت نفسه الشريفة بالتقوى و الإيمان،و لم يمنعه سواد بشرته و تواضع حسبه أن يتبوأ المكان الرفيع،و يكون من أعلام المسلمين فينال من الإكبار و التعظيم ما لم ينله أحد من أبطال التأريخ،و يقول المؤرخون إنه تقدم ضارعا إلى الإمام ليمنحه الإذن فيستشهد بين يديه فقال له الإمام:

«يا جون إنما تبعتنا طلبا للعافية فأنت في اذن مني».

و هوى جون على قدمي الإمام يوسعهما تقبيلا و دموعه تتبلور على خديه و هو يقول:

«أنا في الرخاء ألحس قصاعكم و في الشدة أخذلكم،ان ريحي لنتن و حسبي للئيم،و لوني لأسود فتنفس علي بالجنة ليطيب ريحي و يشرف حسبي،و يبيض لوني لا و الله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم...».

أية عظمة عبرت عنها هذه الكلمات المشرقة؟و أي شرف انطوت عليه نفسه؟..

ان لونه الأسود لأشرق و أنضر من ألوان أولئك العبيد و هو الحر بما يحمل من سمو النفس،و شرف الذات،و إن ريحه لأطيب من ريحهم،و ان حسبه هو الحسب الوضاح،و ان أهل الكوفة هم المغمورون في احسابهم فقد تنكروا لإنسانيتهم، و صاروا وصمة عار و خزي على البشرية بأسرها.

لقد حفل كلام جون بمنطق الأحرار فإنه ليس من الإنسانية في شيء أن ينعم في ظلال الإمام أيام الرخاء،و يخذله أمام هذه المحنة القاسية،لقد كان الوفاء من

ص: 130

العناصر المميزة لكل فرد من أصحاب الإمام أبي عبد الله على بقية شهداء العالم.

و أذن له الإمام فبرز مزهوا و هو يرتجز:

كيف ترى الفجار ضرب الأسود بالمشرفي القاطع المهند

بالسيف صلنا عن بني محمد أذب عنهم باللسان و اليد

ارجو بذاك الفوز يوم المورد من الإله الواحد الموحد

إذ لا شفيع عنده كأحمد

و دلل بهذا الرجز على بسالته و شجاعته،و هو إنما يدافع عن أبناء النبي صلّى اللّه عليه و اله و يذب عنهم بلسانه و يده لا يبتغي في ذلك أي شأن من شؤون الدنيا،و إنما يرجو الفوز في الدار الآخرة و الشفاعة من النبي العظيم صلّى اللّه عليه و اله.

و قاتل جون قتال الأبطال فقتل فيما يقول المؤرخون خمسة و عشرين رجلا، و حمل عليه أعداء الله فأردوه قتيلا،و خف إليه الإمام فجعل ينظر إلى جثمانه المخضب بالدماء و أخذ يدعو له قائلا:

«اللّهم بيض وجهه،و طيب ريحه و احشره مع محمد،و عرف بينه و بين آل محمد».

و استجاب الله دعاء الإمام فكان من يمر بالمعركة يشم منه رائحة طيبة أذكى من المسك.

شهادة حنظلة الشبامي:

و حنظلة الشبامي ممن صاغ حياته على الإيمان بالله حتى بلغ أعلى مستويات القيم الإنسانية،تقدم إلى الإمام بلهفة و شوق ليأخذ مكانه العالي مع الشهداء من أصحاب الإمام و طلب منه الإذن،فسمح له،و تقدم إلى ساحة القتال فجعل يعظ القوم و يذكرهم الدار الآخرة قائلا:

«يا قوم:اني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح و عاد و ثمود و الذين من بعدهم،و ما الله يريد ظلما للعباد،يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم

ص: 131

تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم،و من يضلل الله فما له من هاد..يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب و قد خاب من افترى».

و لم يع أولئك الأوغاد كلامه و إنما راحوا سادرين في طيشهم و ضلالهم قد ختم الله على قلوبهم و أسماعهم فهم لا يبصرون،و شكر له الإمام مقالته،و قال له:

«رحمك الله انهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق، و نهضوا إليك ليستبيحوك و أصحابك،فكيف بهم الآن و قد قتلوا اخوانك الصالحين؟».

«صدقت يابن رسول الله،أفلا نروح إلى الآخرة؟».

و أذن له الإمام فانطلق إلى ساحة المعركة بشوق ليفوز بالشهادة،و قاتل قتال الأبطال حتى استشهد و قد وفى بما عاهد عليه الله من نصرة الحق و الفداء في سبيل الإسلام.

و قال في البحار:و تقدّم جون مولى أبي ذرّ و كان عبدا أسودا.

فقال له الحسين عليه السّلام:أنت في حلّ منّي،فقال:يابن رسول اللّه أنا في الرخاء ألحس قصاعكم و في الشدّة أخذلكم و اللّه إنّ ريحي لنتن و أنّ حسبي للئيم و لوني أسود و اللّه لا افارقكم حتّى يختلط هذا الدّم الأسود بدمائكم فبرز للقتال و قتل جماعة حتّى قتل فوقف عليه الحسين و قال:اللّهم بيّض وجهه و طيّب ريحه و احشره مع الأبرار و عرّف بينه و بين آل محمّد.

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام:إنّ الناس كانوا يدفنون القتلى فوجدوا الأسود بعد عشرة أيّام تفوح منه رائحة المسك و كان شعره في الحرب،شعرا:

كيف يرى الفجّار ضرب الأسود بالمشرفي القاطع المهنّد

بالسيف صلنا عن بني محمّد أذبّ عنهم باللّسان و اليد

أرجو بذاك الفوز عند المورد من الإله الواحد الموحّد

إذ لا شفيع عنده كأحمد

ص: 132

مصرع الحجاج

و من بين صفحات الفداء الباهرة التي تحمل العظمة الإنسانية الحجاج بن مسروق الجعفي،فقد برز إلى ساحة الحرب،و جعل يقاتل أعنف القتال و أشده حتى خضب بدمائه الزكية،فقفل راجعا إلى الإمام الحسين و هو جذلان مسرور بما قدمه من الفداء و التضحية في سبيله،و أخذ يخاطب الإمام بهذا الرجز:

اليوم ألقى جدك النبيا ثم أباك ذا الندى عليا

ذاك الذي نعرفه وصيا

إنه ليقدم على رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و هو مرفوع الرأس بما قدم من التضحية في سبيل ريحانته،و قد أجابه الإمام:

«و أنا على أثرك ألقاهما».

و رجع إلى حومة الحرب فجعل يقاتل ببسالة و صمود حتى استشهد دفاعا عن الحق فلذكره المجد و الخلود.

مصرع عمرو بن جنادة

و برز الفتى النبيل عمرو بن جنادة الأنصاري و هو أصغر جندي في معسكر الحسين و لكنه كان يفوق في عقله و دينه من في معسكر ابن سعد،و يقول المؤرخون إنه كان يبلغ من العمر إحدى عشرة سنة،و قد استشهد أبوه في المعركة،فلما طلب الإذن من الإمام لم يسمح له بذلك و قال:

ص: 133

«هذا غلام قتل أبوه في الحملة الأولى و لعل أمه تكره ذلك».

و اندفع الفتى يلح على الإمام و يقول له:

«إن أمي أمرتني».

فأذن له الإمام،و مضى الفتى متحمسا إلى الحرب فلم يلبث إلا قليلا حتى استشهد،و احتز رأسه الشريف أوغاد أهل الكوفة و رموا به صوب مخيم الحسين فبادرت إليه السيدة أمه فأخذته و جعلت توسعه تقبيلا،ثم مسحت عنه الدم،و رمت به رجلا قريبا فصرعته و سارعت إلى المخيم فأخذت عمودا و حملت على اعداء الله و هي ترتجز:

أنا عجوز في النساء ضعيفة خاوية بالية نحيفه

أضربكم بضربة عنيفهة دون بني فاطمة الشريفه

و أصابت رجلين فبادر إليها الإمام وردها إلى المخيم لقد أثرت غربة الإمام و وحدته على عواطف هذه السيدة الكريمة،فقدمت فلذة كبدها فداء له،ثم انعطفت هي في ميدان القتال لتفديه بنفسها،فكان-حقا-هذا منتهى الإيمان و الإخلاص.

مصرع أنس الكاهلي

و أنس بن الحارث الكاهلي من صحابة النبي صلّى اللّه عليه و اله و قد شهد معه بدرا و حنينا،و قد سمعه يقول:«إن ابني هذا-يعني الحسين-يقتل بأرض كربلاء،فمن شهد ذلك منكم فلينصره»و قد لازم الحسين و صحبه من مكة،و كان شيخا كبيرا طاعنا في السن و قد استأذن من الإمام أن يجاهد بين يديه فأذن له،و قد شد وسطه بعمامته نظرا لتقوس ظهره كما رفع حاجبيه بالعصابة فلما نظر إليه الإمام أرخى عينيه بالبكاء،و قال له:شكر الله لك يا شيخ،و قاتل-على كبر سنه-قتال الأبطال فروي أنه قتل ثمانية عشر رجلا ثم استشهد و سمت روحه الطاهرة إلى الرفيق الأعلى مع

ص: 134

النبيين و الصديقين و الشهداء و حسن أولئك رفيقا.

مصرع أبي الشعثاء

و أبو الشعثاء هو يزيد بن زياد بن المهاجر الكندي،و كان من أبطال العرب و فرسانهم،و كان ممن خرج مع ابن سعد لحرب الإمام،و لما عرض الإمام على ابن سعد الشروط التي اشترطها و أبى ابن سعد مال إلى الحسين و جعل يرشق القوم بسهامه و يقول المؤرخون إنه رماهم بمائة سهم فما سقط منها غير سهم،و كلما رمى يقول له الإمام:

«اللّهم سدد رميته و اجعل ثوابه الجنة».

و لما نفدت سهامه جرد سيفه و حمل عليهم و هو يرتجز:

أنا يزيد و أبي مهاجر اشجع من ليث بغيل خادر

يا رب إني للحسين ناصر و لابن سعد رافض و هاجر

و قاتل قتال الأبطال حتى قتل و انتهت بذلك حياته مدافعا عن دين الله و مناصرا لريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله.

مصرع الجابريين

و من ألمع أنصار الإمام عليه السّلام الجابريان،و هما:سيف بن الحارث بن سريع الجابري و مالك بن عبد بن سريع الجابري و كانا أخوين من أم و ابني عم،و قد تقدما بين يدي أبي عبد الله،و عيناهما تفيضان دموعا فقال لهما الإمام:

«ما يبكيكما اني لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين؟»

فأسرعا قائلين:

«جعلنا الله فداك،ما على أنفسنا نبكي،و لكن نبكي عليك،نراك قد أحيط بك،و لا

ص: 135

نقدر أن ننفعك».

لقد امتلأت قلوب أصحاب الإمام بالولاء الباهر و الإخلاص العميق له فكانوا لا يفكرون إلا به،و يتحرقون ألما و حزنا عليه.

و قاتل الجابريان قتال الأبطال،و قد تناهبت أشلاءهما السيوف و الرماح في وحشية قاسية،و استشهدا بالقرب من الإمام.

مصرع الغفاريين

و برز إلى ساحة الجهاد الاخوان عبد الله و عبد الرحمن ابنا عروة الغفاري فجعلا يقاتلان باستبسال نادر حتى استشهدا بين يدي الإمام.

مصرع الأنصاريين

و لما استغاث الإمام و جعل يطلب الناصر و المعين لحماية عقائل النبوة و مخدرات الوحي أثر ذلك في نفوس الأنصاريين،و هما سعد بن الحارث و أخوه أبو الحتوف و كانا مع ابن سعد فمالا بسيفيهما على معسكر ابن سعد و قاتلا حتى قتلا.

شهادة أنيس

و انبرى إلى ساحات الجهاد بين يدي أبي عبد الله أنيس بن معقل الأصبحي و هو يرتجز:

أنا أنيس و أنا ابن عقيل و في يميني نصل سيف مصقل

ص: 136

أضرب به في الحرب حتى ينجلي أعلي به الهامات وسط القسطل

عن الحسين الماجد المفضل ابن رسول الله خير مرسل

و قد مثل هذا الرجز الحماس الديني الذي سيطر عليه فقد عرفهم بنفسه و أعلن أنه إنما يقاتلهم دفاعا عن ابن رسول الله،و هو لا يبغي بذلك أي مطمع سوى رضا الله...و قاتل البطل قتالا عنيفا حتى استشهد.

مصرع قرة الغفاري

و من أصحاب الإمام الذين استشهدوا للحق قرة بن أبي قرة الغفاري فقد برز و هو يرتجز:

قد علمت حقا بنو غفار و خندف بعد بني نزار

بأنني الليث لدى الغبار لأضربن معشر الفجار

بكل عضب ذكر بتار ضربا و حتفا عن بني المختار

رهط النبي السادة الأبرار

و هذا الرجز يتدفق بالحيوية و الحماس للدفاع عن عترة النبي صلّى اللّه عليه و اله و قد دلل على بطولته بأن بني غفار و خندف و بني نزار كلهم يشهدون ببسالته و شجاعته،و هو إنما يجاهد دفاعا عن السادة الأبرار أبناء رسول الله صلّى اللّه عليه و اله...و قاتل البطل الغفاري قتالا شديدا حتى هوى جسده الشريف إلى الأرض تحت ضرب السيوف و طعن الرماح،و سمت روحه إلى الرفيق الأعلى.

مصرع يحيى المازني

و برز إلى حومة الحرب يحيى بن سليم المازني،و هو يرتجز:

ص: 137

لأضربن القوم ضربا فيصلا ضربا شديدا في العداة معجلا

لا عاجزا فيها و لا مولولا و لا أخاف اليوم موتا مقبلا

لكنني كالليث أحمي مشبلا

و أعلن بهذا الرجز عن شجاعته فهو سينزل بالأعداء الضربات القاسية و انه سيحاربهم ببسالة و صمود لا عاجزا،و لا مولولا،و لا خائفا من الموت،و إنما هو كالليث يصول فيهم ليحمي عترة رسول الله،و شد عليهم كأنه جيش،و قاتلهم أعنف القتال و أشده حتى استشهد بين يدي أبي عبد الله.

الإمام مع أصحابه

و كان الإمام يبعث في نفوس أصحابه روح العزم و الصمود،و يوصيهم بالصبر على ملاقاة الأهوال قائلا لهم:

«صبرا بني الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس و الضراء إلى الجنان الواسعة،و النعم الدائمة،فأيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر،ان أبي حدثني عن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله انه قال:إن الدنيا سجن المؤمن،و جنة الكافر،و الموت جسر هؤلاء إلى جنانهم،و جسر هؤلاء إلى جحيمهم ما كذبت،و لا كذبت».

و قد ألهبت هذه الكلمات عواطفهم فخاضوا الموت في استبسال عاصف ليصلوا إلى مراتبهم في الفردوس الأعلى.

شهادة عبد الله اليزني

و خرج إلى ميدان القتال عبد الله اليزني فقاتل ببسالة نادرة و هو يرتجز:

انا ابن عبد الله من آل يزن ديني على دين حسين و حسن

ص: 138

أضربكم ضرب فتى من اليمن أرجو بذلك الفوز عند المؤتمن

لقد عرفهم بنفسه و أسرته و بلده،و عرفهم أنه على دين سيده الحسين،و هو إذ يضحي بنفسه في سبيله فإنما يرجو بذلك الفوز عند الله...و قاتل كما قاتل اخوانه الشهداء ببسالة و عزم ثم استشهد.

الإمام مع الشهداء

و كان الإمام العظيم يقف على الشهداء الممجدين من أصحابه و هو يتأمل بوجهه الوديع فيهم فيراهم مضمخين بدم الشهادة،و معطرين بنفحات من روح الله،فانطلق يؤبنهم بإعجاب قائلا:

«قتلة كقتلة النبيين و آل النبيين».

مصرع سويد

و كان آخر من استشهد من أصحاب الإمام البطل الشجاع سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي فقد سقط في المعركة جريحا و ظنه القوم أنه قد قتل فلم يجهزوا عليه،و كان قد غامت نفسه من ألم الجروح و نزيف الدماء فلما سمع القوم ينادون:

«قتل الحسين».

فانتفض كما ينتفض الأسد الجريح غير حافل بما هو فيه من ألم الجروح فانبرى يفتش عن سيفه فلم يجده و ظفر بمدية فحمل عليهم يطعن فيهم ففروا مذعورين، و قد ظنوا أن الموتى من أصحاب الحسين قد عادت إليهم أرواحهم ليستأنفوا الجهاد ثانيا،و لما أيقنوا خطأهم انعطفوا عليه فقتلوه و قد قتله عروة بن بطان

ص: 139

الثعلبي..و لم يعرف التأريخ الإنساني أصدق و لا أنبل من هذا الوفاء،فكان حقا هذا هو المجد في معسكر الحسين،فقد ظلوا على الوفاء لإمامهم حتى الرمق الأخير من حياتهم.

هؤلاء بعض أصحاب الإمام،و قد أبلوا في المعركة بلاء يقصر عنه كل وصف و إطراء،فقد جاهدوا جهادا لم يعرف له التأريخ نظيرا في جميع عمليات الحروب التي جرت في الأرض،فقد قابلوا على قلة عددهم و ما بهم من الظمأ القاتل تلك الجيوش المكثفة،و أنزلوا بها أفدح الخسائر.

إن تلك الكوكبة من أبطال الإيمان قد صارعوا الأهوال،و خاضوا تلك المعركة الرهيبة،و قد وقفوا وقفة الرجل الواحد،و قادوا حركة الإيمان،و لم تضعف لأي رجل منهم عزيمة،و لم تلن لهم قناة،و قد خضبوا جميعا بالدماء و هم يشعرون بالغبطة و يشعرون بالفخر،و قد دللوا بتضحياتهم الهائلة النبيلة على عظمة الإسلام الذي منحهم تلك الروح الوثابة التي استطاعوا بها أن يقاوموا بصبر و ثبات تلك الوحوش الكاسرة التي ساقتها الأطماع إلى اقتراف أفظع جريمة في تأريخ البشرية كلها.

لقد سمت أرواحهم الطاهرة إلى الرفيق الأعلى و هي أنضر ما تكون تفانيا في مرضاة الله و أشد ما تكون إيمانا بعدالة قضيتهم التي هي من أنبل القضايا في العالم..و ان أعطر تحية توجه لذكراهم كلمات الإمام الصادق عليه السّلام في حقهم:

«بأبي أنتم و أمي طبتم و طابت الأرض التي فيها دفنتم و فزتم و الله فوزا عظيما» (1).4.

ص: 140


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:137/3-164.

روايات أخرى لمقتل الأصحاب

زحف جيش الخلافة على معسكر الحسين عليه السلام

قال السيد مرتضى العسكري:و روى الطبري عن حميد بن مسلم،قال:و زحف عمر بن سعد نحوهم ثم نادى يا ذويد (1):ادن رأيتك،قال:فأدناها ثم وضع سهما في كبد قوسه ثم رمى فقال:اشهدوا إني أول من رمى.

و في رواية المقريزي.

اشهدوا لي عند الأمير إني أول من رمى.

قال الطبري و المفيد:ثم ارتمى الناس و تبارزوا،فبرز يسار مولى زياد و سالم مولى عبيد اللّه بن زياد فقالا:من يبارز؟ليخرج إلينا بعضكم قال:فوثب حبيب بن مظاهر و برير بن حضير فقال لهما حسين اجلسا،فقام عبد اللّه بن عمير الكلبي من بني عليم و كان قد خرج مع امرأته أم وهب لما رأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين فسأل عنهم فقيل له:يسرحون إلى حسين بن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:و اللّه لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا،و اني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند اللّه من ثوابه إياي في جهاد المشركين،فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع و أعلمها بما يريد فقالت:

أصبت أصاب اللّه بك ارشد أمورك افعل و أخرجني معك،قال:فخرج بها ليلا،حتى

ص: 141


1- ورد في نسخة"زويد"و فى أخرى"دويد".

اتى حسينا فأقام معه فلما برز يسار و سالم قام عبد اللّه بن عمير الكلبي فقال أبا عبد اللّه رحمك اللّه ائذن لي فلا خرج إليهما فرأى حسين رجلا آدم طويلا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين،فقال حسين:إني لا حسبه للاقران قتالا اخرج ان شئت،قال:

فخرج إليهما فقالا له:من أنت؟فانتسب لهما،فقالا:لا نعرفك،ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير بن حضير،و يسار مستنتل (1)امام سالم فقال له الكلبي:يا ابن الزانية:و بك رغبة عن مبارزة أحد من الناس،يخرج إليك أحد من الناس،إلاّ و هو خير منك؟ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد،فإنه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شد عليه سالم فصاح به:قد رهقك العبد،قال:فلم يأبه له حتى غشيه فبدره الضربة فاتقاه الكلبي بيده اليسرى فأطار أصابع كفه اليسرى،ثم مال عليه الكلبي،فضربه حتى قتله،و أقبل الكلبي مرتجزا و هو يقول و قد قتلهما جميعا:

ان تنكروني فانا ابن كلب حسبي ببيتي في عليم حسبي

اني امرؤ ذو مرة و عصب و لست بالخوار عند النكب

اني زعيم لك أم وهب بالطعن فيهم مقدما و الضرب

ضرب غلام مؤمن بالرب

فأخذت أم وهب امرأته عمودا ثم أقبلت نحو زوجها تقول له:فداك أبي و أمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد،فأقبل إليها يردها نحو النساء فأخذت تجاذب ثوبه ثم قالت:إني لن أدعك دون ان أموت معك،فناداها حسين فقال:جزيتم من أهل بيت خيرا،ارجعي رحمك اللّه إلى النساء فاجلسي معهن،فإنه ليس على النساء قتال، فانصرفت إليهن.ف.

ص: 142


1- مستنتل أي متقدم امام الصف.
زحف الميمنة و استمداد قائد الفرسان

قال:و حمل عمرو بن الحجاج و هو على ميمنة الناس في الميمنة،فلما ان دنا من حسين،جثوا له على الركب،و اشرعوا الرماح نحوهم،فلم تقدم خيلهم على الرماح فذهبت الخيل لترجع،فرشقهم أصحاب الحسين بالنبل،فصرعوا منهم رجالا، و جرحوا منهم آخرين.

قال:و قاتلهم أصحاب الحسين قتالا شديدا و أخذت خيلهم تحمل و إنما هم اثنان و ثلاثون فارسا،و أخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلا كشفته،فلما رأى ذلك عزرة بن قيس و هو على خيل أهل الكوفة ان خيله تنكشف من كل جانب بعث إلى عمر بن سعد،عبد الرحمن بن حصن،فقال اما ترى ما تلقى خيلي مذ اليوم من هذه العدة اليسيرة؟ابعث إليهم الرجال و الرماة،فقال لشبث بن ربعي:إلاّ تقدم إليهم،فقال:سبحان اللّه أتعمد إلى شيخ مصر و أهل المصر عامة،تبعثه في الرماة لم تجد من تندب لهذا و يجزى عنك غيري؟!قال:و ما زالوا يرون من شبث الكراهة لقتاله،قال:و قال أبو زهير العبسي:فانا سمعته في امارة مصعب يقول:لا يعطي اللّه أهل هذا المصر خيرا ابدا!و لا يسددهم لرشد،إلاّ تعجبون انا قاتلنا مع علي بن أبي طالب و مع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين،ثم عدونا على ابنه و هو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية،و ابن سمية الزانية!ضلال يا لك من ضلال قال:و دعا عمر بن سعد الحصين بن تميم فبعث معه المجففة و خمس مائة من المرامية فأقبلوا حتى إذا دنوا من الحسين و أصحابه،رشقوهم بالنبل فلم يلبثوا ان عقروا خيولهم،و صاروا رجالة كلهم.

قال و كان أيوب بن مشرح الخيواني يقول:انا و اللّه عقرت بالحر بن يزيد فرسه حشأته سهما فما لبث ان ارعد الفرس و اضطرب و كبا،فوثب عنه الحر كأنه ليث و السيف في يده و هو يقول:

ص: 143

إن تعقروا بي،فأنا ابن الحر أشجع من ذي لبد هزبر

قال:فما رأيت أحدا قط يفري فريه،قال:فقال له أشياخ من الحي:أنت قتلته،قال:

لا و اللّه ما انا قتلته،و لكن قتله غيري و ما أحب اني قتلته فقال له أبو الوداك و لم؟! قال:إنه كان زعموا من الصالحين فو اللّه لئن كان ذلك اثما لان القى اللّه باثم الجراحة و الموقف أحب إلي من أن ألقاه باثم قتل أحد منهم،فقال له أبو الوداك:ما أراك إلاّ ستلقى اللّه باثم قتلهم أجمعين،أرأيت لو أنك رميت ذا فعقرت ذا،و رميت آخر و وقفت موقفا و كررت عليهم و حرضت أصحابك و كثرت أصحابك،و حمل عليك فكرهت ان تفر،و فعل آخر من أصحابك كفعلك و آخر و آخر،كان هذا و أصحابه يقتلون.

أنتم شركاء كلكم في دمائهم!فقال له:يا أبا الوداك!انك لتقنطنا من رحمة اللّه ان كنت ولي حسابنا يوم القيامة فلا غفر اللّه لك ان غفرت لنا قال هو ما أقول لك.

زحف الميسرة و مقتل الكلبي و زوجته

قال:و حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة فثبتوا له، فطاعنوه و أصحابه،و حمل على حسين و أصحابه من كل جانب،فقتل الكلبي و قد قتل رجلين بعد الرجلين الأولين،و قاتل قتالا شديدا فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي،و بكير بن حيي التيمي من تيم اللّه بن ثعلبة،فقتلاه و كان القتيل الثاني من أصحاب الحسين.

قال:و خرجت امرأة الكلبي تمشى إلى زوجها حتى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب و تقول هنيئا لك الجنة فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمى رستم اضرب رأسها بالعمود فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها.

ص: 144

زحف الميمنة و مقتل مسلم بن عوسجة

قال:ثم إن عمرو بن الحجاج حمل على الحسين في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات،فاضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي أول أصحاب الحسين،ثم انصرف عمرو بن الحجاج و أصحابه و ارتفعت الغبرة فإذا هم به صريع،فمشى إليه الحسين فإذا به رمق،فقال رحمك ربك يا مسلم بن عوسجة، منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا و دنا منه حبيب بن مظاهر، فقال:عز علي مصرعك يا مسلم!أبشر بالجنة!فقال له مسلم قولا ضعيفا:بشرك اللّه بخير،فقال له حبيب لو لا أني اعلم اني في آثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت ان توصيني بكل ما أهمك حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت أهل له في القرابة و الدين،قال:بل انا أوصيك بهذا رحمك اللّه و اهوى بيده إلى الحسين ان تموت دونه!قال:افعل و رب الكعبة،قال:فما كان بأسرع من أن مات في أيديهم و صاحت جارية له فقالت:يا ابن عوسجتاه!يا سيداه!فتنادى أصحاب عمرو بن الحجاج:قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدي.

فقال شبث لبعض من حوله من أصحابه:ثكلتكم أمهاتكم،إنما تقتلون أنفسكم بأيديكم،و تذللون أنفسكم لغيركم،تفرحون ان يقتل مثل مسلم بن عوسجة!اما و الذي أسلمت له لرب موقف له قد رأيته في المسلمين كريم،لقد رأيته يوم سلق آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل تتام خيول المسلمين!أفيقتل منكم مثله و تفرحون؟!قال:و كان الذي قتل مسلم بن عوسجة مسلم بن عبد اللّه الضبابي و عبد الرحمن ابن أبي خشكارة البجلي (1).

ص: 145


1- معالم المدرستين للعسكري:106/3.
يزيد بن زياد يرمى بين يدي الحسين عليه السلام

قال الطبري:و كان أبو الشعثاء يزيد بن زياد بن المهاصر من بني بهدلة خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين فلما ردوا الشروط على الحسين مال إليه و قاتل معه، جثى على ركبتيه بين يدي الحسين فرمى بمائة سهم ما سقط منها إلا خمسة أسهم،و كان راميا فكان كلما رمى قال انا ابن بهدلة فرسان العرجلة و يقول حسين:

اللهم سدد رميته و اجعل ثوابه الجنة فلما رمى بها قام فقال:ما سقط منها إلا خمسة أسهم و لقد تبين لي إني قد قتلت خمسة نفر و كان في أول من قتل و كان رجزه يومئذ:

أنا يزيد و أبى مهاصر أشجع من ليث بغيل خادر

يا رب إني للحسين ناصر و لابن سعد تارك و هاجر

أربعة استشهدوا في مكان واحد

قال الطبري:و برز عمر بن خالد و جابر بن الحارث السلماني،و سعد مولى عمر ابن خالد،و مجمع بن عبد اللّه العائذي فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس و قاتلوا فلما و غلوا،عطف عليهم الناس،فأخذوا يحوزونهم،و قطعوهم من أصحابهم غير بعيد،فحمل عليهم العباس بن علي فاستنقذهم،فجاؤوا قد جرحوا فلما دنا منهم عدوهم،شدوا بأسيافهم فقاتلوا في أول الأمر حتى قتلوا في مكان واحد.

ص: 146

مقتل برير

و روى الطبري عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس و كان قد شهد مقتل الحسين، قال:خرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة،و هو حليف لبني سليمة من عبد القيس،فقال:يا برير بن حضير!كيف ترى اللّه صنع بك؟

قال:صنع اللّه و اللّه بي خيرا،و صنع اللّه بك شرا:قال:كذبت!و قبل اليوم ما كنت كذابا!هل تذكر و انا أماشيك في بني لوذان،و أنت تقول:إن عثمان بن عفان كان على نفسه مسرفا و إن معاوية بن أبي سفيان ضال،مضل،و إن امام الهدى و الحق علي بن أبي طالب فقال له برير:اشهد ان هذا رأيي و قولي،فقال له يزيد بن معقل:

فإني اشهد انك من الضالين!فقال له برير بن حضير:هل لك فلا باهلك و لندع اللّه ان يلعن الكاذب و ان يقتل المبطل،ثم اخرج،فلا بارزك.

قال:فخرجا فرفعا أيديهما إلى اللّه يدعوانه ان يلعن الكاذب،و ان يقتل المحق المبطل،ثم برز كل واحد منهما لصاحبه،فاختلفا ضربتين فضرب يزيد بن معقل برير بن حضير ضربة خفيفة،لم تضره شيئا و ضربه برير بن حضير ضربة قدت المغفر و بلغت الدماغ،فخر كأنما هوى من حالق،و إن سيف ابن حضير لثابت في رأسه فكأني انظر إليه ينضنضه من رأسه،و حمل عليه رضي بن منقذ العبدي، فاعتنق بريرا فاعتركا ساعة،ثم إن بريرا قعد على صدره فقال رضي:أين أهل المصاع و الدفاع؟!قال فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه،فقلت:إن هذا برير ابن حضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد!فحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره،فلما وجد مس الرمح،برك عليه،فعض بوجهه،و قطع طرف انفه فطعنه كعب بن جابر حتى ألقاه عنه،و قد غيب السنان في ظهره،ثم اقبل عليه يضربه بسيفه،حتى قتله.

ص: 147

قال عفيف:كأني انظر إلى العبدي الصريع،قام ينفض التراب عن قبائه،و يقول:

أنعمت علي يا أخا الأزد نعمة لن أنساها ابدا.

قال:فقلت أنت رأيت هذا،قال:نعم رأى عيني و سمع اذني،فلما رجع كعب بن جابر قالت له امرأته،أو أخته النوار بنت جابر:أعنت على ابن فاطمة!و قتلت سيد القراء!لقد أتيت عظيما من الأمر،و اللّه لا أكلمك من رأسي كلمة ابدا و قال:كعب بن جابر:

سلى تخبري عني و أنت ذميمة غداة حسين و الرماح شوارع

ألم آت أقصى ما كرهت و لم يخل على غداة الروع ما انا صانع

معي يزني لم تخنه كعوبه و أبيض مخشوب الغرارين قاطع

فجردته في عصبة ليس دينهم بديني و اني بابن حرب لقانع

و لم تر عيني مثلهم في زمانهم و لا قبلهم في الناس إذ انا يافع

أشد قراعا بالسيوف لدى الوغا ألا كل من يحمي الذمار مقارع

و قد صبروا للطعن و الضرب حسرا و قد نازلوا لو أن ذلك نافع

فأبلغ عبيد اللّه اما لقيته بأني مطيع للخليفة سامع

قتلت بريرا ثم حملت نعمة أبا منقذ لما دعا من يماصع

و روى عن عبد الرحمن بن جندب قال:سمعته في امارة مصعب بن الزبير و هو يقول:يا رب انا قد وفينا فلا تجعلنا يا رب كمن قد غدر!فقال له أبي:صدق و لقد و فى و كرم و كسبت لنفسك شرا،قال:كلا إني لم اكسب لنفسي شرا و لكني كسبت لها خيرا قال:و زعموا أن رضي بن منقذ العبدي رد بعد على كعب بن جابر جواب قوله فقال:

لو شاء ربي ما شهدت قتالهم و لا جعل النعماء عندي ابن جابر

لقد كان ذاك اليوم عارا و سبة يعيره الأبناء بعد المعاشر

فيا ليت أني كنت من قبل قتله و يوم حسين كنت في رمس قابر

ص: 148

عمرو بن قرظة الأنصاري

قال:و خرج عمرو بن قرظة الأنصاري يقاتل دون حسين،و هو يقول:

قد علمت كتيبة الأنصار أني سأحمي حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكس شاري دون حسين مهجتي و داري

فقتل عمرو بن قرظة بن كعب و كان مع الحسين و كان علي اخوه مع عمر بن سعد فنادى علي ابن قرظة يا حسين!يا كذاب ابن الكذاب!أضللت أخي و غررته حتى قتلته!

قال:إن اللّه لم يضل أخاك و لكنه هدى أخاك و أضلك!قال قتلني اللّه ان لم أقتلك!أو أموت دونك!فحمل عليه فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه فصرعه،فحمله أصحابه،فاستنقذوه فدوي بعد فبرأ.

مبارزة يزيد بن سفيان و الحر

و روى عن أبي زهير العبسي ان الحر بن يزيد لما لحق بحسين قال يزيد بن سفيان من بني شقرة و هم بنو الحارث بن تميم:اما و اللّه لو اني رأيت الحر بن يزيد حين خرج لا تبعته السنان قال فبينا الناس يتجاولون و يقتتلون و الحر بن يزيد يحمل على القوم مقدما و يتمثل قول عنترة:

ما زلت أرميهم بثغرة نحره و لبانه حتى تسربل بالدم

و إن فرسه لمضروب على اذنيه و حاجبه و إن دماءه لتسيل،فقال الحصين بن تميم و كان على شرطة عبيد اللّه ليزيد بن سفيان هذا الحر بن يزيد الذي كنت تتمنى قال:نعم،فخرج إليه،فقال له:هل لك يا حر بن يزيد في المبارزة؟!قال:نعم،قد

ص: 149

شئت،فبرز له قال:فأنا سمعت الحصين بن تميم يقول:و اللّه لبرز له فكأنما كانت نفسه في يده فما لبثه الحر حين خرج إليه ان قتله.

قال:و قاتلوهم حتى انتصف النهار أشد قتال خلقه اللّه و أخذوا لا يقدرون على أن يأتوهم إلا من وجه واحد لاجتماع أبنيتهم و تقارب بعضها من بعض قال فلما رأى ذلك عمر بن سعد ارسل رجالا يقوضونها عن ايمانهم و عن شمائلهم ليحيطوا بهم قال فأخذ الثلاثة و الأربعة من أصحاب الحسين يتخللون البيوت فيشدون على الرجل و هو يقوض و ينتهب فيقتلونه و يرمونه من قريب و يعقرونه (1).

حرق الخيام

قال:فأمر بها عمر بن سعد عند ذلك فقال احرقوها بالنار،و لا تدخلوا بيتا و لا تقوضوه،فجاؤوا بالنار فأخذوا يحرقون فقال حسين دعوهم فليحرقوها،فإنهم لو قد حرقوها لم يستطيعوا ان يجوزوا إليكم منها،و كان ذلك كذلك،و أخذوا لا يقاتلونهم إلاّ من وجه واحد.

قال:و حمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين برمحه و نادى:

علي بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله،قال:فصاح النساء و خرجن من الفسطاط.

قال:و صاح به الحسين يا بن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي!حرقك اللّه بالنار.

و روى عن حميد بن مسلم قال:قلت لشمر بن ذي الجوشن:سبحان اللّه:أن هذا لا يصلح لك،أتريد ان تجمع على نفسك خصلتين تعذب بعذاب اللّه،و تقتل الولدان

ص: 150


1- معالم المدرستين للعسكري:110/3.

و النساء،و اللّه ان في قتلك الرجال لما ترضى به أميرك قال:

فقال:من أنت؟!

قال:قلت:لا أخبرك من أنا.

قال:و خشيت و اللّه أن لو عرفني أن يضرني عند السلطان!

قال:فجاءه رجل كان أطوع له مني شبث بن ربعي،فقال:ما رأيت مقالا أسوأ من قولك،و لا موقفا أقبح من موقفك!أمر عبا للنساء صرت!

قال:فأشهد انه استحيا فذهب لينصرف،و حمل عليه زهير بن القين في رجال من أصحابه عشرة فشد على شمر بن ذي الجوشن و أصحابه فكشفهم عن البيوت، حتى ارتفعوا عنها فصرعوا أبا عزة الضبابي،فقتلوه،فكان من أصحاب شمر، و تعطف الناس عليهم فكثروهم فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين قد قتل،فإذا قتل منهم الرجل و الرجلان تبين فيهم،و أولئك كثير لا يتبين فيهم ما يقتل منهم.

صلاة الخوف

قال:فلما رأى ذلك أبو ثمامة عمرو بن عبد اللّه الصائدي قال للحسين:يا أبا عبد اللّه!نفسي لك الفداء،إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك،و لا و اللّه لا تقتل حتى اقتل دونك إن شاء اللّه،و أحب ان القى ربي و قد صليت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها قال:

فرفع الحسين رأسه،ثم قال:ذكرت الصلاة،جعلك اللّه من المصلين الذاكرين نعم، هذا أول وقتها،ثم قال:سلوهم ان يكفوا عنا حتى نصلي فقال لهم الحصين ابن تميم:انها لا تقبل!

فقال له حبيب بن مظاهر:لا تقبل،زعمت الصلاة من آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و تقبل منك يا حمار!

قال:فحمل عليهم حصين بن تميم،و خرج إليه حبيب بن مظاهر،فضرب وجه

ص: 151

فرسه بالسيف،فشب و وقع عنه،و حمله أصحابه،و استنقذوه (1).

مقتل حبيب بن مظاهر

و حمل حبيب و هو يقول:

أقسم لو كنا لكم أعدادا أو شطركم وليتم أكتادا (2)

يا شر قوم حسبا و آدا

و جعل يقول يومئذ:

أنا حبيب و أبي مظاهر فارس هيجاء و حرب تسعر

أنتم أعد عدة و أكثر و نحن أوفى منكم و أصبر

و نحن أعلى حجة و أظهر حقا و أتقى منكم و أعذر

و قتل قتالا شديدا فحمل عليه رجل من بني تميم فطعنه فوقع فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع و نزل إليه التميمي فاحتز رأسه فقال له الحصين:إني لشريكك في قتله فقال الآخر:و اللّه ما قتله غيري.

فقال الحصين:أعطنيه أعلقه في عنق فرسي كيما يرى الناس و يعلموا أني شركت في قتله ثم خذه أنت بعد فامض به إلى عبيد اللّه بن زياد،فلا حاجة لي في ما تعطاه على قتلك إياه،قال:فأبى عليه فاصلح قومه فيما بينهما على هذا فدفع إليه رأس حبيب ابن مظاهر فجال به في العسكر قد علقه في عنق فرسه ثم دفعه إليه بعد ذلك،فلما رجعوا إلى الكوفة،أخذ الآخر رأس حبيب فعلقه في لبان فرسه،ثم أقبل به إلى ابن زياد في القصر،فبصر به ابنه القاسم بن حبيب و هو يومئذ قد راهق،

ص: 152


1- معالم المدرستين للعسكري:111/3.
2- أكتادا:أي جماعات.

فأقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل القصر دخل معه و إذا خرج خرج معه،فارتاب به فقال:مالك يا بني تتبعني؟

قال:لا شيء.

قال:بلى يا بني أخبرني.

قال له:إن هذا الرأس الذي معك رأس أبي أفتعطينيه حتى أدفنه.

قال:يا بني لا يرضى الأمير أن يدفن،و أنا أريد أن يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا،قال له الغلام:لكن اللّه لا يثيبك على ذلك إلا أسوء الثواب أما و اللّه لقد قتلت خيرا منك و بكى فمكث الغلام حتى إذا أدرك لم يكن له همه إلاّ اتباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرة فيقتله بأبيه فلما كان زمان مصعب بن الزبير،و غزا مصعب باجميرا دخل عسكر مصعب،فإذا قاتل أبيه في فسطاطه،فأقبل يختلف في طلبه و التماس غرته فدخل عليه و هو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتى برد.

و لما قتل حبيب بن مظاهر،هد ذلك حسينا،و قال عند ذلك أحتسب نفسي و حماة أصحابي قال فأخذ الحر يرتجز و يقول:

آليت لا أقتل حتى أقتلا و لن أصاب اليوم إلاّ مقبلا

أضربهم بالسيف ضربا مقصلا لا ناكلا عنهم و لا مهللا

و أخذ يقول أيضا:

أضرب في أعراضهم بالسيف عن خير من حل منى و الخيف

فقاتل هو و زهير بن القين قتالا شديدا فكان إذا شد أحدهما فإن استلحم شد الآخر حتى يخلصه ففعلا ذلك ساعة ثم إن رجالة شدت على الحر بن يزيد فقتل و قتل أبو ثمامة الصائدي ابن عم له كان عدوا له،ثم صلوا الظهر صلى بهم الحسين صلاة الخوف.

ص: 153

سعيد الحنفي

ثم اقتتلوا بعد الظهر فاشتد قتالهم و وصل إلى الحسين فاستقدم الحنفي أمامه فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يمينا و شمالا قائما بين يديه فما زال يرمي حتى سقط.

و ذكر الخوارزمي أنه كان يرتجز و يقول:

أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا و شيخك الخير عليا ذا الندى

و حسنا كالبدر وافى إلاّ سعدا و عمك القرم الهجان الاصيدا

و حمزة ليث الاله الأسدا في جنة الفردوس تعلو صعدا (1)

زهير بن القين

و قاتل زهير بن القين قتالا شديدا و أخذ يقول:

أنا زهير و أنا ابن القين أذودهم بالسيف عن حسين

قال:و أخذ يضرب على منكب حسين و يقول:

أقدم هديت هاديا مهديا فاليوم تلقى جدك النبيا

و حسنا و المرتضى عليا و ذا الجناحين الفتى الكميا

و أسد اللّه الشهيد الحيا

فشد عليه كثير بن عبد اللّه الشعبي و مهاجر بن أوس فقتلاه.

ص: 154


1- مقتل الخوارزمي 20/2.
نافع بن هلال الجملي

قال:و كان نافع بن هلال الجملي قد كتب اسمه على أفواق نبله فجعل يرمي بها مسمومة و هو يقول:أنا الجملي،أنا على دين علي.

و قال الخوارزمي:و كان يرمي و يقول:

أرمي بها معلمة أفواقها و النفس لا ينفعها اشفاقها

مسمومة يجري بها أخفاقها لتملأن أرضها رشاقها

و يقول:

أنا على دين علي ابن هلال الجملي

أضربكم بمنصلي تحت عجاج القسطل (1)

فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه،ثم ضرب إلى قائم سيفه فاستله،و حمل و هو يقول:

أنا الغلام اليمني الجملي ديني على دين حسين و علي

ان أقتل اليوم فهذا أملي و ذاك رأيي و ألاقي عملي

فقتل ثلاثة عشر رجلا. (2)

قال الطبري:خرج إليه رجل يقال له مزاحم بن حريث فقال:انا على دين عثمان، فقال له:أنت على دين شيطان!ثم حمل عليه فقتله،فصاح عمرو بن الحجاج بالناس:يا حمقى!أتدرون من تقاتلون؟فرسان المصر،قوما مستميتين.

لا يبرزن لهم منكم أحد!فإنهم قليل،و قل ما يبقون،و اللّه لو لم ترموهم إلاّ

ص: 155


1- مقتل الخوارزمي 14/2-15.
2- مقتل الخوارزمي 20/2-21.

بالحجارة لقتلتموهم.

فقال عمر بن سعد:صدقت،الرأي ما رأيت.

و أرسل إلى الناس يعزم عليهم إلاّ يبارز رجل منكم رجلا منهم.

قال و دنا عمرو بن الحجاج من أصحاب الحسين يقول يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم و جماعتكم و لا ترتابوا في قتل من مرق من الدين و خالف الإمام،فقال له الحسين يا عمرو بن الحجاج أعلي تحرض الناس؟!انحن مرقنا،و أنتم ثبتم عليه؟! أما و اللّه لتعلمن لو قد قبضت أرواحكم و متم على أعمالكم،أينا مرق من الدين!و من هو أولى بصلي النار!و قال الطبري:فقتل اثني عشر من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح.

قال:فضرب حتى كسرت عضداه و أخذ أسيرا.

قال:فأخذه شمر بن ذي الجوشن و معه أصحاب له يسوقون نافعا حتى أوتي به عمر بن سعد،فقال له عمر بن سعد:ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك؟

قال:إن ربي يعلم ما أردت.

قال:و الدماء تسيل على لحيته و هو يقول:و اللّه لقد قتلت منكم اثني عشر سوى من جرحت و ما ألوم نفسي على الجهد،و لو بقيت لي عضد و ساعد ما أسرتموني، فقال له شمر:اقتله أصلحك اللّه.

قال:أنت جئت به فإن شئت فاقتله.

قال:فانتضى شمر سيفه.

فقال له نافع:أما و اللّه ان لو كنت من المسلمين لعظم عليك ان تلقى اللّه بدمائنا فالحمد للّه الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه،فقتله.

قال:ثم أقبل شمر يحمل عليهم و هو يقول:

خلوا عداة اللّه خلوا عن شمر يضربهم بسيفه و لا يفر

ص: 156

و هو لكم صاب و سم و مقر

قال:فلما رأى أصحاب الحسين أنهم قد كثروا و أنهم لا يقدرون على أن يمنعوا حسينا و لا أنفسهم تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه.

الغفاريان

فجاءه عبد اللّه و عبد الرحمن ابنا عزرة الغفاريان فقالا:يا أبا عبد اللّه عليك السلام حازنا العدو إليك فاحببنا أن نقتل بين يديك،نمنعك و ندفع عنك،قال:

مرحبا بكما ادنوا منى فدنوا منه فجعلا يقاتلان قريبا منه،أحدهما يقول.

قد علمت حقا بنو غفار و خندف بعد بني نزار

لنضر بن معشر الفجار بكل عضب صارم بتار

يا قوم ذودوا عن بني الأحرار بالمشرفي و القنا الخطار

الجابريان و حنظلة

قال:و جاء الفتيان الجابريان سيف بن الحارث بن سريع،و مالك بن عبد بن سريع،و هما ابنا عم و أخوان لام فأتيا حسينا فدنوا منه و هما يبكيان،فقال:أي ابني أخي ما يبكيكما فو اللّه إني لأرجو أن تكونا عن ساعة قريري عين،قالا:جعلنا اللّه فداك،لا و اللّه ما على أنفسنا نبكي،و لكنا نبكي عليك،نراك قد أحيط بك،و لا نقدر على أن نمنعك،فقال:جزاكما اللّه يا ابني أخي بوجدكما من ذلك و مواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين.

قال:و جاء حنظلة بن أسعد الشامي فقام بين يدي الحسين فأخذ ينادي يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب،مثل دأب قوم نوح و عاد و ثمود و الذين من

ص: 157

بعدهم و ما اللّه يريد ظلما للعباد،و يا قوم أني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من اللّه من عاصم،و من يضلل اللّه فما له من هاد،يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم اللّه بعذاب و قد خاب من افترى،فقال له حسين:يا ابن أسعد رحمك اللّه أنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق، و نهضوا إليك ليستبيحوك و أصحابك،فكيف بهم الان و قد قتلوا اخوانك الصالحين،قال:صدقت جعلت فداك،أنت أفقه مني و أحق بذلك أفلا نروح إلى الآخرة و نلحق باخواننا،فقال:رح إلى خير من الدنيا و ما فيها،و الى ملك لا يبلى.

فقال:السلام عليك يا أبا عبد اللّه،صلى اللّه عليك،و على أهل بيتك،و عرف بيننا و بينك في جنته،فقال:آمين آمين،فاستقدم فقاتل حتى قتل.

ثم استقدم الفتيان الجابريان يلتفتان إلى الحسين و يقولان:السلام عليك يا ابن رسول اللّه.

فقال:عليكما السلام و رحمة اللّه،فقاتلا حتى قتلا.

عابس بن أبي شبيب و شوذب:قال و جاء عابس بن أبي شبيب الشاكري و معه شوذب مولى شاكر.

فقال:يا شوذب ما في نفسك أن تصنع،قال:ما أصنع أقاتل معك دون ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حتى أقتل،قال:ذلك الظن بك أملا،فتقدم بين يدي أبي عبد اللّه حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه و حتى أحتسبك أنا،فإنه لو كان معي الساعة أحد أولى به مني بك لسرني أن يتقدم بين يدي حتى أحتسبه فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الاجر فيه بكل ما قدرنا عليه،فإنه لا عمل بعد اليوم،و إنما هو الحساب.

قال:فتقدم فسلم على الحسين ثم مضى فقاتل حتى قتل،ثم قال عابس بن أبي شبيب:يا أبا عبد اللّه أما و اللّه ما أمسى على ظهر الأرض قريب و لا بعيد أعز علي و لا أحب إلي منك،و لو قدرت على أن أدفع عنك الضيم و القتل بشيء أعز علي من نفسي

ص: 158

و دمي لفعلته،السلام عليك يا أبا عبد اللّه،أشهد اللّه أني علي هديك و هدي أبيك ثم مشى بالسيف مصلتا نحوهم و به ضربة على جبينه.

و روى عن ربيع بن تميم الهمداني و قد شهد ذلك اليوم قال:لما رأيته مقبلا عرفته و قد شاهدته في المغازي و كان أشجع الناس فقلت:أيها الناس هذا الأسد الأسود،هذا ابن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم فأخذ ينادي ألا رجل لرجل.

فقال عمر بن سعد:ارضخوه بالحجارة.

قال:فرمي بالحجارة من كل جانب،فلما رآى ذلك ألقى درعه و مغفره ثم شد على الناس فو اللّه لرأيته يكرد أكثر من مائتين من الناس ثم إنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل،قال:رأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة،هذا يقول:أنا قتلته،و هذا يقول:أنا قتلته،فأتوا عمر بن سعد،فقال:لا تختصموا،هذا لم يقتله سنان واحد ففرق بينهم.

فرار الضحاك المشرقي

و روى عن عبد اللّه المشرقي،قال:لما رأيت أصحاب الحسين قد أصيبوا و قد خلص إليه و الى أهل بيته و لم يبق معه غير سويد بن أبي عمر،و ابن أبي المطاع الخثعمي و بشير بن عمرو الحضرمي.

قلت له:يا ابن رسول اللّه!قد علمت ما كان بيني و بينك،قلت لك:أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا فإذا لم أر مقاتلا فانا في حل من الانصراف،فقلت لي:نعم.

قال:فقال:صدقت و كيف لك بالنجاء ان قدرت على ذلك فأنت في حل قال:

فأقبلت إلى فرسي و قد كنت حبث رأيت خيل أصحابنا تعقر أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطا لأصحابنا بين البيوت و أقبلت أقاتل معهم راجلا فقتلت يومئذ بين يدي الحسين رجلين و قطعت يد آخر.

ص: 159

و قال لي الحسين عليه السّلام:يومئذ مرارا لا تشلل لا يقطع اللّه يدك جزاك اللّه خيرا عن أهل بيت نبيك صلّى اللّه عليه و اله فلما أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط ثم استويت على متنها ثم ضربتها حتى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم فأفر جوالي و أتبعني منهم خمسة عشر رجلا حتى انتهيت إلى شفية،قرية قريبة من شاطئ الفرات فلما لحقوني عطفت عليهم فعرفني كثير بن عبد اللّه الشعبي و أيوب بن مشرح الخيواني و قيس بن عبد اللّه الصائدي و قالوا:هذا الضحاك بن عبد اللّه المشرقي،هذا ابن عمنا ننشدكم اللّه لما كففتم عنه فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم:بلى و اللّه لنجيبن اخواننا و أهل دعوتنا إلى ما أحبوا من الكف عن صاحبهم، قال:فلما تابع التميميون أصحابي كف الآخرون قال:فنجاني اللّه.

قال الطبري:و كان آخر من بقي مع الحسين من أصحابه سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي.

قال المؤلف:إلى هنا أوردنا أخبار تاريخ الطبري في مقتل أصحاب الحسين دون أن نلتزم بسياقه في ترتيب ذكر الحوادث لما يظهر منه عدم الاكتراث بذكر الحوادث كما وقعت و لم يكن ترتيبنا أيضا بنتيجة البحث العلمي في غير أخبار الطبري و إنما لاحظنا القرائن الدالة في أخباره على الترتيب الذي أوردناه و صرحنا بمصادر الاخبار التي أضفناها إلى أخباره،و بما أن الطبري لم يستوعب في تاريخه جميع أخبار أصحاب الحسين و كان في بعضها مزيد ايضاح لما نحن بصدده من درك سبب استشهاد الحسين نورد يسيرا منها في ما يلي (1).3.

ص: 160


1- معالم المدرستين للعسكري:117/3.
شهداء آخرون
عمرو بن خالد

قال الخوارزمي:و برز عمرو بن خالد الأزدي و هو يقول:

اليوم يا نفس إلى الرحمن تمضين بالروح و بالريحان

اليوم تجزين على الاحسان قد كان منك غابر الأزمان

ما خط باللوح لدى الديان فاليوم زال ذاك؟الغفران

لا تجزعي فكل حي فإن و الصبر أحظى لك بالأمان

فقاتل حتى قتل.

سعد بن حنظلة

ثم خرج من بعده سعد بن حنظلة التميمي و هو يقول:

صبرا على الأسياف و الاسنه صبرا عليها لدخول الجنة

و حور عين ناعمات هنه لمن يريد الفوز لا بالظنه

يا نفس للراحة فاطرحنه و في طلاب الخير فأرغبنه

ثم حمل فقاتل قتالا شديدا فقتل (1).

ص: 161


1- مقتل الخوارزمي 14/2.

و قال في البحار:و خرج إليهم حنظلة فنادى:يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم اللّه بعذاب و قد خاب من افترى،ثمّ قال للحسين عليه السّلام:ألا نروح إلى ربّنا فنلحق بإخواننا؟

فقال:رح إلى ما هو خير لك،فسلّم على الحسين عليه السّلام ثمّ قاتل حتّى قتل.

عبد الرحمن بن عبد اللّه اليزني

قال:ثم خرج عبد الرحمن بن عبد اللّه اليزني و هو يقول:

انا ابن عبد اللّه من آل يزن ديني على دين حسين و حسن

أضربكم ضرب فتى من اليمن أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن

ثم حمل فقاتل حتى قتل.

قرة بن أبي قرة

ثم خرج قرة بن أبي قرة الغفاري و هو يقول:

قد علمت حقا بنو غفار و خندف بعد بني نزار

بأنني الليث الهزبر الضاري لأضربن معشر الفجار

بحد عضب ذكر بتار يشع لي في ظلمة الغبار

دون الهداة السادة الأبرار رهط النبي احمد المختار

ثم حمل فقاتل حتى قتل.

عمر بن مطاع

و برز عمر بن مطاع الجعفي و هو يقول:

ص: 162

انا ابن جعفي و أبي مطاع و في يميني مرهف قطاع

و اسمر سنانه لماع يرى له من ضوئه شعاع

قد طاب لي في يومى القراع دون حسين و له الدفاع

ثم حمل فقاتل حتى قتل (1).

جون مولى أبي ذر

في مثير الأحزان و اللهوف:ثم تقدم جون مولى أبي ذر و كان عبدا اسود فقال له:أنت في اذن مني فإنما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقنا.

فقال:يا ابن رسول اللّه انا في الرخاء الحس قصاعكم و في الشدة أخذلكم؟و اللّه ان ريحي لنتن،و حسبي للئيم و لوني لاسود فتنفس علي بالجنة فيطيب ريحي و يشرف حسبي و يبيض وجهي،لا و اللّه لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم،ثم قاتل حتى قتل (2).

و في مقتل الخوارزمي:فجعل يقول و هو يحمل عليهم:

كيف يرى الفجار ضرب الأسود بالمشرفي القطاع المهند

احمي الخيار من بني محمد أذب عنهم باللسان و اليد

أرجو بذاك الفوز عند المورد من الاله الواحد الموحد (3)

فقتل خمسة و عشرين و قتل،فوقف عليه الحسين،و قال:اللهم بيض وجهه و طيب ريحه و احشره مع محمد صلّى اللّه عليه و اله و عرف بينه و بين آل محمد (4).

ص: 163


1- مقتل الخوارزمي17/2-18..
2- مثير الأحزان 47 و اللهوف 41.
3- مقتل الخوارزمي /2.
4- راجع مقتل العوالم ص 88.
أنيس بن معقل

و في مقتل الخوارزمي:ثم خرج من بعده أنيس بن معقل الأصبحي،فجعل يقول:

انا أنيس و انا ابن معقل و في يميني نصل سيف فيصل

أعلو به الهامات بين القسطل حتى أزيل خطبه فينجلي

عن الحسين الفاضل المفضل ابن رسول اللّه خير مرسل

الحجاج بن مسروق

قال:و برز الحجاج بن مسروق و هو مؤذن الحسين عليه السّلام فجعل يقول:

أقدم حسين هاديا مهديا اليوم نلقى جدك النبيا

ثم أباك ذا العلا عليا و الحسن الخير الرضا الوليا

و ذا الجناحين الفتى الكميا و أسد اللّه الشهيد الحيا

ثم حمل فقاتل حتى قتل.

جنادة بن الحرث

قال:و برز جنادة بن الحرث الأنصاري و هو يقول:

انا جنادة انا ابن الحارث لست بخوار و لا بناكث عن بيعتي

حتى يقوم و ارثي من فوق شلو في الصعيد ماكث

فحمل و لم يزل يقاتل حتى قتل.

ص: 164

عمرو بن جنادة

ثم خرج من بعده عمرو بن جنادة و هو ينشد و يقول:

اضق الخناق من ابن هند و ارمه في عقره بفوارس الأنصار

و مهاجرين مخضبين رماحهم تحت العجاجة من دم الكفار

خضبت على عهد النبي محمد فاليوم تخضب من دم الفجار

و اليوم تخضب من دماء معاشر رفضوا القران لنصرة الأشرار

طلبوا بثأرهم ببدر و انثنوا بالمرهفات و بالقنا الخطار

و اللّه ربي لا أزال مضاربا للفاسقين بمرهف بتار

هذا علي اليوم حق واجب في كل يوم تعانق و حوار

ثم حمل فقاتل حتى قتل.

غلام يتيم

ثم خرج من بعده شاب قتل أبوه في المعركة،و كانت أمه عنده،فقالت:يا بني اخرج فقاتل بين يدي ابن رسول اللّه حتى تقتل.

فقال:افعل،فخرج،فقال الحسين عليه السّلام:هذا شاب قتل أبوه و لعل أمه تكره خروجه.

فقال الشاب:أمي أمرتني يا ابن رسول اللّه.

فخرج و هو يقول:

أميري حسين و نعم الأمير سرور فؤاد البشير النذير

علي و فاطمة والداه فهل تعلمون له من نظير

ص: 165

ثم قاتل فقتل و حز رأسه و رمي به إلى عسكر الحسين،فأخذت أمه رأسه و قالت له:أحسنت يا بني!يا قرة عيني!و سرور قلبي!

ثم رمت برأس ابنها رجلا فقتلته و اخذت عمود خيمة و حملت على القوم و هي تقول:

انا عجوز في النساء ضعيفة بالية خالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة دون بني فاطمة الشريفة

فضربت رجلين فقتلتهما فأمر الحسين عليه السّلام بصرفها و دعا لها (1).

قال الخوارزمي:و كان يأتي الحسين الرجل بعد الرجل،فيقول:السلام عليك يا ابن رسول اللّه فيجيبه الحسين:و عليك السلام و نحن خلفك،و يقرأ:فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا،ثم يحمل فيقتل!هكذا استمر القتال حتى قتلوا عن آخرهم (2). (3)1.

ص: 166


1- مقتل الخوارزمي 19/2-22.
2- مقتل الخوارزمي 25/2.
3- معالم المدرستين للعسكري:103/3-121.

فضل شهداء الحسين و علة عدم مبالاتهم بالقتل

الطالقان،عن الجلودي،عن الجوهري،عن ابن عمارة عن أبيه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:أخبرني عن أصحاب الحسين و إقدامهم على الموت،فقال:

إنهم كشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم من الجنة فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها و إلى مكانه من الجنة (1).

المفسر،عن أحمد بن الحسن الحسيني،عن الحسن بن علي الناصري،عن أبيه،عن أبي جعفر الثاني،عن آبائه عليهم السلام قال:قال علي بن الحسين عليه السّلام، لما اشتد الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم،لانهم كلما اشتد الأمر تغيرت ألوانهم،و إرتعدت فرائصهم و وجلت قلوبهم،و كان الحسين عليه السّلام و بعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم و تهدئ جوارحهم،و تسكن نفوسهم.

فقال بعضهم لبعض:انظروا لا يبالي بالموت،فقال لهم الحسين عليه السّلام:صبرا بني الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس و الضراء إلى الجنان الواسعة و النعيم الدائمة،فأيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟،و ما هو لأعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر إلى سجن و عذاب.

إن أبي حدثني،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر و الموت

ص: 167


1- علل الشرائع ج 1 ص 218 باب 163 الرقم:1،و بحار الأنوار:294/40-302 ح 1.

جسر هؤلاء إلى جنانهم،و جسر هؤلاء إلى جحيمهم،ما كذبت و لا كذبت (1).

عن سعد،عن ابن عيسى،عن الاهوازي،عن النصر،عن عاصم بن حميد،عن الثمالي قال:قال علي بن الحسين عليه السّلام:كنت مع أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها، فقال لأصحابه:هذا الليل فاتخذوه جنة فإن القوم إنما يريدونني،و لو قتلوني لم يلتفتوا إليكم و أنتم في حل وسعة.

فقالوا:و اللّه لا يكون هذا أبدا فقال:إنكم تقتلون غدا كلكم و لا يفلت منكم رجل، قالوا:الحمد للّه الذي شرفنا بالقتل معك.

ثم دعا فقال لهم:ارفعوا رؤسكم و انظروا،فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم و منازلهم من الجنة،و هو يقول لهم:هذا منزلك يا فلان،فكان الرجل يستقبل الرماح و السيوف بصدره و وجهه ليصل إلى منزلته من الجنة (2).

الهمداني،عن علي بن إبراهيم،عن اليقطيني،عن يونس[ابن عبد الرحمن]،عن ابن أسباط،عن علي بن سالم،عن أبيه،عن[ثابت ابن أبي صفية]الثمالي قال:نظر علي بن الحسين سيد العابدين إلى عبيد اللّه ابن العباس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فاستعبر.

ثم قال:ما من يوم أشد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من يوم أحد،قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد اللّه و أسد رسوله،و بعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب.

ثم قال عليه السّلام:و لا يوم كيوم الحسين،ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الامة كل يتقرب إلى اللّه عز و جل بدمه و هو باللّه يذكرهم فلا يتعظون،حتى قتلوه بغيا و ظلما و عدوانا.ثم قال عليه السّلام:رحم اللّه العباس فلقد آثر و أبلى و فدى أخاه3.

ص: 168


1- معاني الأخبار ص 288 باب معنى الموت،و بحار الأنوار:294/40-302 ح 2.
2- بحار الأنوار:294/40-302 ح 3.

بنفسه حتى قطعت يداه،فأبدل اللّه عز و جل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب عليه السّلام و إن للعباس عند اللّه عز و جل منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة (1).

محمد بن جعفر،عن ابن أبي الخطاب،عن محمد بن إسماعيل،عمن حدثه،عن علي بن حمزة،عن الحسين بن أبي العلا و أبي المغرا و عاصم بن حميد جميعا،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ما من شهيد إلا و هو يحب لو أن الحسين بن علي عليهما السّلام حي حتى يدخلون الجنة معه (2).1.

ص: 169


1- بحار الأنوار:294/40-302 ح 4،و أمالي الصدوق:المجلس 70 الرقم 10.
2- أي حتى ينصرونه و يقتلون معه فيدخلون الجنة،و فى بعض النسخ كما في المصدر إلاّ و يحب أن يكون مع الحسين عليه الصلاة و السلام حتى يدخلون الجنة معه راجع كامل الزيارات ص 111.

شهداء كربلاء و الاختيار الواعي

قال الإمام الخميني (1):كلما اقترب الإمام الحسين(سلام اللّه عليه)من الشهادة في يوم عاشوراء كان وجهه يزداد تألقا(قال الإمام السجاد عليه السلام:"و لما اشتد الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم لأنهم كلما أشتد الأمر تغيرت ألوانهم و ارتعت فرائصهم و وجلت قلوبهم و كان الحسين عليه السّلام و بعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم و تهدئ جوارحهم و تسكن نفوسهم"راجع:بحار الأنوار:ج 44 ص 297 و معاني الأخبار:ص 288.)، و كان أصحابه يزدادون تلهفا للاستشهاد،كان الجميع يعلمون أنهم مستشهدون بأجمعهم عما قريب،بل بعد سويعات ليس غير.

كانوا يتسابقون إلى الشهادة لأنهم كانوا يعون إلى ما هم منقلبون و يدركون إلى ماذا يستهدفون من المجي،و يعلمون أنهم أتوا لأداء واجب الهي،و لصيانة الإسلام.

إنكم تجدون في بعض الروايات أنه كلما اقترب ظهر يوم عاشوراء ازداد وجه الحسين بن علي(سلام اللّه عليه)تألقا و نورا،لأنه كان يرى أنه يجاهد في سبيل اللّه، لذا فهو لم يعدّ فقدانه لأعزته خسارة،بل يعتبرهم ذخائر لعالم البقاء و الخلود.

ورد في الروايات أن الحسين عليه السّلام رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في المنام،فقال له إن في

ص: 170


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

الجنة درجات لا تنالها إلاّ بالشهادة. (1)

في تلك الظروف العصيبة سأل علي بن الحسين(سلام اللّه عليه)أباه-و هذا ما يذكره الخطباء و أهل المنبر تدليلا على أن ما وقع كان مقدّرا-قال:أولسنا على الحق؟فأجابه الإمام عليه السّلام:بلى،فقال علي بن الحسين:إذن لا نبالي بالموت أوقع علينا أم وقعنا عليه.ما دمنا على الحق. (2)

عندما حل ظهر يوم عاشوراء-و كانت رحى الحرب دائرة و الخطر محدق بالجميع-قال أحد أصحاب الحسين عليه السّلام للإمام:ها قد حلّ وقت الصلاة،فقال له الإمام(سلام اللّه عليه):ذكرت الصلاة،جعلك اللّه من المصلين الذاكرين.ثم وقف في مكانه و صلى (3).

لم يجبه بالقول:و هل هذا وقت صلاة فنحن نخوض غمار حرب طاحنة دامية، بل إنه رحب بذلك و بادر إلى الصلاة لأنها كانت هي هدفه من تلك الحرب.

خذوا رضا اللّه وحده بنظر الاعتبار-دائما-و اعلموا أنكم عباد اللّه و عليكم أن ترضوا بقضائه كيفما كان،كما كان عباد اللّه الخلص و أولياء اللّه العظام...

ص: 171


1- قبل أن يخرج الإمام الحسين عليه السّلام من المدينة و بعد أن زار قبر جده رسول اللّه الأكرم صلّى اللّه عليه و اله أخذته غفوة عند القبر الشريف قال عليه السلام في هذه اللحظات:"فجاءه و النبي و هو في منامه فأخذ الحسين و ضمه إلى صدره و جعل يقبل بين عينيه و يقول:بأبي أنت كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الأمة يرجون شفاعتي ما لهم عند اللّه من خلاق.يا بني إنك قادم على أبيك و أمك و أخيك و هم مشتاقون إليك و إن في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة.
2- انظر تاريخ الطبري ج 4 ص 308.
3- عندما شاهد أبو تمامة الصائدي أصحاب الإمام الحسين عليهم السلام و هم يستشهدون الواحد تلو الآخر قال له:يا أبا عبد اللّه روحي لك الفدا أرى جيش العدو يقترب منكم.و أقسم أنك لن تقتل قبل أن أقتل أنا إن شاء اللّه كما أحب أن أصلي قبل أن أذهب إلى جوار اللّه..أما الحسين عليه السّلام فقد رفع رأسه إلى السماء:"ذكرت الصلاة جعلك اللّه من المصلين الذاكرين نعم هذا أول وقتها.ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي"راجع تاريخ الطبري ج 4 ص 334..

فالروايات تقول بأن وجه الحسين عليه السّلام كان يزداد تألقا كلما اقترب ظهر يوم عاشوراء بالرغم من استشهاد أصحابه و أهل بيته الواحد تلو الآخر،لأنّه كان يرى بأنّه يزداد قربا من غايته و هدفه.

إن الشبان الأشاوس و المقاتلين الشجعان في الجيش و الحرس و سائر القوات المسلحة هم أتباع شهيد خالد يقول عنه التاريخ أنه كان كلما استشهد واحد من أهل بيته و أنصاره تألق وجهه و ازدادت فيه علائم الشجاعة و سمات العزيمة.

ص: 172

فهرس الموضوعات

بداية الحرب

زحف الكوفة للحرب 3

انتخاب ابن سعد قائدا عاما 3

أخبار النبي بسوء عاقبته 4

كراهية سعد له 4

لعن الرشيد له 4

توثيق العجلي لابن سعد 6

نزعات ابن سعد 7

أ-الخنوع للسلطة 7

ب-التهالك على السلطة 7

ج-خسة الطبع 8

د-الجبن 8

ه الشك في البعث و النشور 9

دوافع انتخابه 9

حيرة ابن سعد 10

العاذلون له 10

الاستعراض العسكري 12

ص: 173

خطبة ابن مرجانة 12

تحريض سمرة لحرب الإمام 13

تمارض شبث بن ربعي 13

النفير العام 14

الرقابة الدقيقة على الكوفة 14

هرب الجنود 15

الطاغية في النخيلة 15

محاولة لاغتيال ابن زياد 16

عدد الجيش الأموي 17

التحقيق في الموضوع 17

القادة العسكريون 20

أدوات الحرب 21

1-الرماة 21

2-الجوالة 21

3-المجففة 22

عدد أصحاب الحسين عليه السلام 23

رسول ابن سعد مع الإمام 24

ابن سعد مع الإمام 25

رسالة ابن سعد لابن زياد 25

افتراء ابن سعد 26

إفساد الشمر لمهمة السلام 27

رفض ابن زياد الحلول السلمية 28

الإمام مع ابن سعد 30

ص: 174

أمان الشمر لأخوة العباس 31

منع الامدادات 31

احتلال الفرات 32

الطباع اللئيمة 34

1-المهاجر بن أوس 34

2-عمرو بن الحجاج 34

3-عبد الله بن حصين 35

الإنكار على ابن سعد 36

1-يزيد بن حصين 36

2-برير بن خضير 36

3-الحر 37

العثور على عين ماء 38

القتال على الماء 38

استنجاد حبيب بأسرته 40

مع المعسكرين 41

المعسكر الحسيني 41

عناصر جيش الإمام الحسين عليه السلام 42

1-الموالي 42

العرب 43

المعسكر الأموي 44

1-فقدان الإرادة 44

2-القلق و الحيرة 44

3-الفسق 46

ص: 175

عناصر الجيش 46

1-الانتهازيون 46

2-المرتزقة 47

3-الممسوخون 47

4-المكرهون 48

5-الخوارج 48

المأساة الخالدة 49

زحف الجيش 50

تأجيل الحرب إلى الصبح 53

استمهال الحسين عنهم 53

أحداث ليلة العاشر من محرم 55

خطبة الحسين عليه السلام في أصحابه ليلة العاشر 58

الإمام يأذن لأصحابه بالتفرق 58

جواب أهل بيته 59

جواب أصحابه 60

2-سعيد بن عبد الله 61

3-زهير بن القين 61

رواية أخرى 62

الحسين عليه السلام ينعى نفسه و يوصي أخته بالصبر 64

رواية أخرى في المقام 65

إحياء أهل البيت و الأصحاب الليل بالعبادة 67

الإمام يكشف مكيدة أهل الكوفة 68

مع محمد بن بشير 68

ص: 176

انهزام فراس المخزومي 69

الإمام لا يأذن بالشهادة لمن كان عليه دين 70

التخطيط العسكري ليلة العاشر 71

استبشار أصحاب الإمام 72

سخرية الشمر بالإمام 73

رؤيا الإمام الحسين عليه السلام 73

فزع عقائل الوحي 74

تطيب الإمام و حنوطه 75

أحداث يوم عاشوراء من المحرم 76

دعاء الإمام 76

إشعال النار في الخندق 77

هرير الممسوخين 77

1-شمر بن ذي الجوشن 78

2-محمد بن الأشعث 78

3-عبد الله بن حوزة 78

التعبئة العامة في المعسكرين 80

الاحتجاجات الصارمة 80

خطبة الإمام 81

خطبة الإمام الحسين في كربلاء 85

خطاب زهير 90

خطاب برير 92

خطاب الإمام الحسين عليه السلام 94

إستجابة الحر 97

ص: 177

خطاب الحر للجيش 99

التحاق ثلاثين فارسا بالإمام 100

الحرب 100

مقتل أصحاب الإمام الحسين عليهم السلام 102

الهجوم العام 102

عدد الضحايا من أصحاب الإمام 103

المبارزة بين المعسكرين 103

هجوم فاشل 105

مباهلة برير ليزيد 105

مصرع برير 106

شهادة عمرو الأنصاري 107

رفض الجيش الأموي للمبارزة 109

هجوم عمرو بن الحجاج 110

مصرع مسلم بن عوسجة 110

هجوم الشمر 112

مصرع عبد الله الكلبي 112

استنجاد عروة 113

فتح جبهة ثانية 114

محاولة الشمر لإحراق حرائر الوحي 116

إنكار حميد بن مسلم 116

وقت الظهيرة من نهار يوم العاشر 118

مصرع حبيب 119

مصرع الحر 120

ص: 178

أداء فريضة الصلاة 122

مصرع زهير 124

مصرع نافع بن هلال 125

عابس مع شوذب 127

مصرع عابس الشاكري 127

و صاح ابن سعد بجيشه 128

هزيمة الضحاك 129

شهادة جون 130

مصرع الحجاج 133

مصرع عمرو بن جنادة 133

مصرع أنس الكاهلي 134

مصرع أبي الشعثاء 135

مصرع الجابريين 135

مصرع الغفاريين 136

مصرع الأنصاريين 136

شهادة أنيس 136

مصرع قرة الغفاري 137

مصرع يحيى المازني 137

الإمام مع أصحابه 138

شهادة عبد الله اليزني 138

الإمام مع الشهداء 139

مصرع سويد 139

روايات أخرى لمقتل الأصحاب 141

ص: 179

زحف جيش الخلافة على معسكر الحسين عليه السلام 141

زحف الميمنة و استمداد قائد الفرسان 143

زحف الميسرة و مقتل الكلبي و زوجته 144

زحف الميمنة و مقتل مسلم بن عوسجة 145

يزيد بن زياد يرمى بين يدي الحسين عليه السلام 146

أربعة استشهدوا في مكان واحد 146

مقتل برير 147

عمرو بن قرظة الأنصاري 149

مبارزة يزيد بن سفيان و الحر 149

حرق الخيام 150

صلاة الخوف 151

مقتل حبيب بن مظاهر 152

سعيد الحنفي 154

زهير بن القين 154

نافع بن هلال الجملي 155

الغفاريان 157

الجابريان و حنظلة 157

فرار الضحاك المشرقي 159

شهداء آخرون 161

عمرو بن خالد 161

سعد بن حنظلة 161

عبد الرحمن بن عبد اللّه اليزني 162

قرة بن أبي قرة 162

ص: 180

عمر بن مطاع 162

جون مولى أبي ذر 163

أنيس بن معقل 164

الحجاج بن مسروق 164

جنادة بن الحرث 164

عمرو بن جنادة 165

غلام يتيم 165

فضل شهداء الحسين و علة عدم مبالاتهم بالقتل 167

شهداء كربلاء و الاختيار الواعي 170

الفهرس 173

ص: 181

المجلد 14

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء الرابع عشر

مقتل أهل البيت عليهم السلام

مقتل عترة الرسول صلّى اللّه عليه و اله

اشارة

قال السيد مرتضى العسكري:و قال:لما لم يبق مع الحسين إلاّ أهل بيته.

اجتمعوا و ودع بعضهم بعضا و عزموا على الحرب (1).

أول شهيد من عترة رسول اللّه

قال الطبري:و كان أول قتيل من بني أبي طالب يومئذ علي الأكبر بن الحسين ابن علي و أمه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي (2)و كانت أم أمه ميمونة بنت أبي سفيان ابن حرب (3)و من أجل هذا أعطي له الأمان يومذاك،و قالوا له كما ذكره المصعب الزبيري:"ان لك قرابة بأمير المؤمنين-يعنى يزيد بن معاوية-و نريد أن يرعى هذا الرحم،فإن شئت آمناك".

فقال علي عليه السّلام:"لقرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أحق أن ترعى"و حمل و هو يقول (4).

ص: 3


1- مقتل الخوارزمي 6/2.
2- مقاتل الطالبيين ص 80 و تاريخ الطبري،ط/اروبا 356/2-357.
3- مقاتل الطالبيين ص 80 و نسب قريش لمصعب ص 57،و الإصابة 178/4 ترجمة أبي مرة.
4- نسب قريش ص 57.

قال الخوارزمي:فلما رآه الحسين رفع شيبته نحو السماء،و قال:اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك محمد صلّى اللّه عليه و اله و كنا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه،اللهم فامنعهم بركات الأرض،و فرقهم تفريقا و مزقهم تمزيقا،و اجعلهم طرائق قددا،و لا ترض الولاة عنهم أبدا،فإنهم دعونا لينصرونا،ثم عدوا علينا يقاتلونا.

ثم صاح بعمر بن سعد:مالك قطع اللّه رحمك،و لا بارك لك في أمرك وسلط عليك من يذبحك على فراشك،كما قطعت رحمي و لم تحفظ قرابتي من رسول اللّه.

ثم رفع صوته و قرأ: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

و حمل علي بن الحسين و هو يقول:

أنا علي بن الحسين بن علي نحن و بيت اللّه أولى بالنبي

و اللّه لا يحكم فينا ابن الدعي أطعنكم بالرمح حتى ينثني

أضربكم بالسيف حتى يلتوي ضرب غلام هاشمي علوي

فلم يزل يقاتل حتى ضج أهل الكوفة،ثم رجع إلى أبيه و قد أصابته جراحات كثيرة،فقال:يا أبة:العطش قد قتلني و ثقل الحديد أجهدني،فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوى بها على الأعداء؟فبكى الحسين و قال:يا بني عز على محمد،و على علي،و على أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك و تستغيث بهم فلا يغيثونك.

و دفع إليه خاتمه،و قال له:خذ هذا الخاتم في فيك و ارجع إلى قتال عدوك،فإني لأرجو أن لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا، فرجع علي بن الحسين إلى القتال و حمل و هو يقول:

الحرب قد بانت لها حقائق و ظهرت من بعدها مصادق

ص: 4

و اللّه رب العرش لا نفارق جموعكم أو تغمد البوارق (1)

قال الطبري:ففعل ذلك مرارا فبصر به مرة بن منقذ بن النعمان العبدي ثم الليثي فقال:علي آثام العرب إن مرّ بي يفعل مثل ما كان يفعل ان لم أثكله أباه فمر يشد على الناس بسيفه فاعترضه مرة بن منقذ فطعنه فصرع و احتوشه الناس فقطعوه بأسيافهم.

و قال الخوارزمي:ضربه منقذ بن مرة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها،و ضربه الناس بأسيافهم،فاعتنق الفرس فحمله الفرس إلى عسكر عدوه، فقطعوه بأسيافهم إربا إربا،فلما بلغت روحه التراقي نادى بأعلى صوته:يا أبتاه! هذا جدي رسول اللّه قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا و هو يقول لك:العجل فإن لك كأسا مذخورة،فصاح الحسين (2).

و روى الطبري:عن حميد بن مسلم الأزدي قال:سماع أذني يومئذ من الحسين يقول:قتل اللّه قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم على الرحمن و على انتهاك حرمة الرسول،على الدنيا بعدك العفاء.

قال:و كأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادى يا أخياه و يا بن أخاه قال فسألت عنها فقيل:هذه زينب ابنة فاطمة بنت رسول اللّه فجاءت حتى أكبت عليه فجاءها الحسين،فأخذ بيدها،فردها إلى الفسطاط،و أقبل الحسين إلى ابنه و أقبل فتيانه إليه فقال:احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون امامه (3).3.

ص: 5


1- مقتل الخوارزمي 30/2-31.
2- مقتل الخوارزمي 31/2.
3- معالم المدرستين للعسكري:124/3.

مقتل آل أبي طالب

عبد اللّه بن مسلم بن عقيل

اشارة

ثم برز من بعده عبد اللّه بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب (1)،و أمه رقية الكبرى بنت الإمام علي عليه السّلام (2)و هو يقول:

اليوم ألقى مسلما و هو أبي و فتية بادوا على دين النبي (3).

قال الطبري:ثم إن عمرو بن صبيح الصدائي رمى عبد اللّه بن مسلم بن عقيل بسهم فوضع كفه على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه و نفذ إلى جبهته فسمرها به (4).

فاخذ لا يستطيع أن يحرك كفيه ثم انتحى له بسهم آخر ففلق قلبه،قال:

فاعتورهم الناس من كل جانب.

قال الخوارزمي و ابن شهر آشوب برز جعفر بن عقيل بن أبي طالب و هو يقول:

أنا الغلام الأبطحي الطالبي من معشر في هاشم من غالب

و نحق حقا سادة الذوائب هذا حسين أطيب الأطايب

ص: 6


1- ذكره الطبري بعد مقتل على الأكبر،ط/اروبا،357/2.
2- ذكره الطبري بعد مقتل على الأكبر،ط/اروبا،357/2.
3- ذكره الطبري بعد مقتل على الأكبر،ط/اروبا،357/2.
4- هذه الزيادة في سياق الارشاد ص 223.

فقاتل حتى قتل،قتله بشر بن سوط الهمداني (1).

و قال الطبري:و شد عثمان بن خالد الجهني و بشر بن سوط الهمداني ثم القابضي على عبد الرحمن بن عقيل فقتلاه.

و برز بعده أخوه عبد الرحمن بن عقيل و هو يرتجز:

أبي عقيل فاعرفوا مكاني من هاشم و هاشم اخواني كهول

صدق سادة الاقران هذا حسين شامخ البنيان

و سيد الشباب في الجنان

فقاتل حتى قتله عثمان بن خالد الجهني.

قال الطبري:ورمى عبد اللّه بن عزرة الخثعمي جعفر بن عقيل بن أبي طالب فقتله.

قال الخوارزمي و ابن شهر آشوب:ثم برز محمد بن عبد اللّه بن جعفر و هو ينشد:

أشكو إلى اللّه من العدوان فعال قوم في الردى عميان

قد بدلوا معالم القرآن و محكم التنزيل و التبيان

و أظهروا الكفر مع الطغيان

فقاتل قتالا شديدا حتى قتله عامل بن نهشل التميمي،ثم برز أخوه عون فحمل و هو يقول:

إن تنكروني فأنا ابن جعفر شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر كفى بهذا شرفا في محشرب.

ص: 7


1- نقلنا في مقتل ابني عقيل و ابني جعفر بعدهما الأراجيز من مقتل الخوارزمي و مناقب ابن شهرآشوب و كان الطبري قد أسقط أراجيزهم من خبر مقتلهم على عادته في حذف الأراجيز في أغلب ما يروى من اخبار الحروب.

فقاتل حتى قتله عبد اللّه بن قطبة الطائي (1).ن.

ص: 8


1- مناقب ابن شهر آشوب 220/2،و مقتل الخوارزمي 27/2،و يتفق سياق رواية الطبري معهما فيما عدا حذفه الرجزين.
ذكر شهادة ولدي مسلم بن عقيل رضي اللّه عنهما

و قال في البحار:في كتاب الأمالي مسندا إلى أبي محمّد شيخ لأهل الكوفة في شهادة ولدي مسلم الصغيرين قال:لمّا قتل الحسين بن علي أسر من عسكره غلامان صغيران فأتي بهما عبيد اللّه بن زياد فدعا سجّانا له و قال:خذ هذين الغلامين و لا تطعمهما من طيب الطعام و لا تسقهما من الماء البارد و ضيّق عليهما في السجن،و كان الغلامان يصومان النهار فإذا جنّهما الليل أتي لهما بقرصين من شعير و كوز ماء فصارا في الحبس طول السنة فقال أحدهما للآخر:يا أخي يوشك أن تفنى أعمارنا في السجن و تبلى أبداننا فإذا جاء الشيخ فاعلمه بحالنا لعلّه يوسّع علينا في طعامنا فأقبل الشيخ بقرصين من شعير فقال له الغلام الصغير:يا شيخ أتعرف محمّدا؟

قال:هو نبيّي كيف لا أعرفه،قال:أتعرف عليّ بن أبي طالب؟

قال:هو ابن عمّ النبيّ،قال له:يا شيخ نحن من عترة النبيّ من ولد مسلم بن عقيل و قد ضيّقت علينا السجن فانكبّ الشيخ يقبّل أقدامهما و يقول:نفسي لنفسكما الفداء هذا باب السجن مفتوح فخذا أيّ طريق شئتما.

فلمّا جنّهما الليل أتى لهما بقرصين من شعير و كوز من ماء و أقفهما على الطريق و قال لهما:سيرا الليل و اكمنا النهار ففعل الغلامان ذلك فلمّا جنّهما الليل انتهيا إلى عجوز على باب فقالا لها:إنّا غلامان صغيران غريبان لا نعرف الطريق أضيفينا سواد هذه الليلة،فقالت لهما:فمن أنتما فما شممت رائحة أطيب من رائحتكما؟

فقالا:نحن من عترة نبيّك محمّد هربنا من سجن ابن زياد من القتل،فقالت

ص: 9

العجوز:يا حبيبي إنّ لي صهرا فاسقا قد شهد الواقعة مع عبيد اللّه بن زياد أتخوّف أن يصيبكما ههنا فيقتلكما،قالا:سواد هذه الليلة.

قالت:سآتيكما بطعام،فلمّا ولجا الفراش قال الصغير للكبير:يا أخي انّا نرجو أن نكون قد أمنا ليلتنا هذه فتعال حتّى اعانقك و تعانقني و أشمّ ريحك و تشمّ ريحي قبل أن يفرّق الموت بيننا،ففعل الغلامان ذلك و اعتنقا و ناما،فلمّا كان في بعض الليل أقبل صهر العجوز الفاسق حتّى قرع الباب فدخل و قد أصابه التعب فقال:هرب غلامان من عسكر ابن زياد فنادى من جاء برأس واحد منهما فله ألف درهم و من جاء برأسيهما فله ألفا درهم و قد تعبت و لم يصل في يدي شيء،قالت العجوز:يا صهري احذر أن يكون خصمك محمّد في القيامة.

فقال:الدّنيا محرص عليها،فأكل الملعون و شرب،فلمّا كان في بعض الليل سمع غطيط الغلامين في جوف الليل فأقبل يلمس بكفّه جدار البيت حتّى وقعت يده على جنب الغلام الصغير فقال:من هذا؟

قال:أمّا أنا فصاحب المنزل فمن أنتما؟فأقبل الصغير يحرّك الكبير و يقول له:

قم فقد وقعنا فيما كنّا نحذره،قال لهما:من أنتما؟

قالا له:إن صدقناك فلنا الأمان؟

قال:نعم،فأخذا عليه العهود المؤكّدة قالا:يا شيخ نحن من عترة نبيّك محمّد هربنا من سجن ابن زياد من القتل فقال:من الموت هربتما و إلى الموت وقعتما، الحمد للّه الذي أظفرني بكما،فشدّ أكتافهما إلى الصباح فلمّا أصبح دعى غلاما له أسود اسمه فليح فقال:خذ هذين الغلامين إلى شاطئ الفرات و اضرب أعناقهما و أتني برأسيهما لأنطلق بهما إلى ابن زياد و آخذ الجائزة فحمل الغلام السيف و مشى مع الغلامين فقالا له:يا أسود ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

قال:إنّ مولاي قد أمرني بقتلكما فمن أنتما؟

ص: 10

قالا:نحن من عترة النبيّ هربنا من القتل،فانكبّ الأسود على أقدامهما يقبّلهما و يقول:نفسي لنفسكما الفداء و اللّه لا يكون محمّد خصمي في القيامة،ثمّ رمى السيف و عبر الفرات إلى الجانب الآخر فصاح به مولاه:عصيتني،فقال:إذا أنت عصيت اللّه فأنا منك بريء.فدعا ابنه فقال:يا بني إنّما أجمع الدّنيا حلالها و حرامها لك فخذ هذين الغلامين إلى شاطئ الفرات و أتني برأسيهما لآخذ الجائزة من ابن زياد فأخذ السيف و مضى مع الغلامين فقال أحدهما:يا شاب ما أخوفني على شبابك هذا من نار جهنّم،قال:من أنتما؟

قالا:من عترة نبيّك محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فانكبّ الغلام على أقدامهما و رمى السيف و عبر الفرات فصاح به أبوه.

ثمّ قال الملعون:لا يلي أحد قتلكما غيري و أخذ السيف و مشى معهما،فلمّا نظر الغلامان إلى السيف مسلولا اغر و رقت أعينهما و قالا له:يا شيخ انطلق بنا إلى السوق بعنا و خذ أثماننا و لا تجعل محمّدا خصمك في القيامة.

فقال:لا،و لكن أقتلكما و أذهب برأسيكما إلى ابن زياد لأجل الجائزة،فقالا له:

فامض بنا إلى ابن زياد حتّى يحكم فينا بأمره،فقال:لا،إلاّ أن أتقرّب بدمكما،قالا له:

أما ترحم صغر سنّنا؟

قال:ما جعل اللّه لكما في قلبي من الرحمة شيئا،قالا:إن كان و لا بدّ فدعنا نصلّي ركعات،قال:فصلّيا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة،فصلّى الغلامان أربع ركعات ثمّ رفعا طرفيهما إلى السماء فناديا يا حيّ يا حكيم يا أحكم الحاكمين احكم بيننا و بينه بالحقّ فأقام الأكبر فضرب عنقه و وضع رأسه في المخلاة و أقبل الغلام الصغير يتمرّغ في دم أخيه و يقول:حتّى ألقى رسول اللّه و أنا مختضب بدم أخي ثمّ ضرب عنق الصغير و وضع رأسه في المخلاة و رمى ببدنيهما في الماء و هما يقطران دما فكان بدن الأوّل على وجه الفرات ساعة حتّى رمى الثاني فأقبل بدن الأوّل راجعا يشقّ الماء شقّا حتّى التزم بدن أخيه و مضيا في الماء،و جاء إلى ابن زياد فوضع

ص: 11

الرأسين بين يديه فقال:الويل لك أين ظفرت بهما؟

قال:أضافتهما عجوز لنا،قال:فما عرفت لهما حقّ الضيافة؟

قال:لا،قال:فأيّ شيء قالا لك؟فحكى كلامهما و جوابه لهما،قال:أفلا جئتني بهما حيّين فكنت أضاعف لك الجائزة و أجعلها أربعة آلاف درهم؟

قال:ما رأيت إلاّ التقرّب إليك بدمهما،قال:ما قالا لك في آخر صلاتهما؟

قال:قالا:يا أحكم الحاكمين احكم بيننا و بينه بالحقّ.

قال ابن زياد:قد حكم اللّه بينك و بينهما،من للفاسق؟فانتدب له رجل من أهل الشام قال:أنا له.

قال:فانطلق به إلى الموضع الذي قتل فيه الغلامين فاضرب عنقه و لا تترك أن يختلط دمه بدمهما و عجّل برأسه ففعل الرجل ذلك و جاء برأسه فنصبه على قناة فجعل الصبيان يرمونه بالنبل و الحجارة و يقولون:هذا قاتل ذرّية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله (1).

و روي أن الغلامين اللّذين هربا من عسكر ابن زياد إبراهيم و محمّد و كانا من ولد جعفر الطيّار و ذكر أنّ ابن زياد لمّا أمر بقتل الملعون قاتلهما رمى جيفته في الماء فلم يقبلها الماء ورمى به إلى الجرف فأمر ابن زياد أن يحرق بالنار ففعل به ذلك و صار إلى عذاب اللّه تعالى.5.

ص: 12


1- أمالي الصدوق:148 ح 145،و البحار:105/45.
نجلا السبط الأكبر

قال العسكري:ثم برز عبد اللّه بن الحسن بن علي و هو يقول:

إن تنكروني فأنا فرع الحسن سبط النبي المصطفى المؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن بين أناس لا سقوا صوب المزن

قتله هاني بن شبيب الحضرمي (1).

ثم برز أخوه القاسم بن الحسن و هو غلام صغير لم يبلغ الحلم فلما نظر إليه الحسين اعتنقه و جعلا يبكيان ثم استأذن الغلام للحرب فأبى عمه الحسين أن يأذن له،فلم يزل الغلام يقبل يديه و رجليه و يسأله الاذن حتى أذن له فخرج و دموعه تسيل على خديه (2)عليه ثوب و ازار و نعلان فقط و كأنه فلقة قمر و أنشأ يقول:

اني أنا القاسم من نسل علي نحن و بيت اللّه أولى بالنبي

من شمر ذي الجوشن أو ابن الدعي (3)

و روى الطبري عن حميد بن مسلم،قال:خرج إلينا غلام كأن وجهه شقة قمر

ص: 13


1- مناقب ابن شهر آشوب 220/2،و فى مقتل الخوارزمي 27/2 نسب البيتين إلى القاسم أو عبد اللّه،و فى إعلام الورى ص 213:و كان عبد اللّه بن الحسن قد زوجه الحسين ابنته سكينة فقتل قبل أن يبني بها.
2- مناقب ابن شهر آشوب 220/2،و فى مقتل الخوارزمي 27/2 نسب البيتين إلى القاسم أو عبد الله،و فى إعلام الورى ص 213:و كان عبد الله بن الحسن قد زوجه الحسين ابنته سكينة فقتل قبل أن يبني بها.
3- مناقب ابن شهر آشوب 221/2.

في يده السيف عليه قميص و إزار و نعلان قد انقطع شسع أحدهما ما انسى أنها اليسرى،فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي و اللّه لأشدن عليه،فقلت له:

سبحان اللّه و ما تريد إلى ذلك،يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوهم قال:

فقال:و اللّه لأشدن عليه،فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف،فوقع الغلام لوجهه،فقال:يا عماه!قال:فجلى الحسين كما يجلى الصقر،ثم شد شدة ليث أغضب،فضرب عمرا بالسيف،فاتقاه بالساعد فأطنها من لدن المرفق،فصاح- صيحة سمعها أهل العسكر- (1)ثم تنحى عنه،و حملت خيل لأهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من حسين،فاستقبلت عمرا بصدورها فحركت حوافرها و جالت الخيل بفرسانها عليه،فتوطأته حتى مات و انجلت الغبرة فإذا أنا بالحسين قائم على رأس الغلام،و الغلام يفحص برجليه،و حسين يقول:بعدا لقوم قتلوك و من خصمهم يوم القيامة فيك جدك.

ثم قال:عز و اللّه على عمك،ان تدعوه فلا يجيبك،أو يجيبك فلا ينفعك،صوت و اللّه كثر واتره و قل ناصره ثم احتمله فكأني انظر إلى رجلي الغلام يخطان في الأرض و قد وضع حسين صدره على صدره.

قال:فقلت في نفسي:ما يصنع به،فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علي ابن الحسين و قتلى قد قتلت حوله من أهل بيته،فسألت عن الغلام فقيل:هو القاسم ابن الحسن ابن علي بن أبي طالب (2).3.

ص: 14


1- إرشاد المفيد ص 223.
2- معالم المدرستين للعسكري:126/3.

مقتل إخوة الحسين

أبو بكر بن علي عليه السلام

مقتل إخوة الحسين(1)

أبو بكر بن علي عليه السلام

ثم تقدم اخوة الحسين عليه السّلام عازمين على أن يقتلوا من دونه فأول من تقدم منهم أبو بكر بن علي،و اسمه عبد اللّه،و أمة ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي بن مسلم ابن جندل بن نهشل بن دارم التميمية فبرز أبو بكر و هو يقول:

شيخي علي ذو الفخار الأطول من هاشم الصدق الكريم المفضل

هذا الحسين ابن النبي المرسل نذود عنه بالحسام الفيصل

تفديه نفسي من أخ مبجل يا رب فامنحني الثواب المجزل

فحمل زحر بن قيس النخعي فقتله:عمر بن علي عليه السّلام:ثم خرج من بعد أبي بكر ابن علي،أخوه عمر بن علي،فحمل و هو يقول:

أضربكم و لا أرى فيكم زحر ذاك الشقي بالنبي قد كفر

يا زحر يا زحر تدان من عمر لعلك اليوم تبوء بسقر

شر مكان في حريق و سعر فإنك الجاحد يا شر البشر

ثم قصد قاتل أخيه فقتله،و جعل يضرب بسيفه ضربا منكرا

و يقول في حملاته:

خلوا عداة اللّه خلوا عن عمر خلوا عن الليث العبوس المكفهر

ص: 15


1- إلى آخر هذا الفصل أوردناه بلفظ الخوارزمي 28/2-29.

يضربكم بسيفه و لا يفر و ليس يغدو كالجبان المنجحر

و لم يزل يقاتل حتى قتل.

عثمان بن علي عليه السلام

ثم خرج من بعده عثمان بن علي و أمه أم البنين بنت حزام بن خالد،من بني كلاب و هو يقول:

إني أنا عثمان ذو المفاخر شيخي علي ذو الفعال الطاهر

صنو النبي ذو الرشاد السائر ما بين كل غائب و حاضر

ثم قاتل حتى قتل.

جعفر بن علي عليه السلام

ثم خرج أخوه جعفر بن علي و أمه أم البنين أيضا فحمل و هو يقول:

اني أنا جعفر ذو المعالي نجل علي الخير ذو النوال

أحمي حسينا بالقنا العسال و بالحسام الواضح الصقال

ثم قاتل حتى قتل.

عبد اللّه بن علي عليه السلام

ثم خرج من بعده أخوه عبد اللّه بن علي،و أمه أم البنين أيضا،فحمل و هو يقول:

أنا ابن ذي النجدة و الافضال ذاك علي الخير في الفعال

سيف رسول اللّه ذو النكال و كاشف الخطوب و الأهوال

ص: 16

فحمل و قاتل حتى قتل (1).

و روى الطبري عن حميد بن مسلم قال:سمعت الحسين يومئذ و هو يقول:اللهم أمسك عنهم قطر السماء و امنعهم بركات الأرض اللهم فإن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا و اجعلهم طرائق قددا و لا ترض عنهم الولاة أبدا.

فإنهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا فقتلونا قال:و ضارب الرجالة حتى انكشفوا عنه،قال:و لما بقي الحسين في ثلاثة رهط أو أربعة،دعا بسراويل محققة يلمع فيها البصر يماني محقق ففزره و نكثه لكي لا يسلبه فقال له بعض أصحابه:لو لبست تحته تبانا قال ذلك ثوب مذلة و لا ينبغي لي أن ألبسه قال:فلما قتل أقبل بحر بن كعب فسلبه إياه فتركه مجردا.

قال أبو مخنف:فحدثني عمرو بن شعيب عن محمد بن عبد الرحمن أن يدي بحر بن كعب كانتا في الشتاء تنضحان الماء و في الصيف تيبسان كأنهما عود.ه.

ص: 17


1- أورد الطبري و من تبعه خبر مقتل أخوة الحسين بإيجاز،و فى مناقب ابن شهر آشوب أورد ارجاز أخوة العباس لامه و ما أوردناه هنا نقلناه من مقتل الخوارزمي 28/2-29 و بلفظه.

مقتل العباس بن أمير المؤمنين عليه السلام

اشارة

في مقاتل الطالبين:كان رجلا و سيما جميلا يركب الفرس المطهم و رجلاه تخطان في الأرض،و كان يقال له:قمر بني هاشم،و كان لواء الحسين معه يوم قتل،و هو أكبر ولد أم البنين و هو آخر من قتل من أخوته لامه و أبيه (1).

و في مقتل الخوارزمي:ثم خرج العباس و هو السقاء فحمل و هو يقول:

أقسمت باللّه الأعز الأعظم و بالحجون صادقا و زمزم

و بالحطيم و الفنا المحرم ليخضبن اليوم جسمي بدمي

دون الحسين ذي الفخار الأقدم امام أهل الفضل و التكرم (2)

و فى الارشاد و مثير الأحزان و اللهوف (3):و اشتد العطش بالحسين عليه السّلام فركب المسناة يريد الفرات و بين يديه العباس أخوه فاعترضه خيل ابن سعد.

و في مناقب شهر آشوب:مضى يطلب الماء فحملوا عليه و حمل عليهم و هو يقول:

لا أرهب الموت إذا الموت رقى حتى أوارى في المصاليت لقا

نفسي لابن المصطفى الطهر وقا أنّى أنا العباس أغدو بالسقا

و لا أخاف الشر يوم الملتقى

ص: 18


1- مقاتل الطالبيين ص 84.
2- مقتل الخوارزمي 29/2-30.
3- الارشاد ص 24،و إعلام الورى ص 244،و مثير الأحزان ص 53،و اللهوف ص 45.

ففرقهم فكمن له زيد بن الورقاء الجهني من وراء نخلة و عاونه حكيم بن طفيل السنبسي فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله و حمل عليه و هو يرتجز:

و اللّه ان قطعتموا يميني اني أحامي أبدا عن ديني

و عن امام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الأمين

فقاتل حتى ضعف،فكمن له الحكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله،فقال:

يا نفس لا تخشي من الكفار و أبشري برحمة الجبار

مع النبي السيد المختار قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا رب حر النار

فقتله الملعون بعمود من حديد (1).

و في مقتل الخوارزمي:فقال الحسين:الان انكسر ظهري و قلّت حيلتي... (2).

و قال في البحار:و كان العبّاس سقّاء الحسين عليه السّلام صاحب لوائه و هو أكبر الاخوان مضى يطلب الماء فحملوا عليه و حمل عليهم فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله و قاتل ثمّ قطعت شماله فقاتل حتّى ضربه ملعون بعمود على رأسه،فلمّا رآه الحسين عليه السّلام صريعا على شاطئ الفرات بكى و قال شعرا:

تعديتم يا شرّ قوم ببغيكم و خالفتموا دين النبيّ محمّد

أما كان خير الرسل أوصاكم بنا أما نحن من نجل النبيّ المسدّد

أما كانت الزهراء امّي دونكم أما كان من خير البرية أحمد

لعنتم و أخزيتم بما قد جنيتموا فسوف تلاقوا حرّ نار توقد2.

ص: 19


1- مناقب ابن شهر آشوب 221/2-222.
2- مقتل الخوارزمي 30/2.

و روي أنّ العبّاس لمّا رأى وحدة الحسين عليه السّلام أتاه و قال:يا أخي هل من رخصة، فبكى الحسين و قال:أنت صاحب لوائي و إذا مضيت تفرّق عسكري فقال العبّاس:

قد سئمت من الحياة و أريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين فقال له:فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء،فركب و أخذ رمحه و القربة و قصد الفرات فأحاط به أربعة آلاف ممّن كانوا موكلين بالفرات و رموه بالنبال فقتل منهم ثمانين رجلا، فلمّا أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين فرمى بالماء و ملأ القربة و حملها على كتفه فقطعوا عليه الطريق ثمّ قطعوا يده اليمنى فحمل القربة باليسرى ثمّ قطعها نوفل من الزند فحمل القربة بأسنانه فجاءه سهم فأصاب القربة فاريق ماؤها ثمّ جاءه سهم أصاب صدره فانقلب عن فرسه و صاح إلى أخيه الحسين:

أدركني فأتى إليه و حمله إلى الخيمة.

و لمّا قتل العبّاس قال الحسين عليه السّلام:الآن انكسر ظهري و قلّت حيلتي (1).3.

ص: 20


1- معالم المدرستين:129/3.
فضيلة شهادة العباس عليه السلام

قال السيد الخامئني:و أما وفاء أبي الفضل العباس فقد تجسد لدى بلوغه شريعة الفرات دون أن يشرب قطرة من مائه؛فالمشهور على كل الألسنة هو أن الإمام الحسين عليه السلام بعث بأبي الفضل لجلب الماء،إلاّ أنّ الذي شاهدته من الروايات المعتبرة الواردة في كتب مثل"الارشاد"للمفيد،و"اللهوف"لابن طاووس فلقد جاء في هذه الكتب المعتبرة أنّ العطش كان قد اشتدّ بالصبية و الصبايا و بلغ مبلغه من حرم آل البيت،فذهب الإمام الحسين عليه السّلام و أبو الفضل معا في طلب الماء، و توجها إلى شريعة الفرات لعلّهما يحصلان على بعض الماء.

فهذان الاثنان من الأخوة الشجعان و الأقوياء كانا معا دائما في ساحة القتال،أي الإمام الحسين عليه السّلام بعمره الذي يشرف على الستين عاما و لكنه لا يشق له غبار في البسالة و القوة،و أخوه الشاب أبو الفضل العباس الذي جاوز الثلاثين بقليل من عمره بما يتميز به من خصال يعرفها الجميع.فهذان الأخوان لم يفارق أحدهما الآخر في ساحة الحرب،و كان كل منهما يحمي ظهر الآخر عند اشتداد القتال و تخلل صفوف الأعداء أملا في الوصول إلى الفرات و جلب الماء.

و خلال هذه الجولة من المعركة شعر الإمام الحسين عليه السّلام فجأة بأن العدو قد فصل بينه و بين أخيه العباس لدى اشتداد القتال؛و في هذه المعمعة كان أبو الفضل قد اقترب من الماء و وصل إلى شريعة النهر.

و كما جاء في الروايات،فإنه ملأ قربة بالماء للعودة بها إلى الخيام؛و في مثل هذه

ص: 21

الحالة يعطي كل واحد الحق لنفسه بأن يروي ظمأه،و لكن أبا الفضل العباس أظهر وفاءه في هذا الموقف الصعب.فعندما غرف غرفة من الماء ذكر عطش الإمام الحسين عليه السّلام،و تذكر صيحات:العطش..العطش..التي أطلقها الصبية و الصبايا، و ربما تذكر بكاء علي الأصغر الظمآن،فلم يشرب و ألقى الماء و غادر الشريعة.

و حينئذ وقعت تلك الأحداث عندما سمع الإمام الحسين عليه السلام فجأة صوت أخيه قادما من وسط جند الأعداء و هو يصيح:"يا أخاه أدرك أخاك" (1).

بصيرة العباس

فأين تكمن بصيرة أبي الفضل العباس؟لقد كان أولئك جميعا من أولي البصائر،إلاّ أنه كشف عن بصيرة أكبر؛ففي يوم تاسوعاء،عند ما سنحت له الفرصة للخلاص من هذا البلاء حيث اقترحوا عليه الاستسلام في مقابل إعطائه الأمان،فإنّه كان شهما لدرجة أفحمت الأعداء،و قال لهم:و هل أتخلى عن الحسين عليه السّلام؟!الويل لكم!أفّ لكم و لأمانكم هذا! (2)،و في رواية أنه قال له:بترت يدك و لعن ما جئتنا به من أمانك يا عدو اللّه،أتأمرنا أن نترك أخانا و سيدنا الحسين بن فاطمة و ندخل في طاعة اللعناء و أولاد اللعناء.

و ثمة نموذج آخر لبصيرته،و ذلك عند ما أمر ثلاثة من إخوته الذين كانوا معهم بالتقدم قبله إلى ميدان الحرب و الجهاد حتى بلوغ الشهادة.فإنكم على علم بأنهم كانوا أربعة إخوة من أم واحدة،و هم:أبو الفضل العباس-الأخ الأكبر-و جعفر و عبد الله و عثمان.فأن يضحي المرء بإخوته الثلاثة أمام عينيه من أجل الحسين ابن علي دون التفكير في أمه المحزونة أو الاكتفاء بواحد منهم حفاظا على مشاعر

ص: 22


1- أنظر العوالم:285.
2- أنظر العوالم:242،و لواعج الأشجان:116.

أمه و الاهتمام بمصير إخوته الصغار و من سيعولهم في المدينة المنورة،فهذه هي البصيرة.

شأن و منزلة أبي الفضل العباس

قد دأب الخطباء و أهل الرثاء على الحديث حول شهادة أبي الفضل العباس.إنّ الذي يبدو من كافة الشواهد و الأدلة هو أن أبا الفضل العباس كان آخر من استشهد قبل الإمام الحسين عليه السّلام من المجاهدين،باستثناء الطفل البالغ ستة أشهر من عمره أو الصبي البالغ أحد عشر عاما.

و كانت تلك الشهادة فداء لعمل عظيم أقدم عليه،ألا و هو جلب الماء للعطاشى في خيام أبي عبد الله الحسين عليه السّلام.

و بالنظر في تلك الزيارات و التمعن في تلك الكلمات الواردة عن الأئمة(عليهم السلام)بشأن أبي الفضل العباس عليه السّلام،فإننا نكتشف أنه تم تأكيد خصلتين:الأولى البصيرة،و الثانية الوفاء (1).

ص: 23


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:276-278.

مقتل أطفال آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله

قتل الطفل الرضيع

في مقتل الخوارزمي و غيره:تقدم الحسين إلى باب الخيمة و قال:ناولوني عليا الطفل حتى أودعه،فناولوه الصبي،فجعل يقبله و يقول:ويل لهؤلاء القوم إذ كان خصمهم جدك،فبينا الصبي في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي فذبحه في حجره فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت كفه ثم رمى به نحو السماء،و قال:اللهم ان حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا،و انتقم من هؤلاء الظالمين،ثم نزل الحسين عن فرسه و حفر للصبي بجفن سيفه و زمله بدمه و صلى عليه (1).

و قال في البحار:ثمّ التفت الحسين عليه السّلام يمينا و شمالا فلم ير أحدا من الرجال، فخرج عليّ بن الحسين زين العابدين و كان مريضا فقال الحسين:يا امّ كلثوم خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد و تقدّم الحسين إلى باب الخيمة فقال:

ناولوني ابني عليّا الطفل حتّى اودّعه.

و قال المفيد:دعى ابنه عبد اللّه فجعل يقبّله و الصبي في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه فتلقّى الحسين عليه السّلام دمه حتّى امتلأت كفّه ثمّ رمى به إلى السماء و لم يسقط منه قطرة إلى الأرض (2).

ص: 24


1- مقتل الخوارزمي 32/2،و تاريخ الطبري ط/اروبا،360/2،و ابن كثير 188/8.
2- بحار الانوار للعلامة المجلسي:46/45،و كلمات الامام الحسين:476.

مقتل طفل آخر للحسين عليه السلام

اشارة

قال الطبري:ورمى عبد اللّه بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بن علي بسهم فقتله فلذلك يقول الشاعر و هو ابن أبي عقب:

و عند غني قطرة من دمائنا و فى أسد أخرى تعد و تذكر (1)

معركة في طريق الفرات

روى الطبري عمن شهد الحسين في عسكره،أن حسينا حين غلب على عسكره،ركب المسناة،يريد الفرات،قال:فقال رجل من بني أبان بن دارم:ويلكم حولوا بينه و بين الماء لا تتام إليه شيعته قال:و ضرب فرسه و اتبعه الناس حتى حالوا بينه و بين الفرات فقال الحسين:اللهم أظمه!قال:و ينتزع الاباني بسهم فأثبته في حنك الحسين.

و فى رواية:فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه-و في رواية في حنكه- قال:فانتزع الحسين السهم ثم بسط كفيه فامتلأتا دما فرمى به إلى السماء،ثم حمد اللّه و أثنى عليه ثم جمع يديه فقال:اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك، اللهم أحصهم عددا و اقتلهم بددا و لا تذر على الأرض منهم أحدا.و روى الطبري و قال:فانتزع الحسين عليه السّلام السهم ثم بسط كفيه فامتلأتا دما ثم قال الحسين:اللهم

ص: 25


1- معالم المدرستين للعسكري:131/3.

إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك قال:فو اللّه ان مكث الرجل إلاّ يسيرا حتى صب اللّه عليه الظماء فجعل لا يروي،قال القاسم بن الأصبغ لقد رأيتني فيمن يروح عنه،و الماء يبرد له فيه السكر و عساس فيها اللبن و قلال فيها الماء و انه ليقول:

ويلكم أسقوني قتلني الظماء فيعطى القلة أو العس كان مرويا أهل البيت فيشربه فإذا نزعه من فيه اضطجع الهنيهة ثم يقول:ويلكم أسقوني قتلني الظماء قال:فو اللّه ما لبث إلاّ يسيرا حتى انقد بطنه انقداد بطن البعير.

مقتل طفل مذعور

روى الطبري عن هانئ بن ثبيت الحضرمي،قال:كنت ممن شهد قتل الحسين، قال:فو اللّه إني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل إلا على فرس و قد جالت الخيل و تضعضعت:إذ خرج غلام من آل الحسين و هو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه ازار و قميص و هو مذعور يتلفت يمينا و شمالا فكأني أنظر إلى درتين في أذنيه تذبذبان كلما التفت،إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف،قال الراوي:هانئ بن ثبيت هذا هو صاحب الغلام فلما عتب عليه كنى عن نفسه.

مقتل طفل الإمام الحسن عليه السلام

قال الطبري:ثم أن شمر بن ذي الجوشن أقبل في الرجالة نحو الحسين فأخذ الحسين يشد عليهم فينكشفون عنه ثم إنهم أحاطوا به إحاطة و أقبل إلى الحسين

ص: 26

عبد اللّه بن الحسن (1)من عند النساء و هو غلام لم يراهق فأخذته أخته زينب ابنة علي لتحبسه،فقال لها الحسين:أحبسيه فأبى الغلام و جاء يشتد إلى الحسين فقام إلى جنبه،قال:و قد أهوى بحر بن كعب بن عبيد اللّه من بني تيم اللّه بن ثعلبة بن عكابة إلى الحسين بالسيف فقال الغلام:يا ابن الخبيثة أتقتل عمي؟!فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده،فأطنها إلاّ الجلدة فإذا يده معلقة فنادى الغلام يا أمتاه فاخذه الحسين فضمه إلى صدره و قال:يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك، و احتسب في ذلك الخير،فإن اللّه يلحقك بآبائك الصالحين برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و علي بن أبي طالب و حمزة و جعفر و الحسن بن علي صلى اللّه عليهم أجمعين!و روى الطبري:قال و مكث الحسين طويلا من النهار كلما انتهى إليه رجل من الناس انصرف عنه،و كره ان يتولى قتله و عظيم إثمه عليه قال:و ان رجلا يقال له:مالك بن نسير من بني بداء أتاه و ضربه على رأسه بالسيف و عليه برنس له فقطع البرنس و أصاب السيف رأسه فأدمى رأسه فامتلأ البرنس دما فقال له الحسين:لا أكلت بها و لا شربت و حشرك اللّه مع الظالمين،قال:فألقى ذلك البرنس ثم دعا بقلنسوة فلبسها و اعتم و قد أعيا و بلد و جاء الكندي حتى أخذ البرنس و كان من خز فلما قدم به بعد ذلك على امرأته أم عبد اللّه ابنة الحر أخت حسين بن الحر البدي أقبل يغسل البرنس من الدم فقالت له امرأته:أسلب ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تدخل بيتي:

أخرجه عني:فذكر أصحابه أنه لم يزل فقيرا بشر حتى مات (2).3.

ص: 27


1- في الطبري ط/اروبا،363/2:"غلام من أهله"و التصحيح من ارشاد المفيد ص 225.
2- معالم المدرستين للعسكري:133/3.

رجالة جيش الخلافة تهجم على مخيم ذراري رسول اللّه

قال أبو مخنف في حديثه:ثم إن شمر بن ذي الجوشن أقبل في نفر نحو من عشرة من رجالة أهل الكوفة قبل منزل الحسين الذي فيه ثقله و عياله فمشى نحوه، فقال الحسين عليه السّلام:ويلكم ان لم يكن لكم دين و لا تخافون يوم المعاد،فكونوا في أمر دنياكم أحرارا ذوي أحساب امنعوا رحلي و أهلي من طغامكم و جهالكم!فقال ابن ذي الجوشن:ذلك لك يا ابن فاطمة.

قال:و أقدم عليه بالرجالة منهم أبو الجنوب و اسمه عبد الرحمن الجعفي و القشعم بن عمرو بن يزيد الجعفي و صالح بن وهب اليزني و سنان ابن أنس النخعي و خولي بن يزيد الأصبحي،فجعل شمر ابن ذي الجوشن يحرضهم فمر بأبي الجنوب و هو شاك في السلاح فقال له:أقدم عليه قال:و ما يمنعك أن تقدم عليه أنت؟و قال له شمر:ألي تقول ذا؟

قال:و أنت لي تقول ذا؟فاستبا فقال له أبو الجنوب:و كان شجاعا:و اللّه لهممت أن أخضخض السنان في عينك قال:فانصرف عنه شمر و قال:و اللّه لإن قدرت على أن أضرك لأضرنك (1).

ص: 28


1- معالم المدرستين للعسكري:134/3.

آخر قتال الحسين عليه السلام

و روى الطبري عن أبي مخنف عن الحجاج بن عبد اللّه بن عمار بن عبد يغوث البارقي أنه عتب على عبد اللّه بن عمار مشهده قتل الحسين فقال عبد اللّه بن عمار:

إن لي عند بني هاشم ليدا قلنا له:و ما يدك عندهم؟

قال:حملت على حسين بالرمح فانتهيت إليه فو اللّه لو شئت لطعنته ثم انصرفت عنه غير بعيد و قلت ما أصنع بأن أتولى قتله يقتله غيري،قال:فشد عليه رجالة ممن عن يمينه و شماله،فحمل على من عن يمينه حتى ابذعروا،و على من عن شماله حتى ابذعروا،و عليه قميص له من خز و هو معتم،قال:فو اللّه ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جاشا و لا أمضى جنانا منه و لا اجرأ مقدما،و اللّه ما رأيت قبله و لا بعده مثله إن كانت الرجالة لتنكشف من عن يمينه و شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب.

صرخة زينب

قال:فو اللّه انه لكذلك إذ خرجت زينب ابنة فاطمة أخته و هي تقول:ليت السماء تطابقت على الأرض،و قد دنا عمر بن سعد من حسين فقالت:يا عمر بن سعد أيقتل أبو عبد اللّه و أنت تنظر إليه؟!قال:فكأني أنظر إلى دموع عمر و هي تسيل على خديه و لحيته قال:و صرف بوجهه عنها.

ص: 29

مقتل سبط النبي صلّى اللّه عليه و اله

قال أبو مخنف:حدثني الصقعب بن الزبير عن حميد بن مسلم قال:كانت عليه جبة من خز و كان معتما و كان مخضوبا بالوسمة قال:سمعته يقول قبل أن يقتل و هو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية و يفترص العورة و يشد على الخيل و هو يقول:أعلى قتلي تحاثون أما و اللّه لا تقتلون بعدي عبدا من عباد اللّه اللّه أسخط عليكم لقتله مني!و أيم اللّه إني لأرجو أن يكرمني اللّه بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون أما و اللّه ان لو قتلتموني لقد القى اللّه بأسكم بينكم و سفك دماءكم،ثم لا يرضى لكم بذلك حتى يضاعف لكم العذاب الأليم،قال:و لقد مكث طويلا من النهار و لو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا،و لكنهم كان يتقي بعضهم ببعض،و يحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء قال:فنادى شمر في الناس:و يحكم ماذا تنظرون بالرجل!اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم!

قال:فحمل عليه من كل جانب فضربت كفه اليسرى ضربة ضربها شريك التميمي و ضرب على عاتقه ثم انصرفوا و هو ينوء و يكبو،قال:و حمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح فوقع،ثم قال لخولي بن يزيد الأصبحي احتز رأسه فأراد أن يفعل فضعف فارعد.

فقال له سنان بن أنس:فت اللّه عضديك و أبان يديك فنزل إليه فذبحه و احتز رأسه ثم دفع إلى خولي بن يزيد و قد ضرب قبل ذلك بالسيوف.

قال أبو مخنف عن جعفر بن محمد بن علي قال:وجد بالحسين عليه السّلام حين قتل ثلاث و ثلاثون طعنة و أربع و ثلاثون ضربة.

قال:و جعل سنان بن أنس لا يدنو أحد من الحسين إلاّشد عليه مخافة أن يغلب

ص: 30

على رأسه حتى أخذ رأس الحسين عليه السّلام فدفعه إلى الخولي (1).

جيش الخلافة تسلب ذراري رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و تنهب

قال:و سلب الحسين ما كان عليه فأخذ سراويله بحر بن كعب و أخذ قيس بن الأشعث قطيفته و كانت من خز و كان يسمى بعد قيس قطيفة و أخذ نعليه رجل من بني أود يقال له:الأسود و أخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم فوقع بعد ذلك إلى أهل حبيب بن بديل،قال:و مال الناس على الورس و الحلل و الإبل و انتهبوها،قال:

و مال الناس على نساء الحسين و ثقله و متاعه فإن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها (2).

آخر شهيد

و روى عن زهير بن عبد الرحمن الخثعمي،ان سويد بن عمرو بن أبي المطاع كان صرع فأثخن فوقع بين القتلى مثخنا فسمعهم يقولون:قتل الحسين فوجد إفاقة فإذا معه سكين و قد اخذ سيفه فقاتلهم بسكينه ساعة ثم إنه قتل قتله عروة بن بطار التغلبي و زيد بن رقاد الجنبي و كان آخر قتيل.

و عن حميد بن مسلم قال:انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي،الأصغر (3)و هو منبسط على فراش له و هو مريض و إذا شمر بن ذي الجوشن في رجالته يقولون لا

ص: 31


1- معالم المدرستين للعسكري:136/3.
2- معالم المدرستين للعسكري:136/3.
3- لم يكن بعلى الأصغر و كان قد ولد له محمد الباقر يومذاك بل هو على الأوسط.

نقتل هذا قال:فقلت:سبحان اللّه أنقتل الصبيان إنما هذا صبي.

قال:فما زال ذلك دأبي ادفع عنه كل من جاء حتى جاء عمر بن سعد فقال:ألا لا يدخلن بيت هؤلاء النسوة أحد!و لا يعرضن لهذا الغلام المريض،و من أخذ من متاعهم شيئا فليرده عليه.

قال:فو اللّه ما رد أحد شيئا،قال:فقال علي بن الحسين:جزيت من رجل خيرا فو اللّه لقد دفع اللّه عني بمقالتك شرا.

قاتل الحسين يطلب الجائزة:قال:فقال الناس لسنان بن أنس:قتلت حسين بن علي و ابن فاطمة ابنة رسول اللّه،قتلت أعظم العرب خطرا،جاء إلى هؤلاء يريد ان يزيلهم عن ملكهم فأت أمراءك فاطلب ثوابك منهم و انهم لو أعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين كان قليلا فأقبل على فرسه و كان شجاعا و كانت به لوثة فأقبل حتى وقف على باب فسطاط عمر بن سعد ثم نادى بأعلى صوته:

أوقر ركابي فضة و ذهبا أنا قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما و أبا و خيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال عمر بن سعد:أشهد أنك لمجنون ما صححت قط،أدخلوه علي فلما أدخل حذفه بالقضيب،ثم قال:يا مجنون أتتكلم بهذا الكلام!أما و اللّه لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك.

نجاة عقبة بن سمعان و أسر المرقع

قال:و أخذ عمر بن سعد عقبة بن سمعان،و كان مولى للرباب بنت امرئ القيس الكلبية و هي أم سكينة بنت الحسين فقال له:ما أنت؟

قال:أنا عبد مملوك فخلى سبيله،فلم ينج منهم أحد غيره إلاّ ان المرقع بن ثمامة الأسدي كان قد نثر نبله و جثا على ركبتيه فقاتل فجاءه نفر من قومه فقالوا له:أنت

ص: 32

آمن أخرج إلينا فخرج إليه فلما قدم بهم عمر بن سعد على ابن زياد و أخبره سيره إلى الزارة.

توطئوا بالخيل جسد الحسين عليه السلام

قال:ثم إن عمر بن سعد نادى في أصحابه من ينتدب للحسين و يوطئه فرسه فانتدب عشرة منهم إسحاق بن حياة الحضرمي و هو الذي سلب قميص الحسين فبرص بعد و أحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرمي فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتى رضوا ظهره و صدره فبلغني أن أحبش بن مرثد بعد ذلك بزمان أتاه سهم غرب و هو واقف في قتال ففلق قلبه فمات (1).

ص: 33


1- معالم المدرستين للعسكري:122/3-137.

روايات أخرى لمقتل أهل البيت عليهم السلام

اشارة

قال السيد محمد باقر القرشي:و بعد ما استشهدت الصفوة العظيمة من أصحاب الإمام هبت أبناء الأسرة النبوية شبابا و أطفالا للتضحية و الفداء،و هم بالرغم من صغر أسنانهم كانوا كالليوث لم يرهبهم الموت و لم تفزعهم الأهوال و تسابقوا-بشوق-إلى ميادين الجهاد،و قد ضنّ الإمام على بعضهم بالموت فلم يسمح لهم بالجهاد إلا أنهم أخذوا يتضرعون إليه،و يقبلون يديه و رجليه ليأذن لهم في الدفاع عنه.

و المنظر الرهيب الذي يذيب القلوب،و يذهل كل كائن حي هو أن تلك الفتية جعل يودع بعضهم بعضا الوداع الأخير فكان كل واحد منهم يوسع أخاه و ابن عمه تقبيلا و هم غارقون بالدموع حزنا و أسى على ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله حيث يرونه وحيدا غريبا قد أحاطت به جيوش الأعداء و يرون عقائل النبوة و مخدرات الوحي،و قد تعالت أصواتهن بالبكاء و العويل...و ساعد الله الإمام على تحمل هذه الكوارث التي تقصم الأصلاب،و تذهل الألباب،و لا يطيقها أي إنسان إلا من امتحن الله قلبه للإيمان...أما الذين استشهدوا من أبناء الرسول صلّى اللّه عليه و آله فهم:

1-علي الأكبر

اشارة

و أجمع المؤرخون أن علي بن الحسين الأكبر كان يضارع جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله،في خلقه و أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين،و أعظم بهذه الثورة التي ملكها

ص: 34

سليل هاشم فقد ملك جميع الطاقات الإنسانية و المثل الكريمة التي يسمو بها العظماء و المصلحون.

و كان البارز من معاني أخلاقه الإباء و الشمم و عزة النفس و الاندفاع الهائل في ميادين الكرامة الإنسانية،فقد آثر الموت و استهان بالحياة في سبيل كرامته،و لا يخضع لحكم الدعي ابن الدعي،و قد بعث عمر بن سعد رجلا من أصحابه فناداه:

«إن لك قرابة بأمير المؤمنين-يعني يزيد-و نريد أن نرعى هذا الرحم،فإن شئت آمناك؟».

فسخر منه علي بن الحسين و صاح به:

«لقرابة رسول الله أحق أن ترعى».

و كان من أبر أبناء الإمام و أكثرهم مواساة و حرصا عليه،و هو أول من اندفع بحماس بالغ من الهاشميين إلى الحرب،و كان عمره فيما يقول المؤرخون ثماني عشرة سنة فلما رآه الإمام أخذ يطيل النظر إليه،و قد ذابت نفسه حزنا و أشرف على الاحتضار،لأنه رأى ولده الذي لا ند له قد ساق نفسه إلى الموت،فرفع شيبته الكريمة نحو السماء و راح يقول بحرارة و ألم ممض:

«اللّهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك محمد صلّى اللّه عليه و اله خلقا و خلقا و منطقا،و كنا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه...اللّهم امنعهم بركات الأرض، و فرقهم تفريقا،و مزقهم تمزيقا،و اجعلهم طرائق قددا،و لا ترضي الولاة عنهم أبدا،فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا».

و يلمس في هذه الكلمات الحزينة مدى أساه على ولده الذي استوعب نفسه حبا له،و قد دعا الله-بحرارة-أن ينزل على تلك العصابة المجرمة عذابه الأليم في هذه الدنيا و تقطع قلب الإمام حزنا على ولده فصاح بالمجرم الأثيم عمر بن سعد.

«ما لك قطع الله رحمك،و لا بارك لك في أمرك،و سلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك،كما قطعت رحمي و لم تحفظ قرابتي من رسول الله صلّى اللّه عليه و اله ثم تلا قوله

ص: 35

تعالى: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1).

و شيع الإمام ولده بدموع مشفوعة بالحزن و الزفرات،و خلفه نساء أهل البيت و قد علا منهن الصراخ و العويل على شبيه رسول الله صلّى اللّه عليه و اله الذي ستتناهب شلوه السيوف و الرماح.

و انطلق الفتى إلى حومة الحرب مزهوا لم يختلج في قلبه خوف و لا رعب،و هو يحمل هيبة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و شجاعة أمير المؤمنين و بأس حمزة و إباء الحسين، و توسط حراب الأعداء و سيوفهم و هو يرتجز بعزة و تصميم محاميا عن دين الله:

أنا علي بن الحسين بن علي نحن و رب البيت أولى بالنبي

تا الله لا يحكم فينا ابن الدعي

أجل و الله يا فخر هاشم أنت و أبوك أولى بالنبي و أحق بمقامه،فأنتم أقرب الناس إليه و ألصقهم به،و لكن الأطماع السياسية التي تغلبت على القوم هي التي دفعتكم عن مقامكم،و سلطت عليكم هذه الطغمة الجائرة فعمدت إلى تقطيع أوصالكم و استئصال شأفتكم ليخلو لها الجو في التآمر على المسلمين بغير الحق.

و أعلن علي بن الحسين في رجزه عن روعة بأسه و شدة ابائه،و انه يؤثر الموت على الخنوع للدعي ابن الدعي..و التحم مع أعداء الله و قد ملأ قلوبهم رعبا و فزعا و أبدى من البسالة ما يقصر عنه الوصف،فقد ذكّرهم ببطولات جده أمير المؤمنين، و قد قتل فيما يقول بعض المؤرخين مائة و عشرين فارسا سوى المجروحين و ألح عليه العطش فقفل راجعا إلى أبيه يشكو إليه ظمأه القاتل و يودعه الوداع الأخير، و استقبله أبوه بحرارة فبادره علي قائلا:

«يا أبة العطش قد قتلني،و ثقل الحديد قد أجهدني،فهل إلى شربة ماء من سبيل4.

ص: 36


1- البقرة:33-34.

أتقوى بها على الأعداء؟».

و التاع الإمام كأشد ما تكون اللوعة ألما و محنة،فقال له بصوت خافت و عيناه تفيضان دموعا:

«و اغوثاه ما أسرع الملتقى بجدك،فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها أبدا».

و أخذ لسانه فمصه ليريه ظمأه فكان كشقة مبرد من شدة العطش و دفع إليه خاتمه ليضعه في فيه.

لقد كان هذا المنظر الرهيب من أفجع ما رزي به الإمام الحسين لقد رأى فلذة كبده و هو في غضارة العمر و ريعان الشباب،و قد استوعبت الجراحات جسمه الشريف و قد أشرف على الهلاك من شدة العطش و هو لم يستطع أن يسعفه بجرعة ماء ليروي ظمأه،يقول الحجة الشيخ عبد الحسين صادق في رائعته:

يشكو لخير أب ظمأه و ما اشتكى ظمأ الحشا إلا إلى الظامي الصدي

كل حشاشته كصالية الغضا و لسانه ظمأ كشقة مبرد

فانصاع يؤثره عليه بريقه لو كان ثمة ريقه لم يجمد

و قفل علي بن الحسين راجعا إلى حومة الحرب و قد فتكت الجروح بجسمه و فتت العطش كبده،و هو لم يحفل بما هو فيه،و إنما استوعبت فكره وحدة أبيه و تضافر أعداء الله على قتله،و جعل يرتجز:

الحرب قد بانت لها حقائق و ظهرت من بعدها مصادق

و الله رب العرش لا نفارق جموعكم أو تغمد البوارق

لقد أعرب فخر هاشم بهذا الرجز بأن الحقائق قد ظهرت في هذه الحرب،و تجلت للجميع الأهداف النبيلة التي ينشدها أهل البيت،و انهم سيبقون يناضلون عنها حتى تغمد البوارق.

و جعل علي الأكبر يقاتل أشد القتال و أعنفه حتى قتل تمام المئتين و قد ضج العسكر فيما يقول المؤرخون من شدة الخسائر التي مني بها،فقال الوضر الخبيث

ص: 37

مرة بن منقذ العبدي علي آثام العرب إن لم أثكل أباه و أسرع الخبيث إلى شبيه رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فطعنه بالرمح في ظهره و ضربه ضربة غادرة بالسيف على رأسه ففلق هامته،و اعتنق علي فرسه يظن أنه يرجعه إلى أبيه ليتزود بالنظر إليه،إلا أن الفرس حمله إلى معسكر الأعداء فأحاطوا به من كل جانب و لم يكتفوا بقتله و إنما راحوا يقطعونه بسيوفهم إربا إربا تشفيا منه لما ألحقه بهم من الخسائر الفادحة، و نادى علي رافعا صوته:

«عليك مني السلام أبا عبد الله،هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه شربة لا أظمأ بعدها،و هو يقول:إن لك كأسا مذخورة».

و حمل الأثير هذه الكلمات إلى أبيه الثاكل الحزين فقطعت قلبه و مزقت أحشاءه ففزع إليه و هو خائر القوى منهد الركن فانكب عليه،و وضع خده على خده،و هو جثة هامدة قد قطعت شلوه السيوف في وحشية قاسية،فأخذ يذرف أحر دموعه و هو يقول بصوت خافت قد لفظ شظايا قلبه فيه:

«قتل الله قوما قتلوك،يا بني ما أجرأهم على الله،و على انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا».

و هرعت إليه الفتية من عمومته و أبناء عمومته فألقوا بنفوسهم عليه و هو يوسعونه تقبيلا و يلثمون جراحاته،و يقسمون على أن يمضوا على ما مضى عليه، و أمرهم الإمام أن يحملوه إلى المخيم.

و هرعت الطاهرة البتول حفيدة النبي صلّى اللّه عليه و اله زينب عليه السّلام فانكبت على جثمان ابن أخيها تضمخه بدموعها،و تندبه بأشجى ما تكون الندبة،و قد انهارت أمام ابن أخيها الذي كان قبل ساعة يملأ العين اهابه،و أثر منظرها الحزين في نفس الإمام فجعل يعزيها بمصابها الأليم،و هو يردد:«على الدنيا بعدك العفا».

لقد كان علي بن الحسين الرائد و الزعيم لكل أبي شريف مات عصيا على الضيم في دنيا الإباء و الشرف.

ص: 38

و داعا يا بطل الإسلام.

و داعا يا فخر هاشم.

و داعا يا فجر كل ليل.

و نحن نودعك بالأسى و الحزن و نردد مع أبيك كلماته الحزينة«على الدنيا بعدك العفا» (1).3.

ص: 39


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:165/3.
فضيلة مقتل علي الأكبر عليه السلام

قال السيد الخامنئي:يصوّر كتاب اللهوف مشهدا آخر من مشاهد تلك الواقعة و هو بروز علي الأكبر للقتال،و كان مشهدا مثيرا حقّا من جميع أبعاده و جوانبه.

فهو مثير من جهة الإمام الحسين عليه السّلام،و مثير من جهة هذا الشاب-علي الأكبر- و مثبر من جهة النساء و خاصة عمّته زينب الكبرى عليها السّلام.

و ذكروا أن عليّا الأكبر كان بين الثامنة عشر إلى الخامسة و العشرين سنة من عمره،أي أنه كان في الثامنة عشر من عمره على أقل التقادير أو ما بينها و بين الخامسة و العشرين أو في الخامسة و العشرين على أعلى التقادير.

قال الراوي:«..خرج علي بن الحسين،و كان أصبح الناس وجها و أحسنهم خلقا، فاستأذن أباه في القتال،فأذن له» (1).

لما جاءه القاسم بن الحسن و استأذنه،لم يأذن له في بداية الأمر،و بعد أن ألحّ الغلام أذن له.أما بالنسبة لعلي بن الحسين عليه السّلام،فبما أنه ابنه،فما إنّ استأذن حتى أذن له.«ثم نظر إليه نظرة آيس منه و أرخى عليه السّلام عينيه و بكى».

هذه هي إحدى الخصائص العاطفية التي يتميز بها المسلمون،و هي البكاء عند المواقف و الأحداث المثيرة للعواطف.فأنتم تلاحظون أنه عليه السّلام بكى في مواقف متعددة،و ليس بكاؤه عن جزع و لكنه لشدّة العاطفة.و الإسلام ينمّي هذه العاطفة لدى الفرد المسلم.

ص: 40


1- المجالس الفاخرة:239.

ثم قال:«اللّهم اشهد فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك».

أريد أن أبيّن لكم هنا مسألة و هي أن فترة الطفولة التي عاشها الحسين إلى جنب جدّه،كان النبي يحبه كثيرا،و كان هو بدوره أيضا شديد الحب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

و كان تقريبا في السادسة أو السابعة من عمره عند وفاة الرسول و بقيت صورته عالقة في ذهنه،و حب الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله متجذّر في أعماق قلبه..ثم رزقه اللّه في ما بعد ولدا،هو علي الأكبر..مضت الأيام و شبّ هذا الفتى و إذا به يشبه في خلقته رسول اللّه تمام الشبه،فترسّخ حبّه في قلب الحسين كحبّه للنبي،فكان هذا الفتى يشبه النبي في شكله و شمائله و في صوته و كلامه و في أخلاقه،و يحمل نفس ذلك الكرم و شرف المحتد.

ثم قال عليه السّلام:«و كنا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه» (1).ثم صاح الحسين عليه السّلام:«يا ابن سعد قطع اللّه رحمك كما قطعت رحمي».

فتقدم علي الأكبر نحو القوم فقاتل قتالا شديدا و قتل جمعا كثيرا،ثم رجع إلى أبيه و قال:«يا أبة العطش قد قتلني و ثقل الحديد قد أجهدني،فهل إلى شربة ماء من سبيل»؟

فقال له الإمام الحسين عليه السّلام:«قاتل قليلا فما أسرع ما تلقى جدّك محمّدا صلّى اللّه عليه و اله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها».

فرجع إلى موقف النزال و قاتل أعظم القتال،و بعد أن ضرب نادى:«يا أبتاه عليك السلام،هذا جدي يقرؤك السلام و يقول لك عجل القدوم علينا».

هذه مشاهد مروّعة من تلك الواقعة الخالدة.

و جرت في مثل هذا اليوم-الحادي عشر من محرم-الذي يعتبر يوم زينب1.

ص: 41


1- اللهوف لإبن طاووس:67،و أبصار العين في أنصار الحسين عليه السّلام:51.

الكبرى(سلام اللّه عليها)مصائب مفجعة؛فهي قد أخذت على عاتقها منذ لحظة استشهاد الحسين ثقل الأمانة.و قطعت ذلك الشوط بكل شجاعة و اقتدار و كما هو خليق ببنت أمير المؤمنين عليه السّلام؛و هم الذين استطاعوا تخليد الإسلام و صيانة معالم الدين.و لم تكن واقعة الطفوف هذه استنقاذا لحياة شعب أو حياة أمّة فحسب،و انّما كانت استنقاذا لتأريخ بأكمله.

فالإمام الحسين عليه السّلام،و أخته زينب عليها السّلام،و أصحابه و أهل بيته عليهم السّلام أنقذوا التأريخ بموقفهم البطولي ذاك.

السلام عليك يا أبا عبد اللّه الحسين و على الأرواح التي حلّت بفنائك..عليك مني سلام اللّه أبدا ما بقيت و بقي الليل و النهار و لا جعله اللّه آخر العهد منّي لزيارتك..

السلام على الحسين و على علي بن الحسين و على أولاد الحسين و على أصحاب الحسين (1).3.

ص: 42


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:273.

مصرع آل عقيل

اشارة

قال السيد القرشي:و اندفعت الفتية الطيبة من آل عقيل إلى الجهاد و هي مستهينة بالموت و قد نظر الإمام عليه السّلام إلى بسالتهم و اندفاعهم إلى نصرته فكان يقول:

«اللّهم اقتل قاتل آل عقيل...صبرا آل عقيل إن موعدكم الجنة».

و كان علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام يميل أشد الميل لآل عقيل و يقدمهم على غيرهم من آل جعفر،فقيل له في ذلك فقال:إني لأذكر يومهم مع أبي عبد الله فأرق لهم.

و قد استشهد منهم تسعة في المعركة دفاعا عن ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و فيهم يقول الشاعر:

عين جودي بعبرة و عويل و اندبي ان ندبت آل الرسول

سبعة كلهم لصلب علي قد أصيبوا و تسعة لعقيل

و قد علوا بإرادتهم و عزمهم الجبار على ذلك الجيش«و أنزلوا به أفدح الخسائر» و من بينهم:

عبد الله بن مسلم

و انبرى فتى هاشم عبد الله بن مسلم إلى ساحة الجهاد فخاض غمرات الحرب و أهوالها في شوق إلى الشهادة،و قد بهر الأبصار بجماله و بسالته و هو يرتجز:

ص: 43

اليوم ألقى مسلما و هو أبي و فتية ماتوا على دين النبي

ليسوا كقوم عرفوا بالكذب لكن خيار و كرام النسب

ان هاشم السادات أهل الحسب

لقد عرف نفسه بأنه نجل الشهيد الخالد مسلم بن عقيل،و انه سيلقى أباه في يومه و يلتقي بالفتية من أبناء عمومته الذين استشهدوا في سبيل الإسلام و ماتوا على دين النبي صلّى اللّه عليه و اله و انهم ليسوا كأهل الكوفة الذين عرفوا بالغدر و الخيانة و الكذب، و انما ينميهم هاشم سيد العرب،و بهم تلتقي كل فضيلة و شرف في الإسلام.

و قاتل الفتى قتالا عنيفا فقتل جماعة في ثلاث حملات،و سدد له الوضر الأثيم يزيد بن الرقاد سهما غادرا فاتقاه الفتى بيده فسمرها إلى جبهته،فما استطاع أن يزيل السهم و قد أخذ منه الألم القاسي مأخذا عظيما فراح يدعو على السفكة المجرمين قائلا:

«اللّهم انهم استقلونا و استذلونا فاقتلهم كما قتلونا».

و شد عليه و غد فطعنه بالرمح في قلبه،فتوفي الفتى شهيدا مدافعا عن أقدس الحرمات في الإسلام.

جعفر بن عقيل

و برز إلى ساحات الجهاد جعفر بن عقيل فتوسط في ميدان الحراب و هو يرتجز:

أنا الغلام الأبطحي الطالبي من معشر في هاشم و غالب

و نحن حقا سادة الذوائب هذا حسين سيد الأطائب

لقد عرفهم نفسه بأنه من الأسرة النبوية التي هي أشرف الأسر العربية و أعلاها مجدا،و انه إنما يدافع عن سيده الحسين الذي هو سيد الأطائب و فخر هذه الدنيا.

ص: 44

و قاتل الفتى قتالا عنيفا،فرماه عروة بن عبد الله الخثعمي فقتله (1).

و قال في البحار:و خرج من بعده جعفر بن عقيل و هو يقول،شعرا:

أنا الغلام الأبطحي الطالبيّ من معشر في هاشم و غالب

فقتل خمسة عشر فارسا ثمّ قتله بشر بن لوط الهمداني (2).

عبد الرحمن بن عقيل

قال القرشي:و انطلق عبد الرحمن بن عقيل إلى حومة الحرب و أخذ يصول و يجول و هو يرتجز:

أبي عقيل فاعرفوا مكاني من هاشم و هاشم اخواني

كهول صدق سادة القران هذا حسين شامخ البنيان

لقد أدلى بنسبه الوضاح فهو نجل عقيل ابن عم رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و انه من السادة الأماجد الذين هم من أروع أمثلة الوفاء و النبل و الشرف في الأرض،كما أشاد بالإمام الحسين بأنه شامخ البنيان بمثله و مواهبه و قرابته من النبي صلّى اللّه عليه و اله...و قاتل قتال الأبطال فشد عليه عثمان بن خالد الجهني و بشير بن حوص القايض فقتلاه (3).

محمد بن عقيل

و كان محمد بن عقيل من الفقهاء،و قد برز مدافعا عن ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله

ص: 45


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:171/3.
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:44/45.
3- قال في البحار:فقتل سبعة عشر فارسا ثمّ قتله عثمان الجهني.

و استشهد بين يديه.

عبد الله الأكبر

و برز عبد الله الأكبر فقاتل،و شد عليه عثمان بن خالد بن أسير الجهني و رجل من همدان فقتلاه.

محمد بن أبي سعيد بن عقيل

و كان محمد بن أبي سعيد بن عقيل متكلما سريع الجواب،و قد برز إلى حومة الحرب و استشهد بين يدي الإمام.

محمد بن مسلم

و برز محمد بن مسلم إلى الحرب فشد عليه أبو مرهم الأزدي و لقيط بن إياس الجهني فقتلاه.

علي بن عقيل

و برز علي بن عقيل فقاتل قتالا شديدا،و استشهد بين يدي أبي عبد الله عليه السّلام.

لقد أبدى شباب آل عقيل من البطولة و البسالة ما لا يوصف،و تنافسوا على الشهادة بين يدي الحسين،و فدوه بأرواحهم.

ص: 46

أبناء الإمام الحسن عليه السلام

اشارة

و تقدمت الفتية من أبناء الإمام الحسن و هم في غضارة العمر و ريعان الشباب فجعلوا يتسابقون إلى الموت ليفدون عمهم بأرواحهم،و هم:

عبد الله بن الحسن

و يكنى أبا بكر،و أمه أم ولد يقال لها رملة،و قد برز إلى الحرب فتناهبت جسمه السيوف و الرماح و خرّ صريعا إلى الأرض يتخبط بدمه الزاكي.

القاسم بن الحسن
اشارة

و في طليعة أبناء الإمام الحسن القاسم،و كان فيما وصفه المؤرخون كالقمر في بهائه و جماله،و كرونق الزهور في زهوه و نضارته،و قد أنعم الله عليه و هو في سنه المبكر بإشراق العقل و فطنة النفس و عزة الإيمان،و قد غذاه عمه بمواهبه، و أفرغ عليه أشعة من روحه حتى صار مثلا للكمال و قدوة للإيمان.

و كان القاسم يرنو إلى عمه و يتطلع إلى محنته،و يود أن يرد عنه عوادي الأعداء بدمه،و كان يقول:

«لا يقتل عمي و أنا أحمل السيف».

و لما رأى وحدة عمه أحاطت به الآلام الهائلة،و اندفع يطلب منه الإذن ليجاهد

ص: 47

بين يديه فاعتنقه الإمام و عيناه تفيضان دموعا،و أذن له بالجهاد بعد إلحاحه، و انطلق الفتى ببطولة رائعة و هو لا يعرف الخوف و يهزأ من الحياة،و لم يضف على جسده لامة حرب،و إنما صحب معه سيفه،و التحم مع الأعداء يضرب الأعناق، و يحصد الرؤوس كأن المنايا كانت طوع أمره يقذف بها من يشاء،و بينما هو يقاتل إذ انقطع شسع نعله،فأنف سليل النبوة أن تكون إحدى رجليه بلا نعل فوقف يشده متحديا تلك الوحوش الكاسرة و غير حافل بها،و اغتنم هذه الفرصة الوغد الخبيث عمرو بن سعد الأزدي،فقال:و الله لأشدن عليه،«فأنكر عليه ذلك حميد بن مسلم و راح يقول له:

«سبحان الله!!و ما تريد بذلك؟يكفيك هؤلاء القوم الذين ما يبقون على أحد منهم».

فلم يعن به،و شد عليه فضربه بالسيف على رأسه الشريف،و هوى إلى الأرض صريعا كما تهوي النجوم،و نادى رافعا صوته:

«يا عماه..».

و تقطع قلب الإمام،و هرع نحو ابن أخيه،فعمد إلى قاتله فضربه بالسيف فاتقاها بساعده فقطعها من المرفق،و طرحه أرضا،فحملت خيل أهل الكوفة لاستنقاذه إلا أنه هلك الأثيم تحت حوافرها و انعطف الإمام نحو ابن أخيه فجعل يقبله و الفتى يفحص بيديه و رجليه،و جعل الإمام يخاطبه بذوب روحه قائلا:

«بعدا لقوم قتلوك،و من خصمهم يوم القيامة فيك جدك..عزّ و الله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك،أو يجيبك فلا ينفعك صوت و الله هذا يوم كثر واتره،و قل ناصره».

و حمل الفتى بين ذراعيه و هو يفحص برجليه كالطير المذبوح و جاء به فألقاه بجوار ولده علي الأكبر و سائر القتلى من أهل البيت،و أخذ يطيل النظر إلى تلك الكواكب المشرقة من أهل بيته،فجعل يدعو على السفكة المجرمين من أعدائه، و يدعو البقية الباقية من أهل بيته بالخلود إلى الصبر قائلا:

ص: 48

«اللّهم احصهم عددا،و لا تغادر منهم أحدا،و لا تغفر لهم أبدا،صبرا يا بني عمومتي،صبرا يا أهل بيتي لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا..».

لك الله يا أبا عبد الله على هذه الرزايا و الكوارث التي تميد من هولها الجبال، و تعصف بحلم أي إنسان كان (1).

و قال في البحار:ثمّ برز القاسم بن الحسن و برز من بعده عليّ بن الحسين و امّه ليلى الثقفية و هو ابن ثماني عشرة سنة و يقال ابن خمس و عشرين سنة و قال الحسين:اللّهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك كنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه،اللّهم امنعهم بركات الأرض.

و روي أنّه قتل على عطشه مائة و عشرين رجلا ثمّ رجع إلى أبيه يشكو العطش فدفع إليه خاتمه يمصّه و قال:أمسكه في فيك و ارجع إلى قتال عدوّك فإنّي أرجو أن لا تمسي حتى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا،فرجع إلى القتال حتّى قتل تمام المائتين ثمّ ضربه ملعون على مفرق رأسه و ضربه الناس بأسيافهم،فلمّا بلغت الروح التراقي نادى:يا أبتاه هذا جدّي رسول اللّه قد سقاني بكأسه الأوفى و هو يقول:العجل العجل فإنّ لك كأسا مذخورة فصاح الحسين:لعن اللّه قوما قتلوك على الدّنيا بعدك العفا.

قال حميد بن مسلم:فكأنّي أنظر إلى امرأة كأنّها الشمس خرجت مسرعة تنادي يا نور عيناه،فقيل هي زينب بنت علي فجاءت و انكبّت عليه فردّها الحسين عليه السّلام إلى الفسطاط و حملوه إلى قتلاهم.

قال أبو الفرج:عليّ بن الحسين هذا هو الأكبر و لا عقب له و يكنّى أبا الحسن و امّه ليلى بنت أبي مرّة و هو أوّل من قتل في الوقعة (2).8.

ص: 49


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:173/3.
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:45/45،و العوالم،الإمام الحسين:288.

ثمّ قالوا:و خرج من تلك الأبنية غلام و في اذنيه درّتان و هو مذعور يلتفت يمينا و شمالا و قرطاه تذبذبان فحمل عليه هاني بن بعيث لعنه اللّه فقتله فصارت شهربانو تنظر إليه و لا تتكلّم كالمدهوشة (1).

فضيلة مقتل القاسم بن الحسين عليه السلام

قال السيد الخامنئي:من جملة المشاهد التي يصورها في كتابه هذا هو بروز القاسم بن الحسن إلى الميدان،و كان فتى لم يبلغ الحلم.ليلة عاشوراء أعلم الحسين أصحابه بأن المعركة ستقع و أنهم سيقتلون جميعا،فأحلهم و أذن لهم بالإنصراف، فأبوا إلاّ أن يكونوا إلى جنبه.و في تلك الليلة سأل هذا الفتى عمّه الإمام الحسين عليه السّلام، هل سيقتل هو أيضا في ساحة المعركة؟فأراد الإمام الحسين عليه السّلام اختباره-على حد تعبيرنا-فقال له:كيف ترى الموت؟

قال:أحلى من العسل.

لا حظوا،هذا مؤشر على طبيعة القيم التي كان يحملها أهل بيت الرسول صلّى اللّه عليه و آله و من تربى في حجور أهل البيت.فقد ترعرع هذا الفتى منذ نعومة أظفاره في حجر الإمام الحسين عليه السّلام.

فكان عمره حين شهادة أبيه ثلاث أو أربع سنوات.فتكفل الإمام الحسين بتربيته.و في يوم عاشوراء وقف هذا الفتى إلى جانب عمّه.

و جاء في هذا المقتل ذكر هذه الواقعة على النحو التالي:«قال الراوي:...و خرج غلام كأن وجهه شقّة القمر و جعل يقاتل» (2).

ص: 50


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:172/3.
2- المجالس الفاخرة:240.

لقد دوّن الرواة كل أحداث و وقائع عاشوراء بتفاصيلها؛فذكروا اسم الضارب و المضروب و من ضرب أولا،و اسم أول من رمى،و من سلب،و من سرق.

فالشخص الذي سرق قطيفة أبي عبد اللّه عليه السّلام ذكروا اسمه،و كان يطلق عليه في ما بعد لقب:«سارق القطيفة».و من الواضح أن أهل البيت عليهم السّلام و محبيهم لم يتركوا هذه الحادثة تضيع في مجاهل التاريخ.

«فضربه ابن فضيل الأزدي على رأسه ففلقه،فوقع الغلام لوجهه و صاح:يا عمّاه.

فجلى الحسين عليه السّلام كما يجلي السقر،و شدّ شدّة ليث أغضب،فضرب ابن فضيل بالسيف فاتقاها بساعده فأطنّها من لدن المرفق،فصاح صيحة سمعه أهل العسكر، فحمل أهل الكوفة لينقذوه،فوطأته الخيل حتى هلك».

دارت معركة عند مصرع القاسم..هزمهم الحسين عليه السّلام بعد أن قاتلهم.

قال الراوي:«...و انجلت الغبرة،فرأيت الحسين عليه السّلام قائما على رأس الغلام و هو يفحص برجله،و الحسين يقول:بعدا لقوم قتلوك» (1).

ياله من مشهد مؤثر يعكس رقّة الحسين عليه السّلام و حبّه لهذا الفتى،من جهة، و صلابته إذ أذن له في القتال و التضحية من جهة أخرى.

كما و يدلّ أيضا على ما لهذا الفتى من عظمة روحية،و ما يتصف به الأعداء من قسوة تجعلهم يتصرفون مع هذا الفتى بمثل هذا السلوك (2).

الحسن ابن الإمام الحسن

و قال السيد القرشي:و قاتل الحسن ابن الإمام الحسن قتال الأبطال حتى هوى

ص: 51


1- مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفاني:58.
2- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:271.

إلى الأرض جريحا،و لما عمد أنذال أهل الكوفة إلى حز رؤوس الشهداء و جدوا به رمقا فاستشفع به أسماء بن خارجة الفزاري و كان من أخواله فشفعوه فيه فحمله معه إلى الكوفة و عالجه حتى برى من جرحه،ثم لحق في يثرب.

عبد الله بن الحسن

كان غلاما له من العمر إحدى عشرة سنة،و قد رأى عمه قد أحاطت به الأعداء فهرول إليه فعمدت إليه عمته زينب لتمنعه فامتنع عليها،و جاء يركض إلى عمه فأهوى أبحر بن كعب بالسيف ليضرب الحسين فصاح به الطفل في براءة الأطفال:

«يابن الخبيثة أتقتل عمي؟!!».

و عمد ابن الخبيثة إلى الطفل فعلاه بالسيف فتلقاه بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة فصاح الطفل مستغيثا بعمه قائلا:يا عماه،و وقع في حجر عمه فاعتنقه و جعل يواسيه،و يصبره على ما نزل به قائلا:

«يابن أخي اصبر على ما نزل بك،و احتسب في ذلك الخير فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين».

و أخذ الإمام يدعو على السفكة المجرمين:

«اللّهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم تفريقا و اجعلهم طرائق قددا و لا ترض الولاة عنهم أبدا فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا».

و بينما هو في حجر عمه إذ سدد له الباغي اللئيم حرملة بن كاهل سهما غادرا فذبحه و حمله الإمام فوضعه بين القتلى من أهل بيته،لقد تجرد أولئك الممسوخون من كل نزعة إنسانية فاستباحوا قتل الأطفال الأبرياء الذي كان محرما حتى في العرف الجاهلي.

و قال في البحار:ثمّ برز عبد اللّه بن الحسن و هو يقول شعرا:

ص: 52

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة ضرغام آجام و ليث قسورة

على الأعادي مثل ريح صرصرة

فقتل أربعة عشر رجلا ثمّ قتله حرملة بن كاهل الأسدي.

أبناء عبد الله بن جعفر

اشارة

قال السيد القرشي:و تسابقت الفتية من أبناء عبد الله بن جعفر إلى الجهاد بين يدي ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و هم:

1-عون بن عبد الله

و أمه العقيلة زينب بنت الإمام أمير المؤمنين،و قد برز إلى ساحة الجهاد فجعل يقاتل قتال الأبطال و هو يرتجز:

إن تنكروني فأنا ابن جعفر شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر كفى بهذا شرفا من معشر

و قد عرف نفسه بأنه ابن جعفر الشهيد الخالد في الإسلام الذي قطعت يداه في سبيل الدعوة الإسلامية،فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما في الفردوس الأعلى حسبما يقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و يكفي عونا شرفا و مجدا انه حفيد هذا الرجل العظيم.

و جعل يقاتل فحمل عليه عبد الله بن قطبة الطائي فقتله،و قد رثاه سليمان بن قتة بقوله:

و اندبي إن بكيت عونا أخاه ليس فيما ينوبهم بخذول

فلعمري لقد أصبت ذوي القر بى فبكى على المصاب الطويل

ص: 53

2-محمد بن عبد الله

و برز إلى حومة الحرب محمد بن عبد الله بن جعفر،و امه الخوصا من بني بكر ابن وائل و جعل يقاتل و هو يرتجز:

نشكو إلى الله من العدوان قتال قوم في الردى عميان

قد بدلوا معالم القرآن و محكم التنزيل و التبيان

و أظهروا الكفر مع الطغيان

لقد شكا إلى الله بهذا الرجز ما يعانيه أهل البيت عليهم السّلام من الظلم و الاعتداء من تلك العصابة الباغية التي عميت عن الحق و تردت في الضلال و بدلت أحكام القرآن، و أظهرت الكفر و الطغيان.

و قاتل الفتى أعنف القتال فحمل عليه عامر بن نهشل التميمي فضربه بالسيف فهوى جسمه الخضيب على رمضاء كربلاء،و لم يلبث أن لفظ أنفاسه الأخيرة و قد رثاه سليمان بن قتة بقوله:

و سمي النبي غودر فيهم قد علوه بصارم مصقول

فإذا ما بكيت عيني فجودي بدموع تسيل كل مسيل (1)

و قال في البحار:و خرج من بعده محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الطيّار فقتل منهم عشرة ثمّ قتله عامر التميمي و خرج من بعده أخوه عون و قتل ثمانية عشر رجلا و ثلاثة فوارس و قتله ابن بطّة ثمّ خرج القاسم بن الحسن و هو غلام صغير لم يبلغ الحلم فاستأذن الحسين عليه السّلام فأبى أن يأذن له فلم يزل يقبّل يديه و رجليه حتّى أذن له فخرج و دموعه تسيل على خدّيه و هو يقول شعرا:

ص: 54


1- حياة الحسين للقرشي:176/3.

إن تنكروني فأنا ابن الحسن سبط النبيّ المصطفى و المؤتمن

فقتل منهم خمسة و ثلاثين رجلا فضربه عمر الأزدي بالسيف على رأسه فوقع الغلام لوجهه و نادى يا عمّاه فجاءه الحسين عليه السّلام كالصقر المنقضّ فقتل قاتله و حملت خيل أهل الكوفة فجرحنه بحوافرها حتّى مات الغلام فانجلت الغبرة فإذا الحسين واقف على رأس الغلام و هو يفحص برجله فقال الحسين عليه السّلام:يعزّ و اللّه على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا يعينك أو يعينك فلا يغني عنك بعدا لقوم قتلوك،ثمّ احتمله حتّى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.

3-عبيد الله بن جعفر

قال السيد القرشي:و عبيد الله أمه الخوصا بنت حفصة،و قد برز إلى الجهاد فقتل.

ص: 55

شهادة أخوة الحسين عليه السلام

اشارة

و بعد ما استشهدت الصفوة الطيبة من أهل البيت عليهم السّلام و لم يبق مع الإمام الحسين عليه السّلام سوى أخوته من أبيه هبوا للجهاد،و وطنوا نفوسهم على الموت ليفدوا ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله بنفوسهم و مهجهم.

العباس مع اخوته
اشارة

و لما رأى بطل هاشم و فخر عدنان العباس ابن الإمام أمير المؤمنين كثرة القتلى من أهل بيته التفت إلى اخوته من أبيه و أمه فقال لهم:

«تقدموا يا بني أمي حتى أراكم نصحتم لله و لرسوله فإنه لا ولد لكم..».

و كشفت هذه الكلمات عن مدى إيمانه العميق،فهو يطلب من أخوته أن يكونوا قرابين لله،و يراهم في جهادهم قد نصحوا لله و رسوله و لم يلحظ في جهادهم أي اعتبار آخر من النسب و غيره...و التفت أبو الفضل إلى أخيه عبد الله،و كان أكبر اخوانه سنا فقال له:

«تقدم يا أخي حتى أراك قتيلا و احتسبك».

و استجابت الفتية إلى نداء الحق،فتقدموا إلى الجهاد بعزم و إخلاص.

قول رخيص

و ان من أرخص الأقوال و أهزلها ما ذكره ابن الأثير أن العباس عليه السّلام قال لأخوته:

ص: 56

«تقدموا حتى ارثكم فإنه لا ولد لكم»لقد قالوا بذلك ليقللوا من أهمية هذا العملاق العظيم الذي هو في طليعة رجال الإسلام بذلا و تضحية في سبيل الله،و هل من الممكن أن يفكر العباس عليه السّلام في الناحية المادية في تلك الساعة الرهيبة التي كان الموت المحتم منه كقاب قوسين أو أدنى،مضافا إلى المحن الشاقة التي أحاطت به، فهو يرى الكواكب من أبناء أخوته و عمومته صرعى على الأرض،و يسمع ضجيج حرائر النبوة و كرائم الوحي،و يسمع صراخ الأطفال و هم ينادون العطش العطش، و يرى أخاه قد أحيط به و هو يستغيث فلا يغاث،فقد استوعبت هذه الرزايا التي تذهل الألباب جميع مشاعره و عواطفه و لم يكن يفكر إلا بسرعة الرحيل عن هذه الدنيا،و مضافا لذلك كله فإن أم البنين أم العباس كانت حية فهي التي تحوز ميراث أبنائها لأنها من الطبقة الأولى،و لعل الوارد حتى أثأركم أي أطلب بثأركم فحرف ذلك.

مصرع عبد الله ابن أمير المؤمنين

و برز عبد الله ابن أمير المؤمنين و أمه أم البنين إلى ساحة الجهاد و التحم مع الأعداء و هو يرتجز:

شيخي علي ذو الفخار الأطول من هاشم الخير الكريم المفضل

هذا حسين ابن النبي المرسل عنه نحامي بالحسام المصقل

تفديه نفسي من أخ مبجل يا رب فامنحني ثواب المنزل

لقد اعتز بهذا الرجز بأبيه الإمام أمير المؤمنين باب مدينة علم النبي صلّى اللّه عليه و اله و وصيه كما اعتز بأخيه الإمام الحسين ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و انه إنما ينافح عنه لا بدافع الأخوة و الرحم،و إنما يبغي بذلك وجه الله و الدار الآخرة.

و لم يزل الفتى يقاتل أعنف القتال حتى شد عليه الباغي الأثيم هانىء بن ثبيت

ص: 57

الحضرمي فقتله.

مصرع جعفر

و برز جعفر ابن أمير المؤمنين عليه السّلام و أمه أم البنين و كان له من العمر تسع عشرة سنة،فجعل يقاتل قتال الأبطال فشد عليه هانىء بن ثبيت فقتله.

مصرع عثمان

و برز عثمان ابن أمير المؤمنين و امه أم البنين و هو ابن إحدى و عشرين سنة فرماه خولي بسهم فأضعفه،و شدّ عليه رجل من بني دارم فقتله و أخذ رأسه ليتقرب به إلى سيده ابن مرجانة.

مصرع العباس

و ليس في تأريخ الإنسانية قديما و لا حديثا أخوة أصدق و لا أنبل و لا أوفى من أخوة أبي الفضل لأخيه الإمام الحسين فقد حفلت بجميع القيم الإنسانية و المثل الكريمة.

و كان البارز من مثل تلك الأخوة النادرة الإيثار و المواساة و الفداء فقد آثر أبو الفضل أخاه و فداه بروحه،و واساه في أقسى المحن و الخطوب و قد أشاد الإمام زين العابدين عليه السّلام بهذه المواساة النادرة من عمه يقول عليه السّلام:

«رحم الله عمي العباس فلقد آثر و أبلى و فدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه، فأبدله الله تعالى بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن

ص: 58

أبي طالب..و إن للعباس عند الله تعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة».

و قد أثارت هذه الأخوة الصادقة الإكبار و الإعجاب عند جميع الناس،و صارت مضرب المثل في جميع الأحقاب و الآباد،و قد اعتز بها حفيده الفضل بن محمد يقول:

أحق الناس أن يبكى عليه فتى أبكى الحسين بكربلاء

أخوه و ابن والده علي أبو الفضل المضرج بالدماء

و من واساه لا يثنيه شيء و جاد له على عطش بماء

و يقول الكميت:

و أبو الفضل إن ذكرهم الحلو شفاء النفوس من أسقام

قتل الأدعياء إذ قتلوه أكرم الشاربين صوب الغمام

لقد كان أبو الفضل يملك طاقات هائلة من التقوى و الدين،و كانت أسارير النور بادية على وجهه الكريم حتى لقب بقمر بني هاشم،كما كان من الأبطال البارزين في الإسلام،و كان إذا ركب الفرس المطهم تخطان رجلاه في الأرض و قد ورث صفات أبيه من الشجاعة و النضال.

و أسند إليه الإمام عليه السّلام يوم الطف قيادة جيشه و دفع إليه رايته فرفعها عالية خفاقة،و قد قاتل أعنف القتال و أشده،و لما رأى وحدة أخيه و قتل أصحابه و أهل بيته الذين باعوا نفوسهم لله انبرى إليه يطلب منه الرخصة ليلاقي مصيره المشرق،فلم يسمح له الإمام و قال له بصوت خافت حزين النبرات:

«أنت صاحب لوائي».

لقد كان الإمام يشعر بالقوة و المنعة ما دام أبو الفضل حيا،فهو كجيش إلى جانبه يحميه و يذب عنه،و ألح عليه أبو الفضل قائلا:

«لقد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين،و أريد أن آخذ ثأري منهم».

لقد ضاق صدره و سئم من الحياة حينما رأى الكواكب المشرقة من أخوته

ص: 59

و أبناء أخوته و عمومته صرعى مجزرين على رمال كربلاء فتحرق شوقا للالتحاق بهم و الأخذ بثأرهم،و طلب منه الإمام أن يسعى لتحصيل الماء إلى الأطفال الذين صرعهم العطش فاندفع الشهم النبيل نحو أولئك الممسوخين فجعل يعظهم و يحذرهم غضب الله و نقمته،و خاطب ابن سعد قائلا:

«يابن سعد هذا الحسين ابن بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قد قتلتم أصحابه و أهل بيته، و هؤلاء عياله و أولاده عطاشى فاسقوهم من الماء،قد أحرق الظمأ قلوبهم،و هو مع ذلك يقول:دعوني أذهب إلى الروم أو الهند و أخلي لكم الحجاز و العراق».

و زلزلت الأرض تحت أقدامهم و ودوا أن تخيس بهم،و بكى بعضهم و ساد عليهم صمت رهيب فانبرى إليه الرجس الخبيث شمر بن ذي الجوشن فرد عليه قائلا:

«يابن أبي تراب لو كان وجه الأرض كله ماء و هو تحت أيدينا لما سقيناهم منه قطرة إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد».

و قفل أبو الفضل راجعا إلى أخيه فأخبره بعتو القوم و طغيانهم،و سمع الأبي الشهم صراخ الأطفال و هم يستغيثون و ينادون:

العطش العطش.الماء الماء.

فرآهم أبو الفضل العباس-و يا لهول ما رأى-قد ذبلت شفاههم و تغيرت ألوانهم و أشرفوا على الهلاك من شدة الظمأ،فالتاع كأشد ما يكون الالتياع،و سرى الألم العاصف في محياه،و اندفع ببسالة لإغاثتهم فركب جواده و أخذ معه القربة، فاقتحم الفرات و قد استطاع بقوة بأسه أن يفك الحصار الذي فرض على الماء و قد انهزم الجيش من بين يديه،فقد ذكرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر و محطم فلول الشرك،و قد انتهى إلى الماء و كان قلبه الشريف قد تفتت من العطش،و اغترف من الماء غرفة ليشرب منه إلا أنه تذكر عطش أخيه و من معه من النساء و الأطفال فرمى الماء من يده و امتنع أن يروي غليله و هو يقول:

ص: 60

يا نفس من بعد الحسين هوني و بعده لا كنت أن تكوني

هذا الحسين وارد المنون و تشربين بارد المعين

تا الله ما هذا فعال ديني

إن الإنسانية بكل إجلال و إكبار لتحيي هذه الروح العظيمة التي تألقت في دنيا الفضيلة و الإسلام،و هي تلقي على الأجيال أروع الدروس عن الكرامة الإنسانية و المثل العليا.

لقد كان هذا الإيثار الذي تجاوز حدود الزمان و المكان من أبرز الذاتيات في خلق أبي الفضل،فلم تمكنه عواطفه المترعة بالولاء و الحنان لأخيه أن يشرب من الماء قبله،فأي إيثار أنبل أو أصدق من هذا الإيثار لقد امتزجت نفسه بنفس أخيه، و تفاعلت روحه مع روحه،فلم يعد هناك أي تعدد في الوجود بينهما و اتجه فخر هاشم مزهوا نحو المخيم بعد ما ملأ القربة و هي عنده أغلى و أثمن من الحياة، و التحم مع الأعداء التحاما رهيبا فقد أحاطوا به ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى أهل البيت،و أشاع فيهم البطل القتل فأخذ يحصد الرؤوس و يجندل الأبطال و هو يرتجز:

لا أرهب الموت إذا الموت زقا حتى أوارى في المصاليت لقى

نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا إني أنا العباس اغدو بالسقا

و لا أخاف الشر يوم الملتقى

لقد أعلن لهم عن شجاعته النادرة و بطولاته العظيمة،فهو لا يرهب الموت،و إنما يستقبله بثغر باسم دفاعا عن الحق،و دفاعا عن أخيه رائد العدالة الاجتماعية في الأرض...و انه لفخور إذ يغدو بالسقاء مملوءا من الماء ليروي به عطاشى أهل البيت.

و انهزمت جيوش الباطل يطاردها الرعب و الفزع،فقد أبدى أبو الفضل من البطولات ما يفوق حد الوصف و قد أيقنوا أنهم عاجزون عن مقاومته،إلا أن الوضر

ص: 61

الجبان زيد بن الرقاد الجهني قد كمن له من وراء نخلة،و لم يستقبله بوجهه، فضربه على يمينه فبراها..لقد قطع تلك اليد التي كانت تفيض سماحا و برا على الناس و دفاعا عن حقوق المظلومين و المضطهدين.

و لم يعن أبو الفضل بيمينه،و إنما راح يرتجز:

و الله ان قطعتم يميني إني أحامي أبدا عن ديني

و عن إمام صادق يقيني نجل النبي الطاهر الأمين

و دلل بهذا الرجز على الأهداف العظيمة التي يناضل من أجلها،فهو إنما يناضل دفاعا عن الدين،و دفاعا عن إمام المسلمين.

و لم يبعد العباس قليلا حتى كمن له من وراء نخلة رجس من أرجاس البشرية و هو الحكيم بن الطفيل الطائي فضربه على يساره فبراها،و تنص بعض المقاتل أنه حمل القربة بأسنانه و جعل يركض ليوصل الماء إلى عطاشى أهل البيت،غير حافل بما كان يعانيه من نزف الدماء و ألم الجروح و شدة الظمأ..لقد كان ذلك منتهى ما وصلت إليه الإنسانية في جميع أدوارها من الوفاء و الرحمة و الحنان.

و بينما هو يركض و هو بتلك الحالة إذ أصاب القربة سهم غادر فأريق ماؤها، و وقف البطل الشهم حزينا،فقد كان إراقة الماء عنده أشد عليه من ضرب السيوف و طعن الرماح،و شد عليه رجس فعلاه بعمود من حديد على رأسه الشريف ففلق هامته،و هوى إلى الأرض و هو يؤدي تحيته و وداعه الأخير إلى أخيه قائلا:

«عليك مني السلام أبا عبد الله».

و حمل الأثير كلماته إلى أخيه فخرقت قلبه و مزقت أحشاءه،و انطلق و هو خائر القوى منهد الركن فاقتحم بجواده جيوش الأعداء،و وقف على الجثمان المقدس و هو يعاني آلام الاحتضار و ألقى بنفسه عليه فجعل يشمه و يضمخه بدموع عينيه و هو يلفظ شظايا قلبه الذي مزقته الكوارث قائلا:

«الآن انكسر ظهري،و قلت حيلتي».

ص: 62

و جعل الإمام يطيل النظر إلى جثمان أخيه و هو يذكر أخوته الصادقة و وفاءه النادر و شهامته الفذة...و تبددت جميع آماله،و كان مما يهون عليه أهوال هذه الكارثة سرعة اللحاق به،و عدم بقائه بعده إلا لحظات،و لكنها كانت عنده كالسنين فقد ودّ أن المنية قد وافته قبله.

و قام الثاكل الحزين و قد انهارت قواه،و هو لا يتمكن أن يقل قدميه،و قد بان عليه الانكسار و الحزن،و اتجه صوب المخيم و هو يكفكف دموعه،فاستقبلته سكينة قائلة:

«أين عمي؟».

فأخبرها بشهادته و هو غارق بالبكاء و الشجون،و ذعرت حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و اله زينب و استولى عليها الفزع حينما سمعت بمقتل أخيها،و وضعت يدها على قلبها المذاب و هي تصيح:

«وا أخاه،وا عباساه،وا ضيعتنا بعدك».

و شارك الإمام شقيقته في النياحة على أخيه البار،و اندفع رافعا عقيرته و هو الصبور:

«وا ضيعتنا بعدك يا أبا الفضل».

لقد شعر بالوحدة و الضيعة بعد فقده لأخيه الذي لم يترك لونا من ألوان البر و المواساة إلا قدمها لأخيه.

فسلام على سيرتك و ذكراك يا أبا الفضل،فلقد مضيت إلى مصيرك العظيم و أنت من أعظم الشهداء إشراقا و تضحية.

وداعا يا قمر بني هاشم.

وداعا يا بطل كربلاء.

و سلام عليك يوم ولدت و يوم استشهدت و يوم تبعث حيا.

ص: 63

محمد الأصغر

و ممن استشهد من أخوة الحسين لأبيه محمد الأصغر و أمه أم ولد و قد قاتل قتالا عنيفا فشد عليه رجل من تميم فقتله.

أبو بكر

و هو أخو الإمام لأبيه،و أمه ليلى بنت مسعود لم يعرف اسمه و يقول الخوارزمي:إن اسمه عبد الله و قد برز للحرب فقتله رجل من همدان،و قيل لا يدرى من قتله و يذهب الطبري إلى أنه مشكوك في قتله (1).

و قال في البحار:ثمّ برز أبو بكر بن الحسن و قتله عبد اللّه بن عقبة ثمّ تقدّمت أخوة الحسين فبرز منهم أبو بكر بن عليّ ثمّ عثمان بن علي.

و عن عليّ عليه السّلام قال:إنّما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون.

قيل لعلّ أمير المؤمنين عليه السّلام إنّما سمّى أولاده بهذه الأسماء مع أنّه لا يحبّها توسيعا على شيعته في ميدان التقيّة مثلا لو كان رجل من الشيعة في بلاد المخالفين.

و قيل له:أتحبّ أبا بكر و عمر و عثمان؟

يقول:نعم و يحلف على هذا قاصدا إلى أولاد أمير المؤمنين عليه السّلام و اللّه أعلم.

ص: 64


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:184/3.
العباس الأصغر

قال السيد القرشي:هو أخو الإمام لأبيه و أمه لبابة بنت عبيد الله بن العباس استشهد يوم الطف و يقول القاسم بن أصبغ المجاشعي لما أتي بالرؤوس إلى الكوفة رأيت فارسا علق في ساق فرسه رأس غلام أمرد كأنه القمر ليلة البدر فإذا طأطأ الفرس رأسه لحق رأس الغلام بالأرض فسألت عن الفارس فقيل هو حرملة بن كاهل و سألت عن الرأس فقيل هو رأس العباس بن علي و هذا مما يؤكد وجود العباس الأصغر لأن العباس الأكبر كان عمره يوم قتل اثنين و ثلاثين سنة و ليس غلاما أمرد.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن شهداء أهل البيت عليهم السّلام و قد انتهكت بقتلهم حرمة الرسول صلّى اللّه عليه و اله فلم يرع الجيش الأموي قرابتهم من رسول الله صلّى اللّه عليه و اله التي هي أولى بالرعاية و العطف من كل شي.

ص: 65

مصرع الإمام العظيم

اشارة

و تتابعت الرزايا و الخطوب يتتبع بعضها بعضا على ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله، فهو لم يكد ينتهي من كارثة قاصمة حتى تتواكب عليه أشد الكوارث هولا و أعظمها محنة.

لقد عانى الإمام في تلك اللحظات الرهيبة من المحن الشاقة ما لم يعانه أي مصلح كان،و من بينها:

أولا-إنه كان ينظر إلى مخدرات الرسالة و عقائل الوحي و هن بحالة من الذعر لا يعلمها إلا الله،ففي كل لحظة يستقبلن عزيزا من نجوم العترة الطاهرة مضمخما بدمائه الزكية لا يلبث أن يلفظ نفسه الأخير أمامهن و مما زاد في وجلهن أن الجفاة من الأعداء الذين محيت الرحمة من نفوسهم قد أحاطوا بهن،و لا يعلمن ماذا سيجري عليهن من المحن بعد فقد الأهل و الحماة،و كان الإمام ينظر إلى ما ألم بهن من الخوف فيذوب قلبه أسى و حسرات فكان يأمرهن بالتجلد و الخلود إلى الصبر، و أن لا يبدين من الجزع ما ينقص قدرهن،و اعلمهن أن الله يحفظهن و ينجيهن من شر الأعداء.

ثانيا-إن الأطفال قد تعالى صراخهم من ألم الظمأ القاتل،و هو لا يجد مجالا لإغاثتهم،و قد ذاب قلبه الكبير حنانا و رحمة على أطفاله و عياله الذين يعانون ما لا طاقة لهم به.

ثالثا-تعدي السفكة المجرمين بعد قتل أصحابه و أهل بيته إلى قتل الأطفال الأبرياء من أبناء أخوته و عمومته.

ص: 66

رابعا-مقاساته العطش الأليم،فقد ورد عن شدة ظمأه أنه كان لا يبصر السماء إلا كالدخان و ان كبده الشريف قد تفتت من شدة العطش،يقول الشيخ التستري:

«إن عطش الحسين قد أثر في أربعة أعضاء فالشفة ذابلة من حر الظمأ،و الكبد مفتت لعدم الماء-كما قال عليه السّلام-و قد أخبر بذلك حينما يئس من الحياة،و قد علموا أنه لا يعيش بعد ذلك فقال لهم:اسقوني قطرة من الماء فقد تفتت كبدي،و اللسان مجروح من شدة اللوك-كما في الحديث-و العين مظلمة من العطش».

خامسا-فقده للأحبة،من أهل بيته و أصحابه،فكان ينظر إلى خيمهم فيراها خالية فجعل يصعد آهاته و أحزانه،و يندبهم بأقسى ندبة.

إن النفس لتذوب حسرات من هذه الخطوب التي ألمت بابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله،يقول صفي الدين:«و قد لاقى الحسين من المحن و البلايا ما لا يستطيع مسلم أن يسمعه إلا و يذوب فؤاده».

استغاثة الإمام

و ألقى الإمام الممتحن نظرة مشفوعة بالأسى و الحسرات على أهل بيته و أصحابه فرآهم مجزرين كالأضاحي على رمال كربلاء تصهرهم الشمس، و سمع عياله و قد ارتفعت أصواتهن بالبكاء فأخذ يستغيث و يطلب الناصر و المعين ليحامي عن حرم رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قائلا:

«هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلّى اللّه عليه و اله؟هل من موحد يخاف الله فينا؟هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟».

و لم تنفذ هذه الاستغاثة إلى تلك القلوب التي ران عليها الباطل و غرقت في الآثام...و لما سمع زين العابدين استغاثة أبيه و ثب من فراشه،و جعل يتوكأ على عصا لشدة مرضه،فبصر به الحسين فصاح بأخته السيدة أم كلثوم!احبسيه لئلا

ص: 67

تخلو الأرض من نسل آل محمد،و بادرت إليه فأرجعته إلى فراشه.

مصرع الرضيع

أي صبر كان صبر أبي عبد الله؟!!كيف استطاع أن يتحمل هذه الكوارث..إنه صبر تعجز عنه الكائنات،و تميد من هو له الجبال،و كان من أفجع و أقسى ما نكب به رزيته بولده عبد الله الرضيع فقد كان كالبدر في بهائه،فأخذه و جعل يوسعه تقبيلا و يودعه الوداع الأخير،و قد رآه مغمى عليه،و قد غارت عيناه و ذبلت شفتاه من شدة الظمأ فحمله إلى القوم ليستدر عواطفهم لعلهم يسقوه جرعة من الماء، و عرضه عليهم و هو يظلل له بردائه من حرارة الشمس،و طلب منهم أن يسعفوه بقليل من الماء،فلم ترق قلوب أولئك الممسوخين،و انبرى الباغي اللئيم حرملة بن كاهل فسدد له سهما،و جعل يضحك ضحكة الدناة و هو يقول مفتخرا أمام اللئام من أصحابه:

«خذ هذا فاسقه».

و اخترق السهم-بالله-رقبة الطفل،و لما أحس بحرارة السهم أخرج يديه من القماط،و جعل يرفرف على صدر أبيه كالطير المذبوح،و انحنى الطفل رافعا رأسه إلى السماء فمات على ذراع أبيه...إنه منظر تتصدع من هو له القلوب،و تلجم الألسن...و رفع الإمام يديه و كانتا مملوءتين من ذلك الدم الطاهر فرمى به نحو السماء فلم تسقط منه قطرة واحدة إلى الأرض-حسبما يقول الإمام الباقر عليه السّلام- و أخذ يناجي ربه قائلا:

«هوّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى:اللّهم لا يكون أهون عليك من فصيل،إلهي إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه،و انتقم لنا من الظالمين،و اجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة في الآجل،اللّهم،أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك

ص: 68

محمد صلّى اللّه عليه و اله».

و نزل الإمام عن جواده و حفر لطفله بجفن سيفه حفرة و دفنه مرملا بدمائه الزكية،و قيل إنه ألقاه مع القتلى من أهل بيته.لك الله يا أبا عبد الله على هذه الكوارث التي لم يمتحن ببعضها أي نبي من أنبياء الله،و لم تجر على أي مصلح في الأرض.

صمود الإمام

و وقف الإمام وحيدا في الميدان أمام أعدائه،و قد زادته الفجائع المذهلة إيمانا و يقينا في بشر و طلاقة و ثقة بما يصير إليه من منازل الفردوس الأعلى.

لقد وقف ثابت الجنان لم يوهن عزيمته مصارع أولاده و أهل بيته و أصحابه و لا ما كان يعانيه من ألم العطش و نزيف الدماء،انه صمود الأنبياء و أولي العزم الذين ميزهم الله على بقية عباده،و قد روى ولده علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام الصور المذهلة عن صبر أبيه و صموده قال:كان كلما يشتد الأمر يشرق لونه، و تطمئن جوارحه،فقال بعضهم:انظروا كيف لا يبالي بالموت و يقول عبد الله بن عمار:رأيت الحسين حين اجتمعوا عليه يحمل على من على يمينه حتى انذغروا عنه فو الله ما رأيت مكثورا قد قتل أولاده و أصحابه أربط جأشا منه،و لا أمضى جنانا منه،و و الله ما رأيت قبله و لا بعده مثله و كان يتمثل بقول ابن الخطاب الفهري:

مهلا بني عمنا ظلامتنا إن بنا سورة من القلق

لمثلكم تحمل السيوف و لا تغمز احسابنا من الرفق

إني لأنمى إذا انتميت إلى عز عزيز و معشر صدق

بيض سباط كأن أعينهم تكحل يوم الهياج بالعلق

و حمل على أعداء الله فجعل يقاتلهم أشد قتال رآه الناس،و قد حمل على الميمنة و هو يرتجز:

ص: 69

الموت أولى من ركوب العار و العار أولى من دخول النار

و حمل على الميسرة و هو يرتجز:

أنا الحسين بن علي آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي أمضي على دين النبي

أجل أنت الحسين و أنت ملء فم الدنيا شرفا و مجدا،و أنت الوحيد في هذه الدنيا لم تنثن عن عزيمتك و إرادتك،فلم تضرع و لم تهن و مضيت في طريق الكفاح تدك حصون الظالمين و الماردين.

لقد مضيت على دين جدك الرسول صلّى اللّه عليه و اله فأنت الباعث المجدد لهذا الدين و لولاك لكان شبحا مبهما لا ظل له على واقع الحياة...و روى ابن حجر أن الإمام كان يقاتل و ينشد هذه الأبيات:

أنا ابن علي الحر من آل هاشم كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

و جدي رسول الله أكرم من مشى و نحن سراج الله في الناس يزهر

و فاطمة أمي سلالة أحمد و عمي يدعى ذو الجناحين جعفر

و فينا كتاب الله أنزل صادقا و فينا الهدى و الوحي و الخير يذكر

موقف المكرهين

و انبرى بعض الأوغاد من المكرهين في جيش ابن سعد فأخذوا بالدعاء للإمام بالنصر و التغلب على أعدائه يقول سعد بن عبيدة:إن أشياخنا من أهل الكوفة كانوا واقفين على تل و هم يبكون و يقولون:اللّهم أنزل عليه-أي على الحسين-نصرك، فأنكر عليهم سعد و قال:يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه.

ص: 70

فزع ابن سعد

و ذعر ابن سعد من كثرة الخسائر التي مني بها جيشه،فراح الخبيث الدنس يثير النعرات و يؤلب الجيش على حرب ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قائلا:

«هذا ابن الأنزع البطين،هذا ابن قتال العرب احملوا عليه من كل جانب».

لقد أثار ابن سعد الأحقاد الجاهلية على الإمام فذكرهم بقتل أمير المؤمنين للعرب،و عليهم أن يثأروا لدمائهم و هو منطق من لا علاقة له بالإسلام،فإن الإمام أمير المؤمنين لم يقتل العرب و إنما قتل القوى الباغية على الإسلام و المنحرفة عن الدين.

و وجه ابن سعد الرماة نحو الإمام فكان-فيما يقول المؤرخون-قد سددت نحوه أربعة آلاف نبلة فصار جسده الشريف هدفا لنبال أولئك البغاة و التحم معهم التحاما رهيبا،و قد أبدى من البسالة ما لم يشاهد له نظير في جميع فترات التأريخ.

استيلاء الإمام على الماء

و ألح العطش على الإمام،و أضر به إلى حد بعيد،فحمل على الفرات،و كان الموكلون بحراسته فيما يقول بعض المؤرخين أربعة آلاف فانهزموا من بين يديه، و استولى على الماء فغرف منه غرفة ليروي ظمأه القاتل فناداه خبيث من القوم:

«أتلتذ بالماء؟!و قد هتكت حرمك».

ورمى أبي الضيم الماء من يده،و آثر كرامة عائلته على عطشه و أسرع إلى الخيمة فإذا بها سالمة فعلم أنها مكيدة يقول ابن حجر:و لو لا ما كادوه به من أنهم حالوا بينه و بين الماء لم يقدروا عليه إذ هو الشجاع القرم الذي لا يزول و لا يتحول.

ص: 71

الهجوم على خيم الحسين

و توسط أبي الضيم معسكر الأعداء و جعل يقاتلهم أشد القتال و أعنفه و قد هجموا على خيمه ليسلبوا الحريم و الأطفال فصاح بهم:

«يا شيعة آل أبي سفيان،إن لم يكن لكم دين،و كنتم لا تخافون المعاد،فكونوا أحرارا في دنياكم و ارجعوا إلى احسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون..».

لقد جردهم الإمام بهده الكلمات من الإطار الإسلامي،و أضافهم إلى آل أبي سفيان العدو الأول للإسلام و تزعم من بعده أبناؤه القوى الباغية عليه،و ما كارثة كربلاء إلا امتداد لأحقادهم و أضغانهم على نبي الإسلام...و قد دعاهم عليه السّلام إلى الاحتفاظ بالتقاليد العربية التي كانت سائدة في أيام الجاهلية من عدم التعرض للنساء و الأطفال بأي أذى أو مكروه.

و انبرى الوغد الخبيث شمر بن ذي الجوشن فقال للإمام:

«ما تقول يابن فاطمة؟».

و حسب الرجس أنه قد انتقص الإمام بنسبته إلى أمه سيدة النساء،و لم يعلم أنه نسبه إلى معدن الطهر و النبوة،و حسب الحسين فخرا و مجدا أن تكون أمه سيدة نساء العالمين حسبما يقول الرسول صلّى اللّه عليه و اله.

فقال له الإمام:

«أنا الذي أقاتلكم،و النساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا».

فأجابه الشمر إلى ذلك،و أحاط به القتلة المجرمون و هم يوسعونه ضربا بالسيوف و طعنا بالرماح،فجعلت جراحاته تتفجر دما.

ص: 72

خطابه الأخير

و وجه الإمام عليه السّلام و هو بتلك الحالة خطابا لأعدائه حذرهم فيه من غرور الدنيا و فتنتها،و يقول المؤرخون:إنه لم يلبث بعده إلا قليلا حتى استشهد،و هذا نصه:

«عباد الله،اتقوا الله،و كونوا من الدنيا على حذر فإن الدنيا لو بقيت لأحد،و بقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحق بالبقاء،و أولى بالرضا،و أرضى بالقضاء،غير أن الله تعالى خلق الدنيا للبلاء،و خلق أهلها للفناء فجديدها بال،و نعيمها مضمحل،و سرورها مكفهر، و المنزل بلغة،و الدار قلعة فتزودوا فإن خير الزاد التقوى،و اتقوا الله لعلكم تفلحون».

الإمام يطلب ثوبا خلقا

و طلب الإمام من أهل بيته أن يأتوه بثوب خلق لا يرغب فيه أحد ليجعله تحت ثيابه لئلا يسلب منه،فأتوه بتبان فلم يرغب فيه و قال ذلك لباس من ضربت عليه الذلة،و أخذ ثوبا فخرقه،و جعله تحت ثيابه فلما قتل جردوه منه... (1)

و روي أنه قال عليه السّلام لأهله:ابعثوا إليّ ثوبا خلقا اجعله تحت ثيابي لئلاّ أجرّد فأخذ ثوبا خلقا فخرقه و جعله تحت ثيابه،ثمّ استدعى بسراويل من حبره ففزرها و لبسها،فلمّا قتل سلبها بحر بن كعب فكانت يدا بحر بعد ذلك يابسان في الصيف و ينضحان الماء في الشتاء إلى أن مات.

و لمّا أثخن بالجراح طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته فسقط عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن.

ص: 73


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:192/3.

و خرجت زينب من الفسطاط تنادي:وا أخاه وا سيّداه ليت السماء أطبقت على الأرض و ليت الجبال تدكدكت على السهل و صاح شمر:ما تنتظرون بالرجل فحملوا عليه من كلّ جانب فضربه رجل ضربة بالسيف كبا منها لوجهه و طعنه سنان في ترقوته و رماه أيضا بسهم وقع في نحره فنزع عليه السّلام السهم من نحره و قرن كفّيه جميعا و كلّما امتلأتا من دمائه خضب بهما رأسه و لحيته يقول:هكذا ألقى اللّه مخضبا بدمي.

فقال ابن سعد لرجل:إنزل إلى الحسين و أرحه فبدر إليه خولي الأصبحي ليحتزّ رأسه فأرعد و نزل إليه سنان النخعي فضربه بالسيف على حلقه الشريف و هو يقول:و اللّه إنّي لأحتزّ رأسك و أعلم أنّك ابن رسول اللّه و خير الناس أبا و امّا ثمّ احتزّ رأسه المقدّس.

و روي أنّ سنانا هذا أخذه المختار فقطع أنامله أنملة انملة ثمّ قطع يديه و رجليه و أغلى له قدرا فيها زيت و رماه فيها و هو يضطرب و قيل الذي قطع رأس الحسين هو الشمر لعنه اللّه و قيل بل جاء إليه شمر و سنان و الحسين عليه السّلام بآخر رمق يلوك لسانه من العطش و يطلب الماء فرفسه شمر برجله و قال:يابن أبي تراب ألست تزعم أنّ أباك على حوض النبيّ يسقي من أحبّه فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده فاحتزّ رأسه.

و روي أنّ فرس الحسين عليه السّلام كان يحامي عنه و يثب على الفارس فيحبطه عن سرجه و يدوسه حتّى قتل أربعين رجلا ثمّ نزع في دم الحسين و قصد نحو الخيمة و له صهيل عال و يضرب بيديه الأرض (1).

و في حين قتله ارتفعت في السماء غبرة شديدة و سواد مظلمة فيها ريح حمراء لا يرى فيها عين و لا أثر حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم فلبثوا ساعة ثمّ انجلت5.

ص: 74


1- مناقب آل أبي طالب:215/3،و البحار:57/45.

عنهم.

و عن هلال بن نافع قال:إنّي لواقف مع أصحاب ابن سعد إذ صرخ صارخ ابشر أيّها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين فخرجت بين الصفّين فوقفت عليه و أنّه ليجود بنفسه فو اللّه ما رأيت قتيلا مضمخا بدمه أحسن منه و لا أنور وجها و لقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله فاستسقى في تلك الحال ماء فقال له رجل:لا تذوق الماء حتّى ترد الحامية.

فقال الحسين عليه السلام:بل أرد على جدّي و أسكن معه في داره و أشرب من ماء غير آسن و أشكو إليه ما ارتكبتم منّي.

فاحتزّوا رأسه و هو يكلّمهم فتعجّبت من قلّة رحمتهم.

فقلت:و اللّه لا اجامعكم على أمر أبدا (1).5.

ص: 75


1- مدينة المعاجز:77/4،و البحار:/5745.

توديع الإمام الحسين لأهل بيته عليهم السلام

ثمّ نظر الحسين إلى اثنين و سبعين رجلا من أهل بيته صرعى فنادى يا سكينة يا فاطمة يا زينب يا امّ كلثوم عليكنّ منّي السلام فنادته سكينة يا أبه استسلمت للموت،قال:كيف لا يستسلم من لا ناصر له و لا معين فقالت:يا أبه ردّنا إلى حرم جدّنا فقال:هيهات لو ترك القطا لنام،فتصارخن النساء ثمّ ركب الحسين عليه السّلام فرسه و برز إلى القوم و هو يقول،شعرا:

خيرة اللّه من الخلق أبي ثمّ امّي فأنا ابن الخيرتين

فضّة قد خلصت من ذهب فأنا الفضّة و ابن الذهبين

من له جدّ كجدّي في الورى أو كشيخي فأنا ابن العلمين

فاطم الزهراء امّي و أبي قاصم الكفر ببدر و حنين

عبد اللّه غلاما يافعا و قريش يعبدون الوثنين

فأبي شمس و امّي قمر فأنا الكوكب و ابن القمرين

ثمّ وقف قبالة القوم و لم يزل يقتل كلّ من دنا منه حتّى قتل مقتلة عظيمة قال بعضهم:و اللّه ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته أربط جأشا منه و إنّه كان يشدّ على الرجال فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب،و لقد كان فيهم و قد تكملوا ثلاثين ألفا فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر و لم يزل يقاتل حتّى قتل ألف رجل و تسعمائة رجل و خمسين رجلا سوى المجروحين.

فقال ابن سعد:الويل لكم أتدرون من تقاتلون؟هذا ابن الأنزع البطين هذا ابن قتّال العرب فاحملوا عليه من كلّ جانب و كان الرّماة أربعة آلاف فرموه بالسّهام

ص: 76

و حالوا بينه و بين رحله فكشفهم ثمّ أخذه العطش فأقحم فرسه الفرات فقال للفرس:

أنا عطشان و أنت عطشان و اللّه لا ذقت الماء حتّى تشرب،فلمّا سمع الفرس كلام الحسين رفع رأسه و لم يشرب كأنّه فهم الكلام.

فقال الحسين عليه السّلام:اشرب فأنا أشرب فمدّ الحسين عليه السّلام يده فغرف من الماء.

فقال فارس:يا أبا عبد اللّه تتلذّذ بشرب الماء و قد هتكت خيمة حرمك فنفض الماء من يده و حمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة ثمّ رماه رجل من القوم يقال له أبا الحتوف بسهم وقع في جبهته فنزعه فسال الدم على وجهه و لحيته فقال عليه السّلام:

اللّهم إنّك ترى ما أنا فيه من هؤلاء العصاة،اللّهم لا تذر على وجه الأرض منهم أحدا و لا تغفر لهم أبدا ثمّ حمل عليهم كاللّيث المغضب و السهام تأخذه من كلّ ناحية و هو يتّقيها بنحره و صدره و هو يقول:يا امّة السوء أمّا انّكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد اللّه فتهابوا قتله بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي و ايم اللّه إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون و لم يزل يقاتل حتّى أصابته اثنتان و سبعون جراحة ما بين طعنة و ضربة.

و قال الباقر عليه السّلام:اصيب الحسين و وجد به ثلاثمائة و بضعة و عشرون طعنة برمح و ضربة بسيف أو رمية بسهم و كان درعه كالقنفذ (1).

و روي أنّها كانت كلّها في مقدمه فوقف يستريح ساعة و قد ضعف عن القتال فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب فوقع في صدره فقال:بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه و رفع رأسه إلى السماء و قال:إلهي إنّك تعلم إنّهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره فأخرج السهم من قفاه و انبعث الدم كالميزاب فوضع يده على الجرح،فلمّا امتلأت رمى به إلى السماء فما رجع من ذلك الدم قطرة و ما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمى الحسين بدمه إلى السماء ثمّ وضع يده0.

ص: 77


1- أمالي الصدوق:282 ح 240.

ثانيا،فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته و قال:هكذا ألقى جدّي بدمي.

ثمّ ضعف عن القتال فكلّما جاءه رجل و انتهى إليه انصرف عنه حتّى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر لعنه اللّه فضربه بالسيف على رأسه و عليه برنس فامتلأ دما فطرحه و اعتمّ على القلنسوة و كان البرنس من خز فأخذه رجاء الكندي و دخل بعد الواقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه فقالت له امرأته:تدخل بيتي بسلب ابن رسول اللّه اخرج عنّي حشى اللّه قبرك نارا و يبست يداه حتّى صارتا كالعودين (1).

ثمّ حمل شمر على فسطاط الحسين فطعنه بالرمح ثمّ قال:عليّ بالنار أحرقه على من فيه.

فقال له الحسين عليه السّلام:أحرقك اللّه بالنار (2).

هيهات لو ترك القطا لنام،فتصارخن النساء ثمّ ركب الحسين عليه السّلام فرسه و برز إلى القوم و هو يقول،شعرا:

خيرة اللّه من الخلق أبي ثمّ أمّي فأنا ابن الخيرتين

فضّة قد خلصت من ذهب فأنا الفضّة و ابن الذهبين

من له جدّ كجدّي في الورى أو كشيخي فأنا ابن العلمين

فاطم الزهراء أمّي و أبي قاصم الكفر ببدر و حنين

عبد اللّه غلاما يافعا و قريش يعبدون الوثنين

فأبي شمس و امّي قمر فأنا الكوكب و ابن القمرين

ثمّ وقف قبالة القوم و لم يزل يقتل كلّ من دنا منه حتّى قتل مقتلة عظيمة قال بعضهم:و اللّه ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته أربط جأشا منه و إنّه كان5.

ص: 78


1- بحار الانوار للعلامد المجلسي:53/45.
2- بحار الانوار للعلامد المجلسي:54/45.

يشدّ على الرجال فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب،و لقد كان فيهم و قد تكملوا ثلاثين ألفا فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر و لم يزل يقاتل حتّى قتل ألف رجل و تسعمائة رجل و خمسين رجلا سوى المجروحين.

فقال ابن سعد:الويل لكم أتدرون من تقاتلون؟هذا ابن الأنزع البطين هذا ابن قتّال العرب فاحملوا عليه من كلّ جانب و كان الرّماة أربعة آلاف فرموه بالسّهام و حالوا بينه و بين رحله فكشفهم ثمّ أخذه العطش فأقحم فرسه الفرات فقال للفرس:

أنا عطشان و أنت عطشان و اللّه لا ذقت الماء حتّى تشرب،فلمّا سمع الفرس كلام الحسين رفع رأسه و لم يشرب كأنّه فهم الكلام.

فقال الحسين عليه السّلام:اشرب فأنا أشرب فمدّ الحسين عليه السّلام يده فغرف من الماء.

فقال فارس:يا أبا عبد اللّه تتلذّذ بشرب الماء و قد هتكت خيمة حرمك فنفض الماء من يده و حمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة ثمّ رماه رجل من القوم يقال له أبا الحتوف بسهم وقع في جبهته فنزعه فسال الدم على وجهه و لحيته فقال:اللّهم إنّك ترى ما أنا فيه من هؤلاء العصاة،اللّهم لا تذر على وجه الأرض منهم أحدا و لا تغفر لهم أبدا ثمّ حمل عليهم كاللّيث المغضب و السهام تأخذه من كلّ ناحية و هو يتّقيها بنحره و صدره و هو يقول:يا امّة السوء أمّا انّكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد اللّه فتهابوا قتله بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي و ايم اللّه إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون و لم يزل يقاتل حتّى أصابته اثنتان و سبعون جراحة ما بين طعنة و ضربة.

و قال الباقر عليه السّلام:اصيب الحسين و وجد به ثلاثمائة و بضعة و عشرون طعنة برمح و ضربة بسيف أو رمية بسهم و كان درعه كالقنفذ (1).

و روي أنّها كانت كلّها في مقدمه فوقف يستريح ساعة و قد ضعف عن القتال0.

ص: 79


1- أمالي الصدوق:282 ح 240.

فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب فوقع في صدره فقال:بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه و رفع رأسه إلى السماء و قال:إلهي إنّك تعلم إنّهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره فأخرج السهم من قفاه و انبعث الدم كالميزاب فوضع يده على الجرح،فلمّا امتلأت رمى به إلى السماء فما رجع من ذلك الدم قطرة و ما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمى الحسين بدمه إلى السماء ثمّ وضع يده ثانيا،فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته و قال:هكذا ألقى جدّي بدمي.

ثمّ ضعف عن القتال فكلّما جاءه رجل و انتهى إليه انصرف عنه حتّى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر لعنه اللّه فضربه بالسيف على رأسه و عليه برنس فامتلأ دما فطرحه و اعتمّ على القلنسوة و كان البرنس من خز فأخذه رجاء الكندي و دخل بعد الواقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه فقالت له امرأته:تدخل بيتي بسلب ابن رسول اللّه اخرج عنّي حشى اللّه قبرك نارا و يبست يداه حتّى صارتا كالعودين (1).

ثمّ حمل شمر على فسطاط الحسين فطعنه بالرمح ثمّ قال:عليّ بالنار أحرقه على من فيه.

فقال له الحسين عليه السّلام:أحرقك اللّه بالنار (2).

و قال السيد محمد باقر القرشي:و قفل الإمام راجعا إلى عياله ليودعهم الوداع الأخير،و جراحاته تتفجر دما و قد أوصى حرم الرسالة و عقائل الوحي بلبس الازر و الاستعداد للبلاء،و أمرهن بالخلود إلى الصبر و التسليم لقضاء الله قائلا:

«استعدوا للبلاء،و اعلموا أن الله تعالى حاميكم و حافظكم،و سينجيكم من شر الأعداء،و يجعل عاقبة أمركم إلى خير،و يعذب عدوكم بأنواع العذاب،و يعوضكم عن5.

ص: 80


1- بحار الانوار للعلامد المجلسي:53/45.
2- بحار الانوار للعلامد المجلسي:54/45.

هذه البلية بأنواع النعم و الكرامة فلا تشكوا و لا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم».

تزول الدول،و تذهب الممالك،و تفنى الحضارات،و هذا الإيمان الذي لا حد له أحق بالبقاء و أجدر بالخلود من كل كائن في هذه الحياة،أي نفس تطيق مثل هذه الكوارث،و تستقبلها برباطة جأش و رضا و تسليم لأمر الله،انه ليس هناك غير الحسين أمل الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله و ريحانته و الصورة الكاملة التي تحكيه.

و ذابت أسى أرواح بنات الرسول صلّى اللّه عليه و اله حينما رأين الإمام بتلك الحالة يتعلقن به يودعنه،و قد وجلت منهن القلوب،و اختطف الرعب ألوانهن،و التاع الإمام حينما نظر إليهن و قد سرت الرعدة بأوصالهن،يقول الإمام كاشف الغطاء:

«من ذا الذي يقتدر أن يصور لك الحسين عليه السّلام و قد تلاطمت أمواج البلاء حوله، و صبت عليه المصائب من كل جانب،و في تلك الحال عزم على توديع العيال و من بقي من الأطفال فاقترب من السرادق المضروب على حرائر النبوة و بنات علي و الزهراء عليه السّلام فخرجت المخدرات كسرب القطا المذعورة فأحطن به و هو سابح بدمائه،فهل تستطيع أن تتصور حالهن و حال الحسين في ذلك الموقف الرهيب و لا يتفطر قلبك،و لا يطيش لبك،و لا تجري دمعتك».

لقد كانت محنة الإمام في توديعه لعياله من أقسى و أشق ما عاناه من المحن و الخطوب،فقد لطمن بنات رسول الله صلّى اللّه عليه و اله وجوههن،و ارتفعت أصواتهن بالبكاء و العويل،و هن يندبن جدهن الرسول صلّى اللّه عليه و اله و ألقين بأنفسهن عليه لوداعه،و قد أثر ذلك المنظر المريع في نفس الإمام بما لا يعلم بمداه إلا الله.

و نادى الرجز الخبيث عمر بن سعد بقواته المسلحة يحرضها على الهجوم على الإمام قائلا:

«اهجموا عليه ما دام مشغولا بنفسه و حرمه،فو الله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم».

و حمل عليه الأخباث فجعلوا يرمونه بالسهام،و تخالفت السهام بين أطناب

ص: 81

المخيم،و أصاب بعضها أزر بعض النساء فذعرن و دخلن الخيمة و خرج بقية الله في الأرض كالليث الغضبان على أولئك الممسوخين فجعل يحصد رؤوسهم الخبيثة بسيفه،و كانت السهام تأخذه يمينا و شمالا،و هو يتقيها بصدره و نحره، و من بين تلك السهام التي فتكت به.

1-سهم أصاب فمه الطاهر،فتفجر دمه الشريف فوضع يده تحت الجرح فلما امتلأت دما رفعه إلى السماء و جعل يخاطب الله تعالى قائلا:

«اللّهم إن هذا فيك قليل».

2-سهم أصاب جبهته الشريفة المشرقة بنور النبوة و الإمامة رماه به أبو الحتوف الجعفي فانتزعه،و قد تفجر دمه الشريف،فرفع يديه بالدعاء على السفكة المجرمين قائلا:

«اللّهم إنك ترى ما أنا فيه من عبادك العصاة،اللّهم احصهم عددا و اقتلهم بددا،و لا تذر على وجه الأرض منهم أحدا،و لا تغفر لهم أبدا».

و صاح بالجيش:«يا أمة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته،أما انكم لا تقتلون رجلا بعدي فتهابون قتله بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إياي،و ايم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة،ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون..».

لقد كان جزاء الرسول صلّى اللّه عليه و اله الذي أنقذهم من حياة البؤس و الشقاء أن عدوا على ذريته فسفكوا دماءهم،و اقترفوا منهم ما تقشعر منه الجلود و تندى له الوجوه..

و قد استجاب الله دعاء الإمام فانتقم له من أعدائه المجرمين،فلم يلبثوا قليلا حتى اجتاحتهم الفتن و العواصف،فقد هب الثائر العظيم المختار طالبا بدم الإمام فأخذ يطاردهم و يلاحقهم،و قد هربوا في البيداء و شرطة المختار تطاردهم حتى أباد الكثيرين منهم،يقول الزهري لم يبق من قتلة الحسين أحد إلا عوقب أما بالقتل أو العمى أو سواد الوجه،أو زوال الملك في مدة يسيرة.

3-و هو من أعظم السهام التي فتكت بالإمام.يقول المؤرخون:إن الإمام وقف

ص: 82

ليستريح بعدما أعياه نزيف الدماء،فرماه و غد بحجر أصاب جبهته الشريفة فسالت الدماء على وجهه فأخذ الثوب ليمسح الدم عن عينيه،فرماه رجس بسهم محدد له ثلاث شعب فوقع على قلبه الشريف الذي يحمل العطف و الحنان لجميع الناس،فعند ذلك أيقن بدنو الأجل المحتوم منه فشخص ببصره نحو السماء و هو يقول:

«بسم الله و بالله و على ملة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله..إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري».

و أخرج السهم من قفاه فانبعث الدم كالميزاب فأخذ يتلقاه بيديه فلما امتلأتا رمى به نحو السماء و هو يقول:

«هون ما نزل بي أنه بعين الله».

و أخذ الإمام من دمه الشريف فلطخ به وجهه ولحيته،و هو بتلك الهيبة التي تحكي هيبة الأنبياء و اندفع يقول:

«هكذا أكون حتى ألقى الله و جدي رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أنا مخضب بدمي..».

4-رماه الحصين بن نمير بسهم أصاب فمه الشريف فتفجر دما فجعل يتلقى الدم بيده و يرمي به نحو السماء و هو يدعو على الجناة المجرمين قائلا:

«اللّهم احصهم عددا،و اقتلهم بددا،و لا تذر على الأرض منهم أحدا».

و تكاثرت عليه السهام حتى صار جسده الشريف قطعة منها..و قد أجهده نزيف الدماء و أعياه العطش،فجلس على الأرض،و هو ينوء برقبته من شدة الآلام فحمل عليه و هو بتلك الحالة الرجس الخبيث مالك بن النسر فشتمه و علاه بالسيف،و كان عليه برنس فامتلأ دما،فرمقه الإمام بطرفه،و دعا عليه قائلا:

«لا أكلت بيمينك و لا شربت و حشرك الله مع الظالمين».

و ألقى البرنس و اعتم على القلنسوة فأسرع الباغي إلى البرنس فأخذه و قد شلت يداه.

ص: 83

الإمام مع ابن رباح

و كان مسلم بن رباح هو آخر من بقي من أصحاب الإمام،و كان معه،و قد أصاب الإمام سهم في وجهه الشريف فجلس على الأرض و انتزعه،و قد تفجر دمه،و لم تكن به طاقة فقال لابن رباح:

«ادن يديك من هذا الدم».

فوضع ابن رباح يديه تحت الجرح فلما امتلأتا دما قال له:

«اسكبه في يدي».

فسكبه في يديه،فرفعهما نحو السماء و جعل يخاطب الله تعالى قائلا:

«اللّهم اطلب بدم ابن بنت نبيك».

و رمى بدمه الشريف نحو السماء فلم تقع منه قطرة واحدة إلى الأرض فيما يقول ابن رباح.

ص: 84

مناجاة الإمام للّه تعالى

و اتجه الإمام عليه السّلام في تلك اللحظات الأخيرة إلى الله فأخذ يناجيه و يتضرع إليه بقلب منيب و يشكو إليه ما ألم به من الكوارث و الخطوب قائلا:

«صبرا على قضائك لا إله سواك،يا غياث المستغيثين،مالي رب سواك و لا معبود غيرك.صبرا على حكمك،يا غياث من لا غياث له،يا دائما لا نفاد له يا محيي الموتى،يا قائما على كل نفس احكم بيني و بينهم و أنت خير الحاكمين».

إنه الإيمان الذي تفاعل مع جميع ذاتياته فكان من أهم عناصره..لقد تعلق بالله و صبر على قضائه و فوض إليه جميع ما نزل به و عاناه من الكوارث و الخطوب، و قد أنساه هذا الإيمان العميق جميع ما حل به،يقول الدكتور الشيخ أحمد الوائلي في رائعته:

يا أبا الطف و ازدهى بالضحايا من أديم الطفوف روض خيل

نخبة من صحابة و شقيق و رضيع مطوق و شبول

و الشباب الفينان جف ففاضت طلعة حلوة و وجه جميل

و توغلت تستبين الضحايا و زواكي الدماء منها تسيل

و مشت في شفاهك الغر نجوى نم عنها التحميد و التهليل

لك عتبى يا رب إن كان يرضيك فهذا إلى رضاك قليل

ص: 85

الهجوم على الإمام

و هجمت على ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله تلك العصابة المجرمة التي تحمل رجس الأرض و خبث اللئام فحملوا عليه-يا لله-من كل جانب و هم يوسعونه ضربا بالسيوف و طعنا بالرماح فضربه زرعة بن شريك التميمي على كفه اليسرى، و ضربه و غد آخر على عاتقه،و كان من أحقد أعدائه عليه الخبيث سنان بن أنس، فقد أخذ يضربه تارة بالسيف و أخرى يطعنه بالرمح،و كان يفخر بذلك،و قد حكى للحجاج ما صنعه به باعتزاز قائلا:

«دعمته بالرمح،و هبرته بالسيف هبرا».

فالتاع الحجاج على قسوته و صاح به:اما انكما لن تجتمعا في دار.

و أحاط به أعداء الله من كل جانب،و سيوفهم تقطر من دمه الزكي،يقول بعض المؤرخين إنه لم يضرب أحد في الإسلام كما ضرب الحسين فقد وجد به مائة و عشرون جراحة ما بين ضربة سيف و طعنة رمح و رمية سهم.

و مكث الإمام مدة من الوقت على وجه الأرض،و قد هابه الجميع و نكصوا من الإجهاز عليه يقول السيد حيدر:

فما أجلت الحرب عن مثله صريعا يجبن شجعانها

و كانت هيبته تأخذ بمجامع القلوب حتى قال بعض أعدائه:«لقد شغلنا جمال وجهه و نور بهجته عن الفكرة في قتله»و ما انتهى إليه رجل إلا انصرف كراهية أن يتولى قتله.

ص: 86

خروج العقيلة زينب

و خرجت حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و اله زينب من خبائها و هي فزعة تندب شقيقها و بقية أهلها و تقول بذوب روحها:

«ليت السماء وقعت على الأرض».

و أقبل ابن سعد فصاحت به:يا عمر أرضيت أن يقتل أبو عبد الله و أنت تنظر إليه؟

فأشاح الخبيث بوجهه عنها و دموعه تسيل على لحيته المشومة و لم تعد العقيلة تقوى على النظر إلى أخيها و هو بتلك الحالة التي تميد بالصبر،فانصرفت إلى خبائها لترعى المذاعير من النساء و الأطفال.

ص: 87

الفاجعة الكبرى

و مكث الإمام طويلا من النهار،و قد أجهدته الجروح و أعياه نزيف الدماء،فصاح بالقتلة المجرمين:

«أعلى قتلي تجتمعون؟أما و الله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله و ايم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم،ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون..».

و كان الشقي الأثيم سنان بن أنس قد شهر سيفه فلم يدع أحدا يدنو من الإمام مخافة أن يغلبه على أخذ رأسه فيخسر الجائزة من سيده ابن مرجانة،و التفت الخبيث عمر بن سعد إلى شبث بن ربعي فقال له:

«انزل فجئني برأسه».

فأنكر عليه شبث و قال له:

«أنا بايعته ثم غدرت به،ثم أنزل فاحتز رأسه لا و الله لا أفعل ذلك..».

و التاع ابن سعد فراح يهدده:

«إذا اكتب إلى ابن زياد».

«اكتب له».

و صاح شمر بالأوغاد المجرمين من أصحابه:و يحكم ما ذا تنتظرون بالرجل؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم فاندفع خولي بن يزيد إلى الإجهاز عليه إلا أنه ضعف و أرعد فقد أخذته هيبة الإمام فأنكر عليه الرجس سنان بن أنس و صاح به:فتّ الله في عضدك و أبان يدك،و اشتد كالكلب على الإمام فاحتز رأسه الشريف فيما يقول بعض المؤرخين،و سنذكر الأقوال في ذلك.

ص: 88

و احتز رأس الإمام عليه السّلام و كانت على شفتيه ابتسامة الرضا و الاطمئنان و النصر الذي أحرزه إلى الأبد.

لقد قدم الإمام روحه ثمنا للقرآن الكريم،و ثمنا لكل ما تسمو به الإنسانية من شرف و عز و إباء.و قد كان الثمن الذي بذله غاليا و عظيما فقد قتل مظلوما مهضوما غريبا بعد أن رزى بأبنائه و أهل بيته و أصحابه و ذبح و هو عطشانا أمام عائلته، فأي ثمن أغلى من هذا الثمن الذي قدمه الإمام قربانا خالصا لوجه الله؟

لقد تاجر الإمام مع الله بما قدمه من عظيم التضحية و الفداء،فكانت تجارته هي التجارة الرابحة.

قال الله تعالى: لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (1).

و الشيء المحقق أن الإمام قد ربح بتجارته و فاز بالفخر الذي لم يفز به أحد غيره،فليس في أسرة شهداء الحق من نال الشرف و المجد و الخلود مثل ما ناله الإمام،فها هي الدنيا تعج بذكراه،و ها هو حرمه المقدس أصبح أعز حرم و أمنعه في الأرض.

لقد رفع الإمام العظيم راية الإسلام عالية خفاقة و هي ملطخة بدمه و دماء الشهداء من أهل بيته و أصحابه:و هي تضي في رحاب هذا الكون و تفتح الآفاق الكريمة لشعوب العالم و أمم الأرض لحريتهم و كرامتهم.

لقد استشهد الإمام من أجل أن يقيم في ربوع هذا الكون دولة الحق،و ينقذ المجتمع من حكم الأمويين الذين كفروا بحقوق الإنسان،و حولوا البلاد إلى مزرعة لهم يصيبون منها حيث ما شاءوا (2).9.

ص: 89


1- التوبة:110.
2- حياة الإمام الحسين للقرشي:165/3-199.

مقتل الحسين عليه السلام على لسان الصادق عليه السّلام

في كتاب الأمالي عن عبد اللّه بن منصور قال:قلت للصادق عليه السّلام:حدّثني عن مقتل الحسين عليه السّلام.

قال:لمّا حضرت معاوية الوفاة قال لابنه يزيد لعنه اللّه:قد ذلّلت لك الرّقاب و إنّي أخشى عليك من ثلاث نفر مخالفون عليك و هم عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن الزبير و الحسين بن عليّ،فأمّا ابن عمر فهو معك فالزمه و لا تدعه،و أمّا ابن الزبير فاقتله إن ظفرت به فإنّه ثعلب،و أمّا الحسين فقد عرفت حظّه من رسول اللّه و هو من لحم رسول اللّه و دمه و قد علمت أنّ أهل العراق يخرجونه إليهم ثمّ يخذلونه فإن ظفرت به فلا تؤاخذه بفعله و لا تناله بمكروه.

فلمّا هلك معاوية و تولّى الأمر يزيد بعث عامله على المدينة عمّه عتبة بن أبي سفيان فقدم المدينة و بعث إلى الحسين عليه السّلام و قال:إنّ أمير المؤمنين يزيد آمرك أن تبايع له فقال:يا عتبة قد علمت إنّا معدن الرّسالة و أعلام الحقّ و لقد سمعت جدّي يقول:إنّ الخلافة محرّمة على ولد أبي سفيان فكيف ابايع أهل بيت قال فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم هذا؟فكتب عتبة إلى يزيد أنّ الحسين بن علي لا يرى لك خلافة و لا بيعة فرأيك في أمره،فكتب إليه:إذا أتاك كتابي هذا فعجّل إليّ بإرسال رأس الحسين، فبلغ ذلك الحسين عليه السّلام فهمّ بالخروج من الحجاز إلى العراق فلمّا أقبل الليل مضى يودّع قبر جدّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فسطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه.

فلمّا كانت الليلة الثانية مضى إلى القبر يودّعه فصلّى ثمّ سجد و نام فجاءه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و هو في منامه فضمّه إلى صدره و قبّل ما بين عينيه و قال له:بأبي أنت

ص: 90

كأنّي أراك مرمّلا بدمك بين عصابة من هذه الامّة،يا بنيّ إنّك قادم على أبيك و امّك و أخيك و هم مشتاقون إليك و أنّ لك في الجنّة درجات لا تنالها إلاّ بالشهاده فانتبه الحسين عليه السّلام باكيا فأتى أهله و أخبرهم بالرؤيا و ودّعهم و حمل أخواته على المحامل و ابن أخيه و صار في أحد و عشرين من أهل بيته و أصحابه و سمع عبد اللّه ابن عمر بخروجه فركب خلفه و أدركه فقال له:ارجع إلى حرم جدّك و لا تخرج إلى العراق،فأبى،فقال:إكشف لي عن الموضع الذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقبّله منك، فكشف الحسين عليه السّلام عن سرّته فقبّلها ابن عمر ثلاثا و بكى و قال:أستودعك اللّه يا أبا عبد اللّه فإنّك مقتول في وجهك هذا.

فسار الحسين و أصحابه حتّى نزل العذيب فقال فيها قايلة الظهر ثمّ انتبه من نومه باكيا فقال له ابنه:ما يبكيك يا أبه؟

قال:با بني إنّها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها إنّه عرض لي في منامي عارض فقال:

تسرعون السير و المطايا تسير بكم إلى الجنّة ثمّ سار حتّى نزل الرهيميّة فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنّى أبا هرم فقال:يا بن النبيّ ما الذي أخرجك من المدينة؟

فقال:ويحك يا أبا هرم شتموا عرضي فصبرت و طلبوا مالي فصبرت و طلبوا دمي فهربت و ايم اللّه ليقتلنّي ثمّ ليلبسنّهم اللّه ذلاّ شاملا و سيفا قاطعا،و بلغ عبيد اللّه ابن زياد لعنه اللّه الخبر و أنّ الحسين نزل الرهيمية فأرسل إليه الحرّ بن يزيد في ألف فارس،قال الحرّ:فلمّا خرجت من منزلي متوجّها نحو الحسين نوديت ثلاثا:يا حرّ أبشر بالجنّة،فالتفت فلم أر أحدا فقلت:ثكلت الحرّ أمة يخرج إلى قتال ابن رسول اللّه و يبشّر بالجنّة فبلغه عند صلاة الظهر فأمر الحسين عليه السّلام ابنه فأذّن و أقام و صلّى الحسين عليه السّلام بالفريقين جميعا،فلمّا سلّم و ثب الحرّ بن يزيد و سلّم على الحسين فقال له الحسين عليه السّلام:من أنت؟

فقال:أنا الحرّ بن يزيد،فقال:يا حرّ علينا أم لنا؟

ص: 91

فقال:يابن رسول اللّه لقد بعثت لقتالك و أعوذ باللّه أن أحشر من قبري و ناصيتي مشدودة إلى رجلي،يابن رسول اللّه أين تذهب إرجع إلى حرم جدّك فإنّك مقتول، فقال الحسين عليه السّلام شعرا:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقّا و جاهد مسلما

ثمّ سار حتّى نزل القطقطانية فنظر إلى فسطاط مضروب لعبد اللّه بن الحرّ فأرسل إليه الحسين عليه السّلام فقال له:إنّك مذنب خاطئ و إنّ اللّه عزّ و جلّ آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى اللّه فتنصرني،فقال:يابن رسول اللّه لو نصرتك لكنت أوّل مقتول بين يديك و لكن هذا فرسي خذه إليك فأعرض عنه الحسين عليه السّلام بوجهه و قال:لا حاجة لنا فيك و لا في فرسك و ما كنت متّخذ المضلّين عضدا،و لكن فرّ فلا لنا و لا علينا فإنّه من سمع و اعيتنا أهل البيت ثمّ لم يجبنا كبّه اللّه على وجهه في نار جهنّم ثمّ سار حتّى نزل كربلاء فقال:أيّ موضع هذا؟

فقيل:هذا كربلاء يابن رسول اللّه فقال:هذا و اللّه يوم كرب و بلاء و هذا الموضع الذي تهرق فيه دماؤنا و يباح فيه حريمنا فأقبل عبيد اللّه بن زياد بعسكره حتّى نزل النخيلة و بعث إلى الحسين عمر ابن سعد في أربعة آلاف فارس و عبد اللّه بن الحصين و شبث بن ربعي و محمّد بن الأشعث كلّ واحد في ألف فارس و كتب إلى عمر بن سعد إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي و حل بينه و بين الماء كما حيل بين عثمان و بين الماء يوم الدار،فلمّا وصله الكتاب نادى إنّا قد أجّلنا حسينا و أصحابه يومهم و ليلتهم فشقّ ذلك على الحسين و أصحابه فقام الحسين في أصحابه خطيبا فقال:اللّهم إنّي لا أعرف أهل بيت أبرّ و لا أزكى من أهل بيتي و لا أصحابا هم خير من أصحابي و قد نزل بي ما ترون و أنتم في حلّ من بيعتي و هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا و تفرّقوا في سواده فإنّ القوم إنّما يطلبوني و لو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري.

فقام إليه عبد اللّه بن مسلم بن عقيل فقال:يابن رسول اللّه ماذا يقول لنا الناس إن

ص: 92

نحن خذلنا سيّدنا و ابن سيّد الأعمام و ابن نبيّنا لم نضرب معه بسيف و لم نقاتل معه برمح لا و اللّه أو نرد موردك و نجعل دماءنا دون دمك فإذا فعلنا ذلك قضينا ما علينا،و قام إليه زهير بن القين فقال:وددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت ثمّ نشرت فيك و في الذين معك مائة قتلة و أنّ اللّه دفع بي عنكم أهل البيت، فقال له و لأصحابه:جزيتم خيرا.

ثمّ إنّ الحسين عليه السّلام أمر بحفيرة حول عسكره شبه الخندق فحشيت حطبا و أرسل عليّا ابنه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا ليستقوا الماء و هم على وجل شديد و أنشأ الحسين عليه السّلام يقول شعرا:

يا دهر اف لك من خليل كم لك في الإشراق و الأصيل

من طالب و صاحب قتيل و الدهر لا يقنع بالبديل

و إنّما الأمر إلى الجليل و كلّ حيّ سالك سبيلي

ثمّ قال لأصحابه:قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم و توضأوا و اغتسلوا و اغسلوا ثيابم لتكون أكفانكم ثمّ صلّى بهم الفجر و عبّأهم تعبئة الحرب و أمر بالحفيرة فأضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد و أقبل رجل من عسكر ابن سعد يقال له ابن أبي جويرية فقال:يا حسين أبشروا بالنار التي تعجّلتموها في الدّنيا،فقال الحسين عليه السّلام:اللّهم أذقه عذاب النار في الدّنيا فنفر به فرسه و ألقاه في تلك النار فاحترق.

ثمّ برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن حصين فنادى يا حسين و يا أصحاب حسين ألا ترون إلى ماء الفرات يموج كأنّه بطون الحيّات و اللّه لا ذقتم منه قطرة حتّى تذوقوا الموت جرعا.

فقال الحسين عليه السّلام:اللّهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم فخنقه العطش حتّى سقط عن فرسه فوطأته الخيل بسنابكها فمات.

ثمّ أقبل محمّد بن أشعث بن قيس الكندي و قال:أيّة حرمة لك من رسول اللّه

ص: 93

ليست لغيرك؟

فقال:إنّ اللّه اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين،و اللّه إنّ محمّدا لمن آل إبراهيم و أنّ العترة الهادية لمن آل محمّد فقال:اللّهم أر محمّد بن الأشعث ذلاّ في هذا اليوم فخرج من العسكر يتبرز فسلّط اللّه عليه عقربا فلدغه فمات بادئ العورة فبلغ العطش من الحسين و أصحابه فدخل عليه رجل من أصحابه يقال له يزيد الهمداني فقال:ائذن لي فأخرج إليهم فأكلّمهم،فأذن له فخرج إليهم و قال:يا معشر الناس إنّ اللّه بعث محمّدا بالحقّ بشيرا و نذيرا و هذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد و كلابها و قد حيل بينه و بين ابنه.

فقالوا:يا يزيد قد أكثرت الكلام فاكفف فو اللّه ليعطشنّ الحسين كما عطش من كان قبله،فقال الحسين عليه السّلام:أقعد يا يزيد ثمّ وثب الحسين عليه السّلام متوكئا على سيفه فنادى بأعلى صوته:أنشدكم اللّه هل تعرفوني؟

قالوا:نعم أنت ابن رسول اللّه و سبطه،فقال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جدّي رسول اللّه؟

قالوا:اللّهم نعم،قال:هل تعلمون إنّ امّي فاطمة بنت محمّد؟

قالوا:اللّهم نعم،قال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ أبي عليّ بن أبي طالب؟

قالوا:اللّهم نعم،قال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جدّتي خديجة أوّل نساء هذه الامّة إسلاما؟

قالوا:اللّهم نعم،قال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ سيّد الشهداء حمزة عمّ أبي؟

قالوا:اللّهم نعم،قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جعفر الطيّار في الجنّة عمّي؟

قالوا:اللّهمّ نعم،قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول اللّه و أنا متقلّده؟

قالوا:اللّهمّ نعم،قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول اللّه أنا لابسها؟

ص: 94

قالوا:اللّهم نعم،قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ عليّا كان أوّلهم إسلاما و أعلمهم علما و أعظمهم حلما و أنّه أوّل كلّ مؤمن و مؤمنة؟

قالوا:اللّهم نعم،قال:فبم تستحلّون دمي و أبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء و لواء الحمد في يد جدّي يوم القيامة؟

قالوا:قد علمنا ذلك كلّه و نحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشا،فأخذ الحسين عليه السّلام بطرف لحيته و هو يومئذ ابن سبع و خمسين سنة ثمّ قال:اشتدّ غضب اللّه على اليهود حين قالوا عزير ابن اللّه و اشتدّ غضب اللّه على النصارى حين قالوا المسيح ابن اللّه و اشتدّ غضب اللّه على المجوس حين عبدوا النار من دون اللّه و اشتدّ غضب اللّه على قوم قتلوا نبيّهم و اشتدّ غضب اللّه على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيّهم.

قال:فضرب الحرّ بن يزيد فرسه إلى عسكر الحسين عليه السّلام واضعا يده على رأسه و هو يقول:اللّهم إليك انيب فتب عليّ فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد نبيّك،يابن رسول اللّه هل من توبة؟

قال:نعم تاب اللّه عليك.

قال:يابن رسول اللّه ائذن لي فأقاتل عنك فأذن له فبرز و هو يقول شعرا:

أضرب في أعناقكم بالسيف عن خير من حلّ بلاد الخيف

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثمّ قتل فأتاه الحسين عليه السّلام و دمه يشخب فقال:بخ بخ يا حرّ أنت حرّ كما سمّيت في الدّنيا و الآخرة ثمّ أنشأ الحسين عليه السّلام يقول شعرا:

لنعم الحرّ حرّ بني رياح صبور عند مختلف الرّماح

و نعم الحرّ إذ ساوى حسينا فجاد بنفسه عند الصياح

ثمّ برز من بعده زهير بن القين و هو يقول مخاطبا للحسين عليه السّلام شعرا:

اليوم نلقى جدّك النبيّا و حسنا و المرتضى عليا

فقتل منهم تسعة عشر رجلا ثمّ صرع و خرج من بعده حبيب بن مظاهر و هو

ص: 95

يقول شعرا:

أنا حبيب و أبي مظاهر لنحن أزكى منكم و أطهر

فقتل منهم واحدا و ثلاثين رجلا ثمّ قتل و برز وهب بن وهب و كان نصرانيا أسلم على يدي الحسين عليه السّلام هو و امّه و ركب فرسا و تناول عمود الفسطاط فقاتل و قتل من القوم سبعة أو ثمانية ثمّ استؤسر فأمر ابن سعد بقتله فقتل و رمي برأسه إلى عسكر الحسين عليه السّلام فأخذت امّه سيفه و برزت فقال لها الحسين عليه السّلام:يا امّ وهب إجلسي فقد وضع اللّه الجهاد عن النساء إنّك و ابنك مع جدّي محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في الجنّة.

و برز إليهم عبد اللّه بن مسلم بن عقيل و أنشد شعرا:

أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا و إن وجدت الموت شيئا مرّا

أكره أن ادعى جبانا فرّا إنّ الجبان من عصى و فرّا

فقتل ثلاثة و قتل،و برز من بعده عليّ بن الحسين عليه السّلام،فلمّا برز إليهم دمعت عين الحسين عليه السّلام فقال:اللّهم كن أنت الشهيد عليهم فقد برز إليهم ابن رسولك و أشبه الناس وجها و سمة به فجعل يقول شعرا:

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ نحن و رب بيت اللّه أولى بالنبيّ

فقتل عشرة ثمّ رجع إلى أبيه فقال؛يا أبه العطش،فقال له الحسين عليه السّلام:صبرا يا بني يسقيك جدّك بالكأس الأوفى،فرجع و قتل منهم أربعة و أربعين ثمّ قتل عليه السّلام،ثمّ برز من بعده القاسم بن الحسن و هو يقول شعرا:

لا تجزعي نفسي فكلّ فإني اليوم تلقين ذرى الجنان

فقتل منهم ثلاثة ثمّ رمي عن فرسه فنظر الحسين عليه السّلام يمينا و شمالا فلم ير أحدا فقال:اللّهم إنّك ترى ما يصنع بولد نبيّك و حالوا بينه و بين الماء و رمي بسهم فوقع في نحره و خرّ عن فرسه فأخذ السهم فرمى به و جعل يتلقّى الدم بكفّه،فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته و يقول ألقى اللّه عزّ و جلّ و أنا مظلوم متلطّخ بدمي ثمّ خرّ على خدّه الأيسر صريعا و أقبل عدوّ اللّه سنان و شمر بن ذي الجوشن لعنهما اللّه تعالى

ص: 96

في رجال من أهل الشام حتّى وقفوا على رأسه فقال بعضهم لبعض:ما تنتظرون أريحوا الرجل فنزل سنان و أخذ بلحية الحسين عليه السّلام و جعل يضرب بالسيف في حلقه و هو يقول:و اللّه إنّي لأحتزّ رأسك و أنا أعلم أنّك ابن رسول اللّه و خير الناس أمّا و أبا.

و أقبل فرس الحسين حتّى لطخ عرفه و ناصيته بدمه و جعل يركض و يصهل و سمعت بنات النبيّ صهيله فخرجن فإذا الفرس بلا راكب فعرفن أنّ حسينا قد قتل و خرجت امّ كلثوم بنت الحسين واضعة يدها على رأسها تندب وا محمّداه هذا الحسين بالعراقد سلب العمامة و الرّداء.

و أقبل سنان لعنه اللّه حتّى أدخل رأس الحسين عليه السّلام على ابن زياد و هو يقول شعرا:

املأ ركابي فضّة أو ذهبا إنّي قتلنا الملك المحجّبا

قتلت خير الناس امّا و أبا و خيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال له ابن زياد:و يحك إذا علمت إنّه خير الناس أبا و امّا لم قتلته؟فأمر به فضربت عنقه و عجّل اللّه بروحه إلى النار،و أرسل ابن زياد قاصدا إلى امّ كلثوم بنت الحسين يقول لها:الحمد للّه الذي قتل رجالكم فكيف ترون ما فعل بكم؟

فقالت:يابن زياد لئن قرّت عينك بقتل الحسين فطالما قرّت عين جدّه به و كان يقبّله و يلثم شفتيه يابن زياد أعد لجدّه جوابا فإنّه خصمك غدا.

و قال السيّد علي بن طاووس:إنّ مروان بن الحكم قال للحسين عليه السّلام:بايع ليزيد يكن خيرا لك في دينك و دنياك.

فقال الحسين عليه السّلام:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و على الإسلام السلام إذ قد بليت الامّة براع مثل يزيد.

و روى الكليني طاب ثراه في كتاب الوسائل مسندا إلى حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ذكرنا خروج الحسين عليه السّلام و تخلّف ابن الحنفية فقال أبو

ص: 97

عبد اللّه عليه السّلام:يا حمزة إنّي سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا؛إنّ الحسين عليه السّلام لمّا فصل متوجّها دعا بقرطاس و كتب فيه:بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى بني هاشم؛أمّا بعد فإنّه من لحق بي منكم استشهد و من تخلّف لم يبلغ مبلغ الفتح و السلام (1).1.

ص: 98


1- الكليني و الكافي:216،و بصائر الدرجات:501.

من هو قاتل الإمام؟

قال السيد محمد باقر القرشي:و اختلف المؤرخون في المجرم الأثيم الذي أجهز على ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله،و هذه بعض الأقوال:

1-سنان بن أنس

و ذهب الكثيرون من المؤرخين إلى أن الشقي الأثيم سنان بن أنس هو الذي احتز رأس الإمام عليه السّلام و فيه يقول الشاعر:

و أي رزية عدلت حسينا غداة تبيره كفا سنان

2-شمر بن ذي الجوشن

و صرحت بعض المصادر أن الأبرص شمر بن ذي الجوشن هو الذي قتل الإمام فقد كان هذا الخبيث من أحقد الناس على الإمام،يقول المستشرق رينهارت دوزي:

و لم يتردد الشمر لحظة بقتل حفيد الرسول صلّى اللّه عليه و اله حين أحجم غيره عن هذا الجرم الشنيع و إن كانوا مثله في الكفر.

3-عمر بن سعد

و ذكر المقريزي و غيره أن عمر بن سعد هو الذي قتل الإمام بعد أن أحجم غيره من السفكة المجرمين من قتله.

4-خولي بن يزيد الأصبحي

و تعزو بعض المصادر أن خولي بن يزيد الأصبحي هو الذي قتل الإمام و احتز رأسه.

5-شبل بن يزيد الأصبحي

ص: 99

و نص بعض المؤرخين على أن خولي بن يزيد الأصبحي نزل عن فرسه ليحتز رأس الإمام فارتعدت يداه فنزل إليه أخوه شبل فاحتز رأسه و دفعه إليه.

6-الحصين بن نمر

نص على ذلك بعض المؤرخين.

7-رجل من مذحج

ذكر ذلك ابن حجر و انفرد هو بنقله.

8-المهاجر بن أوس

نص على ذلك السبط ابن الجوزي و لم يذكره غيره.

هذه بعض الأقوال،و الذي نراه أن شمر بن ذي الجوشن ممن تولى قتل الإمام، و اشترك مع سنان في حز رأسه،كما ذهب لذلك بعض المؤرخين.

و على أي حال فالويل لذلك الشقي الذي أقدم على اقتراف هذه الجريمة التي هي أبشع ما اقترفت من يوم خلق الله هذه الأرض حتى يرثها،و قد أثر عن النبي صلّى اللّه عليه و اله عما يلاقيه قاتل الحسين في الدار الآخرة من العذاب الأليم،قال صلّى اللّه عليه و اله:«إن قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل النار،و قد شدت يداه و رجلاه بسلاسل من نار، منكس في النار حتى يقع في نار جهنم و له ريح يتعوذ أهل النار إلى ربهم من شدة ريح نتنه،و هو فيها خالد ذائق العذاب العظيم،كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها حتى يذوقوا العذاب الأليم،لا يفتر عنهم ساعة،و سقوا من حميم جهنم،ويل لهم من عذاب الله».

بأي وجه يلقى رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و قد أثكله بريحانته،و سبطه،يقول منصور النمري:

ويلك يا قاتل الحسين لقد نؤت بحمل ينوء بالحامل

أي حباء حبوت أحمد في حفرته من حرارة الثاكل

بأي وجه تلقى النبي و قد دخلت في قتله مع القاتل

ص: 100

عمر الإمام و سنة شهادته

أما عمر الإمام عليه السّلام حين شهادته فقد اختلف فيه المؤرخون،و هذه بعض الأقوال:

1-58 سنة:و إليه ذهب معظم المؤرخين.

2-56 سنة:و إليه ذهب اليعقوبي و قال:لأنه ولد سنة 4 من الهجرة.

3-57 سنة.

4-65 سنة.

أما السنة التي استشهد فيها فهي سنة(61 ه)حسبما ذكره أغلب المؤرخين و هي تصادف سنة(680 م)في 10 اكتوبر تشرين الأول و ما ذكره الحجة الشيخ محمد رضا آل كاشف الغطاء انه في«10 تموز»فإنه لا واقع له..يقول المؤرخون إنه كانت بين وفاة النبي صلّى اللّه عليه و اله و اليوم الذي قتل فيه الحسين خمسون سنة و لم يرع المسلمون أنه ريحانة نبيهم و سبطه الذي خلفه في أمته (1).

ص: 101


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:200/3-202.

مقتل الإمام الحسين و أصحابه و أهله برواية أبو مخنف

عن أبي مخنف-قال:حدثني أبو جناب عن عدي بن حرملة عن عبد اللّه بن سليم و المذري بن المشمعل الاسديين قالا:أقبل الحسين عليه السّلام حتى نزل شراف،فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فاكثروا ثم ساروا منها فرسموا صدر يومهم حتى انتصف النهار،ثم إن رجلا قال:اللّه اكبر،فقال الحسين:اللّه اكبر ما كبرت؟

قال:رأيت النخل،فقال له الاسديان:إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط،قالا:فقال لنا الحسين:فما تريانه رأى،قلنا:نراه رأى هوادى الخيل،فقال:و إنا و اللّه أرى ذلك.

فقال الحسين:أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا و نستقبل القوم من وجه واحد،فقلنا له:بلى هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك،فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد،قال:فأخذ إليه ذات اليسار،قال:و ملنا معه فما كان بأسرع من ان طلعت علينا هوادى الخيل فتبيناها و عدلنا،فلما رأونا و قد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كان اسنتهم اليعاسيب،و كان رأياتهم اجنحة الطير.

قال:فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم إليه،فنزل الحسين فأمر بأبنيته فضربت، و جاء القوم و هم ألف فارس مع الحرين يزيد التميمي اليربوعي حتى وقف هو و خيله مقابل الحسين في حر الظهيرة و الحسين و أصحابه معتمون متقلدو اسيافهم.

فقال الحسين لفتيانه:اسقوا القوم و ارووهم من الماء و رشفوا الخيل ترشيفا، فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفا.

ص: 102

فقام فتية و سقوا القوم من الماء حتى ارووهم و اقبلوا يملئون القصاع و الاتوار و الطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيه ثلاثا أو اربعا أو خمسا عزلت عنه و سقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها.

قال هشام:حدثني لقيط عن علي بن الطعان المحاربي:كنت مع الحر بن يزيد فجئت في آخر من جاء من أصحابه،فلما رأى الحسين ما بي و بفرسي من العطش قال:أنخ الراوية و الراوية عندي السقاء،ثم قال:يا بن أخي انخ الجمل فأنخته،فقال:

اشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء،فقال الحسين:اخنث السقاء أي اعطفه،قال:فجعلت لا أدري كيف افعل،قال:فقام الحسين فخنثه فشربت و سقيت فرسي.

قال:و كان مجيء الحر بن يزيد و مسيره إلى الحسين من القادسية و ذلك ان عبيد اللّه بن زياد لما بلغه اقبال الحسين بعث الحصين بن نمير التميمي و كان على شرطه فأمره أن ينزل القادسية و إن يضع المسالح فينظم ما بين القطقطانة إلى خفان، و قدم الحر بن يزيد بين يديه في هذه الالف من القادسية فيستقبل حسينا قال:فلم يزل موافقا حسينا حتى حضرت الصلوة صلوة الظهر،فأمر الحسين الحجاج بن مسروق الجعفي ان يؤذن فاذن،فلما حضرت الاقامة خرج الحسين في ازار ورداء و نعلين فحمد اللّه و اثنى عليه،ثم قال:أيها الناس انها معذرة إلى اللّه عز و جل و إليكم، إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم و قدمت على رسلكم ان اقدم علينا فإنه ليس لنا إمام لعل اللّه يجمعنا بك على الهدى،فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم،فإن تعطوني ما اطمئن إليه من عهودكم و مواثيقكم أقدم مصركم،و إن لم تفعلوا و كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي اقبلت منه إليكم،قال:فسكتوا عنه و قالوا للمؤذن:اقم،فاقام الصلاة،فقال الحسين عليه السّلام للحر أتريد ان تصلى بأصحابك؟

قال:لا بلى تصلي أنت و نصلي بصلاتك،قال:فصلى بهم الحسين.

ثم إنه دخل و اجتمع إليه أصحابه و انصرف الحر إلى مكانه الذي كان به،فدخل

ص: 103

خيمة قد ضربت له فاجتمع إليه جماعة من أصحابه و عاد أصحابه إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه،ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته و جلس في ظلها،فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيئوا للرحيل ثم إنه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر و أقام فاستقدم الحسين فصلى بالقوم ثم سلم و انصرف إلى القوم بوجهه فحمد اللّه و اثنى عليه ثم قال:أما بعد أيها الناس فإنكم ان تتقوا و تعرفوا الحق لاهله يكن ارضى للّه،و نحن أهل البيت اولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين فيكم بالجور و العدوان،و إن أنتم كرهتمونا و جعلتم حقنا (1)و كان رأيكم غير ما اتتنى كتبكم و قدمت به على رسلكم انصرفت عنكم.

فقال له الحر بن يزيد:انا و اللّه ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر،فقال الحسين:يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين الذين فيهما كتبهم إلى،فاخرج خرجين مملؤين صحفا فنشرها بين أيديهم،فقال الحر:فانا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك و قد امرنا إذا نحن لقيناك إلا نفارقك حتى نقدمك على عبيد اللّه بن زياد،فقال له الحسين:

الموت ادنى إليك من ذلك.

ثم قال لأصحابه:قوموا فاركبوا،فركبوا و انتظروا حتى ركبت نساءهم،فقال لأصحابه:انصرفوا بنا،فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الانصراف، فقال الحسين للحر:ثكلتك امك ما تريد؟

قال:أما و اللّه لو غيرك من العرب يقولها لي و هو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل ان اقوله كائنا من كان،و لكن و اللّه مالي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه.

فقال له الحسين عليه السّلام:فما تريد؟

قال الحر:أريد و اللّه ان انطلق بك إلى عبيد اللّه بن زياد،قال له الحسين:إذا و اللّه لاح.

ص: 104


1- في الكامل:جهلتم حقنا و هو الصحيح.

اتبعك.

فقال له الحر:اذن و اللّه لا ادعك،فترادا القول ثلاث مرات،و لما كثر الكلام بينهما قال له الحر:إني لم أؤمر بقتالك و إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة،فإذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة و لا تردك إلى المدينة لتكون بيني و بينك نصفا حتى أكتب إلى ابن زياد و تكتب أنت إلى يزيد بن معاوية ان أردت ان تكتب إليه أو إلى عبيد اللّه بن زياد إن شئت،فلعل اللّه إلى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن ابتلى بشيء من أمرك،قال:فخذ هيهنا فتياسر عن طريق العذيب و القادسية و بينه و بين العذيب ثمانية و ثلاثون ميلا.

ثم إن الحسين عليه السّلام سار في أصحابه و الحر يسايره.

قال أبو مخنف:عن عقبة بن أبي العيزار ان الحسين خطب أصحابه و أصحاب الحر بالبيضة فحمد اللّه و اثنى عليه ثم قال:ايها الناس ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلم قال:

من رآى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه،ناكثا لعهد اللّه،مخالفا لسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يعمل في عباد اللّه بالاثم و العدوان،فلم يغير عليه بفعل و لا قول كان حقا على اللّه ان يدخله مدخله.ألا و إن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان،و تركوا طاعة الرحمن، و اظهروا الفساد و عطلوا الحدود،و استأثروا بالفيئ،و أحلوا حرام اللّه و حرموا حلاله،و إنا أحق من غير و قد أتتني كتبكم و قدمت على رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني و لا تخذلوني،فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم،فانا الحسين بن علي و ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلم نفسي مع أنفسكم و أهلي مع أهليكم، فلكم في أسوة.و إن لم تفعلوا و نقضتم عهدكم و خلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر،لقد فعلتموها بأبي و أخي و ابن عمي مسلم،و المغرور من اغتربكم،فحظكم اخطأتم و نصيبكم ضيعتم،و من نكث فانما ينكث على نفسه، و سيغنى اللّه عنك و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته و قال عقبة بن أبي العيزار:قام حسين عليه السّلام بذي حسم فحمد اللّه و اثنى عليه ثم قال:انه قد نزل من الأمر قد ترون،

ص: 105

و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و استمرت جدا،فلم يبق منها الاصبابة كصبابة الاناء،و خسيس عيش كالمرعى الوبيل.

ألا ترون أن الحق لا يعمل به،و أن الباطل لا يتناهى عنه،ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقا فإني لا أرى الموت إلا شهادة و لا الحياة مع الظالمين إلاّ برما.

قال:فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه:تكلمون أم أتكلم،قالوا:لا بل تكلم.

فحمد اللّه و اثنى عليه ثم قال:قد سمعنا هداك اللّه يا بن رسول اللّه مقالتك،و اللّه لو كانت الدنيا لنا باقية و كنا فيها مخلدين إلا أن فراقها في نصرك و مواساتك لاثرنا الخروج معك على الاقامة فيها،قال:فدعا الحسين له ثم قال له خيرا.

و أقبل الحر يسايره و هو يقول له:يا حسين إني اذكرك اللّه في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن،و لئن قوتلت لتهلكن فيما أرى،فقال له الحسين:أفبالموت تخوفني و هل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني،ما أدرى ما أقول لك،و لكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه و لقيه و هو يريد نصرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال له:أين تذهب؟فإنك مقتول فقال:

سامضى و ما بالموت عار على الفتى إذا مانوى حقا و جاهد مسلما

و آسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا يغش و يرغما

قال:فلما سمع ذلك منه الحر تنحى عنه و كان يسير بأصحابه في ناحية و حسين في ناحية أخرى حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات و كان بها هجائن النعمان ترعى هنالك،فإذا هم بأربعة نفر قد اقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له:الكامل و معهم دليلهم الطرماح بن عدي على فرسه و هو يقول:

يا ناقتى لا تذعري من زجرى و شمّرى قبل طلوع الفجر

بخير ركبان و خير سفر حتى تحلى بكريم النحر

ص: 106

ثمت أبقاه بقاء الدهر قال:فلما انتهوا إلى الحسين أنشده هذه الابيات،فقال:أما و اللّه إني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد اللّه بنا،قتلنا أم ظفرنا،قال:و أقبل إليهم الحر بن يزيد فقال:إن هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك و إنا حابسهم أو رادهم.

فقال له الحسين عليه السّلام:لا منعنهم مما أمنع منه نفسي،إنما هؤلاء أنصاري و أعواني و قد كنت اعطيتني إلا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن زياد،فقال:أجل، لكن لم يأتوا معك،قال:هم أصحابي و هم بمنزلة من جاء معى،فإن تممت على ما كان بيني و بينك و إلاّ ناجزتك،قال:فكف عنهم الحر.

قال:ثم قال لهم الحسين:أخبروني خبر الناس ورائكم،فقال له مجمع بن عبد اللّه العائذي و هو أحد النفر الاربعة الذين جاءوه:أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم و ملئت غرائرهم،يستمال و دهم و يستخلص به نصيحتهم،فهم الب واحد عليك و أما سائر الناس بعد فإن افئدتهم تهوى إليك و سيوفهم غدا مشهورة عليك.

قال:أخبرني فهل لكم برسولي إليكم؟

قالوا:من هو؟

قال:قيس بن مسهر الصيداوي،قالوا:نعم أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره ابن زياد أن يلعنك و يلعن أباك فصلى عليك و على ابيك و لعن ابن زياد و أباه و دعا إلى نصرتك و أخبرهم بقدومك،فأمر به ابن زياد فألقى من طمار القصر،فترقرقت عينا حسين عليه السّلام و لم يملك دمعه ثم قال: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً اللهم اجعل لنا و لهم الجنة نزلا،و اجمع بيننا و بينهم في مستقر من رحمتك و رغائب مذخور ثوابك.

قال أبو مخنف:حدثني جميل بن مرثد من بني معن عن الطرماح بن عدى أنه دنا من الحسين فقال له:و اللّه إني لأنظر فما أرى معك أحدا،و لو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم،و قد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم

ص: 107

ظهر الكوفة و فيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد واحد جمعا أكثر منه،فسألت عنهم فقيل:اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحون إلى الحسين،فانشدك اللّه ان قدرت على إلا تقدم عليهم شبرا إلا فعلت،فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك اللّه به حتى ترى من رأيك و يستبين لك ما أنت صانع،فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى اجأ امتنعنا و اللّه به من ملوك غسان و حمير و من النعمان بن المنذر و من الاسود و الاحمر و اللّه ان دخل علينا ذل قط فأسير معك حتى انزلك القرية ثم نبعث إلى الرجال ممن بأجأ و سلمى من طيء،فو اللّه لا يأتي عليك عشرة أيام حتى ياتيك طئ رجالا و ركبانا ثم اقم فينا ما بدالك،فإن هاجك هيج فأنازعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك باسيافهم،و اللّه لا يوصل إليك أبدا و منهم عين تطرف.

فقال له:جزاك اللّه و قومك خيرا انه قد كان بيننا و بين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف و لا ندري علام تنصرف بنا و بهم الأمور في عاقبه.

قال أبو مخنف:فحدثني جميل بن مرثد قال:حدثني الطرماح ابن عدي:فودعته و قلت له:دفع اللّه عنك شر الجن و الانس إني قد امترت لأهلي من الكوفة ميرة و معي نفقة لهم فآتيهم فاضع ذلك فيهم ثم أقبل إليك إن شاء اللّه،فإن الحقك فو اللّه لاكونن من أنصارك قال:فإن كنت فاعلا فعجل رحمك اللّه،قال:فعلمت انه مستوحش إلى الرجال حتى يسألني التعجيل،قال:فلما بلغت اهلي وضعت عندهم ما يصلحهم و اوصيت فأخذ أهلي يقولون:إنك لتصنع مرتك هذه شيئا ما كنت تصنعه قبل اليوم،فأخبرتهم بما أريد.و اقبلت في طريق بني ثعل حتى إذا دنوت من عذيب الهجانات استقبلني سماعة بن بدر فنعاه إلى فرجعت.

قال:و مضى الحسين عليه السّلام حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به فإذا هو بفسطاط مضروب.

قال أبو مخنف:حدثني المجالد بن سعيد عن عامر الشعبي أن الحسين بن علي رضي اللّه عنه قال:لمن هذا الفسطاط؟فقيل:لعبيد اللّه بن الحر الجعفي،قال:ادعوه

ص: 108

لي،و بعث إليه فلما أتاه الرسول قال:هذا الحسين بن علي يدعوك،فقال عبيد اللّه بن الحر:إنا للّه و إنا إليه راجعون،و اللّه ما خرجت من الكوفة إلا كراهة أن يدخلها الحسين و إنا بها،و اللّه ما أريد أراه و لا يراني،فأتاه الرسول فأخبره،فأخذ الحسين نعليه فانتعل ثم قام فجاءه حتى دخل عليه فسلم و جلس،ثم دعاه إلى الخروج معه، فأعاد إليه ابن الحر تلك المقالة،فقال:فالا تنصرنا فاتق اللّه أن تكون ممن يقاتلنا، فو اللّه لا يسمع و اعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك.

قال:أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء اللّه ثم قام الحسين عليه السّلام من عنده حتى دخل رحله.

قال أبو مخنف:حدثني عبد الرحمن بن حندب عن عقبة بن سمعان قال:لما كان في آخر الليل أمر الحسين بالاستقاء من الماء،ثم أمرنا بالرحى ففعلنا،قال:فلما ارتحلنا من قصر بني مقاتل و سرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة ثم انتبه و هو يقول:إنا للّه و إنا إليه راجعون و الحمد للّه رب العالمين.

قال:ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا.

قال:فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له فقال:إنا للّه و إنا إليه راجعون و الحمد للّه رب العالمين،يا أبت جعلت فداك مم حمدت اللّه و استرجعت؟

قال:يأبني إني خفقت برأسي خفقة،فعن لي فارس على فرس،فقال:القوم يسيرون و المنايا تسرى إليهم،فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا،قال له:يا أبت لا أراك اللّه سوء ألسنا على الحق؟

قال:بلى و الذي إليه مرجع العباد،قال:يا أبت إذا لا نبالي نموت محقين،فقال له:

جزاك اللّه من ولد خير ما جزى ولدا عن والده.

قال:فلما أصبح نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب،فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم،فيأتيه الحر بن يزيد فيردهم فيرده فجعل إذا ردهم إلى الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتسايرون حتى انتهوا إلى نينوى المكان

ص: 109

الذي نزل به الحسين،قال:فإذا راكب على نجيب له و عليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة،فوقفوا جميعا ينتظرونه،فلما انتهى إليهم سلم على الحر بن يزيد و أصحابه و لم يسلم على الحسين عليه السّلام و أصحابه،فدفع إلى الحر كتابا من عبيد اللّه بن زياد فإذا فيه:أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابى و يقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن و على غير ماء،و قد أمرت رسولي أن يلزمك و لا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري و السلام.

قال:فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر:هذا كتاب الأمير عبيد اللّه بن زياد يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه و هذا رسوله،و قد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ رأيه و أمره،فنظر إلى رسول عبيد اللّه يزيد بن زياد بن المهاصر أبو الشعثاء الكندي ثم النهدي فعن له،فقال:أمالك بن النسير البدي؟

قال:نعم و كان أحد كندة،فقال له يزيد بن زياد:ثكلتك امك ماذا جئت فيه؟

قال:و ما جئت فيه أطعت إمامي و وفيت ببيعتي.

فقال له أبو الشعثاء:عصيت ربك و أطعت امامك في هلاك نفسك،كسبت العار و النار،قال اللّه عز و جل:و جعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار و يوم القيامة لا ينصرون فهو امامك..

قال:و أخذ الحر بن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان على غير ماء،و لا فى قرية فقالوا:دعنا ننزل في هذه القرية يعنون نينوى أو هذه القرية يعنون الغاضرية أو هذه الأخرى يعنون شفية.

فقال:لا و اللّه ما استطيع ذلك،هذا رجل قد بعث إلى عينا فقال له زهير بن القين:يا ابن رسول اللّه ان قتال هؤلاء اهون من قتال من يأتينا من بعدهم،فلعمري ليأتينا من بعد من ترى ما لا قبل لنا به؟

فقال له الحسين:ما كنت لا بد أهم بالقتال،فقال له زهير بن القين:سربنا إلى هذه القرية حتى ننزلها فانها حصينة و هي على شاطئ الفرات،فإن منعونا قاتلناهم

ص: 110

فقتالهم أهون علينا من قتال من يجئ من بعدهم،فقال له الحسين:و أية قرية هي؟

قال:هي العقر،فقال الحسين:أللهم إني أعوذ بك من العقر،ثم نزل و ذلك يوم الخميس و هو اليوم الثاني من المحرم سنة 61.

فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في اربعة آلاف قال:و كان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين عليه السّلام ان عبيد اللّه بن زياد بعثه على اربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى و كانت الديلم قد خرجوا إليها و غلبوا عليها،فكتب إليه ابن زياد عهده على الري و امره بالخروج،فخرج معسكرا بالناس بحمام أعين،فلما كان من أمر الحسين ما كان و أقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال:سر إلى الحسين فإذا فرغنا مما بيننا و بينه سرت إلى عملك، فقال له عمر بن سعد:إن رأيت رحمك اللّه أن تعفيني فافعل،فقال له عبيد اللّه:نعم على أن ترد لنا عهدنا.

قال:فلما قال له ذلك قال عمر بن سعد:أمهلني اليوم حتى أنظر.

قال:فانصرف عمر يستشير نصحاءه فلم يكن يستشير أحدا إلا نهاه قال:و جاء حمزة بن المغيرة بن شعبة و هو ابن اخته فقال انشدك اللّه يا خال ان تسير إلى الحسين عليه السّلام فتأثم بربك و تقطع رحمك،فو اللّه لان تخرج من دنياك و مالك و سلطان الأرض كلها لو كان لك خير لك من ان تلقى اللّه بدم الحسين،فقال له عمر بن سعد:

فإني افعل إن شاء اللّه.

قال هشام:حدثني عوانة بن الحكم عن عمار بن عبد اللّه بن يسار الجهني عن أبيه قال:دخلت على عمر بن سعد و قد أمر بالمسير إلى الحسين فقال:إن الأمير أمرني بالمسير إلى الحسين فأبيت ذلك عليه،فقلت له:اصاب اللّه بك،ارشدك اللّه احل فلا تفعل و لا تسر إليه،قال:فخرجت من عنده فأتانى آت و قال:هذا عمر بن سعد يندب الناس إلى الحسين قال:فأتيته فإذا هو جالس،فلما رآني اعرض بوجهه فعرفت انه قد عزم على المسير إليه،فخرجت من عنده.

ص: 111

قال:فأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد فقال:أصلحك اللّه إنك و ليتني هذا العمل، و كتبت لي العهد و سمع به الناس،فإن رأيت ان تنفذ لي ذلك فافعل و ابعث إلى الحسين في هذا الجيش من أشراف الكوفة من لست بأغنى و لا اجزأ عنك في الحرب منه فسمى له أناسا.

فقال له ابن زياد:لا تعلمني باشراف أهل الكوفة و لست استأمرك فيمن أريد أن ابعث،ان سرت بجندنا و إلاّ فابعث إلينا بعهدنا فلما رآه قد لج قال:فإني سائر،قال:

فأقبل في اربعة آلاف حتى نزل بالحسين من الغد من يوم نزل الحسين نينوى.

قال:فبعث عمر بن سعد إلى الحسين عليه السّلام عزرة بن قيس الاحمسي فقال:ائته فسله ما الذي جاء به و ما ذا يريد؟و كان عزرة ممن كتب إلى الحسين فاستحيا منه ان يأتيه،قال:فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه و كلهم أبى و كرهه،قال:و قام إليه كثير بن عبد اللّه الشعبي و كان فارسا شجاعا ليس يرد وجهه شيئ،فقال:انا اذهب إليه و اللّه لئن شئت لافتكن به،فقال له عمر بن سعد:ما أريد ان يفتك به،و لكن ائته فسله ما الذي جاء به؟

قال:فأقبل إليه،فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين:أصلحك اللّه أبا عبد اللّه قد جاءك شر أهل الأرض و اجرأه على دم و افتكه،فقام إليه فقال:ضع سيفك،قال:لا و اللّه و لا كرامة إنما انا رسول،فإن سمعتم مني ابلغتكم ما ارسلت به إليكم،و إن ابيتم انصرفت عنكم-فقال له:فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك،قال:لا و اللّه لا تمسه،فقال له:أخبرني ما جئت به و إنا ابلغه عنك و لا ادعك تدنو منه فإنك فاجر، قال:فاستبا ثم انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر.

قال:فدعا عمر قرة بن قيس الحنظلي فقال له:ويحك يا قرة الق حسينا فسله ما جاء به و ما ذا يريد؟

قال:فاتاه قرة بن قيس،فلما رآه الحسين مقبلا قال:اتعرفون هذا؟

فقال حبيب بن مظاهر:نعم هذا رجل من حنظلة تميمي و هو ابن اختنا و لقد كنت

ص: 112

اعرفه بحسن الرأي و ما كنت أراه يشهد هذا المشهد قال:فجاء حتى سلم على الحسين و ابلغه رسالة عمر بن سعد إليه له،فقال الحسين عليه السّلام:كتب إلى أهل مصركم هذا أن اقدم،فأما اذكر هوني فانا انصرف عنهم.

قال:ثم قال له حبيب بن مظاهر:ويحك يا قرة بن قيس أنى ترجع إلى القوم الظالمين،انصر هذا الرجل الذي بآباءه ايدك اللّه بالكرامة،و ايانا معك،فقال له قرة:

ارجع إلى صاحبي بجواب رسالته و أرى رأيي،قال:فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر،فقال له عمر بن سعد:إني لأرجو أن يعافيني اللّه من حربه و قتاله قال هشام عن أبي مخنف قال:حدثني النضر بن صالح بن حبيب بن زهير العبسي عن حسان بن فائد ابن أبي بكر العبسي،قال:أشهد ان كتاب عمر بن سعد جاء إلى عبيد اللّه بن زياد و إنا عنده فإذا فيه:بسم اللّه الرحمن الرحيم أما بعد فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أقدمه و ماذا يطلب و يسأل؟

فقال:كتب إلى أهل هذه البلاد و أتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت،فأما إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم.

فلما قرئ الكتاب على ابن زياد قال:الآن إذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة و لات حين مناص قال:و كتب إلى عمر بن سعد:

بسم اللّه الرحمن الرحيم أما بعد فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت،فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو و جميع أصحابه،فإذا فعل ذلك رأينا رأينا و السلام.

قال:فلما أتى عمر بن سعد الكتاب قال:قد حسبت ألا يقبل ابن زياد العافية (1).

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم الأزدي قال:

جاء من عبيد اللّه بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد:أما بعد فحل بين الحسين8.

ص: 113


1- انظر مقتل الحسين لأبي مخنف:98.

و أصحابه و بين الماء و لا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عثمان بن عفان،قال:فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمس مئة فارس،فنزلوا على الشريعة و حالوا بين حسين و أصحابه و بين الماء ان يسقوا منه قطرة،و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث.

قال:و نازله عبد اللّه بن أبي حصين الأزدي و عداده في بجيلة فقال:يا حسين إلا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء و اللّه لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا.

فقال الحسين عليه السّلام:اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا.

قال حميد بن مسلم:و اللّه لعدته بعد ذلك في مرضه،فو اللّه الذي لا إله إلا هو لقد رايته يشرب حتى بغر،ثم يقىء ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى،فما زال ذلك دأبه حتى لفظ غصته يعني نفسه.

قال:و لما اشتد على الحسين و أصحابه العطش دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه فبعثه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا و بعث معهم بعشرين قربة، فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلا،و استقدم امامهم باللواء نافع بن هلال الجملي،فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي:من الرجل فجئ ما جاء بك؟

قال:جئنا نشرب من هذا الماء الذي جلأتمونا عنه،قال:فاشرب هنيئا.

قال:لا و اللّه لا أشرب منه قطرة و حسين عطشان و من ترى من أصحابه فطلعوا عليه،فقال:لا سبيل إلى سقى هؤلاء،إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء،فلما دنا منه أصحابه قال لرجاله:املؤوا قربكم فشد الرجالة فملؤوا قربهم و ثار إليهم عمرو ابن الحجاج و أصحابه،فحمل عليهم العباس بن علي و نافع بن هلال فكفوهم،ثم انصرفوا إلى رحالهم فقالوا:امضوا،و وقفوا دونهم،فعطف عليهم عمرو بن الحجاج و أصحابه و اطردوا قليلا،ثم إن رجلا من صداء طعن من أصحاب عمرو بن الحجاج طعنه نافع بن هلال فظن انها ليست بشيء،ثم انها انتقضت بعد ذلك فمات منها.و جاء أصحاب الحسين بالقرب فأدخلوها عليه.

ص: 114

قال أبو مخنف:حدثني أبو جناب عن هاني بن ثبيت الحضرمي و كان قد شهد قتل الحسين قال:بعث الحسين عليه السّلام إلى عمر بن سعد عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري أن القنى الليل بين عسكرى و عسكرك قال:فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارسا،و أقبل حسين في مثل ذلك،فلما التقوا أمر حسين أصحابه ان يتنحوا عنه،و أمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك،قال:فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع اصواتهما و لا كلامهما،فتكلما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع،ثم انصرف كل واحد منهما إلى عسكره بأصحابه،و تحدث الناس فيما بينهما ظنا يظنونه ان حسينا قال لعمر بن سعد:أخرج معى إلى يزيد بن معاوية و ندع العسكرين،قال عمر:اذن تهدم داري.

قال:أنا ابنيها لك.

قال:اذن تؤخذ ضياغي.

قال:اذن أعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز.

قال:فتكره ذلك عمر،قال:فتحدث الناس بذلك و شاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئا و لا علموه.

قال أبو مخنف:و أما ما حدثنا به المجالد بن سعيد و الصقعب بن زهير الأزدي و غيرهما من المحدثين فهو ما عليه جماعة المحدثين قالوا:أنه قال:اختاروا مني خصالا ثلاثا إما أن ارجع إلى المكان الذي اقبلت منه،و إما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بينى و بينه رأيه و إما ان تسيرونى إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئتم فأكون رجلا من أهله لي مالهم و علي ما عليهم.

قال أبو مخنف:فأما عبد الرحمن بن جندب فحدثني عن عقبة بن سمعان قال:

صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة،و من مكة إلى العراق و لم أفارقه حتى قتل،و ليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة و لا بمكة و لا في الطريق و لا بالعراق و لا في عسكر إلى يوم مقتله إلا و قد سمعتها،ألا و اللّه ما أعطاهم ما يتذاكر

ص: 115

الناس و ما يزعمون من ان يضع يده في يد يزيد بن معاوية و لا ان يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين،و لكنه قال:دعوني فلا ذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس.

قال أبو مخنف:حدثني المجالد بن سعيد الهمداني و الصقعب بن زهير انهما كانا التقيا مرارا ثلاثا أو أربعا حسين و عمر بن سعد،قال:فكتب عمر بن سعد إلى عبيد اللّه بن زياد:أما بعد فإن اللّه قد اطفأ النائرة،و جمع الكلمة،و أصلح أمر الأمة،هذا حسين قد اعطاني ان يرجع إلى المكان الذي منه أتى،أو أن نسيره إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئنا،فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم،أو ان يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده فيرى فيما بينه و بينه رأيه،و في هذا لكم رضى و للامة صلاح قال:فلما قرأ عبيد اللّه الكتاب قال:هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على قومه نعم قد قبلت.

قال:فقام إليه شمر بذي الجوشن فقال:اتقبل هذا منه؟و قد نزل بارضك إلى جنبك،و اللّه لأن رحل من بلدك و لم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة و العز و لتكونن أولى بالضعف و العجز،فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن و لكن لينزل على حكمك هو و أصحابه،فإن عاقبت فأنت ولي العقوبة،و إن غفرت كان ذلك لك، و اللّه لقد بلغني أن حسينا و عمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل،فقال له ابن زياد:نعم ما رأيت الرأي رأيك.

قال أبو مخنف:فحدثنى سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:ثم إن عبيد اللّه بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فقال له:أخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين و أصحابه النزول على حكمي،فإن فعلوا فليبعث بهم إلى سلما،و إن هم أبوا فليقاتلهم،فإن فعل فاسمع له و اطع،و إن هو أبى فقاتلهم فأنت أمير الناس و ثب عليه فاضرب عنقه و ابعث إلى برأسه.

قال أبو ممخنف حدثني أبو جباب الكلبي قال:ثم كتب عبيد اللّه بن زياد إلى عمر بن

ص: 116

سعد،أما بعد فإني لم ابعثك إلى حسين لتكف عنه و لا لتطاوله و لا لتمنيه السلامة و البقاء و لا لتقعد له عندي شافعا،انظر فإن نزل حسين و أصحابه على الحكم و استسلموا فابعث بهم إلى سلما،و إن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم و تمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون،فإن قتل حسين فأوط الخيل صدره و ظهره،فإنه عاق مشاق،قاطع ظلوم،و ليس دهري في هذا أن يضر بعد الموت شيئا و لكن على قول لو قد قتلته فعلت هذا به،ان أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع و إن أبيت فاعتزل عملنا و جندنا و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر فانا قد أمرناه بأمرنا و السلام.

قال أبو مخنف:عن الحارث بن حصيرة عن عبد اللّه بن شريك العامري قال:لما قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب قام هو و عبد اللّه بن أبي المحل و كانت عمته أم البنين ابنة حزام عند علي بن أبي طالب عليه السّلام،فولدت له العباس و عبد اللّه و جعفرا و عثمان،فقال عبد اللّه بن أبي المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب ابن عامر بن كلاب:أصلح اللّه الأميران بني اختنا مع الحسين فإن رأيت أن تكتب لهم أمانا فعلت.

قال:نعم و نعمة عين،فأمر كاتبه فكتب لهم أمانا فبعث به عبد اللّه بن أبي المحل مع مولى له يقال له:كزمان،فلما قدم عليهم دعاهم فقال:هذا أمان بعث به خالكم، فقال له الفتية:أقرئ خالنا السلام و قل له:إن لا حاجة لنا في أمانكم،أمان اللّه خير من أمان ابن سمية.

قال:فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد اللّه بن زياد إلى عمر بن سعد،فلما قدم به عليه فقرأ قال له عمر:مالك ويلك لاقرب اللّه دارك و قبح اللّه ما قدمت به علي، و اللّه إني لاظنك أنت ثنيته ان يقبل ما كتبت به إليه،أفسدت علينا امرا كنا رجونا ان يصلح،لا يستسلم و اللّه حسين ان نفسا ابية لبين جنبيه،فقال له شمر:أخبرني ما أنت صانع؟أتمضي لأمر أميرك و تقتل عدوه و إلاّ فخل بيني و بين الجند و العسكر.

ص: 117

قال:لا و لا كرامة لك،و إنا اتولى ذلك.

قال:فدونك و كن أنت على الرجال قال:فنهض إليه عشية الخميس لتسع مضين من المحرم،قال:و جاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين فقال:أين بنو اختنا؟ فخرج إليه العباس و جعفر و عثمان بنو على فقالوا له:مالك و ما تريد؟

قال:أنتم يا بني اختي آمنون،قال له الفتية:لعنك اللّه و لعن أمانك لإن كنت خالنا أتؤمننا و ابن رسول اللّه لا أمان له؟

قال:ثم إن عمر بن سعد نادى يا خيل اللّه اركبي و أبشري فركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صلوة العصر،و حسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه،و سمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها فقالت:يا أخي أما تسمع الاصوات قد اقتربت؟

قال:فرفع الحسين رأسه فقال:إني رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في المنام فقال لي:إنك تروح إلينا،قال:فلطمت اخته وجهها و قالت:يا ويلتي،فقال ليس لك الويل يا اخية، اسكتي رحمك الرحمن و قال العباس بن علي:يا أخي اتاك القوم،قال:فنهض ثم قال:يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم فتقول لهم:ما لكم و ما بدالكم؟ و تسألهم عما جاء بهم.

فأتاهم العباس فاستقبلهم في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين و حبيب بن مظاهر،فقال لهم العباس ما بدا لكم و ما تريدون؟

قالوا:جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه أو ننازلكم،قال:فلا تعجلون حتى ارجع إلى أبي عبد اللّه فاعرض عليه ما ذكرتم قال:فوقفوا ثم قالوا:

القه فأعلمه ذلك،ثم القنا بما يقول:قال:فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين يخبره بالخبر،و وقف أصحابه يخاطبون القوم.

فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين:كلم القوم إن شئت و إن شئت كلمتهم، فقال له زهير أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلمهم فقال له حبيب بن مظاهر:أما و اللّه

ص: 118

لبئس القوم عند اللّه غدا قوم يقدمون عليه،قتلوا ذرية نبيه عليه السّلام و عترته و اهل بيته صلّى اللّه عليه و اله و عباد أهل هذا المصر المجتهدين بالاسحار و الذاكرين اللّه كثيرا فقال له عزرة بن قيس:إنك لتزكي نفسك ما استطعت،فقال له زهير:يا عزرة إن اللّه قد زكاها و هداها، فاتق اللّه يا عزرة فإني لك من الناصحين انشدك اللّه يا عزرة ان تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية،قال:يا زهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانيا.

قال:أفلست تستدل بموقفي هذا إني منهم؟أما و اللّه ما كتبت إليه كتابا قط،و لا أرسلت إليه رسولا قط،و لا وعدته نصرتي قط،و لكن الطريق جمع بيني و بينه،فلما رأيته ذكرت به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و مكانه منه،و عرفت ما يقدم عليه من عدوه و حزبكم فرأيت ان انصره و إن أكون في حزبه و ان اجعل نفسي دون نفسه حفظا لما ضيعتم من حق اللّه و حق رسوله عليه السّلام.

قال:و أقبل العباس بن علي يركض حتى انتهى إليهم فقال:يا هؤلاء إن أبا عبد اللّه يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الأمر،فإن هذا أمر لم يجر بينكم و بينه فيه منطق،فإذا أصحبنا التقينا إن شاء اللّه فأما رضيناه فاتينا بالأمر الذي تسألونه و تسومونه او كرهنا فرددناه و إنما أراد بذلك ان يردهم عنه تلك العشية حتى يأمر بأمره و يوصى أهله،فلما اتاهم العباس بن علي بذلك قال عمر بن سعد:

ما ترى يا شمر؟

قال:ما ترى أنت،أنت الأمير و الرأي رأيك،قال:قد أردت أن لا أكون،ثم أقبل على الناس فقال:ما ذا ترون؟

فقال عمرو بن الحجاج بن سلمة الزبيدي:سبحان اللّه و اللّه لو كانوا من الديلم ثم سألوك هذه المنزلة لكان ينبغى لك أن تجيبهم إليها.

و قال قيس بن الأشعث:اجبهم إلى ما سألوك،فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة.

فقال:و اللّه لو أعلم أن يفعلوا ما أخرتهم العشية،قال:و كان العباس بن علي حين

ص: 119

أتى حسينا بما عرض عليه عمر بن سعد قال:ارجع إليهم،فإن استطعت ان تؤخرهم إلى غدوة و تدفعهم عند العشية لعلنا نصلى لربنا الليلة و ندعوه و نستغفره،فهو يعلم إني قد كنت احب الصلوة له و تلاوة كتابه كثرة الدعاء و الاستغفار (1).

قال أبو مخنف:حدثني الحارث بن حصيرة عن عبد اللّه بن شريك العامرى عن علي بن الحسين قال:أتانا رسول من قبل عمر بن سعد فقام مثل حيث يسمع الصوت فقال:انا قد أجلناكم إلى غد،فإن استسلمتم سرحنا بكم إلى أميرنا عبيد اللّه بن زياد،و إن أبيتم فلسنا تاركيكم.

قال أبو مخنف:و حدثني عبد اللّه بن عاصم الفائشي عن الضحاك بن عبد اللّه المشرقى بطن من همدان ان الحسين بن علي عليه السّلام جمع أصحابه.

قال أبو مخنف:و حدثني أيضا الحارث بن حصيرة عن عبد اللّه بن شريك العامري عن على بن الحسين قالا:جمع الحسين أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد و ذلك عند قرب المساء،قال علي بن الحسين عليه السّلام:فدنوت منه لأسمع و إنا مريض فسمعت أبي و هو يقول لأصحابه:أثني على اللّه تبارك و تعالى أحسن الثناء،و أحمده على السراء و الضراء،اللهم إني أحمدك على ان اكرمتنا بالنبوة،و علمتنا القرآن،و فقهتنا في الدين،و جعلت لنا اسماعا و ابصارا و افئدة و لم تجعلنا من المشركين،أما بعد فإني لا أعلم أصحابا اولى و لا خيرا من أصحابي،و لا أهل بيت ابر و لا أوصل من أهل بيتي،فجزاكم اللّه عني جميعا خيرا،ألا و إني أظن يومنا من هؤلاء الاعداء غدا،ألا و إني قد رأيت لكم، فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام،هذا اليل قد غشيكم فاتخذوه جملا.

قال أبو مخنف:حدثنا عبد اللّه بن عاصم الفائشي بطن من همدان عن الضحاك ابن عبد اللّه المشرقي قال:قدمت و مالك بن النضر الارحبي على الحسين فسلمنا7.

ص: 120


1- انظر مقتل الحسين لأبي مخنف:107.

عليه ثم جلسنا إليه،فرد علينا و رحب بنا و سألنا عما جئنا له؟فقلنا:جئنا لنسلم عليك و ندعو اللّه لك بالعافية،و نحدث بك عهدا و نخبرك خبر الناس،و إنا نحدثك أنهم قد جمعوا على حربك فررأيك.

فقال الحسين عليه السّلام:حسبي اللّه و نعم الوكيل،قال:فتذممنا و سلمنا عليه و دعونا اللّه له،قال:فما يمنعكما من نصرتي؟

فقال مالك بن النضر:على دين ولي عيال،فقلت له:إن على دينا و إن لي لعيالا و لكنك ان جعلتني في حل من الانصراف إذا لم أجد مقاتلا قاتلت عنك ما كان لك نافعا قال:قال:فأنت في حل،فاقمت معه فلما كان الليل قال:هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا.

ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي،ثم تفرقوا في سوادكم و مدائنكم حتى يفرج اللّه،فإن القوم إنما يطلبوني و لو قد اصابوني لهوا عن طلب غيري.

فقال له اخوته و ابناءه و بنو أخيه و ابنا عبد اللّه بن جعفر:لم نفعل لنبقى بعدك؟لا أرانا اللّه ذلك أبدا بدأهم بهذا القول العباس بن علي،ثم إنهم تكلموا بهذا و نحوه.

فقال الحسين عليه السّلام:يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم،اذهبوا قد أذنت لكم، قالوا:فما يقول الناس؟يقولون:إنا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا خير الاعمام و لم نرم معهم بسهم،و لم نطعن معهم برمح،و لم نضرب معهم بسيف،و لا ندري ما صنعوا لا و اللّه لا نفعل و لكن نفديك أنفسنا و اموالنا و اهلونا و نقاتل معك حتى نرد موردك،فقبح اللّه العيش بعدك.

قال أبو مخنف:حدثني عبد اللّه بن عاصم عن الضحاك بن عبد اللّه المشرقي قال:

فقام إليه مسلم بن عوسجة الاسدي فقال:انحن نخلي عنك و لما نعذر إلى اللّه في اداء حقك.أما و اللّه لا افارقك حتى أكسر في صدورهم رمحي و اضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي و لو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى اموت معك،قال:و قال سعد بن عبد اللّه الحنفي:و اللّه لا نخليك حتى يعلم اللّه انا قد

ص: 121

حفظنا غيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فيك،و اللّه لو علمت إني أقتل ثم احيا ثم احرق حيا ثم اذر يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك،فكيف ألا أفعل ذلك و إنما هي قتلة واحدة،ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا.

قال:و قال زهير بن القين:و اللّه لوددت إني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف قتلة و إن اللّه يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك، قال:و تكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد فقالوا:و اللّه لا نفارقك و لكن أنفسنا لك الفداء نقيك بنحورنا و جباهنا و ايدينا فإذا نحن قتلنا كنا و فينا و قضينا ما علينا.

قال أبو مخنف:حدثني الحارث بن كعب و أبو الضحاك عن علي بن الحسين بن علي قال:إني جالس في تلك العشية التي قتل أبي صبيحتها و عمتي زينب عندي تمرضني إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له و عنده حوى مولى أبي ذر الغفاري و هو يعالج سيفه و يصلحه و ابي يقول:

يا دهر أف لك من خليل كم لك بالاشراق و الاصيل

من صاحب أو طالب قتيل و الدهر لا يقنع بالبديل

و إنما الأمر إلى الجليل و كل حي سالك السبيل

قال:فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها فعرفت ما أراد فخنقتني عبرتي فرددت دمعي و لزمت السكون فعلمت ان البلاء قد نزل،فأما عمتي فانها سمعت ما سمعت و هي امرأة و في النساء الرقة و الجزع،فلم تملك نفسها ان و ثبت تجر ثوبها و انها لحاسرة حتى انتهت إليه فقالت:و اثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت فاطمة أمي،و علي أبي،و حسن أخي،يا خليفة الماضي و ثمال الباقي.

قال:فنظر إليها الحسين عليه السّلام فقال:يا اخية لا يذهبن بحلمك الشيطان،قالت:بابي أنت و امي يا أبا عبد اللّه استقتل نفسي فداك،فرد غصته و ترقرقت عيناه و قال:لو ترك القطاء ليلا لنام.

ص: 122

قالت عليها السّلام:يا ويلتي افتغصب نفسك اغتصابا فذلك اقرح لقلبي و اشد على نفسي، و لطمت وجهها و اهوت إلى جيبها و شقته و خرت مغشيا عليها.

فقام إليها الحسين فصب على وجهها الماء و قال لها:يا اخية اتقي اللّه،و تعزى بعزاء اللّه،و اعلمي أن أهل الأرض يموتون،و إن أهل السماء لا يبقون،و إن كل شيء هالك إلا وجه اللّه الذي خلق الأرض بقدرته،و يبعث الخلق فيعودون و هو فرد وحده، أبي خير مني،و امي خير مني،و أخي خير مني،و لي و لهم و لكل مسلم برسول اللّه اسوة.

قال:فعزاها بهذا و نحوه و قال لها:يا اخية إني اقسم عليك فأبري قسمى و لا تشقي علي جيبا،و لا تخمشي علي وجها،و لا تدعي علي بالويل و الثبور إذا أنا هلكت.

قال:ثم جاء بها حتى أجلسها عندي،و خرج إلى أصحابه،فأمرهم أن يقربوا بعض بيوتهم من بعض،و أن يدخلوا الاطناب بعضها في بعض،و أن يكونوا هم بين البيوت إلا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم.

قال أبو مخنف:عن عبد اللّه بن عاصم عن الضحاك بن عبد اللّه المشرقي قال:فلما أمسى حسين و أصحابه قاموا الليل كله يصلون و يستغفرون و يدعون و يتضرعون.قال:فمر بنا خيل لهم تحرسنا و إن حسينا ليقرأ وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (1)ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب،فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا فقال:نحن و رب الكعبة الطيبون ميزنا منكم،قال:

فعرفته و قلت لبرير بن حضير:تدري من هذا؟

قال:لا.3.

ص: 123


1- سورة آل عمران رقم الاية 173.

قلت:هذا أبو حرب السبيعي عبد اللّه بن شهر و كان مضحاكا بطالا و كان شريفا شجاعا فاتكا،و كان سعيد بن قيس ربما حبسه في جناية،و قال له برير بن حضير:

يا فاسق أنت يجعلك اللّه في الطيبين؟

فقال له:من أنت؟

قال:انا برير بن حضير،قال:إنا للّه،عزّ عليّ هلكت و اللّه هلكت و اللّه يا برير،قال:يا أبا حرب هل لك أن تتوب إلى اللّه من ذنوبك العظام؟فو اللّه انا لنحن الطيبون،و لكنكم لانتم الخبيثون،قال:و إنا على ذلك من الشاهدين،قلت:ويحك افلا ينفعك معرفتك؟

قال جعلت فداك فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزي من عنز بن وائل؟

قال:ها هو ذا معي.

قال:قبح اللّه رأيك على كل حال أنت سفيه.

قال:ثم انصرف عنا و كان الذي يحرسنا بالليل في الخيل عزرة بن قيس الاحمسي و كان على الخيل،قال:فلما صلى عمر بن سعد الغداة يوم السبت و قد بلغنا أيضا انه كان يوم الجمعة و كان ذلك اليوم يوم عاشوراء خرج فيمن معه من الناس.

قال:و عبأ الحسين أصحابه و صلى بهم صلاة الغداة و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا،و اربعون راجلا،فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه،و حبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه،و اعطى رايته العباس بن علي أخاه،و جعلوا البيوت في ظهورهم،و أمر بحطب و قصب كان من وراء البيوت تحرق بالنار مخافة ان يأتوهم من ورائهم،قال:و كان الحسين عليه السّلام أتى بقصب و حطب إلى مكان من ورائهم منخفض كأنه ساقية فحفروه في ساعة من الليل فجعلوه كالخندق،ثم القوا فيه ذلك الحطب و القصب و قالوا:إذا عدوا علينا فقاتلونا القينا فيه النار كيلا نوتى من و رائنا،و قاتلونا القوم من وجه واحد،ففعلوا و كان لهم نافعا.

قال أبو مخنف:حدثني فضيل بن خديج الكندي عن محمد بن بشر عن عمرو

ص: 124

الحضرمي قال:لما خرج عمر بن سعد بالناس كان على ربع أهل المدينة يومئذ عبد اللّه بن زهير بن سليم الأزدي،و على ربع مذحج و أسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الحنفي و على ربع ربيعة و كندة قيس بن الأشعث بن قيس،و على ربع تميم و همدان الحر بن يزيد الرياحي،فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين عليه السّلام إلا الحر بن يزيد فإنه عدل إلى الحسين و قتل معه.و جعل عمر على ميمنته عمرو بن حجاج الزبيدي، و على ميسرته شمر بن ذي الجوشن بن شرحبيل بن الاعور بن عمر بن معاوية و هو الضباب بن كلاب،و على الخيل عزرة بن قيس الاحمسي،و على الرجال شبث ابن ربعي اليربوعي،و أعطى الراية ذويدا مولاه.

قال أبو مخنف:حدثني عمرو بن مرة الجملي عن أبي صالح الحنفي عن غلام لعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري قال:كنت مع مولاي فلما حضر الناس و اقبلوا إلى الحسين أمر الحسين بفسطاط فضرب،ثم أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة أو صحفة قال:ثم دخل الحسين ذلك الفسطاط فتطلى بالنورة قال:و مولاي عبد الرحمن بن عبد ربه و برير بن حضير الهمداني على باب الفسطاط تحتك مناكبهما فازدحما أيهما يطل على أثره،فجعل برير يهازل عبد الرحمن:فقال له عبد الرحمن:

دعنا فو اللّه ما هذه بساعة باطل فقال له برير:و اللّه لقد علم قومي إني ما احببت الباطل شابا و لا كهلا و لكن و اللّه إني لمستبشر بما نحن لاقون و اللّه ان بيننا و بين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء علينا باسيافهم،و لوددت أنهم قد مالوا علينا باسيافهم،قال:فلما فرغ الحسين دخلنا فاطلينا.

قال:ثم إن الحسين ركب دابته و دعا بمصحف فوضعه امامه،قال:فاقتتل أصحابه بين يديه قتالا شديدا،فلما رأيت القوم قد صرعوا افلت و تركتهم.

قال أبو مخنف:عن بعض أصحابه عن أبي خالد الكاهلي قال:لما صبحت الخيل الحسين رفع الحسين يديه فقال:اللهم أنت ثقتي في كل كرب،و رجائي في كل شدة و أنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة،كم من هم يضعف فيه الفؤاد و تقل فيه

ص: 125

الحيلة،و يخذل فيه الصديق،و يشمت فيه العدو،انزلته بك و شكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته و كشفته فأنت ولي كل نعمة و صاحب كل حسنة و منتهى كل رغبة.

قال أبو مخنف:فحدثني عبد اللّه بن عاصم،قال:حدثني الضحاك المشرقي،قال:

لما اقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب و القصب الذي كنا الهبنا فيه النار من ورائنا لئلا يأتونا من خلفنا،إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الاداة.فلم يكلمنا حتى مر على ابياتنا،فنظر إلى ابياتنا فإذا هو لا يرى إلى حطبا تلتهب النار فيه فرجع راجعا فنادى بأعلى صوته:يا حسين استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة.

فقال الحسين عليه السّلام:من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن،فقالوا:نعم أصلحك اللّه هو هو.

فقال:يا بن راعية المعزى أنت اولى بها صليا.

فقال له مسلم بن عوسجة:يا بن رسول اللّه جعلت فداك إلا أرميه بسهم فإنه قد أمكنني و ليس يسقط سهم فالفاسق من أعظم الجبارين،فقال له الحسين:لا ترمه، فإني اكره أن أبدأهم،و كان مع الحسين فرس له يدعى لاحقا حمل عليه ابنه علي بن الحسين،قال:فلما دنا منه القوم عاد براحلته فركبها.

ثم نادى بأعلى صوته بصوت عال دعاء يسمع جل الناس:أيها الناس اسمعوا قولي و لا تعجلوني حتى اعظكم بما لحق لكم علي،و حتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم،فإن قبلتم عذري و صدقتم قولي و اعطيتموني النصف كنتم بذلك اسعد و لم يكن لكم علي سبيل،و إن لم تقبلوا مني العذر و لم تعطوا النصف من أنفسكم فاجمعوا أمركم و شركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي و لا تنظرون، إن وليي اللّه الذي نزل الكتاب و هو يتولى الصالحين قال:فلما سمع اخواته كلامه هذا صحن و بكين و بكى بناته فارتفعت اصواتهن،فارسل إليهن أخاه العباس بن

ص: 126

علي و عليا ابنه و قال لهما:اسكتاهن،فلعمي ليكثرن بكائهن،قال:فلما ذهبا ليسكتاهن.

قال:لا يبعد ابن عباس.

قال:فظننا انه إنما قالها حين سمع بكائهن لانه قد كان نهاه ان يخرج بهن.فلما سكتن حمد اللّه و اثنى عليه و ذكر اللّه بما هو أهله،و صلى على محمد صلّى اللّه عليه و اله و على ملائكته و انبيائه فذكر من ذلك ما اللّه اعلم و ما لا يحصى ذكره،قال:فو اللّه ما سمعت متكلما قط قبله و لا بعده ابلغ في منطق منه ثم قال:أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا؟ثم ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يحل لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم صلّى اللّه عليه و اله و ابن وصيه و ابن عمه و أول المؤمنين باللّه و المصدق لرسوله بما جاء به من عند ربه؟او ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟او ليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي؟ا و لم يبلغكم قول مستفيض فيكم:إن رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و آله و سلم قال لي و لاخي:هذان سيدا شباب أهل الجنة؟فإن صدقتموني بما أقول و هو الحق و اللّه ما تعمدت كذبا مذ علمت إن اللّه يمقت عليه أهله و يضربه من اختلفه،و إن كذبتموني فإن فيكم من ان سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري أو أبا سعيد الخدري،أو سهل بن سعد الساعدي، او زيد بن أرقم أو أنس بن مالك،يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لي و لاخي،أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟

فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد اللّه على حرف إن كان يدري:ما تقول، فقال له حبيب بن مظاهر:و اللّه إني لاراك تعبد اللّه على سبعين حرفا،و إنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول،قد طبع اللّه على قلبك.

ثم قال لهم الحسين عليه السّلام:فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أثرا ما أتى ابن بنت نبيكم؟فو اللّه ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري منكم و لا من غيركم،أنا ابن بنت نبيكم خاصة،أخبروني اتطلبوني بقتيل منكم قتلته!أو مال لكم

ص: 127

استهلكته؟أو بقصاص من جراحة؟

قال:فأخذوا لا يكلمونه.

قال:فنادى يا شبث بن ربعي،و يا حجار بن أبجر،و يا قيس بن الأشعث،و يا يزيد بن الحارث،الم تكتبوا إلى أن قد اينعت الثمار،و اخضر الجناب،و طمت الجمام، و إنما تقدم على جند لك مجند فأقبل.

قالوا له:لم نفعل.

فقال:سبحان اللّه بلى و اللّه لقد فعلتم.

ثم قال:أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمنى من الأرض، قال:فقال له قيس بن الأشعث:أو لا تنزل على حكم بني عمك؟فإنهم لن يروك إلا ما تحب،و لن يصل إليك منهم مكروه.

فقال له الحسين:أنت أخو أخيك،اتريد ان يطلبك بنو هاشم باكثر من دم مسلم بن عقيل؟لا و اللّه لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل،و لا أقر اقرار العبيد.عباد اللّه إني عذت بربي و ربكم ان ترجمون،اعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب قال:ثم إنه أناخ راحلته و أمر عقبة ابن سمعان فعقلها و أقبلوا يزحفون نحوه.

قال أبو مخنف:فحدثني علي بن حنظلة بن اسعد الشامي عن رجل من قومه شهد مقتل الحسين حين قتل يقال له:كثير بن عبد اللّه الشعبي قال:لما زحفنا قبل الحسين خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح.

فقال:يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب اللّه نذار إنّ حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم،و نحن حتى الآن أخوة و على دين واحد و ملة واحدة ما لم يقع بيننا و بينكم السيف،و أنتم للنصيحة منا أهل،فإذا وقع السيف انقطعت العصمة.و كنا أمة و أنتم أمة،إن اللّه قد ابتلانا و إياكم بذرية نبيه محمد صلّى اللّه عليه و اله لينظر ما نحن و أنتم عاملون،انا ندعوكم إلى نصرهم و خذلان الطاغية عبيد اللّه بن زياد.فإنكم لا تدركون منهما إلا

ص: 128

بسوء عمر سلطانهما كله ليسملان اعينكم و يقطعان ايديكم و ارجلكم و يمثلان بكم و يرقعانكم على جذوع النخل و يقتلان اماثلكم و قراءكم امثال حجر بن عدي و أصحابه و هاني بن عروة و اشباهه.

قال:فسبوه و أثنوا على عبيد اللّه بن زياد و دعوا له و قالوا:و اللّه لا نبرح حتى نقتل صاحبك و من معه أو نبعث به و بأصحابه إلى الأمير عبيد اللّه سلما فقال لهم:عباد اللّه و إن ولد فاطمة رضو إن اللّه عليها أحق بالود و النصر من ابن سمية فإن لم تنصروهم فاعيذكم باللّه ان تقتلوهم فخلوا بين هذا الرجل و بين ابن عمه يزيد بن معاوية فلعمري أن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين.

قال:فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم و قال:اسكت اسكت اللّه نأمتك أبرمتنا بكثرة كلامك.

فقال له زهير:يا بن البوال على عقبيه ما أياك أخاطب،إنما أنت بهيمة و اللّه ما أظنك تحكم من كتاب اللّه آيتين فابشر بالخزى يوم القيامة و العذاب الأليم.

فقال له شمر:إن اللّه قاتلك و صاحبك عن ساعة،قال:أفبالموت تخوفني؟فو اللّه للموت معه أحب إلي من الخلد معكم.

قال:ثم أقبل على الناس رافعا صوته فقال:عباد اللّه لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الخافى و أشباهه،فو اللّه لا تنال شفاعة محمد صلّى اللّه عليه و اله قوما هراقوا دماء ذريته و أهل بيته و قتلوا من نصرهم و ذب عن حريمهم.

قال:فناداه رجل فقال له:إن أبا عبد اللّه يقول لك أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه و ابلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء و أبلغت لو نفع النصح و الابلاغ.

قال أبو مخنف:عن أبي جناب الكلبي عن عدي بن حرملة قال:ثم إن الحر بن يزد لما زحف عمر بن سعد قال له:أصلحك اللّه مقاتل أنت هذا الرجل؟

قال:أي و اللّه قتالا ايسره أن يسقط الرؤوس و تطيح الايدي،قال افما لكم في

ص: 129

واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضى؟

قال عمر بن سعد:أما و اللّه لو كان الأمر الي لفعلت و لكن أميرك قد أبى ذلك.

قال:فأقبل حتى وقف من الناس موقفا و معه رجل من قومه يقال له:قرة بن قيس فقا:يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟

قال:لا.

قال:إنما تريد أن تسقيه؟

قال:فظننت و اللّه أنه يريد ان يتنحى فلا يشهد القتال و كره أن أراه حين يصنع ذلك،فيخاف أن أرفعه عليه،فقلت له:لم أسقه و إنا منطلق فساقيه.

قال:فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه قال:فو اللّه لو انه اطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين،قال:فأخذ يدنو من حسين قليلا قليلا،فقال له رجل من قومه يقال له:المهاجرين الاوس:ما تريد يا بن يزيد؟أتريد ان تحمل؟فسكت و أخذه مثل العرواء،فقال له:يا بن يزيد و اللّه ان أمرك لمريب،و اللّه ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن،و لو قيل لي من اشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك،قال:إني و اللّه اخير نفسي بين الجنة و الجنار،و و اللّه لا اختار على الجنة شيئا و لو قطعت و حرقت.

ثم ضرب فرسه فلحق بحسين عليه السّلام فقال له:جعلني اللّه فداك يا بن رسول اللّه انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع و سايرتك في الطريق،و جعجعت بك في هذا المكان،و اللّه الذي لا إله إلا هو ما ظننتان القوم يردون عليك ما عرضت عليهم أبدا، و لا يبلغون منك هذه المنزلة،فقلت في نفسي لا أبالي ان اضيع القوم في بعض امرهم و لا يرون إني خرجت من طاعتهم،و أما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم،و و اللّه لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، و إني قد جئتك تائبا مما كان مني الي ربي و مواسيا لك بنفسي حتى اموت بين يديك،افترى ذلك لي توبة؟

ص: 130

قال:نعم يتوب اللّه عليك و يغفر لك ما اسمك؟

قال:انا الحر بن يزيد،قال:أنت الحر كما سمتك أمك،أنت الحر إن شاء اللّه في الدنيا و الآخرة أنزل،قال:أنا لك فارسا خير مني راجلا،أقاتلهم على فرسي ساعة و إلى النزول ما يصير آخر أمرى،قال الحسين:فاصنع يرحمك اللّه ما بدالك.

فاستقدم أمام أصحابه ثم قال:أيها القوم إلا تقبلون من حسين خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم اللّه من حربه و قتاله؟

قالوا:هذا الأمير عمر بن سعد فكلمه،فكلمه بمثل ما كلمه به قبل و بمثل ما كلم به أصحابه،قال عمر:قد حرصت لو وجدت إلى ذلك سبيلا فعلت.

فقال:يا أهل الكوفة لامكم الهبل و العبر إذ دعوتموه حتى إذا اتاكم اسلمتموه و زعمتم إنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه،امسكتم بنفسه و أخذتم بكظمه،و احطتم به من كل جانب،فمنعتموه التوجه في بلاد اللّه العريضة حتى يأمن و يأمن أهل بيته،و أصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا و لا يدفع ضرا، و خلاءتموه و نساءه و اهل بيته و أصحابه عن ماء الفرات الجارى الذي يشربه اليهودي و المجوسي و النصراني و تمرغ فيه خنازير السواد و كلابه،و هاهم قد صرعهم العطش،بئسما خلفتم محمدا في ذريته،لا اسقاكم اللّه يوم الظماء ان لم تتوبوا و تنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه،فحملت عليه رجالة لهم ترميه بالنبل فأقبل حتى وقف أمام الحسين.

قال:أبو مخنف عن الصعقب بن زهير و سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:و زحف عمر بن سعد نحوهم ثم بادى:يا زويد أدن رأيتك،قال:فادناها ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى فقال:اشهدوا إني أول من رمى (1).

قال أبو مخنف:حدثني أبو جناب قال:كان منا رجل يدعى عبد اللّه بن عمير من3.

ص: 131


1- انظر مقتل الحسين لأبي مخنف:123.

بني عليم كان قد نزل الكوفة و اتخذ عنه بئر الجعد من همدان دارا،و كانت معه امرأة له من النمرين قاسط يقال لها أم وهب بنت عبد،فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين،قال:فسأل عنهم فقيل له:يسرحون إلى حسين بن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:و اللّه لو قد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا و إني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند اللّه من ثوابه إياي في جهاد المشركين.

فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع و أعلمها بما يريد فقالت:أصبت أصاب اللّه بك،أرشد أمورك،افعل و أخرجني معك،قال:فخرج بها ليلا حتى أتى حسينا فأقام معه،فلما دنا منه عمر بن سعد و رمى بسهم ارتمى الناس،فلما ارتموا خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان و سالم مولى عبيد اللّه بن زياد فقالا:من يبارز ليخرج إلينا بعضكم.

قال:فوثب حبيب بن مظاهر و برير بن حضير فقال لهما الحسين:اجلسا،فقام عبد اللّه بن عمير الكلبي فقال:أبا عبد اللّه رحمك اللّه ائذن لي فلا خرج إليهما،فرأى الحسين رجلا آدم طويلا شديد الساعدين،بعيد ما بين المنكبين،فقال الحسين عليه السّلام:

إني لأحسبه للاقران قتالا،أخرج إن شئت.

قال:فخرج إليهما،فقالا له:من أنت؟فانتسب لهما،فقالا:لا نعرفك ليخرج إلينا زهير بن القين،أو جيب بن مظاهر،أو برير بن حضير،و يسار مستنتل أمام سالم، فقال له الكلبي:يا بن الزانية و بك رغبة عن مبارزة أحد من الناس و يخرج إليك أحد من الناس إلا و هو خير منك،ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد فإنه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شد عليه سالم،فصاح به قد رهقك العبد،قال:فلم يأبه له حتى غشيه،فبدره الصربة فاتقاه الكلبي بيده اليسرى فأطار أصابع كفه اليسرى،ثم مال عليه الكلبي فضربه حتى قتله،و أقبل الكلبي مرتجزا و هو يقول و قد قتلهما جميعا:

إن تنكروني فأنا بن كلب حسبي ببيتي في عليم حسبي

ص: 132

إني امرؤ ذو مرة و عصب و لست بالخوار عند النكب

إني زعيم لك أم وهب بالطعن فيهم مقدما و الضرب

ضرب غلام مؤمن بالرب

فأخذت أم وهب امرأته عمودا ثم اقبلت نحو زوجها تقول له:فداك أبي و امي قاتل دون الطيبين ذرية محمد،فأقبل إليها يردها نحو النساء،فأخذت تجاذب ثوبه ثم قالت:إني لن ادعك دون أن اموت معك،فناداها حسين فقال:جزيتم من أهل بيت خيرا،ارجعي رحمك اللّه إلى النساء فاجلسي معهن فإنه ليس على النساء قتال، فانصرفت إليهن قال:و حمل عمرو بن الحجاج و هو على ميمنة الناس في الميمنة فلما أن دنا من حسين جثوا له على الركب و اشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم على الرماح فذهبت الخيل لترجع فرشقوهم بالنبل فصرعوا منهم رجالا و جرحوا منهم آخرين.

قال أبو مخنف:فحدثني حسين أبو جعفر قال:ثم إن رجلا من بني تميم يقال له:

عبد اللّه بن حوزة جاء حتى وقف أمام الحسين فقال:يا حسين يا حسين فقال له حسين ما تشاء؟

قال:أبشر بالنار،قال:كلا إني اقدم على رب رحيم و شفيع مطاع،من هذا؟

قال له أصحابه:هذا ابن حوزة،قال:رب حزه إلى النار،قال:فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه،و تعلقت رجله بالركاب و وقع راسه في الأرض و نفر الفرس فأخذه يمر به فيضرب برأسه كل حجر و كل شجرة حتى مات.

قال أبو مخنف:و أما سويد بن حية فزعم لي ان عبد اللّه بن حوزة حين وقع فرسه بقيت رجله اليسرى في الركاب و ارتفعت اليمنى فطارت و عدا به فرسه يضرب رأسه كل حجر واصل شجرة حتى مات.

قال أبو مخنف:عن عطاء عن عطاء بن السائب عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي عن اخيه مسروق بن وائل قال:كنت في اوائل الخيل ممن سار إلى الحسين فقلت:

ص: 133

أكون في أوائلها لعلي أصيب رأس الحسين فاصيب به منزلة عند عبيد اللّه بن زياد، قال:فلما انتهينا إلى حسين تقدم رجل من القوم يقال له:ابن حوزة فقال:افيكم حسين؟

قال:فسكت حسين فقالها ثانية فأسكت حتى إذا كانت الثالثة قال:قولو له نعم هذا حسين فما حاجتك؟

قال:يا حسين أبشر بالنار،قال:كذبت بل اقدم على رب غفور و شفيع مطاع،فمن أنت؟

قال:ابن حوزة،قال:فرفع الحسين يديه حتى رأينا بياض ابطيه من فوق الثياب.

ثم قال:اللهم حزه إلى النار،قال:فغضب ابن حوزة فذهب ليقحم إليه الفرس و بينه و بينه نهر،قال:فعلقت قدمه بالركاب و جالت به الفرس فسقط عنها،قال:

فانقطعت قدمه و ساقه و فخذه و بقى جانبه الآخر متعلقا بالركاب،قال:فرجع مسروق و ترك الخيل من ورائه،قال:فسئلته فقال:لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا لا أقاتلهم أبدا قال:و نشب القتال.

قال أبو مخنف:و حدثني يوسف بن يزيد عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس و كان قد شهد مقتل الحسين قال:و خرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة و هو حليف لبني سليمة من عبد القيس فقال:يا برير بن حضير كيف ترى اللّه صنع بك؟

قال:صنع اللّه و اللّه بي خيرا و صنع اللّه بك شرا،قال:كذبت و قبل اليوم ما كنت كذابا،هل تذكروانا أما شيك في بني لوذان و أنت تقول:إن عثمان بن عفان كان على نفسه مسرفا،و إن معاوية بن أبي سفيان ضال مضل،و إن إمام الهدى و الحق علي ابن أبي طالب،فقال له برير:اشهد ان هذا رايي و قولي،فقال له يزيد بن معقل:فإني اشهد أنك من الضالين،فقال له برير بن حضير:هل لك فلا بأهلك و لندع اللّه ان يلعن الكاذب و إن يقتل المبطل،ثم أخرج فلا بارزك.

ص: 134

قال:فخرجا فرفعا أيديهما إلى اللّه يدعو انه ان يلعن الكاذب و إن يقتل المحق المبطل،ثم برز كل واحد منهما لصاحبه فاختلفا ضربتين فضرب يزيد بن معقل برير بن حضير ضربة خفيفة لم تضره شيئا،و ضربه برير بن حضير ضربة قدت المغفر و بلغت الدماغ فخر كانما هوى من حالق،و إن سيف ابن حضير لثابت في رأسه،فكأني انظر إليه ينضنضه من رأسه،و حمل عليه رضى بن منقذ العبدى فاعتنق بريرا فاعتركا ساعة.

ثم إن برير قعد على صدره فقال:أين أهل المصاع و الدفاع،قال:فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه،فقلت:إن هذا برير بن حضير القارىء الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد،فحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره،فلما وجه مس الرمح برك عليه فعض بوجهه و قطع طرف أنفه،فطعنه كعب بن جابر حتى ألقاه عنه،و قد غيب السنان في ظهره،ثم أقبل عليه يضربه بسيفه حتى قتله.

قال عفيف:كأني انظر إلى العبدي الصريع قام ينفض التراب عن قبائه و يقول:

أنعمت عليّ يا أخا الأزد نعمة لن أنساها أبدا.

قال:فقلت:أنت رأيت هذا؟

قال:نعم رأى عيني و سمع أذني،فلما رجع كعب بن جابر قالت له أمراته أو أخته النوار بنت جابر:اعنت علي ابن فاطمة و قتلت سيد القراء لقد أتيت عظيما من الأمر و اللّه لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا و قال كعب بن جابر:

سلى تخبري عني و أنت ذميمة غداة حسين و الرماح شوارع

الم آت أقصى ما كرهت و لم يخل على غداة الروع ما أنا صانع

معي يزني لم تخنه كعوبه و أبيض مخشوب الغرارين قاطع

فجردته في عصبة ليس دينهم بدينى و إني بابن حرب لقانع

و لم تر عيني مثلهم في زمانهم و لا قبلهم في الناس إذ أنا يافع

أشد قراعا بالسيوف لدى الوغا ألاكل من يحمى الذمار مقارع

ص: 135

و قد صبروا للطعن و الضرب حسرا و قد نازلوا لو أن ذلك نافع

فأبلغ عبيد اللّه أما لقيته باني مطيع للخليفة سامع

قتلت بريرا ثم حملت نعمة أبا منقذ لما دعا من يماصع

قال أبو مخنف:حدثني عبد الرحمن بن جندب قال:سمعته في امارة مصعب بن الزبير و هو يقول:يا رب إنا قد وفينا فلا تجعلنا يا رب كمن قد غدر،فقال له أبي:

صدق و لقد وفى و كرم و كسبت لنفسك سوء،قال:كلا إني لم أكسب لنفسي شرا و لكني كسبت لها خيرا.

قال:و زعموا أن رضى بن منقذ العبدى رد بعد على كعب بن جابر جواب قوله فقال:لو شاء ربي ما شهدت قتالهم و لا جعل النعماء عندي ابن جابر لقد كان ذاك اليوم عارا و سبة يعيره الابناء بعد المعاشر فيا ليت إني كنت من قبل قتله و يوم حسين كنت في رمس قابر قال:و خرج عمرو بن (1)قرظة الأنصاري يقاتل دون.

ص: 136


1- هو عمرو بن قرظة بن كعب بن عمرو بن عائذ بن زيد مناة بن ثعلبة بن كعب الخزرج الأنصاري الخزرجي الكوفي.كان قرظة من الصحابة الرواة،و كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام نزل الكوفة و حارب مع أمير المؤمنين عليه السّلام في حروبه،و ولاه فارس.و توفى سنة إحدى و خمسين،و هو أول من نيح عليه بالكوفة،و خلف اولادا اشهرهم عمرو و على.أما عمرو فجاء إلى أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام أيام المهادنة في نزوله بكربلاء قبل الممانعة،و كان الحسين عليه السّلام يرسله إلى عمر بن سعد في المكالمة التي دارت بينهما قبل ارسال شمر بن ذي الجوشن فيأتيه بالجواب حتى كان القطع بينهما بوصول شمر،فلما كان يوم العاشر من المحرم استأذن الحسين في القتال ثم برز و هو يقول:قد علمت كتائب الأنصار إني سأحمى حوزة الذمار فعل غلام غير نكس شار دون حسين مهجتي و داري قال الشيخ ابن نما:عرض بقوله:مهجتي و داري بعمر بن سعد فإنه لما قال له الحسين عليه السّلام:صرمعي،قال:أخاف على داري،فقال الحسين له:انا اعوضك عنها،قال:أخاف على مالي،فقال له:انا اعوضك عنه من مالي بالحجاز،فتكره،انتهى كلامه. ثم إنه قاتل ساعة و رجع الحسين عليه السّلام فوقف دونه ليقيه من العدو. قال الشيخ ابن نما:فجعل يلتقى السهام بجبهته و صدره فلم يصل إلى الحسين عليه السّلام سوء حتى اثخن بالجراح،فالتفت إلى الحسين عليه السّلام فقال:اوفيت يا بن رسول اللّه؟ قال:نعم أنت امامي في الجنة،فاقرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلم السلام و اعلمه إني في الاثر.فخر رضوان اللّه عليه.قرظة:بالحركات الثلاث على القاف و الراء المهملة و الظاء المعجمة،و يمضى في بعض الكتب قرطة بالطاء المهملة و هو تصحيف،إبصار العين في أنصار الحسين"ص 92 ط النجف الاشرف"

حسين و هو يقول:

قد علمت كتيبة الأنصار إني سأحمى حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكس شارى دون حسين مهجتي و داري

قال أبو مخنف:عن ثابت بن هبيرة فقتل عمرو بن قرظة بن كعب و كان مع الحسين و كان علي أخوه مع عمر بن سعد،فنادى على بن قرظة:يا حسين يا كذاب ابن الكذاب أضللت أخي و غررته حتى قتلته قال:إن اللّه لم يضل أخاك،و لكنه هدى أخاك و أضلك،قال:قتلني اللّه إن لم أقتلك أو أموت دونك،فحمل عليه فاعترضه نافع ابن هلال المرادى فطعنه فصرعه،فحمله أصحابه فاستنقذوه فدووى بعد فبرأ.

قال أبو مخنف:حدثني النضر بن صالح أبو زهير العبسي أن الحر بن زيد لما لحق بحسين قال رجل من بني تميم من بني شقرة و هم بنو الحارث ابن تميم يقال له:يزيد بن سفيان:أما و اللّه لو إني رأيت الحر بن يزيد حين خرج لاتبعته السنان، قال:فبينا الناس يتجاولون و يقتلون و الحر بن يزيد يحمل على القوم مقدما و يتمثل قول عنترة:ما زلت أرميهم بثغرة نحره و لبانه حتى تسربل بالدم قال:و إن فرسه لمضروب على اذنيه و حاجبه،و إن دماءه لتسيل،فقال الحصين بن تميم و كان على شرطة عبيد اللّه فبعثه إلى الحسين و كان مع عمر بن سعد فولاه عمر مع الشرطة المجففة ليزيد بن سفيان:هذا الحر بن يزيد الذي كنت تتمنى.

قال:نعم،فخرج إليه فقال له:هل لك يا حر بن يزيد في المبارزة؟ف"

ص: 137

قال:نعم قد شئت،فبرز له،قال:و إنا سمعت الحصين بن تميم يقول و اللّه لبرز له فكانما كانت نفسه في يده فما لبثه الحر حين خرج إليه أن قتله.

قال هشام بن محمد،عن أبي مخنف قال:حدثني يحيى بن هاني بن عروة أن نافع بن (1)هلال كان يقاتل يومئذ و هو يقول:

أنا الجملي أنا على دين علي

قال:فخرج إليه رجل يقال له:مزاحم بن حريث فقال:انا على دين عثمان،فقال له:

أنت على دين شيطان،ثم حمل عليه فقتله فصاح عمرو بن الحجاج بالناس:يا حمقى أتدرون من تقاتلون؟فرسان المصر قوما مستميتين لا يبرزن لهم منكم أحد،).

ص: 138


1- هو نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج المذحجي الجملي،كان نافع سيدا شريفا،سريا شجاعا،و كان قارئا كاتبا من حملة الحديث و من أصحاب أمير المؤمنين(ع)و حضر معه حروبه الثلث في العراق،و خرج إلى الحسين(ع)فلقيه في الطريق،و كان ذلك قبل مقتل مسلم. و كان أوصى أن يتبع بفرسه المسمى بالكامل،فاتبع مع عمرو بن خالد و أصحابه الذين ذكرناهم. قال ابن شهرآشوب:لما ضيق الحر على الحسين(ع)خطب أصحابه بخطبته التي يقول فيها:أما بعد فقد نزل من الأمر ما قد ترون،و ان الدنيا قد تنكرت و أدبرت.الخ قام إليه زهير فقال:قد سمعنا هداك اللّه مقالتك الخ ثم قام نافع فقال:يا بن رسول اللّه أنت تعلم ان جدك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لم يقدر أن يشرب الناس محبته،و لا أن يرجعوا إلى أمره ما أحب،و قد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر، و يضمرون له الغدر،يلقونه بأحلى من العسل،و يخلفونه بأمر من الحنظل،حتى قبض اللّه إليه،و ان أباك عليا قد كان في مثل ذلك،فقوم قد أجمعوا على نصره،و قاتلوا معه الناكثين و القاسطين و المارقين،و قوم خالفوه حتى أتاه أجله،و مضى إلى رحمة اللّه و رضوانه.و أنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة،فمن نكث عهده،و خلع نيته،فلن يضر إلا نفسه،و اللّه مغن عنه فسربنا راشدا معافى، مشرقا إن شئت،و ان شئت مغربا،فو اللّه ما أشفقنا من قدر اللّه،و لا كرهنا لقاء ربنا،فانا على نياتنا و بصائرنا نوالى من والاك،و نعادي من عاداك.الضبط:ربما يجرى على بعض الالسن و يمضى في بعض الكتب هلال بن نافع و هو غلط على ضبط القدماء."الجملى"منسوب إلى جمل بطن من مذحج.و يمضي على الالسن و في الكتب البجلى و هو غلط واضح.ابصار العين في أنصار الحسين (ص 86 ط النجف).

فإنهم قليل و قل ما يبقون و اللّه لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم.

فقال عمر بن سعد:صدقت،الرأي ما رأيت.و أرسل إلى الناس يعزم عليهم إلا يبازر رجل منكم رجلا منهم.

قال أبو مخنف:حدثني الحسين بن عقبة المرادي قال الزبيدي انه سمع عمرو ابن الحجاج حين دنا من أصحاب الحسين يقول:يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم و جماعتكم و لا ترتابوا في قتل من مرق من الدين و خالف الإمام،فقال له الحسين:يا عمرو بن الحجاج أعلي تحرض الناس انحن مرقنا و أنتم ثبتم عليه؟أما و اللّه لتعلمن لو قد قبضت ارواحكم و متم على اعمالكم ابنا مرق من الدين و من هو أولى بصلى النار؟

قال:ثم إن عمرو بن الحجاج حمل على الحسين في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات فاضربوا ساعة فصرع (1)مسلم بن عوسجة الاسدي أول أصحاب الحسين.

ثم انصرف عمرو بن الحجاج و أصحابه و ارتفعت الغبرة فاذا هم به صريع فمشى إليه الحسين فإذا به رمق فقال رحمك ربك يا مسلم بن عوسجة منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا.و دنا منه حبيب بن مظاهر فقال:عز على مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة،فقال له مسلم قولا ضعيفا:بشرك اللّه بخير،).

ص: 139


1- هو مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دردان بن اسد بن خزيمة أبو حجل الأسدي السعدي كان رجلا شريفا سريا عابدا متنسكا. قال ابن سعد في طبقاته:و كان صحابيا ممن رآى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و روى عنه الشعبي و كان فارسا شجاعا،له ذكر في المغازي و الفتوح الاسلامية و سيأتي قول شبث فيه. و قال أهل السير:انه ممن كاتب الحسين عليه السّلام من الكوفة و وفى له و ممن أخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل إلى الكوفة.قالوا:و لما دخل عبيد اللّه بن زياد الكوفة و سمع به مسلم خرج إليه ليحاربه،فعقد لمسلم بن عوسجة على ربع مذحج و اسد،و لأبي ثمامة على ربع تميم و همدان الخ. و في مسلم بن عوسجة يقول الكميت بن زيد الاسدي:و إن أبا حجل قتيل محجل،إبصار العين في أنصار الحسين(ص 61 ط النجف).

فقال له حبيب:لو لا إني أعلم إني في إثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت أهل له في القرابة و الدين قال:بل أنا أوصيك بهذا رحمك اللّه و اهوى بيده إلى الحسين أن تموت دونه،قال:

أفعل و رب الكعبة،قال:فما كان بأسرع من أن مات في أيديهم.

و صاحت جارية له فقالت:يا بن عوسجتاه يا سيداه.فتنادى أصحاب عمرو بن الحجاج قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدي.

فقال شبث لبعض من حوله من أصحابه:ثكلتكم امهاتكم إنما تقتلون أنفسكم بايديكم و تذللون أنفسكم لغيركم،تفرحون ان يقتل مثل مسلم بن عوسجة،أما و الذي أسلمت له لرب موقف له قد رأيته في المسلمين كريم،لقد رأيته يوم سلق آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل تتام خيول المسلمين،أفيقتل منكم مثله و تفرحون؟

قال:و كان الذي قتل مسلم بن عوسجة مسلم بن عبد اللّه الضبابي و عبد الرحمن ابن أبي خشكارة البجلي،قال:و حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة فثبتوا له فطاعنوه و أصحابه.و حمل على حسين و أصحابه من كل جانب، فقتل الكلبي (1)و قد قتل رجلين بعد الرجلين الاولين و قاتل قتالا شديدا،فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي و بكير بن حي التميمي من تيم اللّه بن ثعلبة فقتلاه،و كان القتيل الثاني من أصحاب الحسين عليه السّلام.

و قاتلهم أصحاب الحسين عليه السّلام قتالا شديدا و أخذت خيلهم تحمل و إنما هم اثنان و ثلاثون فارسا و أخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلا كشفته،فلماف"

ص: 140


1- هو عبد اللّه بن عمير بن عباس بن عبد قيس بن عليم بن جناب الكلبي العليمي أبو وهب.كان عبد اللّه بن عمير بطلا شجاعا شريفا،نزل الكوفة و اتخذ عند بئر الجعد من همدان دارا فنزلها و معه زوجته أم وهب بنت عبد من بني النمر بن قاسط،إبصار العين في أنصار الحسين"ص 106 ط النجف"

رأى ذلك عزرة بن قيس و هو على خيل أهل الكوفة ان خيله تنكشف من كل جانب بعث إلى عمر بن سعد عبد الرحمن بن حصن فقال:أما ترى ما تلقى خيلي مذ اليوم من هذه العدة اليسيرة؟ابعث إليهم الرجال و الرماة،فقال لشبث بن ربعي إلا تقدم إليهم؟

فقال:سبحان اللّه أتعمد إلى شيخ مصر و أهل مصر عامة تبعثه في الرماة لم تجد من تندب لهذا و يجزى عنك غيري؟

قال:و ما زالوا يرون من شبث الكراهة لقتاله،قال:و قال أبو زهير العبسي:فأنا سمعته في امارة مصعب يقول:لا يعطى اللّه أهل هذا المصر خيرا أبدا،و لا يسددهم لرشد.ألا تعجبون أنا قاتلنا مع علي بن أبي طالب و مع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين،ثم عدونا على ابنه و هو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية و ابن سمية الزانية ضلال يالك من ضلال،قال:و دعا عمر بن الحصين بن تميم فبعث معه المجففة و خمسمئة من المرامية فاقبلوا حتى إذا دنوا من الحسين و أصحابه رشقوهم بالنبل فلم يلبثوا ان عقروا خيولهم و صاروا رجالة كلهم (1).

قال أبو مخنف:حدثني نمير بن و علة أن ايوب بن مشرح الخيواني كان يقول:أنا و اللّه عقرت بالحر بن يزيد فرسه حشأته (2)سهما فما لبث ان ارعد الفرس و اضطرب و كبا فوثب عنه الحر كانه ليث و السيف في يده و هو يقول:إن تعقروا بي فأنا ابن الحر أشجع من ذي لبد هزبر قال:فما رأيت أحدا قط يفرى فريه (3).

قال:فقال له أشياخ من الحي أنت قتلته؟

قال:لا و اللّه ما انا قتلته و لكن قتله غيري و ما أحب إني قتلته،فقال له أبو الوداك:ة.

ص: 141


1- انظر مقتل الحسين لأبي مخنف:139.
2- حشأته سهما:اصبت احشائه بالسهم.
3- يفرى فربه:يفعل فعله في الضرب و المجالدة.

و لم؟

قال:انه كان زعموا من الصالحين،فو اللّه لئن كان ذلك أثما لأن ألقى اللّه باثم الجراحة و الموقف أحب إلى من أن ألقاه باثم قتل أحد منهم،فقال له أبو الوداك:ما أراك إلا ستلقى اللّه باثم قتلهم اجمعين ارأيت لو أنك رميت ذا فعقرت ذا و رميت آخر و وقف موقفا و كررت عليهم و حرضت أصحابك و كثرت أصحابك و حمل عليك و كرهت أن تفرو فعل آخر من أصحابك كفعلك و آخر و آخر كان هذا و أصحابه يقتلون أنتم شركاء كلكم في دمائهم.

فقال له:يا أبا الوداك إنك لتقنطنا من رحمة اللّه ان كنت ولي حسابنا يوم القيامة فلا غفر اللّه لك إن غفرت لنا،قال:هو ما أقول لك،قال:و قاتلوهم حتى انتصف النهار أشد قتال خلقه اللّه و أخذوا لا يقدرون على ان يأتوهم إلا من وجه واحد لاجتماع أبنيتهم و تقارب بعضها من بعض،قال:فلما روى ذلك عمر بن سعد ارسل رجالا يقوضونها عن ايمانهم و عن شمائلهم ليحيطوا بهم،قال:فأخذ الثلاثة و الاربعة من أصحاب الحسين يتخللون البيوت فيشدون على الرجل و هو يقوض و ينتهب فيقتلونه و يرمونه من قريب و يعقرونه،فأمر بها عمر بن سعد عند ذلك فقال:

أحرقوها بالنار و لا تدخلوا بيتا و لا تقوضوه،فجاءوا بالنار فأخذوا يحرقون.

فقال الحسين عليه السّلام:دعوهم فليحرقوها فإنهم لو قد حرقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها و كان ذلك كذلك.و أخذوا لا يقاتلونهم إلا وجه واحد.

قال:و خرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها حتى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب و تقول:هنيئا لك الجنة،فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمى رستم:

اضرب رأسها بالعمود،فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها.

قال:و حمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين برمحه و نادى على بالنار حتى احرق هذا البيت على أهله،قال:فصاح النساء و خرجن من الفسطاط،قال:و صاح به الحسين يا بن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي

ص: 142

على اهلي حرقك اللّه بالنار.

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:قلت لشمر ابن ذي الجوشن:سبحان اللّه ان هذا لا يصلح لك،اتريد ان تجمع على نفسك خصلتين:تعذب بعذاب اللّه و تقتل الولدان و النساء،و اللّه إن في قتلك الرجال لما ترضى به أميرك.

قال:فقال:من أنت؟

قال:قلت لا أخبرك من انا،قال:و خشيت و اللّه ان لو عرفتني ان يضرني عند السلطان،قال:فجاءه رجل كان اطوع له مني شبث بن ربعي فقال:ما رأيت مقالا أسوء من قولك و لا موقفا اقبح من موقفك أمر عبا للنساء صرت؟

قال:فاشهد انه استحيا فذهب لينصرف،و حمل عليه زهير بن القين (1)في رجال من أصحابه عشرة فشد على شمر بن ذي الجوشن و أصحابه فكشفهم عن البيوت حتى ارتفعوا عنها فصرعوا أبا عزة الضبابي فقتلوه،فكان من أصحاب شمر.

و تعطف الناس عليهم فكثروهم فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين قد قتل منهم الرجل و الرجلان تبين فيهم و أولئك كثير لا يتبين فيهم ما يقتل منهم.

قال:فلما رأى ذلك أبو ثمامة عمرو بن عبد اللّه الصائدي قال للحسين:يا أبا عبد اللّه نفسي لك الفداء،إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك و لا و اللّه لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء اللّه،و احب ان ألقى ربي و قد صليت هذه الصلاة التي قددنا وقتها،قال:فرفع الحسين رأسه ثم قال:ذكرت الصلاة جعلك اللّه من المصلين الذاكرين،نعم هذا أول وقتها،ثم قال:سلوهم ان يكفوا عنا حتى نصلى،فقال لهم الحصين بن تميم:انها لا).

ص: 143


1- زهير بن القين بن قيس الأنماري البجلي.كان رجلا شريفا في قومه،نازلا فيهم بالكوفة،شجاعا، له في المغازي مواقف مشهورة و مواطن مشهودة،و كان اولا عثمانيا،فحج سنة ستين في أهله،إبصار العين في أنصار الحسين(ص 95 ط النجف).

تقبل.

فقال له حبيب بن مظاهر (1):لا تقبل،زعمت أن الصلوة من آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لا تقبل و تقبل منك يا حمار،قال:فحمل عليهم حصين بن تميم،و خرج إليه حبيب بن مظاهر وجه بالسيف فشب و وقع عنه و حمله أصحابه فاستنقذوه و أخذ حبيب بقول:

اقسم لو كنا لكم اعدادا او شطركم و ليتم اكتادا

يا شر قوم حسبا و آدا

قال:و جعل يقول يومئذ:

انا حبيب و أبي مظاهر فارس هيجاء و حرب تسعر

أنتم اعد عدة و أكثر و نحن اوفى منكم و اصبر

و نحن أعلى حجة و اظهر حقا و اتقى منكم و اعذر

و قاتل قتالا شديدا فحمل عليه رجل من بني تميم فضربه بالسيف على راسه فقتله.

و كان يقال له:بديل بنصريم من بني عقفان.و حمل عليه آخر من بني تميم فطعنه فوقع،فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع، و نزل إليه التميمي فاحتز رأسه.

فقال له الحصين:إني لشريكك في قتله،فقال الآخر:و اللّه ما قتله غيري،فقال الحصين:اعطنيه اعلقه في عنق فرسي كيما يرى الناس و يعلموا إني شركت في قتله.

ثم خذه أنت بعد فامض به إلى عبيد اللّه بن زياد فلا حاجة لي فيما تعطاه علىد.

ص: 144


1- هو حبيب بن مظاهر بن رئاب بن الأشتر بن جخوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قيس بن الحرث بن ثعلبة بن دودان ابن اسد.

قتلك إياه.

قال:فأبى عليه فأصلح قومه فيما بينهما على هذا فدفع إليه رأس حبيب بن مظاهر فجال به في العسكر قد علقه في عنق فرسه ثم دفعه بعد ذلك إليه فلما رجعوا إلى الكوفة أخذ الآخر رأس حبيب فعلقه في لبان فرسه،ثم أقبل به إلى ابن زياد في القصر،فبصر به ابنه القاسم بن حبيب،و هو يومئذ قد راهق،فأقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل القصر دخل معه،و إذا خرج خرج معه،فارتاب به فقال:مالك يا بني تتبعني،قال:لا شيء،قال:بلى يا بني أخبرني؟

قال له:إن هذا الرأس الذي معك رأس أبي أفتعطينيه حتى أدفنه،قال:يا بني لا يرضى الأميران يدفن و إنا أريد ان يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا،قال له الغلام:

لكن اللّه لا يثيبك على ذلك إلا اسوء الثواب أما و اللّه لقد قتلته خيرا منك و بكى.فمكث الغلام حتى إذا ادرك لم يكن له همة إلا اتباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرة فيقتله بابيه.

فلما كان زمانا مصعب بن الزبير و غزا مصعب باجميرا (1)دخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه،فأقبل يختلف في طلبه و التماس غرته فدخل عليه و هو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتى برد.

قال أبو مخنف:حدثني محمد بن قيس قال:لما قتل حبيب بن مظاهر هد ذلك حسينا و قال عند ذلك:احتسب نفسي و حماة أصحابي،قال:و أخذ الحرير تجز و يقول:

آليت لا أقتل حتى اقتلا و لن اصاب اليوم إلا مقبلا

اضربهم بالسيف ضربا مقصلا لانا كلا عنهم و لا مهللا

و أخذ يقول أيضا:ض.

ص: 145


1- باجميرا بالباء المفردة و الجيم المضمومة و الميم المفتوحه و الياء الساكنة و الراء المهملة و الالف المقصورة موضع من أرض.

اضرب في اعراضهم بالسيف عن خير من حل مني و الخيف

فقاتل هو و زهير بن القين قتالا شديدا،فكان إذا شد احدهما فإن استلحم شد الآخر حتى يخلصه،ففعلا ذلك ساعة.

ثم إن رجالة شدت على الحر بن يزيد فقتل،و قتل أبو ثمامة الصائدي (1)ابن عم له كان عدوا له،ثم صلوا الظهر صلى بهم الحسين صلوة الخوف،ثم اقتتلوا بعد الظهر فاشتد قتالهم،و وصل إلى الحسين عليه السّلام فاستقدم الحنفي (2)امامه فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يمينا و شمالا قائما بين يديه فما زال يرمى حتى سقط.و قاتل زهير بن القين قتالا شديدا و أخذ يقول:أنا زهير و إنا ابن القين أذودهم بالسيف عن حسين قال:و أخذ يضرب على منكب حسين و يقول:

أقدم هديت هاديا مهديا فاليوم تلقى جدك النبيا

و حسنا و المرتضى عليا و ذا الجناحين الفتى الكميا..

ص: 146


1- كاتب الحسين"ع"و لما جاء مسلم بن عقيل إلى الكوفة قام معه،و صار يقبض الاموال من الشيعة بأمر مسلم،فيشترى بها السلاح،و كان بصيرا بذلك،و لما دخل عبيد اللّه الكوفة و ثار الشيعة بوجهه وجهه مسلم فيمن وجهه،و عقد له على ربع تميم و همدان كما قدمناه،فحصروا عبيد اللّه في قصره،و لما تفرق عن مسلم الناس بالتخذيل اختفى أبو ثمامة،فاشتد طلب ابن زياد له،فخرج إلى الحسين"ع"و معه نافع بن هلال الجملي فلقياه في الطريق و اتيا معه،إبصار العين في أنصار الحسين (ص 69 ط النجف).
2- هو سعيد بن عبد اللّه الحنفي،كان من وجوه الشيعة بالكوفة و ذوي الشجاعة و العبادة فيهم،قال أهل السير:لما ورد نعى معاوية إلى الكوفة اجتمعت الشيعة فكتبوا إلى الحسين عليه السّلام اولا مع عبد اللّه بن وال و عبد اللّه بن سبع،و ثانيا مع قيس بن مسهر و عبد الرحمن بن عبد اللّه و ثالثا مع سعيد بن عبد اللّه الحنفي و هاني بن هاني.و كان كتاب سعيد بن شبث بن ربعي و حجار بن ابجر و يزيد بن الحرث و يزيد بن رويم و عزرة بن قيس و عمرو بن الحجاج و محمد بن عمير و صورة الكتاب(بسم اللّه الرحمن الرحيم)أما بعد فقد اخضر الجناب،و أينعت الثمار،و طمت الجمام،فإذا شئت فاقدم على جند لك مجند.فاعاد الحسين عليه السّلام سعيدا و هانيا من مكة و كتب إلى الذين ذكرنا كتابا...

و أسد اللّه الشهيد الحيا قال:فشد عليه كثير بن عبد اللّه الشعبي و مهاجر بن أوس فقتلاه.

قال:و كان نافع بن هلال الجملي قد كتب اسمه على أفواق نبله،فجعل يرمي بها مسمومة و هو يقول:

أنا الجملي أنا على دين علي

فقتل اثنى عشر من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح،قال:فضرب حتى كسرت عضداه و أخذ أسيرا،قال:فأخذه شمر بن ذي الجوشن و معه أصحاب له يسوقون نافعا حتى اوتى به عمر بن سعد،فقال له عمر بن سعد:ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك،قال:إن ربي يعلم ما أردت،قال:و الدماء تسيل على لحيته و هو يقول:و اللّه لقد قتلت منكم اثنا عشر سوى من جرحت،و ما الوم نفسي على الجهد و لو بقيت لي عضد و ساعد ما أسرتموني،فقال له شمر:اقتله أصلحك اللّه،قال:أنت جئت به فإن شئت فاقتله.

قال:فانتضى شمر سيفه،فقال له نافع:أما و اللّه ان لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى اللّه بدمائنا،فالحمد للّه الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه فقتله.

قال:ثم أقبل شمر يحمل عليهم و هو يقول:

خلو عداة اللّه خلوا عن شمر يضربهم بسيفه و لا يفر

و هو لكم صاب و سم و مقر

قال:فلما رأى أصحاب الحسين أنهم قد كثروا و أنهم لا يقدرون على ان يمنعوا حسينا و لا أنفسهم تنافسوا في ان يقتلوا بين يديه فجاء عبد اللّه (1)و عبد الرحمن ابنا).

ص: 147


1- عبد اللّه بن عروة بن حراق الغفاري و أخوه عبد الرحمن بن عروة بن حراق الغفاري.كان عبد اللّه و عبد الرحمن الغفاريان من أشراف الكوفة و من شجعانهم و ذوي المولاة منهم،و كان جدهما حراق من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام و ممن حارب معه في حروبه الثلث،و جاء عبد اللّه و عبد الرحمن إلى الحسين عليه السّلام بالطف.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 104 ط النجف).

عزرة (1)الغفاريان فقالا:يا أبا عبد اللّه عليك السلام،حازنا العدو إليك فأحببنا ان نقتل بين يديك نمنعك و ندفع عنك،قال:مرحبا بكما،ادنوا مني،فدنوا منه،فجعلا يقاتلان قريبا منه واحدهما يقول:

قد علمت حقا بنو غفار و خندف بعد بني نزار

لنضربن معشر الفجار بكل عضب صارم بتار

يا قوم ذو دوا عن بني الاحرار بالمشرفي و القنا الخطار

قال:و جاء الفتيان الجابريان (2)سيف بن الحارث بن سريع و مالك بن عبد بن سريع و هما ابنا عم و اخوان لأم،فأتيا حسينا فدنوا منه و هما يبكيان،فقال:أي ابني أخي ما يبكيكما؟فو اللّه إني لأرجو ان تكونا عن ساعة قريرى عين،قالا:جعلنا اللّه فداك،لا و اللّه ما على أنفسنا نبكي،و لكنا نبكي عليك نراك قد احيط بك و لا نقدر على أن نمنعك،فقال:جزاكما اللّه يا ابني أخي بوجدكما من ذلك و مواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين.

قال:و جاء حنظلة بن اسعد الشبامي (3)فقام بين يدي حسين فأخذ ينادي:يا قوم

ص: 148


1- في الكامل لابن اثير الجزرى:ابنا عروة.
2- سيف بن الحارث بن سريع بن جابر الهمداني الجابرى و مالك بن عبد اللّه بن سريع بن جابر الهمداني الجابري و بنو جابر بطن من همدان كان سيف و مالك الجابريان ابني عم و أخوين لام جاعا إلى الحسين عليه السّلام و معهما شبيب مولاهما فدخلا في عسكره و انضما إليه،فلما رأيا الحسين في اليوم العاشر بتلك الحال استقدما يتسابقان إلى القوم و يلتفتان إلى الحسين عليه السّلام فيقولان:السلام عليك يا بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و يقول الحسين عليه السّلام:و عليكما السلام و رحمة اللّه و بركاته ثم جعلا يقاتلان جميعا و إن أحدهما ليحمى ظهر صاحبه حتى قتلا.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 78 ط النجف الاشرف).
3- هو حنظلة بن اسعد بن شبام بن عبد اللّه بن اسعد بن حاشد بن همدان الهمداني الشبامي و بنو شبام بطن من همدان.كان حنظلة بن اسعد الشبامى وجها من وجوه الشيعة ذالسن و فصاحة، شجاعا قارئا،و كان له ولد يدعى عليا له ذكر في التاريخ.الشبامى:بالشين المعجمة و الباء المفردة و الالف و الميم و الياء منسوب إلى شبام على زنة كتاب و يمضى في بعض الكتب الشامي نسبة إلى الشام و هو غلط فاضح.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 77 ط النجف).

إني أخاف عليكم مثل يوم الاحزاب؟مثل دأب قوم نوح و عاد و ثمود و الذين من بعدهم،و ما اللّه يريد ظلما للعباد،و يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد،يوم تولون مدبرين ما لكم من اللّه من عاصم،و من يضلل اللّه فما له من هاد،يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم اللّه بعذاب،و قد خاب من افترى.

فقال له حسين:يا ابن أسعد رحمك اللّه أنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق،و نهضوا إليك ليستبيحوك و أصحابك،فكيف بهم الآن و قد قتلوا اخوانك الصالحين،قال:صدقت جعلت فداك،أنت أفقه مني و أحق بذلك،افلا نروح إلى الآخرة و نلحق باخواننا؟

فقال:رح إلى خير من الدنيا و ما فيها و إلى ملك لا يبلى،فقال:السلام عليك يا أبا عبد اللّه،صلى اللّه عليك و على أهل بيتك،و عرف بيننا و بينك في جنته.

فقال:آمين آمين.فاستقدم فقاتل حتى قتل.

قال:ثم استقدم الفتيان الجابريان يلتفتان إلى حسين و يقولان:السلام عليك يا ابن رسول اللّه،فقال:عليكما السلام و رحمة اللّه،فقاتلا حتى قتلا.

قال:و جاء عابس بن أبي شبيب الشاكري (1)و معه شوذب (2)مولى شاكر،فقالمن

ص: 149


1- هو عابس بن أبي شبيب بن شاكر بن ربيعة بن مالك بن صعب بن معوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد الهمداني الشاكر،و بنو شاكر بطن من همدان.كان عابس من رجال الشيعة رئيسا شجاعا خطيبا ناسكا متهجدا و كانت بنو شاكر من المخلصين بولاء أمير المؤمنين عليه السّلام،و فيهم يقول عليه السّلام يوم صفين:لو تمت عدتهم الفا لعبد اللّه حق عبادته،و كانوا من شجعان العرب و حماتهم،و كانوا يلقبون فتيان الصباح،فنزلوا في بني وادعة من همدان،فقيل لها فتيان الصباح،و قيل لعابس: الشاكري و الوادعى.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 74 ط النجف).
2- شوذب بن عبد اللّه الهمداني الشاكري مولى لهم.كان شوذب من رجال الشيعة و وجوهها و من الفرسان المعدودين و كان حافظا للحديث حاملا له عن أمير المؤمنين عليه السّلام. قال صاحب الحدائق الوردية:و كان شوذب يجلس للشيعة فياتونه للحديث و كان وجها فيهم.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 76 ط النجف).

يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟

قال:ما أصنع أقاتل معك دون ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حتى أقتل،قال:ذلك الظن بك أما لا (1)فتقدم بين يدي أبي عبد اللّه حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه،و حتى احتسبك انا،فإنه لو كان معي الساعة أحدانا اولى به مني بك لسرني أن يتقدم بين يدي حتى أحتسبه،فإن هذا يوم ينبغي لنا ان نطلب الأجر فيه بكل ما قدرنا عليه،فإنه لا عمل بعد اليوم و إنما هو الحساب.

قال:فتقدم فسلم على الحسين،ثم مضى فقاتل حتى قتل.

قال:ثم قال عابس بن أبي شبيب:يا أبا عبد اللّه أما و اللّه ما أمسى على ظهر الأرض قريب و لا بعيد اعز علي و لا أحب إلى منك،و لو قدرت على ان ادفع عنك الضيم و القتل بشيء اعز علي من نفسي و دمي لفعلته،السلام عليك يا أبا عبد اللّه اشهد اللّه إني على هديك و هدى ابيك،ثم مشى بالسيف مصلتا نحوهم و به ضربة على جبينه.

قال أبو مخنف:حدثني نمير بن وعلة عن رجل من بني عبد من همدان يقال له:

ربيع بن تميم شهد ذلك اليوم قال:لما رأيته مقبلا عرفته و قد شاهدته في المغازى و كان أشجع الناس،فقلت:أيها الناس هذا أسد الاسود،هذا ابن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم،فأخذ ينادى الارجل لرجل.

فقال عمر بن سعد:ارضخوه بالحجارة،قال:فرمى بالحجارة من كل جانب، فلما رأى ذلك ألقى درعه و مغفره،ثم شد على الناس فو اللّه لرأيته يكرد أكثر من مئتين من الناس،ثم إنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل.ن.

ص: 150


1- في إبصار العين و بعض سائر المقاتل أما الآن.

قال:فرايت رأسه في ايدي رجال ذوي عدة هذا يقول:انا قتلته،و هذا يقول:انا قتلته فاتوا عمر بن سعد فقال:لا تختصموا هذا لم يقتله سنان واحد ففرق بينهم بهذا القول.

قال أبو مخنف:حدثني عبد اللّه بن عاصم عن الضحاك بن عبد اللّه المشرقي قال:

لما رأيت أصحاب الحسين قد اصيبوا و قد خلص إليه و إلى أهل بيته و لم يبق معه غير سويد (1)بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي و بشير بن (2)عمرو الحضرمي قلت له:يا بن رسول اللّه قد علمت ما كان بيني و بينك.

قلت لك:أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا،فإذا لم ار مقاتلا فانا في حل من الانصراف، فقلت لي:نعم،قال:فقال صدقت و كيف لك بالنجاء ان قدرت على ذلك فأنت في حل، قال:فاقبلت إلى فرسي و قد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر اقبلت بها حتى).

ص: 151


1- هو سويد بن عمرو بن أبي المطاع الأنمارى الخثعمي،كان شيخا شريفا عابدا كثير الصلوة،و كان شجاعا،مجربا في الحروب كما ذكره الطبري و الداودي. و قال أهل السير:ان سويدا بعد ان قتل بشر الحضرمي تقدم و قاتل حتى اثخن بالجراح و سقط على وجهه،فظن بانه قتل فلما قتل الحسين عليه السّلام و سمعهم يقولون:قتل الحسين عليه السّلام وجد به افاقة،و كانت معه سكين خباها،و كان قد أخذ سيفه منه فقاتلهم بسكينه ساعة،ثم انهم تعطفوا عليه،فقتله عروة بن بكار التغلبى و زيد بن ورقاء الجهني.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 101 ط النجف).
2- هو بشير(بشر)بن عمرو بن الاحدوث الحضرمي الكندي كان من حضرموت و عداده في كندة، و كان تابعيا و له اولاد معروفون بالمغازى.و كان بشر ممن جاء إلى الحسين عليه السّلام أيام المهادنة. و قال السيد الداودي:لما كان اليوم العاشر من المحرم و وقع القتال،قيل لبشر و هو في تلك الحال ان ابنك عمرا قد أسر في ثغرى الرى،فقال:عند اللّه احتسبه و نفسي،ما كنت أحب أن يؤسر و إن ابقى بعده.فسمع الحسين عليه السّلام مقالته فقال له:رحمك اللّه أنت في حل من بيعتي،فاذهب و اعمل في فكاك ابنك،فقال له:اكلتنى السباع حيا ان انا فارقتك يا أبا عبد اللّه،فقال له:فاعط ابنك محمدا-و كان معه -هذه الاثواب البر و ديستعين بها في فكاك اخيه،و اعطاه خمسة اثواب قيمتها ألف دينار قال السروى:انه قتل في الحملة الاولى. إبصار العين في أنصار الحسين(ص 103 ط النجف).

ادخلتها فسطاطا لأصحابنا بين البيوت.و أقبلت أقاتل معهم راجلا فقتلت يومئذ بين يدي الحسين رجلين و قطعت يد آخر و قال لي الحسين يومئذ مرارا:لا تشلل،لا يقطع اللّه يدك جزاك اللّه خيرا عن أهل بيت نبيك صلّى اللّه عليه و اله،فلما اذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط ثم استويت على متنها،ثم ضربتها حتى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم،فأفرجوا لي و اتبعنى منهم خمسة عشر رجلا حتى انتهيت إلى شفية قرية قريبة من شاطئ الفرات،فلما لحقوني عطفت عليهم،فعرفنى كثير بن عبد اللّه الشعبي و ايوب بن مشرح الخيواني و قيس بن عبد اللّه الصائدى فقالوا:هذا الضحاك بن عبد اللّه المشرقي،هذا ابن عمنا،ننشدكم اللّه لما كففتم عنه.

فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم،بلى و اللّه لنجيبن إخواننا و أهل دعوتنا إلى ما أحبوا من الكف عن صاحبهم.

قال:فلما تابع التميميون أصحابي كف الآخرون قال:فنجاني اللّه.

قال أبو مخنف:حدثني فضيل بن خديج الكندي ان يزيد (1)بن زياد و هو أبو الشعثاء الكندي من بني بهدلة (2)جثى على ركبتيه بين يدي الحسين فرمى بمأة سهم ما سقط منها خمسة اسهم و كان راميا و كان كلما رمى قال:أنا ابن بهدلة فرسان العرجلة (3)،و يقول الحسين عليه السّلام:اللهم سدد رميته،و اجعل ثوابه الجنة،فلما رمى بها قام فقال:ما سقط منها إلا خمسة اسهم.و لقد تبين لي إني قد قتلت خمسة نفر و كان في أول من قتل و كان رجزه يومئذ:ة.

ص: 152


1- هو يزيد بن زياد بن مهاصر أبو الشعثاء الكندي،كان رجلا شريفا،شجاعا فاتكا،خرج إلى الحسين عليه السّلام من الكوفة من قبل ان يتصل به الحر على ما نقله في إبصار العين(ص 102).و أما على ما نقله أبو مخنف في مقتله كما في المتن هو ممن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين عليه السّلام فلما ردوا الشروط على الحسين مال إليه فقاتل معه حتى قتل.
2- بهدلة حي من كندة منهم يزيد هذا.
3- العرجلة بفتح العين و سكون الراء و فتح الجيم:القطعة من الخيل و جماعة المشاة.

أنا يزيد و ابي مهاصر (1) اشجع من ليث بغيل خادر

يا رب إني للحسين ناصر و لابن سعد تارك و هاجر

و كان يزيد بن زياد بن المهاصر ممن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين،فلما ردوا الشروط على الحسين مال إليه فقاتل معه حتى قتل.فأما الصيداوي (2)عمرو ابن خالد،و جابر بن الحارث السلماني،و سعد مولى عمرو بن خالد،و مجمع (3)بن عبد اللّه العائذى،فإنهم قاتلوا في أول القتال فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس، فلما و غلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم و قطعوهم من أصحابهم غير بعيد،فحمل عليهم العباس بن علي فاستنقذهم،فجاءوا قد جرحوا،فلما دنا منهم عدوهم شدوا بأسيافهم فقاتلوا في أول الأمر حتى قتلوا في مكان واحد.

قال أبو مخنف:حدثني زهير بن عبد الرحمن بن زهير الخثعمي قال:كان آخر من بقى مع الحسين من أصحابه سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي،قال:و كانك.

ص: 153


1- مهاصر:جد يزيد بن زياد و هو بالصاد المهملة على زنة مهاجر و أما ما في بعض النسخ مهاجر فهو من غلط النساخ.
2- هو عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي أبو خالد،كان شريفا في الكوفة مخلص الولاء لأهل البيت،قام مع مسلم حتى إذا خانته أهل الكوفة لم يسعه إلا الاختفاء فلما سمع بقتل قيس بن مسهر و انه أخبر ان الحسين صار بالحاجر،خرج إليه و معه مولاه سعد،و مجمع العائذى و ابنه و جنادة بن حرث السلماني و اتبعهم غلام لنافع البجلى بفرسه المدعو بالكامل فجنبوه و أخذوا دليلا لهم الطرماح بن عدي الطائي و كان جاء إلى الكوفة يمتار لاهله طعاما فخرج بهم على طريق متنكبة،و سار سيرا عنيفا من الخوف لانهم علموا ان الطريق مرصود حتى إذا قاربوا الحسين عليه السّلام،إبصار العين(ص 66 ط.النجف).
3- هو مجمع بن عبد اللّه بن مجمع بن مالك بن اياس بن عبد مناة بن عبد اللّه بن سعد العشيرة المذحجى العائذى.كان عبد اللّه بن مجمع العائذى صحابيا،و كان ولده مجمع تابعيا من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام ذكرهما أهل الانساب و الطبقات،و كان مجمع و ابنه جاء مع عمرو بن خالد الصيداوي إلى الحسين عليه السّلام فمانعهم الحر و أخذهم الحسين عليه السّلام كما تقدم ذلك.

أول قتيل من بني أبي طالب يومئذ علي الاكبر ابن الحسين بن علي و أمه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي و ذلك انه أخذ يشد على الناس و هو يقول:

أنا علي بن حسين بن علي نحن و رب البيت أولى بالنبي

تاللّه لا يحكم فينا ابن الدعي.

قال:ففعل ذلك مرارا،فبصربه مرة بن منقذ بن النعمان العبدي ثم الليثي فقال:

على آثام العرب إن مرّ بي يفعل مثل ما كان يفعل إن لم أثكله أباه،فمر يشد على الناس بسيفه،فاعترضه مرة بن منقذ فطعنه فصرع و احتووا له الناس فقطعوهم بأسيافهم.

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم الازرى قال:

سماع اذنى يومئذ من الحسين يقول:قتل اللّه قوما قتلوك،يا بني ما اجرأهم على الرحمن،و على انتهاك حرمة الرسول،على الدنيا بعدك العفا،قال:و كاني انظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادى:يا أخياه و يا ابن أخاه فقيل هذه زينب ابنة فاطمة ابنة رسول اللّه ص،فجاءت حتى أكبت عليه فجاءها الحسين فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط.و أقبل الحسين إلى ابنه و أقبل فتيانه إليه فقال:احملوا أخاكم،فحملوه من مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.

قال:ثم إن عمرو بن صبيح الصدائي رمى عبد اللّه (1)بن مسلم بن عقيل بسهمح

ص: 154


1- هو عبد اللّه بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضوان اللّه عليهم أمه رقيه بنت أمير المؤمنين و امها الصهباء أم حبيب بنت عباد بن ربيعة ابن يحيى بن العبد بن علقمة التغلبية.قيل بيعت لأمير المؤمنين من سبي اليمامة.و قيل.من سبى عين التمر،فاولدها علي عليه السّلام عمر الاطرف و رقية. قال السروي:تقدم عبد اللّه بن مسلم الحرب فحمل على القوم و هو يقول:اليوم ألقى مسلما و هو أبي و عصبة بادوا على دين النبي حتى قتل ثمانية و تسعين رجلا بثلاث حملات:ثم رماه عمرو بن صبيح الصدائي بسهم. قال حميد بن مسلم:رمى عمرو عبد اللّه بسهم و هو مقبل عليه،فاراد جبهته،فوضع عبد اللّه يده على جبهته يتقى بها السهم.فسمر السهم يده على جبهته،فاراد تحريكها فلم يستطع،ثم انتحى له بسهم آخر ففلق قلبه،فوقع صريعا،و كانت قتلته بعد علي بن الحسين فيما ذكره أبو مخنف و المدائني و أبو الفرج دون غيرهم.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 50 ط النجف).

فوضع كفه على جبهته فأخذ لا يستطيع أن يحرك كفيه ثم انتحى له بسهم آخر ففلق قلبه،فاعتورهم الناس من كل جانب فحمل عبد اللّه بن قطبة الطائي ثم النبهاني على عون بن عبد اللّه (1)بن جعفر بن أبي طالب فقتله و حمل عامر بن نهشل التيمي على

ص: 155


1- هو عون بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عليهم السّلام أمه زينب العقيلة الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السّلام،و امها فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله. قال أهل السير:انه لما خرج الحسين عليه السّلام من مكة كتب إليه عبد اللّه بن جعفر كتابا يسأله فيه الرجوع عن عزمه،و ارسل إليه ابنيه عونا و محمدا،فاتياه بوادي العقيق قبل أن يصل إلى مسامنة المدينة،ثم ذهب عبد اللّه إلى عمرو بن سعيد بن العاص عامل المدينة فساله امانا للحسين،فكتب و ارسله إليه مع اخيه يحيى و خرج معه عبد اللّه فلقيا الحسين عليه السّلام بذات عرق،فأقرآه الكتاب فأبى عليهما و قال:إني رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في منامى،فامرني بالمسير و إني منته إلى ما أمرني به،و كتب جواب الكتاب إلى عمرو بن سعيد،ففارقاه و رجعا،و قد أوصى عبد اللّه و لديه بالحسين و اعتذر منه،قالوا:و لما ورد نعى الحسين و نعيهما إلى المدينة كان عبد اللّه جالسا في بيته،فدخل الناس يعزونه،فقال غلامه أبو السلاس:هذا ما لقينا و دخل علينا من الحسين،فحذفه عبد اللّه بنعله و قال:يا بن اللخناء أللحسين تقول هذا،و اللّه لو شهدته لما فارقته حتى أقتل معه،و اللّه انهما لمما يسخ بالنفس عنهما و يهون على المصاب بهما،انهما اصيبا مع أخي و ابن عمى مواسين له صابرين معه،ثم أقبل على الجلساء فقال: الحمد للّه اعزز على بمصرع الحسين ان لا أكن نسيت حسينا بيدى فقد آسيته بولدى. قال السروي:يرزعون بن عبد اللّه بن جعفر إلى القوم و هو يقول: ان تنكرونى فانا بن جعفر شهيد صدق في الجنان ازهر يطير فيها بجناح أخضر كفى بهذا شرفا في المحشر فضرب فيهم بسيفه حتى قتل منهم ثلاثة فوارس و ثمانية عشر راجلا ثم ضربه عبد اللّه بن قطنة الطائي النبهاني بسيفه فقتله.و فيه يقول سليمان ابن قتة التيمى من قصيدته التي يرثى بها الحسين عليه السّلام عيني جودى بعبرة و عويل و اندبي ان بكيت آل الرسول ستة كلهم لصلب علي قد اصيبوا و سبعة لعقيل و اندبي ان ندبت عونا اخاهم ليس فيما ينوبهم بخذول فلعمري لقد اصيب ذوو القر بى فبكى على المصاب الطويل أبو اللسلاس:باللام المفتوحة و السين المهملة ثم لام و سين بينهما ألف و يمضى في بعض الكتب أبو السلاسل و هو تصحيف.قطنة:بالقاف المضمومة و النون بينهما طاء النبهانى بالنون و الباء المفردة منسوب إلى نبهان بطن من بطون طي. أبصار العين في أنصار الحسين(ص 39 ط النجف).

محمد بن (1)عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب فقتله.

قال:وشد عثمان بن خالد بن أسير الجهني و بشر بن سوط الهمداني ثم القابضى على عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب (2)فقتلاه.و رمى عبد اللّه بن عزرة).

ص: 156


1- هو محمد بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عليهم السّلام،أمه الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف بن ربيعة بن عائذ بن ثعلبة بن عكاية بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.و امها هند بنت سالم بن عبد العزيز بن محروم ابن سنان بن مولة بن عامر بن مالك بن تيم اللات بن ثعلبة،و امها ميمونة بنت بشر بن عمرو بن الحرث بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن الحصين بن عكاية بن صعب بن علي. قال السروى:نقدم محمد قبل عون إلى الحرب فبرز إليهم و هو يقول:اشكو إلى اللّه من العدوان فعال قوم في الردى عميان قد بدلوا معالم القرآن و محكم التنزيل و التبيان فقتل عشرة أنفس،ثم تعاطفوا عليه،فقتله عامر بن نهشل التميمي و فيه يقول سليمان بن قتة من القصيدة المتقدمة على الولاء.و سمى النبي غودر فيهم قد علوه بصارم مصقول فإذا ما بكيت عيني فجودي بدموع تسيل كل مسيل إبصار العين في أنصار الحسين(ص 40 ط النجف)
2- هو عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب عليهم السّلام،أمه أم ولده قال ابن شهرآشوب:تقدم في حملة آل أبي طالب بعد الأنصار و هو يقول:أبي عقيل فاعرفوا مكاني من هاشم و هاشم اخواني فقاتل حتى قتل سبعة عشر فارسا،ثم احتوشوه فتولى قتله عثمان ابن خالد بن أشيم الجهني و بشر بن حوط الهمداني ثم القابضى بطن منهم.إبصار العين في أنصار الحسين (ص 51 ط النجف).

الخثعمي جعفر بن (1)فقتله.

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:خرج إلينا غلام كان وجهه شقة قمر في يده السيف عليه قميص و ازار و نعلان قد انقطع شسع أحدهما،ما أنسى أنها اليسرى.

فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي و اللّه لأشدن عليه،فقلت له:سبحان اللّه و ما تريد إلى ذلك،يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد احتولوهم(قد احتوشوه)قال:

فقال:و اللّه لأشدن عليه فشد عليه فما ولي حتى ضرب رأسه بالسيف،فوقع الغلام لوجهه،فقال:يا عماه قال:فجلى الحسين كما يجلى الصقر،ثم شد شدة ليث أغضب،فضرب عمرا(عمروا)بالسيف فاتقاه بالساعد فأطنها (2)من لدن المرفق، فصاح ثم تنحى عنه،و حملت خيل لاهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من حسين، فاستقبلت عمرا،بصدورها فحركت حوافرها و جالت الخيل بفرسانها عليهت.

ص: 157


1- هو جعفر بن عقيل بن أبي طالب عليهم السّلام،أمه الحوصاء بنت عمرو المعروف بالثغر ابن عامر بن الهصان بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن عقيل بن أبي طالب كلاب العامري،و امها اودة بنت حنظلة بن خالد بن كعب بن عبد بن أبي بكر المذكور،و امها ريطة بنت عبد بن أبي بكر المذكور،و امها أم البنين بنت معوية بن خالد بن ربيعة بن عامر بن صعصعة،و امها حميدة بنت عتبة بن سمرة بن عتبة بن عامر. قال السروي:تقدم إلى القتال فجالد القوم يضرب فيهم بسيفه قدما و هو يقول:انا الغلام الابطحي الطالبي من معشر في هاشم من غالب و نحن حقا سادة الذوائب فقتل خمسة عشر رجلا،ثم قتله بشر بن حوط قاتل اخيه عبد الرحمن.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 51 ط النجف).
2- فاطنها:أي فقطعها حتى سمع لها طنين و هو الصوت.

فتوطأته حتى مات،و انجلت الغبرة فإذا أنا بالحسين قائم على رأس الغلام و الغلام يفحص برجليه و حسين يقول:

بعدا لقوم قتلوك و من خصمهم يوم القيامة فيك جدك.

ثم قال:عزّ و اللّه على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك صوت، و اللّه كثر و اتره و قل ناصره،ثم احتمله فكأني أنظر إلى رجلى الغلام يخطان في الأرض،و قد وضع حسين صدره على صدره قال:فقلت في نفسي:ما يصنع به؟ فجاء به حتى ألقاه مع ابنه على بن الحسين و قتلى قد قتلت حوله من أهل بيته.

فسألت عن الغلام،فقيل:هو القاسم (1)بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

قال:و مكث الحسين طويلا من النهار كلما انتهى إليه رجل من الناس انصرف عنه و كره أن يتولى قتله و عظيم اثمه عليه،قال:و إن رجلا من كندة يقال له:مالك بن النسير من بني بداء أتاه فضربه على رأسه بالسيف و عليه برنس له فقطع البرنس و أصاب السيف رأسه،فأدمى رأسه فامتلا البرنس دما،فقال له الحسين:لا أكلت بها و لا شربت و حشرك اللّه مع الظالمين،قال:فألقى ذلك البرنس ثم دعا بقلنسوة فلبسها و اعتم و قد أعيا و بلد و جاء الكندي حتى أخذ البرنس و كان من خز،فلما قدم).

ص: 158


1- هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام،أمه أم أبي بكر يقال اسمها رملة.روى أبو الفرج عن حميد بن مسلم،قال خرج إلينا غلام كان وجهه شقة قمر و في يده السيف و عليه قميص و ازار و في رجليه نعلان،فمشى يضرب بسيفه فانقطع شسع إحدى نعليه و لا أنسى أنها كانت السيرى ثم ساق الحديث كما أوردناه في المتن عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم مع اختلاف يسير في بعض العبارات. و قال غيره:انه لما رأى وحدة عمه استأذنه في القتال فلم يأذن له لصغره،فما زال به حتى اذن له، فبرز كان وجهه شقة فمر و ساق الحديث إلى آخره كما تقدم.اتراه حين اقام يصلح نعله بين العدى كيلا يروه بمحتفى غلبت عليه شآمة حسنية أم كان بالاعداء ليس بمحتفى الضبط:لم يرم:أي لم يبرح من رام يريم،قال الشاعر:أيا ابتا لا تزل عندنا فانا بخير إذا لم ترم إبصار العين في أنصار الحسين(ص 36 ط النجف).

به بعد ذلك على امرأته أم عبد اللّه ابنة الحر أخت حسين بن الحر البدي أقبل يغسل البرنس من الدم،فقالت له امرأته:أسلب ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تدخل بيتي أخرجه عني،فذكر أصحابه انه لم لم يزل فقيرا بشر حتى مات.

قال:و لما قعد الحسين أتى بصبي له فأجلسه في حجره زعموا أنه عبد اللّه (1)بن

ص: 159


1- هو عبد اللّه بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام،ولد في المدينة.و قيل:في الطف و لم يصح و أمه الرباب بنت امرىء القيس بن عدي بن اوس بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب بن كلب و امها هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب المذكور.و امها ميسون بنت عمرو بن ثعلبة بن حصين بن ضمضم و امها الرباب بنت أوس بن حارثة ابن لام الطائي و هي التي يقول فيها أبو عبد اللّه الحسين عليه السّلام.لعمرك اننى لأحب دارا تحل بها سكينة و الرباب احبهما و ابذل جل مالي و ليس لعاتب عندي عتاب و كان امرء القيس زوج ثلاث بناته في المدينة من أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السّلام،و قصته مشهورة فكانت الرباب عند الحسين عليه السّلام،و ولدت له سكينة و عبد اللّه هذا. قال المسعودي و الاصبهاني و الطبري و غيرهم:ان الحسين لما آيس من نفسه ذهب إلى فسطاطه فطلب طفلا له ليودعه،فجاءته به اخته زينب،فتناوله من يدها و وضعه في حجره،فبينا هو ينظر إليه اذ إتاه سهم فوقع في نحره فذبحه. قالوا:فأخذ دمه الحسين عليه السّلام بكفه و رمى به إلى السماء و قال:اللهم لا يكن أهون عليك من دم فصيل، اللهم ان حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير لنا،و انتقم لنا من هؤلاء الظالمين، فلقد هون ما بي انه بعينك يا ارحم الراحمين. قالوا:فروى عن الباقر عليه السّلام انه لم تقع من ذلك الدم قطرة إلى الأرض. ثم إن الحسين عليه السّلام حفر له عند الفسطاط حفيرة في جفن سيفه فدفنه فيها بدمائه و رجع إلى موقفه. و روى أنه أخذ الطفل من يدي اخته زينب فأومى إليه ليقبله،فاتته نشابة فذبحته،فأعطاه إلى اخته و قال:خذيه إليك،ثم فعل ما فعل بدمائه،و قال ما قال بدعائه.و روى أبو مخنف ان الذي رماه بالسهم حرملة بن الكاهن الأسدي و روى غيره ان الذي رماه عقبة بن بشر الغنوى،و الأول هو المروي عن أبي جعفر محمد الباقر عليهما السلام. بالرضيع إتاه سهم ردى حيث أبوه كالقوس من شفقه قد خضبت جسمه الدماء فقل بدر سماء قد اكتسى شفقه الحجر هو بتثليث الحاء المهملة و بعدها الجيم الساكنة حضن الانسان.الكاهن بالنون و يجرى على بعض الالسن و يمضي في بعض الكتب باللام،و المضبوط خلافه.الشفقه الاولى الحذر من جهة المحبة و الثانية هي شفق مضاف إلى ضمير البدر،و الشفق هو الحمرة الشديدة عند أول الليل بين المغرب و العشاء.انظر إبصار العين في أنصار الحسين(ص 24 ط النجف).

الحسين (1).

قال أبو مخنف:قال عقبة بن بشير الأسدي:قال لي أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين:إن لنا فيكم يا بني أسد دما،قال:قلت:فما ذنبي أنا في ذلك رحمك اللّه يا أبا جعفر و ما ذلك؟

قال:أتى الحسين بصبى له فهو في حجره اذ رماه أحدكم يا بني أسد بسهم فذبحه،فتلقى الحسين دمه،فلما ملأ كفيه صبه في الأرض،ثم قال:رب ان تك حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير و انتقم لنا من هؤلاء الظالمين.

قال:و رمى عبد اللّه بن عقبة الغنوى أبا بكر بن (2)الحسن ابن علي بسهم فقتله، فلذلك يقول الشاعر و هو ابن أبي عقب.و عند غنى قطرة من دمائنا.

و في أسد أخرى تعد و تذكر قال:و زعموا أن العباس بن علي قال لاخوته من أمه عبد اللّه و جعفر و عثمان:يا بني امي تقدموا حتى أرثكم فأنه لا ولد لكم ففعلوا فقتلوا.

و شدّ هاني بن ثبيت الحضرمى على عبد اللّه (3)بن علي بن أبي طالب فقتله ثم شدو-

ص: 160


1- انظر مقتل الحسين لأبي مخنف:171.
2- هو أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام.أمه أم ولده روى أبو الفرج ان عبد اللّه بن عقبة الغنوى قتله.و روى ان عقبة الغنوى هو الذي قتله،و إياه عني سليمان ابن قتة بقوله: و عند غنى قطرة من دمائنا سنجزيهم يوما بها حيث حلت إذا افتقرت قيس جبرنا فقيرها و تقتلنا قيس إذا النعل زلت.
3- و هو عبد اللّه بن علي بن أبيطالب بن عبد المطلب عليهم الصلوة و السلام.ولد بعد أخيه بنحو ثمان سنين و أمه فاطمة أم البنين،و بقى مع أبيه ست سنين و مع أخيه الحسن ست عشرة سنة،و مع أخيه الحسين خمسا و عشرين سنة و ذلك مدة عمره. قال أهل السير:انه لما قتل أصحاب الحسين عليه السّلام و جملة من أهل بيته دعا العباس اخوته:الاكبر فالاكبر و قال لهم:تقدموا،فاول من دعاه عبد اللّه أخوه لابيه و أمه،فقال:تقدم يا أخي حتى أراك قتيلا و أحتسبك فإنه لا ولد لك فتقدم بين يديه و جعل يضرب بسيفه قدما و يجول فيهم و هو يقول:أنا ابن ذي النجدة و الافضال ذاك على الخير في الافعال سيف رسول اللّه ذو النكال في كل يوم ظاهر الاهو الفشد عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فضربه على رأسه فقتله.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 34 ط النجف).

على جعفر (1)بن علي فقتله،و جاء براسه.

و رمى خولى بن يزيد الأصبحى (2)عثمان ابن علي بن أبي طالب بسهم ثم شدر-

ص: 161


1- هو جعفر بن علي بن أبيطالب بن عبد المطلب عليهم السّلام ولد بعد أخيه عثمان بنحو سنتين و أمه فاطمة أم البنين،و بقى مع أبيه نحو سنتين و مع أخيه الحسن نحو اثنتى عشرة سنة و مع أخيه الحسين نحو إحدى و عشرين سنة و ذلك مدة عمره.و روى أن أمير المؤمنين عليه السّلام سماه باسم أخيه جعفر لحبه إياه. قال أهل السير:لما قتل اخوا العباس لابيه و أمه:عبد اللّه و عثمان دعا جعفرا فقال له:تقدم إلى الحرب حتى أراك قتيلا كاخويك فاحتسبك كما احتسبتهما فإنه لا ولد لكم فتقدم،و شد على الاعداء يضرب فيهم بسيفه و هو يقول:إني أنا جعفر ذو المعالي ابن علي الخير ذي الافضال قال أبو الفرج:فشد عليه خولى بن يزيد الاصبحي فقتله. إبصار العين(ص 35 ط النجف).
2- هو عثمان بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب عليهم السّلام ولد بعد أخيه عبد اللّه بنحو سنتين،و أمه فاطمة أم البنين،و بقى مع أبيه نحو أربع سنين و مع أخيه الحسن عليه السّلام نحو أربع عشرة سنة،و مع أخيه الحسين عليه السّلام ثلاثا و عشرين سنة و ذلك مدة عمره. و روى عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال:إنما سميته عثمان بعثمان بن مظعون أخي. قال أهل السير:لما قتل عبد اللّه بن علي دعا العباس عثمان و قال له تقدم يا أخي كما قال لعبد اللّه فتقدم إلى الحرب يضرب بسيفه و يقول:إني أنا عثمان ذو المفاخر شيخي على ذو الفعال الطاهر فرماه خولى بن يزيد الاصبحي بسهم فأوهطه حتى سقط لجنبه فجائه رجل من بني أبان بن دارم فقتله و احتز رأسه.الضبط:مما وقع في هذه الترجمة:عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهيب بن حذافة بن جمح القرشى الجمحى،أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا،و هاجر الهجرتين و شهد بدرا و كان أول رجل مات بالمدينة سنة اثنتين من الهجرة و كان ممن حرم على نفسه الخمر في الجاهلية،و ممن أراد الاختصاء في الإسلام فنهاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلم و قال:عليك بالصيام فإنه مجفرة أي قاطع للجماع.و لما مات جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى بيته و قال:رحمك اللّه أبا السائب،ثم انحنى عليه فقبله،و رؤى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لما رفع رأسه أثر البكاء،ثم صلى عليه و دفنه في بقيع الغرقد و وضع حجرا على قبره و جعل يزوره. ثم لما مات إبراهيم ولده بعده قال:الحق يا بني بفرطنا عثمان بن مظعون.و لما ماتت زينب ابنته قال: الحقى بسلفنا الخير عثمان بن مظعون،أوهطه:أضعفه و اثخنه بالجراحة و صرعه صرعة لا يقوم منها (إبصار العين(ص 34 ط النجف).

عليه رجل من بني ابان بن دارم فقتله و جاء برأسه و رمى رجل من بني أبان بن دارم (1)محمد بن علي بن أبي طالب فقتله و جاء برأسه.

قال هشام:حدثني أبو الهذيل (2)رجل من السكون عن هاني بن ثبيت الحضرمي

ص: 162


1- هو أبو بكر بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب عليهم السّلام.اسمه:محمد الاصغر أو عبد اللّه.و أمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم.و امها عميرة بنت قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر سيد أهل الوبر بن عبيد بن الحرث و هو مقاعس،و امها عتاق بنت عصام بن سنان بن خالد بن منقر و امها بنت عبد بن أسعد بن منقر،و امها بنت سفيان بن خالد بن عبيد بن مقاعس بن بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.و في سلمى جده قال الشاعر:يسود اقوام و ليسوا بسادة بل السيد الميمون سلمى بن جندل قيل:قتله زجر بن بدر النخعى،و قيل:بل عقبة الغنوى.و قيل:بل رجل من همدان،و قيل:وجد في ساقيه مقتولا لا يدري من قتله.و ذكر بعض الرواة:أنه تقدم إلى الحرب و قاتل و هو يقول:شيخي على ذو الفخار الاطول من هاشم و هاشم لم تعدل و لم يزل يقاتل حتى اشترك في قتله جماعة:منهم عقبة الغنوى.إبصار العين(ص 36 ط النجف).
2- غالب بن الهذيل الاودى أبو الهذيل الكوفي.روى عن أنس و سعيد بن جبير و إبراهيم النخعي و كليب الاودى و ابن رزين.روى عنه الثورى و أسرائيل و شريك و علي بن صالح بن حي. قال ابن أبي حاتم عن أبيه لا بأس به.

قال:رأيته جالسا في مجلس الحضرميين في زمان خالد بن عبد اللّه و هو شيخ كبير قال:فسمعته و هو يقول:كنت ممن شهد قتل الحسين قال:فو اللّه إني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل الأعلى فرس و قد جالت الخيل و تصعصعت إذ خرج غلام من آل الحسين و هو ممسك بعود من تلك الابنية عليه ازار و قميص و هو مذعور يلتفت يمينا و شمالا،فكأني أنظر إلى درتين في اذنيه تذبذبان كلما التفت،إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ثم اقتصد الغلام،فلما عتب عليه كنى عن نفسه.

قال هشام:حدثني (1)عمرو بن شمر عن جابر الجعفي قال:عطش الحسين حتى اشتد عليه العطش فدنا ليشرب من الماء،فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه،فجعل يتلقى الدم من فمه و يرمى به إلى السماء،ثم حمد اللّه و اثنى عليه ثم جمع يديه فقال:اللهم احصهم عددا،و اقتلهم بددا،و لا تذر على الأرض منهم أحدا.).

ص: 163


1- عمرو بن شمر الجعفي الكوفي الشيعي أبو عبد اللّه،عن جعفر بن محمد،و جابر الجعفي و الاعمش. قال البخاري:حدثنا حامد بن داود،حدثنا اسيد بن زيد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الطفيل، عن علي و عمارة قالا:كان النبي صلّى اللّه عليه و اله يقنت في الفجر و يكبر يوم عرفة من صلوة الغداة،و يقطع صلاة العصر آخر أيام التشريق.و عده الشيخ ره تارة بعنوان عمرو بن شمر من أصحاب الباقر عليه السّلام و أخرى من أصحاب الصادق عليه السّلام له كتاب،عنه إبراهيم بن سليمان الخزاز أبو إسحاق في(ست)في ترجمته. عنه أحمد بن النضر الخزاز في مشيخه(يه)في طريقه،عنه أحمد بن النصر في(يه)في باب ثواب من ختم له بالخير.عنه أحمد بن لنضر في(يب)و في(في)باب الصبر.عنه محمد بن خالد الطيالسي في(يب)عنه أبو محمد الأنصاري في(يب)و في(بص)و في(في).عنه عثمان بن عيسى في(يب). و في(في).و عنه الحسين بن المختار في(يب)و في(في)و عنه حماد بن عيسى في(يب)و في(في) و عدة كثيرة جامع الرواة(ج 1 ص 623)تنقيح المقال(ج 2 ص 332)ميزان الاعتدال(ج 3 ص 268).

قال هشام:عن أبيه محمد بن السائب عن القاسم بن الاصبغ بن نباتة قال:

حدثني من شهد الحسين في عسكره:إن حسينا حين غلب على عسكره ركب المسناة يريد الفرات،قال:فقال رجل من بني أبان بن دارم:ويلكم حولوا بينه و بين الماء لا تتأم إليه شيعته،قال:و ضرب فرسه و اتبعه الناس حتى حالوا بينه و بين الفرات.

فقال الحسين عليه السّلام:اللهم اظمه،قال:و ينتزع الاباني بسهم فاثبته في حنك الحسين، قال:فانتزع الحسين السهم ثم بسط كفيه فامتلاءتا دما.

ثم قال الحسين:اللهم إني اشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك قال:فو اللّه ان مكث الرجل إلا يسيرا حتى صب اللّه عليه الظماء،فجعل لا يروى،قال القاسم ابن الاصبغ:

لقد رأيتني فيمن يروح عنه و الماء يبرد له فيه السكر و عساس فيها اللبن و قلال فيها الماء،و إنه ليقول:ويلكم اسقوني.قتلني الظماء فيعطى القلة أو العس كان مرويا أهل البيت فيشربه فإذا نزعه من فيه اضطجع الهنيهة ثم يقول ويلكم اسقوني قتلني الظماء،قال:فو اللّه ما لبث إلا يسيرا حتى انقد بطنه انقداد بطن البعير.

قال أبو مخنف في حديثه:ثم إن شمر بن ذو الجوشن أقبل في نفر نحو من عشرة من رجالة أهل الكوفة قبل منزل الحسين الذي فيه ثقله و عياله فمشى نحوه،فحالوا بينه و بين رحله فقال الحسين عليه السّلام:ويلكم ان لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا في أمر دنياكم احرارا،ذوى احساب،امنعوا رحلي و اهلي من طغامكم و جهالكم.

فقال ابن ذي الجوشن:ذلك لك يا بن فاطمة قال:و اقدم عليه بالرجالة منهم:

أبو الجنوب،و اسمه عبد الرحمن الجعفي و القشعم بن عمرو بن يزيد الجعفي، و صالح بن وهب اليزنى،و سنان بن أنس النخعي و خولى بن يزيد الاصبحي، فجعل شمر بن ذي الجوشن يحرضهم،فمر بابي الجنوب و هو شاك في السلاح، فقال له:اقدم عليه،قال:و ما يمنعك ان تقدم عليه أنت؟

ص: 164

فقال له شمر:إلى تقول ذا؟

قال:و أنت لي تقول ذا؟فاستبا فقال له أبو الجنوب و كان شجاعا و اللّه لهممت أن اخضخض السنان في عينك،قال:فانصرف عنه شمر و قال:و اللّه لئن قدرت على أن أضرك لاضرنك.

قال:ثم إن شمر بن ذي الجوشن أقبل في الرجالة نحو الحسين فأخذ الحسين يشد عليهم،فينكشفون عنه،ثم إنهم أحاطوا به احاطة،و أقبل إلى الحسين (1)غلام من أهله فأخذته اخته زينب ابنة علي لتحبسه،فقال لها الحسين:احبسيه،فأبى).

ص: 165


1- هو عبد اللّه بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام أمه بنت الشليل بن عبد اللّه البجلي و الشليل اخو جرير بن عبد اللّه كانت لهما صحبة. قال الشيخ المفيد:لما ضرب مالك بن النسر الكندى بسيفه الحسين على رأسه بعد ان شتمه القى الحسين عليه السّلام قلنسوته و دعا بخرقة و قلنسوة،فشد رأسه بالخرقة و لبس القلنسوة و اعتم عليها:رجع عنه شمر و من معه إلى مواضعهم فمكث هنيئة ثم عاد و عادوا إليه و احاطوا به،فخرج عبد اللّه بن الحسن من عند النساء و هو غلام لم يراهق،فشد حتى وقف إلى جنب عمه الحسين عليه السّلام فلحقته زينب لتحبسه فأبى،فقال لها الحسين احبسيه يا اخية،فامتنع امتناعا شديدا و قال:و اللّه لا افارق عمى.و اهوى بحر بن كعب إلى الحسين بالسيف،فقال له الغلام ويلك يا بن الخبيثة اتقتل عمي؟ فضربه بحر بالسيف،فاتقاه الغلام بيده،فاطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة.فنادى الغلام:يا اماه،فأخذه الحسين عليه السّلام و ضمه إليه و قال:يا بن أخي:اصبر على ما نزل بك،و احتسب في ذلك الخير فإن اللّه يلحقك بابائك الصالحين. ثم رفع الحسين عليه السّلام يديه إلى السماء و قال:اللهم امسك عليهم قطر السماء و امنعهم بركات الأرض، اللهم فإن متعتهم إلى حين ففرقهم بددا و اجعلهم طرائق قددا،و لا ترضى الولاة عنهم أبدا،فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا.روى أبو الفرج:ان الذي قتله حرملة بن كاهن الأسدي:القلنسوة:بفتح القاف و اللام و تسكين النون و ضم السين قبل الوا و لباس في الرأس معروف(لم يراهق)أي لم يقارب (بددا)لتفريقا(قددا)أي طرائق متفرقة بحر:بالباء المفردة و الحاء المهملة و الراء مثلها ابن كعب بن عبيد اللّه من بني تميم بن ثعلبة بن عكابة.و يمضى في بعض الكتب و يجرى على بعض الالسن ابحر بن كعب و هو غلط و تصحيف إبصار العين في أنصار الحسين(ص 38 ط النجف).

الغلام و جاء يشتد إلى الحسين فقام إلى جنبه.

قال:و قد أهوى بحر بن كعب ابن عبيد اللّه من بني تيم اللّه بن ثعلبة بن عكابة إلى الحسين بالسيف،فقال الغلام:يا بن الخبيثة أتقتل عمي؟فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلا الجلدة فإذا يده معلقة،فنادى الغلام يا امتاه،فأخذه الحسين فضمه إلى صدره و قال:يا بن أخي اصبر على ما نزل بك،و احتسب في ذلك الخير، فإن اللّه يلحقك بآبائك الصالحين برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و علي بن أبي طالب و حمزة و جعفر و الحسن بن علي صلى اللّه عليهم أجمعين.

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:سمعت الحسين يومئذ و هو يقول:أللهم أمسك عنهم قطر السماء.و امنعهم بركات الأرض، أللهم فإن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا،و اجعلهم طرائق قددا،و لا ترض عنهم الولاة أبدا،فإنهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا فقتلونا.

قال:و ضارب الرجالة حتى انكشفوا عنه قال:و لما بقى الحسين في ثلاثة رهط أو اربعة دعا بسراويل محققة يلمع فيها البصر يمانى محقق ففزره و نكثه لكيلا يسلبه،فقال له بعض أصحابه:لو لبست تحته تبانا،قال:ذلك ثوب مذلة و لا ينبغي لي أن ألبسه.

قال:فلما قتل أقبل بحر بن كعب فسلبه إياه فتركه مجردا.

قال أبو مخنف:فحدثني عمرو بن شعيب عن محمد بن عبد الرحمن أن يدي بحر بن كعب كانتا في الشتاء ينضحان الماء و في الصيف يييبسان كانهما عود.

قال أبو مخنف:عن الحجاج بن عبد اللّه ابن عمار بن عبد يغوث البارقي:و عتب على عبد اللّه بن عمار بعد ذلك مشهده قتل الحسين فقال عبد اللّه بن عمار:إن لي عند بني هاشم ليدا،قلنا:له و ما يدك عندهم؟

قال:حملت على حسين بالرمح فانتهيت إليه،فو اللّه لو شئت لطعنته ثم انصرفت عنه غير بعيد و قلت:ما أصنع بأن أتولى قتله يقتله غيري،قال:فشد عليه رجالة ممن

ص: 166

عن يمينه و شماله،فحمل على من عن يمينه حتى ابذعروا،و على من عن شماله حتى ابذعروا،و عليه قميص له من خز و هو معتم،قال:فو اللّه:ما رأيت مكسورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جأشا،و لا أمضى جنانا منه،و لا أجرأ مقدما،و اللّه ما رأيت قبله و لا بعده مثله،إن كانت الرجالة لتنكشف من عن يمينه و شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب،قال:فو اللّه إنه لكذلك،إذ خرجت زينب ابنة فاطمة عليهما السّلام أخته و كأني أنظر إلى قرطها يجول بين اذنيها و عاتقها و هي تقول:

ليت السماء تطابقت على الأرض،و قددنا عمر بن سعد من حسين،فقالت:يا عمر بن سعد أيقتل أبو عبد اللّه و أنت تنظر إليه؟

قال:فكاني أنظر إلى دموع عمرو هي تسيل على خديه و لحيته قال:و صرف بوجهه عنها.

قال أبو مخنف:حدثني الصقعب بن زهير عن حميد بن مسلم قال:كانت عليه جبة من خزو كان معتما و كان مخضوبا بالوسمة،قال:و سمعته يقول قبل أن يقتل و هو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع،يتقى الرمية،و يفترص العورة،و يشد على الخيل،و هو يقول أعلى قتلى تحاثون؟أما و اللّه لا تقتلون بعدي عبدا من عباد اللّه أسخط عليكم لقتله مني،و أيم اللّه إني لأرجو أن يكرمني اللّه بهو إنكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون،أما و اللّه أن لو قد قتلتموني لقد ألقى اللّه باسكم بينكم و سفك دمائكم ثم لا يرضى لكم حتى يضاعف لكم العذاب الاليم.

قال:و لقد مكث طويلا من النهار و لو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا،و لكنهم كان يتقي بعضهم ببعض،و يحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء،قال:فنادى شمر في الناس:

و يحكم ماذا تنظرون بالرجل؟اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم،قال:فحمل عليه من كل جانب،فضربت كفه اليسرى ضربة ضربها زرعة بن شريك التميمي،و ضرب على عاتقه،ثم انصرفوا و هو ينوء و يكبو،قال:و حمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعى فطعنه بالرمح فوقع،ثم قال لخولى بن يزيد الأصبحى:احتز

ص: 167

رأسه فأراد أن يفعل فضعف و أرعد،فقال له سنان بن أنس:فت اللّه عضديك و أبان يديك،فنزل إليه فذبحه و احتز رأسه،ثم دفع إلى خولي بن يزيد،و قد ضرب قبل ذلك بالسيوف (1).

قال أبو مخنف:عن جعفر بن محمد بن علي قال:وجد بالحسين عليه السّلام حين قتل ثلاث و ثلاثون طعنة،و أربع و ثلاثون ضربة،قال:و جعل سنان بن أنس لا يدنو أحد من الحسين الاشد عليه مخافة أن يغلب على رأسه حتى أخذ رأس الحسين فدفعه إلى خولى،قال:و سلب الحسين ما كان عليه،فأخذ سراويله بحرين كعب،أخذ قيس ابن الأشعث قطيفته و كانت من خز و كان يسمى بعد قيس قطيفة،و أخذ نعليه رجل من بني أود يقال له:الاسود،و أخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم فوقع بعد ذلك إلى أهل حبيب بن بديل،قال:و مال الناس على الورس و الحلل و الابل و انتهبوها، قال:و مال الناس على نساء الحسين و ثقله و متاعه فإن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها.

قال أبو مخنف:حدثني زهير بن عبد الرحمان الخثعمي ان سويد بن عمرو بن أبي المطاع كان صرع فاثخن فوقع بين القتلى مثخنا فسمعهم يقولون:قتل الحسين.فوجد فاقة فإذا معه سكين و قد أخذ سيفه،فقاتلهم بسكينه ساعة،ثم إنه قتل:قتله عروة بن بطار التغلبي،و زيد بن.رقاد الجنبي و كان آخر قتيل.

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي الاصغر و هو منبسط على فراش له و هو مريض،و إذا شمر بن ذي الجوشن في رجالة معه يقولون:إلا نقتل هذا.

قال:فقلت:سبحان اللّه أنقتل الصبيان إنما هذا صبي؟

قال:فما زال ذلك دأبي أدفع عنه كل من جاء حتى جاء عمر بن سعد فقال:ألا لا0.

ص: 168


1- انظر مقتل الحسين لأبي مخنف:200.

يدخلن بيت هؤلاء النسوة أحد،و لا يعرضن لهذا الغلام المريض،و من أخذ من متاعهم شيئا فليرده عليهم،قال:فو اللّه ما رد أحد شيئا قال:فقال علي بن الحسين:

جزيت من رجل خيرا فو اللّه لقد دفع اللّه عني بمقالتك شرا.

قال:فقال الناس لسنان بن أنس:قتلت حسين بن علي و ابن فاطمة ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،قتلت أعظم العرب خطرا جاء إلى هؤلاء يريد أن يزيلهم عن ملكهم،فأت أمراءك،فاطلب ثوابهم،و أنهم لو أعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين كان قليلا، فأقبل على فرسه و كان شجاعا شاعرا و كانت به لوثة فأقبل حتى وقف على باب فسطاط عمر بن سعد.

ثم نادى بأعلى صوته:

أوقر ركابي فضة و ذهبا انا قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما و أبا و خيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال عمر بن سعد:أشهد أنك لمجنون،ما صحوت قط،ادخلوه على فلما ادخل حذفه بالقضيب ثم قال:يا مجنون اتتكلم بهذا الكلام؟أما و اللّه لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك.

قال:و أخذ عمر بن سعد عقبة بن سمعان و كان مولى للرباب بنت امرئ القيس الكلبية و هي أم سكينة بنت الحسين فقال له:ما أنت؟

قال:انا عبد مملوك،فخلى سبيله فلم ينج منهم أحد غيره إلا أن المرقع بن ثمامة الأسدي كان قد نثر نبله و جثى على ركبتيه فقاتل،فجاءه نفر من قومه فقالوا له أنت آمن أخرج إلينا،فخرج إليهم.فلما قدم بهم عمر بن سعد على ابن زياد و أخبره خبره سيره إلى الزارة.

قال:ثم إن عمر بن سعد نادى في أصحابه من ينتدب للحسين و يوطئه فرسه؟ فانتدب عشرة منهم إسحاق بن حيوة الحضرمي و هو الذي سلب قميص الحسين فبرص بعد،و أحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرمى فأتوا فداسوا

ص: 169

الحسين بخيولهم حترضوا ظهره و صدره،فبلغني أن أحبش بن مرثد بعد ذلك بزمان أتاه سهم غرب و هو واقف في قتال ففلق قلبه فمات،قال:فقتل من أصحاب الحسين عليه السّلام اثنان و سبعون رجلا،و دفن الحسين و أصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعد ما قتلوا بيوم،و قتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية و ثمانون رجلا سوى الجرحى،فصلى عليهم عمر بن سعد و دفنهم.

قال:و ما هو إلا أن قتل الحسين فسرح برأسه من يومه ذلك مع خولى بن يزيد و حميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد اللّه بن زياد،فأقبل به خولى فأراد القصر فوجد باب القصر مغلقا،فأتى منزله فوضعه تحت أجانة في منزله و له امرأتان:امرأة من بني أسد،و الأخرى من الحضرميين يقال له:النوار ابنة مالك بن عقرب،و كانت تلك الليلة ليلة الحضرمية.

قال هشام:فحدثني أبي عن النوار بنت مالك قالت:أقبل خولى برأس الحسين فوضعه تحت اجانة في الدار ثم دخل البيت فأوى إلى فراشه فقلت له:ما الخبر ما عندك؟

قال:جئتك بغنى الدهر،هذا رأس الحسين معك في الدار،قالت:فقلت ويلك جاء الناس بالذهب و الفضة و جئت برأس ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،لا و اللّه لا يجمع رأسي و رأسك بيت أبدا،قالت:فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار،فدعا الاسدية فأدخلها إليه،و جلست انظر قالت فو اللّه ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الاجانة،و رامت طيرا بيضا ترفرف حولها،قال:فلما أصبح غدا بالرأس إلى عبيد اللّه بن زياد،و اقام عمر بن سعد يومه ذلك و الغد،ثم أمر حميد بن بكير الأحمرى، فاذن في الناس بالرحيل إلى الكوفة،و حمل معه بنات الحسين و اخواته و من كان معه من الصبيان و علي بن الحسين مريض.

قال أبو مخنف:فحدثني أبو زهير العبسى عن قرة بن قيس التميمي قال:نظرت إلى تلك النسوة لما مررت بحسين و أهله و ولده صحن و لطمن وجوههن،قال:

ص: 170

فاعترضتهن على فرس فما رأيت منظرا من نسوة قط كان أحسن من منظر رأيته منهن ذلك،و اللّه لهن أحسن من مهى يبرين قال:فما نسيت من الاشياء لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة حين مرت باخيها الحسين صريعا و هي تقول:

يا محمداه،يا محمداه،صلى عليك ملائكة السماء،هذا الحسين بالعرا،مرمل بالدماء،مقطع الأعضاء،يا محمداه و بناتك سبايا،و ذريتك مقتلة تسفى عليها الصبا قال:فابكت و اللّه كل عدو و صديق،قال:و قطف رؤس الباقين فسرح باثنين و سبعين رأسا مع شمر بن ذي الجوشن و قيس بن الأشعث و عمر بن الحجاج و عزرة بن قيس فاقبلوا حتى قدموا بها على عبيد اللّه بن زياد.

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:دعاني عمر ابن سعد فسرحني إلى أهله لابشرهم بفتح اللّه عليه و بعافيته فاقبلت حتى أتيت أهله فاعلمتهم ذلك،ثم اقبلت حتى ادخل،فاجد ابن زياد قد جلس للناس واجد الوفد قد قدموا عليه فأدخلهم و اذن للناس فدخلت فيمن دخل،فإذا رأس الحسين موضوع بين يديه،و إذا هو ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة.فلما رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب قال له:اعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين،فو الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على هاتين الشفتين يقبلهما،ثم أنفضح الشيخ يبكي، فقال له ابن زياد:أبكى اللّه عينيك فو اللّه لو لا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك،قال:فنهض فخرج فلما خرج سمعت الناس يقولون:و اللّه لقد قال زيد بن أرقم قولا لو سمعه ابن زياد لقتله.

قال:فقلت:ما قال؟

قالوا:مر بنا و هو يقول:ملك عبد عبدا،فاتخذهم تلدا،أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم،قتلتم ابن فاطمة و أمرتم ابن مرجانة،فهو يقتل خياركم،و يستعبد شراركم،فرضيتم بالذل،فبعدا لمن رضى بالذل،قال:فلما دخل برأس الحسين (حسين)و صبيانه و أخواته و نسائه على عبيد اللّه بن زياد لبست زينب ابنة فاطمة

ص: 171

ارذل ثيابها،و تنكرت و حف بها اماءها.فلما دخلت جلست،فقال عبيد اللّه بن زياد:

من هذه الجالسة؟فلم تكلمه،فقال ذلك ثلاثا كل ذلك لا تكلمه،فقال بعض امائها:

هذه زينب ابنة فاطمة،قال:فقال لها عبيد اللّه:الحمد الذي فضحكم،و قتلكم،و أكذب أحدوثتكم،فقالت:الحمد للّه الذي اكرمنا بمحمد صلّى اللّه عليه و اله و طهرنا تطهيرا لا كما تقول أنت،إنما يفتضح الفاسق،و يكذب الفاجر،قال:فكيف رأيت صنع اللّه باهل بيتك، قالت:كتب عليهم القتل،فبرزوا إلى مضاجعهم،فسيجمع اللّه بينك و بينهم، فتحاجون إليه و تخاصمون عنده.

قال:فغضب ابن زياد و استشاط،قال:فقال له عمرو بن حريث أصلح اللّه الأمير إنما هي امرأة و هل تؤأخذ المرأة بشيء من منطقها؟إنها لا توأخذ بقول،و لا تلام على خطل،فقال لها ابن زياد:قد اشفى اللّه نفسي من طاغتيك،و العصاة المردة من أهل بيتك.

قال:فبكت ثم قالت عليها السّلام:لعمري لقد قتلت كهلي،و ابرت أهلي،و قطعت فرعي، و اجثثت اصلي،فإن يشفك هذا فقد اشتفيت،فقال لها عبيد اللّه:هذه شجاعة،قد لعمري(قد)كان أبوك شاعرا شجاعا،قالت:ما للمرأة و الشجاعة،ان لي عن الشجاعة لشغلا،و لكني نفثى ما أقول.

قال أبو مخنف عن مجالد بن سعيد:إن عبيد اللّه بن زياد لما نظر إلى علي بن الحسين قال لشرطي:انظر هل ادرك هذا ما يدرك الرجال؟فكشط ازاره عنه فقال:

نعم،قال:انطلقوا به فاضربوا عنقه فقال له على إن كان بينك و بين هولاء النسوة قرابة فابعث معهن رجلا يحافظ عليهن،فقال له ابن زياد:تعال أنت فبعثه معهن.

قال أبو مخنف:و أما سليمان بن أبي راشد فحدثني عن حميد بن مسلم قال:إني لقائم عند ابن زياد حين عرض عليه علي بن الحسين فقال له:ما اسمك؟

قال:انا علي بن الحسين،قال:اولم يقتل اللّه علي بن الحسين؟فسكت،فقال له ابن زياد:مالك لا تتكلم قال:قد كان لي اخ يقال له:أيضا على فقتله الناس،قال:إن اللّه

ص: 172

قد قتله،قال:فسكت على،فقال له:مالك لا تتكلم؟

قال:اللّه يتوفى الانفس حين موتها،و ما كان لنفس ان تموت إلا باذن اللّه.

قال:أنت و اللّه منهم،ويحك انظروا هل ادرك؟و اللّه إني لاحسبه رجلا،قال:

فكشف عنه مرى بن معاذ الاحمري فقال:نعم قد ادرك،فقال:اقتله،فقال علي بن الحسين،من يتوكل بهؤلاء النسوة؟و تعلقت به زينب عمته فقالت:يا بن زياد حسبك منا ما رويت من دمائنا؟و هل أبقيت منا أحدا؟

قال:فاعتنقته فقالت أسالك باللّه إن كنت مؤمنا إن قتلته لما قتلتني معه،قال:

و ناداه علي فقال:يا بن زياد إن كانت بينك و بينهم قرابة فابعث معهن رجلا تقيا يصحبهن بصحبة الإسلام،قال:فنظر إليها ساعة،ثم نظر إلى القوم فقال:عجبا للرحم،و اللّه إني لأظنها ودت لو أني قتلته أني قتلتها معه،دعوا الغلام،انطلق مع نسائك.

قال حميد بن مسلم:لما دخل عبيد اللّه القصر و دخل الناس نودى الصلاة جامعة،فاجتمع الناس في المسجد الأعظم،فصعد المنبر ابن زياد فقال:الحمد للّه الذي اظهر الحق و أهله،و نصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية و حزبه،و قتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي و شيعته،فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتى وثب إليه عبد اللّه بن عفيف الأزدي،ثم الغامدي،ثم أحد بني و البة.و كان من شيعة على كرم اللّه وجهه،و كانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علي،فلما كان يوم صفين ضرب على راسه ضربة و أخرى على حاجبه فذهبت عينه الأخرى،فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلي فيه إلى الليل ثم ينصرف.

قال:فلما سمع مقالة ابن زياد قال:يابن مرجانة ان الكذاب أنت و أبوك،و الذي ولاك و أبوه،يابن مرجانة:اتقتلون ابناء النبيين و تكلمون بكلام الصديقين،فقال ابن زياد:على به،قال:فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه قال:فنادى بشعار الأزد يا مبرور قال:و عبد الرحمن بن مخنف الأزدي جالس فقال:ويح غيرك أهلكت نفسك

ص: 173

و أهلكت قومك،قال:و حاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمئة مقاتل،قال:فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه فاتوا به أهله،فأرسل إليه من أتاه به فقتله و أمر بصلبه في السبخة فصلب هنالك (1).

ص: 174


1- قال في مثير الاحزان للشيخ الجليل نجم الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة اللّه بن نما الحلي المتوفى سنة 645 ما لفظه:و رويت أن أنس بن مالك قال:شهدت عبيد اللّه بن زياد و هو ينكت بقضيب على لسان الحسين.يقول:انه كان حسن الثغر،فقلت:أم و اللّه لأسوءنّك لقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقبل موضع قضيبك من فيه. و عن سعيد بن معاذ و عمر بن سهل أنهما حضرا عبيد اللّه يضرب يقضيبه انف الحسين و عينيه و يطعن في فمه،فقال له زيد بن أرقم:ارفع قضيبك إني رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله واضعا شفتيه على موضع قضيبك ثم انتحب باكيا،فقال له:أبكى اللّه عينيك يا عدو اللّه لولا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك،فقال زيد:لأحدثنك حديثا هو اغلظ عليك من هذا رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله اقعد حسنا على فخذه اليمنى،و حسينا على فخذه اليسرى فوضع يده على يافوخ كل واحد منهما:و قال:إني استودعكما و صالح المؤمنين،فكيف كانت وديعتك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله. ثم قام عبيد اللّه خطيبا و قال:الحمد للّه الذي أظهر الحق و أهله و نصر أمير المؤمنين و حزبه الخ. فقام إليه عبد اللّه بن عفيف الأزدي و كانت إحدى عينيه ذهبت يوم الجمل و الأخرى يوم صفين مع علي عليه السّلام و قال:يا بن مرجانة إن الكذاب أنت و أبوك و الذي ولاك،اتقتلون اولاد النبيين و تتكلمون بكلام الصديقين فأمر به ابن زياد،فمنعه الأزد و انتزعوه من أيدي الجلاوزة،فأتى منزله فقال ابن زياد: اذهبوا إلى أعمى الأزد أعمى اللّه قلبه،فأتوني به،فلما بلغ الأزد ذلك اجتمعوا،و قبائل اليمن معهم، فبلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر و ضمهم إلى ابن الأشعث و امره بالقتال،فاقتتلوا و قتل بينهم جماعة و وصل أصحاب عبيد اللّه إلى دار عبد اللّه بن عفيف.فكسروا الباب و اقتحموا عليه،فصاحت ابنته:اتاك القوم من حيث تحذر،فقال:لا عليك،ناوليني سيفي،فناولته فجعل يذب به نفسه و يقول: انا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر عفيف شيخي و ابن أم عامر كم دارع من جمعكم و حاسر. فقالت ابنتة:يا ليتني كنت رجلا اخاصم بين يديك هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة،و القوم محدقون كلما جاءوه من جهة اشعرته و هو يذب عن نفسه و يقول: أقسم لو فرج لي عن بصري ضاق عليكم موردي و مصدري فتكاثروا عليه فأخذوه،فقالت ابنته:و اذلاه،يحاط بأبي و ليس له ناصر،و أدخلوه على عبيد اللّه فقال: الحمد للّه الذي اخزاك فقال:يا عدو اللّه فماذا أخزاني و اللّه لو فرج لي عن بصري ضاق عليكم موردي و مصدري. قال:يا عدو اللّه ما تقول في عثمان؟ فقال:يا عبد بني علاج،يا بن مرجانة ما أنت و عثمان،أساء أم أحسن،فقد لقى ربه و هو ولي خلقه يقضي بينهم بالعدل،و لكن سلني عن أبيك و عن يزيد و أبيه،فقال له:و اللّه سألتك عن شيء حتى تذوق الموت عطشا. فقال:الحمد للّه رب العالمين،أما إني كنت أسئل اللّه ربي أن يرزقني الشهادة قبل ان تدرك وسيلته ان يجعلها على يدي ألعن خلقه و أبغضهم إليه،فلما كف بصري يئست من الشهادة و الآن فالحمد للّه الذي رزقنيها بعد اليأس منها،فامر ابن زياد،فضرب عنقه و صلب في السبخة. ثم دعا بجندب بن عبد اللّه الأزدي و كان شيخا فقال:يا عدو اللّه ألست صاحب أبي تراب؟ قال:بلى لا اعتذر منه،قال:ما أراني إلا متقربا إلى اللّه بدمك،قال:اذن لا يقربك اللّه منه بل يباعدك قال: شيخ قد ذهب عقله،و خلى سبيله.

قال أبو مخنف:ثم إن عبيد اللّه بن زياد نصب رأس الحسين بالكوفة،فجعل يدار به من الكوفة.

ثم دعا زحر بن قيس فسرح معه برأس الحسين و رؤس أصحابه إلى يزيد بن معاوية،و كان مع زحر أبو بردة بن عوف الأزدي،و طارق بن أبي ظبيان الأزدي، فخرجوا حتى قدموا بها الشام على يزيد بن معاوية.

قال هشام فحدثني عبد اللّه بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي عن أبيه عن الغاز ابن ربيعة الجرشي من حمير قال:و اللّه إنا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية فقال له يزيد:ويلك ما وراءك و ما عندك؟

فقال:أبشر يا أمير المؤمنين بفتح اللّه و نصره،ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته و ستين من شيعته فسرنا إليهم فسألناهم ان يستسلمواه.

ص: 175

و ينزلوا على حكم الأمير عبيد اللّه بن زياد أو القتال،فاختاروا القتال على الاستسلام،فعدونا عليهم مع شروق الشمس،فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم،يهربون إلى غير وزر و يلوذون (1)منا بالأكام و الحفر لواذا كما لاذ الحمائم من صقر،فو اللّه يا أمير المؤمنين ما كان إلا جزر جزور أو نومة قائل،حتى أتينا على آخرهم،فهاتيك أجسادهم مجردة، و ثيابهم مرملة،و خدودهم معفرة.تصهرهم الشمس و تسفى عليهم الريح،زوارهم العقبان و الرخم (2)بقي سبسب.

قال:فدمعت عين يزيد و قال:قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين لعن اللّه ابن سمية،أما و اللّه لو أني صاحبه لعفوت عنه،فرحم اللّه الحسين و لم يصله بشيء (3).

ص: 176


1- و في هامش(الكامل)للمورخ الكبير الشيخ عبد الوهاب النجار المدرس بقسم التخصص في الازهر في(ج 3 ص 298 ط المنيرية لصاحبها و مديرها محمد منير الدمشقي)ما لفظه:هذا هو الفخر المزيف و الكذب الصريح،فإن كل المورخين يذكرون لمن كان مع الحسين و له-ثباتا-لا يضارعه ثبات،و اباء و شما قل أن يريا لمكثور قل ناصره و كثر واتروه. و قال:في ظهر الصحيفة المذكورة ما لفظه:هذا النصر في نظري و نظر كل عاقل صحيح العقل شر من الخذلان و الهزيمة،اذ ما فخر للآلاف الكثيرة تجتمع على اثنين و سبعين رجلا قد نزلوا على غير ماء، إنما يعتبر النصر شرفا و فخرا إذا كانت العدة متكافئة و العدد قريبا،فحق ابن زياد و من كان على شاكلته أن يندبوا على أنفسهم بالخيبة و الخسران و إن يطأطئوا رؤوسهم ذلا و عارا حينما وقف هؤلاء النسوة الاشراف على رأسهن السيدة زينب بنت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هي بهذه الحالة،لعن اللّه الفسق و الفساق،لقد سودوا صحائف التاريخ،و سجلوا على أنفسهم الجرائم الكبرى التي لا تغتفر و لا تنسى مدى الدهر فانا للّه و إنا إليه راجعون،و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.
2- في الكامل لابن أثير الجزري(ج 3 ص 298 ط المنيرية)بقاع سبب بدل بقى سبسب و هو غلط.
3- و في الكامل(ج 3 ص 298)ما لظه:و قيل:ان آل الحسين لما وصلوا إلى الكوفة حبسهم ابن زياد و أرسل إلى يزيد بالخبر،فبينما هم في الحبس اذ سقط عليهم حجر فيه كتاب مربوط،و فيه أن البريد سار بأمركم إلى يزيد،فيصل يوم كذا و يعود يوم كذا،فإن سمعتم التكبير فايقنوا بالقتل،و إن لم تسمعوا تكبيرا فهو الامان(ان شاء اللّه)،فلما كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة إذا حجر قد القى و فيه كتاب يقول فيه:أو صوا و اعهدوا فقد قارب وصول البريد ثم جاء البريد بأمر يزيد بارسالهم إليه فدعا ابن زياد محفز بن ثعلبة شمر بن ذي الجوشن و سيرهما بالثقل و الرأس،فلما وصلوا إلى دمشق نادى محفز بن ثعلبة على باب يزيد:جئنا برأس أحمق الناس و الامهم،فقال يزيد:ما ولدت أم محفز الام و أحمق منه،و لكنه قاطع ظالم. ثم دخلوا على يزيد فوضعوا الرأس بين يديه و حدثوه،فسمعت الحديث هند بنت عبد اللّه بن عامر بن كريز-و كانت تحت يزيد-فتقنعت بثوبها و خرجت فقالت:يا أمير المؤمنين أرأس الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟ قال:نعم،فأعولي عليه،و حدّي على ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و صريحة قريش،عجل عليه ابن زياد فقتله،قتله اللّه. ثم أذن للناس فدخلوا عليه و الرأس بين يديه و معه قضيب و هو ينكت به ثغره ثم قال:ان هذا و ايانا كما قال الحصين بن الحمام: أبا قومنا أن ينصفونا فانصفت قواضب في ايماننا تقطر الدما يلقلقن هاما من رجال اعزة علينا و هم كانوا أعق و أظلما.

قال:ثم إن عبيد اللّه أمر بنساء الحسين و صبيانه فجهزن،و أمر بعلي بن الحسين فغلّ بغلّ إلى عنقه،ثم سرح بهم مع محفز بن ثعلبة العائذي عائذة قريش،و مع شمر ابن ذي الجوشن فانطلقا بهم حتى قدموا على يزيد،فلم يكن علي بن الحسين يكلم أحدا منهما في الطريق كلمة حتى بلغوا.فلما انتهوا إلى باب يزيد رفع محفز بن ثعلبة صوته فقال:هذا محفز بن ثعلبة،أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة.

قال:فأجابه يزيد بن معاوية:ما ولدت أم محفز شر و ألأم.

قال أبو مخنف:حدثني الصقعب بن زهير عن القاسم بن عبد الرحمن مولى يزيد ابن معاوية قال:لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد رأس الحسين و اهل بيته و أصحابه قال يزيد:

يفلقن هاما من رجال اعزة علينا و هم كانوا اعق و اظلماا.

ص: 177

أما و اللّه يا حسين لو انا صاحبك ما قتلتك.

قال أبو مخنف:حدثني أبو جعفر العبسى عن أبي عمارة العبسى قال:فقال يحيى ابن الحكم:اخو مروان بن الحكم:

لهام بجنب الطف أدنى قرابة من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل

سمية أمسى نسلها عدد الحصى و ليس لال المصطفى اليوم من نسل

قال:فضرب يزيد بن معاوية في صدر يحيى بن الحكم و قال:اسكت،قال:و لما جلس يزيد بن معاوية دعا أشراف أهل الشام فاجلسهم حوله،ثم دعا بعلي بن الحسين و صبيان الحسين و نساءه فادخلوا عليه و الناس ينظرون،فقال يزيد لعلي:

يا علي أبوك الذي قطع رحمي و جهل حقي،و نازعني سلطاني،فصنع اللّه به ما قد رأيت،قال:فقال علي:ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها.

فقال يزيد لابنه خالد:اردد عليه.

قال:فما درى خالد ما يرد عليه،فقال له يزيد:قل ما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم و يعفو عن كثير ثم سكت عنه قال:ثم دعا بالنساء و الصبيان فاجلسوا بين يديه فرأى هيئة قبيحة فقال:قبح اللّه ابن مرجانة لو كانت بينه و بينكم رحم أو قرابة ما فعل هذا بكم و لا بعث بكم هكذا.

قال أبو مخنف عن الحارث بن كعب عن فاطمة بنت على قالت لما اجلسنا بين يدي يزيد ابن معاوية رق لنا،و أمر لنا بشيء و الطفنا قالت:ثم إن رجلا من أهل الشام احمر قام إلى يزيد فقال:يا أمير المؤمنين:هب لي هذه يعنيني،و كنت جارية و ضيئة فارعدت و فرقت و ظننت أن ذلك جائز لهم و أخذت بثياب أختي زينب،قالت:و كانت أختي زينب أكبر مني و أعقل،و كانت تعلم أن ذلك لا يكون فقالت عليها السّلام:كذبت و اللّه و لو مت ما ذلك لك و له.

فغضب يزيد فقال:كذبت و اللّه ان ذلك لي و لو شئت ان افعله لفعلت،قالت:كلا

ص: 178

و اللّه ما جعل اللّه ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا و تدين بغير ديننا،قالت:فغضب يزيد و استطار ثم قال:إياي تستقبلين بهذا،إنما خرج من الدين أبوك و أخوك.

فقالت زينب عليها السّلام:بدين اللّه و دين أبي و دين أخي و جدى اهتديت أنت و أبوك و جدك.

قال:كذبت يا عدوة اللّه.

قالت:أنت أمير مسلط تشتم ظالما و تقهر بسلطانك،قالت:فو اللّه لكانه استحيا فسكت.

ثم عاد الشامي فقال:يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية،قال:اعزب،وهب اللّه لك حتفا قاضيا.

قالت:ثم قال يزيد بن معاوية:يا نعمان بن بشير جهزهم بما يصلحهم،و ابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا،و ابعث معه خيلا و أعوانا فيسير بهم إلى المدينة،ثم أمر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة،معهن ما يصلحهن،و أخوهن معهن علي بن الحسين في الدار التي هن فيها.

قال:فخرجن حتى دخلن دار يزيد،فلم تبق من آل معاوية امرأة إلا استقبلتهن تبكي و تنوح على الحسين،فاقاموا عليه المناحة ثلاثا،و كان يزيد لا يتغدى و لا يتعشى إلا دعا علي بن الحسين إليه.

قال:فدعاه ذات يوم و دعا عمرو بن الحسن بن علي و هو غلام صغير فقال لعمرو بن الحسن:اتقاتل هذا الفتى؟يعني خالدا ابنه،قال:لا و لكن أعطني سكينا و أعطه سكينا ثم أقاتله،فقال له يزيد،و أخذه و ضمه إليه ثم قال:شنشنة أعرفها من أخزم،هل تلد الحية إلا حية.

قال:و لما أرادوا ان يخرجوا دعا يزيد علي بن الحسين ثم قال:لعن اللّه ابن مرجانة،أما و اللّه لو إني صاحبه ما سالني خصلة أبدا إلا أعطيتها إياه،و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت و لو بهلاك بعض ولدى و لكن اللّه قضى ما رأيت،

ص: 179

كاتبني و انه كل حاجة تكون لك،قال:و كساهم و أوصى بهم ذلك الرسول.

قال:فخرج بهم و كان يسايرهم بالليل،فيكونون أمامه حيث لا يفوتون طرفه، فإذا نزلوا تنحى عنهم و تفرق هو و أصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم،و ينزل منهم بحيث إذا أراد انسان منهم وضوء أو قضاء حاجة لم يحتشم،فلم يزل ينازلهم في الطريق هكذا و يسألهم عن حوائجهم و يلطفهم حتى دخلوا المدينة.

و قال الحارث بن كعب:فقالت لي فاطمة بنت علي:قلت لأختي زينب:يا أخية لقد أحسن هذا الرجل الشامي إلينا في صحبتنا فهل لك ان نصله؟

فقالت:و اللّه ما معنا شيء نصله به إلا حلينا،قالت لها:فنعطيه حلينا،قالت:فأخذت سواري و دملجي،و أخذت أختي سوارها و دملجها،فبعثنا بذلك إليه و اعتذرنا إليه، و قلنا له:هذا جزاؤك بصحبتك إيانا بالحسن من الفعل،قال:فقال:لو كان الذي صنعت إنما هو للدنيا كان في حليكن ما يرضيني و دونه،و لكن و اللّه ما فعلته إلا للّه و لقرابتكم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

قال هشام:و أما عوانة بن الحكم الكلبي فإنه قال:لما قتل الحسين و جيئ بالاثقال و الاسارى حتى وردوا بهم الكوفة إلى عبيد اللّه فبينا القوم محتبسون إذ وقع حجر في السجن معه كتاب مربوط و في الكتاب:خرج البريد بأمركم في يوم كذا و كذا إلى يزيد بن معاوية،و هو سائر كذا و كذا يوما و راجع في كذا و كذا،فإن سمعتم التكبير فايقنوا بالقتل و إن لم تسمعوا تكبيرا فهو الأمان إن شاء اللّه،قال:فلما كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة إذا حجر قد ألقى في السجن و معه كتاب مربوط و موسى و في الكتاب:أوصوا و اعهدوا،فإنما ينتظر البريد يوم كذا و كذا فجاء البريد و لم يسمع التكبير و جاء كتاب بأن سرّح الاسارى إلى.

قال:فدعا عبيد اللّه بن زياد محفز بن ثعلبة،و شمر بن ذي الجوشن فقال:انطلقوا بالثقل و الرأس إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية،قال:فخرجوا حتى قدموا على يزيد،فقام محفز بن ثعلبة فنادى بأعلى صوته:جئنا برأس احمق الناس و ألأمهم،

ص: 180

فقال يزيد:ما ولدت أم محفز ألأم و أحمق و لكنه قاطع ظالم.

قال:فلما نظر يزيد إلى رأس الحسين قال:

يفلقن هاما من رجال أعزة علينا و هم كانوا أعق و أظلما

ثم قال:اتدرون من أين أتى هذا؟

قال:أبي علي خير من أبيه،و امي فاطمة خير من أمه،و جدى رسول اللّه خير من جده،و إنا خير منه و أحق بهذا الأمر منه،فأما قوله:أبوه خير من أبي فقد حاج أبي أباه،و علم الناس أيهما حكم له،و أما قوله،أمي خير من أمه،فلعمرى فاطمة ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله خير من أمي،و أما قوله جدى خير من جده:فلعمرى ما أحد يؤمن باللّه و اليوم الآخر يرى لرسول اللّه فينا عدلا و لا ندا،و لكنه إنما أتى من قبل فقهه،و لم يقرأ:قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء و تعز من تشاء و تذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير.

ثم ادخل نساء الحسين على يزيد،فصاح نساء آل يزيد و بنات معاوية و أهله و ولولن ثم إنهن أدخلن على يزيد،فقالت فاطمة بنت الحسين و كانت أكبر من سكينة:أبنات رسول اللّه سبايا يا يزيد؟

فقال يزيد:يا ابنة أخي أنا لهذا كنت أكره،قالت:و اللّه ما ترك لنا خرص،قال:يا ابنة أخي ما أتى إليك أعظم مما أخذ منك ثم اخرجن فادخلن دار يزيد بن معاوية،فلم تبق امرأة من آل يزيد إلا اتتهن و اقمن المآتم.و أرسل يزيد إلى كل امرأة ماذا أخذ لك،و ليس منهن امرأة تدعى شيئا بالغا ما بلغ إلا قد أضعفه لها،فكانت سكينة تقول ما رأيت رجلا كافرا باللّه خيرا من يزيد بن معاوية.

ثم ادخل الأسارى إليه و فيهم علي بن الحسين فقال له يزيد:إيه يا علي،فقال علي: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ

ص: 181

فقال يزيد: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ثم جهزه و أعطاه مالا و سرحه إلى المدينة.

قال هشام عن أبي مخنف قال:حدثني أبو حمزة الثمالي (1)عن عبد اللّه الثمالي عن القاسم بن بخيت قال:لما أقبل وفد أهل الكوفة برأس الحسين دخلوا مسجد دمشق، فقال لهم مروان بن الحكم:كيف صنعتم؟

قالوا:ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلا فاتينا و اللّه على آخرهم،و هذه الرؤوس و السبايا،فوثب مروان فانصرف،و اتاهم اخوه يحيى بن الحكم فقال:ما صنعتم؟ فأعادوا عليه الكلام،فقال:حجبتم عن محمد يوم القيامة،لن أجامعكم على أمر أبدا:

ثم قام فانصرف،و دخلوا على يزيد فوضعوا الرأس بين يديه و حدثوه الحديث، قال:فسمعت دور الحديث هند بنت عبد اللّه بن عامر بن كريز و كانت تحت يزيد بن معاوية فتقنعت بثوبها و خرجت فقالت:يا أمير المؤمنين أرأس الحسين ابن فاطمة).

ص: 182


1- ثابت بن أبي صفية دينار و قيل سعيد أبو حمزة الثمالي الأزدي الكوفي مولى المهلب بن أبي صفرة.روى عن أنس و الشعبي و أبي إسحاق و زاذان أبي عمر و سالم بن أبى الجعد و أبي جعفر الباقر عليه السّلام و غيرهم.و عنه الثورى و شريك و حفص بن غياث و أبو اسامة و عبد الملك بن أبي سليمان و أبو نعيم و وكيع و عبيد اللّه بن موسى و عدة. قال ابن:سعد توفى في خلافة أبي جعفر و قال يزيد بن هارون:كان يؤمن بالرجعة.سعدان بن يحيى، حدثنا أبو حمزة الثمالي،عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث،عن علي-مرفوعا:من زار أخاه في اللّه لا لغيره التماس موعود اللّه وكل اللّه به سبعين ألف ملك ينادونه:طبت و طابت لك الجنة.كان من خيار أصحابنا(شيعة آل الرسول)و ثقاتهم و معتمديهم في الرواية و الحديث،لفى علي بن الحسين و أبا جعفر و أبا عبد اللّه و أبا الحسن عليهم السّلام و روى عنهم. و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال:أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه. قال الفضل بن شاذان:سمعت الثقة يقول:سمعت الرضا عليه السّلام يقول:أبو جعفر الثمالي في زمانه كلقمان في زمانه و ذلك أنه خدم أربعة منا:علي بن الحسين،و محمد بن علي،و جعفر بن محمد،و برهة من عصر موسى بن جعفر عليهم السّلام.مات سنة خمسين و مأة.تهذيب التهذيب(ج 2 ص 7)ميزان الاعتدال (ج 1 ص 363)جامع الرواة(ج 1 ص 134).

بنت رسول اللّه؟

قال:نعم فأعولي عليه،و حدّي على ابن بنت رسول صلّى اللّه عليه و اله و صريحة قريش،عجل عليه ابن زياد فقتله قتله اللّه.

ثم أذن للناس فدخلوا و الرأس بين يديه و مع يزيد قضيب فهو ينكت به في ثغره ثم قال:إن هذا و إيانا كما قال الحصين بن الحمام المري:

يفلقن هاما من رجال احبة إلينا و هم كانوا أعق و أظلما.

قال:فقال رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقال له:أبو بزرة الاسلمى:أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين؟أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذا لربما رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يرشفه،أما إنك يا يزيد تجيئ يوم القيامة و ابن زياد شفيعك و يجيئ هذا يوم القيامة و محمد صلّى اللّه عليه و اله شفيعه ثم قام فولى.

قال هشام:حدثني عوانة بن الحكم قال:لما قتل عبيد اللّه بن زياد الحسين بن علي و جئ برأسه إليه دعا عبد الملك بن أبي الحارث السلمي فقال:انطلق حتى تقدم المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص فبشره بقتل الحسين و كان عمرو بن سعيد ابن العاص أمير المدينة يومئذ،قال:فذهب ليعتل له فزجره،و كان عبيد اللّه لا يصطلى بناره،فقال:انطلق حتى تأتي المدينة و لا يسبقك الخبر،و أعطاه دنانير و قال:لا تعتل و ان قامت بك راحلتك فاشتر راحلة،قال عبد الملك:فقدمت المدينة فلقيني رجل من قريش فقال:ما الخبر؟

فقلت:الخبر عند الأمير.

فقال:إنا للّه و إنا إليه راجعون،قتل الحسين بن علي،قال:فدخلت على عمرو بن سعيد فقال:ما ورائك؟

فقلت:ما سر الأمير،قتل الحسين بن علي عليه السّلام،فقال:نادى بقتله فناديت بقتله،فلم أسمع و اللّه واعية قط مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين،فقال عمرو بن سعيد وضحك:

ص: 183

عجت نساء بني زياد عجة كعجيج نسوتنا غداة الارنب

و الأرنب:وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من رهط عبد المدان،و هذا البيت لعمرو بن معد يكرب.

ثم قال عمرو:هذه واعية بواعية عثمان بن عفان،ثم صعد المنبر فاعلم الناس فتله.

قال هشام عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن عبد الرحمان بن عبيد أبي الكنود قال:لما بلغ عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب مقتل ابنيه مع الحسين دخل عليه بعض مو إليه و الناس يعزونه،قال:و لا أظن مولاه ذلك إلا أبا اللسلاس،فقال:

هذا ما لقينا و دخل علينا من الحسين،قال:فحذفه عبد اللّه بن جعفر بنعله.

ثم قال:يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا؟و اللّه لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتي أقتل معه،و اللّه إنه لمما يسخي بنفسي عنهما و يهون على المصاب بهما،أنهما أصيبا مع أخي و ابن عمي مواسيين له صابرين معه ثم أقبل على جلسائه فقال:

الحمد للّه عز و جل على بمصرع الحسين أن لا يكن آست حسينا يدي فقد آساه ولدي،قال:و لما أتى أهل المدينة مقتل الحسين خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب و معها نساءها و هي حاسرة تلوى بثوبها و هي تقول:

ماذا تقولون ان قال النبي لكم ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم

بعترتى و بأهلى بعد مفتقدي منهم اسارى و منهم ضرجوا بدم

قال هشام عن عوانة قال:قال عبيد اللّه بن زياد لعمر بن سعد بعد قتله الحسين:

يا عمر أين الكتاب الذي كتبت به إليك في قتل الحسين،قال مضيت لأمرك و ضاع الكتاب،قال:لتجيئن به.

قال:ضاع.

قال:و اللّه لتجيئن به،قال:ترك و اللّه يقرأ على عجائز قريش اعتذارا إليهن بالمدينة أما و اللّه لقد نصحتك في حسين نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي

ص: 184

وقاص كنت قد أديت حقه.

قال عثمان بن زياد أخو عبيد اللّه:صدق و اللّه،لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا و في أنفه خزامة إلى يوم القيامة و أن حسينا لم يقتل،قال:فو اللّه ما أنكر ذلك عليه عبيد اللّه.

قال هشام:حدثني بعض أصحابنا عن عمرو بن أبي المقدام قال:حدثني عمرو بن عكرمة قال:أصبحنا صبيحة قتل الحسين بالمدينة فإذا مولى لنا يحدثنا قال:

سمعت البارحة مناديا ينادى و هو يقول:

أيها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب و التنكيل

كل أهل السماء يدعو عليكم من نبي و ملك و قبيل

قد لعنتم على لسان ابن داو دو موسى و حامل الانجيل

قال هشام:حدثني عمر بن حيزوم الكلبي عن أبيه قال:سمعت هذا الصوت (1).1.

ص: 185


1- مقتل الحسين لأبي مخنف:231.

الفهرس

مقتل أهل البيت عليهم السلام

مقتل عترة الرسول صلّى اللّه عليه و اله 3

أول شهيد من عترة رسول اللّه 3

مقتل آل أبي طالب 6

عبد اللّه بن مسلم بن عقيل 6

ذكر شهادة ولدي مسلم بن عقيل رضي اللّه عنهما 9

نجلا السبط الأكبر 13

مقتل إخوة الحسين 15

أبو بكر بن علي عليه السلام 15

عثمان بن علي عليه السلام 16

جعفر بن علي عليه السلام 16

عبد اللّه بن علي عليه السلام 16

مقتل العباس بن أمير المؤمنين عليه السلام 18

فضيلة شهادة العباس عليه السلام 21

بصيرة العباس 22

شأن و منزلة أبي الفضل العباس 23

مقتل أطفال آل الرسول صلّى اللّه عليه و اله 24

ص: 186

قتل الطفل الرضيع 24

مقتل طفل آخر للحسين عليه السلام 25

معركة في طريق الفرات 25

مقتل طفل مذعور 26

مقتل طفل الإمام الحسن عليه السلام 26

رجالة جيش الخلافة تهجم على مخيم ذراري رسول اللّه 28

آخر قتال الحسين عليه السلام 29

صرخة زينب 29

مقتل سبط النبي صلّى اللّه عليه و اله 30

جيش الخلافة تسلب ذراري رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و تنهب 31

آخر شهيد 31

نجاة عقبة بن سمعان و أسر المرقع 32

توطئوا بالخيل جسد الحسين عليه السلام 33

روايات أخرى لمقتل أهل البيت عليهم السلام 34

1-علي الأكبر 34

فضيلة مقتل علي الأكبر عليه السلام 40

مصرع آل عقيل 43

عبد الله بن مسلم 43

جعفر بن عقيل 44

عبد الرحمن بن عقيل 45

محمد بن عقيل 45

عبد الله الأكبر 46

محمد بن أبي سعيد بن عقيل 46

ص: 187

محمد بن مسلم 46

علي بن عقيل 46

أبناء الإمام الحسن عليه السلام 47

عبد الله بن الحسن 47

القاسم بن الحسن 47

فضيلة مقتل القاسم بن الحسين عليه السلام 50

الحسن ابن الإمام الحسن 52

عبد الله بن الحسن 52

أبناء عبد الله بن جعفر 53

1-عون بن عبد الله 53

2-محمد بن عبد الله 54

3-عبيد الله بن جعفر 55

شهادة أخوة الحسين عليه السلام 56

العباس مع اخوته 56

قول رخيص 56

مصرع عبد الله ابن أمير المؤمنين 57

مصرع جعفر 58

مصرع عثمان 58

مصرع العباس 58

محمد الأصغر 64

أبو بكر 64

العباس الأصغر 65

مصرع الإمام العظيم 66

ص: 188

استغاثة الإمام 67

مصرع الرضيع 68

صمود الإمام 69

موقف المكرهين 70

فزع ابن سعد 71

استيلاء الإمام على الماء 71

الهجوم على خيم الحسين 72

خطابه الأخير 73

الإمام يطلب ثوبا خلقا 73

الإمام مع ابن رباح 84

مناجاة الإمام للّه تعالى 85

الهجوم على الإمام 86

خروج العقيلة زينب 87

الفاجعة الكبرى 88

مقتل الحسين عليه السلام على لسان الصادق عليه السّلام 90

من هو قاتل الإمام؟99

عمر الإمام و سنة شهادته 101

مقتل الإمام الحسين و أصحابه و أهله برواية أبو مخنف 102

الفهرس 186

ص: 189

المجلد 15

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء الخامس عشر

ما حصل بعد عاشوراء و حال السبايا

ما جرى عند قتل الحسين عليه السلام

تغير الكواكب و السماء و الأرض

عن عيسى بن الحارث الكندي قال:لما قتل الحسين مكثنا سبعة أيام إذا صلينا العصر فنظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنها الملاحف المصفّرة،و نظرنا إلى الكواكب يضرب بعضها بعضا (1).

و عن خلف بن خليفة،عن أبيه قال:لما قتل الحسين اسودّت السماء و ظهرت الكواكب نهارا حتى رأيت الجوزاء عند العصر و سقط التراب الأحمر.

و عن علي بن مسهر،حدثتني جدتي قالت:كنت أيام الحسين جارية شابة، فكانت السماء أياما علقة.و في رواية:فمكثت السماء سبعة أيام بلياليها كأنها علقة.

و عن خلاّد صاحب السمسم-و كان ينزل بني جحدر-قال:حدثتني أمي قالت:

كنا زمانا بعد مقتل الحسين و ان الشمس تطلع محمرة على الحيطان و الجدر بالغداة و العشي،قالت:و كانوا لا يرفعون حجرا إلاّ وجد تحته دم (2).

و عن الأسود بن قيس قال:احمرّت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر

ص: 3


1- المعجم الكبير للطبراني ح(2839)و نقله الذهبي في السير:312/3.
2- الاخبار مستفيضة في ذلك راجع ذخائر العقبى:145 و تاريخ السيوطي:207،و الرياض المستطابة:303،بغية الطلب:2636/6،و المواهب اللدنية:101/3 بلفظ:امطرت السماء دما، و التذكرة الحمدونية:245/9 ح 479.

يرى ذلك في آفاق السماء كأنها الدم (1).

و عن نصرة الأزدية قالت:لما أن قتل الحسين بن علي مطرت السماء دما، فأصبحت و كلّ شيء لنا ملآن دماء (2).

و عن ابن لهيعة،عن أبي قبيل قال:لما قتل الحسين بن علي كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننّا أنها هي (3).

و عن هشام،عن محمد قال:تعلم هذه الحمرة في الأفق مم هو؟فقال:من يوم قتل الحسين بن علي (4).

عن محمد بن سيرين،قال:لم تكن ترى الحمرة في السماء حتى قتل الحسين بن علي (5).

و عن جعفر بن سليمان قال:حدثتني خالتي أم سالم قالت:لما قتل الحسين بن علي مطرنا مطرا كالدم على البيوت و الجدر.

و عن عبد اللّه بن إدريس،عن أبيه إدريس بن عبد اللّه الأودي قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام أراد القوم أن يوطئوه الخيل،فقالت فضّة لزينب:يا سيّدتي إنّ سفينة (6)كسر به في البحر فخرج إلى جزيرة فإذا هو بأسد،فقال:يا أبا الحارث أنا

ص: 4


1- سير الأعلام:312/3 و فيه:ستة أشهر ترى كالدم.
2- سير الأعلام:312/3.
3- البحار:216/45.
4- سير الأعلام:312/3.
5- بغية الطلب:2639/6.
6- و اختلف في نقلها ففي كتاب الخرائج عن ابن الأعرابي عن سفينة مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال: خرجت غازيا فكسر بي المركب فغرق مع ما فيه و أفلت و ما عليّ إلاّ خرقة إلى آخر ما نقله،و القصّة طويلة و حاصله أنه ضل الطريق فهداه الأسد و أوصله إليه.و في شرح السنة:سفينة مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخطأ الجيش بأرض الروم و أسر فانطلق هاربا بطلب الجيش فإذا هو بأسد فقال.يا أبا الحارث أنا مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان من أمري كيت و كيت فأقبل الأسد حتى قام إلى جنبه كلما سمع صوتا أهوى إليه ثم أقبل يمشي إلى جنبه حتى أبلغه الجيش ثم رجع.و قال المازري:اسم سفينة قيس،و قيل:نجران،و قيل:رومان،و قيل:مهران،و كنيته المشهورة أبو عبد الرحمن و سبب تسميته بسفينة أنه حمل متاعا كثيرا لرفقائه في الغزو فقال له:أنت سفينة.

مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فهمهم بين يديه حتّى أوقفه على الطريق و الأسد رابض في ناحية،فدعيني أمضي إليه و أعلمه ما هم صانعون غدا،قال:فمضت إليه فقالت:يا أبا الحارث فرفع رأسه ثمّ قالت:أتدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد اللّه عليه السّلام؟ يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره،قال:فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسين عليه السّلام،فأقبلت الخيل فلمّا نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد-لعنه اللّه-فتنة لا تثيروها انصرفوا،فانصرفوا (1).

و في الأمالي عن ابن عبّاس قال:كنت مع أمير المؤمنين عليه السّلام في خروجه إلى صفّين،فلمّا نزل بنينوى و هو شط الفرات قال:يابن عبّاس أتعرف هذا الموضع؟ قلت له:ما أعرفه يا أمير المؤمنين،فقال له:لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي،فبكى طويلا حتّى سالت الدموع على صدره و بكينا معا و يقول:أواه أواه مالي و لآل أبي سفيان حزب الشيطان،صبرا يا أبا عبد اللّه فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم فتوضّأ و صلّى ثمّ رقد،فلمّا انتبه قال:يابن عبّاس رأيت في منامي كأنّي برجال نزلوا من السماء معهم أعلام بيض قد تقلّدوا سيوفهم و هي بيض تلمع و قد خطوا حول هذه الأرض،ثمّ رأيت كأنّ هذا النخل قد ضربت بأغصانها إلى الأرض تضطرب بدم عبيط و كأنّي بالحسين فرخي قد غرق فيه يستغيث فيه فلا يغاث و كان الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه و يقولون صبرا آل الرسول،فإنّكم ستقتلون على يدي شرار الناس و هذه الجنّة مشتاقة إليكم ثمّ يعزّونني و يقولون:يا أبا الحسن إبشر فقد أقرّ اللّه عينك يوم يقوم الناس لربّ8.

ص: 5


1- الكافي:1-466 ح 8.

العالمين ثمّ انتبهت و الذي نفس عليّ بيده لقد حدّثني أبو القاسم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّي سأراها في خروجي إلى أهل البغي و هذه أرض كرب و بلاء يدفن فيها الحسين و سبعة عشر رجلا من ولدي و ولد فاطمة و إنّها في السماوات معروفة تذكر أرض كرب و بلاء،يابن عبّاس اطلب لي حولها بعر الظباء و هي مصفّرة لونها لون الزعفران فطلبتها فوجدتها مجتمعة فناديته قد أصبتها فقام إليها فشمّها و قال:هي هي بعينها هذه الأبعار قد شمّها عيسى،و ذلك إنّه مرّ بها و معه الحواريّون فرأى ههنا الظبا مجتمعة و هي تبكي فجلس و بكى مع الحواريّين فقالوا:يا روح اللّه ما يبكيك؟

قال:هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول و فرخ الحرّة الطاهرة شبيهة امّي و هذه الظباء تكلّمني و تقول:إنّها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك و زعمت أنّها آمنة في هذه الأرض ثمّ ضرب بيده إلى هذه البعر فشمّها و قال:هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها،اللّهمّ فابقها حتّى يشمّها أبوه فيكون له عزاء و سلوة،قال:فبقيت إلى يوم الناس هذا و قد اصفرّت لطول زمنها و هذه أرض كرب و بلاء.

ثمّ قال:يا ربّ عيسى لا تبارك في قتله ثمّ بكى بكاء طويلا حتّى سقط لوجهه و غشى عليه،ثمّ أفاق فأخذ البعر فصرّه في ردائه و أمرني أن أصرّها كذلك ثمّ قال:

يابن عبّاس إذا رأيتها تنفجر دما عبيطا و يسيل منها دم عبيط،فاعلم أنّ أبا عبد اللّه قد قتل بها و دفن.

قال ابن عبّاس:فكنت احافظ عليها و لا أحلّها من طرف كمي فبينما أنا نائم في البيت إذ انتبهت فإذا هي تسيل دما عبيطا فجلست و أنا باك و قلت:قد قتل و اللّه الحسين فخرجت عند الفجر فرأيت المدينة كأنّها ضباب لا يستبين منها أثر عين ثمّ طلعت الشمس كأنّها منكسفة و كأنّ حيطان المدينة عليها دم عبيط،فبكيت و سمعت صوتا من ناحية البيت و هو يقول:

اصبروا آل الرسول قتل الفرخ النحول

ص: 6

نزل الروح الأمين ببكاء و عويل

فأثبت عندي تلك الساعة و كان شهر المحرّم يوم عاشوراء فوجدته قتل ذلك اليوم،فحدّثت بهذا الحديث أولئك الذين كانوا معه فقالوا:و اللّه لقد سمعنا ما سمعت و نحن في المعركة و لا ندري ما هو فكنّا نرى أنّه الخضر عليه السّلام.

و عن مروان مولى هند بنت المهلّب قال:حدّثني بواب عبيد اللّه بن زياد أنه لما جيء برأس الحسين فوضع بين يديه رأيت حيطان دار الإمارة تسيل دما.

و عن زيد بن عمرو الكندي قال:حدثتني أم حيّان قالت:يوم قتل الحسين أظلمت علينا الدنيا ثلاثا،و لم يمس أحد من زعفرانهم شيئا،فجعله على وجهه إلاّ احترق، و لم يقلب حجر ببيت المقدس إلاّ أصبح تحته دم عبيط.

و عن معمر قال:أول ما عرف الزهري[أنه]تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك فقال الوليد:أيّكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي؟

فقال الزهري:-زاد عبد الكريم و ابن السمرقندي:بلغني و قالوا-أنه لم يقلب حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط (1).

و عن عمر بن محمد بن عمر بن علي،عن أبيه قال:أرسل عبد الملك إلى ابن رأس الجالوت فقال:هل كان في قتل الحسين علامة؟

قال رأس الجالوت:ما كشف يومئذ حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط.

عن يزيد بن أبي زياد قال:فقال الحسين ولي أربعة عشر سنة.

[قال:]و صار الورس الذي كان في عسكرهم رمادا،و احمرّت آفاق السماء، و نحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها النيران (2).

و عن أبي بكر الحميدي،عن سفيان قال:حدثتني جدتي قالت:لقد رأيت الورس3.

ص: 7


1- بغية الطلب:2636/6.
2- سير الأعلام:313/3.

عاد رمادا،و لقد رأيت اللحم كأنّ فيه النار حين قتل الحسين (1).

عقبة بن أبي حفصة السّلولي عن أبيه قال:إن كان الورس من ورس الحسين يقال به هكذا فيصير رمادا (2).

و عن سفيان بن عيينة قال:حدثتني جدتي أم عيينة أن حمّالا كان يحمل ورسا فهوى قتل الحسين بن علي فصار ورسه رمادا (3).

و عن أبي حميد الطحان،قال:كنت في خزاعة فجاؤوا بشيء من تركة الحسين، فقيل لهم ننحر أو نبيع فنقسم؟

قالوا:انحروا (4).

قال:فجعل على جفنة،فلما وضعت فارت نارا.

جميل بن مرة قال:أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل فنحروها و طبخوها، قال:فصارت مثل العلقم،فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئا (5).6.

ص: 8


1- المعجم الكبير للطبراني ح 2858 و نقله الذهبي عن ابن عيينة في سير الأعلام:313/3 و بغية الطلب:2639/6.
2- بغية الطلب:2639/6-2640.
3- تاريخ بغداد:300/3 في ترجمة محمد بن المنذر البغدادي.
4- في بغية الطلب:2640/6 فقيل لهم:نتجر أو نبيع فنقسم؟قالوا:اتجروا.
5- بغية الطلب:2641/6.

معاجز الرأس الشريف

و عن الشعبي قال:صلب رأس الحسين بالكوفة فتنحنح الرأس و قرأ سورة الكهف إلى قوله: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً فلم يزدهم ذلك إلاّ ضلالا.

و في الأثر أنّهم لمّا صلبوا رأسه على الشجر سمع منه: وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.

و لمّا نحر الجمل الذي حمل عليه رأس الحسين كان لحمه أمرّ من الصبر (1).

و روي أنه لما أدخل الرأس على يزيد و وضعه بإزاء القبّة التي يشرب فيها،فلمّا مضى جانب من الليل سمع دويّا من السماء فإذا مناد ينادي:يا آدم اهبط يا عيسى اهبط يا محمّد اهبط فهبطوا مع خلق كثير من الملائكة فدخل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القبّة و أخذ الرأس منها و جاء به إلى آدم فقال:يا أبي آدم ما ترى ما فعلت امّتي بولدي؟ فاقشعر لذلك جلدي.

فقال جبرئيل:مرني ازلزل بهم الأرض.

قال:لا.

قال:دعني مع هؤلاء الأربعين فجعل ينفخ بواحد واحد فدنا منّي فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:دعوه دعوه لا يغفر اللّه له،فتركني فأخذوا الرأس و مضوا فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرف له خبر (2).

ص: 9


1- مناقب آل أبي طالب:218/3.
2- الخرائج و الجرائح:582/2.

و عن المنهال قال:رأيت رأس الحسين عليه السّلام حين حمل و أنا بدمشق و بين يديه رجل يقرأ الكهف حتّى بلغ قوله: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (1)فقال رأس الحسين بلسان فصيح:أعجب من أصحاب الكهف قتلي و حملي (2).

و في كتاب الخرائج و الجرائح عن سلمان بن مهران قال:بينما أنا في الطواف إذا رأيت رجلا يقول:اللّهم اغفر لي و أنا أعلم أنّك لا تغفر؟فقلت:يا هذا أنت في حرم اللّه فلم تيأس من المغفرة؟

فقال:يا هذا ذنبي أعظم من الجبال الرواسي فخرج بي من الحرم ثمّ حدّثني و قال:أنا كنت في عسكر عمر بن سعد حين قتل الحسين و كنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد فنزلنا في طريق الشام على دير النصارى و الرأس مركوز على رمح فوضعنا الطعام لنأكل فإذا كفّ في حائط الدير يكتب شعرا:

أترجو امّة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب

فأهوى بعضنا إلى الكفّ ليأخذها فغابت ثمّ عدنا إلى الطعام فإذا الكفّ قد عادت تكتب:

فلا و اللّه ليس لهم شفيع و هم يوم القيامة في العذاب

فقام أصحابنا إليها فغابت ثمّ عادوا إلى الطعام فعادت تكتب:

و قد قتلوا الحسين بحكم جور و خالف حكمهم حكم الكتاب

فأشرف علينا راهب من الدّير فرأى نورا ساطعا من الرأس فقال لنا:من أين جئتم؟

قلنا:حاربنا الحسين بن فاطمة و هذا رأسه،قال:هلاكا لكم و اللّه لو كان لعيسى1.

ص: 10


1- الكهف:9.
2- الخرائج و الجرائح:577/2 ح 1.

ابن مريم ابن حملناه على أحداقنا و لكن قولوا لرئيسكم عندي عشرة آلاف درهم يأخذها و يعطيني الرأس إلى وقت الرحيل ثمّ أردّه فأخبروا عمر بن سعد فقال:

خذوا منه المال فدفع إليهم جرابين فانتقدها ابن سعد و سلّمها إلى خازنه فأخذ الراهب الرأس فغسله و حشّاه بمسك و كافور و جعله في حريرة و وضعه في حجره و لم يزل ينوح و يبكي حتّى طلبوا منه الرأس فقال:يا رأس الحسين لا أملك إلاّ نفسي فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدّك محمّد إنّي أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله أسلمت على يديك فأعطاهم الرأس و لحق بالجبال يعبد اللّه.

فلمّا دنا ابن سعد من الشام قال لأصحابه:اطلبوا الجرابين فأحضرت فنظر إلى خاتمه و فتحها فإذا الدنانير تحوّلت خزفا فنظر في سكّتها فإذا على جانب مكتوب:

وَ لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ و على الجانب الآخر مكتوب: سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (1).

فقال:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون خسرت الدّنيا و الآخرة.

فقال لغلمانه:إطرحوها في النهر.

فأدخل الرأس على يزيد و وضعه بإزاء القبّة التي يشرب فيها و وكلنا بالرأس، فلمّا مضى جانب من الليل سمعت دويّا من السماء فإذا مناد ينادي:يا آدم اهبط يا عيسى اهبط يا محمّد اهبط فهبطوا مع خلق كثير من الملائكة فدخل محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم القبّة و أخذ الرأس منها و جاء به إلى آدم فقال:يا أبي آدم ما ترى ما فعلت امّتي بولدي؟فاقشعر لذلك جلدي.

فقال جبرئيل:مرني أزلزل بهم الأرض.

قال:لا.

قال:دعني مع هؤلاء الأربعين فجعل ينفخ بواحد واحد فدنا منّي فقال7.

ص: 11


1- الشعراء:227.

النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:دعوه دعوه لا يغفر اللّه له،فتركني فأخذوا الرأس و مضوا فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرف له خبر.

قال سليمان:فقلت للرجل:تنحّ عنّي لا تحرقني بنارك (1).

تكلم الرأس

و روي أنّه لمّا حمل رأسه إلى الشام جنّ عليهم الليل فنزلوا عند رجل من اليهود، فلمّا شربوا و سكروا قالوا:عندنا رأس الحسين،فقال:أروه لي و هو في الصندوق يسطع منه النور فاستودعه اليهودي منهم و قال للرأس:إشفع لي عند جدّك.

فقال الرأس:إنّما شفاعتي للمحمّديّين و لست بمحمّدي فجمع اليهود أقرباءه فوضع الرأس في طشت و صبّ عليه ماء الورد و وضع عليه العنبر و قال لأقربائه:

هذا رأس ابن بنت محمّد ثمّ قال:و الهفاه حيث لم أجد جدّك محمّد فأسلم على يديه و لم أجدك حيّا فأسلم على يديك و اقاتل بين يديك لتشفع لي يوم القيامة.

فقال الرأس:إن أسلمت فأنا لك شفيع،فأسلم الرجل و أقرباءه (2).

و عن الرضا عليه السّلام أنّ يزيد لعنه اللّه وضع رأس الحسين عليه السّلام أمامه و كان يلعب بالشطرنج و يشرب الفقاع فمن نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين عليه السّلام و ليلعن يزيد و آل زياد يمحو اللّه عزّ و جلّ بذلك ذنوبه و لو كانت كعدد النجوم (3).

ص: 12


1- الخرائج و الجرائح:580/2.
2- البحار:172/45 ح 20.
3- البحار:299/44.

سلب الإمام الحسين و آله

ثمّ أقبلوا على سلب الحسين فأخذ قميصه إسحاق الحضرمي فلبسه فصار أبرصا و أخذ سراويله بحر بن كعب ثمّ صار زمنا مقعدا و أخذ عمامته خنس بن علقمة فاعتمّ بها فصار مجنونا مجذوما و أخذ درعه مالك الكندي فصار معتوها و أخذ نعليه الأسود بن خالد و أخذ خاتمه بجدل الكلبي فقطع إصبعه عليه السّلام مع الخاتم و هذا أخذه المختار فقطع يديه و رجليه و تشحّط بدمه حتّى مات و أخذ قطيفة له من خزّ قيس بن الأشعث و أخذ درعه البتراء عمر بن سعد و أخذ سيفه جميع الأزدي و هذا السيف المنهوب ليس بذي الفقار و أنّ ذلك كان مذخورا مع أمثاله من ذخائر النبوّة و الإمامة و تسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول حتّى جعلوا ينزعون ملحفة المرأة عن ظهرها (1).

و روى حميد بن مسلم قال:رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد،فلمّا رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين فسطاطهنّ و هم يسلبونهنّ أخذت سيفا و أقبلت نحو الفسطاط و قالت:يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول اللّه لا حكم إلاّ للّه يا لثارات رسول اللّه فأخذها زوجها و ردّها إلى رحله.

ثمّ أخرجوا النساء من الخيمة و أشعلوا فيها النار فخرجن مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلّة و قلن بحقّ اللّه الاّ ما مررتم بنا على مصرع الحسين و تنادي زينب بصوت حزين:

وا محمّداه هذا حسين مرمّل بالدّماء مقطّع الأعضاء و بناتك سبايا إلى اللّه المشتكى و إلى محمّد المصطفى و إلى عليّ المرتضى هذا حسين بالعراء يسفى عليه

ص: 13


1- البحار:57/45.

الصبا اليوم مات جدّي رسول اللّه يا حزناه يا كرباه يا أصحاب محمّد هؤلاء ذريّة المصطفى يساقون سوق السبايا و هذا حسين محزوز الرأس من القفا بأبي من عسكره في يوم الإثنين نهب بأبي من فسطاطه مقطع العرى بأبي من لا هو غائب فيرجى و لا جريح فيداوى بأبي المهموم حتّى قضا،بأبي العطشان حتّى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء صلّى اللّه عليه و آله.

فأبكت كلّ عدوّ و صديق.

ثمّ إنّ سكينة اعتنقت جسد الحسين عليه السّلام فاجتمع عدّة من الأعراب حتّى جرّوها عنه.

و روي أنّهم لمّا دخلوا خيمة النساء أخذوا ما كان فيها حتّى قرضوا إلى قرط كان في اذني امّ كلثوم اخت الحسين عليه السّلام فأخذوه و خرموا اذنها.

و قالت فاطمة الصغرى:كنت واقفة بباب الخيمة و أنا أنظر إلى أبي و أصحابه كالأضاحي على الرّمال و أنا أفكّر فيما يكون إليه أمرنا بعد أبي فإذا براكب يسوق النساء بكعب رمحه و قد أخذ ما عليهن من أخمرة و أسورة و هن يصحن وا جدّاه وا أبتاه وا عليّاه وا قلّة ناصراه أما من مجير يجيرنا فضربني بكعب الرمح فسقطت على وجهي فخرم اذني و أخذ قرطي و مقنعتي و ترك الدماء تسيل على خدّي و إذا بعمّتي تبكي و تقول:قومي نمضي ما أعلم ما جرى على البنات و أخيك العليل،فقلت:

يا عمّتاه هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النظّارة؟

فقالت:و عمّتك مثلك فرأيت رأسها مكشوفا و ظهرها أسودا من الضرب فما رجعت إلى الخيمة إلاّ و هي قد نهبت و ما فيها و أخي عليّ بن الحسين مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع و العطش و الأسقام فجعلنا نبكي عليه و يبكي علينا و جاء عمر بن سعد فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهنّ ليتستّرن به.

فقال:من أخذ من متاعهم فليردّه فو اللّه ما ردّ أحد منهم شيئا.

ص: 14

و في كتاب الأمالي عن فاطمة بنت الحسين عليه السّلام قالت:دخلت العامّة علينا و أنا جارية صغيرة و في رجلي خلخالان من ذهب فجعل رجل يفضّ الخلخالين من رجلي و هو يبكي،فقلت:ما يبكيك يا عدوّ اللّه؟

فقال:كيف لا أبكي و أنا أسلب بنت رسول اللّه.قلت:فلا تسلبني.

قال:أخاف أن يجيء غيري فيسلبه،و انتهبوا ما في الأبنية حتّى كانوا يترعون الملاحف عن ظهورنا (1).

قال السيد القرشي:عمد أرذال أهل الكوفة و عبيد ابن مرجانة إلى سلب حرائر النبوة و عقائل الرسالة فسلبوا ما عليهن من حلي و حلل،و مال و غد من أوغادهم بخسة و وحشية إلى السيدة أم كلثوم فسلب قرطها و أسرع و ضر خبيث نحو السيدة فاطمة بنت الحسين فانتزع خلخالها،و هو يجهش بالبكاء،و بهرت منه ابنة الحسين فقالت له:

«ما لك تبكي؟!!».

«كيف لا أبكي و أنا أسلب ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

و لما رأت تعاطفه قالت له:

«دعني».

و راح الدني يبدي جشعه قائلا:

«أخاف أن يأخذه غيري».

و عمدوا إلى نهب ما في الخيام من ثقل و متاع،و هجم الشمر على ثقل الحسين لنهبه فوجد ذهبا فأخذه و دفع بعضه إلى ابنته لتصوغه حليا لها فجاءت به إلى الصائغ فلما أدخله النار صار هباء.

و بصرت امرأة من آل بكر بن وائل ما جرى على بنات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،من النهب1.

ص: 15


1- أمالي الصدوق:229 ح 241.

و السلب و الترويع،فاندفعت و هي مذهولة فجعلت تحفز أسرتها على إنقاذ ودائع النبوة من أيدي أولئك الجفاة قائلة:«يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول اللّه؟!!لا حكم إلا للّه،يا لثارات رسول اللّه».

و بادر إليها زوجها فردها إلى رحله و تجرد ذلك الجيش من كل نزعة إنسانية، و خلا من كل رأفة و رحمة،فقد جعلوا يوسعون بنات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ضربا بكعوب رماحهم و هن يلذن من الرعب بعضهن ببعض،و قد سقطت فاطمة بنت الحسين مغشيا عليها من شدة الضرب فلما أفاقت رأت عمتها السيدة أم كلثوم تبكي عند رأسها،ان مأساة عائلة الرسالة تبكي الجماد و تستثير عطف الصخور (1).

نوح الجن

و عن أبي حبّاب الكلبي قال:حدّثنا الجصّاصون قالوا:كنّا نخرج إلى الجبّانة في الليل عند مقتل الحسين عليه السّلام فنسمع الجنّ ينوحون عليه فيقولون،شعرا:

مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش جدّه خير الجدود

غراب يتمرغ

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام جاء غراب فتمرّغ في دمه ثمّ طار فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين فنظرت إليه و بكت و قالت، شعرا:

ص: 16


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:205/3.

نعب الغراب فقلت من تنعاه ويلك يا غراب

قال الإمام فقلت من قال الموفّق للصواب

إنّ الحسين بكربلاء بين الأسنّة و الضراب

فنعته لأهل المدينة فقالوا:قد جاءتنا بسحر عبد المطلّب فما كان بأسرع أن جاءهم الخبر بقتل الحسين عليه السّلام.

سلب جثة الإمام

و اقترف جيش ابن سعد أسوأ المآثم و أفظع الجرائم،فقد هرعوا بجشع نحو جثة الإمام العظيم فجعلوا ينهبون ما عليها من لامة حرب أو ثياب فأخذ رجل من بني نهشل سيفه و هو سيف النبي صلّى اللّه عليه و آله المسمى بذي الفقار و أخذ قيس بن الأشعث أحد قادة ذلك الجيش قطيفة الإمام و كانت من خز فعيب عليه و سمي قيس القطيفة و سلب قميصه إسحاق بن حوية،و أخذ الأخنس بن مرشد عمامته و أخذ بحير سراويله فلبسها فصار زمنا مقعدا و لم يتركوا على جثمان الإمام إلا السراويل التي عمد الإمام على تمزيقها حتى يتركوها على جسده.

و جاء أحط البشرية و أقذرها بجدل ففتش عن مغنم يجده على جسم الإمام فلم يجد شيئا و فتش مليا فرأى خاتم الإمام في يده و قد بنت عليه الدماء فعمد إلى قطع اصبعه و أخذه و ترك البغاة جثمان الإمام عاريا تصهره الشمس (1).

ص: 17


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:205/3.

وطئ الجسد الشريف

و نادى ابن سعد من يوطئ ظهر الحسين فانتدب منهم عشرة و هم إسحاق و أخنس بن مرثد و حكيم بن طفيل و عمرو بن صبيح و رجاء العبدي و سالم بن خيثمة و صالح الجعفي و واخط بن ناغم و هاني الحضرمي و اسيد بن مالك فداسوا الحسين بحوافر خيلهم حتّى رضوا ظهره و صدره.

قال أبو عمرو الزاهد:فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زنا، و هؤلاء أخذهم المختار فشدّ أيديهم و أرجلهم بسكك الحديد و أوطأ الخيل ظهورهم حتّى هلكوا.

و قال السيد القرشي:و أخذ شر أولئك الجفاة يستشري فلم يدعوا حرمة لله إلا انتهكوها و لا إثما إلا اقترفوه،فقد انبرى ابن سعد لينفذ أوامر سيده ابن مرجانة فنادى من ينتدب للحسين فيوطى الخيل صدره و ظهره قال الواقدي:و بادر الشمر فوطى الجثمان المقدس بفرسه و تبعه عشرة من أولاد البغايا و هم إسحاق بن يحيى الحضرمي،و هانى بن ثبيت الحضرمي،و أدلم بن ناعم،و أسد بن مالك، و الحكيم بن الطفيل الطائي،و الأخنس بن مرشد،و عمرو بن صبيح المذحجي، و رجاء بن منقذ العبدي،و صالح بن وهب اليزني،و سالم بن خيثمة الجعفي فداسوا ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيولهم مقبلين و مدبرين حتى ألصقوا الجثمان العظيم بالأرض و كان المجرم الخبيث أسد بن مالك يفتخر أمام ابن سعد و يقول:

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكل يعبوب شديد الأسر

و جرى هذا التمثيل المنكر أمام ابن سعد و سائر قوات ذلك الجيش و لم تجر هذه

ص: 18

العملية فيما أحسب-على أحد من أهل بيت الإمام و أصحابه و يؤيد ذلك أن الأوامر التي صدرت من ابن زياد إلى ابن سعد قد اقتصرت على التمثيل بجسد الحسين دون غيره.

و على أي حال فقد أعلنوا بهذا العمل الفظيع عن حقدهم البالغ على الإمام، و تجردهم من جميع العواطف الإنسانية.

لقد داسوا جسد الإمام الذي تربى في كنف الرسول صلّى اللّه عليه و آله و نبت لحمه من لحم علي و فاطمة،و الذي قال فيه الرسول:

«حسين مني و أنا من حسين،أحب الله من أحب حسينا».

لقد داسوا ذلك الجسد الذي ثار في وجه المعتدين و الظالمين،و أراد أن يزيل البغي،و يظهر العدل في الأرض حسب ما أمر الله به (1).3.

ص: 19


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:205/3.

تقسيم الرؤس و ارسالها

ثمّ إنّ ابن سعد سرح برأس الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء مع خولي بن يزيد الأصبحي و حميد بن مسلم إلى ابن زياد ثمّ أمر برؤوس الباقين من أهل بيته و أصحابه فقطعت و سرح بها مع شمر إلى الكوفة و أقام يومه ذلك فجمع قتلاه و صلّى عليهم و دفنهم و ترك الحسين و أصحابه على التراب،فلمّا ارتحلوا إلى الكوفة عمد أهل الغاضرية من بني أسد فصلّوا عليهم و دفنوهم و كانوا يجدون لأكثرهم قبورا و يرون طيورا بيضاء و كانت رؤوسهم ثمانية و سبعين رأسا و اقتسمتها القبائل ليتقربوا بها إلى يزيد و ابن زياد فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا و صاحبهم قيس بن الأشعث.

و جاءت هوازن باثنى عشر رأسا و صاحبهم شمر لعنه اللّه و جاءت تميم بسبعة عشر رأسا و جاءت بنو أسد بستّة عشر رأسا و صاحبهم مدحج بسبعة رؤوس و جاءت سائر الناس بثلاثة رؤوس (1).

و قيل:أن القبائل بادرت إلى حز رؤوس أولئك الأحرار الذين استشهدوا من أجل العدالة الاجتماعية،و من أجل تحرير الإنسان من الظلم و الطغيان.

و لم يقر الإسلام في جميع حروبه التمثيل إلا أن الجيش الأموي قد استباح ذلك، فإن معاوية قد سنّه و أباحه،فقد أمر برأس الشهيد العظيم عمرو بن الحمق الخزاعي أن يطاف به،و قد اقتدى به ابن مرجانة فبعث برأس مسلم و هانى إلى يزيد

ص: 20


1- مدينة المعاجز:120/4.

ثم عهد إلى ابن سعد أن يحز رؤوس الشهداء في واقعة كربلاء ليبعثها هدية إلى يزيد،و قد تهافتت تلك العصابة المجرمة إلى اقتسام الرؤوس ليقدموها هدية لابن مرجانة،و قد اقتسمت القبائل التالية ما يلي من الرؤوس:

1-كندة:جاءت بثلاثة عشر رأسا،و صاحبهم قيس بن الأشعث.

2-هوازن:حصلت على عشرين رأسا،و صاحبهم شمر بن ذي الجوشن.

3-مذحج:جاءت بسبعة رؤوس.

4-بنو قيس:جاؤوا بتسعة رؤوس.

5-بنو تميم:جاؤوا بسبعة عشر رأسا.

6-بنو أسد:جاؤوا بستة عشر رأسا.

7-سائر الجيش:جاؤوا بسبعة رؤوس.

و بقيت على صعيد كربلاء جثة الحسين،و جثث الشهداء من أهل بيته و أصحابه قد فصلت عنها الرؤوس،و وضعت فوق الحراب لتكون منارا لجميع شعوب الأرض على طريق الحق و الشرف و الإيمان.

و روى الطبري عن أبي مخنف،قال:و لما قتل الحسين بن عليّ عليه السّلام جيء برؤوس من قتل معه من أهل بيته و شيعته و أنصاره إلى عبيد اللّه بن زياد فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا و صاحبهم قيس بن الأشعث و جاءت هوازن بعشرين رأسا و صاحبهم شمر بن ذي الجوشن،و جاءت تميم بسبعة عشر رأسا و جاءت بنو أسد بستة رؤوس،و جاءت مذحج بسبعة رؤوس،و جاء سائر الجيش بسبعة رؤوس،فذلك سبعون رأسا قال:و قتل الحسين و أمه فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قتله سنان بن انس النخعي،ثم الأصبحي و جاء برأسه خولي بن يزيد.و قتل العباس بن علي بن أبي طالب و أمه أم البنين ابنة حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد، قتله زيد بن رقاد الجنبي و حكيم بن الطفيل السنبسي و قتل جعفر بن علي بن أبي طالب و أمه أم البنين أيضا.

ص: 21

و قتل عبد اللّه بن علي بن أبي طالب و أمه أم البنين أيضا و قتل عثمان بن علي بن أبي طالب و أمه أم البنين أيضا رماه خولي بن يزيد بسهم فقتله.

و قتل محمد بن علي بن أبي طالب و أمه أم ولد،قتله رجل من بني أبان بن دارم.

و قتل أبو بكر بن علي بن أبي طالب و أمه ليلى ابنة مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم،و قد شرك في قتله.

و قتل علي بن الحسين بن علي و أمه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود ابن معتب الثقفي و أمها ميمونة ابنة أبي سفيان بن حرب قتله مرة بن منقذ بن النعمان العبدي.

و قتل عبد اللّه بن الحسين بن علي و أمه الرباب ابنة امرئ القيس بن عدي ابن أوس بن جابر بن كعب بن عليم من كلب،قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي، و استصغر علي بن الحسين بن علي فلم يقتل (1).

و قتل أبو بكر بن الحسين بن أبي طالب و أمه أم ولد قتله عبد اللّه بن عقبة الغنوي.

و قتل عبد اللّه بن الحسين بن علي بن أبي طالب و أمه أم ولد،قتله حرملة بن كاهل رماه بسهم.

و قتل القاسم بن الحسن بن علي،و أمه أم ولد قتله سعد بن عمرو بن نفيل الأزدي.

و قتل عون بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب و أمه جمانة ابنة المسيب بن نجبة ابن ربيعة بن رياح من بني فزارة قتله عبد اللّه بن قطبة الطائي ثم النبهاني.

و قتل محمد بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب و أمه الخوصاء ابنة خصفة بن ثقيف بن ربيعة بن عائذ بن الحارث بن تيم اللّه بن ثعلبة من بكر بن وائل،قتله عامر ابن نهشل التيمي،و قتل جعفر بن عقيل بن أبي طالب و أمه أم البنين ابنة الشقر بنة.

ص: 22


1- لم يكن صغيرا بل كان مريضا فلم يقتل و كان له من الأولاد محمد الباقر كما ذكرناه غير مرة.

الهضاب،قتله بشر بن حوط الهمذاني.

و قتل عبد الرحمان بن عقيل و أمه أم ولد قتله عثمان بن خالد بن أسير الجهني.

و قتل عبد اللّه بن عقيل بن أبي طالب و أمه أم ولد رماه عمرو بن صبيح الصدائي فقتله.

و قتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب و أمه أم ولد بالكوفة.

و قتل عبد اللّه بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب و أمه رقية ابنة علي بن أبي طالب و أمها أم ولد قتله عمرو بن صبيح الصدائي،و قيل:قتله أسيد بن مالك الحضرمي.

و قتل محمد بن أبي سعيد بن عقيل،و أمه أم ولد قتله لقيط بن ياسر الجهني و استصغر الحسن بن الحسن بن علي،و أمه خولة ابنة منظور ابن ريان بن سيار الفزاري،و استصغر عمرو بن الحسن بن علي فترك فلم يقتل و أمه أم ولد.

و قتل من الموالي سليمان مولى الحسين بن علي قتله سليمان بن عوف الحضرمي.

و قتل منجح مولى الحسين بن علي.

و قتل عبد اللّه بن يقطر رضيع الحسين بن علي.

و قال السيد مرتضى العسكري:قتل من أصحاب الحسين عليه السّلام اثنان و سبعون رجلا،و دفن الحسين و أصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعد ما قتلوا بيوم و صلى عمر بن سعد على قتلاهم و دفنهم قال:و ما هو إلاّ أن قتل الحسين فسرح برأسه من يومه ذلك مع خولي بن يزيد و حميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد اللّه بن زياد فأقبل به خولي فأراد القصر فوجد باب القصر مغلقا فأتى منزله فوضعه تحت إجانة في منزله و له امرأتان امرأة من بني أسد و الأخرى من الحضرميين يقال لها:

النوار ابنة مالك بن عقرب و كانت تلك الليلة ليلة الحضرمية،قال هشام:فحدثني أبي عن النوار بنت مالك قالت:اقبل خولي برأس الحسين فوضعه تحت إجانة في الدار ثم دخل البيت فأوى إلى فراشه فقلت له:ما الخبر ما عندك؟!قال جئتك بغنى

ص: 23

الدهر،هذا رأس الحسين معك في الدار!قالت:فقلت ويلك جاء الناس بالذهب و الفضة و جئت برأس ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟لا و اللّه لا يجمع رأسي و رأسك بيت ابدا، قالت:فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار فدعا الأسدية فأدخلها إليه و جلست أنظر قالت:فو اللّه ما زلت أنظر إلى نور تسطع مثل العمود من السماء إلى الإجانة و رأيت طيرا بيضاء ترفرف حولها قال:فلما أصبح غدا بالرأس إلى عبيد اللّه بن زياد و أقام عمر بن سعد يومه ذلك و الغد ثم أمر حميد بن بكير الأحمري فأذن في الناس بالرحيل إلى الكوفة و حمل معه بنات الحسين و أخواته،و من كان معه من الصبيان و علي بن الحسين مريض.

و روى الطبري عن قرة بن قيس التميمي قال:نظرت إلى تلك النسوة لما مررن بحسين و أهله و ولده صحن و لطمن وجوههن قال:فما نسيت من الأشياء لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة حين مرت بأخيها الحسين صريعا و هي تقول:يا محمداه يا محمداه!،صلى عليك ملائكة السماء،هذا حسين بالعراء،مرمل بالدماء،مقطع الأعضاء،يا محمداه!و بناتك سبايا،و ذريتك مقتلة تسفى عليها الصبا.

قال:فأبكت و اللّه كل عدو و صديق قال:و قطف رؤوس الباقين فسرح باثنين و سبعين رأسا مع شمر بن ذي الجوشن و قيس بن الأشعث و عمرو بن الحجاج و عزرة بن قيس فأقبلوا حتى قدموا بها على عبيد اللّه بن زياد (1).3.

ص: 24


1- معالم المدرستين للعسكري:142/3.

عدد الشهداء مع الحسين عليه السّلام

و عن محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام قال:قتل مع الحسين عليه السّلام سبعة عشر إنسانا كلّهم ارتكض في بطن فاطمة يعني بنت أسد أمّ عليّ عليه السّلام.

و روى الشيخ في المصباح عن عبد اللّه بن سنان قال:دخلت على الصادق عليه السّلام يوم عاشوراء فلقيته حزينا باكيا فسألته فقال:هذا اليوم الذي اصيب فيه الحسين فقلت:ما تقول في صومه؟

فقال:صمه من غير تبييت و افطره من غير تشميت و لا تجعله يوم صوم كملا و ليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول اللّه و لا في الأرض مثلهم منهم ثلاثون صريعا في مواليهم يعزّ على رسول اللّه مصرعهم و لو كان في الدّنيا حيّا لكان هو المعزّى بهم،ثمّ قال:لمّا خلق اللّه النور خلقه يوم الجمعة أوّل يوم من شهر رمضان و خلق الظلمة يوم الأربعاء يوم عاشوراء (1).

ص: 25


1- البحار:304/98.

انتقام الحسين عليه السلام من قتلته

عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال الحسين عليه السّلام لأصحابه قبل أن يقتل:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لي:يا بني إنّك ستساق إلى العراق و تستشهد بها و معك جماعة لا يجدون ألم مسّ الحديد و تلا: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ،يكون الحرب بردا و سلاما عليك و عليهم فابشروا فو اللّه لئن قتلونا فإنّا نرد على نبيّنا ثمّ أمكث ما شاء اللّه فأكون أوّل من تنشقّ الأرض عنه فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين و قيام قائمنا و حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لينزلن محمّد و عليّ و جميع من منّ اللّه عليه على جمال من نور لم يركبها مخلوق و لينزلنّ جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و جنود من الملائكة ثمّ ليدفعن محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لواءه و سيفه إلى قائمنا ثمّ نمكث ما شاء اللّه ثمّ تخرج من مسجد الكوفة عينا من دهن و عينا من ماء و عينا من لبن ثمّ يدفع أمير المؤمنين عليه السّلام إلي سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يبعثني إلى المشرق و المغرب فلا آتي عدوّا للّه إلاّ أهرقت دمه و لا صنما إلاّ أحرقته حتّى أفتح الهند و إن دانيال و يوشع يخرجان إلى أمير المؤمنين و يبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلا فيقتلون مقاتليهم و يبعث بعثا إلى الروم فيفتح اللّه لهم.

ثمّ لأقتلنّ كلّ دابّة حرّم اللّه لحمها حتّى لا يكون على وجه الأرض إلاّ الطيب و أخير اليهود و النصارى و أهل الملل بين الإسلام و السيف و لا يبقى أحد من شيعتنا إلاّ بعث اللّه إليه ملكا يمسح عن وجهه التراب و يعرّفه أزواجه و منزلته في الجنّة و لا يبقى على وجه الأرض أعمى و لا مقعد و لا مبتلى إلاّ كشف اللّه عنه بنا أهل البيت و لتأكلن ثمرة الشتاء في الصيف و ثمرة الصيف في الشتاء ثمّ إنّ اللّه ليهب

ص: 26

لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء في الأرض و ما كان فيها حتّى أنّ الرجل يريد أن يعلم عمل أهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعلمون (1).7.

ص: 27


1- مختصر بصائر الدرجات:37.

السبايا في الطريق

بكاء الناس على أسارى آل محمد

و قال السيّد ابن طاووس:و سار ابن سعد بالسبايا،فلمّا قاربوا الكوفة إجتمع أهلها للنظر إليهنّ فأشرفت امرأة من الكوفيات فقالت:من أيّ الأسارى أنتنّ؟

فقلن:نحن أسارى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فنزلت و جمعت مقانع فأعطتهن فتغطين فجعل أهل الكوفة ينوحون و يبكون.

فقال عليّ بن الحسين عليه السّلام:أتنوحون و تبكون من أجلنا فمن قتلنا؟!

خطبة أمّ كلثوم في الكوفة

و خطبت أمّ كلثوم بنت عليّ عليه السّلام في ذلك اليوم من وراء كلّتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت:يا أهل الكوفة سوءة لكم ما لكم خذلتم حسينا و قتلتموه و انتهبتم أمواله و ورثتموه و سبيتم نساءه و نكبتموه فتبّا لكم و سحقا ويلكم أتدرون أيّ دواه دهتكم و أيّ وزر على ظهوركم حملتم و أيّ دماء سفكتموها و أيّ كريمة أصبتموها و أيّ حبيبة سلبتموها و أيّ أموال انتهبتموها؟!!

فضجّ الناس بالبكاء و الحنين و نشر النساء شعورهنّ و وضعن التراب على

ص: 28

رؤوسهنّ فلم ير باكيا و باكية أكثر من ذلك اليوم (1).

خطبة زين العابدين في الكوفة

ثمّ قام زين العابدين عليه السّلام و قال:أيّها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا عليّ بن الحسين بن علي،أنا ابن المذبوح بشط الفرات،أنا ابن من انتهك حريمه و سلب نعيمه و انتهب ماله و سبي عياله سوءة لكم،بأيّة عين تنظرون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ يقول لكم:قتلتم عترتي فلستم من امّتي؟

فقالوا كلّهم:نحن يابن رسول اللّه سامعون مطيعون فمرنا بأمرك.

فقال:هيهات هيهات أيّها الغدرة المكرة حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى آبائي من قبل،كلاّ و ربّ الراقصات فإنّ الجرح لمّا يندمل ثمّ قال شعرا:

فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي اصيب حسين كان ذلك أعظما

قتيل بشط النهر روحي فداءه جزاء الذي أرداه نار جهنّما

ثمّ إنّ ابن زياد جلس في القصر و أذن إذنا عامّا و جيء برأس الحسين عليه السّلام فوضع بين يديه و ادخل نساء الحسين و صبيانه (2).

تصدق الناس على أسارى آل محمد

و روي عن مسلم الجصّاص قال:دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة فبينما أنا

ص: 29


1- البحار:112/45.
2- البحار:115/45.

أجصّص الأبواب فإذا بالأصوات ارتفعت من جوانب الكوفة فسألت.

فقالوا:الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد.

فقلت:من هذا؟

فقالوا:الحسين بن عليّ،فلطمت وجهي و خرجت فرأيت أربعين جملا تحمل عليها السبايا و الحرم و إذا بعليّ بن الحسين على البعير بغير وطاء و أوداجه تشخب دما و هو مع ذلك يبكي و يقول شعرا:

يا امّة السوء لا سقيا لربعكم يا امّة لم تراع جدّنا فينا

لو أنّنا و رسول اللّه يجمعنا يوم القيامة ما كنتم تقولونا

تسيّرونا على الأقتاب عارية كأنّنا لم نشيد فيكم دينا

تصفقون علينا كفّكم فرحا و أنتم في فجاج الأرض تسبونا

يا وقعة الطفّ قد أورثتني حزنا و اللّه يهتك أستار المسيئينا

قال:و صار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر و الخبز و الجوز فصاحت بهم امّ كلثوم و قالت:يا أهل الكوفة إنّ الصدقة علينا حرام و صارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال و أفواههم و ترمي به إلى الأرض.

قال:و إذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين و هو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول اللّه و لحيته قد[انتصل] (1)عنها الخضاب و وجهه دارة قمر طالع و الريح تلعب بلحيته يمينا و شمالا فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فضربت رأسها بمقدم المحمل حتّى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها و جعلت تقول،شعرا:

يا هلالا لما استتمّ كمالا غاله خسفه فزيد غروبا

ما توهّمت يا شقيق فؤادي كان هذا مقدّرا مكتوبا

يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها فقد كاد قلبها أن يذوبال.

ص: 30


1- في بعض المصادر:اتصل.

يا أخي قلبك الشفيق علينا ماله قد قسى و صار صليبا

ما أذلّ اليتيم حين ينادي بأبيه و لا يراه مجيبا

بين زينب بنت عليّ عليها السلام و ابن زياد

ثمّ وضع رأس الحسين عليه السّلام بين يدي ابن زياد و ادخل عليه نساء الحسين و صبيانه فجلست زينب بنت عليّ متنكّرة فقال لها ابن زياد:الحمد للّه الذي فضحكم.

فقالت:إنّما يفتضح الفاسق.

فقال:كيف رأيت صنع اللّه بأخيك و أهل بيتك؟

فقالت:ما رأيت إلاّ جميلا؛هؤلاء قوم كتب اللّه عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سيجمع اللّه بينك و بينهم فتحاجّ و تخاصم.

و قيل:و لما روى ابن مرجانة أحقاده من رأس الإمام التفت إلى عائلة الحسين فرأى امرأة منحازة في ناحية من مجلسه و عليها أرذل الثياب و قد حفت بها المهابة و الجلال مما حمل ابن زياد على السؤال عنها فقال:

«من هذه التي انحازت ناحية و معها نساؤها؟».

فأعرضت عنه،و كرر السؤال مرتين فلم تجبه استهانة به و احتقارا لشأنه، فانبرت إحدى السيدات فقالت له:

«هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

فالتاع الخبيث الدنس من احتقارها له و اندفع يظهر شماتته بلسانه الألكن قائلا:

«الحمد لله الذي فضحكم و قتلكم،و أبطل أحدوثتكم».

فثارت حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و آله بشجاعة محتقرة ذلك الوضر الخبيث و صاحت به:

«الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه،و طهرنا من الرجس تطهيرا،إنما يفتضح الفاسق،

ص: 31

و يكذب الفاجر،و هو غيرنا يابن مرجانة».

لقد قالت هذا القول الصارم و هي و الخفرات من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله في قيد الأسر و قد نصبت فوق رؤوسهن حراب الفاتحين،و شهرت عليهن سيوف الشامتين.و قد أنزلت الطاغية من عرشه إلى قبره،و أطاحت بغلوائه،و عرفته أمام خدمه و أتباعه أنه المفتضح و المنهزم..فقال ابن مرجانة متشفيا بأحط و أخس ما يكون التشفي:

«كيف رأيت فعل الله بأخيك؟».

و انطلقت عقيلة بني هاشم ببسالة و صمود فأجابته بكلمات الظفر و النصر لها و لأسرتها قائلة:

«ما رأيت إلا جميلا،هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم،و سيجمع الله بينك و بينهم فتحاج و تخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمك يابن مرجانة».

و فقد الحقير اهابه من هذا التبكيت الموجع،و التعريض المقذع،و تميز غيظا و غضبا،و همّ أن ينزل بها عقوبته فنهاه عمرو بن حريث،و قال له:إنها امرأة لا تؤاخذ بشي من منطقها،فالتفت إليها قائلا:

«لقد شفى الله قلبي من طاغيتك،و العصاة المردة من أهل بيتك».

و غلب على العقيلة الحزن و الأسى من هذا التشفي،و الجرأة عليها،و قد تذكرت الصفوة الأبطال من أهل بيتها الذين سقطوا في ميادين الجهاد فأدركتها لوعة الأسى فقالت:

«لعمري لقد قتلت كهلي و أبدت أهلي،و قطعت فرعي،و اجتثثت أصلي فإن يشفك هذا فقد اشتفيت».

و تهافت ابن مرجانة و سكن غيظه و راح يقول:

«هذه سجاعة.لعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا».

فردت عليه زينب:ان لي عن السجاعة لشغلا ما للمرأة و السجاعة.

ما ألأم هذه الحياة و ما أخسها التي جعلت ربيبة الوحي أسيرة عند ابن مرجانة

ص: 32

و هو يبالغ في احتقارها و توهينها.

إن كان عندك يا زمان بقية مما يضام به الكرام فهاتها (1)3.

ص: 33


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:230/3.

بين زيد ابن أرقم و ابن زياد

و قال المفيد:لمّا وضع الرأس بين يديه جعل ينظر إليه و يتبسّم و بيده قضيب يضرب به ثناياه و كان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول اللّه شيخ كبير،فقال:

إرفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو اللّه الذي لا إله إلاّ هو لقد رأيت شفتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليها ما لا احصيه،ثمّ انتخب باكيا.

فقال ابن زياد:أتبكي لفتح اللّه لو لا أنّك شيخ كبير قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم باكيا إلى منزله،ثمّ أمر ابن زياد بنساء الحسين فحملوا إلى دار إلى جنب المسجد الأعظم فقالت زينب بنت عليّ:لا يدخلن علينا عربية إلاّ أمّ ولد أو مملوكة فإنّهنّ سبينا و نحن قد سبين،ثمّ أمر برأس الحسين عليه السّلام فطيف به في سكك الكوفة و في ذلك قيل شعرا:

رأس ابن بنت محمّد و وصيّه للناظرين على قناة يرفع

و المسلمون بمنظر و بمسمع لا منكر منهم و لا متفجّع

كحلت بمنظرك العيون عماية و اصمّ رزؤك كلّ اذن تسمع

ما روضة إلاّ تمنّت أنّها لك حفرة و لخط قبرك مضجع

أيقظت أجفانا و كنت لها كرى و أنمت عينا لم يكن بك تهجع (1)

ص: 34


1- البحار:119/45.

خطبة ابن زياد ورد ابن عفيف عليه

ثمّ إنّ ابن زياد صعد المنبر و قال في بعض كلامه:الحمد للّه الذي أظهر الحقّ و أهله و نصر المؤمنين و أشياعه و قتل الكذّاب ابن الكذّاب.

فقام إليه ابن عفيف الأزدي و كان من الشيعة ذهبت إحدى عينيه في يوم الجمل و الاخرى يوم صفّين فقال:يابن مرجانة إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت و أبوك و من استعملك و أبوه يا عدوّ اللّه تقتلون أبناء النبيّين و تتكلّمون بهذا الكلام على المنابر، قال:عليّ به،فتبادرته الجلاوزة و أمر بقتله فقال:الحمد للّه ربّ العالمين أمّا إنّي قد كنت أسأل اللّه ربّي أن يرزقني الشهادة قبل أن تلدك امّك و أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه،فلمّا كفّ بصري يئست من الشهادة و الآن الحمد للّه الذي رزقنيها بعد اليأس منها،فقال ابن زياد لعنه اللّه:إضربوا عنقه فضربت عنقه و صلب في السبخة (1).

ص: 35


1- مقتل الحسين:209.

رأس الحسين عليه السلام في سكك الكوفة

قال أبو مخنف:ثم إن عبيد اللّه بن زياد نصب رأس الحسين بالكوفة فجعل يدار به في الكوفة.

و قال المفيد:لمّا أصبح ابن زياد بعث برأس الحسين عليه السّلام فدير به في سكك الكوفة.فروي عن زيد بن أرقم أنّه لمّا مرّ به و هو على رمح و أنّا في غرفة لي،فلمّا حاذاني سمعته يقرأ: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً فوقف و اللّه شعري و ناديت رأسك و اللّه يابن رسول اللّه أعجب و أعجب،ثمّ أنفذ برأس الحسين عليه السّلام و كتب إلى والي المدينة يبشّره بقتل الحسين فنادى في المدينة بقتله فلم يسمع بكاء قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين حين سمعوا النداء بقتله فدخل بعض موالي عبد اللّه بن جعفر الطيّار فنعى إليه ابنيه فاسترجع.

فقال أبو السلاسل مولى عبد اللّه:هذا و اللّه لو شهدته لأحببت أن اقتل معه،الحمد للّه اصيبا مع أخي و ابن عمّي الحمد للّه عزّ عليّ مصرع الحسين أن لا أكون و اسيته بيدي فقد آساه ولداي فخرجت أمّ لقمان بنت عقيل حين سمعت نعي الحسين حاسرة و معها أخواتها تبكي قتلاها بالطفّ و تقول،شعرا:

ماذا تقولون إذ قال النبيّ لكم ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم

بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي منهم اسارى و قتلى ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

و سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي،شعرا:

أيّها القاتلون جهلا حسينا ابشروا بالعذاب و التنكيل

ص: 36

كلّ أهل السماء يدعو عليكم من نبيّ و مرسل و قبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود و موسى و صاحب الإنجيل

و سمع قائل في الهواء بالمدينة يقول،شعرا:

يا من يقول بفضل آل محمّد بلّغ رسالتنا بغير تواني

قتلت شرار بني أميّة سيّدا خير البرية ماجدا ذا شأني

ابن المفضّل في السماء و أرضها سبط النبيّ و هادم الأوثان

بكت المشارق و المغارب بعدما بكت الأنام له بكلّ لسان

و أمّا يزيد بن معاوية فكتب إلى ابن زياد يأمره بحمل رأس الحسين و أصحابه و نسائه و ثقله فاستعدى ابن زياد بمفخر بن ثعلبة فسلّم إليه الرؤوس و النساء فسار بهم كما يسار بسبايا الكفّار يتصفّح وجوههنّ أهل الأقطار فنزلوا أوّل مرحلة و جعلوا يشربون فخرجت عليهم كفّ من الحائط معها قلم من حديد فكتب سطر بدم،شعرا:

أترجو امّة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب

ص: 37

موقف آخر بين زينب و ابن زياد

و روي أنه لما أدخل عيال الحسين عليه السّلام على ابن زياد في الكوفة دخلت زينب أخت الحسين عليه السّلام في جملتهم متنكرة و عليها أرذل ثيابها فمضت حتى جلست ناحية من القصر و حفّت بها إماؤها فقال ابن زياد:من هذه التي انحازت فجلست ناحية و معها نساؤها؟فلم تجبه زينب،فأعاد ثانية يسأل عنها،فقال بعض إمائها هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول اللّه.

فأقبل عليها ابن زياد فقال لها:الحمد لله الذي فضحكم و قتلكم و أكذب أحدوثتكم.

فقالت زينب:الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد و طهرنا من الرجس تطهيرا إنما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر و هو غيرنا و الحمد لله.

فقال ابن زياد:كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟

قالت:كتب اللّه عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سيجمع الله بينك و بينهم فتحاجون إليه و تختصمون عنده،فغضب ابن زياد و استشاط فقال عمرو بن حريث أيها الأمير إنها إمرأة و المرأة لا تؤاخذ بشي من منطقها و لا تذم على أخطائها،فقال لها ابن زياد:قد شفى الله نفسي من طاغيتك و العصاة المردة من أهل بيتك،فرقت زينب و بكت و قالت:لعمري لقد قتلت كهلي و أبرت أهلي و قطعت فرعي و اجتثثت أصلي فإن يشفك هذا فقد شفيت.

فقال لها ابن زياد:هذه سجاعة و لعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا.

فقالت:ما للمرأة و السجاعة إن لي عن السجاعة لشغلا و لكن صدري نفث لما قلت (1).

ص: 38


1- الارشاد للمفيد:116/2.

رأس الحسين عليه السّلام بالقرب من دمشق

ثم قال ابن طاووس رحمه اللّه:و ساروا برأس الحسين عليه السّلام و السبايا إلى الشام،فلمّا قربوا من دمشق قالت أمّ كلثوم للشمر:حاجتي إليك إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة و قل لهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل و ينحّونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا فأمر في جواب سؤالها أن تجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل و سلك بهم بين الناس حتّى أتى باب دمشق فوقفوا على باب المسجد الجامع حيث يقام السبي.

و روي عن سهل بن سعد قال:خرجت من بيت المقدس حتّى أتيت الشام فإذا أنا بمدينة قد علّقوا الأستار و الحجب و هم مستبشرون و نساؤهم يلعبن بالدفوف و الطبول فقلت:هذا ليس يوم عيد فسألتهم،فقالوا:هذا رأس الحسين عليه السّلام يهدى من أرض العراق،فقلت:وا عجبا يهدى رأس الحسين عليه السّلام و الناس يفرحون،فرأيت الرايات يتلو بعضها بعضا فإذا فارس على رمحه رأس أشبه الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من ورائه نسوة على جمال فدنوت من أولاهم فقلت:يا جارية من أنت؟

فقالت:سكينة بنت الحسين عليها السّلام.

فقلت:ألك حاجة؟

فقالت:قل لصاحب هذا الرأس يقدمه أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه و لا ينظروا إلى حرم رسول اللّه،فدنوت من صاحب الرأس و أعطيته أربعمائة دينار حتّى قدّم الرأس أمام الحرم..

ص: 39

رأس الحسين عليه السّلام بين يدي يزيد

اشارة

و دخلوا على يزيد و دخلت معهم و كان جالسا على السرير و على رأسه تاج مكلّل بالدرّ و الياقوت فدخل صاحب الرأس و هو يقول،شعرا:

املأ ركابي ذهبا أو فضّة أني قتلت السيّد المحجّبا

قتلت خير الناس امّا و أبا إذ ينسبون النسبا

قال:لو علمت أنّه خير الناس لم قتلته؟

قال:رجوت الجائزة منك،فأمر بضرب عنقه و حزّ رأسه و وضع رأس الحسين عليه السّلام على طبق من ذهب و هو يقول:كيف رأيت يا حسين.

ثمّ قال:لعن اللّه ابن مرجانة إذ أقدم على قتل الحسين بن فاطمة عليه السّلام لو كنت صاحبه لما فعلت هذا،ثمّ قال،شعرا:

نعلّق هامات من اناس أعزّة علينا و هم كانوا أعقّ و أظلما

و لمّا وضع رأس الحسين عليه السّلام و رآه عليّ بن الحسين عليه السّلام لم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبدا.

و قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:فقلت ليزيد و أنا مغلول:ما ظنّك برسول اللّه لو رآني في الغلّ؟

فقال لمن حوله:حلّوه.

و أمّا زينب فإنّها لمّا رأته هوت إلى جيبها فشقّته ثمّ نادت بصوت حزين:يا حسيناه يابن مكّة و منى يابن فاطمة الزهراء يابن بنت المصطفى فأبكت من في

ص: 40

المجلس ثمّ دعا بقضيب خيزران فجعل ينكث به ثنايا الحسين عليه السّلام فأقبل عليه الأسلمي و قال:ويحك أتنكث ثغر الحسين عليه السّلام و لقد رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يرشف ثناياه و ثنايا أخيه الحسن و يقول:أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة فقتل اللّه قاتلكما و لعنه و أعدّ له جهنّم،فغضب يزيد و أمر بإخراجه (1).3.

ص: 41


1- العوالم،للامام الحسين:433.

خطبة عليّ بن الحسين عليه السلام بين يدي يزيد في المسجد

قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:ائذن لي يا يزيد حتّى أصعد المنبر،فأذن له،فلمّا صعد قال في بعض كلامه:أيّها الناس،أنا ابن مكّة و منى أنا ابن زمزم و الصفا أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا أنا ابن خير من حجّ و لبّى أنا ابن من حمل على البراق في الهواء أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى،أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى،أنا ابن من دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى،أنا ابن من صلّى بملائكة السماء،أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى.

أنا ابن محمّد المصطفى،أنا ابن عليّ المرتضى،أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلاّ اللّه،أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللّه بسيفين و طعن برمحين و هاجر الهجرتين و بايع البيعتين و قاتل ببدر و حنين،أنا ابن قاتل المارقين و الناكثين و القاسطين،بستان حكمة اللّه و عيبة علمه سمح سخيّ بهيّ أبطحيّ مقدام صابر صوّام قاطع الأصلاب و مفرّق الأحزاب أسد باسل يطحنهم في الحروب طحن الرحاء،ليث الحجاز و كبش العراق،مكيّ مدنيّ خيفيّ عقبيّ بدريّ احديّ شجريّ مهاجريّ من العرب سيّدها و من الوغا ليثها وارث المشعرين و أبو السبطين الحسن و الحسين ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب.

أنا ابن فاطمة الزهراء،أنا ابن سيّدة النساء.

فضجّ الناس بالبكاء و النحيب و أمر يزيد المؤذّن فقطع عليه الكلام.فلمّا قال المؤذّن:أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه التفت عليّ بن الحسين عليه السّلام من فوق المنبر إلى

ص: 42

يزيد فقال:محمّد هذا جدّي أم جدّك؟فإن زعمت أنّه جدّي فلم قتلت عترته.... (1).

موقف لعليّ بن الحسين مع يزيد

في دعوات الراوندي روي أنّه لمّا حمل عليّ بن الحسين عليه السّلام إلى يزيد لعنه اللّه همّ بقتله فأوقفه بين يديه ليتكلّم كلمة توجب بها قتله و هو عليه السّلام يجيبه حسب ما يكلّمه و في يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه و هو يتكلّم فقال له يزيد:اكلّمك و أنت تجيبني و تدير أصابعك بسبحة في يدك فكيف يجوز ذلك؟

فقال:حدّثني أبي عن جدّي أنّه كان إذا صلّى الغداء و انفتل لا يتكلّم حتّى يأخذ سبحة بين يديه فيقول:اللّهم إنّي أصبحت اسبّحك و امجّدك و أحمدك و اهلّلك بعدد ما ادير به سبحتي و يأخذ السبحة و يديرها و هو يتكلّم بما يريد من غير أن يتكلّم بالتسبيح و ذلك محتسب له و هو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه فإذا آوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول و وضع سبحته تحت رأسه فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت ففعلت هذا اقتداء بجدّي.

فقال له يزيد:لست اكلّم أحدا منكم إلاّ و يجيبني بما يعوذ به فعفا عنه فأمر بإطلاقه (2).

ص: 43


1- بحار الانوار:139/45.
2- الدعوات للراوندي:61.

موقف حبر اليهود من قتل الحسين عليه السلام

و روي أنه كان في مجلس يزيد حبر من أحبار اليهود فقال:من هذا الغلام؟

قال يزيد:عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب و امّه فاطمة بنت محمّد.

فقال:يا سبحان اللّه فهذا ابن بنت نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة بئسما خلفتموه في ذرّيته و اللّه لو ترك فينا موسى بن عمران سبطا من صلبه لظنّنا انّا كنّا نعبده من دون ربّنا و أنتم إنّما فارقكم نبيّكم بالأمس فوثبتم على ابنه فقتلتموه سوءا لكم من امّة فأمر به يزيد فضرب على حلقه فقام و هو يقول:إن شئتم فاضربوني و إن شئتم فاقتلوني أو قدروني فإنّي وجدت في التوراة إنّ من قتل ذرّية نبيّ لا يزال ملعونا في الدّنيا و إذا مات يصليه اللّه نار جهنّم (1).

موقف عالم النصارى من قتل الحسين عليه السلام

و روي عن محمّد بن عبد الرحمن قال:لقيني عالم النصارى فقال:و اللّه إنّ بيني و بين داود سبعين أبا و أنّ اليهود لتلقاني فتعظّمني و أنتم ليس بينكم و بين ابن نبيّكم إلاّ أب واحد قتلتموه! (2).

ص: 44


1- البحار:140/45.
2- البحار:141/45.

موقف رسول ملك الروم من قتل الحسين عليه السلام

و روي عن زين العابدين عليه السّلام إنّه لمّا أتي برأس الحسين عليه السّلام إلى يزيد كان يشرب الخمر فحضر مجلسه رسول ملك الروم فقال:هذا رأس من؟

قال:رأس الحسين بن عليّ امّه فاطمة بنت رسول اللّه.

فقال النصراني:أف لك و لدينك إنّ أبي من نسل داود و النصارى يأخذون من تراب قدمي تبرّكا بي و أنتم تقتلون ابن بنت رسول اللّه ما بينه و بينكم إلاّ امّ واحدة، ثمّ قال:إنّ بين عمّان و الصين بحرا ليس فيه عمران إلاّ بلدة واحدة في الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين و منها يحمل الكافور و الياقوت،أشجارهم العود و العنبر و هي في أيدي النصارى و فيها كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر فيي محرابها حقّة ذهب معلّقة فيها حافر يقولون إنّه حافر حمار عيسى يقصدها في كلّ عام عالم من النصارى يطوفون حولها و يقبّلونها و أنتم تقتلون ابن بنت رسول اللّه؟

فقال يزيد:اقتلوا هذا النصراني لئلاّ يفضحني في بلاده،فلمّا أحسّ بالقتل قال:

إنّي رأيت البارحة نبيّكم في المنام يقول لي:يا نصراني أنت من أهل الجنّة فتعجّبت و أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه،ثمّ ضمّ رأس الحسين إلى صدره و جعل يقبّله و يبكي حتّى قتل (1).

و روي في بعض مؤلّفات أصحابنا مرسلا أنّ نصرانيا أتى رسولا من ملك الروم إلى يزيد لعنه اللّه و قد حضر المجلس الذي أتي فيه برأس الحسين عليه السّلام،فبكى النصراني و صاح ثمّ قال:اعلم يا يزيد إنّي دخلت المدينة تاجرا في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسألت أصحابه أيّ شيء أحبّ إليه من الهدايا؟

ص: 45


1- البحار:142/45.

فقالوا:الطيب،فحملت إليه من المسك و العنبر و هو يومئذ في بيت زوجته امّ سلمة فرأيت نورا ساطعا فتعلّق قلبي بمحبّته فقلت:هذه هدية محقرة فقال لي:إن قبلت منّي الإسلام و أنا وزير ملك الروم و لمّا كنت في حضرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رأيت هذا الذي رأسه بين يديك دخل على جدّه من باب الحجرة و النبيّ فاتح باعه ليأخذه فوضعه في حجره و جعل يقبّل شفتيه و ثناياه و يقول:لعن اللّه من قتلك يا حسين و أعان على قتلك و هو مع ذلك يبكي،فلمّا كان اليوم الثاني كنت مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مسجده إذ أتاه الحسين مع أخيه الحسن و قال:يا جدّاه قد تصارعت مع أخي الحسن و لم يغلب أحدنا الآخر و إنّما نريد أن تعلم أيّنا أشدّ قوّة من الآخر،فقال:يا حبيبي إنّ التصارع لا يليق بكما و لكن اذهبا فتكاتبا فمن كان خطّه أحسن كذلك تكون قوّته أكثر فكتب كلّ واحد منهما سطرا و أتيا جدّهما فأعطياه اللوح ليقضي بينهما فنظر و لم يرد أن يكسر قلب أحدهما فقال:إنّي امّي لا أعرف الخط اذهبا إلى أبيكما يحكم بينكما،فقام النبي معهما و دخلوا بيت فاطمة فما كان إلاّ ساعة حتّى أقبل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سلمان الفارسي فقلت:يا سلمان بحقّ دين الإسلام إلاّ ما أخبرتني كيف حكم أبوهما بينهما؟

فقال:لمّا أتيا إلى أبيهما لم يرد أن يكسر قلب أحدهما فقال:امضيا إلى امّكما فعرضا عليها ما كتبا فتفكّرت و قالت:إنّي أقطع قلادتي على رأسيكما فأيّكما يلتقط من لؤلؤها أكثر كان خطّه أحسن و قوّته أكثر و كان في قلادتها سبع لؤلؤات فقطعت القلادة فالتقط الحسن ثلاث لؤلؤات و التقط الحسين ثلاث لؤلؤات فبقيت الاخرى فمدّا أيديهما إليها فأمر اللّه تعالى جبرئيل أن يقدّها بجناحه نصفين فأخذ كلّ واحد منهما نصفا فانظر يا يزيد كيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين و فاطمة و ربّ العزّة لم يريدوا كسر قلب أحدهما و أنت هكذا تفعل بابن بنت رسول اللّه؟!أف لك يا يزيد.

ثمّ قام النصراني إلى رأس الحسين و جعل يقبّله و يبكي و يقول:يا حسين إشهد

ص: 46

لي عند جدّك المصطفى و عند أبيك المرتضى و عند امّك فاطمة الزهراء صلوات اللّه عليهم أجمعين (1).3.

ص: 47


1- العوالم:443.

حبس علي بن الحسين عليه السلام و النساء

ثمّ إنّ يزيد أمر بنساء الحسين عليه السّلام فحبسن مع علي بن الحسين في محبس لا يكنّهم من حرّ و لا برد حتّى تقشّرت وجوههم و لم يرفع في بيت المقدس حجر على وجه الأرض إلاّ و تحته دم عبيط و أبصروا الشمس على الحيطان حمراء إلى أن خرج عليّ بن الحسين بالنسوة و ردّ رأس الحسين عليه السّلام إلى كربلاء (1).

منام سكينة في الشام

و روي أنّ سكينة رأت في منامها و هي في الشام كأنّ خمس نوق من نور أقبلت و على كلّ ناقة شيخ و الملائكة محدّقة بهم و معهم و صيف يمشي فقال لي الوصيف:يا سكينة إنّ جدّك يسلّم عليك،فقلت:و على رسول اللّه السلام من أنت؟

قال:و صيف من وصائف الجنّة قلت:من هؤلاء المشايخ؟

قال:الأوّل آدم صفيّ اللّه و الثاني إبراهيم خليل اللّه و الثالث موسى كليم اللّه و الرابع عيسى روح اللّه،فقلت:من هذا القابض على لحيته يسقط مرّة و يقوم اخرى؟

فقال:جدّك رسول اللّه قاصدون إلى أبيك الحسين عليه السّلام فجئت أشكو إليه فرأيت خمسة هوادج من نور في كلّ هودج امرأة فقلت:من هذه النسوة؟

قال:الاولى حوّاء امّ البشر و الثانية آسية بنت مزاحم و الثالثة مريم بنت عمران

ص: 48


1- أمالي الصدوق:231 ح 243.

و الرابعة خديجة بنت خويلد.قلت و من هي الخامسة فقال:و الخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرّة و تقوم اخرى فقال:جدّتك فاطمة بنت محمّد فوقفت بين يديها أبكي و أقول:يا امّاه استباحوا و اللّه حريمنا و قتلوا الحسين أبانا فقالت:يا سكينة كفّي صوتك أقرحت كبدي و قطّعت نياط قلبي هذا قميص أبيك الحسين معي لا يفارقني حتّى ألقى اللّه به،ثمّ انتبهت (1).

صلب رأس الحسين على باب دار يزيد

و روي أنّ يزيد لعنه اللّه أمر بأن يصلب الرأس على باب داره فخرجت بنت عبد اللّه بن عامر إمرأة يزيد و كانت قبل ذلك تحت الحسين عليه السّلام حتّى شقّت الستر و هي حاسرة فوثبت إلى يزيد و هو في مجلس عام فقالت:يا يزيد رأس ابن فاطمة بنت رسول اللّه مصلوب على فناء داري فوثب إليها يزيد فغطّاها و قال:إبكي على ابن بنت رسول اللّه عجّل عليه ابن زياد لعنه اللّه فقتله قتله اللّه.

زين العابدين عليه السلام في أسواق دمشق

و خرج زين العابدين عليه السّلام يوما يمشي في أسواق دمشق فقيل له:كيف أمسيت يابن رسول اللّه؟

قال:أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبّحون أبناءهم و يستحيون نساءهم،أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّدا عربي و أمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّدا منها و أمسينا معشر أهل بيته مغصوبون مقتولون

ص: 49


1- البحار:141/45.

مشرّدون فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون،و للّه درّ مهيار حيث قال،شعرا:

يعظّمون له أعواد منبره و تحت أرجلهم أولاده وضعوا

بأيّ حكم بنوه يتبعونكم و فخركم أنّكم صحب له تبع

بين علي بن الحسين عليه السلام و يزيد

و دعى يزيد يوما بعليّ بن الحسين و عمر بن الحسن و عمره إحدى عشرة سنة فقال لابن الحسن:أتصارع ابني خالدا؟

فقال له عمر:لا،و لكن أعطني سكّينا و أعطه سكّينا ثمّ اقاتله،قال يزيد:شنشنة أعرفها من أخزم و هل تلد الحيّة إلاّ الحيّة.

و قال لعليّ بن الحسين:أذكر حاجاتك الثلاث اللاّتي وعدتك بقضائهنّ؟

فقال:الاولى أن تريني وجه أبي الحسين فأودّعه،و الثانية أن تردّ إلينا ما اخذ منّا،و الثالثة إن كنت عزمت على قتلي أن توجّه مع هؤلاء النسوة من يردّهنّ إلى حرم جدّهنّ.

فقال:أمّا وجه أبيك فلن تراه أبدا و أمّا قتلك فقد عفوت عنك،و أمّا النساء ما يردّهن إلى المدينة غيرك،و أمّا ما اخذ منكم فأنا أعوّضكم أضعاف قيمته.

فقال:إنّما طلبت ما اخذ منّا لأنّ فيه مغزل فاطمة بنت محمّد و مقنعتها و قلادتها و قميصها،فأمر بردّ ذلك (1).

ص: 50


1- البحار للمجلسي:144/45.

حال الرأس

و قال ابن نما:و أمّا الرأس الشريف اختلف الناس فيه فقال قوم:إنّ عمر بن سعد دفنه بالمدينة لأنّ يزيد أرسل الرأس إلى المدينة بشارة للناس بذلك (1).

و عن منصور بن جمهور:إنّه دخل خزانة يزيد ثمّ اخرج بعده و دفن بدمشق عند باب مراديس عند البرج الثالث كما بيّن مشرف و حدّثني جماعة من أهل مصر أنّ مشهد رأس الحسين عندهم يسمّونه المشهد الكريم عليه من الذهب شيء كثير يقصدونه في المواسم و يزورونه و يزعمون أنّه مدفون هناك و الذي عليه المعوّل من الأقوال إنّه اعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد و دفن معه (2).

و قال السيّد ابن طاووس طاب ثراه:فأمّا رأس الحسين عليه السّلام فروي إنّه اعيد و دفن بكربلاء مع جسده الشريف و كان عمل الطائفة على هذا المعنى (3).

و روى أبو العلاء الحافظ إنّه دفن بالبقيع عند قبر امّه فاطمة عليها السّلام.

و ذكروا أنّ سليمان بن عبد الملك بن مروان أخرج الرأس من خزائن بني اميّة و دفنه بدمشق في مقابر المسلمين،فلمّا وليّ ابن عبد العزيز نبشه و أخذه،و اللّه أعلم ما صنع به فالظاهر من دينه إنّه بعثه إلى كربلاء فدفن مع جسده عليه السّلام.هذه الأقوال للعامّة و المشهور بين علماء الطائفة إنّه دفن مع جسده ردّه عليّ بن الحسين (4).

ص: 51


1- البحار:144/45.
2- العوالم:452.
3- البحار:144/45.
4- البحار:145/45.

و في أخبار كثيرة إنّه دفن عند قبر أمير المؤمنين عليه السّلام (1).

و عن يزيد بن عمر بن طلحة قال:ركب أبو عبد اللّه عليه السّلام مع ابنه إسماعيل و أنا معهم حتّى إذا جاز الثوية بين الحيرة و النجف عند ذكوات بيض فنزل و صلّى هناك و قال لابنه إسماعيل:قم فسلّم على جدّك الحسين فقلت:جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء؟

فقال:نعم،و لكن لمّا حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا و دفنه بجنب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما (2).

و عنه عليه السّلام قال:إنّ الملعون ابن زياد لمّا بعث برأس الحسين إلى الشام ردّ إلى الكوفة فقال:أخرجوه منه لا يفتتن به أهلها فصيّره اللّه عند أمير المؤمنين عليه السّلام فالرأس مع الجسد و الجسد مع الرأس.

لعلّ المعنى أنّه بعد ردّه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام صار إلى كربلاء مع الجسد.

و قيل:المعنى أنّه صعد به مع الجسد إلى السماء كما ورد في بعض الأخبار،أو أنّ بدن أمير المؤمنين عليه السّلام كالبدن لذلك الرأس لأنّهما من نور واحد (3).

و روى الشيخ و الكليني قدّس اللّه روحهما أخبارا كثيرة في أنّ الرأس بعد ردّه دفن عند قبر أمير المؤمنين عليه السّلام.

و عن الرضا عليه السّلام أنّ زين العابدين عليه السّلام كان في حبس ابن زياد و قد أمكنه اللّه تعالى فخرج و ولّى تجهيز أبيه الحسين عليه السّلام لأنّ الإمام لا يلي أمره و دفنه إلاّ إمام مثله (4).ق.

ص: 52


1- البحار:145/45.
2- الغارات:852/2.
3- البحار:178/45.
4- المصدر السابق.

فرس الحسين عليه السلام

قال السيد محمد باقر القرشي:و صبغ فرس الحسين ناصيته بدم الإمام الشهيد و أقبل يركض و هو مذعور نحو خيمة الحسين ليعلم العيال بقتله،و لما نظرت إليه النساء علمن بمقتله و في زيارة الناحية«فلما نظرن النساء إلى الجواد مخزيا،و السرج عليه ملويا خرجن من الخدور ناشرات الشعور،على الخدود لاطمات و للوجوه سافرات، و بالعويل داعيات،و بعد العز مذللات و إلى مصرع الحسين مبادرات».

و نادت عقيلة الوحي:

«وا محمداه،وا أبتاه وا علياه،وا جعفراه،وا حمزتاه،هذا حسين بالعراء،صريع بكربلاء...ليت السماء أطبقت على الأرض،و ليت الجبال تدكدت على السهل».

و ذهل الجيش،و ود أن تخيس به الأرض،و جرت دموع أولئك الجفاة من هول مصيبة بنات الرسالة.

حرق الخيام

و عمد الأخباث اللئام إلى حرق خيام الإمام غير حافلين بما تضم من بنات الرسالة و عقائل الوحي،و قد حملوا أقبسة من النار و مناديهم ينادي:

«احرقوا بيوت الظالمين».

يا لله!!لقد كان بيت الإمام-حسب ما يزعمون-بيت الظلم،و بيت ابن مرجانة بيت العدل،و قد أغرق هو و أبوه الناس في الظلم و الجور.

ص: 53

و حينما التهبت النار في الخيم فررن بنات الرسالة و عقائل الوحي من الخباء و النار تلاحقهن،أما اليتامى فقد علا صراخهم،فبين من تعلق بأذيال عمته الحوراء لتحميه من النار،و تصد عنه اعتداء الجفاة،و بين من هام على وجهه في البيداء، و بين من يستغيث بأولئك الممسوخين الذين خلت قلوبهم من الرحمة و العطف،لقد كان ذلك المنظر مما تتصدع له الجبال،و لم يغب عن ذهن الإمام زين العابدين طيلة المدة التي عاشها بعد أبيه،فكان دوما يذكره مشفوعا بالأسى و العبرات و هو يقول:

«و الله ما نظرت إلى عماتي و أخواتي إلا و خنقتني العبرة و تذكرت فرارهن يوم الطف من خيمة إلى خيمة و من خباء إلى خباء،و منادي القوم ينادي أحرقوا بيوت الظالمين» (1).3.

ص: 54


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:205/3.

الهجوم على زين العابدين عليه السلام

و هجم الفجرة الجفاة على زين العابدين و كان مريضا قد أنهكته العلة،و مزق الأسى قلبه،فأراد الخبيث الأبرص شمر بن ذي الجوشن أن يقتله فنهره حميد بن مسلم قائلا له:

«سبحان الله!!أتقتل الصبيان؟إنما هو مريض».

فلم يعن به الوغد،و بادرت إليه العقيلة عمته زينب فتعلقت به،و قالت لا يقتل حتى أقتل دونه فكف اللئام عنه،و قد نجا منهم بأعجوبة،و اجتاز على النساء الرجس عمر بن سعد فصحن في وجهه و بكين فمنع الخبيث العسكر من التعرض لهن بسوء.

حزن علي بن الحسين على أبيه عليه السلام

و روي عن الصادق عليه السّلام أنّ زين العابدين عليه السّلام بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله فإذا حضر الإفطار جاء غلامه بطعامه و شرابه فيقول:كل يا مولاي فيقول:قتل ابن رسول اللّه جائعا،قتل ابن رسول اللّه عطشانا فيكرّر ذلك و يبكي حتّى يبل طعامه من دموعه ثمّ يمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتّى لحق باللّه عزّ و جلّ. (1)

ص: 55


1- مسكن الفؤاد:5.

و روي أنّه قال له:يا سيّدي أما آن لحزنك أن ينقضي و لبكائك أن يقلّ؟

فقال:ويحك إنّ يعقوب كان نبيّا ابن نبيّ كان له اثنا عشر ابنا فغيّب اللّه سبحانه واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن واحد و دب ظهره من الغمّ و ذهب بصره من البكاء و ابنه حيّ في دار الدّنيا،و أنا فقدت أبي و أخي و سبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني و يقلّ بكائي؟ (1).

و قيل:جزع الإمام زين العابدين كأشد ما يكون الجزع حينما رأى جثمان أبيه، و جثث أهل بيته و أصحابه منبوذة بالعراء لم ينبر أحد إلى مواراتها و بصرت به عمته زينب فبادرت إليه مسلية قائلة:

«ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي و أخوتي،فو الله إن هذا لعهد من الله إلى جدك و أبيك،و لقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض،و هم معروفون في أهل السماوات،انهم يجمعون هذه الأعضاء المقطعة،و الجسوم المضرجة فيوارونها و ينصبون بهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره،و لا يمحى رسمه على كرور الليالي و الأيام،و ليجتهدن أئمة الكفر و أشياع الضلال في محوه و طمسه فلا يزداد أثره إلا علوا».

و أزالت حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و آله ما ألم بالإمام زين العابدين من الحزن العميق على عدم مواراة أبيه،فقد أخبرته بما سمعته من أبيها و أخيها من قيام جماعة من المؤمنين بمواراة تلك الجثث الطاهرة،و سينصب لها علم لا يمحى أثره،و يبقى خالدا حتى يرث الله الأرض و من عليها...و قد جدّ ملوك الأمويين و العباسيين على محوها و إزالة آثارها،و جهدوا نفوسهم و سخروا جميع إمكانياتهم إلا أنهم لم يفلحوا،و مضى مرقد الإمام شامخا على الدهر،و مضت ذكراه تملأ رحاب الأرض نورا و فخرا و شرفا كأسمى صورة تعتز بها الإنسانية في جميع أدوارها (2).3.

ص: 56


1- البحار:149/45.
2- حياة الإمام الحسين للقرشي:222/3.

إخبار النبي بدم الحسين عليهما السلام

و في كتاب بشائر المصطفى عن امّ سلمة أنّها قالت:خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من عندنا ذات ليلة فغاب عنّا طويلا ثمّ جاءنا و هو أشعث أغبر،و يده مضمومة فقلت:

يا رسول اللّه ما لي أراك شعثا مغبرا؟

فقال:اسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له كربلاء فأريت فيه مصرع الحسين ابني و جماعة من ولدي و أهل بيتي،فلم أزل ألقط دماءهم فها هي في يدي و بسطها إليّ فقال:خذيه فاحتفظي به فأخذته فإذا هو شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة و شددت رأسها و احتفظت به.

فلمّا خرج الحسين عليه السّلام من مكة متوجّها إلى العراق كنت أخرج تلك القارورة في كلّ يوم و ليلة و أشمّها و أنظر إليها ثمّ أبكي لمصابه،فلمّا كان اليوم العاشر من المحرّم أخرجتها في أوّل النهار و هي بحالها ثمّ عدت عليها آخر النهار فإذا هو دم عبيط فصحت في بيتي و بكيت و كظمت غيظي مخافة أن تسمع أعداؤهم بالمدينة فيتسرّعوا بالشماتة،فلم أزل حافظة الوقت حتّى جاء الناعي ينعاه فحقّق ما رأيت (1).

ص: 57


1- الارشاد:130/2.

العقيلة أمام الجثمان العظيم

و وقفت حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و ابنة أمير المؤمنين عليه السّلام العقيلة زينب عليها السلام على جثمان أخيها العظيم الذي مزقته السيوف،و جعلت تطيل النظر إليه و رفعت بصرها نحو السماء و هي تدعو بحرارة قائلة:

«اللّهم تقبل هذا القربان».

إن الإنسانية لتنحني إجلالا و خضوعا أمام هذا الإيمان الذي هو السر في خلود تضحية الحسين.

لقد تحملت بطلة كربلاء أعباء تلك المحن الشاقة،و تجرعت غصص تلك الأهوال محتسبة الأجر عند الله،و هي تتضرع بخشوع إلى الله أن يتقبل ذلك القربان.فأي صبر يماثل هذا الصبر؟

لقد تجلت قوة الشخصية في حفيدة الرسول،و برزت معاني الوراثة النبوية في مواقفها الخالدة التي صانت بها أهداف الإمام،و أظهرت الواقع في تضحيته، و أنارت السبيل في بيان أسرار شهادته.

ص: 58

ليلة الحادي عشر من المحرم

و قل ما شئت في تصوير المحنة الكبرى التي دهمت عقائل النبوة في ليلة الحادي عشر من المحرم،فإنك لا تستطيع تصويرها و لا استيعاب مأساتها،فلم تبق رزية من رزايا الدنيا،و لا غصة من غصص الدهر إلا جرت عليهن،فالأعداء الجفاة الذين لا يملكون أي شرف أو نبل قد استولوا عليهن،و الحماة الأباة من آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله قد تناثرت أشلاؤهم الزكية أمامهن من دون أن ينبري أحد إلى مواراتهم،و الخيام قد أحرقت و نهب ما فيها من ثقل و متاع،و سلب ما عليهن من حلي و حلل و وصف ذلك المنظر الحزين الدكتور الشيخ أحمد الوائلي في رائعته التي يقول فيها:

و سجى الليل و الرجال ضحايا و النساء المخدرات ذهول

و اليتامى تشرد و ضياع و الثكالى مدامع و عويل

و بقايا مخيم من رماد و قيود يئن منها عليل

و زنود قست عليها سياط و جسوم يضري بها التمثيل

أما حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و شقيقة الحسين العقيلة زينب عليه السّلام فإنها ما وهنت و لا استكانت أمام تلك الأهوال القاصمة فقد أسرعت تلتقط الأطفال الذين هاموا على وجوههم في البيداء،و تجمع العيال في تلك البيداء الموحشة،و هي تسليهم و تصبرهم على تلك الرزايا،و قد أنفقت تلك الليلة ساهرة على حراستهم،و قد هامت في تيارات من الأسى لا يعلم بمداها إلا الله،و قد أدت وردها من صلاة الليل و لكن

ص: 59

استولى الضعف عليها فأدتها من جلوس (1).

خولي يحمل رأس الإمام

و لم يعن ابن سعد بالتمثيل بجسم الإمام الذي حرمه الإسلام بعد أن صدرت له الأوامر من ابن مرجانة بذلك،و قد عمد فور استشهاد الإمام إلى إرسال رأسه مع خولي بن يزيد الأصبحي و حميد بن مسلم الأزدي،فحملا الرأس الشريف هدية لابن مرجانة،كما حمل رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل،و قد أقبلا يجذان السير لا يلويان على شيء حتى انتهيا إلى الكوفة في الهزيع الأخير من الليل،فوجدا باب القصر مغلقا،فأخذ خولي رأس الإمام و ولى مسرعا إلى بيته ليبشر به زوجته و طرق باب داره طرقا عنيفا،و هو يلهث من شدة التعب و عظيم الفرح فخرجت إليه زوجته النوار بنت مالك الحضرمي،و كانت علوية الرأي فأسرعت إليه قائلة:

«ما الخبر؟».

«جئت بغنى الدهر،هذا رأس الحسين معك في الدار».

و فقدت المرأة أهابها،و راحت تصيح به:

«ويلك جاء الناس بالفضة و الذهب،و جئت برأس ابن بنت رسول الله،و الله لا يجمع رأسي و رأسك شيء أبدا».

و أصبح زوجها من أبغض الناس إليها،و في الصباح الباكر حمل خولي رأس الإمام إلى ابن زياد فأظهر الفرح و السرور،و قد تمت-فيما يحسب-بوارق آماله و أحلامه.

ص: 60


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:210/3.

سنان يطلب الجائزة

و احتف أولئك الجفاة حول القاتل الأثيم سنان بن أنس و جعلوا يمنونه الأماني و يقولون له:

«قتلت الحسين بن علي و ابن فاطمة...قتلت أعظم العرب خطرا الذي أراد أن يزيل ملك هؤلاء فأت أمراءك فاطلب ثوابك منهم،فإنهم لو أعطوك بيوت أموالهم في قتله لكان قليلا».

و تحركت مطامعه،فأقبل حتى وقف على فسطاط ابن سعد رافعا صوته:

أوقر ركابي فضة أو ذهبا إني قتلت السيد المحجبا

قتلت خير الناس أما و أبا و خيرهم إذ ينسبون النسبا

و لما سمعه ابن سعد نهره و رماه بالسوط،و قال له:ويحك أنت مجنون لو سمعك ابن زياد تقول هذا لضرب عنقك و قد حدد الباغي اللئيم أهدافه في هذا الرجز، فهو إنما ينشد الذهب و الفضة في قتله لخير الناس أما و أبا،و لم يؤثر أن هناك رجزا قيل في المعركة أو بعدها سوى هذا الرجز،و هو يمثل أهداف الأكثرية الساحقة في ذلك الجيش السحيق،و حلل الدكتور يوسف خليف هذا الرجز بقوله:

«و العاطفة التي تشيع في هذا الرجز-مع الأسف-عاطفة الفرح و الزهو،فرح القاتل بهذه الهوية الغالية التي يحملها إلى الأمير،و زهوه بهذا العمل الضخم الذي قام به من أجل الدولة،و هو لهذا يشعر بأن أقل ما يمكن أن يكافئه الأمير به أن يوقر ركابه فضة و ذهبا،و هو-لهذا أيضا-يضفي على قتيله خير ما يمكن أن يضفيه إنسان على إنسان،و قد جعله هذا يشعر بشي من الدالة على الأمير يبيح أن يجعل حديثه عن هذه الجائزة حديث الآمر الذي لا يقبل ردا و لا رفضا،و هو-من أجل هذا- يبدأ رجزه لا بالحديث عن الحادثة التي تعني الأمير و إنما بالحديث عن الجائزة التي

ص: 61

تعنيه هو،كأنما لا يعنيه من الأمر إلا ما سوف يناله من ذهب و فضة».

الطاغية مع قاتل الإمام

و التفت ابن زياد إلى الجلادين من شرطته الذين حضروا المعركة فقال لهم:

«أيكم قاتله؟».

فوثب إليه رجل و هو فرح لعله أن ينال الجائزة منه فقال له:

«أنا قتلته».

«ما قال لك؟».

«لما أخذت السلاح قلت له:ابشر بالنار،قال:ابشر إن شاء الله تعالى برحمته و شفاعة نبيه».

و اطرق ابن مرجانة برأسه إلى الأرض و هو يشعر بالوخز و خيبة المصير و سوء المنقلب.

تشفي ابن زياد برأس الإمام

و لما وضع رأس ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين يدي الدعي ابن الدعي أخذ يبعث بثناياه ساعة من الزمن،و هو يجد في ذلك لذة لا تعدلها لذة،و بدا على وجهه آثار الحقد الدفين و التشفي الآثم،فأخذ يضرب بعوده ثنايا الإمام و شفتيه التي طالما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوسعهما تقبيلا،يقول القيم بن محمد:ما رأيت منظرا قط أفظع من إلقاء رأس الحسين بين يدي ابن مرجانة و هو ينكثه و كان في مجلسه الصحابي زيد بن أرقم فلما رأى صنعه انهارت قواه و صاح به:

ص: 62

«اعل بهذا القضيب عن هاتين الشفتين،فو الذي لا إله إلا هو لقد رأيت شفتي رسول الله على هاتين الشفتين يقبلهما».

و انفجر زيد باكيا و راح ابن زياد يهزأ من الصحابي قائلا:

«أبكى الله عينيك،لو لا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك».

فاندفع الصحابي قائلا:

«ألا أحدثك حديثا هو أغلظ من هذا،رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أقعد حسنا على فخذه اليمنى،و حسينا على فخذه اليسرى،و وضع يديه على يافوخيهما،و قال:اللّهم إني استودعك إياهما و صالح المؤمنين،فكيف كانت وديعة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله عندك يابن زياد؟».

و خرج زيد غير حافل ببطش ابن مرجانة،و هو يخاطب أهل الكوفة قائلا:

«أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم،قتلتم ابن فاطمة،و أمرتم ابن مرجانة، فهو يقتل خياركم،و يستعبد شراركم،فبعدا لمن رضي بالذل و العار».

و لما فرغ ابن مرجانة من العبث برأس ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله التفت إلى كاهن كافر فقال له:قم فضع على رأسك عدوك،ففعل الكاهن ذلك لقد فعل ابن زياد بآل البيت ما لم يفعله أي كافر على وجه الأرض،فقد استهان بجميع القيم و المقدسات، و استباح كل ما حرمه الله.

عودة الطاغية إلى الكوفة

و كان الطاغية معسكرا بالنخيلة يتلقى الأحداث في كل لحظة،فقد كان على اتصال دائم بابن سعد فلما جاءه البشير بقتل الحسين ارتحل مسرعا إلى الكوفة ليحكم أمرها،و يتخذ التدابير للمحافظة عليها فأصدر أمره إلى حراس البلد و كان عددهم عشرة آلاف فارس بمنع حمل السلاح على كل أحد و نادى مناديه بالكوفة

ص: 63

بذلك كما أرسل الوفود إلى جميع أنحاء البلاد لإعلان النصر و إذاعة الخوف بين الناس (1).3.

ص: 64


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:206/3.

آل رسول اللّه عليهم السلام في دار الامارة

روى الطبري بسنده،عن حميد بن مسلم،قال:دعاني عمر بن سعد فسرحني إلى أهله لأبشرهم بفتح اللّه عليه و بعافيته فأقبلت حتى أتيت أهله فأعلمتهم ذلك،ثم أقبلت حتى أدخل فأجد ابن زياد قد جلس للناس و أجد الوفد قد قدموا عليه فأدخلهم و أذن للناس فدخلت فيمن دخل،فإذا برأس الحسين موضوع بين يديه و إذا هو ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة فلما رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب، قال له:اعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين فو الذي لا اله غيره،لقد رأيت شفتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على هاتين الشفتين يقبلهما ثم انفضح الشيخ يبكي فقال له ابن زياد:

أبكى اللّه عينيك فو اللّه لو لا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك قال:

فنهض فخرج فلما خرج سمعت الناس يقولون:و اللّه لقد قال زيد بن أرقم قولا لو سمعه ابن زياد لقتله قال:فقلت:ما قال؟قالوا:مر بنا و هو يقول،ملك عبد عبدا فاتخذهم تلدا أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة و أمرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم و يستعبد شراركم فرضيتم بالذل فبعدا لمن رضي بالذل.

قال:فلما دخل برأس حسين و صبيانه و أخواته و نسائه على عبيد اللّه بن زياد لبست زينب ابنة فاطمة أرذل ثيابها و تنكرت و حفت بها إماؤها،فلما دخلت جلست فقال عبيد اللّه بن زياد:من هذه الجالسة،فلم تكلمه،فقال ذلك ثلاثا،كل ذلك لا تكلمه،فقال بعض إمائها:هذه زينب ابنة فاطمة.

قال:فقال لها عبيد اللّه:الحمد للّه الذي فضحكم و قتلكم و أكذب أحدوثتكم فقالت:

ص: 65

الحمد للّه الذي أكرمنا بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و طهرنا تطهيرا،لا كما تقول أنت إنما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر،قال:فكيف رأيت صنع اللّه بأهل بيتك.

قالت كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سيجمع اللّه بينك و بينهم فتحاجون إليه و تخاصمون عنده.

قال فغضب ابن زياد و استشاط قال:فقال له عمرو بن حريث:أصلح اللّه الأمير إنما هي امرأة و هل تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها انها لا تؤاخذ بقول و لا تلام على خطل،فقال لها ابن زياد:قد اشفى نفسي من طاغيتك و العصاة المردة من أهل بيتك!

قال:فبكت،ثم قالت:لعمري لقد قتلت كهلي و أبرت أهلي و قطعت فرعي، و اجتثثت أصلي،فإن يشفك هذا،فقد اشتفيت،فقال لها عبيد اللّه:هذه سباعة!قد لعمري كان أبوك شاعرا سجاعا!

قالت:ما للمرأة و السجاعة ان لي عن السجاعة (1)لشغلا و لكني نفثي ما أقول.

و روى عن حميد بن مسلم قال:إني لقائم عند ابن زياد حين عرض عليه علي ابن الحسين.

فقال له:ما اسمك قال:أنا علي بن الحسين قال:أو لم يقتل اللّه علي بن الحسين؟ فسكت فقال له ابن زياد:ما لك لا تتكلم؟

قال:قد كان لي أخ يقال له أيضا علي فقتلته الناس قال:إن اللّه قد قتله.

قال:فسكت علي فقال له:ما لك لا تتكلم؟قال:اللّه يتوفى الأنفس حين موتها و ما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن اللّه.ف.

ص: 66


1- السجع:الكلام المقفى أو موالاة الكلام على روى واحد و قد يطلق السجع على الكلام المسجع و سجع الخطيب سجعا نطق بكلام له فواصل فهو سجاع و سجاعة بتشديد الجيم و هذا ما أراده ابن زياد في قوله و أجابته زينب بأن لها ما يشغلها عن سجع الكلام و ما ورد في النسخة(الشجاع و الشجاعة)تحريف.

قال:أنت و اللّه منهم(ويحك انظروا هل أدرك و اللّه أني لا حسبه رجلا (1)فقال:

اقتلوه.

فقال علي بن الحسين من توكل بهؤلاء النسوة؟و تعلقت به زينب عمته فقالت:

يا ابن زياد حسبك منا أما رويت من دمائنا و هل أبقيت منا أحدا قال:فاعتنقته فقالت:أسألك باللّه ان كنت مؤمنا ان قتلته لما قتلتني معه قال:و ناداه علي فقال:يا ابن زياد إن كانت بينك و بينهم قرابة فابعث معهن رجلا تقيا يصحبهن بصحبة الإسلام قال:فنظر إليها ساعة ثم نظر إلى القوم فقال:عجبا للرحم و اللّه إني لأظنها ودت لو أني قتلته (2)معه،دعوا الغلام انطلق مع نسائك.

و قال حميد بن مسلم:لما دخل عبيد اللّه القصر و دخل الناس نودي الصلاة جامعة فاجتمع الناس في المسجد الأعظم فصعد المنبر ابن زياد فقال:الحمد للّه الذي أظهر الحق و أهله و نصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية و حزبه و قتل الكذاب الحسين بن علي و شيعته فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتى وثب إليه عبد اللّه بن عفيف الأزدي ثمّ الغامدي ثم أحد بني والبة و كان من شيعة علي كرم اللّه وجهه و كانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علي فلما كان يوم صفين ضرب على رأسه ضربة و أخرى على حاجبه فذهبت عينه الأخرى،فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلي فيه إلى الليل ثم ينصرف قال:فلما سمع مقالة ابن زياد قال:

يابن مرجانة ان الكذاب ابن الكذاب أنت و أبوك و الذي و لاك و أبوه!يابن مرجانة! أتقتلون أبناء النبيين و تكلمون بكلام الصديقين!فقال ابن زياد:علي به.

قال:فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه قال:فنادى بشعار الأزد يا مبرور!قال:و عبد الرحمن بن مخنف الأزدي جالس،فقال:ويح غيرك!أهلكت نفسك و أهلكتا.

ص: 67


1- ان علي بن الحسين السجاد كان قد ولد له محمد الباقر عليه السلام يومذاك،و مع هذا لا يستقيم هذا القول و هذه الجملة زيادة في الرواية لم ترد ضمن رواية الطبرسي في إعلام الورى.
2- في نسخة:أني قتلتها.

قومك،قال:و حاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمائة مقاتل،قال فوثب إليه فتية من الأزد،فانتزعوه فأتوا به أهله،فأرسل إليه من أتاه به فقتله،فأمر بصلبه في السبخة فصلب هناك (1).3.

ص: 68


1- معالم المدرستين للعسكري:151/3.

رجوع القوات المسلحة

قال:و مكثت القوات المسلحة في كربلاء يوم الحادي عشر من المحرم فوارت جيف قتلاها بين مظاهر الإجلال و التعظيم،و قد فتحت لها كوة من فيح جهنم يؤجج ضرامها و لا يخبو نارها تلفح وجوههم النار و هم فيها كالحون.

أما جثة الإمام العظيم و الجثث الزواكي من أهل بيته و أصحابه،فقد عمدوا إلى تركها على صعيد كربلاء تسفي عليها الرياح لا مغسلين و لا مكفنين.

و أمر ابن سعد حميد بن بكر الأحمري،فنادى بالناس الرحيل إلى الكوفة و سارت قوات ابن سعد بعد الزوال من كربلاء و أعلامها رؤوس العترة الطاهرة التي ثارت من أجل إحقاق الحق،و توطيد أركان العدل،و قد حملوا معهم نساء الحسين و أخواته و نساء الأصحاب فكن عشرين امرأة ما عدا الصبية،و قد سيروهن على أقتاب الجمال بغير وطاء و ساقوهن كما يساق سبي الترك و الديلم، و مروا بهن على جثث القتلى من أهل البيت مبالغة في إيذائهن،و كان العرب في جاهليتهم الأولى يتجنبون مرور النساء على قتلاهن إلا أن جيش ابن سعد لم يلتزم بأي خلق،و لم تكن عنده أية عاطفة إنسانية.

و لما نظرت عقائل النبوة إلى جثث القتلى من أهل البيت رفعن أصواتهن بالبكاء، و صاحت حفيدة النبي صلّى اللّه عليه و آله زينب عليه السّلام بصوت يذيب القلوب:

«يا محمداه هذا حسين بالعراء،مرمل بالدماء،مقطع الأعضاء،و بناتك سبايا، و ذريتك مقتلة».

و وجم القوم مبهوتين،و فاضت عيونهم دموعا،و بكى العدو و الصديق.

ص: 69

مواراة الجثث الطاهرة

و بقيت جثة الإمام العظيم و جثث الشهداء الممجدين من أهل بيته و أصحابه ملقاة على صعيد كربلاء تصهرها الشمس،و تسفي عليها الرياح،و قد انبرى جماعة من المؤمنين الذين لم يتلوثوا في الاشتراك بحرب ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى مواراتها،و قد اختلف المؤرخون في اليوم الذي دفنت فيه،و فيما يلي ذلك:

1-يوم الحادي عشر.

2-يوم الثاني عشر.

3-يوم الثالث عشر.

أما الذين حظوا بمواراتها فهم قوم من بني أسد كانوا ينزلون بالقرب من مكان المعركة فخفوا إليها بعد أن نزحت جيوش ابن سعد،فرأوا الجثث الزواكي ملقاة بالعراء فأيقنوا أنها جثث أهل البيت،و جثث أصحابهم فعجوا بالبكاء و العويل، و صرخت نساؤهم،و قاموا في هدأة الليل حيث أمنوا الرقباء،فحفروا قبرا لسيد الشهداء،و قبرا آخر لبقية الشهداء،و قد حفروها على ضوء القمر حيث كان على و شك التمام،و لم يطلع القمر على مثلها شرفا في جميع الأحقاب و الآباد.

يقول الشيخ المفيد:

«و لما رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية إلى الحسين و أصحابه فصلوا عليهم،و دفنوا الحسين عليه السّلام حيث قبره الآن و دفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجله،و حفروا للشهداء من أهل بيته و أصحابه-الذين صرعوا حوله-مما يلي رجلي الحسين،و جمعوهم فدفنوهم جميعا.و دفنوا العباس بن علي في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن».

و تنص بعض المصادر الشيعية على أن بني أسد كانوا متحيرين في شأن تلك

ص: 70

الجثث الزواكي و لم يهتدوا لمعرفتها لأن الرؤوس قد فصلت عنها،و بينما هم كذلك إذ أطل عليهم الإمام زين العابدين فأوقفهم على شهداء أهل البيت و غيرهم من الأصحاب،و بادر إلى حمل جثمان أبيه فواراه في مثواه الأخير و هو يذرف أحر الدموع قائلا:

«طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر،فإن الدنيا بعدك مظلمة و الآخرة بنورك مشرقة،أما الليل فمسهد،و الحزن سرمد أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم،و عليك مني السلام يابن رسول اللّه و رحمة الله و بركاته».

و رسم على القبر الشريف هذه الكلمات:«هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشانا غريبا»و دفن عند رجلي الإمام ولده علي الأكبر،و دفن بقية الشهداء الممجدين من هاشميين و غيرهم في حفرة واحدة،و انطلق الإمام زين العابدين مع الأسديين إلى نهر العلقمي فواروا قمر بني هاشم العباس ابن أمير المؤمنين،و جعل الإمام يبكي أحر البكاء قائلا:

«على الدنيا بعدك يا قمر هاشم،و عليك مني السلام من شهيد محتسب و رحمة الله و بركاته».

و أصبحت تلك القبور الطاهرة رمزا للكرامة الإنسانية،و رمزا لكل تضحية تقوم على العدل يقول العقاد:«فهي اليوم مزار يطيف به المسلمون متفقين و مختلفين و من حقه أن يطيف به كل إنسان لأنه عنوان قائم لأقدس ما يشرف به هذا الحي الآدمي من بين سائر الأحياء.

فما أظلت قبة السماء مكانا لشهيد قط هو أشرف من تلك القباب بما حوته من معنى الشهادة و ذكرى الشهداء».

و يقول يوسف رجيب:«و ليس لقبر من قبور أولياء الله الصالحين البررة غير قبر الحسين هو قبلة الدنيا و كعبة بني الأرض لأن الله شرفه بجهاد أعدائه الذين اعتزموا طمس الدين الحنيف،و انتهاك الشريعة،و اتخاذ الخلافة أمرة زمنية

ص: 71

استباحوا بها كل محرم يتلذذون بما حرم الله و حرمته كتبه».

لقد ضمت تلك البقعة المباركة خلاصة الإباء و الشرف و الدين،و قد أصبحت أقدس مراكز العبادة و أفضلها في الإسلام،ففي كل وقت يطيف بها المسلمون متبركين و متقربين إلى الله،كما أصبحت مطافا لملائكة الله المقربين،فقد روى الفضل بن يسار عن أبي عبد الله أنه سئل عن أفضل قبور الشهداء فقال عليه السّلام:

«أو ليس أفضل الشهداء الحسين بن علي؟فو الذي نفسي بيده إن حول قبره أربعين ألف ملك شعثا غبرا يبكون عليه إلى يوم القيامة».

و يقول الإمام الرضا عليه السّلام:«إن حول قبر الحسين سبعين ألف ملك شعثا غبرا يبكون عليه إلى يوم القيامة».

و قد حظي مرقده العظيم باستجابة الدعاء عنده فما قصده مكروب أو ملهوف إلا فرج الله عنه مما ألم به،يقول الجواهري:

تعاليت من مفزع للحتوف و بورك قبرك من مفزع

تلوذ الدهور فمن سجد على جانبيه و من ركع

و يقول المؤرخون إن الإمام الهادي عليه السّلام ألم به مرض فأمر أبا هاشم الجعفري أن يبعث له رجلا إلى الحائر الحسيني ليدعو له بالشفاء،و قد سئل عليه السلام عن ذلك فقال:إن الله أحب أن يدعى في هذا المكان.

لقد احتل أبو الشهداء المكانة العظمى عند الله تعالى كما احتل قلوب المسلمين و حظي بأصدق محبتهم فهم يشدون الرحال إلى مثواه من كل فج عميق وفاء بحقه و اعترافا بفضله و التماسا لعظيم الأجر الذي كتبه الله لزائريه،و يقول(نيكلسون):

و خلال بضع سنوات عن مصرع الحسين أصبح ضريحه في كربلاء محجا تشد إليه الرحال (1).3.

ص: 72


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:222/3.

سبايا أهل البيت عليهم السلام في الكوفة

اشارة

و استقبلت الكوفة سبايا آل البيت عليهم السّلام بمزيد من الفزع و الاضطراب وخيم عليها الذل و الهوان،فقد كمت الأفواه،و أخرست الألسن،و لم يستطع أحد أن يظهر ما في دخائل نفسه من الأسى الشديد خوفا من السلطة العاتية التي استهانت بأرواح الناس و كراماتهم.

و عزفت أبواق الجيش و خفقت راياتهم،و قد رفعوا على الحراب رؤوس العترة الطاهرة،و معهم الأسرى من عقائل النبوة و حرائر الوحي و قد ربطوا بالحبال،و قد وصف ذلك المنظر الرهيب مسلم الجصاص يقول:دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة فبينما أنا أجصص الأبواب و إذا بالزعقات قد ارتفعت من جميع الكوفة فأقبلت على أحد خدام القصر فقلت له:

«ما لي أرى الكوفة تضج».

«الساعة يأتون برأس خارجي خرج على يزيد».

«من هذا الخارجي؟».

«الحسين بن علي».

«يقول:فتركت الخادم حتى خرج و أخذت ألطم على وجهي حتى خشيت على عينيّ أن تذهبا،و غسلت يديّ من الجص،و خرجت من القصر حتى أتيت إلى الكناس فبينما أنا واقف و الناس يتوقعون وصول السبايا و الرؤوس إذ أقبل أربعون جملا تحمل النساء و الأطفال،و إذا بعلي بن الحسين على بعير بغير وطاء و أوداجه تشخب دما،و هو يبكي و يقول:

ص: 73

يا أمة السوء لا سقيا لربعكم يا أمة لم تراع جدنا فينا

لو أننا و رسول الله يجمعنا يوم القيامة ما كنتم تقولونا

تسيرونا على الأقتاب عارية كأننا لم نشيد فيكم دينا

و يقول جذلم بن بشير:قدمت الكوفة سنة(61 ه)عند مجي علي بن الحسين من كربلاء إلى الكوفة و معه النسوة و قد أحاطت بهم الجنود و قد خرج الناس للنظر إليهم و كانوا على جمال بغير وطاء فجعلت نساء أهل الكوفة يبكين و يندبن،و رأيت علي بن الحسين قد أنهكته العلة،و في عنقه الجامعة و يده مغلولة إلى عنقه،و هو يقول بصوت ضعيف:إن هؤلاء يبكون و ينوحون من أجلنا فمن قتلنا؟و انبرت إحدى سيدات الكوفة فسألت إحدى السبايا و قالت لها:

«من أي الأسارى أنتن؟».

«نحن أسارى أهل البيت».

و لما سمعت بذلك المرأة صرخت،و صرخت النسوة التي معها،و دوى صراخهن في أرجاء الكوفة،و بادرت المرأة فجمعت ما في بيتها من أزر و مقانع فجعلت تناولها إلى العلويات ليتسترن بها عن أعين الناس كما بادرت سيدة أخرى فجاءت بطعام و تمر و أخذت تلقيه على الصبية التي أضناها الجوع.

و نادت السيدة أم كلثوم من خلف الركب:

«إن الصدقة حرام علينا أهل البيت».

و لما سمعت الصبية مقالة العقيلة رمى كل واحد منهم ما في يده أو فمه من الطعام و راح يقول لصاحبه:إن عمتي تقول:

«إن الصدقة حرام علينا أهل البيت».

ص: 74

خطاب السيدة زينب عليها السلام

اشارة

و حينما رأت السيدة زينب عليه السّلام حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و شقيقة الإمام الحشود الزاخرة التي ملأت شوارع الكوفة و أزقتها،اندفعت إلى الخطابة لبلورة الموقف، و إظهار المصيبة الكبرى التي جرت على أهل البيت و تحميل الكوفيين مسؤولية هذه الجريمة النكراء،فهم الذين نقضوا العهد،و خاسوا بالذمة،فقتلوا ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله ثم عادوا بعد قتله ينوحون و يبكون كأنهم لم يقترفوا هذا الإثم العظيم،و هذا نص خطابها:

«الحمد لله و صلواته على أبي محمد رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و على آله الطاهرين الأخيار، أما بعد:يا أهل الكوفة يا أهل الختل و الخذل أتبكون؟!!فلا رقأت لكم دمعة إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة إنكاثا،تتخذون أيمانكم دخلا بينكم إلا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم و في العذاب أنتم خالدون.

أتبكون و تنتحبون!!أي و الله فابكوا كثيرا،و اضحكوا قليلا،كل ذلك بانتهاككم حرمة ابن خاتم الأنبياء،و سيد شباب أهل الجنة،و ملاذ حضرتكم،و مفزع نازلتكم، و منار حجتكم و مدرة سنتكم،ألا ساء ما تزرون،و بعدا لكم،و سحقا،فلقد خاب السعي،و نبت الأيدي و خسرت الصفقة و توليتم بغضب الله،و ضربت عليكم الذلة و المسكنة.

أتدرون ويلكم يا أهل الكوفة؟أي كبد لرسول الله صلّى اللّه عليه و آله فريتم و أي دم له سفكتم، و أي حرمة له انتهكتم؟لقد جئتم شيئا ادا تكاد السماوات يتفطرن منه،و تنشق الأرض،و تخر الجبال هدا!!

ص: 75

لقد جئتم بها خرقاء شوهاء كطلاع الأرض،و مل السماء،أفعجبتم ان مطرت السماء دما و لعذاب الآخرة أخزى،و هم لا ينصرون فلا يستخفنكم المهل فإنه لا يحفزه البدار،و لا يخاف فوت الثار و ان ربكم لبالمرصاد...».

لقد قرعتهم بطلة كربلاء،بمنطق الصدق و صوت الحق،و دلتهم على نفوسهم الخبيثة،فلم تنخدع بدموعهم الكاذبة،و لم ينطل عليها زورهم و بهتانهم،و نعت عليهم جريمتهم النكراء التي هي أبشع جريمة وقعت في الأرض..و قد وصفتهم بأخس الصفات التي توصف بها أحط الشعوب،فقد وصفتهم بالختل و الغدر،و هما مصدران لانحطاط الإنسان و شقائه.

و علقت سلام الله عليها على بكائهم فقالت:إن من حقهم أن يبكوا كثيرا و يضحكوا قليلا على عظيم ما اقترفوه من الإثم،فقد قتلوا سيد شباب أهل الجنة و سليل خاتم النبوة،و المنقذ و المحرر لهم،و فروا كبد رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و انتهكوا حرمته،و سبوا عياله،فأي جريمة أبشع أو أفظع من هذه الجريمة؟

صدى الخطاب

و اضطرب الناس من خطاب سليلة النبوة و أيقنوا بالهلاك،و قد وصف خزيمة الأسدي مدى الأثر البالغ الذي أحدثه خطاب العقيلة يقول:لم أر و الله خفرة أنطق منها كأنما تفرغ عن لسان الإمام أمير المؤمنين،و رأيت الناس بعد خطابها حيارى واضعي أيديهم على أفواههم،و رأيت شيخا قد دنا منها يبكي حتى اخضلت لحيته و هو يقول:بأبي أنتم و أمي كهولكم خير الكهول و شبابكم خير الشباب و نسلكم لا يبور و لا يخزى أبدا إلا أن الإمام زين العابدين قطع على عمته خطابها قائلا:

«اسكتي يا عمة،فأنت بحمد الله عالمة غير معلمة،و فهمة غير مفهمة..».

ص: 76

فأمسكت عن الكلام،و تركت المجتمع يمور بالأسى و الحزن (1).

خطاب السيدة فاطمة عليها السلام

اشارة

و انبرت إلى الخطابة فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السّلام فخطبت أبلغ خطاب و أروعه، و كانت طفلة،فبهر الناس ببلاغتها و فصاحتها و قد أخذت بمجامع القلوب و تركت الناس حيارى قد بلغ بهم الحزن إلى قرار سحيق فقالت:

«الحمد لله عدد الرمل و الحصى،وزنة العرش إلى الثرى،أحمده و أؤمن به،و أتوكل عليه،و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و ان محمدا عبده و رسوله...و أن أولاده ذبحوا بشط الفرات،من غير ذحل و لا تراث.

اللّهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك،و أن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود و الوصية لعليّ بن أبي طالب،المغلوب حقه،المقتول من غير ذنب-كما قتل ولده بالأمس-في بيت من بيوت الله تعالى،فيه معشر مسلمة بألسنتهم،تعسا لرؤوسهم،ما دفعت عنه ضيما في حياته،و لا عند مماته،حتى قبضه الله تعالى إليه محمود النقيبة،طيب العريكة،معروف المناقب،مشهور المذاهب،لم تأخذه في الله سبحانه لومة لائم،و لا عذل عاذل،هديته اللّهم للإسلام صغيرا،و حمدت مناقبه كبيرا،و لم يزل ناصحا لك،و لرسولك،زاهدا في الدنيا،غير حريص عليها،راغبا في الآخرة،مجاهدا لك في سبيلك،رضيته فاخترته و هديته إلى صراط مستقيم.

أما بعد:يا أهل الكوفة،يا أهل المكر و الغدر و الخيلاء،فأنا أهل بيت ابتلانا الله بكم،و ابتلاكم بنا،فجعل بلاءنا حسنا،و جعل علمه عندنا و فهمه لدينا،فنحن غيبة علمه،و وعاء فهمه،و حكمته و حجته على الأرض في بلاده لعباده،أكرمنا الله

ص: 77


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:227/3.

بكرامته،و فضلنا بنبيه محمد صلّى اللّه عليه و آله على كثير ممن خلق الله تفضيلا...فكذبتمونا و كفرتمونا،و رأيتم قتالنا حلالا و أموالنا نهبا،كأننا أولاد ترك أو كابل،كما قتلتم جدنا بالأمس...و سيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت،لحقد متقدم،قرت لذلك عيونكم و فرحت قلوبكم افتراء على الله،و مكرا مكرتم،و الله خير الماكرين،فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا،و نالت أيديكم من أموالنا،فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة،و الرزايا العظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها،إن ذلك على الله يسير،لكيلا تأسوا على ما فاتكم،و لا تفرحوا بما أتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور.

تبا لكم فانظروا اللعنة و العذاب،فكأن قد حل بكم،و تواترت من السماء نقمات، فيسحتكم بعذاب،و يذيق بعضكم بأس بعض،ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ألا لعنة الله على الظالمين.

ويلكم أتدرون أية يد طاعتنا منكم،و أية نفس نزعت إلى قتالنا،أم بأية رجل مشيتم إلينا،تبغون محاربتنا،قست قلوبكم،و غلظت أكبادكم و طبع الله على أفئدتكم،و ختم على سمعكم و بصركم،و سول لكم الشيطان و أملى لكم،و جعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.

تبا لكم يا أهل الكوفة أي تراث لرسول الله قبلكم،و ذحول له لديكم بما عندتم بأخيه عليّ بن أبي طالب جدي و بنيه،و عترته الطيبين الأخيار،و افتخر بذلك مفتخركم:

قد قتلنا عليكم و بنيه بسيوف هندية و رماح

و سبينا نساءهم سبي ترك و نطحناهم فأي نطاح

بفيك أيها القائل الكثث و الأثلب افتخرت بقتل قوم زكاهم الله و طهرهم و أذهب عنهم الرجس،فاكظم واقع كما و اقطع أبوك فإنما لكل امرى ما اكتسب و ما قدمت يداه.

ص: 78

حسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا الله تعالى،ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم،و من لم يجعل الله له نورا فما له من نور..».

و تحدثت سليلة النبوة و الإمامة في خطابها العظيم عن أمور بالغة الأهمية و هي:

1-انها عرضت لمحنة جدها الإمام أمير المؤمنين رائد الحق و العدالة في الأرض،و ما عاناه من المحن و المصاعب حتى استشهد في بيت من بيوت الله،و لم يدفع عنه المجتمع الكوفي و لم يقف إلى جانبه و إنما تركوه وحده يصارع الأهوال حتى قبضه الله إليه و هو جم المناقب،محمود النقيبة طيب العريكة،قد اصطفاه الله، و خصه بالفضائل و المواهب.

2-و تحدثت عن محنة أهل البيت،بذلك المجتمع،فإنهم سلام الله عليهم بحكم قيادتهم الروحية للأمة،فإنهم مسؤولون عن حمايتها،و لكن الأمة قد جانبت الحق، فسفكت دماءهم و انتهكت حرمتهم فما أجل رزيتهم و أعظم بلاءهم.

3-شجبت الاعتداء الصارخ على أهل البيت،و وصفت المعتدين القساة بأبشع الصفات،و دعت الله أن ينزل عليهم نقمته و عذابه الأليم.

صدى الخطاب

و أثر الخطاب تأثيرا بالغا في نفوس المجتمع فقد و جلت منه القلوب و فاضت العيون،و اندفع الناس ببكاء قائلين:

«حسبك يا ابنة الطاهرين،فقد أحرقت قلوبنا،و أنضجت نحورنا و أضرمت أجوافنا».

و أمسكت عن الكلام و تركت الجماهير في محنتها و شقائها تصعد الآهات

ص: 79

و تبدي الحسرات و تندب حظها التعيس على عظيم ما اقترفت من الإثم (1).

خطاب السيدة أم كلثوم عليها السلام

و انبرت حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و آله السيدة أم كلثوم إلى الخطابة فأومأت إلى الناس بالسكوت فلما سكنت الأنفاس بدأت بحمد الله و الثناء عليه ثم قالت:

«مه يا أهل الكوفة.تقتلنا رجالكم،و تبكينا نساؤكم فالحاكم بيننا و بينكم الله يوم فصل الخطاب.

يا أهل الكوفة سوأة لكم،ما لكم خذلتم حسينا و قتلتموه،و انتهبتم أمواله، و سبيتم نساءه و نكبتموه فتبا لكم و سحقا.ويلكم أتدرون أي دواه دهتكم،و أي وزر على ظهوركم حملتم!!و أي دماء سفكتم،و أي كريمة أصبتموها،و أي صبية أسلمتموها،و أي أموال انتهبتموها،قتلتم خير الرجالات بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و نزعت الرحمة من قلوبكم ألا إن حزب الله هم المفلحون و حزب الشيطان هم الخاسرون».

و اضطرب المجتمع من خطابها فنشرت النساء شعورهن و لطمن الخدود و لم ير أكثر باك و لا باكية مثل ذلك اليوم.

ص: 80


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:230/3.

خطاب الإمام زين العابدين عليه السلام

و انبرى إلى الخطابة الإمام زين العابدين فقال بعد حمد الله و الثناء عليه:

«أيها الناس،من عرفني فقد عرفني،و من لم يعرفني فأنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب،أنا ابن من انتهكت حرمته،و سلبت نعمته،و انتهب ماله،و سبي عياله،أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل و لا تراث،أنا ابن من قتل صبرا و كفى بذلك فخرا.

أيها الناس ناشدتكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي و خدعتموه،و أعطيتموه من أنفسكم العهود و الميثاق و البيعة و قاتلتموه،فتبا لكم لما قدمتم لأنفسكم و سوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول اللّه؟إذ يقول لكم:قتلتم عترتي و انتهكتم حرمتي فلستم من أمتي».

و علت الأصوات بالبكاء،و نادى مناد منهم:

«هلكتم و ما تعلمون».

و استمر الإمام في خطابه فقال:

«رحم الله امرءا قبل نصيحتي و حفظ وصيتي في الله و في رسوله و أهل بيته، فإن لنا في رسول الله صلّى اللّه عليه و آله أسوة حسنة».

فهتفوا جميعا قائلين بلسان واحد:

«نحن يابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك،غير زاهدين فيك و لا راغبين عنك،فمرنا بأمرك يرحمك الله،فإنّا حرب لحربك،و سلم لسلمك،نبرأ ممن ظلمك و ظلمنا».

ورد الإمام عليهم هذا الولاء الكاذب قائلا:

ص: 81

«هيهات،هيهات،أيتها الغدرة المكرة حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى أبي من قبل،كلا و رب الراقصات،فإن الجرح لما يندمل،قتل أبي بالأمس و أهل بيته،و لم ينس ثكل رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و ثكل أبي و بني أبي،إن وجده و الله لبين لهاتي و مرراته بين حناجري و حلقي و غصة تجري في فراش صدري».

و أمسك الإمام عن الكلام معرضا عن أولئك الغدرة الفجرة الذين سودوا وجه التأريخ بتناقضهم في سلوكهم فقد قتلوا الإمام ثم راحوا يبكون عليه.

في مجلس ابن زياد

و أدخلت بنات رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و هن في أسر الذل على ابن مرجانة سليل الأرجاس و الخيانة و هو في قصر الإمارة و قد امتلأ القصر بالسفكة المجرمين من جنوده و هم يهنئونه بالظفر و يحدثونه ببطولاتهم المفتعلة في يوم الطف و هو جذلان مسرور يهز أعطافه فرحا،و بين يديه رأس ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله،فجعل الخبيث يعبث به و ينكته بمخصرته و هو يقول متشمتا:

«ما رأيت مثل هذا الوجه قط!!».

و لم ينه كلامه حتى سدد له الصحابي أنس بن مالك سهما من منطقه فقال له:

«إنه كان يشبه النبي».

و التاع الخبيث من كلامه،و كان في المجلس رجل من بكر بن وائل يقال له جابر فانتفض و هو يقول:

«لله علي أن لا أصيب عشرة من المسلمين خرجوا عليك إلا خرجت معهم» (1).

ص: 82


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:235/3.

الطاغية مع زين العابدين عليه السلام

و أدار الطاغية بصره في بقية آل البيت عليهم السّلام فرأى الإمام زين العابدين و قد أنهكته العلة فسأله:

«من أنت؟».

«علي بن الحسين».

«أو لم يقتل الله علي بن الحسين؟»

فأجابه الإمام بأناة:

«كان لي أخ يسمى عليا قتلتموه،و ان له منكم مطالبا يوم القيامة».

فثار ابن زياد في وقاحة و صلف و صاح بالإمام:

«الله قتله».

فأجابه الإمام بكل شجاعة و ثبات:

«الله يتوفى الأنفس حين موتها،و ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله».

و دارت الأرض بابن زياد،و أخذته عزة الإثم فقد غاظه أن يتكلم هذا الغلام الأسير بهذه الطلاقة و قوة الحجة،و الاستشهاد بالقرآن،فصاح به:

«و بك جرأة على رد جوابي!!و فيك بقية للرد علي!!»

و صاح الرجس الخبيث بأحد جلاديه:

«خذ هذا الغلام،و اضرب عنقه».

و طاشت أحلام السيدة زينب،و انبرت بشجاعة لا يرهبها سلطان فأخذت الإمام فاعتنقته و قالت لابن مرجانة:

«حسبك يا بن زياد من دمائنا ما سفكت،و هل أبقيت أحدا غير هذا،فإن أردت قتله فاقتلني معه».

و انخذل الطاغية،و قال متعجبا:

ص: 83

«دعوه لها،يا للرحم ودّت أنها تقتل معه».

و لو لا موقف العقيلة لذهبت البقية من نسل الإمام الحسين عليه السّلام التي هي مصدر الخير و الفضيلة في الأرض،و روى الجاحظ أن ابن مرجانة قال لأصحابه في علي بن الحسين:

«دعوني أقتله فإنه بقية هذا النسل-يعني نسل الحسين-فأحسم به هذا القرن، و أميت به هذا الداء،و اقطع به هذه المادة».

الا إنهم أشاروا عليه بعدم التعرض له،معتقدين أن ما ألم به من الأمراض سوف تقضي عليه و قد أنجاه الله منهم بأعجوبة (1).3.

ص: 84


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:235/3.

ثورة ابن عفيف

اشارة

و تخدرت جماهير الكوفة تحت ضغط هائل من الإرهاب و العنف،حتى تغيرت الأوضاع العامة تغيرا كليا،فلم تعد الكوفة كما كانت مسرحا للتيارات السياسية، و مركزا للجبهة المعارضة،فقد قبعت بالذل و الهوان و سرت في أوردتها أوبئة الخوف.

من يستطيع أن يتكلم و الجو ملبد بالمخاوف،فرأس زعيم الأمة و قائدها الأعلى على الحراب،و عقائل الرسالة سبايا في المصر،فلم يعد في مقدور أي أحد أن يتلفظ بحرف واحد فكمت الأفواه،و أخرست الألسن و ملئت السجون بالرؤوس و الضروس،و استسلم الجميع لحكم ابن مرجانة،و قد جاء الطاغية مزهوا إلى الجامع الأعظم حيث عقد فيه اجتماعا عاما حضرته القوات المسلحة و سائر أبناء الشعب فاعتلى المنبر مظهرا فرحته الكبرى بهذا النصر الكاذب،فقال-و يا لهول ما قال:

«الحمد لله الذي أظهر الحق و أهله،و نصر أمير المؤمنين يزيد و حزبه،و قتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي و شيعته».

لقد قال هذه الكلمات في مجتمع عرف عدل علي و صدقه و خبر سيرة ولده الإمام الحسين فرآها مشرقة بالحق و الصدق،و لو قال ذلك في الشام أو في إقليم آخر لعل له وجها إلا أنه قال ذلك في الكوفة التي هي عاصمة أهل البيت..و لم يتم الخبيث كلماته حتى انبرى إليه البطل الثائر عبد الله بن عفيف الأزدي الغامدي، و كان ضريرا ذهبت إحدى عينيه يوم الجمل و الأخرى بصفين مع الإمام أمير

ص: 85

المؤمنين و كان لا يفارق المسجد يتعبد فيه فصاح فيه:

«يابن مرجانة الكذاب ابن الكذاب أنت و أبوك،و الذي و لاك و أبوه،يابن مرجانة، أتقتلون أولاد النبيين و تتكلمون بكلام الصديقين».

و طاش لب الطاغية فقد كانت هذه الكلمات كالصاعقة على رأسه فصاح بأعلى صوته كالكلب المسعور:

«من هذا المتكلم».

«أنا المتكلم يا عدو الله أتقتلون الذرية الطاهرة التي أذهب الله عنهم الرجس، و تزعم أنك على دين الإسلام،و اغوثاه أين أولاد المهاجرين و الأنصار لينتقموا من طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين».

و تبدد جبروت الطاغية،و ذهبت نشوة أفراحه،و علا الضجيج و تطلعت الناس من جميع جنبات المسجد لتنظر إلى القائل الذي ترجم ما في عواطفهم،فقد كانت هذه الصيحة أول رد علني على السلطة في قتلها لريحانة الرسول.

و صاح ابن زياد بعنف،و قد امتلأ غضبا:

«علي به».

فبادرت إليه الجلاوزة لتختطفه،فنادى ابن عفيف بشعار أسرته:

«يا مبرور».

و كان في المجلس من الأزد سبع مائة،فوثبوا إليه،و أنقذوه من أيدي الجلاوزة و جاؤوا به إلى منزله،و قال له عبد الرحمن بن مخنف الأزدي منددا به:

«ويح غيرك لقد أهلكت نفسك و عشيرتك».

و التاع ابن زياد،و اضطرب،فقد فتح عليه عبد الله باب المعارضة و أطاح بهيبة الحكم،ثم نزل من المنبر مغضبا و دخل القصر و تسابق الأشراف و العرفاء إليه فقال:

«أما رأيتم ما صنع هؤلاء».

ص: 86

«نعم».

و أصدر أوامره إلى أهل اليمن،و إلى من كان معه بإلقاء القبض على ابن عفيف، و أشار عليه عمرو بن الحجاج بحبس كل من كان في المسجد من الأزد فحبسوا،ثم التحم أهل اليمن مع الأزد التحاما شديدا،و جرت بينهم أعنف المعارك،فقال ابن زياد لبعض شرطه انطلق،و انظر ما بينهم فخف إليهم فرأى الحرب قائمة،فقالوا له:

«قل للأمير:إنك لم تبعثنا إلى نبط الجزيرة،و لا جرامقة الموصل إنما بعثتنا إلى الأزد اسود الأجم ليسوا بيضة تحس،و لا حرملة توطأ..».

و قتل من الأزد عبد الله بن حوزة الوالبي،و محمد بن حبيب،و كثرت القتلى من الجانبين إلا أن اليمانية قد قويت على الأزد فصاروا إلى حصن في ظهر دار ابن عفيف فكسروه،و اقتحموه،و هجموا عليه فبقي وحده فناولته ابنته سيفا فجعل يذب به عن نفسه و هو يرتجز و يقول:

أنا ابن ذي الفضل العفيف الطاهر عفيف شيخي و ابن أم عامر

كم دارع من جمعكم و حاسر و بطل جندلته مغاور

و كانت ابنته تخاطبه بذرب روحها قائلة:

«ليتني كنت رجلا أذب بين يديك هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة».

و أخذت ابنته تدله على المحاربين له فتقول له:«يا أبت أتاك القوم من جهة كذا» و تكاثروا عليه،و أحاطوا به من كل جانب،فألقوا القبض عليه،و انطلقوا به إلى ابن زياد و هو يقول في طريقه:

أقسم لو يفسح لي عن بصري شق عليكم موردي و مصدري

و لما مثل بين يدي الطاغية أسرع الخبيث إليه قائلا:

«الحمد لله الذي أخزاك».

فأجابه ابن عفيف ساخرا منه و محتقرا له:

«بماذا أخزاني؟».

ص: 87

و أراد ابن مرجانة أن يستحل دمه فسأله عن عثمان لعله أن ينتقصه فيتخذ من ذلك وسيلة إلى إباحة دمه فقال له:

«ما تقول في عثمان؟».

و سدد له البطل العظيم سهاما من منطقه الفياض فقال له:

«ما أنت و عثمان أساء أم أحسن،أصلح أم أفسد،إن الله تعالى ولي خلقه يقضي بينهم و بين عثمان بالعدل و الحق،و لكن سلني عن أبيك و عنك،و عن يزيد و أبيه».

و رأى الطاغية أنه أمام بطل صعب المراس،فقال له:

«لا سألتك عن شي،أو تذوق الموت غصة بعد غصة».

و انبرى إليه ابن عفيف قائلا:

«الحمد لله رب العالمين،أما أني كنت أسأل ربي أن يرزقني الشهادة من قبل أن تلدك أمك،و سألت الله أن يجعلها على يدي ألعن خلقه،و أبغضهم إليه،و لما كف بصري يئست من الشهادة أما الآن و الحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس،و عرفني الإجابة في قديم دعائي».

و التاع الخبيث فأمر جلاديه بضرب عنقه،و صلبه بالسبخة ففعلوا ذلك.

و انتهت حياة هذا البطل العظيم الذي وهب حياته لله،فقاوم المنكر و ناهض الجور،و قال كلمة الحق في أحلك الظروف و أقساها.

العفو عن ابن معقل

كان ابن معقل من المشتركين في ثورة ابن عفيف«فجي به مخفورا إلى ابن زياد فأصدر أمرا بالعفو عنه،و قال له:قد تركناك لابن عمك سفين بن عوف فإنه خير منك.

ص: 88

إلقاء القبض على جندب

و أمر الطاغية بإلقاء القبض على جندب بن عبد الله الأزدي،و هو من أسرة عبد الله بن عفيف و كان من خيار الشيعة و من أصحاب الإمام أمير المؤمنين و جاءت به الشرطة مخفورا فلما مثل عنده صاح به.

«ألست صاحب أبي تراب في صفين؟».

فلم يحفل به البطل العظيم و قال له:

«نعم،و اني لأحبه،و أفتخر به،و أمقتك و أباك،لا سيما الآن،و قد قتلت سبط رسول الله و صحبه و أهله،و لم تخف من العزيز الجبار المنتقم..».

و ثار ابن مرجانة،و قال له:

«إنك لأقل حياء من ذلك الأعمى-يعني ابن عفيف-و إني ما أراني إلا متقربا إلى الله بدمك».

«إذا لا يقربك الله».

و خاف الطاغية من أسرته فخلى عنه،و قال:إنه شيخ ذهب عقله و خرف.

الطاغية مع قيس

و حضر قيس بن عباد في مجلس الطاغية،فقال له أمام جلاوزته:

«ما تقول فيّ و في الحسين؟»

«اعفني..».

«لتقولن»:

«يجي أبوه يوم القيامة فيشفع له،و يجي أبوك فيشفع لك»و استشاط ابن زياد

ص: 89

غضبا فصاح به:

«قد علمت غشك و خبثك،لئن فارقتني يوما لأضعن بالأرض أكثرك شعرا».

و فرض عليه الرقابة و الإقامة الجبرية في الكوفة.

تقوير الرأس الشريف

و أمر سليل الخيانة و الغدر ابن مرجانة بتقوير رأس الإمام عليه السّلام فتحاماه الناس، و لم يجسر أحد إلى الإقدام عليه سوى طارق بن مبارك فأخذ الرأس الشريف و مثل به و قطع منه بعض الأجزاء فقام عمرو بن حريث فقال لابن زياد:

«قد بلغت حاجتك من هذا الرأس،فهب لي ما ألقيت منه».

«و ما تصنع به؟».

«أواريه».

فسمح له بذلك فأخذ القطع من رأس الإمام و لفها في خرقة و دفنها في داره التي تعرف بدار عمرو بن حريث.

الطواف بالرأس العظيم

و أمر ابن مرجانة أن يطاف برأس الإمام في جميع شوارع الكوفة و أزقتها و كان المنادي ينادي.و قد أراد بذلك إعلان النصر و إذلال شيعة الإمام،و لم يدر في خلده انه قد أوسع المجال بذلك لنشر دعوة الإمام و إتمام رسالته،فقد كان رأس الإمام يوحي للمسلمين كيف يجب أن تعلو كلمة الحق،و كيف تصان رسالة الإسلام.

و على أي حال فقد طيف برأس ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله أمام أولئك الذين يدعون الإسلام و لم يهبوا للأخذ بثأره،يقول دعبل الخزاعي:

ص: 90

رأس ابن بنت محمد و وصيه يا للرجال على قناة يرفع

و المسلمون بمنظر و بمسمع لا جازع من ذا و لا متخشع

لقد تخدر المسلمون بشكل رهيب ففقدوا ذاتياتهم،و أصبحوا أعصابا رخوة خالية من الشعور و الإحساس.

حبس عقائل الوحي

و أمر الطاغية ابن مرجانة بحبس عقائل الوحي و مخدرات الرسالة،و لما جي بهن إلى السجن كانت الشوارع مكتظة بالرجال و النساء،و هن يضربن الوجوه و يبكين أمرّ البكاء-حسبما يقول الإمام زين العابدين-و أدخلت بنات رسول الله صلّى اللّه عليه و آله إلى السجن و قد ضيق عليهن أشد التضييق،و قد رفضت حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و آله أن تقابلها أي امرأة حرة و قالت:

«لا تدخل علينا إلا أم ولد أو مملوكة فإنهن سبين و قد سبينا».

و ألقي على بنات رسول الله صلّى اللّه عليه و آله حجر قد ربط فيه كتاب جاء فيه أن البريد قد سار بأمركم إلى يزيد،فإن سمعتم التكبير فأيقنوا بالهلاك و ان لم تسمعوا بالتكبير فهو الأمان،و حددوا لمجي الكتاب وقتا،و ذعرت النساء كأشد ما يكون الذعر،و قبل قدوم البريد بيومين ألقي عليهم حجر آخر فيه كتاب جاء فيه«أوصوا و اعهدوا فقد قارب وصول البريد»و بعد انتهاء المدة جاء أمر يزيد بحمل الأسرى إلى دمشق و تنص بعض المصادر أن يزيد كان عازما على استئصال جميع نسل الإمام أمير المؤمنين إلا انه بعد ذلك عدل عن نيته و عفا عنهم.

اختطاف علي بن الحسين عليه السلام

و اختطف بعض الكوفيين الإمام زين العابدين و أخفاه في داره،و جعل يكرمه

ص: 91

و يحسن إليه،و كان كلما دخل عليه يجهش بالبكاء فظن الإمام به خيرا إلا أنه لم تمض إلا فترة يسيرة من الزمن حتى نادى منادي ابن زياد من وجد علي بن الحسين و أتى به فله ثلاث مائة درهم فلما سمعه الكوفي أسرع إلى الإمام فجعل في عنقه حبلا و ربط يديه بالحبل و سلمه إليهم و أخذ الدراهم.و هذه البادرة الغريبة تعطينا صورة عن مدى تهالك ذلك المجتمع على المادة و تفانيه في الحصول عليها بأي طريق كان.

ندم ابن سعد

و ندم الخبيث الدنس عمر بن سعد كأشد ما يكون الندم على اقترافه لتلك الجريمة النكراء و قد سأله بعض خواصه عند رجوعه من كربلاء عن حاله فقال:

«ما رجع أحد إلى أهله بشر مما رجعت به أطعت الفاجر الظالم ابن زياد، و عصيت الحكم العدل،و قطعت القرابة الشريفة و ارتكبت الأمر العظيم».

و ماذا يفيده الندم بعد ما سفك دماء العترة الطاهرة،و قطع أواصر القربى التي أمر الله بمودتها.

ابن زياد يطالب ابن سعد بالكتاب

و تعرض ابن زياد لحملة انتقادية واسعة النطاق من جميع الأوساط،و قد رام أن يجعل تبعة ذلك على ابن سعد فهو المسؤول عن اقتراف هذه الجريمة دونه،فبعث خلفه و قال له:

-علي بالكتاب.

-مضيت لأمرك وضاع الكتاب.

ص: 92

-لتجئني به.

-بعثته و الله ليقرأ على عجائز قريش اعتذارا إليهن،أما و الله لقد نصحتك في الحسين نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص لكنت قد أديت حقه و كان في المجلس عثمان بن زياد فقال لأخيه عبيد الله:

«صدق و الله لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا و في أنفه خزامة إلى يوم القيامة و ان الحسين لم يقتل».

و سكت الطاغية و لم يجبه بشي أما الكتاب الذي بعثه ابن سعد إلى يثرب ليتقي به اللعنات التي تنصب عليه،و يحمل الذنب على أميره و سيده ابن مرجانة فهذا نصه:

«من عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد،أما بعد:فإني لم أبعثك إلى حسين لتكف عنه،و لا لتطاوله و لا لتمنيه السلامة و البقاء،و لا لتقعد له عندي شافعا،انظر فإن نزل حسين و أصحابه على حكمي و استسلموا فابعث بهم إلي سلما،و إن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم،و تمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون،فإن قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره و ظهره فإنه عاق شاق قاطع ظلوم..فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع،و إن أنت أبيت فاعتزل عملنا و جندنا،و خلّ بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر فإنا قد أمرناه بأمرنا».

التنديد بابن زياد

اشارة

و ندد بالطاغية بقتله لريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله القريب و البعيد و فيما يلي بعضهم:

1-مرجانة

و سخطت مرجانة على ولدها الباغي الأثيم على اقترافه لهذه الجريمة النكراء فقالت له:

ص: 93

«يا خبيث قتلت ابن رسول الله،و الله لا رأيت وجه الله أبدا».

2-عثمان بن زياد

و أنكر على الطاغية أخوه عثمان بن زياد و قال له:«و الله لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا و في أنفه خزامة إلى يوم القيامة و ان الحسين لم يقتل».

3-معقل بن يسار

و ممن نقم على ابن مرجانة معقل بن يسار فقد انتقده انتقادا لاذعا،و ندد به و هجره.

لقد كان قتل الإمام من الأحداث الجسام التي اهتز من هولها العالم الإسلامي، و قد استعظمه المسلمون كأشد ما يكون الاستعظام،فقد انتهكت فيه حرمة الرسول صلّى اللّه عليه و آله التي هي أولى بالرعاية و العطف من كل شيء.

الانكار على ابن سعد:

و أنكر الناس على ابن سعد جريمته النكراء،فبغضوه و نبذوه،و كان كلما مر على ملأ من الناس لعنوه و إذا دخل الجامع خرجوا منه.

الاستياء الشامل:

و أحدث قتل الإمام استياء شاملا في جميع الأوساط،يقول الحصين بن عبد الرحمن السلمي لما جاءنا قتل الحسين مكثنا ثلاثة أيام كأن وجوهنا قد طليت

ص: 94

رمادا.

و يقول هبيرة بن خزيمة:أخبرت الربيع بن خثيم بقتل الحسين فتغير و قرأ قوله تعالى: اَللّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ثم قال:

«لقد قتلوا فتية لو رآهم رسول الله صلّى اللّه عليه و آله لأحبهم و أطعمهم بيده و أجلسهم على فخذه».

و أخبر الحسن البصري بقتل الحسين فبكى حتى اختلج جنباه و قال:«و اذلاه لأمة قتل ابن دعيها-يعني ابن مرجانة-ابن نبيها و الله لينتقمن له جده و أبوه من ابن مرجانة»و قال عمرو بن بعجة:

«أول ذل دخل على العرب قتل الحسين و ادعاء زياد».

لقد التاع المسلمون كأشد ما يكون الالتياع حزنا و ألما على قتل ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و بكوا أمر البكاء فكان الإمام الشافعي يبكي أشد البكاء و يتلو هذه الأبيات:

تأوب همي و الفؤاد كئيب و أرق عيني و الرقاد غريب

و مما نفى نومي و شيب لمتي تصاريف أيام لهن خطوب

تزلزلت الدنيا لآل محمد و كادت لها صم الجبال تذوب

فمن مبلغ عني الحسين رسالة و ان كرهتها أنفس و قلوب

قتيل بلا جرم كأن قميصه صبيغ بماء الأرجوان خضيب

صلي على المختار من آل هاشم و تنزى بنيه ان ذا لعجيب

لئن كان ذنبي حب آل محمد فذلك ذنب لست منه أتوب

هم شفعائي يوم حشري و موقفي و حبهم للشافعي ذنوب

و قد اجتاز الشاعر ابن الهبارية بكربلاء فجعل يبكي على الحسين و أهله و نظم هذه الأبيات:

أحسين و المبعوث جدك بالهدى قسما يكون الحق عنه مسائلي

ص: 95

لو كنت شاهد كربلاء لبذلت في تنفيس كربك جهد بذل الباذل

و سقيت حد السيف من أعدائكم عللا وحد السمهري الذابل

لكنني أخرت عنك لشقوتي فبلابلي بين الغري و بابل

هبني حرمت النصر من أعدائكم فاقل من حزن و دمعي سائل

يقول المؤرخون إنه نام في مكانه فرأى رسول الله صلّى اللّه عليه و اله في منامه و قال له:جزاك الله عني خيرا فابشر فإن الله قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين.

ص: 96

ندم أهل الكوفة

اشارة

و ندم أهل الكوفة كأشد ما يكون الندم ألما و حزنا على ما اقترفوه من عظيم الإثم،فهم الذين ألحوا على الإمام بوفودهم و رسائلهم بالقدوم إليهم فلما وافاهم خذلوه و قتلوه،و ممن أظهر الندم منهم:

1-البراء بن عازب

و ندم على تركه لنصرة الإمام البراء بن عازب،فقد قال له الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:

«أيقتل الحسين و أنت حي فلا تنصره؟»

«لا كان ذلك يا أمير المؤمنين».

و لما قتل الإمام كان البراء يذكر قول الإمام له و هو يتحسر و يقول:أعظم بها حسرة إذ لم أشهده و لم أقتل دونه.

2-المسيب بن نجبة

و كان المسيب بن نجبة من أشد الناس حسرة على عدم شهادته بين يدي ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله،و قد أعلن ندمه في خطابه الذي ألقاه على جموع التوابين فقد جاء فيه:

ص: 97

«فقد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا فوجدنا الله كاذبين في كل موطن من مواطن ابن بنت نبيه صلّى اللّه عليه و آله و قد بلغنا قبل ذلك كتبه و رسله،و أعذر إلينا،فسألنا نصره عودا و بدءا و علانية،فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتل إلى جانبنا،لا نحن نصرناه بأيدينا و لا جادلنا عنه بألسنتنا،و لا قويناه بأموالنا و لا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا فما عذرنا عند ربنا،و عند لقاء نبينا،و قد قتل فينا ولد حبيبه و نسله،لا و الله لا عذر دون أن تقتلوا قاتله و المؤلبين عليه أو تقتلوا في طلب ذلك فعسى ربنا أن يرضى عنا عند ذلك و لا أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن».

و قد صورت هذه الكلمات مدى الأسى و الحزن في نفس المسيب على ما فاته من شرف التضحية مع الإمام.

3-سليمان بن صرد

و ممن حزن أعمق الحزن على تركه لنصرة الإمام سليمان بن صرد فقد أخذ الألم يحز في نفسه و قد خطب في أصحابه من التوابين و قال في جملة خطابه:

«إنا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل بيت نبينا محمد صلّى اللّه عليه و آله نمنيهم النصر و نحثهم على القدوم لما قدموا و نينا و عجزنا و أدهنا و تربصنا حتى قتل فينا ولد نبينا و سلالته و عصارته،و بضعة من لحمه و دمه،إذ جعل يستصرخ و يسأل النصف فلا يعطى اتخذه الفاسقون غرضا للنبل و دريئة للرماح حتى اقصدوه و عدوا عليه فسلبوه».

4-عبد الله بن الحر

و من أشد النادمين حسرة و أعظمهم أسى عبد الله بن الحر الجعفي الذي قصده الإمام و طلب منه النصرة فبخل بنفسه،و قد أخذته خلجات حادة من تأنيب الضمير

ص: 98

على تركه لنصرته،و قد نظم أساه و حزنه بهذه الأبيات:

فيا لك حسرة ما دمت حيا تردد بين صدري و التراقي

غداة يقول لي بالقصر قولا أتتركنا و تزمع بالفراق

حسين حين يطلب بذل نصري على أهل العداوة و الشقاق

فلو فلق التلهف قلب حر لهمّ اليوم قلبي بانفلاق

و لو واسيته يوما بنفسي لنلت كرامة يوم التلاق

مع ابن محمد تفديه نفسي فودع ثم أسرع بانطلاق

لقد فاز الألى نصروا حسينا و خاب الآخرون ذو و النفاق

و قد صور ابن الحر في شعره ما تفيض به نفسه من الألم العميق فهو ما دام حيا تحز في نفسه الحسرات على ما فاته من شرف الشهادة بين يدي ابن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و انه لو نصره لفاز بالجنان،كما عرض لغبطته لأصحاب الحسين الذين فدوه بنفوسهم فقد ظفروا بالأجر الجزيل و المقام العظيم عند الله.

هؤلاء بعض النادمين على تركهم لنصرة الإمام عليه السّلام و عدم فوزهم بالشهادة بين يديه و حينما أتيحت الفرصة ثاروا مع التوابين في الكوفة (1).3.

ص: 99


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:248/3.

الهجرة من الكوفة

و كره سكنى الكوفة بعض الأخيار من المتحرجين في دينهم بعد ما عمد أهلها إلى قتل ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و كان من بينهم عبد الرحمن القضاعي،فقد هجر الكوفة و سكن البصرة و قال:لا أسكن بلدا قتل فيه ابن بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و آله.لقد أثارت مذبحة كربلاء موجة عاتية من الهلع و الجزع في جميع أوساط الكوفة، و استبان لأهلها عظم الجريمة التي اقترفوها،و بهذا ينتهي بنا الحديث عن دخول سبايا أهل البيت إلى الكوفة و ما رافق ذلك من الأحداث.

سبايا آل الرسول عليهم السلام في دمشق

اشارة

و عانت عقائل الوحي و مخدرات الرسالة جميع ضروب المحن و البلاء في تلك الأيام السود التي مرّت عليهن في الكوفة،فقد عانين مرارة الاعتقال في السجن و شماتة الأعداء و ذل الأسر في بلد كانت موطنا لشيعتهم و مركزا لدعوتهم،و كن في حالة مشجية تذوب من هولها النفوس...و نعرض إلى سير الأحداث الأليمة التي جرت عليهن حينما أرسلن إلى دمشق. (1)

ص: 100


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:250/3.

تسيير الرؤوس

و أمر ابن مرجانة بتسيير رؤوس العترة الطاهرة إلى دمشق لتعرض على أهل الشام كما عرضت على أهل الكوفة لتمتلى قلوب الناس فزعا و خوفا من بني أمية و ليكونوا عبرة لكل من تحدثه نفسه بالخروج عليهم،و قد سيرت مع زجر بن قيس الجعفي و أبي بردة بن عوف الأزدي،و طارق بن ظبيان الأزدي.

تسريح العائلة النبوية

و سرحت عائلة آل النبي صلّى اللّه عليه و آله مع محفر بن ثعلبة من عائذة قريش و شمر بن ذي الجوشن،و قد أوثقت بالحبال،و أركبت على أقتاب الجمال و هن بحالة تقشعر منها الأبدان،يقول عبد الباسط الفاخوري:

«ثم إن عبيد الله جهز الرأس الشريف و علي بن الحسين و من معه من حرمه بحالة تقشعر منها و من ذكرها الأبدان و ترتعد منها مفاصل الإنسان بل فرائص الحيوان».

تشييع أهل الكوفة للأسرى

و خرجت الكوفة بجميع طبقاتها لتوديع ركب أهل البيت و هم ما بين باك و نائح و قد غصت طرق الكوفة بالناس و هم يبكون عامة الليل،فلم تتمكن القافلة أن تسير من كثرة الزحام فاستغرب الإمام زين العابدين عليه السّلام منهم و راح يقول:«هؤلاء قتلونا و يبكون علينا!!».

و عجت نساء همدان بالبكاء و النياحة و علا منهن الصراخ و العويل و أمر شمر

ص: 101

بن ذي الجوشن أن يغل الإمام زين العابدين بغل في عنقه فغل و انطلقوا بالأسرى حتى التحقوا بالقافلة التي معها الرؤوس،و لم يتكلم الإمام زين العابدين مع الجفاة بكلمة واحدة،و لا طلب منهم أي شيء طيلة الطريق و سارت القافلة لا تلوي على شيء حتى انتهت إلى القرب من دمشق فأقيمت هناك حتى تتزين البلد بمظهر الزهو و الأفراح.

تزيين الشام

قال السيد القرشي:و أمرت حكومة دمشق الدوائر الرسمية و شبه الرسمية و المحلات العامة و الخاصة بإظهار الزينة و الفرح للنصر الذي أحرزته في قتل ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و سبي ذريته،و يصف بعض المؤرخين تلك الزينة بقوله:

«و لما بلغوا-أي أسارى أهل البيت-ما دون دمشق بأربعة فراسخ،استقبلهم أهل الشام و هم ينثرون النثار فرحا و سرورا حتى بلغوا بهم قريب للبلد فوقفوهم عن الدخول ثلاثة أيام و حبسوهم هناك حتى تتوفر زينة الشام،و تزويقها بالحلي و الحلل و الحرير و الديباج و الفضة و الذهب،و أنواع الجواهر على صفة لم ير الراؤون مثلها لا قبل ذلك اليوم و لا بعده،ثم خرجت الرجال و النساء و الأصاغر و الأكابر و الوزراء و الأمراء و اليهود و المجوس و النصارى،و سائر الملل إلى التفرج و معهم الطبول و الدفوف و البوقات و المزامير،و سائر الآلات اللهو و الطرب،و قد كحلوا العيون و خضبوا الأيدي،و لبسوا أفخر الملابس و تزينوا أحسن الزينة و لم ير الراؤون أشد احتفالا و لا أكثر اجتماعا منه،حتى كأن الناس كلهم قد حشروا جميعا في صعيد دمشق».

لقد أظهر ذلك المجتمع الذي تربى على بغض أهل البيت جميع ألوان السرور و الفرح بما أصابهم من القتل و السبي و جي بالرأس العظيم وسط هالة من التهليل

ص: 102

و التكبير على هذا النصر الذي أحرزه حفيد أبي سفيان و كان خالد بن صفوان أو غفران في دمشق حينما أتي برأس الإمام فأظهر الجزع و البكاء و اختفى عن الناس لئلا تقبض عليه عيون بني أمية،و هو يقول:

جاءوا برأسك يا بن بنت محمد متزملا بدمائه تزميلا

و كأنما بك يابن بنت محمد قتلوا جهارا عامدين رسولا

قتلوك عطشانا و لم يترقبوا في قتلك التأويل و التنزيلا

و يكبرون بأن قتلت و إنما قتلوا بك التكبير و التهليلا

و يقول سهل بن سعد:خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار قد علقت عليها الحجب و الديباج و الناس فرحون مستبشرون و عندهم نساء يلعبن بالدفوف و الطبول فقلت في نفسي:إن لأهل الشام عيدا لا نعرفه فرأيت قوما يتحدثون فقلت لهم:

«ألكم بالشام عيد لا نعرفه؟».

«نراك يا شيخ غريبا».

«أنا سهل بن سعد قد رأيت رسول الله».

«يا سهل ما أعجبك أن السماء لا تمطر دما و الأرض لا تنخسف بأهلها!!».

«و ما ذاك؟».

«هذا رأس الحسين يهدى من أرض العراق!!».

«وا عجبا يهدى رأس الحسين و الناس يفرحون من أي باب يدخل».

و أشاروا إلى باب الساعات،فأسرع سهل إليها،و بينما هو واقف و إذا بالرايات يتبع بعضها بعضا،و إذا بفارس بيده لواء منزوع السنان،و عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول الله صلّى اللّه عليه و آله و هو رأس ريحانته الحسين،و خلفه السبايا محمولة على جمال بغير و طاء،و بادر سهل إلى إحدى النسوة فسألها:

-من أنت؟

ص: 103

-أنا سكينة بنت الحسين.

-ألك حاجة؟فأنا سهل صاحب جدك رسول الله صلّى اللّه عليه و آله.

-قل لصاحب هذا الرأس أن يقدمه أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه،و لا ينظرون إلى حرم رسول الله صلّى اللّه عليه و آله.

و أسرع سهل إلى حامل الرأس فأعطاه أربعمائة درهم فباعد الرأس عن النساء.

و في مقتل الخوارزمي عن سهل بن سعد قال:خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار قد علقوا الستور و الحجب و الديباج،و هم فرحون مستبشرون،و عندهم نساء يلعبن بالدفوف و الطبول،فقلت في نفسي:لعل لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن،فرأيت قوما يتحدثون.

فقلت:يا هؤلاء ألكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟!قالوا:يا شيخ نراك غريبا!

فقلت:أنا سهل بن سعد،قد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و حملت حديثه.

فقالوا:يا سهل ما أعجبك السماء لا تمطر دما!و الأرض لا تخسف بأهلها!

قلت:و لم ذاك؟فقالوا هذا رأس الحسين عترة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يهدى من أرض العراق إلى الشام و سيأتي الان.

قلت:وا عجبا ايهدى رأس الحسين و الناس يفرحون؟!فمن أيّ باب يدخل؟

فأشاروا إلى باب يقال له:باب الساعات،فسرت نحو الباب،فبينما أنا هنالك،إذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضا،و إذا أنا بفارس بيده رمح منزوع السنان،و عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول اللّه،و إذا بنسوة من ورائه على جمال بغير وطاء (1).1.

ص: 104


1- مقتل الخوارزمي 60/2-61.

اخبار الخليفة يزيد بقتل الحسين عليه السلام

روى الطبري بسنده و قال:لما قتل الحسين و جئ بالاثقال و الأسارى حتى وردوا بهم الكوفة إلى عبيد اللّه فبينا القوم محتبسون،إذ وقع حجر في السجن معه كتاب مربوط و في الكتاب خرج البريد بأمركم في يوم كذا و كذا إلى يزيد بن معاوية و هو سائر كذا و كذا يوما،و راجع في كذا و كذا،فإن سمعتم التكبير فأيقنوا بالقتل، و ان لم تسمعوا تكبيرا فهو الأمان إن شاء اللّه،قال:فلما كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة إذا حجر قد ألقي في السجن،و معه كتاب مربوط و موسى،و في الكتاب أوصوا و أعهدوا فإنما ينتظر البريد يوم كذا و كذا،فجاء البريد و لم يسمع التكبير،و جاء كتاب بأن سرح الأسارى إلي (1).

ارسال أسارى آل البيت عليه السلام إلى عاصمة الخلافة بالشام

روى الطبري أيضا و قال:إن عبيد اللّه أمر بنساء الحسين و صبيانه فجهزن و أمر بعلي بن الحسين فغل بغل إلى عنقه،ثم سرح بهم مع محفز بن ثعلبة العائذي عائذة قريش،و مع شمر بن ذي الجوشن،فانطلقا بهم حتى قدموا على يزيد،فلم يكن علي بن الحسين يكلم أحدا منهما في الطريق كلمة حتى بلغوا.

و في فتوح ابن أعثم،قال:دعا ابن زياد زحر بن قيس الجعفي،فسلم إليه رأس الحسين بن علي رضي اللّه عنهما،و رؤوس اخوته و رأس علي بن الحسين و رؤوس أهل بيته و شيعته،رضي اللّه عنهم أجمعين.

ص: 105


1- معالم المدرستين للعسكري:154/3.

و دعا علي بن الحسين(أيضا-)فحمله و حمل أخواته و عماته و جميع نسائهم إلى يزيد بن معاوية،قال:فسار القوم بحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الكوفة إلى بلاد الشام على محامل بغير وطاء من بلد إلى بلد،و من منزل إلى منزل،كما تساق أسارى الترك و الديلم (1).

استقبال خليفة المسلمين رؤوس آل رسول اللّه عليه السلام و أنصارهم

في تذكرة سبط ابن الجوزي،روى عن الزهري،قال:لما جاءت الرؤوس كان يزيد في منظرة على ربا جيرون فأنشد لنفسه:

لما بدت تلك الحمول و أشرقت تلك الشموس على ربا جيرون

نعب الغراب فقلت صح أولا تصح فلقد قضيت من الغريم ديوني (2)

حاجة أم كلثوم إلى شمر:

في مثير الأحزان و اللهوف،أنهم لما قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من شمر و قالت له:-لي إليك حاجة.

فقال:ما حاجتك؟قالت:إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة،و تقدم إليهم ان يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل و ينحونا عنها،فقد خزينا من كثرة النظر إلينا و نحن في مثل هذه الحال.

فأمر في جواب سؤالها ان يجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل و سلك بهم بين النظارة حتى أتى بهم باب دمشق (3).

ص: 106


1- فتوح ابن أعثم 236/5 و قريب منه نص الطبري ط اروبا 374/2-375.
2- تذكرة الخواص 148/2 و جيرون كان خارج دمشق راجع مادة جيرون من معجم البلدان.
3- مثير الأحزان ص 77،اللهوف ص 67.

حاجة سكينة

قال سهل:فدنوت من إحداهن فقلت:يا جارية من أنت؟فقالت:سكينة بنت الحسين.

فقلت لها:ألك حاجة إلي؟فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك و سمع حديثه.

قالت:يا سهل قل لصاحب الرأس:أن يتقدم بالرأس امامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه فلا ينظرون إلينا!فنحن حرم رسول اللّه،قال:فدنوت من صاحب الرأس و قلت له:هل لك أن تقضي حاجتي و تأخذ مني أربعمائة دينار؟!

قال:و ما هي؟

قلت:تقدم الرأس أمام الحرم،ففعل ذلك و دفعت له ما وعدته (1).

الشامي مع زين العابدين

قال السيد القرشي:و انبرى شيخ قد ضللته الدعايات الكاذبة فأخذ يشق الصفوف الحاشدة حتى انتهى إلى الإمام زين العابدين فرفع عقيرته قائلا:

«الحمد لله الذي أهلككم و أمكن الأمير منكم».

و بصر به الإمام فرآه مخدوعا قد خفي عليه الحق فقال له:

-يا شيخ قرأت القرآن؟

-بلى.

-أقرأت قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى و قوله تعالى:

ص: 107


1- مقتل الخوارزمي 60/2-61.

وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ و قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى (1)و تهافت الشيخ فقال بصوت خافت:«نعم قرأت ذلك».

قال له الإمام:نحن و الله القربى في هذه الآيات،يا شيخ أقرأت قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

«بلى.»

«نحن أهل البيت الذين خصهم الله بالتطهير».

و سرت الرعدة في أوصال الشيخ و جمد دمه،و قال للإمام بنبرات مرتعشة:

«بالله عليكم أنتم هم؟».

«و حق جدنا رسول الله صلّى اللّه عليه و آله إنا لنحن هم من غير شك».

و ود الشيخ أن الأرض قد وارته،و لم يقل تلك الكلمات القاسية و ألقى بنفسه على الإمام و هو يوسع يديه تقبيلا،و دموعه تجري على سحنات وجهه قائلا:

«أبرأ إلى الله ممن قتلكم».

و طلب الشيخ من الإمام أن يمنحه العفو و الرضا فعفا عنه و كانت الأكثرية الساحقة من أهل الشام على غرار هذا الشيخ قد ضللتهم الدعاية الأموية،و حجبتهم عن معرفة أهل البيت عليهم السلام (2).

و روى ابن أعثم و غيره (3)و اللفظ لابن أعثم،قال:و أتي بحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آلهق.

ص: 108


1- الأنفال:41.
2- حياة الإمام الحسين للقرشي:253/3.
3- في تاريخ ابن أعثم ج 242/5-243،و أوردها الطبري متفرقة في تفسير الآيات بتفسيره و بعضه بتفسير ابن كثير 112/4،و مقتل الخوارزمي 61/2،و يختلف سياق اللهوف ص 67، و أمالي الصدوق ص 116 مع هذا السياق. كان باب توما في الشمال الشرقي من مدينة دمشق،راجع الخريطة الملحقة بالمجلدة الثانية من تأريخ دمشق.

حتى أدخلوا مدينة دمشق من باب يقال له:باب توما،ثم أتي بهم حتى وقفوا على درج باب المسجد حيث يقام السبي و إذا شيخ قد اقبل حتى دنا منهم و قال:الحمد للّه الذي قتلكم و أهلككم و أراح الرجال من سطوتكم و أمكن أمير المؤمنين منكم!

فقال له علي بن الحسين:يا شيخ هل قرأت القرآن؟فقال:نعم قد قرأته،قال:

فعرفت هذا الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (1).

قال الشيخ:قد قرأت ذلك،قال علي بن الحسين رضي اللّه عنه:فنحن القربى يا شيخ قال:فهل قرأت في سورة بني إسرائيل وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ (2)

قال الشيخ:قد قرأت ذلك،قال علي رضي اللّه عنه:نحن القربى يا شيخ،و لكن هل قرأت هذه الآية وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى (3).

قال الشيخ:قد قرأت ذلك،قال علي (4):فنحن ذو القربى يا شيخ و لكن هل قرأت هذه الآية إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (5).

قال الشيخ:قد قرأت ذلك.

قال علي عليه السّلام:فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية التطهير.

قال:فبقي الشيخ ساعة ساكتا نادما على ما تكلمه ثم رفع رأسه إلى السماء و قال:اللهم إني تائب إليك مما تكلمته و من بغض هؤلاء القوم،اللهم إني أبرأ إليك من عدو محمد و آل محمد من الجن و الإنس.3.

ص: 109


1- سورة الشورى آية 23.
2- سورة الإسراء الآية 26.
3- سورة الأنفال الآية 41.
4- هكذا ورد في النسخة.
5- سورة الأحزاب 33.

سرور يزيد

و غمرت الأفراح و المسرات يزيد حينما و افاه النبأ بمقتل الإمام و كان في بستانه الخضراء فكبر تكبيرة عظيمة و لما جي بالسبايا كان مطلا على منظر في جيرون، فلما نظر إلى السبايا و الرؤوس قد وضعت على الحراب امتلأ سرورا و راح يقول:

لما بدت تلك الحمول و أشرفت تلك الرؤوس على شفا جيرون

نعب الغراب فقلت:قل أو لا تقل فلقد قضيت من الرسول ديوني

لقد روى حفيد أبي سفيان أحقاده و استوفى ثأره من ابن فاتح مكة و محطم أوثان قريش فقد قتل العترة الطاهرة و سبى ذراريها تشفيا و انتقاما من النبي صلّى اللّه عليه و آله.

رأس الإمام بين يدي يزيد

و حمل محفر بن ثعلبة العائذي و شمر بن ذي الجوشن رأس ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله هدية إلى الفاجر يزيد بن معاوية،و لما انتهيا إلى البلاط الأموي رفع محفر عقيرته ليسمعه يزيد قائلا:

«جئنا برأس أحمق الناس و ألأمهم».

فأنكر عليه يزيد ورد عليه:

«ما ولدت أم محفر ألأم و أحمق،و لكنه قاطع ظلوم».

و أذن يزيد للناس اذنا عاما ليظهر لهم أنه قهر آل النبي صلّى اللّه عليه و آله و ازدحم أهل الشام على القصر و هم يعلنون فرحتهم الكبرى،و يهنؤنه بهذا النصر الكاذب و وضع رأس ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله بين يدي سليل الخيانة و الإجرام فجعل ينكت بمخصرته ثغره الذي طالما كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يترشفه،و جعل يقول متشفيا و شامتا:

ص: 110

«قد لقيت بغيك يا حسين».

ثم التفت إلى من كان معه فقال لهم:«ما كنت أظن أبا عبد الله قد بلغ هذا السن، و إذا لحيته و رأسه قد نصلا من الخضاب الأسود»و تأمل في وجه الإمام فغمرته هيبته فطفق يقول:

«ما رأيت مثل هذا الوجه حسنا قط!!».

و راح يوسع ثغر الإمام بالضرب و هو يقول:إن هذا و إيانا كما قال الحصين بن الحمام:

أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت قواضب في ايماننا تقطر الدما

يفلقن هاما من رجال أعزة علينا و هم كانوا أعق و أظلما

و لم يتم كلامه حتى أنكر عليه أبو برزة الأسلمي فقال له:

«أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين؟أما لقد أخذ قضيبك في ثغره مأخذا لقد رأيت رسول الله صلّى اللّه عليه و آله يرشفه،أما إنك يا يزيد تجي يوم القيامة و ابن زياد شفيعك،و يجي هذا و محمد صلّى اللّه عليه و آله شفيعه».

ثم قام منصرفا و اندفع يحيى بن الحكم متأثرا و هو يقول:

لهام بجنب الطف أدنى قرابة من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل

أمية أمسى نسلها عدد الحصى و بنت رسول الله ليس لها نسل

فالتاع الطاغية منه و دفع في صدره،و قال له:اسكت لا أم لك لقد تأثر كل من يملك ضميرا حيا من المصائب الأليمة التي صبها الطاغية على آل البيت (1).

و في فتوح ابن أعثم و غيره و اللفظ لابن أعثم،قال:وضع رأس الحسين بين يدي يزيد بن معاوية في طست من ذهب،فدعا بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا3.

ص: 111


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:254/3.

الحسين،و هو يقول:لقد كان أبو عبد اللّه حسن الثغر (1).

قال الطبري و غيره و اللفظ للطبري:فقال رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقال له أبو برزة الأسلمي:أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين!أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذا لربما رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يرشفه!أما انك يا يزيد تجئ يوم القيامة و ابن زياد شفيعك!و يجئ هذا يوم القيامة و محمد شفيعه!ثم قام فولى.

و في اللهوف عن الإمام زين العابدين عليه السّلام،قال:لما أتي برأس الحسين عليه السّلام إلى يزيد كان يتخذ مجالس الشرب و يأتي برأس الحسين و يضعه بين يديه و يشرب عليه فحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الروم و كان من أشراف الروم و عظمائهم،فقال يا ملك العرب هذا رأس من؟فقال له يزيد مالك و لهذا الرأس؟ فقال:إني إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كل شيء رأيته فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس و صاحبه حتى يشاركك في الفرح و السرور.

فقال يزيد:هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب فقال الرومي:و أمه.

فقال:فاطمة بنت رسول اللّه،فقال النصراني:أف لك و لدينك،لي دين أحسن من دينكم ان أبى من حوافد داود عليه السّلام و بيني و بينه آباء كثيرة و النصارى يعظموني و أنتم تقتلون ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما بينه و بين نبيكم إلاّ أم واحدة!فأي دين دينكم (2).

نصب الرأس في جامع دمشق

و بعد ما قضى الأثيم و طره من العبث برأس سيد شباب أهل الجنة نصبه في جامع دمشق في المكان الذي نصب فيه رأس يحيى بن زكريا و قد علق ثلاثة أيام.

ص: 112


1- في فتوح ابن أعثم،241/5"المنطق"،و فى غيره"الثغر"كما أثبتناه.
2- اللهوف،ص 69.

رأس الإمام عند نساء يزيد

و بعث الطاغية برأس ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله إلى نسائه ليظهر مقدرته و زهوه أمامهن،فأخذته عاتكة و طيبته،فأنكر يزيد ذلك و قال:ما هذا؟فقالت له:

«بعثت إلينا برأس عمي شعثا فلممته و طيبته».

ص: 113

السبايا في مجلس يزيد

و سر الطاغية سرورا بالغا بسبايا أهل البيت فأوقفهم موقف السبي بباب المسجد مبالغة في إهانتهم و إذلالهم و عمدت جلاوزته إلى بنات رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و سائر الصبية فربقوهم بالحبال كما تربق الأغنام فكان الحبل في عنق الإمام زين العابدين إلى عنق عمته زينب و باقي بنات رسول الله صلّى اللّه عليه و آله،و كانوا-فيما يقول المؤرخون-كلما قصروا عن المشي أوسعوهم ضربا بالسياط،و جاؤوا بهم على مثل هذه الحالة التي تتصدع من هولها الجبال،و هم يكبرون و يهللون فأوقفوهم بين يدي يزيد فالتفت الإمام زين العابدين فقال له:

«ما ظنك بجدنا رسول الله صلّى اللّه عليه و آله لو يرانا على مثل هذه الحالة؟»فتأثر يزيد و لم يبق أحد في مجلسه إلا بكى و قد تألم الطاغية مما رأى فراح يقول:

«قبح الله ابن مرجانة لو كان بينكم و بينه قرابة لما فعل بكم هذا»ثم أمر بالحبال فقطعت عنهم و التفت إلى علي بن الحسين فقال له:

«إيه يا علي بن الحسين أبوك الذي قطع رحمي،و جهل حقي،و نازعني سلطاني، فصنع الله به ما رأيت».

فأجابه شبل الحسين بكل هدوء و طمأنينة بقوله تعالى: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (1).

ص: 114


1- الحديد:22-23.

و تميز الطاغية غضبا و ذهبت نشوة أفراحه،و تلا قوله تعالى: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فقال له الإمام:

«هذا في حق من ظلم لا في حق من ظلم».

و زوى الإمام بوجهه عنه و لم يكلمه احتقارا له و استهانة بشأنه (1).

و روى الطبري و قال:جلس يزيد بن معاوية و دعا اشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ثم دعا بعلي بن الحسين و صبيان الحسين و نساءه فأدخلوا عليه و الناس ينظرون.

و روى سبط ابن الجوزي و غيره و قالوا:إن الصبيان و الصبيات من بنات رسول اللّه كانوا موثقين في الحبال (2).

و روى الطبري و غيره قالوا:لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد،رأس الحسين و أهل بيته و أصحابه قال يزيد:

يفلقن هاما من رجال أعزة علينا و هم كانوا أعق و أظلما

فقال يحيى بن الحكم أخو مروان:

لهام بجنب الطف أدنى قرابة من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل

سمية أمسى نسلها عدد الحصى و بنت رسول اللّه ليس لها نسل

فضرب يزيد في صدر يحيى و قال:اسكت (3).3.

ص: 115


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:256/3.
2- تذكرة خواص الأمة ص 149،و في اللهوف و مثير الأحزان ص 79 و اللفظ للتذكرة.
3- معالم المدرستين للعسكري:158/3.

خطبة حفيدة رسول اللّه في مجلس الخلافة

اشارة

في مثير الأحزان و اللهوف بعده (1):فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب،فقالت:

الحمد للّه رب العالمين،و صلى اللّه على رسوله و آله أجمعين،صدق اللّه سبحانه حيث يقول: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ.

أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض،و آفاق السماء،فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على اللّه هوانا،و بك عليه كرامة،و ان ذلك لعظم خطرك عنده؟فشمخت بأنفك،و نظرت في عطفك،جذلان مسرورا،حين رأيت الدنيا لك مستوسقة،و الأمور متسقة،و حين صفا لك ملكنا و سلطاننا فمهلا مهلا،أنسيت قول اللّه تعالى:" وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ.

أمن العدل يا ابن الطلقاء،تخديرك حرائرك و إماءك،و سوقك بنات رسول اللّه سبايا، قد هتكت ستورهن،و أبديت وجوههن،تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد،و يستشرفهن أهل المناهل و المعاقل،و يتصفح وجوههن القريب و البعيد،و الدني و الشريف،ليس معهن من حماتهن حمي و لا من رجالهن و لي،و كيف يرتجى مراقبة من لفظ فو؟أكباد الأزكياء،و نبت لحمه من دماء الشهداء،و كيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف و الشنآن،و الإحن و الأضغان،ثم تقول غير متأثم و لا مستعظم:

ص: 116


1- مثير الأحزان ص 80 و اللهوف ص 70.

لأهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل"

منحنيا على ثنايا أبي عبد اللّه سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك و كيف لا تقول ذلك،و قد نكأت القرحة،و استأصلت الشأفة،بإراقتك دماء ذرية محمد صلّى اللّه عليه و آله و نجوم الأرض من آل عبد المطلب و تهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن و شيكا موردهم و لتودن أنك شللت و بكمت و لم تكن قلت ما قلت و فعلت ما فعلت.

اللهم خذ لنا بحقنا،و انتقم ممن ظلمنا،و احلل غضبك بمن سفك دماءنا،و قتل حماتنا.

فو اللّه ما فريت إلاّ جلدك،و لا حززت إلاّ لحمك،و لتردن على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بما تحملت من سفك دماء ذريته و انتهكت من حرمته في عترته و لحمته،حيث يجمع اللّه شملهم،و يلم شعثهم و يأخذ بحقهم،و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتا بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ و حسبك باللّه حاكما،و بمحمد صلّى اللّه عليه و آله خصيما، و بجبريل ظهيرا،و سيعلم من سول لك و مكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا و أيكم شر مكانا و اضعف جندا،و لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك،إني لأستصغر قدرك و استعظم تقريعك،و استكثر توبيخك،و لكن العيون عبرى، و الصدور حرى.

ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب اللّه النجباء،بحزب الشيطان الطلقاء،فهذه الأيدي تنطف من دمائنا،و الأفواه تتحلب من لحومنا و تلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل،و تعفرها أمهات الفراعل و لئن اتخذتنا مغنما،لتجدنا و شيكا مغرما،حين لا تجد إلاّ ما قدمت يداك و ما ربك بظلام للعبيد،و الى اللّه المشتكى و عليه المعول.

فكد كيدك،واسع سعيك،و ناصب جهدك،فو اللّه لا تمحو ذكرنا،و لا تميت و حينا،و لا يرحض عنك عارها،و هل رأيك إلاّ فند و أيامك إلاّ عدد،و جمعك إلا بدد، يوم ينادى المنادي ألا لعنة اللّه على الظالمين.

و الحمد للّه رب العالمين،الذي ختم لأولنا بالسعادة و المغفرة و لآخرنا بالشهادة

ص: 117

و الرحمة،و نسأل اللّه أن يكمل لهم الثواب،و يوجب لهم المزيد و يحسن علينا الخلافة،انه رحيم ودود،و حسبنا و نعم الوكيل".

فقال يزيد:

يا صيحة تحمد من صوائح ما أهون النوح على النوائح (1)

و قال القرشي:و أظهر الطاغية فرحه بإبادته للعترة الطاهرة،فقد حسب أنه قد صفا له الملك و استوسقت له الأمور فأخذ يهز أعطافه جذلان مسرورا،و تمنى حضور القتلى من أهل بيته ببدر ليريهم كيف أخذ بثأرهم و انتقم من النبي صلّى اللّه عليه و آله في ذريته و عترته و راح يترنم بأبيات ابن الزبعري و هو مزهو:

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا:يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم و عدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل

لست من خندف إن لم انتقم من بني أحمد ما كان فعل

و لما سمعت بطلة كربلاء هذه الأبيات التي نمت عن كفره و سروره بقتل عترة النبي صلّى اللّه عليه و آله انتقاما منهم لقتلى بدر و ثبت تزجره،و تطعن كبرياءه،غير حافلة بجبروته و طغيانه،فلم يدركها الهول و الفزع،و إنما كانت مثال الشجاعة فكأنها هي الحاكمة و المنتصرة،و الطاغية هو المخذول و المغلوب على أمره،قالت عليه السّلام:

«الحمد لله رب العالمين،و صلى الله على رسوله و آله أجمعين،صدق الله سبحانه حيث يقول: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (2)أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض و آفاق السماء،0.

ص: 118


1- انظر معالم المدرستين للعسكري:162/3.
2- الروم:10.

فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هوانا،و بك عليه كرامة،و ان ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك و نظرت في عطفك جذلان مسرورا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة و الأمور متسقة و حين صفا لك ملكنا و سلطاننا،فمهلا مهلا لا تطش جهلا،أنسيت قول الله تعالى: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (1).

أمن العدل يابن الطلقاء تخديرك حرائرك و إماءك و سوقك بنات رسول الله صلّى اللّه عليه و آله سبايا قد هتكت ستورهن و أبديت وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد، و يستشرفهن أهل المناهل و المعاقل و يتصفح وجوههن القريب و البعيد،ليس معهن من حماتهن حمي و لا من رجالهن و لي و كيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء،و نبت لحمه من دماء الشهداء،و كيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف و الشنآن و الإحن و الضغان،ثم تقول غير متأثم و لا مستعظم:

لأهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا:يا يزيد لا تشل

منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك و كيف لا تقول ذلك؟و قد نكأت القرحة،و استأصلت الشأفة بإراقتك دماء ذرية محمد صلّى اللّه عليه و آله و نجوم الأرض من آل عبد المطلب،و تهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن و شيكا موردهم و لتودن أنك شللت و بكمت و لم تكن قلت ما قلت و فعلت ما فعلت اللّهم خذلنا بحقنا،و انتقم ممن ظلمنا و احلل غضبك بمن سفك دماءنا و قتل حماتنا.

فو الله ما فريت إلا جلدك،و لا حززت إلا لحمك،و لتردن على رسول الله صلّى اللّه عليه و آله بما تحملت من سفك دماء ذريته،و انتهكت من حرمته في عترته و لحمته،حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم،و يأخذ بحقوقهم:8.

ص: 119


1- آل عمران:178.

وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (1) .

و حسبك بالله حاكما،و بمحمد خصيما،و بجبرئيل ظهيرا،و سيعلم من سول لك و مكنك من رقاب المسلمين،بئس للظالمين بدلا و أيكم شر مكانا و أضعف جندا.

و لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك أني لأستصغر قدرك،و أستعظم تقريعك، و أستكثر توبيخك،لكن العيون عبرى و الصدور حرى فالعجب كل العجب!!لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء،فهذه الأيدي تنظف من دمائنا و الأفواه تتحلب من لحومنا،و تلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل و تعفرها أمهات الفراعل و لئن اتخذنا مغنما،لتجدنا و شيكا مغرما،حين لا تجد إلا ما قدمت يداك و ما ربك بظلام للعبيد،و إلى الله المشتكى و عليه المعول.

فكد كيدك،واسع سعيك،و ناصب جهدك،فو الله لا تمحو ذكرنا،و لا تميت و حينا و لا يرخص عنك عارها،و هل رأيك إلا فند و أيامك إلا عدد،و جمعك إلا بدد،يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين.

و الحمد لله رب العالمين،الذي ختم لأولنا بالسعادة و المغفرة و لآخرنا بالشهادة و الرحمة،و نسأل الله أن يكمل لهم الثواب،و يوجب لهم المزيد و يحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود،و حسبنا الله و نعم الوكيل».

و هذا الخطاب أروع خطاب أثر في الإسلام،و هو من متممات النهضة الحسينية الخالدة،فقد دمرت فيه حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و آله جبروت الطاغية،و ألحقت به الهزيمة و العار،و عرفته أن دعاة الحق لا تنحني جباههم أمام الطغاة و الظالمين،يقول الإمام كاشف الغطاء:

«أتستطيع ريشة أعظم مصور و أبدع ممثل أن يمثل لك حال يزيد و شموخه بأنفه و زهوه بعطفه و سروره و جذله باتساق الأمور،و انتظام الملك و لذة الفتح9.

ص: 120


1- آل عمران:169.

و الظفر و التشفي و الانتقام-بأحسن من ذلك التصوير و التمثيل-و هل في القدرة و الإمكان لأحد أن يدفع خصمه بالحجة و البيان و التقريع و التأنيب..و يبلغ ما بلغته سلام الله عليها بتلك الكلمات و هي على الحال الذي عرفت ثم لم تقتنع منه بذلك حتى أرادت أن تمثل له و للحاضرين عنده ذلة الباطل و عزة الحق و عدم الاكتراث و المبالاة بالقوة و السلطة،و الهيبة و الرهبة،أرادت أن تعرفه خسة قدره،وضعة مقداره و شناعة فعله،و لؤم فرعه و أصله».

و يقول المرحوم الفكيكي:

«تأمل معي في هذه الخطبة النارية كيف جمعت بين فنون البلاغة،و أساليب الفصاحة،و براعة البيان،و بين معاني الحماسة و قوة الاحتجاج و حجة المعارضة و الدفاع في سبيل الحرية و الحق و العقيدة،بصراحة هي أنفذ من السيوف إلى أعماق القلوب،و أحد من وقع الأسنة في الحشا و المهج في مواطن القتال و مجالات النزال،و كان الوثوب على أنياب الأفاعي و ركوب أطراف الرماح أهون على يزيد من سماع هذا الاحتجاج الصارخ الذي صرخت به ربيبة المجد و الشرف في وجوه طواغيت بني أمية و فراعنتهم في منازل عزهم و مجالس دولتهم الهرقلية الارستقراطية الكريهة.

ثم إن هذه الخطبة التأريخية الصاعقة لا تزال تنطق ببطولات الحوراء الخالدة و جرأتها النادرة،و قد احتوت النفس القوية الحساسة الشاعرة بالمثالية الأخلاقية الرفيعة السامية،و سيبقى هذا الأدب الحي صارخا في وجوه الطغاة الظالمين على مدى الدهر و تعاقب الأجيال و في كل ذكرى لواقعة الطف الدامية المفجعة».

محتويات الخطاب

و كان هذا الخطاب العظيم امتدادا لثورة كربلاء و تجسيدا رائعا لقيمها الكريمة و أهدافها السامية و قد حفل بما يلي:

ص: 121

أولا:انها دللت على غرور الطاغية و طيشه،فقد حسب أنه هو المنتصر بما يملك من القوى العسكرية التي ملأت البيداء و سدت آفاق السماء،إلا أنه انتصار مؤقت، و من طيشه انه حسب أن ما أحرزه من الانتصار كان لكرامة له عند الله و هو ان لأهل البيت،و لم يعلم أن الله إنما يملي للكافرين في هذه الدنيا من النعم ليزدادوا إثما و لهم في الآخرة عذاب أليم.

ثانيا:انها نعت عليه سبيه لعقائل الوحي،فلم يرع قرابة رسول الله فيهم و هو الذي منّ على آبائه يوم فتح مكة فكان أبوه وجده من الطلقاء فلم يشكر للنبي هذه اليد و كافأه بأسوأ ما تكون المكافأة.

ثالثا:ان ما اقترفه الطاغية من سفكه لدماء العترة الطاهرة فإنه مدفوع بذلك بحكم نشأته و مواريثه فجدته هند هي التي لاكت كبد سيد الشهداء حمزة وجده أبو سفيان العدو الأول للإسلام،و أبوه معاوية الذي أراق دماء المسلمين و انتهك جميع ما حرمه الله،فاقتراف الجرائم من عناصره و طباعه التي فطر عليها.

رابعا:إنها أنكرت عليه ما تمثل به من الشعر الذي تمنى فيه حضور أشياخه الأمويين ليروا كيف أخذ بثأرهم من النبي صلّى اللّه عليه و آله بإبادة أبنائه إلا أنه سوف يرد موردهم من الخلود في نار جهنم.

خامسا:إن الطاغية بسفكه لدماء العترة الطاهرة لم يسفك إلا دمه و لم يفر إلا جلده،فإن تلك النفوس الزكية حية و خالدة و قد تلفعت بالكرامة و بلغت قمة الشرف، و إنه هو الذي باء بالخزي و الخسران.

سادسا:انها عرضت إلى من مكن الطاغية من رقاب المسلمين فهو المسؤول عما اقترفه من الجرائم،و قد قصدت عليها السلام مغزى بعيدا يفهمه كل من تأمل فيه.

سابعا:انها أظهرت سمو مكانتها فكلمت الطاغية كلام الأمير و الحاكم فاستهانت به،و استصغرت قدره،و تعالت عن حواره،و ترفعت عن مخاطبته،و لم تحفل بسلطانه..لقد كانت العقيلة على ضعفها و ما ألم بها من المصائب أعظم قوة و أشد

ص: 122

بأسا منه.

ثامنا:انها عرضت إلى أن يزيد مهما بذل من جهد لمحو ذكر أهل البيت عليهم السّلام فإنه لا يستطيع إلى ذلك سبيلا لأنهم قائمون في قلوب المسلمين و عواطفهم و هم مع الحق،و الحق لا بد أن ينتصر،و فعلا قد انتصر الحسين و تحولت مأساته إلى مجد لا يبلغه أي إنسان كان،فأي نصر أحق بالبقاء و أجدر بالخلود من النصر الذي أحرزه الإمام.

هذا قليل من كثير مما جاء في هذه الخطبة التي هي آية من آيات البلاغة و الفصاحة،و معجزة من معجزات البيان،و هي إحدى الضربات القاضية على ملك بني أمية.

جواب يزيد

و كان خطاب العقيلة كالصاعقة على رأس يزيد فقد انهار غروره و تحطم كبرياؤه،و حار في الجواب فلم يستطع أن يقول شيئا إلا أنه تمثل بقول الشاعر:

يا صيحة تحمد من صوائح ما أهون النوح على النوائح

و لم تكن أية مناسبة بين ذلك الخطاب العظيم الذي أبرزت فيه عقيلة الوحي واقع يزيد،و جردته من جميع القيم الإنسانية،و بين ما تمثل به من الشعر الذي أعلن فيه أن الصيحة تحمد من الصوائح،و ان النوح يهون على النائحات،فأي ربط موضوعي بين الأمرين.

ص: 123

صدى خطاب زينب عليها السلام

و أحدث خطاب العقيلة موجة عاصفة في مجلس يزيد و أشاعت في نفوس الجالسين مشاعر الحزن و الأسى و التذمر فقد أزاح عنهم حجب الشبهات و نسف كل الوسائل التي صنعها معاوية لإقامة دولته و سلطانه و راح يزيد يلتمس المعاذير ليبرر جريمته فقال لأهل الشام:

«أتدرون من أين أتى ابن فاطمة؟و ما الحامل له على ما فعل؟و ما الذي أوقعه فيما وقع؟».

«لا».

«يزعم أن أباه خير من أبي و أمه فاطمة بنت رسول الله خير من أمي و انه خير مني،و أحق بهذا الأمر،فأما قوله أبوه خير من أبي:فقد حاج أبي أباه إلى الله تعالى، و علم الناس أيهما حكم له،و أما قوله أمه خير من أمي:فلعمري إن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خير من أمي،و أما قوله جده خير من جدي:فلعمري ما أحد يؤمن بالله و اليوم الآخر و هو يرى أن لرسول الله صلّى اللّه عليه و آله فينا عدلا و لا ندا..و لكنه إنما أتى من قلة فقهه،و لم يقرأ قوله تعالى: قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ و قوله تعالى: وَ اللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ لقد حسب الطاغية أن منطق الفضل عند الله إنما هو الظفر بالملك فراح يبني تفوقه على الإمام بذلك و لم يعلم أنه لا قيمة للملك عند الله فإنه يهبه للبر و الفاجر (1).

ص: 124


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:262/3.

خطاب الإمام زين العابدين عليه السلام في مسجد دمشق

اشارة

و كان مجلس الطاغية حاشدا بجماهير الناس و قد أوعز إلى الخطيب أن يعتلي أعواد المنبر ليمجد الأمويين و ينال من الحسين فاعتلى الخطيب المنبر فبالغ في الثناء على يزيد و نال من الإمام أمير المؤمنين و ولده الحسين لينال هبات يزيد و عطاياه،فانتفض الإمام زين العابدين و صاح به:

«ويلك أيها الخاطب اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار..».

و التفت إلى يزيد فقال له:

«أتأذن لي أن أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات فيهن لله رضا و لهؤلاء الجالسين أجر و ثواب».

و بهت الحاضرون و بهروا من هذا الفتى العليل الذي رد على الخطيب و الأمير، و قد رفض يزيد إجابته فألح عليه الجالسون بالسماح له و يعتبر ذلك بداية وعي عند أهل الشام فقال يزيد لهم:

«إن صعد المنبر لم ينزل إلا بفضيحتي و فضيحة آل أبي سفيان»فقالوا له:و ما مقدار ما يحسن هذا العليل.

إنهم لا يعرفونه،و حسبوا أنه لا يحسن شيئا،و لكن الطاغية يعرفه حقا فقال لهم:

«إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا».

و أخذوا يلحون عليه،فانصاع لقولهم فسمح للإمام،فاعتلى أعواد المنبر فحمد الله و أثنى عليه،و يقول المؤرخون إنه خطب خطبة عظيمة أبكى منها العيون،

ص: 125

و أوجل منها القلوب،و كان من جملة ما قاله:

«أيها الناس أعطينا ستا،و فضلنا بسبع:أعطينا العلم،و الحلم،و السماحة و الفصاحة، و الشجاعة،و المحبة في قلوب المؤمنين،و فضلنا بأن منا النبي المختار محمد صلّى اللّه عليه و آله و منا الصديق،و منا الطيار،و منا أسد الله و أسد الرسول و منا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول،و منا سبطا هذه الأمة و سيدا شباب أهل الجنة.

فمن عرفني فقد عرفني،و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي،أنا ابن مكة و منى،أنا ابن زمزم و الصفا،أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الردا،أنا ابن خير من ائتزر و ارتدى،أنا ابن خير من انتعل و احتفى،أنا ابن خير من طاف و سعى،أنا ابن خير من حج و لبى،أنا ابن من حمل على البراق في الهواء،أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فسبحان من أسرى،أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى،أنا ابن من دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى،أنا ابن من صلى بملائكة السماء،أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى،أنا ابن محمد المصطفى أنا ابن علي المرتضى،أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا:لا إله إلا الله،أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين و طعن برمحين و هاجر الهجرتين،و بايع البيعتين،و صلى القبلتين،و قاتل ببدر و حنين،و لم يكفر باللّه طرفة عين،أنا ابن صالح المؤمنين و وارث النبيين،و قاطع الملحدين،و يعسوب المسلمين،و نور المجاهدين و زين العابدين،و تاج البكائين، و أصبر الصابرين،و أفضل القائمين من آل ياسين،و رسول رب العالمين،أنا ابن المؤيد بجبرائيل المنصور بميكائيل،أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين،و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين و المجاهد أعداءه الناصبين،و أفخر من مشى من قريش أجمعين، و أول من أجاب و استجاب لله من المؤمنين و أقدم السابقين،و قاصم المعتدين،و مبير المشركين،و سهم من مرامي الله على المنافقين،و لسان حكمة العابدين،ناصر دين الله، و ولي أمر الله،و بستان حكمة الله،و عيبة علم الله،سمح سخي بهلول زكي أبطحي، رضي مرضي،مقدام همام صابر صوام،مهذب قوام،شجاع قمقام،قاطع الأصلاب،

ص: 126

و مفرق الأحزاب،أربطهم جنانا،و أطلقهم عنانا،و أجرأهم لسانا،و أمضاهم عزيمة، و أشدهم شكيمة،أسد باسل،و غيث هاطل،يطحنهم في الحروب و يذرهم ذرو الريح الهشيم،ليث الحجاز،و صاحب الاعجاز،و كبش العراق،الإمام بالنص و الاستحقاق، مكي مدني،أبطحي تهامي،خيفي عقبي،بدري أحدي،و شجري مهاجري،من العرب سيدها،و من الوغى ليثها،وارث المشعرين،و أبوا السبطين الحسن و الحسين،مظهر العجائب،و مفرق الكتائب،و الشهاب الثاقب،و النور العاقب،أسد الله الغالب،مطلوب كل طالب،غالب كل غالب،ذاك جدي عليّ بن أبي طالب.

أنا ابن فاطمة الزهراء،أنا ابن سيدة النساء،أنا ابن الطهر البتول،أنا ابن بضعة الرسول صلّى اللّه عليه و آله أنا ابن المرمّل بالدماء أنا ابن ذبيح كربلاء،أنا ابن من بكى عليه الجن في الظلماء و ناحت عليه الطير في الهواء».

و لم يزل يقول أنا:حتى ضج الناس بالبكاء و النحيب،و خشي الطاغية من وقوع الفتنة و حدوث ما لا تحمد عقباه،فقد أوجد خطاب الإمام انقلابا فكريا في مجلس الطاغية،و قد بادر بالإيعاز إلى المؤذن أن يؤذن ليقطع على الإمام كلامه،فصاح المؤذن:

«الله أكبر».

فقال الإمام:كبرت كبيرا لا يقاس،و لا يدرك بالحواس،لا شيء أكبر من الله،فلما قال المؤذن:

«أشهد أن لا إله إلا الله».

قال علي بن الحسين:شهد بها شعري و بشري،و لحمي و دمي،و مخي و عظمي، و لما قال المؤذن:

«أشهد أن محمدا رسول الله».

التفت علي بن الحسين إلى يزيد فقال له:

«يا يزيد محمد هذا جدي أم جدك؟فإن زعمت أنه جدك،فقد كذبت،و إن قلت:إنه

ص: 127

جدي فلم قتلت عترته؟».

و وجم يزيد و لم يطق جوابا،و استبان لأهل الشام أنهم غارقون في الجهالة و الضلالة و ان الحكم الأموي قد جهد على غوايتهم و شقائهم.

و قد اقتصر الإمام في خطابه على التعريف بأسرته و نفسه،و لم يعرض لشي آخر،و قد كان ذلك من أروع صور الالتفاتات و أدقها و أعمقها،فقد كان المجتمع الشامي لا يعرف شيئا عن أهل البيت،فقد أخفت السلطة كل شيء عنهم،و غذتهم بالولاء لبني أمية و الحقد على أهل البيت (1).

و في مثير الأحزان و غيره،فقال علي بن الحسين:أتأذن لي في الكلام؟فقال:قل و لا تقل هجرا!فقال علي بن الحسين:لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر،ما ظنك برسول اللّه لو رآني في غل؟فقال لمن حوله:حلوه (2).

و في تاريخ الطبري و غيره قال يزيد لعلي بن الحسين:أبوك الذي قطع رحمي و جهل حقي و نازعني سلطاني فصنع اللّه به ما قد رأيت.

قال علي:ما أصابكم من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل أن نبرأها.

فقال يزيد لابنه خالد:أردد عليه.

قال:فما درى خالد ما يرد عليه،فقال له يزيد:قل:ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير،ثم سكت عنه.

و في فتوح ابن أعثم و مقتل الخوارزمي:إن يزيد أمر الخطيب أن يرقى المنبر و يثني على معاوية و يزيد و ينال من الإمام علي و الإمام الحسين عليه السّلام فصعد الخطيب المنبر،فحمد اللّه و أثنى عليه،و أكثر الوقيعة في علي و الحسين،و أطنب في تقريض8.

ص: 128


1- حياة الحسين للقرشي:263/3.
2- مثير الأحزان ص 78.

معاوية و يزيد،فصاح به علي بن الحسين:ويلك أيها الخاطب اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق؟فتبوأ مقعدك من النار.

ثم قال:يا يزيد ائذن لي حتى أصعد هذه الأعواد،فأتكلم بكلمات فيهن للّه رضا، و لهؤلاء الجالسين أجر و ثواب فأبى يزيد،فقال الناس:يا أمير المؤمنين ائذن له ليصعد،فعلنا نسمع منه شيئا فقال لهم:إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي و فضيحة آل أبي سفيان،فقالوا:و ما قدر ما يحسن هذا؟

فقال:انه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا.

و لم يزالوا به حتى أذن له بالصعود فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و قال:

أيها الناس،أعطينا ستا و فضلنا بسبع:أعطينا العلم،و الحلم،و السماحة و الفصاحة،و الشجاعة و المحبة في قلوب المؤمنين،و فضلنا بأن منا النبي المختار محمد صلّى اللّه عليه و آله،و منا الصديق،و منا الطيار،و منا أسد اللّه و أسد الرسول و منا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول،و منا سبطا هذه الأمة،و سيدا شباب أهل الجنة فمن عرفني فقد عرفني،و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي:أنا ابن مكة و منى،أنا ابن زمزم و الصفا،أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء،أنا ابن خير من ائتزر و ارتدى،أنا ابن خير من انتعل و احتفى،أنا ابن خير من طاف و سعى،أنا ابن خير من حج و لبى،أنا ابن من حمل على البراق في الهواء،أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى،فسبحان من أسرى،أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى،أنا ابن من دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى،أنا ابن من صلى بملائكة السماء،أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى،أنا ابن محمد المصطفى،أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا اللّه،أنا ابن من بايع البيعتين،و صلى القبلتين،و قاتل ببدر و حنين،و لم يكفر باللّه طرفة عين،يعسوب المسلمين،و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين،سمح سخى بهلول زكى،ليث الحجاز و كبش العراق،مكي مدني،أبطحي تهامي خيفي عقبى بدري أحدي،

ص: 129

شجري مهاجري،أبو السبطين،الحسن و الحسين،علي بن أبي طالب،أنا ابن فاطمة الزهراء،أنا ابن سيدة النساء،أنا ابن بضعة الرسول.

قال:و لم يزل يقول أنا أنا حتى ضج الناس بالبكاء و النحيب و خشي يزيد أن تكون فتنة فأمر المؤذن يؤذن فقطع عليه الكلام و سكت،فلما قال المؤذن:اللّه أكبر.

قال علي بن الحسين:كبرت كبيرا لا يقاس،و لا يدرك بالحواس،و لا شيء أكبر من اللّه،فلما قال:أشهد أن لا إله إلا اللّه،قال علي:شهد بها شعري و بشري،و لحمي و دمي و مخي و عظمي فلما قال أشهد أن محمدا رسول اللّه التفت علي من أعلى المنبر إلى يزيد و قال:يا يزيد محمد هذا جدي أم جدك فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت و ان قلت إنه جدي فلم قتلت عترته؟قال و فرغ المؤذن من الأذان و الإقامة فتقدم يزيد و صلى الظهر (1).

صدى خطاب الإمام زين العابدين

قال القرشي:و أثر خطاب الإمام تأثرا بالغا في أوساط أهل الشام،فقد جعل بعضهم ينظر إلى بعض و يسر بعضهم إلى بعض بما آلوا إليه من الخيبة و الخسران،حتى تغيرت أحوالهم مع يزيد و أخذوا ينظرون إليه نظرة احتقار و ازدراء.

الشامي مع فاطمة:

و نظر بعض أهل الشام إلى السيدة فاطمة بنت الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أو بنت الإمام الحسين فقال ليزيد:

ص: 130


1- أنساب الأشراف ص 219 و معالم المدرستين للعسكري:162/3. قال المؤلف:إن البلاذري لم يكتب خطبة عمرو بن سعيد لنعرف سبب اعتراض ابن أبي حبيش عليه، و قد مر بي في ما قرأت أنه خاطب قبر الرسول،و قال:يوم بيوم بدر.

«هب لي هذه الجارية لتكون خادمة عندي».

و سرت الرعدة بجسمها،فأخذت بثياب عمتها مستجيرة بها،و انبرت حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و آله فصاحت بالرجل:

«كذبت و لؤمت،ما ذلك لك،و لا لأميرك».

و استشاط يزيد غضبا لعدم مبالاة العقيلة به و استهانتها بشأنه،فقال لها:

«كذبت،إن ذلك لي،و لو شئت لفعلت».

فنهرته العقيلة متحدية له قائلة:

«كلا و الله،ما جعل لك ذلك،إلا أن تخرج من ملتنا،و تدين بغير ديننا..».

و تميز الطاغية غيظا حيث تحدته العقيلة أمام أشراف أهل الشام فصاح بها:

«إياي تستقبلين بهذا؟إنما خرج من الدين أبوك و أخوك».

و انبرت العقيلة غير حافلة بسلطانه و لا بقدرته على البطش و الانتقام فردت عليه بثقة قائلة:

«بدين الله و دين أبي و جدي و أخي اهتديت أنت و أبوك إن كنت مسلما..».

و أزالت العقيلة بهذا الكلام الستار الذي تستر به يزيد بقتله للحسين و أهل بيته من أنهم خوارج خرجوا على إمام زمانهم،و لم يجد الرجس جوابا فقال و هو مغيظ محنق:

«كذبت يا عدوة الله».

و لم تجد شقيقة الحسين جوابا تحسم به مهاترات يزيد غير أن قالت:«أنت أمير مسلط،تشتم ظلما،و تقهر بسلطانك».

و تهافت غضب الطاغية و أطرق برأسه إلى الأرض،و أعاد الشامي كلامه إلى يزيد و كرر الشامي هذه المحاورة فصاح به يزيد:

«وهب الله لك حتفا قاضيا».

لقد احتفظت عقيلة الوحي بقواها الذاتية في تلك المحن الشاقة،و قابلت أعداء

ص: 131

الإسلام بإرادتها الصلبة الواعية التي ورثتها من جدها الرسول صلّى اللّه عليه و آله،يقول بعض الكتاب:

«و قد حققت زينب و هي في ضعفها و استكانتها أول نصر حاسم على الطغاة، و هم في سلطانهم و قوتهم،فقد أقحمته المرة بعد المرة،و قد أظهرت للملأ جهله، كما كشفت عن قلة فقهه في شؤون الدين فإن نساء المسلمين لا يصح مطلقا اعتبارهن سبايا و معاملتهن معاملة السبي في الحروب.

و أكبر الظن أن هذا الخطاب من الشامي كان فاتحة انتقاد ليزيد و بداية لتسرب الوعي عند الشاميين،و آية ذلك أنه كان يكفيه رد الحوراء على يزيد بذلك الرد الذي أخرجته عن ربقة الإسلام إن استجاب لطلب الشامي،و وقوع الشجار العنيف بين الحوراء و يزيد،مما يشعر منه أن طلب الشامي كان مقصودا لأجل بلورة الرأي العام و فضح يزيد لا سيما أن هذا الطلب كان بعد خطاب السيدة زينب و خطاب الإمام زين العابدين عليه السّلام و قد أحدثا و عيا عاما و موجة عاتية من السخط في مجلس يزيد (1).3.

ص: 132


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:266/3.

الإمام السجاد مع المنهال

قال السيد القرشي:و التقى الإمام زين العابدين بالمنهال بن عمر فبادر إليه قائلا:

-كيف أمسيت يابن رسول الله؟

-«أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم..

أمست العرب تفتخر على العجم بأن محمدا منها،و أمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمدا منها،و أمسينا معشر أهل بيته مقتولين مشردين،فإنا لله راجعون».

لقد كان الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله المصدر الأصيل لشرف الأمة العربية الذي تفتخر به فهو الذي خطط للعرب حياة سادوا فيها جميع شعوب الأرض،و بنى لهم دولة كانت من أعز دول العالم و أمنعها،فكان جزاؤه منهم ان عمدت قريش التي تفاخر العرب بأن محمدا منها إلى قتل ذريته و استئصال شأفتهم و سبي نسائهم،فهل هذا هو جزاء المنقذ و المحرر لهم؟ (1)

و قال السيد مرتضى العسكري:يبدو ان يزيد اضطر بعد هذا ان يغير سلوكه مع ذراري الرسول صلّى اللّه عليه و آله و يرفه عنهم بعض الشئ و يسمح لهم بإقامة المأتم على شهدائهم.

فقد روى ابن أعثم بعد ذكر ما سبق و قال:فلما فرغ من صلاته أمر بعلي بن الحسين و أخواته و عماته رضوان اللّه عليهم ففرغ لهم دار فنزلوها و أقاموا أياما يبكون و ينوحون على الحسين رضي اللّه عنه.

ص: 133


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:268/3.

قال:و خرج علي بن الحسين ذات يوم،فجعل يمشي في أسواق دمشق، فاستقبله المنهال بن عمرو الصحابي فقال له:كيف أمسيت يا ابن رسول اللّه؟قال:

أمسينا كبني إسرائيل في آل فرعون،يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم،يا منهال أمست العرب تفتخر على العجم بان محمدا منهم و أمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمدا منها،و أمسينا أهل بيت محمد و نحن مغصوبون مظلومون مقهورون مقتلون مثبورون مطردون،فانا للّه و انا إليه راجعون على ما أمسينا فيه يا منهال (1).

النياحة على الحسين عليه السلام

قال السيد القرشي:و طلبن بنات رسول الله صلّى اللّه عليه و آله من الطاغية أن يفرد لهن بيتا ليقمن فيه مأتما على سيد الشهداء،فقد نخر الحزن قلوبهن،و لم يكن بالمستطاع أن يبدين بما ألم بهن من عظيم الأسى و الشجون خوفا من الجلاوزة الجفاة الذين جهدلوا على منعهن من البكاء و النياحة على أبي عبد الله.و قد أثر عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنه قال:كلما دمعت عين واحد منا قرعوا رأسه بالرمح،و استجاب يزيد لذلك فأفرد لهن بيتا،فلم تبق هاشمية و لا قرشية إلا لبست السواد حزنا على الحسين،و خلدن بنات الرسالة إلى النياحة سبعة أيام،و هن يندبن سيد الشهداء بأشجى ندبة و ينحن على الكواكب من نجوم آل عبد المطلب،و قد ذابت الأرض من حرارة دموعهن.

ص: 134


1- معالم المدرستين للعسكري:167/3.

مكافأة ابن مرجانة

و شكر الطاغية يزيد لابن مرجانة قتله لريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و بالغ في تقديره و تكريمه فاستدعاه للحضور عنده في دمشق ليجازيه على ذلك،و كتب إليه ما يلي:

«أما بعد:فإنك قد ارتفعت إلى غاية أنت فيها كما قال الأول:

رفعت فجاوزت السحاب و فوقه فما لك إلا مرتقى الشمس مقعد

فإذا وقفت على كتابي فاقدم علي لأجازيك على ما فعلت».

و سافر ابن زياد مع أعضاء حكومته إلى دمشق و لما انتهى إليها خرج لاستقباله جميع بني أمية،و لما دخل على يزيد قام إليه و اعتنقه و قبّل ما بين عينيه و أجلسه على سرير ملكه،و قال للمغني غنّ و للساقي اسق:ثم قال:

اسقني شربة تروي فؤادي ثم صل واسق مثلها ابن زياد

موضع السر و الأمانة عندي و على ثغر مغنمي و جهادي

و أقام ابن مرجانة شهرا فأوصله بألف ألف درهم،و مثلها لعمر بن سعد،و أطلق له خراج العراق سنة و قد بالغ في مودته فأدخله على نسائه و عياله و لما وفد أخوه مسلم بن زياد على يزيد بجله و كرمه تقديرا لأخيه عبيد الله و قال له:

«لقد وجبت محبتكم على آل أبي سفيان».

و نادمه يومه بأسره،و ولاه بلاد خراسان لقد شكر لآل زياد إبادتهم لآل رسول الله و قد حسب أنهم قد مهدوا له الملك و السلطان،و لم يعلم أنهم قد هدموا ملكه و نسفوا سلطانه و أخلدوا له الخزي و العار.

ندم الطاغية

و بعد أن نقم المسلمون على الطاغية بقتله لريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله ندم على ذلك و حاول أن يلصق تبعة تلك الجريمة بابن مرجانة،و راح يقول:ما كان علي لو

ص: 135

احتملت الأذى،و أنزلته-يعني الحسين-معي في داري،و حكمته فيما يريد،و إن كان علي في ذلك و كف و وهن في سلطاني حفظا لرسول الله صلّى اللّه عليه و آله و رعاية لحقه و قرابته،لعن الله ابن مرجانة فقد بغضني بقتله إلى المسلمين،و زرع لي في قلوبهم العداوة،فبغضني البر و الفاجر بما استعظم الناس في قتلي حسينا،ما لي و لابن مرجانة لعنه الله و غضب عليه.

و أكبر الظن انه إنما قال ذلك ليبرئ نفسه من المسؤولية أمام المسلمين و لو كان نادما في قرارة نفسه لانتقم منه و عزله،و لما شكره و أجزل له العطاء و قربه،و ذلك مما يدل على رضاه و عدم ندمه فيما اقترفه (1).3.

ص: 136


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:270/3.

منكرون و ناقمون

اشارة

و سخط المسلمون و غيرهم كأشد ما يكون السخط على يزيد على قتله لريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و قد أنكر عليه جمع من الأحرار و فيما يلي بعضهم:

1-ممثل ملك الروم

و كان في مجلس يزيد ممثل ملك الروم فلما رأى رأس الإمام بين يديه بهر من ذلك و راح يقول له:

-رأس من هذا؟

-رأس الحسين.

-من الحسين؟

-ابن فاطمة.

-من فاطمة؟

-ابنة رسول الله.

-نبيكم؟

-نعم.

و فزع من ذلك و صاح به:

«تبا لكم و لدينكم،و حق المسيح إنكم على باطل،إن عندنا في بعض الجزائر ديرا فيه حافر فرس ركبه المسيح فنحن نحج إليه في كل عام من مسيرة شهور و سنين، و نحمل إليه النذور و الأموال،و نعظمه أكثر مما تعظمون كعبتكم،أف لكم».

ص: 137

ثم قام من عنده و هو غضبان قد أفزعه ذلك المنظر الرهيب.

2-حبر يهودي

و كان حبر يهودي في مجلس الطاغية فلما خطب الإمام زين العابدين خطبته البليغة التي أثارت الحماس و أيقظت المجتمع،التفت الحبر إلى يزيد قائلا:

-من هذا الغلام؟

-علي بن الحسين.

-من الحسين؟

-ابن عليّ بن أبي طالب.

-من أمه؟

-بنت محمد.

يا سبحان الله!!هذا ابن بنت نبيكم قتلتموه،بئسما خلفتموه في ذريته،فو الله لو ترك نبينا موسى بن عمران فينا سبطا لظننت أنا كنا نعبده من دون ربنا،و أنتم فارقكم نبيكم بالأمس فوثبتم على ابنه و قتلتموه سوأة لكم من أمة.

و غضب الطاغية و أمر به فوجى في حلقه فقام الحبر و قد رفع عقيرته قائلا:

«إن شئتم فاقتلوني،إني وجدت في التوراة من قتل ذرية نبي فلا يزال ملعونا أبدا ما بقي فإذا مات أصلاه الله نار جهنم».

3-قيصر ملك الروم

و توالت صيحات الإنكار على يزيد،و كان ممن أنكر عليه قيصر ملك الروم فقد كتب إليه:«قتلتم نبيا أو ابن نبي».

ص: 138

4-رأس الجالوت

و من الناقمين على يزيد رأس الجالوت فقد قال لمحمد بن عبد الرحمن إن بيني و بين داود سبعين أبا،و إن اليهود تعظمني و تحترمني و أنتم قتلتم ابن بنت نبيكم.

5-واثلة بن الأسقع

و لما جيء برأس الإمام إلى الشام كان الصحابي واثلة بن الأسقع هناك فتميز غيظا،فالتقى به رجل من أهل الشام،فاندفع يقول:

«لا أزال أحب عليا و الحسن و الحسين و فاطمة أبدا بعد ما سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه و آله يقول فيهم:ما قال».

«ما قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله فيهم؟»

«جئت رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و هو في منزل أم سلمة،و جاء الحسن فأجلسه على فخذه اليمنى،و جاء الحسين فأجلسه على فخذه الأيسر و قبله ثم جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه،ثم دعا بعلي فجاء،و جعل عليهم كساء خيبريا،كأني أنظر إليه،ثم قال:

«إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا».

6-ابن عباس

و من أشد الناقمين على يزيد عبد الله بن عباس،فقد كتب إليه يزيد يستميل وده، و يطلب منه مؤازرته على ابن الزبير فكتب إليه ابن عباس هذه الرسالة:

أما بعد:«فقد جاءني كتابك فأما تركي بيعة ابن الزبير فو الله ما أرجو بذلك برك

ص: 139

و لا حمدك لكن الله بالذي أنوي عليم،و زعمت أنك لست بناس بري فاحبس أيها الإنسان برك عني فإني حابس عنك بري،و سألت أن أحبب الناس إليك،و أبغضهم و أخذلهم لابن الزبير فلا و لا سرور و لا كرامة،كيف و قد قتلت حسينا و فتيان عبد المطلب مصابيح الهدى و نجوم الاعلام؟غادرتهم خيولك بأمرك في صعيد واحد مرملين بالدماء مسلوبين بالعراء،مقتولين بالظماء لا مكفنين و لا مسودين تسفي عليهم الرياح و ينشئ بهم عرج البطاح حتى أتاح الله لهم بقوم لم يشركوا في دمائهم كفنوهم و اجنوهم،و بي و بهم لو عززت و جلست مجلسك الذي جلست.

فما أنسى من الأشياء فلست بناس اطرادك حسينا من حرم رسول الله صلّى اللّه عليه و آله،إلى حرم الله و تسييرك الخيول إليه فما زلت بذلك حتى أشخصته إلى العراق فخرج خائفا يترقب فنزلت به خيلك عداوة منك لله و لرسوله و لأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،فطلب إليكم الموادعة و سألكم الرجعة فاغتنمتم قلة أنصاره و استئصال أهل بيته و تعاونتم عليه كأنكم قتلتم أهل بيت من الترك و الكفر،فلا شيء أعجب عندي من طلبتك ودي و قد قتلت ولد أبي و سيفك يقطر من دمي و أنت أحد ثاري،و لا يعجبك أن ظفرت بنا اليوم فلنظفرن بك يوما».

و حفلت هذه الرسالة باتهام يزيد بأنه الذي أشخص الإمام الحسين إلى العراق ليقتله،و انه لم يخرج إلا لمطاردة جيوش يزيد في المدينة و في مكة،و لم يكن خروجه إلى العراق استجابة منه لأهل الكوفة،و إنما أرغمته جيوش يزيد على ذلك.

7-ابن الزبير

و من المنكرين على الأمويين عبد الله بن الزبير بقتلهم للإمام الحسين فقد خطب في مكة فقال:

«إن أهل الكوفة شرارهم دعوا حسينا ليولى عليهم،و يقيم أمرهم و يعيد معالم

ص: 140

الإسلام،فلما قدم عليهم ثاروا عليه فقتلوه،و قالوا له:إما أن تضع يدك في يد الفاجر الملعون ابن زياد فيرى فيك رأيه فاختار الوفاة الكريمة على الحياة الذميمة فرحم الله حسينا و أخزى قاتله،و لعن من رضي بذلك و أمر به».

و إنما أبدى ابن الزبير الأسى على قتل الإمام تصنعا و تقربا لعامة المسلمين،فقد كان في قرارة نفسه مسرورا لأنه تخلص من أعظم مناوئيه و لو كان مؤمنا بما قاله لما آوى قتلة الحسين فقد ركن إليه و التحق به كل من سلم من قبضة المختار كشبث بن ربعي و غيره،و قد رحب بهم و زج بهم لقتال المختار.

8-أبو برزة

و من المنكرين على يزيد الصحابي أبو برزة الأسلمي حينما رآه ينكت بمخصرته رأس الإمام،و قد ألمعنا إلى حديثه في البحوث السابقة.

9-الأسرة الأموية
اشارة

و تفاقم الأمر على يزيد،و توالت عليه صيحات المنكرين،فقد نقمت عليه أسرته و من بينها:

أ-يحيى بن الحكم

و كان من أشد المنكرين عليه يحيى بن الحكم فقد نقده في مجلسه،و قد دفع يزيد في صدره و أوعز إلى شرطته بإخراجه،و قد ذكرنا نص كلامه فيما تقدم.

ب-عاتكة بنت يزيد

و أنكرت عليه عاتكة ابنته حينما أرسل الرأس إلى حرمه و نسائه فأخذته عاتكة

ص: 141

فطيبته،و قالت:رأس عمي،و قد ألمعنا إلى كلامها في البحوث السابقة.

ج-هند

و نقمت عليه زوجته هند بنت عمرو،فقد فزعت إلى مجلسه و هي مذعورة و قد رفعت صوتها:

«رأس ابن بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و آله على باب دارنا!!.

فأسرع إليها الطاغية،و أسدل عليها حجابها،و قال لها:اعولي عليه يا هند فإنه صريخة بني هاشم عجل عليه ابن زياد».

10-معاوية بن يزيد

و نقم معاوية على أبيه يزيد كما نقم على جده معاوية،و قد رفض الخلافة و زهد في الحكم،و قد خطب في أهل الشام فندد في جده و أبيه و قال:

«ألا إن جدي معاوية نازع الأمر من كان أولى به منه لقرابته من رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و قديمه و سابقته أعظم المهاجرين قدرا،و أولهم إيمانا ابن عم رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و زوج ابنته جعله لها بعلا باختياره لها،و جعلها له زوجة باختيارها له فهما بقية رسول الله صلّى اللّه عليه و آله خاتم النبيين،فركب جدي منه ما تعلمون،و ركبتم معه ما لا تجهلون حتى أتته منيته فصار في قبره رهينا بذنوبه و أسيرا بجرمه ثم قلد أبي الأمر فكان غير أهل لذلك،و ركب هواه و أخلفه الأمل و قصر عنه الأجل و صار في قبره رهينا بذنوبه و أسيرا بجرمه ثم بكى و قال:إن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه،و بئس منقلبه،و قد قتل عترة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و أباح الحرم و خرب الكعبة».

و تهدم ملك آل أبي سفيان على يد معاوية بن يزيد،و ما كان ينشده جده من استقرار الملك و دوامه في بيته،فقد نسف قتل الحسين جميع ما بناه معاوية

ص: 142

و أسسه يزيد،فقد أحل ملكهم دار للبوار،و يقول المؤرخون:إن بني أمية قد قامت قيامتهم على أثر خطاب معاوية الذي فضح فيه جده و أباه فعمدوا إلى مؤدبه عمر القصوص فقالوا له:أنت علمته هذا،و لقنته إياه و صددته عن الخلافة و زينت له حب علي و أولاده،و حملته على ما و سمنا به من الظلم،و حسنت له البدع حتى نطق بما نطق،و قال بما قال،فأنكر عمر ذلك،و قال:و الله ما فعلته و لكنه مجبول و مطبوع على حب علي،فلم يقبلوا ذلك منه و أخذوه فدفنوه حيا (1).

حبر من اليهود يستنكر على يزيد

في فتوح ابن أعثم،قال:فالتفت حبر من أحبار اليهود و كان حاضرا فقال:من هذا الغلام يا أمير المؤمنين؟فقال:هذا،صاحب الرأس أبوه.

قال:و من هو صاحب الرأس يا أمير المؤمنين؟قال:الحسين بن علي ابن أبي طالب،قال:فمن أمه؟قال:فاطمة بنت محمد صلّى اللّه عليه و آله.

فقال الحبر:يا سبحان اللّه هذا ابن(بنت)نبيكم قتلتموه في هذه السرعة بئس ما خلفتموه في ذريته و اللّه لو خلف فينا موسى بن عمران سبطا من صلبه لكنا نعبده من دون اللّه و أنتم إنما فارقكم نبيكم بالأمس فوثبتم على ابن نبيكم فقتلتموه سوءة لكم من أمة!قال:فأمر يزيد بكر (2)في حلقه،فقال الحبر:إن شئتم فاضربوني أو فاقتلوني أو قرروني،فإني أجد في التوراة أنه من قتل ذرية نبي لا يزال مغلوبا أبدا ما بقي،فإذا مات يصليه اللّه نار جهنم (3).

ص: 143


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:270/3.
2- أي بضرب في حلقه.
3- فتوح ابن أعثم 246/5.

شامي يطلب عترة الرسول جارية له

روى الطبري عن فاطمة بنت الحسين انها قالت:إن رجلا من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد،فقال:يا أمير المؤمنين هب لي هذه-أتخذها أمة- (1)يعنيني و كنت جارية و ضيئة فأرعدت،و فرقت و ظننت ان ذلك جائز لهم و أخذت بثياب عمتي (2)زينب.

قالت:و كانت عمتي زينب أكبر مني و أعقل،و كانت تعلم أن ذلك لا يكون.

فقالت:كذبت و اللّه و لؤمت،ما ذلك لك و له فغضب يزيد فقال:كذبت و اللّه ان ذلك لي و لو شئت ان أفعله لفعلت.

قالت:كلا و اللّه ما جعل اللّه ذلك لك إلاّ أن تخرج من ملتنا،و تدين بغير ديننا، قالت:فغضب يزيد و استطار ثم قال:إياي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك و أخوك،فقالت زينب:بدين اللّه و دين أبي و دين أخي و جدي اهتديت أنت و أبوك وجدك.

قال:كذبت يا عدوة اللّه.

قالت:أنت أمير مسلط تشتم ظالما و تقهر بسلطانك،قالت:فو اللّه لكأنه استحيى فسكت،ثم عاد الشامي فقال:يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية،قال:أعزب وهب اللّه لك حتفا قاضيا.

ص: 144


1- ما بين الخطين في مقاتل الطالبيين ص 120.
2- في الأصل أختي محرف.

خليفة المسلمين يتمثل بأبيات ابن الزبعري

روى ابن أعثم و الخوارزمي و ابن كثير و غيرهم،أن خليفة المسلمين يزيد جعل يتمثل بابيات ابن الزبعري.

1-ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل

2-لأهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل

3-قد قتلنا القرم من ساداتهم و عدلنا ميل بدر فاعتدل

قال ابن أعثم:ثم زاد فيها هذا البيت من نفسه:

4-لست من عتبة ان لم انتقم من بني أحمد ما كان فعل

و في تذكرة خواص الأمة:"المشهور عن يزيد في جميع الروايات أنه لما حضر الرأس بين يديه جمع أهل الشام و جعل ينكت عليه بالخيزران و يقول أبيات ابن الزبعري:ليت أشياخي ببدر شهدوا

قعة الخزرج من وقع الأسل قد قتلنا القرن من ساداتهم

و عدلنا ميل بدر فاعتدل و قال:قال الشعبي و زاد عليها يزيد فقال

5-لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل

لست من خندف ان لم انتقم من بني أحمد ما كان فعل (1)

ص: 145


1- ان أبيات ابن الزبعري وردت في سيرة ابن هشام 97/3،و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد/ 382. و ورد في ما تمثل به يزيد في فتوح ابن أعثم 241/5 بعد البيت الثاني. حين ألقت بقباء بركها و استحر القتل في عبد الأشل و هذا من أبيات ابن الزبعري و كذلك ورد في تاريخ ابن كثير 192/8. و ورد في مقتل الخوارزمي 58/2 قبل البيت الأول. يا غراب البين ما شئت فقل إنما تندب أمرا قد فعل كل ملك و نعيم زائل و بنات الدهر يلعبن بكل و جاء فيه أيضا و فى اللهوف ص 69 بعد البيت الرابع: لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحى نزل و في نسختنا من مثير الأحزان ص 80 سقط البيت الرابع و فى تاريخ ابن كثير 204/8،رواها عن تاريخ ابن عساكر عن ريا حاضنة يزيد و اكتفى بذكر البيت الأول و اكتفى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ص 120 بذكر البيت الأول و الثالث. و ذكرنا في المتن لفظ تذكرة خواص الأمة ص 148،و راجع أيضا طبقات فحول الشعراء ص 200، و سمط النجوم العوالي 199/3،فقد روى عنهما بهامش فتوح ابن أعثم و راجع أيضا الأمالي لأبي على القالي 142/1.

قال المؤلف:لما كانت أبيات ابن الزبعري مشهورة ترويها الرواة قبل؟مثل يزيد ببعضها ثم تمثل بها يزيد و أضاف إليها البيت الثاني و الرابع و الخامس فأخذها الرواة عنه و أحيانا أضافوا إلى ما أنشده يزيد ما كان في ذاكرتهم من أصل الأبيات و من ثم حصل بعض الاختلاف في ألفاظ الروايات.

كما أننا نعرف من رواية الإمام زين العابدين الآنفة و التي ورد فيها(أن يزيد كان يتخذ مجالس الشرب و يأتي برأس الحسين و يضعه بين يديه)سبب تعدد ما روي من قصص عن مجلس يزيد عندما كان رأس الحسين أمامه (1).

ص: 146


1- معالم المدرستين للعسكري:162/3.

استنكار زوجة الخليفة

و في تأريخ الطبري و مقتل الخوارزمي:إن زوجة يزيد و سماها الطبري هند ابنة عبد اللّه بن عامر بن كريز،سمعت بما دار في مجلس يزيد فخرجت من خدرها و دخلت المجلس و قالت:يا أمير المؤمنين أرأس الحسين ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟

قال:نعم (1).

و في سير أعلام النبلاء و تاريخ ابن كثير و غيرهما:إن رأس الحسين صلب بمدينة دمشق ثلاثة أيام (2).

ص: 147


1- تاريخ الطبري ط أوروبا مسلسل 382/2،و مقتل الخوارزمي 74/2.
2- سير أعلام النبلاء 216/3،و مقتل الخوارزمي 75/2،و تاريخ ابن كثير 204/8،و تاريخ ابن عساكر الحديث 296،و راجع خطط المقريزي 289/2،و الاتحاف بحب الاشراف ص 23.

مخاريق و أباطيل

اشارة

قال السيد القرشي:و حاول بعض المتعصبين لبني أمية قديما و حديثا تنزيه يزيد و تبريره من قتله لريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و إلقاء التبعة و المسؤولية على ابن مرجانة،و قد دعاهم إلى ذلك الجهل و العصبية العمياء التي حرفتهم عن الحق و ألقتهم في شر عظيم،و من بين هؤلاء:

المدافون عن يزيد

1-ابن تيمية

و عظم حظ يزيد عند ابن تيمية،فكان من أصلب المدافعين عنه فأنكر أن يكون قد أمر بقتل الحسين و بالغ بحرارة في الدفاع عنه و قال:

«فيزيد لم يأمر بقتل الحسين،و لا حمل رأسه بين يديه،و لا نكث بالقضيب على ثناياه،بل الذي جرى هذا منه هو عبيد الله بن زياد،كما ثبت ذلك في صحيح البخاري،و لا طيف برأسه في الدنيا و لا سبى أحد من أهل الحسين».

و هذا القول مما يدعو إلى السخرية و الاستهزاء به،فقد تنكر للضرورات التي لا يشك فيها كل من يملك وعيه و اختياره،فقد أعرض عن جميع ما ذكره المؤرخون من اقتراف يزيد لهذه الجريمة النكراء التي لا يقره عليها من يحمل وعيا دينيا أو روحا إسلامية.

و قد عرف ابن تيمية بالتعصب المقيت حتى أعرض عن آرائه كل باحث حر،

ص: 148

و كاتب في التأريخ و البحوث الإسلامية.

2-الغزالي

و من المؤسف أن الغزالي قد هام حبا بحب يزيد،و غالى في الإخلاص له و الدفاع عنه فقال:

«ما صح قتله-يعني يزيد للحسين-و لا أمره به-يعني لم يأمر يزيد ابن مرجانة بقتله و لا رضاه بذلك،و متى لم يصح ذلك عنده لم يجز أن يظن ذلك به،فإن إساءة الظن بالمسلم حرام قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (1).

وسف الغزالي في كلامه على غير هدى فقد تنكر للبديهيات كما تنكر لها زميله ابن تيمية،فهؤلاء المؤرخون أجمعوا على أن يزيد هو الذي أوعز لابن مرجانة بقتل الحسين و شدد عليه في ذلك و هدده بنفيه من آل أبي سفيان و إلحاقه بجده عبيد الرومي إن لم يخلص في حربه للإمام،و قد ذكرنا ذلك بما لا مزيد عليه في البحوث السابقة.

3-ابن العربي

و عرف ابن العربي بالبغض و الكراهية لأهل البيت عليهم السّلام و قد ذهب إلى أن يزيد إمام زمانه و خليفة الله في أرضه و خروج الإمام عليه كان غير مشروع و ان الحسين قتل بشريعة جده حفنة من التراب عليه و على كل منحرف عن الحق

ص: 149


1- الحجرات:12.

و ضال عن الطريق.بأي منطق كان يزيد القرود و الفهود إمام المسلمين و خليفة الله في الأرض،أبقتله لسيد شباب أهل الجنة أم بإباحته لمدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و حرقه للكعبة كان إماما للمسلمين؟و قد سمع عمر بن عبد العزيز شخصا وصف يزيد بأمير المؤمنين فأمر بضربه عشرين سوطا.

إن الدفاع عن يزيد و إضفاء الشرعية على حكومته،و تبريره من الإثم في قتله لريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله إنما هو دفاع عن المنكر،و دفاع عن الباطل،فيزيد و أمثاله من حكام الأمويين و العباسيين هم الذين عملوا على تأخير المسلمين و جروا لهم الفتن و الخطوب و ألقوهم في شر عظيم.

4-ابن حجر

و أنكر ابن حجر الهيثمي رضا يزيد أو أمره بقتل الحسين و قد ساقته العصبية العمياء إلى هذا القول الذي تنافى مع البديهيات من أن ابن مرجانة كان مجرد آلة من دون أن يكون له أي رأي أو إرادة في قتل الحسين،و قد قال لمسافر بن شريح اليشكري:أما قتلي الحسين فإنه أشار علي يزيد بقتله أو قتلي فاخترت قتله فلم يقدم ابن زياد على قتل الحسين إلا بعد أن هدده يزيد بالقتل إن لم يستجب له.

5-أنيس زكريا

و دافع أنيس زكريا النصولي بحرارة عن يزيد فقال:

«لا شك أن يزيد لم يفكر البتة بقتل الحسين،و لم يأمل أن تتطور المسألة العلوية فتلعب هذا الدور المهيب،و يقدم ابن زياد للفتك به».

ص: 150

6-الدكتور النجار

و ممن نزه يزيد الدكتور محمد النجار فقال:«و لا يتحمل يزيد بن معاوية شيئا من هذه التبعة-يعني تبعة قتل الحسين-لأنه على الرغم من أن تأريخه ملطخ بالسواد إلا أنه-فيما يبدو-بريء من تهمة التحريض على قتل الحسين».

7-محمد عزة دروزة

و من أصلب المدافعين عن يزيد في هذا العصر محمد عزة دروزة فقد أشاد بيزيد و نزهه من هذه الجريمة،كما نفى المسؤولية عن ابن زياد و سائر القوات المسلحة التي قتلت الحسين و ألقى باللائمة على الحسين قال:«و ليس هناك ما يبرر نسبة قتل الحسين إلى يزيد فهو لم يأمر بقتاله فضلا عن قتله،و كل ما أمر به أن يحاط به و لا يقاتل إلا إذا قاتل،و مثل هذا القول يصح بالنسبة لعبيد الله بن زياد فكل ما أمر به أن يحاط به و لا يقاتل إلا إذا قاتل،و أن يؤتى به ليضع يده في يده أو يبايع ليزيد صاحب البيعة الشرعية،بل إن هذا يصح قوله بالنسبة لأمراء القوات المسلحة التي جرى بينها و بين الحسين و جماعته قتال،فإنهم ظلوا ملتزمين بما أمروا به،بل و كانوا يرغبون أشد الرغبة في أن يعافيهم الله من الابتلاء بقتاله فضلا عن قتله، و يبذلون جهدهم في إقناعه بالنزول على حكم ابن زياد و مبايعة يزيد،فإذا كان الحسين أبى أن يستسلم ليدخل فيما دخل فيه المسلمون و قاوم بالقوة فمقابلته و قتاله من الوجهة الشرعية و الوجهة السياسية سائغا».

و يرى دروزة أن قتل ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و سيد شباب أهل الجنة كان سائغا من الوجهة الشرعية و الوجهة السياسية،و لا أكاد اعتقد أن السفكة الجلادين من

ص: 151

قتلة الحسين أكثر حقدا و عداء للإمام من هذا الإنسان الذي ران الباطل على ضميره فماج في تيارات سحيقة من المنكر و الإثم.

رأي الدكتور طه حسين

و يرى طه حسين أن يزيد مسؤول عن إراقة دماء الإمام،و ليس من الصحيح القول بأن تبعة هذه الجريمة ملقاة على ابن مرجانة قال:

«و الرواة يزعمون أن يزيد تبرأ من قتل الحسين على هذا النحو فألقى عبء هذا الإثم على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد،و لكنا لا نراه لام ابن زياد و لا عاقبه،و لا عزله عن عمله كله أو بعضه،و من قبله معاوية قتل حجر بن عدي و أصحابه،ثم ألقى عبء قتلهم على زياد و قال:حملني ابن سمية فاحتملت».

إن ابن زياد لم يفعل ما فعل إلا بأمر قاطع من يزيد،و لو كان لم يرض بذلك لحاسبه على جريمته و ما جلس و إياه في مجلس الشراب و لما جزل له في العطاء، فإن ذلك يدل على رضاه بقتل الحسين و عدم ندمه على مرارة المذبحة و هول الجناية.

كلمة التفتازاني

قال التفتازاني:«اتفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين أو أمر به أو أجازه أو رضي به...و الحق أن رضا يزيد بقتل الحسين و استبشاره بذلك،و إهانته أهل بيت رسول الله صلّى اللّه عليه و آله مما تواتر معناه،و إن كان تفصيله آحادا،فنحن لا نتوقف في شأنه بل في كفره لعنة الله عليه و على أنصاره و أعوانه».

ص: 152

رأي اليافعي

و يقول العلامة اليافعي:«و أما حكم من قتل الحسين أو أمر بقتله فهو كافر،فمن استحل ذلك فهو كافر».

رأي أحمد بن حنبل

و أفتى أحمد بن حنبل بالإمساك عن لعن يزيد يقول أبو طالب:سألت أحمد عمن نال من يزيد بن معاوية فقال:لا تتكلم في هذا،قال النبي:لعن المؤمن كقتله و من الغريب هذه الفتيا فقد جعل مدركها الحديث النبوي و هو لا ينطبق على يزيد فإنه لا نصيب له من الإيمان و الإسلام بعد اقترافه للجرائم الفظيعة كإبادة العترة الطاهرة و إباحة مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله،و حرق الكعبة المقدسة فإن كل واحدة من هذه الموبقات تخرجه من حظيرة الإسلام.

و قد أنكر على أحمد ولده صالح فقد قال له:إن قوما ينسبونا إلى تولي يزيد؟ فقال له:و هل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله؟فقال له ولده:

-و لم لا تلعنه؟

-و متى رأيتني لعنت أحدا؟

-يا أبتي و لم لا يلعن من لعنه الله في كتابه؟

-و أين لعن الله يزيدا؟

-في قوله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ

ص: 153

أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ (1) فهل يكون فساد أعظم من القتل...و أمسك أحمد عن الجواب.

كلمة المعتضد العباسي

و أصدر المعتضد العباسي كتابا نشر فيه مخازي بني أمية،و أشاد فيه بآل البيت و أمر بإذاعته و نشره في النوادي الحكومية و الشعبية و المجتمعات العامة أيام الجمعات و الأعياد،و قد جاء فيه مما يخص يزيد:

«و لما تكنّ الخلافة إلى يزيد طلب متحفزا يطلب بثأر المشركين من المسلمين فأوقع بأهل المدينة وقعة الحرة الوقعة التي لم تمر على البشرية مثلها،و لا على المسلمين أفظع و أبشع منها فشفا عند نفسه غليله،و ظن أنه انتقم لأشياخه من أولياء الله،و بلغ الثأر لأعداء الله و الرسول صلّى اللّه عليه و آله و أضاف يقول:

ثم إن أغلظ ما انتهك و أعظم ما اجترم سفكه لدم الحسين بن علي عليه السّلام مع علمه بموقعه من رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و سماعه منه أنه قال:«الحسن و الحسين ريحانتاي من الدنيا،الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة»اجتراء منه على الله و رسوله و عداوة منه لهما فما خاف من عمله ذلك نقمة و لا راقبه في معصية».

لقد كان قتل ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله من أعظم الأحداث الجسام التي روع بها المسلمون و امتحنوا بها امتحانا شاقا و عسيرا،كما أنها من أفجع الأحداث العالمية، فقد كانت القسوة التي قوبلت بها عترة النبي صلّى اللّه عليه و آله من أفظع ما جرى في تاريخ العالم.

فقد مارس أولئك الجفاة الممسوخون من جيش يزيد جميع ضروب الخسة و ألوان اللؤم.و تنكروا لجميع القيم الإنسانية و الأعراف السائدة،و ما قننه الناس

ص: 154


1- محمد:22-23.

من معاني الفضيلة و الأخلاق،فقتلوا الرجال و الأطفال و النساء بعد أن حرموهم من الماء و مثلوا بتلك الجثث الزواكي،و حملوا الرؤوس الطاهرة على الحراب،و سبوا ودائع الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله على أقتاب الجمال يطاف بهن في الأقطار و الأمصار، ليظهر الطاغية قهره لآل النبي صلّى اللّه عليه و آله و تغلبه عليهم،و كل هذه الأحداث جرت بأمره و إلحاحه،فهو المسؤول عنها.

أما ابن زياد فلم يكن سوى آلة و أداة بيده،و منفذ لرغباته كما دللنا على ذلك في البحوث السابقة.

إن تنزيه يزيد،و إلقاء المسؤولية على ابن مرجانة ما هو إلا لون من ألوان الانحراف عن الحق و الانقياد للعصبية العمياء التي لا يخضع لها من يملك وعيه و اختياره.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عما قيل في تبرير يزيد من المخاريق و الأباطيل،و ما أثر من الأعلام في تجريم يزيد و تحميله المسؤولية في إراقة دم الإمام (1).3.

ص: 155


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:280/3.

عودة السبايا

ركب السبايا قبيل المدينة

فانفصلوا من العراق إلى المدينة،فلمّا قرب عليّ بن الحسين عليه السّلام من المدينة ضرب فسطاطه و نزل و قال:يا بشير رحم اللّه أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر على شيء منه؟

قال:بلى إنّي شاعر،قال:فادخل المدينة و انع أبا عبد اللّه.

قال:فدخلت المدينة راكبا،فلمّا بلغت مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رفعت صوتي بالبكاء و قلت شعرا:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلا مضرّج و الرأس منه على القناة يدار

ثمّ قلت:هذا عليّ بن الحسين مع نسائه نزلوا بساحتكم و أنا رسوله إليكم أخبركم بقدومه فما بقيت في المدينة مخدّرة إلاّ برزن من خدورهنّ مكشوفة شعورهنّ مخمّشة وجوههنّ ضاربات خدودهنّ فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم و سمعت جارية تنوح على الحسين و تقول،شعرا:

نعى سيّدي ناع نعاه فأوجعا و أمرضني ناع نعاه فجعا

فعيناي جودا بالدموع و اسكبا وجودا بدمع بعد دمعكما معا

على من دعى عرش الجليل فأفزعا فأصبح هذا المجد و الدّين أجدعا

على ابن نبيّ اللّه و ابن وصيّه و إن كان عنّا شاحط الدار شسعا

ص: 156

فخرج الناس من المدينة إلى عليّ بن الحسين فأتيت إليه و هو داخل الفسطاط فخرج يبكي و ارتفعت أصوات الناس بالبكاء فأشار إلى الناس بالسكوت.

ثمّ خطب و قال في خطبته:أيّها الناس إنّ اللّه و له الحمد ابتلانا بمصائب جليلة و ثلمة في الإسلام عظيمة؛قتل أبو عبد اللّه و عترته و سبي نساؤه و صبيته و داروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان فأيّ عين منكم تحبس دمعها عن انهمالها فلقد بكت السبع الشداد لقتله و بكت البحار بأمواجها و السماوات بأركانها و الأرض بأرجائها و الأشجار بأغصانها و الحيتان و لجج البحار و الملائكة المقرّبون و أهل السماوات أجمعون.

أيّها الناس أصبحنا مطرودين مشردّين مبعدين عن الأمصار كأنّا أولاد ترك و كابل من غير جرم اجترمناه و لا مكروه ارتكبناه،و اللّه لو أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا لما ازدادوا على ما فعلوا بنا فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها و أوجعها و أفجعها (1).

ارجاع ذرية الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلى مدينة جدهم

قال السيد مرتضى العسكري:لم يكن ما جرى في عاصمة أمية بعد وصول سبايا آل الرسول عليهم السّلام إليها في صالح حكم آل أمية فرأى يزيد أن يرجعهم إلى مدينة جدهم مع نعمان بن بشير.

كما قال الطبري و غيره و اللفظ للطبري:قال يزيد بن معاوية:يا نعمان بن بشير جهزهم بما يصلحهم و ابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا و ابعث معه خيلا و أعوانا فيسير بهم إلى المدينة ثم أمر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة

ص: 157


1- البحار:148/45.

معهن ما يصلحهن و أخوهن معهن علي بن الحسين في الدار التي هن فيها.

قال:فخرجن حتى دخلن دار يزيد فلم تبق من آل معاوية امرأة إلاّ استقبلتهن تبكي و تنوح على الحسين فأقاموا عليه المناحة ثلاثا.

قال:فدعا ذات يوم عمرو بن الحسن بن علي و هو غلام صغير فقال لعمرو بن الحسن:أتقاتل هذا الفتى يعني خالدا ابنه.

قال:لا و لكن اعطني سكينا و اعطه سكينا ثم أقاتله فقام له يزيد:و أخذه فضمه إليه.ثم قال:شنشنة أعرفها من أخزم،هل تلد الحية إلا حية.

قال:و لما أرادوا أن يخرجوا أوصى بهم ذلك الرسول.

قال:فخرج بهم و كان يسايرهم بالليل فيكونون أمامه حيث لا يفوتون طرفه فإذا نزلوا تنحى عنهم و تفرق هو و أصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم و ينزل منهم بحيث إذا أراد إنسان منهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم فلم يزل ينازلهم في الطريق هكذا و يسألهم عن حوائجهم و يلطفهم (1).

قال القرشي:و لم يطل مكث أهل البيت في دمشق،فقد خشي يزيد من وقوع الفتنة،و اضطراب الرأي العام،و وقوع ما لا تحمد عقباه،فقد أحدث خطاب العقيلة زينب و خطاب الإمام زين العابدين انقلابا فكريا في جميع الأوساط،فقد أنارت تلك الخطب المشرقة العقول،و أثارت العواطف و أصبحت حديث الأندية و المجالس فكانت تغلي كالحمم على تلك الدولة الغاشمة و هي تنذر بانفجار شعبي يكتسح دولة يزيد،فقد عرفت أهل الشام لؤم يزيد،و خبث عنصره،و قلبت الرأي العام عليه فجوبه بالنقد حتى في مجلسه و سقط اجتماعيا،و ذهبت مكانته من النفوس (2).3.

ص: 158


1- معالم المدرستين للعسكري:168/3.
2- حياة الحسين للقرشي:282/3.

اعتذار الطاغية من زين العابدين

و دعا الطاغية الإمام زين العابدين عليه السّلام فأبدى له معاذيره،و ألقى المسؤولية في هذه الجريمة على ابن مرجانة قائلا:

«لعن الله ابن مرجانة،أما و الله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبدا إلا اعطيته إياها و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت و لو بهلاك بعض ولدي،و لكن قضى الله ما رأيت يا بني كاتبني بكل حاجة تكون لك و انه سيكون في قومك أمور فلا تدخل معهم في شي».

و أعرض عنه الإمام فلم يجبه بشي،فقد عرف واقع اعتذاره،و أنه كان تهربا مما لحقه من العار و الخزي.

عرض الأموال لآل البيت عليهم السلام

و أمر الطاغية بأنطاع من الإبريسم ففرشت في مجلسه،و صب عليها أموالا كثيرة،و قدمها لآل البيت لتكون دية لقتلاهم و عوضا لأموالهم التي نهبت في كربلاء فقال:

«خذوا هذا المال عوض ما أصابكم».

رد السيدة أم كلثوم

و التاعت شقيقة الحسين السيدة أم كلثوم و تميزت غيظا فصاحت به:

«ما أقل حياءك،و أصلف وجهك تقتل أخي و أهل بيتي و تعطيني عوضهم».

ص: 159

و قالت سكينة:

«و الله ما رأيت أقسى قلبا من يزيد،و لا رأيت كافرا،و لا مشركا شرا منه،و لا أجفا منه».

و باء يزيد بالفشل،فقد حسب أن أهل البيت تغريهم المادة،و لم يعلم أنهم من صنائع الله قد أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

طلبة الإمام زين العابدين عليهم السلام

و عرض الطاغية على الإمام زين العابدين عليه السّلام أن يعرض عليه حاجته فقال عليه السّلام:

«أريد منك أن تريني وجه أبي،و أن تعيد على النساء ما أخذ منهن ففيها مواريث الآباء و الأمهات،و إذا كنت تريد قتلي فارسل مع العيال من يؤدي بهن إلى المدينة».

و أكبر الظن أن الإمام أراد من رؤية رأس أبيه أن يعطيه الرأس الشريف ليواريه، و لكن الطاغية لم يجبه إلى ذلك فقد أمر أن يطاف به في جميع أنحاء البلاد لإشاعة الذعر و الفزع بين الناس،و حتى يكون عبرة لكل من يخرج عليه،و أما طلب الإمام أن يعيد على النساء ما أخذ منهن فلم يرد بذلك الحلي و الحلل و غيرها من الأموال التي نهبت منهن في يوم كربلاء،و إنما أراد أن يرد عليهم المواريث النفيسة التي ورثوها من جدهم رسول الله صلّى اللّه عليه و آله كعمامته و درعه و سيفه،و غير ذلك مما هو أثمن من المال.

و أطرق الطاغية برأسه إلى الأرض يفكر في طلب الإمام عليه السّلام ثم رفع رأسه و قال له:

«أما وجه أبيك فلن تراه،و أما ما أخذ منكم فيرد إليكم،و أما النسوة فلا يردهن غيرك،و قد عفوت عن قتلك».

ص: 160

السفر إلى يثرب

و عهد الطاغية إلى النعمان بن بشير أن يقوم برعاية ودائع رسول الله صلّى اللّه عليه و آله، و يصحبهم إلى يثرب و أمر بإخراجهم من دمشق ليلا خوفا من الفتنة،و اضطراب الأوضاع.

ص: 161

وصول النبأ إلى يثرب

و انتهت أنباء الكارثة الكبرى إلى يثرب قبل وصول السبايا إليها،و قد حمل النبأ عبد الملك بن الحارث السلمي بأمر من ابن زياد،و قد أخذ يجد في السير حتى انتهى إليها،و قد أعياه السفر فأسرع إلى حاكم المدينة الأشدق،و قد لقيه رجل فرابه ما هو فيه من الارتباك فأسرع إليه قائلا:

-ما الخبر؟

-الخبر عند الأمير.

و فطن الرجل لهول الأمر فقال:

«إنا لله و إنا إليه راجعون،قتل و الله الحسين،صدقت أم سلمة بما نبأت به».

و وافى رسول ابن زياد حاكم المدينة فأخبره بمقتل الحسين فاهتز فرحا و سرورا و راح يقول:

«واعية بواعية عثمان».

و أمر الأشدق بإذاعة ذلك بين الناس فهرعوا و قد علاهم البكاء نحو الجامع النبوي ليتعرفوا على تفصيل الحادث الأليم.

خطاب الأشدق

و اعتلى الطاغية عمرو بن سعيد الأشدق أعواد المنبر و هو يهز أعطافه مسرورا بقتل الإمام،و قد أظهر أحقاده و أضغانه فقال:

«أيها الناس:إنها لدمة بلدمة،و صدمة بصدمة،كم خطبة بعد خطبة،حكمة بالغة

ص: 162

فما تغني النذر،لقد كان يسبنا و نمدحه،و يقطعنا و نصله،كعادتنا و عادته،و لكن كيف نصنع بمن سل سيفه علينا يريد قتلنا إلا أن ندفعه عن أنفسنا».

و قطع عليه عبد الله بن السائب خطابه الذي أظهر فيه الشماتة بقتل ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله،فقال له:

«لو كانت فاطمة حية و رأت رأس الحسين لبكت عليه».

و كان هذا الاستنكار بداية نقد يجابه به والي المدينة و هو يخطب و قد لذعه نقده فصاح به:

«نحن أحق بفاطمة منك أبوها عمنا،و زوجها أخونا،و أمها ابنتنا،و لو كانت فاطمة حية لبكت عينها،و ما لامت من قتله».

و قد شذ الأشدق في قوله عن جميع الأعراف الاجتماعية فقد زعم أن فاطمة لو كانت حية لما لامت قاتل ولدها،بل من المؤكد عنده أنها تبارك القاتل الأثيم لأن بذلك دعما للحكم الأموي و بسطا لسلطانهم الذي يحمل جميع الاتجاهات الجاهلية.

إن فاطمة لو كانت حية و شاهدت فلذة كبدها على صعيد كربلاء و هو يعاني من الخطوب و الكوارث التي لم تجر على أي إنسان لذابت نفسها حسرات،و قد روى علي عن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله انه قال:

«تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة،و معها ثياب مصبوغة بدم فتتعلق بقائمة من قوائم العرش،فتقول:يا عدل احكم بيني و بين قاتل ولدي فيحكم لابنتي و رب الجنة».

ص: 163

مأتم عبد الله بن جعفر

و أقام عبد الله بن جعفر مأتما للعزاء على ابن عمه الحسين فجعل الناس يفدون عليه يعزونه بمصابه الأليم،و يقول المؤرخون:إنه كان له مولى يسمى أبا السلاسل فقال له:

«هذا ما لقينا من الحسين».

و قد حسب الغبي أنه يتقرب إليه بذلك لأنه لو لا الحسين لما استشهد ولداه،و لما سمع ابن جعفر مقالته فقد أهابه،و حذفه بنعله قائلا:

«يابن اللخناء تقول ذلك في الحسين؟و الله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه،و الله إنه لمما يسخي نفسي عن ولدي،و يهون علي المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي و ابن عمي مواسيين له صابرين معه».

و أقبل على حضار مجلسه فقال لهم:

«الحمد لله لقد عزّ علي المصاب بمصرع الحسين أن لا أكون واسيته بنفسي فلقد واساه ولداي».

رزية ابن عباس

رزئ ابن عباس كأشد ما تكون الرزية محنة و ألما حينما سمع بقتل الإمام، و كان في البيت الحرام فقد أسر إليه شخص،و عرفه بالحادث المؤلم فذعر و فقد اهابه فقال له محمد بن عبد الله:

«ما حدث يا أبا العباس؟».

ص: 164

«مصيبة عظيمة نحتسبها عند الله».

ثم أجهش بالبكاء،و انصرف إلى منزله حزينا كئيبا،و أقام مأتما في بيته فأقبل عليه الناس يعزونه بمصابه العظيم و يشاركونه الأسى و اللوعة.

مسور مع ابن الزبير

و لما جاء نعي الحسين إلى مكة التقى مسور بابن الزبير فقال له مسور:

«قد جاء ما كنت تتمنى من موت الحسين بن علي».

فراوغ ابن الزبير و قال:

«يا أبا عبد الرحمن تقول لي هذا؟فو الله ليته ما بقي بالجما حجر و الله ما تمنيت ذلك».

ورد عليه مسور:

«أنت أشرت عليه بالخروج إلى غير وجه».

«نعم أشرت عليه،و لم أدر أنه يقتل،و لم يكن بيدي أجله،و لقد جئت ابن عباس فعزيته،فعرفت أن ذلك يثقل عليه مني،و لو أني تركت تعزيته قال:مثلي يترك لا يعزيني بحسين،فما أصنع؟أخوالي و غرت صدورهم علي،و ما أدري على أي شيء؟».

فأسدى له مسور النصيحة و قال له:

«ما حاجتك إلى ذكر ما مضى دع الأمور تمضي،و بر أخوالك فأبوك أحمد عندهم منك».

رأس الإمام في يثرب

و ذهب أكثر المؤرخين إلى أن الطاغية بعث برأس ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله إلى

ص: 165

يثرب لإشاعة الرعب و الخوف،و القضاء على كل حركة ضده،و جي بالرأس الشريف إلى حاكم المدينة عمرو بن سعيد الأشدق فأنكر ذلك و قال:

«وددت و الله أن أمير المؤمنين لم يبعث إلينا برأسه».

و كان في مجلسه الوزغ ابن الوزغ مروان بن الحكم فصاح به:

«بئس ما قلت:هاته».

و أخذ الوزغ الرأس الشريف و جعل يهز أعطافه بشرا و سرورا و هو يقول بشماتة:

يا حبذا بردك في اليدين و لونك الأحمر في الخدين

و جيء بالرأس العظيم فنصب في جامع الرسول صلّى اللّه عليه و آله و صرخت نساء آل أبي طالب،و هرعن إلى القبر الشريف ببكاء و عويل فقال مروان:

عجت نساء بني زبيد عجة كعجيج نسوتنا غداة الأرنب

و راح مروان يبدي أفراحه حينما سمع عويل الهاشميات قائلا:

«و الله لكأني أنظر إلى أيام عثمان».

و التفت إلى قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال له:

«يا محمد يوم بيوم بدر».

لقد ظهرت الأحقاد الأموية،و ظهر أنها لا تؤمن بالإسلام و انها محتفظة بجاهليتها الأولى و قد استوفت ثأرها من النبي صلّى اللّه عليه و آله بإبادتها لعترته (1).

و قال البلاذري و الذهبي:ثم بعث يزيد رأسه إلى المدينة (2).

فقال عمرو بن سعيد:وددت و اللّه أن أمير المؤمنين لم يبعث إلينا برأسه.

فقال مروان:بئس و اللّه ما قلت هاته،ثم أخذ الرأس و قال:9.

ص: 166


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:288/3.
2- أنساب الأشراف 219.

يا حبذا بردك في اليدين و لونك الأحمر في الخدين (1)

و قال:فجيء برأس الحسين فنصب فصرخ نساء آل أبي طالب،فقال مروان:

عجت نساء بني زبيد عجة كعجيج نسوتنا غداة الأرنب

ثم صحن فقال مروان:

ضربت دوسر فيهم ضربة أثبتت أركان ملك فاستقر (2)

قال:و قام ابن أبي حبيش و عمرو يخطب،فقال:رحم اللّه فاطمة،فمضى عمرو في خطبته شيئا،ثم قال:وا عجبا لهذا الألثغ،و ما أنت و فاطمة؟قال:أمها خديجة.

قال:نعم و اللّه و ابنة محمد أخذتها يمينا و شمالا،وددت و اللّه أن أمير المؤمنين كان نحاه عني و لم يرسل به إلي و وددت و اللّه أن رأس الحسين كان على عنقه و روحه في جسده (3).

و قال:ثم رد إلى دمشق (4).ر.

ص: 167


1- أنساب الأشراف ص 217،و تاريخ الإسلام 351/2.
2- أنساب الأشراف ص 218،و تذكرة خواص الأمة ص 151،و فى أمالي الشجري ص 185- 186،بإيجاز و دوسر:اسم كتيبة كانت للنعمان بن المنذر ملك الحيرة و كانت أشد كتائبه بطشا،حتى قيل في المثل"أبطش من دوسر"و كتيبة دوسر و دوسرة:مجتمعة.
3- أنساب الأشراف ص 218.
4- أنساب الأشراف ص 219. قال المؤلف:إن البلاذري لم يكتب خطبة عمرو بن سعيد لنعرف سبب اعتراض ابن أبي حبيش عليه، و قد مر بي في ما قرأت أنه خاطب قبر الرسول،و قال:يوم بيوم بدر.

عودة السبايا إلى كربلاء

اشارة

و صرحت بعض المصادر أن سبايا آل البيت طلبوا من الوفد الموكل بحراستهم أن يعرج بهم إلى كربلاء ليجددوا عهدا بقبر سيد الشهداء فلبى الوفد طلبهم فانعطفوا إلى كربلاء،و لما انتهوا إليها استقبلن العلويات مرقد أبي عبد الله عليه السّلام بالصراخ و العويل و سالت الدموع كل مسيل و قضين أياما ثلاثة كن من أثقل الليالي و أوجعها على أهل البيت فلم تهدأ لهم عبرة حتى بحت الأصوات و تفتتت القلوب.

و تصرح بعض المصادر أن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري قد وفد إلى التشرف بزيارة قبر أبي عبد الله فالتقى به الإمام زين العابدين و أخذ يحدثه عما جرى عليهم من صنوف الرزايا و النكبات،ثم غادروا كربلاء متوجهين إلى يثرب (1).

و في مثير الأحزان و اللهوف:إن آل الرسول لما بلغو العراق طلبوا من الدليل ان يمر بهم على كربلاء فلما وصلوا مصرع الشهداء وجدوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري و جماعة من بني هاشم قدموا لزيارة قبر الحسين فوافوا في وقت واحد فتلاقوا بالحزن و البكاء و اجتمع إليهم نساء ذلك السواد و أقاموا على ذلك أياما،ثم انفصلوا من كربلاء قاصدين مدينة جدهم (2).

ص: 168


1- حياة الحسين للقرشي:289/3.
2- معالم المدرستين للعسكري:168/3.

إلى يثرب

قال القرشي:و اتجه موكب أسارى أهل البيت إلى يثرب فأخذ يجد في السير لا يلوي على شيء و قد جللته الأحزان و الآلام،و قد غامت عيون بنات رسول الله صلّى اللّه عليه و آله بالدموع و هن ينحن على فقد الأحبة و يذكرن بمزيد اللوعة ما جرى عليهم من أسر الذل و الهوان.

و كانت يثرب قبل قدوم السبايا إليها ترفل في ثياب الحزن على أم المؤمنين السيدة أم سلمة زوج النبي صلّى اللّه عليه و آله فقد ماتت بعد مقتل الحسين عليه السّلام،بشهر حزنا و كمدا عليه و هي التي أنبأت الناس عن مقتله.

نعي بشر للإمام

و لما وصل الإمام زين العابدين بالقرب من يثرب نزل فضرب فسطاطه و أنزل عمامته و أخوانه،و التفت إلى بشر بن حذلم فقال له:

«يا بشر رحم الله أباك لقد كان شاعرا،فهل تقدر على شيء منه؟»

«بلى يابن رسول الله إني لشاعر».

«ادخل المدينة و انع أبا عبد الله».

و انطلق بشر إلى المدينة فلما انتهى إلى الجامع النبوي رفع صوته مشفوعا بالبكاء و هو يقول:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فادمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج و الرأس منه على القناة يدار

و هرعت الجماهير نحو الجامع النبوي و هي ما بين نائح و صائح تنتظر من بشر

ص: 169

المزيد من الأنباء فالتفت إليهم و هو غارق في البكاء قائلا:

«هذا علي بن الحسين مع عماته و أخواته قد حلوا بساحتكم،و أنا رسوله إليكم أعرفكم مكانه».

و عج الناس بالبكاء و انطلقوا مسرعين يستقبلون آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله الذي برّ بدينهم و دنياهم،و انتشر الحزن و عمت الكآبة جميع الأوساط،فكان ذلك اليوم،كما وصفه المؤرخون كاليوم الذي مات فيه رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و ازدحم الناس على الإمام زين العابدين و هم يعزونه بمصابه الأليم،و يشاركونه الأسى و اللوعة.

خطاب الإمام زين العابدين عليه السلام

و رأى الإمام أن يحدث الناس بما جرى عليهم من عظيم الرزايا و النكبات،و ما عانوه من أسر الذل و الهوان و لم يكن باستطاعته أن يقوم خطيبا فقد ألمت به الأمراض،و انهكته الآلام فجي له بكرسي فجلس عليه،فقال عليه السّلام:

«الحمد لله رب العالمين،الرحمن الرحيم،مالك يوم الدين،بارئ الخلق أجمعين،الذي بعد فارتفع في السماوات العلى،و قرب فشهد النجوى،نحمده على عظائم الأمور و فجائع الدهور،و ألم الفجائع،و مضاضة اللواذع،و جليل الرزء، و عظيم المصائب الفاظعة الكاظة،الفادحة الجائحة.

أيها القوم:إن الله تعالى ابتلانا بمصائب جليلة،و ثلمة في الإسلام عظيمة،قتل أبو عبد الله الحسين و عترته،و سبيت نساؤه و صبيته،و داروا برأسه في البلدان، من فوق عامل السنان،و هذه الرزية التي لا مثلها رزية.

أيها الناس،فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله،أم أي فؤاد لا يحزن من أجله،أم أية عين منكم تحبس دمعها،و تضن عن انهمالها فلقد بكت السبع الشداد لقتله و بكت البحار بأمواجها،و السماوات بأركانها،و الأرض بأرجائها،و الأشجار

ص: 170

بأغصانها،و الحيتان في لجج البحار،و الملائكة المقربون،و أهل السماوات أجمعون.

أيها الناس:أي قلب لا ينصدع لقتله،أم أي فؤاد لا يحن إليه،أم أي سمع يسمع بهذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام و لا يصم.

أيها الناس:أصبحنا مشرددين مطرودين مذودين شاسعين عن الأمصار كأننا أولاد ترك و كابل من غير جرم اجترمناه،و لا مكروه ارتكبناه،و لا ثلمة في الإسلام ثلمناها،ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين،ان هذا إلا اختلاق،و الله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا،فإنا لله و إنا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها و أفجعها و أكظها و أفظعها و أمرها و أفدحها فعند الله نحتسب ما أصابنا و ما بلغ فإنه عزيز ذو انتقام».

و عرض الإمام في خطابه إلى الخطوب السود التي عانتها الأسرة النبوية و ما جرى عليها من الظلم الهائل..و انبرى إليه صعصعة فألقى إليه معاذيره لأنه كان زمنا،فقبل الإمام عذره و ترحم على أبيه،ثم زحف الإمام مع عماته و اخواته إلى يثرب و قد احتفت به الجماهير و قد علا منها البكاء و الصراخ،و لما انتهوا إلى الجامع النبوي أخذت عقيلة آل أبي طالب بعضادتي باب المسجد،و جعلت تخاطب جدها الرسول صلّى اللّه عليه و آله قائلة:

«يا جداه إني ناعية إليك أخي الحسين».

و خلدن بنات رسول الله إلى الحزن فأقمن المآتم على سيد الشهداء و لبسن السواد و أخذن يندبنه بأقسى و أشجى ما تكون الندبة (1).

روي عن بشير بن جذلم أنه قال:لما قربنا من المدينة حط علي بن الحسين رحله و ضرب فسطاطه و أنزل نساءه و قال:يا بشير رحم اللّه أباك لقد كان شاعرا3.

ص: 171


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:290/3.

فهل تقدر على شيء منه فقال:بلى يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إني شاعر فقال عليه السّلام:ادخل المدينة و انع أبا عبد اللّه.

قال بشير:فركبت فرسي و ركضت حتى دخلت المدينة،فلما بلغت مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله رفعت صوتي بالبكاء و أنشأت أقول:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج و الرأس منه على القناة يدار

قال:ثم قلت:هذا علي بن الحسين عليه السّلام مع عماته و أخواته قد حلوا بساحتكم و نزلوا بفنائكم و أنا رسوله إليكم أعرفكم مكانه،قال:فلم يبق في المدينة مخدرة و لا محجبة إلاّ برزن من خدورهن و هن بين باكية و نائحة و لا طمة فلم ير يوم أمر على أهل المدينة منه،و سألوه:من أنت؟

قال:فقلت:أنا بشير بن جذلم و جهني علي بن الحسين و هو نازل في موضع كذا و كذا مع عيال أبي عبد اللّه و نسائه،قال:فتركوني مكاني و بادروني فضربت فرسي حتى رجعت إليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطرق و المواضع فنزلت عن فرسي و تخطيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط و كان علي بن الحسين داخلا فخرج و بيده خرقة يمسح بها دموعه و خادم معه كرسي فوضعه و جلس و هو مغلوب على لوعته فعزاه الناس فأوما إليهم أن اسكتوا فسكنت فورتهم فقال:

الحمد للّه رب العالمين مالك يوم الدين بار؟الخلائق أجمعين الذي بعد فارتفع في السماوات العلى و قرب فشهد النجوى نحمده على عظائم الأمور و فجائع الدهور و جليل الرزء و عظيم المصائب.

أيها القوم ان اللّه و له الحمد ابتلانا بمصيبة جليلة و ثلمة في الإسلام عظيمة قتل أبو عبد اللّه و عترته و سبي نساؤه و صبيته و داروا برأسه في البلدان من فوق عالي السنان،أيها الناس فأي رجالات يسرون بعد قتله؟أية عين تحبس دمعها و تضن عن انهمالها،فلقد بكت السبع الشداد لقتله و بكت البحار و السماوات و الأرض

ص: 172

و الأشجار و الحيتان و الملائكة المقربون و أهل السماوات أجمعون.

أيها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله؟أم أي فؤاد لا يحن إليه أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلم في الإسلام.

أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين كأنا أولاد ترك أو كابل من غير جرم اجترمناه و لا مكروه ارتكبناه ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ان هذا إلاّ اختلاق و اللّه لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاة بنا لما زادوا على ما فعلوه فانا للّه و انا إليه راجعون.

فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان و كان زمينا فاعتذر إليه فقبل عذره و شكر له و ترحم على أبيه (1).

مكافأة الحرس

قال السيد القرشي:و شكرن العلويات رئيس الحرس الذي قام برعايتهن من دمشق إلى يثرب فقد قام لهن بخدمات جليلة تقضي مكافأته فقالت فاطمة بنت الإمام أمير المؤمنين لأختها زينب.

«لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشيء؟»

«و الله ما معنا شيء نصله به إلا حلينا».

«نعم هو ما تقولين».

و أخرجتا سوارين و دملجين لهما،و بعثتا بهما إليه،و اعتذرتا في أدب،و تأثر الرجل من هذا الكرم الغامر و هو يعلم ما هن فيه من ضيق شديد،فرده إليهما و قال باحترام:

ص: 173


1- مثير الأحزان ص 90-91،اللهوف 76-77 و معالم المدرستين للعسكري:170/3.

«لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني،و لكن و الله ما فعلته إلا لله و لقرابتكم من رسول الله صلّى اللّه عليه و آله» (1).

روى الطبري بسنده عن الحارث بن كعب،قال:قالت لي فاطمة بنت علي:قلت لأختي زينب:يا أخي لقد أحسن هذا الرجل الشامي إلينا في صحبتنا فهل لك أن نصله؟فقالت:و اللّه ما معنا شيء نصله به إلاّ حلينا قالت لها:فنعطيه حلينا قالت:

فأخذت سواري و دملجي و أخذت أختي سوارها و دملجها فبعثنا بذلك إليه و اعتذرنا إليه و قلنا له:هذا جزاؤك بصحبتك إيانا بالحسن من الفعل قال:لو كان الذي صنعت إنما هو للدنيا كان في حليكن ما يرضيني و دونه و لكن و اللّه ما فعلته إلاّ للّه و لقربتكم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (2).

حزن الإمام زين العابدين عليه السلام

قال السيد القرشي:و خلد الإمام زين العابدين إلى البكاء على أبيه ليلا و نهارا، يقول الإمام الصادق عليه السّلام:إن جدي علي بن الحسين بكى على أبيه عشرين سنة،و ما وضع بين يديه طعام إلا بكى و عذله بعض مواليه فقال له:

«إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين».

فقال له الإمام برفق:

«يا هذا إنما أشكو بثي و حزني إلى الله،و أعلم من الله ما لا تعلمون إن يعقوب كان نبيا فغيب الله عنه واحدا من أولاده و عنده اثنا عشر ولدا و هو يعلم أنه حي فبكى عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن،و اني نظرت إلى أبي و اخوتي و عمومتي و صحبي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني؟و اني لا أذكر مصرع بني فاطمة إلا

ص: 174


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:292/3.
2- تاريخ الطبري. ط/اروبا،379/2.

خنقتني العبرة،و إذا نظرت إلى عماتي و أخواتي ذكرت فرارهن من خيمة إلى خيمة».

و يزداد و جيب الإمام،و تتضاعف آلامه حينما كان ينظر إلى ديار أهله،و هي خالية موحشة تنعى أهلها،فقد رحلت عنها تلك الكواكب التي كانت تضي للناس حياتهم الفكرية و الاجتماعية،و فيها يقول الشاعر:

مررت على أبيات آل محمد فلم أر مثلها يوم حلت

فلا يبعد الله الديار و أهلها و إن أصبحت منهم برغم تخلت

و فيها يقول دعبل الخزاعي:

مدارس آيات خلت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات (1)

في اللهوف:روى عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال:إن زين العابدين عليه السّلام بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره،و قائما ليله،فإذا حضر الافطار و جاء غلامه بطعامه و شرابه فيضعه بين يديه فيقول:كل يا مولاي،فيقول:قتل ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عطشانا فلا يزال يكرر ذلك و يبكي حتى يبتل طعامه من دموعه فلم يزل كذلك حتى لحق باللّه عزّ و جلّ.

قال:و حدث مولى له قال:أنه برز يوما إلى الصحراء فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة فوقفت و أنا أسمع شهيقه و أحصيت عليه ألف مرة يقول:(لا إله إلا اللّه حقا حقا.

لا إله إلا اللّه تعبدا ورقا،لا إله إلا اللّه ايمانا و صدقا)ثم رفع رأسه من سجوده و ان لحيته و وجهه قد غمرا من دموع عينيه،فقلت:يا سيدي أما آن لحزنك أن ينقضي، و لبكائك أن يقل؟

فقال:ويحك،ان يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كان نبيا و ابن نبي،له اثنى عشر3.

ص: 175


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:292/3.

ابنا فغيب اللّه واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن و احدودب ظهره من الغم و ذهب بصره من البكاء و ابنه حي في دار الدنيا و أنا رأيت أبي و أخي و سبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين،فكيف ينقضي حزني و يقل بكائي؟ (1).

رأس ابن زياد بين يدي السجاد عليه السلام

ذكر اليعقوبي و قال:وجه المختار برأس عبيد اللّه بن زياد إلى علي بن الحسين في المدينة مع رجل من قومه،و قال له:قف بباب علي بن الحسين،فإذا رأيت أبوابه قد فتحت و دخل الناس،فذلك الذي فيه طعامه،فادخل إليه،فجاء الرسول إلى باب علي بن الحسين،فلما فتحت أبوابه،و دخل الناس للطعام،دخل و نادى بأعلى صوته:يا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مهبط الملائكة،و منزل الوحي،أنا رسول المختار ابن أبي عبيد معي رأس عبيد اللّه بن زياد.

فلم تبق في شيء من دور بني هاشم امرأة إلاّ صرخت،و دخل الرسول فأخرج الرأس،فلما رآه علي بن الحسين قال:أبعده اللّه إلى النار.

و روى بعضهم أن علي بن الحسين لم ير ضاحكا قط منذ قتل أبوه،إلا في ذلك اليوم،و انه كان له إبل تحمل الفاكهة من الشام،فلما أتي برأس عبيد اللّه بن زياد أمر بتلك الفاكهة ففرقت بين أهل المدينة و امتشطت نساء آل رسول اللّه و اختضبن و ما امتشطت امرأة و لا اختضبت منذ قتل الحسين بن علي (2).

ص: 176


1- اللهوف ص 80،و معالم المدرستين للعسكري؟؟؟ مثير الأحزان ص 92 بإيجاز.
2- تاريخ اليعقوبي 259/2.

فجيعة الهاشميين

و وقع النبأ المؤلم بقتل الحسين كالصاعقة على رؤوس الهاشميين فقد علا الصراخ و العويل من بيوتهم،و خرجت السيدة زينب بنت عقيل ناشرة شعرها، و هي تصحيح:

«وا محمداه،وا حسيناه،وا أخوتاه وا اهيلاه».

و جعلت تنظم ذوب روحها بأبيات تخاطب بها المسلمين قائلة:

ماذا تقولون:إن قال النبي لكم ماذا فعلتم و أنتم آخر الأمم

بعترتي و بأنصاري و ذريتي منهم أسارى و قتلى ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

فأجابها أبو الأسود و هو غارق في البكاء و الشجون نقول:

«ربنا ظلمنا أنفسنا،و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين».

و علاه الجزع و راح يقول:

أقول:و زادني حنقا و غيظا أزال الله ملك بني زياد

و أبعدهم كما بعدوا و خافوا كما بعدت ثمود و قوم عاد

و لا رجعت ركائبهم إليهم إذا وقفت يوم التناد

و ساد البكاء و عمت اللوعة و انتشر الحزن في جميع أنحاء يثرب،فلم ير أكثر باك و لا باكية من ذلك اليوم.

و قال السيد القرشي:و حزن الهاشميون على سيد الشهداء كأشد ما يكون الحزن و اللوعة فاستمروا في النياحة عليه ثلاث سنين و كان مسور بن مخرمة و أبو هريرة و المشيخة من أصحاب رسول الله يأتون متسترين فيستمعون ندبتهم،و يبكون بكاء مرا.

ص: 177

حزن العقيلة

و خلدت عقيلة آل أبي طالب إلى البكاء و النياحة على انقراض أهلها و كانت لا تجف لها عبرة،و لا تفتر عن البكاء،و كلما نظرت إلى ابن أخيها زين العابدين يزداد وجدها و حزنها و قد نخبت المصائب قلبها حتى صارت كأنها جثة هامدة،و لم تبق بعد الكارثة إلا سنتين حتى سمت روحها إلى الرفيق الأعلى.

لوعة الرباب

و وجدت عليه زوجته الرباب وجدا شديدا،و حزنت عليه حزنا عميقا،و قد أبدت من الوفاء ما لم ير مثله،و قد خطبها الأشراف من قريش فأبت و قالت:ما كنت لاتخذ حموا بعد رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و بقيت بعده سنة لم يظلها سقف حتى ماتت كمدا و يقول المؤرخون إنها رثته رثاء حزينا فقالت فيه:

إن الذي كان نورا يستضاء به بكربلاء قتيل غير مدفون

سبط النبي جزاك الله صالحة عنا و حبيت خير الموازين

قد كنت جبلا صعبا ألوذ به و كنت تصحبنا بالرحم و الدين

من لليتامى و من للسائلين و من يغني و يأوي إليه كل مسكين

و الله لا أبتغي صهرا بصهركم حتى أغيب بين الرمل و الطين

و يقول بعض المؤرخين إنها أقامت على قبره الشريف سنة ثم انصرفت و هي تقول:

إلى الحول ثم السلام عليكما و من يبك حولا كاملا فقد اعتذر

و هذا القول بعيد فإن العائلة الحسينية بعد اليوم العاشر كلها رحلت من كربلاء،

ص: 178

و لم يتخلف أحد منها حسب ما أجمع عليه المؤرخون.

و بلغ من وفاء أزواجه أن زوجته السيدة عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تنوح عليه،و قد رثته بذوب روحها قائلة:

وا حسينا فلا نسيت حسينا اقصدته أسنة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعا لا سقى الغيث بعده كربلاء

أحزان أم البنين

و خلدت أم البنين إلى البكاء و النياحة على أبنائها البررة الذين استشهدوا مع أخيهم الحسين فقد نخب الحزن قلبها،و راحت تبكيهم بذوب روحها و يقول بعض المؤرخين:إنها كانت تخرج إلى البقيع فتندبهم بأشجى و أوجع ما تكون الندبة، و كان الناس يجتمعون حولها فيسمعون رثاءها الحزين لأبنائها فيبكون،و كان ممن يجي لذلك مروان بن الحكم فيتأثر على قساوة قلبه و شدة عداوته لأهل البيت و قد نفى المحقق العلامة المغفور له السيد عبد الرزاق المقرم أن تكون أم البنين حية بعد كارثة كربلاء،و أنها توفيت قبل ذلك و قد صرح أبو الفرج و غيره من المعنيين بهذه البحوث بأنها كانت حية (1).

ص: 179


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:294/3.

دفن أجساد آل الرسول و أنصارهم

في إثبات الوصية للمسعودي:أقبل زين العابدين في اليوم الثالث عشر من المحرم لدفن أبيه (1).

و قال المفيد في الارشاد:لما رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية إلى الحسين و أصحابه فصلوا عليهم و دفنوا الحسين عليه السّلام حيث قبره الآن،و دفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجله و حفروا للشهداء من أهل بيته و أصحابه الذين صرعوا حوله،مما يلي رجلي الحسين عليه السّلام،و جمعوهم فدفنوهم جميعا معا،و دفنوا العباس بن علي عليه السّلام في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن (2).

و قيل:لما رحل ابن سعد بالسبايا خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية إلى الحسين عليه السّلام و أصحابه،فصلوا عليهم و دفنوا الحسين عليه السّلام حيث قبره الآن و دفنوا ابنه علي بن الحسين الأكبر عند رجليه و حفروا للشهداء من أهل بيته و أصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين عليه السّلام و جمعوهم و دفنوهم جميعا معا،و دفنوا العباس بن علي عليه السّلام في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن (3).

ص: 180


1- اثبات الوصية للمسعودي ص 173.
2- ارشاد المفيد ص 227.
3- -الإرشاد للمفيد 114/2.

دفن الرأس الشريف و مصيره

اشارة

اختلف المؤرخون حول المكان الذي دفن فيه رأس الإمام الحسين عليه السّلام و تنافست ما يقرب من ثماني مدن إسلامية على ادعاء شرف و فخر إيواء الراس الشريف لأبي عبد الله الحسين بن علي عليه السّلام و تلك المدن هي:كربلاء،و المدينة، و دمشق،و عسقلان،و الرقة،و مرو،و حلب،و القاهرة.

و الأصح أنه أعيد بعد أربعين يوما فدفن بكربلاء مع جسده الشريف (1).

و قال السيد القرشي:و انطوت السنون و الأجيال و الناس يتساءلون بلهفة أين دفن رأس الحسين؟بعد ما أصبح جسده الطاهر مزارا في كربلاء يطيف به الناس متفقين و مختلفين،و قد كثرت أقوال المؤرخين في المكان الذي حظي به و هذه بعضها:

1-في كربلاء:

و المشهور عند الشيعة الإمامية أن الرأس العظيم أعيد إلى كربلاء،و دفن مع الجسد الطاهر،و قد ذكر السيد رضي الدين علي بن طاوس أن عمل الطائفة على ذلك و ممن نص على ذلك المجلسي و ابن نما كما اشتهر ذلك عند فريق كبير من علماء السنة منهم الشبراوي و ابن الجوزي و البيروني و القزويني و غيرهم و مما لا شبهة

ص: 181


1- اللهوف في قتلى الطفوف،لابن طاووس 86،نور الأبصار 147.

فيه أن علماء الشيعة الإمامية معنيون بالاهتمام و البحث عن هذه الجهة أكثر من غيرهم،فهم أدرى بواقع الحال و أكثر وقوفا عليه من أي باحث آخر.

أما كيفية نقل الرؤوس الشريفة إلى كربلاء و دفنها مع الأجساد الطاهرة ففيما نحسب أنه يحتمل أحد أمرين:

الأول-إن الإمام زين العابدين التمس من يزيد أن يسمح له بذلك فأجابه إليه، و قد أخذ يزيد يتطلب مرضاة الإمام بعد أن نقم عليه المسلمون و كرهوا خلافته، و على هذا فيطرح ما روي أن الإمام عليه السّلام لما طلب منه أن يريه وجه أبيه فلم يجبه إلى ذلك،و يحتمل أنه أجابه إليه بعد رفضه.

الثاني-ان الإمام زين العابدين طلب من حاكم المدينة حينما حملت إليه الرؤوس أن يواريها مع الأجسام فأجابه إلى ذلك،فأخذها و رجع إلى كربلاء و واراها مع الأجساد الطاهرة.

2-في البقيع:

و ذهب فريق من المؤرخين إلى أن الرأس الشريف دفنه حاكم المدينة في البقيع إلى جانب أمه عليه السّلام.

3-في النجف:

و أثرت مجموعة من الأخبار عن الإمام الصادق عليه السّلام تنص على أن الرأس الشريف دفن في الغري،و هذه بعضها:

1-روى عمرو بن طلحة قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام و هو بالحيرة:أما تريد ما وعدتك.

ص: 182

قلت:بلى-يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين عليه السّلام قال:فركب و ركب إسماعيل و ركبت معهما حتى إذا جاز الثوية و كان بين الحيرة و النجف عند ذكوات بيض نزل و نزل إسماعيل و نزلت معهما فصلى و صلى إسماعيل و صليت فقال لإسماعيل:قم فسلم على جدك الحسين عليه السّلام.

فقلت،جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء؟

فقال:نعم،و لكن لما حمل رأسه سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين.

2-روى أبان بن تغلب قال:كنت مع أبي عبد الله عليه السّلام فمر بظهر الكوفة فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا فصلى ركعتين،ثم سار قليلا فنزل فصلى ركعتين،ثم قال هذا موضع قبر أمير المؤمنين عليه السّلام.

قلت:و الموضعين اللذين صليت فيهما.

قال:موضع رأس الحسين و موضع منزل القائم.

3-روى علي بن أسباط بسنده قال:قال أبو عبد الله عليه السّلام:إنك إذا أتيت الغري رأيت قبرين قبرا كبيرا و قبرا صغيرا،أما الكبير فقبر أمير المؤمنين عليه السّلام و أما الصغير فرأس الحسين عليه السّلام.

هذه بعض الأخبار التي تصرح بأن الرأس الشريف قد دفن في الغري و لكن التعبير في بعضها بأنه موضع الرأس لا يدل على أنه قد دفن فيه.

4-في دمشق:

و ذهب جمهور من المؤرخين إلى أن الرأس الشريف قد دفن في دمشق،و قد اختلفوا في المكان الذي حظي به و هذه بعض الأقوال:

أ-دفن في حائط بدمشق.

ب-في دار الامارة.

ص: 183

ج-في المقبرة.

د-في داخل باب الفراديس،و يعرف بمسجد الرأس.

ه-في جامع دمشق.

و هناك أقوال أخر غير هذه.

5-في فارس:

ذكر ذلك أحمد عطية و هو قول شاذ لم يذكره أحد من المؤرخين.

6-في مصر:

و ذهب بعض المؤرخين إلى أن الرأس الشريف قد حظيت به القاهرة أما كيفية نقله لها ففيها قولان:

1-ما ذكره الشعراني أن العقيلة زينب عليه السّلام نقلته إلى مصر و دفنته فيه و هذا القول شاذ لا يعول عليه.

2-ما أفاده المقريزي أنه نقل من عسقلان إلى مصر سنة(548 ه)في اليوم العاشر من شهر جمادى الآخرة،و قد نقله سيف المملكة مع القاضي المؤتمن ابن مسكين،و جرى له استقبال ضخم.

هذه بعض الأقوال التي ذكرت في مواراة الرأس العظيم،و قد شيد في أغلبها مزار يطوف به المسلمون،و هو من مواضع الاعتزاز و الفخر لكل بلد حظي بهذه النسبة.

و على أي حال فالحسين قائم في عواطف الناس و قلوبهم ففي أعماق النفوس قبره و ذكره فهو أسمى صورة قدسها الناس في جميع الأحقاب و الآباد.

ص: 184

و قد سئل أبو بكر الآلوسي عن موضع رأس الحسين فقال:

لا تطلبوا رأس الحسين بشرق أرض أو بغرب

و دعوا الجميع و عرجوا نحوي فمشهده بقلبي

و قال الحاج مهدي الفلوجي:

لا تطلبوا رأس الحسين فإنه لا في حمى ثاو و لا في واد

لكنما صفو الولاء يدلكم في أنه المقبور وسط فؤادي

لقد احتل الإمام الحسين عليه السّلام مشاعر الناس و ثوى في أفئدتهم فهاموا في حبه و تقديسه،و قد فجعوا بما جرى عليه من عظيم الرزايا و الخطوب،و ظلت رزيته تنخر في القلوب،و تذوب النفوس من هولها أسى و حزنا،و هم يحجون لكل مرقد يحمل شرف الانتساب بأنه مرقد رأس الإمام عليه السّلام،و قد ازدحم المرقد العظيم بالقاهرة بالزائرين و هم يتبركون به،و يعدون زيارته من أفضل الطاعات و القربات إلى الله تعالى (1).3.

ص: 185


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:298/3.

عوة السبايا الى الكوفة

اشارة

في فتوح أعثم و مقتل الخوارزمي و غيرهما،قالوا:و ساق القوم حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما تساق الأسارى،حتى إذا بلغوا بهم الكوفة خرج الناس ينظرون إليهم، و جعلوا يبكون و يتوجعون،و علي بن الحسين مريض،مغلول مكبل بالحديد قد نهكته العلة،فقال:ألا إن هؤلاء يبكون و يتوجعون من أجلنا،فمن قتلنا اذن؟

فأشرفت امرأة من الكوفة و قالت:من أي الأسارى أنتن؟

فقلن:نحن أسارى آل محمد صلّى اللّه عليه و آله فنزلت و جمعت ملاءا و أزرا و مقانع و أعطتهن (1).

خطبة زينب عليه السلام

و قال بشير بن حذيم الأسدي:نظرت إلى زينب بنت على يومئذ-و لم أر خفرة قط أنطق منها كأنما تنطق عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام و تفرغ عنه-و أومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس،و سكنت الأجراس،فقالت:" الحمد للّه و الصلاة على أبي محمد رسول اللّه و على آله الطيبين الأخيار آل اللّه،و بعد! يا أهل الكوفة!و يا أهل الختل،و الخذل،و الغدر!أتبكون؟فلا رقأت الدمعة و لا هدأت الرنة،إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوه أنكاثا.

ص: 186


1- ما بين القوسين في مثير الأحزان ص 66 ثم رجعنا إلى رواية ابن أعثم،انظر معالم المدرستين للعسكري:1/3.

أتتخذون أيمانكم دخلا بينكم؟ألا و هل فيكم إلاّ الصلف،و الطنف،و الشنف (1)و ملق الإماء و غمز الأعداء،أو كمرعى على دمنة،أو كقصة (2)على ملحودة،ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط اللّه عليكم و في العذاب أنتم خالدون،أتبكون و تنتحبون إي و اللّه فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا،فلقد ذهبتم بعارها و شنارها،و لن ترحضوها بغسل بعدها أبدا و أنى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء و سيد شباب أهل الجنة و ملاذ خيرتكم و مفزع نازلتكم،و منار حجتكم و مدره (3)ألسنتكم ألا ساء ما تزرون و بعدا لكم و سحقا،فلقد خاب السعي و تبت الأيدي،و خسرت الصفقة و بؤتم بغضب من اللّه،و ضربت عليكم الذلة و المسكنة،ويلكم يا أهل الكوفة.

أتدرون أي كبد لرسول اللّه فريتم،و أي دم له سفكتم،و أي كريمة له أبرزتم و أي حريم له أصبتم؟و أي حرمة له انتهكتم؟لقد جئتم شيئا إذا تكاد السماوات يتفطرن منه،و تنشق الأرض منه،و تخر الجبال هدا،ان ما جئتم بها لصلعاء،و عنقاء سوءاء فقماء خرقاء شوهاء،كطلاع الأرض و ملاء السماء.

أفعجبتم أن قطرت السماء دما؟و لعذاب الآخرة أشد و أخزى و أنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل،فإنه عزّ و جلّ لا يحفزه البدار،و لا يخاف فوت الثار،كلا ان ربكم لبالمرصاد.

قال بشير:فو اللّه لقد رأيت الناس يومئذ حيارى،كأنهم كانوا سكارى،يبكون و يحزنون و يتفجعون و يتأسفون و قد وضعوا أيديهم في أفواههم.

قال:و نظرت إلى شيخ من أهل الكوفة كان واقفا إلى جنبي،قد بكى حتى اخضلت لحيته بدموعه و هو يقول:صدقت بأبي و أمي،كهولكم خير الكهول،ن.

ص: 187


1- الأول الوقاحة و الثاني فساد الأخلاق و الثالث الكراهة.
2- و هي الجص.
3- كمنبر،المقدم من اللسان.

و شبانكم خير الشبان و نساؤكم خير النسوان،و نسلكم خير نسل لا يخزى و لا يبزي (1).

خطبة فاطمة ابنة الحسين عليه السّلام:و في مثير الأحزان و اللهوف:و خطبت فاطمة الصغرى فقالت:الحمد للّه عدد الرمل و الحصى وزنة العرش إلى الثرى أحمده و أومن به و أتوكل عليه و أشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا عبده و رسوله و أن أولاده ذبحوا بشط الفرات من غير ذحل و لا ترات اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب أو أن أقول خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيه علي بن أبي طالب المقتول كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت اللّه فيه معشر مسلمة بألسنتهم تعسا لرؤوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته و بعد وفاته حتى قبضته إليك محمود النقيبة طيب العريكة معروف المناقب مشهور المذاهب،لم تأخذه فيك لومة لائم زاهدا في الدنيا مجاهدا في سبيلك فهديته إلى صراطك المستقيم.

أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل المكر و الغدر و الخيلاء فانا أهل بيت ابتلانا اللّه بكم و ابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنا و جعل علمه عندنا و فهمه لدينا فنحن عيبة علمه، أكرمنا بكرامته،و فضلنا بمحمد نبيه صلى اللّه عليه و آله على كثير ممن خلق تفضيلا فكذبتمونا و رأيتم قتالنا حلالا و أموالنا نهبا كأنا أولاد ترك أو كابل فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا و نالت أيديكم من أموالنا فكأن العذاب قد حل بكم و أتت نقمات ألا لعنة اللّه على الظالمين،تبا لكم يا أهل الكوفة أي ترات لرسول اللّه صلى اللّه عليه قبلكم و دخول له لديكم بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب جدي و بنيه و عترته و افتخر بذلك مفتخركم فقال:

نحن قتلنا عليا و بني علي بسيوف هندية و رماحر.

ص: 188


1- تاريخ ابن أعثم 221/5-226،و مقتل الخوارزمي 40/2-42. و لا يبزي:لا يقهر.

و سبينا نساءهم سبي ترك و نطحناهم فأي نطاح

بفيك الكثكث و الأثلب، افتخرت بقتل قوم زكاهم اللّه في كتابه و طهرهم و أذهب عنهم الرجس؟فأقع كما أقعى أبوك و إنما لكل امرئ ما اكتسب أحسدتمونا على ما فضلنا اللّه تعالى به.

ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و من لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور.

فضج الموضع بالبكاء و الحنين و قالوا:حسبك يا ابنة الطيبين فقد أحرقت قلوبنا و أضرمت أجوافنا فسكتت (1).

خطبة أم كلثوم

و قال و خطبت أم كلثوم بنت علي عليه السّلام و قد غلب عليها البكاء فقالت:يا أهل الكوفة سوءة لكم ما لكم خذلتم حسينا و قتلتموه و انتهبتم أمواله و سبيتم نساءه و نكبتموه فتبا لكم و سحقا ويلكم أتدرون أي دواه دهتكم و أي دماء سفكتموها!و أي كريمة أصبتموها!و أي أموال انتهبتموها!قتلتم خير رجالات بعد النبي صلى اللّه عليه و آله!ألا ان حزب اللّه هم الفائزون و حزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت:

قتلتم أخي صبرا فويل لامكم ستجزون نارا حرها يتوقد

سفكتم دماء حرم اللّه سفكها و حرمها القرآن ثم محمد

ألا فأبشروا بالنار إنكم غدا لفى سقر حقا يقينا تخلدوا

و إنى لأبكى في حياتي على أخي على خير من بعد النبي

سيولد بدمع غزير مستهل مكفكف على الخد مني ذايبا ليس يجمد

فضج الناس بالبكاء و النوح (2).

ص: 189


1- معالم المدرستين للعسكري:147/3.
2- مثير الأحزان 66-69،و معالم المدرستين للعسكري:1/3.

إخبار مدينة الرسول بقتل سبط الرسول عليه السلام

و روى الطبري بسنده عن عوانة بن الحكم قال:لما قتل عبيد اللّه بن زياد الحسين بن علي،و جيء برأسه إليه،دعا عبد الملك بن أبي الحارث السلمي فقال:

انطلق حتى تقدم المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص،فبشره بقتل الحسين، و كان عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة يومئذ.

قال:فذهب ليعتل له فزجره و كان عبيد اللّه لا يصطلي بناره،فقال:انطلق حتى تأتي المدينة و لا يسبقك الخبر و أعطاه دنانير و قال:لا تعتل و ان قامت بك راحلتك فأكثر راحلة قال عبد الملك:فقدمت المدينة فلقيني رجل من قريش فقال:ما الخبر؟

فقلت:الخبر عند الأمير.

فقال:إنا للّه و إنا إليه راجعون،قتل الحسين بن علي،قال:فدخلت على عمرو بن سعيد فقال:ما وراءك؟فقلت:ما سره الأمير،قتل الحسين بن علي عليه السّلام.

فقال:ناد بقتله،فناديت بقتله،فلم اسمع و اللّه واعية قط مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين!فقال عمرو بن سعيد و ضحك:

عجت نساء بني زياد عجة كعجيج نسوتنا غداة الأرنب

و الأرنب:وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من رهط عبد المدان و هذا البيت لعمرو بن معدي كرب ثم قال عمرو:هذه واعية بواعية عثمان بن عفان،ثم صعد المنبر فأعلم الناس قتله.

و في الأغاني:أمر عمرو صاحب شرطته على المدينة بعد خروج الحسين أن

ص: 190

يهدم دور بني هاشم ففعل و بلغ منهم كل مبلغ (1).

و روى الطبري بسنده و قال:لما بلغ عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب مقتل ابنيه مع الحسين،دخل عليه بعض مواليه و الناس يعزونه قال:و لا أظن مولاه ذلك إلاّ أبا اللسلاس:فقال:هذا ما لقينا و دخل علينا من الحسين.

قال:فحذفه عبد اللّه بن جعفر بنعله،ثم قال:يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا؟! و اللّه لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه و اللّه انه لمما يسخي بنفسي عنهما،و يهون علي المصاب بهما،أنهما أصيبا مع أخي و ابن عمي مواسيين له صابرين معه.

ثم أقبل على جلسائه،فقال:الحمد للّه!عز علي بمصرع الحسين إلا يكن آست حسينا يدي فقد آساه ولدي قال:و لما أتى أهل المدينة مقتل الحسين خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب و معها نساؤها و هي حاسرة تلوي بثوبها و هي تقول:

ماذا تقولون ان قال النبي لكم ماذا فعلتم و أنتم آخر الأمم

بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي منهم أسارى و منهم ضرجوا بدم (2)3.

ص: 191


1- الأغاني،155/4.
2- معالم المدرستين للعسكري:153/3.

من نعى الإمام في المدينة

أ-أم سلمة

قال السيد مرتضى العسكري:في سنن الترمذي و سير النبلاء و الرياض النضرة و تاريخ ابن كثير و تاريخ الخميس و غيرها و اللفظ للأول،عن سلمى،قالت:

دخلت على أم سلمة و هي تبكي فقلت:ما يبكيك؟

قالت:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله-تعنى في المنام-و على رأسه و لحيته التراب.

فقلت:ما لك يا رسول اللّه؟

قال:شهدت قتل الحسين آنفا (1).

و قال اليعقوبي:و كان أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان دفع إليها قارورة فيها تربة و قال لها:(ان جبريل أعلمني ان أمتي تقتل الحسين)و أعطاني هذه التربة،و قال لي:(إذا صارت دما عبيطا فاعلمي أن الحسين قد قتل)،و كانت عندها فلما حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كل ساعة،فلما رأتها قد صارت دما صاحت،وا حسيناه!يا ابن رسول اللّه! و تصارخت النساء من كل ناحية حتى ارتفعت المدينة بالرجة التي ما سمع بمثلها قط.

ص: 192


1- سنن الترمذي 193/13-194،و مستدرك الحاكم 19/4،و سير النبلاء 213/3،و الرياض النضرة ص 148،و تاريخ ابن الأثير 38/3،و ابن كثير 201/8،و تاريخ السيوطي ص 208، و تاريخ ابن عساكر،ح-726،و تهذيبه 240/4.
ب-ابن عباس

في مسند أحمد بن حنبل و فضائله و المعجم الكبير للطبراني و المستدرك للحاكم و الرياض النضرة و غيرها و اللفظ للأول:عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس،قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المنام نصف النهار أشعث اغبر،معه قارورة فيها دم،فقلت بأبي و أمي يا رسول اللّه،ما هذا؟قال:"هذا دم الحسين و أصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم"قال عمار:فأحصينا ذلك اليوم فوجدناه قد قتل فيه (1).

و في تاريخ ابن عساكر و ابن كثير:عن علي بن زيد بن جدعان قال:استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع،و قال:قتل الحسين و اللّه!

فقال له أصحابه:لم يا ابن عباس؟

فقال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه زجاجة من دم،فقال:"أتعلم ما صنعت أمتي من بعدي؟قتلوا الحسين!و هذا دمه و دم أصحابه ارفعهما إلى اللّه".

فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه و تلك الساعة،فما لبثوا إلاّ أربعة و عشرين يوما حتى جاءهم الخبر بالمدينة انه قتل في ذلك اليوم و في تلك الساعة.

ص: 193


1- مسند أحمد 242/1 و 282،و فضائل أحمد الحديث 20 و 22 و 26،و المعجم للطبراني ح- 56،و مستدرك الحاكم 398/4،و قال:صحيح على شرط مسلم و سير النبلاء 323/3،و الرياض النضرة 148،و مجمع الزوائد 193/9 و 194،و تذكرة سبط ابن الجوزي ص 152،و تاريخ ابن الأثير 38/3،و ابن كثير 231/6 و 200/8،و قال اسناده قوي،و تاريخ الخميس 300/2، و الإصابة 334/1،و تاريخ السيوطي ص 208،و أمالي الشجري ص 160:2)تاريخ ابن كثير /8 200،و تاريخ ابن عساكر الحديث 723-725.
ج-ناع ثالث

روى الطبري و غيره و اللفظ للطبري،عن عمرو بن عكرمة،قال:أصبحنا صبيحة قتل الحسين بالمدينة فإذا مولى لنا يحدثنا،قال:سمعت البارحة مناديا ينادي و هو يقول:

أيها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب و التنكيل

كل أهل السماء يدعو عليكم من نبي و ملئك و قبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود و موسى و حامل الإنجيل

و هناك روايات أخرى عن أم سلمة و غيرها أنهم سمعوا نوح الجن على الحسين و هم يقولون:

أيها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب و التنكيل

كل أهل السماء يدعو عليكم و نبي و مرسل و قبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود و موسى و صاحب الإنجيل (1)

ص: 194


1- تاريخ ابن كثير 201/8،و راجع سير النبلاء 214/3،و تاريخ السيوطي ص 280،و تاريخ ابن عساكر الحديث 733-739،و معالم المدرستين للعسكري:139/3.

الفهرس

ما جرى عند قتل الحسين عليه السلام

تغير الكواكب و السماء و الأرض 3

معاجز الرأس الشريف 9

تكلم الرأس 12

سلب الإمام الحسين و آله 13

نوح الجن 16

غراب يتمرغ 16

سلب جثة الإمام 17

وطئ الجسد الشريف 18

تقسيم الرؤس و ارسالها 20

عدد الشهداء مع الحسين عليه السلام 25

انتقام الحسين عليه السلام من قتلته 26

السبايا في الطريق 28

بكاء الناس على أسارى آل محمد 28

خطبة امّ كلثوم في الكوفة 28

خطبة زين العابدين في الكوفة 29

ص: 195

تصدق الناس على أسارى آل محمد 29

بين زينب بنت عليّ عليها السلام و ابن زياد 31

بين زيد ابن أرقم و ابن زياد 34

خطبة ابن زياد ورد ابن عفيف عليه 35

رأس الحسين عليه السلام في سكك الكوفة 36

موقف آخر بين زينب و ابن زياد 38

رأس الحسين عليه السلام بالقرب من دمشق 39

رأس الحسين عليه السلام بين يدي يزيد 40

خطبة عليّ بن الحسين عليه السلام بين يدي يزيد في المسجد 42

موقف لعليّ بن الحسين مع يزيد 43

موقف حبر اليهود من قتل الحسين عليه السلام 44

موقف عالم النصارى من قتل الحسين عليه السلام 44

موقف رسول ملك الروم من قتل الحسين عليه السلام 45

حبس علي بن الحسين عليه السلام و النساء 48

منام سكينة في الشام 48

صلب رأس الحسين على باب دار يزيد 49

زين العابدين عليه السلام في أسواق دمشق 49

بين علي بن الحسين عليه السلام و يزيد 50

حال الرأس 51

فرس الحسين عليه السلام 53

و نادت عقيلة الوحي:53

حرق الخيام 53

ص: 196

الهجوم على زين العابدين عليه السلام 55

حزن علي بن الحسين على أبيه عليه السلام 55

إخبار النبي بدم الحسين عليهما السلام 57

العقيلة أمام الجثمان العظيم 58

ليلة الحادي عشر من المحرم 59

خولي يحمل رأس الإمام 60

سنان يطلب الجائزة 61

الطاغية مع قاتل الإمام 62

تشفي ابن زياد برأس الإمام 62

عودة الطاغية إلى الكوفة 63

آل رسول اللّه عليهم السلام في دار الامارة 65

رجوع القوات المسلحة 69

مواراة الجثث الطاهرة 70

سبايا أهل البيت عليهم السلام في الكوفة 73

خطاب السيدة زينب عليها السلام 75

صدى الخطاب 76

خطاب السيدة فاطمة عليها السلام 77

صدى الخطاب 79

خطاب السيدة أم كلثوم عليها السلام 80

خطاب الإمام زين العابدين عليه السلام 81

في مجلس ابن زياد 82

الطاغية مع زين العابدين عليه السلام 83

ص: 197

ثورة ابن عفيف 85

العفو عن ابن معقل 88

إلقاء القبض على جندب 89

الطاغية مع قيس 89

تقوير الرأس الشريف 90

الطواف بالرأس العظيم 90

حبس عقائل الوحي 91

اختطاف علي بن الحسين عليه السلام 91

ندم ابن سعد 92

ابن زياد يطالب ابن سعد بالكتاب 92

التنديد بابن زياد 93

1-مرجانة 93

2-عثمان بن زياد 94

3-معقل بن يسار 94

الانكار على ابن سعد 94

الاستياء الشامل 94

ندم أهل الكوفة 97

1-البراء بن عازب 97

2-المسيب بن نجبة 97

3-سليمان بن صرد 98

4-عبد الله بن الحر 98

الهجرة من الكوفة 100

ص: 198

سبايا آل الرسول عليهم السلام في دمشق 100

تسيير الرؤوس 101

تسريح العائلة النبوية 101

تشييع أهل الكوفة للأسرى 101

تزيين الشام 102

اخبار الخليفة يزيد بقتل الحسين عليه السلام 105

ارسال أسارى آل البيت عليه السلام إلى عاصمة الخلافة بالشام 105

استقبال خليفة المسلمين رؤوس آل رسول اللّه عليه السلام و أنصارهم 106

حاجة أم كلثوم إلى شمر:106

حاجة سكينة 107

الشامي مع زين العابدين 107

سرور يزيد 110

رأس الإمام بين يدي يزيد 110

نصب الرأس في جامع دمشق 112

رأس الإمام عند نساء يزيد 113

السبايا في مجلس يزيد 114

خطبة حفيدة رسول اللّه في مجلس الخلافة 116

محتويات الخطاب 121

جواب يزيد 123

صدى خطاب زينب عليها السلام 124

خطاب الإمام زين العابدين عليه السلام في مسجد دمشق 125

صدى خطاب الإمام زين العابدين 130

ص: 199

الإمام السجاد مع المنهال 133

النياحة على الحسين عليه السلام 134

مكافأة ابن مرجانة 135

ندم الطاغية 135

منكرون و ناقمون 137

1-ممثل ملك الروم 137

2-حبر يهودي 138

3-قيصر ملك الروم 138

4-رأس الجالوت 139

5-واثلة بن الأسقع 139

6-ابن عباس 139

7-ابن الزبير 140

8-أبو برزة 141

9-الأسرة الأموية 141

أ-يحيى بن الحكم 141

ب-عاتكة بنت يزيد 141

ج-هند 142

10-معاوية بن يزيد 142

حبر من اليهود يستنكر على يزيد 143

شامي يطلب عترة الرسول جارية له 144

خليفة المسلمين يتمثل بأبيات ابن الزبعري 145

استنكار زوجة الخليفة 147

ص: 200

مخاريق و أباطيل 148

المدافون عن يزيد 148

1-ابن تيمية 148

2-الغزالي 149

3-ابن العربي 149

4-ابن حجر 150

5-أنيس زكريا 150

6-الدكتور النجار 151

7-محمد عزة دروزة 151

رأي الدكتور طه حسين 152

كلمة التفتازاني 152

رأي اليافعي 153

رأي أحمد بن حنبل 153

كلمة المعتضد العباسي 154

عودة السبايا 156

ركب السبايا قبيل المدينة 156

ارجاع ذرية الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلى مدينة جدهم 157

اعتذار الطاغية من زين العابدين 159

عرض الأموال لآل البيت عليهم السلام 159

رد السيدة أم كلثوم 159

طلبة الإمام زين العابدين عليهم السلام 160

السفر إلى يثرب 161

ص: 201

وصول النبأ إلى يثرب 162

خطاب الأشدق 162

مأتم عبد اللّه بن جعفر 164

رزية ابن عباس 164

مسور مع ابن الزبير 165

رأس الإمام في يثرب 165

عودة السبايا إلى كربلاء 168

إلى يثرب 169

نعي بشر للإمام 169

خطاب الإمام زين العابدين عليه السلام 170

مكافأة الحرس 173

حزن الإمام زين العابدين عليه السلام 174

رأس ابن زياد بين يدي السجاد عليه السلام 176

فجيعة الهاشميين 177

حزن العقيلة 178

لوعة الرباب 178

أحزان أم البنين 179

دفن أجساد آل الرسول و أنصارهم 180

دفن الرأس الشريف و مصيره 181

1-في كربلاء:181

2-في البقيع:182

3-في النجف:182

ص: 202

4-في دمشق:183

5-في فارس:184

6-في مصر:184

عوة السبايا الى الكوفة 186

خطبة زينب عليه السلام 186

خطبة أم كلثوم 189

إخبار مدينة الرسول بقتل سبط الرسول عليه السلام 190

من نعى الإمام في المدينة 192

أ-أم سلمة 192

ب-ابن عباس 193

ج-ناع ثالث 194

ص: 203

المجلد 16

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء السادس عشر

إمتداد ثورة الإمام الحسين عليه السلام و آثارها

أثر استشهاد الحسين عليه السلام

اعلم أيها القارىء أن القوم قتلوا ذرية الرسول محمد صلّى اللّه عليه و اله و مثّلوا بهم و طافوا بآل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله سبايا في بلاد المسلمين،و المسلمون بمرأى و مسمع!.

كل تلك الأحداث الجسام وقعت بين كربلاء و الكوفة و الشام في أقل من شهرين من خروج الحسين عليه السّلام من مكة يوم التروية.

و كان قد بلغ خبر خروج الإمام على خليفة المسلمين مع عودة الحاج إلى كل فج عميق.

و كان طبيعيا أن يتنسم المسلمون أخباره بعد ذلك،و تبلغهم أنباء تلك الفجائع فجيعة بعد فجيعة،و تنكسر لتلك الأنباء قلوب المؤمنين و يحزنوا.

و كان وقع المصيبة حقا عظيما على من بلغه نبأها من المسلمين،فقد وقعت الصيحة في دار يزيد،و شمل الإنكار عليه أهل مجلسه و مسجده،و أينما بلغت أخبار فظائعه،و انقسم المسلمون أثر هذه الفجيعة إلى قسمين:قسم انضوى تحت لواء الخلافة لا يثنيه عن ولاء الخليفة قتل ذرية الرسول و لا استباحة حرمه و لا هدم الكعبة بل ازدادوا قساوة و فضاضة.

و قسم آخر انكسر مقام الخلافة في نفسه و تبرّأ من فعل عصبة الخلافة و خرج عليهم،مثل أهل المدينة في وقعة الحرة و غيرهم ممن ثاروا على عصبة الخلافة.

ص: 3

و توالت الثورات و الخروج على الخلافة من قبل الفريق الآخر،و قليل من هذا الفريق عرفوا حق أئمة أهل البيت عليهم السّلام و اتبعوهم و ائتموا بهم و كان بدء ذلك على عهد قيام الإمام الحسين،كما فعل زهير بن القين الذي كان عثمانيا و أصبح بعد الإجتماع بالامام علويا حسينيا،و الحر بن يزيد الرياحي أحد قادة جيش الخلافة لحرب الإمام الذي تاب و استشهد دون الحسين عليه السّلام.

هذا القليل من هذا الفريق أدرك مجانبة الإسلام مع سيرة الخلافة القائمة و آمن بصحة إمامة أئمة أهل البيت و تهيأت نفسه لقبول أحكام الإسلام الذي جاء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الذي كان مخزونا لدى أئمه أهل البيت عليهم السّلام يتوارثونه كابر عن كابر،و من ثم أمكن نشر أحكام الإسلام و تبليغها من جدد يعني بذلك أئمة أهل البيت و بدأ العمل لذلك الإمام السجاد فمهّد له في مرض وفاته كما يلي (1).3.

ص: 4


1- معالم المدرستين للعسكري:320/3.

صدى الثورة المباركة

قال السيد محمد باقر القرشي:لقد أثارت كارثة كربلاء موجة رهيبة من القلق النفسي و الانفعالات العميقة التي سيطرت على نفوس المسلمين،و دفعتهم إلى العمل السياسي و التكتل الإجتماعي للإطاحة بالحكم الأموي،و الإنتقام من السفكة المجرمين.

لقد كانت الأرض تستعر حربا منذ قتل الحسين فقد هبّت الشعوب الإسلامية كالمارد الجبار و هي تعلن سخطها العارم على الحكم الأموي و تعمل على سقوطه، و من بين هذه الثورات:

ثورة عبد الله بن عفيف

و هي أول ثورة في الكوفة بعد قتل الإمام مباشرة،قام بها البطل العظيم عبد الله ابن عفيف الأزدي،فكان أول من أطلق شرارة الثورة و أحال النصر الكاذب الذي أحرزه ابن مرجانة إلى هزيمة،و قد تحدثنا عن فصولها في البحوث السابقة.

ص: 5

ثورة المدينة

و الشيء المحقق أن الثورة في يثرب كانت امتدادا لثورة أبي الشهداء عليه السّلام فقد كانت النفوس تغلي كالمرجل غيظا و حنقا على يزيد لانتهاكه حرمة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله في قتله لعترته و سبيه لذراريه.

و قد أفعمت القلوب حزنا و ألما حينما رجعت سبايا أهل البيت عليهم السّلام إلى المدينة و جعلت تقص على أهلها ما جرى على ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله من عظيم الرزايا و فوادح الخطوب،و ما عانته عقائل النبوة و مخدرات الوحي من الأسر و السبي.

لقد كانت شقيقة الحسين و حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و اله زينب تلهب العواطف للطلب بثأر أخيها.

و قد رأى أهل المدينة أن الخروج على يزيد واجب شرعي فخلعوا بيعته رسميا و أعلنوا الثورة على حكومته،و قد عهد يزيد إلى المجرم الأثيم مسرف بن عقبة المري باحتلال يثرب و ضم إليه جيشا مكثفا قوامه اثنا عشر ألفا من أهل الشام، و قد أمره أن يبيحها لجنده ثلاثة أيام يصنعون بأهلها ما يشاءون و ينهبون من أموالهم ما يحبّون.

و زحف مسرف بجنوده إلى المدينة فاحتلها،و قد أباحها لجنده ثلاثة أيام فقتلوا و نهبوا و استباحوا كل ما حرّمه اللّه،ثم أخذ البيعة من أهلها على أنهم خول ليزيد، و من أبى ضربت عنقه،و قد حدثت من الرزايا في تلك الواقعة ما تذوب منه النفوس، و قد ذكر المؤرخون صورا مروعة و محزنة مما حل بالمدنيين فكانت هذه الكارثة

ص: 6

كفاجعة كربلاء و قد دفعت الشعوب الإسلامية إلى التكتل السياسي للعمل ضد الحكم الأموي و الإطاحة به.

ص: 7

ثورة المختار

اشارة

و المختار من أشهر الشخصيات العربية التي عرفها التاريخ الإسلامي و قد لعب دورا خطيرا في الأحداث السياسية و الاجتماعية في ذلك العصر كما كان من ألمع السياسيين في رسم المخططات و وضع المناهج،و السيطرة على الموقف،و قد أثبتت كفاءته أنه رجل الفكر و العمل،يقول بعض الكتاب عنه:«إنه كان على جانب كبير من الدراية بعلم النفس و الإلمام بوسائل الدعاية و الإعلام،فقد كان يخاطب عواطف الناس كما كان يخاطب عقولهم،و كان لا يكتفي بوسائل الدعاية المعروفة حينئذ كالخطابة و الشعر بل لجأ إلى وسائل كثيرة للدعاية منها التمثيل و المظاهرات و الإشاعات،كما لجأ إلى ما نسميه الآن بالانقلاب العسكري حينما انتزع الكوفة من ابن الزبير».

و كان علما من أعلام الشيعة،و سيفا من سيوف آل رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و كان يتحرق كأشد ما يكون التحرق ألما و جزعا على العترة الطاهرة التي أبادتها سيوف الباطل،و قد سعى جاهدا للاستيلاء على الحكم لا لرغبة فيه،و إنما ليأخذ ثأر آل البيت و ينتقم من قتلهم.

و قد اتهم هذا العملاق العظيم باتهامات رخيصة كاتهامه بادعاء النبوة و غيرها من النسب الباطلة التي هي بعيدة عنه و هو برىء منها،و إنما اتهموه بذلك لأنه طلب بثأر الإمام العظيم،و زعزع كيان الدولة الأموية،و أسقط هيبة حكمها و ساوى بين العرب و الموالي،فلم يميز أحدا على أحد،و قد رام السير في أيام حكمه على ضوء

ص: 8

منهاج سياسة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام،و الإقتداء بسلوكه في سياسته الإقتصادية و الإجتماعية.

و كان على جانب كبير من التقوى و الحريجة في الدين،و يقول المؤرخون إنه كان في أيام حكومته القصيرة الأمد يكثر من الصوم شكرا لله تعالى على توفيقه للأخذ بثأر العترة الطاهرة،و إبادته للأرجاس من السفكة المجرمين.

لقد ألصقوا بهذا العملاق العظيم التهم الزائفة للحط من شأنه و التقليل من أهميته،و أنا بعد دراستنا لشؤونه رأيناه من أفذاذ التأريخ و من أعلام الأمة الإسلامية بما يملك من طاقات هائلة من الفضل و التقوى و أصالة الفكر و عمق الرأي و حسن التدبير،قلّ أن يتصف بمثلها عظماء الرجال و عباقرة الدهر...و كان بودي أن أطيل الوقوف للتحدث عن معالم شخصيته الكريمة،و التحدث عن ثورته و كيفية استيلائه على الحكم إلا أن ذلك يستدعي وضع كتاب خاص به،و عسى أن أوفق إلى ذلك إن شاء الله،و قبل أن أقفل الحديث عنه أشير على سبيل الإيجاز إلى بعض الجهات التي تمّت إلى الوضوع:

فزع السفكة المجرمين

و ساد الرعب و استولى الخوف على نفوس السفكة المجرمين من قتلة ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فقد كانوا على يقين أن ثورة المختار إنما قامت للإنتقام منهم،فهام بعضهم من خوفه في البيداء و لم يعلم له خبر،وفر آخرون إلى عبد الملك ليحميهم من سطوة المختار و غضبه،و قد خاطبه شخص منهم قائلا:

أدنو لترحمني و ترتق خلتي و أراك تدفعني فأين المدفع

و جاء إليه عبد الملك بن الحجاج التغلبي لاجئا فقال له:

ص: 9

«إني هربت إليك من العراق».

فصاح به عبد الملك بن مروان:

«كذبت ليس لنا هربت،و لكن هربت من دم الحسين و خفت على دمك فلجأت إلينا».

كما هرب بعضهم إلى ابن الزبير و انضم إلى جيشه و قاتل معه لا إيمانا بقضيته و لكن خوفا من المختار،و قد عمد المختار إلى هدم دورهم و الإستيلاء على جميع ممتلكاتهم،و قد هدم دار محمد بن الأشعث و أخذ أنقاضها و بنى بها دار الشهيد العظيم حجر بن عدي و كان قد هدمها زياد ابن أبيه.

و أما الخبيث الدنس عمر بن سعد فقد قبع في بيته فزعا مرعوبا،و هو يزج بالشخصيات للتوسط لدى المختار في أخذ الأمان له و العفو عنه و كتب له المختار الأمان بشرط أن لا يحدث حدثا و لكنه وارى في ذلك و أراد أن لا يدخل بيت الخلاء.

لقد ارعب المختار قلوب المجرمين من قتلة الإمام حتى زلزلت الأرض تحت أقدامهم و اجتاحتهم موجات عاتية من الخوف و الإرهاب فلم يهنأ أحد منهم بعيش فقد خيم عليهم شبح الموت.

الإبادة الشاملة

و أسرع المختار إلى تنفيذ حكم الإعدام بكل من اشترك في قتل ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فقد جهد على الانتقام منهم و تطهير الأرض من أولئك الأرجاس،و قد قتل منهم فيما يقول الطبري في يوم واحد مائتين و ثمانين رجلا،و لم يفلت أحد من قادتهم و زعمائهم،فقتل المجرم الخبيث عبيد الله بن زياد،و عمر بن سعد مع ولده حفص،و قتل الأبرص شمر بن ذي الجوشن،و رميت بجيفته إلى الكلاب،و قتل قيس

ص: 10

ابن الأشعث و الحصين بن نمير،و شبث بن ربعي و غيرهم.

و قد استجاب الله دعوة الإمام العظيم في أولئك السفكة المجرمين فقتلهم قتلة بقتلة،و سقاهم كأسا مصبّرة،و انتقم منهم كأشد ما يكون الانتقام،و صدق الله تعالى إذ يقول: وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَ هِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (1)و يقول الزهري:لم يبق من قتلة الحسين أحد إلا عوقب في الدنيا إما بالقتل أو العمى أو سواد الوجه أو زوال الملك في مدة يسيرة.

لقد حقّت عليهم كلمة العذاب في الدنيا،و هم في نار جهنم خالدون،لا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينظرون.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن ثورة المختار التي هي من أنبل الثورات و أكثرها أصالة في الإسلام فقد استهدفت الأخذ بثأر العترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم حسبما يقول الرسول صلّى اللّه عليه و اله كما استهدفت نشر المساواة و العدالة الاجتماعية بين الناس.

فتحيات من الله و رضوان على المختار يوم ولد و يوم استشهد و يوم يبعث حيا.2.

ص: 11


1- هود:102.

استمرار الثورة

و لم يؤد القضاء على ثورة المختار من قبل ابن الزبير إلى ضعف الروح الثورية عند الشيعة،فقد كانت هناك ثورات أخرى فجّرها أحفاد الإمام الحسين و أحفاد أخيه الإمام الحسن،فقد هبّ لمقارعة الظلم و الجور الثائر العظيم زيد بن علي، و أشعل نار الثورة من بعده ولده يحيى و هم ينادون بمبادىء الحسين و يطلبون بثأره،و استمرت الثورات حتى تدفقت الرايات السوداء مع طلائع الجيوش الإسلامية بقيادة أبي مسلم الخراساني فأطاحت بالعرش الأموي،و قضت على معالم زهوه و جبروته.

و بهذا ينتهي بنا البحث-بإيجاز-عن معطيات الثورة التي تحققت على الصعيد الفكري و الاجتماعي و بها تطوى الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب،و أكرر ما أعلنته غير مرة من أن هذا المجهود بما فيه من سعة و شمول و استيعاب فإنه لا يمثل إلا صفحة من حياة هذا الإمام العظيم الذي احتل مشاعر الناس و عواطفهم، و قام في قلوبهم و أفكارهم،و اني على ثقة أن جميع ما ألّف فيه و ما سيؤلّف لا يستوعب جميع نواحي شخصيته أو يلم بواقع حياته التي هي امتداد لحياة جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله و ما ينشده من الخير و التوجيه لصالح الإنسان (1).

و سوف يأتي تفصيل ثورة المختار في المجلدان السابع عشر و الثامن عشر.

ص: 12


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:206/3-312.

ثورة أهل الحرمين

اشارة

قال السيد مرتضى العسكري:لم أقصد في ما أوردت من أخبار مقتل الإمام الحسين عليه السّلام استقصاء أخبار مقتله و لا تحقيق حوادثه،و لا بيان زمانها و تحديد مكانها،بل توخيت في ما أوردت فهم آثار مقتله على مدرستي الإمامة و الخلافة في الإسلام و كان يكفيني في هذا الصدد ما أوردته على سبيل التنبيه و الإشراف.

و كان من آثار مقتله على مدرسة الخلافة ثورات المسلمين المستمرة على حكم آل أمية و في مقدمتها ثورة أهل الحرمين كما نبينها في ما يلي:

قال المسعودي:لما شمل الناس جور يزيد و عماله،و عمّهم ظلمه و ما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أنصاره و ما أظهر من شرب الخمور، و سيره سيرة فرعون بل كان فرعون أعدل منه في رعيته و أنصف منه لخاصته و عامته (1)إمتنع ابن الزبير من بيعة يزيد،و كان يسمّيه السكير الخمير،و كتب إلى أهل المدينة ينتقصه،و يذكر فسوقه،و يدعوهم إلى معاضدته على حربه (2).

و قال الطبري و غيره:لما قتل الحسين عليه السّلام قام ابن الزبير في أهل مكة و عظّم مقتله و عاب على أهل الكوفة خاصة،و لام أهل العراق عامة،فقال بعد أن حمد اللّه و أثنى عليه و صلى على محمد صلّى اللّه عليه و اله:إن أهل العراق غدر و فجر إلاّ قليلا و إن أهل

ص: 13


1- مروج الذهب 68/3،و تاريخ ابن كثير 219/8.
2- التنبيه و الاشراف ص 263.

الكوفة شرار أهل العراق و إنهم دعوا حسينا لينصروه و يولوه عليهم فلما قدم عليهم ثاروا إليه فقالوا له إما أن تضع يدك في أيدينا فنبعث بك إلى ابن زياد ابن سمية سلما فيمضي فيك حكمه و اما أن تحارب،فرأى و اللّه أنه هو و أصحابه قليل في كثير و إن كان اللّه عزّ و جلّ لم يطلع على الغيب أحدا أنه مقتول و لكنه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة فرحم اللّه حسينا و أخزى قاتل حسين،لعمري لقد كان من خلافهم إياه و عصيانهم ما كان في مثله واعظ و ناه عنهم و لكنه ما حم نازل و إذا أراد اللّه أمرا لن يدفع أفبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم و نصدّق قولهم و نقبل لهم عهدا لا،و لا نراهم لذلك أهلا،أما و اللّه لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه،كثيرا في النهار صيامه،أحق بما هم فيه منهم،و أولى به في الدين و الفضل،أما و اللّه ما كان يبدل في القرآن الغناء و لا البكاء من خشية اللّه الحداء،و لا بالصيام شرب الحرام.

و لا بالمجالس في حلق الذكر الركض في تطلاب الصيد-يعرض بيزيد- فسوف يلقون غيا،فثار إليه أصحابه،فقالوا له:أيها الرجل أظهر بيعتك فإنه لم يبق أحد إذ هلك حسين ينازعك هذا الأمر،و قد كان يبايع الناس سرا و يظهر أنه عائذ بالبيت،فقال لهم:لا تعجلوا و عمرو بن سعيد بن العاص يومئذ عامل مكة و قد كان أشد شيء عليه و على أصحابه،و كان مع شدّته عليهم يداري و يرفق فلما استقر عند يزيد بن معاوية ما قد جمع ابن الزبير من الجموع بمكة أعطى اللّه عهدا ليوثقنه في سلسلة فبعث بسلسلة من فضة فمر بها البريد على مروان بن الحكم بالمدينة فأخبر خبر ما قدم له و بالسلسلة التي معه فقال مروان:

خذها فليست للعزيز بخطة و فيها مقال لامرئ متضعف

ثم مضى من عنده حتى قدم على ابن الزبير فأتى ابن الزبير فأخبره بممر البريد على مروان و تمثل مروان بهذا البيت فقال ابن الزبير:لا و اللّه لا أكون أنا ذلك المتضعف ورد ذلك البريد ردا رفيقا و علا أمر ابن الزبير بمكة و كاتبه أهل المدينة

ص: 14

و قال الناس أما إذ هلك الحسين عليه السّلام فليس أحد ينازع ابن الزبير (1).

رسل يزيد مع ابن الزبير

روى خبر رسل يزيد مع ابن الزبير ابن أعثم و الدينوري و غيرهما و اللفظ لابن أعثم قال:و تحرك عبد اللّه بن الزبير و دعا إلى نفسه (2).

قال:و لما بلغ يزيد بن معاوية ما فيه عبد اللّه بن الزبير من بيعة الناس له و اجتماعهم عليه دعا بعشرة نفر من وجوه أصحابه منهم النعمان بن بشير الأنصاري،و عبد اللّه بن عضاءة الأشعري..

ثم قال لهم:إن عبد اللّه بن الزبير قد تحرّك بالحجاز و أخرج يده من طاعتي و دعا الناس إلى سبي و سب أبي و قد اجتمعت إليه قوم يعينونه على ذلك،صيروا إليه، فإذا دخلتم عليه فعظّموا حقه و حق أبيه،و سلوه أن يلزم الطاعة و لا يفارق الجماعة فإن أجاب فخذوا بيعته و إن أبى فخوّفوه ما نزل بالحسين بن علي و ليس الزبير عندي بأفضل من علي بن أبي طالب و لا ابنه عبد اللّه بأفضل من الحسين و انظروا أن لا تلبثوا عنده فإني متعلق القلب بورود خبركم علي،فخرج القوم إلى مكة و دخلوا على ابن الزبير و أدوا إليه رسالة يزيد فقال:و ما الذي يريد مني يزيد إنما أنا رجل مجاور لهذا البيت عائذ به من شر يزيد و غير يزيد،فإن تركني فيه و إلا انتقلت عنه إلى بلد غيره و كنت فيه إلى أن يأتيني الموت،ثم أمر لهم بمنزل فصاروا إليه يومهم ذلك و لما كان من الغد خرج فصلى بأصحابه الفجر،ثم أقبل فجلس في الحجر و اجتمع إليه أصحابه،و أقبل إليه هؤلاء الوفد الذين قدموا عليه من عند يزيد،

ص: 15


1- معالم المدرستين للعسكري:178/3.
2- الاخبار الطوال للدينوري ص 263،و قد أوردتها ملخصة من فتوح ابن أعثم 262/5-290.

و تكلموا كلاما يرجون به اتباعه ليزيد و طاعته له،قال:فأقبل إليه النعمان بن بشير فقال:بلغ يزيد عنك أنك تصعد المنبر فتذكره و تذكر أباه معاوية بكل قبيح و أنت تعلم أنه إمام و قد بايعه الناس،و لا نحب لك أن تخرج يدك من الطاعة و تفارق الجماعة،و بعد فإن الغيبة لا خير فيها،قال:فقطع عليه الكلام عبد اللّه بن الزبير،ثم قال:يا ابن بشير إن الفاسق لا غيبة له،و ما قلت فيه إلاّ ما قد علمه الناس منه،و لو كان على ما كان عليه الأئمة الأخيار سمعنا و أطعنا و لذكرناه بكل جميل،و بعد فإني أنا في هذا البيت بمنزلة حمامة من حمام مكة،أفتحل لكم أن تؤذوا حمام مكة؟

قال:فغضب عبد اللّه بن عضاءة الأشعري.

فقال:نعم و اللّه يا ابن الزبير،نؤذي حمام مكة و نقتل حمام مكة،و ما حرمة حمام مكة؟يا ابن الزبير!أتصعد المنبر و تتكلم في أمير المؤمنين بكل قبيح ثم تشبّه نفسك بحمام مكة ثم قال:يا غلام،ائتني بقوسي و سهمي قال فأتي بقوسه و سهامه فأخذ سهما فوضعه في كبد قوس ثم سدّده نحو حمام مكة و قال:يا حمامة أيشرب أمير المؤمنين و يفجر؟قولي:نعم؟أما و اللّه لو قلت:نعم،لما أخطأك سهمي هذا،يا حمامة:أيلعب أمير المؤمنين بالقرود و الفهود و يفسق في الدين؟قولي:نعم أما و اللّه لئن قلت:نعم،لا أخطأك سهمي هذا،يا حمامة فتقتلين أم تخلعين الطاعة و تفارقين الجماعة و تقيمين في الحرم عاصية؟قولي:نعم قال:

ثم أقبل عبد اللّه بن عضاءة على ابن الزبير فقال له:مالي لا أرى الحمامة تنطق بشئ و أنت الناطق بجميع ما كلّمتها فيه على المنبر،أما و اللّه يا ابن الزبير إني خائف عليك و أقسم باللّه قسما صادقا لتبايعن يزيد طائعا أو كارها أو لتعرفني في هذه البطحاء و في يدي راية الأشعريين (1).

و ذكر ابن أعثم وقائع بين ابن الزبير و عمرو بن سعيد،كانت الغلبة فيها لابن1.

ص: 16


1- و قريب منه لفظ الأصبهاني في الأغاني 33/1.

الزبير.

و ذكر الطبري و غيره أنه عزل عمرو بن سعيد و ولّى الوليد بن عتبة فأقام الحج سنة 61 ه (1).

قال:و أقام الوليد يريد ابن الزبير فلا يجده إلاّ متحذرا متمنعا و أفاض بالناس من عرفة ثم أفاض ابن الزبير بأصحابه،ثم إن ابن الزبير عمل بالمكر في أمر الوليد فكتب إلى يزيد إنك بعثت إلينا رجلا أخرق لا يتجه لأمر رشد و لا يرعوي لعظة الحكيم فلو بعثت رجلا سهل الخلق رجوت أن يسهّل من الأمور ما استوعر منها و ان يجمع ما تفرق،فعزل يزيد الوليد و ولّى عثمان بن محمد بن أبي سفيان (2).

وفد أهل المدينة عند يزيد

قالوا كان عثمان فتى غرا حدثا لم يجرب الأمور و لم يحنكه السن فبعث إلى يزيد وفدا من أهل المدينة فيهم:عبد اللّه بن حنظلة غسيل الملائكة الأنصاري و عبد اللّه ابن أبي عمرو المخزومي و المنذر بن الزبير و رجالا كثيرا من أشراف أهل المدينة فقدموا على يزيد فأكرمهم و أحسن إليهم و أعظم جوائزهم فأعطى عبد اللّه بن حنظلة و كان شريفا فاضلا عابدا سيدا مائة ألف درهم،و كان معه ثمانية بنين فأعطى كل ولد عشرة آلاف سوى كسوتهم و حملانهم،فلما رجعوا قدموا المدينة و أظهروا شتم يزيد و عيبه و قالوا قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر و يضرب بالطنابير و يعزف عنده القيان و يلعب بالكلاب و يسمر عنده الخراب و الفتيان!و إنا نشهدكم أنّا خلعناه!و قام عبد اللّه بن حنظلة الغسيل،فقال:جئتكم

ص: 17


1- الطبري 273/6-275 في آخر ذكر حوادث سنة إحدى و ستين.
2- الطبري 2/8-5 في ذكر حوادث سنة ستين و تخيرت اللفظ من تاريخ ابن الأثير 40/4-42.

من عند رجل لو لم أجد إلاّ بني هؤلاء لجاهدته بهم،قالوا:قد بلغنا أنه أجداك و أعطاك و أكرمك،قال:قد فعل و ما قبلت منه عطاءه إلاّ لأتقوّى به،فخلعه الناس و بايعوا عبد اللّه بن حنظلة على خلع يزيد و ولّوه عليهم.

أما المنذر بن الزبير فكان قد أجازه بمائة ألف و كان قوله لما قدم المدينة:إن يزيد و اللّه لقد أجازني بمائة ألف درهم و أنه لا يمنعني ما صنع إلي أن أخبركم خبره و أصدقكم عنه و اللّه إنه ليشرب الخمر و إنه ليسكر حتى يدع الصلاة و عابه بمثل ما عابه به أصحابه الذين كانوا معه و أشد (1).8.

ص: 18


1- تاريخ الطبري 3/7-13،و ابن الأثير 40/4-41،و ابن كثير 216/8،و العقد الفريد /4 388.

ثورة الصحابة و التابعين

ثورة أهل المدينة و بيعتهم لعبد اللّه بن حنظلة

اشارة

قال الذهبي في تاريخ الإسلام:إجتمعوا على عبد اللّه بن حنظلة و بايعهم على الموت،قال:يا قوم اتقوا اللّه فو اللّه ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء إنه رجل ينكح أمهات الأولاد و البنات و الأخوات و يشرب الخمر و يدع الصلاة (1).

و قال اليعقوبي:أتى ابن مينا عامل صوافي معاوية إلى عثمان بن محمد والي المدينة من قبل يزيد فأعلمه أنه أراد حمل ما كان يحمله في كل سنة من تلك الصوافي من الحنطة و التمر،و أن أهل المدينة منعوه من ذلك فأرسل عثمان إلى جماعة منهم فكلّمهم بكلام غليظ فوثبوا به و بمن كان معه بالمدينة من بني أمية، و أخرجوهم من المدينة و اتبعوهم يرجمونهم بالحجارة (2).

و في الأغاني:و أقام ابن الزبير على خلع يزيد و مالأه على ذلك أكثر الناس، فدخل عليه عبد اللّه بن مطيع و عبد اللّه بن حنظلة و أهل المدينة المسجد و أتوا المنبر فخلعوا يزيدا فقال عبد اللّه بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي:خلعت يزيد كما خلعت عمامتي،و نزعها عن رأسه،و قال:إني لأقول هذا و قد وصلني

ص: 19


1- تاريخ الإسلام 356/2.
2- اليعقوبي 250/2.

و أحسن جائزتي،و لكن عدو اللّه سكير خمير.

و قال آخر:خلعته كما خلعت نعلي.

و قال آخر:خلعته كما خلعت ثوبي،و قال آخر:قد خلعته كما خلعت خفي،حتى كثرت العمائم و النعال و الخفاف،و أظهروا البراءة منه و أجمعوا على ذلك.

و امتنع منه عبد اللّه بن عمر،و محمد بن علي بن أبي طالب-عليه السّلام-و جرى بين محمد خاصة و بين أصحاب ابن الزبير فيه قول كثير،حتى أرادوا إكراهه على ذلك فخرج إلى مكة و كان هذا أول ما هاج الشر بينه و بين ابن الزبير.

و اجتمع أهل المدينة لإخراج بني أمية عنها،فأخذوا عليهم العهود ألا يعينوا عليهم الجيش،و أن يردوهم عنهم فإن لم يقدروا على ردّهم لا يرجعوا إلى المدينة معهم (1).3.

ص: 20


1- معالم المدرستين للعسكري:183/3.
السجاد عليه السلام يؤوي حريم بني أمية

قال:فأتى مروان عبد اللّه بن عمر فقال:يا أبا عبد الرحمن،إن هؤلاء القوم قد ركبونا بما ترى فضم عيالنا،فقال:لست من أمركم و أمر هؤلاء في شيء فقام مروان و هو يقول:قبح اللّه هذا أمرا و هذا دينا.

ثم أتى علي بن الحسين عليه السّلام فسأله أن يضم أهله و ثقله ففعل،و وجّههم و امرأته أم أبان بنت عثمان إلى الطائف و معها ابناه:عبد اللّه و محمد (1).

و قال الطبري و ابن الأثير:و قد كان مروان بن الحكم كلّم ابن عمر لما أخرج أهل المدينة عامل يزيد و بني أمية في أن يغيّب أهله عنده فلم يفعل،فكلّم علي بن الحسين و قال:يا أبا الحسن،إن لي رحما و حرمي تكون مع حرمك.

فقال:أفعل.

فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين فخرج بحرمه و حرم مروان حتى وضعهم بينبع (2).

و في تاريخ ابن الأثير:فبعث بامرأته و هي عائشة ابنة عثمان بن عفان و حرمه إلى علي بن الحسين فخرج علي بحرمه و حرم مروان إلى ينبع.

و في الأغاني:و أخرجوا بنو أمية فأراد مروان أن يصلّي بمن معه فمنعوه و قالوا:لا يصلّي و اللّه بالناس أبدا و لكن إذا أراد أن يصلّي بأهله،فصلّى بهم

ص: 21


1- الأغاني 34/1-35.
2- الطبري 7/7،ابن الأثير 45/4.

و مضى (1).

إستغاثة بنى أمية بيزيد

قال الطبري و غيره:فخرج بنو أمية بجماعتهم حتى نزلوا دار مروان فحاصرهم الناس بها حصارا ضعيفا فأرسل بنو أمية بكتاب إلى يزيد يستغيثونه.

فقال يزيد للرسول:أما يكون بنو أمية و مواليهم ألف رجل بالمدينة قال:بلى و اللّه و أكثر،قال:فما استطاعوا أن يقاتلوا ساعة من نهار؟!قالوا:فبعث إلى عمرو ابن سعيد فأقرأه الكتاب و أخبره الخبر و أمره أن يسير إليهم فأبى،و بعث إلى عبيد اللّه بن زياد يأمره بالمسير إلى المدينة و محاصرة ابن الزبير فأبى و قال:و اللّه لا جمعتهما للفاسق أقتل ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أغزو البيت و كانت أمه مرجانة قد عنّفته حين قتل الحسين و قالت له:ويلك ماذا صنعت و ماذا ركبت! (2)فبعث إلى مسلم بن عقبة المري و كان معاوية قد قال ليزيد:إن لك من أهل المدينة...،فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإنه رجل قد عرفت نصيحته،فلما جاءه مسلم وجده شيخا ضعيفا مريضا (3).

قال صاحب الأغاني:قال مسلم ليزيد:ما كنت مرسلا إلى المدينة أحدا إلاّ قصّر و ما صاحبهم غيري،إني رأيت في منامي شجرة غرقد تصيح:على يدي مسلم، فأقبلت نحو الصوت فسمعت قائلا يقول:أدرك ثأرك،أهل المدينة قتلة عثمان.

ص: 22


1- الأغاني 36/1.
2- في أمالي الشجري ص 164.
3- الطبري 5/7-13،و ابن الأثير 44/4-45،و ابن كثير 219/8،و الأغاني 35/1-36.
أوامر الخليفة لقائد جيشه

قال الطبري:فانتدبه لذلك و قال له:إن حدث بك حدث فاستخلف على الجيش الحصين بن نمير السكوني و قال له:أدع القوم ثلاثا فإن أجابوك و الا فقاتلهم فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا،فما فيها من مال أو ورقة أو سلاح أو طعام فهو للجند فإذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس و انظر علي بن الحسين فاكفف عنه و استوص به خيرا و ادن مجلسه فإنه لم يدخل في شيء مما دخلوا فيه،و أمر مناديه فنادى أن سيروا إلى الحجاز على أخذ أعطياتكم كملا و معونة مائة دينار توضع في يد الرجل من ساعته فانتدب لذلك اثنا عشر ألف رجل.

و في لفظ المسعودي في التنبيه و الاشراف:و إذا قدمت إلى المدينة فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك حربا فالسيف السيف و لا تبقي عليهم و انتهبهم عليهم ثلاثا و أجهز على جريحهم و اقتل مدبرهم،و ان لم يعرضوا لك،فامض إلى مكة،فقاتل ابن الزبير.

و في لفظه في مروج الذهب:فسيّر إليهم يزيد،مسلم بن عقبة الذي سمّى المدينة نتنة و قد سمّاها رسول اللّه طيبة (1).

ص: 23


1- معالم المدرستين للعسكري:185/3.
ما أنشده خليفة المسلمين

قال هو و الدينوري:لما عرض على يزيد الجيش أنشأ يقول:

أبلغ أبا بكر إذا الليل سرى و هبط القوم على وادي القرى

عشرون ألفا بين كهل و فتى أجمع سكران من الخمر ترى

أم جمع يقظان نفى عنه الكرى

كانت كنية ابن الزبير أبو بكر و أبو خبيب و كان ابن الزبير يسمّى يزيد:السكران الخمير.

قال المسعودي:و كتب يزيد إلى ابن الزبير:

أدع إلهك في السماء فإنني أدعو عليك رجال عك و أشعر

كيف النجاة أبا خبيب منهم فاحتل لنفسك قبل أتي العسكر (1).

قال الطبري و غيره و اللفظ لابن الأثير:و لما سمع عبد الملك بن مروان أن يزيد قد سيّر الجنود إلى المدينة قال:ليت السماء وقعت على الأرض،إعظاما لذلك،ثم ابتلي بعد ذلك بأن وجّه الحجاج فحصر مكة ورمى الكعبة بالمنجنيق و قتل ابن الزبير.

ص: 24


1- التنبيه و الاشراف ص 263،و مروج الذهب 68/3-69،و الاخبار الطوال ص 265،و البيتين الأخيرين وردا فيه،و أوردت الشعر الأول بلفظ الطبري 6/8،و ابن الأثير،و راجع تاريخ الإسلام للذهبي 355/2.
مسير جيش الخلافة إلى الحرمين

لما اقبل مسلم بالجيش و بلغ أهل المدينة خبرهم،اشتد حصارهم لبني أمية بدار مروان و قالوا:و اللّه لا نكف عنكم حتى نستنزلكم و نضرب أعناقكم أو تعطونا عهد اللّه و ميثاقه ان لا تبغونا غائلة و لا تدلّوا لنا على عورة،و لا تظاهروا علينا عدوا فنكف عنكم و نخرجكم عنا،فعاهدوهم على ذلك،فأخرجوهم من المدينة،فساروا بأثقالهم حتى لقوا مسلم بن عقبة بوادي القرى،فدعا بعمرو بن عثمان بن عفان أول الناس فقال له:أخبرني ما وراءك،و أشر علي؟فقال:لا أستطيع قد أخذ علينا العهود و المواثيق أن لا ندل على عورة و لا نظاهر عدوا فانتهره،و قال:و اللّه لو لا أنك ابن عثمان لضربت عنقك،و أيم اللّه لا أقيلها قرشيا بعدك،فخرج إلى أصحابه فأخبرهم خبره،فقال مروان بن الحكم لابنه عبد الملك:أدخل قبلي لعله يجتزىء بك عني فدخل عبد الملك فقال:هات ما عندك؟

فقال:نعم أرى أن تسير بمن معك فإذا انتهيت إلى ذي نخلة نزلت فاستظل الناس في ظله فأكلوا من صقره (1)!فإذا أصبحت من الغد مضيت و تركت المدينة ذات اليسار ثم درت بها حتى تأتيهم بها من قبل الحرة مشرّقا ثم تستقبل القوم فإذا استقبلتهم و قد أشرقت عليهم الشمس طلعت بين أكتاف أصحابك فلا تؤذيهم و يصيبهم أذاها،و يرون من ائتلاق بيضكم و أسنّة رماحكم و سيوفكم و دروعكم

ص: 25


1- الصقر بكسر القاف التمر الذي يصلح للدبس.

ما لا ترونه أنتم ما داموا ربين،ثم قاتلهم و استعن باللّه عليهم،فقال له مسلم:للّه أبوك أي امرئ ولد،ثم إن مروان دخل عليه فقال له:إيه:أليس قد دخل عليك عبد الملك؟!

قال:بلى و أي رجل عبد الملك،قلّما كلّمت من رجال قريش رجلا شبيها به، فقال:إذا لقيت عبد الملك فقد لقيتني.

ثم إنه صار في كل مكان يصنع ما أمر به عبد الملك.

فجاءهم من قبل المشرق،ثم أمهلهم ثلاثا،فلما مضت الثلاث قال:يا أهل المدينة ما تصنعون؟أتسالمون أم تحاربون؟

قالوا:بل نحارب،فقال لهم:لا تفعلوا بل ادخلوا في الطاعة و نجعل حدنا و شوكتنا على أهل هذا الملحد الذي قد جمع إليه المراق و الفساق من كل أوب،يعني ابن الزبير فقالوا له:يا أعداء اللّه لو أردتم أن يجوزوا إليه ما تركناكم،نحن ندعكم أن تأتوا بيت اللّه الحرام و تخيفوا أهله و تستحلّوا حرمته لا و اللّه لا نفعل! (1).

قال المسعودي و الدينوري و اللفظ للأول:إحتفر أهل المدينة خندق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله الذي كان قد حفره يوم الأحزاب و شكّوا المدينة بالحيطان و قال شاعرهم مخاطبا ليزيد:

إن بالخندق المكلل بالمجد لضربا يبدي عن النشوات

لست منا و ليس خالك منا يا مضيع الصلوات للشهوات

فإذا ما قتلتنا فتنصر و اشرب الخمر و اترك الجمعات (2)

قال الذهبي:فكان ابن حنظلة يبيت تلك الليالي في المسجد،و ما يزيد على أن يشرب يفطر على شربة سويق و يصوم الدهر،و ما رؤي رافعا رأسه إلى السماء

.65

ص: 26


1- الطبري 6/7-8،و ابن الأثير 45/4-46.
2- التنبيه و الاشراف ص 264،و الاخبار الطوال ص 265

أحيانا،فلما قرب القوم خطب أصحابه و حرّضهم على القتال و أمرهم بالصدق في اللقاء،و قال:اللهم إنا بك واثقون.

فصبح القوم المدينة،فقاتل أهل المدينة قتالا شديدا،فسمعوا التكبير خلفهم من المدينة و أقحم عليهم بنو حارثة و هم على الحرة فانهزم الناس و عبد اللّه بن حنظلة متساند إلى بعض بنيه يغط نوما فنبّهه ابنه،فلما رأى ما جرى أمر أكبر بنيه فقاتل حتى قتل ثم لم يزل يقدّمهم واحدا بعد واحد حتى أتى على آخرهم!

قال:و بقي ابن حنظلة يمشي بها مع عصابة من الناس أصحابه،فقال لمولى له:

إحم ظهري حتى أصلّي الظهر،فلما صلّى،قال له مولاه:ما بقي أحد فعلام تقيم؟

و لواؤه قائم،ما حوله إلاّ خمسة،فقال:ويحك إنما خرجنا على أن نموت،قال:

و أهل المدينة كالنعام الشرود و أهل الشام يقتلون فيهم،فلما هزم الناس طرح الدرع و قاتلهم حاسرا حتى قتلوه فوقف عليه مروان و هو ماد إصبعه السبابة،فقال:و اللّه لئن نصبتها ميتا فطالما نصبتها حيا (1).3.

ص: 27


1- تاريخ الإسلام للذهبي 356/2-357،و معالم المدرستين للعسكري:185/3.
جيش الخلافة يستبيح حرم الرسول صلّى اللّه عليه و اله

قال الطبري و غيره:و أباح مسلم المدينة ثلاثا يقتلون الناس و يأخذون الأموال (1).

قال اليعقوبي:فلم يبق بها كثير أحد إلاّ قتل و أباح حرم رسول اللّه حتى ولّدت الأبكار لا يعرف من أولدهن (2).

و في تاريخ ابن كثير:قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن،و كان فيهم ثلاثة من أصحاب رسول اللّه!و قال:قتل بشر كثير حتى كاد لا يفلت أحد من أهلها (3).

و قال:و وقعوا على النساء،حتى قيل:أنه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج!و روي عن هشام بن حسان أنه قال:ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج!و روى عن الزهري أنه قال:كان القتلى سبعمائة من وجوه المهاجرين و الأنصار،و وجوه الموالي،و ممن لا أعرف من حر أو عبد و غيرهم عشرة آلاف (4)و في تاريخ السيوطي:و كانت وقعة الحرة بباب طيبة قتل

ص: 28


1- تاريخ الطبري 11/7،و ابن الأثير 47/3،و ابن كثير 220/8.
2- تاريخ اليعقوبي 251/6.
3- تاريخ ابن كثير 234/6.
4- تاريخ ابن كثير 22/8.

فيها خلق من الصحابة و من غيرهم و نهبت المدينة و افتض فيها ألف بكر (1)!قال الدينوري و الذهبي و اللفظ للأول:و ذكر أبو هارون العبدي،قال:رأيت أبا سعيد الخدري،و لحيته بيضاء،و قد خف جانباها و بقي وسطها،فقلت"يا أبا سعيد ما حال لحيتك؟

فقال:هذا فعل ظلمة أهل الشام يوم الحرة،دخلوا علي بيتي،فانتهبوا ما فيه حتى أخذوا قدحي الذي كنت أشرب فيها الماء،ثم خرجوا،و دخل علي بعدهم عشرة نفر،و أنا قائم أصلي،فطلبوا البيت،فلم يجدوا فيه شيئا،فأسفوا لذلك، فاحتملوني من مصلاي،و ضربوا بي الأرض،و أقبل كل رجل منهم على ما يليه من لحيتي،فنتفه،فما ترى منها حفيفا فهو موضع النتف،و ما تراه عافيا فهو ما وقع في التراب،فلم يصلوا إليها،و سأدعها كما ترى حتى أوافي بها ربي (2).

هكذا انتهت الأيام الثلاثة على مدينة الرسول (3).3.

ص: 29


1- تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 209،و راجع تاريخ الخميس 302/2.
2- الدينوري في الاخبار الطوال ص 269،و الذهبي في تاريخ الإسلام 357/2.
3- معالم المدرستين للعسكري:189/3.
أخذ البيعة من المدينة على أنهم عبيد للخليفة

قال الطبري و غيره:فدعا الناس للبيعة على أنهم خول ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم و أموالهم و أهليهم ما شاء (1).

و قال المسعودي:و بايع من بقي من أهلها على أنهم قن ليزيد غير علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،لأنه لم يدخل فيما دخل فيه أهل المدينة و علي بن عبد اللّه بن العباس فإن من كان في الجيش من أخواله من كندة منعوه.

و قال:و من أبي أمره على السيف (2).

و في طبقات ابن سعد:إن مسرف بن عقبة لما قتل الناس و سار إلى العقيق فسأل عن علي بن الحسين أحاضر فقيل له:نعم،فقال:مالي ما أراه؟فجاءه مع ابني عمه محمد بن الحنفية فلما رآه رحب به و أوسع له على سريره (3).

و في تاريخ الطبري:قال:مرحبا و أهلا،ثم أجلسه معه على السرير و الطنفسة.

ثم قال:إن أمير المؤمنين أوصاني بك قبلا و إن هؤلاء خبثاء شغلوني عنك و عن وصلتك،ثم قال لعلي:لعل أهلك فزعوا،قال:اي و اللّه!فأمر بدابته فأسرجت ثم حمله فرده عليها (4).

ص: 30


1- تاريخ الطبري 13/7.
2- التنبيه و الاشراف ص 264،و مروج الذهب 71/3.
3- طبقات ابن سعد 215/5.
4- تاريخ الطبري 11/7-12،و فتوح ابن أعثم 300/5.

قال الدينوري:فلما كان اليوم الرابع جلس مسلم بن عقبة،دعاهم إلى البيعة، فكان أول من أتاه يزيد بن عبد اللّه بن ربيعة بن الأسود،وجدّته أم سلمة زوج النبي صلّى اللّه عليه و اله.

فقال له مسلم:بايعني.

قال:أبايعك على كتاب اللّه و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و اله.

فقال مسلم:بل بايع على أنك فيئ لأمير المؤمنين،يفعل في أموالكم و ذراريكم ما يشاء.

فأبى أن يبايع على ذلك،فأمر به،فضربت عنقه (1).

و قال الطبري:دعا الناس مسلم بن عقبة بقبا إلى البيعة و طلب الأمان لرجلين من قريش ليزيد بن عبد اللّه بن زمعة و محمد بن أبي الجهم فأتى بهما بعد الوقعة بيوم فقال:بايعوا.

فقالا:نبايعك على كتاب اللّه و سنّة نبيه،فقال:لا و اللّه لا أقيلكم هذا أبدا فقدّمهما فضرب أعناقهما فقال له مروان:سبحان اللّه أتقتل رجلين من قريش أتيا ليؤمنا فضربت أعناقهما،فنخس بالقضيب في خاصرته،ثم قال:و أنت و اللّه لو قلت بمقالتهما ما رأيت السماء لا برقة.

قال:و أتى بيزيد بن وهب بن زمعة،فقال:بايع قال:أبايعك على سنة عمر،قال:

أقتلوه.

قال:أنا أبايع.

قال:لا و اللّه لا أقيلك عثرتك،فكلمه مروان بن احكم لصهر كان بينهما فأمر بمروان فوجئت عنقه ثم قال:بايعوا على أنكم خول ليزيد بن معاوية،ثم أمر به2.

ص: 31


1- تاريخ الطبري 11/7-2.

فقتل (1).

إرسال الرؤوس إلى الخليفة يزيد

قال ابن عبد ربه:و بعث مسلم بن عقبة برؤوس أهل المدينة إلى يزيد،فلما ألقيت بين يديه،جعل يتمثل بشعر ابن الزبعرى يوم أحد:.

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقعي الأسل.

لأهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا:يا يزيد لا تشل

فقال له رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:ارتددت عن الإسلام يا أمير المؤمنين!قال:بلى نستغفر اللّه،قال:و اللّه لا أساكنك أرضا أبدا،و خرج عنه (2).

و في رواية ابن كثير،جاء بعد البيت الأول:

حين حلت بقباء بركها و استحر القتل في عبد الأشل

قد قتلنا الضعف من أشرافهم و عدلنا ميل بدر فاعتدل

ثم قال:وزاد بعض الروافض فيها فقال:

لعبت هاشم بالملك فلا ملك جاء و لا وحي نزل

قال ابن كثير بعده:فهذا إن قاله يزيد بن معاوية فلعنة اللّه عليه و لعنة اللاعنين و إن لم يكن قاله فلعنة اللّه على من وضعه عليه (3).

قال المؤلف:قد وهم ابن كثير و ظن أنهم قالوا:أضاف يزيد هذا البيت على شعر ابن الزبعرى في هذا المقام فأنكره بينما هم لم ينقلوا ذلك و إنما روى الشعبي

ص: 32


1- الأخبار الطوال ص 265 و معالم المدرستين للعسكري:185/3.
2- العقد الفريد 390/4.
3- ابن كثير 224/8،و فى رواية الدينوري بأخبار الطوال ص 267.

و غيره أن يزيد أضاف هذا البيت على شعر ابن الزبعرى عندما تمثل بشعره و رأس الحسين بين يديه و لم يكن الشعبي رافضيا و لا شيعيا و إنما كان من كبار المتعصبين لمدرسة الخلافة.

و لست أدرى لماذا لم يعتذر ابن كثير عن يزيد و يقول:انه مجتهد و انه أنشد هذا البيت باجتهاده؟!

في سبيل طاعة الخليفة (1)3.

ص: 33


1- معالم المدرستين للعسكري:192/3.
مسير جيش الخلافة إلى مكة و مناجاة أميره

قال الطبري و غيره:و لما فرغ مسلم من قتال أهل المدينة و إنهاب جنده أموالهم ثلاثا،شخص بمن معه من الجند متوجها إلى مكة حتى إذا انتهى إلى المشلل،نزل به الموت و ذلك في آخر المحرم من سنة 64 ه فدعا حصين بن نمير السكوني فقال له:يا ابن برذعة الحمار!أما و اللّه لو كان هذا الأمر إلي ما ولّيتك هذا الجند و لكن أمير المؤمنين و لاك بعدي و ليس لأمر أمير المؤمنين مرد،فاحفظ ما أوصيك به!عم الأخبار و لا ترع سمعك قرشيا أبدا!و لا تردن أهل الشام عن عدوهم!و لا تقيمن إلاّ ثلاثا حتى تناجز ابن الزبير الفاسق!ثم قال:اللهم إني لم أعمل عملا قط بعد شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا عبده و رسوله أحب و لا أرجى عندي في الآخرة (1).

و في لفظ ابن كثير:أحب إلي من قتل أهل المدينة و أجزى عندي في الآخرة و إن دخلت النار بعد ذلك إني لشقي!ثم مات (2).

و في تاريخ اليعقوبي،قال:اللهم ان عذبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد بن معاوية و قتل أهل الحرة فإني إذا لشقي (3)و في فتوح ابن أعثم أن مسلم بن عقبة قال في وصيته للحصين بن نمير:فانظر أن تفعل في أهل مكة و في عبد اللّه بن الزبير بما رأيتني فعلت بأهل المدينة.

ص: 34


1- تاريخ الطبري 14/7،و ابن الأثير 49/3،و ابن كثير 225/8.
2- تاريخ ابن كثير 225/8.
3- تاريخ اليعقوبي 251/2.

ثم جعل يقول:اللهم انك تعلم أني لم أعص خليفة قط،اللهم إني لا أعمل عملا أرجو به النجاة إلاّ ما فعلت بأهل المدينة.

ثم اشتد به الأمر فمات فغسلوه و كفنوه و دفنوه،و بايع الناس للحصين بن نمير السكوني من بعده،و سار القوم يريدون مكة،و خرج أهل ذلك المنزل فنبشوه من قبره و صلبوه على نخلة.

قال:و بلغ ذلك أهل العسكر فرجعوا إلى أهل ذلك المنزل فوضعوا السيف فيهم، فقتل منهم من قتل و هرب الباقون،ثم أنزلوه من النخلة فدفنوه ثم أجلسوا على قبره من يحفظه (1).5.

ص: 35


1- فتوح ابن أعثم 301/5.
جيش الخلافة يحرق الكعبة في حرب ابن الزبير

قال المسعودي:فسار الحصين حتى أتى مكة و أحاط بها و عاذ ابن الزبير بالبيت الحرام و نصب الحصين في من معه من أهل الشام المجانيق و العرادات على البيت و رمى مع الأحجار بالنار و النفط و مشاقات الكتان و غير ذلك من المحروقات فانهدمت الكعبة و احترقت البنية.

و وقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المنجنيق أحد عشر رجلا فكان ذلك يوم السبت لثلاث خلون من ربيع الأول و قبل وفاة يزيد بأحد عشر يوما و اشتد الأمر على أهل مكة و ابن الزبير،و اتصل الأذى بالأحجار و النار و السيف فقال راجزهم:

ابن نمير بئسما تولّى قد أحرق المقام و المصلّى. (1)

و قال اليعقوبي:رمى حصين بن نمير بالنيران حتى أحرق الكعبة،و كان عبيد اللّه بن عمير الليثي قاص ابن الزبير إذا تواقف الفريقان قام على الكعبة فنادى بأعلى صوته يا أهل الشام هذا حرم اللّه الذي كان مأمننا في الجاهلية يأمن فيه الطير و الصيد،فاتقوا اللّه يا أهل الشام،فيصيح الشاميون:الطاعة الطاعة،الكر الكر، الرواح قبل المساء،فلم يزل على ذلك حتى احترقت الكعبة فقال أصحاب ابن الزبير:

نطفئ النار.

فمنعهم و أراد أن يغضب الناس للكعبة.

ص: 36


1- مروج الذهب 71/3-72.

فقال بعض أهل الشام إن الحرمة و الطاعة اجتمعتا فغلبت الطاعة الحرمة (1)!!

و في تاريخ الخميس و تاريخ الخلفاء للسيوطي:و احترقت من شرارة نيرانهم أستار الكعبة و سقفها و قرنا الكبش الذي فدى اللّه إسماعيل و كان معلقا في الكعبة (2)!!

و قال الطبري و غيره:أقاموا عليه يقاتلونه بقية المحرم و صفر كله حتى إذا مضت ثلاثة أيام من شهر ربيع الأول يوم السبت سنة 64 ه قذفوا البيت بالمجانيق و حرقوه بالنار و أخذوا يرتجزون و يقولون:

خطارة مثل الفنيق المزبد نرمي بها أعواد هذا المسجد

و يقول راجزهم:

كيف ترى صنيع أم فروة تأخذهم بين الصفا و المروة

يعني ب«أم فروة»المنجنيق.

قالوا:و استمر الحصار إلى مستهل ربيع الآخر حين جاءهم نعي يزيد و أنه قد مات لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول (3).

و في تاريخ الطبري و غيره:بينا حصين بن نمير يقاتل ابن الزبير إذ جاء موت يزيد،فصاح بهم ابن الزبير و قال:إن طاغيتكم قد هلك فمن شاء منكم أن يدخل في ما دخل فيه الناس فليفعل،فمن كره فليلحق بشامه فغدوا عليه يقاتلونه فقال ابن الزبير للحصين بن نمير:أدن مني أحدّثك فدنا منه فحدّثه فجعل فرس أحدهما يجفل،الجفل:الروث،فجاء حمام الحرم يلتقط من الجفل فكف الحصين فرسه عنهن،فقال له ابن الزبير:مالك؟8.

ص: 37


1- تاريخ اليعقوبي 251/2-252.
2- تاريخ الخميس 303/2،تاريخ السيوطي ص 9.
3- تاريخ الطبري 14/7-15،و ابن الأثير 49/4،و ابن كثير 225/8.

قال:أخاف أن يقتل فرسي حمام الحرم،فقال له ابن الزبير،أتحرج من هذا و تريد أن تقتل المسلمين؟

فقال:لا أقاتلك فأذن لنا نطف بالبيت و ننصرف عنك.

ففعل،قالوا:فأقبل الحصين بمن معه نحو المدينة.

قالوا:و اجترأ أهل المدينة و أهل الحجاز على أهل الشام،فذلوا حتى كان لا ينفرد منهم رجل إلاّ أخذ بلجام دابته ثم نكس عنها!فكانوا يجتمعون في معسكرهم فلا يفترقون،و قالت لهم بني أمية:لا تبرحوا حتى تحملونا معكم إلى الشام ففعلوا، فمضى ذلك الجيش حتى دخل الشام (1)..

ص: 38


1- تاريخ الطبري 16/7-17 في ذكر حوادث سنة 65 ه.
الحجاج يرمي الكعبة ثانية

قال ابن الأثير و غيره:أرسل عبد الملك بن مروان الحجاج لحرب ابن الزبير بمكة فنزل الطائف و أمده بطارق فقدم المدينة في ذي القعدة سنة 72 ه و أخرج عامل ابن الزبير عنها و جعل عليها رجلا من أهل الشام اسمه ثعلبة،فكان ثعلبة يخرج المخ على منبر النبي صلّى اللّه عليه و اله يأكله و يأكل عليه التمر ليغيظ أهل المدينة (1).

و قال الدينوري:فقال الحجاج لأصحابه:تجهّزوا للحج و كان ذلك في أيام الموسم ثم سار من الطائف حتى دخل مكة و نصب المنجنيق على أبي قبيس فقال الأقيشر الأسدي:

لم أر جيشا غر بالحج مثلنا و لم أر جيشا مثلنا غير ما خرس

دلفنا لبيت اللّه نرمي ستوره بأحجارنا زفن الولائد في العرس

دلفنا له يوم الثلاثاء من منى بجيش كصدر الفيل ليس بذي رأس

فإلا ترحنا من ثقيف و ملكها نصل لأيام السباسب و النحس

فطلبه الحجاج فهرب و أناخ الحجاج بابن الزبير،و تحصّن منه ابن الزبير في المسجد و استعمل الحجاج على المنجنيق ابن خزيمة الخثعمي فجعل يرمى أهل المسجد و يقول:

خطارة مثل الفنيق الملبد نرمي بها عواذ أهل المسجد (2).

ص: 39


1- تاريخ ابن الأثير 135/3.
2- الاخبار الطوال ص 314.

قال المسعودي:و كتب الحجاج إلى عبد الملك بحصار ابن الزبير و ظفره بأبي قبيس فلما ورد كتابه كبّر عبد الملك،فكبّر من معه في داره،و اتصل التكبير بمن في جامع دمشق فكبّروا،و اتصل ذلك بأهل الأسواق فكبّروا،ثم سألوا عن الخبر فقيل لهم:إن الحجاج حاصر ابن الزبير بمكة و ظفر بأبي قبيس،فقالوا:لا نرضى حتى يحمله إلينا مكبلا على رأسه برنس على جمل يمر بنا في الأسواق هذا الترابي الملعون (1)!.

كان"أبو تراب"كنية الإمام علي كنّاه بها رسول اللّه فاتخذها بنو أمية نبزا للإمام و سمّوا شيعته ترابيا بهذا المناسبة،و أصبح هذا اللقب في عرف آل أمية و شيعتهم طعنا فنبزوا بها ابن الزبير أيضا.

قال ابن الأثير:قدم الحجاج مكة في ذي القعدة و قد أحرم بحجه فنزل بئر ميمون و حج بالناس في تلك السنة الحجاج إلاّ أنه لم يطف الكعبة و لا سعى بين الصفا و المروة،منعه ابن الزبير من ذلك.

قال:و لم يحج ابن الزبير و لا أصحابه لأنهم لم يقفوا بعرفة و لم يرموا الجمار.

قال:و لما حصر الحجاج ابن الزبير،نصب المنجنيق على أبي قبيس و رمى به الكعبة و كان عبد الملك ينكر ذلك أيام يزيد بن معاوية،ثم أمر به،فكان الناس يقولون خذل في دينه (2).

و قال الذهبي:و ألحّ عليه الحجاج بالمنجنيق و بالقتال من كل وجه و حبس عنهم الميرة فجاعوا،و كانوا يشربون من زمزم فتعصبهم و جعلت الحجارة تقع في الكعبة (3).3.

ص: 40


1- مروج الذهب 113/3.
2- تاريخ ابن الأثير 136/4.
3- تاريخ الإسلام للذهبي 114/3.

قال ابن كثير:و كان معه خمس مجانيق فألحّ عليها بالرمي من كل مكان.

ثم ذكر مثل قول الذهبي (1).3.

ص: 41


1- ابن كثير 329/8 و معالم المدرستين للعسكري:196/3.
إحتراق الكعبة و نزول الصواعق

و في تاريخ الخميس بسنده قال:إن الحجاج رمى الكعبة بالحجارة و النيران حتى تعلّقت بأستار الكعبة و اشتعلت فجاءت سحابة من نحو جدة مرتفعة يسمع منها الرعد و يرى فيها البرق و استوت فوق الكعبة و المطاف فأطفأت النار و سال الميزاب في الحجر ثم عدلت إلى أبي قبيس فرمت بالصاعقة و أحرقت منجنيقهم قدر كوة و أحرقت تحته أربعة رجال،فقال الحجاج لا يهولنكم هذا فإنها أرض صواعق فأرسل اللّه صاعقة أخرى،فأحرقت المنجنيق و أحرقت معه أربعين رجلا (1).

و قال الذهبي:و جعل الحجاج،يصيح بأصحابه:يا أهل الشام،اللّه اللّه في الطاعة (2).

و روى الطبري و غيره عن يوسف بن ماهك قال:رأيت المنجنيق يرمي به فرعدت السماء و برقت و علا صوت الرعد و البرق على الحجارة فاشتمل عليها فأعظم ذلك أهل الشام،فأمسكوا بأيديهم فرفع الحجاج بركة قبائه فغرزها في منطقته و رفع حجر المنجنيق فوضعه فيه،ثم قال أرموا ورمى معهم،قال:ثم أصبحوا فجاءت صاعقة تتبعها أخرى فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا فانكسر أهل الشام فقال الحجاج:يا أهل الشام!لا تنكروا هذا فإني ابن تهامة هذه صواعق

ص: 42


1- الطبري 202/7 في ذكر حوادث سنة 73 ه.
2- الذهبي،تاريخ الإسلام 114/3.

تهامة هذا الفتح قد حضر فأبشروا إن القوم يصيبهم مثل ما أصابكم فصعقت من الغد فأصيب من أصحاب ابن الزبير عدة فقال الحجاج:ألا ترون أنهم يصابون و أنتم على الطاعة و هم على خلاف الطاعة (1).

و جاء في تاريخ ابن كثير بعده:و كان أهل الشام يرتجزون و هم يرمون بالمنجنيق و يقولون:مثل الفنيق المزبد،نرمي بها أعود هذا المسجد.

فنزلت صاعقة على المنجنيق فأحرقته فتوقّف أهل الشام عن الرمي و المحاصرة فخطبهم الحجاج،فقال:و يحكم!ألم تعلموا أن النار كانت تنزل على من قبلنا فتأكل قربانهم إذا تقبل منهم؟فلو لا ان عملكم مقبول ما نزلت النار فأكلته (2).

و في فتوح أعثم:أمر الحجاج أصحابه أن يتفرّقوا من كل وجه من ذي طوى، و من أسفل مكة،و من قبل الأبطح،فاشتد الحصار على عبد اللّه بن الزبير و أصحابه فنصبوا المجانيق و جعلوا يرمون البيت الحرام بالحجارة و هم يرتجزون بالأشعار.

و تقع الحجارة في المسجد الحرام كالمطر،و كان رماة المنجنيق إذا ونوا و سكتوا ساعة فلم يرموا يبعث إليهم الحجاج فيشتمهم،و يتهددهم بالقتل،فأنشأ بعضهم يقول:

لعمر أبي الحجاج لو خفت ما أرى من الأمر ما أمسيت تعذلني

الأبيات (3).3.

ص: 43


1- الطبري ط/اروبا 844/2-845،ابن كثير 329/8.
2- تاريخ الخميس 305/2.
3- معالم المدرستين للعسكري:197/3.
نشيد الحجاج عندما رأى البيت يحترق

قال:فلم يزل الحجاج و أصحابه يرمون بيت اللّه الحرام بالحجارة حتى انصدع الحائط الذي على بئر زمزم عن آخره،و انتقضت الكعبة من جوانبها.

قال:ثم أمرهم الحجاج فرموا بكيزان النفط و النار حتى احترقت الستارات كلها فصارت رمادا،و الحجاج واقف ينظر في ذلك كيف تحترق الستارات و هو يرتجز و يقول:

أما تراها ساطعا غبارها و اللّه في ما يزعمون جارها

فقد وهت و صدعت أحجارها و نفرت،منها معها أطيارها

و حان من كعبتها دمارها و حرقت منها معا أستارها

لما علاها نفطها و نارها (1).

قال الطبري و غيره و اللفظ للطبري:فلم تزل الحرب بين ابن الزبير و الحجاج حتى كان قبيل مقتله،و قد تفرّق عنه أصحابه،و خرج عامة أهل مكة إلى الحجاج في الأمان و خذله من معه خذلانا شديدا،حتى خرج إلى الحجاج نحو من عشرة آلاف، و فيهم ابناه حمزة و خبيب فأخذا منه لأنفسهما أمانا.

ص: 44


1- فتوح ابن أعثم 275/6-276.
نهاية أمر ابن الزبير و ارسال الرؤوس إلى عبد الملك بن مروان

فقاتل قتالا شديدا حتى قتل و بعث الحجاج برأس ابن الزبير و عبد اللّه بن صفوان و عمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة فنصبت بها،ثم ذهب بها إلى عبد الملك ابن مروان (1).

و في تاريخ ابن كثير:و أرسل بالرؤوس مع رجل من الأزد و أمرهم إذا مرّوا بالمدينة أن ينصبوا الرؤوس بها ثم يسيروا بها إلى الشام ففعلوا ما أمرهم و أعطاه عبد الملك خمسمائة دينار،ثم دعا بمقراض فأخذ من ناصيته و نواصي أولاده فرحا بمقتل ابن الزبير!

قال:ثم أمر الحجاج بجثة ابن الزبير فصلبت على ثنية كذا عند الحجون،يقال:

منكّسة:ثم أنزل عن الجذع و دفن هناك (2).

قال الذهبي:و استوثق الأمر لعبد الملك بن مروان و استعمل على الحرمين الحجاج بن يوسف،فنقض الكعبة التي من بناء ابن الزبير و كانت تشعثت من المنجنيق و انفلق الحجر الأسود من المنجنيق فشعبوه (3).

ص: 45


1- تاريخ الطبري 202/8-205.
2- تاريخ ابن كثير 332/8،و فى فتوح ابن أعثم 279/6 أكد انه صلبه منكوسا.
3- تاريخ الإسلام للذهبي 115/3.
الحجاج يختم أعناق أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و اله

و قال الطبري بعده:ثم انصرف إلى المدينة في صفر فأقام بها ثلاثة أشهر يتعبث بأهل المدينة و يتعنتهم و بنى بها مسجدا في بني سلمة فهو ينسب إليه و استخف فيها بأصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فختم في أعناقهم،و كان جابر بن عبد اللّه مختوما في يده و أنس مختوما في عنقه يريد أن يذله بذلك.

و أرسل إلى سهل بن سعد فدعاه فقال:ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان ابن عفان،قال:قد فعلت.

قال:كذبت ثم أمر به فختم في عنقه برصاص (1).

انتهاء ثورة الحرمين و قيام ثورات أخرى

هكذا انتهت ثورة الحرمين و ثارت معها و بعدها بلاد أخرى،مثل ثورة التوابين في سنة خمس و ستين في الكوفة الذين خرجوا ينادون:يا لثارات الحسين!و قاتلوا جيش الخلافة بعين الوردة حتى استشهدوا،ثم ثورة المختار في الكوفة سنة ست و ستين،و قيامه بقتل قتلة الحسين عليه السّلام.

ثم ثورات العلويين مثل زيد الشهيد و ابنه يحيى (2)و أخيرا ثورة العباسيين

ص: 46


1- تاريخ الطبري 206/7 في ذكر حوادث سنة 74 ه.
2- راجع تاريخ الطبري،و ابن الأثير،و ابن كثير في ذكرهم حوادث سنى 65 و 66-67 و 121- 122 و 125.

و قيامهم باسم الدعوة لآل محمد،و تهديمهم الخلافة الأموية و إقامتهم الخلافة العباسية بهذا الاسم،فقد كان أبو سلمة الخلال يسمّى:وزير آل محمد،و أبو مسلم:أمير آل محمد!و لما قتل أبو سلمة،قال الشاعر:

إن الوزير وزير آل محمد أودى فمن يشناك كان وزيرا (1)

الثائرون أضعفوا الخلافة و الأئمة عليه السلام أعادوا أحكام الإسلام

وقعت كل تلكم الثورات أثر استشهاد الحسين عليه السّلام و من قبل القائمين بها في جانب.

و في جانب آخر استطاع الأئمة على أثر استشهاد الحسين أن يجددوا شريعة جدهم سيد الرسل بعد اندراسها و نشطت مدرستهم في نشر أحكام الإسلام كما يأتي بيانه في الباب التالي (2).

ص: 47


1- تاريخ اليعقوبي 345/2 و 352-353،و ابن الأثير 144/5 و 148 في ذكر حوادث سنة 130 ه،و مروج الذهب 286/3.
2- معالم المدرستين للعسكري:200/3.
أثر تولي الظلمة

قال السيد القرشي:كان نتيجة ما ذكرنا من انتشار اجتهادات الخلفاء وفق سياستهم أن غم أمر الأحكام الإسلامية التي جاء بها الرسول صلّى اللّه عليه و اله على المسلمين و نسيت،و اشتهر بين المسلمين الاحكام التي اجتهد فيها الخلفاء.

و انتشرت باسم أحكام الإسلام في جميع بلاد الإسلام على وجه الأرض من اليمن إلى الحجاز و الشام و العراق و أقاصي إيران و مصر إلى أقاصي أفريقية أن نسيت الأحكام التي جاء بها سيد الرسل في تلك المسائل و لو عرفت أحيانا الحكم الذي جاء به الرسول و كان مخالفا لأوامر الخليفة فالتدين عندهم في الإعراض عن حكم اللّه في سبيل طاعة الخليفة:فقد مر علينا قول الشامي في رميه الكعبة إن الحرمة و الطاعة اجتمعتا فغلبت الطاعة الحرمة.

و نادى الحجاج:يا أهل الشام!اللّه اللّه في الطاعة!و لو لا طاعة الخليفة لاجتنبوا تلك المعاصي الكبيرة.

ألم يكن قائد الحملة الحصين بن نمير يخاف اللّه في حمامة الحرم أن تطأها فرسه و هو غافل عنها!!و كذلك كان شأن شمر في قتله الحسين عليه السّلام فقد روى الذهبي و قال:كان شمر بن ذي الجوشن يصلّي الفجر ثم يقعد حتى يصبح ثم يصلّي،و يقول في دعائه:اللهم اغفرلي!

فقيل له:كيف يغفر اللّه لك و قد خرجت إلى ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأعنت على قتله؟!،قال:ويحك!فكيف نصنع إن أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم و لو

ص: 48

خالفناهم كنا شرا من هذه الحمر (1).

و كان كعب بن جابر-ممن حضر قتال الحسين عليه السّلام في كربلاء-يقول في مناجاته:"يا رب إنا قد و فينا فلا تجعلنا يا رب كمن قد غدر"يقصد بمن قد غدر من خالف الخليفة و عصى أوامره.

و دنا عمرو بن الحجاج يوم عاشوراء من أصحاب الحسين عليه السّلام و نادى و قال:

يا أهل الكوفة إلزموا طاعتكم و جماعتكم و لا ترتابوا في قتل من مرق من الدين و خالف الإمام.

بلغوا في تديّنهم بطاعة الخليفة إلى حد أنه كان أرجى عمل عندهم ليوم القيامة ارتكاب كبائر معاصي اللّه في سبيل طاعة الخليفة،و قد مر علينا قول مسلم في حالة النزع:اللهم إني لم أعمل عملا قط بعد شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا عبده و رسوله-أي بعد الإسلام-أحب إلي من قتلي أهل المدينة و لا أرجى عندي في الآخرة و إن دخلت النار بعد ذلك إني لشقي.

أرأيت هذا التدين؟!أرأيت أرجى عمل ليوم القيامة؟!أرأيت كيف استطاعت عصبة الخلافة أن تقلب الإسلام إلى ضده؟فإن الذين قتلوا الحسين عليه السّلام كانوا يصلّون عليه في صلاتهم حين يصلّون على محمد و آل محمد ثم يقتلونه؟!و إن الذين كانوا يرمون الكعبة بالمنجنيق كانوا يستقبلونها في صلاتهم ثم يعقّبون صلاتهم برميها بالنفط و مشتقات الكتان و أحجار المنجنيق؟!!وقع كل ذلك في سبيل طاعة الخليفة إذن أصبح الخليفة يومذاك مطاعا دون اللّه و كان الخليفة الذي يأمر برمي الكعبة بالمنجنيق أعتى و أطغى من فرعون!فإن فرعون لم يأمر بهدم بيت عبادته كما فعل خليفة المسلمين يزيد و عبد الملك.هكذا ربّت مدرسة الخلافة9.

ص: 49


1- تاريخ الإسلام للذهبي 18/3-19.

المسلمين فكيف أدرك المسلمون الحقيقة؟ (1)

كيف وعى المسلمون؟

أصاب شريعة سيد المرسلين صلّى اللّه عليه و اله بسبب تلك الإجتهادات ما أصاب شرائع الأنبياء السابقين في تلك المسائل،و لم يكن من الممكن إعادة أحكام الإسلام إلى المجتمع مع طاعة أفراده لمقام الخلافة (2)التي اجتهدت في تلك الأحكام،فلم يكن بد من كسر قدسية مقام الخلافة في نفوس المسلمين كي يتيسر بعد ذلك إبعاد الاحكام التي انتشرت بسبب اجتهاداتهم،ثم إعادة أحكام الإسلام التي جاء بها رسول اللّه إلى المجتمع بعد ذلك و قد أعدّ اللّه الإمام الحسين للقيام بهذه المهمة كما يلي بيانه (3).

ص: 50


1- معالم المدرستين للعسكري:292/3.
2- ورد في لسان العرب و تاج العروس بمادة"عبد":عبد عبادة و عبودة و عبودية إطاعه أو العبادة الطاعة مع الخضوع و عبد الطاغوت أي أطاعه يعنى الشيطان في ما سوّل له و أغواه،و اعبدوا ربكم أي أطيعوا ربكم،و إياك نعبد أي نطيع الطاعة التي يخضع معها.
3- معالم المدرستين للعسكري:293/3.

ثورة أهل البيت عليهم السلام

اشارة

لما حضرت علي بن الحسين عليه السّلام الوفاة أخرج صندوقا عنده،فقال:يا محمد إحمل هذا الصندوق فحمل بين أربعة فلما توفي جاء إخوته يدّعون في الصندوق فقال لهم:و اللّه مالكم فيه شيء و لو كان لكم فيه شيء ما دفعه إلي و كان في الصندوق سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

و نظر الإمام السجاد عليه السّلام إلى ولده و هو يجود بنفسه و هم مجتمعون عنده،ثم نظر إلى ابنه محمد فقال:يا محمد خذ هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك و قال:أما إنه لم يكن دينار و لا درهم و لكن كان مملوءا علما.

هذه التظاهرة في تسليم الكتب اختص بها الإمام السجاد عليه السّلام و لم يفعل نظيرها من سبقه من الأئمة و لا فعل مثلها من جاء بعده منهم،و الحكمة في عمله تهيئة الأجواء للإمام الباقر عليه السّلام كي ينقل للناس أحكام الإسلام و عقائده عما ورثه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من كتب في مقابل من كان يفتي برأيه مثل الحكم بن عتيبة فإنه اختلف مع الإمام الباقر عليه السّلام في شيء فقال لابنه الصادق عليه السّلام:يا بني قم فاخرج كتابا مدروجا عظيما و جعل ينظر حتى أخرج المسألة فقال:هذا خط علي و املاء رسول اللّه و أقبل على الحكم و قال:يا أبا محمد!إذهب أنت و سلمة و أبو المقدام حيث شئتم يمينا و شمالا فو اللّه لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرائيل.

هكذا بدأ الإمام الباقر عليه السّلام من بين الأئمة عليه السّلام بإراءة الكتب التي ورثوها عن جده

ص: 51

الإمام علي من املاء رسول اللّه للمسلمين و أقرأها بعضهم،و تابعه في ذلك الإمام جعفر الصادق و أكثر من توصيفها و النقل عنها و بيان ما فيها و أنها كيف كتبت، و أن فيها كل ما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة حيت أرش الخدش.

و كان الأئمة يصادمون في عملهم هذا مدرسة الخلافة في اعتمادها على الرأي و القياس في استنباط الأحكام و بيانها،و كانوا يصرّحون بأنهم لا يعتمدون الرأي و إنما يحدّثون عن رسول اللّه كما قال الإمام الصادق عليه السّلام:حديثي،حديث أبي و حديث أبي حديث جدي و حديث جدي حديث الحسين و حديث الحسين حديث الحسن و حديث الحسن حديث أمير المؤمنين و حديث أمير المؤمنين حديث رسول اللّه و حديث رسول اللّه قول اللّه عزّ و جلّ.

بعدما انصرفت قلوب بعض المسلمين عن مدرسة الخلافة أثر استشهاد الحسين عليه السّلام و أدركوا أن أولئك ليسوا على حق في ما يقولون و يفعلون،و مالت قلوبهم إلى أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عند ذاك.

استطاع أئمة أهل البيت أن يبصّروا بعضهم أمر دينهم و يعرّفوهم أن مدرسة الخلفاء تعتمد الرأي في الدين في قبال أئمة أهل البيت عليهم السّلام الذين يبلّغون عن اللّه و رسوله و كان الفرد المسلم بعد تفهّم هذه الحقيقة،يتهيأ لقبول ما يبينه الإمام من أئمة أهل البيت و من ثم بدأ بعض الافراد يتلقّى الحكم الاسلامي الذي جاء به رسول اللّه عن طريقهم.

و كذلك استبصر الفرد بعد الآخر حتى تكوّنت منهم جماعات إسلامية واعية، و من الجماعات الواعية مجتمعات إسلامية صالحة قائمة على أسس من المعرفة الإسلامية الصحيحة و عند ذاك احتاجوا إلى مرشدين فعيّن لهم الأئمة من يقوم بذلك و ينوب عنهم في أخذ الحقوق المالية فكانوا يرجعون إلى الوكلاء النواب في ذينك تارة،و أخرى يجتمعون بإمامهم إذا تيسر لهم السفر إليه.

ص: 52

والى جانب ذلك ساعدت الظروف أحيانا الأئمة منذ الإمام الباقر عليه السّلام إلى تكوين حلقات دراسية يحضرها الأمثل فالأمثل من أهل عصرهم يحدّثهم الإمام فيها عن آبائه عن جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله تارة و أخرى يروي لهم عن جامعة الإمام علي عليه السّلام، و ثالثة يبين لهم الحكم دونما إسناد،و توسّعت تلك الحلقات على عهد الإمام الصادق عليه السّلام حتى بلغ عدد الدارسين عليه أربعة آلاف شخص و كان تلاميذهم يدونون أحاديثهم في رسائل صغيرة تسمّى بالأصول،دأبوا على ذلك حتى بلغوا عصر المهدي،ثاني عشر أئمة أهل البيت عليهم السّلام.

و غاب عن أنظار الناس و أرجع بدءا شيعته أينما كانوا إلى نوابه الأربعة التالية أسماؤهم:أ-عثمان بن سعيد العمري.

ب-محمد بن عثمان بن سعيد العمري.

ج-أبو القاسم حسين بن روح.

د-أبو الحسن علي بن محمد السمري.

و مارس هؤلاء النيابة عن الإمام زهاء سبعين عاما يتوسّطون بينه و بين شيعتهم حتى تعودت الشيعة على الرجوع إلى نواب الإمام وحدهم في ما ينوبهم، و ألّف في هذا العصر ثقة الإسلام الكليني أول موسوعة حديثية في مدرسة أهل البيت عليهم السّلام أسماها الكافي جمع فيها قسما كبيرا من رسائل خريجي هذه المدرسة التي كانت شائعة في ذلك العصر يرويها المئات عن أصحابها،و بذلك بدأ عهد جديد في تدوين الحديث بمدرسة أهل البيت عليهم السّلام (1).3.

ص: 53


1- معالم المدرستين للعسكري:323/3.

جاهد الأئمة بعد استشهاد الحسين عليهم السلام

جاهد الأئمة بعد استشهاد الحسين عليه السّلام لإعادة الإسلام الصحيح إلى المجتمع فأعادوه حكما بعد حكم و عقيدة بعد عقيدة حتى تم في نهاية هذا العهد تبليغ جميع ما جاء به الرسول و أبعد عنه كل محرّف و زائف في حدود من تقبّل منهم،و تم تدوين جميع سنة الرسول صلّى اللّه عليه و اله في رسائل صغيرة و مدونات كبيرة.

و كذلك جاهدوا في إرشاد أبناء الأمة فردا بعد فرد حتى تكون منهم مجتمعات إسلامية صالحة فيها علماء يرجعون إلى مدونات حديثية،حوت كل ما تحتاجه أبناء الأمة من حقائق الإسلام و بذلك انتهى واجب الأئمة التبليغي في نهاية هذا العهد،كما انتهى واجب رسول اللّه التبليغي في آخر سنة من حياته فقبضه اللّه إليه صلوات اللّه عليه و آله.

و كذلك اقتضت حكمة اللّه أن يحتجب في نهاية هذا العهد الإمام المهدي عليه السّلام عن الأنظار إلى ما شاء اللّه فأرجع شيعته إلى فقهاء مدرستهم و أنابهم عنه نيابة عامة دون تعيين أحد بالخصوص،و بذلك بدأ عصر غيبة الإمام المهدي الكبرى،و ناب عنه فقهاء مدرستهم في حمل أعباء التبليغ إلى اليوم والى ما شاء اللّه كما نبينه في ما يلي:

ص: 54

ثورة الفقهاء في حمل أعباء التبليغ

مارس خريجو مدرسة أهل البيت عليهم السّلام حمل أعباء التبليغ على عهد الأئمة تدريجيا و تكامل عملهم في عصر غيبة الإمام الصغرى،و تنامى في عصر غيبته الكبرى،حيث تحوّلت الحلقات الدراسية التي كانت تعقد في المساجد و البيوت على عهد الأئمة إلى معاهد تعليمية و حوزات علمية شيّدت في بلاد كبيرة مثل بغداد، على عهد المفيد و المرتضى،و النجف الأشرف على عهد الطوسي و غيره،ثم كربلاء و الحلة و أصفهان و خراسان و قم في أزمان غيرهم.

و لم يزل منذئذ و لا يزال يهاجر إلى تلك المعاهد و الحوزات طلاب العلوم الإسلامية من كل صقع عملا بالآية الكريمة: فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (1).

يجتمعون في تلك المعاهد و الحوزات حول أساطين العلم و يستقون من معينهم ثم يرجعون إلى بلادهم ليقوموا بحمل الدعوة الإسلامية إلى كل صقع،دأبوا على ذلك في خدمة الإسلام جيلا بعد جيل،و كانوا و لا يزالون مع المسلمين في كل نازلة،يحاربون خصوم الإسلام أعداء اللّه و أعداء رسوله أبدا،و يدافعون عن المسلمين في كل مكروه و كذلك لم يزل و لا يزال يحاربهم بكل سلاح في كل عصر كل كافر و ملحد و منافق عليم يريد أن يقضي على الإسلام!و ذلك لان نواب الإمام هؤلاء حملوا لواء الإسلام بعده،و طبيعي ان يهاجم في المعارك حامل اللواء.

ص: 55


1- التوبة122/.

و نذكر على سبيل المثال من نواب الإمام في الغيبة الكبرى الشيخ الكليني،و كان أول موسوعي في هذه المدرسة ثم توالت التآليف الموسوعية بعده غير أن الذين جاءوا بعده كانوا يعنون بنوع واحد من الحديث فيجمعونه في مؤلفاتهم و غالبا ما كانت العناية متجهة إلى تجميع أحاديث الأحكام مثل ما فعله الشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه و الشيخ الطوسي في التهذيب و الإستبصار و الشيخ الحر العاملي في وسائل الشيعة،إلى أن لمع نجم المجلسي الكبير و ألّف موسوعته الكبرى البحار على غرار موسوعة الكليني الكافي في تجميعه أنواع الأحاديث،و بز المجلسي الموسوعيين جميعا لما جمع في موسوعته تلك بين الكتاب و السنّة و فسّر آيات كتاب اللّه و شرح بعض الأحاديث و بيّن علل بعضها إلى غير ذلك من المميزات،و شارك الكليني في دراساته حول أحاديث الكافي بكتابه(مرآة العقول) إستوعب فيها شرح ألفاظ الحديث و كشف معانيها و ذكر علل الحديث و قوته و صحته وفق القواعد المتبناة لدى المحدثين منذ عصر العلاّمة الحلي و ابن طاووس.

و خالفهم أحيانا فقال:(ضعيف على المشهور معتمد عندي)أو(معتبر عندي) و كان نتيجة تقييمه لأحاديث الكافي أنه وجد منها خمسة و ثمانين و أربعمائة و تسعة آلاف حديث ضعيف من مجموع 16121 حديث.. (1).3.

ص: 56


1- معالم المدرستين للعسكري:325/3.

ثورة زينب بنت علي عليها السلام

زينب الحزينة

و هي التي شاهدت وفاة جدّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و شهادة أخيها المحسن في يوم واحد،ثمّ قتل امّها الزهراء بعد أيّام حتى قضت شهيدة،و بعدها شهادة أبيها علي و من بعده شهادة أخيها الحسن،حتّى جاءت كربلاء فكانت شهادة أولادها و أخيها العبّاس و إخوته الثلاثة،و علي و عبد اللّه أبناء عمّها الحسن،و ختمت هذا الحزن و البكاء بقتل سيّد الشهداء الحسين أخيها،لا بل بدأ حزنها من يوم عاشوراء،لأنّه بشهادة الحسين و قتله قتل النبيّ و المحسن و فاطمة و علي و الحسن و علي و عبد اللّه و جعفر و كلّ شهداء أهل البيت عليهم السّلام،هذا حزن زينب و بكاؤها،و هل فارقها؟!

زينب الصابرة

و من يستطيع أن يصف صبر زينب،و هل يخطر ببال أحد أنّ امرأة تصبر على قتل كلّ أحبّتها في يوم واحد،أخيها و أيّ أخ و أبنائها الثلاثة،أم كيف تصبر على سبي أخواتها و نساء بني هاشم،أم على رؤية كبد الحسن أمامها قبل شهادته،أم على رؤية رأس الحسين معلّقا على رمح مع رؤوس بني هاشم،أم على رؤية كفّي أبي الفضل العبّاس؟!

ص: 57

لا أدري إن كان هناك زمن لم تمرّ فيه زينب بمحن حتّى لا تصبر عليه،إنّ المصائب التي صبّت على زينب تجعلها في تصبّر دائم.

فإن كانت امّها قالت:

صبّت عليّ مصائب لو أنّها صبّت على الأيّام صرن لياليا (1)

فقد زادت البنت على امّها كما قال الشاعر:

يا قلب زينب ما لاقيت من محن فيك الرزايا و كلّ الصبر قد جمعا

فلو كان ما فيك من صبر و من محن في قلب أقوى جبال الأرض لانصدعا

يكفيك صبرا قلوب الناس كلّهم تفطّرت للذي لاقيته جزعا (2)

هنيئا لزينب و لكلّ امرأة تصبر على المصائب و المحن و تلتزم بتعاليم ربّها اَلَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (3).

و قال العلاّمة المحقّق المطّلع الشيخ محمد علي الاردوبادي في قصيدة قالها في رثاء الصدّيقة زينب و هي طويلة:

قد عاد مصر للحفيظة مغربا فسنا ذكاها واضح لن يغربا

بمليكة حسبا زكت فيه و لم يعقد عليه غير صنويها الحبا

و من النبوّة؟وجهها بلج كمثل الشمس يجلو الغيهبا

و تضوع منها للخلافة عبقة تطوى عليها الصحاصح و الربى

بجلال أحمد في مهابة حيدر قد أنجبت امّ الأئمّة زينبا

فيجمع الشرفين بضعة فاطم حصلت على أكرومة عظمت نبا (4)7.

ص: 58


1- روضة الواعظين:75.
2- وفيّات الأئمّة:451.
3- سورة البقرة:156.
4- وفيّات الأئمّة:467.

زينب العابدة الزاهدة

و هي تالية امّها الزهراء عليها السّلام و كانت تقضي عامّة لياليها بالتهجّد و تلاوة القرآن، ففي مثير الأحزان للعلاّمة الشيخ شريف الجواهري قدّس سرّه:قالت فاطمة بنت الحسين عليه السّلام:و أمّا عمّتي زينب فإنّها لم تزل قائمة في تلك الليلة-أي العاشر من المحرّم-في محرابها،تستغيث إلى ربّها،فما هدأت لنا عين و لا سكنت لنا رنة.

و عن الفاضل النائيني البروجردي:أنّ الحسين لمّا ودّع اخته زينب وداعه الأخير قال لها:يا اختاه لا تنسيني في نافلة الليل،و هذا الخبر رواه هذا الفاضل عن بعض المقاتل المعتبرة.

و قال بعض ذوي الفضل:إنّها صلوات اللّه عليها ما تركت تهجّدها للّه تعالى طول دهرها حتّى ليلة الحادي عشر من المحرّم.

و روي عن زين العابدين عليه السّلام أنّه قال:رأيتها تلك الليلة تصلّي من جلوس.

و روى بعض المتبقّين عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنّه قال:إنّ عمّتي زينب كانت تؤدّي صلواتها من الفرائض و النوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام من قيام،و في بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس فسألتها عن سبب ذلك فقالت:اصلّي من جلوس لشدّة الجوع و الضعف منذ ثلاث ليال، لأنّها كانت تقسّم ما يصيبها من الطعام على الأطفال لأنّ القوم كانوا يدفعون لكلّ واحد منّا رغيفا واحدا من الخبز في اليوم و الليلة.

ص: 59

و عن الفاضل النائيني البروجردي المتقدّم ذكره عن بعض المقاتل المعتبرة عن مولانا السجّاد عليه السّلام أنّه قال:إنّ عمّتي زينب مع تلك المصائب و المحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت[تهجّدها]لليلة.انتهى كلامه (1).

فإذا تأمّل المتأمّل إلى ما كانت عليه هذه الطاهرة من العبادة للّه تعالى و الإنقطاع إليه،يكاد يتيقّن بعصمتها(صلوات اللّه عليها)و أنّها كانت من القانتات اللواتي وقفن حركاتهن و سكناتهن و أنفاسهن للباري تعالى،و بذلك حصلن على المنازل الرفيعة و الدرجات العالية التي حكت رفعتها منازل المرسلين و درجات الأوصياء(عليهم الصلاة و السلام).

و أمّا زهدها عليها السّلام:فيكفي في إثباته ما روي عن الإمام السجّاد من أنّها عليه السّلام ما ادّخرت شيئا من يومها لغدها أبدا (2).0.

ص: 60


1- المصدر السابق:441،و شجرة طوبى:393/2.
2- وفيّات الأئمّة:440.

ثورة و جهاد زينب

ذلك الجهاد الذي لم تصبر عليه الرجال،جهاد مصيره معلوم و هو الشهادة و السبي،خرجت زينب من المدينة المنوّرة إلى مكّة ثمّ إلى العراق مع علمها بما ستؤول إليه الأمور،لأنّ اللّه شاء للحسين عليه السّلام أن يراه قتيلا و شاء لزينب أن يراها مسبيّة مع أخواتها.

كانت زينب في معركة كربلاء مسؤولة عن النساء و الأطفال عن طعامهم و شرابهم و تهدئتهم من خوفهم،و عن التفكير بما سوف يحدث بعد شهادة الحسين و أهل بيته عليهم السّلام.

كانت مهمّة صعبة يعجز عن تحمّلها الأبطال،قد يسهل على المرء أن يخطّط لحرب أو أن يحمل سيفا و يقاتل فيه لتحقيق أهدافه،و لكن يصعب على جيش بكامله أن يسكت الأطفال و النساء و يحميهم مع جوعهم و عطشهم و مع رؤية آبائهم قتلى بلا رؤوس.

كيف استطاعت زينب أن تسكت بكاء النساء و الأطفال،و أن تجمعهم في مكان واحد بعد فرارهم في الصحراء من حريق الخيام،كيف تحمّل جسد زينب المثكولة بأخويها الحسين و العبّاس و أولادها و أهل بيتها،زينب الجائعة العطشى المتعبة من سفر مجهول،كيف استطاع ذلك الجسد الشريف أن يتحمّل كلّ ذلك.

ثمّ جاءت مهمّة حماية الأطفال و النساء في مسيرهم إلى الشام و رؤوس أهل بيتها أمامهم تحت حرّ الشمس و بلباس يصعب وصفه،جاءت زينب لتثبت قدرة

ص: 61

المرأة على تحمّل الصعاب و المشاق،لتقول لكلّ امرأة إنّ همم النساء قد تفوق همم الرجال التي تزيل الجبال.

تستطيع كلّ امرأة أن تتحمّل ما تحمّلته زينب عليها السّلام بالتوكّل على اللّه و التسليم لأمره،تعلّمنا زينب أنّ الجهاد واجب على المرأة،و أنّ على كلّ امرأة التواجد مع زوجها أو أخيها في ساحة الجهاد،إذا كان في وجودها مصلحة للإسلام و المسلمين،تستطيع المرأة أن تشارك في الجهاد بما يتناسب مع وضعها و كرامتها كما كانت فاطمة و زينب تشارك في الجهاد،بتضميد الجرحى و مساعدتهم و تهيئة الطعام و الشراب للمجاهدين.

نعم،يختلف الأمر من زمن إلى زمن و من مكان إلى آخر و من معركة إلى اخرى، و تشخيص ذلك خارج هذه الأبحاث.

لم تستنكف زينب و لا أخواتها و زوجات أهل بيتها أن يكنّ في ساحة المعركة مع أطفالهنّ الرضّع،و ما ذلك إلاّ ليكوننّ قدوة للنساء إذا ساقتهنّ الظروف إلى ذلك، قد يجب على الإنسان أن يقدّم كلّ ما يملك و يعرّض نساءه للسبي إذا كان ذلك يخدم الإسلام و المسلمين و يحمي دين محمّد من الضياع،هذا كان سبب خروج زينب من خدرها إلى الجهاد،و هذا ما يجب على كلّ امرأة فعله أن لا يكون خروجها من خدرها و مخدعها إلاّ لأمر واجب فيه مصلحة للامّة الإسلامية أو لأولادها و زوجها.

سلام اللّه عليك يا زينب و على النساء المسبيّات الذين خرجنّ دفاعا عن الكرامة و حفظ الدين المحمّدي الأصيل.

ص: 62

شجاعة زينب في كربلاء

شجاعة نابعة عن تعقّل و تدبّر كما كانت شجاعة امّها من قبل،و زادت البنت على امّها،لأنّ الموقف اختلف ليس من ناحية الأشخاص إنّما من ناحية الظروف،سجّل التاريخ شجاعة لفاطمة بنت محمّد أعقبها خطبة تاريخية غنيّة بالعقائد و السياسة و الأخلاق،خطبة علّمت شيوخ قريش الفقه و التفسير و الحكم،خطبة في مجلس الخليفة الأوّل و بحضور فقهاء قريش و رجالها و ساستها و حكمائها،ثمّ أتبعتها امّ أبيها بخطبة عتاب و توعية لنساء قريش و بناتها.

و كذلك سجّل التأريخ لزينب بنت علي و محمّد عليهم السّلام خطبا كثيرة ابتداء بكربلاء من على التلّ الزينبي-و كانت خطبة في الشجاعة و الجهاد-و انتهت بالشام في مجلس يزيد و فقهائه و رجاله و عسكره،و كان فيما بين ذلك خطبتها في مجلس الطاغية ابن زياد و خطبتها في أهل الكوفة،أبدت زينب بنت علي في هذه المجالس شجاعة و بلاغة تعلّمتهما من امّها و أبيها-و هي العالمة غير المعلّمة-شجاعة بعد قهر و قتل و جوع و عطش و سبيّ،شجاعة لم تستطع أن تحتجب زينب العفيفة عن مجلس ابن زياد و يزيد كما احتجبت امّها من قبل في مجلس الأوّل فكلّمتهم من وراء الستار.

هذه الشجاعة التي تعطينا دروسا و دروسا،في تحمّل المشاق و عدم الإنهيار أمام المحن و السبي و القهر،تعطينا شجاعة زينب أن نتحمّل الجوع و العطش في صحراء كربلاء مرورا ببلاد الشام إذا كان الشبع و الإرواء فيه مذلّة أو إهانة أو جرح

ص: 63

كرامة طفل فضلا عن غيره.

تعطينا شجاعة زينب بنت فاطمة أن نقف جميعا نساء و رجالا و اقتداء بزينب أمام الطغاة و الظلمة و هم في عروشهم لنوجّه لهم كلمة الحقّ و نصرّح لهم بظلمهم و عدوانهم أمام حاشيتهم و رجالهم.

شجاعة زينب لا توصف،لأنّنا لا نستطيع أن ندرك و نعيش الظروف التي أظهرت بها زينب هذه الشجاعة،فقد تخطب النساء في مجالس الرجال و ببلاغة و طلاقة و لكن هل تجرؤ امرأة أن تخاطب قاتل أخيها و أبنائها و هي جائعة و عطشى و بلباس لم تعتد على لبسه أمام الأجانب و قد عوّدها عليّ عليه السّلام أن لا يخرجها من بيتها إلاّ في هودج عن يمينها الحسن و عن شمالها الحسين؟!

ما كان مثل زينب بنت علي إلاّ فاطمة بنت محمّد لأنّ عليّا أخ محمّد.نعم،خطبت الزهراء في مجلس أبي بكر و هي مريضة مظلومة قد قتل أبوها و أسقط ولدها و ضرب زوجها و احرق بابها و هتك بيتها.

و سوف يتبين لنا قوة شجاعتها من خلال خطبها.

ص: 64

الثورة في خطبة زينب عليها السلام

روى الشيخ الصدوق من مشايخ بني هاشم و غيره من الناس:أنّه لمّا دخل علي ابن الحسين عليه السّلام و حرمه على يزيد،و جيء برأس الحسين عليه السّلام و وضع بين يديه في طست،فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده،و هو يقول:

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلّوا و استهلّوا فرحا و لقالوا يا يزيد لا تشل

فجزيناه ببدر مثلا و أقمنا مثل بدر فاعتدل

لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل

قالوا:فلمّا رأت زينب ذلك فأهوت إلى جيبها فشقّته،ثمّ نادت بصوت حزين تقرع القلوب:يا حسيناه!يا حبيب رسول اللّه!يابن مكّة و منى!يابن فاطمة الزهراء سيّدة النساء!يابن محمّد المصطفى.

قال:فأبكت و اللّه كلّ من كان،و يزيد ساكت،ثمّ قامت على قدميها،و أشرفت على المجلس،و شرعت في الخطبة،إظهارا لكمالات محمّد صلّى اللّه عليه و اله،و إعلانا بأنّا نصبر لرضى اللّه،لا لخوف و لا دهشة،فقامت إليه زينب بنت علي و امّها فاطمة بنت رسول اللّه و قالت:الحمد للّه ربّ العالمين،و الصلاة على جدّي سيّد المرسلين،صدق اللّه سبحانه كذلك يقول: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض،و ضيّقت

ص: 65

علينا آفاق السماء،فأصبحنا لك في اسار،نساق إليك سوقا في قطار،و أنت علينا ذو اقتدار أنّ بنا من اللّه هوانا و عليك منه كرامة و امتنانا،و أنّ ذلك لعظم خطرك،و جلالة قدرك،فشمخت بأنفك،و نظرت في عطفك (1)تضرب أصدريك فرحا (2)و تنقض مذرويك مرحا (3)حين رأيت الدّنيا لك مستوسقة (4)و الامور لديك متّسقة (5)و حين صفا لكن ملكنا،و خلص لك سلطاننا،فمهلا مهلا لا تطش جهلا أنسيت قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ .

أمن العدل يابن الطلقاء؟!تخديرك حرائرك و إمائك،و سوقك بنات رسول اللّه سبايا،قد هتكت ستورهن،و أبديت وجوههنّ،تحدوا بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد، و تستشرفهن المناقل (6)يتبرزن لأهل المناهل (7)و يتصفّح وجوههنّ القريب و البعيد،و الغائب و الشهيد،و الشريف و الوضيع،و الدني و الرفيع،ليس معهنّ من رجالهنّ وليّ،و لا من حماتهنّ حمي،عتوا منك على اللّه (8)و جحودا لرسول اللّه، و دفعا لما جاء به من عند اللّه،و لا غرو منك و لا عجب من فعلك،و أنّى يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الشهداء،و نبت لحمه بدماء السعداء،و نصب الحرب لسيّد الأنبياء،و جمع الأحزاب،و شهر الحراب،و هزّ السيوف في وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،ا.

ص: 66


1- نظر في عطفه:أخذه العجب.
2- الاصدران:عرقان تحت الصدغين.
3- المذروان:أطراف الإليتين.
4- مستوسقة:مجتمعة.
5- متّسقة:مستوية.
6- تستشرف:تنظر.
7- المناهل:مواضع شرب الماء في الطريق.
8- عتوا:عنادا.

أشدّ العرب جحودا،و أنكرهم له رسولا،و أظهرهم له عدوانا،و أعتاهم على الرب كفرا و طغيانا،ألا إنّها نتيجة خلال الكفر،و صبّ يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر، فلا يستبطئ في بغضنا أهل البيت من كان نظره إلينا شنفا و إحنا و أظغانا،يظهر كفره برسول اللّه،و يفصح ذلك بلسانه،و هو يقول:-فرحا بقتل ولده و سبي ذرّيته، غير متحوب و لا مستعظم-لأهلّوا و استهلّوا فرحا و لقالوا يا يزيد لا تشل،منحنيا على ثنايا أبي عبد اللّه-و كانا مقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله-ينكتها بمخصرته،قد التمع السرور بوجهه،لعمري لقد نكأت القرحة (1)و استأصلت الشأفة،بإراقتك دم سيّد شباب أهل الجنّة،و ابن يعسوب لدين العرب،و شمس آل عبد المطّلب،و هتفت بأشياخك،و تقرّبت بدمه إلى الكفرة من أسلافك،ثمّ صرخت بندائك و لعمري لقد ناديتهم لو شهدوك!و وشيكا تشهدهم،و لن يشهدوك و لتود يمينك كما زعمت شلّت بك عن مرفقها وجدت،و أحببت امّك لم تحملك و أباك لم يلد،أو حين تصير إلى سخط اللّه و مخاصمك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

اللّهمّ خذ لنا بحقّنا،و انتقم من ظالمنا،و احلل غضبك على من سفك دماءنا و نقض ذمارنا،و قتل حماتنا،و هتك عنّا سدولنا،و فعلت فعلتك التي فعلت،و ما فريت إلاّ جلدك،و ما جززت إلاّ لحمك،و سترد على رسول اللّه بما تحمّلت من دم ذرّيته،و انتهكت من حرمته،و سفكت من دماء عترته و لحمته،حيث يجمع به شملهم،و يلمّ به شعثهم،و ينتقم من ظالمهم،و يأخذ لهم بحقّهم من أعدائهم فلا يستفزنّك الفرح بقتلهم، وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ .

و حسبك باللّه وليّا و حاكما،و برسول اللّه خصما،و بجبرئيل ظهيرا،و سيعلم من بوّأك و مكّنك من رقاب المسلمين أن بئس للظالمين بدلا،و أيّكم شرّ مكانا و أضلّأ.

ص: 67


1- نكأت:قشرت قبل أن تبرأ.

سبيلا،و ما استصغاري قدرك،و لا استعظامي تقريعك (1)توهّما لانتجاع الخطاب فيك (2)بعد أن تركت عيون المسلمين به عبرى،و صدورهم عند ذكره حرّا،فتلك قلوب قاسية،و نفوس طاغية،و أجسام محشوّة بسخط اللّه و لعنة الرسول،قد عشش فيه الشيطان،و فرّخ،و من هناك مثلك ما درج،فالعجب كلّ العجب لقتل الأتقياء،و أسباط الأنبياء،و سليل الأوصياء،بأيدي الطلقاء الخبيثة،و نسل العهرة الفجرة،تنطف أكفهم من دمائنا (3)و تنحلب أفواههم من لحومنا تلك الجثث الزاكية على الجيوب الضاحية،تنتابها العواسل (4)و تعفرها امّهات الفواعل (5)فلئن اتخذتنا مغنما لتجد بنا و شيكا مغرما حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك،و ما اللّه بظلاّم للعبيد فإلى اللّه المشتكى و المعوّل،و إليه الملجأ و المؤمّل،ثمّ كد كيدك،و اجهد جهدك فو اللّه الذي شرّفنا بالوحي و الكتاب،و النبوّة و الإنتخاب،لا تدرك أمدنا،و لا تبلغ غايتنا، و لا تمحو ذكرنا،و لا يرحض (6)عنك عارنا،و هل رأيك إلاّ فند،و أيّامك إلاّ عدد، و جمعك إلاّ بدد،يوم يناد المنادي ألا لعن اللّه الظالم العادي.و الحمد للّه الذي حكم لأوليائه بالسعادة،و ختم لأصفيائه بالشهادة،ببلوغ الإرادة،نقلهم إلى الرحمة و الرأفة،و الرضوان و المغفرة،و لم يشق بهم غيرك،و لا ابتلى بهم سواك،و نسأله أن يكمل لهم الأجر،و يجز لهم الثواب و الذخر،و نسأله حسن الخلافة،و جميل الإنابة،إنّه رحيم ودود (7).ن.

ص: 68


1- التقريع:التعنيف.
2- الإنتجاع:الإنتفاع.
3- تنطف:تقطر.
4- أي تأتي مرة بعد أخرى،و العواسل:الذئاب.
5- تعفرها:تمرغها،و الفواعل:أولاد الضباع.
6- رحض:غسل.
7- الاحتجاج:34/2،و العوالم:404 ترجمة الحسين.

و عن حذيم بن شريك الأسدي (1)قال:لمّا أتى علي بن الحسين زين العابدين بالنسوة من كربلاء،و كان مريضا،و إذا نساء أهل الكوفة ينتدبن مشقّقات الجيوب، و الرجال معهنّ يبكون.فقال زين العابدين عليه السّلام-بصوت ضئيل و قد نهكته العلّة- إنّ هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم،فأومت زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السّلام إلى الناس بالسكوت.

قال حذيم الأسدي:لم أر و اللّه خفرة قط أنطق منها،كأنّها تنطق و تفرغ على لسان عليّ عليه السّلام،و قد أشارت إلى الناس بأن انصتوا فارتدّت الأنفاس و سكنت الأجراس، ثمّ قالت-بعد حمد اللّه تعالى و الصلاة على رسوله صلّى اللّه عليه و اله-:أمّا بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل (2)و الغدر،و الخذل!!ألا فلا رقأت العبرة (3)و لا هدأت الزفرة،إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا (4)تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم (5)هل فيكم إلاّ الصلف (6)و العجب،و الشنف (7)و الكذب،و ملق الاماء و غمز الأعداء (8)أو كمرعى على دمنة (9)أو كفضّة على ملحودة (10)ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط اللّه عليكم و في العذاب أنتم خالدون.ر.

ص: 69


1- حذيم بن شريك الأسدي:عدّه الشيخ في رجاله ص 88 من أصحاب الإمام علي بن الحسين.
2- الختل:الخداع.
3- رقأت:جفّت.
4- أي:حلّته و أفسدته بعد إبرام.
5- أي:خيانة و خديعة.
6- الصلف:الذي يمتدح بما ليس عنده.
7- الشنف:البغض بغير حقّ.
8- الغمز:الطعن و العيب.
9- الدمنة:المزبلة.
10- الفضّة:الجص،و الملحودة:القبر.

أتبكون أخي؟!أجل و اللّه فابكوا فإنّكم أحرى بالبكاء فابكوا كثيرا،و اضحكوا قليلا،فقد أبليتم بعارها،و منيتم بشنارها (1)و لن ترحضوا أبدا (2).

و أنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة و معدن الرسالة،و سيّد شباب أهل الجنّة،و ملاذ حربكم،و معاذ حزبكم و مقرّ سلمكم،و أسى كلمكم (3)و مفزع نازلتكم،و المرجع إليه عند مقاتلتكم و مدرة حججكم (4)و منار محجّتكم،ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم،و ساء ما تزرون ليوم بعثكم،فتعسا تعسا!و نكسا نكسا!لقد خاب السعي،و تبّت الأيدي،و خسرت الصفقة،و بؤتم بغضب من اللّه،و ضربت عليكم الذلّة و المسكنة.

أتدرون ويلكم أيّ كبد لمحمّد صلّى اللّه عليه و اله فرثتم؟!و أيّ عهد نكثتم؟!و أيّ كريمة له أبرزتم؟!و أيّ حرمة له هتكتم؟!و أيّ دم له سفكتم؟!لقد جئتم شيئا إدّا تكاد السماوات يتفطرن منه و تنشق الأرض و تخرّ الجبال هدّا!لقد جئتم بها شوهاء صلعاء،عنقاء،سوداء،فقماء خرقاء (5)كطلاع الأرض (6)،أو ملأ السماء.أفحسبتم أن تمطر السماء دما،و لعذاب الآخرة أخزى و هم لا ينصرون،فلا يستخفنّكم المهل فإنّه عزّ و جلّ لا يحفزه البدار و لا يخشى عليه فوت الثار،كلاّ إنّ ربّك لنا و لهم بالمرصاد،ثمّ أنشأت تقول عليها السّلام:

ماذا تقولون إذ قال النبي لكم ماذا صنعتم و أنتم آخر الامما.

ص: 70


1- الشنار:العار.
2- أي لن تغسلوها.
3- أي:دواء جرحكم.
4- المدرّة زعيم القوم و لسانهم المتكلم عنهم.
5- الشوهاء:القبيحة.و الفقماء:إذا كانت ثناياها العليا إلى الخارج فلا تقع على السفلى.الخرقاء: الحمقاء.
6- طلاع الأرض:ملؤها.

بأهل بيتي و أولادي و تكرمتي منهم أسارى و منهم ضرّجوا بدم

ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحم

إنّي لأخشى عليكم أن يحلّ بكم مثل العذاب الذي أودى على إرم

ثمّ ولّت عنهم.

قال حذيم:فرأيت الناس حيارى قد ردّوا أيديهم في أفواههم،فالتفتّ إلى شيخ في جانبي يبكي و قد اخضلّت لحيته بالبكاء،و يده مرفوعة إلى السماء،و هو يقول:بأبي و أمّي كهولهم خير كهول،و نساؤهم خير نساء،و شبابهم خير شباب و نسلهم نسل كريم،و فضلهم فضل عظيم،ثمّ أنشد:

كهولكم خير الكهول و نسلكم إذا عدّ نسل لا يبور و لا يخزى

فقال علي بن الحسين عليه السّلام:يا عمّة اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار،و أنت بحمد اللّه عالمة غير معلّمة،فهمة غير مفهّمة،إنّ البكاء و الحنين لا يردّان من قد أباده الدهر،فسكتت.ثمّ نزل عليه السّلام و ضرب فسطاطه،و أنزل نساءه و دخل الفسطاط (1).0.

ص: 71


1- الاحتجاج:29/2-30.

زينب تبلّغ رسالة الحسين عليهما السلام

تعتبر زينب بنت علي شريكة الحسين عليهم السّلام،شاركته في المسير إلى كربلاء، و في محنة كربلاء،عطشت كما عطش الحسين و جاعت كما جاع،و تألّمت كما تألّم و ضربت كما ضرب عليه السّلام،نعم لم تقتل كما قتل بيد أنّها سبيت و لم يسب!!

ثمّ إنّ زينب كان لها دور فعّال في تبليغ رسالة الحسين عليه السّلام،تلك الرسالة التي كان ثمنها شهادة إمام الزمان و ابن بنت النبيّ المصطفى صلوات اللّه عليهم،رسالة لإصلاح دين جدّه محمّد لا أشرا و لا بطرا،رسالة الكرامة و العطاء و الشهادة،و أنّ دماء الشهداء ترخص و تبذل من أجل حفظ الدين و إصلاحه،من أجل إعلاء كلمة اللّه تعالى و اضمحلال كلمة الباطل تقدّم الأنفس و الأبناء.

من أجل الدفاع عن الخلافة الإسلامية و التصدّي للامور العامّة من الحكم و السياسة و الإقتصاد،يجب تقديم الشهداء و سبي النساء،بل و تقديم الرضّع لتكون الحجّة أعظم.

إنّ الإمام الحسين بن علي عليه السّلام لم يخرج لطلب ملك و لا للتزعّم على الناس و لا للتصدّي للفتوى بين الناس،إذ يزيد رجل فاسق لا علم له بالفقه و لم يدّع ذلك و لا ادّعاه أحد له،إنّما خروج الإمام الحسين و الذي هو خروج الحقّ ضدّ الباطل-من أجل استلام الحكم و الخلافة التي من خلالها فعل يزيد المحرّمات و هتك المقدّسات و استباح المخدّرات،من يملك المال و الرجال و تربّع على عرش الملك يستطيع أن يفعل ما يريد،ما لم يخرج له حسين في كلّ عصر.

ص: 72

إن الولاية و الخلافة ليس تأثيرها فقط على المجتمع و أهدافه و مساره،بل لها تأثير حتى على العبادات و الطاعات،لذا كانت الولاية أهم في حديث(بني الإسلام على خمس):فعن الإمام الباقر عليه السّلام:«بني الإسلام على خمس:على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و الولاية و لم يناد بشيء كما نودي بالولاية،فأخذ الناس بأربع و تركوا هذه-يعني الولاية» (1).

و عن زرارة في رواية اخرى فقلت:و أي شيء من ذلك أفضل؟

فقال عليه السّلام:«الولاية أفضل لأنها مفتاحهنّ و الوالي هو الدليل عليهن».

إلى أن قال عليه السّلام:«أما لو أنّ رجلا قام ليله و صام نهاره و تصدّق بجميع ماله و حج جميع دهره و لم يعرف ولاية ولي اللّه فيواليه و يكون جميع أعماله بدلالته إليه،ما كان له على اللّه جل و عز حق في ثوابه و لا كان من أهل الإيمان» (2).

و شاهد ذلك أن الولي إذا لم يكن مواليا لله تعالى فإنه يضيع الصلوات كما فعل معاوية فإنه صلّى صلاة الجمعة يوم الاربعاء.

و كما ضيّع عثمان أموال الزكاة و وزّعها على أقربائه.

فلذلك ثار الحسين عليه السلام و صرّح أنه خرج للدفاع عن دين محمد صلّى اللّه عليه و اله كل الدين.

كانت زينب لتحكي لنا عن تصريحات الحسين عليه السّلام و أقواله و مواعظه في حماية الرسالة المحمّدية،لتبلغ كلام الحسين و أصحابه و حزن الحسين و بكاءه على امّته، كانت زينب لتبلّغ عطش النساء و الأولاد و ضرب المخدّرات و إحراق بيوتهم و سبيهم من أجل ماذا؟!من أجل أنّ إمامهم خرج لإصلاح الدين المحمّدي و الأمر1.

ص: 73


1- أصول الكافي:18/2-21 ح 3 باب دعائم الإسلام،و البحار:332/65..
2- أصول الكافي:18/2 ح 5،و وسائل الشيعة:7/1.

بالمعروف و النهي عن المنكر.

لو لا زينب-و إمامنا زين العابدين عليه السّلام-لما وصلت لنا رسالة الحسين الحقيقيّة و لا عشنا بتفاصيل معركة كربلاء و آثارها و ما حصل من معاجز و كرامات.

كانت زينب بمثابة الوسائل الإعلامية في هذه الأزمنة،فإنّ أيّ ثورة أو حركة لا يكتب لها النجاح إذا لم يكن لديها ما يوصل أفكارها و أهدافها إلى الناس ثمّ إلى الامّة، لأنّ الإعلام المضلّل للأعداء ينقل الأحداث و الوقائع على خلاف الواقع ليستفيد منها لمصالحه أو مظلوميّته.

فكانت زينب تنشر ثورة الحسين عليه السّلام و أهدافها كما هي حتّى وصلت إلينا بأحسن صورة فأثمرت و للّه الحمد و استفاد منها الشيعة على مرّ العصور، مستفيدين من كلّ كلمة للحسين و حركة،لكلّ موقف يتعرّضوا له.

و سوف يبقى تبليغ زينب لبركات ثورة الحسين النور الذي يضيء في سماء الأرض المظلمة ليتمّ نور اللّه الذي وعد به المتّقين.

فمن زينب نستفيد أن نحافظ على الثورة و نحمي قواعدها و بنيانها،من زينب نأخذ الدروس لنحمل الأهداف السامية و ننشرها في المجتمعات.

على كلّ امرأة أن تقتدي بزينب من أجل إعلاء كلمة الحقّ،أن تعلّم أطفالها كيف يكون الدفاع عن الخلافة و الحكم و ليس في زمن الحسين بل في كلّ زمن لأنّ كلّ يوم عاشوراء و كلّ أرض كربلاء،لكلّ عصر حسين و لكلّ عصر يزيد،و لكلّ عصر زينبيات يبلّغن الإسلام و يدافعن عن الحقّ أينما كان.

أختي العزيزة:قولك يا ليتنا كنا مع زينب،ليس معناه أن يعود الزمان فتكونين معها فتصبري و تواسيها،معنى قولك:أن تقفي حيث وقفت زينب،و تدافعي عن الحق كما دافعت زينب،و أن تضحّي بكل شيء كما ضحّت زينب،من أجل الدفاع عن الدين و حمايته من الإستعمار اليزيدي و غيره.

ص: 74

أهمية تبليغ زينب و السجاد رسالة الحسين عليهم السلام

قال السيد الخامنئي:فنفس القيمة التي تمتلكها تضحية الحسين عليه السّلام عند الله تبارك و تعالى و نفس الدور الذي لعبته في تأجيج نهضته تملكها-أو تقاربها- خطب الإمام السجاد عليه السّلام و زينب عليها السّلام أيضا..فتأثيرها يقرب من أن يعادل تأثير تضحية الحسين عليه السّلام بدمه.

لقد أفهمنا سيد الشهداء عليه السّلام و أهل بيته و أصحابه أنّ على النساء و الرجال ألاّ يخافوا في مواجهة حكومة الجور.

فقد وقفت زينب(سلام الله عليها)في مقابل يزيد-و في مجلسه-و صرخت بوجهه و أهانته و أشبعته تحقيرا لم يتعرض له جميع بني أمية طرا في حياتهم.كما أنها(عليها السلام)و السجاد عليه السّلام تحدثا و خطبا في الناس أثناء الطريق و في الكوفة و الشام،فقد ارتقى الإمام السجاد(سلام الله عليه)المنبر و أوضح حقيقة القضية و أكد أن الأمر ليس قياما لأتباع الباطل بوجه أتباع الحق،و أشار إلى أن الأعداء قد شوّهوا سمعتهم و حاولوا أن يتّهموا الحسين عليه السّلام بالخروج على الحكومة القائمة و على خليفة رسول الله!لقد أعلن الإمام السجاد عليه السّلام الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد،و هكذا فعلت زينب عليه السّلام أيضا.

و هكذا هو الأمر اليوم في بلدنا،فسيد الشهداء عليه السّلام قد حدد تكليفنا،فلا تخشوا من قلة العدد و لا من الاستشهاد في ميدان الحرب،فكلما عظم هدف الإنسان و سمت غايته كان عليه أن يتحمّل المشاق أكثر بنفس النسبة،فنحن لم ندرك بعد

ص: 75

جيدا حجم الإنتصار الذي حققناه،و سيدرك العالم فيما بعد عظمة النصر الذي حققه الشعب الإيراني (1).

السلام عليك يا أبا عبد اللّه الحسين و على الأرواح التي حلّت بفنائك..عليك مني سلام اللّه أبدا ما بقيت و بقي الليل و النهار و لا جعله اللّه آخر العهد منّي لزيارتك..

السلام على الحسين و على علي بن الحسين و على أولاد الحسين و على أصحاب الحسين (2).5.

ص: 76


1- كتاب نهضة عاشوراء،ص 23.
2- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:315.

وعي زينب الرسالي

كانت زينب عليها السّلام تمتلك من الوعي و القيادة الحكيمة ما يجعلها تحكم في امّة كبيره،تلك القيادة التي تعلّمتها من أبيها علي بن أبي طالب طيلة معاشرته للخلفاء الثلاثة و في ظلّ حكومته بعدهم،و في حروبه مع أعداء الإسلام و التي كانت زينب عليها السّلام تستفيد من خبرة أبيها و قيادته للمستقبل.

و زادت هذه الخبرة بما تعلّمته من أخيها الحسن سواء في حروبه مع معاوية أم في صلحه معه.

ذلك الوعي الذي نشأت عليه زينب و تربّت عليه من امّها الصدّيقة الطاهرة و من أبيها عليهم السّلام.

الوعي الذي أهّلها لخوض معركة كربلاء و من بعدها تبليغ رسالة الحسين عليه السّلام كما أراد النبيّ و كما أراد الحسين،و نجحت زينب بذلك لما تملكه من وعي و حسن تدبير و حكمة و قيادة.

و قد نقل الصدوق أنّها كانت لها نيابة خاصّة عن الحسين و كان الناس يرجعون إليها في الحلال و الحرام حتّى برئ زين العابدين عليه السّلام (1).

و زاد ذلك ما تملكه الحوراء زينب من علم ربّاني أفاضه اللّه عليها لقربها من اللّه و التزامها بتعاليمه،و قد أشار إلى ذلك إمامنا عليّ بن الحسين عليه السّلام حيث خاطب

ص: 77


1- وفيّات الأئمّة:440.

عمّته زينب قائلا:و أنت بحمد اللّه عالمة غير معلّمة فهمة غير مفهّمة (1).

استفادت زينب عليها السّلام من وعيها و علمها و قيادتها لخدمة الإسلام و الدفاع عن مقدّساته،متحمّلة الأذى و المحن و العطش و السبي،كلّ ذلك من أجل مرضاة اللّه تعالى و إمام زمانها.

تعلّمنا زينب كيف تكون المرأة الواعية في المجتمع،تكون حامية للمقدّسات مهما كان ثمن ذلك،مدافعة عن المسلمين،جنديّة في خدمة الإسلام تحت ظلّ راية العدل و ما ذلك إلاّ لمرضاة اللّه الذي أمر بإطاعة اولي الأمر.7.

ص: 78


1- أمالي المفيد:323،الاحتجاج:31/2،و البحار:164/45 ح 7.

قيادة زينب

قيادة زينب كان نموذجا للالتزام بخط القيادة و المشي على تعاليم وليّ الأمر، حيث نفّذت زينب عليها السّلام وصيّة الخليفة الحسين بن علي و من بعده تعاليم وليّ أمرها عليّ بن الحسين،فنجحت زينب في مهمّتها و أوصلت ثورة الحسين و ما جرى في كربلاء إلى الامّة كلّ الامّة،و في كلّ عصر و زمان،أصبحت الأيّام كلّها عاشوراء بفضل زينب و وعي زينب و علم زينب،و أصبحت كلّ أرض كربلاء بالتزام زينب بتعاليم إمامها و وليّها.بل و كلّ امرأة مؤمنة واعية حكيمة.

فهنيئا للزينبيّات اللواتي يلتزمن بالقيادة و الولاية و يستفدن من وعيهنّ و علمهنّ للدفاع عن الإسلام و نشر الدعوة الإسلامية في البلاد،و قد بشّرهنّ اللّه بفوز منه و رضوان.

قال السيّد مهدي:

قد أسروا من خصّها بآية التطهير ربّ العرش في كتابه

إن ألبست في الأسر ثوب ذلّة تجمّلت للعزّ في أثوابه

ما خطبت إلاّ رأوا لسانها أمضى من الصمصام في خطابه

و جلببت في أسرها آسرها عارا رأى الصغار في جلبابه

و الفصحاء شاهدوا كلامها مقال خير الرسل في صوابه (1)

و قد نجحت سلام اللّه عليها في مهمتها القيادية سواء في كربلاء و مواقفها مع

ص: 79


1- وفيّات الأئمّة:460.

النساء و الرجال،أو في أثناء التوجه الى المدينة و مكة أو بعد ذلك في مراحل تبليغ رسالة الحسين عليه السلام.

ص: 80

علم زينب

علم زينب عليها السلام ظهر بشكل واضح في كربلاء و أثناء الأسر،خاصة في خطبها كما تقدّم،و في مواعظها المتكررة للناس الذين مرّ بهم السبايا في مختلف المدن و القرى،و التي لم يصلنا منها إلا القليل،لسبب التعتيم الذي حصل على هذا السبي أو على كربلاء بشكل عام.

و يظهر من الفاضل الدربندي و غيرها أنّها عليها السّلام كانت تعلم علم المنايا و البلايا، كجملة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام،منهم ميثم التمّار،و رشيد الهجري و غيرهما،بل جزم في أسراره أنّها صلوات اللّه عليها أفضل من مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم و غيرهما من فضليات النساء،و ذكر قدّس سرّه عند كلام السجّاد عليه السّلام لها:«يا عمّة أنت بحمد اللّه عالمة غير معلّمة،و فهمة غير مفهّمة».

إنّ هذا الكلام حجّة على أنّ زينب بنت أمير المؤمنين عليه السّلام كانت محدّثة أي ملهمة،و أنّ علمها كان من العلوم اللدنية و الآثار الباطنية.

و من نظر في كتاب أسرار الشهادة رأى فيه من الأدلّة و التحقيقات في حقّ زينب (صلوات اللّه عليها)ما هو أكثر ممّا ذكرناه.

و في(الطراز المذهّب)أنّ شؤونات زينب الباطنية و مقاماتها المعنوية كما قيل فيها أنّ فضائلها و فواضلها،و خصالها،و جلالها،و علمها،و عملها،و عصمتها، و عفّتها،و نورها،و ضياءها،و شرفها،و بهاءها،تالية امّها و ثانيتها.

و قال ابن عنبة في(أنساب الطّالبيين):زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السّلام

ص: 81

كنيتها امّ الحسن،تروي عن امّها فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قد امتازت بمحاسنها الكثيرة و أوصافها الجلية و خصالها الحميدة و شيمها السعيدة و مفاخرها البارزة و فضائلها الطاهرة.

و قال العلاّمة الفاضل السيّد نور الدين الجزائري في كتابه الفارسي المسمّى ب(الخصائص الزينبية)ما ترجمته عن بعض الكتب:أنّ زينب كان لها مجلس في بيتها أيّام إقامة أبيها عليه السّلام في الكوفة،و كانت تفسّر القرآن للنساء،ففي بعض الأيّام كانت تفسّر (كهيعص) للنساء إذ دخل أمير المؤمنين عليه السّلام،فقال لها:يا نور عيني سمعتك تفسرّين (كهيعص) للنساء،فقالت:نعم،فقال عليه السّلام:هذا رمز لمصيبة تصيبكم عترة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثمّ شرح لها المصائب فبكت بكاء عاليا صلوات اللّه عليها.

و في كتاب(بلاغات النساء)لأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور قال:حدّثني أحمد بن جعفر سليمان الهاشمي،قال:كانت زينب بنت علي عليه السّلام تقول:من أراد أن لا يكون الخلق شفعاؤه إلى اللّه فليحمده،ألم تسمع إلى قولهم سمع اللّه لمن حمده فخف اللّه لقدرته عليك و استح منه لقربه منك (1).8.

ص: 82


1- وفيّات الأئمّة:438.

فضائل زينب عليها السلام

زينب اسم انتخبه اللّه تعالى لابنة سيّدة نساء العالمين حيث أرسل سبحانه جبرائيل لنبيّه صلّى اللّه عليه و اله بأن سمّيها زينب (1).

و في كتاب(جنّات الخلود)ما معناه:و كانت زينب الكبرى في البلاغة،و الزهد، و التدبير،و الشجاعة،قرينة أبيها و امّها،فإنّ انتظام امور أهل البيت بل الهاشميّين بعد شهادة الحسين عليه السّلام كان برأيها و تدبيرها.

و عن النيسابوري في رسالته العلوية:كانت زينب بنت علي في فصاحتها و بلاغتها و زهدها و عبادتها كأبيها المرتضى عليه السّلام،و امّها الزهراء عليها السّلام.و للّه درّ النقدي حيث يقول:

عقيلة أهل بيت الوحي بنت

الوصي المرتضى مولى الموالي

شقيقة سبطي المختار من قد

سمت شرفا على هام الهلال

حكت خير الأنام على و فخرا

و حيدر في الفصيح من المقال

و فاطم عفّة و تقى و مجدا

و أخلاقا و في كرم الخلال

ص: 83


1- راجع أهل البيت للشرقاوي:102.

ربيبة عصمة طهرت و طابت

وفاقت في الصفات و في الفعال

فكانت كالأئمّة في هداها

و إنقاذ الأنام من الضلال

و كان جهادها بالليل أمضى

من البيض الصوارم و النصال

و كانت في المصلّى إذ تناجي

و تدعو اللّه بالدمع المذال

ملائكة السماء على دعاها

تؤمن في خضوع و ابتهال

ورثت عن امّها الزهراء علوما

بها وصلت إلى حدّ الكمال

مقاما لم يكن تحتاج فيه

إلى تعليم علم أو سؤال

و نالت رتبة في الفخر عنها

تأخّرت الأوامر و الأوالي

فلو لا امّها الزهراء سادت

نساء العالمين بلا جدال (1)

و قال الأصفهاني أعلى اللّه مقامه:

وليّت وجهي شطر قبلة الورى

و من بها تشرّفت امّ القرى2.

ص: 84


1- وفيّات الأئمّة:442.

قطب محيط عالم الوجود

في قوسي النزول و الصعود

ففي النزول كعبة الرزايا

و في الصعود قبلة البرايا

بل هي باب حطّة الخطايا

و موئل الهبات و العطايا

أم الكتاب في جوامع العلا

أم المصاب في مجامع البلا

رضيعة الوحي شقيقة الهدى

ربيبة الفضل خليفة الندى

ربّة خدر القدس و الطهارة

في الصون و العفاف و الخفارة

فإنّها تمثّل الكنز الخفيّ

بالسرّ و الحياء و التعفّف

تمثّل الغيب المصون ذاتها

تعرب عن صفاته صفاتها

مليكة الدّنيا عقيلة النسا

عديلة الخامس من أهل الكسا

شريكة الشهيد في مصائبه

كفيلة السجّاد في نوائبه

بل هي ناموس رواق العظمة

سيّدة العقائل المعظّمة

ص: 85

ما ورثته من الرحمة

جوامع العلم أصول الحكمة

سرابها في علوّ الهمّة

و الصبر في الشدائد الملمّة

ثباتها ينبئ عن ثباته

كان فيها كلّ مكرماته

لها من الصبر على المصائب

ما جلّ أن يعدّ في العجائب

بل كاد أن يلحق بالمعاجز

لأنّه حرفة كلّ عاجز

فإنّها سلالة الولاية

ولاية ليس لها نهاية

بيانها يفصح عن بيانه

كأنّها تفرغ عن لسانه

ناهيك فيه الخطب المأثورة

فإنّها كالدرر المنثورة

بل هي لو لا الحطّ من مقامها

كاللؤلؤ المنضود في نظامها

فإنّها وليدة الفصاحة

والدها فارس تلك الساحة

و ما أصاب امّها من البلا

فهو تراثها بطف كربلا

ص: 86

لكنّها عظيمة بلواها

من الحرب شاهدت دهاها

رأت هجوم الخيل بالنار على

خبائها أو محور السبع العلى

و أسلبوا يا ويلهم قرارها

مذ سلبوا إزارها خمارها

و سبيهم و دائع المختار

عار على الإسلام أيّ عار

يكاد أن يذهب بالعقول

سبي بنات الوحي و التنزيل

و ما رأت بالطف من أهوالها

جلّ عن الوصف بيان حالها

و من يطيق وصف سوء حالها

مذ رأت السبط على رمالها

معفّر الخدّ مضرّجا بدم

لهفي على جمال سلطان القدم

و حولها فتيانه على الثرى

كالشهب الزهر تحفّ القمرا

واها على كواكب السعود

عقد نظام الغيب و الشهود

كيف هوت و انتثرت أشلاؤها

بأيّ ذنب سفكت دماؤها

ص: 87

و شاهدت ريحانة الرسول

تدوسها حوافر الخيول

فأصبحت خزانة اللاهوت

حلبة خيل الجبت و الطاغوت

صدر تربّى فوق صدر المصطفى

ترضّه الخيل على الدّنيا العفى

ترى العوالي مركز المعالي

مدرجة لذروة الكمال

و هي عرش و عليه التاج

أو أنّها البراق و المعراج

نال من العروج ما تمنّى

كقاب قوسين دنا أو أدنى

حتّى تجلّى قائلا إنّي أنا

من شجر القناة في طور القنا

لسان حاله لسلطان القدم

سعيا على الرأس إليك لا القدم

و سوقها إلى يزيد الطاغية

أشجى فجيعة و أدهى داهية

و ما رأته في دمشق الشام

يذهب بالعقول و الأحلام

أمامها رأس الإمام الزاكي

و خلفها النوائح البواكي

ص: 88

أو الكتاب الناطق المبين

حفّ به الحنين و الأنين

و أفظع الكلّ دخول الطاهرة

حاسرة على ابن هند العاهرة

و ما لها و مجلس الشراب

و هي ابنة السنّة و الكتاب

أتوقف الحرّة من آل العبا

بين يدي طليقها و اعجبا

يشتمها طاغية الإلحاد

و هي سلالة النبي الهادي

بل سمعت من ذلك اللعين

سبّ أبيها و هو أصل الدين

أتنسب الطاهرة الصدّيقة

للكذب و هي أصدق الخليفة

وا حرّ قلباه لقلب الحرّة

فما رأته لا أطيق ذكره

شلّت يد مدّت بقرع العود

إلى ثنايا العدل و التوحيد

تلك الثنايا مرشف الرسول

و ملثم الطاهرة البتول

و ما جناه باللسان أعظم

و كفره المكنون منه يعلم

ص: 89

و قد أبانت كفر ذاك الطاغي

بأحسن البيان و البلاغ

حنّت بقلب موجع محترق

على أخيها فأجابها الشقي

يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون النوح على النوائح (1)4.

ص: 90


1- وفيّات الأئمّة:474.

ثورة التوابين تطالب بدم الحسين عليه السلام

اشارة

قال السيد القرشي:ندم أهل الكوفة أشد الندم على خذلانهم للإمام و جعلوا يتلاومون على ما اقترفوه من عظيم الإثم و قد أجمعوا على إقرارهم بالذنب في خذلانه و لزوم التكفير عنه بالمطالبة بثأره و قد خاطب أحدهم ابنته فقال لها:يا بنية إن أباك يفر من ذنبه إلى ربه و قد عقدوا مؤتمرا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي،و هو شيخ الشيعة و صاحب رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و ذو السابقة و القدم في الإسلام،فقد تداولوا الحديث فيما بينهم و رأوا أنه لا يغسل عنهم العار و الإثم إلا بقتل من قتل الحسين عليه السّلام.

و قد ألقيت في قاعة الحفل عدة خطب حماسية و هي تدعو إلى التلاحم و وحدة الصف للأخذ بثأر الإمام العظيم،و كان انعقاد المؤتمر فيما يقول المؤرخون في سنة(61 و هي السنة التي قتل فيها الحسين.

قرارات المؤتمر

اشارة

و اتخذ المؤتمر بالإجماع عدة قرارات و من بينها:

1-إنتخاب سليمان بن صرد قائدا عاما للثورة ليتولى وضع المخططات السياسية و العسكرية.

2-مراسلة المناطق التي تضم الشيعة في العراق و خارجه و إعلامها بما أجمعوا

ص: 91

عليه من الأخذ بثأر الإمام و المطالبة بالانضمام إليهم.

3-تأجيل الثورة إلى مدة أربع سنين على أن تكون السنوات الأربع فترة تأهب و استعداد للقتال.

4-أن تكون النخيلة هي المركز الرئيسي الذي تعلن فيه الثورة.

5-إحاطة الثورة بالسر و الكتمان.

و تفّرق أعضاء المؤتمر و كان عددهم فيما يقول المؤرخون مائة شخص و قد أخذوا يواصلون العمل فيجمعون التبرعات لشراء الأسلحة،و يدعون الناس إلى الالتفاف حولهم و الإنضمام إليهم.

إعلان الثورة:

و في سنة(65 ه)أعلن التوابون ثورتهم العارمة على الحكم الأموي و كان عددهم فيما يقول المؤرخون أربعة آلاف،و قد أرسل زعيم الثورة سليمان بن صرد إلى الكوفة الحكيم بن منقذ الكندي،و الوليد بن عصير الكناني و أمرهما أن يجوبا في مدينة الكوفة و يناديا بشعار الثورة:

«يا لثارات الحسين».

و حينما انتهيا إليها ناديا بذلك،و لأول مرة دوى هذا النداء المؤثر في سماء الكوفة فكان كالصاعقة على رؤوس السفكة المجرمين،كما كان بلسما لقلوب المؤمنين و المسلمين،و قد التحق قسم كبير من الناس بالنخيلة فخطب فيهم سليمان بن صرد خطابا مؤثرا،و أعرب لهم أنه لا ينشد مغنما أو مكسبا،و إنما يلتمس وجه الله و الدار الآخرة،و يرجو أن يكفّر الله عنه و عن إخوانه ما اقترفوه من عظيم الذنب في خذلانهم لريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله.

ص: 92

1-في كربلاء

و صمم التوابون على المضي إلى كربلاء لزيارة قبر أبي الشهداء عليه السّلام ليعلنوا التوبة إلى الله عند مرقده.

و سارت كتائب التوابين إلى كربلاء فلما وصلوا إليها صاحوا صيحة واحدة«يا حسين»و أغرقوا بالبكاء و النحيب،و أخذوا يتضرعون إلى الله ليتوب عليهم،و يغفر لهم،و قد قالوا عند ضريح الإمام:

«اللّهم ارحم حسينا الشهيد ابن الشهيد،المهدي ابن المهدي،الصديق ابن الصديق.

اللّهم إنّا نشهدك أنّا على دينهم و سبيلهم،و أعداء قاتليهم،و أولياء محبيهم.

اللّهم إنّا خذلنا ابن بنت نبينا فاغفر لنا ما مضى منا،و تب علينا فارحم حسينا و أصحابه الشهداء الصديقين،و إنّا نشهدك أنّا على دينهم و على ما قتلوا عليه،و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين».

و ازدحموا على القبر الشريف أكثر من الازدحام على الحجر الأسود و هم يبكون و يتضرعون إلى الله ليغفر ذنوبهم و يمنحهم التوبة،ثم رحلوا إلى الأنبار.

2-في عين الوردة

و سارت كتائب التوابين حتى انتهت إلى عين الوردة فأقامت فيها و زحفت إليهم جنود أهل الشام و التحمت معهم التحاما رهيبا،و جرت بينهما أعنف المعارك و أشدها ضراوة،و مني الجيشان بخسائر كبيرة في الأرواح،و استشهد قادة التوابين كسليمان بن صرد،و المسيب بن نجبة و عبد الله بن سعد و غيرهم.

ص: 93

و لما رأى التوابون أنهم لا قدرة لهم على مقابلة أهل الشام،تركوا ساحة القتال، و رجعوا في غلس الليل إلى الكوفة،و لم تتعقبهم جيوش أهل الشام،و قد مضى كل إلى بلده،و انتهت بذلك معركة التوابين،و قد أدخلت الفزع على الأمويين،و كبّدتهم أفدح الخسائر (1).3.

ص: 94


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:309/3.

ثورة التوابين برواية الطبري و ابن هشام و أبو مخنف

قال الطبري:قال هشام:قال أبو مخنف:حدثني أبو يوسف عن عبد اللّه بن عوف الأحمري قال بعث سليمان بن صرد إلى وجوه أصحابه حين أراد الشخوص و ذلك في سنة 65 فأتوه،فلما استهل الهلال هلال شهر ربيع الآخر خرج في وجوه أصحابه و قد كان واعدا أصحابه عامة للخروج في تلك الليلة للمعسكر بالنخيلة فخرج حتى أتى عسكره فدار في الناس و وجوه أصحابه فلم يعجبه عدة الناس فبعث حكيم بن منقذ الكندي في خيل و بعث الوليد بن غضين الكناني في خيل و قال اذهبا حتى تدخلا الكوفة فناديا يا لثأرات الحسين و ابلغا المسجد الأعظم فناديا بذلك فخرجا و كانا أول خلق اللّه دعوا يا لثأرات الحسين.

قال:فأقبل حكيم بن منقذ الكندي في خيل و الوليد بن غضين في خيل حتى مرا ببنى كثير و إن رجلا من بني كثير من الأزد يقال له:عبد اللّه بن خازم مع امرأته سهلة بنت سبرة بن عمرو من بني كثير و كانت من أجمل الناس و أحبّهم إليه سمع الصوت يا لثارات الحسين و ما هو ممن كان يأتيهم و لا استجاب لهم فوثب إلى ثيابه فلبسها و دعا بسلاحه و أمر بإسراج فرسه فقالت له امرأته ويحك أجننت قال:

لا و اللّه و لكني سمعت داعي اللّه فأنا مجيبه أنا أطالب بدم هذا الرجل حتى أموت أو يقضى اللّه من أمري ما هو أحب إليه.

فقالت له:إلى من تدع بنيك هذا؟

قال:إلى اللّه وحده لا شريك له اللهم إني أستودعك أهلي و ولدي اللهم احفظني فيهم و كان ابنه ذلك يدعى عزرة فبقى حتى قتل بعد مع مصعب بن الزبير و خرج

ص: 95

حتى لحق بهم فقعدت امرأته تبكيه و اجتمع إليها نساؤها و مضى مع القوم و طافت تلك الليلة الخيل بالكوفة حتى جاء و المسجد بعد العتمة و فيه ناس كثير يصلّون فنادوا يا لثارات الحسين و فيهم أبو عزة القابضي و كرب بن نمران يصلّى فقال:يا لثارات الحسين أين جماعة القوم.

قيل:بالنخيلة فخرج حتى أتى أهله فأخذ سلاحه و دعا بفرسه ليركبه فجاءته ابنته الرواع و كانت تحت ثبيت بن مرثد القابضي فقالت يا أبت مالي أراك قد تقلّدت سيفك و لبست سلاحك فقال لها:يا بنية إن أباك يفر من ذنبه إلى ربه فأخذت تنتحب و تبكى و جاءه أصهاره و بنو عمه فودعهم ثم خرج فلحق بالقوم.

قال:فلم يصبح سليمان ابن صرد حتى أتاه نحو ممن كان في عسكره حين دخله.

قال:ثم دعا بديوانه لينظر فيه إلى عدة من بايعه حين أصبح فوجدهم ستة عشر ألفا فقال:سبحان اللّه ما وافانا إلا أربعة آلاف من ستة عشر ألفا (1).

(قال أبو مخنف)عن عطية بن الحارث عن حميد بن مسلم قال قلت لسليمان بن صرد إن المختار و اللّه يثبط الناس عنك إني كنت عنده أول ثلاث فسمعت نفرا من أصحابه يقولون قد كملنا ألفي رجل فقال:وهب أن ذلك كان فأقام عنا عشرة آلاف أما هؤلاء بمؤمنين أما يخافون اللّه أما يذكرون اللّه و ما أعطونا من أنفسهم من العهود و المواثيق ليجاهدن و لينصرن فأقام بالنخيلة ثلاثا يبعث ثقاته من أصحابه إلى من تخلّف عنه يذكّرهم اللّه و ما أعطوه من أنفسهم فخرج إليه نحو من ألف رجل فقام المسيب بن نجبة إلى سليمان بن صرد فقال:رحمك اللّه إنه لا ينفعك الكاره و لا يقاتل معك إلا من أخرجته النية فلا ننتظرن أحدا و اكمش في أمرك.

قال:فإنك و اللّه لنعما رأيت فقام سليمان بن صرد في الناس متوكّئا على قوس له3.

ص: 96


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 453.

عربية فقال:أيها الناس من كان إنما أخرجته إرادة وجه اللّه و ثواب الآخرة فذلك منا و نحن منه فرحمة اللّه عليه حيا و ميتا و من كان إنما يريد الدنيا و حرثها فو اللّه ما نأتى فيئا نستفيئه و لا غنيمة نغنمها ما خلا رضوان اللّه رب العالمين و ما معنا من ذهب و لا فضة و لا خز و لا حرير و ما هو إلا سيوفنا في عواتقنا و رماحنا في أكفّنا و زاد قدر البلغة إلى لقاء عدونا فمن كان غير هذا ينوي فلا يصحبنا فقام صخير بن حذيفة بن هلال بن مالك المزني فقال:أتاك اللّه رشدك و لقاك حجتك و اللّه الذي لا إله غيره مالنا خير في صحبة من الدنيا همته و نيته أيها الناس إنما أخرجتنا التوبة من ذنبنا و الطلب بدم ابن ابنة نبينا صلّى اللّه عليه و سلم ليس معنا دينار و لا درهم إنما نقدم على حد السيوف و أطراف الرماح فتنادى الناس من كل جانب إنا لا نطلب الدنيا و ليس لها خرجنا (1).

(قال أبو مخنف)عن إسماعيل بن يزيد الأزدي عن السري بن كعب الأزدي قال:

أتينا صاحبنا عبد اللّه بن سعد بن نفيل نودعه قال:فقام فقمنا معه فدخل على سليمان و دخلنا معه و قد أجمع سليمان بالمسير فأشار عليه عبد اللّه بن سعد بن نفيل أن يسير إلى عبيد اللّه بن زياد و رؤوس أصحابه.الرأي ما أشار به عبد اللّه بن سعد بن نفيل أن نسير إلى عبيد اللّه بن زياد قاتل صاحبنا و من قبله أتينا فقال له عبد اللّه بن سعد و عنده رؤوس أصحابه جلوس حوله:إني قد رأيت رأيا إن يكن صوابا فاللّه وفّق و إن يكن ليس بصواب فمن قبلي فإني ما آلوكم و نفسي نصحا خطأ كان أم صوابا إنما خرجنا نطلب بدم الحسين و قتلة الحسين كلهم بالكوفة منهم عمر بن سعد بن أبي وقاص و رؤوس الأرباع و أشراف القبائل فأنى نذهب ههنا و ندع الإقتال و الأوتار.

فقال سليمان بن صرد:فماذا ترون؟4.

ص: 97


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 454.

فقالوا:و اللّه لقد جاء برأي و إن ما ذكر لكما ذكر و اللّه ما نلقى من قتلة الحسين إن نحن مضينا نحو الشام غير ابن زياد و ما طلبتنا إلا ههنا بالمصر.

فقال سليمان بن صرد:لكن أنا ما أرى ذلك لكم إن الذي قتل صاحبكم و عبّأ الجنود إليه و قال:لا أمان له عندي دون أن يستسلم فأمضي فيه حكمي هذا الفاسق ابن الفاسق ابن مرجانة عبيد اللّه بن زياد فسيروا إلى عدوكم على اسم اللّه فإن يظهركم اللّه عليه رجونا أنا يكون من بعده أهون شوكة منه و رجونا أن يدين لكم من وراءكم من أهل مصركم في عافية فتنظرون إلى كل من شرك في دم الحسين فتقاتلونه و لا تغشموا و إن تستشهدوا فإنما قاتلتم المحلين و ما عند اللّه خير للأبرار و الصديقين إني لأحب أن تجعلوا حدّكم و شوكتكم بأول المحلين القاسطين و اللّه لو قاتلتم غدا أهل مصركم ما عدم رجل أن يرى رجلا قد قتل أخاه و أباه و حميمه أو رجلا لم يكن يريد قتله فاستخيروا اللّه و سيروا فتهيأ الناس للشخوص.

قال:و بلغ عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد بن طلحة خروج ابن صرد و أصحابه فنظرا في أمرهما فرأيا أن يأتياهم فيعرضا عليهم الإقامة و أن تكون أيديهم واحدة فإن أبوا إلا الشخوص سألوهم النظرة حتى يعبئوا معهم جيشا فيقاتلوا عدوهم بكثف و حد فبعث عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد بن طلحة سويد بن عبد الرحمن إلى سليمان بن صرد فقال له:إن عبد اللّه و إبراهيم يقولان إنا نريد أن نجيئك الآن لأمر عسى اللّه أن يجعل لنا و لك فيه صلاحا فقال:قل لهما فليأتيانا.

و قال سليمان لرفاعة بن شداد البجلي:قم أنت فأحسن تعبية الناس فإن هذين الرجلين قد بعثا بكيت و كيت فدعا رؤوس أصحابه فجلسوا حوله فلم يمكثوا إلا ساعة حتى جاء عبد اللّه بن يزيد في أشراف أهل الكوفة و الشرط و كثير من المقاتلة و إبراهيم بن محمد بن طلحة في جماعة من أصحابه فقال عبد اللّه بن يزيد لكل رجل معروف قد علم أنه قد شرك في دم الحسين لا تصحبني إليهم مخافة أن ينظروا إليه

ص: 98

فيعدوا عليه و كان عمر بن سعد تلك الأيام التي كان سليمان معسكرا فيها بالنخيلة لا يبيت إلا في قصر الامارة مع عبد اللّه بن يزيد مخافة أن يأتيه القوم في داره و يدمروا عليه بيته و هو غافل لا يعلم فيقتل.

و قال عبد اللّه بن يزيد:يا عمرو بن حريث إن أنا أبطأت عنك فصل بالناس الظهر، فلما انتهى عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد إلى سليمان بن صرد دخلا عليه فحمد اللّه عبد اللّه بن يزيد و أثنى عليه ثم قال:إن المسلم أخو المسلم لا يخونه و لا يغشه و أنتم إخواننا و أهل بلدنا و أحب أهل مصر خلقه اللّه إلينا فلا تفجعونا بأنفسكم و لا تستبدّوا علينا برأيكم و لا تنقصوا عددنا بخروجكم من جماعتنا أقيموا معنا حتى نتيسر و نتهيأ فإذا علمنا أن عدونا قد شارف بلدنا خرجنا إليهم بجماعتنا فقاتلناهم و تكلم إبراهيم بن محمد بنحو من هذا الكلام قال:فحمد اللّه سليمان بن صرد و أثنى عليه ثم قال لهما:إني قد علمت أنكما قد محضتما في النصيحة و اجتهدتما في المشورة فنحن باللّه و له و قد خرجنا لأمر و نحن نسأل اللّه العزيمة على الرشد و التسديد لأصوبه و لا ترانا إلا شاخصين إن شاء اللّه ذلك فقال عبد اللّه بن يزيد:فأقيموا حتى نعبّىء معكم جيشا كثيفا فتلقوا عدوكم بكثف و جمع و حد فقال له سليمان:تنصرفون و نرى فيما بيننا و سيأتيكم إن شاء اللّه رأي.

(قال أبو مخنف)عن عبد الجبار يعنى ابن عباس الهمداني عن عون بن أبي جحيفة السوائي.

قال:ثم إن عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم ابن محمد بن طلحة عرضا على سليمان أن يقيم معهما حتى يلقوا جموع أهل الشأم على أن يخصّاه و أصحابه بخراج جوخى خاصة لهم دون الناس.

فقال لهما سليمان:إنّا ليس للدنيا خرجنا،و إنما فعلا ذلك لما قد كان بلغهما من إقبال عبيد اللّه بن زياد نحو العراق و انصرف إبراهيم بن محمد و عبد اللّه بن يزيد إلى الكوفة و أجمع القوم على الشخوص و استقبال ابن زياد و نظروا فإذا شيعتهم من

ص: 99

أهل البصرة لم يوافوهم لميعادهم و لا أهل المدائن فأقبل ناس من أصحابه يلومونهم.

فقال سليمان:لا تلوموهم فإني لا أراهم إلا سيسرعون إليكم لو قد انتهى إليهم خبركم و حين مسيركم و لا أراهم خلفهم و لا أقعدهم إلا قلة النفقة و سوء العدة فأقيموا ليتيسروا و يتجهّزوا و يلحقوا بكم و بهم قوة و ما أسرع القوم في آثاركم.

قال:ثم إن سليمان بن صرد قام في الناس خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد أيها الناس فإن اللّه قد علم ما تنوون و ما خرجتم تطلبون و أن للدنيا تجارا و للآخرة تجارا فأما تاجر الآخرة فساع إليها متنصب بتطلابها لا يشترى بها ثمنا لا يرى إلا قائما و قاعدا و راكعا و ساجدا لا يطلب ذهبا و لا فضة و لا دنيا و لا لذة و أما تاجر الدنيا فمكب عليها راتع فيها لا يبتغى بها بدلا فعليكم يرحمكم اللّه في وجهكم هذا بطول الصلاة في جوف الليل و بذكر اللّه كثيرا على كل حال و تقرّبوا إلى اللّه جل ذكره بكل خير قدرتم عليه حتى تلقوا هذا العدو و المحلّ القاسط فتجاهدوه فإنكم لن تتوسلوا إلى ربكم بشيء هو أعظم عنده ثوابا من الجهاد و الصلاة فإن الجهاد سنام العمل جعلنا اللّه و إياكم من العباد الصالحين المجاهدين الصابرين على اللأواء و إنا مدلجون الليلة من منزلنا هذا إن شاء اللّه فأدلجوا.فأدلج عشية الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع الآخر سنة 65 للهجرة.

قال:فلما خرج سليمان و أصحابه من النخيلة دعا سليمان بن صرد حكيم بن منقذ فنادى في الناس ألا لا يبيتن رجل منكم دون دير الأعور فبات الناس بدير الأعور و تخلّف عنه ناس كثير ثم سار حتى نزل الأقساس أقساس مالك على شاطئ الفرات فعرض الناس فسقط منهم نحو من ألف رجل.

فقال ابن صرد:ما أحب أن من تخلف عنكم معكم و لو خرجوا معكم ما زادوكم إلا خبالا إن اللّه عز و جل كره انبعاثهم فثبطهم و خصّكم بفضل ذلك فاحمدوا ربكم ثم خرج من منزله ذلك دلجة فصبحوا قبر الحسين فأقاموا به ليلة و يوما يصلون

ص: 100

عليه و يستغفرون له.

قال:فلما انتهى الناس إلى قبر الحسين صاحوا صيحة واحدة و بكوا فما رئي يوم كان أكثر باكيا منه.

(قال أبو مخنف)و قد حدّث عبد الرحمن بن جندب عن عبد الرحمن بن غزية قال:

لما انتهينا إلى قبر الحسين عليه السلام بكى الناس بأجمعهم و سمعت جل الناس يتمنون أنهم كانوا أصيبوا معه فقال سليمان:اللهم ارحم حسينا الشهيد بن الشهيد المهدي بن المهدي الصديق بن الصديق اللهم إنا نشهدك أنّا على دينهم و سبيلهم و أعداء قاتليهم و أولياء محبيهم ثم انصرف و نزل و نزل أصحابه.

(قال أبو مخنف)حدثنا الأعمش قال:حدثنا سلمة بن كهيل عن أبي صادق قال:

لما انتهى سليمان بن صرد و أصحابه إلى قبر الحسين نادوا صيحة واحدة يا رب أنا قد خذلنا ابن بنت نبينا فاغفر لنا ما مضى منا و تب علينا إنك أنت التواب الرحيم و ارحم حسينا و أصحابه الشهداء الصديقين و إنا نشهدك يا رب أنّا على مثل ما قتلوا عليه فإن لم تغفره لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين.

قال:فأقاموا عنده يوما و ليلة يصلّون عليه و يبكون و يتضرعون فما انفك الناس من يومهم دلك يترحمون عليه و على أصحابه حتى صلّوا الغداة من الغد عند قبره و زادهم ذلك حنقا ثم ركبوا فأمر سليمان الناس بالمسير فجعل الرجل لا يمضي حتى يأتي قبر الحسين فيقوم عليه فيترحم عليه و يستغفر له.

قال:فو اللّه لرأيتهم ازدحموا على قبره أكثر من ازدحام الناس على الحجر الأسود.

قال:و وقف سليمان عند قبره فكلما دعى له قوم و ترحّموا عليه قال لهم المسيب بن نجبة و سليمان بن صرد:الحقوا بإخوانكم رحمكم اللّه فما زال كذلك حتى بقي نحو من ثلاثين من أصحابه فأحاط سليمان بالقبر هو و أصحابه.

فقال سليمان:الحمد للّه الذي لو شاء أكرمنا بالشهادة مع الحسين اللهم إذ

ص: 101

حرمتناها معه فلا تحرمناها فيه بعده و قال عبد اللّه بن وال أما و اللّه إني لأظن حسينا و أباه و أخاه أفضل أمة محمد صلّى اللّه عليه و سلم وسيلة عند اللّه يوم القيامة أفما عجبتم لما ابتليت به هذه الأمة منهم أنهم قتلوا اثنين و أشفوا بالثالث على القتل.

قال:يقول المسيب بن نجبة فأنا من قتلتهم و من كان على رأيهم بريء إياهم أعادي و أقاتل.

قال:فأحسن الرؤوس كلهم المنطق و كان المثنى بن نجزية صاحب أحد الرؤوس و الأشراف فساءني حيث لم أسمعه تكلم مع القوم بنحو ما تكلموا به.

قال:فو اللّه ما لبثت أن تكلم بكلمات ما كن بدون كلام أحد من القوم فقال:إن اللّه جعل هؤلاء الذين ذكرتم بمكانهم من نبيهم صلّى اللّه عليه و سلم أفضل ممن هو دون نبيهم و قد قتلهم قوم نحن لهم أعداء و منهم براء و قد خرجنا من الديار و الأهلين و الأموال إرادة استئصال من قتلهم فو اللّه لو أن القتال فيهم بمغرب الشمس أو بمنقطع التراب يحق علينا طلبه حتى نناله فإن ذلك هو الغنم و هي الشهادة التي ثوابها الجنة فقلنا له صدقت و أصبت و وفقت.

قال:ثم إن سليمان بن صرد سار من موضع قبر الحسين و سرنا معه فأخذنا على الحصاصة ثم على الأنبار ثم على الصدود ثم على القيارة.

(قال أبو مخنف)عن الحارث بن حصيرة و غيره أن سليمان بعث على مقدمته كريب بن يزيد الحميري.

(قال أبو مخنف)حدثني الحصين بن يزيد عن السرى ابن كعب قال:خرجنا مع رجال الحي نشيعهم،فلما انتهينا إلى قبر الحسين و انصرف سليمان بن صرد و أصحابه عن القبر و لزموا الطريق استقدمهم عبد اللّه بن عوف ابن الأحمر على فرس له مهلوب كميت مربوع يتأكل تأكلا و هو يزتجز و يقول:

خرجن يلمعن بنا أرسالا عوابسا يحملننا أبطالا

نريد أن نلقى به الأقتالا القاسطين الغدر الضلالا

ص: 102

و قد رفضنا الأهل و الأموالا و الخفرات البيض و الحجالا

نرضى به ذا النعم المفضالا.

(قال أبو مخنف)عن سعد بن مجاهد الطائي عن المحل بن خليفة الطائي أن عبد اللّه ابن يزيد كتب إلى سليمان بن صرد أحسبه قال:بعثني به فلحقته بالقيارة و استقدم أصحابه حتى ظن أن قد سبقهم.

قال:فوقف و أشار إلى الناس فوقفوا عليه ثم أقرأهم كتابه فإذا فيه بسم اللّه الرحمن الرحيم من عبد اللّه بن يزيد إلى سليمان بن صرد و من معه من المسلمين سلام عليكم أما بعد فإن كتابي هذا إليكم كتاب ناصح ذي إرعاء و كم من ناصح مستغش و كم من غاش مستنصح محب إنه بلغني أنكم تريدون المسير بالعدد اليسير إلى الجمع الكثير و إنه من يرد أن ينقل الجبال عن مراتبها تكل معاوله و ينزع و هو مذموم العقل و الفعل يا قومنا لا تطمعوا عدوكم في أهل بلادكم فإنكم خيار كلمكم و متى ما يصبكم عدوكم يعلموا أنكم أعلام مصركم فيطمعهم ذلك فيمن وراءكم يا قومنا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم و لن تفلحوا إذا أبدا يا قوم إن أيدينا و أيديكم اليوم واحدة و إن عدونا و عدوكم واحد و متى تجتمع كلمتنا نظهر على عدونا و متى تختلف تهن شوكتنا على من خالفنا يا قومنا لا تستغشوا نصحي و لا تخالفوا أمري و أقبلوا حين يقرأ عليكم كتابي أقبل اللّه بكم إلى طاعته و أدبر بكم عن معصيته و السلام.

قال:فلما قرئ الكتاب على ابن صرد و أصحابه قال للناس:ما ترون؟

قالوا:ماذا ترى قد أبينا هذا عليكم و عليهم و نحن في مصرنا و أهلنا فالآن حين خرجنا و وطّنا أنفسنا على الجهاد و دنونا من أرض عدونا ما هذا برأي ثم نادوه أن أخبرنا برأيك.

قال:رأيي و اللّه إنكم لم تكونوا قط أقرب من إحدى الحسنيين منكم يومكم هذا الشهادة و الفتح و لا أرى أن تنصرفوا عما جمعكم اللّه عليه من الحق و أردتم به من

ص: 103

الفضل أنا و هؤلاء مختلفون إن هؤلاء لو ظهروا دعونا إلى الجهاد مع ابن الزبير و لا أرى الجهاد مع ابن الزبير إلا ضلالا و إنا إن نحن ظهرنا رددنا هذا الأمر إلى أهله و إن أصبنا فعلى نياتنا تائبين من ذنوبنا إن لنا شكلا و إن لابن الزبير شكلا إنا و إياهم كما قال أخو بني كنانة:

أرى لك شكلا غير شكلي فأقصري عن اللوم إذ بدلت و اختلف الشكل (1)

قال:فانصرف الناس معه حتى نزل هيت فكتب سليمان:بسم اللّه الرحمن الرحيم للأمير عبد اللّه بن يزيد من سليمان بن صرد و من معه من المؤمنين سلام عليك أما بعد فقد قرأنا كتابك و فهمنا ما نويت فنعم و اللّه الوالي و نعم الأمير و نعم أخو العشيرة أنت و اللّه من نأمنه بالغيب و نستنصحه في المشورة و نحمده على كل حال إنا سمعنا اللّه عز و جل يقول في كتابه إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ -إلى قوله- وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ إن القوم قد استبشروا ببيعتهم التي بايعوا إنهم قد تابوا من عظيم جرمهم و قد توجّهوا إلى اللّه و توكّلوا عليه و رضوا بما قضى اللّه ربنا عليك توكلنا و إليك أنبنا و إليك المصير و السلام عليك،فلما أتاه هذا الكتاب قال:استمات القوم أول خبر يأتيكم عنهم قتلهم و أيم اللّه ليقتلن كراما مسلمين و لا و الذي هو ربهم لا يقتلهم عدوهم حتى تشتد شوكتهم و تكثر القتلى فيما بينهم.

(قال أبو مخنف)فحدثني يوسف بن يزيد عن عبد اللّه بن عوف بن الأحمر و عبد الرحمن بن جندب عن عبد الرحمن بن غزية قال:خرجنا من هيت حتى انتهينا إلى قرقيسيا،فلما دنونا منها وقف سليمان بن صرد فعبّأنا تعبية حسنة حتى مررنا بجانب قرقيسبا فنزلنا قريبا منها و بها زفر بن الحارث الكلابي قد تحصّن بها من القوم و لم يخرج إليهم فبعث سليمان المسيب بن نجبة.0.

ص: 104


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 460.

فقال:ائت ابن عمك هذا فقل له فليخرج إلينا سوقا فإنا لسنا إياه نريد إنما صمدنا لهؤلاء المحلين فخرج المسيب بن نجبة حتى انتهى إلى باب قرقيسيا.فقال:افتحوا ممن تحصّنون فقالوا:من أنت؟

قال:أنا المسيب بن نجبة فأتى الهذيل بن زفر أباه.فقال:هذا رجل حسن الهيئة يستأذن عليك و سألناه من هو؟

فقال:المسيب بن نجبة.

قال:و انا إذ ذاك لا علم لي بالناس و لا أعلم أي الناس هو؟

فقال لي أبي:أما تدرى أي بني من هذا هذا فارس مضر الحمراء كلها و إذا عد من أشرافها عشرة كان أحدهم و هو بعد رجل ناسك له دين ائذن له فأذنت له فأجلسه أبى إلى جانبه و ساءله و ألطفه في المسألة.

فقال المسيب بن نجبة:ممن تحصّن إنا و اللّه ما إياكم نريد و ما اعترينا إلى شيء إلا أن تعيننا على هؤلاء القوم الظلمة المحلين فأخرج لنا سوقا فإنا لا نقيم بساحتكم إلا يوما أو بعض يوم.

فقال له زفر بن الحارث:إنا لم نغلق أبواب هذه المدينة إلا لنعلم إيانا اعتريتم أم غيرنا و اللّه ما بنا عجز من الناس ما لم تدهمنا حيلة و ما نحب أنا بلينا بقتالكم و قد بلغنا عنكم صلاح و سيرة حسنة جميلة نم دعا ابنه فأمره أن يضع لهم سوقا و أمر للمسيب بألف درهم و فرس.

فقال له المسيب:أما المال فلا حاجة لي فيه و اللّه ماله خرجنا و لا إياه طلبنا و أما الفرس فإني أقبله لعلي أحتاج إليه إن ظلع فرسى أو غمز تحتي فخرج به حتى أتى أصحابه و أخرجت لهم السوق فتسوّقوا و بعث زفر بن الحارث إلى المسيب بن نجبة بعد إخراج الأسواق و الأعلاف و الطعام الكثير بعشرين جزورا و بعث إلى سليمان ابن صرد مثل ذلك و قد كان زفر أمر ابنه أن يسأل عن وجوه أهل العسكر فسمّى له عبد اللّه بن سعد بن نفيل و عبد اللّه بن وال و رفاعة بن شداد و سمّى له أمراء

ص: 105

الأرباع فبعث إلى هؤلاء الرؤوس الثلاثة بعشر جزائر عشر جزائر و علف كثير و طعام و أخرج للعسكر عيرا عظيمة و شعيرا كثيرا.

فقال غلمان زفر:هذه عير فاجتزروا منها ما أحببتم و هذا شعير فاحتملوا منه ما أردتم و هذا دقيق فتزوّدوا منه ما أطقتم فظلّ القوم يومهم ذلك مخصبين لم يحتاجوا إلى شراء شيء من هذه الأسواق التي وضعت و قد كفوا اللحم و الدقيق و الشعير إلا أن يشتري الرجل ثوبا أو سوطا.

ثم ارتحلوا من الغد و بعث إليهم زفر إني خارج إليكم فمشيّعكم فأتاهم و قد خرجوا على تعبئة حسنة فسايرهم.

فقال زفر لسليمان:إنه قد بعث خمسة أمراء قد فصلوا من الرقة فيهم الحصين ابن نمير السكوني و شرحبيل بن ذي الكلاع و أدهم بن مجرز الباهلي و أبو مالك بن أدهم و ربيعة بن المخارق الغنوي و جبلة بن عبد اللّه الخثعمي و قد جاءوكم في مثل الشوك و الشجر أتاكم عدد كثير و حد حديد و أيم اللّه لقلّ ما رأيت رجالا هم أحسن هيئة و لا عدة و لا أخلق لكل خير من رجال أراهم معك و لكنه قد بلغني أنه قد أقبلت إليكم عدة لا تحصى.

فقال ابن صرد:على اللّه توكلنا و عليه فليتوكل المتوكلون.

ثم قال له زفر:فهل لكم في أمر أعرضه عليكم لعل اللّه أن يجعل لنا و لكم فيه خيرا إن شئتم فتحنا لكم مدينتنا فدخلتموها فكان أمرنا واحدا و أيدينا واحدة و إن شئتم نزلتم على باب مدينتنا و خرجنا فعسكرنا إلى جانبكم فإذا جاءنا هذا العدو قاتلناهم جميعا.

فقال سليمان لزفز:قد أرادنا أهل مصرنا على مثل ما أردتنا عليه و ذكروا مثل الذي ذكرت و كتبوا إلينا به بعد ما فصلنا فلم يوافقنا ذلك فلسنا فاعلين.

فقال زفر:فانظروا ما أشير به عليكم فاقبلوه و خذوا به فإني للقوم عدو و أحب أن يجعل اللّه عليهم الدائرة و أنا لكم و ادّ أحب أن يحوطكم اللّه بالعافية،إن القوم قد

ص: 106

فصلوا من الرقة فبادروهم إلى عين الوردة فاجعلوا المدينة في ظهوركم و يكون الرستاق و الماء و المادة في أيديكم و ما بين مدينتنا و مدينتكم فأنتم له آمنون،و اللّه لو أن خيولي كرجالي لأمددتكم أطووا المنازل الساعة إلى عين الوردة،فإن القوم يسيرون سبر العساكر و أنتم على خيول و اللّه لقلّ ما رأيت جماعة خيل قط أكرم منها تأهّبوا لها من يومكم هذا فإني أرجو أن تسبقوهم إليها و إن بدرتموهم إلى عين الوردة فلا تقاتلوهم في فضاء ترامونهم و تطاعنونهم فإنهم أكثر منكم فلا آمن أن يحيطوا بكم فلا تقفوا لهم ترامونهم و تطاعنونهم فإنه ليس لكم مثل عددهم فإن استهدفتم لهم لم يلبثوكم أن يصرعوكم،و لا تصفوا لهم حين تلقونهم فإني لا أرى معكم رجالة و لا أراكم كلكم إلا فرسانا و القوم لاقوكم بالرجال و الفرسان فالفرسان تحمي رجالها و الرجال تحمي فرسانها و أنتم ليس لكم رجال تحمي فرسانكم فالقوهم في الكتائب و المقانب ثم بثوها ما بين ميمنتهم و ميسرتهم و اجعلوا مع كل كتيبة كتيبة إلى جانبها فإن حمل على إحدى الكتيبتين ترجّلت الأخرى فنفّست عنها الخيل و الرجال و متى ما شاءت كتيبة ارتفعت و متى ما شاءت كتيبة انحطت،و لو كنتم في صف واحد فزحفت إليكم الرجال فدفعتم عن الصف انتقض و كانت الهزيمة.

ثم وقف فودّعهم و سأل اللّه أن يصحبهم و ينصرهم.

فأثنى الناس عليه و دعوا له فقال له سليمان بن صرد:نعم المنزول به أنت أكرمت النزول و أحسنت الضيافة و نصحت في المشورة.

ثم إن القوم جدّوا في المسير فجعلوا يجعلون كل مرحلتين مرحلة.

قال:فمررنا بالمدن حتى بلغنا ساعا ثم إن سليمان بن صرد عبّأ الكتائب كما أمره زفر ثم أقبل حتى انتهى إلى عين الوردة فنزل في غربيها و سبق القوم إليها

ص: 107

فعسكروا و أقام بها خمسا لا يبرح و استراحوا و اطمأنوا و أراحوا خيلهم (1).

(قال هشام)قال أبو مخنف عن عطية بن الحارث عن عبد اللّه بن غزية قال:أقبل أهل الشام في عساكرهم حتى كانوا من عين الوردة على مسيرة يوم و ليلة قال عبد اللّه بن غزية:فقام فينا سليمان فحمد اللّه فأطال و أثنى عليه فأطنب ثم ذكر السماء و الأرض و الجبال و البحار و ما فيهن من الآيات و ذكر آلاء اللّه و نعمه و ذكر الدنيا فزهد فيها و ذكر الآخرة فرغّب فيها فذكر من هذا ما لم أحصه و لم أقدر على حفظه.

ثم قال:أما بعد فقد أتاكم اللّه بعدوكم الذي دأبتم في المسير إليه آناء الليل و النهار تريدون فيما تظهرون التوبة النصوح و لقاء اللّه معذرين فقد جاءوكم بل جئتموهم أنتم في دارهم و حيزهم فإذا لقيتموهم فاصدقوهم و اصبروا إن اللّه مع الصابرين و لا يولينهم امرؤ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة لا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تقتلوا أسيرا من أهل دعوتكم إلا أن يقاتلكم بعد أن تأسروه أو يكون من قتلة إخواننا بالطف رحمة اللّه عليهم فإن هذه كانت سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في أهل هذه الدعوة.

ثم قال سليمان:إن أنا قتلت فأمير الناس المسيب بن نجبة فإن أصيب المسيب فأمير الناس عبد اللّه بن سعد ابن نفيل فإن قتل عبد اللّه بن سعد فأمير الناس عبد اللّه بن وال فإن قتل عبد اللّه ابن وال فأمير الناس رفاعة بن شداد رحم اللّه امرءا صدق ما عاهد اللّه عليه ثم بعث المسيب بن نجبة في أربعمائة فارس.

ثم قال:سر حتى تلقى أول عسكر من عساكرهم فشن فيهم الغارة فإذا رأيت ما تحبه و إلا انصرفت إلى في أصحابك و إياك أن تنزل أو تدع أحدا من أصحابك أن ينزل أو يستقبل آخر ذلك حتى لا تجد منه بدا.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبى عن حميد بن مسلم أنه قال:أشهد أني في خيل3.

ص: 108


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 463.

المسيب بن نجبة تلك إذ أقبلنا نسير آخر يومنا و ليلتنا حتى إذا كان في آخر السحر نزلنا فعلقنا على دوابنا مخاليها ثم هوّمنا تهويمة بمقدار تكون مقدار قضمها ثم ركبناها حتى إذا انبلج لنا الصبح نزلنا فصلّينا ثم ركب فركبنا فبعث أبا الجويرية العبدي بن الأحمر في مائة من أصحابه و عبد اللّه بن عوف بن الأحمر في مائة و عشرين و حنش بن ربيعة أبا المعتمر الكناني في مثلها و بقى هو في مائة.

ثم قال:انظروا أول من تلقون فأتوني به فكان أول من لقينا أعرابيا يطرد أحمرة و هو يقول:

يا مال لا تعجل إلى صحبي و اسرح فإنك آمن السرب

قال:يقول عبد اللّه بن عوف بن الأحمر يا حميد بن مسلم أبشر بشرى و رب الكعبة.

فقال له ابن عوف بن الأحمر:ممن أنت يا أعرابي؟

قال:أنا من بني تغلب.

قال:غلبتم و رب الكعبة إن شاء اللّه فانتهى إلينا المسيب بن نجبة فأخبرناه بالذي سمعنا من الأعرابي و أتيناه به.

فقال المسيب بن نجبة:أما لقد سررت بقولك أبشر و بقولك يا حميد بن مسلم و إني لأرجو أن تبشروا بما يسركم و إنما سركم أن تحمدوا أمركم و أن تسلموا من عدوكم و إن هذا الفأل هو الفأل الحسن و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يعجبه الفأل.

ثم قال المسيب بن نجبة للأعرابي:كم بيننا و بين أدنى هؤلاء القوم منا.

قال:أدنى عسكر من عساكرهم منك عسكر ابن ذي الكلاع و كان بينه و بين الحصين اختلاف ادعى الحصين أنه على جماعة الناس (1).

و قال ابن ذي الكلاع:ما كنت لتولّي علي و قد تكاتبا إلى عبيد اللّه بن زياد فهما4.

ص: 109


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 464.

ينتظران أمره فهذا عسكر ابن ذي الكلاع منكم على رأس ميل.

قال:فتركنا الرجل فخرجنا نحوهم مسرعين فو اللّه ما شعروا حتى أشرفنا عليهم و هم غارون فحملنا في جانب عسكرهم فو اللّه ما قاتلوا كثير قتال حتى انهزموا فأصبنا منهم رجالا و جرحنا فيهم فأكثرنا الجراح و أصبنا لهم دواب و خرجوا عن عسكرهم و خلّوه لنا فأخذنا منه ما خفّ علينا فصاح المسيب فينا الرجعة إنكم قد نصرتم و غنمتم و سلمتم فانصرفوا فانصرفنا حتى أتينا سليمان.

قال:فأتى الخبر عبيد اللّه بن زياد فسرّح إلينا الحصين بن نمير مسرعا حتى نزل في إثنى عشر ألفا فخرجنا إليهم يوم الأربعاء لثمان بقين من جمادى الأولى فجعل سليمان بن صرد عبد اللّه بن سعد بن نفيل على ميمنته و على ميسرته المسيب بن نجبة و وقف هو في القلب،و جاء حصين بن نمير و قد عبّأ لنا جنده فجعل على ميمنته جبلة بن عبد اللّه و على ميسرته ربيعة بن المخارق الغنوي ثم زحفوا إلينا، فلما دنوا دعونا إلى الجماعة على عبد الملك بن مروان و إلى الدخول في طاعته و دعوناهم إلى أن يدفعوا إلينا عبيد اللّه بن زياد فنقتله ببعض من قتل من إخواننا و أن يخلعوا عبد الملك بن مروان و إلى أن يخرج من ببلادنا من آل ابن الزبير ثم نرد هذا الأمر إلى أهل بيت نبينا الذين آتانا اللّه من قبلهم بالنعمة و الكرامة فأبى القوم و أبينا.

قال حميد بن مسلم:فحملت ميمنتنا على ميسرتهم و هزمتهم و حملت ميسرتنا على ميمنتهم و حمل سليمان في القلب على جماعتهم فهزمناهم حتى اضطررناهم إلى عسكرهم فما زال الظفر لنا عليهم حتى حجز الليل بيننا و بينهم ثم انصرفنا عنهم و قد أحجزناهم في عسكرهم،فلما كان الغد صبّحهم ابن ذي الكلاع في ثمانية آلاف أمدّهم بهم عبيد اللّه بن زياد و بعث إليه يشتمه و يقع فيه و يقول إنما عملت عمل الأغمار تضيع عسكرك و مسالحك سر إلى الحصين بن نمير حتى توافيه و هو على الناس فجاءه فغدوا علينا و غاديناهم فقاتلناهم قتالا لم ير الشيب و المرد مثله قط

ص: 110

يومنا كله لا يحجز بيننا و بين القتال إلا الصلاة حتى أمسينا فتحاجزنا و قد و اللّه أكثروا فينا الجراح و أفشيناها فيهم.

قال:و كان فينا قصاص ثلاثة رفاعة بن شداد البجلي و صحير بن حذيفة بن هلال بن مالك المري و أبو الجويرية العبدي فكان رفاعة يقص و يحضض الناس في الميمنة لا يبرحها و جرح أبو الجريرية اليوم الثاني في أول النهار فلزم الرحال و كان صحير ليلته كلها يدور فينا و يقول أبشروا عباد اللّه بكرامة اللّه و رضوانه فحق و اللّه لمن ليس بينه و بين لقاء الأحبة و دخول الجنة و الراحة من إبرام الدنيا و أذاها إلا فراق هذه النفس الأمارة بالسوء أن يكون بفراقها سخيا و بلقاء ربه مسرورا فمكثنا كذلك حتى أصبحنا و أصبح ابن نمير و أدهم بن محرز الباهلي في نحو من عشرة آلاف فخرجوا إلينا فاقتتلنا اليوم الثالث يوم الجمعة قتالا شديدا إلى ارتفاع الضحى.

ثم إن أهل الشأم كثّرونا و تعطّفوا علينا من كل جانب و رأى سليمان ابن صرد ما لقي أصحابه فنزل فنادى عباد اللّه من أراد البكور إلى ربه و التوبة من ذنبه و الوفاء بعهده فإلي ثم كسر جفن سيفه و نزل معه ناس كثير فكسروا جفون سيوفهم و مشوا معه و انزوت خيلهم حتى اختلطت مع الرجال فقاتلوهم حتى نزلت الرجال تشتد مصلتة بالسيوف و قد كسروا الجفون فحمل الفرسان على الخيل و لا يثبتون فقاتلوهم و قتلوا من أهل الشأم مقتلة عظيمة و جرحوا فيهم فأكثروا الجراح،فلما رأى الحصين بن نمير صبر القوم و بأسهم بعث الرجال ترميهم بالنبل و اكتنفتهم الخيل و الرجال فقتل سليمان بن صرد رحمه اللّه رماه يزيد ابن الحصين بسهم فوفع ثم و ثب ثم وقع.

قال:فلما قتل سليمان بن صرد أخذ الراية المسيب بن نجبة و قال لسليمان بن صرد رحمك اللّه يا أخي فقد صدقت و وفيت بما عليك و بقى ما علينا ثم أخذ الراية فشد بها فقاتل ساعة ثم رجع ثم شد بها فقاتل ثم رجع ففعل ذلك مرارا يشد ثم

ص: 111

يرجع ثم قتل رحمه اللّه.

(قال أبو مخنف)و حدثنا فروة بن لقيط عن مولى للمسيب بن نجبة الفزاري قال:

لقيته بالمدائن و هو مع شبيب بن يزيد الخارجي فجرى الحديث حتى ذكرنا أهل عين الوردة.

قال هشام عن أبي مخنف.

قال:حدثنا هذا الشيخ عن المسيب بن نجبة.

قال:و اللّه ما رأيت أشجع منه إنسانا قط و لا من العصابة التي كان فيهم و لقد رأيته يوم عين الوردة يقاتل قتالا شديدا ما ظننت أن رجلا واحدا يقدر أن يبلي مثل ما أبلى و لا ينكأ في عدوه مثل ما نكأ لقد قتل رجالا.

قال:و سمعته يقول قبل أن يقتل و هو يقاتلهم:

قد علمت ميالة الذوائب واضحة اللبات و الترائب

أني غداة الروع و التغالب أشجع من ذي لبد مواثب

قطاع أقران مخوف الجانب

قال أبو مخنف:حدثني أبي و خالي عن حميد بن مسلم و عبد اللّه بن غزية قال أبو مخنف و حدثني يوسف بن يزيد عن عبد اللّه بن عوف قال:لما قتل المسيب بن نجبة أخذ الراية عبد اللّه بن سعد بن نفيل ثم قال:رحم اللّه أخوي منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدّلوا تبديلا و أقبل بمن كان معه من الأزد فحفوا برايته فو اللّه إنا لكذلك إذ جاءنا فرسان ثلاثة عبد اللّه بن الخضل الطائي و كثير بن عمرو المزني و سعر بن أبي سعر الحنفي كانوا خرجوا مع سعد بن حذيفة بن اليمان في سبعين و مائة من أهل المدائن فسرحهم يوم خرج في آثارنا على خيول مقلمة مقدحة.

فقال لهم:اطووا المنازل حتى تلحقوا بإخواننا فتبشروهم بخروجنا إليهم لتشتد بذلك ظهورهم و تخبروهم بمجيء أهل البصرة أيضا كان المثنى بن مخربة العبدي أقبل في ثلاثمائة من أهل البصرة فجاء حتى نزل مدينة بهر سير بعد خروج سعد

ص: 112

بن حذيفة من المدائن لخمس ليال و كان خروجه من البصرة قبل ذلك قد بلغ سعد بن حذيفة قبل أن يخرج من المدائن،فلما انتهوا إلينا قالوا أبشروا فقد جاءكم إخوانكم من أهل المدائن و أهل البصرة.

فقال عبد اللّه بن سعد بن نفيل:ذلك لو جاءونا و نحن أحياء.

قال:فنظروا إلينا،فلما رأوا مصارع إخوانهم و ما بنا من الجراح بكى القوم و قالوا و قد بلغ منكم ما نرى إنا للّه و إنا إليه راجعون.

قال:فنظروا و اللّه إلى ما ساء أعينهم.

فقال لهم عبد اللّه بن نفيل:إنا لهذا خرجنا ثم اقتتلنا فما اضطربنا إلا ساعة حتى قتل المزني و طعن الحنفي فوقع بين القتلى ثم ارتث بعد ذلك فنجا و طعن الطائي فجزم أنفه فقاتل قتالا شديدا و كان فارسا شاعرا فأخذ يقول:

قد علمت ذات القوام الرود أن لست بالواني و لا الرعديد

يوما و لا بالفرق الحيود

قال:فحمل علينا ربيعة بن المخارق حملة منكرة فاقتتلنا قتالا شديدا ثم إنه اختلف هو و عبد اللّه بن سعد بن نفيل ضربتين فلم يصنع سيفاهما شيئا و اعتنق كل واحد منهما صاحبه فوقعا إلى الأرض ثم قاما فاضطربا و يحمل ابن أخي ربيعة بن المخارق على عبد اللّه بن سعد فطعنه في ثغرة نحره فقتله و يحمل عبد اللّه بن عوف ابن الأحمر على ربيعة بن المخارق فطعنه فصرعه فلم يصب مقتلا فقام فكر عليه الثانية فطعنه أصحاب ربيعة فصرعوه ثم إن أصحابه استنقذوه.

و قال خالد بن سعد بن نفيل:أروني قاتل أخي فأريناه ابن أخي ربيعة بن المخارق فحمل عليه فقنعه بالسيف و اعتنقه الآخر فخر إلى الأرض فحمل أصحابه و حملنا و كانوا أكثر منا فاستنقذوا صاحبهم و قتلوا صاحبنا و بقيت الراية ليس عندها أحد.

قال:فنادينا عبد اللّه بن وال بعد قتلهم فرساننا فإذا هو قد استلحم في عصابة

ص: 113

معه إلى جانبنا فحمل عليه رفاعة بن شداد فكشفهم عنه ثم أقبل إلى رايته و قد أمسكها عبد اللّه ابن خازم الكندي.

فقال لابن وال:أمسك عني رايتك.

قال:أمسكها عني رحمك اللّه فإنّ بي مثل حالك.

فقال له:أمسك عني رايتك فإني أريد أن أجاهد.

قال:فإن هذا الذي أنت فيه جهاد و أجر.

قال:فصحنا يا أبا عزة أطع أميرك يرحمك اللّه.

قال:فأمسكها قليلا ثم إن ابن وال أخذها منه.

(قال أبو مخنف)قال أبو الصلت التيمي الأعور حدثني شيخ للحي كان معه يومئذ.

قال:قال لنا ابن وال:من أراد الحياة التي ليس بعدها موت و الراحة التي ليس بعدها نصب و السرور الذي ليس بعده حزن فليتقرّب إلى ربه بجهاد هؤلاء المحلين و الرواح إلى الجنة رحمكم اللّه و ذلك عند العصر فشد عليهم و شددنا معه فأصبنا و اللّه منهم رجالا و كشفناهم طويلا ثم إنهم بعد ذلك تعطّفوا علينا من كل جانب فحازونا حتى بلغوا بنا المكان الذي كنا فيه و كنا بمكان لا يقدرون أن يأتونا فيه إلا من وجه واحد و وليّ قتالنا عند المساء أدهم بن محرز الباهلي فشدّ علينا في خيله و رجاله فقتل عبد اللّه بن وال التيمي (1).

(قال أبو مخنف)عن فروة بن لقيط قال:سمعت أدهم بن محرز الباهلي في إمارة الحجاج بن يوسف و هو يحدّث ناسا من أهل الشأم قال:دفعت إلى أحد أمراء العراق رجلا منهم يقولون له عبد اللّه بن وال و هو يقول لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين الآيات الثلاث.8.

ص: 114


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 468.

قال:فغاظني فقلت في نفسي:هؤلاء يعدّوننا بمنزلة أهل الشرك يرون أن من قتلنا منهم كان شهيدا فحملت عليه فضربت يده اليسرى فأطننتها و تنحّيت قريبا فقلت له:أما إني أراك وددت أنك في أهلك.

فقال:بئسما رأيت أما و اللّه ما أحب أنها يدك الآن إلا أن يكون لي فيها من الاجر مثل ما في يدي.قال:فقلت له:لم؟

قال:لكيما يجعل اللّه عليك وزرها و يعظم لي أجرها.

قال:فغاظني فجمعت خيلي و رجالي ثم حملنا عليه و على أصحابه فدفعت إليه فطعنته فقتلته و انه لمقبل إلى ما يزول فزعموا بعد أنه كان من فقهاء أهل العراق الذين كانوا يكثرون الصوم و الصلاة و يفتون الناس.

(قال أبو مخنف)و حدثني الثقة عن حميد بن مسلم و عبد اللّه بن غزية قال:لما هلك عبد اللّه بن وال نظرنا فإذا عبد اللّه بن خازم قتيلا إلى جنبه و نحن نرى أنه رفاعة ابن شداد البجلي فقال رجل من بني كنانة يقال له:الوليد بن غضين أمسك رايتك قال:لا أريدها فقلت له:إنّا للّه مالك.

فقال.ارجعوا بنا لعل اللّه يجمعنا ليوم شر لهم فوثب عبد اللّه بن عوف بن الأحمر إليه.

فقال:أهلكتنا و اللّه لئن انصرفت ليركبن أكتافنا فلا نبلغ فرسخا حتى نهلك من عند آخرنا فإن نجا منا ناج أخذه الأعراب و أهل القرى فتقرّبوا إليهم به فيقتل صبرا أنشدك اللّه أن تفعل هذه الشمس قد طفلت للمغيب و هذا الليل قد غشينا فنقاتلهم على خيلنا هذه فإنا الآن ممتنعون فإذا غسق الليل ركبنا خيولنا أول الليل فرمينا بها فكان ذلك الشأن حتى نصبح و نسير و نحن على مهل فيحمل الرجل منا جريحه و ينتظر صاحبه و تسير العشرة و العشرون معا و يعرف الناس الوجه الذي يأخذون فيتبع فيه بعضهم بعضا و لو كان الذي ذكرت لم تقف أم على ولدها و لم

ص: 115

يعرف رجل وجهه و لا أين يسقط و لا أين يذهب و لم نصبح إلا و نحن بين مقتول و مأسور.فقال له رفاعة بن شداد:فإنك نعم ما رأيت.

قال:ثم أقبل رفاعة على الكناني.فقال له:أتمسكها أم آخذها منك فقال له الكناني:

إني لا أريد ما تريد إني أريد لقاء ربي و اللحاق بإخواني و الخروج من الدنيا إلى الآخرة و أنت تريد ورق الدنيا و تهوى البقاء و تكره فراق الدنيا أما و اللّه إني لا أحب لك أن ترشد ثم دفع إليه الراية و ذهب ليستقدم.

فقال له ابن أحمر:قاتل معنا ساعة رحمك اللّه و لا تلق بيدك إلى التهلكة فما زال به يناشده حتى احتبس عليه و أخذ أهل الشأم يتنادون أن اللّه قد أهلكهم فاقدموا عليهم فافرغوا منهم قبل الليل فأخذوا يقدمون عليهم فيقدمون على شوكة شديدة و يقاتلون فرسانا شجعانا ليس فيهم سقط رجل و ليسوا لهم بمضجرين فيتمكنوا منهم فقاتلوهم حتى العشاء قتالا شديدا و قتل الكناني قبل المساء و خرج عبد اللّه بن عزيز الكندي و معه ابنه محمد غلام صغير.

فقال:يا أهل الشأم هل فيكم أحد من كندة فخرج إليهم منهم رجال.

فقالوا:نعم نحن هؤلاء.

فقال لهم:دونكم أخيكم فابعثوا به إلى قومكم بالكوفة فأنا عبد اللّه بن عزيز الكندي.

فقالوا له:أنت ابن عمنا فإنك آمن.

فقال لهم:و اللّه لا أرغب عن مصارع إخواني الذين كانوا للبلاد نورا و الأرض أوتادا و بمثلهم كان اللّه يذكر.

قال:فأخذ ابنه يبكى في أثر أبيه فقال:يا بني لو أن شيئا كان آثر عندي من طاعة ربي إذا لكنت أنت و ناشده قومه الشاميون لما رأوا من جزع ابنه و بكائه في أثره و أروا الشاميون له و لابنه رقة شديدة حتى جزعوا و بكوا ثم اعتزل الجانب الذي

ص: 116

خرج إليه منه قومه فشدّ على صفهم عند المساء فقاتل حتى قتل.

(قال أبو مخنف)حدثني فضيل بن حديج قال:حدثني مسلم بن زحر الخولاني أن كريب بن زيد الحميري مشى إليهم عند المساء و معه راية بلقاء في جماعة قلما تنقص من مائة رجل إن نقصت و قد كانوا تحدّثوا بما يريد رفاعة أن يصنع إذا أمسى.

فقال لهم الحميري و جمع إليه رجالا من حمير و همدان فقال:عباد اللّه روحوا إلى ربكم و اللّه ما في شيء من الدنيا خلف من رضى اللّه و التوبة إليه قد بلغني أن طائفة منكم يريدون أن يرجعوا إلى ما خرجوا منه إلى دنياهم و إن هم ركنوا إلى دنياهم رجعوا إلى خطاياهم فأما أنا فو اللّه لا أولّي هذا العدو ظهري حتى أرد موارد إخواني فأجابوه و قالوا:رأينا مثل رأيك و مضى برايته حتى دنا من القوم فقال ابن ذي الكلاع:و اللّه إني لأرى هذه الراية حميرية أو همدانية فدنا منهم فسألهم فأخبروه فقال لهم:إنكم آمنون.

فقال له صاحبهم:إنا قد كنا آمنين في الدنيا و إنما خرجنا نطلب أمان الآخرة فقاتلوا القوم حتى قتلوا و مشى صحير بن حذيفة بن هلال بن مالك المزني في ثلاثين من مزينة.

فقال لهم:لا تهابوا الموت في اللّه فإنه لاقيكم و لا ترجعوا إلى الدنيا التي خرجتم منها إلى اللّه فإنها لا تبقى لكم و لا تزهدوا فيما رغبتم فيه من ثواب اللّه فإن ما عند اللّه خير لكم ثم مضوا فقاتلوا حتى قتلوا،فلما أمسى الناس و رجع أهل الشام إلى معسكرهم نظر رفاعة إلى كل رجل قد عقر به والى كل جريح لا يعين على نفسه فدفعه إلى قومه ثم سار بالناس ليلته كلها حتى أصبح بالتنينير فعبر الخابور و قطع المعابر ثم مضى لا يمر بمعبر إلا قطعه و أصبح الحصين بن نمير فبعث فوجدهم قد ذهبوا فلم يبعث في آثارهم أحدا و سار بالناس فأسرع و خلّف رفاعة وراءهم أبا

ص: 117

الجويرية العبدي في سبعين فارسا يسترون الناس فإذا مروا برجل قد سقط حمله أو بمتاع قد سقط قبضه حتى يعرفه فإن طلب أو ابتغى بعث إليه فأعلمه فلم يزالوا كذلك حتى مروا بقرقيسيا من جانب البر فبعث إليهم زفر من الطعام و العلف مثل ما كان بعث إليهم في المرة الأولى و أرسل إليهم الأطباء و قال أقيموا عندنا ما أحببتم فإن لكم الكرامة و المواساة فأقاموا ثلاثا ثم زود كل امرئ منهم ما أحب من الطعام و العلف.

قال:و جاء سعد بن حذيفة بن اليمان حتى انتهى إلى هيت فاستقبله الأعراب فأخبروه بما لقي الناس فانصرف فتلقّى المثنى بن مخربة العبدي بصندوداء فأخبروه فأقاموا حتى جاءهم الخبر أن رفاعة قد أظلّكم فخرجوا حين دنا من القرية فاستقبلوه فسلّم الناس بعضهم على بعض و بكى بعضها لي بعض و تناعوا إخوانهم فأقاموا بها يوما و ليلة فانصرف أهل المدائن إلى المدائن و أهل البصرة إلى البصرة و أقبل أهل الكوفة إلى الكوفة فإذا المختار محبوس.

(قال هشام)قال أبو مخنف عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أدهم بن محرز الباهلي أنه أتى عبد الملك بن مروان ببشارة الفتح.

قال:فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فإن اللّه قد أهلك من رؤوس أهل العراق ملقح فتنة و رأس ضلالة سليمان بن صرد ألا و إن السيوف تركت رأس المسيب بن نجبة خذاريف ألا و قد قتل اللّه من رؤوسهم رأسين عظيمين ضالين مضلين عبد اللّه بن سعد أخا الأزد و عبد اللّه بن وال أخا بكر بن وائل فلم يبق بعد هؤلاء أحد عنده دفاع و لا امتناع.

(قال هشام)عن أبي مخنف و حدّثت أن المختار مكث نحوا من خمس عشرة ليلة ثم قال لأصحابه:عدّوا لغازيكم هذا أكثر من عشر و دون الشهر ثم يجيئكم نبأ هتر من طعن نتر و ضرب هبر و قتل جم و أمر رجم فمن لها أنا لها لا تكذبن أنا لها.

ص: 118

(قال أبو مخنف)حدثنا الحصين بن يزيد عن أبان بن الوليد قال:كتب المختار و هو في السجن إلى رفاعة بن شداد حين قدم من عين الوردة أما بعد فمرحبا بالعصب الذين عظم اللّه لهم الأجر حين انصرفوا و رضي انصرافهم حين قفلوا أما و رب البنية التي بنى ما خطا خاط منكم خطوة و لا رتا رتوة إلا كان ثواب اللّه له أعظم من ملك الدنيا إن سليمان قد قضى ما عليه و توفّاه اللّه فجعل روحه مع أرواح الأنبياء و الصديقين و الشهداء و الصالحين و لم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون إني أنا الأمير المأمور و الأمين المأمون و أمير الجيش و قاتل الجبارين و المنتقم من أعداء الدين و المقيد من الأوتار فأعدوا و استعدوا و أبشروا و استبشروا أدعوكم إلى كتاب اللّه و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و سلم و إلى الطلب بدماء أهل البيت و الدفع عن الضعفاء و جهاد المحلّين و السلام.

(قال أبو مخنف)و حدثني أبو زهير العبسي أن الناس تحدّثوا بهذا من أمر المختار فبلغ ذلك عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد فخرجا في الناس حتى أتيا المختار فأخذاه.

(قال أبو مخنف)فحدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:لما تهيأنا للإنصراف قال عبد اللّه بن غزية:و وقف على القتلى فقال:يرحمكم اللّه فقد صدقتم و صبرتم و كذبنا و فررنا.

قال:فلما سرنا و أصبحنا إذا عبد اللّه بن غزية في نحو من عشرين قد أرادوا الرجوع إلى العدو و الاستقتال فجاء رفاعة و عبد اللّه بن عوف بن الأحمر و جماعة الناس.

فقالوا لهم:ننشدكم اللّه أن تزيدونا فلو لا و نقصانا فإنا لا نزال بخير ما كان فينا مثلكم من ذوي النيات فلم يزالوا بهم كذلك يناشدونهم حتّى ردّوهم غير رجل من مزينة يقال له:عبيدة بن سفيان رحل مع الناس حتى إذا غفل عنه انصرف حتى لقي

ص: 119

أهل الشأم فشد بسيفه يضاربهم حتى قتل.

(قال أبو مخنف)فحدثني الحصين بن يزيد الأزدي عن حميد بن مسلم الأزدي قال كان ذلك المزني صديقا لي،فلما ذهب لينصرف ناشدته اللّه فقال:أما إنك لم تكن لتسألني شيئا من الدنيا إلا رأيت لك من الحق على إيتاءكه و هذا الذي تسألني أريد اللّه به.

قال:ففارقني حتى لقى القوم فقتل.

قال:فو اللّه ما كان شيء بأحب إلي من أن ألقى إنسانا يحدثني عنه كيف صنع حين لقي القوم.

قال:فلقيت عبد الملك بن جزء بن الحدرجان الأزدي بمكة فجرى حديث بيننا جرى ذكر ذلك اليوم فقال:أعجب ما رأيت يوم عين الوردة بعد هلاك القوم أن رجلا أقبل حتى شد علي بسيفه فخرجنا نحوه.

قال:فانتهى إليه و قد عقر به و هو يقول:

إني من اللّه إلى اللّه أفر رضوانك اللهم أبدي و أسر

قال:فقلنا له ممن أنت قال:من بني آدم.

قال:فقلنا ممن قال:لا أحب أن أعرفكم و لا أن تعرفوني يا مخربي البيت الحرام.

قال:فنزل إليه سليمان بن عمرو بن محصن الأزدي من بني الخيار قال:و هو يومئذ من أشد الناس.

قال:فكلاهما أثخن صاحبه.

قال:و شد الناس عليه من كل جانب فقتلوه.

قال:فو اللّه ما رأيت واحدا قط هو أشد منه.

قال:فلما ذكر لي و كنت أحب أن أعلم علمه دمعت عيناي فقال:أبينك و بينه قرابة فقلت له لا ذلك رجل من مضر كان لي ودا و أخا فقال لي:لا أرقأ اللّه دمعك أتبكى على

ص: 120

رجل من مضر قتل على ضلالة.

قال:قلت:لا و اللّه ما قتل على ضلالة و لكنه قتل على بينة من ربه و هدى.

فقال لي أدخلك اللّه مدخله قلت آمين و أدخلك اللّه مدخل حصين بن نمير ثم لا أرقأ اللّه لك عليه دمعا ثم قمت و قام و كان مما قيل من الشعر في ذلك قول أعشى همدان و هى إحدى المكتمات كن يكتمن في ذلك الزمان:

ألم خيال منك يا أم غالب

فحبيت عنا من حبيب مجانب

و ما زلت لي شجوا و ما زلت مقصدا

لهم عراني من فراقك ناصب

فما أنسى لا أنسى انفتالك في الضحى

إلينا مع البيض الوسام الخراعب

تراءت لنا هيفاء مهضومة الحشا

لطيفة طي الكشح ريا الحقائب

مبتلة غراء رود شبابها

كشمس الضحى تنكل بين السحائب

فلما تغشاها السحاب و حوله

بدا حاجب منها و ضنت بحاجب

فتلك الهوى و هى الجوى لي و المنى

فأحسب؟بها من خلة لم تصاقب

و لا يبعد اللّه الشباب و ذكره

و حب تصافي المعصرات الكواعب

ص: 121

و يزداد ما أحببته من عتابنا

لعابا و سقيا للخدين المقارب

فإني و إن لم أنسهن لذاكر

رزيئة مخبات كريم المناصب

توسل بالتقوى إلى اللّه صادقا

و تقوى الإله خير تكساب كاسب

و خلّى عن الدنيا فلم يلتبس بها

و تاب إلى اللّه الرفيع المراتب

تخلّى عن الدنيا و قال أطرحتها

فلست إليها ما حييت بآيب

و ما أنا فيما يكبر الناس فقده

و يسعى له الساعون فيها براغب

فوجهه نحو الثوية سائرا

إلى ابن زياد في الجموع الكباكب

بقوم هم أهل التقية و النهى

مصاليت أنجاد سراة مناجب

مضوا تاركي رأي ابن طلحة حسبه

و لم يستجيبوا للأمير المخاطب

فساروا و هم من بين ملتمس التقى

و آخر مما جر بالأمس تائب

فلاقوا بعين الوردة الجيش فاصلا

إليهم فحسوهم ببيض قواضب

ص: 122

يمانية تذر الأكف و تارة

بخيل عتاق مقربات سلاهب

فجاءهم جمع من الشام بعده

جموع كموج البحر من كل جانب

فما برحوا حتى أبيدت سراتهم

فلم ينج منهم ثم غير عصائب

و غودر أهل الصبر صرعى فأصبحوا

تعاورهم ريح الصبا و الجنائب

و أضحى الخزاعي الرئيس مجدلا

كأن لم يقاتل مرة و يحارب

و رأس بني شمخ و فارس قومه

شنوأة و التيمي هادي الكتائب

و عمرو بن بشر و الوليد و خالد

و زيد بن بكر و الحليس بن غالب

و ضارب من همدان كل مشيع

إذا شد لم ينكل كريم المكاسب

و من كل قوم قد أصيب زعيمهم

و ذو حسب في ذروة المجد ثاقب

أبوا غير ضرب تفلق الهام وقعه

و طعن بأطراف الأسنة صائب

و إن سعيدا يوم يدمر عامرا

لأشجع من ليث بدرنا مواثب

ص: 123

فيا خير جيش للعراق و أهله

سقيتم روايا كل أسحم ساكب

فلا يبعدن فرساننا و حماتنا

إذا البيض أبدت عن خدام الكواعب

فإن يقتلوا فالقتل أكرم ميتة

و كل فتى يوما لإحدى الشواعب

و ما قتلوا حتى أثاروا عصابة

محلين ثورا كالليوث الضوارب

و قتل سليمان بن صرد و من قتل معه بعين الوردة من التوابين في شهر ربيع الآخر (1).4.

ص: 124


1- تاريخ الطبري:473/4.

ثورة إيران

أثر عاشوراء في ثورة إيران

قال السيد الخامنئي:و في عصرنا أيضا استطاعت هذه الواقعة،و من خلال دراية إمامنا الخميني الكبير،أن تهب في مجتمعنا فجأة-قبل انتصار الثورة-كهبّة الاعصار الأول.و إنّما يعزى هذا إلى الدعاء،و ذكر اللّه،و الإبتهال إليه،و الإرتباط به.

و قد كان الإمام(رحمه اللّه)من أهل هذا النهج،كان من أهل الذكر و الخشوع و الدعاء.

و سر تألّقه يكمن في هذا المجال،و تأثيره في النفوس ينبغي أن يكون في الأغلب منشؤه هذا.

أعزائي ما يجب على كل واحد من أعضاء الحرس الثوري،و من غيرهم من المجاهدين،و كل من يرى في عنقه مسؤولية أزاء أمانة الإسلام و أمانة الثورة،في حياة الإنسان الحاضرة و المستقبلية،و يرى لقيم الإسلام دورا و أهمية،أن يعلم أنّ القضية لم تقف عند الحد الذي انتهت عنده الحرب،و أن المساعي لم تبلغ نهايتها بعد مرور عقد أو عقدين على انتصار الثورة.

و سبب ذلك واضح و هو أنّ العداء لهذه الحركة-حركة الصلاح و الفلاح-لم يتوقف،و لم تنته العناصر المعارضة.

ذوو التدبير من الأعداء لا خصومة لهم مع شخص.و معنى هذا أنّ الجبهة

ص: 125

المعادية قد تعلّمت أنه متى ما عجزت عن مجابهة حركة عظمى كالثورة الإسلامية، و نفذت طاقتها دون المجابهة وجها لوجه،عليها أن تنسحب على وجه السرعة و تتوارى خلف خندق المواجهة ريثما تؤاتيها الفرصة.و قد مارست هذه اللعبة تقريبا مع جميع الثورات التي وقعت في القرن العشرين.

تعلمون أنّ القرن العشرين كان قرن الثورات و الإنتفاضات الشعبية التي اندلعت على أساس المثل و التطلعات و الأفكار الحديثة؛حيث افتتحت العقود الأولى من هذا القرن بالثورة الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي،و استمر الوضع على هذا المنوال بالنسبة للحركات اليسارية،و أيضا الحركات اليسارية التي لم تنضوي تحت المنهج الماركسي تماما،إلاّ أنها تحمل رؤية مسبقة على كل حال،إلى أن وقعت ثورتنا و تلتها أيضا ثورات أخرى.

لقد سلكوا هذا النهج مع عشرات الثورات التي اندلعت في مختلف بقاع العالم، فأطاحوا الحكومات عسكريا،و قامت على أنقاضها حكومات و أجهزة و مؤسسات.

و معنى هذا أنهم متى ما وجدوا في أنفسهم القدرة كانوا يدخلون الميدان و يقمعون تلك الثورات منذ بدايتها؛إذ أنّ بعضها لم تكن منذ البداية قادرة على الصمود،و انتهى بها الأمر إلى الهزيمة و الإندحار.

أما تلك الثورات التي وجدوا أنفسهم عاجزين عن مجابهتها؛فإضافة إلى أنهم لم يتركوا مضايقتها و التهجم الإعلامي و فرض الحصار الإقتصادي عليها،بغية إنهاكها،فقد اتخذوا لهم مكمنا يتربّصون منه لكي ينقضّوا عليها متى ما شعروا بانهيار قواها،ليسددوا لها الضربة القاضية.و نجحت ضرباتهم في أكثر المواقف، و استطاعت الكثير من التيارات المعارضة لتلك الثورات،أن تتحرك-بعد العزلة و الإندحار-و تمسك بزمام الأمور،و تسيطر على الأوضاع،و تسيّر دفّة البلاد.

و الجبهة المعادية عموما لا كشخص و فرد،انتهجت هذا الطريق مع إيران منذ

ص: 126

انتصار الثورة،إلاّ أنهم لم يجدوا على مدى السنوات الثمانية عشرة التي مرت على هذه الثورة حتى ثغرة واحدة تبعث الأمل و الإرتياح في صفوفهم.

كنت قد إلتقيت في عهد رئاستي للجمهورية بزعيم حركة ثورية-و هو من الساسة المعروفين في العالم-التقيت به في بلده،و كان حينذاك قد جاء بعمل يتنافى مع ادعاءاته الثورية و الشعارات التي ينادي بها،فسألته عن المسوّغ الذي أباح له القيام بذلك العمل،فضحك و قال:هذا تكتيك!فقلت له يكون التكتيك مقبولا فيما إذا لم يؤد إلى تغيير المسار العام كليا،و أنتم قد غيرّتم مساركم.

و هذا هو الذي حصل،إذ تغير مسيرهم و توجههم بالكامل.كان تبريره أنه يناور و يستخدم التكتيك!أي تكتيك هذا الذي يؤدي بالمرء للخضوع لسيادة عدوّه؟و هل يسمّى تكتيكا ما ينتهي بالإنسان إلى التراجع عن كلامه،و تغيير مساره كليا؟! و أمثال هذه الظواهر مشهودة في سجلات تلك الثورات،و هي مما يحفز مطامع العدو و يبعث فيه الأمل؛فيكون لها بالمرصاد.و كثيرا ما كان ينجح في خططه،كما حصل في كل الحالات تقريبا.

أما بشأن ثورتنا؛فقد كان لوجود الإمام الخميني بما يتصف به من رؤية و بصيرة و حزم في التمسك بأحكام اللّه و اتخاذ حكم اللّه و حلاله و حرامه ملاكا في الأمور،عائقا يحول دون ظهور أدنى تمايل صوب العدو طوال تلك السنوات العشرة.و من بعد رحيل الإمام انصبّت الجهود على انتهاج نفس ذلك المسار.ربّما ظهر أحيانا من بعض الأشخاص ما يوحي للعدو بأنّه استطاع الحصول على بعض الأنصار،و لكن سرعان ما ينكشف له أنه و هم باطل.

و بفضل اللّه لم يطرأ حتى الآن على معالم الثورة ما يبعث الأمل في قلب العدو؛ فما زال العدو كامنا يتربّص.و هذا ما ينبغي أن يدركه الجميع.

إنّ الشيء الوحيد القادر على سوق الثورة و التوجّه العظيم لهذا الشعب على

ص: 127

الطريق الذي فيه الصلاح و الفلاح و العزة و رضى اللّه و سعادة الدنيا و الآخرة،هو الوعي و الاستعداد و الاندفاع لحراسة الثورة.و هذا الإندفاع رهين بوجود ذلك الجانب المعنوي.و ما تأكيدي على الجوانب المعنوية في لقائي مع الأخوة أعضاء الحرس الثوري،و مع الشرائح الثورية،و مع الأخوة و الأخوات الذين يضطلعون بمسؤوليات خطيرة في مختلف القطاعات،إلاّ لأن هذا التوجّه و الإبتهال إلى اللّه و الإتصال القلبي به كفيل باقتدار و رسوخ القوى التي تريد تحدّي و مقاومة تلك الجبهة.و لا طريق آخر سوى هذا.

إذا ضعفت هذه الصلة باللّه،و وقع الإنسان صريع نزواته،و صارت توجهاته محكومة بأهوائه،تضعف عند ذاك قدرته على مجابهة العدو.الإنسان في معرض الأهواء و الرغبات،و ليس من اليسير صيانة الإنسان بالمرّة عنها،إلاّ أنّ المهم هو أن لا يسمح للأهواء النفسية و المصالح المادية و الرغبات التافهة أن ترسم للإنسان مسار حياته،و تعيّن له النهج الذي يقتفيه،و يكون لها دور حاسم و قدرة على استبدال السبيل الذي يسلكه (1).2.

ص: 128


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:42.

أوجه الشبه بين ثورة الإمام الخميني و النهضة الحسينيّة

قال السيد الخامنئي:أنتم على وعي بأنّ لحركة الإمام(ره)أوجه شبه كثيرة بالنهضة الحسينيّة،و تقارب أن تكون صورة مستقاة منها.و مع أنّ الحركة الأصلية-أي حركة الإمام الحسين عليه السلام-انتهت باستشهاد جميع رجالها، فيما آلت هذه إلى انتصار الإمام،إلاّ أنّ هذا لا يعد فارقا جوهريا لأنّ للحركتين مضمون واحد،و كلتاهما محكومتان بسياق واحد.ولكن أدى تفاوت المقتضيات أن يؤول مصير تلك إلى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام،بينما ختمت هذه باستلام إمامنا لزمام الحكم.و هذا على العموم أمر جلي و واضح.

الإستقامة في الثورتين

و من جملة أوجه الشبه البارزة في كلتا الحركتين هو جانب«الإستقامة».

و هذه الكلمة لا ينبغي المرور على مغزاها مرور الكرام لأنّها على نصيب كبير من الأهمية،إذ كانت تعني بالنسبة للإمام الحسين عليه السلام العزم على عدم الإنصياع ليزيد و حكمه الجائر.و من هنا انطلقت بوادر التصدّي و عدم الإستسلام لحكومة فاسدة حرفت نهج الدين بالكامل.بهذه النيّة سار الإمام عليه السّلام من المدينة، لكنه حينما لمس بمكة وجود الناصر قرن مسيرته تلك بالعزم على الثورة.و إلاّ فالجوهر الأصلي لموقفه المعارض هو الوقوف بوجه حكومة لا يتأتّى قبولها أو تحملها وفقا للموازين الحسينية.

فالإمام الحسين عليه السلام وقف أوّل الأمر بوجه هذه الحكومة في وقت لم

ص: 129

تكن المشاكل قد برزت بعد،ثم إنّه صار يواجه المشاكل الواحدة تلو الاخرى.

فكانت مسألة الإضطرار للخروج من مكة،ثم اندلاع المعركة في كربلاء و ما تلاها من الضغوط التي تعرّض لها في تلك الواقعة.

الأعذار الشرعية في الثورة و تقييمها

أحد الامور المهمة التي تعترض سبيل المرء في المواقف الكبرى هي الأعذار الشرعية.فالفروض أو التكاليف توجب على الإنسان أن يؤدّيها،و لكن حينما يستلزم مثل هذا العمل وقوع إشكال كبير-كأن يقتل فيه على سبيل المثال أشخاص كثيرون-هنا يشعر المرء أنّه لم يعد مكلّفا.

أنتم على معرفة بالأعذار الشرعية التي تلاحقت بوجه الإمام الحسين عليه السلام و كانت كفيلة بصرف أي إنسان سطحي الرؤية عن هذا السبيل؛فهو قد واجه أولا نكول أهل الكوفة و مقتل مسلم بن عقيل.و هنا كان بإمكان الإمام الحسين عليه السلام القول بأنّ العذر بات شرعيا و قد سقط التكليف،فأنا كنت عازما على عدم البيعة،و لكن تبيّن لي أنّ موقفا كهذا لا يمكن الإستمرار عليه في مثل هذه الأوضاع و الظروف،و الناس لا طاقة لهم على التحمّل.إذن فالتكليف ساقط و أنا ابايع مكرها.

المرحلة الثانيّة هي واقعة كربلاء بذاتها،حيث كان بميسور الإمام الحسين عليه السلام عند مواجهة ذلك الموقف أن يتصرف على شاكلة الإنسان الذي يحلّ المواقف الكبرى بمثل هذا المنطق و يقول إنّ هؤلاء النسوة و الصبية لا قبل لهم بتحمل هذه الصحراء المحرقة،و على هذا فالتكليف مرفوع.فيميل نحو الخنوع و يقبل بما لم يكن قبله حتى ذلك الحين.أو حتى بعد إندلاع القتال في اليوم العاشر و استشهاد ثلة من أصحابه فهناك تفاقمت عليه المشاكل و بات بإمكانه التذرع بأنّ

ص: 130

القتال لم يعد ممكنا،و لا بالمقدور الإستمرار،و لا محيص من التراجع.

أو حينما تكشّف للإمام الحسين عليه السلام بأنّه سيستشهد،و من بعد استشهاده ستبقى حرم اللّه و حرم النبي صلّى اللّه عليه و اله و أمير المؤمنين عليه السلام بيد الرجال الأجانب.و هنا يعرض له موضوع الشرف و العرض.و كان له باعتباره إنسانا ذا غيرة القول بارتفاع التكليف؛لأنني إذا واصلت هذا الطريق و قتلت فإنّ النساء من آل الرسول و بنات أمير المؤمنين و أطهر نساء الإسلام سيقعن سبايا بيد الأعداء من الرجال الذين لا أصل لهم و لا فصل و لا يفقهون شيئا من معاني الشرف و الغيرة إذن فالتكليف مرفوع.

ص: 131

تقييم الإمام الحسين عليه السلام للأغذار

فهذا الموقف من واقعة كربلاء ينبغي النظر إليه انطلاقا من هذه الرؤية،و هو أنّ الإمام الحسين عليه السلام لو أراد النظر إلى بعض الحوادث الشديدة الألم و المرارة كحادثة استشهاد علي الأصغر و سبي النساء و عطش الصبية و مقتل الشبان و غيرها من الحوادث الاخرى المروّعة في كربلاء،بمنظار المتشرّع العادي و يتغاضى عن عظمة دوره و رسالته،كان بمستطاعه التراجع عند أية خطوة يشاء، ثم يقول أن لا تكليف عليه،و لا مناص الآن من مبايعة يزيد،و أنّ«الضرورات تبيح المحظورات» (1).

إلاّ أنّه عليه السلام لم يتصرف على هذه الشاكلة.هذه هي استقامة الإمام الحسين عليه السلام و هذا هو معنى الإستقامة.

الإستقامة لا تعني في أي موضع كان تحمّل المشاكل؛لأنّ تحمّل المشاكل بالنسبة للإنسان الفذ أيسر من تحمل هذه الامور التي تبدو في المقاييس الشرعيّة و العرفيّة و العقليّة الساذجة خلافا للمصلحة،لأنّ تحمّلها أصعب من تحمّل المشاكل العصيبة.

قد يقال للمرء تارة:لا تسلك هذا الطريق لأنك ربّما تتعرض للتعذيب.فالإنسان القوي يقول:إني سالك هذا الطريق و لا ضير في تعرّضي للتعذيب.أو قد يقال لآخر:

لا تسلك هذا المسلك لعلك تقتل،ترى الإنسان الفذ يقول:إنّي سالكه و لا ابالي بالقتل.

ص: 132


1- انظر مستند الشيعة:113/14،و العهود المحمدية للشعراني:154.

و لكن تارة اخرى قد لا يقتصر الحديث على مجرد القتل و التعذيب و الحرمان،بل يقال:لا تذهب هذا المذهب،فقد يقتل على أثر موقفك هذا عدد من الناس.و هنا يعرض على بساط البحث موضوع أرواح الآخرين.فيقال له:لا تسر،فمن المحتمل أن يواجه الكثير من النساء و الرجال و الأطفال مصاعب جمّة و عنتا كبيرا من جرّاء مسيرك هذا.

و هنا ترتعد فرائص من يهمهم القتل،أمّا الذي لا ترتعد فرائصه،فهو أوّلا:في أعلى درجة من البصيرة و على بيّنة من ضخامة العمل الذي يؤدّيه.

و ثانيا:له من قوة النفس ما لا يتسرب معها إليه الوهن.و هاتان الميزتان تجلّتا عند الإمام الحسين في كربلاء.لذلك كانت واقعة كربلاء كشمس سطعت في دياجي التاريخ،و هي ما انفكت ساطعة و ستبقى كذلك أبد الدهر.

و إمامنا الكبير حذا أولا في هذه الخاصيّة حذو الإمام الحسين عليه السلام بالكامل لذلك نجح في إيصال الثورة إلى شاطئ النصر.و كان ثانيا سببا في ضمان ديمومتها من بعده.

إنّ انتصار فكره و نهجه-الذي يتجلى في اجتماعكم الحاشد هذا-له انعكاس أوسع على مستوى العالم و يتمثّل في توجّه الشعوب إلى الإسلام و إلى خط الإمام (ره).

و هذه الانتصارات إنّما هي ثمرة الإستقامة.

ص: 133

نموذج من استقامة الإمام الخميني

في أحد الأيام قالوا للإمام:إنّك إذا واصلت هذه النهضة فسيغلقون الحوزة العلميّة في قم.و هنا لم يقتصر الحديث على القتل لكي يقول الإمام:لا ابالي بالقتل، فالكثيرون على استعداد للتضحية بأنفسهم،و لكن حينما يقال إنّ عملك هذا قد ينتهي بإغلاق حوزة قم،ترتعد فرائص الجميع،لكن الإمام لم ترتعد فرائصه و لم ينثن عن مساره بل واصله.

ثم إنّهم قالوا له في يوم آخر.إنّك إذا واصلت هذا الطريق فإنّهم سيثيرون ضدك كبار العلماء و المراجع،و معنى هذا إيجاد الاختلاف في العالم الإسلامي.

في مثل هذا الموقف ترتعد فرائص الكثيرين،إلاّ الإمام فلم ترتعد فرائصه و استمر على مسيرته حتّى لحظة انتصار الثورة.

قيل للإمام مرّات و مرّات:إنّك تحث الشعب الإيراني المسلم على الوقوف بوجه النظام البهلوي،فمن المسؤول عن هذه الدماء التي تراق؟أي أنهم وضعوا أمامه دماء الشباب.

و في عام 1342 و عام 1343 ه ش.(1963-1964 م.)عرض عليّ أحد العلماء الكبار هذا الموضوع قائلا:عندما قام الإمام بحركته تلك في الخامس عشر من خرداد و قتل فيها الكثيرون-و كانوا من خيرة شبابنا-فمن هو المسؤول عن ذلك؟ هكذا كان نمط التفكير حينذاك.و لا ريب أنّ هذا التكفير يؤدي إلى إيجاد الضغوط التي قد تصرف أي شخص عن هذا الطريق و عن مواصلة التحرك.إلاّ أنّ الإمام استقام.و في أمثال تلك المواقف كان يلاحظ سمو روحه و عظمة بصيرته.

ص: 134

هذا فيما يتعلق بفترة مقاومة النظام الشاهنشاهي.

أمّا الذي يعتبر بمثابة الدرس بالنسبة لنا فهو ما يتعلق بالفترة التالية لذلك،إذ يجب على الجميع الالتفات إلى هذه النقطة.و كما ذكرت ينبغي للعلماء و المفكرين و المحللين السياسيين،و من لديهم القدرة على التحليل،أن يدرسوا هذه النقطة لأنّها مهمّة حقا.

كانت المواجهة حتّى ذلك اليوم مع النظام الشاهنشاهي،و من بعد إقامة النظام الإسلامي و إيجاد الجمهورية الإسلاميّة اتسع نطاق المواجهة و تبدلت صيغتها.

أمّا اتساع نطاقها فقد ابتدأ منذ أن كشف الأعداء العالميون عن وقوفهم بوجه نظام الجمهورية الإسلامية.و لكن من هم الأعداء العالميون؟هم الذين نسميّهم بالإستكبار العالمي،و الإستكبار العالمي يشمل جميع القوى المتغطرسة و المتجبّرة في العالم،و جميع الوجوه الوقحة المتسلطة على الشعوب.هذا هو الإستكبار العالمي.و لكن لما ذا بدأوا يواجهون الجمهورية الإسلاميّة؟و الجواب على هذا التساؤل مطوّل،و قد عرض عدّة مرّات،و خلاصته أنّهم رأوا الخطر محدقا بمصالحهم و توجّهاتهم التوسعية،و أنّ التواجد المعنوي و الفكري للجمهورية الإسلاميّة في البلدان الإسلاميّة يهدد هيمنتهم على تلك البلدان،و ما شابه ذلك من الأسباب.

و على كل حال،فقد بدأوا بمواجهة عنيفة،و لو أنّ إنسانا ضعيفا كان بدل الإمام (ره)في أيّة خطوة من خطوات تلك المواجهة لبادر إلى إيقاف تلك الحركة انطلاقا من وجود العذر و المانع،و لقال:لا يمكن مواجهة الإستكبار و هو على هذه الدرجة من القوّة و المقدرة،و أنّه لا مفر لنا من التراجع مكرهين.إلاّ أنّ الإمام لم يتراجع.

و لأجل بيان أهمية هذه القضية لاحظوا المقاطع الثلاثة التالية منها و هي:

ص: 135

الضغوط الكبرى التي واجهت ثورة الإمام الخميني

أولا:الهجوم السياسي الشامل ضد إيران.فجميع الأجهزة الإعلاميّة هاجمتنا في عدّة فترات.و في بعض الأحيان تؤدي الهجمات السياسيّة على البلدان إلى شلّها و إرهاقها،و هي غالبا ما تكون مؤثرة.

و اليوم حيث هيمن الإعلام الإذاعي و التلفازي على العالم بأسره،بات أمرا تخشاه الدول إلى حد بعيد لما يتركه من تأثير على شعوبها.

و بدأ الأعداء مثل هذا الهجوم ضد نظام الجمهورية الإسلامية من كل جهة، و كان من الطبيعي أن لا يهتز شعبنا بسبب ما يتصف به من بصيرة و ثبات.لكن الإمام لم يقل:ما دام الجميع قد تظافروا ضدنا فعلينا بالتراجع.لم يقل إنّنا قادرون على مواجهة أمريكا فقط،و لكن كيف يتأتى لنا مواجهة أمريكا و روسيا معا.و ذلك لأنّ العالم الذي كان منقسما إلى قطبين،تحالفا كلاهما و تظافرا ضدنا.لكن الإمام استقام و لم يتراجع عن كلامه و شعاره و نهجه،و لم يتفوّه بكلمة واحدة ممّا أراده الأعداء.

هذه هي الإستقامة الحسينيّة،و هي بمقاييس العصر شبيهة بمواقف الإمام الحسين عليه السلام.

و حينما اندلعت الحرب المفروضة كان الوضع على هذه الشاكلة أيضا.فالشعب الذي ورث كل ذلك الدمار من العهد البائد،و كان بحاجة إلى العمل و الإعمار،تعرض فجأة لهجوم العدو،و تعطّل ما كان للديه كالسكك الحديديّة و المصافي و صادرات النفط و مصانع الحديد.

ص: 136

و لا شكّ أنّ كل من يواجه مثل هذا الوضع يستسلم أمامه لا سيّما و أنّ الطرف المقابل لم يكن النظام العراقي بل كان-كما يعلم الجميع-النظام العراقي مضافا إليه الإتحاد السوفيتي و فرنسا و الناتو و الخبراء الأمريكيين و غيرهم.

و لو أنّ الإمام(ره)كان ضعيفا آنذاك لعله كان يقول:لقد رفع عنا التكليف.و لم يقل الإمام:هؤلاء يريدون أن لا نؤكد كثيرا على أحكام الإسلام،حسنا لا نؤكد عليها.و يريدون ألا نعادي إسرائيل،طيّب،لا نعاديها لأن الضغوط قويّة.

لم يقل الإمام شيئا من هذا القبيل بل أصر على موقفه.و حتّى قرار وقف إطلاق النار الذي وافق عليه لم يكن الدافع وراءه يكمن في تلك الضغوط،بل وافق عليه بسبب المشاكل الإقتصادية التي عرضها المسؤولون الإقتصاديون في البلاد آنذاك و بيّنوا له أنّ الدولة غير قادرة على الإستمرار بالحرب بكل هذه التكاليف، فاضطر الإمام للموافقة على قرار وقف الحرب.

إذن فقبول القرار لم يكن مردّه هجوم العدو أو تهديد أمريكا التي كان من المحتمل أن تتدخل في الحرب.فأمريكا كانت تتدخل في الحرب حتّى من قبل هذا.

و لو أنّ العالم تدخل بأجمعه في الحرب،لم يكن الإمام(رضوان اللّه عليه)لينثني بتلك السهولة.فالقضية كانت تتعلق بالوضع الداخلي.

ص: 137

صلابة الإمام الخميني

لم يحصل خلال الحياة الشريفة للإمام التي امتدت لعشرة سنوات من بعد انتصار الثورة أن تردد لحظة واحدة بسبب ضخامة تهديد العدو-في أي بعد من الأبعاد-أي أنّه كان يتمتع بنفس تلك الروح الحسينيّة.

الحرب تقترن عادة بالخسائر،و كانت حياة الإنسان عزيزة على الإمام،فهو يبكي أحيانا على الإنسان الذي يعاني و يتألم،و أحيانا تترقرق الدموع في عينيه.

و هذا ما شاهدناه مرّات و مرّات.فقد كان إنسانا رحيما و عطوفا،و قلبه طافح بالإنسانيّة و المحبّة.لكن هذا القلب الطافح بالمحبّة لم يرتعش يوما أمام التهديد و لم يزل و لم يتراجع و لم يتنازل.

طوال مدّة العشر سنوات هذه أدرك أعداء الثورة بأجمعهم و لمسوا بالتجربة أنّ الإمام لا يمكن إرعابه.و إنّها لنعمة كبرى بأن يشعر العدو بأنّ هذا الرجل لا يمكن إزاحته من الساحة بالخوف و التهديد.و قد أدرك الجميع من خلال الشخصية الألمعية التي كان يتحلّى بها الإمام أنّه رجل لا يمكن إخراجه من الساحة،و لا يمكن تهديده بالضغوط،و التهديد العملي أيضا لا يجدي نفعا في ثنيه عن منهجه؛لذلك اضطروا لمجاراته.

إنّ ما يمكن استنتاجه من هاتين الكلمتين-و هذا الاستنتاج طبعا قابل للتعميم و للتأمل-هو أولا:إنّ من جملة الخطوط البارزة،بل و الخط المميز لثورة عاشوراء هو استقامة الإمام الحسين عليه السلام.

ص: 138

و الاستنتاج الآخر هو أنّ إمامنا الكبير(رضوان اللّه عليه)اتخذ الإستقامة الحسينية كمنهج له في نهضته و في نمط حياته،و لذلك استطاع ضمان استمرارية الجمهورية الإسلاميّة،و صد العدو عن اسلوب الضغط و التهديد؛لأنّه بيّن للعدو بأنّ الضغط و التهديد و الهجوم لا يجدي نفعا،و أنّ هذا القائد ليس بالرجل الذي تثنيه مثل هذه الأفعال.

ص: 139

تأثر الشعوب برسالة الإمام الخميني

إنّ الهدف الأساسي لأمريكا و الاستكبار اليوم هو إرغام الثورة و الجمهورية الإسلاميّة و الشعب الإيراني المسلم على التراجع عن كلامه و عن كلام الإمام.و هي ما انفكت تركّز مساعيها على هذا الجانب،و لكن لماذا؟لأنّها ترى أنّ رسالة الإمام ايقظت الشعوب الإسلامية.

انظروا كيف تأثرت شعوب العالم المختلفة و خاصة الشعوب الإسلاميّة برسالة الإمام.و قد أدرك الإستكبار أنّه إذا شاء الإبقاء على صمت الشعوب، و صرفها عن الطريق الصحيح،فليس أمامه سوى أن يقوم بعمل يجعل الشعوب ترى أنّ إيران الإسلاميّة و إيران الإمام تراجعت عن نهجها،لكي يوقع الجميع في اليأس و يثنيهم عن عزمهم.و قد أدرك الإستكبار هذه الحقيقة و كرّس كل جهوده من أجلها.

اليوم يضغطون على الجمهورية الإسلاميّة من جميع الجهات لأجل إبداء اللين أزاء موضوع إسرائيل،و التنازل عن رفع الشعارات الإسلاميّة،و عدم التحدث بهذا القدر عن الإسلام و القرآن-و هما القاسم المشترك بين الشعوب الإسلاميّة-

ص: 140

إستقامة الإمام الخميني قدوة

إذا أراد الشعب الإيراني المسلم مواصلة طريق العزة و التقدم و التنميّة و البناء و الرفاه،و بلوغ النتيجة المرجوة-كما حصل خلال هذه السنوات بحمد اللّه من تقدم و نشاط في القطاعات المختلفة بفضل السواعد المقتدرة و ببركة الخدمة التي تؤدّيها الجمهورية الإسلاميّة-فالسبيل إلى ذلك أنما يتم بالإستقامة و الصمود في مقابل الأعداء و الإستكبار.

حقق الشعب الإيراني خلال هذه السنوات إنجازات كبرى،و عليه أن يحافظ على هذه الإنجازات.فالشعب و خاصة مسؤولي الجمهورية الإسلاميّة ملزمون من خلال دورهم العقلاني و تصرفهم السليم أن يحولوا-لا سمح اللّه-دون ضياع إنجازات الشعب الإيراني،سواء الإنجازات التي حققتها له الثورة مباشرة، كالحكومة و الدولة و رئيس الجمهورية و النواب و ما شابه ذلك،أم ما يتعلق منها بالثورة و لكنه صار للشعب بشكل غير مباشر،كحركة البناء هذه و التي يتجسد فيها كل عمل الثورة و مهارتها،و التي تنجزها العناصر الثوريّة في الحكومة و في القطاعات الاخرى.و هذا ما ينبغي لأبناء الشعب و المسؤولين صيانته باسلوب عقلاني و سليم.

إنّ السبيل الوحيد الذي يتيح لشعب إيران و المسؤولين صيانة هذه الإنجازات، و تقديم المزيد من العطاء يكمن في مواصلة النهج الذي اختطه الإمام بمسيرته، و هو نهج الإستقامة و الصمود بوجه مطامع الأعداء و بوجه الهراء و الهذر الذي

ص: 141

تتفوه به حفنة أفراد من خلف الحدود و تفصح فيه عن مطامعها بهذا الشعب.

الإستقامة طريق النجاة لكل الشعوب

إنّ الشعب الإيراني بأسره و جميع المسؤولين و جميع القطاعات المختلفة يجب عليها اتخاذ صمود الإمام بوجه طموحات الأعداء قدوة لها.و إذا شاءت الشعوب الاخرى بلوغ مرحلة مرموقة فطريقها هو ذا.و إذا اريد لقضية فلسطين أن تحل، فطريق الحل يكمن في هذه الإستقامة و في هذا الصمود.و إذا اريد للقضايا المختلفة الناتجة عن التدخّل الإستكباري في منطقتنا أن تحل،فطريقها هو هذه الإستقامة.

و ليعلم الشعب الإيراني أنّه لو لا هذه الإستقامة،و لو لم يبد إمامكم هذه الإستقامة،لما كانت اليوم بأيديكم أراضي إيران الكبرى،و لغيّر العدو هذه الحدود، و لبقيت قدم المعتدي تطأ أرضكم،و لكان هذا مصدر عار أبدي على الشعب الإيراني المسلم.فاستقامة هذا الرجل و صموده هو الذي حال دون ذلك.

و اليوم أيضا،إذا أردتم لإيران العزة و الرفعة،و إذا أردتم لأهداف الإمام-و هي أهداف الإسلام و الثورة و الأهداف الأساسية لشعب إيران-أن تتحقق،فالسبيل إلى ذلك هو الصمود بوجه أطماع العدو.و مسؤولو البلاد صامدون-و الحمد للّه- كالجبل الأشم.

اليوم تقف حكومة الجمهورية الإسلاميّة،و نوّاب الشعب،و السلطة القضائيّة، و القوات المسلّحة و جميع أبناء الشعب،كزبر الحديد بوجه أطماع العدو،و لا يهتزون قيد انملة أمام تهديداتهم.و هذا هو طريق العزة و السلامة.

إنّ الأمريكيين يطمحون إلى تحقيق أهدافهم بالتهديد،إلاّ أنّ هذا لا يتسنّى لهم و لا حتّى عن طريق التدخل.فالشعب الإيراني لا يسعه التغاضي عن حق الشعب

ص: 142

الفلسطيني.

خط الإمام الخميني و نهجه

و لكن ما هو خط الإمام و نهج الإمام الذي يتكرر ذكره؟إذا قلنا إنّ خط الإمام هو الإسلام و الثورة،فهذا الموضوع يعتبر طرحا عاما.من الواضح أنّ خط الإمام هو خط الثورة و الإسلام،و ما من شخص لديه اعتراض على الإسلام و الثورة.

و الشيء القادر على تحقيق تطلعات هذا الرجل الفذ-الذي يعد أبا لهذه الثورة و بانيا لإيران الإسلاميّة-هي الإستقامة التي أبداها هذا الرجل العظيم بسلوكه،و لم يتنازل أمام الأعداء و لم يرهبهم،و لم يتزعزع أمام التهديدات.

و ليس بوسع أحد اتهام الإمام بأنّ ما فعله كان خلافا للتدبير السليم،أبدا.فلو أنّ جميع عقلاء العالم دقّقوا و حلّلوا لأدركوا أنّ السبيل الصحيح هو السبيل الذي سلكه ذلك الرجل،و هو السبيل المؤدي إلى أهدافه.و كل من له هذا الهدف فطريقه هو نفس الطريق الذي سار عليه هذا الشخص العظيم (1).

ص: 143


1- الثورة مظهر لتحرك الدين بوجه الطاغوت:249-260.

أثر ثورة الإمام الخميني

قال السيد الخامنئي:اعلموا أنّ رسالة الإمام و رسالة هذا الشعب العظيم الثوري قد اجتاحت العالم-بحمد اللّه-و مع مرور سبع سنوات على رحيل الإمام إلاّ أنّ اسم الإمام و ذكراه في العالم لم و لن يندثر.

من الطبيعي أنّ إعلام الأعداء يحاول أن يصور رسالة الثورة و كأنّها أضحت شيئا قديما في العالم.و هذا الإدعاء كاذب و مجاف للواقع؛لأنّ اسم هذه الثورة و هذه الحركة العظيمة لشعبنا،و المسيرة الظافرة لهذه الشخصية الفذة مشهودة اليوم في أقصى نقاط العالم و حتّى بعض الأرجاء التي لا ذكر فيها للإسلام.

و هذا الطريق هو طريق عزة إيران(الإسلام)و رفعة البلد و بناء الوطن،و رفاه و انتصار و سعادة شعب إيران الذي سيواصل بحول اللّه هذا الطريق بكل قوّة، و هو نفس الطريق الذي سينتهجه الجيل و الأجيال القادمة بعونه تعالى.

ص: 144

ثورة الإمام تحيي إرادة المسلمين

يتحلى المسلمون بخاصّية القدرة على تفعيل إرادتهم في حركة العالم إنطلاقا من الأحكام الوضّاءة للإسلام و بسبب الدوافع الروحيّة و الخلقية التي يغذي بها اتباعه كمقارعة الظلم،و عدم مهادنة الفساد و الباطل،و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،و الجهاد في سبيل اللّه،و هذا المبدأ الأخير له ميدان واسع و افق فسيح لا يقتصر على ساحة الوغى و المواجهة الجسمانيّة،بل هو متاح حتّى داخل البيت أيضا،و يتسنّى للمرء مجاهدة أعداء اللّه في كل مكان فيما لو كانت لديه إرادة، و معرفة بما ينبغي فعله.

هذه الطائفة من الأحكام و المعارف الإسلاميّة،و منها:الجهاد،و الأمر بالمعروف،و التصدّي للفساد و الباطل،و عدم احتمال الضيم:لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ (1)تجعل المسلم أينما كان-سواء كان شعبا،أم(طائفة)أصغر من الشعب إلى حد الفرد الواحد-قادرا ببركة هذه الأحكام على تفعيل إرادته في العالم المحيط به.

هذه هي الخاصيّة التي تطبع شخصية المسلم،و هذا ما يغيظ الإستعمار منه، و يجعل الظالمين يضيقون به ذرعا.

عندما امتطى الأوروبيون سفنهم و قدموا و سيطروا على بلدان آسيا و أفريقيا و الشرق الأوسط و غيرها من الأصقاع الاخرى،ارعبتهم تلك المعنويات التي

ص: 145


1- سورة البقرة:279.

واجههم بها الفرد المسلم؛فكان لزاما عليهم اتخاذ إجراءين من أجل إبطال ما استشعروه فيه من خطر،و هما:

أولا:إقصائه عن أحكام دينه،و ثانيا:تحطيم معنوياته و إشعاره بالوضاعة.

لاحظوا إذن أن سياسة الأعداء تركّزت طوال فترة صراعهم-الذي بلغ ذروته خلال القرن أو القرنين الأخيرين-مع الإسلام على هاتين النقطتين،و أحداهما:

إبعاد المسلمين عن أحكام دينهم،و الاخرى:احتقارهم و إذلالهم و كسر معنوياتهم.

فماذا كانت النتيجة؟

كانت النتيجة إنّ الدولة الإسلاميّة أضحت دولا من المرتبة الثالثة،و لا يمكن حتّى القول إنّها من المرتبة الثانيّة.و بات كل بلد إسلامي إمّا تحت الهيمنة المباشرة لأعداء الإسلام و القوى الأجنبية،و إمّا تحت سلطة عميل من عملائهم،كما هو الحال بالنسبة للعائلة البهلويّة التي حكمت هاهنا،أو بعض البلدان الاخرى التي ابتليت بأوضاع مشابهة.هكذا كان حال المسلمين.

فجاء إمامنا العزيز و وضع أصبعه على هاتين النقطتين نفسهما،و هذا هو السبب الذي جعل اسمه يجتاح العالم الإسلامي كالاعصار،إذ أنّ الدعاية و الإعلام لا يتسنّى لهما وحدهما إيجاد مثل هذه المكانة لشخص ما في قلوب الشعوب.

و هذه هي المنطلقات التي زرعت محبة الإمام في قلوب الناس في بعض أرجاء العالم و جعلتهم يتعلقون به من غير أن يكونوا قد سمعوا باسم إيران. (1)

ص: 146


1- ذكر لنا أحد المشايخ المبلغين منذ حوالي العشرين سنة أنه ذهب للتبليغ إلى إحدى الدول الإفريقية و اصطحب الى إحدى القرى النائية و التي لم تكن تصل إليها السيارة و أثناء ذهابه الى القرية مشيا وجد في أول القرية رجلا جالسا تحت شجرة فظن أنه جاء لإستقباله،فوقف و سلّم عليه،فرد السلام،ثم سأله الشيخ ماذا تفعل هنا؟ فقال:أحرس هذه الصورة. فنظر الشيخ الى الشجرة و إذ معلق عليها صورة الإمام الخميني فقال له:و ما هذا؟ قال الرجل:إنها صورة رجل عظيم سيأتي ليخلّصنا مما نحن فيه.

هذه سنّة إلهيّة و قاعدة في الوجود.

ركّز الإمام(ره)على هاتين النقطتين؛فاستيقظت ضمائر الشعوب و لمست أن طريق الخلاص هو ذا،و المثل الذي يحتذى به هو الشعب الإيراني أيضا.

دعا الإمام شعب إيران للعودة إلى الإسلام،مناديا أن هلمّوا و اعملوا بالإسلام بمعناه الحقيقي،و لا يقتصر عملكم على المسجد و العبادات الفرديّة،بل عليكم بأداء هذا العمل على أتمّ صورة،و استلهموا نظام الحياة من الإسلام.و هذا هو الدافع وراء إقامته للجمهورية الإسلامية.

الإعتماد على الذات

النقطة الاخرى هي أنه أحيى روح هذا الشعب و أعاد صياغتها،إذ نبّه شعب إيران و بيّن له أنه على جانب كبير من القوّة و أنه قادر على الإيحاء إلى جميع الشعوب الإسلاميّة في العالم بأنّ لها من القوّة ما يتيح لها الغلبة على العدو و إركاعه.

و هذا العلاج الذي وضعه الإمام أينما دخل حيّز التنفيذ و بأي مقدار كان،أفرز هذه النتيجة نفسها.

و في بلدنا بالذات تحرر الشعب الإيراني المسلم من صفة الضعف و الخنوع، و بلغ اليوم مرحلة بحيث صار لإرادته دورها في قضايا العالم المهمّة،و هذا ما يقرّ به حتّى أعداؤنا.

بالأمس تظافر الشرق و الغرب،و اليوم تظافرت جميع القوى المهيمنة للإجهاز

ص: 147

على حق الشعب الفلسطيني و هضمه،غير أنّ الجمهورية الإسلاميّة تصدت لهذا المشروع،و الكل يؤكد في جميع أنحاء العالم على إن معارضة الجمهورية الإسلاميّة هي السبب وراء عدم تقدم هذه المسيرة.هذه إرادة الشعب الإيراني المسلم،نعم و لن تتقدم تلك المسيرة.

فالشعب الذي كان رئيس حكومته السابقة-أي الشاه الفاسد الذليل-يستشير سفارتي أمريكا و بريطانيا في شؤون حياته اليومية و يتلقى منهما الأوامر،بات اليوم في وضع لا تملك معه لا أمريكا و لا أيّة قوّة اخرى أي تأثير عليه أو على بلده.

و هذا ما يجسّد القوّة الوطنية لشعب ما.هذا هو المنهج الذي اختطه الإمام الراحل و أحيى به مشاعر المسلمين.

و هكذا الحال أيضا في مجال البناء،إذ قال:إنكم قادرون على صناعة كل شيء ولديكم القابلية على اعمار بلدكم بأيديكم و الاستغناء عن الأجانب و طي مدارج العلم كالآخرين،و إن تكون لكم جامعاتكم المستقلة.و أنتم تلاحظون اليوم إنّ الشعب الإيراني ينجز هذه التوصيات الواحدة تلو الاخرى،و هذا ما جرّبه الشعب بذاته.

كان هذا في داخل إيران.و في جميع بقاع العالم الاخرى جنت الشعوب فوائد هذا العلاج الذي وصفه الإمام،على قدر عملها به.انظروا إلى طبيعة القضية الفلسطينيّة، و إلى قضية لبنان المؤلمة و غيرها من القضايا الاخرى و لاحظواكم اختلف الوضع اليوم عمّا كان عليه بالأمس،فالشعب الفلسطيني إستيقظ اليوم،و أصبحت العناصر الفلسطينيّة الحقيقية في داخل الأرض المحتلة شوكة في أعين المحتلين، و بقيت لا تنتظر أن يتحدّث باسمها أربعة اشخاص خارج حدود فلسطين.أصبح الشعب الفلسطيني هو الذي يتحدث و يعمل و يتحرك،باسم الإسلام.

ففي كل موضع استخدم هذا العلاج-أي الثقة بالنفس و الاعتماد على الذات

ص: 148

و العودة إلى الإسلام-و بأي قدر كان؛تعرقل عمل القوى العظمى و تسارعت حركة الشعوب بنفس ذلك المقدار.

إنّ العلاج الذي وضعه إمامنا الكبير عزّز مكانة المسلمين في أيّة نقطة كانوا من العالم،و جعلهم يسشعرون العزة أينما كانوا.

كان المسلمون يشعرون يوما بالخجل من الانتماء إلى الإسلام،إلاّ أنّ المسلم يفتخر اليوم بإسلامه و يعتز بانتمائه إليه،و هذا من إفرازات حركة إمامنا الكبير.

ص: 149

أثر إحياء ذكرى الإمام الخميني و نهجه

و ما اريد قوله هو أن الشعب الإيراني أو الشعوب الاخرى كلما سعت في إحياء اسم الإمام و إبراز ذكراه كلّما جنت مزيدا من الثمار من نهجه.لكن أعداء الإسلام و المسلمين يستهدفون طمس اسم الإمام(ره)و محوه،أو التقليل من شأنه،فتراهم يوحون إلى أنّ هذه الحادثة التي وقعت مرّت و انتهت،لئلا يكون لها أثر في مستقبل العالم.و أنتم تلاحظون أنهم ينتهجون شتّى السبل و الأساليب لتحقيق مآربهم هذه و من جملة ذلك الإعلام المسموم،و تحريف الحقائق،و بثّ الأكاذيب.و هذه الأنماط سارية في أي موضع يقع تحت هيمنة القوى الإستكبارية.

و في مقابل ذلك ثمّة مهام يجب على المسلمين النهوض بها؛يجب عليهم رفع اسم الإمام و إحياء ذكراه و تنوير الأفكار و الأذهان بالمنهج الصريح الذي اختطه، و بيان الهدف الذي يرمي إليه،و يوضحوا أنّ أحكام الإسلام و روح الإعتزاز الإسلامي هما النقطتان الجوهريّتان اللتان كان الإمام يستهدفهما.

و هكذا الحال في بلدنا أيضا؛فإن كان شعبنا يطمح إلى استكمال طريق العزّة هذا،فعليه السعي المتزايد يوما بعد آخر لإحياء اسم الإمام و ذكراه.و إذا كان الشعب يتطلّع ببركة سواعده المقتدرة و إبداعه و خلاّقيّته إلى بناء إيران بشكل تغبطها عليه الشعوب و الدول،فعليه الإلتفات إلى تعليمات الإمام أكثر فأكثر.

لعل بعض الأفئدة الغافلة تتصور أو تشيع أن خط الإمام و نهج الإمام يوفّر للناس الآفاق المعنويّة و الحياة الآخرة،و لا يعنى بإعمار دنياهم!هذا خطأ،فطريق

ص: 150

اللّه يضمن لبني الإنسان دنياهم و آخرتهم و يجعل الحياة طيّبة و يسيرة،و يرفع عنهم الضغوط المفروضة عليهم من العدو و يخفف من وطأتها،هذا طريق اللّه، و طريق الإمام هو طريق اللّه.

لقد أدى التغلغل الأجنبي،و تسلط الحكومات الفاسدة،و الحكومتين الطاغيتين البهلوية و القاجارية-و هما السلالتان البغيضتان اللتان حكمتا هذا البلد لسنوات متمادية،و فسحتا المجال أمام التغلغل الأجنبي فيه-إلى تخلف الشعب الإيراني عن قافلة العلم.و هو قادر على بلوغ التنمية الحقيقية و إعمار البلاد فيما لو استطاع الوقوف و سار على طريق تطبيق الأحكام الإلهية في حياته و قطع الهيمنة الأجنبيّة عن هذا البلد بالكامل.

و هذا هو منهج الإمام(ره)و وصاياه.

بإمكان شعب إيران بلوغ العزة و الرفاه و الكرامة في الدنيا،و السعادة و الكمال المعنوي و الأخروي من خلال اتباع الخط الذي صاغه إمامه و قائده الكبير و وضعه أمامه.و قد منحه اللّه من الوقت فرصة عشر سنوات حتّى تسنّى له بيان هذا الخط للناس.

ليس في كلام الإمام نقطة خافية أو مشكوك فيها (1).5.

ص: 151


1- الثورة مظهر لتحرك الدين بوجه الطاغوت:260-265.

معجزة الثورة الإسلامية

اشارة

قال السيد الخامنئي:و رغم أنّ الأبواق المريضة للمحلّلين الماديين ما زالت عاجزة عن فهم و تحليل الحوادث الإسلامية في السنوات العشر الأخيرة،و أنها لم تدرك تماما ماذا حدث،و أنّى جرت الأحداث بعد سعي استعماري حثيث في الأقطار الإسلامية دام مئتي عام،و بعد آلاف من الأساليب الناجحة لحذف الإسلام من الساحة الحياتية،بل و حتى من صفحة الوجود و قلوب الناس في هذه الأقطار.

و الأهم من ذلك بعد قرون من التعليم التحريفي للقوى المستبدة و عملائها،و بعد تحريفات كثيرة قام بها وعّاظ السلاطين و علماء البلاط و نفذوها في الدين، و حاولوا أن يخدشوا صفاءه و خلوصه ليتحوّل الى دواء غير ناجع و جسد لا روح فيه.

نعم،رغم كلّ هذا الجهد المبذول كيف يعود الإسلام من جديد في قلب الوطن الإسلامي،و ينشر جناحيه و يمدّ أفياء الرحمة على أرجاء العالم الإسلامي،و يشرق كشمس وهّاجة في قلوب كلّ المسلمين،و يهبهم روحا و نشاطا و أملا؟و كيف يتحوّل الإسلام الذي طواه النسيان فلم يعد يثير رجاء في القلوب اللاهثة لمن مضّ بهم الألم و أعوزهم الشباب و الواعين و المتحرّقين للغد الأفضل؟

نعم،إنّ فهم هذه الحوادث العجيبة و تحليلها الصحيح-و إن كان عصيّا على العقول و الإذهان الغربية عن حقيقة الإسلام و الجاهلة بالتاريخ الواقعي للإسلام- إلاّ أنّ الجواب الوحيد عليه لدى أهل البصيرة يكمن في كلمة واحدة هي:معجزة

ص: 152

الثورة.

الإنجذاب إلى الثورة

إنّ ما يشد إليه الأنظار بالدرجة الأولى على صعيد العالم الإسلامي هو أنّ الثورة الإسلامية و بعد مضي ثماني عشرة سنة على انتصارها-و على الرغم من مساعي و توقّعات أعدائها الذين كانوا يأملون أن يخبو بريقها و يطويها النسيان في العالم- غدا الانجذاب إليها،و انعكاساتها التاريخية الكبرى أعمق،و هذا ما يعد بذاته من معاجز الإسلام و الثورة.

و لا شك أن الفضل في هذا الانشداد العام العالمي يعود بالدرجة الاولى إليكم أنتم يا أبناء الشعب الإيراني المسلم،و أرى لزاما عليّ ذكر هذه النقطة تعبيرا عن الشكر للّه،و لكم أنتم.

لقد انصبت مساعي الأعداء على إبعاد هذا الشعب عن ساحة الثورة،و كان الرد صريحا و قاطعا و حازما من قبلكم على مدى السنوات التي اجتازتها هذه الثورة، و في جميع الميادين التي تتطلب حضورا جماهيريا.و نموذج ذلك هو حشدكم الهائل في آخر يوم جمعة من شهر رمضان،و هو يوم القدس.

و من المدهش أن مشاركة الناس في السنة الثامنة عشرة لإعلان يوم القدس كان أكثر من السنة السابعة عشرة،و كانت المشاركة في السنة السابعة عشرة أكثر من السنة السادسة عشرة.فياله من تحرك و يالها من همّة و ياله من لطف إلهي على هذا الشعب العظيم.

إنّ حشودكم الهائلة،و مشاركتكم الواسعة اليوم في ساحة العبادة هذه في يوم عيد الفطر لا نظير لها حقا.و إني لأستطيع القول بكل جرأة،بأنه لا تقام صلاة

ص: 153

كصلاة عيد الفطر هذه في أي موضع آخر من العالم الإسلامي.أستطيع القول أنه ما من موضع في العالم يشارك فيه مثل هذا العدد من الشبّان في شعائر دينية، و بهذا الحشد و الشوق و الاندفاع.

و اعلموا يا أعزائي أيضا أن إقبال الشبّان في كل أرجاء العالم الإسلامي على الدين و الشعائر الدينية غدا أفضل مما كان عليه قبل خمس عشرة أو عشرين سنة، و هذا إنما تحقق بفضل هذه الثورة و بفضل حضوركم و حضور هؤلاء الشبّان.

و غدا أيضا هو يوم الثاني و العشرين من بهمن الذي سيتجسّد فيه نفس هذا العرض الكبير لقوّة الثورة و لاقتدار شعب إيران أمام أنظار المشاهدين و المحللين و المراقبين في العالم.

إلاّ أنهم لا يصرّحون بهذا في إعلامهم،بل يتحدثون في إذاعاتهم بأسلوب آخر، لكنهم في ذاتهم يعرفون حقيقة ما يجري.فإن لم تكن هذه القلوب الطافحة بالعداء، و عين البغض لهذه الثورة و لهذا الشعب قد رأت تلك الحشود الهائلة في يوم القدس، و لم تحقد عليها-لو لم يكن كذلك-لما نشروا عبر وكالات الأنباء أنّ الجمهورية الإسلامية جلبت بعض الناس بالحافلات للمشاركة في شعائر يوم القدس!و الآن حين يسمع الشعب الإيراني المسلم بمثل هذه الدعايات يتضح له مدى وزن و قيمة الإعلام العالمي المناهض لهذه الثورة.

هل أنّ تلك الجموع المليونية في يوم القدس كانت عبارة عن ركّاب حافلة جمعتهم الحكومة هناك؟!انظرواكم قلوبهم مليئة بالحقد و الغيظ.فلو أنهم لم يروا الحقيقة و لم يغضبوا منها،لما كان رد فعلهم على هذه الشاكلة.

هذه الأخبار الكاذبة تعكس عمق غضبهم و غيظهم من حضوركم في الميدان السياسي،و غدا أيضا سيملأ الغيظ قلوبهم الطافحة بالحقد على هذه الثورة،و ذلك بفضل اللّه و عونه.

ص: 154

و بالتزامن مع هذا الوعي الجماهيري و انجذاب الشعوب إلى الثورة و إلى الشعب الإيراني الثوري تفاقمت أيضا الهجمة التآمرية من الأعداء،و لكن من غير جدوى؛ فلو كان مقدرا لتآمر العدو أن ينجح،لكان قد نجح.و لكنكم تلاحظون بفضل اللّه أنّ مؤامراته لم تبلغ أغراضها.غير أنه و مع كل هذا لازال يتآمر؛و إحدى مؤامراته هي غرس بذور الخلاف بين البلدان الإسلامية و إلهاء الكثير منها و إشغالها بامور تافهة و صرف أنظارها عن أشياء عظيمة و مهمة،و خلق أسباب و ذرائع الجدل و الخصومة بين هذه البلدان لأجل حرف عدائها عن الصهاينة و هم الأعداء الحقيقيون للعالم الإسلامي.و هذه الأعمال تجري في كل أرجاء العالم و غير محصورة في نطاق منطقتنا،غير أنّ ذلك في منطقتنا أشد مما في سواها.

ص: 155

الثورة لا تشكل خطرا على البلدان المجاورة

لقد انصبّت جهود الأبواق الإعلامية و محترفي الألاعيب السياسية الإستكبارية منذ اليوم الأول للثورة على تخويف بلدان ساحل الخليج الفارسي من الجمهورية الإسلامية؛لكي يتاح بيع الأسلحة لهم،و ليتسنى تكريس وجودهم العسكري فيها.

و أنا لا أعلم أما آن الأوان للقلوب و الأذهان في هذه البلدان أن تعود لرشدها و تدرك أن أمريكا لا تبغي لها الخير،و تفهم أنّ أمريكا و الأبواق الصهيونية في العالم بأسره-التي توجّه دعاياتها إلى تلك الدول-تستهدف المجيء إلى الخليج الفارسي و نشر قواعدهم العسكرية فيه لضمان مصالحهم الإقتصادية غير المشروعة،هذا فضلا عن الضغط على الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني إن اتيح لهم ذلك؟

لقد أعلنت الحكومة و الشعب،و جميع المسؤولين في الجمهورية الإسلامية مرات عديدة،أننا لا نضمر للدول المجاورة أي سوء،و هذا ما ثبت منذ أول الثورة.

و بعد مضي ثماني عشرة سنة على الثورة هل يا ترى غزونا أحدا؟و هل رمينا إطلاقة واحدة على أحد من جيراننا؟نعم رميت علينا الإطلاقات،إلاّ أننا خلال هذه المدّة لم نفعل شيئا غير أن دافعنا عن أنفسنا.

و مع أنّ إيران بلد كبير و الشعب الإيراني شعب قوي،و هذا ما يعرفه الجميع، و قد أدركوا أنّه لا يمكن لأي من الدول المجاورة حتى و إن ساندها الآخرون لا يمكنها قهر هذا الشعب العظيم و هذا البلد الواسع المقتدر،و كل من يقدم و يتحرش يلقاها في نحره،و مع كل هذا فإن الشعب و الحكومة و القوات المسلحة في

ص: 156

الجمهورية الإسلامية لم و لن تكون لديها أية نوايا توسعيّة و عدوانية؛فالنوايا التوسعية لا تتسق مع رؤانا و منطلقاتنا،و سياستنا الإسلامية لا تتماشى على الإطلاق مع النوايا التوسعية و العدوانية و ما شاكلها من أساليب الطغاة.بيد أننا نعير إهتماما كبيرا لأمننا و أمن المنطقة.

ليلتفت الجميع إلى أن منطقة الخليج منطقة حساسة.و الأعداء الذين يأتون إليها تحت ذريعة الصداقة لهذه البلدان هم الذين يثيرون التوتر في هذه المنطقة،و هذا ما ينبغي أن يعيه الجميع.فإذا تزعزع الأمن في هذه المنطقة لا سمح اللّه فإنّ الضرر الأكبر سيكون من نصيب من كانوا سببا في زعزعة إستقرارها و مهدوا لأجواء التوتر فيها،و ستلحق الخسائر الأعظم بالبلدان التي وضعت ثرواتها و أراضيها تحت تصرف المعتدين الأجانب.

إننا نأمل-بالطبع-أن لا يقع هذا،و سوف لن يقع بإذن اللّه،و لكن إذا حصل لا سمح اللّه و ارتكب أحد الأجانب الذين نزلوا في الخليج الفارسي حماقة ما و سلب بفعل غير مدروس الإستقرار من هذه المنطقة،فستكون البلدان التي مهدت مثل هذا الحضور اللامشروع أوّل محترق بتلك النار.

أوفياء الثورة:الشهداء المضحّون

لا بدّ أن يمرّ ذكر اولئك الأوفياء المضحّين باعتباره إحدى النقاط الأساس في تعاليم الثورة.و المقصود بأوفياء الثورة؛هم اولئك الذين قدّموا أرواحهم،أو أرواح أعزائهم،أو سلامتهم لترصين اسس الثورة،و قطع أيدي الأعداء عن هذه البلاد و النظام الإسلامي.إنهم الشهداء الأبطال المضحّون و الأسرى و المفقودون و عوائلهم الكريمة،و مجاهد و القوات المسلّحة و عناصر التعبئة الفدائية،التي بذلت عمرها في الجبهات و كذلك عناصر جهاد البناء التي بذلت طاقاتها في جبهتي

ص: 157

الحرب و الإعمار،و كلّهم واجهوا المصاعب و البلايا العظيمة فى هذا الامتحان الإلهي.

نعم كلّ أولئك يجب أن يقعوا موقع الإكرام و التبجيل و الاحترام الدائم من قبل الشعب.

الشهداء هدية الأنبياء

يوم الشهداء فرصة ثمينة ينبغي اغتنامها للتعبير عن مشاعر الشكر للأرواح الطاهرة التي تحررت من أبدانها و من جميع ألوان الانشداد إلى المغريات المادية في سبيل أن توفر لبني الإنسان الحرية و أسباب النجاة،و لتلك النفوس النبيلة التي سقطت على الارض مضرّجة بدمائها لينقى وجه الأرض من الظلم و العدوان و الهمجية.سلام منّا عليهم و على جميع شهداء طريق اللّه الذين أضاءوا سبيل الحياة الإنسانية و غدوا مشعلا للهداية الإلهية.

هؤلاء هم هدية الأنبياء لأهل الأرض و منهم اقتبسوا نورهم.

و سلام على الاسر التي كانت مهدا لتربية هؤلاء الأعزّة،و على الامهات و الآباء الذين تربّت في حجورهم الطاهرة مثل هذه الجواهر الزاهرة الثمينة،و قدموهم و هم في ريعان الشباب إلى مذبح الشهادة،و صبروا على هذه التضحية الفريدة، و أزكى التحيات و السلام على إمامنا الراحل الذي علّمنا كل هذا.

الجود و العزّة من تضحيات الشهداء

لقد استمدت الثورة الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية المقدس الجود و العزّة و الصلابة من تلك التضحيات.و هذا في ميزان العدل الإلهي شيء عظيم و حقيقة مشهودة،جزاؤها الثواب الإلهي الذي هو خير من الدنيا و ما فيها.و من

ص: 158

البديهي أن أفراد المجتمع و خاصّة المدراء و المسؤولين مكلفون بواجبات أزاء هذه النفوس الكريمة،أهمّها تخليد إسمهم و ذكرهم و نهجهم.

و اعلموا أنّ سبيل اللّه لا يستغني بتاتا عن التضحيات الكبرى التي يجود بها كرام الناس.

التضحية في سبيل الله

قال الإمام الخميني قدس سره:«أحب أن أبيّن لأبطالنا أن ليس باستطاعتي أنا أو أي إنسان آخر أن يقدركم حق قدركم،عندما ضحيتم في سبيل الله بأعز ما تملكونه و هو روحكم.و هنا أقصد أولئك الذين استشهدوا و إن شاء الله حضوا بلقاء ربهم،و أنتم يا من تستعدون للشهادة في سبيله.

أنتم-جند الإسلام-عندما تضحون بأغلى ما تملكون و هي حياتكم تضحية خالصة لدعم و ضمان بقاء الجمهورية الإسلامية،يعجز أي إنسان عادي من غير أولياء الله الصالحين من تقدير أعمالكم.

المهم لأجل ماذا أنتم تضحون بأنفسكم،و ليس المهم التضحية وحدها،فهناك آخرين يضحون أيضا بأنفسهم لمقاصد انحرافية غير صحيحة.

أعزائي..احفظوا نعمة الله،عندما يوليكم رعايته الإلهية و الغيبية و عندما يجعل منكم عبادا أوفياء له و تضحون بأرواحكم و كل ما تستطيعونه في سبيله..: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (1).

إنّ تضحياتكم و ذهابكم إلى ميادين القتال للدفاع عن الإسلام و الرسالة الإسلامية و لمجابهة و إحباط دسائس القوى الطامعة ببلدنا،تضحياتكم هذه قديرة

ص: 159


1- سورة التوبة:111.

و قديرة جدا.لكن المهم هنا درجة إخلاصكم و تضحيتكم في سبيل الله،فلكم فيه أعلى مراتب الجزاء عند الله..الله تبارك و تعالى هو الذي يقيّم تضحياتكم و إخلاصكم و ليست الموازين التي نعرفها نحن..

إنه لمن دواعي فخرنا اليوم أن نواجهكم أنتم الشباب الأعزة في هذا المكان و هذا الزمان.

أنتم مضحون و مخلصون و منتصرون على أنفسكم و نحن المتخلفون عن القافلة..إيمانكم و إخلاصكم هما اللذان نصراكم على العدو،كنتم تملكون أسلحة خفيفة كبندقية أو رشاش،و كان العدو يملك الكثير من الأسلحة و أكثرها تطورا..

و لم تكونوا تحتملوا أن يكون النصر حليفكم بسلاحكم فقط.و لكن الله نصركم بإخلاصكم..أنتم تذهبون إلى ميادين القتال في سبيل الله بينما يردها العدو في سبيل الشيطان..فأنتم حزب الله و عدوكم من حزب الشيطان.و انتصاركم على شياطين أنفسكم و إيمانكم و إخلاصكم هو الذي نصركم في جبهات القتال» (1).3.

ص: 160


1- الثورة مظهر لتحرك الدين بوجه الطاغوت:267-273.

مفاخر الثورة الإسلامية

العمل و التضحية و الجهاد

قال السيد الخامنئي:قال تعالى: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى (1)إنّ الشعوب التي تعمل و تفكّر و تبدع و تتحمل الصعاب تنال نصيبها من الإمكانيات المادية و الرفاه و التقدّم،كما هو الحال في المجال المعنوي.و الأمم التي تبذل و تضحّي و تجاهد و لا تتهيب العمل و الفداء يهبها اللّه كل ما تطمح إليه.

إنّ خزائن الغيب الإلهي لا يمنح منها شيء لأي شخص أو شعب أو جماعة إلاّ بالجد و الإجتهاد.و الشعوب المتقاعسة و الكسولة لا نصيب لها في الأمجاد الوطنية،و المجتمعات المتوانية و الإتكالية لا تحصل على أي قدر من الإمتيازات و المآثر الكبرى.و الأشخاص الذين لا تحدوهم رغبة نحو الكد و الكدح لا ينالون حظهم من الآفاق المعنوية و لا من الفضائل و الإيمان و التقوى.

أكبر الآثام التي ارتكبها السلاطين و الحكّام الفاسدون في المجتمعات الإسلامية،و في ما مضى من تاريخ بلدنا هو أنهم أبعدوا الشعوب عن هذه الحقيقة، و لم يدفعوا بها نحو العمل و الكد و التضحية و الفداء.

ص: 161


1- سورة النجم:39.

بيد أنّ أكبر مفخرة حققتها الثورة الإسلامية هي أنها أيقظت الشعب على هذه الحقيقة و فتحت أمامه هذا السبيل.و أكبر منقبة كانت لإمامنا الراحل-هذا القائد الإستثنائي الفذ في عصرنا الحاضر-هو أنه كان سبّاقا في السير على هذا الطريق بنفسه؛فهو لم يجلس ليأمر الآخرين بالحركة،بل سار هو في طليعة الشعب و كان في المقدمة.

تضحية الأسرى

قضية المحررين قضية كبرى.لا تغركم الأفلام الدعائية التي ينتجها الغربيون و غيرهم في مجال الشؤون العسكرية و ما يتعلق بقضايا فترة الأسر.فما من شعب استطاع أن يصنع من عامة طبقات الشعب مجموعة من الشبّان المقاتلين الذين حافظوا في أقسى ظروف الأسر على شخصيتهم الثورية و الإيمانية و ما يتصفون به من روح قتالية مثلما فعل أحرارنا في فترة الأسر.في حين أنّ ما يعرفه الشعب الإيراني عن الأحداث التي عاشها هؤلاء الأعزّة في مرحلة أسرهم لا يكاد يمثّل إلاّ جزءا صغيرا من مجموعة هائلة من الأحداث.

و هل من الممكن تبيان هذه الحادثة؟و هل تستوعب الكلمات وصف الآلام المريرة التي تمر في كل لحظة من لحظات الأسر؟أو هل لغة الفن و الأدب قادرة على الإفصاح عن ذلك؟إذ أنّ السماع ليس كالرؤيا و المعايشة.و هم قد صمدوا و ثبتوا.

و لعل بعض أحرارنا الأعزاء حينما كانوا يجابهون جنود العدو الغلاظ الشداد في المعسكرات،كانوا يائسين من الإفراج عنهم،و ربما كان بعضهم قد سئم و أخذ يقول:إلى متى؟إلاّ أنّ السنّة الإلهية هي في قوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (1).

و لعل بعض أحرارنا الأعزاء حينما كانوا يجابهون جنود العدو الغلاظ الشداد في المعسكرات،كانوا يائسين من الإفراج عنهم،و ربما كان بعضهم قد سئم و أخذ يقول:إلى متى؟إلاّ أنّ السنّة الإلهية هي في قوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (1).

إذا تحملتم الصعاب،يفتح لكم اللّه أبواب الفرج.و إذا وطّنتم أنفسكم للمجاهدة في سبيل اللّه فإنّه تعالى سيريكم أنوار الفرج و يمهّد لكم سبل الخلاص كما وعدنا ذلك بقوله عزّ من قائل: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (2).

فهو سبحانه و تعالى يفتح أبواب الفرج و يمهد السبل بفضل المجاهدة و بشرط الصبر و رباطة الجأش،خارج دائرة الحسابات العادية للعقول البشرية.

تجربة ساحة الحرب

تجربة ساحة الحرب التي تنطوي المرابطة فيها على الشهادة و الإعاقة و فقدان السلامة و البعد عن الديار و عن الراحة و عن الأبناء و الأحبّة.

ساحة الحرب تكتنفها آلاف المصاعب التي لا يلمسها إلاّ من يعيش تلك الظروف.و تحمّل هذه المصاعب يعد عملا عظيما.الصمود في ميادين الحرب ضد العدو،و في ظروف الأسر،و في فترة الإعاقة-حيث لازال المعوقون ماثلين في ميدان الصبر و الصمود-يعدّ عملا مجيدا.

و ليعلم المعوّقون الأعزاء أنّ جهادهم متواصل،و أنهم في حالة مجاهدة على امتداد فترة الإعاقة،و هذه الفضيلة تختص بهم و بذويهم و بزوجاتهم و أسرهم ريثما يستعيدون بإذن اللّه عافيتهم و سلامتهم.

هذه التضحيات و المآثر هي التي أوصلت بلدنا إلى هذه المرحلة.هل كان أحد

ص: 162


1- سورة الشرح:5-6.
2- سورة الطلاق:3.

يتصور أن يهب أبناء هذا الشعب صغارا و كبارا و بدون أية مساعدة عالمية أو مساندة من قوة دولية،و يتسنّى لهم الثبات في ميدان الجهاد المقدس و الدفاع عن الذات و عن البناء و الإستقلال و مجابهة شتّى ألوان الضغوط من قبل الأعداء،و إثارة دهشتهم يوما بعد آخر؟

و هل كان بإمكاننا بلوغ هذه المرحلة لو لا هذا التفاني و الإيثار و التضحيات؟فكل واحد منكم أنتم؛سواء المحررين الأعزاء،أم الذين لا زالوا في الأسر،أم عوائلكم و أبناؤكم و آباؤكم و أمهاتكم و زوجاتكم،أم عوائل الشهداء و المعوقين،أم أبناء الشهداء،و كل الذين ذاقوا الآلام بنحو أو آخر جسميا و نفسيا،و قدّموا التضحيات و قاموا بدور الإسناد،قد شارك في صنع هذا الكنز العظيم الذي لا مثيل له و لا ينضب معينه.

و لو لا أنّ كل واحد منكم قد ضحى بما ضحّى و صبر،بما صبر لما تحققت هذه المآثر التي تفتخر بها(الشعوب)،و لما أحرز هذا النجاح.

و هذا درس مستخلص من القرآن.

معالجة المشاكل عبر العمل و التضحية

هكذا يمكن معالجة المشاكل التي تعاني منها شعوب العالم،و بهذا النحو لا غير تعالج مشكلة الشعب الفلسطيني.و الذين يتصورون إمكانية استنقاذ شعب كالشعب الفلسطيني عبر المحادثات و بلسان الرجاء و التكدّي إنما هم في وهم كبير؛بالمقاومة و الصمود فقط يمكن لأي شعب الوقوف على قدميه و نيل حقوقه، و تحقيق حياته الكريمة في الدنيا و في الآخرة.

عالم اليوم مليء بالظلم و الكذب و الخداع،و غدا لواء الدفاع عن حقوق الإنسان بيد أعدى أعداء حقوق الإنسان!و على رأسهم الحكومة الأمريكية!انظروا ماذا

ص: 163

يفعلون بالسود في بلدهم!و ليس كلامنا عن حدث وقع في الماضي،ليس خبرا عمّا وقع قبل خمسين أو مائة سنة حتى يزعموا أنهم قد أصلحوه،بل القضية متعلّقة بيومنا هذا و في كبريات مدن أمريكا.

لاحظوا أن قضية التمييز العنصري لم تحل بعد في هذا البلد الذي يدّعي الحرية و الدفاع عن حقوق الإنسان.و لازال الإنسان لا يأمن العيش في ذلك المجتمع (لجريمة)لونه الأسود!و إذا استلزم الأمر في وقت ما فإنّه يتعرض للضرب على يد أحد أفراد الشرطة إلى حد الموت(بجريمة)بشرته السوداء!هؤلاء ينادون بحقوق الإنسان!إنّهم يغمضون أبصارهم عن الجرائم المروّعة التي يرتكبها الكيان الصهيوني الغاصب،انظروا إلى ما فعله الصهاينة في الأيام القليلة الماضية بالناس الأبرياء في المدن اللبنانية؛صيدا و غيرها.

فعمليات القصف و المذابح و اختطاف الناس كلها جرائم،و هي-في مصطلحهم- ضد حقوق الإنسان،إلاّ أنه لا يشعرون بانتهاك حقوق الإنسان هناك.لو أن مظلوما فلسطينيا مضحّيا صرخ أو عبّر عن غضبه بفعل ما،تنبري حينذاك أجهزتهم الدعائية و السياسية،إلاّ أن كل هذه الجرائم التي ترتكب ضد شعب فلسطين و شعب لبنان يغضى عنها!أجل،لواء حقوق الإنسان يرفعه اليوم أمثال هؤلاء!

أ ليس هذا عالم الخداع؟أليس هذا عالم الكذب؟اليس هذا عالم الزيف؟كانوا يقولون في ما مضى:إنّ السياسة خداع؛و لكن حتى مناداتهم بحقوق الإنسان خداع،و سياستهم الدولية مبنيّة أساسا على الخداع،و خداعهم لا يقتصر على الجانب السياسي وحده.

أمثال هذه الحكومات تدّعي وجوب تسليم زمام قيادة الإنسانية بيدها و على الدول أن ترضخ لهم!و مما يؤسف له أن الكثير من الحكومات يلفّها الضعف و اللامبالاة،و عدم إدراك واجباتها و عدم العمل بها؛و هذا ما يقودها إلى الإنصياع

ص: 164

لهم.

أما الشعوب فتقف موقف المتفرّج بسبب ما ينطوي عليه من مصاعب،و من الطبيعي أن تكون النتيجة على هذه الصورة.

الشعب الإيراني صمد،و هو قادر على الصمود.و النظام الإسلامي المقدّس و حكومة الجمهورية الإسلامية قد وقفت بوجه هذه الغطرسة و هذا التعنّت.و هي لا تكتم موقفها هذا بل تصرح به بصوت عال،و تدافع عن حقوق المظلومين من غير أن تخشى التهديدات و المصاعب.

ص: 165

سبب إستمرار نجاح الثورة

و لكن لماذا؟و كيف؟و ما الذي جعل الشعب و الحكومة الإيرانية تتمتّع بمثل هذا الإقتدار؟يعود سبب ذلك إلى أن شعبنا قد بذل هذه التضحيات،فأصبح لديه استعداد لمجابهة هذه الغطرسة و هذه الضغوط.و صمودكم هذا هو الذي سيرغم العدو المعتدي المتغطرس الكاذب المستكبر على الرضوخ و التنازل عن غروره.

إنّني أدعوكم و ادعو جميع الشبان أن تكونوا على ثقة بوعد اللّه.و هو تعالى قد وعد أهل الحق إن هم تمسكوا بحقهم،فالنصر سيكون حليف الحق.و هذا يصدق على جميع المراحل؛فقد جربتموه في أيام الثورة،و جربتموه في مرحلة الحرب، و في فترة الأسر،و بعد انتهاء الحرب حين عزم الشعب الإيراني على إعادة بناء بلده من جديد،و عليكم أن توقنوا به في المستقبل أيضا؛فإنّه أمر عملي و قد جرّبتموه.

قفوا بوجه العدو حيثما وجدتموه ينتهج منطق القوّة.هذه المهمة تقع على عاتق أبناء الشعب و على رجال الحكومة و نوّاب الشعب و كل من فوضت إليه مسؤولية في هذا البلد.و لا تتنازلوا أمام العدو المعتدي و أمام استهتار الظالم و أمام الإستكبار الذي أخذ يتجبّر اليوم على القيم الإلهية و الفضائل المعنوية،و الذي يتجسد اليوم بالحكومة الأمريكية الطاغية.القوى المادية عاجزة عن الإتيان بأي فعل أهوج،و لا يمكنها فعل شيء مع شعب صامد و معتمد على طاقاته الذاتية؛إذ أن كل الطرق موصدة بوجهها.

إذا استخدموا اسلوب التشدد ينعكس الضرر عليهم،و إذا مارسوا الضغوط ينعكس الضرر عليهم،و إذا هجموا ينعكس الضرر عليهم أيضا؛لأن جوهر

ص: 166

الصمود و المقاومة جوهر نفيس في وجود كل شعب.

و سوف يتمكن الشعب الإيراني بفضل هذا الجوهر ذاته و بعون اللّه و هديه، و بالمساعدة الغيبية المعنوية،و الأدعية المباركة و التوجيه المعنوي من ولي اللّه الأعظم(أرواحنا فداه)أن يعيد للحضارة الإسلامية شموخها في العالم من جديد، و يبني صرحها الرفيع.هذا هو مستقبلكم الحتمي.و الشبان مدعوون لإعداد أنفسهم لمثل هذا العمل الخطير،و على القوى المؤمنة أن تضع هذا الهدف نصب أعينها.

ص: 167

هدف الثوار إعلاء كلمة اللّه

كان في تاريخ هذه الثورة الباهرة أناس يحملون كل معاني الحماس و الإيثار و الإخلاص و لا يستهدفون من وراء خدماتهم أيّ منال شخصي،سواء من كان منهم على رأس الحكومة،أم كان في سائر القطاعات الاخرى..و هذا ما يعد بالنسبة لنا درسا و مسارا تقتفيه اليوم بحمد اللّه حكومة الجمهورية الإسلامية و مسؤولوها.

إنّ ما يسهّل علينا مشقة الأعمال أن غايتنا هي إعلاء كلمة اللّه.فالهدف الذي يبتغيه كل واحد من(المسؤولين)حيثما كنتم هو العمل في سبيل إعلاء كلمة اللّه.

و نحن إذا تمكنّا من السير بالبلد و النظام و جماهير الشعب إلى ساحل السعادة في ظل الأحكام و القيم الإلهية،و الإقتراب بهم معنويا و فكريا و روحيا و أخلاقيا،أو ماديا و معاشيا نحو الوضع المنشود،فهذا عمل هدفه إعلاء كلمة اللّه.و هذه هي الغاية المنشودة من وراء بعثة الأنبياء و جهادهم على مرّ التاريخ.

و اليوم جاء دورنا،و ها هي ساحة الجهاد مفتوحة أمامنا؛يجب علينا جميعا أن نكد و نكدح و نتحمل الشدائد و نواجه المصاعب لنتمكن من أن نقدّم لشعوب العالم مثالا صحيحا عن حياة شعب و إرادة بلد.هدفنا هو إيصال شعبنا إلى السعادة التي أرادها له الإسلام،و كذلك من أجل أن نضع هذه التجربة أمام أنظار البشرية في العالم كلّه،و التي تعد-من حسن الحظ-تجربة جذّابة.

و على الرغم من الدعايات المعادية-و هي تنحدر كالسيل منذ أول الثورة و حتّى يومنا هذا-على نظامنا الإسلامي و على الأساليب الإسلامية في الإدارة،و على

ص: 168

الأهداف و المثل الإسلامية،إلاّ أنّ هذا النمط الإسلامي و هذا النظام الإسلامي المتجسّد في شعبنا المسلم بقي محافظا على مثاله الجذّاب في أعين العالم.

أما المطّلع على مجريات الأمور ممن يتحسس قبح النظام الجاهلي و لا يتأثر بسوء دعاياته،فلا زال ينظر إلى هذا النظام باعتباره النموذج المنشود.و لهذا يكون لزاما علينا بذل غاية جهدنا لتسليط الأضواء عليه و بيان حقيقته.

ص: 169

إنجاز الثورة الإقتصادي

لقد أنجزت على الصعيد الداخلي-و الحمد للّه-أعمال لا يستهان بها،من جملتها النظم الإقتصادي.

و موضوع النظم الإقتصادي يجب تحويله من قرارات مكتوبة إلى عملية تحديد و توضيح لطرقه العملية،عن اعتقاد راسخ بوجوب مثل هذه الأعمال.و من المحتمل طبعا أن يكون ثمّة أشخاص سواء من ذوي الرأي أو غيرهم لديهم آراء إقتصادية أخرى.و لا اعتراض لدينا على وجود الآراء المخالفة،و لكن ينبغي للجميع أن تتظافر جهودهم لإنجاز هذه المهمّة.

و لابدّ أن يكون مثل هذا القرار قرارا حقيقيا طويل الأمد.

و لا بدّ أن تحقّق الكلمات التي أعلنت في هذه المجموعة كسياسة عمل،و أن تتّخذ الخطوات لمتابعة ما طرح بصفته مشروعا حيويا و فاعلا،من أجل وضعه حيّز التنفيذ بإذن اللّه.

و لا شكّ في أن شعبنا خليق حقا في أن يبذل له المسؤولون كل وقتهم و يكرّسون كل جهودهم لهذا المشروع.

أما بالنسبة لشؤون البلد و ما يتعلّق منها بالقضايا الإقتصادية و الاهتمام بتشغيل الشباب و توجيههم فكريا و روحيا و ثقافيا،فهي مسائل ذات أهمية بالغة.

و الشريحة الأساسية التي نوجّه إليها خطابنا اليوم هي شريحة الشباب الذين يشكّلون طاقة بشرية كبرى في هذا البلد.و هذه فرصة يمكن استثمارها باعتبارها نقطة قوّة.

ص: 170

بينما يسعى العدو في الإتجاه المعاكس،يسعى إلى إحالة نقطة القوّة هذه إلى نقطة ضعف،و جرّ الشباب إلى مستنقع الرذيلة و إفسادهم سياسيا و اجتماعيا و سلوكيا بواسطة دعاياته الخبيثة.

من المؤسف أن البعض في الداخل يتصرّف بما يتواءم و هذا الإتّجاه،بل و يقوم بذات العمل الذي يسعى العدو إلى تحقيقه كإضعاف إيمان الشبّان و تقويض صلاتهم بالنظام و المسؤولين،و تثبيطهم و دفعهم إلى النظر للمستقبل نظرة متشائمة،و سلب ثقتهم من الأجواء التي يعيشون فيها.و من الطبيعي أننا لا نتوقع من العدو إلاّ الأعمال العدائية.

أمّا بالنسبة لطاقاتنا الذاتية فيجب أن تتركز مساعينا على إفشال مخططات الأعداء.

إنجاز الثورة على الصعيد السياسة الخارجية

و في مجال السياسة الخارجية فإنني أؤيد النهج الذي اختطته الحكومة اليوم بما يعنيه من الإتصال بأكثر الدول و تطبيع العلاقات مع جميع البلدان التي يمكننا إقامة علاقات معها.

و الأسلوب الصحيح في السياسة الخارجية هو تركيز جهودكم لتعلموا العالم كلّه أن الحكومة الإيرانية و الشعب الإيراني المسلم يطمح في السير نحو سعادته بإرادته و بفكره و بطاقته،و هذا هو ما نسعى إليه باعتبارنا شعبا مستقلا.

كما و أن من حق شعبنا أن يفكّر في طي طريق سعادته و تكامله بذهنه و رؤيته و بصيرته و دينه و قيمه.و هذا ما لا تستسيغه القوى الطامعة في فرض ثقافتها و رؤاها على الآخرين،بيد أنّ هذا النهج ترتضيه الشعوب المنصفة و الخيّرة.

لابدّ من التأكيد في علاقاتنا الدبلوماسية على هذا الإستقلال و على هذه العزّة،

ص: 171

و هذا النهج صحيح طبعا و هو قيد التنفيذ.فعلاقاتنا مع مختلف شعوب و دول العالم قائمة على التعاون و التفاهم.

و بالطبع هي ليست كذلك مع من ينتهج الغطرسة و التجبّر و يبتغي حل جميع القضايا بأسلوب القوّة،كأمريكا،فهذه لا تنسجم سياستها مع سياستنا.

وقوف الثورة ضد الإعتداء الأمريكي في العالم

الأحداث الأخيرة التي وقعت في السودان و أفغانستان مرفوضة كليا من قبل كل الأحرار في العالم.فلا يمكن القبول على الإطلاق بمهاجمة دولة لدولة أخرى و لشعب آخر،يستند المهاجم إلى ما لديه من قدرة،و ذريعته الوحيدة هي قدرته على التطاول و الصولة على الآخرين.

إنّ هذا المنطق مرفوض لدى كل شعوب العالم الحرّة.و قد كانت لدينا-نحن في الجمهورية الإسلامية-الشجاعة الكافية لنكون من المبادرين لإدانة هذا الفعل.و مع أنّ بعض الدول الاخرى تستهجن هذا الأسلوب،إلاّ أنها لم تكن على استعداد لإدانته و رفضه بصراحة.أما نحن فلا و لن نخضع لمثل هذا النمط من استعراض العضلات.

هناك مؤاخذتان كبيرتان على ما وقع مؤخرا في أفغانستان و في السودان، و هما:

أولا:يعتبر هذا العمل فعلا جنائيا.أنا لا أعرف أسامة بن لادن،و لا أقرّ قتل السكان المدنيين في كينيا و تنزانيا،و لا نرضى بوقوع مثل هذه الأعمال.إلاّ أننا ندين العمل الذي ارتكبوه في أفغانستان بنفس القدر الذي ندين فيه قتل الناس المدنيين الذين لا صلة لهم بأي عمل عسكري.

ص: 172

قد هاجموا في أفغانستان عددا من الناس الأبرياء و أطلقوا عليهم عشرات الصواريخ تحت ذريعة الهجوم على قوى معادية!

و في السودان دمّروا مصنعا و قتلوا أناسا لا يعرف عددهم،متذرعين بأنّهم علموا أو خمّنوا أن لأعدائهم يدا هناك!و هذا منطق مغلوط و جريمة مدانة بغض النظر عن هوية فاعلها.

و الحكومة الأمريكية مدانة على عملها هذا،و هي دولة إرهابية،و عملها هذا إرهاب دولي،و هو أكبر و أشنع من الأعمال الإرهابية التي يقترفها أفراد غير مسؤولين.

المؤاخذة الثانية تقتصر على الفعل الأمريكي و لا تسري إلى عمل خصومهم، و هي أنّ هذا التصرف الأمريكي إعتداء صارخ على بلد و انتهاك لكرامة شعب.

و من البديهي أن إحدى فوائد الحدود الموجودة بين الدول-و هي طبعا ذات فوائد،و في الوقت نفسه ذات أضرار-هي أنها تشكّل حزاما أمنيا تعيش فيه الشعوب.فبأي مجوّز تخترق دولة أجنبية هذا الحزام و تهاجم تلك الدولة بدون إعلان الحرب عليها،و ترتكب هذا العمل الشنيع كما يحلو لها بكل تكبر و غرور!! و على هذا الأساس فإنّ هذا العمل مرفوض و مدان.و نحن نستهجن هذا النهج التسلطي المتغطرس و ندينه.

إنّ السبب الذي جعل الجمهورية الإسلامية تقف منذ أول ثورتها و حتى الوقت الراهن في مواجهة ما تسمّيه بالإستكبار،هو أنها تعتبر هذه الأساليب العنجهية المتجبّرة التي تمارسها القوى الظالمة مرفوضة و مدانة.و بنفس القدر الذي يدان فيه الطالبان في هجومهم على الأبرياء في مزار شريف،يدان هجوم أمريكا على السودان و أفغانستان و قتلها للمدنيين.

كان أعداء الإسلام يعرفون موقفنا هذا.و حتى خصوم القوى الظالمة أدركوا

ص: 173

و يدركون أننا نسير على النهج و الهدف الذي رسمه لنا الإسلام،و هو نهج لا ظلم فيه و لا عدوان على حقوق الناس،و لا يتغاضى عن عدوان الظالمين على المظلومين، و هو نهج جعل في حسبانه قضية حقوق الإنسان إلى أبعد ما يمكن.هذا هو نهجنا، و هذه هي أهدافنا.

و قد تمكّنّا حتى الآن بحمد اللّه من مواصلة السير صوب هذه الأهداف. (1)4.

ص: 174


1- الثورة مظهر لتحرك الدين بوجه الطاغوت:275-284.

ص: 175

الفهرس

إمتداد ثورة الإمام الحسين عليه السلام

أثر استشهاد الحسين عليه السلام 3

صدى الثورة المباركة 5

ثورة عبد الله بن عفيف 5

ثورة المدينة 6

ثورة المختار 8

فزع السفكة المجرمين 9

الإبادة الشاملة 10

استمرار الثورة 12

ثورة أهل الحرمين 13

رسل يزيد مع ابن الزبير 15

وفد أهل المدينة عند يزيد 17

ثورة الصحابة و التابعين 19

ثورة أهل المدينة و بيعتهم لعبد اللّه بن حنظلة 19

السجاد عليه السلام يؤوي حريم بني أمية 21

إستغاثة بنى أمية بيزيد 22

ص: 176

أوامر الخليفة لقائد جيشه 23

ما أنشده خليفة المسلمين 24

مسير جيش الخلافة إلى الحرمين 25

جيش الخلافة يستبيح حرم الرسول صلّى اللّه عليه و اله 28

أخذ البيعة من المدينة على أنهم عبيد للخليفة 30

إرسال الرؤوس إلى الخليفة يزيد 32

مسير جيش الخلافة إلى مكة و مناجاة أميره 34

جيش الخلافة يحرق الكعبة في حرب ابن الزبير 36

الحجاج يرمي الكعبة ثانية 39

إحتراق الكعبة و نزول الصواعق 42

نشيد الحجاج عندما رأى البيت يحترق 44

نهاية أمر ابن الزبير و ارسال الرؤوس إلى عبد الملك بن مروان 45

الحجاج يختم أعناق أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و اله 46

انتهاء ثورة الحرمين و قيام ثورات أخرى 46

الثائرون أضعفوا الخلافة و الأئمة عليه السلام أعادوا أحكام الإسلام 47

أثر تولي الظلمة 48

كيف وعى المسلمون؟50

ثورة أهل البيت عليهم السلام 51

جاهد الأئمة بعد استشهاد الحسين عليهم السلام 54

ثورة الفقهاء في حمل أعباء التبليغ 55

ثورة زينب بنت علي عليها السلام 57

زينب الحزينة 57

ص: 177

زينب الصابرة 57

زينب العابدة الزاهدة 59

ثورة و جهاد زينب 61

شجاعة زينب في كربلاء 63

الثورة في خطبة زينب عليها السلام 65

زينب تبلّغ رسالة الحسين عليهما السلام 72

أهمية تبليغ زينب و السجاد رسالة الحسين عليهم السلام 75

وعي زينب الرسالي 77

قيادة زينب 79

علم زينب 81

فضائل زينب عليها السلام 83

ثورة التوابين تطالب بدم الحسين عليه السلام 91

قرارات المؤتمر 91

1-في كربلاء 93

2-في عين الوردة 93

ثورة التوابين برواية الطبري و ابن هشام و أبو مخنف 95

ثورة إيران 125

أثر عاشوراء في ثورة إيران 125

أوجه الشبه بين ثورة الإمام الخميني و النهضة الحسينيّة 129

الإستقامة في الثورتين 129

الأعذار الشرعية في الثورة و تقييمها 130

تقييم الإمام الحسين عليه السلام للأغذار 132

ص: 178

نموذج من استقامة الإمام الخميني 134

الضغوط الكبرى التي واجهت ثورة الإمام الخميني 136

صلابة الإمام الخميني 138

تأثر الشعوب برسالة الإمام الخميني 140

إستقامة الإمام الخميني قدوة 141

الإستقامة طريق النجاة لكل الشعوب 142

خط الإمام الخميني و نهجه 143

أثر ثورة الإمام الخميني 144

ثورة الإمام تحيي إرادة المسلمين 145

الإعتماد على الذات 147

أثر إحياء ذكرى الإمام الخميني و نهجه 150

معجزة الثورة الإسلامية 152

الإنجذاب إلى الثورة 153

الثورة لا تشكل خطرا على البلدان المجاورة 156

أوفياء الثورة:الشهداء المضحّون 157

الشهداء هدية الأنبياء 158

الجود و العزّة من تضحيات الشهداء 158

التضحية في سبيل الله 159

مفاخر الثورة الإسلامية 161

العمل و التضحية و الجهاد 161

تضحية الأسرى 162

تجربة ساحة الحرب 163

ص: 179

معالجة المشاكل عبر العمل و التضحية 164

سبب إستمرار نجاح الثورة 167

هدف الثوار إعلاء كلمة اللّه 169

إنجاز الثورة الإقتصادي 171

إنجاز الثورة على الصعيد السياسة الخارجية 172

وقوف الثورة ضد الإعتداء الأمريكي في العالم 173

الفهرس 177

ص: 180

المجلد 17

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

[الجزء السابع عشر (ثورة المختار بن أبي عبيد الثقفي)]

نسب المختار و بعض أخباره

قال المجلسي:هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمير الثقفي.

و قال المرزباني ابن عمير ابن عقدة بن عنزة:كنيته أبو إسحاق و كان أبو عبيد والده يتنوق في طلب النساء فذكر له نساء قومه فأبى أن يتزوج منهن فأتاه آت في منامه فقال:تزوج دومة الحسناء الحومة،فما تسمع فيها للائم لومة،فأخبر أهله، فقالوا:قد أمرت فتزوج دومة بنت وهب بن عمر بن معتب،فلما حملت بالمختار قالت:رأيت في النوم قائلا يقول:

أبشري بالولد أشبه شيء بالاسد

إذا الرجال في كبد تقاتلوا على بلد

كان له الحظ الاشد

فلما وضعت أتاها ذلك الآتي فقال لها:إنه قبل أن يترعرع،و قبل أن يتشعشع، قليل الهلع،كثير التبع،يدان بما صنع،و ولدت لأبي عبيد المختار و جبرا و أبا جبر و أبا الحكم و أبا امية،و كان مولده في عام الهجرة،و حضر مع أبيه وقعة قس الناطف (1)و هو ابن ثلاث عشرة سنة و كان يتفلت للقتال فيمنعه سعد بن مسعود عمه،فنشأ مقداما شجاعا لا يتقي شيئا،و تعاطى معالي الأمور،و كان ذا عقل وافر و جواب حاضر،و خلال مأثورة،و نفس بالسخاء موفورة،و فطرة تدرك الأشياء

ص: 3


1- قس الناطف:موضع قرب الكوفة،و به كان وقعة لهم على الفرس راجع أيام العرب في الاسلام للميدانى بذيل مجمع الامثال ج 2 ص 445،و فى النسخ:قيس الناطف و هو تصحيف.

بفراستها،و همة تعلو على الفراقد بنفاستها،و حدس مصيب،و كف في الحروب مجيب،و مارس التجارب فحنكته،و لابس الخطوب فهذبته.

و روي عن الأصبغ بن نباته أنه قال:رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يمسح رأسه و يقول:ياكيس ياكيس فسمي كيسان و إليه عزي الكيسانية كما عزي الواقفة إلى موسى بن جعفر عليهما السّلام و الاسماعيلية إلى أخيه إسماعيل و غيرهم من الفرق.

و عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام أنه قال:لا تسبوا المختار،فإنه قتل قتلتنا و طلب ثأرنا، و زوج أراملنا،و قسم فينا المال على العسرة.

و روي أنه دخل جماعة على أبي جعفر الباقر عليه السّلام و فيهم عبد اللّه بن شريك،قال:

فقعدت بين يديه إذ دخل عليهم شيخ من أهل الكوفة،فتناول يده ليقبلها فمنعه،ثم قال:من أنت؟

قال:أنا أبو الحكم بن المختار بن أبي عبيد الثقفي و كان متباعدا منه عليه السّلام فمديده فأدناه حتى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده،فقال:أصلحك اللّه إن الناس قد أكثروا في أبي،و القول و اللّه قولك،قال:و أي شيء يقولون؟

قال:يقولون:كذاب و لا تأمرني بشيء إلا قبلته،فقال عليه السّلام:سبحان اللّه أخبرني أبي أن مهر أمي مما بعث به المختار إليه،أو لم يبن دورنا،و قتل قاتلنا،و طلب بثأرنا، فرحم اللّه أباك-و كررها ثلاثا-ما ترك لنا حقا عند أحد إلا طلبه.

و عن أبي حمزة الثمالي قال:كنت أزور على بن الحسين عليهما السّلام في كل سنة مرة في وقت الحج فأتيته سنة و إذا على فخذه صبي فقام الصبي فوقع على عتبة الباب فانشج فوثب إليه مهر و لا،فجعل ينشف دمه و يقول:(إني)اعيذك أن تكون المصلوب في الكناسة.

قلت:بأبي أنت و امي و أي كناسة؟

قال:كناسة الكوفة.

ص: 4

قلت:و يكون ذلك؟

قال:إي و الذي بعث محمدا بالحق،لئن بعشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة،و هو مقتول مدفون منبوش مسحوب مصلوب في الكناسة ثم ينزل فيحرق و يذرى في البر،فقلت:جعلت فداك و ما اسم هذا الغلام؟

فقال:ابني زيد ثم دمعت عيناه و قال:لأحدثنك بحديث ابني هذا،بينا أنا ليلة ساجد و راكع ذهب بي النوم فرأيت كأني في الجنة و كأن رسول اللّه و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام قد زوجوني حوراء من حور العين فواقعتها و اغتسلت عند سدرة المنتهى و وليت،هتف بي هاتف،ليهئك زيد فاستيقظت و تطهرت و صليت صلاة الفجر فدق الباب رجل فخرجت إليه فإذا معه جارية ملفوف كمها على يده،مخمرة بخمار،قلت:حاجتك؟

قال:أريد علي بن الحسين.

قلت:أنا هو.

قال:أنا رسول المختار بن أبي عبيد الثقفي يقرئك السّلام و يقول:وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستمائة دينار،و هذه ستمائة دينار،فاستعن بها على دهرك،و دفع إلي كتابا كتبت جوابه،و قلت:ما اسمك؟

قالت:حوراء فهيؤها لي و بت بها عروسا،فعلقت بهذا الغلام فأسميته زيدا و سترى ما قلت لك.

قال أبو حمزة الثمالي:فو اللّه لقد رأيت كل ما ذكره عليه السّلام في زيد.

و روي عن عمر بن علي عليه السّلام أن المختار أرسل إلى علي بن الحسين عليه السّلام عشرين ألف دينار،فقبلها و بنى منها دار عقيل بن أبي طالب و دارهم التي هدمت،و كان المختار ذا مقول مشحوذ الغرار،مأمون العثار،إن نثر سجع،و إن نطق برع،ثابت الجنان،مقدم الشجعان،ما حدس إلا أصاب،و لا تفرس قط خاب،و لو لم يكن كذلك لما قام بأدوات المفاخر،و رأس على الامراء و العساكر،و ولي علي عليه السّلام عمه على

ص: 5

المدائن عاملا و المختار معه،فلما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة من قبل معاوية رحل المختار إلى المدينة،و كان يجالس محمد بن الحنفية و يأخذ عنه الاحاديث، فلما عاد إلى الكوفة ركب مع المغيرة يوما فمر بالسوق،فقال المغيرة:يا لها غارة و يا له جمعا،إني لأعلم كلمة لو نعق لها ناعق و لا ناعق لها لاتبعوه،و لا سيما الأعاجم الذين إذا القي إليهم الشيء قبلوه،فقال له المختار:و ما هي باعم؟

قال:يستأدون بآل محمد فأغضى عليها المختار،و لم يزل ذلك في نفسه،ثم جعل يتكلم بفضل آل محمد و ينشر مناقب علي و الحسن و الحسين عليهم السّلام و يسير ذلك و يقول:إنهم أحق بالأمر من كل أحد بعد رسول اللّه،و يتوجع لهم مما نزل بهم ففي بعض الأيام لقيه معبد بن خالد الجدلي جديلة قيس،فقال له:يا معبد إن أهل الكتب ذكروا أنهم يجدون رجلا من ثقيف يقتل الجبارين،و ينصر المظلومين، و يأخذ بثأر المستضعفين،و وصفوا صفته،فلم يذكروا صفة في الرجل إلا و هي في غير خصلتين:أنه شاب و قد جاوزت الستين،و أنه ردي البصر،و أنا أبصر من عقاب.

فقال معبد:أما السن فان ابن ستين و سبعين عند أهل ذلك الزمان شاب،و أما بصرك فما تدري ما يحدث اللّه فيه لعله يكل،قال:عسى،فلم يزل على ذلك حتى مات معاوية و ولى يزيد و وجه الحسين عليه السّلام مسلم بن عقيل إلى الكوفة فأسكنه المختار داره و بايعه،فلما قتل مسلم-رحمه اللّه-سعي بالمختار إلى عبيد اللّه بن زياد فأحضره،و قال له:يا ابن عبيد أنت المبايع لأعدائنا فشهد له عمرو بن حريث أنه لم يفعل.

فقال عبيد اللّه:لو لا شهادة عمرو لقتلتك،و شتمه و ضربه بقضيب في يده فشتر عينه،و حبسه و حبس أيضا عبد اللّه بن الحارث بن عبد المطلب و كان في الحبس ميثم التمار-رحمه اللّه-فطلب عبد اللّه حديدة يزيل بها شعر بدنه و قال:لا آمن ابن زياد يقتلني،فأكون قد ألقيت ما على من الشعر.

ص: 6

فقال المختار:و اللّه لا يقتلك و لا يقتلني و لا يأتي عليك إلا قليل حتى تلي البصرة، فقال ميثم للمختار:و أنت تخرج ثائرا بدم الحسين،فتقتل هذا الذي يريد قتلنا،و تطأ بقدميك على وجنتيه و لم يزل ذلك يتردد في صدره حتى قتل الحسين عليه السّلام كتب المختار إلى اخته صفية بنت أبي عبيد،و كانت زوجة عبد اللّه بن عمر،تسأله مكاتبة يزيد بن معاوية فكتب إليه فقال يزيد:نشفع أبا عبد الرحمن و كلمته هند بنت أبي سفيان في عبد اللّه بن الحارث،و هي خالته،فكتب إلى عبيد اللّه فأطلقهما بعد أن أجل المختار ثلاثة أيام ليخرج من الكوفة و إن تأخر عنها ضرب عنقه،فخرج هاربا نحو الحجاز حتى إذا صاربوا قصة لقي الصقعب بن زهير الازدي،فقال:يا أبا إسحاق ما لي أرى عينك على هذه الحال؟

قال:فعل بي ذلك عبيد اللّه بن زياد،قتلني اللّه إن لم أقتله،و اقطع أعضاءه و لأقتلن بالحسين عليه السّلام عدد الذين قتلوا بيحيى بن زكريا و هم سبعون ألفا.

ثم قال:و الذي أنزل القرآن،و بين الفرقان،و شرع الأديان،و كره العصيان، لأقتلن العصاة من أزد عمان،و مذحج و همدان،و نهد و خولان و بكر و هزان،و ثعل و نبهان،و عبس و ذبيان،و قبائل قيس عيلان غضبا لابن بنت نبي الرحمن،نعم يا صقعب و حق السميع العليم،العلي العظيم،العدل الكريم،العزيز الحكيم،الرحمن الرحيم،لأعركن عرك الأديم بني كندة و سليم،و الاشراف من تميم،ثم سار إلى مكة.

قال ابن العرق:رأيت المختار أشتر العين،فسألته فقال:شترها ابن زياد يا ابن العرق إن الفتنة أرعدت و أبرقت،و كأن قد أينعت و ألقت خطامها،و خبطت و شمست،و هي رافعة ذيلها،و قائلة ويلها،بدجلة و حولها فلم يزل على ذلك حتى مات يزيد يوم الخميس لأربع عشرة ليلة خلت من شهر بيع الأول سنة ثلاث و ستين،و قيل:سنة أربع،و عمره على الخلاف فيه ثمان و ثلاثون سنة،و كان مدة خلافته سنتين و ثمانية أشهر،و خلف أحد عشر ولدا منهم أبو ليلى معاوية،و بويع

ص: 7

له بالشام،و خلع نفسه و قد ذكرت حديثه في المقتل،و أخوه خالد امه بنت هاشم بن عتبة بن عبد شمس تزوجها مروان بن الحكم بعد يزيد،و فيها قال الشاعر:

أسلمي ام خالد رب ساع لقاعد (1).

و في تلك السنة بويع لعبد اللّه بن الزبير بالحجاز،و لمروان بن الحكم بالشام و لعبيد اللّه بن زياد بالبصرة و أما أهل العراق فإنهم وقعوا في الحيرة و الأسف و الندم على تركهم نصرة الحسين عليه السّلام و كان عبيد اللّه بن الحر بن المجمع بن حريم الجعفي من أشراف أهل الكوفة و كان قد مشى إلى الحسين و ندبه إلى الخروج معه فلم يفعل،ثم تداخله الندم حتى كادت نفسه تفيض،فقال:

فيالك حسرة ما دمت حيا تردد بين حلقي و التراقي

حسين حين يطلب بذل نصري على أهل الضلالة و النفاق

غداة يقول لي بالقصر قولا: أتتركنا و تزمع بالفراق

و لو أني اواسيه بنفسي لنلت كرامة يوم التلاق

مع ابن المصطفى نفسي فداه تولى ثم ودع بانطلاق

فلو فلق التلهف قلب حي لهم اليوم قلبي بانفلاق

فقد فاز الأولى نصروا حسينا و خاب الآخرون أولو النفاق (2). (3)ر.

ص: 8


1- بحار الأنوار:354/41 باب 45 أحوال المختار.
2- في الاصل:إلى النفاق،و هو تصحيف،و فى مقتل الخوارزمى ج 1 ص 228:ذوو النفاق.
3- بحار الأنوار:357/41 باب 45 أحوال المختار.

ذكر حبس المختار بن أبي عبيد بالكوفة و ما كان من عبيد اللّه بن زياد

قال ابن الأعثم:و تحدّث أهل الكوفة بشىء من أمر عبد اللّه بن الزبير و شاع ذلك بالكوفة،و قدمها عبيد اللّه بن زياد من البصرة فدعا بخليفته عمرو بن حريث المخزومي فقال:ويحك يا عمرو!بلغني عن ابن الزبير أمر من الأمور فلا أدري ذلك حق أم باطل،و لست أخاف على أمير المؤمنين من ابن الزبير،و إنما أخاف عليه من هذه الترابية شيعة أبي تراب علي بن أبي طالب،و لكن هل تعلم اليوم بالكوفة أحدا لا يتولى عليا و ولده؟

فقال عمرو:ما أعلم ذلك أيها الأمير إلا علما يقينا إلا من كان لعلي عدوا.

قال:فوثب عمارة بن عقبة بن أبي معيط فقال:أصلح اللّه الأمير!ههنا المختار بن أبي عبيد و هو الذي كان يؤلب عليك بالأمس الناس حتى خرج عليك مسلم بن عقيل، و قد كان فيما مضى عثمانيا و اليوم فقد صار ترابيا.

قال:و إنما تكلم عمارة بن عقبة (1)بهذا الكلام لشي كان بينه و بين المختار قبل ذلك،و ذلك أنهما قعدا ذات يوم بالمدينة بمسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فتذاكرا قريشا و فضلها و شرفها و ما قد خصّها اللّه بها من الكرامة.

فقال المختار:إن اللّه قد أعطى قريشا فضلا غير مستنكر،و إنما أعطاها ذلك بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أما في الجاهلية فنحن أولى بالفضل من قريش،و و اللّه لقد جاء اللّه تبارك و تعالى بالإسلام و هل دار من دورنا إلا و فيها امرأة من قريش و ما في دور

ص: 9


1- انظر الطبري 571/5.

قريش من نسائنا إلا ثلاث أو أربع.

قال:فغضب عمارة بن عقبة،ثم وثب فصار إلى عم المختار سعد بن مسعود الثقفي و عنده جماعة من جلسائه،فجلس إليه عمارة بن عقبة و شكى إليه المختار و ذكر ما كان من كلامه.

فقال سعد بن مسعود:أما إني سأعرفه صاحب سفه و طيش أحيانا و لوددت أني أكلبه،و أيم اللّه لأسأته إن شاء اللّه تعالى.

قال:و أقبل المختار إلى عمه قال:فلما رآه عمارة بن عقبة نهض،فقال:فقد شكاني إليك؟

فقال عمه:أجل لقد شكاك إلي و أخبرني بما كان من إستطالتك عليه و إنك لظالم متعد،و بلى أخبرني عنك أعلى قريش يستطيل و يفتخر،و إياها ينتقص و منها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

فقال المختار:يا عم!و اللّه لقد كان المستطيل علي في الكلام،و يجب عليك أن تسمع مني كما سمعت منه!

فقال له عمه:لست بسامع منك و لا قابل عنك عذرا حتى تنطلق إليه فتعتذر مما كان،قاتلك اللّه أنت الظالم!

قال:فقال المختار:و اللّه يا عم!لقد كان هو الظالم و أنا مطيعك في لقائه و الإعتذار إليه.

قال:فوثب المختار فنهض إلى عمارة بن عقبة فاعتذر إليه و ذكر حقه و قرابته، قال:فقبل عمارة عذره في وقته ذلك و قلبه فيه ما فيه.

ثم رجعنا إلى الخبر الأول قال:فلما كان ذلك اليوم و تكلم عبيد اللّه بن زياد-لعنه اللّه-بما تكلم أحب عمارة أن يغريه بالمختار فقال:ما قال:فغضب عبيد اللّه بن زياد ثم قال:علي به!فأتي بالمختار،فلما دخل وقف بين يدي عبيد اللّه بن زياد فقال له:يا

ص: 10

ابن أبي عبيد!أنت المقبل في الجيوش بالأمس لنصرة مسلم بن عقيل (1)و أنت ممن يتولى عليا و ولده؟

فقال:إني أحبهم بمحبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لهم،و أما نصرتي لمسلم بن عقيل فلم أفعل،و هذا عمرو بن حريث المخزومي يعلم ذلك،و هو شيخ أهل الكوفة يعلم أني كنت في ذلك الوقت لازما لمنزلي.

قال:و استحيى عمرو بن حريث أن يشهد على رجل مسلم في ذلك الوقت بين يدي عبيد اللّه بن زياد فيقتل،غير أنه قال:صدق أيها الأمير لم يقاتل مع مسلم بن عقيل،و لقد كذب عليه في هذا،فإن رأى الأمير أن لا يعجل عليه فإنه من أبناء المهاجرين.

قال:فرفع عبيد اللّه بن زياد-لعنه اللّه-قضيبا كان بين يديه فاعترض به وجه المختار فشتر به عينه فصار المختار أشتر في ذلك الوقت،ثم قال:يا عدو اللّه!لو لا شهادة عمرو بن حريث لضربت عنقك.

ثم قال:إنطلقوا به إلى السجن!

قال:فمضوا به إلى السجن.

قال:و بلغ ذلك عبد اللّه بن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه و هو ختن المختار على أخته صفية بنت أبي عبيد فاغتم لذلك،قال:و جزعت أيضا أخت المختار لحبس أخيها بالكوفة و أيقنت عليه من عبيد اللّه بن زياد أن يقتله.

قال:فسألت أخت المختار زوجها عبد اللّه بن عمر أن يشفع في أخيها،فكتب عبد اللّه إلى يزيد كتابا يشفع في صهره.ب.

ص: 11


1- في الطبري 569/5 أن المختار بن أبي عبيد بايع مسلم بن عقيل فيمن بايعه من أهل الكوفة... حتى خرج ابن عقيل و المختار في قرية له تدعى لقفا...فأقبل المختار في موال له حتى انتهى إلى باب الفيل بعد الغروب.

فقال يزيد لما قرأ الكتاب:و يشفع أبو عبد الرحمن في صهره فإنه أهل ذلك،فأمر كاتبه فكتب إلى عبيد اللّه بن زياد:أما بعد فخل سبيل المختار ساعة (1)تنظر في كتابي هذا،و السّلام.

قال:فلما قرأ عبيد اللّه بن زياد كتاب يزيد بعث إلى المختار و أخرجه من السجن.

فقال له:إني قد أمهلتك ثلاثا فإن (2)أصبتك بالكوفة بعد ثلاثة أيام ضربت عنقك، و السّلام (3).6.

ص: 12


1- الطبري 571/5:حين تنظر.
2- في الطبري:فإن أدركتك بالكوفة بعدها قد برئت منك الذمة.فخرج إلى رحله.
3- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 146.

ذكر هرب المختار من ابن زياد و ما كان من بيعته لابن الزبير

قال:فخرج المختار من الكوفة قاصدا نحو الحجاز،حتى إذا صار بواقصة (1)إذا هو برجل من أهل الكوفة يقال له الصقعب بن زهير،فسلّم عليه ثم قال:أبا إسحاق! ما لي أرى عينك على هذه الحالة!صرف اللّه عنك السوء!

فقال (2):غرضها هذا المدعي عبيد اللّه بن زياد عبد بني علاج ابن سمية و مرجانة.

فقال:ما له!شلّت يمينه سريعا عاجلا!

فقال:نعم يا صقعب!و قتلني اللّه إن (3)لم أقتله و أقطع أعضاءه عضوا عضوا، و لكن أخبرني عن عبد اللّه بن الزبير أين تركته؟

فقال:تركته و هو يظهر العداوة ليزيد بن معاوية،و هو أظن يبايع سرا.

فقال:بشرك اللّه بالخير يا صقعب!فو اللّه إنه لرجل قومه (4)و هو من أبناء المهاجرين الأولين،و ما هو بدون غيره يا صقعب!و اللّه إني أرى الفتنة قد أرعدت و أبرقت و كأنك يا صقعب بي و قد خرجت و سمعت و قيل لك إن المختار بن أبي عبيد في عصابة من المؤمنين يطلب بدم الوصيين أولاد بنت نبي رب العالمين،فو ربك يا صقعب لأقتلن عدد الذين قتلوا على دم يحيى بن زكرياء عليه السّلام.

فقال له الصقعب:ويحك يا أبا إسحاق!هذه و اللّه أعجوبة و أحدوثة أن يكون هذا

ص: 13


1- واقصة:منزل بطريق مكة بعد القرعاء نحو مكة.
2- في الطبري 572/5 خبط عيني ابن الزانية بالقضيب خبطة صارت إلى ما ترى.
3- الطبري:إن لم أقطع أنامله و أباجله و أعضاءه إربا إربا.
4- الطبري:إنه لرجل العرب اليوم.

منك.

فقال المختار:نعم و اللّه يا صقعب!هو و اللّه ما قلت لك فاحفظ عني حتى ترى مصاديقه.فإنه كائن لا محالة.

قال:و جعل المختار يقول:و الذي أنزل القرآن و شرع الأديان،و كتب الإيمان و كره العصيان،لأقتلن العتاة من آل درغمان و مذحج و همدان،و نهد و خولان، و بكر و هران،و بعل و نبهان و عيص و ذبيان،و قبائل قيس غيلان،تعصبا لابن بنت نبي الرحمن،نعم يا صقعب و حق السميع العليم،العلي العظيم،العدل الكريم، الرحمن الرحيم،لأعركن عرك الأديم بني محمد و سليم،و الأشراف من بني تميم.

قال:ثم ضرب المختار راحلته و مضى حتى صار إلى مكة فدخل على عبد اللّه بن الزبير فسلّم عليه و حيّاه،فرحب به ابن الزبير و قرّبه،و قال:من أين أقبلت يا أبا إسحاق؟

قال:من الكوفة،قال:فما تخبرني عنهم؟

قال:أخبرك عنهم أنهم في السر أعداء و في العلانية أتقياء،قال:فقال له عبد اللّه بن الزبير:هذه و اللّه صفة أهل السوء العبيد إذا حضر مواليهم خدموهم و إذا غابوا عنهم عابوهم.

فقال المختار:ذرني من هذا و ابسط يدك أبايعك و أعطنا ما يرضينا و ثب بنا على الحجاز حتى نأخذها،فإن أهل الحجاز كلهم معك و أنت أقرب إلى جماعة الناس، و أدهى عند ذوي النهى من يزيد بن معاوية.

قال:فسكت ابن الزبير و لم يقل شيئا.فقام المختار من عنده مغضبا فركب من ساعته و مضى إلى الطائف فأقام بها حولا كاملا عند بني عمه من بني ثقيف.

قال:وافتقده عبد اللّه بن الزبير فقال لبعض من يلوذ به من أصحابه:لك علم بالمختار بن أبي عبيد؟

فقال:ما لي به علم منذ رأيته عندك ههنا،و لكني سمعت نفرا من أهل الطائف

ص: 14

يذكرون أنه مقيم عندهم هناك،و أنه ابن عماته صاحب العقرب،و أنه سيد الجبارين و قاتل الملحدين:قال:فضحك ابن الزبير ثم قال:قاتله اللّه من متكهن كذاب!و اللّه لئن أهلك اللّه الجبارين فإن المختار أولهم قال:فما كان بأسرع من أن قدم المختار من الطائف بعد ذلك بثلاثة أيام،فأقبل نحو البيت الحرام،و عبد اللّه بن الزبير ينظر إليه و عنده نفر من أصحابه حتى دنا المختار من البيت و استلم الحجر الأسود ثم طاف فصلّى ركعتين و جلس،فجاءه قوم من أهل مكة فسلّموا عليه و جلسوا عنده.

فقال عبد اللّه بن الزبير لأصحابه:إني لا أراه يصير إلينا!

فقال العباس بن سهل الأنصاري:إن شئت أتيتك به أو بخبره!

فقال ابن الزبير:نعم فافعل.فأقبل العباس بن سهل إلى المختار و سأله عن أحواله و أحوال بني عمه بالطائف،ثم قال:يا أبا إسحاق ليس مثلك من يغيب عما اجتمع عليه أهل الشرف و بيوتات العرب!

فقال المختار:و ما ذلك؟

فقال العباس:إنه لم يبق حي من أحياء العرب إلا و قد جاء عميدهم و بايع هذا الرجل عبد اللّه بن الزبير،فعجبا لك و لرأيك ألا ما أتيته فأخذت بحظك من هذا الأمر!

فقال المختار:و اللّه يا أخا الأنصار!إني أتيته في العام الماضي و أشرت عليه بالرأي و دعوته إلى حظه فطوى أمره دوني،و رأيته مستغنيا عني فأحببت أيضا أن رآني عنه مستغنيا،فو اللّه إنه لأحوج إلي مني إليه.

فقال له العباس بن سهل:صدقت يا أبا إسحاق!قد كان ذلك،غير أنك كلمته و هو ظاهر في المسجد و هذا كلام لا يجب إلا و الستور دونك مسدولة و الأبواب دونك مغلقة،و لكن إلقه الليلة و أنا معك حتى تسمع كلامه و يسمع كلامك!

فقال المختار:إني فاعل ذلك إن شاء اللّه إذا صلينا العشاء الآخرة.

قال:فنهض الأنصاري من عنده إلى عبد اللّه بن الزبير فخبّره بما كان منه.فلما كان الليل و صليا العشاء الآخرة أقبل المختار و معه العباس بن سهل الأنصاري

ص: 15

حتى صار إلى ابن الزبير،قال:فمديده إلى المختار فصافحه و رحب به ثم سأله عن أقربائه و أهله بالطائف،فتحدثا ساعة،ثم أقبل عليه ابن الزبير و قال:إنك كلمتني بهذا الكلام و الناس حضور و الحيطان لها آذان و ليس من أحد إلا و له عدو و صديق، و هذا وقت خلوة فهات الآن ما عندك!

فقال المختار:إنه لا خير في الإكثار عن المنطق،و لا حظ في التقصير عن الحاجة،و أنت اليوم رجل قومك و قد جئتك أبايعك على أنه لا تقضي الأمور دوني و على أن أكون أول من تأذن له و آخر من يخرج عنك،فإذا أظهرك اللّه على يزيد بن معاوية فاستخلفني على أجلّ أعمالك (1)فأنتفع و أرد على أهل بيتي شيئا.

فقال له ابن الزبير:أنا أبايعك على كتاب اللّه و سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

فقال المختار:لا و اللّه لا أبايعك إلا على هذه الخصال!

قال:فسكت ابن الزبير.

فقال له العباس:إشتر منه دينه حتى ترى من رأيك!

قال ابن الزبير:أبا إسحاق!فإني أبايعك على ما ذكرت،قال:ثم بسط يده فبايعه المختار و أتى إلى منزله.

قال:فجعل الناس يبايعون عبد اللّه بن الزبير،حتى بايعه خلق كثير من أهل الحجاز و غيرهم من أهل الأمصار،و يزيد بن معاوية لا يعلم بشيء من ذلك.حتى إذا علم ابن الزبير أنه قد قوي ظهره بهؤلاء الخلق قد بايعوه أظهر عيب يزيد سرا و جهرا و جعل يلعنه و يقول فيه و في بني أمية كل ما قدر عليه من الكلام القبيح،ثم إنه كان يصعد المنبر فيقول:أيها الناس!إنكم قد علمتم ما سارت به فيكم بنو أمية من نبذ الكتاب و السنّة،و ما سار به معاوية بن أبي سفيان إنه تأمّر على هذه الأمة بغير رضى،و ادعى زياد بن أبيه ردا منه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّمك.

ص: 16


1- الطبري:و إذا ظهرت استعنت بي على أفضل عملك.

يقول:«الولد للفراش و للعاهر الحجر»،فادعى معاوية زيادا و زعم أنه أخوه،و قتل حجر بن عدي الكندي و من معه من المسلمين،ثم إنه أخذ البيعة لابنه يزيد في حياته،و نقض ما كان في عنقه من بيعة الحسين بن علي رضي اللّه عنهما،ثم هذا يزيد بن معاوية قد علمتم ما فعل بالحسين و إخوته و أولاده و بني عمه،قتلهم كلهم و أسر من بقي منهم و حملهم إلى الشام على محامل ليس لهم وطأ و لا راعى فيهم حق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و هو مشغول بلعب الفهود و القرود،و شرب الخمر و المعاصي و الفجور،فاتقوا اللّه عباد اللّه!فقد علمتم أن أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه لما ولي أمر هذه الأمة صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم خطب و قال في خطبته:أيها الناس!أطيعوني ما أطعت اللّه،فإذا عصيت اللّه فلا طاعة لي عليكم.مع كلام كثير كان له و لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه،و لست أذكر أحدا من الخلفاء الراشدين إلا أخبر عن أني أنهاكم عن طاعة من عصى اللّه و تعدّى مرة.

قال:فكان الناس يجتمعون إليه و يقولون بقوله حتى فشا ذلك في الناس.

قال:و بلغ ذلك يزيد فلم تحمله الأرض غيظا (1).8.

ص: 17


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 148.

حبس المختار برواية ابن أعثم

قال ابن الأعثم:و علم المختار أن سليمان بن صرد قد مضى في أصحابه و حدثته نفسه أنه ليس يرجع منهم أحد،فجعل يبعث إلى الشيعة و يشاورهم في الخروج،قال:و بلغ ذلك عمر بن سعد بن أبي وقاص،فأقبل و معه نفر من أصحابه حتى دخل على عبد اللّه بن يزيد فقال:أيها الأمير!إن المختار بن أبي عبيد صاحب فتنة،و قد بلغني أن قوما من هؤلاء الترابية يختلفون إليه و لست آمنه،فابعث إليه الساعة فخذه و خلّده السجن،فإنك لا تقوى به.فأرسل عبد اللّه بن يزيد إلى إبراهيم ابن محمد بن طلحة فخبّره بذلك،فركب من ساعته في جماعة من خاصته و أعوانه حتى صار إلى دار المختار ثم قال:اهجموا عليه فأخرجوه.

فقال له إبراهيم بن محمد:يابن أبي عبيد:ما هذا الذي يبلغنا عنك؟

فقال المختار:كل ما بلغكم عني فإنه باطل و زور.

قال:و أقبل عمر بن سعد على فرس له حتى وقف على المختار و قد أخرج من منزله.

فقال لإبراهيم بن محمد بن طلحة:أيها الرجل!هذا رجل يريد أن يخرج عليكم في مصركم هذه فيفسد عليكم البلد،فأوثقوه بالحديد و خلّدوه السجن إلى أن يستقيم للناس الأمر.

قال:و إذا رسول الأمير عبد اللّه بن يزيد قد أقبل إلى إبراهيم فقال:يقول لك الأمير:

شد المختار كتافا و امض به إلى السجن حافيا!

قال:فقال إبراهيم بن طلحة للرسول:يا هذا!و لم هذا؟و اللّه ما هذا جزاؤه من أمير

ص: 18

المؤمنين عبد اللّه بن الزبير و قد أبلى بين يديه البلاء الحسن و قاتل القتال الشديد! فلما ذا يشده كتافا و يسوقه إلى السجن حافيا و لم ير منه بعد إلا حسنا،و إنما أخذناه على التهمة و الظن.

قال:ثم أمر به إبراهيم بن محمد السجن فحبس.و مشى قوم من وجوه أهل الكوفة إلى عبد اللّه بن يزيد فقالوا:أيها الأمير!إن المختار بن أبي عبيد رجل من شيعة آل محمد عليه السّلام و أنت عارف به قديما و حديثا،و إنما قدم علينا لأنه رأى أمن أمير المؤمنين حفوة فأحب أن يكون في ناحيتنا،و لم يظهر لنا و لا لك عداوة منه و لا حربا،فإن رأى الأمير أن يشفّعنا فيه!

قال:فأبى عبد اللّه بن يزيد ذلك.

قال:فانصرف القوم مغضبين.

قال:و بلغ المختار ذلك فجعل يقول و هو في السجن:أما!و رب البحار،و النخل و الأشجار،و الهامة و العقار،و الملائكة الأبرار،و المصطفين الأخيار!لأقتلن كل جبار بكل مهند خطار،حتى إذا أقمت عمود الدين،و رأيت شيعة المسلمين،و شفيت غليل الصادين،من أولاد القاسطين و بقية المارقين،و أدركت بثأر أولاد النبيين،لم يكثر علي زوال الدنيا و لم أحتفل بالموت إذا أتى،إذ كان المصير إلى دار الجزاء.

قال:ثم كتب المختار إلى عبد اللّه بن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنهما:أما بعد:

فإني حبست بالكوفة مظلوما و ظن بي الولاة ظنونا كاذبة،فاكتب إلى هذين الواليين الصالحين كتابا لطيفا،عسى اللّه أن يفرّج عني من أيديهما ببركتك-و السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.

قال:فكتب عبد اللّه بن عمر إلى عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد بن طلحة:(أما بعد،فقد علمتما الذي بيني و بين المختار من الصهر و القرابة و الذي بيني و بينكما من المودة)-و السّلام عليكما و رحمة اللّه و بركاته-.

قال:فلما ورد كتاب عبد اللّه بن عمر على عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد بن

ص: 19

طلحة فأرسلا إلى المختار فأخرجاه من السجن ثم قالا له:أعطنا كفيلا أن لا تحدث أمرا و الزم منزلك!

قال:فتقدم عشرة من وجوه الشيعة فضمنوه.

قال:ثم سكت المختار و لزم منزله.

ثم رجعنا إلى أخبار سليمان بن صرد و أصحابه قال:و سار سليمان بن صرد و أصحابه من القيارة حتى صاروا إلى هيت (1)،ثم رحل من هيت إلى عانات (2)و ما يليها،حتى صار إلى مدينة قرقيسيا (3)و بها يومئذ رجل من العرب يقال له زفر بن الحارث الكلابي من بني كلاب،فلما نظر إلى خيل المسلمين قد أقبلن من ناحية الكوفة كأنه اتقى من ناحيتهم فأمر بأبواب مدينتهم فغلقت.

قال:و نزل المسلمون حذاء مدينته على شاطئ الفرات،و دعا سلمان بن صرد بالمسيب بن نجبة الفزاري فقال له:صر إلى ابن عمك هذا فخبّره إنا لسنا إياه أردنا، و إنما نريد عبيد اللّه بن زياد و أصحابه-لعنهم اللّه-الذين قتلوا الحسين بن علي رضي اللّه عنهما،و قل له يخرج إلينا سوقا حتى نتسوق و ننظر ما يكون من خبر هؤلاء،ثم نرحل إليهم و لا قوة إلا باللّه و إن شاء اللّه.

قال:فأقبل المسيب بن نجبة حتى نزل في زورق،و عبر و صار إلى باب قرقيسيا و كلم الناس فقالوا له:من أنت؟

فقال:أنا رجل من أهل هذا العسكر و أنا ابن عم صاحب مدينتكم هذه،قال:

فانطلق القوم إلى الملك فخبّروه بذلك،فأذن له في الدخول،فدخل المسيب و صار إلى زفر فدخل و سلّم عليه فرد عليه السّلام و أدناه و أجلسه إلى جانبه،ثم سأله عنق.

ص: 20


1- هيت:بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار.
2- عانات بلد بين الرقة و هيت،و بالأصل:غانات.
3- قرقيسيا:بلد على نهر الخابور قرب رحبة مالك بن طوق.

حاله و أمره.

فقال له المسيب:إنا لسنا إياك أردنا و لا لك قصدنا،إنما نريد هذا الفاسق عبيد اللّه ابن زياد و أصحابه الذين قتلوا ابن بنت نبي رب العالمين،فإن رأيت أن تخرج لنا سوقا فإنا لا نقيم ههنا إلا يومين أو ثلاثة ثم نرحل عنك إن شاء اللّه.

قال:فقال له زفر بن الحارث:إنا لم نغلق باب مدينتنا هذه لأجل العسكر،و لكن السمع و الطاعة.

ثم دعا زفر بولد له يقال له هذيل و أمره أن يخرج لهم سوقا و زاد في إكرامهم،ثم أخرج إليهم الدقيق الكثير و الشعير و جميع ما يحتاجون إليه،فظل القوم يومهم ذلك و الثاني مخصبين لا يحتاجون إلى شيء من ذلك السوق الذي خرج إليهم.فلما كان اليوم الثالث نادى فيهم سليمان بن صرد بالرحيل،فرحل الناس و خرج إليهم صاحب قرقيسيا زفر بن الحارث،فجعل يسايرهم ساعة ثم أقبل على سليمان بن صرد و من معه من الرؤساء فقال:إني لأرى لكم خيلا عتاقا و رجالا هينة حسنة قلّ ما رأيت مثلها غير أني أخبركم أن هذا اللعين عبيد اللّه بن زياد قد ترك الرقة لمّا بلغه من مسيركم إلى ما قبله،و قد وجّه نحوكم بخمسة من قواده،منهم:الحصين بن نمير السكوني و شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري و أدهم بن محرز الباهلي و ربيعة بن المخارق الغنوي و حملة بن عبد اللّه الخثعمي،و قد أتوكم بالشوك و الشجر و في عدة لا طاقة لكم بها.

قال:فقال سليمان:على اللّه توكلنا و على اللّه فليتوكل المتوكلون.

فقال زفر بن الحارث:نعم ما قلت!و لكن هل أدلكم على أمر أعرضه عليكم لعل اللّه تبارك و تعالى يجعل لنا و لكم فيه فرجا؟

فقال سليمان:و ما ذلك؟

فقال:إن شئتم فتحنا لكم باب مدينتنا فتدخلونها فيكون أمرنا و أمركم واحدا و أيدينا و أيديكم على القوم واحدة،و إن شئتم نزلتم على باب مدينتنا و نعسكر نحن

ص: 21

إلى جانبكم،فإذا جاء هذا العدو قاتلناه جميعا،فعسى اللّه تبارك و تعالى أن يظفركم.

قال:فقال سليمان:إنه قد عرض علينا هذا أهل مصرنا بالكوفة فلم نفعل و كتب بذلك إلينا فأبينا.

فقال زفر:أما إذا أبيتم ذلك فافهموا عني ما أقول لكم فإني عدو للقوم لخصال شتى،و أنا أحب أن يجعل اللّه الدائرة عليهم و أنا لكم محب،و أحب أن يحفظكم اللّه بالعافية،فاسمعوا مشورتي عليكم و اقبلوها مني فإنها مشورة ناصح ودود، و اعلموا أن القوم قد فصلوا من الرقة إلى ما قبلكم أربعمائة فارس من أشد فرسان عسكره،و قال له:حسر حتى تلقى أول عسكره،فإذا عاينتهم فاحمل عليهم بمن معك من أصحاب هؤلاء حملة ترعب بها قلوبهم.

قال:فسار المسيب في أصحابه الذين معه حتى إذا أصبح الصباح و أشرف على عسكر شرحبيل بن ذي الكلاع و نظر إليه صاح بأصحابه أن كبّروا عليهم:يا سباع العراق!

قال:فحمل أهل العراق على أهل الشام فانهزموا و قد ألقى اللّه الرعب في قلوبهم.

قال:و سارت أهل الشام حتى وافوا أهل العراق بعين الوردة يزيدون على عشرين ألفا،و أهل العراق يومئذ في ثلاثة آلاف و ثلاثمائة رجل.

قال:ثم تعبّأ أهل الشام و كان على ميمنتهم جبلة بن عبد اللّه،و على ميسرتهم ربيعة بن المخارق الغنوي،و على جناحهم شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري،و في القلب الحصين.

قال:و زحف القوم بعضهم على بعض.

قال:و صاح أهل الشام:يا أهل العراق!هلموا إلى طاعة أمير المؤمنين عبد الملك ابن مروان،فناداهم أهل العراق:يا أهل الشام!هلموا إلى طاعة أهل بيت النبوة، فإنهم أحق بهذا الأمر من بني مروان،أو ادفعوا إلينا ابن مرجانة عبيد اللّه بن زياد.

قال:و جعل سليمان بن صرد ينادي بأعلى صوته:يا شيعة آل محمد!يا من

ص: 22

يطلب بدم الشهيد ابن فاطمة!أبشروا بكرامة اللّه عز و جل،فو اللّه ما بينكم و بين الشهادة و دخول الجنة و الراحة من هذه الدنيا إلا فراق الأنفس و التوبة و الوفاء بالعهد!ثم كسر سليمان بن صرد جفن سيفه و تقدّم نحو أهل الشام و هو يرتجز و يقول:

إليك ربي تبت من ذنوبي و قد علاني في الورى مشيبي

فارحم عبيدا غير ما تكذيبي و اغفر ذنوبي سيدي و حوبي

ثم حمل و لم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة و قتل-رحمه اللّه-.

قال:و تقدّم المسيب بن نجبة الفزاري فجعل يطعن في أهل الشام و هو يقول:

لقد منيتم يا أخي جلادي بيت المقام مقفص الأعادي

ليس بفرار و لا حياد أشجع من ليث عرين عادي

ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل-رحمه اللّه-.

قال:و تقدّم عبد اللّه بن سعد بن نفيل الأزدي فأخذ الراية فرفعها لأهل الكوفة و جعل يقول:رحمكم اللّه!إخوتي! فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (1)قال:و تقدم بالراية فجعل يطعن بها في أعراض أهل الشام و هو يقول:

إرحم الهي عبدك التوابا و لا تؤاخذه فقد أنابا

لا كوفة يبقى و لا عراقا لا بل يريد الموت و العتاقا

قال:ثم حمل و لم يزل يقاتل حتى قتل-رحمه اللّه-.

قال:و تقدّم رفاعة بن شداد البجلي نحو صفوف أهل الشام و هو يرتجز و يقول:

يا رب إني تائب إليكا قد اتكلت شدتي عليكا قدما

أزجى الخير من يديكا فاجعل ثوابي علي لديكا

ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى جرح،فرجع إلى أصحابه مجروحا،ثم التفت رجل3.

ص: 23


1- سورة الأحزاب الآية 23.

من أهل المدائن فقال:و يحكم يا أهل العراق!ما لكم بهؤلاء طاقة،و ذلك أنا إذا قتلناهم لم يتبين ذلك عليهم لكثرتهم،و إذا قتلوا منا بان لهم ذلك لقلّتنا،فارجعوا بنا رحمكم اللّه إلى بلدنا لعل اللّه أن يكفينا أمرهم.

قال:فقال له عبد اللّه بن عوف بن الأحمر الأزدي:يا هذا الرجل!بئس و اللّه ما قلت! لقد أشرت علينا بمشورة ما أردت بها إلا هلاكنا،و اللّه لئن وليناهم الأدبار ليركبن أكتافنا فلا نبلغ إلا فرسخا واحدا حتى نقتل عن آخرنا.

قال:و تقدم صخر بن حذيفة و كان مزنيا من خيار أهل الكوفة و زهادهم حتى وقف بين الجمعين و معه يومئذ نيف عن ثلاثين رجلا من بني عمه،فأقبل عليهم فقال:يا بني عمي!إن هؤلاء الذين تقاتلونهم هم الذين قتلوا ابن بنت رسول اللّه الحسين بن علي رضي اللّه عنهما و ساروا برأسه إلى يزيد بن معاوية منكوب الدماغ،يريدون بذلك الزلفى و المرتبة و الجائزة،فانظروا و لا تهابوا الموت فإنه لاقيكم و لا ترجعوا إلى الدنيا التي خرجتم منها فإنها لن تبقى لكم دارا.

قال:ثم تقدّم صخر بن حذيفة هذا و هو يرتجز و يقول:

بؤسا لقوم قتلوا حسينا بؤسا و تعسا لهم و حينا

أرضوا يزيد ثم لاقوا شينا و لم يخافوا بغيهم علينا

ثم حمل و حمل معه قومه و عشيرته،فجعل يقاتلهم وحده حتى قتل منهم جماعة.

قال:فناداه قوم من أهل الشام:من أنت ويلك خبّرنا باسمك و نسبك؟

فقال:يا بقية القاسطين!أنا من بني آدم،فقالوا:كلنا من بني آدم،فمن أنت منهم؟

فقال:لا أحب أن أعرّفكم نفسي يا محرقي البيت الحرام!

قال:ثم جعل يرتجز و يقول:

إني إلى اللّه من الذنب أفر أنوي ثواب اللّه فيمن قد أسر

و أضرب القرن بمصقول بتر و لا أبالي كلما كان قدر

ص: 24

قال:ثم حمل عليهم،فأحدقوا به فقتلوه،ثم عرف بعد ذلك فقال رجل من أهل الشام:هذا عبيد اللّه بن عبيد الرافعي،هذا فارس مزينة قاطبة.

قال:فعندها عزم أهل العراق على التنحي من أيدي أهل الشام،ثم إنهم دفنوا قتلاهم في جوف الليل و سووا عليهم الأرض لكي لا يعرفوا،و خرج القوم ليلا يريدون العراق،فكانوا لا يمرون بجسر إلا جازوا عليه و قطعوه،و لا يجوزون على قنطرة إلا كسروها و غوروها (1).

قال:فأصبح أهل الشام فلم يروا منهم أحدا فخبّروا بذلك أميرهم الحصين بن نمير السكوني فلم يبعث في طلبهم حتى و صلوا إلى قرقيسيا،فأقاموا بها أياما و استراحوا،ثم ساروا منها إلى هيت،و قد مات منهم في الطريق جماعة.

قال:فخرج إليهم عبد اللّه بن يزيد الأنصاري أمير الكوفة فاستقبلهم و عزّاهم.

قال:و خرج إليهم أيضا المختار بن أبي عبيد فعزّاهم (2)و قال:أبشروا فقد قضيتم ما عليكم و بقي ما علينا،و لن يفوتنا منهم من بقي إن شاء اللّه تعالى.انقضاء حديث عين الوردة و ما كان بها-من الحروب.ابتداء خروج المختار بن أبي عبيد و ما كانم.

ص: 25


1- في الطبري 604/5 نظر رفاعة بن شداد إلى كل رجل قد عقر به و إلى كل جريح لا يعين على نفسه فدفعه إلى قومه ثم سار بالناس ليلته كلها حتى أصبح بالتنينير فعبر الخابور و قطع المعابر ثم مضى لا يمر بمعبر إلا قطعة.
2- في الطبري 605/5 و أقبل أهل الكوفة إلى الكوفة،فإذا المختار محبوس.و في موضع آخر ص 606 أن المختار كتب إلى رفاعة بن شداد حين قدم من عين الوردة:أما بعد،فمرحبا بالعصب الذين أعظم اللّه لهم الأجر حين انصرفوا،و رضي انصرافهم حين قفلوا.أما و رب البنية التي بنى ما خطا خاط منكم خطوة و لا رتا رتوة إلا كان ثواب اللّه له أعظم من ملك الدنيا.إن سليمان قد قضى ما عليه و توفاه اللّه فجعل روحه مع أرواح الأنبياء و الصديقين و الشهداء و الصالحين،و لم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون،إني أنا الأمير المأمور و الأمين المأمون و أمير الجيش و قاتل الجبارين و المنتقم من أعداء الدين و المقيد من الأوتار،فأعدوا و استعدوا و أبشروا و استبشروا أدعوكم إلى كتاب اللّه و ستة نبيه صلّى اللّه عليه و آله و إلى الطلب بدماء أهل البيت:و الدفع عن الضعفاء و جهاد المحلين و السّلام.

منه قال:و أرسل عبد اللّه بن الزبير إلى عبد اللّه بن يزيد الأنصاري فعزله عن الكوفة و ولّى مكانه عبد اللّه بن مطيع العدوي.

قال:فقدم عبد اللّه بن مطيع أميرا على الكوفة و ذلك في رمضان من سنة خمس و ستين ليلة الخميس لثلاث بقين من الشهر،فدخل إلى قصر الإمارة،فلما كان من الغد نادى في الناس أن يحضروا المسجد الأعظم،فحضروا و فيهم يومئذ المختار ابن أبي عبيد و جماعة من أصحابه الذي كانوا بايعوه،و جاء عبد اللّه بن مطيع فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و قال:أما بعد يا أهل الكوفة!فإن أمير المؤمنين بعثني أميرا عليكم و أمرني بحياطة مصركم،فاتقوا اللّه عباد اللّه و لا تختلفوا،و إن لم تفعلوا فلا تلوموني و لوموا أنفسكم و السّلام،فو اللّه لأوقعن بالسقيم العاصي، و لأقيمن أود المرتاب.

قال:فالتفت المختار إلى من كان حوله من الشيعة فقال:إنه قد تكلم بما قد سمعتم،فقوموا فردوا عليه و لا تمهلوه!

قال:فوثب إليه السائب بن مالك الأشعري فقال:أيها الأمير!إنا قد سمعنا كلامك، إن أمير المؤمنين أمرك أن لا تحمل عنا و نحن نشهدك أن لا نرضى أن تحمل علينا فيئنا و لكن يكون ذلك في فقرائنا،و أما ما ذكرت من سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب و سيرة عثمان بن عفان فلسنا نقول في القوم إلا خيرا غير أنا نحب أن تسير فينا سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه،فليس علي عندنا بدون عمر و لا عثمان،و إن فعلت ذلك و إلا فلست لنا بأمير و لا نحن لك برعية، و السّلام..

قال:و تكلم عامة الناس بما تكلم به السائب بن مالك الأشعري و قالوا:أحسنت يا سائب!فلا يعدمك المسلمون!

قال:فقال عبد اللّه بن مطيع:يا هؤلاء!اسكتوا،فو اللّه ما نسير فيكم إلا بما تحبون.

قال:ثم نزل عن المنبر و دخل إلى منزله و أقبل إليه إياس بن مضارب العجلي

ص: 26

و هو صاحب شرطته،فقال:أصلح اللّه الأمير!إن الذي اعترض عليك في المسجد و قال:ما قال:هو رجل من الأشعريين من رؤساء أصحاب المختار،و لست آمن المختار أن يخرج عليك في عملك هذا،و لكن ابعث إليه الساعة فادعه إليك،فإذا جاءك فاحبسه إلى أن يستقيم أمر الناس،و معه قوم من أهل مصرك هذا قد بايعوه سرا، و كأنك به و قد خرج عليك ليلا و نهارا.

قال:فدعا عبد اللّه بن مطيع برجلين من أصحابه:أحدهما زائدة بن قدامة،و الآخر الحسين بن عبد اللّه الهمداني،و قال لهما:انطلقا إلى المختار فادعواه إلي!

قال:فأقبلا حتى دخلا على المختار،فسلّما عليه ثم قالا:يا أبا إسحاق!أجب الأمير،فإنه يدعوك لأمر أحب فيه مشورتك.

قال:فغمزه زائدة بن قدامة و فهمها المختار فقال:يا غلام!ألق علي ثقيلا،فإني أجد في نفسي.

قال:ثم رمى نفسه و تمثل بهذا البيت:

إذا ما معشر كرهوا أمورا و لم يأتوا الكريهة لم يهابوا

ثم قال:ارجعا إلى الأمير فأعلماه حالي و ما أجد في بدني.

فقال له زائدة بن قدامة:إني فاعل ذلك يا أبا إسحاق!

قال المختار:و أنت يا أخا همدان فأعذرني عنده،فإنه خير لك عندي!

فقال الهمداني:أفعل ذلك و لا أخبر الأمير عنك إلا ما تحب.

ثم أقبلا حتى دخلا على عبد اللّه بن مطيع فخبّراه بعلة المختار،فصدّقهما و لها عن ذكر المختار.

قال:و جعل المختار يجمع أصحابه و يقول:تهيأوا و كونوا على أهبة الخروج و الطلب بدماء أهل بيت نبيكم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1).7.

ص: 27


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 225-227.

ابتداء حرب واقم

ابتداء حرب واقم (1)

قال ابن الأعثم:لما بلغ يزيد بن معاوية ما فيه عبد اللّه بن الزبير من بيعة الناس له و اجتماعهم إليه،دعا بعشرة نفر من وجوه أصحابه (2)،منهم النعمان بن بشير الأنصاري،و شريك بن عبد اللّه الكناني،و زمل بن عمرو العذري،و مالك بن هبيرة السكوني،و عبد اللّه بن عضأة الأشعري،و روح بن زنباع الجذامي،و أبو كبشة السكسكي،و سعيد بن عمرو الهمداني،و عبد اللّه بن مسعدة الفزاري،و عبد الرحمن ابن مسعود الفزاري،فدعا بهؤلاء العشرة ثم قال لهم:إن عبد اللّه بن الزبير قد تحرك بالحجاز و أخرج يده من طاعتي و دعا الناس إلى سبّي و سبّ أبي،و قد اجتمع إليه قوم يعينونه على ذلك،و يزينون له أمره.و أنا أكره البغي عليه قبل الإعذار إليه، و لكن صيروا إليه!فإذا دخلتم عليه فعظّموا حقه و حق أبيه الزبير،و خبّروه بالذي بلغني عنه و سلوه بعد ذلك أن يلزم الطاعة و لا يفارق الجماعة و أن يرجع إلى الأمر

ص: 28


1- واقم:أطم من أطام المدينة،و حرة و أقم إلى جانبه.و في هذه الحرة كانت وقعة الحرة المشهورة سنة 63.
2- في الأخبار الطوال ص 263:من أشراف أهل الشام.و فيه ص 262 أن يزيد كان قدم إلى ابن الزبير رجلا من عشرة نفر من حرسه و قال له:انطلق فانظر ما عنده،فإن في الطاعة فخذه بالبيعة،و إن أبى فضع في عنقه جامعة و ائتني به.و أتاه الحرسي. فقال له ابن الزبير:انصرف إلى صاحبك فأعلمه أني لا أجيبه إلى شيء مما يسألني. قال الحرسي:أ لست في الطاعة. قال:بلى غير أني لا أمكنك من نفسي.فانصرف الحرسي إلى يزيد و أخبره بذلك.

الذي خرج منه،و عليكم بالرفق و التأني (1)،فإن أجاب إلى ذلك فخذوا بيعته و انصرفوا عنه،و إن أبى إلا العداوة و شق العصا فخوّفوه و حذّروه ما نزل بالحسين بن علي.و ليس الزبير عندي بأفضل من علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، و لا ابنه عبد اللّه بأفضل من الحسين بن علي عليه السّلام،و انظروا أن لا تلبثوا عنده فإني متعلق القلب بورود خبركم علي و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

قال:فخرج القوم من الشام و ساروا إلى مكة و دخلوا على عبد اللّه بن الزبير، و عنده يومئذ المختار بن أبي عبيد و عبد اللّه بن مطيع العدوي و العباس بن سهل الأنصاري و وجوه أولاد المهاجرين و الأنصار،قال:فسلّموا عليه،فرد عليهم السّلام و رحب بهم و قرّبهم و أدناهم ثم سألهم عن حالهم و أمرهم،فأدوا إليه رسالة يزيد.

فقال عبد اللّه بن الزبير:و ما الذي يريد مني يزيد بن معاوية؟إنما أنا رجل مجاور لهذا البيت عائذ به من شر يزيد بن معاوية و غير يزيد،فإن تركني فيه و إلا انتقلت عنه إلى بلد غيره،و كنت فيه إلى أن يأتيني الموت.

قال:ثم أمر لهم بمنزل،فصاروا إليه يومهم ذلك و أمر لهم بما يصلحهم.فلما كان من الغد خرج فصلّى بأصحابه الفجر،ثم أقبل فجلس في الحجر،و اجتمع إليه أصحابه،و أقبل إليه هؤلاء الوفد الذين قدموا عليه من عند يزيد و تكلموا كلاما يرجون به اتباعه ليزيد و طاعته له.

قال:فأقبل إليه النعمان بن بشير فقال:بلغ يزيد عنك أنك تصعد المنبر فتذكره و تذكر أباه معاوية بكل قبيح،و أنت تعلم أنه إمام و قد بايعه الناس،و لا نحب لك أن تخرج يدك من الطاعة و تفارق الجماعة،و بعد فإن الغيبة لا خير فيها.ة.

ص: 29


1- في الأخبار الطوال:فقال لهم(يعني يزيد):انطلقوا فأعيدوه إلى الطاعة و الجماعة و أعلموه أن أحب الأمور إلي ما فيه السلامة.

قال:فقطع عليه الكلام عبد اللّه بن الزبير،ثم قال:يابن بشير!إن الفاسق لا غيبة له،و ما قلت فيه إلا ما قد علمه الناس منه،و لو كان على ما كان عليه الأئمة الأخيار سمعنا و أطعنا و لذكرناه بكل جميل،و بعد فإني أنا في هذا البيت بمنزلة حمامة من حمام مكة،أفتحل لكم أن تؤذوا حمام مكة؟

قال:فغضب عبد اللّه بن عضأة الأشعري فقال:نعم و اللّه يابن الزبير (1)!نؤذي حمام مكة و نقتل حمام مكة،و ما حرمة حمام مكة يابن الزبير!أ تصعد المنبر و تتكلم في أمير المؤمنين بكل قبيح ثم تشبّه نفسك بحمام مكة؟ثم قال:يا غلام! ائتني بقوسي و سهم!

قال:فأتي بقوسه و سهامه.فأخذ سهما فوضعه في كبد قوس ثم سدده نحو حمام مكة و قال:يا حمامة!أ يشرب أمير المؤمنين و يفجر؟

قولي:نعم!أما و اللّه لو قلت:نعم،لما أخطأك سهمي هذا،يا حمامة!أ يلعب أمير المؤمنين بالقرود و الفهود و يفسق في الدين؟

قولي:نعم!أما و اللّه لئن قلت:نعم،لا أخطأك سهمي هذا،يا حمامة!فتقتلين أم تخلعين الطاعة و تفارقين الجماعة و تقيمين في الحرام عاصية؟

قولي نعم (2)!

قال:ثم أقبل عبد اللّه بن عضأة على ابن الزبير فقال له:ما لي لا أرى الحمامة تنطق بشىء و أنت الناطق بجميع ما كلّمتها فيه على المنبر،أما و اللّه يابن الزبير!إني خائف عليك و أقسم باللّه قسما صادقا لتبايعن يزيد طائعا أو كارها أو لتعرفني في هذه البطحاء و في يدي راية الأشعريين.ا.

ص: 30


1- في الأخبار الطوال ص 263 و كان ابن الزبير قال لابن عضأة:أ تستحل قتالي في هذا الحرم؟ قال:نعم إن أنت لم تجب إلى طاعة أمير المؤمنين.
2- في الأخبار الطوال:ثم قال:يا حمامة،أ تعصين أمير المؤمنين؟و التفت إلى ابن الزبير،و قال:أما أنها لو قالت نعم،لقتلتها.

قال:فقال له المختار بن أبي عبيد:أما و اللّه يابن عضأة!لئن أنت رمت ذلك و أردت بصاحب هذا البيت سوءا ليدمرن اللّه عليك و على صاحبك يزيد كما دمر على أصحاب الفيل إذ راموه فجعل كيدهم في تضليل،فإن شئت فرم ذلك!

فقال له عبد اللّه بن عضأة:يابن أبي عبيد!أما إن عبيد اللّه بن زياد قد كان حازم الرأي في حبسك بالكوفة،و لو ضرب عنقك لأصاب الرأي،و لكن لا جزى اللّه صهرك عبد اللّه بن عمر خيرا.

قال ابن أبي عبيد:و اللّه ما كان أبوه أمير المؤمنين،و قد قتل و سفك دماء المؤمنين،و قد قتل ابن بنت نبي رب العالمين.

قال:و ارتفعت الأصوات بين عبد اللّه بن عضأة و بين المختار،فأقسم عبد اللّه بن الزبير على المختار أن يسكت،فسكت،ثم أقبل على عبد اللّه بن عضأة فقال:يا هذا! أ تستحل دمي في البيت الحرام و قد أخبر اللّه تعالى في كتابه وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (1)؟

فقال ابن العضأة:إنما يستحل الحرام من حلّ فيه و خلع الطاعة و فارق الجماعة.

قال:و كثر الكلام بين القوم (2)و لم يجبهم ابن الزبير إلى ما يريدون،فانصرفوا

ص: 31


1- سورة آل عمران 97.
2- زيد في الأخبار الطوال ص 263-264 أن ابن الزبير خلا بنعمان بن بشير فقال:أنشدك اللّه،أنا أفضل عندك أم يزيد؟ فقال:بل أنت. فقال:فوالدي خير أم والده؟ قال:بل والدك. قال:فأمي خير أم أمه؟ قال:بل أمك. قال:فخالتي خير أم خالته؟ قال:بل خالتك. قال:فعمتي خير أم عمته؟ قال:بل عمتك،أبوك الزبير و أمك أسماء بنت أبي بكر و خالتك عائشة و خالتك خديجة بنت خويلد. قال:أ فتشير علي بمبايعة يزيد. قال النعمان:أما إذا إستشرتني فلا أرى لك ذلك..

عنه،حتى إذا صاروا إلى يزيد فخبّروه بذلك،فأمهله يزيد و جعل يتأنى في أمره و يقول لأصحابه:و يحكم!إني قتلت بالأمس الحسين بن علي عليه السّلام و أقتل اليوم عبد اللّه ابن الزبير!أخاف أن تشعث علي العامة و لا يحتمل ذلك لي و يتنغص علي أمري.

قال:و جعل عبد اللّه بن الزبير يجمع الجموع و جعل يقوّي أمره يوما بعد يوم، و محمد ابن الحنفية رضي اللّه عنه معتزل عنه في منزله و لا يدخل في طاعته (1).3.

ص: 32


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 153.

ذكر ما قتل فيها من المسلمين

قال ابن الأعثم:و خرج أهل المدينة مع أميرهم عبد اللّه بن حنظلة بن أبي عامر إلى حرب أهل الشام،فعبّأ عبد اللّه بن حنظلة أصحابه و جعل على ميمنته يعقوب بن طلحة بن عبيد اللّه،و على ميسرته أبو جهم بن حذيفة العدوي،و على الجناح عبد اللّه بن خزيمة بن أبي ثابت الأنصاري،و عبّأ مسلم بن عقبة أصحابه عن المدينة.

قال:فاختلطوا و اقتتلوا.فوقعت الهزيمة على أهل المدينة،فقتل منهم مقتلة عظيمة،فأما المقتل فقيل إنهم لما انهزموا أخذهم السيف فقتل من أولاد المهاجرين ألف و ثلاثمائة و قتل من أبناء الأنصار ألف و سبعمائة،و من العبيد و الموالي و سائر الناس ثلاثة آلاف و خمسمائة:فتلك ستة آلاف و خمسمائة رجل (1)و دخل أهل الشام إلى المدينة بالسيف فجعلوا يقتلون كل من يقدرون عليه من صغير أو كبير، ثم وضعوا الغارة على أهل المدينة فأغاروا عليها ثلاثة أيام و لياليها و فجروا بالنساء.

قال أبو سعيد الخدري:فو اللّه ما سمعنا الأذان بالمدينة منذ ثلاثة أيام إلا من قبر

ص: 33


1- في عدد من قتل من أهل المدينة أقوال. قال خليفة بن خياط في تاريخه ص 250:فجميع من أصيب من الأنصار مئة رجل و ثلاثة و سبعون رجلا،و جميع من أصيب من قريش و الأنصار ثلاثمئة رجل و ستة رجال.و قد ذكر خليفة ص 240 و ما بعدها أسماء من قتل يوم الحرة.و انظر في عدد من قتل ابن الأثير 600/2 سير أعلام النبلاء /3 220 العقد الفريد 390/4 مروج الذهب 85/3 النجوم الزاهرة 161/1 الإمامة و السياسة 237/1 البداية و النهاية 220/8 و المعرفة و التاريخ 325/3.

النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

قال:و مسلم بن عقبة المري قد وضع له سرير على باب المسجد و كل من أتي به ضرب عنقه.

قال:فبينما هو كذلك إذ أتي بأبي جهم بن حذيفة العدوي و هو ابن عم عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه.

فقال له مسلم بن عقبة:من أنت؟

فقال:أنا أبو جهم بن حذيفة العدوي!

قال:و تتكنى علي و تقول أنا أبو جهم بن حذيفة،بايع الآن يزيد بن معاوية على أنك عبد من عبيده!

فقال أبو جهم:يا سبحان اللّه كيف أكون عبدا ليزيد و أنا رجل من قريش معروف الحسب و النسب!

فقال مسلم بن عقبة:اضربوا عنقه!

فقال:إني أبايع على ما تأمرني به،فقال:لا و اللّه لا سمرة بن جندب.

فقال له مسلم:من الرجل؟

قال:رجل من بني أمية،فقال:بايع يزيد على أنك عبده!

فقال:ما كنت قط إلا حرا فكيف أكون عبدا ليزيد و أنا معه في عبد شمس،فقال:

اضربوا عنقه!فجردوه بين يديه فضربوا عنقه.

ثم قال:اطلبوا لي معقل بن سنان!فإنه ابن عمي فلعله قد خاف مني،فطلبوه فأصابوه و قد خرج من المدينة يريد مكة،فأخذوه فقالوا:إن ابن عمك قد أمرنا أن نأتي بك إليه فقال و يحكم!اتقوا اللّه فإني عارف به و إن كان ابن عمي،فقالوا:و اللّه لا نفارقك أو نأتي بك إليه قال:ثم أتوا به و قد أجهده العطش،و كان شيخا قد أسن،فلما نظر إليه ابن عقبة قال:يا غلام!علي بقدح من سويق الكوز الذي زوّدناه أمير المؤمنين!

ص: 34

قال:فأتي بقدح فيه سويق الكوز مكتوف بالقند،فجرّعوه بالماء ثم ناولوه إياه.

فقال له مسلم بن عقبة:إشرب أبا محمد!فعزيز علي ما نالك من العطش.فلما شرب قال له مسلم بن عقبة:أ تذكر إذ أنا و أنت بالطبرية و أمير المؤمنين يزيد إذ ذاك في دعوة فلان ابن فلان،فالتفت إلي و قلت:إلى كم هذا الذل و الهوان الذي نحن فيه من اللّه!لئن أخّر اللّه لي في الأجل لأبايعن رجلا من أبناء المهاجرين!أما إنك وفيت بما قلت فبايعت لعبد اللّه بن الزبير،و هو لعمري رجل من أبناء المهاجرين الأولين، أ تعرف هذا الحديث؟

فقال:نعم،أعرفه،فقال:إذ عرفته فاضرب يا غلام عنقه!

فقال:أنا ابن عمك،أنا رجل من أشجع و أنت من بني مرة و يجمعني و إياك قيس غيلان.

فقال مسلم بن عقبة:و لذلك أقتلك لأنك ابن عمي،ثم قدّمه فضرب عنقه.

فقال في ذلك بعض أهل مكة:

رمانا يزيد بابن عقبة مسلم فلا سلمت حدثا من الحدثان

يقود إلى أهل المدينة جحفلا له لجب كالبحر في الجريان

يقتل سكان المدينة عنوة و قد أصبحوا صرعى بكل مكان

و أصبحت الأنصار تبكي سراتها و أشجع تبكي معقل بن سنان

قال ثم قدم إليه عمرو بن أسد بن خزيمة بن أسد،فلما وقف بين يديه.

قال ابن عقبة:ما أكثر قبائل قريش!من أنت من قريش؟

قال:أنا رجل من بني أسد بن عبد العزى بن قصي،ولي حرمة بأمير المؤمنين يزيد،قال:و من أجل ذلك خرجت عليه و بايعت عبد اللّه بن الزبير؟

فقال مروان بن الحكم:هذا نديم أمير المؤمنين و جليسه.

فقال ابن عقبة:من ههنا جاء في عنقه!فلم يزل القوم يحاورون في عنق مروان حتى سقط.

ص: 35

فقال عبد الملك بن مروان:أيها الأمير!حسبك فقد أبلغت من الشيخ!

فقال مسلم بن عقبة:يا عبد الملك!أنت عندي أرجى من مروان و أبعد منه همة، يراني و قد قتلت ابن عمي معقل بن سنان فيقول:هذا نديم أمير المؤمنين و جليسه!

قال:ثم أتي بعلي بن عبد اللّه بن عباس،فلما قدم إليه قامت قبائل كندة من كل ناحية فقالوا:أيها الأمير!إن هذا الذي قدم عليك منا و إلينا،و ذلك أن عبد اللّه بن العباس خطب إلينا فزوجناه بنت عم لنا يقال لها زرعة بنت مشرح فأولدها،هذا الفتى ابن أختنا فخل سبيله!

فقال:يا معشر كندة!خلعتم أيديكم من الطاعة!فقالوا:ما خلعنا أيدينا من الطاعة،و لكنا لا نمكنك من ابن أختنا تقتله!

فقال لهم:إذا فيبايع أمير المؤمنين يزيد!فقالوا (1):أما البيعة فإنه يبايع على أنه و اللّه أشرف من يزيد و أكرم منه أبا و أما.

قال:فبايع علي بن عبد اللّه بن عباس يزيد بن معاوية و تنحّى ناحية من بين يدي مسلم بن عقبة.

قال:و سمع مسلم بن عقبة صياحا و صراخا فقال:ما هذا؟

فقيل:إنه قد أتي بعلي بن الحسين عليه السّلام بين يديه و هؤلاء أقاربه يصيحون،فقال:

أعلموه أنه لا بأس عليه!

قال:فلما أتي بعلي بن الحسين عليه السّلام وثب مسلم بن عقبة فصافحه و قبّل بين3.

ص: 36


1- في ابن الأثير 599/2 فقال الحصين بن نمير السكوني:لا يبايع ابن أختنا إلا كبيعة علي بن الحسين،فقامت كندة مع الحصين فتركه مسلم.ذكر ابن الأثير:فقال علي: أبي العباس قرم بني قصي و أخوالي الملوك بني وليعة هم منعوا ذماري يوم جاءت كتائب مسرف و بنو اللكيعة أرادوني التي لا عز فيها فحالت دونه أيد سريعة و الأبيات في مروج الذهب 86/3.

عينيه و أقعده معه على سريره،ثم قال له:لا بأس عليك و أمير المؤمنين يزيد بن معاوية يقرأ عليك السّلام و يقول لك:لا تلمني على حبس عطائي لك،إنما شغلني عنك عبد اللّه بن الزبير و أنا موجه إليك بعطائك موفرا.

قال:ثم أمر له مسلم بن عقبة بألف درهم،و قال:احملوه إلى منزله.و لم يزل مسلم بن عقبة يفعل بأهل المدينة ما فعل ثلاثة أيام و لياليهن،ثم خرج يوم الرابع منها و قد انتهب و أغار و قتل من قتل و فعل ما فعل،و خرج يريد مكة إلى عبد اللّه بن الزبير حتى إذا صار إلى بعض الطريق أدركته الوفاة،فدعا بالجند و المقاتلة الذين كانوا معه.

ثم دعا الحصين بن نمير السكوني فأقعده بين يديه ثم أقبل إليه فقال:إسمع مني ما أقول لك يابن برذعة الحمار!إني قد وليتك هذا الجيش،و لو كان الأمر إلي ما فعلت،غير أن أمير المؤمنين أمرني بذلك و أنا ميت لا محالة (1)،فانظر أن تفعل في أهل مكة و في عبد اللّه بن الزبير كما رأيتني فعلت بأهل المدينة.

ثم جعل يقول:اللهم!إنك تعلم أني لم أعص خليفة قط،اللهم!إني لا أعلم (2)عملا أرجو به النجاة إلا ما فعلت بأهل المدينة.

ثم اشتد به الأمر فمات،فغسلوه و كفنوه و دفنوه،و بايع الناس للحصين بن نمير السكوني من بعده،و سار القوم يريدون مكة،و خرج أهل ذلك المنزل فنبشوه من قبره و صلبوه على نخلة (3).

قال:و بلغ ذلك أهل العسكر فرجعوا إلى أهل ذلك المنزل فوضعوا السيف فيهم،ل.

ص: 37


1- زيد في الأخبار الطوال ص 267 لأن من شأن اليمانية الرقة،غير أني لا أعصى أمير المؤمنين.
2- في الطبري 497/5:إني لم أعمل عملا قط بعد شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا عبده و رسوله أحب إلي من قتل أهل المدينة.
3- في الإمامة و السياسة 242/1 أتته أم ولد ليزيد بن عبد اللّه بن زمعة...فنبّشت عنه...فصلبته على المشلل.

فقتل منهم من قتل و هرب الباقون،ثم أنزلوه من النخلة فدفنوه ثم أجلسوا على قبره من يحفظه.و سار القوم يريدون مكة و عبد اللّه بن الزبير يومئذ في جمع كثيف و قد بلغه ما قد فعل بأهل المدينة فعزم على حربهم.

قال:و بلغ ذلك رجل من أهل البصرة،فخرجوا إلى عبد اللّه بن الزبير لمعاونته (1)، و جعل عبد اللّه بن الزبير يحارب القوم.

قال:و الحصين بن نمير قد أمر بالمجانيق فنصبت،فجعل يرمي أهل مكة رميا متداركا لا يفتر من الرمي،فجعل رجل من أهل مكة يقول في ذلك:

ابن نمير (2)بئس ما تولّى قد أحرق المقام و المصلّى

و بيت ذي العرش العلي الأعلى قبلة من حج له و صلّى

قال:و إذا بصاعقة قد نزلت فأحرقت منجنيقا كان لهم.

قال:فلم يزل القوم يرمون المسجد الحرام و البيت بالنيران و الحجارة،فلما رأى عبد اللّه بن الزبير ذلك خرج إليهم فيمن كان عنده من الجيش،فحاربهم حربا شديدا فقتل منهم جماعة،و جعل المختار بن أبي عبيد يقاتل بين يدي عبد اللّه بن الزبير أشد القتال و هو يقول:أنا ابن الكرار لست من بني الفرار ثم حمل فقاتل حتى ضج أهل الشام من قتاله.فأقام القوم على ذلك أياما لا يفترون عن القتال ليلا و نهارا حتى قتل من أهل الشام خلق كثير و كذلك من أصحاب عبد اللّه بن الزبير.

قال:فبينما الحصين كذلك إذا برجل من أهل الشام قد قدم عليه فسلم ثم جلس عنده فقال:أيها الشيخ الضال!أنت حائم على بيت اللّه الحرام ترميه بالحجارة و النيران و يزيد بن معاوية قد مات و مضى إلى سبيله.1.

ص: 38


1- و في الطبري 497/5 و قدم عليه كل أهل المدينة،و قد قدم عليه نجدة بن عامر الحنفي في أناس من الخوارج يمنعون البيت.
2- انظر خطبته في الطبري 530/5 ابن الأثير 605/2 و مروج الذهب 88/3.و الإمامة و السياسة 17/2 تاريخ اليعقوبي 254/2 الفخري ص 118 تاريخ ابن العبري ص 111.

فقال الحصين:ويلك!ما تقول؟

فقال:أقول ما تسمع.

فقال له:و ما كان سبب ذلك؟

فقال:إنه شرب من الليل شرابا كثيرا ثم أصبح مخمورا فذرعه القىء ثم لم يزل كذلك إلى أن مات حتى قذف عشرين طشتا من ذهب فهذه قصته.

قال الحصين:ويحك!لمن بايع الناس بعده؟

فقال:بايعوا ابنه معاوية بن يزيد،غير أنه خلع نفسه من الخلافة،فقال:و لم ذلك؟ فقال:إذا أخبرك أنه ملك أربعين يوما،فلما كان بعد ذلك صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم خطب و قال في خطبته:أيها الناس!إنما أنا لحم و دم،و اللحم و الدم لا يصبران على نار جهنم،و أنا خالع هذا الأمر،فقلّدوا أموركم من أحببتم!فناداه الناس من كل مكان فقالوا:يا أمير المؤمنين!فاعهد عهدك إلى من أحببت فإنا له سامعون مطيعون!

فقال:ما أنا بأمير المؤمنين و لا أعهد إلى أحد،فإن نال خيرا فقد نال منه آل أبي سفيان،و إن كان شرا فلا أحب أن أوردهم الدنيا و أمضي في الآخرة،ثم نزل عن المنبر فصار إلى منزله،فعاش ثلاثة أيام و مات،و الناس في الشام في أمر عظيم من الاختلاف.

قال:فبقي الحصين حائرا ماذا يصنع!ثم أرسل إلى عبد اللّه بن الزبير فقال إن أذنت لي أن أدخل مكة فأهل بالعمرة!فأرسل إليه عبد اللّه بن الزبير:ذلك إليك.

قال:فدخل أهل الشام إلى مكة نادمين على ما كان منهم،فلما عزموا على الرحيل منها إلى الشام أقبل الحصين إلى عبد اللّه بن الزبير فجلس إليه ثم قال:أبا بكر!إن يزيد بن معاوية قد مضى إلى حال سبيله،و ليس بالشام خليفة،و هذا الجيش معي كما ترى،فأخرج معي إلى الشام حتى تكون خليفة هناك فأنت رجل من أبناء المهاجرين الأولين.

ص: 39

قال:فرفع عبد اللّه بن الزبير صوته،و قال:لا و اللّه أو أقتل بكل رجل قتل من الحرة عشرة آلاف من أهل الشام (1).

قال:فقال له الحصين:ويحك (2)يابن الزبير!تزعم أنك عاقل و أنا أكلمك بهذا سرا و تكلمني جهرا،و أدعوك إلى أن تكون خليفة و توعدني بالقتل!يابن الزبير!إن اللّه تبارك و تعالى بعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من مكة،ثم إنه لم يرضها له دارا حتى نقله إلى المدينة،فكانت المدينة داره و قراره إلى أن أدركته الوفاة صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المدينة موضع قبره و منزله و منبره،ثم صار الأمر من بعده إلى أبي بكر،ثم إلى عمر،ثم إلى عثمان -رضي اللّه عنهم-،فلما قتل أهل المدينة عثمان إنتقلت الخلافة إلى الشام و الشام دار الخلافة،فاقبل مني يابن الزبير و اخرج معي إلى الشام،فأنا أول من يبايعك ثم يبايعك أهل هذا العسكر و أهل الشام جميعهم.

قال:فأبى عبد اللّه بن الزبير أن يجيب الحصين بن نمير إلى ذلك.

قال:فرحل الحصين إلى الشام بعسكره ذلك،و انصرف أهل البصرة إلى البصرة،و بها يومئذ عبيد اللّه بن زياد،ثم أرسل إليهم فدعاهم ثم قال:يا أعداء اللّه! أخرجتم من البصرة لنصرة عبد اللّه بن الزبير لتعينوه على أمير المؤمنين يزيد بن معاوية؟

قال:فقالوا له:أيها الأمير!إنا ما خرجنا إلى مكة لنعين عبد اللّه بن الزبير على يزيد،و إنما خرجنا لننصر البيت الحرام من أهل الشام،و أما يزيد فقد مضى لسبيله و لعله قد بلغك ذلك!ل.

ص: 40


1- في مروج الذهب 99/3:أبعد قتل أهل الحرة،لا و اللّه حتى أقتل بكل رجل خمسة من أهل الشام،و انظر الطبري 502/5 الأخبار الطوال ص 286 و الإمامة و السياسة 20/2.
2- في مروج الذهب:من زعم يابن الزبير أنك داهية فهو أحمق.و انظر ما جرى بينهما في المصادر السابقة.حيث أضاع عبد اللّه بن الزبير فرصة ثمينة لم تتكرر و سيدفع بعد قليل ثمن غلطته هذه حياته. و كان آخر ما قال له الحصين:و اللّه لا تفلح أبدا و ستعلم أينا المقتول.

قال:و كان الخبر وقع إلى عبيد اللّه بن زياد بأن يزيد قد مات فلم يصدق،فلما خبّره هؤلاء القوم بما خبّروه علم و تيقّن أن يزيد قد مضى لسبيله فاتقى لنفسه من أهل البصرة،فأرسل إلى نفر من خاصة أصحابه فدعاهم ثم استشارهم في أمره، فأشاروا عليه بأن يحبس هؤلاء القوم الذين قدموا من مكة.

قال:فأرسل عبيد اللّه بن زياد إلى هؤلاء القوم فجمعهم إليه ثم أمر بهم فحبسهم.

ثم خرج في جوف الليل في جماعة من خاصته حتى صار إلى دار مسعود بن عمرو الأزدي و هو شيخ الأزد بالبصرة،فاستجار به عبيد اللّه بن زياد،فأجاره و أجار من كان معه.

قال:و أصبح أهل البصرة فعلموا أن عبيد اللّه بن زياد قد هرب،فاجتمعوا و راحوا إلى داره البيضاء و الحمراء فغاروا عليها،ثم دخلوا إلى أم عبيد اللّه بن زياد فسلبوها و سلبوا امرأته و رحمه حتى أخذوا مقانعهن من رؤوسهن،قال:و اجتمعت الناس إلى الدارين جميعا و أخرجوا كل من كان في حبس عبيد اللّه بن زياد-لعنه اللّه-! و جعلوا يطلبونه فلا يقدرون عليه.

قال:و اتقى عبيد اللّه بن زياد-لعنه اللّه-أن يعلم بمكانه،فأقبل على مسعود بن عمرو فقال له:إنك قد أجرتني و أجرت أصحابي هؤلاء،و أنا خائف على نفسي من أهل البصرة و أنا أريد منك أن تتم إحسانك و أن تخلصني كيف شئت و أنى شئت.

فقال له مسعود بن عمرو:أفعل ذلك إن شاء اللّه!فقد كان لأبيك علي حق واجب.

قال:ثم دعى بثلاثين رجلا من أصحابه و أمرهم أن يخفروا عبيد اللّه بن زياد حتى يلحقوه بالشام.

قال:فخرج عبيد اللّه بن زياد في جوف الليل مع جماعة من خاصته و غلمانه و حشمه و معه هؤلاء الثلاثون رجلا،فساروا حتى أصبحوا على مرحلتين من البصرة،و استقام لهم الطريق فساروا و جعل عبيد اللّه بن زياد-لعنه اللّه-يفكر في أمره.

ص: 41

فقال له بعض من كان معه:أيها الأمير!إني أراك مفكرا و كأني قد علمت فيما تفكر.

فقال عبيد اللّه بن زياد:و ما ذلك؟

فقال:إن فكرت فقلت يا ليتني لم أقتل الحسين بن علي عليه السّلام،و ليتني لم أبن داري البيضاء و الحمراء و ليتني لم أستعمل الدهاقين على كور البصرة!

فقال ابن زياد-لعنه اللّه-:لا و اللّه ما أصبت!أما الحسين بن علي عليه السّلام فإنه صار إلى أهل العراق يريد قتلي فاخترت أن أقتله،و أما داري الحمراء و البيضاء فإني أنفقت عليهما مالي الذي وصلني به يزيد،و أما الدهاقين فإني استعملتهم برضى أهل البصرة،و لكنني كنت أفكر يا ليتني كنت قتلت أولئك القوم الذين قدموا من عند عبد اللّه بن الزبير،فإني أعلم أنهم هم فراعنة أهل البصرة،و سيكون لهم نبأ.و بلغ ذلك أهل البصرة أن مسعود بن عمرو الأزدي هو الذي أجار عبيد اللّه بن زياد، فجاءوا إليه و دخلوا عليه فقتلوه في جوف الليل و نهبوا ماله.

قال:و سار عبيد اللّه بن زياد-لعنه اللّه-حتى صار إلى الشام،و بلغ ذلك سلم بن زياد و هو يومئذ بخراسان بمدينة مرثي كما ولاّه يزيد بن معاوية من قبل،و كان أيضا لا يصدّق موت يزيد،غير أنه قعد في منزله و أغلق بابه،و احتجب عن الناس، فبعث إليه شاعره حنظلة بن قيس بن عروة التميمي بهذه الأبيات:

يا أيها الرجل المغلق بابه حدثت أمور شأنهن عظيم

حدثت أمور في أمية جمة و يزيد أعلن شأنه المكتوم

طرقت منيته و عند و ساده عود و زق راعف مرثوم

و مرنة تبكي على نشوانه بالصنج تقعد ساعة و تقوم

فلئن رضيت لترضين عشيرتي و لئن غضبت لتغضبن تميم

قال:فعندها علم سلم بن زياد أن يزيد بن معاوية قد مات،فتجهز و خرج يريد بلاد الشام،و خلف المهلب بن أبي صفرة على بلاد خراسان.و خرج يريد الشام

ص: 42

و معه مال جزيل يزيد على خمسمائة ألف دينار،فلما صار في بعض الطريق استقبله عبد اللّه بن خازم السلمي فقال:إلى أين يا عدو اللّه؟إلى أين يابن مرجانة؟ إلى أين يابن عبد بني علاج؟غصبت أهل خراسان أموالهم فكلت و ادخرت و لبست و ركبت،ثم حملت أموال خراسان تريد الشام،و اللّه يا عدو اللّه لا تفارقني أو آخذ جميع ما معك و أجعلك صفرا.

قال:و لم تزل الرسل بينهم إلى أن صالحه على نصف ما معه و أطلقه،و مضى سلم بن زياد إلى الشام و تغلّب ابن خازم على بلاد خراسان،فأخذها و جعل يدعو لعبد اللّه بن الزبير.

قال:و خرج عليه رجل من أهل خراسان يقال له بكير بن وشاح التميمي،فمع هذا جيش و مع هذا جيش،فلم يزالا يقتتلان مدة من المدد إلى أن قتل عبد اللّه بن خازم و احتوى بكير بن وشاح على بلاد خراسان.

ثم رجعنا إلى أخبار الشام قال:و أهل الشام يومئذ في أمر عظيم من الاختلاف، فقوم يؤمون إلى عبد اللّه بن الزبير،و قوم يؤمون إلى خالد بن يزيد بن معاوية، و قوم إلى الضحاك بن قيس الفهري،و آخرون يؤمون إلى مروان بن الحكم.

قال:و اجتمع الناس إلى الضحاك بن قيس الفهري،و أرسل مروان بن الحكم إلى روح بن زنباع الجذامي فقال له:أشر علي برأيك!

فقال:أشير عليك أن تطلب هذا الأمر لنفسك،فإنك اليوم شيخ كبير بني أمية، و أنت ابن عم أمير المؤمنين عثمان بن عفان،و أنت أحق بهذا الأمر من الضحاك بن قيس.

قال:فعندها جعل مروان يجمع الناس حتى صار إليه ثمانية عشر ألفا أكثرهم جماعة اليمن،و في ذلك يقول مروان بن الحكم حيث يقول:

أعددت غسان لهم و كلبا و السكسكيين رجالا غلبا

لا يأخذون الملك إلا غصبا بالطعن أحيانا و حينا ضربا

ص: 43

قال:و الضحاك يومئذ في نيف و عشرين ألفا أكثرهم قبائل قيس بن غيلان.

ثم إنه بعث إلى النعمان بن بشير،و النعمان يومئذ بمدينة حمص،قد كان ولاّه يزيد بن معاوية قبل موته.

قال:فكتب إليه الضحاك بن قيس يسأله المدد،فأمدّه النعمان بن بشير بألفي رجل،فصار الضحاك في اثنين و عشرين ألفا.

قال:و تواعد القوم للقتال،فأنشأ رجل من أصحاب مروان يقول في ذلك:

أرى عسكرا جمعا لسفك دمائنا و عما قليل لا نشك محارب

و أشهدكم أني لمروان سامع مطيع و للضحاك عاص مجانب

إمامان أما واحد فعلى الهدى و آخر بدعو للضلالة كاذب

فلا بد من حرب يفرق جمعنا يثلم فيها المرهفات القواضب

قال:ثم دنا القوم بعضهم من بعض،قال:فكان وقعتهم بموضع يقال له مرج راهط إلى جانب زراعة الضحاك بن قيس،و الزراعة يقال لها جوبر (1)،و قد ذكر ذلك بعض العرب في قصيدة له حيث يقول:

إذا فاخر القيسي فاذكر بلاءه بزراعة الضحاك شرقي جوبرا

قال:فاقتتل القوم هناك قتالا شديدا،فقتل الضحاك بن قيس و قتل عامة أصحابه، و انهزم الباقون،و استأمر عامتهم إلى مروان بن الحكم فبايعه الناس بموضع يقال له دير أيوب (2)،فدخل مروان إلى دمشق فاستوسق له الأمر.فكتب إلى النعمان بن بشير:أما بعد فقد بلغني ما كان من معونتك للضحاك بن قيس،و قد قتل اللّه الضحاك و شيعته و أمكن منهم،و قد استقر الأمر قراره،فانظر إذا ورد عليك كتابي هذا فزوّج ابنتك عمرة من ابني عبد الملك،و ادخل في طاعتي،و ادع لي هنالكق.

ص: 44


1- جوبر قرية بالغوطة من دمشق،و قيل نهر بها.
2- دير أيوب:قرية بحوران من نواحي دمشق.

بالخلافة على منبر حمص،فإذا فعلت ذلك محوت ما كان منك إلي من خطيئتك،و إن أنت تربصت أو ارتبت بعثت إليك من يقتلك و يأخذ ابنتك غصبا،و السّلام.

قال:فلما ورد كتاب مروان على النعمان بن بشير و قرأه جعل يقول لمن عنده:ما كنت أدخل في طاعة مروان الطريد ابن الطريد،و لا أزوّج ابنتي من ابنه!ثم تجهّز و خرج من حمص يريد مكة إلى عبد اللّه بن الزبير يريد أن يبايعه و يكون معه،و بلغ ذلك مروان بن الحكم فوجّه إليه رجلا يقال له عبد الرحمن بن الخلي فقال له:سر فأينما رأيت النعمان فجئني به أسيرا،فإن تأبّى عليك فاضرب عنقه و أتني برأسه!.

قال:فسار عبد الرحمن يريد حمصا،فلما دخلها سأل عن النعمان بن بشير، فخبّر أنه رحل عنها،فسار عبد الرحمن في طلبه،فلحقه في بعض المنازل،فقتله و احتز رأسه،و احتوى على قليله و كثيره،و جاء بالرأس حتى وضعه بين يدي مروان بن الحكم.فلما أتته عمرة فلا ندري تزوّجت بعبد الملك أم لا (1).و اللّه أعلم (2).

قال:و أقام مروان في خلافته تسعة أشهر و مات،و صار الأمر من بعده إلى ابنه عبد الملك بن مروان،و بكير بن الوشاح يومئذ على بلاد خراسان ضابطا لها معينا عليها،فلما بلغه أن الأمر صار إلى عبد الملك بن مروان جعل يدعو له بخراسان، و عبد اللّه بن الزبير يومئذ بالحجاز و قد بايعه أهل الحجاز و أهل البصرة و أهل الكوفة (3).6.

ص: 45


1- في الأخبار الطوال ص 309 أن عمرة بنت النعمان بن بشير كانت زوجة المختار بن أبي عبيد.
2- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 166-173.
3- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 160-166.

ذكر الوقعة الأولى بين مكة و المدينة

بين عمرو بن الزبير و أخيه عبد اللّه و مقتل عمرو بن الزبير

قال ابن الأعثم:و كان يومئذ أمير المدينة عمرو بن سعيد بن العاص من قبل يزيد بن معاوية،كتب إليه يزيد من الشام يخبره بخبر عبد اللّه بن الزبير و أخيه، فعزم عمرو بن سعيد على ذلك،و كانت بنو أمية يكرمون عمرو بن الزبير لأن أمه بنت خالد بن سعيد بن العاص،فكانوا يكرمون عمرو بن الزبير لأنه ابن أختهم.

قال:و كان عمرو بن الزبير من أشد الناس عداوة لأخيه عبد اللّه بن الزبير،فدعاه عمرو بن سعيد بن العاص فعقد له عقدا و ضم إليه جيشا كثيفا و وجّه به إلى محاربة أخيه عبد اللّه بن الزبير.

قال:فخرج عمرو بن الزبير يومئذ في جيشه من المدينة،يريد مكة،و بلغ ذلك عبد اللّه بن الزبير فنادى في الناس و خرج من مكة في جيش،حتى التقى القوم بين مكة و المدينة،و اختلطوا و اقتتلوا ساعة من النهار،فقتل من الفريقين جماعة.

ثم حمل عبد اللّه بن الزبير في جميع أصحابه و حمل المختار بن أبي عبيد من الميمنة و العباس بن سهل الأنصاري من الميسرة،فوقعت الهزيمة على جماعة بني أمية،فقتل من القوم مقتلة عظيمة و أسر منهم من أسر،و فيمن أسر يومئذ عمرو بن الزبير.

فلما وقف بين يديه قال:قبّحك اللّه من أخ و ذي رحم!فإنك لم تذكر ما كان من البلاء عندك و قيامي بحقك و أخذي إياك من يد مروان بن الحكم،و لكن أنت قديم العداوة،و كنت تضرب وجهي بالسيف قال:ثم جاء به إلى مكة فحبسه.فلما كان من

ص: 46

الغد أقامه للناس و نادى:أيها الناس!أن أمير المؤمنين يقول لكم:من كانت له مظلمة عند عمرو بن الزبير فليحضر!

قال:فكان يجىء الرجل من بعد الرجل فيقول:يا أمير المؤمنين!إن هذا شتمني، فيقول:اشتمه!و يقول آخر:إن هذا ضربني،فيقول:اضربه!حتى جاء مصعب (1)بن عبد الرحمن بن عوف فقال:يا أمير المؤمنين!إنه جلدني مائة سوط بلا ذنب كان مني إلا لميلي إليك،قال:فأمر به عبد اللّه بن الزبير فجرّد من ثيابه،و أمر مصعبا أن يجلده،فجلده مصعب بيده مائة سوط،ثم أمر به عبد اللّه بن الزبير،فحبس (2)و لم يداو فمات.

ثم قال:أ تدرون لم عملت بعمرو بن الزبير هذا؟

فقالوا:لا يا أمير المؤمنين!

قال:إنه صار إلى معاوية زائرا،فكتب له بمائة ألف درهم،ففتح الكتاب و ضاعفها مائة ألف أخرى،فدفع إليه ذلك المبلغ زياد-مائتي ألف درهم-،فلما دفع إليه زياد حسابه.

قال معاوية:ما أمرت لعمرو بن الزبير إلا بمائة ألف درهم،و علم معاوية أنه هو الذي عمل في الكتاب الزيادة،فكتب إلى مروان بن الحكم و هو عامله بالمدينة أن يأخذ من عمرو بن الزبير مائة ألف درهم،فصرت أنا إلى مروان و ضمنت له المائةت.

ص: 47


1- في الطبري 344/5 أن عمرو بن الزبير لما ولّي شرطه عمرو بن سعيد:نظر إلى كل من كان يهوى هوى ابن الزبير فضربه و كان ممن ضرب:المنذر بن الزبير و ابنه محمد بن المنذر(و قد رفضا أن يستقيدا منه)و عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث و عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام و خبيب بن عبد اللّه بن الزبير و محمد بن عمار بن ياسر،فضربهم الأربعين إلى الخمسين إلى الستين.و لم يرد فيهم مصعب.
2- حبس في حبس عارم.و في مروج الذهب 92/3 فأقامه للناس بباب المسجد الحرام مجردا، و لم يزل يضربه بالسياط حتى مات.

ألف،فأخذه مروان فحبسه فأخرجته،و هذا جزائي منه أن يخرج علي ليضرب وجهي بالسيف،قال:فلم يعذر عبد اللّه بن الزبير في هذا.

قال:وشق على عامة أهل مكة ما فعل عبد اللّه بن الزبير بأخيه.

قال:و قد كان عبد اللّه بن الزبير قبل ذلك يصعد المنبر فيقول:أيها الناس!إن بطني شبرا و ما عسى يكفي شبرا،إنما يكفيني في كل يوم قبضة من طعام.و إنما أريد أن أسير فيكم بسيرة الصالحين و سيرة أبي بكر و عمر رضي اللّه عنهما.

قال:و كثيرا ما كان يقرأ سورة الأعراف على المنبر و يقرأها حرفا حرفا،و كان يدور في أسواق مكة يتشبه بعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه.فلما فعل بأخيه ما فعل و أقامه للناس و أمر بضربه حتى مات،فجعل بعض أهل مكة يقول في ذلك:

تخبرنا أن سوف تكفيك قبضة

و بطنك شبر أقل من الشبر

و أنت إذا ما نلت شيئا قضمته

كما قضمت نار الغضا حطب السدر (1)

لكم سيرة الفاروق لا شك غيره

و سنة صديق النبي أبي بكر

فلما كذبت اللّه ما قد وعدته

و ما كنت قد و كدت في جانب الحجر

فأصبحت ما تجري لك اليوم طاعة

ببلدة أعراب ولاه و لا قفرع.

ص: 48


1- قضمت:يقال قضمت الدابة الشعير،و قضمت النار أي أكلت و أحرقت الحطب مع صوت يسمع.

فإن كنت تخشى أن تبيت بنعمة قريبا لردتك العطوف على عمرو (1).

قال:و ذكر ذلك أبوحرة مولى بني مخزوم في تغزله حيث يقول:

ما زال في سورة الأعراف يقرأها حتى فؤادي مثل الخز في اللبن

يقول للناس بطني غير ما كذب شبرا هنيا و دون القوت يكفيني

لو كان بطنك شبرا قد شبعت و قد أفضلت فضلا كثيرا للمساكين

أما تصبك من الأيام جائحة لا سهل منك على دنيا و لا دين

و لا نقول إذا أصبحت مغتبطا ألا أمير برب الناس آمين.

ثم أعلن عبد اللّه بن الزبير ما هو فيه،و أرسل إلى سعد مولى عتبة بن أبي سفيان و هو متحصن بالطائف،فأرسل إليه بقوم فحاصروه حتى استنزلوه في خمسين رجلا من أصحابه من شيعة يزيد بن معاوية،فأتوا بهم إليه فأمر بحبسهم،و يقال:

إنه قتلهم عن آخرهم-و اللّه أعلم-.

قال:ثم أقبل حتى نزل دار البلاط بمكة فجعلها دار إمارته.

قال:و تفرق كل من كان بمكة من شيعة بني أمية خوفا على أنفسهم،فصاروا إلى الشام،و أنشأ بعض أهل مكة يقول:

بلى أم حمد ما تحمد أهله فكيف بذي وجد من القوم آلف

من أجل أبي بكر جلت عن بلادها أمية و الأيام دار تعارف

و قد حل في دار البلاط مطوع قبول على الأرحام ليس بعاطف

و عما قليل سوف يأتي بيثرب عليها من الأبطال ذات زواحف

قال:و بلغ أهل المدينة أن عبد اللّه بن الزبير بايعه أهل مكة و الطائف و سائر الحجاز فوثبوا على عاملهم عمرو بن سعيد بن العاص فأخرجوه من المدينة،5.

ص: 49


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 155.

و أخرجوا من كان معه من بني أمية فطردوهم بأجمعهم و بايعوا عبد اللّه بن الزبير (1).

ص: 50


1- في الطبري بايعوا عبد اللّه بن حنظلة الغسيل.و يرى صاحب الإمامة و السياسة أن السبب في خلع أهل المدينة يزيدا أن يزيد كان قد أرسل إليهم كتابا جاء فيه: بسم اللّه الرحمن الرحيم ،أما بعد، فإني قد نفستكم حتى أخلفتكم و رفقتكم حتى أخرفتكم،و وضعتكم على رأسي قد وضعتكم و أيم اللّه لئن آثرت أن أضعكم تحت قدمي لأطأنكم و طأة أقل منها عددكم و أترككم أحاديث تناسخ كأحاديث عاد و ثمود،و آيم اللّه لا يأتيكم مني أولى من عقوبتي،فلا أفلح من ندم.قلت:لم يكن كتاب يزيد إلى أهل المدينة،و لا تعيينه عثمان بن محمد بن أبي سفيان ذلك الفتى الغر الحدث الغمر الذي لم يجرب الأمور و لم يحنكه السن و لم تضرسه التجارب و الذي كان لا يكاد ينظر في شىء من سلطانه و لا عمله السبب في خلافهم على يزيد،و خلعهم إياه و نكثهم بيعتهم له.و قد يكون هو العامل الذي حرك الأسباب الحقيقية لتحرك أهل المدينة خاصة و دفعها إلى الواجهة حيث أخذت المواجهة بين المدنيين و الحكم الأموي المتمثل بيزيد الطابع الصدامي و الأكثر دموية.و لحركة المدينة أسباب كثيرة منها سياسية و منها اقتصادية و اجتماعية،و أهم هذه الأسباب:-السياسة الأموية التي وضع معاوية بن أبي سفيان خطوطها الأولى كانت وراء الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالمدينة و التي دفعت بها إلى حدود الضيق و الفقر(انظر تفاصيل حول هذه السياسة أوردها د. إبراهيم بيضون في كتابه الحجاز و الدولة الإسلامية ص 250 و ما بعدها).-القهر السياسي الذي عانى منه الحجاز عامة و المدينة و مكة خاصة حيث حظر على زعمائهما تجاوز الاهتمامات الاجتماعية و الثقافية بعد انتقال الخلافة إلى الشام.-رفض الحكم الأموي،و قد جاء غياب معاوية فرصة لإظهار هذا الفرض من الخفاء إلى العلن،و قد كان غيابه مؤشرا للإنفجار المرتقب حيث كان وجوده عاملا في منعه أو تجميده.-فشل الخليفة يزيد أمام الأزمات الخطيرة التي واجهت حكمه و انغماسه(حسب الروايات)بالترف و المجون و استغراقه حتى العبث في حياته الخاصة في إذكاء روح المعارضة و تجرئها على الإعلان عن نفسها.-ضربه الرموز الإسلامية بمنتهى العنف،حيث رأى في اتباعه هذه السياسة مدخلا إلى إثبات حضوره السلطوي لكن هذا شجع المعارضة على المبادرة إلى اتخاذ موقف علني ضده.-ثورة الحسين التي كانت السباقة إلى رفض الأمر الواقع و التي انتهت بمأساة دموية في العراق و أوقعت النظام الأموي و أدواته في ارتباك شديد.-حركة ابن الزبير التي استطاعت أن تستثمر النقمة المتزايدة على الحكم الأموي.-وجود الوالي عثمان بن محمد بن أبي سفيان و الذي وصف بأنه غر قليل التجربة حديث السن و إخفاقه في التعاطي مع المستجدات الخطيرة في مكة و المدينة.-محاولة أهل المدينة(الأنصار)إعادة التوازن الذي اختل منذ السقيفة. و هنا لا بد من الإشارة إلى أن دعوة ابن الزبير للمدينة لبيعته بعد مقتل الحسين لم يرافقها في المدينة كثير من الحماسة فقد انقسمت بين مؤيد له و متحفظ و متردد،لكن اللقاء مع ابن الزبير تمحور حول هدف كبير مشترك هو الإطاحة بالخليفة الأموي،و ما تولّي عبد اللّه بن حنظلة(من الأوس)إلا إشارة على التوجه الأنصاري لأهل المدينة.و هذا ما سيؤدي(كما سيرد)إلى استفراد المدينة في الحملة العسكرية التي استهدفتها.

قال:و بلغ ذلك ابن الزبير فأرسل إلى عبد اللّه بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل- غسيل الملائكة-فولاّه المدينة،قال:فخلت مكة و المدينة من بني أمية.

قال:و جعل عبد اللّه بن حنظلة أمير المدينة يشتم يزيد بن معاوية و يظهر عيب يزيد و عيب بني أمية،و يقول فيهم و يقذفهم بكل عجيب.

فقال له مسلم:أيها الأمير!مهلا عن بني أمية،فإنك تعلم أنك قدمت على معاوية فأجلست معه على سريره ورد عليك صدقة أبيك ثم قضى حوائجه و أمر له بمائة ألف درهم،ثم إنك قصدت ابنه يزيد فأجلست أيضا على سريره و أكرمك،فو اللّه ما كافيت ابنه يزيد و لا معاوية،ما لك و لبني أمية تشتمهم و تظهر عيبهم و أنت لا تدري ما يكون في عاقبة هذا الأمر.

فقال له عبد اللّه:أسكت ويحك يا مسلم!فو اللّه ما خرجت بسيفي و طردت بني أمية عن المدينة حتى كنت أصعد إلى سطح بيتي في جوف الليل فأخاف أن ينحروني بالهجوم لما أرى من كثرة بني أمية و جورهم و أعمالهم القبيحة و لا أقدر أن أغيرها.

قال:و بلغ يزيد بن معاوية ما قد فعله أهل المدينة بعامله عمرو بن سعيد بن العاص و ببني أمية و ما فعله عبد اللّه بن الزبير بمكة،فدعا بالضحاك بن قيسا.

ص: 51

الفهري (1)و أمره أن يسير إلى المدينة و مكة فيتولى حرب عبد اللّه بن الزبير.

فقال الضحاك:لا و اللّه يا أمير المؤمنين لا أحب أن أكون أول من أراق دم قريش، فادع لهذا الأمر غيري.

قال:فتركه و دعا مسلم بن عقبة المري و كان شيخا كبيرا من أبناء بضع و تسعين سنة،فكلمه يزيد في ذلك و أمره بالخروج إلى عبد اللّه بن الزبير،فقال:أنا شيخ كبير.

فقال له:لا بد لك من ذلك فإن أبي أوصاك بحفظي من بعده (2)،و لا أجد أحدا يقوم بذلك سواك،فإذا تقاربت من المدينة فاجعل طريقك عليها،فإن كان أهل المدينة قتلوا أحدا من بني أمية فادخلها بالسيف و أرق الدماء فيها ثلاثة أيام،ثم سر بعد ذلك إلى مكة،و إن لم يكن أهل المدينة قتلوا أحدا فلا تتعرض لهم إلا بكل خير.

قال:ثم أمر يزيد الناس فجمعهم لمسلم بن عقبة المري فاجتمع إليه عشرون ألف فارس و سبعة آلاف راجل،فأعطى يزيد كل واحد منهم مائتي دينار،و لكل راجل مائة دينار،و أمرهم بالمسير مع مسلم بن عقبة و شيّعهم حتى إذا صار إلى موضع يقال له الثنية ودّعه يزيد ثم أوصاه بوصية ثم جعل يقول:

أبلغ أبا بكر إذا الليل سرى و هبط القوم على وادي القرى

عشرون ألفا بين كهل و فتى أجمع سكران من القوى ترىي.

ص: 52


1- في الطبري:"عمرو بن سعيد"و فيه:أن يزيد كتب إلى ابن مرجانة(عبيد اللّه بن زياد)أن اغز ابن الزبير:فقال:لا أجمعهما للفاسق أبدا.أقتل ابن بنت رسول اللّه و أغزو الكعبة. ثم أرسل إليه يعتذر(انظر ابن الأثير 594/2).
2- في رواية في الطبري 495/5 أن معاوية لما حضرته الوفاة قال ليزيد:إن لك من أهل المدينة يوما،فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة،فإنه رجل قد عرفت نصيحته.و جاء في الإمامة و السياسة /1 231 أن يزيد قال له:سر إلى هذه المدينة بهذه الجيوش،و إن شئت أعفيتك فإني أراك مدنفا منهوكا، فقال:نشدتك اللّه ألا تحرمني أجرا ساقه اللّه إلي.

أم جمع يقظان نفى عنه الكرى يا عجبا من ملحد يا عجبا

مخادع في الدين يقفو بالعرى (1).8.

ص: 53


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 158.

ذكر مسير مسلم بن عقبة المري إلى مكة

قال ابن الأعثم:و سار مسلم بن عقبة مع الجيش يريد مكة،فلما تقارب من المدينة استقبله بنو أمية مطرودين من المدينة فوقفوا إليه و سلّموا عليه فقال لهم مسلم:هل قتل منكم أحد؟

قالوا:لا و لكن أخرجنا عن المدينة مطرودين،فقال:لا بأس عليكم،ارجعوا معي حتى نفرغ من عبد اللّه بن الزبير،فقد أمرني يزيد بأمر و أنا منته إلى أمره.

قال:فرجعت معه بنو أمية و نزل مسلم بن عقبة المدينة عن يساره و مضى نحو الساحل لكي يخرج إلى مكة،ثم إنه نزل في بعض المنازل قريبا من المدينة فتطرف عسكره،و وقعت الصيحة.

فقال مسلم:ما هذا؟

فقالوا:أيها الأمير!هؤلاء سفهاء المدينة قد خرجوا يتطرفون عسكرنا يريدون الغارة علينا.

قال:فغضب مسلم بن عقبة و قال:ارجعوا الآن إليهم حتى ننزل بهم ما هم أهله!

قال:فرجع القوم حتى نزلوا بموضع يقال له حرة و أقم (1).

ص: 54


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 159.

مفارقة المختار عبد اللّه بن الزبير و خروجه عليه

قال الطبري:و عزم المختار بن أبي عبيد على مفارقة عبد اللّه بن الزبير فجعل يقدّم في ذلك و يؤخر.

قال:و قدم هانئ بن أبي حية الهمداني إلى مكة يريد العمرة،فأقبل إليه المختار بعد أن فرغ من عمرته فقال له:يا أخا همدان!ألا تخبرني عن الناس كيف تركتهم بالكوفة؟

فقال:تركتهم و اللّه و قد استوسقوا لصاحبك هذا عبد اللّه بن الزبير،و لو كان لهم رجل يجمعهم على رأيهم لأكل بهم الأرض.

قال:فقال له المختار:لا عليك يا أخا همدان،فأنا و اللّه أجمعهم على الحق،و أنفي بهم الباطل،و أقتل بهم كل جبار عنيد إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه.

قال:فقال له هانئ بن أبي حية:ويحك يا أبا إسحاق!اتق اللّه و لا توضع في الضلال و الفتنة،فإن صاحب الفتنة هو أقرب شيء أجلا و أسوأ الناس عملا.

قال:فقال له المختار:سبحان اللّه يا أخا همدان!ما لي و للفتنة!إنما أدعو إلى الطاعة و الجماعة،و لكن خبّرني عن سليمان بن صرد و أصحابه هل شخص إلى قتال المحلين؟

قال:لا،و لكنه عازم على ذلك.

قال:فسكت المختار ثم انصرف إلى منزله،فلما كان الليل وثب فاستوى على فرسه و خرج من مكة بغير علم من عبد اللّه بن الزبير،فلم يصبح إلا على مرحلتين من مكة،ثم سار مجدا يريد الكوفة،حتى إذا صار بالقرعاء وجده رجل من أهل

ص: 55

الكوفة يقال له:سلمة بن مرثد،فسلّم عليه المختار و قال:من أين أقبلت يا سلمة؟

قال:أقبلت من الكوفة،قال:فكيف خلفت بها أهلها؟

فقال:خلفتهم و اللّه كغنم رعاء تهادوا و تمردّوا.

فقال له المختار بن أبي عبيد:أنا الذي أحسن رعايتها و أبلغ نهايتها.

فقال له سلمة:يابن أبي عبيد!إتق اللّه فإنك ميت و مبعوث و محاسب و مجزى بعملك من خير و شر.

قال:ثم افترقا،و سار المختار حتى انتهى إلى نهر الحيرة و ذلك في يوم الجمعة، فنزل و اغتسل فيه،ثم لبس ثيابه و اعتم بعمامته و تقلد بسيفه،ثم ركب و أقبل حتى دخل الكوفة نهارا،فجعل يمر على مجالس القوم و يقف عليهم و يسلّم و يقول لهم:

أبشروا بالفرج!فقد جئناكم بما تحبون و أنا المسلّط على الفاسقين و الطالب بدماء أهل بيت نبي رب العالمين.ثم أقبل إلى المسجد الأعظم فنزل،ثم دخل المسجد فصلّى،و استشرف الناس ينظرون إليه و يقولون:هذا المختار بن أبي عبيد،و ما قدم إلا لأمر و نحن نرجو به الفرج.

قال:ثم قعد المختار في المسجد حتى صلّى الظهر و العصر و نهض و عليه ثياب رثة حتى صار إلى باب المسجد فركب و أقبل حتى نزل في دار سلم بن المسيب و هي داره التي لا تعرف إلا به.فلما كان من الغد بعث إلى وجوه الشيعة فدعاهم ثم قال لهم:اعلموا أني قد جئتكم من عند ولي الأمر،و معدن الفضل،و وصي الوصي، و الإمام المهدي،محمد بن علي ابن الحنيفة،بعثني إليكم أمينا و وزيرا و عاملا و أميرا،و قد أمرني بقتال المحلّين،و الطلب بدم ابن بنت نبي رب العالمين،و هذا أمر لكم فيه الشفاء،و كشف الغطاء،و قتل الأعداء،و تمام النعماء.

قالت الشيعة:يا أبا إسحاق!أنت موضع ذلك،غير أن الناس اجتمعوا إلى سليمان بن صرد الخزاعي و أنت تعلم أنه شيخ الشيعة اليوم فلا تعجل إلى أن تنظر و ينظر و يؤول الأمر إلى ما تحب إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه.

ص: 56

قال:فسكت المختار و أقام بالكوفة ينتظر ما يكون من أمر سليمان بن صرد (1).

قال:و علم عبد اللّه بن الزبير أن المختار قد صار إلى الكوفة فاتقى أن يفسد عليه البلد،فأرسل إلى عامر بن مسعود الجمحي فعزله عن الكوفة و ولّى عليها عبد اللّه بن يزيد الأنصاري،قال:فقدم عبد اللّه بن يزيد أميرا على الكوفة من قبل عبد اللّه بن الزبير و قدم معه إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد اللّه على خراج الكوفة (2).

قال:و أقبل رؤساء أهل الكوفة على عبد اللّه بن يزيد فسلّموا عليه.و هنأوه بالولاية.

فقال لهم:يا أهل الكوفة!ما هذا الذي يبلغني عن سليمان بن صرد و أصحابه؟ فقالوا:أيها الأمير!يذكر أنه يطلب بدم الحسين بن علي رضي اللّه عنهما.

فقال عبد اللّه بن يزيد:نعم هذا الرأي و أنا معهم و معينهم أيضا على ذلك (3).

(قال أبو جعفر)و في هذه السنة تحركت الشيعة بالكوفة و اتعدوا الاجتماع بالنخيلة في سنة 65 للمسير إلى أهل الشأم للطلب بدم الحسين بن علي و تكاتبوا في ذلك ذكر الخبر عن مبدأ أمرهم في ذلك.

(قال هشام)بن محمد حدثنا أبو مخنف قال:حدثني يوسف بن يزيد عن عبد اللّه ابن عوف بن الأحمر الأزدي قال:لما قتل الحسين بن علي و رجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة فدخل الكوفة تلاقت الشيعة بالتلاوم و التندم و رأت أنها قد أخطأت خطأ كبيرا بدعوتهم الحسين إلى النصرة و تركهم إجابته و مقتله إلى جانبهم لم ينصروه و رأوا أنه لا يغسل عارهم و الإثم عنهم في مقتله إلا بقتل من6.

ص: 57


1- في الطبري 561/5 انشعبت إليه طائفة تعظمه و تجيبه و تنتظر أمره،و عظم الشيعة مع سليمان بن صرد.
2- و كان قدوم عبد اللّه بن يزيد يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان سنة 64.و كان المختار قد قدمها قبله بثمانية أيام.(الطبري 560/5).
3- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 426.

قتله أو القتل فيه ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة إلى سليمان بن صرد الخزاعي و كانت له صحبة مع النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و إلى المسيب بن نجبة الفزاري و كان من أصحاب علي و خيارهم و إلى عبد اللّه بن سعد بن نفيل الأزدي و إلى عبد اللّه بن وال التيمي و إلى رفاعة بن شداد البجلي ثم إن هؤلاء النفر الحمسة اجتمعوا في منزل سليمان بن صرد و كانوا من خيار أصحاب علي و معهم أناس من الشيعة و خيارهم و وجوههم قال:فلما اجتمعوا إلى منزل سليمان بن صرد بدأ المسيب بن نجبة القوم بالكلام فتكلم فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم ثم قال:أما بعد فإنا قد ابتلينا بطول العمر و التعرض لأنواع الفتن فنرغب إلى ربنا ألا يجعلنا ممن يقول له غدا أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر و جاءكم النذير فإن أمير المؤمنين قال العمر الذي أعذر اللّه فيه إلى ابن آدم ستون سنة و ليس فينا رجل إلا و قد بلغه و قد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا و تقريظ شيعتنا حتى بلا اللّه أخبارنا فوجدنا كاذبين في موطنين من مواطن ابن ابنة نبينا صلّى اللّه عليه و سلّم و قد بلغتنا قبل ذلك كتبه و قدمت علينا رسله و أعذر إلينا يسألنا نصره عودا و بدءا و علانية و سرا فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتل إلى جانبنا لا نحن نصرناه بأيدينا و لا جادلنا عنه بألسنتنا و لا قوّيناه بأموالنا و لا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا فما عذرنا إلى ربنا و عند لقاء نبينا صلّى اللّه عليه و سلّم و قد قتل فينا ولده و حبيبه و ذريته و نسله لا و اللّه لا عذر دون أن تقتلوا قاتله و الموالين عليه أو تقتلوا في طلب ذلك فعسى ربنا أن يرضى عنا عند ذلك و ما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن:أيها القوم ولّوا عليكم رجلا منكم فإنه لابد لكم من أمير تفزعون إليه وراية تحفّون بها أقول قولي هذا و أستغفر اللّه لي و لكم قال:فبدر القوم رفاعة بن شداد بعد المسيب الكلام فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم ثم قال:

أما بعد فإن اللّه قد هداك لأصوب القول و دعوت إلى أرشد الأمور بدأت بحمد اللّه و الثناء عليه و الصلاة على نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم و دعوت إلى جهاد الفاسقين و إلى التوبة من الذنب العظيم فمسموع منك مستجاب لك مقبول قولك.

ص: 58

قلت:ولّوا أمركم رجلا منكم تفزعون إليه و تحفّون برايته و ذلك رأي قد رأينا مثل الذي رأيت فإن تكن أنت ذلك الرجل تكن عندنا مرضيا و فينا متنصحا في جماعتنا محبا و إن رأيت و رأى أصحابنا ذلك ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و ذا السابقة و القدم سليمان بن صرد المحمود في بأسه و دينه و الموثوق بحزمه أقول قولي هذا و أستغفر اللّه لي و لكم.

قال:ثم تكلم عبد اللّه بن وال و عبد اللّه بن سعد فحمدا ربهما و أثنيا عليه و تكلما بنحو من كلام رفاعة بن شداد فذكرا المسيب بن نجبة بفضله و ذكرا سليمان بن صرد بسابقته و رضاهما بتوليته فقال المسيب بن نجبة أصبتم و وفقتم و أنا أرى مثل الذي رأيتم فولّوا أمركم سليمان بن صرد (1).

(قال أبو مخنف)فحدثت سليمان بن أبي راشد بهذا الحديث فقال:حدثني حميد بن مسلم قال:و اللّه إني لشاهد بهذا اليوم يوم ولّوا سليمان بن صرد و إنا يومئذ لأكثر من مائة رجل من فرسان الشيعة و وجوههم في داره قال:فتكلم سليمان بن صرد فشدد و ما زال يردد ذلك القول في كل جمعة حتى حفظته بدءا.

فقال:أثني على اللّه خيرا و أحمد آلاءه و بلاءه و أشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسوله:أما بعد فإني و اللّه لخائف ألا يكون آخرنا إلى هذا الدهر الذي نكدت فيه المعيشة و عظمت فيه الرزية و شمل فيه الجور أولي الفضل من هذه الشيعة لما هو خير إنا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل نبينا و نمنيهم النصر و نحثهم على القدوم،فلما قدموا و نينا و عجزنا و أدهنا و تربّصنا و انتظرنا ما يكون حتى قتل فينا ولدينا ولد نبينا و سلالته و عصارته و بضعة من لحمه و دمه إذ جعل يستصرخ و يسأل النصف فلا يعطاه اتخذه الفاسقون غرضا لنبل و درية للرماح حتى أقصدوه و عدوا عليه فسلبوه ألا انهضوا فقد سخط ربكم و لا ترجعوا إلى الحلائل و الأبناء حتى8.

ص: 59


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 428.

يرضى اللّه و اللّه ما أظنه رضيا دون أن تناجزوا من قتله أو تبيروا ألا لا تهابوا الموت فو اللّه ما هابه امرؤ قط إلا ذل كونوا كالأولى من بني إسرائيل إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فما فعل القوم جثوا على الركب و اللّه و مدوا الأعناق و رضوا بالقضاء حتى حين علموا أنه لا ينجيهم من عظيم الذنب إلا الصبر على القتل فكيف بكم لوقد دعيتم إلى مثل ما دعى القوم إليه أشحذوا السيوف و ركبوا الأسنة و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل حتى تدعوا حين تدعوا و تستنفروا.

قال:فقام خالد بن سعد بن نفيل فقال:أما أنا فو اللّه لو أعلم أن قتلي نفسي يخرجني من ذنبي و يرضى عني ربي لقتلتها و لكن هذا أمر به قوم كانوا قبلنا و نهينا عنه فأشهد اللّه و من حضر من المسلمين أن كلّما أصبحت أملكه سوى سلاحي الذي أقاتل به عدوي صدقة على المسلمين أقوّيهم به على قتال القاسطين.

و قام أبو المعتمر حنش بن ربيعة الكناني فقال:و أنا أشهدكم على مثل ذلك فقال سليمان بن صرد حسبكم من أراد من هذا شيئا فليأت بماله عبد اللّه بن وال التيمي تيم بكر بن وائل فإذا اجتمع عنده كلما تريدون إخراجه من أموالكم جهزنا به ذوي الخلة و المسكنة من أشياعكم (1).

(قال أبو مخنف)لوط بن يحيى عن سليمان بن أبي راشد قال:فحدثنا حميد ابن مسلم الأزدي أن سليمان بن صرد قال لخالد بن سعد بن نفيل حين قال له و اللّه لو علمت أن قتلى نفسي يخرجني من ذنبي و يرضى عني ربي لقتلتها و لكن هذا أمر به قوم غيرنا كانوا من قبلنا و نهينا عنه قال أخوكم هذا غدا فريس أول الأسنة قال:فلما تصدّق بماله على المسلمين.قال له:أبشر بجزيل ثواب اللّه الذين لأنفسهم يمهدون.

(قال أبو مخنف)حدثني الحصين بن يزيد بن عبد اللّه بن سعد بن نفيل قال:9.

ص: 60


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 429.

أخذت كتابا كان سليمان بن صرد كتب به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان بالمدائن فقرأته زمان ولّي سليمان قال:فلما قرأته أعجبني فتعلّمته فما نسيته كتب إليه بسم اللّه الرحمن الرحيم من سليمان بن صرد إلى سعد بن حذيفة و من قبله من المؤمنين سلام عليكم أما بعد فإن الدنيا دار قد أدبر منها ما كان معروفا و أقبل منها ما كان منكرا و أصبحت قد تشنأت إلى ذوي الألباب و أزمع بالترحال منها عباد اللّه الأخيار و باعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بجزيل مثوبة عند اللّه لا يفنى إن أولياء من إخوانكم و شيعة آل نبيكم نظروا لأنفسهم فيما ابتلوا به من أمر ابن بنت نبيهم الذي دعي فأجاب و دعا فلم يجب و أراد الرجعة فحبس و سأل الأمان فمنع و ترك الناس فلم يتركوه و عدوا عليه فقتلوه ثم سلبوه و جرّدوه ظلما و عدوانا و غرة باللّه و جهلا و بعبر اللّه ما يعملون و إلى اللّه ما يرجعون و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فلما نظروا إخوانكم و تدبّروا عواقب ما استقبلوا رأوا أن قد خطئوا بخذلان الزكي الطيب و إسلامه و ترك مواساته و النصر له خطأ كبيرا ليس لهم منه مخرج و لا توبة دون قتل قاتليه أو قتلهم حتى تفنى على ذلك أرواحهم فقد جدّوا إخوانكم فجدّوا و أعدوا و استعدوا و قد ضربنا لاخواننا أجلا يوافوننا إليه و موطنا يلقوننا فيه.

فأما الأجل فغرة شهر ربيع الآخر سنة 65.

و أما الموطن الذي يلقوننا فيه فالنخيلة أنتم الذين لم تزالوا لنا شيعة و إخوانا و إلا و قد رأينا أن ندعوكم إلى هذا الأمر الذي أراد اللّه به إخوانكم فيما يزعمون و يظهرون لنا أنهم يتوبون و أنكم جدراء بتطلاب الفضل و التماس الأجر و التوبة إلى ربكم من الذنب و لو كان في ذلك حز الرقاب و قتل الأولاد و استيفاء الأموال و هلاك العشائر ما ضر أهل عذراء الذين قتلوا ألا يكونوا اليوم أحياء و هم عند ربهم يرزقون شهداء قد لقوا اللّه صابرين محتسبين فأثابهم ثواب الصابرين يعنى حجرا و أصحابه و ما ضر إخوانكم المقتّلين صبرا المصلّبين ظلما و الممثول بهم المعتدى عليهم ألا يكونوا أحياء مبتلين بخطاياكم قد خيّر لهم فلقوا ربهم و وفّاهم اللّه إن شاء

ص: 61

اللّه أجرهم فاصبروا رحمكم اللّه على البأساء و الضراء و حين البأس و توبوا إلى اللّه عن قريب فو اللّه إنكم لأحرياء ألا يكون أحد من إخوانكم صبر على شيء من البلاء إرادة ثوابه إلا صبرتم التماس الأجر فيه على مثله و لا يطلب رضاء اللّه طالب بشيء من الأشياء و لو أنه القتل إلا طلبتم رضاء اللّه به إن التقوى أفضل الزاد في الدنيا و ما سوى ذلك يبور و يفنى فلتعزف عنها أنفسكم و لتكن رغبتكم في دار عافيتكم و جهاد عدو اللّه و عدوكم و عدو أهل بيت نبيكم حتى تقدموا على اللّه تائبين راغبين أحيانا اللّه و إياكم حياة طيبة و أجارنا و إياكم من النار و جعل منايانا قتلا في سبيله على يدي أبغض خلقه اللّه و أشدهم عداوة له إنه القدير على ما يشاء و الصانع لأوليائه في الأشياء و السّلام عليكم.

قال:و كتب ابن صرد الكتاب و بعث به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان مع عبد اللّه ابن مالك الطائي فبعث به سعد حين قرأ كتابه إلى من كان بالمدائن من الشيعة و كان بها أقوام من أهل الكوفة قد أعجبتهم فأوطنوها و هم يقدمون الكوفة في كل حين عطاء و رزق فيأخذون حقوقهم و ينصرفون إلى أوطانهم فقرأ عليهم سعد كتاب سليمان بن صرد ثم إنه حمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فإنكم قد كنتم مجتمعين مزمعين على نصر الحسين عليه السّلام و قتال عدوه فلم يفجأكم أول من قتله و اللّه مثيبكم على حسن النية و ما أجمعتم عليه من النصر أحسن المثوبة و قد بعث إليكم إخوانكم يستنجدونكم و يستمدونكم و يدعونكم إلى الحق و إلى ما ترجون لكم به عند اللّه أفضل الأجر و الحظ فماذا ترون و ماذا تقولون فقال القوم بأجمعهم نجيبهم و نقاتل معهم و رأينا في ذلك مثل رأيهم.

فقام عبد اللّه بن الحنطل الطائي ثم الحزمري فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فإنا قد أجبنا إخواننا إلى ما دعونا إليه و قد رأينا مثل الذي قد رأوا فسرّحني إليهم في الخيل.

فقال له:رويدا لا تعجل استعدوا للعدو و أعدوا له الحرب ثم نسير و تسيرون

ص: 62

و كتب سعد بن حذيفة بن اليمان إلى سليمان بن صرد مع عبد اللّه بن مالك الطائي بسم اللّه الرحمن الرحيم إلى سليمان بن صرد من سعد بن حذيفة و من قبله من المؤمنين سلام عليكم أما بعد فقد قرأنا كتابك و فهمنا الذي دعوتنا إليه من الأمر الذي عليه رأي الملأ من إخوانك فقد هديت لحظك و يسرت لرشدك و نحن جادون مجدون معدون مسرجون ملجمون ننتظر الأمر و نستمع الداعي فإذا جاء الصريخ أقبلنا و لم نعرج إن شاء اللّه و السّلام،فلما قرأ كتابه سليمان بن صرد قرأه على أصحابه فسروا بذلك.

قال:و كتب إلى المثنى بن محربة العبدي نسخة الكتاب الذي كان كتب به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان و بعث به مع ظبيان بن عمارة التميمي من بني سعد فكتب إليه المثنى أما بعد فقد قرأت كتابك و أقرأته إخوانك فحمدوا رأيك و استجابوا لك فنحن موافوك إن شاء اللّه للأجل الذي ضربت و في الموطن الذي ذكرت و السّلام عليك و كتب في أسفل كتابه

تبصر كأني قد أتيتك معلما على أتلع الهادي أجش هزيم

طويل القرى نهد الشواء مقلص ملح على فأس اللجام أزوم

بكل فتى لا يملأ الروع نحره محس لعض الحرب غير سؤوم

أخي ثقة ينوى الاله بسعيه ضروب بنصل السيف غير أثيم (1).

(قال أبو مخنف)لوط بن يحيى عن الحارث بن حصيرة عن عبد اللّه بن سعد بن نفيل قال:كان أول ما ابتدعوا به من أمرهم سنة 61 و هى السنة التي قتل فيها الحسين رضي اللّه عنه فلم يزل القوم في جمع آلة الحرب و الإستعداد للقتال و دعاء الناس في السر من الشيعة و غيرها إلى الطلب بدم الحسين فكان يجيبهم القوم بعد القوم و النفر بعد النفر فلم يزالوا كذلك و في ذلك حتى مات يزيد بن معاوية يوم1.

ص: 63


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 431.

الخميس لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول سنة 64 و كان بين قتل الحسين و هلاك يزيد بن معاوية ثلاث سنين و شهران و أربعة أيام و هلك يزيد و أمير العراق عبيد اللّه بن زياد و هو بالبصرة و خليفته بالكوفة عمرو بن حريث المخزومي فجاء إلى سليمان أصحابه من الشيعة فقالوا:قد مات هذا الطاغية و الآمر الآن ضعيف فإن شئت وثبنا على عمرو بن حريث فأخرجناه من القصر ثم أظهرنا الطلب بدم الحسين عليه السّلام و تتبعنا قتلته و دعونا الناس إلى أهل هذا البيت المستأثر عليهم المدفوعين عن حقهم فقالوا في ذلك فأكثروا.

فقال لهم سليمان بن صرد:رويدا لا تعجلوا إني قد نظرت فيما تذكرون فرأيت أن قتلة الحسين عليه السّلام هم أشراف أهل الكوفة و فرسان العرب و هم المطالبون بدمه و متى علموا ما تريدون و علموا أنهم المطلوبون كانوا أشد عليكم و نظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم و لم يشفوا أنفسهم و لم ينكوا في عدوهم و كانوا لهم جزرا و لكن بثّوا دعاتكم في المصر فادعوا إلى أمركم هذا شيعتكم و غير شيعتكم فإني أرجو أن يكون الناس اليوم حيث هلك هذا الطاغية أسرع إلى أمركم استجابة منهم قبل هلاكه ففعلوا و خرجت طائفة منهم دعاة يدعون الناس فاستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد بن معاوية أضعاف من كان استجاب لهم قبل ذلك (1).

(قال هشام)قال أبو مخنف:و حدثنا الحصين بن يزيد عن رجل من مزينة قال:

ما رأيت من هذه الأمة أحدا كان أبلغ من عبيد اللّه بن عبد اللّه المري في منطق و لا عظة و كان من دعاة أهل المصر زمان سليمان بن صرد و كان إذا اجتمعت إليه جماعة من الناس فوعظهم بدأ بحمد اللّه و الثناء عليه و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ثم يقول:أما بعد فإن اللّه اصطفى محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم على خلقه بنبوته و خصّه بالفضل كله2.

ص: 64


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 432.

و أعزّكم باتباعه و أكرمكم بالايمان به فحقن به دماءكم المسفوكة و آمن به سبلكم المخوفة وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ فهل خلق ربكم في الأولين و الآخرين أعظم حقا على هذه الأمة من نبيها و هل ذرية أحد من النبيين و المرسلين أو غيرهم أعظم حقا على هذه الأمة من ذرية رسولها ؟ لا و اللّه ما كان و لا يكون للّه أنتم ألم تروا و يبلغكم ما اجترم إلى ابن بنت نبيكم أما رأيتم إلى انتهاك القوم حرمته و استضعافهم وحدته و ترميلهم إياه بالدم و تجرارهموه على الأرض لم يرقبوا فيه ربهم و لا قرابته من الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم اتخذوه للنبل غرضا و غادروه للضباع جزرا فللّه عينا من رأى مثله و للّه حسين بن علي ماذا غادروا به،ذا صدق و صبر و ذا أمانة و نجدة و حزم،ابن أول المسلمين إسلاما و ابن بنت رسول رب العالمين قلّت حماته و كثرت عداته حوله فقتله عدوه و خذله وليه فويل للقاتل و ملامة للخاذل إن اللّه لم يجعل لقاتله حجة و لا لخاذله معذرة إلا أن يناصح للّه في التوبة فيجاهد القاتلين و ينابذ القاسطين فعسى اللّه عند ذلك أن يقبل التوبة و يقيل العثرة إنا ندعوكم إلى كتاب اللّه و سنة نبيه و الطلب بدماء أهل بيته و إلى جهاد المحلين و المارقين فإن قتلنا فما عند اللّه خير للأبرار و إن ظهرنا رددنا هذا الأمر إلى أهل بيت نبينا.

قال:و كان يعيد هذا الكلام علينا في كل يوم حتى حفظه عامتنا قال:و وثب الناس على عمرو بن حريث عند هلاك يزيد بن معاوية فأخرجوه من القصر و اصطلحوا على عامر بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي و هو دحروجة الجعل الذي قال له ابن همام السلولي:

أشدد يديك بزيد إن ظفرت به و اشف الأرامل من دحروجة الجعل

و كان كأنه إيهام قصرا و زيد مولاه و خازنه فكان يصلّى بالناس و بايع لابن الزبير و لم يزل أصحاب سليمان بن صرد يدعون شيعتهم و غيرهم من أهل مصرهم حتى كثر تبعهم و كان الناس إلى اتباعهم بعد هلاك يزيد بن معاوية أسرع

ص: 65

منهم قبل ذلك،فلما مضت ستة أشهر من هلاك يزيد بن معاوية قدم المختار بن أبي عبيد الكوفة فقدم في النصف من شهر رمضان يوم الجمعة.

قال:و قدم عبد اللّه بن يزيد الأنصاري ثم الخطمي من قبل عبد اللّه بن الزبير أميرا على الكوفة على حربها و ثغرها و قدم معه من قبل ابن الزبير إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد اللّه الأعرج أميرا على خراج الكوفة و كان قدوم عبد اللّه بن يزيد الأنصاري ثم الخطمي يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان سنة 64.

قال:و قدم المختار قبل عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد بثمانية أيام و دخل المختار الكوفة و قد اجتمعت رؤوس الشيعة و وجوهها مع سليمان بن صرد فليس يعدلونه به فكان المختار إذا دعاهم إلى نفسه و إلى الطلب بدم الحسين عليه السّلام قالت له الشيعة:هذا سليمان بن صرد شيخ الشيعة قد انقادوا له و اجتمعوا عليه فأخذ يقول للشيعة إني قد جئتكم من قبل المهدي محمد بن علي بن الحنفية مؤتمنا مأمونا منتجبا و وزيرا فو اللّه ما زال بالشيعة حتى انشعبت إليه طائفة تعظّمه و تجيبه و تنتظر أمره و عظم الشيعة مع سليمان بن صرد فسليمان أثقل خلق اللّه على المختار و كان المختار يقول لأصحابه أتدرون ما يريد هذا يعنى سليمان بن صرد إنما يريد أن يخرج فيقتل نفسه و يقتلكم ليس له بصر بالحروب و لا له علم بها.

قال:و أتى يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم الشيباني عبد اللّه بن يزيد الأنصاري فقال:إن الناس يتحدثون أن هذه الشيعة خارجة عليك مع ابن صرد و منهم طائفة أخرى مع المختار و هى أقل الطائفتين عددا و المختار فيما يذكر الناس لا يريد أن يخرج حتى ينظر إلى ما يصير إليه أمر سليمان بن صرد و قد اجتمع له أمره و هو خارج من أيامه هذه فإن رأيت أن تجمع الشرط و المقاتلة و وجوه الناس ثم تنهض إليهم و ننهض معك فإذا دفعت إلى منزله دعوته فإن أجابك حسبه و إن قاتلك قاتلته و قد جمعت له و عبأت و هو مغتر فإني أخاف عليك إن هو بدأك و أقررته حتى يخرج عليك أن تشتد شوكته و أن يتفاقم أمره فقال عبد اللّه بن يزيد اللّه بيننا

ص: 66

و بينهم إن هم قاتلونا قاتلناهم و إن تركونا لم نطلبهم.حدثني ما يريد الناس؟

قال:يذكر الناس أنهم يطلبون بدم الحسين بن علي عليه السّلام قال:فأنا قتلت الحسين لعن اللّه قاتل الحسين.

قال:و كان سليمان بن صرد و أصحابه يريدون أن يثبوا بالكوفة فخرج عبد اللّه بن يزيد حتى صعد المنبر ثم قام في الناس فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فقد بلغني أن طائفة من أهل هذا المصر أرادوا أن يخرجوا علينا فسألت عن الذي دعاهم إلى ذلك ما هو فقيل لي زعموا أنهم يطلبون بدم الحسين بن علي فرحم اللّه هؤلاء القوم قد و اللّه دللت على أماكنهم و أمرت بأخذهم و قيل ابدأهم قبل أن يبدأوك فأبيت ذلك فقلت إن قاتلوني قاتلتهم و إن تركوني لم أطلبهم و علام يقاتلوني فو اللّه ما أنا قتلت حسينا و لا أنا ممن قاتله و لقد أصبت بمقتله رحمة اللّه عليه فإن هؤلاء القوم آمنون فليخرجوا و لينتشروا ظاهرين ليسيروا إلى من قاتل الحسين فقد أقبل إليهم و أنالهم على قاتله ظهير هذا ابن زياد قاتل الحسين و قاتل خياركم و أماثلكم قد توجه إليكم عهد العاهد به على مسيرة ليلة من جسر منبج فقتاله و الإستعداد له أولى و أرشد من أن تجعلوا بأسكم بينكم فيقتل بعضكم بعضا و يسفك بعضكم دماء بعض فيلقاكم ذلك العدو غدا و قد رققتم،و تلك و اللّه أمنية عدوكم و إنه قد أقبل إليكم أعدى خلق اللّه لكم من ولّي عليكم هو و أبوه سبع سنين لا يقلعان عن قتل أهل العفاف و الدين هو الذي قتلكم و من قبله أوتيتم و الذي قتل من تثأرون بدمه قد جاءكم فاستقبلوه بحدكم و شوكتكم و اجعلوها به و لا تجعلوها بأنفسكم إني لم ألكم نصحا جمع اللّه لنا كلمتنا و أصلح لنا أئمتنا.

قال:فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة:أيها الناس لا يغرنكم من السيف و الغشم مقالة هذا المداهن الموادع و اللّه لئن خرج علينا خارج لنقتلنه و لئن استيقنا أن قوما يريدون الخروج علينا لنأخذن الوالد بولده و المولود بوالده و لنأخذن الحميم بالحميم و العريف بما في عرافته حتى يدينوا للحق و يذلوا للطاعة فوثب إليه

ص: 67

المسيب بن نجبة فقطع عليه منطقه ثم قال:يا ابن الناكثين أنت تهددنا بسيفك و غشمك أنت و اللّه أذل من ذلك إنا لا نلومك على بغضنا و قد قتلنا أباك وجدك و اللّه إني لأرجو ألا يخرجك اللّه من بين ظهراني أهل هذا المصر حتى يثلثوا بك جدك و أباك و أما أنت أيها الأمير فقد قلت قولا سديدا و إني و اللّه لأظن من يريد هذا الأمر مستنصحا لك و قابلا قولك فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة أي و اللّه ليقتلن و قد أدهن ثم أعلن.

فقام إليه عبد اللّه بن وال التيمي فقال:ما اعتراضك يا أخا بني تيم بن مرة فيما بيننا و بين أميرنا فو اللّه ما أنت علينا بأمير و لا لك علينا سلطان إنما أنت أمير الجزية فأقبل على خراجك فلعمر اللّه لئن كنت مفسدا ما أفسد أمر هذه الأمة إلا والدك وجدك الناكثان فكانت بهما اليدان و كانت عليهما دائرة السوء.

قال:ثم أقبل مسيب بن نجبة و عبد اللّه بن وال على عبد اللّه بن يزيد فقالا:أما رأيك أيها الأمير فو اللّه إنا لا نرجو أن تكون به عند العامة محمودا و أن تكون عند الذي عنيت و اعتريت مقبولا فغضب أناس من عمال إبراهيم بن محمد بن طلحة و جماعة ممن كان معه فتشاتموا دونه فشتمهم الناس و خصموهم،فلما سمع ذلك عبد اللّه بن يزيد نزل و دخل و انطلق إبراهيم بن محمد و هو يقول قد داهن عبد اللّه بن يزيد أهل الكوفة و اللّه لأكتبن بذلك إلى عبد اللّه بن الزبير فأتى شبث بن ربعي التميمي عبد اللّه بن يزيد فأخبره بذلك فركب به و بيزيد بن الحارث بن رويم حتى دخل على إبراهيم بن محمد بن طلحة فحلف له باللّه ما أردت بالقول الذي سمعت إلا العافية و صلاح ذات البين إنما أتاني يزيد بن الحارث بكذا و كذا فرأيت أن أقوم فيهم بما سمعت إرادة ألا تختلف الكلمة و لا تتفرق الألفة و ألا تقع بأس هؤلاء القوم بينهم فعذره و قبل منه.

قال:ثم إن أصحاب سليمان بن صرد خرجوا ينشرون السلاح ظاهرين و يتجهزون يجاهرون بجهازهم و ما يصلحهم.

ص: 68

(و في هذه السنة)فارق عبد اللّه بن الزبير الخوارج الذين كانوا قدموا عليه مكة فقاتلوا معه حصين بن نمير السكوني فصاروا إلى البصرة ثم افترقت كلمتهم فصاروا أحزابا (1).6.

ص: 69


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 436.

فراق الخوارج ابن الزبير

قال الطبري:حُدّثت عن هشام بن محمد الكلبي عن أبي مخنف لوط بن يحيى قال:حدثني أبو المخارق الراسبي قال:لما ركب ابن زياد من الخوارج بعد قتل أبي بلال ما ركب و قد كان قبل ذلك لا يكف عنهم و لا يستبقيهم غير أنه بعد قتل أبي بلال تجرّد لاستئصالهم و هلاكهم و اجتمعت الخوارج حين ثار ابن الزبير بمكة و سار إليه أهل الشام فتذاكروا ما أتى إليهم فقال لهم نافع بن الأزرق:إن اللّه قد أنزل عليكم الكتاب و فرض عليكم فيه الجهاد و احتج عليكم بالبيان و قد جرّد فيكم السيوف أهل الظلم و أولو العدى و الغشم و هذا من قد ثار بمكة فاخرجوا بنا نأت البيت و نلق هذا الرجل فإن يكن على رأينا جاهدنا معه العدو و إن يكن على غير رأينا دافعنا عن البيت ما استطعنا و نظرنا بعد ذلك في أمورنا فخرجوا حتى قدموا على عبد اللّه بن الزبير فسرّ بمقدمهم و نبّأهم أنه على رأيهم و أعطاهم الرضى من غير توقف و لا تفتيش فقاتلوا معه حتى مات يزيد بن معاوية و انصرف أهل الشأم عن مكة.

ثم إن القوم لقي بعضهم بعضا فقالوا إن هذا الذي صنعتم أمس بغير رأي و لا صواب من الأمر تقاتلون مع رجل لا تدرون لعله ليس على رأيكم إنما كان أمس يقاتلكم هو و أبوه ينادي يا لثارات عثمان فأتوه و سلوه عن عثمان فإن برئ منه كان وليّكم و إن أبى كان عدوكم،فمشوا نحوه فقالوا له:أيها الانسان إنا قد قاتلنا معك و لم نفتشك عن رأيك حتى نعلم أمنا أنت أم من عدونا خبّرنا ما مقالتك في عثمان فنظر فإذا من حوله من أصحابه قليل فقال لهم إنكم أتيتموني فصادفتموني حين أردت القيام و لكن روحوا إلى العشية حتى أعلمكم من ذلك الذي تريدون فانصرفوا

ص: 70

و بعث إلى أصحابه فقال البسوا السلاح و احضروني بأجمعكم العشية ففعلوا و جاءت الخوارج و قد أقام أصحابه حوله سماطين عليهم السلاح و قامت جماعة منهم عظيمة على رأسه بأيديهم الأعمدة.

فقال ابن الأزرق لأصحابه:خشي الرجل غائلتكم و قد أزمع بخلافكم و استعد لكم ما ترون فدنا منه ابن الأزرق.

فقال له:يا ابن الزبير اتق اللّه ربك و ابغض الخائن المستأثر و عاد أول من سنّ الضلالة و أحدث الأحداث و خالف حكم الكتاب فإنك إن تفعل ذلك ترض ربك و تنج من العذاب الأليم نفسك و إن تركت ذلك فأنت من الذين استمتعوا بخلاقهم و أذهبوا في الحياة الدنيا طيباتهم يا عبيدة بن هلال صف لهذا الانسان و من معه أمرنا الذي نحن عليه و الذي ندعو الناس إليه فتقدّم عبيدة بن هلال.

(قال هشام)قال أبو مخنف:و حدثني أبو علقمة الخثعمي عن أبي قبيصة بن عبد الرحمن القحافي من خثعم قال:أنا و اللّه شاهد عبيدة بن هلال إذ تقدّم فتكلم فما سمعت ناطقا قط ينطق كان أبلغ و لا أصوب قولا منه و كان يرى رأى الخوارج قال:

و إن كان ليجمع القول الكثير في المعنى الخطير في اللفظ اليسير.

قال:فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فإن اللّه بعث محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم يدعو إلى عبادة اللّه و إخلاص الدين فدعا إلى ذلك فأجابه المسلمون فعمل فيهم بكتاب اللّه و أمره حتى قبضه اللّه إليه صلّى اللّه عليه و استخلف الناس أبا بكر و استخلف أبو بكر عمر فكلاهما عملا بالكتاب و سنة رسول اللّه فالحمد للّه رب العالمين ثم إن الناس استخلفوا عثمان بن عفان فحمى الأحماء فآثر القربى و استعمل الفتى و رفع الدرة و وضع السوط و مزّق الكتاب و حقّر المسلم و ضرب منكري الجور و آوى طريد الرسول صلّى اللّه عليه و ضرب السابقين بالفضل و سيّرهم و حرمهم ثم أخذ في اللّه الذي أفاءه عليهم فقسمه بين فساق قريش و مجان العرب فسارت إليه طائفة من

ص: 71

المسلمين أخذ اللّه ميثاقهم على طاعته لا يبالون في اللّه لومة لائم فقتلوه فنحن لهم أولياء و من ابن عفان و أوليائه برآء فما تقول أنت يا ابن الزبير؟

قال:فحمد اللّه ابن الزبير و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فقد فهمت الذي ذكرتم و ذكرت به النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فهو كما قلت صلّى اللّه عليه و فوق ما وصفته و فهمت ما ذكرت به أبا بكر و عمر و قد وفقت و أصبت و قد فهمت الذي ذكرت به عثمان بن عفان رحمة اللّه عليه و إني لا أعلم مكان أحد من خلق اللّه اليوم أعلم بابن عفان و أمره مني كنت معه حيث نقم القوم عليه و استعتبوه فلم يدع شيئا استعتبه القوم فيه إلا أعتبهم منه ثم إنهم رجعوا إليه بكتاب له يزعمون أنه كتبه فيهم يأمر فيه بقتلهم فقال لهم ما كتبته فإن شئتم فهاتوا بينتكم فإن لم تكن حلفت لكم فو اللّه ما جاءوه ببيّنة و لا استحلفوه و وثبوا عليه فقتلوه و قد سمعت ما عبته به فليس كذلك بل هو لكل خير أهل و أنا أشهدكم و من حضر أني وليّ لابن عفان في الدنيا و الآخرة و ولي أوليائه و عدو أعدائه قالوا فبرئ اللّه منك يا عدو اللّه.

قال:فبرئ اللّه منكم يا أعداء اللّه و تفرّق القوم فأقبل نافع بن الأزرق الحنظلي و عبد اللّه بن صفار السعدي من بني صريم بن مقاعس و عبد اللّه بن أباض أيضا من بني صريم و حنظلة بن بيهس و بنو الماحوز عبد اللّه و عبيد اللّه و الزبير من بني سليط بن يربوع حتى أتوا البصرة و انطلق أبو طالوت من بني زمان بن مالك بن صعب بن علي بن مالك بن بكر بن وائل و عبد اللّه بن ثور أبو فديك من بني قيس بن ثعلبة و عطية بن الأسود اليشكري إلى اليمامة فوثبوا باليمامة مع أبي طالوت ثم أجمعوا بعد ذلك على نجدة ابن عامر الحنفي فأما البصريون منهم فإنهم قدموا البصرة و هم مجمعون على رأى أبى بلال.

(قال هشام)قال أبو مخنف لوط بن يحيى:فحدثني أبو المثنى عن رجل من إخوانه من أهل البصرة أنهم اجتمعوا فقالت العامة منهم لو خرج منا خارجون في سبيل اللّه فقد كانت منافترة منذ خرج أصحابنا فيقوم علماؤنا في الأرض فيكونون

ص: 72

مصابيح الناس يدعونهم إلى الدين و يخرج أهل الورع و الإجتهاد فيلحقون بالرب فيكونون شهداء مرزوقين عند اللّه أحياء فانتدب لها نافع بن الأزرق فاعتقد على ثلاثمائة رجل فخرج و ذلك عند و ثوب الناس بعبيد اللّه بن زياد و كسر الخوارج أبواب السجون و خروجهم منها و اشتغل الناس بقتال الأزدي و ربيعة و بني تميم و قيس في دم مسعود بن عمرو فاغتنمت الخوارج اشتغال الناس بعضهم ببعض فتهيأوا و اجتمعوا،فلما خرج نافع ابن الأزرق تبعوه و اصطلح أهل البصرة على عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب يصلّي بهم و خرج ابن زياد إلى الشام و اصطلحت الأزد و بنو تميم فتجرد الناس للخوارج فأتبعوهم و أخافوهم حتى خرج من بقى منهم بالبصرة فلحق بابن الأزرق إلا قليلا منهم ممن لم يكن أراد الخروج يومه ذلك منهم عبد اللّه بن صفار و عبد اللّه بن أباض و رجال معهما على رأيهما و نظر نافع بن الأزرق و رأى أن ولاية من تخلّف عنه لا تنبغي و أن من تخلف عنه لا نجاة له فقال لأصحابه:إن اللّه قد أكرمكم بمخرجكم و بصّركم ما عمي عنه غيركم ألستم تعلمون أنكم إنما خرجتم تطلبون شريعته و أمره فأمره لكم قائد و الكتاب لكم إمام و إنما تتبعون سننه و أثره.

فقالوا:بلى.

فقال:أ ليس حكمكم في وليّكم حكم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في وليّه و حكمكم في عدوكم حكم النبي صلّى اللّه عليه و على آله و سلم في عدوه و عدوكم اليوم عدو اللّه و عدو النبي صلّى اللّه تعالى عليه و سلم كما أن عدو النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يومئذ هو عدو اللّه و عدوكم اليوم فقالوا:نعم.

قال:فقد أنزل اللّه تبارك و تعالى بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1).1.

ص: 73


1- سورة براءة:1.

و قال: لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ (1)فقد حرّم اللّه ولايتهم و المقام بين أظهرهم و إجازة شهادتهم و أكل ذبائحهم و قبول علم الدين عنهم و مناكحتهم و مواريثهم و قد احتج اللّه علينا بمعرفة هذا و حق علينا أن نعلّم هذا الدين الذين خرجنا من عندهم و لا نكتم ما أنزل اللّه و اللّه عز و جل يقول إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ (2)فاستجاب له إلى هذا الرأي جميع أصحابه فكتب من عبيد اللّه نافع بن الأزرق إلى عبد اللّه بن صفار و عبد اللّه بن أباض و من قبلهما من الناس سلام على أهله طاعة اللّه من عباد اللّه فإن من الأمر كيت و كيت فقص هذه القصة و وصف هذه الصفة ثم بعث بالكتاب إليهما فأتيا به فقرأه عبد اللّه بن صفار فأخذه فوضعه خلفه فلم يقرأه على الناس خشية أن يتفرقوا و يختلفوا.

فقال له عبد اللّه بن أباض:ما لك للّه أبوك أي شيء أصبت أن قد أصيب إخواننا أو أسر بعضهم فدفع الكتاب إليه فقرأه فقال:قاتله اللّه أي رأي رأى صدق نافع بن الأزرق لو كان القوم مشركين كان أصوب الناس رأيا و حكما فيما يشير به و كانت سيرته كسيرة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في المشركين و لكنه قد كذب و كذبنا فيما يقول:إن القوم كفار بالنعم و الأحكام و هم برآء من الشرك و لا يحل لنا إلا دماؤهم و ما سوى ذلك من أموالهم فهو علينا حرام فقال ابن صفار برئ اللّه منك فقد قصّرت و برئ اللّه من ابن الأزرق فقد غلا برئ اللّه منكما جميعا.

و قال الآخر:فبرئ اللّه منك و منه و تفرّق القوم و اشتدت شوكة ابن الأزرق و كثرت جموعه و أقبل نحو البصرة حتى دنا من الجسر فبعث إليه عبد اللّه بن الحارث مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد الشمس بن عبد مناف9.

ص: 74


1- سورة البقرة:221.
2- سورة البقرة:159.

في أهل البصرة

(قال أبو جعفر)و في النصف من شهر رمضان من هذه السنة كان مقدم المختار بن أبي عبيد الكوفة (1).1.

ص: 75


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 441.

سبب مقدم المختار إلى الكوفة

قال الطبري:قال هشام بن محمد الكلبي:قالوا أبو مخنف:قال النضر بن صالح:

كانت الشيعة تشتم المختار و تعتبه لما كان منه في أمر الحسن بن علي يوم طعن في مظلم ساباط فحمل إلى أبيض المدائن حتى إذا كان زمن الحسين و بعث الحسين مسلم بن عقيل إلى الكوفة نزل دار المختار و هى اليوم دار سلم بن المسيب فبايعه المختار بن أبي عبيد فيمن بايعه من أهل الكوفة و ناصحه و دعا إليه من أطاعه حتى خرج ابن عقيل يوم خرج و المختار في قرية له بخطرنية تدعى لقفا فجاءه خبر ابن عقيل عند الظهر أنه قد ظهر بالكوفة فلم يكن خروجه يوم خرج على ميعاد من أصحابه إنما خرج حين قيل له إن هانئ بن عروة المرادي قد ضرب و حبس فأقبل المختار في موال له حتى انتهى إلى باب الفيل بعد الغروب و قد عقد عبيد اللّه بن زياد لعمرو بن حريث راية على جميع الناس و أمره أن يقعد لهم في المسجد،فلما كان المختار فوقف على باب الفيل مر به هانئ بن أبي حية الوادعي فقال للمختار ما وقوفك ههنا لا أنت مع الناس و لا أنت في رحلك.

قال:أصبح رأيي مرتجا لعظم خطيئتكم.

فقال له:أظنك و اللّه قاتلا نفسك ثم دخل على عمرو بن حريث فأخبره بما قال للمختار و ما رد عليه المختار.

(قال أبو مخنف)فأخبرني النضر بن صالح عن عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي قال:كنت جالسا عند عمرو بن حريث حين بلّغه هانئ بن أبي حية عن المختار هذه

ص: 76

المقالة فقال لي قم إلى ابن عمك فأخبره أن صاحبه لا يدرى أين هو فلا يجعلن على نفسه سبيلا فقمت لآتيه و وثب إليه زائدة بن قدامة بن مسعود فقال له:يأتيك على أنه آمن.

فقال له عمرو بن حريث:أمّا مني فهو آمن إن رقي إلى الأمير عبيد اللّه بن زياد شيء من أمره أقمت له بمحضره الشهادة و شفعت له أحسن الشفاعة.

فقال له زائدة بن قدامة:لا يكوننّ مع هذا إن شاء اللّه إلا خير.

قال عبد الرحمن فخرجت و خرجت معي زائدة إلى المختار فأخبرناه بمقالة ابن أبي حية و بمقالة عمرو بن حريث و ناشدناه باللّه ألا يجعل على نفسه سبيلا فنزل إلى ابن حريث فسلّم عليه و جلس تحت رايته حتى أصبح و تذاكر الناس أمر المختار و فعله فمشى عمارة بن عقبة بن أبي معيط بذلك إلى عبيد اللّه بن زياد فذكر له فلما ارتفع النهار فتح باب عبيد اللّه بن زياد و أذن للناس فدخل المختار فيمن دخل فدعاه عبيد اللّه.

فقال له:أنت المقبل في الجموع لتنصر ابن عقيل.

فقال له:لم أفعل و لكني أقبلت و نزلت تحت راية عمرو بن حريث و بت معه و أصبحت.

فقال له عمرو:صدق أصلحك اللّه.

قال:فرفع القضيب فاعترض به وجه المختار فحبط به عينه فشترها و قال أولى لك أما و اللّه لو لا شهادة عمرو لك لضربت عنقك انطلقوا به إلى السجن فانطلقوا به إلى السجن فحبس فيه فلم يزل في السجن حتى قتل الحسين ثم إن المختار بعث إلى زائدة بن قدامة فسأله أن يسير إلى عبد اللّه بن عمر بالمدينة فيسأله أن يكتب له إلى يزيد بن معاوية فيكتب إلى عبيد اللّه بن زياد بتخلية سبيله فركب زائدة إلى عبد اللّه بن عمر فقدم عليه فبلّغه رسالة المختار و علمت صفية أخت المختار بمحبس أخيها و هى تحت عبد اللّه بن عمر فبكت و جزعت،فلما رأى ذلك عبد اللّه بن عمر كتب مع

ص: 77

زائدة إلى يزيد بن معاوية أما بعد فإن عبيد اللّه بن زياد حبس المختار و هو صهري و أنا أحب أن يعافى و يصلح من حاله فإن رأيت رحمنا اللّه و إياك أن تكتب إلى ابن زياد فتأمره بتخليته فعلت و السّلام عليك فمضى زائدة على رواحله بالكتاب حتى قدم به على يزيد بالشام،فلما قرأه ضحك ثم قال:يشفع أبو عبد الرحمن و أهل ذلك هو فكتب له إلى ابن زياد أما بعد فخل سبيل المختار بن أبي عبيد حين تنظر في كتابي و السّلام عليك فأقبل به زائدة حتى دفعه فدعا ابن زياد بالمختار فأخرجه ثم قال له:قد أجلّتك ثلاثا فإن أدركتك بالكوفة بعدها قد برئت منك الذمة فخرج إلى رحله و قال ابن زياد و اللّه لقد اجترأ عليّ زائدة حين يرحل إلى أمير المؤمنين حتى يأتيني بالكتاب في تخلية رجل قد كان من شأني أن أطيل حبسه عليّ به فمر به عمرو بن نافع أبو عثمان كاتب لابن زياد و هو يطلب و قال له:النجاء بنفسك و اذكرها يدا لي عندك.

قال:فخرج زائدة فتوارى يومه ذلك ثم إنه خرج في أناس من قومه حتى أتى القعقاع بن شور الذهلي و مسلم بن عمرو الباهلي فأخذا له من ابن زياد الأمان.

(قال هشام)قال أبو مخنف:و لما كان اليوم الثالث خرج المختار إلى الحجاز قال:

فحدثني الصقعب بن زهير عن ابن العرق مولى لثقيف قال:أقبلت من الحجاز حتى إذا كنت بالبسيطة من وراء واقصة استقبلت المختار بن أبي عبيد خارجا يريد الحجاز حين خلّى سبيله ابن زياد،فلما استقبلته رحبت به و عطفت إليه،فلما رأيت شتر عينه استرجعت له و قلت له بعد ما توجعت له:ما بال عينك صرف اللّه عنك السوء.

قال:خبط عيني ابن الزانية بالقضيب خبطة صارت إلى ما ترى فقلت له:ماله شلّت أنامله.

فقال المختار:قتلني اللّه إن لم أقطع أنامله و أباجله و أعضاءه إربا إربا.

قال:فعجبت لمقالته فقلت له:ما علمك بذلك رحمك اللّه؟

ص: 78

فقال لي:ما أقول لك فاحفظه عني حتى ترى مصداقه.

قال:ثم طفق يسألني عن عبد اللّه بن الزبير فقلت له لجأ إلى البيت.

فقال:إنما أنا عائذ برب هذه البنية الناس يتحدثون أنه يبايع سرا و لا أراه إلا لو قد اشتدت شوكته و استكثف من الرجال إلا سيظهر الخلاف.قال:أجل لا شك في ذلك أما انه رجل العرب اليوم أما إنه ان يخطط في أثري و يسمع قولي أكفه أمر الناس و إلا يفعل فو اللّه ما أنا بدون أحد من العرب يا ابن العرق إن الفتنة قد أرعدت و أبرقت و كأن قد انبعثت فوطئت في خطامها فإذا رأيت ذلك و سمعت به بمكان قد ظهرت فيه فقيل:إن المختار في عصائبه من المسلمين يطلب بدم المظلوم الشهيد المقتول بالطف سيد المسلمين و ابن سيدها الحسين بن علي عليه السّلام فو ربك لأقتلن بقتله عدة القتلى التي قتلت على دم يحيى بن زكرياء عليه السّلام.

قال:فقلت له:سبحان اللّه و هذه أعجوبة مع الأحدوثة الأولى.فقال:هو ما أقول لك فاحفظه عني حتى ترى مصداقه.

ثم حرّك راحلته فمضى و مضيت معه ساعة أدعو اللّه له بالسلامة و حسن الصحابة.

قال:ثم إنه وقف فأقسم علي لما انصرفت فأخذت بيده فودّعته و سلّمت عليه و انصرفت عنه فقلت في نفسي:هذا الذي يذكر لي هذا الإنسان يعنى المختار مما يزعم أنه كائن أشيء حدث به نفسه فو اللّه ما أطلع اللّه على الغيب أحدا و إنما هو شي يتمناه فيرى أنه كائن فهو يوجب رأيه فهذا و اللّه الرأي الشعاع فو اللّه ما كل ما يرى الانسان أنه كائن يكون.

قال:فو اللّه مامت حتى رأيت كل ما قاله قال:فو اللّه لئن كان ذلك من علم ألقي إليه لقد أثبت له و لئن كان ذلك رأيا رآه و شيئا تمناه لقد كان

(قال أبو مخنف)فحدثني الصقعب بن زهير عن ابن العرق قال:فحدثت بهذا الحديث للحجاج بن يوسف فضحك ثم قال لي:انه كان يقول أيضا:و دافعة ذيلها

ص: 79

و داعية ويلها بدجلة أو حولها فقلت له أترى هذا شيئا كان يخترعه و تخرصا يتخرّصه أم هو من علم كان أوتيه فقال:و اللّه ما أدرى ما هذا الذي تسألني عنه و لكن للّه دره أي رجل دينا و مسعر حرب و مقارع أعداء كان (1).

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو يوسف الأنصاري من بني الخزرج عن عباس بن سهل بن سعد قال:قدم المختار علينا مكة فجاء إلى عبد اللّه بن الزبير و أنا جالس عنده فسلّم عليه فرد عليه ابن الزبير و رحب به و أوسع له ثم قال:حدثني عن حال الناس بالكوفة يا أبا إسحاق.

قال:هم لسلطانهم في العلانية أولياء و في السر أعداء.

فقال له ابن الزبير:هذه صفة عبيد السوء إذا رأوا أربابهم خدموهم و أطاعوهم فإذا غابوا عنهم شتموهم و لعنوهم.

قال:فجلس معنا ساعة ثم إنه قال إلى ابن الزبير كأنه يساره.

فقال له:ما تنتظر أبسط يدك أبايعك و أعطنا ما يرضينا و ثب على الحجاز فإن أهل الحجاز كلهم معك و قام المختار فخرج فلم ير حولا ثم إني بينا أنا جالس مع ابن الزبير إذ قال لي ابن الزبير:متى عهدك بالمختار ابن أبي عبيد فقلت له مالي به عهد منذ رأيته عندك عاما أول،فقال:أين تراه ذهب لو كان بمكة لقد رؤي بها بعد.

فقلت له:إني انصرفت إلى المدينة بعد إذ رأيته عندك بشهر أو شهرين فلبثت بالمدينة أشهرا ثم إني قدمت عليك فسمعت نفرا من أهل الطائف جاءوا معتمرين يزعمون أنه قدم عليهم الطائف و هو يزعم أنه صاحب الغضب و مبير الجبارين قال:قاتله اللّه لقد انبعث كذابا متكهنا إن اللّه إن يهلك الجبارين يكن المختار أحدهم فو اللّه ما كان إلا ريث فراغنا من منطقنا حتى عنّ لنا في جانب المسجد فقال ابن الزبير:أذكر غائبا تره أين تظنه يهوى؟4.

ص: 80


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 444.

فقلت:أظنه يريد البيت فأتى البيت فاستقبل الحجر ثم طاف بالبيت أسبوعا ثم صلّى ركعتين عند الحجر ثم جلس فما لبث أن مر به رجال من معارفه من أهل الطائف و غيرهم من أهل الحجاز فجلسوا إليه و استبطأ ابن الزبير قيامه إليه فقال:

ما ترى شأنه لا يأتينا؟

قلت:لا أدري و سأعلم لك علمه و قال:ما شئت و كأن ذلك أعجبه.

قال:فقمت فمررت به كأني أريد الخروج من المسجد ثم التفت إليه فأقبلت نحوه ثم سلّمت عليه ثم جلست إليه و أخذت بيده فقلت له:أين كنت و أين بلغت بعدي أبا لطائف كنت؟

فقال لي:كنت بالطائف و غير الطائف و عمس علي أمره فملت إليه فناجيته فقلت له:مثلك يغيب عن مثل ما قد اجتمع عليه أهل الشرف و بيوتات العرب من قريش و الأنصار و ثقيف لم يبق أهل بيت و لا قبيلة إلا و قد جاء زعيمهم و عميدهم فبايع هذا الرجل فعجبا لك و لرأيك ألا تكون أتيته فبايعته و أخذت بحظك من هذا الأمر و قال لي:و ما رأيتني أتيته العام الماضي فأشرت عليه بالرأي فطوى أمره دوني و إني لما رأيته استغنى عني أحببت أن أريه أني مستغن عنه إنه و اللّه لهو أحوج إلي مني إليه فقلت له إنك كلمته بالذي كلمته و هو ظاهر في المسجد و هذا الكلام لا ينبغي أن يكون إلا و الستور دونه مرخاة و الأبواب دونه مغلقة إلقه الليلة إن شئت و أنا معك فقال لي:فإني فاعل إذا صلّينا العتمة أتيناه و اتعدنا الحجر.

قال:فنهضت من عنده فخرجت ثم رجعت إلى ابن الزبير فأخبرته بما كان من قولي و قوله فسر بذلك.

فلما صلّينا العتمة التقينا بالحجر ثم خرجنا حتى أتينا منزل ابن الزبير فاستأذنا عليه فأذن لنا فقلت أخليكما فقالا جميعا:لا سرّ دونك فجلست فإذا ابن الزبير قد أخذ بيده فصافحه و رحب به فسأله عن حاله و أهل بيته و سكتا جميعا غير طويل.

فقال له المختار:و أنا أسمع بعد أن تبدّأ في أول منطقه فحمد اللّه و أثنى عليه ثم

ص: 81

قال أنه لا خير في الإكثار من المنطق و لا في التقصير عن الحاجة إني قد جئتك لأبايعك على ألا تقضي الأمور دوني و على أن أكون في أول من تأذن له و إذا ظهرت استعنت بي على أفضل عملك.

فقال له ابن الزبير:أبايعك على كتاب اللّه و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:و شر غلماني أنت مبايعه على كتاب اللّه و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم ما لي في هذا الأمر من الحظ ما ليس لأقصى الخلق منك لا و اللّه لا أبايعك أبدا إلا على هذه الخصال.

قال عباس بن سهل:فالتقمت أذن ابن الزبير.

فقلت له:اشتر منه دينه حتى ترى من رأيك.

فقال له ابن الزبير:فإن لك ما سألته فبسط يده فبايعه و مكث معه حتى شاهد الحصار الأول حين قدم الحصين بن نمير السكوني مكة فقاتل في ذلك اليوم فكان من أحسن الناس يومئذ بلاء و أعظمهم غناء.

فلما قتل المنذر بن الزبير و المسور بن مخرمة و مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري نادى المختار يا أهل الإسلام إلي إلي أنا ابن أبي عبيد بن مسعود و أنا ابن الكرار لا الفرار أنا ابن المقدمين غير المحجمين إلي يا أهل الحفاظ و حماة الأوتار فحمى الناس يومئذ و أبلى و قاتل قتالا حسنا ثم أقام مع ابن الزبير في ذلك الحصار حتى كان يوم أحرق البيت فإنه أحرق يوم السبت لثلاث مضين من شهر ربيع الأول سنة 64 فقاتل المختار يومئذ في عصابة معه نحو من ثلثمائة أحسن قتال قاتله أحد من الناس إن كان ليقاتل حتى يتبلد ثم يجلس و يحيط به أصحابه فإذا استراح نهض فقاتل فما كان يتوجّه نحو طائفة من أهل الشأم إلا ضاربهم حتى يكشفهم.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو يوسف محمد بن ثابط عن عباس بن سهل بن سعد قال تولّى قتال أهل الشأم يوم تحريق الكعبة عبد اللّه بن مطيع و أنا و المختار.

قال:فما كان فينا يومئذ رجل أحسن بلاء من المختار قال:و قاتل قبل أن يطّلع

ص: 82

أهل الشام على موت يزيد بن معاوية بيوم قتالا شديدا و ذلك يوم الأحد لخمس عشرة ليلة مضت من ربيع الآخر سنة 64 و كان أهل الشام قد رجوا أن يظفروا بنا و أخذوا علينا سكك مكة.

قال:و خرج ابن الزبير فبايعه رجال كثير على الموت.

قال:فخرجت في عصابة معي أقاتل في جانب و المختار في عصابة أخرى يقاتل في جماعة من أهل اليمامة في جانب و هم خوارج و إنما قاتلوا ليدفعوا عن البيت فهم في جانب و عبد اللّه بن المطيع في جانب.

قال:فشد أهل الشأم علي فحازوني في أصحابي حتى اجتمعت أنا و المختار و أصحابه في مكان واحدا فلم أكن أصنع شيئا إلا صنع مثله و لا يصنع شيئا إلا تكلفت أن أصنع مثله فما رأيت أشد منه قط.قال:فإنا لنقاتل إذ شدّت علينا رجال و خيل من خيل أهل الشأم فاضطروني و إياه في نحو من سبعين رجلا من أهل الصبر إلى جانب دار من دور أهل مكة فقاتلهم المختار يومئذ و أخذ يقول رجل لرجل و لا والت نفس امرىء يفر.

قال:فخرج المختار و خرجت معه فقلت ليخرج منكم إلي رجل فخرج إليّ رجل و اليه رجل آخر فمشيت إلى صاحبي فقتلته و مشى المختار إلى صاحبه فقتله ثم صحنا بأصحابنا و شددنا عليهم فو اللّه لضربناهم حتى أخرجناهم من السكك كلها ثم رجعنا إلى صاحبينا اللذين قتلنا.

قال:فإذا الذي قتلت رجل أحمر شديد الحمرة كأنه رومي و إذا الذي قتله المختار رجل أسود شديد السواد فقال لي المختار تعلم و اللّه إني لأظن قتيلينا هذين عبدين و لو أن هذين قتلانا لفجع بنا عشائرنا و من يرجونا و ما هذان و كلبان من الكلاب عندي إلا سواء و لا أخرج بعد يومي هذا لرجل أبدا إلا لرجل أعرفه.

فقلت له:و أنا و اللّه لا أخرج إلا لرجل أعرفه و أقام المختار مع ابن الزبير حتى هلك يزيد بن معاوية و انقضى الحصار و رجع أهل الشام إلى الشام و اصطلح أهل

ص: 83

الكوفة على عامر بن مسعود بعد ما هلك يزيد يصلّى بهم حتى يجتمع الناس على إمام يرضونه فلم يلبث عامر إلا شهرا حتى بعث ببيعته و بيعة أهل الكوفة إلى ابن الزبير و أقام المختار مع ابن الزبير خمسة أشهر بعد مهلك يزيد و أياما (1).

(قال أبو مخنف)فحدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص.

قال:و اللّه إني لمع عبد اللّه بن الزبير و مع عبد اللّه بن صفوان بن أمية بن خلف و نحن نطوف بالبيت إذ نظر ابن الزبير فإذا هو بالمختار فقال لابن صفوان أنظر إليه فو اللّه لهو أحذر من ذئب قد أطافت به السباع.

قال:فمضى و مضينا معه،فلما قضينا طوافنا و صلّينا الركعتين بعد الطواف لحقنا المختار فقال لابن صفوان ما الذي ذكّرني به ابن الزبير.

قال:قال:فكتمه و قال:لم يذكرك إلا بخير.

قال:بلى و رب هذه البنية إن كنت لمن شأنكما أما و اللّه ليخطن في أثري أو لأقدنّها عليه سعرا فأقام معه خمسة أشهر،فلما رآه لا يستعمله جعل لا يقدم عليه أحد من الكوفة إلا سأله عن حال الناس و هيئتهم.

(قال أبو مخنف)فحدثني عطية بن الحارث أبو روق الهمداني أن هانئ بن أبي حية الوادعي قدم مكة يريد عمرة رمضان فسأله المختار عن حاله و حال الناس بالكوفة و هيئتهم فأخبره عنهم بصلاح و اتساق على طاعة ابن الزبير إلا أن طائفة من الناس لهم عدد أهل مصر لو كان لهم رجل يجمعهم على رأبهم أكل بهم الأرض إلى يوم ما.

فقال له المختار:أنا أبو إسحاق أنا و اللّه لهم أنا أجمعهم على مر الحق و أنفي بهم ركبان الباطل و أقتل بهم كل جبار عنيد فقال له هانئ بن أبي حية:ويحك يا ابن أبي7.

ص: 84


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 447.

عبيد إن استطعت ألا توضع في الظلال ليكن صاحبهم غيرك فإن صاحب الفتنة أقرب شي أجلا و أسوأ الناس عملا.

فقال له المختار:أني لا أدعو إلى الفتنة إنما أدعو إلى الهدى و الجماعة ثم وثب فخرج و ركب رواحله فأقبل نحو الكوفة حتى إذا كان بالقرعاء فلقيه سلمة بن مرثد أخو بنت مرثد القابضي من همدان و كان من أشجع العرب و كان ناسكا فلما التقيا تصافحا و تساء لا فخبّره المختار خبر الحجاز.

ثم قال لسلمة بن مرثد:حدثني عن الناس بالكوفة قال:هم كغنم ضل راعيها.

فقال المختار بن أبي عبيد:أنا الذي أحسن رعايتها و أبلغ نهايتها.

فقال له سلمة:اتق اللّه و اعلم أنك ميت و مبعوث و محاسب و مجزى بعملك إن خيرا فخير و إن شرّا فشر ثم افترقا و أقبل المختار حتى انتهى إلى بحر الحيرة يوم الجمعة فنزل فاغتسل فيه و ادهن دهنا يسيرا و لبس ثيابه و اعتم و تقلّد سيفه ثم ركب راحلته فمر بمسجد السكون و جبانة كندة لا يمر بمجلس إلا سلّم على أهله و قال أبشروا بالنصر و الفلج أتاكم ما تحبون و أقبل حتى مر بمسجد بني ذهل و بني حجر فلم يجد ثم أحدا و وجد الناس قد راحوا إلى الجمعة فأقبل حتى مرّ ببنى بداء فوجد عبيدة بن عمرو البدي من كندة فسلّم عليه ثم قال:أبشر بالنصر و اليسر و الفلج إنك أبا عمرو على رأي حسن لن يدع اللّه لك معه مأثما إلا غفره و لا ذنبا إلا ستره.

قال:و كان عبيدة من أشجع الناس و أشعرهم و أشدهم حبا لعلى رضي اللّه عنه و كان لا يصبر عن الشراب،فلما قال له المختار هذا القول قال له عبيدة:بشّرك اللّه بخير إنك قد بشّرتنا فهل أنت مفسّر لنا؟.

قال:نعم فالقني في الرحل الليلة ثم مضى.

(قال أبو مخنف)فحدثني فضيل ابن حديج عن عبيدة بن عمرو قال:قال لي المختار هذه المقالة ثم قال لي:إلقني في الرحل و بلّغ أهل مسجدكم هذا عني أنهم

ص: 85

قوم أخذ اللّه ميثاقهم على طاعته يقتلون المحلين و يطالبون بدماء أولاد النبيين و يهديهم للنور المبين ثم مضى فقال لي كيف الطريق إلى بني هند فقلت له أنظرني أدلك فدعوت بفرسي و قد أسرج لي فركبته.

قال:و مضيت معه إلى بني هند فقال دلّني على منزل إسماعيل بن كثير.

قال:فمضيت به إلى منزله فاستخرجته فحياه و رحب به و صافحه و بشره و قال له إلقني أنت و أخوك الليلة و أبو عمرو فإني قد أتيتكم بكل ما تحبون.

قال:ثم مضى و مضينا معه حتى مر بمسجد جهينة الباطنة ثم مضى إلى باب الفيل فأناخ راحلته ثم دخل المسجد و استشرف له الناس و قالوا هذا المختار قد قدم فقام المختار إلى جنب سارية من سواري المسجد فصلّى عندها حتى أقيمت الصلاة فصلّى مع الناس ثم ركد إلى سارية أخرى فصلّى ما بين الجمعة و العصر، فلما صلّى العصر مع الناس انصرف.

(قال أبو مخنف)فحدثني المجالد بن سعيد عن عامر الشعبي أن المختار مر على حلقة همدان و عليه ثياب السفر فقال:أبشروا فإني قد قدمت عليكم بما يسركم و مضى حتى نزل داره و هى الدار التي تدعى دار سلم بن المسيب و كانت الشيعة تختلف إليها و اليه فيها.

(قال أبو مخنف)فحدثني فضيل بن حديج عن عبيد بن عمرو و إسماعيل بن كثير من بني هند قالا:أتيناه من الليل كما وعدنا،فلما دخلنا عليه و جلسنا ساءلنا عن أمر الناس و عن حال الشيعة فقلنا له إن الشيعة قد اجتمعت لسليمان بن صرد الخزاعي و إنه لن يلبث إلا يسيرا حتى يخرج.

قال:فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم ثم قال:أما بعد فإن المهدي ابن الوصي محمد بن علي بعثني إليكم أمينا و وزيرا و منتخبا و أميرا و أمرني بقتال

ص: 86

الملحدين و الطلب بدماء أهل بيته و الدفع عن الضعفاء (1).

(قال أبو مخنف)قال:فضيل بن حديج فحدثني عبيدة بن عمرو و إسماعيل بن كثير أنهما كانا أول خلق اللّه إجابة و ضربا على يده و بايعاه.

قال:و أقبل المختار يبعث إلى الشيعة و قد اجتمعت عند سليمان بن صرد فيقول لهم إني قد جئتكم من قبل ولي الأمر و معدن الفضل و وصي الوصي و الإمام المهدي بأمر فيه الشفاء و كشف الغطاء و قتل الأعداء و تمام النعماء إن سليمان بن صرد يرحمنا اللّه و إياه إنما هو عشمة من العشم و حفش بال ليس بذى تجربة للأمور و لا له علم بالحروب إنما يريد أن يخرجكم فيقتل نفسه و يقتلكم إني إنما أعمل على مثال قد مثل لي و أمر قد بيّن لي فيه عز وليكم و قتل عدوكم و شفاء صدوركم فاسمعوا مني قولي و أطيعوا أمري ثم أبشروا و تباشروا فإني لكم بكل ما تأملون خير زعيم.

قال:فو اللّه ما زال بهذا القول و نحوه حتى استمال طائفة من الشيعة و كانوا يختلفون إليه و يعظّمونه و ينظرون أمره و عظم الشيعة يومئذ و رؤساؤهم مع سليمان بن صرد و هو شيخ الشيعة و أسنّهم فليس يعدلون به أحدا إلا أن المختار قد استمال منهم طائفة ليسوا بالكثير فسليمان بن صرد أثقل خلق اللّه على المختار و قد اجتمع لابن صرد يومئذ أمره و هو يريد الخروج و المختار لا يريد أن يتحرك و لا أن يهيج أمرا رجاء أن ينظر إلى ما يصير إليه أمر سليمان رجاء أن يستجمع له أمر الشيعة فيكون أقوى له على درك ما يطلب،فلما خرج سليمان بن صرد و مضى نحو الجزيرة قال عمر بن سعد بن أبي وقاص و شبث بن ربعي و يزيد بن الحارث بن رويم لعبد اللّه بن يزيد الخطمي و إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد اللّه:إن المختار أشد عليكم من سليمان بن صرد إن سليمان إنما خرج يقاتل عدوكم9.

ص: 87


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 449.

و يذللهم لكم و قد خرج عن بلادكم و إن المختار إنما يريد أن يثب عليكم في مصركم فسيروا إليه فأوثقوه في الحديد و خلّدوه في السجن حتى يستقيم أمر الناس فخرجوا إليه في الناس فما شعر بشيء حتى أحاطوا به و بداره فاستخرجوه،فلما رأى جماعتهم قال:ما بالكم فو اللّه بعد ما ظفرت أكفكم.

قال:فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد اللّه لعبد اللّه بن يزيد:شدّه كتافا و مشّه حافيا.

فقال له عبد اللّه بن يزيد:سبحان اللّه ما كنت لأمشيه و لا لأحفيه و لا كنت لأفعل هذا برجل لم يظهر لنا عداوة و لا حربا و إنما أخذناه على الظن.

فقال له إبراهيم بن محمد:ليس بعشك فادرجي ما أنت و ما يبلغنا عنك يا ابن أبي عبيد.

فقال له:ما الذي بلغك عني إلا باطل و أعوذ باللّه من غش كغش أبيك و جدك قال:

قال فضيل:فو اللّه إني لأنظر إليه حين أخرج و أسمع هذا القول حين قال له:غير أني لا أدرى أسمعه منه إبراهيم أم لم يسمعه فسكت حين تكلم به.

قال:و أتى المختار ببلغة دهماء يركبها فقال إبراهيم لعبد اللّه بن يزيد ألا تشد عليه القيود فقال:كفى له بالسجن قيدا.

(قال أبو مخنف)و أما يحيى بن أبي عيسى فحدثني أنه قال:دخلت إليه مع حميد بن مسلم الأزدي نزوره و نتعاهده فرأيته مقيدا.

قال:فسمعته يقول أما و رب البحار و النخيل و الأشجار و المهامه و القفار و الملائكة الأبرار و المصطفين الأخيار لأقتلن كل جبار بكل لدن خطار و مهند بتار في جموع من الأنصار ليسوا بميل أغمار و لا بعزل أشرار حتى إذا أقمت عمود الدين و رأيت شعب صدع المسلمين و شفيت غليل صدور المؤمنين و أدركت بثأر النبيين لم يكبر علي زوال الدنيا و لم أحفل بالموت إذا أتى.

قال:فكان إذا أتيناه و هو في السجن ردد علينا هذا القول حتى خرج منه.

ص: 88

قال:و كان يتشجع لأصحابه بعد ما خرج ابن صرد.

(قال أبو جعفر)و في هذه السنة هدم ابن الزبير الكعبة و كانت قد مال حيطانها مما رميت به من حجارة المجانيق فذكر محمد بن عمر الواقدي أن إبراهيم بن موسى حدثه عن عكرمة بن خالد قال:هدم ابن الزبير البيت حتى سوّاه بالأرض و حفر أساسه و أدخل الحجر فيه و كان الناس يطوفون من وراء الأساس و يصلون إلى موضعه و جعل الركن الأسود عنده في تابوت في سرقة من حرير و جعل ما كان من حلى البيت و ما وجد فيه من ثياب أو طيب عند الحجبة في خزانة البيت حتى أعادها لما أعاد بناءه.

قال محمد بن عمرو:حدثني معقل بن عبد اللّه عن عطاء قال:رأيت ابن الزبير هدم البيت كله حتى وضعه بالأرض.

(و حج)بالناس في هذه السنة عبد اللّه بن الزبير و كان عامله على مدينة فيها أخوه عبيدة بن الزبير و على الكوفة عبد اللّه بن زيد الخطمي و على قضائها سعد بن نمران و أبي شريح أن يقضى فيها و قال:فيما ذكر عنه أنا لا أقضى في الفتنة و على البصرة عمر بن عبيد اللّه ابن معمر التيمي و على قضائها هشام بن هبيرة و على خراسان عبد اللّه بن خازم ثم دخلت سنة خمس و ستين (1).1.

ص: 89


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 451.

عقد مروان البيعة لابنيه

قال الطبري:(و في هذه السنة)أمر مروان بن الحكم أهل الشأم بالبيعة من بعده لابنيه عبد الملك و عبد العزيز و جعلهما وليي العهد.

(قال هشام)عن عوانة قال:لما هزم عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق مصعب بن الزبير حين وجّهه أخوه عبد اللّه إلى فلسطين و انصرف راجعا إلى مروان و مروان يومئذ بدمشق قد غلب على الشام كلها و مصر و بلغ مروان أن عمروا يقول:إن هذا الأمر لي من بعد مروان و يدّعي أنه قد كان وعده وعدا فدعا مروان حسان بن مالك بن بحدل فأخبره أنه يريد أن يبايع لعبد الملك و عبد العزيز ابنيه من بعده و أخبره بما بلغه عن عمرو بن سعيد فقال:أنا أكفيك عمروا،فلما اجتمع الناس عند مروان عشيا قام ابن بحدل فقال:إنه قد بلغنا أن رجالا يتمنون أماني قوموا فبايعوا لعبد الملك و لعبد العزيز من بعده فقام الناس فبايعوا من عند آخرهم (1).

(و في هذه السنة)مات مروان بن الحكم بدمشق مستهل شهر رمضان

ص: 90


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 473.

سبب هلاك مروان

قال الطبري:حدثني الحارث قال:حدثنا ابن سعد قال:أخبرنا محمد بن عمر قال:حدثني موسى بن يعقوب عن أبي الحويرث قال:لما حضرت معاوية بن يزيد أبا ليلى الوفاة أبى أن يستخلف أحدا و كان حسان بن مالك بن بحدل يريد أن يجعل الأمر بعد معاوية بن يزيد لأخيه خالد بن يزيد بن معاوية و كان صغيرا و هو خال أبيه يزيد بن معاوية فبايع لمروان و هو يربد أن يجعل الأمر بعده لخالد بن يزيد، فلما بايع لمروان و بايعه معه أهل الشام قيل لمروان:تزوّج أم خالد و أمّه أم خالد ابنة أبي هشام بن عتبة حتى تصغّر شأنه فلا يطلب الخلافة فتزوّجها فدخل خالد يوما على مروان و عنده جماعة كثيرة و هو يمشي بين الصفين.

فقال:إنه و اللّه ما علمت لأحمق تعال يا ابن الرطبة الاست يقصر به ليسقطه من أعين أهل الشام فرجع إلى أمه فأخبرها فقالت له:أمه لا يعرفن ذلك منك و اسكت فإني أكفيكه فدخل عليها مروان.

فقال لها:هل قال لك خالد فيّ شيئا؟

فقالت:و خالد يقول فيك شيئا خالد أشد لك إعظاما من أن يقول فيك شيئا فصدّقها ثم مكث أياما ثم إن مروان نام عندها فغطته بالوسادة حتى قتلته (1).

(قال أبو جعفر)و كان هلاك مروان في شهر رمضان بدمشق و هو ابن ثلاث و ستين سنة في قول الواقدي و أما هشام بن محمد الكلبي فإنه قال:كان يوم هلك

ص: 91


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 475.

ابن إحدى و ستين سنة و قيل توفي و هو ابن إحدى و سبعين سنة و قيل ابن إحدى و ثمانين سنة و كان يكنّى أبا عبد الملك و هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس و أمه آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أمية الكناني و عاش بعد أن بويع له بالخلافة تسعة أشهر و قيل عاش بعد أن بويع له بالخلافة عشرة أشهر إلا ثلاث ليال و كان قبل هلاكه قد بعث بعثين أحدهما إلى المدينة عليهم حبيش بن دلجة القيني و الآخر منهما إلى العراق عليهم عبيد اللّه بن زياد فأما عبيد اللّه بن زياد فسار حتى نزل الجزيرة فأتاه الخبر بها بموت مروان و خرج إليه التوابون من أهل الكوفة طالبين بدم الحسين عليه السّلام فكان من أمرهم ما قد مضى ذكره و سنذكر إن شاء اللّه باقي خبره إلى أن قتل.

(و في هذه السنة)قتل حبيش بن دلجة و أما حبيش بن دلجة فإنه سار حتى انتهى فيما ذكر عن هشام عن عوانة بن الحكم إلى المدينة و عليهم جابر بن الأسود ابن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف من قبل عبد اللّه بن الزبير فهرب جابر من حبيش ثم إن الحارث بن أبي ربيعة و هو أخو عمر بن عبد اللّه بن أبي ربيعة وجّه جيشا من البصرة لحرب حبيش بن دلجة (1)،فلما سمع حبيش بن دلجة بهم سار إليهم من المدينة و سرّح عبد اللّه بن الزبير عياش بن سهل بن سعد الأنصاري على المدينة و أمره أن يسير في طلب حبيش بن دلجة حتى يوافي الجند من أهل البصرة الذين جاءوا ينصرون ابن الزبير عليهم الحنيف و أقبل عياش في آثارهم مسرعا حتى لحقهم بالربذة و قد قال أصحاب ابن دلجة له:دعهم لا تعجل إلى قتالهم فقال:لا أنزل حتى آكل من مقندهم يعنى السويق الذي فيه القند فجاءه سهم غرب فقتله و قتل معه المنذر بن قيس الجذامي و أبو عقاب مولى أبي سفيان و كان معه يومئذ يوسف بن الحكم و الحجاج بن يوسف و ما نجوا يومئذ إلا على جمل واحد و تحرزي.

ص: 92


1- و كان عبد اللّه بن الزبير قد ولاه البصرة عليهم الحنيف بن السجف التميمي.

منهم نحو من خمسمائة في عمود المدينة فقال لهم عياش أنزلوا على حكمي فنزلوا على حكمه فضرب أعناقهم و رحل حفل حبيش إلى الشام.

حدثني أحمد بن زهير عن علي بن محمد أنه قال:الذي قتل حبيش بن دلجة يوم الربذة يزيد بن سياه الأسواري رماه بنشابة فقتله،فلما دخلوا المدينة وقف يزيد ابن سياه على برذون أشهب و عليه ثياب بياض فما لبث أن اسودت ثيابه و رأيته مما مسح الناس به و مما صبوا عليه من الطيب.

(قال أبو جعفر)و في هذه السنة وقع بالبصرة الطاعون الذي يقال له:الطاعون الجارف فهلك به خلق كثير من أهل البصرة.

حدثني عمر بن شبة قال:حدثني زهير بن حرب قال:حدثنا وهب بن جرير قال:

حدثني أبي عن المصعب بن زيد أن الجارف وقع و عبيد اللّه بن عبيد اللّه بن معمر على البصرة فماتت أمه في الجارف فما وجدوا لها من يحملها حتى استأجروا لها أربعة علوج فحملوها إلى حفرتها و هو الأمير يومئذ.

(و في هذه السنة)اشتدت شوكة الخوارج بالبصرة و قتل فيها نافع بن الأزرق (1).7.

ص: 93


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 477.

مقتل نافع بن الأزرق

قال الطبري:حدثني عمر بن شبة قال:حدثنا زهير بن حرب قال:حدثنا وهب بن جرير قال:حدثنا أبي عن محمد بن الزبير أن عبيد اللّه بن عبيد اللّه بن معمر بعث أخاه عثمان بن عبيد اللّه إلى نافع بن الأزرق في جيش فلقيهم بدولاب فقتل عثمان و هزم جيشه.

قال:عمر:قال:زهير قال وهب:و حدثنا محمد بن أبي عيينة عن سبرة ابن نخف أن ابن معمر عبيد اللّه بعث أخاه عثمان إلى ابن الأزرق فهزم جنده و قتل.

قال:وهب فحدثنا أبي أن أهل البصرة بعثوا جيشا عليهم حارثة بن بدر فلقيهم فقال لأصحابه:

كرنبوا و دولبوا و حيث شئتم فاذهبوا

حدثنا عمر قال:حدثنا زهير قال:حدثنا وهب قال:حدثنا أبي و محمد بن أبي عيينة قالا حدثنا معاوية بن قرة قال:خرجنا مع ابن عبيس فلقيناهم فقتل ابن الأزرق و ابنان أو ثلاثة للماحوز و قتل ابن عبيس.

(قال أبو جعفر)و أما هشام بن محمد فإنه ذكر عن أبي مخنف عن أبي المخارق الراسبي من قصة ابن الأزرق و بنى الماحوز قصة هي غير ما ذكره عمر عن زهير بن حرب عن وهب بن جرير و الذي ذكر من خبرهم أن نافع بن الأزرق اشتدت شوكته باشتغال أهل البصرة بالاختلاف الذي كان بين الأزد و ربيعة و تميم بسبب مسعود بن عمرو و كثرت جموعه فأقبل نحو البصرة حتى دنا من الجسر فبعث إليه عبد اللّه بن الحارث مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس

ص: 94

بن عبد مناف في أهل البصرة فخرج إليه فأخذ يحوزه عن البصرة و يرفعه عن أرضها حتى بلغ مكانا من أرض الأهواز يقال له دولاب فتهيأ الناس بعضهم لبعض و تزاحفوا فجعل مسلم بن عبيس على ميمنته الحجاج بن باب الحميري و على ميسرته حارثة بن بدر التميمي ثم الغداني و جعل ابن الأزرق على ميمنته عبيدة بن هلال اليشكري و على ميسرته الزبير بن الماحوز التميمي ثم التقوا فاضطربوا فاقتتل الناس قتالا لا يرى قتال قط أشد منه فقتل مسلم بن عبيس أمير أهل البصرة و قتل نافع بن الأزرق رأس الخوارج و أمّر أهل البصرة عليهم الحجاج بن باب الحميري و أمرت الأزارقة عليهم عبد اللّه بن الماحوز ثم عادوا فاقتتلوا أشد قتال فقتل الحجاج بن باب الحميري أمير أهل البصرة و قتل عبد اللّه بن الماحوز أمير الأزارقة ثم إن أهل البصرة أمّروا عليهم ربيعة الأجذم التميمي و أمّرت الخوارج عليهم عبيد اللّه بن الماحوز ثم عادوا فاقتتلوا حتى أمسوا و قد كره بعضهم بعضا و ملّوا القتال فإنهم لمتواقفون متحاجزون حتى جاءت الخوارج سرية لهم جامة لم تكن شهدت القتال فحملت على الناس من قبل عبد القيس فانهزم الناس و قاتل أمير البصرة ربيعة الأجذم فقتل و أخذ راية أهل البصرة حارثة بن بدر فقاتل ساعة و قد ذهب الناس عنه فقاتل من وراء الناس في حماتهم و أهل الصبر منهم ثم أقبل بالناس حتى نزل بهم منزلا بالأهواز ففي ذلك يقول الشاعر من الخوارج

يا كبدا من غير جوع و لا ظما و يا كبدي من حب أم حكيم

و لو شهدتني يوم دولاب أبصرت طعان امرئ في الحرب غير لئيم

غداة طفت في الماء بكر بن وائل و عجنا صدور الخيل نحو تميم

و كان لعبد القيس أول حدنا و ذلت شيوخ الأزد و هى تعوم

و بلغ ذلك أهل البصرة فها لهم و أفزعهم و بعث ابن الزبير الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة القرشي على تلك الحزة فقدم و عزل عبد اللّه بن الحارث فأقبلت الخوارج نحو البصرة و قدم المهلب بن أبي صفرة على تلك من حال الناس من قبل عبد اللّه بن

ص: 95

الزبير معه عهده على خراسان فقال الأحنف للحارث بن أبي ربيعة و للناس عامة لا و اللّه ما لهذا الأمر إلا المهلب فخرج أشراف الناس فكلموه أن يتولى قتال الخوارج فقال:لا أفعل،هذا عهد أمير المؤمنين معي على خراسان فلم أكن لأدع عهده و أمره فدعاه ابن أبي ربيعة فكلمه في ذلك.

فقال له مثل ذلك فاتفق رأي ابن أبي ربيعة و رأي أهل البصرة على أن كتبوا على لسان ابن الزبير: بسم اللّه الرحمن الرحيم من عبد اللّه بن الزبير إلى المهلب بن أبي صفرة سلام عليك فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الحارث بن عبد اللّه كتب إلى أن الأزارقة المارقة أصابوا جندا للمسلمين كان عددهم كثيرا و أشرافهم كثيرا و ذكر أنهم قد أقبلوا نحو البصرة و قد كنت وجهتك إلى خراسان و كتبت لك عليها عهدا و قد رأيت حيث ذكر أمر هذه الخوارج أن تكون أنت تلي قتالهم فقد رجوت أن يكون ميمونا طائرك مباركا على أهل مصرك و الأجر في ذلك أفضل من المسير إلى خراسان فسر إليهم راشدا فقاتل عدو اللّه و عدوك و دافع عن حقك و حقوق أهل مصرك فإنه لن يفوتك من سلطاننا خراسان و لا غير خراسان إن شاء اللّه و السّلام عليكم و رحمة اللّه.

فأتى بذلك الكتاب،فلما قرأه.قال:فإني و اللّه لا أسير إليهم إلا أن تجعلوا لي ما غلبت عليه و تعطوني من بيت المال ما أقوي به من معي و أنتخب من فرسان الناس و وجوههم و ذوي الشرف من أحببت فقال جميع أهل البصرة ذلك لك.

قال:فاكتبوا لي على الأخماس بذلك كتابا ففعلوا إلا ما كان من مالك بن مسمع و طائفة من بكر بن وائل فاضطغنها عليهم المهلب و قال الأحنف و عبيد اللّه بن زياد ابن ظييان و أشراف أهل البصرة للمهلب و ما عليك ألا يكتب لك مالك بن مسمع و لا من تابعه من أصحابه إذا أعطاك الذي أردت من ذلك جميع أهل البصرة و يستطيع مالك خلاف جماعة الناس أوله ذلك انكمش أيها الرجل و اعزم على أمرك و سر إلى عدوك ففعل ذلك المهلب و أمر على الأخماس فأمر عبيد اللّه بن زياد بن ظبيان على

ص: 96

خمس بكر بن وائل و أمر الحريش بن هلال السعدي على خمس بني تميم،و جاءت الخوارج حتى انتهت إلى الجسر الأصغر عليهم عبيد اللّه بن الماحوز فخرج إليهم في أشراف الناس و فرسانهم و وجوههم فحازهم عن الجسر و دفعهم عنه فكان أول شي دفعهم عنه أهل البصرة و لم يكن بقى لهم إلا أن يدخلوا فارتفعوا إلى الجسر الأكبر ثم إنه عبّأ لهم فسار إليهم في الخيل و الرجال،فلما أن رأوا أن قد أظل عليهم و انتهى إليهم ارتفعوا فوق ذلك مرحلة أخرى فلم يزل يحوزهم و يرفعهم مرحلة بعد مرحلة و منزلة بعد منزلة حتى انتهوا إلى منزل من منازل الأهواز يقال له:سلى و سلبرى فأقاموا به،و لما بلغ حارثة بن بدر الغداني أن المهلب قد أمّر على قتال الأزارقة قال لمن معه من الناس:كرنبوا و دولبوا و حيث شئتم فاذهبوا قد أمّر المهلب فأقبل من كان معه نحو البصرة فصرفهم الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة إلى المهلب،و لما نزل المهلب بالقوم خندق عليه و وضع المسالح و أذكى العيون و أقام الأحراس و لم يزل الجند على مصافهم و الناس على راياتهم و أخماسهم و أبواب الخنادق عليها رجال موكلون بها فكانت الخوارج إذا أرادوا بيات المهلب وجدوا أمرا محكما فرجعوا فلم يقاتلهم إنسان قط كان أشد عليهم و لا أغيظ لقلوبهم منه.

(قال أبو مخنف)فحدثني يوسف بن يزيد عن عبد اللّه بن عوف بن الأحمر أن رجلا كان في تلك الخوارج حدثه أن الخوارج بعثت عبيدة بن هلال و الزبير بن الماحوز في خيلين عظيمين ليلا إلى عسكر المهلب فجاء الزبير من جانبه الأيمن، و جاء عبيدة من جانبه الأيسر ثم كبّروا و صاحوا بالناس فوجدوهم على تعبئتهم و مصافهم حذرين معدين فلم يصيبوا للقوم غرة و لم يظفروا منهم بشي،فلما ذهبوا ليرجعوا ناداهم عبيد اللّه بن زياد بن ظبيان فقال:وجدتمونا و قرأ أنجادا:

لا كشفا خورا و لا أوغادا هيهات إنا إذا صيح بنا أبينا

يا أهل النار ألا ابكروا إليها غدا فإنها مأواكم و مثواكم

ص: 97

قالوا يا فاسق و هل تذخر النار إلا لك و لأشباهك إنها أعدت للكافرين و أنت منهم قال أ تسمعون كل مملوك لي حر إن دخلتم أنتم الجنة إن بقي فيما بين سفوان إلى أقصى حجر من أرض خراسان مجوسي ينكح أمه و ابنته و أخته إلا دخلها قال له عبيدة:اسكت يا فاسق فإنما أنت عبد للجبار العنيد و وزير للظالم الكفور.

قال:يا فاسق و أنت عدو المؤمن التقى و وزير الشيطان الرجيم فقال الناس لابن ظبيان:وفقك اللّه يا ابن ظبيان فقد و اللّه أجبت الفاسق بجوابه و صدقته،فلما أصبح الناس أخرجهم المهلب على تعبيتهم و أخماسهم و مواقفهم الأزد و تميم ميمنة الناس و بكر بن وائل و عبد القيس ميسرة الناس و أهل العالية في القلب وسط الناس و خرجت الخوارج على ميمنتهم عبيدة بن هلال اليشكري و على ميسرتهم الزبير ابن الماحوز و جاءوا و هم أحسن عدة و أكرم خيولا و أكثر سلاحا من أهل البصرة و ذلك لأنهم مخروا الأرض و جرّدوها و أكلوا ما بين كرمان إلى الأهواز فجاءوا عليهم مغافر تضرب إلى صدورهم و عليهم دروع يسحبونها و سوق من زرد يشدونها بكلاليب الحديد إلى مناطقهم فالتقى الناس فاقتتلوا كأشد القتال فصبر بعضهم لبعض عامة النهار (1).

ثم إن الخوارج شدت على الناس بأجمعها شدة منكرة فأجفل الناس و انصاعوا منهزمين لا تلوي أم على ولد حتى بلغ البصرة هزيمة الناس و خافوا السبي و أسرع المهلب حتى سبقهم إلى مكان يفاع في جانب عن سنن المنهزمين ثم إنه نادى الناس إلي إلي عباد اللّه فثاب إليه جماعة من قومه و ثابت إليه سرية عمان فاجتمع إليه منهم نحو من ثلاثة آلاف،فلما نظر إلى من قد اجتمع رضي جماعتهم فحمد اللّه و أثنى عليه.

ثم قال:أما بعد فإن اللّه ربما يكل الجمع الكثير إلى أنفسهم فيهزمون و ينزل0.

ص: 98


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 480.

النصر على الجمع اليسير فيظهرون و لعمري ما بكم الآن من قلة إني لجماعتكم لراض و إنكم لأنتم أهل الصبر و فرسان أهل المصر و ما أحب أن أحدا ممن انهزم معكم فإنهم لو كانوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا عزمت على كل امرئ منكم لما أخذ عشرة أحجار معه ثم امشوا بنا نحو عسكرهم فإنهم الآن آمنون و قد خرجت خيلهم في طلب إخوانكم،فو اللّه إني لأرجو أن لا ترجع إليهم خيلهم حتى تستبيحوا عسكرهم و تقتلوا أميرهم ففعلوا ثم أقبل بهم راجعا فلا و اللّه ما شعرت الخوارج إلا بالمهلب يضاربهم بالمسلمين في جانب عسكرهم.

ثم استقبلوا عبيد اللّه بن الماحوز و أصحابه و عليهم الدروع و السلاح كاملا فأخذ الرجل من أصحاب المهلب يستقبل الرجل منهم فيستعرض وجهه بالحجارة فيرميه حتى يثخنه ثم يطعنه بعد ذلك برمحه أو يضربه بسيفه فلم يقاتلهم إلا ساعة حتى قتل عبيد اللّه بن الماحوز و ضرب اللّه وجوه أصحابه و أخذ المهلب عسكر القوم و ما فيه و قتل الأزارقة قتلا ذريعا و أقبل من كان في طلب أهل البصرة منهم راجعا و قد وضع لهم المهلب خيلا و رجالا في الطريق تختطفهم و تقتلهم فانكفأوا راجعين مفلولين مقتولين محروبين مغلوبين فارتفعوا إلى كرمان و جانب أصفهان و أقام المهلب بالأهواز ففي ذلك اليوم يقول الصلتان العبدي:

بسلى و سلبرى مصارع فتية كرام و قتلى لم توسد خدودها

و انصرفت الخوارج حين انصرفت و إن أصحاب النيران الخمس و الست ليجتمعون على النار الواحدة من الفلول و قلة العدد حتى جاءتهم مادة لهم من قبل البحرين فخرجوا نحو كرمان و أصبهان فأقام المهلب بالأهواز فلم يزل ذلك مكانه حتى جاء مصعب البصرة و عزل الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة عنها،و لما ظهر المهلب على الأزارقة كتب بسم اللّه الرحمن الرحيم للأمير الحارث بن عبد اللّه من المهلب بن أبي صفرة سلام عليك فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو أما بعد:

فالحمد للّه الذي نصر أمير المؤمنين و هزم الفاسقين و أنزل بهم نقمته و قتلهم

ص: 99

كل قتلة و شردهم كل مشرد أخبر الأمير أصلحه اللّه أنا لقينا الأزارقة بأرض من أرض الأهواز يقال لها:سلى و سلبرى،فزحفنا إليهم ثم ناهضناهم فاقتتلنا كأشد القتال مليا من النهار.

ثم إن كتائب الأزارقة اجتمع بعضها إلى بعض ثم حملوا على طائفة من المسلمين فهزموهم و كانت في المسلمين جولة قد كنت أشفقت أن تكون هي الاصرى منهم،فلما رأيت ذلك عمدت إلى مكان يفاع فعلوته ثم دعوت إلى عشيرتي خاصة و المسلمين عامة فثاب إلي أقوام شروا أنفسهم ابتغاء مرضاة اللّه من أهل الدين و الصبر و الصدق و الوفاء فقصدت بهم إلى عسكر القوم و فيه جماعتهم و حدهم و أميرهم قد أطاف به أولو فضلهم فيهم و ذوو النيات منهم فاقتتلنا ساعة رمينا بالنبل و طعنا بالرماح.

ثم خلص الفريقان إلى السيوف فكان الجلاد بها ساعة من النهار مبالطة و مبالدة ثم إن اللّه عز و جل أنزل نصره على المؤمنين و ضرب وجوه الكافرين و نزل طاغيتهم في رجال كثير من حماتهم و ذوي نياتهم فقتلهم اللّه في المعركة ثم اتبعت الخيل شرادهم فقتلوا في الطريق و الإخاذ و الفرى و الحمد للّه رب العالمين و السّلام عليك و رحمة اللّه،فلما أتى هذا الكتاب الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة بعث به إلى ابن الزبير فقرئ على الناس بمكة و كتب الحارث بن أبي ربيعة إلى المهلب أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه نصر اللّه إياك و ظفر المسلمين فهنيئا لك يا أخا الأزد بشرف الدنيا و عزها و ثواب الآخرة و فضلها و السّلام عليك و رحمة اللّه،فلما قرأ المهلب كتابه ضحك ثم قال:أما تظنونه يعرفني إلا بأخي الأزد ما أهل مكة إلا أعراب.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو المخارق الراسبي أن أبا علقمة اليحمدي قاتل يوم سلى و سلبرى قتالا لم يقاتله أحد من الناس و أنه أخذ ينادي في شباب الأزد و فتيان

ص: 100

اليحمد أعيرونا جماجمكم ساعة من نهار فأخذ فتيان منهم يكرون فيقاتلون ثم يرجعون إليه يضحكون و يقولون يا أبا علقمة القدور تستعار،فلما ظهر المهلب و رأى من بلائه ما رأى وفاه مائة ألف.

و قد قيل إن أهل البصرة قد كانوا سألوا الأحنف قبل المهلب أن يقاتل الأزارقة و أشار عليهم بالمهلب و قال هو أقوى على حربهم مني و أن المهلب إذ أجابهم إلى قتالهم شرط على أهل البصرة أن ما غلب عليه من الأرض فهو له و لمن خف معه من قومه و غيرهم ثلاث سنين و أنه ليس لمن تخلف عنه منه شي فأجابوه إلى ذلك و كتب بذلك عليهم كتابا و أوفدوا بذلك وفدا إلى ابن الزبير و أن ابن الزبير أمضى تلك الشروط كلها للمهلب و أجازها له و أن المهلب لما أجيب إلى ما سأل وجّه ابنه حبيبا في ستمائة فارس إلى عمرو القنا و هو معسكر خلف الجسر الأصغر في ستمائة فارس فأمر المهلب بعقد الجسر الأصغر فقطع حبيب الجسر إلى عمرو و من معه فقاتلهم حتى نفاهم عما بين الجسر و انهزموا حتى صاروا من ناحية الفرات و تجهز المهلب فيمن خف من قومه معه و هم اثنا عشر ألف رجل و من سائر الناس سبعون رجلا و سار المهلب حتى نزل الجسر الأكبر و عمرو القنا بإزائه في ستمائة فبعث المغيرة بن المهلب في الخيل و الرجالة فهزمتهم الرجالة بالنبل و اتبعتهم الخيل و أمر المهلب بالجسر فعقد فعبر هو و أصحابه فلحق عمرو القنا حينئذ بابن الماحوز و أصحابه و هو بالمفتح فأخبروهم الخبر فساروا فعسكروا دون الأهواز بثمانية فراسخ و أقام المهلب بقية سنته فجبى كور دجلة و رزق أصحابه و أتاه المدد من أهل البصرة لمّا بلغهم ذلك فأثبتهم في الديوان و أعطاهم حتى صاروا ثلاثين ألفا.

(قال أبو جعفر)فعلى قول هؤلاء كانت الوقعة التي كانت فيها هزيمة الأزارقة و ارتحالهم عن نواحي البصرة و الأهواز إلى ناحية أصبهان و كرمان في سنة 66 و قيل إنهم ارتحلوا حين ارتحلوا عن الأهواز و هم ثلاثة آلاف و إنه قتل منهم في

ص: 101

الوقعة التي كانت بينهم و بين المهلب بسلى و سلبرى سبعة آلاف.

(قال أبو جعفر)و في هذه السنة وجّه مروان بن الحكم قبل مهلكه ابنه محمدا إلى الجزيرة و ذلك قبل مسيره إلى مصر.

(و في هذه السنة)عزل عبد اللّه بن الزبير عبد اللّه بن يزيد عن الكوفة و ولاّها عبد اللّه بن مطيع و نزع عن المدينة أخاه عبيدة بن الزبير و ولاّها أخاه مصعب بن الزبير و كان سبب عزله أخاه عبيدة عنهم أنه فيما ذكر الواقدي خطب الناس فقال لهم:قد رأيتم ما صنع بقوم في ناقة قيمتها خمسمائة درهم فسمي مقوّم الناقة و بلغ ذلك ابن الزبير فقال:إن هذا لهو التكلف.

(و في هذه السنة)بنى عبد اللّه بن الزبير البيت الحرام فأدخل الحجر فيه.

أخبرنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال:حدثني عبد العزيز بن خالد بن رستم الصنعاني أبو محمد قال:حدثني زياد بن جيل أنه كان بمكة يوم غلب ابن الزبير فسمعه يقول:إن أمي أسماء بنت أبي بكر حدثتني أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لعائشة:

لو لا حداثة عهد قومك بالكفر رددت الكعبة على أساس إبراهيم فأزيد في الكعبة من الحجر.

فأمر به ابن الزبير فحفر فوجدوا قلاعا أمثال الإبل فحرّكوا منها صخرة فبرقت بارقة فقال:أقروها على أساسها فبناها ابن الزبير و جعل لها بابين يدخل من أحدهما و يخرج من الآخر.

(قال أبو جعفر)و حج بالناس في هذه السنة عبد اللّه بن الزبير و كان على المدينة أخوه مصعب بن الزبير و على الكوفة في آخر السنة عبد اللّه بن مطيع و على البصرة الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة المخزومي و هو الذي يقال له:القباع و على قضائها هشام بن هبيرة و على خراسان عبد اللّه بن خازم (1).4.

ص: 102


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 484.

(و في هذه السنة)خالف من كان بخراسان من بني تميم عبد اللّه بن خازم حتى وقعت بينهم حروب.

ص: 103

ذكر الحروب بين بني تميم و عبد اللّه بن خازم

قال الطبري:و كان السبب في ذلك فيما ذكر أن من كان بخراسان من بني تميم أعانوا عبد اللّه بن خازم على من كان بها من ربيعة و على حرب أوس بن ثعلبة حتى قتل من قتل منهم و ظفر به وصفا له خراسان فلما صفا له و لم ينازعه به أحد جفاهم و كان قد ضم هراة إلى ابنه محمد و استعمله عليها و جعل بكير بن وشاح على شرطته و ضم إليه شماس بن دثار العطاردي و كانت أم ابنه محمد امرأة من تميم تدعى صفية،فلما جفا ابن خازم بني تميم أتوا ابنه محمدا بهراة فكتب ابن حازم إلى بكير و شماس يأمرهما بمنع بني تميم من دخول هراة فأما شماس بن دثار فأبى ذلك و خرج من هراة فصار من بني تميم و أما بكير فمنعهم من الدخول.

فذكر علي بن محمد أن زهير بن الهنيد حدثه عن أشياخ من قومه أن بكير بن وشاح لما منع بني تميم من دخول هراة أقاموا ببلاد هراة و خرج إليهم شماس بن دثار فأرسل بكير إلى شماس إني أعطيك ثلاثين ألفا و أعطي كل رجل من بني تميم ألفا على أن ينصرفوا فأبوا فدخلوا المدينة و قتلوا محمد بن عبد اللّه بن خازم.

قال علي:فأخبرنا الحسن بن رشيد عن محمد بن عزيز الكندي قال:خرج محمد بن عبد اللّه بن خازم يتصيد بهراة و قد منع بني تميم من دخولها فرصدوه فأخذوه فشدوه وثاقا و شربوا ليلتهم و جعل كلما أراد رجل منهم البول بال عليه فقال لهم شماس بن دثار أما إذ بلغتم هذا منه فاقتلوه بصاحبيكما اللذين قتلهما بالسياط.

قال:و قد كان أخذ قبيل ذلك رجلين من بني تميم فضربهما بالسياط حتى ماتا.

قال:فقتلوه.

قال:فزعم لنا عمن شهد قتله من شيوخهم أن جيهان ابن مشجعة الضبي نهاهم

ص: 104

عن قتله و ألقى نفسه عليه فشكر له ابن خازم ذلك فلم يقتله فيمن قتل يوم فرتنا.

قال:فزعم عامر بن أبي عمر أنه سمع أشياخهم من بني تميم يزعمون أن الذي ولى قتل محمد بن عبد اللّه بن خازم رجلان من بنى مالك بن سعد يقال لأحدهما عجلة و للآخر كسيب.

فقال ابن خازم:بئس ما اكتسب كسيب لقومه و لقد عجّل عجلة لقومه شرا.

قال علي:و حدثنا أبو الذيال زهير بن هنيد العدوي قال:لما قتل بنو تميم محمد ابن عبد اللّه بن خازم إنصرفوا إلى مرو فطلبهم بكير بن وشاح فأدرك رجلا من بني عطارد يقال له شميخ فقتله و أقبل شماس و أصحابه إلى مرو فقالوا لبنى سعد قد أدركنا لكم بثأركم قتلنا محمد بن عبد اللّه بن خازم بالجشمي الذي أصيب بمرو فأجمعوا على قتال ابن خازم و ولّوا عليهم الحريش بن هلال القريعي.

قال:فأخبرني أبو الفوارس عن طفيل بن مرداس قال:أجمع أكثر بني تميم على قتال عبد اللّه بن خازم.

قال:و كان مع الحريش فرسان لم يدرك مثلهم إنما الرجل منهم كتيبة منهم شماس بن دثار و بحير بن ورقاء الصريمي و شعبة بن ظهير النهشلي و ورد بن الفلق العنبري و الحجاج بن ناشب العدوي و كان من أرمى الناس و عاصم بن حبيب العدوي فقاتل الحريش بن هلال عبد اللّه بن خازم سنتين.

قال:فلما طالت الحرب و الشر بينهم ضجروا.

قال:فخرج الحريش فنادى ابن خازم فخرج إليه فقال:قد طالت الحرب بيننا فعلام تقتل قومي و قومك أبرز لي فأينا قتل صاحبه صارت الأرض له فقال ابن خازم:و أبيك لقد أنصفتني فبرز له فتصاولا تصاول الفحلين لا يقدر أحد منهما على ما يريد و تغفل ابن خازم غفلة و ضربه الحريش على رأسه فرمى بفروة رأسه على وجهه و انقطع ركابا الحريش و انتزع السيف.

قال:فلزم ابن خازم عنق فرسه راجعا إلى أصحابه و به ضربة قد أخذت من

ص: 105

رأسه ثم غاداهم القتال فمكثوا بذلك بعد الضربة أياما ثم ملّ الفريقان فتفرّقوا ثلاث فرق فمضى بحير بن ورقاء إلى أبرشهر في جماعة و توجه شماس بن دثار العطاردي ناحية أخرى و قيل أتى سجستان و أخذ عثمان بن بشر بن المحتفز إلى فرتنا فنزل قصرا بها و مضى الحريش إلى ناحية مرو الروذ فاتبعه ابن خازم فلحقه بقرية من قراها يقال لها:قرية الملحمة أو قصر الملحمة و الحريش بن هلال في اثني عشر رجلا و قد تفرّق عنه أصحابه فهم في خربة و قد نصب رماحا كانت معه و ترسة.

قال:و انتهى إليه ابن خازم فخرج إليه في أصحابه و مع ابن خازم مولى له شديد البأس فحمل على الحريش فضربه فلم يصنع شيئا فقال رجل من بني ضبة للحريش أما ترى ما يصنع العبد.

فقال له الحريش:عليه سلاح كثير و سيفي لا يعمل في سلاحه و لكن أنظر لي خشبة ثقيلة فقطع له عودا ثقيلا من عناب و يقال:أصابه في القصر فأعطاه إياه فحمل به على مولى ابن خازم فضربه فسقط و قيذا ثم أقبل على ابن خازم فقال:ما تريد إلي و قد خلّيتك و البلاد.

قال:إنك تعود إليها.

قال:فإني لا أعود فصالحه على أن يخرج له من خراسان و لا يعود إلى قتاله فوصله ابن خازم بأربعين ألفا.

قال:و فتح له الحريش باب القصر فدخل ابن خازم فوصله و ضمن له قضاء دينه و تحدثا طويلا.

قال:و طارت قطنة كانت على رأس ابن خازم ملصقة على الضربة التي كان الحريش ضربه فقام الحريش فتناولها فوضعها على رأسه.

فقال له ابن خازم:مسك اليوم يا أبا قدامة ألين من مسك أمس.

قال:معذرة إلى اللّه و إليك أما و اللّه لو لا أن ركابي انقطعا لخالط السيف أضراسك

ص: 106

فضحك ابن خازم و انصرف عنه و تفرّق جمع بني تميم فقال بعض شعراء بني تميم

لو كنتم مثل الحريش صبرتم و كنتم بقصر الملح خير فوارس

إذا لسقيتم بالعوالي ابن خازم سجال دم يورثن طول وساوس

قال:و كان الأشعث بن ذؤيب أخو زهير بن ذؤيب العدوي قتل في تلك الحرب فقال له أخوه زهير و به رمق من قتلك قال:لا أدرى طعنني رجل على برذون أصفر.

قال:فكان زهير لا يرى أحدا على برذون أصفر إلا حمل عليه فمنهم من يقتله و منهم من يهرب فتحامى أهل العسكر البراذين الصفر فكانت مخلاة في العسكر لا يركبها أحد.

و قال الحريش في قتاله ابن خازم:

أزال عظم يميني عن مركبه حمل الردينى في الإدلاج

و السحر حولين ما اغتمضت عيني بمنزلة إلا و كفى و ساد لي على حجر

بزي الحديد و سربالى إذا هجعت عني العيون مجال القارح الذكر (1)7.

ص: 107


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 487.

ظهور المختار للدعوة إلى ما دعا إليه الشيعة بالكوفة

قال الطبري:ذكر هشام بن محمد:عن أبي مخنف أن فضيل بن خديج حدثه عن عبيدة بن عمرو و إسماعيل بن كثير من بني هند أن أصحاب سليمان بن صرد لما قدموا كتب إليهم المختار أما بعد فإن اللّه أعظم لكم الأجر و حطّ عنكم الوزر بمفارقة القاسطين و جهاد المحلين إنكم لم تنفقوا نفقة و لم تقطعوا عقبة و لم تخطوا خطوة إلا رفع اللّه لكم بها درجة و كتب لكم بها حسنة إلى ما لا يحصيه إلا اللّه من التضعيف فأبشروا فإني لو قد خرجت إليكم قد جردت فيما بين المشرق و المغرب في عدوكم السيف بإذن اللّه فجعلتهم بإذن اللّه ركاما و قتلتهم فذا و توأما،فرحب اللّه بمن قارب منكم و اهتدى و لا يبعد اللّه إلا من عصى و أبى و السّلام يا أهل الهدى.

فجاءهم بهذا الكتاب سيحان بن عمرو من بني ليث من عبد القيس قد أدخله في قلنسوته فيما بين الظهارة و البطانة فأتى بالكتاب رفاعة بن شداد و المثنى بن مخربية العبدي و سعد بن حذيفة بن اليمان و يزيد بن أنس و أحمر بن شميط الأحمسي و عبد اللّه بن شداد البجلي و عبد اللّه بن كامل فقرأ عليهم الكتاب فبعثوا إليه ابن كامل فقالوا قل له قد قرأنا الكتاب و نحن حيث يسرك فإن شئت أن نأتيك حتى نخرجك فعلنا فأتاه فدخل عليه السجن فأخبر بما أرسل إليه به فسر باجتماع الشيعة له و قال لهم:لا تزيدوا هذا فإني أخرج في أيامي هذه.

قال:و كان المختار قد بعث ماغلا يدعى زربيا إلى عبد اللّه بن عمر بن الخطاب و كتب إليه أما بعد فإني قد حبست مظلوما و ظن بن الولاة ظنونا كاذبة فاكتب في يرحمك اللّه إلى هذين الظالمين كتابا لطيفا عسى اللّه أن يخلّصني من أيديهما بلطفك

ص: 108

و بركتك و بمنك و السّلام عليك فكتب إليهما عبد اللّه بن عمر أما بعد فقد علمتما الذي بيني و بين المختار بن أبي عبيد من الصهر و الذي بيني و بينكما من الود فأقسمت عليكما بحق ما بيني و بينكما لما خليتما سبيله حين تنظران في كتابي هذا و السّلام عليكما و رحمة اللّه،فلما أتى عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد بن طلحة كتاب عبد اللّه بن عمر دعوا للمختار بكفلاء يضمنونه بنفسه فأتاه أناس من أصحابه كثير فقال يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم لعبد اللّه بن يزيد ما تصنع بضمان هؤلاء كلهم ضمنه عشرة منهم أشرافا معروفين و دع سائرهم ففعل ذلك،فلما ضمنوه و دعا به عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد بن طلحة فحلّفاه باللّه الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم لا يبغيهما غائلة و لا يخرج عليهما ما كان لهما سلطان فإن هو فعل فعليه ألف بدنة ينحرها لدى رتاج الكعبة و ممالكيه كلهم ذكرهم و أنثاهم أحرار فحلف لهما بذلك ثم خرج فجاء داره فنزلها.

(قال أبو مخنف)فحدثني يحيى بن أبي عيسى عن حميد بن مسلم قال:سمعت المختار بعد ذلك يقول قاتلهم اللّه ما أحمقهم حين يرون أني أفى لهم بأيمانهم هذه أمّا حلفي لهم باللّه فإنه ينبغي لي إذا حلفت على يمين فرأيت ما هو خير منها أن أدع ما حلفت عليه و آتى الذي هو خير و أكفّر يميني و خروجي عليهم خير من كفي عنهم و أكفّر يميني و أما هدي ألف بدنة فهو أهون علي من بصقة و ما ثمن ألف بدنة فيهولني و أما عتق مماليكي فو اللّه لوددت أنه قد استتب لي أمري ثم لم أملك مملوكا أبدا.

قال:و لما نزل المختار داره عند خروجه من السجن إختلف إليه الشيعة و اجتمعت عليه و اتفق رأيها على الرضى به و كان يبايع له الناس و هو في السجن خمسة نفر السائب بن مالك الأشعري و يزيد بن أنس و أحمر بن شميط و رفاعة بن شداد الفتياني و عبد اللّه بن شداد الجشمي.

قال:فلم تزل أصحابه يكثرون و أمره يقوى و يشتد حتى عزل ابن الزبير عبد اللّه

ص: 109

ابن يزيد و إبراهيم بن محمد بن طلحة و بعث عبد اللّه بن مطيع على عملهما إلى الكوفة.

(قال أبو مخنف)فحدثني الصقعب بن زهير عن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام قال:دعا ابن الزبير عبد اللّه بن مطيع أخا بني عدي بن كعب و الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة المخزومي فبعث عبد اللّه بن مطيع على الكوفة و بعث الحارث ابن عبد اللّه بن أبي ربيعة على البصرة.

قال:فبلغ ذلك بحير بن ريسان الحميري فلقيهما فقال لهما يا هذان إن القمر الليلة بالناطح فلا تسيرا فأما ابن أبي ربيعة فأطاعه فأقام يسيرا ثم شخص إلى عمله فسلم و أما عبد اللّه بن مطيع.

فقال له:و هل نطلب إلا النطح.

قال:فلقي و اللّه نطحا و بطحا قال:يقول عمر:و البلاء موكل بالقول.قال عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام:بلغ عبد الملك بن مروان أن ابن الزبير بعث عمالا على البلاد فقال:من بعث على البصرة فقيل بعث عليها الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة قال:لا حر بوادي عوف بعث عوفا و جلس ثم قال:من بعث على الكوفة قالوا عبد اللّه ابن مطيع قال حازم:و كثيرا ما يسقط و شجاع و ما يكره أن يفر قال:من بعث على المدينة قالوا:بعث أخاه مصعب بن الزبير.

قال:ذاك الليث النهد و هو رجل أهل بيته (1).

(قال هشام)قال أبو مخنف:و قدم عبد اللّه بن مطيع الكوفة في رمضان سنة 65 يوم الخميس لخمس بقين من شهر رمضان فقال لعبد اللّه بن يزيد إن أحببت أن تقيم معي أحسنت صحبتك و أكرمت مثواك و إن لحقت بأمير المؤمنين عبد اللّه بن الزبير فبك عليه كرامة و على من قبله من المسلمين و قال لإبراهيم بن محمد بن9.

ص: 110


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 489.

طلحة:إلحق بأمير المؤمنين فخرج إبراهيم حتى قدم المدينة و كسر على ابن الزبير الخراج و قال:إنما كانت فتنة فكف عنه ابن الزبير.

قال:و أقام ابن مطيع على الكوفة على الصلاة و الخراج و بعث على شرطته إياس ابن مضارب العجلي و أمره أن يحسن السيرة و الشدة على المريب.

(قال أبو مخنف)فحدثني حصيرة بن عبد اللّه بن الحارث بن دريد الأزدي و كان قد أدرك ذلك الزمان و شهد قتل مصعب بن الزبير قال:إني لشاهد المسجد حيث قدم عبد اللّه بن مطيع فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و قال:أما بعد فإن أمير المؤمنين عبد اللّه بن الزبير بعثني على مصركم و ثغوركم و أمرني بجباية فيئكم و أن لا أحمل فضل فيئكم عنكم إلا برضى منكم و وصية عمر بن الخطاب التي أوصى بها عند وفاته و بسيرة عثمان ابن عفان التي سار بها في المسلمين فاتقوا اللّه و استقيموا و لا تختلفوا و خذوا على أيدي سفهائكم و إلا تفعلوا فلوموا أنفسكم و لا تلوموني فو اللّه لأوقعن بالسقيم العاصي و لأقيمن درأ الأصعر المرتاب،فقام إليه السائب بن مالك الأشعري فقال:أما أمر ابن الزبير إياك أن لا تحمل فضل فيئنا عنا إلا برضانا فإنا نشهدك أنا لا نرضى أن تحمل فضل فيئنا عنا و أن لا يقسم إلا فينا و أن لا يسار فينا إلا بسيرة علي بن أبي طالب التي سار بها في بلادنا هذه حتى هلك رحمة اللّه عليه و لا حاجة لنا في سيرة عثمان في فيئنا و لا في أنفسنا فإنها إنما كانت أثرة و هوى و لا في سيرة عمر بن الخطاب في فيئنا و إن كانت أهون السيرتين علينا ضرا و قد كان لا يألو الناس خيرا.

فقال يزيد بن أنس:صدق السائب بن مالك و بر رأينا مثل رأيه و قولنا مثل قوله فقال ابن مطيع:نسير فيكم بكل سيرة أحببتموها و هو يتموها.ثم نزل فقال يزيد بن أنس الأسدي:ذهبت بفضلها يا سائب لا يعدمك المسلمون أما و اللّه لقد قمت و إني لأريد أن أقوم فأقول له نحوا من مقالتك و ما أحب أن اللّه ولّى الرد عليه رجلا من أهل المصر ليس من شيعتنا،و جاء إياس بن مضارب إلى ابن مطيع.

ص: 111

فقال له:إن السائب بن مالك من رؤوس أصحاب المختار و لست آمن المختار فابعث إليه فليأتك فإذا جاءك فاحبسه في سجنك حتى يستقيم أمر الناس فإن عيوني قد أتتني فخبّرتني أن أمره قد استجمع له و كأنه قد وثب بالمصر.

قال:فبعث إليه ابن مطيع زائدة بن قدامة و حسين بن عبد اللّه البرسمي من همدان فدخل عليه فقالا:أجب الأمير فدعا بثيابه و أمر بإسراج دابته و تخشخش للذهاب معهما،فلما رأى زائدة بن قدامة ذلك قرأ قول اللّه تبارك و تعالى وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (1).

ففهمها المختار فجلس ثم ألقى ثيابه عنه ثم قال:ألقوا عليّ القطيفة ما أراني إلا قد وعكت انى لأجد قفقفة شديدة ثم تمثل قول عبد العزى بن صهل الأزدي:

إذا ما معشر تركوا نداهم و لم يأتوا الكريهة لم يهابوا

ارجعا إلى ابن مطيع فأعلماه حالي التي أنا عليها

فقال له زائدة بن قدامة:أما أنا ففاعل و أنت يا أخا همدان فاعذرني عنده فإنه خير لك.

(قال أبو مخنف)فحدثني إسماعيل بن نعيم الهمداني عن حسين بن عبد اللّه قال:

قلت في نفسي:و اللّه إن أنا لم أبلّغ عن هذا ما يرضيه ما أنا بآمن من أن يظهر غدا فيهلكني.

قال:فقلت له نعم أنا أصنع عند ابن مطيع عذرك و أبلغه كل ما تحب فخرجنا من عنده فإذا أصحابه على بابه و في داره منهم جماعة كثيرة.

قال:فأقبلنا نحو ابن مطيع فقلت لزائدة بن قدامة أما إني قد فهمت قولك حين قرأت تلك الآية و علمت ما أردت بها و قد علمت أنها هي ثبطته عن الخروج معنا بعد0.

ص: 112


1- سورة الأنفال:30.

ما كان قد لبس ثيابه و أسرج دابته و علمت حين تمثل البيت الذي تمثل إنما أراد يخبرك أنه قد فهم عنك ما أردت أن تفهمه و أنه لن يأتيه.

قال:فجاحدني أن يكون أراد شيئا من ذلك فقلت له لا تحلف فو اللّه ما كنت لأبلّغ عنك و لا عنه شيئا تكرهانه و لقد علمت أنك مشفق عليه تجد له ما يجد المرء لابن عمه فأقبلنا إلى ابن مطيع فأخبرناه بعلته و شكواه فصدّقنا و لهى عنه.

قال:و بعث المختار إلى أصحابه فأخذ يجمعهم في الدور حوله و أراد أن يثب بالكوفة في المحرم فجاء رجل من أصحابه من شبام و كان عظيم الشرف يقال له عبد الرحمن ابن شريح فلقي سعيد بن منقذ الثوري و سعر بن أبي سعر الحنفي و الأسود بن جراد الكندي و قدامة بن مالك الجشمي فاجتمعوا في منزل سعر الحنفي فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد فإن المختار يريد أن يخرج بنا و قد بايعناه و لا ندري أرسله إلينا ابن الحنفية أم لا فانهضوا بنا إلى ابن الحنفية فلنخبره بما قدم علينا به و بما دعانا إليه فإن رخّص لنا في اتباعه اتبعناه و إن نهانا عنه اجتنبناه فو اللّه ما ينبغي أن يكون شي من أمر الدنيا آثر عندنا من سلامة ديننا فقالوا له:أرشدك اللّه فقد أصبت و وفقت أخرج بنا إذا شئت فاجمع رأيهم على أن يخرجوا من أيامهم فخرجوا فلحقوا بابن الحنفية و كان أمامهم عبد الرحمن بن شريح،فلما قدموا عليه سألهم عن حال الناس فخبّروه عن حالهم و ما هم عليه.

(قال أبو مخنف)فحدثني خليفة بن ورقاء عن الأسود بن جراد الكندي قال:قلنا لابن الحنفية:إن لنا إليك حاجة.

قال:فسر هي أم علانية؟

قال:قلنا:لا بل سرّ.

قال:فرويدا إذا.

قال:فمكث قليلا ثم تنحى جانبا فدعانا فقمنا إليه فبدأ عبد الرحمن بن شريح

ص: 113

فتكلم فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فإنكم أهل بيت خصّكم اللّه بالفضيلة و شرّفكم بالنبوة و عظّم حقكم على هذه الأمة فلا يجهل حقكم إلا مغبون الرأي مخسوس النصيب قد أصبتم بحسين رحمة اللّه عليه عظمت مصيبة ما قد خصّكم بها فقد عمّ بها المسلمون و قد قدم علينا المختار بن أبي عبيد يزعم لنا أنه قد جاءنا من تلقائكم و قد دعانا إلى كتاب اللّه و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم و الطلب بدماء أهل البيت و الدفع عن الضعفاء فبايعناه على ذلك ثم إنا رأينا أن نأتيك فنذكر لك ما دعانا إليه و ندبنا له فإن أمرتنا باتباعه اتبعناه و إن نهيتنا عنه اجتنبناه ثم تكلمنا واحدا واحدا بنحو مما تكلم به صاحبنا و هو يسمع حتى إذا فرغنا حمدا للّه و أثنى عليه و صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم ثم قال:أما بعد فأما ما ذكرتم مما خصّصنا اللّه به من فضل فإن اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم فلله الحمد و أما ما ذكرتم من مصيبتنا بحسين فإن ذلك كان في الذكر الحكيم و هى ملحمة كتبت عليه و كرامة أهداها اللّه له رفع بما كان منها درجات قوم عنده و وضع بها آخرين و كان أمر اللّه مفعولا و كان أمر اللّه قدرا مقدورا و أما ما ذكرتم من دعاء من دعاكم إلى الطلب بدمائنا فو اللّه لوددت أن اللّه انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه أقول قولي هذا و أستغفر اللّه لي و لكم.

قال:فخرجنا من عنده و نحن نقول قد أذن لنا قد قال:لوددت أن اللّه انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه و لو كره لقال لا تفعلوا.

قال:فجئنا و أناس من الشيعة ينتظرون لقدومنا ممن كنا قد أعلمناه بمخرجنا و أطلعناه على ذات أنفسنا ممن كان على رأينا من إخواننا و قد كان بلغ المختار مخرجنا فشق ذلك عليه و خشي أن نأتيه بأمر يخذل الشيعة عنه فكان قد أرادهم على أن ينهض بهم قبل قدومنا فلم يهيأ ذلك له فكان المختار يقول:إن نفيرا منكم ارتابوا و تخيروا و خابوا فإن هم أصابوا أقبلوا و أنابوا و إن هم كبوا و هابوا و اعترضوا و انجابوا فقد ثبروا و خابوا فلم يكن إلا شهرا و زيادة شيء حتى أقبل القوم على رواحلهم حتى دخلوا على المختار قبل دخولهم إلى رحالهم فقال لهم:ما

ص: 114

وراءكم فقد فتنتم و ارتبتم.

فقالوا له:قد أمرنا بنصرتك.

فقال:اللّه أكبر أنا أبو إسحق اجمعوا إلي الشيعة فجمع له منهم من كان منه قريبا فقال:يا معشر الشيعة إن نفرا منكم أحبوا أن يعلموا مصداق ما جئت به فرحلوا إلى إمام الهدى و النجيب المرتضى ابن خير من طشى و مشى حاشا النبي المجتبى فسألوه عما قدمت به عليكم فنبّأهم أني وزيره و ظهيره و رسوله و خليله و أمركم باتباعي و طاعتي فيما دعوتكم إليه من قتال المحلين و الطلب بدماء أهل بيت نبيكم المصطفين فقام عبد الرحمن بن شريح فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد يا معشر الشيعة فانا قد كنا أحببنا أن نستثبت لأنفسنا خاصة و لجميع إخواننا عامة فقدمنا على المهدي بن علي فسألناه عن حربنا هذه و عن ما دعانا إليه المختار منها فأمرنا بمظاهرته و موازرته و إجابته إلى ما دعانا إليه فأقبلنا طيبة أنفسنا منشرحة صدورنا قد أذهب اللّه منها الشك و الغل و الريب و استقامت لنا بصيرتنا في قتال عدونا فليبلغ ذلك شاهدكم غائبكم و استعدوا و تأهبوا ثم جلس و قمنا رجلا فرجلا فتكلمنا بنحو من كلامه فاستجمعت له الشيعة و حدبت عليه (1).

(قال أبو مخنف)فحدثني نمير بن وعلة و المشرقي عن عامر الشعبي قال:كنت أنا و أبي أول من أجاب المختار.

قال:فلما تهيأ أمره و دنا خروجه قال له أحمر بن شميط و يزيد بن أنس و عبد اللّه بن كامل و عبد اللّه بن شداد:إن أشراف أهل الكوفة مجتمعون على قتالك مع ابن مطيع فإن جامعنا على أمرنا إبراهيم بن الأشتر رجونا بإذن اللّه القوة على عدونا و أن لا يضرنا خلاف من خالفنا فإنه فتى بئيس و ابن رجل شريف بعيد الصيت و له عشيرة ذات عز و عدد قال لهم المختار:فالقوه فادعوه و أعلموه الذي أمرنا به من3.

ص: 115


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 493.

الطلب بدم الحسين عليه السّلام و أهل بيته عليهم السّلام.

قال الشعبي:فخرجوا إليه و أنا فيهم و أبي فتكلم يزيد بن أنس فقال له:إنا قد أتيناك في أمر نعرضه عليك و ندعوك إليه فإن قبلته كان خيرا لك و ان تركته فقد أدينا إليك فيه النصيحة و نحن نحب أن يكون عندك مستورا فقال لهم إبراهيم بن الأشتر:و إن مثلي لا تخاف غائلته و لا سعايته و لا التقرّب إلى سلطانه باغتياب الناس إنما أولئك الصغار الأخطار الدقاق همما.

فقال له:إنما ندعوك إلى أمر قد أجمع عليه رأي الملأ من الشيعة إلى كتاب اللّه و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و الطلب بدماء أهل البيت و قتال المحلين و الدفع عن الضعفاء،قال:تكلم أحمر بن شميط فقال له:إني لك ناصح و لحظك محب و إن أباك قد هلك و هو سيد و فيك منه إن رعيت حق اللّه خلف قد دعوناك إلى أمر إن أجبتنا إليه عادت لك منزلة أبيك في الناس و أحييت من ذلك أمرا قد مات إنما يكفي مثلك اليسير حتى تبلغ الغاية التي لا مذهب وراءها إنه قد بني لك أو لك فتحرّى و أقبل القوم كلهم عليه يدعونه إلى أمرهم و يرغّبونه فيه فقال لهم إبراهيم بن الأشتر:فإني قد أجبتكم إلى ما دعوتموني إليه من الطلب بدم الحسين عليه السّلام و أهل بيته على أن تولوني الأمر.

فقالوا:أنت لذلك أهل و لكن ليس إلى ذلك سبيل هذا المختار قد جاءنا من قبل المهدي و هو الرسول و المأمور بالقتال و قد أمرنا بطاعته فسكت عنهم ابن الأشتر و لم يجبهم فانصرفنا من عنده إلى المختار فأخبرناه بما رد علينا.

قال:فغبر ثلاثا.

ثم إن المختار دعا بضعة عشر رجلا من وجوه أصحابه قال الشعبي:أنا و أبي فيهم.

قال:فسار بنا و مضى أمامنا يقد بنا بيوت الكوفة قدا لا ندري أين يريد حتى وقف على باب إبراهيم بن الأشتر فاستأذنا عليه فأذن لنا و ألقيت لنا و سائد فجلسنا

ص: 116

عليها و جلس المختار معه على فراشه.

فقال المختار:الحمد للّه و أشهد أن لا إله إلا اللّه و صلّى اللّه على محمد و السّلام عليه أما بعد فإن هذا كتاب إليك من المهدي محمد ابن أمير المؤمنين الوصي و هو خير أهل الأرض اليوم و ابن خير أهل الأرض كلها قبل اليوم بعد أنبياء اللّه و رسله و هو يسألك أن تنصرنا و توازرنا فإن فعلت اغتبطت و ان لم تفعل فهذا الكتاب حجة عليك و سيغني اللّه المهدي محمدا و أولياءه عنك.

قال الشعبي:و كان المختار قد دفع الكتاب إلي حين خرج من منزله،فلما قضى كلامه قال لي:إدفع الكتاب إليه فدفعته إليه فدعا بالمصباح و فض خاتمه و قرأه فإذا هو:

بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمد المهدي إلى إبراهيم بن مالك الأشتر سلام عليك فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني قد بعثت إليكم بوزيري و أميني و نجيبي الذي ارتضيته لنفسي و قد أمرته بقتال عدوى و الطلب بدماء أهل بيتي فانهض معك بنفسك و عشيرتك و من أطاعك فإنك ان نصرتني و أجبت دعوتي و ساعدت وزيري كانت لك عندي بذلك فضيلة و لك بذلك أعنة الخيل و كل جيش غاز و كل مصر و منبر و ثغر ظهرت عليه فيما بين الكوفة و أقصى بلاد أهل الشام على الوفاء بذلك علي عهد اللّه فإن فعلت ذلك نلت به عند اللّه أفضل الكرامة و إن أبيت هلكت هلاكا لا تستقيله أبدا و السّلام عليك.

فلما قضى إبراهيم قراءة الكتاب قال:قد كتب إلى ابن الحنفية و قد كتبت إليه قبل اليوم فما كان يكتب إلي إلا باسمه و اسم أبيه قال له المختار:إن ذلك زمان و هذا زمان.

قال إبراهيم:فمن يعلم أن هذا الكتاب ابن الحنيفة إلي فقال له يزيد بن أنس و أحمر بن شميط و عبد اللّه بن كامل و جماعتهم قال الشعبي:إلا أنا و أبي.

فقالوا:نشهد أن هذا كتاب محمد بن علي إليك فتأخر إبراهيم عند ذلك عن صدر

ص: 117

الفراش فأجلس المختار عليه فقال:أبسط يدك أبايعك فبسط المختار يده فبايعه إبراهيم و دعا لنا بفاكهة فأصبنا منها و دعا لنا بشراب من عسل فشربنا ثم نهضنا و خرج معنا ابن الأشتر فركب مع المختار حتى دخل رحله،فلما رجع إبراهيم منصرفا أخذ بيدي فقال:انصرف بنا يا شعبي.

قال:فانصرفت معه و مضى بي حتى دخل بي رحله فقال:يا شعبي إني قد حفظت إنك لم تشهد أنت و لا أبوك أفترى هؤلاء شهدوا على حق قال:قلت له:قد شهدوا على ما رأيت و هم سادة القراء و مشيخة المصر و فرسان العرب و لا أرى مثل هؤلاء يقولون إلا حقا.

قال:فقلت له هذه المقالة و أنا و اللّه لهم على شهادتهم متهم غير أني يعجبني الخروج و أنا أرى رأي القوم و أحب تمام ذلك الأمر فلم أطلعه على ما في نفسي من ذلك فقال لي ابن الأشتر:أكتب لي أسماءهم فإني ليس كلهم أعرف و دعا بصحيفة و دواة و كتب فيها بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما شهد عليه السائب بن مالك الأشعري و يزيد بن أنس الأسدي و أحمر بن شميط الأحمسي و مالك بن عمرو النهدي حتى أتى على أسماء القوم ثم كتب شهدوا أن محمد بن علي كتب إلى إبراهيم بن الأشتر يأمره بموازرة المختار و مظاهرته على قتال المحلين و الطلب بدماء أهل البيت و شهد على هؤلاء النفر الذين شهدوا على هذه الشهادة شراحيل بن عبد و هو أبو عامر الشعبي الفقيه و عبد الرحمن بن عبد اللّه النخعي و عامر بن شراحيل الشعبي فقلت له:ما تصنع بهذا رحمك اللّه؟

فقال:دعه يكون.

قال:و دعا إبراهيم عشريته و إخوانه و من أطاعه و أقبل يختلف إلى المختار.

(قال هشام بن محمد)قال أبو مخنف:حدثني يحيى بن أبي عيسى الأزدي قال:

كان حميد بن مسلم الأسدي صديقا لإبراهيم بن الأشتر و كان يختلف إليه و يذهب به معه و كان إبراهيم يروح في كل عشية عند المساء فيأتي المختار فيمكث عنده

ص: 118

حتى تصوب النجوم ثم ينصرف فمكثوا بذلك يدبرون أمورهم حتى اجتمع رأيهم على أن يخرجوا ليلة الخميس لأربع عشرة من ربيع الأول سنة 66 و وطن على ذلك شيعتهم و من أجابهم.

فلما كان عند غروب الشمس قام إبراهيم بن الأشتر فأذن ثم إنه استقدم فصلى بنا المغرب ثم خرج بنا بعد المغرب حين قلت أخوك أو الذئب و هو يريد المختار فأقبلنا علينا السلاح و قد أتى إياس بن مضارب عبد اللّه بن مطيع فقال:إن المختار خارج عليك إحدى الليلتين.

قال:فخرج إياس في الشرط فبعث ابنه راشدا إلى الكناسة و أقبل يسير حول السوق في الشرط ثم إن إياس بن مضارب دخل على ابن مطيع فقال له:إني قد بعثت ابني إلى الكناسة فلو بعثت في كل جبانة بالكوفة عظيمة رجلا من أصحابك في جماعة من أهل الطاعة هاب المريب الخروج عليك.

قال:فبعث ابن مطيع عبد الرحمن بن سعيد بن قيس إلى جبانة السبيع و قال اكفني قومك لا أوتين من قبلك و احكم أمر الجبانة التي وجّهتك إليها لا يحدثن بها حدث فأولئك العجز و الوهن و بعث كعب بن أبي كعب الخثعمي إلى جبانة بشر و بعث زحر بن قيس إلى جبانة كندة و بعث شمر بن ذي الجوشن إلى جبانة سالم و بعث عبد الرحمن بن مخنف بن سليم إلى جبانة الصائديين و بعث يزيد بن الحارث بن رؤيم أبا حوشب إلى جبانة مراد و أوصى كل رجل أن يكفيه قومه و أن لا يؤتى من قبله و أن يحكم الوجه الذي وجّهه فيه و بعث شبث بن ربعي إلى السبخة و قال:إذا سمعت صوت القوم فوجّه نحوهم فكان هؤلاء قد خرجوا يوم الاثنين فنزلوا هذه الجبابين و خرج إبراهيم بن الأشتر من رحله بعد المغرب يريد إتيان المختار و قد بلغه أن الجبابين قد حشيت رجالا و أن الشرط قد أحاطت بالسوق و القصر.

(قال أبو مخنف)فحدثني يحيى بن أبي عيسى عن حميد بن مسلم قال:خرجت

ص: 119

مع إبراهيم من منزله بعد المغرب ليلة الثلاثاء حتى مررنا بدار عمر بن حريث و نحن مع ابن الأشتر كتيبة نحو من مائة علينا الدروع قد كفرنا عليها بالأقبية و نحن متقلد و السيوف ليس معنا سلاح إلا السيوف في عواتقنا و الدروع قد سترناها بأقبيتنا فلما مررنا بدار سعيد بن قيس فجزناها إلى دار أسامة قلنا مر بنا على دار خالد بن عرفطة ثم امض بنا إلى بجيلة فلنمر في دورهم حتى نخرج إلى دار المختار و كان إبراهيم فتى حدثا شجاعا فكان لا يكره أن يلقاهم فقال:و اللّه لأمرّن على دار عمرو بن حريث إلى جانب القصر وسط السوق و لأرعبن به عدونا و لأرينهم هوانهم علينا.

قال:فأخذنا على باب الفيل على دار هبار ثم أخذ ذات اليمين على دار عمرو بن حريث حتى إذا جاوزها ألفينا إياس بن مضارب في الشرط مظهرين السلاح فقال لنا:من أنتم ما أنتم.

فقال له إبراهيم:أنا إبراهيم بن الأشتر.

فقال له ابن مضارب:ما هذا الجمع معك و ما تريد و اللّه إن أمرك لمريب و قد بلغني أنك تمر كل عشية ههنا و ما أنا بتاركك حتى آتي بك الأمير فيرى فيك رأيه فقال إبراهيم:لا أبا لغيرك خل سبيلنا.

فقال:كلا و اللّه لا أفعل و مع إياس بن مضارب رجل من همدان يقال له أبو قطن كان يكون مع إمرة الشرطة فهم يكرمونه و يؤثرونه و كان لابن الأشتر صديقا.

فقال له ابن الأشتر:يا أبا قطن ادن مني و مع أبي قطن رمح له طويل فدنا منه أبو قطن و معه الرمح و هو يرى أن ابن الأشتر يطلب إليه أن يشفع له إلى ابن مضارب ليخلي سبيله.

فقال إبراهيم و تناول الرمح من يده:إن رمحك هذا لطويل فحمل به إبراهيم على ابن مضارب فطعنه في ثغرة نحره فصرعه و قال لرجل من قومه إنزل فاحتز رأسه فنزل إليه فاحتز رأسه و تفرّق أصحابه و رجعوا إلى ابن مطيع فبعث ابن مطيع ابنه

ص: 120

راشد بن إياس مكان أبيه على الشرطة و بعث مكان راشد بن اياس إلى الكناسة تلك الليلة سويد بن عبد الرحمن المنقري أبا القعقاع بن سويد و أقبل إبراهيم بن الأشتر إلى المختار ليلة الأربعاء فدخل عليه.

فقال له إبراهيم:إنا اتعدنا للخروج للقابلة ليلة الخميس و قد حدث أمر لابد من الخروج الليلة.

قال المختار:و ما هو؟

قال:عرض لي إياس بن مضارب في الطريق ليحبسني بزعمه فقتلته و هذا رأسه مع أصحابي على الباب.

فقال المختار:فبشّرك اللّه بخير فهذا طير صالح و هذا أول الفتح إن شاء اللّه.

فقال المختار:قم يا سعيد بن منقذ فأشعل في الهرادي النيران ثم ارفعها للمسلمين و قم أنت يا عبد اللّه بن شداد فناد يا منصور أمت و قم أنت يا سفيان بن ليل و أنت يا قدامة بن مالك فناد يا لثارات الحسين.

ثم قال المختار:عليّ بدرعي و سلاحي فأتي به فأخذ يلبس سلاحه و يقول:

قد علمت بيضاء سناء الطلل واضحة الخدين عجزاء الكفل

أني غداة الروع مقدام بطل

ثم إن إبراهيم قال للمختار:إن هؤلاء الرؤوس الذين وضعهم ابن مطيع في الجبابين يمنعون إخواننا أن يأتونا و يضيّقون عليهم فلو أني خرجت بمن معي من أصحابي حتى آتي قومي فيأتيني كل من قد بايعني من قومي ثم سرت بهم في نواحي الكوفة و دعوت بشعارنا فخرج إلي من أراد الخروج إلينا و من قدر على إتيانك من الناس فمن أتاك حبسته عندك إلى من معك و لم تفرّقهم فإن عوجلت فأتيت كان معك من تمتنع به و أنا لو قد فرغت من هذا الأمر عجلت إليك في الخيل و الرجال قال له إمالا فأعجل و إياك أن تسير إلى أميرهم تقاتله و لا تقاتل أحدا و أنت تستطيع أن لا تقاتل واحفظ ما أوصيتك به إلا أن يبدأك أحد بقتال فخرج إبراهيم بن الأشتر من عنده في

ص: 121

الكتيبة التي أقبل فيها حتى أتى قومه و اجتمع إليه جل من كان بايعه و أجابه ثم إنه سار بهم في سكك الكوفة طويلا من الليل و هو في ذلك يتجنب السكك التي فيها الأمراء فجاء إلى الذين معهم الجماعات الذين وضع ابن مطيع في الجبابين و أفواه الطرق العظام حتى انتهى إلى مسجد السكون و عجلت إليه خيل من خيل زحر بن قيس الجعفي ليس لهم قائد و لا عليهم أمير فشد عليهم إبراهيم ابن الأشتر و أصحابه فكشفوهم حتى دخلوا جبانة كندة.

فقال إبراهيم:من صاحب الخيل في جبانة كندة؟

فقيل له:زحر بن قيس.

فقال:انصرفوا بنا عنهم فركب بعضهم بعضا كلما لقيهم زقاق دخل منهم طائفة فانصرفوا يسيرون (1).

ثم خرج إبراهيم يسير حتى انتهى إلى جبانة أثير فوقف فيها طويلا و نادى أصحابه بشعارهم فبلغ سويد بن عبد الرحمن المنقري مكانهم في جبانة أثير فرجا أن يصيبهم فيحظى بذلك عند ابن مطيع فلم يشعر ابن الأشتر إلا و هم معه في الجبانة،فلما رأى ذلك ابن الأشتر قال لأصحابه:يا شرطة اللّه أنزلوا فإنكم أولى بالنصر من اللّه من هؤلاء الفساق الذين خاضوا دماء أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فنزلوا ثم شد عليهم إبراهيم فضربهم حتى أخرجهم من الصحراء و ولّوا منهزمين يركب بعضهم بعضا و هم يتلاومون فقال:قائل منهم إن هذا الأمر يراد ما يلقون لنا جماعة إلا هزموهم فلم يزل يهزمهم حتى أدخلهم الكناسة.

و قال أصحاب إبراهيم لإبراهيم:إتبعهم و اغتنم ما قد دخلهم من الرعب فقد علم اللّه إلى من ندعو و ما نطلب و إلى من يدعون و ما يطلبون قال:لا و لكن سيروا بنا إلىم.

ص: 122


1- فشد إبراهيم و أصحابه عليهم و هو يقول:اللهم إنك تعلم إنا غضبنا لأهل بيت نبيك و ثرنا لهم فانصرنا عليهم و تمم لنا دعوتنا حتى انتهى إليهم هو و أصحابه فخالطوهم و كشفوهم.

صاحبنا حتى يؤمن اللّه بنا وحشته و نكون من أمره على علم و يعلم هو أيضا ما كان من عنائنا فيزداد هو و أصحابه قوة و بصيرة إلى قواهم و بصيرتهم مع أني لا آمن أن يكون قد أتى فأقبل إبراهيم في أصحابه حتى مر بمسجد الأشعث فوقف به ساعة ثم مضى حتى أتى دار المختار فوجد الأصوات عالية و القوم يقتتلون و قد جاء شبث بن ربعي من قبل السبخة فعبّأ له المختار يزيد بن أنس،و جاء حجار بن أبجر العجلي فجعل المختار في وجهه أحمر بن شميط فالناس يقتتلون و جاء إبراهيم من قبل القصر فبلغ حجارا و أصحابه أن إبراهيم قد جاءهم من ورائهم فتفرّقوا قبل أن يأتيهم إبراهيم و ذهبوا في الأزقة و السكك،و جاء قيس بن طهفة في قريب من مائة رجل من بني نهد من أصحاب المختار فحمل على شبث بن ربعي و هو يقاتل يزيد بن أنس فخلّى لهم الطريق حتى اجتمعوا جميعا ثم إن شبث ابن ربعي ترك لهم السكة و أقبل حتى لقي ابن مطيع فقال:ابعث إلى أمراء الجبابين فمرهم فليأتوك فاجمع إليك جميع الناس ثم انهد إلى هؤلاء القوم فقاتلهم و ابعث إليهم من تثق به فليكفك قتالهم فإن أمر القوم قد قوي و قد خرج المختار و ظهر و اجتمع له أمره،فلما بلغ ذلك المختار من مشورة شبث بن ربعي على ابن مطيع خرج المختار في جماعة من أصحابه حتى نزل في ظهر دير هند مما يلي بستان زائدة في السبخة.

قال:و خرج أبو عثمان النهدي فنادى في شاكر و هم مجتمعون في دورهم يخافون أن يظهروا في الميدان لقرب كعب بن أبي كعب الخثعمي منهم و كان كعب في جبانة بشر،فلما بلغه أن شاكر يخرج جاء يسير حتى نزل بالميدان و أخذ عليهم بأفواه سككهم و طرقهم.

قال:فلما أتاهم أبو عثمان النهدي في عصابة من أصحابه نادى يا لثارات الحسين يا منصور أمت يا أيها الحي المهتدون ألا إن أمير آل محمد و وزيرهم قد خرج فنزل دير هند و بعثني إليكم داعيا و مبشرا فاخرجوا إليه رحمكم اللّه.

ص: 123

قال:فخرجوا من الدور يتداعون يا لثارات الحسين ثم ضاربوا كعب بن أبي كعب حتى خلّى لهم الطريق فأقبلوا إلى المختار حتى نزلوا معه في عسكره و خرج عبد اللّه بن قراد الخثعمي في جماعة من خثعم نحو المائتين حتى لحق بالمختار فنزلوا معه في عسكره و قد كان عرض له كعب بن أبي كعب فصافه،فلما عرفهم و رأى أنهم قومه خلّى عنهم و لم يقاتلهم و خرجت شبام من آخر ليلتهم فاجتمعوا إلى جبانة مراد،فلما بلغ ذلك عبد الرحمن بن سعيد بن قيس بعث إليهم إن كنتم تريدون اللحاق بالمختار فلا تمروا على جبانة السبيع فلحقوا بالمختار فتوافى إلى المختار ثلاثة آلاف و ثمانمائة من إثنى عشر ألفا كانوا بايعوه فاستجمعوا له قبل انفجار الفجر فأصبح قد فرغ من تعبئته (1).

(قال أبو مخنف)فحدثني الوالبي قال:خرجت أنا و حميد بن مسلم و النعمان بن أبي الجعد إلى المختار ليلة خرج فأتيناه في داره و خرجنا معه إلى معسكره.

قال:فو اللّه ما انفجر الفجر حتى فرغ من تعبئته،فلما أصبح استقدم فصلّى بنا الغداة بغلس ثم قرأ و النازعات و عبس و تولى.

قال:فما سمعنا إماما أمّ قوما أفصح لهجة منه.

(قال أبو مخنف)حدثني حصيرة بن عبد اللّه أن ابن مطيع بعث إلى أهل الجبابين فأمرهم أن ينضموا إلى المسجد و قال لراشد بن إياس بن مضارب ناد في الناس فليأتوا المسجد فنادى المنادي ألا برئت الذمة من رجل لم يحضر المسجد الليلة فتوافى الناس في المسجد فلما اجتمعوا بعث ابن مطيع شبث بن ربعي في نحو من ثلاثة آلاف إلى المختار و بعث راشد بن إياس في أربعة آلاف من الشرط.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو الصلت التيمي عن أبي سعيد الصيقل قال:لما صلّى المختار الغداة ثم انصرف سمعنا أصواتا مرتفعة فيما بين بني سليم و سكة البريد.0.

ص: 124


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 500.

فقال المختار:من يعلم لنا علم هؤلاء ما هم؟

فقلت له:أنا أصلحك اللّه.

فقال المختار إمالا فألق سلاحك و انطلق حتى تدخل فيهم كأنك نظار ثم تأتيني بخبرهم.

قال:ففعلت،فلما دنوت منهم إذا مؤذنهم يقيم فجئت حتى دنوت منهم فإذا شبث ابن ربعي معه خيل عظيمة و على خيله شيبان بن حريث الضبي و هو في الرجالة معه منهم كثرة،فلما أقام مؤذنهم تقدم فصلّى بأصحابه فقرأ إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها فقلت في نفسي:أما و اللّه إني لأرجو أن يزلزل اللّه بكم و قرأ وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً فقال أناس من أصحابه:لو كنت قرأت سورتين هما أطول من هاتين شيئا فقال شبث:ترون الديلم قد نزلت بساحتكم و أنتم تقولون لو قرأت سورة البقرة و آل عمران.

قال:و كانوا ثلاثة آلاف.

قال:فأقبلت سريعا حتى أتيت المختار فأخبرته بخبر شبث و أصحابه و أتاه معي ساعة أتيته سعر بن أبي سعر الحنفي يركض من قبل مراد و كان ممن بايع المختار فلم يقدر على الخروج معه ليلة خرج مخافة الحرس،فلما أصبح أقبل على فرسه فمر بجبانة مراد و فيها راشد بن إياس فقالوا كما أنت و من أنت فراكضهم حتى جاء المختار فأخبره خبر راشد و أخبرته أنا خبر شبث.

قال:فسرّح إبراهيم بن الأشتر قبل راشد بن إياس في تسعمائة و يقال:ستمائة فارس و ستمائة راجل و بعث نعيم بن هبيرة أخا مصقلة بن هبيرة في ثلثمائة فارس و ستمائة راجل و قال لهما امضيا حتى تلقيا عدوكما فإذا لقيتماهم فانزلا في الرجال و عجّلا الفراغ و ابدآهم بالإقدام و لا تستهدفا لهم فإنهم أكثر منكم و لا ترجعا إلي حتى تظهرا أو تقتلا فتوجه إبراهيم إلى راشد و قدّم المختار يزيد بن أنس في موضع مسجد شبث في تسعمائة أمامه و توجّه نعيم بن هبيرة قبل شبث.

ص: 125

(قال أبو مخنف)قال أبو سعيد الصيقل:كنت أنا فيمن توجه مع نعيم بن هبيرة إلى شبث و معي سعر بن أبي سعر الحنفي،فلما انتهينا إليه قاتلناه قتالا شديدا فجعل نعيم بن هبيرة سعر بن أبي سعر الحنفي على الخيل و مشى هو في الرجال فقاتلهم حتى أشرقت الشمس وانبسطت فضربناهم حتى أدخلناهم البيوت ثم إن شبث بن ربعي ناداهم يا حماة السوء بئس فرسان الحقائق أنتم أمن عبيدكم تهربون.

قال:فثابت إليه منهم جماعة فشد علينا و قد تفرّقنا فهزمنا و صبر نعيم بن هبيرة فقتل و نزل معه سعر فأسر و أسرت أنا و خليد مولى حسان بن يخدج فقال شبث لخليد و كان و سيما جسيما من أنت فقال خليد مولى حسان بن يخدج الذهلي.

فقال له شبث:يا ابن المتكاء تركت بيع الصحناة بالكناسة و كان جزاء من أعتقك أن تعدو عليه بسيفك تضرب رقابه اضربوا عنقه فقتل و رأى سعرا الحنفي فعرفه فقال:أخو بني حنيفة.

فقال له:نعم.

فقال:ويحك ما أردت إلى اتباع هذه السباية قبّح اللّه رأيك دعوا ذا فقلت في نفسي:

قتل المولى و ترك العربي إن علم و اللّه إني مولى قتلني،فلما عرضت عليه قال:من أنت فقلت من بني تيم اللّه قال:أ عربي أنت أو مولى؟

فقلت:لا بل عربي أنا من آل زياد بن خصفة.

فقال:بخ بخ ذكرت الشريف المعروف إلحق بأهلك.

قال:فأقبلت حتى انتهيت إلى الحمراء و كانت لي في قتال القوم بصيرة فجئت حتى انتهيت إلى المختار و قلت في نفسي:و اللّه لآتين أصحابي فلأواسينهم بنفسي فقبّح اللّه العيش بعدهم.

قال:فأتيتهم و قد سبقني إليهم سعر الحنفي و أقبلت إليه خيل شبث و جاءه قتل

ص: 126

نعيم بن هبيرة فدخل من ذلك أصحاب المختار أمر كبير.

قال:فدنوت من المختار فأخبرته بالذي كان من أمري فقال لي:أسكت فليس هذا بمكان الحديث،و جاء شبث حتى أحاط بالمختار و بيزيد بن أنس و بعث ابن مطيع يزيد بن الحارث بن رؤيم في ألفين من قبل سكة لحام جرير فوقفوا في أفواه تلك السكك و ولّى المختار يزيد بن أنس خيله و خرج هو في الرجالة (1).

(قال أبو مخنف)فحدثني الحارث بن كعب الوالبي والبة الأزد قال:حملت علينا خيل شبث بن ربعي حملتين فما يزول منا رجل من مكانه فقال يزيد بن أنس لنا:يا معشر الشيعة قد كنتم تقتلون و تقطع أيديكم و أرجلكم و تسمل أعينكم و ترفعون على جذوع النخل في حب أهل بيت نبيكم و أنتم مقيمون في بيوتكم و طاعة عدوكم فما ظنكم بهؤلاء القوم إن ظهروا عليكم اليوم إذا و اللّه لا يدعون منكم عينا تطرف و ليقتلنكم صبرا و لترون منهم في أولادكم و أزواجكم و أموالكم ما الموت خير منه و اللّه لا ينجيكم منه إلا الصدق و الصبر و الطعن الصائب في أعينهم و الضرب الدراك على هامهم فتيسروا للشدة و تهيأوا للحملة فإذا حركت رايتي مرتين فاحملوا.قال الحارث:فتهيأنا و تيسرنا و جثونا على الركب و انتظرنا أمره.

(قال أبو مخنف)و حدثني فضيل بن خديج الكندي أن إبراهيم بن الأشتر كان حين توجه إلى راشد بن إياس مضى حتى لقيه في مراد فإذا معه أربعة آلاف فقال إبراهيم لأصحابه لا يهولنكم كثرة هؤلاء فو اللّه لرب رجل خير من عشرة و لرب فئة قليلة قد غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه و اللّه مع الصابرين.

ثم قال:يا خزيمة بن نصر سر إليهم في الخيل و نزل هو يمشى في الرجال و رأيته مع مزاحم بن طفيل فأخذ إبراهيم يقول له ازدلف برايتك إمض بها قدما قدما و اقتتل الناس فاشتد قتالهم و بصر خزيمة بن نصر العبسي براشد بن إياس فحمل3.

ص: 127


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 503.

عليه فطعنه فقتله ثم نادى قتلت راشدا و رب الكعبة و انهزم أصحاب راشد و أقبل إبراهيم بن الأشتر و خزيمة بن نصر و من كان معهم بعد قتل راشد نحو المختار و بعث النعمان بن أبي الجعد يبشر المختار بالفتح عليه و بقتل راشد،فلما أن جاءهم البشير بذلك كبّروا و اشتدت أنفسهم و دخل أصحاب ابن مطيع الفشل و سرّح ابن مطيع حسان بن فائد بن بكير العبسي و معه جيش كثيف نحو من ألفين فاعترض إبراهيم بن الأشتر فويق الحمراء ليرده عن من في السبخة من أصحاب ابن مطيع فقدم إبراهيم خزيمة بن نصر إلى حسان بن قائد في الخيل و مشى إبراهيم نحوه في الرجال فقال:و اللّه ما طعنا برمح و لا ضربنا بسيف حتى انهزموا و تخلّف حسان بن فائد في أخريات الناس يحميهم و حمل عليه خزيمة بن نصر فلما رآه عرفه.

فقال له:يا حسان بن فائد أما و اللّه لو لا القرابة لعرفت أني سألتمس قتلك بجهدي و لكن النجاء فعثر بحسان فرسه فوقع فقال تسعا لك أبا عبد اللّه و ابتدره الناس فأحاطوا به فضاربهم ساعة بسيفه فناداه خزيمة بن نصر قال:إنك آمن يا أبا عبد اللّه لا تقتل نفسك،و جاء حتى وقف عليه و نهنه الناس عنه و مر به إبراهيم فقال له خزيمة:هذا ابن عمى و قد آمنته.

فقال له إبراهيم:أحسنت فأمر خزيمة بطلب فرسه حتى أتي به فحمله عليه و قال:

إلحق بأهلك.

قال:و أقبل إبراهيم نحو المختار و شبث محيط بالمختار و يزيد بن أنس،فلما رآه يزيد بن الحارث و هو على أفواه سكك الكوفة التي تلي السبخة و إبراهيم مقبل نحو شبث أقبل نحوه ليصدّه عن شبث و أصحابه فبعث إبراهيم طائفة من أصحابه مع خزيمة بن نصر فقال:إغن عنا يزيد بن الحارث و صمد هو في بقية أصحابه نحو شبث بن ربعي.

(قال أبو مخنف)فحدثني الحارث بن كعب أن إبراهيم لما أقبل نحونا رأينا شبثا

ص: 128

و أصحابه ينكصون وراءهم رويدا رويدا،فلما دنا إبراهيم من شبث و أصحابه حمل عليهم و أمرنا يزيد بن أنس بالحملة عليهم فحملنا عليهم فانكشفوا حتى انتهوا إلى أبيات الكوفة و حمل خزيمة بن نصر على يزيد بن الحارث بن رؤيم فهزمه و ازدحموا على أفواه السكك و قد كان يزيد بن الحارث وضع رامية على أفواه السكك فوق البيوت و أقبل المختار في جماعة الناس إلى يزيد بن الحارث،فلما انتهى أصحاب المختار إلى أفواه السكك رمته تلك الرامية بالنبل فصدوهم عن دخول الكوفة من ذلك الوجه و رجع الناس من السبخة منهزمين إلى ابن مطيع و جاءه قتل راشد بن إياس فأسقط في يده.

(قال أبو مخنف)فحدثني يحيى بن هانى.قال:قال عمرو بن الحجاج الزبيدي لابن مطيع:أيها الرجل لا يسقط في خلدك و لا تلق بيدك أخرج إلى الناس فاندبهم إلى عدوك فاغزهم فإن الناس كثير عددهم و كلهم معك إلا هذه الطاغية التي خرجت على الناس و اللّه مخزيها و مهلكها و أنا أول منتدب فاندب معي طائفة و مع غيري طائفة.

قال:فخرج ابن مطيع فقام في الناس فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أيها الناس إن من أعجب العجب عجزكم عن عصبة منكم قليل عددها خبيث دينها ضالة مضلة أخرجوا إليهم فامنعوا منهم رحيمكم و قاتلوهم عن مصركم و امنعوا منهم فيئكم و إلا و اللّه ليشاركنكم في فيئكم من لا حق له فيه و اللّه لقد بلغني أن فيهم خمسمائة رجل من محرريكم عليهم أمير منهم و إنما ذهاب عزكم و سلطانكم و تغير دينكم حين يكثرون ثم نزل.

قال:و منعهم يزيد بن الحارث أن يدخلوا الكوفة.

قال:و مضى المختار من السبخة حتى ظهر على الجبانة ثم ارتفع إلى البيوت بيوت مزينة و أحمس و بارق فنزل عند مسجدهم و بيوتهم و بيوتهم شاذة منفردة من بيوت أهل الكوفة فاستقبلوه بالماء فسقى أصحابه و أبى المختار أن يشرب.

ص: 129

قال:فظن أصحابه أنه صائم و قال أحمر بن هديج من همدان لابن كامل أترى الأمير صائما.فقال له:نعم هو صائم فقال له:فلو أنه كان في هذا اليوم مفطرا كان أقوى له.

فقال له:إنه معصوم و هو أعلم بما يصنع.

فقال له:صدقت أستغفر اللّه.

و قال المختار:نعم مكان المقاتل هذا.

فقال له إبراهيم:بن الأشتر قد هزمهم اللّه و فلّهم و أدخل الرعب قلوبهم و تنزل ههنا سربنا فو اللّه ما دون القصر أحد يمنع و لا يمتنع كبير امتناع.

فقال المختار:ليقم ههنا كل شيخ ضعيف و ذي علة وضعوا ما كان لكم من ثقل و متاع بهذا الموضع حتى تسيروا إلى عدونا ففعلوا فاستخلف المختار عليهم أبا عثمان النهدي و قدّم إبراهيم بن الأشتر أمامه و عبّأ أصحابه على الحال التي كانوا عليها في السبخة.

قال:و بعث عبد اللّه بن مطيع عمرو بن الحجاج في ألفي رجل فخرج عليهم من سكة الثوريين فبعث المختار إلى إبراهيم أن اطوه و لا تقم عليه فطواه إبراهيم و دعا المختار يزيد بن أنس فأمره أن يصمد لعمرو بن الحجاج فمضى نحوه و ذهب المختار في أثر إبراهيم فمضوا جميعا حتى إذا انتهى المختار إلى موضع مصلّى خالد بن عبد اللّه وقف و أمر إبراهيم أن يمضي على وجهه حتى يدخل الكوفة من قبل الكناسة فمضى فخرج إليه من سكة ابن محرز و أقبل شمر بن ذي الجوشن في ألفين فسرح المختار إليه سعيد بن منقذ الهمداني فواقعه و بعث إلى إبراهيم أن اطوه و امض على وجهك فمضى حتى انتهى إلى سكة شبث و إذا نوفل بن مساحق بن عبد اللّه بن مخرمة في نحو من ألفين أو قال:خمسة آلاف،و هو الصحيح و قد أمر ابن مطيع سويد بن عبد الرحمن فنادى في الناس أن الحقوا بابن مساحق.

قال:و استخلف شبث بن ربعي على القصر و خرج ابن مطيع حتى وقف

ص: 130

بالكناسة.

(قال أبو مخنف)حدثني حصيرة بن عبد اللّه قال:إني لأنظر إلى ابن الأشتر حين أقبل في أصحابه حتى إذا دنا منهم قال لهم:أنزلوا فنزلوا فقال قرّبوا خيولكم بعضها إلى بعض ثم امشوا إليهم مصلتين بالسيوف و لا يهولنكم أن يقال جاءكم شبث بن ربعي و آل عتيبة بن النهاس و آل الأشعت و آل فلان و آل يزيد بن الحارث.

قال:فسمّى بيوتات من بيوتات أهل الكوفة ثم قال:إن هؤلاء لو قد وجدوا لهم حر السيوف قد انصفقوا عن ابن مطيع إنصفاق المعزى عن الذئب قال حصيرة:فإني لأنظر إليه و إلى أصحابه حين قرّبوا خيولهم و حين أخذ ابن الأشتر أسفل قبائه فرفعه فأدخله في منطقة له حمراء من حواشيء البرود و قد شد بها على القباء و قد كفر بالقباء على الدرع ثم قال لأصحابه:شدوا عليهم فدى لكم عمى و خالي.

قال:فو اللّه ما لبثهم أن هزمهم فركب بعضهم بعضا على فم السكة و ازدحموا و انتهى ابن الأشتر إلى ابن مساحق فأخذ بلجام دابته و رفع السيف عليه فقال له ابن مساحق:يا ابن الأشتر أنشدك اللّه أتطلبني بثأر هل بيني و بينك من إحنة فخلّى ابن الأشتر سبيله و قال له:اذكرها،فكان بعد ذلك ابن مساحق يذكرها لابن الأشتر.

و أقبلوا يسيرون حتى دخلوا الكناسة ثم أثار القوم حتى دخلوا السوق و المسجد و حصروا ابن مطيع ثلاثا.

(قال أبو مخنف)و حدثني النضر بن صالح أن ابن مطيع مكث ثلاثا يرزق أصحابه في القصر حيث حصر الدقيق و معه أشراف الناس إلا ما كان من عمرو بن حريث فإنه أتى داره و لم يلزم نفسه الحصار ثم خرج حتى نزل البر،و جاء المختار حتى نزل جانب السوق و ولّى حصار القصر إبراهيم بن الأشتر و يزيد بن أنس و أحمر بن شميط فكان ابن الأشتر مما يلي المسجد و باب القصر و يزيد بن أنس

ص: 131

مما يلي بني حذيفة و سكة دار الروميين و أحمر بن شميط مما يلي دار عمارة و دار أبى موسى،فلما اشتد الحصار على ابن مطيع و أصحابه كلّمه الاشراف فقام إليه شبث فقال:أصلح اللّه الأمير أنظر لنفسك و لمن معك فو اللّه ما عندهم غناء عنك و لا عن أنفسهم قال ابن مطيع:هاتوا أشيروا علي برأيكم.

قال شبث:الرأي أن تأخذ لنفسك من هذا الرجل أمانا و لنا و تخرج و لا تهلك نفسك و من معك قال ابن مطيع:و اللّه إني لأكره أن آخذ منه أمانا و الأمور مستقيمة لأمير المؤمنين بالحجاز كله و بأرض البصرة.

قال:فتخرج لا يشعر بك أحد حتى تنزل منزلا بالكوفة عند من تستنصحه و تثق به و لا يعلم بمكانك حتى تخرج فتلحق بصاحبك فقال لأسماء بن خارجة و عبد الرحمن بن مخنف و عبد الرحمن بن سعيد بن قيس و أشراف أهل الكوفة ما ترون في هذا الرأي الذي أشار به علي شبث فقالوا ما:نرى الرأي إلا ما أشار به عليك.

قال:فرويدا حتى أمسي.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو المغلس الليثي أن عبد اللّه بن عبد اللّه الليثي أشرف على أصحاب المختار من القصر من العشي يشتمهم و ينتحي له مالك بن عمر و أبو نمر النهدي بسهم فيمر بحلقه فقطع جلدة من حلقه فمال فوقع.

قال:ثم إنه قام و برأ بعد و قال النهدي حين أصابه خذها من مالك من فاعل كذا (1).

(قال أبو مخنف)و حدثني النضر بن صالح عن حسان بن فائد بن بكير قال:لما أمسينا في القصر في اليوم الثالث دعانا ابن مطيع فذكر اللّه بما هو أصله و صلّى على نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم و قال:أما بعد فقد علمت الذين صنعوا هذا منكم من هم و قد علمت أنما هم أراذلكم و سفهاؤكم و طغامكم و أخساؤكم ما عدا الرجل أو الرجلين و إن7.

ص: 132


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 507.

أشرافكم و أهل الفضل منكم لم يزالوا سامعين مطيعين مناصحين و أنا مبلغ ذلك صاحبي و معلمه طاعتكم و جهادكم عدوه حتى كان اللّه الغالب على أمره و قد كان من رأيكم و ما أشرتم به على ما قد علمتم و قد رأيت أن أخرج الساعة.

فقال له شبث:جزاك اللّه من أمير خيرا فقد و اللّه عففت عن أموالنا و أكرمت أشرافنا و نصحت لصاحبك و قضيت الذي عليك و اللّه ما كنا لنفارقك أبدا إلا و نحن منك في إذن فقال:جزاكم اللّه خيرا أخذ امرؤ حيث أحب ثم خرج من نحو دروب الروميين حتى أتى دار أبى موسى و خلّى القصر و فتح أصحابه الباب.

فقالوا:يا ابن الأشتر آمنون نحن؟

قال:أنتم آمنون فخرجوا فبايعوا المختار.

(قال أبو مخنف)فحدثني موسى بن عامر العدوي من عدى جهينة و هو أبو الأشعر أن المختار جاء حتى دخل القصر فبات به و أصبح أشراف الناس في المسجد و على باب القصر و خرج المختار فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه فقال الحمد للّه الذي وعد وليه النصر و عدوه الخسر و جعله فيه إلى آخر الدهر وعدا مفعولا و قضاء مقضيا و قد خاب من افترى أيها الناس إنه رفعت لنا راية و مدت لنا غاية فقيل لنا في الراية أن ارفعوها و لا تضعوها و في الغاية أن اجروا إليها و لا تعدوها فسمعنا دعوة الداعي و مقالة الواعي فكم من ناع و ناعية لقتلى في الواعية و بعدا لمن طغى و أدبر و عصى و كذّب و تولى ألا فأدخلوا أيها الناس فبايعوا بيعة هدى فلا و الذي جعل السماء سقفا مكفوفا و الأرض فجاجا سبلا ما بايعتم بعد بيعة علي بن أبي طالب و آل علي أهدى منها ثم نزل فدخل و دخلنا عليه و أشراف الناس فبسط يده و ابتدره الناس فبايعوه و جعل يقول تبايعوني على كتاب اللّه و سنّة نبيه و الطلب بدماء أهل البيت و جهاد المحلين و الدفع عن الضعفاء و قتال من قاتلنا و سلم من سالمنا و الوفاء ببيعتنا لا نقيلكم و لا نستقيلكم فإذا قال الرجل نعم بايعه.

قال:فكأني و اللّه أنظر إلى المنذر بن حسان بن ضرار الضبي إذ أتاه حتى سلّم

ص: 133

عليه بالامرة ثم بايعه و انصرف عنه،فلما خرج من القصر استقبل سعيد بن منقذ الثوري في عصابة من الشيعة واقفا عند المصطبة،فلما رأوه و معه ابنه حيان بن المنذر قال رجل من سفهائهم:هذا و اللّه من رؤوس الجبارين فشدوا عليه و على ابنه فقتلوهما فصاح بهم سعيد بن منقذ لا تعجلوا لا تعجلوا حتى ننظر ما رأي أميركم فيه.

قال:و بلغ المختار ذلك فكرهه حتى رؤي ذلك في وجهه و أقبل المختار يمنّي الناس و يستجر مودتهم و مودة الأشراف و يحسن السيرة جهده.

قال:و جاءه ابن كامل فقال للمختار:أعلمت أن ابن مطيع في دار أبى موسى فلم يجبه بشي فأعادها عليه ثلاث مرات فلم يجبه ثم أعادها فلم يجبه فظن ابن كامل أن ذلك لا يوافقه و كان ابن مطيع قبل للمختار صديقا،فلما أمسى بعث إلى ابن مطيع بمائة ألف درهم.

فقال له:تجهز بهذه و اخرج فإني قد شعرت بمكانك و قد ظننت أنه لم يمنعك من الخروج إلا أنه ليس في يديك ما يقويّك على الخروج و أصاب المختار تسعة آلاف ألف في بيت مال الكوفة فأعطى أصحابه الذين قاتل بهم حين حصر ابن مطيع في القصر و هم ثلاثة آلاف و ثمانمائة رجل كل رجل خمسمائة درهم خمسمائة درهم و أعطى ستة آلاف من أصحابه أتوه بعد ما أحاط بالقصر فأقاموا معه تلك الليلة و تلك الثلاثة الأيام حتى دخل القصر مائتين مائتين و استقبل الناس بخير و منّاهم العدل و حسن السيرة و أدنى الاشراف فكانوا جلساءه و حدّاثه و استعمل على شرطته عبد اللّه بن كامل الشاكري و على حرسه كيسان أبا عمرة مولى عرينة فقام ذات يوم على رأسه فرأى الأشراف يحدثونه و رآه قد أقبل بوجهه و حديثه عليهم فقال لأبي عمرة بعض أصحابه من الموالي أما ترى أبا إسحاق قد أقبل على العرب ما ينظر إلينا فدعاه المختار فقال له:ما يقول لك أولئك الذين رأيتهم يكلمونك فقال له:و أسرّ إليه شقّ عليهم أصلحك اللّه صرفك وجهك عنهم إلى العرب.

ص: 134

فقال له:قل لهم:لا يشقن ذلك عليكم فأنتم مني و أنا منكم ثم سكت طويلا ثم قرأ إِنّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (1).

قال:فحدثني أبو الأشعر موسى بن عامر قال:ما هو إلا أن سمعها الموالي منه.

فقال بعضهم لبعض:أبشروا كأنكم و اللّه به قد قتلهم.

(قال أبو مخنف)حدثني حصيرة بن عبد اللّه الأزدي و فضيل بن خديج الكندي و النضر بن صالح العبسي قالوا أول رجل عقد له المختار راية عبد اللّه بن الحارث أخو الأشتر عقد له على أرمينية و بعث محمد بن عمير بن عطارد على آذربيجان و بعث عبد الرحمن بن سعيد بن قيس على الموصل و بعث إسحاق بن مسعود على المدائن و أرض جوخى و بعث قدامة بن أبي عيسى بن ربيعة النصري و هو حليف لثقيف على بهقباذ الأعلى و بعث محمد بن كعب بن قرظة على بهقباذ الأوسط و بعث حبيب بن منقذ الثوري على بهقباذ الأسفل و بعث سعد بن حذيفة بن اليمان على حلوان و كان مع سعد بن حذيفة ألفا فارس بحلوان.

قال:و رزقه ألف درهم في كل شهر و أمره بقتال الأكراد و بإقامة الطرق و كتب إلى عماله على الجبال يأمرهم أن يحملوا أموال كورهم إلى سعد بن حذيفة بحلوان و كان عبد اللّه بن الزبير قد بعث محمد بن الأشعث بن قيس على الموصل و أمره بمكاتبة ابن مطيع و بالسمع له و الطاعة غير أن ابن مطيع لا يقدر على عزله إلا بأمر ابن الزبير و كان قبل ذلك في إمارة عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد منقطعا بإمارة الموصل لا يكاتب أحدا دون ابن الزبير.

فلما قدم عليه عبد الرحمن بن سعيد بن قيس من قبل المختار أميرا تنحى له عن الموصل و أقبل حتى نزل تكريت و أقام بها مع أناس من أشراف قومه و غيرهم و هو معتزل ينظر ما يصنع الناس و إلى ما يصير أمرهم ثم شخص إلى المختار2.

ص: 135


1- سورة السجدة:22.

فبايع له و دخل فيما دخل فيه أهل بلده.

(قال أبو مخنف)و حدثني صلة بن زهير النهدي عن مسلم بن عبد اللّه الضبابي قال:لما ظهر المختار و استمكن و نفى ابن مطيع و بعث عماله أقبل يجلس للناس غدوة و عشية فيقضى بين الخصمين ثم قال:و اللّه إن لي فيما أزاول و أحاول لشغلا عن القضاء بين الناس قال:فأجلس للناس شريحا و قضى بين الناس ثم إنه خافهم فتمارض و كانوا يقولون إنه عثماني و إنه ممن شهد على حجر بن عدي و إنه لم يبلغ عن هانئ بن عروة ما أرسله به و قد كان علي بن أبي طالب عزله عن القضاء،فلما أن سمع بذلك و رآهم يذمونه و يسندون إليه مثل هذا القول تمارض و جعل المختار مكانه عبد اللّه بن عتبة بن مسعود ثم إن عبد اللّه مرض فجعل مكانه عبد اللّه بن مالك الطائي قاضيا.

قال مسلم بن عبد اللّه:و كان عبد اللّه بن همام سمع أبا عمرة يذكر الشيعة و ينال من عثمان بن عفان فقنعه بالسوط فلما ظهر المختار كان معتزلا حتى استأمن له عبد اللّه بن شداد فجاء إلى المختار ذات يوم فقال:

ألا انتسأت بالود عنك و أدبرت

معالنة بالهجر أم سريع

و حملها واش سعى غير مؤتل

فأبت بهم في الفؤاد جميع

فخفض عليك الشأن لا يردك الهوى

فليس انتقال خلة ببديع

و في ليلة المختار ما يذهل الفتى

و يلهيه عن رؤد الشباب شموع

ص: 136

دعا يا لثأرات الحسين فأقبلت

كتائب من همدان بعد هزيع

و من مذحج جاء الرئيس ابن مالك

يقود جموعا عبيت بجموع

و من أسد وافى يزيد لنصره

بكل فتى حامي الذمار منيع

و جاء نعبم خير شيبان كلها

بأمر لدى الهيجا أحد جميع

و ما ابن شميط إذ يحرض قومه

هناك بمخذول و لا بمضيع

و لا قيس نهد لا و لا ابن هوازن

و كل أخو إخباتة و خشوع

و سار أبو النعمان للّه سعيه

إلى ابن إياس مصحرا لوقوع

بخيل عليها يوم هيجا دروعها

و أخرى حسورا غير ذات دروع

فكر الخيول كرة ثقفتهم

و شد بأولاها على ابن مطيع

فولى بضرب يشدخ الهام وقعه

و طعن غداة السكتين وجيع

فحوصر في دار الإمارة بائيا

بذل و ارغا له و خضوع

ص: 137

فمن وزير ابن الوصي عليهم

و كان لهم في الناس خير شفيع

و آب الهدى حقا إلى مستقره

بخير إياب آبه و رجوع

إلى الهاشمي المهتدي المهتدى به

فنحن له من سامع و مطيع

قال:فلما أنشدها المختار قال المختار لأصحابه:قد أثنى عليكم كما تسمعون و قد أحسن الثناء عليكم فأحسنوا له الجزاء ثم قام المختار فدخل و قال لأصحابه لا تبرحوا حتى أخرج إليكم.

قال:و قال عبد اللّه بن شداد الجشمي يا ابن همام إن لك عندي فرسا و مطرفا و قال قيس بن طهفة النهدي و كانت عنده الرباب بنت الأشعث فإن لك عندي فرسا و مطرفا و استحيا أن يعطيه صاحبه شيئا لا يعطي مثله فقال ليزيد بن أنس:فما تعطيه؟

فقال يزيد:إن كان ثواب اللّه أراد بقوله فما عند اللّه خير له و إن كان إنما اعترى بهذا القول أموالنا فو اللّه ما في أموالنا ما يسعه قد كانت بقيت من عطائي بقية فقوّيت بها إخواني.

فقال:أحمر بن شميط مبادرا لهم قبل أن يكلموه يا ابن همام إن كنت أردت بهذا القول وجه اللّه فاطلب ثوابك من اللّه و إن كنت إنما اعتريت به رضى الناس و طلب أموالهم فاكدم الجندل فو اللّه من قال قولا لغير اللّه و في غير ذات اللّه بأهل أن ينحل و لا يوصل.

فقال له:عضضت ب... (1)أبيك فرفع يزيد بن أنس السوط و قال لابن شميط:تقولل.

ص: 138


1- و ذكر عورة الرجل.

هذا القول يا فاسق و قال:لابن شميط اضربه بالسيف فرفع ابن شميط عليه السيف و وثب و وثب أصحابهما يتفلتون على ابن همام و أخذ بيده إبراهيم بن الأشتر فألقاه وراءه و قال:أنا له جار لم تأتون إليه ما أرى فو اللّه إنه لواصل الولاية راض بما نحن عليه حسن الثناء فإن أنتم لم تكافئوه بحسن ثنائه فلا تشتموا عرضه و لا تسفكوا دمه و وثبت مذحج فحالت دونه و قالوا أجاره ابن الأشتر لا و اللّه لا يوصل إليه.

قال:و سمع لغطهم المختار فخرج إليهم و أومأ بيده إليهم أن اجلسوا فجلسوا فقال لهم:إذا قيل لكم خير فاقبلوه و إن قدرتم على مكافأة فافعلوا و إن لم تقدروا على مكافأة فتنصّلوا و اتقوا لسان الشاعر فإن شره حاضر و قوله فاجر و سعيه بائر و هو بكم غدا غادر فقالوا:أ فلا نقتله؟

قال:لا إنا قد آمناه و أجرناه و قد أجاره أخوكم إبراهيم بن الأشتر فجلس مع الناس قال:إن إبراهيم قام فانصرف إلى منزله فأعطاه ألفا و فرسا و مطرفا فرجع بها و قال:لا و اللّه لا جاورت هؤلاء أبدا و أقبلت هوازن و غضبت و اجتمعت في المسجد غضبا لابن همام فبعث إليهم المختار فسألهم أن يصفحوا عما اجتمعوا له ففعلوا و قال ابن همام لابن الأشتر يمدحه:

أطفأ عن نار كلبين ألبا على الكلاب ذو الفعال ابن مالك

فتى حين يلقى الخيل يفرق بينها بطعن دراك أو بضرب مواشك

و قد غضبت لي من هوازن عصبة طوال الذرى فيها عراض المبارك

إذا ابن شميط أو يزيد تعرضا لها وقعا في مستحار المهالك

و ثبتم علينا يا موالي طيئ مع ابن شميط شر ماش وراتك

و أعظم ديار على اللّه فرية و ما مفتر طاغ كآخر ناسك

فيا عجبا من أحمس ابنة أحمس توثب حولي بالقنا و النيازك

كأنكم في العز قيس و خثعم و هل أنتم إلا لثام عوارك

و أقبل عبد اللّه بن شداد من الغد.فجلس في المسجد يقول علينا توثب بنو أسد

ص: 139

و أحمس و اللّه لا نرضى بهذا أبدا فبلغ ذلك المختار فبعث إليه فدعاه و دعا بيزيد بن أنس و بابن شميط فحمد اللّه و أثنى عليه و قال:يا ابن شداد إن الذي فعلت نزغة من نزغات الشيطان فتب إلى اللّه قال:قد تبت و قال:إن هذين أخواك فأقبل إليهما و اقبل منهما وهب لي هذا الامر.

قال:فهو لك و كان ابن همام قد قال قصيدة أخرى في أمر المختار فقال:

أضحت سليمى بعد طول عتاب و تجرم و نفاد غرب شباب

قد أزمعت بصريمتي و تجنبي و تهوك من ذاك في إعتاب

لما رأيت القصر أغلق بابه و توكلت همدان بالأسباب

و رأيت أصحاب الدقيق كأنهم حول البيوت ثعالب الاسراب

و رأيت أبواب الأزقة حولنا دربت بكل هراوة و دباب

أيقنت أن خيول شيعة راشد لم يبق منها فيش أير ذباب (1)3.

ص: 140


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 513.

ذكر خروج الشيعة إلى محمد ابن الحنيفة يسألونه عن المختار

قال ابن الأعثم:فخرج جماعة منهم حتى قدموا إلى مكة على محمد بن علي،فلما دخلوا عليه و سلّموا رد عليهم السّلام و قرّبهم و أدناهم و قال:ما الذي أقدمكم إلى مكة و ما هذا وقت الحج؟

فقالوا:حاجة مهمة.

فقال محمد بن علي:أ فعلانية أم سرا؟

فقالوا:بل سرا،فتنحّى معهم ناحية من مجلسه،ثم قالوا له:أ نتكلم؟

فقال:تكلموا.

فقالوا له:فداك يابن أمير المؤمنين!إنكم أهل بيت قد خصّكم اللّه بالفضل،و أماط عنكم الجهل،و قد أصبتم بأبي عبد اللّه الحسين بن علي رضي اللّه عنهما مصيبة قد عظمت بالمؤمنين،و قد قدم علينا المختار بن أبي عبيد ذكر أنه قد جاءنا من قبلك، و أنك الذي أرسلته إلينا لتطلب بدم الحسين،و هو مقيم بين أظهرنا من قبل أن يقتل سليمان بن صرد و أصحابه،و قد بايعناه و عزمنا على الخروج معه لنأخذ بدمائكم أهل البيت عليهم السّلام،غير أنا أحببنا أن نستطلع رأيك في ذلك،فإن أمرتنا باتباعه اتبعناه، و إن نهيتنا عنه اجتنبناه.

فقال محمد:أما ما ذكرتم من الفضل الذي خصصنا به فذاك فضل اللّه يؤتيه من يشاء من عباده،و أما ما ذكرتم من مصيبتنا بالحسين بن علي عليه السّلام فذلك في الكتاب مسطور،و أما ما ذكرتم من أمر المختار بن أبي عبيد فو اللّه لقد وددت أن اللّه تعالى قد انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه،و السّلام..

قال:فودعه القوم و خرجوا من عنده و هم يقولون:قد رضي بذلك و لو لا أنه رضي بالمختار لكان نهانا عن ذلك.

ص: 141

قال:و المختار قد علم بخروجهم إلى محمد بن علي،فعظم ذلك عليه و خشي أن يأتيه من محمد ابن الحنفية ما يحرك الناس عنه.فلما قدموا أرسل إليهم فدعاهم،ثم قال:هاتوا ما عندكم!

فقالوا:عندنا أنا أمرنا باتباعك و الخروج معك.

قال المختار:اللّه أكبر!أنا أبو إسحاق أنا جرار القاسطين.

ثم أرسل المختار إلى وجوه الشيعة فجمعهم في داره،فلما اجتمعوا حمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد،يا شيعة آل محمد المصطفى!إن نفرا منكم أحبوا أن يعلموا مصداق ما جئت به إليكم،فرحلوا إلى أبي القاسم الإمام المهدي، فاستخبروه عما جئت به إليكم،فخبّرهم أني وزيره و ظهيره،و قد أمركم باتباعي و طاعتي فيما أدعوكم إليه و الطلب بدماء أهل بيت نبيكم،و السّلام..

قال:فتكلم عبد الرحمن بن شريح الهمداني فقال:أيها الناس!إنا أحببنا أن نستخبر لأنفسنا خاصة و لكم عامة،فقدمنا مكة إلى أبي القاسم محمد بن علي، فخبّرناه بخبر المختار بن أبي عبيد،فأمر بمظاهرته و موازرته و بإجابته إلى ما دعانا إليه.قال:فبايعه الناس.

فقال المختار لأصحابه:ما تقولون في ابن الأشتر؟

فقالوا:نقول إنه سيد قومه بهذا المصر،فإن هو ساعدنا على أمرنا نرجو بعون اللّه النصرة على عدونا،فإنه رجل شريف و ابن شريف،و بعد فإنه بعيد الصيت في قومه و ذو عز و عشيرة و عدد.

قال المختار:فصيروا إليه،كلموه و ادعوه إلى ما نحن عليه،و أعلموه أن الذي أمرنا به من الطلب بدماء أهل البيت عليهم السّلام و رغبّوه في ذلك،فإن فعل و إلا صرت إليه أنا بنفسي (1).8.

ص: 142


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 228.

بيعة إبراهيم بن الأشتر للمختار

قال ابن الأعثم:فخرج جماعة من أهل الكوفة من أوجههم،و فيهم يومئذ أبو عثمان النهدي و عامر الشعبي و من أشبههما،حتى صاروا إلى ابن الأشتر فدخلوا إليه و سلّموا عليه،فرد عليهم السّلام و رفعهم و قرّب مجلسهم،ثم قال:تكلموا بحاجتكم!فقالوا:يا أبا النعمان!إنا أتيناك في أمر نعرضه عليك و ندعوك إليه،فإن قبلته كان الحظ فيه لك،و إن تركته فقد أدينا إليك النصيحة،و نحن نحب أن نكون عند مشورتك.فتبسم إبراهيم بن الأشتر و قال:إن مثلي لا يخاف غائلته،و إنما يفعل ذلك الصغار الأخطار الدقاق همما،فقولوا ما أحببتم.

قال:فقالوا له:إن الأمر على ما ذكرت و أحببت.

ثم تكلم أحمر بن شميط البجلي و قال:يا أبا النعمان!إني لك ناصح و عليك مشفق،و إن أباك رحمة اللّه عليه هلك يوم هلك و هو سيد الناس في محبة أهل البيت عليهم السّلام،و قد دعوناك إلى أمر إن أجبتنا إليه عادت إليك منزلة أبيك في الناس، و يكون في ذلك قد أحييت أمرا كان ميتا،و أنت أولى بذلك فخرا و سؤددا.

فقال لهم:قد أجبتكم إلى ما دعوتم إليه من الطلب بدماء أهل البيت صلوات اللّه عليهم على أنكم تولوني هذا الأمر.

قال:فقال له يزيد بن أنس:و اللّه إنك لأهل ذلك و محله و لكنا بايعنا هذا الرجل المختار بن أبي عبيد،لأنه قد جاءنا من عند أبي القاسم محمد بن علي،و هو الأمير و المأمور بالقتال،و قد أمرنا بطاعته،و ليس إلى خلافه من سبيل.

قال:فسكت عنهم إبراهيم بن الأشتر و لم يجبهم إلى شيء.فلما رأوه لم يرد عليهم جوابا و ثبوا و انصرفوا إلى المختار فخبّروه بذلك.

ص: 143

قال:فسكت عنه المختار ثلاثة أيام،ثم دعا بجماعة من أصحابه الذين وثق بهم، و خرج بهم ليلا حتى أتى منزل إبراهيم بن الأشتر،ثم استأذن عليه فأذن له،فدخل المختار و من معه،فأجلسهم على الوسائد،و جلس المختار مع ابن الأشتر على فراشه،ثم تكلم فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على نبيه محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم قال:أما بعد يا أبا النعمان!فإني ما قصدتك في وقتي هذا إلا لأن هذا الكتاب المهدي إليك يدعوك إلى الطاعة،فإن أبيت فهذا الكتاب حجة عليك و سيغني اللّه المهدي و شيعته عنك، و إن فعلت ذلك فقد أصبت حظك و رشدك،و هذا الكتاب إليك!فقام الشعبي إلى إبراهيم بن الأشتر و ناوله الكتاب و فيه:

أما بعد فقد وجهت إليك بوزيري و أميني الذي ارتضيته لنفسي المختار بن أبي عبيد و قد أمرته بقتال عدوي و الطلب بدم أخي،فإن ساعدته كان لك عندي يد عظيمة و لك بذلك أعنة الخيل من كل جيش غاز و كل مصر و منبر من الكوفة إلى أقاصي أرض الشام و مصر،و لك بذلك الوفاء بعهد اللّه و ميثاقه،و إن أبيت ذلك هلكت هلاكا لا تستقيله أبدا-و السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته-.

قال:فلما بلغ إبراهيم بن الأشتر آخر الكتاب أقبل على المختار بن أبي عبيد فقال:

يا أبا إسحاق!إني كتبت إلى محمد بن علي قبل ذلك اليوم و كتب إلي فما كان يكاتبني إلا باسمه و اسم أبيه،و قد أنكرت ههنا قوله المهدي.

قال:فقال له المختار:صدقت أبا النعمان!ذلك زمان و هذا زمان.

قال:فبسط المختار يده فبايعه ابن الأشتر.

ثم دعا بأطباق فيها فاكهة كثيرة فأكلوا،ثم أمر بشراب من عسل غير سكر فشربوا،ثم قال:يا غلام!علي بداوة و بياض!

فقال:يا شعبي!أكتب إلي أسماء هؤلاء الشهود بأجمعهم.

فقال الشعبي:و ما تصنع بهذا رحمك اللّه؟

فقال:على حال أحب أن تكون أسماؤهم عندي.

ص: 144

فقال:و كتب الشعبي أسماءهم و دفعهم إليه.

ثم قال المختار:فخرج و خرج معه أصحابه و معهم إبراهيم بن الأشتر إلى باب الدار،و مضى المختار إلى منزله.فلما أصبح أرسل إلى الشعبي فدعاه و قال:إني أعلم أنك لم تشهد البارحة بما شهد أصحابي لا أنت و لا أبوك،فما منعكما عن ذلك؟

قال:فسكت الشعبي و لم يقل شيئا.

فقال له المختار:تكلم بما عندك،أ ترى هؤلاء الذين شهدوا البارحة علي على حق شهدوا أم على باطل؟

فقال الشعبي:لا و اللّه يا أبا إسحاق!ما أدري غير أنهم سادة أهل العراق و فرسان الناس و لا أظنهم شهدوا إلا على حق.و كان قد علم و تيقّن أن المختار كتب ذلك من نفسه.

قال:و جعل إبراهيم بن الأشتر يختلف إلى المختار في كل ليلة فيجلس عنده ثم ينصرف إلى منزله فلم يزالوا كذلك أياما يدبرون أمرهم بينهم حتى اجتمعت لهم آراؤهم على أن يخرجوا ليلة الخميس لأربع عشرة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ست و ستين.

قال:فوطّنوا أنفسهم على ذلك هم و شيعتهم،فأقبل إياس بن مضارب العجلي و هو صاحب شرطة عبد اللّه بن مطيع فدخل عليه و قال:أصلح اللّه الأمير!إن المختار بن أبي عبيد خارج عليك لا محالة،و ذلك أنه قد بايعه إبراهيم بن الأشتر،و في ديوانه بضعة عشر ألف رجل ما بين فارس و راجل،فخذ حذرك.

قال:فأرسل عبد اللّه بن مطيع إلى قواده فجمعهم ثم أخبرهم بالذي اتصل به من أمر المختار و ما يريد من الخروج عليه،ثم قال:أريد منكم أن يكفيني كل رجل منكم ناحيته التي هو فيها،فإن سمعتم الأصوات قد علت في جوف الليل فتوجهوا إليهم بالخيل و اكفوني أمرهم،فقالوا:نفعل ذلك أيها الأمير!فلا يهولنك أمر المختار و لا من بايعه،فإنما بايعه شرذمة من هؤلاء الترابية.

ص: 145

ثم خرج القوم من عنده و صار عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني إلى جبانة السبيع من همدان،فصار كعب بن أبي كعب إلى جبانة بشر،و صار زحر بن قيس إلى جبانة كندة و الشمر بن ذي الجوشن عليه لعنة اللّه إلى جبانة سالم،و عبد الرحمن بن مخنف بن سليم إلى جبانة الصائدين،و يزيد بن الحارث بن رؤيم إلى جبانة مراد،و شبث بن ربعي إلى جبانة السبخة.

قال:فنزل هؤلاء القواد في هذه المواضع من الكوفة في يوم الاثنين في الآلة و السلاح (1).2.

ص: 146


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 232.

ذكر وقت خروج المختار برواية ابن أعثم

قال ابن الأعثم:و خرج إبراهيم بن الأشتر تلك الليلة و هي ليلة الثلاثاء من منزله بعد عشاء الآخرة يريد دار المختار،و قد بلغه أن الجبانات شحنت بالخيل و الرجال، و الشرط قد أحاطوا بالأسواق،قال:فجعل إبراهيم بن الأشتر يسير في نحو مائة رجل من بني عمه عليهم الدروع و قد ظاهروها (1)بالأقبية حتى صاروا إلى دار عمرو بن حريث المخزومي و جازوها إلى دار سعيد بن قيس الهمداني رضي اللّه عنه ثم إلى درب أسامة إذ هم بإياس بن مضارب العجلي صاحب الشرطة،و قد أقبل فاستقبلهم في نفر من أصحابه في أيديهم السلاح و قال:من هؤلاء؟

فقال إبراهيم بن الأشتر:نحن هؤلاء فامض لشأنك!

قال:و ما هذا الجمع الذي مضى معك يابن الأشتر،فو اللّه إن أمرك لمريب،و قد بلغني أنك تمر ههنا في كل ليلة في جمعك هذا،و لا و اللّه لا تزايلني أو آتي بك الأمير فيرى فيك رأيه.

فقال ابن الأشتر:خل ويلك سبيلنا و امض لشأنك!أنك تأتي بي الأمير؟

فقال:نعم و اللّه و لا صرت إلا معي إلى الأمير!

فقال له إبراهيم:يا عدو اللّه أ لست من قتلة الحسين بن علي.

قال:فالتفت إبراهيم إلى رجل من أصحاب إياس بن مضارب يكنى أبا قطن الهمداني فتناول رمحه من يده ثم حمل على إياس بن مضارب فطعنه طعنة في

ص: 147


1- أي ستروها و أخفوها.

صدره نكسه عن فرسه،ثم قال لأصحابه،انزلوا فحزوا رأسه!

قال:فنزل أصحاب إبراهيم بن الأشتر إلى إياس بن مضارب فحزوا رأسه و مضى أصحابه هاربين على وجوههم (1).و أقبل إبراهيم بن الأشتر إلى المختار فدخل عليه.

فقال قوم:أيها الأمير!إنا كنا قد عزمنا على أن نخرج ليلة الخميس و قد حدث أمر لابد من الخروج له.

فقال المختار:و ما القصة؟

قال:استقبلني إياس بن مضارب في جماعة من أعوانه فكلمني بكذا و كذا فقتلته و هذا رأسه مع أصحابي على الباب.

فقال له المختار:بشرك اللّه بالخير فهذا أول الظفر إن شاء اللّه تعالى!

قال:ثم صاح المختار برجل من أصحابه فقال:يا سعيد بن منقذ!قم فاشعل النيران في هوادي (2)القصب!و قم يا عبد اللّه!فناد:يا منصور أمت يا منصور أمت! و قم أنت يا سفيان بن ليل و أنت يا قدامة بن مالك!فناديا في الناس:يا لثارات الحسين بن علي!ثم قال:يا غلام علي بدرعي و سلاحي،فجعل المختار يصب الدرع على بدنه و هو يقول:

قد علمت بيضاء حسناء الطلل واضحة الخدين عجزاء الكفل

أني غداة الروع مقدام بطل لا عاجز فيها و لا وغد فشل

قال:ثم خرج المختار من منزله على فرس له أدهم أغر محجل و معه إبراهيم بنب.

ص: 148


1- في الأخبار الطوال ص 290 أن إياس بن نضار(مضارب)و قد رأى كثرة تردد ابن الأشتر على المختار هدده:إن أمرك يريبني،فلا أرينك راكبا و لا تبرحن منزلك فأضرب عنقك.و أخبر ابن الأشتر بذلك المختار و استأذنه في قتله فأذن له.
2- في الطبري الهرادي بالراء.و الهرادي جمع هردية هي قصبات تضم ملوية بطاقات الكرم تحمل عليها قضبانه.و في ابن الأثير:في الهوادي و القصب.

الأشتر على كميت له أرثم و قد رفعت النار بين أيديهم في هوادي القصب و الناس ينادون من كل موضع:يا لثأرات الحسين بن علي!

قال:فالتأم الناس إلى المختار في جوف الليل من كل ناحية،و جاءه عبيد اللّه بن الحرفي قومه و عشيرته.

قال:فجعل إبراهيم بن الأشتر ينتخب السكك التي فيها الأمراء و الجند الكثير فيهجم عليهم هو و المختار و عبيد اللّه بن الحر و من معهم من أجنادهم فيكشفونهم كشفة بعد كشفة و المختار يقول في خلال ذلك:اللهم إنك تعلم أننا إنما غضبنا لأهل بيت محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،اللهم فانصرنا على من قتلهم و تمم لنا دعوتنا إنك على كل شيء قدير.

قال:و إذا برجل من أصحاب عبد اللّه بن مطيع يقال له سويد بن عبد الرحمن أقبل في خيل عظيمة،فنظر إليه إبراهيم بن الأشتر فقال:مكانك أيها الأمير في موضعك هذا و دعني و هؤلاء القوم،فقال:ثم نادى ابن الأشتر في أصحابه و قال:يا شرطة اللّه إلي إلي.

قال:فأحاطت به بنو أمية عمه من قبائل مذحج و النخع.

فقال لهم:انزلوا عن دوابكم فإنكم أولى بالنصر و الظفر من هؤلاء الفساق الذين خاضوا في دماء أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

قال:فنزل الناس عن دوابهم و نزل معهم ابن الأشتر بنفسه،ثم دنوا من أصحاب عبد اللّه بن مطيع و طاعنوهم طعانا عنيدا،و ضاربوهم ضرابا شديدا،و هزموهم حتى بلغوا بهم إلى الكناس.

ثم استوى ابن الأشتر و أصحابه على دوابهم و أقبلوا نحو المختار فأخذوا على مسجد الأشعث بن قيس ثم على مسجد جهينة ثم في السكة التي ينتهي منها إلى دار أبي عبيد اللّه الجدلي حتى خرجوا إلى الموضع الذي فيه المختار و أصحابه،فاشتد القتال هنالك و علت الأصوات و إذا بشبث بن ربعي الرياحي و حجار بن أبجر

ص: 149

العجلي قد أقبلوا في قبيلة عظيمة من أصحاب عبد اللّه بن مطيع،قال:و كبّر إبراهيم بن الأشتر تكبيرة و حمل و حمل معه أصحابه و كشفوهم حتى تفرّقوا في الأزقة.

قال:و أقبل أبو عثمان النهدي في قومه من بني نهد و في يده راية صفراء و هو ينادي:يا لثارات الحسين بن علي!إلي إلي أيها الحي المهتدون!فأتت إليه الناس من كل ناحية فحملوا و حمل على أصحاب عبد اللّه بن مطيع.

قال:فلم تزل الناس في تلك الليلة في قتال تذكّروا فيها ليلة الهرير بصفين إلى أن أصبحوا.

قال:و نظر المختار إلى الفجر و قد طلع فنادى في أصحابه،و خرج من الكوفة حتى نزل ظهر دير هند مما يلي بستان زائدة في السبخة،قال:و جعل الناس يخرجون إليه من كل ناحية على كل صعب و ذلول،حتى التأم إليه الناس.

قال:و جعل عبد اللّه بن مطيع يوجه إليه بالكراديس كردوسا بعد كردوس،فأول كردوس زحف إلى المختار شبث بن ربعي الرياحي في أربعة آلاف،و راشد بن إياس بن مضارب العجلي في ثلاثة آلاف،و حجار بن أبجر العجلي في ثلاثة آلاف، و الغضبان بن القبثري في ثلاثة آلاف،و الشمر بن ذي الجوشن في ثلاثة آلاف، و عكرمة بن ربعي في ألف،و شداد بن المنذر في ألف،و سويد بن عبد الرحمن في ألف،قال:فزحفت الخيل نحو المختار في عشرين ألف فارس أو يزيدون.

قال:و أشرف رجل من أصحاب المختار على حائط من حيطان الكوفة فجعل ينظر إلى هذه العساكر و قد وافت،فقوم قد صلوا و قوم لم يصلوا بعد و إذا بإمام بين أيدي القوم و هو يقرأ بهم إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1)فقال هذا الرجل الذي هو من أصحاب المختار:أرجو أن يزلزل اللّه بكم سريعا إن شاء اللّه تعالى!..

ص: 150


1- سورة الزلزلة الآية الأولى..

قال:ثم قرأ في الركعة الثانية بأم الكتاب و وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً (1)فقال:هذا الرجل الذي هو من أصحاب المختار:الغارة عليكم سريعا إن شاء اللّه.

قال:فلما سلّم الإمام قال له رجل من أصحابه:يا هذا!لو كنت قرأت بنا سورتين أطول من هاتين قليلا؟

قال:فسمعه شبث بن ربعي الرياحي فقال:يا سبحان اللّه العظيم!أ ترون الترك و الديلم قد نزلوا بساحتكم!و تقول:لو قرأت بنا سورتين أطول من هاتين!نعم،قد كان يجب عليه أن يقرأ بكم البقرة و آل عمران.

قال:و أقبل سعر بن أبي سعر الحنفي إلى المختار فقال:أيها الأمير!إنه قد وافتك عساكر عبد اللّه بن مطيع يتلو بعضها بعضا مستعدين للحرب عازمين على الموت، فاصنع ما أنت صانع!

فقال له المختار:يا أخا بني حنيفة!فإن اللّه تبارك و تعالى يكسر شوكتهم و يهزمهم الساعة إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه.

قال:و أصحرت العساكر من الكوفة،و كان كلما ينظر إلى قائد من أصحابه أخرج إليه المختار بقائد من قواده في مثل قوته و عدته.

قال:و اختلط القوم فجعل إبراهيم بن الأشتر يحمل من ناحية و عبيد اللّه بن الحر يحمل من ناحية أخرى،و المختار مرة يحرّض الناس على القتال و مرة يحمل و يقاتل،حتى إذا كان وقت الضحى انهزم أصحاب عبد اللّه بن مطيع هزيمة قبيحة و قتل منهم جماعة،فصاح بهم شبث بن ربعي الرياحي فقال:شوه لكم يا حماة السوء!ويلكم تنهزمون من عبيدكم و أراذلكم!

قال!فتراجع إليه الناس فاقتتلوا ساعة،و أخذ رجل من أصحاب المختار أسيرا، فأتي به إلى شبث بن ربعي الرياحي حتى أوقف بين يديه.ى.

ص: 151


1- سورة العاديات الآية الأولى.

فقال له شبث:من أنت؟

قال:أنا خليد مولى حسان بن محدوج الذهلي.

فقال له شبث:يابن كذا و كذا!أتركت بيع الصحناة (1)بالكناس ثم بايعت المختار الكذاب على قتال من أعتق رقبتك من الرق!

قال:ثم قدّمه شبث بن ربعي فضرب عنقه صبرا.

قال:و وقعت الهزيمة ثانية على أصحاب عبد اللّه بن مطيع حتى دخلوا أزقة الكوفة.فأقبل المختار في عساكره حتى وقف على أفواه السكك و أمر أصحابه بالقتال،فاقتتلوا قتالا لم يسمع به و لا بمثله.

قال:و جعل السائب بن مالك الأشعري ينادي:و يحكم يا شيعة آل رسول اللّه عليهم السّلام!إنكم قد كنتم تقتلون قبل اليوم،و تقطع أيديكم و أرجلكم من خلاف، و تسمل أعينكم،و تصلبون أحياء على جذوع النخل،و أنتم إذ ذاك في منازلكم لا تقاتلون أحدا،فما ظنكم اليوم بهؤلاء القوم إن هم ظهروا عليكم!فاللّه اللّه في أنفسكم و أهاليكم و أموالكم و أولادكم!قاتلوا أعداء اللّه المحلين،فإنه لا ينجيكم اليوم إلا الصدق و اليقين،و الطعن الشزر،و الضرب الهبر،و لا يهولنكم ما ترون من عساكر هؤلاء القوم فإن النصر مع الصبر.

قال:فعندها رمت الناس بأنفسهم عن دوابهم،قال:ثم جثوا على الركب و شرعوا الرماح و جرّدوا الصفاح و فوّقوا السهام و ثار القتام،و اصطفقوا بالصفوف إصطفاقا،و تشابك القوم اعتناقا،فصبر القوم بعضهم لبعض ساعة،و قتل من الفريقين جماعة،و انهزم أصحاب عبد اللّه بن مطيع،و اقتحم المختار و أصحابه الكوفة،و علت الأصوات و تصايح المشايخ و النساء من فوق البيوت و نادوا:يا أبا إسحاق!اللّه اللّه في الحرم!).

ص: 152


1- الصحناء:بالكسر،إدام يتخذ من السمك يمد و يقصر،و الصحناة أخص منه(اللسان).

قال:فصاح عليهن:لا بأس عليكن،الزموا منازلكن،فأنا السليط على المحلّين الفاسقين أولاد الفاسقين.

قال:و جعل عبد اللّه بن مطيع ينادي بأعلى صوته:أيها الناس!إن من أعجب العجائب عندي عجزكم عن عصبة منكم قليل عددها،خبيث دينها،ضالة مضلة، يقاتلونكم على غير حق شجاعة منهم و جرأة على هذا الخلق،كروا عليهم و امنعوا حريمكم و مصركم و دينكم.

قال:فبينا عبد اللّه بن مطيع كذلك يشجع أصحابه و يحرضهم على القتال إذ بإبراهيم بن الأشتر و عبيد اللّه بن الحر قد أقبلا في قريب من أربعة آلاف فارس ما يرى منهم إلا الحدق.فلما نظر إبراهيم بن الأشتر إلى عبد اللّه بن مطيع نادى بأعلى صوته:أنا إبراهيم بن الأشتر!أنا ابن الأفعى الذكر!

ثم التفت إلى أصحابه فقال:شدوا عليهم فداكم عمي و خالي!و لا يهولنكم أسماء قوادهم:شبث بن ربعي و حجار بن أبجر و الغضبان بن القبثري و سويد بن عبد الرحمن و فلان و فلان،فو اللّه لئن أذقتموهم حر الصفاح و شباة الرماح و لا وقفوا لكم أبدا،إيه فداكم أبي و أمي.

قال:ثم حمل ابن الأشتر و عبيد اللّه بن الحر و حمل الناس معهم،و حمل المختار من ناحية أخرى،و انهزم الناس حتى صاروا إلى باب المسجد الجامع،و دخل عبد اللّه بن مطيع إلى قصر الإمارة في حشمه و غلمانه و نفر من خاصة أصحابه،و أمر بباب القصر فغلق،و تفرّق الناس و صاروا إلى منازلهم هاربين،و أقبلت الخيل حتى أحدقت بالقصر (1)فقال عبد اللّه بن مطيع:أيها الناس!إنه ربما غلب أهل الباطل على أهل الحق،و قد ترون غلبة المختار،فهاتوا الآن أشيروا علي برأيكم!م.

ص: 153


1- في الطبري 30/6 فلما اشتد الحصار على ابن مطيع و أصحابه كلمه الأشراف،فقام إليه شبث فقال:أصلح اللّه الأمير!انظر لنفسك و لمن معك،فو اللّه ما عندهم غناء عنك و لا عن أنفسهم.

قال:فقال شبث بن ربعي:أصلح اللّه الأمير!الرأي عندي أن تأخذ لنفسك من هذا الرجل أمانا ثم تخرج إليه و نخرج معك،و إلا دام الحصار علينا في هذا القصر.

فقال عبد اللّه بن مطيع:و اللّه إني لأكره لنفسي أن آخذ منه أمانا و الأمور لأمير المؤمنين مستقيمة بأرض الحجاز و أرض البصرة و بلاد المشرق عن آخره.

قال:فقال له شبث بن ربعي:أيها الأمير!فتخرج إذا من القصر و لا يشعر بك أحد فتصير إلى من تثق به من أهل هذا القصر فتنزل عنده أياما حتى يستقر المختار و يسكن شرة أصحابه فتخرج و تلحق بأصحابك.و أشار عامة من معه في القصر بمثل هذا.

فلما كان الليل جمع إليه أصحابه،ثم حمد اللّه و أثنى عليه و قال:أما أنتم فجزاكم اللّه عني خيرا و عن أمير المؤمنين!و بعد فإني ما علمتكم إلا سامعين مطيعين و ناصحين،و إنما خرج علي سفهاؤكم و عبيدكم،و أنا مبلغ ذلك صاحبي عنكم و معلمه طاعتكم و ما أشرتم به علي من صلاح أمري.

قال:فقال له شبث بن ربعي:و أنت أيها الأمير فجزاك اللّه عنا خير الجزاء!فو اللّه لقد عففت عن أموالنا،و أكرمت أشرافنا،و نصحت لصاحبك و قضيت الذي وجب عليك،و لا و اللّه أصلح اللّه الأمير ما كنا بالذين نفارقك أبدا إلا و نحن منك في إذن:قال:

فقال عبد اللّه بن مطيع:أنتم في أوسع الإذن،و اللّه إني لأرجو أن يقتل اللّه هذا الكذاب قريبا،ثم ترجعون إلى مراتبكم التي كنتم عليها و منازلكم إن شاء اللّه سريعا،غير أني قد رأيت الساعة أن أخرج من هذا القصر و لا يتبعني منكم أحد.

قال:ثم وثب عبد اللّه بن مطيع في جوف الليل متنكرا،فخرج من قصر الإمارة في زي امرأة فأخذ على درب الروميين حتى صار إلى دار أبي موسى الأشعري و علم به آل أبي موسى فآووه و كتموا عليه أمره.

قال:و أصبح من في القصر من أصحاب عبد اللّه بن مطيع فصاحوا و طلبوا الأمان،و بلغ ذلك إبراهيم بن الأشتر فأعطاهم الأمان،فخرجوا من القصر و أقبلوا

ص: 154

إلى المختار فبايعوه و أخبروه بخروج عبد اللّه بن مطيع من القصر.

فقال المختار:و ما علينا من عبد اللّه بن مطيع،ذلك رجل كان بالكوفة أميرا فلم يجد بدا من القتال.

قال:ثم نادى المختار في الناس فأعطاهم الأمان،و اتصل بهم أن عبد اللّه بن مطيع قد هرب،فجعل الناس يخرجون إلى المختار فيبايعونه حتى بايعه الناس بأجمعهم (1). (2).9.

ص: 155


1- في الأخبار الطوال ص 292:فلما رأى ابن مطيع ضعفه عن القوم سأل الأمان على نفسه و من معه من أصحابه فأجابه المختار إلى ذلك،فأمنه.فخرج ابن مطيع و أظهر المختار إكرامه و أمر له من بيت المال بمائة ألف ألف درهم و حفظ فيه قرابته من عمر بن الخطاب و قال له:ارحل إذا شئت.
2- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 239.

ذكر غلبة المختار على الكوفة و بيعة الناس له بها

قال ابن الأعثم:فعندها فتح المختار بيت المال الذي لعبد اللّه بن الزبير،فأصاب فيه تسعة آلاف ألف درهم.

ثم نادى في الناس:الصلاة جامعة!فاجتمعت الناس إلى المسجد الأعظم و خرج المختار من قصر الإمارة حتى دخل المسجد فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه (1).

ص: 156


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 240.

ذكر كلام المختار على المنبر

ثم قال:الحمد للّه الذي وعد وليه النصر،و وعد عدوه الخسر و الخذل و الختر، و جعله فيه إلى آخر الدهر قضاء مقضيا،و وعدا مأتيا،و قولا مقبولا،و أمرا مفعولا، و قد خاب من افترى،أيها الناس!قد مدت لنا غاية،و رفعت لنا راية،فقيل لنا في الراية أن ارفعوها و لا تضعوها،و في الغاية أن خذوها و لا تدعوها،فسمعنا دعوة الداعي و قبلنا قول الراعي،فكم من ناع و ناعية لقتلى في الواعية!

ألا!فبعدا لمن طغى و بغى،و جحد و لغى،و كذب و عصى،و أدبر و تولى،ألا! فهلموا عباد اللّه إلى بيعة الهدى،و مجاهدة الأعداء و الذب عن الضعفاء من آل محمد المصطفى،على قتال المحلين،و أنا الطالب بدم ابن بنت نبي رب العالمين،أما! و منشئ السحاب،الشديد العقاب،السريع الحساب،منزل الكتاب،العزيز الوهاب، القدير الغلاب،لأنبشن قبر ابن شهاب،المفتري الكذاب،المجرم المرتاب!و لأنفين الأحزاب،إلى دار بلاد الأعراب!ثم و رب العالمين،و رب البلد الأمين،و حرمة طور سينين،لأقتلن الشاعر الهجين،أعسى الباغضين،و شويعر الحنظلين،و زاجر البارقين،و ابن همام اللعين،و أولياء الكافرين،و أعوان الظالمين،و بقايا القاسطين، و إخوان الشياطين،الذين اجتمعوا على الأباطيل،و تقوّلوا علي الأقاويل،و تمثّلوا بالأماثيل،و جاءوا بالأماحيل،و تسكّعوا في الأضاليل،بأقوال المجاهيل،الكذبة الأراذيل!ألا!فطوبى لعبد اللّه،و عبيد و أخي ليلة الطريدة،و لذي الأخلاق الحميدة، و العزائم الشديدة.و المقالات الرشيدة،و الأفاعيل السديدة،و الآراء العتيدة، و النفوس السعيدة.

ص: 157

قال:ثم قعد على المنبر و وثب قائما و قال:أما!و الذي جعلني بصيرا،و نوّر قلبي تنويرا،لأحرقن بالمصر دورا!و لأنبشن بها قبورا!و لأشفين بها صدروا!و لأقتلن جبارا كفورا،ملعونا و غدورا!و كفى باللّه هاديا و نصيرا،و عن قليل و رب الحرم، و البيت المحرم،و الركن المكرم،و المسجد المعظم،و حق النون و القلم،ليرفعن لي العلم،من الكوفة إلى إضم،إلى أكناف ذي سلم،من العرب و العجم!ثم لأتخذن من بني تميم أكثر الخدم.

قال:ثم نزل عن المنبر فصلّى ركعتين بالناس و دخل إلى قصر الإمارة واحتفل عليه الناس بالبيعة،فلم يزل باسطا يده و الناس يبايعونه على كتاب اللّه و سنّة نبيه محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الطلب بدماء أهل البيت عليهم السّلام،و المختار يقول:تقاتلون من قاتلنا، و تسالمون من سالمنا،و الوفاء عليكم ببيعتنا،لا نقيلكم و لا نستقيلكم،حتى بايع الناس من العرب و الموالي و غير ذلك من سائر الناس.

قال:و إذا الخبر قد اتصل به أن عبد اللّه بن مطيع مختف في دار أبي موسى،قال:

فسكت المختار و لم يقل شيئا،حتى إذا كان الليل دعا بعبد اللّه بن كامل الهمداني و دفع إليه عشرة آلاف درهم و قال له:صر إلى دار أبي موسى الأشعري و ادخل على عبد اللّه بن مطيع و أقرئه مني السّلام و قل له:يقول لك الأمير:إني قد علمت بمكانك و ليس مثلي من أساء إلى مثلك و قد وجّهت إليك بما تستعين به على سفرك، فخذه و الحق بأهلك و صاحبك.

قال:فخرج عبد اللّه بن مطيع من الكوفة في جوف الليل هاربا و استحيى أن يصير إلى مكة فيعيّره عبد اللّه بن الزبير بفراره من المختار،فصار إلى البصرة و بها يومئذ مصعب بن الزبير نائبا عليها من قبل أخيه عبد اللّه بن الزبير.

قال:واحتوى المختار على الكوفة فعقد لأصحابه و ولاّهم البلاد من أرمينية و آذربيجان و أران و حوران و الماهين إلى الري و أصفهان،فجعل يجبي خراج البلاد.

ص: 158

قال:و كان محمد بن الأشعث بن قيس الكندي عاملا على الموصل من قبل عبد اللّه بن الزبير،فلما قدم عامل المختار على الموصل لم يكن لمحمد بن الأشعث به طاقة فخرج عن الموصل هاربا،و أقبل إلى قرية يقال لها تكريت فنزلها،ثم كتب إلى عبد اللّه بن الزبير:أما بعد فإني أخبر أمير المؤمنين أيده اللّه أن عامل المختار قدم الموصل و هو عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني،و قد كنت عزمت على محاربته و منعه من الدخول إلى البلد،غير أن عامة أصحابي خذلوا و استأمنوا إليه فلم يكن لي بالرجل طاقة،فتنحيت من بين يديه إلى قرية يقال لها تكريت،فنزلتها أنتظر بذلك أمر أمير المؤمنين و رأيه،و السّلام..

قال:فكتب إليه عبد اللّه بن الزبير:أما بعد فقد وصل إلي كتابك و فهمت الذي ذكرت فيه من تنحيك عن البلد،و لا عذر لك عندي في ذلك أن تخلي أرض الموصل و خراجها و حصونها و مزارعها،و تخرج عنها بلا قتال و قد أمّرتك عليها،فأنت تأكل منها الكثير و تبعث إلي منها اليسير!فو اللّه لو لم تقاتلهم مناصحة لأميرك و طلبا للثواب من اللّه تبارك و تعالى لقد كان يجب عليك أن تقاتل عن بلد أنت أميره!فلم تقاتل غضبا لربك و لا نصرة لإمامك و لا مخافة على سلطانك!فسوءة لما أتيت به و لما جاء منك!فلقد عجزت عن عدوك و ضيّعت ما ولّيتك،و السّلام (1).2.

ص: 159


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 242.

ذكر محمد بن الأشعث و قدومه على المختار

قال ابن الأعثم:و بلغ المختار أن محمد بن الأشعث مقيم بتكريت،فدعا بابنه عبد الرحمن.

فقال له:أنت في طاعتي و أبوك في طاعة عبد اللّه بن الزبير،ما الذي يمنعه من المسير إلي و الدخول في طاعتي؟

أما و اللّه لقد هممت أن أوجه إليه من يأتيني به يتل تلا فأفعل ما أضمر له في قلبي! أو ليس من قتلة الحسين بن علي!أو ليس هو الذي قال للحسين عليه السّلام يوم كربلاء:

و أي قرابة بينك و بين محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال:فقال له عبد الرحمن:أعز اللّه الأمير!فأنا أخرج بإذنك فآتيك به شاء أو أبى إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

قال:فأذن له المختار في ذلك.فخرج عبد الرحمن من الكوفة حتى قدم على أبيه محمد بن الأشعث و هو نازل بتكريت،فدخل و سلم عليه ثم جلس.

فقال له:ما وراءك يا بني؟

قال له:ورائي أن هذا الرجل قد ظهر على الكوفة و سائر البلاد،و قد استوسق له الأمر و أطاعه الناس،و قد سأل عنك و ذكرك،أخاف أن يبطش بمن قتل الحسين بن علي فلم يترك منهم أحدا،و أنت ممن سار إلى الحسين،و ليس جلوسك ههنا بشي لأنه ليس معك جيش تمتنع به،و أنت بالكوفة أعز منك ههنا،و بعد فلا و اللّه ما رأيت شيخا يرضى لنفسه بما ترضاه لنفسك!إنك قد أقمت في مثل هذه القرية في غير

ص: 160

كثرة من عدد و لا كثيف من جمع و لا إمارة و لا منعة و أنت أنت.

قال:فتبسم محمد بن الأشعث ثم قال:يا بني!إني قد علمت أنك لم تأتني و لم تعرضي علي هذا الرأي إلا خوفا من المختار.

قال:ثم أقبل محمد بن الأشعث على من عنده من أصحابه و قال:إن ابني هذا له نخل بالكوفة على شاطئ الفرات،و إنما يريد أن أكون أنا مقيما بالكوفة حتى يأمن هو في نخله و ماله و أنا فلست أبالي بذلك النخل كان أم لم يكن.

قال:فلم يزل عبد الرحمن يلين لأبيه في الكلام و يخوّفه مرة و يرغّبه أخرى حتى أجابه إلى ما أراد.

قال:ثم خرج محمد بن الأشعث من تكريت في جماعة من أصحابه و بني عمه حتى قدم الكوفة،ثم دخل على المختار فسلّم عليه بالإمارة و قال:أيها الأمير!الحمد للّه الذي نصرك،و أعزك و أظهرك،و بعدوك أظفرك،إذ أنجز دعوتك،و أعلى رتبتك، و رفع منزلتك،فإنك دعوت دعوة هدى و أنجيتنا من الضلالة و العمى.

قال:فقال له المختار:أبا عبد الرحمن!إن الذي غضبنا له هو نصرنا،و بعدوه أظفرنا،و إن لربنا تعالى جندا لا يغلب،و ملكا لا يسلب،و ليس من يوم يأتي بعد يوم إلا و اللّه تعالى معز فيه للمؤمنين مذل فيه للكافرين،حتى يعود الدين كما بدأ.

ثم أدناه المختار و أجلسه معه على سريره،و وعده و منّاه و أمر له بجائزة سنية، و صرفه إلى منزله.

قال:و جعل المختار يجلس للناس في كل غدوة و عشية فيقضي بين الخصمين، فإذا عاقه عائق أمر شريحا القاضي أن يجلس فيقضي بين الناس.قال:و أحبه الناس حبا شديدا،و درّ له جلب البلاد،و حمل إليه الخراج من جميع عماله.

قال:ثم أرسل إلى وجوه أصحابه و ثقاته،فجمعهم عنده.

ثم قال:اعلموا أنه ليس يسوغ لي الطعام و لا أحب أن أروى من الماء و قتلة الحسين بن علي أحياء يمشون في هذه الدنيا!و قد استوسق لي الأمر و أطاعني

ص: 161

الناس،و لست بالناصر لآل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إن لم أطلب بدمائهم،و أقتل من قتلهم، و أذل من جهل حقهم!و لكن سمّوهم لي فعلي أن أطهر الأرض منهم. (1)4.

ص: 162


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 244.

ذكر وقعة جبانة السبيع برواية ابن أعثم

قال ابن الأعثم:و سار المختار إلى جبانة السبيع و بها يومئذ قبائل اليمن،و قد اجتمعوا على عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني.

قال:فالتقى القوم هنالك فقاتل بعضهم بعضا،و علت الأصوات من كل ناحية.

و جعل ابن الأشتر يقول:و يحكم يا معشر ربيعة و مضر!انصرفوا عني،فحسبكم مني،أنا ابن الأشتر،أنا ابن الضل الذكر،و اللّه ما أحب أن يصاب أحد منكم على يدي!

قال:فأبوا عليه،و اشتد القتال حتى انتصف بعضهم من بعض،ثم وقعت الهزيمة بعد ذلك فانهزموا هزيمة قبيحة من بين يديه،فأبقى عليهم ابن الأشتر فلم يتبعهم.

قال:و جاء البشير إلى المختار أن القوم قد انهزموا من بين يدي ابن الأشتر،فكبّر المختار و كبر أصحابه،و سمع هؤلاء الذين يقاتلونه التكبير ففزعوا لذلك و علموا أن أصحابهم قد انهزموا،فانكسروا انكسارا شديدا،ثم ولّوا مدبرين،فمنهم من اختفى في منزله،و منهم من خرج هاربا في البرية على وجهه،و منهم من لحق بمصعب بن الزبير بالبصرة فكان معه،و وضعت الحرب أوزارها.

فقال المختار لأصحابه:انظروا كم قتل من الناس!و فتشوا البيوت فأتوني بهؤلاء الذين خرجوا علي و نقضوا بيعتي!

قال:فحصر من كان قتل من أصحاب المختار فكانوا مائة و خمسة و ثلاثين رجلا،و أحصي من قتل من الخارجيين عليه فكانوا ستمائة و أربعين رجلا،فذلك سبعمائة و خمسة و سبعون رجلا (1).

ص: 163


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 263.

الفهرس

ثورة المختار بن أبي عبيد الثقفي 1

الجزء السابع عشر 1

نسب المختار و بعض أخباره 3

ذكر حبس المختار بن أبي عبيد بالكوفة و ما كان من عبيد اللّه بن زياد 9

ذكر هرب المختار من ابن زياد و ما كان من بيعته لابن الزبير 13

حبس المختار برواية ابن أعثم 18

ابتداء حرب واقم 28

ذكر ما قتل فيها من المسلمين 33

ذكر واقعة الأولى بين مكة و المدينة 46

بين عمرو بن الزبير و أخيه عبد اللّه و مقتل عمرو بن الزبير 46

ذكر مسير مسلم بن عقبة المري إلى مكة 54

مفارقة المختار عبد اللّه بن الزبير و خروجه عليه 55

فراق الخوارج ابن الزبير 70

سبب مقدم المختار إلى الكوفة 76

عقد مروان البيعة لابنيه 90

سبب هلاك مروان 91

مقتل نافع بن الأزرق 94

ذكر الحروب بين بني تميم و عبد اللّه بن خازم 104

ص: 164

ظهور المختار للدعوة إلى ما دعا إليه الشيعة بالكوفة 108

ذكر خروج الشيعة إلى محمد ابن الحنيفة يسألونه عن المختار 140

بيعة إبراهيم بن الأشتر للمختار 142

ذكر وقت خروج المختار برواية ابن أعثم 146

ذكر غلبة المختار على الكوفة و بيعة الناس له بها 155

ذكر كلام المختار على المنبر 156

ذكر محمد بن الأشعث و قدومه على المختار 159

ذكر وقعة جبانة السبيع برواية ابن أعثم 162

الفهرس 163

ص: 165

المجلد 18

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء الثامن عشر

ثورة المختار بن ابى عبيد الثقفى

قتل المختار قتلة الإمام الحسين عليه السلام

اشارة

عن عبد اللّه بن محمد بن أبي سعيد،عن أبي العيناء،عن يحيى بن راشد،قال:قالت فاطمة بنت علي:ما تحنأت (1)امرأة منا و لا أجالت في عينها مرودا و لا امتشطت حتى بعث المختار رأس عبيد اللّه بن زياد و روي أنه قتل ثمانية عشر ألفا ممن شرك في قتل الحسين عليه السّلام أيام ولايته و كانت ثمانية عشر شهرا أولها أربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ست و ستين،و آخرها النصف من شهر رمضان من سنة سبع و ستين و عمره سبع و ستون سنة (2).

ص: 3


1- يقال:تحنأ:تخضب بالحناء.
2- بحار الأنوار:388/41 باب 45 أحوال المختار.

قتل حرملة

من كتاب الدلائل للحميري،عن المنهال بن عمرو قال:حججت فدخلت على علي بن الحسين عليه السّلام،فقال لي:يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي؟

قلت:تركته حيا بالكوفة.

قال:فرفع يديه ثم قال:اللهم أذقه حر الحديد،اللهم أذقه حر النار.

قال:فانصرفت إلى الكوفة و قد خرج بها المختار بن أبي عبيد و كان لي صديقا، فركبت لأسلم عليه،فوجدته قد دعا بدابته فركب و ركبت معه حتى أتى الكناسة فوقف وقوف منتظر لشيء و قد كان وجه في طلب حرملة بن كاهل فاحضر فقال:

الحمد للّه الذي مكنني منك،ثم دعا بالجزار فقال:اقطعوا يديه فقطعتا.

ثم قال:اقطعوا رجليه،فقطعتا،ثم قال:النار النار فاتي بطن قصب ثم جعل فيها، ثم ألهبت فيه النار حتى احترق.

فقلت:سبحان اللّه سبحان اللّه فالتفت إلي المختار،فقال:مم سبحت؟

فقلت له:دخلت على علي بن الحسين فسألني عن حرملة فأخبرت أني تركته بالكوفة حيا،فرفع يديه و قال:اللهم أذقه حر الحديد،اللهم أذقه حر النار.

فقال المختار:اللّه اللّه أسمعت علي بن الحسين عليه السّلام يقول هذا؟

فقلت:اللّه اللّه لقد سمعته يقول هذا،فنزل المختار و صلى ركعتين ثم أطال ثم سجد و أطال،ثم رفع رأسه و ذهب،و مضيت معه حتى انتهى إلى باب داري فقلت له:

إن رأيت أن تكرمني بأن تنزل و تتغدى عندي.

ص: 4

فقال:يا منهال تخبرني أن علي بن الحسين دعا اللّه بثلاث دعوات فأجابه اللّه فيها على يدي ثم تسألني الأكل عندك،هذا يوم صوم شكرا للّه على ما وفقني له (1).

و في مجالس الشيخ روي أن الإمام عليه السّلام قال:قال مرتين:اللهم أذقه حر الحديد، ثم قال:اللهم أذقه حر النار،فأشار بالمرتين إلى قطع اليد ثم الرجل فتتم ثلاث دعوات،و على ما هنا يمكن أن تكون الثلاث لتضمن الدعائين القتل أيضا (2).2.

ص: 5


1- كشف الغمة ج 2 ص 312.
2- بحار الأنوار:54/42.

مدح المختار

و قال جعفر بن نما مصنف هذا الثأر:اعلم أن كثيرا من العلماء لا يحصل لهم التوفيق بفطنة توقفهم على معاني الالفاظ،و لاروية تنقلهم من رقدة الغفلة إلى الاستيقاظ،و لو تدبروا أقوال الأئمة في مدح المختار،لعلموا أنه من السابقين المجاهدين الذين مدحهم اللّه تعالى جل جلاله في كتابه المبين،و دعاء زين العابدين عليه السّلام للمختار دليل واضح و برهان لائح على أنه عنده من المصطفين الأخيار و لو كان على غير الطريقة المشكورة،و يعلم أنه مخالف له في اعتقاده،لما كان يدعو له دعاء لا يستجاب،و يقول فيه قولا لا يستطاب،و كان دعاؤه عليه السّلام له عبثا، و الإمام منزه عن ذلك،و قد أسلفنا من أقوال الأئمة عليهم السّلام في مطاوي الكتاب تكرار مدحهم له و نهيهم عن ذمة،ما فيه غنية لذوي الابصار،و بغية لذوي الاعتبار،و إنما أعداؤه عملوا له مثالب ليباعدوه من قلوب الشيعة كما عمل أعداء أمير المؤمنين عليه السّلام له مساوي،و هلك بها كثير ممن حاد عن محبته،و حال عن طاعته، فالولي له عليه السّلام لم تغيره الأوهام و لاباحته تلك الاحلام،بل كشفت له عن فضله المكنون،و علمه المصون،فعمل في قضية المختار ما عمل مع أبي الأئمة الأطهار عليهم السّلام،و قد وفيت بما وعدت من الاختصار و أتيت بالمعاني التي تضمنت حديث الثأر من غير حشو و لا إطالة،و لا سأم و لا ملالة،و أقسمت على قارئيه و مستمعيه و على كل ناظر فيه أن لا يخليني من إهداء الدعوات إلي و الاكثار من الترحم علي.

ص: 6

و أسأل اللّه أن يجعلني و إياهم ممن خلصت سريرته من وساوس الأوهام، و صفت طويته من كدر الآثام و أن يباعدنا من الحسد المحبط للأعمال،المؤدي إلى أقبح المآل،و أن يحسن لي الخلافة على الأهل و الآل،و يذهب الغل من القلوب، و يوفق لمراضي علام الغيوب،فإنه أسمع سميع،و أكرم مجيب،و الحمد للّه رب العالمين و صلاته على سيد المرسلين محمد و آله الطاهرين (1).ر.

ص: 7


1- بحار الأنوار:390/41 باب 45 أحوال المختار.

قتل جملة من قتلة الحسين عليه السلام

قال الطبري:و كان سبب ذلك فيما ذكره هشام بن محمد عن عوانة بن الحكم أن مروان بن الحكم لما استوثقت له الشام بالطاعة بعث جيشين أحدهما إلى الحجاز عليه حبيش بن دلجة القيني و قد ذكرنا أمره و خبر مهلكه قبل و الآخر منهما إلى العراق عليهم عبيد اللّه بن زياد و قد ذكرنا ما كان من أمره و أمر التوابين من الشيعة بعين الوردة و كان مروان جعل لعبيد اللّه بن زياد إذ وجهه إلى العراق ما غلب عليه و أمره أن ينهب الكوفة إذا هو ظفر بأهلها ثلاثا قال عوانة:فمر بأرض الجزيرة فاحتبس بها و بها قيس عيلان على طاعة ابن الزبير و قد كان مروان أصاب قيسا يوم مرج راهط و هم مع الضحاك بن قيس مخالفين على مروان و على ابنه عبد الملك من بعده فلم يزل عبيد اللّه مشتغلا بهم عن العراق نحوا من سنة ثم إنه أقبل إلى الموصل فكتب عبد الرحمن بن سعيد بن قيس عامل المختار على الموصل إلى المختار أما بعد فإني أخبرك أيها الأمير أن عبيد اللّه بن زياد قد دخل أرض الموصل و قد وجّه قبلي خيله و رجاله و إني انحزت إلى تكريت حتى يأتيني رأيك و أمرك و السلام عليك.

فكتب إليه المختار أما بعد فقد بلغني كتابك و فهمت كل ما ذكرت فيه فقد أصبت بانحيازك إلى تكريت فلا تبرحن مكانك الذي أنت به حتى يأتيك أمري إن شاء اللّه و السلام عليك.

ص: 8

(قال هشام)عن أبي مخنف حدثني موسى بن عامر أن كتاب عبد الرحمن بن سعيد لما ورد على المختار بعث إلى يزيد بن أنس فدعاه فقال له:يا يزيد بن أنس إن العالم ليس كالجاهل و إن الحق ليس كالباطل و إني أخبرك خبر من لم يكذب و لم يكذب و لم يخالف و لم يرتب و إنا المؤمنون الميامين الغالبون المساليم و إنك صاحب الخيل التي تجر جعابها و تضفر أذنابها حتى توردها منابت الزيتون غائرة عيونها لاحقة بطونها أخرج إلى الموصل حتى تنزل أدانيها فإني ممدك بالرجال بعد الرجال.

فقال له يزيد بن أنس:سرّح معي ثلاثة آلاف فارس أنتخبهم و خلّني و الفرج الذي توجّهنا إليه فإن احتجت إلى الرجال فسأكتب إليك.

قال له المختار:فاخرج فانتخب على اسم اللّه من أحببت فخرج فانتخب ثلاثة آلاف فارس فجعل على ربع المدينة النعمان بن عوف بن أبي جابر الأزدي و على ربع تميم و همدان عاصم بن قيس بن حبيب الهمداني و على مذحج و أسد و رقاء بن عازب الأسدي و على ربع ربيعة و كندة سعر بن أبي سعر الحنفي ثم إنه فصل من الكوفة فخرج و خرج معه المختار و الناس يشيعونه،فلما بلغ دير أبى موسى و دّعه المختار و انصرف.

ثم قال له:إذا لقيت عدوك فلا تناظرهم و إذا أمكنتك الفرصة فلا تؤخرها و ليكن خبرك في كل يوم عندي و إن احتجت إلى مدد فاكتب إلي مع أني ممدك و لو لم تستمدد فإنه أشد لعضدك و أعز لجندك و أرعب لعدوك.

فقال له يزيد بن أنس:لا تمدني إلا بدعائك فكفى به مددا و قال له:الناس صحبك اللّه و أداك و أيدك و ودعوه فقال لهم يزيد:سلوا اللّه لي الشهادة و أيم اللّه لئن لقيتهم ففاتني النصر لا تفتني الشهادة إن شاء اللّه فكتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعيد ابن قيس أما بعد فخل بين يزيد و بين البلاد إن شاء اللّه و السلام عليك فخرج يزيد بن

ص: 9

أنس بالناس حتى بات بسورا ثم غدابهم سائرا حتى بات بالمدائن فشكا الناس إليه ما دخلهم من شدة السير عليهم فأقام بها يوما و ليلة ثم إنه اعترض بهم أرض جوخى حتى خرج بهم في الراذانات حتى قطع بهم إلى أرض الموصل فنزل ببنات تلى و بلغ مكانه و منزله الذي نزل به عبيد اللّه بن زياد فسأل عن عدتهم فأخبرته عيونه أنه خرج معه من الكوفة ثلاثة آلاف فارس.

فقال عبيد اللّه:فأنا أبعث إلى كل ألف ألفين و دعا ربيعة بن المخارق الغنوي و عبد اللّه بن حملة الخثعمي فبعثهما في ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف و بعث ربيعة بن المخارق أولا ثم مكث يوما ثم بعث خلفه عبد اللّه بن حملة ثم كتب إليهما أيكما سبق فهو أمير على صاحبه و إن انتهيتما جميعا فأكبر كما سنا أمير على صاحبه و الجماعة.

قال:فسبق ربيعة بن المخارق فنزل بيزيد ابن أنس و هو ببنات تلى فخرج إليه يزيد بن أنس و هو مريض مضني.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو الصلت عن أبي سعيد الصيقل قال:خرج علينا يزيد ابن أنس و هو مريض على حمار يمشى معه الرجال يمسكونه عن يمينه و عن شماله بفخذيه و عضديه و جنبيه فجعل يقف على الأرباع ربع ربع و يقول:يا شرطة اللّه اصبروا تؤجروا و صابروا عدوكم تظفروا و قاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا إن هلكت فأميركم و رقاء بن عازب الأسدي فإن هلك فأميركم عبد اللّه بن ضمرة العذري فإن هلك فأميركم سعر بن أبي سعر الحنفي.

قال:و أنا و اللّه فيمن يمشي معه و يمسك بعضده و يده و إني لأعرف في وجهه أن الموت قد نزل به.

قال:فجعل يزيد بن أنس عبد اللّه بن ضمرة العذري على ميمنته و سعر بن أبي سعر على ميسرته و جعل و رقاء بن عازب الأسدي على الخيل و نزل هو فوضع بين

ص: 10

الرجال على السرير ثم قال لهم:ابرزوا لهم بالعراء و قدّموني في الرجال ثم إن شئتم فقاتلوا عن أميركم و إن شئتم ففروا عنه.

قال:فأخرجناه في ذي الحجة يوم عرفة سنة 66 ه فأخذنا نمسك أحيانا بظهره فيقول اصنعوا كذا اصنعوا كذا و افعلوا كذا فيأمر بأمره ثم لا يكون بأسرع من أن يغلبه الوجع فيوضع هنيهة و يقتتل الناس و ذلك عند شفق الصبح قبل شروق الشمس.

قال:فحملت ميسرتهم على ميمنتنا فاشتد قتالهم و تحمل ميسرتنا على ميمنتهم فتهزمها و يحمل و رقاء بن عازب الأسدي في الخيل فهزمهم فلم يرتفع الضحى حتى هزمناهم و حوينا عسكرهم.

(قال أبو مخنف)و حدثني موسى بن عامر العدوي قال:انتهينا إلى ربيعة بن المخارق صاحبهم و قد انهزم عنه أصحابه و هو نازل ينادى يا أولياء الحق و يا أهل السمع و الطاعة إلي أنا ابن المخارق قال موسى:فأما أنا فكنت غلاما حدثا فهبته و وقفت و يحمل عليه عبد اللّه بن ورقاء الأسدي و عبد اللّه بن ضمرة العذري فقتلاه.

(قال أبو مخنف)و حدثني عمرو بن مالك أبو كبشة القيني قال:كنت غلاما حين راهقت مع أحد عمومتي في ذلك العسكر،فلما نزلنا بعسكر الكوفيين عبأنا ربيعة ابن المخارق فأحسن التعبئة و جعل على ميمنته ابن أخيه و على ميسرته عبد ربه السلمي و خرج هو في الخيل و الرجال و قال:يا أهل الشام إنكم إنما تقاتلون العبيد الآباق و قوما قد تركوا الإسلام و خرجوا منه ليست لهم تقية و لا ينطقون بالعربية.

قال:فو اللّه إن كنت لأحسب أن ذلك كذلك حتى قاتلناهم.

قال:فو اللّه ما هو إلا أن اقتتل الناس إذا رجل من أهل العراق يعترض الناس بسيفه و هو يقول:

ص: 11

برئت من دين المحكّمينا و ذاك فينا شر دين دينا

ثم إن قتالنا و قتالهم اشتد ساعة من النهار ثم إنهم هزمونا حين ارتفع الضحى فقتلوا صاحبنا و حووا عسكرنا فخرجنا منهزمين حتى تلقّانا عبد اللّه بن حملة على مسيرة ساعة من تلك القرية التي يقال لها ببنات تلى فردّنا فأقبلنا معه حتى نزل بيزيد ابن أنس فبتنا متحارسين حتى أصبحنا فصلّينا الغداة ثم خرجنا على تعبئة حسنة فجعل على ميمنته الزبير بن حريمة من خثعم و على ميسرته ابن أقيصر القحافي من خثعم و تقدّم في الخيل و الرجال و ذلك يوم الأضحى فاقتتلنا قتالا شديدا ثم إنهم هزمونا هزيمة قبيحة و قتلونا قتلا ذريعا و حووا عسكرنا و أقبلنا حتى انتهينا إلى عبيد اللّه بن زياد فحدّثناه بما لقينا.

(قال أبو مخنف)و حدثني موسى بن عامر قال:أقبل إلينا عبد اللّه بن حملة الخثعمي فاستقبل فل ربيعة بن المخارق الغنوي فردّهم ثم جاء حتى نزل ببنات تلى،فلما أصبح غادوا و غادينا فتطارت الخيلان من أول النهار ثم انصرفوا و انصرفنا حتى إذا صلينا الظهر خرجنا فاقتتلنا ثم هزمناهم.

قال:و نزل عبد اللّه بن حملة فأخذ ينادي أصحابه الكرة بعد الفرة يا أهل السمع و الطاعة فحمل عليه عبد اللّه بن قراد الخثعمي فقتله و حوينا عسكرهم و ما فيه و أتى يزيد بن أنس بثلثمائة أسير و هو في السوق فأخذ يومئ بيده أن اضربوا أعناقهم فقتلوا من عند آخرهم.

و قال يزيد بن أنس:إن هلكت فأميركم و رقاء بن عازب الأسدي فما أمسى حتى مات فصلّى عليه و رقاء بن عازب و دفنه فلما رأى ذلك أصحابه أسقط في أيديهم و كسر موته قلوب أصحابه و أخذوا في دفنه فقال لهم و رقاء:يا قوم ماذا ترون إنه قد بلغني أن عبيد اللّه بن زياد قد أقبل إلينا في ثمانين ألفا من أهل الشام فأخذوا

ص: 12

يتسللون و يرجعون ثم إن ورقاء دعا رؤوس الأرباع و فرسان أصحابه فقال لهم يا هؤلاء ماذا ترون فيما أخبرتكم إنما أن رجل منكم و لست بأفضلكم رأيا فأشيروا علي فإن ابن زياد قد جاءكم في جند أهل الشام الأعظم و بجلتهم و فرسانهم و أشرافهم و لا أرى لنا و لكم بهم طاقة على هذه الحال و قد هلك يزيد بن أنس أميرنا و تفرّقت عنا طائفة منا فلو انصرفنا اليوم من تلقاء أنفسنا قبل أن نلقاهم و قبل أن نبلغهم فيعلموا أنا إنما ردنا عنهم هلاك صاحبنا فلا يزالوا لنا هائبين لقتلنا منهم أميرهم و لأنا إنما نعتل لانصرافنا يموت صاحبنا و أنا إن لقيناهم اليوم كنا مخاطرين فإن هزمنا اليوم لم تنفعنا هزيمتنا إياهم من قبل اليوم.

قالوا:فإنك نعما رأيت انصرف رحمك اللّه،فانصرف فبلغ منصرفهم ذلك المختار و أهل الكوفة فأوجف الناس و لم يعلموا كيف كان الأمر أن يزيد بن أنس هلك و أن الناس هزموا فبعث إلى المختار عامله على المدائن عينا له من أنباط السواد فأخبره الخبر فدعا المختار إبراهيم بن الأشتر فعقد له على سبعة آلاف رجل،ثم قال له:سرّ حتى إذا أنت لقيت جيش ابن أنس فارددهم معك ثم سر حتى تلقى عدوك فتناجزهم فخرج إبراهيم فوضع عسكره بحمام أعين (1).

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو زهير النضر بن صالح قال:لما مات يزيد بن أنس التقى أشراف الناس بالكوفة فأرجفوا بالمختار و قالوا:قتل يزيد بن أنس و لم يصدقوا أنه مات و أخذوا يقولون:و اللّه لقد تأمر علينا هذا الرجل بغير رضى منا و لقد أدنى موالينا فحملهم على الدواب و أعطاهم و أطعمهم فيئنا و لقد عصتنا عبيدنا فحرب بذلك أيتامنا و أراملنا فاتعدوا منزل شبث بن ربعي و قالوا:نجتمع في منزل شيخنا و كان شبث جاهليا إسلاميا فاجتمعوا فأتوا منزله فصلّى بأصحابه ثم7.

ص: 13


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 517.

تذاكروا هذا النحو من الحديث.

قال:و لم يكن فيما أحدث المختار عليهم شيء هو أعظم من أن جعل للموالي من الفيء نصيبا فقال لهم شبث دعوني حتى ألقاه فذهب فلقيه فلم يدع شيئا مما أنكره أصحابه إلا و قد ذاكره إياه فأخذ لا يذكر خصلة إلا قال له المختار:أرضيهم في هذه الخصلة و آتى كل شيء أحبوا.

قال:فذكر المماليك.

قال:فأنا أرد عليهم عبيدهم فذكر له الموالي فقال عمدت إلى موالينا و هم في ما أفاءه اللّه علينا و هذه البلاد جميعا فأعتقنا رقابهم نأمل الأجر في ذلك و الثواب و الشكر فلم ترض لهم بذلك حتى جعلتهم شركاءنا في فيئنا فقال لهم المختار إن أنا تركت لكم مواليكم و جعلت فيأكم فيكم أتقاتلون معي بني أمية و ابن الزبير و تعطون على الوفاء بذلك عهد اللّه و ميثاقه و ما أطمئن إليه من الأيمان.

فقال شبث:ما أدري حتى أخرج إلى أصحابي فأذاكرهم ذلك فخرج فلم يرجع إلى المختار.

قال:و أجمع رأى أشراف أهل الكوفة على قتال المختار.

(قال أبو مخنف)فحدثني قدامة بن حوشب قال:جاء شبث ابن ربعي و شمر بن ذي الجوشن و محمد بن الأشعث و عبد الرحمن بن سعيد بن قيس حتى دخلوا على كعب بن أبي كعب الخثعمي فتكلم شبث فحمد اللّه و أثنى عليه ثم أخبره باجتماع رأيهم على قتال المختار و سأله أن يجيبهم إلى ذلك و قال:فيما يعتب على المختار إنه تأمّر علينا بغير رضى منا و زعم أن ابن الحنفية بعثه إلينا و قد علمنا أن ابن الحنفية لم يفعل و أطعم موالينا فيئنا و أخذ عبيدنا فحرب بهم يتامانا و أراملنا و أظهر هو و سبايته البراءة من أسلافنا الصالحين قال:فرحّب بهم كعب بن أبي كعب و أجابهم إلى ما دعوه إليه.

ص: 14

(قال أبو مخنف)فحدثني أبى يحيى بن سعيد أن أشراف أهل الكوفة قد كانوا دخلوا على عبد الرحمن بن مخنف فدعوه إلى أن يجيبهم إلى قتال المختار فقال لهم يا هؤلاء إنكم إن أبيتم إلا أن تخرجوا لم أخذلكم و إن أنتم أطعتموني لم تخرجوا فقالوا لم قال:لانى أخاف أن تتفرّقوا و تختلفوا و تتخاذلوا و مع الرجل و اللّه شجعاؤكم و فرسانكم من أنفسكم أليس معه فلان و فلان ثم معه عبيدكم و مواليكم و كلمة هؤلاء واحدة و عبيدكم و مواليكم أشد حنقا عليكم من عدوكم فهو مقاتلكم بشجاعة العرب و عداوة العجم و إن انتظرتموه قليلا كفيتموه بقدوم أهل الشام أو بمجىء أهل البصرة فتكونوا قد كفيتموه بغيركم و لم تجعلوا بأسكم بينكم.

قالوا:ننشدك اللّه أن تخالفنا و أن تفسد علينا رأينا و ما قد اجتمعت عليه جماعتنا.

قال:فأنا رجل منكم فإذا شئتم فاخرجوا فسار بعضهم إلى بعض و قالوا:

إنتظروا حتى يذهب عنه إبراهيم بن الأشتر.

قال:فأمهلوا حتى إذا بلغ ابن الأشتر ساباط و ثبوا بالمختار.

قال:فخرج عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني في همدان في جبانة السبيع و خرج زحر بن قيس الجعفي و إسحاق بن محمد بن الأشعث في جبانة كندة.

(قال هشام)فحدثني سليمان بن محمد الحضرمي قال:خرج إليهما جبير الحضرمي فقال لهما:اخرجا عن جبانتنا فإنا نكره أن نعرى بشر فقال له إسحاق بن محمد:و جبانتكم هي.

قال:نعم فانصرفوا عنه و خرج كعب بن أبي كعب الخثعمي في جبانة بشر و سار بشير بن جرير بن عبد اللّه إليهم في بجيلة و خرج عبد الرحمن بن مخنف في جبانة مخنف و سار إسحاق بن محمد و زحر بن قيس إلى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس بجبانة السبيع و سارت بجيلة و خثعم إلى عبد الرحمن بن مخنف و هو بالأزد و بلغ الذين في جبانة السبيع أن المختار قد عبّأ لهم خيلا ليسير إليهم فبعثوا الرسل

ص: 15

يتلو بعضها بعضا إلى الأزد و بجيلة و خثعم يسألونهم باللّه و الرحم لما عجّلوا إليهم فساروا إليهم و اجتمعوا جميعا في جبانة السبيع،و لما أن بلغ ذلك المختار سرّه اجتماعهم في مكان واحد و خرج شمر بن ذي الجوشن حتى نزل بجبانة بني سلول في قيس و نزل شبث بن ربعي و حسان بن فائد العبسي و ربيعة بن ثروان الضبي في مضر بالكناسة و نزل حجار بن أبحر و يزيد بن الحارث بن رؤيم في ربيعة فيما بين التمارين و السبخة و نزل عمرو بن الحجاج الزبيدي في جبانة مراد بمن تبعه من مذحج فبعث إليهم أهل اليمن أن ائتنا فأبى أن يأتيهم و قال لهم:جدّوا فكأني قد أتيتكم.

قال:و بعث المختار رسولا من يومه يقال له:عمرو بن توبة بالركض إلى إبراهيم بن الأشتر و هو بساباط أن لا تضع كتابي من يدك حتى تقبل بجميع من معك إلي.

قال:و بعث إليهم المختار في ذلك اليوم أخبروني ما تريدون فإني صانع كل ما أحببتم قالوا:فإنا نريد أن تعتزلنا فإنك زعمت أن ابن الحنفية بعثك و لم يبعثك فأرسل إليهم المختار أن ابعثوا إليه من قبلكم وفدا و أبعث إليه من قبلي وفدا ثم انظروا في ذلك حتى تتبينوه و هو يريد أن يريثهم بهذه المقالة ليقدم عليه إبراهيم ابن الأشتر و قد أمر أصحابه فكفوا أيديهم و قد أخذ أهل الكوفة عليهم بأفواه السكك فليس شيء يصل إلى المختار و لا إلى أصحابه من الماء إلا القليل الوتح يجيئهم إذا غفلوا عنه.

قال:و خرج عبد اللّه بن سبيع في الميدان فقاتله شاكر قتالا شديدا فجاءه عقبة بن طارق الجشمي فقاتل معه ساعة حتى رد عاديتهم عنه ثم أقبلا على حاميتهما يسيران حتى نزل عقبة بن طارق مع قيس في جبانة بني سلول،و جاء عبد اللّه بن سييع حتى نزل مع أهل اليمن في جبانة السبيع.

ص: 16

(قال أبو مخنف)حدثني يونس بن أبي إسحاق أن شمر بن ذي الجوشن أتى أهل اليمن فقال لهم إن اجتمعتم في مكان نجعل فيه مجنبتين و نقاتل من وجه واحد فأنا صاحبكم و إلا فلا و اللّه لا أقاتل في مثل هذا المكان في سكك ضيقة و نقاتل من غير وجه فانصرف إلى جماعة قومه في جبانة بني سلول.

قال:و لما خرج رسول المختار إلى ابن الأشتر بلغه من يومه عشية فنادى في الناس أن ارجعوا إلى الكوفة فسار بقية عشيته تلك ثم نزل حين أمسى فتعشى أصحابه و أراحوا الدواب شيئا كلا شيء ثم نادى في الناس فسار ليلته كلها ثم صلّى الغداة بسورا ثم سار من يومه فصلّى العصر على باب الجسر من الغد ثم إنه جاء حتى بات ليلة في المسجد و معه من أصحابه أهل القوة و الجلد حتى إذا كان صبيحة اليوم الثالث من مخرجهم على المختار خرج المختار إلى المنبر فصعده.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو جناب الكلبي إن شبث بن ربعي بعث إليه ابنه عبد المؤمن فقال له:إنما نحن عشيرتك و كف يمينك لا و اللّه لا نقاتلك فثق بذلك منا و كان رأيه قتاله و لكنه كاده،و لما أن اجتمع أهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصلاة فكره كل رأس من رؤوس أهل اليمن أن يتقدمه صاحبه فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف هذا أول الإختلاف قدّموا الرضى فيكم فإن في عشيرتكم سيد قراء أهل المصر فليصل بكم رفاعة بن شداد الفتياني من بجيلة ففعلوا فلم يزل يصلّي بهم حتى كانت الوقعة.

(قال أبو مخنف)و حدثني و ازع بن السرى أن أنس بن عمرو الأزدي إنطلق فدخل في أهل اليمن و سمعهم و هم يقولون:إن سار المختار إلى إخواننا من مضر سرنا إليهم و إن سار إلينا ساروا إلينا فسمعها منهم رجل و أقبل جوادا حتى صعد إلى

ص: 17

المختار على المنبر فأخبره بمقالتهم فقال:أما هم فخلقاء لو سرت إلى مضر أن يسيروا إليهم و أما أهل اليمن فأشهد لئن سرت إليهم لا تسير إليهم مضر فكان بعد ذلك يدعو ذلك الرجل و يكرمه.

ثم إن المختار نزل فعبّأ أصحابه في السوق و السوق إذ ذاك ليس فيها هذا البناء.

فقال لإبراهيم بن الأشتر إلى أي الفريقين أحب إليك أن تسير فقال إلى أي الفريقين أحببت فنظر المختار و كان ذا رأي فكره أن يسير إلى قومه فلا يبالغ في قتالهم فقال سر إلى مضر بالكناسة و عليهم شبث بن ربعي و محمد بن عمير بن عطارد و أنا أسير إلى أهل اليمن.

قال:و لم يزل المختار يعرف بشدة النفس و قلة البقيا على أهل اليمن و غيرهم إذا ظفر فسار إبراهيم بن الأشتر إلى الكناسة و سار المختار إلى جبانة السبيع فوقف المختار عند دار عمر بن سعد بن أبي وقاص و سرّح بين يديه أحمر بن شميط البجلي ثم الأحمسي و سرّح عبد اللّه بن كامل الشاكري و قال:لابن شميط إلزم هذه السكة حتى تخرج إلى أهل جبانة السبيع من بين دور قومك و قال لعبد اللّه بن كامل:

إلزم هذه السكة حتى تخرج على جبانة السبيع من دار آل الأخنس بن شريق و دعاهما فأسرّ إليهما أن شباما قد بعثت تخبرني أنهم قد أتوا القوم من ورائهم فمضيا فسلكا الطريقين اللذين أمرهما بهما و بلغ أهل اليمن مسير هذين الرجلين إليهم فاقتسموا تينك السكتين فأما السكة التي في دبر المسجد أحمس فإنه وقف فيها عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني و إسحاق بن الأشعث و زحر بن قيس و أما السكة التي تلي الفرات فإنه وقف فيها عبد الرحمن بن مخنف و بشير بن جرير ابن عبد اللّه و كعب بن أبي كعب ثم إن القوم اقتتلوا كأشد قتال اقتتله قوم ثم إن أصحاب أحمر بن شميم انكشفوا و أصحاب عبد اللّه بن كامل أيضا فلم يرع المختار إلا و قد جاءه الفل قد أقبل فقال:ما وراءكم؟

ص: 18

قالوا:هزمنا.

قال:فما فعل أحمر بن شميط؟

قالوا:تركناه قد نزل عند مسجد القصاص يعنون مسجد أبى داود في وادعة و كان يعتاده رجال أهل ذلك الزمان يقصون فيه و قد نزل معه أناس من أصحابه.

و قال أصحاب عبد اللّه:ما ندري ما فعل ابن كامل فصاح بهم أن انصرفوا ثم أقبل بهم حتى انتهى إلى دار أبى عبد اللّه الجدلي و بعث عبد اللّه بن قراد الخثعمي و كان على أربعمائة رجل من أصحابه فقال:سر في أصحابك إلى ابن كامل فإن يك هلك فأنت مكانه فقاتل القوم بأصحابك و أصحابه و إن تجده حيا صالحا فسر في مائة من أصحابك كلهم فارس و ادفع إليه بقية أصحابك و مر بالجد معه و المناصحة له فإنهم إنما يناصحونني و من ناصحني فليبشر ثم امض في المائة حتى تأتى أهل جبانة السبيع مما يلي حمام قطن بن عبد اللّه فمضى فوجدا بن كامل واقفا عند حمام عمرو بن حريث معه أناس من أصحابه قد صبروا و هو يقاتل القوم فدفع إليه ثلثمائة من أصحابه ثم مضى حتى نزل إلى جبانة السبيع ثم أخذ في تلك السكك حتى انتهى إلى مسجد عبد القيس فوقف عنده و قال لأصحابه:ما ترون؟

قالوا:أمرنا لأمرك تبع و كل من كان معه من حاشد من قومه و هم مائة.

فقال لهم:و اللّه إني لأحب أن يظهر المختار و و اللّه إني لكاره أن يهلك أشراف عشيرتي اليوم و و اللّه لئن أموت أحب إلي من أن يحل بهم الهلاك على يدي و لكن قفوا قليلا فإني قد سمعت شباما يزعمون أنهم سيأتونهم من ورائهم فلعل شباما تكون هي تفعل ذلك و نعافى نحن منه.

قال له أصحابه:فرأيك فثبت كما هو عند مسجد عبد القيس و بعث المختار مالك بن عمرو النهدي في مائتي رجل و كان من أشد الناس بأسا و بعث عبد اللّه بن شريك

ص: 19

النهدي في مائتي فارس إلى أحمر بن شميط و ثبت مكانه فانتهوا إليه و قد علاه القوم و كثروه فاقتتلوا عند ذلك كأشد القتال و مضى ابن الأشتر حتى لقي شبث بن ربعي و أناسا معه من مضر كثيرا و فيهم حسان بن فائد العبسي.

فقال لهم إبراهيم:و يحكم إنصرفوا فو اللّه ما أحب أن يصاب أحد من مضر على يدي فلا تهلكوا أنفسكم،فأبوا فقاتلوه فهزمهم و احتمل حسان بن فائد إلى أهله فمات حين أدخل إليهم و قد كان و هو على فراشه قبل موته أفاق إفاقة فقال:أما و اللّه ما كنت أحب أن أعيش من جراحتي هذه و ما كنت أحب أن تكون منيتي إلا بطعنة رمح أو بضربة بالسيف فلم يتكلم بعدها كلمة حتى مات و جاءت البشرى إلى المختار من قبل إبراهيم بهزيمة مضر فبعث المختار البشرى من قبله إلى أحمر بن شميط و إلى ابن كامل فالناس على أحوالهم كل أهل سكة منهم قد أعنت ما يليها.

قال:فاجتمعت شبام و قد رأسوا عليهم أبا القلوص و قد أجمعوا و اجتمعوا بأن يأتوا أهل اليمن من ورائهم.

فقال بعضهم لبعض:أما و اللّه لو جعلتم جدكم هذا على من خالفكم من غيركم لكان أصوب فسيروا إلى مضر أو إلى ربيعة فقاتلوهم و شيخهم أبو القلوص ساكت لا يتكلم فقالوا يا أبا القلوص ما رأيك فقال:قال اللّه جل ثناؤه قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) (1).

قوموا فقاموا فمشى بهم قيس رمحين أو ثلاثة ثم قال لهم:إجلسوا فجلسوا ثم مشى بهم أنفس من ذلك شيئا ثم قعد بعد ثم قال لهم:قوموا ثم مشى بهم الثالثة أنفس من ذلك شيئا ثم قعد بهم فقالوا له يا أبا القلوص و اللّه إنك عندنا لأشجع العرب فما يحملك على الذي تصنع.

قال:إن المجرب ليس كمن لم يجرب إني أردت أن ترجع إليكم أفئدتكم و أن .23

ص: 20


1- سورة التوبة:123

توطنوا على القتال أنفسكم و كرهت أن أقحمكم على القتال و أنتم على حال دهش قالوا:أنت أبصر بما صنعت،فلما خرجوا إلى جبانة السبيع استقبلهم على فم السكة الأعسر الشاكري فحمل عليه الجندعي و أبو الزبير بن كريب فصرعاه و دخلا الجبانة و دخل الناس الجبانة في آثارهم و هم ينادون يا لثارات الحسين فأجابهم أصحاب ابن شميط يا لثارات الحسين فسمعها يزيد بن عمير بن ذي مران من همدان فقال:يا لثارات عثمان.

فقال لهم رفاعة بن شداد:مالنا و لعثمان لا أقاتل مع قوم يبغون دم عثمان.

فقال له أناس من قومه:جئت بنا و أطعناك حتى إذا رأينا قومنا تأخذهم السيوف قلت:انصرفوا و دعوهم فعطف عليهم و هو يقول:

أنا ابن شداد على دين علي لست لعثمان بن أروى بولي

لأصلين اليوم فيمن يصطلي بحر نار الحرب غير مؤتلي

فقاتل حتى قتل و قتل يزيد بن عمير بن ذي مران و قتل النعمان بن صهبان الجرمي ثم الراسبي و كان ناسكا و رفاعة بن شداد بن عوسجة الفتياني عند حمام المهبذان الذي بالسبخة و كان ناسكا و قتل الفرات بن زحر بن قيس الجعفي و ارتث زحر بن قيس و قتل عبد الرحمن بن سعيد بن قيس و قتل عمر بن مخنف و قاتل عبد الرحمن بن مخنف حتى ارتث و حملته الرجال على أيديها و ما يشعر و قاتل حوله رجال من الأزد فقال حميد بن مسلم

لأضر بن عن أبي حكيم مفارق الأعبد و الصميم

و قال سراقة بن مرداس البارقي:

يا نفس إلا تصبري تلبمى لا نتولى عن أبي حكيم

و استخرج من دور الوادعيين خمسمائة أسير فأتى بهم المختار مكتفين فأخذ رجل من بني نهد و هو من رؤساء أصحاب المختار يقال له عبد اللّه بن شريك لا

ص: 21

يخلو بعربي إلا خلى سبيله فرفع ذلك للمختار درهم مولى لبنى نهد.

فقال له المختار:أعرضوهم علي و انظروا كل من شهد منهم قتل الحسين عليه السّلام فأعلموني به فأخذوا لا يمر عليه برجل قد شهد قتل الحسين عليه السّلام إلا قيل له هذا ممن شهد قتله فيقدّمه فيضرب عنقه حتى قتل منهم قبل أن يخرج مائتين و ثمانية و أربعين قتيلا و أخذ أصحابه كلما رأوا رجلا قد كان يؤذيهم أو يماريهم أو يضربهم خلوا به فقتلوه حتى قتل ناس كثير منهم و ما يشعر بهم المختار فأخبر بذلك المختار بعد فدعى بمن بقي من الأسارى فأعتقهم و أخذ عليهم المواثيق أن لا يجامعوا عليه عدوا و لا يبغوه و لا أصحابه غائلة إلا سراقة بن مرداس البارقي فإنه أمر به أن يساق معه إلى المسجد.

قال:و نادى منادي المختار إنه من أغلق بابه فهو آمن إلا رجلا شرك في دم آل محمد عليهم السّلام (1).

(قال أبو مخنف)حدثني المجالد بن سعيد عن عامر الشعبي أن يزيد بن الحارث ابن يزيد بن رؤيم و حجار بن أبجر بعثا رسلا لهما فقالا لهم كونوا من أهل اليمن قريبا فإن رأيتموهم قد ظهروا فأيكم سبق إلينا فليقل صرفان و إن كانوا هزموا فليقل جمزان،فلما هزم أهل اليمن أتتهم رسلهم فقال لهم:أول من انتهى إليهم جمزان فقام الرجلان فقالا لقومهما:انصرفوا إلى بيوتكم فانصرفوا و خرج عمرو ابن الحجاج الزبيدي و كان ممن شهد قتل الحسين عليه السّلام فركب راحلته ثم ذهب عليها فأخذ طريق شراف و واقصة فلم ير حتى الساعة و لا يدرى أرض بخسته أم سماء حصبته و أما فرات به زحر بن قيس فإنه لما قتل بعثت عائشة بنت خليفة بن عبد اللّه الجعفية و كانت امرأة الحسين بن علي عليه السّلام إلى المختار تسأله أن يأذن لها أن5.

ص: 22


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 525.

تواري جسده ففعل فدفنته و بعث المختار غلاما له يدعى زربيا في طلب شمر بن ذي الجوشن.

(قال أبو مخنف)فحدثني يونس بن أبي إسحاق عن مسلم بن عبد اللّه الضبابي قال:تبعنا زربي غلام المختار فلحقنا و قد خرجنا من الكوفة على خيول لنا ضمر فأقبل يتمطر به فرسه،فلما دنا منا قال لنا شمر:اركضوا و تباعدوا عني لعل العبد يطمع في.

قال:فركضنا فأمعنا و طمع العبد في شمر و أخذ شمر ما يستطرد له حتى إذا انقطع من أصحابه حمل عليه شمر فدق ظهره و أتي المختار فأخبر بذلك فقال بؤسا لزربي أما لو يستشيرني ما أمرته أن يخرج لأبي السابغة.

(قال أبو مخنف)حدثني أبو محمد الهمداني عن مسلم بن عبد اللّه الضبابي قال:

لما خرج شمر بن ذي الجوشن و أنا معه حين هزمنا المختار و قتل أهل اليمن بجبانة السبيع و وجّه غلامه زربيا في طلب شمر و كان من قتل شمر إياه ما كان مضى شمر حتى ينزل ساتيد ما ثم مضى حتى ينزل إلى جانب قرية يقال لها الكلتانية على شاطئ نهر إلى جانب تل ثم أرسل إلى تلك القرية فأخذ منها علجا فضربه ثم قال:

النجاء بكتابي هذا إلى المصعب بن الزبير و كتب عنوانه للأمير المصعب بن الزبير من شمر بن ذي الجوشن.

قال:فمضى العلج حتى يدخل قرية فيها بيوت و فيها أبو عمرة و قد كان المختار بعثه في تلك الأيام إلى تلك القرية ليكون مسلحة فيما بينه و بين أهل البصرة فلقي ذلك العلج علجا من تلك القرية فأقبل يشكو إليه ما لقي من شمر فإنه لقائم معه يكلمه إذ مر به رجل من أصحاب أبي عمرة فرأى الكتاب مع العلج و عنوانه لمصعب من شمر فسألوا العلج عن مكانه الذي هو به فأخبرهم فذا ليس بينهم و بينه إلا ثلاثة

ص: 23

فراسخ.

قال:فأقبلوا يسيرون إليه.

(قال أبو مخنف)فحدثني مسلم بن عبد اللّه.قال:و أنا و اللّه مع شمر تلك الليلة فقلنا لو أنك ارتحلت بنا من هذا المكان فانا نتخوف به فقال:أو كل هذا فرقا من الكذاب و اللّه لا أتحول منه ثلاثة أيام ملأ اللّه قلوبكم رعبا قال:و كان بذلك المكان الذي كنا فيه دبى كثير فو اللّه إني لبين اليقظان و النائم إذ سمعت وقع حوافر الخيل فقلت في نفسي:هذا صوت الدبى ثم إني سمعته أشد من ذلك فانتهبت و مسحت عيني و قلت:لا و اللّه ما هذا بالدبى.

قال:و ذهبت لأقوم فإذا أنا بهم قد أشرفوا علينا من التل فكبّروا ثم أحاطوا بأبياتنا و خرجنا نشتد على أرجلنا و تركنا خيلنا.

قال:فأمر على شمر و إنه لمتزر ببرد محقق و كان أبرص فكأني أنظر إلى بياض كشحيه من فوق البرد فإنه ليطاعنهم بالرمح قد أعجلوه أن يلبس سلاحه و ثيابه فمضينا و تركناه.

قال:فما هو إلا أن أمعنت ساعة إذ سمعت اللّه أكبر قتل اللّه الخبيث.

(قال أبو مخنف)حدثني المشرقي عن عبد الرحمن بن عبيد أبى الكنود قال:أنا و اللّه صاحب الكتاب الذي رأيته مع العلج و أتيت به أبا عمرة و أنا قتلت شمرا.قال:

قلت:هل سمعته يقول شيئا ليلتئذ؟

قال:نعم خرج علينا فطاعننا برمحه ساعة ثم ألقى رمحه ثم دخل بيته فأخذ سيفه ثم خرج علينا و هو يقول:

نبهتم ليث عرين باسلا حهما محياه يدق الكاهلا

لم ير يوما عن عدو ناكلا إلا كذا مقاتلا أو قاتلا

ص: 24

يبرحهم ضربا و يروى العاملا (1).

(قال أبو مخنف)عن يونس بن أبي إسحاق،و لما خرج المختار من جبانة السبيع و أقبل إلى القصر أخذ سراقة بن مرداس يناديه بأعلى صوته:

أمنن علي اليوم يا خير معد و خير من حل بشحر و الجند

و خير من حيى و لبى و سجد

فبعث به المختار إلى السجن فحبسه ليلة ثم أرسل إليه من الغد فأخرجه فدعا سراقة فأقبل إلى المختار و هو يقول:

ألا أبلغ أبا إسحاق أنا

نزونا نزوة كانت علينا

خرجنا لا نرى الضعفاء شيئا

و كان خروجنا بطرا و حينا

نراهم في مصافهم قليلا

و هم مثل الدبى حين التقينا

برزنا إذ رأيناهم،فلما

رأينا القوم قد برزوا إلينا

لقينا منهم ضربا طلحفا

و طعنا صائبا حتى انثنينا

نصرت على عدوك كل يوم

بكل كتيبة تنعى حسينا

كنصر محمد في يوم بدر

و يوم الشعب إذ لاقي حنينا7.

ص: 25


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 527.

فاسجع إذ ملكت فلو ملكنا

لجرنا في الحكومة و اعتدينا

تقبل توبة مني فإني

سأشكر إن جعلت النقد دينا

قال:فلما انتهى إلى المختار قال له:أصلحك اللّه أيها الأمير سراقة بن مرداس يحلف باللّه الذي لا إله إلا هو لقد رأى الملائكة تقاتل على الخيول البلق بين السماء و الأرض.

فقال له المختار:فاصعد المنبر فأعلم ذلك المسلمين فصعد فأخبرهم بذلك ثم نزل فخلا به المختار فقال:إني قد علمت أنك لم تر الملائكة و إنما أردت ما قد عرفت أن لا أقتلك فاذهب عني حيث أحببت لا تفسد علي أصحابي.

(قال أبو مخنف)فحدثني الحجاج بن علي البارقي عن سراقة بن مرداس قال:ما كنت في أيمان حلفت بها فط أشد اجتهادا و لا مبالغة في الكذب مني في أيماني هذه التي حلفت لهم بها أني قد رأيت الملائكة معهم تقاتل فخلّوا سبيله فهرب فلحق بعبد الرحمن بن مخنف عند المصعب بن الزبير بالبصرة و خرج أشراف أهل الكوفة و الوجوه فلحقوا بمصعب بن الزبير بالبصرة و خرج سراقة بن مرداس من الكوفة و هو يقول:

ألا أبلغ أبا إسحاق أني رأيت البلق دهما مصمتات

كفرت بوحيكم و جعلت نذرا علي قتالكم حتى الممات

أرى عيني ما لم تبصراه كلانا عالم بالترهات

إذا قالوا أقول لهم كذبتم و إن خرجوا لبست لهم أداتى

حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال:حدثنا محمد بن براد من ولد أبي موسى الأشعري عن شيخ قال:لما أسر سراقة البارقي.قال:و أنتم أسرتموني ما أسرني

ص: 26

إلا قوم على دواب بلق عليهم ثياب بيض.

قال:فقال المختار:أولئك الملائكة فأطلقه فقال:

ألا أبلغ أبا إسحاق أني رأيت البلق دهما مصمتات

أرى عيني ما لم يرأياه كلانا عالم بالترهات.

(قال أبو مخنف)حدثني عمير بن زياد أن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني قال يوم جبانة السبيع:و يحكم من هؤلاء الذين أتونا من ورائنا قيل له شبام فقال:يا عجبا يقاتلني بقومي من لا قوم له.

(قال أبو مخنف)و حدثني أبو روق أن شرحبيل بن ذي بقلان من الناعطيين قتل يؤمئذ و كان من بيوتات همدان فقال يومئذ قبل أن يقتل يا لها قتلة ما أضل مقتولها قتال مع غير إمام و قتال على غير نية و تعجيل فراق الأحبة و لو قتلناهم إذا لم نسلم منهم إنا للّه و إنا إليه راجعون أما و اللّه ما خرجت إلا مواسيا لقومي بنفسي مخافة أن يضطهدوا،و أيم اللّه ما نجوت من ذلك و لا أنجو و لا أغنيت عنهم و لا أغنوا.

قال:و يرميه رجل من الفائشيين من همدان يقال له أحمر بن هديج بسهم فيقتله.

قال:و اختصم في عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني نفر ثلاثة سعر بن أبي سعر الحنفي و أبو الزبير الشبامي و رجل آخر فقال سعر:طعنته طعنة و قال أبو الزبير:لكن ضربته أنا عشر ضربات أو أكثر و قال لي ابنه:يا أبا الزبير أتقتل عبد الرحمن بن سعيد سيد قومك؟

فقلت: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ .

فقال المختار:كلكم محسن.

و انجلت الوقعة عن سبعمائة و ثمانين قتيلا من قومه.

(قال أبو مخنف)حدثني النضر بن صالح أن القتل إذ ذاك كان استحر في أهل

ص: 27

اليمن و أن مضر أصيب منهم بالكناسة بضعة عشر رجلا ثم مضوا حتى مروا بربيعة فرجع حجار بن أبجر و يزيد بن الحارث بن رؤيم و شداد بن المنذر أخو حصين و عكرمة بن ربعي فانصرف جميع هؤلاء إلى رحالهم و عطف عليهم عكرمة فقاتلهم قتالا شديدا ثم انصرف عنهم و قد خرج فجاء حتى دخل منزله فقيل له قد مرّت خيل في ناحية الحي فخرج فأراد أن يثب من حائط داره إلى دار أخرى إلى جانبه فلم يستطع حتى حمله غلام له و كانت وقعة جبانة السبيع يوم الأربعاء لست ليال بقين من ذي الحجة سنة 66.

قال:و خرج أشراف الناس فلحقوا بالبصرة و تجرّد المختار لقتلة الحسين فقال ما من ديننا ترك قوم قتلوا الحسين يمشون أحياء في الدنيا آمنين بئس ناصر آل محمد أنا إذا الكذاب كما سمّوني فإني باللّه أستعين عليهم و الحمد للّه الذي جعلني سيفا ضربهم به و رمحا طعنهم به و طالب و ترهم و القائم بحقهم إنه كان حقا على اللّه أن يقتل من قتلهم و أن يذل من جهل حقهم فسمّوهم لي ثم اتبعوهم حتى تفنوهم.

(قال أبو مخنف)فحدثني موسى بن عامر أن المختار قال لهم:اطلبوا لي قتلة الحسين فإنه لا يسوغ لي الطعام و الشراب حتى أطهر الأرض منهم و أنفي المصر منهم.

(قال أبو مخنف)و حدثني مالك بن أعين الجهني أن عبد اللّه بن دباس و هو الذي قتل محمد بن عمار بن ياسر الذي قال الشاعر:قتيل ابن دباس أصاب قذا له،هو الذي دلّ المختار على نفر ممن قتل الحسين منهم عبد اللّه بن أسيد بن النزال الجهني من حرقة و مالك بن النسير البدي و حمل بن مالك المحاربي فبعث إليهم المختار أبا نمر مالك بن عمرو النهدي و كان من رؤساء أصحاب المختار فأتاهم و هم بالقادسية فأخذهم فأقبل بهم حتى أدخلهم عليه عشاء فقال لهم المختار:يا أعداء اللّه

ص: 28

و أعداء كتابه و أعداء رسوله و آل رسوله أين الحسين بن علي عليه السّلام،أدوا إلى الحسين قتلتم من أمرتم بالصلاة عليه في الصلاة،فقالوا:رحمك اللّه بعثنا و نحن كارهون فامنن علينا و استبقنا.

قال المختار:فهلا مننتم على الحسين بن بنت نبيكم و استبقيتموه و سقيتموه ثم قال المختار للبدي:أنت صاحب برنسه.

فقال له عبد اللّه بن كامل:نعم هو هو.

فقال المختار:إقطعوا يدي هذا و رجليه و دعوه فليضطرب حتى يموت ففعل ذلك به و ترك فلم يزل ينزف الدم حتى مات و أمر بالآخرين فقدّما فقتل عبد اللّه بن كامل عبد اللّه الجهني و قتل سعر بن أبي سعر حمل بن مالك المحاربي.

(قال أبو مخنف)و حدثني أبو الصلت التيمي قال:حدثني أبو سعيد الصيقل أن المختار دلّ على رجال من قتلة الحسين دلّه عليهم سعر الحنفي.

قال:فبعث المختار عبد اللّه بن كامل فخرجنا معه حتى مر ببنى ضبيعة فأخذ منهم رجلا يقال له زياد بن مالك.

قال:ثم مضى إلى عنزة فأخذ منهم رجلا يقال له:عمران بن خالد قال:ثم بعثني في رجال معه يقال لهم الدبابة إلى دار في الحمراء فيها عبد الرحمن بن أبي خشكارة البجلي و عبد اللّه بن قيس الخولاني فجئنا بهم حتى أدخلناهم عليه فقال لهم يا قتلة الصالحين و قتلة سيد شباب أهل الجنة ألا ترون اللّه قد أقاد منكم اليوم لقد جاءكم الورس بيوم نحس و كانوا قد أصابوا من الورس الذي كان مع الحسين أخرجوهم إلى السوق فضربوا رقابهم ففعل ذلك بهم فهؤلاء أربعة نفر.

(قال أبو مخنف)و حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:جاءنا السائب بن مالك الأشعري في خيل المختار فخرجت نحو عبد القيس و خرج عبد اللّه و عبد الرحمن ابنا صلخب في أثرى و شغلوا بالاحتباس عليهما عني فنجوت

ص: 29

و أخذوهما ثم مضوا بهما حتى مروا على منزل رجل يقال له عبد اللّه بن وهب بن عمرو ابن عم أعشى همدان من بني عبد فأخذوه فانتهوا بهم إلى المختار فأمر بهم فقتلوا في السوق فهؤلاء ثلاثة فقال حميد بن مسلم في ذلك حيث نجا منهم:

ألم ترني على دهش نجوت و لم أكد أنجو

رجاء اللّه أنقذني و لم أك غيره أرجو.

(قال أبو مخنف)حدثني موسى بن عامر العدوي من جهينة و قد عرف ذلك الحديث شهم بن عبد الرحمن الجهني قال:بعث المختار عبد اللّه بن كامل إلى عثمان ابن خالد بن أسير الدهماني من جهينة و إلى أبى أسماء بشر بن سوط القابضي و كانا ممن شهدا قتل الحسين عليه السّلام و كانا اشتركا في دم عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب و في سلبه فأحاط عبد اللّه بن كامل عند العصر بمسجد بني دهمان.

ثم قال:علي مثل خطايا بني دهمان منذ يوم خلقوا إلى يوم يبعثون إن لم أوت بعثمان ابن خالد بن أسير إن لم أضرب أعناقكم من عند آخركم.

فقلنا له:أمهلنا نطلبه فخرجوا معه على الخيل في طلبه فوجدوهما جالسين في الجبانة و كانا يريدان أن يخرجا إلى الجزيرة فأتى بهما عبد اللّه بن كامل فقال:الحمد للّه الذي كفى المؤمنين القتال لو لم يجدوا هذا مع هذا عنانا إلى منزله في طلبه فالحمد للّه الذي حينك حتى أمكن منك فخرج بهما حتى إذا كان في موضع بئر الجعد ضرب أعناقهما ثم رجع فأخبر المختار خبرهما فأمره أن يرجع إليهما فيحرقهما بالنار و قال:لا يدفنان حتى يحرقا فهذان رجلان.

فقال أعشى همدان يرثي عثمان الجهني

يا عين إبك فتى الفتيان عثمانا لا يبعدن الفتى من آل دهمانا

و اذكر فتى ماجدا حلوا شمائله ما مثله فارس في آل همدانا

قال موسى بن عامر:و بعث معاذ بن هانئ بن عدي الكندي بن أخي حجر و بعث

ص: 30

أبا عمرة صاحب حرسه فساروا حتى أحاطوا بدار خولي بن يزيد الأصبحي و هو صاحب رأس الحسين الذي جاء به فاختبأ في مخرجه فأمر معاذ أبا عمرة أن يطلبه في الدار فخرجت امرأته إليهم فقالوا لها:أين زوجك؟.

فقالت:لا أدرى أين هو و أشارت بيدها إلى المخرج فدخلوا فوجدوه قد وضع على رأسه قوصرة فأخرجوه و كان المختار يسير بالكوفة ثم إنه أقبل في أثر أصحابه و قد بعث أبو عمرة إليه رسولا فاستقبل المختار الرسول عند دار أبى بلال و معه ابن كامل فأخبره الخبر فأقبل المختار نحوهم فاستقبل به فردده حتى قتله إلى جانب أهله ثم دعا بنار فأحرقه ثم لم يبرح حتى عاد رمادا ثم انصرف عنه و كانت امرأته من حضرت موت يقال لها العيوف بنت مالك بن نهار بن عقرب و كانت نصبت له العداوة حين جاء برأس الحسين (1).

(قال أبو مخنف)و حدثني موسى بن عامر أبو الأشعر أن المختار قال:ذات يوم و هو يحدث جلساءه لأقتلن غدا رجلا عظيم القدمين غائر العينين مشرف الحاجبين يسر مقتله المؤمنين و الملائكة المقربين.

قال:و كان الهيثم بن الأسود النخعي عند المختار حين سمع هذه المقالة فوقع في نفسه أن الذي يريد عمر بن سعد بن أبي وقاص فلما رجع إلى منزله دعا ابنه العريان فقال:إلق ابن سعد الليلة فخبّره بكذا و كذا و قل له خذ حذرك فإنه لا يريد غيرك.

قال:فأتاه فاستخلاه ثم حدّثه الحديث فقال له عمر بن سعد:جزى اللّه أباك و الاخاء خيرا كيف يريد هذا بي بعد الذي أعطاني من العهود و المواثيق و كان المختار أول ما ظهر أحسن شيء سيرة و تألفا للناس و كان عبد اللّه بن جعدة بن هبيرة أكرم خلق اللّه على المختار لقرابته بعلي فكلم عمر بن سعد عبد اللّه بن جعدة2.

ص: 31


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 532.

و قال له:إني لا آمن هذا الرجل يعنى المختار فخذلي منه أمانا ففعل.

قال:فأنا رأيت أمانه و قرأته بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا أمان من المختار بن أبي عبيد لعمر بن سعد بن أبي وقاص إنك آمن بأمان اللّه على نفسك و مالك و أهلك و أهل بيتك و ولدك لا تؤاخذ بحدث كان منك قديما ما سمعت و أطعت و لزمت رحلك و أهلك و مصرك فمن لقي عمر بن سعد من شرطة اللّه و شيعة آل محمد و من غيرهم من الناس فلا يعرض له إلا بخير شهد السائب بن مالك و أحمر بن شميط و عبد اللّه ابن شداد و عبد اللّه بن كامل و جعل المختار على نفسه عهد اللّه و ميثاقه ليفين لعمر ابن سعد بما أعطاه من الأمان إلا أن يحدث حدثا و أشهد اللّه على نفسه و كفى باللّه شهيدا.

قال:فكان أبو جعفر محمد بن علي يقول أما أمان المختار لعمر بن سعد إلا أن يحدث حدثا فإنه كان يريد به إذا دخل الخلاء فأحدث قال:فلما جاءه العريان بهذا خرج من تحت ليلته حتى أتى حمامه ثم قال في نفسه:أنزل داري فرجع فعبر الروحاء ثم أتى داره غدوة و قد أتى حمامه فأخبر مولى له بما كان من أمانه و بما أريد به.

فقال له مولاه:و أي حدث أعظم مما صنعت إنك تركت رحلك و أهلك و أقبلت إلى ههنا إرجع إلى رحلك لا تجعلن للرجل عليك سبيلا فرجع إلى منزله و أتى المختار بانطلاقه فقال:كلا إن في عنقه سلسلة سترده لو جهد أن ينطلق ما استطاع.

قال:و أصبح المختار فبعث إليه أبا عمرة و أمره أن يأتيه به فجاءه حتى دخل عليه فقال:أجب الأمير.

فقام عمر فعثر في جبة له و ضربه أبو عمرة بسيفه فقتله،و جاء برأسه في أسفل قبائه حتى وضعه بين يدي المختار.

فقال المختار لابنه حفص بن عمر بن سعد و هو جالس عنده:أتعرف هذا الرجل

ص: 32

فاسترجع.

قال:نعم و لا خير في العيش بعده.

قال له المختار:صدقت فإنك لا تعيش بعده فأمر به فقتل و إذا رأسه مع رأس أبيه.

ثم إن المختار قال:هذا بحسين و هذا بعلي بن حسين و لا سواء و اللّه لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما و فوا أنملة من أنامله فقالت حميدة بنت عمر بن سعد تبكى أباها:

لو كان غير أخي قسى غره أو غير ذي يمن و غير الأعجم

سخى بنفسي ذاك شيئا فاعلموا عنه و ما البطريق مثل الآلام

أعطى ابن سعد في الصحيفة و ابنه عهدا يلين له جناح الأرقم

فلما قتل المختار عمر بن سعد و ابنه بعث برأسيهما مع مسافر بن سعيد بن نمران الناعطي و ظبيان بن عمارة التميمي حتى قدما بهما على محمد بن الحنفية و كتب إلى ابن الحنفية في ذلك بكتاب.

(قال أبو مخنف)و حدثني موسى بن عامر قال:إنما كان هيج المختار على قتل عمر بن سعد أن يزيد بن شراحيل الأنصاري أتى محمد بن الحنفية فسلّم عليه فجري الحديث إلى أن تذاكروا المختار و خروجه و ما يدعو إليه من الطلب بدماء أهل البيت فقال محمد بن الحنفية على أهون رسله يزعم أنه لناشعة و قتلة الحسين جلساؤه على الكراسي يحدثونه.

قال:فوعاها الآخر منه،فلما قدم الكوفة أتاه فسلّم عليه فسأله المختار هل لقيت المهدي.

فقال له:نعم.

فقال:ما قال لك و ما ذاكرك؟

ص: 33

قال:فخبّره الخبر.

قال:فما لبث المختار أن قتل عمر بن سعد و ابنه ثم بعث برأسيهما إلى ابن الحنفية مع الرسولين اللذين سمينا و كتب معهما إلى ابن الحنفية بسم اللّه الرحمن الرحيم للمهدى محمد بن علي من المختار بن أبي عبيد سلام عليك يا أيها المهدي فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن اللّه بعثني نقمة على أعدائكم فهم بين قتيل و أسير و طريد و شريد فالحمد للّه الذي قتل قاتليكم و نصر مؤازريكم و قد بعثت إليك برأس عمر بن سعد و ابنه و قد قتلنا من شرك في دم الحسين و أهل بيته رحمة اللّه عليهم كل من قدرنا عليه و لن يعجز اللّه من بقي و لست بمحجم عنهم حتى لا يبلغني أن على أديم الأرض منهم أرميا فاكتب إلى أيها المهدي برأيك أتبعه و أكون عليه،و السلام عليك أيها المهدي و رحمة اللّه و بركاته.

ثم إن المختار بعث عبد اللّه بن كامل إلى حكيم بن طفيل الطائي السنبسي و قد كان أصاب صلب العباس بن علي و رمى حسينا بسهم فكان يقول تعلّق سهمي بسر باله و ما ضرّه فأتاه عبد اللّه ابن كامل فأخذه ثم أقبل به و ذهب أهله فاستغاثوا بعدي بن حاتم فلحقهم في الطريق فكلم عبد اللّه بن كامل فيه فقال:ما إلي من أمره شيء إنما ذلك إلى الأمير المختار.

قال:فإني آتيه.

قال:فأته راشدا فمضى عدي نحو المختار و كان المختار قد شفّعه في نفر من قومه أصابهم يوم جبانة السبيع لم يكونوا نطقوا بشيء من أمر الحسين و لا أهل بيته فقالت الشيعة لابن كامل إنا نخاف أن يشفع الأمير عدي بن حاتم في هذا الخبيث و له من الذنب ما قد علمت فدعنا نقتله؟

قال:شأنكم به،فلما انتهوا به إلى دار العنزيين و هو مكتوف نصبوه غرضا ثم قالوا له:سلبت ابن علي ثيابه و اللّه لنسلبن ثيابك و أنت حي تنظر فنزعوا ثيابه،ثم

ص: 34

قالوا له:رميت حسينا و اتخذته غرضا لنبلك و قلت:تعلّق سهمي بسرباله و لم يضره و أيم اللّه لنرمينك كما رميته بنبال ما تعلق بك منها أجزاك.

قال:فرموه رشقا واحدا فوقعت به منهم نبال كثيرة فخرّ ميتا.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو الجارود عمن رآه قتيلا كأنه قنفذ لما فيه من كثرة النبل و دخل عدي بن حاتم على المختار فأجلسه معه على مجلسه فأخبره عدي عما جاء له.

فقال له المختار:أتستحل يا أبا طريف أن تطلب في قتلة الحسين قال:إنه مكذوب عليه أصلحك اللّه قال:إذا ندعه لك.

قال:فلم يكن بأسرع من أن دخل ابن كامل.

فقال له المختار:ما فعل الرجل قال:قتلته الشيعة.

قال:و ما أعجلك إلى قتله قبل أن تأتيني به و هو لا يسره أنه لم يقتله و هذا عدي قد جاء فيه و هو أهل أن يشفّع و يؤتى ما سرّه قال:غلبتني و اللّه الشيعة قال له عدي:

كذبت يا عدو اللّه و لكن ظننت أن من هو خير منك سيشفّعني فيه فبادرتني فقتلته و لم يكن خطر يدفعك عما صنعت.

قال:فاستنفر إليه ابن كامل بالشتيمة فوضع المختار إصبعه على فيه يأمر ابن كامل بالسكوت و الكف عن عدي فقام عدي راضيا عن المختار ساخطا على ابن كامل يشكوه عند من لقي من قومه و بعث المختار إلى قاتل على بن الحسين عبد اللّه بن كامل و هو رجل من عبد القيس يقال له:مرة بن منقذ بن النعمان العبدي و كان شجاعا فأتاه ابن كامل فأحاط بداره فخرج إليهم و بيده الرمح و هو على فرس جواد فطعن عبيد اللّه بن ناجية الشبامي فصرعه و لم يضره.

قال:و يضر به ابن كامل بالسيف فيتقيه بيده اليسرى فأسرع فيها السيف و تمطرت به الفرس فأفلت و لحق بمصعب و شلّت يده بعد ذلك.

ص: 35

قال:و بعث المختار أيضا عبد اللّه الشاكري إلى رجل من جنب يقال له:زيد بن رقاد كان يقول لقد رميت فتى منهم بسهم و إنه لواضع كفه على جبهته يتقي النبل فأثبتّ كفه في جبهته فما استطاع أن يزيل كفه عن جبهته.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو عبد الأعلى الزبيدي أن ذلك الفتى عبد اللّه بن مسلم ابن عقيل و أنه قال حيث أثبت كفه في جبهته:اللهم إنهم استقلّونا و استذلّونا اللهم فاقتلهم كما قتلونا و أذلهم كما استذلونا.

ثم إنه رمى الغلام بسهم آخر فقتله فكان يقول جئته ميتا فنزعت سهمي الذي قتله به من جوفه فلم أزل أنضنض السهم من جبهته حتى نزعته و بقى النصل في جبهته مثبتا ما قدرت على نزعه قال:فلما أتى ابن كامل داره أحاط بها و اقتحم الرجال عليه فخرج مصلتا بسيفه و كان شجاعا فقال ابن كامل:لا تضربوه بسيف و لا تطعنوه برمح و لكن ارموه بالنبل و ارجموه بالحجارة ففعلوا ذلك به فسقط فقال ابن كامل إن كان به رمق فأخرجوه فأخرجوه و به رمق فدعا بنار فحرقه بها و هو حي لم تخرج روحه و طلب المختار سنان بن أنس الذي كان يدّعي قتل الحسين عليه السّلام فوجده قد هرب إلى البصرة فهدم داره و طلب المختار عبد اللّه بن عقبة الغنوي فوجده قد هرب و لحق بالجزيرة فهدم داره و كان ذلك الغنوي قد قتل منهم غلاما و قتل رجل آخر من بني أسد يقال له:حرملة بن كاهل رجلا من آل الحسين ففيهما يقول ابن أبي عقب الليثي:

و عند غنى قطرة من دمائنا و في أسد أخرى تعد و تذكر

و طلب رجلا من خثعم يقال له:عبد اللّه بن عروة الخثعمي كان يقول رميت فيهم باثني عشر سهما ضيعة ففاته و لحق بمصعب فهدم داره و طلب رجلا من صداء يقال له:عمرو بن صبيح و كان يقول:لقد طعنت بعضهم و جرجت فيهم و ما قتلت منهم أحدا فأتي ليلا و هو على سطحه و هو لا يشعر بعد ما هدأت العيون و سيفه

ص: 36

تحت رأسه فأخذوه أخذا و أخذوا سيفه فقال قبّحك اللّه سيفا ما أقربك و أبعدك فجيء به إلى المختار فحبسه معه في القصر.

فلما أن أصبح أذن لأصحابه و قيل ليدخل من شاء أن يدخل و دخل الناس و جيء به مقيدا فقال:أما و اللّه يا معشر الكفرة الفجرة أن لو بيدي سيفي لعلمتم أني بنصل السيف غير رعش و لا رعديد ما يسرني إذ كانت منيتي قتلا أنه قتلني من الخلق أحد غيركم لقد علمت أنكم شرار خلق اللّه غير أني وددت أن بيدي سيفا أضرب به فيكم ساعة ثم رفع يده فلطم عين ابن كامل و هو إلى جنبه فضحك ابن كامل ثم أخذ بيده و أمسكها ثم قال:إنه يزعم أنه قد جرح في آل محمد و طعن فمرنا بأمرك فيه.

فقال المختار:عليّ بالرماح فأتي بها فقال اطعنوه حتى يموت فطعن بالرماح حتى مات (1).

(قال أبو مخنف)حدثني هشام بن عبد الرحمن و ابنه الحكم بن هشام ان أصحاب المختار مروا بدار بني أبى زرعة بن مسعود فرموهم من فوقها فأقبلوا حتى دخلوا الدار فقتلوا الهبياط بن عثمان بن أبي زرعة الثقفي و عبد الرحمن بن عثمان بن أبي زرعة الثقفي و أفلتهم عبد المالك بن أبي زرعة بضربة في رأسه فجاء يشتد حتى دخل على المختار فأمر امرأته أم ثابت ابنة سمرة بن جندب فداوت شجّته ثم دعاه فقال:لا ذنب لي أنكم رميتم القوم فأغضبتموهم و كان محمد بن الأشعث بن قيس في قرية الأشعث إلى جنب القادسية فبعث المختار إليه حوشبا سادن الكرسي في مائة فقال انطلق إليه فإنك تجده لاهيا متصيدا أو قائما متلبدا أو خائفا متلددا أو كامنا متغمدا فإن قدرت عليه فأتني برأسه فخرج حتى أتى قصره فأحاط به و خرج منه محمد بن الأشعث فلحق بمصعب و أقاموا على القصر و هم يرون أنه فيه ثم إنهم دخلوا فعلموا أنه قد فاتهم فانصرفوا إلى المختار فبعث إلى6.

ص: 37


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 536.

داره فهدمها و بنى بلبنها و طينها دار حجر بن عدي الكندي و كان زياد بن سمية قد هدمها.

(قال أبو جعفر)و في هذه السنة دعى المثنى بن مخربة العبدي إلى البيعة للمختار بالبصرة أهلها.

فحدثني أحمد بن زهير عن علي بن محمد عن عبد اللّه بن عطية الليثي و عامر بن الأسود أن المثنى بن مخربة العبدي كان ممن شهد عين الوردة مع سليمان بن صرد ثم رجع مع من رجع ممن بقي من التوابين إلى الكوفة و المختار محبوس فأقام حتى خرج المختار من السجن فبايعه المثنى سرا و قال له المختار:إلحق ببلدك بالبصرة فارع الناس و أسرّ أمرك فقدم البصرة فدعا فأجابه رجال من قومه و غيرهم.

فلما أخرج المختار ابن مطيع من الكوفة و منع عمر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام من الكوفة خرج المثنى بن مخربة فاتخذ مسجدا و اجتمع إليه قومه و دعا إلى المختار ثم أتى مدينة الرزق فعسكر عندها و جمعوا الطعام في المدينة و نحروا الجزر فوجّه إليهم القباع عباد بن حصين و هو على شرطته و قيس بن الهيثم في الشرط و المقاتلة فأخذوا في سكة الموالي حتى خرجوا إلى السبخة فوقفوا و لزم الناس دورهم فلم يخرج أحد فجعل عبّاد ينظر هل يرى أحدا يسأله فلم ير أحدا فقال:

أما ههنا رجل من بني تميم فقال خليفة الأعور مولى بني عدي عدي الرباب:هذه دار و راد مولى بني عبد شمس.

قال:دق الباب فدقه فخرج إليه و راد فشتمه عبّاد و قال:و يحك أنا واقف ههنا لم تخرج إلي.

قال:لم أدر ما يوافقك.

قال:شد عليك سلاحك و اركب ففعل و وقفوا و أقبل أصحاب المثنى فواقفوهم

ص: 38

فقال عبّاد لو راد قف مكانك مع قيس فوقف قيس بن الهيثم و وراد و رجع عبّاد فأخذ في طريق الذباحين و الناس وقوف في السبخة حتى أتى الكلأ و لمدينة الرزق أربعة أبواب باب مما يلي البصرة و باب إلى الخلالين و باب إلى المسجد و باب إلى مهب الشمال فأتى الباب الذي يلي النهر مما يلي أصحاب السقط و هو باب صغير فوقف و دعا بسلم فوضعه مع حائط المدينة فصعد ثلاثون رجلا و قال لهم:الزموا السطح فإذا سمعتم التكبير فكبّروا على السطوح و رجع عبّاد إلى قيس بن الهيثم و قال:

لو رّاد حرش القوم نطاردهم وراد ثم القتال،فقتل أربعون رجلا من أصحاب المثنى و قتل رجل من أصحاب عباد و سمع الذين على السطوح في دار الرزق الضجة و التكبير فكبّروا فهرب من كان في المدينة و سمع المثنى و أصحابه التكبير من ورائهم فانهزموا و أمر عبّاد و قيس بن الهيثم الناس بالكف عن اتباعهم و أخذوا مدينة الرزق و ما كان فيها و أتى المثنى و أصحابه عبد القيس و رجع عبّاد و قيس و من معهم إلى القباع فوجههما إلى عبد القيس فأخذ قيس بن الهيثم من ناحية الجسر و أتاهم عبّاد من طريق المربد فالتقوا فأقبل زياد بن عمرو العتكي إلى القباع و هو في المسجد جالس على المنبر فدخل زياد المسجد على فرسه فقال:أيها الرجل لتردن خيلك عن إخواننا أو لنقاتلنها فأرسل القباع الأحنف بن قيس و عمر بن عبد الرحمن المخزومي ليصلحا أمر الناس فأتيا عبد القيس.

فقال الأحنف لبكر و الأزد و للعامة:ألستم على بيعة ابن الزبير؟

قالوا:بلى و لكنا لا نسلّم إخواننا.

قال:فمروهم فليخرجوا إلى أي بلاد أحبوا و لا يفسدوا هذا المصر على أهله و هم آمنون فليخرجوا حيث شاءوا؟فمشى مالك بن مسمع و زياد بن عمرو و وجوه أصحابهم إلى المثنى فقالوا له و لأصحابه إنا و اللّه ما نحن على رأيكم و لكنا كرهنا أن تضاموا الحقو بصاحبكم فإن من أجابكم إلى رأيكم قليل و أنتم آمنون فقبل

ص: 39

المثنى قولهما و ما أشارا به و انصرف و رجع الأحنف.

و قال:ما غبنت رأيي إلا يومي هذا إني أتيت هؤلاء القوم و خلفت بكرا و الأزد و رائي و رجع عبّاد و قيس إلى القباع و شخص المثنى إلى المختار بالكوفة في نفر يسير من أصحابه و أصيب في تلك الحرب سويد بن رئاب الشنى و عقبة بن عشيرة الشنى قتله رجل من بني تميم و قتل التميمي فولغ أخوه عقبة بن عشيرة في دم التميمي و قال:ثأري و أخبر المثنى المختار حين قدم عليه بما كان من أمر مالك بن مسمع و زياد بن عمرو و مسيرهما إليه و ذبهما عنه حتى شخص عن البصرة فطمع المختار فيهما فكتب إليهما أما بعد فاسمعا و أطيعا أوتكما من الدنيا ما شئتما و أضمن لكما الجنة.

فقال مالك لزياد:يا أبا المغيرة قد أكثر لنا أبو إسحاق إعطاءنا الدنيا و الآخرة فقال زياد مازحا لمالك:يا أبا غسان أما أنا فلا أقاتل نسيئة من أعطانا الدراهم قاتلنا معه و كتب المختار إلى الأحنف بن قيس من المختار إلى الأحنف و من قبله فسلم أنتم أما بعد فويل أم ربيعة من مضر فإن الأحنف مورد قومه سقر حيث لا يستطيع لهم الصدر و إني لا أملك ما خط في القدر و قد بلغني أنكم تسمونّني كذابا و قد كذّب الأنبياء من قبلي و لست بخير من كثير منهم و كتب إلى الأحنف:

إذا اشتريت فرسا من مالكا ثم أخذت الجوب في شمالكا

فاجعل مصاعا حذما من بالكا.

حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال:حدثنا الحسن بن حماد عن حيان بن علي عن المجالد عن الشعبي قال:دخلت البصرة فقعدت إلى حلقة فيها الأحنف بن قيس.

فقال لي بعض القوم:من أنت؟قلت:رجل من أهل الكوفة؟قال:أنتم موال لنا؟

قلت:و كيف؟قال:قد أنقذناكم من أيدي عبيدكم من أصحاب المختار.قلت:

تدري ما قال شيخ همدان فينا و فيكم؟

ص: 40

فقال الأحنف بن قيس و ما قال؟

قلت:قال:

أفخرتم إن قتلتم أعبدا و هزمتم مرة آل عزل

و إذا فاخرتمونا فاذكروا ما فعلنا بكم يوم الجمل

بين شيخ خاضب عثنونه و فتى أبيض و ضاح رفل

جاءنا يهدج في سابغة فذبحناه ضحى ذبح الحمل

و عفونا فنسيتم عفونا و كفرتم نعمة اللّه الأجّل

و قتلتم خشبيين بهم بدلا من قومكم شر بدل

فغضب الأحنف فقال:يا غلام هات تلك الصحيفة فأتي بصحيفة فيها بسم اللّه الرحمن الرحيم:من المختار بن أبي عبيد إلى الأحنف بن قيس أما بعد:فويل أم ربيعة و مضر فإن الأحنف مورد قومه سقر حيث لا يقدرون على الصدر و قد بلغني أنكم تكذّبوني و إن كذّبت فقد كذّب رسل من قبلي و لست أنا خيرا منهم فقال:هذا منا أو منكم.

(و قال هشام)بن محمد عن أبي مخنف قال:حدثني منيع بن العلاء السعدي أن مسكين بن عامر بن أنيف بن شريح بن عمرو بن عدس كان فيمن قاتل المختار، فلما هزم الناس لحق بآذربيجان بمحمد بن عمير بن عطارد و قال:

عجبت دختنوس لما رأتني

قد علاني من المشيب خمار

فأهلّت بصوتها و أرنّت

لا تهالي قد شاب مني العذار

إن تريني قد بان غرب شبابي

و أتى دون مولدي أعصار

ص: 41

فابن عامين و ابن خمسين عاما

أي دهر إلا له أدهار

ليت سيفي لها و جوبتها لي

يوم قالت ألا كريم يغار

ليتنا قبل ذلك اليوم متنا

أو فعلنا ما تفعل الأحرار

فعل قوم تقاذف الخير عنهم

لم نقاتل و قاتل العيزار

و توليت عنهم و أصيبوا

و نفاني عنهم شنار و عار

لهف نفسي على شهاب قريش

يوم يؤتى برأسه المختار

و قال المتوكل:

قتلوا حسينا ثم هم ينعونه إن الزمان بأهله أطوار

لا تبعدن بالطف قتلى ضيعت و سقى مساكن هامها الأمطار

ما شرطة الدجال تحت لوائه بأضل ممن غرّه المختار

أبني قسي أوثقوا دجالكم يجلي الغبار و أنتم أحرار

لو كان علم الغيب عند أخيكم لتوطأت لكم به الأحبار

و لكان أمرا بيّنا فيما مضى تأتي به الأنباء و الأخبار

إني لأرجو أن يكذب و حيكم طعن يشق عصاكم و حصار

و يجيئكم قوم كأن سيوفهم بأكفهم تحت العجاجة نار

لا ينثنون إذا هم لاقوكم إلا و هام كماتكم أعشار

ص: 42

(قال أبو جعفر)و في هذه السنة بعث المختار جيشا إلى المدينة للمكر بابن الزبير و هو مظهر له أنه وجّههم معونة له لحرب الجيش الذي كان عبد الملك بن مروان وجّهه إليه لحربه فنزلوا وادى القرى (1).0.

ص: 43


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 540.

من قتلهم المختار برواية ابن أعثم

اشارة

قال ابن الأعثم:فجعل أصحابه يسمون رجلا بعد رجل فجعل يؤتى بهم إليه فمنهم من يقطع يديه،و منهم من يقطع رجليه،و منهم من يقطع يديه و رجليه،و منهم من يبقر بطنه،و منهم من يقطع عينيه،و منهم من يجدع أنفه و أذنيه،و منهم من يقطع لسانه و شفتيه،و منهم من يضربه بالسياط حتى يموت،و منهم من يقطع بالسيوف إربا إربا،و منهم من يضرب عنقه صبرا،و منهم من يحرق بالنار حرقا.

قال:فلم يزل كذلك حتى قتل منهم مقتلة عظيمة،و مثل بهم كل مثلة.

قال:و أقبل قوم من أعوان المختار حتى اقتحموا دار خولي بن يزيد الأصبحي و هو الذي احتز رأس الحسين بن علي رضي اللّه عنهما،و كانت له امرأة يقال لها:

العيوف بنت مالك بن غفير الحضرمي،فلما نظرت إلى أصحاب المختار و قد دخلوا دارها فقالت:يا هؤلاء!ما شأنكم و ما تريدون؟

فقال لها أبو عمرة صاحب شرطة المختار:لا بأس عليك،أين زوجك؟

فقالت:لا أدري-و أشارت بيدها إلى المخرج-قال:فدخلوا عليه و إذا هو جالس و على رأسه قوصرة،فأخذوه و أتوا به إلى المختار،فقالوا:أيها الأمير!هذا خولي ابن يزيد و هو الذي احتز رأس الحسين،قال:فأمر به المختار فذبح بين يديه ذبحا، ثم أمر بجسده فأحرق بالنار.

ثم أتي برجل يقال له بحر بن سليم الكلبي حتى أدخل على المختار فقالوا:أيها الأمير!هذا الذي أخذ خاتم الحسين!فقطع إصبعه مع الخاتم!

ص: 44

فقال:اقطعوا يديه و رجليه و دعوه يشحط في دمه.

قال:فلم يزل المختار كذلك حتى فعل بهم الأفاعيل. (1)4.

ص: 45


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 244.
ذكر مقتل عمر بن سعد و ابنه حفص

قال ابن الأعثم:ثم دعا المختار بأبي عمرة صاحب شرطته.

فقال له:إذهب الساعة في جماعة من أعوانك حتى تهجم على عمر بن سعد فتأتيني به،فإذا دخلت عليه و سمعته يقول:يا غلام!علي بطيلساني،فاعلم أنه إنما يدعو بالسيف،فبادر إليه بسيفك فاقتله و أتني برأسه!

قال:فلم يشعر عمر بن سعد إلا و أبو عمرة قد و افاه في أعوانه،فلما نظر إليه بقي متحيرا ثم قال:ما شأنكم؟

فقال:أجب أمير المؤمنين!

فقال:إن الأمير قد علم بمكاني و قد أعطاني الأمان،فهذا أمانه عندي،قد أخذه لي عبد اللّه بن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي،ثم قال:يا غلام علي بالأمان! و إذا فيه:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم،هذا أمان المختار بن أبي عبيد الثقفي لعمر بن سعد بن أبي وقاص،إنك آمن بأمان اللّه على نفسك و أهلك و ولدك و أهل بيتك،و لا تؤاخذ بحدث كان منك قديما ما سمعت و أطعت و لزمت منزلك إلا أن تحدث حدثا،فمن لقي عمر بن سعد من شرطة اللّه و شيعة آل محمد لا يتعرض له إلا بسبيل خير،شهد على ذلك السائب بن مالك الأشعري و أحمر بن شميط البجلي و عبد اللّه بن كامل الهمداني و عبد اللّه بن شداد الجهني و يزيد بن أنس الأسدي و فلان ابن فلان،شهدوا على المختار بن أبي عبيد بالعهد و الميثاق و الأمان لعمر بن سعد و ولده إلا أن يحدث حدثا و كفى باللّه شهيدا و السلام».

ص: 46

فقال له أبو عمرة صاحب شرطة المختار:صدقت أبا حفص!قد كنا حضورا عند الأمير أيده اللّه حين كتب لك هذا الأمان،غير أنه يقول إلا أن يحدث حدثا،و لعمري لقد دخلت المخرج مرارا فأحدثت إحداثا،و ليس مثل المختار من يغلط،و إنما عنى هذا الإحداث،و ليس يجب أن يغني عن مثلك و قد قتلت ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الحسين بن علي و ابن فاطمة،و لكن أجب الأمير فلعله إنما يدعوك لأمر من الأمور، قال:فإني أفعل،يا غلام علي بطيلساني!

فقال أبو عمرة:يا عدو اللّه!لمثلي يقال هذا،و سل سيفه ثم ضربه ضربة على رأسه،سقط منها على قفاه.

ثم قال لأعوانه:خذوا رأسه!

قال:فأخذوا رأس عمر بن سعد و أتي به حتى وضع بين يدي المختار و ابنه حفص بن عمر بن سعد واقف بين يديه،و هو ابن أخت المختار.

فقال له المختار:أتعرف هذا الرأس يا حفص؟

قال:نعم هذا رأس أبي و لا خير في العيش من بعده،ثم قال:فقدّم حفصا بعمر، قال:فتقدم حفص فضربت عنقه صبرا،ثم وضع رأسه إلى جنب رأس أبيه.

فقال المختار:هذا بالحسين و هذا بعلي بن الحسين و لا سواء،فو اللّه لو قتلت ثلاثة أرباع قريش لما وفوا بأنملة واحدة من أنامل الحسين رضي اللّه عنه (1).

قال:ثم وجّه المختار بالرأسين إلى مكة إلى محمد ابن الحنفية و وجّه أيضا مع الرأسين ثلاثين ألف دينار و كتب إليه:بسم اللّه الرحمن الرحيم،للمهدي محمد بن).

ص: 47


1- و كان السبب في تهييج المختار على قتله أن يزيد بن شراحيل الأنصاري أتى محمد ابن الحنفية و جرى الحديث إلى أن تذاكرا المختار. فقال ابن الحنفية:إنه يزعم أنه لنا شيعة و قتلة الحسين عنده على الكراسي يحدثونه.فلما عاد يزيد أخبر المختار بذلك.فعمد إلى قتله(ابن الأثير682/2-683).

علي،من المختار بن أبي عبيد،سلام عليك،أما بعد فإن اللّه تبارك و تعالى بعثني نعمة لأوليائكم و نقمة على قاتليكم و أعدائكم،فهم من بين قتيل و أسير طريد، فأحمد اللّه على ذلك أيها المهدي حمدا تستوجب منه المزيد في العاجلة،و المغفرة في الآجلة،و قد وجّهت إليك برأس عمر بن سعد و رأس ابنه حفص بن عمر،و قد قتلت من شارك في دم الحسين بن علي عليه السّلام و أهل بيته ممن قدرت عليه بالكوفة، و لن يعجز اللّه من بقي منهم،و لست أنام و لا يسوغ لي الطعام حتى لا يبقى أحد ممن شارك في دماء أهل بيتك،و أنا أرجو أن يقتل اللّه عزوجل عبيد اللّه بن زياد و أصحابه المحلّين،فأطهر منه و من شيعته البلاد،و قد وجّهت إليك أيها المهدي ثلاثين ألف دينار لتفرّقها على من أحببت من أهل بيتك و من التجأ إليك من شيعتك، فاكتب إلي في ذلك برأيك أتبعه،و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.

قال:ثم دفع الكتاب و المال و الرأسين إلى مسافر بن سعيد الهمداني و ظبيان بن عمارة التميمي،و ضم إليهما عشرين رجلا،و وجّه بهم إلى محمد ابن الحنفية و هو يومئذ بمكة،و هو جالس في نفر من شيعته يحدثهم و يقول لهم:ألا ترون إلى المختار بن أبي عبيد يزعم أنه محب لنا،و أنه من شيعتنا،و أنه يطلب بدماء أهل البيت عليهم السّلام،و قتلة الحسين بن علي جلوس على الكراسي يحدثهم و يحدثونه،حتى لقد بلغني عن عمر بن سعد و ابنه حفص أنهما يغدوان إليه و يروحان-و اللّه المستعان-.

قال:فما خرجت الكلمة من فيه حينا إلا و كتاب المختار قد وافاه مع الرأسين و المال،فلما وضعت الرأسان بين يديه و قرأ الكتاب حوّل وجهه إلى القبلة و خر ساجدا.

ثم رفع رأسه و بسط كفيه و قال:اللهم لا تنس هذا اليوم للمختار!اللهم و اجز به عن أهل بيت نبيك محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم خير الجزاء!فو اللّه ما على المختار بعد هذا من عتب!

ص: 48

قال:ثم أخذ ذلك المال ففرّق منه بمكة ما فرّق،و وجّه بالباقي إلى المدينة ففرق في أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و غيرهم من أولاد المهاجرين و الأنصار (1).7.

ص: 49


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 247.
ذكر مقتل الشمر بن ذي الجوشن

قال ابن الأعثم:ثم دعا المختار بغلام له أسود يقال له رزين،و كان فارسا بطلا، فقال:ويلك يا رزين!قد بلغني عن الشمر بن ذي الجوشن أنه قد خرج عن الكوفة هاربا في نفر من غلمانه و من اتبعه،فاخرج في طلبه فلعلك تأتيني به أو برأسه، فإني ما أعرف من قاتل الحسين بن علي أعتى منه و لا أشد بغضا لأهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

قال:فاستوى رزين على فرسه و خرج في طلب الشمر بن ذي الجوشن فجعل يسير مسيرا عنيفا،و هو في ذلك يسأل عنه فيقال له:نعم إنه قد مر بنا آنفا،فلم يزل ذلك حتى نظر إليه من بعيد،قال:و حانت من الشمر التفاته فنظر إلى رزين غلام المختار فقال لغلمانه:سيروا أنتم فإن الكذاب قد بعث بهذا الفارس في طلبي!

قال:ثم عطف الشمر على غلام المختار و تطاعنوا برمحيهما،طعنه الشمر طعنة قتله ثم مضى.

قال:و بلغ ذلك المختار فاغتم لذلك غما شديدا،ثم دعا برجل يقال له عبد الرحمن ابن عبيد الهمداني،فضم إليه عشرة من أبطال أصحابه ثم قال:يا عبد الرحمن!إن الشمر قد قتل غلامي رزينا و مر على وجهه،و لست أدري أي طريق سلك،و لكني أنشدك باللّه يا أخا همدان ألا قررت عيني أنت و من معك بقتله إن قدرتم على ذلك.

قال:فخرج عبد الرحمن بن عبيد في عشرة من أصحاب المختار في طلب الشمر ابن ذي الجوشن،فجعلوا يسيرون و هم يسألون عنه و يمضون على الصفة،قال:

ص: 50

و الشمر قد نزل إلى جانب قرية على شاطئ الفرات يقال لها الكلتانية و هو جالس في غلمانه،و معه قوم قد صحبوه من أهل الكوفة من قتلة الحسين بن علي عليه السّلام،و هم آمنون مطمئنون،و الشمر قد نزع درعه و رمى به و رمى ثيابه و اتزر بمئزر و جلس، و دوابه بين يديه ترعى.

فقال له بعض أصحابه ممن كان معه:إنك لو رحلت بنا عن هذا المكان لكان الصواب فإنك قد قتلت غلام المختار،و لا نأمن أن يكون قد وجّه في طلبنا!

قال:فغضب الشمر من ذلك و قال:ويلكم أكل هذا خوفا و جزعا من الكذاب،و اللّه لا برحت من مكاني هذا إلى ثلاثة أيام و لو جاءني الكذاب في جميع أصحابه!

قال:فو اللّه ما فرغ من كلامه حينا حتى أشرفت عليه خيل المختار،فلما نظر إليهم وثب قائما فتأملهم،قال:و نظروا إليه و كان أبرص،و البرص على بطنه و سائر بدنه كأنه ثوب يلمع.

قال:ثم ضرب بيده إلى رمحه ثم دنا من أصحاب المختار و هو يومئذ متزر بمنديل و هو يرتجز و يقول:

تيمموا ليثا هزبرا باسلا جهما محياه يدق الكاهلا

لم يك يوما من عدو ناكلا إلا كذا مقاتلا أو قاتلا

يمنحكم طعنا و موتا عاجلا

قال:فقصده عبد الرحمن بن عبيد و هو يرتجز و يقول:

يا أيها الكلب العوي العامري أبشر بخزي و بموت حاضر

من عصبة لدى الوغى مساعر شم الأنوف سادة مغاور

يا قاتل الشيخ الكريم الطاهر أعني حسين الخير ذي المفاخر

و ابن النبي الصادق المهاجر و ابن الذي كان لدى التشاجر

أشجع من ليث عرين خادر ذاك على ذو النوال الغامر

ص: 51

قال:ثم حنق عليه الهمداني فطعنه في نحره طعنة فسقط عدو اللّه قتيلا،و نزل إليه الهمداني فاحتز رأسه،و قتل أصحابه عن آخرهم،و أخذت أموالهم و أسلحتهم و دوابهم،و أقبل الهمداني برأسه و رؤوس أصحابه إلى المختار حتى وضعها بين يديه،فلما نظر المختار إلى ذلك خر ساجدا للّه،ثم أمر برأس الشمر و أصحابه فنصبت بالكوفة في وجه الحدادين حذاء المسجد الجامع،ثم أمر لهذا الهمداني بعشرة آلاف درهم و ولاّه أرض حلوان.

ثم رجعنا إلى الحديث الأول و خبر عبيد اللّه بن زياد قال:ثم دعا المختار بإبراهيم ابن الأشتر.

فقال له:أبا النعمان!إننا قد عرفنا ممن كان بغى علينا،فاجمع الآن إليك أصحابك و سر إلى عدوك عبيد اللّه بن زياد و أصحابه المحلين،فإن احتجت إلى مدد فاكتب إلي حتى أمدك بالخيل و الرجال،حتى تكتفي إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

قال:فقال له ابن الأشتر:أيها الأمير!إني خارج كما ذكرت و أمرت،لكني لا أحب أن يخرج معي عبيد اللّه بن الحر في هذا الجيش،فإنه رجل معجب بنفسه،و أخاف أن يغدر بي في وقت حاجتي إليه!

فقال المختار:صدقت أبا النعمان هو كذلك و لكن داره و أحسن إليه و املأ عينه من المال،فإنه ابن عمك،و لعلّي إن أمرته بالتخلف عنك أن يجد في نفسه من ذلك عليك،و لكن عليك بمداراته مهما استطعت،و اعلم أني منتظر لأمرك و ما يكون منك في قتال الفاسقين،و أنا أرجو أن تلحق الآخرين بالأولين.

قال:فخرج إبراهيم بن الأشتر من الكوفة يوم السبت لثمان خلون من ذي الحجة سنة ست و ستين،و معه يومئذ عشرة آلاف فارس و سبعة آلاف راجل،و قد رفع رأسه إلى السماء و هو يقول:اللهم عمّرنا في طاعتك،و لا تجعلنا من أهل معصيتك،

ص: 52

اللهم اذكرنا و لا تنسانا،و انصرنا و لا تخذلنا،و ارفعنا و لا تضعنا،و أعزنا و لا تذلنا، إنك واسع الرحمة قريب من المحسنين.

قال:و خرج المختار في نفر من أصحابه لتشييعه فجعل يقول:اللهم انصر من صبر،و اخذل من كفر،و من عصى و من فجر،و بايع و غدر،و علا و تجبّر،فصار إلى سقر،لا تبقي و لا تذر،ليذوق العذاب الأكبر.

قال:ثم أقبل على ابن الأشتر فقال:أبا النعمان!إحفظ عني ثلاث خصال أوصيك بها:خف اللّه في السر و العلانية،و عجّل المسير إلى عدوك،فإذا (1)عاينتهم فناجزهم و حاكمهم إلى اللّه فإنه أحكم الحاكمين!أفهمت ما أوصيتك؟

فقال:نعم أيها الأمير قد فهمت.

قال:فسر الآن راشدا،صحبك اللّه و سلّمك،و ردك سالما (2).0.

ص: 53


1- في الطبري 82/6 و إذا لقيت عدوك فناجزهم ساعة تلقاهم،و إن لقيتهم ليلا فاستطعت ألا تصبح حتى تناجزهم و إن لقيتهم نهارا فلا تنتظر بهم الليل حتى تحاكمهم إلى اللّه.
2- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 270.

مقتل ابن زياد و إرسال رأسه للسجاد عليه السّلام

ذكر اليعقوبي و قال:وجه المختار برأس عبيد اللّه بن زياد إلى علي بن الحسين في المدينة مع رجل من قومه،و قال له:قف بباب علي بن الحسين،فإذا رأيت أبوابه قد فتحت و دخل الناس،فذلك الذي فيه طعامه،فادخل إليه،فجاء الرسول إلى باب علي بن الحسين،فلما فتحت أبوابه،و دخل الناس للطعام،دخل و نادى بأعلى صوته:يا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مهبط الملائكة،و منزل الوحي،أنا رسول المختار ابن أبي عبيد معي رأس عبيد اللّه بن زياد.

فلم تبق في شيء من دور بني هاشم امرأة إلاّ صرخت،و دخل الرسول فأخرج الرأس،فلما رآه علي بن الحسين قال:أبعده اللّه إلى النار.

و روى بعضهم أن علي بن الحسين لم ير ضاحكا قط منذ قتل أبوه،إلا في ذلك اليوم،و انه كان له إبل تحمل الفاكهة من الشام،فلما أتي برأس عبيد اللّه بن زياد أمر بتلك الفاكهة ففرقت بين أهل المدينة و امتشطت نساء آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و اختضبن و ما امتشطت امرأة و لا اختضبت منذ قتل الحسين بن علي (1).

ص: 54


1- تاريخ اليعقوبي 259/2.

ذكر القوم الذين عرضوا على المختار فقتلهم صبرا

قال ابن الأعثم:ثم جعل أصحاب المختار يفتشون الدور و يخرجون القوم إلى المختار مكتفين،فكان المختار كلما قدّم إليه رجل يسأل عنه،فإن كان ممن قاتل الحسين بن علي رضي اللّه عنهما و شهد عليه بذلك أمر به فضربت عنقه صبرا،و إن كان من قتلة الحسين عليه السّلام أمر به فقطعت يده،و منهم من يقطع يده و رجله،و منهم من يأمر به فيكبل بالحديد و يلقى في السجن.

قال:و إذا برجل أسود قد أتي به حتى وقف بين يديه،قال:فجعل الأسود يرتعد و يقول:

أمنن علي اليوم يا خير معد و خير من صلّى و خير من سجد

و خير من حلّ بقوم و وفد و خير من لبى لجبار صمد

قال:فقال له المختار:إني قد سمعت كلامك بالأمس و تحريضك،و أنت تنادي و تقول:أيها الناس قاتلوا الكذاب!أخبرني ما علمك بأني كذاب؟نعم أنا الكذاب،نعم أنا الكذاب كما زعمت إن لم أذقك حر الحديد.

قال:فأمر به،فضربت عنقه صبرا.

ص: 55

خبر سراقة بن مرداس البارقي

قال:و كان آخر من قدم عليه رجل من القوم بهي جميل.

فقال له المختار:من أنت؟

فقال:أيها الأمير!أنا سراقة بن مرداس البارقي،و لست ممن قاتل الحسين بن علي و لا مشارك في دمه،فاسمع كلامي و لا تعجل!

فقال له المختار:فقل ما تشاء فإني سامع منك،فأنشأ يقول:

ألا أبلغ أبا إسحاق أنا نزونا نزوة كانت علينا

خرجنا لا نرى الأبطال شيئا و كان خروجنا بطرا و حينا

نراهم في صفوفهم قليلا و هم مثل الدبى لما التقينا

برزنا إذ رأيناهم إليهم و أما القوم قد برزوا إلينا

لقينا منهم ضربا عنيدا و طعنا مسحجا حتى انثنينا

زففت الخيل يا مختار زفا بكل كتيبة قتلت حسينا

نصرت على عدوك كل يوم بكل حضارم لم يلق شينا

كنصرة أحمد في يوم بدر و يوم الشعب إذ لاقى حنينا

فصفحا إذ قدرت فلو قدرنا لجرنا في الحكومة و اعتدينا

تقبّل توبة مني فإني سأشكر إن جعلت النقد دينا.

قال:فقال له المختار:إني قد سمعت شعرك و أنت ممن قاتلني و لا بد من قتلك أو تخليدك السجن،قال:فقال سراقة:و لم ذلك فو اللّه فعليه كذا و كذا إن لم أر الملائكة بالأمس تقاتل معك،فلما وضعت الحرب أوزارها رأيت الملائكة تطير بين السماء

ص: 56

و الأرض.

فقال له المختار:و أنا أحلف أنك ما رأيت شيئا مما رأيت من أمر الملائكة،و قد حلفت باللّه كاذبا،و قد حقنت لك دمك فاخرج عن الكوفة و الحق بأي بلد شئت (1)!

قال:فقال سراقة:صدقت و اللّه أصلح اللّه الأمير ما رأيت شيئا و ما كنت في يمين حلفت بها ساعة قط أشد اجتهادا و لا مبالغة في الكذب من تلك اليمين،و لكني خفت سيفك.

قال:ثم خرج سراقة بن مرداس من الكوفة هاربا حتى صار إلى مصعب بن الزبير فحدّثه بقصته،ثم أنشأ يقول:

ألا أبلغ أبا إسحاق أني رأيت البلق دهما مصمتات

كفرت بوحيكم و جعلت نذرا علي قتالكم حتى الممات (2)

أرى عيني ما لم تبصراه كلانا عالم بالترهات

إذا قالوا أقول لكم كذبتم و إن خرجوا لبست لهم أداتي

قال:فبلغ المختار ما قاله سراقة بن مرداس فقال:أما أنا فلو علمت ذلك منه لما أفلت من مخالبي (3).6.

ص: 57


1- جاء قول المختار هذا لسراقة سرا و كان قد خلا به،و كان قبل قد أمره أن يصعد المنبر و يعلم الناس بما رأى من أن الملائكة كانت تقاتل مع جيش المختار.(انظر الطبري 55/6 ابن الأثير /2 680 الأخبار الطوال ص 303).
2- البيت في الأخبار الطوال ص 303: كفرت بدينكم و برئت منكم و من قتلاكم حتى الممات.
3- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 266.

سبب توجيه المختار الجيش إلى المدينة لابن الزبير

قال الطبري:قال هشام بن محمد:قال أبو مخنف حدثني موسى بن عامر قال:لما أخرج المختار ابن مطيع من الكوفة لحق بالبصرة و كره أن يقدم على ابن الزبير بمكة و هو مهزوم مفلول فكان بالبصرة مقيما حتى قدم عليه عمر بن عبد الرحمن ابن هشام فصارا جميعا بالبصرة و كان سبب قدوم عمر البصرة أن المختار حين ظهر بالكوفة و استجمع له الأمر و هو عند الشيعة إنما يدعو إلى ابن الحنفية و الطلب بدماء أهل البيت أخذ يخادع ابن الزبير و يكتب إليه فكتب إليه أما بعد فقد عرفت مناصحتي إياك و جهدي على أهلي عداوتك و ما كنت أعطيتني إذا أنا فعلت ذلك من نفسك،فلما وفيت لك و قضيت الذي كان لك على خست بي و لم تف بما عاهدتني عليه و رأيت مني ما قد رأيت فإن ترد مراجعتي أراجعك و إن ترد مناصحتي أنصح لك و هو يريد بذلك كفّه عنه حتى يستجمع له الأمر و هو لا يطلع الشيعة على شيء من هذا الأمر و إذا بلغهم شيء منه أراهم أنه أبعد الناس عن ذلك.

قال:فأراد ابن الزبير أن يعلم أسلم هو أم حرب فدعا عمر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام المخزومي.

فقال له:تجهّز إلى الكوفة فقد وليناكها فقال:كيف و بها المختار قال:إنه يزعم إنه سامع مطيع قال:فتجهّز بما بين الثلاثين ألف درهم إلى الأربعين ألفا ثم خرج مقبلا إلى الكوفة.

قال:و يجيء عين المختار من مكة حتى أخبره الخبر.

ص: 58

فقال له:بكم تجهّز قال:بما بين الثلاثين ألفا إلى الأربعين ألفا.

قال:فدعا المختار زائدة بن قدامة و قال له:إحمل معك سبعين ألف درهم ضعف ما أنفق هذا في مسيره إلينا و تلقّه في المفاوز و أخرج معك بمسافر بن سعيد بن نمران الناعطي في خمسمائة فارس دارع رامح عليهم البيض ثم قل له:خذ هذه النفقة فإنها ضعف نفقتك فإنه قد بلغنا أنك تجهّزت و تكلّفت قدر ذلك فكر هنا أن تغرم فخذها و انصرف فإن فعل و إلا فأره الخيل و قل له إن وراء هؤلاء مثلهم مائة كتيبة.

قال:فأخذ زائدة المال و أخرج معه الخيل و تلقّاه بالمفاوز و عرض عليه المال و أمره بالانصراف فقال له:إن أمير المؤمنين قد و لاّنى الكوفة و لابد من إنفاذ أمره فدعا زائدة بالخيل و قد أكمنها في جانب،فلما رآها قد أقبلت قال:هذا الآن أعذر لي و أجمل بي هات المال فقال له زائدة:أما انه لم يبعث به إليك إلا لما بينك و بينه فدفعه إليه فأخذه ثم مضى راجعا نحو البصرة فاجتمع بها هو و ابن مطيع في إمارة الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة و ذلك قبل و ثوب المثنى بن مخربة العبدي بالبصرة (1).

(قال أبو مخنف)فحدثني إسماعيل بن نعيم أن المختار أخبر أن أهل الشأم قد أقبلوا نحو العراق فعرف أنه به يبدأ فخشي أن يأتيه أهل الشام من قبل المغرب و يأتيه مصعب بن الزبير من قبل البصرة فوادع ابن الزبير و داراه و كايده و كان عبد الملك بن مروان قد بعث عبد الملك بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص إلى وادى القرى و المختار لابن الزبير مكايد موادع فكتب المختار إلى ابن الزبير أما بعد فقد بلغني أن عبد الملك بن مروان قد بعث إليك جيشا فإن أحببت أن أمدك بمدد2.

ص: 59


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 542.

أمددتك فكتب إليه عبد اللّه بن الزبير أما بعد فان كنت على طاعتي فلست أكره أن تبعث الجيش إلى بلادي و تبايع لي الناس قبلك فإذا أتتني بيعتك صدقت مقالتك و كففت جنودي عن بلادك و عجّل علي بتسريح الجيش الذي أنت باعثه و مرهم فليسيروا إلى من بوادي القرى من جند ابن مروان فليقاتلوهم و السلام فدعا المختار شرحبيل بن ورس من همدان فسرّحه في ثلاثة آلاف أكثرهم الموالي ليس فيهم من العرب إلا سبعمائة رجل.

فقال له:سر حتى تدخل المدينة فإذا دخلتها فاكتب إلي بذلك حتى يأتيك أمري و هو يريد إذا دخلوا المدينة أن يبعث عليهم أميرا من قبله و يأمر ابن ورس أن يمضى إلى مكة حتى يحاصر ابن الزبير و يقاتله بمكة فخرج الآخر يسير قبل المدينة و خشي ابن الزبير أن يكون المختار إنما يكيده فبعث من مكة إلى المدينة عباس بن سهل بن سعد في ألفين و أمره أن يستنفر الأعراب و قال له ابن الزبير:إن رأيت القوم في طاعتي فاقبل منهم و إلا فكايدهم حتى تهلكهم ففعلوا و أقبل عباس ابن سهل حتى لقي ابن ورس بالرقيم و قد عبّأ ابن ورس أصحابه فجعل على ميمنته سلمان بن حمير الثوري من همدان و على ميسرته عياش بن جعدة الجدلي و كانت خيله كلها في الميمنة و الميسرة فدنا فسلّم عليه و نزل هو يمشي في الرجالة،و جاء عباس في أصحابه و هم منقطعون على غير تعبئة فيجد ابن ورس على الماء قد عبّأ أصحابه تعبئة القتال فدنا منهم فسلّم عليهم ثم قال:أخل معي ههنا فخلا به.

فقال له:رحمك اللّه ألست في طاعة ابن الزبير فقال له ابن ورس:بلى.

قال:فسر بنا إلى عدوه هذا الذي بوادي القرى فإن ابن الزبير حدثني أنه إنما أشخصكم صاحبكم إليهم؟

قال ابن ورس:ما أمرت بطاعتك إنما أمرت أن أسير حتى آتي المدينة فإذا نزلتها

ص: 60

رأيت رأيي.

قال له عباس بن سهل:فإن كنت في طاعة ابن الزبير فقد أمرني أن أسير بك و بأصحابك إلى عدونا الذين بوادي القرى.

فقال له ابن ورس:ما أمرت بطاعتك و ما أنا بمتبعك دون أن أدخل المدينة ثم اكتب إلى صاحبي فيأمرني بأمره،فلما رأى عباس بن سهل لجاجته عرف خلافه فكره أن يعلمه أنه قد فطن له فقال فرأيك أفضل إعمل بما بدا لك فأما أنا فإني سائر إلى وادى القرى ثم جاء عباس بن سهل فنزل بالماء و بعث إلى ابن ورس بجزائر كانت معه فأهداها له و بعث إليه بدقيق و غنم مسلخة و كان ابن ورس و أصحابه قد هلكوا جوعا فبعث عباس بن سهل إلى كل عشرة منهم شاة فذبحوها و اشتغلوا بها و اختلطوا على الماء و ترك القوم تعبئتهم و أمن بعضهم بعضا،فلما رأى عباس بن سهل ما هم فيه من الشغل جمع من أصحابه نحوا من ألف رجل من ذوي البأس و النجدة ثم أقبل نحو فسطاط شرحبيل بن ورس،فلما رآهم ابن ورس مقبلين إليه نادى في أصحابه فلم يتواف إليه مائة رجل حتى انتهى إليه عباس بن سهل و هو يقول:يا شرطة اللّه إلي إلي قاتلوا المحلين أولياء الشيطان الرجيم فإنكم على الحق و الهدى و قد غدروا و فجروا.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو يوسف أن عباسا انتهى إليهم و هو يقول:

أنا ابن سهل فارس غير و كل أروع مقدام إذا الكبش نكل

و أعتلي رأس الطرماح البطل بالسيف يوم الروع حتى ينخزل

قال:فو اللّه ما اقتتلنا إلا شيئا ليس بشيء حتى قتل ابن ورس في سبعين من أهل الحفاظ و رفع عباس بن سهل راية أمان لأصحاب ابن ورس فأتوها إلا نحوا من ثلثمائة رجل انصرفوا مع سلمان بن حمير الهمداني و عياش بن جعدة الجدلي،فلما وقعوا في يد عباس بن سهل أمر بهم فقتلوا إلا نحوا من مائتي رجل كره ناس من

ص: 61

الناس ممن دفعوا إليهم قتلهم فخلّوا سبيلهم فرجعوا فمات أكثرهم في الطريق،فلما بلغ المختار أمرهم و رجع من رجع منهم قام خطيبا فقال:ألا إن الفجار الأشرار قتلوا الأبرار الأخيار ألا إنه كان أمرا مأتيا و قضاء مقضيا و كتب المختار إلى ابن الحنفية مع صالح بن مسعود الخثعمي:

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد فإني كنت بعثت إليك جندا ليذلوا لك الأعداء و ليحوزوا لك البلاد فساروا إليك حتى إذا أظلوا على طيبة لقيهم جند الملحد فخدعوهم باللّه و غروهم بعهد اللّه،فلما اطمأنوا إليهم و وثقوا بذلك منهم و ثبوا عليهم فقتلوهم فإن رأيت أن أبعث إلى أهل المدينة من قبلي جيشا كثيفا و تبعث إليهم من قبلك رسلا حتى يعلم أهل المدينة أني في طاعتك و إنما بعثت الجند إليهم عن أمرك فافعل فإنك ستجد معظمهم بحقكم أعرف و بكم أهل البيت أرأف منهم بآل الزبير الظلمة الملحدين و السلام عليك فكتب إليه ابن الحنفية أما بعد فإن كتابك لما بلغني قرأته و فهمت تعظيمك لحقي و ما تنوى به من سروري و إن أحب الأمور كلها إلي ما أطيع اللّه فيه فأطع اللّه ما استطعت فيما أعلنت و أسررت و اعلم أني لو أردت القتال لوجدت الناس إلي سراعا و الأعوان لي كثيرا و لكني أعتزلهم و أصبر حتى يحكم اللّه لي و هو خير الحاكمين فأقبل صالح بن مسعود إلى ابن الحنفية فودّعه و سلّم عليه و أعطاه الكتاب و قال له:قل للمختار فليتق اللّه و ليكفف عن الدماء.

قال:فقلت له:أصلحك اللّه أو لم تكتب بهذا إليه.

قال ابن الحنفية:قد أمرته بطاعة اللّه و طاعة اللّه تجمع الخير كله و تنهي عن الشر كله فلما قدم كتابه على المختار أظهر للناس أني قد أمرت بأمر يجمع البر و اليسر و يضرح الكفر و الغدر.(قال أبو جعفر)و في هذه السنة قدمت الخشبية مكة و وافوا الحج و أميرهم أبو عبد اللّه الجدلي (1).5.

ص: 62


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 545.

كتاب محمد ابن الحنفية إلى المختار برواية ابن أعثم

قال ابن الأعثم:كتب إليه:من محمد بن علي إلى المختار بن أبي عبيد و من بحضرته من شيعة أهل البيت عليهم السّلام،سلام عليكم،أما بعد فإني أسأل اللّه أن يرزقنا و إياكم الجنة،و أن يصرف عنا و عنكم عوارض الفتنة،و إني كتبت إليكم كتابي هذا و أنا و أهل بيتي و جماعة من أصحابي محصورون لدى البيت الذي من دخله كان آمنا،و قد منعنا عذب الماء،و طيب الطعام،و كلام الناس يتهدد في كل صباح و مساء بأمر عظيم،و أنا أنشدكم اللّه الذي يجزي بالإحسان و يتولى الصالحين أن لا تخذلوا أهل بيت نبيكم!فتندموا كما ندمتم قبل اليوم عن قعودكم عن الحسين بن علي عليه السّلام، إذ قتل بساحة أرضكم ثم لم تمنعوهم و لم تدفعوا عنهم،فأصبحتم على ما فعلتم نادمين،هذا كتابي إليكم و هو حجة عليكم-و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته-.

قال:ثم وجّه ابن الحنفية بهذا الكتاب إلى المختار،فلما قرأ المختار كتاب ابن الحنفية خنقته العبرة و استعبر باكيا ثم قال:يا غلام!ناد في الناس:الصلاة جامعة!

قال:فنادى المنادي و اجتمع الناس إلى المسجد الأعظم،و خرج المختار حتى دخل المسجد و صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أيها الناس!هذا كتاب مهديكم و صريح آل نبيكم،يستغيث بكم ما نزل به من ابن الزبير،فأغيثوه و أعينوه،فلست بأبي إسحاق إن لم أنصره نصر مؤازر،و إن لم أحزب الخيل في آثار الخيل كالسيل يتلوه السيل،حتى يحل بمن عاداه الويل.

ثم قال:يا أبا المعتمر!أخرج فعسكر بدم هند،بجد وجد،على خيل طائر و سعد.

ص: 63

و أخرج أنت يا هانئ بن قيس!فعسكر بدار السري بن وقاص العاصي،المداهن الحياص،الذي زعم أنه لنا سلم،و أنه من أهل العلم،قد علمت أنه من أهل الخيانة و الظلم.

قال:فخرج الناس فعسكروا كما أمرهم به المختار،فدعا المختار بأبي عبد اللّه الجدلي و كان من خيار أهل الكوفة و أكابرهم،فدفع إليه أربعمائة ألف درهم و أمره بالمسير إلى محمد ابن الحنفية ثم كتب إليه:بسم اللّه الرحمن الرحيم،للمهدي محمد بن علي،من المختار بن أبي عبيد،أما بعد فقد قرأت كتابك و أقرأته شيعتك و إخوانك من أهل الكوفة،و قد سيّرت إليك الشيعة إرسالا يتبع أولاهم أخراهم، و باللّه أقسم قسما صادقا لئن لم يكف عنك من تخاف غائلته على نفسك و أهل بيتك لأبعثن إليك الخيل و الرجال ما يضيق به مكة على ما عاداك و ناوأك،حتى يعلم ابن الزبير أنك أعز منه نفرا و دعوة و أكثر نفيرا،فأبشر فقد أتاك الغوث و جاءك الغيث، و قد وجّهت إليك بأربعمائة ألف درهم لتجعلها فيمن أحببت من أهل بيتك و شيعتك، و قد سرّحت إليك رجالا ينصرونك و يحفظون المال حتى يؤدوه إليك،ثم يقومون بين يديك فيقاتلون عدوك و يدفعون الظلم عنك و عن أهل بيتك فأبشر بالجيش الكبير و الجند الكثير،و اللّه الذي أنا له لو لم أعلم أني أعز لك و لأهل بيتك بهذا المكان إذا لسرت إليك بنفسي و أذب عنك و عن أهل بيتك و عن وليك و شيعتك،دفع اللّه عنك و عنهم السوء أجمعين-و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته-.

قال:فخرج الناس من الكوفة يريدون مكة إلى محمد ابن الحنفية و سبق إليه الكتاب،فلما قرأه حمد اللّه على ذلك،و أقبلت الخيل نحو مكة أرسالا يتلو بعضها بعضا،فلما دخلوا أقبلوا إلى محمد ابن الحنفية فجعلوا يفدونه بآبائهم و أمهاتهم و هم يقولون:جعلنا فداك يابن أمير المؤمنين!فخل بيننا و بين ابن الزبير حتى يرى أننا أعز نفرا.

ص: 64

فقال لهم ابن الحنفية (1):مهلا فإني لا أستحل القتال في حرم اللّه و حرم رسوله محمد صلى عليه و آله و سلم.

قال:و بلغ ابن الزبير ذلك،فقام في أصحابه خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد فالعجب كل العجب من هذه العصبة الرديئة السيئة الترابية الذين يناؤوني في سلطاني ثم إنهم ينعون حسينا و يسمعوني ذلك (2)حتى كأني أنا الذي قتلت الحسين بن علي عليه السّلام،و اللّه لو قدرت على قتلة الحسين لقتلتهم،و هؤلاء الذين كاتبوا الحسين بن علي فأطمعوه في النصر!فلما صار إليهم خذلوه و أسلموه لعدو.

قال:ثم أرسل ابن الزبير إلى أبي عبد اللّه الجدلي و أصحابه القادمين من الكوفة فدعاهم ثم قال:أخبروني عنكم يا أهل الكوفة أما كفاكم خروجكم مع المختار و إفسادكم علي العراق حتى قدمتم هذا البلد تناؤوني في سلطاني!أتظنون أني أخلي صاحبكم هذا دون أن يبايع و تبايعوا أنتم أيضا معه صاغرين!

قال:فقال له أبو عبد اللّه الجدلي:إي و الركن و المقام،و الحل و الحرام،و هذا البلد الحرام،و حرمة الشهر الحرام!لتخلين سبيل صاحبنا ابن علي و لينزلن من مكة حيث يشاء و من الأرض حيث يحب أو لنجاهدنك بأسيافنا جهادا و جلادا يرتاب منه المبطلون.

قال:و إذا محمد ابن الحنفية قد أقبل في جماعة من أصحابه حتى دخل المسجد الحرام،قال:و نظر ابن الزبير فإذا أصحابه كثير و أصحاب ابن الحنفية قليل،غير أنهم مغضبون مجمعون على الحرب محبون لذلك،فعلم أن جانبهم خشن،و أن..

ص: 65


1- و كان ابن الزبير قد حصر محمد ابن الحنفية و أهل بيته و شيعته و سبعة عشر رجلا من وجوه أهل الكوفة و حبسهم بزمزم و توعدهم بالقتل و الإحراق إن لم يبايعوا.و كان وصول أهل الكوفة و قد بقي من الأجل الذي ضربه لهم ابن الزبير يومان.(لنظر الطبري 76/6 و ابن الأثير 689/2).
2- و كان قد دخلوا المسجد الحرام و معهم الرايات و هم ينادون يا لثارات الحسين..

وراءهم شوكة شديدة من قبل المختار فجعل يتشجع و يقول لإخوته و أصحابه:

و من ابن الحنفية و أصحابه هؤلاء!و اللّه ما هم عندي شيء!و لو أني هممت بهم لما مضى ساعة من النهار حتى تقطف رؤوسهم كما يقطف الحنظل.

قال له رجل من أصحاب ابن الحنفية (1):و اللّه يابن الزبير!لئن رمت ذلك منا فإني أرجو أن يوصل إليك من قبل أن ترى فينا ما تحب.

قال:ثم ضرب الطفيل (2)بيده إلى سيفه فاستلّه فهم أن يفعل شيئا.

فقال ابن الحنفية لأبيه:يا أبا الطفيل!قل لابنك فليكف عما يريد أن يصنع.

ثم أقبل على أصحابه فقال:يا هؤلاء!مهلا فإني أذكركم اللّه إلا كففتم عنا أيديكم و ألسنتكم،فإني ما أحب أن أقاتل أحدا من الناس،و لا أقول للناس إلا حسنا،و لا أريد أيضا أن أنازع ابن الزبير في سلطانه و لا بني أمية في سلطانهم،و لا أدعوكم إلى أن يضرب بعضكم بعضا بالسيف،و إنما آمركم أن تتقوا اللّه ربكم،و أن تحقنوا دماءكم،فإني قد اعتزلت هذه الفتنة التي فيها ابن الزبير و عبد الملك بن مروان إلى أن تجتمع الأمة على رجل واحد،فأكون كواحد من المسلمين.

قال:فقال رجل من أصحاب عبد اللّه بن الزبير:صدق و اللّه الرجل-يعني ابن الحنفية!و اللّه ما هذه إلا فتنة كما قال!و السعيد عندي من اعتزلها.

قال:فصاح به ابن الزبير و قال:أسكت أيها الرجل!فإنك لا تعقل ما يأتي و ما تدري من هذا حتى يسمع قوله و يؤخذ برأيه،إنما كان هذا مع أخويه الحسن و الحسين كالعسيف الذي لا يؤامر و لا يشاور.

قال:فقال له محمد ابن الحنفية:كذبت و اللّه و لؤمت!ما كان إخواني بهذه المنزلة،م.

ص: 66


1- هو قيس بن مالك(الطبري 77/6).
2- و كان أبو الطفيل عامر بن واثلة بن وجوه أهل الكوفة المحبوس مع ابن الحنفية في زمزم و الطفيل ابنه بقي إلى أيام ابن الأشعث و قتل معه بدير الجماجم.

و لكنهم كانوا أخوي و شقيقي،و كنت أعرف لهم فضلهم و نسبهم و قرابتهم من الرسول محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و قد كانوا يعرفون لي من الحق مثل ذلك،و ما قطعوا أمرا دوني مذ عقلت،و أما قولك:إنه لا ينبغي أن يسمع قولي و لا يؤخذ برأيي،فأنا و اللّه أوجب حقا على الأمة منك و أحق بالمودة و النصر لحق علي بن أبي طالب و قرابته من الرسول محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم!و لو أني أعتمد على الناس بحق النبوة أنها في بني هاشم دون غيرهم لكان ينبغي لذوي الرأي و العلم أن يأخذوا برأيي و يستمعوا لقولي، و يكونوا لي أود و مني أسمع و لي أنصح منهم لك يابن الزبير.

قال:فلم يزل هذا الكلام بين محمد ابن الحنفية و بين عبد اللّه بن الزبير و قد ضاق الناس بعضهم بعضا في المسجد الحرام عليهم السلاح،و المعتمرون يمشون بينهم بالصلح حتى سكت ابن الزبير و لم يقل شيئا،و خرج ابن الحنفية و من معه من أصحابه حتى نزل في شعب أبي طالب،ثم جمع أصحابه فقسم عليهم من المال الذي وجّه به المختار ما قسم،و قسم باقي ذلك في أهل بيته و قرابته،و أقام في ذلك الشعب ممنوعا،فهذا أول خبر ابن الحنفية مع ابن الزبير،و سنرجع إلى أخبارهم بعد هذا إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه و هو حسبنا و نعم الوكيل.

ثم رجعنا إلى حديث المختار قال:ثم عزم المختار على هدم دار أسماء بن خارجة الفزاري و إحراقها لأنه كان ممن عمل في قتل مسلم بن عقيل رضي اللّه عنهما.

قال فجعل يقول:أما و رب السماء و الماء و رب الضياء و الظلماء!لتنزلن نار من السماء،حمراء دهماء سحماء،فلتحرقن في دار أسماء.

قال:و بلغ ذلك أسماء بن خارجة فقال:إنه قد سجع و ليس ههنا مقام بعد هذا قال:

ثم خرج أسماء من داره هاربا حتى صار إلى البادية،و أرسل المختار إلى داره و دور بني عمه فهدمها عن آخرها.

ص: 67

ثم دعا برجل من أصحابه يقال له حوشب بن يعلى الهمداني فقال:و يحك يا حوشب!أنت تعلم أن محمد بن الأشعث من قتلة الحسين بن علي،و هو الذي قال له بكربلاء ما قال،اللّه ما يهنئني النوم و لا القرار و رجل من قتلة الحسين بن علي يمشي علي وجه الأرض!و قد بلغني أنه في قرية إلى جنب القادسية فسر إليه في مائة رجل من أصحابك فإنك تجده لاهيا متصيدا،أو قائما متلبدا،أو خائفا متلددا، أو كامنا مترددا،فاقتله و جئني برأسه.

قال:فخرج حوشب بن يعلى الهمداني في مائة رجل من أصحابه حتى صار إلى قرية محمد بن الأشعث،و علم ابن الأشعث بذلك فخرج من باب له آخر في جوف الليل هاربا و مضى نحو البصرة إلى معصب بن الزبير.

قال:و أصبح حوشب بن يعلى هذا و قد علم أن محمد بن الأشعث قد هرب فكتب إلى المختار بذلك،فكتب إليه المختار أنك قد ضيّعت الحزم و لم تأخذ بالوثيقة،فإذا قد فاتك الرجل فأهدم قصره،و أخرب قريته،و أتني بأمواله!

قال:فهدمت دار محمد بن الأشعث،و أمر المختار بنقضها فبنوا به دار حجر بن عدي الكندي رحمه اللّه.

قال:و صار محمد بن الأشعث إلى مصعب بن الزبير فالتجأ إليه.

فقال له مصعب:ما وراءك؟

فقال:ورائي و اللّه أيها الأمير الترك و الديلم!هذا المختار بن أبي عبيد قد غلب على الأرض،فهو يقتل الناس كيف شاء،و قد قتل إلى الساعة هذه ممن يتهم بقتال الحسين بن علي أكثر من ثلاثة آلاف،و قد كان أعطاني الأمان ثم إنه بعث إلي ببعض أصحابه فأراد قتلي فهربت إليك،فهذه قصتي و هذه حالي،ثم وثب رجل من كندة ممن قدم مع محمد بن الأشعث حتى وقف بين يدي مصعب بن الزبير فأنشأ يقول أبياتا مطلعها:

ص: 68

إن قوما من كندة الأخيار بين قيس و بين آل المذار

إلى آخرها.

قال:فقال له مصعب بن الزبير:يا أخا كندة!إني قد فهمت كلامك،و إني أعمل برأي أمير المؤمنين،و هو الذي و لاني البصرة و أمرني بحرب الأزارقة،و هذا المهلب بن أبي صفرة في وجوههم يحاربهم،فلا تعجلوا فإن المختار له مدة هو بالغها.

قال:فأقام محمد بن الأشعث عند مصعب بن الزبير بالبصرة،و بلغ عبد الملك بن مروان ما فيه المختار من غلبته على البلاد و قتله للناس،فأحب أن يبدأ به قبل غيره، ثم يتفرغ لعبد اللّه بن الزبير و أخيه مصعب بن الزبير-و اللّه أعلم-ابتداء مسير عبيد اللّه بن زياد إلى العراق و مقتله قال:فدعا عبد الملك بن مروان بعبيد اللّه بن زياد، فضم إليه ثمانين ألفا من أجناده و أهل الشام،ثم وضع لهم الأرزاق و أعطاهم و أمرهم بالسمع و الطاعة لعبيد اللّه بن زياد،ثم أقبل عليه فقال له:يابن زياد!أنت تعلم أن أبي مروان كان قد أمرك بالمسير إلى العراق على أنك تأتي الكوفة فتقتل أهلها و تنهبها ثلاثا،ثم إن الموت عاجله فمضى لسبيله،و الآن فإني وليتك على هذا الجيش فسر نحو الجزيرة و العراق،فإذا فرغت من المختار فسر إلى مصعب بن الزبير فاكفني أمره،ثم سر إلى عبد اللّه بن الزبير بالحجاز فألحقه بأخيه مصعب، فإذا فرغت من ذلك فلك جميع ما غلبت عليه بسيفك من أرض الشام إلى مطلع الشمس.

قال:فسار عبيد اللّه بن زياد من الشام و معه ثمانون ألفا من الخيل و الجنود حتى صار إلى بلاد الجزيرة و نزل أرض نصيبين.

قال:و بلغ ذلك عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني و هو يومئذ عامل المختار على الموصل و ما والاها،فكتب إلى المختار يخبره بذلك.

ص: 69

قال:و خرجت مقدمة عبيد اللّه بن زياد في عشرين ألفا نحو الموصل،و خرج عامل المختار عن الموصل هاربا حتى صار إلى تكريت فنزلها،و أقبل عبيد اللّه بن زياد في جيشه ذلك حتى نزل الموصل،و بلغ ذلك المختار فكتب إلى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس:أما بعد فقد بلغني أيضا كتابك و فهمت ما ذكرت من أمر عبيد اللّه بن زياد،و قد بلغني أيضا نزوله أرض الموصل و نزولك بتكريت،و قد لعمري أصبت الرأي في تنحيك من بين يديه إذ كنت لا تقوم لجيشه،فانظر لا تبرحن في موضعك ذلك حتى يأتيك أمري،و السلام..

قال:ثم دعا المختار برجل من سادات الكوفة و شجعانهم يقال لهم يزيد بن أنس الأسدي.

فقال له:يا يزيد!إنك قد علمت أن العاقل ليس كالجاهل،و أن الحق ليس كالباطل، و إني أخبرك خبر من لم-يكذب،و لم يخالف و لم يرتب،إننا نحن المؤمنون، الميامين المساليم العالمون،و إنك صاحب الخيل العتاق،و فارس أرض العراق، و سنورد خيلك حياض المنون،و منابت الزيتون،غائرة عيونها،لاحقة بطونها، و هذا ابن زياد قد أقبل في المحلين و أبناء القاسطين،فسر إليه في المؤمنين،و اطلب بدم ابن بنت نبي رب العالمين.

قال:فقال له يزيد بن أنس:أيها الأمير!أضمم إلي ثلاثة آلاف فارس ممن أنتخبهم أنا،و خلّني و الوجه الذي توجّهني،فإن احتجت إلى مدد فإني سأكتب إليك بذلك إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

قال:فقال له المختار:أخرج فانتخب من أحببت من الناس على بركة اللّه و عونه.

قال:فخرج يزيد بن أنس فجعل ينتخب القائد بعد القائد،و الرجل بعد الرجل، حتى انتخب ثلاثة آلاف من سادات فرسان العرب،ثم إنه فصل من الكوفة فخرج معه المختار و الناس يشيعونه،حتى إذا صار إلى دير أبي موسى أقبل عليه المختار

ص: 70

يوصيه فقال له:يا يزيد!أنظر إذا لقيت العدو نهارا فلا تنظرهم إلى الليل،و إن أمكنتك الفرصة فلا تؤخرها،و ليكن عندي خبرك في كل يوم،و إن احتجت إلى مدد فاكتب إلي في ذلك مع أني أمدك بالخيل و الرجال حتى تكتفي إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

قال:فقال يزيد بن أنس:أيها الأمير!ما أريد منك أن تمدني إلا بالدعاء و كفى لي به مددا،و السلام..

قال:ثم ودّعه و سار.و كتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني:أما بعد فقد توجّه إلى ما قبلك يزيد بن أنس،و هو من قد علمت في البأس و الشدة،فإذا قدم عليك فخل بينه و بين البلاد،و كن تحت رايته سامعا مطيعا له، و السلام (1).7.

ص: 71


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 257.

مسير يزيد بن أنس إلى محاربة عبيد اللّه ابن زياد

قال ابن الأعثم:و هي الوقعة الأولى قال:و سار يزيد بن أنس حتى صار إلى تكريت و صار إليه عبد الرحمن بن سعيد في ألف رجل،فصار يزيد في أربعة آلاف فارس،و أقبل حتى نزل على خمسة فراسخ من أرض الموصل،و بلغ ذلك عبيد اللّه بن زياد فوجّه إليه بقائد من قواد أهل الشام يقال له ربيعة بن مخارق الغنوي في ثلاثة آلاف فارس،و أتبعه بقائد آخر يقال له عبد اللّه بن حملة الخثعمي في ثلاثة آلاف،قال:و أقبل القوم حتى نزلوا حذاء يزيد بن أنس.

قال:و اعتل يزيد بن أنس في ليلته تلك علة شديدة و أصبح موعوكا لما به،فدعا بحمار له مصري فاستوى عليه و جعل يجول في عسكره و غلمانه يمسكونه من ضعفه أن لا يسقط من الحمار،فجعل يوصي أصحابه و يقول:يا شرطة اللّه! اصبروا تؤجروا،و صابروا عدوكم تظفروا،و قاتلوا أولياء الشيطان،إن كيد الشيطان كان ضعيفا،فقد ترون ما بي من العلة فإن هلكت فأميركم من بعدي ابن عمي ورقاء بن عازب الأسدي،فإن أصيب فعبد اللّه بن ضمرة العذري،فإن أصيب فسعر بن أبي سعر الحنفي.

قال:ثم نزل عن الحمار و وضع له كرسي،فجلس عليه و جعل يقول:إن شئتم فقاتلوا عن أميركم و إن شئتم فعن أنفسكم و دينكم،و خذوا بدم ابن بنت نبيكم محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

ثم دنا القوم بعضهم من بعض فاقتتلوا ساعة،و حمل ورقاء بن عازب الأسدي

ص: 72

على رجل من أهل الشام فضربه ضربة نكسه عن فرسه قتيلا.

ثم صاح بأهل العراق فحملوا و حمل معهم،و انهزم أهل الشام هزيمة قبيحة، و وضع أهل العراق فيهم السيف،فجعلوا يقتلونهم خمسة فراسخ حتى ألحقوهم بصاحبهم عبيد اللّه بن زياد،و قد قتل منهم من قتل،و أسر منهم ثلاثمائة رجل أو يزيدون،فأتي بهم إلى يزيد بن أنس و هو لما به حتى أوقفهم بين يديه فجعل يومىء بيده أن اضربوا أعناقهم!

قال:فضربت أعناقهم عن آخرهم.فلما كان الليل اشتدت العلة بيزيد بن أنس فتوفي في بعض الليل رحمه اللّه!فغسل و كفن و حفر له ناحية من العسكر،و تقدّم ورقاء بن عازب الأسدي فصلّى عليه،و دفن في جوف الليل و سوّي قبره بالأرض لكيلا يعلم أحد بموضعه قال:و أصبح أهل العراق مغمومين بموت صاحبهم يزيد بن أنس.

فقال لهم ورقاء بن عازب:أيها الناس!دعوا عنكم هذا الجزع الذي قد تداخلكم، فكل حي ميت،فلا تشربوا قلوبكم الهم و الغم،فهذا عبيد اللّه بن زياد بإزائكم في خلق عظيم،و قد علمتم من قد التأم إليه من أهل الجزيرة،و لا أظن أن لكم به طاقة،فإني أعلم أننا إن قاتلناهم كنا مخاطرين،و إن هزمناهم لن ينفعنا هزيمتهم شيئا لكثرة جمعهم و عددهم.

قال:فقالوا:أيها الأمير!الرأي عندنا أن تنصرف حتى ننصرف معك.

قال:فرحل القوم في جوف الليل نحو العراق.و بلغ ذلك المختار و أهل الكوفة فأرجف منهم من أرجف و تكلم أعداء المختار ما تكلموا و لم يعلموا ما الخبر،و ظنوا أنه قد قتل يزيد بن أنس و أن أصحابه قد أبيدوا.

قال:و اغتم المختار أيضا لذلك و لم يدر ما قصة يزيد بن أنس و أصحابه،ثم أتاه الخبر بعد ذلك بأن يزيد بن أنس إنما مات من علة نزلت به،و أن أصحابه انصرفوا

ص: 73

من غير هزيمة.

قال:فطابت نفس المختار بذلك،و قدم أصحاب يزيد بن أنس الكوفة يخبرون بما كان من أمرهم.

قال:فعندها دعا المختار بإبراهيم بن الأشتر،فعقد له عقدا و ضم إليه أصحاب يزيد بن أنس و غيرهم من فرسان أهل الكوفة و رجالتهم (1)و قال له:سر إلى عدوك فناجزهم و طالعني بأخبارك في ليلك و نهارك،و إن رأيت أمرا لا طاقة لك به فلا تلق بيدك إلى التهلكة،و اكتب إلي حتى أمدك بخيل و رجال ما تكتفي بهم إن شاء اللّه تعالى و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

قال:فخرج إبراهيم بن الأشتر حتى ضرب عسكره بموضع يقال له حمام أعين (2)،و عزم أهل الكوفة على أن يغدروا بالمختار (3).9.

ص: 74


1- في الطبري أن المختار علم خبر جيش يزيد بن أنس من عين له من أنباط السواد قبل وصولهم الكوفة و أنه عقد لابن الأشتر على سبعة آلاف رجل و ساربهم قبل دخول جيش ابن أنس الكوفة و أمره أن يرد معه جيش ابن أنس إن التقى بهم.43/6.و انظر الأخبار الطوال 293.
2- حمام أعين موضع بالكوفة منسوب إلى أعين مولى سعد بن أبي وقاص.
3- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 259.

كتاب المختار إلى محمد ابن الحنفية برواية ابن أعثم

قال ابن الأعثم:و كتب المختار إلى محمد ابن الحنفية رضي اللّه عنه كتابا و وجّه معه ثلاثون ألف دينار:بسم اللّه الرحمن الرحيم،للمهدي محمد بن علي،من المختار ابن أبي عبيد،سلام عليك!أما بعد،فالحمد للّه الذي طلب لك بالأوتار،و أخذ لك بالثأر و من الأشرار و أبناء الفجار،فقتلهم في كل فج بقهر،و غرقهم في كل بحر و نهر، فشفى بذلك قلوب المؤمنين،و أقرّ به عيون المسلمين،و أهلك المحلّين الفاسقين، و أولاد القاسطين،فأبادهم رب العباد أجمعين،فنزل بهم ما نزل بثمود و عاد، و غرّقهم تغريق فرعون ذي الأوتاد،الذين طغوا في البلاد،فأكثروا فيها الفساد،قد قتلوا أشر قتلة،و مثل بأشرافهم أقبح مثلة،فاحمد اللّه أيها المهدي على ما أتاك، و اشكره على ما أعطاك،و أنعم عليك و أولاك،و قد وجّهت إليك بثلاثين ألف دينار لتصرفها في أهل بيتك و قرابتك و من لجأ إليك من شيعتك،و السلام عليك أيها المهدي و رحمة اللّه و بركاته.

قال:فلما ورد كتابه على محمد ابن الحنفية و قرأه على أهل بيته و شيعته خر القوم سجدا.

ثم قام محمد ابن الحنفية و صلى ركعتين شكرا للّه تعالى إذ قتل عبيد اللّه بن زياد و أصحابه،ثم أمر بالرؤوس أن تنصب خارج الجسر،فمنعه ابن الزبير من ذلك و أمر بالرؤوس فدفنت،ثم قسم محمد ابن الحنفية ذلك المال في أهل بيته و شيعته و قرابته.

ص: 75

قال:و نظر عبد اللّه بن الزبير إلى غلبة المختار على البلاد،فاشتد ذلك عليه، و ضاقت عليه الأرض بما رحبت،و لم يدر ما يصنع،قال:و سار ابن الأشتر حتى نزل الموصل،و احتوى على أرض الجزيرة كلها،فأخذها وجبى خراجها،و وجّه ببعض ذلك إلى المختار،و فرّق باقي ذلك على أصحابه.

قال:فصارت الكوفة و سوادها إلى حلوان إلى الماهين إلى الري و ما والاها في يدي المختار،و الجزيرة بأجمعها من ديار ربيعة و مضر في يد إبراهيم بن الأشتر و نوابه بها (1)،و الشام كلها و أرض مصر إلى الواحات في يدي عبد الملك بن مروان، و الحجاز كلها و أرض اليمن في يد عبد اللّه بن الزبير و أخيه مصعب بن الزبير بالبصرة،و المهلب بن أبي صفرة من قبل مصعب في وجوه الأزارقة يحاربهم.

ابتداء مسير مصعب من البصرة إلى الكوفة و مقتل المختار رحمه اللّه قال:و نظر مصعب بن الزبير إلى إبراهيم بن الأشتر و قد احتوى على البلاد من الجزيرة و قد بقي المختار بالكوفة،فعزم على المسير إليه و كتب إلى المهلب بن أبي صفرة:أما بعد،فإننا قد عزمنا على المسير إلى الكوفة إلى محاربة المختار الكذاب،غير أني قد أحببت أن تشهد أمرنا،فإذا ورد كتابي هذا عليك فول بعض أولادك حرب الأزارقة و أقبل إلينا راشدا إن شاء اللّه،و السلام.

قال:ثم دفع الكتاب إلى محمد بن الأشعث بن قيس الكندي (2).ث.

ص: 76


1- أنفذ إبراهيم عماله إلى البلاد فبعث أخاه عبد الرحمن بن عبد اللّه(أخوه لأمه)إلى نصيبين، و ولى السفاح بن كردوس على سنجار،و زفر بن الحارث على قرقيسيا و حاتم بن النعمان الباهلي حران و الرها و سميساط و ناحيتها و عمير بن الحباب كفرتوثا و طور عبدين و مسلم بن ربيعة العقيلي على آمد(ابن الأثير 8/3 الأخبار الطوال ص 297).
2- في الطبري 94/6 و ابن الأثير 10/3 أن مصعب بن الزبير أرسل كتابا إلى المهلب يدعوه فيه للمجئ إليه لمحاربة المختار فأبطأ عليه كراهية الخروج معه و قد اعتل عليه بشي من الخراج.فأرسل عندئذ إليه محمد بن الأشعث.

فقال له:سر إلى المهلب فليس له أحد سواك،فإنه إذا نظر إليك رسولا علم أن الأمر جد فلا يتخلف،و انظر لا تفارقه و أشخصه معك إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه.

قال:فأخذ محمد بن الأشعث الكتاب و سار إلى المهلب و المهلب يومئذ بسابور من أرض فارس يحارب الأزارقة،فلما قرأ الكتاب قال:يا سبحان اللّه!أما وجد الأمير بريدا سواك؟

فقال محمد بن الأشعث:أبا سعيد!و اللّه ما أنا ببريد لأحد:غير أن نساءنا و أبناءنا و أموالنا و عقارنا و منازلنا في يد المختار،و قد غلبنا على ذلك و أجلانا عن بلدنا، و هذا إبراهيم بن الأشتر قد غلب على بلاد الجزيرة و خالف على المختار،و المختار اليوم فليس معه جيش،و إنما هو شرذمة قليلة،و إني لأرجو أن يظفرنا اللّه به فنرجع إلى نعمتنا التي لم تزل لنا و لآبائنا من قبلنا.

قال:فدعا المهلب برؤساء أصحابه فأحضرهم بين يديه،ثم حمد اللّه و أثنى عليه و قال:أيها الناس!إن الأزارقة ليس يريدون إلا ما في أيديهم،و المختار يريد ما يكون في أيديكم،و هذا كتاب مصعب بن الزبير يأمرني فيه بالقدوم عليه،فاستمعوا له و أطيعوا أمره!فو اللّه ما رأيت صوابا قط إلا سبقني إليه،و قد تعلمون أنه ليث عبوس،للأقران فروس،و هو خليفتي عليكم إلى حين رجوعي إليكم-إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم-.

قال:ثم ودّع المهلب أولاده و أهل عسكره،و سار في ألف رجل من فرسان عسكره حتى قدم البصرة،و دخل على مصعب بن الزبير،فقرّبه و أدناه و أجلسه معه على سريره،و أمر له بخلعة و جائزة ثم أمره بالتأهب إلى محاربة المختار.

فقال له المهلب:أيها الأمير!أنا متأهب لك فاعزم إذا شئت!

قال:فعندها أمر مصعب عسكره و أصحابه أن يعسكروا عند الجسر الأعظم.

ثم خرج و خرج الناس معه من البصرة،و جعل على كل قبيلة من قبائل العرب

ص: 77

رئيسا يقتدون به و برأيه و ينتهون إلى أمره،فعلى قريش و أحلافها عمر بن عبيد اللّه بن معمر التيمي،و على بني تميم كلها الأحنف بن قيس التيمي،و على قيس عيلان قيس بن الهيثم السلمي،و على بني بكر بن وائل مالك بن مسمع الجحدري،و على قبائل عبد القيس مالك بن المنذر بن الجارود العبدي،و على قبائل كندة محمد بن الأشعث بن قيس الكندي،و على قبائل مذحج عبيد اللّه بن الحر الجعفي،و على قبائل الأزد يومئذ المهلب بن أبي صفرة.

قال:و بلغ ذلك المختار فعلم أنه قد أوتي من قبل إبراهيم بن الأشتر،لأنه قد خذله و قعد عنه،فقام في الناس خطيبا،فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد يا أهل الكوفة! فإن أهل مصركم الذين بغوا عليكم،و قتلوا ابن بنت نبيكم الحسين بن علي،قد كانوا لجأوا إلى أمثالهم من الفاسقين،فاستعانوا بهم عليكم،لما علموا أن ابن الأشتر خذلني و قعد عن نصرتي،و قد بلغني أنهم خرجوا من البصرة في جيش لجب إلى قبلكم،و إنما يريدون قتلي ليضمحل الحق،و ينتعش الباطل،و يقتل أولياء اللّه،ألا فانتدبوا رحمكم اللّه مع الأحمر بن شميط البجلي،فإني أرجو أن يهلكهم اللّه على أيديكم هلاك عاد و ثمود و ما ذلك على اللّه بعزيز.

قال:فأجابه الناس إلى ذلك من كل جانب و قالوا:سمعنا و أطعنا.

ثم خرج و خرج بهم الأحمر بن شميط حتى عسكر بهم على موضع يقال له حمام أعين،و خرج إليه أمراء الأجناد فعسكروا معه في قريب من ثلاثة آلاف فارس و راجل،ثم سار الأحمر بأهل الكوفة حتى نزل المذار و أقبل إليه مصعب بن الزبير حتى نزل قريبا منه في سبعة آلاف ما بين فارس و راجل و دنا القوم بعضهم من بعض،و تقدم عبّاد بن الحصين الحبطي حتى وقف بين الجمعين ثم نادى بأعلى صوته:ألا يا شيعة المختار!إننا ندعوكم إلى كتاب اللّه و سنّة نبيه محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، و إلى بيعة أمير المؤمنين عبد اللّه بن الزبير.

ص: 78

قال:فقال عبد اللّه بن كامل الهمداني:و نحن أيضا ندعوكم إلى كتاب اللّه و سنّة نبيه محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و إلى بيعة المختار بن أبي عبيد،و إلى أن نجعل هذا الأمر شورى في آل الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فمن زعم أنه أحق بهذا الأمر منهم برئنا منه في الدنيا و الآخرة و جاهدناه حق الجهاد.

قال:فلما سمع مصعب بن الزبير ذلك غضب فقال:احملوا عليهم!فحمل عبّاد بن الحصين في قبيلة عظيمة على أصحاب المختار،فلم يزل منهم واحد عن موقفه قال:

فعندها صاح محمد بن الأشعث و قال:يا أهل العراق!إلى متى و حتى متى نكون أذلاء مشردين مطرودين عن أهلنا و أولادنا،كروا عليه كرة صادقة فإنهم مغلوبون إن شاء اللّه.

قال:فاضطرب القوم و تصادموا،و حنق بعضهم على بعض،و وقعت الهزيمة على أصحاب المختار (1)،و قتل صاحبهم الأحمر بن شميط و انكشفوا فولوا الأدبار، و أخذهم السيف،فأما الرجالة فما التفت منهم أحد،و أما الخيل فما انفلت منهم إلا الجواد،فدخل أقلهم إلى الكوفة بأشر حالة تكون حتى صاروا إلى المختار، فأخبروه بذلك،فأنشأ الأعشى يقول شعرا.

قال:و نزل بالمختار أمر عظيم من قتل أصحابه،و أيقن بالهلكة،و لم يجد بدا من التشجع،و كتب إلى إبراهيم بن الأشتر كتابا بعد كتاب يسأله المسير إليه فلم يفعل، و أقبل مصعب بن الزبير حتى نزل في موضع واسط،ثم أمر أصحابه الرجالة فقعدوا في السفن و ساروا إلى نهر يخرجهم إلى الفرات.

قال:و بلغ ذلك المختار فأمر كل نهر علم أن يحمل من الفرات فسكر بعضها بعضا،فبقيت سفن أصحاب مصعب في الطين،فلما نظروا إلى ذلك خرجوا من5.

ص: 79


1- انظر تفاصيل حول المعركة و وردت في الطبري 97/6 و ابن الأثير 10/3 و الأخبار الطوال ص 305.

السفن و أقبلوا يسيرون نحو الكوفة و مصعب قد سار في خيله على الظهر حتى وافى أصحابه.

قال:و دعا المختار برجل من أصحابه فاستخلفه على الكوفة،و قد أعد في القصر جميع ما احتاج إليه من آلة الحصار،ثم أقبل حتى نزل بحروراء و دنا القوم بعضهم من بعض.

فقال المختار:يا له من يوم لو حضرني فيه ابن الأشتر!و لكنه قعد عني و خذلني، و و اللّه ما من الموت بد!

قال:و اختلط الفريقان،فأرسل مصعب بن الزبير إلى المهلب بن أبي صفرة يقول:أبا سعيد!رحمك اللّه ما تنتظر أن تحمل على من بإزائك؟أما ترى إلى تعبئة جيش هذا الكذاب!فالتفت المهلب إلى بعض أصحابه فقال:إن الأمير أعزه اللّه يظن أننا نلعب،و لا يعلم أني قاتلت قتالا هو أشد من هذا،و لكن احملوا و استعينوا باللّه و اصبروا.

قال:ثم حمل المهلب و حمل الناس معه حملة صادقة،فحطموا أصحاب المختار و كشفوا،فصاح المختار بأصحابه:لا بأس عليكم أنا أبو إسحاق أنا جزار القاسطين،أين أصحاب الصبر و اليقين،إلي إلي رحمكم اللّه!

قال:فثاب إليه زهاء عن خمسمائة رجل،ليس فيهم رجل إلا و هو يعد برجال، فجعلوا يقاتلون قتالا لم يسمع الناس بمثله،و التفت رجل من أصحاب المختار يقال له عبد اللّه بن عمرو النهدي فقال:و يحكم أروني الموضع الذي فيه محمد بن الأشعث،فإنه ممن قاتل الحسين بن علي عليه السّلام و شارك في دمه!فقالوا:ألا ترى هو في الكتيبة الحمراء على الفرس الأدهم؟

فقال:بلى قد رأيته،فدعوني و إياه.

ثم رفع رأسه إلى السماء و قال:اللهم إننا على ما كنت عليه بصفين،اللهم و إني

ص: 80

أبرأ إليك ممن قتل أهل البيت بيت نبيك محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أو شارك في دمائهم.

قال:ثم حمل حتى خالط أصحاب مصعب بن الزبير،فجعل يضرب فيهم ضربا منكرا و هو في ذلك يلاحظ محمد بن الأشعث،حتى إذا أمكنته الفرصة و حمل عليه، ضربه ضربة على رأسه جدله صريعا.

قال:و اختلط الناس من أصحاب ابن الزبير بعبد اللّه بن عمرو هذا فقتلوه.

قال:و جعل المختار يقول:بأبي و أمي أنتم كروا على الحرب،كروا كروا على الثعالب الرواغة!

قال:فجعل أصحاب المختار يقاتلون بين يديه أشد قتال يكون،و صاح مصعب بن الزبير بأصحابه و قال:سوءة لكم يا معشر العرب!أما ترون ما نحن فيه من أصحاب هذا الكذاب،أما فيكم من يحامي على دين أو حسب!

قال:فعندها اجتمع أصحاب أبطال العرب الذين كان المختار أخرجهم من الكوفة،مثل عبيد اللّه بن الحر و شبث بن ربعي و غيرهم من سادات أهل الكوفة،ثم حملوا على أصحاب المختار فهزمهم و لحق رجل منهم من أهل الكوفة عبيد اللّه (1)بن علي بن أبي طالب و هو لم يعرفه،فضربه من ورائه ضربة على حبل عاتقه،جدله قتيلا.

قال:و صار أصحاب مصعب بن الزبير إلى حيطان الكوفة.و نزل المختار عن فرسه و نزل معه أشداء أصحابه،و ركبوا على أفواه السكك،فلم يزالوا يقاتلون منس.

ص: 81


1- في ابن الأثير 13/3 و في البداية و النهاية 288/8 عمير بن علي بن أبي طالب،و في الأخبار الطوال ص 306 و تاريخ خليفة ص 264 عمر بن علي.قال الدينوري أنه قدم على المختار من الحجاز فقال له المختار:هل معك كتاب من محمد ابن الحنفية،فقال عمر:لا،فقال المختار انطلق حيث شئت فلا خير لك عندي،فسار إلى مصعب،فاستقبله في بعض الطريق و أقبل معه حتى حضر الوقعة،فقتل فيمن قتل من الناس.

وقت المغرب إلى الصباح،و انهزم المختار حتى دخل إلى قصر الإمارة.

فقال له بعض أصحابه:أيها الأمير!أما خبّرتنا أنّا نقتل مصعب بن الزبير في وقعتنا هذه؟

فقال:بلى!و لكن أما تسمع قول اللّه تعالى، يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (1).

قال:و أصبح مصعب فعبّأ أصحابه تعبئة الحرب،و أقبل نحو الكوفة حتى دخلها في جيشه ذلك،و المهلب بن أبي صفرة على يساره.

فقال له أبا سعيد:يا له من فتح ما أهنأه لو لا قتل محمد بن الأشعث.

فقال المهلب:صدقت أيها الأمير،قد قتل عبيد اللّه بن أبي طالب أيضا،قال مصعب:فإننا ما قتلناه و إنما قتله من كان من شيعته و شيعة أبيه.

قال:و دخل أصحاب المختار إلى منازلهم،و دخل قوم منهم إلى قصر الإمارة، فصاروا مع المختار عازمين على الموت (2).9.

ص: 82


1- سورة الرعد:39.
2- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 289.

ما جرى بين محمد ابن الحنفية و عبد اللّه بن الزبير برواية ابن أعثم

قال ابن الأعثم:و نظر عبد اللّه بن الزبير إلى المختار و غلبته على البلاد فعلم أنه إنما يفعل ذلك بظهر محمد ابن الحنفية،فأرسل إليه أن هلم فبايع فإن الناس قد بايعوا،فأرسل إليه ابن الحنفية:إذا لم يبق أحد من الناس غيري أبايعك،قال:فأبى ابن الزبير أن يتركه و أبى ابن الحنفية أن يبايع،و جرى بينهم كلام كثير،فأرسل ابن الزبير إلى نفر من أصحاب ابن الحنفية فدعاهم ثم قال لهم:إني أراكم لا تفارقون هذا الرجل،فمن أنتم فإني لا أعرفكم؟

فقالوا:نحن قوم من أهل الكوفة،قال:فما يمنعكم من بيعتي و قد بايعني أهل بلدكم؟لعله قد غرّكم هذا المختار الكذاب!فقالوا:يا هذا!ما لنا و للمختار،إننا لو أردنا أن نكون مع المختار لما قدمنا هذه البلدة،نحن قوم قد اعتزلنا أمور الناس و أتينا هذا الحرم،فنزلناه لكيلا نقتل و لا نقتل و لا نؤذي و لا نؤذى،فنحن ههنا مقيمون عند هذا الرجل محمد بن علي،فإذا اجتمعت الأمة على رجل واحد دخلنا فيما دخل فيه الناس.

قال:فقال عبد اللّه بن الزبير:فأنا لا أفارقكم أو تبايعوا طائعين أو مكرهين،قالوا:

فإننا لا نبايع أبدا أو نرى صاحبنا هذا قد بايع.

قال:فغضب ابن الزبير ثم قال:و من صاحبكم؟فو اللّه!ما صاحبكم هذا برضي في الدين،و لا محمود الرأي،و لا راجح العقل،و لا لهذا الأمر بأهل.

قال:فقال له رجل من القوم يقال له معاذ بن هانئ:أيها الرجل!إننا لا ندري ما

ص: 83

تقول،و لكنا رأيناه على مثل هدانا و أمرنا و طريقتنا،و قد اعتزل الناس و ما هم فيه، و نحن قعود بهذا الحرم لكيلا نقتل و لا نؤذى إلى أن يجمع اللّه أمر الأمة على ما شاء من خلقه،فندخل فيما دخل فيه الأسود و الأبيض،فأجبناه على ذلك و لزمنا هديه و طريقته و مذهبه،و مع ذلك فإنه لا يعيش و السلام،و لا يكافأ بالسوء،و لا يغتاب الغائب و لا يمكر به،ثم إنه قد أمرنا أن نكف أيدينا و لا نسفك دماءنا،ففعلنا ما أمرنا به،و لعمري يابن الزبير!لئن لم يخالفك أحد من الناس إلا كخلافنا إياك فإنه لم يدخل عليك في ذلك شىء من الضرر.

قال:ثم تقدم عبد اللّه بن هانئ و هو أخو هذا المتكلم فقال:يابن الزبير!إننا قد سمعنا كلامك و ما ذكرت به ابن عمك من السوء،و نحن أعلم به منك و أطول له معاشرة،و هو و اللّه الرجل البر،الطيب الطعمة،الكريم الطبيعة،الطاهر الأخلاق، الصادق النية،و هو من ذلك أنصح لهذه الأمة منك،لأنك أنت رجل تدعو الناس إلى بيعتك،فمن لا يبايعك استحللت ماله و دمه،و هو رجل لا يرى ذلك،و بعد يابن الزبير فإننا ما خليناك و تركنا هذا الأمر أن تكونوا ولاة علينا إلا لمكان الرسول محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،لأنكم أولى الناس بمنزلته و ميراثه و قيامه في أمته،إذ كنتم من قريش،فإننا سلّمنا إليكم هذا الأمر من هذا الطريق،فإن أنتم عدلتم بينكم كما عدلنا عليكم علمت أنت خاصة أن صاحبنا هذا محمد بن علي هو أهل لهذا الأمر و أولى الناس به،لمكان أبيه علي بن أبي طالب،فإن أبيت أن تقر بهذا الأمر أنه مكذب فإننا وجدناه رجلا من صالحي العرب،معروف الحسب،ثابت النسب،ابن أمير المؤمنين،و ابن أول ذكر صلّى مع النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

قال:فغضب ابن الزبير و قال:من ههنا أهزؤه و أوجؤه في قفاه!

قال ابن هانئ:يابن الزبير إن حرم الرحمن و جوار البيت الحرام الذي من دخله كان آمنا.

ص: 84

قال:ثم تقدم أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني فقال:يابن الزبير! إِنْ تُرِيدُ إِلاّ أَنْ تَكُونَ جَبّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (1).

فقال ابن الزبير:و أنت ههنا يابن واثلة؟

فقال:نعم أنا ههنا يابن الزبير؟فاتق اللّه و لا تكن ممن إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ (2).

قال:أفلا تسمع إلى كلام هذا الرجل الذي يضرب لي الأمثال و يأتيني بالمقاييس؟

فقال عبد اللّه بن هانئ: إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (3).

قال:فازداد غضب ابن الزبير ثم قال لأصحابه:ادفعوهم عني،فإنهم بئس العصابة.

قال:فأخرجوا من بين يديه و أقبلوا إلى محمد ابن الحنفية فأخبروه بما كان بينهم و بين ابن الزبير.

فقال لهم:جزاكم اللّه عني من قوم خير الجزاء!أما إني أتقي عليكم من هذا المسرف على نفسه،و أرى لكم من الرأي أن تعتزلوني و تكونوا قريبا مني إلى أن تنظروا ما يكون من عاقبة أمري و أمره،فإني أكره أن تكونوا معي و لعله ينالكم منه أمر أغتم لكم منه.

قال:فقال أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني:جعلت فداك يابن أمير المؤمنين! و اللّه ما أنطق إلا بما في قلبي،و لا أخبر إلا عن نفسي،و أنا أشهد اللّه في وقتي هذا أني قد رضيت أن أقتل إن قتلت،و أن أؤسر إن أسرت،و أن أحبس إن حبست،و أن أشبع7.

ص: 85


1- سورة القصص الآية 19.
2- سورة البقرة الآية 206.
3- سورة غافر الآية 27.

إن شبعت،و أن أجوع إن جعت،و أن أظمأ إن ظمئت،و لا و اللّه لا أفارقك في عسر و لا يسر و لا ضيق و لا جهد ما أردتني و قبلتني!أرى لك ذلك علي فرضا واجبا و حقا لازما،و ما لا أبغي به منك جزاء و إكراما،و لا أريد بذلك إلا ثواب اللّه و الدار الآخرة و دفع الظلم عن أهل بيت محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

قال:ثم وثب معاذ بن هانئ الكندي فقال:جعلت فداك!نحن شيعتك و شيعة أبيك من قبلك،نؤاسيك بأنفسنا،و نقيك بأيدينا،و نحن معك على الخوف و الأمن و الخصب و الجدب،إلى أن يأتيك اللّه تبارك و تعالى بالفرج من عنده،غضب ابن الزبير بذلك أم رضي.

قال:فقال محمد ابن الحنفية:إن قدرتم على ذلك فأنا أستأنس بكم،و إن عرضت لكم مآرب و أشغال فأنتم في أوسع العذر.

قال:فبينا القوم كذلك إذا بعمر بن عروة بن الزبير قد أقبل حتى دخل على محمد ابن الحنفية فسلّم ثم قال:إن أمير المؤمنين يقول لك:هلم فبايع أنت و أصحابك هؤلاء الذين معك،فإنكم إن لم تفعلوا حبستكم و أطلت حبسكم.

قال:فسكت القوم و أقبل عليه ابن الحنفية فقال له:إرجع إلى عمك فقل له:يقول لك محمد بن علي:يابن الزبير!أصبحت منتهكا للحرمة،متلبثا في الفتنة،جريا على نفسك الدم الحرام،فعش رويدا،فإن أمامك عقبة كؤودا،و حسابا طويلا،و سؤالا حفيا،و كتابا لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها،و بعد فو اللّه لا بايعتك أبدا أو لا يبقى أحد إلا بايعك،فاقض ما أنت قاض!

قال:فرجع عمر بن عروة بن الزبير إلى عمه عبد اللّه بن الزبير.

فقال لهم محمد:مهلا يا قوم!لا تفعلوا فو اللّه ما أحب أني أمرتكم بقتل حبشي أجدع و إنه أجمع لي بعد ذلك سلطان العرب قاطبة من المشرق إلى المغرب.

قال:و خشي عبد اللّه بن الزبير أن يتداعى الناس إلى الرضا محمد ابن الحنفية إذا

ص: 86

كان له مثل المختار بالكوفة فكأنه هم بالإساءة به و بأصحابه،قال:و علم ابن الحنفية بذلك فكتب إلى المختار (1).0.

ص: 87


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 250.

قدوم الخشبية مكة

قال الطبري:و كان السبب في ذلك فيما ذكر هشام عن أبي مخنف و علي بن محمد عن مسلمة بن محارب أن عبد اللّه بن الزبير حبس محمد ابن الحنفية و من معه من أهل بيته و سبعة عشر رجلا من وجوه أهل الكوفة بزمزم و كرهوا البيعة لمن لم تجتمع عليه الأمة و هربوا إلى الحرم و توعّدهم بالقتل و الإحراق و أعطى اللّه عهدا إن لم يبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعدهم به و ضرب لهم في ذلك أجلا فأشار بعض من كان مع ابن الحنفية عليه أن يبعث إلى المختار و إلى من بالكوفة رسولا يعلمهم حالهم و حال من معهم و ما توعّدهم به ابن الزبير فوجّه ثلاثة نفر من أهل الكوفة حين نام الحرس على باب زمزم و كتب معهم إلى المختار و أهل الكوفة يعلمهم حاله و حال من معه و ما توعّدهم به ابن الزبير من القتل و التحريق بالنار و يسألهم أن لا يخذلوه كما خذلوا الحسين و أهل بيته عليهم السّلام فقدموا على المختار فدفعوا إليه الكتاب فنادى في الناس و قرأ عليهم الكتاب و قال:هذا كتاب مهديكم و صريخ أهل بيت نبيكم و قد تركوا محظورا عليهم كما يحظر على الغنم ينتظرون القتل و التحريق بالنار في آناء الليل و تارات النهار و لست أبا إسحاق إن لم أنصرهم نصرا مؤزرا و إن لم أسرب إليهم الخيل في أثر الخيل كالسيل يتلوه السيل حتى يحل بابن الكاهلية الويل.

و وجّه أبا عبد اللّه الجدلي في سبعين راكبا من أهل القوة و وجّه ظبيان بن عثمان

ص: 88

أخابني تميم و معه أربعمائة و أبا المعتمر في مائة و هانئ بن قيس في مائة و عمير بن طارق في أربعين و يونس بن عمران في أربعين و كتب إلى محمد بن علي مع الطفيل بن عامر و محمد بن قيس بتوجيه الجنود إليه فخرج الناس بعضهم في أثر بعض،و جاء أبو عبد اللّه حتى نزل ذات عرق في سبعين راكبا ثم لحقه عمير بن طارق في أربعين راكبا و يونس بن عمران في أربعين راكبا فتموا خمسين و مائة فسار بهم حتى دخلوا المسجد الحرام و معهم الكافر كوبات و هم ينادون(يا لثارات الحسين)حتى انتهوا إلى زمزم و قد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم و كان قد بقى من الأجل يومان فطردوا الحرس و كسروا أعواد زمزم و دخلوا على ابن الحنفية فقالوا له:خل بيننا و بين عدو اللّه ابن الزبير.

فقال لهم:إني لا أستحل القتال في حرم اللّه.

فقال ابن الزبير:أتحسبون إني مخل سبيلهم دون أن يبايع و يبايعوا.

فقال:أبو عبد اللّه الجدلي أي و رب الركن و المقام و رب الحل و الحرام لتخلين سبيله أو لنجالدنك بأسيافنا جلادا يرتاب منه المبطلون.

فقال ابن الزبير:و اللّه ما هؤلاء إلا أكلة رأس و اللّه لو أذنت لأصحابي ما مضت ساعة حتى تقطف رؤوسهم.

فقال له قيس بن مالك:أما و اللّه إني لأرجو إن رمت ذلك أن يوصل إليك قبل أن ترى فينا ما تحب فكف ابن الحنفية أصحابه و حذّرهم الفتنة ثم قدم أبو المعتمر في مائة و هانئ بن قيس في مائة و ظبيان بن عمارة في مائتين و معه المال حتى دخلوا المسجد فكبّروا يا لثارات الحسين،فلما رآهم ابن الزبير خافهم فخرج محمد ابن الحنفية و من معه إلى شعب علي و هم يسبّون ابن الزبير و يستأذنون ابن الحنفية فيه فيأبى عليهم فاجتمع مع محمد بن علي في الشعب أربعة آلاف رجل فقسّم

ص: 89

بينهم ذلك المال (1).

(قال أبو جعفر)و في هذه السنة كان حصار عبد اللّه بن خازم من كان بخراسان من رجال بني تميم بسبب قتل من قتل منهم ابنه محمدا.قال علي بن محمد:حدثنا الحسين بن رشيد الجوزجاني عن الطفيل ابن مرداس العمى قال:لما تفرّقت بنو تميم بخراسان أيام ابن خازم أتى قصر فرتنا عدة من فرسانهم ما بين السبعين إلى الثمانين فولّوا أمرهم عثمان بن بشر بن المحتفز المزني و معه شعبة بن ظهير النهشلي و ورد بن الفلق العنبري و زهير بن ذؤيب العدوي و جيهان بن مشجعة الضبي و الحجاج بن ناشب العدوي و رقبة بن الحر في فرسان بني تميم.

قال:فأتاهم ابن خازم فحصرهم و خندق خندقا حصينا.

قال:و كانوا يخرجون إليه فيقاتلونه ثم يرجعون إلى القصر.

قال:فخرج ابن خازم يوما على تعبئة من خندقه في ستة آلاف و خرج أهل القصر إليه فقال لهم عثمان بن بشر بن المحتفز إنصرفوا اليوم عن ابن خازم فلا أظن لكم به طاقة فقال زهير بن ذؤيب العدوي امرأته طالق إن رجع حتى ينقض صفوفهم إلى جنبهم نهر يدخله الماء في الشتاء و لم يكن يومئذ فيه ماء فاستبطنه زهير فسار فيه فلم يشعر به أصحاب ابن خازم حتى حمل عليهم فحطّم أوّلهم على آخرهم و استداروا و كرّ راجعا و أتبعوه على جنبتي النهر يصيحون به لا ينزل إليه أحد حتى انتهى إلى الموضع الذي انحدر فيه فخرج فحمل عليهم فأفرجوا له حتى رجع.

قال:فقال ابن خازم لأصحابه إذا طاعنتم زهيرا فاجعلوا في رماحكم كلاليب فأعلقوها في أداته إن قدرتم عليه فخرج إليهم يوما و في رماحهم كلاليب قد هيأوها له فطاعنوه فأعلقوا في درعه أربعة أرماح فالتفت إليهم ليحمل عليهم فاضطربت6.

ص: 90


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 546.

أيديهم فخلّوا رماحهم فجاء يجر أربعة أرماح حتى دخل القصر.

قال:فأرسل ابن خازم غزوان بن جزء العدوي إلى زهير فقال قل له أرأيتك إن آمنتك و أعطيتك مائة ألف و جعلت لك باسان طعمة تناصحني فقال زهير لغزوان و يحك كيف أناصح قوما قتلوا الأشعث بن ذؤيب فأسقط بها غزوان عند موسى بن عبد اللّه بن خازم.

قال:فلما طال عليهم الحصار أرسلوا إلى ابن خازم أنا خلّنا نخرج فنتفرق فقال:

لا إلا أن تنزلوا على حكمي.قالوا:فإنا ننزل على حكمك فقال لهم زهير:ثكلتكم أمهاتكم و اللّه ليقتلنكم عن آخركم فإن طبتم بالموت أنفسا فموتوا كراما اخرجوا بنا جميعا فإما أن تموتوا جميعا و إما أن ينجو بعضكم و يهلك بعضكم و أيم اللّه لئن شددتم عليهم شدة صادقة ليفرجن لكم عن مثل طريق المربد فإن شئتم كنت أمامكم و إن شئتم كنت خلفكم.

قال:فأبوا عليه فقال:أما إني سأريكم ثم خرج هو و رقبة بن الحر و مع رقبة غلام له تركي و شعبة بن ظهير.

قال:فحملوا على القوم حملة منكرة فأفرجوا لهم فمضوا فأما زهير فرجع إلى أصحابه حتى دخل القصر فقال لأصحابه قد رأيتم فأطيعوني و مضى رقبة و غلامه و شعبة قالوا:إن فينا من يضعف عن هذا و يطمع في الحياة قال:أبعدكم اللّه أتخلون عن أصحابكم و اللّه لا أكون أجزعكم عند الموت.

قال:ففتحوا القصر و نزلوا فأرسل إليهم فقيّدهم ثم حملوا إليه رجلا رجلا فأراد أن يمن عليهم فأبى ابنه موسى و قال:و اللّه لئن عفوت عنهم لأتكأن على سيفي حتى يخرج من ظهري فقال له عبد اللّه:أما و اللّه إني لأعلم أن الغي فيما تأمرني به ثم قتلهم جميعا إلا ثلاثة قال:أحدهم الحجاج بن ناشب العدوي و كان رمى ابن خازم و هو محاصرهم فكسر ضرسه فحلف لئن ظفر به ليقتلنه أو ليقطعن يده و كان حدثا

ص: 91

فكلّمه فيه رجال من بني تميم كانوا معتزلين من عمرو بن حنظلة فقال رجل منهم ابن عمى و هو غلام حدث جاهل هبه لي.

قال:فوهبه له و قال:النجاء لا أرينك.

قال:و جيهان بن مشجعة الضبي الذي ألقى نفسه على ابنه محمد يوم قتل فقال ابن خازم خلّوا عن هذا البغل الدارج و رجل من بني سعد و هو الذي قال يوم لحقوا ابن خازم:إنصرفوا عن فارس مضر.قال:و جاءوا بزهير بن ذؤيب فأرادوا حمله و هو مقيد فأبى و أقبل يحجل حتى جلس بين يديه.

فقال له ابن خازم:كيف شكرك إن أطلقتك و جعلت لك باسان طعمة قال:لو لم تصنع بي إلا حقن دمى لشكرتك فقام ابنه موسى فقال تقتل الضبع و تترك الذبح تقتل اللبوة و تترك الليث.

قال:و يحك تقتل مثل زهير من لقتال عدو المسلمين من لنساء العرب.

قال:و اللّه لو شركت في دم أخي أنت لقتلتك فقام رجل من بني سليم إلى ابن خازم فقال:أذكرك اللّه في زهير.

فقال له:موسى اتخذه فحلا لبناتك فغضب ابن خازم فأمر بقتله فقال له زهير:إن لي حاجة قال:و ما هي؟

قال:تقتلني على حدة و لا تخلط دمى بدماء هؤلاء اللئام فقد نهيتهم عما صنعوا و أمرتهم أن يموتوا كراما و أن يخرجوا عليكم مصلتين و أيم اللّه أن لو فعلوا لذعروا بنيك هذا و شغلوه بنفسه عن طلب الثأر بأخيه فأبوا و لو فعلوا ما قتل منهم رجل حتى يقتل رجالا فأمر به فنحي ناحية فقتل.قال مسلمة بن محارب:فكان الأحنف بن قيس إذا ذكرهم قال:قبّح اللّه ابن خازم قتل رجالا من بني تميم بابنه صبي و غد أحمق لا يساوى علقا و لو قتل منهم رجلا به لكان و فى.

قال:و زعمت بنو عدى أنهم لما أرادوا حمل زهير بن ذؤيب أبى و اعتمد على

ص: 92

رمحه و جمع رجليه فوثب الخندق،فلما بلغ الحريش بن هلال قتلهم.

قال:

أعاذل إني لم ألم في قتالهم

و قد عض سيفي كبشهم ثم صمما

أعاذل ما وليت حتى تبددت

رجال و حتى لم أجد متقدما

أعاذل أفناني السلاح و من يطل

مقارعة الأبطال يرجع مكلما

أعيني إن أنزفتما الدمع فاسكبا

دما لازما لي دون أن تسكب الدما

الدما أبعد زهير و ابن بشر تتابعا

و ورد أرجى في خراسان مغنما

أعاذل كم من يوم حرب شهدته

أكر إذا ما فارس السوء أحجما

يعنى بقوله أبعد زهير زهير بن ذؤيب و ابن بشر عثمان بن بشر المحتفز المازني و ورد بن الفلق العنبري قتلوا يومئذ و قتل سليمان بن المحتفز أخو بشر.

(قال أبو جعفر)و حج بالناس في هذه السنة عبد اللّه بن الزبير و كان على المدينة مصعب بن الزبير من قبل أخيه عبد اللّه و على البصرة الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة و على قضائها هشام بن هبيرة و كانت الكوفة بها المختار غالبا عليها و بخراسان عبد اللّه بن خازم(و في هذه السنة)شخص إبراهيم بن الأشتر متوجها إلى عبيد اللّه بن زياد لحربه و ذلك لثمان بقين من ذي الحجة.

(قال هشام بن محمد)حدثني أبو مخنف قال:حدثني النضر بن صالح و كان قد

ص: 93

أدرك ذلك قال:حدثني فضيل بن خديج و كان قد شهد ذلك و غيرهما قالوا:ما هو إلا أن فرغ المختار من أهل السبيع و أهل الكناسة فما نزل إبراهيم بن الأشتر إلا يومين حتى أشخصه إلى الوجه الذي كان وجّهه له لقتال أهل الشام فخرج يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة سنة 66 و أخرج المختار معه من وجوه أصحابه و فرسانهم و ذوي البصائر منهم ممن قد شهد الحرب و جرّبها و خرج معه قيس بن طهفة النهدي على ربع أهل المدينة و أمر عبد اللّه بن حية الأسدي على ربع مذحج و أسد و بعث الأسود بن جراد الكندي على ربع كندة و ربيعة و بعث حبيب بن منقذ الثوري من همدان على ربع تميم و همدان و خرج معه المختار يشيعه حتى إذا بلغ دير عبد الرحمن بن أم الحكم إذا أصحاب المختار قد استقبلوه قد حملوا الكرسي على بغل أشهب كانوا يحملونه عليه فوقفوا به على القنطرة و صاحب أمر الكرسي حوشب البرسمي و هو يقول يا رب عمّرنا في طاعتك و انصرنا على الأعداء و اذكرنا و لا تنسنا و استرنا.

قال:و أصحابه يقولون:آمين آمين.

قال:فضيل فأنا سمعت ابن نوف الهمداني يقول:قال المختار:

أما و رب المرسلات عرفا لنقتلن بعد صف صفا

و بعد ألف قاسطين ألفا

قال:فلما انتهى إليهم المختار و ابن الأشتر ازدحموا ازدحاما شديدا على القنطرة و مضى المختار مع إبراهيم إلى قناطر رأس الجالوت و هى إلى جنب دير عبد الرحمن فإذا أصحاب الكرسي قد وقفوا على قناطر رأس الجالوت يستنصرون، فلما صار المختار بين قنطرة دير عبد الرحمن و قناطر رأس الجالوت وقف و ذلك حين أراد أن ينصرف فقال لابن الأشتر:خذ عني ثلاثا خف اللّه في سر أمرك و علانيته و عجّل السير و إذا لقيت عدوك فناجزهم ساعة تلقاهم و إن لقيتهم ليلا

ص: 94

فاستطعت أن لا تصبح حتى تناجزهم و إن لقيتهم نهارا فلا تنتظر بهم الليل حتى تحاكمهم إلى اللّه.

ثم قال:هل حفظت ما أوصيتك به.

قال:نعم.

قال:صحبك اللّه.

ثم انصرف و كان موضع عسكر إبراهيم بموضع حمام أعين و منه شخص بعسكره (1).0.

ص: 95


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 550.

سبب كرسي المختار الذي يستنصر به هو و أصحابه

قال الطبري:(أبو مخنف)ذكر عن بعض شيوخه قصة هذا الكرسي غير الذي ذكره عبد اللّه بن أحمد بالإسناد الذي حدثنا به عن طفيل بن جعدة و الذي ذكر من ذلك ما حدثنا به عن هشام بن محمد عنه قال:حدثنا هشام بن عبد الرحمن و ابنه الحكم بن هشام أن المختار قال لآل جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي و كانت أم جعدة أم هانئ بنت أبي طالب أخت علي بن أبي طالب عليه السّلام لأبيه و أمه:

ائتوني بكرسي علي بن أبي طالب.فقالوا:لا و اللّه ما هو عندنا و ما ندري من أين نجىء به قال:لا تكونن حمقى اذهبوا فأتوني به.

قال:فظن القوم عند ذلك أنهم لا يأتون بكرسي فيقولون هو هذا إلا قبله منهم فجاءوا بكرسي فقالوا هو هذا فقبله.

قال:فخرجت شبام و شاكرو رؤوس أصحاب المختار و قد عصبوه بالحرير و الديباج.

(قال أبو مخنف)عن موسى بن عامر أبى الأشعر الجهني أن الكرسي لما بلغ ابن الزبير أمره قال:أين بعض جنادبة الأزد عنه.

(قال أبو الأشعر)لما جىء بالكرسي كان أول من سدنه موسى بن أبي موسى الأشعري و كان يأتي المختار أول ما جاء و يحف به لأن أمه أم كلثوم بنت الفضل ابن العباس بن عبد المطلب ثم إنه بعد ذلك عتب عليه فاستحيى منه فدفعه إلى حوشب البرسمي فكان صاحبه حتى هلك المختار.

ص: 96

قال:و كان أحد عمومة الأعشى رجلا يكنى أبا أمامة يأتي مجلس أصحابه فيقول قد وضع لنا اليوم وحي ما سمع الناس بمثله فيه نبأ ما يكون من شيء.

(قال أبو مخنف)حدثنا موسى بن عامر أنه إنما كان يصنع ذلك لهم عبد اللّه بن نوف و يقول المختار أمرني به و يتبرأ المختار منه (1).

ثم دخلت سنة سبع و ستين.1.

ص: 97


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 551.

مقتل عبيد اللّه بن زياد و من كان معه من أهل الشام

ذكر الخبر عن صفة مقتله

قال الطبري:ذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف قال:حدثني أبو الصلت عن أبي سعيد الصيقل قال:مضينا مع إبراهيم بن الأشتر و نحن نريد عبيد اللّه بن زياد و من معه من أهل الشام فخرجنا مسرعين لا ننثني نريد أن نلقاه قبل أن يدخل أرض العراق.

قال:فسبقناه إلى تخوم أرض العراق سبقا بعيدا و وغلنا في أرض الموصل فتعجلنا إليه و أسرعنا السير فنلقاه بخازر إلى جنب قرية يقال لها باربيثا بينها و بين مدينة الموصل خمسة فراسخ و قد كان ابن الأشتر جعل على مقدمته الطفيل بن لقيط من و هبيل من النخع رجلا من قومه و كان شجاعا بئيسا،فلما أن دنا من ابن زياد ضم حميد بن حريث إليه و أخذ ابن الأشتر لا يسير إلا على تعبئة و ضم أصحابه كلهم إليه بخيله و رجاله فأخذ يسير بهم جميعا لا يفرّقهم إلا أنه يبعث الطفيل بن لقيط في الطلائع حتى نزل تلك القرية.

قال:و جاء عبيد اللّه بن زياد حتى نزل قريبا منهم على شاطئ خازر و أرسل عمير بن الحباب السلمي إلى ابن الأشتر إني معك و أنا أريد الليلة لقاءك فأرسل إليه ابن الأشتر أن القني إذا شئت و كانت قيس كلها بالجزيرة فهم أهل خلاف لمروان و آل مروان و جند مروان يومئذ كلب و صاحبهم ابن بحدل فأتاه عمير ليلا فبايعوه

ص: 98

و أخبره أنه على ميسرة صاحبه و واعده أن ينهزم بالناس.

و قال ابن الأشتر:ما رأيك أخندق علي (1)و أتلوم (2)يومين أو ثلاثة.

قال عمير بن الحباب:لا تفعل إنا للّه هل يريد القوم إلا هذه إن طاولوك و ما طلوك فهو خير لهم هم كثير أضعافكم و ليس يطيق القليل الكثير في المطاولة و لكن ناجز القوم فإنهم قد ملئوا منكم رعبا فأتهم فإنهم إن شاموا أصحابك و قاتلوهم يوما بعد يوم و مرة بعد مرة أنسوا بهم و اجترأوا عليهم.

قال إبراهيم:الآن علمت أنك لي مناصح صدقت الرأي ما رأيت أما إن صاحبي بهذا أوصاني و بهذا الرأي أمرني قال عمير:فلا تعدون رأيه فإن الشيخ قد ضرسته الحروب و قاسى منها ما لم نقاس أصبح فناهض الرجل ثم إن عميرا انصرف و أذكى ابن الأشتر حرسه تلك الليلة الليل كله و لم يدخل عينه غمض حتى إذا كان في السحر الأول عبّأ أصحابه و كتب كتائبه و أمر أمراءه فبعث سفيان بن يزيد بن المغفل الأزدي على ميمنته و علي بن مالك الجشمي على ميسرته و هو أخو أبى الأحوص و بعث عبد الرحمن بن عبد اللّه و هو أخو إبراهيم بن الأشتر لأمه على الخيل و كانت خيله قليلة فضمّها إليه و كانت في الميمنة و القلب و جعل على رجالته الطفيل بن لقيط و كانت رايته مع مزاحم بن مالك.

قال:فلما انفجر الفجر صلّى بهم الغداة بغاس ثم خرج بهم فصفّهم و وضع أمراء الأرباع في مواضعهم و ألحق أمير الميمنة بالميمنة و أمير الميسرة بالميسرة و أمير الرجالة بالرجالة،و ضم الخيل إليه و عليها أخوه لأمه عبد الرحمن بن عبد اللّه فكانت وسطا من الناس و نزل إبراهيم يمشى و قال للناس:إزحفوا فزحف الناس معه على رسلهم رويدا رويدا حتى أشرف على تل عظيم مشرف على القوم فجلسف.

ص: 99


1- في تاريخ الإسلام:على نفسي.
2- في الكامل:أتوقف.

عليه و إذا أولئك لم يتحرك منهم أحد بعد فسرّح عبد اللّه بن زهير السلولي و هو على فرس له يتأكل تأكلا فقال:قرب علي فرسك حتى تأتيني بخبر هؤلاء فانطلق فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء فقال:قد خرج القوم على دهش و فشل لقيني رجل منهم فما كان له هجيرى إلا يا شيعة أبى تراب يا شيعة المختار الكذاب فقلت ما بيننا و بينكم أجلّ من الشتم فقال لي يا عدو اللّه إلا م تدعونا أنتم تقاتلونا مع غير إمام فقلت له بل يا لثارات الحسين ابن رسول اللّه ادفعوا إلينا عبيد اللّه بن زياد فإنه قتل ابن رسول اللّه و سيد شباب أهل الجنة حتى نقتله ببعض موالينا الذين قتلهم مع الحسين عليه السّلام فانا لا نراه لحسين ندا فنرضى أن يكون منه قودا و إذا دفعتموه إلينا فقتلناه ببعض موالينا الذين قتلهم جعلنا بيننا و بينكم كتاب اللّه أو أي صالح من المسلمين شئتم حكما فقال لي قد جربناكم مرة أخرى في مثل هذا يعنى الحكمين فغدرتم فقلت له:

و ما هو؟

فقال:قد جعلنا بيننا و بينكم حكمين فلم ترضوا بحكمهما فقلت له ما جئت بحجة إنما كان صلحنا على أنهما إذا اجتمعا على رجل تبعنا حكمهما و رضينا به و بايعناه فلم يجتمعا على واحد و تفرّقا فكلاهما لم يوفقه اللّه لخير و لم يسدده فقال:من أنت فأخبرته فقلت له:من أنت.

فقال:عدس لبغلته يزجرها فقلت له ما أنصفتني هذا أول غدرك.

قال:و دعا ابن الأشتر بفرس له فركبه ثم مر بأصحاب الرايات كلها فكلما مر على راية وقف عليها ثم قال:يا أنصار الدين و شيعة الحق و شرطة اللّه هذا عبيد اللّه بن مرجانة قاتل الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول اللّه حال بينه و بين بناته و نسائه و شيعته و بين ماء الفرات أن يشربوا منه و هم ينظرون إليه و منعه أن يأتي ابن عمه فيصالحه و منعه أن ينصرف إلى رحله و أهله و منعه الذهاب في الأرض العريضة حتى قتله و قتل أهل بيته فو اللّه ما عمل فرعون بنجباء بني إسرائيل ما

ص: 100

عمل ابن مرجانة بأهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا قد جاءكم اللّه به و جاءه بكم فو اللّه إني لأرجو أن لا يكون اللّه جمع بينكم في هذا الموطن و بينه إلا ليشفي صدوركم بسفك دمه على أيديكم فقد علم اللّه أنكم خرجتم غضبا لأهل بيت نبيكم عليهم السّلام فسار فيما بين الميمنة و الميسرة و سار في الناس كلهم فرغّبهم في الجهاد و حرّضهم على القتال ثم رجع حتى نزل تحت رايته و زحف القوم إليه و قد جعل ابن زياد على ميمنته الحصين بن نمير السكوني و على ميسرته عمير بن الحباب السلمي و شرحبيل بن ذي الكلاع على الخيل و هو يمشي في الرجال،فلما تدانى الصفان حمل الحصين بن نمير في ميمنة أهل الشام على ميسرة أهل الكوفة و عليها علي بن مالك الجشمي فثبت له هو بنفسه فقتل ثم أخذ رايته قرة بن علي فقال:أيضا في رجال من أهل الحفاظ قتلوا و انهزمت الميسرة فأخذ راية علي بن مالك الجشمي عبد اللّه بن ورقاء بن جنادة السلولي ابن أخي حبشي بن جنادة صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فاستقبل أهل الميسرة حين انهزموا فقال:

إلي يا شرطة اللّه فأقبل إليه جلّهم فقال:هذا أميركم يقاتل سيروا بنا إليه فأقبل حتى أتاه و إذا هو كاشف عن رأسه ينادى يا شرطة اللّه إلي أنا ابن الأشتر إن خير فراركم كراركم ليس مسيئا من أعتب فثاب إليه أصحابه و أرسل إلى صاحب الميمنة إحمل على ميسرتهم و هو يرجو حينئذ أن ينهزم لهم عمير بن الحباب كما زعم فحمل عليهم صاحب الميمنة و هو سفيان بن يزيد بن المغفل فثبت له عمير بن الحباب و قاتله قتالا شديدا،فلما رأى إبراهيم ذلك قال لأصحابه:أموا هذا السواد الأعظم فو اللّه لو قد فضضناه لا نجفل من ترون منهم يمنة و يسرة انجفال طير ذعرته فطارت.

(قال أبو مخنف)فحدثني إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري عن ورقاء بن عازب قال:مشينا إليهم حتى إذا دنونا منهم اطّعنا بالرماح قليلا ثم صرنا إلى السيوف

ص: 101

و العمد فاضطربنا بها مليا من النهار فو اللّه ما شبّهت ما سمعت بيننا و بينهم من وقع الحديد على الحديد إلا مياجن قصارى دار الوليد بن عقبة بن أبي معيط.

قال:فكان ذلك كذلك ثم إن اللّه هزمهم و منحنا أكتافهم.

(قال أبو مخنف)و حدثني الحارث بن حصيرة عن أبي صادق أن إبراهيم بن الأشتر كان يقول لصاحب رايته انغمس برايتك فيهم فيقول له إنه جعلت فداك ليس لي متقدم فيقول بلى فإن أصحابك يقاتلون و إن هؤلاء لا يهربون إن شاء اللّه فإذا تقدم صاحب رايته برايته شد إبراهيم بسيفه فلا يضرب به رجلا إلا صرعه و كرد إبراهيم الرجال من بين يديه كأنهم الحملان و إذا حمل برايته شدّ أصحابه شدّة رجل واحد (1).

(قال أبو مخنف)حدثني المشرقي أنه كان مع عبيد اللّه بن زياد يومئذ حديدة لا تليق شيئا مرت به و أنه لما هزم أصحابه حمل عيينة ابن أسماء أخته هند بنت أسماء و كانت امرأة عبيد اللّه بن زياد فذهب بها و أخذ يرتجز و يقول:

إن تصرمي حبالنا فربما أرديت في الهيجا الكمي المعلما.

(قال أبو مخنف)و حدثني فضيل بن خديج أن إبراهيم لما شد على ابن زياد و أصحابه إنهزموا بعد قتال شديد و قتلى كثيرة بين الفريقين و أن عمير بن الحباب لما رأى أصحاب إبراهيم قد هزموا أصحاب عبيد اللّه بعث إليه أجيئك الآن فقال:لا تأتيني حتى تسكن فورة شرطة اللّه فإني أخاف عليك عاديتهم.

و قال ابن الأشتر:قتلت رجلا وجدت منه رائحة المسك شرقت يداه و غربت رجلاه تحت راية منفردة على شاطئ نهر خازز فالتمسوه فإذا هو عبيد اللّه بن زياد قتيلا ضربه فقدّه نصفين فذهبت رجلاه في المشرق و يداه في المغرب و حمل شريك بن جدير التغلبي على الحصين بن نمير السكوني و هو يحسبه عبيد اللّه بن6.

ص: 102


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 556.

زياد فاعتنق كل واحد منهما صاحبه و نادى التغلبي اقتلوني و ابن الزانية فقتل ابن نمير.

حدثني عبد اللّه بن أحمد قال:حدثني أبي قال:حدثني سليمان قال:حدثني عبد اللّه بن المبارك قال:حدثني الحسن بن كثير قال:كان شريك بن جدير التغلبي مع علي عليه السلام و أصيبت عينه معه فلما انقضت حرب علي لحق ببيت المقدس فكان به،فلما جاءه قتل الحسين.قال:أعاهد اللّه إن قدرت على كذا و كذا يطلب بدم الحسين لأقتلن ابن مرجانة أو لأموتن دونه،فلما بلغه أن المختار خرج يطلب بدم الحسين أقبل إليه.

قال:فكان وجهه مع إبراهيم بن الأشتر و جعل على خيل ربيعة فقال لأصحابه إني عاهدت اللّه على كذا و كذا فبايعه ثلثمائة على الموت،فلما التقوا حمل فجعل يهتكها صفا صفا مع أصحابه حتى وصلوا إليه و ثار الرهج فلا يسمع إلا وقع الحديد و السيوف فانفرجت عن الناس و هما قتيلان ليس بينهما أحد التغلبي و عبيد اللّه بن زياد.

قال:و هو الذي يقول:

كل عيش قد أراه قذرا غير ركز الرمح في ظل الفرس

(قال هشام)قال أبو مخنف:حدثني فضيل بن خديج قال:قتل شرحبيل بن ذي الكلاع فادعى قتله ثلاثة سفيان بن يزيد بن المغفل الأزدي و ورقاء بن عازب الأسدي و عبيد اللّه بن زهير السلمي.

قال:و لما هزم أصحاب عبيد اللّه تبعهم أصحاب إبراهيم بن الأشتر فكان من غرق أكثر ممن قتل و أصابوا عسكرهم فيه من كل شيء و بلغ المختار و هو يقول لأصحابه يأتيكم الفتح أحد اليومين إن شاء اللّه من قبل إبراهيم بن الأشتر و أصحابه قد هزموا أصحاب عبيد اللّه بن مرجانة.

ص: 103

قال:فخرج المختار من الكوفة و استخلف عليها السائب بن مالك الأشعري و خرج بالناس و نزل ساباط.

(قال أبو مخنف)حدثني المشرقي عن الشعبي قال:كنت أنا و أبي ممن خرج معه.

قال:فلما جزنا ساباط قال للناس:أبشروا فإن شرطة اللّه قد حسوهم بالسيوف يوما إلى الليل بنصيبين أو قريبا من نصيبين و دون منازلهم إلا أن جلّهم محصور بنصيبين.

قال:و دخلنا المدائن و اجتمعنا إليه فصعد المنبر فو اللّه إنه ليخطبنا و يأمرنا بالجد و حسن الرأي و الإجتهاد و الثبات على الطاعة و الطلب بدماء أهل البيت عليهم السّلام إذ جاءته البشرى تترى يتبع بعضها بعضا بقتل عبيد اللّه بن زياد و هزيمة أصحابه و أخذ عسكره و قتل أشراف أهل الشام.

فقال المختار:يا شرطة اللّه ألم أبشّركم بهذا قبل أن يكون قالوا:بلى و اللّه لقد قلت ذلك.

قال:فيقول لي رجل من بعض جيراننا من الهمدانيين أتؤمن الآن يا شعيى قال:

قلت:بأي شيء أؤمن بأن المختار يعلم الغيب لا أؤمن بذلك أبدا.

قال:أولم يقل لنا إنهم قد هزموا؟

فقلت له:إنما زعم لنا أنهم هزموا بنصيبين من أرض الجزيرة و إنما هو بخازر من أرض الموصل فقال:و اللّه لا تؤمن يا شعبى حتى ترى العذاب الأليم فقلت له من هذا الهمداني الذي يقول لك هذا فقال رجل لعمري كان شجاعا قتل مع المختار بعد ذلك يوم حروراء يقال له:سلمان بن حمير من الثوريين من همدان.

قال:و انصرف المختار إلى الكوفة و مضى ابن الأشتر في عسكره إلى الموصل و بعث عماله عليها فبعث أخاه عبد الرحمن بن عبد اللّه على نصيبين و غلب على سنجار و دارا و ما والاها من أرض الجزيرة و خرج أهل الكوفة الذين كان المختار

ص: 104

قاتلهم فهزمهم فلحقوا بمصعب بن الزبير بالبصرة و كان فيمن قدم على مصعب شبث بن ربعي فقال سراقة بن مرداس البارقي يمدح إبراهيم بن الأشتر و أصحابه في قتل عبيد اللّه بن زياد:

أتاكم غلام من عرانين مذحج جرى على الأعداء غير نكول

فيا ابن زياد بؤ بأعظم مالك و ذق حد ماضي الشفرتين صقيل

ضربناك بالعضب الحسام بحدة إذا ما أبأنا قاتلا بقتيل

جزى اللّه خيرا شرطة اللّه إنهم شفوا من عبيد اللّه أمس غليلي.

(و في هذه السنة)عزل عبد اللّه بن الزبير القباع عن البصرة و بعث عليها أخاه مصعب بن الزبير.

فحدثني عمر بن شبة قال:حدثني علي بن محمد قال:حدثنا الشعبي قال:حدثني وافد بن أبي ياسر قال:كان عمرو بن سرح مولى الزبير يأتينا فيحدثنا.

قال:كنت و اللّه في الرهط الذين قدموا مع المصعب بن الزبير من مكة إلى البصرة.

قال:فقدم متلثما حتى أناخ على باب المسجد ثم دخل فصعد المنبر فقال الناس أمير أمير.

قال:و جاء الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة و هو أميرها قبله فسفر المصعب فعرفوه و قالوا:مصعب بن الزبير قال للحارث:أظهر أظهر فصعد حتى جلس تحته من المنبر درجة.

قال:ثم قام المصعب فحمد اللّه و أثنى عليه.

قال:فو اللّه ما أكثر الكلام ثم قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى إلى قوله إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (1)

ص: 105


1- سورة القصص:3.

و أشار بيده نحو الشام وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (1)و أشار بيده نحو الحجاز وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (2)و أشار بيده نحو الشام.

حدثني عمر بن شبة قال:حدثني علي بن محمد عن عوانة قال:لما قدم مصعب البصرة خطبهم فقال:يا أهل البصرة بلغني أنكم تلقبون أمراءكم و قد سميت نفسي الجزار.

(و في هذه السنة)سار مصعب بن الزبير إلى المختار فقتله (3).5.

ص: 106


1- سورة القصص:5.
2- سورة القصص:6.
3- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 555.

مسير مصعب إلى المختار و الخبر عن مقتله

قال الطبري:قال هشام بن محمد عن أبي مخنف:حدثني حبيب بن بديل قال:لما قدم شبث على مصعب بن الزبير البصرة و تحته بغلة له قد قطع ذنبها و قطع طرف أذنها و شق قباءه و هو ينادى يا غوثاه يا غوثاه فأتى مصعب فقيل له إن بالباب رجلا ينادى يا غوثاه يا غوثاه مشقوق القباء من صفته كذا و كذا فقال لهم نعم هذا شبث بن ربعي لم يكن ليفعل هذا غيره فأدخلوه فأدخل عليه و جاءه أشراف الناس من أهل الكوفة فدخلوا عليه فأخبروه بما اجتمعوا له و بما أصيبوا به و وثوب عبيدهم و مواليهم عليهم و شكوا إليه و سألوه النصر لهم و المسير إلى المختار معهم و قدم عليهم محمد بن الأشعث بن قيس و لم يكن شهد وقعة الكوفة كان في قصر له مما يلي القادسية بطيزناباذا،فلما بلغه هزيمة الناس تهيأ للشخوص و سأل عنه المختار فأخبر بمكانه فسرّح إليه عبد اللّه بن قراد الخثعمي في مائة فلما ساروا إليه و بلغه أن قد دنوا منه خرج في البرية نحو المصعب حتى لحق به،فلما قدم على المصعب استحثه بالخروج و أدناه مصعب و أكرمه لشرفه.

قال:و بعث المختار إلى دار محمد بن الأشعث فهدمها.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو يوسف بن يزيد أن المصعب لما أراد المسير إلى الكوفة حين أكثر الناس عليه قال لمحمد بن الأشعث:إني لا أسير حين يأتيني المهلب بن أبي صفرة فكتب المصعب إلى المهلب و هو عامله على فارس أن أقبل إلينا لتشهد أمرنا فإنا نريد المسير إلى الكوفة فأبطأ عليه المهلب و أصحابه و اعتل

ص: 107

بشيء من الخراج لكراهة الخروج فأمر مصعب محمد بن الأشعث في بعض ما يستحثه أن يأتي المهلب فيقبل به و أعلمه أنه لا يشخص دون أن يأتي المهلب فذهب محمد بن الأشعث بكتاب المصعب إلى المهلب،فلما قرأه قال له:مثلك يا محمد يأتي بريدا أما وجد المصعب بريدا غيرك.

قال محمد:إني و اللّه ما أنا ببريد أحد غير أن نساءنا و أبناءنا و حرمنا غلبنا عليهم عبداننا و موالينا فخرج المهلب و أقبل بجموع كثيرة و أموال عظيمة معه في جموع و هيئة ليس بها أحد من أهل البصرة،و لما دخل المهلب البصرة أتى باب المصعب ليدخل عليه و قد أذن للناس فحجبه الحاجب و هو لا يعرفه فرفع المهلب يده فكسر أنفه فدخل إلى المصعب و أنفه يسيل دما فقال له مالك:ضربني رجل ما أعرفه و دخل المهلب،فلما رآه الحاجب قال:هوذا.

قال له المصعب:عد إلى مكانك و أمر المصعب الناس بالمعسكر عند الجسر الأكبر و دعا عبد الرحمن بن مخنف فقال له:ائت الكوفة فأخرج إلى جميع من قدرت عليه أن تخرجه و ادعهم إلى بيعتي سرا و خذّل أصحاب المختار فانسل من عنده حتى جلس في بيته مستترا لا يظهر و خرج المصعب فقدّم أمامه عباد بن الحصين الحبطي من بني تميم على مقدمته و بعث عمر بن عبيد اللّه بن معمر على ميمنته و بعث المهلب بن أبي صفرة على ميسرته و جعل مالك بن مسمع على خمس بكر ابن وائل و مالك بن المنذر على خمس عبد القيس و الأحنف بن قيس على خمس تميم و زياد بن عمرو الأزدي على خمس الأزد و قيس بن الهيثم على خمس أهل العالية.

و بلغ ذلك المختار فقام في أصحابه فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:يا أهل الكوفة يا أهل الدين و أعوان الحق و أنصار الضعيف و شيعة الرسول و آل الرسول إن فرّاركم الذين بغوا عليكم أتوا أشباههم من الفاسقين فاستغووهم عليكم ليمحّص

ص: 108

الحق و ينتعش الباطل و يقتل أولياء اللّه و اللّه لو تهلكون ما عبد اللّه في الأرض إلا بالفرى على اللّه و اللعن لأهل بيت نبيه انتدبوا مع أحمر بن شميط فإنكم لو قد لقيتموهم لقد قتلتموهم إن شاء اللّه قتل عاد و إرم فخرج أحمر بن شميط فعسكر بحمام أعين و دعا المختار رؤوس الأرباع الذين كانوا مع ابن الأشتر فبعثهم مع أحمر بن شميط كما كانوا مع ابن الأشتر فإنهم إنما فارقوا ابن الأشتر لانهم رأوه كالمتهاون بأمر المختار فانصرفوا عنه و بعثهم المختار مع ابن شميط و بعث معه جيشا كثيفا فخرج ابن شميط فبعث على مقدمته ابن كامل الشاكري و سار أحمر ابن شميط حتى ورد المذار،و جاء المصعب حتى عسكر منه قريبا ثم إن كل واحد منهما عبّأ جنده ثم تزاحفا فجعل أحمر بن شميط على ميمنته عبد اللّه بن كامل الشاكري و على ميسرته عبد اللّه بن وهب بن نضلة الجشمي و على الخيل رزين عبد السلولي و على الرجالة كثير بن إسماعيل الكندي و كان يوم خازر مع ابن الأشتر و جعل كيسان أبا عمرة و كان مولى لعرينة على الموالي فجاء عبد اللّه بن وهب بن أنس الجشمي إلى ابن شميط و قد جعله على ميسرته.

فقال له:إن الموالي و العبيد آل خور عند المصدوقة و إن معهم رجالا كثيرا على الخيل و أنت تمشي فمرهم فلينزلوا معك فإن لهم بك أسوة فإني أتخوف إن طوردوا ساعة و طوعنوا و ضوربوا أن يطيروا على متونها و يسلموك و إنك إن أرجلتهم لم يجدوا من الصبر بدا و إنما كان هذا منه غشا للموالي و العبيد لما كانوا لقوا منهم بالكوفة فأحب إن كانت عليهم الدبرة أن يكونوا رجالا لا ينجو منهم أحد و لم يتهمه ابن شميط و ظن أنه إنما أراد بذلك نصحه ليصبروا و يقاتلوا فقال:يا معشر الموالي أنزلوا معي فقاتلوا فنزلوا معه ثم مشوا بين يديه و بين يدي رايته،و جاء مصعب بن الزبير و قد جعل عبّاد بن الحصين على الخيل فجاء عبّاد حتى دنا من ابن شميط و أصحابه فقال:إنما ندعوكم إلى كتاب اللّه و سنّة رسوله و إلى بيعة أمير المؤمنين

ص: 109

عبد اللّه بن الزبير و قال الآخرون:إنا ندعوكم إلى كتاب اللّه و سنّة رسوله و إلى بيعة الأمير المختار و إلى أن نجعل هذا الأمر شورى في آل الرسول فمن زعم من الناس أن أحدا ينبغي له أن يتولى عليهم برئنا منه و جاهدناه فانصرف عبّاد إلى المصعب فأخبره.

فقال له:ارجع فاحمل عليهم فرجع فحمل على ابن شميط و أصحابه فلم يزل منهم أحد ثم انصرف إلى موقفه و حمل المهلب على ابن كامل فجال أصحابه بعضهم في بعض فنزل ابن كامل ثم انصرف عنه المهلب فقام مكانه فوقفوا ساعة ثم قال المهلب لأصحابه:كرّوا كرّة صادقة فإن القوم قد أطمعوكم و ذلك بجولتهم التي جالوا فحمل عليهم حملة منكرة فولّوا و صبر ابن كامل في رجال من همدان فأخذ المهلب يسمع شعار القوم أنا الغلام الشاكري أنا الغلام الشبامي أنا الغلام الثوري فما كان إلا ساعة حتى هزموا و حمل عمر بن عبيد اللّه بن معمر على عبد اللّه ابن أنس فقاتل ساعة ثم انصرف و حمل الناس جميعا على ابن شميط فقاتل حتى قتل و تنادوا يا معشر بجيلة و خثعم الصبر الصبر فناداهم المهلب الفرار الفرار اليوم أنجى لكم علام تقتلون أنفسكم مع هذه العبدان أضل اللّه سعيكم.

ثم نظر إلى أصحابه فقال:و اللّه ما أرى استحرار القتل اليوم إلا في قومي و مالت الخيل على رجالة ابن شميط فافترقت فانهزمت و أخذت الصحراء فبعث المصعب عبّاد بن الحصين على الخيل فقال:أيما أسير أخذته فاضرب عنقه و سرّح محمد بن الأشعث في خيل عظيمة من خيل أهل الكوفة ممن كان المختار طردهم فقال دونكم ثأركم فكانوا حيث انهزموا أشد عليهم من أهل البصرة لا يدركون منهزما إلا قتلوه و لا يأخذون أسيرا فيعفون عنه.

قال:فلم ينج من ذلك الجيش إلا طائفة من أصحاب الخيل و أما رجالتهم فأبيدوا

ص: 110

إلا قليلا (1).

(قال أبو مخنف)حدثني ابن عياش المنتوف عن معاوية بن قرة المزني قال:

انتهيت إلى رجل منهم فأدخلت سنان الرمح في عينه فأخذت أخضخض عينه بسنان رمحي فقلت له و فعلت به هذا قال:نعم إنهم كانوا أحلّ عندنا دماء من الترك و الديلم و كان معاوية بن قرة قاضيا لأهل البصرة ففي ذلك يقول الأعشى:

ألا هل أتاك و الأنباء تنمى بما لاقت بحيلة بالمذار

أتيح لهم بها ضرب طلخف و طعن صائب وجه النهار

كأن سحابة صعقت عليهم فعمتهم هنالك بالدمار

فبشر شيعة المختار إما مررت على الكويفة بالصغار

أقر العين صرعاهم و فل لهم جم يقتل بالصحاري

و ما إن سرنى إهلاك قومي و إن كانوا وجدك في خيار

و لكني سررت بما يلاقي أبو إسحاق من خزي و عار

و أقبل المصعب حتى قطع من تلقاء واسط القصب و لم تك واسط هذه بنيت حينئذ بعد فأخذ في كسكر ثم حمل الرجال و أثقالهم و ضعفاء الناس في السفن فأخذوا في نهر يقال له:نهر خرشاذ ثم خرجوا من ذلك النهر إلى نهر يقال له:

قوسان ثم أخرجهم من ذلك النهر إلى الفرات.

(قال أبو مخنف)و حدثني فضيل بن خديج الكندي أن أهل البصرة كانوا يخرجون فيجرّون سفنهم و يقولون:

عودنا المصعب جر القلس و الزنبريات الطوال القعس

قال:فلما بلغ من مع المختار من تلك الأعاجم ما لقي إخوانهم مع ابن شميط قالوا2.

ص: 111


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 562.

بالفارسية:«أين بار دروغ كفت»يقولون:هذه المرة كذب.

(قال أبو مخنف)و حدثني هشام بن عبد الرحمن الثقفي عن عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي.

قال:و اللّه إني لجالس عند المختار حين أتاه هزيمة القوم و مالقوا قال:فأصغى إلي فقال قتلت و اللّه العبيد قتلة ما سمعت بمثلها قط ثم قال:و قتل ابن شميط و ابن كامل و فلان و فلان فسمّى رجالا من العرب أصيبوا كان الرجل منهم في الحرب خيرا من فئام من الناس قال:فقلت له فهذه و اللّه مصيبة فقال لي ما من الموت بد و ما من ميتة أموتها أحب إلى من مثل ميتة ابن شميط حبذا مصارع الكرام قال:فعلمت أن الرجل قد حدّث نفسه إن لم يصب حاجته أن يقاتل حتى يموت.

و لما بلغ المختار أنهم قد أقبلوا إليه في البحر و على الظهر سار حتى نزل بهم السيلحين و نظر إلى مجتمع الأنهار نهر الحيرة و نهر السيلحين و نهر القادسية و نهر برسف فسكّر الفرات على مجتمع الأنهار فذهب ماء الفرات كله في هذه الأنهار و بقيت سفن أهل البصرة في الطين،فلما رأوا ذلك خرجوا من السفن يمشون و أقبلت خيلهم تركض أتوا ذلك السكّر فكسروه و صمدوا صمد الكوفة.

فلما رأى ذلك المختار أقبل إليهم حتى نزل حروراء و حال بينهم و بين الكوفة و قد كان حصّن قصره و المسجد و أدخل في قصره عدة الحصار،و جاء المصعب يسير إليه و هو بحروراء و قد استعمل على الكوفة عبد اللّه بن شداد و خرج إليه المختار و قد جعل على ميمنته سليم بن يزيد الكندي و جعل على ميسرته سعيد بن منقذ الهمداني ثم الثوري و كان على شرطته يومئذ عبد اللّه بن قراد الخثعمي و بعث على الخيل عمر بن عبد اللّه النهدي و على الرجال مالك بن عمرو النهدي و جعل مصعب على ميمنته المهلب بن أبي صفرة و على ميسرته عمر بن عبيد اللّه بن معمر التيمي و على الخيل عبّاد بن الحصين الحبطي و على الرجال مقاتل بن مسمع

ص: 112

البكري و نزل هو يمشى متنكبا قوسا له.

قال:و جعل على أهل الكوفة محمد بن الأشعث فجاء محمد حتى نزل بين المصعب و المختار مغربا ميامنا.

قال:فلما رأى ذلك المختار بعث إلى كل خمس من أخماس أهل البصرة رجلا من أصحابه فبعث إلى بكر بن وائل سعيد بن منقذ صاحب ميسرته و عليهم مالك بن مسمع البكري و بعث إلى عبد القيس و عليهم مالك بن المنذر عبد اللّه بن شريح الشبامي و كان على بيت ماله و بعث إلى أهل العالية و عليهم قيس بن الهيثم السلمي عبد اللّه بن جعدة القرشيء ثم المخزومي و بعث إلى الأزد و عليهم زياد بن عمرو العتكي مسافر بن سعيد بن نمران الناعطي و بعث إلى بني تميم و عليهم الأحنف بن قيس سليم بن يزيد الكندي و كان صاحب ميمنته و بعث إلى محمد بن الأشعث السائب بن مالك الأشعري و وقف في بقية أصحابه و تزاحف الناس و دنا بعضهم من بعض و يحمل سعيد بن منقذ و عبد اللّه بن شريح على بكر بن وائل و عبد القيس و هم في الميسرة و عليهم عمر بن عبيد اللّه بن معمر فقاتلتهم ربيعة قتالا شديدا و صبروا لهم و أخذ سعيد بن منقذ و عبد الرحمن بن شريح لا يقلعان إذا حمل واحد فانصرف حمل الآخر و ربما حملا جميعا.

قال:فبعث المصعب إلى المهلب ما تنتظر أن تحمل على من بإزائك ألا ترى ما يلقى هذان الخمسان منذ اليوم إحمل بأصحابك فقال:أي لعمري ما كنت لأجزر الأزد و تميما خشية أهل الكوفة حتى أرى فرصتي.

قال:و بعث المختار إلى عبد اللّه بن جعدة أن احمل على من بإزائك فحمل على أهل العالية فكشفهم حتى انتهوا إلى المصعب فجثا المصعب على ركبتيه و لم يكن فرارا فرمى بأسهمه و نزل الناس عنده فقاتلوا ساعة ثم تحاجزوا.

قال:و بعث المصعب إلى المهلب و هو في خمسين جامين كثيري العدد

ص: 113

و الفرسان لا أبالك ما تنتظر أن تحمل على القوم فمكث غير بعيد.

ثم إنه قال لأصحابه:قد قاتل الناس منذ اليوم و أنتم وقوف و قد أحسنوا و قد بقي ما عليكم احملوا و استعينوا باللّه و اصبروا فحمل على من يليه حملة منكرة فحطّموا أصحاب المختار حطمة منكرة فكشفوهم.و قال عبد اللّه بن عمرو النهدي و كان من أصحاب صفين:اللهم إني على ما كنت عليه ليلة الخميس بصفين اللهم إني أبرأ إليك من فعل هؤلاء لأصحابه حين انهزموا و أبرأ إليك من أنفس هؤلاء يعنى أصحاب المصعب ثم جالد بسيفه حتى قتل و أتى مالك بن عمرو أبو نمران النهدي و هو على الرجالة بفرسه فركبه و انقصف أصحاب المختار انقصافة شديدة كأنهم أجمة فيها حريق.

فقال مالك حين ركب:ما أصنع بالركوب و اللّه لئن أقتل ههنا أحب إلي من أن أقتل في بيتي أين أهل البصائر أين أهل الصبر فثاب إليه نحو من خمسين رجلا و ذلك عند المساء فكرّ على أصحاب محمد بن الأشعث فقتل محمد بن الأشعث إلى جانبه هو و عامة أصحابه فبعض الناس يقول هو قتل محمد بن الأشعث و وجد أبو نمران قتيلا إلى جانبه و كندة تزعم أن عبد الملك بن أشاءة الكندي هو الذي قتله،فلما مر المختار في أصحابه على محمد بن الأشعث قتيلا قال:يا معشر الأنصار كروا على الثعالب الرواغة فحملوا عليهم فقتل،فخثعم تزعم أن عبد اللّه بن قراد هو الذي قتله.

(قال أبو مخنف)و سمعت عوف بن عمرو الجشمي يزعم أن مولى لهم قتله فادعى قتله أربعة نفر كلهم يزعم أنه قتله و انكشف أصحاب سعيد بن منقذ فقاتل في عصابة من قومه نحو من سبعين رجلا فقتلوا و قاتل سليم بن يزيد الكندي في تسعين رجلا من قومه و غيرهم ضارب حتى قتل و قاتل المختار على فم سكة شبث و نزل و هو يريد أن لا يبرح فقاتل عامة ليلته حتى انصرف عنه القوم و قتل معه ليلتئذ رجال من أصحابه من أهل الحفاظ منهم عاصم بن عبد اللّه الأزدي و عياش

ص: 114

ابن خازم الهمداني ثم الثوري و أحمر بن هديج الهمداني ثم الفايشي (1).

(قال أبو مخنف)حدثنا أبو الزبير أن همدان تنادوا ليلتئذ يا معشر همدان سيفوهم فقاتلوهم أشد القتال،فلما أن تفرّقوا عن المختار قال له أصحابه:أيها الأمير قد ذهب القوم فانصرف إلى منزلك إلى القصر.

فقال المختار:أما و اللّه ما نزلت و أنا أريد أن آتي القصر فأما إذا انصرفوا فاركبوها بنا على اسم اللّه فجاء حتى دخل القصر فقال الأعشى في قتل محمد بن الأشعث:

تأوب عينك عوارها

و عاد لنفسك تذكارها

و إحدى لياليك راجعتها

أرقت و نوم سمارها

و ما ذاقت العين طعم الرقا

د حتى تبلج إسفارها

و قام نعاة أبى قاسم

فأسبل بالدمع تحدارها

فحق العيون على ابن الأشج

أن لا يفتر تقطارها

و ألا تزال تبكى له

و تبتل بالدمع أشفارها

عليك محمد لما ثويت

تبكى البلاد و أشجارها5.

ص: 115


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 565.

و ما يذكرونك إلا بكوا

إذا ذمة خانها جارها

و عارية من ليالي الشتا

ء لا يتمنح أيسارها

و لا ينبح الكلب فيها العقور

إلا الهرير و تختارها

فأنت محمد في مثلها

مهين الجزائر نحارها

و لا ينفع الثوب فيها الفتى

و لا رية الخدر تخدارها

تظل جفانك موضوعة

تسيل من الشحم أصبارها

و ما في سقائك مستنطق

إذا الشول روح أغبارها

فيا واهب الوصفاء الصبا

ح إن شبرت تم أشبارها

و يا واهب الجرد مثل القدا

ح قد يعجب الصف شوارها

و يا واهب البكرات الهجا

ن عوذا تجاوب أبكارها

و كنت كدجلة إذ ترتمي

فيقذف في البحر تيارها

ص: 116

و كنت جليدا و ذا مرة

إذا يبتغى منك إمرارها

و كنت إذا بلدة أصفقت

و آذن بالحرب جبارها

بعثت عليها ذواكي العيون

حتى تواصل أخبارها

بإذن من اللّه و الخيل قد

أعد لذلك مضمارها

و قد تطعم الخيل منك الوجيف

حتى تنبذ أمهارها

و قد تعلم البازل العيسجور

أنك بالخبت حسارها

فيا أسفى يوم لاقيتهم

و خانت رجالك فرارها

و أقبلت الخيل مهزومة

عثارا تضرب أدبارها

بشط حروراء و استجمعت

عليك الموالي و سحارها

فأخطرت نفسك من دونهم

فحاز الرزبئة أخطارها

فلا تبعدن أبا قاسم

فقد يبلغ النفس مقدارها

ص: 117

و أفنى الحوادث ساداتنا و مر الليالي و تكرارها

(قال هشام)قال أبي:كان السائب أتى مع مصعب بن الزبير فقتله ورقاء النخعي من و هبيل فقال ورقاء:

من مبلغ عني عبيدا بأنني علوت أخاه بالحسام المهند

فإن كنت تبغى العلم عنه فإنه صريع لدى الديرين غير موسد

و عمدا علوت الرأس منه بصارم فأثكلته سفيان بعد محمد

(قال هشام)عن أبي مخنف قال:حدثني حصيرة بن عبد اللّه أن هند بنت المتكلفة الناعطية كان يجتمع إليها كل غال من الشيعة فيتحدث في بيتها و في بيت ليلى بنت قمامة المزنية و كان أخوها رفاعة بن قمامة من شيعة علي و كان مقتصدا فكانت لا تحبه فكان أبو عبد اللّه الجدلي و يزيد بن شراحيل قد أخبرا بن الحنفية خبر هاتين المرأتين و غلّوهما و خبر أبي الأحراس المرادي و البطين الليثي و أبي الحارث الكندي.

(قال هشام)عن أبي مخنف قال:حدثني يحيى بن أبي عيسى.قال:فكان ابن الحنفية قد كتب مع يزيد بن شراحيل إلى الشيعة بالكوفة تحذرهم هؤلاء فكتب إليهم من محمد بن علي إلى من بالكوفة من شيعتنا أما بعد فاخرجوا إلى المجالس و المساجد فاذكروا اللّه علانية و سرا و لا تتخذوا من دون المؤمنين بطانة فإن خشيتم على أنفسكم فاحذروا على دينكم الكذابين و أكثروا الصلاة و الصيام و الدعاء فإنه ليس أحد من الخلق يملك لاحد ضرا و لا نفعا إلا ما شاء اللّه و كل نفس بما كسبت رهينة و لا تزر واررة وزر أخرى و اللّه قائم على كل نفس بما كسبت فاعملوا صالحا و قدموا لأنفسكم حسنا و لا تكونوا من الغافلين و السلام عليكم.

(قال أبو مخنف)فحدثني حصيرة بن عبد اللّه أن عبد اللّه بن نوف خرج من بيت

ص: 118

هند بنت المتكلفة حين خرج الناس إلى حروراء و هو يقول يوم الأربعاء ترفّعت السما و نزل القضا بهزيمة الأعداء فاخرجوا على اسم اللّه إلى حرورا فخرج،فلما التقى الناس للقتال ضرب على وجهه ضربة و رجع الناس منهزمين و لقيه عبد اللّه بن شريك النهدي و قد سمع مقالته.

فقال له:ألم تزعم لنا يا ابن نوف أنّا سنهزمهم قال:أوما قرأت في كتاب اللّه يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

قال:فلما أصبح المصعب أقبل يسير بمن معه من أهل البصرة و من خرج إليه من أهل الكوفة فأخذ بهم نحو السبخة فمر بالمهلب.

فقال له المهلب:يا له فتحا ما أهناه لو لم يكن محمد بن الأشعث قتل قال:صدقت فرحم اللّه محمدا.

ثم سار غير بعيد ثم قال:يا مهلب.

قال:لبيك أيها الأمير قال:هل علمت أن عبيد اللّه بن علي بن أبي طالب قد قتل قال:

إنا للّه و إنا إليه راجعون.قال المصعب:أما إنه كان ممن أحب أن يرى هذا الفتح ثم لا نجعل أنفسنا أحق بشيء مما نحن فيه منه أتدري من قتله؟قال:لا.

قال:إنما قتله من يزعم أنه لأبيه شيعة أما إنهم قد قتلوه و هم يعرفونه.

قال:ثم مضى حتى نزل السبخة فقطع عنهم الماء و المادة و بعث عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فنزل الكناسة و بعث عبد الرحمن بن مخنف سليم إلى جبانة السبيع و قد كان قال لعبد الرحمن بن مخنف:ما كنت صنعت فيما كنت و كلّتك به.

قال:أصلحك اللّه وجدت الناس صنفين أما من كان له فيك هوى فخرج إليك و أما من كان يرى رأي المختار فلم يكن ليدعه و لا ليؤثر أحدا عليه فلم أبرح بيتي حتى قدمت.قال:صدقت و بعث عباد بن الحصين إلى جبانة كندة فكل هؤلاء كان يقطع

ص: 119

عن المختار و أصحابه الماء و المادة و هم في قصر المختار و بعث زحر بن قيس إلى جبانة مراد و بعث عبيد اللّه بن الحر إلى جبانة الصائديين.

(قال أبو مخنف)و حدثني فضيل بن خديج قال:لقد رأيت عبيد اللّه بن الحر و إنه ليطارد أصحاب خيل المختار يقاتلهم في جبانة الصائديين و لربما رأيت خيلهم تطرد خيله و إنه لوراء خيله يحميها حتى ينتهى إلى دار عكرمة ثم يكر راجعا هو و خيله فيطردهم حتى يلحقهم بجبانة الصائديين و لربما رأيت خيل عبيد اللّه قد أخذت السقاء و السقاءين فيضربون و إنما كانوا يأتونهم بالماء أنهم كانوا يعطونهم بالراوية الدينار و الدينارين لما أصابهم من الجهد.

و كان المختار ربما خرج هو و أصحابه فقاتلوا قتالا ضعيفا و لا نكاية لهم و كانت لا تخرج له خيل إلا رميت بالحجارة من فوق البيوت و يصب عليهم الماء القذر و اجترأ عليهم الناس فكانت معايشهم أفضلها من نسائهم فكانت المرأة تخرج من منزلها معها الطعام و اللطف و الماء قد التحفت عليه فتخرج كأنما تريد المسجد الأعظم للصلاة و كأنها تأتي أهلها و تزور ذات قرابة لها فإذا دنت من القصر فتح لها فدخلت على زوجها و حميمها بطعامه و شرابه و لطفه و إن ذلك بلغ المصعب و أصحابه.

فقال له المهلب:و كان مجربا إجعل عليهم دروبا حتى تمنع من يأتيهم من أهليهم و أبنائهم و تدعهم في حصنهم حتى يموتوا فيه و كان القوم إذا اشتد عليهم العطش في قصرهم استقوا من ماء البثر ثم أمر لهم المختار بعسل فصب فيه ليغير طعمه فيشربوا منه فكان ذلك أيضا مما يروي أكثرهم ثم إن مصعبا أمر أصحابه فاقتربوا من القصر فجاء عبّاد بن الحصين الحبطي حتى نزل عند مسجد جهينة و كان ربما تقدّم حتى ينتهى إلى مسجد بني مخزوم و حتى يرمي أصحابه من أشرف عليهم من أصحاب المختار من القصر و كان لا يلقى امرأة قريبا من القصر

ص: 120

إلا قال لها:من أنت و من أين جئت و ما تريدين فأخذ في يوم ثلاث نسوة للشباميين و شاكر أتين أزواجهن في القصر فبعث بهن إلى مصعب و إن الطعام لمعهن فردّهن مصعب و لم يعرض لهن و بعث زحر بن قيس فنزل عند الحدادين حيث تكرى الدواب و بعث عبيد اللّه بن الحر فكان موقفه عند دار بلال و بعث محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس فكان موقفه عند دار أبيه و بعث حوشب بن يزيد فوقف عند زقاق البصريين عند فم سكة بني جذيمة بن مالك من بنى أسد بن خزيمة، و جاء المهلب يسير حتى نزل جهارسوج خنيس.

و جاء عبد الرحمن بن مخنف من قبل دار السقاية و ابتدر السوق أناس من شباب أهل الكوفة و أهل البصرة أغمار ليس لهم علم بالحرب فأخذوا يصيحون و ليس لهم أمير يا ابن دومة يا ابن دومة فأشرف عليهم المختار فقال:أما و اللّه لو أن الذي يعيّرني بدومة كان من القريتين عظيما ما عيّرني بها و بصر بهم و بتفرّقهم و هيئتهم و انتشارهم فطمع فيهم فقال لطائفة من أصحابه:أخرجوا معي فخرج معه منهم نحو من مائتي رجل فكرّ عليهم فشدخ نحوا من مائة و هزمهم فركب بعضهم بعضا و أخذوا على دار فرات بن حيان العجلي.

ثم إن رجلا من بني ضبة من أهل البصرة يقال له يحيى بن ضمضم كانت رجلاه تكاد أن تخطان الأرض إذا ركب من طوله و كان أقتل شيء للرجال و أهيبه عندهم إذا رأوه فأخذ يحمل على أصحاب المختار فلا يثبت له رجل صمد صمده و بصر به المختار فحمل عليه فضربه ضربة على جبهته فأطار جبهته و قحف رأسه و خرّ ميتا ثم إن تلك الامراء و تلك الرؤوس أقبلوا من كل جانب فلم تكن لأصحابه بهم طاقة فدخلوا القصر فكانوا فيه فاشتد عليهم الحصار فقال لهم المختار:و يحكم إن الحصار لا يزيدكم إلا ضعفا أنزلوا بنا فلنقاتل حتى نقتل كراما إن نحن قتلنا و اللّه ما أنا بآيس أن صدقتموهم أن ينصركم اللّه فضعفوا

ص: 121

و عجزوا.

فقال لهم المختار:أما أنا فو اللّه لا أعطى بيدي و لا أحكّمهم في نفسي،و لما رأى عبد اللّه بن جعدة بن هبيرة ابن أبي وهب ما يريد المختار تدلّى من القصر بحبل فلحق بأناس من إخوانه فاختبى عندهم ثم إن المختار أزمع بالخروج إلى القوم حين رأى من أصحابه الضعف و رأى ما بأصحابه من الفشل فأرسل إلى امرأته أم ثابت بنت سمرة بن جندب الفزاري فأرسلت إليه بطيب كثير فاغتسل و تحنّط ثم وضع ذلك الطيب على رأسه و لحيته ثم خرج في تسعة عشر رجلا فيهم السائب بن مالك الأشعري و كان خليفته على الكوفة إذا خرج إلى المدائن و كانت تحته عمرة بنت أبي موسى الأشعري فولدت له غلاما فسمّاه محمدا فكان مع أبيه في القصر، فلما قتل أبوه و أخذ من في القصر وجد صبيا فترك،و لما خرج المختار من القصر قال للسائب:ماذا ترى؟

قال:الرأي لك فماذا ترى؟

قال:أنا أرى أم اللّه يرى.

قال:بل اللّه يرى.

قال:و يحك أحمق أنت إنما أنا رجل من العرب رأيت ابن الزبير انتزى على الحجاز و رأيت نجدة انتزى على اليمامة و مروان على الشام فلم أكن دون أحد من رجال العرب فأخذت هذه البلاد فكنت كأحدهم إلا أني قد طلبت بثأر أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذ نامت عنه العرب فقتلت من شرك في دمائهم و بالغت في ذلك إلى يومي هذا فقاتل على حسبك إن لم تكن لك نية.

فقال:إنا للّه و إنا إليه راجعون و ما كنت أصنع أن أقاتل على حسبي.

فقال المختار عند ذلك يتمثل بقول غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي:

و لو يراني أبو غيلان إذ حسرت عني الهموم بأمر ماله طبق

ص: 122

لقال رهبا و رعبا يجمعان معا غنم الحياة و هول النفس و الشفق

إما تسف على مجد و مكرمة أو إسوة لك فيمن تهلك الورق

فخرج في تسعة عشر رجلا فقال لهم أتؤمنوني و أخرج إليكم فقالوا لا إلا على الحكم فقال:لا أحكمكم في نفسي أبدا فضارب بسيفه حتى قتل و قد كان قال لأصحابه حين أبوا أن يتابعوه على الخروج معه:إذا أنا خرجت إليهم فقتلت لم تزدادوا إلا ضعفا و ذلا فإن نزلتم على حكمهم و ثب أعداؤكم الذين قد و ترتموهم فقال كل رجل منهم لبعضكم هذا عنده ثأري فيقتل و بعضكم ينظر إلى مصارع بعض فتقولون يا ليتنا أطعنا المختار و عملنا برأيه و لو أنكم خرجتم معي كنتم إن أخطأتم الظفر متم كراما و إن هرب منكم هارب فدخل في عشيرته اشتملت عليه عشيرته أنتم غدا هذه الساعة أذل من على ظهر الأرض فكان كما قال.

و زعم الناس أن المختار قتل عند موضع الزياتين اليوم قتله رجلان من بني حنيفة أخوان يدعى أحدهما طرفة و الآخر طرافا ابنا عبد اللّه بن دجاجة من بني حنيفة،و لما كان من الغد من قتل المختار قال بجير بن عبد اللّه المسلى:يا قوم قد كان صاحبكم أمس أشار عليكم بالرأي لو أطعتموه يا قوم إنكم إن نزلتم على حكم القوم ذبحتم كما تذبح الغنم اخرجوا بأسيافكم فقاتلوا حتى تموتوا كراما فعصوه و قالوا:لقد أمرنا بهذا من كان أطوع عندنا و أصبح لنا منك فعصيناه أفنحن نطيعك فأمكن القوم من أنفسهم و نزلوا على الحكم فبعث إليهم مصعب عبّاد بن الحصين الحبطي فكان هو يخرجهم مكتفين و أوصى عبد اللّه بن شداد الجشمي إلى عبّاد بن الحصين و طلب عبد اللّه بن قراد عصا أو حديدة أو شيئا يقاتل به فلم يجده و ذلك أن الندامة أدركته بعد ما دخلوا عليه فأخذوا سيفه و أخرجوه مكتوفا فمر به عبد الرحمن و هو يقول:

ما كنت أخشى أن أرى أسيرا إن الذين خالفوا الأميرا

ص: 123

قد رغموا و تبرّوا تتبيرا

فقال عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث علي بذا قدّموه إلي أضرب عنقه فقال له:أما إني على دين جدك الذي آمن ثم كفر إن لم أكن ضربت أباك بسيفي حتى فاض فنزل،ثم قال:أدنوه مني فأدنوه منه فقتله فغضب عبّاد فقال:قتلته و لم تؤمر بقتله و مر بعبد اللّه بن شداد الجشمي و كان شريفا فطلب عبد الرحمن إلى عبّاد أن يحبسه حتى يكلم فيه الأمير فأتى مصعبا فقال:إني أحب أن تدفع إلي عبد اللّه بن شداد فأقتله فإنه من الثأر فأمر له به،فلما جاءه أخذه فضرب عنقه فكان عبّاد يقول:أما و اللّه لو علمت أنك إنما تريد قتله لدفعته إلى غيرك فقتله و لكني حسبت أنك تكلمه فيه فتخلي سبيله و أتى بابن عبد اللّه بن شداد و إذا اسمه شداد و هو رجل محتلم و قد اطلى بنورة فقال:اكشفوا عنه هل أدرك.

فقالوا:لا إنما هو غلام فخلّوا سبيله و كان الأسود بن سعيد قد طلب إلى مصعب أن يعرض على أخيه الأمان فإن نزل تركه له فأتاه فعرض عليه الأمان فأبى أن ينزل و قال:أموت مع أصحابي أحب إلي من حياة معكم.

و كان يقال له قيس.فأخرج فقتل فيمن قتل و قال:بجير بن عبد اللّه المسلى و يقال:

كان مولى لهم حين أتي به مصعب و معه منهم ناس كثير.

فقال له المسلى:الحمد للّه الذي ابتلانا بالإسار و ابتلاك بأن تعفو عنا و هما منزلتان إحداهما رضى اللّه و الأخرى سخطه من عفا عفا اللّه عنه و زاده عزا و من عاقب لم يأمن القصاص يا ابن الزبير نحن أهل قبلتكم و على ملتكم و لسنا تركا و لا ديلما فإن خالفنا اخواننا من أهل مصرنا فإما أن نكون أصبنا و أخطأوا و إما أن نكون أخطأنا و أصابوا فاقتتلنا كما اقتتل أهل الشام بينهم فقد اختلفوا و اقتتلوا ثم اجتمعوا و كما اقتتل أهل البصرة بينهم فقد اختلفوا و اقتتلوا ثم اصطلحوا و اجتمعوا و قد ملكتم فأسجحوا و قد قدرتم فاعفوا فما زال بهذا القول و نحوه حتى

ص: 124

رق لهم الناس ورق لهم مصعب و أراد أن يخلى سبيلهم.

فقام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فقال:تخلي سبيلهم اخترنا يا ابن الزبير أو اخترهم،و وثب محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني فقال:قتل أبي و خمسمائة من همدان و أشراف العشيرة و أهل المصر ثم تخلي سبيلهم و دماؤنا ترقرق في أجوافهم اخترنا أو اخترهم و وثب كل قوم و أهل بيت كان أصيب منهم رجل فقالوا نحوا من هذا القول،فلما رأى مصعب بن الزبير ذلك أمر بقتلهم فنادوه بأجمعهم يا ابن الزبير لا تقتلنا اجعلنا مقدمتك إلى أهل الشام غدا فو اللّه ما بك و لا بأصحابك عنا غدا غنى إذا لقيتم عدوكم فإن قتلنا لم نقتل نرقهم لكم و إن ظفرنا بهم كان ذلك لك و لمن معك فأبى عليهم و تبع رضى العامة،فقال:بجير المسلى:إن حاجتي إليك ألا أقتل مع هؤلاء إني أمرتهم أن يخرجوا بأسيافهم فيقاتلوا حتى يموتوا كراما فعصوني فقدّم فقتل (1).

(قال أبو مخنف)و حدثني أبي قال:حدثني أبو روق أن مسافر بن سعيد بن نمران قال لمصعب بن الزبير:يا ابن الزبير ما تقول للّه إذا قدمت عليه و قد قتلت أمة من المسلمين صبرا حكّموك في دمائهم فكان الحق في دمائهم أن لا تقتل نفسا مسلمة بغير نفس مسلمة فإن كان قتلنا عدة رجال منكم فاقتلوا عدة من قتلنا منكم و خلّوا سبيل بقيتنا و فينا الآن رجال كثير لم يشهدوا موطنا من حربنا و حربكم يوما واحدا كانوا في الجبال و السواد يجبون الخراج و يؤمنون السبيل فلم يستمع له فقال:قبّح اللّه قوما أمرتهم أن يخرجوا ليلا على حرس سكة من هذه السكك فنطردهم ثم نلحق بعشائرنا فعصوني حتى حملوني على أن أعطيت التي هي أنقص و أدنى و أوضع و أبوا أن يموتوا إلا ميتة العبيد فأنا أسألك ألا تخلط دمي3.

ص: 125


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 573.

بدمائهم فقدّم فقتل ناحية ثم إن المصعب أمر بكف المختار فقطعت ثم سمّرت بمسمار حديد إلى جنب المسجد،فلم يزل على ذلك حتى قدم الحجاج بن يوسف فنظر إليها فقال:ما هذه؟

قالوا:كف المختار فأمر بنزعها و بعث مصعب عماله على الجبال و السواد ثم إنه كتب إلى ابن الأشتر يدعوه إلى طاعته و يقول له إن أنت أجبتني و دخلت في طاعتي فلك الشام و أعنة الخيل و ما غلبت عليه من أرض المغرب مادام لآل الزبير سلطان و كتب عبد الملك بن مروان من الشام إليه يدعوه إلى طاعته و يقول:إن أنت أجبتني و دخلت في طاعتي فلك العراق فدعا إبراهيم أصحابه فقال:ما ترون؟

فقال بعضهم:تدخل في طاعة عبد الملك،و قال:بعضهم:تدخل مع ابن الزبير في طاعته فقال ابن الأشتر ذاك لو لم أكن أصبت عبيد اللّه بن زياد و لا رؤساء أهل الشام تبعت عبد الملك مع إني لا أحب أن أختار على أهل مصري مصرا و لا على عشيرتي عشيرة فكتب إلى مصعب فكتب إليه مصعب أن أقبل فأقبل إليه بالطاعة.

(قال أبو مخنف)حدثني أبو جناب الكلبي أن كتاب مصعب قدم على ابن الأشتر و فيه أما بعد فإن اللّه قد قتل المختار الكذاب و شيعته الذين دانوا بالكفر و كادوا بالسحر و إنّا ندعوك إلى كتاب اللّه و سنّة نبيه و إلى بيعة أمير المؤمنين فإن أجبت إلى ذلك فأقبل إلي فان لك أرض الجزيرة و أرض المغرب كلها ما بقيت و بقي سلطان آل الزبير لك بذلك عهد اللّه و ميثاقه و أشدّ ما أخذ اللّه على النبيين من عهد أو عقد و السلام و كتب إليه عبد الملك بن مروان أما بعد فإن آل الزبير انتزوا على أئمة الهدى و نازعوا الأمر أهله و ألحدوا في بيت اللّه الحرام و اللّه ممكن منهم و جاعل دائرة السوء عليهم و إني أدعوك إلى اللّه و إلى سنّة نبيه فإن قبلت و أجبت فلك سلطان العراق ما بقيت و بقيت لك علي بالوفاء بذلك عهد اللّه و ميثاقه.

قال:فدعا أصحابه فأقرأهم الكتاب و استشارهم في الرأي فقائل يقول عبد الملك

ص: 126

و قائل يقول ابن الزبير فقال لهم:و رأيي اتباع أهل الشام كيف لي بذلك و لكن ليس قبيلة تسكن الشام إلا و قد و ترتها و لست بتارك عشيرتي و أهل مصري فأقبل إلى مصعب،فلما بلغ مصعبا إقباله بعث المهلب إلى عمله و هى السنة التي نزل فيها المهلب على الفرات.

(قال أبو مخنف)حدثني أبو علقمة الخثعمي أن المصعب بعث إلى أم ثابت بنت سمرة بن جندب امرأة المختار و الى عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري و هى امرأة المختار فقال لهما:ما تقولان في المختار؟

فقالت أم ثابت:ما عسينا أن نقول ما نقول فيه إلا ما تقولون فيه أنتم فقالوا لها اذهبي و أما عمرة فقالت:رحمة اللّه عليه إن كان عبدا من عباد اللّه الصالحين فرفعها مصعب إلى السجن و كتب فيها إلى عبد اللّه ابن الزبير أنها تزعم أنه نبي فكتب إليه أن أخرجها فاقتلها فأخرجها بين الحيرة و الكوفة بعد العتمة فضربها مطر ثلاث ضربات بالسيف و مطر تابع لآل قفل من بني تيم اللّه بن ثعلبة كان يكون مع الشرط فقالت:يا أبتاه يا أهلاه يا عشيرتاه فسمع بها بعض الأنصار و هو أبان بن النعمان بن بشير فأتاه فلطمه و قال له:يا ابن الزانية قطعت نفسها قطع اللّه يمينك فلزمه حتى رفعه إلى مصعب فقال:إن أمي مسلمة و ادعى شهادة بني قفل فلم يشهد له أحد فقال مصعب خلّوا سبيل الفتى فإنه رأى أمرا فظيعا فقال عمر بن أبي ربيعة القرشي في قتل مصعب عمرة بنت النعمان بن بشير:

إن من أعجب العجائب عندي قتل بيضاء حرة عطبول

قتلت هكذا على غير جرم إن للّه درها من قتيل

كتب القتل و القتال علينا و على المحصنات جر الذيول.

(قال أبو مخنف)و حدثني محمد بن يوسف أن مصعبا لقي عبد اللّه بن عمر فسلّم عليه و قال له:أنا ابن أخيك مصعب.

ص: 127

فقال له ابن عمر:نعم أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة عش ما استطعت فقال مصعب إنهم كانوا كفرة سحرة فقال ابن عمر:و اللّه لو قتلت عدتهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك سرفا.

فقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في ذلك:

أتى راكب بالامر ذي النبأ العجب

بقتل ابنة النعمان ذي الدين و الحسب

بقتل فتاة ذات دل ستيرة

مهذبة الأخلاق و الخيم و النسب

مطهرة من نسل قوم أكارم

من المؤثرين الخير في سالف الحقب

خليل النبي المصطفى و نصيره

و صاحبه في الحرب و النكب و الكرب

أتاني بأن الملحدين توافقوا

على قتلها لأجنبوا القتل و السلب

فلا هنات آل الزبير معيشة

و ذاقوا لباس الذل و الخوف و الحرب

كأنهم إذ أبرزوها و قطّعت

بأسيافهم فازوا بمملكة العرب

ألم تعجب الأقوام من قتل حرة

من المحصنات الدين محمودة الأدب

من الغافلات المؤمنات بريئة

من الذم و البهتان و الشك و الكذب

ص: 128

علينا كتاب القتل و البأس واجب

و هن العفاف في الحجال و في الحجب

على دين أجداد لها و أبوة

كرام مضت لم تخز أهلا و لم ترب

من الخفرات لا خروج بذية

ملايمة تبغي على جارها الجنب

و لا الجار ذي القربى و لم تدر ما الخنا

و لم تزدلف يوما بسوء و لم تحب

عجبت لها إذ كفنت و هى حية

ألا إن هذا الخطب من أعجب العجب.

حدثت عن علي بن حرب الموصلي.قال:حدثني إبراهيم بن سليمان الحنفي بن أخي أبى الأحوص قال:حدثنا محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد عن سويد بن غفلة قال:بينا أبا أسير بظهر النجف إذ لحقني رجل فطعنني بمخصره من خلفي فالتفت إليه فقال:ما قولك في الشيخ؟قلت:أي الشيوخ؟

قال:علي بن أبي طالب.

قلت:إني أشهد إني أحبه بسمعي و بصرى و قلبي و لساني.

قال:و أنا أشهدك إني أبغضه بسمعي و بصرى و قلبي و لساني فسرنا حتى دخلنا الكوفة فافترقنا فمكث بعد ذلك سنين أو قال زمانا.

قال:ثم إني لفى المسجد الأعظم إذ دخل رجل معتم يتصفح وجوه الخلق فلم يزل ينظر فلم ير لحى أحمق من لحى همدان فجلس إليهم فتحوّلت فجلست معهم فقالوا من أين أقبلت قال:من عند أهل بيت نبيكم قالوا:فماذا جئتنا به.

قال:ليس هذا موضع ذلك فوعدهم من الغد موعدا فغدا و غدوت فإذا قد أخرج

ص: 129

كتابا معه في أسفله طابع من رصاص فدفعه إلى غلام.

فقال له:يا غلام إقرأه و كان أميا لا يكتب فقال الغلام بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب للمختار بن أبي عبيد كتبه له وصي آل محمد أما بعد:فكذا و كذا.فاستفرغ القوم البكاء فقال:يا غلام إرفع كتابك حتى يفيق القوم.

قلت:معاشر همدان أنا أشهد باللّه لقد أدركني هذا بظهر النجف فقصصت عليهم قصته فقالوا:أبيت و اللّه إلا تثبيطا عن آل محمد و تزيينا لنعثل شقّاق المصاحف.

قال:قلت:معاشر همدان لا أحدثكم إلا ما سمعته أذناي و وعاه قلبي من علي بن أبي طالب عليه السلام سمعته يقول لا تسموا عثمان شقّاق المصاحف فو اللّه ما شققها إلا عن ملأ من أصحاب محمد و لو ولّيتها لعملت فيها مثل الذي عمل.قالوا:

آللّه أنت سمعت هذا من علي؟

قلت:و اللّه لأنا سمعته منه.

قال:فتفرّقوا عنه فعند ذلك مال إلى العبيد و استعان بهم و صنع ما صنع (1).

(قال أبو جعفر)و اقتص الواقدي من خبر المختار بن أبي عبيد بعض ما ذكرنا فخالف فيه من ذكرنا خبره فزعم أن المختار إنما أظهر الخلاف لابن الزبير عند قدوم مصعب البصرة و أن مصعبا لما سار إليه فبلغه مسيره إليه بعث إليه أحمر ابن شميط البجلي و أمره أن يواقعه بالمذار و قال:إن الفتح بالمذار.

قال:و إنما قال ذلك المختار لأنه قيل:إن رجلا من ثقيف يفتح عليه بالمذار فتح عظيم فظن أنه هو و إنما كان ذلك للحجاج بن يوسف في قتاله عبد الرحمن بن الأشعث و أمر مصعب صاحب مقدمته عبّادا الحبطي أن يسير إلى جمع المختار فتقدم و تقدم معه عبيد اللّه بن علي بن أبي طالب و نزل مصعب نهر البصريين على6.

ص: 130


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 576.

شط الفرات و حفر هنالك نهرا فسمّي نهر البصريين من أجل ذلك.

قال:و خرج المختار في عشرين ألفا حتى وقف بإزائهم و زحف مصعب و من معه فوافوه مع الليل على تعبية فأرسل إلى أصحابه حين أمسى لا يبرحن أحد منكم موقفه حتى يسمع مناديا ينادي:يا محمد،فإذا سمعتموه فاحملوا.

فقال رجل من القوم من أصحاب المختار:هذا و اللّه كذاب على اللّه و انحاز و من معه إلى المصعب فأمهل المختار حتى إذا طلع القمر أمر مناديا فنادى يا محمد ثم حملوا على مصعب و أصحابه فهزموهم فأدخلوه عسكره فلم يزالوا يقاتلونهم حتى أصبحوا و أصبح المختار و ليس عنده أحد و إذا أصحابه قد و غلوا في أصحاب مصعب فانصرف المختار منهزما حتى دخل قصر الكوفة فجاء أصحاب المختار حين أصبحوا فوقفوا مليا فلم يروا المختار فقالوا قد قتل فهرب منهم من أطاق الهرب و اختفوا في دور الكوفة و توجّه منهم نحو القصر ثمانية آلاف لم يجدوا من يقاتل بهم و وجدوا المختار في القصر فدخلوا معه و كان أصحاب المختار قتلوا في تلك الليلة من أصحاب مصعب بشرا كثيرا فيهم محمد بن الأشعث و أقبل مصعب حين أصبح حتى أحاط بالقصر فأقام مصعب يحاصره أربعة أشهر يخرج إليهم في كل يوم فيقاتلهم في سوق الكوفة من وجه واحد و لا يقدر عليه حتى قتل المختار.

فلما قتل المختار بعث من في القصر يطلب الأمان فأبى مصعب حتى نزلوا على حكمه،فلما نزلوا على حكمه قتل من العرب سبعمائة أو نحو ذلك و سائرهم من العجم.

قال:فلما خرجوا أراد مصعب أن يقتل العجم و يترك العرب فكلّمه من معه فقالوا أي دين هذا و كيف ترجو النصر و أنت تقتل العجم و تترك العرب و دينهم واحد فقدّمهم فضرب أعناقهم.

ص: 131

(قال أبو جعفر)و حدثني عمر بن شبة قال:حدثنا علي بن محمد قال:لما قتل المختار شاور مصعب أصحابه في المحصورين الذين نزلوا على حكمه فقال عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث و محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس و أشباههم ممن و ترهم المختار اقتلهم و ضجّت ضبة و قالوا:دم منذر بن حسان.

فقال عبيد اللّه ابن الحر:أيها الأمير إدفع كل رجل في يديك إلى عشيرته تمن عليهم بهم فإنهم إن كانوا قتلونا فقد قتلناهم و لا غنى بنا عنهم في ثغورنا و ادفع عبيدنا الذين في يديك إلى مواليهم فإنهم لأيتامنا و أراملنا و ضعفائنا يردونهم إلى أعمالهم و اقتل هؤلاء الموالي فإنهم قد بدا كفرهم و عظم كبرهم و قلّ شكرهم فضحك مصعب و قال للأحنف:ما ترى يا أبا بحر؟

قال:قد أرادني زياد فعصيته يعرّض بهم فأمر مصعب بالقوم جميعا فقتلوا و كانوا ستة آلاف فقال عقبة الأسدي:

قتلتم ستة الآلاف صبرا مع العهد الموثق مكتفينا

جعلتم ذمة الحبطي جسرا ذلو لا ظهره للواطئينا

و ما كاتوا غداة دعوا فغروا بعهدهم بأول خائنينا

و كنت أمرتهم لو طاوعوني بضرب في الأزقة مصلتينا.

و قتل المختار فيما قيل و هو ابن سبع و ستين سنة لأربع عشرة خلت من شهر رمضان في سنة 67،فلما فرغ مصعب من أمر المختار و أصحابه و صار إليه إبراهيم بن الأشتر وجه المهلب بن أبي صفرة على الموصل و الجزيرة و آذربيجان و أرمينية و أقام بالكوفة.

(و في هذه السنة)عزل عبد اللّه بن الزبير أخاه مصعب بن الزبير عن البصرة و بعث بابنه حمزة بن عبد اللّه إليها فاختلف في سبب عزله إياه عنها و كيف كان الأمر في ذلك.

ص: 132

فقال بعضهم:في ذلك ما حدثني به عمر.

قال:حدثني علي بن محمد قال:لم يزل المصعب على البصرة حتى سار منها إلى المختار و استخلف على البصرة عبيد اللّه بن عبيد اللّه بن معمر فقتل المختار ثم وفد إلى عبد اللّه بن الزبير فعزله و حبسه عنده و اعتذر إليه من عزله و قال:و اللّه إني لأعلم أنك أحرى و أكفى من حمزة و لكني رأيت فيه رأي عثمان في عبد اللّه بن عامر حين عزل أبا موسى الأشعري و ولاّه.

و حدثني عمر قال:حدثني علي بن محمد قال:قدم حمزة البصرة واليا و كان جوادا سخيا مخلطا يجود أحيانا حتى لا يدع شيئا يملكه و يمنع أحيانا ما لا يمنع مثله فظهرت منه بالبصرة خفة و ضعف فيقال:إنه ركب يوما إلى فيض البصرة، فلما رآه قال:إن هذا الغدير إن رفقوا به ليكفينهم صيفهم،فلما كان بعد ذلك ركب إليه فوافقه جازرا فقال:قد رأيت هذا ذات يوم و ظننت أن لن يكفيهم.

فقال له الأحنف:إن هذا ماء يأتينا ثم يغيض عنا و شخص إلى الأهواز،فلما رأى جبلها قال:هذا قعيقعان لموضع بمكة فسمى الجبل قعيقعان و بعث إلى مرادنشاه فاستحثه بالخراج فأبطأ به فقام إليه بسيفه فضربه فقتله.

فقال الأحنف:ما أحد سيف الأمير.

حدثني عمر قال:حدثني علي بن محمد قال:لما خلط حمزة بالبصرة و ظهر منه ما ظهر و هم بعبد العزيز بن بشر أن يضربه كتب الأحنف إلى ابن الزبير بذلك و سأله أن يعيد مصعبا.

قال:و حمزة الذي عقد لعبد اللّه بن عمير الليثي على قتال النجدية بالبحرين.

حدثني عمر قال:حدثنا علي بن محمد قال:لما عزل ابن الزبير حمزة احتمل مالا كثيرا من مال البصرة فعرض له مالك بن مسمع فقال:لا ندعك تخرج بأعطياتنا فضمن له عبيد اللّه بن عبيد بن معمر العطاء فكف و شخص حمزة بالمال فترك أباه

ص: 133

و أتى المدينة فأودع ذلك المال رجالا فذهبوا به إلا يهوديا كان أودعه فوفى له و علم ابن الزبير بما صنع فقال:أبعده اللّه أردت أن أباهي به بني مروان فنكص.

(و أما هشام)بن محمد فإنه ذكر عن أبي مخنف في أمر مصعب و عزل أخيه إياه عن البصرة ورده إياه إليها غير هذه القصة و الذي ذكر من ذلك عنه في سياق خبر حدثت به عنه عن أبي المخارق الراسبي أن مصعبا لما ظهر على الكوفة أقام بها سنة معزولا عن البصرة عزله عنها عبد اللّه و بعث ابنه حمزة فمكث بذلك سنة ثم إنه وفد على أخيه عبد اللّه بمكة فردّه على البصرة،و قيل:إن مصعبا لما فرغ من أمر المختار إنصرف إلى البصرة و ولّى الكوفة الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة.

قال:و قال محمد بن عمر:لما قتل مصعب المختار ملك الكوفة و البصرة.

(و حج)بالناس في هذه السنة عبد اللّه بن الزبير و كان عامله على الكوفة مصعب و قد ذكرت اختلاف أهل السير في العامل على البصرة و كان على قضاء الكوفة عبد اللّه بن عتبة بن مسعود و على قضاء البصرة هشام بن هبيرة و بالشام عبد الملك ابن مروان و كان على خراسان عبد اللّه بن حازم السلمي ثم دخلت سنة ثمان و ستين.

ص: 134

مقتل المختار برواية ابن أعثم

خروج أهل الكوفة على المختار و غدرهم به و محاربتهم إياه

قال ابن الأعثم:و عزم أهل الكوفة على أن يغدروا بالمختار و أن ينقضوا عهده و بيعته،فجعل بعضهم يقول لبعض:و اللّه لقد تأمر علينا هذا الكذاب على غير رضى منا،و لقد عمد إلى عبيدنا و موالينا،فقرّبهم و أدناهم و حملهم على الخيل،و أعطاهم الأموال،و أطعمهم الفيء،و قد علمتم ما كان لنا فيهم من المنافع لأيتامنا و أراملنا.

قال:ثم اجتمعوا في منزل شبث بن ربعي فذكروا له ذلك،و كان شبث من أشراف بني تميم،و كان جاهليا إسلاميا فارسا،لا يدفع عن حسب و لا شرف،بطلا شجاعا،فلما ذكروا له ذلك قال لهم:لا تعجلوا حتى ألقاه فأكلّمه في ذلك،قال:ثم أقبل شبث حتى دخل على المختار فسلّم و جلس،ثم تكلم فلم يترك شيئا مما أنكره عليه أهل الكوفة إلا ذكره له،حتى ذكر أمر العبيد و الموالي،فقال:أيها الأمير!و أعظم الأشياء عليك أنك عمدت إلى عبيدنا و هم فيؤنا الذين أفاء اللّه بهم فأخذتهم إليك،ثم لم ترض بأخذهم حتى جعلتهم شركاءنا في فيئنا،و لا يحل لك أيها الأمير هذا في دينك و لا يجمل بك في شرفك!

قال:فقال له المختار:فإني أرضيكم بكل ما تحبون و أغنيكم من كل ما تكرهون على أنكم تقاتلون معي بني أمية و عبد اللّه بن الزبير،و آخذ عليكم بذلك عهودا و مواثيق و أيمانا مغلظة أنكم لا تغدرون و لا تنكثون.

ص: 135

قال:فقام شبث بن ربعي من عند المختار و صار إلى قومه و ذكر لهم ذلك، فغضبوا غضبا شديدا و ضجّوا و قالوا:لا و اللّه ما نقاتل معهم أحدا و لكنّا نقاتله و ننقض عليه بيعته.

ثم عزم القوم على محاربة المختار،و أقبل إليهم رجل من أشرافهم يقال له عبد الرحمن بن مخنف الأزدي فقال:يا هؤلاء!اتقوا اللّه و لا تخرجوا على هذا الرجل فقد بايعتموه أنكم لا تغدرون به،و أنا أخاف عليكم أنكم إن قاتلتموه أن تختلفوا و تتخاذلوا فيظفر بكم،لأن الرجل اليوم محتو على بلدكم،و معه أشرافكم و شجعانكم و فرسانكم،و معه أيضا عبيدكم و أولادكم،فكفّوا عن الرجل و لا تقاتلوه،فهذا مصعب بن الزبير بالبصرة و لو قد فرغ من حرب الأزارقة لسار إليه و كفاكم أمره،و هذا عبيد اللّه بن زياد بالموصل في ثمانين ألفا و يزيدون،فعسى اللّه تبارك و تعالى أن يكفيكم أمره بأحدهم.

قال:فقال له الأشراف من أهل الكوفة:يابن مخنف!ننشدك باللّه أن لا تفسد علينا ما اجتمعنا عليه من أمرنا.

قال:فأمسك عنهم عبد الرحمن بن مخنف ثم قال:يا هؤلاء!فإني ممسك عنكم فافعلوا ما بدا لكم،و لكن إن كنتم قد عزمتم على الخروج عليه فلا تعجلوا و تلبّثوا حتى يمضي إبراهيم بن الأشتر إلى عبيد اللّه بن زياد،و يبقى المختار ههنا في نفر يسير،فعند ذلك فافعلوا ما بدا لكم إن لم يكن له ناصر ينصره و يذب عنه.

قال:فسكت أهل الكوفة عن المختار،حتى إذا علموا أن ابن الأشتر قد بلغ ساباط المدائن نادوا و خرجوا و ارتفعت الضجة،و لم يبق أحد بالكوفة ممن كان مختفيا و شارك في قتل الحسين بن علي رضي اللّه عنهما إلا ظهر.

قال:و نقض القوم بيعة المختار و خرجوا عليه،فخرج الشمر بن ذي الجوشن في جبانة السكون،و خرج كعب بن أبي كعب في جبانة بشر،و خرج إسحاق بن

ص: 136

محمد بن الأشعث في جبانة كندة،و خرجت قبائل همدان في جبانة السبيع.

قال:فصارت الكوفة كلها على المختار سيفا واحدا،فلما رأى ذلك دعا برجل من خاصته يقال له عمرو بن توبة فأمره بالركض إلى إبراهيم بن الأشتر يخبره بقصته،و كتب:أنظر،لا تضع كتابي من يدك أو تقبل إلي راجعا بجميع من معك،فإن أهل الكوفة قد نقضوا بيعتي و خرجوا علي-و السلام،فالعجل العجل.

قال:فمضى الرسول إلى إبراهيم بن الأشتر،و بعث المختار برسله إلى هؤلاء الذين خرجوا عليه فقال:يا هؤلاء!أخبروني ما الذي حملكم على نقض بيعتي و الخروج علي!و أخبروني ما الذي تريدون!فإني نازل بحيث تحبون.فقالوا:نريد أن تعتزل عنا فإنك زعمت أن محمد ابن الحنفية أرسلك إلينا و قد كذبت على ابن الحنفية.

قال:فرجعت الرسل إلى المختار فأخبروه بذلك،فأرسل إليهم المختار أن يا هؤلاء فلا عليكم،ها أنا ههنا بين أظهركم مقيم،فابعثوا برسلكم إلى ابن الحنفية و اسألوه عن ذلك و لا تعجلوا.

قال:و جعل المختار يرسل إليهم رسولا بعد رسول كل ذلك ليشغلهم عن حربه إلى أن يقدم ابن الأشتر،و القوم يأبون ذلك،ثم إنهم ساروا إليه يريدون قتاله و قتله، و المختار يومئذ في قريب من أربعة آلاف،فلما رأى أنهم قد بغوا عليه أمر أصحابه بالحرب فاقتتلوا يومهم ذلك إلى الليل،و باتوا على حرب و أصبحوا على حرب، و المختار يعلم أن لا طاقة له بهم.

قال:و إذا إبراهيم بن الأشتر وافى يوم الثاني فصلّى الفجر على باب الجسر،ثم أقبل بخيله و رجله حتى دخل الكوفة قال:و علم أولئك الخارجون أن ابن الأشتر قد وافى،فافترقوا فرقتين،فصارت ربيعة و مضر على حدة،و اليمن على حدة.

فقال ابن الأشتر للمختار:أيها الأمير!أي الفريقين تحب أن أكفيك اليمن أو ربيعة

ص: 137

و مضر؟

فقال المختار:إذا أخبرك أبا النعمان!أن اليمن هم قومك و عشريتك و لعلك إن حاربتهم أبقيت عليهم،فدعني و اليمن و عليك بربيعة و مضر!

قال:فسار إبراهيم بن الأشتر في جيشه ذلك حتى صار إلى الكناسة و قد اجتمع بالكناسة يومئذ خلق كثير من ربيعة و مضر.فلما نظروا إلى ابن الأشتر حملوا و حمل عليهم،و اقتتل القوم و صبر بعضهم لبعض (1).2.

ص: 138


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 262.

رجوع المختار إلى الكوفة و مضي ابن الأشتر في جيشه

قال ابن الأعثم:ثم رجع المختار إلى الكوفة،و مضى ابن الأشتر في جيشه و هو يقول:

أما و حق المرسلات عرفا و عصفه للعاصفات عصفا

لنعسفن من بغانا عسفا حتى نسوم القوم منا خسفا

زحفا إليهم لا نمل زحفا حتى نلاقي بعد صف صفا

و بعد ألف قاسطين ألفا نكشفهم لدى الهياج كشفا

ثم سار ابن الأشتر في جيشه ذلك حتى صار إلى المدائن،فنزلها أياما ثلاثة،ثم رحل عنها وجد السير حتى صار بتكريت،فلما نزلها أمر بجباية خراجها،فجبي له الخراج في أيام قلائل،فأخذه و فرّقه على من كان معه من أصحابه،و بعث إلى عبيد اللّه بن الحر بخمسة آلاف درهم.

قال:فغضب ابن الحر لذلك،ثم بعث إلى ابن الأشتر فقال:أيها الأمير!أتبعث إلي بخمسة آلاف درهم و تقبض لنفسك على ما بلغني عشرة آلاف درهم!و اللّه ما أنا بدونك في هذا العسكر،و لا كان الحر بن عمرو بدون أبيك مالك بن الحارث،فلم تأخذ أنت من المال ما آخذه أنا.

قال:فبعث إليه ابن الأشتر:و اللّه يابن عم!ما أخذت إلا كما أخذت و قد وجّهت إليك بالخمسة آلاف درهم التي صارت إلي.قال:فأبى ابن الحر أن يقبل من ذلك شيئا، و عزم على مخالفة القوم و الخروج عليهم.

ص: 139

ابتداء خبر عبيد اللّه بن الحر الجعفي

قال أهل العلم كما حدثني به غير واحد من جمع هذه العلوم:أن عبيد اللّه بن الحر كان رجلا من سادات أهل الكوفة،و بها ولد و بها نشأ،و هو عبيد اللّه بن الحر بن عمرو بن خالد بن المجمع بن مالك بن كعب بن عوف بن حريم بن جعفي،و كان مقيما بالكوفة في خلافة عثمان بن عفان،قال:فلما قتل عثمان و كان من أمر الجمل ما كان،خرج عبيد اللّه بن الحر إلى معاوية بالشام فالتجأ إليه،و لم يشاهد حرب الجمل،حتى إذا قدم علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه من البصرة إلى الكوفة و خرج إلى الشام فحاربه معاوية فدعاه ثم قال:يابن الحر!إننا احتجنا إلى معاونتك و لك عندنا بالرضى!

فقال له ابن الحر:إني لا يتهيأ لي ذلك لأنني رجل من الكوفة و هؤلاء الذين مع علي بن أبي طالب أكثرهم قومي و عشائري،و لم أخرج من عندهم مكرها،و لم يقتل علي عثمان بن عفان فأقاتله!فإن رأيت أن تعفيني من قتال علي فافعل أنت،فإذا انصرف عنك علي فأقاتل من شئت من بعده.

قال:فغضب عليه معاوية و جفاه،فلزم ابن الحر منزله فلم يشهد مشهدا من حروب صفين،و لم يزل كذلك إلى أن كان من أمر الحكمين ما كان،و رجع علي رضي اللّه عنه إلى الكوفة فنزلها،و أرسل معاوية إلى عبيد اللّه بن الحر فدعاه ثم قال:

يابن الحر!دعوناك بالأمس إلى قتال رجل قد سار إلينا يريد بوارنا و استئصالنا فلم

ص: 140

تجبنا و لم تقاتل معنا،و الآن فقد كفانا اللّه تبارك و تعالى أمر علي و صار إلى الكوفة، غير أنه بلغني أن جماعة من العرب يصيرون إليك في جوف الليل فيكونون عندك، فإذا أصبحوا تفرّقوا،فمن هؤلاء يابن الحر؟

فقال:هؤلاء أصحابي الذين قدموا معي من بلدي فيشاورونني في أمورهم و أشاورهم في أمري و مقامي بأرض الشام!

فقال له معاوية:أتظن نفسك قد تطلعت إلى الكوفة و الكينونة مع علي بن أبي طالب؟

فقال ابن الحر:إنه و اللّه لعلى ما ظننت،و أن بلدي أحب إلي من غيره،و إنه لقبيح بي أن أترك قومي و عشيرتي و أقيم بالشام غريبا في غير داري و وطني،و أما ما ذكرت من علي فو اللّه ما أشك أنه على الحق و أنه إمام هدى.

فقال رجل من جلساء معاوية:كذبت يابن الحر!بل نحن على الحق و من أومأت إليه على الباطل،و ما قاتلناه إلا ديانة.

فقال ابن الحر:أنت و اللّه أكذب و ألأم و لقد قاتلت أخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و ابن عمه ظلما و عدوانا.

قال:ثم وثب ابن الحر فخرج من عند معاوية مغضبا حتى صار إلى منزله، و التفت معاوية إلى ذلك الرجل فقال:بئس ما صنعت،نحن أحوج إلى أن ترضي رجلا مثل هذا من أن تسخطه.

قال:و أرسل ابن الحر في جوف الليل إلى أصحابه و بني عمه فأمرهم بالخروج معه في وقتهم ذلك،فخرج نحو الكوفة في أصحابه هؤلاء و بني عمه و هم خمسة و ثلاثون نفرا،فجعل يسير حتى إذا أصبح مر ببعض مشايخ معاوية فقاموا إليه و قالوا:من أنت أيها الرجل؟

فقال أنا عبيد اللّه بن الحر،قالوا:فأين تريد؟

ص: 141

قال:في حاجة،قالوا:فإننا نخاف أن تكون مخالفا لأمير المؤمنين و تريد الخروج عليه،و لسنا بتاركيك أو يأتينا فيك الخبر من عند أمير المؤمنين،فالتفت ابن الحر إلى أصحابه فقال:دونكم القوم!فهذه أول الغنيمة!

قال:فشد أصحاب عبيد اللّه بن الحمر على هؤلاء القوم،فقتلوا منهم من قتلوا، و هرب الباقون على وجوههم،و أخذت دوابهم و أسلحتهم.و سار ابن الحر فجعل لا يمر بقرية من قرى الشام إلا أغار عليها هو و أصحابه،فلم يزل كذلك حتى قدم الكوفة،و بها يومئذ علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه،فصار ابن الحر إلى منزله فإذا قد زوّجت امرأته برجل من العرب،قال:فهمّ ابن الحر أن يخاصم أولياء المرأة إلى علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه.

فقال له بعض بني عمه:أتخاصم إلى رجل كنت بالأمس عليه مع معاوية؟

فقال ابن الحر:و اللّه ما كنت عليه ساعة قط،و لو كنت عليه ما خفت أن يجور علي في الحكم.

قال:ثم اختصم ابن الحر مع أولياء المرأة إلى علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقضى علي رضي اللّه عنه بالمرأة لابن الحر!فانتزعت المرأة من ذلك الرجل و ردّت إلى ابن الحر.و أقام ابن الحر بالكوفة مع علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يغدو إليه و يروح.فلم يزل كذلك إلى أن قتل علي رضي اللّه عنه،و مات الحسن بن علي،و مات زياد بن أبيه،و ولي عبيد اللّه بن زياد البصرة و الكوفة من قبل يزيد بن معاوية، فأنف عبيد اللّه بن الحر أن يناله القوم بسوء،فخرج عن الكوفة فنزل بقصر بني مقاتل بن سليمان الحميري،فلم يزل هنالك مقيما إلى أن قتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي اللّه عنهم،و إلى أن وافى الحسين بن علي فنزل بقصر بني مقاتل ثم بعث إلى ابن الحر يسأله النصرة فأبى عليه،فتركه الحسين رضي اللّه عنه و مضى إلى كربلاء فقتل هنالك-رضي اللّه عنه-و بلغ ذلك ابن الحر فندم على تركه

ص: 142

الحسين ندامة شديدة،و قال في ذلك أبياتا:قد أخلفناها في مقتل الحسين عليه السّلام.

قال:ثم أقبل ابن الحر حتى دخل الكوفة بعد مقتل الحسين بثلاثة أيام،و بها يومئذ عبيد اللّه بن زياد فهو يفتقد أشراف الناس إذا دخلوا عليه فلا يرى فيهم عبيد اللّه بن الحر،فلما دخل و نظر إليه ابن زياد و قال:أين كنت يابن الحر؟

قال:كنت مريضا أصلح اللّه الأمير.

فقال:مريض القلب أم مريض الجسد؟

فقال ابن الحر:أما قلبي فإنه لم يمرض قط و الحمد للّه،و أما جسدي فقد كان مريضا و قد منّ اللّه علي بالعافية فقال:أبطلت يابن الحر!ما كنت مع عدونا الحسين بن علي؟

فقال:إني لو كنت مع الحسين لم يخف عليك مكاني أيها الأمير!

فقال ابن زياد:أما معنا فلم تكن،فقال:صدقت أيها الأمير لم أكن معك و لا عليك.

قال ابن زياد:و ما منعك من نصرة أمير المؤمنين يزيد؟

فقال منعني من ذلك قول اللّه تعالى: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ (1).

قال:فغضب ابن زياد و هم بقتل عبيد اللّه بن الحر في ذلك الوقت،ثم إنه خاف أن يشوش عليه أهل الكوفة فسكت،و خرج عبيد اللّه بن الحر فصار إلى منزله ثم جمع أصحابه و خرج من الكوفة ليلا و معه أصحابه و بنو عمه،و طلبه عبيد اللّه بن زياد لكي يرضيه و يعتذر إليه فلم يظفر به.

قال:و مضى عبيد اللّه بن الحر نحو السواد و جعل يقول أبياتا مطلعها:

يقول أمير غار و ابن غار ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه

إلى آخرها.3.

ص: 143


1- سورة هود:113.

قال:ثم جعل عبيد اللّه بن الحر يغير على أطراف السواد و أصحابه،و يفعل ما يفعل،و ليس أحد يطلبه إلى أن مات معاوية،و إلى أن مات مروان بن الحكم،و إلى أن مات عبد الملك بن مروان،و إلى أن قتل سليمان بن الصرد و أصحابه-رحمة اللّه عليهم-بعين الوردة،و إلى أن صار المختار بن أبي عبيد إلى الكوفة و بايعه من أهلها من بايع،و بلغ ذلك ابن الحر فأقبل حتى دخل الكوفة،ثم صار إلى المختار فبايعه و نصره في حروبه الأول،و في جبانة السبيع،ثم خرج مع إبراهيم بن الأشتر،فلما صار معه إلى تكريت و كان منه إليه ما كان عزم على مخالفته و مخالفة المختار،فهذا أول خبره.

ثم أرسل إلى وجوه أهل العسكر أختدعهم ثم منّاهم و أوعدهم الغنائم،ثم قال:

ما تصنعون بمحاربة عبيد اللّه بن زياد و أنتم لا تدرون ما يكون الأمر غدا،اتبعوني فإني أغنيكم و أغني عاقبتكم من بعدكم.

قال:فأجابوه إلى ذلك.

قال:فخرج بهم من العسكر في جوف الليل،الواحد بعد الواحد،و الإثنين بعد الإثنين،و الثلاثة بعد الثلاثة،حتى اجتمع ثلاثمائة رجل،فسار بهم عبيد اللّه بن الحر، فما أصبح إلى على عشرين فرسخا من تكريت،ثم أنشأ يقول أبياتا مطلعها:

عجبت سليمى أن رأتني ساحبا خلق القميص بساعدي خدوش

إلى آخرها.

قال:و أصبح ابن الأشتر و قد فقد عبيد اللّه بن الحر،فاعتمّ لذلك و لم يدر أي طريق سلك و ظن أنه قد مضى مستأمنا إلى عبيد اللّه بن زياد.

قال:و جعل ابن الحر لا يمر ببلد إلا أغار على أهله حتى جمع مالا عظيما،قال لأصحابه:اقسموا هذا المال بينكم،فلا حاجة لي إلى شيء منه.

قال:فاقتسموا ذلك المال بقلنسوة رجل منهم،فأنشأ ابن الحر يقول أبياتا

ص: 144

مطلعها:

أنا الحر و ابن الحر يحمل منكبي طوال الهوادي مشرفات الحوارك

إلى آخرها.

قال:و جعل كل من كان مبغضا للمختار يصير إلى عبيد اللّه بن الحر،حتى صار ابن الحر في خمسمائة فارس،و بلغ ذلك إبراهيم بن الأشتر فكتب إلى المختار يعلمه بذلك،فقال:قد كان ابن الأشتر أعرف به مني،و لكني لم أقبل منه.

قال:و أقبل ابن الحر حتى صار إلى هيت و بها يومئذ نائب المختار،فكبسها ابن الحر و قتل نائبها و أخذ أموالها.

ثم سار إلى الأنبار و بها يومئذ نائب للمختار،فكبسها و قتل نائبها،و احتوى على بيت المال فأصاب فيه مالا جزيلا.

فقال لأصحابه:اقتسموا هذا المال بينكم!

قال:فاقتسموه بقلنسوة رجل يقال له دلهم بن زياد المرادي و كانت على مثال المكوك،ثم أنشأ ابن الحر يقول أبياتا مطلعها:

أنا الحر و ابن الحر يحمل منكبي شديد القصيري في العباد رحيل

إلى آخرها.

قال:و بلغ ذلك المختار فضاقت عليه الأرض بما رحبت،و لم يدر ما يصنع، و المختار يومئذ بين جمرتين:جمرة عن يمينه مصعب بن الزبير يومئذ بالبصرة، و الجمرة العظمى عبيد اللّه بن زياد بالموصل في ثلاث و ثمانين ألفا.

قال:فدعا المختار برجل من ثقاته يقال له عبيد اللّه بن كامل الهمداني.

فقال له:إركب الساعة في مائة رجل من أصحابك،و صر إلى دار عبيد اللّه بن الحر فاهدمها،و خذ امرأته فضعها في السجن.

قال:فسار عبيد اللّه بن كامل إلى دار ابن الحر فهدمها،و لم يمنعه مانع خوفا من

ص: 145

المختار،و أخذ امرأته-و يقال لها أم توبة،و اسمها سلمى بنت خالد الجعفية- فحبسها.و بلغ ذلك عبيد اللّه بن الحر.

فقال لأصحابه:أبلغكم ما صنع المختار،أنه هدم داري و حبس أهلي في السجن فقالوا:قد بلغنا فأمرنا بأمرك!

فقال:لا تعجلوا!و أنشأ و جعل يقول:

ألم تعلمي يا أم توبة أنني على حدثان الدهر غير بليد

أشد حيازيمي لكل كريهة و إني على ما نالني لجليد

هم هدموا داري و ساقوا حليلتي إلى سجنهم و المسلمون شهودي

و هم أعجلوها أن تشد خمارها فلله هذا الدهر كيف يعود

فلست بابن الحر إن لم أرعهم بخيل عليها الدارعون قعود

و إن لم أصبح شاكرا بكتيبة فعالجت بالكفين غل حديدي

قال:ثم جمع عبيد اللّه بن الحر أصحابه و سار بهم نحو الكوفة حتى كبسها غلسا و الناس في الصلاة،فلم يكذب أن أقبل إلى باب السجن فكسره و أخرج امرأته عنوة و كل من كان في السجن من النساء (1).

قال:و وقعت الضجة في الكوفة بأن عبيد اللّه بن الحر قد كبس السجن و أخرج امرأته،ففزع الناس و بلغ ذلك المختار فوجّه إليه بعبد اللّه بن كامل الهمداني و أحمر بن شميط البجلي.

قال:و نظر إليهم عبيد اللّه بن الحر فحمل عليهم بأصحابه،فجعل يقاتلهم و يسوق امرأته بين يديه و لم يتبعه أحد من أصحاب المختار،فأنشأ يقول أبياتا مطلعها:

ألم تعلمي يا أم توبة أنني أنا الفارس الحامي حقيقة مذحج

إلى آخرها.4.

ص: 146


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 274.

قال:ثم نزل عبيد اللّه بن الحر على ميلين من الكوفة،و المختار يظن أنه قد رحل و مضى،حتى إذا كان الليل عبّأ أصحابه و أقبل رويدا حتى كبس الكوفة من ناحية قبائل همدان،فوقع بحي منهم يقال لهم بنو شبام فقاتلهم و قاتلوه ساعة،ثم قصده مولى لهم يقال له الأحمق،و التقيا بضربتين بادره عبيد اللّه بن الحر بضربة أبدى عن دماغه فسقط قتيلا،ثم حمل عليهم ففرّقهم يمنة و يسرة،ثم قال لأصحابه:

إنصرفوا عنهم الآن فقد أدركت من حي شبام ما أردت ليلتي هذه،ثم أنشأ عبيد اللّه ابن الحر يقول أبياتا مطلعها:

صبّحت شباما غارة مشمعلة و أخرى نشاهدها صباحا لشاكر

إلى آخرها.

قال:و أرسل المختار إلى قبائل همدان من أرحب و شبام و شاكر و السبيع و يام، فقال:شوه لكم يا معشر همدان!أن يكون رجل منكم يأتي في نفر من هؤلاء المتلصصة فيكبس دياركم،ثم يقتل و يفعل و يخرج و عنكم سالما،أما لكم أنفة؟أما فيكم من يخاف أن يعيّر بهذا آخر الدهر؟

قال:فقال القوم:كفيت أيها الأمير!و أي ذلك لعار علينا كما ذكرت،غير أننا عزمنا على المسير إليه حيث كان،و ليس نرجع إليك إلا برأسه،فأبشر لذلك و قر عينا.

قال:ثم اجتمعت قبائل همدان في ثلاثمائة فارس،حتى وافوا الكوفة في رونق الضحى،و همدان يومئذ في ثلاثمائة من قبائلهم و ثلاثمائة من أصحاب المختار، فلم يشعروا إلا و عبيد اللّه بن الحر قد وافاهم حاسر الرأس و هو يرتجز و يقول:

إني أنا الحر و ابن الحر ذو حسب مذحج و فخر

و قادح لكم غداة الذعر بالضرب أحيانا و طعن شزر

قال:و تنادت همدان من كل ناحية،و حملوا عليه و حمل عليه السبيع،و يقول له عمرو بن نفيل:إلي يابن الحر!و دع الناس جانبا!

ص: 147

قال:فحمل عليه ابن الحر،و التقيا بضربتين ضربة ألزمه الحضيض،ثم ولّى و ولّى القوم الأدبار،فكف عنهم ابن الحر و قال لأصحابه:لا تتبعوهم!فحسبهم ما نالهم عارا،و كفاهم ما نالهم به ذلا و شنارا،إنهم أصبحوا في ديارهم فما حموا كريما،و لا منعوا حريما.

قال:ثم خشي عبيد اللّه بن الحر أن تدهمه خيل المختار بأجمعها أو تجتمع عليه أهل الكوفة فلا يكون له بهم طاقة،فصاح بأصحابه و مضى حتى خرج من الكوفة، فأنشأ يقول أبياتا مطلعها:

لقيت شباما عند مسجد مخنف و قبل شبام شاكرا و سبيعا

إلى آخرها.

قال:ثم جعل عبيد اللّه بن الحر يغير على سواد الكوفة،و يقتل نواب المختار، و يمثل بهم،و يكبس المدن و القرى،و يأخذ الأموال حتى إذا علم أنه قد استقل بالأموال و اكتفى من الرجال و الآلة و السلاح سار إلى البصرة.و بها يومئذ مصعب ابن الزبير في وجوه الأزارقة،فاستأمن إليه عبيد اللّه بن الحر.

قال:فقرّبه مصعب و أدناه و أجلسه معه على سريره و أكرمه كرامة لم يكرم مثلها أحدا قبله ممن قصده،و جعل ابن الحر يحدّث مصعبا بما كان من أمره و أمر المختار و إبراهيم بن الأشتر.

قال:و بلغ ذلك المختار،فكأنه سر بمسير عبيد اللّه بن الحر إلى مصعب بن الزبير،فهذا أول خبر عبيد اللّه بن الحر و خروجه على المختار،و سنرجع إلى خبره و قتل المختار و خروجه على مصعب بن الزبير-إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم-.

ثم رجعنا إلى خبر إبراهيم بن الأشتر و عبيد اللّه بن زياد قال:ثم كتب المختار إلى إبراهيم بن الأشتر أن صر إلى أرض الموصل فناجز عدوك،فقد كفانا اللّه أمر ابن

ص: 148

الحر،فإن أظفرنا اللّه بابن زياد و أصحابه المحلّين لن نرهب بعده أحدا من الظالمين، و السلام..

قال:فلما ورد كتاب المختار على إبراهيم بن الأشتر نادى في أصحابه،ثم سار بهم فجعل يطوي البلاد طيا حتى نزل على خمسة فراسخ من الموصل،و عبيد اللّه بن زياد يومئذ بالموصل قد أخذ خراجها و فرّقه في أصحابه،فلما بلغه مسير ابن الأشتر إلى ما قبله رحل من الموصل في ثلاثة و ثمانين ألفا،حتى نزل قريبا من عسكر إبراهيم،و إبراهيم يومئذ في أقل من عشرين ألفا.

ص: 149

خبر عمير بن الحباب السلمي

قال:و في عسكر عبيد اللّه بن زياد يومئذ من الأشراف رجل يقال له عمير بن الحباب،فأرسل إليه إبراهيم بن الأشتر أن قد أعطيتك الأمان،و لك عندي الحب و الكرامة إن رزقني اللّه من هذا الجيش السلامة،فهلم إلينا رحمك اللّه آمنا مطمئنا قال:فخرج إليه عمير في جوف الليل في ألف فارس من بني عمه و مواليهم،حتى وافا إلى ابن الأشتر،فأكرمه ابن الأشتر و أوعده و منّاه و برّ أصحابه بمال فرّقه عليهم قال:و بلغ ذلك عبيد اللّه بن زياد فأقلقه ذلك (1)و قال:يخرج رجل من عسكري في ألف فارس و لا يعلم به،أن هذا الأمر لا يراد.

قال:و أقبل ابن الأشتر على عمير بن الحباب هذا فقال:إني رأيت أن أخندق على عسكري خندقا،فما الذي تراه؟

فقال له عمير بن الحباب مهلا أيها الأمير!فإن القوم يحبون أن يطاولوك،فإن طاولتهم فهو خير لهم،و لكن ناجزهم فإنهم قد ملئوا خوفا و رعبا،و لا تدعهم أن يشاموا أصحابك فيذوقهم يوما بعد يوم فيجترئوا عليهم،و لكن صادمهم بخيلك و رجلك،فإنك بحمد اللّه على الحق و إنهم على الباطل،و اللّه مظفرك بهم و ناصرك عليهم بحوله و قوته.

قال:فقال ابن الأشتر:الآن قد علمت أنك ناصح لي،و لقد أصبت الرأي فيما أشرت به علي،و بهذا أوصاني صاحبي المختار،و أنا عازم على ما أشرت،و اللّه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد.

ص: 150


1- في الطبري 86/6 و ابن الأثير 5/3 أن عمير بن الحباب السلمي التقى بإبراهيم بن الأشتر ليلا و بايعه و اتفق معه إن بدأ القتال ينهزم بمن معه من الناس ثم انصرف إلى معسكره مع عبيد اللّه بن زياد. و انظر الأخبار الطوال ص 294-295.

قال:و جعل عبيد اللّه بن زياد يقول لأصحابه:إني لأعجب من هذا الغلام إبراهيم بن الأشتر و مسيره إلي بهذا الجيش و عهدي به بالأمس بالكوفة،و قد كان يلعب بالحمام،و لعل أجله قد اقترب.

قال:و بات الفريقان ليلتهم تلك و ابن الأشتر لا يغمض لا هو و لا أحد من أصحابه لما يريدون أن يقدموا عليه من محاربة ذلك الخلق العظيم،حتى إذا كان قريبا من وقت السحر وثب القوم و صلوا بغلس،و عبّأ ابن الأشتر أصحابه،فجعل على ميمنته سفيان بن يزيد بن المغفل الأزدي،و على ميسرته علي بن مالك الجشمي، و على أعنة الخيل الطفيل بن لقيط الحنفي،و على الرجالة مزاحم بن مالك السكوني.

ابتداء الوقعة و من قتل فيها قال:و زحف القوم بعضهم إلى بعض،و تقدّمت الرجالة بين أيديهم،و ابن الأشتر ينهاهم عن الجزع و الفشل،ثم زخف بأصحابه رويدا حتى إذا أشرف على تل عظيم فنظر إلى عسكر القوم و تأملهم،و أهل الشام بعد لم يتحركوا و لا ظنّوا أن أهل العراق يقدمون عليهم،فلما نظروا إلى الخيل و قد وافتهم بادروا إلى خيولهم،و قدّموا الرجالة بين أيديهم،فخيلهم ستون ألفا و رجالتهم اثنان و عشرون ألفا.

قال:فعبأهم عبيد اللّه بن زياد.فجعل على ميمنته شرحبيل بن ذي الكلاع،و على ميسرته ربيعة بن مخارق الغنوي،و على جناح ميسرته عبد اللّه بن حملة الخثعمي، و في القلب يومئذ الحصين بن نمير السكوني.

قال:و انفض عليهم أهل العراق مستعدين للموت و هم يقولون:اللهم إننا ما خرجنا إلى حرب هؤلاء القوم إلا شارين بدمائنا و أموالنا الجنة،طالبين بدماء أهل بيت نبيك محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فانصرنا عليهم كيف شئت و أنى شئت،إنك على كل شيء قدير.

قال:فوقف الفريقان بعضهم ينظر إلى بعض،و تقدّم رجل من عتاة أهل الشام

ص: 151

و مردتهم يقال له عوف بن ضبعان الكلبي حتى وقف بين يدي الجمعين على فرس أدهم ثم نادى:ألا يا شيعة أبي تراب!ألا يا شيعة المختار الكذاب!ألا يا شيعة ابن الأشتر المرتاب!من كان منكم يدل بشجاعته و شدته فليبرز إلي إن كان صادقا، و للقرآن معانقا!ثم جعل يجول في ميدان الحرب و هو يرتجز و يقول:

أنا ابن ضبعان الكريم المفضل إني أنا الليث الكمي الهذلي

من عصبة يبرون من دين علي كذاك كانوا في الزمان الأول

يا رجال!فما لبث أن خرج إليه الأحوص بن شداد الهمداني و هو يرتجز و يقول:

أنا ابن شداد على دين علي لست لمروان ابن ليلى بولي

لأصطلين الحرب فيمن يصطلي أحوص نار الحرب حتى تنجلي

قال:فجعل الشامي يشتم الأحوص بن شداد.

فقال له الأحوص:يا هذا لا تشتم إن كنت غريبا،فإن الذي بيننا و بينكم أجلّ من الشتيمة،أنتم تقاتلون عن بني مروان،و نحن نطالبكم بدم ابن بنت نبي الرحمن، فادفعوا إلينا هذا الفاسق اللعين عبيد اللّه بن زياد،الذي قتل ابن بنت نبي رب العالمين محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،حتى نقتله ببعض موالينا الذين قتلوا مع الحسين بن علي،فإننا لا نراه للحسين كفؤا فنقتله به،فإذا دفعتموه إلينا فقتلناه جعلنا بيننا و بينكم حكما من المسلمين.

فقال له الشامي:إننا قد جرّبناكم في يوم صفين عندما حكّمنا و حكّمتم،فغدرتم و لم ترضوا بما حكم عليكم (1).

قال:فقال له الأحوص بن شداد:يا هذا إن الحكمين لم يحكما برضى الجميع، و أحدهما خدع صاحبه الآخر،و الخلافة لا تعقد في الخديعة،و لا يجوز في الدين إلا النصيحة،و لكن ما اسمك أيها الرجل؟0.

ص: 152


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 280.

فقال الشامي:إسمي منازل الأقران حلال!

فقال له الأحوص بن شداد:ما أقرب الإسمين بعضهم من بعض،أنت منازل الأبطال،و أنا مقرّب الآجال!ثم حمل عليه الأحوص و التقيا بضربتين ضربه الأحوص ضربة سقط الشامي قتيلا،فجال الأحوص في ميدان الحرب و نادى:يا قتلة الحسين:هل من مبارز!فخرج إليه داود بن عروة الدمشقي مقنعا في الحديد على كميت له و هو يقول:

أنا ابن من قاتل في صفينا قتال قرم لم يكن غبينا

بل كان فيها بطلا حرونا مجربا لدى الوغا كمينا

قال:فضمه إليه الأحوص بن شداد الهمداني و جعل يقول:

يابن الذي قاتل في صفينا و لم يكن في دينه غبينا

كذبت قد كان بها مغبونا مذبذبا في أمره مفتونا

لا يعرف الحق و لا اليقينا بؤسا له لقد مضى ملعونا

قال:ثم التقيا فضربه الأحوص ضربة ألحقه بصاحبه،ثم رجع إلى صفه و خرج الحصين بن نمير السكوني و هو يقول شعرا،قال:فما لبث أن خرج إليه فتى من أهل الكوفة يقال له شريك بن جدير التغلبي مجيبا له و هو يقول شعرا.

قال:فحاوله الحصين بن نمير السكوني فالتقيا بضربتين،ضربه الثعلبي ضربة جدله قتيلا،فدخل على قتلة الحسين عليه السّلام من أهل العراق مدخل عظيم.

و تقدّم إبراهيم بن الأشتر يومئذ على فرس له أغر محجل حتى وقف بين الجمعين،ثم نادى بصوت جهوري:ألا يا شرطة اللّه!يا شيعة الحق!ألا يا أنصار الدين!قاتلوا المحلين و أولاد القاسطين،و أعوان الظالمين،و جنود ابن مرجانة اللعين،أيها الناس!لا تطلبوا أثرا بعد عين،هذا عبيد اللّه بن زياد،قاتل الحسين بن علي عليه السّلام و فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،هذا الذي حال بين الحسين و بين الماء

ص: 153

الفرات أن يشربوه و هم ينظرون إليه،هذا الذي بعث إلى الحسين بن علي أن لا أمان لك عندي أو تنزل على حكمي،ثم عدا عليه فقتله و قتل أهل بيته،و ساق حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كسبايا الروم و الترك و الديلم من بلد إلى بلد،حتى أدخلوا على يزيد،إنه ما فعل فرعون ببني إسرائيل ما فعل هذا الملعون بأهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،و ها هو قد جاءه اللّه بكم و جاءكم به،و لا أنتم في بلدكم و لا هو في بلده،و اللّه إني لأرجو أن يكون اللّه تعالى لم يجمع بينكم و بينه في هذا الموضع إلا لهلاكه و هلاك من معه من هؤلاء المحلّين.

قال:ثم تقدّم إبراهيم بن الأشتر قدام أصحابه فجعل يضرب بسيفه قدما قدما و هو يقول شعرا.

قال:ثم حمل و حمل معه أهل العراق بأجمعهم،ثم اختلط القوم فاصطفقوا بالسيوف،و تطاعنوا بالرماح،و تراموا بالسهام،و جعل إبراهيم بن الأشتر يقول لصاحب رايته:تقدّم بين يديك،فداك أبي و أمي و لا تجزع!فو اللّه ما أشبه هذا اليوم إلا بيوم الخميس و ليلة الهرير بصفين.

قال:فجعل صاحب راية ابن الأشتر يتقدّم و أهل العراق يقاتلون و يتبعون الراية.

قال:و نظر رجل من أهل الشام إلى صاحب راية ابن الأشتر فحمل عليه،و التقوا و اعتنقوا و سقطوا جميعا عن فرسهم إلى الأرض،فجعل يقول هذا:اقتلوني و ابن كذا و كذا!و هذا يقول:اقتلوني و أبن كذا و كذا!فقتل الشامي و انفلت صاحب راية ابن الأشتر.

قال:و حان وقت الصلاتين جميعا الظهر و العصر،فما صلّى القوم إلا بالإيماء و التكبير،حتى إذا كان في وقت اصفرار الشمس انهزم أهل الشام نحو مدينة الموصل،و أخذهم السيف،و القوم ينهزمون و السيف في أقفيتهم،و اختلط الظلام.

و نظر إبراهيم بن الأشتر إلى رجل من القوم و عليه بزة حسنة،و درع سابغ،و عمامة

ص: 154

خز دكناء،و ديباجة خضراء من فوق الدرع،و قد أخرج يده من الديباجة و فيها صفيحة له مذهبة.

قال:فقصده ابن الأشتر لا لشيء إلا لتلك الصفيحة التي في يده و الفرس التي تحته،حتى إذا لحقه لم يكذب أن ضربه ضربة فشرّقت يداه و غرّبت رجلاه،و اتكأ ابن الأشتر في ركابه فتناول الصفيحة،و غار الفرس فلم يقدر عليه!و لم يبصر الناس بعضهم بعضا من شدة الظلمة،فتراجع أهل العراق إلى عسكرهم و الخيل لا تطأ إلا على القتلى.قال:و أصبح الناس و قد فقد من أهل العراق ثلاثمائة و سبعون رجلا،و أهل الشام قد كانوا في اثنين و ثمانين ألفا فانفلت عشرة آلاف و ثمانية رجال عامّتهم جرحى،و قد ذكر ذلك بعض الشعراء في شعر له.

قال:ثم أقبل ابن الأشتر على أصحابه فقال:و يحكم إني اتبعت البارحة رجلا و قد اختلط الظلام،فشممت منه رائحة المسك،و رأيت في يده هذه الصفيحة،و رأيت تحته فرسا جوادا فلم أزل حتى ضربته ضربة شرقت يداه و غربت رجلاه،فمددت يدي فأخذت هذه الصفيحة و فاتني الفرس!

فقال له بعض أصحابه:أصلح اللّه الأمير!الفرس عندي و أنا آتيك به،و قد جعله اللّه لك.

قال ابن الأشتر:فصيروا إذا إلى شاطئ الفرات موضع كذا و كذا فإنكم ترون الرجل قتيلا،فانظروا من هو؟فإن نفسي تحدّثني أنه عبيد اللّه بن زياد!فمضوا فوجدوه،فأتوا برأسه حتى وضعوه بين يديه،فلما رآه كبّر و خر ساجدا،ثم رفع رأسه و قال:الحمد للّه الذي أجرى قتله على يدي.فأنشأ بعض أصحابه في ذلك يقول أبياتا مطلعها:

أتاكم غلام من عرانيين مذحج جري على الأعداء غير نكول

إلى آخرها.

ص: 155

قال:ثم أمر إبراهيم بن الأشتر برأس عبيد اللّه بن زياد،و رأس الحصين بن نمير السكوني و شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري،و ربيعة بن مخارق الغنوي و من أشبههم من رؤساء أهل الشام،فجمعت ثم قوّرت و نفضت،و كتبت الرقاع و علّقت في آذانهم بأسمائهم،ثم جمعت أيضا رؤوس القوم عن آخرها و بعث بها إلى المختار،و كتب إليه ابن الأشتر يعلمه بالوقعة،و كيف أهلك اللّه القوم،و أباد خضراءهم،و بدد شملهم.

قال:فوردت الرؤوس يومئذ على أهل الكوفة زيادة على سبعين ألف رأس،و في أوائلها رأس عبيد اللّه بن زياد.

قال:فقوم من شيعة بني أمية اشتدّ عليهم ذلك،و أما شيعة آل محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فجعلوا يكبّرون و يقولون:الحمد للّه الذي قتل المحلّين،و شفا غليل المؤمنين.

قال:و بعث المختار برأس عبيد اللّه بن زياد و الحصين و شرحبيل و من أشبههم إلى محمد ابن الحنفية،و أما باقي هذه الرؤوس فصلبت حول الكوفة (1).

و قال ابن الأعثم:و جاءت الخيل حتى أحدقت بالقصر،فحاصروا المختار و من فيه حصارا شديدا،حتى أخذ منه العطش،فكانوا ربما بذلوا في الراوية من الماء الدينار و الدينارين و الثلاثة.

قال:و كانت النساء في أول الأمر يأتين فيدخلن في القصر إلى أقاربهن بالطعام و الماء،فبلغ ذلك مصعب بن الزبير فمنع النساء من ذلك.

ثم قطع عنهم الماء،فكانوا يمزجون ماء البئر بالعسل و الدوشاب و التمر و يشربونه لما ينالهم من العطش.

قال:و جعل أصحاب مصعب ينادون المختار من خارج القصر و يقولون:يا ابن دومة!كيف ترى ما أنت فيه من الحصار،هذا جزاء من خالف على أمير المؤمنين3.

ص: 156


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 283.

عبد اللّه بن الزبير و طلب الأمر لغيره!

قال:فأشرف عليهم المختار من أعالي القصر ثم قال:يا جند المرأة!يا أعوان البهيمة!يا بقايا السيف!أتعيرونني بأمي دومة،حسناء الحومة،التي لا تسمع فيها اللائم لومة،أما و اللّه لو كان من يعيّرني بدومة من الفريقين عظيما لما عيّرني بها، و لكن إن كنتم رجالا فاثبتوا لي قليلا،فو اللّه لأقاتلنكم قتال مستقل قد آيس من الحياة.

قال:ثم نزل المختار عن حائط القصر،فصبّ عليه سلاحه و استوى على فرسه، و جعل يتمثل بقول قيس غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي و هو يقول:

و لو يراني أبو غيلان إذ حسرت عني الهموم بأمر ما له طبق

لقال رعبا و رهبا يجمعان معا غنم الحياة و هول النفس و الشفق

و الموت أحمد شيء بالكريم إذا ما قاله الدهر و الآجال تخترق

قال:ثم أمر بباب القصر ففتح،و خرج في نحو من مائتي رجل ممن يثق بهم،فكرّ على أصحاب مصعب فهزمهم حتى ركب بعضهم بعضا.

قال:و نظر إليه رجل من أصحاب البصرة يقال له يحيى بن ضمضم الضبي، و كان إذا ركب خطّت رجلاه في الأرض لطوله،و لم يكن في أصحاب مصعب بن الزبير أفرس منه،فحمل على المختار ليضربه و ضربه،فاستقبله المختار بضربة على جبينه أطار قحف رأسه فخر صريعا،و حملت الكتائب على المختار من كل جانب،فجعل يحاربهم و يرجع إلى ورائه حتى دخل القصر،و اشتد الحصار على القوم،فجعل السائب بن مالك الأشعري يتمثل بقول عبيد اللّه بن حذاق حيث يقول أبياتا مطلعها:

هل للفتى من نياب الدهر من واقي أم هل لحتم إذا ما حم من راقي

إلى آخرها.

ص: 157

قال:فسمع المختار هذه الأبيات من السائب بن مالك الأشعري فقال:للّه در عبد اللّه بن حداق ما أجود معناه في هذا القول،أما و اللّه لو لا ما نحن فيه لأحببت أن أحفظ هذه الأبيات،و و اللّه يا سائب!إن لو كان معي عشرة لعلمت أننا نقهر مصعبا و أصحابه.

قال:ثم أقبل المختار على أصحابه فقال:و يحكم اخرجوا بنا حتى نقاتل هؤلاء القوم فنقتل كراما،فو اللّه ما أنا بيائس إن أنتم صدقتموهم القتال أن تنصروا عليهم.

قال:فأجابه أصحابه إلى ذلك،و قالوا:ما الرأي إلا ما رأيت!و ليس يجب أن نعطي بأيدينا و لا نحكّم هؤلاء على دمائنا،فاعزم على ما أنت عازم عليه من أمرك فها نحن بين يديك.

قال:فعندها بعث المختار إلى امرأته أم ثابت الفزارية بنت سمرة بن جندب، فأرسلت إليه بطيب كثير و حنوط،فقام و اغتسل و أفرغ عليه ثيابه و تحنّط و وضع ذلك الطيب في رأسه و لحيته،و وثب أصحابه يفعلون كذلك.

فقال له رجل منهم:أبا إسحاق!أما بد من الموت؟

قال:قد رأيت و اللّه عبد اللّه بن الزبير على الحجاز،و بني أمية على الشام، و مصعبا على العراق،و لم أكن بدون واحد منهم.و إنما خرجت أطلب بدماء أهل البيت عليهم السّلام الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،و قد و اللّه أشفيت نفسي من أعدائهم و ممن شارك في دمائهم،و لست أبالي بعد هذا كيف أتاني الموت.

قال:ثم استوى على فرسه و جعل يرتجز و يقول شعرا.

ثم أمر بباب القصر ففتح و خرج معه نفر من أصحابه فلم يزل يقاتل و يقاتلون معه حتى قتلوا بأجمعهم و بقي المختار وحده،فجعل يقاتل و السهام تأخذه،فصاح مصعب بن الزبير بأصحابه أن احدقوا به فقد قتلت أنصاره.

قال:فأحاطت به الخيل من كل جانب،فجعل يكر عليهم و يكرون عليه حتى بلغوا

ص: 158

به إلى الموضع الذي فيه حوانيت الزياتين اليوم،فأحاطوا به هنالك و ألجأوه إلى جدار هناك و قصده رجلان من بني حنيفة أخوان يقال لأحدهما:طرفة و الآخر طراف ابنا عبد اللّه بن دجاجة الحنفي و ضرباه جميعا بأسيافهما.

فسقط المختار إلى الأرض،فنزلا إليه فذبحاه و احتزا رأسه و أقبلا به إلى مصعب بن الزبير،قال:فأمر مصعب بقطع يده اليمنى،فقطعت و سمّرت على باب القصر،ثم أمر برأسه فنصب في رحبة الحدادين.

ثم أقبل مصعب و أصحابه حتى أحدقوا بالقصر فجعلوا ينادون لمن في القصر و يقولون:أخرجوا و لكم الأمان!فقد قتل اللّه صاحبكم.

قال:ففتح القوم باب القصر و خرجوا،فأخذوا بأجمعهم حتى أتي بهم مصعب بن الزبير،فقدموا حتى وقفوا بين يديه،و جعل رجل منهم يقول:

ما كنت أخشى أن أرى أسيرا و لا أرى مدمرا تدميرا

إن الذين خالفوا الأميرا قد رغموا و تبّروا تتبيرا

قال:فرفع مصعب رأسه إليه فقال:الحمد للّه الذي أمكن منكم يا شيعة الدجال!

قال:فتكلم رجل منهم يقال له بحير بن عبد اللّه السلمي،فقال:لا و اللّه ما نحن بشيعة الدجال،و لكنا شيعة آل محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و ما خرجنا بأسيافنا إلا طلبا بدمائهم،و قد ابتلانا اللّه بالأسر و ابتلاك بالعفو أيها الأمير،و الصفح و العفاف و هما منزلتان:منزلة رضى و منزلة سخط،فمن عفا عفي عنه،و من عاقب لم يأمن من القصاص!و بعد فإننا إخوانكم في دينكم و شركاؤكم في حظكم،و نحن أهل قبلتكم، لسنا بالترك و لا بالديلم،و قد كان منا ما كان من أهل العراق و أهل الشام،فاصفح إن قدرت.

قال:فكان مصعب بن الزبير قد رق لهذا المتكلم و أصحابه و همّ بإطلاقهم فوثب أشراف العرب فقالوا:أيها الأمير!إن هؤلاء هم الذين قتلوا أبناءنا و إخواننا و بني

ص: 159

أعمامنا،و في إطلاقهم فساد عليك في سلطانك و علينا في أحسابنا.

قال مصعب:فشأنكم إذا بهم!

قال:فاتكوا عليهم بالسيوف فقتلوهم صبرا-رحمة اللّه عليهم-.

قال:و أقبل مصعب حتى دخل قصر الإمارة،فجلس على سرير المختار،ثم أرسل إلى امرأتي المختار أم ثابت بنت سمرة بن جندب الفزارية و عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصارية،فلما أتي بهما قال لهما مصعب:ما تقولان في المختار؟

فقالت الفزارية:نقول فيه كما تقولون فيه.

فقال مصعب:أحسنت إذهبي فلا سبيل عليك.

فقالت الأنصارية:و لكني أقول كان عبدا مؤمنا،محبا للّه و رسوله و أهل بيت رسوله محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فإنكم إن قتلتموه لم تبقوا بعده إلا قليلا فغضب مصعب بن الزبير ثم أمر بها فقتلت.

فقال بعضهم في ذلك:

إن من أعجب العجائب عندي قتل بيضاء حرة عطبول

قتلت هكذا على غير جرم إن للّه درها من قتيل

كتب القتل و القتال علينا و على المحصنات جر الذيول

قال:ثم بعث مصعب برأس المختار إلى مكة إلى عبد اللّه بن الزبير،فأمر عبد اللّه ابن الزبير برأس المختار فنصب بالأبطح،ثم أرسل إلى عبد اللّه بن عباس فقال:يا بن عباس إنه قد قتل اللّه الكذاب.

فقال ابن عباس:رحم اللّه المختار كان رجلا محبا لنا عارفا بحقنا،و إنما خرج بسيفه طالبا بدمائنا و ليس جزاؤه منا أن نسميه كذابا (1).3.

ص: 160


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 292-293.

فهرس الموضوعات

قتل المختار قتلة الإمام الحسين عليه السلام 3

قتل حرملة 4

مدح المختار 6

قتل جملة من قتلة الحسين عليه السلام 8

من قتلهم المختار برواية ابن أعثم 44

ذكر مقتل عمر بن سعد و ابنه حفص 46

ذكر مقتل الشمر بن ذي الجوشن 50

مقتل ابن زياد و إرسال رأسه للسجاد عليه السلام 54

ذكر القوم الذين عرضوا على المختار فقتلهم صبرا 55

خبر سراقة بن مرداس البارقي 56

سبب توجيه المختار الجيش إلى المدينة لابن الزبير 58

كتاب محمد ابن الحنفية إلى المختار برواية ابن أعثم 63

مسير يزيد بن أنس إلى محاربة عبيد اللّه ابن زياد 72

كتاب المختار إلى محمد ابن الحنفية برواية ابن أعثم 75

ما جرى بين محمد ابن الحنفية و عبد اللّه بن الزبير برواية ابن أعثم 83

قدوم الخشبية مكة 88

سبب كرسي المختار الذي يستنصر به هو و أصحابه 96

ص: 161

مقتل عبيد اللّه بن زياد و من كان معه من أهل الشام 98

ذكر الخبر عن صفة مقتله 98

مسير مصعب إلى المختار و الخبر عن مقتله 107

مقتل المختار برواية ابن أعثم 135

خروج أهل الكوفة على المختار و غدرهم به و محاربتهم إياه 135

رجوع المختار إلى الكوفة و مضي ابن الأشتر في جيشه 139

ابتداء خبر عبيد اللّه بن الحر الجعفي 140

خبر عمير بن الحباب السلمي 150

ص: 162

المجلد 19

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء التاسع عشر

اهداف و آثار النهضة الحسينية

أهداف النهضة الحسينية

خلاصة النهضة الحسينية

اشارة

لقد وردت عبارة في زيارة أربعين الإمام الحسين عليه الصلاة و السلام تنطوي على مغزى عميق و هي جديرة بالتأمل و التدبر كسواها من العبارات الكثيرة الواردة في مثل هذه الزيارات و الأدعية،حيث إنها ناظرة إلى أهداف النهضة الحسينية.و هذه العبارة هي"و بذل مهجته فيك".

و قد وردت في زيارة الأربعين التي تأتي فقراتها الأولى على صورة دعاء يناجي به المتكلم المولى سبحانه و تعالى فيقول"و بذل مهجته فيك"أي الحسين بن علي (عليهما السلام)"ليستنقذ عبادك من الجهالة و حيرة الضلالة".فهذا هو أحد جوانب القضية و هو المتعلق بصاحب النهضة أي الحسين بن علي عليه السلام.

و أما الجانب الآخر فيرد في الفقرة التالية التي تقول"و قد توازر عليه من غرته الدنيا و باع حظه بالأرذل الأدنى"في وصف للواقفين على الجبهة المضادة،و هم الذين غرتهم الدنيا بالمطامع المادية و الزخارف و الشهوات و الأهواء النفسية فباعوا حظهم من السعادة الدنيوية و الأخروية بالأرذل الأدنى.

و هذه هي خلاصة النهضة الحسينية.

و بالتدقيق في هذا الكلام،يدرك المرء أن بإمكانه النظر إلى النهضة الحسينية بمنظارين في الواقع،و كلاهما صحيح،سوى أن مجموعهما يكشف عن الأعباء

ص: 3

العظيمة لهذه النهضة؛فالنظرة الأولى تكشف عن الحركة الظاهرية للحسين بن علي عليه السّلام،و التي قام بها في مواجهة حكومة فاسدة و منحرفة و ظالمة و قمعية و هي حكومة يزيد.

و أما باطن القضية و عمقها فتكشف عنه النظرة الثانية،و هي الحركة الأعظم و الأعمق لأنها ضد جهل الإنسان و ضلالته.فمع أن الإمام الحسين عليه السّلام قام بمقارعة يزيد في الواقع،إلا أنّ هذه المقارعة الواسعة التاريخية لم تكن ضد يزيد الفرد الفاني الذي لا يساوي شيئا،بل كانت ضد جهل الإنسان و انحطاطه و ضلالته و ذلّه،و هو ما يكافحه الإمام الحسين عليه السّلام في الحقيقة.

مميزات حكومة النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله

لقد جاء الإسلام بحكومة مثالية.و لو أردنا اختصار قضية الإمام الحسين في سطور لقلنا بأن الظلم و الجهل و العنصرية كانت تسود البشرية؛فالحكومات الكبرى التي كانت تسيطر على العالم في ذلك الزمان-حكومة قيصر في الأمبراطورية الرومانية و حكومة كسرى في إيران-و كانت تمثل حكومات النبلاء، و هي حكومات غير شعبية و حكومات مفروضة بحد السيف دون الخضوع للعقل و المنطق غايتها نشر الجهل و الفساد،و سواها من الحكومات الصغيرة على غرار ما كان في الجزيرة العربية،و غيرها من الحكومات التي كانت تفوقها سوءا و شرّا، كانت كلها حكومات جاهلية أخضعت العالم لسيطرتها.

و في هذه الأثناء أضاء رسول الله صلّى اللّه عليه و اله العالم بنور الإسلام،و استطاع بفضل المدد الإلهي و الجهاد الجبار و العظيم الذي قام به هو و الذين معه أن يبث النور في إحدى مناطق الجزيرة العربية،ثم ما لبث أن عمّها هذا النور الإلهي بالتدريج؛فعندما رحل الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله عن هذه الدنيا كانت الحكومة التي ثبت عمادها حكومة

ص: 4

قوية و مستقرة يجدر بها أن تكون نموذجا للحكومات على طول امتداد التاريخ الإنساني.

و لو كان الاستمرار قد قدّر لهذه الحكومة لتغيّر وجه التاريخ بلا ريب،و لتحقق في ذلك الزمان ما سيحققه إمام الزمان عجل اللّه فرجه لدى ظهوره بعد ذلك بقرون في عالم يسوده العدل و النقاء و الصدق و الإخلاص و المحبة،حيث البداية الحقيقة للحياة البشرية.

إنّ الحياة الحقيقة للإنسان في هذا العالم تعود إلى مرحلة ما بعد ظهور إمام الزمان عليه السّلام،و يعلم الله ما ستبلغه البشرية من عظمة و ازدهار يومذاك.

و لهذا فإن هذه الحكومة لو كان قد كتب لها الاستمرار و الدوام و ظلت باقية في تلك العصور الأولى و تغيّر تاريخ البشرية،لكان مصير البشرية قد خطا خطوات واسعة نحو الأمام،إلاّ أنّ هذا لم يحدث للعديد من الأسباب.

إن مميزات حكومة الرسول صلّى اللّه عليه و اله أنها كانت قائمة على العدل بدلا من الظلم، و مستندة إلى التوحيد و التمحور حول عبودية الذات الإلهية المقدسة بدلا من الشرك و التفرقة الفكرية للإنسان،و مبنية على العلم و المعرفة بدلا من الجهل، و قائمة على المحبة و التواصل و الرفق و المداراة بدلا من عداء الإنسان للإنسان؛أي كانت حكومة قويمة في ظاهرها و باطنها يشبّ فيها الإنسان في ظلال التقوى و الشرف و العلم و البصيرة و النشاط و التحرك و السعي نحو الكمال.

حكومة النبي بعد خمسين عاما

و لكن كل شيء كان قد تغير بمرور خمسين عاما،فلم يبق من الإسلام سوى الإسم دون المعنى و المضمون،و عادت حكومة الظلم بدلا من حكومة العدل،

ص: 5

و عادت العنصرية و التحزب و الطبقية بدلا من المساواة و الأخوّة،و بات الجهل بدلا من العلم و المعرفة.

لقد كان كل شيء يعود إلى الوراء خلال تلك الأعوام الخمسين،و هناك آلاف الشواهد و النماذج التي تفصح عن هذا الإنحدار؛و يتحمّل الباحثون و المحققون مسؤولية إيضاحها للعقول الشابة و تبيانها لطلاب الحقيقة.

الفرق بين الإمامة و السلطنة

لقد تحوّلت الإمامة إلى سلطنة مع ما بينهما من تناقض و تفاوت و اختلاف و تضاد؛فالإمامة تعني القيادة الروحية و المعنوية و الارتباط مع الناس بالرباط العاطفي و العقائدي.

و أما السلطنة فتعني حكومة القوة و الشدة والخداع بلا أدنى علاقة معنوية أو عاطفية أو عقائدية.

فالإمامة و السلطنة تقفان على طرفي نقيض تماما.

إن الإمامة حركة بين الأمة من أجل الأمة و لا تستهدف سوى الخير.

بينما تعني السلطنة تلك السلطة المتجبرة الآخذة بأعناق الناس و التي تهدر حقوقهم و تتجاهل مصالحهم من أجل فئة خاصة و عملا على ثراء الطبقة الحاكمة و إشباع نزواتها.

حكومة يزيد سلطنة

فالذي نراه في زمن ثورة الإمام الحسين عليه السّلام هي تلك الثانية و ليست الأولى،أي أن يزيد الحاكم لم يكن على علاقة مع الناس،و لم يكن من أهل العلم،و لم يكن تقيا

ص: 6

و لا نقيا و لا حكيما،كما لم تكن له سابقة في الجهاد في سبيل الله،و لم يكن يؤمن قدر ذرة بمعنويات الإسلام،و لم يكن يتصرف في سلوكه كالإنسان المؤمن،و لم يكن قوله كأقوال الحكماء؛أي أنه كان عاريا عن أي شبه برسول الله صلّى اللّه عليه و اله.

و في مثل هذه الظروف سنحت الفرصة للإمام الحسين عليه السّلام ليقوم بثورته،و هو الإمام الذي كان يجب أن يخلف رسول الله صلّى اللّه عليه و اله في أداء مهمته.

إننا لو نظرنا إلى هذه القضية من حيث الظاهر فإنّ هذه الثورة ثورة على حكومة يزيد الفاسدة و اللاشعبية،و أما من حيث الباطن فإنها ثورة من أجل القيم الإسلامية و في سبيل العلم و الإيمان و الكرامة و بغية إنقاذ الناس من الفساد و الانحطاط و الجهالة.

و لهذا فإن الإمام الحسين عليه السّلام لدى خروجه من المدينة كتب وصيته التاريخية لأخيه محمّد ابن الحنفية و التي قال فيها:«إني لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و لا ظالما،إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي» (1).6.

ص: 7


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:93-96.

ثورة الحسين عليه السلام بوجه السلطنة

«إن نظام السلطنة و ولاية العهد هو نفس ذلك النمط المشئوم من الحكومة التي ضحى سيد الشهداء عليه السلام و استشهد من أجل الحيلولة دون استمرار بقائه، و لما لم يكن يرغب في الخضوع لولاية العهد التي أسندت ليزيد و لم يرغب الاعتراف رسميا بسلطنته،فقد قام و ثار و دعا المسلمين إلى القيام و الثورة،فهذه الأمور(السلطنة و ولاية العهد)ليست من الإسلام،إذ ليس في الإسلام سلطنة و ولاية عهد.

«لم تكن القضية قضية غصب الخلافة فحسب،لقد كان قيام سيد الشهداء سلام الله عليه و ثورته قياما ضد السلطة الطاغوتية...تلك السلطنة التي كانت تريد أن تصبغ الإسلام بصبغة أخرى و لو أنها نجحت في ذلك لأصبح الإسلام شيئا آخر تماما،و لصار مثل النظام الأمبراطوري الذي كان قائما لألفين و خمسمائة عام(في إيران).

إنهم أرادوا مواجهة الإسلام الذي جاء للقضاء على النظام الملكي و إزالة حكم السلاطين و إقامة الحكم الإلهي في العالم،و تحطيم الطاغوت.أرادوا أن يعيدوا عبادة الطاغوت و نفس الأوضاع التي كانت سائدة في الجاهلية.

إن شهادة الإمام الحسين عليه السلام لم تكن هزيمة،فثورة سيد الشهداء (سلام الله عليه)كانت قياما لله،و ليس في القيام من أجل الله أية هزيمة» (1).

ص: 8


1- كتاب نهضة عاشوراء،ص 40-42.

أبعاد ثورة الإمام الحسين عليه السلام

اشارة

قال الإمام الخميني:ينبغي لنا أن ندرك أبعاد هذه الشهادة و نعي عمقها و تأثيرها في العالم و نلتفت إلى أن تأثيرها ما زال مشهودا اليوم أيضا.فلو لا وجود مجالس الوعظ و الخطابة و العزاء و الاجتماعات هذه لما تمكّن بلدنا من تحقيق النصر.لقد نهض الجميع تحت لواء الإمام الحسين(سلام اللّه عليه)و أنتم تشاهدون الآن كيف أن جند الإسلام-حينما يعرض التلفزيون صورهم-إنما يساهمون في الإبقاء على نشاط الجبهات من خلال حبهم للإمام الحسين عليه السّلام.

إن على المبلّغين الأعزاء و العلماء و الخطباء أن يبينوا للناس-خلال الاجتماعات و المجالس التي تعقد في شهري محرم و صفر-القضايا المعاصرة،أن يبينوا لهم القضايا السياسية و الاجتماعية و يبينوا لهم تكليفهم في مثل هذا الوقت الذي نعاني فيه من كل هؤلاء الأعداء،و عليهم أن يفهموا الناس أننا ما زلنا في منتصف الطريق و أن علينا الاستمرار في المسيرة حتى النهاية إن شاء اللّه.

و لو بقي الوضع الحالي و بقي الحضور الفعال الذي سجّله أفراد الشعب-و للّه الحمد-في ساحة الأحداث،لو واصلنا السير على هذا المنوال فإننا سنتمكن في النهاية من تحقيق النصر المطلق و لكن علينا أن لا نتراخى أو نضعف.

عندما نهض شعبنا و ثار أعلن منذ البداية أنه يريد إقامة الجمهورية الإسلامية و الإستقلال الكامل و أنه يرفض الميل للشرق و للغرب و أعلن للعالم كله أننا لا نريد أن نكون تحت حماية أمريكا و لا في ظل حماية الاتحاد السوفيتي و لا غيرهما من القوى.نريد الاعتماد على رعاية اللّه تبارك و تعالى و السير تحت راية التوحيد التي

ص: 9

هي راية الإمام الحسين عليه السّلام فلا شك أن العالم سيتحرك للوقوف بوجهكم عندما يرى أنكم أعلنتم ذلك.

إن عليكم أن تدركوا ذلك منذ البداية فمثلما نهض الحسين عليه السّلام و ثار بوجه كل تلك الأعداد المدججة بالسلاح حتى استشهد،فعلينا نحن أيضا أن نثور و أن نوطّن أنفسنا للشهادة و نحن مستعدون لذلك.

و إنكم ترون كيف يعرب السادة الأجلاء من أئمة صلاة الجمعة و بكل رحابة صدر و طلاقة محيّا عن استعدادهم للبقاء في مواقعهم و أداء واجباتهم،و إن بلغ الأمر الشهادة التي نالها أقرانهم بعد انتصار الثورة الإسلامية في 22 بهمن ه ش (11 شباط 1979)فإن الاستكبار العالمي بزعامة أمريكا وضع و نفذ العديد من الخطط و المؤامرات للقضاء على الثورة الإسلامية الفتية.و كان من بينها-إضافة إلى إيجاد الفرقة-التخطيط لانقلاب عسكري و فرض الحرب التي استمرت مدة ثمان سنوات و القيام بتفجيرات و اغتيالات بواسطة عملائه المتغلغلين(منظمة مجاهدي خلق)و خسرت الجمهورية الإسلامية خلال هذه العمليات اللاإنسانية عددا من أفضل مؤيديها و مسؤوليها.

و كان من بين أولئك الشهداء،الشهيد آية اللّه مدني إمام جمعة تبريز و الشهيد آية اللّه دستغيب إمام جمعة شيراز و الشهيد آية اللّه صدوقي إمام جمعة يزد و الشهيد آية اللّه أشرفي أصفهاني إمام جمعة كرمانشاه،على الجميع أن يكونوا على هذه الحال (1).

و قال السيد الخامنئي:إنّ العارف بحركة الحسين بن علي عليه السّلام يدرك طبيعة هذه العزة التي حصلت من ثورة عاشوراء،و بالوسع الإطلالة على النهضة الحسينية الكبرى التي خلّدها التاريخ من خلال عدة أبعاد تؤطرها ثلاث رؤى،و إن ما يملأء.

ص: 10


1- انظر كتاب نهضة عاشوراء.

الأنظار أكثر من غيره في كلّ من هذه الأبعاد هو الشعور بالعزة و الشموخ و الفخار:

البعد الأول:هو ثورة الحق بوجه باطل قوي؛و هذا ما قام به الإمام الحسين و نهضت به الحركة الثورية الإصلاحية للحسين بن علي عليه السّلام.

و البعد الآخر:هو أن نهضة الحسين بن علي عليه السّلام تجسيد للمعنويات و الأخلاق، و ما عدا الجانب الاجتماعي و السياسي و التحرك الثوري و المواجهة الصريحة بين الحق و الباطل،ثمة ميدان آخر للصراع في هذه النهضة هو نفوس الناس و سرائرهم و بواطنهم؛فحيثما تراكمت نقاط الضعف و المطامع البشرية و الضعة و الشهوات و الأهواء النفسية في كيان الإنسان صدّته عن المبادرة للخطوات الكبرى،و هذا ميدان حرب أيضا و هي حرب مضنية للغاية؛و حيثما يقتفي المؤمنون المضحّون من الرجال و النساء أثر الحسين بن علي عليه السّلام إذ حينذاك تتضاءل في أعينهم الدنيا و ما فيها من متع و زخارف في قبال الشعور بالتكليف، و تنتصر المعنويات الكامنة المتبلورة في أعماق البشر و سرائرهم على جنود الشيطان القابعة في باطنهم-و هم جنود العقل و الجهل الذين تذكرهم رواياتنا- و هكذا كانت غلبة العقل على الجهل في بواطن ثلة من العظماء الأماجد الذي خلدوا كأنموذج عبر التاريخ.

هذا هو البعد الثاني.

و البعد الثالث:هو المصائب و الفجائع و الغصص و الأحزان و حسرات القلوب التي تطبع يوم عاشوراء و كثيرا ما تهيمن على الناس،و على هذا الصعيد غالبا ما نقتصر على قراءة المصيبة،غير أن في هذا البعد الثالث الذي هو منظر للمصائب عزة و مجد أيضا؛فعلى ذوي التمعن و الرأي و الفكر البحث في هذه الأبعاد الثلاثة.

ص: 11

1-عزة و مجد في الثورة ضد الباطل

ففي البعد الأول حيث قام الإمام الحسين بحركة ثورية،و في عمله هذا مظهر العزة و المجد،و لكن من الجهة أو الشخص الذي يقف في الطرف المقابل للحسين بن علي عليه السّلام إنها تلك الحكومة الظالمة الفاسدة المنحرفة المتجسد عملها في:"يعمل في عباد الله بالجور و العدوان"،فقد كانت تتعامل مع الأمة الرازحة تحت نيرها و مع عباد الله و خلقه بالظلم و العدوان و الغرور و التكبر و الأنانية،فكانت تتميز بتنكرها للمعنويات و الإلتزام بحقوق الإنسان و تبديل الحكومة الإسلامية إلى حكومة طاغوتية هي عينها التي كانت سائدة في الأرض قبل الإسلام على مر حقب التاريخ، في حين أن من أبرز مزايا النظام الإسلامي هي الحكومة،و إن من أبرز مرافق المجتمع المثالي الذي يصبو الإسلام لبنائه عبارة عن شكل الحكومة و طبيعتها و سيرة الحاكم.

لقد وصف عظماؤنا الأمر يوم ذاك بالقول:إنهم بدّلوا الإمامة إلى سلطنة..

و الإمامة إنما تعني قيادة ركب الدين و الدنيا؛ففي القافلة التي تسيّر الجميع صوب هدف سام واحد و باتجاه واحد يوجد من يرشد الباقين؛فإن ضلّ منهم أحد انتشله و أعاده إليها،و إذا تعب أحد حثّه على مواصلة الطريق،و إن أصيبت قدم أحد منهم عالجها له،و يرفد الجميع بالعون المعنوي و المادي؛و هذا ما يصطلح عليه في القاموس الإسلامي"الإمام"؛أي إمام هدى.

و تقابله السلطنة التي ينحصر معناها بالملكية الموروثة فهي نوع من السلطنة، لذلك لا يطلق على بعض السلاطين في العالم اسم سلطان،لكن بواطنهم سلطوية

ص: 12

تضمر التسلط و التجبر على البشر؛فأيّما شخص جاء و في أية حقبة تاريخية و أيا كان اسمه إذا ما قابل شعبه أو سائر الشعوب بمنطق القوة فذاك ما يسمى"سلطنة"، و أيّما زعيم دولة-في عصرنا هذا أمريكا،و فيما سبق من أزمنة التاريخ كانت هنالك دول مستكبرة أيضا-يخوّل لنفسه تحديد واجبات سائر الشعوب دون صلاحية أخلاقية أو علمية أو حقوقية يتمتع بها و يؤثر مصالحه و مصالح الشركات التي تمدّه على مصالح الملايين من أبناء البشر فتلك سلطنة،سواء حمل اسم السلطان أم لا.

و في عهد الإمام الحسين عليه السّلام بدّلوا الإمامة الإسلامية إلى ما يناظر ذلك"يعمل في عباد الله بالجور و العدوان"،فكان أن انبرى الإمام الحسين عليه السّلام لمقارعة هذا الوضع؛و قد تمثلت مقارعته هذه في البيان و الإيضاح و الهداية و التمييز بين الحق و الباطل،سواء في عصر يزيد أو من سبقه،غاية الأمر أن ما وقع في عهد يزيد و زاد على سابقه أن إمام الجور و الضلال و الإنحراف هذا كان يتوقع من إمام الهدى الإعتراف بحكومته!و هذا ما تعنيه البيعة؛إذ يبادر لإعلان تأييده لحكومة ذلك الجائر و يعترف بها بدلا من إرشاد الناس و هدايتهم و بيان ضلال تلك الحكومة لهم، فكان يزيد يحاول إرغام الإمام الحسين عليه السّلام!و من هنا كان منطلق ثورة الإمام الحسين عليه السّلام.

و لو لا تلك التوقعات الهوجاء البلهاء من تلك الحكومة لكان ممكنا أن يرفع الإمام الحسين عليه السّلام راية الهدى فيرشد الأمة و يتكفل هدايتها و يبين لها الحقائق-كما فعل الأئمة من بعده،و مثلما صنع هو في عهد معاوية أيضا-و يستمر على ذلك،لكنه تقدم خطوة إلى الأمام بسبب ما حصل من جهل و تكبر و ابتعاد عن الفضائل و المعنويات الإنسانية.

لقد توقع يزيد من الإمام الحسين عليه السّلام التوقيع على تلك الوثيقة السوداء القاضية

ص: 13

بتبديل الإمامة الإسلامية بالسلطنة الطاغوتية بما تحمله من معنى البيعة،لكن الإمام الحسين عليه السّلام رد قائلا:"مثلي لا يبايع مثله".فالحسين عليه السّلام لا يصدر منه هذا الاعتراف وراية الحق لا تقف مع صف الباطل و لا تقبل صبغته،و ذلك ما صرّح به الإمام الحسين بقوله:"هيهات منا الذلة".فلقد كانت حركة الإمام الحسين عليه السّلام حركة العزة؛أي عزة الحق و عزة الدين و عزة الإمامة و عزة ذلك الدرب الذي رسمه النبي صلّى اللّه عليه و اله.

لقد كان الإمام الحسين عليه السّلام مظهرا للعزة،و لصموده أضحى مصدر تمجيد و فخار،و هذه هي العزة و المجد الحسيني..

فلعلّ هنالك من يدلي بدلوه أو أطلق كلاما ما،لكنه لا يصمد عليه فيعلن انسحابه، فهذا لا يسعه التفاخر،بل الفخر من نصيب الإنسان أو القوم و الأمة التي تقف عند ما تقول،و لا تسمح للعواصف أن تسقط تلك الراية التي ترفعها أو تقضي عليها، و تحافظ عليها بكل صلابة؛و لقد حافظ الإمام الحسين على عليه السّلام تلك الراية و صمد إلى الحد الذي تعلمون،صمد حتى استشهد أعزاؤه و سبيت عياله،و هذه هي العزة و المجد على صعيد التحرك الثوري و تبلور المعنويات.

ص: 14

2-عزة و مجد في تجسيد المعنويات
اشارة

إنّ الكثيرين كانوا يأتون الإمام الحسين عليه السّلام و يلومونه على إصراره هذا، و هؤلاء لم يكونوا أناسا طالحين أو من البسطاء،بل كانوا من عظماء الإسلام، لكنهم أساءوا الفهم و غلبت عليهم نوازع الضعف البشري،لذلك أرادوا للحسين بن علي عليه السّلام أن يستسلم لتلك النوازع!لكنه لم يغلب و صبر.و جميع من كانوا مع الإمام الحسين عليه السّلام ظفروا بالنصر في هذا الصراع الباطني و المعنوي،فالنصر كان من نصيب تلك الأم التي أرسلت ابنها الشاب إلى ساحة المعركة و هي فخورة مستبشرة،و ذلك الشاب الذي تخلّى عن لذائذ الدنيا الظاهرية و دخل ميدان الجهاد و الصراع هو المنتصر في هذه المعركة،و أولئك الشيوخ من قبيل حبيب من مظاهر و مسلم بن عوسجة الذين أعرضوا عن دعة الشيخوخة و أحضان الأسرة الدافئة و تجرّعوا الشدة هم المنتصرون في هذا الصراع الباطني و المعنوي،و ذلك القائد الشجاع-الحربين يزيد الرياحي-الذي كان يتبوأ منزلة لدى الأعداء و لكنه أعرض عنها و التحق بالحسين بن علي عليه السّلام هو المنتصر في هذه المعركة.

تقديم الفضيلة على الرذيلة

إن المنتصرين في ذلك اليوم و هم يخوضون الصراع المعنوي بين فضائل الأخلاق و رذائلها،و أولئك الذين استطاعوا-يومها-تغليب جنود العقل على جنود الجهل حينما التقت مع بعضها،هم أولئك القلة،لكن وجودهم و صمودهم و ثباتهم على الاستقامة في ميدان الشرف ذاك هو الذي حدا بالملايين على مر التاريخ

ص: 15

لاستلهام الدرس منهم و اقتفاء ذات الدرب؛فلو لا ما فعله أولئك،و لو لا تغليبهم للفضيلة على الرذيلة في وجودهم لجفّت شجرة الفضيلة عبر التاريخ،لكنهم هم الذين روّوا شجرة الفضيلة.

درس من كربلاء

و في زمانكم عاصرتم الكثيرين ممن غلّبوا الفضيلة على الرذيلة في كيانهم و هزموا الأهواء النفسية لصالح المشاعر و الرؤية و الفكر الديني السليم و العقلائي، فكان أن شهد معسكر"دوكوهه"هذا و غيره من المعسكرات في البلاد و سوح الحرب و ربوع الوطن عشرات بل مئات الآلاف من هؤلاء.

و الآن فقد تعلّم الآخرون منكم،فليسوا قلّة أولئك المستعدون في ربوع العالم الإسلامي لنصرة الحق على الباطل في دواخلهم و في المواجهة بين الحق و الباطل الحاصلة في باطن الإنسان؛فثباتكم أثناء فترة الدفاع المقدس أو سائر التجارب الكبرى التي شهدها الوطن هو الذي رسّخ هذه الفضائل في زماننا،زمن الاتصالات المتقاربة التي لا تصب في منفعة الشيطان و شيطنته على الدوام و إنما فيها منفعة للمعنويات و المبادئ أيضا.

و لقد تعلّمت شعوب العالم منكم الكثير،و ما تلك الأم الفلسطينية التي كانت تقبّل ابنها و ترسله إلى ساحة الحرب إلاّ نموذج لذلك؛ففلسطين و طوال سنوات متمادية كانت زاخرة بأبنائها و رجالها شيبا و شبانا،لكنها كانت تعاني الذلّة و حاق بها هذا الوضع نتيجة لحالات الضعف و بسبب عجز جنود العقل عن تحقيق النصر على جنود الجهل في ميدان المواجهة المعنوية بينهما،فتسلّط الأعداء عليها،بيد أنّ الوضع قد تغير اليوم في فلسطين؛فلقد انتفضت فلسطين و استطاع شعبها بنسائه و رجاله تحقيق النصر للبعد المعنوي في ذواتهم على صعيد المواجهة المعنوية،

ص: 16

و سينتصر هذا الشعب.

3-عزة و مجد رغم المصائب و الفجائع
اشارة

و على صعيد البعد الثالث الذي يمثّل صورة الفاجعة في عاشوراء تشاهد أيضا ملامح العزة و الشموخ و الفخر؛فبالرغم من المصيبة و الاستشهاد،و بالرغم من أن استشهاد أيّ من شباب بني هاشم و أطفالهم و صغارهم و الأنصار الطاعنين بالسن إلى جانب أبي عبد الله الحسين عليه السّلام يعد مصيبة و فاجعة كبرى،إلاّ أن كلا منها تحمل جوهرة من العزة و المجد...

من الذي مثل الشاب المضحي في كربلاء؟إنه علي الأكبر بن الإمام الحسين عليه السّلام الشاب الذي كان متألقا و أنموذجا بين شباب بني هاشم،الشاب الذي اجتمع فيه توأم الجمال الظاهري و الباطني و حاز المعرفة ممزوجة بالشجاعة و التضحية..لقد كان شابا من هذا الطراز؛و معرفته الحقة بإمامة و ولاية الحسين ابن علي عليه السّلام و استعداده لمبارزة عدوه الشقي،هما اللذان دفعا بهذا الشاب الأوحدي المتألق إلى ساحة المعركة ثم يرجع إليهم جسدا مضرجا بدمائه في مرأى من أبيه و النسوة اللاتي كنّ يضطربن قلقا عليه؛فليس هينا مثل هذه المصيبة و هذا العزاء،لكن تقدّم هذا الشاب نحو الميدان و هذا الاستعداد للجهاد من قبله هو أمثولة عزة و عظمة و فخار بالنسبة للمسلم،و هو تجسيد لقول الله عزّ و جلّ: وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ (1)فمظهر العزة أن يكرس طاقته و نشاطه و شبابه لهدفه و مبدئه السامي،و في ذلك غاية الأهمية.

ص: 17


1- سورة المنافقون:8.

و إن الحسين بن علي عليه السّلام بإرساله هذا الشاب إلى ساحة المعركة جسّد بدوره العزة المعنوية؛أي إن الإمام الحسين عليه السّلام حافظ بقوة على اللواء الذي رفعه،و هو لواء الإباء و حاكمية الإسلام،لواء التمييز بين الإمامة الإسلامية و السلطنة الطاغوتية؛إنه بذلك يحافظ على هذا اللواء بقوة و إن كان ثمنه روح ابنه الحبيب.

مواقف كربلاء دروس خالدة للبشرية

لقد سمعتم خلال هذه الأيام ما تكرر من القول من أن الإمام الحسين عليه السّلام لم يكن يأذن بسرعة لأي من صحابته و أنصاره عندما كانوا يأتون و يستأذنونه للتوجه إلى ساحة المعركة و البراز،بل كان يمانع البعض و يشير على آخرين بالإنصراف من كربلاء بالمرّة،و هكذا كان يتصرف سواء مع شباب بني هاشم أو مع الأصحاب،بيد أن حبيبه و ولده الغالي عليا الأكبر لما جاء يستأذنه للتوجه إلى المعركة لم يتوان الإمام الحسين عليه السّلام لحظة و سرعان ما أذن له،و هنا يتسنى إدراك معرفة الابن و عظمة الوالد.

في البداية لمّا وصل دور التضحية و الاستشهاد إلى بني هاشم-لأن الأنصار كانوا لا يسمحون لبني هاشم بالتوجه إلى ساحة المعركة قائلين نحن فداكم، و مادام الأصحاب على قيد الحياة لم يؤذن لأبناء أمير المؤمنين و الإمام الحسن و الإمام الحسين عليه السّلام بالبروز إلى الميدان،فالأصحاب ما كانوا يسمحون بذلك،بل كانوا يقولون نحن الذين نبرز أولا،ثم إذا ما قتلنا ابرزوا أنتم إن شئتم-في ذلك الوقت كان أول من تقدّم مستأذنا هو ذلك الشاب العارف بمسؤوليته(علي الأكبر) و هو ابن الإمام و أقرب الناس إليه،فهو إذن أحق من الجميع بالشهادة فتقدّم لها..

و هنا يتجلى مظهر من مظاهر الإمامة الإسلامية؛فهذا ليس محلا يتقاسمان فيه الدنيا و المنافع المادية و الأرباح الاقتصادية و الشهوات النفسية،بل هو موقع

ص: 18

الجهاد و الشدة،و أول المتقدمين هو علي بن الحسين الأكبر،و هذا ما يبرهن على معرفة هذا الشاب،و يقابله الإمام الحسين عليه السّلام بتجسيد عظمته الروحية؛فبمجرد أن يطلب الإذن يسمح له الإمام الحسين عليه السّلام بالبروز إلى الميدان،و في ذلك عبرة لنا.

و هذه هي الدروس الخالدة عبر التاريخ و المواقف التي تحتاج إليها البشرية في حاضرها و مستقبلها؛فمادامت أنانيات الإنسان هي الغالبة عليه فهو يزداد خطرا كلما تنامت قدراته التنفيذية،و مادامت الأهواء النفسية هي الطاغية على الإنسان و يحاول الإستحواذ على كل شيء فإن من تعاظمت قدرته تعاظم خطرا و وحشية و بشاعة،و ها أنتم تشاهدون نماذج ذلك في العالم.

و إن إبداع الإسلام يتمثل في اختياره لمن يتسلّقون سلّم السلطة ممن أفلحوا في خوض الامتحان و بلوغ النجاح في بعض مراحله على أقل تقدير؛فالشرط الذي يضعه الإسلام لتسلّم المسؤوليات هو التجرد عن الكثير من هذه الأهواء و النوازع.

فعلينا-نحن المسؤولين-الاهتمام بأنفسنا و مراقبتها و ضبط أيدينا و ألسنتنا و أفكارنا و أنظارنا و أعمالنا أكثر من غيرنا،أي أنهم(المسؤولين)يفوقون الآخرين في إلزامية التقوى لديهم،فإذا ما طغى انعدام التقوى على الإنسان تضاعف خطره على البشرية كلما تنامت قدرته،و عندما يمتلك من لا أهمية عنده لأرواح البشر و حقوقهم و لا يعد الزهد عن النزوات النفسية مكسبا أو ذا شأن بالنسبة له،عندما يمتلك مثل هذا الإنسان صلاحية الضغط على أزرار القنبلة النووية يكون ذا خطر على البشرية..فحري بالذين يمتلكون القوة النووية و الأسلحة المدمرة في عالم اليوم السيطرة على أنفسهم و عواطفهم،و ذلك مما لا وجود له و للأسف،و هذا ما يروج له الإسلام و يمثل السبب في عداء السلطويين للإسلام (1).7.

ص: 19


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:107.
4-إصلاح الدنيا و الآخرة
اشارة

من أبعاد ثورة الإمام الحسين عليه السّلام-و هو الهدف الرابع-أن يستطيع الإمام التغلب على حكومة يزيد و استرداد السلطة من يد أولئك الذين يقمعون الناس و يتلاعبون بمصيرهم و وضع الأمور في نصابها الصحيح؛فلو كان قد حدث ذلك لتغيّرت مسيرة التاريخ.

لكن لم يتمكن الإمام الحسين عليه السّلام من إحراز هذا النصر السياسي و العسكري لأي سبب من الأسباب،و عندئذ لم يكن أمامه سوى استبدال القول بالدم و المظلومية و تحمّل الخسارة التي لن ينساها التاريخ على مدى الزمان،لتبقى كلمته تيارا جارفا لا ينقطع إلى أبد الدهر.و هذا هو ما فعله الإمام الحسين.

و في الحقيقة فلو كان الذين يدعون الإمام قد وقفوا موقفا آخر غير الذي اتخذوه مع الإمام الحسين عليه السّلام لتحقق هذا البعد(الأول)للثورة و لاستطاع الإمام الحسين عليه السّلام إصلاح الدنيا و الآخرة في ذلك الوقت،و لكنهم قصّروا في حقه!أما لماذا قصّروا،و كيف قصّروا،فإن ذلك من الأبحاث الطويلة و المريرة،و قد ذكرنا بعض جوانبه تحت عنوان"الخواص و العوام"؛أي من الذين قصّروا،و على من يقع هذا التقصير،و كيف كان،و أين كان؟

و على هذا الأساس فقد وقع التقصير من البعض و هو ما حال دون تحقق الهدف الأول،بينما تحقق الهدف الثاني،و هو ما لم يكن بوسع أية قوة كانت سلبه من الإمام الحسين،حيث إن قوة التوجه إلى ميدان الشهادة،و التضحية بالنفس و الأعزة،هو ذلك الحدث العظيم الذي تضاءلت و تلاشت أمام عظمته قوة العدو

ص: 20

و عظمته،و هو الذي يمنح الشمس المزيد من الازدهار و التألّق يوما بعد آخر في عالم الإسلام و يحيط بكل البشرية.

و اليوم،و بعد مرور قرون طويلة،بات الإمام الحسين بن علي عليه السّلام و الإسلام و أنتم أنصار الحسين عليه السّلام علما في شتّى أصقاع العالم.و لقد أصبح الأمر الآن بحيث يشعر المفكرون و المثقفون و أصحاب الرأي المستقل بالخضوع عندما يطالعون تاريخ الإسلام و يقفون على حقيقة قضية الإمام الحسين عليه السّلام.

إنّ الذين يجهلون الإسلام لكنهم يدركون مفهوم الحرية و العدالة و العزة و الرقيّ و القيم الإنسانية السامية ينظرون بهذا المنظار فيجدون الإمام الحسين عليه السّلام ذروة الإنسانية في الدعوة إلى الحرية و العدالة و مقاومة المساوئ و القبائح و مكافحة الجهل و الذل و المهانة.

الإصلاح كان هدف الإمام الحسين الأول

لقد جعل الإمام الحسين عليه السّلام هدفه الأول:"لنري المعالم من دينك و نظهر الاصلاح في بلادك".و لكن ما المقصود بالاصلاح؟المقصود به طبعا اجتثاث جذور الفساد.و أيّ فساد هذا؟إنّ الفساد على أنواع و أقسام شتّى،منها:السرقة،و الخيانة، و العمالة،و الطغيان،و التحلل الخلقي،و الخيانة في المال،و العداء بين صفوف الخندق الواحد،و التواطؤ مع أعداء الدين،و الميل إلى ما فيه إضرار بالدين.في حين أن كل شيء يتحقق في ظل وجود الدين.و يواصل عليه السّلام كلامه بالقول:"و يأمن المظلومون من عبادك".أيّ يأمنون على كرامتهم و على أموالهم في حياتهم الاجتماعية و على صعيد الشؤون القانونية و العدلية،و هذا ما يفتقر إليه عالم اليوم.

كان الإمام الحسين عليه السّلام يتطلع إلى تحقيق مثل مناقضة لما كان سائدا في ظل تسلط الطواغيت في عصره؛و لو أنكم نظرتم إلى ظروف عالم اليوم لوجدتموها

ص: 21

مثلما كانت عليه يومذاك،إذ أنهم يظهرون معالم الدين بالمقلوب،و يمارسون مزيدا من الجور ضد المضطهدين،و يغمس الظلمة أيديهم في دماء المظلومين أكثر من ذي قبل.

سببان لترك العزّة

إنه كلما تلقّى الناس في عالم اليوم،ضربة-سياسية كانت أو عسكرية أو إقتصادية-فإن الأمر لا يعود إلاّ إلى سببين عندما نتتبع جذوره:إما الجهل،و إما المهانة.

أي إما أنهم يجهلون و لا يملكون المعرفة الضرورية،أو أنهم يعرفون لكنهم باعوا أنفسهم رخيصة و ابتاعوا المذلة و رضوا بالحقارة و الدناءة!و لهذا فقد ورد عن أمير المؤمنين و الإمام السجاد عليه السّلام:"ليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنّة،فلا تبيعوها إلاّ بها" (1).

فهذا هو ثمن النفس و إلاّ لبخسها الإنسان حقها.

كما أنه لا يجوز للإنسان امتلاك الدنيا بأكملها مقابل الرضى بالانحطاط و الذلة النفسية؛إنّ الذين استسلموا لأرباب المال و القوة في شتى أنحاء العالم و رضوا بهذا الذل-سواء منهم العالم أو السياسي أو المثقف أو أصحاب النشاطات السياسية و الاجتماعية-لم يكن ذلك منهم إلاّ لأنهم لم يعرفوا أنفسهم فباعوها بثمن بخس.

إنّ الكثيرين من السياسيين في العالم قد باعوا أنفسهم.

و إن العزة ليست هي مجرد اعتلاء عرش السلطنة أو الرئاسة؛فكم من أصحاب

ص: 22


1- نهج البلاغه:105/4.

السلطان ينظرون إلى الآخرين بتكبر و خيلاء و يفرضون عليهم منطق القوة، و لكنهم في الوقت نفسه أذلاء و أسرى سلطة و قوة أخرى أو أسرى الأهواء النفسية، حتى إن بعض أسرى السياسة في عالم اليوم لا يصلون إلى تلك الدرجة الثانية،بل إنهم أسرى السلطة و المناصب..!

إنكم لو ألقيتم نظرة اليوم على هذا البلد الواسع لوجدتم أن وجوه الشباب فيه تطفح بالحبور و السعادة بسبب الشعور بالعزة و الاستقلال.و ليس بوسع أحد الإدعاء بأن الأجهزة السياسية في هذا البلد تتلقى أقل الأوامر من أية قوة في العالم.

كما أنّ الدنيا بأجمعها تدري أنّ هذا البلد الذي يتمتع الآن بالعزة و العظمة كانت تسيطر عليه قبل الثورة حكومة فرعونية مستكبرة تدّعي لنفسها القوة و العظمة و الجبروت و ترى أن على الشعب أن يركع أمامها في ذلة و خضوع،مع أن أرباب تلك الحكومة كانوا أسرى للآخرين و أذلاّء أمامهم!

فها هنا في طهران كان بإمكان السفير الأمريكي الالتقاء بالشاه متى شاء و إملاء ما يريد عليه و توجيه الأوامر إليه،فإذا تخلّف عن التنفيذ تغير الوضع معه!لقد كان ظاهرهم ينمّ عن الجلال و الجبروت،و لكنهم كانوا أذلاّء في عيون الشعب و الضعفاء!و إن الإمام الحسين عليه السّلام كان يريد أن يخلّص البشر من هذا الذل.

لقد كان رسول الله صلّى اللّه عليه و اله يأكل أكل العبد و يجلس جلسة العبد لا كمثل النبلاء؛ و مع أنّ الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله كان ينتمي للأشراف و النبلاء إلاّ أنه كان يتعامل مع الناس بتواضع و ينظر إليهم باحترام بعيدا عن الغرور و الخيلاء،غير أن أباطرة ذلك الزمان كانوا يرتعدون من مجرد إشارته أو نظرته في السنوات الأخيرة من حياته،و هذه هي العزة.

ص: 23

الموقف الذي خطّه الحسين عليه السلام في سجلّ التأريخ

فالإمامة هي ذلك الجهاز الذي يضفي العزة الإلهية على الناس و يمنحهم العلم و المعرفة و ينشر الرفق بينهم و المداراة و يحافظ على عظمة الإسلام و المسلمين أمام الأعداء.

و أما السلطة و الحكومات الجائرة فعلى الضد من ذلك.

إنّ الكثيرين من حكام العالم اليوم لا يسمّون بالملوك،لكنهم ملوك في الواقع.

كما أنهم لا يسمّون بالسلاطين،و تراهم يحافظون على المظاهر الديمقراطية، و لكنها هي السلطنة في الحقيقة،أي التعامل مع الشعب بتجبّر،و مع من فوقهم بذلّ و مهانة!حتى إنكم لتجدون رؤساء بعض البلدان القوية و المقتدرة واقعين هم أيضا بذلة و قهر في أيدي أصحاب الشركات و بؤر الشبكات العالمية الخفية و تجمعات المافيا و المراكز الصهيونية و مضطرين للعمل وفقا لإرادتهم و اتخاذ المواقف طبقا لرغبتهم حتى لا يتضايقوا؛فهذه سلطنة.

و عندما تسيطر الذلّة و المهانة على قمة السلطنة فلابد من وجود الذل و الهوان أيضا في الهيكل و القاعدة،و هذا هو ما ثار ضده الإمام الحسين عليه السّلام.

لم يكن خروج الحسين عليه السلام للحرب

إن الحسين بن علي عليه السلام لم يتوجه إلى كربلاء بهدف القتال؛فالذي يذهب إلى ميدان القتال لابد له من الجنود؛و لكن الإمام الحسين بن علي عليه السلام كان قد حمل معه أهل بيته من النساء و الأطفال،مما يعني أن حادثة ستقع في ذلك

ص: 24

المكان و ستدغدغ عواطف البشرية على طول التاريخ حتى تتضح عظمة ما قام به الإمام الحسين عليه السّلام.

لقد كان الإمام الحسين عليه السّلام يدري أن أعداءه حقراء و سفهاء،و كان يرى أنّ الذين جاءوا لقتاله ليسوا سوى شرذمة من أراذل و أوباش الكوفة طمعا في الحصول على عطية تافهة و حقيرة هي التي دفعتهم إلى هذا المسلك و ارتكاب مثل هذه الجريمة العظمى،و كان يعلم بما سيحلّ بنسائه و أبنائه.

فالإمام الحسين عليه السّلام لم يكن غافلا عن كل هذا،و لكنه لم يكن مستعدا للاستسلام و العودة عن قراره،بل كان يحثّ على مواصلة الطريق مما يدل على أهمية هذا الطريق و عظمة هذا العمل (1).9.

ص: 25


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:109.
5-تشخيص الوظيفة العملية و أثره
اشارة

الهدف الخامس في ثورة الإمام عليه السلام هو تشخيص الوظيفة العملية التي كانت في زمانه أو الأزمنة التي تأتي.

هناك نكات كثيرة في قضية ثورة عاشوراء بحيث لو بحثها العالم الإسلامي و المفكرون الإسلاميون من أبعادها المختلفة و دققوا النظر في ظروفها المختلفة و مقدماتها و لواحقها و ما أحاط بهذه الحادثة فسيصبح بالإمكان تحديد سبل الحياة الإسلامية و وظائف الأجيال المسلمة في جميع الأزمنة.

و أحد هذه الدروس هي هذه النكتة المهمة و هي أنّ الحسين بن علي عليه السّلام قد شخّص في وقت حساس جدا من تاريخ الإسلام الوظيفة الرئيسية من بين الوظائف المتنوعة و التي لها مراتب متفاوتة من الأهمية،و أنجزها و لم يخطئ أو يشتبه في معرفة ما كان العالم الإسلامي في ذلك اليوم بحاجة اليه.

لقد كان تشخيص الوظيفة الأصلية دائما أحد نقاط الخلل و الضعف في حياة المسلمين في العصور المختلفة.

الخلل في تشخيص الوظيفة الأصلية يعني أنّ أفراد الأمة و القيادة و الرجال البارزين في العالم الإسلامي يخطئون في تشخيص الوظيفة الأصلية في مقطع من الزمن بمعنى أنهم لا يعلمون ما هي الوظيفة الأصلية و أنه يجب الشروع بها و حتى إذا لزم الأمر يجب التضحية بسائر الأمور في سبيلها و لا يعلمون ما هي الوظيفة الفرعية و التي تأتي في الدرجة الثانية.يجب أن يعطى كل عمل الأهمية التي يستحقها و يسعى في سبيل تحقيقها.

ص: 26

في نفس الوقت الذي تحرك به حضرة أبي عبد الله عليه السّلام كان هناك أشخاص إذا قيل لهم:هل ننتفض أو لا؟فإنّ جوابهم سيكون بالنفي لعلمهم بأن وراء هذا العمل مشاكل و متاعب كثيرة و يذهبون وراء وظائف من الدرجة الثانية كما رأينا أنّ البعض قد قام بهذا العمل فعلا.

لقد كان هناك أشخاص مؤمنون و ملتزمون بين الذين لم ينهضوا مع الإمام الحسين عليه السّلام.

فليس من الصحيح أن يعدّوا جميعا من أهل الدنيا،لقد كان بين رؤساء و رموز المسلمين في ذلك الوقت أشخاصا مؤمنين و أشخاصا يرغبون بالعمل وفقا للتكليف.لكنهم لم يدركوا التكليف الرئيسي،و لم يشخّصوا أوضاع ذلك الزمان.

و لم يعرفوا العدو الرئيسي و كانوا يخلطون بين الوظيفة الرئيسية المحورية و الوظائف التي هي من الدرجة الثانية أو الثالثة.و لقد كان هذا الأمر أحد الإبتلاءات العظيمة للعالم الإسلامي،و يمكن أن نبتلى نحن-اليوم-بذلك أيضا.

من الممكن أن نخطئ في تشخيص ما هو أهم فنعالج أشياءا أقل أهمية.يجب اكتشاف تلك الوظيفة الأساسية و التي يعتمد عليها قوام و حياة المجتمع.

ذات يوم كان يطرح في بلادنا الصراع ضد الاستعمار و الاستبداد و ضد جهاز الطاغوت الكافر،لم يكن البعض يشخصّون الوظيفة الأصلية،و يتمسكون بأعمال أخرى.هؤلاء الأشخاص الذين ربما كان عندهم دروس أو مؤلفات أو كانوا يديرون حوزة علمية تبليغية صغيرة،أو أنهم كانوا يتحملون مسؤولية إرشاد جمع قليل من الناس،هؤلاء كانوا يعتقدون أنهم لو خاضوا في قضية الصراع فإنّ هذه الأعمال ستبقى معطلة!لقد كان هؤلاء يتركون النضال على عظمته و أهميته من أجل أن لا تتوقف تلك الأعمال!و هذا يعني الخطأ في تشخيص الواجب المهم و الأهم.

ص: 27

لقد أوضح الإمام الحسين بن علي عليه السّلام في بيانه للجميع أن أهم وظائف العالم الإسلامي في تلك الظروف هو الصراع مع رأس القوة الطاغوتية و الإقدام على إنقاذ الناس من سلطتها الشيطانية.

من البديهي أنّ الحسين بن علي عليه السّلام عندما يتجه الى العراق لأجل واقعة كواقعة عاشوراء،فإنّه سوف يحرم من البقاء في المدينة و تبليغ الاحكام الإلهية للأمة و بيان معارف أهل البيت عليه السّلام و تعليم و تربية المسلمين،و لن يستطيع أن يعلّم الناس الصلاة و ينقل لهم أحاديث الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله و بالطبع سوف تتعطل حوزته العلمية و نشره للمعارف و سوف يحرم من تقديم العون للأيتام و المساكين و الفقراء في المدينة.

ص: 28

تكليف الإمام الحسين عليه السلام

كل هذه كانت وظائف يقوم بها الإمام عليه السّلام قبل حركته بإتجاه العراق و لكنه جعلها جميعا فداء للوظيفة الأكثر أهمية،و حتى إنه ضحّى بحج بيت الله في سبيل التكليف الأهم،و هذا في وقت شرعت فيه الناس بالوفود الى بيت الله الحرام.فماذا كان ذلك التكليف؟لقد كان-حسبما قال ذلك الإنسان العظيم بنفسه-هو الصراع مع الجهاز الحاكم الذي هو منشأ الفساد.

«أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر و أسير بسيرة جدي"هذا هو التكليف.أو كما قال في خطبة أخرى في طريقه"أيها الناس إن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قال:من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا بعهد الله...فلم يغير عليه بقول و لا فعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله».

التكليف عبارة عن تغيير سلطان الظلم و الجور و القدرة التي تعيث في الأرض فسادا و تجر البشرية بإتجاه الهلاك و الفناء المادي و المعنوي.هذه هي فلسفة نهضة الحسين بن علي عليه السّلام و التي اعتبرت المصداق الحقيقي للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و في باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يجب الإنتباه الى هذه النقاط.

حضرة أبي عبد الله عليه السّلام تحرك على ضوء التكليف الأهم و ضحّى بالتكاليف الأخرى في سبيل التكليف الأهم.كان يشخّص العمل الواجب في وقته.هناك حركة في كل زمان للمجتمع الإسلامي.في كل عصر هناك عدو و جبهة و خصم يهدد الإسلام و المسلمين و يجب أن يعرف ذلك العدو.فلو اشتبهنا في معرفة العدو

ص: 29

و الجهة التي يتعرض منها الإسلام للأذى و الهجوم فسوف نخسر خسارة كبيرة لا يمكن جبرانها.و لو غفلنا عن ذلك فإنّ فرصا كثيرة ستضيع من أيدينا.

الحذر في تشخيص العدو

نحن موظفون بأن نخلق حالة قصوى من الحذر و الانتباه و تحديد الأعداء و معرفة التكاليف لدى شعبنا و العالم الإسلامي.اليوم و نظرا لإقامة الحكومة الإسلامية و ارتفاع راية الإسلام-الأمر الذي لا سابقة له في طول التاريخ الإسلامي بعد الصدر الأول-فإن الإمكانات متوفرة للمسلمين و لا يحق لنا بعد الآن أن نغفل عن معرفة العدو و نخطئ في تشخيص الجهة التي يهجم منها.

لقد كان جلّ سعي إمامنا العزيز(ره)و الأشخاص الذين كانوا يرافقونه في نهضته-على إختلاف مراتبهم و على حسب إمكانياتهم و مستوياتهم-هو أن يعلّم العالم الإسلامي و مجتمع إيران الإسلام و قاعدة الحق و العدالة ما هو الخطر الأكبر الذي يحدق بهم و ما هو العدو الأكثر تهديدا لهم.

و اليوم كسائر ما مضى فإنّ الهجمة العظمى و الخطر الجارف ينشأ من الهيمنة العالمية و القوى الكافرة و المستكبرة.هذا أكبر الأخطار التي تهدد وجود المسلمين.صحيح أنّ الضعف يمكن أن يفرضه العدو بإمكاناته الضخمة على ذلك المجتمع.

لا ينبغي لنا أن نشتبه،يجب أن تكون مسيرة المجتمع الإسلامي في الإتجاه المخالف للإستكبار و الهيمنة العالمية و التي تسود هذه الأيام على العالم الإسلامي.

القوى العظمى تعادي الإسلام و يقظة المسلمين،إنهم يحاربون إيران الإسلام بسبب إسلاميتها،إن كل سعيهم لإخماد الحركة الإسلامية في العالم،و بالطبع فإنّ

ص: 30

أميركا هذه الدولة المتجبرة و المعتدية تقف في رأس قائمة أعدائنا و يتلوها سائر القوى الصغيرة و الكبيرة التي لها خصومة تاريخية و تضاد مصلحي مع الإسلام أو أنهم يخشون منه.

إنّ خصومتهم مع إيران الإسلامية ناشئة عن انطلاق الصحوة الإسلامية من هذا المكان،فجميع الشعوب الإسلامية و في كل أرجاء الدنيا تستمد اليوم آمالها من هذه الحركة و الثورة المنتصرة و ترسّخ خطواتها و تتقدم.فلو استطاع الأعداء- و العياذ بالله-أن يهزموا الإسلام في هذه النقطة من العالم فإنهم سيحققون أكبر نصر لهم مقابل موجة الصحوة الإسلامية العالمية.

هذه حقيقة ملموسة اليوم لا ينبغي أن نخطئ في تشخيص عدونا و لا ينبغي توهم أنّ العدو قد صرف نظرا عن عدائه للإسلام و المسلمين.

انظروا اليوم الى ما فعله الأعداء مع مسلمي أوروبا و الدول الإسلامية الصغيرة في قلب أوروبا أعني"البوسنة و الهرسك".فهنالك الآلاف من المدنيين يتعرضون للقتل و الإغارة في أقسى الظروف و المصائب و في عقر دارهم.

و لو لم نقل أنّ الدول الكبرى تشجع المعتدين الصرب و تقدم لهم المعونة فعلى الأقل إنها جلست مكتوفة الأيدي حتى يتسنى لهم الإبادة التامة للمسلمين في تلك المنطقة و القضاء عليهم بما يمتلكه الصرب من الأسلحة المتنوعة و الجيش النظامي و الدعم الواسع.

هدفهم هو عدم إبقاء هذا المجتمع المسلم على شكل دولة إسلامية في قلب أوروبا.

ص: 31

تكليف المسلمين

هذه أحد مظاهر العداء للإسلام و أجلى مظهر لها هو الضغط المتواصل على الجمهورية الإسلامية،و كما ورد في القرآن الكريم وَ لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لاَ النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ (1).

حقا إنّ هذا البيان لمن معجزات القرآن،فإن الأعداء لن يرضوا عن المسلمين إلا إذا تخلّوا عن الإسلام.

و المقصود من التخلّي عن الإسلام هو انعدام الروح الإسلامية و الأحكام الإسلامية و القوة الحياتية للإسلام بين المسلمين.فلو كان المسلمون أمواتا و غير عارفين بالمباني العالية للإسلام-و إن كانوا يطبّقون بعض ظواهره فقط-فإن الأعداء لا يأبهون بنا كثيرا و لا يعادوننا.و لكن ذلك ليس هو الإسلام،ليس ذلك الإسلام الذي جاء به النبي صلّى اللّه عليه و اله كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ (2).

أما أن تجلس فئة من الناس يتفرجون فقط على حوادث العالم بل يتفرجون حتى على القضايا الداخلية في مجتمعهم فلا يتطابق هذا مع الإسلام.

إنّ المسلمين اليقظين و ذوي الإطلاع و الذين يستعملون قواهم لأجل بناء العالم بشكل صحيح و لا يرهبون شيئا في هذا المجال هؤلاء يبغضهم الإستكبار العالمي، و قد لمسنا هذا البغض خلال السنوات الأخيرة و بأشكال مختلفة،و نشاهد اليوم

ص: 32


1- سورة البقرة:120.
2- سورة آل عمران:110.

أيضا أشد هذه الأعمال الحاقدة في مختلف المجالات الثقافية و الإقتصادية و السياسة و الإعلامية.

اليوم لا يوجد هجوم عسكري علينا،لقد تكاتف الأعداء أمامنا طوال ثماني سنوات من الحرب المفروضة و بصورة علنية.في الظاهر كان العراق فقط و لكن أمريكا و الناتو و سائر الدول الرجعية،كلها كانت خلف العراق.هذه الحقيقة التي ذكرناها مرارا و تكرارا و طوال ثماني سنوات و لكن كان الكثيرون غير مستعدين لأن يصدقوا كلامنا،و لكن نفس الجهات التي كانت تجهز العراق تعترف اليوم بهذا الأمر.

في ذلك الوقت كانت الحرب العسكرية و في الحقيقة كان كل عالم الإستكبار و الكفر يحارب الإسلام و الجمهورية الإسلامية.و اليوم توجد هجمات شديدة أخرى لا سابقة لها،و يجب أن تكون الأمة الإسلامية في مقابل هذه الهجمات حية يقظة،محصنة،واثقة بالنفس و مستعدة لتوجيه ضربتها القاصمة و مقاومة الهجمة الشاملة.

ص: 33

6-الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
اشارة

الهدف السادس في ثورة الإمام عليه السلام هو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الذي أعلنه الإمام بقوله:«إنّي لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و لا ظالما،إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي،آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر».

إنّ حياة المجتمع منوطة بوجود الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،و إن قوام المجتمع الإسلامي بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.فإما أن ينجز هذا العمل «أو ليسلّطن الله عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم» (1)قوام الحكومة الإسلامية و بقاء حاكمية الأخيار مرهونان بمسألة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و ليس الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو التلفظ بكلمتين أو أكثر لأجل إسقاط التكليف في مقابل المنكرات التي لا يعلم كونها أخطر المنكرات.

عندما يكلف جميع أفراد الأمة بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،فما معنى ذلك؟متى يمكن أن يكون كل أفراد المجتمع آمرين بالمعروف و ناهين عن المنكر؟ الجواب هو عندما يحضر الجميع في خضم قضايا البلاد حضورا حقيقيا جادا، يجب أن يهتم الجميع بمسائل المجتمع و يعتنوا بها.يجب أن يصبح الجميع خبراء في هذا المجال.

يجب أن يكون الجميع على اطلاع بالمعروف و المنكر.و هذا بمعنى رقابة

ص: 34


1- ميزان الحكمة:1945/3،و كنز العمال:557/13 ح 37445.

و حضور و تعاون الجميع.و بمعنى الإطلاع الكافي لدى الجميع.هذا هو معنى الأمر بالمعروف،و إلا فلو أمرنا بالمعروف في دائرة ضيقة و حصرناها ضمن أفراد مشخصين،و العدو ينفث سمومه و يقول أن إيران قد قررت التعامل بهذه الوسيلة مع من لا يرتدين الحجاب الكامل،فهذا ليس صحيحا.

هل أنّ معنى الأمر بالمعروف هو أن يطبق هذا الواجب العظيم و الذي يتقوم به كل شيء في دائرة ضيقة في شوارع طهران و بالنسبة لبعض الناس ممن لا يراعون الزي الإسلامي؟هل هذا هو معنى حضور القوى المؤمنة في ميادين المجتمع المختلفة؟كلا،القضية أبعد من هذه الكلمات،فإن المخالفات ليست بمستوى واحد.المخالفات ليست فقط هي المخالفات الفردية.أخطر المخالفات و الجرائم تلك التي تضعف أساس النظام القائم.

فبث اليأس في نفوس الناس و القلوب المتفائلة،و الإيحاء بإنحراف الصراط المستقيم و إضلال المؤمنين و المخلصين،و سوء الإستفادة من الأوضاع و الأحوال المتنوعة في المجتمع الإسلامي،و إعانة العدو،و معارضة ترسيخ الأحكام الإسلامية و مقررات الإسلام،و السعي لجر الشباب المؤمن للفساد،هذه كلها منكرات مهمة و خطيرة.

اليوم تسعى أياد خفية لترويج الفساد بين الشباب بطرق جماعية و بتوجيه من الأعداء-لا بالشكل الذي ترونه في الشارع و تشاهدونه-يجرون أولادنا للفساد و اللامبالاة.

هذه منكرات،المنكرات أخلاقية و سياسية و إقتصادية كذلك.و كل مكان أيضا قابل للنهي عن المنكر فيه.يستطيع الطالب أن ينهي عن المنكر في بيئته العلمية الدراسية،الموظف الشريف يتمكن من النهي عن المنكر في المحيط الذي حوله، و الكاسب المؤمن قادر على النهي عن المنكر في محيط عمله،و الفنان أيضا ينهي

ص: 35

عن المنكر بوسائله الفنية،و الروحانيون من أهم عوامل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و في مختلف الأجواء،لا يجوز حصر هذا الواجب العظيم في دوائر ضيقة.هذا العمل،وظيفة الجميع،و لا يختص بفئة مثل القوات المسلحة أو السلطات المحلية،إنه عمل الجميع..يجب أن تنهوا عن المنكر،و تقفوا في مقابل أي منكر،هذا العمل وظيفة الأمة،نعم على علماء الدين أن يوجهوا الناس،و يشرحوا لهم كيفية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و مواردهما.

يجب أن نحدد موارد الخطر جميعا،المواضع التي منها يهدد الخطر مجتمعنا الإسلامي،يجب أن نحددها بدقة،ينبغي أن نحلل لأنفسنا و للناس كل العبر التي استقيناها من الصدر الاول للاسلام،و أهم وظيفة في طريق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هي ضرورة تواجد القوات المؤمنة الآمرة بالمعروف و الناهية عن المنكر و كل من لهم دوافع مماثلة في ميدان النظام الإسلامي و في كل الميادين الأخرى.

الإنتماء الى حزب الله يعني الإستعداد لأداء التكليف الإلهي،و هذه أحد القيم الثورية في النظام الإسلامي،كل من يملك روحية(حزب الله)مفضّل على من لا يملك هذه الروحية.

في نظام الجمهورية الإسلامية،المدير و الاستاذ و المسؤول و الآمر و الفنان و الكاتب المنتمي الى حزب الله مفضّل على الآخرين.لا ينبغي أن يتوهم أنّ المنتمي الى(حزب الله)،شاب متهور مشاغب لا حصيلة ثقافية لديه،كلا ليس الأمر كذلك.

فبين الكوادر المتخصصة و المتفوقين و المدراء و العلماء و الأساتذة يوجد الكثير من أعضاء حزب الله.لا ينبغي أن نرسم صورة خاطئة في أذهاننا عن حزب الله، يجب أن يتميز حضور العناصر المختلفة من حزب الله في الميادين المختلفة، و يجب على الأجهزة التنفيذية بما فيها القضائية و الحكومية أن تعمل بأسلوب علمي على ترسيخ هذه القيم لدى المسؤولين و العناصر التنفيذية فيها.

ص: 36

كيف يتمّ الأمر بالمعروف

مسألة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مثل مسألة الصلاة،يجب أن يتم تعلّمها؛و يجب أن تذهبوا و تتعلموا مسائلها.توجد مسائل تحدّد كيفية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في كلّ مورد من الموارد.بالطبع أنا أؤكّد كالسابق أن تكليف عامّة الناس في إطار المجتمع الاسلامي هو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بواسطة اللسان،و أما إذا آل الأمر الى المواجهات فيوكل الأمر حينئذ الى المسؤولين الذين يجب عليهم التدخل و انجاز ذلك العمل.

و لا شكّ في أنّ الدور الأهمّ للإنسان الذي يصلح المجتمع هو النهي عن المنكر باللسان.إذا نهى الناس شخصا مسيئا مذنبا يريد أن يجعل من الذنب شيئا مرضيا به في المجتمع إذا نهاه عشرة أو مائة أو ألف شخص و بشكل عام إذا انهال عليه الرأي العام للمجتمع فإنّ هذا أمرّ شيء عليه.

لو لم تكن هذه القوات المؤمنة من التعبئة و(حزب الله)أيّ عامّة الناس المؤمنين،تلك الغالبية العظمى في بلادنا العزيزة التي أدارت الحرب و التي صمدت بوجه كلّ الأحداث منذ بداية الثورة الى الآن.و لو لم تكن التعبئة و لا قوات حزب الله العظيمة لكنّا خسرنا الحرب و المواجهة مع الأعداء المتنوعين خلال السنوات الماضية و لكنّا تضرّرنا كثيرا.

عندما كانوا يريدون تعطيل المصانع كانت تتصدى لهم قوات(حزب الله)من داخل المصانع.عندما كانوا يريدون إحراق مزارعنا تنبري لهم(قوات حزب الله)من البراري و القرى و المزارع فتصفعهم على وجوههم.

ص: 37

و عندما كانوا يريدون خلق الفتن و الإضطرابات في الشوارع(حزب الله)هو الذي كان يحول دون غاياتهم،و أما في الحرب فأمرهم معلوم.

هذه هي القوة الرئيسية في البلاد و النظام الاسلامي يعتمد عليها.إذا كان الشعب أعلن هذه القوى المؤمنة مع النظام و الدولة-و الحمد لله هم كذلك-فإنّ أيّ عدوّ لن يستطيع أن يحقّق شيئا.

إذا كانت هذه القوة العظيمة الفولاذية الشعبية خلف المسؤولين و الى جوارهم- و الحمد لله هم كذلك-فإنّ أية قدرة لن تستطيع أن تواجه الجمهورية الاسلامية، فأعداؤنا يخافون من هذه القوة.

اقتدار النظام الاسلامي مستمدّ من اقتدار قوات(حزب الله) (1).3.

ص: 38


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:123.
7-التصدي للطواغيت
اشارة

من الأهداف المهمة لثورة الإمام الحسين عليه السّلام هو التصدي للطواغيت:

لقد أظهر الإنسان و على مرّ التاريخ أفدح أخطائه و خطاياه و تجرده عن التقوى في مجال الحكم،و إن الخطايا التي صدرت عن الحكام و من بيدهم زمام الأمور و المتسلطين على مصائر البشر مما لا يمكن مقارنته بأعظم الذنوب الصادرة عن البسطاء و العامة من الناس،و قلّما تحلّى الإنسان بالتعقل و الأخلاق و الحكمة في هذا المضمار،و قلّما عمّ المنطق فيه قياسا إلى سائر ميادين الحياة البشرية،و كان عموم الناس-تارة من أبناء مجتمع واحد و أخرى من مجتمعات متعددة-هم الذين دفعوا ضريبة هذا التجرد عن التعقل و المنطق و هذا الفساد و الانغماس في الخطيئة.

و لقد تبلورت هذه الحكومات بادئ الأمر بصورة استبداد فردي ثم انتقلت إلى الإستبداد الجماعي المنظّم بفعل التطور الحاصل في المجتمعات البشرية.لهذا فإن أبرز مهام أنبياء الله كان التصدي للطواغيت و لمن فرّطوا بالنعم الإلهية؛ إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ (1)؛بهذه التعابير المثيرة تتحدث هذه الآية القرآنية عن هذه الحكومات الفاسدة التي سعت إلى أن يستشري الفساد.

و قال تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ*

ص: 39


1- سورة البقرة:205.

جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ (1) ؛فهؤلاء بدّلوا النعم الإلهية و الإنسانية و الطبيعية كفرا و أحرقوا البشر-الذين كان يفترض بهم التنعم بهذه النعم-في نارهم التي أعدّوها بكفرهم.

و الأنبياء عليهم السّلام إنّما وقفوا بوجه هؤلاء؛و لو لا التصدي الحازم من قبل الأنبياء عليهم السّلام لطواغيت العالم و عتاة التاريخ لما كانت هنالك حاجة إلى الحروب و النزاعات.يصرح القرآن الكريم وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ (2)،فضد من كانت هذه الحروب؟

إنّ العدو الذي استهدفه الأنبياء عليهم السّلام في حربهم هو الحكومات الفاسدة و القوى المخرّبة و طغاة التاريخ الذين جرّعوا البشرية الشقاء و أهلكوها؛فالأنبياء هم منجّو الإنسانية؛لذا فقد ذكر في القرآن الكريم إقامة العدل على أنها أحد أسمى أهداف النبوات و الرسالات لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ (3)؛فإنزال الكتب و إرسال الرسل إنّما كان بالأساس لكي يسود العدل و القسط البشرية،أي تزال مظاهر الظلم و الغطرسة و الفساد من الوجود.

و هكذا كانت حركة الإمام الحسين عليه السّلام؛فلقد قال عليه السّلام:«إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي» (4).

و قال كذلك:«من رأى سلطانا جائرا مستحلاّ لحرام الله تاركا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم و العدوان،ثم لم يغيّر عليه بقول و لا فعل،1.

ص: 40


1- سورة إبراهيم:28-29.
2- سورة آل عمران:146.
3- سورة الحديد:25.
4- شرح إحقاق الحق:602/11.

كان حقا على الله أن يدخله مدخله» (1).

أي من رأى بؤرة فساد و ظلم و تنحّى عنها غير مكترث اصطفّ معها في المصير-و هو الذي صرّح بأنه لم يخرج ظالما و لا أشرا-و لقد كانت دعوة أهل العراق للإمام الحسين عليه السلام من أجل هذا،بحيث يتوجه إلى هناك و يقيم الحكم،فاستجاب الإمام عليه السّلام لدعوتهم هذه.

و لم يكن الأمر بحيث إن الإمام الحسين عليه السّلام كان تاركا التفكير بالحكم،بل كان عليه السلام يصبو للقضاء على الحكومات الطاغوتية،سواء باستلام الحكم أو الإستشهاد و التضحية بالدماء.

لقد كان الإمام الحسين عليه السلام على علم بما سيجرّه إقراره و سكوته من ويلات على الإسلام؛فإذا ما استحوذت قوة على مقدرات الشعوب أو واحد من هذه الشعوب و اختطّت لها طريق الطغيان و مضت فيه،فإن لم يعبّر رجال الحق و دعاته عن وجودهم و الإعلان عن خطأ حركتها فإنهم يكونون بعملهم هذا قد اعترفوا بفعلها-بما يعنيه ذلك من اعتراف أهل الحق بالظلم-دون إرادة منهم؛و هذه هي الخطيئة التي ارتكبها يومذاك الأكابر من سادة بني هاشم و أبناء القادة الكبار في صدر الإسلام،غير أن الإمام الحسين عليه السّلام،لم يتحمل ذلك فثار.1.

ص: 41


1- شرح إحقاق الحق:603/11.
أثر عدم تصدي الحسين عليه السلام للطواغيت

و لقد روي أن الإمام السجاد عليه السلام و بعد عودته إلى المدينة عقب واقعة عاشوراء-و ربما بعد مضي عشرة أو أحد عشر شهرا من مغادرة قافلة أبيه المدينة و عودتها إليها-جاءه رجل و قال له:يا بن رسول الله،أرأيت ما صنع بكم بخروجكم هذا؟!

و حقا قال؛فالقافلة حين خروجها كان على رأسها و يتوسطها الحسين بن علي عليه السّلام شمس أهل البيت الزاهرة و ابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و حبيبه،و خرجت بنت أمير المؤمنين عليها السّلام معززة مكرّمة؛و خرج في القافلة أيضا أبناء أمير المؤمنين- العباس و إخوته-و أبناء الإمام الحسن عليه السّلام و خيرة شباب بني هاشم و صفوتهم.

ثم عادت هذه القافلة و معها رجل واحد فقط و هو الإمام السجاد عليه السلام، و تجرّعت النسوة الأسر و رأين المصائب و الأحزان؛فلا الإمام الحسين عليه السّلام و لا علي الأكبر و لا حتى الطفل الرضيع مع تلك القافلة..

فأجابه الإمام السجاد عليه السّلام(بما مفاده)تأمّل بما سيحصل لو لم نخرج.

أجل،إن لم يخرج هؤلاء ستبقى أجسامهم،و لكن تفنى الحقيقة و تنصهر الروح و تسحق الضمائر و يدان العقل و المنطق على مر التاريخ،بل و لا يبقى ذكر للإسلام أيضا (1).

ص: 42


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:128.
8-رؤية جديدة لثورة الحسين عليه السلام
اشارة

عن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال:«حسين منّي و أنا من حسين» (1).و عنه صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال:

«إنّ الحسين مصباح الهدى و سفينة النجاة» (2).

لقد قيل الكثير عن نهضة هذا العظيم،لكنّ الإنسان كلّما فكّر و تدبّر في هذا الموضوع،كلّما اتّسع مجال التفكير و البحث و التحقيق و المطالعة عنده،فقد بقي الكثير ممّا لم يقال عن هذه الحادثة العظيمة و العجيبة الّتي لا نظير لها.فعلينا أن نتدبّر و نتفكّر فيه ثمّ نقوله للآخرين.

لو نظرنا الحادثة منذ أن خرج أبو عبد الله عليه السّلام من المدينة و توجّه نحو مكّة إلى أنّ استشهد في كربلاء،لأمكننا أن نقول إنّ الإنسان يستطيع عدّ مائة درس مهمّ في هذا التحرّك الّذي استمرّ أشهرا معدودة فقط.

و لا أودّ القول آلاف الدروس و إن أمكن قول ذلك حيث تعتبر كلّ إشارة من ذلك الإمام العظيم درساّ،لكن عندما نقول مائة درس أي لو أردنا أن ندقّق في هذه الأعمال لأمكننا استقصاء مائة عنوان و فصل،و كلّ فصل يعتبر درسا لأمة و تاريخ و بلد و لتربية النفس و إدارة المجتمع و للتقرّب إلى الله تعالى.

هكذا هو الحسين بن علي(أرواحنا فداه و فداء اسمه و ذكره)كالشمس الساطعة بين القديسين،أي إن كان الأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام و الشهداء و الصالحين كالأقمار

ص: 43


1- كشف الغمّة:305.
2- مدينة المعاجز:52/4،ح 1080.

و الأنجم،فالحسين عليه السّلام كالشمس الطالعة بينهم،كلّ ذلك لأجل هذه الامور.

و إلى جانب المائة درس هذه،هناك درس رئيسي في هذا التحرّك،سأسعى لتوضيحه لكم و هو لماذا ثار الحسين عليه السّلام؟لماذا ثرت يا حسين رغم كونك شخصيّة لها احترامها في المدينة و مكّة،و لك شيعتك في اليمن،إذهب إلى مكان لا عليك بيزيد و لا ليزيد عليك شيء،تعيش و تعبد الله و تبلّغ؟

هذا هو السؤال و الدرس الرئيسي،و لا نقول إنّ أحدا لم يشر إلى هذا الأمر من قبل،فقد حقّقوا و تحدّثوا كثيرا في هذه القضيّة،و ما نودّ قوله-و في رأيي-هو استنتاج جامع و رؤية جديدة للقضيّة.

ليس الهدف هو إسقاط حكومة يزيد

إنّ البعض يقول:إنّ هدف ثورة أبي عبد الله الحسين عليه السّلام هو إسقاط حكومة يزيد الفاسدة و إقامة حكومة بدلها.

هذا القول شبه صحيح و ليس خطأ،لأنّه لو كان القصد من هذا الكلام هو أنّ الحسين عليه السّلام ثار لأجل إقامة حكومة و عندما يرى عدم إمكانيّة ذلك،يقول لم نتمكّن من ذلك،فلنرجع.

إنّ من يثور لأجل إقامة حكومة،سيستمرّ مادام يرى إمكانية ذلك،فإن احتمل عدم الإمكان أو عدم وجود احتمال عقلائي،فوظيفته أن يرجع.فالّذي يقول إنّ هدف الإمام عليه السّلام من هذه الثورة هو إقامة الحكومة العلويّة الحقّة،فهذا غير صحيح؛ لأنّ مجموع هذا التحرّك لا يدلّ على ذلك.و سابين ذلك لا حقا.

ليس الهدف هو الشهادة

و البعض على العكس من ذلك،قالوا:ما الحكومة؟إنّ الحسين كان يعلم بعدم

ص: 44

تمكّنه من إقامة الحكومة،إنّه جاء لأجل أن يقتل و يستشهد.لقد شاع هذا الكلام على الألسن كثيرا فترة من الزمن،و كان البعض يصنع ذلك بتعابير جميلة،ثمّ رأيت أنّ بعض كبار العلماء قد قالوا ذلك أيضا،فهذا لا يعتبر كلاما جديدا و هو أنّ الإمام عليه السّلام ثار لأجل أن يستشهد،لأنّه رأى أنّه لا يمكنه عمل شيء بالبقاء،فقال يجب أن أعمل شيئا بالشهادة.

هذا الرأي أيضا لا يوجد في المصادر الشرعيّة الإسلاميّة ما يؤّيد حجّة إلقاء الإنسان نفسه للقتل.إنّ الشهادة الّتي نعرفها في الشرع المقدّس و الآيات و الروايات معناها أن يتحرّك الإنسان و يستقبل الموت لأجل هدف مقدّس واجب أو راجح،هذه هي الشهادة الإسلاميّة الصحيحة.أمّا أن يتحرّك الإنسان لأجل أن يقتل فلا،إذن هذا الأمر و إن كان فيه جانبا من الحقيقة لكن لم يكن هدف الحسين عليه السّلام.

إقامة الحكومة و الشهادة نتيجة و ليست هدفا

إذن-باختصار-لا يمكننا القول:إنّ الحسين عليه السّلام ثار لأجل إقامة الحكومة،و لا أن نقول:إنّه ثار لأجل أن يستشهد.و إنّني أتصوّر أنّ القائلين بأنّ الهدف هو الحكومة أو الهدف هو الشهادة قد خلطوا بين الهدف و النتيجة.فالهدف لم يكن ذلك، بل كان للإمام الحسين عليه السّلام هدف آخر،كان الوصول إليه يتطلّب طريقا و حركة تنتهي بإحدى النتيجتين:الحكومة أو الشهادة،و كان الإمام مستعدّا لكلتا النتيجتين،فقد أعدّ مقدّمات الحكم و كذا مقدّمات الشهادة،فإذا تحقّق أيّ منهما،كان صحيحا،لكن لم يكن أيّ منهما هدفا،بل كانا نتيجتين.

الهدف الحقيقي:أداء تكليف من نوع خاص

إذن ما هو الهدف؟أقوله باختصار ثم أبدا بتوضيحه.

ص: 45

لو أردنا بيان هدف الإمام الحسين عليه السّلام،فينبغي أن نقول:إنّ هدف ذلك العظيم كان أداء واجب عظيم من واجبات الدين لم يؤّده أحد قبله،لا النبي صلّى اللّه عليه و اله و لا أمير المؤمنين عليه السّلام و لا الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام،واجب يحتلّ مكانا مهمّا في البناء العام للنظام الفكري و القيمي و العملي للإسلام.

و رغم أنّ هذا الواجب مهمّ و أساسي،لكنّه لماذا لم يقم بهذا الواجب حتّى عهد الإمام الحسين عليه السّلام؟كان ينبغي على الإمام الحسين عليه السّلام القيام بهذا الواجب ليكون درسا على مرّ التاريخ،مثلما أنّ تأسيس النبي صلّى اللّه عليه و اله للحكومة الإسلاميّة أصبح درسا على مرّ تاريخ الإسلام،و مثلما أصبح جهاد النبي صلّى اللّه عليه و اله-بنفسه-في سبيل الله درسا على مرّ تاريخ المسلمين و تاريخ البشريّة إلى الأبد.فكان ينبغي أن يؤدّي الإمام الحسين عليه السّلام هذا الواجب ليصبح درسا عمليّا للمسلمين على مرّ التاريخ.

و لماذا قام الإمام الحسين عليه السّلام بهذا الواجب؟لأنّ أرضية هذا العمل قد مهّدت في زمن الإمام الحسين عليه السّلام،فلو لم تمهّد هذه الأرضيّة في زمن الإمام الحسين عليه السّلام، كأن مهّدت-و على سبيل المثال-في زمن الإمام علي الهادي عليه السّلام لقام الإمام علي الهادي عليه السّلام بهذا الواجب،لصار هو ذبيح الإسلام العظيم،و لو اتّفق ذلك في زمن الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام لقام به،أو اتّفق في عصر الإمام الصادق عليه السّلام لقام به الإمام الصادق عليه السّلام،لكنّ لم يتّفق ذلك في زمن الأئمّة حتّى عصر الغيبة إلاّ في عصر الإمام الحسين عليه السّلام.

إذن كان الهدف أداء هذا الواجب،فعندها تكون نتيجة أداء الواجب أحد الأمرين إمّا الوصول إلى الحكم و السلطة و كان الإمام الحسين عليه السّلام مستعدّا لذلك؛ليعود المجتمع كما كان عليه في عصر رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أمير المؤمنين عليه السّلام،أو يصل إلى الشهادة و كان الإمام الحسين مستعدّا لها أيضا.

ص: 46

فإنّ الله قد خلق الحسين و الأئمة عليهم السّلام بحيث يتحمّلون مثل هذه الشهادة لمثل لهذا الأمر،و قد تحمّل الإمام الحسين عليه السّلام ذلك.

هذا خلاصة الأمر.

ص: 47

شرح أبعاد هدف الثورة الحسينية

اشارة

و أمّا توضيح هذا الأمر:

إنّ النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و اله-و كذا أيّ نبيّ-عندما بعث،أتى بمجموعة من الأحكام، بعضها فرديّة لإصلاح الفرد،و بعضها اجتماعية لبناء المجتمعات البشريّة و إدارة حياتها.

هذه المجموعة من الأحكام يقال لها النظام الإسلامي.فعندما نزل الإسلام على القلب المقدّس للنبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و اله،فجاء بالصلاة و الصوم و الزكاة و الإنفاقات و الحجّ و الأحكام الاسريّة و العلاقات الفرديّة،ثمّ جاء بالجهاد في سبيل الله و إقامة الحكومة و النظام الاقتصادي و علاقات الحاكم بالرعيّة و وظائف الرعية تجاه الحاكم.هذه المجموعة من الأحكام عرضها الإسلام على البشر،و بيّنها النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله:«ما من شيء يقرّبكم إلى الجنّة و يبعدكم من النار إلاّ و قد أمرتكم به» (1).

و لم يبيّن النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و اله كلّ ما يسعد الإنسان و المجتمع الإنساني فحسب، بل طبّقها و عمل بها،فقد أقام الحكومة الإسلاميّة و المجتمع الإسلامي،و طبّق الاقتصاد الإسلامي،و أقيم الجهاد و استحصلت الزكاة،فشيّد نظاما إسلاميّا و أصبح النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و خليفته من بعده معمارا و قائدا لهذا النظام.كان الطريق واضحا و بيّنا،فوجب على الفرد و على المجتمع الإسلامي أن يسير في هذا الطريق و على هذا النهج،فإن كان كذلك بلغ الناس الكمال،أصبحوا صالحين

ص: 48


1- المحاسن للبرقي:278/1،ح 399.

كالملائكة عليهم السّلام،و ذهب الظلم و الشرّ و الفساد و الفرقة و الفقر و الجهل بين الناس، و وصل الناس إلى السعادة الكاملة ليصبحوا عباد الله الكمّل.

حسنا،يبقى-هنا-سؤال و هو:لو صرفت يد أو حادث القطار الّذي سيّره النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله عن مسيره،فما هو التكليف؟؟لو انحرف المجتمع الإسلامي و بلغ الانحراف درجة بحيث خيف انحراف أصل الإسلام و المبادئ الإسلاميّة-لأنّ الانحراف على قسمين،فتارة ينحرف الناس،و هذا ما يقع كثيرا،لكن تبقى أحكام الإسلام سليمة،و تارة ينحرف الناس و يفسد الحكّام و العلماء و مبلّغو الدّين، فيحرّفوا القرآن و الحقائق،و تبدّل الحسنات سيّئات و السيّئات حسنات.و يصبح المعروف منكرا و المنكر معروفا،و يحرّف الإسلام 180 درجة-فلو أبتلي النظام و المجتمع الإسلامي بمثل هذا الأمر،فما هو التكليف حينئذ؟

لقد بيّن النبي صلّى اللّه عليه و اله و حدّد القرآن التكليف يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (1)إضافة إلى آيات و روايات كثيرة أخرى لكن هل تمكّن النبي صلّى اللّه عليه و اله من العمل بهذا الحكم الإلهي؟كلاّ،لأنّ هذا الحكم الإسلامي يطبّق في عصر ينحرف فيه المجتمع الإسلامي و يبلغ حدّا يخاف فيه من ضياع أصل الإسلام،و المجتمع الإسلامي لم ينحرف في عهد رسول الله صلّى اللّه عليه و اله،و لم ينحرف في عهد أمير المؤمنين بتلك الصورة،و كذا في عهد الإمام الحسن عليه السّلام عند ما كان معاوية على رأس السلطة،و إن ظهرت الكثير من علائم ذلك الانحراف،لكنّه لم يبلغ الحدّ الّذي يخاف فيه على أصل الإسلام.نعم،يمكن أن يقال إنّه بلغ في برهة من الزمن الحدّ،لكن في4.

ص: 49


1- سورة المائدة:54.

تلك الفترة لم تتح الفرصة و لم يكن الوقت مناسبا للقيام بهذا الأمر.

إنّ هذا الحكم الّذي يعتبر من الأحكام الإسلاميّة لا يقلّ أهمّية عن الحكومة ذاتها، لأنّ الحكومة تعني إدارة المجتمع،فلو انحرف المجتمع و فسد،و تعطّل الحكم الإلهي،و لم يوجد عندنا حكم وجوب تغيير الوضع و تجديد الحياة أو بتعبير اليوم (الثورة)،فما الفائدة من الحكومة في الإسلام.

فالحكم الّذي يرتبط بإرجاع المجتمع المنحرف إلى الخطّ الصحيح لا يقلّ أهميّة عن الحكومة ذاتها،و يمكن أن يقال إنّه أكثر أهمّية من جهاد الكفّار و من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الطبيعيين في المجتمع الإسلامي،بل و حتّى من العبادات الإلهيّة العظيمة كالحج.لماذا؟لأنّ هذا الحكم-في الحقيقة-يضمن إحياء الإسلام بعد أن أشرف على الموت أو مات و انتهى.

حسنا،من الّذي يجب عليه أداء هذا الحكم و هذا التكليف؟إنّه خليفة النبي الذي يقع في عصره هذا الانحراف بشرط أن يكون الوقت مناسبا للقيام بذلك،لأنّ الله لا يكلّف بشيء لا فائدة فيه.طبعا ليس معنى(أن يكون الوقت مناسبا)هو عدم وجود الخطر،كلاّ،ليس هذا هو المقصود.يجب أن يكون الوقت مناسبا،يعني أنّ الإنسان يعلم أنّ هذا العمل الّذي يقوم به تترتّب عليه نتيجة يعني إبلاغ النداء إلى الناس و إفهامهم و عدم بقائهم على خطأهم.و ربّما أنّ الإسلام قد انحرف في عصر الإمام الحسين عليه السّلام و كان الوقت مناسبا،لذا وجب على الحسين عليه السّلام أن يثور.

ص: 50

التكليف لا تسقطه المخاطر

فالشخص الّذي توّلى السلطة بعد معاوية لم يراع حتّى جوهر الإسلام،و كان منغمسا في الخمر و المجون و التهكّم بالقرآن و ترويج الشعر الإباحي المرفوض من قبل الإسلام،فكان يخالف الإسلام علنا،و كان بعمله هذا كنبع الماء العفن الّذي يفسد ما حوله.هكذا يكون الحاكم الفاسد،فبما أنّه يتربّع على قمّة المرتفع،فما يصدر منه لا يبقى في مكانه،بل ينتشر ليملأ ما حوله،خلافا للناس العاديين حيث يبقى فسادهم لأنفسهم أو للبعض ممّن حولهم،طبعا كلّ من شغل مقاما و منصبا أرفع في المجتمع الإسلامي كان ضرر فساده أكبر.لكن لو فسد من يقع على رأس السلطة لانتشر فساده و شمل كلّ الأرض،كما أنّه لو كان صالحا،لا متدّ الصلاح إلى كلّ مكان.

فشخص كهذا أصبح خليفة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله،فهل هناك انحراف أكبر من هذا؟ إذن الأرضيّة ممهّدة؟و ما معنى أنّ الأرضيّة ممهّدة؟هل معناه عدم وجود الخطر؟كلاّ،فالخطر موجود.

فلا معنى أن يبقى من هو على رأس السلطة ساكتا أمام معارضيه و لا يخلق لهم المخاطر،بل من البديهي أن يوجّه لهم الضربات،فعندما نقول الوقت المناسب، فمعناه أنّ الظروف في المجتمع الإسلامي مؤاتية لأن يبلّغ الإمام الحسين عليه السّلام نداءه إلى الناس في ذلك العصر و على مرّ التاريخ.

فلو أراد الإمام الحسين عليه السّلام الثورة في عصر معاوية لما سمع نداؤه؛و ذلك لأنّ الحكم و السياسات كانت بشكل لا يمكن للناس فيها سماع قول الحقّ،لذلك فإنّ

ص: 51

الإمام الحسين عليه السّلام لم يقدم على شيء و لم يثر أيّام خلافة معاوية،مثلما أنّ الإمام الحسن عليه السّلام لم يثر على معاوية،لأنّ الظروف لم تكن مؤاتية،لا أنّ الإمام الحسن عليه السّلام لم يكن أهلا لذلك،فلا فرق بين الإمام الحسن عليه السّلام و بين الإمام الحسين عليه السّلام،و لا بين الإمام الحسين و الإمام السجّاد عليه السّلام،و لا بين الإمام الحسين عليه السّلام و الإمام عليّ الهادي عليه السّلام أو الإمام الحسن العسكري عليه السّلام،طبعا منزلة الإمام الحسين عليه السّلام-الّذي أدّى هذا الجهاد-أرفع من الّذين لم يؤدّوه،لكنّهم سواء في منصب الإمامة،و لو وقع في عصر أيّ منهم هذا الأمر لثار ذلك الإمام و نال تلك المنزلة.

فالإمام الحسين عليه السّلام واجه مثل هذا الانحراف،و الظروف كانت مؤاتية،فلا محيص للإمام عليه السّلام من تأدية هذا التكليف.لهذا فعندما قال له عبد الله بن جعفر و محمّد ابن الحنفيّة و عبد الله بن عباس-الّذين كانوا من العلماء و العارفين بأحكام الدّين-أن تحرّكك فيه خطر فلا تذهب،أرادوا أن يقولوا:إنّ التكليف قد سقط عنك لوجود الخطر.

لكنّهم لم يدركوا أنّ هذا التكليف ليس بالتكليف الّذي يسقط بوجود الخطر،لأنّ مثل هذا التكليف فيه خطر دوما،فهل يمكن لإنسان أن يثور ضدّ سلطة مقتدرة في الظاهر و لا يواجه خطرا.

ص: 52

تقارب ثورة الحسين و الخميني في الهدف و افتراقهما في النتيجة
اشارة

لقد كانوا يقولون للإمام الخميني رضوان اللّه عليه،إنّ الخطر في مواجهتكم للشاه،فهل أنّ الإمام لم يكن يعلم بالخطر؟ألم يكن الإمام يعلم أنّ جهاز الأمن البهلوي يعتقل،يقتل،يعذّب،يقتل زملاء الإنسان و ينفيهم؟بلى فالّذي حدث في عصر الإمام الحسين عليه السّلام حدث في عصر الإمام(الخميني)لكن بصورة أصغر.

فقد كان هدف الإمام الحسين عليه السّلام و هدف إمامنا العظيم مشتركا و هو إرجاع الإسلام و المجتمع الإسلامي إلى الصراط المستقيم و الخطّ الصحيح بعد أن انحرف عن المسير و انحرف المسلمون نتيجة جهل و ظلم و استبداد و خيانة البعض و كانت الظروف مؤاتية في عصرنا مثلما كانت مؤاتية في زمن الإمام الحسين عليه السّلام،فأقدم الإمام(ره)على نفس العمل،لكن مع فارق و هو أنّ الثورة ضدّ الحكم الباطل في عصرنا انتهت بإقامة الحكومة الإسلاميّة و الحمد للّه،لكن ثورة الإمام الحسين عليه السّلام كانت نتيجتها الشهادة،فهل أنّ الثورة في الصورة(الثانية)لا تصبح واجبا؟و هل أنه لا فائدة منها إن كانت نتيجتها الشهادة؟كلا،إنّ الثورة واجبة و إن انتهت بالشهادة،و لا فرق في ذلك انتهت بالشهادة أو الحكم،لكن لكلّ منهما نوع من الفائدة.

خلاصة القول

إذن يمكننا أن نلخّص القضيّة بهذه الصورة و هي:أنّ ثورة الإمام الحسين عليه السّلام كانت لتأدية واجب عظيم هو إعادة الإسلام و المجتمع الإسلامي إلى الخطّ الصحيح

ص: 53

أو الثورة ضدّ الانحرافات الخطيرة في المجتمع الإسلامي.

و هذا ما يتمّ بالثورة و عن طريق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،بل هو مصداق عظيم للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.طبعا-و كما قلت-فقد تكون نتيجتها إقامة الحكومة،و قد تكون الشهادة،و قد كان الإمام الحسين عليه السّلام مستعدّا لكلتا النتيجتين (1).1.

ص: 54


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:132-141.

أدلة رؤيتنا في ثورة الإمام الحسين عليه السلام

اشارة

قال السيد الخامنئي:و دليلي على ذلك هو ما استنتجته من أقوال الإمام الحسين عليه السّلام نفسه،إنّني انتخبت بعض أقوال أبي عبد الله عليه السّلام و كلّها تشير إلى هذا المعنى:

الدليل الأول

:

1-عندما استدعى و الي المدينة(الوليد)الإمام الحسين عليه السّلام ليلا و قال له:إنّ معاوية قد مات و عليك بمبايعة يزيد،فردّ عليه الإمام عليه السّلام:«نصبح و تصبحون و ننظر و تنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة» (1).

و عند الصباح عندما لقي مروان أبا عبد الله عليه السّلام طلب منه مبايعة يزيد و عدم تعريض نفسه للقتل،فأجابه الإمام عليه السّلام:«إنّا للّه و إنّا إليه راجعون،و على الإسلام السلام إذ قد بليت الامّة براع مثل يزيد» (2).

فالقضيّة ليست شخص يزيد،بل مثل يزيد،و يريد الإمام الحسين عليه السّلام أن يقول:

لقد تحمّلنا كلّ ما مضى،أمّا الآن فإنّ أصل الدّين و الإسلام و النظام الإسلامي في خطر،إشارة إلى أنّ الانحراف خطر جدّي،فالقضيّة هي الخطر على أصل الإسلام.

ص: 55


1- شرح إحقاق الحق:615/33.
2- المجالس الفاخرة:189.
الدليل الثاني

:

2-في وصيّته إلى أخيه محمّد ابن الحنفيّة عند خروجه من مكّة-فأبو عبد الله عليه السّلام قد أوصى أخاه محمّدا ابن الحنفية،مرّتين:الاولى عند خروجه من المدينة،و الثانية عند خروجه من مكّة،و أتصوّر أنّ هذه الوصيّة كانت عند خروجه من مكّة في شهر ذي الحجّة-فبعد الشهادة بوحدانية الله و رسالة النبي صلّى اللّه عليه و اله و...

يقول الإمام عليه السّلام:«و إنّي ما خرجت أشرا و لا بطرا و لا ظالما و لا مفسدا و إنّما خرجت أريد الإصلاح في أمّة جدّي» (1)أي أريد الثورة لأجل الإصلاح لا للوصول إلى الحكم حتما أو للشهادة حتما،و الإصلاح ليس بالأمر الهيّن،فقد تكون الظروف بصورة بحيث يصل الإنسان إلى سدّة الحكم و يمسك بزمام السلطة و قد لا يمكنه ذلك و يستشهد،و في كلتا الحالتين فالثورة تكون لأجل الإصلاح.

ثمّ يقول عليه السّلام:«أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر و أسير بسيرة جدّي».

و الإصلاح يتمّ عن هذا الطريق،و هو ما قلنا أنّه مصداق للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

الدليل الثالث

:

3-عند ما كان الإمام عليه السّلام بمكّة،بعث بكتابين،الأوّل إلى رؤساء البصرة و الثاني إلى رؤساء الكوفة،جاء في كتابه إلى رؤساء البصرة:«و قد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب و أنا أدعوكم إلى كتاب الله و سنّة نبيّة،فإنّ السنّة قد أميتت و البداعة قد أحييت،

ص: 56


1- معالم الفتن:296/2.

فإن تسمعوا قولي أهديكم إلى سبيل الرشاد» (1).

أي يريد الإمام الحسين عليه السّلام تأدية ذلك التكليف العظيم و هو إحياء الإسلام و سنّة النبي صلّى اللّه عليه و اله.

و جاء في كتابه إلى رؤساء الكوفة:«فلعمري ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب و الآخذ بالقسط و الدائر بالحقّ و الحابس نفسه عن ذات الله،و السلام» (2).

أي بيّن الإمام عليه السّلام هدفه من الخروج،و كان الإمام عليه السّلام يخاطب الناس في كلّ منزل ينزل فيه بعد خروجه من مكّة.

الدليل الرابع

:

4-عند ما(واجه الحسين عليه السّلام جيش الحرّ)و سار بأصحابه في ناحية و الحرّ و من معه في ناحية حتّى بلغ«البيضة»،خاطب الإمام عليه السّلام أصحاب الحر،فقال:

«أيّها الناس إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قال:من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنّة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم و العدوان فلم يغيّر عليه بفعل و لا قول كان حقّا على الله أن يدخله مدخله» (3).

فالنبي صلّى اللّه عليه و اله بيّن ما يجب عمله إذا انحرف النظام الإسلامي،و قد استند الإمام الحسين عليه السّلام إلى قول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله هذا.

إذن التكليف هو«يغيّر عليه بفعل أو قول»،فإن واجه الإنسان هذا الأمر و كان الظرف مؤات كما قلنا،وجب عليه أن يثور ضدّ هذا الأمر و لو بلغ ما بلغ،يقتل،يبقى حيّا،ينجح في الظاهر أو لا ينجح.

ص: 57


1- معالم الفتن:258/2.
2- شرح إحقاق الحق:603/11.
3- شرح إحقاق الحق:158/27.

يجب على كلّ مسلم أن يثور أمام هذا الوضع،و هذا تكليف قال به النبي صلّى اللّه عليه و اله.

ثمّ قال عليه السّلام:«و أنا أحق من غيّر»لأنّي سبط النبي صلّى اللّه عليه و اله فإن كان النبي صلّى اللّه عليه و اله قد أوجب على المسلمين فردا فردا هذا الأمر،كان سبط النبي صلّى اللّه عليه و اله و وارث علمه و حكمته الحسين بن علي عليه السّلام أحقّ أن يثور،فإنّي خرجت لهذا الأمر.فيعلن عن سبب و هدف ثورته و هو لأجل«التغيير»أي الثورة ضدّ هذا الوضع السائد.

الدليل الخامس

:

5-لمّا نزل الإمام الحسين عليه السّلام«الغريب»التحق به أربعة نفر،فقال لهم الإمام عليه السّلام:«أمّا و الله إنّي لأرجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا قتلنا أم ظفرنا» (1).و هذا دليل على قولنا عندما قلنا لا فرق سواء انتصر أو قتل،يجب أداء التكليف.

الدليل السادس

:

6-في أوّل خطبة له عليه السّلام عند نزوله بكربلاء،يقول عليه السّلام:«و قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون»إلى أن يقول:«ألا ترون إلى الحقّ لا يعمل به و إلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّا...»إلى آخر الخطبة (2).

إذن ثورة الإمام الحسين عليه السّلام كانت تأدية لواجب و هو عبارة عن وجوب الثورة على كلّ مسلم حال رؤية تفشّي الفساد في جذور المجتمع الإسلامي بحيث يخاف من تغيير كلّي في أحكام الإسلام،و كانت الظروف مؤاتية،و علم بأنّ لهذه الثورة نتيجة، و ليس شرطا البقاء حيّا و عدم القتل و عدم التعرّض للتعذيب و الأذى و المعاناة.

ص: 58


1- تاريخ الطبري:306/4.
2- شرح إحقاق الحق:605/11.

فالإمام الحسين عليه السّلام قد ثار و أدّى هذا الواجب عمليّا ليكون درسا للجميع،و قد تتوفّر الظروف المناسبة لأي أحد للقيام بهذا العمل على مرّ التاريخ،طبعا الظروف لم تكن مؤاتية في عصر سائر الأئمة عليهم السّلام من بعد الإمام الحسين عليه السّلام،و هذا الأمر له تفسير و هو وجود أعمال مهمّة أخرى وجب القيام بها.فلم تتوفر هذه الظروف بعد ذلك في المجتمع الإسلامي إلى أواخر عصر الإئمة عليهم السّلام و بداية عصر الغيبة، لكن قد تتوفّر مثل هذه الظروف في الدول الإسلاميّة على مرّ التاريخ،و قد تكون الأرضيّة في بعض أقطار العالم الإسلامي-الآن-مهيّئة لقيام المسلمين بذلك أيضا.فإن قاموا بذلك،فقد صانوا الإسلام و ضمنوا بقاءه،و قد يواجه واحد أو اثنان الفشل،لكن عندما يكثر هذا التغيير و هذه الثورة و الحركة الإصلاحيّة،فثقوا باجتثاث جذور الفساد و الانحراف.

إنّ الإمام الحسين عليه السّلام قد علّم التاريخ الإسلامي درسا عمليّا عظيما،و ضمن بقاء الإسلام في عصره و سائر الأعصار.فأينما وجد مثل هذا الفساد،كان الإمام الحسين عليه السّلام حيّا حاضرا هناك يعلّمنا بأسلوبه و فعله ما يجب علينا عمله.لهذا يجب أن يبقى إسم الحسين عليه السّلام حيّا و تبقى ذكرى كربلاء حيّة؛لأنّ ذكرى كربلاء تجعل هذا الدرس العملي نصب أعيننا (1).2.

ص: 59


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:142.

أهداف نهضة عاشوراء

اشارة

قال الإمام الخميني (1):لقد بعث الأنبياء لإصلاح المجتمع،و كلهم كانوا يؤكدون أنه ينبغي التضحية بالفرد من أجل المجتمع مهما كان الفرد عظيما،و حتى لو كان الفرد أعظم من في الأرض،فإذا اقتضت مصلحة المجتمع التضحية بهذا الفرد، فعليه أن يضحي.و على هذا الأساس نهض سيد الشهداء عليه السّلام و ضحى بنفسه و أصحابه و أنصاره،فالفرد يفدى في سبيل المجتمع،فإذا اقتضت مصلحة المجتمع و توقف إصلاح المجتمع على تضحية وجب التضحية،إن العدالة ينبغي أن تحقق بين الناس (لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ) .(تقول الآية 25 من سورة الحديد: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ.

كان هدف الإمام الحسين عليه السّلام من الاستشهاد إقامة العدل الإلهي و صيانة بيت اللّه الحرام.

إن حياة سيد الشهداء عليه السّلام و حياة الإمام المهدي صاحب الزمان(سلام اللّه عليه) و جميع الأنبياء من آدم عليه السّلام حتى الرسول الخاتم صلّى اللّه عليه و اله كانت تدور حول محور إرساء و إقامة حكومة العدل في مقابل الظلم.

لقد أعلن سيد الشهداء عليه السّلام بصراحة أن هدفه من قيامه هو إقامة العدل،

ص: 60


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

فالمعروف لا يعمل به و المنكر لا يتناهى عنه.

(روي عن الإمام الحسين عليه السّلام أنه وقف خطيبا في منطقة"ذي حسم"فقال:أما بعد فقد نزل من الأمر بنا ما ترون و إنّ الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها، و لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء و خسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون إلى الحق لا يعمل به،و إلى الباطل لا يتناهى عنه،ليرغب المؤمن في لقاء اللّه،فإني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما"راجع تحف العقول:ص 249.، لذا فهو يريد إقامة المعروف و محو المنكر،فجميع الانحرافات منشؤها من المنكر، و ما عدا خط التوحيد المستقيم فكل ما في العالم منكرات،و يجب أن تزول.

و نحن الموالون لسيد الشهداء عليه السّلام السائرون على نهجه ينبغي أن ننظر في حياته،و في قيامه،الذي كان الدافع إليه النهي عن المنكر و محوه،و من المنكر حكومة الجور،و هي يجب أن تزول.

لقد ضحى سيد الشهداء عليه السّلام بكل حياته من أجل إزالة المنكر و محوه و مكافحة حكومة الظلم و الحيلولة دون المفاسد التي أوجدتها الحكومات المنحرفة في العالم،كما سعى بجد للإطاحة بحكومة الجور و إزالتها و نشر المعروف و النهي عن المنكر.

لقد ضحى سيد الشهداء عليه السّلام بكل ما يملك و ضحى بنفسه و أطفاله و بكل شيء و كان يعلم أن الأمر سيؤول إلى ما آل إليه،و إذا رجعنا إلى أقواله و تصريحاته و هو يهمّ بمغادرة المدينة إلى مكة و عندما خرج من مكة إلى كربلاء سنجد أنه بصير بما كان يفعل.

لم يكن يريد أن يجرب و يجازف في تحركه ليعلم هل ينجح أم لا،بل إنّه كان قد تحرك ليتسلم زمام الحكومة،و هذا مبعث فخر له و مدعاة افتخار،و الذين يتصورون أن سيد الشهداء عليه السّلام لم ينهض لأخذ زمام الحكم فهم مخطئون،فسيد الشهداء عليه السّلام إنما جاء و خرج مع صحبه لتسلم الحكم لأن الحكومة يجب أن تكون

ص: 61

لأمثال سيد الشهداء عليه السّلام و أمثال شيعته.

لقد رأى سيد الشهداء عليه السّلام إن الدين يوشك أن ينمحي،و قضية قيام سيد الشهداء عليه السّلام بوجه يزيد و قيام أمير المؤمنين عليه السّلام ضد معاوية،و قيام الأنبياء عليهم السّلام بوجه المتسلطين و الكفار لم تكن قضية سيطرة و تحكم أو طلب سلطة و رئاسة، فالعلم كله ليس له أية قيمة بنظرهم،و ليس همهم طلب الرئاسة و الرغبة في السلطة و فتح البلدان للسيطرة عليها.

إن ما أوصل سيد الشهداء عليه السّلام إلى ذلك المصير هو الدين و العقيدة،و قد ضحى (سلام اللّه عليه)بكل شيء من أجل العقيدة و الإيمان،و كانت النتيجة أن قتل و هزم عدوه بدمه.

لقد ثار سيد الشهداء عليه السّلام ضد يزيد و ربما لم يكن متيقنا من أنه سيتمكن من الإطاحة بيزيد و إزاحته عن السلطة و تحدّثنا الروايات الواردة عنه عليه السّلام بأنه كان مطّلعا على هذا الأمر(ثمة روايات عديدة تشير أن اللّه جل جلاله أخبر الأنبياء بشهادة الإمام الحسين عليه السّلام و أشار الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و الأئمة الأطهار عليه السّلام إلى ذلك أيضا.

و في رسالة شخصية بعثها الإمام الحسين عليه السّلام إلى واحد من بني هاشم:"أما بعد فمن لحقني استشهد و من لم يلحق بي لم يبلغ الفتح..و السّلام"راجع اللهوف على قتلى الطفوف:ص 69.)،لكنه في الوقت ذاته قرر النهوض و الثورة ضد نظام ظالم حتى لو أدى ذلك إلى مقتله،و فعلا تحرك و قام بوجه النظام الظالم و قدّم الضحايا و قتل من قتل من أعدائه و قتل هو بعد ذلك.

لقد كان الحسين عليه السّلام يفكر بمستقبل الإسلام و المسلمين باعتبار أن الإسلام سينتشر بين الناس نتيجة لتضحياته و لجهاده المقدس و أن نظامه السياسي و الاجتماعي سيقام في مجتمعنا،فرفع لواء المعارضة و النضال و التضحية.

لقد رأى سيد الشهداء عليه السّلام أن تكليفه يقتضي أن يقاوم تلك السلطة و يقتل لكي

ص: 62

يغيّر الأوضاع السائدة آنذاك و لكي يفضح تلك السلطة من خلال تضحيته و تضحيات أنصاره الذين كانوا معه.لقد رأى أن حكومة جائرة قد هيمنت على مقدرات الدولة و أن التكليف الإلهي يقتضي منه أن ينهض و يتحرك و يرفع لواء المعارضة و الإستنكار مهما كلّفه ذلك-و مع أنه كان يعلم و طبقا للقواعد المتعارفة -بأن مثل هذا العدد القليل لا يمكنه مواجهة ذلك الجيش الجرار إلاّ أن التكليف كان يقتضي تلك النهضة.

كان التكليف يوجب على سيد الشهداء عليه السّلام،أن يقوم و يثور و يضحي بدمه كي يصلح هذه الأمة،و يهزم راية يزيد،و هذا ما فعله و أنجز ما كان يريد.لقد ضحى بدمه و دماء أبنائه و كل شي من أجل الإسلام.

لم تكن لدى الإمام الحسين عليه السّلام قوة تذكر و مع ذلك نهض و ثار،و لو كان -و العياذ باللّه-كسولا لكان بإمكانه الجلوس و الانزواء جانبا و الادعاء بأن هذا ليس واجبه الشرعي و أن تكليفه الشرعي لا يحتم عليه الثورة،لو أن هذا هو الذي كان حصل لفرح البلاط الأموي،فالبلاط الأموي يسعده كثيرا بأن يلجأ سيد الشهداء عليه السّلام إلى القعود و السكوت و تركهم ليفعلوا ما يحلو لهم.

إلاّ أنّه عليه السّلام بعث مسلم بن عقيل(أرسل الإمام الحسين عليه السّلام ابن عمه مسلم بن عقيل الذي كان من الأبطال و العلماء و أصحاب الرأي إلى الكوفة ليأخذ البيعة من الناس للإمام عليه السّلام و تمكّن مسلم أن يأخذ من أهل الكوفة 18000 بيعة للإمام الحسين عليه السّلام و كتب له رسالة يدعوه للتحرك نحو الكوفة.و مع دخول عبد اللّه بن زياد إلى الكوفة و تعيينه من قبل يزيد حاكما لها تفرق الناس عن مسلم و تركوه وحيدا و استغل عبد اللّه بن زياد الظرف الحاصل و دعا الناس إلى عدم مبايعة الإمام الحسين عليه السّلام و قتل مسلما.

و قد استشهد مسلم بن عقيل عليه السّلام في التاسع من ذي الحجة عام 60 للهجرة «680 م»)يدعو الناس إلى مبايعته لكي يقيم حكومة إسلامية و يقضي على تلك

ص: 63

الحكومة الفاسدة.و لو أنه كان قد جلس في مكانه و لم يغادر المدينة و رضي بمبايعة و الي يزيد التافه على المدينة-و العياذ باللّه-لفرح بنو أمية و ابتهجوا و لقبّلوا يديه.

ضحّى سيد الشهداء بنفسه من أجل الإسلام

لقد ضحّى سيد الشهداء(سلام اللّه عليه)بجميع أصحابه و شبّانه و بكل ما يملكه،في سبيل اللّه و لتقوية الإسلام و مكافحة الظلم،و معارضة الأمبراطورية التي كانت قائمة آنذاك و هي أكبر من الأمبراطوريات الموجودة الآن.

و قد قتل سيد الشهداء عليه السّلام،و لم يكن طامعا في الثواب،فهو عليه السّلام لم يعر هذا الأمر كثير الإهتمام،لقد كانت نهضته لإنقاذ الدين و لإحياء الإسلام و دفع عجلته إلى الأمام.

لقد تعرّض النبي صلّى اللّه عليه و اله في بعض الحروب للهزيمة العسكرية،و كذا أمير المؤمنين عليه السّلام في مقابل معاوية كما أن سيد الشهداء عليه السّلام قتل أيضا،إلا أن مقتله كان طاعة منه و تقربا للّه و في سبيل اللّه،و كل ما حصل كان مزيدا من السمو له عليه السّلام،لذا فليس في الأمر هزيمة أو انكسار للإمام عليه السّلام،كل ما كان هو نوع من الطاعة للّه (1).

ص: 64


1- انظر كتاب نهضة عاشوراء.
هدف الإمام الحسين عليه السلام و شعاره و سبيله

قال السيد مرتضى العسكري:رفع الإمام شعار بطلان حكم الخلافة القائم و إن فيه خطرا على الإسلام حيث قال:"و على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد".

قال ذلك في جواب من قال له:بايع أمير المؤمنين يزيد فهو خير لك في الدارين.

قال ذلك في ظرف كان يقال له:يا حسين ألا تتقي اللّه تخرج من الجماعة و تفرّق بين هذه الأمة!قال ذلك في ظرف قال له ابن عمر:اتق اللّه و لا تفرّق جماعة المسلمين (1).

في هذا الظرف قال الإمام الحسين عليه السّلام:و اللّه لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية أبدا.

و كان مؤدى هذا الشعار صحة أمر الإمامة و بطلان أمر الخلافة القائمة و يتضح ذلك بأجلى من هذا في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية حيث كتب فيها:"إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلّى اللّه عليه و اله أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر، و أسير بسيرة جدي و أبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فاللّه أولى بالحق و من رد علي هذا أصبر حتى يقضي اللّه بيني و بين القوم بالحق و هو خير الحاكمين".

أسقط الإمام الحسين في هذه الوصية ذكر الخلفاء أبي بكر و عمر و عثمان

ص: 65


1- الطبري 191/6.

و معاوية و ذكر سيرتهم،و صرّح بأنه يريد أن يسير بسيرة جده و أبيه.

و تتلخص سيرة الخلفاء في:مجيئهم إلى الحكم استنادا إلى بيعة المسلمين إياهم كيف ما كانت البيعة ثم حكمهم المسلمين وفق اجتهاداتهم الخاصة في الأحكام الإسلامية.

و تتلخص سيرة أبيه و جده في:حملهما الإسلام إلى الناس و دعوتهما الناس إلى العمل به،و وقوفهما عند أحكام الإسلام،كان هذا سيرتهما في جميع الأحوال، سواء أكانا حاكمين مثل عهد الرسول في المدينة و الإمام علي بعد مقتل عثمان،أو غير حاكمين مثل حالهما قبل ذلك،فقد كان للرسول سيرة في مكة و للإمام علي سيرة قبل أن يلي الحكم،و سيرتهما في كلتا الحالين حمل الإسلام إلى الأمة، أحدهما بلّغه عن اللّه و الآخر عن رسول.

في كلتا الحالين دعوا إلى الإسلام و أمرا بالمعروف و نهيا عن المنكر.

و الإمام الحسين عليه السّلام يريد أن يسير بسيرتهما كذلك،و لا يريد أن يسير بسيرة الخلفاء،فمن قبله بقبول الحق فاللّه أولى بالحق،و من رد عليه ذلك صبر حتى يقصى اللّه بينه و بين عصبة الخلافة بالحق.

يعرف مما أوردنا و من سائر أعمال الإمام و أقواله في أيام قيامه أنه كان قد حمل إلى الناس شعار بطلان أمر الخلافة القائمة و صحة أمر الإمامة و هدفه من كل ما قال و فعل أن يؤمن الآخرون بهذا الشعار فمن آمن به اهتدى و من لم يؤمن بعد أن بلغه نداء الإمام تمت الحجة عليه،و من ثم كان يعمل جاهدا في سبيل نشر قضيته.

كان هذان شعار الإمام و هدفه و اتخذ الشهادة سبيلا للوصول إلى هدفه،و لنعم ما قال الشاعر على لسانه:

إن كان دين محمد لم يستقم إلاّ بقتلي يا سيوف خذيني

و مما يدل على ذلك ما ورد في كتابه إلى بني هاشم:أما بعد،فإن من لحق بي

ص: 66

استشهد و من تخلّف لم يدرك الفتح.

صرّح الإمام في هذا الكتاب بأن سبيله الشهادة و مآلها الفتح و كذلك كان شأن سائر أقواله و أفعاله في هذا القيام فإن كلها توضح ما حمله من شعار و ما اتخذ من سبيل و هدف و كان حين يدعو و يستنصر يدعو و يستنصر من يشاركه في كل ذلك على بصيرة من أمره،مثل قصته مع زهير بن القين فإن الإمام حين دعاه ذهب إلى الإمام متكارها ثم:ما لبث-كما قال الراوي-أن جاء مستبشرا قد أسفر وجهه، فأمر بفسطاطه فحمل إلى الحسين عليه السّلام،ثم قال لامرأته:أنت طالق!الحقي بأهلك، فإني لا أحب أن يصيبك من سببي إلا خير،ثم قال لأصحابه:من أحب منكم الشهادة فليقم و الا فإنه آخر العهد.

أخبر زهير بمصيره قبل أن يصل إلى ركب الإمام خبر استشهاد مسلم و هانئ و انقلاب أهل الكوفة على أعقابهم و أخبرهم انه سمع في غزوة بلنجر من الصحابي سلمان الفارسي أن يستبشروا بإدراك هذا اليوم.

كان الإمام يدعو أنصارا من هذا القبيل و يبعد عن نفسه من اتبعه أملا بوصول الإمام إلى الحكم (1).

أعلن الإمام عن سبيله هذا،و رفع شعاره ذلك،مرة بعد أخرى،و في منزل بعد منزل.

فقد قال في جواب ابن عمر:يا عبد اللّه أما علمت أن من هوان الدنيا على اللّه أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل...:فلم يعجل اللّه عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر!ثم يقول له:اتق اللّه،يا أبا عبد الرحمن و لا تدعن نصرتي.

كأن الإمام يشير في حديثه إلى أن شأنه شأن يحيى و يدعو ابن عمر إلى نصره6.

ص: 67


1- راجع قبله ص 206.

في من اختار لنفسه من سبيل.

و قال الإمام في خطبته عند توجهه إلى العراق:خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة،و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف،و قد خير لي مصرع أنا لاقيه،كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلا،فيملأن مني أكراشا جوفا،و أحوية سغبا،لا محيص عن يوم خط بالقلم.

رضى اللّه رضانا أهل البيت نصبر على بلائه و يوفينا أجور الصابرين،لن تشذ عن رسول اللّه لحمته،و هي مجموعة له في حضيرة القدس،تقرّ بهم عينه و ينجز بهم وعده.

من كان باذلا فينا مهجته،و موطنا على لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا.

و ما نزل الإمام منزلا و لا ارتحل منه إلاّ ذكر يحيى بن زكريا و مقتله (1).5.

ص: 68


1- معالم المدرستين للعسكري:302/3-305.
لبى الإمام نداء أهل الكوفة إتماما للحجة

كان الإمام يعلم بالبداهة و بحسب حكم طبايع الأشياء و مع صرف النظر عما كان قد علمه من الأمور الغيبية بأنباء رسول اللّه عن اللّه عز اسمه بمقتله كان يعلم أن عليه أن يختار أحد اثنين لا ثالث لهما إما البيعة أو القتل،و كان يشير إلى ذلك في أقواله مرة بعد أخرى و قد بان ذلك منذ أول مرة طلب منه البيعة بعد موت معاوية حيث أشار مروان على والي المدينة أن يأخذ منه البيعة و أن يقتله إن أبى،ففر منهم الإمام إلى مكة و التجأ إلى بيت اللّه الحرام.و تبين له في مكة أن يزيد يريد أن يغتاله و خشي أن يكون الذي يستباح به حرمة البيت كما صرّح به لأخيه محمد ابن الحنفية و قاله أيضا لابن الزبير حين قال له:و أيم اللّه لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم و اللّه ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في السبت.

و اللّه لئن أقتل خارجا منها أحب إلي من أن أقتل داخلا منها بشبر.

و قال لابن عباس:لئن أقتل بمكان كذا و كذا أحب إلي من أن أقتل بمكة و تستحل بي.

إذا فإن الإمام كان يعلم أنه لا محيص له عن القتل أينما كان،لا زال ممتنعا عن بيعة خليفة المسلمين يزيد بن معاوية فاختار سبيل الشهادة لنفسه و لمن تبعه!أما أهل الكوفة،فإنهم بعد أن توالت كتبهم إلى الإمام الحسين عليه السّلام يقولون فيها أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل اللّه أن يجمعنا بك على الحق،و النعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة و لا عيد،و لو قد بلغنا أنك قد أقبلت أخرجناه

ص: 69

حتى نلحقه بالشام.

و يقولون:إلى الحسين بن علي من شيعته المؤمنين و المسلمين أما بعد فحي هلا،فإن الناس ينتظرونك و لا رأي لهم في غيرك فالعجل العجل.

و كتب إليه رؤساء أهل الكوفة:فأقدم على جند لك مجند.

و كتبوا إليه:أنه معك مائة ألف سيف.

بعد ما توالت عليه أمثال الكتب الآنفة من الرجل و الاثنين و الأربعة و من رؤساء أهل الكوفة و تكاثرت حتى ملأت خرجين.بعد كل ذلك لو أن الإمام لم يلب دعوة أهل الكوفة،و بايع يزيد،أو أنه لم يبايع يزيد و لكنه استشهد بمكان آخر،كان عندئذ قد فرط في حق أهل الكوفة،و كان الناس أبد الدهر و جيلا بعد جيل يسجّلون لأهل الكوفة الحق على الإمام،و في يوم القيامة كانت لهم الحجة على اللّه جل اسمه، و للّه الحجة البالغة على خلقه.

إذن فما فعله الإمام الحسين عليه السّلام مع أهل الكوفة كان من باب إتمام الحجة عليهم و ليس غيره،و لو لم يكن هذا بل كان سبب توجّه الإمام الحسين عليه السّلام إلى العراق انخداعه بكتب أهل الكوفة و طلبهم الحثيث،لرجع حين بلغه خبر مقتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة،و من قبل أن يصل إليه الحر بن يزيد و يلازمه بأيام (1).

أجل إن الإمام الحسين عليه السّلام قد أتم الحجة بما فعل على أهل العراق و على غيرهم و قال اللّه سبحانه"لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل" (2).3.

ص: 70


1- راجع قبله ص 204-28.
2- معالم المدرستين للعسكري:306/3.
ذهب إلى العراق لاتمام الحجة لا لقول بني عقيل

و قد يتوهم متوهم و يقول:كان سبب ذهاب الإمام إلى العراق بعد وصول نبأ مقتل مسلم و هانئ إليه قول بني عقيل:"لا نبرح حتى ندرك ثأرنا أو نذوق ما ذاق أخونا"و أن الإمام بسبب هذا القول عرّض نفسه و نفوس من معه للقتل،فالحق أن هذا ليس بصحيح و لا ينبغي أن يقوله من له مسكة من عقل،و إنما الصحيح أنه لما كان سيان للامام أن يتوجّه إلى العراق أو إلى أي بلد آخر بالنسبة إلى المصير الذي كان ينتظر الإمام،و هو القتل،لا زال ممتنعا عن بيعة خليفة المسلمين يزيد و كان من واجبه إتمام الحجة على أهل العراق و لما تتم يومذاك،و إنما تمت بعد أن ألقى عليهم هو و أصحابه الخطبة بعد الخطبة منذ أن قابل جيش الحر حتى يوم عاشوراء و عند ذاك فقط تمت الحجة عليهم.

إذا كان لابد للامام أن يذهب إلى كربلاء بعد اطلاعه على مصرع مسلم و هانئ أيضا دون الرجوع من حيث أتى أو الذهاب إلى أي بلد آخر.

و قد أتم الإمام الحجة على أهل الكوفة و على من بلغه خبره من معاصريه في إنكاره على الطاغوت يزيد إنكارا دوى صداه على وجه الأرض و بقي مدويا ما كرّ الجديدان فإنه لم يكتف بالامتناع عن بيعة يزيد و الجلوس في داره حتى يقتل فيها و يذهب ضحية باردة ثم تطمس أجهزة الخلافة على حقيقة خبره،بل قام بكل ما ينشر خبره،و يعلن حقيقة أمره و أمر الخلافة،كما نشرحه في مايلي (1).

ص: 71


1- معالم المدرستين للعسكري:302/3-307.

نظرة أخرى في الأهداف العظيمة

اشارة

قال السيد محمد باقر القرشي:أما الأهداف العظيمة التي رفعوا شعارها، و ناضلوا ببسالة و إيمان من أجلها فهي:

1-الدفاع عن الإسلام

و هبّ أنصار الإمام بكل إخلاص و إيمان للدفاع عن الإسلام و صيانة مبادئه التي استهترت بها السلطة الأموية،و قد أخلصوا في دفاعهم كأعظم و أروع ما يكون الإخلاص،و أدلة ذلك متوفرة في جميع مواقفهم المشرفة فالعباس عليه السّلام الذي كان من أمسّ الناس رحما بالإمام و ألصقهم به لم يندفع بتضحيته الفذة بدافع الأخوة و غيرها من الاعتبارات الخاصة،و إنما اندفع بحماس لحماية الإسلام،و حماية إمام من أئمة المسلمين فرض الله مودته و طاعته على الناس أجمعين،و قد أدلى بذلك في ميدان القتال بعد أن برى القوم يمينه فقال مرتجزا:

و الله إن قطعتم يميني إني أحامي أبدا عن ديني

و عن امام صادق يقيني نجل النبي الطاهر الأميني

و معنى هذا الرجز-بوضوح-أنه لم يندفع بجهاده بدافع الأخوة،و إنما اندفع لحماية الدين،و حماية إمام صادق على سبيل اليقين،و أعلن غير العباس من أصحاب الامام هذه الحقيقة.

لقد غذاهم أبو عبد اللّه عليه السّلام بروحه و هديه،و غمرهم بأخلاقه فابتعدت أرواحهم عن الدنيا و تجردوا من مادية الجسد،و تحررت قلوبهم و عواطفهم من شواغل

ص: 72

الحياة...فأي معلم كان الحسين؟و أي مدرسة ملهمة كانت مدرسته؟و هل تستطيع أجيال الدنيا أن توجد مثل هذا الطراز ايمانا بالله،و إخلاصا للحق.

2-حماية الإمام و الدفاع عنه

الوحوش الذين تضافروا على قتله،و قد تفانى أصحاب الإمام في الولاء و الإخلاص له،و ضربوا بذلك أروع الأمثلة للوفاء،فهذا مسلم بن عوسجة،و هو من أفذاذ أنصار الإمام لما برز إلى القتال،و وقع صريعا على الأرض قد تناهبت السيوف و الرماح جسمه مشى إليه الإمام مع حبيب بن مظاهر و كان البطل يعاني آلام الاحتضار،فطلب منه حبيب أن يوصي إليه بما أهمه،فقال له بصوت خافت حزين النبرات:

«أوصيك بهذا-و أشار إلى الإمام-أن تموت دونه».

أي وفاء هو معرض للزهو و الفخار مثل هذا الوفاء؟لقد أعطى لأجيال الدنيا الدروس في الولاء الباهر للحق،فهو في لحظاته الأخيرة و حشرجة الموت في صدره لم يفكر إلا بالإمام،و أعرض عن كل شيء في حياته.

و هذا البطل العظيم سويد بن أبي المطاع الذي هو من أنبل الشهداء و أصدقهم في التضحية هوى جريحا في المعركة فتركه الأعداء،و لم يجهزوا عليه لظنهم أنه قد مات،فلما تنادوا بمصرع الإمام لم يستطع أن يسكن لينجو،فقام و التمس سيفه فإذا هم قد سلبوه،و نظر إلى شيء يجاهد به فوقعت يده على مدية،فأخذ يوسع القوم طعنا فذعروا منه،و حسبوا أن الموتى أعيدت لهم حياتهم ليستأنفوا الجهاد ثانيا مع الإمام،فلما تبين لهم أن الأمر ليس كذلك،انعطفوا عليه فقتلوه،فكان-حقا-هذا هو الوفاء في أصحاب الإمام حتى الرمق الأخير من حياتهم.

و لم يقتصر هذا الوفاء على الرجال،و انما سرى إلى النساء اللاتي كن في

ص: 73

المعركة،فكانت المرأة تسارع إلى ابنها تتضرع إليه ليستشهد بين يدي الإمام، و الزوجة تسارع إلى زوجها ليدافع عن الإمام،و هن لم يحفلن بما يصيبهن من الثكل و الحداد.

و مما يثير الدهشة أن الأطفال من الأسرة النبوية قد اندفعوا نحو الإمام و هم يقبلون يديه و رجليه ليمنحهم الإذن في الشهادة بين يديه،و من بينهم عبد الله بن الحسن و كان له من العمر إحدى عشرة سنة لما رأى الأعداء قد اجتمعوا على قتل عمه لم يستطع صبرا و أسرع فاندفعت عمته زينب لتمسكه فامتنع عليها،و أخذ يركض حتى انتهى إلى عمه،و قد أهوى أبحر بن كعب بسيفه ليضرب الإمام فصاح به الغلام.

«يا بن الخبيثة أتضرب عمي؟».

فانعطف عليه الخبيث الدنس فضربه بالسيف على يده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة ورمى الغلام بنفسه في حجر عمه فسدد له حرملة سهما غادرا فذبحه و هو في حجر عمه لقد استلذ الموت في سبيل عمه...و كثير من أمثال هذه الصور الرائعة التي لم تمر على شاشة الدهر قد ظهرت من أصحاب الحسين و أهل بيته.

3-تحرير الأمة من الجور

و كان من أهداف معسكر الإمام الحسين تحرير الأمة من طغيان الأمويين و جورهم فقد أذاعوا الظلم و أشاعوا الفساد في جميع أنحاء العالم الإسلامي،و قد هبّ أصحاب الإمام للإطاحة بذلك الحكم،و إعادة حكم الإسلام،و قد ألمعنا إلى ذلك بصورة موضوعية و شاملة عند البحث عن أسباب ثورة الإمام.

ص: 74

4-النزعات الفذة
اشارة

و تمتع أصحاب الحسين بكل نزعة كريمة قد امتازوا بها على غيرهم من سائر الناس،و من بينها:

1-الإباء و العزة

و من ذاتيات أولئك الأحرار الإباء و عزة النفس فقد استطابوا الموت في سبيل كرامتهم،يقول سيد الاباة الإمام الحسين:«و الله لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما»و يقول ولده البار علي الأكبر في رجزه الذي كان نشيدا له يوم الطف:

أنا علي بن الحسين بن علي نحن و رب البيت أولى بالنبي

و الله لا يحكم فينا ابن الدعي

لقد أفرغ الإمام الحسين على أصحابه و أهل بيته قبسا من روحه فاستقبلوا الموت بسرور من أجل العزة و الكرامة و الإباء.

2-البسالة و الصمود

و ظاهرة أخرى من نزعات معسكر الإمام هي البسالة،فقد كانوا من أندر أبطال العالم فهم على قلتهم قد صمدوا في وجه ذلك الجيش الجبار فحطموا معنوياته، و أنزلوا به أفدح الخسائر،يقول المؤرخ الانكليزي«ض ر س سايكس»:«ان الإمام الحسين و عصبته المؤمنة القليلة عزموا على الكفاح حتى الموت،و قاتلوا ببطولة

ص: 75

و بسالة ظلت تتحدى إعجابنا و إكبارنا عبر القرون حتى يومنا هذا».

لقد غمرهم الإمام بمعنوياته و روحه الوثابة،و من الطبيعي أن لشخصية القائد أثرا مهما في بث الروح المعنوية في نفوس الجيش،فإن جهاز القيادة إنما هو رمز السلطة التي تدفع بالجنود إلى القتال و قد اندفع أصحاب الإمام بعزم ثابت لا يعترف بالعقبات و لا بالحواجز نحو الجيش الأموي حتى ضاقت عليه الأرض،و لاذ أكثرهم بالهزيمة،يقول بعض جنود ابن زياد لشخص عاب عليه اشتراكه في حرب الإمام:

«عضضت بالجندل إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية تحطم الفرسان يمينا و شمالا،و تلقي أنفسها على الموت لا تقبل الأمان،و لا ترغب في المال،و لا يحول حائل بينها و بين الورود على حياض المنية أو الاستيلاء على الملك،فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس المعسكر بحذافيره فما كنا فاعلين لا أم لك».

و كان كعب بن جابر الأزدي من جنود ابن زياد،و قتل سيد القراء في الكوفة برير بن خضير،و أعان على قتل سيد الشهداء،و قد نظم مقطوعة أشاد فيها بشجاعة أصحاب الإمام يقول:

سلي تخبري عني و أنت ذميمة

غداة حسين و الرماح شوارع

ألم آت أقصى ما كرهت و لم يخل

على غداة الروع ما أنا صانع

معي يزني لم تخنه كعوبه

و أبيض مخشوب الغرارين قاطع

فجردته في عصبة ليس دينهم

بديني و اني بابن حرب لقانع

ص: 76

أشد قراعا بالسيوف لدى الوغا

الا كل من يحمي الذمار مقارع

و قد صبروا للضرب و الطعن حسرا

و قد نازلوا لو أن ذلك نافع

فابلغ عبيد الله أما لقيته

بأني مطيع للخليفة سامع

قتلت بريرا ثم حملت نعمة

أبا منقذ لما دعا من يماصع

و قد أبدى كعب إعجابه البالغ ببسالة أصحاب الإمام فهو و لا غيره لم يشاهدوا مثلهم في شجاعتهم و صمودهم،فقد صبروا على الضرب و الطعن،و ملاقاة الحتوف...و كان من شجاعتهم النادرة-فيما يقول بعض المؤرخين-إنه ما انهزم واحد منهم،و لا قتل إلا و هو مقبل غير مدبر،و قد بذلوا قصارى ما يمكن من البطولة و الشجاعة و الثبات و صدق النية و مضاء العزيمة لحماية الإمام و الدفاع عنه،و قد نهي عمرو بن الحجاج الزبيدي عن مبارزتهم يقول لأهل الكوفة:

«أتدرون لمن تقاتلون؟تقاتلون فرسان المصر و أهل البصائر،و قوما مستميتين لا يبرز إليهم أحد منكم إلا قتلوه على قلتهم».

و قد حفل كلامه بالصفات الماثلة فيهم،و من بينها:

أ-إنهم فرسان أهل الكوفة،بل هم فرسان العرب على الإطلاق.

ب-إنهم من ذوي البصائر الحية،و النفوس اليقظة و قد خفوا لنصرة الإمام على بصيرة من أمرهم لا طمعا في المال و لا الجاه.

ج-إنهم يقاتلون قتال المستميت الذي لا أمل له في الحياة،و هم بذلك أقدر على إنزال الهزيمة بأعدائهم الذين تطعموا بالخيانة و الغدر.

و يقول العقاد في بسالتهم:«و كان مع الحسين نخبة من فرسان العرب كلهم لهم

ص: 77

شهرة بالشجاعة و البأس،و سداد الرمي بالسهم،و مضاء الضرب بالسيف،و لن تكون صحبة الحسين غير ذلك بداهة و تقديرا،و لا يتوقفان على الشهرة الذائعة و الوصف المتواتر لأن مزاملة الحسين في تلك الرحلة هي وحدها آية على الشجاعة في ملاقاة الموت».

إنه من المؤكد أنه ليس هناك أحد من أصحاب الإمام من يطمع في عرض من أعراض الدنيا،و لا يلتمس أجرا غير ثواب الله و الدار الآخرة... (1)0.

ص: 78


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:97/3-100.

آثار ثورة عاشوراء

هل تحققت آثار ثورة عاشوراء؟

ماذا كان هدف الحسين عليه السلام من الثورة

الإمام الحسين كان أتقى الأتقياء و لكنّه استشهد مع أنّ اللّه تعالى يقول: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (1)و قال عزّ من قائل: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (2)فمن الممكن أن يقول شخص:إذن لماذا لم يتوفّر للإمام الحسين عليه السّلام مخرج من المأزق الذي واجهه في كربلاء؟

و الجواب:أنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يواجه أيّ طريق مسدود في تحرّكه، و المخرج و الفرج الذي حصل عليه كان يتناسب مع أهدافه.

فهدف الإمام الحسين عليه السلام من الذهاب إلى كربلاء لم يكن الوصول الى السلطة،بل إنّه عليه السلام و في مثل تلك الظروف الخاصة التي كانت تعيشها الامة أراد أن يعطي درسا خالدا لتاريخ الإسلام عمّا يجب فعله و اتّخاذه من موقف في مثل تلك الظروف التي يتعرّض فيها الإسلام للخطر؛و لهذا فإنّ الإمام الحسين حقّق هدفه و نجح في تعليم الأمة ما يجب اتّخاذه من مواقف.

ص: 79


1- سورة الطلاق:2.
2- سورة الطلاق:4.

إذن لم يكن هدف الإمام الحسين عليه السلام هو تجنّب الشهادة،فالشهادة كانت تعدّ فوزا عظيما لأمثال الإمام الحسين عليه السلام.

و بالطبع لو كان هدف الإمام الحسين عليه السلام هو تجنّب الشهادة لكان يلزمه اتّخاذ بعض التدابير التي لو عمل بها-بمعنى إعمال التقوى التي يستلزمها هذا الأمر-فسيكون له مخرجا من دون أيّ ريب.

و بطبيعة الحال فإنّ العمل بالمستلزمات يجب أن يكون عن الطريق الشرعي و الصحيح؛لكي يصدق عليه تقوى الله سبحانه و تعالى.

يقول أمير المؤمنين عليه السّلام في إحدى كلماته الملهمة للحكمة:«لا يعدم الصبور الظفر و إن طال به الزمن» (1).

و في حديث آخر يبيّن لنا عليه السّلام هذا المعنى بعبارة أخرى قائلا:«من ركب مركب الصبر اهتدى الى ميدان النصر» (2).

و في حرب صفين قال عليه السّلام في خطبة يحث و يعبىء الجند:«...فاستعينوا بالصبر و الصلاة و الصدق في النية فإن اللّه تعالى بعد الصبر ينزل النصر» (3).

فهل حقا أن النصر و الثبات موجب للوصول الى الهدف؟و إذا كانت هذه قاعدة عامة و قانونا ثابتا لا يقبل التخلّف لماذا نشاهد طوال التاريخ أفرادا أو جماعات لم يصلوا الى أهدافهم مع أنهم كانوا في ميادين العزة يبذلون ما ينفع الثبات و المقاومة،و لم يحققوا النصر أو يذوقوا حلاوته؟.

في صدر الإسلام يوجد حوادث ليست بالقليلة شاهد على هذا الأمر مثل ثورة1.

ص: 80


1- ميزان الحكمة:1559/2-2169،باب الصبر و الظفر.
2- بحار الأنوار:96/68 ح 61.
3- الإرشاد للمفيد:266/1.

الإمام الحسين عليه السّلام في عاشوراء،و مثل شهادة زيد بن علي عليه السّلام،و ثورة التوابين...

و لكي يتضح الجواب عن هذا السؤال الذي يطرحه بعض الناس نحتاج الى شيء من الدقة،فلعل هؤلاء الناس الذين يطرحون مثل هذا التساؤل و يعتبرون هذه الأحداث التاريخية التي لم تثمر أو تصل الى غايتها بحسب الظاهر هي أمور تنقض هذا القانون العام(قانون الصبر و الظفر).

إنّ هؤلاء لم يدركوا بشكل صحيح هدف و غاية كل واحد من هذه الحوادث و الوقائع،و التي يكون تحقيقها لهذا الهدف أو تلك الغاية هو الانتصار و الفوز.

لهذا لا بدّ من الإجابة أولا عن هدف هذه الحوادث التاريخية ليتضح أن أصحابها لم يهزموا أصلا.

و كمقدمة ينبغي أن نلتفت الى أن الأهداف تختلف من حيث قربها و بعدها عن التحقق،فبعضها تكون نتيجتها سريعة و قريبة،و الآخر يحتاج الى أزمنة طويلة كغرس نبتة و تأمين كل ما تحتاجه حتى تنمو و تثمر.

فإذا توفرت هذه المقدمات و لم يحصل أي تقصير في إعدادها من خلال مواجهة العوامل السلبية المفسدة فإنها ستثمر حتما.

و لكن بعض الأشجار مثلا تحتاج الى أكثر من عشر سنوات لتعطي الثمار المطلوبة.

نعم المزارع يعتني بهذه الشجرة سنة بعد سنة و يراها تقترب من بلوغ هدفها الى إثمارها لكن المراقب عن بعد و بعد مرور سنتين مثلا يخطّىء المزارع انطلاقا من اليأس،لأن الشجرة لم تثمر بعد سنتين،و يقول أين الظفر بعد الصبر؟.

و هكذا بالنسبة لثورة عاشوراء و كل الوقائع التي كانت امتدادا لها،فقد حققت كل أهدافها.

ص: 81

فهذه الوقائع كانت كل واحدة خطوة ناجحة باتجاه القضاء على السلطات الغاصبة و إقامة المجتمع الإسلامي المنشود،و لا شك أنه بعد هذه الخطوات الأولى لو استمر اللاحقون بالمسيرة لتحققت الغاية المطلوبة من وراء مجموع هذه المساعي و التحركات،أما أن نتوقع تحقق مثل هذا الهدف من شخص واحد أو عدة أفراد في مرحلة ما فإنه في غير محله.

و في المثال المتقدم يمكن أن نقول لذلك المشاهد القليل الصبر و الخبرة:أن أولئك الذين أدركوا متاعب المزارع و أشرفوا على هذه الأعمال يعلمون جيدا أن كل يوم يمضي و كل ساعة ستكون مفيدة و منتجة و هم يدركون نتائج الصبر في كل لحظة قبل أن تأتي أختها.

فمرور سنتين من العمل يعني اقتراب الغرسة من النضج،و لو لم يكن هذا السعي في هذه السنتين مثلا لتأخرت الثمار سنة أو أكثر و لعله يضيع الهدف النهائي و لا يصل الى المطلوب،فهل الواقع غير ما ذكرنا؟.

و الى جانب هذه الحقيقة يوجد حقيقة أخرى و هي أنه بعد بروز مانع يمنع المزارع الحريص الصبور من الإستمرار في عمله إذا لم يتابع مزارع أخر عمله و لم يكمل أعمال السنة الثالثة و الرابعة فإن هذا الغرسة أو الشجرة لن تنضج أبدا.

و لا شك أن نتيجة الصبر في السنة الأولى قد حصل كما أن قلع أو قطع شجرة متجذرة أو إزالة صخرة كبيرة بدون التجهيزات اللازمة و اليد القوية ليس ممكنا، و لن تعطي أية نتيجة بدون وجود الصبر.

و لو أنجزت أول يد قوية و صبورة المقدمات الأولى اللازمة و بسبب مانع ما توقفت ثم أكملت الأيدي الأخرى العمل فإنها ستقترب نحو النتيجة المطلوبة.

و قد قام زيد بن علي عليه السّلام بسبب ظهور علامات نصر و لكنه لم ينتصر و إنما حقق

ص: 82

ما كان متوقعا من مثل نهضته فإن قيامه و استشهاده كان ضربة على الصخرة الصلبة لحكم بني أمية،هذه الصخرة التي يتطلب تحطيمها عدة ضربات متتالية، و عندما توالت الضربات على أثر تلك الضربة انهارت هذه الصخرة السوداء التي كانت تجثم على صدر الأمة الإسلامية.

و لا شك بأنه لو لم تكن الضربة الأولى لما حققت الضربات اللاحقة مطلوبها أو أنها ما كانت لتحدث تلك الضربات.

و كأنّ الحديث يشير الى ما نتحدث عنه بأن شهادة الحسين بن علي عليه السّلام كانت سببا لسقوط التيار السفياني و شهادة زيد بن علي عليه السّلام سببا لسقوط الحكم المرواني (1).7.

ص: 83


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:147.

آثار ثورة عاشوراء التاريخيّة

بركات طريق الإمام الحسين عليه السلام

إنّ طريق الحسين عليه السلام لم يغلق أبدا في بلادنا و أمّتنا طوال القرون،و لم يتمكّن المخالفون و المعاندون من فعل شيء.

إنّ هذا الطريق مليء بالبركات،و لو أنّ علماء الدين و المبلّغين و الخطباء سعوا في هذا الطريق بما يليق بشهر محرم و أبدعوا و ابتكروا و قاموا بجهود مخلصة مصحوبة بالأعمال الفكرية و العلمية القيّمة لازدادت البركات على ما كانت عليه بأضعاف مضاعفة.لذا فعلينا جهد إمكاننا أن نسعى جميعا في هذا المجال.

و قد ظهرت الآثار العميقة و الأساسية لهذه الحادثة تدريجيا منذ اليوم الأوّل لوقوعها،فعرف البعض بوظائفه منذ تلك الأيّام،فقامت حركة التوّابين،و وقعت حوادث الجهاد الطويل لبني هاشم و بني الحسن عليهم السلام،حتى أنّ ثورة العباسيين-الذين ثاروا ضد بني أميّة في أواسط القرن الثاني للهجرة،و أرسلوا الدعاة إلى أطراف العالم الإسلامي آنذاك خصوصا إلى المناطق الشرقية من إيران كخراسان و التي نجمت في القضاء على الحكومة الأموية الظالمة و المستكبرة و العنصرية،-قد بدأت باسم الحسين بن علي عليه السّلام.

فلو طالعتم التاريخ للاحظتم أنّ دعاة بني العباس عندما كانوا ينتشرون في أطراف العالم الإسلامي،كانوا يتّخذون من دم الحسين بن علي عليه السّلام و استشهاده و من الإنتقام لدم ابن الرسول صلّى اللّه عليه و اله و بضعة الزهراء عليها السلام وسيلة لتنظيم

ص: 84

حملاتهم الإعلامية،حتى أنّ السواد الذي أصبح شعارا و لباسا رسميا لبني العباس طوال خمسمائة عام من حكمهم،قد انتخب كلباس حداد على الإمام الحسين عليه السّلام، حيث كانوا يقولون:هذا حداد آل محمّد صلّى اللّه عليه و اله.

هكذا بدأ العباسيّون ثورتهم و أوجدوا هذا التغيير،و إن كانوا قد انحرفوا و انتهجوا نفس سياسة بني أميّة بعد ذلك.

إذن هذه من تأثيرات عاشوراء،و هكذا كانت على طول الزمان.

و ما وقع في عصرنا-أي عصر سيطرة الظلم و الكفر و الإلحاد على العالم أجمع، عصر أصبحت العدالة فيه مخالفة للقانون،و الظلم قانونا على الصعيد العالمي- كان أعظم من كل تلك الأحداث؛فما ترونه من تجبّر القوى الكبرى و رغبتهم في إيجاد نظام عالمي جديد هي عين ذاك الظلم،و ما يقع في العالم من الظلم و سحق الحقوق و ازدواجية التعامل كلها نتيجة لهذه الأسماء القانونية كالدفاع عن حقوق الإنسان.

و هذا أسوأ أنواع طغيان الظلم،أي سيطرة الظلم على العالم بإسم العدالة و الحق.

ففي مثل هذا العصر خرقت حجب الظلام و تجلّت شمس الحقيقة و وصل الحق إلى الحكم،و أعلن الإسلام الحقيقي و الأصيل تواجده و أجبر العالم على قبول تواجده في شكل نظام إسلامي بعد أن كانت الأيادي كلّها تسعى لإبعاده عن الساحة.

إستطاع إمامنا العظيم(رض)-و بالاستعانة بشهر محرم و حادثة عاشوراء-أن يوصل نداء الحق النابع من قلبه إلى أسماع الناس و يغيّرهم.و شهداؤنا-تلك الأيام- في طهران و ورامين و بعض المدن الاخرى كانوا من معزّي الحسين عليه السّلام،فأول الشهداء في حادثة 15 خرداد كانوا من الذين تعرّضوا لهجوم أعداء عاشوراء،و قد

ص: 85

شاهدتم في عام 1357 ه.ش(1978 م)كيف استفاد إمامنا العظيم و استخلص الدروس من محرم،و طرح قضية انتصار الدم على السيف و حقّق ما أراده،أي تلقّى الشعب الإيراني باتّباعه للحسين بن علي عليه السّلام الدرس من عاشوراء فانتصر الدم على السيف.

و إنّنا اليوم ورثة و أمنة هذه الحقيقة التاريخية؛أي أنّ الناس ترغب في سماع ذكريات حادثة عاشوراء و تتلقّى منها الدروس من على لسان العلماء و المعمّمين و المبلّغين و المبلّغات.فماذا يمكننا فعله في هذا المجال؟هنا تطرح قضية التبليغ، فالقضية مهمّة جدا.فإن تمكّن الطلبة الشباب و الفضلاء في الحوزات العلمية و المبلّغين و الخطباء و المدّاحين يوما ما من الإستفادة من حادثة عاشوراء-كحربة لمواجهة الظلامات المتراكمة و المسيطرة على حياة البشر،و خرق حجب الظلام بهذه الحربة الإلهية القاصمة،و إظهار شمس الحق في صورة حكومة إسلامية كما ظهرت هذه الحقيقة في عصرنا و شوهدت هذه المعجزة،فلماذا لا يتوقّع و ينتظر أن يشهر علماء الدين و المبلّغون و الخطباء-في كل عصر-سيف الحق و ذو فقار علي بوجه كل باطل؟و لماذا نستبعد هذا الأمر حتى لو كان إعلام العدو في تلك البرهة أقوى و أوسع و الظلمات أشد تراكما؟

صحيح أن الإعلام المعادي قد شغل اليوم أذهان جميع البشر،و صحيح أنّ الأموال الطائلة تصرف لتشويه صورة الإسلام و بالخصوص الشيعة،و صحيح أن كل من له مصالح غير مشروعة في حياة الشعوب و الدول،قد وظّف نفسه للتحرّك ضد الإسلام و الحكومة الإسلامية،أي أنّ الكفر-رغم تفرّقه و تشتّته-قد اتّفق على محاربة الإسلام الأصيل؛حتى أنّهم جعلوا الإسلام المحرّف في مواجهة الإسلام الأصيل،كل ذلك صحيح،لكن رغم كل هذا الإعلام المعادي الخبيث،ألا يمكن لجناح الحق و جبهة الإسلام الأصيل-و ببركة روح و نداء و حقيقة عاشوراء

ص: 86

و رسالة محرم-أن يكرّر تلك المعجزة مرة أخرى؟!نعم،إنّه عمل شاقّ،لكنّه ممكن و تلزمه الهمّة و التضحيات،و هذه وظيفتنا نحن (1).7.

ص: 87


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:157.

عاشوراء قمة المعارف

عاشوراء بذاتها شعيرة تخلق لدى الإنسان الحماس و الحركة و النمو الفكري؛ فعاشوراء ليست شعائر جافة فارغة،و إنما هي مراسم تنطوي على الفكر و التخطيط و الهدفية و الوعي و المعرفة.

إن العالم متعطّش للحقيقة اليوم،و ليس هذا كلام عالم دين أو مسلم متعصّب، بل كلام أناس هم على ارتباط و علاقة بالثقافة الغربية ممن أحسنوا الظن بتلك الثقافة و منظّريها يقولون:إنّ الشرائح الحسّاسة في العالم الغربي عطشى لحقيقة الإسلام،و المقصود من الشرائح الحسّاسة هم العلماء و المفكّرين و أصحاب الضمائر و المثقّفين و الشباب.

فهؤلاء هم الأجزاء الحسّاسة لهيكل المجتمعات الغربية-إنهم عطشى لدرس في الحياة يخلّصهم من آلاف المشاكل الحقيقية و الواقعية،فالكثير من مشاكل الحياة ليست مشاكل واقعية،إنّ المشكلة الواقعية هي الشعور بعدم الأمن الروحي،الشعور بالغربة،بالكآبة،بالتزلزل و عدم الإطمئنان و السكينة.

هذه هي المشاكل الحقيقية للبشرية حيث يجبر شخص ما على الإنتحار و هو في قمة الثراء و الشهرة،فلماذا ينتحر ذلك الشاب الثري الذي يملك إمكانيات التنعّم و التمتع؟!و أي ألم أصعب من فقد المال و عدم توفّر إمكانيات المتعة الجسمية و اللذة الجنسية؟!!

فعدم الإطمئنان و عدم السكينة،عدم وجود نقطة اتكاء روحي،عدم الأنس و التواصل بين الناس،الشعور بالغربة،و الشعور بالإنكسار،كلها آلام ابتليت بها

ص: 88

المجتمعات المادية و الغربية في العالم اليوم،و تشعر بها الشرائح الحسّاسة أكثر من غيرها؛لهذا فهم يترقّبون الخلاص من هذه الآلام.

إنّ الأنظار قد توجهت إلى الإسلام أينما توفّر فيه الوعي؛رغم وجود بعض من غير الواعين الذين لا يعرفون الإسلام،لكن الأرضية مهيّأة لاعتناق الإسلام،فالذين عرفوا الإسلام سوف يتكئون عليه فقط.فأحد المفكرين الإيرانيين الذي انتقل إلى رحمة اللّه أخيرا،قال في أواخر عمره:إنّ الغرب يبحث اليوم عن شخصيات أمثال الشيخ الأنصاري و ملا صدرا،فحياتهم و معنوياتهم و قيمهم قد جذبت الشخصيات و المفكرين الغربيين إليها.

إن النبع الزاخر لهذه القيم و المعارف الإسلامية كامنة هنا،و قمة هذه المعارف هي«عاشوراء»،فيجب معرفة قيمة هذه الامور إذ أننا نرغب في تقديم هذه المعارف للعالم.

و هنا أشكر جميع الذين أستجابوا لدعوتنا و قاموا بتنزيه مراسم العزاء يوم عاشوراء من التحريف،و إنني أؤكد مرة أخرى على هذه المسألة،أيّها الأعزاء!أيها المؤمنون بالحسين بن علي عليه السّلام!أنّ بإمكان الحسين بن علي عليه السّلام أن ينقذ العالم اليوم بشرط أن لا نشوّه صورته بالتحريفات.

لا تدعوا المفاهيم الخاطئة و التحريفات تصرف الأعين و القلوب عن وجه سيد الشهداء عليه السّلام المبارك و المنوّر.فيجب التصدي للتحريف.

ص: 89

تبيين ثورة الحسين عليه السلام

يجب متابعة قضية عاشوراء و الحسين بن علي عليه السّلام من على المنبر و خلال الرثاء،بالصورة التقليدية السابقة،ببيان وقائع ليلة و يوم العاشر،فعادة ما تندثر الحوادث حتى الكبيرة منها مع مرور الزمن،لكن حادثة عاشوراء باقية بكل جزئياتها و ذلك ببركة هذه المجالس.طبعا يجب أن يكون بيان الوقائع بصورة متقنة على ما ورد في كتابي اللهوف لابن طاووس و الإرشاد للمفيد،لا الامور المختلقة.

إذن يجب نقل الأحداث و قراءة الرثاء و المديح و اللطميات و بيان حادثة عاشوراء و هدف الإمام الحسين عليه السّلام من خلالها،كتلك التي وردت في كلمات الإمام عليه السّلام مثل:«إني لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا ظالما و لا مفسدا و إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي».

أو قوله الشريف:«أيّها الناس إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه ناكثا لعهد اللّه فلم يغيّر عليه بقول و لا فعل،كان حقا على اللّه أن يدخله مدخله» (1).

أو قوله عليه السلام:«فمن كان باذلا فينا مهجته و موطّنا على لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا» (2).

ص: 90


1- شرح إحقاق الحق:603/11.
2- أبصار العين في أنصار الحسين عليه السّلام:27.

فالكلام هنا عن لقاء اللّه،و الهدف من خلق البشر،و«إنّك كادح إلى ربّك كدحا فملاقيه».كل هذه المساعي و المشاقّ لأجل هذا الأمر«فملاقيه»،فمن كان موطّنا على لقاء اللّه فليرحل مع الحسين،و لا يجوز له المكوث في البيت و التعلّق بالدنيا و متاعها و الغفلة عن طريق الحسين عليه السّلام.

فيجب أن نتحرّك،و هذا يبدأ بتهذيب النفس ثم التحرك إلى المجتمع و العالم.

فهذه أهداف و خلاصة ثورة الحسين.

إنّ خلاصة ثورة الحسين عليه السّلام هي أنه مرّ يوم على الإمام عليه السّلام كانت الدنيا فيه تحت سيطرة الظلم و الجور،و لم يجرؤ أحد على بيان الحقائق،كان الجو و الأرض و الزمان مظلما و أسودا؛حتى أنّ ابن عباس و عبد اللّه بن جعفر لم يرحلا مع الإمام عليه السّلام،فما معنى ذلك؟ألا يدل على وضع الدنيا حينها؟

فالإمام الحسين عليه السّلام قد وقف وحيدا في مثل تلك الظروف-طبعا مع نفر قليل، و حتى و إن لم يبقى النفر القليل-بوجه الظلم.افرضوا أنّه عندما قال الإمام عليه السّلام ليلة عاشوراء لأصحابه:ليس عليكم منّي زمام،ذهب الجميع و ذهب أبو الفضل العباس و علي الأكبر و بقي الإمام وحيدا،فماذا كان يحدث يوم عاشوراء؟هل يتراجع الإمام عليه السّلام؟أم أنّه يقف و يقاتل؟

و لقد ظهر في عصرنا رجل قال:لو بقيت وحيدا و تقف الدنيا كلّها بوجهي،فلن أتراجع عن طريقي،و كان ذلك هو إمامنا الخميني،و قد فعل و صدق فيما قاله مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (1)،رأيتم ماذا فعل رجل ترعرع في مدرسة الحسين عليه السّلام و عاشوراء.

فلو كنا جميعا من مدرسة عاشوراء،لسارت الدنيا نحو الصلاح بشكل سريع3.

ص: 91


1- سورة الأحزاب:23.

جدا،و لمهّدت الأرض لظهور ولي الحق المطلق.

إذن يجب بيان هذه المفاهيم للناس من خلال الوعظ و الرثاء و المديح،يجب على المبلّغين بيان هدف الإمام الحسين عليه السّلام للناس في القرى و المدن،في البلاد و في أرجاء الدنيا،من على المنابر و تأسيس منابر الإلقاء و بالصور المختلفة،ليذكر المبلّغ حديثا أخلاقيا أو يشرح سياسة البلاد و السياسة العالمية،فلا بأس في ذلك، لكن يجب أن يكون خطابه بشكل بحيث يتم فيه بيان حادثة عاشوراء تصريحا أو تلميحا،منفصلا أو ضمنيا،كي لا تبقى خافية و مكتومة.

ص: 92

إحياء الإسلام و بيان حقائقه

ينبغي الإستفادة من هذه الفرصة للقيام بما قام به الإمام الحسين عليه السّلام،أي إحياء الإسلام ببركة جهاده فقد جدّد الإسلام حياته و نال حريّته بفضل ثورة و دم الحسين بن علي عليه السّلام.

و اليوم عليكم أنتم-و بالاستفادة من ذكر و اسم و منبر الإمام الحسين عليه السّلام- بيان حقائق الإسلام و التعريف بالقرآن و الحديث و قراءة نهج البلاغة للناس،فمن الحقائق الإسلامية هي هذه الحقيقة المباركة التي تجسّدت اليوم في إيران الإسلامية،أي نظام الجمهورية الإسلامية،النظام النبوي و العلوي و الولائي،فإنّ حكومة الحق من أسمى المعارف الإسلامية،فلا يتصوّر أحد أنّه يمكن تبيين حقائق الإسلام،مع بقاء حاكمية الإسلام التي تجسّدت اليوم في هذا البلد مغفول عنها (1).

ص: 93


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:163.

صبر الإمام الحسين صان الإسلام

إن صبر الإمام الحسين عليه السّلام هو الذي صان الإسلام على مر التاريخ حتى يومنا هذا؛و في الحقيقة لو أن الإمام الحسين عليه السّلام لم يصبر ذلك الصبر التاريخي في كربلاء و قبيلها و أثناء ما سبق واقعة عاشوراء فلا شك في عدم بقاء اسم للإسلام بمرور قرن واحد من الزمان،بيد أن الإمام الحسين عليه السّلام أحيا الدين ببركة صبره الذي لم يكن صبرا هيّنا؛فالصبر ليس أن يتعرض الإنسان للتعذيب أو يعذّبون أبناءه أو يقتلونهم أمام عينيه و يصمد الإنسان-و هذه بالطبع مرحلة مهمة من الصبر-غير أن الأهم من ذلك الوساوس و التصريحات التي تبدو بظاهرها في نظر البعض منطقية فتصد المرء عن مواصلة الطريق،و ذاك ما فعلوه مع الإمام الحسين عليه السّلام،فقالوا له:إلى أين أنت ذاهب؟إنك تعرّض نفسك للخطر؛و تعرّض أهلك للخطر،و تدفع العدو لأن يتجرأ و تتطاول أيديهم على دمائك.و كل من يأتي عند الإمام الحسين عليه السّلام يضع إرادة الإمام في مواجهة هذا المحظور الأخلاقي و هو أنك بخطوتك هذه إنما تخاطر بأرواح فئة من الناس و تجعل العدو أكثر تسلطا و تدفعهم لأن يلطّخوا أيديهم بدمائك.و هذه قضية على قدر كبير من الأهمية.

إنها حرب غير واضحة المعالم أن يقول المرء إنني ذاهب كي أقتل،فثمة محاذير من ورائها،و ربما كانت معلومة بالنسبة للإمام الحسين عليه السّلام أو أثير عنده أن إذا قتلت سيبادرون لإبادة شيعتكم في الكوفة،فيجب أن تبقى حيا لتكون ملاذا لهم، فأنت سبط النبي صلّى اللّه عليه و اله،و بالمحافظة على حياتك تحافظ على حياة مجموعة من الناس،و قد تكرر هذا بعينه مع الإمام الخميني"رضوان الله عليه".

ص: 94

لست أنسى اعتقال الإمام بعد واقعة الخامس عشر من خرداد و وقوع ذلك الحدث الدامي،فقال لي أحد مشاهير الأعلام و من الشخصيات البارزة:هل إن هذا عمل صحيح،إذ إن كل هؤلاء الشباب الذين تعج بهم البلاد و هم في غالبيتهم فاسدون و الأفضل بينهم هم المتدينون،و خيرة المتدينين هم الذين نزلوا إلى الشوارع،و إن فلانا بحركته هذه قد وضع الخيرة أمام حراب العدو فأريقت دماؤهم!

أمنطق هذا؟من يتغلب على هذا المنطق و يلتزم الصبر أزاء هذا المنطق الرهيب يكون قد صبر صبرا عظيما،و إنه لصبر الإمام الحسين عليه السّلام الذي تحلّى به الإمام الخميني(رض).

عاشوراء و بقاء الإسلام

تدبّروا عوامل بقاء الإسلام،فأحد عوامل البقاء قضية عاشوراء و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.ففي كل مجتمع ينشأ فساد إذ لا يخلو مجتمع بشري منه،فكيف يمكن القضاء على هذا الفساد؟البعض ما إن تقع عينه على الفساد حتى يقول:إذن أين المسؤولون حتى يقضوا على الفساد!طبعا ما يرى من الفساد بالعين أقل غالبا بكثير من المفاسد التي لا يمكن مشاهدتها ممّا يحصل في الأزقة و الطرق العامة و الأسواق و لا يعرفها إلا المطّلعون،لكن هذا البعض ما إن يرى هذا المقدار البسيط حتى يبحث عن المسؤولين!كلا،على المجتمع أن يطوي و يزيل الفساد الذي في داخله كما تصنع تيّارات الماء الهدّارة.

تدبّروا أنهار العالم العظيمة تجدون أن تيّاراتها الهدّارة تطوي كل ما يلقى فيها من الأدران و الأقذار و تبدّلها إلى مواد حيوية فيطهر الماء.

فعلى المجتمع أن يكون كذلك و أن يصل إلى المستوى الذي يقضي فيه حتى

ص: 95

على قطرة الفساد الواحدة.

بقاء الدين حيّ بفضل تضحية الحسين عليه السلام

إنّ فرصة التبليغ في شهر محرم الحرام فرصة ثمينة و فريدة،و الفضل فيها يعود لسيد الشهداء و أبي الأحرار أبي عبد الله الحسين عليه السّلام و أصحابه الغرّ الميامين.لقد بقي أثر تلك الدماء-التي أريقت ظلما-خالدا على مدى التاريخ؛لأن الشهيد-الذي يضع روحه على طبق الاخلاص و يجود بها في سبيل الغايات النبيلة للدين-لابد و أن يتّسم بالإخلاص و النقاء.و أيّ مخاتل و مخادع مهما بلغت به القدرة على تطويع اللغة و البيان على إظهار نفسه و كأنّه مناصر للحق،لابد و أن يتراجع عندما تتعرض مصالحه الذاتية لأيّ تهديد،و خاصة إذا كان في ذلك التهديد خطورة على نفسه و أنفس أعزائه،و لا يبدي عند ذلك أيّ استعداد للتضحية و البذل.

و أمّا من يسير على طريق التضحية و الفداء و يجود بنفسه بصدق و إخلاص في سبيل الله،كان حقا على الله أن يكتب له الحياة،إذ أنه قال في كتابه الكريم: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ (1)و قال أيضا وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (2)و أحد أبعاد الحياة هو هذه المعالم التي لا يمحى أثرها و لا ينتكس لواؤها.

أجل،إنّها قد تبهت ألوانها لمدّة من الزمن بفعل أساليب القهر و العنف التي تمارسها القوى المتجبّرة المستبدة،إلاّ أنّ الله تعالى كتب لها البقاء و الخلود.و قد قضت سنّة الله بديمومة سبيل النزهاء و الصالحين و المخلصين؛فالإخلاص صفة

ص: 96


1- سورة البقرة:154.
2- سورة آل عمران:169.

ذات آثار مدهشة،و لهذا بقي الدين حيّا بفضل تضحية الحسين بن علي عليه السّلام و بفضل دمه و دماء أصحابه التي أريقت ظلما و عدوانا.

من غير المرتجى طبعا أن يقتات جيل ما على مواريث مفاخر و مآثر الأجيال الأخرى،و إذا ما كان هناك مثل هذا الجيل فهو بلا ريب آيل إلى الانحطاط،إذ مادامت هذه الحركة متسارعة في سيرها يفترض بالأجيال البشرية المؤمنة أن يؤدّي كل منها دوره المطلوب فيها،و لا شك طبعا في أن دور المؤمنين و المخلصين يختلف باختلاف الأزمان و حسب متطلبات كل عصر؛و تلك الأداور على ما فيها من التفاوت تعتبر كلها جهادا في سبيل الله،لأن الكل فيها معرّضون للبذل و التضحية و من جملتها التضحية بالنفس؛و قد يكون ذلك في ميدان الحرب تارة و في الحوزات العلمية تارة أخرى،و قد تكون التضحية على غرار تضحية الشهيدين الأول و الثاني مرّة،أو قد تكون في الساحة السياسية مرّة أخرى،أو في ميدان التقدم الاجتماعي،أو أثناء أحداث ثورة كبرى كهذه الثورة الإلهية،و قد تكون ثالثة لأجل تبيين حقائق الدين،كما هو الحال بالنسبة للشهيدين مطهّري و بهشتي؛إذ أنّ لكّل عصر متطلباته.

أجل،إنّ هذا الطريق دائم لا نهاية له،و لكن من الذي ينهض بمهمة ديمومة هذه الحركة؟.

ص: 97

تحقيق الحسين متطلبات الإنسان في ظل أحكام الدين

و واصل عليه السّلام كلامه بالقول:"و يعمل بفرائضك و أحكامك و سننك" (1).

إني أتساءل من أين يأتي البعض-رغم عدم معرفتهم بمبادئ الإسلام و لا بكلمات الإمام الحسين و لا باللغة العربية-بآراء يزعمون فيها أنّ الإمام الحسين عليه السّلام ثار من أجل كذا غاية أو كذا هدف.

فهذا كلام الإمام الحسين عليه السّلام بين أيدينا و يقول فيه"و يعمل بفرائضك و أحكامك و سننك".بمعنى أنّ الإمام الحسين عليه السّلام ضحّى بنفسه و بنفوس أكرم و أطهر الناس في عصره من أجل أن يعمل الناس بأحكام الدين،لأن السعادة رهينة بالعمل بأحكام الدين،و العدالة متعلقة بالعمل بأحكام الدين،و حرية الناس منوطة بالعمل بأحكام الدين؛فمن أين لهم الإتيان بالحرية؟إن جميع متطلبات الإنسان تتحقق في ظل أحكام الدين.

إنّ إنسان اليوم لا يختلف في متطلباته الأساسية عن إنسان ما قبل ألف سنة،و لا حتى عن إنسان ما قبل عشرة آلاف سنة،لأن متطلبات الإنسان الأساسية واحدة؛ فهو يتطلع إلى الأمان،و المعرفة،و الحرية،و الحياة الرغيدة،و ينفر من التمايز و الظلم.أمّا المتطلبات الأخرى العارضة أو الطارئة في حياة الإنسان،فيمكن ضمان تحقيقها في ظل و في إطار تلك المتطلبات الأساسية.

و هذه المتطلبات الأساسية يمكن ضمانها في ظل دين الله فحسب،و ليس هنالك

ص: 98


1- تحف العقول:239.

من مذهب من المذاهب البشرية ذات التسميات الرنانة له القدرة على استنقاذ الإنسان و حتّى إذا افترضنا أن لديهم القدرة على توفير الأموال لعدد من الناس،فهل المال هو كل ما تتطلبه حياة الإنسان؟و هل حياة الإنسان اليوم تتطلب أن يبلغ الإنتاج القومي الكلّي في بلد معيّن مبلغا خياليا،في حين يعجز هذا الإنتاج القومي الكلّي عن أن يفي بالمستلزمات الغذائية لذلك الشعب؟فهل نقنع بهذا؟و هل هذا هو كل ما نطمح إليه؟!

ما فائدة أن يكون بلد ما غنيّا،في حين يوجد فيه جياع كثيرون؟و يكون لديه إنتاج وافر،و لكنه يضجّ بالتمييز بين أبناء الشعب؟و تستطيع فئة صغيرة الإستعانة بتلك الثروات لإنزال الظلم بحق جموع كثيرة من ذلك الشعب و التسلط عليهم و استغلالهم؟و هل لمثل هذه الظروف يعمل الإنسان؟و لمثل هذه الأوضاع يبذل و يضحّي؟!إنّ التضحية يجب أن تكون في سبيل العدالة و الحرية و السعادة؛ و هذا هو ما يضمن الدين تحقيقه.و التضحية يجب أن تكون في سبيل أن يتحلّى الناس بالفضائل و الأخلاق الحسنة،و لتشيع في أجواء الحياة معاني الإخلاص و النقاء.و لمثل هذا يجب أن يعمل العاملون،و يجب أن ينصبّ عملكم التبليغي و الإعلامي في هذا الإطار.

ص: 99

أوّل استفادة من عاشوراء

لقد استغلّت هذه التجربة(عاشوراء)مرّة واحدة بشكل صحيح و تحقّق فيها النصر المطلق،ألا و هي الثورة الإسلامية في عصرنا،لقد خلق الباري تعالى إمامنا العظيم بشكل لم تكن تلك الشخصية تشعر بالتعب و الهزيمة،و لم يكن للفشل أثر على روحه أبدا،بل كان يحاول التقدّم حتّى في أصعب الظروف،فقد رأيتم عن قرب طوال الأعوام الثمانية من الحرب أنّ الذي لم يقرّر الإنسحاب في أصعب الظروف هو شخص الإمام(ره)،فكان صامدا كالجبل الراسخ،و الإنسان يجاهد بسهولة لو كان وراءه جبل راسخ كالإمام،و قد كان الإمام هكذا في مرحلة الكفاح أيضا، فاستمرّ في الكفاح رغم الكثير من الهزائم و الصعاب و التعذيب و الضغوط و النفي و كبر السنّ،حيث لم يكن الإمام شابّا عند ما دخل ساحة الكفاح،بل كان يبلغ ثلاثة و ستين عاما عندما بدأ الكفاح،و أتذكّر في خطاباته عام 1341 ه ش 1962(م)حيث كان يقول:لماذا و ممّ أخاف؟فإن قتلوني فعمري 63 و سأموت و أنا في عمر النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و أمير المؤمنين عليه السلام،فأيّة سعادة أعظم من هذه؟هكذا كان منطقه.

لقد بدأ الإمام الكفاح و هو كبير في السنّ حيث كان يبلغ ثلاثة و ستين عاما،و بما أنّ ذلك اليوم كان مناسبا،فقد استطاع تحمّل جميع المشاقّ في الكبر،و عند ما تسلّم قيادة الثورة العظيمة كان في الثمانين من عمره،و قادها بتبعاتها العظيمة التي شاهدتموها حتّى سنّ التسعين.و لم تهزّ هذا الجبل الراسخ أبدا تهديدات أمريكا و الإتحاد السوفياتي و اتحاد القوتين العظميين و حرب الثمان سنوات و الهجوم

ص: 100

على طبس و الحظر الإقتصادي و الإعلامي و السياسي و غيره،«لا تحرّكه العواطف»،لهذا استطاع أن ينتصر.

لقد استغلّت هذه التجربة مرة واحدة و هي في ثورتنا،واصطفّ الشعب و المناضلون خلف هذا الرجل و رصّوا الصفوف حتّى أنّ أضعف الناس قد التحق بهم،و بالتالي انهزم العدو.

إنّ العدو منهزم منّا و من ثورتنا الإسلامية اليوم،فهذا الصخب و الضجيج الإعلامي و التظاهر بالقوة دليل على هزيمتهم أمام الثورة،و تسابق زعماء أمريكا للتصريح ضدّ الجمهورية الإسلامية و النظام الإسلامي و وضع الخطط و اتّخاذ القرارات دليل على شعور تلك القوة العظمى بالهزيمة أمام الثورة الإسلامية، و دليل على صمود و انتصار الشعب الإيراني المسلم في هذا الميدان العظيم طوال سبعة عشر عاما.

لكن العدو يراقب بشدّة الثورة،فإن رأى-و لو للحظة-ضعفا في الشعب،هاجم دون أدنى رحمة.

و الامور التي تطرح في هذه الأيام لا تعتبر هجوما،و ليست لها أدنى أهمية أو اعتبار.يقولون نفرض عليكم حظرا اقتصاديا!!أفلم يقوموا بذلك من قبل؟!

إنّ العالم اليوم ليس كالسابق لترضخ فيه أوروبا و بلدان آسيا الكبرى للساسة الأمريكان الوقحين و الطامعين و سيّئي الخلق،لأنّ لكلّ شعب اليوم موقع و مكانة في العالم،حتّى أنّ الشعوب الصغيرة أيضا لو كان يحكمها زعماء جيّدون لما كانت مستعدّة للرضوخ لأمريكا،فمن يهتمّ بهم و يرضخ لهم؟!

و على فرض نجاح و انتصار و استمرار رؤساء أمريكا في أهدافهم الخبيثة،فذاك يعدّ بداية لانتصار الشعب الإيراني،فالشعب الإيراني لا يحتاج إلى أحد،إنّ شعبنا

ص: 101

بحاجة إلى ثقة بالنفس و البحث عن الذات،إنّ الشعب الإيراني بحاجة إلى أن يجرّب نفسه في الميادين الصعبة حتّى يكتشفها،فهو شعب عظيم و يتمتّع باستعدادات عظيمة،و هنا تكمن القيم السامية،لكن الأعداء لم يسمحوا لنا بالتفرّغ لأنفسنا و ترتيب أوضاعنا.

فهنيئا لليوم الذي يفكّر الشعب بنفسه و يتدبّر أمره و يراجع إمكانياته و قدراته مثلما حدث ذلك في فترة الحرب نظرا للحاجة،و قد شاهدنا ثمراته الطيّبة،و بناءا على ذلك فإنّنا لا نخسر شيئا في مثل هذه الأحداث.

إنّ المشكلة هي وجود قوة على رأس القوى في العالم لا تعير أدنى أهمية للفضائل الإنسانية الحقيقية،إنّ قادة أمريكا اليوم بصدد توسيع نفوذهم و بسط سيطرتهم على العالم،و لا يعيرون أدنى أهمية لأي من المبادىء و القيم الإنسانية، إنّهم لا يعيرون أهمية لأنين الشعب الفلسطيني و سائر الشعوب الإسلامية إنما يسحقون في العالم،و لا قيمة عندهم للديمقراطية التي توصل جماعة لا تصغي لأوامرهم إلى الحكم،إنّهم يريدون الديمقراطية متى ما عادت عليهم بالنفع، و أوصلت إلى الحكم جماعة تصغي إليهم و تكون رهن إرادتهم،و في غير ذلك لا يعترفون بالديمقراطية أبدا!!

لقد ازدادت مراكز الصمود-و لله الحمد-ضدّ هذه السياسة اليوم في العالم،فإن كانت الجمهورية الإسلامية بالأمس وحيدة،لكن هناك اليوم شعوب أخرى صامدة ترفض الرضوخ لهم (1).9.

ص: 102


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:153-169.

آثار و نتائج نهضة أبي عبد اللّه عليه السّلام

حماية الإسلام و جهود النبي

قال الإمام الخميني (1):لو لم تكن عاشوراء و لو لا تضحيات آل الرسول لتمكن طواغيت ذلك العصر من تضييع آثار بعثة النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و جهوده الشاقة.و لو لا عاشوراء لسيطر المنطق الجاهلي لأمثال أبي سفيان(كان أبو سفيان رئيسا لقبيلة قريش و أعدى الأعداء للرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و كان يقود الكفار و المشركين لمخالفة الإسلام و إلحاق الأذى بالمسلمين.و لم يسلم حتى انتصار المسلمين و فتحهم لمكة و تفيد الروايات الموجودة أنه آمن ظاهرا و لم يعتقد بالإسلام في باطنه.راجع هامش رقم 8 و 20.)الذين أرادوا القضاء على الوحي و الكتاب،فقد هدف يزيد- حثالة عصر الوثنية و الجاهلية المظلم-إلى استئصال جذور الحكومة الإلهية ظنا منه أنه يستطيع بواسطة تعريض أبناء الوحي للقتل و الشهادة أن يضرب أساس الإسلام،فقد كان يعلن صراحة:"لا خبر جاء و لا وحي نزّل".و لا ندري لو لم تكن عاشوراء ما الذي كان حصل للقرآن الكريم و الإسلام،لكن إرادة اللّه تبارك و تعالى شاءت-و ما تزال-أن يخلد الإسلام المنقذ للشعوب و القرآن الهادي لها،و أن تحييه دماء شهداء من أمثال أبناء الوحي و تصونه من أذى الدهر،فتبعث الحسين بن علي عليه السّلام-عصارة النبوة و تذكار الولاية-و تستنهضه كي يضحّي بنفسه

ص: 103


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

و بأرواح أعزته فداء لعقيدته و من أجل أمة النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله العظيمة كي تبقى دماؤه الطاهرة تغلي على امتداد التاريخ و تجري دفّاقة لتروي شجرة دين اللّه و تصون الوحي و تحفظ معالم الدين.

لقد أثمرت شهادة سيد المظلومين و أتباع القرآن في عاشوراء خلود الإسلام و كتبت الحياة الأبدية للقرآن الكريم،إن الشهادة المأساوية و الأسر الذي تعرّض له آل اللّه عرّضت عروش اليزيديين و سلطتهم-التي أرادت محو أساس الوحي باسم الإسلام-إلى الفناء و إزاحة السفيانيين عن مسرح التاريخ إلى الأبد.

لقد حفر اليزيديون في يوم عاشوراء قبورهم بأيديهم الآثمة و تسببواهم بهلاك أنفسهم و محق نظام حكمهم الظالم المتعسف،و ها هم البهلويون(يقصد الإمام من البهلويين،رضا شاه بهلوي و محمد رضا شاه بهلوي.)و جلاوزتهم المجرمون قد حفروا بأيديهم قبورهم عبر ما اقترفوه في 15 خرداد 1342 ه ش(15 حزيران 1963)و وصموا أنفسهم بالخزي و العار الأبدي،و ها هو الشعب الإيراني العظيم- و الحمد للّه-يمطر قبورهم باللعنات و يدوس-باقتدار و ظفر-ذكرهم و آثارهم.

لو لم تكن نهضة الحسين عليه السّلام،لأظهر يزيد و أتباعه الإسلام أمام الناس بشكل مشوّه،فهم لم يؤمنوا بالإسلام منذ البداية و كانوا يكنّون الحقد و يضمرون الحسد ضد أولياء الإسلام.

و عندما أقدم سيد الشهداء على تلك التضحية جعل-علاوة على إلحاقه الهزيمة بأعدائه-الناس ليلتفتون بعد برهة قصيرة إلى فداحة ما حصل و إلى عظم المصيبة التي نزلت بهم،مما أدى إلى القضاء على بني أمية و تدمير حكمهم.

لقد قامت تلك الشخصية العظيمة التي نفذت من عصارة الوحي الإلهي و تربت في أحضان سيد الرسل محمد المصطفى صلّى اللّه عليه و اله و سيد الأولياء علي المرتضى عليه السّلام و نشأت و ترعرعت في أحضان الصديقة الطاهرة عليها السّلام،و نهضت و قدّمت التضحيات المنقطعة النظير فهزت و من خلال تضحياتها و ملحمتها الإلهية عروش

ص: 104

الظالمين و حطّمتها و أنقذت الإسلام عبر تلك الواقعة الكبرى.

لقد فجّر سيد الشهداء عليه السّلام نهضة عاشوراء العظيمة،فأنقذ-من خلال تضحيته العظيمة بدمه و دماء أعزته-الإسلام العدالة و قوّض أركان حكم بني أمية.

لو لا تضحيات حرّاس الإسلام العظماء و استشهاد أنصار أبي عبد اللّه عليه السّلام البطولي لشوّهت صورة الإسلام على يد بني أمية من جرّاء تعسفهم و بطشهم، و لذهبت جهود النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و أصحابه المضحّين أدراج الرياح.

إن معظم الأئمة الأطهار عليهم السّلام إما أنهم قتلوا أو تعرّضوا لغير ذلك،لكن مدرستهم و خطّهم بقيا محفوظين.فسيد الشهداء عليه السّلام قتل،لكن نهجه و مدرسته ظلت خالدة، بل إنه أحيى الإسلام بمقتله.

إن معظم أصحاب الحق قد غلبوا،لكن الدين بقي مصانا محفوظا.فسيد الشهداء (سلام اللّه عليه)قد قتل و قتل معه أصحابه و عشيرته لكنهم دفعوا عجلة الدين و قدّموا له خدمة عظيمة،فالدين لم يتعرض بعملهم لهزيمة بل حقق تقدما،أي أنه هزم بني أمية إلى الأبد.

لقد سعى بنو أمية في تشويه الإسلام و العمل خلافا للموازين الإنسانية تحت غطاء الخلافة الإسلامية،فنهض سيد الشهداء عليه السّلام و ضحّى بدمه فأطاح بذلك النظام الفاسد و دمّره.

إن أولياء اللّه ينكسرون أيضا،فلا شك أن أمير المؤمنين عليه السّلام إنكسر عسكريا في حربه ضد معاوية(يقصد الإمام حرب صفين.إذ قام أمير المؤمنين الإمام علي عليه السّلام في بداية إمامته بعزل معاوية الذي كان يحكم الشام منذ زمن الخليفة الثاني.

و قد تمرد معاوية على هذا الأمر و جمع الناس حوله بذريعة الثأر لعثمان و تحرك نحو الكوفة لمقاتلة الإمام.و تقابل الجيشان في منطقة بالقرب من نهر الفرات تسمى صفين.و تلاقى الجيشان 90 مرة في هذه المعركة و لجأ معاوية في النهاية إلى حيلة عمرو بن العاص عندما أحس بقرب هزيمته فأمر جيشه برفع

ص: 105

المصاحف على الرماح و التحكيم و وقف الحرب.

أثّرت خديعة عمرو بن العاص و حصل اختلاف في جيش الإمام و اضطروه إلى قبول التحكيم.

بدأت حرب صفين في شهر صفر من عام 37 هجري قمري و استمرت مدة 110 أيام.و مجموع القتلى في هذه المعركة هو 70000 شخصا و قتل من جيش معاوية 45000 نفر.)و لا شك أن الإمام الحسين عليه السّلام إنكسر عسكريا في حربه ضد يزيد، لكنهما في الحقيقة انتصرا،فما وقع كان هزيمة ظاهرية و نصرا حقيقيا.

إن سيد الشهداء عليه السّلام هو الذي صان الإسلام و حفظه حتى وصل إلينا نحن الجالسين هنا.

إن الإسلام عزيز لدرجة جعلت الأئمة عليهم السّلام من أبناء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يضحّون بأنفسهم من أجله.فسيد الشهداء عليه السّلام قتل و أولئك الشبان و الأنصار في سبيل الإسلام،فضحّوا بأرواحهم و أحيوا الإسلام.

لقد خاض سيد الشهداء عليه السّلام غمار النضال و الجهاد ضد الحكومة الطاغوتية التي كانت قائمة آنذاك،و استشهاده لم يضرّ بالإسلام بل خدم الإسلام و دفع به إلى الإمام،فلو لا شهادته لكان معاوية و ابنه قد تمكنا من إظهار الإسلام للعالم بشكل آخر تحت ستار خلافة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و تحت غطاء الذّهاب إلى المسجد و إقامة صلاة الجمعة و إقامة صلاة الجماعة و إمامتها.

كان معاوية و ابنه يزعمان خلافة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،و أن حكومتهما حكومة الإسلام،لكن محتوى حكمهما كان غير ذلك،فلا الحكومة حكومة إسلامية-من حيث المحتوى و الجوهر-و لا الحاكم حاكم إسلامي.

و لما رأى سيد الشهداء عليه السّلام ما يقوم به هؤلاء من دور لمحو الإسلام و إعادة الوضع إلى ما كان عليه في الجاهلية،و إظهار الإسلام و كأنه نظير لما كان سائدا من الأوضاع في الجاهلية،تحرك عليه السّلام و أحبط مساعيهم.

ص: 106

إن شهادة سيد الشهداء عليه السّلام أحيت الدين،لقد استشهد هو و أحيى الإسلام و دفن النظام الطاغوتي لمعاوية و ابنه يزيد،فشهادة سيد الشهداء عليه السّلام لم تكن شيئا مضرا بالإسلام،و إنما كانت لمصلحة الإسلام،فهي التي أحيته.

لو لا سيد الشهداء عليه السّلام لاستطاع هؤلاء تقوية و تدعيم نظامهم الطاغوتي و لأعادوا الوضع إلى ما كان عليه في الجاهلية،لو لا هذه الثورة المباركة لكنا أنا و أنتم الآن مسلمين من النوع الطاغوتي لا على النهج الحسيني...لقد أنقذ الإمام الحسين عليه السّلام الإسلام.

لقد تعرّض الإمام الحسين(سلام اللّه عليه)للهزيمة عسكريا إلاّ أنّ النصر النهائي كان من نصيبه،فخطّه و نهجه لم يهزما بمقتله،بل إن عدوه هو الذي ذاق الهزيمة،و كان نصيب الفناء،فقد كان معاوية يريد أن يحوّل حكومة الإسلام إلى حكومة أمبراطورية ملكية و يعيد الأمور إلى ما كانت عليه في عصر الجاهلية، فنهض الإمام سيد الشهداء عليه السّلام و أفشل مساعيه،و دفن يزيد و أتباعه و ظلت لعائن الناس تلاحقهم إلى الأبد كما انصبت عليهم اللعنة الإلهية أيضا.

إن سيد الشهداء عليه السّلام قد أنقذ الإسلام و وفر له الوفاء و الحماية على مدى الزمن.

لقد ورد في الرواية أن الرسول صلّى اللّه عليه و اله قال:"حسين مني و أنا من حسين". (1)

و معنى ذلك أن الحسين عليه السّلام سيكون امتدادا لي و يحيي الدين الذي أرسلت به على يديه.

كل هذه من بركات شهادته،رغم أن العدو أراد أن يمحو آثار النبي صلّى اللّه عليه و اله،فهم كانوا يقولون:«لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزّل»كانوا يريدون قلع الإسلام من جذوره و استئصال بني هاشم و إقامة دولة عربية قومية.3.

ص: 107


1- روي عن الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله أنه قال:"حسين مني و أنا من حسين،أحب اللّه من أحب حسينا. حسين سبط من الأسباط"راجع الإرشاد للشيخ المفيد:ص 233.

إن مجيء سيد الشهداء عليه السّلام إلى مكة و خروجه منها (1)بتلك الحال يعد حركة سياسية كبيرة.ففي الوقت الذي كان فيه الحجيج يدخلون مكة كان الحسين عليه السّلام يغادرها،و هي حركة سياسية،فكل سلوكات الحسين عليه السّلام و أعماله كانت سياسية إسلامية،و هي التي قضت على بني أمية،و لو لا تلك التحركات لسحق الإسلام و انتهى.

لقد ضحّى الإمام الحسين عليه السّلام بنفسه و بجميع أبنائه و أقربائه،فقوي الإسلام بشهادته.

صحيح أن سيد الشهداء عليه السّلام قد قتل لكنه لم يهزم و لم يندحر،بل إنه ألحق الهزيمة النّكراء ببني أمية بحيث أنه سلبهم القدرة على فعل أي شيء حتى النهاية.

لقد انتصر الدم على السيف انتصارا ترون آثاره باقية حتى اليوم،حيث ظل النصر حليفا لسيد الشهداء عليه السّلام،بينما الهزيمة ليزيد و أتباعه.

كان سيد الشهداء عليه السّلام على حق،و نهض بثلة قليلة من الأنصار و نال منزلة الشهادة هو و أبناؤه لكنه أحيى الإسلام و أذلّ يزيد و بني أمية.

لقد نهض سيد الشهداء(سلام اللّه عليه)بعدد قليل من الأصحاب و ثلة قليلة من أرحامه و مخدراته من نساء بني هاشم،و لأن قيامه كان للّه فإنه حطّم تلك الحكومة الملكية،و صحيح أنه قتل غير أنه قلع الحكم الملكي من الجذور،فقد كانت تلك الحكومات تحول الإسلام إلى سلطة طاغوتية ملكية.

من يرد أن يعمل للّه،فليس في عمله هزيمة مطلقا،و نحن حتى لو قتلنا فإننا لنج.

ص: 108


1- غادر الإمام الحسين عليه السّلام المدينة إلى مكة بعد أن امتنع عن مبايعة يزيد.و بعد أن أقام أربعة أشهر في مكة تحرك نحو الكوفة بسبب الدعوات التي استلمها عليه السّلام من أهل الكوفة و بيعتهم له و الظروف التي أوجدها عمال يزيد في مكة،و غادرها في اليوم الثامن من ذي الحجة عام 60 ه ق رغم إقامة مراسم الحج.و خرج الإمام من مكة في وقت كان يتوجه إليها المسلمون من مناطق مختلفة للمشاركة في المراسم العبادية السياسية للحج.

نهزم-فسيد الشهداء عليه السّلام قتل أيضا و لكن هل هزم؟كلا،فلواؤه اليوم مرفرف خفاق في حين لم يبق ليزيد أثر يذكر.

لو لا نهضة سيد الشهداء عليه السّلام لما استطعنا تحقيق النصر في ثورتنا هذه (1).ء.

ص: 109


1- انظر كتاب نهضة عاشوراء.

حالة مدرسة الخلفاء بعد استشهاد الحسين عليه السلام

أ-عطاء و حبوة:

قال ابن أعثم:فلما قتل الحسين(رض)استوسق العراقان جميعا لعبيد اللّه بن زياد،و أوصله يزيد بألف ألف درهم جائزة،فبنى قصريه الحمراء و البيضاء في البصرة و أنفق عليهما مالا جزيلا فكان يشتّي في الحمراء و يصيّف في البيضاء، و علا أمره و انتشر ذكره و بذل الأموال و اصطنع الرجال و مدحته الشعراء (1).

و قال المسعودي:جلس-يزيد-ذات يوم على شرابه،و عن يمينه ابن زياد و ذلك بعد قتل الحسين فأقبل على ساقيه،فقال:

إسقني شربة تروي عظامي ثم مل فاسق مثلها ابن زياد

صاحب السر و الأمانة عندي و لتسديد مغنمي و جهادي

ثم أمر المغنين فغنوا به (2).

قال المؤلف:نرى المقصود من ابن زياد في شعر يزيد إنما هو عبيد اللّه و ليس بأخيه سلم كما ذكره ابن أعثم و قال:إن يزيد قال له:لقد وجبت محبتكم يا بني زياد على آل سفيان،ثم قال:يا غلام أطعمنا،فقدّمت المائدة فطعما جميعا،فلما أكلا دعا يزيد بالشراب فلما دارت الكأس التفت يزيد إلى ساقيه و جعل يقول:

ص: 110


1- فتوح ابن أعثم 252/5.
2- المسعودي مروج الذهب 67/3.

إسقني شربة تروي عظامي ثم مل فاسق مثلها ابن زياد

موضع العدل و الأمانة عندي و على ثغر مغنم و جهادي (1)

فإن هذا القول من يزيد يناسب عبيد اللّه و ليس أخاه سلما و لعله أنشد البيتين للأخوين في مجلسين للشرب.

و يؤيد ذلك ما قاله سبط ابن الجوزي في التذكرة فإنه قال:استدعي ابن زياد إليه و أعطاه أموالا كثيرة و تحفا عظيمة و قرّب مجلسه و رفع منزلته و أدخله على نسائه و جعله نديمه و سكر ليلة و قال للمغني غن ثم قال يزيد بديهيا:إسقني شربة (2).

قال المؤلف:هكذا كان عطاؤه و حباؤه لقائد جنده أما عطاؤه للجنود فقد ذكره البلاذري و قال:كتب يزيد إلى ابن زياد:أما بعد،فزد أهل الكوفة أهل السمع و الطاعة في أعطياتهم مائة مائة (3).

عاش قتلة الحسين هكذا في حبور و سرور و استبشار حتى إذا ظهرت آثار أفعالهم ندموا على ما فعلوا.

ب-ندم عصبة الخلافة بعد ظهور نتائج أفعالهم:

قال ابن كثير و غيره و اللفظ لابن كثير:لما قتل ابن زياد الحسين و بعث برؤوسهم إلى يزيد،سر بقتلهم أولا،و حسنت بذلك منزلة ابن زياد عنده،ثم لم يلبث إلاّ قليلا حتى ندم و قال:بغّضني بقتله إلى المسلمين،و زرع في قلوبهم

ص: 111


1- الفتوح لابن أعثم 252/5.
2- تذكرة خواص الأمة ص 164.
3- أنساب الأشراف ص 220.

العداوة فأبغضني البر و الفاجر (1).و كذلك يظهر ندم ابن زياد و عمر بن سعد و سائر قتلة آل رسول اللّه مما ورد في كتب التواريخ و قد أعرضنا عن نقلها روما للاختصار.

و إنما ندموا من فعلهم بسبب ما رأوا من آثار سخط المسلمين عليهم أولا،ثم لثورات المسلمين المستمرة عليهم بعد ذلك كما نشرحه في الباب الآتي بحوله تعالى (2).3.

ص: 112


1- ابن كثير 232/8،و تاريخ الإسلام للذهبي 351/2.
2- معالم المدرستين للعسكري:174/3.

معطيات الثورة

اشارة

قال السيد محمد باقر القرشي:و ليس في تاريخ هذه الدنيا ثورة هزت العالم، و مجدت الحق،و سجلت فخرا للإنسان مثل ثورة الإمام الحسين،فجميع فصولها نور،و كل آفاقها شرف و مجد،و قد حفلت بالدروس الخالدة عن العقيدة التي لا تضعف،و الإيمان الذي لا يقهر،و الإباء الذي لا يذل...و قد فتحت لأمم العالم و شعوب الأرض عصرا جديدا اتسم بروح الثورة و التمرد على الظلم و الطغيان، و مقاومة الاضطهاد و مناهضة الفساد.

لقد كانت ثورة أبي الأحرار هي الثورة الأولى في التاريخ البشري و ذلك بما حققته من المكاسب على الصعيد الفكري و الاجتماعي و السياسي و التي كان من بينها:

انتصار القضية الإسلامية

و أحرز الإمام العظيم بشهادته النصر الهائل الذي لم يحرزه أي ثائر في الأرض فقد انتصرت أهدافه و مبادئه التي ناضل من أجلها،و كان من أهمها انتصار القضية الإسلامية في صراعها السافر مع الأموية التي عبثت بمقدرات الإسلام،و راحت تستأصل جميع جذوره حتى لا يعد له أي ظل على واقع الحياة،و قد أخذ الحسين على عاتقه مصير الدين الإسلامي فاستشهد في سبيله،و قد أعاد سلام الله عليه للإسلام نضارته،و أزال عنه الخطر الجاثم عليه،يقول الفيلسوف الألماني ماريين:

ص: 113

«لا يشك صاحب الوجدان إذا دقق النظر في أوضاع ذلك العصر و كيفية نجاح بني أمية في مقاصدهم،و استيلائهم على جميع طبقات الناس و تزلزل المسلمين...إن الحسين قد أحيى بقتله دين جده و قوانين الإسلام،و لو لم تقع تلك الواقعة،و لم تظهر تلك الحسيات الصادقة بين المسلمين...و لو لا قتل الحسين لم يكن الإسلام على ما هو عليه قطعا،بل كان من الممكن ضياع رسومه و قوانينه حيث كان يومئذ حديث العهد.

و يكفي الحسين ربحا في شهادته أنه أحيى الإسلام و فداه بدمه،و قد ألمع إلى ذلك الإمام زين العابدين حينما سأله إبراهيم بن طلحة بن عبد الله فقال له:

«من الغالب؟»

«إذا دخل وقت الصلاة فأذن و أقم تعرف الغالب».

لقد كان الحسين هو المنتصر و الغالب لأنه أعاد للإسلام حياته و نضارته فكان هو المجدد و لعل الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله عنى هذه الجهة بقوله:

«حسين مني و أنا من حسين».

إنه لو لا تضحية الحسين عليه السّلام لضاعت جميع جهود الرسول صلّى اللّه عليه و اله و ما جاء به من خير و بركة و رحمة للناس فإن بني أمية حملوا معول الهدم على جميع المبادىء التي جاء بها هذا الدين فأعلنوا الكفر و الإلحاد و ساسوا الناس بسياسة لا ظل فيها لحكم القرآن.

هزيمة الأمويين

و كان من أوليات ما أحرزه الإمام من الانتصارات الرائعة هزيمته للأمويين،فقد نسفت تضحيته جميع الأسس و القواعد التي أقامها معاوية لتوطيد الملك في آل أبي سفيان،يقول بعض الكتاب:«إن ما بناه معاوية لابنه يزيد في أعوام هدمه

ص: 114

الحسين في أيام،و نظر الناس إلى الخليفة نظرة الأفن و الإستهتار فنفر المسلمون من سياسته،و لصوق هذا بدولتهم و وسمه الواسمون بسمات الخديعة و المكر و الظلم و الجور،و ذلك كله بفضل هدي الحسين،و حسن سمته،و ما رسمه من سياسة حكيمة في الوقوف أمام ظلمهم،و ما اختطه من خطة قويمة في دفع عنتهم و بغيهم و ما أبداه في حركاته من حزم و إيثار».

لقد أطاح الإمام بنهضته المباركة بتلك الرؤوس التي نفخها الكبر و أثقلها الغرور،و أعماها الطيش،يقول السيد مير علي الهندي:«إن مذبحة كربلاء قد هزت العالم الإسلامي هزا عنيفا مما ساعد على تقويض دعائم الدولة الأموية».

مظاهر هزيمتهم
اشارة

أما مظاهر الهزيمة الأموية بعد قتل الإمام عليه السّلام فهي:

أ-تجريدهم من الواقع الإسلامي

لقد عملت مجزرة كربلاء الرهيبة على تجريد الأمويين من الإطار الإسلامي، و أثبتت أنهم على و ثنيتهم و جاهليتهم،فإن ما جرى على آل الرسول صلّى اللّه عليه و اله من الإبادة الشاملة بعد أن حرّمت عليهم القيادة العسكرية الماء،و ما جرى على ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله من التمثيل بعد القتل،و سبي حرائر النبوة و عقائل الوحي يطاف بهن من بلد إلى بلد،و هن بحالة تقشعر منها الأبدان ليظهروا قهر آل النبي صلّى اللّه عليه و اله،و إبداء التشفّي منهم أمام الرأي العام،و ما تمثل به يزيد من الشعر الذي أنكر فيه نبوة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و أنه إنما أباد عترته طلبا بثأر من قتل من الأمويين في واقعة بدر كل ذلك قد جرد الأمويين من كل نزعة إسلامية،و دلل على مروقهم من الدين.

ص: 115

ب-شيوع النقمة و الإنكار عليهم

و كان من مظاهر الهزيمة الساحقة التي مني بها الأمويون شيوع النقمة و الإنكار عليهم في جميع الأوساط،فقد تعالت موجات عارمة من الإنكار على يزيد حتى من عائلته و أسرته،و قد فزع من ذلك كأشد ما يكون الفزع،و ندم على ما اقترفه، و ساءت العلاقة بينه و بين ابن مرجانة فيما يقول المؤرخون.

ج-تحول الخلافة عن بني أمية

و هزمت ثورة الإمام الحكم الأموي،و نسفت جميع معالمه،و جعلته يعيش في ثورات متلاحقة قامت بها الشيعة،و غيرهم حتى انهار صرح ذلك الحكم الأسود بقيام الدولة العباسية،و سنذكر عرضا لذلك.

التدليل على واقع أهل البيت عليهم السّلام

و دللت ثورة أبي الشهداء عليه السّلام على الواقع المشرق لأهل البيت،و كشفت للعالم الإسلامي الطاقات الهائلة التي يملكونها من الثبات على الحق و الصمود أمام الأحداث،و تبنّي القضايا المصيرية للأمة،مما جعلت جمهرة المسلمين يكنون لهم أعظم الود و خالص الحب و الولاء.

لقد أظهرت كارثة كربلاء للعيان أن أهل البيت هم المثل الأعلى للقيادة الروحية و الزمنية لهذه الأمة،و أنهم الرواد للحق و العدل في الأرض.

ص: 116

تركيز التشيع

و من معطيات الثورة الحسينية أنها ركزت التشيع في إطاره العقائدي و أصبح عقيدة راسخة في نفوس الشيعة،يقول فيليب حتي:«لقد ولدت الشيعة في اليوم العاشر من المحرم،و من ذلك اليوم أصبحت الإمامة في سلالة علي قاعدة من قواعد العقيدة الشيعية،كما كانت نبوة محمد صلّى اللّه عليه و اله

قاعدة من قواعد الإسلام و يقول بعض المستشرقين:«لو لا مقتل الحسين لما كانت هناك شيعة في الإسلام».

و يقول سترثمان:لقد كانت دماء الحسين التي سالت على سيوف القوات الحكومية هي النواة التي أنبتت العقيدة الشيعية أكثر من دماء علي الذي اغتالته يد متآمر خارجي.

و يقول الشيخ التستري:إنه لو لم يتحمل الحسين لهذه المصائب لم يظهر دين للشيعة،و ذلك لأن بني أمية لما استولوا على البلاد و أظهروا الفساد،و سعوا في إخفاء الحق،حتى شبّهوا الأمر على الناس،فجعلوا سب علي من أجزاء الصلاة، و أدخلوا في أذهان الناس أن بني أمية أئمة الإسلام،و رسخ ذلك في عقائد الناس من زمن طفولتهم حيث إنهم ألقوا ذلك إلى المعلمين ليفدوا الأطفال في مكاتبهم و مدارسهم،فاعتقد الناس حقيقة أن هؤلاء أئمة الدين،و أن مخالفهم على ضلال.

و لما قتل الحسين بتلك الكيفية و سبيت عياله تنبه الناس إلى أن هؤلاء لو كانوا أئمة حق ما فعلوا ذلك،و إن فعلهم لا يطابق دينا و لا مذهبا و لا عدلا و لا يطابق جور الجائرين.

لقد أذكت تلك الدماء الزاكية روح الولاء و الإخلاص لأهل البيت عند جمهور المسلمين،و قد انضم تحت لوائهم في ذلك العصر الكثيرون ممن كانوا يقفون

ص: 117

موقف الحياد بين الأحزاب المتطاحنة للحصول على الحكم.إن ما جرى على ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله من المصائب المذهلة قد حيّر العقول،و طاش بالألباب، و أذهل كل كائن حي.

توحيد صفوف الشيعة

و عملت كارثة كربلاء على توحيد صفوف الشيعة،و خلق روح التضامن فيما بينهم بعد أن كان ينقصهم الحماس و بذل النفس في الدفاع عما يؤمنون به من أن الخلافة حق شرعي خاص لأهل البيت،و قد تبدّل ذلك الشعور فكانوا أقوى قوة فعالة تصدّت للإطاحة بحكم الأمويين،فقد هبوا جميعا و شعارهم:

«يا لثارات الحسين».

يقول بعض الكتاب:«لقد كان هذا الحادث البشع المنكر مذكيا للتشيع إلى أقصى حد،و كان عاملا على وحدة الشيعة و حماسهم لنصرة مذهبهم،و سببا في ثوراتهم الجارفة ليثأروا من قتلة الحسين».

و أكد ذلك بروكلمان بقوله:«لقد أذكت تلك الدماء التي روت أرض كربلاء روح التشيع في نفوس الشيعة،و جعلتهم يشعرون بوجوب توحيد صفوفهم».

لقد أثارت مذبحة كربلاء العواطف و الأحزان في نفوس الشيعة و جعلتهم يؤمنون قبل كل شيء بضرورة اتحادهم للأخذ بثأر الإمام العظيم الذي ثار من أجل العدل و إعادة حقوق المظلومين و المضطهدين.

تكوين الحس الاجتماعي

و عملت نهضة الإمام على تكوين الحس الاجتماعي و خلق روح الثورة في

ص: 118

النفوس،و قد تغيرت الأمة تغييرا كاملا فتسلّحت بعد خمودها بقوة الإيمان و قوة العزم و التصميم،و تحررت من جميع السلبيات التي كانت ملمة بها،فقد أخذت تنادي بحقوقها،و تعمل جاهدة على إسقاط الحكم الأموي،و هي تقدم-بسخاء- القرابين في ثورات متلاحقة تمثل سخطهم العارم و كراهيتهم الشاملة لبني أمية، و لم يعد هناك أي ظل للخوف و الفزع فيهم،حتى اكتسحت مشاعر الزهو الأموي، و أطاحت بجبروت الأمويين و طغيانهم.

لقد قلبت ثورة الإمام الحسين مفاهيم الخوف و الخنوع التي كانت سائدة في الأمة إلى مبادى الثورة و النضال و التحرر من ربقة الذل و العبودية،فقد أعطاهم الإمام قوة دافعة،و أمدهم بروح و ثابة لمقارعة الظلم و الطغيان.

تفجير المواهب

و من معطيات الثورة الحسينية أنها فجّرت المواهب و العبقريات،فبرزت طاقات هائلة من الأدب الرفيع في طليعة الأدب العالمي رقة و روعة و جمالا.

لقد حفل أدب الثورة الحسينية بأروع ما حفل به الأدب السياسي في الإسلام، ففيه مناجم أخاذة تعد من أوفر المناجم الفكرية عطاء و أغزرها فنا،و من بين ما حفل به:

أولا-الإشادة بالعدالة الاجتماعية و القيم الإنسانية التي ناضل من أجلها الإمام العظيم.

ثانيا-شجب الظلم و مقارعة الطغيان،و مناهضة الغرور و الطيش.

ثالثا-بعث المجتمع نحو العزة و الإباء اقتداء بالإمام الحسين سيد الأباة و رائد الكرامة الإنسانية.

رابعا-عرض الاتجاهات الفكرية و العقائدية التي يحملها الإمام العظيم.

ص: 119

خامسا-تمجيد الإمام بما لم يمجد به أحد من شهداء الإصلاح الاجتماعي،فقد تفاعلت مبادئه مع عواطف شعراء الشيعة،و أدركوا المد الإنساني في نهضته الخالدة فراحوا يقدسونه بأروع ما يقدس به أي مصلح إجتماعي في الأرض.

سادسا-الحط من الأمويين و التشهير بجرائمهم المعادية للإسلام.

سابعا-عرض ما جرى على أهل البيت من المحن و الخطوب يقول السيد محمد سيد الكيلاني:«جاء الأدب الشيعي صورة صادقة لما وقع على العلويين من اضطهاد،و يقول:كانت مجزرة كربلاء التي قتل فيها الحسين و ما حلّ بالعلويين بعدها دافعا قويا للشعراء أنطقهم بكثير من القصائد التي تسيل العبرات،و تذيب القلوب و تفتت الأكباد،و لا غرابة في ذلك فهي صدى لتلك الدماء التي سفكت بغير حساب،و الأشلاء التي تناثرت،و تركت على الأرض طعاما للطير..و قد كثر الشعر في رثاء آل البيت كثرة هائلة،و كله صادر من أعماق النفوس،منبعث من قرارة الأفئدة،فكان للأدب العربي من ذلك ثروة لا تقدر».

ثامنا-جمال الروعة في أدب الثورة الحسينية و حرارة العاطفة،يقول بعض الكتاب:و الشعر الذي رثي فيه الحسين حار ملتهب لأنه تعبير عن عواطف قوية، و تنفيس عن نفوس متأججة ثائرة فهم غضاب ساخطون لأن بني أمية سلبوهم حقهم و غصبوهم مكانهم فصوروا غضبهم في شعر حانق على الأمويين.

إن الشعر الحسيني يمثل الصدق في وصف العاطفة الملتهبة و إن أصحابه لم يكونوا متكلفين و لا منتحلين،و إنما كانوا متألمين كأشد ما يكون التألم فيصفون الإمام وصفا صادقا..لقد كان ذلك الأدب الحي من أثرى ألوان الأدب العالمي،و من أبرز القيم الثقافية في الإسلام.

و مما تجدر الإشارة إليه أن الأدب الحسيني لم يصطبغ بهذه الصبغة و يتبوأ مكانه الأعلى في الأدب الإسلامي إلا بعد حقبة طويلة من الزمن و لعل السبب في ذلك يرجع إلى ما ذكره أبو الفرج إلى أن الشعراء كانوا لا يقدمون على رثاء الحسين

ص: 120

مخافة من بني أمية.

منابر الوعظ و التوجيه

و من أروع النتائج التي حققتها ثورة أبي الأحرار هي المنابر الحسينية التي أصبحت منطلقا لتوجيه الأمة و إرشادها و ذلك بما يبثه السادة الخطباء من الوعظ و الإرشاد و عرض مأساة أبي الشهداء التي هي من أروع الدروس و أثمنها للتضحية في سبيل الحق و العدل،و قد وصف الكاتب الألماني مارتن هذه المنابر بأنها من أهم الأسباب لتقدم المسلمين إن هم أحسنوا تنظيمها و الإستفادة منها،إن مأساة أبي عبد الله عليه السّلام جزء لا يتجزأ من رسالة الإسلام و هي تمثل كفاحه و نضاله ضد الطغاة و وقوفه إلى جانب المظلومين و المضطهدين،و يقول جون اشرا:إن مسألة الحسين تنطوي على أسمى معاني الإستشهاد في سبيل العدل الإجتماعي.

إن المنابر الحسينية من أهم المكاسب و من أروع المعطيات في ثورة أبي الشهداء عليه السّلام فقد عملت على غرس النزعات الخيرة في النفوس و إبعادها عن عوامل الشذوذ و الانحراف،و توجيهها الوجهة الصالحة التي تتسم بالاستقامة و حسن السلوك،كما أنها من المدارس السيارة لنشر الإيمان بالله و إذاعة القيم الإسلامية بين الناس (1).

ص: 121


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:299/3-306.

فلسفة عاشوراء

كلّما تأملنا في عاشوراء وجدنا جديدا

قال السيد الخامنئي:فبالرغم من كثرة و أهمية ما قيل و ما كتب من قبل العلماء و المفكّرين البارزين حول أسباب و أهداف ثورة الإمام الحسين،إلاّ أنّ المؤكّد أنّه يمكن الخوض لسنوات طويلة في موضوع هذه الثورة المباركة و أسبابها و أهدافها و نتائجها..

فكلّما أمعنّا النظر أكثر في قضية عاشوراء و ثورة الإمام الحسين عليه السّلام،سنجد أن تلك الثورة تتّسع للتفكير و البيان أكثر فأكثر.و كلّما ازددنا تفكيرا في هذه النهضة الكبرى،ستظهر أمامنا حقائق جديدة لم نكن نعرفها من قبل.

المعارف في عزاء الحسين عليه السلام

من المؤكّد أن من أهمّ ميزات المجتمع الشيعي دون غيره من الاخوة المسلمين هو امتلاكه لذكرى عاشوراء و فاجعة كربلاء الأليمة.

و منذ اليوم الذي أقيمت فيه مجالس العزاء التي تذكر فيها المصائب التي جرت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و أهل بيته الأطهار،تدفّق نبع من المعنوية و المعارف الإسلامية في أذهان و قلوب محبّي أهل البيت عليه السّلام،و مازال ذلك النبع متدفّقا الى اليوم و سيبقى كذلك الى ما شاء اللّه.

ص: 122

كثرة المصائب خلّدت واقعة عاشوراء

إنّ الحياة الكريمة لا بدّ و أن يكتنفها الكثير من المصائب.و ساحة الطف الحسيني بذاتها كانت مسرحا لمصائب شتى.و إنه لمن العجيب حقا كيف أنّ اللّه عزّ و جلّ جعل أرض عاشوراء الحسين عليه السّلام مسرحا لمجموعة من المصائب الكبرى و منح أناسا عظاما و في مقدمتهم أبا عبد اللّه الحسين عليه الصلاة و السلام القدرة على تحمّل هذه المصائب الكبرى بإباء و شموخ و صبر و شكر.

و إن ما جرى يوم عاشوراء فريد في تاريخ الإنسانية في كلا بعديه(المادي و المعنوي)؛فلم تشهد الإنسانية على مدى حياتها واقعة تجسدت فيها كل هذه المصائب مجتمعة و بهذا القدر من الشدّة و التنوع خلال برهة زمنية امتدت من الصباح حتى العصر،و كذا في البعد الثاني،فالصبر الذي جوبهت به تلك المصائب كان فريدا من نوعه أيضا.

لقد تجلّت في تلك الواقعة ألوان من الظلم و التقتيل و مشاعر الغربة و العطش، و كذا الآلام التي يكابدها الإنسان في سبيل عائلته،و القلق الذي ينتابه خوفا من المجهول،و ما تلاه من فقدان أعز الأنفس في عالم الوجود-أي الحسين بن علي عليه السّلام و أهل بيته و أبنائه و أصحابه-و ما جرى عليهم من السبي على يد أناس أراذل بعيدين عن قيم الشرف؛و ياليت سبيهم كان على يد أناس أشراف؛فالسبي على يد أناس أشراف يهوّن من وقع المصيبة،و لكنهم سبوا على يد أناس عديمي الشرف و هم أقرب إلى صفة الوحوش الكاسرة منه إلى صفة الإنسانية.

و بعد ذلك العذاب المتواصل من الصباح حتى المساء،ناء أهل بيت الإمام الحسين عليه السّلام بمصيبة السبي التي وقعت أعباؤها على عاتق الإمام السجاد-إمام زمانه-و على العقيلة زينب عليها السّلام-التي تأتي مكانتها بعد مقام الإمامة-ثم على

ص: 123

النساء و الأطفال الذين لا يتصفون على الظاهر بمقامات معنوية عالية من قبيل الولاية و الإمامة،إلاّ أنهم تحمّلوا مرارته.و هذه هي العظمة التي خلّدت واقعة عاشوراء.

لا ريب أنّ أية فئة تقاسي المصائب في سبيل أهداف و غايات نبيلة و سامية و مقدسة-لا أن تكون مجرد غايات تافهة و عقيمة-و تتحملها بصبر و صلابة، يكون لها نصيب من تلك الفضائل.

و هذا هو السبب الذي يجعلنا ننظر بإجلال و إكبار لعوائل الشهداء و الأسرى و المفقودين و المعوّقين و لذات المعوقين و الأسرى.فالشعب و التاريخ لا يسجل منقبة لفئة من الناس دونما سبب،فلو لا الصبر لما تحققت هذه الفضائل.

إنّ الفترة التي يقضيها الإنسان في الأسر فترة عصيبة حقا سيّما إذا كان الأسر بيد الأعداء الذين وصف لنا أحرارنا الأعزاء عند عودتهم كيفية تعامل الأعداء مع الأسرى،فهم لم يعاملوهم مثلما عاملنا نحن الأسرى الأجانب لدينا،بل عاملوهم بأسلوب آخر بعيد عن الإنسانية.

إنّ لكل لحظة من لحظات الليل و النهار التي تمر على أسرانا الذين لازالوا في يد العدو-و لا نعلم بعددهم على وجه الدقة،و لكن على العموم نعلم بوجود مجموعة كهذه-فضيلة و ثوابا عند اللّه.و يتبعهم في الأجر عوائلهم،فحالهم حال الشهداء؛إذ قلنا أنّ الثواب الأوفر يكون من نصيب الشهداء أولا ثم يكون لعوائل الشهداء، فكذلك بالنسبة للأسرى،أي أنّ الثواب الوفير و الأجر الجزيل يناله الأسرى بالدرجة الأولى لأنهم هم الذين يكابدون هذا العناء،ثم يأتي الدور من بعدهم لكم أنتم يا عوائل الأسرى،و هو بلا شك أجر كبير أيضا.

إنّني أستشعر الآلام التي تعانيها العائلة التي فقدت أحد أعزّتها و بقيت تجهل مصيرة؛فالأمهات و الآباء و الزوجات و الأبناء و العوائل،تعيش فترات مريرة و تمر

ص: 124

عليها ساعات عصيبة ليلا و نهارا،إلاّ أن الأجر الذي ينالوه كبير و يتناسب مع قدر هذه المشقة.

و اعلموا يا أعزائي إن كل مصيبة تقع للإنسان له في أزائها أجر كبير عند ربّه.

و القضية ليست ذات طرف واحد؛و إنما يتلقى الإنسان العوض من ربّه أزاء كل معاناة و كل محنة،و لا يبخس عند ربّه شيئا،و لا يستوي عنده من استشهد ولده، مع من يعيش ولده إلى جانبه بهناء،و لا يتساوى لديه من ضحّى بنفسه أو بأحد أعزائه مع من لم يكابد أية مشقّة،و الذي فقد ولده و لا علم له بمصيره لا يستوي مع الآخرين.فلكل مجهود أو عمل يؤديه الإنسان أو المجتمع أجر عند اللّه، مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (1). (2).3.

ص: 125


1- سورة هود:15.
2- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:53.

أثر التذكير بالمصائب

قال السيد الخامنئي:المنشأ لكلّ هذا الخير و البركة هو التذكير المتواصل بيوم عاشوراء لكي تبقى ذكرى فاجعة كربلاء حيّة في ضمير أبناء الامة.

فذكرى عاشوراء ليست مجرّد ذكر لبعض الخواطر و الذكريات و الأحداث فقط.

و إنّما هي تبيان لحادثة في غاية الأهمّية و لها عدد غير محدود من الأبعاد و الجوانب التي تركت أعمق الآثار في حياة الامة الإسلامية على مرّ التاريخ.

إذن،فالتذكير بهذه الفاجعة هو موضوع يمكن أن يتبلور عن كثير من الخيرات و البركات لأبناء هذه الأمة.لذا تلاحظون أنّ قضية البكاء و الإبكاء على الإمام الحسين عليه السّلام كانت تحتلّ مكانة متميزة في زمن الأئمة عليه السّلام.

فلا يتصوّر أحد أنّه مع وجود المنطق و الإستدلال،فما هي الحاجة للبكاء و ما هي الحاجة للبحث في قضايا قديمة من هذا القبيل؟ (1)

ص: 126


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:55.

علم الإمام عليه السلام بوقائع عاشوراء

قال السيد الخامنئي:و بالإضافة الى ذلك فقد كان يعلم عليه السّلام انّه بعد استشهاده سوف تقوم تلك الذئاب الكاسرة بالهجوم على عياله و أطفاله لإخافتهم و إرعابهم و نهب أموالهم و بالتالي أسرهم و توجيه الإهانة لهم و الاعتداء بالضرب على بنت أمير المؤمنين عليه السّلام زينب الكبرى عليه السّلام التي كانت من الشخصيات البارزة في العالم الإسلامي.

و قد واصل أبو عبد اللّه كفاحه المرير على الرغم من علمه بجميع تلك الامور تفصيلا.

فلاحظوا كم كان ذلك الجهاد الذي خاضه أبو عبد اللّه شاقّا و مريرا.و بالإضافة الى ذلك فقد كان يعاني هو و أهل بيته و أصحابه من شدّة العطش نتيجة لمنعهم من الوصول الى ماء الفرات.فقد كان الأطفال و الصبيان و الشيوخ و حتى الأطفال الرضع يتلظون من شدّة العطش!حيث لم يكونوا قد ذاقوا قطرة من الماء منذ مدة طويلة.

فلكم أن تتخيّلوا الآن كم كان شاقّا و عظيما ذلك الجهاد الذي خاضه إمامنا الحسين عليه السّلام.

فأيّ إنسان لا تهتزّ عواطفه من فاجعة استشهاد مثل هذا الإنسان العظيم الطاهر المعصوم الذي كانت الملائكة تتسابق لرؤية وجهه المنير و الذي كان يتمنّى الأنبياء عليهم السّلام و الأولياء أن يكونوا في منزلته؟

و أيّ إنسان حرّ يعرف مغزى تلك الفاجعة و يفهم أهدافها ثمّ لا يشعر بالإرتباط

ص: 127

القلبي و العاطفي معها؟فهذا النبع المعنوي و العاطفي بدأ بالتدفّق و مازال.عصر يوم عاشوراء حينما وقفت زينب-على ما ورد في النقل-على التل الزينبي و خاطبت جدّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قائلة:«يا رسول اللّه صلّى عليك مليك السماء هذا حسينك مرمّل بالدماء مقطّع الأعضاء مسلوب العمامة و الرداء» (1)و بدأت بقراءة عزاء الإمام الحسين عليه السّلام بصوت عال.و بعد ذلك قامت بإفشاء ما أرادوا كتمانه من خلال خطبها و كلماتها الرنّانة في كربلاء و الكوفة و الشام و المدينة المنوّرة.هذه هي فاجعة عاشوراء و هذه هي أبعادها و أهدافها (2).8.

ص: 128


1- لو عاج الأشجان:198،و مناقب آل أبي طالب:260/3.
2- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:58.

عناصر نهضة الإمام الحسين عليه السلام

اشارة

قال السيد الخامنئي:إنّ الإمام الحسين عليه السلام إستطاع من خلال نهضته- التي كان لها في ذلك الوقت باعثا عقلائيا و منطقيا واضحا جدا-أن يرسم نموذجا و يتركه للأمة الإسلامية.

إنّ هذا النموذج لا يتمثّل في نيل الشهادة فحسب،بل أمر متداخل و معقد و عميق جدا.

إنّ لنهضة الإمام الحسين عليه السلام ثلاث عناصر هي:المنطق و العقل، و الحماسة المشفوعة بالعزة،و العواطف.

1-المنطق و العقل في ثورة الحسين عليه السلام

إنّ عنصر المنطق و العقل في هذه النهضة يتجلّى من خلال كلمات ذلك الإمام العظيم،فكل فقرة من كلماته النورانية التي نطق بها عليه السلام-سواء قبل نهضته،عندما كان في المدينة،و الى يوم شهادته-تعرب عن منطق متين، خلاصته:إنّه عندما تتوفر الشروط المناسبة يتوجّب على المسلم تحمّل المسؤولية،سواء أدّى ذلك الى مخاطر جسيمة أم لا.

و إنّ أعظم المخاطر تتمثل في تقديم الإنسان نفسه و أعزاءه و أهل بيته المقربين -زوجته و أخواته و أولاده و بناته-الى أرض المعركة و في معرض السبي قربة لله تعالى.

ص: 129

إنّ مواقف عاشوراء هذه أصبحت أمرا طبيعيا عندنا؛لكثرة تكرراها،مع أنّ كل موقف من هذه المواقف يهزّ الأعماق.

بناء على ذلك،عندما تتوفر الشروط المتناسبة مع هذه المخاطر،فعلى الإنسان أن يؤدي وظيفته،و أن لا يمنعه عن إكمال مسيرته التعلّق بالدنيا و المجاملات و طلب الملذات و الخلود الى الراحة الجسمانية،بل عليه أن يتحرّك لأداء وظيفته.

فلو أنه تقاعس عن الحركة،نتج عن ذلك تزلزلا في أركان إيمانه و إسلامه،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه ناكثا لعهد اللّه مخالفا لسنة رسول اللّه يعمل في عباد اللّه بالإثم و العدوان ثم لم يغيّر عليه بقول و لا فعل كان حقيقا على اللّه أن يدخله مدخله» (1).

هذا هو المنطق،فلو أن أصل الدين تعرّض الى خطر-كما حصل في فاجعة كربلاء-و لم يغيّر ذلك بقول أو فعل،كان حقا على الله أن يبتلي الإنسان اللاّمبالي و الغير ملتزم بما يبتلى به العدو المستكبر و الظالم.

لقد بيّن الإمام الحسين عليه السلام هذه المسؤولية من خلال كلماته المختلفة -في مكة المكرمة و المدينة المنورة و في أماكن كثيرة خلال مسيره،و بيّن ذلك في وصيته الى أخيه محمّد ابن الحنفية-.

لقد كان الإمام الحسين عليه السلام على علم بعاقبة هذا الأمر،و ينبغي أن لا يتصور أنّ الإمام عليه السلام علّق آماله للحصول على السلطة-و إن كانت هذه السلطة-كإمامة-من الأهداف المقدسة-و تحرّك من أجل ذلك،كلا،فليس هناك رؤية فكرية تستوجب علينا أن نعتقد بذلك؛لأنّ عاقبة هذا الطريق متوقعة و واضحة على طبق الحسابات الدقيقة للإمام الحسين عليه السلام و الرؤية1.

ص: 130


1- بحار الأنوار:382/44،و شرح إحقاق الحق:603/11.

الإمامية،إلا أنّ أهمية المسألة تتأتى من هذا الجانب،و هو أنّ شخصا يمتلك روحا بعظمة روح الإمام الحسين عليه السّلام و يتعرض لما تعرض له عليه السلام من التضحية بالنفس،و جرّها الى ساحة الحرب،يعتبر درسا عمليا بالنسبة للمسلمين الى يوم القيامة،و ليس درسا نظريا يكتب على لوحة الكتابة ثم يمحى،كلا،فقد خطّ هذا النهج بأمر إلهي على صفحات جبين التاريخ،و نودي به،و أدى ثماره الى يومنا هذا.

إنّ نهضة الإمام الخميني(قدس سره)في محرم عام 1962 م التي نتجت عنها واقعة الخامس عشر من خرداد (1)العظيمة،إستلهمت من ثمار التطبيق العملي لدرس عاشوراء،و كذلك في محرم 1978 م إستلهم إمامنا العزيز نهضته منها حيث قال:(لقد انتصر الدم على السيف).

و أدّت هذه الحادثة التاريخية-التي ليس لها نظير في التاريخ-الى انتصار الثورة الإسلامية.

هذا ما تحقق في عصرنا،و أمام أعيننا،و إنّ راية الفتح و الظفر التي حملها الإمام الحسين عليه السلام ماثلة للشعوب على مرّ التاريخ،و لا بد أن تكون كذلك في المستقبل،و هو ما سوف يكون إن شاء الله تعالى،هذا جانب المنطق العقلائي و الإستدلالي لحركة الإمام الحسين عليه السلام.

بناء على ذلك،فلا ينحصر تفسير نهضة الإمام الحسين عليه السلام على صعيد الجانب العاطفي،فهذا الجانب غير قادر على تفسير جوانب الواقعة وحده.ي.

ص: 131


1- خرداد الشهر الثالث في التوقيت الهجري الشمسي.

2-الحماس و العزة

العنصر الثاني:الحماسة؛أي أنّ العملية الجهادية الملقاة على عاتقنا،يجب أن تقترن بالعزة الإسلامية؛لأنّ؛ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ (1)،و على المسلمين في نفس الوقت الذي يتحركون فيه نحو الهدف،و يتحمّلون المسؤولية الجهادية، أن يحافظوا على عزّتهم و عزّة الإسلام،و لا بد أن يتحلّى الشخص بسمات الشموخ و العزّة في أشد الأزمات.

فلو أننا نظرنا الى الصراعات السياسية و العسكرية المختلفة في تاريخنا المعاصر،سوف نجد حتى أولئك الذين كانوا يحملون السلاح و يواجهون الحرب بأبدانهم،يعرّضون أنفسهم أحيانا الى مواقف الذلّة،إلا أنّ هذه المسألة ليس لها وجود في فلسفة عاشوراء،فعند ما يطلب الإمام الحسين عليه السلام أن يمهلوه ليلة واحدة،يطلبها من موقع العزّة،و في الوقت الذي يقول:(هل من ناصر ينصرنا) -يطلب النصرة-يطلبها من موقع العزّة و الإقتدار،و عندما تلتقي به الشخصيات المختلفة في الطريق بين المدينة و الكوفة،و يتكلم معهم و يطلب النصرة من بعضهم،لم يكن ذلك من موقع الضعف و عدم القدرة،و هذا أحد العناصر البارزة في نهضة عاشوراء.

فينبغي أن يطبّق عنصر الحماسة المشفوع بالعزّة في جميع الحركات الجهادية المدرجة في جدول أعمال سالكي طريق النهضة الحسينية،و أن تكون جميع

ص: 132


1- سورة المنافقون:الآية 8.

الحركات الجهادية-سواء كانت سياسية،أو إعلامية،أو المواقف التي تستدعي التضحية بالنفس-منطلقة من موقف العزّة.

أنظروا الى شخص الإمام الخميني(قدس سره)في يوم عاشوراء عندما كان في المدرسة الفيضية:فقد كان عالم دين،و لم يكن يمتلك شيئا من القوة العسكرية، أو أي شيء من هذا القبيل،إلا أنّه كان يتمتع بشخصية لها من العزّة بحيث يركع العدو صاغرا لقوة بيانه،هذه هي مكانة العزّة.

هكذا كان الإمام الخميني(قدس سره)في تلك الظروف،وحيدا فريدا ليس له عدّة و لا عدد،إلا أنّه كان عزيزا،و هذه هي شخصية إمامنا العظيم(قدس سره).

نشكر الله تعالى الذي جعلنا في زمان تمكنّا فيه من الرؤية العينية المباشرة لنموذج عملي،لما كنّا نردده و نقرأه و نسمعه كثيرا منذ سنوات عدّة في واقعة كربلاء،و هذا النموذج هو إمامنا العظيم(قدس سره).

ص: 133

3-دور العاطفة في كربلاء

العنصر الثالث:العاطفة؛أي أنّه قد أصبح للعاطفة دورا مميزا في نفس واقعة كربلاء و في استمرارها،أدّى الى إيجاد برزخ بين النهضة الحسينية و الشيعية من جهة و بين النهضات الأخرى من جهة ثانية،فواقعة كربلاء ليست قضية جافة و مقتصرة على الإستدلال المنطقي فحسب،بل قضية اتّحد فيها الحب و العاطفة و الشفقة و البكاء.

إنّ الجانب العاطفي جانب مهم؛و لهذا أمرنا بالبكاء و التباكي،و تفصيل جوانب الفاجعة.

لقد كانت زينب الكبرى(عليها السلام)تخطب في الكوفة و الشام خطبا منطقية، إلا أنها في نفس الوقت تقيم مآتم العزاء،و قد كان الإمام السجاد عليه السلام بتلك القوة و الصلابة ينزل كالصاعقة على رؤوس بني أمية عندما يصعد المنبر،إلا أنه كان يعقد مجالس العزاء في الوقت نفسه.

إنّ مجالس العزاء مستمرة الى يومنا هذا،و لا بد أن تستمر الى الأبد؛لأجل استقطاب العواطف،فمن خلال أجواء العاطفة و المحبة يمكن أن تفهم كثير من الحقائق،التي يصعب فهمها خارج نطاق هذه الأجواء.

إنّ العناصر الثلاثة للنهضة الحسينية تعتبر من العناصر الأساسية لبناء هذه النهضة،هذا على مستوى التحليل،و زاوية من زوايا عاشوراء الحسين عليه السلام،إلا أنّ هذه الزاوية تمثّل لنا دروسا عملية كثيرة.

و بما أننا نبلّغ بإسم الإمام الحسين بن علي عليه السلام،و قد أتيحت لنا فرصة

ص: 134

تخليد هذه الشخصية العظيمة،التي من خلالها يمكن تبليغ الدين على جميع الأصعدة،فينبغي أن يكون لكل عنصر من هذه العناصر الثلاثة دور في تبليغنا، فكما يعتبر الإقتصار على الجانب العاطفي و الغفلة عن الجانب المنطقي و العقلي الكامن في واقعة كربلاء،تقليل من قيمة الواقعة،كذلك التغافل عن الجانب الحماسي المشفوع بالعزة هو تقليل من قيمة الواقعة،و ضياع مجموعة من الكنوز الثمينة،فيجب على الجميع-قارئ العزاء،و الخطيب المنبري،و المدّاح-أن يلاحظ ذلك (1).6.

ص: 135


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:81-86.

العواطف في ثورة عاشوراء

و حادثة عاشوراء تنطوي في طبيعتها و ذاتها على بحر زاخر من العواطف الصادقة.فهذه الفاجعة جاءت نتيجة لثورة إنسان عظيم و معصوم،إنسان لا يمكن التشكيك بمقدار ذرّة في شخصيّته المتسامية،و يقرّ جميع المنصفين في العالم بتعالي هدفه و هو(إنقاذ المجتمع من براثن الظلم و الاستعباد)،و قد أعلن عن هذا الهدف بوضوح عندما قال:«أيّها الناس إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:من رأى سلطانا جائرا مستحلاّ لحرم اللّه ناكثا لعهد اللّه يعمل في عباد اللّه بالإثم و العدوان و لم يغيّر عليه بقول و لا بفعل كان حقّا على اللّه أن يدخله مدخله (1).

إذن فالهدف من الثورة هو الوقوف بوجه الظلم و الطغيان.

و قد تحمّل الحسين عليه السّلام من أجل هذا الهدف المقدّس أشقّ أشكال الجهاد و الصراع من أعداء اللّه؛لأنّ أشقّ أشكال الكفاح هو الكفاح في الغربة.

فالإستشهاد و القتل بين الأهل و الأحبّة و وسط تشجيع عامة الناس ليس بالأمر المستصعب جدّا.

ففي صدر الإسلام حينما كانت تحدث مواجهة بين الحقّ و الباطل و كان على رأس الجيش الإسلامي النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله أو أمير المؤمنين عليه السّلام كان الجميع يتبارى للذهاب الى ساحة الحرب استجابة لأمر النبي صلّى اللّه عليه و اله،و كان النبي صلّى اللّه عليه و اله و المسلمون يودعونهم و يدعون لهم،فكانوا يقاتلون العدو و يقتلون و هم بين

ص: 136


1- شرح إحقاق الحق:603/11.

أهلهم و أحبّتهم.فليس من الصعب جدّا أن يقوم الإنسان بمثل هذا العمل.و لكن الصعب هو القسم الآخر من أشكال الكفاح الشاق و المليء بالمتاعب و العقبات،حيث ينزل الإنسان الى ساحة الحرب و هو يرى أنّ جميع أفراد المجتمع يقفون ضدّه،أو يتغافلون عن نصرته،أو يحاولون الإبتعاد عنه،و حتّى الذين يؤيّدونه في قرارة أنفسهم لا يجرؤون على إعلان هذا التأييد بألسنتهم.

ففي فاجعة كربلاء لم يجرؤ حتى أمثال عبد اللّه بن عباس أو عبد اللّه بن جعفر -اللذين كانا من بني هاشم و من تلك الشجرة الطيبة-على إبراز تأييدهما للإمام الحسين عليه السّلام في مكة أو المدينة.

إذن فجهاد الغرباء من أشقّ و أصعب أشكال الجهاد في سبيل اللّه.فالجميع يقف بوجه ذلك الإنسان المجاهد و يعرض عنه حتى الأصدقاء.

حتى إنّ الإمام الحسين عليه السّلام حينما دعا أحدهم الى نصرته رفض نصرة ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عرض فرسه على الحسين عليه السّلام بدلا من ذلك.فهل توجد غربة أعظم من هذه الغربة؟و هل يوجد كفاح في الغربة أشقّ من هذا الكفاح؟

و في خوضه لهذا الصراع رأى الإمام الحسين عليه السّلام بأمّ عينيه مقتل أولاده و إخوانه،و أبناء إخوته،و أبناء عمومته،و جميع بني هاشم،حتى أنّه شاهد مقتل ولده الرضيع الذي كان له من العمر ستة أشهر فقط (1).8.

ص: 137


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:88.

بين الأسلوب العقلي و الأسلوب العاطفي

إنّ هذا النوع من التفكير بيّن البطلان،لأنّ لكلّ من هذه الامور دور في بناء شخصية الإنسان و تكامله.

فالعواطف لها دورها و المنطق و البرهان لهما دورهما المهم أيضا.

فالعاطفة لها دور في حلّ كثير من المشاكل و المعضلات التي يعجز المنطق و الاستدلال عن حلّها.

و لذلك حينما نراجع تاريخ الأنبياء عليهم السّلام سوف نرى انّه في أوائل بعثتهم كان يلتفّ حولهم أناس لم يكن المنطق و البرهان هما الدافع الأساسي لإيمانهم و لا لتفافهم حول أولئك الأنبياء عليهم السّلام.

فلا تجدون في تاريخ نبينا صلّى اللّه عليه و اله-و هو تاريخ مدوّن و واضح-بأنّ الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله إجتمع في أوّل البعثة مع مجموعة من الكفّار و برهن لهم بالأدلّة العقلية على وجود اللّه و وحدانيته أو بطلان عبادة الأصنام-مثلا-.فالإستدلالات العقلية للنبي صلّى اللّه عليه و اله جاءت بعد أن تقدّمت الدعوة و انتشر أمرها.أمّا في المرحلة الاولى فقد كان عمل الدعوة يقوم على أساس كسب المشاعر و العواطف الصادقة لدى الناس.

ففي هذه المرحلة كان النبي صلّى اللّه عليه و اله يقول للكفار:إنّ هذه الأصنام التي تعبدونها ما هي إلاّ أحجار لا تضرّ و لا تنفع.من دون الحاجة الى ذكر الدليل العقلي و المنطقي على بطلان عبادتهم لتلك الأصنام.

و لم يكن يستدلّ للناس بالأدلّة العقلية و الفلسفية على وجود اللّه و وحدانيته،بل

ص: 138

كان يكتفي بالقول:«قولوا لا إله إلاّ اللّه تفلحوا» (1)،فلم يبرهن للناس عقليا أو فلسفيا بأنّ الإعتقاد ب(لا إله إلاّ اللّه)يؤدّي الى فلاح الإنسان و سعادته،بل إنّ هذه العبادة تخاطب مشاعر الإنسان و أحاسيسه الصادقة.

طبعا إنّ كلّ مشاعر و أحاسيس صادقة و سليمة تنطوي على برهان فلسفي و استدلال عقلي.لكن المسألة هي أنّ كلّ نبي عندما كان يريد البدء بالدعوة لم يكن يطرح الدليل العقلي و الفلسفي من أجل هداية الناس،بل انّه كان يبدأ بتحريك العواطف و الأحاسيس الصادقة و السليمة التي تحمل المنطق و الإستدلال في ذاتها.

و هذه الأحاسيس و العواطف توجّه أنظار الإنسان الى ما يعيشه المجتمع من ظلم و اضطهاد و تمايز طبقي،و ما يمارسه أنداد اللّه من البشر(شياطين الأنس)من ضغط و إرهاب ضدّ أبناء ذلك المجتمع.أمّا طرح البراهين العقلية و المنطقية فكان يبدأ حينما تستقر الدعوة و تأخذ مجراها الطبيعي.

فمن كانت له القابلية العقلية و الفكرية-في هذه المرحلة-فسوف يستوعب بعض الإستدلالات العقلية و الفلسفية الميسّرة التي كان يطرحها النبي صلّى اللّه عليه و اله.

أمّا الذي لم يكن يمتلك تلك القابلية،فيبقى في المرحلة العقلية الإبتدائية التي يعيشها.

طبعا ليس شرطا أن يكون الإنسان الذي يمتلك قوة استدلال أكبر أعلى شأنا من غيره من الناحية المعنوية.فقد تكون عواطف بعض أصحاب المستوى الفكري المتواضع أصدق و أسلم،و ارتباطهم و تعلّقهم بالنبي صلّى اللّه عليه و اله و بمبدأ الغيب أقوى و حبّهم أصدق و أعمق.و هذا من شأنه أن يكسبهم مكانة معنوية أعلى و مرتبة أسمى عند اللّه سبحانه و تعالى.فلكلّ من العاطفة و الإستدلال دوره و مكانته،فلا9.

ص: 139


1- الغدير:66/9.

العاطفة تستطيع أن تحتل مكان الإستدلال العقلي،و لا الإستدلال بإمكانه احتلال مكان العاطفة (1).9.

ص: 140


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:89.

الوجه الآخر لملحمة عاشوراء

إنّ شخصا كالحسين عليه السّلام-و الذي جسّد كل القيم الإلهية و الإنسانية-ينهض بالثورة حتى يقف بوجه استشراء الإنحطاط الذي أخذ يتفشى في أوصال المجتمع و أوشك أن يأتي على كل شيء فيه.

بلغ الإنحطاط أن لو شاء الناس العيش حياة إسلامية كريمة،فإنهم يجدون أيديهم خالية من كل شيء.

و في ظرف كهذا يثبت الإمام الحسين عليه السّلام و يقف بكل وجوده أمام ذلك الخواء و الفساد المتصاعد،و يضحّي من أجل القيم الإلهية بنفسه و بأحبّائه و بإبنيه:علي الأصغر و علي الأكبر،و بأخيه العباس ثم يصل إلى النتيجة المطلوبة.

أحيى الإمام الحسين عليه السّلام جدّه رسول اللّه بإحيائه لدين النبي صلّى اللّه عليه و اله،و هو معنى قول النبي صلّى اللّه عليه و اله:«و أنا من حسين».هذا هو الوجه الآخر للقضية.فواقعة كربلاء الزاخرة بالحماسة،و هذه الملحمة الخالدة لا يمكن إدراك كنهها إلا بمنطق العشق و بمنظار الحب.فهي واقعة لا يتيسر النظر إليها إلا بعين العشق ليفهم ما الذي صنعه الحسين بن علي عليه السّلام من بطولة و مجد خلال يوم و ليلة أي منذ عصر يوم التاسع من المحرم و حتى عصر العاشر منه،بحيث خلّده في هذه الدنيا و سيخلّده إلى الأبد،و لهذا أخفقت جميع الجهود التي بذلت لمحو حادثة الطف من الأذهان و طيّها في أدراج النسيان (1).

ص: 141


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:81-92.

خصائص النهضة الحسينيّة

رمز خلود نهضة الحسين عليه السلام

قال السيد الخامنئي:لقد ثار الكثيرون في العالم و قتلوا و كان لهم قادة،و كان بينهم الكثير من أبناء الأنبياء و الأئمة عليه السّلام،لكن سيد الشهداء عليه السّلام فرد واحد، و واقعة كربلاء فريدة في نوعها،و مكانة شهداء كربلاء منحصرة بهم،لماذا؟

يجب البحث عن الإجابة في طبيعة هذه الواقعة لتكون لنا درسا.

الإخلاص في خروج الحسين عليه السلام

إنّ إحدى خصائص هذه الواقعة هي أنّ خروج الإمام الحسين عليه السّلام كان خالصا للّه تعالى،و لإصلاح المجتمع الإسلامي،و هذه خصيصة هامّة.فعند ما يقول الإمام عليه السّلام:«إنّي لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا ظالما و لا مفسدا»فمعناه أنّ ثورتي لم تكن للرياء و الغرور و ليست فيها ذرّة من الظلم و الفساد،بل«إنّما خرجت لطلب الاصلاح في أمّة جدّي»أي أنّ هدفي هو الإصلاح فقط و لا غير.

إنّ القرآن الكريم حينما يخاطب المسلمين في صدر الإسلام يقول: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النّاسِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (1)،و هنا الإمام عليه السّلام يقول:«إنّي لم أخرج أشرا و لا بطرا» (2).

ص: 142


1- سورة الأنفال:47.
2- شرح إحقاق الحق:602/11.

تأمّلوا جيدا،فهنا نهجان و خطّان.فالقرآن يقول لا تكونوا مثل الذين خرجوا «بطرا»أي غرورا و تكبّرا،و لا أثر للإخلاص في تحرّكهم،و انّما المطروح في هذا المنهج الفاسد هو«أنا»و«الذات»،و«رئاء الناس»،أي انّه تزيّن و لبس الحلي و امتطى جوادا غاليا و خرج من مكّة و هو يرتجز،إلى أين؟إلى الحرب،التي يهلك فيها أمثال هؤلاء أيضا،فهذا خطّ.

و هناك خطّ و نهج آخر و مثاله ثورة الإمام الحسين عليه السّلام،و التي لا وجود لل«أنا» و لل«ذات»و المصالح الشخصية و القومية و الحزبية فيها أبدا،إذا هذه أول خصيصة من خصائص ثورة الحسين بن علي عليه السّلام.

فكلّما ازداد الإخلاص في أعمالنا كلّما ازدادت قيمتها،و كلّما ابتعدنا عن الإخلاص كلّما اقتربنا من الغرور و الرياء و العمل للمصالح الشخصية و القومية، و كلّما ازدادت الشوائب في الشيء كلّما أسرع في الفساد،فلو كان نقيّا و خالصا لما فسد أبدا.

ما كان لله ينمو و ما كان للشيطان يضمحل

و إن أردنا إعطاء مثال بالأمور المحسوسة،نقول:إذا كان الذهب خالصا و نقيا فلا يقبل الفساد و الصدأ أبدا،و إن كان مخلوطا بالنحاس و الحديد و بقية المواد الرخيصة الثمن،إحتمل الفساد أكثر،فهذا في المادّيات.

أمّا في المعنويات فإنّ هذه المعادلة أكثر دقّة،إنّما نحن لا نفهمها بسبب نظرتنا المادية،لكن يدركها أهل الفن و البصيرة،و إن اللّه تعالى هو الناقد في هذه الواقعة، «فانّ الناقد بصير»،فوجود شائبة بمقدار رأس إبرة في العمل يقلّل من قيمة العمل

ص: 143

بالمقدار نفسه،و حركة الإمام الحسين عليه السّلام من الأعمال التي ليست فيها شائبة و لو بمقدار رأس إبرة،لذا هو باق الى الآن و سيبقى خالدا الى الأبد.

فمن توقّع خلود اسم و ذكر أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و أنصاره في التاريخ؟ أولئك الذين قتلوا غرباء في تلك الصحراء و حيث دفنوا فيها رغم كلّ الإعلام المعادي في ذلك الوقت،و كيف أنّهم أحرقوا المدينة بعد استشهاد هذا العظيم بسنة في واقعة الحرّة،أي أنّهم نتفوا الورود بعد أن خرّبوا الروضة،فمن توقّع أن يفوح عطرها؟و بأيّة قاعدة مادّية يتصور بقاء وردة في هذه الروضة؟لكن تلاحظون أنّه كلما مرّ الزمان عليها كلّما أصبحت تلك الروضة أكثر عطرا.

فهناك أناس لا يعتقدون بالنبي الأعظم صلّى اللّه عليه و اله الذي هو جدّ الحسين عليه السّلام و الحسين سائر على نهجه،و لا يعتقدون بأبيه علي عليه السّلام و لا يؤمنون بحرب الحسين عليه السّلام، لكنهم يقبلون الحسين عليه السّلام و يعظّمونه،فهذا هو الخلوص،و هذه هي النكتة الأولى.

الإخلاص في ثورة الإمام الخميني

و في ثورتنا العظيمة كان الإخلاص سببا لبقائها،ذلك الجوهر الخالص الذي كان الإمام مظهره.ارجعوا الى تلك الذكريات و تلك التضحيات في سوح الحرب، ذلك الحر المهلك في الصحاري و البراري،ذلك الشتاء القارس في الجبال،ذلك الرعب و الخوف و الخطر المستمر في سوح القتال،تلك المحاصرة،قلة القوات التي كنّا نتحمّس كثيرا لإعداد عدد قليل منها،عدم امتلاك الأسلحة حيث كنا نركض وراء مسدس أو قذيفة.تذكّروا كلّ هذا و استشعروا تلك الأيام،لتدركوا لماذا كانت كلّ هذه المؤامرات ضدّ الثورة؟و لماذا تستمر إلى الآن؟لكن بقيت هذه الشجرة راسخة.

إنّ هذا الجوهر(الاخلاص)هو الذي حفظها،إن إخلاص الإمام(ره)و الشعب

ص: 144

خاصة إخلاص أولئك المقاتلين في سوح القتال-و أنتم من أفضلهم و أمثلهم-هو الذي حفظ الثورة و دعم استمرارها،إذا هذه نكتة يجب الإهتمام بها دائما،و أنا أحوج من غيري الى هذا الاهتمام.

ص: 145

غربة الحسين عليه السلام و أثرها في المعركة

إنّ النكتة الأخرى في ثورة الحسين عليه السّلام-و هي مهمة أيضا-و هذه النكتة و إن كانت ترجع الى قوة الإخلاص،لكنها في نفسها مهمة نظرا لوضعنا اليوم،و هذه النكتة هي غربة الحسين عليه السّلام،فلا يوجد في أيّة واقعة من الوقائع الدامية في صدر الإسلام غربة و وحدة كما في واقعة كربلاء،فمن رغب فليتأمل في تاريخ الإسلام.

إنّني أمعنت جيدا فلم أجد واقعة كواقعة كربلاء.

ففي حوادث صدر الإسلام و غزوات النبي صلّى اللّه عليه و اله و حروب أمير المؤمنين عليه السّلام كانت حكومة و دولة و جنود يشاركون في الحرب،و من ورائهم أدعية الأمهات، آمال الأخوات،تقدير الحضور و تشجيع القيادة العظيمة للنبي صلّى اللّه عليه و اله أو لأمير المؤمنين عليه السّلام،كانوا يضحّون بأنفسهم أمام النبي صلّى اللّه عليه و اله،و هذا ليس صعبا.

فكم من شبابنا قدّموا أرواحهم لدى سماعهم نداءا من الإمام،و كم منّا من يأمل في إشارة من الولي الغائب المفدى عجّل اللّه تعالى فرجه لنضحّي بأنفسنا.

فعند ما يرى الإنسان القائد بعينه و يشاهد تقدير و ثناء من خلفه و يعلم أنه يقاتل ليهزم العدو و يأمل بالنصر،فإنّه يقاتل براحة أكبر،و هكذا حرب ليست صعبة، طبعا هناك حوادث في التاريخ فيها الغربة نسبيا كحوادث أبناء الأئمة و الحسنيّون في عصر الأئمة عليهم السلام،لكن هؤلاء كانوا يعملون في ظلّ إمام كالإمام الصادق عليه السّلام،و الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام،و كالإمام الثامن عليه السّلام،و قائدهم و سيّدهم حاضر يسندهم و يتفقّد عيالهم،فكان الإمام الصادق عليه السّلام يأمرهم بقتال

ص: 146

الحكام الفسدة و يقول«و عليّ نفقة عياله» (1)و كان المجتمع الشيعي ظهرا لهم، و بالنهاية كان لهم أمل خلف ساحات الحرب،لكن في واقعة كربلاء،فإنّ أسّ القضية و لبّ لباب الإسلام المقبول من الجميع أي الإمام الحسين عليه السّلام في ميدان الحرب،و يعلم هو و أصحابه أنه سيستشهد و لا أمل له في أي أحد في هذا العالم الواسع و هو غريب و وحيد.

و من رجالات الإسلام ذلك اليوم من لا يغتمّ لقتل الحسين عليه السّلام بل يعتبر وجوده مضرا بحاله،و منهم من لا يبالي بالقضية و إن حزن لقتله عليه السّلام(كعبد اللّه بن جعفر و عبد اللّه بن عباس و أمثالهم). (2).

فلم يكن للإمام عليه السّلام أدنى أمل بمن هم خارج ميدان القتال المليء بالمحن،فما كان موجودا فهو في ميدان القتال فقط.

و الأمل مقتصر على هذا الجمع،و الجمع مسلّم للشهادة،و بعد الاستشهاد لا يقام لهم مجلس فاتحة حسب الموازين الظاهرية،فيزيد متسلّط على كلّ شيء،و تساق نساءهم أسارى و لا يرحم أطفالهم«لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه»فلو لا الإيمان و الإخلاص و النور الإلهي في قلب الحسين بن علي عليه السّلام و الذي بعث الحرارة في قلوب الصفوة المؤمنة حوله لما تحقّقت تلك الواقعة،فانظروا الى عظمة هذه الواقعة (3).1.

ص: 147


1- أنظر الوسائل:54/15،ح 19975.
2- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:251.
3- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:261.

عظمة شهداء الحسين عليه السلام يوم القيامة

اشارة

عن الإمام زين العابدين عليه السّلام في حديث طويل يقول فيه:قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فإذا برز الحسين عليه السّلام و أصحابه إلى مضاجعهم تولّى اللّه عزّ و جلّ قبض أرواحهم بيده و هبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت و الزمرّد مملوءة من ماء الحياة و حلل من حلل الجنّة و طيب من طيب الجنّة فغسّلوا جثثهم بذلك الماء و ألبسوها الحلل و حنّطوها بذلك الطيب و صلّى الملائكة صفّا صفّا عليهم ثمّ يبعث اللّه قوما لا يعرفهم الكفّار فيوارون أجسامهم و يقيمون رسما لسيّد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحقّ و سببا للمؤمنين إلى الفوز و يتحفه ملائكة كلّ سماء مائة ألف ملك في كلّ يوم و ليلة يصلّون عليه و يسبّحون اللّه عنده و يستغفرون اللّه لزوّاره و يكتبون أسماء من يأتيه زائرا متقرّبا إلى اللّه و إلى رسوله و أسماء آبائهم و عشائرهم و بلدانهم و يوسمون في وجوههم بميسم نور عرش اللّه هذا زائر قبر خير الشهداء و ابن خير الأنبياء،فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار و يعرفون به ويلتقطهم الملائكة و النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يوم القيامة بذلك النور حتّى ينجيهم من هول ذلك اليوم، و لقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ إبليس يوم قتل الحسين يطير فرحا فيجول الأرض كلّها في شياطينه و عفاريته فيقول:يا معشر الشياطين قد أدركنا من ذرّية آدم الطلبة و بلغنا في هلاكهم الغاية و أورثناهم النار إلاّ من اعتصم بهذه العصابة فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم و حملهم على عداوتهم حتّى لا ينجو منهم ناج.

ص: 148

ثمّ قال عليّ بن الحسين عليه السّلام بعد ما حدّث بهذا الحديث:خذ إليك ما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولا لكان قليلا (1).

لا يقارن أحد بشهداء كربلاء

قال السيد الخامنئي:فالخصيصة الثانية لهذه الواقعة هي غربتها.لذا قلت مرارا انّه يمكن مقارنة شهدائنا بشهداء بدر و حنين و أحد و شهداء صفين و الجمل،بل شهداؤنا أرفع منزلة من كثير من هؤلاء الشهداء،لكن بشهداء كربلاء،فلا يقارن أحد بشهداء كربلاء،لا اليوم و لا في الماضي،لا في صدر الإسلام و لا أبدا الى أن يشاء اللّه.

إنّ هؤلاء هم صفوة الشهداء،فلا نظير لعلي الأكبر و لحبيب بن مظاهر.

فهذه واقعة كربلاء-أعزّتي-و هذه هي القاعدة الراسخة و المتينة التي حفظت الإسلام على مدى ألف و ثلاثمائة و عدّة سنوات رغم كلّ العداء له.فهل تتصورون أنّ الإسلام يبقى لو لا تلك الشهادة و ذلك اليوم و تلك الواقعة العظمى؟بل تيقّنوا بمحو الإسلام في أتون الأحداث،نعم قد يبقى العنوان كدين تاريخي مع عدد قليل من الأتباع في زاوية من زوايا العالم،و قد يبقى إسم و ذكر للإسلام لكن تمحى حقيقته.

حفظ طريق الشهداء

إنّ ما يتسم بالأهمية-في كلّ زمان-هو حفظ طريق الشهداء،بما يعنيه من حراسة دماء الشهداء،و هذا أول واجباتنا،و نحن مسؤولون قبال الشهداء،و ليس

ص: 149


1- كامل الزيارات:448.

هناك من هو مكلّف،و آخر غير مكلّف،إلا أنّ المتصدين و المسؤولين-كبرت مسؤوليتهم أو صغرت-تثقل أعباؤهم بمثل هذا التكليف أكثر من سواهم.

الشهيد معنى كبير و حقيقة تثير الدهشة،و لكن بما أننا اعتدنا على مشاهدة الشهداء،و كثيرا ما شهدنا معالم التضحية و الفداء و العظمة و الطريق الذي انتهى بهم إلى الشهادة،بقيت هذه الحقيقة الوضّاءة خافية عنّا؛كحقيقة الشمس التي تبقى لشدّة ظهورها خافية على من يراها على الدوام.

شهداء الحسين عليه السلام منار الدروب

في ما مضى حينما كان الحديث يدور حول مثال من شهدائنا في العصر الحاضر،أو من شهداء صدر الإسلام و يشار إلى سلوكه و سيرته،كانت ثمة تغيّر واضح و مدهش يحصل في القلوب و في النفوس،و حتى في الأعمال و النوايا.

فكل واحد من هذه الكواكب المنيرة بإمكانه أن يضيء عالما بأسره،و معنى هذا أنّ حقيقة الشهادة حقيقة عظمى.و لو بقيت هذه الحقيقة حيّة على يد من تقع على عاتقهم اليوم مسؤولية أزاء الشهداء،و تحفظ لها قدسيّتها و مكانتها،سيبقى تاريخنا المقبل يستقي العبر من تضحياتهم الكبرى،مثلما بقي التاريخ إلى يومنا هذا يستقي المثل السامية من دماء سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين عليه الصلاة و السلام التي أريقت ظلما؛لأن ورثة تلك الدماء استثمروها في غاية الحكمة و التدبّر و بأروع الأساليب و أبدعها للحفاظ على ثمارها.

حفظ دماء شهداء الحسين عليه السلام

و لعل حفظ دماء الشهداء لا يقل في مشقته أحيانا عن الشهادة ذاتها.و المشاق التي تحمّلها الإمام السجاد عليه السّلام على مدى ثلاثين سنة،و الصعوبات التي كابدتها

ص: 150

زينب الكبرى(عليها السلام)سنوات طويلة،تدخل في هذا السياق؛فقد كابدوا الكثير حتى استطاعوا حفظ هذه الدماء،و من بعدهما لقي جميع الأئمة(عليهم السلام)مثل هذا العناء حتى عصر الغيبة.

و نحن اليوم مكلّفون بمثل هذا الواجب،مع اختلاف ظروف اليوم عما كانت عليه آنذاك؛فحكومة الحق-أي حكومة الشهداء-قائمة اليوم و الحمد للّه،فنحن إذن في ظلها مكلّفون بمسؤوليات جسيمة.

للشهداء حركتان و موقفان

يستشف المرء من عموم القضية أنّ للشهداء حركتان و موقفان في منتهى الروعة و العظمة،و كل واحد منهما يحمل نداء عميقا؛أحدهما،موقف من الإرادة الإلهية المقدسة،و أزاء دين اللّه و عباده الصالحين.

و الموقف الآخر أمام أعداء اللّه.و لو أنكم وضعتم موقف الشهيد و معنوياته و دوافعه،موضع التمحيص و الدراسة لاتّضح لكم هذان الموقفان.

الحسين عليه السلام قدوة للإيثار

أمّا ما يتعلق باللّه و عباده و أوامره و كل ما له صلة بذاته المقدسة،يتلخص بالإيثار و التضحية؛فالشهيد قد آثر و ضحّى للّه.الإيثار معناه إنكار الذات و عدم إدخالها في الحسبان.و هذا أول موقف للشهيد.فلو أنه أقحم ذاته في الحسابات و ظنّ بها و لم يخاطر لما بلغ هذه المنزلة.

الشبان الذين قصدوا سوح الوغى و ضحّوا بأنفسهم على رمضاء خوزستان التي تصل حرارتها 65 درجة،أو على جبال كردستان و بردها القارس و الثلوج أو

ص: 151

غيرها من أماكن الجهاد في العالم،كانت لهم مساكن و أسر،و كان لكل منهم أبوان عطوفان،و زوجة عزيزة،و البعض منهم كان لهم أطفال يمثّلون بالنسبة اليهم فلذات أكبادهم،و كانوا يعيشون حياة دعة و استقرار،إلا أنهم تخلّوا عن كل هذا و قصدوا سوح القتال.

ما هي الرسالة التي كان يحملها هؤلاء الشهداء و يفترض بنا استلهامها منهم؟

رسالتهم هي أن من يبتغي مرضاة اللّه،و يطمح لأن يكون وجوده نافعا في سبيل اللّه على طريق تحقيق الغايات الإلهية السامية في عالم الوجود،فعليه أن ينكر ذاته في مقابل الأهداف ذات الطابع الإلهي.و ليس هذا من نوع التكليف الذي لا يطاق.حيثما تمسكت فئة مؤمنة بهذه السمة انتصرت كلمة اللّه،و حيثما ارتعدت فرائص المؤمنين،كانت الغلبة-بلا جدال-لكلمة الباطل.

هذه الثورة انتصرت بفعل عوامل الإيثار و التضحية التي تمسّك بها عباد اللّه المؤمنون،و وقع ما لم يكن يخطر بحسبان أي محلل،و ذلك هو إقامة الحكم الإسلامي و في هذه النقطة من العالم بالذات،من كان يتوقع هذا؟و من كان يصدّق بحدوثه؟و لكن بفعل مواقف الإيثار و التضحية على يد المؤمنين تحقق هذا الأمر الذي ما كان متوقعا تحققه؛إذ فئة مصطفاة من المؤمنين-و لا نقول كل المؤمنين- أنكرت ذاتها،و الجميع مطالبون بالسعي لأن يكونوا ضمن هذه الفئة،لنيل هذه المنقبة (1).0.

ص: 152


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:251-260.

أثر التخلي عن الإيثار

كل موضع انعدم فيه عنصر الإيثار،كما هو الحال في كل بقعة خلت منه،و كما هو الحال على امتداد التاريخ،و كذلك في عهد الإمام الحسين عليه السّلام حين تنصلت الأكثرية العظمى من المؤمنين و الخواص عن واجبها،و نكلت و تراجعت،انتصرت حينها كلمة الباطل،و تسلّط يزيد على الرقاب و استمر الحكم الأموي تسعين سنة، و جاء عهد بني العباس و دامت حكومتهم بين خمسة و ستة قرون.و كان السبب الأساسي لكل هذا هو انعدام الإيثار.و كانت النتيجة أنّ المجتمعات الإسلامية كابدت الكثير من العناء،و ذاق المؤمنون أمرّ أنواع الظلم.

إنّ الساحة واضحة غاية الوضوح.و عصرنا هذا يا أعزائي شبيه بمعركة أحد؛ فإن أحسنّا ستكون الهزيمة من نصيب العدو،و لكن إذا وقعت أبصارنا على الغنائم و لا حظنا بضعة أشخاص يتكالبون على جمع الغنائم،و غلبتنا مشاعر الطمع و تركنا مواضعنا و انهمكنا في الإستحواذ على الغنائم،تنعكس المعادلة حينذاك.

أنتم تعلمون كيف انعكست القضية في معركة أحد،و لقد تكررت معركة أحد على مدى تاريخ الإسلام.

القائد الرباني الذي يرى بصفاء قلبه صفحة الحقيقة انتدب لذلك الموضع فئة من المسلمين و أوصاهم بعدم مغادرة أماكنهم،و أن يحرسوا هذه الجبهة.و لكن ما إن وقعت أبصارهم على الغنائم و شاهدوا أفرادا يحوزون الغنائم،زلزلت القلوب طمعا.

و لو استنطق كل منهم لقالوا:نحن أيضا بشر،و قلوبنا تهوي مستلزمات العيش

ص: 153

الرغيد.هذا صحيح،و لكن لا حظتم النتائج التي أدى إليها هذا الخنوع أمام الأهواء البشرية التافهة؛فقد كسر ضرس الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله،و أصيب بجراح،و غلبت جبهة الحق،و انتصر العدو و استشهد الكثير من أكابر المسلمين (1).2.

ص: 154


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:262.

أثر شهادة الحسين عليه السلام

إنّ مسألة الشهادة و التضحية لا يعتريها القدم،بل هي أداة الحركة في المجتمع، إلاّ أنّ البعض يغفل عن هذه الحقيقة،و إن ما ترونه من النظرة السلبية تجاه الشهادة و الإيثار لدى البعض،ناشئ عن غفلتهم،فإنهم لا يدركون ما لصيانة حرمة الشهداء و المضحّين من التأثير على واقع المجتمع و الأمة و البلاد.فكلنا يعلم أن دم الإمام الحسين عليه السّلام سفك في كربلاء،فنال شرف الشهادة العظيم حتى غدا سيد الشهداء، و كان بالإمكان الاكتفاء بهذا الوسام،إلاّ أنه لم يكتف بذلك حيث ألقيت المسؤولية الكبرى منذ اللحظة الأولى على عاتق الإمام السجاد عليه السّلام و زينب الكبرى سلام لله عليها فحملوا ظلامة الإمام و ندائه إلى كافة أنحاء العالم الإسلامي بمختلف الأشكال،و ذلك بغية إحياء الدين الحقيقي و الهدف الذي استشهد الإمام الحسين عليه السّلام من أجله،فأخذ الإمام السجاد عليه السّلام طيلة ثلاثين عاما من عمره الذي عاشه بعد استشهاد أبيه،لا يفتأ يذكر الإمام الحسين و دمه و استشهاده في كل مناسبة،و لم يكن ذلك بهدف الإنتقام من بني أمية،فحتى بعد أن طويت صفحة بني أمية و زال أمرهم،و استتب الأمر لبني العباس،كان الإمام الرضا عليه السّلام يحث الريّان بن شبيب بعقد مأتم لذكر مصائب سيد الشهداء،فلم يكن ذلك إلاّ بهدف بقاء نهج الإمام الحسين علما لحركة الأمة الإسلامية نحو أهداف الإسلام،فلابد أن يبقى هذا العلم قائما،كما أنه لا يزال قائما و لا يزال هاديا إلى يومنا هذا.

ص: 155

نداء الشهداء

نداء الشهداء يدعو إلى عدم الانصياع لهواجس الغنائم.هذا هو نداؤهم لي و لكم و لجميع من يكرّم هذه الدماء الطاهرة المسفوكة ظلما.لا تنظروا إلى من يعصي و يتجه إلى جمع الغنائم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (1)،عليكم بأنفسكم و لا يشغلنكم من اختار طريق الغواية.هذا ما يأمر به الإسلام و ما تدعو إليه دماء الشهداء.

يوم استشهد هؤلاء الأعزاء في الجبهة،كان بعض المخلّفين منهمكين في الكسب،و بعضهم الآخر غارق بجمع الأموال،و آخرون منكبين على انتهاز الفرص، و بعضهم الآخر كان منغمسا في الخيانة.أما الشهداء فقد ساروا صوب الجبهات بدون الإلتفات إلى هؤلاء.و كانت النتيجة هي أنهم استطاعوا حفظ النظام الإسلامي،و غدا كل واحد منهم اليوم كوكبا منيرا و نجما ساطعا.

و على هذا يكون النداء الأول هو نكران الذات أمام اللّه تعالى،و أمام عباده،و أمام الإرادة الإلهية.و يجب علينا استيعاب هذا النداء.

يا أعزائي،لا يمكن التغافل عن هذه الحقائق و المرور عليها مرّ الكرام؛إنّها تستدعي من الإنسان العزم و الإرادة.

ص: 156


1- سورة المائدة:105.

الحذر من أعداء اللّه تعالى

النداء الثاني في مقابل أعداء اللّه،و معناه الصمود و الثبات المطلق بوجه العدو و عدم خشيته،و عدم التهيّب منه،أو الإنفعال أمامه،و من المهم جدا أن لا ينفعل المرء مقابل عدوّه.

و اليوم تتركّز جميع مساعي العالم المادي المستكبر-أي الدول الاستكبارية الممسكة بزمام شؤون الإقتصاد و التسليح في العالم،و التي تهيمن في كثير من الحالات أيضا على ثقافة الكثير من البلدان-على تحطيم أية مقاومة حيثما كانت، عن طريق إثارة انفعالها؛الإنفعال أمام العدو من أفدح الأخطاء القاتلة.

العدو يجب أن يؤخذ في الحسبان من حيث عدائه،أي الإستعداد له و عدم الإستهانة به،و لكن لا ينبغي خشيته و لا الوقوع تحت طائلة تأثيره،و لا اتخاذ مواقف انفعالية أزاءه.

العدو يحرص على اثارة انفعالات المجتمعات الأخرى.و هو اليوم أكثر ما يعوّل على هذا الجانب في الأبعاد الثقافية و السياسية؛تارة يثيرون الصخب حول قضية المرأة،و يحدثون ضجّة حول حقوق الإنسان تارة أخرى،أو يتحدثون عن الديمقراطية،أو يؤججون في وقت آخر زوبعة حول حركات التحرر،و غرضهم من كل هذا هو إثارة انفعال الطرف المقابل.و من أكبر الأخطاء أن نتحدث في القضايا التي يثيرون حولها الضجيج الإعلامي،بشكل يوحي و كأننا نريد استرضاءهم،هذا هو الإنفعال.

من الخطأ أن نتحدث في مضمار حقوق الإنسان بأسلوب الإسترضاء لهم؛ لأنهم هم الذين لا يعيرون أية قيمة لحقوق الإنسان بمعناها الحقيقي،إلاّ أنهم جعلوا

ص: 157

منها هراوة يلوّحون بها في بعض بقاع العالم التي يبغون مهاجمتها.

أصبحت أمريكا على رأس دعاة حقوق الإنسان في العالم!قبل اندلاع الحرب المفروضة كانت أمريكا تدرج الحكومة العراقية في قائمة الدول الداعمة للإرهاب.

و في عامي 1361 و 1362 ه(1982-1983 م)حين استطاع مقاتلونا البواسل سحق العدو و إخراجه من أراضينا اضطر العدو البعثي إلى استخدام الأسلحة الكيمياوية و أسلحة الدمار الشامل ضدّنا،مرتكبا بذلك جريمة حربية.في تلك الظروف كانت الحكومة الأمريكية تعي ضرورة توفير الدعم للجبهة العراقية، ليكون بوسع الحكومة البعثية أداء دورها التآمري ضد نظام الجمهورية الإسلامية.

في تلك السنوات إستخدمت الحكومة البعثية الأسلحة الكيمياوية،فرفعوا حينها إسم العراق من قائمة الدول التي ترعى الإرهاب!هذا هو أسلوبهم في الدفاع عن حقوق الإنسان.

أكبر مساند لأي نقض لحقوق الإنسان يشاهد في العالم هي الدول المستكبرة من أمثال أمريكا التي أصبحت اليوم داعية لحقوق الإنسان،متخذة إياها كذريعة لتهديد الدول التي تريد مجابهتها!و إذا انبرى جماعة من هذا الجانب و تحدثوا عن حقوق الإنسان لأجل إرضائهم فهو خطأ فادح،و موقف انفعالي أمام العدو.

ص: 158

حكومة إيران من بركات ثورة الحسين عليه السلام

اشارة

أنظروا الى الإسلام في هذا العصر كيف أنّه حيّ و بنّاء.و كيف تتفاءل الشعوب بأنواره الساطعة بعد(1400)سنة و نيف،و كلّ هذا من بركات واقعة كربلاء و من استشهاد الإمام الحسين عليه السّلام و أصحابه،و قد شاء اللّه أن تكون الجمهورية الإسلامية أوّل تجربة لحاكمية القرآن بعد عهد الإمام الحسين عليه السّلام،فكلّ عمل و جهد بعد تلك الواقعة كان مقدّمة ليومكم هذا.

إنّ العلماء و المفكّرين و الفلاسفة و المتكلّمين،و كلّ الجهود و المساعي، و حروب المسلمين مع الصليبيين،كلّها حفظت الإسلام و مهّدت الأجواء و الظروف لانبثاق حكومة على أساس القيم الإلهية و القرآنية،إنّ الحظ و القدر كان من نصيب الشعب الإيراني ليحمّله الباري تعالى و لأوّل مرّة هذه الرسالة-و لا نقصد من الحظ و القدر الصدفة-فالباري تعالى لا يعطي هذا القدر الرفيع لأحد اعتباطا.

إنّ الشعب الإيراني قد سعى كثيرا؛حتى أنعم اللّه عليه بهذه الحكومة.

إنّ التضحيات و المساعي و الجهود الحثيثة لم تذهب هدرا.فلا يجلس المتقوّلون و السذّج المساكين في زاوية من زوايا العالم و يتصوّرون أنها حكومة إسلامية وقتية و سوف تزول غدا.كلاّ،إنّ هذا الأصل و هذه القاعدة لن تنتهي أبدا،أنا و أنتم ننتهي،الناس لا يخلّدون و أفضل الناس من يموت صالحا،و البعض لا تكون عاقبته خيرا.فالناس معرّضون للآفات و الخسران،لكن الأصل و الأساس باق و خالد.

إنّ هذه الحركة الإسلامية و تجدد الحياة الإسلامية لها جذور في قرون متمادية،

ص: 159

جذور في عشرة قرون من السعي و الجهاد،إنها تعتمد على الإسلام،و لذا تشاهدون ميل الناس نحو الإسلام في العالم أكثر خلال(5-10)سنوات الماضية، برغم شدة الحملات الدعائية المضادة الصهيونية و الإستكبارية؛لتشويه صورة النظام الإسلامي أكثر من أيّ وقت مضى.فانظروا الى الدول الإسلامية و الى الأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية،و انظروا الى مضايقات الإستكبار التي يمارسها ضدّهم،إنها ليست اعتباطية و عفوية،فلو كان المسلمون ك«الميت بين يديّ الغسّال»لما كانت أيّة مضايقات.

فما أريد قوله هو أن عنصر الغربة في هذه الثورة جعلها شبيهة بثورة الإمام الحسين ابن علي عليه السّلام،فلا تستو حشوا هذه الغربة،فقد بلغ الإمام الحسين عليه السّلام و أصحابه-الذين نلطم على صدورنا و نبكي لأجلهم و نحبّهم أكثر من أبنائنا-قمة الغربة،و كانت نتيجة بقاء و حيوية الإسلام الى اليوم.

إذا واقعة كربلاء حيّة و باقية ليس في مجرد قطعة أرض صغيرة فقط و انّما في منطقة مترامية الأطراف في محيط الحياة البشرية(كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء).

إنّ كربلاء موجودة في كلّ شيء؛في الأدب،في الثقافة،في السنن و الآثار،في الإعتقادات،في القلوب.

و أولئك الذين لم يسجدو للّه،ركعوا و خضعوا لعظمة الإمام الحسين عليه السّلام.

التاريخ يعيد نفسه

فاليوم أنتم غرباء في العالم،و الشعب الإيراني غريب و مظلوم،و ليست الغربة و المظلومية بمعنى الضعف،فنحن اليوم أقوياء جدّا،و أقول بكل جرأة:إنّه لا يوجد اليوم شعب مسلم بقوة و اقتدار الشعب الإيراني.فإيران حكومة و شعبا هما في

ص: 160

ذروة القوة و الإقتدار،و القوى العظمى تنظر باهتمام بالغ إلى حكومتنا،فشعبنا و حكومتنا هما أقوياء و سيّدا أمورهما،و لكن في الوقت ذاته غرباء و مظلومين، نحن اليوم غرباء في العالم،فلا أحد يساندنا،و هذا ليس بمعنى أن جميع القوى تقف ضدّنا و تحاربنا،كلاّ،فلا يفرح الأعداء بتصوّر أنّ جميع القوى مخالفة لنا،طبعا- و إن كانت هكذا-،فلا نبالي نحن بذلك لأنّنا امتحنّا ذلك أيضا،بل الأمر اليوم ليس كذلك،فالكثير من الدول في العالم تشعر أنّ صلاحها و فلاحها في الدنيا يكمن في تحاشي مجابهة الشعب الإيراني،لكن لا يساندنا و لا يدعمنا أحد.

فأعتى القوى المستكبرة في العالم تعادي شعبنا و تتعامى عن حقّه،و توجّه إليه سهام حقدها و اتّهامها و تتناسى و تنكر حسناته و فضائله و تقوم بتضخيم نقاط ضعفه،فغربة و مظلومية الشعب الإيراني يجب أن تقوّيكم أكثر،و إنّني أقول إنها نعمة إلهية.

إنّنا لو كنّا مثل ذلك البلد الثوري-اصطلاحا-في العهد السابق و اليوم لا خبر عنه-الذي كان تحت قوة مستكبرة-كالاتحاد السوفياتي السابق-لفسد الشعب و فسدت الحكومة،فإن ترون سلامة و صلاح الشعب و الحكومة فلأنّنا اعتمدنا على أنفسنا،و هذا ليس بمعنى عدم وجود فساد بين الشعب أو المسؤولين،بل يوجد، لكن التركيبة الأصلية و النقاط الرئيسية و الأعضاء الحساسة سالمة و هذه نعمة كبري،و من بركات بقائنا مستقلين و لم نتوكل على غير اللّه.فقد ورد في الدعاء«يا ملجأ من لا ملجأ له،يا عون من لا عون له،يا حصن من لا حصن له» (1)فكم يكون عذبا و جميلا أن لا يجد الإنسان ناصرا و معينا ليقول«يا عون من لا عون له».

و اليوم فإنّ هذا الشعب لا يعلّق و لا بصيصا من أمل على القوى و الحكومات2.

ص: 161


1- و هو دعاء الفرج،أنظر البحار:282/92.

و الأجهزة المخابراتية و العسكرية و السياسية و المنظمات الدولية،فلم ير منهم سوى السوء و اللدغ،بل يمكنه التكلّم مع الباري تعالى و مولاه و عزيزه و حبيبه بصدق و صفاء و يقول«يا رجاء من لا رجاء له»،و هذا هو الذي يشحن شعبنا بالقوة و الإقتدار.

و قد كان الإمام الخميني هكذا،ذلك الرجل الصلب الذي اتّحد الغرب و الشرق ضدّه لكنه لم يهتم لذلك،فقد كان يذرف الدموع أمام اللّه المتعال في منتصف الليل بحيث كان بعض المقرّبين منه ينقل لي آنذاك انّه عندما كان يبكي الإمام في منتصف الليل،لم يكن المنديل كافيا ليمسح دموعه،بل كان يستفيد من المنشفة، فقوته من تلك القوة.

فنمّو في نفوسكم هذه القوة ليصون الشعب نفسه من الضرر و يحصن الثورة و يزيد من بأسها و صلابتها.

طبعا العدو لن يسكت و سيحاول حياكة المؤامرات،و اليوم لا يتفوّه بشيء،بل يأتي بالأساليب و الإبتسام للعناصر الذليلة و الضعيفة،لينسى هؤلاء صمود و مقاومة هذا النظام للقوى الإستكبارية.

إذا هنا صفّان؛صفّ الإسلام و القرآن و القيم الإلهية و المعنوية و قمّتها الجمهورية الإسلامية و المسؤولون في هذا النظام الذين تحمّلوا هذا العبء الثقيل بفخر و اعتزاز و دون أي خوف أو اكتراث.

و الصف الآخر؛هو لجميع الشياطين و الرذائل و الخبائث في العالم.فمن يملك بيانا،أو قوّة مبتكرة،أو طاقة،فليعلم أين يصرفها،فإن عمد أحد في جبهة الحق أو من خارجها إلى محاربة هذه الجبهة(الحق)-التي تحارب اليوم ضدّ الباطل و الرذائل-لا لشيء سوى لعدم التوجّه الى تلك النكتة أو صدور خطأ أو اشتباه أو

ص: 162

حتى ارتكاب ذنب،فهل هذا محقّ في عمله؟أليس هذا تضييع للقدرة الإلهية، و كفران بالنعمة؟ألا يلام من يضعّف جبهة الحق و المسؤولين و رئيس الجمهورية،و القوة القضائية و المجلس،تحت طائلة أنّ المحكمة الفلانية أو القاضي الفلاني أصدر حكما خطأ،أو أنّ المسؤول الفلاني ارتكب خلافا؟أليس هذا كفران بالنعمة بأن يصرف أولئك كل طاقاتهم و قواهم لمحاربة جبهة الحق بدل من صرفها في مواجهة الباطل؟ألا يستحقّ هؤلاء اللوم الإلهي؟فيجب أن يكون الشعب يقظا و لا يشتبه بين الحق و الباطل (1).9.

ص: 163


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:260-269.

خلود الإمام الحسين عليه السلام الذي أنار التاريخ

معنى الخلود

قال السيد الخامنئي:إنّ كلاّ من هذه الشخصيات التي أنارت التاريخ بشكل أو بآخر-الحسين بن علي عليه السّلام و الإمام السجاد عليه السّلام و أبو الفضل العباس عليه السّلام-كان البعض يظن في حقها و في عهدها،ظنا ماديا باطلا،بأن هذه الشخصيات قد اندثرت بالكامل.

إستشهد الإمام الحسين عليه السّلام في الغربة مع جميع من كان معه من الشباب و الشخصيات البارزة من عائلته-الأخوة و الأولاد و الأقارب و الصحابة الغيارى- و دفنوا في منتهى الغربة،و لم يشيّعوا،و لم يقم أحد عليهم العزاء.

ظن البعض باطلا أن بقاء هذه الثلة قد يثير عندهم غريزة الإنتقام،كما كان ذلك البعض يتصور أنّ المسألة ستنتهي بالقضاء على الإمام الحسين عليه السّلام و أصحابه.

يبدو ظاهريا أن الإمام السجاد عليه السّلام عاش بعد الإمام الحسين عليه السّلام مدة أربع و ثلاثين سنة في حالة انزواء دون أن يشكّل تكتلا أو جماعة أو عسكرا أو تمردا.أما أبو الفضل فقد استشهد في يوم عاشوراء.

لقد كانت تصورات القوى المادية-التي تحكم الناس بمنطق مادي-أن الأمر قد انتهى بمجرد القضاء على هذه الشخصيات؛لكن واقع الأمر كان مختلفا عمّا كانوا يتصورون،فلم يقض عليهم،بل خلّدوا،و أخذ جلالهم و جاذبيتهم و تأثيرهم يزداد يوما بعد آخر،فقد استولوا على قلوب الناس و فتحوها،فزادوا من دائرة وجودهم.

ص: 164

و اليوم يتبرك بأسمائهم مئات الملايين-من الشيعة و غير الشيعة-و ينهلون من كلامهم،و يبجّلون ذكراهم؛إنه النصر في التاريخ،نصر حقيقي و خالد.

سبب خلود واقعة عاشوراء

إنّ السؤال الذي ينصرف إليه الذهن هو:ما واقع الأمر؟و ما هو سبب البقاء و الخلود؟

برأيي أنها من الحقائق الأساسية،و في الوقت نفسه من أوضح الحقائق و أشدها رواجا في حياة البشرية،إلا أن شأنها شأن جميع الحقائق الواضحة و البديهية،فلا يلتفت إليها ذهن الغافل.

إن حقائق العالم جميعها حقائق مهمة؛كالشمس و القمر و الليل و النهار و مجيء الفصول المختلفة،و الحياة و الموت؛إن للإنسان في كلّ من هذه الحوادث درسا جديرا بالتدبّر،إلاّ أنّ الغافلين لا يلتفتون إليها،بينما يعتني بها المتدبرون و ينهلون منها زادهم.

نوعان من عوامل القدرة

إن الحقيقة التي أشرنا إليها هي من تلك الحقائق الواضحة التي كانت على مرّ العصور؛و هي أنّ هنالك نوعين من عوامل القدرة:نوع من العوامل المادية،و النوع الآخر هو القدرة الناشئة عن عوامل معنوية.

إن عوامل القدرة المادية هي المال و القوة و التي مارسها الجبابرة على طول التاريخ،و لم يكتب البقاء لهذه القدرة إلاّ أياما معدودة.انظروا إلى جبابرة العالم حيث عمّروا طويلا خاضوا فيه المعارك و سعوا و مارسوا السياسة لأجل اقتطاف ثمار ما دامت لهم إلاّ سنوات قليلة؛أي لا شيء في الواقع.

ص: 165

عوامل القدرة المعنوية سبب الخلود

إلاّ أنّ هناك عوامل للقدرة المعنوية،و هي الإيمان و الطهر و التقوى و الصدق و الحقانية،و القيم الدينية مقترنة مع الجهاد و السعي؛فهذه القدرة قدرة خالدة، و هذه القدرة لا تعني الأخذ و التكنيز و الربح و التمتع،بل هي قدرة التاريخ الخالدة، و قدرة التحكم بمصير البشرية؛كما هو الحال بالنسبة للأنبياء عليهم السّلام،فهم أحياء حتى اليوم.كما أن زعماء العدل و الحق لا زالوا أحياء في تاريخ البشرية.

و ما يعني ذلك؟إنّ ذلك يعني أنّ النهج الذي سعوا و جاهدوا و ناضلوا في سبيل توطينه في نفوس البشرية،أصبح خالدا و صار مفهوما لازالت البشرية تنهل منه الدروس.

إن الخيرات و الصالحات و المحاسن التي نجدها عند البشرية اليوم ناشئة من تلك الدروس و هي استمرار لمساعي الأنبياء عليهم السّلام و المصلحين و الخيّرين،فهذه تبقى و تخلد.

إنّ الإمام الحسين عليه السّلام كان يملك عوامل القدرة المعنوية،و رغم أنه استشهد في النهاية،إلاّ أن جهاده ما كان لأجل التمتع بلذائذ الدنيا لأيام معدودة،لكي نقول إنه خسر المعركة بشهادته؛بل إن جهاده كان لأجل إبقاء منهج التوحيد و حكومة الله و منهج الدين و النجاة و صلاح الإنسان،و تخليد هذا المنهج في حياة البشرية؛و كان ذلك في وقت يسعى فيه البعض لأن يمحو هذا المنهج كليا،و أنتم ترون نماذج من أولئك اليوم!

في وقت ما كانت هذه القضايا تعد تصورات ذهنية إذا ما طرحت،إلاّ أنّ هذه الحقائق الذهنية تحققت اليوم و أصبح لها واقع،حيث ترون أن جبابرة عالم اليوم ينفقون الأموال و يصرون في ممارساتهم لأجل الحؤول دون تحكم الدين،و لأجل

ص: 166

محو الدين من الدنيا..

حصل في جزء من العالم أن انتفض شعب،و حكّم القيم الدينية خلافا لرغبات الجبابرة.و هذا درس للعالم و الشعوب الأخرى..إن مساعيهم اليوم هي لا لأجل إسقاط النظام فحسب،بل لأجل محو أصل المسألة من ذهن البشر و من مجموعة الدروس الخالدة،للحؤول دون تعليم هذا الدرس للآخرين لا اليوم و لا في المستقبل.

إن مساعيهم الإعلامية لأجل هذا.و إلاّ فإنا إذا فرضنا أن نظاما صاحب رؤية و حقيقة و فكر و إيمان كان قائما هيكليا و مفارقا لأفكاره و روحه؛فالشخصيات فيه موجودة إلا أنها بريئة من أفكاره و روحه،إن هكذا نظام فاشل،و محقق لمآرب أعدائه.

إن زوال الدين هو المهم عندهم،و أهمية ذلك أكثر من أهمية القضاء على الشخصيات،و أكثر من القضاء على التكتلات السياسية و العسكرية التي لا يرتضونها.المهم هو القضاء على الفكر و الأهداف و الدوافع (1).7.

ص: 167


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:245-247.

تحكيم الدين هو العامل للقدرة المعنوي

إن أعظم سر للفشل هو أن يصرح رافعو الراية و زعماء الدعوة بخطئهم!إنكم من ذوي الفكر و التحليل،و ترون الدنيا اليوم تبحث عن هذا؛إن هذا هو الهم و هو الهدف الرئيس للجهاز الإستكباري أزاء المسلمين و الجمهورية الإسلامية.

إن الأنبياء عليهم السّلام و الأولياء و الصالحين و الشهداء و عظماء التاريخ نجحوا في هذا الجزء من القضية،و هو الجزء الأهم،فالإنسان يموت في نهاية أمره،و كذا الجبابرة و المالكون و المنتفعون،و هذا ليس مهما،المهم هو بقاء و خلود ذلك الخط و المنهج، و الطريق الذي يشار إليه بالبنان،و هذا ما نراه حاليا،فإن الطريق خلد،و لا يزال يتسع و يشغل حيزا أكبر.

في يوم من أيام أول قرنين مضيا على تجديد الحياة الصناعية في أوروبا حيث توجّهوا إلى العلم،تصوّروا أنّ الدين رحل من الدنيا.و إن ما ترون اليوم من أفكار يجريها بعض القادمين توا إلى ساحة الفكر و السياسة على ألسنتهم هي في الحقيقة كلمات فلاسفة و ساسة أوروبا في القرن التاسع عشر،كانوا يتصورون أنّ الدين قد انتهى،و تجربتهم في هذا المجال تكشف عن أنّ الدين ملوث بالخرافات و ممتزج بالظلمات،و ما استطاع المقاومة أمام العلم،و ولّى.إنهم تصوّروا أنّ الدين في أي بقعة من العالم هو نفسه الذي كان في أوروبا،أي من نفس النوع المسيحي، و التدين هو نفسه في أي مكان وجد،و كذا التعصبات و ما تخللها من فساد كبير.

إنهم تصوّروا أنّ الدين قد انتهى،و قد انحلّت مشكلة الدين في الدنيا،فبدأوا بتقويم و ترتيب-حسب تصورهم-ما ترسّب في أعماق البشر و زوايا وجودهم

ص: 168

من الدين و التدين،و أخذوا بهدم ذلك المقدار من الدين.

إنكم تلاحظون اليوم أنّ الدوافع الدينية و التوجه إلى الدين و إلى المعنوية، و بخاصة في ذلك المجال المشترك و الخالص من الدين-أي الجانب المعنوي و ما تهوى إليه القلوب من المعنوية قد ملأ الدنيا و أخذ بالإزدياد يوما بعد آخر،لكن ما يؤسف له أنّ هذا الشعور العرفاني شعور سطحي في الأماكن التي لا تحظى ببنى إعتقادية و فكريّة على غرار البنى التي يتمتع بها الإسلام.

إنّ البنى إذا بلغت المستوى الموجود في الإسلام فإنّ الشعور و الأحاسيس الناشئة منها ستصبح قيّمة للغاية.

و على هذا فقد حصل عكس ما توقّعوه؛و هذا هو العامل المعنوي للقدرة؛و هو عينه ما حصل في الثورة،و هو ذاته ما حصل لحرّاس الثورة (1).9.

ص: 169


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:249.

ص: 170

الفهرس

أهداف النهضة الحسينية

خلاصة النهضة الحسينية 3

مميزات حكومة النبي الأكرم 9 4

حكومة النبي بعد خمسين عاما 5

الفرق بين الإمامة و السلطنة 6

حكومة يزيد سلطنة 6

ثورة الحسين عليه السلام بوجه السلطنة 8

أبعاد ثورة الإمام الحسين عليه السلام 9

1-عزة و مجد في الثورة ضد الباطل 12

2-عزة و مجد في تجسيد المعنويات 15

تقديم الفضيلة على الرذيلة 15

درس من كربلاء 16

3-عزة و مجد رغم المصائب و الفجائع 17

مواقف كربلاء دروس خالدة للبشرية 18

4-إصلاح الدنيا و الآخرة 20

الإصلاح كان هدف الإمام الحسين الأول 21

سببان لترك العزّة 22

الموقف الذي خطّه الحسين عليه السلام في سجلّ التأريخ 24

ص: 171

لم يكن خروج الحسين عليه السلام للحرب 24

5-تشخيص الوظيفة العملية و أثره 26

تكليف الإمام الحسين عليه السلام 29

الحذر في تشخيص العدو 30

تكليف المسلمين 32

6-الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر 34

كيف يتمّ الأمر بالمعروف 37

7-التصدي للطواغيت 39

أثر عدم تصدي الحسين عليه السلام للطواغيت 42

8-رؤية جديدة لثورة الحسين عليه السلام 43

ليس الهدف هو إسقاط حكومة يزيد 44

ليس الهدف هو الشهادة 44

إقامة الحكومة و الشهادة نتيجة و ليست هدفا 45

الهدف الحقيقي:أداء تكليف من نوع خاص 45

شرح أبعاد هدف الثورة الحسينية 48

التكليف لا تسقطه المخاطر 51

تقارب ثورة الحسين و الخميني في الهدف و افتراقهما في النتيجة 53

خلاصة القول 53

أدلة رؤيتنا في ثورة الإمام الحسين عليه السلام 55

الدليل الأول:55

الدليل الثاني:56

الدليل الثالث:56

الدليل الرابع:57

ص: 172

الدليل الخامس:58

الدليل السادس:58

أهداف نهضة عاشوراء 60

ضحّى سيد الشهداء بنفسه من أجل الإسلام 64

هدف الإمام الحسين عليه السلام و شعاره و سبيله 65

لبى الإمام نداء أهل الكوفة إتماما للحجة 69

ذهب إلى العراق لاتمام الحجة لا لقول بني عقيل 71

نظرة أخرى في الأهداف العظيمة 72

1-الدفاع عن الإسلام 72

2-حماية الإمام و الدفاع عنه 73

3-تحرير الأمة من الجور 74

4-النزعات الفذة 75

1-الإباء و العزة 75

2-البسالة و الصمود 75

آثار ثورة عاشوراء

هل تحققت آثار ثورة عاشوراء؟79

ماذا كان هدف الحسين عليه السلام من الثورة 79

آثار ثورة عاشوراء التاريخيّة

بركات طريق الإمام الحسين عليه السلام 84

عاشوراء قمة المعارف 88

تبيين ثورة الحسين عليه السلام 90

ص: 173

إحياء الإسلام و بيان حقائقه 93

صبر الإمام الحسين صان الإسلام 94

عاشوراء و بقاء الإسلام 95

بقاء الدين حيّ بفضل تضحية الحسين عليه السلام 96

تحقيق الحسين متطلبات الإنسان في ظل أحكام الدين 98

أوّل استفادة من عاشوراء 100

آثار و نتائج نهضة أبي عبد اللّه 7 103

حماية الإسلام و جهود النبي 103

حالة مدرسة الخلفاء بعد استشهاد الحسين عليه السلام 110

أ-عطاء و حبوة:110

ب-ندم عصبة الخلافة بعد ظهور نتائج أفعالهم:111

معطيات الثورة 113

انتصار القضية الإسلامية 113

هزيمة الأمويين 114

مظاهر هزيمتهم 115

أ-تجريدهم من الواقع الإسلامي 115

ب-شيوع النقمة و الإنكار عليهم 116

ج-تحول الخلافة عن بني أمية 116

التدليل على واقع أهل البيت:116

تركيز التشيع 117

توحيد صفوف الشيعة 118

تكوين الحس الاجتماعي 118

تفجير المواهب 119

ص: 174

منابر الوعظ و التوجيه 121

فلسفة عاشوراء

كلّما تأملنا في عاشوراء وجدنا جديدا 122

المعارف في عزاء الحسين عليه السلام 122

كثرة المصائب خلّدت واقعة عاشوراء 123

أثر التذكير بالمصائب 126

علم الإمام عليه السلام بوقائع عاشوراء 127

عناصر نهضة الإمام الحسين عليه السلام

1-المنطق و العقل في ثورة الحسين عليه السلام 129

2-الحماس و العزة 132

3-دور العاطفة في كربلاء 134

العواطف في ثورة عاشوراء 136

بين الأسلوب العقلي و الأسلوب العاطفي 138

الوجه الآخر لملحمة عاشوراء 141

خصائص النهضة الحسينيّة

رمز خلود نهضة الحسين عليه السلام 142

الإخلاص في خروج الحسين عليه السلام 142

ما كان لله ينمو و ما كان للشيطان يضمحل 143

الإخلاص في ثورة الإمام الخميني 144

غربة الحسين عليه السلام و أثرها في المعركة 146

ص: 175

عظمة شهداء الحسين عليه السلام يوم القيامة 148

لا يقارن أحد بشهداء كربلاء 149

حفظ طريق الشهداء 149

شهداء الحسين عليه السلام منار الدروب 150

حفظ دماء شهداء الحسين عليه السلام 150

للشهداء حركتان و موقفان 151

الحسين عليه السلام قدوة للإيثار 151

أثر التخلي عن الإيثار 153

أثر شهادة الحسين عليه السلام 155

نداء الشهداء 156

الحذر من أعداء اللّه تعالى 157

حكومة إيران من بركات ثورة الحسين عليه السلام 159

التاريخ يعيد نفسه 160

خلود الإمام الحسين عليه السلام الذي أنار التاريخ

معنى الخلود 164

سبب خلود واقعة عاشوراء 165

نوعان من عوامل القدرة 165

عوامل القدرة المعنوية سبب الخلود 166

تحكيم الدين هو العامل للقدرة المعنوي 168

الفهرس 171

ص: 176

المجلد 20

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان:عربی

تعداد جلد:20

کد کنگره: /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء العشرون(إحياء عاشورا ثواب الحزن و البكاء-مجالس العزاء و اللّطم)

مصيبة الحسين أعظم المصائب

محمد بن علي بن بشار القزويني،عن المظفر بن أحمد،عن الأسدي عن سهل، عن سليمان بن عبد اللّه،عن عبد اللّه بن الفضل قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:يا ابن رسول اللّه كيف صار يوم عاشورا يوم مصيبة و غم و جزع و بكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟و اليوم الذي ماتت فيه فاطمة عليها السّلام؟و اليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين عليه السّلام؟و اليوم الذي قتل فيه الحسن عليه السّلام بالسم؟.

فقال عليه السّلام:إن يوم قتل الحسين عليه السّلام أعظم مصيبة من جميع سائر الايام،و ذلك أن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على اللّه كانوا خمسة فلما مضى عنهم النبي،بقي أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام فكان فيهم للناس عزاء و سلوة،فلما مضت فاطمة عليها السّلام كان في أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام للناس عزاء و سلوة،فلما مضى منهم أمير المؤمنين كان للناس في الحسن و الحسين عليهما السّلام عزاء و سلوة فلما مضى الحسن عليه السّلام كان للناس في الحسين عزاء و سلوة.

فلما قتل الحسين صلّى اللّه عليه لم يكن بقي من أصحاب الكساء أحد للناس بحار فيه بعده عزاء و سلوة،فكان ذهابه كذهاب جميعهم،كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم فلذلك صار يومه أعظم الايام مصيبة.

قال عبد اللّه بن الفضل الهاشمي:فقلت له:يا ابن رسول اللّه فلم لم يكن للناس في علي بن الحسين عليهما السّلام عزاء و سلوة،مثل ما كان لهم في آبائه عليهم السلام؟

فقال:بلى إن علي بن الحسين كان سيد العابدين،و إماما و حجة على الخلق بعد

ص: 3

آبائه الماضين،و لكنه لم يلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،و لم يسمع منه،و كان علمه وراثة عن أبيه عن جده عن النبي صلّى اللّه عليه و اله،و كان أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام قد شاهدهم الناس مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في أحوال تتوالى،فكانوا متى نظروا إلى أحد منهم تذكّروا حاله من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله له و فيه،فلما مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين على اللّه عز و جل،و لم يكن في أحد منهم فقد جميعهم إلا في فقد الحسين عليه السّلام لأنه مضى في آخرهم،فلذلك صار يومه أعظم الايام مصيبة.

قال عبد اللّه بن الفضل الهاشمي:فقلت له:يا ابن رسول اللّه فكيف سمّت العامة يوم عاشوراء يوم بركة؟فبكى عليه السّلام ثم قال:لما قتل الحسين عليه السّلام تقرّب الناس بالشام إلى يزيد،فوضعوا له الأخبار و أخذوا عليها الجوائز من الاموال،فكان مما وضعوا له أمر هذا اليوم،و أنه يوم بركة،ليعدل الناس فيه من الجزع و البكاء و المصيبة و الحزن،إلى الفرح و السرور و التبرّك،حكم اللّه بيننا و بينهم.

قال:إن اولئك مسخوا ثلاثة أيام ثم ماتوا و لم يتناسلوا،و إن القردة اليوم مثل أولئك و كذلك الخنزير و سائر المسوخ،ما وجد منها اليوم من شيء فهو مثله لا يحل أن يؤكل لحمه.

قال:ثم قال عليه السّلام:يا ابن عم و إن ذلك لأقل ضررا على الإسلام و أهله مما وضعه قوم انتحلوا مودتنا و زعموا أنهم يدينون بموالاتنا و يقولون بإمامتنا:زعموا أن الحسين عليه السّلام لم يقتل و أنه شبّه للناس أمره كعيسى ابن مريم فلا لائمة إذا على بني أمية و لا عتب على زعمهم،يا ابن عم من زعم أن الحسين لم يقتل فقد كذّب رسول اللّه و عليا و كذّب من بعده من الأئمّة عليهم السلام في إخبارهم بقتله،و من كذّبهم فهو كافر باللّه العظيم،و دمه مباح لكل من سمع ذلك منه.

قال عبد اللّه بن الفضل:فقلت له:يا ابن رسول اللّه فما تقول في قوم من شيعتك يقولون به؟

ص: 4

فقال عليه السّلام:ما هؤلاء من شيعتي،و أنا بريء منهم،قال:فقلت:فقول اللّه عز و جل:

وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (1) ثم قال عليه السّلام:لعن اللّه الغلاة و المفوضة فإنهم صغروا عصيان اللّه،و كفروا به و أشركوا و ضلوا و أضلوا فرارا من إقامة الفرائض و أداء الحقوق (2).

الحسن بن محمد بن يحيى العلوي،عن جده،عن داود،عن عيسى بن عبد الرحمن بن صالح،عن أبي مالك الجهني،عن عمر بن بشر الهمداني قال:قلت لأبي إسحاق:متى ذل الناس؟

قال:حين قتل الحسين بن علي عليهما السّلام و ادعي زياد،و قتل حجر بن عدي (3).

الكليني،عن إسحاق بن يعقوب قال:ورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السّلام علي،على يد محمد بن عثمان العمري بخطه عليه السّلام:أما قول من زعم أن الحسين لم يقتل فكفر و تكذيب و ضلال (4).

تميم القرشي،عن أبيه،عن أحمد بن علي الانصاري،عن الهروي قال:قلت للرضا عليه السّلام:إن في سواد الكوفة قوما يزعمون أن النبي لم يقع عليه سهو في صلاته.

فقال:كذبوا لعنهم اللّه إن الذي لا يسهو هو اللّه الذي لا إله إلا هو قال:قلت:يا ابن رسول اللّه و فيهم قوم يزعمون أن الحسين بن علي لم يقتل و أنه ألقي شبهه على حنظة بن أسعد الشامي و أنه رفع إلى السماء كما رفع عيسى ابن مريم عليه السّلام، و يحتجون بهذه الآية: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (5).1.

ص: 5


1- سورة البقرة:62.
2- بحار الأنوار:269/40-278 سطر 11 ح 1،و علل الشرائع:ج 1 ص 125 127 باب 162.
3- بحار الأنوار:269/40-278 سطر 11 ح 2.
4- بحار الأنوار:269/40-278 سطر 11 ح 3،و الاحتجاج:ص 243.
5- سورة النساء:ص 141.

فقال:كذبوا عليهم غضب اللّه و لعنته،و كفروا بتكذيبهم لنبي اللّه في إخباره بأن الحسين بن علي عليهما السّلام سيقتل و اللّه لقد قتل الحسين و قتل من كان خيرا من الحسين أمير المؤمنين و الحسن بن علي،و ما منا إلا مقتول،و أنا و اللّه لمقتول بالسم باغتيال من يغتالني،أعرف ذلك بعهد معهود إلي من رسول اللّه،أخبره به جبرئيل عن رب العالمين.و أما قول اللّه عز و جل: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً فإنه يقول:و لن يجعل اللّه لكافر على مؤن حجة،و لقد أخبر اللّه عز و جل من كفار قتلوا النبيين بغير الحق،و مع قتلهم إياهم لم يجعل اللّه لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجة.

أقول:قد مضى كلام من الصدوق رحمه اللّه في باب علامات الامام في ذلك لا نعيده. (1)5.

ص: 6


1- بحار الأنوار:269/40-278 سطر 11 ح 5.

علة قتل الحسين عليه السلام و ابتلائه

محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال:كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس اللّه روحه مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري فقام إليه رجل فقال له:أريد أن أسألك عن شيء،فقال له:سل عما بدالك فقال الرجل:أخبرني عن الحسين بن علي عليهما السّلام أهو ولي اللّه؟

قال:نعم،قال:أخبرني عن قاتله أهو عدو اللّه؟

قال:نعم،قال الرجل:فهل يجوز أن يسلّط اللّه عدوه على وليّه؟.

فقال له أبو القاسم قدس اللّه روحه:إفهم عني ما أقول لك إعلم أن اللّه عز و جل لا يخاطب الناس بشهادة العيان،و لا يشافههم بالكلام،و لكنه عز و جل بعث إليهم رسولا،من أجناسهم و أصنافهم بشرا مثلهم،فلو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم و صورهم لنفروا عنهم،و لم يقبلوا منهم،فلما جاؤوهم و كانوا من جنسهم يأكلون الطعام،و يمشون في الاسواق قالوا لهم:أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز أن نأتي بمثله،فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه،فجعل اللّه عز و جل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها،فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار و الإعذار فغرق جميع من طغى و تمرد،و منهم من ألقي في النار،فكانت عليه بردا و سلاما و منهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة و أجرى في ضرعها لبنا،و منهم من فلق له البحر و فجّر له من الحجر العيون،و جعل له العصا اليابسة ثعبانا فتلقف ما يأفكون و منهم من أبرأ الأكمه و الأبرص و أحيى الموتى بإذن اللّه عز و جل و أنبأهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم،و منهم من انشق له

ص: 7

القمر و كلّمه البهائم مثل البعير و الذئب و غير ذلك.

فلما أتوا بمثل هذه المعجزات،و عجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير اللّه عز و جل،و لطفه بعباده و حكمته،أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين،و في أخرى مغلوبين،و في حال قاهرين،و في حال مقهورين،و لو جعلهم عز و جل في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين،و لم يبتلهم و لم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون اللّه عز و جل،و لما عرف فضل صبرهم على البلاء و المحن الإختبار.

و لكنه عز و جل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم،ليكونوا في حال المحنة و البلوى صابرين،و في حال العافية و الظهور على الأعداء شاكرين و يكونوا في جميع أحوالهم متواضعين،غير شامخين و لا متجبرين،و ليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلها هو خالقهم و مدبرهم،فيعبدوه و يطيعوا رسله و تكون حجة اللّه تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم،و ادعى لهم الربوبية،أو عاند و خالف و عصى و جحد بما أتت به الأنبياء و الرسل،و ليهلك من هلك عن بينة،و يحيى من حي عن بينة.

قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق:فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن الحسين بن روح قدس اللّه روحه من الغد و أنا أقول في نفسي:أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟فابتدأني فقال لي:يا محمد بن إبراهيم لأن أخرّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين اللّه تعالى ذكره برأيي و من عند نفسي،بل ذلك عن الأصل،و مسموع عن الحجة صلوات اللّه عليه (1).4.

ص: 8


1- راجع الاحتجاج ص 243.علل الشرائع ج 1 ص 230:باب 177 تحت الرقم 1،كمال الدين ج 2 ص 184.

بيان:فتخطفني:أي تأخذني بسرعة،و السحيق:البعيد.

محمد بن الوليد،عن ابن بكير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (1)قال:فقال:هو و يعفو عن كثير قال:

قلت له:ما أصاب عليا و أشباهه من أهل بيته من ذلك؟

قال:فقال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان يتوب إلى اللّه عز و جل كل يوم سبعين مرة من غير ذنب (2).

القطان،عن السكري،عن الجوهري،عن ابن عمارة،عن أبيه،عن جعفر بن محمد،عن أبيه عليهما السّلام قال:إن أيوب عليه السّلام ابتلي سبع سنين من غير ذنب و إن الأنبياء لا يذنبون لأنهم معصومون مطهرون،لا يذنبون و لا يزيغون و لا يرتكبون ذنبا صغيرا و لا كبيرا.

و قال عليه السّلام:إن أيوب عليه السّلام من جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة و لا قبحت له صورة،و لا خرجت منه مدة من دم و لا قيح،و لا استقذره أحد رآه و لا استوحش منه أحد شاهده،و لا تدوّد (3)شيء من جسده و هكذا يصنع اللّه عز و جل بجميع من يبتليه من أنبيائه و أوليائه المكرمين عليه و إنما اجتنبه الناس لفقره و ضعفه في ظاهر أمره،بجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره،من التأييد و الفرج،و قد قال النبي صلّى اللّه عليه و اله:أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.

و إنما ابتلاه اللّه عز و جل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدّعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد اللّه أن يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه،ليستدلوا بذلك على أن الثواب من اللّه تعالى ذكره على ضربين:إستحقاقد.

ص: 9


1- سورة الشورى:30.
2- قرب الإسناد ص 103.
3- يقال:داد الطعام يدادا دودا و تدود و اداد:صار فيه الدود فهو مدود.

و اختصاص،و لئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه،و لا فقيرا لفقره،و لا مريضا لمرضه، و ليعلموا أنه يسقم من يشاء،و يشفي من يشاء،متى شاء،كيف شاء بأي سبب شاء،و يجعل ذلك عبرة لمن شاء،و شقاوة لمن شاء،و سعادة لمن شاء،و هو عز و جل في جميع ذلك عدل في قضائه،و حكيم في أفعاله:لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم و لا قوة لهم إلا به.

أبي،عن سعد،عن ابن عيسى،عن ابن محبوب،عن ابن رئاب قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ أرأيت ما أصاب عليا و أهل بيته هو بما كسبت أيديهم و هم أهل بيت طهارة معصوصمون؟

فقال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان يتوب إلى اللّه عز و جل و يستغفره في كل يوم و ليلة مائة مرة من غير ذنب،إن اللّه عز و جل يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب (1).

بيان:أي كما أن الإستغفار يكون في غالب الناس لحط الذنوب و في الأنبياء لرفع الدرجات،فكذلك المصائب.

أحمد بن محمد و محمد بن الحسين،عن ابن محبوب،عن ابن رئاب عن ضريس قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول و أناس من أصحابه حوله:و أعجب من قوم يتولوننا و يجعلوننا أئمة،و يصفون بأن طاعتنا عليهم مفترضة كطاعة اللّه ثم يكسرون حجتهم و يخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم،فينقصون حقنا و يعيبون بذلك علينا من أعطاه اللّه برهان حق معرفتنا،و التسليم لأمرنا،أترون أن اللّه تبارك و تعالى إفترض طاعة أوليائه على عباده،ثم يخفي عنهم أخبار السماوات و الأرض،و يقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم؟4.

ص: 10


1- معاني الأخبار ص 383 و 384.

فقال له حمران:جلعت فداك يا أبا جعفر أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب عليه السّلام و الحسن و الحسين و خروجهم و قيامهم بدين اللّه و ما أصيبوا به من قتل الطواغيت إياهم و الظفر بهم،حتى قتلوا أو غلبوا؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:يا حمران إن اللّه تبارك تبارك و تعالى قد كان قدّر ذلك عليهم و قضاه و أمضاه و حتّمه،ثم أجراه،فبتقدم علم من رسول اللّه إليهم في ذلك قام علي و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم،و بعلم صمت من صمت منا.

و لو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر اللّه و إظهار الطواغيت عليهم، سألوا اللّه دفع ذلك عنهم،و ألحّوا عليه في طب إزالة ملك الطواغيت،إذا لاجابهم و دفع ذلك عنهم،ثم كان انقضاء مده الطواغيت و ذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد،و ما كان الذي أصابهم من ذلك يا حمران لذنب اقترفوه و لا لعقوبة معصية خالفوا اللّه فيها،و لكن لمنازل و كرامة من اللّه أراد أن يبلغوها فلا تذهبن فيهم المذاهب (1).0.

ص: 11


1- بحارالأنوار:278/40.

محرّم،صرح الشهادة الدامي

قال الإمام الخميني (1):ها قد أظل شهر محرم،شهر الملاحم و الشجاعة شهر انتصار الدم على السيف،الشهر الذي دحضت فيه قوة الحق زيف الباطل إلى الأبد و دمغت فيه جباه الجبابرة و الظلمة و الحكومات الشيطانية بوصمة لا تزول و لا تحول.

الشهر الذي علّم كل الأجيال على مدى التاريخ نهج الانتصار على الحراب و الأسنة،و الشهر الذي شهد هزيمة القوى الكبرى مقابل كلمة الحق،و الشهر الذي ينبغي أن تتغلب فيه القبضات المشدودة لعشاق الحرية و الإستقلال و الحق،على الدبابات و المدافع الرشاشة و جنود إبليس،و تمحو كلمة الحق فيه غبش الباطل.

محرم هو الشهر الذي ثار فيه العدل بوجه الظلم،و نهض الحق ضد الباطل و أثبت أن الحق منتصر على الباطل.

محرم هو الشهر الذي أحيي فيه الإسلام على يد سيد المجاهدين و المظلومين (عليه السلام)و أنقذ من تآمر العناصر الفاسدة و حكم بني أمية،الذين أوصلوا الإسلام إلى حافة الهاوية.

لقد سقيت نبتة الإسلام منذ أول نشوئها بدماء الشهداء و المجاهدين،و آتت أكلها و أعطت ثمارها نتيجة ذلك.

يعد شهر محرم-بالنسبة لمدرسة التشيع-الشهر الذي تحقق فيه النصر

ص: 12


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

اعتمادا على التضحية و الدماء.

كم هو شهر ملىء بالمصائب شهر محرم،و كم هو شهر مفعم بالبناء و العنفوان -محرم شهر النهضة الكبرى لسيد الشهداء و الأولياء عليه السّلام،الذي علم الناس- بثورته بوجه الطاغوت-البناء و التسامي و أوضح لهم أن فناء الظالم و تحطيم الجائر يمكن أن يتم من خلال الفداء و التضحية و تقديم القرابين،و هذه التضحية تأتي على رأس التعاليم الإسلامية التي تلقاها شعبنا إلى آخر الدهر.

لماذا نحيي المحرم؟

محرم و صفر هما اللذان حفظا الإسلام حيّا

قال الإمام الخميني (1):ينبغي أن نحيي محرم و صفر بذكر مصائب أهل البيت عليهم السّلام،فبذكر مصائبهم بقي هذا الدين حيا حتى الآن.

شهر محرم هو الشهر الذي يكون الناس فيه مستعدين للاستماع لكلمة الحق.

و الآن حيث يمثل شهر محرم سيفا إلهيا في يد جند الإسلام و العلماء الكرام و الخطباء المحترمين و شيعة سيد الشهداء عليه السّلام الأجلاء ينبغي لهم تحقيق أقصى الإستفادة منه،و ليقتلوا-و بالاتكال على القدرة الإلهية-بقايا جذور شجرة الظلم و الجور،فشهر محرم شهر هزيمة القوى اليزيدية و الحيل الشيطانية.

ص: 13


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

نهضة عاشوراء،قدوة الأحرار

(كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء)

قال الإمام الخميني (1):لقد علّم سيد الشهداء عليه السّلام الجميع ماذا ينبغي عليهم عمله في مقابل الظلم و الحكومات الجائرة فرغم أنه كان يعلم منذ البداية بأن عليه أن يضحّي-في طريقه الذي سلكه-بجميع أنصاره و أهل بيته من أجل الإسلام،إلاّ أنه كان يعرف عاقبة ذلك أيضا.

علاوة على ذلك فقد علّم الجميع على مر التاريخ و أرشدهم إلى أن هذا هو الطريق الصائب.علّمهم أن لا يخشوا قله العدد،فالعدد ليس هو الأساس في تحقيق التقدم للإمام،الأصل و المهم هو النوعية،و المهم هو كيفية التصدي للأعداء و النضال ضدهم و مقاومتهم،فهذا هو الموصل إلى الهدف.من الممكن أن يكون عدد الأفراد كبيرا إلاّ أنهم قد يكونون خاوين أو ليسوا بالمستوى المطلوب.

و من الممكن أن يكون عددهم قليلا إلاّ أنهم أقوياء أشداء و شامخو الهامات.

لقد علّمنا إمام المسلمين أنه عند ما يحكم المسلمين طاغوت جائر فعلى المسلمين و علينا أن ننهض بوجهه حتى لو كانت قوانا لا تتناسب مع القوى التي يملكها،علينا أن نقوم و نستنكر،علّمنا أن نضحّي و نسترخص دماءنا إذا رأينا كيان الإسلام عرضة للخطر.

لقد علّمنا سيد الشهداء عليه السّلام بنهضته ما ينبغي لنا عمله في ساحة الحرب

ص: 14


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

و خلفها،و ماذا يجب أن يعلمه أولئك الذين يخوضون غمار الكفاح المسلح و ما هي واجبات المبلّغين خلف جبهات القتال و كيف يؤدّون ذلك.

تعلّمنا من الحسين عليه السّلام كيفية النضال و الجهاد الذي تقوده قلة من الناس بوجه جحافل الظلمة،و كيف يكون ثلة قليلة بوجه حكومة تعسفية جائرة تسيطر على كل مناحي الحياة.

هذه أمور تعلّمها شعبنا من سيد الشهداء عليه السّلام و أهل بيته،كما تعلّم من ابنه الجليل الفذ الإمام السجاد عليه السّلام ماذا ينبغي عمله بعد وقوع المصيبة،هل ينبغي الاستسلام؟هل يجب التخفيف و التقليل من حدة النضال و الجهاد؟أم أن علينا أن نقتدي بزينب عليها السّلام التي حلّ بها مصاب تصغر عنده المصائب،فوقفت بوجه الكفر و الزندقة،و تكلمت و خطبت كلما تطلّب الموقف و كشف الحقائق،و مثلما مارس الإمام علي بن الحسين عليه السّلام دوره التبليغي رغم المرض الذي كان يعاني منه.

لقد حدد سيد الشهداء عليه السّلام و أنصاره و أهل بيته تكليفنا و هو التضحية في الميدان،و التبليغ في خارجه.

فنفس القيمة التي تحملها تضحية الحسين عليه السّلام عند اللّه(تبارك و تعالى)و نفس الدور الذي لعبته في تأجيج نهضته،تحملها-أو تقاربها-خطب الإمام السجاد عليه السّلام و زينب عليها السّلام أيضا.

فتأثيرها يقرب من تأثير تضحية الحسين عليه السّلام بدمه.

لقد أفهمونا أنه لا ينبغي للنساء و لا للرجال أن يخافوا في مقابل حكومة الجور.

فقد وقفت زينب(سلام اللّه عليها)أمام يزيد-في مجلسه-و صرخت بوجهه و أهانته و أشبعته تحقيرا لم يذقه بنو أمية قاطبة طيلة حياتهم.

كما أنها و السجاد(عليهما السلام)قد تحدّثا و خطبا في الناس أثناء الطريق و في الكوفة و الشام،و ما قام به الإمام السجاد عليه السّلام من الخطابة و كشف الحقائق فأكد على أن الأمر ليس مواجهة الباطل ضد الحق،و أن الأعداء قد شوهوا سمعة النهضة،

ص: 15

و حاولوا أن يتهموا الحسين عليه السّلام بالخروج على الحكومة القائمة و على خليفة رسول اللّه!!هكذا أعلن الإمام السجاد عليه السّلام الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد، و هكذا فعلت زينب عليها السّلام أيضا.

و هكذا الأمر اليوم فسيد الشهداء عليه السّلام قد حدد واجبنا و عيّن تكليفنا،و علّمنا أن لا نخشى قلة العدد في المواجهة و لا من الاستشهاد في ميدان الحرب،فكلما عظم هدف الإنسان و سمت غايته كان عليه أن يتحمل المشاق بما يتناسب مع ذلك الهدف.

لقد ضحّى الإمام الحسين عليه السّلام-رغم قلة عدد أنصاره-بكل شىء،و وقف بوجه أمبراطورية كبرى و قال:لا.

بينما كانت شهادة سيد الشهداء عليه السّلام أعظم خسارة،فإنه كان يعلم ماذا يفعل، بأي اتجاه يسير،و ما هو هدفه،فقد ضحّى و استشهد،و علينا نحن أيضا أن نعقد أملنا و نهتدي بتلك التضحيات،و لنر ماذا صنع سيد الشهداء عليه السّلام و كيف طوى بساط الظلم و دمر بنيانه و أزال أركانه،ثم ماذا فعلنا نحن!

عند ما رأى سيد الشهداء(سلام اللّه عليه)حاكما ظالما يحكم بين الناس بالجور و الظلم صرّح عليه السّلام قائلا:"أيها الناس إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه،ناكثا لعهد اللّه،مخالفا لسنّة رسول اللّه،يعمل في عباد اللّه بالإثم و العدوان،فلم يغير عليه بفعل و لا قول كان حقا على اللّه أن يدخله مدخله".

ترى هل أن دمنا أثمن و أغلى من دم سيد الشهداء عليه السّلام؟لماذا نخاف من أن نضحّي بدمنا و أرواحنا؟و الأهم أن هذه التضحية إنما هي في سبيل دفع السلطان الجائر الذي يقول:إنني مسلم.

إن إسلام يزيد كإسلام الملك محمد رضا،و إن لم يكن أسوأ فليس بأحسن منه، و لأنه عامل الشعب بتلك المعاملة و كان امرءا ظالما جائرا غشوما و أراد أن يرغم الناس على إطاعته دون مسوغ،فإن سيد الشهداء عليه السّلام رأى أن عليه أن ينهض بوجه

ص: 16

ذلك السلطان الجائر حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بحياته.

إن منهج الإمام الحسين(سلام اللّه عليه)و أوامره الموجهة للجميع"كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء"تقضي بأن نستمر في الثورة و القيام و النهوض، امتدادا لتلك النهضة و ذلك المنهج،فالإمام الحسين عليه السّلام ثار و معه فئة قليلة العدد من الأنصار،و وقف بوجه أمبراطورية كبرى و ضحّى بكل شيء من أجل الإسلام، و أكّد:أنه ينبغي أن يستمر هذا الرفض و القيام في كل زمان و مكان.

ص: 17

معنى كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء

قال الإمام الخميني (1):إن مقولة"كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء"مقولة كبرى لكنها تفهم فهما خاطئا،فالبعض يتصور أنها تعني أننا ينبغي أن نبكي كل يوم،لكن محتواها غير هذا.

لو نظرنا ما هو دور كربلاء،ما هو دور كربلاء في يوم عاشوراء،حينذاك ندرك أن على كل أرض أن تكون كذلك،أن تمارس دور كربلاء الذي يتلخص في أنها كانت ميدانا خاض فيه سيدالشهداء عليه السّلام غمار الحرب و معه ثلة قليلة من الأنصار، فصمدوا و قاوموا ظلم يزيد و تصدّوا للحكم الجائر لذلك العصر و ضحّوا و قتلوا، و رفضوا الظلم و هزموا يزيد و دحروه.

هكذا ينبغي أيضا أن تكون بقية البلدان،و ينبغي أن يحصل هذا الرفض للظلم في كل يوم و على شعبنا أن يجسد ذلك في كل يوم و يشعر بأنه يوم عاشوراء،و ينبغي لنا أن نقف بوجه الظلم و نعتبر أن هذه أيضا أرض كربلاء و علينا أن نعيد فيها دور كربلاء.

فليست كربلاء محصورة في أرض معينة و لا في أفراد معينين،و قضية كربلاء لا تقتصر على جمع من الأشخاص لا يتجاوز الاثنين و السبعين شخصا أو في رقعة جغرافية صغيرة،بل على جميع البلدان أن تؤدي الدور نفسه و في كل يوم ينبغي أن لا تغفل الشعوب عن الوقوف بوجه الظلم و التصدي للجور.

ص: 18


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

لا تقلقوا و لا تضطربوا و أبعدوا عنكم الخوف و الهلع،فإنكم أتباع عظماء استقاموا و صبروا بوجه المصائب و المآسي،و ما نراه نحن اليوم لا يعد شيئا يذكر بالقياس لذلك.

لقد اجتاز عظماؤنا أحداثا كبرى كتلك التي حصلت في يوم عاشوراء و ليلة الحادي عشر من المحرم،و تحمّلوا مثل تلك المصائب في سبيل دين اللّه.فماذا واجهتم أنتم اليوم؟و مم تخشون؟و علام أنتم قلقون؟

إنه من المخجل لمن يدّعون أنهم أتباع أمير المؤمنين و الإمام الحسين(عليهما السلام)أن يفقدوا السيطرة على أنفسهم في مقابل هذا النمط من الأعمال الدنيئة المفضوحة للنظام الحاكم.

كانت انتفاضة الثاني عشر من المحرم و الخامس عشر من خرداد التي انطلقت لتهدّ عروش الملك و أسياده الأجانب-و التي تعد امتدادا للنهضة الحسينية المقدسة-حركة مدمرة و بناءة للغاية.و قد أعطت للمجتمع مجاهدين و مضحين ضيّقوا الخناق على الظالمين و الخونة و أطبقوا عليهم و أحالوا نهارهم إلى ليل حالك،و أمدوا الشعب بالوعي و التحرك و التآزر،الأمر الذي أقضّ مضاجع الأجانب و عملائهم،و حوّل الحوزات العلمية و الجامعات و الأسواق التجارية إلى خنادق منيعة للدفاع عن العدالة و عن الإسلام و المذهب المقدس.

إن الأمر المهم الذي نواجهه اليوم،هو من الأمور التي ينبغي التضحية من أجلها حتى بالنفس،ذلك الأمر الذي دفع سيد الشهداء عليه السّلام للتضحية بنفسه في سبيله، و هو ذات الأمر الذي دفع النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله لبذل الجهود الدؤوبة من أجله مدة ثلاثة و عشرين عاما،و هو ذات الأمر الذي دفع الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام لمواجهة معاوية ثمانية عشر شهرا من أجل تحقيقه،في حين أن معاوية كان يدّعي الإسلام و كذا و كذا.فلماذا وقعت تلك الحرب؟

لقد وقعت الحرب من أجل القضاء على حكم جائر و نظام ظالم متعسف.فضحّى

ص: 19

أمير المؤمنين عليه السّلام بالكثير من أصحابه،و قتل كثيرا من أعدائه آنذاك،لماذا؟لأجل إقامة الحق و العدل.

نحن لسنا بأعلى درجة من سيد الشهداء عليه السّلام،و سيد الشهداء عليه السّلام قد عمل بواجبه و قتل.

إن ذكريات و أحداث السابع عشر من شهريور عام 1357(8 أيلول 1978 م)(إن السابع عشر من شهريور عام 1357 ه.ش(1978/9/8)و المشهور بالجمعة السوداء يعد واحدا من الأيام المليئة بالذكريات المرّة في تاريخ الثورة الإسلامية للشعب الإيراني.

فبعد المظاهرات الحاشدة المنقطعة النظير في يوم 13 شهريور(1978/9/4) بعد صلاة عيد الفطر في طهران،خرجت مظاهرات مشابهة في يوم 16 شهريور (السابع من سبتمبر)في طهران و تقرر أن تقام مظاهرات أخرى في صباح اليوم التالي(صباح الجمعة)في ميدان جاله(ميدان الشهداء)في طهران.

و تحركت الجماهير صباح يوم الجمعة نحو هذا الميدان و وصل عدد المجتمعين إلى مائة ألف شخص و ذلك في حدود الساعة السادسة صباحا.

حاصرت قوات الملك الميدان المذكور من جميع الجهات و وجهوا فوهات البنادق نحو الجماهير.و في هذه الساعة بالذات أعلن في الراديو بشكل مفاجئ عن قيام الأحكام العرفية في طهران و عشر مدن أخرى!و فتحت قوات النظام النار ضد الناس و استشهد في هذا اليوم أكثر من أربعة آلاف شهيد إضافة إلى مئات الجرحى.

و أعلن النظام الملكي أن عدد القتلى هو 58 شخصا و الجرحى 25 شخصا.

ذكريات و أحداث مؤلمة-مثل غيرها من الأحداث و المصائب التي مرت بها الأمة-لكن ثمرتها الطيبة هي تهاوي قصور الإستكبار و الإستبداد و ارتفاع راية جمهورية العدل الإسلامية عاليا.

ص: 20

و إلاّ ألا ينبغي للأمة الإسلامية الإقتداء بالمنهج السامي"كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء"؟إن النهضة العامة الشاملة ينبغي أن تحصل في كل يوم،و في كل أرض،ففي عاشوراء وقعت نهضة أقدم عليها قلة من التواقين إلى العدالة،يدفعهم إيمانهم العظيم و حبهم الفريد للّه،إلى الوقوف في مقابل الطغاة الناهبين الجائرين من سكان القصور.إن الأمر الوارد إلينا هو أن يكون ذلك قدوة لحياة أمتنا في كل عصر و مصر.

إن الأيام التي مرت بنا كانت تكرارا لعاشوراء،و كل الساحات و الميادين و الأزقة و الشوارع التي سفكت عليها دماء أبناء الإسلام كانت تكرارا لكربلاء.

و هذا الأمر يعد تكليفا و بشرى لنا.

تكليف من حيث أن المستضعفين مكلّفون-و إن قلّ عددهم-بالنهوض ضد المستكبرين-و إن كثر عددهم وعدتهم-مثلما فعل سيد الشهداء عليه السّلام.

و بشرى من حيث أنها تجعل شهداءنا في مصاف شهداء كربلاء و بشرى من حيث أن الشهادة رمز الانتصار.

إن ما حدث في مجزرة 17 شهريور(8 أيلول 1978)كان تكرارا لعاشوراء،و (ساحة الشهداء)هي كربلاء أخرى،و شهداؤنا كشهداء كربلاء،و أعداؤنا هم أشباه يزيد و جلاوزته.

لقد قوضت كربلاء-بالدماء-قصر الظلم و أركان الإستكبار الإبليسي،لذا علينا نحن وارثي هذه الدماء و ذوي الشبان و الشهداء المضرجين بدمائهم،أن لا نركن إلى القعود حتى نوصل تضحياتهم إلى نتيجتها و نصفّي و نزيل-بضربة قاضية و إرادة حاسمة-بقايا النظام الظالم و حثالات المتآمرين عملاء الشرق و الغرب و ندفنهم عند أقدام شهداء الفضيلة.

في ذكرى هذه الفاجعة المشئومة المصادفة لذكرى 15 خرداد(5 حزيران 1963)فجّر شعبنا العظيم-و استلهاما من عاشوراء-تلك النهضة الكبرى،و لو لا

ص: 21

عاشوراء و حرارتها و حماستها لا ندري هل كان ممكنا وقوع تلك النهضة العظيمة و بدون خلفية و تنظيم مسبق؟إن واقعة عاشوراء العظيمة و بدءا من عام 61 ه ق و حتى خرداد 1361 ه ش(1982 م)و منها حتى نهضة المهدي العالمية و ظهور بقية اللّه الأعظم-أرواحنا لمقدمه الفداء-تمثل منطلقا للثورة و الملاحم.

و إنكم تشاهدون ما يعرضه التلفزيون عن جند الإسلام و ترون كيف أنهم يحفظون للجبهات حرارتها و تماسكها،يدفعهم إلى ذلك عشقهم للإمام الحسين عليه السّلام.

لقد أدرك شعبنا الآن ما هو معنى أن"كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء" فمجالس الدعاء التي يقيمها جند الإسلام و تضرعهم و مناجاتهم تعيد إلى الأذهان دعوات و مناجات الحسين عليه السّلام في ليلة عاشوراء.

في نفس الوقت الذي نتعرض فيه لفقد شبّاننا و رجالنا الأشاوس،فإننا كسبنا و ربحنا ما هو أثمن و أغلى من هذه الأمور و هو ذات الشىء الذي ضحّى سيد الشهداء(سلام اللّه عليه)بأبنائه و إخوته و حرائره من أجله،و هو نفس الشي الذي أنفق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حياته من أجله و عانى في سبيله جميع أئمتنا المعصومين عليهم السّلام كل تلك المعاناة.

ص: 22

أهمية المآتم الحسينية و دورها في إحياء معالم الدين

قال الإمام الخميني (1):علينا أن نعلم جميعا بأن ما من شأنه إيجاد الوحدة بين المسلمين هي هذه المراسم السياسية،مراسم عزاء الأئمة الأطهار و خصوصا سيد المظلومين و الشهداء الإمام الحسين عليه السّلام الذي صان عقيدة المسلمين و خصوصا شيعة الأئمة الاثني عشر(عليهم صلوات اللّه و سلامه).

لقد وردت تأكيدات كثيرة من قبل الأئمة عليهم السّلام على إقامة عزاء سيد المظلومين عليه السّلام،باستمرار،و الإبقاء على صوت مظلومية آل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الاستمرار بفضح ظلم بني أمية(عليهم لعنة اللّه)مع أنهم قد انقرضوا،و إدامة صيحة المظلوم بوجه الظالم،إن هذه الصيحة يجب أن تبقى حية مستمرة،و إنّ بركات ذلك واضحة ملموسة اليوم في إيران حيث الحرب مع اليزيديين.

حينما بدأ الدين يضعف و ينهار بسبب تصرفات بعض رواد عصر صدر الإسلام و لم يبق سوى بضعة أشخاص ملتزمين بهذا الدين،شاء اللّه تعالى أن ينهض الحسين بن علي عليه السّلام و يوقظ الأمة بتضحياته و جعل للمشاركين في مراسم عزائه عليه السلام ثوابا جزيلا من أجل إبقاء حالة الوعي لدى الناس،و لكي يصان أساس كربلاء من الاندثار و الزوال،فكربلاء تقوم على أساس قلع قواعد الظلم و الجور،و حث الناس على التوحيد و دفعهم نحو العدل و القسط.

و في مثل هذا الحال فإن من الضروري أن يتم التمسك بمراسم التعزية

ص: 23


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

و المواكب التي تملك مثل هذا الأساس و مثل هذا الثواب لكي يلتزم الناس بها برغم كل الضغوط و المصاعب و لا يدعونها،و إلا فإن جهود الإمام الحسين بن علي عليه السّلام ستسحق بسرعة البرق،الأمر الذي يؤدي إلى تلاشي و اندثار جهود و مساعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله التي بذلت لوضع أسس و دعائم التشيع،بشكل كامل.

إذن فعلى فرض أن اللّه تعالى يثيب و يجزي القائمين بهذه الأعمال،فإنه ثواب مجعول لعمل صالح و ثمرته بقاء دين الحق و أساس التشيع و في ذلك سعادة الناس في الدنيا و الآخرة،و بالنظر لوضع الشيعة في ذلك الحين و الضغوط المختلفة التي كانوا يتلقونها من مخالفي الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام فإن قيمة هذا العمل تفوق التّصور،و اللّه-تبارك و تعالى-أعدّ لهم ما لا عين رأت و لا أذن سمعت، و في هذا كل العدالة.

إن دماء سيد الشهداء عليه السّلام هي التي جعلت دماء الشعوب المسلمة تغلي، و مواكب العزاء الحسيني العزيزة هي التي تحرك الناس و تهيجهم و تعدهم لحفظ الأهداف و المقاصد الإسلامية،و ينبغي عدم التماهل أو التساهل في ذلك.

إن الحق منتصر،و لكن للنصر مفاتيح و رموز ينبغي لنا العثور عليها و معرفتها، علينا أن نعرف سر بقاء الشيعة طوال الزمن منذ عصر أمير المؤمنين(سلام اللّه عليه)حتى الآن،في الفترات التي كانت الشيعة لا تعدو جماعة قليلة العدد،أما الآن فقد صاروا كثيرين،طبعا ليس بالقياس إلى الآخرين.

علينا أن ندرك سر بقاء هذا المذهب و بقاء البلدان الإسلامية و الشيعية،و علينا أن نحفظه.و أحد هذه الرموز الكبيرة-و هو أكبرها-قضية سيد الشهداء عليه السّلام و علينا أن نحفظ هذا الرمز،و نهتم بهذه المجالس التي كانت تقام على مر التاريخ و بأمر الأئمة عليهم السّلام.

لا يظن بعض هؤلاء الشبان أن هذه المجالس ما هي إلاّ مجالس للبكاء،و علينا الآن أن نكفّ عن البكاء،هذا هو الخطأ الذي يقعون فيه.

ص: 24

لقد ذكر النبي صلّى اللّه عليه و اله الأساس الذي حفظ كل شيء حتى الآن فقد قال صلّى اللّه عليه و اله:"و أنا من حسين"أي أنه هو الذي يحفظ الدين،و إن هذه التضحية و هذا الفداء هما اللذان حفظا الإسلام،و إن علينا نحن أن نحفظه.

بعض هؤلاء الشبان ليسوا ملتفتين إلى الحقيقة،هم يتعرضون إلى الإيحاء من قبل أشخاص لا يريدون للشعائر أن تبقى أساسا،فالخطابة تقوم بتهييج عواطف الناس و تحمّلهم على تسجيل حضورهم الفعّال في كل الميادين.

فعند ما رأى الناس سيد الشهداء عليه السّلام يقدّم شبّانه في ساحة الحرب فيقطعون إربا إربا هان عليهم أن يقدّموا أبناءهم،و بهذا الحب للشهادة أخذ شعبنا يتطور و يتقدم،و هذا رمز العطاء الذي ورثناه من كربلاء إنعكس على جميع نواحي حياتنا.

فصار أبناء شعبنا يتمنون الشهادة،الشهادة التي كان الإمام الحسين عليه السّلام سيدها المطلق فهو سيد الشهداء عليه السّلام،و البعض من الشبان لا يفهمون بأن هذا هو الذي حفظ الدين،أما أولئك الذين يدركون السر فهم يلقنون الشبان و يخدعونهم.

ص: 25

الاحتفاء بذكرى نهضة عاشوراء من الشعائر الإلهية

قال الإمام الخميني (1):ينبغي أن تقام مجالس العزاء لسيد المظلومين و الأحرار عليه السّلام-و هي مجالس غلبة العقل على الجهل،و غلبة العدل على الظلم، و الأمانة على الخيانة،و الحكومة الإسلامية على حكومة الطاغوت-بكل حفاوة و بكل عظمة و روعة،و يجب أن تنتشر بيارق عاشوراء الحمراء للدلالة على حلول يوم انتقام المظلوم من الظالم.

...و أن لا يغفلوا عن إقامة مراسم عزاء الأئمة الأطهار عليهم السّلام و خصوصا سيد المظلومين و الشهداء الإمام الحسين(صلوات اللّه و الأنبياء و الملائكة و الصلحاء على روحه الزّكية العظيمة).

حافظوا على مجالس العزاء و أقيموها بأروع مما كانت تقام في السابق.

اهتموا بمجالس العزاء...و استعينوا باللّه على المحافظة على المواكب و أقيموها بالشكل المناسب.

ينبغي لكم أن تحافظوا على مجالس عزاء الأئمة الأطهار عليهم السّلام فهذه المجالس هي شعائرنا الدينية التي يجب أن نحافظ عليها.و هذه المجالس هي شعائر سياسية أيضا ينبغي المحافظة عليها.و لا يغرر بكم هؤلاء المتلاعبون بالأقلام،و لا يستغفلكم هؤلاء الأشخاص ذو الأسماء المختلفة و الأهداف الانحرافية فهم يريدون أن يأخذوا منكم كل شيء.

ص: 26


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

يجب أن تبقى المجالس الحسينية و مواكب العزاء على حالها،و ينبغي أن يحيي الخطباء ذكرى شهادة الإمام الحسين(سلام اللّه عليه)و ليع الشعب قيمة هذه الشعائر الإسلامية،و ليهتموا بهذه المآتم خصوصا،فبإحياء ذكرى سيد الشهداء عليه السّلام يحيى الإسلام.

علينا أن نحافظ على هذه السنن الإسلامية،و ينبغي لنا أن نحافظ على هذه المواكب الإسلامية المباركة التي تنطلق في عاشوراء،في محرم،و في صفر،و في المناسبات،و نؤكد على الالتزام بها أكثر فأكثر فتضحية سيد الشهداء(سلام اللّه عليه)هي التي حفظت لنا الإسلام.

ص: 27

كيف نحيي عاشوراء

قال الإمام الخميني (1):ينبغي إحياء ذكرى عاشوراء بنفس الأسلوب التقليدي، و بنفس الطريقة السابقة،و ليعمل بذلك العلماء و الخطباء و عامة الناس،بحيث تخرج المواكب المعظمة و المنظمة و تسير في الشوارع على شكل مظاهرات،ينبغي أن تعلموا أنكم إذا أردتم أن تبقى نهضتكم محفوظة و ثورتكم مصانة فيجب أن تبقى هذه السنن مصانة و أن تظلوا ملتزمين بها.

تكليف السادة(الخطباء)يقتضي أن يقرأوا المراثي-و تكليف الناس يقتضي أن يخرجوا في المواكب الرائعة و مواكب اللّطم،و طبعا ينبغي أن يجتنبوا الأعمال غير الصحيحة و المخالفات،و لكن لتخرج المواكب و لتلطم الصدور،و ليفعلوا ما كانوا يفعلونه سابقا.و ليعقدوا اجتماعاتهم،فهذه الاجتماعات هي التي حفظتنا،و هذا الانسجام و التلاحم هو الذي صاننا.

إن بعض الأشخاص يريدون أن يخدعوا شبابنا الأعزاء ذوي القلوب الصافية، فيهمسون في آذانهم قائلين:حتى م نبكي؟!و لم البكاء؟!ماذا نريد أن نجني من هذا البكاء؟!.

ينبغي أن لا تتحول هذه المواكب التي كانت تخرج في أيام عاشوراء إلى مسيرات و تظاهرات،فهي بحدّ ذاتها عبارة عن تظاهرات تنطوي على محتوى سياسي،و لكن لا يظن الناس بأننا نريد تحويلها عن صفتها السابقة و نكتفي

ص: 28


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

بالمسيرات،بل إنها يجب أن تبقى على حالها السابق،بل و أكثر من السابق.

إن مواكب اللطم هذه هي التي تمثل رمزا لانتصارنا،لتقم المآتم و المجالس الحسينية في أنحاء البلاد،و ليلق الخطباء مراثيهم و ليبك الناس.

عند ما تخرج الجموع في يوم عاشوراء فلتكن مراسم التعزية في ذكرى استشهاد الحسين(سلام اللّه عليه)بنفس الحرارة و الأسلوب الذي كانت تقام به في السابق،و ليكن مضمون كل المسيرات و المراسم خاصا بالإمام الحسين عليه السّلام.

ندعوا اللّه أن يوفق شعبنا لإقامة مراسم العزاء في ذكرى واقعة عاشوراء وفق الأساليب السابقة و السنن التقليدية و لتكن المواكب بنفس قوتها السابقة،و لتمارس مواكب اللّطم و الردات و الشعارات الحسينية ما كانت تمارسه في السابق،و اعلموا أن حياة هذا الشعب رهينة بهذه المراسم و المراثي و التجمعات و المواكب.

ص: 29

وصايا للخطباء و قرّاء المراثي و جموع المعزين

قال الإمام الخميني (1):يجب التذكير بالمصائب و المظالم التي يرتكبها الظالمون في كل عصر و مصر و إيرادها في القصائد و الأشعار التي ينظمها الشعراء في مدح و رثاء أئمة الحق(سلام اللّه عليهم)بشكل حماسي.

و في هذا العصر-الذي هو عصر مظلومية العالم الإسلامي على يد أمريكا و روسيا و سائر عملائها و من جملتهم آل سعود("آل سعود"هي كنية الأمراء الوهابيين الذين يحكمون جزيرة العرب و اللذين غيّروا اسمها إلى العربية السعودية و في عقيدة الوهابية إن جميع فرق المسلمين سواء السنة أو الشيعة هم من المشركين و الكفار و في عداد عبدة الأصنام.

و إن ثمرة 268 سنة من حكم هذه العائلة لأبناء جزيرة العرب ليست سوى الفقر و العمالة و الحرمان المادي و المعنوي و كان رؤساء هذه الإمارة يخدمون أهداف الاستعمار الإنجليزي و الإمبريالية الأميركية في الفترة الأخيرة.)خونة الحرم الإلهي العظيم"لعنة اللّه و ملائكته و رسله عليهم"-ينبغي التذكير بقوة و حزم بهذه المظالم و صب اللعنات عليهم.

ليهتم خطباء المنابر-أدامهم اللّه-و ليسعوا في دفع الناس إلى القضايا الإسلامية و إعطائهم التوجيهات اللازمة في الشؤون السياسية-الإسلامية و الإجتماعية-الإسلامية،و ليتمسكوا بالمراثي و الخطابة،فنحن أحياء بهذه

ص: 30


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

المراثي.

على الخطباء أن يتلوا المراثي كما كانوا يفعلون في السابق،و ليعدّوا الناس للتضحية و الفداء.

على الخطباء أن يقرأوا المراثي في آخر الخطابة و لا يختصروه بكلمتين و يكتفوا بذلك،بل ليتحدثوا كثيرا عن مصائب أهل البيت كما كانوا يفعلون في السابق لتقرأ المراثي و لتلق الشعارات و الأحاديث في مدح و ذكر فضائل و مصائب أهل البيت عليهم السّلام،كي يصبح الناس على أهبة الإستعداد،و ليكونوا حاضرين في ميادين الأحداث،و ليعلموا بأن أئمتنا قد أنفقوا كل أعمارهم لنشر الإسلام و ترويجه.

و لو شاءوا أن يداهنوا لحصلوا على جميع الإمكانات المادية،و لكنهم ضحّوا بأنفسهم من أجل الإسلام و لم يداهنوا الظلمة.

ينبغي أن أتحدث هنا بخصوص المآتم و المجالس الحسينية التي تقام باسم الحسين بن علي عليه السّلام فلا نحن و لا أي متدين نقول أن كل ما يفعله أي شخص باسم الحسين عمل صحيح و جيد.فكثيرا ما عدّ بعض العلماء الكبار بعض هذه الأعمال أعمالا منحرفة و سيئة و منعوا مزاولتها و القيام بها.

و كلنا يعلم أنه خلال العشرين و بضع سنين الماضية منع العالم العامل الجليل المرحوم الحاج الشيخ عبد الكريم(يعد آية اللّه العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي(1276-1355 ه ق)من الفقهاء العظام و مراجع تقليد الشيعة في القرن الرابع عشر الهجري،و بعد أن درس المقدمات سافر إلى النجف و سامراء و درس على أساتذة مثل الميرزا الشيرازي الكبير و الميرزا محمد تقي الشيرازي و الآخوند الخراساني و السيد كاظم اليزدي و السيد محمد أصفهاني الفشاركي.ثم جاء إلى آراك في عام 1332 ه ق و تشرف بزيارة قم في عام 1340 ه ق و بسبب إلحاح بعض الكبار في قم و استخارة اللّه قرر الإقامة فيها و أسس الحوزة العلمية

ص: 31

في قم.

تربي في حوزته العلمية علماء كبار يقف الإمام الخميني(س)في مقدمتهم.و من آثاره في الأصول"درر الفوائد"و في الفقه"الصلاة"و"النكاح"و"الرضاع"و" المواريث")الذي كان من أبرز علماء الشيعة،منع الشيعة-تمثيل وقائع و شخوص يوم عاشوراء-و أبدل أحد أكبر المواكب التي كانت تقام له إلى مجلس للتعزية و المراثي،و هكذا فعل باقي العلماء بالأعمال و الممارسات التي تتعارض مع الأوامر الدينية و الضوابط الشرعية،و ما زالوا يمنعون مزاولتها.

ينبغي أن تعلموا أنكم إذا أردتم الحفاظ على نهضتكم فيجب أن تحافظوا على هذه الشعائر و السنن،و طبعا فإنه إذا كانت هناك أعمال و ممارسات منحرفة و خاطئة يرتكبها أشخاص غير مطلعين على المسائل الإسلامية فيجب أن تتم تصفيتها،لكن المواكب و المآتم ينبغي أن تبقى على قوتها.

من يستطيع تنظيم مثل هذه المواكب بهذه العظمة-طبعا ينبغي أن تصفّى من الممارسات و الأعمال غير الشرعية و تصان النواحي الشرعية فيها-من يستطيع إخراجها بمثل هذا المحتوى و إقامتها في كل مكان،من يمكنه عقد مثل هذه التجمعات؟!

ص: 32

شذرات من توجيهات سماحة الإمام(س)بشأن محرم و نهضة كربلاء

قال الإمام الخميني (1):أحيوا ذكرى نهضة كربلاء و الاسم المبارك للحسين بن علي عليه السّلام فبإحياء ذكراه يحيى الإسلام.

إن دماء سيد الشهداء هي التي جعلت دماء الشعوب الإسلامية تغلي.

إن هذه الوحدة-وحدة الكلمة التي هي مبدأ و أساس انتصارنا-هي من آثار و نتائج مجالس العزاء هذه مضافا إلى ما تحققه من تبليغ و نشر للإسلام.

***** محرم هو شهر النهضة الكبرى لسيد الشهداء و الأولياء عليهم السّلام،الذي علّم البشر- عبر قيامه في مقابل الطاغوت-الثورة و النهضة و البناء،و أراهم أن سبيل فناء الظالم و طريق تدمير الطاغوت يكمن في التضحية و الفداء،و هذا بحد ذاته أحد أهم تعاليم الإسلام و توجيهاته لشعبنا حتى آخر وهلة من حياته.

***** محرم هو الشهر الذي شهد نهضة العدالة في مقابل الجور،و الحق في مواجهة الباطل،و أثبت أن الحق منتصر على الباطل طوال التاريخ.

***** المجالس التي تعقد في ذكرى استشهاد سيد المظلومين و الأحرار عليه السّلام هي مجالس غلبة جنود العقل على الجهل و العدل على الظلم و الأمانة على الخيانة،

ص: 33


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

و الحكومة الإسلامية على حكومة الطاغوت.و ينبغي أن تعقد هذه المجالس بروعة و ازدهار و تنتشر بيارق عاشوراء الحمراء كرمز لحلول يوم انتقام المظلوم من الظالم.

***** إن الثورة الإسلامية في إيران شعاع من عاشوراء و الثورة الإلهية العظيمة التي وقعت فيه.

***** شهر محرم بالنسبة لمذهب التشيع شهر كان فيه النصر مقرونا بالتضحية و الدم.

***** محرم و صفر هما اللذان حفظا الإسلام.

ينبغي لنا إحياء محرم و صفر بذكر مصائب أهل البيت عليهم السّلام فبذكر مصائبهم بقي هذا الدين حيا حتى الآن.

***** لقد ضحّى سيد الشهداء عليه السّلام بنفسه من أجل الإسلام.

***** صحيح أنهم قتلوا سيد الشهداء عليه السّلام،لكن القتل كان طاعة للّه،و في سبيل اللّه، و كان القتل يمثل بالنسبة له عليه السّلام أوج العزة و الكرامة،و لم يصب بانكسار أو هزيمة من هذه الناحية.

***** سيد الشهداء عليه السّلام-كذلك-إنكسر في كربلاء من الناحية العسكرية،لكنه لم يمن بالهزيمة و الفشل بل أحيى العالم كله.

*****

ص: 34

إن سيد الشهداء عليه السّلام لبى صرخة الإسلام و استجاب لاستغاثته و أنقذه.

***** تضحية سيد الشهداء عليه السّلام هي التي حفظت لنا الإسلام.

***** من الضروري أن تذكر في القصائد و الأشعار التي تنظم لمدح ورثاء أئمة الحق عليهم السّلام المصائب و المآسي و ظلم الظالمين في كل عصر و مصر.

***** لا تظنوا أن انتفاضة 15 خرداد(5 حزيران)كان يمكن أن تقع لو لا مجالس العزاء و مواكب اللّطم و المراثي.

***** إنكم تلاحظون أن خير خلق اللّه في عصره سيد الشهداء(سلام اللّه عليه)و شبان بني هاشم و أصحابه،استشهدوا و غادروا هذه الحياة،و لكن عند ما جرى ذكرهم في مجلس يزيد أقسمت زينب(سلام اللّه عليها):"ما رأيت إلاّ جميلا".

إن استشهاد الإنسان الكامل يعتبر في نظر أولياء اللّه شيئا جميلا،لأن الحرب و النهضة كانتا في سبيل اللّه-تبارك و تعالى-.

ص: 35

عاشوراء و التبليغ

الإمام الحسين عليه السلام قدوة المبلّغين

و من الذي يضمن استمرار مسيرة القافلة الجادّة في سيرها؟إنهم المبلّغون الذين يقف في مقدمتهم الأنبياء عليهم السّلام و الأولياء و الصالحون الذين كانوا و كأنهم شموع تثير في الفراش روح الحركة.

كلامنا يشحذ العشّاق من وله كما الفراشات حول النور تزدحم

إنّ المبّلغ يعمل و يتحرك بلسانه و بقلبه و بروحه و بهمّته و ببصيرته.

و يجب على المبلّغين الإستمرار بحركتهم الإلهية على هذا المنوال،و على هذا الاسلوب،و بهذا الاندفاع و لنفس هذه الغايات؛إذ أن ثورتنا انتصرت وفقا لهذا السياق نفسه،إلاّ أنّ أكثركم-أنتم الشباب-لم يدرك تلك الأيام،حيث انبثّ آنذاك المبلّغون و طبة العلوم الدينية المخلصون الذين لم تكن تحدوهم حينذاك أيّة مطامع،و أناروا بلاد الإسلام،و كل أرجاء هذا البلد من قرى و مدن و مساجد و حارات و أزقّة و دور؛انطلقوا آنذاك في كلّ حدب و صوب و أضاءوا حيثما ذهبوا قبسا من تلك الشمس المضيئة التي كان منطلق كل إشعاعاتها إمامنا الخميني العظيم الذي كان بدوره قبسا من شمس الحسين عليه السّلام الوهاجة.

فإذا ما استنارت القلوب و تيقظت الأنفس انطلقت الأجسام و الألسن بالحركة، و تحررت الإرادات.و هكذا الحال أيضا اليوم و غدا،غاية ما في الأمر أن إبداع المبلغ يتجسد في كل عصر بتلبية متطلبات مخاطبيه؛و معنى هذا أنه يجب أن يكون على

ص: 36

معرفة بمتطلبات العصر.

أرى من جملة كلمات أبي عبد اللّه الحسين عليه الصلاة و السلام-و كلماته كلها ذات مغزى و مفهوم عميق،و أوصيكم بالإستشهاد أكثر ما يمكن بكلماته في سياق بيان الأقوال البليغة و المؤثرة للناس-المناسبة لموردنا هذا هو ما نقل عنه أنه قال:

«اللهم انك تعلم أنّ الذي كان منّا لم يكن منافسة في سلطان و لا التماس شيء من الحطام،و لكن لنري المعالم من دينك» (1).

إنّ للمعالم أهميتها،إذ أنّ الشيطان كثيرا ما يستخدم أساليب التحريف و الدلالة على السبيل الأعوج لإضلال الجماعة المتديّنة،فإذا استطاع هذا الشيطان أن يأمر الناس بالتخلّي عن دينهم،فعل و سلبهم الإيمان عبر أساليب الإغواء و الإعلام المسموم،و إذا لم يتيّسر له ذلك نصب لهم معالم و دلالات مضللة؛مثلما يسير الإنسان في الطريق و يستدل بالعلامات و الإشارات الموجودة على جانبيه للإهتداء إلى السبيل السالك القويم،و لكن تأتي يد خائنة و تحرف تلك الإشارات و المعالم إلى غير سواء السبيل....2.

ص: 37


1- نهج البلاغة:13/2.

أهمية التبليغ

و بما أننا نبلّغ بإسم الإمام الحسين بن علي عليه السّلام،و قد أتيحت لنا فرصة تخليد هذه الشخصية العظيمة،التي من خلالها يمكن تبليغ الدين على جميع الأصعدة،فينبغي أن يكون لكل عنصر من هذه العناصر الثلاثة دور في تبليغنا، فكما يعتبر الإقتصار على الجانب العاطفي و الغفلة عن الجانب المنطقي و العقلي الكامن في واقعة كربلاء،تقليل من قيمة الواقعة،كذلك التغافل عن الجانب الحماسي المشفوع بالعزة هو تقليل من قيمة الواقعة،و ضياع مجموعة من الكنوز الثمينة،فيجب على الجميع-قارئ العزاء،و الخطيب المنبري،و المدّاح-أن يلاحظ ذلك.

ما معنى التبليغ؟التبليغ يعني إيصال فكرة،وجوب الإيصال،الى أين؟الى آذان المستمعين؟كلا،الى قلوبهم،بعض المبلّغين لا يتمكنوا من إيصال مطالبهم حتى الى الأسماع،فضلا عن القلوب،بل إنّ السمع لا يتحمل ما يقولون و لا يستقبله، فالسمع عند ما يستقبل شيئا،يحوّله الى الدماغ،و لا بد أن لا تنتهي المسألة عند هذا الحد،بل لا بد أن تنفذ الكلمات الى القلب و تترسخ فيه،بحيث تتناغم شخصية المستمع مع شخصية المبلّغ،هذا هو دور عملية التبليغ.

إننا لا نؤدي الوظيفة التبليغية من أجل الحديث فقط،بل من أجل إيصال المادة التبليغية الى قلب المستمع و ترسيخها فيه.

ص: 38

الرفق في التبليغ

عثرت في ما يخص الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على حديث ينبغي أن يدخل في جملة ما يذكر للآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر،و ذلك الحديث هو عن النبي صلّى اللّه عليه و اله:"لا يأمر بالمعروف و لا ينهي عن المنكر إلاّ من كان فيه ثلاث خصال:رفيق بما يأمر به و رفيق بما ينهي عنه،عدل في ما يأمره عدل في ما ينهي عنه،عالم بما يأمر به عالم بما ينهي عنه" (1).

فحيثما يكون الموقف موقف رفق-حيث إن أغلب المواقف هي من هذا القبيل- يجب على الإنسان التعامل برفق لأنه يستطيع بأسلوب الرأفة و الرفق ترسيخ تلك الحقائق في القلوب و العقول،و مهمة التبليغ تأتي في هذا الإطار و لأجل إحياء الأحكام الإلهية الإسلامية.

من الطبيعي أنّ الجميع مكلّفون بإصلاح أنفسهم،و لكن عليكم أن تدركوا قيمة منبر التبليغ،و قيمة هذه المكانة العظمى للتبليغ في المساجد و الحسينيات و تحت راية الإمام الحسين عليه السّلام؛إذ أنّ التبليغ يتصف بأنه نافذ و مؤثر و مبارك.

ص: 39


1- البحار:87/10 ح 64،و مستدرك الوسائل:189/12 ح 13846.

الوعي السياسي في التبليغ

من الطبيعي أنّ لشهر محرم و ما يجري فيه أهمية بحيث تعقد لأجله الاجتماعات و تدور مداولات بشأن القضايا المتعلقة به.سيكون من المناسب جدا و من المفيد إن شاء اللّه أن يجري-في المستقبل-و قبل أيام من الذهاب إلى التبليغ في شهر محرم تنسيق و تعاون فكري واسع في الجهات المختلفة،من قبيل اختيار المواضيع و أسلوب التبليغ و الواجبات الهامة التي يستدعيها شهر محرم.

و سنتحدث نحن هنا ببضع كلمات في هذا المجال على قدر وسعنا.

تتسم قضية محرم-التي تعتبر في تاريخ الإسلام قضية مثالية و فريدة في جميع أبعادها-بجانب بارز،ألا و هو جانب التبليغ،حيث تكون الفرصة سانحة بفضل الدماء الطاهرة للحسين بن علي عليه الصلاة و السلام و أصحابه و أهل بيته، لتوعية الناس على حقائق الدين الذي أريقت لأجله تلك الدماء الطاهرة.و هذه أيضا من البركات الخالدة لواقعة كربلاء،يجب استيعاب قدرها و أهميتها.

منذ عدّة قرون و سنّة التبليغ في شهر محرم جارية في إيران و ربّما في بقاع العالم الاخرى التي يقطنها أتباع أهل البيت عليهم السّلام.

التبليغ في العهد الذي لا يحكم فيه الإسلام يتفاوت إلى حدّ بعيد عن التبليغ في عهد حاكمية الإسلام؛ففي عهد حاكمية الإسلام يمكن أن يقع تبليغ أي جانب من جوانب الدين في موقعه المناسب،و هو بيان جزء من المجموع الذي تستلزمه إدارة حياة الناس،بينما الحال يختلف في الظروف التي لا يحكم فيها الإسلام؛حيث تكون الأجزاء منفصلة عن بعضها و غير متكاملة و لا يربط في ما بينها رابط (1).

ص: 40


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:279-282.

الأحكام الفقهية في عهد حاكمية الإسلام

فرضا لو أراد أحد التحدّث عن الأحكام الفقهية في عهد حاكمية الإسلام، فبإمكانه تصنيفها من حيث البحث و الدراسة إلى طائفتين:إحداهما طائفة الأحكام الفقهية الخاصة بالفرد؛ناهيك عن الموضع الذي يعيش فيه من هذا العالم.

و أخرى قد يبحث المرء نفس هذا الحكم الفقهي بما يمثله من فرع صغير أو كبير في كيفية إدارة المجتمع.

هذان الموضوعان يختلفان عن بعضهما،بل و يختلف الحكم المستنبط في المورد في الصورتين حتى في موضوع كالطهارة و النجاسة و حتى في المسائل الخاصة.

فهي تارة تعرض باعتبارها جزءا من مجموعة النظم التي تدير الفرد و المجتمع في حاكمية الإسلام.

و قد تعرض تارة أخرى بعيدا عن النظام الشامل المجموعي للإسلام،و بصفتها حكما لشخص واحد فقط.و ليت الفضلاء المتنوّرين يبّينون تفاصيل هذه التفاوتات لباحثي الحوزات العلمية.

و هذا ينطبق على موضوع الأخلاق أيضا.فالحديث عن التفاني و الصبر مثلا قد يتخذ تارة طابعا ذاتيا محضا؛و يشار إليه بصفته خلقا إسلاميا و حكما أخلاقيا و روحيا فرديا صرفا؛أي أنّ الصبر عند المصائب فضيلة.

و قد يدور الحديث تارة أخرى عن الصبر على مستوى مجتمع يواجه مختلف الضغوط و المصاعب و العراقيل،و حينها ينبغي على الأفراد التمسك بالصبر عند هذه الموانع و الشدائد.و هنا يتخذ الحديث عن الصبر طابعا آخر،إنّ حقيقة الصبر

ص: 41

هي واحدة،إلاّ أنّ كيفية طرح الموضوع هي المهمة.

أساس الفارق بين نمطي التبليغ هو أنّه في عهد حاكمية الإسلام يمثل الدين مجموعة نظم الحياة،و من بينها السياسة و إدارة الحكومة و العلاقات الخارجية و مواقف المسلمين إزاء التيارات السائدة في العالم،و القضايا الاقتصادية، و علاقات الأفراد في ما بينهم،و التمسك بالأخلاق في مختلف جوانب الحياة.

الدين هو مجموعة نظم تشمل الشؤون الفردية الخاصة،و كذا القضايا الواجب تأديتها بشكل جماعي،و لكن بالإمكان تأديتها فرديا أيضا،إضافة إلى ما يتعلق بمصير العالم أو مستقبل ذلك البلد.و عند ما نريد أن نبلّغ فالتبليغ يعني كل هذا.

نوعان من التبليغ

لا حظوا إلى أي مدى يتفاوت هذا التبليغ مع التبليغ الذي كنا نمارسه قبل إقامة الحكومة الإلهية و الحكومة الحقّة؛في تلك الايام كان يكفينا معرفة الموضوع الذي نريد التحدث حوله،لنكون مبلّغين ناجحين،أما اليوم فإذا لم نكن على معرفة بالعالم أو بمجتمعنا على أقل تقدير لا يمكننا أن نصبح مبلّغين ناجحين و إن كنا على معرفة تامة بالموضوع.

يجب أن نفهم في أي مجرى يصب هذا الحديث الذي نتكلم به،و لصالح أي تيار في العالم ينتهي،و إلى تضعيف أي فريق يقود،شأنه في هذا شأن خندق القتال؛فقد يكون المقاتل طورا بمواجهة عدو و يحرص على الدفاع عن نفسه،و قد يكون طورا آخر ضمن خندق يمتد بضع كيلو مترات،و يريد الدفاع أيضا،إلاّ أنّ الدفاع هذا من نمط آخر؛فقد تقتضي المصلحة أن يتقدم و قد توجب عليه الإنسحاب،و قد يتصور المقاتل أنه يهاجم العدو،فيتفاجأ أنه يطلق النار على رفاقه!

منذ اليوم الأول لإقامة هذا النظام كان بعض الأشخاص و لا زالوا قابعين في

ص: 42

زاوية و يكيلون له الانتقادات،و هؤلاء خطؤهم الأساسي هو أنّ مثلهم مثل من غلبه النوم في خندق القتال بينما تقدم رفاقه إلى الأمام صوب مواضع العدو و استولوا عليها،و لمّا أفاق هذا الشخص من نومه وجّه نيرانه إلى المواضع التي سيطر عليها رفاقه،متوهما أنّ العدو مازال مرابطا هناك،بينما الذي يرابط هناك هم رفاقه إلاّ أنّ هذا الشخص كان مستغرقا في نومه و لا يدري!و الغفلة في القضايا السياسية قد تفرز أحيانا مثل هذه النتائج.و هذا ما يمنح التبليغ هذه الأهمية.

يتناهى إلى الأسماع أحيانا أنّ البعض يدلي بتصريحات هنا و هناك،و يتكلم بأمور لا يدري على من تقع أضرارها،و هذا ناتج عن عدم تفهّم الوضع السياسي العالمي و عدم التمييز بين العدو و الصديق،و عدم تشخيص جبهة الأصدقاء من جبهة الأعداء.

لا يكفي أن نتعلّم بضع مسائل و نتحدث بها.بعض المسائل قد تستلزم أسلوبا خاصا في إلقائها،فإذا ما أهمل ذلك الاسلوب يحتمل أن تتمخض عنها أضرار.يجب التسلح بالوعي و الفطنة.

و هذه من الخصائص التي تتطلبها إقامة دولة الحق؛في الأجواء التي تقوم فيها دولة الحق تتضاعف مسؤولية أهل الحق كافّة،و حينما تقوم الحكومة و النظم الاجتماعية على أساس الدين تتضاعف المسؤولية الملقاة على عاتق المبلّغين، و أساس كل هذا-كما أشرنا-ينطلق من مبدأ عدم انفصال الدين عن السياسة.

ص: 43

سعي الأعداء الى عزل الدين

و هذا-حسب اعتقادي-من أكبر الفصول المتعلقة بالنظام السياسي للإسلام، و التي ابتدعها إمامنا الكبير؛فقد سعى حكام الجور و السلاطين الظلمة على مدى قرون متمادية في عزل الدين-الدين الذي حيثما كان فهو يحكم بالعدل و الحق و لا يتهاون مع أي شخص-عن التدخل في شؤونهم،و تكالبوا طوال هذه القرون لإثبات أنّ الدين لا شأن له بالسياسة،و أن لا طائل من وراء حشر الدين مع السياسة،و من يريد التبليغ فليذهب و يبلّغ لدينه.

و كانوا فضلا عن ذلك ينمّقون كلامهم بأطر خدّاعة؛من قبيل أنّ الدين أطهر من أن يلوّث بالسياسة.

أجل إنّ السياسة المعزولة عن الدين لوث،أمّا السياسة المنبثقة عن الدين فلها من القدسية ما يجعلها نمطا من أنماط العبادة.

و من بعد انتصار الثورة حتى يومنا هذا كانت أشد الهجمات شراسة ضد الاسس الفكرية السياسية للنظام الجمهوري الإسلامي هي تلك التي استهدفت مبدأ «عدم انفصال الدين عن السياسة».هذا المبدأ تعرّض و لا زال يتعرض لهجمات من الجميع.

و ما انفك البعض-في بعض أرجاء العالم،و في أجواء بعيدة عن إيران-يدوّن الكتب و المقالات بمختلف اللغات،و يبث البرامج المتلفزة ليثبت أنّ الدين في معزل عن السياسة.سبحان اللّه!ما أعظم دور هذا المبدأ«عدم انفصال الدين عن

ص: 44

السياسة»في تهديم صروح القوى الظالمة؛بحيث إنهم لا ينفكّون يوجّهون إليه الطعنات يوميّا.

و هناك البعض في داخل المجتمع الإسلامي طبعا يردد تلك الأقوال كالببغاء من غير أن يعي ماهيّتها،كما أنّ البعض قلوبهم مع الأجانب أساسا،و يتنكّرون للدين برمّته.

في الفترة التي كنت أتصدى فيها لمنصب رئاسة الجمهورية عزمت في أحد المرات على السفر إلى أحد البلدان الأجنبية للمشاركة في مؤتمر دولي.فاعددت الكلمة التي سالقيها في ذلك المؤتمر و عرضتها-كالعادة-على الإمام الخميني ليبدي رأيه فيها.فعلّق على حاشيتها،أنّ من الضروري أن تتضمن هذه الكلمة الحديث عن موضوع«عدم انفصال الدين عن السياسة»،تعجبت للوهلة الاولى من هذا الرأي؛إذ ما هي صلة هذا الموضوع برؤساء الدول-مائة دولة غير إسلامية مثلا-؟و مع هذا فقد جلست و كتبت بضع صفحات استجابة لأمر الإمام.

و حينما دخلت في صلب الموضوع و أجلت الفكر فيه أدركت أنه عين الصواب؛ و إنّ عرض هذا الموضوع من فوق منابر العالم الكبرى يعزى إلى أنّ هذا الموضوع يتعرض للطعن من فوق منابر العالم.ثم ذهبنا إلى هناك و تناولنا في كلمتنا هذا الموضوع،و كان له صدى طيبا في النفوس،و تجلّت أهمية ذلك الرأي.و اتضح من خلال هذا الموضوع مدى عمق رؤية الإمام الراحل.

إذا كنتم ممّن يرى عدم انفصال الدين عن السياسة،فأهل الدين مطالبون-إذن- بمعرفة السياسة و فهمها و أن يمارسوا نشاطهم حيثما وجدوا و الميدان مفتوح أمام العمل السياسي.

و إذا كان الظرف يستدعي بيان الأحكام الشرعية المحضة،فإنّه ينبغي بيانها مع الاطلاع على الوضع السياسي.

السياسة لا توجب كتمان حكم شرعي،يجب أن لا تكون السياسة سببا في

ص: 45

كتمان الأحكام الإلهية،بل على العكس،أي أنّ السياسة توجب على المرء عرض المعارف و الأحكام الإلهية بشكل مؤثر في النفوس،مع أخذ جميع الجوانب بنظر الاعتبار.

هذا هو معنى الوعي السياسي في أمر التبليغ (1).6.

ص: 46


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:286.

التبليغ لأجل الهداية و إنارة العقول

عليكم بالعمل في سبيل هداية الناس و إنارة عقولهم،و تشجيعهم على تعلّم الدين.علّموهم الدين الصحيح النقي،و ارشدوهم إلى الفضائل و الاخلاق الإسلامية،و اغرسوا في نفوسهم الفضائل الأخلاقية باللسان و بالعمل،و عظوا الناس و خوّفوهم غضب الله و عذابه،و أنذروهم من نار جهنم،لأن للتحذير و الإنذار تأثيرا مهمّا في نفس الإنسان،و في الوقت ذاته بشّروا المؤمنين و الصالحين برحمة الله و أمّلوهم بفضله.

و بيّنوا لهم القضايا الأساسية في البلد و في العالم الإسلامي.و هذا هو المشعل الذي إذا أضاءه أيّ واحد منكم حيثما كان،يؤدي إلى إنارة القلوب و نشر الوعي، و إيجاد أسباب التحرك،و غرس الإيمان في القلوب.

و هذا هو أفضل و أنجح أسلوب للردّ على هذا الغزو الثقافي الغادر الموجّه ضدنا من قبل الأعداء،و إنني أشعر بقلق عميق أزاء هذا الأمر.

ص: 47

المادة التبليغية

ما هي المادة التبليغية؟هي المبادئ و القيم الإسلامية،التي ضحّى من أجلها الإمام الحسين عليه السلام بنفسه و حرمه و أهل بيته،و التي خطّها خاتم الأنبياء محمّد(صلى الله عليه و آله و سلم)و جميع أنبياء الله عليهم السّلام و أوليائه الصالحين، و كان مظهرها أبو عبد اللّه عليه السلام.

نحن نريد أن نقوم بتبليغ المنطق و القيم و الأخلاق الإسلامية و جميع المسائل، من أجل بناء الهوية الإنسانية على أساس الدين،و بناء شخصية المستمع بناء إسلاميا،و من جملة ذلك بناء الجمهورية الإسلامية.

إنني أعتبر أنّ تشكيل الحكومة الإسلامية من أهم الأعمال،و هذا لا يعني أن نتغافل عن صيانه الهوية الإنسانية للأفراد-الأشخاص الذين نتعامل معهم فردا فردا-فإنّ هذا من أهم الأمور.

إنّ النبي الأكرم(صلى الله عليه و آله و سلم)بدأ ببناء الإنسان-بناء اللبنة الأساسية-و عندها استطاع أن يحمّله مسؤولية بناء الإسلام.

فلم يغفل النبي(صلى الله عليه و آله و سلم)في جميع الأحوال-في قلب المعركة، و في مرحلة البناء،و في حالة العبادة،و عند التحدّث الى الناس و على مدى تلك الأعوام العشرة-التي كانت بمثابة مئة سنة لما اشتملت عليه من مهام-عن بناء هوية مستمعيه،بل كان النبي(صلى الله عليه و آله و سلم)يقوم ببناء هوية الإنسان حتى عند جعجعة الحروب الشديدة كحرب الأحزاب،و بدر،و أحد.

لا حظوا آيات القرآن الكريم،ستجدون أنّ أهم أهداف التبليغ هو بناء الإنسان.

ص: 48

علينا أن لا نصطدم بمسألتين:

الأولى:عدم التغافل عن طرح القضايا السياسية من دائرة كلامنا و أقوالنا و سعينا و جهادنا التبليغي،و هذا ما صرف عليه الأعداء الأموال خلال عشرات السنين،إلا أنّ مجيء الثورة الإسلامية أدّت الى تبديد هذه الآمال و نفيها من الوجود،و أدخلت الأقوال و الأفكار السياسية في مجال النشاطات الدينية.

الثانية:عدم التصوّر بأن كل ما يقال من على المنبر التبليغي،و مخاطبة المؤمنين،هو الجلوس و التحدث في قضايا أمريكا و إسرائيل و التحليل للمسائل السياسية،كلا،فإذا لم يكن هناك مسائل ذات أهمية قصوى،فهناك مسائل أخرى مهمة،و هو قلب مستمعكم،ينبغي لكم إصلاح و بناء و إرواء قلبه و روحه و فكره، و هذا ما يحتاج الى جذور معنوية،نحن أيضا لا بد أن نمتلك جوانب معنوية لكي نستطيع التأثير في المستمعين،و بدونها لا يمكن تحقق ذلك.

ص: 49

المنطق في التبليغ

لا بد أن يشتمل هذا الخزين المعنوي على عنصري الفكر و المنطق،و علينا أن نتسلح بهما،لكي لا نتفوه بالكلام الضعيف،فقد صدق من قال:أنّ أكثر الهجمات تأثيرا هي التي يقابلها مقاومة مبتورة و ضعيفة،و هو كلام دقيق،فعند ما يكون الدفاع عن الدين ضعيفا و رخوا،يكون الأثر السلبي لهذا الدفاع أشد على الدين مما لو هجم عليه،فعلينا أن نستعين بالله على ذلك.

يجب أن لا يشتمل كلامنا و منبرنا و تبليغنا-العملية التبليغة التي نقوم بها-على كلام هش،لا متانة له و لا ثبات.

فليس من العيب أن نطرح بعض المطالب التي نجدها أحيانا في كتاب و ليس لها سند،كأن تكون حكمة أو من المسائل الأخلاقية التي لا تحتاج الى سند،إلا أنّ العيب في أن نطرح مسألة بعيدة عن ذهن المستمع،و يصعب عليه فهمها؛لأنّها سوف تبعده عن أصل المطلب،و تؤدي الى التقليل من هيبة الدين و المبلّغ في عقله و قلبه، و يعتقد أنّ هذا الأمر يفتقر الى المنطق،في حال كون أساس عملنا هو المنطق.

بناء على ذلك،فإنّ المنطق هو عنصر أساسي في التبليغ.

بعد هذا،تصل المرحلة الى أسلوب عملنا.

ص: 50

أسلوب التبليغ

فإننا عند ما نذهب الى المدينة أو القرية الفلانية علينا أن نلاحظ سلوكنا،قيامنا و قعودنا،معاشرتنا،نظرنا و عبادتنا،تعلقنا بالملذات الدنيوية و أكلنا و نومنا،فهذه تعتبر أهم وسائل التبليغ،و هي إما أن تكون مع التبليغ أو ضده،فإذا كانت صحيحة تكون تبليغا،و إذا كانت خاطئة تكون ضده.

فكيف نتمكن من جعل قلوب الناس في الوسط الإجتماعي و الحياتي يطمئنون لكلامنا،و العمل على تقوية ثقتهم بنا،و نحن نتكلم في ذم الإنغماس في الشهوات الدنيوية،و ذم التعلق بالمال و الإنهماك في طب الملذات الدنيوية،في حين كوننا نعمل على خلاف ما نقول-لا سمح الله-!؟

و كيف يمكن لهذا الكلام أن يؤثر في المستمعين إذا كان كذلك؟فهو إما أن لا يؤثر أصلا،أو يؤثر تأثيرا عابرا،أو يؤثر و في الوقت الذي تنكشف فيه حقيقة أعمالنا،سوف يكون تأثيره معكوسا تماما،و بناء على ذلك فإنّ العمل بما نقوله مهم جدا.

التفنن في طريقة إلقاء الكلام

إنّ لديّ قناعة تامة بالمنبر،فمع إنتشار شبكة المعلوماتية(الإنترنيت)، و الفضائيات،و التلفاز،و وسائل الاتصال الأخرى بكثرة،إلا أنه ليس هناك وسيلة من هذه الوسائل تضاهي المنبر،فالمنبر يعني التكلّم وجها لوجه،و قلبا لقلب،و هذا

ص: 51

له تأثير مباشر و ممتاز،ليس له وجود في أي وسيلة من الوسائل الأخرى،فعلينا الحفاظ على المنبر،فهو أمر قيّم،غاية الأمر يجب أن نتعامل معه بطريقة فنية من أجل أن يؤدي غرضه.

ص: 52

الإنذار في التبليغ

في أدعية الصحيفة السجادية يقول الإمام السجاد عليه السلام في أحد الأدعية التي يناجي بها ربّه:«تفعل ذلك يا إلهى بمن خوفه أكثر من رجائه لا أن يكون خوفه قنوطا» (1)،إنّ خوفي أكثر من رجائي،لا أنني قنوطا.

هذا المعنى يمثل بيانا رسميا و قانونا،و لذلك يجب عليكم أن تنفثوا روح الرجاء و الخوف في القلوب،على أن يكون الخوف أكثر من الرجاء.

فمن الخطأ،عند ما تتعرضوا الى آيات الرحمة الإلهية-حيث أنّ بعض هذه الآيات مختصة بمجموعة معينة من المؤمنين و لا تشمل الجميع-تلقوها بصورة تؤدي الى غفلة البعض فيتصوروا-بسبب حالة معنوية واهمة-أنها تشملهم، و أنهم قد وصلوا الى أعلى الدرجات المعنوية،فيغفلون عن أداء واجبات الدين الضرورية عند التطبيق.

إنّ البشارة في القرآن الكريم خاصة بالمؤمنين،أمّا الإنذار فهو للجميع، فالمؤمن و الكافر هما محل للإنذار.

كان رسول الله(صلى الله عليه و آله و سلم)يبكي،فقال له أحدهم:يا رسول الله، إنّ اللّه تعالى يقول: لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ (2)فما هو سبب بكائك؟

ص: 53


1- الصحيفة السجادية:189.
2- سورة الفتح:الآية 2.

قال:(ألا أكون عبدا شكورا) (1).

أي أنّه لو لم أشكر هذه المغفرة،سوف تنهار القواعد الأساسية لهذه المغفرة، فلا بد أن يكون الإنذار هو المسيطر على قلوبنا و قلوب مستمعينا في جميع الأحوال.

طريقنا،طريق شاق و صعب،فعلى الإنسان أن يهييّء نفسه لطيّ هذا الطريق و الوصول الى نهاية المطاف.

إنّ العمل التبليغي،عمل عظيم،و هو عمل حساس و مؤثر،و نحن نرى اليوم بركات الجهود التبليغية التي بذلت في السابق،و إن شاء اللّه سينتفع المجتمع من و بركات هذه الأعمال التبليغية في المستقبل.

إنّ تأثير التبليغ ليس تأثيرا لحاظيا و آنيا،بل بعيد الأمد،فعلى المبّلغ أن لا ييأس عند ما يرى بعض الظواهر التي توحي بأنها ليست من الدين،و إنّ بعض الأوهام القاضية بابتعاد الشباب عن الدين هو ضرب من الحرب النفسيّة،فإنّ واقع القضية هي على خلاف هذه الأوهام؛لأن شبابنا متعلقون بالدين و قلوبهم متعطشة للنهل من حقائق الدين،و كل شاب سليم الفطرة و السليقة كذلك،فليس الأمر محصور في بلدنا.

إنّ الأرضية هنا مهيأة-و لله الحمد-فشبابنا عطاشى و مشتاقون للنهل من الدين،و لا بد من إرواء رغباتهم الروحية،و إشباعها من الحقائق الدينية.

إنّ ثمار هذا التبليغ سوف تأتي أكلها،و سوف يجني المجتمع ثمار هذه الأعمال التبليغية في المستقبل (2).4.

ص: 54


1- الإحتجاج:326/1.
2- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:294.

الروح الحسينية عند الشباب

إن قضية الشباب لا بد أن تتحول في بلادنا إلى قضية وطنية،و أن على الجميع أن يشعروا بالمسؤولية أزاءها،سواء الحكومة أو علماء الدين أو قوات التعبئة أو المؤسسات الرياضية أو الإذاعة و التلفزيون أو الأجهزة التي تستطيع الاضطلاع بدور ما فيما يخص الشباب؛فكل هؤلاء على وجه الخصوص يجدر بهم أن يحسوا بالمسؤولية تجاه قضايا الشباب في هذا البلد.و إنني أريد أن أوصل هذه الرسالة إلى مسامع كافة المسؤولين،و هي أن يعتبروا قضايا الشباب و متطلباتهم و مستقبلهم و التخطيط من أجلهم مسألة جدية و من الدرجة الأولى،و لا يمكن تجاهلها.

و ربما يقال الكثير باستمرار حول الشباب-الذين هم أمل الأمة و مستقبل البلاد- و كله يتسم بالصحة،لكنه يتسم أيضا بالتكرار،و لذا فإنني لا أريد إضاعة الوقت فيما قيل،بل أريد الدخول مباشرة في أصل الموضوع.

إنّ الشباب ظاهرة متألقة و فصل فريد لا نظير له في حياة كل إنسان؛و كلما حظيت قضايا الشباب بالعناية الضرورية كما ينبغي لها في بلد ما،حقق هذا البلد نجاحا كبيرا على طريق الرقي و التقدم.

و يزداد هذا الموضوع أهمية عند ما يكون الأمر متعلقا ببلد كبلدنا حيث تشكل فئة الشباب الغالبية العظمى من مجموع السكان.

ص: 55

مسؤولياتنا أزاء الشباب

ينبغي علينا القول بأن الشباب-هذه المرحلة المتألّقة و المزدهرة-مرحلة تنطوي على نتائج باقية و آثار طويلة الأمد في كل حياة الإنسان رغم قصر هذه المرحلة و انقطاعها.

إنّ مرحلة الشباب تبدأ عند البلوغ؛و أحب هنا أن أنظر إلى الموضوع من منظار الشباب حتى يتذكر الآباء و الأمهات و المسؤولون تلك المرحلة التي شبّوا في أجوائها يوما ما.

إن للشباب ميولا و أهدافا في فترة شبابه يهفو إلى تحقيقها و لا سيما في مستهل تلك المرحلة:

فأولا،و لأنه يمر بمرحلة تكوين شخصيته الجديدة،فإنه يبحث عن الاعتراف بهذه الشخصية الجديدة،و هو ما لا يحدث غالبا،و كأن الوالدين لا يعترفان بشخصية الشباب الجديدة هذه.

و ثانيا،فإن لكل شاب مشاعر و أحلاما،و يتميز بالنمو الجسمي و الروحي،و قد وضع قدمه في دنيا جديدة يبقى المحيطون به من أفراد الأسرة و المجتمع بعيدين عنها في العادة،أو أنهم يتجاهلونها،و لهذا يشعر الشباب بالوحدة و الاغتراب في حياته.

و إن بودّي أن يهتم الكبار بهذه الأمور و يستمعوا إليها و يتذكّروا مرحلة شبابهم.

ص: 56

و ثالثا،فإن الشاب-سواء إبّان البلوغ أو بعده-يصطدم في مرحلة شبابه بأمور كثيرة لا يعرف شيئا عنها و تستجد في حياته قضايا جديدة و مثيرة للتساؤل،كما ترد على ذهنه شبهات و علامات استفهام يتوق لمعرفة الجواب عنها،و قد يأتي هذا الجواب في أحيان كثيرة بما لا يرضيه و لا يقنعه،و لهذا يحس بالفراغ و الغموض.

و رابعا،فإن الشاب يشعر بطاقات هائلة كامنة في وجوده،سواء من الناحية الجسدية أو الفكرية و الذهنية،و إن هذه الطاقات في الحقيقة باستطاعتها خلق المعجزات و تحريك الجبال،و لكن الشباب يشعر بأن هذه الطاقات الهائلة تذهب هدرا بلا فائدة.

و عندئذ يقع نهب الإحساس بالإهمال و عدم الجدوى.

و خامسا،فإن الشاب في مرحلة شبابه يواجه لأول مرة دنيا كبيرة لم يجربها و لم يعرفها بعد و لا يدري ماذا يفعل أمام ما يطرأ عليه من أحداث الحياة،فيحس بالحاجة إلى إرشاد و عون فكري لا يتوفر عليه الوالدان غالبا بسبب انشغالهما بشؤونهما في الحياة.

كما أنّ المراكز المسؤولة عن مثل هذا الأمر غالبا ما تكون غائبة عند ما يكون حضورها ضروريا و عند الحاجة،فلا يحصل الشاب على هذه الإعانة و يشعر بالتالي بانعدام السند و المعين.و غالبا ما تكون كل هذه المشاعر مسيطرة على شبابنا؛فمن ناحية نجد الشعور بالوحدة،و من ناحية أخرى الشعور بافتقاد السند، و من ناحية ثالثة الشعور بالطاقات الهائلة التي تذهب هباء.

إن وجود مثل هذه المشاعر يلقي بالمسؤولية على عاتق الجميع،و لا سيما الحكومة و علماء الدين و الإذاعة و التلفزيون و قوات التعبئة و المؤسسة الرياضية و المؤسسات و المراكز الثقافية؛فهؤلاء يتحملون مسؤولية كبرى أزاء جيل الشباب و لا سيما في بلد كبلدنا التي يمثل فيها الشباب الغالبية العظمى من حيث

ص: 57

العدد،و التي يتمتع فيها بالإيمان من الناحية الروحية و يمتاز بالإستعداد من حيث التوفر على الإنجازات الكبرى،

و أمّا من حيث الخلاقية فيشكلون فئة كبرى على قدر عظيم من الطاقة و الخلاقية.

و إن هذا الإستعداد و هذا العدد الهائل و هذه الإمكانات بوسعها منح بلد كإيران دفعة قوية على طريق التكامل و الرفعة و الرقي.

إنّ البعض يتخذون أحكاما خاطئة و انحرافية بشكل كبير على جيل الشباب في إيران من الناحية العقائدية و الدينية.و لكنني أعتقد،و طبقا للدراسات التي تمّت بهذا الصدد،بأن الشباب الإيراني شباب مؤمن و شريف و عفيف ولديه كفاءات دينية هائلة،و أنه يميل إلى النواحي المعنوية أكثر من المادية.فإن ما نتوقعه من الشباب يختلف تماما عما نتوقعه من الكبار الناضجين؛فالشباب الإيراني-ذكورا و إناثا- لديه طاقات روحية و معنوية و ذهنية و دينية هائلة،و هو ما يجعل عبئا كبيرا من المسؤولية يقع على عاتق المسؤولين.

و في الحقيقة فإنه ينبغي عليّ الاعتراف بأن هناك اهتماما بالغا-و لحسن الحظ- توليه المراكز المختصة لقضايا الشباب اليوم من قبيل المركز الوطني و منظمة الشباب فضلا عن المراكز التي انتظم الشباب في إطارها منذ بداية الثورة في مجالات الإعمار و البناء كقوات التعبئة،و كذلك مراكز التربية و التعليم الحكومية، و إن كنت مازلت أتوقع الكثير من هذه المراكز.

إنني آمل أن تتحول قضية الشباب و الاهتمام بشؤونهم و التخطيط من أجل إرشادهم على ما ينبغي و تمهيد الطريق أمامهم نحو الرقي و التكامل،إلى قضية وطنية و حقيقة و أن يشعر الجميع بالمسؤولية حيالها.

ص: 58

رأي الإسلام حول الشباب

إنّ رأي الإسلام حول الشباب ينطبق تماما مع ما نراه اليوم بالنسبة للشباب و ما نرجوه منهم و لهم.و لقد أوصى الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله بالشباب،و كان يحبهم و يستخدم طاقاتهم في الإنجازات الكبرى.و كان أبرزهم أمير المؤمنين،فلا تنظروا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام كشخصية في الأربعينات أو الخمسينات أو الستينات من عمره فحسب،بل إنه شخصية متألقة أيضا في شبابه و يمثل نموذجا خالدا يجدر بالشباب جميعا أن يجعلوه أسوة لهم؛ففي مرحلة شبابه في مكة كان عنصرا مضحّيا و ذكيّا و نشيطا و شجاعا و مقداما و كان يزيل العقبات العسيرة من أمام الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله في كل المجالات و يعرّض نفسه للمخاطر و يقوم بأشقّ الأعمال،و قد فدى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بنفسه ليلة هجرته إلى المدينة المنورة،و كان قائدا لجيشه بعد الهجرة و زعيما للمجموعات النشطة و عالما و واعيا و شهما و متسامحا،و كان جنديّا شجاعا و قائدا مقداما في عرصات القتال،كما كال كفوءا في مجال الحكومة و شابّا متقدما بمعنى الكلمة على صعيد القضايا الإجتماعية.

و لم يكن الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله يستفيد فقط من شخص مثل عليّ،بل إنه كان يستفيد من فئة الشباب و الطاقات الشابة بقدر الاستطاعة في فترة حكومته البالغة عشرة أعوام و بضعة أشهر.

لقد ألقى الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله بإحدى المسؤوليات الكبرى على عاتق شاب في الثامنة عشرة من عمره في لحظة من أشد لحظات حياته حساسية؛فالرسول صلّى اللّه عليه و اله كان يتولّى أمر القيادة في الحروب،و لكنه أثناء الأسبوع الأخير من حياته و عند ما

ص: 59

شعر بقرب رحيله عن هذه الدنيا و ليس بوسعه قيادة الجيش الذي وجّهه إلى الأمبراطورية الرومانية-لما في هذا الأمر العظيم من مشقّة،و كان من اللازم إسناده إلى طاقة قوية لا تثني عزيمتها العقبات-فإنه أسند هذه المسؤولية إلى شاب في الثامنة عشرة من عمره.

و كان بإمكان الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله إسناد هذه المسؤولية إلى رجل في الخمسين أو الستين من عمره من أصحاب التجارب في الحروب و الجبهات و لكنه اختار لذلك شابّا في الثامنة عشرة من عمره هو"أسامة بن زيد".

كما كان الدافع إلى ذلك أيضا هو الإيمان و أن والد أسامة كان من الشهداء.

فالرسول صلّى اللّه عليه و اله بعث أسامة على رأس البعث الذي كان على رأسه والده"زيد بن حارثة"منذ عامين و الذي استشهد أيضا في تلك المنطقة.

و كان هذا البعث الذي ترأسه أسامة بأمر من الرسول صلّى اللّه عليه و اله بعثا عظيما و جيشا جرّارا يضم كبار الصحابة من الشيوخ و القادة ذوي التجارب،في حين كان أسامة شابّا في الثامنة عشرة.

و قد قال له الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله سأبعثك إلى تلك الأرض التي استشهد فيها أبوك-أي"مؤتة"التي كانت جزءا من الأمبراطورية الرومانية حينذاك،و تقع الآن في أرض الشام-لتعسكر هناك،ثم أصدر إليه أوامر القتال.و كذا كانت طاقة الشباب على هذا القدر من الأهمية لدى الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله.

إن لدينا اليوم في بلادنا الكثيرين من أمثال أسامة بن زيد،و عند نا جموع كبيرة من الفتيان و الشبان ذوي الكفاءة في الميادين المختلفة من درس و سياسة و نشاطات اجتماعية و مكافحة الفقر و إنجاز مشاريع الإعمار و البناء و في كل ما يكلّفون به من تنفيذ المشاريع المختلفة،فهم دائما على أهبة الاستعداد بما يتمتعون به من نشاط،و هذا وضع بالغ الأهمية بالنسبة لهذا البلد.

إن هذا الجيل يشبه ذلك الجيل الذي أنجز لهذا البلد عملا عظيما بكل قوة و نجاح

ص: 60

متمثّلا في تجربة الحرب المفروضة.و إنه لمن المناسب أن تعلموا-أيّها الإخوة و الأخوات الأعزاء-بأنه عند ما تأسس الحرس الثوري فقد كان معظم أفراده من الشباب و الطلائع،و إن كل من يعدّون اليوم من قادة الحرس ولديهم أرفع الأوسمة كانوا حينذاك إما طبة في الجامعات أو من المتخرجين حديثا أو حتى من الذين لم يدخلوا الجامعات بعد...إن قائد الحرس الثوري الذي أدار دفّة القتال خلال أعوام طويلة كان في حوالي السادسة و العشرين من عمره عند ما نصّبه الإمام(رض) قائدا في ذلك الوقت!لقد استفادت الثورة من هذه التجربة مرة أخرى و استطاعت إثبات دور الشباب العظيم و البناء.

و هذا ما كنت أتمنى أن يهتم به الكبار و المسؤولون،أي النظر إلى الشباب من وجهة نظر الشباب و الاطلاع على آمال الشباب و تطلعاته و مشاعره و إدراك واجبهم الحقيقي أزاء هذه التطلعات و الآمال.

إن على كافة الأجهزة المسؤولة؛الحكومية منها و غير الحكومية،و الإذاعة و التلفزيون،و الوزارات المعنية بالشباب كالتربية و التعليم و الجامعات، و المؤسسات الرياضية و الخاصة بالشباب،و التعبئة،و علماء الدين،و مؤسسات تبليغ الدين و نشره،أن تشعر جميعا بأنها مسؤولة أزاء هذه الأجيال و حيال كل هذه الاستعدادات و الطاقات الهائلة (1).9.

ص: 61


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:299.

الفكر الإسلامي شامل لكل عوامل التكامل الإنساني

قال السيد الخامنئي:إنّ من خصائص الدين الإسلامي المقدّس-على الأخص الفكر الشيعي الذي يمتاز بعدة أمور-احتواؤه على جميع العوامل الضرورية لتكامل الفرد و المجتمع الإنساني؛و هذا شيء مهم جدّا.فقد تعرض على البشر ثقافة أو حضارة أو عقيدة،و التي قد تحتوي على نقاط إيجابية تؤدي إلى تفجير الطاقات الكامنة عند البشر و تحريك قابلياتهم فيعملون و يبدعون و يبنون و يستثمرون و يعمّرون العالم،إلاّ أنّ في هذه العقيدة خلل يؤدي بالناس الذين حصلوا على منافع هذه العقيدة إلى التعرض لمختلف الأضرار و الصعاب،و أحيانا تكون الأضرار أكبر من المنافع.

المثال البارز على ذلك التفكير الغربي الراهن و الثقافة الرأسمالية و الحرية الفردية و العلمانية الشائعة في الغرب.و عليكم يا من تبلّغون الدين و القرآن أن تدقّقوا في هذه الامور كثيرا.

و حينما نذكر الثقافة الغربية لا نقول إنّها فاسدة و منحطة من ألفها إلى يائها،و قد قرأتم كلامي حول الغرب و الغزو الثقافي (1)و...و ذلك لا يعني أنّ ثقافة الغرب بأجمعها فاسدة و قبيحة،و إلاّ لرفضتها الشعوب الغربية نفسها و لما تحملتها منذ البداية،بل هناك بعض المواطن الإيجابية في هذه الثقافة،قد خدعت الناس و بهرتهم و جذبتهم إليها.

ص: 62


1- في كتاب حاكميّة الإسلام.

و المثال البارز لهذه المجتمعات يرى بوضوح في المجتمع الأمريكي،فهناك توجد ثقافة الغرب الرأسمالية و ما يدعوه الغربيون أنفسهم بالليبرالية،كما توجد في هذه الثقافة و هذه الحضارة و ما يسمّونه بالأيديولوجية أمور إيجابية،فهي تدعو الناس إلى السعي و العمل و مراعاة الدقة في الوقت و الطاقات الإنسانية.

و لكن ما هي نتيجة هذه الثقافة بما فيها من الإيجابيات؟النتيجة هي ظهور مجتمع غنيّ بالثروة و التطور و العلم و التكنولوجيا و هي الامور التي بهرت أعين الشعوب الغربية و مفكّريها و ارتضاها الجميع منذ قرنين أو ثلاثة-سواء في أمريكا أو أوروبا-و أعجبهم هذا الأسلوب المعيشي و هذه العقيدة و الثقافة و هذه الأفكار، و لكن لم تتوفر في هذه الثقافة عوامل الحفاظ على التكامل الحقيقي للإنسان فقد أغفلها هؤلاء و لم يلتفتوا إليها.

فمثلا لو صنعتم خزّانا للمياه لتوفّروا للناس المياه الصالحة للشرب و أحكمتم جدران هذا الخزّان و سددتم جميع نوافذه و تركتم منفذا واحدا لدخول الماء فيه و أحكمتم هذا كله و لم يبق لديكم قلق من هذه الناحية،إلاّ أنكم لم تلتفتوا إلى أنّ هذا الماء سيتسمم بسبب مجاورته لمعدن أو مادة معينة.أجل،سيتجمّع الماء و سيكون باردا زلالا،و سيشعر الإنسان باللذة حينما يشربه إلاّ أنّه ملوث بالجراثيم و الديدان.فالذي أعدّ هذا الخزّان لم يلتفت إلى هذا الجانب و إنّما التفت إلى جوانب أخرى فقط.

كذلك أغلب العقائد البشرية من هذا القبيل،حتى العقيدة الرأسمالية،فلقد شاهدوا الجوانب التي تحثّ الإنسان على العمل و بذل الجهد و التطور و التكامل المادي و الثروة و العلم و ما إلى ذلك من الأمور-و هي صحيحة-إلاّ أنّهم لم يلاحظوا الجوانب الاخرى.فالمجتمع الذي ترتفع فيه ناطحات السحاب و تزداد فيه الثروات و...و مع ذلك ينتشر فيه الفقر و البؤس بين أناس كثيرين و فيه من يموت جوعا و فيه الإضطهاد،و الأسوء من هذا كله الفساد الشامل الذي دخل حتى إلى

ص: 63

منازل الذين بهرتهم هذه الثقافة،فنغّص عليهم حياتهم.

إذن فقد تحوّل هذا إلى شيء ناقص و قبيح.إنّ أهليّة العقيدة هي في توفّرها على جميع العوامل،و إلاّ فعالمية العقيدة جيدة و يمكنها غزو العالم إلاّ أنّها لا تتمكن من الحفاظ عليه،و بإمكانها أن تحافظ على الثروات الطبيعية و لكنها لا تستطيع أن تحافظ على الطاقات الإنسانية،و بإمكانها أن تحرز تقدما ماديا إلاّ أنّها لا تحرز تقدما معنويا،و بإمكانها إقرار المساواة بين الناس-كالعقيدة الشيوعية-و لكنها لا تتمكن من القضاء على العنصرية و التمييز الطبقي بين الطبقات الراقية.لقد عمد الشيوعيون إلى تخصيص المؤن و قضوا على الثروات الخاصة ليتساوى الناس! فالذي كان ثريا انتكس و تساوى الجميع،أي غدا الناس فقراء بأجمعهم،و في موضع آخر قضوا على الأغنياء لينتفع الفقراء،و على كل حال هم يدّعون اليوم أنهم ساووا بين الطبقات الفقيرة.

إنّ ميزة الإسلام إنّما هي في اشتماله على جميع عوامل التكامل الإنساني المادي أو المعنوي،ففي الإسلام هناك: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (1)و قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ (2).

و الإستفادة من الثروات الماديّة و العمل و السعي،و تقبيل الرسول صلّى اللّه عليه و اله يد العامل،و عمل أمير المؤمنين عليه السلام،و هذا كله يشير إلى شيء،و كذلك فيه هذه الحقيقة و هي أنّ الذي لا يعمل لا يستجاب دعاؤه،فقد حبس البعض أنفسهم في البيوت تمسكا بقوله تعالى: وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (3).

فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:إنّ اللّه سوف لا يستجيب أيّ دعاء لكم،لماذا؟ليتّجه المجتمع3.

ص: 64


1- سورة البقرة:29.
2- سورة الأعراف:32.
3- سورة الطلاق:3.

نحو التنمية و البناء.

كما أنّ الإسلام يدعو أيضا إلى التكامل المعنوي و يحثّ على زيارة بيت اللّه:

قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ (1) ، وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (2).

فلا قيمة لحياة الإنسان الروحية و المعنوية إلاّ بالاتصال باللّه،فبمجرد أن تغفلوا عن اللّه فسيفقد هذا القلب حيويته و ستموت هذه الروح،و إذا تذكر عاد القلب إلى حيويته،و إذا طال أمدها ستتحول إلى جماد.هذا ما يقوله لنا الإسلام و آيات القرآن: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ (3)، أَلا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (4).

هذا موجود في الإسلام الذي يدعو في الوقت نفسه إلى اكتشاف الثروات الطبيعية و إعمار الدنيا و الإمساك بالمعدات المادية و تسليح الذهن بالعلم و التعرف على الدنيا و الطبيعة و المادة و الثروات و اكتشافها و استثمارها-لأنّها تعود إليهم- و في الوقت نفسه يأمر الإسلام بإنجاز هذه الامور قربة إلى اللّه،و عدم إغفال ذكر اللّه،و امتثال هذه الامور بشكل عبادي،أي أنّ الإسلام يجمع بين السعي و الإعمار المادي و بين الإعمار المعنوي.

لذا فإنّ الذي كان في الإسلام يسعى وراء الإعمار المادي هو أيضا(أزهد خلق اللّه).

فأمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام الذي يحفر القناة بيده حتى يخرج الماء منها كما يخرج الدم من منحر البعير،يخرج بثوبه الذي علاه الوحل و يجلس على حافة البئر و يأخذ صحيفة ليكتب عليها:(أوقفت هذه البئر و تصدّقت بها على8.

ص: 65


1- سورة الفرقان:77.
2- سورة غافر:60.
3- سورة الحديد:16.
4- سورة الرعد:28.

الفقراء)،أي أنّه يعمّر الأرض و ينفقها لوجه اللّه،فهو أكثر الناس إنفاقا و إصلاحا، كما أنّه من الناحية المعنوية الأعلى و الأسمى.و قد جمع الإسلام بين هذين الأمرين (1).3.

ص: 66


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:303.

الأمر بالمعروف و بقاء الإسلام

تدبّروا عوامل بقاء الإسلام،فأحد عوامل البقاء قضية عاشوراء و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

ففي كل مجتمع ينشأ فساد إذ لا يخلو مجتمع بشري منه،فكيف يمكن القضاء على هذا الفساد؟البعض ما إن تقع عينه على الفساد حتى يقول:إذن أين المسؤولون حتى يقضوا على الفساد!طبعا ما يرى من الفساد بالعين أقل غالبا بكثير من المفاسد التي لا يمكن مشاهدتها ممّا يحصل في الأزقة و الطرق العامة و الأسواق و لا يعرفها إلا المطّلعون،لكن هذا البعض ما إن يرى هذا المقدار البسيط حتى يبحث عن المسؤولين!كلا،على المجتمع أن يطوي و يزيل الفساد الذي في داخله كما تصنع تيّارات الماء الهدّارة.

تدبّروا أنهار العالم العظيمة تجدون أن تيّاراتها الهدّارة تطوي كل ما يلقى فيها من الأدران و الأقذار و تبدّلها إلى مواد حيوية فيطهر الماء.

فعلى المجتمع أن يكون كذلك و أن يصل إلى المستوى الذي يقضي فيه حتى على قطرة الفساد الواحدة.

ص: 67

طريق التكامل بالأمر بالمعروف

كيف يتم ذلك؟

بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الدعوة إلى الخير،فقد ورد في القرآن:

اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ (1) ،و الحكمة هي الفكرة المحكمة التي تمتع بها الأنبياء عليهم السّلام و أختص بها العباد المخلصون و الصالحون،و التي لا يمكن لشتىّ السبل العقلية أن تفنّدها،و لا يمكن لأي استدلال أو تجربة أن تبطلها.

أنظروا إلى مواطن الحكمة في القرآن: ذلِكَ مِمّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ (2)، فهي أمور لا يمكن للإنسان ردّها مهما بلغ سعيه و إلى الأبد،فليس بإمكان أي مغرض أو منكر أو معاند أن يردّها،فالحكمة من أحكم الأفكار التي تترجم و تشرح.

و الحكماء يعرّفون الحكمة بأنّها:«صيرورة الإنسان عالما عقليا مضاهيا للعالم العيني»،أي أنّ هذه الأفكار من الظهور و الإحكام بحيث لا تقبل التشكيك و قد تشرّبت في روحه فغدا عالما يمكن مشاهدة الكون و الوجود و العالم بأجمعه في وجوده و كلامه و إشاراته و سلوكه.

هذه هي الحكمة،و عندها اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (3)أي أنّ هذه الامور هي مقومات الخلود التي أدّت إلى بقاء الفكر

ص: 68


1- سورة النحل:25.
2- سورة الإسراء:39.
3- سورة النحل:25.

الإسلامي إلى الآن.

على علماء الدين أن يدركوا أنّ النظام و المجتمع الإسلامي إذا تمكّن من صقل نفسه بالشكل الذي أراده الإسلام و أوجد في داخله هذه العوامل فسوف لا يمكن لأي قوة في العالم-سواء المادية أو العسكرية-أن تواجهه.

هدّدونا لثمان سنوات و نفّذوا تهديدهم أيضا،فأيّ حماقة تمكّن عملاء الاستكبار من ارتكابها بحق هذه البلاد حتى يغدو بإمكانهم ارتكابها بعد هذا اليوم؟ إنّ الاستكبار حاليا قد استنفر خيله و رجله ليتمكن من خلال الفكر و الثقافة و السبل العلمية أن يزعزع أسس التفكير الإسلامي و سوف يفشل في هذا المجال أيضا،إذ كيف يمكنه بلوغ ذلك؟!.

طبعا إنّما لا يمكنه ذلك فيما إذا عملتم بما يريده الإسلام: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ

و عندها سوف لا يتمكّن حتى من خلال وسائل و آلات الفساد المنتشرة في العالم كالأفلام و الأشرطة و الكلام البذيء و القصائد و القصص الرخيصة من بلوغ أهدافه،إنّ العدو يرسل هذه الأشياء إلى بلادنا و يوزّعها بين الفتيان و الشباب و الناس العاديين أو يبثها بواسطة الأقمار الصناعية-و هي حقّا مستنقع للفساد-

إلاّ أنّ هذه الأقمار التي يستهدفون بها الشعوب و البلدان سوف لا يمكنها إحداث أدنى تأثير في المجتمع إذا تحقق ما قلته إذ أنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الأمور الأخرى سوف لا تترك للعدو فرصة للإنتصار.

لذا فإنّ المجتمع الإسلامي مجتمع خالد،و هذا هو معنى قوله تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ (1)و وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ (2)،و هذه ليست0.

ص: 69


1- سورة الحجر:9.
2- سورة الحج:40.

مجاملات من قبل اللّه معنا،كما إنّ هذا هو معنى قوله: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا (1).

فلتعربد القوى العظمى في العالم ضد الإسلام و نظام الجمهورية الإسلامية و تتّهمنا،فإنّ هذا البناء بناء محكم و ستتكسر قرون كل من تسوّل له نفسه مناطحته،و هذا هو شأن جميع عوامل البقاء و الحياة في النظام الإسلامي.

إنّ ما تشاهدونه أحيانا من امتعاض البعض من الأعمال الدينية و الشعائر الإسلامية فيقول:لقد أبر متمونا بكثرة ما تتحدثون عن القيم الإسلامية فإنّه في الواقع إنّما يكرر كلمات الأعداء،أي أنّ الأعداء لا يريدون تطبيق الإسلام بشكل كامل؛لأنّ الإسلام إذا طبّق بشكل كامل فسوف لا يمكنهم إلحاق الضرر به،فلابدّ من إضعافه و الحيلولة دون تنفيذ بعض جوانبه كالقصاص أو القوانين الجزائية حتى يمكنهم الإضرار به.

و من هنا تتضح مسؤولية علماء الدين و المبلّغين،الذين-بحمد اللّه-يدركون واجباتهم بشكل جيد و لا نريد إرشادهم إليها فإنّهم أعرف بها،لكن إنّما نذكّر.

و ليعلم الشباب و الحديثي العهد بهذا الطريق أنّ هذا الطريق طريق مبارك لا يقبل الهزيمة،و قد توفّرت فيه جميع مستلزمات البقاء بحكمة اللّه.

فهنا موطن(جهاد)لصدّ العدو،و هنا أيضا موطن للتعايش بسلام في داخل البلاد(رحماء بينهم).

و هنا أيضا إقامة لعلاقات الصداقة مع الدول و شعوب العالم لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ... أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ (2).

و هنا أيضا جهاد ضد إسرائيل و أمريكا إِنَّما يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي8.

ص: 70


1- سورة العنكبوت:69.
2- سورة الممتحنة:8.

اَلدِّينِ (1) .

فهنا الدنيا و الآخرة،فإنّك تجد الحفاظ على القيم بدقة،و تجد السعي وراء الإعمار و بناء العالم المطلوب و اكتشاف ثروات هذه الطبيعة بالأيدي الكفوءة، و ترى مشاعر الناس و أحاسيسهم،و ترى الدعم الإلهي،و تشاهد العمل و التوكل، و عندها يتضح معنى هذه الآية: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (2)،فإن توفرت هذه الامور معا فعندها سوف لا يمكن لأيّ شخص أن يلحق الضرر بالمجتمع.

لقد مضت سبع عشرة سنة على انتصار الثورة الإسلامية،و في هذه المدة أي شيء كان بإمكان الأعداء فعله و لم يفعلوه،فأعداؤنا فعلوا كل ما يقدرون عليه.نعم لم يفعلوا بعض الامور لعدم تمكّنهم منها لوجود العقبات من قبيل الرأي العام العالمي و الخوف و....؛لذا فإنّهم قد ارتكبوا كل ما أمكنهم أن يرتكبوه بحق هذا الشعب،و لكن في الوقت نفسه تشاهدون أننا-بحمد اللّه-متقدمون في مجال الإعمار و السياسة الدولية.

إنّ هذا ما أنجزه الدين و الاستقلال،إنّ الشعب الإيراني قد أنجز هذه الأعمال في الوقت الذي عادته أمريكا و حلفاؤها!

يدّعي البعض أنّ الذي يخاصم أمريكا لا يمكنه إنجاز شيء!إذا كان الأمر كذلك فما هذا الذي أنجزناه؟فقد أنجزنا كثيرا من الأمور العلميّة و غيرها في الوقت الذي تعطّشت فيه أمريكا إلى دمائنا،و في الوقت الذي شهر فيه عملاء أمريكا-في أوروبا و آسيا و أفريقيا-السلاح ضدنا،بعضهم من الأمام و بعضهم من الخلف،و لكن مع ذلك أنجزنا كل هذه الأعمال.3.

ص: 71


1- سورة الممتحنة:9.
2- سورة الطلاق:3.

إذن فليعوا و ليعتبروا و لا يتصوّروا أنّ إعمار هذه البلاد و تقدّمها موقوف على طرقنا لأبواب أعداء اللّه أمريكا و غيرها،فلو إنّنا طرقنا أبوابهم لما حصلنا على هذا المقدار من التقدم كما لا حظتم ذلك في عهد نظام الشاه،فقد أضاعت هذه البلاد حتى ما كانت تمتلكه،فقد أضاعت الزراعة،كما أنها لم تكن تمتلك الصناعة و لم تحصل عليها و إنّما الذي أدخلوه كان صناعة تجميعية و هي الاخرى كانت مزيّفة،فقد افتقرت إلى كل شيء.

نعم في عهدهم أدخلوا شتى أنواع المفاسد و الفواحش و أصناف المسكرات و الحانات و النزهات غير المشروعة و أمثالها،و أقاموا العلاقات مع أعداء الشعب و البلاد الذين أرادوا السيطرة على بلادنا و لم يريدوا إقامة علاقات الصداقة معنا، و إنّما أرادوا مصادرة هذه البلاد لصالحهم،و إنّ إقامة العلاقات معهم لم تعد بالنفع على هذا الشعب و لم يجن منها سوى الأضرار.

إنّنا بحمد اللّه تمكنّا في هذه السنوات تحت ظل العزلة و الابتعاد عن هؤلاء من الحصول على كل ما تشاهدونه من التقدم و الإعمار و التطوّر،و إنّ ما حصل في هذه البلاد قد أنجزه المؤمنون-فغير المؤمنين و الذين لا ينتمون إلى حزب اللّه يتكلّمون و لا يقدّمون شيئا يذكر إلى الوطن-فأكثر هذه الأعمال أنجزها المؤمنون و أفراد حزب اللّه و المهندسون المؤمنون بالثورة و الناشطون و المدراء المخلصون للثورة و أبناء الثورة أنفسهم،أمّا الآخرون فلم يقدّموا لنا أي معونة أو خدمة.

فعلى علماء الدين المحترمين و المبلّغين الأعزاء أن يوضّحوا للناس-في شهر محرّم العظيم-هذه الأبعاد المختلفة و يعلّمونهم بأنّ الدنيا و الآخرة تنال تحت ظل الدين،و أنّ الارتباط بالإمام الحسين عليه السلام و استيعاب معنى الشهادة يدعم حياة الإنسان المادية و المعنوية.

و إذا فهم الشعب معنى الشهادة و تعرّف كيف يمكن التضحية بالأرواح في سبيل الأهداف عندها سيتمكّن من العيش باستقلال و لا ينتابه قلق؛لأنّ الموت

ص: 72

سوف لا يشكّل عقبة أمامه،و إلاّ فإنّ العدو سيخوّفه بالموت و يغدو مصيره كمصير بعض الدول و الشعوب التي تتخاذل أمام الأعداء (1).9.

ص: 73


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:309.

تبليغ زينب و السجاد رسالة الحسين عليه السلام

فنفس القيمة التي تمتلكها تضحية الحسين عليه السّلام عند الله تبارك و تعالى و نفس الدور الذي لعبته في تأجيج نهضته تملكها-أو تقاربها-خطب الإمام السجاد عليه السّلام و زينب عليها السّلام أيضا..فتأثيرها يقرب من أن يعادل تأثير تضحية الحسين عليه السّلام بدمه.

لقد أفهمنا سيد الشهداء عليه السّلام و أهل بيته و أصحابه أنّ على النساء و الرجال ألاّ يخافوا في مواجهة حكومة الجور.

فقد وقفت زينب(سلام الله عليها)في مقابل يزيد-و في مجلسه-و صرخت بوجهه و أهانته و أشبعته تحقيرا لم يتعرض له جميع بني أمية طرا في حياتهم.كما أنها(عليها السلام)و السجاد عليه السّلام تحدثا و خطبا في الناس أثناء الطريق و في الكوفة و الشام،فقد ارتقى الإمام السجاد(سلام الله عليه)المنبر و أوضح حقيقة القضية و أكد أن الأمر ليس قياما لأتباع الباطل بوجه أتباع الحق،و أشار إلى أن الأعداء قد شوّهوا سمعتهم و حاولوا أن يتّهموا الحسين عليه السّلام بالخروج على الحكومة القائمة و على خليفة رسول اللّه!لقد أعلن الإمام السجاد عليه السّلام الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد،و هكذا فعلت زينب عليه السّلام أيضا.

و هكذا هو الأمر اليوم في بلدنا،فسيد الشهداء عليه السّلام قد حدد تكليفنا،فلا تخشوا من قلة العدد و لا من الاستشهاد في ميدان الحرب،فكلما عظم هدف الإنسان و سمت غايته كان عليه أن يتحمّل المشاق أكثر بنفس النسبة،فنحن لم ندرك بعد جيدا حجم الإنتصار الذي حققناه،و سيدرك العالم فيما بعد عظمة النصر الذي

ص: 74

حققه الشعب الإيراني (1).

السلام عليك يا أبا عبد اللّه الحسين و على الأرواح التي حلّت بفنائك..عليك مني سلام اللّه أبدا ما بقيت و بقي الليل و النهار و لا جعله اللّه آخر العهد منّي لزيارتك..

السلام على الحسين و على علي بن الحسين و على أولاد الحسين و على أصحاب الحسين (2).5.

ص: 75


1- كتاب نهضة عاشوراء،ص 23.
2- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:315.

آثار الخطابات الحسينية

قال الإمام الخميني (1):إن الخطابة الحسينية(المجالس الحسينية)تحفظ مدرسة سيد الشهداء عليه السّلام و منهجه،و الذين يقولون:دعوها،لا يفهمون-أساسا- ما هو منهج الحسين عليه السّلام و لا يدركون أن هذه المجالس و هذا البكاء قد حفظ الإسلام،منذ ألف و أربعمائة سنة.نعم،إن هذه المنابر و هذه المجالس و التعازي و مواكب اللّطم هي التي حفظت لنا الإسلام.

إن تلك الفئة من الشبان ممن لا يملكون نيّة سوء يتصورون أن علينا بعد الآن أن نتكلم بلغة العصر.و الحال أن كلام سيد الشهداء عليه السّلام هو عين الكلام العصري الجديد و سيبقى هكذا دائما.

و أساسا أن سيد الشهداء عليه السّلام هو الذي علّمنا الكلام بلغة العصر و هذه المجالس و المراثي و البكاء و اللّطم هي التي حفظت نهج سيد الشهداء عليه السّلام و قضيته،و لو أراد امرؤ الانفراد في إحدى زوايا غرف منزله و الإكتفاء بقراءة زيارة عاشوراء و استعمال المسبحة لما بقي شي.

كل مذهب و كل مدرسة بحاجة إلى اهتمام شعبي و احتضان و التفاف بأمثال هذه المراسم:مراسم اللّطم و البكاء و لو لم تكن موجودة لما أمكن أن يحفظ هذا المذهب و يصان.و الذين لا يفهمون هذه الحقيقة مخطئون و جهلة،فهم لا يعلمون ما هو دور العلماء و الخطباء في الإسلام و لربما كان بعضكم أيضا لا يعلم ذلك جيدا.

ص: 76


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

إن دورهم هو الذي حفظ الإسلام دائما،كالزهرة التي تروى بالماء الذي تسقى به باستمرار،فالبكاء على الحسين عليه السّلام و مصائبه هو الذي صان خطّه و حفظ نهجه.

يجب علينا أن نبكي على الشهيد الذي نفقده و نهتم بإحياء ذكره و نقرأ المراثي و نبكي عليه،فالآخرون و عند ما يقتل عضو من أعضائهم هكذا يفعلون،فلو أن أحد الأعضاء الحزبيين قتل لرأيتهم يبكون عليه و يهتفون و يعقدون الاجتماعات و نحن هكذا نريد من خلال عقد التجمعات و الهتافات إحياء نهج سيد الشهداء عليه السّلام لكن هؤلاء غير ملتفتين إلى هذه القضية،فهذا البكاء هو الذي حفظ المذهب،و هذه المآتم هي التي أحيتنا،هذه الأمور هي التي دفعت بنهضتنا إلى الأمام.

و لو لا سيد الشهداء عليه السّلام لما قامت هذه النهضة الإسلامية الحديثة و لما انتصرت،فالحسين عليه السّلام حاضر في كل مكان و آثار نهضته مشهودة(كل أرض كربلاء)و كل المنابر محل لذكر سيد الشهداء عليه السّلام،و كل محراب مصدره سيد الشهداء عليه السّلام.

لقد أنقذ الإمام الحسين عليه السّلام الإسلام،فهل نسكت على مقتل من نهض و أنقذ الإسلام باستشهاده؟علينا أن نبكيه كل يوم و علينا أن نرثيه من على المنبر كل يوم،من أجل حفظ هذا الدين و المحافظة على هذه النهضة،فهي مرهونة و مدينة للإمام الحسين عليه السّلام.

أي انسجام أكثر من هذا؟هل رأيتم شعبا متلاحما منسجما مثل هذا الشعب؟ من الذي حقق لهم هذا الأمر؟سيد الشهداء عليه السّلام هو الذي فعل ذلك.و نحن نلاحظ أن هذه الظاهرة تحصل في بقية البلدان الإسلامية في أيام تاسوعاء و عاشوراء، فتخرج المواكب الحسينية بمنتهى الأبهة،تخرج بنفس المستوى و المضامين في كل مكان،فمن الذي يستطيع إقامة مثل هذه التجمعات؟و في أي مكان من العالم يمكنكم أن تروا أناسا منسجمين مع بعضهم البعض مثل هذا الانسجام.

إذهبوا إلى الهند تلاحظوا ذلك،و انظروا إلى باكستان تروا هذه المواكب،اذهبوا

ص: 77

إلى أندونيسيا تشاهدوا نظيرها،و اذهبوا إلى العراق تلاحظوا ذلك،و كذلك في أفغانستان و غيرها.من الذي نظم هؤلاء و جعلهم ينتظمون هكذا؟عليه لا تفقدوا هذا التلاحم و لا تفرّطوا به.

في هذه المجالس يقام العزاء و تلقى المراثي على شهادة سيد المظلومين،الذي ضحّى بنفسه و بأولاده و أنصاره من أجل رضى اللّه،و بذلك دفع الشبان للتأثر به، و جعلهم يسارعون إلى الجبهات و يتسابقون نحو نيل الشهادة و يفتخرون بها، و إذا حرموا منها حزنوا و تأثروا،و بذلك أيضا ظهرت أمهات يقدّمن أبناءهن شهداء ثم يقلن إننا نملك المزيد من الأولاد و مستعدات لتقديمهم في سبيل اللّه.

إنها مجالس عزاء الحسين عليه السّلام و مجالس الأدعية-كدعاء كميل و غيره-هي التي تبني و تصوغ شخصية هذه الشرائح الاجتماعية هكذا،و الإسلام بنى الأساس هكذا منذ البداية و جعل الأمور تسير بهذا النمط و على هذه البرامج لكي يحقق التقدم.

و الآن ظهرت فئة تقول:كفانا نقيم المجالس و نقرأ المراثي،إنهم لا يعرفون أهميتها و لا يدركون أبعاد و مرامي المواكب و المآتم الحسينية،و لا يعلمون أن ثورتنا هي امتداد لنهضة الحسين عليه السّلام،و تبع لها،و شعاع من أشعتها،هؤلاء لا يعون أن البكاء على الحسين عليه السّلام يعني إحياء نهضته و إحياء قضية نهوض ثلة قليلة بوجه إمبراطورية كبرى.

فالإمام الحسين عليه السّلام ثار و معه فئة قليلة العدد من الأنصار و وقف بوجه إمبراطورية كبرى و قال بصوت عال:لا.فيجب أن تستمر حالة الرفض هذه و أن تبقى،و هذه المآتم و المجالس هدفها أن تدوم هذه ال"لا"كرمز لرفض الظلم.

لا يتصور أبناؤنا و شبابنا أن القضية قضية بكاء لا غير!و إنّنا شعب بكّاء!فهذا ما يريد الآخرون تلقينكم إياه أيها الأخوة كي تتفوهوا به و ترددوه،فهم يخافون هذا البكاء لأنه بكاء على المظلوم،و صرخة بوجه الظالم،و هذه المواكب التي تقام

ص: 78

و تخرج للعزاء تواجه الظلم و تتحدى الظالمين.

في عهد رضا خان كانت العبارة الرائجة التي يرددها الكثيرون هي:(الشعب البكّاء)و ذلك من أجل القضاء على مجالس التعزية.و لهذا فقد بادروا إلى منع إقامة هذه المجالس،و كان منعها على يد شخص كان يرتادها-بادئ الأمر-و يتظاهر بتلك الأعمال (1).

هل كانت القضية قضية منع إقامة مواكب العزاء و حسب،أم أنهم كانوا يرون شيئا آخر و يريدون تدميره يكمن وراء تلك المجالس؟و هل كانت القضية قضية لبس العمامة أو القبعة أم أنها قضية أخرى كانوا يلحظونها فمنعوا لبس العمامة؟

لقد أدرك هؤلاء أن وجود هذه العمامة مضرّ بهم و لا يسمح لهم أن يفعلوا ما يحلو لهم،و أن هذه المجالس ستقوم بعمل ما يمنعهم من القيام بما يريدونه فعند ما يكون الشعب في أيام محرم و صفر صفا واحدا و يتحرك نحو هدف واحد في كل أنحاء البلاد،و حين يتوجه ثلاثون أو خمسة و ثلاثون مليونا في شهري محرم و صفر و خصوصا في أيام عاشوراء،نحو مقصد و اتجاه واحد فبإمكان الخطباء و العلماء أن يعبئوهم و يستثمروا جهودهم لتحقيق قضية معينة.و هذه هي الناحية4.

ص: 79


1- كتب ملك الشعراء بهار:"كان يوم عاشوراء.دخلت مجموعة من القوزاق بقيادة رضا خان(قبل أن يصبح ملكا)إلى السوق بشكل منظم.و كانت بعض الفرق الموسيقية تعزف موسيقى الرثاء و كان معهم حصانا و شوهد رضا خان في مقدمة المجموعة نازعا قبعته و ينثر القش على رأسه...كما دخلت هذه المجموعة من القوزاق إلى السوق ليلة الحادي عشر من المحرم و هم يشعلون الشموع.و كان قائدهم عاري الرأس و حافي القدمين و يمسك بشمعة في يده،ثم دخل مع مجموعته إلى المسجد الجامع مسجد الشيخ عبد الحسين الذي كانت تقام فيه أكبر مجالس العزاء في تلك الأيام و طافوا مرة واحدة حول المجلس.و كشفت هذه التظاهرات أن القائد يهتم بشدة بمقدسات الدين و استمرت هذه التظاهرات لسنتين أو ثلاثة حتى أصبح رئيسا للوزراء.إذ بدأ تدريجيا بمنع مجالس العزاء و اللطم و المواكب،ثم أصبح فيما بعد العدو اللدود للإسلام".انظر تاريخ مختصر أحزاب سياسي ج 1 ص 183-184.

السياسية لهذه المجالس و هي الأهم من بقية النواحي الموجودة فيها.

إنهم يرددون أن هذه المجالس-مجالس العزاء و ذكر مصائب المظلوم و جرائم الظالم-تتصدى للظالمين و تواجههم في كل عصر و مصر.

إنهم لا يعلمون أن هؤلاء يخدمون هذا البلد و الإسلام و على شبابنا أن لا ينخدعوا بتخرصات هؤلاء و ادعاءاتهم-أيها الشبان-إن هؤلاء الذين يلقنونكم بالقول-شعب البكاء!شعب البكاء)أناس خونة.

فأسيادهم و كبراؤهم يخشون هذا البكاء،و الدليل على ذلك أن رضا خان أقدم على منع كل تلك المواكب و المآتم و هو الآخر كان مأمورا بذلك،و الدليل على ذلك أنه عند ما نحّي عن السلطة قالت بريطانيا عبر إذاعة نيو دلهي:"إننا نحن جئنا برضا خان إلى السلطة و نحن أزحناه"و حقا ما قالته بريطانيا.

فقد جاءوا به لقمع الإسلام و كان أحد أساليبه هو منعكم من إقامة هذه المجالس،على شبابنا أن لا يتوهموا بأنهم يقومون بعمل مفيد حينما يدخلون مجلسا و يغادرونه حين يصل الخطيب إلى قراءة المصيبة،قائلين:لا.هذا تصرف خاطئ جدا و ينبغي أن تستمر هذه المجالس و يجب أن تذكر المظالم كي يفهم الناس ماذا جرى و هذا ينبغي أن يجري كل يوم فإن لذلك أبعادا سياسية و اجتماعية.

في المرة الأولى التي اعتقلتني سلطات النظام الملكي و جلبت من قم إلى طهران، كان الجلاوزة يقولون لي أثناء الطريق:أننا عند ما جئنا لإلقاء القبض عليك كنا نخشى أن يطلع على أمرنا أولئك الموجودون في الخيم بمدينة قم فنعجز حينذاك عن القيام بمهمتنا.

و ليس هؤلاء وحدهم يخشون رواد المواكب و المآتم،بل إن القوى الكبرى تخشاهم أيضا،هذه المؤسسات يجتمع لها الناس دون أن يكون وراء ذلك يد تنظم اجتماعهم،ترى الناس يجتمعون في كل أنحاء البلاد المترامية الأطراف في أيام

ص: 80

عاشوراء و خلال شهري محرم و صفر و في شهر رمضان المبارك فإن المجالس و المواكب و المآتم هي التي تجمع الناس.

و إذا كان هناك موضوع فيه خدمة للإسلام و أراد امرؤ أن يتحدث فيه تسنى له ذلك في أنحاء البلد بواسطة هؤلاء الخطباء و أئمة الجمعة و الجماعة و انتشر الموضوع المراد تبليغه للناس مرة واحدة.و لو أرادت القوى الكبرى عقد مثل هذه التجمعات الجماهيرية الكبرى في البلدان التي تحكمها فإن ذلك يحتاج منها إلى أعمال و نشاطات و جهود كبرى تستغرق عدة أيام أو عشرات من الأيام،فمثلا إذا أرادت عقد اجتماع في مدينة من المدن،يضم مائة ألف أو خمسين ألفا فإنها تضطر إلى إنفاق مبالغ طائلة و بذل جهود جبارة لجمع الجماهير و جعلها تصغي لحديث من يريد أن يطرح عليهم قضية معينة.

و لكن انظروا إلى هذه المجالس و المواكب التي تجمع الناس إلى بعضهم بعضا بمجرد أن يحصل أمر يستعدي التجمع و التجمهر،و ليس في مدينة واحدة بل في كل أنحاء البلاد..إنها تجمع كل الفئات و الشرائح و تضم جموع المعزين لسيد الشهداء عليه السّلام دون الحاجة إلى بذل جهود كبرى و إعلام واسع النطاق.

إن الناس يجتمعون بكلمة واحدة تخرج من فم الحسين عليه السّلام.

ص: 81

دور العزاء الحسيني في حفظ العباد و البلاد

قال الإمام الخميني (1):أحيوا عاشوراء فبإحيائه يصان بلدكم من كل سوء.

كل هذه الوحدة،وحدة الكلمة التي كانت أساس انتصارنا مصدرها مجالس العزاء هذه و مجالس التبليغ و ترويج الإسلام.لقد أعدّ سيد المظلومين عليه السّلام لشعبنا وسيلة يجتمع فيها أبناؤه بسهولة و دون عناء.

إن هذا الانسجام الذي يوحد أفراد شعبنا استنادا إلى ما حدث في كربلاء يمثّل أكبر واقعة سياسية في العالم تنطوي على آثار نفسية و معنوية كبرى.فجميع القلوب تتوحد في ذكراها إن عرفنا كيف نستفيد منها-إننا منتصرون بسبب هذا الانسجام و يجب أن نعرف قيمة هذه القضية،و على شبابنا أن يهتموا بها.

إنها المساجد و المآتم و المجالس الأسبوعية،هي التي تجلب انتباه الجماهير و تخلق بينهم هذا الانسجام.و لو أرادت الحكومات الاخرى خلق نوع من الانسجام بين صفوف شعبها لما تيسّر لها ذلك حتى لو أنفقت مئات المليارات من التومانات في حين أن سيد الشهداء عليه السّلام كما ترون.

أفلا يستحق سيد الشهداء عليه السّلام و الحال هذه أن نبكي عليه و نتأسف لمقتله؟إن البكاء عليه عليه السّلام هو الذي حفظنا.

عليكم أن لا تنخدعوا بمزاعم و أحابيل الشياطين الذين يريدون أن يجردوكم من هذا السلاح،ليحذر شباننا من الانخداع بذلك،فهذه الشعائر الحسينية هي التي

ص: 82


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

حفظتنا و صانت البلد.

أجل إن الحق منتصر،لكن للنصر مفاتيح و رموز ينبغي لنا العثور عليها و معرفتها...علينا أن نعرف رمز بقاء الشيعة طوال الزمن الماضي منذ عصر أمير المؤمنين(سلام اللّه عليه)حتى الآن....

إن أحد هذه الرموز الكبرى-و هو أكبرها-قضية سيد الشهداء عليه السّلام و إذا أردنا أن يكون بلدنا بلدا مستقلا و حرا ينبغي أن نحفظ هذا الرمز.

لقد أقيمت هذه المجالس على مر التاريخ بأمر الأئمة عليهم السّلام فلا يظنن بعض هؤلاء الشبان بأن المجالس الحسينية ليست إلاّ مجالس للبكاء!و إن علينا الآن أن نكف عن البكاء!فهذا خطأ فادح يقعون فيه.

لقد بلغ شعبنا مرحلة أقدم فيها فجأة على صنع ثورة،و حصل في داخله انفجار قلّ نظيره في كل مكان.كان هذا الشعب يعاني من التبعية في كل شؤونه،يعيش تحت ظل نظام سلبه كل شي،و قدّمه للأجانب حتى أفقد البلد عزته و مجده،و فجأة حصل الانفجار الشعبي ببركة هذه المجالس التي عمّت البلد من أقصاها إلى أدناها.

فكانت تجمع الناس و توجه أنظارهم إلى هدف واحد.

إذا كان هؤلاء وطنيين-و لا يهمنا ما إذا كان لهم ارتباط باللّه أم لا-و يقولون:

نحن نريد تحقيق مصلحة الوطن و الشعب،فعليهم أن يكثروا من إقامة هذه المجالس و المواكب الحسينية لأنها تحفظ البلد و تصونه.

ليعلم شعبنا قيمة و أهمية هذه المجالس،فهي التي أبقت الشعوب حية،و ينبغي أن تزداد هذه المجالس في أيام عاشوراء و تنمو و تنتشر،بل إنها ينبغي أن تكثّف حتى في باقي أيام السنة.و لو أن هؤلاء المأسورين بالغرب كانوا يعرفون البعد السياسي لها لبادروا هم إلى إقامتها،و لو كانوا يدّعون-حقا-السعي لتحقيق مصالح الشعب و البلد لرغبوا هم في إقامتها أيضا.

هذه المآتم هي التي حفظت شعبنا وصانته،و لم يكن منع رضا خان لها عبثا

ص: 83

بحيث أن جلاوزته من عناصر السافاك(تأسست منظمة الأمن و المخابرات في البلاد و المعروفة بالسافاك عام 1957 بشكل رسمي بموجب الأمر الذي أصدره محمد رضا خان.

كانت تلك المنظمة مسؤولة عن قمع المعارضين للنظام الملكي و الوقوف بوجه النشاط الإسلامي.و كان الارتباط و التعاون الوثيق قائما بين السافاك و السي آي.آي(منظمة المخابرات الأمريكية)و الموساد(منظمة المخابرات الإسرائيلية) و لشدة قسوة السافاك في تعذيب السجناء السياسيين،أعلن الأمين العام لمنظمة العفو الدولية في عام 1975:"أنه لا توجد دولة في العالم تملك صحيفة أعمال سوداء في مجال حقوق الإنسان كما تملكها إيران".

و يقصد الإمام في عبارته:رجال السافاك لرضا خان،رجال الأمن لرضا خان).

قاموا بتعطيلها و منعوا إقامتها(راجع هامش 4.)،لم يكن رضا خان مخالفا لها دون سبب فهو مأمور من قبل الخبراء الذين يدرسون و يرصدون هذه الأمور.

فأعداؤنا كانوا قد درسوا أوضاع الشعوب و أمعنوا النظر في أصول الشيعة، فوجدوا أنه ما دامت هذه المجالس موجودة و مادامت هذه المراثي تقرأ على المظلوم و مادامت تقوم بفضح الظالم و كشف ممارساته،فلا يمكنهم بلوغ غاياتهم و تحقيق أهدافهم الخبيثة.

و لذلك فقد منعوا-في عهد رضا خان-إقامة المواكب و المجالس الحسينية و حظروا على الخطباء ارتقاء المنابر و ممارسة الخطابة و التبليغ،و شنّوا هم حملة تبليغ شعواء فأعادوا القهقرى و نهبوا كل ثرواتنا.

أما في زمان ابنه محمد رضا(المقبور)فإنهم بادروا إلى تطبيق المنهج نفسه و لكن بصيغة أخرى،و ليس بقوة الحراب،بل باستغفال شباننا و حرفهم،ليتم بذلك القضاء على هذا المذهب.فالقضية لم تختلف عن عصر رضا خان و لكن الأسلوب اختلف هذه المرة.

ص: 84

عليكم أن تدركوا بأنه لو لم تكن هذه المواكب موجودة و لو لم تكن هذه المجالس و المراثي مقامة فإن انتفاضة 15 خرداد(5 حزيران 1963)ما كان يمكن لها أن تحصل.

لم يكن بإمكان أي شيء أن يصنع انتفاضة(15 خرداد)سوى دم سيد الشهداء عليه السّلام و ليس بإمكان أية قوة أن تحفظ هذا الشعب الذي هجمت عليه القوى العدوانية من كل حدب و صوب،و لا بإمكان أية قوة أن تحبط المؤامرات التي حاكتها ضده القوى الكبرى سوى هذه المآتم و المواكب:مواكب العزاء الحسيني.

لا تدعوا التظاهرات و المسيرات تحلّ محل مواكب العزاء و المآتم،لا تسمحوا لهم أن يسلبوكم العزاء الحسيني،أقيموا المواكب الحسينية،ثم سيروا في تظاهرات حسينية و اعقدوا التجمعات للمآتم.

و عند ما تطرح كلمة التظاهرات فلا تظنوا أننا لم نعد نريد المواكب الحسينية،إننا نستطيع أن نؤدي أعمالنا و نحقق أهدافنا بتطبيق الإسلام و بالأساليب الإسلامية و بتكريم شهداء الإسلام،و إلاّ فلا مدافعنا و لا دباباتنا يمكن أن تقاس بدبابات أمريكا و مدافعها،أو دبابات روسيا و مدافعها.

ص: 85

فلسفة العزاء و المآتم الحسينية

قال الإمام الخميني (1):لا يخفاكم بأن تعاليم الأئمة عليهم السّلام تؤكد على أهمية و تعظيم هذه الملحمة التاريخية الإسلامية كما أن صبّ اللعن على ظالمي آل البيت عليهم السّلام يمثل توجيها لهتافات الشعوب المزمجرة لتصب على الطواغيت و الظلمة على مر التاريخ و إلى الأبد.

و لا يخفاكم بأن صب اللعنات و إطلاق الصرخات المستنكرة لظلم و جور بني أمية(لعنة اللّه عليهم)-رغم انقراضهم و انتهائهم إلى جهنم-تعد صرخة ضد الظلمة و الطواغيت الحاكمين في العالم،و إحياء و إدامة هذه الصيحة الهادرة من شأنه تحطيم الظلم و محق الجائرين.

إن البكاء على الشهيد يعدّ إحياء للنهضة و إدامة لها،و الرواية الواردة"من بكى أو أبكى واحدا فله الجنة و من تباكى فله الجنة"(بحار الأنوار ج 44 ص 288)إنما تشير إلى أن حتى المتباكي يعمل عملا من شأنه إدامة النهضة و حفظها،و هذا يصون نهضة الإمام الحسين(سلام اللّه عليه)و يديمها.

لو بكينا على الإمام الحسين عليه السّلام إلى الأبد فإن ذلك لن ينفعه شيئا،بل ينفعنا نحن،و فضلا عن نفعه لنا في الآخرة،فإن له في الدنيا من المنافع ما ترون،فلا يخفاكم ما له من الأهمية من الناحية النفسية و الدور في تآلف القلوب و انسجامها.

لا تظنوا أن هدف هذه المآتم و المواكب و غاياتها تنتهي عند حدّ البكاء على سيد

ص: 86


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

الشهداء عليه السّلام،فلا سيد الشهداء عليه السّلام بحاجة إلى هذا البكاء،و لا هذا البكاء ينتج شيئا في حد ذاته.

إنما الأهم من كل هذا هو أن هذه المجالس تجمع الناس و توجههم إلى وجهة واحدة،ففي أيام محرم و صفر و خصوصا في أيام عاشوراء نرى كيف يتجه ثلاثون أو خمسة و ثلاثون مليون شخص باتجاه واحد.

و ليس عبثا أن يطالب بعض أئمتنا عليهم السّلام بأن تقام المراثي عليهم-من بعد وفاتهم-من على المنابر،و ليس عبثا أيضا أن يقول أئمتنا:إن من بكى أو أبكى أحدا فله الجنة و من تباكى فله الجنة.

القضية ليست قضية بكاء فحسب،ليست قضية تباكي فحسب-إنما هي قضية سياسية،فأئمتنا عليهم السّلام يريدون-و عبر بصيرتهم و عمق رؤيتهم الإلهية-أن يوحدوا صفوف الشعب و يعبئوه بالطرق المختلفة كي يصان من الأذى.

ورد في الرواية أن أحد أئمتنا عليهم السّلام أنه أوصى بأن يستأجر له من يرثيه بعد وفاته في منى لمدة عشرة أعوام (1).

فهل أن الإمام الباقر(سلام اللّه عليه)كان بحاجة إلى ذلك؟و ماذا أراد الإمام الباقر عليه السّلام أن يحقق من هذا البكاء؟و لماذا في منى؟و أي طراز من البكاء هذا؟إن المهم في القضية هو الرثاء في منى،فحين يجتمع المسلمون في موسم الحج من كل أنحاء العالم في منى و يجلس شخص ليرثي الإمام الباقر عليه السّلام و يوضح جرائم مخالفيه و أعدائه و قاتليه و لمدة عشر أعوام و يستمع الناس له،فإن ذلك يؤدي إلى توجيه اهتمام الناس نحو هذا المنهج و تقويته،و إثارة موجة من السخط و النقمة2.

ص: 87


1- روي أن الإمام محمد الباقر عليه السّلام أوصى ب 800 درهم لإقامة المآتم و مجالس العزاء.و قال الإمام الصادق عليه السّلام:ما معناه(لقد قال لي أبي يا جعفر ليوقف من مالي و يؤجر به من يرثني عشر سنوات في منى في مواسم الحج و يبكي عليّ و يجدد المآتم لإظهار مظلوميتي.راجع جلاء العيون للمجلسي:ص 692.

ضد الظالم ستؤدي إلى إضعافه.

لقد ضحّينا بشبابنا،و ضحّت كربلاء بالشبان،و علينا أن نحافظ على تلك التضحيات،و لا تظنوا أن الأمر مجرد بكاء و حسب،أبدا فالقضية سياسية إجتماعية،و لو كان الأمر مجرد بكاء فقط فلم التباكي؟

و أساسا ما حاجة سيد الشهداء عليه السّلام إلى البكاء؟إن تأكيد الأئمة على أن تقام التجمعات و البكاء إنما يستند إلى ما لذلك من شأن في حفظ كيان الدين و صيانة المذهب.

إن قيمة مجالس العزاء لم تدرك إلاّ قليلا،و لربما أنها لم تدرك تماما من قبل البعض،فالروايات التي تقول:إن كل دمعة تذرف لمصاب الحسين المظلوم عليه السّلام لها من الثواب ما ورد عن الإمام الحسين عليه السّلام قوله:و من بكى أو أبكى واحدا فله الجنة و من تباكى فله الجنة (1).

و تلك الروايات التي تؤكد على عظم ثواب من بكى أو تباكى لم تكن من باب أن سيد المظلومين عليه السّلام بحاجة إلى مثل هذا العمل،و لا لغرض إعطاء هذا الأجر و الثواب للمسلمين بالرغم من أنه محرز و لا شك فيه،و لكن لم جعل كل هذا الثواب العظيم لمجالس العزاء،و لماذا يجزي اللّه-تبارك و تعالى-من بكى أو تباكى بمثل هذا الثواب و الجزاء العظيم؟

الجواب على ذلك يتضح تدريجيا من خلال النظر إليها من الناحية السياسية و سيعرف ذلك شيئا فشيئا فيما بعد إن شاء اللّه.إن هذا الثواب المعطى للقيام بهذه الأعمال مبعثه-و علاوة على البعد العبادي و المعنوي لها-البعد السياسي،و هذه القضية تتضح و تتبلور أكثر حينما ندرس الظرف السياسي الذي صدرت فيه.

فقد كانت هذه الفرقة الناجية-حينذاك-مبتلاة بالحكم الأموي و بالحكم4.

ص: 88


1- راجع بحار الأنوار:288/44.

العباسي الأسوأ،و كانت فئة قليلة مستضعفة تواجه القوى الكبرى و السلطات الحاكمة.

و طوال التاريخ،كانت مجالس العزاء هذه وسائل تنظيمية منتشرة في أرجاء البلدان الإسلامية و في إيران التي صارت مهدا للإسلام و التشيّع و أخذت تتحول تدريجيا إلى وسائل لتحقيق الوقوف بوجه الحكومات التي كانت تجيء آنذاك هادفة القضاء على الإسلام،و على أسسه الروحانية،و قد ضايقت هذه المجالس و المواكب تلك الحكومات و أرعبتها.

قد يسمينا المتغربون ب(الشعب البكّاء)و لربما يقتنع البعض منا بتحقق هذا من أن الثواب المعطى لمن يذرف دمعة من عينه،و الثواب المترتب على إقامة مجلس للعزاء،و لا يستطيعون أن يتعقلوا الجزاء المعد لقراءة الأدعية و الثواب المعد لمن يقرأ دعاء ذا سطرين مثلا.

إن المهم في كل هذه الأمور،إنما هو البعد السياسي لهذه الأدعية و هذا التوجه إلى اللّه و تمركز أنظار الناس إلى نقطة واحدة و هدف واحد،و هذا هو الذي يعبئ الشعب باتجاه هدف أو غاية إسلامية معينة،فمجلس العزاء لا يهدف إلى تحقيق البكاء على سيد الشهداء عليه السّلام و الحصول على الأجر،و طبعا إنّ هذا حاصل و قائم، و لكن الأهم من ذلك هو البعد السياسي للأمر،و هو ما خطط له أئمتنا عليهم السّلام في صدر الإسلام كي يدوم حتى النهاية،و هو الاجتماع تحت لواء واحد و بفكر واحد، و لا يمكن لأي شيء آخر أن يحقق ذلك بالقدر الذي يفعله عزاء سيد الشهداء عليه السّلام.

إن تلك الفئة من رواد المساجد ممن يسمعون الخطابة ثم يغادرون المجلس بمجرد وصول الخطيب إلى ذكر المصيبة،إنما يفعلون ذلك لأنهم لا يدركون أهميتها.فذكر المصيبة و المراثي هو الذي صان المحراب و حفظ المنبر،و لولاها لما تسنى للخطيب أن يطرح ما يريده من المواضيع،و لولاها لما بقي للمنبر وجود يذكر.

ص: 89

ينبغي لنا أن نبكي على شهيدنا و نصرخ و نعبئ الناس بالوعي و اليقظة.و علينا أن نذكّر الناس بهذه النقطة و هي أن الثواب هو ليس كل ما نريده و نرجوه فقط، و إنما نريد أن نتقدم و نتطور.

و حتى سيد الشهداء عليه السّلام لم يكن كل هدفه-عند ما نهض و قتل-أن يحصل على الثواب فحسب،إنما أراد إنقاذ الدين و استهدف إحياء الإسلام و إنقاذه.

و أنتم أيضا عند ما تقرأون المراثي و تطرحون المواضيع و تذكرون المصائب و تدفعون الناس للبكاء،اجعلوا هدفكم صيانة الإسلام و الدفاع عن هيبته و مجده.

إننا نريد أن نحافظ على الإسلام بهذه المراثي و بهذا البكاء و تلاوة الشعر و النثر،نريد أن نصونه كما حفظه لنا الآخرون حتى الآن.ينبغي أن تقال هذه النقطة للناس كي يفهموها و هي أن قراءة المراثي و ذكر المصائب ليس هدفه الإبكاء فحسب،و إنما البكاء وسيلة حفظ بها الدين،بل حتى التباكي يثاب المرء عليه،لماذا؟ لأنّه هو الآخر يساعد على صون الدين.

و لو كان هؤلاء يعلمون حقيقة الأمر و يدركون أهمية هذه المجالس و المواكب و قيمة هذا البكاء على الحسين عليه السّلام و الأجر المعدّ له عند اللّه لما قالوا عنّا:الشعب البكّاء،بل لقالوا:شعب الملاحم.

لو فهموا الآثار التي تركتها أدعية الإمام السجاد عليه السّلام الذي كان يعيش تحت ظل حكومة مستبدة جائرة،تفرض سلطتها على كل مناحي الحياة،و الذي كان قد فقد لتوه كل أهل بيته و كيف تمكنت من القيام بدور المعبئ للشعب،لو فهموا ذلك لما قالوا لنا ما هي جدوى هذه الأدعية.

و لو كان مثقفونا يدركون الأبعاد السياسية و الاجتماعية لهذه المجالس و هذه الأدعية و الأذكار و النوائح لما قالوا لنا لم تفعلون كل هذه الأمور و تتمسكون بها.

إن أولئك الذين يلقنون شبابنا الآن بالقول:(إلى متى البكاء و مجالس التعزية و الرثاء تعالوا ننظم التظاهرات و المسيرات)لم يفهموا ما هي التعزية و كيف أنها

ص: 90

ساهمت في إبقاء هذا الأساس و هذا الكيان قائما حتى الآن،لا يعلمون و لا يمكن إفهامهم بذلك.

إنهم لا يدركون أن هذه التعزية و المراثي تصنع الإنسان و تبني شخصيته،و لا يعون أنها تبليغ ضد الظالم و ضد الطاغوت و ما يجب أن يجري فيها هو تبيان الذي لحق بالمظلوم،و إنما ينبغي أن تبقى هكذا حتى النهاية.

ص: 91

مجالس العزاء

سؤال الله تعالى عن مجالس الحسين عليه السلام

و الحقيقة التي لا ريب فيها هي أنّ اللّه سبحانه و تعالى سوف يسأل الإنسان يوم القيامة عن جميع النعم التي منّ بها عليه.و إنّ من أعظم النعم الإلهية علينا هي مجالس العزاء التي تقام إحياءا لذكرى فاجعة عاشوراء الإمام الحسين عليه السّلام.

و للأسف فإنّ إخواننا من المسلمين غير الشيعة قد حرموا أنفسهم من هذه النعمة العظيمة التي بإمكانهم استثمارها إذا أرادوا.

طبعا هناك القليل منهم من يقيم مراسم العزاء لأبي عبد اللّه عليه السّلام لكنّه ليس رائجا عندهم كما هو رائج عند الشيعة بهذا الشكل الواسع الذي يعرفه الجميع.

و السؤال الذي يطرح نفسه هنا:ما هي الفائدة التي يجب أن تجنى من هذه الذكرى و من هذه المجالس؟و ما هو الطريق لشكر هذه النعمة؟

أما الجواب على هذه الأسئلة و أمثالها فهو ملقى على عاتقكم أنتم.

فهذه النعمة الكبيرة هي التي تربط القلوب بمنابع الإيمان باللّه و بالغيب مباشرة،

و هي التي جعلت الحكّام الطواغيت على طول التاريخ يرتجفون خوفا و فزعا من عاشوراء و من قبر الإمام الحسين عليه السّلام.فقد بدأ هذا الخوف منذ زمن بني أمية و تواصل الى يومنا هذا.

ص: 92

الإستفادة من عاشوراء

و قد شاهدتم نموذجا لهذا الخوف و الفزع في أثناء أحداث الثورة الإسلامية المباركة.فحينما حلّ شهر محرّم-في أيام الثورة الإسلامية-لم يتمكن النظام الشاهنشاهي الرجعي الكافر و الفاسد من القيام بأيّ عمل و شلّ عن الحركة تماما.

و تشير التقارير المتبقية من زمن ذلك النظام المنحط بصراحة الى أنّ النظام البهلوي و مع حلول شهر محرّم الحرام قد فقد السيطرة على كلّ شيء و فلت زمام المبادرة من يده في جميع أرجاء البلاد.

و قد عرف إمامنا الراحل(رض)-ذلك الرجل الحكيم و صاحب النظرة الثاقبة- كيف يستغل أيام عاشوراء من أجل السعي الى تحقيق أهداف الإمام الحسين عليه السّلام العظيمة،فقد أعلن(رض)بأنّ محرّم هو شهر انتصار الدم على السيف.و بهذا المنطق-و ببركة شهر محرّم-انتصر الدم على السيف في إيران الإسلامية و كما خطّط له الإمام الراحل(رض).

هذه إحدى النماذج التي شاهدتموها و لمستموها في أثناء أحداث ثورتنا الإسلامية المباركة.

إذن لا بدّ من استثمار هذه النعمة الإلهية بشكل كامل و بنّاء من قبل العلماء و أبناء الشعب معا.

أمّا استثمار أبناء الشعب لهذه النعمة فيتمثّل في إقامة مجالس العزاء و توسيعها على أكبر نطاق ممكن و المشاركة الفعّالة و الجادّة فيها.

ص: 93

الفائدة الحقيقية من حضور المجالس

و يجب أن تكون تلك المشاركة بقصد الاستفادة الحقيقية و ليس مجرّد إتلاف للوقت أو محاولة الحصول على الثواب الاخروي-بالشكل الذي يتصوّره بعض السذّج من الناس-.فمن المؤكّد أنّ المشاركة و الحضور في هذه المجالس يستتبعه الثواب الأخروي.و لكن السؤال:ما هو السبب في الحصول على الثواب من خلال المشاركة في مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السّلام؟

فمن المسلّم أنّ هذا الثواب يتحصل نتيجة لسبب من الأسباب و ما لم يتحقق ذلك السبب فإنّ الثواب سوف لا يحصل قطعا.و لكن البعض يغفل-و للأسف-عن هذه النقطة و يعتبر أنّ مجرّد الجلوس في المجالس الحسينية كاف في الحصول على الثواب الاخروي.

إذن يجب على أبناء الامّة معرفة القيمة الحقيقية و الأهمّية البالغة لتلك المجالس و المشاركة الجادّة فيها و جعلها وسيلة لتعميق الارتباط القلبي و النفسي بينهم و بين الحسين عليه السّلام و آل النبي عليهم السّلام و اتّخاذها-تلك المجالس-للوصل بينهم و بين روح الإسلام و القرآن.

هذا ما يتعلّق بالناس حول الاستفادة من هذه المجالس (1).

ص: 94


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:61-63.

العزاء الصحيح

إن استعمال الثناء الفارغ و التافه و الذي يكون مضرّا أحيانا،فمثلا يتم الحديث حول شخصية أبي الفضل عليه السلام،فيطنب في وصف عينيه و حاجبيه الجميلين!فهل أنّ العيون الجميلة نادرة في العالم؟

و هل كانت قيمة أبي الفضل عليه السلام مستوحاة من عينيه الجميلتين؟!

و هل أنكم رأيتم أبا الفضل و تعرّفتم على صفة عينيه؟!إن هذه الأمور تهبط بمستوى معارفنا الدينية؛إن معارف الشيعة في الذروة العليا،و إن علوم الشيعة علوم تأتي بالفيلسوف الغربي و المترعرع ضمن المفاهيم الغربية كأمثال هنري كوربن و تجعله يجثو على ركبتيه أمام العلاّمة الطباطبائي،و يذعن لها فيكون مروّجا للمعارف الشيعية في أوروبا.

فيمكن استعراض المعارف الشيعية على جميع المستويات ابتداءا من العامي و المتوسط إلى أعلى مستويات الفلاسفة.

فلا ينبغي أن نتسامح في التعاطي مع هذه المعارف.

إن قيمة أبي الفضل تكمن في جهاده و تضحيته و إخلاصه،و معرفته بإمام زمانه،و صبره و ثباته و امتناعه عن شرب الماء برغم شدة عطشه و وقوفه على نهر الفرات،و دون أن يكون هناك مانع شرعي أو عرفي.

إن قيمة شهداء كربلاء تكمن في دفاعهم عن الحق في أشد الظروف التي يمكن للإنسان أن يتصوّرها.

يمكن لشخص أن يذهب و يشارك في حرب خاسرة و قد يقتل فيها و طبعا هذا

ص: 95

مقام كبير لا يناله كل شخص.

فإن الشهداء و المجاهدين في سبيل الاستشهاد على هذا النحو في ساحة القتال يختلف اختلافا كبيرا عن الاستشهاد في ساحة كربلاء،بما تحمله من معاني الغربة و الضغوط و العطش و التهديد بالإيذاء من قبل أولئك الأوغاد،فغالبا ما يبدي شخص استعداده للتضحية لو لا بعض المعلومات التي يتذرع بها من قبيل قوله:

ماذا أصنع و إن ابني يتضوّر جوعا أو ألما،و أحيانا يقدّم صيانة عرضه على نفسه، و يفضل العناية برضيعه أكثر من محافظته على روحه،في حين يقدم شخص على التوجه إلى ساحة الوغى مصطحبا رضيعه و زوجته و أمه و عرضه و يعرّض الجميع للخطر دون أن تهتزّله قدم.

و هنا تكمن قيمة أبي الفضل و حبيب بن مظاهر و جون،و ليس في القامات الفارعة و العضلات المفتولة،فما أكثر القامات الفارعة،و المتمرسون في رياضة كمال الأجسام،دون أن يكون لذلك قيمة في الموازين المعنوية.

و أحيانا يستند إلى هذه التعابير!فتحين التفاتة من شاعر إلى جمال أبي الفضل في قصيدة من ثلاثين أو أربعين بيتا،فلا ينبغي أن نكون متزمتين أكثر من اللازم، إلا أنه لا يجدر بنا أن نصبّ كل اهتمامنا على وصف الحاجب المعقوف و الأنف الأقنى و العيون الناعسة لهؤلاء العظام،فإن هذا ليس مديحا،بل و مضرّ أحيانا،و هو غير مناسب في بعض الأجواء،فلا ينبغي أن يخلو منبركم الذي يستغرق عشرة دقائق أو عشرين دقيقة من المعارف.

و قد شاهدت هذا العام في شهر محرم و عشرة الفاطمية مراعاة بعض الأخوة المداحين لهذه المسألة و الحمد لله،فيجب عليكم في بداية المدح تخصيص فصل للنصح،و بيان المعارف بأسلوب شعري على ما كان عليه التقليد سائدا منذ القدم، و قد تقلّصت هذه التقاليد شيئا ما في هذه الأيام؛فقد كان المدّاح يبدأ المنبر بقصيدة شعرية من عشرة أبيات أو أقل أو أكثر في النصح و الأخلاق بألفاظ بديعة،و كانت

ص: 96

تترك أثرها في نفوس الناس،ذكرت ذات مرة أن شعر المدّاح يفوق في تأثيره أحيانا ما نقوله على المنبر في ساعة من الزمن،إلا أنّ هذا ليس بقول مطلق،بل يصادف ذلك أحيانا إذا تم انتقاؤه بشكل مدروس و تمّ إلقاؤه بنحو جيد.

قال أحد الإخوة المدّاحين ذات مرة:إننا إذا انتخبنا شعرا جيدا للشعراء الكبار فإن عامة الناس سوف لا يدركون مغزاه،و هذا ما يضطرنا إلى اللجوء إلى هذه الأشعار،إلا أنّ هذا الكلام مجانب للصواب و لا أراه صحيحا.

فإن المدّاح إذا خاطب الجمهور بأسلوبه الفني أمكنه تقطيع الشعر مهما بلغت صعوبته،و سيترك أثره في قلوب السامعين.

إن لدينا ثروة شعرية كبيرة،انظروا إلى ديوان صائب (1)،فقد اتفق ذات يوم أن اخترت أبياتا منه،و أشرت على بعض الإخوة المدّاحين بالعمل عليها.

إن ديوان صائب يحتوي على قصائد نافعة و مؤثرة جدّا،و هكذا قصائد غيره، كما أنّ لبعض الشعراء كلمات جميلة و بديعة في مدح الأئمة عليهم السّلام و تضرّعهم و خضوعهم و إنفاقهم و جهادهم.

انتخبوا الشعر الذي يمتاز بالمستوى الجيد من الناحية الفنية؛لأنه مؤثر،فإن للشعر الجيد و الفني،أثر لما للفن من خصوصية عامّة في التأثير دون التفات من المتكلم و المستمع،فإن الشعر و الرسم و سائر أنواع الفن و الصوت البديع و النغم العذب يترك أثره على المخاطب من حيث لا يشعر،و هذا من أفضل أنواع التأثير.

تلاحظون أنّ الله تعالى اختار أفصح بيان لإيصال أسمى المعارف و المعاني ألا و هو القرآن،الذي أعجز الآخرين عن الآتيان بمثله من ناحية تركيب الألفاظ و تنسيقه الفني،فضلا عن معانيه.9.

ص: 97


1- هو محمد علي بن عبد الرحيم التبريزي ولد بأصفهان في سنة 1016 ه أصبح ملك الشعراء للشاه عباس الثاني،انظر الذريعة:569/9.

و هكذا لاحظوا خطب نهج البلاغة فإنها آية في الجمال،و قد كان بإمكان أمير المؤمنين استعمال الكلمات العادية،إلا أنه استعمل البيان الفني(و بعد فنحن أمراء الكلام).

و قد كانوا حقا أمراء الكلام (1).4.

ص: 98


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:64.

الأنغام غير المناسبة في العزاء

قد سمعت أنه يتم اللجوء أحيانا إلى الأنغام غير المناسبة،مثلا أن مطرب البلاط الطاغوتي أو غيره قد تغنّى بشعر مبتذل في الحب و العشق بنغم معين،فلا توجد هناك ضرورة إلى صبّ الآيات العالية في قالب هذا النغم في مجلس الإمام الحسين عليه السلام و عشاقه،فإن هذا سيء للغاية،فاعملوا بأنفسكم على إبداع الأنغام فهناك الكثير من الأذواق و الفنون،و لا شك في وجود بعض الطاقات الوالهة بهذه القضية التي يمكنها إبداع الأنغام المتناسبة مع المديح من أنغام العزاء و الفرح.

مع إضافة هذه المسألة و هي أن ألحان الأفراح تختلف عن ألحان العزاء.

و قد جرت العادة حاليا على التصفيق في مجالس أيام العيد و أنا لا أخالف ذلك و لا أرى فيه بأسا،و لكن إذا استمعتم إليها من المذياع-و قد استمعت إليها من المذياع شخصيا-و استمعتم إلى الشعر فسوف تتصورون أنهم يلطمون على صدورهم،إذ إنّ اللحن لحن لطم كما أن صوت التصفيق يشابه صوت اللطم،فأي فرح هذا؟فلو تم إبداع أنغام و ألحان خاصة بمناسبات الفرح دون أن تكون مبتذلة أو طاغوتية أو محرّمة،و أن يتم انتخابها بأسلوب جيد،فستكون أفضل و أكثر تأثيرا،لا أن تسري على أفراحنا ألحان التعازي.

و على كل حال فإن الميدان واسع أمامكم و يمكنكم العمل و التأثير فيه،و حاليا هناك و فرة في المداحين الشباب،و هناك إقبال شبابي كبير،فهذه أرض طيبّة يمكن استثمارها إذا أحسن الإنسان بذرها و سيكون نتاجها ممتازا و قيّما.

فلنغتنم هذه الفرصة،فرصة النظام الإسلامي و الشعر الجيد و اللحن البديع و المضمون المتين و الأداء الرصين و الصوت العذب.

ص: 99

مادة مجالس العزاء

اشارة

إنّ مجالس العزاء تقوم على أساس اجتماع عدد من الناس و مشاركة أحد الخطباء الذي يتولّى إقامة العزاء حتى يستفيد الآخرون.و لكن كيف يجب أن تقام مراسم العزاء؟إنه سؤال موجّه الى جميع من يشعر بالمسؤولية في هذه القضية، و باعتقادي،إنّ هذه المجالس يجب أن تتميّز بثلاثة أمور:

1-تكريس محبة أهل البيت عليهم السلام

الأول:هو تكريس محبة أهل البيت عليهم السّلام و مودّتهم في القلوب؛لأن الارتباط العاطفي إرتباط قيّم و وثيق،و عليكم أن تعملوا في هذه المجالس على تكريس مودة الحسين بن علي-عليهما السلام-و أهل بيت النبّوة في قلوب المشاركين و توثيق ارتباطهم بمصادر المعرفة الإلهية أكثر فأكثر.

و أمّا إذا وجدتم وضعا في هذه المجالس لم يؤدّ إلى تكريس مودة أهل البيت في قلوب المستمعين أو من هم خارج المجلس و إنما يؤدّي-لا سمح اللّه-الى ابتعادهم و اشمئزازهم من مجالس العزاء،فإنّ هذه المجالس تفقد عندئذ واحدة من أهم فوائدها و أهدافها،بل تصبح مضّرة في بعض الأحيان.فانظروا ماذا ستفعلون أنتم الذين تؤسّسون هذه المجالس و أنتم الذين تخطبون فيها حتى تتعزّز العلاقة العاطفية للناس بالحسين بن علي-عليهما السلام-و أهل بيت النبوة يوما بعد يوم نتيجة المشاركة في هذه المجالس.

ص: 100

2-تبيان قضية عاشوراء

الأمر الثاني:الذي يجب أن تتميّز به المجالس الحسينية هو إعطاء صورة واضحة عن أهل قضية عاشوراء للناس و تبيانها لهم،و إن مجالس العزاء على الحسين بن علي عليه السّلام يجب أن لا تكون مجرد منبر لخطابات غير هادفة،لأن هناك في هذه المجالس أناسا يتميّزون بالتفكّر و التعقّل و التأمّل في الامور و ما أكثرهم في مجتمعنا ببركة الثورة و الصحوة الإسلامية سواءا من الشباب و الشيوخ و النساء و الرجال الذين يتساءلون مع أنفسهم لماذا جئنا الى هذا المجلس و بكينا على الحسين عليه السّلام؟ما هي أصل القضية؟

لماذا يجب البكاء على الإمام الحسين؟لماذا جاء الإمام الحسين الى كربلاء و أوجد قضية عاشوراء؟

هذه الأسئلة يجب أن يجاب عنها في المجالس الحسينية حتى تتعزّز معرفة المستمع بأصل قضية عاشوراء،و إذا لم تتطرّقوا في منابركم و خطبكم و نعيكم الى هذا المعنى و لو بالتنويه و الإشارة،فإن هذه المجالس ستفقد ركنا من الأركان الثلاثة التي نشير إليها،و من الممكن أن لا تستحصل الفائدة المتوخاة من المجلس أو قد تؤدي-فرضا-الى الضرر لا سمح اللّه-هذا الأمر الثاني.

3-تكريس المعرفة الدينية

أمّا الأمر الثالث:الذي يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار في مجالس العزاء،فهو تكريس المعرفة الدينية و الإيمان الديني.إذ أنه لا بدّ من التحدّث عن تعاليم الدين في هذه المجالس بشكل يعزز إيمان المستمع و معرفته باللّه سبحانه،و لا بدّ من

ص: 101

الموعظة و التطرّق الى حديث شريف صحيح السند أو رواية تاريخية لاستخلاص العبر منها،أو تفسير آية شريفة من القرآن الكريم أو نقل موضوع مما تطرق له كبار العلماء و المفكرين الإسلاميين.

يجب أن لا يكون الأمر بأن يرتقي خطيب على المنبر و يتحدث بدون رؤية و بكلام غير هادف،أو يتطرّق في النعي الى مواضيع هشّة من حيث الفحوى،ليس فقط لا تؤدي الى تعزيز الإيمان و تقويته،و إنما تؤدي إلى إضعافه.و إذا حدث مثل هذا الأمر،فإننا سوف لا نبلغ الفوائد و الأهداف المتوخاة من هذه المجالس.

و أقول لكم إنه تشاهد-و للأسف-مثل هذه الأمور أحيانا حيث يتطرّق الخطيب أحيانا الى أمور ضعيفة من حيث الاستدلال و الاسناد العقلي و النقلي،و يعتبر هدّاما من حيث التأثير في ذهن المستمع الذي هو من أهل المنطق و الاستدلال العقلي.

هناك بعض الأمور المدوّنة في كتاب ما و ليس لدينا دليل على صحّة هذه الامور أو سقمها،و لكن عند ما تتطرّقون إليها من على المنبر،فإنها و بالرغم من عدم ثبوت سقمها إنما تثير أسئلة و إشكالات حول الدين لدى المستمع الذي قد يكون طالبا جامعيا أو تلميذا أو شابا أو مقاتلا أو ثوريا ممن تفتّحت أذهانهم و أفكارهم ببركة الثورة الإسلامية،و إنه من الأفضل ألاّ تتطرقوا إلى هذه الامور و المواضيع حتى لو كانت صحيحة السند،و لكنها تؤدي إلى الضلال و الانحراف،دع عنك أنها تفتقد في معظمها إلى السند الصحيح الموثّق.

قد يكون هناك موضوع أو أمر سمعه شخص من شخص آخر بغض النظر عن صحة و سقم السند،أو استشفّه من قصيدة و بادر الى نقل هذا الموضوع من كتاب وقع بأيدينا على سبيل الفرض،فنحن يجب أن لا نتطرّق إلى هذا الموضوع الذي لا يمكن تسويقه أو تبريره إلى المستمع،و خاصة إذا كان ممن يتميّز بالوعي و الذكاء و البحث في دقائق الامور،لأنه ليس واجبا أن نقول كلّ ما نعلم أو ننقل ما دوّن في الكتب.

ص: 102

إنّ الجانب المهم من القضية الثقافية في مجتمعنا اليوم إنما ترتبط بالشباب،و لا أعني الطلبة الجامعيين وحدهم،و إنما أعني جميع الشباب من الرجال و النساء و الطلبة و غيرهم الذين تفتّحت أذهانهم أزاء مختلف القضايا،و أصبحوا ينظرون إليها بعين التبصّر و التحقيق،فإنّهم معرّضون للشبهات و يريدون أن يفهموا الامور ببصيره.

إنّ القضية الثقافية في عهدنا هو إلقاء الشبهات من جانب الأعداء،إنهم يلقون الشبهات و لا يمكن أن نفرض على من لا يؤيّدنا أو لا يقبل أفكارنا بأن يخرس و لا يتكلم.

إنهم يفتعلون الشبهات و يروّجونها و يثيرون الشكوك في النفوس،أنتم تقولون بضرورة التصدي للشبهات و عدم إشاعتها في حين أنّ البعض يرتقي المنبر دون التوجّه إلى هذه المسؤولية الخطيرة،و يتفوّه بكلام ليس فقط لا يحلّ أية مشكلة في ذهن المستمع،و إنما يزيد هذه المشاكل تعقيدا.فلو إرتقى أحدنا المنبر و تفوّه بكلام أثار شكوكا حول الدين في أذهان عشرة أو خمسة أو حتى واحد من الشباب دون أن نعرفه،فكيف يمكن التعويض عن هذه الخسارة و إزالة الشكوك؟و هل يمكن أساسا التعويض عن ذلك؟و هل يغفر لنا اللّه ذلك؟.

هذه هي الامور الثلاثة التي يجب أن تتميّز بها مجالس العزاء:تكريس المودة للحسين بن علي عليه السّلام و لأهل بيت النبوة،و تعزيز العلاقة و الارتباط العاطفي بهم، و إعطاء المستمع صورة واضحة عن واقعة عاشوراء،و تكريس المعرفة الدينية و وشائج الإيمان باللّه سبحانه و تعالى لدى المستمع.و إنه يكفي لو تحقق الحدّ الأدنى من ذلك (1).1.

ص: 103


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:71.

تجنب ما يشين الإمام الحسين عليه السلام و الدين

نحن لا نقول بأن جميع المنابر يجب أن تستوعب كل هذه الامور،يكفي أن ينقل الخطيب حديثا معتبر السند و يبادر الى تفسيره و يبيّن معانيه للمستمع دون أية إضافات من التي لا داعي لها و تبعد المستمع عن المعنى الحقيقي للحديث،أو أن يبادر الخطيب إلى تفسير آية شريفة من المصادر المعتبرة بعد التدقيق و التأمّل فيها حتى يتحقق الهدف المنشود،و لذكر المصاب تكفي الاستفادة من كتاب«نفس المهموم»للمرحوم المحدّث القميّ،فإنّه يبكي المستمع و يثير تلك العواطف و المشاعر الجيّاشة التي تتوخّاها،و لا داعي للتعرّض الى أمور تبعد المجالس الحسينية عن الفلسفة الحقيقية لإقامتها،و إنني أخشى من أن لا نتمكن من القيام بواجبنا و مسؤولياتنا-لا سمح اللّه-و خاصة في هذا العصر الذي هو عصر إحياء الإسلام و تجلّيه و تجلّي أفكار أهل بيت النبوة عليهم السّلام.

هناك أمور تقرّب الناس إلى اللّه و تعزّز تمسّكهم بتعاليم الدين،و من هذه الامور هي مراسم العزاء التقليدية،و إنّ ما أوصانا الإمام-رضوان اللّه تعالى عليه-بإقامة مراسم العزاء التقليدية هو المشاركة في المجالس الحسينية و نعي الإمام الحسين عليه السّلام و البكاء عليه و اللطم على الصدور في مواكب العزاء،و هي من الامور التي تعزّز المشاعر الجيّاشة أزاء أهل البيت عليهم السّلام.

غير أنّ هناك أمورا خلاف ذلك و تبعد البعض عن الدين حيث شوهدت -و للأسف-خلال الأعوام الماضية أعمال تروّجها بعض الأيدي على ما يبدو،إنهم يرّوجون في مجتمعنا بعض الأعمال التي تثير علامات استفهام في أذهان

ص: 104

المشاهدين.

لقد جرت العادة في قديم الأيام و بين عوام الناس أن يعلّقوا أقفالا بأجسامهم في مراسم العزاء،فانبرى لها كبار العلماء و اندثرت هذه العادة،غير أنها ظهرت مجددا في الآونة الأخيرة،و سمعت أنّ البعض يعلّقون الأقفال بأجسامهم في مواكب العزاء،إنه عمل خاطئ يقوم به هذا البعض،و كذلك الأمر بالنسبة لشّج الرؤوس بالسيوف أي ما يصطلح عليه ب(التطبير)الذي يعتبر عملا مخالفا هو الآخر (1).4.

ص: 105


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:74.

حرمة التطبير

أنا أعلم بأن البعض يقول بأن الحق كان مع الإمام الخميني الذي لم يتطرّق إلى موضوع شجّ الرؤوس و ما الذي دعاك الى هذا الموضوع،كلاّ،ليس الأمر بهذا الشكل،فلو كان الإمام-رضوان اللّه عليه-حيّا لتصدّى لظاهرة شجّ الرؤوس بالسيوف على الصورة التي روّجت خلال السنوات الأربع أو الخمس بعد انتهاء الحرب،إنه عمل خاطئ أنّ يشجّ البعض رؤوسهم بالسيوف،و ما هو الحاصل من إراقة دمائهم بهذه الصورة؟و كيف يمكن اعتبار هذا العمل من مراسم العزاء؟أجل من مراسم العزاء اللطم على الرؤوس و الصدور،و لكن ليس من العزاء أن يشجّ الإنسان رأسه بالسيف و يريق دمه حتى لو كانت المصيبة قد حلّت بأعزّ أعزائه، إنها بدعة و ليست من الدين،و لا شك في أنّ اللّه لا يرضى عن ذلك.

إنّ علماء السلف الذين لم يتصدّوا لهذه القضية إنما كانت يدهم مغلولة في هذا المجال،أمّا اليوم فإنه عصر الحكومة الإسلامية و عصر تجلّي الإسلام و ينبغي أن لا نقوم بأعمال تشوّه سمعة المجتمع الإسلامي الذي يتميّز بمودّة أهل البيت عليهم السلام و يفخر بأنه يتبرك بالإسم القدسي لولي العصر-أرواحنا له الفداء-و باسم الإمام الحسين عليه السّلام و اسم أمير المؤمنين عليه السّلام.

ينبغي أن لا نقوم بأعمال تصوّر أبناء هذا المجتمع بأنهم أناس خرافيون و غير منطقيين أمام المسلمين و غير المسلمين في العالم،و في الحقيقة أنني وجدت بأنه لا بدّ أنّ أحذّر أبناء شعبنا العزيز من هذه الظاهرة التي هي في الواقع بدعة و خلاف لتعاليم الدين ليكفّوا عن هذا العمل.فأنا لست راضيا عمن يتظاهرون بشجّ

ص: 106

الرؤوس،و أعرب هنا أنه كان في زمن ما يجتمع عدد من الناس في مكان محدود و ليس أمام الآخرين و يشجّون رؤوسهم دون أن يتظاهروا بهذا المعنى،و لا شأن لأحد بهم سواء صحّ هذا العمل أو لم يصحّ،فإنه كان محدودا و ليس تظاهرا أمام الآخرين،أمّا أن ينطلق عدة آلاف من الأشخاص فجأة في أحد شوارع مدينة قم أو طهران أو إحدى مدن خراسان و آذربيجان و هم يحملون السيوف ليشجّوا بها رؤوسهم،فإن هذا العمل يعتبر خلافا بلا ريب و لا يرضى عنه الإمام الحسين عليه السّلام، و لا أدري من أين نشأت هذه الأعمال التي جاءوا بها إلى مجتمعاتنا الإسلامية.

و يعتبر التطبير من الأمور الواضح بطلانها و البيّن غيّها و قد أيّدنا فيها كبار العلماء و اقتنع بها كثير من الناس،و مع ذلك سمعنا من أثار ضجّة و اتهمنا بمخالفة الإمام الحسين عليه السلام«إن الحسين مصباح الهدى و سفينة النجاة» (1)،هل يعني أن نأتي بفعل لا شك في أنه محل إشكال من الناحية الشرعية،و بيّن الحرمة بالعنوان الثانوي؟

علينا بيان هذه الأمور،حتى ينجذب جيل شبابنا إلى الإسلام أكثر فأكثر،فها أنتم تشاهدون ميل الشباب إلى الإسلام.

إنّ هذا الميل ليس سوى انجذاب عاطفي،و هو برغم قيمته القصوى لا يعدو أن يكون بمثابة موجة قد تأتي و تنحسر،فإذا أردنا لهذه الموجة أن تستقر و تتواصل، فعلينا أن ندعم الأسس الفكرية لدى الشباب.

إنّ لدينا ثروة كبيرة،من قبيل دعاء أبي حمزة الذي استشهد به سماحة الشيخ مشكيني،و دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة،و هذه الأدعية يقرأها شبابنا دون أن يدركوا معانيها:«إلهي هب لي قلبا يدنيه منك شوقه» (2)،فما أكثر3.

ص: 107


1- الأخلاق الحسينيّة:331.
2- إفحام الأعداء و الخصوم:3.

الأدعية الموجودة عندنا و التي تحمل مثل هذه المعاني السامية و المضامين العالية و العميقة كالمناجات الشعبانية و الصحيفة السجادية،فعلينا أن نبيّن هذه الأدعية لشبابنا كي يقرأوها بإمعان و تدبّر و استيعاب (1).5.

ص: 108


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:75.

محرمات تعظيم و زيارة الأئمة عليهم السلام

و هناك بدعة غريبة ابتدعوها مؤخرا في كيفية الزيارات.أنتم تعلمون أن جميع أئمة الهدى عليه السّلام كانوا يزورون المرقد الطاهر للرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و المراقد المطهرة لأئمة أهل البيت عليه السّلام في المدينة المنورة و العراق و إيران،و لكن هل سمعتم أن أحدا من الأئمة أو من العلماء كان يزحف على صدره من باب الحرم إلى الضريح أثناء الزيارة،فلو كان هذا العمل مستحبا أو مستحسنا لقام به علماؤنا الكبار،إلاّ أنهم لم يقوموا بمثل هذه الأعمال،و حتى إنه نقل بأن المرحوم آية اللّه العظمى البروجردي-رضوان اللّه عليه-ذلك العالم الورع و المجتهد البارز و ذو الأفكار النيّرة منع حتى تقبيل العتبة لدى دخول الحرم المطهر لأي من الأئمة عليهم السّلام.

و رغم أن هذا العمل قد يكون من المستحبات كما جاء في كتب الأدعية،و أتذكر أنّ هناك رواية باستحباب تقبيل العتبة،و لعل المرحوم البروجردي إنما منع ذلك حتى لا يتصوّر أنه نوع من السجود يتبجّح به الأعداء لتوجيه الاتهامات إلى الشيعة.

ليس صحيحا أن يدخل فجأة عدد من الناس إلى الحرم المطهر للإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام و يزحفون على صدورهم مسافة مائتي متر نحو المرقد،كلا،إنه عمل خاطئ،إنه استهانة بالدين و بحرمة الزيارة،من يروّج هذه الأمور بين الناس؟ ليكفّوا عن ذلك،إنه من عمل الأعداء.

عليكم أن تبينّوا هذه الحقائق للناس حتى تتفتّح أذهانهم.

الإسلام دين منطقي،و الفهم الشيعي للإسلام هو الأكثر منطقية من غيره.

و لا أحد يتمكن من أن يتهمّ الشيعة بضعف منطقهم؛لأن علماء الكلام من الشيعة

ص: 109

كانوا كالشموس الساطعة في عهدهم،سواء الذين عاصروا حياة الأئمة كمؤمن الطاق و هشام بن الحكم و سواء الذين جاؤوا بعد الأئمة كبني نوبخت و الشيخ المفيد و غيرهما و المتأخرين من علماء الكلام الشيعة كالمرحوم العلامة الحلّي و غيرهم.

ص: 110

نحن شيعة المنطق و الدليل

فنحن الشيعة أهل المنطق و أهل الاستدلال المنطقي و إن الكتب الخاصة بالشيعة مفعمة بالاستدلالات المنطقية القوية ككتب المرحوم شرف الدين و كتاب الغدير للمرحوم العلامة الأميني في عصرنا الحاضر التي تستند الى أدلة أقوى من الاسمنت المسلّح.

هذا هو التشيّع و ليس تلك الأعمال التي لا تستند إلى أي دليل و هي أشبه بشيء من الخرافات،فلماذا يروّجون هذه الأعمال؟إنه من الأخطار الكبرى التي يجب على علماء الدين و حماة العقيدة أن ينتبهوا إليها.

لقد أشرت إلى أنه قد يكون هناك من يقول من منطلق التعاطف أنه كان الأفضل أن لا يتطرّق فلان إلى هذه الامور في الوقت الحاضر،و لكن ليس الأمر بهذه الصورة.

كان عليّ أن أتطرّق إلى هذا الموضوع،فإنّ مسؤوليتي أكثر من الآخرين،كما أن على الآخرين أن يحذّروا من هذه الأعمال و عليكم أن تشيروا الى الامور،و إن الإمام الراحل-رضوان اللّه عليه-ذلك القائد الجرئ إنما كان يتصدّى بمنتهى القوة و دون أية اعتبارات لكل ثغرة تشمّ منها رائحة الانحراف،و لو كانت هذه الأعمال رائجة بهذه الصورة على عهده لتصدّى لها بلا ريب.

كما أن بعضا من الذين تعلّقوا بهذه الامور سيتأثّرون نفسيا و يقولون لماذا هذا الجفاء من فلان أزاء الامور التي نتعلّق بها؟و لماذا تطرّق لها بهذه اللهجة؟

و طبيعي أنّ هؤلاء في معظمهم من المؤمنين الصادقين إلاّ أنهم على خطأ

ص: 111

و اشتباه،و إنّ هذا الأمر مسؤولية كبير يتحمّلها السادة العلماء و الخطباء أينما كانوا.فمجلس العزاء على الحسين بن علي عليه السّلام هو ذلك المجلس الذي يجب أن يكون منشأ للمعرفة و متميّزا بالامور الثلاثة التي أشرت إليها آنفا (1).9.

ص: 112


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:79.

العزاء و اللطم

أبعاد و مرامي المجالس الحسينية

قال الإمام الخميني (1):فقد ظهرت الآن فئة تقول:لنترك المجالس و قراءة المراثي،إنهم يجهلون أبعاد و مرامي المجالس الحسينية،و لا يعلمون أن ثورتنا هي امتداد لنهضة الحسين عليه السّلام و إنها تبع لتلك النهضة و شعاع من أشعتها،إنهم لا يعون أن البكاء على الحسين يعني أحياء لنهضته و إحياء لقضية إمكانية نهوض ثلة قليلة بوجه إمبراطورية كبرى،إن هذه القضية منهج حي لكل زمان و مكان،ف(كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء)جزء من حديث وارد عن الإمام الصادق عليه السلام(سادس أئمة الشيعة في العالم)منهج يعني أن علينا أن نستمر في الثورة و القيام و النهوض امتدادا لتلك النهضة في كل مكان و في كل يوم و طبقا لهذا المنهج فالإمام الحسين ثار بعدد قليل و ضحّى في سبيل الإسلام بكل شيء واقفا بوجه إمبراطورية كبرى ليقول"لا".

ص: 113


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

مدى أهمية مجالس العزاء

قال الإمام الخميني (1):إن ما أود أن أعرضه على السادة الخطباء هنا هو أن قيمة العمل الذي يقومون به و مدى أهمية مجالس العزاء لم تدرك إلا قليلا،و لربما لم تدرك بالمرة فالروايات التي تقول إن كل دمعة تذرف لمصاب الحسين عليه السّلام لها من الثواب كذا و كذا،و تلك الروايات التي تؤكد أن ثواب من بكى أو تباكى...لم تكن من باب أن سيد المظلومين عليه السّلام بحاجة إلى مثل هذا العمل،و لا لغرض أن ينالوا هم و سائر المسلمين هذا الأجر و الثواب بالرغم من أنّه محرز و لا شك فيه حتما،و لكن لم جعل هذا الثواب العظيم لمجالس العزاء؟و لماذا يجزي اللّه تبارك و تعالى من بكى أو تباكى بمثل هذا الثواب و الجزاء العظيم؟.

إن ذلك يتضح تدريجيا من ناحيته السياسية و سيعرف أكثر فيما بعد إن شاء اللّه،إن هذا الثواب المخصص للبكاء و مجالس العزاء،إنما يعطى-علاوة على الناحية العبادية و المعنوية-على الناحية السياسية،فهناك مغزى سياسي لهذه المجالس.

لقد قيلت هذه الروايات في وقت كانت هذه الفرقة الناجية مبتلاة بالحكم الأموي (بني أمية)هم حكام الإسلام من نسل أمية سيطروا على زمام حكم الممالك الإسلامية بعد الخلفاء الراشدين في عام 40 هجري(662 ميلادي)و استمر حكمهم حتى عام 132 هجري(750 ميلادي).و كان معاوية بن أبي سفيان المؤسس لدولة

ص: 114


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

بني أمية حيث أحيى هو و أهل بيته من جديد النظام الإقطاعي و الحكم الملكي الوراثي الذي يعارض بوضوح معتقدات المسلمين.و حدثت في عالم الإسلام خلال العصر الأموي وقائع اليمة منها المجازر و السجن و النفي ضد أتباع أهل بيت النبي و استشهاد الإمام الحسين عليه السّلام بواسطة عمّال يزيد(إبن معاوية).و أكثر منه بالحكم العباسي(بني عباس)هم سلسلة ما يسمى بالخلفاء المسلمين من أولاد العباس بن عبد المطلب و مؤسس هذه السلسلة هو عبد اللّه السفاح الذي ثار بدعم من الإيرانيين ضد جور و ظلم خلفاء بني أمية و استلم خلافة الممالك الإسلامية.و حكم من بني العباس 36"خليفة"منذ عام 132 ه ق و حتى عام 656 ه ق (750-1258 م).

و سيطروا على جزء من الممالك الإسلامية و آسيا الغربية.،و كانت فئة قليلة مستضعفة تواجه قوى كبرى.

لذا و بهدف بناء هذه الأقلية و تحويلها إلى حركة متجانسة،اختطّوا لها طريقا بناء،و تمّ ربطها بمنابع الوحي،و بيت النبوة و أئمة الهدى عليهم السّلام،فراحوا يخبرونهم بعظمة هذه المجالس و استحقاق الدموع التي تذرف فيها الثواب الجزيل مما جمع الشيعة-على الرغم من كونهم آنذاك أقلية مستضعفة-في تجمعات مذهبية و لربما لم يكن الكثير منهم يعرف حقيقة الأمر،و لكن الهدف كان بناء هيكل هذه الأقلية في مقابل الأكثرية.

و طوال التاريخ،كانت مجالس العزاء-هذه الوسائل التنظيمية-منتشرة في أرجاء البلدان الإسلامية،و في إيران التي صارت مهدا للإسلام و التشيع أخذت هذه المجالس تتحول إلى وسيلة لمواجهة الحكومات التي توالت على سدة الحكم ساعية لاستئصال الإسلام و قلعه من جذوره،و القضاء على العلماء،فهذه المجالس و المواكب هي التي تمكنت من الوقوف بوجهها و إخافتها.

ص: 115

في المرة الأولى التي اعتقلتني سلطات النظام الملكي (1)و جيء بي من قم إلى طهران قال لي بعض رجال أمنهم الذين اصطحبوني في السيارة:لقد جئنا لإلقاء القبض عليك و الخشية تملؤنا من أن يطلع على أمرنا أولئك الموجودون في تلك الخيم و التكايا بمدينة قم فنعجز حينذاك عن أداء مهمتنا.و خوف هؤلاء ليس بشيء، لكن القوى الكبرى تخشى هذه المواكب و المآتم،القوى الكبرى تخشى هذا التنظيم الذي لا يستند إلى يد واحدة تحركه،فالشعب يجتمع في هذه المجالس طواعية، و تنعقد هذه المجالس في كل أنحاء البلاد،في بلد مترامي الأطراف في أيام عاشوراء و خلال شهري محرم و صفر و في شهر رمضان المبارك فهذه المواكب و المآتم هي التي تجمع الناس.

و إذا كان هناك موضوع يراد منه خدمة الإسلام و إن أراد أمرؤ أن يتحدث عن قضية معينة نرى أن ذلك يتسنى له في كل أنحاء البلد بواسطة هؤلاء الخطباء و أئمة الجمعة و الجماعة فينتشر الموضوع المراد تبليغه للناس مرة واحدة في جميع أنحاء البلاد.و اجتماع الناس تحت هذا اللواء الإلهي،هذا اللواء الحسيني،هو الذي يؤدي إلى تعبئة الجماهير.

و لو أن القوى الكبرى عزمت على عقد مثل هذه التجمعات الجماهيرية الكبرىم.

ص: 116


1- تم اعتقال الإمام لأول مرة في الساعة الثالثة و النصف ليل الخامس من خرداد 1342 ه ش(5 حزيران 1963). و سبب اعتقاله هو الخطاب الحماسي و الشديد الذي ألقاه عصر يوم الثالث عشر من خرداد بمناسبة يوم عاشوراء«محرم 1383». و أشار الإمام في خطابه إلى الملك و إسرائيل معتبرا إياهما أساس المشاكل التي يعاني منها الشعب الإيراني.و أدى انتشار خبر اعتقال الإمام إلى إثارة سخط الشعب الشديد و كان سببا للانتفاضة الشاملة و الشعبية بتاريخ 15 خرداد فسالت الدماء بسبب القمع الذي مارسه جنود الملك و عملاءه.و استمر اعتقال الإمام(قده)مدة عشرة أشهر و اضطر نظام الشاه أخيرا بسبب ضغوط الرأي العالم إلى إطلاق سراحه بتاريخ 7 نيسان 1964 م.

في البلدان التي تحكمها فإن ذلك يحتاج منها إلى أعمال و نشاطات و جهود كبرى تستغرق عدة أيام أو عشرات الأيام فهي مضطرة و لأجل عقد تجمع جماهيري في مدينة من المدن يضم مثلا مائة ألف أو خمسين ألفا إلى إنفاق مبالغ طائلة و بذل جهود جبارة،لجمع الناس و جعلهم يستمعون لحديث محدثهم.

و لكنكم ترون كيف أن هذه المجالس و المواكب التي ربطت الجماهير ببعضهم، هذه المآتم التي حركت الجماهير،يلتئم شملها من جميع الشرائع الاجتماعية المعزيّة بمجرد أن يحصل أمر يستدعي التجمع،و ليس في مدينة واحدة بل في كل أنحاء البلاد،و دون الحاجة إلى بذل جهود كبرى أو إعلام واسع النطاق.

إن الناس يجتمعون على كلمة واحدة لمجرد أنهم يعتقدون أنها خرجت من فم الحسين سيد الشهداء(سلام اللّه عليه).في الرواية الواردة عن أحد الأئمة(و لعله الإمام الباقر سلام اللّه عليه هو محمد بن علي الملقب بالباقر عليه السّلام خامس إمام للشيعة في العالم(57 ه ق 114 ه ق).و عاش الإمام 57 سنة حياة مباركة و استمرت إمامته مدة 19 سنة.و أطلق عليه لقب باقر العلوم بسبب تبحّره في العلوم القرآنية و المعارف الإسلامية.و كان الناس يحبونه كثيرا لما له من نفوذ واسع بينهم و يستنبط من بعض النصوص أن قيادته الجماهيرية شملت مجالا أوسع من عالم الإسلام.،لا أذكر تماما)يوصي عليه السّلام أن يقام العزاء عليه و يرثى في منى"منى"مكان بالقرب من مكة يمارس فيه الحجاج الهدي.بعد وفاته،ليس ذلك لأن الأمام الباقر(سلام اللّه عليه)بحاجة إلىّ ذلك،أو أن هناك منفعة شخصية ستعود عليه عليه السّلام و لكن انظروا إلى الأثر السياسي لهذا الأمر،فعند ما يأتي الناس من كل أنحاء العالم لأداء مراسم الحج،و يجلس من يندب الإمام الباقر عليه السّلام و يقرأ المراثي بشأنه و يوضح جرائم مخالفيه و من سقوه كأس الشهادة فإن ذلك يخلق أمواجا من الغضب في كل أنحاء العالم،لكن البعض يستهينون بأهمية هذه المجالس.

ص: 117

قد يسمينا المتغربون ب(الشعب البكاء)و لعلّ البعض منا لا يتمكن من قبول أنّ دمعة واحدة لها كل هذا الثواب العظيم،لا يمكن إدراك عظمة الثواب المترتب على إقامة مجلس للعزاء،و الجزاء المعد لقراءة الأدعية،و الثواب المعد لمن يقرأ دعاء ذا سطرين مثلا.

ص: 118

البعد السياسي لمجالس العزاء

قال الإمام الخميني (1):إن المهم في الأمر هو البعد السياسي لهذه الأدعية و هذه الشعائر،المهم هو ذلك التوجه إلى اللّه و تمركز أنظار الناس إلى نقطة واحدة و هدف واحد،و هذا هو الذي يعبئ الشعب باتجاه هدف و غاية إسلامية فمجلس العزاء لا يهدف للبكاء على سيد الشهداء عليه السّلام و الحصول على الأجر-و طبعا فإن هذا حاصل و موجود-الأهم من ذلك هو البعد السياسي الذي خطط له أئمتنا عليهم السّلام في صدر الإسلام كي يدوم حتى النهاية و هو الاجتماع تحت لواء واحد و بهدف واحد،و لا يمكن لأي شيء آخر أن يحقق ذلك بالقدر الذي يفعله عزاء سيد الشهداء عليه السّلام.

كونوا على يقين من أنه لو لم تكن مواكب العزاء هذه موجودة و لو لم تكن المواكب و المراثي موجودة لما انطلقت انتفاضة 15 خرداد(5 حزيران 1963).

وجد النظام الملكي... (2)إن هذه المجالس التي تذكر فيها مصائب سيد

ص: 119


1- في كتابه نهضة عاشوراء.
2- و من أجل منع اتساع نهضة الإمام الخميني(س)أن لا سبيل أمامه سوى اعتقال الإمام و سجنه و ذلك بعد دراسة الموضوع و استشارة حماته الغربيين و قام جلاوزة الملك بمداهمة بيت الإمام في تمام الساعة الثالثة و النصف بعد منتصف ليل الخامس عشر من خرداد(5 حزيران 1963)و اعتقاله و نقله إلى طهران. و انتشر خبر اعتقال الإمام خلال مدة قصيرة في كل أنحاء البلاد.و خرجت الجماهير إلى الشوارع بمجرد سماعها بالخبر و ذلك صباح يوم الخامس عشر من خرداد لتعبر عن استنكارها لهذا الأمر. و قامت أكبر مظاهرة في مدينة قم حيث استشهد فيها عدد كبير من المتظاهرين بسبب تدخل الجيش و أعلن نظام الملك الأحكام العرفية في طهران و اشتدت عمليات قمع المتظاهرين في ذلك اليوم و اليوم الذي تلاه و قتل و جرح جلاوزة الحكم الآلاف من الأبرياء.و بسبب عظمة هذه الفاجعة فقد وصلت أخبارها إلى خارج إيران و لم تتمكن ملايين الدولارات التي كان الملك ينفقها سنويا في مجال الإعلام و الدعاية من التعتيم على خبر هذه الفاجعة الأليمة. و في بيان للإمام الخميني بعد انتصار الثورة الإسلامية و في الخامس عشر من خرداد(1979)وصف سماحته يوم 5 حزيران 1963 بأنه البداية للثورة الإسلامية و أعلن أن ذكرى 15 خرداد(5 حزيران) ستبقى يوما للحداد العام إلى الأبد. لم يكن لأية قدرة إمكانية تفجير انتفاضة(15 خرداد)سوى دم سيد الشهداء عليه السّلام كما ليس بإمكان أية قوة أن تحفظ هذا الشعب الذي هجمت عليه القوى العدوانية من كل حدب و صوب و تآمرت عليه سوى مجالس العزاء هذه.

المظلومين عليه السّلام و تظهر مظلومية ذلك المؤمن الذي ضحّى بنفسه و بأولاده و أنصاره في سبيل اللّه،هي التي خرّجت أولئك الشبان الذين يتحرقون شوقا للذهاب إلى الجبهات و يطلبون الشهادة و يفخرون بها،و تراهم يحزنون إذا هم لم يحصلوا عليها.

هذه المجالس هي التي خرّجت أمهات يفقدن أبناءهنّ ثم يقلن بأن لديهن غيرهم و أنهن مستعدات للتضحية بهم أيضا.

إنها مجالس سيد الشهداء عليه السّلام و مجالس الأدعية من دعاء كميل دعاء كميل من الأدعية المشهورة ينطوي على مفاهيم سامية و الدعاء المذكور بموجب الروايات الواردة هو دعاء الخضر عليه السّلام و قام الإمام علي عليه السّلام(الإمام الأول للشيعة في العالم) بتعليمه إلى كميل بن زياد الذي كان يعد من خواص الأصحاب للإمام.و يقرأ دعاء كميل في ليالي الجمع و ليلة النصف من شعبان(يوم ولادة صاحب العصر و الزمان المهدي الموعود)للحفظ من شر الأعداء و فتح أبواب الرزق و غفرانه.

ص: 120

الذنوب.و غيره،هي التي تصنع مثل هذه النماذج و تبنيها،و قد وضع الإسلام أساس ذلك منذ البداية و على هذه الركائز،و قدّر له أن يتقدم و بشق طريقة وفق هذا المنهج.

و لو كان هؤلاء يعلمون حقيقة و يدركون أهمية هذه المجالس و المواكب و قيمة هذا البكاء على الحسين عليه السّلام و الأجر المعدله عند اللّه لما سمّونا شعبا بكّاء بل لقالوا عنا شعب الملاحم.

لو فهموا الآثار التي تركتها أدعية الإمام السجاد عليه السّلام هو علي بن الحسين عليه السّلام الملقب بزين العابدين و المشهور بالإمام السجاد عليه السّلام رابع إمام للشيعة في العالم (ولادته 38 ه ق658/ م و وفاته 94 ه ق712/ م).

عاش الإمام السجاد أسوأ العهود التي مرت على أهل البيت عليهم السّلام و أدى قيام والده و النهاية المأساوية لتلك الانتفاضة في كربلاء إلى إحساس الناس بالخطيئة و شعورهم بالحقد و الاشمئزاز من بني أمية.و سخّر الإمام السجاد عليه السّلام هذا الإحساس و العامل النفسي لتنفير المسلمين من بني أمية و توسيع دائرة الجهاد ضدهم و حاول أن يبقي هذا الشعور بالذنب مشتعلا و زاد في لهيبه.و كانت إحدى الطرق التي استخدمها من أجل الوصول إلى هذا الهدف هو أسلوب الدعاء.و الأدعية الواردة عنه لها نوع من المعاني التي تكشف عن الأحداث الحاصلة في عصره و تحمل مفاهيم عظيمة في الدعوة و بناء أساس الأمة.و إن كتاب الصحيفة السجادية المعروفة بزبور آل محمد هو من آثار ذلك الإمام الهمام.و هذا الأثر يعد ثورة فكرية تختلف عن بقية الآثار لشموله على القواعد الأخلاقية و المبادئ و الفضائل و علوم التوحيد و غير ذلك.و كيف أن بإمكانها تعبئة الجماهير و تحريكهم و هو عليه السّلام الفاقد لتوه كل أهل بيته في كربلاء و الذي عاش في ظل حكومة مستبدة جائرة تفرض هيمنتها على كل شيء لما قالوا لنا ما جدوى هذه الأدعية.و لو أن مثقفينا أدركوا الأبعاد السياسية و الاجتماعية لهذه المجالس

ص: 121

و الأدعية و الأذكار لما قالوا:لم تفعلون كل هذه الأمور و تتمسكون بها.

لو أن المتغربين و المثقفين و جميع ذوي القدرة و القوة اجتمعوا لما تمكنوا أن يفجروا انتفاضة كتلك التي حصلت في 15 خرداد(5 حزيران 1963)و إن من يمتلك هذه القدرة على صنع حدث كهذا هو من اجتمع الجميع تحت لوائه.

إننا نصرخ بأننا نريد(الجمهورية الإسلامية و نريد الإسلام،لأننا رأينا أن الشعب بأسره التفّ حول الجمهورية الإسلامية و حول اسم(الإسلامية)بالذات و في سبيل اللّه،و لأننا رأينا أن الجماهير إنّما قامت في سبيل اللّه لأجل ذلك،و لأننا رأينا ما تتمتع به هذه الجمهورية الإسلامية من دعم من شعبنا و من سائر الشعوب.

ص: 122

أهمية هذه المجالس أنها أبقت الشعوب حية

قال الإمام الخميني (1):ليعلم شعبنا قيمة و أهمية هذه المجالس التي أبقت الشعوب حية،في أيام عاشوراء استشهد الإمام الحسين عليه السلام مع 72 نفرا من أنصاره في اليوم العاشر من المحرم عام 61 هجري قمري(680 م)و أطلق منذ ذلك التاريخ اسم"عاشوراء الحسين"أو"عاشوراء"على ذلك اليوم و يقيم الشيعة مجالس العزاء في العشرة الأولى من المحرم في كل سنة.بنسبة أكبر و في سائر الأيام بدرجة أقل و بهذا الشكل الذي نراه،و لو كان المبهورون بالغرب يعرفون البعد السياسي لها،و لو كانوا يدّعون-حقا-السعي لتحقيق مصالح الشعب و البلد لرغبوا هم فيها أيضا و لبادروا إلى إقامتها.

إنني آمل أن تقام هذه المجالس بشكل أفضل و على نطاق أوسع.و إن للجميع بدءا من الخطباء و انتهاء بقراء المراثي و القصائد دورا و تأثيرا في ذلك،فإن ذلك الذي يقف أسفل المنبر و يقرأ بعض الرثاء،و ذلك الذي يرتقي المنبر خطيبا،كلاهما له تأثيره و دوره الطبيعي و إن كان البعض لا يدرك قيمة عمله،من حيث لا يشعر.

لقد بلغنا مرحلة أقدم فيها شعبنا على صنع ثورة تفجّرت فيه قوى معينة بطريقة قلّ نظيرها في أي مكان،فقد كان هذا الشعب يعاني من التبعية في كل شؤونه،و كان النظام السابق قد عمل على سلبه كل شيء و تقديمه للأجانب حتى أفقد البلد شرفه الإنساني،ثم فجأة حصل الانفجار الشعبي الذي تمّ ببركة هذه

ص: 123


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

المجالس التي عمّت البلد من أقصاه إلى أدناه،تجمع الناس و توجهت أنظارهم إلى هدف واحد.

إن على السادة الخطباء و أئمة الجمعة و الجماعة أن يوضحوا هذه الأمور للناس أكثر من وضوحها لي،لا يظنوا أننا مجرد"شعب بكّاء"فإننا شعب تمكن بواسطة هذا البكاء و العزاء من الإطاحة بنظام عمّر ألفين و خمسمائة عام.

ص: 124

دروس من كربلاء

قال الإمام الخميني (1):لقد ضحّى شعبنا بأرواح أبنائه من الأطفال الخدج و حتى الشيوخ في سبيل اللّه تبارك و تعالى،إقتداء بسيد الشهداء(سلام اللّه عليه).

لقد علّم سيد الشهداء عليه السّلام الجميع ماذا ينبغي عليهم عمله في مقابل الظلم و الحكومات الجائرة.فرغم أنه كان يعلم منذ البداية أن عليه أن يضحي-في طريقه الذي سلكه-بجميع أنصاره و أهل بيته من أجل الإسلام،إلاّ أنه كان يعرف عاقبة هذا الطريق أيضا.

و لو لا نهضة الحسين عليه السّلام تلك لتمكن يزيد في عام 60 ه ق تربع يزيد بن معاوية(26 ه ق-62 ه ق)على عرش الخلافة بعد والده.و كان شابا لا يملك من العلم و الفضيلة أي شيء و اشتهر بالفسق و الفجور.استمر حكمه مدة ثلاث سنوات و نصف،إذ قتل في السنة الأولى الحسين بن علي عليه السّلام مع أصحابه و أنصاره،و استباح في السنة الثانية المدينة المنورة(محل حكم الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله و مكان دفنه)و هجم في السنة الثالثة على مكة المكرمة.و أتباعه من عرض الإسلام مقلوبا للناس،فهم لم يكونوا يؤمنون بالإسلام منذ البداية،و كانوا يكنون الحسد و الحقد لأولياء الإسلام.

لقد تمكن سيد الشهداء عليه السّلام من خلال تضحيته تلك-و علاوة على إلحاق الهزيمة بهم،و بعد زعزعة أركان حكومتهم أن أدرك الناس بعد برهة حقيقة

ص: 125


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

المصيبة العظمى التي حلّت بهم-إرشاد الجميع على مرّ التاريخ إلى الطريق الصائب الذي ينبغي أن يسلكوه.

لقد علّم عليه السّلام الناس أن لا يخشوا قلة العدد،فالعدد ليس هو الأساس،بل الأصل و المهم هو النوعية،و المهم هو كيفية التصدي للأعداء و النضال ضدهم و المقاومة بوجههم،فهذا هو الموصل إلى الهدف.من الممكن أن يكون عدد الأفراد كبيرا إلاّ أنّ نوعياتهم ليست بالمستوى المطلوب،و من الممكن أن يكون عددهم قليلا لكنهم أقوياء أشداء و شامخو الرؤوس.

و هكذا بالنسبة لوضعنا،فلتكن القوى الكبرى الشرقية و الغربية أعداء لثورتنا، و لتكتب جميع وسائل الإعلام العالمية ضد ثورتنا و لتلفق الأكاذيب،فإن الحقيقة واضحة و ستظهر و ستعرف.

و عند ما نهض الحسين عليه السّلام و استشهد مظلوما أطلق عليه البعض صفة (الخارجي)و اتهموه بالمروق عن طاعة"حكومة الحق القائمة آنذاك"لكن نور اللّه ساطع و سيبقى ساطعا و سيمتلئ العالم بنوره.

ما هو واجبنا و نحن على أعتاب شهر محرم الحرام؟و ما هو تكليف العلماء و الخطباء الكرام في هذا الشهر؟و ما هي وظيفة سائر شرائح الشعب و فئاته؟لقد حدد سيد الشهداء عليه السّلام و أنصاره و أهل بيته تكليفنا و هو التضحية في الميدان، و التبليغ في خارجه.

فنفس القيمة التي تمتلكها تضحية الحسين عليه السّلام عند اللّه تبارك و تعالى و نفس الدور الذي لعبته في تأجيج نهضته تملكها-أو تقاربها-خطب السجاد عليه السّلام و زينب عليها السّلام هي زينب(سلام اللّه عليها)الوليد الثالث للأمام علي عليه السّلام و فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها(ولادتها عام 6 ه ق-وفاتها عام 65 ه ق)عاصرت زينب (سلام اللّه عليها)الأحداث التي جرت في عهد إمامة والدها و شقيقها الأكبر الإمام الحسن عليه السّلام و استشهاد هما.و حضرت فاجعة كربلاء و شاهدت استشهاد أخيها

ص: 126

و أبناء أخيها و أبنائها،و تبنت مسؤولية الإشراف على قافلة الأسرى بصبر لا نظير له و روحية كبيرة،و ذلك عند ما قام جيش يزيد بأسر عوائل الشهداء و المتبقين منهم عصر يوم عاشوراء و أوصلت نداء شهداء كربلاء إلى أغلب الذين واجهتهم على طول الطريق الذي قطعته القافلة من كربلاء إلى الكوفة أو لا ثم إلى الشام(مقر سلطة يزيد)ثانيا

و إن خطبها الثورية و المؤثرة في مجلس عبيد اللّه بن زياد(حاكم الكوفة)و يزيد (خليفة زمانه)معروفة للجميع.أيضا...فتأثيرها يعادل أو يقرب من تأثير تضحية الحسين عليه السّلام بدمه.

ص: 127

على النساء و الرجال ألا يخافوا في مواجهة حكومة الجور

قال الإمام الخميني (1):لقد أفهمنا سيد الشهداء عليه السّلام و أهل بيته و أصحابه،إنّ على النساء و الرجال ألا يخافوا في مواجهة حكومة الجور.فقد وقفت زينب(سلام اللّه عليها)في مقابل يزيد-و في مجلسه-و صرخت بوجهه و أهانته و أشبعته تحقيرا لم يتعرض له جميع بني أمية طرا في حياتهم.كما أنها عليها السلام و السجاد عليه السّلام تحدثا و خطبا في الناس أثناء الطريق و في الكوفة و الشام،فقد ارتقى الإمام السجاد-سلام اللّه عليه-المنبر و أوضح حقيقة و أكد أن الأمر ليس قياما لأتباع الباطل بوجه أتباع الحق،و أشار إلى أن الأعداء قد شوّهوا سمعتهم و حاولوا أن يتهموا الحسين عليه السّلام بالخروج على الحكومة القائمة و على خليفة رسول اللّه!!لقد أعلن الإمام السجاد عليه السّلام الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد،و هكذا فعلت زينب عليها السّلام أيضا.

و هكذا هو الأمر اليوم في بلدنا،فسيد الشهداء عليه السّلام قد حدد تكليفنا،فلا تخشوا من قلة العدد و لا من الاستشهاد في ميدان الحرب،فكلما عظم هدف الإنسان و سمت غايته كان عليه أن يتحمل المشاق أكثر بنفس النسبة،فنحن لم ندرك بعد جيّدا حجم الانتصار الذي حققناه،و سيدرك العالم فيما بعد عظمة النصر الذي حققه الشعب الإيراني.

و بنفس العظمة التي يتميز بها هذا النصر و الجهاد يكون حجم المصائب

ص: 128


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

و التحديات.و ينبغي أن لا نتوقع أن لا تمسنا القوى الكبرى-التي قطعنا أيديها عن بلدنا و سنقطعها إن شاء اللّه عن باقي دول المنطقة-بأي سوء أو أذى،و علينا أن لا نتوقع بعد تحقيقنا لهذه الانتصارات أن نبقى نرفل بالسلامة كما كنا في السابق.

على جميع العلماء و الخطباء و أئمة الجمعة و الجماعة و كل من من شأنه الحديث مع الناس أن يوضحوا لهم كيف حصلت نهضة سيد الشهداء عليه السّلام و حقيقة هذه النهضة و غايتها و قلة عدد الأنصار الذين خرجوا مع الحسين عليه السّلام و ما هي المصائب التي انطوت عليها تلك النهضة و كيف بلغت نهايتها و كيف أنها لن تنتهي.

إن علينا و على جميع الخطباء الالتفات إلى هذه النقطة و هي أنه لو لم تقع نهضة سيد الشهداء عليه السّلام لما استطعنا نحن اليوم أن نحقق النصر،فوحدة الكلمة التي كانت السبب في انتصار ثورتنا تعود إلى مجالس العزاء،ففيها تم التبليغ للإسلام و الترويج له.

لقد هيأ سيد المظلومين عليه السّلام للجماهير وسيلة مكّنتها من عقد اجتماعاتها بسهولة و دون الحاجة إلى بذل جهود كبرى.و الإسلام جعل من المساجد خنادق و وسائل،لأن هذه المساجد و التجمعات و صلوات الجمعة و الجماعة هيأت جميع ما يراد لتحقيق ما فيه مصلحة الإسلام و ما يقيض أسباب تقدم النهضة إلى الإمام، و خصوصا مما تعلمناه من سيد الشهداء عليه السّلام مما ينبغي عمله في ساحة الحرب و خارجها،و ماذا يجب أن يعمله أولئك الذين يخوضون غمار الكفاح المسلح،و ما هي واجبات المبلّغين خلف جبهات القتال و كيف يقومون بذلك.

ص: 129

علمنا الحسين عليه السلام كيفية الجهاد و المواجهة

قال الإمام الخميني (1):لقد تعلمنا من الحسين عليه السّلام كيفية النضال و الجهاد و كيفية المواجهة بين قلة من الناس و كثرة كاثرة،و كيفية الوقوف بوجه حكومة تعسفية جائرة تسيطر على كل مكان،كيف نقوم بذلك بعدد قليل...هذه أمور علّمها سيد الشهداء عليه السّلام لأبناء شعبنا كما أن نجله الإمام السجاد عليه السّلام و سائر أهل بيته عليهم السّلام علّمونا ماذا ينبغي عمله بعد وقوع المصيبة هل ينبغي الاستسلام؟هل يجب التخفيف و التقليل من النضال و الجهاد؟أم علينا أن نقتدي بزينب(سلام اللّه عليها)التي حلّ بها مصاب تصغر عنده المصائب فوقفت بوجه الكفر و الزندقة و تكلمت و خطبت كلما تطلّب الموقف و أوضحت الحقائق،تماما كما مارس الإمام علي بن الحسين دوره التبليغي رغم الذي كان يعاني منه.

إنكم أيها السادة العلماء و جميع العلماء الموجودين في أنحاء البلاد مكلفون بحفظ هذه النعمة الإلهية و هذه المنحة الربانية،مطالبون بشكر اللّه عليها،و الشكر إنما يتحقق بممارسة التبليغ،بيّنوا للناس و أفهموهم ما فعله سيد الشهداء عليه السّلام و ما كان يريد تحقيقه و الطريق الذي سلكه و النصر الذي تحقق له و للإسلام بعد شهادته،وضّحوا لهم أن ما فعله سيد الشهداء عليه السّلام هو الجهاد من أجل الإسلام، و أنه كان يعلم أنه لن يتمكن بما تهيأ له من عدد قليل يقل عن المائة شخص من التغلب على ذلك النظام الظالم الذي يملك كل شيء.

ص: 130


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

عليكم أن تمارسوا التبليغ،فها قد جاء شهر محرم و عليكم إحياؤه،فكل ما لدينا هو من محرم،و من هذه المجالس.فحتى مجالس التبليغ تهيأت لنا هي الأخرى من شهر محرم و هي من ثمار مقتل سيد الشهداء عليه السّلام و استشهاده.

ص: 131

قصة في أهمية اللطم و العزاء و أثر هما

قيل أنه كان العبد الورع رحيم اسماعيل بك يحب أهل البيت حبا جما و يتوسل بهم كثيرا و هو في سن السادسة من عمره أصيب بمرض في عينه أدى إلى العمى.

و كان يحضر مجالس العزاء باستمرار و في أحد المجالس عند خاله طب من خاله أن يوزع الماء بمساعدة أحدهم فساعده خاله و ابتدأ العزاء و كان عن زينب فتألم كثيرا و أخذه البكاء على الحوراء و مصائبها حتى أغمي عليه فرآها في المنام تمسح على عينيه و قالت له لقد شفيت و لن يمرضا أبدا بعدها.

فلما أفاق أخبر خاله فأخذوا يهللون و يكبّرون و يصلّون على النبي و آله.

و فعلا عند ما كان يعمل في أحد المختبرات إحترق هذا العبد الصالح باستثناء عينيه فكان الأطباء يتعجبون من ذلك فيجيبهم بأنها المعجزة الحسينية و شفي بعدها..

ص: 132

ثواب إنشاد الشّعر في رثاء الحسين عليه السلام

قال الإمام الصّادق عليه السّلام-لجعفر بن عفّان الطّائيّ-بلغني أنّك تقول الشّعر في الحسين عليه السّلام و تجيد،قال:نعم،فأنشده فبكى و من حوله حتّى سالت الدّموع على وجهه و لحيته (1).

و عنه عليه السّلام:من أنشد في الحسين عليه السّلام بيتا من شعر فبكى و أبكى عشرة فله و لهم الجنّة (2).

و في الأمالي عن أبي عمارة المنشد عن الصادق عليه السّلام أنّه قال لي:يا عمارة أنشدني في الحسين،فأنشدته،فبكى فما زلت أنشده و يبكي حتّى سمعت البكاء من الدار فقال:يا أبا عمارة من أنشد في الحسين فأبكى خمسين فله الجنّة إلى أن قال:

و من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنّة و من أنشد فبكى أو تباكى فله الجنّة (3).

و عن زيد الشحّام قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و نحن جماعة فدخل جعفر بن عفّان فأدناه إليه ثمّ قال:يا جعفر بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين و تجيد؟

فقال:نعم جعلني اللّه فداك،قال:قل،فأنشدته،فبكى و من حوله ثمّ قال:و اللّه شهدت ملائكة اللّه المقرّبون هاهنا يسمعون قولك في الحسين و لقد بكوا كما بكينا

ص: 133


1- الوسائل:1/464/10.
2- ثواب الأعمال:3/110.
3- أمالي الصدوق:205 ح 222.

و أكثر و لقد أوجب اللّه لك الجنّة (1).

و عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قال الرضا عليه السّلام إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا و هتكت فيه حرمتنا و سبي فيه ذرارينا و نساؤنا و أضرمت النيران في مضاربنا و انتهب ما فيه من ثقلنا و لم ترع لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حرمة في أمرنا إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا و أسبل دموعنا و أذلّ عزيزنا،يا أرض كربلاء أو رثتينا الكرب و البلاء إلى يوم الإنقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام ثمّ كان أبي عليه السّلام إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكا و كان الحزن يغلب عليه حتّى تمضي منه عشرة أيّام فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه و بكائه و يقول هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام (2).

و فيه أيضا عن الرّيان بن شبيب قال:دخلت على الرضا عليه السّلام في أوّل يوم من المحرّم فقال لي:أصائم أنت؟

فقلت:لا،فقال إنّ هذا هو اليوم الذي دعى فيه زكريا فقال:ربّ هب لي من لدنك ذريّة طيّبة فاستجاب اللّه له و نادته الملائكة أنّ اللّه يبشّرك بيحيى فمن صام هذا اليوم ثمّ دعى استجاب اللّه له كما استجاب لزكريا،يابن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين فإنّه ذبح كما يذبح الكبش و قتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا و لقد بكت السماوات السبع و الأرضون لقتله و لقد نزل إلى الأرض الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم فيكونوا من أنصاره و شعارهم يالثارات الحسين.9.

ص: 134


1- البحار:283/44.
2- أمالي الصدوق:190 ح 199.

يابن شبيب لمّا قتل جدّي الحسين أمطرت السماء دما و ترابا أحمرا،يابن شبيب إن بكيت على الحسين حتّى تصير دموعك على خدّيك غفر اللّه لك كلّ ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا و إن سرّك أن تلقى اللّه عزّ و جلّ و لا ذنب عليك فزر الحسين عليه السّلام و إن سرّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبيّ و آله صلوات اللّه عليهم فالعن قتلة الحسين،و إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متى ما ذكرته:يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما،و إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات من الجنان فاحزن لحزننا و افرح لفرحنا و عليك بولايتنا فلو أنّ رجلا تولّى حجرا لحشره اللّه معه يوم القيامة (1).

و عن أبي هارون المكفوف قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:أنشدني فأنشدته فقال:لا،كما تنشدون و كما ترثيه عند قبره فأنشدته،فلمّا بكى أمسكت فقال:مر فمررت،فبكى و بكت السماء،فلمّا سكتنا قال:يا أبا هارون من أنشد في الحسين فأبكى عشرة إلى أن بلغ الواحد فله الجنّة (2).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:لكلّ شيء ثواب إلاّ الدمعة فينا،يعني ليس له ثواب مقرّر بل ثوابه لا يحصى (3).

و عن ابن عبّاس قال:قال عليّ عليه السّلام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إنّك لتحبّ عقيلا؟

قال:إي و اللّه إنّي لأحبّه حبّين حبّا له و حبّا لحبّ أبي طالب له و أنّ ولده المقتول في محبّة ولدك فتدمع عليه عيون المؤمنين و تصلّي عليه الملائكة المقرّبون (4).

و عن أبي هارون المكفوف قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:أنشدني في الحسين0.

ص: 135


1- أمالي الصدوق:193 ح 202.
2- البحار:287/44.
3- كامل الزيارات:211 ح 302.
4- أمالي الصدوق:191 ح 200.

فأنشدته فقال:أنشدني كما تنشدون يعني بالرّقة (1)فأنشدته،فبكى و سمعت البكاء من خلف الستر (2).

و عن مسمع كردين قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين؟قلت:لا أنا رجل مشهور من أهل البصرة و عندنا من يتّبع هوى هذا الخليفة و أعداؤنا كثيرة قال لي:أفما تذكر ما صنع به؟قلت:بلى،قال:فتجزع؟قلت:

إي و اللّه حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ،قال:أما أنّك من الذين يعدون في أهل الجزع لنا إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك و وصيّتهم ملك الموت بك و ما يلقونك به من البشارة ما تقرّ به عينك فملك الموت أرقّ عليك من الامّ الشفيقة على ولدها.

ثمّ قال:يا مسمع إنّ الأرض و السماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا و ما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا و ما بكى أحد رحمة لنا إلاّ رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه فإذا سالت دموعه على خدّه فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها و أنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض و أنّ الشارب منه ليعطى من اللّذة و الطّعم و الشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا و أنّ على الكوثر أمير المؤمنين و في يده عصا من عوسج يحطّم بها أعداءنا فيقول الرجل منهم إنّي أشهد الشهادتين فيقول:إنطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك فيقول:يتبرّأ منّي إمامي الذي تذكره فيقول:إرجع إليه و اسأله الشفاعة فيقول إنّي أهلك عطشا فيقول:

زادك اللّه عطشا،قلت:و كيف يقدر على الدنوّ من الحوض و لم يقدر عليه غيره؟

قال:ورع عن أشياء قبيحة و كفّ عن شتمنا إذا ذكرنا و ليس ذلك لحبّنا و لكن7.

ص: 136


1- الرّقة بالكسر و يراد به الخون و هو عبارة عن الإنشاد بالصوت كما هو المتعارف في هذه الأعصار و ما قبلها و من ثمّ استثنى فقهاؤنا رضوان اللّه عليهم من الغنا مراثي الحسين عليه السّلام.
2- كامل الزيارات:208 ح 297.

لشدّة اجتهاده في عبادته و تديّنه فأمّا قلبه فمنافق و دينه النصب و ولاية الماضين و تقدّمه لهما على كلّ أحد،انتهى ملخّصا (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ البكاء و الجزع مكروه للعبد في كلّما جزع ما خلا البكاء على الحسين فإنّه فيه مأجور (2).

و عن عبد اللّه بن بكر قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:لو نبش قبر الحسين بن علي هل كان يصاب في قبره شيء؟

فقال:ما أعظم مسائلك إنّ الحسين بن عليّ و امّه و أخيه في منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و معه يرزقون و يحبرون و أنّه لعن يمين العرش متعلّق به يقول:يا ربّ انجز لي ما وعدتني و إنّه لينظر إلى زوّاره و أنه أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و ما في رحالهم من أحدهم بولده،و إنه ينظر الى من يبكيه فيستغفر له (3).

و روي أنّه لمّا أخبر النبّي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ابنته فاطمة بقتل ولدها بكت بكاء شديدا و قالت؛ يا أبت فمن يبكي عليه و من يلتزم بإقامة العزاء له؟

فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا فاطمة إنّ نساء أمّتي يبكين على نساء أهل بيتي و رجالهم يبكون على رجال أهل بيتي و يجدّدون العزاء جيلا بعد جيل في كلّ سنة فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء و أنا أشفع للرّجال و كلّ من بكى على مصاب الحسين أخذنا بيده و أدخلناه الجنّة،يا فاطمة كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ عين بكت على مصاب الحسين عليه السّلام فإنّها ضاحكة مستبشرة (4).

و روي أنّه حكي عن السيّد الحسيني قال:كنت مجاورا في المشهد الرضوي، فلمّا كان يوم عاشوراء قرأ رجل من أصحابنا مقتل الحسين فوردت رواية عن4.

ص: 137


1- كامل الزيارات:205 ح 219.
2- وسائل الشيعة:507/14 ح 19702.
3- كامل الزيارات:206 ح 292.
4- البحار:293/44.

الباقر عليه السّلام إنّه قال:من زرقت عيناه على مصاب الحسين عليه السّلام و لو مثل جناح البعوضة غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر و كان في المجلس معنا جاهل مركّب يدّعي العلم و لا يعرفه فقال:هذا ليس بصحيح و العقل لا يعتقده فنام تلك الليلة و رأى في المنام كأنّ القيامة قامت و حشر الناس و أسعرت النيران فإذا هو يطلب الماء عطشا و إذا بحوض طويل عريض فقال:هذا هو الكوثر و إذا عند الحوض رجلان و امرأة أنوارهم تشرق على الخلائق و هم مع ذلك لابسون السواد محزونون فسألت عنهم فقيل لي:هذا رسول اللّه و هذا أمير المؤمنين و هذه فاطمة الزهراء و هم محزونون لأنّه يوم عاشوراء فدنوت إلى فاطمة عليها السّلام و قلت:إنّي عطشان فنظرت إليّ شزرا و قالت لي:أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب الحسين؟

قال:فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا و استغفرت اللّه كثيرا و ندمت على ما كان منّي و أتيت أصحابي و أخبرتهم برؤياي. (1)

و في كتاب علل الشرائع بإسناده إلى عبد اللّه بن الفضل قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة و غمّ و جزع و بكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول اللّه و يوم فاطمة و يوم قتل أمير المؤمنين و الحسن عليهم السّلام؟

قال:إنّ يوم قتل الحسين أعظم مصيبة من سائر الأيّام و ذلك أنّ أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على اللّه عزّ و جلّ كانوا خمسة،فلمّا مضى منهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بقيوا أربعة و كان فيهم للناس عزاء و سلوة،فلمّا مضى أمير المؤمنين عليه السّلام كان للناس في الحسن و الحسين عزاء و سلوة،فلمّا مضى الحسن عليه السّلام كان للناس في الحسين عزاء و سلوة،فلمّا قتل الحسين عليه السّلام لم يكن بقي من أصحاب الكساء من فيه عزاء و سلوة فكان كذهاب جميعهم كما كان بقاؤه4.

ص: 138


1- البحار:293/44.

كبقاء جميعهم فلذلك صار يومه أعظم الأيّام مصيبة.

قلت:فلم يكن للناس في عليّ بن الحسين ما كان لهم في آبائه عليهم السّلام؟

قال:بلى إنّ عليّ بن الحسين كان إماما و حجّة على الخلق بعد آبائه و لكنّه لم يلق رسول اللّه و لم يسمع منه و كان علمه وراثة عن أبيه عن جدّه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و كان أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين قد شاهدهم الناس مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في أحوال تتوالى فكانوا متى نظروا إلى واحد منهم تذكّروا حاله مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قول رسول اللّه فيه،فلمّا مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين على اللّه عزّ و جلّ و لم يكن في أحد منهم فقد جميعهم إلاّ في فقد الحسين عليه السّلام لأنّه مضى في آخرهم و لذلك صار يومه أعظم الأيّام مصيبة.

فقلت:أين رسول اللّه كيف سمّت العامّة يوم عاشوراء يوم بركة؟فبكى عليه السّلام و قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام تقرّب الناس بالشام إلى يزيد فوضعوا له الأخبار و أخذوا عليها الجوائز من الأموال فكان ممّا وضعوا له أمر هذا اليوم و أنّه يوم بركة ليعدل الناس فيه من الجزع و البكاء و المصيبة و الحزن إلى الفرح و السرور و التبرّك، حكم اللّه بيننا و بينهم،ثمّ قال:و إنّ ذلك لأقلّ ضررا على الإسلام و أهله ممّا وضعه قوم انتحلوا مودّتنا و زعموا أنّهم يدينون بموالاتنا و يقولون بإمامتنا من أنّ الحسين عليه السّلام لم يقتل و كذّبوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الائمّة عليهم السّلام في إخبارهم بقتله و من كذّبهم فهو كافر باللّه العليّ العظيم و دمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه (1).1.

ص: 139


1- علل الشرائع:227/1 ح 1.

البكاء على الإمام الحسين عليه السلام

في الأمالي عن الفضيل بن يسار قال:قلت للصادق عليه السّلام:إنّي أحضر مجالس هؤلاء القوم-يعني المخالفين-فأذكركم في نفسي فأيّ شيء أقول؟

فقال:قل اللّهم أرنا الرخاء و السرور فإنّك تأتي على ما تريد،قلت:فإنّي أذكر الحسين فأيّ شيء أقول؟

فقال:قل صلّى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه تكرّرها ثلاثا،ثمّ قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام بكى عليه كلّ شيء إلاّ ثلاثة أشياء:البصرة و دمشق و آل الحكم بن أبي العاص.

أقول:يجوز أن يراد أهل البصرة و أهل دمشق على حذف المضاف و يجوز أن يراد أرضها لما مرّ من أنّ الأرض كلّها بكت عليه مع أهلها.

و في حديث ميثم التمّار إنّه يبكي على الحسين عليه السّلام الوحوش في الفلوات و الحيتان في البحر و الطير في السماء و يبكي عليه الشمس و القمر و النجوم و السماء و الأرض و الإنس و الجنّ و الملائكة و الأرضون و مالك و حملة العرش و تمطر السماء دما و رمادا.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي فأشخصه إلى الشام فقال:يا أبا جعفر نريد أن نسألك مسألة؟

فقال:نعم،قال:أخبرني عن الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب ثمّ استدلّ به الغائب عن الكوفة على قتله؟

قال:إنّه لمّا كان تلك الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب لم يرفع حجر عن وجه الأرض إلاّ وجد تحته دم عبيط حتّى طلع الفجر و كذلك الليلة التي قتل فيها هارون

ص: 140

أخو موسى و كذلك الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون و كذلك الليلة التي قتل فيها شمعون و كذلك الليلة التي قتل فيها الحسين بن عليّ عليه السّلام،فتغيّر وجه هشام و قال لأبي:أعطني ميثاقا أن لا توقع هذا الحديث إلى أحد حتّى أموت فأعطاه أبي ما أرضاه (1).

و عن أحمد بن عبد اللّه بإسناده إلى رجل من أهل بيت المقدس قال:و اللّه لقد عرفنا أهل بيت المقدس و نواحيها عشية قتل الحسين و ذلك إنّا ما رفعنا حجرا و لا مدرا إلاّ و رأينا تحتها ما يغلي و احمرّت الحيطان كالدم و مطرنا ثلاثة أيّام دما عبيطا و سمعنا مناديا ينادي في جوف الليل شعرا:

أترجو امّة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب

معاذ اللّه لا نلتم يقينا شفاعة أحمد و أبي تراب

قتلتم خير من ركب المطايا و خير الشيب طرّا و الشباب

و انكسفت الشمس ثلاثة أيّام و اشتبكت النجوم،فلمّا كان من الغد رجفنا بقتله حتّى أتانا الخبر اليقين (2).

و عن الحارث الأعور قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:بأبي و امّي الحسين المقتول بظهر الكوفة و اللّه كأنّي أنظر إلى الوحوش مادّة أعناقها على قبره يبكونه و يرثونه حتّى الصباح فإذا كان كذلك فإيّاكم و الجفاء (3).

و عن زرارة بن أعين قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا زرارة إنّ السماء بكت على الحسين أربعين صباحا بالدم و أنّ الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد و أنّ الشمس بكت أربعين صباحا بالكسوف و الحمرة و أنّ الجبال تقطّعت و انتثرت و أنّ3.

ص: 141


1- كامل الزيارات:159 ح 1.
2- كامل الزيارات:159 ح 2.
3- كامل الزيارات:166 ح 3.

البحار تفجّرت و أنّ الملائكة بكت أربعين صباحا و ما اختضبت منّا امرأة و لا اكتحلت حتّى أتانا رأس عبيد اللّه بن زياد و كان جدّي إذا ذكره بكى حتّى يبكي لبكائه من رآه و أنّ الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كلّ من في الهواء و السماء من الملائكة،و لقد خرجت نفسه صلّى اللّه عليه فزفرت جهنّم زفرة كادت الأرض تنشقّ لزفرتها،و لقد خرجت نفس ابن زياد فشهقت جهنّم شهقة لو لا أنّ اللّه حبسها بخزّانها لأحرقت من على ظهر الأرض من فورها و لقد عتت على الخزّان غير مرّة حتّى أتاها جبرائيل فضربها بجناحه و أنّها لتبكيه و تندبه و تتلظّى على قاتله و ما عين أحبّ إلى اللّه من عين بكت على الحسين و ما من باك يبكيه إلاّ و قد وصل فاطمة و أسعدها و وصل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أدّى حقّنا،و ما من عبد يحشر إلاّ و عيناه باكية إلاّ الباكين على جدّي فإنّه يحشر و البشارة تلقاه و الخلق يعرضون و هم جالسون مع الحسين عليه السّلام في ظلّ العرش لا يخافون سوء الحساب يقال لهم:

أدخلوا الجنّة فيأبون و يختارون مجلسه و حديثه و أنّ الحور لترسل إليهم:إنّا قد اشتقنا إليكم مع الولدان المخلّدين فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور و الكرامة و أنّ أعداءهم من بين مسحوب بناصيته إلى النار و من قائل مالنا من شافعين و إنّ الملائكة لتأتيهم بالرسالة من أزواجهم،فيقولون نأتيكم إن شاء اللّه فيرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم فيزدادون إليهم شوقا إذا هم أخبروهم بما هم فيه من الكرامة و قربهم من الحسين عليه السّلام ثمّ يؤتون بالمراكب و النوق فيركبون عليها و هم في الثناء على اللّه و الصلاة على محمّد و على آله حتّى ينتهوا إلى منازلهم (1).

و عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام احدّثه فدخل عليه ابنه فقال له:

مرحبا و ضمّه و قبّله و قال:لعن اللّه من قتلكم فقد طال بكاء النساء و بكاء الأنبياء8.

ص: 142


1- كامل الزيارات:168 ح 8.

و الصدّيقين و الشهداء و ملائكة السماء ثمّ بكى و قال:يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم و إليهم،يا أبا بصير إنّ فاطمة لتبكي الحسين و تشهق فتزفر جهنّم زفرة لو لا أنّ الخزنة يسمعون بكاءها و قد استعدّوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض فيردون جهنّم ما كانت باكية و يوثقون أبوابها مخافة على أهل الأرض فلا تسكن حتّى يسكن صوت فاطمة. (1).

و عنه عليه السّلام قال:إنّ السماء بكت على الحسين و يحيى بن زكريا قيل:ما بكاؤها؟

قال:مكثورا أربعين يوما تطلع الشمس بحمرة و تغرب بحمرة فذلك بكاؤها (2).

و في حديث آخر أنّها بكت مع الأرض و الطيور و غيرها حتّى تقاطر دمعها.

و روي أنّه لمّا قتل الحسين عليه السّلام أمطرت السماء ترابا أحمر (3).

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام:أنّ السماء بكت على الحسين و بكاءها كانت إذا استقبلت بالثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم (4).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:احمرّت السماء حين قتل الحسين عليه السّلام سنة (5).

و في كتاب دلائل النبوّة قالت نصرة الأزدية:لمّا قتل الحسين عليه السّلام أمطرت السماء دما و حبابنا و جرارنا صارت مملوّة دما و مطرت السماء يوما نصف النهار على شملة بيضاء فنظرت فإذا هو دم و ذهبت الإبل إلى الوادي لتشرب فإذا هو دم و إذا هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام (6).3.

ص: 143


1- مستدرك الوسائل:315/10.
2- كامل الزيارات:181 ح 6.
3- كامل الزيارات:183 ح 13.
4- كامل الزيارات:183 ح 14.
5- مدينة المعاجز:144/4.
6- مناقب آل أبي طالب:212/3.

و عن امّ سليم قالت:لمّا قتل الحسين عليه السّلام مطرت السماء مطرا كالدم احمرّت منه البيوت و الحيطان (1).

و عن أبي قبيل:لمّا قتل الحسين عليه السّلام كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتّى ظنّنا أنّها القيامة (2).

و روى الثعلبي أنّ الحمرة التي مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين عليه السّلام (3).

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:لمّا ضرب الحسين عليه السّلام بالسيف ثمّ ابتدر ليقطع رأسه نادى مناد من بطنان العرش:ألا أيّتها الامّة المتحيّرة القاتلة عترة نبيّها لا وفّقكم اللّه لا لأضحى و لا فطر و اللّه ما وفّقوا و لا يوفّقون أبدا حتّى يقوم ثائر الحسين عليه السّلام (4).

و عنه عليه السّلام أنّ الحسين عليه السّلام دخل يوما إلى أخيه الحسن،فلمّا نظر إليه بكى فقال:

ما يبكيك يا أبا عبد اللّه؟

قال:أبكي لما يصنع بك،فقال:إنّ الذي يؤتى إليّ سمّ يدسّ إليّ فأقتل به و لا يوم كيومك يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنّهم من امّة جدّنا محمّد يجتمعون على قتلك و سفك دمك و انتهاك حرمتك و سبي ذراريك و انتهاب ثقلك فعندها تحلّ ببني اميّة اللعنة و تمطر السماء رمادا و دما و يبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات و الحيتان في البحار (5).

و عنه عليه السّلام إنّ أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين عليه السّلام و هبطوا8.

ص: 144


1- شرح الاخبار:166/3.
2- مناقب آل أبي طالب:212/3.
3- مناقب آل أبي طالب:212/3.
4- أمالي الصدوق:232.
5- مناقب آل أبي طالب/:3 238.

و قد قتل فهم عند قبره يبكونه إلى يوم القيامة و رئيسهم ملك يقال له:منصور (1).

و في الأمالي بإسناده إلى عليّ عليه السّلام قال:زارنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ذات يوم فقدّمنا إليه طعاما فأكل منه،فلمّا غسل يديه مسح وجهه و لحيته ببلّة يديه ثمّ قام إلى مسجد في جانب البيت فخرّ ساجدا فبكى فأطال البكاء،ثمّ رفع رأسه فما اجترأ منّا أهل البيت أحد يسأله عن شيء،فقام الحسين يدرج حتّى صعد على فخذي رسول اللّه فأخذ برأسه إلى صدره و قال:يا أبه ما يبكيك؟

فقال:يا بنيّ إنّي نظرت إليكم اليوم فسررت بكم سرورا لم أسر بكم قبله مثله، فهبط إليّ جبرئيل فأخبرني إنّكم قتلى و أنّ مصارعكم شتّى فقال:يا أبه ما لمن يزور قبورنا و يتعاهدها على تشتّتها؟

قال:طوائف من امّتي يريدون بذلك برّي وصلتي أتعاهدهم في الموقف و آخذ بأعضادهم فأنجيهم من أهواله و شدائده (2).

و روي أنّه لمّا أتى الحسين عليه السّلام سنتان خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى سفر فوقف في الطريق و دمعت عيناه فسئل عن ذلك فقال:هذا جبرئيل يخبرني عن أرض بشطّ الفرات يقال لها كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين و كأنّي أنظر إليه و إلى مصرعه و مدفنه بها و كأنّي أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا و قد أهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه اللّه،فرجع من سفره مغموما مهموما فصعد المنبر و أصعد معه الحسن و الحسين،فلمّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن و يده اليسرى على رأس الحسين و قال:اللّهمّ هذان أطايب عترتي و قد أخبرني جبرئيل أنّ ولدي هذا مقتول بالسمّ و الآخر شهيد مضرّج بالدّم،اللّهم فبارك له في قتله و اجعله من سادات الشهداء فضجّ الناس بالبكاء و العويل.7.

ص: 145


1- الكافي:581/4 ح 7.
2- كامل الزيارات:127.

فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أيّها الناس تبكونه و لا تنصرونه اللّهم فكن أنت له وليّا و ناصرا ألا انّه سيرد عليّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الامّة؛الاولى:راية سوداء مظلمة و فرغت منها الملائكة فتقف عليّ فأقول لهم من أنتم؟

فينسون ذكري و يقولون:نحن أهل التوحيد من العرب فأقول لهم:أنا أحمد نبيّ العرب و العجم،فيقولون:نحن من امّتك فأقول:كيف خلّفتموني من بعدي في أهل بيتي و كتاب ربّي؟

فيقولون:أمّا الكتاب فضيّعناه و أمّا عترتك فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض،فأعرض عنهم فيصدرون عطاشى مسودّة وجوههم،ثمّ ترد عليّ راية اخرى أشدّ سوادا من الاولى فأقول لهم:كيف خلفتموني في كتاب اللّه و عترتي؟ فيقولون:أمّا الأكبر فخالفناه و الآخر فمزقّناه كلّ ممزّق،فأقول:إليكم عنّي فيصدرون عطاشى مسودّة وجوههم،ثمّ ترد عليّ راية تلمع وجوههم نورا فأقول لهم:من أنتم؟فيقولون:نحن أهل التوحيد و نحن بقيّة أهل الحقّ حملنا كتاب ربّنا و حلّلنا حلاله و حرّمنا حرامه و أجبنا ذرّية نبيّنا و نصرناهم و قاتلنا معهم،فأقول لهم:إبشروا فأنا نبيّكم محمّد ثمّ أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويّين مستبشرين يدخلون الجنّة خالدين فيها أبد الآبدين.

و عن أنس،قال:إستأذن ملك القطر على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فأذن له و كان في يوم أم سلمة فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم:«يا أم سلمة إحفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد»،قال:فبينا هي على الباب،إذ جاء الحسين بن علي فاقتحم يفتح الباب،فدخل فجعل يتوثب على ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فجعل النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يلثمه و يقبّله فقال الملك:أتحبه؟قال:«نعم»،قال:

إن أمتك ستقتله،إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه؟

قال:«نعم» (1).9.

ص: 146


1- سير الأعلام:388/3-289.

و عن عمارة بن زاذان،عن ثابت،عن أنس،قال:استأذن ملك القطر ربه عزّ و جلّ أن يزور النبي صلّى اللّه عليه و سلّم[فأذن له،و كان يوم-و قال أبو الغنائم:في يوم-أم سلمة،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم]:«يا أم سلمة إحفظي علينا الباب ألاّ يدخل علينا أحد»،قال:فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين-زاد أبو الغنائم:ابن علي-فطفر فاقتحم فدخل يتوثب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يلثمه و يقبّله فقال له الملك:أتحبه؟قال:«نعم» قال:أما إن أمتك ستقتله،و إن شئت أريتك المكان الذى يقتل فيه فأراه إياه،فجاءه بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها.

قال ثابت:كنا نقول:إنها كربلاء (1).

و عن أبي أمامة،قال (2):قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لنسائه:«لا تبكّوا هذ الصبي»-يعني حسينا-قال:فكان يوم أم سلمة فنزل جبريل فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الى الداخل و قال لأم سلمة:«لا تدعي أحدا يدخل علي».

فجاء الحسين،فلما نظر إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في البيت أراد أن يدخل فأخذته أم سلمة فاحتضنته و جعلت تناغيه و تسكته،فلما اشتد في البكاء خلّت عنه،فدخل حتى جلس في حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال جبريل للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم:إن أمتك ستقتل ابنك هذا،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم:«يقتلونه و هم مؤمنون بي؟»

قال:نعم يقتلونه،فتناول جبريل تربة فقال:بمكان كذا و كذا،فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و قد احتضن حسينا كاسف البال مهموما فظنت أم سلمة أنه غضب من دخول الصبي عليه.

فقالت:يا نبي اللّه جعلت لك الفداء إنك قلت لنا:«لا تبّكوا هذا الصبي»،و أمرتني أن لا أدع أحدا يدخل عليك،فجاء فخلّيت عنه،فلم يرد عليها.6.

ص: 147


1- المعجم الكبير للطبراني:106/3.
2- بغية الطلب:2601/6.

فخرج إلى أصحابه و هم جلوس فقال لهم:«إن أمتي يقتلون هذا»و في القوم أبو بكر و عمر،و كانا أجرأ القوم عليه فقالا:يا نبي اللّه يقتلونه و هم مؤمنون؟

قال:«نعم هذه تربته»فأراهم إياها (1).

و عبد اللّه بن سعيد بن أبي هند،عن أبيه،قال:قالت أم سلمة:كان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم نائما فجاء الحسين[يتدرّج].

قالت:فقعدت على الباب فسبقته مخافة أن يدخل فيوقظه،قال:ثم غفلت في شيء فدبّ فدخل فقعد على بطنه.

قالت:فسمعت نحيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فجئت فقلت:يا رسول اللّه،و اللّه ما عملت به؟

فقال:«إنما جاءني جبريل عليه السلام و هو على بطني قاعد،فقال لي:أتحبه؟

فقلت:نعم،قال:إن أمتك ستقتله،ألا أريك التربة التي يقتل بها.

قال:فقلت:بلى.

قال:فضرب بجناحه،فأتى بهذه التربة».

قلت:فإذا في يده تربة حمراء و هو يبكي و يقول:«يا ليت شعري من يقتلك بعدي» (2).

و روي أنّ اللّه عزّ و جلّ أخبر موسى عليه السّلام إنّ الحسين عليه السّلام تقتله امّة جدّه الطاغية في أرض كربلاء و تنفر فرسه و تحمحم و تقول في صهيلها الظليمة الظليمة من امّة قتلت ابن بنت نبيّها فيبقى ملقى على الرّمل من غير غسل و لا كفن و ينهب رحله و تسبى نساؤه في البلدان و يقتل ناصروه و تشهر رؤوسهم على أطراف الرماح،يا موسى صغيرهم يميته العطش و كبيرهم جلده منكمش يستغيثون و لا ناصر، فبكى موسى عليه السّلام ثمّ قال:يا موسى إعلم أنّه من بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرّمت9.

ص: 148


1- مجمع الزوائد:189/9.
2- ترجمة الإمام الحسين:259.

جسده على النار (1).

و في الأمالي مسندا إلى الرضا عليه السّلام قال:من تذكّر مصابنا،فبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة،و من ذكّر بمصابنا،فبكى و أبكى لم تبك عينه يوم القيامة،و من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب (2).

و روى العيّاشي طاب ثراه عن الصادق عليه السّلام قال:من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر (3).

و عنه عليه السّلام قال:نفس المهموم لظلمنا تسبيح و همّه لنا عبادة و كتمان سرّنا جهاد في سبيل اللّه،ثمّ قال عليه السّلام:يجب أن يكتب هذا الحديث (4).

و قال الحسين عليه السّلام:أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى (5).

و في الأمالي مسندا إلى الصادق عليه السّلام أنّه قال:ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلاّ بوأه اللّه بها في الجنّة دهرا طويلا (6).

قال أحمد الأودي:فرأيت الحسين عليه السّلام في المنام فقلت:حدّثوني عنك هذا الحديث،قال:نعم،قلت:سقط الإسناد بيني و بينك (7).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نظر أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الحسين عليه السّلام فقال:يا عبرة كلّ مؤمن،قال:أنا يا أبتاه؟4.

ص: 149


1- البحار:294/44.
2- أمالي الصدوق:131 ح 4.
3- مديند المعاجز:153/4 ح 218.
4- أمالي المفيد:338.
5- أمالي الصدوق:200 ح 8.
6- كامل الزيارات:202 ح 4.
7- تهذيب المقال:450/4.

قال:نعم يا بني (1).

و روى صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى: فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ إنّه رأى على ساق العرش أسماء النبيّ و الأئمّة عليهم السّلام فلقّنه جبرائيل:قل يا حميد بحقّ محمّد يا عالي بحقّ علي يا فاطر بحقّ فاطمة يا محسن بحقّ الحسن و الحسين و منك الإحسان،فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه و قال:يا جبرائيل في ذكر الخامس تسيل عبرتي و ينكسر قلبي.

قال:هذا ولدك يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب؛يقتل عطشانا غريبا وحيدا ليس له ناصر و لا معين و لو تراه يا آدم و هو يقول:و اعطشاه و اقلّة ناصراه حتّى يحوّل العطش بينه و بين السماء كالدّخان فلم يجبه أحد إلاّ بالسيوف فيذبح ذبح الشاة من قفاه و ينهب رحله أعداؤه و تشهر رؤوسهم هو و أنصاره في البلدان و معهم النسوان فبكى آدم بكاء الثكلى (2).

و عن أبي عمارة المنشد قال:ما ذكر الحسين بن عليّ عليه السّلام عند أبي عبد اللّه عليه السّلام في يوم فرئي مبتسما في ذلك اليوم إلى الليل (3).

و عن محمّد بن مسلم قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إنّ الحسين عليه السّلام عند ربّه عزّ و جلّ ينظر إلى معسكره و من حوله من الشهداء معه و ينظر إلى زوّاره و هو أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و بدرجاتهم و منزلتهم عند اللّه عزّ و جلّ من أحدكم بولده و أنّه ليرى من يبكيه فيستغفر له و يسأل آباءه عليهم السّلام أن يستغفروا له و يقول:لو يعلم زائري ما أعدّ اللّه له لكان فرحه أكثر من جزعه و أنّ زائره لينقلب و ما عليه من ذنب (4).3.

ص: 150


1- كامل الزيارات:1/214.
2- البحار:245/44 ح 44.
3- كامل الزيارات:214 ح 2.
4- البحار:281/44 ح 13.

و عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«كان عليّ بن الحسين عليه السّلام يقول:

أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السّلام و من معه حتّى تسيل على خده بوأه اللّه في الجنّة غرفا،و أيما مؤمن دمعت عيناه دمعا حتّى تسيل على خده لأذىّ مسّنا من عدونا بوأه اللّه مبوأ صدق،و أيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى يسيل دمعه على خديه من مضاضته ما أوذى فينا؛صرف اللّه عن وجهه الأذى و آمنه يوم القيامة من سخطه و النار». (1)

و عن بكر بن محمّد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينيه دمع مثل جناح بعوضة غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر». (2)

و قال الإمام الرّضا عليه السّلام:يابن شبيب،إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين[بن عليّ]بن أبي طالب عليه السّلام؛فإنّه ذبح كما يذبح الكبش،و قتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيهون (3).

الإمام زين العابدين عليه السّلام:أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السّلام حتّى تسيل على خدّه،بوّأه اللّه بها في الجنّة غرفا يسكنها أحقابا (4).

و قال الإمام عليّ عليه السّلام:كلّ عين يوم القيامة باكية و كلّ عين يوم القيامة ساهرة، إلاّ عين من اختصّه اللّه بكرامته و بكى على ما ينتهك من الحسين و آل محمّد عليهم السّلام (5).

و قال الإمام الصّادق عليه السّلام-في مناجاته بعد صلاته-يا من خصّنا بالكرامة، و وعدنا الشّفاعة...إغفر لي و لإخواني و زوّار قبر أبي الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما...اللّهمّ،إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النّهوض5.

ص: 151


1- تفسير القمّي:191/2.
2- تفسير القمّي:292/2.
3- عيون أخبار الرّضا عليه السّلام:58/299/1.
4- ثواب الأعمال:1/108.
5- الخصال:10/625.

و الشّخوص إلينا خلافا عليهم،فارحم تلك الوجوه الّتي غيّرتها الشّمس،و ارحم تلك الخدود الّتي تقلّبت على قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام،و ارحم تلك الأعين الّتي جرت دموعها رحمة لنا،و ارحم تلك القلوب الّتي جزعت و احترقت لنا،و ارحم تلك الصّرخة الّتي كانت لنا.اللّهمّ إنّي أستودعك تلك الأنفس و تلك الأبدان حتّى ترويهم من الحوض يوم العطش (1).

و روي أنّ اللّه عزّ و جلّ أخبر موسى عليه السّلام إنّ الحسين عليه السّلام تقتله امّة جدّه الطاغية في أرض كربلاء و تنفّر فرسه و تحمحم و تقول في صهيلها الظليمة.الظليمة من امّة قتلت ابن بنت نبيّها فيبقى ملقى على الرّمل من غير غسل و لا كفن و ينهب رحله و تسبى نساؤه في البلدان و يقتل ناصروه و تشهر رؤوسهم على أطراف الرماح،يا موسى صغيرهم يميته العطش و كبيرهم جلده منكمش يستغيثون و لا ناصر، فبكى موسى عليه السّلام ثمّ قال:يا موسى إعلم أنّه من بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرّمت جسده على النار (2).

و عن ابن عبّاس قال:إنّ جبرائيل عليه السّلام جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يخبره بقتل الحسين و هو منشور الأجنحة باكيا صارخا قد حمل من تربته و هو يفوح كالمسك (3).

و روي عن بعض الثقاة:أنّ الحسن و الحسين عليه السّلام دخلا يوم العيد إلى جدّهما صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقالا:يا جدّاه اليوم يوم العيد و قد تزيّن أولاد العرب بألوان اللباس و ليس لنا ثوب جديد فبكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لم يكن عنده ثياب لهما فقال:إلهي اجبر قلبيهما و قلب امّهما فأتى جبرئيل عليه السّلام معه حلّتان بيضاوان من حلل الجنّة ففرح7.

ص: 152


1- البحار:30/8/101.
2- البحار:289/44 ح 29.
3- البحار:237/44 ح 27.

النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا سيّديّ شباب أهل الجنّة خذا أثوابا خاطها خيّاط القدرة.

فلمّا رأيا الخلع بيضاء قالا:يا جدّاه جميع صبيان العرب لا بسون ألوان الثياب، فأطرق النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم متفكّرا فقال جبرئيل:إنّ اللّه يفرح قلوبهما بأيّ لون شاء فأمر يا محمّد بإحضار الطشت و الإبريق و قال:يا رسول اللّه أنا أصبّ الماء و أنت تفركهما بيدك.

فوضع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حلّة الحسن في الطشت،و قال للحسن:بأيّ لون تريد حلّتك؟

فقال:أريدها خضراء ففركها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فاخضرّت كالزبرجد الأخضر فلبسها ثمّ وضع حلّة الحسين عليه السّلام في الطشت و كان له من العمر خمس سنين فقال له:أيّ لون تريد حلتك؟

فقال الحسين عليه السّلام:يا جدّاه أريدها حمراء ففركها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في ذلك الماء فصارت حمراء كالياقوت الأحمر فلبسها الحسين عليه السّلام.

ففرح النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بذلك و توجّها إلى امّهما فرحين،فبكى جبرئيل عليه السّلام لمّا شاهد تلك الحال.

فقال:النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا أخي في مثل هذا اليوم الذي فرح فيه ولداي تبكي فباللّه عليك إلاّ ما أخبرتني.

فقال:إعلم يا رسول اللّه أنّ اختيار ابنيك على اختلاف اللون فلا بدّ للحسن أن يسقوه السمّ و يخضرّلون جسده من عظم السمّ و لا بدّ للحسين أن يقتلوه و يذبحوه و يخضّب بدنه من دمه،فبكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و زاد حزنه لذلك (1).

في الأمالي عن ابن عبّاس قال:كنت مع أمير المؤمنين عليه السّلام في خروجه إلى صفّين،فلمّا نزل بنينوى و هو شط الفرات قال:يا ابن عبّاس أتعرف هذا الموضع؟3.

ص: 153


1- مدينة المعاجز:327/3.

قلت له:ما أعرفه يا أمير المؤمنين،فقال له:لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي،فبكى طويلا حتّى سالت الدموع على صدره و بكينا معا و يقول:أواه أواه مالي و آل أبي سفيان حزب الشيطان،صبرا يا أبا عبد اللّه فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم فتوضّأ و صلّى ثمّ رقد،فلمّا انتبه قال:يابن عبّاس رأيت في منامي كأنّي برجال نزلوا من السماء معهم أعلام بيض قد تقلّدوا سيوفهم و هي بيض تلمع و قد خطّوا حول هذه الأرض،ثمّ رأيت كأنّ هذا النخل قد ضربت بأغصانها إلى الأرض تضطرب بدم عبيط و كأنّي بالحسين فرخي قد غرق فيه يستغيث فيه فلا يغاث و كان الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه و يقولون صبرا آل الرسول، فإنّكم ستقتلون على يدي شرار الناس و هذه الجنّة مشتاقة إليكم ثمّ يعزّونني و يقولون:يا أبا الحسن أبشر فقد أقرّ اللّه عينك يوم يقوم الناس لربّ العالمين.

ثمّ انتبهت و الذي نفس عليّ بيده لقد حدّثني أبو القاسم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّي سأراها في خروجي إلى أهل البغي و هذه أرض كرب و بلاء يدفن فيها الحسين و سبعة عشر رجلا من ولدي و ولد فاطمة و أنّها في السماوات معروفة تذكر أرض كرب و بلاء، يابن عبّاس أطب في حولها بعر الظباء و هي مصفرّة لونها لون الزعفران فطلبتها فوجدتها مجتمعة فناديته قد أصبتها فقام إليها فشمّها و قال:هي هي بعينها هذه الأبعار قد شمّها عيسى،و ذلك إنّه مرّ بها و معه الحواريّون فرأى ها هنا الظبا مجتمعة و هي تبكي فجلس و بكى مع الحواريّين فقالوا؛يا روح اللّه ما يبكيك؟

قال:هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول و فرخ الحرّة الطاهرة شبيهة امّي و هذه الظبا تكلّمني و تقول:إنّها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك و زعمت أنّها آمنة في هذه الأرض ثمّ ضرب بيده إلى هذه البعر فشمّها و قال:هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها،اللّهمّ فابقها حتّى يشمّها أبوه فتكون له عزاء و سلوة،قال:فبقيت إلى يوم الناس هذا و قد اصفرّت لطول زمنها و هذه أرض كرب و بلاء.

ص: 154

ثمّ قال:يا ربّ عيسى لا تبارك في قتله ثمّ بكى بكاء طويلا حتّى سقط لوجهه و غشي عليه،ثمّ أفاق فأخذ البعر فصرّه في ردائه و أمرني أن أصرّها كذلك ثمّ قال:

يابن عبّاس إذا رأيتها تنفجر دما عبيطا و يسيل منها دم عبيط،فاعلم أنّ أبا عبد اللّه قد قتل بها و دفن.

قال ابن عبّاس:فكنت احافظ عليها و لا أحلّها من طرف كمي فبينما أنا نائم في البيت إذ انتبهت فإذا هي تسيل دما عبيطا فجلست و أنا باك و قلت:قد قتل و اللّه الحسين فخرجت عند الفجر فرأيت المدينة كأنّها ضباب لا يستبين منها أثر عين ثمّ طلعت الشمس كأنّها منكسفة و كأنّ حيطان المدينة عليها دم عبيط،فبكيت و سمعت صوتا من ناحية البيت و هو يقول:

أصبروا آل الرسول قتل الفرخ الفحول

نزل الروح الأمين ببكاء و عويل

فأثبت عندي تلك الساعة و كان شهر المحرّم يوم عاشوراء فوجدته قبل ذلك اليوم،فحدّثت بهذا الحديث أولئك الذين كانوا معه فقالوا:و اللّه لقد سمعنا ما سمعت و نحن في المعركة و لا ندري ما هو فكنّا نرى أنّه الخضر عليه السّلام.

و عن عبد اللّه بن نجيّ،عن أبيه أنه سافر مع عليّ بن أبي طالب-و كان صاحب مطهرته-فلما حاذوا نينوى-و هو منطلق إلى صفّين-نادى علي:صبرا أبا عبد اللّه صبرا أبا عبد اللّه بشط الفرات،قلت:و من ذا أبو عبد اللّه قال:دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و عيناه تفيضان،فقلت:يا نبي اللّه أغضبك أحد؟

ما شأن عينيك تفيضان؟

قال:«[بل]قام من عندي جبريل فحدّثني أن الحسين يقتل بشط الفرات،و قال:هل لك أن أشمّك من تربته؟»

ص: 155

قلت:«نعم،فمدّ يده فقبض قبضة فأعطانيها فلم-يعني-أملك عينيّ أن فاضتا» (1).

في الأمالي للمفيد:إنّ امرأة اسمهازرة رأت فاطمة عليها السّلام فيما يرى النائم أنّها وقفت على قبر الحسين عليه السّلام تبكي و أمرتها أن تنشد شعرا:

أيّها العينان فيضا و استهلاّ لا تغيضا و ابكيا بالطف ميّتا

ترك الصدر رضيضا لم أمرضه قتيلا و لا كان مريضا (2)

و في الكافي و غيره عن حريز و قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك ما أقلّ بقاءكم أهل البيت و أقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة هذا الخلق إليكم.

فقال:إنّ لكلّ واحد منّا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدّته فإذا انقضى ما فيها ممّا أمر به عرف أنّ أجله قد حضر و أتاه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ينعي إليه نفسه و أنّ الحسين عليه السّلام قرأ صحيفته التي أعطيها و فسّر له ما يأتي و ما يبقى و بقي منها أشياء لم تنقضي فخرج إلى القتال و كانت تلك الامور التي بقيت أنّ الملائكة سألت اللّه تعالى في نصرته فأذن لهم فمكثت تستعدّ للقتال حتّى قتل فنزلت و قد انقطعت مدّته فقالت الملائكة يا ربّ أذنت لنا في نصرته و قد قبضته إليك،فأوحى إليهم إلزموا قبّته حتى ترونه و قد خرج فانصروه و ابكوا عليه و على ما فاتكم من نصرته فإذا خرج صلوات اللّه عليه يكونون أنصاره (3).

و في كتاب العلل عن الثمالي قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:ألستم كلّكم قائمين بالحقّ؟

قال:بلى.

قلت:فلم سمّي القائم قائما؟1.

ص: 156


1- بغية الطلب:2569/6.
2- مناقب آل أبي طالب:220/3.
3- الكافي:284/1.

قال:لمّا قتل جدّي الحسين عليه السّلام ضجّت الملائكة إلى اللّه عزّ و جلّ بالبكاء و قالوا:

إلهنا أتغفل عمّن قتل صفوتك و ابن صفوتك؟

فأوحى اللّه إليهم قرّوا ملائكتي فو عزّتي و جلالي لأنتقمنّ منهم و لو بعد حين ثمّ كشف اللّه عزّ و جلّ عن الأئمّة من ولد الحسين للملائكة فسرّت الملائكة بذلك فإذا أحدهم قائم يصلّي فقال اللّه عزّ و جلّ بذلك القائم أنتقم منهم (1).

و في كتاب البحار عن هشام بن سعد قال:أخبرني المشيخة أنّ الملك الذي جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أخبره بقتل الحسين عليه السّلام كان ملك البحار و ذلك أنّ ملكا من ملائكة الفردوس نزل على البحر و نشر أجنحته عليها ثمّ صاح صيحة و قال:يا أهل البحار إلبسوا أثواب الحزن فإنّ فرخ الرسول مذبوح ثمّ حمل من تربته في أجنحته إلى السماوات فلم يبق ملك فيها إلاّ شمّها و صار عنده لها أثر و لعن قتلته و أشياعهم و أتباعهم (2).

و في كتاب المحاسن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:و كّل اللّه بقبر الحسين عليه السّلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كلّ يوم شعثا غبرا منذ يوم قتل إلى ما شاء اللّه يعني بذلك قيام القائم (3).

و عنه عليه السّلام قال:إنّ اللّه و كّل بقبر الحسين أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه من طوع الفجر إلى زوال الشمس فإذا زالت الشمس هبط أربعة آلاف ملك و صعد أربعة آلاف فلم يزل يبكونه حتّى يطلع الفجر (4).

و عن صفوان الجمّال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته في طريق المدينة و نحن نريد مكّة مالي أراك حزينا منكسرا؟5.

ص: 157


1- دلائل الإمامة:452 ح 31.
2- مستدرك الوسائل:328/3.
3- تهذيب الأحكام:47/6.
4- مستدرك الوسائل:243/10 ح 25.

فقال:لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مسألتي.

فقلت:و ما الذي تسمع؟

قال:دعاء الملائكة على قتلة أمير المؤمنين و قتلة الحسين و نوح الجنّ و بكاء الملائكة الذين حوله و شدّة جزعهم فمن يتهنأ مع هذا بطعام أو شراب أو نوم (1).

و عن ابن سيرين قال:لم تبك السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلاّ على الحسين بن علي (2).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم رضى اللّه عنه بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال:مرّ عليه رجل عدوّ للّه و رسوله فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ (3).

ثمّ مرّ عليه الحسين عليه السّلام فقال:فقال هذا لتبكين عليه السماء و الأرض و ما بكت السماء و الأرض إلاّ على يحيى بن زكريا و الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما (4).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«مرّ عليه رجل عدو للّه و لرسوله فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ (5).

ثمّ مرّ عليه الحسين بن عليّ عليه السّلام فقال:لكن هذا لتبكينّ عليه السماء و الأرض- و قال:و ما بكت السماء و الأرض إلاّ على يحيى بن زكريا و على الحسين بن عليّ عليه السّلام». (6)

عن الحسن بن الحكم النخعي عن رجل قال:سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة و هو يتلو هذه الآية: «فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إذ خرج عليه الحسين بن عليّ عليه السّلام من بعض أبواب المسجد فقال له:«أمّا هذا سيقتل2.

ص: 158


1- كامل الزيارات:495 ح 1.
2- سير الأعلام:312/3.
3- سورة الدخان:29.
4- مدينة المعاجز:152/4.
5- سورة الدخان:29.
6- تفسير القمّي:291/2.

و تبكي عليه السماء و الأرض». (1)

عن أبي جميلة عن محمّد بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى:

فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ قال:«لم تبك السماء أحدا منذ قتل يحيى بن زكريا حتّى قتل الحسين عليه السّلام فبكت عليه». (2)

عن كثير بن شهاب الحارثي قال:بينا نحن جلوس عند أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة إذ طلع الحسين عليه السّلام فضحك عليّ ضحكا حتّى بدت نواجده ثمّ قال:«إن اللّه ذكر قوما فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليقتلن هذا و لتبكين عليه السماء و الأرض». (3)

و عن داود بن فرقد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«كان الذي قتل الحسين ولد زنى و الذي قتل يحيى بن زكريا ولد زنى و قد احمرّت السماء حين قتل الحسين عليه السّلام سنة.

ثمّ قال:بكت السماء و الأرض على الحسين بن عليّ و يحيى بن زكريا و حمرتها بكاؤها». (4)

و عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إذا قبض اللّه نبيا من الأنبياء بكت عليه السماء و الأرض أربعين سنة و إذا مات العالم العامل بعلمه بكيا عليه أربعين يوما،و أمّا الحسين عليه السّلام فتبكي عليه السماء و الأرض طول الدهر و تصديق ذلك أن يوم قتله قطرت السماء دما،و إن هذه الحمرة التي ترى في السماء ظهرت يوم قتل الحسين عليه السّلام و لم تر قبله أبدا و إن يوم5.

ص: 159


1- كامل الزيارات:2/180.
2- كامل الزيارات:8/182.
3- كامل الزيارات:24/187-21.
4- كامل الزيارات:27/188،بحار الأنوار:213/45.

قتله عليه السّلام لم يرفع حجر في الدنيا إلاّ وجد تحته دم. (1)

الطبرسي عن زرارة بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«بكت السماء على يحيى بن زكريا و على الحسين بن عليّ أربعين صباحا و لم تبك إلاّ عليهما»

قلت:فما بكاؤها؟

قال:«كانت تطلع حمراء و تغيب حمراء». (2)

و روي أنّه لمّا عزم الحسين عليه السّلام على الخروج من المدينة أتته امّ سلمة فقالت:يا بني لا تحزنّي بخروجك إلى العراق فإنّي سمعت جدّك يقول:يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء.

فقال:يا امّاه و أنا و اللّه أعلم ذلك و إنّي مقتول لا محالة و ليس لي من هذا بدّ و إنّي و اللّه لأعرف اليوم الذي اقتل فيه و أعرف من يقتلني و أعرف البقعة التي ادفن فيها و أعرف من يقتل من أهل بيتي و شيعتي و إن أردت يا امّاه أريك حفرتي و مضجعي ثمّ أشار عليه السّلام إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه و مدفنه و موضع عسكره و موقفه و مشهده فبكت امّ سلمة بكاء شديدا و سلّمت أمره إلى اللّه.

فقال لها:يا امّاه قد شاء اللّه عزّ و جلّ أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما و عدوانا و قد شاء أن يرى حرمي و نسائي مشردّين و أطفالي مذبوحين مقيّدين.

فقالت امّ سلمة:عندي تربة دفعها إليّ جدّك في قارورة.

فقال:و اللّه إنّي مقتول كذلك و إن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا.

ثمّ أخذ تربة فجعلها في قارورة و أعطاها إيّاها و قال:إجعليها مع قارورة جدّي فإذا فاضتا دما فاعلمي إنّي قد قتلت (3).1.

ص: 160


1- غاية المرام.
2- مجمع البيان:99/9.
3- الخرائج و الجرائح:253/1.

و عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:أصبحت يوما امّ سلمة(رض)تبكي فقيل لها:ممّ بكاؤك؟

قالت:لقد قتل ابني الحسين الليلة و ذلك إنّني ما رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم منذ مضى إلاّ الليلة رأيته حزينا فسألته.

فقال:ما زلت الليلة أحفر القبور للحسين و أصحابه صلوات اللّه عليه و عليهم السلام و نظرت امّ سلمة ذلك اليوم إلى التربة التي أودعها لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فإذا هي دم تفور فأخذت من ذلك الدم و لطّخت به وجهها و جعلت ذلك اليوم مأتما و مناحة على الحسين عليه السّلام (1).

و قال:و حكي عن رجل أسدي قال:كنت زارعا على نهر العلقمي بعد ارتحال عسكر بني اميّة فرأيت الرياح إذا هبّت تهبّ عليّ مثل روائح المسك و العنبر و إذا سكنت أرى نجوما تهوي من السماء إلى الأرض و نجوما مثلها تصعد إلى السماء و أرى أسدا يأتي من القبلة فإذا أصبح ذهب فقلت:هذه الليلة أرقب هذا الأسد لأرى ما يصنع بهذه الأبدان.

فلمّا غربت الشمس أقبل الأسد يهمهم فخفت منه فرأيته يتخطّى القتلى حتّى وقف على جسد كأنّه الشمس فمرّغ وجهه عليه و هو يهمهم و يدمدم فجعلت أحرسه حتّى جنّ الظلام و إذا بشموع معلّقة و إذا ببكاء و نوح فقصدت الأصوات فإذا هي تحت الأرض و سمعت صوتا يقول:وا حسيناه وا إماماه.

فاقشعرّ جلدي فأقسمت على الباكي و قلت:من أنتم؟

فقال:نساء من الجنّ ننوح على الحسين الذبيح العطشان.

قلت:هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد؟

قال:نعم،و هذا الأسد أبوه عليّ بن أبي طالب،فرجعت و دموعي تجري على1.

ص: 161


1- أمالي الصدوق:202 ح 1.

خدّي (1).

و في بعض كتب المناقب المعتبرة إنّه روي مسندا إلى هند بنت الحون قالت:نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بخيمة خالتها امّ معبد مع أصحابه و كان يوما شديد الحرّ فلمّا قام من نومه دعا بماء فتمضمض و مجّه على عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالتها ثلاث مرّات و توضّأ و صلّى ركعتين و قال لهذه العوسجة شأن،فلمّا كان من الغد علت العوسجة حتّى صارت كأعظم دوحة عادية و قطع اللّه شوكها و كثرت أغصانها و اخضرّ ساقها و ورقها و أثمرت كأعظم ما يكون من الكماة في لون الزعفران و رائحة العنبر و طعم الشهد ما أكل منها جائع إلاّ شبع و لا ظمآن إلاّ روي و لا سقيم إلاّ برئ و لا فقير إلاّ استغنى و لا أكل منها حيوان إلاّ سمن و درّ لبنه و أخصبت تلك البلاد فكانت تسمّى الشجرة المباركة و كان أهل البوادي يستظلّون بها و يتزوّدون من ثمرها في الأسفار فيقوم لهم مقام الطعام و الشراب فلم تزل كذلك حتّى أصبحنا ذات يوم و قد تساقط ثمرها و اصفرّ ورقها فأحزننا ذلك،فما كان إلاّ قليل حتّى جاء نعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فإذا هو قد قبض ذلك اليوم فكانت بعد ذلك تثمر دون ذلك في العظم و الطعم و الرائحة فأقامت على ذلك ثلاثين سنة.

فلمّا كان ذات يوم أصبحنا و إذا بها قد تشوّكت فذهبت نضارة عيدانها و تساقط جميع ثمرها،فما كان إلاّ يسيرا حتّى وافى مقتل أمير المؤمنين فما أثمرت بعد ذلك و انقطع ثمرها و لم نزل نأخذ من ورقها و نداوي مرضانا فأقامت على ذلك برهة طويلة ثمّ أصبحنا ذات يوم فإذا بها قد أينعت من ساقها دما عبيطا جاريا و ورقها زائلة تقطر دما كماء اللحم فبتنا ليلتين مهمومين،فلمّا أظلم الليل علينا سمعنا تحتها صوت باكية تقول،شعرا:

يابن النبيّ و يا ابن الوصيّ و يا من بقيّة ساداتنا الأكرمينا5.

ص: 162


1- مدينة المعاجز:79/3،و البحار:194/45.

فأتانا بعد ذلك قتل الحسين عليه السّلام و يبست الشجرة فكسرتها الرياح و الأمطار و اندرس أثرها و سمع من نوح الجنّ تحتها،شعرا:

يابن الشهيد و يا شهيدا عمّه خير العمومة جعفر الطيّار (1)

و في كتاب البحار روي أنّ هاتفا سمع بالبصرة ينشد ليلا،شعر:

إنّ الرماح الواردات صدورها نحو الحسين تقاتل التنزيلا

و يهلّلون بأن قتلت و إنّما قتلوا بك التكبير و التهليلا

فكأنّما قتلوا أباك محمّدا صلّى عليه اللّه أو جبريلا

و ناحت عليه الجنّ فقالت،شعرا:

لقد جئن نساء الجنّ يبكين شجيّات و يلطمن خدودا كالدنانير نقيّات

و يلبسن ثياب السود بعد القصبيات (2)

و في أمالي المفيد بإسناده إلى شيخ من بني تميم قال:سمعت أبي يقول:ما شعرنا بقتل الحسين عليه السّلام حتّى كان مساء ليلة عاشوراء و إنى لجالس مع رجل إذ سمعنا هاتفا يقول،شعرا:

و اللّه ما جئتكم حتّى بصرت به بالطف منعفر الخدّين منحورا

و حوله فتية تدمى نحورهم مثل المصابيح يملون الدجا نورا

و قد حثثت قلوصي كي اصادفهم من قبل أن تتلاقى الخرد الحورا

فعاقني قدر و اللّه بالغه و كان أمرا قضاه اللّه مقدورا

كان الحسين سراجا يستضاء به اللّه يعلم إنّي لم أقل زورا

صلّى الإله على جسم تضمّنه قبر الحسين حليف الخير مقبورا

مجاورا لرسول اللّه في غرف و للوصيّ و للطيّار مسرورا7.

ص: 163


1- مناقب آل أبي طالب:219/3.
2- مثير الأحزان:87.

فقلنا:أين أنت يرحمك اللّه؟

قال:إنّا جماعة من الجنّ أردنا مواساة الحسين عليه السّلام بأنفسنا فانصرفنا من الحجّ فوجدناه قتيلا (1).

و عن الميثمي قال:خمسة من أهل الكوفة أرادوا نصر الحسين عليه السّلام فنزلوا بقرية يقال لها شاهي فأقبل عليهم رجلان شيخ و شاب فقال الشيخ:أنا رجل من الجنّ و هذا ابن أخي أردنا نصر هذا الرجل المظلوم فقال الشيخ الجنّي:أطير فآتيكم بخبر القوم فغاب يومه و ليلته،فلمّا كان من الغد إذا هم بصوت يسمعونه و لا يرون الشخص و هو يقول:و اللّه ما جئتكم حتّى بصرت به الأبيات السابقة فأجابه رجل، شعرا:

إذهب فلا زال قبر أنت ساكنه إلى القيامة يسقى الغيث ممطورا

و قد سلكت سبيلا كنت سالكه و قد شربت بكأس كان مغرورا

و فتية فرّغوا للّه أنفسهم و فرّقوا المال و الأحباب و الدورا (2)

و عن إبراهيم بن يحيى بن يعقوب أبو سلمة،قال:سمعت الجن تنوح على الحسين يوم قتل،و هنّ يقلن:

أيها القاتلون ظلما حسينا أبشروا بالعذاب و التنكيل

كل أهل السماء يدعو عليكم من نبيّ و مرسل و قتيل

قد لعنتم على لسان ابن داود و موسى و صاحب الأنجيل (3)

عن حبيب بن أبي ثابت،قال:قالت أم سلمة:ما سمعت نوح الجن منذ قضى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ الليلة،و ما أرى ابني إلاّ قد قتل-تعني الحسين-،قالت لجاريتها:أخرجيت.

ص: 164


1- كامل الزيارات:191.
2- كامل الزيارات:191.
3- بغية الطلب:2650/6 و تاريخ الطبري:469/6 و الكامل لابن الأثير:46/4 بتفاوت.

فسلي،فأخبرت أنه قد قتل،و إذا جنّية تنوح:

ألا يا عين فاحتفلي بجهد و من يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا إلى متجبر في ملك عبدي (1)

عن أبي جناب الكلبي،قال:أتيت كربلاء فقلت لرجل من أشراف العرب بها:

بلغني أنكم تسمعون نوح الجن؟قال:ما تلقى حرا و لا عبدا إلاّ أخبرك أنه سمع ذاك، قال[قلت:]و أخبرني ما سمعت أنت؟قال:سمعتهم يقولون: (2)

مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش جدّه خير الجدود (3)

قال:فأجبتهم:

خرجوا به وفدا إليه فهم له شرّ الوفود

قتلوا ابن بنت نبيهم سكنوا به نار الخلود

و عن أحمد بن[محمد]المصقلي،حدّثني أبي قال:لما قتل الحسين بن علي سمع مناديا ينادي ليلا،سمع صوته،و لم ير شخصه:

عقرت ثمود ناقة و استؤصلوا و جرت سوانحهم بغير الأسعد

فبنو رسول اللّه أعظم حرمة و أجلّ من أم الفصيل المقصد

عجبا لهم و لما أتوا لم يمسخوا و اللّه يملي للطغاة الجحّد (4)

و عن ابن أبي غندر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول في البومة هل أحد منكم رآها نهارا؟قيل له:لا تكاد تظهر بالنهار و لا تظهر إلاّ ليلا،قال:أمّا أنّها لم تزل تأوي العمران أبدا،فلمّا أن قتل الحسين عليه السّلام آلت على نفسها أن لا تأوي العمران4.

ص: 165


1- بغية الطلب:2650/6-2651.
2- في سير الأعلام:316/3 عبيد بن جناد.
3- سير الأعلام:316/3-317 و البداية و النهاية:200/8.
4- بغية الطلب:2653/6-2654.

أبدا و لا تأوي إلاّ الخراب فلا تزال نهارها صائمة حزينة حتّى يجنّها الليل فإذا جنّها الليل فلا تزال تنوح على الحسين عليه السّلام حتّى تصبح (1).

و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:إنّ هذه البومة كانت على عهد جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم تأوي المنازل و القصور و الدور و كانت إذا أكل الناس الطعام تطير فتقع أمامهم فيرمى إليها بالطعام و تسقى ثمّ ترجع إلى مكانها و لمّا قتل الحسين عليه السّلام خرجت من العمران إلى الخراب و الجبال و البراري و قالت:بئس الامّة إن قتلتم ابن نبيّكم و لا آمنكم على نفسي (2).

و عنه عليه السّلام:إنّ البومة لتصوم النهار فإذا أفطرت حزنت على الحسين عليه السّلام حتّى تصبح (3).

و روي من طريق أهل البيت عليهم السّلام أنّه لمّا قتل الحسين عليه السّلام بقي في كربلاء صريعا و دمه على الأرض مسفوحا و إذا بطائر أبيض أتى و تمرّغ بدمه و جاء و الدم يقطر منه فرأى طيورا على الأشجار كلّ منهم يذكر الحب و العلف و الماء فقال لهم:

و يلكم تشتغلون بالدّنيا و الحسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ ملقى على التراب مذبوح و دمه مسفوح؟

فصارت الطيور إلى كربلاء فرأوا الحسين على الأرض جثّة بلا رأس و لا غسل و لا كفن عليه التراب و بدنه قد هشّمته الخيل بحوافرها زوّاره الوحوش و الجنّ قد أضاء به التراب و جوّ السماء،فأعلن الطيور بالبكاء و تمرغن في دمه و طار كلّ واحد إلى ناحية يعلم أهلها فقصد طير منها مدينة الرسول فجاء يرفرف و الدم يقطر من أجنحته و دار حول قبر سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قال:ألا قتل الحسين بكربلاء،ألا3.

ص: 166


1- كامل الزيارات:199 ح 1.
2- كامل الزيارات:200 ح 2.
3- كامل الزيارات:200 ح 3.

ذبح الحسين بكربلاء،فاجتمعت عليه الطيور ينوحون.

فلمّا رأى أهل المدينة النوح و تقاطر الدم لم يعلموا ما الخبر حتّى جاءهم بعد أيّام خبر مقتل الحسين عليه السّلام فعلموا أنّ ذلك الطير كان يخبر بقتله.

و قد نقل أنّه في ذلك اليوم الذي جاء به الطير إلى المدينة كان رجل يهودي في المدينة و له بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة مجذومة فجاء ذلك الطائر و الدم يقطر منه و وقع على شجرة يبكي طول ليله و كان اليهودي قد أخرج ابنته إلى خارج المدينة و تركها في البستان الذي وقع فيه الطير فعرض لليهودي عارض فدخل المدينة و بقي ليلته.

و أمّا البنت فبقيت ساهرة على أبيها فسمعت حنين الطير و بكاءه على الشجرة فقطرت من جناح الطير قطرة دم على إحدى عينيها فبرئت و قطرت على الاخرة قطرة فبرئت فقطر على كلّ عضو منها قطرة فعوفيت بإذن اللّه تعالى.

فلمّا أتى أبوها البستان و رآها صحيحة تعجّب من أمرها فأتت به إلى الطير على الشجرة و حكت له قصّة تقاطر الدم.

فقال اليهودي للطير:أقسمت عليك بالذي خلقك أن تكلّمني بقدرة اللّه تعالى، فتكلّم الطير و حكى له قضية الحسين عليه السّلام و قتله بكربلاء و أنّ ذلك الدم من دمه، فأسلم اليهودي مع ابنته و خمسمائة من قومه (1).ط.

ص: 167


1- رياض الأبرار مخطوط.

ثواب البكاء على الحسين و أدب المآتم

الطالقاني،عن أحمد الهمداني،عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه قال:قال الرضا عليه السّلام:من تذكّر مصابنا و بكى لما ارتكب منا،كان معنا في درجتنا يوم القيامة،و من ذكّر بمصابنا فبكى و أبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون،و من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب (1).

محمد الحميري،عن أبيه،عن علي بن محمد بن سالم،عن محمد بن خالد،عن عبد اللّه بن حماد،عن عبد اللّه الاصم،عن مسمع كردين قال:قال لي أبو عبد اللّه:يا مسمع أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين؟

قلت:لا،أنا رجل مشهور من أهل البصرة،و عندنا من يتبع هوى هذا الخليفة، و أعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النصاب و غيرهم،و لست آمنهم أن يرفعوا علي [حالي]عند ولد سليمان فيمثّلون علي.

قال لي:أفما تذكر ما صنع به؟قلت:بلى،قال:فتجزع؟قلت:إي و اللّه و أستعبر لذلك،حتى يرى أهلي أثر ذلك علي،فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي.

قال:رحم اللّه دمعتك أما إنك من الذين يعدّون في أهل الجزع لنا و الذين يفرحون لفرحنا،و يحزنون لحزننا،و يخافون لخوفنا،و يأمنون إذا أمنا أما إنما سترى عند موتك و حضور آبائي لك و وصيتهم ملك الموت بك،و ما يلقونك به من البشارة:ما تقرّ به عينك قبل الموت،فملك الموت أرق عليك و أشد رحمة لك من الام الشفيقة

ص: 168


1- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 1،و أمالي الصدوق المجلس 17 الرقم 4.

على ولدها.

قال:ثم استعبر و استعبرت معه،فقال:الحمد للّه الذي فضّلنا على خلقه بالرحمة و خصّنا أهل البيت بالرحمة.

يا مسمع إن الأرض و السماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا و ما بكى لنا من الملائكة أكثر،و ما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا،و ما بكى أحد رحمة لنا و لما لقينا إلا رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه،فإذا سالت دموعه على خده فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لاطفأت حرّها حتى لا يوجد لها حر.

و إن الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض،و إن الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه،حتى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا،و لم يشق بعدها أبدا و هو في برد الكافور و ريح المسك و طعم الزنجبيل،أحلى من العسل،و ألين من الزبد و أصفى من الدمع،و أذكى من العنبر،يخرج من تسنيم و يمر بأنهار الجنان تجري على رضراض الدر و الياقوت،فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء،يوجد ريحه من مسيرة ألف عام،قدحانه من الذهب و الفضة و ألوان الجوهر،يفوح في وجه الشارب منه كل فائحة،يقول الشارب منه:ليتني تركت ههنا لا أبغي بهذا بدلا، و لا عنه تحويلا.

أما إنك يا كردين ممن تروى منه،و ما من عين بكت لنا إلا نعمت بالنظر إلى الكوثر،و سقت منه من أحبنا فإن الشارب (1)منه ليعطى من اللدة و الطعم و الشهوة له أكثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا.

و إن على الكوثر أمير المؤمنين عليه السّلام و في يده عصا من عوسج،يحطم بهال.

ص: 169


1- و ان الشارب منه ممن أحبنا خ ل.

أعداءنا،فيقول الرجل منهم:إني أشهد الشهادتين!فيقول:إنطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك،فيقول:يتبرّأ مني إمامي الذي تذكره،فيقول:إرجع و راءك فقل للذي كنت تتولاه و تقدّمه على الخلق فاسأله إذ كان عندك خير الخلق أن يشفع لك،فإن خير الخلق حقيق أن لا يرد إذا شفع،فيقول:إني أهلك عطشا:فيقول:زادك اللّه ظمأ،و زادك اللّه عطشا.

قلت:جعلت فداك و كيف يقدر على الدنو من الحوض و لم يقدر عليه غيره؟

قال:ورع عن أشياء قبيحة،و كف عن شتمنا إذا ذكرنا،و ترك أشياء اجترأ عليها غيره،و ليس ذلك لحبنا،و لا لهوى منه،و لكن ذلك لشدة اجتهاده في عبادته و تدينه، و لما قد شغل به نفسه عن ذكر الناس،فأما قلبه فمنافق،و دينه النصب باتباع أهل النصب و ولاية الماضين،و تقدمة لهما على كل أحد (1).

بيان:«الرضراض»الحصا أو صغارها،قوله عليه السّلام"و سقيت":إسناد السقي إليها مجازي لسببيتها لذلك.

عن سعد،عن الجاموراني،عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:إن البكاء و الجزع مكروه للعبد في كل ما جزع،ما خلا البكاء على الحسين بن علي عليهما السّلام فإنه فيه مأجور (2).

محمد بن جعفر الرزاز،عن خاله محمد بن الحسين الزيات،عن محمد بن إسماعيل،عن صالح بن عقبة،عن أبي هارون المكفوف قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل:و من ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على اللّه عز و جل،و لم يرض له بدون الجنة (3).1.

ص: 170


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 31،و المصدر ص 101،و هكذا ما يليه.
2- بحار الأنوار:286/40-294 ح 32،و كامل الزيارات 100.
3- المصدر ص 100 و 101.

عن سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمد،عن حمزة بن علي الاشعري،عن الحسن بن معاوية بن وهب،عمن حدثة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان علي بن الحسين عليه السّلام يقول:و ذكر مثله (1).

القطان و النقاش و الطالقاني جميعا،عن أحمد الهمداني،عن ابن فضال،عن أبيه قال:قال الرضا عليه السّلام:من تذكر مصابنا فبكى و أبكى لم تبك إلى آخر الخبر (2).

أبي،عن بكر بن محمد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر (3).عن المفيد،عن ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد،عن البرقي،عن سليمان بن مسلم الكندي،عن ابن غزوان،عن عيسى بن أبي منصور،عن أبان بن تغلب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نفس المهموم لظلمنا تسبيح،و همّه لنا عبادة و كتمام سرنا جهاد في سبيل اللّه.

ثم قال أبو عبد اللّه:يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب (4).

ابن الوليد،عن الصفار،عن ابن عيسى،عن محمد البرقي،عن أبان الاحمر،عن محمد بن الحسين الخزاز،عن ابن خارجة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كنا عنده فذكرنا الحسين بن علي عليه السّلام و على قاتله لعنة اللّه فبكى أبو عبد اللّه عليه السّلام و بكينا قال:

ثم رفع رأسه فقال:قال الحسين بن علي عليه السّلام:أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى،و ذكر الحديث (5).

السعد آبادي،عن البرقي،عن أبيه،عن ابن مسكان،عن ابن خارجة،عن أبي9.

ص: 171


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 33.
2- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 2،و عيون أخبار الرضا ج 1 ص 294.
3- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 3،و تفسير القمي ص 616.
4- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 4.
5- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 5،و راجع كامل الزيارات ص 108 و 109.

عبد اللّه عليه السّلام قال:قال الحسين بن علي:أنا قتيل العبرة قتلت مكروبا،و حقيق على [اللّه]أن لا يأتيني مكروب[قط]إلا ردّه اللّه أو أقلبه إلى أهله مسرورا (1).

عن حكيم بن داود،عن سلمة،عن محمد بن عمرو،عن ابن خارجة مثله (2).

بيان:قوله:«أنا قتيل العبرة»أي قتيل منسوب إلى العبرة و البكاء،و سبب لها، أو أقتل مع العبرة و الحزن و شدة الحال،و الأول أظهر.

المفيد،عن الجعابي،عن ابن عقدة،عن أحمد بن عبد الحميد عن محمد بن عمرو ابن عتبة،عن الحسين الاشقر،عن محمد بن أبي عمارة الكوفي قال:سمعت جعفر ابن محمد عليهما السّلام يقول:من دمعت عينه فينا دمعة لدم سفك لنا أو حق لنا نقصناه،أو عرض انتهك لنا،أو لاحد من شيعتنا،بوأه اللّه تعالى بها في الجنة حقبا (3).

الجعابي مثله.

المفيد،عن أبي عمرو عثمان الدقاق،عن جعفر بن محمد بن مالك،عن أحمد بن يحيى الاودي،عن مخول بن إبراهيم،عن الربيع بن المنذر،عن أبيه،عن الحسين ابن علي عليهما السّلام قال:ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوّأه اللّه بها في الجنة حقبا.

قال أحمد بن يحيى الاودي:فرأيت الحسين بن علي عليهما السّلام في المنام فقلت:حدثني مخول بن إبراهيم،عن الربيع بن المنذر،عن أبيه،عنك أنك قلت:ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوّأه اللّه بها في الجنة حقبا؟

قال:نعم،قلت:سقط الإسناد بيني و بينك (4).

بيان:الحقب كناية عن الدوام قال الفيروز آبادي:الحقبة بالكسر من الدهر مدة لا2.

ص: 172


1- راجع كامل الزيارات ص 108 و 109.
2- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 6.
3- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 7،و أمالي الشيخ الطوسي:ص 121.
4- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 9،و كتاب المجالس:ص 72.

وقت لها،و السنة و الجمع كعنب و حبوب و[الحقب]بالضم و بضمتين ثمانون سنة أو أكثر و الدهر و السنة و السنون و الجمع أحقاب و أحقب.

عن المفيد،عن ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد،عن ابن عيسى،عن ابن محبوب، عن أبي محمد الانصاري،عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كل الجزع و البكاء مكروه،سوى الجزع و البكاء على الحسين عليه السّلام.

أبي،و علي بن الحسين و ابن الوليد،جميعا،عن سعد،عن ابن عيسى،عن سعيد بن جناح،عن أبي يحيى الحذاء،عن بعض أصحابه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

نظر أمير المؤمنين إلى الحسين عليهما السّلام فقال:يا عبرة كل مؤمن،فقال:أنا يا أبتاه؟

فقال:نعم،يا بني (1).

جماعة مشايخي،عن محمد العطار،عن الحسين بن عبيد اللّه،عن ابن أبي عثمان،عن الحسن بن علي بن عبد اللّه،عن أبي عمارة المنشد قال:ما ذكر الحسين ابن علي عند أبي عبد اللّه في يوم قط فرئي أبو عبد اللّه عليه السّلام متبسما في ذلك اليوم إلى الليل،و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يقول:الحسين عبرة كل مؤمن.

محمد بن جعفر،عن ابن أبي الخطاب،عن الحسن بن علي،عن ابن أبي عمير عن علي بن المغيرة،عن أبي عمارة مثله إلى قوله:في ذلك اليوم و الليل (2).

أبي،عن سعد،عن الخشاب،عن محمد بن سنان،عن إسماعيل بن جابر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال الحسين عليه السّلام:أنا قتيل العبرة (3).

المفيد،عن الحسين بن محمد النحوي،عن أحمد بن مازن،عن القاسم بن سليمان،عن بكر بن هشام،عن إسماعيل بن مهران،عن الاصم،عن محمد بن2.

ص: 173


1- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 10،و المصدر ب 36 تحت الرقم 1 و ما بعده الرقم 2 و 4.
2- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 11.
3- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 12.

مسلم قال:سمعت أبا عبد اللّه يقول:إن الحسين بن علي عند ربه عز و جل ينظر إلى معسكره و من حوله من الشهداء معه،و ينظر إلى زواره،و هو أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و بدرجاتهم و منزلتهم عند اللّه عز و جل من أحدكم بولده و إنه ليرى من يبكيه فيستغفر له و يسأل آباءه عليهم السلام أن يستغفروا له، و يقول:لو يعلم زائري ما أعد اللّه له لكان فرحه أكثر من جزعه،و إن زائره لينقلب و ما عليه من ذنب (1).

أبي،عن ابن محبوب،عن العلا،عن محمد،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان علي بن الحسين عليهما السّلام يقول:أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خده بوّأه اللّه بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا،و أيما مؤمن دمعت عيناه دمعا حتى يسيل على خده لأذى مسنّا من عدونا في الدنيا بوّأه اللّه مبوّأ صدق في الجنة،و أيما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خديه من مضاضة ما اوذي فينا صرف اللّه عن وجهه الأذى و آمنه يوم القيامة من سخطه و النار (2).

عن الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى،عن أبيه،عن ابن محبوب مثله (3).

عن ابن المتوكل،عن الحميري،عن أحمد و عبد اللّه ابني محمد بن عيسى عن ابن محبوب مثله (4).

أقول:روى السيد بن طاوس هذا الخبر مرسلا و فيه مكان دمعت أولا"ذرفت" و فيه:أيما مؤمن مسّه أذى فينا صرف اللّه عن وجهه الأذى و آمنه يوم القيامة من0.

ص: 174


1- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 13،و أمالى الشيخ ص:34.
2- تفسير القمي ص 616،ثواب الأعمال ص 47،كامل الزيارات ص 100.
3- تفسير القمي ص 616،ثواب الأعمال ص 47،كامل الزيارات ص 100.
4- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 13،و تفسير القمي ص 616،ثواب الأعمال ص 47،كامل الزيارات ص 100.

سخط النار.

بيان:المضاضة بالفتح وجع المصيبة و ذرفت عينه سال دمعها.

ابن سعد،عن الازدي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لفضيل:تجلسون و تحدّثون؟

قال:نعم جعلت فداك قال:إن تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا يا فضيل!فرحم اللّه من أحيى أمرنا،يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت أكثر من زبد البحر (1).

عن العطار،عن أبيه،عن الاشعري،عن اللؤلؤي،عن ابن أبي عثمان عن علي بن المغيرة،عن أبي عمارة المنشد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لي:يا أبا عمارة أنشدني،في الحسين بن علي قال:فأنشدته فبكى ثم أنشدته فبكى قال:فو اللّه ما زلت أنشده و يبكي حتى سمعت البكاء من الدار.

قال:فقال:يا أبا عمارة من أنشد في الحسين بن علي شعرا فأبكى خمسين فله الجنة،و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى ثلاثين فله الجنة،و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى عشرين فله الجنة،و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى عشرة فله الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى واحدا فله الجنة،و من أنشد في الحسين شعرا فبكى فله الجنة،و من أنشد في الحسين شعرا فتباكى فله الجنة (2).

عن ماجيلويه،عن محمد العطار،عن الأشرعي مثله (3).5.

ص: 175


1- رواه في مقدمة كتابه الملهوف تراه في ص 302 من طبع الكمبانى في ذيل البحار المجل، و قرب الإسناد:ص 26 د العاشر.
2- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 15،و أمالي الصدوق:المجلس 29 الرقم 6 ثواب الأعمال:ص 47،كامل الزيارات ص 105..
3- أمالي الصدوق:المجلس 29 الرقم 6 ثواب الأعمال:ص 47،كامل الزيارات ص 105.

عن محمد بن جعفر،عن محمد بن الحسين،عن ابن أبي عثمان مثله (1).

نصر بن الصباح،عن ابن عيسى،عن يحيى بن عمران،عن ممد بن سنان،عن زيد الشحام،قال:كنا عند أبي عبد اللّه و نحن جماعة من الكوفيين فدخل جعفر بن عفان (2)على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقرّ به و أدناه ثم قال:يا جعفر،ثم قال:يا جعفر و اللّه لقد شهدت ملائكة اللّه المقرّبون ههنا يسمعون قولك في الحسين عليه السّلام و لقد بكوا كما بكينا و أكثر،و لقد أوجب اللّه تعالى لك يا جعفر في ساعته (3)الجنة بأسرها، و غفر اللّه لك.

فقال:يا جعفر ألا أزيدك؟

قال:نعم يا سيدي قال:ما من أحد قال في الحسين شعرا فبكى و أبكى به إلا أوجب اللّه له الجنة و غفر له (4).

عن ابن مسرور،عن ابن عامر،عن عمه،عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قال الرضا عليه السّلام:إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا،و هتكت فيه حرمتنا،و سبي فيه ذرارينا و نساؤنا،و أضرمت النيران في مضاربنا،و انتهب ما فيها من ثقلنا،و لم ترع لرسول اللّه حرمة في أمرنا.

الرجال:جعفر بن عفان الطائى،ثم بعد ما روى هذا الحديث عن الكشى قال:

و روى الأغانى عن محمد بن يحيى بن أبي مرة التغلبى قال:مررت بجعفر بن7.

ص: 176


1- أمالي الصدوق:المجلس 29 الرقم 6 ثواب الأعمال:ص 47،كامل الزيارات ص 105.
2- عنونه ابن داود في رجاله و قال:جعفر بن عثمان الطائى شاعر أهل البيت:ثم أشار إلى هذا الحديث المروى في الكشى ص 187 و قال:ممدوح.و عنونه في قاموس قال:لبيك!جعلني الله فداك قال:بلغني أنك تقول الشعر في الحسين و تجيد،فقال له:نعم جعلني الله فداك،قال:قل! فأنشده صلى الله عليه فبكى و من حوله،حتى صارت الدموع على وجهه و لحيته.
3- في ساعتك خ ظ.كما في الوسائل ب 104 من أبواب المزار تحت الرقم 1.
4- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 16،و رجال الكشي ص 187.

عثمان الطائى يوما و هو على باب منزله،فسلّمت عليه فقال لي:مرحبا يا أخا تغلب إجلس!فجلست فقال لي:أما تعجب من ابن ابى حفصة لعنه اللّه حيث يقول:

أنى يكون و ليس ذاك بكائن لبني البنات وراثة الأعمام

فقلت:بلى و اللّه أنى لأتعجب منه و أكثر اللعن عليه فهل قلت في ذلك شيئا فقال:

نعم قلت:

لم لا يكون و ان ذاك لكائن لبني البنات وراثة الأعمام

للبنت نصف كامل من ماله و العم متروك بغير سهام

ما للطليق و للتراث و إنما صلّى الطليق مخافة الصمصام

إن يوم الحسين أقرح جفوننا،و أسبل دموعنا،و أذل عزيزنا بأرض كرب و بلاء، أورثتنا الكرب و البلاء إلى يوم الإنقضاء،فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام.

ثم قال عليه السّلام:كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا و كانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام،فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه و بكائه و يقول:هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلى اللّه عليه (1).

الطالقاني،عن أحمد الهمداني،عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه،عن الرضا عليه السّلام قال:من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه له حوائج الدنيا و الآخرة،و من كان يوم عاشوراء يوم مصيبته و حزنه و بكائه،جعل اللّه عز و جل يوم القيامة يوم فرحه و سروره،و قرّت بنا في الجنان عينه،و من سمّى يوم عاشورا يوم بركة و ادّخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادّخر،و حشر يوم القيامة مع يزيد و عبيد اللّه بن زياد و عمر بن سعد لعنهم اللّه إلى أسفل درك من4.

ص: 177


1- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 17،و أمالي الصدوق المجلس 27 الرقم 2 و الذى يأتى بعده تحت الرقم 4.

النار (1).

ابن إدريس،عن أبيه،عن ابن أبي الخطاب،عن الحكم بن مسكين[الثقفي]عن أبي بصير،عن الصادق،عن آبائه عليهم السلام قال:قال أبو عبد اللّه الحسين بن علي عليهما السّلام:أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر (2).

عن محمد بن جعفر،عن محمد بن الحسين،عن الحكم بن مسكين مثله (3).

عن أبي عن سعد،عن الخشاب،عن إسماعيل بن مهران،عن علي بن أبي حمزة،عن أبي بصير مثله (4).

حكيم بن داود،عن سلمة،عن ابن يزيد،عن ابن أبي عمير،عن بكر بن محمد، عن فضيل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من ذكرنا عنده ففاضت عيناه و لو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر (5).

محمد بن عبد اللّه،عن أبيه،عن البرقي،عن أبيه،عن بكر بن محمد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله (6).

عن حكيم بن داود،عن سلمة،عن الحسن بن علي،عن العلا،عن محمد،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين دمعة حتى تسيل على خده بوّأه اللّه بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا (7).

حكيم بن داود،عن سلم،عن علي بن سيف،عن بكر بن محمد عن فضيل بن4.

ص: 178


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 18.
2- أمالي الصدوق المجلس 28 الرقم 7.
3- المصدر ص 108:ب 36 تحت الرقم 4 إلى قوله«أنا قتيل العبرة».
4- بحار الأنوار:286/40-294 ح 19،و المصدر تحت الرقم 3.
5- المصدر ص 103 و 104.
6- بحار الأنوار:286/40-294 ح 20.
7- بحار الأنوار:286/40-294 ح 21،و كامل الزيارات؟ص 104.

فضالة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرّم اللّه وجهه على النار (1).

ما جيلويه،عن علي،عن أبيه،عن الريان بن شبيب قال:دخلت على الرضا عليه السّلام في أول يوم من المحرم فقال لي:يا ابن شبيب أصائم أنت فقلت:لا،فقال:إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعى فيه زكريا ربه عز و جل فقال: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (2)فاستجاب اللّه له و أمر الملائكة فنادت زكريا و هو قائم يصلّي في المحراب أن اللّه يبشّرك بيحيى،فمن صام هذا اليوم ثم دعى اللّه عز و جل استجاب اللّه له كما استجاب لزكريا عليه السّلام.

ثم قال:يا ابن شبيب إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرّمون فيه الظلم و القتال لحرمته،فما عرفت هذه الامة حرمة شهرها و لا حرمة نبيها،لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته،و سبوا نساءه،و انتهبوا ثقله،فلا غفر اللّه لهم ذلك أبدا.

يا ابن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام فإنه ذبح كما يذبح الكبش،و قتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا،مالهم في الأرض شبيهون،و لقد بكت السماوات السبع و الارضن لقتله،و لقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره،فوجدوه قد قتل،فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم،فيكونون من أنصاره،و شعارهم"يا لثارات الحسين".

يا ابن شبيب لقد حدثني أبي،عن أبيه،عن جده أنه لما قتل جدي الحسين أمطرت السماء دما و ترابا أحمر،يا ابن شبيب إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر اللّه لك كل ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا،قليلا كان أو8.

ص: 179


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 22،و المصدر:ص 104.
2- سورة آل عمران:38.

كثيرا.

يا ابن شبيب إن سرّك أن تلقى اللّه عز و جل و لا ذنب عليك،فزر الحسين عليه السّلام،يا ابن شبيب إن سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي صلّى اللّه عليه و اله فالعن قتلة الحسين.

يا ابن شبيب إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متى ما ذكرته«يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما».

يا ابن شبيب إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان،فاحزن لحزننا،و افرح لفرحنا،و عليك بولايتنا،فلو أن رجلا تولّى حجرا لحشره اللّه معه يوم القيامة (1).

محمد بن جعفر،عن محمد بن الحسين،عن ابن أبي عمير،عن عبد اللّه بن حسان،عن[ابن]أبي شعبة،عن عبد اللّه بن غالب قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأنشدته مرثية الحسين بن علي عليهما السّلام فلما انتهيت إلى هذا الموضع:

لبلية تسقو حسينا بمسقاة الثرى غير التراب

صاحت باكية من وراء الستر:يا أبتاه (2).

عن ابن الوليد،عن الصفار،عن ابن أبي الخطاب،عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة،عن أبي هارون المكفوف قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لي:

أنشدني،فأنشدته فقال:لا،كما تنشدون و كما ترثيه عند قبره،فأنشدته أمرر على جدث الحسين فقل لاعظمه الزكية.

قال:فلما بكى أمسكت أنا فقال:مر فمررت،قال:ثم قال:زدني[زدني]قال:

فأنشدته:5.

ص: 180


1- أمالي الصدوق المجلس 27 الرقم 5،عيون أخبار الرضا ج 1 ص 299.
2- بحار الأنوار:286/40-294 ح 24،و كامل الزيارات ص 105.

يا مريم قومي و اندبي مولاك و على الحسين فاسعدي ببكاك

قال:فبكى و تهايج النساء قال:فلما أن سكتن قال لي:يا أبا هارون من أنشد في الحسين فأبكى عشرة[فله الجنة]ثم جعل ينتقص واحدا واحدا حتى بلغ الواحد فقال:من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنة ثم قال:من ذكره فبكى فله الجنة.

و روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لكل سر ثواب إلا الدمعة فينا (1).

بيان:لعل المعنى أن أسرار كل مصيبة و الصبر عليها موجب للثواب إلا البكاء عليهم،و يحتمل أن يكون تصحيف شيء (2)أي لكل شيء من الطاعة ثواب مقدر إلا الدمعة فيهم فإنه لا تقدير لثوابها.

الاربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السّلام:إن اللّه تبارك و تعالى اطلع إلى الأرض فاختارنا،و اختار لنا شيعة ينصروننا،و يفرحون لفرحنا،و يحزنون لحزننا و يبذلون أموالهم و أنفسهم فينا،أولئك منا و إلينا.

عن ابن إدريس،عن أبيه،عن الفزاري،عن محمد بن الحسين بن زيد عن محمد بن زياد،عن أبي الجارود،عن ابن جبير،عن ابن عباس قال:قال علي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يا رسول اللّه إنك لتحب عقيلا؟

قال:إي و اللّه إني لأحبه حبين:حبا له و حبا لحب أبي طالب له و إن ولده لمقتول في محبة ولدك،فتدمع عليه عيون المؤمنين،و تصلّي عليه الملائكة المقرّبون،ثم بكى رسول اللّه حتى جرت دموعه على صدره ثم قال:إلى اللّه أشكو ما تلقى عترتي من بعدي (3).3.

ص: 181


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 26،و كامل الزيارات ص 106.
2- كما هو مثبت في المصدر و قد نقله في الوسائل ب 104 من أبواب المزار تحت الرقم 6 كذلك.
3- المصدر المجلس 27 تحت الرقم 3.

قال ابن طاوس:روي عن آل الرسول عليهم السلام أنهم قالوا:من بكى و أبكى فينا مائة فله الجنة،و من بكى و أبكى خمسين فله الجنة،و من بكى و أبكى ثلاثين فله الجنة،و من بكى و أبكى عشرين فله الجنة،و من بكى و أبكى عشرة فله الجنة، و من بكى و أبكى واحدا فله الجنة،و من تباكى فله الجنة (1).

أبي،عن سعد،عن ابن أبي الخطاب،عن محمد بن إسماعيل،عن صالح بن عقبة،عن أبي هارون المكفوف قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا أبا هارون أنشدني في الحسين عليه السّلام قال:فأنشدته قال:فقال لي:أنشدني كما تنشدون يعني بالرقة، قال:فأنشدته[شعر]:

أمرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكيه.

قال:فبكى ثم قال:زدني،فأنشدته القصيدة الأخرى،قال:فبكى و سمعت البكاء من خلف الستر.

قال:فلما فرغت قال:يا أبا هارون من أنشد في الحسين شعرا فبكى و أبكى عشرة كتبت له الجنة،و من أنشد في الحسين شعرا فبكى و أبكى خمسة كتبت لهم الجنة،و من أنشد في الحسين شعرا فبكى و أبكى واحدا كتبت لهما الجنة و من ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدمع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على اللّه عز و جل،و لم يرض له بدون الجنة (2).

عن محمد بن جعفر،عن ابن أبي الخطاب مثله.

بيان:الرقة بالفتح بلدة على الفرات واسطة ديار ربيعة و آخر غربي بغداد و قرية4.

ص: 182


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 27،و كتاب الملهوف طبع الكمبانى بذيل العاشر من البحار ص 302.
2- بحار الأنوار:286/40-294 ح 28،و ثواب الأعمال ص 47.كامل الزيارات ص 100 و 104.

أسفل منها بفرسخ ذكره الفيروز آبادي (1).

عن ابن المتوكل،عن محمد العطار،عن الأشعري،عن محمد بن الحسين،عن محمد بن إسماعيل،عن صالح بن عقبة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أنشد في الحسين بيتا من شعر فبكى و أبكى عشرة فله،و لهم الجنة و من أنشد في الحسين بيتا فبكى و أبكى تسعة فله و لهم الجنة،فلم يزل حتى قال:و من أنشد في الحسين بيتا فبكى و أظنه قال أو تباكى فله الجنة (2).

عن محمد بن جعفر،عن محمد بن الحسين،عن محمد بن إسماعيل مثله.

عن محمد بن أحمد بن الحسين العسكري،عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه،عن محمد بن سنان،عن محمد بن إسماعيل مثله (3).

ابن يزيد،عن ابن أبي عمير،عن بكر بن محمد،عن الفضيل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من ذكرنا عنده ففاضت عيناه و لو مثل جناح الذباب غفر اللّه له ذنوبه و لو كان مثل زبد البحر (4).

حكيم بن داود بن حكيم،عن سلمة،عن بكار بن أحمد القسام و الحسن بن عبد الواحد،عن مخول بن إبراهيم،عن الربيع بن المنذر،عن أبيه قال:سمعت علي ابن الحسين عليه السّلام يقول:من قطرت عيناه فينا قطرة،و دمعت عيناه فينا دمعة بوّأه اللّه بها في الجنة حقبا (5).

أبي،عن سعد،عن محمد بن الحسين،عن محمد بن عبد اللّه بن زرارة عن عبد اللّه ابن عبد الرحمان الأصم،عن عبد اللّه بن بكير قال:حججت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام في1.

ص: 183


1- و لعل المراد:رقة القلب و حالة الرثاء.
2- ثواب الأعمال ص 48 و كامل الزيارات 105 و 106.
3- بحار الأنوار:286/40-294 ح 29.
4- بحار الأنوار:286/40-294 ح 30،و المحاسن ص 63.
5- بحار الأنوار:286/40-294 ح 34،و كامل الزيارات ص 101.

حديث طويل فقلت:يا ابن رسول اللّه لو نبش قبر الحسين بن علي عليهما السّلام هل كان يصاب في قبره شيء؟

فقال:يا ابن بكير ما أعظم مسائلك إن الحسين بن علي عليه السّلام مع أبيه و امه و أخيه في منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و معه يرزقون و يحبرون،و إنه لعن يمين العرش متعلق به،يقول:يا رب أنجز لي ما وعدتني و إنه لينظر إلى زوراه فهو أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و ما في رحالهم من أحدهم بولده،و إنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له و يسأل أباه الإستغفار له و يقول:أيها الباكي لو علمت ما أعد اللّه لك لفرحت أكثر مما حزنت و إنه ليستغفر له من كل ذنب و خطيئة (1).

أبي،عن ابن أبان،عن الاهوازي،عن عبد اللّه بن المغيرة عن الأصم مثله (2).

أقول:رأيت في بعض تأليفات بعض الثقاة من المعاصرين:روي أنه لما أخبر النبي صلّى اللّه عليه و اله ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين و ما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاء شديدا،و قالت:يا أبت متى يكون ذلك؟

قال:في زمان خال مني و منك و من علي،فاشتد بكاؤها و قالت:يا أبت فمن يبكي عليه؟و من يلتزم باقامة العزاء له؟.

فقال النبي:يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي،رجالهم يبكون على رجال أهل بيتي،و يجددون العزاء جيلا،بعد جيل،في كل سنة فإذا كان يوم القيامة تسفعين أنت للنساء و أنا أشفع للرجال و كل من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده و أدخلناه الجنة.

يا فاطمة!كل عين باكية يوم القيامة،إلا عين بكت على مصاب الحسين فانها6.

ص: 184


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 35،و المصدر ص 103.و ترى الحديث بطوله في ص 326 329 باب النوادر الرقم 2.
2- بحار الأنوار:286/40-294 ح 36.

ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة.

أقول:سيأتي بعض الأخبار في ذلك في باب بكاء السماء و الأرض عليه عليه السّلام (1).

و رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا أنه حكي عن السيد علي الحسيني قال:كنت مجاورا في مشهد مولاي علي بن موسى الرضا عليها السّلام مع جماعة من المؤمنين،فلما كان اليوم العاشر من شهر عاشوراء ابتدأ رجل من أصحابنا يقرأ مقتل الحسين عليه السّلام فوردت رواية عن الباقر عليه السّلام أنه قال:من ذرفت عيناه على مصاب الحسين و لو مثل جناح البعوضة غفر اللّه له ذنوبه،و لو كانت مثل زبد البحر.

و كان في المجلس معنا جاهل مركّب يدّعي العلم،و لا يعرفه،فقال:ليس هذا بصحيح و العقل لا يعتقده (2)و كثر البحث بيننا و افترقنا عن ذلك المجلس،و هو مصرّ على العناد في تكذيب الحديث،فنام ذلك الرجل تلك الليلة فرأى في منامه كأن القيامة قد قامت،و حشر الناس في صعيد صفصف لا ترى فيها عوجا و لا أمتا و قد نصبت الموازين،و امتد الصراط،و وضع الحساب،و نشرت الكتب،و أسعرت النيران،و زخرفت الجنان،و اشتد الحر عليه،و إذا هو قد عطش عطشا شديدا و بقي يطلب الماء،فلا يجده،فالتفت يمينا و شمالا و إذا هو بحوض عظيم الطول و العرض.

قال:قلت في نفسي:هذا هو الكوثر فإذا فيه ماء أبرد من الثلج و أحلى من العذب، و إذا عند الحوض رجلان و امرأة أنوارهم تشرق على الخلائق،و مع ذلك لبسهمم.

ص: 185


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 37.
2- توهّم الجهال أن لهذه الأحاديث إطلاقا يشمل كل ظرف و زمان،فأنكرها بعض أشد الانكار، و قال لو صوح هذه الأحاديث لأتى على بنيان المذهب و قواعده،و لأدى إلى تعطيل الفرائض و الأحكام،و ترك الصلاة و الصيام كما نرى الفساق و الفجار يتكلون في ارتكاب السيئات و الاقتحام في جرائمهم الشنيعة على ولاء الحسين و محبته،و البكاء عليه من دون أن ينتهوا عن ظلمهم و غيهم و اعتسافهم.

السواد و هم باكون محزونون فقلت:من هؤلاء؟فقيل لي:هذا محمد المصطفى، و هذا الامام علي المرتضى،و هذه الطاهرة فاطمة الزهراء فقلت:ما لي أراهم لا بسين السواد و باكين و محزونين؟فقيل لي:أليس هذا يوم عاشوراء،يوم مقتل الحسين؟فهم محزونون لأجل ذلك.

قال:فدنوت إلى سيدة النساء فاطمة و قلت لها:يا بنت رسول اللّه إني عطشان، فنظرت إلي شزرا و قالت لي:أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب ولدي الحسين و مهجة قلبي و قرة عيني الشهيد المقتول ظلما و عدوانا؟لعن اللّه قاتليه و ظالميه و مانيعه من شرب الماء؟

قال الرجل:فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا و استغفرت اللّه كثيرا،و ندمت على ما كان مني و أتيت إلى أصحابي الذين كنت معهم،و خبّرت برؤياي،و تبت إلى اللّه عز و جل...

فمن كان يبكى على الحسين أو يرثيه أو يزوره في ذاك الظرف لم يكن فعله ذلك حسرة و عزاء و تسلية فقط،بل محاربة لأعداء الدين و جهادا في سبيل اللّه مع ما يقاسونه من الجهد و البلاء و التشريد و التنكيل فحق على اللّه أن يثيب المجاهد في سبيله و يرزقه الجنة بغير حساب.

ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ و لا نصب و لا مخمصة في سبيل اللّه،و لا يطأون موطئا بغيظ الكفار و لا ينالون من عدو نيلا الاكتب لهم به عمل صالح إن اللّه لا يضيع أجر المحسنين.ففى مثل ذاك الزمان كما رأينا قبل عشرين سنة في ايران لم يكن ليبكى على الحسين و ينشد فيه الرثاء إلا كل مؤمن و في،أهل التقوى و اليقين، لما في ذلك من العذاب و التنكيل،لا كل فاسق و شارب حتى يستشكل في الأحاديث.

بل كان هؤلاء الفساق في ذاك الظرف مستظهرين بسلطان بنى أمية،منحازين إلى الفئة الباغية يتجسسون خلال الديار ليأخذوا على أيدي الشيعة،و يمنعوهم من إحياء ذكر الحسين،كما اقتحموا دار أبي عبد اللّه الصادق بعد ما سمعوا صراخ

ص: 186

الويل و البكاء من داره عليه السّلام.

و أما في زمان لا محاربة بين أهل البيت و أعدائهم كزماننا هذا فلا يصدق على ذكر الحسين و البكاء عليه عنوان الجهاد،كما أنه لا يلقى ذاكر الحسين إلا الذكر الجميل و الثناء الحسن.بل يأخذ بذلك أجرة،و الباكي على الحسين يشرّف و يكرم و يقال له:قدمت خير مقدم و يقدّم إليه ما يشرب و يتفكه.

فليس هذه الأحاديث إلا موضوعة من قبل الغلاة،و دسّهم في أخبار أهل البيت، ترويجا لمرامهم الفاسد،و مسلكهم في أن ولاء أهل البيت إنما هو محبتهم،لا الدخول تحت سلطانهم و أمرهم و نهيهم على ما هو الصحيح من معنى الولاية.

و بعضهم الآخر الذين يروون الحديث و لا يعقلون فيه و لا يتدبرون أخذ بالاطلاق،و ادعى أن"من بكى على الحسين أو أبكى أو تباكى فله الجنة"حتى في زماننا هذا و عصرنا كائنا من كان،ثم شد على المنكرين بأنهم كفروا و خرجوا عن المذهب و لم يعرفوا الائمة حق معرفتهم و...ثم إذا ألزم بالإشكال أخذ في تأويل الأحاديث و أخرجها عن معانيها و مغزاها،أو سرد في الجواب بعض الأقاصيص و الرؤى.

و الحق أن هذه الأحاديث بين صحاح و حسان و ضعاف مستفيضة بل متواترة لا تتطرق اليها يد الجرح و التأويل،لكنها صدرت حينما كان ذكر الحسين،و البكاء عليه و زيارته،و رثاؤه،و انشاد الشعر فيه،إنكارا للمنكر،و مجاهدة في ذات اللّه، و محاربة مع أعداء اللّه:بنى أمية الظالمة الغشوم،و هدما لأساسهم،و تقبيحا و تنفيرا من سيرتهم الكافرة بالقرآن و الرسول.

و لذلك كانت الائمة عليهم السلام يرغّبون الشيعة في ذلك الجهاد المقدس بإعلاء كلمة الحسين و إحياء أمره بأي نحو كان بالرثاء و المديح و الزيارة و البكاء عليه،و فى مقابلهم بنو أمية تعرج على إماتة ذكر الحسين،و يمنع من زيارته و رثائه و البكاء عليه فمن وجدوه يفعل شيئا من ذلك أخذوه و شرّدوه و قتلوه

ص: 187

و هدموا داره و لأجل تلك المحاربة القائمة بين الفريقين:أنصار الدين،و أنصار الكفر،أباد المتوكل قبر الحسين و سواه مع الأرض و أجرى الماء عليه ليطفئ نور اللّه و اللّه متم نوره و لو كره الكافرون.

فحيث لا جهاد في البكاء عليه،فلا وعد بالجنة،و حيث لا عذاب و لا نكال و لا خوف نفس فلا ثواب كذا و كذا.فليبك الفسقة الفجرة،إنهم مأخوذون بسيئ أعمالهم.

إن اللّه لا يخدع من جنته،و ليميز الخبيث من الطيب و يجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون (1).

حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان علي بن الحسين عليه السّلام يقول أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليه السّلام دمعة حتى تسيل على خده بوّأه اللّه بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا و أيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذى مسّنا من عدونا في الدنيا بوّأه اللّه بها في الجنة مبوّأ صدق و أيما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف اللّه عن وجهه الأذى و آمنه يوم القيامة من سخطه و النار.

حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول إن البكاء و الجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء و الجزع على الحسين بن علي عليه السّلام فإنه فيه مأجور.

و حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن خاله محمد بن الحسين الزيات عن محمد ابن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن أبي هارون المكفوف قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام2.

ص: 188


1- بحار الأنوار:294/40-302.

في حديث طويل له و من ذكر الحسين عليه السّلام عنده فخرج من عينه(عينيه)من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على اللّه عز و جل و لم يرض له بدون الجنة.

حدثني حكيم بن داود بن الحكيم عن سلمة بن الخطاب قال:حدثنا بكار بن أحمد القسام و الحسن بن عبد الواحد عن محول بن إبراهيم عن الربيع بن منذر عن أبيه قال سمعت علي بن الحسين عليه السّلام:يقول من قطرت عيناه فينا قطرة و دمعت عيناه فينا دمعة بوأه اللّه بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا و أحقابا.

حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد عن حمزة بن علي الأشعري عن الحسن بن معاوية بن وهب عمن حدثه عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان علي بن الحسين عليه السّلام يقول و ذكر مثل حديث محمد بن جعفر الرزاز سواء.

حدثني محمد بن جعفر القرشي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن علي عن ابن أبي عمير عن علي بن المغيرة عن أبي عمارة المنشد قال:ما ذكر الحسين بن علي عليه السّلام عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السّلام في يوم قط فرئي أبو عبد اللّه عليه السّلام في ذلك اليوم متبسما قط إلى الليل.

حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا مسمع أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين عليه السّلام قلت:لا أنا رجل مشهور عند أهل البصرة و عندنا من يتبع هوى هذا الخليفة و عدونا كثير من أهل القبائل من النصاب و غيرهم و لست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيمثّلون بي قال لي:أفما تذكر ما صنع به قلت نعم قال فتجزع قلت:إي و اللّه و أستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك علي فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي قال رحم اللّه دمعتك أما إنك من

ص: 189

الذين يعدون من أهل الجزع لنا و الذين يفرحون لفرحنا و يحزنون لحزننا و يخافون لخوفنا و يأمنون إذا أمنا أما إنك سترى عند موتك حضور آبائي لك و وصيتهم ملك الموت بك و ما يلقونك به من البشارة أفضل و لملك الموت أرق عليك و أشد رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها قال ثم استعبر و استعبرت معه فقال الحمد للّه الذي فضلنا على خلقه بالرحمة و خصنا أهل البيت بالرحمة (1).

يا مسمع إن الأرض و السماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين عليه السّلام رحمة لنا و ما بكى لنا من الملائكة أكثر و ما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا و ما بكى أحد رحمة لنا و لما لقينا إلا رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه فإذا سالت دموعه على خده فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرها حتى لا يوجد لها حر و إن الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض و إن الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه حتى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا و لم يستق بعدها أبدا و هو في برد الكافور و ريح المسك و طعم الزنجبيل أحلى من العسل و ألين من الزبد و أصفى من الدمع و أذكى من العنبر يخرج من تسنيم و يمر بأنهار الجنان يجري على رضراض الدر و الياقوت فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء يوجد ريحه من مسيرة ألف عام قدحانه من الذهب و الفضة و ألوان الجوهر يفوح في وجه الشارب منه كل فائحة حتى يقول الشارب منه يا ليتني تركت هاهنا لا أبغي بهذا بدلا و لا عنه تحويلا أما إنك يا ابن كردين ممن تروى منه و ما من عين بكت لنا إلا نعمت بالنظر إلى الكوثر و سقت منه من أحبنا و إن الشارب منه ليعطى من اللذة و الطعم و الشهوة له أكثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا و إن على الكوثر أمير3.

ص: 190


1- كامل الزيارات:103.

المؤمنين عليه السّلام و في يده عصا من عوسج يحطم بها أعداءنا فيقول الرجل منهم إني أشهد الشهادتين فيقول إنطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك فيقول تبرأ مني إمامي الذي تذكره فيقول إرجع إلى ورائك فقل للذي كنت تتولاه و تقدمه على الخلق فاسأله إذا كان خير الخلق عندك أن يشفع لك فإن خير الخلق من يشفع(حقيق أن لا يرد إذا شفع)فيقول إني أهلك عطشا فيقول له زادك اللّه ظمأ و زادك اللّه عطشا قلت جعلت فداك و كيف يقدر على الدنو من الحوض و لم يقدر عليه غيره فقال ورع عن أشياء قبيحة و كف عن شتمنا أهل البيت إذا ذكرنا و ترك أشياء اجترؤ عليها غيره و ليس ذلك لحبنا و لا لهوى منه لنا و لكن ذلك لشدة اجتهاده في عبادته و تدينه و لما قد شغل نفسه به عن ذكر الناس فأما قلبه فمنافق و دينه النصب و أتباعه أهل النصب و ولاية الماضين و تقدّمه لهما على كل أحد.

حدثني أبي رحمه اللّه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن عبد اللّه بن المغيرة عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن عبد اللّه بن بكير الأرجاني و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد اللّه بن زرارة عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن عبد اللّه بن بكير قال حججت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل فقلت:يا ابن رسول اللّه لو نبش قبر الحسين بن علي عليه السّلام هل كان يصاب في قبره شيء؟

فقال:يا ابن بكير ما أعظم مسائلك إن الحسين عليه السّلام مع أبيه و أمه و أخيه في منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و معه يرزقون و يحبرون و إنه لعن يمين العرش متعلّق به يقول يا رب أنجز لي ما وعدتني و إنه لينظر إلى زواره و إنه أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و ما في رحالهم من أحدهم بولده و إنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له و يسأل أباه الإستغفار له و يقول أيها الباكي لو علمت ما أعد اللّه لك لفرحت أكثر مما حزنت و إنه ليستغفر له من كل ذنب و خطيئة.

حدثني حكيم بن داود عن سلمة عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن بكر

ص: 191

بن محمد عن فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من ذكرنا عنده ففاضت عيناه و لو مثل جناح بعوضة(الذباب)غفر له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر حدثني محمد بن عبد اللّه عن أبيه عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن أبيه عن بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله.

حدثني حكيم بن داود عن سلمة بن الخطاب عن الحسن بن علي عن العلاء بن رزين القلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السّلام دمعة حتى تسيل على خده بوّأه اللّه بها غرفا في الجنة يسكنها أحقابا.

و عنه عن سلمة عن علي بن سيف عن بكر بن محمد عن فضيل و بن فضالة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرّم اللّه وجهه على النار (1).4.

ص: 192


1- كامل الزيارات:104.

الهدف من البكاء

قال الإمام الخميني (1):فلا يتصور أبناؤنا و شبّاننا أن القضية بكاء شعب لا غير! و أننا(شعب بكّاء)!على ما يريد الآخرون أن يوحوا لكم به،إنهم يخافون من هذا البكاء بالذات.لأنّه بكاء على المظلوم،و صرخة بوجه الظالم،و هذه المواكب التي تجوب الشوارع للعزاء إنما تواجه الظلم و تتحدى الظالمين،و هو ما ينبغي المحافظة عليه،إنها شعائرنا الدينية التي ينبغي أن تصان و هي شعائر سياسية يلزم التمسك بها.

حذار من أن يخدعنكم هؤلاء الكتّاب الذين يهدفون إلى تجريدكم من كل شيء و ذلك تحت أسماء و مرامي منحرفة مختلفة.فهم يرون أن مجالس العزاء هذه و ذكر مصائب المظلوم و جرائم الظالم في كل عصر إنما تدفع إلى الوقوف بوجه الظالم.

إن هؤلاء الذين يطالبوننا بالكف عن المآتم و المجالس الحسينية لا يعلمون أن هؤلاء المقيمين لهذه الشعائر إنما يقدمون لهذا البلد و للإسلام أسمى الخدمات و على شباننا أن لا ينخدعوا بتخرصات هؤلاء و إدعاءاتهم،إنهم-أيها الشبان- أناس خونة،هؤلاء الذين يوحون إليكم بأنكم"شعب بكّاء"فأسيادهم و كبراؤهم يخشون هذا البكاء،و الدليل على ذلك أن رضا خان أقدم على منع كل تلك المواكب و المآتم و كان مأمورا بذلك بتاريخ 1941/11/5 و بعد شهرين من هروب رضا خان تحدثت إذاعة لندن في واحد من تحليلاتها السياسية علانية عن الصداقة

ص: 193


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

المقصودة و غير المقصودة مع إيران و المجىء بحكومة رضا خان حيث قالت:

تقوم السياسة الإنجليزية في إيران على الصداقة غير مقصودة و الصداقة المقصودة.و الصداقة غير المقصودة مع الشعب الإيراني خاصة بالعلماء،أما صداقة الحكومة الإنجليزية مع إيران و مع أية دولة أخرى فأنها لا تخلو من قصد و لا يمكنها أن تكون كذاك...و بعد أن شاهدنا كيف أساء الشعب الإيراني الظن باتفاقية(1919)و كان يعتبرها بأنها قائمة على نوايا فاسدة فإننا ألغينا تلك الاتفاقية و قمنا بدلا عنها بدعم الحكومة الإيرانية و مساعدتها لتحقيق النظام في البلاد.و هذا هو سرّ دعم رضا شاه و مساعدته...و كان الأعداء يوحون بأننا نوجه رضا شاه و إنه يأتمر في كل شيء بأوامرنا،و لكن الأمر لم يكن كذلك!بيد أننا قمنا بهذا العمل...

نفي رضا خان خلافا لرغبته و ذلك عند ما شعرنا بأن مصالحنا مهددة بالخطر بسبب وقاحة الألمان و غفلة الملك.،فبريطانيا صرّحت عبر إذاعة نيودلهي بأنها هي التي جاءت برضا خان إلى السلطة و إنها هي التي أزاحته،و حقا ما قالته بريطانيا، فقد جاءوا به للقضاء على الإسلام،و كان أحد أساليبه هو منعكم من إقامة هذه المجالس،فينبغي أن لا يتصور شباننا بأنهم يقدمون خدمة عند ما يغادرون المجلس حينما يتعرض الخطيب لذكر المصيبة،هذا تصرف خاطئ جدا،ينبغي أن تستمر المجالس بإقامة العزاء،ينبغي أن تذكر المظالم كي يفهم الناس ماذا جرى، بل أن هذا يجب أن يقام كل يوم،فإن لذلك أبعادا سياسية و اجتماعية غاية في الأهمية.

ص: 194

بكاء أهل البيت على الحسين عليه السّلام

روي أنه أشرف مولى لعلي بن الحسين عليه السّلام و هو في سقيفة له ساجد يبكي فقال له:يا مولاي يا علي بن الحسين أما آن لحزنك أن ينقضي.

فرفع رأسه اليه و قال:و يلك و الله لقد شكى يعقوب الى ربه في أقل مما رأيت حتى قال يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ إنه فقد ابنا واحدا و أنا رأيت أبي و جماعة أهل بيتي يذبحون حولي (1).

و روى ابن شهر آشوب في المناقب عن الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام أنه قال:

بكى علي بن الحسين عشرين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلا بكى،حتى قال له مولى له جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف ان تكون من الهالكين،قال عليه السّلام:

إنما أشكو بثي و حزني الى الله و أعلم من الله ما لا تعلمون إني لم اذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة (2).

روى ابو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني عن علي بن اسماعيل التميمي عن أبيه أنه قال:كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام فأستأذن آذنه للسيد الحميري فأمر بايصاله و أقعد حرمه خلف الستر و دخل فسلّم و جلس فاستنشده فأنشد:

أمرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكيه

ص: 195


1- كامل الزيارات للشيخ القمي،213-214،مؤسسة النشر الإسلامي،ط 1،1417 ه
2- اعيان الشيعة لمحسن الأمين 586/1.

يا أعظما لازلت من و طفاء ساكبة رويه

و اذا مررت بقبره فأطل به وقف المطية

و ابك المطهر للمط هر و المطهرة النقيه

قال:فرأيت دموع جعفر بن محمد تنحدر على خديه و ارتفع الصراخ من داره حتى أمر بالامساك فأمسك (1).

روى الصدوق في عيون أخبار الرضا بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال:دخل دعبل بن علي الخزاعي(رحمه اللّه)على أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السّلام بمرو فقال له:يابن رسول الله اني قد قلت فيكم قصيدة و آليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك فقال عليه السلام:هاتها،فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ الى قوله:

أرى فيأهم في غيرهم متقسّما و أيديهم من فيئهم صفرات

بكى أبو الحسن الرضا عليه السّلام و قال له:صدقت يا خزاعي (2).

روي عن الإمام الرضا عليه السّلام انه قال:«..ان يوم الحسين أقرح جفوننا و أسبل دموعنا و أذلّ عزيزنا..فعلى مثل الحسين فليبك الباكون،فان البكاء يحط الذنوب العظام،ثم قال عليه السّلام:كان أبي عليه السّلام اذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا و كانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام فاذا كان يوم العاشر كان ذلك يوم مصيبته و حزنه و بكائه، و يقول هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (3).1.

ص: 196


1- الأغاني لابي فرج الاصفهاني 260/7،دار الفكر،بيروت-لبنان،ط 2،995 م.
2- عيون اخبار الرضا للطوسي 269/2،منشورات الأعلمي طهران.
3- امالي الصدوق،ص 111.

بكاء علي بن الحسين على أبيه عليه السّلام

حدثني أبي رحمه اللّه عن جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أبي داود المسترق عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال بكى علي بن الحسين على أبيه الحسين بن علي صلّى اللّه عليه و اله عشرين سنة أو أربعين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلا بكى على الحسين حتى قال له:مولى له جعلت فداك يا ابن رسول اللّه إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين قال:إنما أشكو بثي و حزني إلى اللّه و أعلم من اللّه ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة لذلك.

حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن خاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الزيات عن علي بن أسباط عن إسماعيل بن منصور عن بعض أصحابنا قال:

أشرف مولى لعلي بن الحسين عليه السّلام و هو في سقيفة له ساجد يبكي فقال له:يا مولاي يا علي بن الحسين أما آن لحزنك أن ينقضي فرفع رأسه إليه و قال ويلك أو ثكلتك أمك و اللّه لقد شكا يعقوب إلى ربه في أقل مما رأيت حتى قال:يا أسفى على يوسف أنه فقد إبنا واحدا و أنا رأيت أبي و جماعة أهل بيتي يذبحون حولي.

قال:و كان علي ابن الحسين عليه السّلام يميل إلى ولد عقيل فقيل له:ما بالك تميل إلى بني عمك هؤلاء دون آل جعفر؟

فقال:إني أذكر يومهم مع أبي عبد اللّه الحسين بن علي عليه السّلام فارق لهم (1).

ص: 197


1- كامل الزيارات:108.

بكاء جميع ما خلق اللّه على الحسين بن علي عليه السّلام

1-حدثني محمد بن جعفر الرزاز القرشي قال:حدثني خالي محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي إسماعيل السراج عن يحيى بن معمر العطار عن أبي بصير عن أبي جعفر قال بكت الإنس و الجن و الطير و الوحش على الحسين بن علي عليه السّلام حتى ذرفت دموعها و حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف و محمد بن يحيى العطار جميعا عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بإسناده مثله.

2-حدثني أبي رحمه اللّه تعالى و علي بن الحسين عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد ابن محمد بن عيسى عن أحمد بن أبي داود عن سعيد بن عمر الجلاب عن الحارث الأعور قال:قال علي عليه السّلام:بأبي و أمي الحسين المقتول بظهر الكوفة و اللّه كأني أنظر إلى الوحوش مادة أعناقها على قبره من أنواع الوحش يبكونه و يرثونه ليلا حتى الصباح فإذا كان ذلك فإياكم و الجفاء.

3-و حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن علي بن عثمان عن عبد الجبار النهاوندي عن أبي سعيد عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة و يونس بن ظبيان و أبي سلمة السراج و المفضل بن عمر كلهم قالوا:سمعنا أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول إن أبا عبد اللّه الحسين بن علي عليه السّلام لما مضى بكت عليه السماوات السبع و الأرضون السبع و ما فيهن و ما بينهن و من ينقلب عليهن و الجنة و النار و ما خلق ربنا و ما يرى و ما لا يرى.

و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين عن الحسن بن

ص: 198

علي بن أبي عثمان بإسناده مثله.

4-و حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن الحسين بن عبيد اللّه عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن عبد الجبار النهاوندي عن أبي سعيد عن الحسين بن ثوير عن يونس و أبي سلمة السراج و المفضل بن عمر قالوا سمعنا أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

لما مضى الحسين بن علي عليه السّلام بكى عليه جميع ما خلق اللّه إلا ثلاثة أشياء البصرة و دمشق و آل عثمان.

5-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن القاسم بن يحيى عن الحسن بن راشد عن الحسين بن ثوير قال:كنت أنا و يونس بن ظبيان و المفضل بن عمر و أبو سلمة السراج جلوسا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فكان المتكلم يونس و كان أكبرنا سنا و ذكر حديثا طويلا يقول ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إن أبا عبد اللّه عليه السّلام لما مضى بكت عليه السماوات السبع و الأرضون السبع و ما فيهن و ما بينهن و ما ينقلب في الجنة و النار من خلق ربنا و ما يرى و ما لا يرى و بكى على أبي عبد اللّه إلا ثلاثة أشياء لم تبك عليه قلت جعلت فداك ما هذه الثلاثة أشياء قال لم تبك عليه البصرة و لا دمشق و لا آل عثمان بن عفان و ذكر الحديث.

6-و حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن أبي يعقوب عن أبان بن عثمان عن زرارة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام يا زرارة إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحا بالدم و إن الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد و إن الشمس بكت أربعين صباحا بالكسوف و الحمرة و إن الجبال تقطّعت و انتثرت و إن البحار تفجّرت و إن الملائكة بكت أربعين صباحا على الحسين عليه السّلام و ما اختضبت منا امرأة و لا ادهنت و لا اكتحلت و لا رجلت حتى أتانا رأس عبيد اللّه بن زياد و ما زلنا في عبرة بعده و كان جدي إذا ذكره بكى حتى تملأ

ص: 199

عيناه لحيته و حتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه و إن الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء و السماء من الملائكة و لقد خرجت نفسه عليه السّلام فزفرت جهنم زفرة كادت الأرض تنشق لزفرتها و لقد خرجت نفس عبيد اللّه بن زياد و يزيد بن معاوية فشهقت جهنم شهقة لو لا أن اللّه حبسها بخزانها لأحرقت من على ظهر الأرض من فورها و لو يؤذن لها ما بقي شيء إلا ابتلعته و لكنها مأمورة مصفودة و لقد عتت على الخزان غير مرة حتى أتاها جبرئيل فضربها بجناحه فسكنت و أنها لتبكيه و تندبه و أنها لتتلظى على قاتله و لو لا من على الأرض من حجج اللّه لنقضت الأرض و أكفأت بما عليها و ما تكثر الزلازل إلا عند اقتراب الساعة و ما من عين أحب إلى اللّه و لا عبرة من عين بكت و دمعت عليه و ما من باك يبكيه إلا و قد وصل فاطمة عليه السّلام و أسعدها عليه و وصل رسول اللّه و أدى حقنا و ما من عبد يحشر إلا و عيناه باكية إلا الباكين على جدي الحسين عليه السّلام فإنه يحشر و عينه قريرة و البشارة تلقاه و السرور بيّن على وجهه و الخلق في الفزع و هم آمنون و الخلق يعرضون و هم حدّاث الحسين عليه السّلام تحت العرش و في ظل العرش لا يخافون سوء يوم الحساب يقال لهم ادخلوا الجنة فيأبون و يختارون مجلسه و حديثه و إن الحور لترسل إليهم أنا قد اشتقنا لكم مع الولدان المخلدين فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور و الكرامة و إن أعداءهم من بين مسحوب بناصيته إلى النار و من قائل ما لنا من شافعين و لا صديق حميم.

و إنهم ليرون منزلهم و ما يقدرون أن يدنوا إليهم و لا يصلون إليهم و إن الملائكة لتأتيهم بالرسالة من أزواجهم و من خدامهم على ما أعطوا من الكرامة فيقولون نأتيكم إن شاء اللّه فيرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم فيزدادون إليهم شوقا إذا هم خبّروهم بما هم فيه من الكرامة و قربهم من الحسين عليه السّلام فيقولون الحمد للّه الذي كفانا الفزع الأكبر و أهوال القيامة و نجّانا مما كنا نخاف و يؤتون بالمراكب و الرحال على النجائب فيستوون عليها و هم في الثناء على اللّه و الحمد للّه و الصلاة على محمد

ص: 200

و آله حتى ينتهوا إلى منازلهم.

7-حدثني محمد بن عبد اللّه عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام أحدثه فدخل عليه ابنه فقال له مرحبا و ضمه و قبّله و قال حقّر اللّه من حقّركم و انتقم ممن و تركم و خذل اللّه من خذلكم و لعن اللّه من قتلكم و كان اللّه لكم وليا و حافظا و ناصرا فقد طال بكاء النساء و بكاء الأنبياء و الصديقين و الشهداء و ملائكة السماء ثم بكى و قال:يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم و إليهم يا أبا بصير إن فاطمة عليه السّلام لتبكيه و تشهق فتزفر جهنم زفرة لو لا أن الخزنة يسمعون بكاءها و قد استعدوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض فيحفظونها(فيكبحونها)ما دامت باكية و يزجرونها و يوثقون من أبوابها مخافة على أهل الأرض فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة الزهراء و إن البحار تكاد أن تنفتق فيدخل بعضها على بعض و ما منها قطرة إلا بها ملك موكل فإذا سمع الملك صوتها أطفأ نارها بأجنحته و حبس بعضها على بعض مخافة على الدنيا و ما فيها و من على الأرض فلا تزال الملائكة مشفقين يبكونه لبكائها و يدعون اللّه و يتضرعون إليه و يتضرع أهل العرش و من حوله و ترتفع أصوات من الملائكة بالتقديس للّه مخافة على أهل الأرض،و لو أن صوتا من أصواتهم يصل إلى الأرض لصعق أهل الأرض و تقطّعت الجبال و زلزلت الأرض بأهلها.

قلت:جعلت فداك إن هذا الأمر عظيم؟

قال:غيره أعظم منه ما لم تسمعه.

ثم قال لي:يا أبا بصير أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة عليه السّلام فبكيت حين قالها فما قدرت على المنطق و ما قدر على كلامي من البكاء.

ثم قام إلى المصلى يدعو فخرجت من عنده على تلك الحال فما انتفعت بطعام

ص: 201

و ما جاءني النوم و أصبحت صائما وجلا حتى أتيته فلما رأيته قد سكن سكنت و حمدت اللّه حيث لم تنزل بي عقوبة (1).3.

ص: 202


1- كامل الزيارات:83.

بكاء الملائكة على الحسين بن علي عليه السّلام

1-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن(الحسين)بن سعيد عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد اللّه عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ما لكم لا تأتونه يعني قبر الحسين عليه السّلام فإن أربعة آلاف ملك يبكون(يبكونه)عند قبره إلى يوم القيامة.

2-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن موسى بن سعدان عن عبد اللّه بن القاسم عن عمر بن أبان الكلبي عن أبان بن تغلب قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إن أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي عليه السّلام لم يؤذن لهم في القتال فرجعوا في الاستئذان فهبطوا و قد قتل الحسين عليه السّلام فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة رئيسهم ملك يقال له المنصور.

3-و حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن علي بن إسماعيل عن حماد بن عيسى عن ربعي عن الفضيل بن يسار قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ما لكم لا تأتونه يعني قبر الحسين عليه السّلام فإن أربعة آلاف ملك يبكون عنده إلى يوم القيامة.

4-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن أبي إسماعيل السراج عن يحيى بن معمر العطار(القطان)عن أبي

ص: 203

بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال:أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة (الساعة).

5-و حدثني أبي رحمه اللّه و علي بن الحسين جميعا عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:وكّل اللّه تعالى بالحسين عليه السّلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كل يوم شعثا غبرا منذ يوم قتل إلى ما شاء اللّه يعني بذلك قيام القائم عليه السّلام.

6-و عن سعد عن إبراهيم بن هاشم عن ابن فضال عن ثعلبة عن مبارك العطار عن محمد بن قيس قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:عند قبر الحسين عليه السّلام أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة.

7-و حدثني أبي رحمه اللّه و محمد بن الحسن و علي بن الحسين جميعا عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم عن هارون عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:وكّل اللّه به أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة.

8-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن صفوان بن يحيى عن حريز عن الفضيل عن أحدهما قال:إن على قبر الحسين عليه السّلام أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة.

قال محمد بن مسلم:يحرسونه.

9-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن معروف عن حماد بن عيسى عن ربعي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام بالمدينة:أين قبور الشهداء؟

فقال:أليس أفضل الشهداء عندكم و الذي نفسي بيده إن حوله أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة.

حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف

ص: 204

بإسناده مثله.

10-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز قال:حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي إسماعيل السراج عن يحيى بن معمر العطار عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال:أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكون الحسين إلى يوم القيامة فلا يأتيه أحد إلا استقبلوه و لا يمرض أحد إلا عادوه و لا يموت أحد إلا شهدوه و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين بإسناده مثله.

11-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي بن عبد اللّه ابن المغيرة عن العباس بن عامر عن أبان عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن اللّه وكّل بقبر الحسين عليه السّلام أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه من طلوع الفجر إلى زوال الشمس فإذا زالت الشمس هبط أربعة آلاف ملك و صعد أربعة آلاف ملك فلم يزل يبكونه حتى يطلع الفجر و ذكر الحديث..

12-حدثني أبي رحمه اللّه و محمد بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي بن مهزيار عن أبي القاسم عن القاسم بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم عن هارون قال:سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده فقال:ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام؟

فقال:إن الحسين عليه السّلام لما أصيب بكته حتى البلاد فوكّل اللّه به أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة و ذكر الحديث.

13-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين عن الحسن بن محبوب عن صباح الحذاء عن محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سمعته يقول:زوروا الحسين عليه السّلام و لو كل سنة فإن كل من أتاه عارفا بحقه غير جاحد لم يكن له عوض غير الجنة و رزق زرقا واسعا و أتاه اللّه بفرج عاجل إن اللّه

ص: 205

وكّل بقبر الحسين بن علي عليه السّلام أربعة آلاف ملك كلهم يبكونه و يشيّعون من زاره إلى أهله فإن مرض عادوه و إن مات شهدوا جنازته بالاستغفار له و الترحّم عليه.

حدثني حسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب بإسناده مثله.

14-و حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه عن سيف بن عميرة عن بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال وكّل اللّه بقبر الحسين عليه السّلام سبعين ألف ملكا شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة يصلّون عنده الصلاة الواحدة من صلاتهم(من صلاة أحدهم)تعدل ألف صلاة من صلاة الآدميين يكون ثواب صلاتهم و أجر ذلك لمن زار قبره.

15-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن صفوان بن يحيى عن حنان بن سدير عن مالك الجهني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن اللّه وكّل بالحسين عليه السّلام ملكا في أربعة آلاف ملك يبكونه و يستغفرون لزواره و يدعون اللّه لهم.

16-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم قال:حدثنا الهيثم بن واقد عن عبد الملك بن مقرن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

إذا زرتم أبا عبد اللّه عليه السّلام فالزموا الصمت إلا من خير و إن ملائكة الليل و النهار من الحفظة تحضر الملائكة الذين بالحائر فتصافحهم فلا يجيبونها من شدة البكاء فينتظرونهم حتى تزول الشمس و حتى ينوّر الفجر ثم يكلّمونهم و يسألونهم عن أشياء من أمر السماء فأما ما بين هذين الوقتين فإنهم لا ينطقون و لا يفترون عن البكاء و الدعاء و لا يشغلونهم في هذين الوقتين عن أصحابهم فإنما شغلهم بكم إذا نطقتم.

قلت:جعلت فداك و ما الذي يسألونهم عنه و أيهم يسأل صاحبه الحفظة أو أهل

ص: 206

الحائر.

قال عليه السّلام:أهل الحائر يسألون الحفظة لأن أهل الحائر من الملائكة لا يبرحون و الحفظة تنزل و تصعد.

قلت:فما ترى يسألونهم عنه؟

قال:إنهم يمرّون إذا عرجوا بإسماعيل صاحب الهواء فربما و افقوا النبي صلّى اللّه عليه و اله و عنده فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين و الأئمة من مضى منهم فيسألونهم عن أشياء و من حضر منكم الحائر و يقولون بشرّوهم بدعائكم فتقول الحفظة كيف نبشّرهم و هم لا يسمعون كلامنا فيقولون لهم باركوا عليهم و ادعوا لهم عنا فهي البشارة منا فإذا انصرفوا فحفّوهم بأجنحتكم حتى يحسّوا مكانكم و إنا نستودعهم الذي لا تضيع و دائعه و لو يعلمون ما في زيارته من الخير و يعلم ذلك الناس لاقتتلوا على زيارته بالسيوف و لباعوا أموالهم في إتيانه.و إن فاطمة عليها السّلام إذا نظرت إليهم و معها ألف نبي و ألف صديق و ألف شهيد و من الكروبيين ألف ألف يساعدونها على البكاء و إنها لتشهق شهقة فلا يبقى في السماوات ملك إلا بكى رحمة لصوتها و ما تسكن حتى يأتيها النبي صلّى اللّه عليه و اله(أبوها)فيقول يا بنية قد أبكيت أهل السماوات و شغلتهم عن التسبيح و التقديس فكفى حتى يقدّسوا فإن اللّه بالغ أمره و إنها لتنظر إلى من حضر منكم فتسأل اللّه لهم من كل خير و لا تزهدوا في إتيانه فإن الخير في إتيانه أكثر من أن يحصى.

17-و حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم قال:حدثنا أبو عبيدة البزاز عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:

جعلت فداك ما أقل بقاؤكم أهل البيت و أقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة هذا الخلق إليكم.

ص: 207

فقال عليه السّلام:إن لكل واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته فإذا انقضى ما فيها مما أمر به عرف أن أجله قد حضر و أتاه النبي صلّى اللّه عليه و اله ينعي إليه نفسه و أخبره بما له عند اللّه و إن الحسين عليه السّلام قرأ صحيفته التي أعطيها و فسّر له ما يأتي و ما يبقى و بقي منها أشياء لم تنقض فخرج إلى القتال فكانت تلك الأمور التي بقيت إن الملائكة سألت اللّه في نصرته فأذن لهم فمكثت تستعد للقتال و تأهبت لذلك حتى قتل فنزلت الملائكة و قد انقطعت مدته و قتل عليه السّلام فقالت الملائكة يا رب أذنت لنا بالانحدار في نصرته فانحدرنا و قد قبضته فأوحى اللّه تبارك و تعالى إليهم أن الزموا قبته(قبره)حتى ترونه و قد خرج فانصروه و ابكوا عليه و على ما فاتكم من نصرته و إنكم خصصتم بنصرته و البكاء عليه فبكت الملائكة حزنا و جزعا على ما فاتهم من نصرة الحسين عليه السّلام فإذا خرج عليه السّلام يكونون أنصاره (1).8.

ص: 208


1- كامل الزيارات:88.

بكاء السماء و الأرض على قتل الحسين و يحيى بن زكريا عليهما السّلام

1-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخنا علي بن الحسين و محمد بن الحسن عن سعد بن عبد اللّه عن يعقوب بن يزيد عن أحمد بن الحسن الميثمي عن علي الأزرق عن الحسن بن الحكم النخعي عن رجل قال:سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة و هو يتلو هذه الآية فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ و خرج عليه الحسين من بعض أبواب المسجد فقال:أما إن هذا سيقتل و تبكي عليه السماء و الأرض.

2-حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين عن داود(يزداد)بن عيسى الأنصاري عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن إبراهيم النخعي قال:خرج أمير المؤمنين عليه السّلام فجلس في المسجد و اجتمع أصحابه حوله و جاء الحسين عليه السّلام حتى قام بين يديه فوضع يده على رأسه فقال:يا بني إن اللّه عيّر أقواما بالقرآن فقال فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ و أيم اللّه ليقتلنك بعدي ثم تبكيك السماء و الأرض.

و حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب بإسناده مثله.

3-و حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن وهيب بن حفص النحاس عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن الحسين عليه السّلام بكى لقتله السماء و الأرض و احمرتا و لم تبكيا على أحد قط إلا على يحيى بن زكريا و الحسين بن علي عليه السّلام.

ص: 209

و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين بإسناده مثله.

4-و حدثني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه و غيره عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عبد الجبار عن الحسن بن علي بن فضال عن حماد بن عثمان عن عبد اللّه بن هلال قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إن السماء بكت على الحسين بن علي و يحيى بن زكريا و لم تبك على أحد غيرهما.

قلت:و ما بكاؤها؟

قال:مكثت أربعين يوما تطلع كشمس بحمرة و تغرب بحمرة.

قلت:فذاك بكاؤها؟

قال:نعم.

5-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن أحمد عن عمر بن سهل عن علي بن مسهر القرشي قال:حدثتني جدتي أنها أدركت الحسين بن علي حين قتل فمكثنا سنة و تسعة أشهر و السماء مثل العلقة مثل الدم ما ترى الشمس.

6-حدثني علي بن الحسين بن موسى عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ قال:لم تبك السماء على أحد منذ قتل يحيى بن زكريا حتى قتل الحسين عليه السّلام فبكت عليه.

7-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز القرشي قال:حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن صفوان بن يحيى عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

احمرت السماء حين قتل الحسين عليه السّلام سنة و يحيى بن زكريا و حمرتها بكاؤها.

8-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن ابن بكير عن زرارة عن عبد الخالق بن عبد ربه قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:لم يجعل اللّه له من قبل سميا الحسين بن علي لم يكن

ص: 210

له من قبل سميا و يحيى بن زكريا عليه السّلام لم يكن له من قبل سميا و لم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا.

قال:قلت:ما بكاؤها؟

قال:كانت تطلع حمراء و تغرب حمراء.

9-و حدثني علي بن الحسين بن موسى عن علي بن إبراهيم و سعد بن عبد اللّه جميعا عن إبراهيم بن هاشم عن علي بن فضال عن أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:ما بكت السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين بن علي عليه السّلام فإنها بكت عليه أربعين يوما.

10-حدثني محمد بن جعفر الرزاز الكوفي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن جعفر بن بشير عن كليب بن معاوية الأسدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

لم تبك السماء إلا على الحسين بن علي و يحيى بن زكريا عليه السّلام.

11-و عنه عن محمد بن الحسين عن نصر بن مزاحم عن عمرو بن سعد عن محمد بن سلمة(مسلمة)عمن حدثه قال:لما قتل الحسين بن علي عليه السّلام أمطرت السماء ترابا أحمر..

12-حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة بن الخطاب عن محمد بن أبي عمير عن الحسين بن عيسى عن أسلم بن القاسم قال:أخبرنا عمر بن وهب(عمرو بن ثبيت)عن أبيه عن علي بن الحسين عليه السّلام قال:إن السماء لم تبك منذ وضعت إلا على يحيى بن زكريا و الحسين بن علي عليه السّلام.

قلت:أي شيء كان بكاؤها؟

قال:كانت إذا استقبلت بثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم.

13-حدثني أبي رحمه اللّه و علي بن الحسين عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن الفضل عن حنان قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما تقول في زيارة قبر أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام فإنه بلغنا عن بعضهم أنها تعدل حجة

ص: 211

و عمرة.

قال:لا تعجب(ما أصاب ما يقول)بالقول هذا كله و لكن زره و لا تجفه فإنه سيد الشهداء و سيد شباب أهل الجنة و شبيه يحيى بن زكريا و عليهما بكت السماء و الأرض.

حدثني أبي و محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن عبد الصمد بن محمد عن حنان بن سدير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله سواء.

حدثني أبي رحمه اللّه تعالى و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد ابن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حنان بن سدير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله.

14-و بهذا الإسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن غير واحد عن جعفر بن بشير عن حماد عن عامر بن معقل عن الحسن بن زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنى و قاتل الحسين عليه السّلام ولد زنى و لم تبك السماء على أحد إلا عليهما.

قال:قلت و كيف تبكي؟

قال:تطلع الشمس في حمرة و تغيب في حمرة حدثني محمد بن جعفر القرشي عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير بإسناده مثله.

15-و حدثني أبي و علي بن الحسين رحمهما اللّه جميعا عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي الوشاء عن حماد بن عثمان عن عبد اللّه بن هلال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:إن السماء بكت على الحسين بن علي و يحيى بن زكريا و لم تبك على أحد غيرهما.

قلت:و ما بكاؤها؟

قال مكثوا أربعين يوما تطلع الشمس بحمرة و تغرب بحمرة.

قلت:فذاك بكاؤها؟

ص: 212

قال:نعم.

16-و عنهما عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد عن البرقي محمد بن خالد عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني عن الحسن بن الحكم النخعي عن كثير بن شهاب الحارثي قال:بينما نحن جلوس عند أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة إذا طع الحسين عليه السّلام عليه فضحك علي عليه السّلام ضحكا حتى بدت نواجده ثم قال:إن اللّه ذكر قوما و قال فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليقتلن هذا و لتبكين عليه السماء و الأرض.

17-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد عن البرقي عن عبد العظيم عن الحسن عن أبي سلمة قال:قال جعفر بن محمد عليه السّلام:ما بكت السماء و الأرض إلا على يحيى بن زكريا و الحسين عليه السّلام.

18-حدثني أبي و أخي رحمهما اللّه عن أحمد بن إدريس و محمد بن يحيى جميعا عن العمركي بن علي البوفكي قال:حدثنا يحيى و كان في خدمة أبي جعفر الثاني عليه السّلام عن علي عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته في طريق المدينة و نحن نريد المكة.

فقلت:يا ابن رسول اللّه ما لي أراك كئيبا حزينا منكسرا؟

فقال:لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مسألتي.

قلت:فما الذي تسمع؟

قال:ابتهال الملائكة إلى اللّه عز و جل على قتلة أمير المؤمنين و قتلة الحسين عليه السّلام و نوح الجن و بكاء الملائكة الذين حوله و شدة جزعهم فمن يتهنأ مع هذا بطعام أو بشراب أو نوم و ذكر الحديث.

19-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه و عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد البرقي عن عبد العظيم بن عبد اللّه

ص: 213

الحسني العلوي عن الحسن بن الحكم النخعي عن كثير بن شهاب الحارثي قال:

بينما نحن جلوس عند أمير المؤمنين عليه السّلام بالرحبة إذ طع الحسين عليه السّلام.

قال:فضحك علي عليه السّلام حتى بدت نواجده ثم قال:إن اللّه ذكر قوما فقال فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليقتلن هذا و لتبكين عليه السماء و الأرض.

20-و عنه عن نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد قال:حدثني أبو معشر عن الزهري قال لما قتل الحسين عليه السّلام أمطرت السماء دما و قال عمر بن سعد و حدثني أبو معشر عن الزهري قال:لما قتل الحسين عليه السّلام لم يبق في بيت المقدس حصاة إلا وجد تحتها دم عبيط.

21-حدثني أبي عن محمد بن الحسن بن مهزيار عن أبيه عن علي بن مهزيار عن الحسن بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن داود بن فرقد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:كان الذي قتل الحسين بن علي عليه السّلام ولد زنى و الذي قتل يحيى بن زكريا ولد زنى و قد قال احمرت السماء حين قتل الحسين بن علي سنة.

ثم قال:بكت السماء و الأرض على الحسين بن علي و على يحيى بن زكريا و حمرتها بكاؤها (1).3.

ص: 214


1- الأحاديث كلها في كامل الزيارات:93.

نوح الجن على الحسين بن علي عليه السّلام

1-حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز عن محمد بن حسين بن أبي الخطاب عن نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن عمرو بن ثابت عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة زوجة النبي صلّى اللّه عليه و اله قالت:ما سمعت نوح الجن منذ قبض اللّه نبيه إلا الليلة و لا أراني إلا و قد أصبت بابني الحسين قالت و جاءت الجنية منهم و هي تقول:

أيا عيناي فانهملا بجهد فمن يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا إلى متجبر من نسل عبد

2-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن يعقوب بن يزيد عن إبراهيم بن عقبة عن أحمد بن عمرو بن مسلم عن الميثمي قال خمسة من أهل الكوفة أرادوا نصر الحسين بن علي عليه السّلام فمروا بقرية يقال لها شاهي إذ أقبل عليهم رجلان شيخ و شاب فسلّما عليهم قال:فقال الشيخ:أنا رجل من الجن و هذا ابن أخي أردنا نصر هذا الرجل المظلوم.

قال:فقال لهم الشيخ الجني:قد رأيت رأيا.

فقال الفتية الإنسيون:و ما هذا الرأي الذي رأيت؟

قال:رأيت أن أطير فآتيكم بخبر القوم فتذهبون على بصيرة.

فقالوا له:نعم ما رأيت.

قال:فغاب يومه و ليلته فلما كان من الغد إذا هم بصوت يسمعونه و لا يرون الشخص و هو يقول:

ص: 215

و اللّه ما جئتكم حتى بصرت به

بالطف منعفر الخدين منحورا

و حوله فتية تدمى نحورهم مثل المصابيح يملون الدجى نورا

و قد حثثت قلوصي كي أصادفهم

من قبل ما أن يلاقوا الخرد الحورا

كان الحسين سراجا يستضاء به

اللّه يعلم أني لم أقل زورا

مجاورا لرسول اللّه في غرف

و للبتول و للطيار مسرورا

فأجابه بعض الفتية من الإنسيين يقول:

إذهب فلا زال قبر أنت ساكنه

إلى القيامة يسقي الغيث ممطورا

و قد سلكت سبيلا أنت سالكه

و قد شربت بكأس كان مغرورا

و فتية فرغوا للّه أنفسهم

و فارقوا المال و الأحباب و الدورا

3-حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة بن الخطاب قال:حدثني عمر بن سعد و عمرو بن ثابت عن أبي زياد القندي قال:كان الجصاصون يسمعون نوح الجن حين قتل الحسين عليه السّلام في السحر بالجبانة و هم يقولون

مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش جده خير الجدود

4-حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة بن الخطاب قال:قال عمر بن سعد

ص: 216

قال:حدثني الوليد بن غسان عمن حدثه قال:كانت الجن تنوح على الحسين بن علي عليه السّلام تقول:

لمن الأبيات بالطف على كره بنينه

تلك أبيات الحسين يتجاوبن الرنينة

5-حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة قال:حدثني أيوب بن سليمان بن أيوب الفزاري عن علي بن الحزور قال:سمعت ليلى و هي تقول:سمعت نوح الجن على الحسين بن علي عليه السّلام و هي تقول:

يا عين جودي بالدموع فإنما يبكي الحزين بحرقة و تفجع

يا عين ألهاك الرقاد بطيبة من ذكر آل محمد و توجع

باتت ثلاثا بالصعيد جسومهم بين الوحوش و كلهم في مصرع

6-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين عن نصر بن مزاحم عن عبد الرحمن بن أبي حماد عن أبي ليلى الواسطي عن عبد اللّه بن حسان الكناني قال بكت الجن على الحسين بن علي عليه السّلام فقالت:

ماذا تقولون إذ قال النبي لكم

ماذا فعلتم و أنتم آخر الأمم

بأهل بيتي و إخواني و مكرمتي

من بين أسرى و قتلى ضرجوا بدم

7-حدثني حكيم بن داود بن حكيم قال:حدثني سلمة قال:حدثني علي بن الحسين عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال بينما الحسين عليه السّلام يسير في جوف الليل و هو متوجه إلى العراق و إذا برجل يرتجز و يقول:

8-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن معمر بن خلاد عن الرضا عليه السّلام مثل ألفاظ سلمة قال و هو يقول:

يا ناقتي لا تذعري من زجر و شمري قبل طلوع الفجر

ص: 217

بخير ركبان و خير سفر حتى تحلي بكريم القدر

بماجد الجد رحيب الصدر أبانه اللّه لخير أمر ثمة أبقاه بقاء الدهر

فقال الحسين بن علي عليه السّلام

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا و جاهد مسلما

و واسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا و خالف مجرما

فإن عشت لم أقدم و إن مت لم ألم كفى بك ذلا أن تعيش و ترغما

بك موتا أن تذل و ترغما.

9-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف عن محمد بن يحيى المعاذي قال:حدثني الحسين(الحسن)بن موسى الأصم عن عمرو عن جابر عن محمد بن علي عليه السّلام قال:لما هم الحسين عليه السّلام بالشخوص عن المدينة أقبلت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة حتى مشى فيهن الحسين عليه السّلام فقال أنشد كن اللّه أن تبدين هذا الأمر معصية للّه و لرسوله فقالت له:

نساء بني عبد المطلب فلمن نستبقي النياحة و البكاء فهو عندنا كيوم مات فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و علي و فاطمة و رقية و زينب و أم كلثوم فننشدك اللّه جعلنا اللّه فداك من الموت يا حبيب الأبرار من أهل القبور و أقبلت بعض عماته تبكي و تقول:أشهد يا حسين لقد سمعت الجن ناحت بنوحك و هم يقولون:

فإن قتيل الطف من آل هاشم أذل رقابا من قريش فذلّت

حبيب رسول اللّه لم يك فاحشا أبانت مصيبتك الأنوف و جلّت

و قلن أيضا:

أبكي حسينا سيدا و لقتله شاب الشعر

و لقتله زلزلتم و لقتله انكسف القمر

و احمرت آفاق السماء من العشية و السحر

و تغبرت شمس البلاد بهم و أظلمت الكور

ص: 218

ذاك بن فاطمة المصاب به الخلائق و البشر

أورثتنا ذلا به جدع الأنوف مع الغرر.

10-حدثني أبي و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن يحيى المعاذي عن عباد بن يعقوب عن عمرو بن ثابت عن عمرو بن عكرمة قال:أصبحنا ليلة قتل الحسين عليه السّلام بالمدينة فإذا مولى لنا يقول سمعنا البارحة مناديا ينادي و يقول

أيها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب و التنكيل

كل أهل السماء يدعو عليكم من نبي و مرسل و قبيل

قد لعنتم على لسان بن داود و ذي الروح حامل الإنجيل

11-حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة بن الخطاب قال:حدثني عبد اللّه بن محمد بن سنان عن عبد اللّه بن القاسم بن الحارث عن داود الرقي قال:حدثتني جدتي أن الجن لما قتل الحسين عليه السّلام بكت عليه بهذه الأبيات:

يا عين جودي بالعبر و ابكي فقد حق الخبر

أبكي بن فاطمة الذي ورد الفرات فما صدر

الجن تبكي شجوها لما أتي منه الخبر

قتل الحسين و رهطه تعسا لذلك من خبر

فلأبكينك حرقة عند العشاء و بالسحر

و لأبكينك ما جرى عرق و ما حمل الشجر (1).8.

ص: 219


1- كامل الزيارات:98.

نوح البوم و مصيبتها على الحسين عليه السّلام

1-حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسى بن عبيد عن صفوان بن يحيى عن الحسين بن أبي غندر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول في البومة قال:هل أحد منكم رآها بالنهار.

قيل له:لا تكاد تظهر بالنهار و لا تظهر إلا ليلا.

قال:أما إنها لم تزل تأوي العمران أبدا فلما أن قتل الحسين عليه السّلام آلت على نفسها أن لا تأوي العمران أبدا و لا تأوي إلا الخراب فلا تزال نهارها صائمة حزينة حتى يجنّها الليل فإذا جنّها الليل فلا تزال ترن(ترث)على الحسين عليه السّلام حتى تصبح.

2-حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة بن أبي الخطاب عن الحسين بن علي بن صاعد البربري-قيما لقبر الرضا عليه السّلام-قال:حدثني أبي قال:دخلت على الرضا عليه السّلام فقال لي:ترى هذه البوم ما يقول الناس؟

قال:قلت:جعلت فداك جئنا نسألك.

فقال:هذه البومة كانت على عهد جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تأوي المنازل و القصور و الدور و كانت إذا أكل الناس الطعام تطهير و تقع أمامهم فيرمى إليها بالطعام و تسقى و ترجع إلى مكانها فلما قتل الحسين عليه السّلام خرجت من العمران إلى الخراب و الجبال و البراري و قالت بئس الأمة أنتم قتلتم ابن بنت نبيكم و لا آمنكم على نفسي.

3-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن خاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن علي بن فضال عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن البوم لتصوم

ص: 220

النهار فإذا أفطرت اندبت على الحسين بن علي عليه السّلام حتى تصبح.

4-حدثني علي بن الحسين بن موسى عن سعد بن عبد اللّه عن موسى بن عمر عن الحسن بن علي الميثمي قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا يعقوب رأيت بومة بالنهار تنفس قط فقال:لا.

قال:و تدري لم ذلك؟

قال:لا.

قال:لأنها تظل يومها صائمة على ما رزقها اللّه فإذا جنّها الليل أفطرت على ما رزقت ثم لم تزل ترنم على الحسين بن علي عليه السّلام حتى تصبح (1).0.

ص: 221


1- كامل الزيارات:100.

من قال في الحسين شعرا فبكى و أبكى

1-حدثنا أبو العباس القرشي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد ابن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن أبي هارون المكفوف قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

يا أبا هارون أنشدني في الحسين عليه السّلام قال:فأنشدته فبكى فقال:أنشدني كما تنشدون يعني بالرقة قال فأنشدته:

امرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكية

قال فبكى ثم قال زدني قال فأنشدته القصيدة الأخرى قال فبكى و سمعت البكاء من خلف الستر قال:فلما فرغت قال لي:يا أبا هارون من أنشد في الحسين عليه السّلام شعرا فبكى و أبكى عشرا كتبت له الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فبكى و أبكى خمسة كتبت له الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فبكى و أبكى واحدا كتبت لهما الجنة و من ذكر الحسين عليه السّلام عنده فخرج من عينه(عينيه)من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على اللّه و لم يرض له بدون الجنة.

2-حدثني أبو العباس عن محمد بن الحسين عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن حسن بن علي بن أبي المغيرة عن أبي عمارة المنشد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال لي:يا با عمارة أنشدني في الحسين عليه السّلام قال:فأنشدته فبكى ثم أنشدته فبكى ثم أنشدته فبكى.

قال:فو اللّه ما زلت أنشده و يبكي حتى سمعت البكاء من الدار فقال لي:يا أبا عمارة من أنشد في الحسين عليه السّلام شعرا فأبكى خمسين فله الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى أربعين فله الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى ثلاثين

ص: 222

فله الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى عشرين فله الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى عشرة فله الجنة و من أنشد في الحسين عليه السّلام شعرا فأبكى واحدا فله الجنة و من أنشد في الحسين عليه السّلام شعرا فبكى فله الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فتباكى فله الجنة.

3-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن ابن أبي عمير عن عبد اللّه ابن حسان عن(ابن)أبي شعبة عن عبد اللّه بن غالب قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأنشدته مرثية الحسين عليه السّلام فلما انتهيت إلى هذا الموضع

لبلية تسقوا حسينا بمسقاة الثرى غير التراب

فصاحت باكية من وراء الستروا أبتاه.

4-و عنه عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أنشد في الحسين عليه السّلام بيت شعر فبكى و أبكى عشرة فله و لهم الجنة و من أنشد في الحسين بيتا فبكى و أبكى تسعة فله و لهم الجنة فلم يزل حتى قال:من أنشد في الحسين بيتا فبكى و أظنه قال:أو تباكى فله الجنة.

5-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن أبي هارون المكفوف قال دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لي:أنشدني فأنشدته فقال:لا كما تنشدون و كما ترثيه عند قبره قال فأنشدته:

أمرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكية

قال فلما بكى أمسكت أنا فقال:مر فمررت قال ثم قال:زدني زدني؟

قال:فأنشدته

يا مريم قومي فاندبي مولاك و على الحسين فاسعدي ببكاك

قال:فبكى و تهايج النساء قال:فلما أن سكتن قال لي:يا أبا هارون من أنشد في الحسين عليه السّلام فأبكى عشرة فله الجنة ثم جعل ينقص واحدا واحدا حتى بلغ الواحد

ص: 223

فقال:من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنة ثم قال:من ذكره فبكى فله الجنة.

6-و روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لكل شيء ثواب إلا الدمعة فينا.

7-حدثني محمد بن أحمد بن الحسين العسكري عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن محمد بن سنان عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أنشد في الحسين بيت شعر فبكى و أبكى عشرة فله و لهم الجنة و من أنشد في الحسين بيتا فبكى و أبكى تسعة فله و لهم الجنة فلم يزل حتى قال:من أنشد في الحسين بيتا فبكى و أظنه قال:أو تباكى فله الجنة (1).6.

ص: 224


1- انظر كامل الزيارات:106.

في أن الحسين قتيل العبرة لا يذكره مؤمن إلا بكى

1-حدثني أبي رحمه اللّه و علي بن الحسين و محمد بن الحسن رحمهم اللّه جميعا عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن سعيد بن جناح عن أبي يحيى الحذاء عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نظر أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الحسين فقال:يا عبرة كل مؤمن فقال:أنا يا أبتاه؟

قال:نعم يا بني.

2-حدثني جماعة مشايخي عن محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن عبد اللّه عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة عن أبي عمارة المنشد قال:ما ذكر الحسين عليه السّلام عند أبي عبد اللّه عليه السّلام في يوم قط فرأى أبو عبد اللّه عليه السّلام متبسما في ذلك اليوم إلى الليل و كان عليه السّلام يقول الحسين عليه السّلام عبرة كل مؤمن.

3-حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن موسى الخشاب عن إسماعيل بن مهران عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام قال الحسين بن علي عليه السّلام:أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر.

4-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن موسى عن محمد ابن سنان عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال الحسين عليه السّلام أنا قتيل العبرة.

5-حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين

ص: 225

عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال الحسين بن علي أنا قتيل العبرة.

6-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد ابن عيسى عن محمد بن خالد البرقي عن أبان الأحمر عن محمد بن الحسين الخزاز عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كنا عنده فذكرنا الحسين عليه السّلام و على قاتله لعنة اللّه فبكى أبو عبد اللّه عليه السّلام و بكينا.

قال:ثم رفع رأسه فقال:قال الحسين عليه السّلام أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى.و ذكر الحديث.

7-حدثني علي بن الحسين السعد آبادي قال:حدثني أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن أبيه عن ابن مسكان عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال الحسين عليه السّلام:أنا قتيل العبرة قتلت مكروبا و حقيق علي أن لا يأتيني مكروب قط إلا ردّه اللّه و أقلبه إلى أهله مسرورا.

حدثني حكيم بن داود عن سلمة بن الخطاب عن محمد بن عمرو عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله (1).9.

ص: 226


1- كامل الزيارات:109.

الفهرس

مصيبة الحسين أعظم المصائب 3

علة قتل الحسين عليه السلام و ابتلائه 7

محرّم،صرح الشهادة الدامي 12

لماذا نحيي المحرم؟13

محرم و صفر هما اللذان حفظا الإسلام حيّا 13

نهضة عاشوراء،قدوة الأحرار 14

(كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء)14

معنى كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء 18

أهمية المآتم الحسينية و دورها في إحياء معالم الدين 23

الاحتفاء بذكرى نهضة عاشوراء من الشعائر الإلهية 26

كيف نحيي عاشوراء 28

وصايا للخطباء و قرّاء المراثي و جموع المعزين 30

شذرات من توجيهات سماحة الإمام(س)بشأن محرم و نهضة كربلاء 33

عاشوراء و التبليغ 36

الإمام الحسين عليه السلام قدوة المبلّغين 36

أهمية التبليغ 38

الرفق في التبليغ 39

الوعي السياسي في التبليغ 40

ص: 227

الأحكام الفقهية في عهد حاكمية الإسلام 41

نوعان من التبليغ 42

سعي الأعداء الى عزل الدين 44

التبليغ لأجل الهداية و إنارة العقول 47

المادة التبليغية 48

المنطق في التبليغ 50

أسلوب التبليغ 51

التفنن في طريقة إلقاء الكلام 51

الإنذار في التبليغ 53

الروح الحسينية عند الشباب 55

مسؤولياتنا أزاء الشباب 56

رأي الإسلام حول الشباب 59

الفكر الإسلامي شامل لكل عوامل التكامل الإنساني 62

الأمر بالمعروف و بقاء الإسلام 67

طريق التكامل بالأمر بالمعروف 68

تبليغ زينب و السجاد رسالة الحسين عليه السلام 74

آثار الخطابات الحسينية 76

دور العزاء الحسيني في حفظ العباد و البلاد 82

فلسفة العزاء و المآتم الحسينية 86

مجالس العزاء 92

سؤال الله تعالى عن مجالس الحسين عليه السلام 92

الإستفادة من عاشوراء 93

الفائدة الحقيقية من حضور المجالس 94

ص: 228

العزاء الصحيح 95

الأنغام غير المناسبة في العزاء 99

مادة مجالس العزاء 100

1-تكريس محبة أهل البيت عليهم السلام 100

2-تبيان قضية عاشوراء 101

3-تكريس المعرفة الدينية 101

تجنب ما يشين الإمام الحسين عليه السلام و الدين 104

حرمة التطبير 106

محرمات تعظيم و زيارة الأئمة عليهم السلام 109

نحن شيعة المنطق و الدليل 111

العزاء و اللطم 113

أبعاد و مرامي المجالس الحسينية 113

مدى أهمية مجالس العزاء 114

البعد السياسي لمجالس العزاء 119

أهمية هذه المجالس أنها أبقت الشعوب حية 123

دروس من كربلاء 125

على النساء و الرجال ألا يخافوا في مواجهة حكومة الجور 128

علمنا الحسين عليه السلام كيفية الجهاد و المواجهة 130

قصة في أهمية اللطم و العزاء و أثرهما 132

ثواب إنشاد الشّعر في رثاء الحسين عليه السلام 133

البكاء على الإمام الحسين عليه السلام 140

ثواب البكاء على الحسين و أدب المآتم 168

الهدف من البكاء 193

ص: 229

بكاء أهل البيت على الحسين عليه السّلام 195

بكاء علي بن الحسين على أبيه عليه السّلام 197

بكاء جميع ما خلق اللّه على الحسين بن علي عليه السّلام 198

بكاء الملائكة على الحسين بن علي عليه السّلام 203

بكاء السماء و الأرض على قتل الحسين و يحيى بن زكريا عليهما السّلام 209

نوح الجن على الحسين بن علي عليه السّلام 215

نوح البوم و مصيبتها على الحسين عليه السّلام 220

من قال في الحسين شعرا فبكى و أبكى 222

في أن الحسين قتيل العبرة لا يذكره مؤمن إلا بكى 225

الفهرس 227

ص: 230

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.