التوحيد والأسماء والصفات الإلهيّة

اشارة

سرشناسه : بیابانی اسکوئی، محمد، 1341 -

عنوان قراردادی : توحید و اسماء و صفات .عربی

عنوان و نام پديدآور : التوحید والاسماء والصفات اللهیه/ محمد البیابانی الأسکوئی؛ ترجمه السیدسجاد المدرسی؛ التحقیق موسسة عالم آل محمد علیهماالسلام المعارفیة؛ التصحیح حمید الخبیری النوغانی.

مشخصات نشر : مشهد : دارالولایه للنشر، 1436ق.= 2015م.= 1394.

مشخصات ظاهری : [293]ص.

فروست : سلسلةالدروس العقائدیة؛ 1.

شابک : 978-964-6172-82-1

يادداشت : عربی.

يادداشت : ص.ع. به انگلیسی: Mohammad B. Eskooei. Monotheism, the glorious names, and attributes of Allah.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

یادداشت : نمایه.

موضوع : توحید

*Tawhid (Unity of God)

الهیات

Theology

خدا -- اثبات

God -- Proof

شناسه افزوده : خبیری، حمید، 1366 -

شناسه افزوده : مدرسی، سیدسجاد، 1364-

شناسه افزوده : رضوی، سیدفاضل

شناسه افزوده : اعدادی خراسانی، مرتضی، 1360-

شناسه افزوده : موسسة عالم آل محمد علیهم السلام المعارفیه

رده بندی کنگره : BP217/4

رده بندی دیویی : 297/42

شماره کتابشناسی ملی : 3798181

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا الْمُرْتَضَى الْإِمَامِ التَّقِيِّ النَّقِيِ وَ حُجَّتِكَ عَلَى مَنْ فَوْقَ الْأَرْضِ وَ مَنْ تَحْتَ الثَّرَى الصِّدِّيقِ الشَّهِيدِ صَلاَةً كَثِيرَةً تَامَّةً زَاكِيَةً مُتَوَاصِلَةً مُتَوَاتِرَةً مُتَرَادِفَةً كَأَفْضَلِ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِكَ.

ص: 3

التوحيد والأسماء والصفات الإلهيّة

محمد البیابانی الأسکوئی

ترجمه السیدسجاد المدرسی

ص: 4

بسم اللّه الرحمن الرحيم

اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ

يُعدّ العلم والمعرفة أفضل وأكبر النِّعم الإلهيّة المهداة لعباد اللّه الصالحين لأنّه بالعلم يُعينهم اللّه على عبوديّته وبه يخضعون له، وهو من أكبر النّعم التي بها يفتخرون في حياتهم الدنيا.

والعلماء الربانيّون والعرفاء الإلهيّون هم من يستضيئون بهدى الأنبياء والأئمّة(عليهم السلام) ولا يشعرون بالتَّعب أو الملل أبداً في سلوك هذا الطريق. طريق العلم والعمل، ويتجنّبون الطُرُق الأُخرى التي لا تنتهي بهم إلى نيل معارف الأئمّة(عليهم السلام).

تهدف هذه المؤسّسة - التي تأسّست بدافع إحياء آثار هذه الثلَّة المخلصة التي تحملت على عاتقها مهمّة الدفاع عن معارف الوحي والعلوم الإلهيّة الأصيلة - إلى نشر هذا الفكر عبر الوسائل العصريّة المتاحة ومن اللّه التوفيق.

ص: 5

ص: 6

الفهرس

المقدّمة 15

مقدّمة المترجم 17

الدرس الأوّل: أهمّيّة المعارف العقديّة ومعرفة اللّه تعالى 21

1. المعرفة، عمل القلب 23

2. أهمّيّة معرفة اللّه تعالى 24

2 -1. معرفة اللّه، هدف الخلق 25

2-2. فضل معرفة اللّه على سائر المعارف 26

3. الفرق بين العلم والمعرفة 26

3 -1. المعرفة في اللغة 27

3-2. التمايز بين العلم والمعرفة عند العلماء 28

3-3. تأمّلات في أقوال العلماء 30

4. ملخّص الدرس 32

5. اختبار ذاتيّ 32

الدرس الثاني: معرفة الله فطريّة: الآيات (1) 35

1. الفطرة في اللغة 37

1 -1. آراء اللغويين وعلماء الألسنة 37

1-2. ملخّص البحث 39

2. المعرفة الفطريّة في القرآن الكريم 40

2 -1. آية الفطرة 40

ص: 7

2-2. آية >صِبغةَ اللّهِ< 42

3-2. آية أ في الله شك 43

2-4. آية حنفاء لله 45

3. ملخّص الدرس 46

4. اختبار ذاتيّ 46

الدرس الثالث: معرفة الله فطريّة: الآيات (2) 47

1. آيات و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض... 49

2. آية كان الناس... 51

3. آية فذكر إنما أنت مذكر 54

4. آيات البأساء والضراء 55

5. ظهور المعرفة الفطريّة في الشدائد، والإيمان والكفر 58

6. ملخّص الدرس 60

7. اختبار ذاتيّ 61

الدرس الرابع: معرفة اللّه فطريّة (الروايات) 63

1. أحاديث فطريّة المعرفة 65

2. أحاديث فطرة العقول على التوحيد 71

3. أحاديث فطرة البهائم على معرفة اللّه 73

4. ملخّص الدرس 75

5. اختبار ذاتيّ 76

الدرس الخامس: مواقف التعريف: عالم الأرواح(1) 77

1. شواهد على وجود عوالم العهد 80

2. هل عالم العهد واحد؟ 81

ص: 8

3. خلقة الأرواح 82

4. تواتر نصوص خلقة الأرواح قبل الأبدان 84

5. ملخّص الدرس 86

6. اختبارذاتيّ 87

الدرس السادس: مواقف التعريف: عالم الأرواح (2) 89

1. شبهات حول عالم الأرواح 91

2. شبهة أخرى 94

3. الخلقة الدفعيّة للأرواح 97

4. ملخّص الدرس 99

5 . اختبار ذاتيّ 99

الدرس السابع: مواقف التعريف: عالم الذرّ (1) 101

1. العلاقة بين عالم الذرّ والأرواح 104

2. الحكمة من جعل الأرواح في الأبدان 104

3. عالم الذرّ في القرآن 105

3 -1. آية الذرّ 105

3-2. آراء حول آية الذرّ 108

4. ملخّص الدرس 112

5. اختبار ذاتيّ 112

الدرس الثامن: مواقف التعريف: عالم الذرّ (2) 115

1. روايات عالم الذرّ 117

1 -1. الروايات المفسرة لآية الذرّ 117

ص: 9

1-2. الروايات المفسرة لآية فطرت الله 118

3-1. الروايات المفسرة لآية فما كانوا ليؤمنوا بما... 118

1-4. الروايات المفسرة لآية هذا نذير من النذر الاولى 118

1-5. الروايات المفسرة لآية مخلقة و غير مخلقة119

1-6. الروايات الواردة في استلام الحجر الأسود 120

1-7. الروايات الواردة في تكوّن الولد في الرحم 120

1 -8. الروايات الواردة في العزل 121

1 -9. الروايات الواردة في دية الجنين 121

1 -10. الروايات الواردة في غسل الميّت عن جنابة 122

1 -11. الروايات الواردة في انتقال الإنسان في الأصلاب والأرحام 123

2. تواتر نصوص عالم الذرّ 123

3. آراء بعض علماء الإسلام حول روايات عالم الذرّ 124

3-1. الشيخ الحرّ العامليّ 124

3-2. العلّامة الأمينيّ 124

3-3. الشيخ النمازيّ الشاهروديّ 124

3-4. الشيخ الملكيّ الميانجيّ 125

3-5. آية اللّه الجهرميّ الشريعتمداريّ 125

4. شبهات حول عالم الذرّ 125

5. ملخّص الدرس 127

6. اختبار ذاتي 128

الدرس التاسع: معرفة اللّه باللّه 131

1. انحصار طريق معرفة اللّه، به تعالى 133

ص: 10

2. بيان المعرفة بالصفات التنزيهيّة 134

3. معرفة اللّه باللّه عين المعرفة الفطريّة 135

4. تجلّي اللّه عبر أسماءه 136

5. امتناع معرفة اللّه بخلقه 137

6. ملخّص الدرس 139

7. اختبار ذاتيّ 140

الدرس العاشر: نفي الوسائط في معرفة اللّه 142

1. الضياع عن المعرفة 144

2. معرفة اللّه، شرط استجابة الدعاء 146

3. معرفة اللّه باللّه في رواية سدير الصيرفيّ 147

4. بيان العلّامة الطباطبائيّ في ذيل رواية سدير الصيرفيّ 149

5. محصّلة نصوص معرفة اللّه باللّه 151

6. ملخّص الدرس 154

7. اختبار ذاتيّ 154

الدرس الحادي عشر: النصوص المتعارضة في الظاهر 156

1. نفي الألوهيّة عمّا يُعرَف بنفسه 158

2. ما عرفته بنفسه، فهو مصنوع 159

3. قصور القوى المدركة عن معرفة اللّه 161

4. قصور الخلق عن معرفة اللّه 162

5. ملخّص الدرس 165

6. اختبار ذاتيّ 166

الدرس الثاني عشر: المعرفة صنع اللّه (1) 168

ص: 11

1. آيات القرآن الكريم 171

1-1. الهداية من قبل اللّه 171

1-2. خروج معرفة اللّه عن قدرة الإنسان 173

2. الروايات 174

3. ملخّص الدرس 178

4. اختبار ذاتيّ 178

الدرس الثالث عشر: المعرفة صنع اللّه (2) 180

1. تعلّق الإيمان والكفر على اعطاء المعرفة 182

2. المعرفة ليست اكتسابيّة 183

3. عجز الخلائق على كسب المعرفة 185

4. محصّلة النصوص المذكورة 187

5. الهداية والمعرفة الأوّليّة والثانويّة 188

6. ملخّص الدرس 190

7. اختبار ذاتيّ 191

الدرس الرابع عشر: المعرفة صنع اللّه (الروايات المتعارضة ظاهراً) 192

1. المعرفة رأس الدين 195

2. رأس العبادة، المعرفة 197

3. الأمر الإلهيّ بكسب العلم والمعرفة 198

4. المعرفة، أفضل الاعمال وأوجب الفرائض 199

5. حلّ التعارض الظاهري بين فئتين من النصوص، ووجه الجمع 202

6. ملخّص الدرس 205

7. اختبار ذاتيّ 206

ص: 12

الدرس الخامس عشر: انسداد طريق معرفة اللّه عند العباد 208

1. النهي عن التفكّر في اللّه 211

2. عجز القوى البشريّة عن معرفة اللّه 211

3. دور العقل في معرفة اللّه سبحانه 213

4. بداهة معرفة اللّه 216

5. دور الأنبياء والأوصياء في معرفة اللّه 216

6. ملخّص الدرس 218

7. اختبار ذاتيّ 218

الدرس السادس عشر: التوحيد 220

1. التوحيد هو المعرفة الفطريّة 222

2. انواع التوحيد 224

2 -1. التوحيد الذاتيّ 224

2-2. التوحيد الصفاتيّ 226

3-2. التوحيد الأفعاليّ 228

2-4. التوحيد العباديّ 230

3. ملخّص الدرس 231

4. اختبار ذاتيّ 232

الدرس السابع عشر: الأسماء والصفات (1) 234

1. المعنى اللغوي للاسم والصفة 236

2. معنى الاسم والصفة في روايات أهل البيت(عليهم السلام) 237

3. أصناف الروايات حول الأسماء والصفات 238

3 -1. تنزيه اللّه من توصيف العباد 239

ص: 13

3-2. توصيف اللّه بما وصف به نفسه 240

3-3. نفي الصفات عن اللّه سبحانه 241

4. مرجع الصفات إلى التنزيه 243

5. ملخّص الدرس 244

6. اختبار ذاتيّ 245

الدرس الثامن عشر: الأسماء والصفات (2) 247

1. الاشتراك اللفظيّ في الأسماء والصفات 250

2. الأسماء والصفات مخلوقة وهي غير اللّه 253

3. صفات الذات وصفات الفعل 254

4. ملخّص الدرس 260

5. اختبار ذاتيّ 260

الفهارس 263

1. فهرس الآيات الكريمة 250

2. فهرس الروايات الشريفة 250

3. فهرس مصادر التحقيق 250

ملخّص الفارسيّ والإنجليزيّ 290

بيان المؤسّسة 291

ص: 14

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدللّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على عبده المصطفى محمّد وآله الطاهرين المعصومين سيّما الكهف الحصين و غياث المضطرّ المستكين، الإمام المنتظر والحجّة الثاني عشر ، بقية الله الأعظم(عج).

إنّ قيمة العلم وفضيلته أمر بديهيّ وواضح، ومن الاهداف الأصليّة لخلقة الإنسان عبادة الله و بالتالي تكون معرفة الله و طريق عبادته أفضل القيم المعارفيّة.

إنّ الله سبحانه وتعالى بيّن طريق معرفته في قالب الدين عن طريق حججه، والدين الالهيّ مجموعة العقائد والأحكام والأخلاق.

اساس الدين مبنيّ على العقائد، وعليه فإنّ الاعتقاد الصحيح هو الشرط اللازم للتديّن و الاستقرار في طريق عبوديّة الله.

يمكن الوصول إلى الطريق الصحيح بالأخذ عن تعاليم أهل البيت(عليهم السلام)

فحسب، و كلّما خرج من غير هذا البيت باطل و لا يمكن انتسابه إلى الدين.

مع ذلك فإنّ بعض المتفكّرين حصروا العلم في الأمور المادّيّة والتجريبيّة. والفكر من منظر الفلاسفة هو طريق الوصول إلى الحقائق، ويرى العرفاء إنّ طريق المعرفة منحصر في السير والسلوك والرياضة والكشف والشهود.

ص: 15

إنّ افكار الفرق الثلاثة هي الغالبة في المجتمع العلميّ مع كمال الأسف، وفي المقابل لا يعتنى بتعاليم الوحي ومعارف اهل البيت(عليهم السلام).

إنّ مؤسسة عالم آل محمّد(عليهم السلام) المعارفيّة تسعى لطباعة ونشر الكتب التي ألفت على غرار الآيات والروايات، تقوية لمعارف الوحي.

المجموعة الحاضرة المؤلفة من خمسة اجزاء تعدّ دورة للأصول العقائديّة في التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد بمنهج قرآنيّ وروائيّ، كتبها المفكّر الفاضل الأستاذ المعظّم محمّد البيابانيّ الأسكوييّ لتدريس طلبة الحوزات والجامعات - وقد طبعها للمرّة الأولى باللغة الفارسيّة منشورات نبأ في طهران- . نرجوا أن يكون هذا الأثر مفيداً للوصول إلى المعارف الصحيحة.

مرتضى الأعداديّ الخراسانيّ

يوم الجمعة المصادف لولادة سيّدة نساء العالمين(عليها السلام) سنة 1436ق

مشهد المقدّسة

ص: 16

مقدّمة المترجم

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي لا تدركه الشواهد، ولا تراه النواظر، الذي علا بكلّ مكرمة، تجلّى بكلّ فضيلة، وارتفع عن شبه الخليقة، وقام بالقسط في خلقه، وعدل فيهم بحكمه، وأحسن إليهم في قسمه، ولا إله إلّا هو الواحد القهّار، والصلاة والسلام على خير الأنام وخاتم الأنبياء محمّد المصطفى، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين سادات المؤمنين عليهم صلاة اللّه وملائكته أجمعين.

وبعد..

فلا يبلغ ابن آدم إلّا ويبلغ على تساؤلات مختلفة تدور في خلجه، تؤرقه ليلاً وتضمئ هواجره، ومن هذه الأسئلة: من أين جئت؟ وإلى أين المصير؟ وكيف يكون المسير؟ من الذي جاء بي إلى هنا؟ ولماذا؟ وكيف؟ ما هي حقيقة هذا العالم من حولي؟ أين كنّا قبل أن نأتي إلى هنا؟ وأين سنذهب بعد الموت؟ و...

وعشرات الأسئلة المشابهة، التي لا تدع لضمير الإنسان ساعة راحة، إلّا بعد إيجاد الإجابات عليها.

وهكذا كانت مواضيع المبدأ والمعاد، والخالق، من أكثر المواضيع بحثاً

وسجالاً... أخذاً وعطاءاً، في تاريخ البشر، كلّ ذلك لإراحة الضمير من وخزات الأسئلة المتراكمة، وحيث كان الإنسان يحبّ التخلّص من هذا العبئ بسرعة، راح يبحث عن إجابات جاهزة، أو بعيدة عن الموضوعيّة، أو إجابات تتناسب مع أهواءه وشهواته، فمنهم من أنكر الخالق رأساً، ومنهم من قال بأنّ الناس كالشمع يشتعلون فيذوبون فينتهون، ومنهم... ومنهم... وبذلك اختلفت المذاهب

ص: 17

واضطربت الإجابات وتباينت المسالك.

ولم يترك اللّه سبحانه عباده في متاهات الضلالة وحيرة الجهالة، رحمةً بهم ورأفة، إذ كانت الرحمة الإلهيّة هدفاً للخلقة حيث قال سبحانه:

إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ .(1)

فواتر إليهم الأنبياء والرسل، لينيروا للبشريّة في هذا المجال سبيلها، ويبيّنوا لهم ما احتاروا في غوامضه، فراح الأنبياء يهدون الناس إلى سواء السبيل والصراط المستقيم.

حتّى أن منّ الربّ سبحانه على البشريّة بخاتم الأنبياء(صلى الله عليه و آله)، الذي أرسله رحمةً للعالمين، ومعه الهدى والفرقان والذكر، فلم يدع اللّه سبحانه لذي رأي مقالاً في هذه المباحث، إذ بيّن الباري في القرآن كلّ شيء، وأوضح النبيّ وأهل بيته(عليهم السلام) كلّ غامض، فبيّنوا للمرء مبدأه ومعاده، وذكّروه بالخالق الرازق، حتّى قال أميرالمؤمنين(عليه السلام):

رَحِمَ اللهُ امرَءً أعَدَّ لِنَفسِهِ وَاستَعَدَّ لِرَمسِهِ وَعَلِمَ مِن أينَ وَفِي أينَ وَإلَى أينَ.(2)

ولم يغفل علماء المذهب السائرين بسيرة النبيّ وأهل بيته(عليهم السلام)، عن المباحث المرتبطة بهذا الشأن والتي تشكّل أركان الإيمان وأساس العقيدة، ومنطلق الدين، التي لولاها لم يكن للدين دعامة ولا قاعدة، حيث قال أميرالمؤمنين(عليه السلام):

أَوَّلُ الدِّينِ مَعرِفَتُه.(3)

فقاموا بتصنيف المصنّفات في هذا الشأن، وقد بيّنوا فيها مسائل المعتقد ببيان الوحي وأدلّة العقل، متجاوزين فيها أوهام بعضٍ ورادّين شبهات آخرين.

وقد قام سماحة الأستاذ محمّد البيابانيّ الأسكوئيّ، بتأليف سلسلة من الكتب9.

ص: 18


1- . هود(11)، آيه 119.
2- . الوافى، ج1، ص116، ح26.
3- . نهج البلاغة، الخطبة الأولى، ص39.

العقديّة، متّبعاً سيرة أسلافه من العلماء الأعلام، وامتاز كتابه هذا، بجزالة البيان، ومخاطبة العقل والوجدان، معتمّداً على هدى الوحي ونوره، وبصيرة العقل وبرهانه.

كما انّ الكتاب قد هيّ ء على شكل دروس مرتّبة، تبدأ بالغاية من الدرس، وتنتهي بعد الشرح بملخّصات له وأسألة عن الموضوع، كلّ ذلك ليكون مهيّئاً لدراسة الدارسين.

وفي الختام اشكر كلّ من ساهم في تنظيم وإخراج وتصحيح هذا

الكتاب من القائمين بالعمل في مؤسّسة عالم آل محمّد(عليهم السلام) المعارفيّة واسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يتقبّل منّي هذا القليل بأحسن القبول.

السيّد سجّاد المدرّسيّ

كربلاء المقدّسة - 1435ق

ص: 19

ص: 20

الدرس الأوّل 1: أهمّيّة المعارف العقديّة ومعرفة اللّه تعالى،

اشارة

ومعنى (المعرفة) و (العلم)

المعرفة عمل القلب

أهمّيّة معرفة اللّه تعالى

الفرق بين العلم والمعرفة

ص: 21

ص: 22

تلميح

بعد الانتهاء من الدرس، يتوقّع من الطالب أن يتعرّف على مكانة البحوث العقائديّة، ويجد أهمّيّة وقيمة معرفة الباري عزّ وجلّ، وأن يتعرّف على معنى مصطلح «المعرفة» والفرق بينه وبين مصطلح «العلم» بصورة إجماليّة،(1) ويتعرّف على آراء العلماء في هذين المصطلحين.

1. المعرفة، عمل القلب

يطلق الدين على مجموع التعاليم العقديّة والعمليّة التي يعبّر عنها ب- : «العقائد، والأحكام، والأخلاق». الأحكام والأخلاق بدورها ناظرة إلى أعمال الإنسان وأفعاله، أمّا العقائد فالهدف الأساس منها هو المعرفة والاعتقاد الداخليّ للفرد.

ولايخفى أنّ الفعل المذكور، يراد منه خصوص أفعال جوارح الإنسان، ولايقصد منه المعنى العامّ الذي يشمل أفعال وأعمال القلب أيضاً، بمعنى عمل الجوارح والجوانح، وعلى ذلك يمكننا أن نعدّ المعرفة والعقيدة من أفعال قلب الإنسان.

وقد ورد التأكيد على هذا الأمر، في حديث عن الإمام الصادق(عليه السلام)، حيث عدّ

ص: 23


1- . هذا في اللغة لا في مورد الاستعمال، فإنّه يراد من العلم الاُنس باللّه في الاستعمال. (المترجم)

الإمام عمل القلب - أي روح البشر - من الأفعال الاختياريّة، وقد بيّن فيه الإمام بوضوح الفرق بين أفعال القلب وأفعال سائر الجوارح، وجعل(عليه السلام) الإيمان الحقيقيّ هو الجامع لكلّ هذه الأعمال، فقد قال(عليه السلام):

فَمِنهَا قَلبُهُ الَّذِي بِهِ يَعقِلُ وَيَفقَهُ وَيَفهَمُ وَهُوَ أَمِيرُ بَدَنِهِ الَّذِي لَا تَرِدُ الجَوَارِحُ وَلَا تَصدُرُ إِلَّا عَن رَأيِهِ وَأَمرِهِ...، فَأَمَّا مَا فَرَضَ عَلَى القَلبِ مِنَ الإيمان، فَالإِقرَارُ وَالمَعرِفَةُ وَالعَقدُ وَالرِّضَا وَالتَّسلِيمُ بِأَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَه...، فَذَلِكَ مَا فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى القَلبِ مِنَ الإِقرَارِ وَالمَعرِفَةِ وَهُوَ عَمَلُه وَهُوَ رَأسُ الإيمانِ.(1)

ومن خلال هذا النصّ اتّضح لنا كيف أنّ الإمام(عليه السلام)، جعل المعرفة والعقيدة أفعالاً للقلب، وصار القلب قائداً للجسم.

ومن هنا نعرف أنّ أفعال القلب أعلى منزلة من أفعال سائر الجوارح، حيث أنّ القلب أعطي سِمَةَ الرئاسة والقيادة للجسد.

2. أهمّيّة معرفة اللّه تعالى

اشارة

لايخفى أنّ أهمّيّة معرفة أيّ شيء، تتوقّف على أهمّيّته ومنزلته، فكلّما

كان الشيء أعلى منزلةً كانت معرفته أشرف وأكثر أهمّيّة، وحيث إنّ اللّه تعالى لايمكن أن يقاس بأيّ موجود آخر، فإنّ معرفته تعالى هي الأخرى لايمكن أن تقاس بأيّة معرفة أخرى.

وحيث كان الدين مجموع الأمور المرتبطة باللّه عزّ وجلّ بصورة مباشرة، فإنّ رأس جميع المعارف الدينيّة، هي معرفة الباري عزّ وجلّ، بل ولا قيمة لأيّة معرفة من دون المعرفة الأساسيّة، أي معرفة اللّه تعالى، قال أميرالمؤمنين(عليه السلام):

أَوَّلُ الدِّينِ، مَعرِفَتُهُ.(2)

ص: 24


1- . الكافي، ج2، ص 34 -35، ح1؛ بحارالأنوار، ج66، ص24، ح6 (الباب30 من أبواب الإيمان والإسلام... من كتاب الإيمان والكفر).
2- . نهج البلاغة، الخطبة العاشرة، ص39.

وقال أيضاً:

مَعرِفَةُ اللهِ سُبحَانَهُ أَعلَى المَعَارِفِ ِ.(1)

2 -1. معرفة اللّه، هدف الخلق

من الأهداف الهامّة وراء خلقة الإنسان، إنّما هي معرفة اللّه، حيث قال عزّ من قائل:

وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ .(2)

وليس ثمّة شكّ بأنّ العبادة لا تتحقّق من دون المعرفة، ومن هنا قال إمامنا الرضا(عليه السلام):

أَوَّلُ عِبَادَةِ اللهِ، مَعرِفَتُهُ.(3)

إنّ أعلى منازل الكمال لأيّ عبدٍ، هو أن يؤدّي حقّ العبوديّة بصورة كاملة قبال مولاه، ويكون عبداً مطيعاً لربّه، وهذه العبوديّة لاتتحقّق بالشكل المطلوب إلّا في وقت يكون الإنسان مسلّماً للّه عزّ وجلّ في كلّ أموره ويكون مطيعاً له.

وبديهيّ أنّ التسليم والطاعة غير ممكنة من دون معرفة، فكم من إنسان عبد غير اللّه عزّ وجلّ، أو عبد نفسه وهواها، وهو يحسب أنّه يعبد اللّه عزّ وجلّ، أو يصل إلى مرحلة يرتكب أعمالاً لاتليق بمقام الربوبيّة، بل تكون موهنة له سبحانه، بدل أن يستشعر درجات الخضوع والخشوع والعبوديّة للّه عزّ وجلّ، يقول الإمام الحسين(عليه السلام):

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَ ّ اللهَ جَلَ ّ ذِكرُهُ مَا خَلَقَ العِبَادَ إِلَّا لِيَعرِفُوهُ، فَإِذَا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ فَإِذَا عَبَدُوهُ استَغنَوا بِعِبَادَتِهِ عَن عِبَادَةِ مَن سِوَاهُ.(4)

ص: 25


1- . تصنيف غررالحكم ودررالكلم، ص81، ح1370.
2- . الذاريات(51)، الآية 56.
3- . التوحيد، ص34، ح2؛ بحارالأنوار، ج4، ص228، ح3 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى و... من كتاب التوحيد).
4- . علل الشرائع، ج1، ص9، ح1 (الباب التاسع)؛ بحارالأنوار، ج23، ص93، ح40 (الباب الرابع من أبواب جمل أحوال الأئمّة؟عهم؟ من كتاب الإمامة).

2-2. فضل معرفة اللّه على سائر المعارف

إنّ العارف باللّه عزّ وجلّ والذي يأنس بمناجات ربّه وعبادته، يعلم أنّ قيمة كلّ شيء ومنزلته، إنّما هي بقربه إلى اللّه عزّ وجلّ، وأيّ شيء يُبعِد العبد عن اللّه ويكون وسيلة لغفلة الإنسان عنه، لا قيمة له بتابتاً.

إنّ اللّه عزّ وجلّ هو صاحب كلّ النعم وجميع الكمالات ومن الواضح

أنّ من يرتبط بمالك النعم والكمالات ويعرفه ويتقرّب إليه، يستغني عن كلّ شيء آخر، وتسقط من عينه كلّ زخارف الدنيا ولا تؤثر عليه مغرياتها.

من يعرف ربّه ويجده قريباً منه، يأنس به ويألفه، فلايخشى شيئاً ولايخاف أحداً أبداً.

إنّ معرفة اللّه تعالى تبدّل الظلمة نوراً، والعجز قوّةً،(1) والوحشة أنساً، كيف لا؛ وإنّ الإرتباط مع اللّه عزّ وجلّ، ارتباط بالحقيقة التي يكون منها النور والقوّة و... .

يقول الإمام الصادق(عليه السلام) عن منزلة معرفة اللّه عزّ وجلّ وفضلها على جميع المعارف:

لَو يَعلَمُ النَّاسُ مَا فِي فَضلِ مَعرِفَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا مَدُّوا أَعيُنَهُم إلى مَا مَتَّعَ اللهُ بِهِ الأَعدَاءَ مِن زَهرَةِ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَنَعِيمِهَا وَكَانَت دُنيَاهُم أَقَلَّ عِندَهُم مِمَّا يَطَئُونَهُ بِأَرجُلِهِم، وَلَنُعِّمُوا بِمَعرِفَةِ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ وَتَلَذَّذُوا بِهَا تَلَذُّذَ مَن لَم يَزَل فِي رَوضَاتِ الجِنَانِ مَعَ أَولِيَاءِ اللهِ؛ إِنَّ مَعرِفَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ آنِسٌ مِن كُلِّ وَحشَةٍ وَصَاحِبٌ مِن كُلِّ وَحدَةٍ وَنُورٌ مِن كُلِّ ظُلمَةٍ وَقُوَّةٌ مِن كُلِّ ضَعفٍ وَشِفَاءٌ مِن كُلِّ سُقمٍ.(2)

3. الفرق بين العلم والمعرفة

اشارة

يظهر من خلال التأمّل في حديث المذكور عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّ معرفة اللّه

ص: 26


1- . لا نعني بهذا القول إنّه لايصاب بالضعف الجسديّ أو المرض الظاهريّ، أو حتّى الفقر في المال، بل نقصد بذلك أنّ روح الإنسان لا تصاب بالضعف في مجال العبوديّة للّه عزّ وجلّ وإن أصيبت بكلّ هذه الأسقام والإبتلاءات. (المؤلف)
2- . الكافي، ج8، ص247، ح347.

تعالى تعطي المرء طمأنينة في قلبه، وأنساً من كلّ وحشة، ويبقى علينا أن نعرف معنى المعرفة بشكل دقيق وما تتميّز المعرفة به عن العلم.

3 -1. المعرفة في اللغة

قد فسّرت المعرفة في كتب اللغة بالعلم والفهم، يقول الفيّومي:

عرَفتُه عِرفةً وعِرفاناً، عَلِمتُهُ بحاسّةٍ من الحواسِّ الخمس. والمعرفة اسم منهُ.(1)

وقال ابن المنظور:

العرفان: العلم... وعرّفه الأمر: أعلمه إيّاه. وعرّفه بيته: أعلمه بمكانه، وعرّفه به: وَسَمه.(2)

وقد ذكر أحمد بن فارس معنيين أصليّين للفظة «عَرَفَ» إحداهما: الأمور التي تأتي تباعاً وتكون متصلة ببعضها البعض، والمعنى الثاني: السكون والطمأنينة، ويميل إلى المعنى الثاني، فيقول:

العين والراء والفاء، أصلان صحيحان، يدلّ أحدهما على تتابع الشيء، متّصلاً بعضه ببعض والآخر على السكون والطمأنينة... .

والأصل الآخر المعرفة والعرفان: تقول: عَرَفَ فلان فلاناً عرفاناً ومعرفة، وهذا أمر معروف، وهذا يدلّ على ما قلناه من سكونه إليه، لأنّ من أنكر شيئاً توحش منه ونبأ عنه.(3)

ومن العبارة الأخيرة لابن فارس نكتشف أنّ المعرفة نوع خاصّ من العلم يستتبع سكوناً وطمأنينة، وقوله: «من أنكر شيئاً توحش منه ونبأ عنه» دليل على أنّ السكينة تحصل للمرء حين يصل الإنسان إلى شيء يعرفه؛ وبتعبير آخر يكون له علماً كاملاً وتفصيليّاً بالشيء وبخصوصيّاته وآثاره، فيكون محيطاً به ومشرفاً عليه، وليس أن يكون العلم إجماليّاً ومبهماً.

ص: 27


1- . المصباح المنير، ص404.
2- . لسان العرب، ج9، ص236.
3- . مقاييس اللغة، ج4، ص281.

ومن هنا فإنّ الفرق بين المعرفة والعرفان وبين العلم، هو في أنّ المعرفة في اللغة العربيّة، محصورةٌ في تلك الإدراكات التي تخرج الإنسان من حالة الإنكار والتوحّش، وقد تتأتّى هذه الحالة أيضاً للمرء من حيث الإحاطة العلميّة بالمكشوف.

ومن الواضح أنّ هذه السكينة والطمأنينة التي تحصل للإنسان بإدراك خاصّ تكون ذا مراتب و درجات مع ملاحظة متعلّق الإدراك، فقد يتعرّف الإنسان على حقيقة فتشغله تلك المعرفة بحيث لا يحيد لشيء أهمّيّة في هذه الوجود.

وعلى ما قلنا، فإنّ المعرفة هي نوعٌ خاصّ من الإدراك(1)، أمّا العلم فهو إدراك عامّ يشمل المعرفة أيضاً، من دون ملاحظة السكون والطمأنينة، ولمّا كانت المعرفة نوع خاصّ من الإدراك يمتاز عن العلم بالسكون والطمأنينة،

فلايمكننا أن نستعمل هذه اللفظة مكان لفظة العلم أو الإدراك.

وفيما يلي نتعرّض لبعض آراء العلماء في التمايز بين العلم والمعرفة:

3-2. التمايز بين العلم والمعرفة عند العلماء

1. يقول أبو هلال العسكريّ:

إنّ المعرفة أخصّ من العلم؛ لأنّها علم بعين الشيء منفصلاً عمّا سواه والعلم يكون مجملاً ومفصّلا.(2)

ويستمرّ قائلاً:

قيل: المعرفة إدراك البسائط والجزئيّات؛ والعلم إدراك المركّبات والكليّات ومن ثمّ يقال: عرفت اللّه، ولايقال: علمته.

وقيل: هي عبارة عن الإدراك التصوّريّ والعلم هو الإدراك التصديقيّ... .

ص: 28


1- . من البديهيّ أنّ اللّه تعالى لايسمّى عارفاً بهذا المعنى، إذ إنّه عزّ وجلّ لايعتريه اضطراب ووحشة حتّى يحصّل الطمأنينة بالمعرفة - على ما ذكر -، وعليه فلو جاءت لفظة العارف بالنسبة إليه عزّ وجلّ فالمراد منها العلم والإدراك العامّ لا المخصوص. (المؤلّف)
2- . معجم الفروق اللغويّة، ص500.

وقيل: المعرفة إدراك الشيء ثانياً بعد توسّط نسيانه، لذلك يسمّى الحقّ تعالى بالعالم دون العارف، وهو أشهر الأقوال في تعريف المعرفة.

وقيل: المعرفة قد تقال فيما تدرك آثاره وإن لم يدرك ذاته والعلم لايكاد يقال إلّا فيما أدرك ذاته، ولذا يقال: فلان يعرف اللّه ولايقال: يعلم اللّه.(1)

2. يقول الشيخ البهائيّ(رحمة الله عليه):

قال بعض الأعلام: أكثر ما تطلق المعرفة على الأخير من الإدراكين للشيء الواحد إذا تخلّل بينهما عدم، بأن أدركه أوّلاً ثمّ ذهل عنه ثمّ أدركه ثانياً فظهر له أنّه هو الذي كان قد أدركه أوّلاً، ومن هاهنا سمّي أهل الحقيقة بأصحاب العرفان، لأنّ خلق الأرواح قبل خلق الأبدان - كما ورد في الحديث - وهي كانت مطّلعة على بعض الإشراقات الشهوديّة مقرّة لمبدعها بالربوبيّة كما قال سبحانه: أَ لَستُ بِرَبِّكُم قالُوا بَلى لكنّها لألفها بالأبدان الظلمانيّة وانغمارها في الغواشيء الهيولائيّة ذهلت عن مولاها ومبدعها فإذا تخلّصت بالرياضة من أسر دار الغرور وترقّت بالمجاهدة عن الالتفات إلى عالم الزور، تجدّد عهدها القديم الذي كاد أن يندرس بتمادي الأعصار والدهور وحصل لها الإدراك مرّة ثانية وهي المعرفة التي هي نور على نور.(2)

3. يقول آية اللّه صافيّ الكلبايكانيّ(دام ظله):

المعرفة والعرفان، إدراك للشيء عبر التدبّر والتفكّر في آثاره وآياته، وهي أخصّ من العلم، إذ أنّ العلم هو مطلق الإدراك، ويحصل بالتفكّر في ذات الشيء، وبعبارة أخرى فإنّ المعرفة أخصّ من العلم.

وبعد أن يتعرّض الكلبايكانيّ لوجوه في شرح الحديث المشهور «مَن عَرَفَ نَفسَهُ فَقَد عَرَفَ رَبَّه» يقول:).

ص: 29


1- . معجم الفروق اللغوية، ص501- 502.
2- . الاربعون حديثاً، ص 78؛ وراجع أيضاً: منهاج البراعة، ج1، ص318؛ مجمع البحرين، ج2، ص1198؛ بحارالأنوار، ج66، ص290، ذيل ح23 (الباب37 من أبواب الإيمان والإسلام... من كتاب الإيمان والكفر ).

أمّا معرفة الربّ فهي تحصل عبر التدبّر في آياته، ولهذا فيقال: فلان

عرف اللّه ولايقال فلان علم اللّه، لأنّ معرفة البشر للّه عزّ وجلّ إنّما تكون بالتأمّل في آثاره ودلائله لا بالتفكّر في ذاته.(1)

3-3. تأمّلات في أقوال العلماء

1. كما مرّ في تعريف «المعرفة» في الكتب اللغويّة، لم نجد أحداً قد فسّر المعرفة بأنّها «إدراك الشيء عبر آياته» بل جاء في الفروق اللغوية عكس ذلك صريحاً، وأنّ الروايات الواردة عن العترة(عليهم السلام) لا شاهد على ذلك، أضف إليه القول بأنّ معرفة اللّه عبر آياته لا عبر ذاته، تصحّ فيما لو كانت المعرفة تحصل به تعالى، أي إنّ ذات اللّه نفسه تكون محلّ الإدراك وتكون الآثار طريقاً إلى ذلك.

وقد يقال: إنّ هناك فرق بين المعرفة عن طريق الآيات، وبين المعرفة الناظرة إلى الذات من دون الالتفات إلى الآثار، إذ أنّ الإدراك عن طريق الآيات إدراك مجمل ومبهم، ولكنّ الإدراك عن طريق الالتفات إلى الشيء ذاته يكون إدراكاً إحاطيّاً.

وفي الجواب عن ذلك نقول: إنّ المعرفة المجملة والمبهمة لا تصدق بالنسبة إلى اللّه تعالى؛ فأيّ حقيقة أظهر من حقيقته جلّ وعلا، فكيف يمكن أن يكون اللّه مبهماً ومجملاً؟

إنّ معرفة اللّه تعالى - لو تمّت عن طريقه عزّ وجلّ - لايمكن أن يعتريها إجمال، أمّا إن لم تكن المعرفة عن طريقه عزّ وجلّ، فليست بمعرفة له أصلاً.(2)

أضف إلى ذلك، أنّ هذا القول يتعارض المعنى اللغوي القائل بأنّ المعرفة إدراك عين الشيء، وكذا يتنافى بوضوح مع الآثار التي ذكرت للمعرفة في روايات الأئمّة(عليهم السلام)، لأنّ آثار المعرفة ونتائجها تكون الأنس باللّه جلّ جلاله والسكون إليه والطمأنينة عند العارف، وهذه الآثار لايمكنها أن تكون آثاراً لمعرفة غير اللّه، نعم يمكن أن تحصل هذه الآثار عند معرفة بعض آيات اللّه أيضاً، لكن لو كان هذا الأثر

ص: 30


1- . معرفت حجت خدا، ص29 -30.
2- . سوف نفصّل القول في هذا الأمر في الدروس اللاحقة.

من جهة المعرفة الاستقلاليّة للآية فلا يمكن أن نربط بمعرفة اللّه وإن كانت بنحو الآليّة فإنّها تكون بالتالي معرفة للّه عزّ وجلّ وأثراً لمعرفته تعالى.

2. إنّ عدم استعمال «علمت اللّه» واستعمال «عرفت اللّه» من دون وجود قرائن لايمكن أن يكون دليلاً على أنّ المعرفة هي إدراك الشيء بآياته والعلم إدراك الشيء بذاته، أضف إليه أنّا نجد «العلم باللّه» قد ورد في لسان بعض الأحاديث الواردة عن العترة الطاهرة(عليهم السلام)، إذ أنّ معرفة اللّه ليست دائماً ملازمة للأنس والسكون والطمأنينة، كما لو وقع الإنسان في الشدائد والابتلاءات فإنّه ينقطع أمله عمّا سوى اللّه عزّ وجلّ فيكون مدركاً للّه، ولكن هذا الإدراك لايلازمه اللذّة والأنس.

يقول الإمام الصادق(عليه السلام):

ثَلَاثٌ مِن عَلَامَاتِ المُؤمِنِ، عِلمُهُ بِاللهِ وَمَن يُحِبُّ وَمَن يُبغِضُ.(1)

وقال(عليه السلام) أيضاً:

أَفضَلُ العِبَادَةِ العِلمُ بِاللهِ.(2)

3. إنّ معرفة اللّه عزّ وجلّ ليست منحصرة بمعرفته عبر آياته والآثار الدالّة على وجوده؛ بل إنّ الأصل في المعرفة تحصل حين يُعرّف اللّه نفسه لعباده بشكل مباشر وبلا واسطة. والآثار والآيات تذكّر الناس بذلك المعروف سابقاً، أي إنّ معرفة اللّه عبر الآثار، في الواقع هي معرفة اللّه بتعريفه لذاته.(3)

وكذا لو حصرنا طريق معرفة اللّه بآثاره، فيأتي السؤال عن معرفة الأنبياء والأئمّة(عليهم السلام)، هل هي أيضاً عن هذا الطريق؟ فإن كانت الإجابة بالنفي، أي وجود طريق آخر عندهمل.

ص: 31


1- . المحاسن، ج1، ص263، ح332؛ الكافي، ج2، ص126، ح9؛ بحارالأنوار، ج1، ص215، ح20 (الباب السادس من أبواب العلم وآدابه... من كتاب العقل والعلم).
2- . مستدرك الوسائل، ج11، ص300، ح[13090] 15 (الباب28 من أبواب جهاد النفس... من كتاب الجهاد)؛ المحاسن، ج1، ص291، ح439؛ بحارالأنوار، ج1، ص215، ح21 (الباب السادس من أبواب العلم وآدابه... من كتاب العقل والعلم).
3- . سنتعرّض لهذا البحث في المستقبل.

لمعرفته تعالى، فإنّ من الممكن حصولها لباقي الناس من نفس الطريق.

4. ملخّص الدرس

* الدين من جهة، يعني مجموع التعاليم العقائديّة والعمليّة.

* العقائد في الواقع هي عمل القلب، وباعتبار أنّ للقلب سمته القيادة لسائر الأعضاء فإنّ عمل القلب يكون أكثر أهمّيّة وأعلى منزلة من أعمال سائر

* الجوارح.

* معرفة اللّه عزّ وجلّ أهمّ عنوان في الدين وأعلى المعارف.

* معرفة اللّه عزّ وجلّ من الأهداف الهامّة وراء خلقة الإنسان.

* إنّ معرفة اللّه تعالى مقدّمة للعبوديّة له، بعبوديّة اللّه عزّ وجلّ يسغني الإنسان من عبادة غيره.

* معرفة اللّه سبحانه أنس الإنسان في كلّ وحشة، ونوره في كلّ ظلمة، وصحّته وقوّته في كلّ مرض وعجز.

* المعرفة، علمٌ يرافقه السكون والطمأنينة.

* للعلم والإدراك معنى عامّ يشمل المعرفة أيضاً، ولكن لايلاحظ فيهما السكون والطمأنينة.

* تفسير المعرفة ب- «إدراك الشيء عبر آياته» لايتناسب معناه اللغوي وكذا لايتوافق مع النصوص الشرعيّة.

* بالإضافة إلى «معرفة اللّه» استعمل «العلم باللّه» في روايات الأئمّة(عليهم السلام).

* لا تنحصر معرفة اللّه في معرفته عبر الآيات، بل إنّ الأصل في المعرفة تحصل بتعريفه تعالى لذاته بشكل مباشر، حيث عرّف نفسه لعباده.

5. اختبار ذاتيّ

1. ماذا تفوّقت المعارف العقائديّة على سائر المعارف كالأخلاق والأحكام؟

2. بيّن أهمّيّة معرفة اللّه تعالى.

ص: 32

3. «معرفة اللّه عزّ وجلّ من الأهداف الهامّة للخلقة» اشرح هذا الأمر انطلاقاً من قوله تعالى: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ .

4. بيّن أهمّيّة معرفة اللّه تعالى من خلال دراستك لحديث الإمام الصادق(عليه السلام).

5. «العلم أعمّ من المعرفة» وضّح ذلك.

6. هل يمكن تحصيل المعرفة من خلال الآثار والآيات؟

7. هل يصحّ قول «علمت اللّه»؟ وما هو الفرق بين هذه العبارة وعبارة «عرفت اللّه»؟

ص: 33

ص: 34

الدرس الثاني 2 : معرفة الله فطريّة: الآيات (1)

اشارة

الفطرة في اللغة

المعرفة الفطريّة في القرآن الكريم

ص: 35

ص: 36

تلميح

بعد الانتهاء من الدرس، يتوقّع من الطالب أن يكون عارفاً بالمعنى اللغويّ للفطرة، ويفهم المقصود من المعرفة الفطريّة للّه تعالى، وكذا لفظ «صبغة اللّه» و يفهم المراد من «كون الإسلام حنيفاً»، وكذلك يطّلع على الآيات التي تنفي أدنى شكّ في وجود اللّه عزّ وجلّ.

قد تبيّن لك في الدرس الماضي أنّ المعرفة تعني إدراك عين الشيء، ولايتنافى هذا المعنى مع إدراك الشيء عبر آياته وآثاره، وفي هذا الدرس سنتعرّض للمعني اللغويّ للفطرة ثمّ نبيّن بعض الآيات الكريمة الدالّة على أنّ معرفة اللّه تعالى، هي معرفة فطريّة.

1. الفطرة في اللغة

1 -1. آراء اللغويّين وعلماء الألسنة

يقول أحمد بن فارس في مقاييس اللغة:

(فطر) الفاء والطاء والراء، أصل صحيح يدلّ على فتح شيء وإبرازه، من ذلك: الفطر من الصوم... ومنه الفَطر بفتح الفاء وهو مصدر فطرت الشاة فطراً إذا

ص: 37

حلبتها... والفِطرة: الخلقة.(1)

ويقول صاحب القاموس:

الفَطر: الشقّ، وبالضمّ وبضمّتين: ضرب من الكمأة قتّال... وبالكسر: العنب إذا بدت رؤوسه... وفَطَر العجين: اختبزه من ساعته ولم يخمّره... ونابُ البعير فطراً وفطوراً: طلع، وفطر اللّه الخلق: خلقهم وبرأهم، وفطر الأمر: ابتدأه وأنشأه، وفطر الصائم: أكل وشرب... وفطر الفطير: كلّ ما أعجل عن إدراكه... .(2)

وقد ورد في أساس البلاغة:

سيف فطار: عمل حديثاً لم تعتق... ومن المجاز: لا خير في الرأي الفطير.(3)

وقد ورد ال- (فطر) في لسان العرب بمعنى الشقّ، فقد جاء فيه:

وأصل الفَطر: الشقّ... ومنه أخذ فِطر الصائم لأنّه يفتح فاه... وسيف فطار: فيه صدوع وشقوق... وفطر ناب البعير يفطر فطراً: شقّ وطلع... .

وانفطر الثوب إذا انشقّ وكذلك تفطّر. وتفطّرت الأرض بالنبات إذا تصدّعت. والفطر ما تفطّر من النبات، والفطر أيضاً جنس من الكمأ

أبيض عظام، لأنّ الأرض تنفطر عنه... والفُطر: العنب إذا بدت رؤوسه لأنّ القضبان تتفطّر... .

وفطر اللّه الخلق يفطرهم: خلقهم وبدأهم. والفطرة: الابتداء والاختراع.(4)

وقال الزمخشريّ في شرحه لحديث

« كُلُ ّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى المَعرِفَةِ »:

بناء الفطرة تدلّ على النوع من الفطر كالجلسة والركبة، وفي اللام إشارة إلى أنّها معهودة.

وقد ذهب إلى أنّ المراد من الفطرة المعهودة هي الواردة في قوله تعالى: فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ، ويضيف قائلاً:

ص: 38


1- . معجم مقاييس اللغة، ج4، ص510.
2- . القاموس المحيط، ج2، ص193.
3- . أساس البلاغة، ج2، ص28.
4- . لسان العرب، ج10، ص285-286.

والفطر: الابتداء والاختراع. ومنه حديث ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أنّه قال: ما كنت لأدري ما فاطر السماوات والأرض حتّى احتكم إلى أعرابيّان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي: ابتدأت حفرها.

والمعنى أنّه يولد على نوع من الجبلّة وهو فطرة اللّه... .(1)

وقال الخليل بن أحمد الفراهيديّ في كتاب العين:

الفُطر: ضرب من الكمأة... والفَطر: شيء قليل من اللبن يحلب من ساعتئذٍ. فطر ناب البعير: طلع، وفطرت العجين والطين: أي عجنته واختبزته من ساعته. وفطر اللّه الخلق أي: خلقهم وابتدأ صنعة

الأشياء... والفطرة التي طبعت عليها الخليقة من الدين، فطرهم اللّه على معرفته بربوبيّته... وانفطر الثوب وتفطر: أي انشقّ.(2)

2-1. ملخّص البحث

من خلال التأمّل في آراء اللغويّين يمكننا تلخيص المعاني الموضوعة لمفردة «فطر» إلى ما يلي:

1. السيف الجديد الذي خرج لساعته من عند الحدّاد ولم يستخدم بعد «سيفٌ فطار».

2. العجينة التي لم تُخَمّر وليست جاهزة للخبز «فطير».

3. الرأي الساذج الذي يدليه صاحبه باستعجال ودون تأمّل «فطير».

4. الخلقة؛ بمعنى الإيجاد والصنع «الفطرة».

5. الكمأ الأبيض الخارج من الأرض «فُطر».

6. الأسنان الخارجة لتوها من بين اللثة «فُطر».

7. حبات العنب النابتة على الشجرة «فُطر».

ص: 39


1- . الفائق في غريب الحديث، ص127.
2- . كتاب العين، ص747.

8. حفر البئر الجديدة، بشقّ الأرض «أنا فطرتها؛ أي أنا الذي أوجدتها أوّلاً».

ومن خلال ملاحظة الاستعمالات الواردة لهذه المفردة وكذلك الالتفات إلى مشتقّاتها في اللغة العربيّة، وكذا من خلال التأمّل في البحث عن جذور اللفظة في كتابي معجم مقاييس اللغة ولسان العرب، يمكننا أن نستنتج أنّ لفظة «فطر» تعني الابتداء وإيجاد الشيء، تبيين الأمر، ويلازم هذه المعاني الفتح وإحداث الشقّ في الشيء.

2. المعرفة الفطريّة في القرآن الكريم

2 -1. آية الفطرة

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ .(1)

إشارات:

أ . في بداية الآية يأمر اللّه تعالى عباده بأن يقيموا وجوههم نحو الدين، من دون أيّ انحراف عنه.(2)

ب . في الآية إشارة إلى فطرة اللّه عزّ وجلّ التي فطر الناس عليها، وقد رغّب اللّه عزّ وجلّ فيها عباده على ملازمتها، وأمرهم أن يستقيموا على هذه الفطرة.

ومن بعد ذلك صرّح بأنّ هذه الفطرة منسوبة إليه، وقد كانت خلقة الإنسان مجذوبة بها، ومن هنا فلن تجد لهذه الفطرة تغييراً أو تحويلاً.

وحيث أنّ الفطرة معجونة في خلقة البشر قد أودعها اللّه تعالى برحمته فيهم، فإنّ تغييرها أمرٌ مستحيلٌ، ومن هنا نجد التأكيد في الكثير من الآيات على أنّ

ص: 40


1- . الروم(30)، الآية 30.
2- . الدين يعني طريقة العبوديّة للّه. وقد شرّع الباري عزّ وجلّ مجموعةً من الأوامر المرتبطة بالعبوديّة له في الأزمنة والأماكن المختلفة، وقد بلغها عباده، ففي هذه الآية الشريفة أمر الباري عباده أن يعبدوه بالطريقة التي اختارها كى يسلموا من الانحراف في طريق العبوديّة. (المؤلّف)

الناس جميعاً لو سئلوا عن خالقهم لأجابوا بأنّه اللّه عزّ وجلّ، نعم قد يغفل الإنسان وجود هذه الفطرة عنده ويحجب نفسه عنها، فوجودها وعدم تغيّرها أمرٌ والاحتجاب عنها أمرٌ آخر.

ج . وفي نهاية الآية تبيان بأنّ الدين الثابت والقيّم، والذي لايقبل التبديل والتغيير، هو دين جميع الأنبياء والمرسلين في جميع الأعصار والأمصار، وهو الدين المطابق لفطرة الإنسان. وقد سمّى ربّنا هذا الدين بالإسلام:

إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ... .(1). آل عمران(3)، الآية 67.(2)

وقال أيضاً:

أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ*قُلْ آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ ما أُوتِيَ مُوسى وَ عِيسى وَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ*وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ .(3)

وقال عزّ من قائل:

ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً .(3)

د . إنّ الدين الفطريّ هو دين الإسلام، وهو دين جميع الأنبياء، ولا اختلاف فيه عند سائر الأديان الإلهيّة. المعنى الدقيق للإسلام هو العبوديّة والتسليم والطاعة للّه عزّ وجلّ. من هنا فإنّ الفطرة الواردة في الكثير من الروايات قد عرفت بأنّها الإسلام والتوحيد للّه عزّ وجلّ.

قال أبو عبداللّه الصادق(عليه السلام) في قوله تعالى: فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها

ص: 41


1- . آل عمران
2- ، الآية 19.
3- . آل عمران(3)، الآية 83-85.

قال:

فَطَرَهُم جَمِيعاً عَلَى التَّوحِيدِ.(1)).

وقال(عليه السلام) أيضاً:

هِيَ الإِسلَامُ، فَطَرَهُمُ اللهُ حِينَ أَخَذَ مِيثَاقَهُم عَلَى التَّوحِيدِ.(2)

ه- : ورد التصريح في بعض النصوص الشريفة بأنّ الناس قد فُطِروا على المعرفة، فقد ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام) في ذيل الآية التي نحن بصددها، أنّه قال لزرارة:

فَطَرَهُم عَلَى التَّوحِيدِ عِندَ المِيثَاقِ عَلَى مَعرِفَتِهِ أَنَّهُ رَبُّهُم، قُلتُ وَخَاطَبُوهُ؟ قَالَ: فَطَأطَأَ رَأسَهُ، ثُمَّ قَالَ: لَولَا ذَلِكَ لَم يَعلَمُوا مَن رَبُّهُم وَلَا مَن رَازِقُهُم.(3)

والحاصل أنّ الفطرة تعني البدء بالشيء، ومن هنا فإنّ فطرة التوحيد والإسلام وكذا معرفة اللّه تعالى قد خلقت مع الإنسان، وامتزجت مع حقيقته، ولم تزل معه ولايفقدها أبدا.

والروايات الواردة في تفسير آية الفطرة تؤكّد هذا المعنى المذكور أيضاً.

2-2. آية صِبْغَةَ اللّهِ

وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ ما أُوتِيَ مُوسى وَ عِيسى وَ ما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ* فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ*

صِبْغَةَ اللّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ .(4)

ص: 42


1- . الكافي، ج2، ص12، ح3؛ التوحيد، ص329، ح5؛ بحارالأنوار، ج3، ص278، ح8 (الباب11 من كتاب التوحيد).
2- . الكافي، ج2 ، ص12، ح2؛ التوحيد، ص329، ح3؛ بحارالأنوار، ج3، ص278(الباب11 من كتاب التوحيد).
3- . التوحيد، ص330، ح8، ص330؛ بحارالأنوار، ج3، ص278، ح10 (الباب11 من كتاب التوحيد).
4- . البقرة(2)، الآيات 135 -138.

إشارات:

أ . يُعلّم اللّه عباده المؤمنين بأن يخاطبوا اليهود والنصارى - المعتقدين بأنّ الهداية في أديانهم فقط - يقولوا لهم: إنّ الهداية وحدها تكون لمن آمن باللّه عزّ وجلّ وبكلّ ما جاء به الأنبياء(عليهم السلام) من عنده، ولايفرّقون بينهم؛ وبعبارة أخرى، فإنّ الهداية محصورة في الطاعة للّه تعالى والتسليم له والعبوديّة الخالصة له عزّ وجلّ، ومن جعل للّه عزّ وجلّ شريكاً في مقام الطاعة، فإنّه قد جعل إلهاً آخراً في قبال اللّه، وفي عرضه عزّ وجلّ وهذا الشخص يخرج نفسه من زمرة المخلصين للّه، ويُبعد نفسه عن الصبغة الإلهيّة التي صبغ عباده الخالصين بها، وهي أفضل صبغة وعلامة لأيّ عبد، هي علامة المالك والمولى له، حيث يتوسّم بها العبد في كلّ حال.

ب . إنّ مضمون هذه الآية، مقارب لمضمون الآية: فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها والآيتان تبيّنان حقيقةً واحدة، بأنّ جميع الناس عباد للّه عزّ وجلّ، وأنّ كلّ انسان يحمل معه آيات اللّه عزّ وجلّ وقد جعلت فيه تكوينيّاً منذ خلقته.

ج . أحاديث ال «صبغة» الواردة في ذيل هذه الآية المباركة، تبيّن - كما في الروايات الواردة في آية الفطرة - أنّ الصبغة هي الإسلام ومعرفة ولاية أميرالمؤمنين(عليه السلام) في الميثاق:

فالإمام الصادق(عليه السلام) يفسّر «صبغة اللّه» بأنّها «الإسلام».(1)

وفي حديث آخر يبيّن الإمام الصادق(عليه السلام) بأنّ الصبغة المذكورة هي ولاية أميرالمؤمنين(عليه السلام) حين الميثاق.(2)

ولايخفى أنّ معرفة ولاية أميرالمؤمنين(عليه السلام) لا تكون ممكنة إلّا بمعرفة اللّه عزّ وجلّ، فبالملازمة يمكننا أن نستفيد من معنى الصبغة - المراد منها ولاية أميرالمؤمنين(عليه السلام)- يمكننا أن نستفيد معرفة اللّه تعالى أيضاً.

ص: 43


1- . الكافي، ج2، ص14، ح1؛ بحارالأنوار، ج3، ص280، ح15 (الباب11 من كتاب التوحيد)؛ تفسير القميّ، ج1، ص62.
2- . راجع: تفسير العيّاشيّ، ج1، ص62، ح109؛ بحارالأنوار، ج3، ص281، ح20 (الباب11 من كتاب التوحيد).

2-3. آية أَ فِي اللّهِ شَكٌّ :

أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَ قالُوا إِنّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَ إِنّا لَفِي شَكٍّ مِمّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ*قالَتْ رُسُلُهُمْ أَ فِي اللّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى... .(1)

إشارات:

أ . إنّ هذه الآيات المباركة تنفي وجود أيّ نوع من الشكّ والتردّد في اللّه عزّ وجلّ. وينشأ ذلك من كون معرفة اللّه عزّ وجلّ معرفةً فطريّة، المصرّح بها في الآيتين السابقتين، إذ تبيّن لك من خلالهما أنّ الناس يعرفون ربّهم بتعريفه جلّ وعلا من بدء خلقهم.

ب . من خلال مراجعة الروايات المعتبرة ، يتبيّن لنا أنّ الباري عزّ وجلّ قد أنسى الناس تلك المعرفة الفطريّة في الدنيا عمداً وألقى عليهم حجاب

الغفلة، لتكون مسؤوليّة الأنبياء والرسل(عليهم السلام) إزاحة ستار الغفلة والجهل عن الناس في معرفة اللّه عزّ وجلّ كي يظهر للعباد بواسطة تذكير الأنبياء والرسل.

ج . ينقسم الناس من جهة معرفة اللّه عزّ وجلّ إلى اثنين، فإمّا أن يكونوا غافلين أو متذكّرين ومتوجّهين. فمن كان غافلاً فلايصحّ إطلاق الشاكّ والمتردّد عليه، ولايمكن تسميته بالمنكر والجاحد للربوبيّة. أمّا من كان ملتفتاً وقد عرف اللّه باللّه (أي بتعريفه تعالى نفسه له، فالمعرفة فعله عزّ وجلّ)، فلا وجه لأن يدع الشكّ والترديد يدخل قلبه في معرفته تعالى. نعم بإمكانه أن يعقد قلبه على تلك المعرفة، فيعتقد بها وتكون أمام عينه في كلّ سلوكيّاته، كما يمكنه أن يعاند ويجحد بالمعرفة ويكشح بوجهه عنها، ولايعتني بها في سلوكيّاته وأفعاله، وأن لا يخضع لها. ومن هنا يتّضح عدم

ص: 44


1- . إبراهيم(14)، الآيتان 9 -10.

إمكانيّة الشكّ والترديد لأيّ أحد، في اللّه عزّ وجلّ المعروف بتعريفه، إلّا أنّ الناس بالخيار بين الإنكار والتسليم، والإيمان والكفر بالنسبة إلى معرفته جلّ اسمه.

د . سيتّضح لك لاحقاً بأنّ المعرفة فعل اللّه. وكونها أمراً فطريّاً يؤكّد على أنّ اللّه تعالى قد أودع المعرفة في الناس منذ أن خلقهم. والآية المباركة صريحةٌ في أنّ الناس ليس لهم أن يشكّكوا تجاه اللّه عزّ وجلّ. ومن هذه النقاط يتبيّن بوضوح أنّ معرفة اللّه عزّ وجلّ ليست نظريّة واكتسابيّة ليكلّف الناس بتحصيلها عن طريق الاستدلالات والبراهين،

لتكون النتيجة إمكانيّة دخول الشكّ فيها.

ومن هنا فإنّ هذه الآية - كالآيات السابقة - تدلّ على أنّ معرفة الباري عزّ وجلّ فعله، وإذ لايمكن لأحد أن يشكّك فيها، فهي فطريّة عند الجميع.

2-4. آية حُنَفاءَ لِلّهِ

...فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ*حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ... .(1)

إشارات:

أ . إنّ اجتناب الشرك وعبادة الأصنام عمل حنيف ومستقيم ولا مَيلان فيه ولا انحراف، أمّا الشرك فهو عمل باطل ومنحرف. وقد أودع كلّ انسان معرفة اللّه وتوحيده والتسليم له في أصل خلقته، وقد أصبغت شخصيّته بصبغة العبوديّة للّه تعالى. ومن هنا فمن يسير في مسير التوحيد والطاعة والعبوديّة للّه عزّ وجلّ ويبتعد عن الشرك والباطل فإنّه يوافق فطرته ولم يمل عنها، أمّا من يشرك باللّه تعالى ويتّبع الباطل فإنّه قد مال عن فطرته وانحرف عنها.

ب . فسّرت الروايات المباركة هذه الآية بالتوحيد، وهذا التفسير قد اتّفق مع تفسير آية الفطرة.

ص: 45


1- . سورة الحجّ(22)، الآية 30 -31.

قال الإمام الباقر(عليه السلام) في ذيل هذه الآية:

الحَنِيفِيَّةُ مِنَ الفِطرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللهُ النَّاسَ عَلَيهَا لَاتَبدِيلَ لِخَلقِ اللهِ. قَالَ:

فَطَرَهُم عَلَى المَعرِفَةِ بِهِ.(1)

وقد جاء في تفسير الفطرة في الآية:

فَطَرَهُم عَلَى التَّوحِيدِ.(2)

3. ملخّص الدرس

* بناءاً على هدى آيات القرآن الكريم، يتبيّن أنّ معرفة اللّه سبحانه أمرٌ فطريّ.

* الفطرة في الأصل، تعني البدء والإيجاد، أو الظهور والخلقة.

* يعنى بالفطرة، معرفة اللّه سبحانه والتسليم في قبال أوامره؛ الأمر الذي فطر عليه البشر منذ بدء خلقتهم.

* الإسلام بمعنى التسليم، هو فطرة البشريّة ودين جميع الأنبياء(عليهم السلام).

* إنّ اللّه سبحانه بتعريفه نفسه لعباده، صبغهم بصبغة التوحيد ووسمهم بوسام العبوديّة له.

* حيث كان الناس قد عرفوا ربّهم بتعريفه نفسه، فإنّهم سيذكرون الربّ بعد تذكير الأنبياء لهم، وحينئذ فلا مجال للشكّ والتردّد في اللّه.

* معرفة اللّه والتسليم في قباله أمرٌ متوافق مع فطرة البشر، بعكس العناد فإنّ ذلك يُعدّ انحرافاً عن الفطرة الإلهيّة.

4. اختبار ذاتيّ

1. ما المقصود بالفطرة؟

2. ماذا تعني «المعرفة الفطريّة»؟

3. اشرح العبارة «الدين الذي فطر عليه الناس جميعاً هو الإسلام».

ص: 46


1- . الكافي، ج2، ص12، ح4؛ بحارالأنوار، ج64، ص135، ح7 (الباب الرابع من أبواب الإيمان و... من كتاب الإيمان والكفر).
2- . الكافي، ج2، ص13، ح5؛ بحارالأنوار، ج3، ص277، ح6 (الباب11 من كتاب التوحيد).

4. لماذا عُرّفَت الفطرة في بعض الروايات بالتوحيد؟

5. ماذا تعني صبغة اللّه؟

6. ما هي العلاقة بين «صبغة اللّه» و «الفطرة»؟

7. لم لا يوجد مجال للشكّ والتردّد في اللّه جلّ وعلى؟

8. بيّن معنى الجملة «الحنيفيّة معناها اجتناب الشكّ والشرك».

ص: 47

ص: 48

الدرس الثالث 3: معرفة الله فطريّة: الآيات (2)

اشارة

آيات وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ

آية كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً...

آية فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ

آيات البأساء والضرّاء

ظهور المعرفة الفطريّة في الشدائد، والإيمان والكفر

ص: 49

ص: 50

* تلميح

بعد الانتهاء من الدرس يتوقّع من الطالب أن يكون عارفاً باتّفاق الناس جميعاً على التوحيد ومعرفة اللّه، ويطّلع على المعنى المراد من (الأمّة الواحدة) التي كان الناس عليها قبل بعثة الأنبياء والرسل، كما يتوقّع منه أن يكون قادراً على تبيين العلاقة بين مذكّريّة الأنبياء وفطريّة المعرفة، كما يكون قادراً على معرفة الحكمة من وراء وقوع الناس في حالة البأساء والضرّاء.

تبيّن لك في الدرس الثاني بأنّ معرفة اللّه تعالى هي فطريّة للبشر. كما تبيّن أنّ الفطرة في اللغة، تعني البدء بالشيء، وحيث إنّ الناس عجنوا بمعرفة اللّه منذ خلقهم، سمّيت معرفتهم هذه بالمعرفة الفطريّة. وقد ذكرنا في الدرس السابق بعض الآيات الدالّة على هذا الأمر، وفي هذا الدرس، سنذكر بعض الآيات الأخرى الدالّة على كون المعرفة أمراً فطريّاً.

1. آيات: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ...

قال تعالى: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ فَأَنّى يُؤْفَكُونَ *اَللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ إِنَّ

ص: 51

اَللّهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ*وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ .(1)

وقال عزّ من قائل:

قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*سَيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ*قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ*سَيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ*قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*سَيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ فَأَنّى تُسْحَرُونَ .(2)

إشارات:

أ . تدلّ هذه الآيات بصراحة، على أنّ جميع الناس يعرفون ربّهم، فلو ذكّروا به أقرّوا بوجوده، واعترفوا بخالقيّته وربوبيّته ورازقيّته وألوهيّته. فالناس ومن خلال تذكير الأنبياء، والمعرفة الكامنة في داخلهم، يعترفون بأنّ خالقهم هو اللّه، وهو المدبّر لأمورهم، وأرزاقهم بيده وحده، ومع ذلك كلّه يعرفون أنّهم غير قادرين على إدراكه تعالى بالحواسّ وأنّ المعرفة ليست أمراً اختياريّاً عندهم ليتمكّنوا من معرفته وإدراكه متى ما أرادوا. ومن هنا كان اسمه جلّ وعلى «اللّه»، أي إنّا رغم معرفتنا به عاجزون عن إدراكه بحواسّنا فنتألّه فيه ونحتار.

ب . قد صرّح الإمام أبوجعفر الباقر(عليه السلام) في الحديث المرويّ عنه أنّ الآيات تبيّن المعرفة الفطريّة:

قَالَ رَسُولُ الله(صلى الله عليه و آله): كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ، يَعنِي المَعرِفَةَ بِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَالِقُهُ كَذَلِكَ قَولُهُ:

وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ .(3)).

ص: 52


1- . العنكبوت(29)، الآيات 61-63.
2- . المؤمنون(23)، الآيات 84 -89.
3- . الكافي، ج 2، ص12، ح4؛ التوحيد، ص331، ح9؛ بحارالأنوار، ج3، ص279، ح11 (الباب11 من كتاب التوحيد).

ج . وفي حديث آخر، روي عن أبي هاشم الجعفريّ عن إمامنا الجواد(عليه السلام) حين سئل:

مَا مَعنَى الوَاحِدِ؟ قَالَ: الَّذِي اجتماع الأَلسُنِ عَلَيهِ بِالتَّوحِيدِ، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ .(1)

وفي حديث نظير له ورد عن الإمام الجواد(عليه السلام) في معنى الواحد:

المُجتَمَعُ عَلَيهِ بِجَمِيعِ الأَلسُنِ بِالوَحدَانِيَّةِ.(2)

د . هذه الروايات الواردة في تفسير الآيات الشريفة، تصرّح بكون المعرفة أمراً فطريّاً، وتثبت اتّفاق الناس عليها. وهذا الاتفاق من قبل الناس يصحّ في حالة واحدة فقط، وهي أن تكون معرفة اللّه و توحيده وربوبيّته وخالقيّته وألوهيّته من الأمور الثابتة في فطرة الإنسان، وإلّا لما اجتمع الناس عليها، إذ لو كانت المعرفة - كما يزعم البعض - أمراً اكتسابيّاً ونظريّاً، لاستحال اجتماع الخلق كلّهم عليها.

2. آية كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً...

قال تعالى: كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ

بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ .(3)

إشارات:

أ . إنّ الآية المباركة تشير إلى أنّ بعثة الأنبياء أمرٌ متفرّعٌ على اجتماع الناس على أمر واحد وعدم اختلافهم، وبعبارة أخرى إنّ اللّه أرسل الأنبياء لأنّ الناس كانوا متّفقين متّحدين، ليخرجوهم من هذه الوحدة.

ص: 53


1- . التوحيد، 83، ح2؛ بحارالأنوار، ج3، ص208، ح4 (الباب السادس من كتاب التوحيد).
2- . التوحيد، 82، ح1؛ بحارالأنوار، ج3، ص208، ح2 (الباب السادس من كتاب التوحيد).
3- . البقرة(2)، الآية213.

ومن المسلّم أنّ اللّه لم يبعث الأنبياء ليوقعوا الخلاف والتفرقة بين أبناء المجتمع؛ إنّ عدم الالتفات إلى هذه الملاحظة اودت بأكثر المفسّرين إلى تفسير الآية بشكل مقلوب، حيث قدّروا اختلافاً بين الناس بعد اتّحادهم، وفرّعوا البعثة على الاختلاف.

قال الزمخشريّ:

كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً متّفقين على دين الإسلام فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ يريد: فاختلفوا فبعث اللّه. وإنّما حذف لدلالة قوله: لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ عليه.(1)

وقال الفخر الرازيّ:

إنّ الناس كانوا أمّةً واحدةً قائمة على الحقّ، ثمّ اختلفوا. وما كان اختلافهم إلّا بسبب البغي والتحاسد والتنازع في طلب الدنيا.(2)

وقد كثر الكلام في كتب التفسير بأنّ البعثة كانت بسبب الاختلاف

والتفرقة، لا الاجتماع والوحدة.(3) وهذا المعنى وإن كان صحيحاً من المنظار الاجتماعيّ للبشر؛ ولكنّ السؤال هو هل أنّ مراد اللّه تبارك وتعالى من هذه الآية هو ما ذهب إليه المفسّرون أيضاً أم هو أمرٌ آخر؟

ومن المسلّم أنّ المعنى الذي ذهب إليه المفسّرون هو خلاف ظهور الآية، بل خلاف صريح الآية المباركة، لأنّ الآية تدلّ وبوضوح على أنّ سبب البعثة هو اجتماع الأمّة واتّحادهم.

ب . المرحوم آية اللّه الملكيّ الميانجيّ(رحمة الله عليه)، قد فسّر هذه الآية - انطلاقاً من الروايات الشريفة - بشكل آخر، ويقول:

إنّ الموجب والسبب لبعث الأنبياء والرسل ليس هو اختلاف الناس، بل بعث5.

ص: 54


1- . الكشّاف، ج1، ص255.
2- . التفسير الكبير، ج6، ص372.
3- . الميزان، ج2، ص130؛ تفسير نمونه، ج2، ص94 -95.

الأنبياء إنّما هو لوضع التكاليف والعبادات وسوقهم إلى المعاد وتربيتهم وتزكيتهم وإيصالهم وهدايتهم إلى أعلى مدارج الكمال وأن يستأهلهم لقرب الحقّ تعالى، وليحكموا بينهم لو اختلفوا في الحقائق وليضعوا قوانين عامّة، كي يرجعوا إليها عند التخاصم والتنازع.(1)

ج . صريح الآية الكريمة أنّ سبب البعثة كان اتّحاد الناس واجتماعهم، لا اختلافهم، ومن هنا فعلينا أن نبحث عن المراد من اتّحاد الناس واجتماعهم.

ومن خلال الرجوع إلى روايات أهل البيت(عليهم السلام)، يتبيّن هذا الأمر، حيث

بيّنت الروايات بأنّ الناس كانوا متّحدين - قبل بعثة الرسل - من جهة الكفر والإيمان، فلم يكونوا مؤمنين ولا كافرين ولا مشركين. فقد سئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن معنى الأمّة الواحدة في الآية المباركة، فقال:

فَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ قَبلَ نُوحٍ.

قِيلَ: فَعَلَى هُدًى كَانُوا؟

قَالَ: بَل كَانُوا ضُلَّالاً،...لَم يَكُونُوا عَلَى هُدَىً - كَانُوا عَلَى فِطرَةِ اللهِ الَّتِي فَطَرَهُم عَلَيهَا لا تَبدِيلَ لِخَلقِ اللهِ، وَلَم يَكُونُوا لِيَهتَدُوا حَتّى يَهدِيَهُمُ اللهُ - أَمَا تَسمَعُ يَقُولُ إِبرَاهِيمُ: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضّالِّينَ

أَي: نَاسِياً لِلمِيثَاقِ.(2)

وفي حديث آخر، يقول الإمام الصادق(عليه السلام):

كَانُوا ضُلَّالاً، كَانُوا لَا مُؤمِنِينَ وَلَا كَافِرِينَ وَلَا مُشرِكِينَ.(3)

ويقول(عليه السلام) أيضاً:

إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ النَّاسَ عَلَى الفِطرَةِ الَّتِي فَطَرَهُمُ اللهُ عَلَيهَا لَا يَعرِفُونَ2.

ص: 55


1- . مناهج البيان، الجزء الثاني، ص184.
2- . تفسير العيّاشيّ، ج1، ص 105 -104، ح309؛ تفسير نورالثقلين، ج1، ص208،ح783.
3- . تفسير العيّاشيّ، ج1، ص104، ح306؛ تفسير نورالثقلين، ج1، ص208، ح782.

إيماناً بِشَرِيعَةٍ وَلَا كُفراً بِجُحُودٍ ثُمّ ابتَعَثَ اللهُ الرُّسُلَ إِلَيهِم يَدعُونَهُم إلَى الإيمانِ بِالله حُجَّةً للهِ عَلَيهِم فَمِنهُم مَن هَدَاهُ اللهُ وَمِنهُم مَن لَم يَهدِهِ.(1)

د. لا تعني المعرفة الفطريّة، إنّ الناس مع وجدانهم لها يكونون مؤمنين باللّه عزّ وجلّ، بل تعني أنّ الإنسان يولد وهو يحمل معه أصل المعرفة،

ولكنّ اللّه تعالى يلقي عليها (أي المعرفة) حجاب الغفلة والنسيان، فيغفل الإنسان عن تلك المعرفة.(2) فالناسي والغافل عن اللّه عزّ وجلّ لايتحقّق بالنسبة إليه إيمان ولا كفر، كما هو واضح، بل يكون في هذه المرحلة: ضالّاً، كما عبّرت عنه الروايات الشريفة، فلا يعرف الضالّ شيئاً عن اللّه تعالى في تلك المرحلة، ولكن وبعد بعثة الأنبياء يرتفع حجاب الغفلة وستار النسيان عن عقولهم، وعلى أثر هذا الانتباه يتّضح لهم وجوب الإيمان باللّه عزّ وجلّ والتسليم له والائتمار بأوامره والإنزجار عن نواهيه، كما يتّضح حرمة التكبّر والإنكار والشرك باللّه عزّ وجلّ.

وبعد هذا الانتباه - ومن خلال حريّة الاختيار لدى البشر - يختلف الناس في إيمانهم باللّه عزّ وجلّ أو كفرهم به، أي إنّ الناس يخرجون من وحدة الغفلة إلى الاختلاف في الإيمان و الكفر بسبب بعثة الأنبياء(عليهم السلام).

ولا يخفى أنّ الخروج من الغفلة والتذكّر هو من فعل اللّه تعالى أيضاً، إلّا أنّه يتحقّق بتذكير الأنبياء، ولابدّ من الإشارة إلى أنّ تذكير الأنبياء ليس مولداً للمعرفة، بل جرت السنّة على حصول المعرفة بواسطة تذكير الأنبياء.

3. آية فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ

قال تعالى: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ*وَ إِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ*وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ*وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ*فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ*لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ . (3)

ص: 56


1- . علل الشرائع، ج1، ص 121، ح5؛ بحارالأنوار، ج11، ص40، ح39 (الباب الأوّل من أبواب النبوّة العامّة من كتاب النبوّة).
2- . سنشير إلى هذا الأمر في الدرس القادم إن شاء اللّه.
3- . الغاشية(88)، الآيات 17 -22.

وقال أيضاً:

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَ يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَ ما يَتَذَكَّرُ إِلاّ مَنْ يُنِيبُ .(1)

إشارات:

أ . الذكر في اللغة خلاف النسيان، والنسيان يكون بعد المعرفة، والتذكّر ذكر بعد نسيان، جاء في لسان العرب:

الذكر: الحفظ للشيء... . والذكر والذكرى بالكسر نقيض النسيان... . والتذكّر: تذكّر ما أنسيته.(2)

ومن موارد استعمال لفظة «التذكّر» هو حينما يكون الإنسان عالماً بشيء في البدء، ثمّ يعرض عليه النسيان والغفلة، ومن ثمّ يلتفت إلى المعرفة السابقة مرّةً أخرى. وحينها يكون أيّ أمر ينبّهك بما كنت غافلاً عنه، يكون «مذكّراً».

ب . ذكرنا في الفقرة (د) من الآية كانَ النّاسُ... بأنّ المراد من التذكّر هو تذكير الناس بالمعرفة الفطريّة التي كانت لديهم. وقلنا إنّ الناس عرفوا اللّه سبحانه بتعريفه فحملوا المعرفة الفطريّة لكن حين جاءوا إلى هذه الدنيا نسوا معروفهم بالفطرة وغفلوا عنه فبعث اللّه عزّ وجلّ الأنبياء ليذكّروهم بتلك المعرفة.

أيّ تذكير يقصده الربّ؟ في الوهلة الأولى قد يتصوّر الإنسان معنىً عامّاً وواسعاً للتذكير، وإخراج الناس من الغفلة والنسيان، ولكن من خلال القرائن الموجودة في الآيات المباركة والروايات الواردة في باب معرفة

اللّه، يتّضح أنّ المراد من «مذكّريّة الأنبياء والرسل» وكذلك «مذكّريّة القرآن الكريم»، إنّما هو التذكير باللّه عزّ وجلّ؛ لا إيجاد معرفة جديدة لا سابقة لها عند البشر.

4. آيات البأساء والضرّاء

قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ

ص: 57


1- . غافر(40)، الآية 13.
2- . لسان العرب، ج 5، ص48 -49.

اَلْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ .(1)

وقال أيضاً:

قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السّاعَةُ أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ*بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ .(2)

إشارات:

أ . تدلّ هذه الآيات المباركة على أنّ المعرفة أمرٌ في فطرة جميع الناس، ومن هنا فإنّهم يلجأون إلى بارئهم وخالقهم حين المشاكل والابتلاءات الصعبة، إذ ينقطع الأمل عن المخلوق، حينما يلتجئ الجميع إلى اللّه ويأملون النجاة منه.

يقول الإمام الحسن العسكريّ(عليه السلام) في تفسير الآية بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ :

«اللهُ» هُوَ الَّذِي يَتَأَلَّهُ إِلَيهِ عِندَ الحَوَائِجِ وَالشَّدَائِدِ كُلُّ مَخلُوقٍ [وَ] عِندَ انقِطَاعِ الرَّجَاءِ مِن كُلِّ مَن دُونَهُ وَتُقطَعُ الأَسبَابُ مِن جَمِيعِ مَن سِوَاهُ فَيَقُولُ:

بِسمِ اللهِ [الرَّحمنِ الرَّحِيمِ] أَي أَستَعِينُ عَلَى أُمُورِي كُلِّهَا بِاللهِ الَّذِي لَا تَحِقُّ العِبَادَة إِلَّا لَهُ، المُغِيثِ إِذَا استُغِيثَ، وَ المُجِيبِ إِذَا دُعِيَ.(3)

وقد جاء نفس هذا المعني في الحديث المرويّ عن الإمام الصادق(عليه السلام) حين سأله الرجل:

يا ابن رسول اللّه دلّني على اللّه ما هو؟ فقد أكثر المجادلون عليّ وحيّروني! فقال الإمام(عليه السلام):

يَا عَبدَ الله هَل رَكِبتَ سَفِينَةً قَطُّ؟ قَالَ: نَعَم قَالَ: فَهَل كُسِرَ بِكَ حَيثُ لَا سَفِينَةَ تُنجِيكَ وَلَا سِبَاحَةَ تُغنِيكَ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: فَهَل تَعَلَّقَ قَلبُكَ هُنَالِكَ).

ص: 58


1- . النمل(27)، الآية 62.
2- . الأنعام(6)، الآيتان 40 -41.
3- . تفسير الإمام الحسن العسكريّ(عليه السلام)، ص28؛ التوحيد، ص231، ح5؛ بحارالأنوار، ج89، ص232، ح14 (الباب29 من أبواب فضائل سور القرآن... من كتاب القرآن).

أَنَّ شَيئاً مِنَ الأشياء قَادِرٌ عَلَى أَن يُخَلِّصَكَ مِن وَرطَتِكَ؟ فَقَالَ: نَعَم. قَالَ الصَّادِقُ(عليه السلام): فَذَلِكَ الشَّيءُ هُوَ اللهُ القَادِرُ عَلَى الإِنجَاءِ حَيثُ لَا مُنجِيَ وَعَلَى الإِغَاثَةِ حَيثُ لَا مُغِيثَ... .

قَالَ: وَقَامَ رَجُلٌ إلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ(عليهما السلام) فَقَالَ: أَخبِرنِي عَن مَعنَى بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيم. فَقَالَ: عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ(عليهما السلام): حَدَّثَنِي أَبِي عَن أَخِيهِ الحَسَنِ عَن أَبِيهِ أَمِيرِالمُؤمِنِينَ(عليه السلام) أَنَّ رَجُلاً قَامَ إِلَيهِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَالمُؤمِنِينَ أَخبِرنِي عَن مَا مَعنَاهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ قَولَكَ اللهُ أَعظَمُ اسمٍ مِن أَسمَاءِ الله عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ الِاسم الَّذِي لَا يَنبَغِي أَن يُسَمَّى بِهِ غَيرُ اللهِ، وَلَم يَتَسَمَّ بِهِ مَخلُوقٌ.

فَقَالَ الرَّجُلُ: فَمَا تَفسِيرُ قَولِهِ «اللهُ»؟

قَالَ(عليه السلام): هُوَ الَّذِي يَتَأَلَّهُ إِلَيهِ عِندَ الحَوَائِجِ وَالشَّدَائِدِ كُلُّ مَخلُوقٍ عِندَ انقِطَاعِ الرَّجَاءِ مِن جَمِيعِ مَن هُوَ دُونَهُ، وَتَقَطُّعِ الأَسبَابِ مِن كُلِّ مَن سِوَاهُ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مُتَرَئِّسٍ فِي هَذِهِ الدُّنيَا وَمُتَعَظِّمٍ فِيهَا وَإِن عَظُمَ غِنَاؤُهُ وَطُغيَانُهُ وَكَثُرَت حَوَائِجُ مَن دُونَهُ إِلَيهِ؛ فَإِنَّهُم سَيَحتَاجُونَ حَوَائِجَ لَا يَقدِرُ عَلَيهَا هَذَا المُتَعَاظِمُ وَكَذَلِكَ هَذَا المُتَعَاظِمُ يَحتَاجُ حَوَائِجَ لَا يَقدِرُ عَلَيهَا، فَيَنقَطِعُ إلى اللهِ عِندَ ضَرُورَتِهِ وَفَاقَتِهِ حتّى إِذَا كَفَى هَمَّهُ عَادَ إلى شِركِهِ. أَمَا تَسمَعُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السّاعَةُ أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ*بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ(1) .(2)

ب . من خلال الآيات والروايات الشريفة، يتبيّن أنّ الإنسان يُقبل بقلبه على ربّه المعروف بالفطرة حين الشدّة والمشقّة، فحين الابتلاء يخرج الإنسان من غفلته ونسيانه. والقرآن الكريم يصرّح بهذا الأمر:).

ص: 59


1- . الأنعام(6)؛ الآيتان 40 -41.
2- . التوحيد، ص230 -232، ح5؛ بحارالأنوار، ج89، ص232-233، ح14 (الباب29 من أبواب فضائل سور القرآن من كتاب القرآن).

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اللّهَ عِنْدَهُ فَوَفّاهُ حِسابَهُ وَ اللّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ .(1)

تشير الآية الكريمة، إلى أنّ الإنسان يجد ربّه حين العطش والسعي الحثيث باحثاً عن الماء، و اليأس من الحصول عليه.

وبديهيّ أنّ وجدان الربّ تعالى في هذه الحالة إنّما هو وجدان حقيقيّ واقعيّ، لا إثباتٌ بالعقل والذهن، وهذه الحقيقة هي نفسها التي نبّه عليها الإمام(عليه السلام) بأنّ الناس يلجئون إلى اللّه تعالى حين القنوط من المخلوقين، ويدعونه بالوحدانيّة، ويطلبون منه العون.

5. ظهور المعرفة الفطريّة في الشدائد، والإيمان والكفر

أ. في الحديث عن الآية كَانَ النَّاسُ أمّة واحِدَةً قلنا بأنّ الناس جميعاً، يعرفون اللّه بفطرتهم منذ الولادة:

« كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى المَعرِفَة » وبالرغم من ذلك، فإنّ الجميع محجوبون عن ربّهم بحجاب الغفلة والنسيان. لأنّه تعالى قد ألقى عليهم حجاب الغفلة متعمّداً.

وعلى هذا فإنّ الناس من دون الاستفادة من تعاليم الأنبياء والرسل لايقدرون على الوصول إلى معرفة اللّه، وبالنتيجة لا يتّصفون - من دون الأنبياء وتعاليمهم - بالكفر والشرك والإيمان أيضاً، ومن هنا فإنّ الحجّة تكتمل بوجود الأنبياء وتعاليمهم فقد ورد في الحديث:

قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ النَّاسَ عَلَى الفِطرَةِ الَّتِي فَطَرَهُمُ اللهُ عَلَيهَا لَايَعرِفُونَ إيمَاناً بِشَرِيعَةٍ وَلَا كُفراً بِجُحُودٍ، ثُمّ ابتَعَثَ اللهُ الرُّسُلَ إِلَيهِم يَدعُونَهُم إلَى الإيمانِ بِاللهِ حُجَّةً لِلهِ عَلَيهِم.(2)

ب. إن كان الإيمان والكفر إنّما يحصلان من خلال دعوة الأنبياء والرسل، فكيف

ص: 60


1- . النور(24)، الآية 39.
2- . علل الشرايع، ج1، ص121؛ بحارالأنوار، ج11، ص40، ح39 (الباب الأوّل من أبواب النبوّة العامّة من كتاب النبوّة)

يمكن فهم الآيات المصرّحة بأنّ الناس بعد إيمانهم في السرّاء والضرّاء يعودون مشركين بعد أن تحلّ مشاكلهم؟

فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ ؛(1)

فَلَمّا نَجّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَ كانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً .(2)

والإجابة على هذا التعارض البدويّ يكمن في أنّ ظهور المعرفة في المشاكل والابتلاءات ليس خاصّاً بالمؤمنين؛ بل يشمل الكافر والمشرك والضالّ أيضاً، حيث إنّهم يتوجّهون إلى اللّه تعالى، وهؤلاء إمّا كانوا قبل الابتلاء

مؤمنين أو كفّار، وإمّا كانوا ضلّالاً.

فأمّا المؤمن والكافر والمشرك، فهؤلاء قد وصلتهم دعوة الأنبياء قبل أن يبتلوا بالسرّاء والضرّاء، لذلك اتّصفوا بالإيمان أو الكفر أو الشرك قبل ذلك.

ووقوع المؤمنين في الابتلاءات، من ألطاف اللّه على عباده، ليزدادوا تمسّكاً بإيمانهم، ترتفع درجاتهم عند اللّه؛ ولكنّها بالنسبة إلى الكفّار والمشركين، فهي إتمام للحجّة عليهم ثانيةً ليجازون على أعمالهم.

أمّا ال- «ضُلّال» - الذين لم تصلهم دعوة نبيّ ولا رسالة رسول - بالرغم من التفاتهم إلى خالقهم في المصائب، ولكن لاتكون نتيجة هذا الالتفات إيماناً أو كفراً أو شركاً. ويمكن الالتفات إلى هذا الأمر من خلال التوجّه إلى الآية: كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً والروايات الواردة في تفسيرها، وكذا الآية: ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً .(3)

ومن هنا فإنّ الكفر والشرك المستتبع للتخلّص من الابتلاء، ليس كفراً أو شركاً ابتدائياً - كما يتصوّر - بل هو رجوع إلى الشرك السابق.

ج . الرسالة الأخيرة في آية: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ... تشير إلى نفس الأمر. فالمثل المذكور في الآية يرتبط بالكفّار والمشركين. فمن كان في5.

ص: 61


1- . العنكبوت(29)، الآية 65.
2- . الإسراء(17)، الآية 68.
3- . الإسراء(17)، الآية 15.

صحراء قاحلة جرداء، وابتلى بعطش شديد، فإنّه سوف يسعى من هنا وهناك راكضاً وراء سراب، وحين يصل إليه، لا يجد شيئاً، حينها ينقطع عنه

الأمل، فيتوجّه من صميم قلبه إلى خالقه الحيّ المقتدر، والربّ تعالى يجازيه بسوء أعماله بشكل كامل.

ففي هذه الآية يضرب اللّه تعالى لنا مَثَلاً بعبادة الكفّار والمشركين للدنيا، فهم قد عقدوا آمالهم ووجّهوا قلوبهم إليها، ويسعون ورائها سعياً حثيثاً بحرص وطمع للحصول على زينتها، ولكنّ الدنيا لاتنفعهم شيئاً؛ بل هي سرابٌ يحسبه الضمآن ماءاً فيركض ورائها، ولاينتبه من سباته حتّى ينبّهه الأجل، وحينها يجد نفسه خالي اليدين من الأعمال الصالحة، ويجد اللّه عند ذلك فيحاسبه الربّ حساباً عسيراً.

6. ملخّص الدرس

* كلّ الناس يعرفون اللّه، ولو ذُكّروا به لأقرّوا بخالقيّته وربوبيّته ورازقيّته وألوهيّته.

* جميع البشر كانوا متّحدين من حيث الإيمان والكفر، قبل أن يبعث اللّه إليهم الأنبياء، أي إنّهم كانوا ضلّالاً، لا مؤمنين ولا كافرين أو مشركين.

* بالرغم من أنّ المعرفة فطريّة، ويولد الإنسان ويحمل معه أصل تلك المعرفة، إلّا أنّ اللّه تبارك وتعالى يلقي عليه حجاب النسيان، فلو لم يُذَكَّر نبيّ باللّه، يبقى ضالّاً.

* التذكّر يعني الذكر بعد النسيان والمراد من تذكير الأنبياء، تذكيرهم بالمعرفة المنسيّة.

* حيث كانت المعرفة فطريّة، فإنّ الغافل و«الضالّ» سيرتفع حجاب الغفلة عن قلبه حين الابتلاء بالمشاكل.

* الصعوبة والابتلاء، لطف ورحمة للمؤمن وسبب في ارتفاع درجاته، وإتمام حجّة بالنسبة إلى الكافر.

* إذا التفت (الضالّ) إلى ربّه في الابتلاء، فإنّ هذا الالتفات لايؤدّي به إلى الإيمان أو الشرك أو الكفر.

ص: 62

7. اختبار ذاتيّ

1. هل الإقرار باللّه عزّ وجلّ بعد تذكير الأنبياء أمر جمعيّ؟ لماذا؟

2. في الآية كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً... ما هو المراد من وحدة الأمّة؟

3. بعثة الأنبياء متفرّعة على وحدة الأمّة أم على اختلافها؟ ما هو ظهور الآية؟ وهل هناك دليل لرفع اليد من ظهورها؟

4. هل الأنبياء سبب الاختلاف في الأمّة الواحدة؟ ما هو منشأ الاختلاف؟

5. ما معنى «الضالّ»؟ وهل كون البعض من البشر ضلّالاً يتنافى وكون المعرفة فطريّة؟

6. «دور الأنبياء في هداية الخلق هو التذكير فقط» إشرح هذه الجملة.

7. إشرح (المعرفة الفطريّة) انطلاقاً من آيات البأساء والضرّاء.

8. كيف يكون حال المؤمن، والكافر، والمشرك، والضالّ، بعد النجاة من البأساء والضرّاء؟

ص: 63

ص: 64

الدرس الرابع 4 : معرفة اللّه فطريّة (الروايات)

اشارة

أحاديث فطريّة المعرفة

أحاديث فطرة العقول على التوحيد

أحاديث فطرة البهائم على معرفة اللّه

ص: 65

ص: 66

تلميح

بعد الانتهاء من الدرس يتوقّع من الطالب أن يكون عارفاً بدور الأنبياء والرسل في إيمان الناس وكفرهم، ويتعرّف على المراد من حجّية الفطرة، وحجّية العقل، ويكون قادراً على الإجابة على التساؤلات التالية «لماذا نعتقد أنّ الأنبياء وأهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم فقط على الفطرة التي بعث بها الرسول الأكرم(صلى الله عليه و آله)؟» و«ما معنى مفطوريّة العقول على معرفة اللّه تعالى؟».

في سياق الحديث عن المعرفة الفطريّة، وبعد أن ذكرنا مجموعة من الآيات القرآنيّة الدالّة على كون معرفة اللّه أمراً فطريّاً، سنذكر في هذا الدرس بعض الروايات الواردة في هذا المجال. وقد مرّ ذكر بعض الأحاديث الشريفة في تفسير آيات الفطرة، في الدروس السابقة، وسنورد في هذا الدرس أحاديث معتبرة أخرى غير التي ذكرت فيما سبق.

1. أحاديث فطريّة المعرفة

الحديث الأوّل: قال أميرالمؤمنين(عليه السلام):

وَاصطَفَى سُبحَانَهُ مِن وَلَدِهِ أَنبِيَاءَ، أَخَذَ عَلَى الوَحيِ مِيثَاقَهُم وَعَلَى تَبلِيغِ

ص: 67

الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُم، لَمَّا بَدَّلَ أَكثَرُ خَلقِهِ عَهدَ اللهِ إِلَيهِم، فَجَهِلُوا حَقَّهُ وَاتَّخَذُوا الأَندَادَ مَعَهُ وَاجتَالَتهُمُ الشَّيَاطِينُ عَن مَعرِفَتِهِ وَاقتَطَعَتهُم عَن عِبَادَتِهِ، فَبَعَثَ فِيهِم رُسُلَهُ وَوَاتَرَ إِلَيهِم أَنبِيَاءَهُ، لِيَستَأدُوهُم مِيثَاقَ فِطرَتِهِ وَيُذَكِّرُوهُم مَنسِيَّ نِعمَتِهِ وَيَحتَجُّوا عَلَيهِم بِالتَّبلِيغِ.(1)

قلنا في الدرس السابق في الحديث عن الآية: كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً إنّ السبب في بعثة الأنبياء هو اتّحاد الناس واجتماعهم على الغفلة والضلال، فبعث اللّه عزّ وجلّ أنبياءه ليدعوهم إلى اللّه تعالى ويخرجوهم من ظلمات الغفلة والنسيان.

وفي هذه الخطبة الشريفة، يذكّرنا الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) بحكمة بعثة الأنبياء، إذ إنّ الناس حين يطول عليهم الأمد من دون نبيّ مرسل، أو معلّم مرشد، فإنّهم يبتعدون شيئاً فشيئاً عن تعاليم اللّه تعالى، وينحرفون عن الجادّة المستقيمة فيغفلون عن ربّهم بالكلّيّة، ولو أراد اللّه أن يعذّبهم بأفعالهم، فمن اللازم أن يرسل إليهم من يزيل عنهم سحب الغفلة والنسيان ويبيّن لهم فرائض العبوديّة.(2)

ولكن قد ينحرف الإنسان بعد انجلاء الحقيقة واستيقاض الفطرة، بسبب وساوس الشياطين، فيحوّلونه - أي الشياطين - دون عبادة اللّه تعالى، وبالتالي يكون سائراً في طريق الكفر والشرك. وفي هذه الحالة أيضاً يواتر الربّ عليهم الرسل والأنبياء فيحذّرونهم لئلّا ينسوا الميثاق بينهم وبين بارئهم،(3) ويطلبوا منهم الاستقامة على العهد. ويذكّروهم نعمة المعرفة التي أنعمها اللّه عليهم - حيث نساها الناس - ليذكروا اللّه عزّ وجلّ ويعبدوه ويخضعوا له.(4)ى.

ص: 68


1- . نهج البلاغة، الخطبة الأولى، ص43.
2- . الآية كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً تشير إلى هذا المعنى.
3- . الميثاق على أن يعبدوه تعالى وحده ولايشركوا به شيئاً ويسلّموا له تسليماً: أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ*وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ يس(36)، الآيتان60 -61. (المؤلّف)
4- . خطبة الإمام(عليه السلام) تشير إلى هذا المعنى.

ومن هنا فإنّ خطبة الإمام(عليه السلام) تبيّن أنّ ما يريده الأنبياء والرسل من الناس ليس إلّا ما فطرهم اللّه عليه؛ وذلك ليس إلّا التوحيد والمعرفة والتسليم والعبوديّة للّه الواحد تعالى.

الحديث الثاني: قال الإمام الصادق(عليه السلام):

مَا مِن مَولُودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى الفِطرَةِ، فَأَبَوَاهُ اللَّذَانِ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ.(1)

وفي حديث آخر، يروي الإمام الباقر(عليه السلام) هذا الحديث من جدّه النبيّ الأكرم(صلى الله عليه و آله)، ثمّ يوضح المعنى المراد من الحديث، حيث قال:

كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ يَعنِي المَعرِفَةَ، بِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَالِقُهُ، كَذَلِكَ قَولُهُ:

وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ(2) .(3)

ويدلّ هذا الحديث بوضوح على وجود معرفة عند كلّ إنسان يولد معها، وليس كما يتصوّره البعض أنّ الناس يولدون من دون وجود أيّة معرفة لديهم. وقد ذكرنا في الدرس السابق أنّ وجود هذه المعرفة في الإنسان، لا يعني أنّه قادر على أن يعرف اللّه تعالى من دون تعاليم حججه، بل لابدّ عليه أن يرجع إلى الأنبياء والرسل ليذكّروه بتلك المعرفة فيلتفت إليها.

أمّا لو كان المعلّم والمرشد غير النبيّ أو الوصيّ، فستكون النتيجة عكسيّة، إذ أنّ المعلّم المنحرف لا يذكّره بالفطرة، بل يحرّف له الحقائق فيدعوه إلى آلهة اليهود والنصارى والمجوس - أي الآلهة التي صنعوها بأوهامهم - وبالتالي سوف لا يعرف).

ص: 69


1- . كتاب من لا يحضره الفقيه، ج2، ص49، ح1668؛ وسائل الشيعة، ج15، ص125، ح[20130] 3 (الباب48 من أبواب جهاد العدو... من كتاب الجهاد).
2- . لقمان (31)، الآية 25.
3- . الكافي، ج2، ص13، ح4؛ بحارالأنوار، ج64، ص135، ح7 (الباب الرابع من الأبواب الإيمان والإسلام... من كتاب الإيمان والكفر).

الإنسان ربّه أبداً ويبقى تائها في المتاهات.(1). الكافي، ج1، ص91، ح2؛ بحارالأنوار، ج4، ص286، ح18 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى من كتاب التوحيد).(2)

الحديث الثالث: قال الإمام الرضا(عليه السلام):

بِالعُقُولِ تُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ وَبِالفِطرَةِ تَثبُتُ حُجَّتُهُ.(3)

يبيّن الإمام الرضا(عليه السلام) في هذا الحديث، دور العقل والفطرة في معرفة اللّه تعالى، ويصرّح بأنّ عقد القلب على معرفة اللّه يكون بالعقل، وبالفطرة تكمل حجّة اللّه على الخلق.

من خلال النصوص الدينيّة يتّضح أنّ العقل هو أهمّ حجّة للّه، بل هو الحجّة الوحيدة للّه على خلقه، الذي بوجوده تكون سائر الحجج حججاً. الإمام الرضا(عليه السلام) في هذا الحديث الشريف بالإضافة إلى التوجّه إلى العقل يعرّف الفطرة بأنّها حجّة إلهيّة.

وفي هذا الأمر دليلٌ على أنّ اللّه قد عرّف نفسه للإنسان وفطره على معرفته، ولولا ذلك لم يكن العقل قادراً على بلوغ المعرفة. ولكنّ العقل - مع وجود المعرفة الفطريّة - يحمل الإنسان على طاعة اللّه والخضوع والخشوع والعبوديّة له سبحانه، ويوجبها عليه.

الحديث الرابع: قال الإمام الصادق(عليه السلام) في معنى قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ :

مَعرُوفٌ عِندَ كُلِّ جَاهلٍ ٍ.(3)).

ص: 70


1- . لا نقصد بالتهوّد والتنصّر والتمجّس بسبب الأبوين أنّ الإنسان يصل إلى إله موسى وعيسى(عليهما السلام) ويعتقد به بل نقصد بالتهوّد والتنصّر والتمجّس بواسطة الوالدين هو انحراف الطفل عن الدين الإلهيّ (أي الإسلام) الذي هو دين جميع الأنبياء والمرسلين، فيحرّفونه إلى هذه الأديان المحرّفة، إذ أنّ جميع الشرائع الإلهيّة رغم اختلافها في التشريعات إلّا أنّها متّحدة على أنّ الربّ واحد وتحذر من اتّخاذ الشركاء للّه عزّ وجلّ في السورة شورى (42)، الآية 13: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً... و الصافات (37)، الآية 83: وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ و النحل (16)، الآية 123: وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً... و آل عمران
2- ، الآية 95: فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً.... (المؤلّف)
3- . الأمالي (للطوسي)، ص22، ح28؛ عيون أخبار الرضا؟ع؟، ج1، ص151، ح51؛ بحارالأنوار، ج4، ص228، ح3 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى من كتاب التوحيد).

قال المرحوم ملّا صالح المازندرانيّ في شرح هذه الرواية:

من أصحاب الملل الباطلة كالملاحدة والدهريّة وعبدة الأوثان وأضرابهم فإنّ كلّهم يعرفونه عند نزول الشدائد والضرّاء، وتوارد المصائب والبلاء، ولا يلوذون حينئذ بما سواه ولا يدعون إلّا إيّاه.(1)

فإنّ الحديث هذا، يدلّ على أنّ جميع المنكرين والملاحدة يعرفون اللّه ولكنّهم يكفرون به عناداً، وهكذا يقول تعالى:

فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ*وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا .(2)

الحديث الخامس: قال أميرالمؤمنين(عليه السلام):

إِنَ ّ أَفضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ المُتَوَسِّلُونَ إلى اللهِ جَلَّ ذِكرُهُ، الإيمان بِاللهِ وَبِرُسُلِهِ وَمَا جَاءَت بِهِ مِن عِندِ اللهِ وَالجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، فَإِنَّهُ ذِروَةُ الإِسلَامِ وَكَلِمَةُ الإِخلَاصِ فَإِنَّهَا الفِطرَةُ.(3)

ما يشير إليه هذا الحديث يتّفق مع بعض النصوص التي مرّ ذكرها في تفسير الآية: فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي... حيث فسّرت فِطْرَتَ اللّهِ بالتوحيد.

وفي هذا الحديث أيضاً كلمة الإخلاص - وهي كلمة التوحيد - عدّت من الفطرة.

وسيتبيّن لك لاحقاً أنّ توحيد اللّه تعالى أمرٌ لا ينفكّ عن المعرفة؛ لأنّ المعرفة

الحقيقيّة الحاصلة بتعريفه عزّ وجلّ ليست منفكّة عن توحيده، وليس الأمر - كما قد يتوهّم - بأنّ الناس يثبتون وجوده تعالى بعقولهم ومن ثمّ يقومون بإثبات توحيده.

الحديث السادس: قال سيّد الشهداء الحسين بن عليّ(عليهما السلام):).

ص: 71


1- . شرح أصول الكافي، ج3، ص184.
2- . النمل (27)، الآية 205.
3- . علل الشرائع، ج1، ص247، ح1؛ تحف العقول، ص149؛ كتاب من لا يحضره الفقيه، ج1، ص205، ح613؛ بحارالأنوار، ج74، ص 289 -290، ح2 (الباب14 من أبواب المواعظ والحكم... من كتاب الروضة).

نَحنُ وَشِيعَتُنَا عَلَى الفِطرَةِ الَّتِي بَعَثَ اللهُ عَلَيهَا مُحَمَّداً (صلى الله عليه و آله).(1)

كما مرّ سابقاً، الهدف وراء بعثة الأنبياء هو تذكير الناس بخالق الكون، وليستأدوهم ميثاق الفطرة.

ومن الواضح أنّ من بين أمّة النبيّ الأكرم(صلى الله عليه و آله)، لم يستقم على العهد والميثاق سوى أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، وشيعتهم، أمّا من سواهم من الفِرَق وأهل المذاهب فإنّهم لم يبنوا عقائدهم وأعمالهم على أساس الفطرة، بل انحرفوا عنها.

لأنّ مسير التوحيد والمعرفة الفطريّة قد حدِّدت الولاية للّه تعالى وحده، أي لا ولاية لغير اللّه تعالى على الناس، وحيث كانت ولاية أئمّة الشيعة(عليهم السلام) من عند اللّه عزّ وجلّ، فإنّ الشيعة وحدهم بقوا على ميثاق التوحيد واستقرّوا عليه.

الحديث السابع: قال الإمام الباقر(عليهم السلام):

كَانَت شَرِيعَةُ نُوحٍ(عليه السلام) أَن يُعبَدَ اللهُ بِالتَّوحِيدِ وَالإِخلَاصِ وَخَلعِ الأَندَادِ، وَهِيَ الفِطرَةُ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا، وَأَخَذَ اللهُ مِيثَاقَهُ عَلى نُوحٍ(عليه السلام) وَعَلَى النَّبِيِّينَ(عليهم السلام) أَن يَعبُدُوا اللهَ - تَبَارَكَ وَتعالى - وَلَا يُشرِكُوا بِهِ شَيئاً.(2)

يؤكّد هذا الحديث - أيضاً - على أنّ التوحيد ونفي الشرك وإخلاص العبوديّة للّه تعالى، هي أمورٌ قد فُطِرَ عليها الخلق، وقد أخذ اللّه عزّ وجلّ ميثاق الأنبياء عليها.

الحديث الثامن: قال الإمام الصادق(عليه السلام):

كَانَ إِبرَاهِيمُ(عليه السلام) فِي شَبِيبَتِهِ عَلَى الفِطرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الخَلقَ عَلَيهَا، حتّى هَدَاهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى إلى دِينِهِ وَاجتَبَاه.(3)

قد مرّ عليك في تفسير الآية: كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً رواية مفادها إنّ الناس).

ص: 72


1- . رجال الكشّيّ، ص114، ح182.
2- . الكافي، ج8، ص282، ح424؛ بحارالأنوار، ج11، ص331، ح53 (الباب الثالث من أبواب قصص نوح... من كتاب النبوّة).
3- . الكافي، ج8، ص370؛ بحارالأنوار، ج12، ص45، ح38 (الباب الثاني من أبواب قصص إبراهيم... من كتاب النبوّة).

كانوا قبل النبيّ نوح(عليه السلام) ضلّالاً، بمعنى أنّهم لم يكونوا على هداية، بل كانوا على الفطرة التي فطرهم اللّه عليها.(1)

ولو جمعنا الحديث في تفسير الآية وأحاديث مشابهة في مضمونها، مع الحديث الذي نحن بصدد بيانه، تكون النتيجة أنّ النبيّ إبراهيم(عليه السلام) كان في شبابه على الفطرة الإلهيّة؛ أي كان في حالة نسيان الميثاق، حتّى هداه اللّه عزّ وجلّ إلى دينه واختاره للنبوّة؛ إلّا أنّ هذا المعنى لا يتناسب مع مقام النبيّ إبراهيم(عليه السلام). فلابدّ من القول أنّ المراد بالفطرة في هذا الحديث يختلف

عن المراد منه في الأحاديث الأخرى.

والجمع بين الروايات يوصلنا إلى أنّ للفطرة والهداية درجات ومراتب متفاوتة، وقبل أن يصل الإنسان إلى مرتبة من مراتب الهداية يكون غافلاً عنها، أي أنّه حتّى وإن كان واجداً للمراتب العالية في نفسه إلّا أنّه لغفلته عنها يكون على الفطرة التي فطر اللّه الناس عليها.

ومع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الهداية الواردة عن النبيّ إبراهيم(عليه السلام) قرنت بالاصطفاء للنبوّة، يتّضح أنّ المراد من الهداية في هذا الحديث المراتب العليا منه.(2)

الحديث التاسع: قال الإمام الرضا(عليه السلام):

الحَمدُ للهِ المُلهِمِ عِبَادَهُ حَمدَهُ، وَفَاطِرِهِم عَلَى مَعرِفَةِ رُبُوبِيَّتِهِ.(3)

2. أحاديث فطرة العقول على التوحيد

الحديث الأوّل : قال الإمام الصادق(عليه السلام) وهو يدعو ربّه:

ص: 73


1- . تفسير العيّاشيّ، ج1، ص104، ح307.
2- . كدخول خشية من اللّه في قلب الإمام الجواد(عليه السلام) عند وفاة أبيه الرضا(عليه السلام) لم تكن من قبل، فعرف بذلك استشهاد أبيه(عليه السلام).
3- . الكافي، ج1، ص139، ح5؛ بحارالأنوار، ج54، ص166، ح105 (الباب الأوّل من أبواب كلّيّات أحوال العالم... من كتاب السماء والعالم).

أَسأَلُكَ بِتَوحِيدِكَ الَّذِي فَطَرتَ عَلَيهِ العُقُولَ.(1)

الحديث الثاني : في دعاء مرويّ عن الإمام أميرالمؤمنين والإمام الباقر

والإمام الصادق (صلوات الله عليهم):

اللّهمَّ خَلَقتَ القُلُوبَ عَلَى إِرَادَتِكَ، وَفَطَرتَ العُقُولَ عَلَى مَعرِفَتِكَ.(2)

الحديث الثالث : ورد في الدعاء بعد نوافل صبح الجمعة:

يَا مَن فَتَقَ العُقُولَ بِمَعرِفَتِهِ وَأَطلَقَ الأَلسُنَ بِحَمدِهِ.(3)

تؤكّد الأحاديث الثلاثة على فطرة العقول على معرفة اللّه وتوحيده. ولكن لا يبدو أنّ هناك اختلافاً بينها وبين سائر الأحاديث التي مرّ ذكرها، بل يمكن استفادة نفس المعنى من الجمع الوارد في لفظة «العقول»، بتقريب أنّ حقيقة نور العقل، أمرٌ واحد لا تكثّر وتعدّد فيه، وإنّما التعدّد من جهة استفادة الموجودات منه.

مع هذا البيان يتبيّن بأنّ معنى العقول في الروايات هم العقلاء، أي إنّ اللّه تعالى وهب العقول للمخلوقات حين خلقهم، ومع وجود العقل فطرهم على معرفته.(4)

الحديث الرابع : قال الإمام الصادق(عليه السلام): قال موسى بن عمران(عليه السلام):

يَا رَبِّ أَيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ عِندَكَ؟ فَقَالَ: حُبُّ الأَطفَالِ؛ فَإِنِّي فَطَرتُهُم عَلَى تَوحِيدِي، فَإِن أَمَتُّهُم أَدخَلتُهُم بِرَحمَتِي جَنَّتِي.(5)).

ص: 74


1- . مفتاح الفلاح، ص102؛ بحارالأنوار، ج91، ص275 (الباب44 من أبواب أحراز النبيّ... من كتاب الذكر والدعاء).
2- . البلد الأمين والدرع الحصين، ص379؛ بحارالأنوار، ج92، ص403، ح304 (الباب 129 من أبواب أحراز النبيّ والأئمّة... من كتاب الذكر والدعاء).
3- . مستدرك الوسائل، ج13، ص42، ح10 (الباب12 من أبواب مقدّماتها من كتاب التجارة)؛ بحارالأنوار، ج86، ص307، ح11 (الباب الثالث من أبواب فضل يوم الجمعة من كتاب الصلاة).
4- . هناك آيات وروايات تدلّ على أنّ جميع الكائنات من الإنسان والحيوان والجماد يسبّحون اللّه في السماء والأرض وفي بعض الآيات والروايات إنّ الولاية عرضت عليهم ومن الواضح أنّ تسبيح الكائنات دليل على شعورها فالولاية إنّما عرّضت عليهم بعد تنعّم بنور العقل. راجع: الكافى، ج3، ص248 و249؛ الخصال، ص283، ح31. (المؤلّف)
5- . المحاسن، ج1، ص293، ح453؛ بحارالأنوار، ج101،ص97، ح57 (الباب الثاني من أبواب الأولاد وأحكامهم من كتاب العقود والإيقاعات).

يطابق هذا الحديث مضمون الأحاديث السابقة تماماً، وخصوصاً مع حديث

« كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطرَة » وهناك إشارة في هذه الرواية بأنّ اللّه عزّ وجلّ يدخل كلّ الأطفال الذين ماتوا على صغر سنّهم، يدخلهم الجنّة؛ ولكن هناك روايات أخرى تصرّح بأنّ اللّه عزّ وجلّ يختبر الأطفال وكذا المستضعفين الذين لم تصلهم رسالة رسول أو حتّى المجانين وضعفاء العقول، يمتحن هؤلاء جميعاً عبر إشعال نار وأمرهم الدخول فيها، فمن أطاعه ودخلها كانت عليه برداً وأدخل الجنّة، ومن عصى وأبى الدخول يكون من أهل النار.(1)

3. أحاديث فطرة البهائم على معرفة اللّه

الحديث الأوّل : قال الإمام زين العابدين(عليه السلام):

مَا بَهِمَتِ البَهَائِمُ، فَلَم تُبهَم عَن أَربَعَةٍ: مَعرِفَتِهَا بِالرَّبِّ وَمَعرِفَتِهَا بِالمَوتِ وَمَعرِفَتِهَا بِالأُنثَى مِنَ الذَّكَرِ وَمَعرِفَتِهَا بِالمَرعَى عَنِ الخِصبِ.(2)

الحديث الثاني : قال الإمام الصادق(عليه السلام):

مَهمَا أُبهِمَ عَلَى البَهَائِمِ مِن شَيءٍ، فَلَا يُبهَمُ عَلَيهَا أَربَعَةُ خِصَالٍ: مَعرِفَةُ أَنَّ لَهَا خَالِقاً وَمَعرِفَةُ طَلَبِ الرِّزقِ وَمَعرِفَةُ الذَّكَرِ مِنَ الأُنثَى وَمَخَافَةُ المَوتِ.(3)

الحديث الثالث : ورد في الخبر عن الإمام الكاظم(عليه السلام):

إِنَّ النَّاسَ أَصَابَهُم قَحطٌ شَدِيدٌ عَلَى عَهدِ سُلَيمَانَ بنِ دَاوُدَ(عليهما السلام)، فَشَكَوا ذَلِكَ إِلَيهِ وَطَلَبُوا إِلَيهِ أَن يَستَسقِيَ لَهُم. قَالَ: فَقَالَ لَهُم: إِذَا صَلَّيتُ الغَدَاةَ مَضَيتُ. فَلَمَّا صَلَّى الغَدَاةَ مَضَى وَمَضَوا، فَلَمَّا أَن كَانَ فِي بَعضِ الطَّرِيقِ إِذَا هُوَ بِنَملَةٍ رَافِعَةٍ يَدَهَا

ص: 75


1- . ولمزيد من الإطّلاع راجع: الكافي، ج3، ص249 - 248 (باب الأطفال).
2- . الكافي، ج6، ص593، ح9؛ بحارالأنوار، ج61، ص50، ح27 (الباب الأوّل من أبواب الحيوان وأصنافها... من كتاب السماء والعالم).
3- . الكافي، ج6، ص539، ح11؛ بحارالأنوار، ج61، ص51، ح29 (الباب الأوّل من أبواب الحيوان وأصنافهم... من كتاب السماء والعالم).

إلى السَّمَاءِ وَاضِعَةٍ قَدَمَيهَا إلى الأَرضِ؛ وَهِيَ تَقُولُ: اللّهُمَّ إِنَّا خَلقٌ مِن خَلقِكَ وَلَا غِنَى بِنَا عَن رِزقِكَ فَلَا تُهلِكنَا بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ. قَالَ: فَقَالَ سُلَيمَانُ(عليه السلام): ارجِعُوا فَقَد سُقِيتُم بِغَيرِكُم. قَالَ: فَسُقُوا فِي ذَلِكَ العَامِ مَا لَم يُسقَوا مِثلَهُ قَطُّ.(1)

تدلّ هذه الأحاديث الشريفة على أنّ البهائم والحيوانات - كما البشر - تعرف ربّها، وتلجأ إلى بارئها في الشدائد والمِحَن.

ومن البديهيّ أنّ هذه المعرفة من فعل اللّه، وحيث لا كيف لفعل اللّه فلا يمكن أن يعقله الإنسان، فإنّ حقيقة المعرفة غير قابلة للتحليل العقلي، ولا فرق في ذلك بين معرفة الإنسان والحيوان. وبعبارة أخرى، كما أنّ الإنسان لايتمكّن من تحليل معرفته للّه عزّ وجلّ، كذلك لا يمكنه تحليل المعرفة عند الحيوانات والبهائم، بل الأمر بالنسبة إليهم أصعب، إذ لا يمكن للإنسان عادة أن يحاورهم ليصل إلى المشتركات بينهم.

وهذا الأمر أدّى بمن يريد تحليل كلّ شيء يحاول إدراك نوع المعرفة بالعقل، إلى الوقوع في إشكاليات كبيرة، أثناء محاولتهم فهم معرفة الحيوانات ونوعها ومعنى تسبيحهم وكونهم مكلّفين مختارين، الأمر الذي جعلهم يأوّلون الروايات حسب فهمهم وتحريفها عن معناها الحقيقيّ الصحيح.

والحال أنّ القرآن الكريم يصرّح القول بعدم إمكان إدراك تسبيح الحيوانات والبهائم، فيقول تعالى: وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ .(2)

فلا مناص في مثل هذه الموارد من الرجوع إلى العالم (أي الإمام) وتقليده لكن لايعني ذلك عدم وجود طريق لفهم معرفة الكائنات وتسبيحهم إلّا أنّه لابدّ لمن لم يصل إلى وجدان هذه الحقيقة ودركها من التسليم والقبول، وإنكارها سيكون إنكار أمر لم يطّلع عليه ولا يمكنه نيله بقواه الإدراكيّة.4.

ص: 76


1- . الكافي، ج8، ص246، ح344؛ بحارالأنوار، ج61، ص260، ح9 (الباب العاشر من أبواب الحيوان وأصنافهم... من كتاب السماء والعالم).
2- . الإسراء (17)، الآية 44.

4. ملخّص الدرس

* إنّ الهدف من بعثة الأنبياء والرسل هو تذكير الناس بربّهم المعروف عندهم بالفطرة وإخراجهم من الغفلة والنسيان. وتكون الغفلة تارةً بسبب تطاول الزمان وعدم الوصول إلى الحجج الإلهيّة، وتارة تكون بسبب وساوس إبليس، فيعودون إلى سبات الغفلة بعد التذكير.

* جميع الناس يولدون على معرفة اللّه وإن لم يلتفتوا إلى ذلك.

* تتمّ الحجّة الإلهيّة على البشر بالفطرة، وعقد القلب على معرفة اللّه يكون بالعقل.

* لا يملك الإنسان - عبر نور العقل - طريقاً إلى معرفة اللّه، ولكن مع وجود المعرفة الفطريّة، فإنّ العقل يفرض على الإنسان التسليم والخضوع للّه تعالى.

* كلّ الناس - مؤمنين كانوا أم ملحدين - في الحقيقة يعرفون اللّه عزّ وجلّ، والإنكار الظاهر من المنكرين إنّما هو من جهة العناد والمخالفة.

* معرفة اللّه ليست أمراً منفصلاً عن توحيده، ولذلك يعبّر عن ألفاظ «الإخلاص» أو «التوحيد» بأنّها «فطرة اللّه».

* حيث كانت ولاية الأئمّة(عليهم السلام) ولاية ربّانيّة (أي: أنّها من عند اللّه) فإنّ قبول هذه الولاية يعني السير في مسير التوحيد والفطرة، ومن هنا فإنّ الأئمّة(عليهم السلام) وشيعتهم على الفطرة فقط، دون من سواهم من الناس.

* قد أخذ اللّه تبارك وتعالى الميثاق من الأنبياء على الفطرة التي تعني التوحيد ونفي الشركاء والأنداد.

* لأنّ الإنسان يملك في داخله كلّ مراتب الهداية، فحينها إذا كان في أية مرحلة سيكون بالنسبة إلى الهداية التي لم يبلغها يكون حينئذ على الفطرة.

* ما ورد في الحديث من مفطوريّة العقول على معرفة اللّه تعالى يعني إنّ اللّه

حين عرّف نفسه للناس كانوا منوّرين بنور العقل وذلك لورود لفظة «العقول» على صيغة الجمع.

ص: 77

* إنّ كون الأطفال مفطورين على توحيد اللّه يطابق الحديث القائل

« كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ ».

* إنّ جميع الموجودات مفطورون على معرفة اللّه، فهم يعرفون خالقهم.

5. اختبار ذاتيّ

1. بعد كون معرفة اللّه أمراً فطريّاً، ما هو دور الأنبياء والرسل(عليهم السلام) في إيمان الناس أو كفرهم؟

2. إذا كانت معرفة اللّه أمراً فطريّاً فلماذا نجد أكثر الناس ينكرون وجود اللّه؟

3. بيّن حجّيّة الفطرة وحجّيّة العقل.

4. كيف تفسّر «كلمة الإخلاص فإنّها الفطرة».

5. هل هناك حاجة إلى إثبات التوحيد بعد تعريف اللّه الناس نفسه؟ لماذا؟

6. ما هو السبب في كون أهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم على الفطرة التي بعث عليها النبيّ(صلى الله عليه و آله)، دون من سواهم؟

7. ماذا يعني «فطر العقول على معرفة اللّه»؟

8. لماذا لا تختصّ معرفة اللّه بالناس؟

ص: 78

الدرس الخامس 5 : مواقف التعريف: عالم الأرواح(1)

اشارة

شواهد على وجود عوالم العهد

هل عالم العهد واحد؟

خلقة الأرواح

تواتر نصوص خلقة الأرواح قبل الأبدان

ص: 79

ص: 80

تلميح

بعد الانتهاء من الدرس، يتوقّع من الطالب أن يقدر على إرائة شواهد من الروايات على عالم العهد، ويتعرّف - بشكل إجماليّ - على العوالم السابقة على عالم الدنيا، ويطّلع على خلقة الأرواح قبل الأبدان وتمايزهما عن بعضهما البعض وكذلك يطّلع على تواتر النصوص في هذا المجال.

تبيّن لك سابقاً، من خلال الاستدلال بالآيات والروايات، أنّ اللّه تبارك وتعالى عرّف نفسه لعباده، وهكذا استقرّت معرفة اللّه تعالى في جميع الموجودات، وأنّهم فطروا جميعاً عليها، في هذا الدرس والدروس التالية، سنتحدّث عن مواقف هذا التعريف إن شاء اللّه تعالى.

تؤكّد الكثير من النصوص الشريفة الواردة من أهل البيت(عليهم السلام)، على أنّ الناس قبل أن يكونوا في هذه الدنيا في أصلاب وأرحام الآباء والأمّهات، ويولدوا عن طريق التزاوج، قد مرّوا في عوالم سابقة. في تلك العوالم، أعطاهم اللّه نور العلم والعقل، وحينها عرّفهم الباري تعالى نفسه، وقد أخذ عليهم الميثاق والإقرار على ربوبيّته بقوله: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ . فالربّ عزّ وجلّ قد أخذ الميثاق من البشر بعد تعريفه نفسه

ص: 81

لهم وإقرارهم بذلك، وقد أشهد الملائكة على هذا العهد والميثاق.

وحيث ألقى الباري تعالى حجاب الغفلة والنسيان على الناس تجاه الموقف المعروف، فلا طريق لإثبات الموقف عند الناس إلّا من خلال إخبار اللّه عزّ وجلّ وأنبياءه وأوصياءهم، فالطريق الوحيد لإثبات ذلك هو الرجوع إلى نصوص الوحي «القرآن وأحاديث المعصومين(عليهم السلام)».

1. شواهد على وجود عوالم العهد

من الشواهد الجليّة على وجود العوالم السابقة هو كون الخلائق جميعاً على فطرة معرفة اللّه تعالى.(1) و قد دلّت الكثير من الروايات الشريفة على هذا الأمر، حيث جاء في حديث النبيّ(صلى الله عليه و آله):

«كُلُ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى المَعرِفَة» . فلا يولد طفل إلّا وهو يعرف اللّه بفطرته، وهذا الأمر يدلّ على وجود عالم أو عوالم سابقة عرف فيه الإنسان ربّه، وفي هذه الحياة يتنبّه إلى تلك المعرفة.

ومن الشواهد أيضاً، حالة الحبّ والبغض البدويّة، حيث يحدث كثيراً لأيّ

شخص، أن يلتقي بآخر لأوّل مرّة، فيقع في قلبه حبّاً له أو بغضاً تجاهه دون أن يكون هناك أيّ موقف مسبق. وحسب أحاديث الأئمّة الأطهار(عليهم السلام) أنّ حالتي الحبّ والبغض في هذه الدنيا ترجع إلى حالتي الصداقة والعداوة في العوالم السابقة.(2)

والشاهد الثالث على وجود العوالم السابقة، هو عروض الحزن والهمّ على المرء دون وجود داعٍ أو سبب ظاهريّ، قال جابر الأنصاريّ أنّه سأل الإمام الباقر(عليه السلام):

جُعِلتُ فِدَاكَ رُبَّمَا حَزِنتُ مِن غَيرِ مُصِيبَةٍ تُصِيبُنِي أو أَمرٍ يَنزِلُ بِي، حتّى يَعرِفَ ذَلِكَ أهلي فِي وَجهِي وَصَدِيقِي؟ فَقَالَ: نَعَم يَا جَابِرُ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ المُؤمِنِينَ مِن طِينَةِ الجِنَانِ أَجرَى فِيهِم مِن رِيحِ رُوحِهِ، فَلِذَلِكَ المُؤمِنُ أَخُو المُؤمِنِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَإِذَا أَصَابَ رُوحاً مِن تِلكَ الأروَاحِ فِي بَلَدٍ

ص: 82


1- . وقد مرّ تفصيل هذا الدليل في الدروس السابقة.
2- . سنتحدّث عن هذا الأمر في مبحث خلقة الأرواح.

مِنَ البُلدَانِ حُزنٌ، حَزِنَت هَذِهِ لِأَنَّهَا مِنهَا.(1)

وقد ذكر في حديثين آخرين عن الإمامين الباقرين(عليهما السلام) أنّهما قالا لشيعتهم:

لَم تَتَوَاخَوا عَلَى هَذَا الأَمرِ وَإِنَّمَا تَعَارَفتُم عَلَيهِ.(2)

يقول الملّاصالح المازندرانيّ في توضيح هذا الحديث:

لعلّ المراد أنّ المواخاة على هذا الأمر والأخوّة في الدين كانت ثابتة بينكم في عالم الأرواح ولم تقع في هذا اليوم وهذه الدار؛ وإنّما الواقع فى هذه الدار هو التعارف على هذا الأمر الكاشف عن الأخوّة في ذلك العالم.(3)

ومن ثمّ يشرع فى بيان الروايات الواردة في باب خلقة الأرواح كشواهد ومؤيّدات على هذا المطلب.

وسنذكر في مبحث خلقة الأرواح، بعض النصوص الواردة في هذا المعنى، وسنذكر بأنّ اللّه تعالى قد خلق الناس قبل أبدانهم بألفي عام. وقد ائتلف المؤمن مع المؤمن هناك واختلف وعادى الكفّار والمشركين.

2. هل عالم العهد واحد؟

ورد في الروايات الشريفة، أنّ الإنسان مرّ - على الأقلّ - في عالمين متمايزين قبل مجيئه إلى الدنيا، أحد هذه العوالم، هو عالم الأرواح الذي خلق اللّه فيه أرواح الناس فقط وأسكنهم في الهواء والملكوت.

أمّا العالم الآخر، فهو عالم الذرّ، الذي هو غير عالم الأرواح يقيناً، وفيه خلق اللّه جميع أبناء آدم(عليه السلام) على هيئة الذرّ، وجعل أرواحهم في تلك الأبدان الخاصّة بهم؛ وحينها أخذ عليهم الميثاق على معرفته؛ كما فعل في عالم الأرواح.

ص: 83


1- . الكافي، ج2، ص166، ح2؛ بحارالأنوار، ج58، ص147، ح24 (الباب43 من أبواب الإنسان والروح من كتاب السماء والعالم).
2- . الكافي، ج2، ص168، ح1؛ بحارالأنوار، ج65، ص205، ح10 (الباب22 من أبواب الإيمان والإسلام من كتاب الإيمان والكفر).
3- . شرح اصول الكافى، ج9، ص36.

في هذا الدرس والذي يليه، سيكون الحديث منصبّاً عن عالم الأرواح (الأشباح) وسنذكر مجموعة من الروايات الواردة من أهل البيت عليهم

أفضل الصلاة والسلام، وبعد ذلك سنتحدّث عن عالم الذرّ إن شاء اللّه تعالى.

3. خلقة الأرواح

قد صرّحت الكثير من الروايات الشريفة أنّ اللّه خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، وأسكنهم في الهواء، وقد ائتلفت الأرواح في ذلك العالم أو اختلفت. في عالم الأرواح (الأشباح) كان الإيمان والولاية، كما كان الإنكار والكفر بين الناس، قال النبيّ الأكرم(صلى الله عليه و آله):

خَلَقَ اللهُ الأَروَاحَ قَبلَ الأَجسَادِ بِأَلفَي عَامٍ، ثُمَّ أَسكَنَهَا الهَوَاءَ فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا ثُمَّ ائتَلَفَ هَاهُنَا.(1)

وفي حديث آخر يبيّن الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) أنّ الحبّ والبغض البدويّ دون سبب مسبق، يعود إلى وجودهما في عالم الأرواح، حيث قال(عليه السلام):

يَا بَنِيَّ، إِنَّ القُلُوبَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، تَتَلَاحَظُ بِالمَوَدَّةِ، وَتَتَنَاجَى بِهَا، وَكَذَلِكَ هِيَ فِي البُغضِ، فَإِذَا أَحبَبتُمُ الرَّجُلَ مِن غَيرِ خَيرٍ سَبَقَ مِنهُ إِلَيكُم فَارجُوهُ، وَإِذَا أَبغَضتُمُ الرَّجُلَ مِن غَيرِ سُوءٍ سَبَقَ مِنهُ إِلَيكُم فَاحذَرُوهُ.(2)

وفي أحاديث أخرى تصريحٌ على أنّ محبّي الأئمّة(عليهم السلام) عرضوا عليهم (صلوات الله عليهم)في ذلك العالم، والأئمّة قد شاهدوا جميع المحبّين وعرفوهم هناك، كما أنّهم يعرفوهم في هذه الدنيا، قال الإمام الصادق(عليه السلام):

أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إلى أَمِيرِالمُؤمِنِينَ(عليه السلام) وَهُوَ مَعَ أصحابهِ فَسَلَّمَ عَلَيهِ ثمّ قَالَ لَهُ: أَنَا وَاللهِ أُحِبُّكَ وَأَتَوَلَّاكَ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُالمُؤمِنِينَ(عليه السلام): كَذَبتَ، قَالَ: بَلَى وَاللهِ

ص: 84


1- . رجال الكشّيّ، ص396، ح741؛ بحارالأنوار، ج58، ص132، ح3 (الباب43 من أبواب الإنسان والروح... من كتاب السماء والعالم).
2- . الأمالي (للطوسيّ)، ص595، ح[1232] 6؛ بحارالأنوار، ج71، ص163، ح26 (الباب العاشر من أبواب آداب العشرة... من كتاب العشرة).

إِنِّي أُحِبُّكَ وَأَتَوَلَّاكَ فَكَرَّرَ ثَلَاثاً فَقَالَ لَهُ أَمِيرُالمُؤمِنِينَ(عليه السلام): كَذَبتَ مَا أَنتَ كَمَا قُلتَ؛ إِنَّ اللهَ خَلَقَ الأَروَاحَ قَبلَ الأَبدَانِ بِأَلفَي عَامٍ ثُمَّ عَرَضَ عَلَينَا المُحِبَّ لَنَا، فَوَ اللهِ مَا رَأَيتُ رُوحَكَ فِيمَن عُرِضَ، فَأَينَ كُنتَ فَسَكَتَ الرَّجُلُ عِندَ ذَلِكَ وَلَم يُرَاجِعهُ.(1)

ونستفيد من هذه النصوص أموراً:

1. الأرواح - وإن خلّيت من الأجساد - متمايزة عن بعضها البعض، ويمكن تشخيصها، وهذا الأمر غير منحصر في الأنبياء والأوصياء؛ بل إنّ جميع الأرواح في عالم الأرواح كانت تحتكّ ببعضها البعض، فكان بينها هناك الصداقة أو العداوة.

2. محلّ الأرواح قبل خلق الأجساد كان الهواء.

3. كانت الأرواح في ذلك العالم تمتلك الشعور والإدراك بصورة كاملة.

4. الأرواح كانت تتّصف بالإيمان والكفر، إذ أنّ الصداقة والعداوة إنّما تكون بسبب الإيمان بالأئمّة والولاية لهم فتكون الولاية ولاية اللّه، أو العداوة معهم تكون عداوة مع اللّه.

5. الحبّ والبغض البدويّ بين الناس في هذه الدنيا دليل على الحبّ والبغض في العوالم السابقة.

6. الأصدقاء في هذه الدنيا كانوا أصدقاءً في عالم الأشباح، وهكذا كان الأعداء أعداءً.

7. خلقة الأرواح تسبق الأبدان بألفي عام.

8. حسب الظاهر كانت الأرواح تتكلّم فيما بينها أيضا.

9. يبدو أنّ خلقة الأرواح لم يكن أمراً تدريجيّاً، بل إنّ اللّه تعالى خلق الأرواح دفعةً واحدة، وتشير بعض روايات الطينة المبيّنة لكيفيّة خلق الأرواح من طينة أعلى علّيّين وطينة العلّيّين أو سجّين، إلى هذا المطلب.).

ص: 85


1- . الكافى، ج1، ص438، ح1؛ بصائرالدرجات، ج1، ص87، ح1؛ بحارالأنوار، ج58 ،ص138، ح15 (الباب43 من أبواب الإنسان والروح... من كتاب السماء والعالم).

4. تواتر نصوص خلقة الأرواح قبل الأبدان

ليس هناك شكٌّ في وجود التواتر المعنويّ بشأن روايات خلقة الأرواح قبل الأبدان، بل ادّعي التواتر اللفظيّ في بعض الموارد أيضاً؛ وبالرغم من ذلك فإنّ الشيخ المفيد(رحمة الله عليه )قد عدّ روايات هذا الباب من الآحاد.(1) وفي المقابل يرى صدر الدين الشيرازيّ أنّ روايات هذا الباب أكثر ممّا تعدّ، وقد عدّ هذا الأمر (أي: خلقة الأرواح قبل الأبدان) من ضروريّات المذهب.(2)

أمّا العلّامة المجلسيّ(رحمة الله عليه )فقد عدّ الأحاديث في هذا الباب قريبة من التواتر، وقد صرّح بأنّ ما أقيم من الأدلّة على حدوث الأرواح مقارنة لخلقة

الأبدان جميعها، مخدوشة، ولا يمكن ردّ أحاديث الباب بتلك الأدلّة.(3)

السيّد نعمة اللّه الجزائريّ(رحمة الله عليه )هو الاخر عدّ الروايات في الباب مستفيضة بل يراها متواترة.(4)

وقد قسّم آية اللّه الشيخ عبد النبيّ العراقيّ(رحمة الله عليه )روايات عالم الميثاق، قسّمها إلى تسعة أقسام، حيث جعل بعضاً منها مرتبطاً بخلقة الأرواح قبل الأبدان، ويقول(رحمة الله) في عنوان الطائفة الأولى:

الطائفة الأولى بعنوان «خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام»، وهذه الطائفة متواترة لفظاً بين الأخبار.(5)

ويقول عن الطائفة الثانية:

الطائفة الثانية بعنوان أنّ الأرواح كانت في الملأ الأعلى قبل مجيئها إلى هذا

ص: 86


1- . المسائل السرويّة، ص52 (مصنفات الشيخ: ج7)؛ تصحيح الاعتقاد، ص80و81 (مصنّفات الشيخ: ج5)؛ راجع: تعليقة الأستاذ مصباح على بحارالأنوار، ج61، ص141؛ وسلسلة مقالات مؤتمر الشيخ المفيد، رقم74، مقالة «خلقة الأرواح قبل الأبدان بقلم زين العابدين قرباني»، ص10.
2- . العرشيّة، ص23.
3- . راجع: بحارالأنوار، ج58، ص141 (الباب43 من أبواب الإنسان والروح من كتاب السماء والعالم).
4- . الأنوار النعمانيّة، ج1، ص268.
5- . روح الإيمان، ص186.

العالم... كانت فرقة فرقة و زرافة زرافة... فمن ائتلف هناك وأحبّ أحداً وعرفه، سيألفه هنا أيضاً ويحبّه؛ ومن لم يعرفه هناك، لا يوادده هنا؛ وهذه الطائفة متواترة لفظاً أيضا.(1)

ويقول عن الطائفة السادسة:

الطائفة السادسة في بيان خلقة روح خاتم النبيّين(صلى الله عليه و آله) أو مع الأئمّة(عليهم السلام) أو أرواح الأنبياء، أو أرواح الشيعة، أو أرواح مطلق الناس قبل أجسادهم

الدنيويّة، هذه الطائفة أيضاً بالنسبة إلى المعصومين الأربعة عشر(عليهم السلام) تمتلك التواتر المعنويّ.(2)

ويقول عن الطائفة السابعة:

الطائفة السابعة بعنوان أنّ الحقّ - عزّ اسمه العالي - خلق جميع الأرواح والنفوس قبل الأجساد الدنيويّه، وكلّفها جميعاً، وأهبطها إلى الدنيا بعد التكليف. ويسمّى عالم التكليف بعالم الميثاق والذرّ والعهد وألست والأرواح والأشباح، والظلّ والنور والملكوت والأمانة، إلى غيرها من الأسماء. ولكنّ الغالب في لسان الروايات هو عالم الميثاق. وهذه الطائفة أكثر من جميع الطوائف وهي متواتر، لأنّ رواياتها تقارب السبعمائة رواية في الكتب الحديثيّة المختلفة في موارد متعدّدة.(3)

وقد كتب آية اللّه الجهرميّ الشريعتمداريّ(4) ما نصّه:

الحاصل أنّ النصوص بتقدّم خلق الأرواح على الأجساد كثيرةٌ جدّاً، وعقد المجلسيّ - رحمه اللّه تعالى - في بحارالأنوار باباً خاصّاً بذلك وذكر فيه أنّها قريبة من التواتر وهو كذلك قطعاً. فقد أورد في هذا الباب خمسة عشر حديثاً...ق.

ص: 87


1- . روح الإيمان، ص197.
2- . روح الإيمان، ص222.
3- . روح الإيمان، ص233. ولا يخفى أنّه يذهب إلى وحدة عالم الأرواح وعالم الذرّ. وأكثر روايات الطائفة السابعة - ويقول إنّه ورد سبعمأة حديث في هذا الباب - ترتبط بعالم الذرّ. (المؤلّف)
4- . حينما طبع الكتاب لأوّل مرّة باللغة الفارسيّة كان على قيد الحياة ولقد وافته المنيّة في عمر 82، عام 1432ق.

وأسانيد جملة منها قويّة... بعضها صحيح أو حسن كالصحيح.(1)

إذاً فلا شكّ أو شبهة في وجود عالم الأرواح من ناحية النصوص الشرعيّة؛ وبالرغم من ذلك فإنّ بعض كبار علمائنا لوجود بعض الشبهات أو لعدم الفحص التامّ، أنكروا وجود هذا العالم الذي به صرّحت الروايات، ولذا أوّلوا معناه الذي عليه النصوص. وسنتعرّض في الدرس القادم إلى بعض الشبهات الواردة ونجيب عليها بما يناسبها إن شاء اللّه تعالى.

5. ملخّص الدرس

* من خلال الروايات يتبيّن أنّ الناس قد مرّوا بعوالم قبل وصولهم إلى هذا العالم.

* في العوالم السابقة، اعطي الخلق نور العلم، وحينئذ عرَّفهم اللّه نفسه.

* قبل عالم الدنيا وبعد أن عرّف اللّه نفسه للخلق، كلّف عباده على الإقرار بالعبوديّة؛ ومن ثمّ أخذ عليهم الميثاق على ذلك.

* المعرفة الفطريّة، والحبّ والبغض البدويّ، وعروض الحزن الطارئ بغير سبب، كلّها شواهد على وجود عوالم سابقة.

* كان الناس قبل هذا العالم، في عالمين مختلفين - على الأقلّ - : أحدهما عالم الأرواح (الأشباح) والآخر عالم الذرّ.

* أرواح الناس خُلقت قبل أبدانهم بألفي عام.

* أرواح الناس في عالم الأرواح، أقامت بين بعضها البعض صداقات ومحبّة أو عداوات وكره، والكفر والإيمان والولاية والإنكار كانت كلّها

* موجودة في ذلك العالم.

* الأرواح - وإن خلّيت من الأجساد - متمايزة عن بعضها البعض، ويمكن تشخيصها، وقد أسكنها اللّه تعالى - قبل خلق الأبدان وتركيبها بها - في الهواء.

* الروايات الواردة عن عالم الأرواح قد تواترت معنويّاً، ولا شكّ في المتون الروائيّة في وجود عالم الأرواح.

ص: 88


1- . سلسلة مقالات مؤتمر الشيخ المفيد، رقم 35، مقالة «كلمة موجزة في الأرواح والأشباح»، ص6.

6. اختبار ذاتيّ

1. ما هو المراد من عالم الأرواح؟

2. هل يمكن وجود الروح بلا بدن؟ وهل تتمايز الأرواح بلا أبدان عن بعضها البعض؟

3. هل كانت الأرواح في عالمها الخاصّ واجدة للشعور والإدراك؟

4. ما هي الشواهد على وجود عالم الأرواح أو عوالم قبل الحياة الدنيا؟

5. ما هو طريق إثبات العوالم السابقة على عالم الدنيا؟

6. هل الروايات الواردة في باب عالم الأرواح تصل إلى درجة يطمئنّ الإنسان إلى وجود هكذا عالم سابق؟ وما هي العلّة في إنكار البعض عالم الأرواح وتأويلهم الأحاديث الواردة حولها؟

ص: 89

ص: 90

الدرس السادس 6 : مواقف التعريف: عالم الأرواح(2)

اشارة

شبهات حول عالم الأرواح

الخلقة الدفعيّة للأرواح

ص: 91

ص: 92

تلميح

بعد الانتهاء من الدرس، يتوقّع من الطالب أن يكون قد تعرّف على الشبهات المثارة حول عالم الأرواح ويكون قادراً على الإجابة عليها، ويعرف المراد من تقدّم الأرواح على الأبدان.

قد ذكرنا في الدرس السابق الشواهد على وجود عوالم سابقة على هذا العالم وقد بيّنا الأدلّة الواردة عنها. وبالرغم من كثرة الأدلّة والنصوص القائمة على وجود عوالم سابقة إلّا أنّ البعض شكّك في تلك العوالم، ونستعرّض في هذا الدرس للشبهات المثارة ونجيب عليها، كما سنلحق بالدرس بعض البحوث التكميليّة.

1. شبهات حول عالم الأرواح

للشيخ المفيد(رحمة الله) إشكالان حول عالم الأرواح، فبعد أن ادّعى الشيخ أنّ روايات عالم الأرواح هي أحاديث آحاد، قال:

ولولا أنّ ذلك كذلك لكانت الأرواح تقوم بأنفسها ولا تحتاج إلى آلات

تحملها ولكنّا نعرف ما سلف لنا من الأحوال قبل خلق الأجساد كما نعلم أحوالنا بعد خلق الأجساد و هذا محال لا خفاء بفساده.(1)

ص: 93


1- . المسائل السرويّة، ص53؛ سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد، ج46، ص7.

وفي كتابه تصحيح الاعتقاد بعد بيان الإشكالين الواردين على الشيخ الصدوق يضيف إشكالاً ثالثاً ويرى أنّ الاعتقاد بعالم الأرواح قبل الأبدان هو قول من ذهب إلى التناسخ.(1)

إذاً ففي كلام الشيخ المفيد أربعة إشكالات عن عالم الأرواح هي:

1. روايات خلقة الأرواح قبل الأبدان هي آحاد.

2. القول بقبليّة خلق الأرواح يلزم وجودها بشكل مستقلّ.

3. لو كان ذلك العالم موجوداً حقّاً لعلمنا به، والحال على العكس.

4. القول بخلقة الأرواح قبل الأبدان هو ما ذهب إليه القائلون بالتناسخ.

وقد مرّ عليك - في الدرس السابق - البحث عن تواتر الروايات الواردة تواتراً معنويّاً، بل لفظيّاً، وذكرنا كلام بعض العلماء في هذا المجال، وعليه فلا مورد للإشكال الأوّل كما عرفت سابقاً.

وبالنسبة إلى الإشكال الثاني فلابدّ من القول بأنّ إنكار الوجود الإستقلاليّ للروح أمر يحتاج إلى دليل، وقد قام الدليل على العكس منه، فتصريح الروايات بأنّ الأرواح - دون الأجساد - كانت متمايزة عن

بعضها، وقابلة للتفريق، وقد أسكنها اللّه في الهواء، وكلّ ذلك دليلٌ على استقلاليّة الأرواح عن الأبدان.

أمّا الجواب على الإشكال الثالث، فواضحٌ؛ فإنّ عدم الاطّلاع عن السابق لايكون دليلاً لإنكاره، فمن المسلّم به أنّ الناس قد قضوا برهة من الزمن في أرحام الأمّهات قبل أن يولدوا في دار الدنيا،(2) ومع ذلك فلا يوجد من له اطّلاع عن تلك المرحلة.

هذا فضلاً عن تصريح الروايات الشريفة بأنّ اللّه تعالى أثبت أصل المعرفة وأنسى الناس الموقف، فالنسيان إنّما هو بإرادة ربّانيّة.

وعلى هذا، فلا مناص من الرجوع لنصوص الوحي في إثبات تلك العوالم، وقد قلنام)

ص: 94


1- . تصحيح اعتقادات الإماميّة، ص87؛ سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد، ج6، ص5.
2- . وقد كانوا ذاكرين للميثاق حتّى زجرتهم الملائكة فخرجوا من الأرحام إلى عالم الدنيا، كما ورد ذلك فى الأحاديث. (المترجم)

سابقاً أنّ الروايات الواردة صريحةٌ في وجود عوالم سابقة وذكرنا شواهداً على هذا الأمر.

وقد أجاب آية اللّه الشيخ الجهرميّ على الإشكالات الثلاث السالفة وقال:

ما ذكره الشيخ المفيد من كون روايات تقدّم الأرواح على الأبدان روايات آحاد أمرٌ غير صحيح كما مرّ إجمالاً... .

وفي الثاني: لايوجد دليل عقليّ على استحالة تقوّم الأرواح بدون الحاجة إلى الأبدان - كتقوّمها في الهواء - كما صّرحت الروايات بذلك، لأنّ حقيقة الروح مجهولةٌ عندنا ومعرفة حقيقتها وصفتها أمر

خارج عن قدرة البشر... .

وعدم علمنا عن عالم الأرواح السابق علينا، هو من جهة حكمة اللّه تعالى حيث جرت على أن يكون التذكير والتنبيه عبر الطرق الظاهريّة والطبيعيّة.

وبهذا السبب فإنّ الكثير من الناس ينسون فترة صباهم أو شبابهم، بالرغم من تذكّرهم بتلك المواقف والفترات في القيامة.

فتكون المحصّلة النهائيّة هو وجود عالم الأرواح قبل الأبدان الذي ثبت إجمالاً من روايات أهل البيت(عليهم السلام)، مع بقاء حقيقته وكنهه والأفعال الحاصلة فيه وبقائها جميعاً مبهمة ومجهولة.

ويعبّر عن هذا العالم بعالم «الأشباح» أيضا.(1)

وفي الإجابة على السؤال الرابع، فنكتفي بنقل كلام آية اللّه الصافيّ الكلبايكانيّ حيث قال في مقالة له كتبها في التحكيم بين الشيخين الصدوق والمفيد «رحمهما الله»:

حيث كانت حقيقة الروح والعقل وجزء من باطن وجود الإنسان ككثير من الحقائق الأخرى بقيت مجهولة، فإنّ الأحاديث الشريفة قد صرّحت بخلقة الأرواح قبل الأجساد، وحيث لم يقدر الشيخ الصدوق على ردّ الأحاديث اعتقد بظاهرها، ولا علاقة بهذا المعتقد بمقالة تناسخ الأرواح. لأنّ التناسخ عبارة عن تعلّق الروح بأجسام عنصريّة متعدّدة في هذه الدنيا حيث تنتقل من جسم إلى غيره بعد انتهاء عمر الأوّل فتظهر الحقيقة الواحدة في صور مختلفة وتجازى في كلّ ظهور على الأفعال في الظهور السابق.0.

ص: 95


1- . سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد، ج53، ص9 - 10.

والحال فيما نحن فيه فإنّ الروح تتعلّق بجسم عنصريّ واحد، لا امتزاج بينه وبين سائر الأرواح والأجسام.

وهذا المعنى ممكن في حدّ نفسه ولا يحتاج إلى إثبات - وإن كان ثابتاً عند كبار العلماء من أمثال الشيخ الصدوق - فلا يصحّ قياس الموضوع بمسألة التناسخ.(1)

2. شبهة أخرى

يعتقد البعض أنّ القول بتقدّم خلقة الأرواح على الأبدان يستلزم القول بقدمها.(2)

هذه الشبهة وإن بدت في الظاهر أنّها للقائلين بروحانيّة الحدوث للأرواح إلّا أنّها موجودة عند القائلين بالحدوث الجسمانيّ للأرواح أيضاً. إذ إنّه كما ذكر فإنّ صدر الدين الشيرازيّ القائل بأنّ الروايات الواردة في باب خلقة الأرواح قبل الأبدان أكثر من أنّ تحصى وبالرغم من ذلك فإنّه يعتقد أنّ الأرواح هي جسمانيّة من حيث الخلقة، وبالتالي فإنّه لايعتقد بخلقة الأرواح قبل الأبدان بحيث يكون للروح وجوداً متميّزاً عن غيره - كما صرّحت به الروايات الشريفة - وغيّر معنى الروايات عن ظاهرها، فجعل لها معنى آخر، حيث قال:

إلى أنّ الأرواح قديمة، وجماعة لمّا تفطّنوا أنّ نفوسهم غير جسميّة

توهّموا أنّها البارئ، وقد ضلّوا ضلالاً بعيدا، فإنّ النفوس كثيرة فالبارئ جلّ كبريائه واحد أحديّ، وأمّا بطلان كونها قديمة: فالبرهان طويل ومقدّماته كثيرة، لكن إنّ الروح البشريّة حدثت عند تمام استعداد النطفة للقبول، وحدوثها من اللّه عند تمام الاستعداد المعبّر عنه بالتسوية، كما حدثت الصورة في المرآة، عند حصول الصقالة و التصفية في المرآة من ذي الصورة، وإن كان ذو الصورة سابق الوجود على الصقالة و هما متّحدان.

ص: 96


1- . سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد، ج53، ص37.
2- . الأنوار النعمانيّة، ج1، ص268، الحاشية.

وإيجاز هذا البرهان: إنّ الأرواح البشريّة لو كانت موجودة قبل الأبدان لكانت إمّا كثيرة وإمّا واحدة، وكلا الشقّين باطل، فوجودها قبل البدن باطل، أمّا بطلان وحدتها:

فإنّها بعد التعلّق بالأبدان إمّا أن بقيت على وحدتها أو صارت متكثّرة، وكلاهما محال، فوجودها مع البدن محال.

ثمّ يقيم برهاناً على عدم إمكانيّة التمايز بين الأرواح قبل دخولها في الأجساد وفي النهاية يقول في توجيه روايات سبقة خلقة الأرواح على الأبدان:

...فلا يوجب شيء منها أن يكون للأرواح وجود قبل الأبدان هذا النحو من الوجود، بل المراد هاهنا وجودها في عالم التقدير أو وجود أصولها ومعادنها ومنابعها.(1)

ويقول في مكان آخر:

بل المراد أنّ لها كينونة أخرى لمبادي وجودها في عالم علم اللّه من الصور المفارقة العقليّة، هي المثل الإلهيّة التي أثبتها أفلاطون ومن قبله.(2)

بالرغم من أنّ صدر الدين الشيرازيّ لايصرّح في كلامه هنا بقدم الأرواح، إلّا أنّ ظاهر كلامه يدلّ على ذلك، لأنّه يذكر هذه الأمور في مقام الدفاع عن قول أفلاطون، الذي يعتقد بقدم الأرواح. ومع ذلك فإنّ تلميذه يصرّح بذلك في تعليقته على الشواهد الربوبيّة حيث ذكر أقوالاً في حدوث الروح أو عدم حدوثها وقال:

القول الرابع: للروح وحدة جمعيّة وشؤون ذاتيّة متعدّدة، فالروح قديمة وفاعلة بواسطة قِدَم العقل الكلّيّ؛ وذلك ربّ النوع وذلك في مرتبة تنزّهه وتجرّده. لأنّ وجود (ربّ النوع) السابق والقديم ثابت للروح. والروح حادثة أيضاً؛ في مرتبتها الوجوديّة الطبيعيّة والجسمانيّة حيث تكون حادثة بواسطة الجسم؛ لا3.

ص: 97


1- . شرح أصول الكافي (ملّا صدرا)، ج3، ص391.
2- . الحكمة المتعالية، ج8، ص333.

أنّها تحدث بحدوث البدن، وهذا القول قويّ ومحترم؛ والمصنّف قائل به أيضا.

فإذا قلت: أنّ الروح قديمة، صدقت، وإن قلت حادثة، صدقت أيضاً، وإن قلت، أنّها مجردة أصبت الكلام؛ وإن قلت، أنّها جسمانيّة؛ أصبت أيضاً. وهكذا لو قلت، الروح ملكٌ أو حورٌ أو حيوانٌ أو نباتٌ أو غيرها من الأجساد، فكلّها صحيحة؛ ولكن دون إخراجها عن مقاماتها الأخرى،

لأنّ الروح بعد الحقّ تعالى أمر بسيط وهي كلّ الأشياء.(1)

ولأنّ أصحاب هذه النظريّة، يقرّون من جهة بصحّة وكثرة الروايات الواردة في الباب البالغة حدّ التواتر، ويعتقدون من جهة أخرى بعدم إمكانيّة خلقة الأرواح قبل الأبدان بشكل متمايز ومتكثّر، فإنّهم فتحوا باب التأويل للأحاديث الشريفة وتوجيهها وأخرجوا النصوص عن معانيها الصريحة، وبهذا التوجيه لم يردّوا الروايات فحسب، بل فسّروها بمعانٍ جديدة لا تتّفق وأصول المذهب ومباني أهل البيت(عليهم السلام).

فبناء النصوص الدينيّة لا يتّفق مع الخلقة على العلّيّة أو العقول الطوليّة أو العرضيّة، كما أنّ الروح - في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) - ليس لها ذلك التجرّد الذي يتصوّره هؤلاء.

وبعبارة أوضح فإنّ روح الإنسان - في النصوص الدينيّة - لم تكن في المرتبة الوجوديّة روحاً لجنّ أو ملك أو حيوان أو نبات أو نظائرها أبداً.

فالصحيح أن يقال: حيث أنّ للروايات تواتراً نسبيّاً ويطمأنّ بصدورها الإنسان بشكل كامل وكانت دلالتها على سبق خلقة الأرواح على الأبدان بألفي عام قطعيّة ولا شكّ في تمايز الأرواح وكثرتها، فالحقّ أن نلتزم بمدلولها ونبني معرفتنا بالأرواح والأبدان على أساسها؛ فإنّه من الواضح أنّها نابعة من منبع العلم ولا يمكن قياس مدلولها بالقياسات الذهنيّة لسائر الناس بوجه من الوجوه.8.

ص: 98


1- . الشواهد الربوبيّة، ص698.

3. الخلقة الدفعيّة للأرواح

إنّ جميع روايات باب خلقة الأرواح قبل الأبدان ظاهرة في أنّ خلقة الأرواح حدثت بصورة دفعيّة لا تدريجيّة وباعتبار أنّ الكثير من هذه النصوص تقول بتقدّم الأرواح على الأبدان بألفي عام فإنّ ذلك يدلّ على أنّ الأبدان خلقت - هي الأخرى - دفعةً واحدة لا تدريجيّاً وبناءاً على هذا لا يمكن القول بأنّ خلقة الأبدان تتحقّق في هذا العالم؛ ذلك لأنّ الاختلاف الزمانيّ في المجئ إلى الدنيا أمر لا يخفى على أحد سنتحدّث في الدرس القادم عن خلقة الأبدان.

يقول الشعرانيّ عن خلقة الأرواح بدفعة واحدة:

ويحتمل بعيداً أن يكون المراد خلق كلّ واحد واحد من الرواح(1) قبل كلّ واحد واحد من الأبدان فيكون خلق كلّ روح قبل بدن نفسه بألفي عام وهذا لا يطابق سياق عبارة الحديث وتفريع الإمام(عليه السلام) عليه إذ ربّما يكون تولد وليّ من أولياء الإمام(عليه السلام) بعد عهده(عليه السلام) بثلاثة آلاف سنة فيكون خلق روحه بعد عصره(عليه السلام) بألف سنة ولم يكن رآه الإمام(عليه السلام) في عالم الأظلّة ولم يعرفه مع أنّه(عليه السلام) جعل خلق الأرواح قبل الأجسام مقدّمة لعرضهم عليه ومعرفته إيّاهم فالمقصود ما ذكرناه أوّلاً وقبليّة الأرواح والمجردات على الأجسام والمادّيات بالعلّيّة والطبع كما سبق مراراً فى مواضعه.(2)

ويكتب الأستاذ المصباح حول هذا الأمر:

وممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ في تقدّم خلق الأرواح على الأبدان بألفي عام - على حدّ التعبير الوارد في الروايات - لم يعتبر كلّ روح إلى بدنه بحيث يكون خلق كلّ روح قبل خلق بدنه بألفى عام كامل لا أزيد ولا أنقص وإلّا لزم عدم وجود جميع الأرواح في زمن عليّ(عليه السلام) فضلاً عمّا قبله، ضرورة حدوث كثير من الأبدان بعد زمنه بآلاف سنة ولا يبعد أن يكون ذكر الألفين لأجل التكثير،

ص: 99


1- . المذكور في النسخة هكذا: والصحيح (الأرواح).
2- . شرح أصول الكافي (مولى صالح المازندرانيّ)، ج7، ص128.

وتثنية الألف للإشارة إلى التقدّم العقليّ والمثاليّ.(1)

من الواضح أنّ هذا التوجيه يصحّ فيما لو لم يكن بين عالم الأرواح وعالم التناسل عالم آخر حيث تُخلق فيه جميع الأبدان بصورة دفعيّة وتتعلّق الأرواح فيها بأبدانها المختصّة ولكن كما سنبيّن لاحقاً لا وجود للشكّ والترديد في وجود عالم آخر خلقت فيها جميع الأبدان استناداً إلى النصوص الشريفة.

ويقول السيّد الجزائريّ:

وقول النبيّ(صلى الله عليه و آله)(بألفي عام) يقصد منها تقدّم الأرواح على نوع البدن، حتّى لو كان واحداً؛ الذي هو عبارة عن بدن أبينا آدم، وفي غير هذه الحالة، فمن المعلوم أنّ كلّ روح بالنسبة إلى بدنها تقدّمت بألفي عام.(2)

وهذا التأويل هو الآخر لا يتطابق والنصوص الواردة في هذا المجال.

طريقة حلّ هذه المسألة سيأتي في البحث عن عالم الذرّ ومن العجيب قول السيّد الجزائريّ لأنّه معتقد بعالم الذرّ وخروج ذريّة آدم من ظهره وتعلّق الأرواح بها ومع ذلك فإنّه يأتي بهذا التأويل، ويروي السيّد حديثاً مفاده إنّ اللّه سبحانه لمّا أراد خلق آدم(عليه السلام) خلق طينةً ثمّ قسّمها قسمين وقال لأصحاب اليمين:

« كُونُوا خَلقاً بِإِذنِي فَكَانُوا خَلقاً بِمَنزِلَةِ الذرّ »(3) وتحقّق هذا الأمر بالنسبة إلى أصحاب الشمال أيضاً ثمّ أمرهم - جميعاً - بدخول نار فاستجاب أصحاب اليمين وعصى أصحاب الشمال وتكرّر هذا الأمر ثلاث مرّات بالنسبة لهم وعصوا فيها جميعاً ثمّ أعادهم جميعاً على هيئة الطين وخلق النبيّ آدم(عليه السلام) منه.

يقول السيّد:

إنّ الحديث يدلّ على أنّ هذا التكليف كان لتلك الأرواح التي تعلّقت بالذرّ قبل أن يخلق اللّه آدما.).

ص: 100


1- . تعليقة في بحارالأنوار، ج61، ص142 (الباب 43 من أبواب الإنسان والروح من كتاب السماء والعالم).
2- . الأنوار النعمانيّة، ج1، ص268.
3- . الكافي، ج2، ص11، ح2؛ بحارالأنوار، ج64، ص122، ح25 (الباب الثالث من أبواب الإيمان و الإسلام من كتاب الإيمان والكفر).

ثمّ يكتب السيّد بعد ذلك:

وبعد أن خلق آدماً وصوّره، أخرج هذه الذرّات من ظهره علّق بها أرواحها، ثمّ أخذ ذلك العهد.(1)

4. ملخّص الدرس

* ليس هنالك استبعاد للوجود الاستقلاليّ للأرواح وقد صرّحت الروايات الشريفة بذلك.

* عدم العلم بعالم الأرواح لا يكفي لإنكاره.

* الاعتقاد بخلقة الأرواح قبل الأبدان يختلف عن القول بالتناسخ.

* التناسخ عبارة عن تعلّق الروح بالأبدان العنصريّة المتعدّدة والحال أنّ القول بخلقة الأرواح قبل الأبدان يجمع مع تعلّق الروح ببدن واحد.

* القول بخلقة الأرواح قبل الأبدان لا يستوجب الاعتقاد بقِدَمِ الأرواح.

* خلقة الأرواح والأبدان حدثت بدفعة واحدة مع وجود الفارق الزمنيّ بينهما وهو ألفي عام.

* تقدّم الأرواح على الأبدان ليس تقدّماً عقليّاً أو مثاليّاً.

* ليس المقصود من تقدّم الأرواح التقدّم على نوع البدن بل المراد تقدّم جميع الأرواح على جميع الأبدان.

5. اختبار ذاتيّ

1. هل عدم العلم بوجود العوالم السابقة يكفي دليلاً لإنكارها؟ لماذا؟

2. هل يمكن للأرواح أن تستقلّ بوجودها؟ وإن قلنا بالإمكان فأين كان مسكن الأرواح؟

3. ما هو التناسخ؟ وهل الاعتقاد بتقدّم الأرواح على الأبدان قول بالتناسخ؟

4. هل القول بخلقة الأرواح قبل الأبدان يوجب الاعتقاد بقِدَمِ الأرواح؟ وضّح ذلك.

5. بناءاً على كون الروح جسمانيّة الحدوث، كيف يوجّه تقدّم الروح على البدن؟

ص: 101


1- . الأنوار النعمانيّة، ج1، ص280.

6. كيف يوجّه القول بالفاصل الزمنيّ المحدّد (ألفي عام) بين خلقة الأرواح وخلقة الأبدان؟

7. هل يصحّ القول بالتقدّم المثاليّ والعقليّ للأرواح قبل الأبدان؟ وهل يصحّ القول بأنّ التقدّم كان على نوع البدن؟ (أجب مفصّلا).

ص: 102

الدرس السابع 7 : مواقف التعريف: عالم الذرّ (1)

اشارة

العلاقة بين عالم الذرّ والأرواح

الحكمة من جعل الأرواح في الأبدان

عالم الذرّ في القرآن

ص: 103

ص: 104

تلميح

بعد الانتهاء من الدرس، يتوقّع من الطالب أن يعرف العلاقة بين عالم الذرّ وعالم الأرواح، وأن يعرف الحكمة من جعل الأرواح في الأبدان، ويتعرّف على تفسير آية الذرّ والأقوال المختلفة حولها.

تبيّن لك في الدروس السابقة، أنّ الإنسان، قبل أن يولد في هذه الدنيا، قد مرّ - على الأقلّ - على عالمين سابقين. وقد بيّنا بعض المطالب عن عالم الأرواح (الأشباح) في الدرسين السابقين. والآن سنتحدّث عن موقف آخر من مواقف التعريف - الذي يعبّر عنه بعالم الذرّ - .

إنّ عالم الذرّ، هو عالم أخرج اللّه فيه جميع ذرّية النبيّ آدم(عليه السلام) من ظهره في صورة الذرّ وعرّفهم نفسه، وأخذ عليهم عهداً على ربوبيّته، وأكّد عليهم الميثاق على الوحدانيّة فيه، وبعد ذلك أعادهم في ظهر أبيهم آدم.

وجميع ذريّة النبيّ آدم(عليهم السلام) الذين أخرجهم اللّه في ذلك العالم، ينتقلون بين أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويأتون إلى هذه الدنيا في الموعد الذي قرّر لهم وقُدّر لهم في السابق.

وقد مرّ عليك سابقاً أنّ إثبات وجود عوالم تسبق عالم الدنيا وأنّ لوجود الإنسان

ص: 105

قبل عالم الدنيا سابقة، أمر خارج حدود إدراك العقل البشريّ، وليس لنا طريق لإدراك ذلك العالَم سوى النصوص الدينيّة المثبتة لتلك العوالم. وأنّ الأدلّة المثبتة والشواهد على وجود عالم الذرّ، كثيرة في نصوص القرآن الكريم وروايات أهل البيت(عليهم السلام)، ممّا لا يدع أيّ مجال للشكّ أو الإنكار بل وحتّى التأويل.

1. العلاقة بين عالم الذرّ والأرواح

قد ذكرنا سابقاً أنّ اللّه عزّ وجلّ قد خلق الأرواح قبل أبدانها بألفي عام، و تبيّن لك أيضاً أنّ خلقة الأرواح لم تكن تدريجيّة بل كانت دفعة واحدة، وقد جمعهم اللّه في محلّ واحد وأخذ منهم ميثاق الربوبيّة.

وحيث كانت الروايات تؤكّد على خلقة الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، يتبيّن لك أنّ الأبدان هي بدورها أيضاً خلقت دفعة واحدة، ومن الواضح أنّ الخلقة المقصودة هي خلقة قبل هذا العالم، لأنّ الخلقة في هذه الدنيا تكون أوّلاً تدريجيّة، وثانياً لا تتطابق مع الألفين عام. فلا مناص من أن تكون الأبدان خلقت في عالم غير عالم الدنيا أيضا.

والنصوص الدينيّة عبّرت عن ذلك العالَم بتعبيرات مختلفة هي: عالم الذرّ، عالم العهد، عالم الميثاق، عالم ألست.

2. الحكمة من جعل الأرواح في الأبدان

قد ورد في حديث عن الإمام الصادق(عليه السلام)، أنّ الأرواح كانت في مقام عالٍ وملكوت سام، وذلك قبل أن تكون في الأبدان، وهذا الأمر أدّى إلى تكبّر أكثر تلك الأرواح، وترفّعها؛ حتّى وصل الأمر إلى أنّها كادت أن تدّعي الربوبيّة. واللّه عزّ وجلّ بلطفه ورحمته، قرن تلك الأرواح بالأبدان لكيلا يقع هذا الأمر.

أَنَّ الأرواح فِي شَرَفِهَا وَعُلُوِّهَا، مَتَى مَا تُرِكَت عَلَى حَالِهَا، نَزَعَ أَكثَرُهَا إلَى دَعوَى الرُّبُوبِيَّةِ دُونَهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَجَعَلَهَا بِقُدرَتِهِ فِي الأَبدَانِ الَّتِي قَدَّرَ لَهَا فِي

ص: 106

ابتِدَاءِ التَّقدِيرِ نَظَراً لَهَا وَرَحمَةً بِهَا.(1)

وهذه الرواية تدلّ على أنّ اللّه عزّ وجلّ كان قد قدّر لكلّ روح بدناً من قبل؛ ولكن لوجود حكمة ومصلحة خلق الأرواح بصورة مستقلّة وجعلها في مقام راقٍ قبل أن يخلق الأبدان، وبعد أن أتمّ الحجّة عليها جعلها في الأبدان.

وفيما يلي سنتعرّض للأدلّة المثبتة لوجود عالم الذرّ، وسنبحث في هذا الدرس في آية الذرّ، وفي الدرس التالي سنورد بعض الروايات الواردة في المقام.

3. عالم الذرّ في القرآن

3 -1. آية الذرّ

قال تعالى:

وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ*أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ كُنّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ .(2)

تدلّ الآية الشريفة على أنّ اللّه أخرج ذرّيّة أبناء آدم(عليه السلام) جميعاً من ظهورهم في زمان معيّن، وجمعهم معاً، وحينها خاطبهم بقوله أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، وأجابوا جميعاً ب-بَلى . ويدلّ قوله تعالى: أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ على أنّهم قد عرفوا أنفسهم بشكل جيّد وشهدوا عليها، وكان الجميع متميّزين بشكل معيّن. اجتمع هناك جميع ولد آدم، ولكن هل كان النبيّ آدم(عليه السلام) هناك أيضاً؟ الآية ساكتة عن هذا الأمر.

فالآية تدلّ على أنّ الإخراج تمّ من ظهور أبناء آدم ولا تتعرّض لإخراجها من ظهر آدم(عليه السلام)، كما أنّها لا تنفي ذلك أيضاً.

ص: 107


1- . علل الشرايع، ج1، ص51، ح1؛ بحارالأنوار، ج58، ص133، ح6 (الباب43 من أبواب الإنسان والروح من كتاب السماء والعالم).
2- . الاعراف(7)، الآيتان 172-173.

فيستفاد من الآية إذاً أنّ جميع أبناء آدم(عليه السلام) كانوا في ذلك الموقف، الواحد بجنب الآخر، والخلف بعد السلف، وكانوا مشخّصين ويعرفون أنفسهم أيضاً.

والظاهر أنّ قولهشَهِدْنا إشارة إلى من شهد ذلك الموقف وحضره ممّن ليس من ذريّة آدم.(1) وعبارة: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ وقوله: أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا تبيّن الحكمة من هذا الأمر. أي إنّ اللّه تعالى عرّف نفسه لعباده في هذا التجمّع والموقف، وأخذ منهم الإقرار على ربوبيّته وأوثق عليهم المواثيق، لكيلا تكون لهم حجّة يوم القيامة. إذ لولا ذلك، ولو كان مجيء الإنسان بشكل مفاجئ إلى الدنيا، كان بإمكانه أن يدّعي غفلته عن اللّه عزّ وجلّ؛ لأنّ الدنيا دار الحجب والغفلة. وكان يمكنه أيضاً أن يدّعي تأثير الآباء والمحيط عليه في إيمانه وكفره؛ لأنّ ذلك محتمل جدّاً حيث تؤثّر عقيدة الآباء في دين أبناءهم والمجتمع في عقيدة أبناءه.

ولكن أيّ من هذه الادّعاءات والحجج لا تكون صحيحة بالنسبة إلى عالم الذرّ؛ إذ لم يكن هناك أيّ حجاب يحجب الإنسان عن الحقائق، كما كان الآباء في عرض أبناءهم حين ذاك وكانت علقة الأبوّة والبنوّة مشخّصة.

الآية تصرّح أنّ إخراج الذرّيّة تمّ من ظهور ولد آدم، والحال أنّ الأحاديث الشريفة تتحدّث عن إخراج الجميع من ظهره(عليه السلام)، فيكون الجمع الدلاليّ بين النصوص أنّ الأحاديث ساكتة عن بيان كيفيّة الإخراج، بينما الآية تبيّن ذلك أنّه تمّ الإخراج من ظهور أبناء آدم(عليه السلام)، ولم يكن الإخراج دفعةً واحدة، بل كان الولد يخرج من ظهر والده وهكذا... كما هو الحال بالنسبة إلى عالم التناسل.

ويبتيّن لك - مع هذا البيان - عدم وجود تعارض بين الآية القرآنيّة والروايات الشريفة، في بيان إخراج الذرّات.

والشيخ المفيد(رحمة الله) يقول:

أمّا الحديث في إخراج الذرّيّة من صلب آدم(عليه السلام) على صورة الذرّ فقد جاء6.

ص: 108


1- . وهم الملائكة، راجع: تفسير العيّاشيّ، ج2، ص41، ح16.

الحديث بذلك على اختلاف ألفاظه ومعانيه والصحيح أنه أخرج الذرّيّة من ظهره كالذرّ فملأ بهم الأفق وجعل على بعضهم نوراً لا يشوبه ظلمة وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور وعلى بعضهم نوراً وظلمة فلمّا رآهم

آدم(عليه السلام) عجب من كثرتهم وما عليهم من النور والظلمة فقال: يا ربّ ما هؤلاء؟ قال اللّه عزّ وجلّ له: هؤلاء ذرّيّتك يريد تعريفه كثرتهم وامتلاء الآفاق بهم وأنّ نسله يكون في الكثرة كالذرّ الذي رآه ليعرفه قدرته ويبشّره باتّصال نسله وكثرتهم فقال آدم(عليه السلام): يا ربّ ما لي أرى على بعضهم نوراً لا ظلمة فيه وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور وعلى بعضهم ظلمة ونوراً؟ فقال تبارك وتعالى: أمّا الذين عليهم النور منهم بلا ظلمة فهم أصفيائي من ولدك الذين يطيعوني ولا يعصوني في شيء من أمري فأولئك سكّان الجنّة وأمّا الذين عليهم ظلمة لا يشوبها نور، فهم الكفّار من ولدك الذين يعصوني ولا يطيعوني في شيء من أمري فهؤلاء حطب جهنّم وأمّا الذين عليهم نور وظلمة، فأولئك الذين يطيعوني من ولدك ويعصوني فيخلطون أعمالهم السيّئة بأعمال حسنة، فهؤلاء أمرهم إليّ إن شئت عذّبتهم فبعدلي وإن شئت عفوت عنهم فبفضلي فأنبأه اللّه تعالى بما يكون من ولده وشبههم بالذرّ الذي أخرجه من ظهره وجعله علامة على كثرة ولده.

ويحتمل أن يكون ما أخرجه من ظهره أصول أجسام ذرّيّته دون أرواحهم وإنّما فعل اللّه تعالى ذلك ليدلّ آدم(عليه السلام) على العاقبة منه ويظهر له من قدرته وسلطانه وعجائب صنعه وأعلمه بالكائن قبل كونه ليزداد آدم(عليه السلام) يقينا بربّه ويدعوه ذلك إلى التوفّر على طاعته والتمسّك بأوامره والاجتناب لزواجره.(1)

وعلى هذا يتّضح أنّ الشيخ المفيد(رحمة الله)أيضاً يقبل بإخراج ذرّيّة آدم من

ظهره، إلّا أنّه لايقرّ بأنّ الذرّات لها شعوراً وفهماً واختياراً وأن يتوجّه إليها التكاليف، حيث يرى الشيخ الروايات الدالّة على هذا الموضوع بأنّها تدلّ على التناسخ.

وفي الواقع فإنّ كلام الشيخ ينفي دلالة القرآن الكريم على ما بيّنا، لأنّ هذا الأمر6.

ص: 109


1- . المسائل السرويّة، ص44-46.

الذي ينسبه إلى أهل التناسخ، تصرّح به الآيات القرآنيّة. فيتبيّن أنّ الشيخ(رحمة الله) كان قد وقع في مشكلة، إذ أنّه كان يرى استحالة إمكان استنطاق الذرّات وأخذ الإقرار منهم. وكذلك كان يتصوّر أنّ تعلّق الأرواح بالأجساد الذرّيّة ثمّ تعلّقها بالأجساد في الدنيا يستلزم التناسخ في الأرواح؛ والحال أنّ هذا التصوّر غير صحيح بعد ملاحظة نصوص الروايات الشريفة. لأنّ الواضح من النصوص أنّ الأرواح لم تتعلّق بالأبدان الذرّيّة فترة أخذ الإقرار فحسب، بل هي تعلّقت بالأجساد من عالم الذرّ وإلى موت الإنسان في عالم الدنيا، وعلى هذا لا مجال للقول بالتناسخ.

3-2. آراء حول آية الذرّ

تبيّن لك في البحث السابق معنى الآية المباركة وكذلك رأي الشيخ المفيد(رحمة الله عليه)، وهنا نذكر بعضاً من آراء علماء الإسلام حول هذا الموضوع:

يقول الزمخشريّ (من علماء المعتزلة):

قوله: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا من باب التمثيل والتخييل! ومعنى ذلك أنّه نصب لهم الأدلّة على ربوبيّته ووحدانيّته، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركّبها فيهم وجعلها مميّزة بين الضلالة والهدى، فكأنّه أشهدهم على أنفسهم وقرّرهم وقال لهم: ألست بربّكم؟ وكأنّهم

قالوا: بلى أنت ربّنا، شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيّتك. وباب التمثيل واسع في كلام اللّه تعالى ورسوله(عليه السلام)، وفي كلام العرب.(1)

والزمخشري من علماء المعتزلة، ولأنّه لم يتمكّن من إدراك عالم الذرّ، أنكره من الأساس، ولم يقبل بوجود الإنسان فيه؛ ومن هنا فإنّه أوّلَ آية الميثاق وأخرجها عن معناها الحقيقيّ.

ونظير هذا التأويل نجده عند الشيخ المفيد(رحمة الله عليه)، فإنّه يقول:

أنّ هذه الآية من المجاز في اللغة كنظائرها ممّا هو مجاز واستعارة والمعنى فيها

ص: 110


1- . الكشّاف، ج2، ص176.

إنّ اللّه تبارك وتعالى أخذ من كلّ مكلّف يخرج من ظهر آدم وظهور ذرّيّته العهد عليه بربوبيّته من حيث أكمل عقله ودلّه بآثار الصنعة على حدوثه وأنّ له محدِثاً أحدثه لا يشبهه يستحقّ العبادة منه بنعمه عليه فذلك هو أخذ العهد منهم، وآثار الصنعة فيهم هو إشهاده لهم على أنفسهم بأنّ اللّه تعالى ربّهم.

وقوله تعالى: قالُوا بَلى يريد به أنّهم لم يمتنعوا من لزوم آثار الصنعة فيهم ودلائل حدوثهم اللازمة لهم وحجّة العقل عليهم في إثبات صانعهم فكأنّه سبحانه لمّا ألزمهم الحجّة بعقولهم على حدوثهم ووجود محدِثهم قال لهم: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ .(1)

وبناءاً على هذه النظريّة، فلا وجود سابق للإنسان على هذه الدنيا، ولا وجود لعالم الذرّ، ولا وجود للخطاب الإلهيّ للإنسان، ولا أيّ شيء آخر؛

بل إنّ كلّ ما في الأمر هو هذا العالم، وما بعده من عالم الآخرة، وإنّ كلّ هذه الأمور إنّما هو يكون في دار الدنيا، ولا حقيقة لأيّ شيء ورد في الآية الشريفة بل هو مجاز وتمثيل وتخيّل.

يقول صدر الدين الشيرازيّ في مطلع الردّ على هذه النظريّة:

إنّ أكثر الأقوال تبنى على الظنون الذهنيّة دون وجود الكشف والبراهين العقليّة، وما يقتضيه البرهان ومكاشفة الأصحاب والعرفان يطابقه، هو أنّ الأنفس الإنسانيّة لها وجودات متعدّده ومظاهر كثيرة.

وبعد ذكره للمظاهر والوجودات المتعدّدة يتعرّض لتفسير الآية، ويقول:

قوله تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ(2) ، أراد بهم النفوس الآدميّة عند كونهم في أصلاب آبائهم العقليّة و معادنهم الأصليّة... وأشهدهم على أنفسهم، أي أعطاهم في هذه النشأة الإدراكيّة العقليّة شهود ذواتهم العقليّة وهويّاتهم النوريّة، فكانوا بتلك القوى العقليّة يسمعون خطاب: ألست بربّكم، كما2.

ص: 111


1- . المسائل السرويّة، ص48.
2- . الاعراف(7)، الآية 172.

يسمعون الخطاب في دار الدنيا بهذه القوى البدنيّة، وقالوا بألسنة تلك العقول: بلى! أنت ربّنا الذي أعطيتنا وجوداً قدسيّاً ربّانيّاً سمعنا كلامك وأجبنا خطابك.

واعلم أنّ المستمعين منهم على ثلاثة طبقات حسب مراتب مباديهم العقليّة قرباً وبعداً من اللّه: السابقون وأصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة، ولكلّ طبقة سمع وأبصار وأفئدة، أمّا السابقون المقرّبون: فلمّا قال لهم: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، فبالسمع المنوّر بنور يحبّهم ويحبّونه، سمعوا

خطابه وبالأبصار المنوّرة شاهدوا جماله وبالقلوب المنوّرة أحبّوا لقائه، فأجابوه بلسان المحبّة والشوق وحقّاً وصدقاً وعبوديّةً ورقّاً.(1)

إنّ هذا التأويل والتوجيه أيضاً لايتناسب وأصول ومباني النصوص الشريفة الصادرة من مدرسة الوحي؛ بل لايتناسب وأصول المعارف الدينيّة. أضف إليه أنّ التأويل يصحّ فيما لو كان في كلام اللّه أو المعصوم إشكالاً عقليّاً صريحاً، ويكون مخالفاً للأصول والمحكمات الدينيّة. والحال أنّ ظاهر الآية الكريمة ووجود عالم الذرّ بالصورة التي بيّنتها الأحاديث؛ لايتعارض مع العقل والوجدان كما لايتنافى وأصول الشرع المقدس ومحكماته. فلا مناص من التسليم في قبال النصوص والاكتفاء بالمقدار الذي بيّنته الروايات لنا.

السيّد الجزائريّ(رحمة الله)، يوضّح معنى الآية من خلال استفادته من النصوص الشريفة لما هو الظاهر منها، فيقول:

قال أكثر المفسّرين معناه أنّ اللّه تعالى أخرج ذرّيّة آدم من صلبه كهيئة الذرّ فعرضهم على آدم؛ فقال؛ إنّي آخذ على ذريّتك ميثاقهم بَلى أن يعبدوني ولا يشركون بي شيئاً وعلى أرزاقهم، ثمّ قال ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أنّك ربّنا، فقال: للملائكة إشهدوا، فقالوا شهدنا... .

ثمّ ردّهم إلى صلب آدم والناس محبوسون بأجمعهم حتّى يخرج كلّ من3.

ص: 112


1- . شرح أصول الكافي، ج3، ص373.

أخرجه في ذلك الوقت.(1)

وعن عدم إخراج الذرّيّة من ظهر آدم في الآية الكريمة، قال آية اللّه الجهرميّ الشريعتمداريّ:

إنّ اللّه تعالى أخرج ذرّيّة آدم من ظهره أوّلاً، ثمّ أخرج من ظهر ذرّيّته ذرّيّتهم. ومعنى الذرّيّة لايختصّ بالمولود في الدنيا، ولكنّ الآية الشريفة لم تتحدّث عن إخراج ذرّيّة آدم(عليه السلام)، والنصوص أيضاً ساكتة عن الترتيب المزبور. وعدم الذكر هذا، مشابه لكثير من القصص القرآنيّة التي لا تعرّض في أكثرها للخصوصيّات. وربّما يعود السبب في عدم الحاجة إلى ذكر ذلك. ومع هذا البيان فلا تنافي بين الآية والروايات المباركة.(2)

وكما ذكر سابقاً أنّ الروايات ساكتة عن كيفيّة الإخراج، وفي الآية لا تصريح بالإخراج من ظهر آدم(عليه السلام)، ومع ذلك فإنّ هذا التعارض الظاهريّ، جزئيّ ولايسبّب رفع اليد من الروايات الكثيرة المعتبرة سنداً في هذا المجال.

ويؤكّد ملّا صالح المازندرانيّ على هذا الأمر أيضاً حيث قال:

والمراد بأخذ الذرّيّة من ظهورهم إخراجهم من أصلابهم نسلاً بعد نسل وإشهادهم على أنفسهم فإنّ موادّ الكلّ كانت موجودة في صلب آدم على ترتيب وجودهم في هذه النشأة، فإخراجهم من ظهور بنى آدم إخراج من ظهر آدم وصلبه، فلا ينافي ما دلّ على أنّ الإخراج من ظهر آدم وصلبه.(3)

والحقّ أنّ الآية الشريفة تدلّ صراحةً على وجود عالم سابق لجميع الناس، وهذا أمر واضح، والأحاديث الشريفة وضّحت الأمر أكثر، وسنتطرّق لها في الدرس القادم إن شاء اللّه تعالى.5.

ص: 113


1- . الأنوار النعمانيّة، ج1، ص277.
2- . سلسلة مقالات مؤتمر الشيخ المفيد، الرقم 35، مقالة: «كلمة موجزة في الأرواح والأشباه»، ص19.
3- . شرح أصول الكافي، ج8، ص15.

4. ملخّص الدرس

* الأدلّة على وجود عالم الذرّ كثيرة؛ بحدّ لا يكون ادّعاء التواتر في رواياتها ليس أمراً مستبعداً.

* تمّت خلقة الأبدان دفعة، في عالم الذرّ.

* إنّ الأرواح - قبل أن تتعلّق بالأبدان - كانت في الملكوت الأعلى، وفي مقام عالٍ، حتّى وصل الأمر بأكثرها أن تتكبّر وتستعلي، ولذلك فإنّ اللّه تعالى جعلها في الأبدان ليحسّوا بفقرهم وحاجتهم أكثر.

* في عالم الذرّ أخرج جميع ذرّيّة آدم من ظهره وسمعوا خطاب الربّ: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ .

* إنّ الذرّيّة هناك كانوا متمايزين عن بعضهم البعض ومدركين لوجودهم.

* بالإضافة إلى ذرّيّة آدم، كان هناك أفراداً شهدوا الميثاق.

* إنّ اللّه عرّف نفسه للناس في عالم الذرّ، وبذلك أتمّ الحجّة عليهم.

* في الآية، بيان لكيفيّة الخروج، وعلى هذا فإنّ كلّ جيل خرج من ظهر

* الجيل السابق له، ولكن الروايات لم تذكر هذا التفصيل.

* إنّ الأبدان الذرّيّة - التي جعل اللّه الأرواح فيها - تبقى في الدنيا إلى حين الموت.

* لأنّ العقل لايدرك شيئاً عن العوالم السابقة، فلا مناص له إلّا بقبول الروايات الواردة في المقام، وإنّ تأويل الأحاديث لا دليل عليه.

5. اختبار ذاتيّ

1. اكتب ما تعرفه عن عالم الذرّ.

2. ما هي علاقة عالم الذرّ بعالم الأرواح؟

3. ما هي الحكمة في جعل الأرواح في الأبدان حسب الروايات؟

4. بيّن كيفية خروج ذرّيّة النبيّ آدم(عليه السلام) من خلال الآية الشريفة؟ وهل في هذا البيان تعارض مع الروايات الواردة ؟ وضّح ذلك.

ص: 114

5. ما الذي أدّى إلى إنكار بعض المتأخّرين فهم ذرّيّة آدم واختيارهم عندما كانوا في صورة الذرّ؟ وما هي العلاقة بين القول بكون بني آدم مختارين عندما كانوا في صورة الذرّ والتناسخ؟

6. هل يصحّ تأويل آية الذرّ؟ متى يجوز لنا رفع اليد عن ظاهر الآيات المباركات؟

7. التعارض البدويّ بين الآية الشريفة والروايات في كيفيّة خروج أولاد آدم من صلبه يمكن أن يسوّغ الإعراض عن الروايات الصحيحة السند في هذا المجال؟ لماذا؟

ص: 115

ص: 116

الدرس الثامن 8 : مواقف التعريف: عالم الذرّ (2)

اشارة

روايات عالم الذرّ

تواتر نصوص عالم الذرّ

آراء بعض علماء الإسلام حول روايات عالم الذرّ

شبهات حول عالم الذرّ

ص: 117

ص: 118

تلميح

بعد الانتهاء من الدرس يتوقّع من الطالب أن يكون قد تعرّف على الطوائف المختلفة من النصوص الواردة عن عالم الذرّ، ويتعرّف على آراء العلماء حول ذلك العالَم، كما يعرف الشبهات الواردة والردّ عليها في هذا المجال.

كان الحديث سابقاً عن آية الذرّ والأقوال المختلفة فيها، وقلنا هناك إنّ مباحث عالم الذرّ قد وردت في الروايات أيضاً، وسنتطرّق في هذا الدرس عن جوانب أخرى من عالم الذرّ انطلاقاً من أحاديث المعصومين(عليهم السلام).

1. روايات عالم الذرّ

اشارة

ورد في الروايات تعابير مختلفة عن عالم الذرّ، وسنبوّب هذه النصوص ونذكر من كلّ باب بعضها كنماذج:

1 -1. الروايات المفسِّرة لآية الذرّ

قال الإمام الباقر(عليه السلام):

أَخرَجَ مِن ظَهرِ آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ إلى يَومِ القِيَامَةِ، فَخَرَجُوا كَالذَرِّ فَعَرَّفَهُم وَأَرَاهُم نَفسَهُ وَلَو لَا ذَلِكَ لَم يَعرِف أَحَدٌ رَبَّه.(1)

ص: 119


1- . الكافي، ج2، ص13، ح4؛ بحار الأنوار، ج64، ص135، ح7 (الباب الرابع من أبواب الإيمان والإسلام... من كتاب الإيمان والكفر).

وقال أمير المؤمنين(عليه السلام):

مَيَّزَ الرُّسُلَ وَالأنبياء وَالأَوصِيَاءَ وَأَمَرَ الخَلقَ بِطَاعَتِهِم، فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ فِي المِيثَاق.(1)

1-2. الروايات المفسِّرة لآية فِطْرَتَ اللّهِ

عن زرارة قال:

قُلتُ لِأَبِي جَعفَرٍ(عليه السلام) أَصلَحَكَ اللهُ قَولُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها .(2)

قَالَ: فَطَرَهُم عَلَى التَّوحِيدِ عِندَ المِيثَاقِ عَلَى مَعرِفَتِهِ أَنَّهُ رَبُّهُم.

قُلتُ: وَخَاطَبُوهُ؟

قَالَ: فَطَأطَأَ رَأسَهُ ثُمَّ قَالَ: لَو لَا ذَلِكَ لَم يَعلَمُوا مَن رَبُّهُم وَلَا مَن رَازِقُهُم.(3)

1-3. الروايات المفسرة لآية فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ

فسّر الإمام الباقر(عليه السلام) الإيمان الوارد في هذه الآية، بالإيمان والإقرار بالولاية في عالم الميثاق، قال(عليه السلام):

ثُمَّ دَعَاهُم إلى وَلَايَتِنَا فَأَقَرَّ بِهَا وَاللهِ مَن أَحَبَّ وَأَنكَرَهَا مَن أَبغَضَ وَهُوَ قَولُهُ: فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ،(4)

ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعفَرٍ(عليه السلام): كَانَ التَّكذِيبُ ثَمَّ.(5)

1-4. الروايات المفسِّرة لآية هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى

قال الإمام الصادق(عليه السلام):

إِنَ ّ اللهَ تَبَارَكَ وَتعالى لَمَّا ذَرَأَ الخَلقَ فِي الذَّرِّ الأوَّلِ، فَأَقَامَهُم صُفُوفاً وَ بَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً فَآمَنَ بِهِ قَومٌ، وَأَنكَرَهُ قَومٌ، فَقَالَ اللهُ: هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى ،(6)

ص: 120


1- . تفسير العيّاشيّ، ج2، ص41، ح116؛ بحارالأنوار، ج5، ص258، ح62 (الباب العاشر من أبواب العدل من كتاب العدل والمعاد).
2- . الروم(30)، الآية 30.
3- . التوحيد، ص330، ح8؛ بحار الأنوار، ج3، ص278، ح10 (الباب 11 من كتاب التوحيد).
4- . يونس(10)، الآية 74.
5- . الكافي، ج2، ص10، ح3؛ بحارالأنوار، ج5، ص244، ح34 (الباب العاشر من أبواب العدل من كتاب العدل والمعاد).
6- . القمر(54)، الآية 16.

يَعنِي بِهِ مُحَمَّداً(صلى الله عليه و آله) حَيثُ دَعَاهُم إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الذَّرِّ الأوَّلِ.(1)

في هذه الرواية تصريح بأنّ هذا المقام هو في عالم الذرّ الأوّل، ويستفاد من ظواهر بعض النصوص أنّ عالم الذرّ الذي كان بعد عالم الأرواح تحقّق مرتين، الأوّل كان قبل خلقة آدم(عليه السلام)، حيث خلق اللّه تعالى طيناً وقسّمه إلى قسمين ومن ثمّ نشر الخلائق جميعاً على هيئة الذرّ وأخذ منهم الإقرار.

وبعد ذلك أرجع الجميع إلى الهيئة القبليّة - الطين - وخلق من ذلك الطين آدم(عليه السلام).

والثاني كان بعد هبوط النبيّ آدم(عليه السلام) إلى الأرض، حيث أخرج الربّ جميع ذرّيّة آدم وأخذ منهم الميثاق.

قال آية اللّه المرورايد(رحمة الله)عن هذا الأمر:

بمقتضى الجمع بين الروايات، يمكن أن يقال إنّ اللّه تعالى بعد أن أخذ الميثاق والعهد من الأرواح، وبعد أخذ الميثاق من الأبدان الذرّيّة، الحاصلة على الروح والواجدة لنور العلم، خلق جسد آدم(عليه السلام) من طين، وجعل الطين الجامع لجميع الذرّات في ظهره، وكان آدم مستوي الخلقة ومكتمل الهيئة، ثمّ نفخ فيه روحاً كان مخلوقا من قبل فأعطاه الحياة... وبعد أن أكل النبيّ من الشجرة الممنوعة وأخرج من الجنّة وهبط إلى الأرض، أخرج الربّ ذرّيّته من ظهره في صحراء بين مكة والطائف تسمّى «روحاء» وأخذ منهم العهد والميثاق كما سبق منه أخذها منهم وهذا الذرّ التالي.(2)

1-5. الروايات المفسِّرة لآية مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ

يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ .(3)

ص: 121


1- . تفسير القمّيّ، ج2،ص340؛ بحارالأنوار، ج5، ص234، ح7 (الباب العاشر عن أبواب العدل... از كتاب العدل والمعاد).
2- . تنبيهات حول المبدأ والمعاد، ص311.
3- . الحجّ(22)، الآية 5.

قال الإمام الباقر(عليه السلام) في تفسير هذه الآية:

المُخَلَّقَةُ هُمُ الذَرّ الَّذِينَ خَلَقَهُمُ اللهُ فِي صُلبِ آدَمَ(عليه السلام) أَخَذَ عَلَيهِمُ المِيثَاقَ، ثُمَّ أَجرَاهُم فِي أَصلَابِ الرِّجَالِ وَأَرحَامِ النِّسَاءِ وَهُمُ الَّذِينَ يَخرُجُونَ إلى الدُّنيَا، حَتّى يُسأَلُوا عَنِ المِيثَاقِ؛ وَأَمَّا قَولُهُ وَغَيرِ مُخَلَّقَةٍ، فَهُم كُلُّ نَسَمَةٍ لَم يَخلُقهُمُ اللهُ فِي صُلبِ آدَمَ(عليه السلام) حِينَ خَلَقَ الذَرَّ وَأَخَذَ عَلَيهِمُ المِيثَاقَ وَهُمُ النُّطَفُ مِنَ العَزلِ وَالسِّقطُ قَبلَ أَن يُنفَخَ فِيهِ الرُّوحُ وَ الحَيَاةُ وَ البَقَاءُ.(1)

1 -6. الروايات الواردة في استلام الحجر الأسود

جاء في هذه النصوص إنّ الحجر الأسود كان مَلَكاً عظيماً، وحين أخذ اللّه العهد من ذرّيّة آدم(عليه السلام)، أشهد هذا الملك العظيم عليهم، وجعل في فم الملك كتاباً فيه المواثيق، وثمّ حوّل الملك إلى هيئة حجر وهو الحجر الأسود، ووضعه النبيّ آدم(عليه السلام)، في الموضع الذي هو فيه الآن.

والناس يذهبون إلى مكة ويقفون أمام الحجر الأسود ليجدّدوا الميثاق فيشهد لهم يوم القيامة بالأداء، قال الإمام الصادق(عليه السلام):

إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتعالى لَمَّا أَخَذَ مَوَاثِيقَ العِبَادِ أَمَرَ الحَجَرَ، فَالتَقَمَهَا فَلِذَلِكَ يُقَالُ: أَمَانَتِي أَدَّيتُهَا وَمِيثَاقِي تَعَاهَدتُهُ لِتَشهَدَ لِي بِالمُوَافَاةِ.(2)

1-7. الروايات الواردة في تكوّن الولد في الرحم

تبيّن هذه الرواية كيفيّة تكوّن الجنين في الرحم، وتذكر أنّ الجنين إذا بلغ أربعة أشهر يبعث اللّه ملكين فيدخلان الرحم ، قال الإمام الباقر(عليه السلام):

ثُمَّ يَبعَثُ اللهُ مَلَكَينِ خَلَّاقَينِ يَخلُقَانِ فِي الأَرحَامِ مَا يَشَاءُ اللهُ، فَيَقتَحِمَانِ فِي

ص: 122


1- . الكافي، ج6،ص12، ح1؛ بحارالأنوار، ج57، ص343، ح28 (الباب 41 من أبواب الإنسان والروح... من كتاب السماء والعالم).
2- . الكافي، ج4، ص184، ح1؛ وسائل الشيعة، ج13،ص314، ح[17874] 17 (الباب 13 من أبواب الطواف من كتاب الحجّ).

بَطنِ المَرأَةِ مِن فَمِ المَرأَةِ، فَيَصِلَانِ إلى الرَّحِمِ وَفِيهَا الرُّوحُ القَدِيمَةُ المَنقُولَةُ فِي أَصلَابِ الرِّجَالِ وَأَرحَامِ النِّسَاءِ، فَيَنفُخَانِ فِيهَا رُوحَ الحَيَاةِ وَالبَقَاءِ.(1)

وتصرّح هذه الرواية أنّ الروح المخلوقة قبل الأبدان بألفي عام تجري في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ومن الواضح أنّ هذا الأمر تحقّق بعد التركيب مع البدن الذرّيّ.

وورد في بعض روايات هذا الباب بأنّ اللّه تعالى يبعث ملكاً حين خروج الجنين من بطن أمّه اسمه زاجر ويصيح عليه صيحةً تنسيه عالم الميثاق ويخرج وهو ناسٍ لذلك العالم:

فَإِذَا أَكمَلَ اللهُ لَهُ الأَجَلَ بَعَثَ اللهُ مَلَكاً، فَزَجَرَهُ زَجرَةً فَيَخرُجُ وَقَد نَسِيَ المِيثَاق.(2)

1 -8. الروايات الواردة في العزل

قال الإمام الصادق(عليه السلام):

كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ(عليه السلام) لَا يَرَى بِالعَزلِ بَأساً يَقرَأُ هَذِهِ الآيَةَ: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى

فَكُلُّ شَيءٍ أَخَذَ مِنهُ المِيثَاقَ، فَهُوَ خَارِجٌ وَإِن كَانَ عَلَى صَخرَةٍ صَمَّاءَ.(3)

1 -9. الروايات الواردة في دية الجنين

بيّن الإمام زين العابدين(عليه السلام)، دية الجنين حسب مراحل نموّه: إن كان نطفة فعشرون ديناراً، وإن سقط وقد صار علقةً فالدية أربعون ديناراً، وإن أسقطه وهو مضغة فعليه ستّون ديناراً... وإن أسقطه وقد اكتمل خلقه ولحمه وعظمه ونفخت الروح فيه ففيه ديةٌ كاملة، قال(عليه السلام):

ص: 123


1- . الكافي، ج6،ص14، ح4؛ بحارالأنوار، ج57، ص344، ح31 (الباب 41 من أبواب الإنسان والروح... من كتاب السماء والعالم).
2- . الكافي، ج6،ص13، ح3؛ بحارالأنوار، ج57، ص334، ح30.
3- . تهذيب الأحكام، ج7،ص417، ح[1670] 42؛ وسائل الشيعة، ج20، ص149، ح[25274] 3 (الباب 57 من أبواب مقدّمات النكاح... من كتاب النكاح).

قُلتُ لَهُ: أَ رَأَيتَ تَحَوُّلَهُ فِي بَطنِهَا إلى حَالٍ أَ بِرُوحٍ كَانَ ذَلِكَ أَو بِغَيرِ رُوحٍ؟ قَالَ: بِرُوحِ غَدَاءِ الحَيَاةِ القَدِيمِ المَنقُولَ فِي أَصلَابِ الرِّجَالِ وَأَرحَامِ النِّسَاءِ، لَولَا أَنَّهُ كَانَ فِيهِ رُوحُ غَدَاءِ الحَيَاةِ مَا تَحَوَّلَ مِن حَالٍ إلَى حَالٍ فِي الرَّحِمِ وَمَا كَانَ إِذَن عَلَى مَن يَقتُلانِهِ دِيَةٌ وَ هُوَ فِي تِلكَ الحَالِ.(1)

في النصّ؛ تصريحٌ على أنّ النطف المنتقلة إلى الأرحام لها روحٌ قديمة ونعني الروح التي خلقت قبل الأبدان بألفي عام وهي تجدي في الأصلاب والأرحام بعد تركيبها بالأبدان الذرّيّة.

1-10. الروايات الواردة في غسل الميّت عن جنابة

سئل الإمام الباقر(عليه السلام) عن الميّت لم يُغسّل من الجنابة؟ فقال(عليه السلام):

إِذَا خَرَجَتِ الرُّوحُ مِنَ البَدَنِ، خَرَجَتِ النُّطفَةُ الَّتِي خُلِقَ مِنهَا بِعَينِهَا مِنهُ كَائِناً مَا كَانَ صَغِيراً أَو كَبِيراً، ذَكَراً أَو أُنثَى، فَلِذَلِكَ يُغَسَّلُ غُسلَ الجَنَابَةِ.(2)

وبناءاً على هذا النصّ، فإنّ النطفة التي ابتدء خلق الإنسان بها، تخرج منه حين موته كما تخرج الروح، ويحتمل قويّاً أنّ المراد من هذه النطفة - مع ملاحظة سير تكوّن الإنسان - المراد منها هي البدن الذرّيّ المركّب فيه

الروح من قبل، والجاري في الأصلاب والأرحام، والشاهد على ذلك قول الإمام الباقر(عليه السلام) حيث قال:

إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَن يَخلُقَ النُّطفَةَ الَّتِي مِمَّا أَخَذَ عَلَيهَا المِيثَاقَ فِي صُلبِ آدَمَ... .(3)

ص: 124


1- . تهذيب الأحكام، ج10، ص281، ح[1101] 3؛ بحارالأنوار، ج57، ص356، ح40 (الباب 41 من أبواب الإنسان والروح... من كتاب السماء والعالم).
2- . وسائل الشيعة، ج2، ص487، ح[2709] 2 (الباب الثالث من أبواب غسل الميّت من كتاب الطهارة)؛ الكافي، ج3، ص163، ح1 (باختلاف يسير).
3- . الكافي، ج6، ص13، ح4؛ بحارالأنوار، ج57، ص344، ح31 (الباب 41 من أبواب الإنسان و... من كتاب السماء والعالم).

1-11. الروايات الواردة في انتقال الإنسان في الأصلاب والأرحام

أفرد الشيخ الكلينيّ باباً في كتابه الكافي بعنوان«كون المؤمن في صلب الكافر» وأورد فيه قول الإمام الصادق(عليه السلام):

إِنَ ّ نُطفَةَ المُؤمِنِ لَتَكُونُ فِي صُلبِ المُشرِكِ، فَلَا يُصِيبُهُ مِنَ الشَّرِّ شَيءٌ حَتّى يَضَعَهُ، فَإِذَا صَارَ بَشَراً سَوِيّاً لَم يُصِبهُ مِنَ الشَّرِّ شَيءٌ... .(1)

المراد من النطفة في هذه الرواية هو عين ما ذكر في خلقة الجنين في الرحم الذي سبق بيانه من جريان الروح القديمة في الأصلاب والأرحام.

وهناك شواهد كثيرة على عالم الذرّ في الأدعية والزيارات الواردة عن العترة الطاهرة(عليهم السلام) ممّا لا مجال لذكرها في هذا المختصر.

2. تواتر نصوص عالم الذرّ

لا يمكن الادّعاء بأنّ هذه الطوائف المذكورة قد شملت جميع النصوص الواردة عن عالم الذرّ، وأنّه لا توجد روايات أخرى في طوائف أخرى بل يمكن إضافة طوائف أخرى على هذه المجموعة بالفحص الكامل.(2)

وكيف كان، فيمكن القول - بيقين - إنّ بعض روايات عالم الذرّ وصلت حدّ التواتر والبعض الآخر منها صحيحةٌ سنداً بحيث لا يمكن تجاهلها أو تأويلها على خلاف ظاهرها، أو ردّها، بل لابدّ من التأمّل فيها والتدبّر في أعماقها والإيمان بما تدلّ عليه النصوص من خلال الدراية فيها، مع الأخذ بعين الاعتبار الأصول المحكمة التي يدلّ عليها القرآن والأحاديث الشريفة، والتأمّل حول عالم الذرّ وكيفيّة تكوّن الإنسان وآثار ذلك عليه.

ص: 125


1- . الكافي، ج2،ص13، ح1؛ بحارالأنوار، ج64، ص78، ح5 (الباب الثالث من أبواب الإيمان والإسلام.... من كتاب الإيمان والكفر).
2- . بعض هذه الطوائف وإن كانت قابلة للدرك والفهم إلّا أنّ بعضها الآخر غير مفهومة، من دون ملاحظة الطوائف الأخرى ومن دون الالتفات إلى مسيرة تكوّن البشر بالأخصّ الروايات التي تبيّن خروج النطفة حال الموت. (المؤلّف)

3. آراء بعض علماء الإسلام حول روايات عالم الذرّ

3 -1. الشيخ الحرّ العامليّ(رحمة الله عليه)

يورد الشيخ في كتابه الفصول المهمّة باباً بعنوان «إنّ اللّه سبحانه كلّف الخلق كلّهم بالإقرار بالتوحيد ونحوه في عالم الذرّ» وبعد أن يورد سبع روايات يقول:

وروى الصدوق في كتبه هذه الأحاديث وأمثالها وكذا الصفّار، والبرقيّ، والحميريّ، وغيرهم.

أقول: والأحاديث في ذلك كثيرة جداً قد تجاوزت حدّ التواتر تزيد على ألف حديث موجودة في جميع كتب الحديث وربّما ينكرها بعض المتكلّمين من أصحابنا لدليل ضعيف ظنّي غير تامّ، يظهر من

الأحاديث جوابه، بل لا تعجز عن جوابه الأطفال، فلا يقاوم الآيات القرآنيّة والروايات المتواترة.(1)

3-2. العلّامة الأمينيّ(رحمة الله عليه)

قد كتب العلّامة(رحمة الله عليه)رسالة من 150 صفحة حول آية الذرّ وقد أورد فيها تسعة عشر آية ومئة وثلاثين حديثا يدلّ على عالم الذرّ. وقد ذهب إلى اعتبار أربعين حديثاً صحيحاً من بين تلك الأحاديث.(2)

3-3. الشيخ النمازيّ الشاهروديّ(رحمة الله عليه)

اعتبر الأستاذ آية اللّه النمازيّ(رحمة الله عليه)في مستدركه على سفينة البحار، في مادّة «ذرر» عالم الذرّ من العوالم السابقة ويرى ثبوته ثابتاً بصريح القرآن والسنّة الصحيحة.(3)

3-4. الشيخ الملكيّ الميانجيّ(رحمة الله عليه)

عدّ المرحوم الأستاذ آية اللّه الملكيّ الميانجيّ(رحمة الله عليه)روايات عالم الذرّ متواترة، وقال:

الروايات في هذا الباب كثيرة بالغة فوق التواتر ومن الواضحات في الكتاب

ص: 126


1- . الفصول المهمّة، ج1، ص 425 - 420 [الباب 106].
2- . الذريعة، ج4، ص323.
3- . مستدرك سفينة البحار، ج3، ص431.

والسنة ويبلغ مائة وثلاث عشرة رواية بعد حذف مكرّراتها ومتشابهاتها... .(1)

3-5. آية اللّه الجهرميّ الشريعتمداريّ

يقول في هذا المجال:

الحقّ أنّ عالم الذرّ أمرٌ ثابت؛ لأنّ الروايات الواردة في المقام كثيرةٌ جداً، لاسيّما تلك الواردة عن طريق الإماميّة، وأسناد بعضها معتبرة، ودلالتها على وجود عالم الذرّ جليّة و واضحة، ولايبعد ادّعاء التواتر المعنويّ لهذه الأحاديث.(2)

4. شبهات حول عالم الذرّ

ترتبط بعض الشبهات بالتعارض الظاهر في النصوص الواردة في باب عالم الذرّ وقد أجبنا عنها في سياق الحديث عن آية الذرّ.

وترتبط بعض الشبهات بأصل وجود الإنسان بصورة ذرّيّة في عالم الذرّ وأن يكون هناك مختاراً عاقلاً، وأن يخاطبه الربّ عزّ وجلّ، ويبدو أنّ هذا النوع من الشبهات ليس إلّا نوعٌ من أنواع الاستبعاد؛ وبالرغم من ذلك سنشير إلى بعضها.

وقد ذكرت هذه الشبهات مع الردّ عليها مفصّلاً في تفسير الفخر الرازيّ وهي كما يلي:

1. لا يصحّ العهد والميثاق إلّا إذا كان المعاهد عاقلاً، وعليه فلابدّ من القول بكون ولد آدم حين كانوا على هيئة الذرّ عقلاء، فإن كانوا كذلك فلماذا لا يذكرون من الموقف شيئاً؟

2. كيف يمكن اجتماع جميع ولد آدم(عليه السلام) في ظهره؟

3. أنّى للذرّة من حياة وتعقّل؟

4. أنّ الهدف من الميثاق هو إتمام الحجّة وإن طرأ النسيان على الجميع فكيف يمكن إثبات الحجّة؟(3)

ص: 127


1- . توحيد الإماميّة، ص122.
2- . سلسله مقالات مؤتمر الشيخ المفيد، رقم 35 بعنوان «كلمة موجزة في الأرواح والأشباح»، ص12.
3- . راجع: التفسير الكبير، ج15، ص399 -398.

وقد ذكر الشيخ المفيد (رحمة الله عليه) إشكالاً آخر حول عالم الذرّ حيث أنّه يتوافق مع رأي القائلين بالتناسخ وقد ذكرنا إشكاله(قدس سره) وأجبنا عليه في مبحث عالم الأرواح.

إنّ جميع من اعتقد بعالم الذرّ انطلاقاً من الآيات المباركة والروايات الشريفة قد أجابوا على هذه الشبهات وسنذكر أقوال بعضٍ منهم، يقول العلّامة النمازيّ(رحمة الله عليه)عن إشكال النسيان:

ظاهر الآيات والروايات أنّ الناس في عالم الذرّ والميثاق كانوا يمتلكون العقل وقد اجتمعت فيهم شرائط التكليف، وإنّ نسيانهم للميثاق فعل اللّه سبحانه، كما صرّحت به الروايات حيث ورد «أَنسَاهُم رُؤيَتَهُ وَأَثبَتَ المَعرِفَةَ فِي قُلُوبِهِم...» وهذا النسيان، كنسيان الإنسان في النوم جميع مدركاته المالك لها حال يقضته. والناس في هذه الدنيا في سبات ونوم وإذا ماتوا انتبهوا من رقدتهم.

ويقول أيضاً:

إنّ جعل جميع الذرّيّة في ظهر آدم، أمرٌ غير مستبعد أبداً بالنسبة إلى القدرة الإلهيّة.(1)

ويجيب السيّد نعمة اللّه الجزائريّ(رحمة الله عليه)عن هذا الإشكال قائلاً:

لا تستبعد في أمثال هذا الأمر، بأنّه كيف لجسم آدم أن يحمل كلّ ذرّيّته، لأنّ التحقيق دالّ على أنّ بدنه(عليه السلام) كان كبيراً وعظيماً جداً... ومع كون الذرّات متناهية في الصغر.(2)

ويجيب آية اللّه الملكيّ الميانجيّ(رحمة الله عليه)عن إتمام الحجّة قائلاً:

إنّ الميثاق باقٍ في نهاية الشدّة والقوّة. وإنّما نسوا الموقف.(3)

ويقول آية اللّه الجهرميّ:

أمّا في معرض الإجابة عن الشبهات العقليّة حول عالم الذرّ يمكن القول1.

ص: 128


1- . تاريخ الفلسفة والتصوّف، ص254-253.
2- . الأنوار النعمانيّة، ج1، ص280 -281.
3- . توحيد الإماميّة، ص151.

مجملاً:

أوّلاً: هذه الإيرادات العقليّة ليست براهين على امتناع عالم الذرّ، بل هي بمثابة شبهات في مقابل الأدلّة ولا يمكن حلّها، لأنّ حدود البطلان ليست معلومة بالنسبة إلينا، ذلك لأنّ العقول قد أنست بالمُدرَكات المادّيّة والعوالم الطبيعيّة فعجزت عن عوالم ما وراء الطبيعة من قبيل الجنّة والنار وعالم البرزخ.

ومن الواضح أنّ الميّت في قبره إمّا هو معذّبٌ بالنار أو متنعّم بالجنّة، إلّا أنّنا لا ندرك أيّاً من الأمرين بحواسّنا الظاهريّة.

وثانياً: إنّ حجّة اللّه على الخلق في الدنيا قد اكتملت مع المعرفة الفطريّة لديهم، وهذه المعرفة نتيجةٌ لما حصل في عالم الذرّ، وهذا ما

صرّح به الإمامان الباقر والصادق(عليهما السلام)... .

والذرّيّة المأخوذة من ظهر النبيّ آدم أو طينته... ليست من الموادّ والأجرام الأرضيّة لتتحوّل إلى نطفة؛ بل هي أجزاء لطيفة وعالية امتزجت بشكل خاصّ مع الموادّ الأرضيّة ليتكوّن الإنسان بأمر اللّه سبحانه وتعالى.(1)

5. ملخّص الدرس

* الروايات الورادة في تفسير الآيات (الأعراف:172-173)، (روم:20)، (يونس:74)، (القمر:16) و (الحجّ:5)، كلّها تشير إلى عالم الذرّ.

* الروايات المفسّرة لقوله تعالى: فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها تصريحٌ بمخاطبة الربّ لعباده.

* الإيمان والكفر في هذه الدنيا مسبوق بإيمان وكفر في عالم الميثاق.

* النبيّ الأكرم(صلى الله عليه و آله) كان رسولاً في عالم الذرّ أيضا.

* يمكن أن يستفاد من بعض النصوص أنّ عالم الذرّ قد تحقّق مرّتين.

* كلّ من كان في عالم الذرّ سيأتي في هذه الدنيا.

ص: 129


1- . المؤتمر العالمي لوفاة الشيخ المفيد، ش 35 مقالة: «كلمة موجزة في الأرواح والأشباح»، ص20 -21.

* الحجر الأسود، كان في الأصل مَلَكاً شهد ميثاق أهل الذرّ مع اللّه وحفظه في جوفه لأمده عزّ وجلّ.

* الروح المخلوقة قبل الأبدان بألفي عام تسري في الأصلاب والأرحام.

* العزل لا يضرّ النطف التي شهدت عالم الذرّ.

* بما أنّ الجنين وقبل أن يلجه الروح فيه الروح القديمة، فإنّ إسقاطه موجب للدية.

* الناس يجنبون حين الموت؛ بمعنى خروج النطفة التي خلقوا منها بعينها.

* الروايات في باب عالم الذرّ على طوائف كثيرة، منها ما بلغ حدّ التواتر، ومنها ما هو صحيح السند.

* هناك بعض الشبهات حول عالم الذرّ، وهي ليست إلّا استبعادات.

6. اختبار ذاتيّ

1. كيف تدلّ الآية التالية على وجود العوالم السابقة فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ؟

2. ما هو تفسير الآية: هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى ؟ وهل تدلّ هذه الآية على وجود عوالم سابقة؟

3. كم مرّة تحقّق عالم الذرّ؟ أوضح ما جرى في كلّ مرة.

4. بيّن تفسير الآية التالية وكيفيّة دلالتها على وجود عالم الذرّ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ .

5. ما هي العلّة في استلام الحجر الأسود؟

6. ما هو المراد من الروح القديمة الجاريه في الأصلاب والأرحام؟

7. هل يسبّب العزل في هذه الدنيا اختلالاً في مجيء الناس الذرّيّين إلى عالم الدنيا؟

ص: 130

8. ما هو المستند في الدية للجنين قبل أربعة أشهر؟

9. ما هي العلّة من تغسيل الميّت غسل الجنابة؟

10. رغم أنّ الإنسان ليس له اطّلاع عن عالم الذرّ، كيف يمكن القول أنّ اللّه سبحانه أتمّ الحجّة على الناس في ذلك العالم؟

ص: 131

ص: 132

الدرس التاسع 9 : معرفة اللّه باللّه

اشارة

انحصار طريق معرفة الله، به تعالى

بيان المعرفة بالصفات التنزيهيّة

معرفة اللّه باللّه عين المعرفة الفطريّة

تجلّي اللّه عبر أسماءه

امتناع معرفة اللّه بخلقه

ص: 133

ص: 134

تلميح

بعد الانتهاء من الدرس يتوقّع من الطالب أن يعرف الطريق الحصريّ في معرفة اللّه، ويعرف الهدف من بيان معرفة اللّه بالصفات التنزيهيّة، وكذا يطّلع على مكانة الأسماء والصفات الإلهيّة ودورها في معرفته تعالى وامتناع المعرفة بالخلق.

تبيّن لك من خلال الدروس الماضية، أنّ اللّه سبحانه وتعالى، قد عرّف نفسه لعباده بنفسه، والمعرفة الموجودة متحقّقة بتعريفه هو سبحانه. وقد فطر الخلق جميعاً على هذه المعرفة. وكذا تبيّن أنّ الناس قبل أن تطأ أقدامهم هذه الدنيا، قد مرّوا في عوالم سابقة، وعرّفهم اللّه نفسه فيها، وأخذ عليهم الميثاق بالمعرفة.

وفي هذا الدرس سنبيّن من خلال الآيات والروايات أنّ معرفة اللّه سبحانه في دار الدنيا - كما هي في العوالم السابقة - لا طريق لها سوى تعريفه عزّ وجلّ نفسه، ولا طريق لمعرفته تعالى سوى ذلك.

1. انحصار طريق معرفة اللّه، به تعالى

قال أميرالمؤمنين(عليه السلام):

اعرِفُوا اللهَ بِاللهِ وَالرَّسُولَ بِالرِّسَالَةِ وَأُولِي الأمر، بِالأمر بِالمَعرُوفِ وَالعَدلِ وَالإِحسَانِ.(1)

ص: 135


1- . الكافي، ج1، ص85، ح1؛ التوحيد، ص285، ح3؛ بحارالأنوار، ج3، ص270، ح7 (الباب العاشر من كتاب التوحيد).

يبيّن الإمام(عليه السلام) في هذا النصّ، بأنّك لو أردت معرفة اللّه تعالى فلابدّ أن تعرفه عن طريقه هو، وإن أردت معرفة الرسول فسبيل ذلك رسالته، وإن لم تعرف الرسالة فإنّك غير قادر على معرفة الرسول. وهكذا إن أردت أن تعرف أولي الأمر فإنّ ذلك يكون عبر معرفة أمرهم بالمعروف وإحسانهم إلى الناس وقيامهم بالعدل والقسط، وإن لم يكن الأمر كذلك فسوف لا تعرف أولي الأمر.

وفي حديث آخر، سئل(عليه السلام):

بِمَ عَرَفتَ رَبَّكَ؟

قَالَ: بِمَا عَرَّفَنِي نَفسَهُ.

قِيلَ: وَكَيفَ عَرَّفَكَ نَفسَهُ؟

قَالَ: لَا يُشبِهُهُ صُورَةٌ وَلَا يُحَسُّ بِالحَوَاسِّ وَلَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ قَرِيبٌ فِي بُعدِهِ بَعِيدٌ فِي قُربِه.(1)

2. بيان المعرفة بالصفات التنزيهيّة

يبيّن الإمام(عليه السلام) في الحديث السابق معرفة الربّ من خلال بيان الأوصاف التنزيهيّة له عزّ وجلّ. ولكنّ هذا الأمر لا يعني أنّ معرفة اللّه باللّه منحصرة في المعاني التنزيهيّة؛ بل - كما هو واضح - أنّ الأذهان قد ألّفت المعاني المتعارفة عندها، ولذلك فإنّ استعمال الألفاظ بالمعاني الثبوتيّة في مقام تعريف الربّ سبحانه، يوقع الذهن في شبهة القياس بالمخلوق، ولذلك فإنّ الإمام(عليه السلام) يذكر المعاني التنزيهيّة. ومن المعلوم أنّ تنزيه هذه الأمور، تكون في الربّ الواقعيّ والحقيقيّ، لا في الإله المفهوميّ والعنوانيّ. بمعنى أنّ الإنسان ينزّه ذلك الربّ الذي عرفه بتعريفه لنفسه. وهذه النقطة تدلّ على أنّ معرفة اللّه باللّه ليست معرفة عقليّة - بمعنى الإدراك الكلّيّ والتنزيهيّ - ؛ بل تكون هذه كلّها في مقام البيان فقط.

ص: 136


1- . الكافي، ج1، ص85، ح2؛ التوحيد، ص285، ح2؛ بحارالأنوار، ج3، ص270 -271، ح8 (الباب العاشر من كتاب التوحيد).

إنّ معرفة اللّه باللّه، فعل اللّه، وفعله سبحانه - كما ذاته عزّ وجلّ - ليس قابلاً للبيان والتفهيم. ومن جهة أخرى فإنّ البيان الثبوتيّ يوقع الإنسان في شبهة القياس والتوهّم. ومن هنا، فإنّ الإمام(عليه السلام) من خلال البيان التنزيهيّ، يوجّه مخاطبه إلى ربّ عرفه بفطرته من ذي قبل.

3. معرفة اللّه باللّه عين المعرفة الفطريّة

يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) في حديث آخر:

يَا مَن دَلَ ّ عَلَى ذَاتِهِ بِذَاتِهِ.(1)

وقال الإمام الصادق(عليه السلام):

قَد احتَجَ ّ عَلَيكُم بِمَا قَد عَرَّفَكُم مِن نَفسِهِ.(2)

وهذا الحديث مع الأخذ بعين الاعتبار حديث الإمام الرضا(عليه السلام) القائل:

«بِالفِطرَةِ تَثبُتُ حُجَّتُه»،(3)يدلّنا على أنّ معرفة اللّه باللّه هي عينها المعرفة الفطريّة، وبها اكتملت الحجّة على الخلق، وإن لم تكن تتحقّق تلك المعرفة، لم يكن أحد من الخلق يعرف ربّه ورازقه وإلهه، وفي هذه الحالة لم تكن تكتمل الحجّة على أحد.(4)

نقرأ في دعاء أبي حمزة الثماليّ - دعاء السحر - :

بِكَ عَرَفتُكَ وَأَنتَ دَلَلتَنِي عَلَيكَ وَدَعَوتَنِي إِلَيكَ، وَلَولَا أَنتَ لَم أَدرِ مَا أَنت.(5)

ويخاطب الإمام زين العابدين(عليه السلام) ربّه، في الدعاء المرويّ عنه في اليوم الرابع عشر من شهر رمضان المبارك:

ص: 137


1- . زاد المعاد، ص286؛ بحارالأنوار، ج91، ص243، ح11 (الباب 40 من أبواب أحراز النبيّ والأئمّة... من كتاب الذكر والدعاء).
2- . الكافي، ج1، ص86، ح3.
3- . التوحيد، ص35، ح2؛ بحارالأنوار، ج4، ص228، ح3 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى من كتاب التوحيد).
4- . ومن هنا، ورد في نصوص أخرى، أنّ العباد لم يكلّفوا المعرفة؛ بل على اللّه أن يعرّفهم نفسه، وعلى العباد أن يقرّوا بالمعرفة ويؤمنوا بأنّ اللّه عرّفهم نفسه، وسنتحدّث عن هذا الأمر في الدروس القادمة إن شاء اللّه. (المؤلّف)
5- . إقبال الأعمال، ج1، ص67؛ بحارالأنوار، ج95، ص82، ح2 (الباب السادس من أبواب أعمال شهر رمضان... من كتاب أعمال السنين والشهور).

يَا رَبِ ّ بِكَ عَرَفتُكَ وَأَنتَ دَلَلتَنِي عَلَيكَ، وَلَولَا أَنتَ مَا دَرَيتُ مَن أَنت.(1)

ويقول الإمام الحسن الزكيّ(عليه السلام):

إِلَهِي بِكَ عَرَفتُكَ وَبِكَ اهتَدَيتُ إلى أَمرِكَ، وَلَولَا أَنتَ لَم أَدرِ مَا أَنت.(2)

وفي هذه النصوص بيان صريح بأنّ اللّه سبحانه لو لم يعرّف نفسه لخلقه، لم يكن أحد منهم يعرفه، ولم يكن لأحد طريقاً يسلكه لنيل معرفة خالقه. وتؤيّد هذه النصوص نصوصاً أخرى تؤكّد على أنّ المعرفة فعل اللّه سبحانه، وكذلك تتوافق والآيات المصرّحة بأنّ الأنبياء أيضاً لا يقدرون على هداية أحد إلى اللّه سبحانه.(3)

يقول الإمام السجاد(عليه السلام) في دعاء التحميد:

الحَمدُ للهِ عَلَى مَا عَرَّفَنَا مِن نَفسِهِ، وَأَلهَمَنَا مِن شُكرِهِ.(4)

4. تجلّي اللّه عبر أسماءه

في طلبه من اللّه سبحانه، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام):

فَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذِي ظَهَرتَ بِهِ لِخَاصَّةِ أَولِيَائِكَ، فَوَحَّدُوكَ وَعَرَفُوكَ فَعَبَدُوكَ بِحَقِيقَتِكَ أَن تُعَرِّفَنِي نَفسَكَ لِأُقِرَّ لَكَ بِرُبُوبِيَّتِكَ عَلَى حَقِيقَةِ الإيمان بِكَ، وَلَا تَجعَلنِي يَا إِلَهِي مِمَّن يَعبُدُ الاسمَ دُونَ المَعنَى وَالحَظنِي بِلَحظَةٍ مِن لَحَظَاتِكَ تُنَوَّر بِهَا قَلبِي بِمَعرِفَتِكَ خَاصَّةً،... .(5)

يصرّح الإمام(عليه السلام) في هذا الحديث، أنّ اللّه يظهر نفسه بأسماءه، وهذا من فعل اللّه، لا أنّها من خواصّ أسماء اللّه سبحانه. فخصوصيّة الاسميّة للاسم وكونه آيةً

ص: 138


1- . إقبال الأعمال، ج1، ص149؛ بحارالأنوار، 95، ص39، ح16 (الباب الخامس من أبواب أعمال) وقد ورد هذا الدعاء في الصحيفة السجّاديّة بهذه العبارة: إِلَهِي وَسَيِّدِي بِكَ عَرَفْتُكَ وَبِكَ اهْتَدَيْتُ إلى سَبِيلِكَ وَأَنْتَ دَلِيلٌ عَلَى مَعْرِفَتِكَ وَلَوْلَا أَنْتَ مَا عَرَفْتُ تَوْحِيدَكَ وَلَا عَرَفْتُ وَلَا اهْتَدَيْتُ إلى عِبَادَتِك.
2- . مهج الدعوات، ص144؛ بحارالأنوار، ج91، ص190، ح3 (الباب 35 من أبواب الدعاء من كتاب الذكر والدعاء).
3- . نبحث لاحقاً عن كون الأنبياء والائمّة(عليهم السلام) وسيلة لمعرفة اللّه أم لا.
4- . الصحيفة السجادية، ص30.
5- . بحارالأنوار، ج91، ص96، ح12 (الباب 32 من أبواب الدعاء من كتاب الذكر والدعاء).

أيضاً بفعل اللّه عزّ وجلّ، وبعبارة أخرى أنّ اللّه سبحانه، بإرادته ومشيئته جعل شيئاً اسماً له وجعل فيه آيةً تدلّ على ذاته، ودلّ الإنسان على معرفته من خلال أسماءه وآياته، وأظهر ذاته بها. وفي هذه الحالة يعبّر الإنسان من الاسم والآية ليصل إلى معرفة اللّه تعالى، ويعبده هو دون أسماءه، وان لم يحصل هذا التجلّي الإلهيّ بواسطة الأسماء والآيات، سوف لن يعبّر الإنسان من الاسم، وفي الحقيقة لا يكون الاسم آيةً عليه سبحانه، وحينها سوف لا يرقى إلى عبادة الربّ عزّ وجلّ. نعم، ليس حتماً على اللّه عزّ وجلّ أن يعرّف نفسه من خلال الأسماء والآيات، بل ذلك ممّا أراده اللّه عزّ وجلّ بأن يعرّف نفسه لعباده من خلال الأسماء.

5. امتناع معرفة اللّه بخلقه

في حديث يسأل الجاثليق أميرالمؤمنين(عليه السلام) قائلاً: أخبرني عرفت الله بمحمّد أم عرفت محمّداً بالله فقال عليّ بن أبي طالب(عليه السلام):

مَا عَرَفتُ اللهَ بِمُحَمَّدٍ(صلى الله عليه و آله) وَلَكِن عَرَفتُ مُحَمَّداً بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، حِينَ خَلَقَهُ وَأَحدَثَ فِيهِ الحُدُودَ مِن طُولٍ وَعَرضٍ؛ فَعَرَفتُ أَنَّهُ مُدَبَّرٌ مَصنُوعٌ بِاستدلال وَإِلهَامٍ مِنهُ وَإِرَادَةٍ، كَمَا أَلهَمَ المَلَائِكَةَ طَاعَتَهُ وَعَرَّفَهُم نَفسَهُ بِلَا شِبهٍ وَلَا كَيفٍ.(1)

في هذا الحديث، تبيين بأنّ معرفة اللّه غير متعلّقة بمعرفة النبيّ. فإن قَبِل أحد بأنّ النبيّ(صلى الله عليه و آله) - وهو الآية العظمى للّه عزّ وجلّ - ليس واسطةً في معرفته تعالى، كيف له أن يقبل بكون بعض المفاهيم والعناوين(2) طريقاً وواسطةً في معرفة اللّه؟ أو هل يمكن أن لا يكون النبيّ واسطة في معرفة اللّه، في حين تكون بعض العناوين الذهنيّة واسطةً لمعرفة اللّه عزّ وجلّ؟

روي عن منصور بن حازم أنّه قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إنّي ناظرت قوماً، فقلت لهم: إنّ الله جلّ جلاله أجلّ وأعزّ وأكرم من أن يعرف بخلقه، بل العباد يعرفون

ص: 139


1- . التوحيد، ص287، ح4؛ بحارالأنوار، ج3، ص272، ح9 (الباب العاشر من كتاب التوحيد).
2- . في رأي البعض، إنّ هذه المفاهيم هي الأسماء الحسنى. (المؤلّف)

بالله، فقال(عليه السلام): رَحِمَكَ اللهُ.(1)

في جميع الروايات السالفة، بيان لتوقّف معرفة اللّه به سبحانه، وحسب ما روي عن أميرالمؤمنين(عليه السلام)، أنّ المعرفة الحقيقيّة للمخلوق أيضاً تكون موقوفةً على معرفة اللّه سبحانه، وكما سلف صرّح الإمام(عليه السلام) أنّه عرف محمداً(صلى الله عليه و آله) باللّه؛ أي إنّه عرفه مخلوقاً للّه سبحانه ورأى فيه آثار الخلقة الإلهيّة بتعريفه سبحانه وتعالى وإلهامه وإرادته.

وبعدها يوضّح(عليه السلام)، إنّ هذه المعرفة كانت بنفس الصورة التي ألهم اللّه سبحانه وتعالى طاعته على ملائكته، وعرّفهم نفسه، ومن هنا يقول الإمام الصادق(عليه السلام) مخاطباً ربّه:

اللّهُمَ عَرِّفنِي نَفسَكَ فَإِنَّكَ، إِن لَم تُعَرِّفنِي نَفسَكَ لَم أَعرِفكَ؛ اللّهمَّ عَرِّفنِي نَبِيَّكَ، فَإِنَّكَ إِن لَم تُعَرِّفنِي نَبِيَّكَ لَم أَعرِفهُ قَطُّ؛ اللّهمَّ عَرِّفنِي حُجَّتَكَ، فَإِنَّكَ إِن لَم تُعَرِّفنِي حُجَّتَكَ، ضَلَلتُ عَن دِينِي.(2)

وفي هذا الحديث أيضاً طلب من اللّه سبحانه وتعالى، بأن يعرّف نفسه لعبده، وإن لم تتحقّق هذه المعرفة من قبله جلّ جلاله، فلا تتحقّق المعرفة به. وكما هو واضح إنّ معرفة اللّه في هذا الحديث ليست المعرفة بالآثار والآيات، بل هي المعرفة التي تتوقّف عليها معرفة الآثار؛ كما توقّفت دلالة آثار الخلقة وكونها مخلوقة للّه، على معرفته سبحانه أوّلا.

ومن هنا فإنّ هذه الرواية تشابه حديث الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) السابق، تبيّن لنا أن لو لم يعرّف اللّه نفسه لنا، لم نكن نعرفه.

ومضمون هذه النصوص جميعاً يؤكّد على أنّ التعريف فعل اللّه سبحانه وتعالى، وبالتالي إن لم يحصل التعريف من قِبَله سبحانه، فليس بإمكان أحد أن يعرف الإله).

ص: 140


1- . التوحيد، ص285، ح1؛ بحارالأنوار، ج3، ص270، ح6 (الباب العاشر من كتاب التوحيد).
2- . الكافي، ج1، ص342، ح29؛ بحارالأنوار، ج52، ص70 (الباب22 من أبواب النصوص من اللّه... من كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر(عج).

الحقيقيّ، بل وحتّى الأنبياء والرسل وأوصياءهم ليسوا بقادرين أن يوصلوا الإنسان إلى معرفة اللّه، وإنّ الاستدلال بالآثار والآيات إنّما يكون بتعريفه عزّ وجلّ للإنسان.

6. ملخّص الدرس

* ينبغي أن نعرف اللّه باللّه، والرسول بالرسالة، وأولي الأمر بأمرهم بالمعروف وإحسانهم وعدالتهم.

* إنّ ذكر المعاني التنزيهيّة في وصف اللّه سبحانه وتعالى لكيلا يقع المرء في وهم التشبيه إن تعرّف على اللّه بالصفات الثبوتيّة في بعض الأحيان.

* معرفة اللّه باللّه، هي عينها المعرفة الفطريّة، وتكتمل الحجّة على الناس بتلك المعرفة الفطريّة.

* إن لم يكن اللّه يعرّف نفسه لعباده، لم يكن أحدٌ من الخلق قادر على بلوغ

* معرفته.

* كانت مشيئة اللّه سبحانه على أن تدلّ الأسماء الحسنى عليه، ومن هنا على الإنسان أن يعبّر من الاسم والآية ويتوجّه إلى الإله الحقيقيّ.

* لا تتوقّف معرفة اللّه على معرفة الرسول، بل الأمر بالعكس.

* إن لم يكن اللّه يعرّف نفسه، كانت معرفته ومعرفة رسوله ووصيّ رسوله أمراً مستحيلا.

7. اختبار ذاتيّ

1. «اعرفوا اللّه باللّه، والرسول بالرسالة، وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان» بيّن هذا النصّ الشريف.

2. لماذا نجد توصيف اللّه سبحانه في بعض النصوص بالصفات التنزيهيّة؟

3. بيّن الحديث الشريف القائل:

« أنَّهُ قَدِ احتَجَّ عَلَيكُم بِمَا قَد عَرَّفَكُم مِن نَفسِهِ ».

4. ماذا يعني ظهور اللّه بأسماءه الحسنى؟

5. هل للرسل دورٌ في معرفة اللّه سبحانه؟

ص: 141

ص: 142

الدرس العاشر 10 : نفي الوسائط في معرفة اللّه

اشارة

الضياع عن المعرفة

معرفة اللّه، شرط استجابة الدعاء

معرفة اللّه باللّه في رواية سدير الصيرفيّ

بيان العلّامة الطباطبائيّ في ذيل رواية سدير الصيرفيّ

محصّلة نصوص معرفة اللّه باللّه

ص: 143

ص: 144

تلميح

بعد الانتهاء من مطالعة الدرس، يتوقّع من الطالب أن يعرف بأنّ الأوصاف والعنواين والمفاهيم ليست معرِّفات للّه سبحانه؛ وعبادته جلّ وعلا تتحقّق حصراً بمعرفته سبحانه، ومعرفته شرط لاستجابة الدعاء، كما أنّ عبادة اللّه بالتوصيف، إحالة على غائب.

تبيّن في الدرس السابق، على ما هو مستفاد من روايات الأئمّة(عليهم السلام)، أنّ طريق معرفة اللّه سبحانه وتعالى منحصر به سبحانه، وفي هذا الدرس سنتعرّض لبحث بعض النصوص الأخرى الواردة في المقام:

1. الضياع عن المعرفة

قال الإمام الصادق(عليه السلام):

وَمَن زَعَمَ أَنَّهُ يَعرِفُ اللهَ بِحِجَابٍ أو بِصُورَةٍ أو بِمِثَالٍ، فَهُوَ مُشرِكٌ، لِأَنَّ الحِجَابَ وَالمِثَالَ وَالصُّورَةَ غَيرُهُ وَإنَّمَا هُوَ وَاحِدٌ مُوَحَّدٌ، فَكَيفَ يُوَحِّدُ مَن زَعَمَ أَنَّهُ عَرَفَهُ بِغَيرِهِ، إنَّما عَرَفَ اللهَ مَن عَرَفَهُ بِاللهِ فَمَن لَم يَعرِفهُ بِهِ فَلَيسَ

ص: 145

يَعرِفُهُ إنَّما يَعرِفُ غَيرَهُ، وَالله خَالِقُ الأشياء لَا مِن شَيءٍ، يُسَمَّى بِأَسمَائِهِ، فَهُوَ غَيرُ أَسمَائِهِ وَالأَسمَاءُ غَيرُهُ وَالمَوصُوفُ غَيرُ الوَاصِفِ، فَمَن زَعَمَ أَنَّهُ يُؤمِنُ بِمَا لَا يَعرِفُ، فَهُوَ ضَالٌّ عَنِ المَعرِفَةِ لَا يُدرِكُ مَخلُوقٌ شَيئاً إِلَّا بِاللهِ وَلَا تُدرَكُ مَعرِفَةُ اللهِ إِلَّا بِاللهِ.(1)

في الحديث نفي لأيّ نوع من الوسائط في معرفته، - بحيث تكون قادرة على حكاية اللّه سبحانه وتعطي الإنسان صورة أو توهّماً عنه سبحانه - . والحديث يبيّن أيضاً أنّ الصفات والعناوين والمفاهيم العامّة - مهما كانت وسيعة - فإنّها لا تعرّف اللّه عزّ وجلّ؛ إذ إنّها جميعاً سوى اللّه، وانطباقها على اللّه انطباق المحدود على اللامحدود، والمعقول على ما هو فوق المعقولات والمتصّور على ما هو فوق التصوّر. نعم، لايتوهّم أنّا نجعل نسبة بين اللّه وخلقه حين نقول المحدود واللامحدود، ونشركهما في الأصل والحقيقة، ونجعل الاختلاف بينهما مجرد اختلاف في الحدود، كلّا، بل نعني بذلك أنّه لايمكن جعل حدّ بين اللّه الخالق والمخلوق وهو أجلّ من أن تدركه الأفكار أو تناله الأوهام.

معرفة اللّه لا تتحقّق إلّا بتعريفه هو سبحانه وتعالى، ولا طريق إلى

المعرفة سوى اللّه. في النصّ السابق، بيان صريح بأنّ معرفة اللّه بغيره، ليست معرفة اللّه؛ بل هي معرفة غيره سبحانه. وعليه؛ فإنّ معرفة اللّه بالخلق، ليست معرفة للّه أصلاً، وكذلك معرفته بالعناوين والمفاهيم - التي هي غير اللّه - ليست معرفة للّه. إنّ معرفة اللّه بتوسّط معرفة الموجودات المخلوقة، من دون الالتفات إلى معرفة اللّه باللّه، لن يوصل الإنسان إلى معرفة اللّه عزّ وجلّ.

وكذلك تؤكّد الرواية على أنّ من يظنّ أنّه مؤمن بإله لا يعرفه، فإنّه بعيد عن المعرفة. ولا تتحصّل معرفة اللّه بالتفكّر والتعقّل، ومن دون معرفته لا يمكن عبادته،).

ص: 146


1- . التوحيد، ص142، ح7؛ بحارالأنوار، ج4، ص161، ح6 (الباب الأوّل من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).

ويكون التوحيد والإيمان أيضاً من دون معنى.

بلى، لابدّ من التذكير بأنّ هذه المعرفة هي بيده وحده سبحانه، وهو الذي يعرّف العباد نفسه.

2. معرفة اللّه، شرط استجابة الدعاء

حيث أنّ معرفة اللّه تحصل عند المرء بتعريف اللّه نفسه، فلا معنى للدعاء والالتجاء والاستغاثة به عزّ وجلّ، إلّا على أساس تلك المعرفة، والالتفات إليها بعد حصولها؛ ومن هنا حين سئل الإمام(عليه السلام) عن سبب عدم استجابة أدعيتهم، قال:

لِأَنَّكُم تَدعُونَ مَن لَا تَعرِفُونَهُ.(1)

ومن هنا؛ فمن أراد أن يحصل على طريق إلى اللّه، فلابدّ أن يدعوه بمعرفة، ويخلّص نفسه من أيّ شيء يمنع معرفته سبحانه. فمن أراد أن يعرف اللّه بالتصوّرات أو المفاهيم، ويدعوه عبر هذا الطريق، في الحقيقة أنّه يدعو التصوّرات، والمفاهيم، وليس الإله الحقيقيّ، ولذلك فإنّه يكون بعيداً عن اللّه، داعياً غيره، ولذلك فلا تستجاب دعواته.(2)

والأمر الآخر، لو كانت معرفة اللّه - الحقيقيّة والواقعيّة - أمراً محالاً وكان اللّه مجهولاً لدى الإنسان، - كما يزعم البعض - فكيف يمكن توجيه الرواية السابقة؟! فتبيّن أنّ الإمام(عليه السلام) يؤكّد على إمكانيّة معرفة اللّه سبحانه، - لا معرفة العناوين والمفاهيم العامّة، ولا تجلّياته وظهورات أسماءه الحسنى - ولذلك فإنّه يرجع سبب عدم استجابة الدعاء إلى أنّهم كانوا يدعون إلهاً لا يعرفونه.

وفي الرواية حقيقة مهمّة أخرى، تتّضح من خلال ملاحظة الروايات الأخرى التي سنذكرها فيما يلي، والحقيقة هي أنّ دور الناس في المعرفة، هو التسليم والإقرار

ص: 147


1- . التوحيد، ص289، ح7؛ بحارالأنوار، ج90، ص368، ح4 (الباب 24 من أبواب الدعاء من كتاب القرآن).
2- . لا يخفى أنّ عدم استجابة الدعاء قد يكون لحكم آخر، والنصّ قد بيّن جانباً واحداً من أسباب عدم استجابة الدعاء. (المؤلّف)

والإذعان والتصديق، وأصل المعرفة فعل اللّه عزّ وجلّ. فحين يقول الإمام إنّهم يدعون ربّاً لا يعرفونه، فإنّ ذلك يعني أنّهم لم يذعنوا لتلك المعرفة ولم يسلّموا لها. ولعدم التسليم وعدم الإيمان جهتان: إمّا لِجهة كون الإنسان يتوجّه إلى العناوين والتصورات والتعقّلات، بدلاً من التسليم، ويكون حينها بعيداً عن معرفة اللّه عزّ وجلّ؛ وإمّا أن

يكون لِجهة عدم التزام الإنسان بالتكاليف الإلهيّة بشكل جيّد، وعدم الإتيان بشروط العبوديّة؛ وهذا يستوجب أن يدعوا من لم يؤدّ تكاليفه في قباله، لأنّه إن كان به مؤمناً و بمعرفته مقرّاً ومسلّماً، لم يكن يسير في حياته كما يحلو له؛ بل كان مستعدّاً لتنفيذ الأمر الإلهيّ.

3. معرفة اللّه باللّه في رواية سدير الصيرفيّ

في رواية عن سدير الصيرفيّ، يبيّن الإمام الصادق(عليه السلام) بوضوح عدم وجود الوسائط في معرفة اللّه سبحانه وتعالى حيث قال(عليه السلام):

مَن زَعَمَ أَنَّهُ يَعرِفُ اللهَ بِتَوَهُّمِ القُلُوبِ، فَهُوَ مُشرِكٌ؛ وَمَن زَعَمَ أَنَّهُ يَعرِفُ اللهَ بِالاسم دُونَ المَعنَى، فَقَد أَقَرَّ بِالطَّعنِ لِأَنَّ الاِسمَ مُحدَثٌ؛ وَمَن زَعَمَ أَنَّهُ يَعبُدُ الاسمَ وَالمَعنَى، فَقَد جَعَلَ مَعَ اللهِ شَرِيكاً؛ مَن زَعَمَ أَنَّهُ يَعبُدُ المَعنَى بِالصِّفَةِ لَا بِالإدرَاكِ، فَقَد أَحَالَ عَلَى غَائِبٍ؛ وَمَن زَعَمَ أَنَّهُ يَعبُدُ الصِّفَةَ وَالمَوصُوفَ، فَقَد أَبطَلَ التَّوحِيدَ لِأَنَّ الصِّفَةَ غَيرُ المَوصُوفِ؛ مَن زَعَمَ أَنَّهُ يُضِيفُ المَوصُوفَ إلى الصِّفَةِ، فَقَد صَغَّرَ بِالكَبِيرِ وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

...، إِنَّ مَعرِفَةَ عَينِ الشَّاهِدِ قَبلَ صِفَتِهِ وَمَعرِفَةَ صِفَةِ الغَائِبِ قَبلَ عَينِهِ. قِيلَ: وَكَيفَ نَعرِف عَينَ الشَّاهِدِ قَبلَ صِفَتِهِ؟

قَالَ(عليه السلام): تَعرِفُهُ وَتَعلَمُ عِلمَهُ وَتَعرِفُ نَفسَكَ بِهِ وَلَا تَعرِفُ نَفسَكَ بِنَفسِكَ مِن نَفسِكَ وَتَعلَمُ أَنَّ مَا فِيهِ لَهُ وَبِهِ كَمَا قَالُوا لِيُوسُفَ: إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَ هذا أَخِي(1)

فَعَرَفُوهُ بِهِ وَلَم يَعرِفُوهُ بِغَيرِهِ وَلَا أَثبَتُوهُ مِن أَنفُسِهِم بِتَوَهُّمِ القُلُوب.(2)

ص: 148


1- . يوسف(12)، الآية 90.
2- . تحف العقول، ص 328 ؛ بحارالأنوار، ج65، ص276، ح31 (الباب 24 من أبواب الإيمان والإسلام... من كتاب الإيمان والكفر).

في هذه الرواية يبيّن الإمام(عليه السلام) معنى «معرفة اللّه باللّه» بشكل واضح وجليّ، حيث يذكر أنّ المراد من ذلك معرفة اللّه عزّ وجلّ به وبتعريفه هو سبحانه؛ كما أنّ إخوة يوسف(عليه السلام) عرفوه به، ولم يثبتوه بعقولهم وأفكارهم وبراهينهم.

وفي التأمّل في تمثيل الإمام(عليه السلام) يتّضح أنّ معرفة اللّه سبحانه حاصلة للجميع؛ وإنّما عرضت الغفلة والنسيان على قلوب البشر، ومن هنا فإنّ اللّه سبحانه - بناءاً على سنّته -، ينبّه الناس إلى تلك المعرفة من خلال الآيات؛ كما أنّ إخوة يوسف عرفوا يوسف بعد تعريفه إيّاهم نفسه، ورفعت الغفلة والنسيان عن أذهانهم. ومن هنا نجد أنّ الآيات القرآنيّة وروايات الأئمّة(عليهم السلام) تدعوا الناس إلى التفكّر والتأمّل في الخليقة، وفي الواقع يكون تأمّلهم من خلال التوجّه إلى اللّه، أي يتأمّلون كيف أنّ اللّه خلق هذه الخليقة ودبّرها.

فالطريقة المتَّبعة عند الأئمّة(عليهم السلام)، أي ما أوجبه اللّه على خلقه، هو أن يستعمل المرء عقله في الخليقة، وبالتأمّل والتدقيق يكتشف جهات الفقر والنقص والحاجة في المخلوقات، وحينذاك يشاهد الربّ الخالق الحكيم من خلال الخلق، بمعنى أنّه انطلاقاً من معرفته باللّه يتأمّل الخلق، لا أنّه يصل إلى معرفة اللّه من خلال الخلق؛ إذ أنّ الخلائق كلّها قائمة به عزّ وجلّ. فإذا عرف المرء ربّه وتوجّه إليه، فإنّه يعرف ربوبيّته في الخليقة أكثر وأكثر، وكلّما تأمّل الناس في الخليقة، كلّما عاينوا آثار تلك المعرفة، وازداد تجلّي اللّه سبحانه وتعالى لهم من هذه الجهة، وتتّضح لهم آيات اللّه ودلائله؛ ذلك لأنّ هذا هو الطريق الذي جعله اللّه لهم.

حينما عرّف يوسف(عليه السلام) نفسه لإخوته، عرفوه به، ومعرفة يوسف(عليه السلام) بدت لهم بوضوح، و تقشّعت عنهم سحب الغفلة والنسيان بصورة كاملة.

ويبيّن الإمام(عليه السلام) بما لا يحتاج إلى بيان وتوضيح، بأنّ الاسم - أعمّ من اللفظيّ وغيره - لا يكون معرّف المسمّى في حال؛ بل معرفة المسمّى (المعنى) لابدّ أن تسبق معرفة الاسم. الاسم غير المسمّى، ولايحمل أثراً من المسمّى ليكون حاكياً

ص: 149

عنه؛ لوجود التباين والمغايرة بين الاسم والمسمّى، وعدم وجود أيّ اشتراك بينهما؛ سوى أنّ الاسم آية ودلالة جعلها اللّه سبحانه وتعالى (المسمّى) لينبّه به الناس على معرفتهم.

ومن الملفت عبارة الإمام(عليه السلام):

مَن زَعَمَ أَنَّهُ يَعبُدُ المَعنَى بِالصِّفَةِ لَا بِالإدراك، فَقَد أَحَالَ عَلَى غَائِب.

أي أنّ من ظنّ أنّه يعبد المعنى (اللّه سبحانه) بالتوصيف، لا بالإدراك، فإنّه قد أحال على غائب ولم يعبد اللّه الحاضر والشاهد، بل عبد ربّاً غائباً.

وأنّى للإله الغائب أن يكون مورد خطاب العابد؟ وأنّى يمكن أن يخاطب المعبود الغائب بالقول: إِيّاكَ نَعْبُدُ ؟! فتبيّن من خلال النصّ، أنّ اللّه سبحانه - الذي هو معنى الألفاظ والأسماء الحسنى - يقع مدركاً؛ إلّا أنّه لا يدرك بواسطة الأوهام والأفكار، بل حتّى أوهام القلوب، بل بالمعرفة التي هي منه وبتعريفه، كما ذكرنا النصوص الدالّة على ذلك في الدرس السابق.

4. بيان العلّامة الطباطبائيّ في ذيل رواية سدير الصيرفيّ

يقول العلّامة الطباطبائيّ في حاشيته على تحف العقول، في ذيل الرواية السابقة:

أنا لو شاهدنا عين زيد مثلاً في الخارج و وجدناه بعينه بوجه مشهودا فهو المعروف الذي ميّزناه حقيقة عن غيره من الأشياء ووحّدناه واقعا من غير أنّ يشتبه بغيره.(1)

نجده شاهدا وتوسلنا إلى معرفته بالصفات لم نعرف منه إلّا أمورا كلّيّة لا توجب له تميّزا عن غيره ولا توحيدا في نفسه كما لو لم نر مثلا زيدا بعينه وإنّما عرفناه بأنّه إنسان أبيض اللون طويل القامة حسن المحاضرة بقى على الاشتراك حتّى نجده بعينه ثمّ نطبّق عليه ما نعرفه من صفاته وهذا معنى قوله(عليه السلام): «إِنَّ

مَعْرِفَةَ عَيْنِ الشَّاهِدِ قَبْلَ

ص: 150


1- . أي حينما يكون أمام ناظرنا، نميّزه عن غيره، وإن كان هناك شخص بحذائه و تكوَّن فيه نفس مشخّصات زيد، فإنّا نراهما منفصلين عن بعضهما البعض، فالخصائص المكانيّة تميّزهما عن بعضهما. (المؤلّف)

صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةَ صِفَةِ الْغَائِبِ قَبْلَ عَيْنِه» .

ومن هنا يتبيّن أيضا أنّ توحيد اللّه سبحانه حقّ توحيده أن يعرف بعينه أو لا ثمّ تعرف صفاته لتكميل الايمان به لا أن يعرف بصفاته وأفعاله فلا يستوفى حقّ توحيده. وهو تعالى هو الغنيّ عن كلّ شيء، القائم به كلّ شيء فصفاته قائمة به وجميع الأشياء من بركات صفاته من حياة وعلم وقدرة ومن خلق ورزق وإحياء وتقدير وهداية وتوفيق ونحو ذلك فالجميع قائم به مملوك له محتاج إليه من كلّ جهة.

فالسبيل الحقّ في المعرفة أن يعرف هو أو لا ثمّ تعرف صفاته ثمّ يعرف بها ما يعرف من خلقه لا بالعكس.

ولو عرفناه بغيره لن نعرفه بالحقيقة ولو عرفنا شيئا من خلقه لا به بل بغيره فذلك المعروف الذي عندنا يكون منفصلاً عنه تعالى غير مرتبط به فيكون غير محتاج إليه في هذا المقدار من الوجود.(1) فيجب أن يعرف اللّه سبحانه قبل كلّ شيء ثمّ يعرف كلّ شيء بما له من الحاجة إليه حتّى يكون حقّ المعرفة وهذا معنى قول الإمام(عليه السلام) «تَعرِفُهُ وَتَعلَمُ عِلمَهُ...».(2)

وبعد هذا البيان يؤكّد العلّامة الطباطبائيّ، أنّ هذه الرواية توضح المعنى المراد من روايات «معرفة اللّه باللّه»، يقول:

الحديث مسوق لبيان أنّ اللّه سبحانه لا يعرف بغيره حقّ معرفته بل لو عرف فإنّما يعرف بنفسه و يعرف غيره به فهو في مساق ما رواه الصدوق في التوحيد بطريقين عن عبد الأعلى عن الإمام الصادق(عليه السلام).(3)

فتبيّن من الرواية، والإيضاحات التي ذكرت، أنّ المراد من معرفة اللّه باللّه، ليست».

ص: 151


1- . يعني أنّا لو نظرنا إلى الخلق من دون اللّه، سنرى أموراً لا ترتبط باللّه عزّ وجلّ، ولايمكن حينها أن ندرك حاجتها إلى اللّه عزّ وجلّ، وكذا لايمكن نسبتها إلى اللّه وأن نعدّها مخلوقة له عزّ وجلّ؛ أمّا إذا عرفنا الخليقة من جهة معرفة اللّه، يمكن أن نجعل بينها وبين اللّه رابطة، ونعرف كيفية قيامها باللّه سبحانه وحاجتها إليه. (المؤلّف)
2- . تحف العقول، ص327.
3- . تحف العقول، ص328؛ هذه الرواية سنذكرها في الدرس القادم في البحث عن «المعرفة صنع اللّه».

المعرفة من خلال النظر والتأمّل في المخلوقات وكيفيّة خلقتها - التي هي في الحقيقة آيات وآثار للّه تعالى - والوصول منها إلى الخالق؛ أي يكون المخلوق مرآة ومظهراً للخالق. وبعبارة أخرى، لا توجد

آثار من وجود اللّه في خلقه؛ بأن يكون المخلوق مشتركاً مع اللّه في بعض الجهات، مثل الوجود، والعلم، والقدرة، والحياة، ونظائرها، كى تطرح بأنّها كمالات وجوديّة ثمّ قال ما يملكه المخلوق فهو من اللّه، وأنّه واجد للمرتبة الأعلى والأكمل منها. إنّ نتيجة هذا التصوّر، تكون الإشتراك العينيّ بين اللّه وخلقه في الوجود، مع الاختلاف في الرتبة؛ أو أن يقال إنّ مفهوم الوجود، أو الأوصاف الأخرى المنتزعة من المخلوق، تشترك في معناها الأعمّ مع اللّه عزّ وجلّ؛ بالرغم من أنّا نعجز عن إدراك مصاديق الأوصاف هذه بالنسبة إلى اللّه عزّ وجلّ؛ ولكنّا نثبت أصل وجودها فيه سبحانه.

نقول، من خلال المستفاد من الروايات الواردة، إنّ مثل هذه المعرفة باللّه، ليست معرفة باللّه أصلاً ؛ بل هي معرفة المخلوق وغير اللّه عزّ وجلّ.

5. محصّلة نصوص معرفة اللّه باللّه

من خلال الروايات الواردة في هذا الباب، يمكن استفادة بعض المطالب التي نذكرها فيما يلي بإيجاز:

1. المراد من معرفة اللّه، معرفة مسمّى لفظة «اللّه» لا شيئاً آخر؛ بمعنى أنّ المراد من معنى ومسمّى لفظة «اللّه» هو الربّ الحقيقيّ والواقعيّ، التي تعجز العقول عن إدراكه، واحتارت الأفكار في الوصول إليه.

2. إنّ المعرفة الحقيقيّة لا تتحقّق إلّا باللّه؛ بمعنى أنّ اللّه سبحانه، يعرّف الإنسان ويهديه إلى نفسه، وهو الذي يدلّهم عليه. وهذه المعرفة إمّا تكون بتوسّط الأسماء والصفات، التي بيّنها اللّه سبحانه للناس عبر الأنبياء والرسل، وإمّا بتوسّط الآيات والدلائل المبثوثة في الخليقة، وإمّا حين ابتلاء الإنسان في المشاكل والمصائب، وحسب التعبير القرآنيّ «البأساء والضرّاء» الأمر الذي يسبّب الانقطاع التامّ من

ص: 152

الخلق، والتوجّه إلى اللّه تعالى.

3. ليست هذه المعرفة بتوسّط الحجب، فمن ظنّ أنّه يعرف اللّه بالحجب والمثال والصورة، فإنّه لم يعرف اللّه في الحقيقة. فهذه المعرفة ليست أمراً يمكن اعتبار دور وتأثير لغير اللّه سبحانه فيها، بمعنى أنّ معرفة اللّه باللّه، تكون حينما تزاح الأغيار ويتوجّه إليه، وحتّى لو عرف الإنسان أحياناً ربّه بالأسماء أو الصفات أو الآيات أو حين الابتلاءات، فإنّه في الواقع توجّه إليه وبإرادته عزّ وجلّ.

ومن هنا؛ فحتّى لو حصلت المعرفة لشخص عبر مطالعة الآيات - أعمّ من الآيات الأنفسيّة أو الآفاقيّة -، إلّا أنّه قد عرف اللّه عزّ وجلّ به، والتعريف في كلّ هذه الموارد يكون به سبحانه وتعالى.

4. حين تحقّق معرفة اللّه باللّه، فإن سلك الإنسان الطرق التي جعلها اللّه عزّ وجلّ له من أجل الوصول إلى معرفته، ووصل إلى المعرفة، ومخاطب ربّه في هذه المرتبة، ودعائه، فإنّ دعائه سيكون مقروناً بالإجابة، لارتفاع مانع من موانع الإجابة.

5. بوجود هذه المعرفة، تتحقّق معاني الدعاء والعبادة، والتوحيد، والإيمان، والاقرار، والتسليم، وبهذه المعرفة فقط يمكن أن تكون للاسماء والصفات الإلهيّة معنىً، بمعنى أنّ ألفاظ وتعابير «الخلق والصنع والآية»، يمكن لها أن تكون وسائط للانتقال إلى الإله الحقيقيّ.

6. إنّ هذا التعريف، هو فعل مباشر للّه عزّ وجلّ، وليس لإنسان، بل لأيّ موجود آخر تكليفٌ ودور بالنسبة إلى هذه المعرفة، ومن هنا فإنّ قول الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) القائل: «اعرِفُوا اللّهَ بِاللّهِ» يعني، أن يبتعد الإنسان عن التفكير في الوصول إلى معرفة اللّه عبر الطرق المختلفة، وأن يجعل نفسه في الطرق التي جعلها اللّه سبحانه وتعالى لمعرفته.

وهذا القول، نظير القول بأنّ الشفاء من المرض هو فعل اللّه سبحانه، ولكن وبالرغم من ذلك، أمرت الروايات بالانتفاع من الدواء، بمعنى أنّ اللّه سبحانه،

بناءاً

ص: 153

على سنّته في الخلق، يوجد فعله (الشفاء) في هذه الأمور، لا بمعنى كون الشفاء في ذات الدواء. وكما أنّ لكلّ داء دواء خاصّ به، كذلك فإنّ لمعرفته سبحانه طرق محدّده، وجليّ بأنّ التفكّر في ذات اللّه، وتصوّره، والتوهّمات الذهنيّة، ليست طرقاً جعلها اللّه سبحانه للوصول إلى معرفته.

7. بوجود هذه المعرفة، تتحقّق معاني التنزيه والتسبيح، إذ لو لم يعرف الإنسان اللّه «المعنى والمسمّى»؛ فلا يبقى موضوع يستحقّ التنزيه والتقديس. ولا يعقل أن يقع المجهول مورداً للتنزيه والتقديس، فمن دون وجود هذه المعرفة، لا يكون للتنزيه والتسبيح والتقديس معنى، بل هو مجرد لقلقة لسان لا أكثر.

8. بتحقّق هذه المعرفة، تتحقّق معانٍ لعبارات كثيرة وردت في الآيات القرآنيّة والروايات والأدعية الواردة عن أهل البيت(عليه السلام)، مثل: زيارة اللّه، لقاء اللّه، رؤية اللّه، وجدان اللّه، وصال اللّه، حضور اللّه، مخاطبة اللّه،

الحديث مع اللّه، القرب من اللّه و... التي تلحظ كثيراً في النصوص. وجليّ بأنّ هذه المعرفة هي وحدها التي تربط الإنسان بإلهه الواقعيّ، فيجده في نفسه، ويتحسّس وجوده في كلّ كيانه، ويتمكّن من زيارته ولقاءه. ولايخفى أنّ معاني الألفاظ السابقة، ليست هي المعاني المتعارفة منها «الحقيقيّة» المستفادة مع المخلوقات، ذلك لأنّ الألفاظ هذه تختلف حتّى في استعمالاتها بالنسبة إلى المخلوق، فرؤية ولقاء أيّ شيء تكون بحسبه، فلا يمكن أن تكون رؤية الأمور المعنويّة بالعين الباصرة أبدا.

9.

بتحقّق هذه المعرفة وحدها، يكون لتكليف العبد منذ بلوغه بالصلاة والصيام وسائر العبادات، معنى. إذ - كما هو بيّن - أنّ إثبات الخالق وتوحيد اللّه سبحانه، عن طريق البرهان والاستدلال - إن كان صحيحاً وهو ليس كذلك - ليس من شأن أيّ كان، ولايتيسّر لعموم الناس. وبهذه المعرفة يتحقّق معنى الإيمان لكثير من الناس - حتّى من وصل في الفقه مرتبة الاجتهاد من دون أن يكون له باع في المباحث الفلسفيّة والكلاميّة -، بل لوحظ في موارد كثيرة، إنّ إيمان هؤلاء أقوى

ص: 154

وأسنى من إيمان الفلاسفة والمتكلّمين، لا يكون وإنّ جمعاً من الفلاسفة والمتكلّمين لهم حظّاً من معرفة اللّه الحقيقيّة أبداً ولا تجلى لهم الفلسفة والكلام خوفاً وطاعة وتسليماً و إيماناً للّه تعالى.

وهذا من نتائج الاختلاف المهمّة بين المعرفة بالمفاهيم والاستدلال بالمنطق الذهنيّ، وبين المعرفة الحقيقيّة العيانيّة، الحاصلة بتعريف اللّه سبحانه وتعالى نفسه للإنسان.

6. ملخّص الدرس

* معرفة اللّه سبحانه، فعل مباشر له، ولا حاجة فيه إلى الوسائط.

* الأوصاف والعناوين والمفاهيم العامّة - مهما بلغت في السعة - ليست معرّفة للّه عزّ وجلّ.

* معرفة اللّه بغير اللّه، ليست معرفة اللّه، بل هي معرفة غير اللّه.

* معرفة اللّه لا تحصل بالعقل والتفكّر، ومن دون معرفة اللّه لايمكن عبادة اللّه أبدا.

* معرفة اللّه شرط لاستجابة الدعاء.

* المعرفة، فعل اللّه، وتكليف الناس في المعرفة يقتصر على التسليم والإقرار والإذعان والتصديق بالمعرفة.

* التأمّل والتفكير في الخليقة لابدّ أن يكون من جهة معرفة اللّه، وفي هذه الحالة، كلّما تأمّل الناس في الخليقة، رأوا آثار معروفهم الحقيقيّ في الخليقة أكثر.

* الاسم ليس معرّفاً أبداً، بمعنى أنّه لا يكون حاكياً للمعنى «المسمّى»، بل معرفة المسمّى لابدّ أن تكون قبل معرفة الاسم.

* عبادة اللّه بالتوصيف، إحالة على غائب، ويدرك اللّه بتعريفه هو سبحانه.

7. اختبار ذاتيّ

1. ماذا تعني معرفة اللّه بغير اللّه؟ وهل هذه معرفة صحيحة؟ لماذا؟

ص: 155

2. هل يمكن للإنسان أن يعرف اللّه بقواه المدركة؟ إن كان الجواب بالنفي، هل يمكن للإنسان أن يعبد ربّاً لايعرفه؟

3. ما هي جوانب عدم التسليم والإيمان باللّه؟ بيّنها.

4. بيّن العبارة التالية: «معرفة عين الشاهد قبل صفته ومعرفة صفة الغائب قبل عينه»؟

5. ما هو دور الأسماء والصفات في معرفة اللّه؟

6. المفاهيم، تقرّب الإنسان إلى المعرفة أم تبعّده؟ ولماذا؟

7. ما المقصود من القول بأنّه «لابدّ أن تكون معرفة المسمّى قبل معرفة الاسم»؟

8. متى تتحقّق معاني التنزيه وتقديس اللّه سبحانه؟

9. مع الأخذ بعين الاعتبار عدم إمكانيّة الإنسان - حين البلوغ - في إدراك البراهين المثبتة للّه سبحانه، على أيّ أساس يمكن تكليفه بالعبادات؟

ص: 156

الدرس الحادي عشر 11 : النصوص المتعارضة في الظاهر مع نصوص

اشارة

معرفة اللّه باللّه

نفي الألوهيّة عمّا يُعرف بنفسه

ما عرفته بنفسه، فهو مصنوع

قصور القوى المدركة عن معرفة اللّه

قصور الخلق عن معرفة اللّه

ص: 157

ص: 158

تلميح

بعد الانتهاء من الدرس يتوقّع من الطالب أن يكون عارفاً على الروايات المعارضة - من الظاهر- لروايات معرفة اللّه باللّه، ويكون قادراً على الجمع بين النصوص ورفع التعارض الظاهريّ بينها.

بعد أن تعرّفنا على بعض نصوص معرفة اللّه باللّه، يلزم لنا أن نذكر أربع روايات تخالف تلك النصوص في ظواهرها، و من ثمّ نبيّن المراد منها، بصورة واضحة.

1. نفي الألوهيّة عمّا يُعرَف بنفسه

قال أمير المؤمنين(عليه السلام):

لَيسَ بِإِلَهٍ مَن عُرِفَ بِنَفسِهِ هُوَ الدَّالُّ بِالدَّلِيلِ عَلَيهِ وَالمؤَدِّي بِالمَعرِفَةِ إِلَيه.(1)

تنفي الرواية في بدايتها الألوهيّة عمّا يُعرف بنفسه، يتوهّم من هذه العبارة بأنّ معرفة اللّه لا تتحقّق به؛ إلّا أن المعنى الصحيح يفهم مع ملاحظة جميع الروايات التى ذكرناها في باب معرفة اللّه باللّه، وكذا بعد ملاحظة ذيل الرواية.

توضيح ذلك: أيّ شيء يعرف بنفسه ومن دون أن يكون هو المعرّف لنفسه،

ص: 159


1- . الاحتجاج (للطبرسي)، ج1، ص201، ح3؛ بحارالأنوار، ج4، ص253، ح7 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).

فيكون قابلاً لأن يعرفه غيره، فإنّه ليس بإله، فأيّ شيءٍ يمكن أن يعرف من دون تعريف من قِبَل نفسه هو غير اللّه. وذيل الرواية يؤيّد هذا المعنى بنحو واضح أنّ اللّه يعرف بتعريفه هو، لا بحيث يمكن للإنسان أن يعرفه - من قِبَل نفسه ومن دون تعريفه عزّ وجلّ. وكما ذكرنا سابقاً إنّ معرفة اللّه بغيره ليست معرفة صحيحة، ومعرفة اللّه بتعريفه هي المعرفة الصحيحة دون غيرها.

وتبيّن لك سابقاً، أنّ الأغيار أيضاً - لو كانت لها مدخليّة في معرفة اللّه سبحانه، فليس ذلك بمعنى أنّها مستقلّة في تعريف اللّه؛ بل إنّ اللّه هو الذي أراد - حسب سنّته الحكيمة - أن يجعل معرفته في هذه الآيات والدلائل. والحديث السابق يبيّن هذا المعنى في نهايته، بأنّ الآيات والعلامات إنّما هي دلائل جعلها اللّه عزّ وجلّ لتكون وسائط في معرفة اللّه، فهي آية بجعله عزّ وجلّ ولا استقلال لها في التعريف، وبعبارة أخرى، ليس في ذوات الآيات أمراً يحمل على معرفة اللّه عزّ وجلّ، ويكون له سمة الحكاية بالنسبة إلى اللّه عزّ وجلّ.

2. ما عرفته بنفسه، فهو مصنوع

قال الإمام الرضا(عليه السلام):

فَلَيسَ الله عَرَفَ مَن عَرَفَ بِالتَّشبِيهِ ذَاتَهُ، وَلَا إِيَّاهُ وَحَّدَ مَنِ اكتَنَهَهُ،(1) وَلَا حَقِيقَتَهُ أَصَابَ مَن مَثَّلَه...، وَلَا إِيَّاهُ عَنَى مَن شَبَّهَهُ وَلَا لَهُ تَذَلَّلَ مَن بَعَّضَهُ، وَلَا إِيَّاهُ أَرَادَ مَن تَوَهَّمَهُ كُلُّ مَعرُوفٍ بِنَفسِهِ مَصنُوع.(2)

هذا الحديث كسابقه، لا يخالف في الواقع النصوص الدالّة على معرفة اللّه باللّه. بل المراد منه أنّه لا يمكن معرفة اللّه سبحانه من دون تعريفه هو، ومن عُرفَ من دون تعريف من قِبَل نفسه، فإنّه مصنوعٌ وهو سوى اللّه عزّ وجلّ.

وفي توضيح هذه العبارة «كلّ معروف بنفسه مصنوع»، نقل كلام من السيّد هاشم

ص: 160


1- . لأنّ ما يحيط به الإنسان فإنّه معقول ومدرك لعقله، وكلّما ادركه الإنسان بعقله يمكن أن يجعل له نظيراً.
2- . التوحيد، ص35، ح2؛ بحارالأنوار، ج4، ص38، ح3 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).

الحسينيّ الطهرانيّ، في حاشية كتاب التوحيد للصدوق ونصّه كما يلي:

أي: كلّ ما عرف بذاته وتصوّر ماهيّته فهو مصنوع. وهذا لا ينافي قول أميرالمؤمنين(عليه السلام): «يَا مَن دَلَ ّ عَلَى ذَاتِهِ بِذَاتِهِ» ولا قول الصادق(عليه السلام): «اعرِفُوا اللّهَ بِاللّهِ» لأنّ معنى ذلك أنّه ليس في الوجود سبب لمعرفة اللّه تعالى إلّا اللّه؛ لأنّ الكلّ ينتهي إليه، فالباء هنا للالصاق والمصاحبة؛ أي: كلّ معروف بلصوق ذاته ومائيّته ومصاحبتها لذات العارف بحيث أحاط به ادراكاً فهو مصنوع وهنالك للسببيّته.(1)

وهذا الكلام يؤكّد ما ذكرناه آنفاً، أنّ معرفة اللّه سبحانه - أي معرفة ذات اللّه وهو الإله الحقيقيّ - لا تتحقّق إلّا بتعريفه هو. ولا يعني ذلك أنّ العارف، يحيط باللّه إحاطة عقليّة، ويدركه إدراكاً تامّاً؛ بل إنّ هذه المعرفة فعل اللّه، وبعد أن يعرّف اللّه نفسه لعباده تحصل المعرفة لهم. وهذا ليس أمراً يمكن للعقل والقوى المدركة أن تصل اليه، أو بمساعدة الأوصاف والمعاني التي تدرك من المخلوق. وبكلمة أخرى، فإنّ وظيفة الإنسان في قبال تلك المعرفة، ليس سوى التسليم والإذعان، والتصديق والإيمان.

وهذه المعرفة تختلف عن معرفة سائر المخلوقات، إذ إنّ الإنسان حينما يقدر على معرفة شيء عبر تعريف اللّه، وبالاستعانة بالقوى المدركة لديه، فإنّه يكون قادراً على تجزئته وتحليله ويمكن الإحاطة به، وكذا يمكنه التفكيرفيه وتعقّله، بل وله أن يحيط به علماً؛ ولكن بالنسبة إلى معرفة اللّه باللّه، لا تتحقّق هذه المعرفة، بحيث يكون له أن يتفكّر ويتعقّل ما عرفه بتعريف اللّه سبحانه، ذلك لأنّ الإنسان كلّما أراد أن يستفيد من عقله في هذا المجال ويوصف اللّه، سوف لا تكون الصفات حاكية له، فليس للعقل - بأيّ وجه - أن يعرف اللّه مستقلّاً؛ حتّى بعد أن يعرّف اللّه نفسه للعاقل.5.

ص: 161


1- . التوحيد، ص35.

هذا في حين أنّ الإنسان يدرك المخلوقات عبر استعانته بالقوى

المدركة عنده، فيفتح عينه - مثلاً - ملتفتاً مع توفّر سائر الشروط الطبيعيّة للرؤية السليمة، حينما يمكنه أن يعرف الألوان والأحجام و... وكذا يصدق الأمر بالنسبة إلى المعقولات، إذا تحقّقت شروط التعقّل، يمكن معرفة المعقولات.

فالمقصود من الحديثين ذات المعنى؛ ولكنّ اللّه سبحانه ليس كذلك، ليعرف بالقوى المدركة للإنسان؛ إذ إنّه أسمى من إدراكها جميعاً. فتبيّن أنّ وجود القوى المدركة لا تسهم في معرفة اللّه حتّى لو كانت في أعلى مراتبها؛ بل إنّ معرفة اللّه لابدّ أن تكون من عنده حصراً، وذلك بلطفه وعنايته وفضله وإحسانه على العباد.

3. قصور القوى المدركة عن معرفة اللّه

كان الإمام زين العابدين(عليه السلام) يخاطب ربّه، إذا قرأ قوله تعالى: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها(1) بقوله:

سُبحَانَ مَن لَم يَجعَل فِي أَحَدٍ مِن مَعرِفَةِ نِعَمِهِ إِلَّا المَعرِفَةَ بِالتَّقصِيرِ عَن مَعرِفَتِهَا، كَمَا لَم يَجعَل فِي أَحَدٍ مِن مَعرِفَةِ إِدرَاكِهِ أَكثَرَ مِنَ العِلمِ أَنَّهُ لَا يُدرِكُهُ، فَشَكَرَ جَلَّ وَعَزَّ مَعرِفَةَ العَارِفِينَ بِالتَّقصِيرِ عَن مَعرِفَةِ شُكرِهِ، فَجَعَلَ مَعرِفَتَهُم بِالتَّقصِيرِ شُكراً كَمَا عَلِمَ عِلمَ العَالِمِينَ أَنَّهُم لَا يُدرِكُونَهُ، فَجَعَلَهُ إيماناً عِلماً مِنهُ أَنَّهُ قَدُّ وُسعِ العِبَادِ فَلَا يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ، فَإِنَّ شَيئاً مِن خَلقِهِ لَا يَبلُغُ مَدَى عِبَادَتِهِ وَكَيفَ يُبلَغُ مَدَى عِبَادَتِهِ مَن لَا مَدَى لَهُ وَلَا كَيفَ، تعالى الله عَن ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً.(2)

مع ما ذكر، يتّضح أنّ الحديث هذا لا يتعارض - أيضاً - مع معرفة اللّه باللّه، لأنّه تبيّن لك أنّ تحقّق معرفة اللّه باللّه عند الخلق، إنّما هو فعل اللّه، ولا كيف لفعله

ص: 162


1- . الإبراهيم(14)، الآية 34.
2- . الكافي، ج8، ص394، ح592؛ وراجع: الصحيفة السجاديّة الجامعة، ص25؛ تحف العقول، ص283؛ بحارالأنوار، ج75، ص142، ح3 (الباب 21 من أبواب المواعظ... من كتاب الروضة).

سبحانه، حيث لا يمكن لأحد أن يدرك فعل اللّه بعقله، ولا يمكن بيانه بحال من الأحوال. في نصوص هذا الباب، وباب المعرفة الفطريّة، تصريح بأنّ التعريف هذا، لو لم يحصل من قِبَل اللّه سبحانه، لما كانت تتحصّل المعرفة أبداً، وبالتالي لم تتحقّق العبادة. ومن هنا؛ ورد التصريح في النصوص الشريفة بأنّ العباد لم يكلّفوا أمر المعرفة، بل ذلك على اللّه سبحانه أن يعرّفهم نفسه.(1)

4. قصور الخلق عن معرفة اللّه

ذكر ابن أبي جمهور الإحسائيّ في عوالي اللئالي نصّاً مرسلاً عن النبيّ(صلى الله عليه و آله)، أنّه قال:

لَو عَرَفتُمُ اللهَ حَقَ ّ مَعرِفَتِهِ، لَزَايَلَت بِدُعَائِكُم الجِبَالُ الرَّاسِيَاتُ وَلَا يَبلُغُ أَحَدٌ كُنهَ مَعرِفَتِهِ.

فَقِيلَ: وَلَا أَنتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: وَلَا أَنَا، اللهُ أَعلَى وَأَجَلُّ أَن يَطَّلِعَ أَحَدٌ عَلَى كُنهِ مَعرِفَتِه،

لِهَذَا قَالَ فِي دُعَائِهِ يَا مَن لَا يَعلَمُ مَا هُوَ إِلَّا هُوَ.

وَقَالَ: سُبحَانَكَ مَا عَرَفنَاكَ حَقَّ مَعرِفَتِكَ.(2)

سنذكر لاحقاً أنّ معرفة اللّه سبحانه فعله فحسب، وعلى اللّه أن يعرّف نفسه لعباده، أما دور المكلّف في قبال المعرفة، فهو التسليم والإقرار والإيمان بتلك المعرفة الواصلة إليه من قبل اللّه. ومن هنا؛ كلّما ازدادت عبادة العبد وطاعته لربّه ومالكه، زادت معرفته للّه، وهو السبب في قرب العباد إليه تعالى. ولذا لمّا حضر معاوية بن وهب وجماعة من المؤمنين عند الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) وسأله: يا بن رسول اللّه، ما تقول في الخبر الذي روي عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):

رَأَى رَبَّهُ عَلَى أَيِّ صُورَةٍ رَآهُ؟ وَعَنِ الحَدِيثِ الَّذِي رَوَوهُ أَنَّ المُؤمِنِينَ يَرَونَ رَبَّهُم فِي الجَنَّةِ عَلَى أَيِّ صُورَةٍ يَرَونَهُ؟

ص: 163


1- . راجع: الكافي، ج1، ص163 -162 (باب البيان والتعريف...).
2- . عوالي اللئالي، ج4، ص132، ح225.

فَتَبَسَّمَ(عليه السلام) ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ مَا أَقبَحَ بِالرَّجُلِ يَأتِي عَلَيهِ سَبعُونَ سَنَةً أو ثَمَانُونَ سَنَةً يَعِيشُ فِي مُلكِ اللهِ وَيَأكُلُ مِن نِعَمِهِ ثُمَّ لَا يَعرِفُ اللهَ حَقَّ مَعرِفَتِهِ.

ثُمَّ قَالَ(عليه السلام): يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ مُحَمَّداً(صلى الله عليه و آله) لَم يَرَ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتعالى بِمُشَاهَدَةِ العَيَانِ وَإِنَّ الرُّؤيَةَ عَلَى وَجهَينِ رُؤيَةُ القَلبِ وَرُؤيَةُ البَصَرِ، فَمَن عَنَى بِرُؤيَةِ القَلبِ، فَهُوَ مُصِيبٌ، وَمَن عَنَى بِرُؤيَةِ البَصَرِ فَقَد كَفَرَ بِاللهِ وَبِآيَاتِه.(1)

وفي الحديث إثبات لاستحالة المعرفة التامّة والكاملة للّه، كما نفاها النبيّ(صلى الله عليه و آله) في الحديث السابق، وفي حديث آخر يروى عن الإمام الصادق(عليه السلام) حيث قال:

إِنَّ لِمُحِبِّينَا فِي السِّرِّ وَالعَلَانِيَةِ علَامَاتٍ يُعرَفُونَ بِهَا.

قال الرجل و ما تلك العلامات؟

قَالَ(عليه السلام): تِلكَ خِلَالٌ أَوَّلُهَا أَنَّهُم عَرَفُوا التَّوحِيدَ حَقَّ مَعرِفَتِهِ، وَأَحكَمُوا عِلمَ تَوحِيدِهِ.(2)

فتبيّن أنّ معرفة اللّه سبحانه، تختلف من شخص إلى آخر، حسب اختلاف درجات إيمانهم، وفي حديث عن النبيّ(صلى الله عليه و آله)، حين سئل عن رأس العلم، قال:

مَعرِفَةُ اللهِ حَقَّ مَعرِفَتِهِ.

فَقِيلَ: وَمَا مَعرِفَةُ اللهِ حَقَّ مَعرِفَتِهِ؟

قَالَ :تَعرِفُهُ بِلَا مِثلٍ وَلَا شِبهٍ وَلَا نِدٍّ وَأَنَّهُ وَاحِدٌ أَحَدٌ ظَاهِرٌ بَاطِنٌ أَوَّلٌ آخِرٌ لَا كُفوَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ فَذَلِكَ حَقُّ مَعرِفَتِهِ.(3)

وفي حديث آخر، قال رسول اللّه(عليه السلام) لعليّ(عليه السلام):).

ص: 164


1- . كفاية الأثر، ص261 -260؛ بحارالأنوار، ج4، ص54، ح32 (الباب الخامس من أبواب تأويل آيات... من كتاب التوحيد).
2- . تحف العقول، ص326؛ بحارالأنوار، ج65، ص276، ح31 (الباب 24 من أبواب الإيمان والكفر من كتاب الإيمان والكفر).
3- . التوحيد، ص285، ح5؛ بحارالأنوار، ج3، ص269، ح4 (الباب العاشر من كتاب التوحيد).

يَا عَلِيُ ّ مَا عَرَفَ اللهَ حَقَّ مَعرِفَتِهِ غَيرِي وَغَيرُكَ، وَمَا عَرَفَكَ حَقَّ مَعرِفَتِكَ غَيرُ اللهِ وَغَيرِي.(1)

فيتبيّن أنّ المراد من عدم الوصول إلى حقّ معرفة اللّه سبحانه، في رواية

ابن أبي الجمهور والأحاديث المشابهه لها، هو أن يكتفي الإنسان على المعرفة العقليّة في معرفته للّه سبحانه وتعالى. لأنّه من الواضح أن عدم حصول الإنسان من خلال العقل - المصطلح عليه عند البشر - إلّا على العناوين الكلّيّة والمفاهيم العامّة، ومن هذه الجهة، نجد نصوصاً تصدّق (حقّ معرفة اللّه) بمعنى إمكانيّة الوصول إليها - بل ولابدّيّتها - من خلال الإيمان والطاعة للّه سبحانه وكمال العبوديّة له عزّ وجلّ.

وحقّ المعرفة هي، أن يعرف الإنسان معبوده - إن سئل عنه - بتعريف ينزّهه عن جميع ما يراه في المخلوقين، ولا يتفكّر في ماهيّته وكيفيّته، ولايحاول أن يتعقّله أو يتوهّمه، بل لا يتوهّم الصفات التي جعلها اللّه لنفسه، كما في حديث الإمام الصادق(عليه السلام) للمفضّل:

فَإِن قَالُوا: فَأَنتُمُ الآنَ تَصِفُونَ مِن قُصُورِ العِلمِ عَنهُ وَصفاً حَتَّى كَأَنَّهُ غَيرُ مَعلُومٍ، قِيلَ لَهُم هُوَ كَذَلِكَ مِن جِهَةٍ إِذَا رَامَ العَقلُ مَعرِفَةَ كُنهِهِ وَالإِحَاطَةَ بِهِ، وَهُوَ مِن جِهَةٍ أُخرَى أَقرَبُ مِن كُلِّ قَرِيبٍ إِذَا استُدلَّ عَلَيهِ بِالدَّلَائِلِ الشَّافِيَةِ، فَهُوَ مِن جِهَةٍ كَالوَاضِحِ لَا يَخفَى عَلَى أَحَدٍ وَهُوَ مِن جِهَةٍ كَالغَامِضِ لَا يُدرِكُهُ أَحَدٌ وَ كَذَلِكَ العَقلُ أيضاً، ظَاهِرٌ بِشَوَاهِدِهِ وَمَستُورٌ بِذَاتِه.(2)

يصرّح الإمام - وبوضوح - أنّ الإله الذي يعجز العقل عن الوصول إليه، هو بيّن وواضح من جهة أخرى، ولا يشكّ فيه أحد، وذلك حينما يتمّ الاستدلال عليه من خلال الطريق الصحيح.6.

ص: 165


1- . المناقب، ج3، ص267؛ بحارالأنوار، ج39، ص84 (الباب 73 من أبواب فضائله من كتاب تاريخ أميرالمؤمنين(عليه السلام).
2- . توحيد المفضّل، ص179؛ بحارالأنوار، ج3، ص148، ح6 (الباب الرابع من كتاب التوحيد)؛ الفصول المهمة في أصول الأئمّة، ج1، ص156.

ومن الطريف أنّ الإمام(عليه السلام) يضرب مثلاً توضيحيّاً ليقرّب السائل من فهم الإجابة، عن العقل، إذ يجري عليه الأمر عينه. ويبدو أنّ الإمام يبيّن للسائل عدم إمكان الوصول إلى اللّه من خلال العقل وحده، فكلّ ما عرفه العقل بحدوده، يكون معقولاً للعاقل لا خالقاً له. وهذا يجري على العقل أيضاً، فكلّ شيء يُعرف بالعقل ويُكشف به، في حين أنّ العقل يعرف من خلال الالتفات الموضوعيّ إليه، بمعنى عدم جعل العقل معقولاً، فلو صار العقل معقولاً للإنسان، خرج عن كونه عقلاً وصار معقولاً للذهن؛ وعليه فكما يُعرف العقل بالعقل ذاته، لابدّ أن يعرف الربّ بذاته، وكما لا يكون العقل معقولاً، كذلك اللّه سبحانه لا يمكن أن يكون معقولاً ومُتصَوَّرا.

وبعبارة أخرى، فكما أنّ معرفة العقل وإدراكه يكون بوجدان العقل نفسه، فإنّ معرفة اللّه سبحانه تتحقّق بوجدانه سبحانه، نعم ليس ثمّة تشابه بين هذا الوجدان وذاك، بل - كما قلنا - فإنّ العقل والعلم آية ودليل عليه لا أنّهما - والعياذ باللّه - نظيران وشبيهان له سبحانه وتعالى.

5. ملخّص الدرس

* كلّما عُرف بنفسه، ومن دون تعريف من قبل اللّه سبحانه، فهو غير اللّه.

* إن كان لغير اللّه دور في معرفته سبحانه، فإنّ هذا الغير صار معرِّفاً للّه بإرادته عزّ وجلّ، طبقاً لسنّته الحكيمة.

* دلالة الآيات على اللّه عزّ وجلّ، إنّما تكون بواسطة اللّه سبحانه، ولا استقلاليّة لها في تعريف اللّه.

* معرفة اللّه فعله، ومن عرف اللّه سبحانه بتعريفه، لا يكون قد أحاط بعقله

* معرفة اللّه.

* حتّى بعد أن يعرّف اللّه نفسه للعباد فلا طريق لعقولهم في معرفته.

* معرفة اللّه باللّه، فعله عزّ وجلّ، وفعل اللّه خارج عن حدود الإدراك البشريّ، ولا يمكن بيانه وشرحه بالعقول.

وحقّ المعرفة هي، أن يعرف الإنسان معبوده - إن سئل عنه - بتعريف ينزّهه عن

ص: 166

* جميع ما يراه في المخلوقات، ولا يتفكّر في ماهيّته وكيفيّته، ولا يحاول أن يتعقّله أو يتوهّمه، بل لا يتوهّم الصفات التي جعلها اللّه لنفسه.

* بالرغم من عجز العقل عن الوصول إلى معرفة اللّه، إلّا أنّ اللّه من جهة أخرى واضح وجليّ لا شكّ فيه.

* العقل، هو المَثَل الأعلى للّه، وكما يكشف العقل كلّ شيء ويكشف ذاته بذاته، فكذلك اللّه يُعرف بذاته.

6. اختبار ذاتيّ

1. بيّن العبارة «ليس بإله من عرف بنفسه»؟

2. كيف توجّه الآيات العباد إلى اللّه سبحانه؟

3. ماذا تعني العبارة «كلّ معروف بنفسه مصنوع»؟

4. ما هو حقّ معرفة اللّه سبحانه؟

5. كيف يمكن الجمع بين النصوص النافية لإمكانيّة الوصول إلى حقّ المعرفة، والنصوص المثبتة؟

6. ماذا نعني بالقول: «العقل مَثَل اللّه»؟ وضّح ذلك.

7. ما هي النسبة بين وجدان العقل، ووجدان اللّه سبحانه؟

ص: 167

ص: 168

الدرس الثاني عشر 12 : المعرفة صنع اللّه (1)

اشارة

آيات القرآن الكريم

الروايات الشريفة

ص: 169

ص: 170

تلميح

بعد الانتهاء من مطالعة الدرس، يتوقّع من الطالب أن يعرف - من خلال الآيات والروايات - أنّ المعرفة هي صنع اللّه سبحانه، وأنّ اللّه سبحانه لم يكلّف العباد على معرفته، بل هي فعله عزّ وجلّ.

من خلال دراسة نصوص معرفة اللّه باللّه، تبيّن لك في الدروس السابقة، أنّ الطريق الحصريّ إلى معرفة اللّه سبحانه هو اللّه عزّ وجلّ، وإن لم يعرّف نفسه لعباده، فإنّهم لا يقدرون على معرفته أبداً. وتبيّن أيضاً أنّ ما يُعرف بنفسه عبر القوى المدركة عند الإنسان، ليس هو اللّه. وسنتطرّق في هذا الدرس إلى أنّ على اللّه عزّ وجلّ أن يعرّف نفسه لعباده، وعلى العباد - مقابل تعريفه سبحانه - أن يسلّموا و يقرّوا ويصدّقوا بقلوبهم وألسنتهم.

وقد أطلقت بعض الروايات لفظة المعرفة على هذا التصديق والتسليم، وقد كلّف العباد بهذا الأمر الذي هو فعل إختياريّ لهم.

وفيما يلي سنبحث هذا الموضوع من خلال الآيات والروايات الشريفة.

ص: 171

1. آيات القرآن الكريم

1 -1. الهداية من قبل اللّه

قال الله تعالى:

إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى ؛(1)

إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ؛(2)

لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَ لكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ؛(3)

مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ .(4)

لم يتمّ التعرّض لمتعلّق الهداية في الآيات الشريفة، بل أطلق اللفظ، وجعلت الهداية أمراً على عهدة اللّه سبحانه، ولكن من الواضح أنّ المراد من الهداية المذكورة، هي تلك التي تستتبع تكليفاً وحكماً، وعلى رأس هذا النوع من الهداية، معرفة اللّه سبحانه وتعالى والإقرار به. ولا يمكن وجود أيّ عبوديّة وتكليف مولويّ من دون معرفته. وبعبارة أخرى، فإنّ الهداية والوصول إلى أيّ شيء لا يعني وجود تكليف خاصّ تجاهه؛ أمّا معرفة اللّه ومعرفة النبيّ والإمام، ومعرفة أيّ موجود له حقٌّ عليّ، يستوجب تكليفاً قباله، وأن أكون خاضعاً وخاشعاً له، وله شاكراً على فضله وإحسانه عليّ.

وبحصول اللّه سبحانه، يحكم العقل بوجوب شكره وطاعته والتسليم أمامه، ويستقبح الاستكبار والعصيان والتمرّد على أمره. فما دامت المعرفة غير متحقّقة، لا يمكن لأيّ أحد أن يعبد اللّه. وفي هذه الصورة فلا معنى للعصيان والتمرّد، كما لا معنى للطاعة والعبوديّة. مع تحقّق معرفة اللّه والانتباه إلى مقامه الشامخ، تتحقّق معاني الطاعة والتسليم والتصديق من جهة، والتكبّر والعصيان والتمرّد والإنكار من جهة

ص: 172


1- . الليل (92)، الآية 19.
2- . القصص (28)، الآية 56.
3- . البقرة (2)، الآية 272.
4- . النور (24)، الآية 40.

أخرى - وبشكل عامّ الإيمان والكفر -، ومن خلال ذلك تتبيّن حقوق الأفراد تجاه بعضهم البعض؛ فحينما يُعرف المولى الحقيقيّ، يقدّم المقرّبين إليه على غيرهم في العبوديّة والإيمان والتقوى، فيكون الاستكبار عليهم استكباراً على اللّه عزّ وجلّ.

ومن جهة أخرى، فإنّ معرفة اللّه سبحانه والوصول إليه، من دون طريقه، أمر متعذّر على الجميع، فليس للقوى المدركة لدى الإنسان - كما سيأتي - القدرة على معرفة الإله الحقيقيّ. حتّى الأنبياء والأولياء وعلى رأسهم النبيّ الاكرم(صلى الله عليه و آله) وأوصياءه(عليهم السلام)، غير قادرين على إيصال الناس إلى اللّه من دون تعريفه سبحانه له. وتبيّن الآيات الشريفة أنّ المعرفة والهداية الموصلة إليه إنّما هي من قِبله سبحانه، فلابدّ أن يُعرّف الربّ نفسه للعباد،

وإلّا فلن يعرفوه، ومن هنا فلم يكلّفوا معرفته أو السعي في الوصول إلى معرفته.

ومن الواضح أنّ التكليف بالمعرفة متفرّع على إمكانها، وما دام العباد لا يمكنهم الوصول إلى المعرفة، فإنّ السعي لها لا معنى له. ألفاظٌ مثل «هو»، «اللّه»، ونظائرهما، تصبح ذات معاني حين تكون المعرفة متحقّقة لدى الإنسان، ويعرف الإنسان أنّ لفظ «هو» دالّ على من، ويعرف معنى لفظة «اللّه»؟ أمّا إذا لم يكن مطّلعاً على ذينك الأمرين، فإنّ تذكيره بهذه الألفاظ سيكون أمراً بلا فائدة.

الأنبياء رسل اللّه، وممّا لا شكّ فيه أنّهم وصلوا إلى مراتب عليا في معرفة اللّه سبحانه، ولكنّهم أيضاً يعجزون عن هداية الخلق إلى اللّه وإيجاد المعرفة في قلوبهم - من دون تعريف اللّه نفسه -، ومن خلال هذه النقطة يتبيّن لنا أنّ معرفة الربّ والاهتداء إليه لا يكون إلّا به، ولا يمكن لأحد - حتّى الأنبياء - أن يساهموا في أمر المعرفة.

ومن هنا، فإنّ الآيات التي نحن بصددها، تتطابق تماماً مع روايات «معرفة اللّه باللّه» التي تحصر طريق معرفته سبحانه بتعريفه هو، وهي تأكيد على عدم وجود سبيل للمعرفة سوى اللّه ذاته.

فمعرفة اللّه سبحانه منحصرة في فعله، لا يقدر أحد أن يوجد هذه المعرفة، لا الأنبياء

ص: 173

والهداة إلى اللّه، بل ولا العقل والفكر الإنسانيّ. نعم، لهؤلاء دور هامّ في الوصول إلى هذه المعرفة - التي هي فعل اللّه - و ليس وجودهم مساوٍ لعدمهم، فالإنسان يحصل على المعرفة بعقله، يعني أنّ اللّه يهب له العقل، ومن ثمّ يُعرّف نفسه للإنسان العاقل، وحينها فإنّ الإنسان العاقل مع تلقّيه تعريف الربّ، يؤمن أو يكفر.

الإنسان العاقل في هذه الدنيا، وانطلاقاً من السنن الإلهيّة، ينال هذه المعرفة من خلال تذكير الأنبياء وتعاليمهم، تلك المعرفة التي تستتبع وعي الإنسان، وتجعله مكلّفاً أمام الربّ سبحانه. فمن كان بعيداً عن تعاليم الأنبياء وتذكيراتهم، لا يمكنه الوصول إلى معرفة اللّه، لأنّ الحجب التي رانت على فطرته لا تزال غير مرتفعة، أي إنّ المعرفة لا تكون واضحة عنده، فيبقى في حالة الغفلة والنسيان من أمر الخالق عزّ وجلّ.

ومن هنا فانّ أفراداً كهؤلاء لا يمكنهم وصفهم بالإيمان ولا بالكفر، بل حسب صريح الروايات، يُدعون «ضلّالاً».(1)

1-2. خروج معرفة اللّه عن قدرة الإنسان

قال اللّه تعالى:

لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها ؛(2)

لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها ؛(3)

لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها .(4)

القدرة على الإتيان بالتكليف، من الشروط العامّة لجميع التكاليف. فتكليف الإنسان على ما لا يقدر عليه يعدّ أمراً قبيحاً لا يصدر من أيّ عاقل. المعرفة والهداية فعل

ص: 174


1- . قد مرّ البيان التفصيليّ لهذه النقطة في مبحث فطريّة المعرفة.
2- . البقرة (2)، الآية 286.
3- . الأنعام (6)، الآية 152.
4- . الطلاق (65)، الآية 7.

محصور باللّه سبحانه وتعالى، حيث لم يجعل اللّه لأحد طريقاً إلى ذلك، وكلّ القوى المدركة لدى المرء، عاجزةٌ عن الوصول إليه؛ فتكليف الإنسان بمعرفة اللّه تكليف بما لا يطاق. وعليه، فإنّ من المصاديق الواضحة للآيات السابقة، معرفة اللّه سبحانه.

نعم، الآيات لوحدها لا تدلّ على أنّ المعرفة صنع اللّه عزّ وجلّ؛ ولكن الروايات التي وردت في تفسير إحدى الآيات، والتي ستأتي فيما يلي، تشير إلى أنّ الآية ناظرةٌ - أيضاً - إلى معرفة اللّه عزّ وجلّ.

2. الروايات

2 -1. عن عبد الأعلى، سألت الإمام الصادق(عليه السلام):

أصلحك الله هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة ؟

قَالَ: فَقَالَ لَا.

قلت: فهل كُلِّفُوا المَعرِفَة؟ قَالَ: لَا، عَلَى اللهِ البَيَانُ لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها وَ لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها .(1)

2 -2. قال الإمام الصادق(عليه السلام):

لَم يُكَلِّفِ اللهُ العِبَادَ المَعرِفَةَ، وَلَم يَجعَل لَهُم إِلَيهَا سَبِيلاً.(2)

في هذين الحديثين، نفيٌ مطلق للتكليف بالمعرفة. وفي الحديث الثاني تصريح بأنّ اللّه سبحانه، لم يجعل لعباده سبيلاً إلى معرفته، واستناداً إلى هذا النصّ، فإنّ المعرفة ليست أثراً أو لازماً لأيّ شيء، فليس لأحد أن يدّعي إمكانيّة وجود طريق يوصل سالكه إلى المعرفة جزماً، بل كلّ الطرق - سوى مشيئة اللّه عزّ وجلّ - باتّجاه المعرفة مغلقة.

في الحديث الأوّل إشارة إلى أنّ اللّه لم يجعل طريقاً للوصول إليه، بل إنّ الإنسان

ص: 175


1- . الكافي، ج1، ص163، ح5؛ التوحيد، ص414، ح11؛ المحاسن، ج1، ص277، ح392؛ بحارالأنوار، ج5، ص302، ح10 (الباب 14 من أبواب العدل من كتاب العدل والمعاد).
2- . المحاسن، ج1، ص198، ح26؛ بحارالأنوار، ج5، ص222، ح5 (الباب التاسع من أبواب العدل من كتاب العدل والمعاد).

لا يملك أيّة آلة وقوّة يمكنه بها أن يصل إلى المعرفة. فكلّ القوى التي وهبها اللّه للإنسان، عاجزةٌ عن إيصاله إلى المعرفة.

فعليه سبحانه أن يبيّن لعباده ويعرّف نفسه، حتّى يفتح سبيل التكليف، وإن لم تتحقّق تلك المعرفة فلا مجال للتكليف.

فالمراد من المعرفة ليس أمراً عامّاً يشمل كلّ معرفة، بل هي تلك المعرفة التي تكون منشأ للتكاليف، ومعلوم أنّ معرفة اللّه تكون على رأسها. إضافةً إلى أنّ نفي إمكانيّة الآلات عن الوصول إلى المعرفة، يكشف لنا المراد منها، بأنّها معرفة اللّه سبحانه؛ إذ إنّ معرفة الأمور الحسّيّة، يتمّ بالحواسّ الخمس، ومعرفة الأمور العقليّة يمكن بالعقل، وهذه تعدّ وسائل والآلات لتلك المعارف، ووحدها معرفة اللّه سبحانه، التي لا وجود لآلة موصلة إليها لدى الإنسان.

إنّ خالق القوى المدركة للبشر لا يمكن أن يحاط بما خلق، والتعريف

وحده هو الطريق الموصل إلى المعرفة.

2-3. قال الإمام الصادق(عليه السلام):

إِنَّ أَمرَ اللهِ كُلَّهُ عَجِيبٌ إِلَّا أَنَّهُ قَدِ احتَجَّ عَلَيكُم، بِمَا قَد عَرَّفَكُم مِن نَفسِهِ.(1)

وقد ورد هذا النصّ في كتاب المحاسن بسند آخر هكذا:

إِنَّمَا احتَجَ ّ اللهُ عَلَى العِبَادِ بِمَا آتَاهُم وَعَرَّفَهُم.(2)

2-4. قال حمزة الطيّار، قال لي الإمام الصادق(عليه السلام): اكتب، ثمّ أملى:

أَنَّ مِن قَولِنَا إِنَّ اللهَ يَحتَجُ ّ عَلَى العِبَادِ بِالَّذِي آتَاهُم وَعَرَّفَهُم.(3)

الأحاديث المذكورة أيضاً تؤكّد على كون المعرفة فعل اللّه سبحانه وتعالى، ففي

ص: 176


1- . الكافي، ج1، ص86، ح3؛ إثبات الهداة، ج1، ص67، ح14؛ مرآة العقول، ج1، ص302، ح3.
2- . المحاسن، ج1 ص236، ح203؛ بحار الأنوار، ج5، ص301، ح5 (الباب 14 من أبواب العدل من كتاب العدل).
3- . الكافي، ج1، ص164، ح4؛ المحاسن، ج1، ص236، ح204؛ بحار الأنوار، ج2، ص280، ح46 (الباب 33 من أبواب العلم... من كتاب العقل والعلم).

البدء لابدّ أن يُعرّف نفسه لعباده، ومن ثمّ يحتجّ عليهم، وما دامت المعرفة لم تتحقّق من قِبَله، فإنّ الحجّة لم تكتمل على الخلق.

قد بيّنا في الدروس السابقة، أنّ هذه المعرفة، التي هي من قِبَل اللّه سبحانه، ابتدئت في العوالم السابقة، في تلك العوالم عرّف الباري نفسه لعباده، وقد أخذ العهد منهم على تلك المعرفة، وجعل حقيقة هذه المعرفة في وجود كلّ واحد منهم. وأتمّ الخالق الحجّة على عباده بهذه المعرفة.(1)

ولكن - وبتعمّد - أنسى الربّ عباده تلك المعرفة والعهد عليها. الآن ولكي يتمّ الحجّة عليهم في هذه الدنيا أيضاً لابدّ أن يحيي تلك المعرفة في قلوبهم مرّة أخرى، وفي الدنيا أيضاً يتمّ هذا الأمر عبر الأنبياء والأوصياء واستمرار تعاليمهم، بحيث لو لم تصل تعاليم النبيّ لأحد، فإنّ الحجّة لا تكتمل عليه.

2-5. عن عبد الرحيم القصير قال:

كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله(عليه السلام) بمسائل فيها أخبرني عن الله عزّ وجلّ هل يوصف بالصورة و بالتخطيط فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليّ بالمذهب الصحيح من التوحيد فكتب(عليه السلام) بيدي عبد الملك بن أعين:

سَأَلتَ عَنِ المَعرِفَةِ مَا هِيَ؟ فَاعلَم رَحِمَكَ اللهُ أَنَّ المَعرِفَةَ مِن صُنعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي القَلبِ مَخلُوقَةٌ وَالجُحُودَ صُنعُ اللهِ فِي القَلبِ مَخلُوقٌ وَلَيسَ لِلعِبَادِ فِيهِمَا مِن صُنعٍ وَلَهُم فِيهِمَا الاختيار مِنَ الِاكتِسَابِ فَبِشَهوَتِهِمُ الإيمان اختَارُوا المَعرِفَةَ فَكَانُوا بِذَلِكَ مُؤمِنِينَ عَارِفِينَ وَبِشَهوَتِهِمُ الكُفرَ اختَارُوا الجُحُودَ فَكَانُوا بِذَلِكَ كَافِرِينَ جَاحِدِينَ ضُلَّالاً وَذَلِكَ بِتَوفِيقِ اللهِ لَهُم وَخِذلَانِ مَن خَذَلَهُ اللهُ، فَبِالإختيار وَالِاكتِسَابِ عَاقَبَهُمُ اللهُ وَأَثَابَهُم.(2)

ص: 177


1- . قال الرضا(عليه السلام): «بالفطرة تثبت حجّته». التوحيد، ص35، ح2؛ عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، ج1، ص151، ح51؛ الأمالي مفيد، ص254، ح4؛ الاحتجاج، ج2، ص399.
2- . التوحيد، ص227، ح7؛ بحارالأنوار، ج5، ص30، ح39 (الباب الواحد من أبواب العدل من كتاب العدل والمعاد).

يبدو أنّ المعرفة والجحود في هذه الرواية يتناسب وطريق الخير والشر الوارد في تفسير قوله تعالى: إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَ إِمّا كَفُوراً .(1)

إنّ اللّه سبحانه دلّ الإنسان على طريقي الخير والشرّ، وأوجد معرفتهما في قلب الإنسان، ثمّ أعطاه الحُريّة في اختيار أيّهما شاء. وفي النتيجة سيختار أحدهما بإرادته، والإيمان والكفر يتوافقان مع اختياره. فإن اختار طريق الشرّ والغيّ، صار كافراً، وإن اختار طريق الخير والعبوديّة، كان مؤمناً، وبعبارة أخرى، إنّ ما هو فعل اللّه سبحانه يكون منشأً للإيمان والإنكار لدى الإنسان، وليس ذات الإيمان والإنكار، واعتبار الأمر فعلاً للّه يكون بالنظر إلى المنشأ.

والنقطة الأساسيّة التي تشير إليها الرواية، أنّ معرفة طريق اللّه، وطريق إبليس، إنّما هو من عند اللّه سبحانه وتعالى، يجعله اللّه في قلوب عباده، ومن البديهي أنّ معرفة الطريق (أي طريق اللّه) من دون معرفة اللّه أمر لا معنى له، وبهذا التقريب دلت الرواية بالملازمة على أنّ معرفة اللّه إنّما تحصل بفعله ولابدّ أن يعرف اللّه نفسه قبل تعريف طريقه للإنسان كي يعرف الإنسان طريق اللّه ويسير فيه بميله ورغبته.

2 -6. عن سليم بن قيس:

قُلتُ: يَا أَمِيرَ المؤمِنِينَ مَا الإيمان وَمَا الإِسلَامُ؟

قَالَ(عليه السلام): أَمَّا الإيمان فَالإِقرَارُ بِالمَعرِفَةِ، وَالإِسلَامُ فَمَا أَقرَرتَ بِهِ وَالتَّسلِيمُ وَالطَّاعَةُ لَهُم.(2)

قُلتُ: الإيمان الإِقرَارُ بَعدَ المَعرِفَةِ بِهِ؟

قَالَ(عليه السلام): مَن عَرَّفَهُ اللهُ نَفسَهُ وَنَبِيَّهُ وَإِمَامَهُ، ثمّ أَقَرَّ بِطَاعَتِهِ فَهُوَ مُؤمِنٌ.

قُلتُ: المَعرِفَةُ مِنَ اللهِ وَالإِقرَارُ مِنَ العَبدِ؟

قَالَ: المَعرِفَةُ مِنَ اللهِ [دُعَاءٌ] وَحُجَّةٌ وَ [مِنَّةٌ وَنِعمَةٌ] وَالإِقرَارُ [مِنَ اللهِ] قَبُولُ

ص: 178


1- . الإنسان (76)، الآية 3.
2- . أي: الأنبياء والأوصياء. (المؤلّف)

العَبدِ - يَمُنُّ عَلى مَن يَشاءُ وَالمَعرِفَةُ صُنعُ اللهِ تَعَالَى فِي القَلبِ وَالإِقرَارُ [فَعَالُ القَلبِ] مِنَ اللهِ وَعِصمَتُهُ وَرَحمَتُه.(1)

في هذا الحديث - أيضاً - بيان واضح بأنّ المعرفة إنّما هي صنع اللّه عزّ وجلّ، وإنّ اقرار العبد وتسليمه توفيق من اللّه عزّ وجلّ أيضا.

3. ملخّص الدرس

* الهداية وإعطاء المعرفة على اللّه عزّ وجلّ.

* الحصول على المعرفة بالقوى المدركة أمر مستحيل.

* التكليف بكسب معرفة اللّه، تكليف بما لا يطاق.

* للأنبياء وتعاليمهم دور هامّ في إيصال العباد إلى معرفة اللّه - التي هي صنع اللّه - .

* من ابتعد عن هدى الأنبياء تبقى فطرته محجوبة بحجب الغفلة والنسيان، وهؤلاء يبقون في متاهات الغفلة والنسيان بالنسبة إلى معرفة اللّه عزّ وجلّ.

* كلّ الطرق إلى معرفة اللّه مغلقة، سوى مشيئته جلّ وعلا.

* ما أودع اللّه في الإنسان من قوى مدركة، تبقى عاجزة عن إيصال

* الإنسان إلى معرفة اللّه سبحانه.

* يحتجّ اللّه على عباده، بما عرّفهم من نفسه.

* بيان طريق الهدى والضلال فعل اللّه عزّ وجلّ، أمّا انتخاب أحدهما فهو فعل العباد.

4. اختبار ذاتيّ

1. ماذا تستفيد من الآية إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى ؟ بيّن ذلك مفصّلاً.

2. هل كلّف العباد تحصيل معرفة اللّه عزّ وجلّ؟ أجب بالتفصيل.

3. ما هو دور الأنبياء في المعرفة؟ وما هي عواقب الابتعاد عن تعاليمهم؟

ص: 179


1- . كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج2، ص610، ح7؛ بحارالأنوار، ج65، ص288، ح46 (الباب24 من أبواب الإيمان والكفر من كتاب الإيمان والكفر).

4. «إنّ اللّه يحتجّ على العباد بما آتاهم وعرّفهم» اشرح ذلك؟

5. المعرفة والجحود فعل اللّه، ماذا يعني ذلك؟

6. ما المراد من الإيمان في النصّ التالي «من عرّفه اللّه نفسه ونبيّه وإمامه ثمّ أقرّ بطاعته فهو مؤمن»؟

ص: 180

الدرس الثالث عشر 13 : المعرفة صنع اللّه (2)

اشارة

تعلّق الإيمان والكفر على اعطاء المعرفة

المعرفة ليست اكتسابيّة

عجز الخلائق عن كسب المعرفة

محصّلة النصوص المذكورة

الهداية والمعرفة الأوّليّة والثانويّة

ص: 181

ص: 182

تلميح

بعد الانتهاء من الدرس يتوقّع من الطالب أن يعرف أنّ العباد لا يقدرون على كسب معرفة اللّه، بل هي ليست أمراً اكتسابيّاً، وإيمان الناس وكفرهم إنّما يعتمد على إعطاءهم المعرفة. على الطالب أن يتعرّف على الهداية الأوّليّة والثانويّة، ويعرف معنى درجات المعرفة وزيادتها.

ذكرنا في الدرس الثاني عشر بعض الآيات والروايات، الدالّة على كون المعرفة صنع اللّه، وتمّ مناقشتها. وفي هذا الدرس، سنذكر روايات أخرى ونجمعها في أبواب، وبعد ذلك سنتحدّث عن مراتب المعرفة.

1. تعلّق الإيمان والكفر على إعطاء المعرفة

قال سليم بن قيس: سئل رجل أميرالمؤمنين(عليه السلام) قائلاً: ما أدنى ما يكون به الرجل مؤمناً و أدنى ما يكون به كافراً و أدنى ما يكون به ضالّا؟

قَالَ: قَد سَأَلتَ فَاسمعِ الجَوَابَ. أَدنَى مَا يَكُونُ بِهِ مُؤمِناً أَن يُعَرِّفَهَ اللهُ نَفسَهُ، فَيُقِرَّ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالوَحدَانِيَّةِ؛ وَأَن يُعَرِّفَهُ نَبِيَّهُ، فَيُقِرَّ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَبِالبَلَاغَةِ؛ وَأَن يُعَرِّفَهُ حُجَّتَهُ فِي أَرضِهِ وَشَاهِدَهُ عَلَى خَلقِهِ، فَيُقِرَّ لَهُ بِالطَّاعَةِ... .

ص: 183

وَأَدنَى مَا يَكُونُ بِهِ كَافِراً أَن يَتَدَيَّنَ بِشَيءٍ، فَيَزعُمَ أَنَّ اللهَ أَمَرَهُ بِهِ مِمَّا نَهَى اللهُ عَنهُ، ثمّ يَنصِبَهُ دِيناً فَيَتَبَرَّأَ وَيَتَوَلَّى وَ يَزعُمَ أَنَّهُ يَعبُدُ اللهَ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ.

وَأَدنَى مَا يَكُونُ بِهِ ضَالّاً أَن لَا يَعرِفَ حُجَّةَ اللهِ فِي أَرضِهِ وَشَاهِدَهُ عَلَى خَلقِهِ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِطَاعَتِهِ وَفَرَضَ وَلَايَتَه.(1)

في هذا الحديث تصريح من الإمام(عليه السلام) على ضرورة كون المعرفة من قِبَل اللّه سبحانه، ووصولها إلى الإنسان بمشيّته عزّ وجلّ، وبعد المعرفة تكون أدنى مراتب الإيمان التي هي فعل العباد، الإقرار بمحتوى التعريف الإلهيّ، والاعتراف بالربوبيّة والتوحيد، وكذا النبوّة والإمامة.

كذلك نرى في تعريف أدنى مراتب الضلال، أن لا يأتي التعريف من عند اللّه سبحانه وتعالى.

المراد من «لا يعرف حجّة اللّه» نفي المعرفة القصوريّة، أي عدم إمكان المعرفة بالنسبة إليه، بأن لم يجعل اللّه سبحانه صنعه «المعرفة» بالنسبة إلى هذا العبد بشكل فعليّ، ولم يعرّفه حجّته. فعدم الإقرار هنا بسبب عدم وصول التعريف الإلهيّ إليه، وفي الحقيقة تكون القضيّة سالبة بانتفاء الموضوع.

2. المعرفة ليست اكتسابيّة

عن أبي بصير قال: سئل الإمام الصادق(عليه السلام) أنه سئل عن المعرفة:

أَ هِيَ مُكتَسَبَةٌ؟ فَقَالَ: لَا.

فَقِيلَ لَهُ: فَمِن صُنعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِن عَطَائِهِ هِيَ؟

قَالَ: نَعَم وَلَيسَ لِلعِبَادِ فِيهَا صُنعٌ، وَلَهُم اكتِسَابُ الأَعمَال.(2)

كسابقه، يجعل النصّ المعرفة فعلاً للّه سبحانه وتعالى بصورة مطلقة، ومن

ص: 184


1- . كتاب سليم بن قيس الهلاليّ، ج2، ص615، ح8؛ راجع: الكافي، ج2، ص414 -415، ح1؛ بحارالأنوار، ج66، ص17، ح3 (الباب 29 من أبواب الإيمان من كتاب الإيمان والكفر).
2- . التوحيد، ص416، ح15؛ إثبات الهداة، ج1، ص70، ح29.

المعروف أنّ الإنسان بحاجة إلى معرفة في أيّ عمل من الأعمال، فيتبيّن من خلال ذلك، أنّ اللّه سبحانه لو أراد تكليف عبد من عباده بتكليف ما، فلابدّ أن يرزقه المعرفة قبل ذلك، وإلّا فإنّ التكليف بالأمر سوف يكون بما لا يطاق.

كذلك في حال صدور ذلك الفعل من العبد - إن لم يكن بالمعرفة - فإنّ نسبة العمل إليه سيكون مشكلاً، فلا يسمّى كسباً. وبديهيٌّ أنّ معرفة اللّه سبحانه تكون قبل كلّ المعارف، ومتى ما لم تتحقّق هذه المعرفة فإنّ التكليف سيكون لغواً.

قال الإمام الصادق(عليه السلام):

سِتَّةُ أَشيَاءَ لَيسَ لِلعِبَادِ فِيهَا صُنعٌ: المَعرِفَةُ وَالجَهلُ وَالرِّضَا وَالغَضَبُ وَالنَّومُ وَاليَقَظَةُ.(1)

عن محمّد بن حكيم: قلت لأبي عبد اللّه الصادق(عليه السلام):

المَعرِفَةُ مِن صُنعِ مَن هِيَ؟ قَالَ: مِن صُنعِ اللهِ، لَيسَ لِلعِبَادِ فِيهَا صُنعٌ.(2)

في هذين النصّين، عدّ الإمام الصادق(عليه السلام) المعرفة (مطلقاً) صنعاً للّه عزّ وجلّ. فلا مجال للشكّ والتردّد في أنّ جميع المعارف إنّما تعطى لنا من ناحية اللّه سبحانه وتعالى، ولكن السؤال هو: هل جميع المعارف في مستوى واحد وسنخ واحد؟ وهل إنّ جميع المعارف يعطيها اللّه لنا بصورة واحدة؟

من الواضح أنّ اللّه سبحانه وتعالى جعل لبعض المعارف أسباباً ووسائل، يمكن للإنسان من خلال استعمالها بلوغ المعرفة، أي يعطيه اللّه معرفة تلك الأمور، ومن الممكن أن نقول في مثل هذه الأمور: نسبة الفعل إلى اللّه سبحانه فيها، من جهة أنّه هيّأ لنا الأسباب والأدوات الموصلة إليها، لا أن يكون اللّه قد أوجد ذلك الفعل في الناس، فمثلاً لمعرفة الأمور الحسّيّة، وهب اللّه الخلق الحواسّ، فلو استفاد منها1.

ص: 185


1- . الكافي، ج1، ص164، ح1؛ التوحيد، ص411، ح6؛ المحاسن، ج1، ص10، ح29؛ بحارالأنوار، ج5، ص221، ح2 (الباب التاسع من أبواب العدل من كتاب العدل والمعاد).
2- . الكافي، ج1، ص163، ح2؛ التوحيد، ص410، ح1.

الإنسان - مع نور العلم الذي أعطاه اللّه إيّاه - يصير عالماً بالأمور الحسّيّة.

ولا يخفى أنّ اللّه سبحانه قادر على إعطاءه هذه المعارف من دون الحاجة إلى الحواسّ، ولكن سنّة اللّه سبحانه تقتضى أن يصير الإنسان عالماً بالمحسوسات - بنور العلم المعطى له منه - عبر الاستفادة من الحواسّ.

وهذا الأمر الذي قلناه بالنسبة إلى الحواسّ الظاهريّة، يصدق على الحواسّ الباطنيّة وسائر القوى المدركة للإنسان أيضاً، وأعلى من هذه كلّها، نور العلم والعقل اللذان يكون الكشف ذاتيّاً لهما، وحين يرزق اللّه أحداً هذا النور، فبمقدار ما يكون العبد واجداً له يكون واجداً للكشف، يعني امتلاكه لنور العقل عين المعرفة والعلم، وحيث كان العقل والعلم عطاء اللّه، كانت المعرفة أيضاً كذلك.

ولكن ينبغي الالتفات إلى أنّ عطاء اللّه نور العلم والعقل لأحد لا يعني عطاءاً للعلم والمعرفة بشيء خاصّ، إذ المعرفة المضافة إلى شيء خاصّ يكون بفعل الإنسان نفسه عبر الاستفادة من عطاء اللّه عزّ وجلّ. لكن بالنسبة إلى معرفة اللّه ومعرفة صفاته وأفعاله، فإنّ القوى المدركة لدى الإنسان - حتّى نوري العلم والعقل - تعجز عن الوصول إليها؛ فلا مناص من أن يعطي اللّه سبحانه تلك المعرفة إلى عباده على نحو خاص.

فتبيّن لك الفرق بين عطاء اللّه للمعرفة في ما يرتبط بمعرفته هو عزّ وجلّ، وفيما يرتبط بسائر الأمور.

3. عجز الخلائق عن كسب المعرفة

عن صفوان، قال: قلت للعبد الصالح (موسى بن جعفر)(عليه السلام):

هَل فِي النَّاسِ استِطَاعَةٌ يَتَعَاطَونَ بِهَا المَعرِفَةَ؟

قَالَ: لَا، إِنَّمَا هُوَ تَطَوُّلٌ مِنَ اللهِ.

قُلتُ: أَ فَلَهُم عَلَى المَعرِفَةِ ثَوَابٌ إِذَا كَانُوا لَيسَ فِيهِم مَا يَتَعَاطَونَهُ بِمَنزِلَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ فَفَعَلُوهُ؟

ص: 186

قَالَ: لَا إِنَّمَا هُوَ تَطَوُّلٌ مِنَ اللهِ عَلَيهِم وَتَطَوُّلٌ بِالثَّوَابِ.(1)

الكلام في هذا النصّ، عن الثواب على المعرفة، ومن المعلوم أنّ المراد ليس مطلق المعرفة، بل تلك المعارف التي تستتبع التكاليف والثواب. وبالقطع، يمكن القول بأنّ معرفة اللّه سبحانه على رأس هذه المعارف.

وينفي الإمام(عليه السلام) أيّ قدرة على المعرفة لدى الإنسان، بل هي صنع اللّه عزّ وجلّ، بالإضافة إلى ذلك فإنّ إعطاء اللّه سبحانه المعرفة ليس أمراً لازماً عليه، بل هو فضلٌ منه وإحسان، كذلك الثواب على المعرفة هو منّةٌ من اللّه سبحانه يمنّ به على خلقه فإنّهم لا يستحقّون أجراً أبدا.

قال معاوية بن حكيم، سألت الإمام أبا الحسن الرضا(عليه السلام):

لِلنَّاسِ فِي المَعرِفَةِ صُنعٌ؟ قَالَ: لَا.

قُلتُ: لَهُم عَلَيهَا ثَوَابٌ؟

قَالَ: يُتَطَوَّلُ عَلَيهِم بِالثَّوَابِ كَمَا يُتَطَوَّلُ عَلَيهِم بِالمَعرِفَةِ.(2)

ويدلّ هذا النصّ - كسابقه - على تطوّل اللّه بالمعرفة وتطوّله بالثواب على العباد أيضا.

قال الإمام الباقر(عليه السلام):

لَيسَ عَلَى النَّاسِ أَن يَعلَمُوا، حَتَّى يَكُونَ اللهُ هُوَ المُعَلِّمَ لَهُم؛ فَإِذَا عَلَّمَهُم، فَعَلَيهِم أَن يَعلَمُوا.(3)

وهذا الحديث أيضاً يبيّن بوضوحٍ أنّ المعرفة فعل اللّه وصنعه، وليس للعباد فيه صنع ولا تكليف.).

ص: 187


1- . المحاسن، ج1، ص281، ح410؛ بحارالأنوار، ج5، ص223، ح12 (الباب التاسع من أبواب العدل من كتاب العدل والمعاد).
2- . قرب الإسناد، ص347، ح1256؛ بحارالأنوار، ج5، ص221، ح1 (الباب التاسع من أبواب العدل من كتاب العدل والمعاد).
3- . المحاسن، ج1، ص200، ح32؛ بحارالأنوار، ج5، ص222، ح9 (الباب التاسع من أبواب العدل من كتاب العدل والمعاد).

عن البزنطيّ، قال قلت للإمام(عليه السلام):

أَصْلَحَكَ اللهُ إِنَّ قَوْماً مِنْ أَصْحَابِنَا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ مُكْتَسَبَةٌ، وَأَنَّهُمْ إِذَا نَظَرُوا مِنْ وَجْهِ النَّظَرِ(1) أَدْرَكُوا، فَأَنْكَرَ(عليه السلام) ذَلِك.(2)

4. محصّلة النصوص المذكورة

1. هذه المجموعة من النصوص، كالروايات في باب معرفة اللّه باللّه، تنفي أيّ معرفة من قِبَل غير اللّه عزّ وجلّ.

2. معرفة اللّه فعل مباشر له عزّ وجلّ، وليس للعباد أيّ وسيلة للوصول إليها.

3. ليس لأحد القدرة للوصول إلى معرفة اللّه عزّ وجلّ.

4. ليس هناك طريق لدى الخلق للوصول إلى المعرفة إلّا الطريق الذي جعله اللّه عزّ وجلّ.

5. معرفة اللّه صنع اللّه عزّ وجلّ، ويتطوّل على العباد بإعطائهم المعرفة،

ومضافاً إلى ذلك يتطوّل عليهم بالثواب عليها.

6. إعطاء المعرفة ليس أمراً لازماً على اللّه عزّ وجلّ، بل هو منّة وتفضّل منه على عباده وهذا الأمر ليس واجباً عليه ولا الخلق يستحقّ ذلك.

7. كلّ عبد كلّف بشيء من قِبَل اللّه سبحانه، فلابدّ أن يكون قادراً على أداءه، ولأنّ المعرفة أمر خارج عن اختيار البشر، فليس هناك من هو مكلّف بها.

8. أيّ تكليف من قِبَل اللّه سبحانه موقوف على المعرفة أوّلاً، فإذا لم يعرف العبد ربّه، ليس على عاتقه أيّ تكليف.

9. تختلف معرفة اللّه عن سائر المعارف، رغم أنّها جميعاً من عند اللّه عزّ وجلّ، ولكن في سائر المعارف يهيّئ الربّ الأسباب والأدوات الموصلة إلى المعرفة،

ص: 188


1- . أي نظروا عبر الطريق الصحيح. (المؤلّف)
2- . قرب الإسناد، ص356، ح1274؛ بحارالأنوار، ج22، ص101، ح58 (الباب 37 من أبواب أحواله... من كتاب تاريخ نبيّنا(صلى الله عليه و آله).

فيتّبعها الإنسان ويصل عبرها إلى المعرفة عن طريق قواة الإدراكيّة، ولكن بالنسبة إلى معرفة اللّه سبحانه فتعجز القوى المدركة لديه، ولابدّ أن يعرّف اللّه نفسه.

10. بعد أن يعرّف اللّه نفسه للعباد، عليهم أن يحافظوا على هذه المعرفة والعمل على أساس العبوديّة والخضوع له، لتستمرّ هذه المعرفة أوّلاً ويزيدها اللّه سبحانه وتعالى.

5. الهداية والمعرفة الأوّليّة والثانويّة

كان الحديث فيما سبق عن أنّ معرفة اللّه فعله عزّ وجلّ، فلابدّ أن يعرّف نفسه للعباد. والآن نقول أنّ هذه المعرفة - التي هي صنع اللّه - لها

درجات(1) وترتّب بعض التكاليف المعيّنة على كلّ مرتبة من تلك المراتب.

أمّا المرتبة الأولى فهي المعرفة الابتدائيّة التي يعطيها الربّ لجميع عباده، وحينها على كلّ من اعطاه اللّه هذه المعرفة أن يخضع للّه سبحانه ويظهر العبوديّة ويقوم بوظائفها، وبإذعانه وخشوعه للّه عزّ وجلّ فإنّه يعلن شكره لهذه النعمة العظيمة - أي نعمة المعرفة -.

من جهة أخرى كتب اللّه على نفسه، أن يزيد على من شكر نعمته، فتستتبع الطاعة والتسليم مراتب أخرى من المعرفة التي يتفضّل اللّه بها على العباد، وتلزم كلّ معرفة شكراً خاصّاً وتكليفاً جديداً. وبسبب الشكر والطاعة يزداد العبد قرباً إلى اللّه عزّ وجلّ ويزداد معرفة به سبحانه. ويصل إلى مرتبة لا يغفل العبد عنه، ويرى نفسه في كلّ حال محتاجاً ومفتقراً إليه، ولا يرى شيئاً مستقلّاً عن اللّه سبحانه وتعالى.

وفيما يلي نشير إلى بعض الآيات التي تذكر نوعي المعرفة:

إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَ إِمّا كَفُوراً .(2)

ص: 189


1- . المقصود من كون المعرفة ذا درجات ومراتب أنّ المرتبة الثانية مترتّبة على المرتبة الأولى هو ما أشار إليه القرآن الكريم من زيادة المعرفة بقوله (وَالَّذينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) (محمد (47)، الآية 17) فكيف تزداد المعرفة؟ هل المراد الشدّة والضعف والكمال والنقص والظهور والإبهام أو الظهور والأظهريّة وأمثال ذلك؟ الظاهر أنّ المراد من زيادة المعرفة التي هي فعل اللّه ليست هذه الأمور لأنّها تكون في المعرفة الإحاطيّة والتي تكون عن طريق الأسباب ومعرفة اللّه لا تسانخ الموارد المذكورة فإنّها فعل اللّه وفعل اللّه لا يكيّف. (المؤلّف)
2- . الإنسان (76)، الآية 3.

يمكن حمل الآية على المعرفة الأوّليّة، ولكن من خلال ما سبق ذكره يمكن أن نصل إلى أنّ الآية تشير إلى كلا الموردين، إذ أنّ كلّ مرتبة من

المعرفة تلزم تكاليفاً خاصّة بالنسبة إلى العارف بها يعتبر شكراً لتلك المرتبة، وعدم الإتيان بالتكليف يعدّ كفراً بتلك النعمة، وعليه يمكن حمل الآية على الهداية بشكل مطلق.

ويبدو أنّ أكثر الآيات التي تشير إلى المعرفة الابتدائيّة (الأوّليّة)، تتحدّث عن المعرفة الفطريّة.

والآيات التالية تشير إلى المرتبة الثانية من المعرفة؛ قال اللّه تعالى:

وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ؛(1)

اَلَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ؛(2)

وَ يَزِيدُ اللّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً ؛(3)

وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ؛(4)

لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .(5)

لا تدلّ الآية الأخيرة على المعرفة الثانويّة بشكل مباشر، ولكن مع الالتفات إلى أنّ قبول الهداية والمعرفة يعدّ شكراً لتلك النعمة، فإنّ الشكر يلزم زيادة النعمة بنصّ الآية المباركة، كما أكّدت الآيات السابقة على زيادة الهدى للمهتدي.

ويقول ربّنا سبحانه في آية أخرى:

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ .(6)

ذكر اللّه عبادَه، ليس إلّا لطفاً وكرماً وإحساناً وازدياداً لنعمة المعرفة، وقرباً منه سبحانه. ويذكر العبد ربّه حينما يُعرّف اللّه نفسه له.2.

ص: 190


1- . التغابن (64)، الآية 11.
2- . العنكبوت (29)، الآية 69.
3- . مريم (19)، الآية 76.
4- . محمّد (47)، الآية 76.
5- . إبراهيم (14)، الآية 7.
6- . البقرة (2)، الآية 152.

ويُعلّم اللّه عباده في سورة الحمد، أن يطلبوا الهداية والمعرفة من ربّهم، مهما بلغوا من درجاته: اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ .(1)

يقول الإمام الرضا(عليه السلام) في تفسير هذه الآية:

اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ

استِرشَادٌ لِأَدَبِهِ وَاعتِصَامٌ بِحَبلِهِ وَاستِزَادَةٌ فِي المَعرِفَةِ بِرَبِّهِ وَبِعَظَمَتِهِ وَبِكِبرِيَائِهِ.(2)

فالمؤمن - في أيّ درجة كان في إيمانه - فإنّه يطلب المزيد من ربّه سبحانه، وأدب الحضور في محضره عزّ وجلّ.

وهكذا تبيّن أنّ المعرفة في أيّ درجة ومرتبة منها، تبقى فعلاً للّه سبحانه، مع هذا الاختلاف بأنّ المرتبة الأولى تفضّل محض من اللّه، إذ لم يتعهّد اللّه عزّ وجلّ إعطاءها، ولكن في المراتب الأخرى فإنّ تسليم العبد وشكره لنعمة المعرفة، يستتبع المزيد لوعد اللّه عزّ وجلّ بإعطاء المزيد لمن شكر أنعمه واهتدى بهديه.

6. ملخّص الدرس

* أدنى مراتب الضلال أن لا يُعرّف اللّه نفسه.

* لابدّ من المعرفة قبل أيّ فعل، فلو كان العمل من دون معرفة فلا ينسب الفعل إلى من صدر منه الفعل.

* كلّ المعارف من اللّه سبحانه، وقد جعل اللّه لبعضها أسباباً ووسائل.

* نور العلم والعقل عطاء اللّه سبحانه، وعليه فإنّ المعرفة أيضاً عطاء اللّه عزّ وجلّ.

* إعطاء نور العلم والعقل ليس يعني عطاءاً بعلم خاصّ ومعرفة خاصّة.

* كما أنّ المعرفة فضل وإحسان من اللّه سبحانه، كذلك إعطاء الثواب في قبالها إحسان آخر منه عزّ وجلّ.

ص: 191


1- . الفاتحة (1)، الآية 6.
2- . عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، ج2، ص107، ح1؛ بحار الأنوار، ج6، ص68، ح1 (الباب 23 من أبواب العدل من كتاب العدل والمعاد).

* للمعرفة - التي هي فعل اللّه - مراتب ودرجات، وتترتّب على كلّ مرتبة منها تكاليف خاصّة.

* للوصول إلى المراتب العليا من المعرفة لابدّ من المرتبة الأولى.

* إعطاء المرتبة الأولى من المعرفة ليس لازماً على اللّه سبحانه، ولكن إعطاء المراتب العليا وعد من اللّه سبحانه لمن آمن وسلّم وخضع للمعرفة الأوّليّة.

7. اختبار ذاتيّ

1. «أدنى ما يكون به ضالّاً أن لا يعرف حجّة اللّه في أرضه...» اشرح هذه العبارة.

2. المعرفة بشيء خاصّ، هل هي فعل اللّه أم يستند إلى فعل الإنسان؟ (أجب كاملا).

3. اشرح العبارة التالية «نور العلم والعقل عطاء اللّه سبحانه، وعليه فإنّ المعرفة أيضاً عطاء اللّه عزّ وجلّ».

4. هل للعبد على المعرفة - التي هي فعل اللّه - ثواب؟

5. ما المراد بالمعرفة الأوّليّة والمعرفة الثانويّة؟

6. هل إعطاء الدرجات العليا من المعرفة أمر لازم على اللّه سبحانه؟ (أجب مفصّلا).

7. هل يلزم للوصول إلى المراتب العليا من المعرفة وجود المرتبة الأولى منها؟ (أجب مفصّلا).

ص: 192

الدرس الرابع عشر 14 : المعرفة صنع اللّه (الروايات المتعارضة ظاهراً)

اشارة

المعرفة رأس الدين

رأس العبادة، المعرفة

الأمر الإلهيّ بكسب العلم والمعرفة

المعرفة، أفضل الاعمال وأوجب الفرائض

حلّ التعارض الظاهري بين فئتين من النصوص، ووجه الجمع

ص: 193

ص: 194

تلميح

بعد الانتهاء من مطالعة الدرس يتوقّع من الطالب أن يكون له فهم صحيح للروايات المتعارضة ظاهراً مع كون المعرفة صنعاً للّه سبحانه؛ ويعرف التفسير الصحيح لكون المعرفة أوّل الدين، وكذا يتعرّف على المراد من الأمر الإلهيّ بكسب وتعلّم المعرفة، وفي النهاية يكون قادراً على حلّ التعارض الظاهر بين هذه المجموعة من النصوص.

من خلال دراسة الآيات والروايات التي مرّت في الدرسين السابقين، تبيّن لك بوضوح أنّ معرفة اللّه هي صنعه، ولم يكلّف العباد المعرفة؛ بل على اللّه أن يُعرّف نفسه ومن ثمّ على العباد أن يقبلوا التعريف ويؤمنوا به. وفي رواية بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه الصادق(عليه السلام) تصريحٌ بهذا الأمر حيث

قال(عليه السلام):

لَيسَ للهِ عَلى خَلقِهِ أَن يَعرِفُوا، وَلِلخَلقِ عَلَى اللهِ أَن يُعَرِّفَهُم، وَللهِ عَلَى الخَلقِ إِذَا عَرَّفَهُم أَن يَقبَلُوا.(1)1.

ص: 195


1- . الكافي، ج1، ص164، ح1.

ولابدّ إلى الالتفات إلى أنّ المعرفة سواء الأوّليّة أو الثانويّة، إنّما هي صنع اللّه عزّ وجلّ وفعله، مع الفرق بأنّ في الابتدائيّة يعرف اللّه نفسه من دون وجود أيّ أرضيّة وسابقة يستحقّ بها الإنسان المعرفة، أمّا في المعرفة الثانويّة فإن أرضيّتها القبول والإيمان بالتعريف الابتدائيّ: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً .(1)

كما ينبغي الإشارة إلى أنّ الروايات قد تسمّى «الإيمان والقبول» بالمعرفة، وسنتحدّث عن هذا الأمر خلال البحث عن الروايات المتعارضة.

يبدو أنّ الأمور السالفة قرائن تمكننا من الوصول إلى المعنى الصحيح للروايات التي سنتحدّث عنها، وتكون بمثابة حلّ للتعارض الموجود بين الفئتين.

1. المعرفة رأس الدين

قال أميرالمؤمنين(عليه السلام):

أَوَّلُ الدِّينِ مَعرِفَتُه.(2)

يدلّ هذا النصّ على أنّ معرفة اللّه أصل أصول الدين، حيث لا دين من دونه.

ونظير هذا الحديث مع اختلاف بسيط قد روي عن الإمام موسى بن جعفر(عليهما السلام) والإمام الرضا(عليه السلام)، فقد قال الإمام الكاظم(عليه السلام):

أَوَّلُ الدِّيَانَةِ بِهِ مَعرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعرِفَتِهِ تَوحِيدُهُ.(3)

وقال الإمام الرضا(عليه السلام):

أَوَّلُ الدِّيَانَةِ مَعرِفَتُهُ وَكَمَالُ مَعرِفَتِهِ تَوحِيدُهُ ُ.(4)

وعنه(عليه السلام)، أيضاً:

ص: 196


1- . محمّد (47)، الآية 17.
2- . نهج البلاغة، الخطبة الأوّل، ص39؛ بحارالأنوار، ج4، ص247، ح5 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).
3- . الكافي، ج1، ص140، ح6.
4- . التوحيد، ص57، ح14؛ بحارالأنوار، ج4، ص285، ح17 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى من كتاب التوحيد).

لَا دِيَانَةَ إِلَّا بَعدَ مَعرِفَتِهِ وَلَا مَعرِفَةَ إِلَّا بِالإِخلَاصِ.(1)

هل يمكن أن يستفاد من هذه الروايات أنّ معرفة اللّه سبحانه، شأنها شأن سائر الأفعال العباديّة، هي فعل للإنسان، فمن أراد أن يكون متعبّداً فلابدّ له أن يقوم أوّلاً بتحصيل المعرفة؟ وفي هذه الحالة ألّا تتعارض هذه الروايات مع النصوص الدالّة على أنّ المعرفة صنع اللّه سبحانه؟

مع الالتفات إلى مجموع النصوص، لابدّ أن نقول بأنّ المعرفة التي هي رأس الدين وأوّله وأوّل خطوة في سبيل التديّن، تختلف عن تلك المعرفة

التي ذكرت في روايات صنع اللّه عزّ وجلّ، وإن قلنا إنّها هي تلك المعرفة فلابدّ أن تكون داخلة في ضمن وظائف العباد؛ بل لابدّ أن تكون خارجة عن مجموعة التعاليم العقائديّة التي كلّف العباد كسبها والحصول عليها.

ويمكن أن يكون المراد من المعرفة نفس المعرفة التي هي فعل اللّه عزّ وجلّ، ولكنّ الدين يكون أعمّ من فعل الإنسان وكسبه، أو المعرفة التي يوجدها اللّه سبحانه بفضله وجوده وإحسانه في العباد.

والحاصل، فإن كان المراد من المعرفة التي هي رأس الدين، معرفة اللّه عزّ وجلّ بتوسّط وتذكير الأنبياء والرسل والحجج، فهي ستكون بالتالي من اللّه عزّ وجلّ، وبهذا التقريب فإنّ الروايات هذه لا تتعارض أبداً مع النصوص الدالّة على أنّ المعرفة صنع اللّه عزّ وجلّ وفعله.

بالرغم من ذلك، فلا إشكال في القول باختلاف هذه المعرفة عن تلك المعرفة الواردة في الروايات التي مرّت عليك في الدروس السابقة، ذلك لأنّ بعض النصوص تطلق على «القبول» و «الإيمان» بالمعرفة التي أعطاها اللّه للخلق، تطلق عليها اسم المعرفة أيضاً.).

ص: 197


1- . الاحتجاج، ج2، ص400؛ التوحيد، ص40، ح2 وفيه (بعد معرفة)؛ بحارالأنوار، ج4، ص230، ح3 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).

ومن ذلك يستفاد أنّ المعرفة قد وردت على معنيين في الروايات؛ الأوّل: فعل اللّه عزّ وجلّ الذي يوجده في عباده، والثاني: فعل العباد بقبول التعريف المعبّر عنه بالتسليم والتصديق والإيمان.

مع هذا البيان، اتّضح أنّ الروايات الدالّة على أنّ المعرفة التي هي رأس الدين، تحتمل كلا المعنيين، وعلى المعنيين لا تعارض بينها وبين

النصوص الدالّة على أنّ المعرفة صنع اللّه سبحانه.

2. رأس العبادة، المعرفة

قال الإمام الرضا(عليه السلام):

أَوَّلُ عِبَادَةِ اللهِ مَعرِفَتُهُ.(1)

ونظيره وصيّة النبيّ(صلى الله عليه و آله) لأبي ذرّ:

يَا أَبَاذَرٍّ، اعبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِن كُنتَ لَا تَرَاهُ، فَإِنَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) يَرَاكَ، وَاعلَم أَنَّ أَوَّلَ عِبَادَتِهِ المَعرِفَةُ بِهِ، بِأَنَّهُ الأَوَّلُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ فَلَا شَيءَ قَبلَهُ، وَالفَردُ فَلَا ثَانِيَ مَعَهُ.(2)

المعرفة التي تعتبر أوّل العبادة ورأسها، كالمعرفة في المجموعة الأولى من النصوص تتناسب مع كلا المعنيين المذكورين هناك، ذلك لأنّ من أراد أن يعبد اللّه فلابدّ أن يكون عارفاً به، سواء قلنا بكونها منه أو من عند اللّه عزّ وجلّ.

أمّا إذا كانت المعرفة داخلة في العبادة - كما هو ظاهر عبارة «أوّل عبادة اللّه» فتكون المعرفة التي هي الخطوة الأولى من العبادة جزءاً من العبادة - في هذه الصورة ستكون المعرفة فعل العبد لا صنع اللّه. وفي هذه الصورة يكون المراد من المعرفة هو التصديق والإقرار والإذعان والإيمان الذي يكون من جهة العبد تجاه التعريف الإلهيّ؛

ص: 198


1- . التوحيد، ص34، ح2؛ عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، ج1، ص150، ح51.
2- . الأمالي (للطوسيّ)، ص526، ح[1162] 1؛ بحارالأنوار، ج74، ص74، ح3 (الباب الرابع من أبواب المواعظ والحكم... من كتاب الروضة).

وليس المراد منها أصل المعرفة الذي هو فعل اللّه سبحانه.

3. الأمر الإلهيّ بكسب العلم والمعرفة

قال اللّه سبحانه:

فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ .(1)

وقد كتب الشيخ الطوسيّ(رحمة الله)في تفسير هذه الآية:

«فاعلم» يا محمّد «أنّه لا اله إلّا اللّه»؛ أي لا معبود يحقّ العبادة إلّا اللّه. وفي ذلك دلالة على أنّ المعرفة باللّه اكتساب؛ لأنّها لو كانت ضروريّة لما أمر بها.(2)

وكذلك يقول في تفسير قوله تعالى:

اِعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .(3). التقريرات، مناصب النبيّ، ص24.(4)

وفي الآية دلالة على أنّ المعرفة باللّه وبصفاته ليست ضروريّة، لأنّها لو كانت ضروريّة لما أمرنا بها. وليس لأحد أن يقول إنّما أمر على جهة التذكير والتنبيه، لأنّ ذلك ترك للظاهر.(5)

يقول الميرزا مهديّ الإصفهانيّ(رحمة الله)في تفسير الآية الأولى:

ليس معناه: حصّل العلم بذلك، بل معناه أنّه تنبّه أيّها المخاطب بأنّه لا إله إلّا هو.(5)

فكلمة «اعلم» في كلام العرب، تستخدم بالإضافة إلى تحصيل العلم، لتنبيه المخاطب، وهذا الاستعمال ورد كثيراً في كلامهم. ومن خلال الالتفات إلى هذا الأمر وكذا الالتفات إلى الآيات والروايات المتواترة التي تعدّ المعرفة صنع اللّه عزّ وجلّ، استفاد الميرزا الإصفهانيّ(رحمة الله)بأنّ الكلمة في الآية على معناها الشائع - أي

ص: 199


1- . إبراهيم (14)، الآية 10.
2- . التبيان، ج9، ص300.
3- . المائده
4- ، الآية 101.
5- . التبيان، ج4، ص33.

التنبّه - ولا ضير إذا كان ذلك مخالفاً لظاهر الآية لوجود القرائن المذكورة.(1)

4. المعرفة، أفضل الأعمال وأوجب الفرائض

قال الإمام الصادق(عليه السلام):

إِنَ ّ أَفضَلَ الفَرَائِضِ وَأَوجَبَهَا عَلَى الإنسان مَعرِفَةُ الرَّبِّ وَالإِقرَارُ لَهُ بِالعُبُودِيّةِ. (2)

وكذا نقل عنه(عليه السلام)، أنّه سأله البعض في مجلسٍ: أيّ الأعمال أفضل؟ فقال(عليه السلام):

تُوحِيدُكَ بِرَبِّكَ.(3)

لم يتطرّق الحديث إلى المعرفة، ولكن باعتبار أنّ المعرفة هي عين التوحيد، والتوحيد عين المعرفة، فإنّ هذه الرواية أيضاً تكون محلّ البحث والدراسة.

يقول آية اللّه الميرزا مهديّ الاصفهانيّ(رحمة الله عليه):

لا يقال: قد مرّ منك أنّ توحيد اللّه هو عين معرفته كما صرّحت به الخطب المنقولة، والمعرفة فعله تعالى، فكيف جعله الإمام من أعمال العباد؟ لأنّا نقول: إنّ الانفعال بفعل اللّه تعالى أمر اختياريّ يرجع إلى العبد. فمن هذه الحيثيّة يكون التوحيد من أفعال العباد. ومعنى توحيد العبد للّه تعالى أن ينفعل بتعريف اللّه تعالى حتّى يدخل في زمرة العارفين وفي فرقة الموحّدين. وأمّا نفس التوحيد فهو فعل اللّه تعالى كتعريفه نفسه.(4)

وقال الإمام الصادق(عليه السلام) أيضاً:

لَو يَعلَمُ النَّاسُ مَا فِي فَضلِ مَعرِفَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا مَدُّوا أَعيُنَهُم إلى مَا مَتَّعَ اللهُ بِهِ الأَعدَاءَ مِن زَهرَةِ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَنَعِيمِهَا، وَكَانَت دُنيَاهُم أَقَلَّ عِندَهُم

ص: 200


1- . القرائن العقليّة والنقليّة فلو أمكن تحصيل معرفته لكان شبيهاً بالخلق وهو ليس كمثله شيء.
2- . كفاية الأثر، ص262؛ بحارالأنوار، ج4، ص55، ح32 (الباب الخامس من أبواب تأويل الآيات من كتاب التوحيد).
3- . الأمالي (للطوسيّ)، ص687، ح[1458] 1؛ بحارالأنوار، ج3، ص8، ح18 (الباب الأوّل من كتاب التوحيد).
4- . التقريرات، مناصب النبي(صلى الله عليه و آله)، ص60.

مِمَّا يَطَؤُونَهُ بِأَرجُلِهِم.(1)

سئل الإمام زين العابدين(عليه السلام):

أيُّ الأعمَالِ أفضَلُ عِندَ اللهِ عزّ وَجَلّ؟

فَقَالَ: مَا مِن عَمَلٍ بَعدَ مَعرِفَةِ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ وَمَعرِفَةِ رَسُولِهِ(صلى الله عليه و آله) أَفضَلَ مِن بُغضِ الدُّنيَا.(2)

وروي عن الإمام الرضا(عليه السلام):

أَنَ ّ أَفضَلَ الفَرَائِضِ - بَعدَ مَعرِفَةِ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ - الصَّلَاةُ الخَمسُ.(3)

سئل الإمام الصادق(عليه السلام):

أيُّ الأعمَالِ أحَبُّ إلى اللهِ تَعالَى بَعدَ مَعرِفَتِهِ؟

فَقَالَ: إِدخَالُ السُّرُورِ عَلَى المُؤمِن.(4)

قال الإمام عليّ بن الحسين(عليه السلام):

مَا مِن شَيءٍ أَحَبَّ إلى اللهِ بَعدَ مَعرِفَتِهِ، مِن عِفَّةِ بَطنٍ وَفَرجٍ.(5)

قال الإمام الباقر(عليه السلام):

ذِروَةُ الأَمرِ وَسَنَامُهُ وَمِفتَاحُهُ وَبَابُ الأشياء وَرِضَا الرَّحمَنِ الطَّاعَةُ لِلإِمَامِ بَعدَ مَعرِفَتِهِ.(6)).

ص: 201


1- . الكافي، ج8، ص247، ح347.
2- . الكافي، ج2، ص130، ح11؛ بحارالأنوار، ج70، ص59، ح29 (الباب 122 من أبواب الكفر من كتاب الإيمان والكفر).
3- . مستدرك الوسائل، ج3، ص43، ح[2974] 11 (الباب العاشر من أبواب أعداد الفرائض... من كتاب الصلاة)؛ راجع: الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا(عليه السلام)، ص100؛ بحارالأنوار، ج80، ص20، ح37 (الباب السادس من أبواب أهمّيّتها... من كتاب الصلاة) وفيهما «الصلوات» بدل «الصلاة».
4- . مستدرك الوسائل، ج12، ص400، ح[14413] 22 (الباب 24 من أبواب فعل المعروف من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
5- . تحف العقول، ص282؛ بحارالأنوار، ج75، ص141 (الباب 21 من أبواب المواعظ والحكم من كتاب الروضة).
6- . الكافي، ج1، ص185، ح1؛ وسائل الشيعة، ج1، ص119، ح[298] 2 (الباب 29 من أبواب مقدّمة العبادات من كتاب الطهارة).

وتكون الرواية هذه محلّاً للبحث، إذا كان مرجع الضمير في قوله «بعد معرفته» عائداً إلى معرفة اللّه سبحانه، لا معرفة الإمام، والنصّ يحمل كلا المعنيين.

وقد أرجع المرحوم ملّا صالح المازندرانيّ الضمير إلى اللّه سبحانه وقال:

وإنّما قال بعد معرفته للتنبيه على أنّ أصل معرفته تعالى أفضل منها، كيف لا وهي أصل لها؟ وإن كان كمال المعرفة إنّما يحصل بها. وبالجملة نظام الطاعة موقوف على أصل المعرفة. وكمال المعرفة موقوف على نظام الطاعة.(1)

قال الإمام الصادق(عليه السلام):

وَجَدتُ عِلمَ النَّاسِ كُلَّهُ فِي أَربَعٍ: أَوَّلُهَا أَن تَعرِفَ رَبَّكَ، وَالثَّانِي أَن تَعرِفَ مَا صَنَعَ بِكَ، وَالثَّالِثُ أَن تَعرِفَ مَا أَرَادَ مِنكَ، وَالرَّابِعُ أَن تَعرِفَ مَا يُخرِجُكَ مِن دِينِكَ.(2)

قد يتوهّم للوهلة الأولى أنّ الحديث هذا يتعارض مع روايات كون المعرفة فعل اللّه سبحانه، وعدم تكليف العباد كسب المعرفة؛ ولكن التأمّل في النصّ يبيّن - كما في النصوص السابقة - إنّ المعرفة هنا ناظرة إلى المعنى الثاني، أي التصديق والإيمان باللّه، التصديق والإيمان بنِعَم اللّه سبحانه التي أودعها في الإنسان، التصديق والإيمان بما يريده اللّه منّا، ومعرفة ما يخرج الإنسان من دين اللّه وصراطه.

هذه المعرفة هي فعل الإنسان، وتسمّى علم الإنسان. بلى، يمكن أن يقال للعلم الواصل من اللّه للعبد أيضاً، أنّه علم الإنسان، لأنّ اللّه أعطاه للإنسان فحمله العبد. فيتبيّن من ذلك، عدم وجود منافاة مع المعنى الأوّل للمعرفة أيضاً، ولكن إن أصرّ أحد على أنّ المعرفة والعلم هنا فعل الإنسان، نقول: مع ملاحظة النصوص الأخرى لابدّ أن يقال إنّ المعرفة هنا بمعنى التصديق والإيمان.8.

ص: 202


1- . شرح أصول الكافي، ج5، ص181.
2- . الكافي، ج1، ص5، ح11؛ معاني الأخبار، ص394، ح49؛ الخصال، ج1، ص239، ح87؛ المحاسن، ج1، ص233، ح188.

والحاصل أنّ النصوص التي قد تظهر مخالفة مع النصوص الدالّة على كون المعرفة صنع اللّه سبحانه، في الوهلة الأولى لا تخالفه مع الدقّة وفي نهاية الأمر، إذ أنّها تُحمل على معنىً آخر للمعرفة وهو قبول المعرفة من قِبَل الإنسان، ولا يخفى أنّ إطلاق المعرفة على التصديق والتسليم في قبال المعرفة والتنبّه أمرٌ متعارف في عرف التفاهم والتخاطب عند البشر، فمن لم يعمل على أساس معرفته يسمّى جأهلاً وفاقداً للمعرفة، والنصوص التي مرّت عليك تشير إلى هذه الحقيقة أيضاً، أي إنّ المعرفة هي الأساس للعمل، فلا عمل من دون وجود معرفة.

5. حلّ التعارض الظاهريّ بين فئتين من النصوص، ووجه الجمع

يمكن أن يقال إنّ هذه النصوص تدلّ بوضوح، على أنّ المعرفة فعل الإنسان. وفي الجواب نقول: يرتسم هذا التصوّر لمن قرأ هذه النصوص لوحدها ومن دون ملاحظة النصوص الأخرى، إذ لابدّ أن نلاحظ سائر الروايات الواردة في الباب، كالنصوص الدالّة بصراحة على كون المعرفة فعل اللّه سبحانه، وروايات «معرفة اللّه باللّه» وروايات «المعرفة الفطريّة» وكذا النصوص الدالّة على عجز القوى المدركة لدى البشر على كسب المعرفة. وفي هذه الحالة (أي ملاحظة النصوص الأخرى) لا يستقيم عنده هذا الظهور. وليس أمام من استفاد كسبيّة المعرفة من هذه النصوص إلّا أحد طريقين: إمّا أن يصرف النظر عن صراحة النصوص الأخرى، أو أن يصرف النظر عن الظهور في نصوص هذا الباب.

ولكن، حيث يوجد دليل آخر في المقام، فإنّا لا نتنازل عن ظهور النصوص في البابين، ونقول بعد ملاحظة هذا الدليل إنّ المعرفة في الروايات تدلّ على معنيين، وكلّ مدلول يختلف عن الآخر، وبناءاً عليه يحلّ الخلاف الظاهر؛ وذلك أنّ المعرفة قد أطلقت في النصوص على الإيمان والتصديق أيضاً.

ورد في كتاب فقه الرضا(عليه السلام):

أَروِي أَنَ المَعرِفَةَ التَّصدِيقُ وَالتَّسلِيمُ وَالإِخلَاصُ فِي السِّرِّ وَالعَلَانِيَة وَأَروِي

ص: 203

أَنَّ حَقَ ّ المَعرِفَةِ أَن يُطِيعَ وَلَا يَعصِيَ وَيَشكُرَ وَلَا يَكفُر.(1)

هنا تصريح بأنّ المعرفة هي التصديق والتسليم والإخلاص، وهذا يدلّ على وجود إطلاق ثانٍ للفظة المعرفة في نصوص أهل البيت(عليهم السلام).

وكذا ورد في تفسير قوله تعالى: وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ،(2) ورد عن الإمام(عليه السلام):

الشُّكرُ المَعرِفَة.

وفي قوله: وَ لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَ إِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ/(3) ورد قوله(عليه السلام):

الكُفرُ هَاهُنَا الخِلَافُ وَالشُّكرُ الوَلَايَةُ وَالمَعرِفَةُ.(4)

في النصّ فُسّر الشكر - الذي هو فعل الإنسان - بالمعرفة. أضف اليه أنّ الرواية التي وردت عن العمل والمعرفة عن الإمام الصادق(عليه السلام) تحلّ هذه الإشكاليّة، حيث قال(عليه السلام):

لَا يَقبَلُ اللهُ عَمَلاً إِلَّا بِمَعرِفَةٍ وَلَا مَعرِفَةً إِلَّا بِعَمَلٍ وَمَن يَعمَل دَلَّتهُ المَعرِفَةُ عَلَى العَمَلِ وَمَن لَم يَعمَل، فَلَا مَعرِفَةَ لَهُ إِنَّمَا الإيمان بَعضُهُ مِن بَعضٍ.(5)

في الحديث الشريف، نفى عن إطلاق المعرفة على تلك المعرفة التي لا تستتبع العمل. وهذا الحديث يتبيّن أنّ المعرفة أمر لا ينفكّ عن العمل، وإن لم يكن عملاً فلا معرفة.

نعم، المعرفة الابتدائيّة التي يعطيها اللّه سبحانه للإنسان، لا تلازم العمل دائماً،ر.

ص: 204


1- . الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا(عليه السلام)، ص65؛ بحارالأنوار، ج3، ص14، ح34 (الباب الأوّل من كتاب التوحيد).
2- . البقرة (2)، الآية 185.
3- . الزمر (39)، الآية 7.
4- . المحاسن، ج1، ص149، ح65؛ بحارالأنوار، ج24، ص60، ح29 (الباب 29 من أبواب الآيات النازلة فيهم من كتاب الإمامة).
5- . الكافي، ج1، ص44، ح2؛ المحاسن، ج1، ص198، ح25؛ تحف العقول، ص294؛ بحارالأنوار، ج1، ص206، ح2 (الباب الخامس من أبواب العلم وآدابه... من كتاب العقل والعلم والجهل)، بإختلاف يسير.

قال تعالى: إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَ إِمّا كَفُوراً(1) ، وتدلّ هذه الآية على أنّ الهداية تصل من عند اللّه إلى المؤمن والكافر، وللعباد الحرّيّة في اختيار طريق اللّه أي يبتعدوا عنه.

فتبيّن أنّ المعرفة الواردة في النصوص التي عدّتها فعل الإنسان، إمّا أنّ

تكون بمعنى التصديق والتسليم والإيمان، وإمّا بمعنى المعرفة التي تلازم عملاً يتناسب معها، ومن هذه الجهة يطلق عليها عبادة، أو شكر للّه.

وفي روايات أخرى أطلقت المعرفة بمعنى التصديق والإيمان والتسليم، وإليك بعضاً منها:

عن أبي حمزة، قال الإمام الباقر(عليه السلام):

إِنَّمَا يَعبُدُ اللهَ مَن يَعرِفُ اللهَ فَأَمَّا مَن لَا يَعرِفُ اللهَ فَإِنَّمَا يَعبُدُهُ هَكَذَا ضُلَّالاً قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ، فَمَا مَعرِفَةُ اللهِ؟

قَالَ: تَصدِيقُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَصدِيقُ رَسُولِهِ(صلى الله عليه و آله) وَمُوَالاةُ عَلِيٍّ(عليه السلام) وَالِائتِمَامُ بِهِ وَبِأَئِمَّةِ الهُدَى(عليهم السلام) وَالبَرَاءَةُ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِن عَدُوِّهِم هَكَذَا يُعرَفُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.(2)

في هذا الحديث، وردت المعرفة بمعنى تصديق اللّه ورسوله ووصيّه والاقتداء بالأئمّة(عليهم السلام)، ومن البديهيّ أنّ هذه المعرفة هي فعل الإنسان لا فعل اللّه عزّ وجلّ. فاتّضح لك، أنّ المعرفة لو أطلقت باعتبارها تكليفاً وجعلت خير عمل للإنسان، فإنّما يراد منها التصديق والإيمان، ولا يراد منها المعنى الحقيقيّ الذي هو عبارة عن العلم والاطّلاع والوجدان.).

ص: 205


1- . الإنسان (76)، الآية 3.
2- . الكافي، ج1، ص180، ح1؛ راجع: بحارالأنوار، ج27، ص57، ح16 (الباب الأوّل من أبواب ولايتهم وحبّهم... من كتاب الإمامة).

قال الإمام الصادق(عليه السلام):

الإمَامُ عَلَمٌ فِيمَا بَينَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَينَ خَلقِهِ، فَمَن عَرَفَهُ كَانَ مُؤمِناً وَمَن

أَنكَرَهُ كَانَ كَافِراً.(1)

وردت المعرفة في هذا النصّ في قبال الإنكار، وهذا التقابل يدلّ على أنّ المراد من المعرفة هو الإيمان والتصديق، لا العلم والاطّلاع.

وقد قال الإمام الصادق(عليه السلام) في حديث آخر، في مقام بيان جنود العقل وجنود الجهل ما يتشابه مع النصّ السابق، حيث قال:

المَعرِفَةُ وَضِدُّهَا الإِنكَار.(2)

وفي حديث ثالث:

...لَا يُعذَرُ النَّاسُ بِجَهَالَتِنَا مَن عَرَفَنَا كَانَ مُؤمِناً وَمَن أَنكَرَنَا كَانَ كَافِراً، وَمَن لَم يَعرِفنَا وَ لَم يُنكِرنَا، كَانَ ضالّاً... .(3)

بديهيّ أنّ الإنكار، نتيجة المعرفة التي تكون بمعنى العلم، ولا يمكن للإنسان أن ينكر ما لا يعرفه، وبناءاً عليه، فإنّ الإنكار هنا لا يقابل المعرفة بمعنى العلم، بل يكون المراد - كما في النصوص الأخرى - التصديق والإيمان بعد العلم.

6. ملخّص الدرس

* معرفة اللّه تعالى، أصل أصول الدين، ومن دونها لا يمكن للإنسان أن يكون متديّنا.

أوّل العبادة معرفة اللّه سبحانه. إن كان المراد منها المعرفة قبل العبادة، فهي فعل اللّه

ص: 206


1- . كمال الدين، ج2، ص412، ح9؛ بحارالأنوار، ج23، ص88، ح32 (الباب الرابع من أبواب جمل أحوال الأئمّة... من كتاب الإمامة).
2- . الكافي، ج1، ص22، ح14؛ بحارالأنوار، ج1، ص111، ح7 (الباب الرابع من أبواب العقل والجهل من كتاب العقل والعلم والجهل).
3- . الكافي، ج1، ص187، ح11؛ بحارالأنوار، ج32، ص325، ح302 (الباب الثامن من أبواب ما جرى بعد قتل عثمان... من كتاب الفتن والمحن).

* سبحانه، وإن كان المراد أوّل خطوة في العبادة، فالمراد منها التسليم والخضوع.

* انفعال الإنسان في قبال الفعل الإلهيّ أمر اختياريّ، ومن هنا عدّ التوحيد - الذي هو عين المعرفة - فعلاً للعباد.

* أفضل الأعمال وأوجب الفرائض، المعرفة وتوحيد اللّه.

* المعرفة في الحقيقة العمل، وإن لم يكن هناك عمل فلا وجود للمعرفة.

* المعرفة الابتدائيّة تعطى للبشر، من دون أيّ عمل منهم يستحقّون به المعرفة.

* التسليم والتصديق والإيمان طريقٌ للوصول إلى المراحل المتقدّمة من المعرفة، ومن هنا فإنّ الروايات أطلقت على التسليم والإيمان لفظ المعرفة.

* تكون المعرفة تارةً في قبال الإنكار، ويدلّ ذلك على أنّ المراد من المعرفة هو الإيمان والتصديق لا العلم والاطّلاع.

7. اختبار ذاتيّ

1. المعرفة في قوله «أوّل الدين معرفته» بأيّ معنى؟ اذكر الاحتمالين وأجب بملاحظة نصوص كون المعرفة فعل اللّه.

2. مع ملاحظة ورود المعرفة بأنّه «أوّل الدين معرفة اللّه» كيف يمكن أن يقال إنّها فعل اللّه عزّ وجلّ؟

3. في قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ ما المراد من فَاعْلَمْ ؟

4. كيف عدّت المعرفة والتوحيد - الذي هو عين المعرفة - أفضل الفرائض؟

5. كيف الطريق إلى الجمع بين النصوص التي تصرّح على أنّ المعرفة فعل اللّه، والنصوص التي يظهر منها كون المعرفة فعل الإنسان؟

6. في تفسير قوله تعالى: وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، فسّر الشكر بأنّه المعرفة، بين هذا المعنى!

7. هل يمكن جعل الإنكار في قبال المعرفة؟ لماذا؟ فسّر عبارة: «المعرفة وضدّها الإنكار».

ص: 207

ص: 208

الدرس الخامس عشر 15 : انسداد طريق معرفة اللّه عند العباد

اشارة

النهي عن التفكّر في اللّه

عجز القوى البشريّة عن معرفة اللّه

دور العقل في معرفة اللّه سبحانه

بداهة معرفة اللّه

دور الأنبياء والأوصياء في معرفة اللّه

ص: 209

ص: 210

تلميح

بعد الانتهاء من مطالعة الدرس يتوقّع من الطالب أن يعرف بأنّ اللّه نهى عباده عن التفكّر في ذاته؛ وأنّ القوى المدركة لدى البشر عاجزة عن إدراك اللّه سبحانه؛ وإنّ معرفة اللّه سبحانه بديهيّة وليس للعقل إلّا مسؤوليّة القبول والتسليم لها.

محصّل ما مرّ عليك في الدروس السابقة، هو أنّ معرفة اللّه أمرٌ فطريّ، وإنّ اللّه سبحانه عرّف نفسه على العباد في العوالم السابقة. وفي هذا العالَم يعرف الجميع ربّهم، ولكنّهم غافلون عن هذه المعرفة؛ إلّا أن يذكّرهم الرسل والأوصياء بمعنى يعرفونه بالفطرة.

وكذلك تبيّن أنّ معرفة اللّه لا تتحصّل إلّا به سبحانه، أمّا معرفته بغيره فليس إلّا معرفة ذلك الغير. المعرفة والهداية فعل اللّه سبحانه وليس لأحدٍ فيها من دور حتّى النبيّ(صلى الله عليه و آله).

وإكمالاً للبحوث السابقة سنتحدّث في هذا الدرس عن عجز البشريّة وقواها المدركة عن معرفة اللّه سبحانه وتعالى، كما لابدّ من الحديث عن مهمّة العقل ودور الأنبياء والرسل في هذا المجال.

ص: 211

1. النهي عن التفكّر في اللّه

الإنسان وما يملك من قوى مدركة مخلوق للّه سبحانه وتعالى، وهو محدود ولا فرق في جهة المخلوقيّة بين أكمل الناس عقلاً وذكاءاً وبين من هو أقلّهم نصيباً وحظّاً من هذه النعمة. ولهذا فإنّ اللّه سبحانه نهى جميع عباده عن التفكّر في ذاته المقدّسة، قال تعالى:

وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى .(1)

فإذا وصل الكلام إلى الحديث عن اللّه سبحانه فلابدّ أن يتوقّف المرء عنده؛ لأنّ التفكّر في ذات اللّه يوجب للمرء التيه والحيرة.(2) قال الإمام الصادق(عليه السلام):

فَإِذَا انتَهَى الكَلَامُ إِلَى اللهِ فَأَمسِكُوا.(3)

جاء في حديث أنّ البعض كان يرى النهي عن الخوض في الحديث حول الذات الإلهيّة إنّما يخصّ من لم يؤت نصيباً من علم الدين، أمّا من كان راسخاً في علوم الدين فلا بأس له بالخوض في هذا الأمر، وفي الردّ على هذا الرأي قال الإمام(عليه السلام):

المُحسِنُ(4) وَغَيرُ المُحسِنِ لَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ، فَإِنَّ إِثمَهُ أَكثَرُ مِن نَفعِهِ.(5)

فإذا كان العباد قد نهوا عن إبداء الرأي في مسائل الدين وأحكام الشرع، فمن الواضح أنّ النهي أولى في الحديث عن اللّه - الذي هو الأساس في الدين - .

2. عجز القوى البشريّة عن معرفة اللّه

الخوض في معرفة اللّه بواسطة العقل، يكون دخولاً في ظلامٍ دامس، يستحيل السير

ص: 212


1- . نجم (53)، الآية 42.
2- . الكافي، ج1، ص92، ح1؛ وسائل الشيعة، ج16، ص196، ح[21330] 7 (الباب 23 من أبواب الأمر والنهي... من كتاب الجهاد).
3- . الكافي، ج1، ص92، ح2؛ بحارالأنوار، ج3، ص264، ح22 (الباب التاسع من كتاب التوحيد).
4- . المحسن أي العالم. (المؤلّف)
5- . التوحيد، ص459، ح26؛ وسائل الشيعة، ج16، ص201، ح[21349] 26 (الباب23 من أبواب الأمر والنهي و... من كتاب الأمر بالمعروف و...).

فيه، فضلاً عن الوصول إلى هدف ما، فلا يؤدّي إلّا إلى الحيرة والضلالة، تقول الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) :

فَلَم تُدرِكهُ الأَبصَارُ وَلَم تُحِط بِهِ الأَخبَارُ وَلَم يَقِسهُ مِقدَارٌ وَلَم يَتَوَهَّمهُ اعتبار، لِأَنَّهُ المَلِكُ الجَبَّار.(1)

يدلّ الحديث الشريف على أنّ سلطة الربّ سبحانه تهيمن على أيّ سلطة أخرى فلا مُلك أمام ملك اللّه عزّ وجلّ. وليس لعاقل أو متفكّر أن يحيط باللّه علماً ولا يمكن لشعاع نور العقل أن يسمو إلى معرفته عزّ وجلّ. وبناءاً على ذلك فلا يمكن أن يصل الإنسان إلى معرفة اللّه عبر طريق العقل والفكر. تقول الصدّيقة الكبرى(سلام الله عليها) في حديث آخر:

فَإِنَّهُ أَعَزُّ وَأَكرَمُ وَأَجَلُ ّ وَأَعظَمُ مِن أَن... تَهتَدِيَ القُلُوبُ إلى كُنهِ عَظَمَتِه.(2)

فلا يمكن لقلب المرء أو روحه - مهما بلغت في الصفاء والنقاء - أن تصل إلى حقيقة عظمة اللّه عزّ وجلّ بنفسها، وتبقى عاجزة عن إدراك اللّه سبحانه، قال الإمام الرضا(عليه السلام):

إِنَّ أَوهَامَ القُلُوبِ أَكبَرُ مِن أَبصَارِ العُيُونِ، فَهُوَ لَا تُدرِكُهُ الأَوهَامُ وَهُوَ يُدرِكُ الأَوهَامَ.(3)

فمن خلال التأمّل في أحاديث الصدّيقة الكبرى والأئمّة(عليهم السلام) نعرف أنّ اللّه سبحانه بعيدٌ عن الأوهام والعقول، ومعرفته ليست ميسّرة بالعقل أبداً، وكما قال الإمام الصادق(عليه السلام):

كُلُ ّ مَا وَقَعَ فِي الوَهمِ، فَهُوَ بِخِلَافِهِ.(4)).

ص: 213


1- . فلاح السائل ونجاح المسائل، ص203؛ بحارالأنوار، ج83، ص85، ح11 (الباب 40 من كتاب الصلاة).
2- . مصباح المتهجّد، ج1، ص220؛ بحارالأنوار، ج83، ص165، ح44 (الباب 43 من كتاب الصلاة).
3- . الكافي، ج1، ص99، ح10؛ بحارالأنوار، ج4، ص39، ح16 (الباب الخامس من أبواب تأويل الآيات والاخبار من كتاب التوحيد).
4- . التوحيد، ص80، ح36؛ بحارالأنوار، ج3، ص299، ح30 (الباب 13 من كتاب التوحيد).

وقال الإمام الرضا(عليه السلام):

مَا تَوَهَّمتُم مِن شَيءٍ، فَتَوَهَّمُوا اللهَ غَيرَه.(1)

يدلّ هذا الكلام، بصراحة، على أنّ ما يصل إليه وهم الإنسان وعقله، فهو ليس اللّه، ولا يجوز أن يُعدّ ذلك ربّاً، بل إنّ اللّه خلافه، ويعني ذلك أنّ مهمّة العقل ليست إلّا تنزيه اللّه سبحانه وتعالى، ووظيفة المتأمّل

والمتفكّر هي أن ينزّه اللّه عزّ وجلّ عن كلّ ما يتوهّمه ويظنّه إلهاً، قال الإمام الرضا(عليه السلام):

كُلُ ّ مَعرُوفٍ بِنَفسِهِ مَصنُوعٌ.(2)

بمعنى أنّ ما يمكن لعقل البشر أن يصل إلى معرفته ويحيط به علماً، يكون مصنوعاً له لا صانعاً، قال أمير المؤمنين(عليه السلام):

لَيسَ بِإِلَهٍ مَن عُرِفَ بِنَفسِه.(3)

والحاصل، أنّ القوى المدركة للإنسان عاجزة عن معرفة اللّه سبحانه، وما يصل إليه العقل في مجال معرفته عزّ وجلّ، هو تنزيهه سبحانه وإخراجه عن حدود الوهم والفكر، لأنّ ما يدركه العاقل بعقله ليس خالقاً، بل يكون مخلوقاً.

3. دور العقل في معرفة اللّه سبحانه

قلنا إنّ القوى المدركة عند الإنسان - حتّى العقل - عاجزة عن إدراك اللّه سبحانه، وتبيّن كذلك أنّ أيّ تفكّر وتعقّل في اللّه منهيٌّ عنه وبشدّة في روايات أهل البيت(عليهم السلام)؛ ولكن هذا لا يعني عدم وجود أيّ دور للعقل في المعرفة - بصورة عامّة - ومعرفة اللّه - بصورة خاصّة - لأنّ للعقل الدور الرئيسيّ في تلقّي جميع المعارف،

ص: 214


1- . التوحيد، ص114، ح13؛ الكافي، ج1، ص101، ح3؛ بحارالأنوار، ج4، ص40، ح18 (الباب الخامس من أبواب تأويل الآيات والأخبار... من كتاب التوحيد).
2- . الأمالي (للمفيد)، ص254؛ التوحيد، ص35، ح2؛ بحارالأنوار، ج4، ص228، ح3 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).
3- . الاحتجاج، ج1، ص201؛ بحارالأنوار، ج4، ص253، ح7.

ويصدق ذلك أيضاً بالنسبة إلى معرفة اللّه سبحانه. يعني أنّ معرفة اللّه سبحانه تتحقّق بالتعريف الإلهيّ واستقبال العقل. فبنور العقل يمكن للإنسان تلقّي التعريف الإلهيّ، والعقول بما هي عقول مفطورة على معرفة اللّه سبحانه وتعالى(1)، قال الإمام الصادق(عليه السلام):

أَسأَلُكَ بِتَوحِيدِكَ الَّذِي فَطَرتَ عَلَيهِ العُقُول.(2)

ونقرأ في دعاء الفرج في صبح يوم الجمعة:

يَا مَن فَتَقَ العُقُولَ بِمَعرِفَتِه.(3)

الآن ومن خلال ما سبق يتّضح لنا مراد الصدّيقة الطاهرة(سلام الله عليها) في كلمتها عن التوحيد في الخطبة التي أنف ذكرها، حيث تقول:

وَأَنَارَ فِي الفِكرِ مَعقُولَهَا.(4)

يعني: إنّ ما هو معقول للإنسان في أمر التوحيد، يكون واضحاً في عقله وفكره، وليس فيه مجالٌ للشكّ والتردّد، وليس لعاقل إذا تأمّل وتدبّر في آيات اللّه وآثار قدرته وعظمته في مخلوقاته، أن ينكر الخالق والصانع؛ لأنّه من خلال التأمّل في آيات اللّه، يتذكّر إلهه سبحانه؛ الذي فطر على معرفته.

ومن هنا يقول الإمام الرضا(عليه السلام):

بِصُنعِ اللهِ يُستَدَلُّ عَلَيهِ وَبِالعُقُولِ يُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ وَبِالفِطرَةِ تَثبُتُ حُجَّتُه.(5)).

ص: 215


1- . لا يخفى أنّ لفظة العقل إذا جائت بصورة الجمع (العقول) يراد منها العقلاء الذين تنوّروا بنور العقل لكن هذا التعبير يدلّ على أنّ من فطر على المعرفة كان عاقلاً. (المؤلّف)
2- . مهج الدعوات، ص180؛ بحارالأنوار، ج91، ص275، ح1 (الباب 44 من أبواب أحراز النبيّ والأئمّة(عليهم السلام) من كتاب الذكر والدعاء).
3- . مصباح المتهجّد، ج1، ص156؛ مستدرك الوسائل، ج13، ص42، ح[14686] 10 (الباب 12 من أبواب مقدّماتها من كتاب التجارة)؛ بحارالأنوار، ج84، ص277، ح70 (الباب 12 من أبواب النوافل من كتاب الصلاة).
4- . بحارالأنوار، ج29، ص253 (الباب 11 من كتاب الفتن والمحن)؛ كشف الغمّة، ج1، ص482 وفيه: «ابان» بدل «أثار».
5- . التوحيد، ص35، ح2؛ بحارالأنوار، ج4، ص238، ح3 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).

يعني حتّى العقل، لو لم يفطر على المعرفة، لما كان قادراً على إتمام الحجّة على الإنسان، بل تكتمل الحجّة حينما يُعرّف اللّه نفسه، وبعد أن يتعرّف الإنسان على ربّه بتعريفه، يعتقد به بمعونة العقل، أي يعقد قلبه على معرفة اللّه سبحانه.

فمهمّة الإنسان ومسؤوليّته تكمن في التسليم التامّ تجاه المعرفة الواصلة إليه من عند ربّه سبحانه، وكذلك التأمّل والتحقيق والتفكير والتعقّل في آثار قدرة اللّه سبحانه وأفعاله.

فإذا توقّف الإنسان في هذه الحدود، فإنّ فضل اللّه وإحسانه - طبقاً لسننه في الخلق - ستشمله ويعرّفه اللّه نفسه أكثر فأكثر.

الشيخ المطهريّ يرى أنّ التفكّر والتدبّر في المخلوقات هو تنبّه وتذكّر بالمعرفة الفطريّة ويقول :

لابدّ من التنبيه إلى أنّ القرآن يسمّى الآثار بالآيات، ويسمّى الالتفات الحاصل منها «تذكّراً». ويريد منّا القرآن الكريم أن تكون مطالعتنا في الخليقة وسيلة للتنبّه إلى الفطرة ويقضةً لها؛ يعني أنّ القرآن الكريم يرى المطالعة في الخلق تأييداً لطريق الفطرة. والهدف من الدعوة إلى التأمّل في الخليقة هو التنبّه والتذكّر، لا الاستدلال والاستنتاج.(1)

وينفي الملّا صالح المازندرانيّ المعرفة الحاصلة عن طريق برهان «الإن»، أي الوصول من المخلوق إلى الخالق بالاستدلال المنطقيّ، ويقول:

«عُرفَ بغير رويّة»... الرويّة... التفكّر والنظر. يعني: عرف وجوده من غير نظر واستدلال لأنّه بديهيّ كما صرّح به بعض المحقّقين، أو لأنّ الاستدلال لا يفيد معرفته بخصوصه؛ لأنّ اللمّيّ غير ممكن، أو ليس له علّة والإنّيّ لا يفيد لأنّه استدلال من الأثر، والأثر لا يفيد إلّا مؤثّراً ما على وجه كلّي، لا مؤثّراً معيّنا.(2)3.

ص: 216


1- . أصول فلسفه و روش رئاليسم، ج5، ص71.
2- . شرح أصول الكافي، ج1، ص13.

4. بداهة معرفة اللّه

يعتقد البعض أنّ معرفة اللّه بديهيّة عقليّة، وبإمكان الفرد أن يصل إليها بسهولة عبر الآثار، ولا يكون محتاجاً إلى الاستدلال. من المعلوم إنّ هذه البداهة تتحقّق بعد المعرفة الفطريّة، والتوجّه إلى تعاليم الأنبياء، لأنّ العقول - كما مرّ - مفطورة على توحيد اللّه سبحانه، ويتذكّر الإنسان ربّه إذا نظر إلى الآثار والآيات.

ومن هنا فإنّ مسؤليّة الأنبياء تجاه الأمم، هي التذكير ورفع الغفلة والنسيان وإرجاع الناس إلى آيات الخلقة والعظمة، ومن هنا فإنّ القرآن الكريم ينقل كلام الأنبياء إلى أممهم كما يلي:

أَ فِي اللّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ .(1)

5. دور الأنبياء والأوصياء في معرفة اللّه

ذكرنا سابقاً أنّ معرفة اللّه فعل اللّه، والهداية قضيّة تختصّ به سبحانه، ولا يمكن لأحد أن يهدي أحداً في عرضه جلّ وعلا، يخاطب الربّ نبيّه قائلاً:

إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ .(2)

يوصي الإمام الصادق(عليه السلام) شيعته أن يقرأوا هذا الدعاء في زمن الغيبة:

اللّهمَّ عَرِّفنِي نَفسَكَ، فَإِنَّكَ إِن لَم تُعَرِّفنِي نَفسَكَ لَم أَعرِف نَبِيَّكَ، اللّهمَّ عَرِّفنِي رَسُولَكَ، فَإِنَّكَ إِن لَم تُعَرِّفنِي رَسُولَكَ لَم أَعرِف حُجَّتَكَ، اللّهمَّ عَرِّفنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِن لَم تُعَرِّفنِي حُجَّتَكَ ضَلَلتُ عَن دِينِي.(3)

فبالإضافة إلى معرفة اللّه، فإنّ معرفة النبيّ والوصيّ وكذلك معرفة كلّ شيء،

ص: 217


1- . إبراهيم (14)، الآية 10.
2- . القصص (28)، الآية 56.
3- . الكافي، ج1، ص337، ح5؛ بحارالأنوار، ج52، ص146، ح70 (الباب 22 من أبواب النصوص... من كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر(عج).

تكون معرفة حقيقيّة إذا كانت المعرفة من قِبَل اللّه سبحانه وتعالى.

وفي نهاية هذا المقال، نذكر كلمةً قيّمة للصدّيقة الطاهرة(سلام الله عليها) التي ترويها عن أبيها رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)، في حقّ الإمام أميرالمؤمنين وأولاده المعصومين(عليهم السلام):

لَا يُعرَفُ اللهَ إِلَّا بِسَبِيلِ مَعرِفَتِهِم.(1)

وفي نصوصٍ أخرى تأكيد على هذا المعنى، حيث قال الإمام الباقر(عليه السلام):

بِنَا عُبِدَ اللهُ، وَبِنَا عُرِفَ اللهُ، وَبِنَا وُحِّدَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.(2)

إن أراد اللّه أن يُعرّف نفسه لعباده من دون وسائط، لكان ذلك يسيراً عليه، ولكنّه شاء - بحكمته - أن تكون المعرفة عبر طريق خاصّ، كما أنّ الشفاء فعل اللّه سبحانه، ولكن سنّة اللّه تقتضي أن يكون عبر الذهاب إلى الطبيب وأخذ الدواء، قال أميرالمؤمنين(عليه السلام):

إِنَ ّ اللهَ تَبَارَكَ وَتعالى لَو شَاءَ لَعَرَّفَ العِبَادَ نَفسَهُ وَلَكِن جَعَلَنَا أَبوَابَهُ وَصِرَاطَهُ وَسَبِيلَهُ وَالوَجهَ الَّذِي يُؤتَى مِنه.(3)

تبيّن إذاً أنّ المعرفة فعل اللّه دواماً وعطاءه أبداً ولا يشترك فيه أحد، ولكن هذا الفعل الإلهيّ وبناءاً على سنن الباري عزّ وجلّ مشروط بشروط خاصّة. وكونه مشروطاً لا يعني أنّ اللّه لا يقدر على تجاوز الشرط سبحانه، بل هو القادر على ما يريد.

وهكذا اتّضح دور الأنبياء والأوصياء في طريق المعرفة، واتّضح أنّه لا تعارض بين هذه الروايات وتلك التي دلّت على كون المعرفة فعل اللّه سبحانه، بل ليست هذه مخصّصة لتلك. والروايات الدالّة على أنّ اللّه عُرف بهم(عليهم السلام) صحيحة أيضاً، إذ إنّ اللّه).

ص: 218


1- . بصائر الدرجات، ص496، ح4 (الباب16 من الجزء العاشر)؛ بحارالأنوار، ج36، ص351، ح220 (الباب 41 من أبواب النصوص على أميرالمؤمنين؟ع؟ من كتاب تاريخ أميرالمؤمنين(عليه السلام).
2- . الكافي، ج1، ص145، ح10؛ بحارالأنوار، ج23، ص102، ح8 (الباب السادس من أبواب جمل أحوال الأئمّة من كتاب الإمامة).
3- . الكافي، ج1، ص184، ح9؛ بحارالأنوار، ج24، ص253، ح16 (الباب 62 من أبواب الآيات النازلة فيهم من كتاب الإمامة).

يجعل فعله من خلال الأنبياء والأوصياء وتعاليمهم، وكما قلنا سابقاً أنّ تعاليم الأنبياء لا تنشئ المعرفة ولكنّها - المعرفة - مشروطة بتذكير الأنبياء وتعليمهم.

6. ملخّص الدرس

* الإنسان وما يملك من قوى مدركة مخلوق للّه محدودٌ بحدود، ومن هنا فإنّ التفكّر والتعقّل في اللّه أمر منهيّ عنه.

* ليس لعاقل أو متفكّر أن يحيط باللّه فكراً وعلماً.

* لا يمكن لقلب المرء أو روحه - مهما بلغت في الصفاء والنقاء - أن تصل إلى حقيقة عظمة اللّه عزّ وجلّ بنفسها، وتبقى عاجزة عن إدراك اللّه سبحانه.

* ما يتوهّمه الإنسان، فهو بخلاف اللّه سبحانه.

* معرفة اللّه سبحانه تتحقّق بتعريفه سبحانه وقبول العقل وتسليمه.

* لا يمكن للعقل أن يتمّ الحجّة على الإنسان من دون وجود المعرفة الفطريّة.

* نتيجة التأمّل في المخلوقات هو التنبيه والتذكير بالمعرفة الفطريّة.

* المعرفة، فعل اللّه، لكن هذه المعرفة وبناءاً على سنّة اللّه، تكون عمليّة بعد اتّباع تعاليم الأنبياء.

7. اختبار ذاتيّ

1. فسّر قوله تعالى: وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى .

2. ماذا تعني الرواية: «كلّ ما وقع في الوهم فهو بخلافه»؟ (أجب مفصّلاً).

3. وضّح

« كُلُ ّ مَعرُوفٍ بِنَفسِهِ مَصنُوعٌ ».

4. بيّن دور العقل في معرفة اللّه سبحانه وتعالى.

5. على ماذا ترتهن حجيّة العقل في معرفة اللّه؟

6. ما هو دور الأنبياء والأوصياء في معرفة اللّه سبحانه وتعالى؟

ص: 219

ص: 220

الدرس السادس عشر 16 : التوحيد

اشارة

التوحيد هو المعرفة الفطريّة

انواع التوحيد

ص: 221

ص: 222

تلميح

بعد الانتهاء من مطالعة الدرس؛ يتوقّع من الطالب معرفة أنّ التوحيد عين المعرفة الفطريّة؛ ويتعرّف على أنواع التوحيد، كما يطّلع على الفرق بين التوحيد الذاتيّ والتوحيد الصفاتيّ، وكذا يطّلع على معنى التوحيد الأفعاليّ والتوحيد العباديّ.

1. التوحيد هو المعرفة الفطريّة

بناءاً على ما مرّ في البحث عن معرفة اللّه سبحانه وتعالى، يتّضح أنّ معرفة اللّه هي توحيده. وقد ورد الحديث عن فطريّة التوحيد في بعض نصوص المعرفة الفطريّة سابقاً، مضافاً إلى الآيات التي دلّت على تذكّر الإنسان بالمعرفة الفطريّة أثناء الشدّة والابتلاءات الصعبة، كلّ تلك مرتبطة بالتوحيد في الربوبيّة والخالقيّة والألوهيّة، قال تعالى:

وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ .(1)

وقال سبحانه:

وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللّهُ .(2)

ص: 223


1- . لقمان (31)، الآية 25؛ الزمر (39)، الآية 38.
2- . العنكبوت (29)، الآية 63.

الكلام في هذه الآيات والكثير من النصوص الأخرى الواردة بنفس المضمون، عن المعرفة التي يجدها الجميع. وإن سئلوا عنها، سيجيبون - جميعاً - في قلوبهم على أنّ خالق السماء والأرض والرازق للعباد والحافظ لهم هو اللّه؛ حتّى لو لم يظهروا الإجابة على ألسنتهم، وهذا جواب فطرة جميع الناس.

وليس المراد من الفطرة هنا المعنى المنطقيّ منه - أي الأمر الواضح والقريب إلى البداهة - بل الفطرة تعني، أنّ اللّه سبحانه عرّف نفسه على الإنسان من قبل أن يخلق هذا العالَم، وامتزجت الحقائق والمعارف بفطرة الإنسان، ولكن الحجب تمنع ظهور هذه المعرفة. وحينما تنجلي تلك الحجب بسبب أو بآخر، فإنّ الجميع يقرّون ويعترفون به في سرّهم؛ وإن أنكروا ظاهراً:

فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ*وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا .(1)

في إطار الحديث عن المعرفة الفطريّة أوردنا نصّاً سئل فيه الإمام الجواد(عليه السلام) عن المعرفة الفطريّة، فأجاب(عليه السلام)، بإيراد آيات البأساء والضرّاء، وجعل الإمام التوحيد أمراً عامّاً شاملاً للجميع، وواضحاً للعيان؛ أي أنّ الجميع يعترفون بالتوحيد ويقرّون به. إلّا أنّ هذا الاعتراف كان في عالم الذرّ، وفي هذه الدنيا يعترف الإنسان بذلك عبر تذكير الأنبياء والرسل، أو الأخذ بالباساء والضرّاء.

يتّضح من جميع ما ذكرنا أنّ التوحيد هو معرفة اللّه سبحانه، و هي فطريّة والناس يجدونها، وليس لأحد أن ينكرها. فما ورد في الآيات المباركات والأحاديث الشريفة من بيان توحيد اللّه وذكر صفاته ونفي الأنداد عنه، كلّ ذلك إنّما جاء تذكيراً بهذه المعرفة الفطريّة واستثارةً لها بعد أن لفّتها حجب الغفلة والنسيان.

فإذا ورد في ظاهر آية في الكتاب، استدلال على التوحيد، فلا يظنّ أنّه في مجال إثبات التوحيد بالبراهين المنطقيّة؛ بل المراد والمقصود منه هو إثارة الفطرة البشريّة4.

ص: 224


1- . النمل (27)، الآيتان 13 - 14.

والتنبيه بكون التوحيد أمراً قد فطر الإنسان عليه، وتأكيد على أنّ ادّعاء خلاف التوحيد أمر غير معقول ولا يتّفق مع العقل والمنطق؛ بمعنى أنّ من فطر على التوحيد، فإنّ الشرك - بأيّ نوع من أنواعه - يتعارض وفطرته، وفي النتيجة، سوف لا يحيد عن معتقده، حتّى لو ضعف بيانه أمام من يشكّك في عقيدته، إلّا أنّ قلبه سيبقى مطمئنّاً إلى ما وصل إليه من عقيدة.

2. انواع التوحيد

اشارة

قسّم التوحيد في المصادر الكلاميّة، بلحاظ بعض الجهات، إلى التوحيد الذاتيّ، الصفاتيّ، الأفعاليّ والعباديّ. وبالرغم من أنّ التوحيد في حقيقته لا يتجاوز القسمين «التوحيد الذاتيّ والصفاتيّ»، إلّا أنّا نقسمه كما قسّمه المشهور.

2-1. التوحيد الذاتيّ

قد وصّفت النصوص الشرعيّة اللّه سبحانه بصفتي «الواحد» و «الأحد». والمادّة الأصليّة لكلا اللفظين هو «وحد»، ولا يختلف اللفظان في معناهما كثيراً. صرّح الإمام الباقر(عليه السلام) بهذه الحقيقة حين قال:

الأَحَدُ وَالوَاحِدُ بِمَعنًى وَاحِدٍ وَهُوَ المُنفَرِدُ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَالتَّوحِيدُ الإِقرَارُ بِالوَحدَةِ وَهُوَ الِانفِرَادُ وَالوَاحِدُ المُتَبَايِنُ الَّذِي لَا يَنبَعِثُ مِن شَيءٍ وَلَا يَتَّحِدُ بِشَيء.(1)

فالتوحيد الذاتيّ يعني، الاعتقاد بأنّ اللّه سبحانه ليس له نظير أو شبيه من حيث ذاته، ولم يخلق من شيء، ولا يتّحد بشيء. وبعبارة أخرى؛ فتوحيد الذات يعني القول بالبينونة التامّة بين اللّه وسائر الأشياء؛ بمعنى أنّه خلو عن خلقه وخلقه خلو عنه، وليس هناك وجه شباهة واشتراك بينه وبين مخلوقاته. وفي غير هذه الصورة فإنّ حدّ البينونة سيهدم بين الخالق والمخلوقات، وتتزلزل أحديّة اللّه ووحدانيّته بل أصل وجوده جلّ وعلا، لأنّ الإله الذي يعرفه جميع الخلق بتعريفه

ص: 225


1- . التوحيد، ص90، ح2؛ بحارالأنوار، ج3، ص222 و223، ح12 (الباب السادس من كتاب التوحيد).

نفسه لهم، ليس له وجه اشتراك وشباهة مع خلقه ولا سنخيّة في وجوده معهم، فأحديّته تعني عدم إمكانيّة الإحاطة به بواسطة الوهم أو العقل أبداً وبالتالي استحالة توصيفه، وكما قالت الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(سلام الله عليها):

المُمتَنِع... مِنَ الأَلسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنَ الأَوهَامِ كِيفِيَّتُهُ.(1)

بمعنى: لو كان للألسن أن تصفه، وللعقول والأوهام أن تدرك كيفيّته، لم

يكن بينه وبين خلقه بينونة، وبذلك لم يكن هناك توحيد ذاتيّ له سبحانه، بل كان نظيراً لخلقه، يمتاز عن خلقه ويشترك معهم بأمور، وبذلك كان للعقل أن يفرض نظيراً وشبيهاً ومثلاً له سبحانه وتعالى، في حال أنّ فرض الشريك له أمر باطل، ذلك لأنّ العقول حين تعجز عن توهّمه وإدراك كيفيّته والإحاطة بكنهه، فأنّى لها أن تفرض له شريكاً؟ ومن هنا يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام):

التَّوحِيدَ أَن لَا تَتَوَهَّمَهُ.(2)

فكلّ ما توهّمته ليس اللّه سبحانه، بل هو مخلوق لك ومردود عليك، فما يمكنك أن تصنعه في ذهنك، فبإمكانك أن تخلق له شريكاً ونظيراً أيضاً، قال الإمام الحسين(عليه السلام):

مَا تُصُوِّرَ فِي الأَوهَامِ، فَهُوَ خِلَافُهُ.(3)

لا يصل المرء إلى توحيد اللّه إلّا بتعريفه هو سبحانه، وفكر الإنسان وكلّ قواه المدركة عاجزة عن الوصول إلى التوحيد، وإن كان طريق العقل والفكر مفتوحاً للوصول إلى معرفة اللّه وتوحيده، فحينها لا ينعدم للتوحيد.

وهكذا يظهر أنّ توحيد اللّه سبحانه وتعالى يأبى أن يثبت بالعقل والإدراك؛ لأنّ ما).

ص: 226


1- . الاحتجاج، ج1، ص98؛ بحارالأنوار، ج29، ص221، ح8 (الباب 11 من كتاب الفتن والمحن).
2- . نهج البلاغة، الحكمة 470، ص558؛ أعلام الدين، ص318؛ بحارالأنوار، ج5، ص52، ح86 (الباب الأوّل من أبواب العدل من كتاب العدل والمعاد).
3- . تحف العقول، ص244؛ بحارالأنوار، ج4، ص301، ح29 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).

يثبت بالعقل إنّما يثبت بعد تمكّن العقل من الإحاطة به، وجعله في محدودة إدراكه، ويطبق عليه الكبرى الكلّيّة عنده؛ وبيقين نقول إنّ تلك الكبرى الكلّيّة لا تنطبق على العقل فكيف بخالق العقل؟ لأنّه من الواضح أنّ كلّ شيء يعرف بالعقل فهو معقول العقل لا العقل ذاته، والعقل محيط بالمعقولات، لا جزءاً منها أو مصداقاً من مصاديقها.

2-2. التوحيد الصفاتيّ

تقسّم صفات اللّه سبحانه من جانب، إلى قسمين: صفاتٌ أزليّة، وصفات حادثة. والمراد من الأوّل هي تلك الصفات التي لا يصحّ نفيها عن اللّه سبحانه في حال من الأحوال، كأن يقال: «كان اللّه ولم يكن عالماً» سبحانه عن ذلك علوّاً كبيراً. أمّا الصفات الحادثة فهي تلك التي يصحّ سلبها عن اللّه؛ كما كان اللّه سبحانه ولم يكن مريدا.

وبناءاً عليه، فإنّ التوحيد الصفاتيّ يشمل الصفات الأزليّة والحادثة، فالتوحيد الأفعاليّ الذي هو بمعنى «لا مؤثّر في الوجود إلّا اللّه» أو «لا خالق إلّا اللّه» أو «لا فاعل إلّا اللّه»، في الحقيقة هو توحيدٌ في الصفات أيضاً. وكذا «لا معبود إلّا اللّه» الدالّ على التوحيد العباديّ، هو الآخر إثبات التوحيد في صفة معبوديّة اللّه.

بناءاً على ذلك، نقول: إنّا سنسمّي الصفات المرتبطة بتوحيد الأفعاليّ، أي التوحيد في الفاعليّة، نسمّيها ب- «توحيد الأفعاليّ»؛ أي صفات كصفة المشيئة والإرادة والخالقيّة والفاعليّة والرازقيّة وأنّه سبحانه الشافي والمحيي والمميت وأمثالها، التي يمكن أن تكون فعلاً للإنسان أيضاً. ونسمّي الصفات والكمالات التي لا تسمّى فعلاً، نسمّيها «التوحيد في الصفات»؛ مثل العالميّة والقادريّة، وأنّه سبحانه حيّ، وأمثالها من الصفات. ونسمّى صفة «معبوديّة اللّه» بالتوحيد العباديّ.

الآن وقد تبيّن لك التقسيم، نشرع في الحديث عن التوحيد الصفاتيّ.

التوحيد الصفاتيّ يعني: كما أنّ اللّه سبحانه واحد أحد ذاتاً، كذلك فإنّه أحد في

ص: 227

صفاته الكماليّة. بمعنى أنّ العالِم وحده هو، وهو وحده القادر، وهو الحيّ وحده سبحانه. وليس لأحدٍ أمام علمه وقدرته وحياته، علم أو قدرة أو حياة، ليكون شبيهاً باللّه ونظيراً له سبحانه؛ بل به يَعلم العالِم، وبه يكون المرء قديراً، وبه يُحيى الناس؛ ولكن علمه وحياته وقدرته تعالى ليست من غيره، بل هو قادر وعالم و حيّ بذاته، قالت الصدّيقة الزهراء(سلام الله عليها):

سُبحَانَ مَن يَرَى أَثَرَ النَّملِ فِي الصَّفَا، سُبحَانَ مَن يَرَى وَقعَ الطَّيرِ فِي الهَوَاءِ، سُبحَانَ مَن هُوَ هَكَذَا لَا هَكَذَا غَيرُهُ.(1)

سبحان اللّه الذي هذه صفته وليس غيره هكذا، وهذا نفي لوجود العلم الذاتيّ لغيره، لا نفي الخصوصيّات المذكورة، ومعنى ذلك أن لا يرى مخلوق شيئاً إلّا به سبحانه، ولكنّه يرى ويعلم بلا حاجة لغيره.

قال أمير المؤمنين(عليه السلام):

كُلُّ عَزِيزٍ غَيرَهُ ذَلِيلٌ وَكُلُّ قَوِيٍّ غَيرَهُ ضَعِيفٌ وَكُلُّ مَالِكٍ غَيرَهُ مَملُوكٌ وَكُلُّ عَالِمٍ غَيرَهُ مُتَعَلِّمٌ، كُلُّ قَادِرٍ غَيرَهُ يَقدِرُ وَيَعجَزُ وَكُلُّ سَمِيعٍ غَيرَهُ يَصَمُّ عَن لَطِيفِ الأَصوَاتِ وَيُصِمُّهُ كَبِيرُهَا وَيَذهَبُ عَنهُ مَا بَعُدَ مِنهَا وَكُلُّ بَصِيرٍ غَيرَهُ يَعمَى عَن خَفِيِّ الأَلوَانِ وَلَطِيفِ الأَجسَام.(2)

إنّ هذه الكلمات - ككلمات الصدّيقة الزهراء(سلام الله عليها) - تحكي عدم وجود كمال لمخلوق بشكل مستقلّ، ووحده اللّه سبحانه الكامل بذاته، وليس له شبيه أو نظير. ولابدّ من الالتفات إلى أنّ علم المخلوق ليس جزءاً من علم الخالق أبداً، ولا قدرته من قدرة الربّ؛ بل هو أحدٌ في العلم والقدرة وليس ثمّة سنخيّة بين علمه وقدرته وعلم سائر المخلوقات وقدرتهم وكذا سائر الكمالات؛ كما مرّ في الحديث عن).

ص: 228


1- . مصباح المتهجّد، ج1، ص301؛ بحارالأنوار، ج88، ص180، ح7 (الباب الأوّل من أبواب الصلوات المنسوبة... من كتاب الصلاة).
2- . نهج البلاغة، الخطبة 65، ص96؛ بحارالأنوار، ج4، ص308، ح37 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).

التوحيد الذاتيّ، لأنّ من الواضح أنّه لا اختلاف بين الذات والكمالات الذاتيّة من هذه الجهة.

3-2. التوحيد الأفعاليّ

المراد من التوحيد الأفعاليّ، هو أنّ أيّ فعلٍ أعمّ من المشيئة والإرادة والعزم والقصد والرضا والغضب و... كلّ الأفعال الصالحة والطالحة، لا تبدر من أيّ شخص إلّا إذا تعلّقت به إرادة اللّه سبحانه ومشيئته، وأَذِن اللّه سبحانه بصدور ذلك الفعل من فاعله. يعني أنّ الفاعل المختار يحتاج إلى إذنِ اللّه في أموره الاختياريّة، وبناءاً على ذلك، فإنّ الفاعل الحقيقيّ والخالق الواقعيّ الذي لا يحتاج في فعله وخلقه إلى من سواه هو اللّه وحده، أمّا الإنسان فإن كان مختاراً ومريداً وفاعلاً فإنّه بإذن اللّه سبحانه.

فالبشر يشائون بمشيئته وإرادته سبحانه، وليس لأحد أن يفعل أمراً في الواقع من دون مشيئة اللّه وارادته، إلّا أنّ هذا لا يعني الجبر، وأن لا يكون الإنسان مختاراً في فعله ومجبراً عليه، وتكون جميع الأفعال صادرة من اللّه، كلّا، بل المراد من ذلك أنّ اللّه سبحانه هو الذي أعطى المشيئة والإرادة للإنسان، ويقوم الإنسان بأفعاله ويشاء بتلك المشيئة والإرادة التي أعطاها اللّه سبحانه ومنحه إيّاه، ومتى ما كان الفعل مطابقاً للمصلحة والحكمة والتدبير لم يمنعه اللّه من إتيانه، وإلّا منعه من إتيان الفعل.

فالتوحيد الأفعاليّ ليس يعني عدم وجود إرادة لأحد غير اللّه، أو أنّ الإرادة والمشيئة عند البشر هي إرادة اللّه ومشيئته، وفي النتيجة، عدم وجود فاعل سوى اللّه سبحانه، وأنّ الفاعل والموجد الوحيد هو اللّه - كما يستفاد من بعض العبارات(1)-، بل إنّ البشر كلّهم يملكون المشيئة والإرادة وهم من يقومون بما يقومون به، واللّه سبحانه هو من يقدر ويأذن بتحقّق ما يفعلونه. ومن هنا، فإنّ أفعال الإنسان تنسب إليه لا إلى اللّه سبحانه.

ومن الجدير بالذكر القول إنّ التوحيد الأفعاليّ، كما يعتقد به العرفاء ليس

ص: 229


1- . تفسير القرآن الكريم (للملّا صدرا)، ج4، ص57 و ص211؛ أيضاً راجع: الرسائل التوحيديّة، ص66.

صحيحاً، يقول العرفاء:

حينما يتجلّى الحقّ بتوحيده الأفعاليّ للسالك، ويتجلّى للسالك أنّ

جميع الأفعال والأشياء فانية في أفعال الحقّ، ولا يرى شيئاً في أيّ مرتبة فاعلاً غير الحقّ ولا يرى مؤثّراً غيره فإنّه وصل إلى مقام المحو.(1)

إنّ اللّه سبحانه أحد في الخالقيّة والفاعليّة والمؤثّريّة، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ الموجودات الأخرى لا تكون كذلك بإذنه؛ بل إنّ توحيده في الفاعليّة والخالقيّة والمؤثريّة لا يتنافى وفاعليّة الناس ومؤثّريّتهم وخالقيّتهم بإذنه. وهذا لا يعني أنّ فاعليّة غير اللّه هي في عرض اللّه، وأنّ اللّه غافل عنه أو لا يملك سلطاناً على فعله، سبحانه؛ بل إنّ جميع أفعال العباد خاضعة لسلطانه سبحانه وهو الذي يهيمن عليها جميعاً آناً بآن، وهو الذي شاء أن يفعل العباد أفعالهم بالقدرة والعلم الذي منحهم، قالت الصدّيقة الطاهرة(سلام الله عليها):

اللّهمَ ّ إِنَّكَ لَستَ بِرَبٍ ّ استَحدَثنَاكَ وَلَا مَعَكَ إِلَهٌ فَيَشرَكَكَ فِي رُبُوبِيَّتِكَ وَلَا مَعَكَ إِلَهٌ أَعَانَكَ عَلَى خَلقِنَا، أَنتَ رَبُّنَا كَمَا نَقُولُ وَفَوقَ مَا يَقُولُ القَائِلُون.(2)

فليس للّه سبحانه شريك في الربوبيّة والخالقيّة، والربوبيّة والخالقيّة صفة له وحده، وإذا كان لأحد في موارد خاصّة ربوبيّة وخالقيّة، فذلك لا يكون إلّا بإذنه وإرادته ومشيئته؛ لا أن يكون ذلك في عرض اللّه سبحانه وفي مقابله، فالتوحيد الأفعاليّ يعني: رغم أنّ الخلق يتّصفون بالفاعليّة كاللّه سبحانه، إلّا أنّ فاعليّة اللّه عزّ وجلّ لا تشابه فاعليّة الخلق بأيّ وجه من الوجوه، وهو أحد في الفاعليّة؛ كما هو واحد أحد في ذاته وصفاته الذاتيّة، وليس له شبيه ونظير في أيّ جهة من الجهات، لأنّ الذات والصفات والأفعال الإلهيّة ليست قابلة للتصوّر.).

ص: 230


1- . فرهنگ اصطلاحات و تعبيرات عرفانى، ص269.
2- . المصباح (للكفعميّ)، ص76؛ بحارالأنوار، ج83، ص168، ح44 (الباب 43 من أبواب مكان المصلّي... من كتاب الصلاة).

2-4. التوحيد العباديّ

التوحيد العباديّ يعني: أن لا أحد غير اللّه سبحانه يستحقّ العبادة والطاعة، والمعبود الحقيقيّ والواقعيّ هو اللّه وحده، تقول الصدّيقة الزهراء(سلام الله عليها):

سُبحَانَ مَن تَوَاضَعَ كُلُ ّ شَيءٍ لِعَظَمَتِهِ، سُبحَانَ مَن ذَلَّ كُلُّ شَيءٍ لِعِزَّتِهِ، سُبحَانَ مَن خَضَعَ كُلُّ شَيءٍ بِأمرِه وِمُلكِهِ، سُبحَانَ مَنِ انقَادَت لَهُ الأُمُورُ بِأَزِمَّتِهَا.(1)

فالناس لابدّ أن يتوجّهوا إلى اللّه بأعمالهم، ولا يعبدوا أو يطيعوا أو يقدّسوا أحداً سوى اللّه سبحانه، لأنّ الطاعة هي العبادة في حقيقة أمرها. نعم؛ هذا لا يعني أن لا يمكن لأحد أن يكون له سلطة ومقام الأمر والنهي، بل المراد إنّ مقام الأمر والنهي والتسلّط هو للّه وحده، وإذا تسلّط أحد على الآخرين، فلابدّ أن يكون ذلك من قِبَل اللّه عزّ وجلّ، لا أن يكون مستقلّاً في ذلك وفي مقابل حكم اللّه عزّ وجلّ. وقد روت الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) عن أبيها النبيّ الأكرم(صلى الله عليه و آله) عن انحصار العبوديّة في اللّه قوله:

إِلَهِي إِنِّي أَشهَدُ أَنَّكَ أَنتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ المَعبُودُ وَحدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَأَنَّ مُحَمَّداً(صلى الله عليه و آله) عَبدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنَ ّ كُلَ ّ مَعبُودٍ مِمَّا دُونَ عَرشِكَ إِلَى قَرَارِ أَرضِكَ السَّابِعَةِ السُّفلَى، بَاطِلٌ مُضمَحِلٌّ مَا خَلَا وَجهَكَ الكَرِيم.(2)

يبدو أنّ تعبير فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) في بيان كلمة التوحيد، يشير بوضوح إلى هذا المعنى، بأنّ مرجع قول «لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له» إلى أن يتوجّه الإنسان إلى اللّه وحده، ويطلب منه العون؛ ويعبده دون سواه، ويطيعه ولا يخاف أحداً غيره، ولا يتوقّع شيئاً من غيره.

ص: 231


1- . فلاح السائل، ص251؛ بحارالأنوار، ج83، ص115، ح2 (الباب 42 من أبواب مكان المصلّي من كتاب الصلاة).
2- . مسند فاطمة3،ص242 -241؛ بحارالأنوار، ج83، ص165، ح44 (الباب 43 من أبواب مكان المصلّي... من كتاب الصلاة).

معنى ذلك، أنّ من يشهد بتوحيد اللّه سبحانه وينفي عنه كلّ شرك، ولكنّه يقول مثلاً: «لو لم يكن فلان لكنت هالكاً» أو يقول: «أوّلاً اللّه ثمّ فلان»، فإنّ في شهادته بالتوحيد خلل، إلّا أن يكون قصده: «إن لم يكن اللّه يسخر فلاناً لحلّ مشكلتي لكنت هالكاً» ففي هذه الحالة فإنّ هذا الكلام لا ينافي التوحيد فحسب، بل هو التوحيد بعينه.

3. ملخّص الدرس

* معرفة اللّه هي توحيده.

* التوحيد أمر عامّ، وتعترف به جميع الألسنة.

* التوحيد في حقيقته على قسمين: التوحيد الذاتيّ، والتوحيد الصفاتيّ.

* التوحيد الذاتيّ يعني الاعتقاد بالبينونة التامّة بين اللّه سبحانه وخلقه،

* وعدم توصيفه أو توهّمه أو تعقّله.

* صفات اللّه سبحانه تقسّم بلحاظ إلى صفات أزليّة وأخرى حادثة.

* الصفات الأزليّة هي الصفات التي لا يصحّ نفيها عن اللّه، ولكن لا باس بنفي الصفات الحادثة.

* في الحقيقة التوحيد في الصفات أي «لا مؤثّر في الوجود إلّا اللّه» أو «لا خالق إلّا اللّه» هو التوحيد الأفعاليّ.

* الصفات المرتبطة بالتوحيد الأفعاليّ، أي التوحيد في الفاعليّة، يطلق عليها التوحيد الأفعاليّ، مثل الرازقيّة والفاعليّة والخالقيّة و... .

* نسمّي الصفات والكمالات التي لا تسمّى فعلاً، نسمّيها «التوحيد في الصفات»؛ مثل العالميّة والقادريّة، وإنّه سبحانه حيٌّ، و... .

* التوحيد الصفاتيّ يعني أنّ اللّه سبحانه وتعالى أحدٌ من حيث صفاته.

* المراد من التوحيد الأفعاليّ، هو أن لا فاعل في عرض فاعليّة اللّه سبحانه، وأيّ فاعل غير اللّه يفعل بمشيئته عزّ وجلّ؛ أمّا اللّه فهو فاعل بالاستقلال.

ص: 232

* كلّ الناس يملكون الإرادة والمشيئة والاختيار، واللّه سبحانه يُقدّر لهم ويأذن لهم بتحقّق إراداتهم؛ ومن هنا فإنّ أفعال الإنسان تنسب إليه لا إلى اللّه.

* التوحيد العباديّ يعني أنّ غير اللّه لا يستحقّ العبادة والطاعة.

4. اختبار ذاتيّ

1. هل توحيد اللّه أمرٌ عامّ؟ أجب مفصّلا.

2. ماذا يعني التوحيد الذاتيّ؟

3. عبارة «التوحيد أن لا تتوهّمه» ناظرة إلى أيّ نوع من أنواع التوحيد؟ فسّر العبارة.

4. على كم قسم يكون التوحيد الصفاتيّ؟ وضّح معنى كلّ قسم.

5. ماذا يعني التوحيد الأفعاليّ، وما علاقته بالتوحيد الصفاتيّ؟

6. ما هو المراد من التوحيد العباديّ؟

ص: 233

ص: 234

الدرس السابع عشر 17 : الأسماء والصفات (1)

اشارة

المعنى اللغوي للاسم والصفة

معنى الاسم والصفة في روايات أهل البيت(عليهم السلام)

أصناف الروايات في الأسماء والصفات

مرجع الصفات إلى التنزيه

ص: 235

ص: 236

تلميح

بعد الانتهاء من الدرس يتوقّع من الطالب أن يعرف المعنى اللغويّ للفظتي «الاسم» و«الصفة»، ويتعرّف على معنى الاصطلاحين في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)، ويعرف المجموعات المختلفة من الروايات الواردة حول هذا الموضوع، ويعرف أيضاً دليل القول بالمعنى التنزيهيّ والسلبيّ لصفات اللّه سبحانه.

1. المعنى اللغوي للاسم والصفة

الاسم في اللغة، مأخوذ من «وسم» بمعنى العلامة والدلالة، فأصل الاسم يكون مشتقّاً من «وَسَمَ» وأبدلت الواو همزة؛ وقيل إنّه مأخوذ من «السموّ» بمعنى العلوّ والرفعة، بحذف واو آخره وإضافة الهمزة في أوّله بدلاً عن الواو.(1)

أمّا الصفة فمصدرها مادّة «وَصَفَ»، حذفت واو أوّلها وأبدلت بتاء في آخرها.

وقد عرّف السيّد شريف الجرجانيّ الصفة:

بأنّها العلامة الملازمة للموصوف وبها يعرف الموصوف.(2)

ص: 237


1- . راجع: لسان العرب، ج14، ص401.
2- . التعريفات، ص58؛ وراجع: معجم مقاييس اللغة، ج6، ص5.

فلا خلاف في المعنى بين الاسم والصفة من الناحية اللغويّة، فالاسم علامة بشكل مطلق، أمّا الصفة فهي الأخرى علامة ولكنّها بشكل خاصّ تلازم الموصوف وبها يُعرف الموصوف.

2. معنى الاسم والصفة في روايات أهل البيت(عليهم السلام)

استعمل الأئمّة(عليهم السلام) لفظتي «الاسم» و«الصفة» في نفس معناهما اللغويّ بمعنى العلامة بصورة مطلقة أو العلامة الخاصّة.

فعن الإمام الرضا(عليه السلام) قال في من يجري «بسم اللّه» على لسانه:

أَسِمُ عَلَى نَفسِي سِمَةً مِن سِمَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ هِيَ العِبَادَة قَالَ: فَقُلتُ: لَهُ مَا السِّمَةُ؟ فَقَالَ: العَلَامَةُ.(1)

وفي حديثٍ آخر أجاب الإمام(عليه السلام) عن معنى الاسم قائلاً:

صِفَةٌ لِمَوصُوفٍ.(2)

وقد عرّف الإمام الباقر(عليه السلام)، كلّ اسماء اللّه بأنّها صفات، حيث قال:

إِنَ ّ الأسماء صِفَاتٌ وَصَفَ بِهَا نَفسَهُ.(3)

وقال الإمام الصادق(عليه السلام)، عن عبادة اللّه سبحانه:

مَن عَبَدَ المَعنَى بِإِيقَاعِ الأسماء عَلَيهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفسَهُ، فَعَقَدَ عَلَيهِ قَلبَهُ... وَنَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ فِي سَرَائِرِهِ وَعَلَانِيَتِهِ فَأُولَئِكَ أصحَابُ أَمِيرِالمُؤمِنِينَ(عليه السلام) حَقّاً.(4)

في هذه النصوص تصريح بأنّ اسماء اللّه سبحانه صفات بها وصف الربّ

ص: 238


1- . التوحيد، ص229، ح1؛ معاني الأخبار، ص3، ح1؛ بحارالأنوار، ج89، ص230، ح9 (الباب 29 من أبواب فضائل سور القرآن من كتاب القرآن) وفيه باختلاف يسير.
2- . عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، ج1، ص129، ح25؛ الكافي، ج1، ص113، ح3؛ بحارالأنوار، ج4، ص159، ح3 (الباب الأوّل من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).
3- . الكافي، ج1، ص88، ح3؛ الفصول المهمّة، ج1، ص165، ح[98] 4.
4- . الكافي، ج1، ص87، ح1؛ بحارالأنوار، ج4، ص166، ح7 (الباب الأوّل من أبواب أسمائه تعالى من كتاب التوحيد).

نفسه. ومع الالتفات إلى اطلاق الاسم على أيّ علامة أمّا الصفة هي العلامة الخاصّة اللازمة للموصوف، يتبيّن أنّ اسماء اللّه سبحانه كلّها من نوع خاصّ، وفي الحقيقة فإنّها جميعاً صفات للّه سبحانه، فليس له اسم إلّا وفيه معنى وصفيّاً.

إلّا أنّ هناك رواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) يظهر منها خلاف المعنى السابق حيث قال(عليه السلام):

لَهُ عَزَّ وَجَلَ ّ نُعُوتٌ وَصِفَاتٌ، فَالصِّفَاتُ لَهُ وَاَسمَاؤُهَا جَارِيَةٌ عَلَى المَخلُوقِينَ مِثلُ السَّمِيعِ وَالبَصِيرِ.(1)

حيث ورد «السميع» و«البصير» بمعنى الاسم الذي يصدق على الخالق والمخلوقين، إلّا أنّ هذه الأسماء هي صفات مختصّة به سبحانه وليس لخلقه شيء منها.

فعلم ممّا سبق أنّ اسماء اللّه سبحانه، تكون اسمائه حينما تستخدم في الصفات الخاصّة التي وصف نفسه بها.

قال هشام بن سالم: كنت عند أبي عبد اللّه(عليه السلام)، فقال:

أَ تَنعَتُ اللهَ؟ فَقُلتُ: نَعَم. قَالَ: هَاتِ. فَقُلتُ: هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ. قَالَ: هَذِهِ صِفَةٌ يَشتَرِكُ فِيهَا المَخلُوقُونَ.(2)

ومن المعلوم أنّ مراد الإمام من الاشتراك هو الاشتراك في الاسم (كما مرّ في النصّ السابق)، وهذان النصّان - حيث تبادل فيهما معنى اللفظين - يدلّان على اقتران معنى الاسم والصفة.

3. أصناف الروايات في الأسماء والصفات

3 -1. تنزيه اللّه من توصيف العباد

ص: 239


1- . التوحيد، ص140، ح4؛ بحارالأنوار، ج4، ص68، ح12 (الباب الأوّل من أبواب الصفات... من كتاب التوحيد).
2- . التوحيد، ص146، ح14؛ بحارالأنوار، ج4، ص70، ح16 (الباب الأوّل من أبواب الصفات... من كتاب التوحيد).

قال اللّه سبحانه:

سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يَصِفُونَ .(1)

قال الإمام الرضا(عليه السلام):

جَلَّ عَمَّا وَصَفَهُ الوَاصِفُونَ وَتعالى عَمَّا يَنعَتُهُ النَّاعِتُونَ.(2)

وقال الإمام موسى بن جعفر(عليهما السلام):

تعالى عَن صِفَاتِ المَخلُوقِينَ عُلُوّاً كَبِيراً.(3)

وقال الإمام الصادق(عليه السلام):

اللهُ أَكبَرُ مِن أَن يُوصَفَ.(4)

حقّاً لا يقدر مخلوق على أن يصف اللّه سبحانه، لأنّ توصيف الشيء نتيجة معرفته، وما دام الإنسان جاهلاً بحقيقة شيء فلا يمكنه وصفه، ومن جهة أخرى فإنّ طريق معرفة اللّه سبحانه مسدود - كما مرّ سابقاً - لأنّه اسمى من أن تدركه الأوهام والأفكار وتحيطه العقول لأنّه خالقها، فالنتيجة هي عجز العقول والأفكار من أن تصف اللّه سبحانه وتعالى، قال أمير المؤمنين(عليه السلام):

اللهُ أَجَلُ ّ مِن أَن يُدرِكَ الوَاصِفُونَ قَدرَ صِفَتِهِ الَّذِي هُوَ مَوصُوفٌ بِهِ، وَإِنَّمَا

يَصِفُهُ الوَاصِفُونَ عَلَى قَدرِهِم، لَا عَلَى قَدرِ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ. تَعَالَى اللهُ عَن أَن يُدرِكَ الوَاصِفُونَ صِفَتَهُ عُلُوّاً كَبِيراً.(5)).

ص: 240


1- . الأنعام (6)، الآية 100.
2- . الكافي، ج1، ص137، ح3؛ بحارالأنوار، ج4، ص290، ح21 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).
3- . التوحيد، ص77، ح32؛ بحارالأنوار، ج4، ص296، ح23.
4- . التوحيد، ص313، ح1و2؛ الكافي، ج1، ص117 -118؛ بحارالأنوار، ج81، ص254، ح52 (الباب 16 من أبواب مكان المصلّي من كتاب الصلاة).
5- . التوحيد، ص238 -239، ح1؛ بحارالأنوار، ج81، ص132، ح24 (الباب 13 من أبواب مكان المصلّي من كتاب الصلاة).

3-2. توصيف اللّه بما وصف به نفسه

قال الإمام الحسين(عليه السلام):

أَصِفُ إِلَهِي بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفسَه.(1)

وقال أميرالمؤمنين(عليه السلام):

سُبحَانَهُ هُوَ كَمَا وَصَفَ نَفسَهُ.(2)

وقال الإمام الباقر(عليه السلام):

... إِنَ الأسماء صِفَاتٌ وَصَفَ بِهَا نَفسَهُ.(3)

وقال الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام):

فَصِفُوهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ وَكُفُّوا عَمَّا سِوَى ذَلِكَ.(4)

هذه المجموعة من النصوص تأمر الناس - بصراحة - أن يصفوا اللّه سبحانه بما وصفه به نفسه، وأن يحذروا من توصيفه كيفما يحلو لهم، وذلك لعدم مقدرة أحد على أن يصف اللّه كما هو شأنه، ومن هنا فلابدّ أن يكون التوصيف بما وصف اللّه به نفسه، كما أنّ معرفته من دون تعريفه نفسه مستحيلة.

وبناءاً على ما سبق؛ فإنّ المؤمن الحقيقيّ هو من يصف اللّه بما ورد في آيات القرآن الكريم ونصوص أهل البيت(عليهم السلام) ولا يتعدّ هذين المصدرين. وليس هذا القول عجيباً، بل هو مطابق لما يحكم به عقل كلّ إنسان، حيث ينهى العقل المرء من أن يدخل في الظلمات بلا ضياء ونور، وكلّ من جعل هدى اللّه نبراساً له في ظلمات الحياة فلن يتيه، ويصل إلى برّ الأمان ويكتشف الحقائق؛ أمّا من يخالف كشف العقل ووضع قدمه في طريق من دون معرفة أهلك نفسه بيده.

ص: 241


1- . التوحيد، ص80، ح35؛ بحارالأنوار، ج4، ص297، ح24 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).
2- . التوحيد، ص42، ح3؛ الكافي، ج1، ص135، ح1؛ بحارالأنوار، ج4، ص269، ح15 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).
3- . الكافي، ج1، ص88، ح3.
4- . الكافي، ج1، ص102، ح6؛ بحارالأنوار، ج3، ص266، ح31 (الباب التاسع من كتاب التوحيد).

3-3. نفي الصفات عن اللّه سبحانه

قال أميرالمؤمنين(عليه السلام):

نِظَامُ تَوحِيدِهِ، نَفيُ الصِّفَاتِ عَنهُ.(1)

وقال أيضاً:

كَمَالُ الإِخلَاصِ لَهُ، نَفيُ الصِّفَاتِ عَنهُ، لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيرُ المَوصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوصُوفٍ أَنَّهُ غَيرُ الصِّفَة.(2)

وقال الإمام الرضا(عليه السلام):

نِظَامُ تَوحِيدِ اللهِ نَفيُ الصِّفَاتِ عَنهُ لِشَهَادَةِ العُقُولِ، أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ وَمَوصُوفٍ مَخلُوقٍ.(3)

من خلال التأمّل والتوجّه إلى النصوص التي مرّت في الفئتين السابقتين، يمكن معرفة المراد من نفي الصفات الوارد في هذه الروايات بنحو مطلق. فطريق الجمع بين الروايات يكون عبر الروايات نفسها، فالفئة الأولى تنزّه اللّه عن الصفات التي يجعلها الناس بعقولهم وأفكارهم وأوهامهم له سبحانه. أمّا الفئة الثانية فتثبت للّه الصفات التي وصف بها نفسه.

وبالالتفات إلى الروايات في الفئة الأولى والثالثة، يتبيّن أنّ النصوص في الفئة الثانية أجازت لنا أن نصف اللّه سبحانه بما وصف به نفسه، وليس ذلك بمعنى كون الأوصاف هذه معروفة لعقولنا ومفاهيمنا حتّى نصف اللّه بها، لأنّ ذلك يؤدّي إلى كون الصفة والموصوف مخلوقات لنا، ومشمولة في نفي الصفات التي قال عنها الإمام الرضا(عليه السلام):

« نظام توحيد الله نفي الصفات عنه، لشهادة العقول أنّ كلّ صفة وموصوف مخلوق ». وهكذا، بدلالة الفئة الأولى، يلزم تنزيه اللّه عن أوصاف كهذه.

ص: 242


1- . الاحتجاج، ج2، ص398؛ بحارالأنوار، ج4، ص253، ح6 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).
2- . نهج البلاغه، الخطبة الأولى، ص39؛ الاحتجاج، ج1، ص199؛ بحارالأنوار، ج4، ص247، ح5.
3- . التوحيد، ص34 -35، ح2؛ بحارالأنوار، ج4، ص228، ح3.

وعليه، فلا يجوز إشراك عقولنا وأوهامنا وتخيّلاتنا في التوصيف، بل لابدّ أن نأخذ من اللّه وحده، وبخلفية المعرفة الفطريّة؛ الأوصاف التي وصف بها الربّ سبحانه نفسه.

وبالتالي، ليس الاجتناب من توصيف اللّه بما لم يصف به نفسه، أمراً ضروريّاً وواجباً فحسب، بل أنّ الاجتناب عن إدخال العقل والفهم حتّى في الأوصاف التي وصف اللّه نفسه بها واجب أيضاً. وفي غير هذه الحالة، فإنّ الأوصاف المذكورة والموصوف بها ستكون مخلوقةً للعقول والأوصاف التي خلقناها بعقولنا لا تَمُتّ إلى الخالق الذي عرفناه بالفطرة بصلة، والنتيجة ستكون المغايرة بين الموصوف والصفة، لأنّ الصفة مخلوقة لعقولنا، أمّا الموصوف فهو خالقنا نحن وعقولنا. وإذا توهّمنا الموصوف أيضاً فإنّه الآخر سيكون مخلوقاً لعقلنا ومردوداً إلينا، وهذا ليس ذلك الموصوف الذي عرفناه بفطرتنا.

عن محمّد بن مسلم قال، قلت للإمام الباقر(عليه السلام):

يَزعُمُونَ أَنَّهُ بَصِيرٌ عَلَى مَا يَعقِلُونَهُ؟ قَالَ: فَقَالَ: تَعَالَى اللهُ. إِنَّمَا يَعقِلُ مَا كَانَ بِصِفَةِ المَخلُوقِ وَلَيسَ اللهُ كَذَلِكَ.(1)

وقال الإمام الرضا(عليه السلام):

مَا تَوَهَّمتُم مِن شَيءٍ، فَتَوَهَّمُوا اللهَ غَيرَهُ.(2)

وقال الإمام الصادق(عليه السلام):

كُلُّ مَا وَقَعَ فِي الوَهمِ، فَهُوَ بِخِلَافِهِ.(3)).

ص: 243


1- . التوحيد، ص144، ح9؛ الكافي، ج1، ص108، ح1؛ بحارالأنوار، ج4، ص69، ح14 (الباب الأوّل من أبواب الصفات من كتاب التوحيد).
2- . التوحيد، ص114، ح13؛ الكافي، ج1، ص101، ح3؛ بحارالأنوار، ج4، ص40، ح18 (الباب الخامس من أبواب تأويل الآيات... من كتاب التوحيد).
3- . التوحيد، ص80، ح36؛ بحارالأنوار، ج3، ص290، ح4 (الباب 13 من كتاب التوحيد).

4. مرجع الصفات إلى التنزيه

قال الإمام موسى بن جعفر(عليهما السلام):

أَنَّهُ الحَيُ ّ الَّذِي لا يَمُوتُ، وَالقَادِرُ الَّذِي لَا يَعجِزُ، وَالقَاهِرُ الَّذِي لَا يُغلَبُ، وَالحَلِيمُ الَّذِي لَا يَعجَلُ، وَالدَّائِمُ الَّذِي لَا يَبِيدُ، وَالبَاقِي الَّذِي لَا يَفنَى، وَالثَّابِتُ الَّذِي لَا يَزُولُ، وَالغَنِيُّ الَّذِي لَا يَفتَقِرُ، وَالعَزِيزُ الَّذِي لَا يَذِلُّ، وَالعَالِمُ الَّذِي لَا يَجهَلُ، وَالعَدلُ الَّذِي لَا يَجُورُ، وَالجَوَادُ الَّذِي لَا يَبخَل.(1)

وقال الإمام محمّد بن عليّ الجواد(عليه السلام):

فَقَولُكَ: «إِنَّ اللهَ قَدِيرٌ» خَبَّرتَ أَنَّهُ لَا يُعجِزُهُ شَيءٌ، فَنَفَيتَ بِالكَلِمَةِ العَجزَ، وَجَعَلتَ العَجزَ سِوَاهُ، وَكَذلِكَ قَولُكَ: «عَالِمٌ» إِنَّمَا نَفَيتَ بِالكَلِمَةِ الجَهلَ، وَجَعَلتَ الجَهلَ سِوَاهُ.(2)

وقال الإمام الرضا(عليه السلام):

إِنَّمَا سُمِّيَ اللهُ عَالِماً، لِأَنَّهُ لَا يَجهَلُ شَيئاً.(3)

في هذه المجموعة من الروايات، يقرن الأئمّة(عليهم السلام) كلّ صفة من الصفات الثبوتيّة للّه سبحانه، بوصف تنزيهيّ، ويبيّن الإمام الجواد(عليه السلام) أنّ عالميّة اللّه تعني نفي الجهل عنه، ويبدو أنّ السبب في تفسير الأوصاف بهذه الطريقة، هو أنّ فهم الإنسان لهذه الصفات مأخوذ من فهمه لنفسه ونوعه، ذلك لأنّ الناس - عادةً - في غفلة عن المعرفة الفطريّة، ومعرفة اللّه باللّه، ولذلك فإنّ الأئمّة(عليهم السلام) يريدون بهذه الطريقة أن يُفهموا المخاطبين عدم صحّة هكذا تصوّرات، وبضمّ الصفات إلى أوصاف تنزيهيّة وسلبيّة

ص: 244


1- . التوحيد، ص76، ح32؛ بحارالأنوار، ج4، ص296، ح23 (الباب الرابع من أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد)؛ روضة الواعظين، ج1، ص35.
2- . التوحيد، ص193، ح7؛ الكافي، ج1، ص116-117، ح7؛ بحارالأنوار، ج4، ص153-154، ح1 (الباب الأوّل من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).
3- . الكافي، ج1، ص121، ح2؛ بحارالأنوار، ج4، ص177، ح5 (الباب الثاني من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).

أرادوا سلب هذا التصوّر من الناس، وأن يقرّبونهم إلى المعاني الحقيقيّة والواقعيّة للاسماء والصفات الإلهيّة، التي عرفوها بتوصيفه هو عزّ وجلّ، ويذكّروهم بالمعرفة الفطريّة التي تنزّه كلّ تشبيه بين الخالق وخلقه في المعنى.

5. ملخّص الدرس

* الاسم، إمّا مأخوذ من «وَسَمَ» بمعنى العلامة وإمّا من مادّة «السمُوّ» بمعنى العلوّ والرفعة.

* الاسم علامة مطلقاً، أمّا الصفة فهي علامة خاصّة لازمة للموصوف.

* اسماء اللّه سبحانه، هي الصفات التي وصف بها نفسه.

* ليس للّه اسم إلّا وفيه معنى وصفيّاً.

* لا يقدر البشر على توصيف اللّه.

* يجب أن تكون أوصاف اللّه بتوصيفه هو عزّ وجلّ.

* يجب الحذر من توصيف اللّه بما لم يصف به نفسه، كما يجب الابتعاد عن إدخال العقل والفكر في توصيفه عزّ وجلّ.

* بيان المعنى التنزيهيّ والسلبيّ للأوصاف الإلهيّة، كان لجهة تحذير العباد من التشبيه وسوقهم إلى المعرفة الفطريّة.

6. اختبار ذاتيّ

1. ما معنى الاسم والصفة؟ وما هو وجه الاشتراك ووجه الاختلاف بينهما؟

2. لماذا يشترك الاسم والصفة بالنسبة إلى اسماء اللّه سبحانه؟ وضّح ذلك.

3. اشرح قوله(عليه السلام): «جَلَّ عَمَّا وَصَفَه الوَاصِفُونَ».

4. كيف يمكن الجمع بين عبارة: «أَصِفُ إلهِي بِمَا وَصَفَه بِهِ نَفسَهُ» و« جَلَّ عَمَّا وَصَفَه الوَاصِفُونَ»؟

5. ما معنى «كَمَالُ الإخلَاصِ نَفيُ الصِّفَاتِ عَنهُ» ؟

6. ما هو الوجه في ضمّ المعاني السلبيّة والتنزيهيّة إلى الصفات الثبوتيّة للّه سبحانه وتعالى؟

ص: 245

ص: 246

الدرس الثامن عشر 18 : الأسماء والصفات (2)

اشارة

الاشتراك اللفظيّ في الأسماء والصفات

الأسماء والصفات مخلوقة وهي غير اللّه

صفات الذات وصفات الفعل

ص: 247

ص: 248

تلميح

بعد الانتهاء من مطالعة الدرس، يتوقّع من الطالب أن يعرف نوع الاشتراك في الأسماء والصفات بين الخالق والمخلوق، ويتعرّف على معنى الاشتراك اللفظيّ في الأسماء والصفات، ويجيب على الإشكالات الواردة في المقام، ويعرف أيضاً أنّ الأسماء مخلوقات، كما يستطيع التمييز بين صفات الذات وصفات الفعل.

قلنا في الدرس السابق أنّ الاسم والصفة يشتركان في المعنى بالنسبة إلى اللّه سبحانه؛ بمعنى أنّ الأسماء التي سمّى الباري بها نفسه، كلّها تحوي معانٍ وصفيّة وصف بها الباري نفسه. وإذ لم يكن ثمّ وجه تشابه بين الخالق وخلقه فلابدّ أن ننزّه اللّه سبحانه من أوصاف المخلوقين.

ومن جهة أخرى نجد أنّ بعض الأسماء والصفات مشتركة بين الخالق والمخلوق، وفي هذا الدرس سنتطرّق إلى هذا الموضوع.

ص: 249

1. الاشتراك اللفظيّ في الأسماء والصفات

قال الإمام الصادق(عليه السلام):

فَمَن قَالَ لِلإِنسَانِ وَاحِدٌ، فَهَذَا لَهُ اسم وَلَهُ شَبِيهٌ، وَاللهُ وَاحِدٌ وَهُوَ لَهُ اسم وَلَا شَيءَ لَهُ شَبِيهٌ وَلَيسَ المَعنَى وَاحِداً وَأَمَّا الأسماء، فَهِيَ دَلَالَتُنَا عَلَى المُسَمَّى.(1)

وقال الإمام الرضا(عليه السلام):

سُمِّيَ رَبُّنَا سَمِيعاً لَا بِجُزءٍ فِيهِ يَسمَعُ بِه الصَّوتَ لَا يُبصِرُ بِهِ، كَمَا أَنَّ جُزءَنَا الَّذِي نَسمَعُ بِهِ لَا نَقوَى عَلَى النَّظَرِ بِهِ وَلَكِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَخبَرَ أَنَّهُ لَا تَخفَى عَلَيهِ الأَصوَاتُ لَيسَ عَلَى حَدِّ مَا سُمِّينَا بِهِ نَحنُ، فَقَد جَمَعَنَا الاسم بِالسَّمِيعِ وَاختَلَفَ المَعنَى وَهَكَذَا البَصِيرُ.(2)

هذه النصوص تنفي أيّ تشبيه بين الخالق والمخلوق وتبيّن بصراحة عدم وجود اشتراك معنويّ بين الخالق والمخلوق، فبالرغم من الاشتراك اللفظيّ إلّا أنّ المعاني تختلف.

إنّ البشر يعجز عن السمع بآلة البصر ولا يقدر على الإبصار بواسطة آلة

السمع، ولكن هذا الأمر لا يصدق على اللّه سبحانه.

قال الإمام الرضا(عليه السلام):

إِنَّهُ يَسمَعُ بِمَا يُبصِرُ وَ يَرَى بِمَا يَسمَعُ، بَصِيرٌ لَا بِعَينٍ مِثلِ عَينِ المَخلُوقِينَ وَسَمِيعٌ لَا بِمِثلِ سَمعِ السَّامِعِينَ، لَكِن لَمَّا لَم يَخفَ عَلَيهِ خَافِيَة.(3)

ولا يتصوّر وجود اشتراك بين الخالق والمخلوقين في أصل السمع والأبصار كما

ص: 250


1- . بحارالأنوار، ج3، ص195 (الباب الخامس من كتاب التوحيد)؛ الاهليلجة، ص152.
2- . التوحيد، ص188، ح2؛ بحارالأنوار، ج4، ص177، ح5 (الباب الثاني من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).
3- . التوحيد، ص65، ح18؛ بحارالأنوار، ج4، ص292، ح21 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى و... من كتاب التوحيد).

هو مفهوم عندنا؛ لأنّ اللّه سبحانه خالق للعقل والفهم البشريّ، فلا يمكن أن يكون معقول البشر ومفهومهم صفة للّه سبحانه فيوصف اللّه به.

ولابد من الالتفات إلى أنّ هذا لا يعني التعطيل في معرفة اللّه؛ بل هو تعطيل للمعرفة الحاصلة من المفاهيم والتصوّرات والتوصيفات البشريّة؛ ذلك لأنّ البشر يعجزون عن الوصول إلى معرفة اللّه بشكل مستقلّ ومن دون تعريفه، بمعنى أنّ تحصيل المعرفة خارج عن دائرة عقل الإنسان.

إنّ طريق معرفة اللّه سبحانه لا يكون إلّا عبر تعريفه هو عزّ وجلّ، وبالتالي فحقيقة الأسماء والصفات أيضاً لابدّ أن تُعرّف بتعريفه هو سبحانه.

قال الإمام الحسين(عليه السلام):

لَا تُدرِكُهُ العُلَمَاءُ بِأَلبَابِهَا وَلَا أهل التَّفكِيرِ بِتَفكِيرِهِم إِلَّا بِالتَّحقِيقِ إِيقَاناً بِالغَيبِ لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِشَيءٍ مِن صِفَاتِ المَخلُوقِينَ وَهُوَ الوَاحِدُ الصَّمَدُ مَا تُصُوِّرَ فِي الأَوهَامِ فَهُوَ خِلَافُه... احتَجَبَ عَنِ العُقُولِ كَمَا احتَجَبَ عَنِ الأَبصَار... بِهِ تُوصَفُ الصِّفَاتُ لَا بِهَا يُوصَفُ وَبِهِ تُعرَفُ المَعَارِفُ لَا بِهَا يُعرَف.(1)

وبهذا البيان اتّضح أنّ المراد من الاشتراك اللفظيّ هنا ليس بمعنى أنّ اللفظ الواحد يحمل معنيين مفهوميّين. بل المراد هو أنّ اللفظ إن أطلق على المخلوق فللعقل أن يدرك معناه وحدوده، ولكن إن أطلق اللفظ عينه على الخالق فإنّ فهم معناه يتعذر إلّا عبر تعريف اللّه والمعرفة الفطريّة.

إنّ اللّه سبحانه اختار لنفسه اسماءاً وصفاتاً أمر الناس أن يدعوه بها، وإن لم يكن اللّه يفعل ذلك لكان العباد يواجهون مشكلة فيما إذا أرادوا مناجاته وعبادته، ولم يعلموا كيف ينادونه وبأيّ الأسماء يدعونه، سئل الإمام الجواد(عليه السلام) عن اسماء اللّه وصفاته في الحديث التالي:).

ص: 251


1- . تحف العقول، ص244؛ بحارالأنوار، ج4، ص301، ح29 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى و... من كتاب التوحيد).

أَخبِرنِي عَنِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتعالى لَهُ اسماءٌ وَصِفَاتٌ فِي كِتَابِهِ، وَاسماؤُهُ وَصِفَاتُهُ هِيَ هُوَ؟

فَقَالَ أَبُو جَعفَرٍ(عليه السلام): ... إِن كُنتَ تَقُولُ هِيَ هُوَ أَي إِنَّهُ ذُو عَدَدٍ وَكَثرَةٍ فَتعالى اللهُ عَن ذَلِكَ وَإِن كُنتَ تَقُولُ: هَذِهِ الصِّفَاتُ وَالأسماء لَم تَزَل، فَإِنَّ لَم تَزَل مُحتَمِلٌ مَعنَيَينِ: فَإِن قُلتَ: لَم تَزَل عِندَهُ فِي عِلمِهِ وَهُوَ مُستَحِقُّهَا فَنَعَم. وَإِن كُنتَ تَقُولُ: لَم يَزَل تَصوِيرُهَا وَهِجَاؤُهَا وَتَقطِيعُ حُرُوفِهَا فَمَعَاذَ اللهِ أَن يَكُونَ مَعَهُ شَيءٌ غَيرُهُ بَل كَانَ اللهُ وَلَا خَلقَ، ثمّ خَلَقَهَا وَسِيلَةً بَينَهُ وَ بَينَ خَلقِهِ يَتَضَرَّعُونَ بِهَا إِلَيهِ وَيَعبُدُونَهُ. وَهِيَ ذِكرُهُ، وَكَانَ اللّه وَلَا ذِكرَ، وَالمَذكُورُ بِالذِّكرِ هُوَ اللهُ القَدِيمُ الَّذِي لَم يَزَل. وَالأسماء وَالصِّفَاتُ مَخلُوقَاتٌ، وَالمَعَانِي وَالمَعنِيُّ بِهَا هُوَ اللهُ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ الاختلاف وَلَا الِائتِلَاف.(1)

إشكال

قيل إنّ الأسماء والصفات لا تشترك بين الخالق والمخلوق إلّا من جهة الألفاظ دون المعاني وهذا ليس صحيحاً، إذ أنّا نرى بعض اسماء الخالق وردت بصيغة «أفعل» التفضيل، وهذا الوزن يدلّ على أنّ أصل معنى الأسماء والمعاني تشترك بين الخالق والمخلوق، والفرق إنّما هو في المراتب والدرجات.

الجواب

صحيح انّ «أفعل» التفضيل، يدلّ على اشتراك المفضّل والمفضّل عليه في أصل الفعل والصفة، ولكن لا كلّية لهذه القاعدة، فإنّا نجد في الكثير من المواقع أنّ معنى التفضيل يسلب من هذا الوزن، وتكون بمعنى اسم الفاعل أو الصفة المشبّهة.

مثلاً في قوله تعالى: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ،(2) حيث ورد «أحبّ» على وزن «أفعل» فالسجن يكون «مفضّلاً» وتلبية طلب النسوة «مفضّل3.

ص: 252


1- . الكافي، ج1، ص116، ح7؛ التوحيد، ص193، ح7؛ بحارالأنوار، ج4، ص153، ح1 (الباب الأوّل من أبواب أسمائه تعالى و... من كتاب التوحيد).
2- . يوسف (12)، الآية 33.

عليه»، وإن قلنا إنّها جاءت بمعنى التفضيل فاللازم هو حبّ النبيّ يوسف كلا العملين - والعياذ باللّه - ولكنّه فضّل السجن، والحال أنّ الأمر لم يكن كذلك قطعاً، حيث لم يكن النبيّ يوسف يميل إلى ذلك الفعل أبداً.

والأمر عينه يصدق على اسماء اللّه سبحانه الواردة بصيغة «أفعل» والشاهد على ذلك النصوص الشريفة منها قول الإمام الصادق(عليه السلام) في معنى «اللّه أكبر» حيث روي:

قَالَ رَجُلٌ عِندَهُ: اللهُ أَكبَرُ، فَقَالَ: اللهُ أَكبَرُ مِن أَيِّ شَيءٍ؟

فَقَالَ: مِن كُلِّ شَيءٍ.

فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللهِ(عليه السلام): حَدَّدتَهُ؛ فَقَالَ الرَّجُلُ: كَيفَ أَقُولُ؟ قَالَ: قُل اللهُ أَكبَرُ مِن أَن يُوصَفَ.(1)

وحينما يقول الراوي اللّه أكبر من كلّ شيء، قال:

وَكَانَ ثُمَّ شَيءٌ فَيَكُونُ أَكبَرَ مِنهُ؛ قُلتُ: وَمَا هُوَ فَقَالَ اللهُ أَكبَرُ مِن أَن يُوصَفَ.(2)

2. الأسماء والصفات مخلوقة وهي غير اللّه

قال الإمام الجواد(عليه السلام):

لَم يَزَل تَصوِيرُهَا وَهِجَاؤُهَا وَتَقطِيعُ حُرُوفِهَا فَمَعَاذَ اللهِ أَن يَكُونَ مَعَهُ شَيءٌ غَيرُهُ، بَل كَانَ اللهُ وَلَا خَلقَ، ثُمَّ خَلَقَهَا وَسِيلَةً بَينَهُ وَبَينَ خَلقِهِ يَتَضَرَّعُونَ بِهَا إِلَيهِ وَيَعبُدُونَهُ وَهِيَ ذِكرُهُ وَكَانَ اللهُ وَلَا ذِكرَ.(3)

وقال الإمام الصادق(عليه السلام):

إِنَّمَا عَرَفَ اللهَ مَن عَرَفَهُ بِاللهِ فَمَن لَم يَعرِفهُ بِهِ فَلَيسَ يَعرِفُهُ إِنَّمَا يَعرِفُ غَيرَهُ

ص: 253


1- . الكافي، ج1، ص117، ح8؛ التوحيد، ص313، ح1؛ بحارالأنوار، ج90، ص219، ح2 (الباب التاسع من أبواب أذكار وفضلها... من كتاب التوحيد).
2- . الكافي، ج1، ص118، ح9؛ بحارالأنوار، ج90، ص218، ح1 (الباب التاسع من أبواب الأذكار و... من كتاب القرآن).
3- . التوحيد، ص193، ح7؛ الكافي، ج1، ص116، ح7؛ بحارالأنوار، ج4، ص153، ح1 (الباب الأوّل من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).

لَيسَ بَينَ الخَالِقِ وَالمَخلُوقِ شَيءٌ، وَاللهُ خَالِقُ الأشياء لَا مِن شَيءٍ كَانَ، وَاللهُ يُسَمَّى بِأسمَائِهِ وَهُوَ غَيرُ اسمائِهِ وَالأسماء غَيرُهُ.(1)

وقال(عليه السلام) أيضاً:

الِاسمُ غَيرُ المُسَمَّى. فَمَن عَبَدَ الاسمَ دُونَ المَعنَى فَقَد كَفَرَ، وَلَم يَعبُد شَيئاً. وَمَن عَبَدَ الِاسمَ وَالمَعنَى فَقَد كَفَرَ وَعَبَدَ اثنَينِ وَمَن عَبَدَ المَعنَى دُونَ الِاسمَ فَذَاكَ... إنَّ للهِ تِسعَةً وَتِسعِينَ اسمَاً فَلَو كَانَ الاسمُ هُوَ المُسَمَّى لَكَانَ كُلُّ اسمٍ مِنهَا إِلَهاً وَلَكِنَّ اللهَ مَعنًى يُدَلُّ عَلَيهِ بِهَذِهِ الأسمَاء وَكُلُّهَا غَيرُه.(2)

المراد من الاسم في هذه الروايات هو الأسماء اللفظيّة التي جعلها اللّه سبحانه علامات تدلّ عليه، وخلقها ليدعوه ويعبدوه بها، ويهدون الآخرين إليه عبرها. إنّ هذه الأسماء ذكر اللّه سبحانه وبها يتوجّه الإنسان إلى خالقه فيذكره.

فلا موضوعيّة للاسم في قضيّة العبادة، وعلى الإنسان أن لا يرى لها موضوعيّة في عبادة اللّه سبحانه، بل لابدّ أن يصل إلى المعنى بتوسّطها - وهو المعروف بالفطرة والذي عرفه به - فيعبده ويخضع ويخشع له. وبناءاً على قول الإمام الصادق(عليه السلام)، فإنّ اللّه المعبود

« مَعرُوفٌ عِندَ كلِّ جَأهل »(3)، ولكن هذه الأسماء ليست سوى ألفاظ، وبالتالي فلا معنى لعبادتها وقد قال(عليه السلام): «إِنَّ مَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمُسَمّى بِالأسماء، فَقَدْ أَشْرَكَ وَكَفَرَ وَجَحَدَ وَلَمْ يَعْبُدْ شَيْئاً».

3. صفات الذات وصفات الفعل

عن أبي بصير: قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام):

ص: 254


1- . التوحيد، ص143، ح7؛ بحارالأنوار، ج4، ص161، ح6 (الباب الأوّل من أبواب أسمائه تعالى و... من كتاب التوحيد).
2- . الكافي، ج1، ص87، ح2؛ بحارالأنوار، ج4، ص157، ح2 (الباب الأوّل من أبواب أسمائه تعالى و... من كتاب التوحيد).
3- . الكافي، ج1، ص91، ح2؛ بحارالأنوار، ج4، ص286، ح18 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).

فَلَم يَزَلِ اللهُ مُتَكَلِّماً؟ قَالَ: فَقَالَ إِنَّ الكَلَامَ صِفَةٌ مُحدَثَةٌ لَيسَت بِأَزَلِيَّةٍ. كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا مُتَكَلِّمَ.(1)

عن عاصم بن حميد: سألت الإمام الصادق(عليه السلام):

قُلتُ لَم يَزَلِ اللهُ مُرِيداً؟ قَالَ: إِنَّ المُرِيدَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمُرَادٍ مَعَهُ لَم يَزَلِ اللهُ عَالِماً قَادِراً ثُمَّ أَرَادَ.(2)

وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله:

المَشِيئَةُ مُحدَثَةٌ.(3)

وقال الإمام الرضا(عليه السلام) لسليمان المروزيّ عن الإرادة:

هِيَ مُحدَثَةٌ. يَا سُلَيمَانُ، فَإِنَّ الشَّيءَ إِذَا لَم يَكُن أَزَلِيّاً كَانَ مُحدَثاً... ثُمَّ قَالَ الرِّضَا(عليه السلام): يَا سُلَيمَانُ، ألَا تُخبِرُنِي عَنِ الإِرَادَةِ فِعلٌ هِيَ، أَم غَيرُ فِعلٍ؟ قَالَ: بَل هِيَ فِعلٌ، فَقَالَ(عليه السلام): فَهِيَ مُحدَثَةٌ لِأَنَّ الفِعلَ كُلَّهُ مُحدَثٌ.(4)

وقال الإمام الصادق(عليه السلام):

كَانَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا مُتَكَلِّمَ وَلَا مُرِيدَ وَلَا مُتَحَرِّكَ وَلَا فَاعِلَ. جَلَّ وَعَزَّ رَبُّنَا، فَجَمِيعُ هَذِهِ الصِّفَاتِ مُحدَثَةٌ عِندَ حُدُوثِ الفِعلِ مِنهُ ُ.(5)

بالالتفات إلى هذه النصوص يتّضح معنى صفات الذات وصفات الفعل عند أهل البيت(عليهم السلام)، فميزة صفات الفعل أنّ اللّه سبحانه لا يتّصف بها منذ الأزل، بل بحدوث الفعل اتّصف بها؛ بخلاف صفات الذات التي لا يمكن سلبها في حال).

ص: 255


1- . التوحيد، ص139؛ بحارالأنوار، ج4، ص72، ح18 (الباب الأوّل من أبواب أسمائه تعالى و... من كتاب التوحيد).
2- . الكافي، ج1، ص109، ح1؛ بحارالأنوار، ج54، ص163، ح101 (الباب الأوّل من أبواب كلّيّات أحوال العالم من كتاب السماء والعالم).
3- . الكافي، ج1، ص110، ح7؛ بحارالأنوار، ج4، ص144، ح14 (الباب الرابع من أبواب الصفات... من كتاب التوحيد).
4- . التوحيد، ص445، ح1؛ بحارالأنوار، ج10، ص333، ح2 (الباب19 من أبواب إحتجاجات أميرالمؤمنين(عليه السلام)... من كتاب الإحتجاج).
5- . التوحيد، ص227، ح7؛ بحارالأنوار، ج5، ص31، ح139 (الباب الأوّل من أبواب العدل... من كتاب التوحيد).

من الأحوال عن اللّه سبحانه.

وتبين أيضاً أنّ صفات الفعل تنتج شيئاً غير اللّه بخلاف صفات الذات، فمثلاً لابدّ للمشيئة من متعلّق ولابدّ للإرادة من مراد، في حال أنّ العلم لا يحتاج إلى معلوم، والقدرة لا تحتاج إلى مقدورة، كما أنّ الحياة لا تستوجب وجود أمر في عرض اللّه سبحانه.

وقد اختلفت تعابير أهل البيت(عليهم السلام) في الحديث عن صفات الذات، ننقل

فيما يلي بعضاً منها:

قال الإمام الرضا(عليه السلام):

فَلَم يَزَلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِلمُهُ سَابِقاً لِلأَشيَاءِ قَدِيماً قَبلَ أَن يَخلُقَهَا، فَتَبَارَكَ رَبُّنَا تعالى عُلُوّاً كَبِيراً، خَلَقَ الأشياء وَعِلمُهُ بِهَا سَابِقٌ لَهَا كَمَا شَاءَ كَذَلِكَ، لَم يَزَل رَبُّنَا عَلِيماً سَمِيعاً بَصِيرا.(1)

ونقرأ في مناظرة الإمام الرضا(عليه السلام) مع سليمان المروزيّ:

قَالَ سُلَيمَانُ: إنَّها [ أي الإرادة] كَالسَّمعِ وَالبَصَرِ وَالعِلمِ؟

قَالَ الرِّضَا(عليه السلام):... فَأَخبِرنِي عَنِ السَّمعِ وَالبَصَرِ وَالعِلمِ أَ مَصنُوعٌ؟

قَالَ سُلَيمَانُ: لَا.

قَالَ الرِّضَا(عليه السلام): فَكَيفَ نَفَيتُمُوهُ فَمَرَّةً قُلتُم لَم يُرِد، وَمَرَّةً قُلتُم أَرَادَ وَلَيسَت بِمَفعُولٍ لَه؟

قَالَ سُلَيمَانُ :إِنَّمَا ذَلِكَ كَقَولِنَا مَرَّةً عَلِمَ وَمَرَّةً لَم يَعلَم.

قَالَ الرِّضَا(عليه السلام): لَيسَ ذَلِكَ سَوَاءً. لِأَنَّ نَفيَ المَعلُومِ لَيسَ بِنَفيِ العِلمِ وَنَفيُ المُرَادِ نَفيُ الإِرَادَةِ أَن تَكُونَ؛ لِأَنَّ الشَّيءَ إِذَا لَم يُرَد لَم يَكُن إِرَادَةٌ وَقَد يَكُونُ العِلمُ ثَابِتاً وَإِن لَم يَكُنِ المَعلُومُ بِمَنزِلَةِ البَصَرِ، فَقَد يَكُونُ الإنسَانُ بَصِيراً وَإِن لَم يَكُنِ المُبصَر.(2)).

ص: 256


1- . التوحيد، ص137، ح8؛ بحارالأنوار، ج4، ص79، ح1 (الباب الثاني من أبواب الصفات... من كتاب التوحيد).
2- . التوحيد، ص449، ح1؛ بحارالأنوار، ج10، ص334، ح2 (الباب 19 من أبواب احتجاج أميرالمؤمنين(عليه السلام) من كتاب الإحتجاج).

قال الإمام الصادق(عليه السلام):

لَم يَزَلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رَبَّنَا وَالعِلمُ ذَاتُهُ وَلَا مَعلُومَ، وَالسَّمعُ ذَاتُهُ وَلَا مَسمُوعَ، وَالبَصَرُ ذَاتُهُ وَلَا مُبصَرَ، وَالقُدرَةُ ذَاتُهُ وَلَا مَقدُورَ.(1)

ويقول(عليه السلام) في رواية أخرى:

لَم يَزَلِ اللهُ عَلِيماً سَمِيعاً بَصِيراً ذَاتٌ عَلَّامَةٌ سَمِيعَةٌ بَصِيرَةٌ.(2)

ويقول أيضاً:

رَبُّنَا نُورِيُّ الذَّاتِ، حَيُّ الذَّاتِ، عَالِمُ الذَّاتِ، صَمَدِيُّ الذَّاتِ.(3)

وقد سأل زنديق الإمام الصادق(عليه السلام):

أتَقُولُ إِنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ؟

قَالَ(عليه السلام): هُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، سَمِيعٌ بِغَيرِ جَارِحَةٍ وَبَصِيرٌ بِغَيرِ آلَةٍ، بَل يَسمَعُ بِنَفسِهِ وَيُبصِرُ بِنَفسِهِ، لَيسَ قَولِي إِنَّهُ سَمِيعٌ يَسمَعُ بِنَفسِهِ وَبَصِيرٌ يُبصِرُ بِنَفسِهِ، أَنَّهُ شَيءٌ وَالنَّفسُ شَيءٌ آخَرُ وَلَكِن أَرَدتُ عِبَارَةً عَن نَفسِي إِذ كُنتُ مَسئُولاً وَإِفهَاماً لَكَ إِذ كُنتَ سَائِلاً فَأَقُولُ إِنَّهُ سَمِيعٌ بِكُلِّهِ لَا أَنَّ الكُلَّ مِنهُ، لَهُ بَعضٌ وَلَكِنِّي أَرَدتُ إِفهَامَكَ وَالتَّعبِيرُ عَن نَفسِي وَلَيسَ مَرجِعِي فِي ذَلِكَ إِلَّا إلَى أَنَّهُ السَّمِيع البَصِيرُ العَالِمُ الخَبِيرُ بِلَا اختِلَاف الذَّاتِ وَلَا اختِلَافِ المَعنَى.(4)

الحديث في هذه النصوص، عن كون اللّه سبحانه عالماً قادراً، حياً، بصيراً سميعاً صمداً .. ذاتاً. وحينما يكون العلم ذاته فلا معنى للجهل فيه وحينما يكون قدرة ذاتاً فلا مجال للعجز فيه. وحينما يكون حيّاً بذاته فلا سبيل للموت عليه،).

ص: 257


1- . التوحيد، ص139، ح1؛ بحارالأنوار، ج4، ص71، ح18 (الباب الأوّل من أبواب صفات... من كتاب التوحيد).
2- . التوحيد، ص139، ح2؛ بحارالأنوار، ج4، ص72، ح19 (الباب الأوّل من أبواب صفات... من كتاب التوحيد).
3- . التوحيد، ص140، ح4؛ بحارالأنوار، ج4، ص68، ح12 (الباب الأوّل من أبواب صفات... من كتاب التوحيد).
4- . التوحيد، ص144 -145، ح10؛ بحارالأنوار، ج4، ص69 -70، ح15 (الباب الأوّل من أبواب صفات... من كتاب التوحيد).

وحينما يكون نوراً بذاته فسوف لا يكون للظلمة فيه مجال، لأنّ من البديهيّ وجود التنافي والتضارب بين العلم والجهل، والنور والظلمة، والحياة والموت، كما أنّ العلم غير الجهل والنور مغاير للظلمة.

وحين نقول إنّه عالمٌ ذاتاً وقادر وحيّ وبصير و... ذاتاً، فإنّ ذلك لا يعني أنّ الذات شيء والعلم شيء ثان لازم للذات، وهكذا الأمر بالنسبة إلى سائر الصفات الذاتية، كما أنّه لا يعني أنّ الاختلاف في مفاهيم هذه الأسماء والصفات موجب لاختلاف الذات والمعنى؛ بل المراد من هذه التعابير والأسماء والصفات، التذكير وتوجيه الناس إلى معرفة اللّه وكمالاته، التي يعرفها الإنسان بالتعريف الإلهيّ والتي فطر عليها.

فإذا أراد أحد أن يبني أسس معرفة اللّه على مفاهيمه وتصوّراته ومن جهة أخرى يجعل صفات الربّ عين ذاته، فمن الواضح ستكون النتيجة أنّ اختلاف مفاهيم الأسماء والصفات سيسري إلى المعنى والذات أيضاً، وقد قلنا سابقاً أنّ اللّه منزّه عن توصيف عباده والمفاهيم والتصورات حتّى لو كانت عقليّة تبقى مخلوقة للإنسان مباينة مع الخالق عزّ وجلّ الخالق للإنسان وتصوّراته. قال الإمام الحسن(عليه السلام):

فَلَا تُدرِكُ العُقُولُ وَأَوهَامُهَا، وَلَا الفِكَرُ وَخَطَرَاتُهَا، وَلَا الأَلبَابُ وَأَذهَانُهَا صِفَتَه.(1)

إنّ المفاهيم - مهما بلغت سعة - تبقى محدودة، والمفهوم العامّ للعلم يختلف عن المفهوم العامّ للقدرة، وهكذا فإنّ المفهوم العامّ لوجود الشيء مغايرٌ لمفهوم الحياة، وهكذا بالنسبة إلى سائر المفاهيم، والحال أنّ اللّه لا يحدّ بحدّ، فإذا أراد أحدٌ أن يعرف اللّه بالمفاهيم فإنّه سينزّله في حدود المفاهيم وبالتالي سيحدّه سبحانه وتعالى. وبناءاً على ذلك، فلابدّ من الخروج من حدود المفاهيم في إطلاقنا للاسماء والصفات بالنسبة إلى اللّه سبحانه، ونجعلها (أي الأسماء والصفات) علامات وآيات دالّة على اللّه عزّ وجلّ.).

ص: 258


1- . التوحيد، ص45، ح5؛ بحارالأنوار، ج4، ص289، ح20 (الباب الرابع من أبواب أسمائه تعالى... من كتاب التوحيد).

وذلك لا يعني أنّ البشر جعلوا الأسماء علامات تدلّ على اللّه بأنفسهم، بل إنّ اللّه سبحانه هو من جعل هذه الأسماء وأجاز لنا أن ندعوه بهذه الأسماء والعلامات.

وكما مرّ سابقاً إنّ الاسم والصفة بمعنى العلامة ومن الواضح أنّ علامة كلّ شيء مغاير لذاته ولا يستلزم هذا القول تعطيل معرفة اللّه وكمالاته، لأنّ كلّ إنسان يعرف اللّه وكمالاته بالفطرة وهذه الألفاظ إنّما وجدت للتذكير والتوجّه إليه سبحانه. وبديهيّ أنّ كون الشيء علامة وآية لشيء آخر، فرع معرفة الشيئين ومعرفة الارتباط المجعول بينهما.

وبالتأمّل في هذه النقطة، نصل إلى علّة توقيفيّة أسماء اللّه سبحانه، فحين تكون المعرفة ممكنة بتعريفه هو فقط، في هذه الحالة فإنّه هو من يجعل الشيء آية له وعلامة دالّة عليه.

لولا بحث الرسل وتوجيههم الناس إلى اللّه سبحانه ولولا تعليمهم هذه الأسماء لمناجاة الربّ ودعوته، لاحتار الناس في اختيار الأسماء في مقام ذكرهم للّه ودعائهم وعبادتهم. فحينما يريد شخصٌ أن ينادي أحداً فإنّه سيتّفق معه على اسم معيّن بأن يقول إنّي سأناديك بالاسم الفلاني، أو يقول المنادي ادعني بكذا، وحيث أنّا لا نملك تلك المعرفة للّه التي تسمح لنا أن نختار له اسماً أو علامة، أو نستشيره في هذا المجال، لذلك فإنّ اللّه تفضّل علينا وأحسن إلينا بأن علّمنا - عبر أنبياءه - اسماءه التي ندعوه بها.

وينبغي التذكير إلى أنّ ما قلناه سالفاً حول صفات الذات - إنّها خارجة عن حدود المفاهيم والتصوّرات - يجري بالنسبة إلى صفات الفعل أيضاً. ولابدّ من الالتفات إلى أنّ فعل اللّه سبحانه مثل ذاته لا طور له ولا كيف، ولذلك فإنّها ليست قابلة للبيان العقليّ والإدراك، وأنّ نور العقل لا يقدر على إضاءة هذا المجال. فكما يجب الرجوع إلى الآيات والروايات فيما يرتبط بصفات الذات، كذلك لابدّ أن يرجع الإنسان إلى مصادر الوحي فيما يتعلّق بصفات الفعل وأن لا يتعدّاها.

ص: 259

4. ملخّص الدرس

* ليس هناك ثمّ اشتراك معنويّ بين الخالق والمخلوق، فبالرغم من اشتراك اللفظ إلّا أنّ المعاني مختلفة.

* ما هو مفهوم عقل لا يمكن أن يكون صفة اللّه سبحانه.

* المعرفة الحاصلة من ناحية المفاهيم والتصوّرات والأوصاف المفهوميّة هي عين تعطيل اللّه.

* الأسماء والألفاظ بالنسبة إلى اللّه لا مفهوم لها ومعناها هو اللّه المعروف بالفطرة.

* يسلب معنى التفضيل من وزن «أفعل» في الأسماء والصفات الإلهيّة ويتحوّل إلى اسم الفاعل أو الصفة المشتبهه.

* الأسماء اللفظيّة للّه مخلوقة ويتوجّه الناس بها إلى اللّه ويدعونه بها.

* ليس للاسم أيّ موضوعيّة في عبادة اللّه سبحانه، والمعنى والمسمّى - المعروف عند الإنسان - لابدّ أن يعبد بواسطة الأسماء.

* الربّ سبحانه ليس موصوفاً بصفات الفعل من الأزل أمّا صفات الذات فلا يمكن سلبها عنه في حال من الأحوال.

* في إطلاق الأسماء والصفات للّه سبحانه لابدّ أن نخرج من حدود المفاهيم ونجعلها علامات للّه.

* اسماء اللّه توقيفيّة، لأنّ معرفته لا تمكن إلّا بتعريفه، لذلك لا يكون شيءٌ علامة وآية عليه إلّا إذا جعلها سبحانه كذلك.

5. اختبار ذاتيّ

1. ما نوع الاشتراك في الأسماء والصفات بين الخالق والمخلوقين؟ لماذا؟

2. أيّهما يجر إلى التعطيل: القول بالاشتراك اللفظيّ أو القول بالاشتراك المعنويّ؟

3. ما هو دور الأسماء والصفات في معرفة اللّه سبحانه؟

4. هل يدلّ وزن «افعل» في بعض الأسماء الحسنى على وجود إشتراك معنويّ؟ (أجب مفصلاً).

ص: 260

5. ما هو المراد من كون الأسماء والصفات مخلوقة؟

6. هل للاسماء والصفات موضوعيّة في عبادة اللّه سبحانه؟ (أجب بالتفصيل).

7. لو كانت صفات كالعلم والقدرة عين الذات، فما هو الضير من القول بالإشتراك المعنويّ؟

8. ما هي الإشكالات المترتبة على تأسيس معرفة اللّه على مباني التصوّرات والمفاهيم العقليّة؟

9. ماذا يعني القول بأنّ أسماء اللّه سبحانه توقيفيّة؟

ص: 261

ص: 262

الفهارس

اشارة

* فهرس الآيات الكريمة

* فهرس الروايات الشريفة

* فهرس مصادر التحقيق

ص: 263

ص: 264

فهرس الآيات الكريمة

الآية...الصفحة

الفاتحة (1)

اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقِيمَ...6...156

البقرة (2)

وَقالُوا كُونُوا هُوداً أو نَصارى تَهتَدُوا قُل بَل مِلَّةَ......135...35

قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنزِلَ إِلَينا وَما أُنزِلَ إلى......136...35

فَإِن آمَنُوا بِمِثلِ ما آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهتَدَوا وَإِن تَوَلَّوا......137...35

صِبغَةَ اللهِ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ صِبغَةً......138...35

فَاذكُرُوني أَذكُركُم......152...156

وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَداكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُون...185...167

كانَ النَّاسُ أمّة واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرينَ......213...53، 52

لَيسَ عَلَيكَ هُداهُم وَلكِنَّ اللهَ يَهدِي مَن......272...171

لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفساً إِلَّا وُسعَها......286...174، 173

آل عمران (3)

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسلامُ ......19...40

ما كانَ إِبراهيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصرانِيًّا وَلكِن......67...40

أَ فَغَيرَ دينِ اللهِ يَبغُونَ وَلَهُ أَسلَمَ مَن فِي السَّماواتِ......83...40

قُل آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنزِلَ عَلَينا وَما أُنزِلَ عَلى......84...40

وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ ديناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ... ...85...40

فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهيمَ حَنيفا......95...69

ص: 265

...الآية...الصفحة

مائده (5)

اعلَمُوا أَنَّ اللهَ شَديدُ العِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ...101...198

الانعام (6)

قُل أَ رَأَيتَكُم إِن أَتاكُم عَذابُ اللهِ أو أَتَتكُمُ السَّاعَةُ......40...58، 57

بَل إِيَّاهُ تَدعُونَ فَيَكشِفُ ما تَدعُونَ إِلَيهِ إِن شَاءَ......41...58، 57

لَئِن لَم يَهدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ القَومِ الضَّالِّينَ...77...54

سُبحانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ...100...239

لا نُكَلِّفُ نَفساً إِلَّا وُسعَها......152...173

الاعراف (7)

وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِم......122 ...172، 110، 106

أو تَقُولُوا إنّما أَشرَكَ آباؤُنا مِن قَبلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً......173...106

يونس(10)

فَما كانُوا لِيُؤمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبلُ......74...129، 119

هود (11)

إِلَّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُم......119...17

يوسف (12)

قالَ رَبِّ السِّجنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدعُونَني إِلَيه......33...251

إِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي......90...147

إبراهيم (14)

لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم......7...189

أَ لَم يَأتِكُم نَبَؤُا الَّذينَ مِن قَبلِكُم قَومِ نُوحٍ... ...9...43

قالَت رُسُلُهُم أَ فِي اللهِ شَكٌّ......10...43

وَإِن تَعُدُّوا نِعمَةَ اللّه لا تُحصُوها......34...161

النحل (16)

وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهيمَ حَنيفاً......123...69

الإسراء (17)

ما كُنَّا مُعَذِّبينَ حتّى نَبعَثَ رَسُولاً...15...60

وَلَكِن لَا تَفقَهُونَ تَسبيحَهُم......44...75

فَلَمَّا نَجَّاكُم إلى البَرِّ أَعرَضتُم وَكانَ الإنسان كَفُوراً...67...60

ص: 266

...الآية...الصفحة

مريم (19)

وَيَزيدُ اللهُ الَّذينَ اهتَدَوا هُدَىً......76...189

الحجّ (22)

يا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُم في رَيبٍ مِنَ البَعثِ فَإِنَّا......5...121

فَاجتَنِبُوا الرِّجسَ مِنَ الأَوثانِ وَاجتَنِبُوا قَولَ الزُّور ...30...44

حُنَفاءَ للّه غَيرَ مُشرِكينَ بِهِ... ...31...44

المؤمنون (23)

قُل لِمَنِ الأَرضُ وَمَن فيها إِن كُنتُم تَعلَمُون...84...51

سَيَقُولُونَ لِلهِ قُل أَ فَلا تَذَكَّرُون...85...51

قُل مَن رَبُّ السَّماواتِ السَّبعِ وَرَبُّ العَرشِ العَظيم...86...51

سَيَقُولُونَ لِلهِ قُل أَ فَلا تَتَّقُونَ...87...51

قُل مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ يُجيرُ وَلايُجارُ......88...51

سَيَقُولُونَ لِلهِ قُل فَأَنَّى تُسحَرُونَ...89...51

النور (24)

وَالَّذينَ كَفَرُوا أَعمالُهُم كَسَرابٍ بِقيعَةٍ......39...61، 59

مَن لَم يَجعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِن نُورٍ...40...171

النمل (27)

فَلَمَّا جَاءَتهُم آياتُنا مُبصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحرٌ مُبينٌ...13...223، 70

وَجَحَدُوا بِها وَاستَيقَنَتها أَنفُسُهُم ظُلماً وَعُلُوًّا......14...223، 70

أَمَّن يُجيبُ المُضطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكشِفُ......62...57

القصص (28)

إِنَّكَ لا تَهدِي مَن أَحبَبتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهدِي......56...171

العنكبوت (29)

وَلَئِن سَأَلتَهُم مَن خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ......61...222، 68، 52، 51، 50

اللهُ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَيَقدِرُ......62...50

وَلَئِن سَأَلتَهُم مَن نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحيا بِهِ......63...222 ، 51

فَلَمَّا نَجَّاهُم إلى البَرِّ إِذا هُم يُشرِكُون...65...60

الَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا......69...189

ص: 267

...الآية...الصفحة

الروم (30)

فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنيفاً فِطرَتَ اللهِ......30...39

يس (36)

أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَني آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ......61...67

وَأَنِ اعْبُدُوني هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ...61...67

الصافات (37)

وَإِنَّ مِنْ شيعَتِهِ لَإِبْراهيم...83...69

الزمر (39)

وَلا يَرضَى لِعِبادِهِ الكُفرَ وَإِن تَشكُرُوا يَرضَهُ لَكُم......7...203

وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ......67...147

غافر (40)

هُوَ الَّذي يُريكُم آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِنَ السَّماءِ رِزقاً......13...56

شورى (42)

شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً......13...69

محمّد (47)

وَالَّذينَ اهتَدَوا زادَهُم هُدىً ......17...195، 189، 188

فَاعلَم أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الله...... 19...206، 198

الذاريات(51)

وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُونَ...56...35، 24

النجم (53)

وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المُنتَهى...42...211

هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأولى...56...120، 119

التغابن (64)

وَمَن يُؤمِن بِاللهِ يَهدِ قَلبَه......11...189

الطلاق (65)

لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفساً إِلَّا ما آتاها......7...174، 173

ص: 268

...الآية...الصفحة

الإنسان (76)

إِنَّا هَدَيناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُورا...3...177

الغاشية (88)

أَ فَلا يَنظُرُونَ إلى الإِبِلِ كَيفَ خُلِقَت...17...55

وَإلى السَّماءِ كَيفَ رُفِعَت...18...55

وَإلى الجِبالِ كَيفَ نُصِبَت...19...56

وَإلى الأَرضِ كَيفَ سُطِحَت...20...56

فَذَكِّر إِنَّما أَنتَ مُذَكِّرٌ...21...56

لَستَ عَلَيهِم بِمُصَيطِر...22...56

الليل (92)

إِنَّ عَلَينا لَلهُدَى...12...171

الإخلاص (112)

قُل هُوَ اللهُ أَحَد...1...69

ص: 269

ص: 270

فهرس الروايات الشريفة

المعصوم(عليه السلام)...الرواية...الصفحة

الإمام الصادق(عليه السلام)...أَ تَنعَتُ اللّهَ؟ فَقُلتُ: نَعَم. قَالَ: هَاتِ. فَقُلتُ: هُوَ... ...240

الإمام الصادق(عليه السلام)...أَ هِيَ مُكتَسَبَةٌ؟ فَقَالَ: لَا.فَقِيلَ لَهُ: فَمِن صنعِ اللّهِ......184

الإمام الصادق(عليه السلام)...أتَقُولُ إِنَّهُ سَمِيعٌ بَصيرٌ؟ قَالَ(عليه السلام): هُوَ سَمِيعٌ بَصيرٌ... ...258

الإمام الباقر(عليه السلام)...الأَحَدُ وَالوَاحِدُ بِمَعنًى وَاحِدٍ وَهُوَ المُنفَرِدُ الَّذِي... ...226

الإمام الجواد(عليه السلام)...أَخبِرنِي عَنِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتعالى لَهُ اسماءٌ وَصفَاتٌ... ...253

الإمام الباقر(عليه السلام)...أَخرَجَ مِن ظَهرِ آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ إلى يَومِ القِيَامَةِ، فَخَرَجُوا... ...119

الإمام الباقر(عليه السلام)...إِذَا خَرَجَتِ الرُّوحُ مِنَ البَدَنِ، خَرَجَتِ النُّطفَةُ الَّتِي... ...124

الإمام الرضا(عليه السلام)...أَروِي أَنَ المَعرِفَةَ التَّصدِيقُ وَالتَّسلِيمُ وَالإِخلَاص... ...205

الإمام الصادق(عليه السلام)...أَسأَلُكَ بِتَوحِيدِكَ الَّذِي فَطَرتَ عَلَيهِ العُقُول.....214 -.74

الإمام الباقر(عليه السلام)...أَسِمُ عَلَى نَفسِي سِمَةً مِن سِمَاتِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ هِيَ... ...239

الإمام الصادق(عليه السلام)...الِاسمُ غَيرُ المُسَمَّى. فَمَن عَبَدَ الِاسمَ دُونَ المَعنَى... ...255

الإمام الحسين(عليه السلام)...أَصفُ إِلَهِي بِمَا وَصفَ بِهِ نَفسَه... ...242

الإمام (عليه السلام)...أَصلَحَكَ اللهُ إِنَّ قَوْماً مِنْ أَصحَابِنَا يَزْعُمُونَ أَنَّ ......188

الإمام الصادق(عليه السلام)...اعرِفُوا اللّهَ بِاللّهِ......161، 154، 135

الإمام الصادق(عليه السلام)...أَفضَلُ العِبَادَةِ العِلمُ بِاللّهِ ...30

الإمام الصادق(عليه السلام)...أصلحك الله هل جعل في الناس أداة ينالون بها... ...175

حضرت زهرا(عليها السلام)...إِلَهِي إِنِّي أَشهَدُ أَنَّكَ أَنتَ اللّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ المَعبُودُ... ...231

ص: 271

الإمام العسكري(عليه السلام)...إِلَهِي بِكَ عَرَفتُكَ وَبِكَ اهتَدَيتُ إلى أَمرِكَ، وَلَولَا ... ...138

الإمام السجاد(عليه السلام)...إِلَهِي وَسَيِّدِي بِكَ عَرَفْتُكَ وَبِكَ اهْتَدَيْتُ إلى ... ...138

الإمام الصادق(عليه السلام)...الإمَامُ عَلَمٌ فِيمَا بَينَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَينَ خَلقِهِ. فَمَن... ...206

الإمام الرضا(عليه السلام)...أَنَ ّ أَفضَلَ الفَرَائِضِ - بَعدَ مَعرِفَةِ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ - ......201

الإمام الصادق(عليه السلام)...إِنَ ّ أَفضَلَ الفَرَائِضِ وَأَوجَبَهَا عَلَى الإنسان مَعرِفَةُ... ...200

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...إِنَ ّ أَفضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ المُتَوَسِّلُونَ إلى اللّهِ جَلَّ ذِكرُهُ......71

الإمام الصادق(عليه السلام)...أَنَّ الأرواح فِي شَرَفِهَا وَعُلُوِّهَا، مَتَى مَا تُرِكَت عَلَى... ...106

الإمام الباقر(عليه السلام)...إِنَ ّ الأسماء صفَاتٌ وَصفَ بِهَا نَفسَهُ ...238

الإمام الصادق(عليه السلام)...إِنَّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتعالى لَمَّا أَخَذَ مَوَاثِيقَ العِبَادِ أَمَرَ ... ...122

الإمام الصادق(عليه السلام)...إِنَ ّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتعَالَى لَمَّا ذَرَأَ الخَلقَ فِي الذَّرِّ الأوَّلِ،......121

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...إِنَ ّ اللهَ تَبَارَكَ وَتعالى لَو شَاءَ لَعَرَّفَ العِبَادَ نَفسَهُ ... ...218

الإمام الباقر(عليه السلام)...إِنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَن يَخلُقَ النُّطفَةَ الَّتِي... ...125

الإمام الصادق(عليه السلام)...إِنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ النَّاسَ عَلَى الفِطرَةِ الَّتِي ... ...55

الإمام الكاظم(عليه السلام)...إِنَّ النَّاسَ أَابَهُم قَحطٌ شَدِيدٌ عَلَى عَهدِ سُلَيمَانَ بنِ ... ...75

الإمام الصادق(عليه السلام)...إِنَّ أَمرَ اللّهِ كُلَّهُ عَجِيبٌ إِلَّا أَنَّهُ قَدِ احتَجَّ عَلَيكُم......176

الإمام الرضا(عليه السلام)...إِنَّ أَوهَامَ القُلُوبِ أَكبَرُ مِن أَبصارِ العُيُونِ... ...213

الإمام الصادق(عليه السلام)...أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلى أَمِيرِالمُؤمِنِينَ(عليه السلام) وَهُوَ مَعَ أصحابهِ... ...84

الإمام الصادق(عليه السلام)...إِنَّ لِمُحِبِّينَا فِي السِّرِّ وَالعَلَانِيَةِ علَامَاتٍ يُعرَفُونَ بِهَا... ...164

الإمام (عليه السلام)...إِنَّ مَعْرِفَةَ عَيْنِ الشَّاهِدِ قَبْلَ فَتِهِ وَمَعْرِفَةَ صفَةِ......151

الإمام الصادق(عليه السلام)...إِنَّ مَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمُسَمّى بِالأسماء، فَقَدْ......254

الإمام الصادق(عليه السلام)...أَنَّ مِن قَولِنَا إِنَّ اللهَ يَحتَجُ ّ عَلَى العِبَادِ بِالَّذِي آتَاهُم... ...176

الإمام الصادق(عليه السلام)...إِنَ ّ نُطفَةَ المُؤمِنِ لَتَكُونُ فِي صُلبِ المُشرِكِ، فَلَا... ...125

الإمام الصادق(عليه السلام)...إِنَّمَا احتَجَ ّ اللهُ عَلَى العِبَادِ بِمَا آتَاهُم وَعَرَّفَهُم ...176

الإمام الرضا(عليه السلام)...إِنَّمَا سُمِّيَ اللهُ عَالِماً، لِأَنَّهُ لَا يَجهَلُ شَيئاً... ...244

الإمام الصادق(عليه السلام)...إِنَّمَا عَرَفَ اللّهَ مَن عَرَفَهُ بِاللّهِ فَمَن لَم يَعرِفهُ بِهِ فَلَيسَ... ...253

الإمام الباقر(عليه السلام)...إِنَّمَا يَعبُدُ اللّهَ مَن يَعرِفُ اللهَ فَأَمَّا مَن لَا يَعرِفُ اللهَ... ...205

الإمام الكاظم(عليه السلام)...أَنَّهُ الحَيُ ّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَالقَادِرُ الَّذِي لَا يَعجِزُ... ...244

ص: 272

الإمام الرضا(عليه السلام)...إِنَّهُ يَسمَعُ بِمَا يُبصرُ وَ يَرَى بِمَا يَسمَعُ، بَصيرٌ لَا بِعَينٍ ... ...250

الإمام الصادق(عليه السلام)...إنّي ناظرت قوماً، فقلت لهم: إنّ الله جلّ جلاله......140

الإمام الكاظم(عليه السلام)...أَوَّلُ الدِّيَانَةِ بِهِ مَعرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعرِفَتِهِ تَوحِيدُهُ... ...196

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...أَوَّلُ الدِّينِ مَعرِفَتُه......196، 17

الإمام الرضا(عليه السلام)...أَوَّلُ عِبَادَةِ اللّهِ مَعرِفَتُهُ... ...198، 24

الإمام الرضا(عليه السلام)...اهدِنَا الصراطَ المُستَقِيمَ استِرشَادٌ لِأَدَبِهِ وَاعتِصامٌ... ...191

الإمام الصادق(عليه السلام)...أيُّ الأعمَالِ أحَبُّ إلى اللّهِ تَعالَى بَعدَ مَعرِفَتِهِ؟......201

الإمام السجّاد(عليه السلام)...أيُّ الأعمَالِ أفضَلُ عِندَ اللّهِ عزّ وَجَلّ؟ فَقَالَ: مَا مِن... ...201

الإمام الحسين(عليه السلام)...أَيُّهَا النَّاسُ إِنَ ّ اللّهَ جَلَ ّ ذِكرُهُ مَا خَلَقَ العِبَادَ... ...24

الإمام الرضا(عليه السلام)...بِالعُقُولِ تُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ وَبِالفِطرَةِ تَثبُتُ حُجَّتُه......70

الإمام الرضا(عليه السلام)...بالفطرة تثبت حجّته......177، 137

الإمام الرضا(عليه السلام)...بِصنعِ اللّهِ يُستَدَلُّ عَلَيهِ وَبِالعُقُولِ يُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ... ...216

الإمام السجّاد(عليه السلام)...بِكَ عَرَفتُكَ وَأَنتَ دَلَلتَنِي عَلَيكَ وَدَعَوتَنِي إِلَيكَ... ...137

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...بِمَ عَرَفتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: بِمَا عَرَّفَنِي نَفسَهُ. قِيلَ: وَكَيفَ... ...136

الإمام الباقر(عليه السلام)...بِنَا عُبِدَ اللهُ، وَبِنَا عُرِفَ اللهُ، وَبِنَا وُحِّدَ اللهُ تَبَارَكَ... ...218

الإمام الكاظم(عليه السلام)...تعالى عَن صفَاتِ المَخلُوقِينَ عُلُوّاً كَبِيراً ...240

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...التَّوحِيدَ أَن لَا تَتَوَهَّمَهُ... ...226

الإمام الصادق(عليه السلام)...تُوحِيدُكَ بِرَبِّكَ...200

الإمام الصادق(عليه السلام)...ثَلَاثٌ مِن عَلَامَاتِ المُؤمِنِ، عِلمُهُ بِاللّهِ وَمَن يُحِبُّ... ...30

الإمام الباقر(عليه السلام)...ثُمَّ دَعَاهُم إلى وَلَايَتِنَا فَأَقَرَّ بِهَا وَاللّهِ مَن أَحَبَّ وَأَنكَرَهَا... ...120

الإمام الباقر(عليه السلام)...ثُمَّ يَبعَثُ اللّهُ مَلَكَينِ خَلَّاقَينِ يَخلُقَانِ فِي الأَرحَامِ... ...123

الإمام الباقر(عليه السلام)...جُعِلتُ فِدَاكَ رُبَّمَا حَزِنتُ مِن غَيرِ مُصيبَةٍ تُصيبُنِي... ...82

الإمام الرضا(عليه السلام)...جَلَّ عَمَّا وَصفَهُ الوَاصفُونَ وَتعالى عَمَّا يَنعَتُهُ... ...240

الإمام الرضا(عليه السلام)...الحَمدُ للهِ المُلهِمِ عِبَادَهُ حَمدَهُ، وَفَاطِرِهِم عَلى... ...73

الإمام السجاد(عليه السلام)...الحَمدُ للهِ عَلَى مَا عَرَّفَنَا مِن نَفسِهِ، وَأَلهَمَنَا مِن......138

الإمام الباقر(عليه السلام)...الحَنِيفِيَّةُ مِنَ الفِطرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللّهُ النَّاسَ عَلَيهَا... ...45

رسول الله(صلى الله عليه و آله)...خَلَقَ اللهُ الأَروَاحَ قَبلَ الأَجسَادِ بِأَلفَي عَامٍ، ثُمَّ... ...84

ص: 273

الإمام الباقر(عليه السلام)...ذِروَةُ الأَمرِ وَسَنَامُهُ وَمِفتَاحُهُ وَبَابُ الأشياء وَرِضَا... ...202

رسول الله(صلى الله عليه و آله)...رَأَى رَبَّهُ عَلَى أَيِّ ورَةٍ رَآهُ؟ وَعَنِ الحَدِيثِ الَّذِي رَوَوهُ... ...163

الإمام الصادق(عليه السلام)...رَبُّنَا نُورِيُّ الذَّاتِ، حَيُّ الذَّاتِ، عَالِمُ الذَّاتِ، مَدِيُّ......257

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...رَحِمَ اللّهُ امرَءً أعَدَّ لِنَفسِهِ وَاستَعَدَّ لِرَمسِهِ وَعَلِمَ مِن......17

الإمام الصادق(عليه السلام)...سَأَلتَ عَنِ المَعرِفَةِ مَا هِيَ؟ فَاعلَم رَحِمَكَ اللهُ أَنَّ... ...177

حضرت زهرا(عليها السلام)...سُبحَانَ مَن تَوَاضَعَ كُلُ ّ شَيءٍ لِعَظَمَتِهِ، سُبحَانَ مَن... ...231

الإمام السجّاد(عليه السلام)...سُبحَانَ مَن لَم يَجعَل فِي أَحَدٍ مِن مَعرِفَةِ نِعَمِهِ إِلَّا......162

حضرت زهرا(عليها السلام)...سُبحَانَ مَن يَرَى أَثَرَ النَّملِ فِي الصفَا، سُبحَانَ مَن... ...228

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...سُبحَانَهُ هُوَ كَمَا وَصفَ نَفسَهُ... ...241

الإمام الصادق(عليه السلام)...سِتَّةُ أَشيَاءَ لَيسَ لِلعِبَادِ فِيهَا صنعٌ: المَعرِفَةُ......185

الإمام الرضا(عليه السلام)...سُمِّيَ رَبُّنَا سَمِيعاً لَا بِجُزءٍ فِيهِ يَسمَعُ بِه الصوتَ... ...250

الإمام (عليه السلام)...الشُّكرُ المَعرِفَة... ...204

الإمام (عليه السلام)...صفَةٌ لِمَوصوفٍ ...238

الإمام (عليه السلام)...فَإِذَا أَكمَلَ اللّهُ لَهُ الأَجَلَ بَعَثَ اللّهُ مَلَكاً، فَزَجَرَهُ زَجرَةً......123

الإمام الصادق(عليه السلام)...فَإِذَا انتَهَى الكَلَامُ إِلَى اللّهِ فَأَمسِكُوا... ...212

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...فَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذِي ظَهَرتَ بِهِ لِخَاةِ أَولِيَائِكَ،... ...138

الإمام الصادق(عليه السلام)...فَإِن قَالُوا: فَأَنتُمُ الآنَ تَفُونَ مِن قُورِ العِلمِ عَنهُ وَفاً... ...165

حضرت زهرا(عليها السلام)...فَإِنَّهُ أَعَزُّ وَأَكرَمُ وَأَجَلُ ّ وَأَعظَمُ مِن أَن ... ...213

الإمام الكاظم(عليه السلام)...فَصفُوهُ بِمَا وصَفَ بِهِ نَفسَهُ وَكُفُّوا عَمَّا سِوَى ذَلِكَ ...241

الإمام الصادق(عليه السلام)...فَطَرَهُم جَمِيعاً عَلَى التَّوحِيد ...41

الإمام الباقر(عليه السلام)...فَطَرَهُم عَلَى التَّوحِيدِ عِندَ المِيثَاقِ عَلَى مَعرِفَتِهِ... ...41

الإمام الجواد(عليه السلام)...فَقَولُكَ: «إِنَّ اللهَ قَدِيرٌ» خَبَّرتَ أَنَّهُ لَا يُعجِزُهُ شَيءٌ... ...244

الإمام المجتبى(عليه السلام)...فَلَا تُدرِكُ العُقُولُ وَأَوهَامُهَا، وَلَا الفِكَرُ وَخَطَرَاتُهَا... ...258

حضرت زهرا(عليها السلام)...فَلَم تُدرِكهُ الأَبصارُ وَلَم تُحِط بِهِ الأَخبَارُ وَلَم يَقِسهُ... ...213

الإمام الرضا(عليه السلام)...فَلَم يَزَلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِلمُهُ سَابِقاً لِلأَشيَاءِ قَدِيماً......256

الإمام الصادق(عليه السلام)...فَلَم يَزَلِ اللّهُ مُتَكَلِّماً؟ قَالَ: فَقَالَ إِنَّ الكَلَامَ صفَةٌ......255

الإمام الرضا(عليه السلام)...فَلَيسَ الله عَرَفَ مَن عَرَفَ بِالتَّشبِيهِ ذَاتَهُ، وَلَا إِيَّاهُ......160

ص: 274

الإمام الصادق(عليه السلام)...فَمَن قَالَ لِلإِنسَانِ وَاحِدٌ، فَهَذَا لَهُ اسم وَلَهُ شَبِيهٌ... ...250

الإمام (عليه السلام)...فَمِنهَا قَلبُهُ الَّذِي بِهِ يَعقِلُ وَيَفقَهُ وَيَفهَمُ وَهُوَ أَمِيرُ... ...23

الإمام الصادق(عليه السلام)...قَالَ رَجُلٌ عِندَهُ: اللّهُ أَكبَرُ، فَقَالَ: اللّهُ أَكبَرُ مِن أَيِّ:......253

الإمام الرضا(عليه السلام)...قَالَ سُلَيمَانُ: إنَّها [ أي الإرادة] كَالسَّمعِ وَالبَصرِ... ...256

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...قَالَ: قَد سَأَلتَ فَاسمعِ الجَوَابَ. أَدنَى مَا يَكُونُ بِهِ......183

الإمام الباقر(عليه السلام)...قُلتُ لِأَبِي جَعفَرٍ(عليه السلام) أَصلَحَكَ اللّهُ قَولُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ... ...120

الإمام الصادق(عليه السلام)...قُلتُ لَم يَزَلِ اللّهُ مُرِيداً؟ قَالَ: إِنَّ المُرِيدَ لَا يَكُونُ......255

الإمام السجّاد(عليه السلام)...قُلتُ لَهُ: أَ رَأَيتَ تَحَوُّلَهُ فِي بَطنِهَا إلى حَالٍ أَ بِرُوحٍ... ...124

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...قُلتُ: يَا أَمِيرَالمؤمِنِينَ مَا الإيمان وَمَا الإِسلَامُ؟... ...178

الإمام الصادق(عليه السلام)...كَانَ إِبرَاهِيمُ(عليه السلام) فِي شَبِيبَتِهِ عَلَى الفِطرَةِ الَّتِي فَطَرَ... ...72

الإمام الصادق(عليه السلام)...كَانَ ذَلِكَ قَبلَ نُوحٍ. قِيلَ: فَعَلَى هُدًى كَانُوا؟... ...54

الإمام الصادق(عليه السلام)...كَانَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا مُتَكَلِّمَ وَلَا مُرِيدَ وَلَا مُتَحَرِّكَ... ...255

الإمام الصادق(عليه السلام)...كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ ع لَا يَرَى بِالعَزلِ بَأساً يَقرَأُ... ...123

الإمام الباقر(عليه السلام)...كَانَت شَرِيعَةُ نُوحٍ(عليه السلام) أَن يُعبَدَ اللهُ بِالتَّوحِيدِ... ...72

الإمام الصادق(عليه السلام)...كَانُوا ضُلَّالًا، كَانُوا لَا مُؤمِنِينَ وَلَا كَافِرِينَ وَلَا مُشرِكِينَ...54

الإمام (عليه السلام)...الكُفرُ هَاهُنَا الخِلَافُ وَالشُّكرُ الوَلَايَةُ وَالمَعرِفَةُ......204

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...كُلُّ عَزِيزٍ غَيرَهُ ذَلِيلٌ وَكُلُّ قَوِيٍّ غَيرَهُ ضَعِيفٌ وَكُلُّ... ...228

الإمام الصادق(عليه السلام)...كُلُ ّ مَا وَقَعَ فِي الوَهمِ، فَهُوَ بِخِلَافِهِ ...214

الإمام الباقر(عليه السلام)...كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ يَعنِي المَعرِفَةَ، بِأَنَّ اللّهَ......69

رسول الله(صلى الله عليه و آله)...كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ... 82، 78، 75، 69، 59، 51، 37

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...كَمَالُ الإِخلَاص لَهُ، نَفيُ الصفَاتِ عَنهُ، لِشَهَادَةِ... ...242

الإمام الحسين(عليه السلام)...لَا تُدرِكُهُ العُلَمَاءُ بِأَلبَابِهَا وَلَا أهل التَّفكِيرِ بِتَفكِيرِهِم... ...251

الإمام الرضا(عليه السلام)...لَا دِيَانَةَ إِلَّا بَعدَ مَعرِفَتِهِ وَلَا مَعرِفَةَ إِلَّا بِالإِخلَاص... ...197

الإمام الصادق(عليه السلام)...لَا يُعذَرُ النَّاسُ بِجَهَالَتِنَا مَن عَرَفَنَا كَانَ مُؤمِناً ... ...206

رسول الله(صلى الله عليه و آله)...لَا يُعرَفُ اللهَ إِلَّا بِسَبِيلِ مَعرِفَتِهِم ...218

الإمام الصادق(عليه السلام)...لَا يَقبَلُ اللهُ عَمَلاً إِلَّا بِمَعرِفَةٍ وَلَا مَعرِفَةً إِلَّا بِعَمَلٍ... ...204

الإمام (عليه السلام)...لِأَنَّكُم تَدعُونَ مَن لَا تَعرِفُونَهُ...147

ص: 275

الإمام الرضا(عليه السلام)...لِلنَّاسِ فِي المَعرِفَةِ نعٌ؟ قَالَ: لَا. قُلتُ: لَهُم عَلَيهَا... ...187

الباقرين(عليهما السلام)...لَم تَتَوَاخَوا عَلَى هَذَا الأَمرِ وَإِنَّمَا تَعَارَفتُم عَلَيهِ ...83

الإمام الصادق(عليه السلام)...لَم يَزَلِ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَبَّنَا وَالعِلمُ ذَاتُهُ وَلَا مَعلُومَ... ...257

الإمام الصادق(عليه السلام)...لَم يَزَلِ اللّهُ عَلِيماً سَمِيعاً بَصيراً ذَاتٌ عَلَّامَةٌ سَمِيعَةٌ......257

الإمام الصادق(عليه السلام)...لَم يُكَلِّفِ اللهُ العِبَادَ المَعرِفَةَ، وَلَم يَجعَل لَهُم إِلَيهَا......175

رسول الله(صلى الله عليه و آله)...لَو عَرَفتُمُ اللهَ حَقَ ّ مَعرِفَتِهِ، لَزَايَلَت بِدُعَائِكُم الجِبَالُ... ...163

الإمام الصادق(عليه السلام)...لَو يَعلَمُ النَّاسُ مَا فِي فَضلِ مَعرِفَةِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ... ...201، 25

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...اللهُ أَجَلُ ّ مِن أَن يُدرِكَ الوَاصفُونَ قَدرَ صفَتِهِ الَّذِي هُوَ... ...240

الإمام الصادق(عليه السلام)...لَهُ عَزَّ وَجَلَ ّ نُعُوتٌ وَصفَاتٌ، فَالصفَاتُ لَهُ وَاَسمَاؤُهَا......239

حضرت زهرا(عليها السلام)...اللّهمَ ّ إِنَّكَ لَستَ بِرَبٍ ّ استَحدَثنَاكَ وَلَا مَعَكَ إِلَهٌ... ...230

الإمام الصادق(عليه السلام)...اللّهمَّ خَلَقتَ القُلُوبَ عَلَى إِرَادَتِكَ، وَفَطَرتَ العُقُولَ... ...74

الإمام الصادق(عليه السلام)...اللّهُمَ عَرِّفنِي نَفسَكَ فَإِنَّكَ، إِن لَم تُعَرِّفنِي نَفسَكَ لَم......140

أميرالمؤمينن(عليه السلام)...لَيسَ بِإِلَهٍ مَن عُرِفَ بِنَفسِهِ هُوَ الدَّالُّ بِالدَّلِيلِ عَلَيهِ......214، 159

الإمام الباقر(عليه السلام)...لَيسَ عَلَى النَّاسِ أَن يَعلَمُوا، حَتَّى يَكُونَ اللهُ هُوَ... ...187

الإمام الصادق(عليه السلام)...لَيسَ للهِ عَلى خَلقِهِ أَن يَعرِفُوا، وَلِلخَلقِ عَلَى اللّهِ أَن... ...196

الإمام السجّاد(عليه السلام)...مَا بَهِمَتِ البَهَائِمُ، فَلَم تُبهَم عَن أَربَعَةٍ: مَعرِفَتِهَا... ...75

الإمام الحسين(عليه السلام)...مَا تُصوِّرَ فِي الأَوهَامِ، فَهُوَ خِلَافُهُ... ...226

الإمام الرضا(عليه السلام)...مَا تَوَهَّمتُم مِن شَيءٍ، فَتَوَهَّمُوا اللّهَ غَيرَه... ...214

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...مَا عَرَفتُ اللهَ بِمُحَمَّدٍ وَلَكِن عَرَفتُ مُحَمَّداً بِاللّهِ... ...139

الإمام الجواد(عليه السلام)...مَا مَعنَى الوَاحِدِ؟ قَالَ: الَّذِي اجتماع الأَلسُنِ عَلَيهِ... ...52

الإمام السجاد(عليه السلام)...مَا مِن شَيءٍ أَحَبَّ إلى اللّهِ بَعدَ مَعرِفَتِهِ، مِن عِفَّةِ... ...201

الإمام الصادق(عليه السلام)...مَا مِن مَولُودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى الفِطرَةِ، فَأَبَوَاهُ اللَّذَانِ... ...69

الإمام الجواد(عليه السلام)...المُجتَمَعُ عَلَيهِ بِجَمِيعِ الأَلسُنِ بِالوَحدَانِيَّةِ...52

الإمام (عليه السلام)...المُحسِنُ وَغَيرُ المُحسِنِ لَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ، فَإِنَّ إِثمَهُ......212

الإمام الباقر(عليه السلام)...المُخَلَّقَةُ هُمُ الذَرّ الَّذِينَ خَلَقَهُمُ اللهُ فِي صُلبِ... ...122

الإمام الصادق(عليه السلام)...المَشِيئَةُ مُحدَثَةٌ...255

رسول الله(صلى الله عليه و آله)...مَعرِفَةُ اللّهِ حَقَّ مَعرِفَتِهِ. فَقِيلَ: وَمَا مَعرِفَةُ اللّهِ حَقَّ... ...164

ص: 276

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...مَعرِفَةُ اللّهِ سُبحَانَهُ أَعلَى المَعَارِف ...24

الإمام الصادق(عليه السلام)...المَعرِفَةُ مِن صنعِ مَن هِيَ؟ قَالَ: مِن صنعِ اللّهِ......185

الإمام الصادق(عليه السلام)...المَعرِفَةُ وَضِدُّهَا الإِنكَار... ...206

الإمام الصادق(عليه السلام)...مَعرُوفٌ عِندَ كُلِّ جَاهل......70

حضرت زهرا(عليها السلام)...المُمتَنِع... مِنَ الأَلسُنِ صفَتُهُ، وَمِنَ الأَوهَامِ كِيفِيَّتُهُ... ...226

الإمام الصادق(عليه السلام)...مَن زَعَمَ أَنَّهُ يَعبُدُ المَعنَى بِالصِّفَةِ لَا بِالإدراك، فَقَد......150

الإمام الصادق(عليه السلام)...مَن زَعَمَ أَنَّهُ يَعرِفُ اللهَ بِتَوَهُّمِ القُلُوبِ، فَهُوَ مُشرِكٌ......148

الإمام الصادق(عليه السلام)...مَن عَبَدَ المَعنَى بِإِيقَاعِ الأسماء عَلَيهِ بِصفَاتِهِ الَّتِي... ...238

الإمام الصادق(عليه السلام)...مَهمَا أُبهِمَ عَلَى البَهَائِمِ مِن شَيءٍ، فَلَا يُبهَمُ عَلَيهَا... ...75

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...مَيَّزَ الرُّسُلَ وَالأنبياء وَالأَوصيَاءَ وَأَمَرَ الخَلقَ بِطَاعَتِهِم... ...120

الإمام الحسين(عليه السلام)...نَحنُ وَشِيعَتُنَا عَلَى الفِطرَةِ الَّتِي بَعَثَ اللّهُ عَلَيهَا......72

الإمام الرضا(عليه السلام)...نِظَامُ تَوحِيدِ اللّهِ نَفيُ الصفَاتِ عَنهُ لِشَهَادَةِ العُقُولِ......242

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...نِظَامُ تَوحِيدِهِ، نَفيُ الصفَاتِ عَنهُ... ...242

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...وَاصطَفَى سُبحَانَهُ مِن وَلَدِهِ أَنبِيَاءَ، أَخَذَ عَلَى ... ...67

حضرت زهرا(عليها السلام)...وَأَنَارَ فِي الفِكرِ مَعقُولَهَا... ...215

الإمام الصادق(عليه السلام)...وَجَدتُ عِلمَ النَّاسِ كُلَّهُ فِي أَربَعٍ: أَوَّلُهَا أَن تَعرِفَ......202

الإمام الصادق(عليه السلام)...وَكَانَ ثُمَّ شَيءٌ فَيَكُونُ أَكبَرَ مِنهُ قُلتُ: وَمَا هُوَ فَقَالَ... ...253

الإمام الصادق(عليه السلام)...وَمَن زَعَمَ أَنَّهُ يَعرِفُ اللهَ بِحِجَابٍ أو بِورَةٍ أو بِمِثَالٍ... ...145

الإمام الكاظم(عليه السلام)...هَل فِي النَّاسِ استِطَاعَةٌ يَتَعَاطَونَ بِهَا المَعرِفَةَ؟......186

الإمام الصادق(عليه السلام)...هِيَ الإِسلَامُ، فَطَرَهُمُ اللّهُ حِينَ أَخَذَ مِيثَاقَهُم عَلَى... ...41

الإمام الرضا(عليه السلام)...هِيَ مُحدَثَةٌ. يَا سُلَيمَانُ، فَإِنَّ الشَّيءَ إِذَا لَم يَكُن... ...255

رسول الله(صلى الله عليه و آله)...يَا أَبَاذَرٍّ، اعبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِن كُنتَ لَا تَرَاهُ، فَإِنَّهُ ... ...198

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...يَا بَنِيَّ، إِنَّ القُلُوبَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، تَتَلَاحَظُ بِالمَوَدَّةِ،... ...84

الإمام الصادق(عليه السلام)...يَا رَبِّ أَيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ عِندَكَ؟ فَقَالَ: حُبُّ... ...74

الإمام السجّاد(عليه السلام)...يَا رَبِ ّ بِكَ عَرَفتُكَ وَأَنتَ دَلَلتَنِي عَلَيكَ، وَلَولَا أَنتَ... ...138

الإمام الصادق(عليه السلام)...يَا عَبدَ اللّه هَل رَكِبتَ سَفِينَةً قَطُّ؟ قَالَ: نَعَم... ...58

رسول الله(صلى الله عليه و آله)...يَا عَلِيُ ّ مَا عَرَفَ اللهَ حَقَّ مَعرِفَتِهِ غَيرِي وَغَيرُكَ، وَمَا... ...164

ص: 277

أميرالمؤمنين(عليه السلام)...يَا مَن دَلَ ّ عَلَى ذَاتِهِ بِذَاتِهِ......160، 136

الإمام الصادق(عليه السلام)...يَا مَن فَتَقَ العُقُولَ بِمَعرِفَتِهِ وَأَطلَقَ الأَلسُنَ بِحَمدِه ...73

الإمام الصادق(عليه السلام)...يَا مَن فَتَقَ العُقُولَ بِمَعرِفَتِه... ...214

الإمام الباقر(عليه السلام)...يَزعُمُونَ أَنَّهُ بَيرٌ عَلَى مَا يَعقِلُونَهُ؟ قَالَ: فَقَالَ: تَعَالَى... ...242

ص: 278

فهرس مصادر التحقيق

* القرآن الكريم.

* نهج البلاغة.

* الصحيفة السجّاديّة.

* تفسير الإمام الحسن العسكريّ(عليه السلام).

1. الصحيفة السجّاديّة الجامعة. موحّد الأبطحيّ، السيّد محمّد باقر (ت1392ش). قم: مؤسّسة الإمام المهديّ(عج). الطبعة الأولى: 1411ق.

2. الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا(عليه السلام). مشهد: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث. الطبعة الأولى: 1406ق.

3. إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات. الشيخ الحرّ العامليّ، محمّد بن حسن (ت1104ق). بيروت: الأعلميّ. الطبعة الأولى: 1425ق.

4. الإحتجاج على أهل اللجاج. الطبرسيّ، أحمد بن عليّ (ت588ق). التحقيق: محمّد باقر الخرسان. مشهد: منشورات المرتضى. الطبعة الأولى: 1403ق.

5. اختيار معرفة الرجال (رجال الكشيّ). الكشّيّ، محمّد بن عمر (ت460ق). مشهد: طباعة جامعة. الطبعة الأولى: 1409ق.

6. الأربعون حديثا. البهائيّ، محمّد بن حسين (ت1031ق). قم: مؤسّسة النشر الإسلاميّ.

ص: 279

7. أساس البلاغة. الزمخشريّ، محمود بن عمر (ت583ق). قم: دار الكتب العلميّة.

8. أصول فلسفه و روش رئاليسم. الطباطباييّ، السيّد محمّد حسين (ت1360ش). طهران: صدرا.

9. أعلام الدين في صفات المؤمنين. الديلميّ، حسن بن محمّد (ت 841ق). قم: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث. الطبعة الأولى: 1408ق.

10. إقبال الأعمال. ابن طاوس، عليّ بن موسى (ت664ق). قم: مؤسّسة بوستان كتاب. الطبعة الأولى: 1376ش.

11. الأمالي. المفيد، محمّد بن محمّد (ت413ق). قم: مؤتمر الشيخ المفيد. الطبعة الأولى:1413ق.

12. الأمالي. الطوسيّ، محمّد بن حسن (ت460ق). قم: دار الثقافة. الطبعة: 1414ق.

13. الأنوار النعمانيّة. الجزائريّ، نعمة اللّه بن عبداللّه (ت1112ق). تبريز: مطبعة شركة النشر. الطبعة: 1378ق.

14. بحارالأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار(عليهم السلام). المجلسيّ، محمّد باقر(ت1110ق). بيروت: منشورات دار إحياء التراث العربيّ. الطبعة الثانية: 1403ق.

15. بصائر الدرجات. صفّار القمّيّ، محمّد بن حسن(ت290ق). بمساعدة: الميرزا محسن كوچه باغيّ التبريزيّ. قم: مكتبة آيت اللّه المرعشي النجفيّ(رحمة الله عليه). الطبعة: 1380ق.

16. البلد الأمين والدرع الحصين. الكفعميّ، إبراهيم بن عليّ العامليّ (ت905ق). بيروت: مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات. الطبعة الأولى: 1418ق.

17.

ص: 280

تاريخ الفلسفة والتصوّف. النمازيّ الشاهروديّ، عليّ بن محمّد (ت1405ق). التحقيق: الشيخ مرتضى الأعداديّ. بيروت: دارالمحجّة البيضاء. الطبعة الأولى: 1433ق.

18. التبيان في تفسير القرآن. الطوسيّ، محمّد بن حسن (ت 460ق). بيروت: دار إحياء التراث العربيّ.

19. تحف العقول. ابن شعبه الحرانيّ، حسن بن عليّ (ت981ق). قم: مؤسّسة النشر الإسلاميّ. الطبعة الثانية: 1404ق.

20. تصحيح اعتقادات الإماميّة. المفيد، محمّد بن محمّد (ت413ق). سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد. الطبعة: 1414ق.

21. تصنيف غررالحكم ودررالكلم. التميميّ الآمديّ، عبد الواحد بن محمّد(ت550ق). التحقيق: مصطفى الدرايتيّ. قم: مؤسّسة بوستان

كتاب. الطبعة:1366ش.

22. التعريفات. الجرجانيّ، السيّد الشريف (ت816ق). طهران: ناصر خسرو. الطبعة الرابعة: 1412ق.

23. تفسير القميّ. القمّيّ، عليّ بن ابراهيم (ت307ق). قم: مؤسّسة دار الكتاب. الطبعة الثالثة: 1404ق.

24. التفسير الكبير (مفاتيح الغيب). فخر الدين الرازيّ، محمّد بن عمر (ت604ق). بيروت: دار إحياء التراث العربيّ. الطبعة الثالثة: 1420ق.

25. تفسير العياشيّ. العياشيّ، محمّد بن مسعود (ت 320ق). التحقيق: هاشم الرسوليّ المحلاتيّ. طهران: المطبعة العلميّة. الطبعة الثالثة: 1404ق.

26. تفسير القرآن الكريم. صدر المتألّهين، محمّد بن ابراهيم (ت 1050ق). قم: منشورات بيدار. الطبعة الثانية: 1366ش.

27. تفسير نمونه. المكارم الشيرازيّ، ناصر و آخرون. طهران: دار الكتب الإسلاميّة. الطبعة الثالثة:1383ش.

ص: 281

28. تفسير نور الثقلين. العروسيّ الحويزيّ، عبد عليّ بن جمعة (ت1112ق). قم: منشورات إسماعيليان. الطبعة الرابعة: 1415ق.

29. تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. الحرّ العامليّ، محمّد بن حسن (ت1104ق). قم: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث. الطبعة الأولى: 1409ق.

30. التقريرات، مناصب النبيّ. الحلبيّ (التولاييّ)، الشيخ محمود (ت1418ق). تقريرات مرحوم الميرزا مهديّ الإصفهانيّ. مخطوط.

31. تنبيهات حول المبدأ والمعاد. المرواريد، الميرزا حسنعليّ (ت1425ق). مشهد: مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للعتبة الرضويّة المقدّسة. الطبعة الرابعة: 1435ق.

32. التوحيد. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت381ق). التحقيق: هاشم الحسينيّ. قم: مؤسّسة النشر الإسلاميّ. الطبعة الأولى: 1398ق.

33. توحيد الإماميّة. الملكيّ الميانجيّ، محمّد باقر (ت1378ق). نجف: منشورات دارالبذرة. الطبعة الأولى: 1435ق.

34. توحيد المفضّل. الجعفيّ، مفضّل بن عمر (ت148ق). قم: منشورات الداوريّ. الطبعة الثالثة.

35. تهذيب الأحكام. الطوسيّ، محمّد بن الحسن (ت460ق). طهران: دار الكتب الإسلاميّة. 1365ش.

36. الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة. صدر المتألّهين، محمّد بن ابراهيم (ت1050ق). بيروت: دار إحياء التراث. الطبعة الثالثة: 1981م.

37. الخصال. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت381ق). قم: مؤسّسة النشر الإسلاميّ. 1403ق.

38. الذريعة. الطهرانيّ، آغا بزرگ (ت1389ق). مؤسّسة مطبوعات اسماعيليان. الطبعة: 1332ش.

39.

ص: 282

الرسائل التوحيديّة. الطباطباييّ، السيّد محمّد حسين (ت1360ش).

بيروت: مؤسّسة النعمان. الطبعة: 1419ق.

40. روح الإيمان. العراقيّ، الشيخ عبدالنبيّ (ت1385ق). المجمع الثقافي نور الأصفياء. الطبعة الأولى:1382ش.

41. روضة الواعظين وبصيرة المتعظين. الفتال النيشابوريّ، محمّد بن أحمد (ت508ق). قم: منشورات الرضيّ. الطبعة الأولى: 1417ق.

42. زاد المعاد. المجلسيّ، محمّد باقر (ت1110ق). بيروت: مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات. الطبعة الأولى: 1423ق.

43. «خلقة الأرواح قبل الأبدان». القرباني، زين العابدين (مقالة). سلسلة مقالات مؤتمر الشيخ المفيد، رقم74.

44. «كلمة موجزة في الأرواح والأشباح». الجهرميّ الشريعتمداريّ، عبدالرسول (ت1390ش) (مقالة). سلسلة مقالات مؤتمر الشيخ المفيد، رقم 3.

45. «مرور على أخبار معرفة الله». البيابانيّ الأسكوييّ، محمّد (مقالة). مجلّة فصليّة تخصّصيّة للمطالعات القرآنيّة والحديثيّة، رقم 7 - 10. طهران: مؤسّسة النبأ الثقافيّة.

46. شرح أصول الكافي. المازندرانيّ، ملّا صالح (ت1081ق). التحقيق: ابوالحسن الشعرانيّ. طهران: المكتبة الإسلاميّة. الطبعة: 1382ق.

47. شرح أصول الكافي. صدر المتألّهين، محمّد بن ابراهيم (ت1050ق). التحقيق: محمّد الخواجويّ. طهران: مؤسسه المطالعات و التحقيقات الثقافيّة. الطبعة الأولى:1383ش.

48. الشواهد الربوبيّة في المناهج السلوكيّه. صدر المتهألين، محمّد بن ابراهيم (ت1050ق). بمساعدة: السيّد جلال الدين الآشتيانيّ. مشهد: طباعة جامعة. الطبعة الثانية: 1360ش.

ص: 283

49. علل الشرائع. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت381ق). قم: منشورات مكتبة الداوريّ. الطبعة الأولى: 1385ق.

50. عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة. ابن أبي جمهور، محمّد بن زين الدين (ت940ق). قم: منشورات دار سيد الشهداء(عليه السلام). الطبعة الأولى: 1405ق.

51. عيون أخبار الرضا(عليه السلام). ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت 381ق). التحقيق: مهدي اللاجورديّ. طهران: منشورات جهان. الطبعة الأولى: 1378ق.

52. الفائق في غريب الحديث. الزمخشريّ، محمود بن عمر (ت583ق). بيروت: دارالفكر. الطبعة: 1414ق.

53. الفصول المهمّة في أصول الأئمّة(عليهم السلام) (تكملة الوسائل). الحرّ العامليّ، محمّد بن حسن (ت1104ق). قم: مؤسسة الإمام الرضا(عليه السلام) للمعارف الإسلاميّة. الطبعة الأولى: 1418ق.

54. الفصول المهمّة في معرفة الائمّة(عليهم السلام). المالكي (ابن الصباغ)، عليّ بن محمّد أحمد (ت855ق). التحقيق: سامي الغريريّ. قم: منشورات دارالحديث. الطبعة الأولى:1422ق.

55. فلاح السائل ونجاح المسائل. ابن طاوس، عليّ بن موسى (ت664ق). قم: مؤسّسة بوستان كتاب. الطعبة الأولى: 1406 ق.

56. القاموس المحيط. الفيروز آباديّ، محمّد (ت817ق). بيروت: مؤسّسة الرسالة.

57. قرب الإسناد. الحميريّ، عبد اللّه بن جعفر (توفّي بعد 304ق). قم: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث. الطبعة الأولى: 1413ق.

58. الكافي. الكلينيّ، محمّد بن يعقوب بن إسحاق(ت329ق). التحقيق: عليّ أكبر الغفاريّ. طهران: منشورات دارالكتب الإسلاميّة. الطبعة الرابعة: 1407ق.

59. العرشيّة. صدر المتألّهين، محمّد بن ابراهيم (ت1050ق). التصحيح: غلام حسين الآهنيّ. طهران: منشورات مولى. الطبعة: 1361ش.

ص: 284

60. كتاب من لايحضره الفقيه. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت381ق). التحقيق: عليّ اكبر الغفاريّ. قم: مؤسّسة النشر الإسلاميّ. الطبعة الثالثة: 1413ق.

61. الكشاف عن الحقايق غوامض التنزيل. الزمخشريّ، محمود بن عمر (ت538ق). بيروت: دارالكتاب العربيّ. الطبعة الثالثة: 1407ق.

62. كتاب العين. الفراهيديّ، خليل بن احمد (ت175ق). بيروت: دار إحياء التراث العربيّ.

63. كتاب سليم بن قيس الهلاليّ. الهلاليّ، سليم بن قيس (ت76ق). قم: الهادي. الطبعة الأولى: 1405ق.

64. كشف الغمّة في معرفة الأئمّة(عليهم السلام). الإربليّ، عليّ بن عيسى (ت692ق). تبريز: منشورات بني هاشميّ. الطبعة الأولى: 1381ق.

65. كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الإثنى عشر(عليهم السلام). الخزّاز الرازيّ، عليّ بن محمّد (القرن الرابع). التحقيق: عبد اللطيف الحسينيّ الكوه كمريّ. قم: منشورات بيدار. 1401ق.

66. كمال الدين وتمام النعمة. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت381ق). طهران: منشورات الإسلاميّة. الطبعة الثانية: 1395ق.

67. لسان العرب. ابن منظور، محمّد بن مكرّم (ت711ق). التحقيق: جمال الدين الميرداماديّ. بيروت: منشورات دارالفكر. الطبعة الثالثة: 1414ق.

68. مجمع البحرين. الطريحيّ، فخر الدين بن محمّد (ت1085ق). التحقيق: أحمد الحسينيّ الاشكوريّ. طهران: منشورات مرتضويّ. الطبعة الثالثة: 1375ش.

69. المحاسن. البرقيّ، أحمد بن محمّد بن خالد (ت280ق). قم: منشورات دارالكتب الإسلاميّة. الطبعة الثانية: 1371ق.

70. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول(عليهم السلام). المجلسيّ، محمّد باقر (ت1110ق). طهران: دار الكتب الإسلاميّة. الطبعة الخامسة: 1385ش.

ص: 285

71. المسائل السرويّة. مفيد، محمّد بن محمّد (ت413ق). قم: المؤتمر العالميّ لألفيّة الشيخ المفيد. الطبعة الأولى: 1414ق.

72. مستدرك سفينة البحار. النمازيّ الشاهروديّ، عليّ بن محمّد (ت1405ق). قم: مؤسّسة النشر الإسلاميّ. الطبعة الثانية: 1427ق.

73. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل. النوريّ، الميرزا حسين (ت1320ق). قم: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث. الطبعة الأولى: 1408ق.

74. مسند فاطمة الزهراء(س). شيخ الإسلاميّ، حسين. قم: مؤسّسة بوستان كتاب. الطبعة: 1377ش.

75. مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد. الطوسيّ، محمّد بن حسن (ت460ق). بيروت: مؤسّسة فقه الشيعة. الطبعة الثانية: 1411ق.

76. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعيّ .الفيوميّ، أحمد بن محمّد(ت770ق). قم: مؤسّسة دار الهجرة. الطبعة الثانية: 1414ق.

77. المصباح للكفعميّ (جنّة الأمان الواقية). الكفعميّ العامليّ، ابراهيم بن عليّ (ت 905ق). قم: دار الرضيّ (زاهديّ). الطبعة الثانية: 1405ق.

78. معاني الأخبار. ابن بابويه، محمّد بن عليّ (ت381ق). قم: موسّسة النشر الإسلاميّ. 1403ق.

79. فرهنگ اصطلاحات و تعبيرات عرفانى. السجّاديّ، السيّد جعفر. طهران: منشورات طهوريّ. الطبعة: 1381ش.

80. معجم الفروق اللغويّة. البيات، شيخ بيت اللّه. قم: مؤسّسة النشر الإسلاميّ. الطبعة الثانية: 1421ق.

81. معجم مقاييس اللغة. ابن فارس، ابوالحسين أحمد (ت395ق). قم: دار الكتب العلميّة.

82. معرفت حجت خدا. الصافيّ الگلپايگانيّ، لطف اللّه. قم: منشورات حضرت معصومة(عليها السلام). الطبعة:1417ق.

ص: 286

83. مفتاح الفلاح في عمل اليوم و الليلة من الواجبات و المستحبّات. البهاييّ، محمّد بن حسين (ت 1031ق). بيروت: منشورات دار الأضواء.

84. مناقب آل ابي طالب(عليهم السلام). ابن شهر آشوب، محمّد بن عليّ (ت588ق). قم: منشورات العلّامة. الطبعة الأولى: 1379ش.

85. مناهج البيان في تفسير القرآن. الملكيّ الميانجيّ، محمّد باقر (ت1378ق). طهران: مؤسّسة النبأ الثقافيّة. الطبعة الأولى: 1434ق.

86. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة. الخوئيّ، ميرزا حبيب اللّه (ت1324ق). طهران: منشورات الإسلاميّة. الطبعة الأولى: 1386ش.

87. مهج الدعوات ومنهج العبادات. ابن طاوس، عليّ بن موسى (ت664ق). قم: دار الذخائر. الطعبة الأولى: 1411ق.

88. الميزان في تفسير القرآن. الطباطبائيّ، السيّد محمّد حسين (ت1360ش). قم: مؤسّسة النشر الإسلاميّ. الطبعة الخامسة: 1417ق.

89. كتاب الوافي. الفيض الكاشانيّ، محمّد محسن(ت1091ق). اصفهان: مكتبة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام). الطبعة: 1406ق.

ص: 287

ص: 288

توحيد و أسماء و صفات

توحيد اسماء و صفات

محمد بيابانى اسكويى

تحقيق

مرتضى اعدادى خراسانى

انتشارات ولايت

1394 - 1436

ص: 289

چكيده

شناخت خداى متعال به عنوان حقيقتى كه كنه ذات و حقيقت هستى ماسوى به او و مخلوق اوست. عالى ترين معارف است.

بدون ترديد مخلوق هيچ راهى به شناخت خدا ندارد و قواى ادراكى او از درك ذات مقدس حضرت حق عاجز است. اما خداى متعال از سر لطف و عنايت به بندگان، خود را به آنان معرفى كرده و با آغاز خلقت آنها را به معرفت خويش مفطور ساخته است.

و بار ديگر با فرستادن انبيا و رسولان، حجج خويش براى يادآورى معرفت فراموش شده بندگان آنها را مشمول لطف و مرحمت خود گردانيده و بدين ترتيب حجت را بر بندگان تمام كرده است پس بر عهد بندگان است كه وقتى در اثر تذكار حجت هاى الهى به خداى خويش توجه يافتند، به او ايمان آورند و در برابر او خاضع گردند.

كتاب حاضر با توجه به فطرى بودن معرفت الله به دور از فضاى اثبات خداى ذهنى با براهين فلسفى، كوشيده است خوانندگان را با طرح تذكرات حجج الهى به خداى خويش توجه دهد تا به ورط تشبيه و تعطيل و شرك نيفتند و خداى موهوم و ساخته ذهنشان را نپرستند.

اميد است اين اثر در دستيابى به معارف صحيح مفيد و موثر واقع شود.

-----------------------------------------------

انتشارات ولايت

ايران - مشهد مقدس - بازار بزرگ

تلفن: 00989151162907 - 00989151576003

ص: 290

BOOK SUMMARY

Knowing The One upon whom the existence of every being is dependent, is clearly the most noble knowledge of all.

There is, indeed, no possible way to encompass, or rather confine Allah to our limited intellectual capacity, as He is beyond comprehension. However, He has compassionately introduced Himself to His creation, and blessed them, since the dawn of creation, by making Himself familiar to them.

Later on, once again He kindly spread His benefaction by sending infallible messengers so that they would remind people of their innately-known creator. By doing so, He left no room for any excuse; they shall all believe and submit to Him, for they all know Him.

The book that rests in your hands addresses this important topic. Yet far from the philosophical method of reasoning, it uses reminders and citations of messengers, whose approach is that of reminding people of their Creator, in order to save them from sliding into the predicaments of trying to recreate their Creator within their imaginations and comparing Him with his creation, so that they do not worship a delusional and imaginary God..

--------------------------------------------------------------

The publisher

Velayat publishers

Address: Iran, Mashhad, central bazaar, Velayat publisher.

Tel: 00989151162907 - 00989151576003

ص: 291

Monotheism, the Glorious Names, and Attributes of Allah

Mohammad B. Eskooei

Translated by :

Sayed Sajad Modarresi

Auditing and Assessment :

Shaikh Mortaza Aadadi khorasani

Review :

Sayed Fadhel Radhawi, Sayed Hossain Modarresi

Velayat Publishers

1394 - 2015

ص: 292

بسم الله الرحمن الرحيم

اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ

علم و معرفت بزرگترين و بهترين نعمت الهى است كه خداوند متعال آن را به بندگان صالح خويش عطا مى فرمايد و آن ها را در مسير عبوديت و كمال بندگى به سوى خود با آن يارى مى كند. بزرگ ترين افتخار بندگان خدا برخوردارى آن ها از اين نعمت گرانسنگ است. عالمان ربانى و عارفان حقيقى كسانى هستند كه در راه بندگى خدا همواره پيامبران الهى و امامان معصوم(عليهم السلام) را چراغ راه خويش قرار داده و از سلوك طريق علمى و عملى آن ها هيچ وقت احساس خستگى به خود راه نداده و از هر طريق ديگرى غير از راه امامان معصوم(عليهم السلام) دورى و بيزارى مى جويند.

اين بنياد با هدف احياى آثار چنين بزرگانى كه در طول تاريخ تشيع همواره مدافع و پشتيبان معارف اصيل وحيانى و علوم راستين أهل بيت(عليهم السلام) بوده اند تشكل مى يابد.

اميد است با توجهات خاص حضرات معصومين(عليهم السلام) در اين راه توفيق يارشان باشد تا بتوانند قدم هاى مثبت مهمى در احياى آثار ارزشمند آن بزرگان با شرايط روز بردارند.

ص: 293

بسم الله الرحمن الرحيم

اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ

Call on to the way of your lord with wisdom and good preaching

Knowledge is arguably God's most precious blessing given to humanity, with which they can understand, worship, and submit to the Almighty's commandments. It is indeed the greatest of His gifts for both in this life and the afterlife.

And those with divine understanding are the true inheritors of the prophets and their successors. Those are the people of wisdom who stop at nithing in carrying on their endeavor in seeking knowledge from its one and only source; The messengers of Allah.

This institution, was founded on the revival and republishing the canons and original works of the scholars who gave their life in supporting the foundations of the religion and the teachings of the holy prophet and his immaculate household. We ask Allah to guide us in this holy path.

ص: 294

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.