نهج البلاغة فی الدراسات الاستشراقیة مدخل عام یتناول کتاب نهج البلاغة وسیرة امیرالمؤمنین فی الدراسات الاستشراقیة

اشارة

نهج البلاغة

فی الدراسات الاستشراقیة مدخل عام یتناول کتاب نهج البلاغة وسیرة امیرالمؤمنین فی الدراسات الاستشراقیة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1191 لسنة 2018

مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف: LC

BP38.09.M8 A87 2018

المؤلف الشخصي: العتابي، ليث عبد الحسين - مؤلف.

العنوان: نهج البلاغة في الدراسات الاستشراقية: مدخل عام يتناول كتاب نهج البلاغة

وسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الدراسات الاستشراقية /

بيان المسؤولية: تأليف الشيخ ليث عبد الحسين العتابي؛ تقديم السيد نبيل الحسني.

بيانات الطبع: الطبعة الاولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018

/ 1439 للهجرة.

الوصف المادي: 152 صفحة؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 483).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 150).

سلسلة النشر: (سلسلة الدراسات والبحوث؛ 16).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر الصفحات (145 - 150).

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة -

في آراء المستشرقين.

مصطلح موضوعي: المستشرقون - آراء في نهج البلاغة.

مصطلح موضوعي: الاستشراق والمستشرقون.

مؤلف اضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965 - ، مقدم.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر فی مکتبة العتبة الحسینیة

ص: 1

اشارة

نهج البلاغة

فی الدراسات الاستشراقیة مدخل عام یتناول کتاب نهج البلاغة وسیرة امیرالمؤمنین فی الدراسات الاستشراقیة

ص: 2

سلسلة الدراسات والبحوث

وحدة الدراسات النقدية (16)

نهج البلاغة

فی الدراسات الاستشراقیة مدخل عام یتناول کتاب نهج البلاغة وسیرة امیرالمؤمنین فی الدراسات الاستشراقیة

تألیف الشیخ لیث عبد الحسین العتابی

اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«وَإِنَّهُ فِی أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِیٌّ حَكِيمٌ»

سورة الزخرف

الآية (4)

ص: 5

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439 ه - 2018 م

العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة

- مجاور مقام علي الاكبر (عليه السلام)

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600

07815016633

الموقع الالكتروني: www.inahj.org

الايميل: Inahj.org@gmail.com

تنويه:

إن الأراء والأفكار الواردة في هذا الكتاب تعبر

عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة

عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 6

الاهداء

.. إلى الهادي بعد البشير النذير.

.. إلى الصراط القويم وشفيع المستجير.

.. إلى باب الله تعالى ومقصد العائل والفقير.

إلى سيدي ومولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

أهدي جهدي المتواضع هذا...

.. ليث

ص: 7

ص: 8

مقدمة المؤسسة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فلم يزل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) منهلاً للعلوم من حيث التأسيس والتبيين ولم يقتصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية، بل وغيرها من العلوم التي تسير بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى: «مَا فَرَّطْنَا فِی الْكِتَابِ مِنْ شَیْءٍ» (الأنعام: 38)، كذا نجد يجري مجراه في قوله تعالى: «وَكُلَّ شَیْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِی إِمَامٍ مُبيِنٍ» (يس: 12)، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلين يجدون ما تخصصوا فيه حاضراً وشاهداً فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن

ص: 9

والقوانين والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.

من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات العلمية المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب-(سلسلة الدراسات والبحوث) التي يتم عبرها طباعة هذه الكتب وإصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه بغية إيصال هذه العلوم إلى الباحثين والدارسين واعانتهم على تبين هذا العطاء الفكري والانتهال من علوم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والسير علىهديه وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.

وما هذه الدراسة التي بين أيدينا إلا واحدة من تلك الدراسات التي وفق صاحبها للغوص في بحر علم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقد أذن له بالدخول إلى مدينة علم النبوة والتزود منها بغية بيان أثر تلك المرويات العلوية في ميدان العلوم.

وقد تتبع الباحث في هذا الكتاب سيرة أمير المؤمنين عليه السلام لدى المستشرقين وآثاره التي تمثلت بنهج البلاغة، إذ تناول بعض المستشرقين نهج البلاغة بالدراسة والبحث فيه وفي مضمونه، وكذلك مسائل التشكيك والإثبات وغيرها، وقد بذل الباحث جهداً كبيراً في ذلك فجزاه الله على عمله هذا فأفضل جزاء إنه سميع الدعاء

السيد نبيل الحسني الكربلائي

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 10

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطاهرين وسلم تسليماً كثيرا لقد اهتمت أوربا بدراسة التاريخ الإسلامي وكل ما يتعلق به منذ اليوم الأول الذي بدى فيه أن الإسلام منافس قوي للكنيسة وللدين المسيحي، وكان لهذا الاهتمام دوافعه الدينية والاقتصادية والسياسية وكذلك العلمية.

إن الدوافع التي حفزت الأوربيين بشكل عام، والمستشرقين منهم بشكل خاص لدراسة التاريخ الإسلامي تختلف باختلاف خلفيات الشخص ودوافعه، فمنهم من عمل لدى مؤسسات علمية تهتم بقضايا العلم فقط، ومنهم من عمل عند الكنيسة في مهمة تبشيرية هدفها نشر المسيحية وطمس ما عداها، ومنهم من عمل بأجندات استعمارية، فتراه قد انصب عمله على الجهد الاستخباري الممهد لمرحلة ما قبل الغزو والهيمنة.

والإنصاف يدعونا إلى التمحيص في معرفة دوافع كل مستشرق اهتم بالتراث الإسلامي، إذ من الخطأ أن نحكم على كل المستشرقين بأنهم قد اضروا بالإسلام تعمداً.

ص: 11

ما يميز دراسات المستشرقين للتراث الإسلامي هو (التباين) القائم على نوع الخلفيات الثقافية التي يحملها (المستشرقون) أو التي يحملها من استقوا منهم معلوماتهم، لما قد أثر عليهم من ظروف سياسية وغيرها لتبرز نتاجات احكامهم بما اشتهر وذاع عنهم.

إننا وفي هذه الدراسة الموسومة ب-(نهج البلاغة في الدراسات الاستشراقية) سنحاول التركيز على الدراسات الاستشراقية ومقولات المستشرقين الذين تناولوا سيرة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بشكل عام، وكتاب (نهج البلاغة) بشكل خاص، وذلك ضمن مدخل ممهد يتناول هذه الدراسات وبما يحقق الفائدة المرجوة.

إن هذه الدراسة. وغيرها من الدراسات التخصصية. تقف في طريقها عدة مشكلات لا بد من ان نورد بعضها ليتعرف عليها القارئ، ولكي يأخذها بنظر الاعتبار من يريد البحث في هذا السفر الخالد. ذلك لنسعى من اجل حلها وليكون تناولها منطلقاً نحو دراسات أدق وأعمق وأوسع، ومن هذه المشكلات:

1- إن المترجم إلى اللغة العربية من كتابات المستشرقين هو نزر يسير مقارنة بما لم يترجم من النتاجات الاستشراقية الكثيرة، ويكفي لذلك ان نستشهد بما أورده الدكتور عبد الجبار الناجي في كتابه (التشيع والاستشراق) باعتبار ان له ترجمات رائدة لكتابات المستشرقين، إذ قال. وعلى سبيل المثال في موضوع التشيع. ما نصه:

(لم يدر في خلدي في بداية الأمر حين شمرت عن ساعدي، وجمعت أدوات بحثي، ومعداته لأرسم مخططاً لمفرداته الدقيقة، بأن تكون إسهامات المستشرقين عن التشيع، وعن سير أهل البيت بمثل هذه الكثافة، والتركيز نوعاً وكماً...).

ص: 12

2- ما تُرجم من النصوص والكتابات الاستشراقية قد اعتراه الكثير من الحذف، والانتقاء، والتحريف بحجة (تعدد المراد) و(الذوق الأدبي) من المترجمين للنتاجات الاستشراقية، إذ ان أكثر المترجمين للنصوص الاستشراقية هم ليسوا على وفاق مع اتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) إن لم يكونوا اعداء لها.

3- ضعف الترجمة - ولربما انعدامها - للنتاجات الاستشراقية في المؤسسات التابعة لأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) مع عدم الاهتمام بذلك الأمر مطلقاً. إذ لا بد لنا، بل من الواجب علينا. اخلاقياً ومعرفياً كقدر متيقن. أن نترجم النتاجات الاستشراقية بأنفسنا لا أن نعتمد على غيرنا ممن يُترجم وفق ايديولوجيا معينة بعيدة كل البعد عن الطرح المعرفي الحقيقي.

في مقابل ذلك لا بد أن نقوم بحركة ترجمة معاكسة لنقل تراثنا الحقيقي (تراث مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)) إلى اللغات العالمية الأخرى، شعارنا في ذلك قول الإمام الرضا (عليه السلام): ((علموا الناس محاسن حديثنا، فإن الناس لو سمعوا محاسن حديثنا لاتبعونا)).

في هذا البحث لقد حاولت أن اتناول كتاب نهج البلاغة في دراسات بعض المستشرقين بما يشكل مدخلاً عاماً ومنطلقاً لدراسة نهج البلاغة وسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الدراسات الاستشراقية.

إن المحور الأول الذي تناولناه في هذه الدراسة هي زوبعة التشكيك وما أورده المشككون في نهج البلاغة من إدعاءات وتخرصات لا وزن لها، ولا قيمة علمية فيها، وما هي إلا بروز واضح للأحقاد الدفينة ضد الإمام علي (عليه السلام) وضد مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

ص: 13

لقد كان لزاماً علينا أن نبين من هو جامع نهج البلاغة لكي ندفع هذه الشبهة المثارة. إذ ان كل عاقل يعلم بأن جامع نهج البلاغة هو الشريف الرضي (ت 406 ه) وهذا ما صرح هو به (عليه السلام) في مقدمة كتاب (نهج البلاغة)، وفي كتابه (حقائق التأويل) كذلك.

ثم كان لنا مرور عام على الاستشراق للتعريف به، إذ أن حقيقة (الاستشراق) وماهيته لا تخفى على الكثيرين.

وبعدها كانت وقفة مهمة جداً تناولنا فيها الأسس التي اعتمد عليها المستشرقون في قراءة التراث (العربي. الإسلامي) والتي هي: اعتمادهم على التراث الحديثي السني فقط في فهم أسس الإسلام وقضاياه المهمة والرئيسة، واعتمادهم على تراث العصور الوسطى الصليبي في التعريف بالإسلام وكل ما يتعلق به، واعتمادهم على الكتابات غير الموضوعية للمستشرقين الأوائل ممن هم مبشرون مسيحيون أو ممن هم طلائع استخباراتية ممهدة للاستعمار الأوربي للعالم.

وكذلك تناولنا دراسات المستشرقين للتراث الإسلامي، من دراسات تناولت القرآن الكريم، ودراسات تناولت السيرة، ودراسات أخرى لهم حول التشيع.

فكانت لنا وقفة مهمة تناولنا فيها موضوع: (الإمام علي (عليه السلام) في دراسات المستشرقين)، ففي هذا الموضوع تتبعنا ما استطعنا أن نصل إليه من دراسات، وليس ذلك بالجرد الشامل لكل الدراسات التي تناولت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، بل كان شعارنا في ذلك (ما لا يدرك كله لا يترك جله).

ثم كانت الوقفة المهمة الثانية، إذ أن لها الحصة الأكبر، التي تناولنا فيها موضوع:

دراسات المستشرقين لنهج البلاغة. استهللناها بمدخل تعريفي عام، ثم قسمنا

ص: 14

الموضوع في دراسات المستشرقين بين (مشككين) أوردنا ذكرهم مع ردودنا عليهم.

وآخرين (مادحين) تناولنا أقوالهم وبما يتناسب مع الموضوع.

و في آخر هذه المقدمة نسأله تعالى أن يغفر لنا خطايانا وإسرافنا في أمرنا ويتوفنا مع الأبرار محمد وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام). متوجهين إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالقول: يا وجيهاً عند الله إشفع لنا عند الله.

والحمد لله رب العالمين المؤلف النجف الأشرف غرة شهر رمضان المبارك / 1436 ه

ص: 15

ص: 16

التشكيك والمشككون في نهج البلاغة

لقد أُثيرت حول كتاب نهج البلاغة شبهات كثيرة. قديماً وحديثاً. هدفها التشكيك في نسبة هذا الكتاب، وهذه الشبهات المثارة - تقريباً - لها أصل واحد، إذ أنها قد زرعت في أواخر القرن السابع على يد ابن خلكان(1) (ت 681 ه) صاحب كتاب (وفيات الأعيان)(2) والذي مهد بتشكيكاته على كتاب (نهج البلاغة) الأرضية للذين طعنوا بنهج البلاغة من بعده، تبعه على ذلك كلٌ من اليافعي)(3) (ت 768 ه) صاحب كتاب (مرآة الجنان)(4)، وكذلك ابن تيمية الحراني (ت 728 ه) في كتابه المشهور (منهاج السنة)(5)، وابن العماد الحنبلي (ت 1089 ه) في

ص: 17


1- إن سر تسمية ابن خلكان كما تورد المصادر التاريخية هو: ان الرجل كان كثیر الافتخار بأجداده، فيُكثر من قوله: (كان أبي، كان جدي، كان أجدادي)، فكان يقال له: (خلَّ كان، وتكلم عن نفسك) إلى أن أصبحت لقباً له. وقد نقل ذلك ابن العماد الحنبلي في شذراته عن أحد مشايخه: ومن إفاداته أن لفظ ابن خلكان ضبط عى صورة الفعلن خل أمر من التخلية وكان الناقصة قال وسببه أنه كان يكثر قول كان والدي كذا كان جدي كذا كان فان كذا، فقيل له خل كان فغلبت عليه. شذرات الذهب، ابن العماد الحنبلي، ج 8، ص 422. وابن خلكان برمكي الأصل، فهو القائل عن يزيد بن معاوية بعد أن جمع اشعاره في ديوان: وكنت حفظت جميع ديوان يزيد لشدة غرامي به، وذلك في سنة ثلاث وثلاثین وستمائة بمدينة دمشق ... وشعر يزيد مع قلته في نهاية الحسن. وفيات الأعيان، ج 4، ص 354
2- وفيات الاعيان، ج 3، ص 313
3- ابو محمد عبد الله بن اسعد اليافعي اليمني المكي (698 - 768 ه)
4- مرآة الجنان، ج 3، ص 55
5- منهاج السنة، ابن تيمية، ج 8، ص 55

كتابه (شذرات الذهب)(1)، والذهبي (ت 748 ه) في كتابه (ميزان الاعتدال)(2)، وابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) في كتابه (لسان الميزان)(3)، والقنوجي(4) (ت 1307 ه) في كتابه (أبجد العلوم).

و هنا نورد ذكر بعض هذه الادعاءات والتشكيكات المثارة حول نهج البلاغة التي منها:

1- قال ابن خلكان في ترجمة الشريف المرتضى: (وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب هل جَمَعُهُ أم جَمْعُ أخيه الرضي وقد قيل: إنه ليس من كلام علي، وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه، والله أعلم)(5).

و قد اعترف سليمان بن صالح الخراشي بهذه الحقيقة في تحقيقه لكتاب (تشريح شرح نهج البلاغة) حيث قال: قال ابن خلكان وهو أول من شكك في نسبة الكتاب عند ترجمته للشريف المرتضى(6).

فكان ابن خلكان أول او من أوائل المشككين بكتاب نهج البلاغة من حيث

ص: 18


1- شذرات الذهب، ج 3، ص 257
2- ميزان الاعتدال، ج 3، ص 124
3- لسان الميزان، ج 4، ص 223
4- محمد صديق بن حسن القنوجي البخاري الهندي (1248. 1307 ه) المعروف ايضاً ب (محمد صديق خان)
5- وفيات الأعيان، ابن خلكان، ج 3، ص 313، وعقيدة ابن قتيبة، العلياني، ص 91
6- تشريح شرح نهج البلاغة، ص 8

التأليف والمحتوى.

وهنا يقول السيد (عبد الزهراء الحسيني)(1) عن ادعاءات ابن خلكان المزعومة:

(وليته دلّنا على واحد من أولئك الناس الذين اختلفوا في جامع نهج البلاغة، وليتك أخي القارئ تعثر لنا على واحد من أولئك الناس في الكتب المؤلفة قبل «وفيات ابن خلكان» وما أكثرها في هذا الوقت)(2).

فكانت ولازالت إدعاءات ابن خلكان مجرد إدعاءات فارغة من الأدلة، ومتحيزة، بل ومؤدلجة بسبب غايات نفسية وفئوية وطائفية بحتة.

وكذلك يقول الاستاذ (زكي مبارك)(3) عن الشريف الرضي ونزاهته ورصانته العلمية: (أما ضمير الشريف فهو عندي فوق الشبهات، وأما اتهامه بالكذب على أمير المؤمنين في سبيل النزعة المذهبية فهو اتهام مردود، ولا يقبله إلا من يجهل أخلاق الشريف)(4)).

في ردٍ واضح على تخرصات ابن خلكان ومن شاكله، بل وعلى كل من يشكك بالشريف الرضي كجامع للخطب في الكتاب، وعلى كل من يشكك بالكتاب من حيث المحتوى، فإن ما تقدم من ردود وغيرها الكثير كافٍ في استيعاب تلك التشكيكات التي لم تصمد ابداً.

ص: 19


1- السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب (1919 - 1993 م)
2- مصادر نهج البلاغة وأسانيده، السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، دار الأضواء، بروت، ط 2، 1985 م، ج 1، ص 102. 103
3- الدكتور زكي عبد السلام مبارك (1892 . 1952 م)
4- عبقرية الشريف الرضي، زكي مبارك، ص 223 - 224

2- قال الذهبي: (من طالع نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي؛ ففيه السب الصراح، والحط على السيدين أبي بكر وعمر...، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين، جزم بأن أكثره باطل)(1).

إن الذهبي يحول الكتاب من كتب (بليغ) إلى كتاب (مثالب)، واصفاً إياه بالزاخر بالسباب، والتهجمات، واللحن!؟ كل ما ذكره الذهبي هو افتراءات، وإدعاءات كاذبة، إذ لا سب ولا سباب في الكتاب، وبالخصوص من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، والذي هو أعرف الناس بالقرآن الناهي عن السب، وأعرف الناس بمكارم الأخلاق، فكيف يصدر منه شيءٌ منهيٌ عنه في القرآن؟ أما مسألة الحط من الشأن، فأين هو، وأين موقعه، والإمام عليه السلام يصف الأشياء ويسميها بمسمياتها، فلو فرضنا جدلاً ان فلان وفلان من القداسة بمكان لا يجوز حتى الإشارة لهما، فكذلك لا تجوز مثلها في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا من قريب ولا من بعيد.

3- قال ابن تيمية: (وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على عليٍّ، ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب متقدم ولا لها إسناد معروف)(2).

أما ابن تيمية فقد دل عداءه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على

ص: 20


1- ميزان الاعتدال، الذهبي، ج 3، ص 124
2- الفتاوى، ابن تيمية، ج 17، ص 291، والإمامة والسياسة، ج 2، ص 20

ان لا نقبل منه أي طرح في المسألة، فشهادته مجروحة؛ لشدة بغضه لأمير المؤمنين عليه السلام، ومن ذلك كلامه المتقدم، والشك في خطب نهج البلاغة، ليتحجج بالأسانيد التي ضرب بها عرض الجدار في كل نظرياته التي خلفت لنا أجيالاً من التكفيريين والقتلة باسم الإسلام.

ابن تيمية الذي وصفه الرحالة المغربي الشهير (ابن بطوطة) بالفقيه ذي اللوثة(1) لما سمع خطبة له في أحد جوامع دمشق.

فكيف نقبل من ذي لوثة كلاماً بحق أحد فضلاً عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؟! من اليقين ان لا ولن نقبل بذلك من شخصٍ كابن تيمية مطلقاً، ولا من اتباعه ومريديه ممن أسس للقتل والتكفير وزرع الكره والحقد في الأمة الإسلامية.

4- أما ابن حجر العسقلاني، فيتهم الشريف المرتضى بوضعه، ويقول: (و من طالعه جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي.. وأكثره باطل)(2).

والكلام في الرد عليه كما في الردود المتقدمة، فإن البغض والحسد قد وصل إلى حد نفي كل الكتاب خوفاً من ان يتأثر به أحد أو يكيل له المدح، وما هذا بأسلوب باحث أو عالم مطلقاً! نعم، فاستنادًا إلى الأقوال والأخبار المتقدمة وغيرها التي تناولها عدد من الباحثين في هذا الموضوع، خلصوا إلى نتيجة مفادها؛ عدم صحة نسبة هذا الكتاب

ص: 21


1- رحلة ابن بطوطة، ج 1، ص 90
2- لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، ج 4، ص 223

إلى الإمام علي(1).

وهذا مما يؤسف له دينياً وعلمياً ومعرفياً، ذلك ان من المفروض ان لا يكون الهوى هو المسيطر على البحث في أي مجالٍ من المجالات، وبالخصوص في قضايا تاريخية مهمة، وحول شخصيات مهمة.

مطاعن اثيرت على نهج البلاغة

إن المطاعن التي أثيرت على كتاب نهج البلاغة كثيرة جداً، ويمكن لنا تلخيص أهم ما أورده القدامى والمحدثون من مطاعن وذلك للتشكيك به وبصحة نسبته للإمام علي (عليه السلام) بما يأتي(2):

1- خلوه من الأسانيد التوثيقية التي تعزز نسبة الكلام إلى صاحبه؛ متنًا ورواية وسنداً.

2- كثرة الخطب وطولها؛ لأن هذه الكثرة وهذا التطويل مما يتعذر حفظه وضبطه قبل عصر التدوين، مع أن خطب الرسول (صلى الله عليه وآله) لم تصل إلينا سالمة وكاملة، مع ما أتيح لها من العناية الشديدة والاهتمام.

3- رصد العديد من الأقوال والخطب في مصادر وثيقة منسوبة لغير الإمام علي (عليه السلام) وصاحب النهج يثبتها له.

4- اشتمال هذا الكتاب على أقوال تتناول الخلفاء الراشدين قبله بما لا يليق به-

ص: 22


1- ينظر: مختصر التحفة الاثنا عشرية، الألوسي، ص 32
2- ينظر: دراسة حول نهج البلاغة، محمد حسن الحسيني الجلالي، وما هو نهج البلاغة، هبة الدين الشهرستاني

أي بالكتاب -، والتي تنافي ما عُرف عنه من توقيره لهم، ومن أمثلة ذلك ما جاء بخطبته المعروفة ب-(الشقشقية) التي يظهر فيها حرصه الشديد على الخلافة، رغم ما أشتهر عنه من التقشف والزهد في الدنيا وحطامها.

5- شيوع السجع فيه؛ إذ رأى عدد من الأدباء أن هذه الكثرة لا تتفق مع البعد عن التكلف الذي عرف به عصر الإمام علي (عليه السلام) مع أن السجع العفويّ الجميل لم يكن بعيدًا عن روحه ومبناه.

6- الكلام المنمق الذي تظهر فيه الصناعة الأدبية التي هي من وشي العصر العباسي وزخرفه، ما نجده في وصف الطاووس والخفاش، والنحل والنمل، والزرع والسحاب، وأمثالها.

7- الصيغ الفلسفية الكلامية التي وردت في ثناياه التي لم تُعرف عند المسلمين إلا في القرن الثالث الهجري حين ترجمت الكتب اليونانية والفارسية والهندية وهي أشبه ما تكون بكلام المناطقة والمتكلمين منه بكلام الصحابة والراشدين(1).

8- وجود إضافات وزيادات و (حشو) في هذا الكتاب، مما قد أضيف أو نُسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) من أقوال وحكم وكلماتٍ وأشعار.

ما تقدم يعتبر هو الأشهر من المطاعن، وهناك غيرها الذي يشترك معها، وهناك أشياء لم نذكرها لخروجها عن النقاش العلمي، إذ ان بعضها وصل إلى الطعن المبالغ فيه.

لذا يمكن للباحثين الرجوع إلى المصادر والمراجع التي اوردناها لكي يتسنى

ص: 23


1- عقيدة ابن قتيبة، العلياني، ص 93

لهم الخوض أكثر في تفصيلات الموضوع، والتي لم نفصل فيها خوفاً ان تخرجنا عن حريم موضوعنا الأصلي للكتاب.

من الذي جَمع نهج البلاغة؟

إن المصادر التاريخية تؤكد على أن جامع كتاب (نهج البلاغة) هو الشريف الرضي (رحمه الله) فقد اهتم بجمع هذا الكتاب من مطاوي الكتب التي كانت موجودة آنذاك، وكان جمعه في غاية الدقة والأمانة مع الحفاظ على أصل الكلام، ولم يتصرّف فيه إلّا بالاختصار وانتخاب الكلام البليغ كما أشار إليه في مقدّمة (نهج البلاغة) من أَنَّه يورد النكت واللمع ولا يقصد التتالي والنسق، ومع هذا كرّر بعض الخطب والحِكَم لورودها بأنحاء مختلفة، وهذا ممّا يدلّ على ضبطه وحرصه على نقل الكلام بصورته)(1).

ويشهد لكون الشريف الرضي (رحمه الله) هو جامع نهج البلاغة ما يلي:

1- إحالات الشريف الرضي إلى (نهج البلاغة) في سائر كتبه، من قبيل (المجازات النبوية)، و (حقائق التأويل)، و (خصائص الأئمّة).

قال الشريف الرضي (رحمه الله) في (حقائق التأويل): (و من أراد أن يعلم برهان ما أشرنا إليه من ذلك، فلينعم النظر في كتابنا الذي ألّفناه ووسمناه «بنهج البلاغة»، وجعلناه يشتمل على مختار جميع الواقع إلينا من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع الأنحاء والأغراض والأجناس والأنواع من خطب وكتب ومواعظ وحكم،

ص: 24


1- يراجع لذلك: مقدمة كتاب نهج البلاغة، تحقيق: هاشم الميلاني، طبعة العتبة العلوية المقدسة، ط 1، 2011 م

وبوبناه أبواباً ثلاثة، ليشتمل على هذه الأقسام مميّزة مفصّلة، وقد عظم الانتفاع به وكثر الطالبون له، لعظيم قدر ما ضمنه من عجائب الفصاحة وبدائعها، وشرائف الكلم ونفائسها...)(1).

2- نسبة الجمع إلى الشريف الرضي الواردة في كتب التراجم أمثال: (رجال النجاشي)، و (معالم العلماء) لابن شهر آشوب، و (خلاصة الأقوال) للعلّمة الحلي وغيرها.

3- سلسلة الإجازات الموصولة إلى الشريف الرضي بطرق عديدة، وقد ذكرها العلّمة السيّد محمد حسين الحسيني الجلالي(2) في مقدّمة كتاب (إرشاد المؤمنين إلى معرفة نهج البلاغة المبين) والذي هو من تأليف يحيى بن إبراهيم الجحاف اليمني (ت 1102 ه).

4- الاهتمام البالغ من الكتّاب والمؤلّفين بشرح (نهج البلاغة) والتعليق عليه عبر القرون من دون غمز في جامعه.

إن جامع (نهج البلاغة) هو الشريف الرضي (رحمه الله) الذي ينتهي نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ب-( 12) واسطة، جمعه خلال (17) عاماً تقريباً، من سنة (382 ه) إلى سنة (400 ه).

يحتوي نهج البلاغة على (242) خطبة وكلاماً، و (78) كتاباً ورسالة، و (498) حكمة مفردة. أما شروحه فقد تعددت الأقوال فيها، نذكر منها:

ص: 25


1- حقائق التأويل، ص 167
2- ويمكن الرجوع إلى كتابه: دراسة حول نهج البلاغة

1- بلغت شروح نهج البلاغة (75) شرحاً حسب قول العلامة الأميني(1) (رحمه الله) في كتابه (الغدير)(2).

2- وبلغت (101) شرحاً بحسب قول السيد عبد الزهراء الخطيب الحسيني (رحمه الله) في كتابه حول نهج البلاغة(3).

3- وبلغت (210) شرحاً كما ورد في الكتاب الذي ألفه الشيخ حسين جمعة العاملي والذي يحمل عنوان (شروح نهج البلاغة 210 شرحاً).

الشريف الرضي (رحمه الله) في سطور

هو أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن محمد بن موسى ابن إبراهيم بن الإمام أبي إبراهيم موسى الكاظم (عليه السلام).

وأُمه السيدة فاطمة بنت الحسين بن أبي محمد الحسن الاطروش بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ولد في بغداد عام (359 ه) وتوفي عام (406 ه). كان للشريف الرضي شقيق واحد هو السيد المرتضى (رحمه الله) (ت 436 ه) وشقيقتان هما زينب وخديجة، توفيت إحداهما في حياته فتأثّر بوفاتها ورثاها بقصيدة طويلة، وتوفيت الأُخرى بعد وفاته وذلك أواخر شعبان عام (419 ه).

وله (رحمه الله) ولد واحد هو أبو أحمد عدنان وهو الملقّب بالطاهر ذي المناقب،

ص: 26


1- العلامة الأميني (1320 - 1390 ه)
2- الغدير، ج 4، ص 164. 169
3- مصادر نهج البلاغة وأسانيده، ج 1، ص 248 و 313

قال عنه ابن عنبة في عمدة الطالب: (فولد الرضي أبو الحسن محمد، أبا أحمد عدنان، يلقّب الطاهر ذا المناقب، لقب جدّه أبي أحمد الحسين بن موسى، تولّ نقابة الطالبيين ببغداد على قاعدة جدّه وأبيه وعمه، قال أبو الحسن العمري: هو الشريف العفيف المتميّز في سداده وصونه...)(1).

توفي الشريف الرضي (رحمه الله) في السادس من شهر محرم عام (406 ه)، ورثاه الكثير من الشعراء والأُدباء، وعند وفاته حضر إلى داره الوزير أبو غالب فخر الملك وسائر الوزراء والأعيان والأشراف والقضاة حفاة ومشاة، وصلّ عليه فخر الملك ودفن في داره الكائنة في محلّة الكرخ، ولم يشهد جنازته أخوه الشريف المرتضى ولم يصلّ عليه، ومضى من جزعه عليه إلى الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، لأنّه لم يستطع النظر إلى تابوته.

وذكر الكثير من المؤلّفين نَقلَ جثمانه إلى كربلاء المشرفة بعد دفنه في داره بالكرخ، فدفن عند أبيه أبي أحمد الحسين بن موسى. ويظهر من بعض كتب التاريخ أَنَّ قبره كان مشهوراً معروفاً في الحائر الحسيني المقدس(2).

فهذه عجالة للتعريف بالشريف الرضي لكي تكون مكملة لثنايا البحث من حيث ملامحه العامة.

لماذا سمي ب-(نهج البلاغة)؟

إن تسمية الكتاب ب-(نهج البلاغة) قد حيرت الكثيرين، وتوقف عندها جلٌ

ص: 27


1- عمدة الطالب، ص 211
2- راجع الغدير للعلّمة الأميني، ج 4، ص 210

من الباحثين، فثارت التساؤلات في شأنها، وفي سبب وأصل التسمية، مما دعا ان نقف عندها للإجابة عنها.

يقول الشريف الرضي (رحمه الله) إنه بعد أن فرغ من كتابة القسم الأول من كتاب (خصائص الأئمة) باسم (خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام)) وبطلب من بعض معارفه؛ جمع خطب وكتب وكلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) وسماها ب-(نهج البلاغة). وقد كتب في مقدمته السبب الذي دعاه إلى تأليف هذا الكتاب النفيس، وجاء فيها: (وكنت في عنفوان السن وغضاضة الغصن، ابتدأت بتأليف كتاب خصائص الأئمة (عليهم السلام) يشتمل على محاسن أخبارهم وجواهر كلامهم...و فرغت من الخصائص التي تخص أمير المؤمنين عليه السلام وعاقت عن إتمام بقية الكتاب محاجزات الزمان... فاستحسن جماعة من الأصدقاء والإخوان ما اشتمل عليه الفصل المقدم ذكره معجبين ببدائعه.. وسألوني عند ذلك أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع فنونه، ومتشعبات غصونه، من خطب وكتب ومواعظ وآداب، علماً أن ذلك يتضمن عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة وجواهر العربية وثواقب الكلم الدينية والدنيوية ما لا يوجد مجتمعاً في كلام ولا مجموع الأطراف.. فأجبتهم إلى الابتداء بذلك، عالماً بما فيه من عظيم النفع.. ورأيت كلامه (عليه السلام) يدور على أقطاب ثلاثة:

أولها: الخطب والأوامر.

ثانيها: الكتب والرسائل.

ص: 28

ثالثها: الحكم والمواعظ.

فأجمعت بتوفيق الله تعالى على الابتداء باختيار محاسن الخطب، ثم محاسن الحكم والأدب، مفرِداً لكل صنف من ذلك باباً ومفصلاً فيه أوراقاً مقدمة لاستدراك ما عساه يشذ عني عاجلاً ويقع إلى عاجلاً.. ولا أدعي مع ذلك أني أحيط بأقطار جميع كلامه عليه السلام حتى لا يشذ عني منه شاذ ولا يند ناد، بل لا أبعد أن يكون القاصر عني فوق الواقع إلي والحاصل في ربقتي دون الخارج من يدي.. ورأيت من بعد تسمية هذا الكتاب بنهج البلاغة)(1).

وقد أورد الشريف الرضي (رحمه الله) في كتابه (حقائق التأويل) بيان ذلك2.

وبذلك توضح المراد، وتوضحت التسمية وما يراد بها، ذلك ان الهدف من ورائها هو ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام هو إمام البلاغة وسيدها، وأمير الكلام وسيده، يشهد بذلك كل من له ذائقة.

ص: 29


1- مقدمة كتاب نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ص 17، وشرح صبحي الصالح، ص 33

الاستشراق مدخل عام

الاستشراق تاريخه ونشأته واهتماماته

اختلف الباحثون والكُتّاب في تحديد البدايات الأولى لحركة (الاستشراق)، إلا انه يمكن إجمال بعض الأقوال بهذا الشأن:

يقول الدكتور سمير سلمان إنه نشأ في القرن التاسع الميلادي(1)، ويذهب كلٌ من بطرس البستاني(2) ونجيب العقيقي(3) إلى أنه نشأ في القرن العاشر الميلادي، ويذهب المستشرق الألماني رودي بارت(4) إلى أنه نشأ في القرن الثاني عشر.

لكن يمكن تحديد البداية الرسمية للاستشراق(5) بصدور قرار (مجمع فيينا الكنسي) عام (1312 ميلادي)(6)، وذلك عبر الأمر بتأسيس عدد من كراسي الأستاذية في اللغات العربية، واليونانية، والعبرية، والسريانية في جامعات باريس وأكسفورد وبولونيا. وإن مصطلح (مستشرق) ظهر لأول مرة في إنكلترا

ص: 30


1- مجلة التوحيد، العدد 32، (الجذور التكوينية للاستشراق في الأندلس)، ص 123
2- أدباء العرب في الأندلس وعصر الانبعاث، بطرس البستاني، ص 340
3- المستشرقون، نجيب العقيقي، ج 1، ص 110
4- الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، رودي بارت، ص 9
5- هناك رأي يقول: بأن بدايات الاستشراق كانت في أيام الدولة الأموية في القرن الثاني الهجري، وإن الاستشراق قد نشط في الشام بوساطة الراهب (يوحنا الدمشقي) في كتابین له هما (حياة محمد) و (حوار بین مسيحي ومسلم)
6- ومنهم من يرى أنه بدأ سنة (1250 ميلادي) بعد أن غادر لويس التاسع مدينة دمياط إلى عكا وكانت صيحته بعد هزيمته: (لنبدأ حرب الكلمة فهي وحدها القادرة عى تمكيننا من هزيمة المسلمين)

عام (1779 ميلادي)، وفي فرنسا عام (1799 ميلادي)، وأدرج مصطلح (الاستشراق) في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام (1838 ميلادي).

و مع الافتراق وعدم الاتحاد في تحديد البدايات الفعلية لحركة (الاستشراق) إلا أن معظم الباحثين يُجمعون على أن نشأته كانت تبشيرية بحتة بكل وسائلها وأهدافها.

الأسس التي اعتمد عليها المستشرقون في قراءة التراث العربي الإسلامي

اشارة

لو أردنا معرفة الأسس التي اعتمد عليها المستشرقون في قراءة التراث (العربي - الإسلامي) وفهمه لوجدناها تتمحور في ثلاثة أسس رئيسة هي:

أولاً: الاعتماد على التراث الحديثي السني فقط.

فقد اعتمد المستشرقون في قراءة الإسلام على التراث السني فقط بكل ما به من أخطاء وتحريفات ووضع. فالمتتبع لكتب الصحاح وبالخصوص (صحيح البخاري) يجده يذكر أحاديث كثيرة لأحكام فقهية لم يقل بها الرسول (صلى الله عليه وآله) بل هي لغيره كما في كتاب البخاري (86) كتاب الحدود (31) باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، فنجد هذا الباب وما يترتب عليه من أحكام مبنياً على حديثٍ منسوب لعمر بن الخطاب لا إلى الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، ولا يوجد في هذا الباب قول للرسول (صلى الله عليه وآله) وهو الموحى إليه. فكيف أصبح كلام غيره تشريعاً بوب له وعلى المسلمين العمل به، أكان البخاري في هذا وغيره غافلاً أم متعمداً؟! يقول أحمد صبحي منصور بهذا الصدد: (نحن لا نوافق على المقولة الشهيرة؛

ص: 31

بأن البخاري أصح كتاب بعد القرآن)(1).

وكذلك يقول: (وأولئك الذين يحملون في قلوبهم قدسية للبخاري تعصمه من الوقوع في الخطأ إنما يرفعون البخاري إلى مكانة الألوهية من حيث لا يدرون أو من حيث يدرون)(2).

ذلك ان هذه القدسية المصطنعة قد جرت الويلات على الأمة الإسلامية، واعطت المسوغ لارتكاب فظائع، ونشرت القتل، والتنكيل، والتهجير في أرجاء واسعة في الدول الإسلامية، حتى طالت سمعة الإسلام والمسلمين ليوصموا بالقتلة والإرهابيين اينما حلوا أو ارتحلوا.

ويقول الشيخ (محمد رشيد رضا)(3) في معرض كلامه عن صحيح البخاري:

(ما كلف الله مسلماً أن يقرأ صحيح البخاري ويؤمن بكل ما فيه)(4).

هذا من حيث الطرح العقلائي، لكن ومع شديد الأسف فانه وفي مجال العمل والتطبيق لا نرى لذلك اثراً حتى عند محمد رشيد رضا، والذي تحول في آخر حياته إلى سلفي متشدد يؤمن بما في البخاري وزيادة؟ ومن الأمثلة على ما في صحيح البخاري من تهافت هو: انه (يّدعي البخاري أن عائشة قالت «كان النبي يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن «.. هكذا..،

ص: 32


1- القرآن وكفى مصدراً للتشريع الإسلامي، أحمد صبحي منصور، ص 108
2- القرآن وكفى مصدراً للتشريع الإسلامي، ص 108
3- محمد رشيد رضا (1865 - 1935 م)
4- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، ج 29، ص 104. 105

ضاقت كل الأماكن ولم تعد هناك مساجد ولا قيام لليل مع طائفة من الذين آمنوا..

حتى يلجأ النبي إلى ذلك في زعم البخاري)(1). لذا يقول أحمد صبحي منصور: ف-(على المسلم... أن ينتصر للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) الذي ظلمه البخاري بتلك الأكاذيب المفتراة، وقد فعل البخاري ذلك عمداً وعن علم ودراية بما يفعل.

وهذا واضح لكل ذي عقل ناقد وفهم لحرفة الكتابة والتأليف. والانتصار للنبي (صلى الله عليه وآله) يعني شيئاً محدداً هو أن يرفع المسلم صوته. إن لم يستطع الكتابة. معلناً للناس أن البخاري عدو لله تعالى ورسوله لينبه المسلمين إلى هذه الحقيقة وليدلهم عليها ويدعوهم إلى قراءة البخاري وطعنه المستمر والمستتر لخاتم النبيين)(2)، هذا من جانب.

أما من جانب آخر ف-(إن الممارسات الخاطئة للعقيدة الإسلامية من قبل العديد من الذين تسلطوا على المسلمين باسم الخلافة هم الذين شوهوا صورة الإسلام والمسلمين)(3).

نعم، لقد أضفى الكُتاب المرتزقة ووعاظ السلاطين هالة من القدسية ل-(الصحابة) وصلت إلى حدٍ تجاوز حد الأنبياء.

وفي هذا الصدد يقول ابن عرفة المعروف ب-(نفطويه)(4): (إن أكثر الأحاديث

ص: 33


1- القرآن وكفى مصدراً للتشريع الإسلامي، ص 115
2- المصدر السابق، ص 134
3- الإسلام والغرب حوار الحروف وصدام السيوف راجي أنور هيفا، ص 59
4- أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي العتكي، من أحفاد المهلب بن أبي صفرة، المعروف بنفطويه المولود في واسط سنة (244 ه) والمتوفى في بغداد سنة (323 ه)، كان من أئمة النحو ذوي الشهرة الكبیرة

الموضوعة في فضائل الصحابة افتُعلت في أيام بني أمية تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم)(1).

فلقد تعامل معها هؤلاء تعاملاً قبلياً بحتاً، فالكل ينصر جماعته بالحق أو الباطل على حدٍ سواء، فضلاً عن الايديولوجيا التي صنعها الأمويون وكذلك بني العباس ومن تبعهم، في بناء مصطنع لشخصيات هزيلة تاريخياً.

نعم، (لقد شاء بعض رواة الحديث أن يتعمدوا الإساءة إلى شخصية الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) من خلال ما نسبوه إليه من أحاديث وأعمال تتنافى مع أبسط القواعد الأخلاقية، وقد تعمدوا فعل ذلك كي يبرروا أفعال وفضائح الحكام الأمويين والعباسيين، وبالتالي فقد أرادوا أن يرفعوا من شأن خلفائهم ولكن على حساب شرف وكرامة رسول الله (صلى الله عليه وآله)...)(2).

وهذا في تاريخنا كثير، وصل إلى حدٍ لا يطاق، فانقلب الحق باطلاً، وصار الباطل حقاً، ومسخت كتب التاريخ، وتشوهت أفكار الشعوب، وأصاب الخلل كل أركانها، فأصبحت من خير أمة أخرجت للناس، إلى أمة تعيش أحلام الماضي، وإلى أمة تاريخها أكبر من مستقبلها.

يقول الكاتب والمحامي الأردني أحمد حسين يعقوب(3): (و من المدهش حقاً أن الخلفاء الذين عطلوا سنة رسول الله، المتعلقة بنظام الحكم، وأحلوا محلها سنتهم الوضعية، قد نجحوا بإقناع الأغلبية الساحقة من المسلمين، بأن قواعد سنة الخلفاء

ص: 34


1- النصائح الكافية، ص 74، وشرح نهج البلاغة، ج 11، ص 46
2- الإسلام والغرب حوار الحروف وصدام السيوف، راجي أنور هيفا، ص 72
3- أحمد حسين يعقوب (1939 - 1998 م)

هي النظام السياسي الإسلامي الوحيد وأنه ليس في الإسلام سواها، وما زالت خاصة الأغلبية وعامتها يجترون هذا الزعم منذ 14 قرناً)(1).

ولقد بانت نتائجه في جماعات وتنظيمات متوحشة وارهابية، وأجيال تربت في مدارسهم لتخرج من تلك المدارس كوحوش كاسرة في كل شيء، يضاف لها ازدواجية ونفاق مجتمعي لا يطاق قد جمع التناقضات كلها ما بين شخص الحاكم والمحكوم.

يقول الكاتب المصري المعروف (محمود أبو رية)(2): (إن هؤلاء المستشرقين الذين تنحطون عليهم، وترمونهم دائماً بأنهم يطعنون في ديننا، ويشوهون ديننا وعملنا، هم في الحقيقة لم يتجنوا علينا، ولم يفتروا شيئاً من عند أنفسهم، وإنما وجدوا مادة خصبة من الخرافات والأوهام قد انبثت في ديننا ونُسب بعضها. وأسفاه. إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فتشبثوا بها، وتسلقوا عليها، وانتقدونا من أجلها...)(3).

إذاً فإن المشكلة الأولى والأساسية والرئيسية موجودة في التراث (العربي.

الإسلامي)، والمتمثلة بالمنظومة التراثية الحديثية، التي تعاني من تناقض واضح وجلي بين ما هو موجود فيها وبين ما هو مثبت ومبين في القرآن الكريم. في حد المعلوم والظاهر منه. ولا بد أن ينطلق العلاج من هذه المنظومة التي أعطت الفرصة لنقد الإسلام، والتجني عليه، ومحاربته، وطعنه في الصميم من قِبل غير المسلمين.

ص: 35


1- أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها؟، أحمد حسين يعقوب، ص 8
2- محمود ابو رية (1889 - 1970 م)
3- شيخ المضيرة، محمود أبو رية، ص 23

ثانياً: الاعتماد على تراث العصور الوسطى.

فقد اعتمد المستشرقون في فهم ماهية الإسلام وحقيقته على تراث العصور الوسطى الذي بنته العقلية الصليبية(1) وروجت له الكنيسة.

إذ (تعتبر الحروب الصليبية التي شنتها الكنيسة الكاثوليكية على المسلمين نقلة في العلاقات الإسلامية المسيحية، وبالتالي في الكتابات التي نشرها المتولون لأمر الدعاية الكنسية...)(2). وذلك لأن (الكنيسة المسيحية...رأت في نهوض وتصاعد تعاليم محمد عقيدة منافسة...)(3).

فهذا الكاتب والمفكر الغربي (غاردنر) يبين حقيقة الحروب الصليبية وهدفها الرئيس إذ يقول: (لقد خاب الصليبيون في انتزاع القدس من أيدي المسلمين ليقيموا دولة مسيحية في قلب العالم الإسلامي...و الحروب الصليبية لم تكن لإنقاذ هذه المدينة بقدر ما كانت لتدمير الإسلام)(4).

من المعلوم أن تراث العصور الوسطى بشأن الإسلام هو تراث معادٍ وصف المسلمين بالوحوش والإسلام بأشنع الأوصاف، ووصف النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بصفات لا يمكن لنا أن نذكرها لبشاعتها. فيمكن القول: (إن ما ورد

ص: 36


1- فلقد بدأت أحداث الحركة الصليبية الفعلية ضد الإسلام سنة (1095 ميلادي) بالخطبة التي ألقاها البابا (أوربان الثاني) في جموع الجماهیر المحتشدة في منطقة كليرمون جنوب فرنسا، وكان هذا البابا ذا أصل يهودي، فأرادها حرب إبادة للمسيحية وللإسلام على حدٍ سواء
2- نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) في الفكر الاستشراقي المعاصر، لخضر شايب، ص 45
3- محمد والفتوحات الإسلامية، فرانشيسكو كبرييلي، ص 63
4- التبشير والاستعمار في البلاد العربية، عمر فروخ ومصطفى خالدي، ص 115

من تفسيرات حاقدة في مؤلفات كتّاب العصور الوسطى قد أثرت في الفرد الأوربي كثيراً، ثم اتسع الاعتماد عليها في تشويه صورة الإسلام حتى أن الشاعر الايطالي دانتي هو الآخر قد صور الرسول الكريم تصويراً حاقداً. حاشاه الله. في الكوميديا الإلهية، وتجاوز تأثير هذه الأساطير والأباطيل حتى أمتد إلى كتابات القرن السابع عشر للميلاد، ثم بعد أن توسع الأفق الأوربي وظهرت بوادر عصر النهضة الأوربية علمياً وفكرياً، ثم بعد أن تم اكتشاف العديد من المخطوطات الإسلامية بشأن حياة الرسول والدعوة الإسلامية، وقراءة كتاب المستشرق البريطاني همفري بريدو الموسوم حياة محمد، نجده كتاباً مملوءاً بتفسيرات الرهبان في العصور الوسطى...)(1).

فكانت تعاليم (الكنيسة) وعقلية (القرون الوسطى الصليبية) هي المحرك الدائم والأبدي حتى يومنا هذا لكثير من كُتاب الغرب ومؤلفيهم ومنظريهم عند تعرضهم لذكر الإسلام.

ثالثاً: الاعتماد على الكتابات غير الموضوعية للمستشرقين الأوائل.

إن أكثر المستشرقين - وليس الكل - قد كتب لخدمة أهداف دينية أو اقتصادية أو استعمارية موجهة ومؤدلجة. بل كانت أهداف أكثرهم مقصودة، وذلك في سبيل الطعن والتشويه في الدين الإسلامي بشكلٍ خاص.

يقول الدكتور عبد الجبار ناجي عند تعرضه لكتابات المستشرقين حول سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) والهدف منها: (... مع العلم بأن جميع هذه

ص: 37


1- التشيع والاستشراق، عبد الجبار ناجي، ص 139

الدراسات أو في الأغلب الأعم احتوت على استنتاجات وتفسيرات غير منصفة بحق رسول الله، أو بالأحرى حاقدة ومسيئة له...)(1).

إن الكتابات الاستشراقية المؤدلجة والحاقدة منها قد سُلِطت على الإسلام وعلى شخص النبي محمد (صلى الله عليه وآله) حقداً وحسداً وبغضاً وثأراً، وغير ذلك. كل ذلك يعكس مدى (دوغمائية)(2) الفكر الغربي إزاء الأفكار الأخرى، ويعكس مدى التهميش الموجود في الغرب للشعوب غير الغربية، ويثبت نظرية (سيادة العرق الغربي) المعمول بها في الغرب؛ المرتكِزة في ذات الفرد الغربي - عموماً - وعلى المستوى العملي عند نظرهم إلى الشعوب الأخرى. كل ذلك دفع بقادة الاستشراق (المؤدلج) إلى رمي الإسلام بالاتهامات الباطلة، وإلى الإدعاء على نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) بكل ما يحلو لهم من أباطيل وأكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان، وليقفوا حاجزاً منيعاً أمام الأفكار الإسلامية خوفاً من أن تتأثر بها شعوبهم، وخشية من أن يكون لتلك الشعوب موقف إيجابي من الإسلام.

يقول المستشرق الانكليزي (مونتغمري وات)(3) في هذا الصدد: (ليس بين رجال العالم رجل كثر شانئوه كمحمد... فلقد كان الإسلام خلال قرون عدة العدو الأكبر للمسيحية... و أخذت الدعاية الكبرى في القرون الوسطى تعمل على إقرار فكرة العدو الأكبر في الأذهان، حتى ولو كانت تلك الدعاية خالية من كل

ص: 38


1- التشيع والاستشراق، عبد الجبار ناجي، ص 11 - 12
2- دوغمائية أو دوغماتية: هي التعصب لفكرة دون قبول النقاش فيها (الجمود الفكري). وتسمى ايضاً ب: الجزمية والاستبدادية والدمغية واللادحضية واللاشكية
3- مونتغمري وات: اسكتلندي الأصل، أمريكي الجنسية، من رجال اللاهوت المسيحي، له (عوامل أنتشار الإسلام) و (محمد في مكة) و _محمد في المدينة) و (محمد النبي ورجل الدولة)

موضوعية...حتى إذا ما حل القرن الحادي عشر كان للأفكار الخرافية... في أذهان الصليبيين أثر يؤسف له...)(1).

ولقد كان للاستشراق الدور الكبير في تجهيل الشعوب وبالخصوص الإسلامية، وإشاعة فكر الأساطير وبث الخرافات على أنها هي الممثل للفكر الإسلامي، أو هي التراث الحقيقي والوحيد للتاريخ الإسلامي. حتى إذا ما تَثّبتَ ذلك وجهوا نقدهم للإسلام وصرحوا بكل وقاحة إن الإسلام ما هو إلا مجموعة خرافات.

يقول الدكتور (محمود قاسم) أهداف الاستشراق الحقيقية: (...إن الاستعمار الفرنسي للجزائر استطاع بجبروته وعسفه أن يفرض لغته على كثير من المثقفين في الجزائر وشمال إفريقية، غير أنه لم يستطع أن ينال كثيراً من العقيدة الإسلامية، رغم ما بذله المختصون في شؤون الثقافة من محاولات لفصم العقلية الجزائرية عن طريق تمجيد التصوف الكاذب، ولإشاعة الخرافات والأباطيل، على نحو ما نراه في مؤلفات لويس ماسينيون الذي خصص حياته للكتابة في «الحلاج» فجعله صورة من المسيح في الإسلام، وأعتقد أن ماسينيون ما كان يعنى بالحلاج قدر عنايته بتنفيذ مخطط استعماري أُحكم صنعه؛ فقد ملأ كتابه الضخم عن الحلاج بحشد هائل من الخرافات والترهات والأباطيل، حتى يعمق الهوة بين طائفتين توجدان بالجزائر:

طائفة تتمسك بالقديم فتنساق حسب ظنه إلى اعتقاد أن هذه الخرافات والهذيانات هي صميم الإسلام. و «طائفة مثقفة بالثقافة الحديثة» تتجه من جانبها إلى السخرية والزراية بهذا الإسلام الخرافي، بل من الإسلام كله)(2).

ص: 39


1- محمد في المدينة، مونتغمري وات، ص 493
2- الإمام عبد الحميد بن باديس الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية، الدكتور محمود قاسم، ص 7 و 35 و 70

و هنا نذكر مجموعة من أقوال المستشرقين وبعض كتاب الغرب لنبين مدى عدم موضوعيتهم عند تناولهم القضايا الخاصة بالإسلام:

1- يقول المستشرق النمساوي الامريكي الجنسية (غوستاف فون غرونباوم)(1) في معرض كلامه عن القرآن الكريم: (و الكتاب الذي بين أيدينا ليس هو الكتاب الذي بلغه محمد. وفي الواقع فإنه لم يبلغ أبداً أي كتاب، واكتفى بأن نقل أشياء متفرقة هي عبارة عن رؤى قصيرة وأوامر وحكم وخرافات وخطب عن مذهبه)(2).

2- يقول المستشرق (هنري لامنس) في معرض حقده على الإسلام: (و لولا الإسلام لاستطاع اليهود والنصارى أن يقتسموا الجزيرة العربية)(3).

3- يقول (لورنس براون) في معرض كلامه عن خطر الإسلام والثقافة العربية على العالم: (إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً...)(4).

4- يقول القس (فرانكلين جراهام)(5) عن الإسلام: (ينبغي علينا الوقوف بوجه هذا الدين، الذي يقوم على العنف... إن إله الإسلام ليس إلهنا، والإسلام 7 و 35 و 70 .

ص: 40


1- غوستاف فون غرونباوم (1909 - 1972 ميلادي)
2- إسلام العصور الوسطى، غوستاف فون غرونباوم، ص 66
3- غرب الجزيرة العربية قبل الهجرة، هنري لامنس، ص 54
4- التبشير والاستعمار في البلاد العربية، عمر فروخ ومصطفى خالدي، ص 37
5- ويليام فرانكلين بيلي غراهام جونيور (1918 ..... م) يسمى: واعظ البنتاغون الأمريكي

دين شرير وحقير)(1)..

5- يقول (صاموئيل هنتنغتون)(2): (المشكلة المهمة بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية، بل الإسلام...)(3).

هذا - بشكلٍ عام - استعراض بسيط وسريع لمقولاتٍ خمسٍ فقط ادلى بها خمسٌ من مستشرقي وكُتاب أوربا والغرب، ولمن اراد المزيد مراجعة كتب الاستشراق التي ألفها كُتابٌ منصفون من العالم العربي وغيره ليتوضح مدى الطرح الايديولوجي والعدائي للإسلام كدين.

الجهد الاستشراقي بين المصلحة والإنصاف

إن من الانصاف أن نقف وقفة انصاف في استعراضنا وتعرضنا لتاريخ الاستشراق منظومةً ورجالاً.

فلقد شاع عن الجهد الاستشراقي انه (استعماري) و (تبشيري) و (مصلحي)، وهذه هي النظرة العامة عنه (عربياً) و (إسلامياً)، والتي تعكس واقع حقيقي، رغم عدم خلوها من المبالغة المغدقة في العداء المبني على أسس غير علمية في بعض الأحيان.

أما النظرة العقلانية ن والإسلامية الحقيقية؛ فهي تلزمنا بمحاكمة الجهود والآراء وفق قاعدة: (الإنصاف) و (اعطاء كل ذي حقٍ حقه).

ص: 41


1- فتن المسلمين، السيد والي الزاملي، ص 19
2- صاموئيل هنتغتون (1927 - 2008 م)
3- صراع الحضارات، صاموئيل هنتنغتون، ص 352

نعم، كان من ضمن زمرة المستشرقين من دفعه عداءه لكي يكتب عن الإسلام، وعن التراث الإسلامي، وعن الشخصيات الإسلامية بنفسٍ معادٍ، وبأسلوبٍ مشوه للحقائق.

كان من ضمن المستشرقين من دفعه (النَفس التبشيري) إلى اعتبار الإسلام عدواً للمسيحية، بل هو. عندهم. ليس بدينٍ أصلاً والواجب محاربته بالقول والسلاح معاً.

و كان فيهم من كان ضمن طلائع الغزو الاستعماري الذي استشرى في أرجاء الكرة الأرضية في تنافس محموم للبحث عن الثروات من قبل الدول الأوربية وبأي وسيلة كانت.

في هذا الوسط بأجمعه، ورغم كل ما ذكرنا، فلقد برزت شخصيات اتخذت نهجاً عقلانياً معتدلاً تميز بالإنصاف والبحث (العلمي العلمي) المنصف الباحث عن الحقيقة وسط ركام التاريخ. تيار تميز بأنه كان يقلب الصفحات تلو الصفحات حتى النهاية، لا يتوقف عند قول ليحكم وفقه، ولا يبحث عن الثغرات ليعتبرها (سُبةً) أو (خللاً)، بل يعتبر ذلك شيئاً وارداً وطبيعياً جداً.

أطلعت هذه الثلة على الكم الهائل من الكنوز التاريخية، وانبهرت بها، ووجدت بها ما لم تجده ولم تسمع به عند غير شعوب. انه كم هائل من الأسس المعرفية والعلوم التي لم تجتمع في مكان ما ابداً.

و اجمل ما يمكن ان نضرب به مثالاً هو مطالعة كتاب (مع المخطوطات

ص: 42

العربية)(1) للمستشرق الروسي (كراتشكوفسكي)(2)، والذي ذكر فيه (منبهراً) و (منصفاً) الجهود العلمية للعلماء (العرب) و (المسلمين) وما قدموه من علوم لم يسبقهم بها أحد.

والكتاب الآخر، هو كتاب المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه)(3) الموسوم ب-(شمس العرب تسطع على الغرب)(4)، والذي توضح فيه ما للعرب والمسلمين من اسهام كبير في التطور الحضاري عموماً والتطور الحضاري في أوربا بشكلٍ خاص.

و بعد كل ما تقدم نقول: للمصلحة والعداوة الدور الأكبر في بلورة افكار الكثير من المستشرقين ليكتبوا عن الإسلام وفق هذه التأثيرات ويحكموا وفقها.

لكن ووسط كل هذه الحملة الشعواء نجد اصواتاً منصفة. من المستشرقين. تقول بما تؤمن به، وتتبع الدليل لتحكم وفقه، وتلك الطبقة هي طبقة المنصفين من المستشرقين.

المستشرقون ودراسة التراث الإسلامي

اشارة

اهتم المستشرقون بكل ما يتصل بالشرق، فكانت عنايتهم بدراسة تراث الهند

ص: 43


1- مع المخطوطات العربية، صفحات الذكريات عن الكتب والناس، كراتشكوفسكي، دار التقدم، موسكو، ط 3، 1948 م
2- إغناطيوس كراتشكوفسكي (1883 - 1951 م)
3- زيغريد هونكه (1913 - 1999 م)
4- شمس العرب تسطع عى الغرب، أثر الحضارة العربية في أوربا، زيغريد هونكه، نقله عن الألمانية: فاروق بيضون، وكمال دسوقي، دار الجيل. بروت، ط 8، 1993 م

والصين وبابل وآشور ومصر وبلاد فارس، إلا ان اهتمامهم بالتراث العربي الإسلامي قد فاق كل الاهتمامات الأخرى، في محاولة دؤوبة لاختراق أفق الشرق الفكري.

إن (الحضارة الإسلامية وليدة البعثة النبوية، وتلك الحضارة مثلت حضارات اليونان والروم والفرس، وشملت أمماً مختلفة الأمزجة والطبائع، فلم تكن حضارة العرب فحسب، وإنما كانت حضارة الأمم الإسلامية كلها أو قل هي حضارة العصور الوسطى التي ربطت العالم القديم بالعالم الحديث، ولقد اهتم العالم الحديث اهتماماً خاصاً بالدور الذي لعبته تلك الحضارة، فأكب فريق كبير من علماء الغرب على دراسة تلك الحضارة العظيمة بما فيها من دين سمح كريم، ومن لغة غنية بمفرداتها مرنة باشتقاقاتها، جميلة برسم حروفها، ومن أدب يصور نبضات القلوب وخلجات النفوس، ونجوى الضمائر، ومن تصوف وفناء في التأمل، ومن فلسفة قد بلغت الغاية في عمقها وشمولها، ومن حكم وتشريع لم تصل الإنسانية بعد إلى أفضل منه، وقد أذاعوا كثيراً من دراساتهم في كتب عدة ومجلات خاصة، ثم رأوا منذ بداية هذا القرن أن يجمعوا خلاصة بحوثهم في كتاب جامع يتبعون فيه منهج القواميس والمعاجم فكتبوا دائرة المعارف الإسلامية باللغات الأوربية الكبرى، حيث أكدوا ذلك الاهتمام البالغ بالتراث العربي الإسلامي الخالد، ودوره البّناء في تربية الإنسان المسلم والقضاء على النظام الفكري العبودي الإقطاعي وقفز الفكر الإنساني قفزة محسوسة نقلته من العبودية إلى الإنسانية وأثرت في الفكر الأوربي بأسره في شتى ميادين العلوم والآداب والفنون)(1).

إن تحديد وقت بداية الطباعة العربية في أوربا هو في الوقت نفسه تحديد لبداية

ص: 44


1- الإسلام في الغرب، جان بول رو، ص 145. 152

الطباعة العربية، لأن الطباعة بالحروف العربية للكتب العربية قد بدأ في أوربا قبل البلاد العربية والإسلامية بأكثر من قرن(1).

فأول مطبعة عربية في أوربا هي تلك التي أمر بإنشائها الكردينال (فرديناندو دي مدتشي)(2) كبير دوقات توسكانا، وكان يرأس هذه المطبعة التي مقرها في روما شاب ايطالي يدعى (جيوفاني بتستا رايموندي)(3) الذي اقام في المشرق مدة طويلة، وابتداءً من (6 سبتمبر 1586 م) اشتغلت هذه المطبعة في جمع وطبع أول إنتاج لها وهو كتاب (القانون) لابن سينا، ومعه كتاب (النجاة) الذي هو مختصر (الشفاء).

وتم انجاز طبع (القانون) ومعه (النجاة) في عام (1593 م).

كما وطبع في عام (1592 م) في هذه المطبعة كتاب (الكافية) لابن الحاجب، وكتاب (الأجرومية) لابن أجروم، وكتاب (نزهة المشتاق في ذكر الأمصار والأقطار والبلدان والجزر والمدائن والآفاق) للشريف الإدريسي.

و في عام (1588 م) حصلت هذه المطبعة من السلطان العثماني مراد الثالث على امتياز طبع ونشر كتاب (تحرير أصول اقليدس) تأليف الخواجة نصير الدين الطوسي(4)، وقد تم طبع هذا الكتاب في عام (1594 م)(5).

ص: 45


1- يراجع لتفاصيل أكثر كتاب: موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي، ص 551. 564، وكتاب تاريخ حركة الاستشراق ليوهان فوك
2- فرديناندو دي مدتشي (1549 - 1609 م)
3- جيوفاني بتستا رايموندي (1536 - 1614 م) عالم رياضيات ومستشرق ايطالي
4- الخواجة نصير الدين الطوسي (597 - 672 ه)
5- موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي، ص 551. 564

كل ذلك يؤكد الاهتمام الكبير بالإسلام والتراث الإسلامي - لأي سبب كان - والذي دعا إلى تأسيس مجامع تهتم بذلك وتؤلف المؤلفات، ومطابع تطبع الكتب التي تعد مهمة، ومنها القرآن الكريم.

وسنتعرض لأهم اهتمامات أوربا والغرب بوجهٍ عام، وأهم اهتمامات ودراسات المستشرقين بشكلٍ خاص، والتي كان منها:

أولاً: المستشرقون والقرآن الكريم

لقد اهتمت أوربا بالقرآن الكريم منذ زمن بعيد، منذ أن بات الإسلام يشكل خطراً يهدد عروش الإمبراطورية الرومانية وتوابعها، فبدأت الترجمات، والردود، والطعون على هذا الكتاب وعلى الدين الإسلامي، وعلى شخص النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وما قيام الحروب الصليبية إلا للوقوف بوجه الدين الذي هدد عروش الامبراطورية الرومانية وحلفائها، وأطاح بصروح الكنيسة، إذ صرح المستشرق الألماني (كارل بيكر)(1) بذلك فقال: (إن هناك عداءً في النصرانية للإسلام بسبب أن الإسلام عندما انتشر في العصور الوسطى أقام سداً منيعاً في وجه انتشار النصرانية، ثم امتد إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجانها)(2).

فظهر. من جراء ذلك. تيار العداء الفج والصريح للقرآن الكريم، ومن نماذج هذا التيار (مارثن لوثر)(3) الذي قال عن القرآن الكريم: (أي كتاب بغيض وفظيع وملعون هذا القرآن، مليء بالأكاذيب، والخرافات، والفظائع، وإن إزعاج محمد

ص: 46


1- كارل هاينريش بيكر (1867 - 1933 م) ولد في أمستردام. تاريخ حركة الاستشراق، ص 337
2- الإسلام وشبهات المستشرقين، الشيخ فؤاد كاظم المقدادي، ص 131
3- مارثن لوثر (1483 - 1546 م)

والإضرار بالمسلمين، يجب أن تكون هي المقاصد من وراء ترجمة القرآن وتعرف المسيحيين عليه)(1)، وكذلك (دانتي)، و(لامنس)، وغيرهم.

لقد تعرض المستشرقون للقرآن الكريم بالنقد، وإثارة الشبهات، وذلك بهدف إسقاط دليل سماوية هذا الكتاب، والطعن بنبوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، ومن ثمَّ إسقاط قدسيتهما في أعين المسلمين وغيرهم.

فأثار (ديفيد صموئيل مرجليوث)(2) شبهة بلاغة الشعر الجاهلي، وادّعى (كارل فلرس)(3) و (باول كراوس)(4) أن القرآن لم يكن معرباً، وأن اللغويين هم الذين أعربوه)(5).

و تطرق المستشرق الفرنسي (كازانوفا)(6) في كتابه (محمد ونهاية العالم) إلى أن القرآن قد أضيف إلى الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته.

أما المستشرقان (إبرهام جايجر)(7) و(رودي بارت)(8) فقد أدعيا أن النبي محمداً

ص: 47


1- أكذوبة تحريف القرآن بين الشيعة والسنة، رسول جعفريان، تقديم محمد عمارة، ص 12
2- مستشرق إنكليزي (1858 - 1940 م)
3- مستشرق ألماني (1857 - 1909 م)
4- مستشرق ألماني من أصل تشيكوسلوفاكي (1904 - 1944 م)
5- مخططات الاستشراق، أنور الجندي، مجلة منار الإسلام، العدد 7، السنة 14
6- مستشرق فرنسي (1861 - 1926 م)
7- إبرهام جايجر (1810 - 1874 م) له كتاب (ماذا اقتبس محمد من اليهودية؟) نشر باللغة الألمانية في سنة (1833 م). يراجع لذلك كتاب: تاريخ حركة الاستشراق، يوهان فوك، ص 175
8- مستشرق ألماني (1901 - 1983 م) ترجم القرآن إلى الألمانية مع شرح فيلولوجي، له كتاب (محمد والقرآن)

(صلى الله عليه وآله) قد أستقى الكثير من تعاليم القرآن الكريم من كتب الأديان السابقة.

كما وأورد (رودي بارت) بأن الدعوة التي قام بها النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وهذه التصورات والأفكار الدينية كانت إشعاعات من المسيحيات واليهوديات التي كانت موجودة في الجزيرة آنذاك)(1).

وحاول مستشرقون آخرون أن يثبتوا أن القرآن تأثر بالديانات، والكتب، فالمستشرق (ك. آرينز) له بحث جدلي يحمل عنوان: (عناصر نصرانية في القرآن)(2) نُشر في المجلة الألمانية الشرقية (1930 م)، وكتب (ج. بوستل)(3) عن (توافق القرآن والإنجيل، عام 1543 م)، وكتب (أ. بومشتارك)(4) (مذهب الطبيعة الواحدة النصراني في القرآن، عام 1953 م)، وكذلك فإن للبارون (كرا دي فو)(5) (اسطورة الراهب المسيحي بحيرا، عام 1898 م)(6) نشر في مجلة الشرق المسيحي، وبحوث أخرى كثيرة بهذا الصدد.

لقد شهدت بدايات القرن العشرين (صرعة (مودة) تقديم القرآن للقارئ الأوربي باعتباره مختارات من أفكار اليهودية والمسيحية، بالإضافة لقليل من

ص: 48


1- محمد والقرآن، رودي بارت، ص 64، ترجمة: رضوان السيد
2- المستشرقون، نجيب العقيقي، ج 3، ص 537
3- ج. بوستل (1505 - 1581 م)
4- أ. بومشتارك (1871 ..... م)
5- كرا دي فو (1867 - 1953 م) مستشرق فرنسي
6- موسوعة المستشرقين، بدوي، ص 463

الزيادات المحددة، ومعنى هذا انتفاء الجدة والأصالة، والواقع إن هذه النظرة تعد بقية من بقايا الدعاية المسيحية التي سادت فترة الحروب الصليبية، عندما كان على أوربا الغربية التي كانت ترتعد فرائصها من جيوش الإسلام أن تقوي دفاعاتها برسم صورة زائفة عن الإسلام، إن القرآن لم يكن مجرد ترديد لأفكار يهودية ومسيحية، فلقد أكد الإسلام نفسه بالفعل كدين مستقل عن اليهودية والمسيحية، وثمة ما يؤكد أن الإسلام كان بمثابة مستودع لدين إبراهيم في حالة نقائه الأولى)(1).

أننا هنا نحب أن نورد فائدة للباحثين والقراء الكرام حول طباعة (القرآن الكريم) في أوربا، وأول الطبعات، وما يتعلق بهذا الموضوع المهم(2):

1- تشير جملة من المصادر التاريخية إلى أن أول طبعة للقرآن الكريم في نصه العربي هي تلك التي تمت في مدينة (البندقية) في سنة (1530 م) تقريباً.

2- طبع توما اربنيوس (سورة يوسف) بنصها العربي، مع ثلاث ترجمات لاتينية وشروح في ليدن عام (1617 م).

3- طبع (يوهان زيشندروف) في رسالتين بدون تاريخ السورتين رقم (101) ورقم (103) في القرآن الكريم؛ في طبعة أولى، والسورتين رقم (61) ورقم (78) في طبعة ثانية؛ بحروف عربية منحوتة على الخشب.

4- طبع (كريستانوس رافيوس) في امستردام السور الثلاثة عشر الأولى من القرآن بحروف لاتينية، وفي مقابلها ترجمة لاتينية عام (1646 م).

ص: 49


1- أكذوبة تحريف القرآن بين الشيعة والسنة، ص 16
2- يراجع لذلك كتاب: موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي، ص 438. 445

5- طبع (يوهانس جورج نسليوس) السورة الرابعة عشر والخامسة عشر بالنص العربي والحروف العربية مع ثلاث ترجمات لاتينية في ليدن (1655 م).

6- طبع (ماتياس فردريك بكيوس) السورتين (30) و (88) اعتماداً على اربعة مخطوطات عربية مع ترجمة لاتينية وتعليقات في اوغسبرغ (1688 م).

7- طبع القس الألماني (إبرهام هنكلمان)(1) أول طبعة كاملة للقرآن وبحروف عربية انتشرت ولا تزال توجد نسخ منها في بعض مكتبات أوربا، وذلك عام (1694 م) في مدينة هامبورغ الالمانية، وتقع في (560) صفحة.

8- طبع (الراهب لودوفيكو مرتشي)(2) طبعة للقرآن الكريم تعد أجود من طبعة (هنكلمان) إذ تمت الطباعة في مدينة بتافيا عام (1698 م). وكذلك طبع مرتشي في عام (1691 م) في مطبعة هيئة نشر الدعوة التابعة للبابا في روما كتاباً بعنوان (الرائد إلى الرد على القرآن) في اربعة أقسام.

9- قام (اندرياس اكولوثوس)(3) بنشر مختارات من القرآن بالعربية والفارسية والتركية واللاتينية في برلين عام (1701 م).

10- طبعة كاملة للقرآن في نصه العربي تمت في بطرسبرج عام (1787 م) في (477) صفحة. وقد نشرت برعاية امبراطورة روسيا (كاترينا)(4) ليستفيد منها

ص: 50


1- إبرهام هنكلمان (1652 - 1695 م)
2- لودوفيكو مرتشي (1612 - 1700 م)
3- اندرياس اكولوثوس (1645 - 1704 م) مستشرق ألماني استاذ علم اللاهوت، ابن القس يوهانس اكولوثوس المسؤول عى كنائس ومدارس بريسلاو بألمانيا
4- الامبراطورة كاترين أو كاترينا وهي (صوفي أوجستا فريدريكا) (1729 - 1796 م)

رعاياها المسلمون، وقد أشرف على الطبع (الملا عباس إسماعيل).

11- طبع النص العربي الكامل للقرآن مرتين في قازان في عام (1803 م) وقد أشرف على هذه الطبعة (عبد العزيز توقطمش بن علي).

12- طبع (غوستاف فلوجل)(1) القرآن في ليبتزك عام (1834 م) والتي تعدّ عمدة الطبعات الأوربية، والمرجع للباحثين في أوربا، إذ طبعت هذه الطبعة فيما بعد أكثر من مرة.

ثانياً: المستشرقون ودراسة السيرة

إننا وفي تناولنا لموضوع المستشرقين والسيرة لسنا بصدد أن نكتب عن جهود المستشرقين حول السيرة هو لإظهار أن الكثير من القضايا غير خافية على الباحث ولا في التاريخ، وإن الكثير منها واضحة وضوح الشمس رغم إرادة البعض طمسها، وتشويهها، وتحريفها.

لا بدّ أن نعلم أن هناك الكثير من كتابات المستشرقين التي اتسمت بعدم الإنصاف، وبالخصوص في مجال السيرة، فجملة من المستشرقين كانت كتاباتهم لأجل تشويه سيرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وسيرة أهل بيته (عليهم السلام)، وأجلى مثال لهؤلاء في هذا الصدد هو (هنري لامنس) الذي يعدّ من أكثر المستشرقين حقداً، ودساً على الدين الإسلامي، وعلى النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين).

ص: 51


1- غوستاف ليبرشت فلوجل (1802 - 1870 م) مستشرق ألماني، من آثاره (تاريخ العرب) في ثلاث مجلدات: درسدن وليبتسك، 1832، 1838، 1840 م

و في هذا الصدد يقول الأستاذ (جواد علي)(1): (لقد أخذ المستشرقون بالخبر الضعيف، والموضوع في بعض الأحيان، وحكموا بموجبه، واستعانوا بالشاذ، والغريب فقدموه على المعروف، والمشهور)(2).

نعم، إنهم قد هولوا، وكذبوا، واخترعوا الأباطيل، لكنهم وفي أكثر الأحيان، وعند مناقشتهم لقضيةٍ ما لم ينطلقوا من فراغ، بل إنهم اعتمدوا في ذلك على ما وجدوه في كتب التراث التاريخي، والحديثي السني بما فيها من الخزعبلات، والوضع، والدس، والحقد، والتحريف.

فنحن إن أردنا من الآخر أن يتسم بالموضوعية التامة، والحيادية المطلقة عند قراءة تراثنا فعلينا أول الأمر أن نخلص هذا التراث من كل ما علق به من مدخولات، وموضوعات، وتحريفات، وتصريفات، فما ذكرته كتب الصحاح الست، وكتب التاريخ من تشويهٍ متعمد لشخصية النبي (صلى الله عليه وآله)، ولأهل بيته (عليهم السلام) قد أسسها مخالفو النص الشرعي، الذي أسس على إثره معاوية بن أبي سفيان منظومته التحريفية الكبرى، التي سار عليها سلاطين بني أمية، وكل من جاء بعدهم، وإلى الوقت الحاضر.

نعم، (كان محور محاولات المستشرقين في تناول السيرة النبوية هو اسقاط هذا الثقل في واقع المسلمين منضماً إلى الثقل الأول وهو القرآن الكريم، وبذلك ينهار البناء الإسلامي بكل ابعاده الفكرية والسياسية. ومن أجل ذلك راحوا يتتبعون مفردات التاريخ الإسلامي لاستقصاء موارد الشذوذ ومواطن التزوير في السيرة

ص: 52


1- جواد علي (1907 - 1987 م)
2- تاريخ العرب في الإسلام، جواد علي، ج 1، ص 8. 11

النبوية، التي احدثها وعاظ السلاطين ومرتزقة الحكام المنحرفين، كخلفاء بني امية وخلفاء بني العباس، وتسليط الضوء عليها واظهارها على انها السيرة الفعلية للرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) ثم يبدأ استثمار ذلك عند تأسيس بحث نقدي لشخصية الرسول (صلى الله عليه وآله) لتحقيق هدفين:

الأول: ابراز تهافت وتناقض في سيرته وصولاً لنفي نبوته وعالميته، وتقرير انه ليس إلا رجل اصلاح قومي استثمر النصرانية واليهودية وامثالها واضاف اليها من عنده لتنسجم مع مجتمعه وظرفه الزماني والمكاني. والثاني: وصم السنة النبوية بالاختلاق والوضع، ومن ثم الدعوة إلى عدم حجيتها كمصدر اساسي من مصادر التشريع في الإسلام، ولم تكن هذه المعطيات جزافاً، بل هي افراز طبيعي للصراع المحتدم بين الإسلام والصليبية، وقد كان للنتائج التي تمخضت عنها الحروب الصليبية طعم العلقم في حلوق الأوربيين لا ينسونه ابداً)(1).

إن مجمل الآراء غير الموضوعية التي تبناها المستشرقون كان أساسها. كما اسلفنا.

إما التحريفات الموجودة في التراث الحديثي السني، وإما مبتنيات تراث العصور الوسطى الصليبي، وإما كتابات المستشرقين الأوائل ذات الطابع الأيديولوجي، والتبشيري، والاستعماري، مضافاً لها غايات ودوافع مبيتة.

ثالثاً: المستشرقون والتشيّع

لقد حظي التراث الشيعي باهتمام المستشرقين إما كفرقة أو كحدث تاريخي فقد كتبت العديد من الكتابات حول موضوع الشيعة وما يتعلق بهم وهي بحق دراسات كثيرة حتى قال عنها الدكتور عبد الجبار الناجي في كتابه (التشيع والاستشراق):

ص: 53


1- الإسلام وشبهات المستشرقين، فؤاد كاظم المقدادي، ص 145. 146

(لم يدر في خلدي في بداية الأمر حين شمرت عن ساعدي، وجمعت أدوات بحثي، ومعداته لأرسم مخططاً لمفرداته الدقيقة، بأن تكون إسهامات المستشرقين عن التشيع، وعن سير أهل البيت بمثل هذه الكثافة، والتركيز نوعاً، وكماً...)(1).

لكن ما يميز هذا النتاج وبشكل عام إنه اتسم بعدم الانصاف، وعدم الدقة وعدم الموضوعية بالتعامل البشري مع الحوادث والنصوص، ذلك بسبب اعتمادهم على التراث الحديثي السني الذي سيطرت عليه الأيديولوجيا السلطوية الحاكمة بما حوته من مرويات موضوعة وأحاديث، وقصص محرفة، فكانت هذه الروايات المنطلق لجملة من المستشرقين الذين فرحوا بها وأصبحت محركاً لهم للطعن، والتشويه حجتهم في ذلك أنها من داخل المنظومة الإسلامية، فتمسكوا بها بل وزادوا عليها بحسب ما يخدم مصالحهم وأهوائهم.

نعم، إنهم وبدراستهم لمذهب التشيع كان هدفهم إبراز الهوة العميقة بين الفرق الإسلامية، وزيادة الشرخ الموجود بالأساس؛ لأن ذلك يخدم سياستهم الاستعمارية.

لكن بعضهم درس مذهب التشيع بعد أن تيقن بأن هذه الفرقة الإسلامية قد تم إقصاؤها عن عمد، (إن هذا النفر منهم قد وصل إلى نتيجة مفادها ضرورة إقصاء المؤلفات السنية لكل من يريد التدوين التاريخي عن العقيدة الشيعية...)(2).

وعلى كل حال فإن المؤلفات الاستشراقية لم تنصف الشيعة، ولم تكتب عنهم بمنهج علمي خالٍ من الأهواء، أو الميول، أو المؤثرات.

ص: 54


1- التشيع والاستشراق، عبد الجبار الناجي، ص 11
2- التشيع والاستشراق، عبد الجبار الناجي، ص 17

ونحن نقول وبكل ثقة: إنّه لا يوجد أي مؤَلَّف استشراقي يخلو من الملاحظات والمغالطات عن مذهب التشيع وعن سيرة أهل البيت (عليهم السلام).

في الوقت الذي يرفض أغلب المسلمين (سنة وشيعة) مناهج أغلب المستشرقين، وبالخصوص الطاعنة في الدين الإسلامي (عقيدة وشريعة)، كما ويرفض الشيعة كثيراً من الانتقادات التي وجهها المستشرقون إلى المذهب الشيعي فإن أغلب هذه الانتقادات جاءت من اعتمادهم على المصادر السنية في فهم وقراءة الفكر الشيعي.

فمثلاً: في قضية الغدير، حيث أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد نص على أن خليفته في المسلمين من بعده هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم غدير خم. رغم ذلك نجد أنّ (مارجليوث)(1) في كتاب (محمد وظهور الإسلام.

1905 م) يستبعد مثل هذه التوصية. وكذلك نجد (بروكلمان)(2) في كتاب (تاريخ المسلمين. 1939 م) يجري على نفس المنوال. وكذلك (جولدتسيهر)(3) الذي أورد رواية غدير خم بصيغة التشكيك.

نعم، يمكن عَدّ القرن الثاني عشر الميلادي؛ بداية معرفة أوربا بالمذهب الشيعي كعقيدة وتنظيم سياسي وذلك بالتزامن مع الحملات الصليبية زمن (الدولة الفاطمية)، إلا أن الأخبار عن الشيعة صيغت بكثير من الخلط، والتعميم، وعدم الفهم العام، مع وجود التأثير الأيديولوجي السياسي على طبيعة تلك الكتابات.

ص: 55


1- ديفيد صمويل مارجليوث (1858 - 1940 م) مستشرق انكليزي، عمل قساً في كنيسة انكلترا، ثم أستاذاً لتدريس اللغة العربية في جامعة أكسفورد
2- كارل بروكلمان (1868 - 1956 م)
3- اجانتس جولدتسيهر (1850 - 1921 م) مستشرق يهودي مجري

فمثلاً نجد أن (وليم الصوري)(1) والذي يعدّ أهم مؤرخي الحملات الصليبية في القرن ال- (12) الميلادي قد نسب إلى الشيعة الاعتقاد بأنّ علياً هو نبي الإسلام الحقيقي، لولا أنّ الملاك جبرائيل أخطأ وأوصل الرسالة إلى محمد.

وسار على هذا النهج (يعقوب دي فيتري)(2) الذي تسنم منصب مطران عكا فيما بين (1216 - 1228 م) الذي روج فيما كتبه من كتابات إلى: أنّ علياً كان نبياً مرموقاً تكلم إليه الله كتقدير تمييزي عن النبي محمد(3).

وكذلك ما روجه المنصِّر الشهير (ريكولدو ديمونتو كروس)(4) بأنّ الشيعة يعتقدون بأنّ محمداً اغتصب حقوق عليّ. واعتبر (ريكولدو) أن أتباع علي يحتفظون بقدر من اللطف وأنّم أقل شيطنة من الأغلبية السنية. وكذلك أمثال دعوات (ريكولدو) المعادية الكثير، فقد تزامنت مع دعوات كثيرة على هذه الشاكلة المعادية للإسلام، نذكر من ذلك على سبيل المثال دعوات (رايمون لول)((5) و(بطرس

ص: 56


1- وليم الصوري (1130 - 1185 م) مؤرخ صليبي، رئيس أساقفة (صور) و(القدس)، مستشار الملك (بلدوين الرابع) ملك مملكة بيت المقدس الصليبية، ولد في بيت المقدس من أسرة ذات أصول فرنسية أو إيطالية
2- يعقوب دي فيتري (1170 - 1240 م) مؤرخ وقس ولاهوتي كنسي فرنسي الأصل
3- يراجع كتاب: الشيعة في المشرق الإسلامي تثوير المذهب وتفكيك الخريطة، عاطف معتمد عبد الحميد، ص 113
4- ريكولدو ديمونتو كروس (1243 - 1320 م) راهب دومنيكي إيطالي ومبر شديد الخصومة عى الإسلام، له كتاب (تفنيد آيات القرآن)
5- رايمون لول أو باللفظ الخاص الصحيح (رايموندوس لولوس) (1230 - 1315 م) فيلسوف كتالوني، انضم إلى رهبنة الفرنسسكان، انكب عى دراسة اللغة العربية والثقافة الإسلامية قاصداً من وراء ذلك دعوة المسلمين إلى المسيحية، له كتاب (الفن الأكبر) الذي حاول فيه أن يدافع عن المسيحية ضد الإسلام، وانتقد فيه فلسفة ابن رشد

بسكوال)(1).

كما ونجد جملة من المستشرقين والكتاب الغربيين يعدّون أن الأفكار الشيعية وبالخصوص بعض الفرق المحسوبة على الشيعة(2) انتحالًا للأفكار الوثنية الإغريقية والفارسية القديمة.

لقد قدَّم الدبلوماسي الفرنسي (جوزيف آرثر غوبينو)(3). الذي خدم كدبلوماسي فرنسي في طهران بين (1855) و (1858 م) - معلومات جديدة للغرب ليس فقط عن الانشقاق السني الشيعي. كما صوّره هو، بل عن الاتجاهين الرئيسين بين علماء فارس: (الإخباريين) و (الأصوليين) أي منظومتي (النقل والعقل)، وهي فروقات أرجعها لأسباب اجتماعية قبل أن تكون دينية بحسب مدعاه.

وقد كتب (الفرد فون كريمر)(4) في عام (1868 م) عن التعصب المفرط للشيعة وعدم تحملهم لغيرهم من أتباع الطائفة المحمدية.

وكتب (كرا دي فو) بعد ثلاثين سنة من تاريخ كتابة (كريمر) أنّ الشيعة لديهم

ص: 57


1- بطرس بسكوال (1227 - 1300 م) لاهوتي اسباني، له كتاب (الفرقة المحمدية)
2- الفرق المغالية، والمهرطقة
3- جوزيف آرثر دي غوبينو (1816 - 1882 م) أديب وديبلوماسي فرنسي اشتهر ببحوثه ودراساته حول الشرق، وأبرز نتاجاته الفكرية (التفاوت بن الأجناس البشرية) والذي تأثر به أصحاب نظرية العنصرية الجرمانية، وله روايات ومذكرات عديدة منها (الثريا) و (قصص آسيوية) و (جدة وعدن ومسقط ثاث سنوات في آسيا 1855 - 1858 م) ترجمة: مسعود سعيد عمشوش. أقام في إيران مدة خمس سنوات وكان مسؤولاً في السفارة الفرنسية بمدينة طهران
4- الفرد فون كريمر (1828 - 1889 م) مستشرق نمساوي، ألماني الجنسية، كان قنصلاً في مصر وبیروت

تفكير ليبرالي حر، ويكافحون في مواجهة العقلية السنية المتحجرة ضيقة الأفق. وأن العزلة التي يعيشها الشيعة تنبع من خوفهم من الاحتكاك بالآخر نتيجة نجاسته.

إن الإدارة البريطانية وفي سبيل تدعيم مكانتها الاستعمارية في الهند، قامت في (كلكتا) بنشر كتاب (شريعة محمد - 1805 م) وجاء هذا الكتاب عن مصادر شهيرة للشيعة الاثني عشرية، وأهم ما اعتمد عليه هذا العمل كتاب (تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية) وكتاب (إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان) للعلامة الحلي(1)، وقد قام باختيار النصوص الضابط الإنكليزي (جون بيلي) الأستاذ في الشريعة الإسلامية واللغة العربية والفارسية، وقد سعى (بيلي) إلى نشر عدد واسع من الأسس الشرعية للشيعة الإمامية. وفيما بعد نشرت دراسات مقارنة بين الشريعة لدى المذهب الحنفي والاثني عشري. ولم يكن الأخير سوى مختارات من كتاب (تحرير الأحكام) المتعلقة بأمور الزواج والطلاق والرق والهبات والعطايا والوقف والمواريث. كما وتمت ترجمة كتاب (حياة القلوب) من الفارسية إلى الإنكليزية، وهو كتاب يتناول سيرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) كتبه العلامة الشيخ المجلسي(2).

نعم، لقد ادعى (أعداء الشيعة) نسبة (قرآن خاص بالشيعة)، و ان فيه سورتين لا توجدان في القرآن المتداول هما (النورين) و (الولاية) إلى كتاب اسمه (دبستاني مذاهب) لمؤلف زرادشتي، إذ يرجح بان كتاب (دبستاني مذاهب) ظهر في القرن السابع عشر أو الثامن عشر، و قد لاقى هذا الكتاب اهتمام الانكليز و منهم (السير

ص: 58


1- الحسن بن يوسف بن المطّهر الحلي المعروف بالعلامة الحلي (648 - 726 ﻫ)
2- محمد باقر المجلسي (1037 - 1111 ﻫ)

وليم بتروروث بيلي) المسؤول في حكومة الهند البريطانية، الذي قام بتحقيق و ترجمة وطباعة و نشر الكتاب، حتى اصبح من أهم المثالب على مذهب التشيع(1).

ولا يخفى دور شركة الهند البريطانية في الهند في إخراج كتاب (الدبستان) إلى النور ونشره بصورة كبيرة والترويج له. مضافاً له اهتمام المستشرقين به كونه مادة خصبة للطعن بالإسلام والتشيع بشكل خاص. فأثاروا مواضيع متعددة في كتبهم و دوائر معارفهم حول تحريف الشيعة للقرآن(2). كل ذلك شكل المعين للوهابية و من لف لفهم، ومن سار على ركابهم في معاداة الشيعة، موافقة و مواكبة لدوائر الاستعمار العالمي واعداء الدين الإسلامي.

الإمام علي (عليه السلام) في دراسات المستشرقين

إن من أولى أولويات البحث هو إيراد الدراسات الاستشراقية التي ذكرت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في سيرها، لما لذلك من أهمية في التمهيد للدخول إلى الدراسات الاستشراقية الخاصة بنهج البلاغة.

نقف هنا عند جملة من الدراسات الاستشراقية التي تناولت سيرة حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وبشكل إجمالي، وبحسب ما استطعنا تتبعه وتحصيله مما وقع في ايدينا من كتب، ويمكن أن نذكر وبشكل مختصر هذه الدراسات التي منها:

ص: 59


1- للمزيد عن (دابستاني مذاهب) يراجع كتاب: الإمام عي واشكالية جمع القرآن ودراسات المستشرقين، عبد الجبار الناجي، ص 145 - 192
2- المصدر السابق، ص 193 - 240

1- ما أورده المستشرق الألماني (أوغست موللر)(1) في كتابه (الإسلام في العصور الوسطى) المطبوع في برلين عام (1885 م)(2).

و (أوغست موللر) هو ابن الشاعر الألماني الكبير (ويلهم موللر) وخريج جامعات (ليبزك) و (فيين) مختص باللغات الشرقية له كتب كثيرة ومقالات متنوعة في مجال التاريخ الإسلامي يعدّ كتاب (الإسلام في الشرق والغرب) واحداً من أهم مؤلفاته فهو في الواقع عبارة عن تتمة لعمل (نولدكه).

2- كتابات المستشرق الألماني (غوستاف فايل)(3) التي منها:

أ. كتابه (تاريخ الخلفاء) الذي يقع في ثلاثة أجزاء، والذي طبع في منهايم (1846 . 1851 م)(4).

ب. كتاب (تاريخ شعوب الإسلام) طبع في ألمانية، في شتوتغارت عام (1866 م).

ج. وكتب كتاباً تحت عنوان (النبي محمد حياته ومذهبه)(5)، شتوتجرات عام (1843 م) يقع في (450) صفحة، كان قد اعتمد على سيرة ابن هشام والسيرة

ص: 60


1- أوغست موللر (1848 - 1892 م). يراجع: تاريخ حركة الاستشراق، ص 248. 250
2- التشيع والاستشراق، عبد الجبار الناجي، ص 347
3- غوستاف فايل (1808 - 1889 م) مستشرق ألماني، يهودي الديانة
4- تاريخ حركة الاستشراق، يوهان فوك، ص 177
5- أو (حياة محمد) يراجع كتاب: تاريخ حركة الاستشراق، يوهان فوك، ص 176

الحلبية في تأليفه(1).

3- المستشرق (فون كريمر)(2) في دراسته المتعلقة بتاريخ الفرق أو (البدع في الإسلام) المطبوع في لايبزك عام (1868 م).

4- كتابات المستشرق الألماني (يوليوس فلهاوزن)(3) التي منها:

أ- أحزاب المعارضة الدينية السياسية في صدر الإسلام، طبعت الطبعة الأولى في برلين عام (1903 م)(4). طبعته العربية عام (1976 م)، ترجمة: عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات، الكويت.

ب. تاريخ الدولة العربية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية أو (الدولة العربية وسقوطها)(5)، طُبعت الطبعة الأولى في برلين عام (1902 م).

طبعته العربية كانت عام (1958 م)، ترجمة: عبد الهادي أبو ريدة.

ج. كتاب (أصول الشيعة)، طُبعت الطبعة الأولى في برلين عام (1899 م).

5- كتابات المستشرق المجري (اجانتس جولدتسيهر)(6) التي منها:

أ. دراسته عن تاريخ أدب الجدل الشيعي السني المنشور عام (1874 م).

ص: 61


1- موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن البدوي، ص 390. 391
2- الفرد فون كريمر (1828 - 1889 م) مستشرق نمساوي
3- يوليوس فلهاوزن (1844 - 1918 م)
4- موسوعة المستشرقين، بدوي، ص 409
5- م. ن، ص 409
6- اجانتس جولدتسيهر (1850 - 1921 م) مستشرق يهودي مجري

ب. دراسته حول (مذهب التقية في الإسلام) المنشور في مجلة ZDMG عام (1906 م).

ج. كتابه (العقيدة والشريعة في الإسلام) الذي ترجم إلى الفرنسية والعربية، وطُبعت طبعته الأولى عام (1920 م).

6- كتابات المستشرق والقس المسيحي (هنري لامنس)(1) التي منها:

أ. كتابه (دراسات عن حكم معاوية الأول) بيروت (1907 م)(2).

ب. كتابه (فاطمة وبنات محمد، تعليقات نقدية لدراسة السيرة)، روما، (1912 م)(3).

7- دراسة المستشرق السويدي (سنوك هورجرونجيه)(4) الموسومة ب-(المحمدية) والمنشور في امريكا عام (1916 م)(5).

8- دراسة المستشرق الألماني (نولدكه)(6) الموسومة ب-(التشيع) المنشورة في مجلة (Der Islam) عام (1923 م).

ص: 62


1- هنري لامنس (1862 - 1937 م) راهب مسيحي بلجيكي الأصل، فرنسي الجنسية
2- موسوعة المستشرقين، ص 504
3- موسوعة المستشرقين، ص 504
4- سنوك هورجرونجيه او هرخرونية (1857 - 1936 م)
5- التشيع والاستشراق، ص 349
6- تيودور نولدكه (1836 - 1931 م) شيخ المستشرقين الالمان

9- دراسة المستشرق (السير توماس ارنولد)(1) التي تحمل عنوان (الخلافة) المطبوعة في اكسفورد عام (1924 م). والذي طبع بالعربية، ترجمة: حسن حيدر الشيباني، مطبعة التضامن، بغداد، 1961 م.

10- دراسات المستشرق (السير وليم موير)(2) التي منها:

أ. دراسته التي تحمل عنوان (الخلافة: ظهورها وتدهورها ثم سقوطها) المطبوعة طبعة ثانية عام (1891 م)(3).

ب. دراسته التي تحمل عنوان (حياة محمد وتاريخ الإسلام)، في اربع مجلدات، لندن (1856 . 1861 م)(4).

11- دراسة المستشرق الايطالي (ليوني كيتاني)(5) الموسومة ب-(حوليات الإسلام)(6) المطبوعة في ميلانو عام (1905 م).

12- المستشرق والقس المسيحي (كانون سيل)(7) في عدة دراسات منها:

أ. دراسته حول (الأئمة الاثني عشر) التي طبعها في (مدراس) عندما كان يقوم

ص: 63


1- توماس ارنولد (1864 - 1930 م)
2- وليم موير (1819 - 1905 م) مستشرق ومبشر وموظف اداري انكليزي
3- موسوعة المستشرقين، ص 578
4- م. ن، ص 578، وتاريخ حركة الاستشراق، ص 182
5- ليون كيتاني (1869 - 1935 م). تاريخ حركة الاستشراق، ص 311
6- موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي، ص 493
7- كانون سيل (1839 - 1932)

بالأعمال التبشيرية في الهند عام (1923 م)(1).

ب. دراسته المعنونة (تبجيل أو تقديس علي) التي نشرت في مجلة الأدب المسيحي في الهند عام (1910 م).

13- المستشرق الانكليزي (ديفيد صاموئيل مارجليوث)(2) في عدة دراسات منها:

أ. دراسة عن (محمد وظهور الإسلام) الذي ألفه عام (1905 م)(3).

ب. كتاب (التطور الباكر للإسلام) طبع عام (1914 م)(4).

14- المستشرق والقس المسيحي (بلير) في دراسته عن (أصول الإسلام) والتي طبعها في (مدراس) في الهند عام (1925 م)(5).

15- المستشرق الألماني (مادولنك) في كتابه عن (رسول الله والخلفاء الراشدين من بعده)(6).

16- كتابات المستشرق الانكليزي (دوايت دونالدسون)(7) التي منها:

ص: 64


1- التشيع والاستشراق، ص 352
2- ديفيد صاموئيل مارجليوث (1858 - 1940 م)
3- موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي، ص 546، وتاريخ حركة الاستشراق، ص 289
4- تاريخ حركة الاستشراق، يوهان فوك، ص 289
5- موقع نهج البلاغة WWW. BALAGHAH.NET
6- التشيع والاستشراق، ص 352
7- دوايت دونالدسون (1884 - 1958 م)

أ. كتاب (عقيدة الشيعة في الإمامة) نشره عام (1931 م).

ب. بعد ذلك نشر كتاب (المذهب الشيعي) أو (عقيدة الشيعة) أو (الديانة الشيعية) الذي طبع في لندن عام (1933 م)(1).

17- المستشرق الألماني (رودلف شتروسمان)(2) في كتابه (الشيعة الاثني عشرية) المطبوع في لايبزك (1926 م)(3) باللغة الألمانية. وكتب رودلف شتروسمان عدة بحوث حول التشيع في دائرة المعارف الإسلامية، ترجمة: محمد ثابت أفندي، طبعة (قم. إيران).

18- المستشرق الألماني (بروناو) في كتابه (الخوارج) الذي طبع في ليدن عام (1884 م)(4).

19- دراسات المستشرقة الايطالية (لورا فيتشيا فالييري)(5) التي منها:

أ. دراستها حول (صراع الإمام مع الخوارج وظهور الخوارج الاباضية) والتي نشرتها عام (1952 م)(6).

ب. بحثها (علي بن أبي طالب) المنشور في دائرة المعارف الإسلامية (الطبعة

ص: 65


1- المستشرقون، نجيب العقيقي، ج 2، ص 94
2- رودلف شتروسمان (1877 - 1960 م) مستشرق ولاهوتي الماني
3- موسوعة المستشرقين، ص 34
4- التشيع والاستشراق، ص 354
5- لورا فيسيا فاجليري (1893 - 1989 م)
6- التشيع والاستشراق، ص 355

الجديدة).

ج. دراستها حول (نهج البلاغة) المنشور في (الدراسات الشرقية) بنابولي عام (1958 م)(1).

والمستشرقة الإيطالية (لورا فيتشيا فاليري)(2) هي أستاذة في جامعة (نوبل) في ايطاليا في قسم تاريخ الإسلام، عرفت في الدولة الإسلامية بشكل أساسي عبر كتاب (تاريخ إسلام كمبردج) كتب الجزء الأول منه عن خلافة الأمويين، وكتب كل من (مونتغمري وات) و (سورول) الأقسام الأخرى له.

20- المستشرق الايطالي (جورجيو ليفي ديلافيدا)(3) الموسومة ب-(الخليفة علي) اعتماداً على كتاب أنساب الأشراف للبلاذري، الذي نشره في مجلة (RSO) عام (1914 م)(4).

21- دراسات المستشرق الدنماركي (إيلرلنغ ليدوك بيترسن) التي منها:

أ- دراسته الموسومة ب-(علي ومعاوية: دراسة في نشأة ونمو الكتابة التاريخية الإسلامية حتى نهاية القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي)، ترجمة: عبد الجبار ناجي، مطبعة الاعتماد، قم. إيران، 2008 م.

ص: 66


1- معجم اسماء المستشرقين، يحيى مراد، ص 819
2- لورة أو لورا فيتشيا فاليیري أو فاغلیري (1893 - 1989 م) مستشرقة إيطالية، أهتمت بالتاريخ الإسامي وبفقه اللغة العربية وآدابها
3- جورجيو ليفي ديلافيدا او دلافيدا (1886 - 1967 م) له: فهرس المخطوطات العربية الإسامية في مكتبة الفاتيكان
4- التشيع والاستشراق، ص 356

ب- دراسته (علي ومعاوية: منذ ظهور الخلافة الأموية).

ج- دراسته (دراسات في التدوين التاريخي عن النزاع بين علي ومعاوية) والتي نشرها في مجلة (Orientalia Act) عام (1963 م)(1).

22- كتاب المستشرق الدنماركي بوهل)(2) الموسوم (علي والخلافة) عام (1921 م)(3).

23- دراسة المستشرق (سراسين) الموسومة (علي في التدوين التاريخي السني) التي نشرت في بازل عام (1907 م)(4).

24- دراسة المستشرق الانكليزي (غي لسترنج)(5) في كتابه (بلدان الخلافة الشرقية) والمطبوع في كامبردج عام (1905 م).

25- المستشرق الفرنسي (أوبين) في كتابه (التشيع والقومية الفارسية) المنشور عام (1908 م)(6).

26- المستشرق الفرنسي (لاوست) الذي كتب بحثاً عام (1962 م) عن

ص: 67


1- التشيع والاستشراق، ص 357
2- فرانتس بوهل (1850 - 1932 م) له: (جغرافية فلسطين القديمة) و (حياة محمد)
3- التشيع والاستشراق، ص 358
4- م. ن، ص 360
5- غي لسترنج (1854. 1933) ولد في هنستن هيل في إنكلترا سنة (1854 م) وتوفي في كمبردج سنة (1933 م) له العديد من الترجمات والمؤلفات المشهورة منها: (بلدان الخلافة الشرقية فلسطين في عهد الإسلام بغداد في الخلافة العباسية وغيرها)
6- التشيع والاستشراق، ص 366

(مكانة أو دور علي في السيرة الشيعية)(1).

27- المستشرق الانكليزي (رايس) في دراسته حول (الإمام علي في الرواية الشيعية) الذي نشره في مجلة العالم الإسلامي عام (1914 م)(2).

28- المستشرق الاسرائيلي (جوزيف الياش) واطروحته لنيل درجة الدكتوراه من جامعة لندن سنة (1966 م) المعنونة (علي بن أبي طالب في المذهب أو العقيدة الاثني عشرية)(3).

29- ألّف المستشرق الألماني (هاينز هالم)(4) كتاباً تحت عنوان (الشيعة) طبع سنة (1988 م). قامت دار الوراق بطباعته سنة (2011 م) ترجمة (محمود كبيبو).

30- كتاب (تاريخ الشعوب الإسلامية)(5) للمستشرق الألماني (كارل بروكلمان)(6) ترجمة: نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت.

لبنان، 1953 م.

31- ما كتبه الفيلسوف والشاعر الألماني (غوته)(7) فقد وضع نشيداً على صورة

ص: 68


1- م. ن، ص 367
2- التشيع والاستشراق، ص 371
3- م. ن، ص 371
4- هاينز هالم (1942 .... م) مستشرق ألماني درس العلوم الإسلامية والسامية والعصور الوسطى
5- أو تاريخ الشعوب والدول الإسلامية، موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي، ص 104
6- كارل بروكلمان (1868. 1956 م) مستشرق ومؤرخ وأديب ألماني كان كثیر الأخطاء في كتاباته يحذو بذلك حذو أستاذه (نولدكه)
7- يوهان فون غوته (1749 - 1832 م) أديب وسياسي ألماني ولد في فرانكفورت وتوفي في مدينة فايمار

مقطوعات يتناوب على إنشاده (الإمام علي) والسيدة (فاطمة الزهراء) في توضيح مكانة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)(1).

وعن تأثره بالإسلام ننقل مقولته المشهورة: (إذا كان الإسلام يعني الاستسلام لله فإننا جميعاً نعيش ونموت على الإسلام)(2).

32- كتاب (الشيعة) للمستشرق الإنكليزي (د. فيلوت)(3) والذي صدر عام (1911 م) وكان (فيلوت) عقيداً في الجيش الإنكليزي.

33- كتاب (محمد وخلفاؤه) للمستشرق الأمريكي (واشنطن إيرفنج)(4).

34- كتاب (سطوع نجم الشيعة) للمستشرق الألماني (جرهارد كونسلمان)، ترجمة: محمد ابو رحمة، مكتبة مدبولي، القاهرة. مصر، ط 3، 2004 م.

35- كتاب (سلمان الفارسي والبواكير الروحية في إيران) للمستشرق الفرنسي _لويس ماسينيون)(5)، ترجمة: عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات، الكويت، 1978 م.

36- كتاب (تاريخ الدولة الإسلامية وتشريعاتها) للمستشرقة البولونية (يوجينا غيانة شتيسفسكا)(6)، منشورات المكتب التجاري للطباعة، بيروت.

ص: 69


1- غوته، مجموعة مقالات، ص 92
2- م. ن، ص 248
3- د. فيلوت (1860. 1930 م)
4- واشنطن إيرفنج (1783. 1859 م)
5- لويس ماسينيون (1883. 1962 م)
6- يوجينا غيانة شتيسفسكا: باحثة بولونية معاصرة، درست الإسلام في الأزهر على يد اساتذة ومشرفین اخصائيین زهاء خمس سنوات (1961 - 1965 م) تمكنت خلالها من اللغة العربية كذلك، وكانت قد انهت دراستها في كلية الحقوق، وفي معهد اللغات الشرقية في بولونيا

لبنان، 1966 م.

37- كتاب (الإسلام الشيعي) للمستشرق الفرنسي (يان ريشار)، ترجمة:

حافظ الجمالي، دار عطية، بيروت. لبنان، 1996 م.

38- كتاب (الخلافة، انحدارها، سقوطها) للمستشرق الانكليزي (ميور)(1).

39- كتاب (العرب انتصاراتهم وأمجاد الإسلام) للمستشرق الانكليزي (انتوني ناتنج)(2)، ترجمة: راشد البراوي، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة. مصر، 1974 م.

40- كتاب (محمد المثل الأعلى) للمستشرق الانكليزي (توماس كارليل)(3)، ترجمة: محمد السباعي، المكتبة الأهلية، بيروت. لبنان، ط 2.

41- كتاب (حياة محمد الرسول) للمستشرق الانكليزي (رونالد فكتور بودلي) ((4)، ترجمة: عبد الحميد جودة السحار ومحمد فرج، القاهرة. مصر، 1964 م.

42- كتاب (الإسلام والعرب) للمستشرق الانكليزي (روم لاندو)(5)، ترجمة:

ص: 70


1- وليم ميور (1819 - 1905 م) له (حياة محمد والخلافة الإسلامية المبكرة) تولى جامعة إدنبرة
2- انتوني ناتنج (1920 - 1999 م) كان يشغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية في الحكومة البريطانية، استقال عشية العدوان الثلاثي على مصر
3- توماس كارليل (1795 - 1881 م) صاحب كتاب (الأبطال)
4- الكولونيل رونالد فيكتور كورتيناي بودلي (1892 - 1970 م) ضابط وكاتب وصحفي ومستشرق انكليزي
5- روم لاندو (1899 - 1974 م)

منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت. لبنان، 1962 م.

42- كتاب (محمد رسول الله) للمستشرق الفرنسي (آيتين دينيه)(1)، ترجمة: عبد الحليم محمود، مطبعة دار الكتاب، مصر، ط 3، 1959 م.

43- المستشرق (ابتان كوهلبرغ) في دراسته عن (رؤية الغرب للتشيع)(2).

44- المستشرق (مارشال هودجسون) في عدة دراسات منها:

أ- كتاب (مغامرة الإسلام، الوعي والتاريخ في حضارة عالمية) المطبوع في شيكاغو عام (1974 م)(3) في ثلاث مجلدات.

ب. مقال (كيف تطور التشيع إلى مذهب؟) والذي نشر في مجلة الاجتهاد اللبنانية (العدد 26 . 27) لعام (1993 م).

45- خلافة محمد: بحث حول الخلافة في وقت مبكر للمستشرق الألماني (ولفرد مادلونج)(4).

46- كتابات المستشرق الفرنسي (هنري كوربان) التي منها:

أ- الشيعة الاثنا عشرية، ترجمة: ذوقان قرقوط، مكتبة مدبولي، مصر.

ب. تاريخ الفلسفة الإسلامية، هنري كوربان، راجعه وقدم له: السيد موسى

ص: 71


1- آيتين دينيه (1861 - 1929 م)
2- التشيع والاستشراق، ص 364
3- م. ن، ص 364
4- ولفرد مادلونج (1930 ..... م)

الصدر، دار عويدات للنشر والطباعة، بيروت. لبنان، 2004 م.

هذا الكتاب قدم له السيد موسى الصدر بتاريخ (حزيران / 1966 م)، ونشر في مجلة ()العرفان)، المجلد (54)، وفي مجلة (منبر ومحراب) بتاريخ (31. 8. 1981 م).

ج- الإمام الثاني عشر: في الإسلام الإيراني، مشاهد روحية وفلسفية، ترجمة:

نواف محمود الموسوي، دار الهادي، بيروت. لبنان، 2007 م.

47- كتبت الكاتبة والمستشرقة الأمريكية (جوان كول) بالإسهام مع الأستاذة الأمريكية (نيكي كيدي) كتاباً بعنوان (الشيعة والمعارف الاجتماعية) ونشر هذا الكتاب في عام (1986 م).

48- ألف الكاتب الأمريكي بنولت ديفيد كتاباً بعنوان (الشيعة) أصدره عام (1993 م).

49- كتب المستشرق الروسي إيفانوف(1) عن الحركات الشيعية المبكرة ونشر سنة (1939 م).

50- كتب المستشرق الأرجنتيني لويس البيرتو فيتور دراسة نقدية قيمة عن (الإسلام الشيعي) نشر عام (2006 م).

51- كتاب المستشرق الهولندي (يعقوب جوليوس)(2)، وهو (شذرات الأدب من كلام العرب) في عام (1629 م) دون أن يذكر اسمه على الكتاب ويشتمل على

ص: 72


1- إيفانوف (1886 - 1970 م) مستشرق روسي مهتم بالعقيدة الإسماعيلية
2- يعقوب أو جاكوب جوليوس أو خوليوس (1596 - 1667 م)

نصوص مختارة، ومضبوطة بالشكل الكامل، منها (165) قولاً للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)(1).

52- المستشرق الهولندي (جيرارديوس كويبرس)، من أعلام القرن الثامن عشر الميلادي، كان معنياً بآثار الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)(2)، وقد صدر له:

أ- ديوان الإمام علي بشروح لاتينية - ليدن عام (1745 م).

ب- غرر الحكم ودرر الكلم، ليدن عام (1774 م).

53- المستشرق الألماني (هاينرش لايبرش فلايشر)(3)، ترجم كتاب (مطلوب كل طالب في كلام علي بن أبي طالب)، مائة حكمة ومثل بالعربية والفارسية، متناً وترجمة وتعليقاً عام (1837 م)(4).

54- المستشرق البروتستانتي الهولندي (كورنيليوس فان فينين)(5)، له (حكم علي بن أبي طالب) باللغة اللاتينية، وهو يشتمل على أربع رسائل: نثر اللآلئ في الحكم و الأمثال من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، مختارات من كتاب غرر الحكم و درر الكلم الذي جمعه عبد الواحد من كلام أمير المؤمنين

ص: 73


1- المستشرقون، العقيقي، ج 2، ص 304
2- مجلة الموسم، المجلد (71 - 72)
3- هاينرش فلايشر (1801 - 1888 م)
4- المستشرقون، العقيقي، ج 2، ص 363، ومجلة الموسم، المجلد (71 - 72)
5- كورنيليوس فان فينين (1732 - 1806 م)

علي بن أبي طالب، و بعض الأمثال التي جمعها أبو الفضل الميداني النيسابوري من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، بعض الأمثال التي ذكرها المفضل بن سلمة الضبي و رفعها الميداني إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، طبع هذا الكتاب مع ترجمته اللاتينية وتقييدات وشروح في أوكسونيا (عام 1806 م)(1).

55- المستشرق الألماني (يوهان غوستاف شتيكل)(2)، وهو لاهوتي ألماني له كتاب: (أمثال علي) متناً عربياً وترجمة فارسية، طبع في فيينا (عام 1834 م)(3).

56- المستشرق الفرنسي (هوداس) (1840 - 1916 م)، له (كلمة يونانية على لسان صهر محمد) نشره في المجلة الآسيوية (1901 م)(4).

ص: 74


1- مجلة الموسم، المجلد (71 - 72)
2- يوهان غوستاف شتيكل (1805 - 1896 م)
3- المستشرقون، العقيقي، ج 2، ص 365
4- م، ن، ج 1، ص 365

المستشرقون ونهج البلاغة مدخل عام

إن البحث في نتاجات المستشرقين التي اهتمت بالتراث الإسلامي يعد من الابحاث الصعبة وذلك لعدة اسباب منها:

1- تعدد لغات المستشرقين، إذ ان دراساتهم لم تكتب بلغة. اجنبية. واحدة.

2- الكم الهائل مما كتبوه، وألفوه، وحققوه حول التراث الإسلامي، مضافاً لها بحوث ومقالات كتبت في مجلات وصحف ودوريات مختلفة وكثيرة لا يمكن الوقوف على احصائيات دقيقة لها.

3- كثرة المستشرقين مما لا يمكن لأحد الإحاطة بعددهم، بل ان الموجود مجرد احصائيات أولية وليس أكثر.

4- عدم ترجمة جميع التراث الاستشراقي المعروف، بل ان ما ترجم منه إلى اللغة العربية. قد. لا يتجاوز العُشر على أحسن التقادير(1).

5- عدم وجود منهجية معينة. خاصة. للتعامل مع الكتابات الاستشراقية القديمة والحديثة، إذ لا يوجد تخصص في البلاد الإسلامية يعنى بالاستشراق ولا توجد معاهد تهتم بذلك، على عكس الدول الأوربية التي كانت ولا زالت تحتفظ بمعاهد خاصة وكراسي خاصة لدراسة التراث الإسلامي وكل ما يتعلق به، بل انهم يولونه أهمية كبيرة جداً.

ص: 75


1- ((يراجع لذلك كتاب: التشيع والاستشراق، الدكتور عبد الجبار الناجي

لا يخفى الاهتمام الذي أولي لدراسة شخصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من قبل المستشرقين، وبالخصوص كونه (صلى الله عليه وآله) شخصية انهت هيمنة وتفرد الديانة المسيحية. على المنطقة. والتي دامت قروناً. بل إنها الشخصية التي اطاحت بحصون كبرى للمسيحية في البلاد العربية، وسحبت من تحت يدها جميع الأراضي التي كانت قد هيمنت عليها في بلاد العرب.

يقول المستشرق (مونتغمري وات) بهذا الصدد: (ليس بين رجال العالم رجل كثر شانئوه كمحمد... فلقد كان الإسلام خلال قرون عدة العدو الأكبر للمسيحية...

وأخذت الدعاية الكبرى في القرون الوسطى تعمل على إقرار فكرة «العدو الأكبر «في الأذهان، حتى ولو كانت تلك الدعاية خالية من كل موضوعية... حتى إذا ما حل القرن الحادي عشر كان للأفكار الخرافية... في أذهان الصليبيين أثر يؤسف له...)(1).

كل ذلك أثار حفيظة الكنيسة لتتجه نحو التعرف على كل شيء عن ذلك الشخص الذي فعل بها ما فعل، وكذلك لتعرف خصوصياته، وأقرب المقربين له من أقارب وأصحاب. فكان الاهتمام في أوربا منصباً على دراسة سيرته (صلى الله عليه وآله) وسيرة أهل بيته (عليهم السلام)، فكانت المطاعن نفس المطاعن، والانتقادات نفس الانتقادات من جانب، والمديح نفس المديح، والانبهار نفس الانبهار من جانب آخر.

إن الشخصية الثانية من شخصيات أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) التي خضعت للدراسة؛ هي شخصية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)،

ص: 76


1- محمد في المدينة، مونتغمري وات، ص 493

فقد تناول دراسة سيرة حياته جملة من المستشرقين بكل تفاصيلها سواء من خلال المؤلفات الشيعية المشهورة، أو من خلال كتب التاريخ السنية.

نعم، ان جملة من المستشرقين قد اخذوا ما كتب من طعن وتشويه بشخصية الإمام علي (عليه السلام) في كتب العامة أخذ المسلمات بلا ادنى تحليل، أو مقارنة نصوص، وذلك اما لجهلٍ أو لتعمدٍ في ذلك.

لقد كان لكتاب (نهج البلاغة) الذي احتوى على خطب ورسائل وكلمات الإمام علي (عليه السلام). والذي جمعه الشريف الرضي. اهتماماً خاصاً به، كونه سفر بلاغي عظيم، وكونه يحتوي على أحاديث وحوادث وردت على لسان الإمام علي (عليه السلام) وقضايا لم تكن معروفة من قبل قد تعرض لها أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأخبار وإخبارات أوقفت عقول كل من يقرؤها، مما أثار في داخل البعض. المعادي والحاسد والحاقد. ان يطعن بها جهلاً وعدواناً.

كل ذلك دفعنا إلى تناول ما كتبه المستشرقون عن نهج البلاغة من خلال ما وقع في ايدينا من كتاباتٍ لهم خاصة بكتاب نهج البلاغة، إذ لا ندعي بأن الكتاب قد احتوى كل ما كتبه المستشرقون عن نهج البلاغة.

لقد تناولنا البحث عن كتابات المستشرقين عن نهج البلاغة من خلال تقسيم من كتب منهم إلى قسمين هما: (المشككون)؛ وهم كل من شكك بنهج البلاغة، أو أثار الشكوك حوله. و(المادحون)؛ وهم كل من أعجب بكتاب نهج البلاغة، ومدحه، ومدح ما فيه من إتقان.

بذلك تتوضح مسيرة البحث لكي نتعرض لها تباعاً، وبما يتوافق مع خطة

ص: 77

الكتاب التي تريد ايصال الفائدة بأخصر الطرق، والابتعاد عن الاسفاف في الكلام، والعزوف عن أسلوب (قال وأقول) لما به من إطالة وتشتيت لذهن القارئ.

دراسات المستشرقين لكتاب نهج البلاغة

أولاً: المشككون به.

اشارة

إن المستشرقين جاءوا إلى الشرق وحداناً وزرافات، واستفادوا من علومه ومعارفه وكنوزه، لكنهم لم يذكروا ذلك الفضل الكبير عليهم، ولم يشيروا إلى واهب ذلك الفضل لهم.

يقول الشيخ النائيني(1) رحمه الله: (فإن المطلعين على تاريخ العالم يعلمون بأن الأمم المسيحية والأوربية لم يكن لها قبل الحروب الصليبية أي نصيب من العلم والمدنية والنظم السياسية... فأخذوا الأصول الإسلامية في حقلي التمدن والسياسة من الكتاب، والسنة، ومن خطب ومواقف أمير المؤمنين (عليه السلام) وبقية المعصومين. وقد اعترفوا بذلك في تواريخهم السابقة منصفين... وأعلنوا أن جميع ما حصلوا عليه من الرقي والتقدم، وما وصل إليه المسلمون في أقل من نصف قرن، كان نتيجة للالتزام بتلك المبادئ وإتباعها، إن حُسن ممارسة الأوربيين لهذه المبادئ، وجودة استنباطهم واستخراجهم لها، وبالمقابل السير القهقرائي للمسلمين ووقوعهم تحت نير الاستعباد المذل، وتحولهم إلى أسرى بأيدي طواغيت الأمة المعرضين عن الكتاب والسنة هو الذي آل بأمر الطرفين إلى ما نشاهده اليوم، حتى نسي المسلمون تلك المبادئ، وأخذوا يظنون أن تمكين النفوس لتلك العبودية،

ص: 78


1- الشيخ الميرزا محمد حسين النائيني (1273 - 1355 ه)

وذلك الاسترقاق هو من وحي الإسلام، واستنتجوا أن هذا الدين ينفي التمدن والعدالة اللذين يمثلان أساس الرقي، وحسبوا أن الإسلام يخالف العقل، وأنه أساس الانحطاط والتخلف)(1).

على الرغم من اعتراف بعض مفكري أوربا بتأثير التراث الحضاري العربي الإسلامي على الحضارة الغربية، إلا أنه ساد اتجاه ناكر ومتنكر لهذه الحقيقة التاريخية، من خلال السعي نحو طمسها، أو التقليل من شأنها، وقد دعم هذا الاتجاه حركة الاستعمار الأوربي للعالمين العربي والإسلامي، موكداً عجز العرب والمسلمين عن الابتكار والإبداع، والإسهام في ركب الحضارة الإنسانية، الأمر الذي يجعل من (التغريب) والدعوات التغريبية أمراً ضرورياً من أجل مواكبة تطورات العصر الحديث.

فتبجح الغرب أن مرجعيته الفكرية هي يونانية، ورومانية، وان النهضة والإصلاح في أوربا والعالم الغربي قد انطلقا من خلال الارتباط المرجعي بالتراث اليوناني والروماني، فمن أين جاء اليونان والرومان بمظاهر حضارتهم، وكيف طوروها، وما هو أساسها؟ الجواب هو الجواب(2) وكما تقدم من أن الفضل يعود للحضارات البابلية

ص: 79


1- تنبيه الأمة وتنزيه الملة، النائيني، ص 94
2- لقد انقسم المفكرون في جوابهم عن مرجعية الفكر الحضاري إلى أربعة اتجاهات هي: (الاتجاه الأول): المذهب الإنكاري: الذي أنكر إمكانية تحديد مكان وزمان لنشوء الحضارة. (الاتجاه الثاني): القائل بأصالة الغرب القديم المتمثل باليونان وما يشاكلها. (الاتجاه الثالث): القائل بأصالة الشرق المتمثل بحضارات بابل ومصر وما شاكلها. (الاتجاه الرابع): القائل بالتوفيق، معتراً أن الجميع (من شرق وغرب) قد أسهم في بناء الفكر، والحضارة، والمعرفة

والمصرية وما شاكلها في تطور وتمدن الغرب المتمثل في ذلك الوقت بالحضارتين اليونانية والرومانية.

و لا بد أن نعلم (ان الحقيقة التاريخية هي أن رواد الحداثة الأوربية ظلوا ينظرون منذ القرن الثاني عشر الميلادي إلى القرن الثامن عشر إلى التراث العربي الإسلامي بالاعتبار والانبهار نفسيهما اللذين ننظر بهما نحن اليوم إلى منجزات الحداثة الأوربية ومفاهيمها وشعاراتها)(1).

إن المتتبع لتاريخ (حركة الإصلاح)(2)، و (عصر النهضة)، و (عصر الأنوار) يلحظ وبما لا يقبل الشك الدور الكبير الذي أدته ترجمات الكتب والمؤلفات العربية إلى اللاتينية في تأسيس فكرة الإصلاح ونشرها.

و من أبرز هذه الكتب التي كان لها الأثر الكبير في تطور حركة (الإصلاح) وانتعاش فكر (النهضة)، ورواج حركة التأليف، والكتابة، وغيرها هو (القرآن الكريم)، فلقد كان لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللاتينية ثم إلى اللغات الأخرى الأثر في تطور حركة التأليف، ورواج المؤلفات، واستقطاب معانٍ جديدة لم تكن أوربا، ولا العالم الغربي يعرفها قبل ذلك، مع العلم أن الترجمة(3) كانت بهدف التعرف على الإسلام، ومن ثم معرفة كيفية مقاومته من خلال التعرف على أهم

ص: 80


1- في نقد الحاجة إلى الإصلاح، محمد عابد الجابري، ص 62
2- حركة الإصلاح الديني: ورائدها ومنظرها الراهب الألماني (مارثن لوثر) (1483 - 1546 م) فقد طرح آراء جديدة من أجل إصلاح وتحسین شرعية السيد المسيح، وقد أكد عى فكرة أن (كل شخص هو قسيس نفسه)، وترجم الإنجيل إلى الألمانية، وطرح آراء اخرى
3- أي الترجمات الأولى للقرآن الكريم

مصدر للتشريع فيه ألا وهو (القرآن الكريم)(1).

يقول المستشرق (سوذرن)(2): (ان كُتّاب اللاتين بين عام 1100 وعام 1140 الذين أخذوا على عاتقهم توضيح صورة الإسلام لدى الناس العامين، ركزوا في اهتمامهم على الرسول محمد دون اعتبار للدقة، فأطلقوا العنان لجهل الخيال المنتصر إذ وصفوا النبي محمد بأنه كان ساحراً هدم الكنيسة في افريقيا وفي الشرق وأباح الاتصالات الجنسية)(3).

وهذا الطرح - عموماً - قد ادى لعداء لا نظير له للإسلام كدين ومجتمع وأشخاص، عداء لازالت أثاره قائمة لحد الآن في عقليات المجتمعات الأوربية، التي رسخ في تاريخها ذلك الكذب ليصبح تاريخاً لا نقاش فيه، ومسلمات يبنى عليها الكثير من الآراء والنظريات.

ويقول المستشرق (اليوس شبرنجر)(4) في كتابه (حياة محمد وتعاليمه) عن عمر بن الخطاب: (هو المؤسس الحقيقي للدولة الإسلامية. وفي نظري ان عمر أسمى من النبي في كل ناحية. فهو خلو من كل أنواع الضعف والتساهل التي وصمت أخلاق الأخير، وكان رجلاً مملوءاً بالجد والعزم الرجوليين... في أثناء حياة النبي أدى من الخدمات لانتصار الإسلام، بل ولطهارة تعاليمه، أكثر من محمد هو نفسه،

ص: 81


1- يراجع لذلك: كتاب الأدوات المعرفية، للمؤلف، ص 122 - 138، موضوع: الشرق والغرب والسبق الحضاري
2- ريتشارد وليم سوذرن، وهو صاحب كتاب: (صورة الإسلام في أوربا في العصور الوسطى)
3- (4) تراث الإسام، جوزيف شاخت وكليفورد بوزث، ترجمة: محمد زهر السمهودي وحسین مؤنس واحسان صدقي العمد، سلسلة عالم المعرفة، ج 1، ص 34
4- اليوس شبرنجر (1813 - 1893 م) مستشرق نمساوي الأصل انكليزي الجنسية

وقد صان معلمه ]النبي[ من الوقوع في أخطاء فاحشة بفضل إقدامه الحازم. وكان لعقله الفائق تأثير على نفسية محمد الضعيفة الهستيرية)(1).

فهذا مبني على ما بالتراث الحديثي السني من تمجيد للصحابة، وما اغرقت به الايديولوجية الأموية، في سبيل رفع اسماء وشخوص لتكون بمصافي الأنبياء من غير نبوة.

إن دعوات التشكيك التي انطلقت من قبل ثلة من المستشرقين كان اساس بنائها الاعتماد على (التراث السُني) الذي كُتب على يد وعاظ السلاطين من المعادين لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والذين لم يتسموا بالنفس العلمي، بل قد دفعتهم احقادهم إلى مثل هكذا ادعاءات ثبتوها في صفحات التاريخ لتكون مرتعاً خصباً للمتصيدين في الماء العكر.

فهذه الدعوات كانت تسر اعداء الإسلام، وقد عبر عنها. على سبيل المثال.

الشاعر (دانتي)(2) والذي أظهر ما في نفسه علناً، عاكساً بذلك توجه الكنيسة وموقفها الحقيقي من الدين الإسلامي، ومن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام).

لقد (كان خط الاستشراق هو الآخر من هذا النمط من التحيز واضحاً جداً، فذلك نظراً لاستناده إلى تاريخ الغَلب... ما يدعو الباحث العربي المعاصر إلى الكثير من التسامي فوق هذا النمط المخجل من الفهم والكتابة التاريخية)(3).

ص: 82


1- موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي، ص 31
2- دانتي ألغييري (1265 - 1321 م) ولد بفلورنسا في ايطاليا، كان متأثراً بكتابات توما الأكويني
3- المذهب الجعفري في منظار خصومه، إدريس هاني، ص 19

و هذا يدعونا. بحق. إلى البحث عن المؤرخ الحقيقي لنميزه عن المؤرخ (الحروفي). فنقف عند كلام مهم للأستاذ (عباس محمود العقاد)(1) بهذا الصدد يقول فيه: (و نحسب أن محنة التاريخ هنا أصعب من كل محنة؛ لأن المؤرخ هنا يعمل عملين، ولا يستقل بعمل واحد: يعمل لمعرفة الحقيقة، ويعمل لاستخلاصها من بين الأباطيل التي تحجبها عن عمد وتدبير. وواحد من هذين العملين كثير على مؤرخي الورق والحروف)(2).

فهل من العقل أو من الانصاف تصديق قول الخصم بحق خصمه، والأخذ بقول العدو في عدوه، ومن ثم البناء عليه، واعتباره قضية تتهافت قبالها باقي القضايا؟! (لقد عاش المسلمون في حالة حرب مع عالم لم يكن يدين بمعتقدهم، وأبى الاعتراف بسيادتهم سراً كان أو علانية. لكن الكنيسة المسيحية شعرت بوجود تهديد شديد لها نتيجة الانتصارات الساحقة التي حققها الخصوم. فبيزنطة فقدت في القرن السابع مستعمراتها في آسيا وشمال إفريقيا باستثناء آسيا الصغرى على يد العرب، ثم اضطرت إلى التخلي عن آسيا الصغرى للسلاجقة في القرن التاسع بعد معارك كانت فيها الحرب سجالاً بين الجانبين. وبسقوط صقلية فقدت السيادة على البحر... و في الغرب فتح العرب والبربر معظم إسبانيا ولم يبق منها سوى شمالها الغربي. ومن هذه النقطة شُنت حروب الاسترداد (ريكونكويستا)... لقد كانت فكرة التبشير هي الدافع الحقيقي خلف انشغال الكنيسة بترجمة القرآن واللغة

ص: 83


1- عباس محمود العقاد (1889 - 1964 م)
2- فاطمة والفاطميون، عباس محمود العقاد، ص 76

العربية. فكلما تلاشى الأمل في تحقيق نصر نهائي بقوة السلاح، بدا واضحاً أن احتلال البقاع المقدسة لم يؤد إلى ثني المسلمين عن دينهم، بقدر ما أدى إلى عكس ذلك، وهو تأثر المقاتلين الصليبيين بحضارة المسلمين وتقاليدهم ومعيشتهم في حلبات الفكر...)(1).

و هنا سنقف عند جملة من أقوال المشككين بنهج البلاغة، مستعرضين أقوالهم بالنقد والتحليل، ومن هؤلاء المستشرقين:

1- المستشرق (هوار):

إن المستشرق (كليمان هوار) هو مستشرق فرنسي، درس التراث الشرقي، وبالخصوص كتب الأدب والشعر والنثر، وتعرض لتحقيق جملة منها، تتحكم فيه عقلية مؤدلجة ضمن تنميط معين تتعدد الاعتبارات بشأنه بيننا وبين من يتبناه.

لقد أورد الكاتب أحمد أمين المصري(2) رأي المستشرق (كليمان هوار)(3) والذي أورد تشكيكاً في نهج البلاغة(4) وفي نسبته إلى الإمام علي (عليه السلام)، مع العلم أن (هوار) له تشكيكات أخرى في (القرآن الكريم)(5) وفي (الدين الإسلامي) وفي

ص: 84


1- تاريخ حركة الاستشراق، يوهان فوك، ص 15. 17
2- أحمد أمين، هو: أحمد أمين إبراهيم (1886 - 1954 م)
3- كليمان هوار ]هوارت[ (1854 - 1926 م) مستشرق فرني متخصص باللغات الشرقية، له كتاب (خطط بغداد) الفه سنة (1901 م) ترجمه الاستاذ ناجي معروف سنة (1961 م)
4- فجر الإسلام، أحمد أمين المصري، ص 149
5- إذ يقول في فصل طويل نشر في المجلة الأسيوية عام (1904 م)، انه قد اكتشف مصدراً جديداً من مصادر القرآن الكريم هو شعر أمية بن ابي الصلت وان الرسول قد استعان به في نظم القرآن الكريم

(نبوة نبي الإسلام) مضافاً لتشكيكه بالتراث الحديثي كما ينقل ذلك أحمد أمين.

إن هذه التشكيكات التي أوردها (أحمد أمين) نقلاً عن المستشرق (هوار) فهي إن صدرت بالفعل من هذا المستشرق فما هي إلا تشكيكات مبنية على أقوال المشككين في نهج البلاغة، الذين أوردنا اسماءهم في أول هذا الكتاب. على أن كل هذه التشعبات لكل التشكيكات - عموماً - مرجعها للمشكك الأول في نهج البلاغة ألا وهو (ابن خلكان) هذا من جانب.

و من جانب آخر فإن لم تكن التشكيكات المنسوبة ل-(هوار) قد صدرت منه فهي يقيناً من صنع (أحمد امين) اوردها بأسلوب التفافي وبشكل ماكر ليورد طعونه وتشكيكاته في (نهج البلاغة)، وذلك ليس بالغريب عليه، إذ أن له تشكيكات وإدعاءات كثيرة، بل أكثر من أن يحصيها بحثنا هذا. ولقد تصدى لرد تشكيكات أحمد امين وتخرصات علماء ومفكرون وكُتّاب يطول ذكر عددهم، إلا اننا نكتفي بذكر جملة من ابرزهم ك-: الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء(1)، والشيخ محمد أمين زين الدين(2)، والشيخ أحمد الوائلي(3).

يقول الاستاذ (حامد حفني داود)(4) عن أحمد أمين وعن اسلوبه، وعن ما نقله من تشكيكات في كتاب نهج البلاغة: (...يشك أحمد أمين ويتبع هوى هوار وصلاح الصفدي دون تمحيص ومتابعة ودراسة للقرائن التاريخية. أما قول أحمد أمين بأن

ص: 85


1- آية الله العظمى الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (1294 - 1373 ه)
2- آية الله العظمى الشيخ محمد أمين زين الدين (1333 - 1419 ه)
3- الخطيب الشيخ أحمد الوائلي (1928 - 2003 م)
4- حامد حفني داود (1918 ..... م)

السجع في نهج البلاغة ينفي النسبة إلى الإمام علي لأن السجع لم يكن موجودا في عصره، فهو قول يملأ النفس شعورا بالخجل حينما يصدر من أستاذ جامعي.

وكأن أحمد أمين لا يفرق بين السجع المطبوع الذي عرف منذ العصر الجاهلي في أساليب العربية وجاء في القرآن وبعض الأحاديث، والسجع المصنوع الذي ظهر في أساليب كتاب ديوان «المقتدر» ثم صار صناعة لها قدها في القرن الرابع على يد أبي الفضل بن العميد. فسجع الإمام علي في «نهج البلاغة» إنما هو من النوع المطبوع ولو لم يكن السجع المطبوع موجودا في الجاهلية وصدر الإسلام لما قال جدنا صلوات الله عليه للصحابي الشاعر عبد الله بن رواحة (إياك والسجع يا ابن رواحة)، والنهي عن الشيء دليل على وجوده وكم لأحمد أمين من أخطاء أخجلتنا أمام رجال المذاهب الإسلامية باعتبارنا من تلاميذه. ولعله أخجلنا كثيراً باعتباره أستاذا من بين أساتذتنا الأوائل في جامعة القاهرة: حين زعم أن الأساليب المنطقية المبثوثة في تراكيبه ليست من جنس أسلوب الإمام علي. وكأن المنطق الإنساني من صنع أرسطو طاليس. لقد ظلم الإمام بل وظلم أرسطو وظلم الفلسفة اليونانية بهذا الزعم. إن أرسطو طاليس لم يصنع للمنطق إلا مصطلحاته)(1).

إن تهمة (السجع) التي يقول بها (هوار) ويتبناها (أحمد أمين) هي من التهم الباطلة، ذلك ان كاتباً فرنسياً ك-(هوار) كيف له أن يميز (السجع) وهو (منتج عربي خالص)، وكيف له ان يتذوقه وأذنه غير عربية، وكيف له أن يفهم (جرس الألفاظ) وذائقته عكس ذائقة العربي.

إن كان العجب من نقد (هوار) لقضية بعيدة كل البعد عنه، فالعجب كل

ص: 86


1- نظرات في الكتب الخالدة، حامد حفني داود، ص 178 / 179

العجب من (أحمد أمين) ان يتبناهى ويطبل لها فرحاً وسروراً، وكأنها براءة اختراع مبتكرة؟! إن الكلام في الرد على تشكيكات (هوار) نابع من قراءة اطروحات (صلاح الدين الصفدي) (ت 764 ه)، المشكك في نسبة كتاب (نهج البلاغة) للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، والقول بأنه من تأليف الشريف الرضي أو الشريف المرتضى، ودليله على ذلك ما يسميه ب-(السجع) الموجود في كتاب نهج البلاغة.

وهذا مردود، لما تقدم من جواب (حامد حفني داود)، وكل من رد شبهة (السجع) في نهج البلاغة.

2- المستشرق الألماني (كارل بروكلمان):

هنا نقف عند ما أثاره المستشرق الألماني (كارل بروكلمان) الذي يتحدث عن أدب الإمام علي (عليه السلام) الموجود في كتاب (نهج البلاغة) ويعبر عنه بأنه:

(أدب علوي منحول)(1).

نقول: ان كلام (بروكلمان) قائم على ركيزتين رئيسيتين تتبعهما غاية مبيتة لذلك.

الركيزتان اللتان يعتمد عليهما (بروكلمان) في كلامه المتقدم، هما:

1- اعتماده على التراث الحديثي السني فقط، الذي فيه طعن كبير بكل ما يتعلق بأهل البيت (عليهم السلام) وبالخصوص الإمام علي (عليه السلام)، فإن للشبهات والتشكيكات التي أثارها (ابن خلكان). على سبيل المثال وغيره. وقعها

ص: 87


1- تاريخ الأدب العربي، كارل بروكلمان، ترجمة: عبد الحليم النجار، ج 1، ص 245، وكذلك في ج 2، ص 64، وج 2، ص 381

وأثرها الذي يسيل له لعاب أمثال (بروكلمان) وما عليه إلا أن يوقد عود الثقاب إذ أن (الحطب صالح للاشتعال).

2- اعتماده على خلفية استشراقية وكنسية وصليبية، لها عداؤها الجلي والواضح للإسلام والمسلمين كدين وجماعات وأفراد، فكيف إذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الحامي والمدافع عن الإسلام؟ ذلك يجعل من (بروكلمان) ومن شاكله يوجهون كل سهامهم وطعوناتهم للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، لأنه يمثل الإسلام، وهو الإنسان الإسلامي الكامل.

أما الغاية المبيتة لأمثال (بروكلمان) فهي؛ الطعن بالإسلام وبكل وسيلة ممكنة، وهنا يمكن أن نورد مقولة لأحد كبار الشخصيات الألمانية والتي يقول فيها مادحاً معاوية بن أبي سفيان: (ينبغي لنا أن نُقيّم تمثالاً من الذهب لمعاوية بن أبي سفيان في ميدان كذا من عاصمتنا برلين. فقال له: لماذا؟ قال: لأنه هو الذي حول نظام الحكم الإسلامي عن قاعدته الديمقراطية إلى عصبية، ولولا ذلك لعم الإسلام العالم كله.

إذن لكنا نحن الألمان وسائر شعوب أوربا عرباً مسلمين)(1).

أما بشأن نقد (بروكلمان) وأسلوبه وكتاباته فيقول الكاتب الفلسطيني (شوقي أبو خليل)(2) موضحاً طريقته واسلوبه في الكتابة عن التاريخ وعن الأدب العربي:

(فكيف ببروكلمان، وقد كتب تاريخنا منطلقاً من التشكيك، والرفض العشوائي،

ص: 88


1- شيخ المضيرة، محمود أبو رية، ص 185
2- شوقي ابو خليل (1941 - 2010 م) كاتب فلسطيني

معتمداً على الروايات الضعيفة الشاذة، التي رفضها النقاد الباحثون، واستغربها العلماء المطلعون، بل واشاروا إلى نشوزها، لكن بروكلمان. كغيره من المستشرقين الذين قدموا ما يرضي رجال الكنيسة ولم يكتبوا حقائق تثيرهم. بنى فكره ورأيه مسبقاً في نفسه، ثم جاء إلى وقائع التاريخ العربي الإسلامي يطوعها لما يؤيد فكرته وخطته المرسومة، يطمس، ويضعف، ويمرض ما دون ذلك، فقدم بروكلمان تاريخنا موسعاً الجزئية متغاضياً عن الكلية، مع تفسيرات عجيبة، ومواقف غريبة، وأقوال ينبو عنها الذوق السليم، والفكر الموضوعي، لا العميق والشامل، بل وحتى غير العميق، وغير الشامل)(1).

فكان طرح (بروكلمان) طرحاً ايديولوجياً بامتياز، خالي من العلمية والمعرفية في التناول، متأثراً بخلفيته ودينه، بعيداً كل البعد عن الطرح الموضوعي، فهو وغيره قد كتبوا عن مثاليات ونظريات لا وجود لها إلا على الورق وفي أذهان المتأثرين واللاهثين ورائهم، فهم يطرحون رفع التقديس، ولا يفارقون تقديس مؤسساتهم واديانهم، وهم يطرحون فصل الدين، ولا يفصلون الدين في ادق تصرفاتهم، وهم يطرحون فكراً ليبرالياً (حراً بتعبيرهم)، وهم يجبرون الشعوب على اتباعهم ولو بالقتل والتشريد، لكن العجب كل العجب لمن يلهث ورائهم (متسرنماً)(2) ناظراً لأقولهم، وغاضاً للنظر عن حقيقة أفعالهم.

نعم، لقد أنتهج بروكلمان منهجاً معادياً للإسلام، طاعناً بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله) وبالقرآن الكريم فهو الذي يقول: (و ليس يجوز أن نطلق الحكم على

ص: 89


1- كارل بروكلمان في الميزان، شوقي أبو خليل، ص 11. 12
2- المتسرنم: من يمشي وهو نائم

دين محمد على أساس القرآن وحده طبعاً، وليست المسألة مسألة نظام مرتب، إذ لم تكن الدقة والتماسك الفكري أقوى جوانبه... و لم يكن عالمه الفكري من إبداعه الخاص إلا إلى حد صغير، فقد انبثق في الدرجة الأولى عن اليهودية والنصرانية، فكيَّفه محمد تكييفاً بارعاً وفقاً لحاجات شعبه الدينية)(1).

وهذا الكلام قمة التجني، وقمة العداء الصريح للنبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، وهذا ليس بالغريب ولا بالمستبعد على أمثال (بروكلمان)، ممن يريدون تحطيم المنظومة الإسلامية بأي صورة كانت، فهم يعمدون إلى اركانها الأساسية وهي: القرآن، والنبوة، العصمة؛ لكي يهدموها ولا يبقوا لها باقية.

وبذلك يتوضح طرح (بروكلمان) الخالي من الأدلة، والمرتكز على العداء، وعلى التراث المشوه، ليرسم صورة مشوه وفق ذلك.

3- المستشرق الفرنسي (ديمومبين):

لقد أورد الأستاذ والكاتب المصري (زكي مبارك) عن المستشرق الفرنسي (ديمومبين)(2) الذي أشرف على أطروحته الجامعية (النثر الفني في القرن الرابع) بمرحلة الدكتوراه في جامعة باريس، فقد أراد (ديمومبين) أن يقلل من قيمة كتاب (نهج البلاغة) مستنداً إلى ما شاع من أن الشريف الرضي هو الواضع لكتاب نهج البلاغة.

يقول الأستاذ (زكي مبارك): (وقد أراد المسيو ديمومبين أن يغضّ من قيمة ما

ص: 90


1- تاريخ الشعوب الإسلامية، كارل بروكلمان، ص 68. 69
2- ماوريس جوذفروا ديمومبين (1862 - 1957 م)

نسب إلى علي بن أبي طالب من خطب ورسائل، استناداً إلى ما شاع إلى ما شاع منذ أزمان من أن الشريف الرضي هو واضع كتاب نهج البلاغة، أما نحن فنتحفظ في هذه المسألة كل التحفظ؛ لأن الجاحظ يحدثنا: إن خطب علي وعمر وعثمان كانت محفوظة في مجموعات. ومعنى هذا أن خطب عليّ كانت معروفة قبل الشريف الرضي. والذين نسبوا نهج البلاغة إلى الرضي يحتجّون بأنه وضعها لأغراض شيعية، فلم لا نقول من جانبنا بأن تهمة الوضع جاءت لتأييد خصوم الحملات الشيعية؟)(1).

إن شبهة كون الشريف الرضي (رحمه الله) هو الذي وضع نهج البلاغة ثم نسبه إلى الإمام علي (عليه السلام) ليست من عند (ديمومبين) بالأساس، انما هي شبهة من شبهات (ابن خلكان) و (اليافعي) و (ابن تيمية) و (ابن العماد الحنبلي) و (الذهبي) و (ابن حجر العسقلاني) و (القنوجي)، وغيرهم؛ تلقفها أمثال (ديمومبين) وطبلوا لها كثيراً.

إن كل تلك الشبهات أثيرت طعناً ونقداً لما في كتاب (نهج البلاغة) من حقائق، وعلوم، وبلاغة، وتشريعات، وسنن، واخلاقيات، ومناهج إنسانية راقية، كان هدفها الطعن بما في هذا الكتاب من دليل واضح على التميز الكبير لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ذلك بما حمله هذا الكتاب من فنون انعدم نظيرها، فهو (عليه السلام) أمير البلاغة، ورائد الفصاحة، وابو الإنسانية بحق.

إنها وبحق (تهمة الوضع جاءت لتأييد خصوم الحملات الشيعية)(2)، أي

ص: 91


1- النثر الفني في القرن الرابع، ج 1، ص 69، ط 2، مصر
2- النثر الفني في القرن الرابع، ج 1، ص 69، ط 2، مصر

خصوم من لديه عداء مع الشيعة، ولإثارة خصومة (سنية - شيعية)، في هدف اسقاط الإسلام.

وفي مجال توضيح مكانة كتاب نهج البلاغة نجد بأن (ابو الثناء شهاب الدين محمود الآلوسي)(1) يقول عنه: (...أنه فوق كلام المخلوقين، دون كلام الخالق، قد اعتنق مرتبة الإعجاز، وابتدع أبكار الحقيقة والمجاز)(2).

نعم، ان التشكيكات. من قِبل ثلة المستشرقين. لم تقف عند نهج البلاغة فقط، بل وصلت إلى التشكيك والطعن بشخصية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).

فنجد بأن المستشرق الألماني (يوليوس فلهاوزن) يقول عن الإمام علي (عليه السلام) وبكل جرأة، ومن دون ادنى وازعٍ ما نصه: (أما علي فقد كان لاصقاً به أن مصدر خلافته يرجع إلى الثورة، ولم يكن لديه لا الزمن الكافي ولا المقدرة على التغلب على هذا النقص بصفات شخصية ممتازة. ولم ينس أهل العراق أنهم هم الذين رفعوه إلى منصبه وكانوا أبعد عن روح النظام، أو هم كانوا أكثر تديناً من أن يطيعوا خليفتهم حيثما يوجههم)(3).

إن هذا التجني الواضع على أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، والتجني على شيعته واتباعه، والتجني على أهل العراق عموماً، ما هو إلا لإثارة العداوات، وللتشكيك في الرموز، ولضرب (القدوة) في المجتمع عموماً، وفي

ص: 92


1- أبو الثناء شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي (1217 - 1270 ه)
2- الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية، ص 124
3- تاريخ الدولة الإسلامية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية، يوليوس فلهاوزن، ترجمة: عبد الهادي أبو ريدة، ص 57

المجتمع الإسلامي بشكلٍ خاص.

يُعدّ يوليوس فلهاوزن من المستشرقين الألمان المشهورين الذين تخرجوا من جامعة (غتنغن) في قسم اللغات الشرقية كان (فلهاوزن) على اتصال دائم بالتاريخ الإسلامي فترجم قسماً من كتاب (المغازي) إلى اللغة الألمانية وقد نشرت الترجمة في برلين عام (1882 م)(1) وألف كتاباً آخر وهو: (المقدمة في التاريخ الإسلامي) ثم قام بتصحيح كتاب (تاريخ الطبري) عام (1887 م).

إن فلهاوزن يعتمد اعتماداً كاملاً في نقله (التاريخي) على كتاب (تاريخ الطبري)، ثم يضيف إليه تحليلاته الخاصة التي تقارب الشطط في بعض الأحيان، وبذلك تتوضح الطريقة التي أورد بها فلهاوزن أبحاثه الخاصة ب-(الدولة العربية)، فهو مجرد ناقل لتاريخ الطبري، وليس له إلا بعض التعليقات التحليلية - ان صح التعبير - التي أضافها للكتاب، أو ما أضافه من أقوال قال بأنه حصل عليها من كتب تاريخ أخرى!

4- المستشرق الفرنسي (لويس ماسينيون):

فقد نقل عن المستشرق الفرنسي (لويس ماسينيون)(2) انتقادات وجهها لكتاب (نهج البلاغة) منها قوله: (أن فيه حشواً)(3).

ص: 93


1- موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي، ص 408
2- لويس ماسينيون (1883 - 1962 م) مستشرق فرنسي من مؤسسي دائرة المعارف الإسلامية في مصر التي كان هدفها تشويه الإسلام ونشر المسيحية وكان ماسينيون من كبار المنصرين والطاعنین في الإسلام والقرآن وصف بأنه من المستشرقين الخطرين
3- شروح نهج البلاغة 210 شرح، الشيخ حسين جمعة العاملي، ص 33

و قد رد عليه السيد (محسن الأمين)(1) في كتاب (أعيان الشيعة) بقوله: (و من الغريب ما حكاه بعض أهل العصر. ممن يروق لهم الاستشهاد بكلام الغربيين صحيحه وسقيمه. عن الأستاذ المستشرق المسيو ماسينيون الفرنساوي انه مع اعتقاده بأن نهج البلاغة من كلام علي وانه لا يمكن ان يكون من وضع الشريف الرضي لأسباب ذكرها. فهو يعتقد ان الكتب التي أخذ عنها الشريف الرضي هي كتب الزيدية لا الإمامية لأسباب أهمها: ان الإمامية لا يعترفون بخلافة الشيخين بعكس الزيدية الذين يقولون بصحة خلافتهما وإن كان علي أحق منهما بتولي أمور المسلمين، فالزيدية إذن واسطة تفاهم وتوفيق بين السنيين والشيعيين لذلك كانوا يعتنون بجمع كلام علي ونشره بين الناس وكان غرضهم من هذا الجمع ليس كغرض المؤرخين بل ان علياً كان بنظرهم مثلاً أعلى يجب ان يحتذى به، وصاحب أخلاق سامية يجب ان تخلد وطريقه في الحكم والادارة وحل المشاكل يجب ان تعرف وما كان مثل هذه الحاجة يعرض للشيعيين لان كتاب هؤلاء هو إمامهم الذي يعيش في عصرهم لذلك لما اضطر الشيعة إلى جمع كلام علي نقلوا عن كتب الزيدية، وهو اعتقاد فاسد فان علياً إذا كان بنظر الزيدية مثلا أعلى يجب ان يقتدى به وصاحب أخلاق سامية يجب ان تخلد وطريقه في الحكم والادارة يجب ان تعرف فهو عند الشيعة الإمامية لا ينقص عن ذلك بل يزيد وان الشيعة الإمامية تعتقد ان قوله وفعله وتقريره حجة. وتعليله ذلك بان كتاب الإمامية هو إمامهم الذي يعيش في عصرهم قد أخطأ فيه فالإمامية لا فرق عندهم بين إمامهم الذي يعيش في عصرهم وغيره في ان كلام الجميع وفعلهم وتقريرهم حجة وان كان علي أفضلهم.

والزيدية وان قال البترية منهم بإمامة الشيخين الا ان الباقين والبترية بعد الشيخين

ص: 94


1- آية الله العظمى السيد محسن الأمين الحسيني العاملي (1865 - 1952 م)

يشترطون في الإمام ان يكون من ولد علي وفاطمة ولا فرق بينهم من هذه الجهة وبين الامامية. فقد تعاطى الأستاذ ماسينيون في ذلك ما ليس من صنعته وما لم تصل اليه معلوماته. وتساءل الأستاذ ماسينيون فيما حكاه عنه هذا البعض عن الشيء الذي كان يقود الشريف الرضي في اختياره لنصوص النهج أ هو الذوق الادبي أم النزعة الإمامية وزعم ان النزعة الامامية كان لها أثرها في اختيار قطع النهج بدليل وجود خطب اخرى تنسب لعلي كانت معروفة قبل عصر الرضي ولم تدخل في الكتاب لمخالفتها لعقيدة الامامية بل ربما دخل في النهج كلام ليس لعلي بتأثير هذه النزعة وتصرف ببعض الخطب وحذف وقصر فيها وضمنت بعض الحشو. ولكن كل هذا لم يمنعه من الاعتراف بان كلام علي ظل في الكتاب محترماً لم يمس. وهذا أيضا غير صواب فالذي كان يقود الشريف في اختياره لنصوص النهج هو الذوق الادبي والبلاغة والفصاحة لا النزعة الإمامية كما توهم واستدلاله بوجود خطب تنسب لعلي قبل عصر الرضي لم تدخل في الكتاب لمخالفتها للعقيدة الإمامية غير صحيح؛ (أولاً): لجواز ان يكون الرضي لم يطلع عليها فلا يطلع على جميع الأمور إلا علام الغيوب. (ثانياً): لعل تلك الخطب التي لم يذكرها مما لم يقع عليه اختياره فإنه لا يذكر كلما وجده من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) بل ينتخبه انتخابا.

(واما قوله) بل ربما دخل في النهج إلخ فلعله يشير به إلى ما اشتملت عليه الخطبة الشقشقية وغيره مما أجبنا عنه. (واما) الحذف من الخطب فقد بين الرضي انه لا ينقل جميع كلامه بل ينتخبه انتخابا ومن كان دأبه كذلك لا بد له من التصرف بحذف البعض. واما الحشو الذي يزعمه فكان عليه ان يبينه فإنا لا نرى في نهج البلاغة شيئا من هذا الحشو المزعوم(1).

ص: 95


1- أعيان الشيعة، ج 1، ص 543

وبذلك يتوضح الرد على شبه (الحشو) التي اطلقها (ماسينيون) في هدف طعنه بكتاب (نهج البلاغة)، وما يستتبعه من طعن في شخص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكذلك الطن الموجه للشريف الرضي.

يعد (لويس ماسينيون) من أكبر مستشرقي فرنسا، والذي تسنم مناصب حساسة كان لها الدور الكبير في خدمة المشروع الاستشراقي والاستعماري والتبشيري الفرنسي، فقد شغل منصب مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية، وكان الراعي الروحي للجمعيات التبشيرية الفرنسية في مصر(1).

إن من أهم أساليب (لويس ماسينيون) التي دبّج لها المقالات الطوال هي ضرورة تشجيع الشرقيّين للدراسة في أوربا وأميركا، وذلك للتأثير عليهم عن طريق ضخّهم في أجواء وأساليب الحياة الأوربية في التفكير والعلم والسلوك ليكون ذلك أرضية مناسبة لتطويعهم للفكر الاستعماري الأوربي، ومن ثمّ توظيفهم في خدمة أهدافهم في تطويع بلدانهم الشرقية لأوربا المستعمرة، وفي هذا يقول ماسينيون لنظرائه الأوربيين: إنّ الطلاب الشرقيّين الذين يأتون إلى فرنسا يجب أن يلوّنوا بالمدنيّة المسيحيّة. ولعلّ من أبرز آثار هذا التوجّه لدى ماسينيون هو عنايته الفائقة ببعض هؤلاء الطلبة مثل (ميشيل عفلق) مؤسس ما يسمى ب-(حزب البعث العربي الاشتراكي) ومنظّره الفكري، الذي قال عنه ماسينيون: (إنّه أنبغ وأعزّ تلميذ في حياته). وقد أظهرت عناية ماسينيون بميشيل عفلق بوضوح آراء التلميذ الفلسفية ومواقفه الخاصة ومدى انتمائه للفكر الأوربي الصليبي، وترجمته الحرفية لتعاليم الدين الكنسي ومضامينه الفلسفية، ولعلّ أبرز وأخطر ما طرحه

ص: 96


1- يراجع: كتاب الإسلام وشبهات المستشرقين، ص 188

عفلق وأسّس عليه فكر حزب البعث هو مقولته المعروفة: (الإيمان قبل المعرفة).

وهي مقولة نصرانية محضة أفرزتها المدرسة الكنسية، وتوصّل إليها عقلها اللاهوتي بناءً على قواعد وأسس (القدّيس أوغسطين)، التي جاءت لسدّ الثغرة الفكرية القائمة بين فكرهم اللاهوتي والعقل المتمثلة بمسألة التعقيد والنقص في إدراك الثالوث المقدس.

ينظّر ميشيل عفلق لمقولة: (الإيمان قبل المعرفة) التي استقاها من استاذه (ماسينيون) مكوّناً منها الفكر القومي الذي بنى عليه إيديولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي فيقول: (...إننا نريد أن نعرف مَن قَبِل بنا ويؤثر على غيرنا من مجرد سماع نبرات صوتنا ومشاهدة حركتنا العادية وسلوكنا اليومي، نريد أن نعرف الذين يدركوننا بالغريزة، أيّ هواء صاف نستنشق، أي جوّ نزيه نحيا، دون أن نحتاج للبراهين والعلم والإثبات والأرقام...)(1).

إن لويس ماسينيون وكديدن غيره من المستشرقين المشككين والحاقدين على الإسلام، يتعكز بسبب ومن غير سبب على شبهات أثيرت على الإسلام عموماً وعلى كتاب (نهج البلاغة) بشكلٍ خاص.

لقد شكلت الشبهات التي أثارها أمثال (ابن خلكان) و (ابن تيمية) و (الذهبي) و (العسقلاني) على كتاب (نهج البلاغة) الأساس الذي انطلق منه كل المشككين بهذا السفر الخالد، فنجد لويس ماسينيون يعتمد على شبهات أثارها قبله كُتّاب ومستشرقون سبقوه، أما هو فقد تلقفها جاهزة وانطلق بها كونها تخدم الايديولوجيا التي يتبع لها.

ص: 97


1- في سبيل البعث، ميشيل عفلق، ص 1

و قد قال ماسينيون ان في كتاب نهج البلاغة (حشو)، والحشو: هو الزيادة التي لا فائدة فيها.

فقوله هنا هو تشكيكٌ عام، إذ لم يبين لنا ماسينيون أين وقع هذا (الحشو)؟ وما هي شروط اعتبار الكلام حشواً؟ وكيف نميز الحشو عن غيره؟ وما هي الأمثلة على الحشو عموماً؟ وما هي موارد الحشو في نهج البلاغة؟ كل تلك تساؤلات مطروحة على من قال ويقول بوجود (الحشو) في نهج البلاغة، وعليه ان يجيب عنها.

إن الهدف من وراء هذا الطرح هو التشكيك بكل كتاب نهج البلاغة. ذلك ان الحشو. وبحسب ما ادعاه. مشاع في كل الكتاب!؟ و هذا كلام في قمة التجني، ولا اساس له، ولا يوجد دليل واحد يدل عليه مطلقاً. نعم، أُثير ويثار لكن ولحد الآن لم يأت أحد بمقطع واحد يتفق على انه من (الحشو) الزائد.

بل هي شبهات أثارها الحاسدون والحاقدون، هدفها الطعن بمصداقية كتاب (نهج البلاغة) ومن ثمّ إثارة الشكوك حول شخصية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ص: 98

5- الراهب الفرنسي (م. فيغالي):

إن الراهب والمستشرق الفرنسي (م. فيغالي)(1) هو المشرف على اطروحة الطالب (جميل سلطان) حول نهج البلاغة المعنونة (دراسة حول نهج البلاغة).

فعندما ظهرت أول اطروحة جامعية عن كتاب (نهج البلاغة) في أوربا سنة (1948 م)، كتب المشرف عليها وهو الراهب الفرنسي (م. فيغالي) في مقدمتها كلماتٍ قائلاً فيها: (إذا كان الحديث النبوي مشكوكاً فيه، فالشك فيما نسب لعلي في النهج أمر أكيد...)(2).

فهو يضع من عنده (بديهية) لا نعلم من أين جاء بها، والتي تعارض اصل بناء وسيرة العقلاء حول الكلام، فمن اين جاء بهذه البديهية؟ وما هي اسسها؟ وكيف توصل إلى تعميمها؟ وما هو اساس قياسه؟ كما وزعم (فيغالي): (ان جميل سلطان قدم اكتشافاً جديداً عندما اثبت ان النهج ليس من كلام علي)(3).

انه الكلام الجديد القديم، المكرور، اساسه توجيه الانتقادات إلى أسس الإسلام الأصيل.

إن التشكيكات المثارة قديماً على نهج البلاغة، كانت الباب الذي ولج منه كل اعداء الإسلام، وبالخصوص. منهم. ثلة المستشرقين واتباع الكنيسة الأوربية

ص: 99


1- ميخائيل فيغالي، أحد اساتذة كلية بوردو، له مؤلفات لغوية عديدة
2- P21 .1994 Paris Balagha - AL Nahj sur SultanEtude Jamil
3- مقال: حول اصالة نهج البلاغة، اياد الحسيني، موقع نهج البلاغة (WWW. BALAGHAH.NET)

المعادين للإسلام، الذين درسوا اللغة العربية من اجل التعرف على الإسلام للطعن فيه وإثارة الشكوك حوله.

إن المستشرق (فرانز روزنتال)(1) يصرح عن ذلك قائلًا: (و بتعلم اللغة العربية باعتبارها لغة العلوم والفلسفة والفكر آنذاك، وبالاطلاع على القرآن وترجمته إلى اللاتينية بهدف وحيد هو الوصول إلى فهم عميق للتفكير الديني الكلامي عندالمسلمين، أملاً في أن يصبح الرهبان أقدر على التعرف على هذا التفكير، واستغلال ما كانوا يتصورون أنه مواطن الضعف فيه)((2).

إن تشكيكات (فيغالي) ليست جديدة على الإسلام وكامل منظومته التشريعية، فهي تحاكي العقلية الصليبية الحاقدة على الإسلام، التي لا زالت تطالعنا كل يوم باتهامات جديدة، هدفها النيل من الإسلام ورموزه.

على سبيل المثال يقول القس المسيحي (سهيل قاشا): (وأنه لا بدّ من الاستناد إلى وثائق مشبوهة متخذة من صلب الأحاديث والروايات. ومن المعلوم أن هذا الذي يدعوه المسلمون (حديثاً) إنما هو مجموعة من الأخبار المتناقلة شفهياً... سوادها الأعظم إنما هو مما استنبطته مخيلات العصور اللاحقة)((3).

إن (فيغالي) و (سهيل قاشا) إنما يحاكون آراء من سبقهم من رجال دين مسيح، ويهود، ومستشرقين كانت لهم دوافعهم الخاصة لتوجيه النقد للدين الإسلامي، فطعنوا بالقرآن الكريم، وطعنوا بالسنة النبوية، وطعنوا بنهج البلاغة، كل ذلك

ص: 100


1- فرانز روزنتال (1914 - 2003 م)
2- تاريخ حركة الاستشراق، يوهان فوك، ص 15
3- القرآن بحث ودراسة، سهيل قاشا، ص 13

طعناً بأسس الدين الإسلامي ورموزه.

فمثلاً نجد المستشرق (جولدتسيهر) يقول وبحسب رأيه عن تعارض الأحاديث مع نص القرآن: (فلا يوجد كتاب تشريعي اعترفت به طائفة دينية اعترافاً عقدياً على أنه نص منزل أو موحى به يقدم نصه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات كما نجد في نص القرآن)(1).

وهذا طعن صريح بالقرآن الكريم، فكيف سيصمد ممن ومما هو بعده في الرتبة؟ إن (جولدتسيهر) هو صاحب اتهامات كثيرة وكبيرة في القرآن الكريم، كاتهاماته بوجود التناقض في موضوع (القدر) في القرآن الكريم(2).

كذلك نجد أن الكاتب الأمريكي (كارل إيرنست) يقول: (وقد أخذ المفكرون المسلمون يتأملون في مسألة شرعية محمد لسنوات عديدة، فمن ناحية قال في حديثه: (اختلاف أمتي رحمة). ولكن من ناحية أخرى فقد نص على أنه: (لا تجتمع أمتي على ضلالة). وفي مسعى لحل عدم التطابق تم اللجوء إلى وسيلة فنية مختصرة ترفض هذه الأحاديث من منطق الجرح التقليدي برواة هذه الأحاديث)(3).

وهذا اتهام صريح لا اساس له من الصحة، يطلقه أمثال (كارل إيرنست)، وغيره.

إن (كارل إيرنست) يكتب وفق منهج و فكر اقصائي للإسلام بشكلٍ عام

ص: 101


1- مذاهب التفسير الإسلامي، جولدتسيهر، ص 4
2- ظ: نبوة محمد في الفكر الاستشراقي المعاص، لخضر شايب، ص 222
3- على نهج محمد، كارل إيرنست، ص 261

وللشيعة بشكلٍ خاص حتى إنه وصفهم بالطائفية ووصفهم إنهم فرقة خارجة عن الإسلام ودخيلة عليه وليست منه وانها من الفرق التي أسسها غير العرب (الفرس)، ولا ندري على أي أسس وأدلة أقام قوله هذا؟ كما ويقول كارل إيرنست واصفاً الشيعة بالطائفية بلا دليل و لا برهان إذ يقول:

(و لا يقل الوضع صعوبة بالنسبة للتعريفات التي يعرف الإسلام من خلالها فلابد لها من التصادم مع كل من الحركات الطائفية مثل الفرق الشيعية المتعددة)(1).

ولا ندري من أين جاء بهذا الكلام؟ وما هو دليله عليه؟ وما هي المصادر المعتمدة؟ وما هو سبب هذا العداء؟

6- المستشرق الهولندي (جوينبل):

إن المستشرق الهولندي (جوينبل) قد كَتب في (دائرة المعارف الإسلامية)(2)

ص: 102


1- على نهج محمد، كارل إيرنست، ص 82
2- ألّف المستشرقون (دائرة المعارف الإسامية) لتشكّل عصارة تصوّراتهم عن الفكر والتراث والتاريخ الإسلامي، وتعدّ «دائرة المعارف الإسلامية» مصدراً أساسياً لفهم الرؤية الاستشراقية للإسلام، حيث نشرت باللغات الأجنبيّة، ثم ترجمت إلى اللغة العربية، فبلغت اثنین وثلاثین مجلّداً. إنّ دائرة المعارف هذه تعدّ موسوعةً أكاديمية تدرس بعمق الحضارة الإسلامية بجميع أبعادها الدينية وغيرها. صدرت طبعتها الأولى بین عامي 1913 - 1938 بالإنجليزية والألمانية والفرنسية، وفي عام 1953 م صدرت نسخة مختصرة لها ترجمت إلى كلّ من العربية والتركية والأوردية. أشرف عى الطبعة الأولى لها آرندجان فنسنك الذي كان عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، كما شارك في إعدادها المستشرق الفرنسي المعروف لويس ماسينيون. وصدرت الطبعة الثانية عام 1954 لتستمرّ إلى 2005 م، وأضيفت إليها الكثیر من المقالات، ليشارك فيها هذه المرّة باحثون شرق أوسطيّون، هذا ويتم إصدار هذه الموسوعة من قبل شركة بريل الهولندية. ترجمت بعض أجزائها إلى العربية، وصدرت في مر في ستينيّات القرن العشرين، ثم أعيد طبع النسخة العربية في الشارقة عام 1998. وفي عام 1999 صدرت النسخة الالكترونية لهذه الموسوعة في أقراص مدمجة عى صفحات الانترنت. الإصدار أو الطبعة الثالثة لدائرة المعارف الإسلامية بدأ العمل عليه عام 2007 م، وما يزال مستمراً إلى اليوم، حيث تظهر المقالات تباعاً كل فصل

وذلك ضمن موضوع (الحديث)(1). والذي تحدث فيه عن موضوع (الحديث) وصفته، وعن نقد الحديث عند المسلمين، وعن تصنيف الحديث إلى أنواع وأصناف، وعن المجموعات الحديثية.

إن المستشرق (جوينبل) قد تحدث عن الكتب الحديثية الخمسة عند الشيعة بإضافته (نهج البلاغة) لها. فقال: (أن الشيعة لا يأخذون إلا الحديث المروي عن علي وأهل بيته، ثم تحدث عن رواية الحديث وطرقها وأساليبها)(2).

نقول: إن كان كلامه بأن الشيعة تتحيز للإمام علي وأهل بيته (عليهم السلام) في كل شيء ومنه رواية الحديث، فهذا الكلام شطط ومجانب للصواب، كما وان هناك منهجاً للأخذ بالأحاديث عموماً، والأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

أما لو كان المراد بأن الشيعة لا تثق بالحديث المروي عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) إلا عن طريق الإمام علي وأهل بيته (عليهم السلام) فهذا هو الواقع، إذ انهم الأوثق والأدق، وهم من أمر الله تعالى بطاعتهم وإتباعهم.

لكن هذا لا يمنع الأخذ بأحاديث عن طرق موثوقة تصل لهم، أو للنبي الأكرم

ص: 103


1- تراجع النسخة العربية من دائرة المعارف الإسلامية، دار المعرفة
2- دائرة المعارف الإسلامية، ج 2، ص 238

(صلى الله عليه وآله).

والخوض في غمار موضوع (الحديث) لا توفيه الكلمات هنا، لكن من الممكن الرجوع للكتب المختصة في هذا المجال لعلماء واساطين الشيعة، وليس لأمثال (جوينبل) أو غيره.

7- المستشرق الأمريكي (ادوارد فانديك):

إن المستشرق الأمريكي (ادوارد فانديك)(1) يقول عن كتاب نهج البلاغة: (هو للشريف المرتضى وليس للإمام علي)(2).

و في هذا الصدد يقول العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني(3) رحمه الله: إن ما قاله المستشرق الامريكي (فانديك) و نسبته بأن كتاب نهج البلاغة هو للشريف المرتضى أخي الرضي خطأ منشأه أن الشريف الرضي كان يلقب بالمرتضى أحياناً؛ لأن جده إبراهيم المرتضى بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، كما أن أخاه المرتضى كان يلقب بذلك، ثم بقي هذا اللقب على هذا، ولقب الأول بالرضي يوم رضوا به نقيباً على نقباء العلويين ليتميز عن بقية آل المرتضى(4).

وبذلك يتوضح الخطأ الجسيم والفادح - ان لم يكن متعمداً - الذي وقع به

ص: 104


1- ادوارد كرنيليوس فانديك (1818 - 1895 م) مستشرق هولندي الأصل. امريكي المولد والمنشأ، مستعرب، تعلم الطب والصيدلة، وعمل مبراً، عمل عى تأسيس المدارس والمستشفيات في بلاد الشام، مؤسس الجامعة الأمريكية في بیروت
2- ما هو نهج البلاغة، هبة الدين الشهرستاني، ص 58 (بتصرف)
3- هبة الدين الشهرستاني (1301 - 1386 ه)
4- ما هو نهج البلاغة، هبة الدين الشهرستاني، ص 58 (بتصرف)

(فانديك)، في نسبته كتاب نهج البلاغة إلى (السيد المرتضى) في الطرح العام، أو انه قد خلط، وكان مقصده (الشريف الرضي)، فعلا كلا الاحتمالين فإن كون محتوى الكتاب لأحدهما خطأ وشطط، وهذا من التشكيكات التي أثيرت على كتاب نهج البلاغة.

كما وان من تقولات (ادوارد فانديك) أيضاً؛ انه ينسب نهج البلاغة إلى (الرازي/ ت 406 ه).

لذا يقال في الرد على ذلك: (ولعل السبب أنه ليس من أبناء الضاد، وقادته عجمته إلى تبديل الضاد بالزاي، فهو تصحيف)(1).

إن هذا الخلط الواضح ليس خلطاً نادراً، بل ذلك يعني وقوع الخلط عند غيره، أي عند كثرة كاثرة في هذا المورد وفي غيره من الموارد الأخرى. مما يدعونا إلى تحقيق كل ما صدر عمن لا يتقن العربية من جانب، وعند من يختلف بالرؤى والأسس - معنا - من جانب آخر.

أما كونه ليس من أبناء (لغة الضاد) فلذلك قد قع بالخطأ، فليس ذلك بالسبب الكافي، ولا المقبول وفق الطرح العام للأسماء، والتي لا تحتاج ذائقة، أو فهم جرس الألفاظ، بل هي مجرد اسماء ذات لفظ معين. كما وليس بعيداً عن (فانديك) وأمثاله التصحيف(2) التعمدي فضلًا عن الخطأي غير المعترف به لسبب أو آخر.

ص: 105


1- دراسة حول نهج البلاغة، محمد حسين الحسيني الجلالي، ص 47
2- التصحيف: هو تغيير لفظ الكلمة الناشئ عن تشابه الحروف

ثانياً: المادحون له.

اشارة

لقد كان الشرق بالنسبة لكل سكان أوربا هو أرض الألغاز والأساطير، أرض الشخصيات الساحرة، أرض الشجاعة والفروسية، أرض البلاغة والفصاحة والشعر.

إن النظرة الإنبهارية للشرق من قبل الأوربيين لا تختلف عن نظيرتها الشرقية بالنسبة للأوربيين في عصرنا الحالي، بل كانت أكثر.

يقول أستاذ التاريخ والعالم الانكليزي (ج. هرنشو): (فكذلك الصليبيون، خرجوا من ديارهم لقتال المسلمين فإذا هم جلوس عند أقدامهم يأخذون عنهم أفانين العلم والمعرفة...)(1) (2).

إن هذا يعكس مدى الانبهار بالشرق بكل ما فيه من تراث وشخوص وأماكن.

لقد كانت الطلائع الأولى للأوربيين ممن اطلق عليهم لفظ (مستشرقون) قد جاءت باحثة عن الكنوز والثروات وعن العلوم والمعارف وعن المغامرة للإطلاع على تلك الأرض التي ظلت قروناً تبهرهم وتثير الحفيظة في نفوسهم غلاً وشغفاً.

إن الاحترام والانبهار بشخصية الإمام علي (عليه السلام) تبعه احترام بكل ما

ص: 106


1- علم التاريخ، ج. هرنشو، ص 31
2- إن من أهم الأسباب التي توصل إليها الصليبيون في تعليلهم لفشلهم، وتفوق المسلمين عليهم هو (الحرية الفكرية) التي كان يتمتع بها المسلمون، وهو ما عمد الأوربيون إلى تأسيسه في بلدانهم إثر عودتهم من فلسطين، وهو بالذات ما أدى بهم فيما بعد أن يتربعوا عى قمة السلم الحضاري العالمي، وهو نفسه الذي أدى إلى تخلف المسلمين وتراجعهم حضارياً ومعرفياً حین فقدوا (الحرية الفكرية) بعد شيوع الظلم، والاستبداد، والتسلط

يختص به من افعال وأقوال وتراث وأهل وأصحاب.

لقد ترك (عليه السلام) اثره الخالد على كل من قرأ عنه، فقد كانت كلماته تجاري الفاظ القرآن الكريم من مداعبتها لشغاف القلب وتمازجها مع ثنايا الروح.

إن كلماته (عليه السلام) علمت الأدب للأدباء، والشعر للشعراء، والبلاغة للبلغاء، والفصاحة للفصحاء، والحكمة للحكماء.

و ما كلمات الحسن البصري (ت 110 ه)، وابن المقفع (ت 142 ه)، وعبد الله بن المبارك (ت 181 ه)، والجاحظ (ت 255 ه)، وابن قتيبة الدينوري (ت 276 ه)، والبيهقي (ت 320 ه)، وابي الحسن الأشعري (ت 324 ه)، وابن نباتة (ت 374 ه)، وغيرهم؛ إلا سرقات من كلمات وحكم ومواعظ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)(1). فكانت لهم الشهرة بما سرقوه من كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل إن أكثر من حقق تراث من ذكرنا أطرى ومدح بلاغتهم من دون أن يشير إلى الفضل الكبير للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) عليهم، إذ لم يبين احد من المحققين في تراثهم سرقاتهم الأدبية والبلاغية والنصية من الإمام (عليه السلام) دفعهم لذلك بغضهم للإمام (عليه السلام).

لقد تأثر الكثير من المستشرقين والكتاب الأوربيين بشخصية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فلقد بهرتهم شجاعته وبلاغته وصبره وإيمانه وفروسيته.

يقول المستشرق (ريفلريد ماديلونغ) عن الإمام علي (عليه السلام): (لا أهتم

ص: 107


1- يراجع لذلك البحث الموسوم ب: أثر نهج البلاغة في مصادر الفكر السياسي الإسلامي، محسن القزويني، مجلة أهل البيت (عليهم السلام)، جامعة أهل البيت (عليهم السلام)، كربلاء. العراق، العدد الأول، ص 82 - 135

بالطابع الايديولوجي أو الاقتصادي وحتى التاريخي بفترة حكم الإمام علي، ما يهمني هو شخصيته، وما حملته من قيم ايجابية أو سلبية، هادفة أو ضارة، وبلا شك فإنه شخصية عظيمة)(1).

وبذلك يتوضح كيف ان شخصية أمير المؤمنين (عليه السلام) كان لها الصدى الواسع لتكون محل قراءة واحترام علماء أوربا والغرب.

كما ويقول المؤرخ الانكليزي (ادوارد جيبون)(2) عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): (شخصية فريدة متألقة شاعر ومؤمن ونبيل وقديس، حكمته كالنسيم الذي يتنفسه كل إنسان، فهي اخلاقية وإنسانية، منذ تولده وإلى وفاته كان حكيماً، جمع تلاميذه وناداهم بإخوتي واحبائي، حقاً كان هارون المتجدد صدّيق النبي موسى، كما وصفه النبي محمد)(3).

إن ذلك التأثر، والحب، والانبهار - ان صح لنا التعبير - من قبل المستشرقين والمفكرين في أوربا بالإمام علي (عليه السلام) دعاهم إلى البحث عنه، وقراءة كل ما كتب عنه مدحاً أو قدحاً.

لقد كان لكتاب (نهج البلاغة) والذي جمعت فيه كلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وخطبه ورسائله حصة من هذه القراءة الاستشراقية، إذ قد تتبع المستشرقون هذا السفر الخالد، الذي جمعه الشريف الرضي (رحمه الله) بالبحث والدراسة والتنقيب والتحقيق، ولقد اثرت فيهم تلك الكلمات الخالدة التي صدح

ص: 108


1- موقع نهج البلاغة: WWW. BALAGHAH.NET
2- ادوارد جيبون (1737 - 1794 م)
3- موقع نهج البلاغة: WWW. BALAGHAH.NET

بها أمير المؤمنين (عليه السلام) في حله وترحاله.

في الوريقات القادمة سوف نتعرض لأقوال المادحين لكتاب (نهج البلاغة) مستعرضين اقوالهم بما يتلائم والبحث، ومن هؤلاء:

1- المستشرق الفرنسي (نرسيسيان):

إن المستشرق الفرنسي (نرسيسيان)(1) يرى بأن كتاب (نهج البلاغة) يتفوق على كل كلام عربي لكثرة ما فيه من (السهل الممتنع الذي لا يوجد في سواه)(2).

لقد أُعجب (نرسيسيان) بكتاب (نهج البلاغة) وكيف انه يجري كالماء السلسال على لسان الامام علي (عليه السلام)، وفي ذلك يقول: (ولو كان يرقى هذا الخطيب العظيم منبر الكوفة في عصرنا هذا، لرأيتم مسجدها على سعته يتموج بقبعات الإفرنج للاستقاء من بحر علمه الزاخر)(3).

ليس ذلك بكثير على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وليس ذلك ببعيد عن كاتب عاقل من أمثال (نرسيسيان)، حداه الإنصاف أن يقول ما قاله.

وعن ذلك يقول السيد هبة الدين الشهرستاني: (ولقد حاورني ببغداد سنة 1328 ه رئيس كتاب القنصلية البريطانية «نرسيسيان» من فضلاء الأرمن زاعماً تفوق نهج البلاغة على كل كلام عربي لكثرة ما فيه من السهل الممتنع الذي لا يوجد

ص: 109


1- فرنسي الأصل عمل كرئيس كتاب القنصلية البريطانية ببغداد عام (1328 ه)
2- ما هو نهج البلاغة، ص 47
3- نقلاً عن: كتاب صوت الإمام علي في نهج البلاغة، حسن القبانجي، ص 36

في سواه وانقياد الاسجاع الصعاب فيه بلا تكلف...)(1).

إن هذا الكلام الجميل ل(نرسيسيان) يحمل في طياته تصريحاً وتلويحاً؛ فقد صرح مادحاً (نهج البلاغة)، مبيناً في طيات كلامه بأنه ليس كتاباً بلاغياً أو أدبياً فقط، بل هو كتاب علم ومعرفة، وإلا فما شأن (الفرنج) يأتون ليستقوا من علومه وهو (عربي) يختلف عن لغاتهم.

الجواب هو: انهم يأتون لينهلوا منه العلوم والمعارف، إذ أن كل كلمة فيه تفتح للعارف بها كنوز العلوم الجمة، التي لا تنضب ابداً.

و لِمَ لا وقائله هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) القائل: ((علمني رسول الله ألفَ بابٍ من العلم ينفتح لي منها ألفُ باب...))(2).

و الذي قال عنه عبد الله بن عباس: (والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر).

و قد لوح (نرسيسيان) ناقداً لأهل اللغة العربية، ممن يدينون بالدين الإسلامي، ويعرفون علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومع ذلك يطوون كشحاً عنه، وعن علومه، وبلاغته، بل نراهم يشككون بنهج البلاغة بتشكيكات بالية لا طعم لها ولا لون، ولا اساس لها إلا الحقد والعداء لهذا الرجل العظيم.

عن سعيد بن كلثوم، قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد (صلى الله عليه وآله)، فذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) فأطراه ومدحه بما هو أهله، ثم قال:

ص: 110


1- ما هو نهج البلاغة، ص 47
2- الاختصاص، الشيخ المفيد، ص 283، وتاريخ دمشق، ابن عساكر، ج 2، ص 484

((والله ما أكل علي بن أبي طالب من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله، وما عرض له أمران قط هما لله رضاً إلا أخذ بأشدهما عليه في دينه، وما نزلت برسول الله (صلى الله عليه وآله) نازلة قط إلا دعاه ثقة به، وما أطاق عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هذه الأمة غيره، وإن كان ليعمل عمل رجل كأن وجهه بين الجنة والنار، يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار، مما كد بيديه ورشح منه جبينه، وإن كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة، وما كان لباسه إلا الكرابيس إذا فضل شيء عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه، وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين (عليهما السلام)))(1).

إن كلام (نرسيسيان) يردده غيره من المستشرقين المنصفين، والذين جذبتهم شخصية أمير المؤمنين (عليه السلام) بما بها من جاذبية إنسانية لا مثيل لها.

يقول المستشرق الفرنسي (آيتين دينيه)(2) عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): (أصبح علي بن ابي طالب بفضل اخلاصه المتناهي، وشجاعته التي لا تقاوم، وحرصه الشديد على طاهر السجايا، أحد أبطال الإسلام المشاهير...)(3).

وغيره من أقوال ثلة من المستشرقين الذين كتبوا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) بطرحٍ منصف وعلمي رصين.

ص: 111


1- بحار الأنوار، المجلسي، ج 64، ص 75
2- ألفونس آيتين دينيه (1861 - 1929 م) رسام فرنسي عالمي مشهور
3- محمد رسول الله، آيتين دينيه، ص 199

2- المستشرق الانكليزي (كرينو):

المستشرق الانكليزي (كرينو)(1) الذي قال عندما اجتمع الاساتذة والأدباء حوله في حفلة وسألوه عن إعجاز القرآن الكريم، أجابهم: (إن للقرآن أخاً صغيراً يسمى نهج البلاغة فهل في إمكان أحد أن يأتي بمثل هذا الصغير حتى يسوغ لنا البحث عن الأخ الكبير)(2).

في طرحٍ منه لما في كتاب نهج البلاغة من معانٍ عظيمة، وعلوم زاخرة، وبلاغة، وجاذبية، حتى وصل به الحال إلى ان يسميه ب-(الأخ الصغير للقرآن)، لشدة العلقة، وتناغم المفردات.

نعم، ان المدقق يعرف الفارق، وكلامه بأنه اخ صغير يريد ان يعكس به مبالغة محمودة لا تأثر على نهج البلاغة، ولا تطعن بالقرآن، بل الهدف كان الإشارة له لإيلائه الاهتمام اللائق به، والانطلاق منه نحو فهم نص القرآن الكريم.

و قال ايضاً في مقال آخر: (وإذا طلبت البلاغة في أتم مظاهرها، والفصاحة التي لم تشبها عجمة، فعليك بنهج البلاغة الذي فيه خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ورسائله إلى عماله)(3).

هنا نقول:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((اني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي

ص: 112


1- استاذ الآداب العربية في كلية (علكيده) الهندية
2- نقلاً عن كتاب: صوت الامام علي في نهج البلاغة، ص 36
3- مجلة المجمع العلمي السوري، مجلد 18، ص 270

أهل بيتي))(1).

و في موردٍ آخر قال (صلى الله عليه وآله): ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما))(2).

إن كلام المعصوم (عليه السلام) يأتي بعد كلام الله تعالى (القرآن الكريم)، فكيف بنهج البلاغة وهو يحتوي على كلام الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).

إن نهج البلاغة هو الكتاب المتمم والمكمل لكثيرٍ مما في القرآن الكريم، ففيه تفسير وتوضيح لآيات القرآن الكريم، وبيان للكثير من التشريعات القرآنية، وغيرها من تشريعات تأسيسية.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((أنا قاتلت على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويله))(3).

وفي حديث آخر مشابه له قال فيه (صلى الله عليه وآله): ((إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرفنا و فينا أبو بكر و عمر، فقال: لا،

ص: 113


1- مسند أحمد بن حنبل، ج 3، ص 17
2- سنن الترمذي، ج 5، ص 329
3- ينابيع المودة، ج 2، ص 235، و أورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج 5، ص 639، ح 2487، المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 3، ص 123، مجمع الزوائد، الذهبي، ج 9، ص 133، صحيح ابن حبان، ج 15، ص 385

ولكنه خاصف النعل، يعني علياً))(1).

و نص الحديثين هنا، أي (منطوقهما) بينٌ واضحٌ في الوهلة الأولى، لكنه صعب الإدراك والفهم عند السؤال عن كيفية التحقق؟ ذلك ان هناك عدة احتمالات للمراد ب-(القتال على التأويل)، ف-(التأويل) يحتاج إلى الفهم، فكيف سيحتاج إلى (القتال)!؟. ثم ان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان المفسر الأول للنص القرآني، و من اليقين انه (صلى الله عليه وآله) قد بين تفسير و تأويل نصوص قرآنية كثيرة احتاجت لذلك، ثم أشار إلى مكانة أمير المؤمنين (عليه السلام) في إرجاع الناس للقرآن الكريم، وفي تفسير نصوصه، وانه المرجعية الحقة بعده.

نكتة في المقام:

اننا نقرأ في زيارة الامام الحسين (عليه السلام): ((يا ابن الميامين الأطياب، التالين الكتاب،...)).

و هنا نكتة مهمة (مطلب دقيق) في هذا المقطع الجميل:

إن المراد ب-: تالٍ: أي الذي أتى ثانياً خالفاً ما قبله.

و قولنا: السؤال التالي: أي الآتي بَعدُ.

ص: 114


1- سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني، ج 5، ص 639، ح 2487، المستدرك، ج 3، ص 123، مجمع الزوائد، ج 9، ص 133 و قال: رواه أحمد و رجاله رجال الصحيح غر فطر بن خليفة و هو ثقة، مطالب السؤول، ج 1، ص 64، مسند أحمد بن حنبل، ج 3، ص 82، المناقب، الخوارزمي، ص 183، نظم درر السمطين، الزرندي، ص 115، حلية الأولياء، ج 1، ص 67، أُسد الغابة، ج 3، ص 282، الصواعق المحرقة، ج 2، ص 392، كنز العمال، ج 15، ص 94، ح 266، خصائص النسائي، ص 131

ف-(التالين الكتاب) ليس يراد بها (القارئين) للكتاب، بل الذين يأتون بعد الكتاب، والتعبير بالتالي بعد الأول حتى يعرف انه ليس هناك آخر ثالث مطلقاً.

وعن مكانة كتاب نهج البلاغة فإننا نقرأ في وصية (ناصيف اليازجي)(1) لولده (إبراهيم) ما نصه: (إذا شئت أن تفوق أقرانك في العلم والأدب، وصناعة الإنشاء، فعليك بحفظ القرآن ونهج البلاغة)(2).

إنها كلمات ووصايا من أناس يمتلكون عقولاً رصينة، وأفئدة سليمة، قد جذبهم الحق فساندوه وصدحوا به، لا يهمهم المجاملات الزائلة، والفئويات القبلية المقيتة. بل اننا نقف عند مقولة جميلة للدكتور (زكي مبارك) يقول فيها: (إني اعتقد أن النظر في كتاب نهج البلاغة يورث الرجولة والشهامة وعظمة النفس، إنه فيض من روح قهار واجه المصاعب بعزائم الأسود)(3).

انها وصايا لنا نحن المسلمين ممن قد ابتعد عن كتاب (نهج البلاغة)، بل أننا قد ابتعدنا عن كتابنا السماوي (القرآن الكريم)، ليصبح هذا البعد من سمات المجتمعات الإسلامية التي جذبتها التقنيات الحديثة لتحل محل الثوابت، بل لتحل محل العبادات، بل لتحل محل الإله.

نعم، إن (ظهور العلم والتكنولوجيا دفع بالبعض للإعلان عن عدم حاجتهم للأمور الماوراء طبيعية. فالإنسان الذي كانت تقول له تعاليم القرون الوسطى أن

ص: 115


1- ناصيف اليازجي (1800 - 1871 م)
2- مصادر نهج البلاغة واسانيده، الحسيني، ج 3، ص 91، نقاً عن كتاب (نظرات في القرآن) لمحمد الغزالي، ص 154
3- عبقرية الشريف الرضي، زكي مبارك، ص 224

الله هو الذي وهبه الوجود، وهو الذي يسجل مصيره، شعر مع التطور التكنولوجي أنه يمتلك القوة ولديه القابلية، ولا يشعر بالحاجة إلى غيره بحيث يستطيع أن يتدخل في الطبيعة ويتصرف بها، ويبني الحياة على أساس رغبته، أي أن التطور التكنولوجي حول عجز الإنسان إلى قوة، وأحل إرادته محل المشيئة الإلهية)(1).

إن أمير المؤمنين (عليه السلام) يخبرنا عن زمانٍ يأتي على أمة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) تترك فيه القرآن وتتخلى عنه وتجعله سلعة وزينة لا أكثر، لا تقيم الحق الذي فيه، ولا تبطل الباطل الذي حذر منه، إذ يقول (عليه السلام) ((وَ لَیْسَ عِنْدَ اَهْلِ الزَّمانِ سِلْعَهٌ أَبْوَرَ مِنَ الْکِتابِ اِذا تُلِیَ حَقَّ تِلاوَتِه وَلا اَنْفَقَ مِنْهُ اِذا حُرِّفَ عَنْ مَواضِعِه، وَلا فِی الْبِلادِ شَیْءٌ اَنْکَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَلا اَعْرَفَ مِنَ الْمُنْکَرِ. فَقَدْ نَبَذَ الْکِتابَ حَمَلَتُهُ وَتَناساهُ حَفَظَتُهُ، فَالْکِتابُ یَوْمَئِذٍ وَاَهْلُهُ طَریدانِ مَنْفِیّانِ، وَصاحِبانِ مُصْطَحِبانِ فی طَریقٍ واحِدٍ لایُؤْویهِما مُؤْوٍ. فَالْکِتابُ وَاَهْلُهُ فی ذلِکَ الزَّمانِ فِی النّاسِ وَ لَیْسَا فیهِمْ وَمَعَهُمْ، وَلَیْسَا مَعَهُمْ، لِأَنَّ الضَّلالَهَ لاتُوافِقُ الْهُدی وَإِنِ اجْتَمَعا. فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَی الْفُرْقَهِ وَافْتَرَقُوا عَلَی الْجَماعَهِ کَاَنَّهُمْ اَئِمَّهُ الْکِتابِ وَلَیْسَ الْکِتابُ اِمامَهُمْ، فَلَمْ یَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ اِلاَّ اسْمُهُ وَلا یَعْرِفُونَ اِلاّ خَطَّهُ وَ زَبْرَهُ))(2).

إن كتاب (نهج البلاغة) عندما يوضع إلى جنب القرآن، فإنه يعد تالياً له، إذ ليس هناك أي كتاب آخر له هذا المستوى الخطابي والبلاغي بما فيه من نفحات إلهية غير نهج البلاغة، ذلك انه يحتوي على كلام المعصوم (عليه السلام).

المعصوم الذي قال عنه تعالى في محكم كتابه الكريم: ((وَإِنَّهُ فِی أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا

ص: 116


1- العلمانية والعصرانية، طيبة ماهروزادة، ص 149
2- شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 30. 31

لَعَلِیٌّ حَكِيمٌ))(1).

والذي نزلت فيه سورة (هل أتى)، وفي فضله وكرمه نزل قوله تعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(2).

وآيات قرآنية أخرى كثيرة، تعضدها أحاديث نبوية مباركة في حقيقة وأحقية ومكانة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، تحتم مكانته في تفسير القرآن الكريم، وكون نهج البلاغة أساس ومنطلق لفتح مطالب كثيرة في القرآن الكريم.

وعن نهج البلاغة يقول الأديب المسيحي (أمين نخلة)(3): (... فإذا شاء أحد أن يشفي صبابة نفسه من كلام الإمام فليقبل عليه في (النهج) من الدفة إلى الدفة، وليتعلم المشي على ضوء نهج البلاغة)(4).

ففيه الشفاء، وفي رضا النفس، وفيه المتعة، وفيه التأسي، وفي تجارب، وحكم، ومواعظ، فهو بحق (نهج حياة)، لمن أراد خير الدنيا والأخرة.

كما ونقرأ في كلمات (ابن ميثم البحراني)(5) بحق كتاب (نهج البلاغة) ما نصه:

(وكنت قد جعلت هذا الكتاب بعد كتاب الله وكلام رسوله مصباحاً أستضيء به في الظلمات، وسلماً أعرج به إلى طباق السماوات، كنت في أثناء وقوفي على شيء من

ص: 117


1- سورة الزخرف، الآية (4)
2- سورة المائدة، الآية (55)
3- أمين نخلة (1901 - 1976 م) أديب وسياسي لبناني
4- مائة كلمة من نهج البلاغة، امين نخلة، ص 5
5- كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني (ت 679 ه)

أسراره، واكتحالي بسواطع أنواره، أتأسف على من يُعرض عنه جهلاً، وأتلهف لو أجد له أهلاً)(1).

إن عالماً متبحراً مثل ابن ميثم البحراني يبين لنا شيئاً من أحقية هذا الكتاب العظيم، ورتبته، ومنزلته، كما ويبين تأسفه على كل من يعرض عنه، فضلاً عمن لا يعرفه.

3- المستشرق الفرنسي (هنري كوربان):

يعد المستشرق الفرنسي (هنري كوربان)(2) من المستشرقين المتنورين، والمنصفين في قراءة التراث الإسلامي بشكلٍ عام، والتراث الشيعي بشكلٍ خاص، حتى انه خاض في كتب وطرق العرفان، وتبحر فيها إلى درجة عقد محاورات مع السيد محمد حسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان.

إن المستشرق الفرنسي (هنري كوربان) قال عن نهج البلاغة: (وتأتي أهمية هذا الكتاب في الدرجة الأولى بعد القرآن وأحاديث النبي، ليس بالنسبة للحياة الدينية في التشيع عموماً وحسب، بل بالنسبة لما في التشيع من فكر فلسفي. ويمكن اعتبار نهج البلاغة منهلاً من أهم المناهل التي استقى منه المفكرون الشيعة... و انك لتشعر بتأثير هذا الكتاب بصورة جمة من الترابط المنطقي في الكلام، ومن استنتاج النتائج السليمة، وخلق بعض المصطلحات التقنية العربية التي أدخلت على اللغة الأدبية والفلسفية فأضفت عليها غنى وطلاوة وذلك انها نشأت مستقلة عن تعريب

ص: 118


1- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني، ج 1، ص 21
2- هنري كوربان (1903 - 1978 م) مستشرق فرنسي

النصوص اليونانية)(1).

يشير (هنري كوربان) هنا إلى ما يحتويه (نهج البلاغة) من علوم جمة أكثرها غير معروف، والمعروف منها لم تعرف حقيقته الكاملة، ولم يقف عند تفرعاته وقواعده وأسسه الصحيحة.

إن نهج البلاغة يعدّ من أهم المناهل التي نهل منها المفكرون الشيعة، بما استفادوه منه من علوم تشريعية وفكرية واخلاقية وعلمية.

ففي هذا (الكتاب) مصطلحات لم تكن معروفة قبله، صورها ووضعها وصاغها أمير المؤمنين (عليه السلام) ليستفيد منها كل طلاب العلم والمعرفة.

و هذا هو الإبداع الحقيقي، والمائز الكبير لكتاب (نهج البلاغة)، الذي يمثل حقيقة كلام المعصوم، والذي لا يعرفه إلا أتباع مدرسة أهل البيت.

لقد تميز الفكر الشيعي عن غيره بالحرية والانفتاح الفكري، ففي حين كانت الفلسفة والعلوم العقلية محرمة عند جمع كثير من المسلمين، لكونها وحسب مدعاهم: تبعد الإنسان عن الدين. وأجلى الأدلة على ذلك ما قام به الغزالي في كتابه (المنقذ من الضلال) من تكفير الفلاسفة(2)،كل ذلك يشير إلى إن نشأة الفكر الفلسفي والتفكير العقلي في الإسلام كان على أيدي الشيعة وأئمتهم(3).

ص: 119


1- تاريخ الفلسفة الإسلامية، هنري كوربان، ص 80. 81
2- المنقذ من الضلال، الغزالي، ص 104
3- الدور الريادي للإمام الصادق (عليه السلام) في تدوين العلوم ونشرها، المؤلف، ص 57

يؤكد على ذلك الدكتور (إبراهيم مدكور)(1) بقوله: (ففي حين أن الشيعة يتقبلون بقبول حسن كثيراً من الآراء الفلسفية، نرى أهل السنة يقفون من هذه الآراء موقف الحذر والحيطة)(2).

بينما نرى أن مظلومية الشيعة تظل قائمة إلى أبد الآبدين فحتى الفلسفة سُلبت منهم ونُسِبت إلى غيرهم ممن كان يخاف منها ويُحرمها بالأمس القريب.

إن (هنري كوربان) يقول مشيراً إلى تلك النقطة المهمة: (فلقد أُهمل العامل الشيعي بكليته تقريباً، مع أنه لا يمكن التفكير بمصير الفلسفة في الإسلام وبمعنى الصوفية بشكل مستقل عن معنى التشيع)(3).

كما ويقول أيضاً: (فنحن لا نستطيع أن نتعرض لما كان من أمر الحكمة في الإسلام سواء من حيث التجربة الروحية أو من حيث حكمتها الإلهية النظرية التي تجد جذورها في التعليم الفلسفي الشيعي)(4).

إذ قد حدد (كوربان) أساس (الفلسفة) و(العرفان) الحقيقيان، ووجد بأن أصلهما هو (شيعي) خالص، ومنه انطلقت لغيره، ومن دون ربطهما مع الجذور، والتعريف بأسسهما الصحيحة، ووجود اللمسة الشيعية فيهما، فإنهما لا يحملان إلا الاسم فقط.

ص: 120


1- إبراهيم مدكور (1902 - 1996 م)
2- في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق، إبراهيم مدكور، ج 1، ص 109
3- تاريخ الفلسفة، هنري كوربان، ص 42
4- المصدر السابق، ص 32

كما ويشير الكاتب المصري (عباس محمود العقاد)(1) إلى هذه النقطة المهمة بقوله:

(لأنّ هذه المسألة بذاتها. مسألة الدراسة العقلية. قد كانت في طليعة المسائل التي اشتغل بها الشيعة الإماميون، فمن أفواه الشيعة الإماميين تلقى أساطين الفلسفة الإسلامية كلامهم في العقل والنفس وفي مذهب الأفلاطونية الحديثة ومذهب أفلاطون منه على التخصيص)(2).

ذلك ان (الفلسفة)، أو (الحكمة) هي أساس في تميز العقل، وفي تميز العقلاء، فلازم العاقل ان يكون حكيماً، أما ربط (الفلسفة) بسلبيات ومثالب الشخوص والنظريات، أو جعلها مغايرة للحكمة، فذلك يحتاج إلى وقفات ليس محلها هذا الكتاب.

إن المستشرق الفرنسي (هنري كوربان) يقول في موردٍ آخر عن كتاب (نهج البلاغة) ما نصه: (هذا الكتاب مجموعة مهمة من كلمات علي بن أبي طالب، الإمام الأول للشيعة، يشتمل على المواعظ والأقوال والكتب وغير ذلك، وهذا الكتاب من أهم الكتب عند الشيعة بعد القرآن والأحاديث النبوية، ليس للحياة المذهبية للتشيع فقط، بل لأفكارهم الفلسفية أيضاً، وعليه يمكن اعتبار كتاب نهج البلاغة من أهم المصادر الشيعية في أصول العقائد التي اعتمد عليها مفكرو الشيعة وخصوصاً مفكرو القرن الرابع. والفلسفة الشيعية أخذت ملامحها الخاصة من هذا المصدر. فإن مفكريهم استنتجوا المطالب المرتبطة بالإلهيات منه. ومما يؤسف له، أن هذا الكتاب لم يحظ بتحقيق فلسفي معروف في أوربا حتى يومنا هذا، فإنه

ص: 121


1- عباس محمود العقاد (1889 - 1964 م)
2- التفكير فريضة إسلامية، عباس محمود العقاد، ص 40

وبالتحقيق الدقيق من خلال شرح وتحليل وتفصيل هذا الكتاب من قبل الشيعة والسنة كابن ميثم البحراني وابن أبي الحديد والخوئي وغيرهم، ومن خلال ترجمته إلى اللغة الفارسية وإضافة هذا الكتاب إلى كلمات سائر الأئمة، نفهم السر في اكتساب الأفكار الفلسفية الشيعية تكاملاً وتطوراً جديداً، في البرهة التي توقفت حركة الفلسفة عن التطور في العالم السني بحيث لم تعد الفلسفة السنية فلسفة حية)(1).

فهو يريد بهذا النص ان يحقب للفلسفة والعرفان، وذلك بالاعتماد على نصوص كتاب (نهج البلاغة)، وهذا لا يفهمه إلا العارف بالفلسفة، والمتبحر في الحكمة، والمدرك للعرفان الحقيقي.

4- الكاتب والمفكر الامريكي (لكن هاوسن):

الكاتب والمفكر الأمريكي (لكن هاوسن)(2) الذي قال عن نهج البلاغة:

(عندما قرأت نهج البلاغة الذي جمع فيه الشريف الرضي بعضاً من كلام الإمام علي، وقد أعجبتني شخصية الإمام علي السياسية والعرفانية والاجتماعية)(3).

هو إعجاب مشوب بشيء من الحب والاحترام، فالذي يقرأ كلام الإمام علي

ص: 122


1- مجلة الفكر الإسلامي، العدد 164، سنة 4، شوال. ذو الحجة 1417 ه، أذار. أيار 1997 م، ص 175. 176
2- محمد لكن هاوسن أو (ليكنهاوزن) مفكر كاثوليكي امريكي واستاذ جامعي، ولد في امريكا سنة (1953 م) حصل عى شهادة البكالوريوس في الفلسفة من جامعة ولاية نيويورك، وحصل على شهادة الماجستير والدكتوراه في الفلسفة ايضاً من جامعة (رايتس) في ولاية تكساس، أعتنق الإسام سنة 1984 م وأصبح اسمه (محمد)، له كتاب (الإسلام والتعددية الدينية)
3- موقع نهج البلاغة: WWW. BALAGHAH.NET

(عليه السلام) يتيقن بأنه كلام لا يشبه كلام المخلوقين ابداً، وسيشرب حب أمير المؤمنين في قلبه، لما سيلمسه من عبارات إنسانية صادقة، تصدر عن حكيم، وناصح، ومعلم، وقائد، ورسالي، ومصلح.

ان كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وبحق يشبه الترانيم الملائكية، والقصائد التي تفيض تعابيراً وصفية جميلة وشاعرية، ويشبه صوت الآذان الصادح بالتوحيد الإلهي.

إن كل من قرأ نهج البلاغة. من العقلاء. قد أيقن بأن علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو الرجل الإلهي على الأرض. انه المنقذ الذي لم يعرف أهل زمانه مكانته وقدره.

فهو (عليه السلام) القائل: ((أيها الناس إني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ الأنبياء بها أممهم، وأديت إليكم ما أدت الأوصياء إلى من بعدهم... أتتوقعون إماماً غيري يطأ بكم الطريق ويرشدكم السبيل...))(1).

انها كلمات الإمام (عليه السلام) في نهج البلاغة، والذي يقول فيه الأديب المسيحي اللبناني (نصري سلهب)(2): (لو قدر لنهج البلاغة من ينقله، روحاً ومعنى إلى بعض لغات الغرب، لأخذ علي مكانة بين أعظم المفكرين الذين خاطبوا القلوب والعقول والضمائر ليرقوا بها إلى ملكوت الله، ذلك الملكوت الذي لا يزال، حيث تنعم النفس بخلود أبدي في حضرة الله)(3).

ص: 123


1- نهج البلاغة، خطبة (180)
2- نصري سلهب (1921 - 2007 م)
3- في خطى علي، نصري سلهب، ص 41 و 42 و 323

نعم، ان من يقرأ نهج البلاغة لن يعجب بكلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل ستعجبه شخصية الأمير كذلك، كما صرح بذلك (لكن هاوسن) وغيره ممن أعجبته تلك النفس والروح الإلهية لأمير المؤمنين (عليه السلام).

و (لكن هاوسن) لن يكون المعجب الأول ولا الأخير بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

فهذا الفيلسوف والكاتب والمستشرق الإنكليزي (توماس كارليل)(1) يقول عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): (أما علي فلا يسعنا إلا أن نحبه ونعشقه، فإنه فتى شريف القدر، عالي النفس، يفيض وجدانه رحمة وبراً، ويتلظى فؤاده نجدة وحماسة، وكان أشجع من ليث، ولكنها شجاعة ممزوجة برقة، ولطف، ورأفة، وحنان)(2).

نعم، فإن الإنصاف لا يُحدد بدين، أو بلد، أو لون، أو لغة، ذلك ان الانصاف هو صفة العقلاء، وهو أساس الإنسانية، ومن دون ذلك فلا (أمانة)، ولا (صدق)، ومعهما فإن للإنصاف رجالٌ تنطق به.

5- المستشرق الانكليزي (سيمون اوكلي):

لقد كتب المستشرق الانكليزي (سيمون أوكلي)(3) كتاباً بعنون (تاريخ

ص: 124


1- توماس كارليل أو كارلايل (1795 1881 م)
2- محمد المثل الأعلى، توماس كارليل، ص 34
3- سيمون أوكلي (1678 - 1720 م) قس مدينة كامبرج، درس العربية، اصدر في العام (1708 م) كتابه (غزو السراسنة لسوريا وفارس ومصر) بدت صورة الرسول (ص) مشوهة في كتاباته لأنه سار عى أثر (همفري بريدو) (1648 - 1720 م) في تصويره لطبيعة الإسلام وسرة الرسول (صلی الله علیه و آله)

المسلمين) ضمَّنه فصلاً في (كلمات قصار لعلي بن أبي طالب)(1) اقتبسها من كتاب اسماه ب-(ربيع الأخبار)(2) وترجمها إلى الانكليزية، وقدم لهذا الفصل بمقدمة انتقد فيها بعض المظاهر السائدة في المجتمع البريطاني آنذاك من قبيل الانغماس في المظاهر المعاشية والامور الكمالية كموضة الزي والأثاث وغيرها، وأشاد بالشرق وخاصة العرب لعنايتهم بالكلام، وخاصة (الحكم والأمثال)، التي تعكس عمق تجربتهم.

لقد تطرق (سيمون أوكلي) إلى (الحِكم العلوية) قائلاً: (إن في هذه الكلمات القصار ما يكفي لتخليص العرب من تهمة الجهل التي ألصقتها بهم التقليعات الحديثة)(3).

وعن ذلك نقول:

أولاً: ليتخلص جل العرب من التشكيك بالحِكم التي قالها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والتي جمعت في كتاب نهج البلاغة.

ثانياً: لينصفوا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وبالخصوص إزاء الهجمة التي شنت ضده قديماً وحديثاً ولازالت.

ثالثاً: ليدرسوا ويعرفوا ويبحثوا عن مكانته (عليه السلام) في المنظومة الإسلامية.

ص: 125


1- المستشرقون، العقيقي، ج 2، ص 46
2- ربما يكون كتاب (ربيع الأبرار ونصوص الأخبار) لجار الله الزمخشري (ت 538 ه)
3- جمل علي (حكمة الشرق)، سيمون أوكلي، ص 10

رابعاً: ليرجعوا إلى أحاديث النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بحقه، حتى يتبين لهم أحقيته.

بعد ذلك عليهم. أي العرب. التوجه نحو كلامه وحكمه (عليه السلام) ليتخلصوا بفضلها من تهمة الجهل. بحسب تعبير اوكلي. التي وصموا بها.

اليس هو القائل (عليه السلام): ((... أَنْ مَحَلِّی مِنْهَا مَحَلُّ اَلْقُطْبِ مِنَ اَلرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي اَلسَّيْلُ ولاَ يَرْقَى إِلَّیَ اَلطَّيْرُ...))(1).

في تبيين وتوضيح مكانته في المنظومة الإسلامية، والتي ورغم توضيح رسول الله (صلى الله عليه وآله) لها، وتوضيحه هو (عليه السلام() لها، إلا ان الآذان مغلقة، والأفئدة منكوسة، والعقول مفقودة.

بهذا الصدد يقول (البيهقي)(2): (ما ظنك بكلام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو كلام إذا لحظه الطرف رأى حقائق العلم المكنون، وإذا تصفحه الخاطر جنى ثمرات السر المخزون. حتى قال عمرو بن بحر الجاحظ: وددت أني أعطيت جميع مصنفاتي، وقطعت أنسابها عنّي، وأخذت بدلها ثلاث كلمات منسوبة إلى علي بن أبي طالب وصارت منسوبة إلي)(3).

نعم، فهو كلام ترى من خلاله حقائق العلم المكنون، وتجنى منه ثمرات السر المخزون، وهذا إيجاز جميل وبديع لوصف كلام أمير المؤمنين (عليه السلام).

ص: 126


1- نهج البلاغة، الخطبة الشقشقية
2- البيهقي: ظهير الدين علي بن زيد البيهقي (499 - 565 ه) من مشايخ ابن شهر آشوب
3- معارج نهج البلاغة، البيهقي، ص 110

6- المستشرقة الايطالية (لورا فيتشيا فالييري):

بطلب من جمعية أحباء ايطاليا القت الاستاذة لورة فيسيا فاغليري(1) بقاعة القنصلية الايطالية محاضرة عن كتاب (نهج البلاغة) حضرها جمع كثير من العلماء والأدباء والطلبة، كما وان لها كتاباتٍ عن كتاب (نهج البلاغة) يجب عدم الغفلة عنها(2).

قدّمها لألقاء الكلمة الاستاذ الشيخ الفاضل (محمد الطاهر بن عاشور)(3)، ومما قال في تقديمها: (قد اختارت الاستاذة في محاضرتها موضوعا من المواضيع التي تثقفت فيها؛ فقد كانت هذه الاستاذة متخصصة في دراسة العهد العلوي ودراسة شخصية الامام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وخلافته وآدابه، وهي اليوم تتولى عرض بحث يرجع الى تمييز القيمة الفنية لكتاب نهج البلاغة وتمحيص ما فيه من النصوص التي تفضل أنها صحيحة النسبة للإمام علي والنصوص التي تخول كغيرها من الباحثين العرب والمستعربين القدماء والمحدثين الى انها ليست صحيحة النسبة الى الامام علي)(4).

مع موضوع البحث:

إن المستشرقة الايطالية (لورا فيتشيا فالييري) قالت مبتدأة كلامها عن كتاب

ص: 127


1- لورة أو لورا فيسيا فاليري أو فاغلري (1893 - 1989) مستشرقة إيطالية، أهتمت بالتاريخ الإسامي وبفقه اللغة العربية وآدابها
2- المستشرقون، العقيقي، ج 1، ص 466
3- محمد الطاهر بن عاشور (1879 - 1973) عالم وفقيه تونسي
4- مجلة الفكر التونسية، العدد (2) السنة 1958

(نهج البلاغة) بما نصه: (كم كان سروري عندما دعاني حضرة صاحب السعادة سفيرنا المفوض الى القاء محاضرة بين حضراتكم، تلك هي فرصة سنحت لزيارة بلدكم الذي يهواه نفسي وان اعتلاني الخجل واحاطني الوجل من الخطابة بلغة تنطقونها بكيفية تتعسر على امثالي غير ان لطافتكم التي احاطتني قد ازالت عني كل خجل ووجل، فاشكركم من اعماق نفسي على حفاوتكم ومجاملتكم. وها انا ذي احدثكم عن نهج البلاغة، احدثكم بكل بساطة حذرا من ان يطبق علي قول الشاعر:

كالهر يحكي انتفاخاً سورة الاسدِ.

فقبل ان استهل الموضوع التمس من حضراتكم الاصغاء الى ذكر الاسباب التي دعتني الى الاهتمام بالبحث عن كتاب قد لا تستساغ قراءته.

ولا ندري أكان ذلك من صعوبة ادراكه، او من كثرة المواعظ الموجودة فيه.

وكما تعلمون ان الناس قد لا تحب ان توعظ او تذكر الاخرة وما ينتظر المذنبين فيها من سوء الوعيد، كنت اعلم ان الشيعة اعتبرت (كتاب نهج البلاغة) كتالي القرآن الكريم والحديث النبوي وكما كنت اعلم ان اهل السنة يعظمونه وخصوصا بعد ان اهتم الامام الشيخ محمد عبده ببعثه من مرقده وها قد اصبح الشبان في المدارس يحفظون منه نبذا.

ومن جهة اخرى، كنت اجد هذا الكتاب مهملا في مؤلفات المستشرقين وبحوثهم باعتباره مزّورا ثم قرأت ما كتبه الاستاذ عبد الجليل القائل: ليس هناك اسباب تحمل على رفض كل ما انطوى عليه الكتاب رفضا قاطعا، وان بحثا دقيقا

ص: 128

منصفا قد يؤدي الى تمييز المزور والاكتشاف الحقيقي فأثرت عليَّ هذه الكلمة واخذت تطارح خلدي.

وبينما كنت مشغولة بالتنقيب عن الحوادث الواقعة في عهد خلافة ابي الحسن علي بن ابي طالب اذ عثرت على صحف شتى من الكتاب فلاحظت انطباقها على نصوص المؤرخين القدماء.

فقلت لنفسي ان وثقنا بهؤلاء المؤرخين وقبلنا ما ذكروه لنا فلم لا نعتبر هذه الصحف من الحقيقي ايضا؟ وتساءلت في نفسي: لم لا أحاول دراسة ما في الكتاب؟ فلو ثبتت صحة جزء منه على الاقل لكان ذلك نجاحا في العثور على شاهد كبير في النثر العربي يعد الثاني بعد القرآن الكريم.

فشرعت في دراسة الكتاب مباشرة واذ ذاك علمت ان مشكلة صحته قد شغلت اذهان علماء المسلمين من قبل وان الجدال والنزاع كان قد قسمهم الى ثلاثة فرق.

فكان فريق يدافع بحماسة عن صحة نسبة الكتاب الى الامام علي ولا يجيزون محاولة الجدال في امر صحته وفريق لا يعترف الا بصحة جزء منه وفريق بت في عدم صحة الكتاب باسره ويعتبره مختلقا.

ثم اطلعت على بحث اجراه باللغة الفرنسية احد علماء المسلمين حديثا. غير اني لا بد ان اصرح بعدم قبولي لأسلوبه الذي يختلف عن اسلوبنا معشر المستشرقين، وحتى لو وجدنا فيه ملاحظات تقتبس لأهميتها ودقتها.

ثم وضعت الكتاب امامي وقمت بترجمته. لان عملية الترجمة هي حيلة تساعد

ص: 129

الباحث على فهم فكرة المؤلف الاجنبي وخصوصا ان كان النص معقدا فإنها تجبر على التعمق.

غير اني قد اخطأت في بادئ الامر: فلقد اعتاد كل مصنف ان يستهل موضوعه بمقدمة كما اعتاد كل قارئ اهمالها وعدم الالتفات اليها. وكنت من بين هؤلاء الذين اهملوا مقدمة كتاب نهج البلاغة في بادئ الامر، ولنا الآن ان نسلك سواء السبيل معا ونحلل هذه المقدمة.

ولكن قبل ان نبدأ استأذن حضراتكم في فتح قوس: لقد اخبرنا ابن خلكان عن اختلاف الآراء حول من جمع كلام الامام هل كان الشريف الرضي ام الشريف المرتضى؛ غير ان الشك في الجامع لا مبرر له فلقد كان الجامع بلا شك هو الشريف الرضي وليس اخاه الشريف المرتضى. وسوف اعرض هذا وابسطه في مقالة سأنشرها عما قريب ان شاء الله تعالى، ولذا سوف لا اقصد من ذكر الجامع اثناء حديثي سوى الرضي.

فلنقفل القوس ولنعد الى مقدمة الكتاب. فالشريف الرضي. وهو الشاعر المشهور، الاديب المأثور عاش في النصف الثاني من القرن الرابع للهجرة. ذكر في سابقة الذكر انه قد ابتدأ في عنفوان شبابه في تأليف كتاب في خصائص الائمة يشتمل على محاسن اخبارهم وجواهر كلامهم غير انه ما اتم من هذه الخصائص سوى ما يخص امير المؤمنين علي بن ابي طالب فجاء في اخرها فصل يتضمن محاسن ما نقل عنه من الكلام القصير دون الخطب الطويلة والكتب المبسوطة فاستحسن جماعة من اصدقائه ما اشتمل عليه هذا الفصل المذكور معجين ببدائعه متعجبين من نواصعه فسألوه ان يؤلف كتابا يحتوي على المختار من كلام امير المؤمنين في

ص: 130

جميع فنونه ومتشعبات غصونه من خطب ومواعظ وآداب علما أن ذلك يتضمن من عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة وجواهر العربية وثواقب الكلم الدينية والدنياوية ما لا يوجد مجتمعا في كلام ولا مجموع الاطراف في كتاب الخ.

فأجاب الرضي مسالة هؤلاء معتمدا تبيين عظيم قدر امير المؤمنين في هذه الفضيلة فلنستخرج الآن زبدة ما ذكر...(1).

ما كان مراد الرضي من تأليف كتابه هذا؟ أولاً: كان غرضه ان يجمع نبذا. وما اهتم بجمع كل ما نقل عن ابن ابي طالب فإننا نجد خطبا ورسائل منسوبة اليه في بطون كتب اخرى فإذن قد اخطأ من قال ان كتاب نهج البلاغة يضم كل ما نقل عنه.

ثانياً: لم يكن غرض الشريف الرضي الا تأليف مجموعة للفصاحة العلوية ويؤيد هذا عنوان الكتاب نفسه (نهج البلاغة) كما تشير الى ذلك بعض العبارات التي تلي ما لخصناه من المقدمة يذكر فيها الجامع انه قد اجمع على اختيار محاسن الخطب فمحاسن الكتب ثم محاسن الحكم والآداب وان الغرض من هذه العملية هو ان يورد النكت واللمع لا التتالي والنسق.

وبهذه الكيفية قد خطط الرضي حدود عمله، اذ ليس بمجموعة نصوص الامام تتخذها الشيعة اساسا لمبادئهم المذهبية ومطامعهم السياسية، كلا بل هو كتاب ادبي محض.

ولو قمنا فيما بعد بمطالعة صحائف الكتاب لوجدنا في طيه من الادلة ما يزيد

ص: 131


1- مجلة الفكر التونسية، العدد (2) السنة 1958

وضوحا في ان الجامع قد اقتطف ما طاب له سواء كان ذلك من الطويل او القصير او الاقصر بحيث لا يكون خارجا عن حدود عمله وحيز غرضه فقد نرى كل قطعة من هذه المقتطفات متوجة بأحد هذه العناوين وهي (من خطبة له (عليه السلام)) او (من كلام له (عليه السلام)) الخ كما نراها متمنطقة الوسط بقول الجامع.. (ومنها) او (ومنه) وذلك بعد سطور معدودات من القطعة نفسها.

و اخيراً قد لاحظ ابن ابي الحديد الشارح المشهور قطعا قدمت كقطع ذات عنصر واحد وهي في الحقيقة مركبة من عنصرين او اكثر ثم قال ان الجامع قد ذهب الى ذكر البليغ من كلام امير المؤمنين ولا غير. فكانت كلمة الشارح للجامع كتزكية(1).

أكان كشف النقاب عن كل هذا امرا ضرورياً؟ نعم كان ضروريا لأنه بمساعدة ما ذكرته قد نستطيع معرفة سبب غرابة هذا الكتاب وغموض بعض مواضيعه.

ان العصر الذي عاش فيه الرضي لهو القرن الرابع للهجرة ومما عرف عن أدباءه انهم كانوا يتسابقون الى النسق ودقة الصناعة والزخرفة اكثر من التفاتهم الى اشباع الموضوع. ذلك القرن شاهد موكب النثر المزخرف اثناء سيره في طريق الانتصار.

فبهذا قد اتضح لنا السبب الذي حمل مؤلفنا على جمع وثائق لغوية عتيقة غنية بزخارف البلاغة وعجائب الفصاحة ان ذلك لهو المبدأ الذي تحكم في كتاب نهج البلاغة وسيطر عليه، هو العثور على رشيق الاسلوب وجميل الصيغة وغريب

ص: 132


1- مجلة الفكر التونسية، العدد (2) السنة 1958

المفردات ونادر الجمل وبديع المجاز.

سبق ان نوهت بغرابة الكتاب وربما ظن بعض حضراتكم اني لم انصف، فما هي علامات تلك الغرابة؟ ان عدم وجود ترتيب وتعقيب اول ما، يلاحظ اللهم الا ما كان من فصل الجامع للخطب عن غيرها كالرسائل والحكم، ففي هذا انه لرتب وعقب. وما سوى ذلك فكان ممزوجا؛ فقد مزج طويل انبذ بقصيرها واقصرها كما مزجت السياسة بالوعظ والوصف. كذا لم يلتفت الجامع الى سابقية الحوادث. فمخاصمة امير المؤمنين لأعدائه قد سبقت مثلا رثاءه لفاطمة الزهراء حين دفنها وهلم جرا.

وقد ذكر في آخر الكتاب ان الرضي انتهى من جمعه سنة اربعمائة للهجرة ثم توفاه الله سنة ست واربعمائة واشتغل خلال هذه السنوات الستة الاخيرة بما قد وكل اليه من المناصب فتساءلت عما اذا كان الكتاب قد أُتم عند مماته ام لا. فلننقل الان الى بحث الكتاب من الباطن بعد ان فحصناه من الظاهر.

ذكرت ان ابن خلكان قد شك فيمن جمع الكتاب. غير اني لم اذكر انه أضاف الى ذلك الشك مخبرا عن اتهام علماء وقتئذ لصحته (صحة نسبته الى امير المؤمنين) (فقد قيل انما الذي جمعه ونسبه اليه هو الذى وضعه والله اعلم).

فتبين ان اعظم الشكوك هو الشك في صحة نسبته وخاصة من اهل السنة قد وقع.

واما الشيعة فقد اجمعوا على صحته بتمامه او اعترفوا عن غير رضى بوجود المدسوس فيه مما لا صلة له بعليّ وقد تسرب ذلك الى نهج البلاغة بقدر الى الحديث

ص: 133

لشريف.

فلنفتح الكتاب ونستهل قراءته: الحمد لله الذي يبلغ مدحتَه القائلون. ولا يحْص نَعماءه العادون. ولا يؤدي حقه المجتهدون. الذي يدركه بعْد الهمْم. ولا يناله غَوْص الفطن. الذي ليس لصفته حد محدود. ولا نعت موجود. ولا وقت معدود ولا اجل ممدود...الخ.

رحماك ربي قد بدأ الشك يتسرب الينا ايضا ويسري في قلوبنا. فما اوقع هذا السجع وما اضبطه.

فلنواصل قراءتنا: اول دينه معرفته. وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده. وكمال توحيده الاخلاص له. وكمال الخلاص له نفي الصفات عنه.

لشهادة كل صفة انها غير الصفة. فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه. ومن قرنه فقد ثنّاه. ومن ثناه فقد جزّأه...الخ.

أهذه القطعة شهدت عهد عليّ؟ كلا، ان هذه القطعة الكلامية في توحيد الله لم تُخلق في عهده مطلقا وما ولدت الا بعده غير ان ما قرأناه هو اول ما في الكتاب فقد نعتبره كمقدمة اضيفت الى الاصل فيما بعد. فلنترك هذا ونقرأ قطعة اخرى:

الحمد لله الذي لم يسبق له حال حالا. فيكون اولا قبل ان يكون آخرا، ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا...الخ(1).

فما اكثر الافكار الفيلسوفية في هذا القطعة ولنقرأ نبذة اخرى:

ص: 134


1- مجلة الفكر التونسية، العدد (2) السنة 1958

وبسطتم يدي وكففتُها. ومددتموها فقبضتُها. وتداككتم علي تداكَ الابل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى انقطعت النعل. وسقط الرداء. ووُطىء الضعيف وبلغ من سرور الناس بيعتهم اياي ان ابتهج بها الصغير. وهدج اليها الكبير.

وتحامل نحوها العليل. وحسرت اليها الكعاب.

فاين السجع هنا؟ اللهم الا ما كان عفوا عن غير قصد مما لا يعرف النسق والمبالغة بحال وما وجد في هذه القطعة سوى وصف بسيط ولم لا نصرح بقدم مثل هذه القطعة؟ فربما صحت ايضا نسبتها الى الامام علي. لم لا؟ قد تشيع بعض الباحثين ومنهم نفس الشارح ابن ابي الحديد لوحدة الاسلوب (اسلوب الكتاب من اوله الى آخره) اما رأيي فهو عدم وحدة الاسلوب.

فاصغوا الى هذه القطعة التالية التي يقرأها الدكتور (روستكو) نيابة عني:

كبس الارض على موْر امواج مستفحلة، ولجج بحار زاخرة تلتطم اواذيّ امواجها وتصطفق متقادفات اثباجها وترعو زبدا كالفحول عند هياجها، فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها، وسكن هيج ارتمائه اذ وطئته بكلكلها، وذل مستخذيا اذ تمعكت عليه بكواهلها فاصبح بعد اصطخاب امواجه ساجيا مقهورا، وفي حَكَمة الذُل منقادا اسيرا وسكنت الارض مدحوّة في لجة تياره، ورَدّت من نخوة بأوه واعتلائه وشموخ انفه وسمو غلوائه وكعمته على كُظُة جريته فهمد بعد نزقاته ولبد بعد زيفان وثباته ولما سكن هياج الماء من تحت اكنافها وحَمْل شواهق الجبال الشُمّخ على اكتافها فجّر ينابيع العيون من عرانين انوفها، وفرّقها في سهوب بيدها واخاديدها وعَدَلَ حركاتها بالراسيات من جلاميدها وذوات الشناخيب الشمّ من صياخيدها وسكنت من الميدان لرسوب الجبال في قطع اديمها وتغلغلها متسربة في

ص: 135

حبوبات خياشيمها وركوبها اعناق سهول الارضين وجرائيمها وفسح بين الجو بينها واعد الهواء متنسما لساكنها وأخرج اليها اهلها على تمام مرافقها ثم لم يدع جُرُز الارض التي تقصر مياه العيون عن روابيها ولا تجد جداول الانهار ذريعةً الى بلوغها حتى أنشأ لها ناشئة سحاب تُحْيي مواتها وتستخرج نباتها، الفّ غمامها بعد افتراق لمعه وتبايُن قزعه حتى اذا تمخضت لجة المزن فيه والتمع برقه في كففه، ولم ينم وميضه في كنهور ربابه ومتراكم سحابه، ارسله سحَّا متداركا قد اسفّ هْيْدبهُ تمريه الجنوب درر اهاضيبه ودقع شآبيبه...الخ.

واظنكم توافقوني ومَن حكم على حداثة امثال هذه القطعة لإحكام صناعتها ودقتها.

يقول ناكرو النسبة: ان الطريقة العددية في شرح المسائل كتقسيم الفضائل والرذائل الى عدة عناصر لم يلتفت اليها ادباء الصدر الاول وفي كتاب نهج البلاغة امثلة عديدة لهذه الطريقة واذكر منها قوله:

الايمان على اربعة دعائم على الصبر واليقين والعدل والجهاد والصبر منها على اربع شعب...الخ.

ثم يقول ناكرو النسبة ان في الكتاب ما يشمّ منه ريح ادعاء صاحبه علم الغيب وان اعتقدت الشيعة في اهلية الامام لعلم الغيب فأهل السنة افردوا الله بذلك بدليل ما ورد في القرآن (لا يعلم الغيب الا الله) فلقد قرأت هذه التنبؤات فوجدتها في غاية من الغموض فتساءلت عما اذا كانت تنبؤات حقا ام لا.

وبما قد سبق من الامثلة والكلام قدّمُت اليكم الحجج الاساسية التي كانت في

ص: 136

متناول المتنازعين.

وعند وصولنا الى هذه النقطة من كلمتي لعل احدكم يقول في نفسه: لقد جاءت هذه المحاضرة بأشياء قد عرفناها من قبل، فما تقصد؟ فجوابي على حضرة المتسائل هذا: اني قد حضرت لا طرح شيئا جديدا على بساط البحث وذلك لاعتقادي ان العميل الذي قمت به لم يقم به احد سواي فقد استخرجت من الكتاب كل ما يحتوي عليه من المواضيع السياسية المتعلقة بالحوادث التاريخية ثم ترجمتها فأدرجتها حسب التسلسل التاريخي ثم درستها. فهذا عمل قد تبينت لي اهميته وان لم اتممه حتى الآن. لأنه مكنني من ايجاد بعض الملاحظات مثلا:

اول شيء لاحظته ان الذي يرجع الى اقدم عهد من حياة ابن ابي طالب ما هو الا القليل النادر وهذا ان لم يكن بمقدار حجة تامة على صحة النسبة فقد يكون شبه حجة على الاقل. لأنه لو اراد احد تزوير هذه الوثائق لقام بتزوير كل ما انطوى عليه عهد الامام. وانما كثرة ما ورد من قطع تتعلق بما حصل بعد ان بويع له بالخلافة تدل على ان اهتمام الناس بحفظ كلامه نشأ ونما حسب ارتفاع منزلته.

ولي ان اقول ايضا: ان ترتيب المقتطفات حسب تسلسل التاريخ قد جعلني أسقط بعضا من تعاليل مَن ذهب على عدم الصحة القائلين: وكيف يمكن وقوع الطعن في بعض صحابة رسول الله بما لا يليق من مثل الامام عليّ؟ وقالوا: لو ان عليّا لم يستحسن كيفية بيعة من سبقوه بالخلافة. كما ورد في الخطبة المسماة بالشقشقية. فكيف له ان يمدح عمر بن الخطاب ويتغالى في رفعة شانه كما ورد في خطبة اخرى، فإذن تضاد هذه المقتطفات، مما يحرضنا على الشك في صحتها،

ص: 137

ولكن، ايها السادة، الزمان وتطوراته هي حقيقة واقعية ولا بد للباحث من ان يقدر تغير الظروف فيجب فحص مقتطفات نهج البلاغة بعد ان وضعت مسلسلة حسب تطورات الحوادث التاريخية اعني بعبارة اخرى ان عليّا بعد ان بويع له بالخلافة وبعد ان اضطر الى مواجهة معارضيه بحد السيف تمكن من التصريح بما كان كامنا في نفسه او بما لم يتكون في باله قبل.

ثم من المعروف النزاع السياسي قد يدفع الى العنف لفظا وخّطا وقد اخبرنا المؤرخون من العرب عن مقدار الاهواء التي انطلقت من عقالها في عهدي خلافة عثمان وعليّ وقد وصلنا ما حفظوه لنا من الوثائق وان اختبرنا تلك النبذ على ضياء التاريخ فيتلاشى التضاد في الواقع وعندما عاودت قراءة هذه النبذ درسا تبين لي جليا ما قد احسست به اثناء سرادتي الاولى وهو رجوعها الى عهد قديم جداً.

فإن وجدنا بعض جمل تثير الشك في قدمها فمن المحتمل ان تكون من التحشية وهذا لا يجيزنا على رد القطعة باسرها باعتبارها مستحدثة.

وقد صرح جرجي زيدان بان المقتطفات السياسية في كتاب نهج البلاغة ترجع الى علي غير انه لم يبرز ادلة على صحة ما تبين له. ثم من ذوات الاهمية ان ما يتوسم بالطابع الشيعي من النصوص في نهج البلاغة وهذا القليل النادر - لهو من المبهم الغامض، ولعل سبب هذا هو اهتمام الجامع بعرض الفصيح كما ذكرنا، غير اني اعتقد انه من داع آخر، وهو قدم المقتطفات نفسها.

قد لاحظ الباحث الحديث الذي اومأت اليه بان الكتاب يضم قطعا تنطوي على اراء تتماشى مع اراء الامامية والاسماعيلية واهل السنة وغيرهم ثم قال «ان

ص: 138

لهذه الآراء اصلا في مذهب الامامية او في مذهب الاسماعيلية او في مذهب «السنة» وما الذي يستنتج من هذا القول لا بد ان يستنتج منه ان القطع التي تضم لم تتكون في عهد علي وما انشقت وتفرعت الا فيما بعد فكأنما كانت لبا ثم نمت وتطورت وتميز بعضها عن بعض وضبطت. لذا نجد ان الآراء الموجودة في نهج البلاغة لا تسن اتجاها معينا لأنها سابقة لتكوين المذاهب نفسها.

والاسلوب الذي يجب ان يتخذه نقاد التاريخ هو اعتبار الآراء وقت حدوثها وعدم تطبيق ما حدث فيما تأخر على ما وقع فيما تقدم.

ومما ينبغي علينا ان نذكره هو ان الرضي كان شيعيا يعيش في عهد بني بويه وهم ايضا من الشيعة وكان بأيديهم مقاليد الامور باستئثارهم على الخلفاء انفسهم ولذا كان في وسع الرضي ادراج ما يتماشى مع قومه مذهبا ومطمعا ولكنه لم يفعل ولماذا لم يفعل؟ لأنه رجل نزيه وما وجده منقولا عن الامام من تصريحات سياسية انما كانت بصيغة التخصيص. ولأمانته ونزاهته تعفف عن تبديله وادراج ما يرضي قومه فيه.

ويمكنكم ان تسألوني عن الثقة التي بيني وبين الشريف الرضي وعن سببها وهي تخالف وجهة شك ابن خلكان وعادة بعض الرواة من العرب فيما مضى وهي تأليفهم للشعر وتنميته الى بعض شعراء الجاهلية مثلا. كما انهم يختلقون الاحاديث حسب شهواتهم ثم ينسبونها الى رسول الله. نعم لقد كان كذلك حقا غير انه كان دائما لغرض ما(1).

ص: 139


1- مجلة الفكر التونسية، العدد (2) السنة 1958

ما هو غرض الشريف الرضي؟ سأقص عليكم بعضا من خصائصه التي بها يمكنكم الحكم لشخصيته:

كان الرضي ينحدر من سلالة علوية كريمة تنتمي الى الامام السابع الا وهو (موسى الكاظم) (عليه السلام) وهذا من جهة ابيه واما نسبه من جهة امه فكان علويا ايضا وكان احد اجداده ملكا في القوقاز.

فلقد استلم الرضي ما كان بيد والده من المناصب رغم حداثة سنه وصغره عن اخيه المرتضى. فكان نقيب الطالبيين وناظر المظالم وامير الحج وكرمه بهاء الدولة البويهي ورفع منزلته فأتحفه بأنبل الالقاب كما صاحبه واخلص له الخليفتان الطائع والقادر.

وحاصل هذا ان الرضي قد وصل الى اعلى القمم فتمكن من نظم هذه الابيات:

عطفا امير المؤمنين فإننا *** في دوحة العلياء لا نتفرق ما بيننا يوم الفخار تفاوت *** ابدا كلانا في العلاء معرق الا الخلافة شرفتك فإنني *** انا عاطل منها وانت مطوق فرد عليها الخليفة بقوله: على رغم انف الشريف وكان الرضي ثريا وتحمله لنفقات دار العلوم التي اسست في بغداد دليل على ثروته. وكان مشهورا لنبوغه في الشعر.

الم يذكر معاصره الثعالبي انه (الرضي) اشعر الطالبيين وربما اشعر قريش؟ وكان معززا بكثرة الاتباع والاصحاب. ألا يدل على ذلك بقاؤه في المناصب رغم اضطراب الآونة؟

ص: 140

غير ان الذي اريد احياءه هو علو همته وحرصه على استقلال ذمته وآرائه فانه لم يقبل صلات من احد حتى من بني بويه. ولما خلع بهاء الدولة الخليفة الطائع عنفا تجاسر الرضي على اظهار حزنه وذم السلطان وما اجسره عندما رثى الخليفة بعد وفاته بالحبس اذ كان الظالم هو بهاء الدولة حاميه وكان حريصا على تنفيذ ما كان عليه من الواجبات وكان يوصف بالإفراط في عقاب المذنب من اهله وله حكايات في ذلك منها ان امرأة علوية شكت اليه زوجها وكان مقامرا فامر الرضي بضربه مئة جلدة. فصاحت المرأة يتم اولادي فأجابها بقوله: اظننت ان افعل به كما يفعل المؤدب مع اطفاله؟ اذن كان الرضي قادرا غنيا اعتلى قمة الشهرة لنبوغه الشعري، رقيق الحس كريم الخلق. لا يشف عنه اي غرض سياسي مما قام بجمعه في كتابه بل بالعكس فقد نجد فيه ما يخالف اراء الروافض الذين ينتمي اليهم الرضي بعينه واضف الى هذا ان كثيرا من النصوص التي اقتطفها كانت معروفة في بيئته وحينه. فهل كان في ارادته واستطاعته ان يبدل شيئا منها؟ كلا، ثم هناك تغيرات كثيرة في النصوص التقطها الرضي ودونها. ولأي داع كانت هذه المشقة؟ اني لأرى سر مسألة نهج البلاغة كامنا في جملة قصيرة تُقرأ في مقدمة الرضي حيث يتكلم عن كتابه الاول في خصائص الائمة فقد اخبرنا انه جمع محاسن ما نقل عنه عليه السلام من الكلام القصير.

اذن جمع الرضي ولم ينتقد ولو اخذ ينتقد ما تواتر النقل فيه فعلى ايّ يقف؟ اذ تيسرت التحشية وخاصة في السجع. فان الجملة تدعو اختها والاسم يدعو ما يرادفه والنعت يبقى على خشونته ان انفرد فيسعى الى تهذيب نفسه بما يوافق طبعه فقد اندفع

ص: 141

الرواة الى تنميق النصوص الصحيحة او القديمة بتنوعات ابتدعوها واستعذبها الجمهور ومن اعسر الامور القيام بتمييز صحيح النسبة او العتيق مما زيد عليه.

وان كنت اعتقد ان في استطاعتي القيام بهذه العملية فيما يخص الجزء السياسي وذلك بمساعدة الرجوع الى ما نعرفه من الحوادث التاريخية فالباقي من الكتاب اسلّمه الى من هو اقدر مني على تلك المهمة مقتصرة على الاشارة الى مبدا واحد وهو كل رواية هي صحيحة بصفة عامة حتى يتبين انها باطلة. (لا تبتسموا من بساطة هذا المبدأ فانه من المُودة ان يشك في بادئ الامر ثم يفتش عن الحجج لتثبيت الصحة).

وبتطبيق المبدأ المذكور ارى ان الباحث يجْبر على حذف صحف كثيرة من كتاب نهج البلاغة رغم ملوسته وخصوصا المطول منه. ثم بعد الحذف يبتدئ ذلك العمل الدقيق الذي لا تمامه لا بد من معرفة عميقة بالنثر العربي وتطوره دراسة وذوقاً وقد سبق انه مما خرج من وسعي وفي اثناء العمل لن ينْسى شيء مهم جدا وهو ان شهرة فصاحة وبلاغة امير المؤمنين علي بن ابي طالب لا يُثبتها تواتر الاخبار فحسب بل كانت تُركّز على نصوص دارت بين الادباء وكفى بنا شهيدا ما حكى الجهشياري عن عبد الحميد الكاتب الشهير في اواخر عهد بني أمية احد واضعي فن الرسائل العربي وما يحكى عنه هو انه ابتدع اسلوبه بما درسه من بليغ ابن ابي طالب كما ان ابن نباتة ذلك الخطيب الذي شاعت شهرته لنبوغه في الخطابة قد اكتفى خطب عليّ واخذ منها، اذن لم تكن شهرة فصاحة علي توسيعا للإعجاب به لكونه ابن عم رسول الله وسابقيه في الاسلام وجهاده وامامته للمسلمين بل كانت اعجابا نشأ من وثائق تدرس وتقتدى.

فحري ان يجتهد في اكتشاف ما في نهج البلاغة من النصوص القديمة. هذه

ص: 142

النصوص التي في استطاعتها ان تزود الآداب العربية بأثمن الوثائق واعظم البراهين. بجانب القرآن العظيم. على مقدرتها وثروتها ونضوجها السابق لعهد اختلاط العرب بغيرهم من الامم.

و بالختام اضيف الى ما قد قلت: انه على الباحث ألا يقيس ما يجده في كتاب نهج البلاغة من الافكار والآراء المتداولة في المدينة لما كانت المركز السياسي لسكان جزيرة العرب فقط بل عليه ان يقيسها على بيئة المدينة التي ضمت عليا في نضوجه اعني في الوقت الذي اصبحت فيه المدينة عاصمة دولة كبرى؛ فلقد تحولت بيئتها وتغيرت عما كانت عليه واتسعت الافكار بفضل التحنيك الديني والسياسي والعسكري فلا عجب اذن من وجود اراء جديدة وافكار فريدة لان ذلك وليد تلك الزلازل وذلك الضجيج التي عرفها اهل المدينة مدة زادت على ربع قرن تلك هي الفترة التي بين البعثة ووفاة ابن ابي طالب(1).

إن كلام المستشرقة الإيطالية طويل جداً، وهو يحتاج إلى وقفات كثيرة جداً لمقاطع مهمة قد تعرضت لها، لكن وحتى لا يكون الكتب ككتب شرح المتون، وكتب الحواشي الكثيرة، سنترك كامل كلماتها للقارئ لكي يحللها، ويركز على موارد الانصاف منها لكتاب نهج البلاغة، وايراها أقول من شكك بالكتاب، ثم تعرضها لجامعه وهو (الشريف الرضي)، فهي قد تناولت الموضوع من كل جوانبه، وبحثها هذا يصلح أن يفكك ويستفاد من مطالبه في رسم أسس بعض القراءات الاستشراقية المنصفة.

ص: 143


1- مجلة الفكر التونسية، العدد (2) السنة 1958، نهج البلاغة (بحث)، المستشرقة لورا فيتشيا فاليیري، ص 211 - 230، ويراجع لذلك ايضاً: موقع نهج البلاغة WWW. BALAGHAH.NET

الخاتمة

قال تعالى: «خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِی ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ» (المطففين: 26).

في نهاية هذا البحث فإن لنا بعض التمنيات التي نسأل من الله تعالى أن يوفق لها القائمين على خدمة تراث أهل البيت (عليه السلام) عموماً، وتراث أمير المؤمنين (عليه السلام) والمتمثل بكتاب (نهج البلاغة) خصوصاً والتي منها:

1- الاهتمام الجاد والعملي بكتاب (نهج البلاغة) وعلومه، إذ أن في هذا السفر الخالد علوماً جمة لا تقف عند الجانب اللغوي والبلاغي فقط.

2- ترجمة تراث أهل البيت (عليهم السلام) إلى اللغات العالمية الحية، والذي يمثل منطق الاعتدال والتآخي في قبال خطابات التكفير والتهميش التي يطلقها من يتستر بالإسلام. مركزين على وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتاب (نهج البلاغة) والتي تحمل أرقى المعاني الإنسانية كوصيته إلى ولده الحسن (عليه السلام)، وكعهده إلى مالك الأشتر (رضوان الله عليه).

3- نشر ثقافة قراءة هذا السفر الخالد عند جميع شرائح المجتمع، من فهمٍ لمعانيه وحفظٍ لخطبه، في تسابقٍ حثيث وذاتي إلى ذلك، يبرز هويتنا في الإنتماء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).

4- إدخال هذا الكتاب العظيم ضمن المناهج الدراسية ليبدأ تدريسه تدريجياً من المرحلة الابتدائية وصولاً إلى الدراسات العليا بلا انقطاع في إي مرحلة من المراحل الدراسية ضمن جدول معد لذلك - تصاعدياً -، وإن كان ولا بد أن نبدأ بأضعف الإيمان، فلنبدأ بالمدارس والمعاهد والكليات الإسلامية الخاصة كخطوة أولى، إذ أن من بادر للخير لم يعدم التوفيق.

و الحمد لله رب العالمين

ص: 144

المصادر والمراجع

1- أدباء العرب في الأندلس وعصر الانبعاث، بطرس البستاني، دار نظیر عبود، دون طبعة، دون تاريخ.

2- أعيان الشيعة، السيد محسن الأمین العاملي، حققه وعلق عليه: السيد حسن الأمن، دار التعارف للمطبوعات، بروت. لبنان، 1986 م.

3- أكذوبة تحريف القرآن بن الشيعة والسنة، رسول جعفريان، تقديم: محمد عمارة، ممثلية الحج، قم - إيران، ط 1، 1412 ه.

4- الأدوات المعرفية، ليث العتابي، دار الولاء للنشر والتوزيع، بیروت. لبنان، ط 1، 2014 م.

5- الإسلام في الغرب، جان بول رو، تحقيق: نجده هاجر وسعيد الغز، المكتب التجاري للطباعة والنشر، 1960 م.

6- الإسلام والغرب حوار الحروف وصدام السيوف، راجي أنور هيفا، دار العلوم، بروت - لبنان، ط 1، 2010 م.

7- الإسلام وشبهات المستشرقين، الشيخ فؤاد كاظم المقدادي، مطبعة المعارف، قم - إيران، ط 1، 1425 ه.

8- الإمامة والسياسة، ابو محمد عبد الله بن عبد المجيد بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276 ه)، دار الأضواء للطباعة والنشر، بیروت لبنان، ط 1، 1990 م.

9- التبشیر والاستعمار في البلاد العربية، عمر فروخ ومصطفى خالدي، المكتبة العصرية، صيدا - لبنان، ط 1، 1995 م.

10- التشيع والاستشراق، الدكتور عبد الجبار الناجي، منشورات دار الجمل، بیروت - بغداد، ط 1، 2011 م.

11- التفكیر فريضة إسلامية، عباس محمود العقاد، منشورات المكتبة العصرية، صيدا - لبنان، دون تاريخ.

12- الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، رودي بارت، ترجمة: مصطفى ماهر، المركز القومي للترجمة، القاهرة - مصر، ط 1، 2011 م.

ص: 145

13- الدور الريادي للإمام الصادق (عليه السلام) في تدوين العلوم ونشرها، ليث العتابي، العتبة العلوية المقدسة، ط 1، 2014 م.

14- الشيعة في المشرق الإسلامي: تثوير المذهب وتفكيك الخريطة، عاطف معتمد عبد الحميد، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة - مصر، ط 1، 2013 م.

15- العلمانية والعصرانية: دراسة في ضوء الأسس الفلسفية والاجتماعية، طيبة ماهروزادة، تعريب: عبد الرحمن العلوي، دار الهادي، بیروت لبنان، ط 1، 2006 م.

16- الغدير (موسوعة الغدير في الكتاب والسنة والأدب)، الشيخ عبد الحسن الأميني (ت 1390 ه)، تحقيق: مركز الغدير للدراسات الإسلامية، بیروت لبنان، ط 1، 1425 ه.

17- القرآن بحث ودراسة، سهيل قاشا، دار العارف للمطبوعات، بیروت - لبنان، ط 1، 2001 م.

18- القرآن وكفى مصدراً للتشريع الإسلامي، أحمد صبحي منصور، الانتشار العربي، بیروت. لبنان، ط 1، 2009 م.

19- المستشرقون، نجيب العقيقي، دار المعارف، القاهرة. مصر، ط 3، 1964 م.

20- المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال، ابو حامد الغزالي (ت 505 ه)، دار الأندلس للطباعة والنشر، بیروت. لبنان، ط 6.

21- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية، محمد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي (ت 1350 ه)، تقيق وتدقيق: غالب الشابندر، راجعه: عي الخطيب، دون طبعة، دون تاريخ.

22- أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها، المحامي الأردني أحمد حسن يعقوب، مركز الأبحاث العقائدية، قم - إيران، ط 1، 1425 ه.

23- بحار الأنوار الجامع لدرر أخبار الأئمة الأطهار، محمد باقر المجلسي (ت 1111 ه)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت. لبنان، ط 1، 1425 ه.

24- تاريخ الأدب العربي، كارل بروكلمان، ترجمة: عبد الحليم النجار ورمضان عبد التواب، دار المعارف، القاهرة - مصر، ط 5، 1977 م.

25- تاريخ الدولة الإسلامية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية، يوليوس

ص: 146

فلهاوزن، ترجمة: عبد الهادي أبو ريد، دار بيبليون، بیروت - باريس، ط 1، 2010 م.

26- تاريخ العرب في الإسلام، الدكتور جواد علي (1907 . 1987 م)، منشورات الجمل، بغداد - بیروت، ط 1، 2008 م.

27 تاريخ الفلسفة الإسلامية، هنري كوربان، راجعه وقدم له: السيد موسى الصدر، دار عويدات للنشر والطباعة، بیروت. لبنان، 2004 م.

28- تاريخ حركة الاستشراق: الدراسات العربية الإسلامية في أوربا حتى بداية القرن العشرين، المستشرق الالماني يوهان فوك، ترجمة: عمر لطفي العالم، دار المدار الإسلامي، بنغازي - ليبيا، ط 2، 2001 م.

29- تشريح شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، تأليف: محمود الملاح، بعناية: سليمان بن صالخ الخراشي، منشورات دار الآل والصحب، الكويت - الكويت، ط 1، 2009 م 30- تفسر المنار (تفسر القرآن الكريم)، محمد رشيد رضا (ت 1354 ه)، مؤسسة المنار، القاهرة - مصر، ط 2، 1947 م.

31- تنبيه الأمة وتنزيه الملة، الشيخ محمد حسن النائيني (ت 1314 ه)، تعريب: عبد الحسن آل نجف، حققه: عبد الكريم آل نجف، مؤسسة أحسن الحديث، قم - إيران، ط 1، 1419 ه.

32- حقائق التأويل في متشابه التنزيل، الشريف الرضي _ت 406 ه)، دار الأضواء، بیروت. لبنان، 1986 م.

33- سنن الترمذي (الجامع الكبیر)، محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279 ه)، تحقيق: بشار عواد معروف، دار المغرب الإسلامي، بیروت لبنان، 1998 م.

34- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه)، مؤسسة الأعلمي، بیروت لبنان، ط 2، 2004 م.

35- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني (ت 679 ه)، قم. دفتر تبليغات إسلامي، 1362 ش.

36- شرح نهج البلاغة، الشيخ محمد عبده، دار المعرفة للطباعة والنشر، بیروت. لبنان، ط 4، 2004 م.

37- شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح، دار الكتاب المصري. القاهرة، ودار الكتاب

ص: 147

اللبناني. بیروت.

38- شروح نهج البلاغة 210 شرحاً، الشيخ حسن جمعة العاملي، مطبعة وزنكوغراف الفكر، بیروت. لبنان، ط 1، 1983 م.

39- شيخ المضیرة (ابو هريرة)، الشيخ محمود أبو رية (ت 1970 م)، مؤسسة الأعلمي، بیروت - لبنان، ط 1، 1997 م.

40- صراع الحضارات (صدام الحضارات)، صاموئيل هنتغتون (ت 2008 م).

41- صوت الإمام علي في نهج البلاغة، السيد حسن القبانجي، مؤسسة إحياء التراث الشيعي، قم - إيران، ط 1، 1427 ه.

42- ظهر الإسلام، أحمد أمین، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة - مصر، ط 1، 2012 م.

43- عبقرية الشريف الرضي، زكي مبارك، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة - مصر، ط 1، 2012 م.

44- عقيدة الامام ابن قتيبة، علي بن نفيع العلياني، مكتبة الصديق، 1991 م.

45- علم التاريخ، الكاتب والمؤرخ الانكليزي: ج. هرنشو، تعريب: عبد الحميد العبادي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة - مصر، ط 1، 1937 م.

46- على نهج محمد، كارل إيرنست، ترجمة: حمزة الحلايقة، الدار العربية للعلوم، بیروت، 2008 م.

47- عمدة الطالب في أنساب آل ابي طالب، جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة (ت 828 ه)، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، ط 2، 1960 م.

48- غوته شاعر ألمانيا الأعظم: مجموعة مقالات، جمع: محمد سعيد الطريحي، دارنينوى، دمشق. سوريا، 2010 م.

49- فتن المسلمين سببها الكتّاب والمؤرخون ووعاظ السلاطين، السيد والي الزامي، دار المتقن، قم - إيران، ط 1، 2007 م.

50- فجر الإسلام، أحمد أمین (ت 1954 م)، كلمات عربية للترجمة والنشر، القاهرة.

مصر، دون طبعة، دون تاريخ.

51- في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق، إبراهيم مدكور، سميركو للطباعة والنشر،

ص: 148

1983 م.

52- في خطى علي، نصري سلهب، دار الكتاب اللبناني، بيروت. لبنان، ط 1، 1980 م.

53- في نقد الحاجة إلى الاصلاح، محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بیروت - لبنان، ط 1، 2001 م.

54- كارل بروكلمان في الميزان، شوقي أبو خليل، دار الفكر المعاصر، بیروت. لبنان، ودار الفكر، دمشق. سوريا، ط 1، 1987 م.

55- لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، مكتبة المطبوعات الإسلامية، ط 1، 2002 م.

56- مائة كلمة من نهج البلاغة، الأديب اللبناني أمن نخلة، مطبعة العرفان، صيدا.

لبنان، 1930 م.

57- محمد المثل الأعلى، توماس كارليل، ترجمة: محمد السباعي، المكتبة الأهلية، بيروت.

لبنان، ط 2.

58- محمد رسول الله، تأليف: المستشرق الفرنسي آيتن دينيه وسليمان بن إبراهيم الجزائري، ترجمة عبد الحليم محمود ومحمد عبد الحليم محمود.

59- محمد في المدينة، المستشرق الانكليزي مونتغمري وات (ت 2006 م).

60- محمد والفتوحات الإسلامية، المستشرق الايطالي فرانشيسكو كبرييلي، ترجمة: عبد الجبار الناجي، منشورات الجمل، بغداد - بیروت، ط 1، 2011 م.

61- محمد والقرآن، المستشرق الألماني رودي بارت (1901 . 1983 م)، ترجمة: رضوان السيد، مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، الدار العربية للعلوم ناشرون، بیروت - لبنان، ط 1، 2009 م.

62- مختصر التحفة الأثني عشرية، تأليف: شاه عبد العزيز الدهلوي، تعريب: غلام محمد الأسلمي، اختصار وتهذيب: محمود شكري الآلوسي (ت 1342 ه)، تحقيق:

محب الدين الخطيب، نشر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد، الرياض. السعودية، 1405 ه.

63- مذاهب التفسر الإسلامي، اجانتس جولدتسيهر، دار بيبليون، باريس - بیروت، ط 1، 2010 م.

ص: 149

64- مصادر نهج البلاغة وأسانيده، السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، دار الأضواء، بیروت. لبنان، ط 2، 1985 م.

65- معارج نهج البلاغة، علي بن زيد البيهقي، تحقيق: محمد تقي دانش، قم. ايران، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1409 ه.

66- موسوعة المستشرقين، الدكتور عبد الرحمن بدوي (1917 . 2002 م)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بیروت - لبنان، ط 4، 2004 م..

67- نبوة محمد (صى الله عليه واله) في الفكر الاستشراقي المعاصر، لخضر شايب، دار العبيكان، الرياض، ط 1، 2002 م.

68- وفيات الأعيان وانباء ابناء الزمان، ابن خلكان البرمكي (ت 681 ه)، دار صادر، بییروت. لبنان، 1972 م.

المجلات والدوريات:

1- الجذور التكوينية للاستشراق في الاندلس، مجلة التوحيد، العدد (32)، ص 123 .

2- أثر نهج البلاغة في مصادر الفكر السياسي الإسلامي، محسن القزويني، مجلة أهل البيت (عليهم السلام)، جامعة أهل البيت، كربلاء. العراق، العدد الأول، ص 82. 135 .

3- مخططات الاستشراق، انور الجندي، مجلة منار الإسلام، العدد 7، السنة 14.

4- مجلة المجمع العلمي السوري، مجلد 18، ص 270.

العدد الأول، ص 82 - 135 .

المواقع الالكترونية: WWW.BALAGHAH.NET :1

ص: 150

المحتویات

مقدمة المؤسسة...9

المقدمة...11

التشكيك و المشككون في نهج البلاغة...17

مطاعن اثيرت على نهج البلاغة...22

من الذي جَمع نهج البلاغة؟...24

الشريف الرضي (رحمه الله) في سطور...26

لماذا سمي ب-(نهج البلاغة)؟...27

الاستشراق: مدخل عام...30

الاستشراق تاريخه و نشأته و اهتماماته...30

الأسس التي أعتمد عليها المستشرقون في قراءة التراث العربي الإسلامي...31

أولاً: الاعتماد على التراث الحديثي السني. ...31

ثانياً: الاعتماد على تراث العصور الوسطى...36

ثالثاً: الاعتماد على الكتابات غير الموضوعية للمستشرقين الأوائل. ...37

الجهد الاستشراقي بين المصلحة والإنصاف:...41

المستشرقون و دراسة التراث الإسلامي...43

أولا: المستشرقون و القرآن الكريم...46

ثانياً: المستشرقون و دراسة السيرة...51

ثالثاً: المستشرقون والتشيع...53

ص: 151

الإمام علي (عليه السلام) في دراسات المستشرقين...59

المستشرقون ونهج البلاغة مدخل عام...75

دراسات المستشرقين لكتاب نهج البلاغة...78

أولاً: المشككون به...78

1- المستشرق (هوار):...84

2- المستشرق الألماني (كارل بروكلمان):...87

3- المستشرق الفرنسي (ديمومبين):...90

4- المستشرق الفرنسي (لويس ماسينيون):...93

5- الراهب الفرنسي (م. فيغالي):...99

6- المستشرق الهولندي (جوينبل):...102

7- المستشرق الأمريكي (إدوارد فانديك):...104

ثانياً: المادحون له...106

1- المستشرق الفرنسي (نرسيسيان):...109

2- المستشرق الانكليزي (كرينو):...112

3- المستشرق الفرنسي (هنري كوربان):...118

4- الكاتب و المفكر الامريكي (لكن هاوسن):...122

5- المستشرق الانكليزي (سيمون اوكلي):...124

6- المستشرقة الإيطالية (لورا فيتشيا فالييري):...127

الخاتمة...144

المصادر و المراجع...145

ص: 152

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.