رواية فضائل الإمام علي علیه السّلام والعوامل المؤثرة فيها المراحل والتحديات

اشارة

رواية فضائل الإمام علي(علیه السّلام) والعوامل المؤثرة فيها

المراحل والتحديات

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 1190 لسنة 2018

مصدر الفهرسة :IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف : LC BP37.4 .H37 2018

المؤلف الشخصي :الحسناوي، ختام راهي مزهر.

العنوان : رواية فضائل الامام علي بن ابي طالب عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها : المراحل والتحديات/

بيان المسؤولية : تأليف الاستاذ الدكتور ختام راهي مزهر الحسناوي ؛ تقديم السيد نبيل الحسني.

بيانات الطبع : الطبعة الاولى.

بيانات النشر :كربلاء، العراق : العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي : 184 صفحة ؛ 24 سم.

سلسلة النشر :العتبة الحسينية المقدسة ؛ ( 396 ).

سلسلة النشر : مؤسسة علوم نهج البلاغة ؛ ( 145 ).

سلسلة الدراسات والبحوث العلمية( 13 ).

تبصرة ببليوجرافية : يتضمن هوامش، لائحة المصادر الصفحات ( 163 - 180 ).

موضوع شخصي : علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة- 40 للهجرة – فضائل – احاديث.

موضوع شخصي : علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة- 40 للهجرة – الخلافة – احاديث.

مصطلح موضوعي : الحديث - رواية – تاريخ.

مصطلح موضوعي : الحديث - رواية – تاريخ – العصر الاموي، 661 - 749 .

مصطلح موضوعي : الحديث - رواية – تاريخ – العصر العباسي – 749 - 861 .

مؤلف اضافي : الحسني، نبيل قدوري، - 1965 ، مقدم.

اسم هيئة اضافي : العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة – جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

رواية فضائل الإمام علي(علیه السّلام) والعوامل المؤثرة فيها

المراحل والتحديات

ص: 2

سلسلة الدراسات والبحوث العلمية وحدة الدراسات العقدية

(13)

رواية فضائل الإمام علي(علیه السّلام) والعوامل المؤثرة فيها

المراحل والتحديات

مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1439 ه - 2018 م

العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر (علیه السّلام)

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع: www.Inahj.org

Email: Inahj.org@gmail.com

تنويه: إن الأفكار والآراء الواردة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

بسِمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

«أمْ يحَسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتاَهُمْ ا لَّلهُ َمنِ فضَلْه»

صدق الله العلي العظيم (سورة النساء: الآية 54 )

ص: 5

قد شاعَ الخبرُ واستفاضَ عن الشّعبي (ت 105 ه) أنّه كان

يقول: «لقد كنتُ أسمعُ خُطباءَ بني أمية يسبُّون أميرَالمؤمنين عليَّ ابنَ أبي طالبٍ على منابرهم فكأنّما يُشالُ بضَبعهِ إلى السّماء، وكنتُ أسمعهم يَمدحون أسلافَهم على منابرهم فكأنّما يكشفون عن جيفةٍ».

الشيخ المفيد، الإرشاد، 1/ 310

ص: 6

الإهداء

إلى كُل مَنْ حَملَ لواء أمانة العلم وحِفظ الحقيقة...

إلى مَنْ واجهوا الأخطار

والمطاردة والتسقيط

وجادوا بأنفسهم

لحفظ التراث النبوي

في فضائل الإمام علي (علیه السّلام)

روايةً وتدويناً.

ص: 7

ص: 8

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فلم يزل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) منهلاً للعلوم من حيث التأسيس والتبيين ولم يقتصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية، بل وغيرها من العلوم التي تسير بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء

في قوله تعالى: «مَا فَرَّطْنَا الْكِتَابِ مِنْ شَیءٍ»(1) ، كذا نجد يجري مجراه في فی قوله تعالى: «وَكُلَّ شَیءٍ أحْصَيْنَاهُ فی إِمَامٍ مُبِينٍ »(2) ، غاية ما في الأمر أن أهل فی الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلين يجدون ما تخصصوا فيه حاضراً وشاهداً فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن والقوانين والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.

من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات العلمية

ص: 9


1- الأنعام: 38 .
2- يس: 12 .

المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب(سلسلة الدراسات والبحوث العلمية) والتي يتم عبرها طباعة هذه الكتب واصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه بغية إيصال هذه العلوم إلى الباحثين والدارسين واعانتهم على تبين هذا العطاء الفكري والانتهال من علوم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والسير على هديه وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.

وما هذه الدراسة التي بين أيدينا إلا واحدة من تلك الدراسات التي وفق صاحبها لبيان الأحداث وتدخل الحكام في كتابة التاريخ الإسلامي ورواية الحديث وغيرها من المعارف الإسلامية، ومنها (المناقبية) التي تباينت فيها الرؤى والمفاهيم ومصاديقها مما انعكس سلباً على هوية الإسلام، بل اسهمت في خلق بيئة متطرفة عكست صورة مشوهة عن حقيقة الإسلام؛ وذلك أن موضوع المناقبية لا يبحث موضوع تقييم الأشخاص وإنما مدخلية هذه المناقبية في تحديد مسار الشخص الأنموذج الذي يرجع إليه في اخذ المعارف والعلوم التي جاء بها القرآن الكريم والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله فاصبح الأعمى والبصير والعالم

والجاهل -بحسب- بعض المفاهيم المغايرة لمرتكزات القرآن الكريم في المناقبية مصدراً لتقرير الحلال والحرام وتحديد هوية الأمة ومسارها.

وعليه: تعد المناقبية موضوعاً متجدداً وذلك لبيان المنهل الذي ينهل منه الإنسان معارف دينه ونجاته في الدنيا والآخرة؛ فجزى الله الباحثة خير الجزاء على ما قدمته من جهد في خدمة الحق وأهله والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 10

توطئة:

اشارة

إن النقاش والموازنة في الفضل بين الصحابة قد جرى في وقتٍ مبكر من عمر الإسلام، استدعاه الظرف السياسي الذي أعقب وفاة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والخلاف بشأن مَنْ يتولى خلافة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الأفضل أم المفضول؟ ومع أن هذا النقاش الأولي كان تلقائياً وعفوياً في هذه القضية لم يصل إلى ما وصل إليه فيما بعد من اجتهادات بين الفرق والمذاهب الإسلامية إلا أنه كان الأساس الذي استندت إليه تلك الفرق في التقديم والتأخير.

وقد اعتمد أكثر أهل النظر في التفضيل بين صحابة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) على ثلاث طرق(1) :

إحداها: ظواهر الأعمال.

والثاني: السمع الوارد بمقادير الثواب، وما دلت عليه معاني الكلام.

والثالث: المنافع في الدين بالأعمال.

وبتعبير أكثر دقة حُددت خصال الفضل ووجوهه ب(2) : السبق إلى

ص: 11


1- الشيخ المفيد، تفضيل أمير المؤمنين، ص 36 .
2- الشيخ المفيد، الافصاح، ص 231 – 232 .

الإسلام، والجهاد بين يدي رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، والعلم بالدين، والإنفاق في سبيل الله جلّ اسمه، والزهد في الدنيا.

ومنازل الفضل تتحصل بشيئين (1):

أحدهما: خطير الأعمال التي يتعاظم معها مستحق الثواب.

والآخر: التفضل من الله تعالى والاختصاص، ولا لبس في أنه–سبحانه وتعالى–يختص برحمته من يشاء.

ونفهم مما تقدم أن المنزلة المقتضية للتفضيل تتأتى من: (تمييز وتفضل إلهي)، و(جهد شخصي) لسلوك طريق الخير، و((مطابقة الأفعال الارادية للقانون الأخلاقي أو مجموع قواعد السلوك المعترف بقيمتها))(2)

وهذا هو مضمون الفضيلة في علم الأخلاق.

وقد فصّل لنا الشيخ المفيد آراء أصحاب الفرق حتى عصره في تفضيل الإمام علي(علیه السّلام)(3) :

فقائل يقول: أن أمير المؤمنين علياً (علیه السّلام) كان أفضل من الكل في وقت الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ولم يساوه أحد بعد ذلك، وهم الشيعة الإمامية والزيدية وجماعة من شيوخ المعتزلة وجماعة من أصحاب الحديث.

وقائل يقول: أنه لم يبن لأمير المؤمنين في وقت من الأوقات فضل على سائر الصحابة يقطع به على الله عزّ وجل وتجزم الشهادة بصحته ولا بان لأحدٍ منهم

ص: 12


1- الكراجكي، الرسالة العلوية، ص 7.
2- صليبا، المعجم الفلسفي، 2/ 148 .
3- الشيخ المفيد، الفصول المختارة، ص 99 – 100 . ولمزيد عن آراء المتكلمين والأشاعرة في التفضيل ينظر: البغدادي، الفَرق بين الفِرق، ص 260 – 261 ، ابن حزم، الفصل، 4/ 181 – 183 .

فضل عليه، وهم الواقفة من المعتزلة.

وقائل يقول: أن أبا بكر كان أفضل من عليّ أمير المؤمنين في وقت الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وبعده، وهم جماعة من المعتزلة، وبعض المرجئة وطوائف من أصحاب الحديث.

وقائل يقول: أن أمير المؤمنين خرج عن فضله بحوادث كانت منه (1) فساواه غيره وفضَّل عليه من أجل ذلك مَنْ لم يكن له فضل عليه، وهم الخوارج وجماعة من المعتزلة.

ونلحظ مما أورده الشيخ المفيد أن أتباع مدرستي الاعتزال (البصرية

ص: 13


1- المقصود بهذه الحوادث: حرب الجمل سنة 36 ه/ 656 م ضد معسكر عائشة وطلحة والزبير، التي اقتضت أن يقاتل الإمام علي أهل القبلة، بعد أن نكثوا بيعته وبغوا وهددوا نظام الدولة وأملاك الرعية وحياتهم في البصرة، وحرب صفين سنة 37 ه/ 657 م ضد معسكر معاوية بن أبي سفيان الذي خرج على خلافة الإمام علي الشرعية وتمرد تحت ذريعة اتهام الإمام علي بإيواء قتلة الخليفة عثمان حيناً أو اتهامه بالقتل نفسه حيناً آخر، وحرب النهروان سنة 38 ه/ 658 م ضد الخوارج الذين رفضوا التحكيم في صفين ورفضوا خلافة الإمام علي وكفروه وهددوا أمن المجتمع الإسلامي. ولعل من أبرز المنظرين لسلب فضائل الإمام علي عنه وتقديم غيره عليه بذريعة سفكه للدماء هو المحدث الزهري (ت 123 أو 124 ه)، إذ روي عن عبد الرزاق عن معمر قال: سألت الزهري عن عثمان وعلي، أيهما أفضل؟ فقال: الدم الدم، عثمان أفضلهما، قال معمر: وكان يقول [أي الزهري]: أبو بكر وعمر وعثمان ثم يسكت. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 41 / 334 . وقد عمقت السلطة الأموية هذا البعد لدى فقهائها ورعيتها ولكي يتبين القارئ الكريم ذلك فليتأمل في هذا النص: قال سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبد الله قال ميمون بن مهران: ((كنت أفضّل علياً على عثمان، فقال لي عمر بن عبد العزيز: أيهما أحب إليك رجل أسرع في المال [يعني عثمان] أو رجل أسرع في كذا، يعني في الدماء؟ قال: فرجعتُ وقلت: لاأعود)).ابن حجر، تهذيب التهذيب، 4/ 198 .14

والبغدادية))(1) قد اختلفوا في التفضيل: فقال قدماء البصريين أن أبا بكر أفضل من علي(علیه السّلام) وهؤلاء يجعلون ترتيب الخلفاء الأربعة (أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي) في الفضل كترتيبهم في الخلافة، بينما ذهب جماعة من معتزلة البصرة إلى تفضيل الإمام علي، وتميزت معتزلة بغداد قاطبة قدماء ومتأخرين بالقول: أن

علياً (علیه السّلام) أفضلُ من أبي بكر، وذهب كثير من شيوخ المعتزلة إلى التوقف فيهما (2).

جدول رقم (1)(3)

يبين بعض أسماء أعلام المعتزلة بصريين وبغداديين وموقفهم من التفضيل:

معتزلة البصرة الذين يفضلون أبا بكر على عليّ

1 أبو عثمان عمرو بن عبيد (ت 144 ه)

2 أبو معن ثمامة بن أشرس (ت 213 ه)

3 أبو إسحاق إبراهيم بن سيار النظّام (ت 231 ه)

ص: 14


1- نشأت أول مدرسة للاعتزال في البصرة على يد واصل بين عطاء وزميله عمرو بن عبيد، وقد وضع رجالات هذه المدرسة القواعد والأصول الأساسية للاعتزال، وبرز فيها كبار رجالات المعتزلة كأبي الهذيل العلاف، والنظام، والجاحظ، والقاضي عبد الجبار، وابن متويه، وأصبح كل من يحمل آراء هذه المدرسة يُعدّ بصرياً بغض النظر عن بلدته، أما مدرسة معتزلة بغداد فينسب تأسيسها إلى بشر ابن المعتمر الذي تتلمذ على يد معتزلة البصرة، ثم جاء لبغداد مؤسساً فرعاً جديداً للاعتزال، فأصبح كل مَنْ يأخذ بآراء هذه المدرسة يعد من معتزلة بغداد بغض النظر عن بلدته، ومن رجالاتها: بشر بن المعتمر، والإسكافي، وأحمد بن أبي داود، والخياط وابن أبي الحديد. للمزيد ينظر: صبحي، في علم الكلام، 1/ 105 – 393 ، الراوي، ثورة العقل، ص 23 – 77 ، ص 81 – 299 ، النصر الله، شرح نهج البلاغة، ص 28 – 30 .
2- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 1/ 7– 8. وينظر: جدول رقم(1 ) .
3- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 1/ 7– 8، النصر الله، الإمام علي في فكر معتزلة البصرة، ص 43 – 110 .

4 أبو محمد هشام بن عمرو الفوطي (ت 250 ه)

5 أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255 ه)

6 أبو يعقوب يوسف بن عبد الله الشحام

معتزلة البصرة الذين يفضلون علياً على أبي بكر

1 أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي (ت 303 ه)

2 أبو عبد الله الحسين بن علي البصري (ت 367 ه)

3 أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد الهمداني (ت 415 ه)

4 أبو محمد الحسن بن متّويه (ت 469 ه)

معتزلة بغداد القائلين بتفضيل علي (علیه السّلام)

1 أبو سهل بشر بن المعتمر الهلالي (ت 210 ه)

2 أبو موسى عيسى بن صبيح (ت 226 ه)

3 أبو عبد الله جعفر بن مبشّر بن أحمد بن محمد الثقفي

(ت 234 ه)

4 أبو جعفر الاسكافي (ت 240 ه)

5 أبو الحسين الخياط (ت 300 ه)

6 أبو القاسم عبد الله بن محمود البلخي (ت 319 ه)

7 ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه)

شيوخ المعتزلة الذاهبين إلى التوقف في التفضيل

1 أبو حذيفة واصل بن عطاء (ت 131 ه)

2 أبو الهذيل محمد العلاف (ت 235 ه)

3 أبو هاشم عبد السلام بن أبي علي الجبائي (ت 321 ه)

4 أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري (ت 436 ه)

ولا شك أن الذاهبين إلى مذهب التفضيل من المعتزلة كانوا يرون ذلك على معنى الأكثر ثواباً، والأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة (1)، بينما كانت

ص: 15


1- ومنهم ابن أبي الحديد المعتزلي. المصدر نفسه، 1/ 8.ومن احتجاجاتهم بهذا الشأن ما ذكره ابن أبي الحديد لما قيل لشيخه أبي عبد الله البصري: ((أتجد في النصوص ما يدل على تفضيل عليّ (علیه السّلام)؛ بمعنى كثرة الثواب لا بمعنى كثرة مناقبه؛ فإن ذاك أمرٌ مفروغ منه؟ فذكر حديث الطائر المشوي [يشير إلى ما روي عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنه كان عنده طير،فقال: اللهم إئتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي هذا الطير فجاء علي فأكل معه. الترمذي، السنن، ص 980 كتاب المناقب، باب 21 ، ح 3730 ] وأن المحبة من الله تعالى إرادة الثواب. فقيل له: قد سبقك الشيخ أبو علي رحمه الله تعالى إلى هذا؛ فهل تجد غير ذلك؟ قال: نعم قول الله تعالی« «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ » فإذا کان أصل المحبة لمن ثبت كثبوت البنيان المرصوص، فكل من زاد ثباته؛ زادت المحبة له؛ ومعلوم أن علياً (علیه السّلام) ما فَرَّ في زحف قط، وفرّ غيره في غير موطن)). شرح النهج، 3/ 208 .

الإمامية تحتكم في تفضيل الإمام علي (علیه السّلام) إلى النص، وما اجتمع له من خصال الفضل والرأي والكمال: مِن سَبقه الجماعة إلى الإيمان، والتبريز عليهم في العلم بالأحكام، والتقدم لهم في الجهاد، والبينونة منهم بالغاية في الورع والزهد والصلاح، واختصاصه من النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في القربى بما لم يُشركه فيه أحد من ذوي الأرحام (1)..

وقد حاولنا في هذا الكتاب الوقوف عند رواية بعض الفضائل والمزايا

الباهرة التي ميزت الإمام علياً (علیه السّلام)، ودفعت عدداً من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين إلى تجنيد أنفسهم لبثها على الرغم من كل الصعوبات التي واجهتهم في هذا السبيل وأن البحث في فضائله (علیه السّلام) ضروري جداً إذ هو المدخل للبحث عن إمامته وبه تعرف منزلته وأهليّته لهذا المقام، وبون غيره عن هذه المرتبة الإلهية، وقد استقصينا المراحل التي مرّت بها هذه الرواية منذ وفاة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مروراً بالعصر الاموي والعباسي–بحسب ما تيسر لنا من معلومات–

ص: 16


1- الشيخ المفيد، الإرشاد، 1/ 7.

ولا شك أن ذلك تضمن بالدرجة الأولى التوجهات السياسية التي أثّرت على رواية الفضائل، ومن ثمَّ اقتضى المبرر الموضوعي أن نُعرّج على أبرز التحديات والعوائق المجتمعية والمذهبية والروائية التي تعرضت لها رواية الفضائل كنتاج لتلك التأثيرات السياسية.

وقد اقتضت طبيعة البحث تقسيمه إلى ثلاثة فصول تضمن الأول المراحل التي مرّت بها رواية فضائل الإمام علي وقُسم إلى ثلاث مراحل حاولنا في الأولى منها بيان ما طرأ على رواية الفضائل العلوية من سنة 11 ه/ 632 م وحتى سنة 40 ه/ 660 م، وفي المرحلة الثانية تطرقنا إلى أسس ومعالم المنهج الأموي في

تغييب وطمس فضائل الإمام علي (علیه السّلام)، وأساليب التصدي لذلك النهج، ثم جاءت المرحلة الثالثة لدراسة رواية الفضائل في العصر العباسي الأول، وما واجهتها من عوامل المنع والتضييق.

وخصص الفصل الثاني لدراسة التأثيرات المذهبية والمجتمعية وانعكاسها على رواية فضائل الإمام علي (علیه السّلام) التي تمتد إلى مراحل تاريخية لاحقة.

ومن ثمَّ جاء الفصل الثالث ليعالج آليات المنع والتغييب الروائية، ويجدر التنويه إلى أن الفصل الأول استأثر بالقسم الأكبر من الكتاب لدواعٍ موضوعية تضمنت سعة المادة والمدّة التاريخية التي تُدرس ضمن هذا النطاق.

وقد تمت الاستعانة بجملة من المصادر والمراجع المتخصصة التي أعانت في توثيق وتوضيح وتعميق كثير من المعلومات والآراء الواردة في الكتاب.

والحمد لله كما هو أهله

ص: 17

ص: 18

المراحل التي مرّت بها رواية فضائل الإمام علي (علیه السّلام)المرحلة الأولى من 11 ه– 40 ه/ 632 م– 660 م

ص: 19

ص: 20

المرحلة الأولى: رواية فضائل الإمام علي (علیه السّلام) في العصر الإسلامي 11 ه– 40 ه/ 632 م– 660 م.

اشارة

لقد فضّل النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الإمام علياً في حياته في كثير من المواقف فاختصه بقربه ومناجاته، وجواره في المسجد، ومصاهرته، وعلمه، ومحبته وأخوته، ناهيك عما

للإمام علي من خصال السبق إلى الإسلام، وحسن المواساة لرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والجهاد في إعزاز دين الله مما لم يسبقه فيه سابق أو يلحقه لاحق(1) .

وقد صار هذا الفضل معروفاً إلى الحد الذي أثار دهشة بعض المسلمين أن تكون البيعة بالخلافة لغيره بعد وفاة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(2) وقد جهر عدد منهم

ص: 21


1- ينظر لتوثيق بعض الأحاديث النبوية الجامعة لهذه المعاني: ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب، ص 147 ، ص 152 ، ص 176 – 177 ، ص 183 ، ص 194 ، ص 197 – 198 ، ص 216 ، ص 219 – 220 ، ص 255 ، ص 278 ، ص 281 ، ص 287 ، ص 314 ؛ النسائي، خصائص أمير المؤمنين، ص 19 ، ص 26 ، ص 27 ، ص 33 ، ص 35 ، ص 63 ، ص 73 ، ص 75 – 78 ، ص 80 ، ص 111 ، ص 169 ، ص 177 – 178 ؛ الخوارزمي، المناقب، ص 51 ، ص 64 ، ص 70 ، ص 78 – 79 ، ص 85 ، ص 106 – 108 ، ص 127 ، ص 129 ، ص 133 ،ص 167 ، ص 301 – 302 .
2- لتوضيح الأبعاد السياسية المستقبلية التي أرادها الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في بعض أحاديثه وإجراءاته إزاء الإمام علي، ينظر: شرارة، الإعداد التربوي والفكري لولاية علي (علیه السّلام) وخلافته، ص 105 – 140 ، عبد الحميد، تاريخ الإسلام، ص 231 – 236 .ولتأصيل المقومات الأساسية لإجراءات الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بحق الإمام علي والتي أخذت مقاصدها السياسية في التصريح بخلافته، وتمييزه عن باقي الصحابة، ودعم مواقفه وتحذير مخالفيه من الخروج عليه. ينظر: راجح، الإمام علي في مؤلفات القرن الثالث الهجري، ص 90 – 100 .

بالاستنكار عند بيعة الناس لأبي بكر ومنهم ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب(1) الذي أقام اعتراضه على أساس تفضيل الإمام علي (علیه السّلام) فهو من هاشم قربى

النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، والسابق إلى الإسلام، والأعلم بالقرآن والسنة، والأقرب إلى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وجمّاع الفضائل التي تفرقت في غيره، فقال (2) :

ما كنت أحسب أن الأمر منتقل*** عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أول مَنْ صىّ لقبلتهم*** وأعلم الناس بالآثار والسنن

وآخر الناس عهداً بالنبي ومَنْ*** جبريل عون له في الغسل والكفن

مَنْ فيه ما فيهم لا تمترون به*** وليس في القوم ما فيه من الحسن

ماذا الذي ردكم عنه فنعلمه*** ها إنّ بيعتكم من أول الفتن

ومن الملفت للنظر في بيعة السقيفة أن الذي حسم نقاش المهاجرين والأنصار حول الأحق بالخلافة ليس الأفضلية وإنما تأكيد أبي بكر وعمر بن الخطاب على أهلية قريش للخلافة لأنها عشيرة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأولياؤه (3)، ومن ثم حُصر الأمر في الثلاثة من المهاجرين الحاضرين لذلك السجال: أبو بكر وعمر وأبو عبيدة،

ص: 22


1- ابن هاشم بن عبد مناف يكنى أبا أروى، وكان أسن من عمه العباس، روى عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الأحاديث، وروى عنه عبد الله بن الفضل، توفي سنة 23 ه/ 643 م في المدينة المنورة.للمزيد ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 505 – 506 ؛ ابن حجر، الإصابة، 1/ 506
2- الشيخ المفيد، الفصول المختارة، ص 268 .
3- ينظر: الجوهري، السقيفة، ص 56 – 58 .

فلما انبرى أبو بكر منهما لاختيار الخليفة من أحد الرجلين قال عمر: ((... انت أحقنا بهذا الأمر، وأقدمنا صحبة لرسول الله صلّی الله عليه وسلم، وأفضل منا في المال، وأنت أفضل المهاجرين وثاني اثنين، وخليفته على الصلاة، والصلاة أفضل أركان دين الإسلام، فمن ذا ينبغي أن يتقدمك))(1).

ومن هذا النص تتبين لنا دواعي التقديم لأبي بكر وهي:

1. الأقدم في الصحبة لرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

2.الاكثر مالا،ً أو لعله الاكثر مواساة للنبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في أمواله.

3. مَن صحب النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في الهجرة إلى المدينة، ودخل معه الغار.

4.خليفة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) على الصلاة.

ولم تستند الأفضلية لأبي بكر–في هذا الوقت–لأي نص نبوي بتقديمه أو تمييزه أو توليته، بل إن أبا بكر أكد للناس في خطبته الأولى بعد بيعة السقيفة بأنه ليس الأفضل فقال: ((... أني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني))(2).

وفي مقابل ذلك أكد الإمام علي (علیه السّلام) رفضه للبيعة وأن أهل بيت النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أحق بأمر الخلافة لأن فيهم ((القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بالسُنة، المضطلع بأمر الرعية))(3) وخص نفسه من آل البيت بالأفضلية المستندة إلى تمييز النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لشخصه من جهة وإلى صفاته وأعماله من جهة أخرى فقال: ((أنا أولى برسول الله حياً وميتاً، وأنا وصيه ووزيره ومستودع

ص: 23


1- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 26 ؛ الجوهري، السقيفة، ص 59 .
2- ابن هشام، السيرة، 4/ 262 ؛ الطبري، تاريخ، 3/ 129 ؛ الجوهري، السقيفة، ص 50 .
3- الجوهري، السقيفة، ص 61 .

سره وعلمه، وأنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم أول مَن آمن به وصدَّقه،وأحسنكم بلاءً في جهاد المشركين وأعرفكم بالكتاب والسُنة وأفقهكم في الدين وأعلمكم بعواقب الأمور، وأذربكم لساناً وأثبتكم جناناً، فعلامَ تنازعونا هذا الأمر...))(1).

وانتظم في هذه المعارضة لبيعة أبي بكر عدد من شيعة (2) الإمام علي الذين

أكدوا على أنه الأولى بالبيعة من أي شخص آخر من المسلمين، وناشدوا الخليفة وأعوانه الرجوع عما أبرموه، وإعادة الحق إلى أهله، وذكّروا بما سمعه المسلمون من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في شأن علي من التقديم والوصية كقول خالد بن سعيد بن العاص(3) مخاطباً أبا بكر وهو على المنبر بكل جرأة وصراحة: ((اتق الله يا أبا بكر فقد علمت أن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال ونحن محتوشوه يوم بني قريظة...

((يا معشر المهاجرين والأنصار إني موصيكم بوصية فاحفظوها ومودعكم أمراً فاحفظوه، ألا إن علي بن أبي طالب أميركم بعدي وخليفتي فيكم، بذلك

ص: 24


1- الطبرسي، الاحتجاج، 1/ 90 .
2- يذكر ابن أبي الحديد أنه ((لم تكن لفظة الشيعة تُعرف في ذلك العصر إلاّ لمن قال بتفضيله، ولم تكن مقالة الإمامية على هذا النحو من الاشتهار، فكان القائلون بالتفضيل هم المسمون الشيعة، وجميع ما ورد من الآثار والأخبار في فضل الشيعة وأنهم موعودون بالجنة، فهؤلاء هم المعنيون به دون غيرهم...)). شرح نهج البلاغة، 20 / 188 ؛ النصر الله، شرح نهج البلاغة، ص 55 .
3- ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي، كان من السابقين إلى الإسلام، هاجر إلى الحبشة وعاد مع جعفر بن أبي طالب، فشهد مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عمرة القضاء وفتح مكة وحنيناً والطائف وتبوك، بعثه النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) على صدقات اليمن، اختُلف في وفاته فقيل سنة 13 ه أو 14 ه/ 634 م أو 635 م. ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 399 – 403 ؛ ابن حجر، الإصابة، 1/ 406 – 407 .

أوصاني ربي))(1). وجمع سلمان(2)في اعتراضه على بيعة السقيفة الاحتجاج بالنص النبوي على علي إلى مؤهلات الإمام كالأعلمية بكتاب الله وسنة نبيه،والقرب من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ووصية النبي فيه وتقديمه إياه في حياته (3)، وأيد عمار بن ياسر(4) أحقية الإمام علي لأنه الأقرب إلى رسول الله ولأنه ولي المسلمين بعهد الله ورسوله (5) واحتج صحابة آخرون بمثل ذلك (6).

لقد كانت معارضة هؤلاء الصحابة لبيعة أبي بكر معارضةً مبدئية تعبدية وليست معارضة عاطفية اقتصرت على محبة علي بل نادت بأحقيته استناداً إلى

ص: 25


1- الطبرسي، الاحتجاج، 1/ 93 .
2- الفارسي، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بسلمان الخير، من أهل اصبهان، كان مملوكاً ليهودي من بني قريظة ثم كاتب فأعانه النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والمسلمون فأعتق، شهد الخندق وما بعدها من المشاهد، وصف بالزهد والتواضع والعلم، تولى المدائن في أيام عمر بن الخطاب، توفي سنة 32 ه/ 652 م. ابن سعد، الطبقات، 4/ 75 – 93 ، ابن الجوزي، صفة الصفوة، 1/ 523 – 556 .
3- الطبرسي، الاحتجاج، 1/ 194 .
4- العنسي المذحجي، يكنى أبا اليقظان حليف لبني مخزوم، من السابقين إلى الإسلام، وممن عُذب وأهله في الله، هاجر إلى أرض الحبشة، وشهد مع النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) المشاهد كلها، مدحه رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بعدة أحاديث، كان من أصحاب الإمام علي شهد معه الجمل وصفين واستشهد فيها سنة 37 ه/ 657 م وقد نيّف على التسعين.ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 476 – 481 ، ابن الأثير، أُسد الغابة، 4/ 122 – 128 .
5- الطبرسي، الاحتجاج، 1/ 95 – 96
6- وهم كل من: أبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وبريدة الأسلمي، وأُبّي بن كعب، وخزيمة بن ثابت، وأبو الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف، وأبو أيوب الأنصاري. ينظر في احتجاجاتهم: المصدر نفسه، 1/ 93 – 97 ، 1/ 134 – 138 .

أحاديث رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الدالة على فضل أهل البيت وضرورة التمسك بحبلهم وكونهم عدل القرآن الكريم، وتلك الأحاديث التي خصت علياً نفسه بالمناقب

والفضائل.

وفي ضوء ذلك لابد أن تتوقع الخلافة القائمة أن نشاط هذه الفئة في تبليغأحاديث رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في آل البيت عامة، وعلي خاصة لن تتوقف(1)، لاسيما تلك الأحاديث التي تحمل مفاهيم سياسية، ففي بعض الأحاديث النبوية تجسيد لمضمون الحكومة بعد النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وتذكير بحقوق أهل البيت ومنزلتهم (2) ولا شك أن نشرها سيؤدي إلى تكوين رأي عام يجرد تلك الخلافة من شرعيتها،

ص: 26


1- إن النصوص النبوية الدالة على وجوب تبليغ حديث رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ونشره وأدائه إلى الآخرين متضافرة منها: قوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): ((نضّ اللهُ إمرءاً سمعَ مقالتي فبلّغها، فرُبَّ حامل فقه غير فقيه. ورُبَّ حامل فقه إلى مَنْ هو أفقه منه)). ابن ماجة، السنن، ص 48 باب 18 ، مَن بلغ علماً، ح 230 ، الحاكم النيسابوري، المستدرك، 1/ 186 ، كتاب العلم، ح 296 . وقوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): ((عليكم بكتاب الله وسترجعون إلى قوم يحبون الحديث عني... فمن حفظ شيئاً فليُحدّث به، ومَنْ قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)). وقال أبو موسى الغافقي: هذا آخر ما عهد إلينا رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).الحاكم النيسابوري، المستدرك، 1/ 214 ، كتاب العلم، ح 389 .
2- عرض الإمام علي الأحقية بخلافة النبي بركنين وهما: المخول الشرعي بقوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في الحديث المتفق عليه: ((أني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض–أو ما بين السماء إلى الأرض–وعترتي أهل بيتي، حتى يردا عليّ الحوض)). ابن حنبل، المسند، 5/ 181 ؛ الترمذي، السنن، ص 992 ، باب 32 ، ح 3797 . والمخول الواقعي المتمثل: بأهلية أهل البيت (علیهم السّلام) علي وأبنائه لتبليغ الرسالة واتمام العدات، فهم ممن لا يقاس بهم أحد، وعندهم أبواب الحُكم وضياء الأمر كما يقول الإمام علي، نهج البلاغة، ص 35 ، خ 2، ص 216 ، خ 119 ؛ محمد، المعارضة السياسية، ص 28 – 29 ؛ عبد الحميد، تاريخ الإسلام، ص 486 – 488 .

فأقدمت الخلافة–بجرأة–على تبني مشروع منع رواية الحديث النبوي، فقد روى الذهبي: ((أن الخليفة أبا بكر جمع الناس بعد وفاة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافاً، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم، فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله، وحرّموا حرامه))(1) وأتم ذلك بإجراء صارم باتجاه تدوين السُنةّ، تمثل بإتلاف المدونات (2)، وقد استمر النهي عن الرواية والتدوين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (3)، ودعى الناس إلى الاطلاع على حصيلة مدوناتهم عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ((فلما أتوه بها أمر بتحريقها))(4).

وبعث إلى الأمصار الإسلامية: ((مَنْ كان عنده شيء فليمحه))(5) وفي

ص: 27


1- تذكرة الحفاظ، 1/ 9.
2- ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 188 ؛ الخطيب البغدادي، تقييد العلم، ص 52 ؛ الذهبي، تذكرة الحفاظ، 1/ 11 .
3- كان ذلك في المدينة وشمل الصحابة الخارجين إلى الأمصار إسلامية الجديدة كقول قرة بن كعب الانصاري لما طلب منه أن يحدث بحديث رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في العراق فقال: ((نهانا عمر)) فلم يحدث بعد ذلك بحديث. الذهبي، تذكرة الحفاظ، 1/ 12 . وعن قرظة بن كعب قال: ((بعثنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة وشيّعنا، فمشى معنا إلى موضع يُقال له صرار. فقال: أتدرون لِم مشيت معكم؟ قال، قُلنا: لحقّ صحبة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ولحقّ الانصار.قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدّثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم. إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المرجل. فإذا رأوكم مدّوا إليكم أعناقهم وقالوا: أصحاب محمد. فأقلّوا الرواية عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ثم أنا شريككم)). ابن ماجة، السنن،ص 15 ، باب التوقي في الحديث عن رسول الله، ح 28 .
4- ابن سعد، الطبقات، 5/ 188 .
5- ابن عبد البر، جامع بيان العلم، 1/ 275 .

ضوء ذلك نفهم النص الذي أورده الخطيب البغدادي بسنده، عن عبد الرحمن ابن الأسود عن ابيه قال (1): ((جاء علقمة بكتاب من مكة–أو اليمن–صحيفة فيها أحاديث في أهل بيت النبي صلّی الله عليه [وآله] وسلم فاستأذنّا على عبد

الله [ابن مسعود] فدخلنا عليه، قال: فدفعنا إليه الصحيفة. قال: فدعا الجارية، ثم دعا بطست فيها ماء. فقلنا له: يا أبا عبد الرحمن، أنظر فيها، فإن فيها أحاديث حساناً فجعل يميثها فيها، ويقول: [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَأَوْحَيْناَ إلِيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ] (2) القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها

ما سواه)).

إن الصحيفة التي تعرضت للإبادة في هذا الحديث واضحة المحتوى والموضوع وهو يرتبط بأهل البيت، وكأن الراوي اعتنى بهذه النقطة، فاستعمل عطف البيان للتأكيد على المراد بأهل البيت، وليُلفت نظر عبد الله بن مسعود إلى أنهم أهل بيت النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لكنه لم يُعر اهتماماً، وأباد الصحيفة محاولا أن يوهم أن القرآن يُغني عما فيها!! مع أنه كان مخطئاً في فَرضه أن الاشتغال بالحديث هو اشتغال بما سوى القرآن، لأن الحديث لا ينفصل عن القرآن، بل هو يعضده.

ص: 28


1- تقييد العلم، ص 54 .
2- سورة يوسف، آية 3. ويبدو أن عبد الله بن مسعود التزم بوصية الخليفة عمر بن الخطاب عندما وجهه إلى العراق لتعليم أهله فقال: ((أني وجهتك معلماً ليس لك سوطٌ ولا عصا، فاقتصر على كتاب الله فإنه كفاك وإياهم))، وكيع، أخبار القضاة، 2/ 188 . ونحتمل أن هذا الالتزام كان في أيام عمر بن الخطاب فقط، فقد أُثر عن عبد الله بن مسعود أنه كان يُحدّث عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وتركَ بعض المدونات بخط يده. ابن ماجة، السنن، ص 16 باب التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، ح 36 ، ابن عبد البر،جامع بيان العلم، 1/ 311 .

ولو دققنا النظر في هذا الحديث، وجدنا أن محتواه هو الذي كان يضر السلطة الحاكمة، وينافي سياستها القائمة، لأن الأحاديث النبوية الواردة في أهل البيت، إنما تدل على فضلهم وتؤكد على خلافتهم عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وتجعلهم قرناء للقرآن ليكونوا هم وهو خليفتين له، من بعده (1). وأما سائر أحاديث الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) سواء في الأحكام والفرائض أم في الآداب والسنن، فإنها لم تكن لتمس كيان السلطة بشيء؛ ولذا لم يشملها المنع بنحو شديد، قال عمر: ((أقلّوا الرواية عن رسول الله، إلا فيما يُعمل به))(2) . وإنما خُص أهل البيت (علیهم السّلام) بذلك لأنهم كانوازعماء المعارضة السياسية الذين بقوا في الساحة، وكان بعض المسلمين يتطلعون إلى خلافتهم، وحجتهم في ذلك الأحاديث النبوية التي تبلغ اليوم–رغم بعد

الزمن وعمليات المنع والإبادة والتحريف–الآلاف، فكيف بها في تلك الأيام وهي ماثلة لرواتها من الصحابة بمنازلها ومناسباتها وأسبابها والنبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يُحدثهم

بما لأهل بيته من فضلٍ ومنزلة ومقام؟ فلو كان مسموحاً بتداولها والتحديث بها

ص: 29


1- الجلالي، تدوين السنة، ص 412 – 413 . مثل حديث الثقلين الذي تقدم توثيقه.
2- ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 206 . وقال الدارمي في شرح منع عمر عن الحديث عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ما نصه: ((معناه عندي الحديث عن أيام رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ليس السنن والفرائض)). سنن الدارمي، 1/ 85 . وقد علق الجلالي على ذلك قائلاً: ((وإن كانت أوامر المنع وإجراءاته عامة فلأن التدبير السياسي يقتضي منع الحديث بالعموم حتى يشمل المنع الأحاديث المضرة بالسياسة. وإنما لم يُصّ المنع بما يضر دون غيره؛ لأن تخصيصها بالمنع يؤدي إلى وضوح الهدف من المنع، وانكشاف المصلحة الموضوعة له. والإعلان عن تلك المصلحة غير ممكن؛ لأنه يوجّه الانظار إليها بشكل أكثر تركيزاً فيوجب نقض الغرض المترقّب من المنع، ويعكس المصلحة إلى مفسدة لاتتدارك)). تدوين السنة، ص 414 .

وكتابتها لكان لذلك تأثير سياسي عميق على نظام الحكم، بلا ريب؛ فكان المنع الرسمي للحديث أفضل تدبير للوقوف بوجه ذلك (1).

وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان استمرت هذه السياسة فخطب الناس مانعاً رواية اي حديث لم يُسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر (2)!!

كان السبب الظاهر الذي تذرع به الخلفاء لتسويغ المنع من رواية الحديث، وتدوين السنة؛ الخشية من أن يُشغل الناس عن القرآن كما انشغل أهل الكتاب بكتب أحبارهم عن كتاب ربهم (3)، بيد أنه في الوقت الذي كان يُشدد فيه على المنع من رواية الحديث بحجة شُغل القلوب بالقرآن وحده، كانت تصدر–في الوقت ذاته–وصايا بتعلم الشعر والاهتمام به (4).

فيا ترى أيّما أشغلُ للناس عن القرآن ومعرفته، رواية الحديث، أم رواية الشعر؟! ألا يثير هذا استفهاماً لا تحمل له كل أخبار المنع من التدوين وما قيل في تبريرها جواباً؟ أهو مجرد تناقض بين قولين؟!! (5).

وثمة إشكال قد يرد على ما طرحناه في منع أبي بكر وعمر رواية الأحاديث

ص: 30


1- الجلالي، تدوين السنة، ص 414 – 415 .
2- ابن سعد، الطبقات، 2/ 336 .
3- ينظر: الخطيب البغدادي، تقييد العلم، ص 52 – 53 .
4- ينظر: كتاب الخليفة عمر إلى أبي موسى الأشعري في البصرة يأمر أهلها برواية الشعر، وكتابه إلى المغيرة بن شعبة في الكوفة بجمع ما أنشده شعراء الجاهلية والإسلام. المتقي الهندي، كنز العمال، 1/ 354 ، حديث رقم 8935 و 1/ 1046 حديث رقم 29510 وكتابه إلى أهل الأمصار وإلى أهل الشام: ((أن علموا أولادكم الفروسية والعوم ورووهم الشعر)). البلاذري، أنساب الأشراف، 10 / 376 .
5- عبد الحميد، تاريخ الإسلام، ص 367 .

النبوية التي (تُثير الاختلاف)، والتي رجحنا أن المقصود بها الأحاديث التي تؤكد على منزلة أهل البيت عامة وعليّ خاصة، والإشكال هو: أن الشيخين قد رويا في فضائل علي وأهل بيت الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بعض الأحاديث النبوية (1) فبأي شيء نفسر ذلك التقريض والمدح؟

ويمكن أن نُجيب على ذلك بأمرين:

الأول: أن أبا بكر وعمر وإن حدثا بفضائل آل البيت، إلا أنهما كانا على غاية الحذر من التوضيحات والمناقشات التي تبيّن موضوع استخلاف الإمام علي، أو التي تكشف عن وجود صحابة مؤيدين للتعبد المحض، ومخالفين للرأي والاجتهاد، فهم وإن لم يضيّقوا الخناق في مجال نقل الفضائل لوحدها،لكنهم لم يُعجبهم أن ينتشر بين الناس ما يمسّ بخلافتهم، لذلك نرى أبا بكر

يحاول صرف المسلمين عن الكلام في أمر الخلافة، وعن بيان ما ورد في أحقيّة أمير المؤمنين (علیه السّلام)، لأن تفسير وبيان وكشف أبعاد الأحاديث الدالة على الخلافة والإمامة العلوية هو الذي يُيف السلطات لا مجرد النقل (2).

الثاني: أن الوجود العلوي يلحظ في هذه المسألة باعتبارين، الثابت والمتغير،فعلى الأول علي من الأعداء والخصوم، والثاني يتأثر حسب ظروف أعدائه وأوضاعهم الفردية، ففي الوقت الذي كان عمر مثلاً يُبغض أن يلي بنو هاشم الخلافة حسبما قررت قريش(3) لم يكن ليصدر منه تقريض حسن في حق علّي،

ص: 31


1- ينظر: محب الدين الطبري، الرياض النضرة، ص 68 ، ص 86 – 87 ، ص 154 ، ص 174 ، ص 226 ، ص 261 ، ص 282 ، ص 329 – 330 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 98 ، 112 .
2- الشهرستاني، منع تدوين الحديث، ص 82 – 83 .
3- ينظر في قول عمر لابن عباس: ((أن أول مَن راثكم عن هذا الأمر أبو بكر، أن قومكم كرهوا يجمعوا لكم الخلافة والنبوة فتبجّحوا على قومكم بجحاً بجحا، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت)) فقال ابن عباس مجيباً عن ذلك: ((أما قولك يا أمير المؤمنين اختارت قريش... فلو أن قريشاً اختارت لأنفسها حيث اختار الله عزّ وجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود، وأما قولك أنهم كرهوا أن تكون لنا النبوة والخلافة فإن الله عزّ وجل وصف قوماً بالكراهة فقال عمر: هيهات والله يا ابن عباس، قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرك عنها فتزيل منزلتك مني...)). الجوهري، السقيفة، ص 129 .

لكن حينما تسنم عمر عرش الخلافة، واستتبت له أمور السلطان ووقع تحت سلطان دُرّته كل الصحابة لم يرَ ضيراً أن يروي فيه بعض الأحاديث (1)، فسُنة

النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في فضائل علي وأهل البيت (علیه السّلام) كانت مجرد رواية عارية عن كل تأثير

في عملية الصراع، فلا يرى خصوم أمير المؤمنين وهم تحت سلطة عامل التاريخ من ضرر في نشرها، لكن مع حذر شديد!!! (2).

رواد رواية الفضائل العلوية من الصحابة:-

إن الملفت للنظر في بعض النصوص التي وصلت إلينا عن خلافة عثمان بن عفان ( 23 ه– 35 ه/ 643 م– 655 م) أن شيعة الإمام علي قد مارسوا نشاطاً في التحديث وذكر فضائل آل البيت (علیهم السّلام) عامة وسيدهم الإمام علي (علیه السّلام) خاصة ما إن توفي عمر، وبدأت المشاورات لاختيار عثمان بن عفان خليفةً للمسلمين وحتىأن

ص: 32


1- روى عمر في أمير المؤمنين:- حديث الراية يوم خيبر.- حديث المنزلة.- حديث الغدير.محب الدين الطبري، مناقب الإمام أمير المؤمنين من الرياض النضرة، ص 329 – 330 .
2- الحلي، سُنة الرسول المصطفى، ص 698 – 703 .

نهاية عهده على الرغم من استمرار قرار المنع من الرواية عن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

فما إن تمت بيعة الخليفة عثمان حتى صدع عمار بن ياسر بإنكارها مؤكداً أن الإمامة حق في أهلها من أهل البيت فقال ((... يا معشر قريش، إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم، تحولونه ها هنا مرة، وها هنا مرة، وما آمن أن ينزعه الله منكم، ويضعه في غيركم، كما نزعتموه من أهله، ووضعتموه في غيره أهله))(1).

وقال المقداد (2) مزرياً على عبد الرحمن بن عوف (3) اختياره: ((والله ما رأيت مثل ما أتي إلى أهل هذا البيت... وأني لأعجب من قريش وتطاولهم على الناس بفضل رسول الله، ثم انتزاعهم سلطانه من أهله، قال عبد الرحمن: أما والله لقد أجهدت نفسي لكم، قال المقداد: اما والله لقد تركت رجلاً من الذين

يأمرون بالحق وبه يعدلون))(4).

وقد كان لهذا الاعتراض من المقداد أثره في جندب بن عبد الله الأزدي(5)

ص: 33


1- الجوهري، السقيفة، ص 90 .
2- ابن الأسود الكندي، من قضاعة، وكان قد حالف الأسود بن عبد يغوث الزهري قبل الإسلام فتبناه، فكان يقال له المقداد بن الأسود، شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وهو من الفضلاء النجباء الكبار الخيار من الصحابة. توفي سنة 33 ه/ 653 م. ابن سعد، الطبقات، 3/ 161 – 163 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 472 – 475 .
3- القرشي الزهري، أسلم قديمًا، وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، حضر المشاهد كلها مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وكان تاجراً ماهراً كسب مالاً كثيراً. توفي سنة 32 ه/ 652 م. ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 393 – 398 ؛ ابن حجر، الإصابة، 2/ 416 – 417 .
4- الجوهري، السقيفة، ص 88 – 89 .
5- جندب بن كعب بن عبد الله الأزدي الغامدي أبو عبد الله، وربما نُسب إلى جده، وهو جندب الخير،وأحد جنادب الأزد وهم (جندب بن عبد بن سفيان، وجندب بن زهير، وجندب بن عفيف)، له صحبة، وهو قاتل الساحر الذي كان يلهو بين يدي الوليد بن عقبة والي الكوفة، فيضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيقوم ويرتد فيه رأسه فقال الناس: سبحان الله يحيي الموتى، فاخترط جندب سيفه فضرب عنق الساحر وقال: إن كان صادقاً فليحيي نفسه، فسجنه الوليد، وقيل رفع أمره إلى عثمان فأمر به إلى جبل الدخان، وفي خلافة الإمام علي (علیه السّلام) صحب الإمام وقاتل معه في صفين.ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 218 – 220 ؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 1/ 568 – 569 ؛ ابن حجر، الإصابة، 1/ 250 .

الذي غادر المدينة إلى العراق ليمارس دوراً في الدعوة إلى أفضلية الإمام علي وأهليته للحكم، وقد تحدث عن نشاطه هذا في الكوفة فقال: ((... فكنت أذكر فضل علي على الناس فلا أُعدم رجلاً يقول لي ما أكره، وأحسن ما أسمعه قول مَنْ يقول: دع عنك هذا وخذ فيما ينفعك، فأقول: إن هذا مما ينفعني وينفعك،

فيقوم عني ويدعني. حتى رُفع ذلك من قولي إلى الوليد بن عقبة (1)، أيام ولينا،فبعث إليّ فحبسني حتى كُلّم فيّ فخلّ سبيلي))(2).

ص: 34


1- ابن أبي معيط، أُمُه أروى بنت كريز أم عثمان بن عفان، فهو أخو عثمان لأمه أسلم يوم الفتح، نزلت فيه الآية القرآنية [إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا...] وذلك أنه بعثه رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلى بني المصطلق مصدقاً فأخبر عنهم أنهم ارتدوا وأبوا من أداء الصدقة وذلك أنهم خرجوا إليه فهابهم ولم يعرف ما عندهم فانصرف عنهم، ولاه عثمان الكوفة وكان فاسقاً شريب خمر صلى بأهل الكوفة الصبح أربع ركعات وقال: أزيدكم؟ وخبر صلاته وهو سكران مشهور من رواية الثقات ومن نقل أهل الحديث وأهل الأخبار وقد أقام الإمام علي عليه الحد بشربه الخمر أمام الخليفة عثمان، وسكن الوليد المدينة ثم الكوفة فلما قتل عثمان نزل البصرة ثم خرج إلى الرقة فنزلها واعتزل الإمام علي إبان خلافته، ومات في الرقة في أيام حكم معاوية. ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 631 – 637 ؛ ابن حجر، الإصابة، 3/ 637 – 638 .
2- الجوهري، السقيفة، ص 90 ؛ الشيخ المفيد، الارشاد، 241 – 243 .

ونستشف من هذا النص:

- أن ما كان يذكره جندب من فضل علي هو من أحاديث النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأن رفض الناس لسماعها كان بتأثير التوجيهات الرسمية التي استمرت حتى ذلك الحين قرابة ال 15 عاماً.

- استمرار المنع من التحديث بفضائل الإمام علي في المدينة والأمصار، حتى ساغ لعيون السلطة أن ترفع ذلك إلى والي الكوفة الوليد بن عقبة ( 26 – 30 ه/ 646 –_650 م) الذي عاقب على ذلك بالسجن.

ولم تكن البصرة أفضل حالا فقد روى ربيعة السعدي (1)، أنه قد ((أتيت حذيفة بن اليمان(2)، فقلت له: يا أبا عبد الله، إنا لنتحدث عن علي (علیه السّلام) ومناقبه، فيقول لنا أهل البصرة، إنكم تُفرطون في عليّ، فهل أنت محدثي بحديث فيه؟)) فحدثه (3).

وقد توفي حذيفة في بداية سنة 36 ه/ 656 م (4)، مما يؤكد أن هذا

ص: 35


1- ربيعة السعدي: لم أهتدِ إلى ترجمته في كتب التراجم التي ذكرت عدة من الرجال تحت اسم (ربيعة) وبألقاب مختلفة ليس فيها السعدي.
2- العبسي، من كبار الصحابة، شهد المشاهد مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، روى عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الكثير، وروى عنه جابر، وجندب، وعبد الله بن يزيد وأبو الطفيل وعدد من التابعين، استعمله عمرعلى المدائن فلم يزل بها حتى مات، وعنه قال: حدثني رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ما كان وما يكون حتى تقوم الساعة، فكان يسمى صاحب السر، وقد شهد فتوح العراق وله بها آثار شهيرة، توفي بعد أربعين يوماً من بيعة الإمام علي (علیه السّلام) سنة 36 ه/ 656 م.ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 277 – 278 ؛ ابن حجر، الاصابة، 1/ 317 – 318 .
3- الشيخ المفيد، الارشاد، ص 103 .
4- فلم يُدرك معركة الجمل. ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 278 .

الاستغراب من فضائل علي ومناقبه كان في خلافة عثمان، وأيام ولاية أقربائه من بني أُمية على البصرة، ولا ريب أن يرى أهلها ذلك وقد حرموا سماع هذه المناقب لما يزيد على عقد من الزمن.

وكان لأبي ذر الغفاري (1) نشاط متميز في نشر مناقب الإمام علي

وفضائله فهو ممن ثبت على ولائه له ((فنافح عنه، ودافع على أكثر من جبهة وفي عدة مواطن، ودعا المسلمين إليه بكل جرأة وصراحة، حتى آخر لحظة من حياته))(2).

ففي مكة كان أبو ذر يدعو المسلمين فيحدثهم عما سمعه من مناقب الإمام علي فيقول: ((سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول لعلي: اللهم أعنه واستعن به، اللهم انصره واستنصر به، فإنه عبدك وأخو رسولك)) (3).

وقد أشاد بمكانة الإمام علي (علیه السّلام) في الإسلام، ومنزلته من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأسند ذلك إلى آيات القرآن النازلة فيه، وأحاديث النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الذاكرة لفضله

ص: 36


1- اختُلف في إسمه فقيل جندب بن جنادة، وقيل برير والمشهور جندب، من كبار الصحابة، قديم الإسلام، أسلم ثم انصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم على النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بالمدينة، وصفه النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بالعلم والزهد والصدق، توفي في الربذة سنة 32 ه/ 652 م.ابن عبد البر، الاستيعاب، 4/ 61 – 65 ؛ ابن حجر، الاصابة، 4/ 62 – 64 .
2- آل الفقيه، أبو ذر، ص 56 .
3- الخوارزمي، مناقب، ص 152 – 153 . وينظر ما جمعه ابن عساكر بروايات وأسانيد شتى في ترجمة الإمام علي، 1/ 103 – 123 من أحاديث في خصوصية الإمام علي (علیه السّلام) بأخوة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في الدنيا والاخرة، وافتخار الإمام علي (علیه السّلام) بذلك في عدة مناسبات ومنها قوله: ((أنا عبد الله، وأخو رسوله لا يقولها بعدي إلاّ كذاب)).

فقال (1): ((أما إني صليت مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )... فسأل سائل في المسجد، فلم

يعطه أحد... وكان علي راكعاً، فأومأ بخنصره اليمنى إليه–وكان يتختم فيها– فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، فلما

فرغ النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )... قال: اللهم إن أخي موسى سألك فقال:«قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي *وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي *وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي *يَفْقَهُوا قَوْلِي *وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي *وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي »(2) فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً:

« سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ...» وأنا محمد نبيك وصفيك... إجعل لي وزيراً من أهلي علياً أخي... قال أبو ذر: فوالله ما استتم رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الكلمة حتى نزل عليه جبريل من عند الله، فقال: يا محمد اقرأ:«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ »(3).

وكان أبو ذر يحدث بمنزلة آل البيت (علیهم السّلام) فيقول: ((سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: «ألا أن مثل أهل بيتي فيكم، مثل سفينة نوح من قومه، مَنْ ركبها نجا،

ومَنْ تخلف عنها غرق »(4).

ولا يخفى ما في هذا الحديث من دعوة للالتحاق بركب أهل البيت لاسيما مَنْ مثل هذا الحق فيهم وهو الإمام علي بن أبي طالب.

ص: 37


1- الطبرسي، مجمع البيان 3/ 273 – 274 وينظر: الواحدي، أسباب النزول، ص 110 .
2- سورة طه: الآيات 25 – 32 .
3- سورة المائدة: الآية 55 .
4- الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 361 .

ولم يخشَ أبو ذر بطش الخلافة، ومنع أحاديث الفضائل فجهر بها في عاصمة الخلافة (المدينة المنورة)، فكان يجتمع إليه الناس في خلافة عثمان فيحدثهم في فضل أهل البيت ويجعله مدخلاً للحديث في فضائل عليّ فيقول: ((هم فينا كالسماء المرفوعة، وكالكعبة المستورة، أو كالقبلة المنصوبة،.. أو كالشجرة الزيتونة أضاء زيتها...، ومحمد وارث علم آدم، وما فُضلت به النبيون، وعلي

ابن أبي طالب وصي محمد ووارث علمه، أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها! اما لو قدمتم من قدّم الله، وأخرتم مَنْ أخّر الله وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم، لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم، ولما عال ولي الله، ولا طاش سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله إلاّ وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسُنة نبيّه...))(1)..

ويظهر من هذا النص إيمان أبي ذر بولاية عليّ وأفضليته المستندة إلى النص، وإلى الفضائل التي خص بها من النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ولاسيما العلم بالكتاب والسُنة.

ولقد بدا واضحاً للخليفة وأعوانه خطورة أحاديث أبي ذر في الفضائل لاسيما وأنه أضاف إليها انتقاد تصرفات الخليفة وحاشيته في بيت المال (2)، فأُبعد أبو ذر إلى بلاد الشام (3) وفيها ((كان يقوم في كل يوم، فيعظ الناس، ويأمرهم بالتمسك بطاعة الله،... ويروي عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ما سمعه منه في

فضائل أهل بيته عليه وعليهم السلام، ويحضُّهم على التمسك بعترته))(4).

ص: 38


1- اليعقوبي، تاريخ، 2/ 148 . وينظر: الهلالي، كتاب سليم، ص 156 .
2- البلاذري، أنساب الأشراف، 6/ 166 ؛ المسعودي، مروج الذهب، 2/ 254 – 255 .
3- أبو مخنف، نصوص من تاريخ أبي مخنف، 1/ 79 ؛ اليعقوبي، تاريخ، 2/ 148 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 6/ 166 .
4- الشيخ المفيد، الأمالي، ص 162 .

ولم يَرُق ذلك لمعاوية بن أبي سفيان والي الشام الذي كان يحرص على إبقاء الشاميين ضمن نطاق الولاء له، فعمل على إبعاد اي عنصر يثير الشغب في وجهه أو يُفسد عليه ولاء الشام (1) .

فلم يكن ثمة ما هو أخطر على معاوية من الدعوة إلى زعامة بني هاشم وفضلهم في مقر سلطانه، ناهيك عما كان يبديه أبو ذر من انتقادات لتصرفات معاوية المالية، فعجّل بالكتابة إلى الخليفة عثمان: ((أن أبا ذر تجتمع إليه الجموع، ولا آمن أن يُفسدهم عليك، فإن كان لك في القوم حاجة، فاحمله إليك)) (2).

فعاد أبو ذر إلى المدينة وفيها حظر الخليفة على الناس أن يقاعدوه أو يكلموه، وتلا مرحلة العزل هذه خطوة النفي إلى الربذة (3)، فخرج إليها سنة 30 ه/ 650 م

ص: 39


1- من أمثلة ذلك إبعاد معاوية للصحابي عبادة بن الصامت عن الشام بعد أن كتب إلى الخليفة عثمان: ((إن عبادة بن الصامت قد أفسد عليّ الشام وأهله)) فكان عبادة يقوم بين ظهراني الناس في المدينة ويقول: ((سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: (سيلي أموركم بعدي رجال يُعرّفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله...) فوالذي نفس عبادة بيده أنفلاناً–يعني معاوية–لمن أولئك...)). ابن عساكر، تاريخ دمشق، 28 / 136 ؛ الذهبي، سير أعلام، 2/ 263 – 264 . وقد خاف معاوية من نشاط بعض الكوفيين الذين نفاهم الخليفة عثمان من الكوفة في ولاية سعيد ابن العاص إلى الشام، فكتب إلى الخليفة: ((... فقد أفسدوا كثيراً من الناس... من أهل الكوفة ولست آمن إن أقاموا وسط أهل الشام أن يغرّوهم)). الطبري، تاريخ، 4/ 219 . وينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 6/ 155 .
2- المسعودي، مروج الذهب، 2/ 254 ؛ الشيخ المفيد، الأمالي، ص 162 .
3- المسعودي، مروج الذهب، 2/ 255 ؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 8/ 202 . والربذة: من قرى المدينة على ثلاثة أيام. الحموي، معجم البلدان، 3/ 24 ؛ ابن شبه، تاريخ المدينة، .1035/3

وبقي فيها حتى وفاته سنة 32 ه/ 652 م (1).

ويتبين مما تقدم أن أحاديث فضائل الإمام علي (علیه السّلام) قد انطلقت–نسبياً–في خلافة عثمان بعد الحظر المؤقت الذي استمر من سنة ( 11 ه– 23 ه/ 632 م– 643 م)، وأنها تبلورت في ظل المعارضة لتولي عثمان تارة، ومناهضة سياسته تارة أخرى، ومهد ذلك لمرحلة جديدة ستبلغها الفضائل في خلافة الإمام علي (علیه السّلام).

رواية الفضائل في خلافة الإمام علي ( 35 ه– 40 ه/ 655 – 660 م)

تولى الإمام علي الخلافة سنة 35 ه/ 655 م في أعقاب مقتل الخليفة عثمان، ولم تنقطع الأصوات التي نادت بأفضليته وأهليته لشغل منصب الخلافة.

ومن ذلك قول عبد الرحمن بن حنبل (2) يحث على بيعة الإمام علّي (3) :

((لعمري لئن بايعتم ذا حفيظة*** على الدين معروف العفاف موفقاً

عفيفاً على الفحشاء أبيض ماجداً*** صدوقاً وللجبار قدماً مصدقاً

أبا حسن فارضوا به وتبايعوا*** فليس كمن فيه لذي العيب منطقا

عليّ وصيّ المصطفى ووزيره*** وأول مَنْ صلّ لذي العرش واتقى))

ص: 40


1- ينظر: ابن سعد، الطبقات، 3/ 165 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 214 ؛ ابن الأثير، الكامل،.113/3
2- الجمحي، كان أبوه من أهل اليمن، فسقط إلى مكة فولد له بها كلدة وعبد الرحمن، وهما من مسلمة الفتح، شهد عبد الرحمن فتح دمشق، كان شاعراً هجاءً، هجا الخليفة عثمان بن عفان بأبيات لاذعة لما أعطى مروان بن الحكم خمسمائة ألف من خمس أفريقية فحبسه بخيبر، فكلم الإمام علي (علیه السّلام) عثمان فأطلقه، وشهد عبد الرحمن مع الإمام علي الجمل وصفين وقتل بها. ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 414 – 415 ؛ ابن حجر، الاصابة، 2/ 395 .
3- الشيخ المفيد، الفصول المختارة، ص 270 .

وفي هذه الأبيات نتبين أن التفضيل يقوم على أساسين:

1. النص: كما يظهر من عبارة (وصي المصطفى ووزيره).

2. المزايا الشخصية: (العفيف، الماجد، الصدوق، السابق إلى الإسلام، أول من صلّی، التقي، المبرء من العيوب).

وقد أسهمت ظروف الفتنة–التي أعقبت بيعة الإمام علي بقليل متمثلةً بخروج أصحاب الجمل (طلحة والزبير والسيدة عائشة) على خلافته، واستقلال معاوية بن أبي سفيان بالشام وعدم اعطاءه البيعة ومن ثمَّ الاشتباك معه بمعركة صفين، أسهمت كل هذه الظروف باستمرار الحاجة للمنافحة عن حق عليّ، ونشر الأحاديث النبوية التي تُبرز خصائصه ومناقبه وتضعه في المكان

المناسب في المجتمع الإسلامي.

فقد كان خروج أصحاب الجمل حركة كثيرة الخطورة لأنها تمثل حركة قرشية بزعامة اثنين من كبار المهاجرين (طلحة والزبير)، وتحظى بتغطية معنوية من زوج النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وابنة الخليفة الأول (السيدة عائشة) (1).

ويرى بعض الباحثين ((إن هذا الثالوث الرمزي... كان في مستطاعه أن يوازن [نسبياً] هيبة عليّ ونفوذه... وكان كافياً لهؤلاء الثلاثة أن يظهروا في مكان ما أمام نظر المسلمين لكي يهزوهم، ويجتذبوهم، ويحركوهم في الأعماق ولكي يكونوا قوة ضاربة بشكل سريع جداً))(2) هذا فضلًا عما يُثير شعار: (الطلب بدم الخليفة عثمان المقتول ظلماً)، ومايستتبع ذلك من قتال بين المسلمين، من انقسامات على الخليفة الشرعي الإمام علي (علیه السّلام).

ص: 41


1- بيضون، الحجاز والدولة الإسلامية، ص 178 .
2- جعيط، الفتنة، ص 147 .

وعندما عزم الإمام علي (علیه السّلام) على الخروج لملاقاة معارضيه في البصرة اشتد الأمر على أهل المدينة، فتثاقلوا عن نصرته، والوقوف معه والوفاء ببيعته، والسير لملاقاة عدوه، وكان ذلك بتأثير أجواء الشك والتردد، والخوف من الإقدام على قتال أهل القبلة التي أثارها عدد من الصحابة البارزين (1).

وقد امتد تأثير هذه الأجواء إلى أمصار مهمة أخرى كالبصرة والكوفة (2)،

فإذا كانت البصرة هي مقر معارضيه، فالكوفة هي المكان الذي عوّل الإمام على التمركز فيه سياسياً، والاستمداد منه عسكرياً (3) ، فلا يمكن السكوت

ص: 42


1- منهم: سعد بن أبي وقاص، محمد بن مسلمة الأنصاري، أُسامة بن زيد بن حارثة، وهب بن صيفي الأنصاري. وقد نشر هؤلاء الصحابة، وغيرهم أحاديث عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) تحذر من الفتنة والوقوع فيها، وتبرر اتخاذهم الموقف السلبي من خليفة المسلمين، ورأوا السلامة في العزلة، وقالوا: ((إذا كان غزو الكفار قاتلنا، فأما قتال الفتنة والبغي فلا نقاتل أهل القبلة)). الذهبي، دول الإسلام، 1/ 29 ، وللاطلاع على أحاديث الفتن التي تحث على القعود والاعتزال التي رواها عدد من الصحابة ينظر: البخاري، الصحيح، ص 1252 – 1253 ؛ ابن ماجة، السنن، ص 668 – 672 ؛ أبو داود، السنن، ص 708 – 709 ؛ مسلم، الصحيح، ص 1210 – 1211 . ولمواقف الصحابة في المدينة من دعوة الإمام علي للقتال معه في البصرة ينظر: أبو مخنف، نصوص، 1/ 90 ؛ ابن سعد، الطبقات، 3/ 143 ، 244 – 245 ؛ ابن ماجة، السنن، ص 672 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 9؛ الدينوري، الأخبار الطوال، ص 205 ؛ الترمذي، الجامع الصحيح، ص 604 ؛ ابن أعثم، الفتوح، 2/ 442 ، 459 – 461 .
2- ينظر: ابن أبي طالب، نهج البلاغة، ص 459 – 460 باب المختار من كتب أمير المؤمنين ،(علیه السّلام) ص 583 – 584 كتاب رقم 63 ؛ أبو مخنف، نصوص، 1/ 122 ؛ البخاري، الصحيح، ص 1253 ؛ ابن ماجة، السنن، ص 672 ؛ أبو داود، السنن، ص 708
3- ينظر لدواعي ذلك: الصغير، الإمام علي، ص 275 ، جعفر، المشروع الاستراتيجي، ص 132 – 136 ؛ الدوري، مقدمة في صدر الإسلام ص 69 .

على ما وصل إلى سمعهِ من تخذيل أبي موسى الأشعري لأهلها عن نصرته بعد أن انحاز نفسياً إلى موقف الصحابة في الحجاز، وخوّف أهل الكوفة من الفتنة ودعاهم إلى اعتزال الأحداث (1)، وكان من إجراءات الإمام علي إزاء ذلك إرسال ابنه الإمام الحسن (علیه السّلام) وعمار بن ياسر ومالك الأشتر إلى الكوفة

لعزل أبي موسى عن ولايتها، وحث الناس على اللحاق به في البصرة، فخطب هؤلاء الأصحاب في أهل الكوفة، ووظّفوا التذكير بفضائل الإمام علي لتحشيدالناس، والنفاذ إلى عقلياتهم وعواطفهم، واستنفارهم لإمداد الإمام علي (علیه السّلام)

الذي عسكر بانتظارهم في ذي قار.

فصعد الإمام الحسن (علیه السّلام) منبر الكوفة ثم ذكر جده فصلّی عليه، وذكر فضل أبيه وسابقته وقرابته برسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأنه أولى بالأمر من غيره فقال:

((أيها الناس إنا جئنا ندعوكم إلى الله وإلى كتابه وسنّة رسوله، وإلى أفقه مَن تفقّه من المسلمين، وأعدل مَنْ تعدلون، وأفضل مَنْ تفضلون، وأوفى مَن تبايعون. مَن لم يعيبه القرآن، ولم تجهله السُنّة، ولم تقعد به السابقة، إلى مَن قرّبه الله تعالى ورسوله، قرابتين: قرابة الدين، وقرابة الرحم. إلى مَن سبق الناس

إلى كل مأثرة. إلى مَن كفى الله به رسوله والناس متخاذلون، فقرب منه، وهم متباعدون، وصلّی معه، وهم مشركون، وقاتل معه، وهم منهزمون، وبارز معه، وهم محجمون، وصدقه وهم يكذبون، إلى مَن لم ترد له ولا تكافأ له سابقة، وهو

ص: 43


1- ومما جاء في خطابه إلى أهل الكوفة مشككاً ومخذلًا: ((فإنها فتنة صماء، النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان فيها خير من القاعد، والقاعد خير من القائم، والقائم خير من الراكب... فاغمدوا السيوف، وانصلوا الأسنة، وأقطعوا الأوتار...)) الطبري، تاريخ، 4/ 328 .

يسألكم النصر ويدعوكم إلى الحق، ويأمركم بالمسير إليه لتؤازروه...))(1).

فإن الجهاد معه كالجهاد مع النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(2)، وهو كما قال الحسن في خطبةأخرى باب هدى، فمن دخله اهتدى، ومَنْ خالفه تردّى (3).

وقام عمار بن ياسر خطيباً فذكر أن اختيار الإمام علي (علیه السّلام)خليفةً وإماماً هو نعم الخيار لأنه ((فقيه لا يُعلّم، وصاحب بأسٍ لا يُنكر، وذو سابقة في الإسلام ليست لأحد من الناس غيره))(4).

بل إن عمار بن ياسر جعل نصيحته لأهل الكوفة في الجهاد مع الإمام علي (علیه السّلام) مبنية على أفضليته على الناس فقال: ((... واللهِ لو علمتُ أن على وجه الأرض بشراً أعلم بكتاب الله وسنة نبيه منه ما استنفرتكم إليه، ولا بايعته على الموت...)) (5).

ولم يكتفِ الأشتر بأن جعل نفسه أول مَنْ أجاب دعوة الجهاد وأول لاحق به من أهل الكوفة بل حثهم حثّاً شديداً قائماً على الإشادة بمنزلة الإمام علي(علیه السّلام)، وفضله، فقال: ((... وقد جاءكم اللهُ بأعظم الناس مكاناً في الدين وأعظمهم حرمةً، وأصوبهم في الإسلام سهماً، ابن عم رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وأفقه الناس في الدين، وأقرأهم لكتاب الله، وأشجعهم عند اللقاء يوم البأس، وقد استنفركم

ص: 44


1- أبو مخنف، الجمل وصفين، ص 135 ؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 14 / 10 .
2- الشيخ المفيد، الجمل، ص 263 – 264 وينظر: ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 86 .
3- الشيخ المفيد، الجمل، ص 253 .
4- الشيخ المفيد، الجمل، ص 254 ؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 14 / 13 .
5- الشيخ المفيد، الجمل، ص 263 .

فما تنتظرون؟))(1).

مما تقدم يتبين أن دعوات هؤلاء الأصحاب لمجابهة رياح الشك والقلق والخوف من الفتنة في المجتمع الكوفي كانت تستند إلى طمأنتهم بأنهم سيلحقون ويتبعون الأعلم، والأفقه والأفضل من صحابة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وذا السابقة والجهادوالشجاعة.

وقد ترك كل ذلك أثره فغلبَ أمرهم تخذيل أبي موسى ولحق أهل الكوفة بالإمام علي طائعين، وأسهموا في حسم معركة الجمل بالنصر للإمام علي (علیه السّلام).

ومن خلال تأمل النصوص الواردة بشأن معركة الجمل يمكن أن نتبين ما يلي:

1- أرجع الإمام علي أسباب مناهضة السيدة عائشة له، وخروجها وخلافها عليه–مع الصحابيين طلحة والزبير–إلى الحسد لما حظي به من خصائص ومزايا لم يحظ بها سواه، فقال مجيباً رجالاً من أهل البصرة سألوه عن سبب شقاقها ومظاهرتها عليه بأن أول ذلك كان ل ((تفضيل رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لي على أبيها وتقديمه إياي في مواطن الخير عليه، فكانت تضطغن ذلك علي... وحسدتني منه...))(2)، وعدّ الإمام علي من مواطن الخير هذه مؤاخاة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) له من دون الأصحاب، وسدّ الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا بابه، وثبوته في خيبر بعد هزيمة من سبقوه إلى القيادة، وتسَلُّمه الراية وتحقق الفتح على يديه، وبعث

الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) له بسورة براءة، وصرف أبي بكر عن ذلك، فضلاً عن فضل المصاهرة بزواجه بالسيدة فاطمة الزهراء، التي كان لها من أبيها مكانة ومنزلة

ص: 45


1- المصدر نفسه، ص 255 .
2- المصدر نفسه، ص 409 وتنظر باقي الأسباب في الصفحات، ص 410 – 412 .

لا تُضاهى (1).

إن ما تفرد به الإمام علي من رفعة شأن، وعلو مكان عند الله ورسوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) كان محركاً لكوامن الحسد عند معظم الصحابة (2) من قريش خيارها وشرارها

ص: 46


1- لمؤاخاة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مع الإمام علي (علیه السّلام) ينظر: ابن هشام، السيرة، 2/ 242 ؛ ابن سعد، الطبقات، 3/ 22 ؛ الترمذي، سنن، ص 979 ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 326 . ولسد الأبواب وقول رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لمن تكلم في ذلك من أهله وأصحابه: ((ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي، بل الله عزّ وجل سدّ أبوابكم وفتح بابه)) ينظر: ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ص 177 ؛ النسائي، الخصائص، ص 73 ؛ الحاكم النيسابوري،المستدرك، 3/ 338 ؛ ابن المغازي، المناقب، ص 253 . وللفتح في خيبر وقول النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): ((لأُعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله،يفتح الله عليه)) وفي بعض الأحاديث زيادة: ليس بفرار ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه.ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين علي، ص 211 – 212 ؛ البخاري، الصحيح، ص 659 ؛ الترمذي، السنن، ص 980 ؛ النسائي، الخصائص، ص 37 – 44 ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 323 ؛ ابن المغازي، المناقب، ص 176 – 185 . ولتبليغ سورة براءة وما ذكره النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من أنه أوحي إليه أن لا يؤدي عنه إلاّ رجلٌ منه، ينظر: ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين علي، ص 254 ؛ الترمذي، سنن، ص 979 ؛ النسائي، خصائص، ص 111 – 115 ؛ الطبري، جامع البيان، 10 / 75 – 76 . ولمكانة السيدة فاطمة ومنزلتها عند رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) سنكتفي بايراد الحديث النبوي: ((فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني))البخاري، الصحيح، ص 660 .
2- ولتعميق هذه الفكرة ينظر: في حديث الطائر المشوي لما دعى النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الله سبحانه وتعالى أن يُدخل أحب خلقه إليه ليشاركه في الطعام، قال أنس بن مالك: ((فلما سمعت هذا قلت: اللهم اجعل هذه الدعوة في رجل من الانصار، فخرجت أتشرف هل من أنصاري ثلاثاً فبينا أنا كذلك، إذ دخل علي (علیه السّلام) فقال: هل من إذن؟ فقلت: لا، ولم يحملني على ذلك إلاّ الحسد...)) ابن البطريق، العمدة، ص 251 وينظر: ص 262 .

على اختلاف طرق التعبير عن ذلك، وقد بات هذا الأمر معلوماً للموالين للإمام علي، إذ قام الصحابي أبو الهيثم بن التيهان (1) بعد خروج أصحاب الجمل على

بيعة الإمام علي، ليكشف بعضاً من أسرار هذا الاعتراض فخاطب الإمام قائلاً: ((يا أمير المؤمنين إن حسد قريش إياك على وجهين، أما خيارهم فحسدوك منافسة في الفضل وارتفاعاً في الدرجة، وأما شرارهم فحسدوك حسداً أحبط الله به أعمالهم وأثقل به أوزارهم، وما رضوا أن يساووك حتى أرادوا أن يتقدموك فبعدت عليهم الغاية، وأسقطهم المضمار، وكنت أحق قريش بقريش...))(2).

فعليّ كان يمثل باستمرار تحدياً بوجوده التكويني، كان يمثل تحدياً بجهاده، بصرامته، ببسالته، بشبابه، بكل هذه الأمور كان عليّ يفوق الصحابة بالرغم من التفاوت الكبير في العمر بينه وبين شيوخهم، كان عليّ استفزازاً للآخرين، وهؤلاء الآخرون ليسوا كلهم يعيشون الرسالة فقط، بل جملة منهم يعيشون أنفسهم أيضاً، يعيشون أنانيتهم وحينما يشعرون بهذا الاستفزاز التكويني من شخص عليّ.. كان رد الفعل لهذا مشاعر ضخمة ضده (3)، فليس من السهل على النفوس أن ترتاح لمثله، وفي الناس نفوس تتوق إلى اثبات ذواتها، والأخذ بنصيبها من المكانة خصوصاً إذا كان ميدان التنافس واحداً، فهذا لا سبيل إلى

ص: 47


1- ابن مالك بن عمرو الأوسي الانصاري، شهد العقبتين وكان من الأنصار الذين أفشوا الإسلام في المدينة، شهد مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) المشاهد كلها، استشهد مع الإمام علي في صفين. ينظر: ابن سعد، الطبقات، 3/ 448 – 449 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 4/ 200 – 201 .
2- الشيخ المفيد، الأمالي، ص 155 .
3- الصدر، أهل البيت تنوع أدوار، ص 242 ، وينظر: موقف الناس منه في غزوة تبوك، وقولهم: ((أن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) خلّفه لأنه استثقله). ابن هشام، السيرة، 4/ 175 .

إنكاره مادام من خواص النفوس حب التفرد بالكمال مهما كانت منزلتها من التهذيب والإيمان (1).

2- لم يجد أصحاب الجمل ما ينزعون به فضل الإمام علي سوى ما ألحقوه به من تهمة قتل الخليفة عثمان وخذله؛ فقال طلحة بن عبيد الله في أهل البصرة: ((أما بعد فإن عثمان بن عفان كان من أهل السابقة والفضيلة، ومن المهاجرين الأولين الذين رضي عنهم، ورضوا عنه، ونزل القرآن بفضلهم، وأحد أئمة المسلمين... وقد كان أحدث أحداثاً نقمناها عليه، فأتيناه فاستعتبناه، فأعتبنا،فعدا عليه أمرؤ إبتز هذه الأمة أمرها غصباً بغير رضا منها ولا مشورة، فقتله... وقد جئناكم أيها الناس نطلب بدم عثمان...))(2)

ولا يخفى ما في هذا الكلام من تمويه، ومجانبة للصواب، فقد عوّل طلحة على فضل عثمان بوصفه من الصحابة السابقين المهاجرين–الذين عمّهم مدح القرآن–فإذا كان ذلك فعليّ أيضاً من الصحابة الذين تنطبق عليهم هذه الخصال، بل إن فضله يتعدى الخليفة المقتول، فلم يكن ثمة وسيلة لنزع هذا الفضل عنه

سوى اتهامه بالقتل وابتزاز الخلافة (3).

ص: 48


1- الوائلي، هل تعثرت سياسة الإمام علي، ص 99 ، وينظر: تعريض بعض الصحابة بالإمام علي ونسبة التيه والعُجب إليه في مجلس الخليفة عمر بن الخطاب وقول الأخير: ((وحق لمثله أن يتيه، والله لولا سيفه لما قام عمود الدين، وهو بعد أقضى الأمة، وذو سابقتها وشرفها)).ابن أبي الحديد، شرح النهج، 12 / 65 .
2- أبو مخنف، الجمل وصفين، ص 110 ، وينظر: خطبة السيدة عائشة في أهل البصرة بالمضمون نفسه.
3- لتفنيد هذا الزعم ينظر في كلمات الإمام علي التي تكررت في أكثر من مرة مثل قوله يصف اقبال الناس وشوقهم لمبايعته: «فَمَا رَاعَنِي إلا والنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَّی يَنْثَالُونَ عَلَّی مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الَحسَنَانِ وشُقَّ عِطْفَايَ مُجتَمِعِينَ حَوْلِ كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ ». نهج البلاغة، ص 38 ، الخطبة 3. وقوله(علیه السّلام) :« ثُمَّ تَدَاكَكْتُمْ عَلَّی تَدَاكَّ الإبِلِ الْهيمِ عَلَی حِيَاضِهَا يَوْمَ وِرْدِهَا حَتَّى انْقَطَعَتِ النَّعْلُ وسَقَطَ الرِّدَاءُ ووُطِئَ الضَّعِيفُ وبَلَغَ مِنْ سُرورِ النَّاسِ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّايَ أَنِ ابْتَهَجَ بِها الصَّغِيرُ وهَدَجَ إِلَيْهَا الْكَبِيرُ وتَحامَلَ نَحْوَهَا الْعَلِيلُ وحَسَرتْ إِلَيْهَا الْكِعَابُ » المصدر نفسه، ص 443 – 444 ، خطبة.228 وقوله (علیه السّلام):«فَأَقْبَلْتُمْ إِلَّی إِقْبَالَ الْعُوذِ الَمطَافِيلِ عَلَی أَوْلادِهَا تَقُولُونَ الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ... » المصدر نفسه،ص 239 من كلام له رقم 137 . وقوله (علیه السّلام):«لَم تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً » المصدر نفسه، ص 238 من كلام له رقم 136 . وقوله(علیه السّلام) :« إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ عَلَی مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَختَارَ ولا لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ وإِنَّمَ الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَی رَجُلٍ وسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لله رِضًا » المصدر نفسه، ص 463 ؛ الكتاب رقم 6.

وقد انبرى عدد من أصحاب الإمام علي ينتقدون أصحاب الجمل،

ويذكّرونهم بما سمعوه من النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في فضله ومناقبه؛ فقال خزيمة بن ثابت الانصاري (1) مستغرباً من رمي السيدة عائشة للإمام علي بقتل عثمان (2):

((أعايشُ خليّ عن عليّ وعيبهِ*** بما ليس فيه إنما أنت والدُه

وصيُّ رسولِ اللهِ من دونِ أهلهِ*** وأنتِ على ما كان من ذاكَ شاهدُه

وحسبُكِ منه بعضَ ما تعلمينهُ*** ويكفيكِ لو لم تعلمي غير واحدُه

إذا قيلَ ماذا عِبتِ منهُ رميتهِ*** بخذلِ ابن عفانَ وما تلكَ آيدُه))

ص: 49


1- الخطمي الأوسي يُعرف بذي الشهادتين لأن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) جعل شهادته كشهادة رجلين، شهد بدراً وما بعدها من المشاهد ثم صحب الإمام علياً (علیه السّلام)، واستشهد في صفين سنة 37 ه/ 657 م.ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 417 – 418 ؛ ابن حجر، الاصابة، 1/ 425 – 426
2- أبو مخنف، الجمل وصفين، ص 184 .

3-برز في هذه المرحلة من يُفضل الخليفة عثمان بن عفان على الإمام علي من أتباع أصحاب الجمل، فقد كانت المطالبة بالثأر تستدعي رفع شأنه، والتقليل من منزلة الإمام علي، والمقارنة بينهما في الفضل، ونسبة التفوق إلى الخليفة عثمان، يتضح ذلك من الأراجيز التي قيلت في معركة الجمل، قال بعضهم (1):

نحن بنو ضبّة أصحابُ الجمل*** ننازل الموتَ إذا الموتُ نزل

ننعى ابن عفان بأطرافِ الأسل*** ردّوا علينا شيخنا ثم بجل

.................... ....................

إن علياً هو من شر البدل*** إن تعدلوا بشيخَنا لا يعتدل

اين الوهاد وشاريخ القُلل

وتطرف بعضهم إلى نصرة وتفضيل عثمان على الرغم من معرفته بفضل الإمام علي فقال (2).

ذاك الذي يُعرف قدماً بالوصي*** نحن بنو ضبة أعداء علي

ما أنا عن فضل عي بالعمي*** وفارس الخيل عى عهد النبي

ص: 50


1- أبو مخنف، الجمل وصفين، ص 175 . الأسل: الرماح.بجل: حسبكم حيث انتهيتم.الوهاد: المكان المنخفض من الأرض.شماريخ القلل: الجبال العالية.ابن منظور، لسان العرب، مادة أسل، مادة بجل، مادة وهد، مادة قلل.
2- أبو مخنف، الجمل وصفين، ص 181 .

إن الوليّ طالب ثار الولي*** لكنني أنعى ابن عفان التقي

وهذا مما يشير إلى مرحلة من التعصب الأعمى الذي قاد إلى الإغضاء عن فضائل الإمام علي وقد استدعى ذلك منافحة أصحابه الذين صدعوا بفضله وأبرزوا في أراجيزهم مناقبه وخصال الفضل والتميز التي انفرد بها، فقال هاشم بن عتبة المرقال (1): (2).

((وسرنا إلى خیر البرية كلها*** على علمنا أنا إلى الله نرجع

نوقّره في فضله ونُجله*** وفي الله ما نرجو وما نتوقع))

وقال أبو الهيثم بن التيهان الانصاري (3):

قل للزبیر وقل لطلحة أننا*** نحن الذين شعارنا الانصار

........................................

إنّ الوصيّ إمامنا وولينا*** برح الخفاء وباحت الأسرار

وقال رجلٌ من الأزد مذكراً بيوم الغدير (4):

ص: 51


1- ابن أبي وقاص الزهري، عُرف بالمرقال لأنه كان يرقل في الحرب أي يُسرع، يقال أنه أسلم يوم الفتح، وحضر القادسية وله بها آثار مذكورة، صحب الإمام علياً إبان خلافته وكان من أول المسارعين إلى بيعته في الكوفة، فشهد معه الجمل وصفين، واستشهد فيها.ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 616 – 621 ؛ ابن حجر، الاصابة، 3/ 593 .
2- ديوان هاشم المرقال، ص 71 ؛ أبو مخنف، الجمل وصفين، ص 156 .
3- أبو مخنف، الجمل وصفين، ص 179 .
4- المصدر نفسه، ص 180 . أشار في هذين البيتين إلى قول رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) للناس في غدير خم لما عاد من حجة الوداع: ((أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من انفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهم والِ مَنْ والاه وعادِ مَنْ عاداه)). ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين علي، ص 317 ؛ النسائي، خصائص، ص 117 – 144 .

هذا عليٌّ وهو الوصي*** آخاه يوم النجوة النبي

وقال هذا بعديَ الوليّ*** وعاه واعٍ وني الشقي

وقال حجر بن عديّ الكندي (1) معدداً جملة من فضائل الإمام علي (2):

((يا ربنا سَلّم لنا عليّا*** سلّم لنا المبارك المضيّا

المؤمن الموحد التقيا*** لا خَطِل الرأي ولا غَويا

بل هادياً موفقاً مهديّا*** وأحفظه ربّ وأحفظ النبيّا

فيه فقد كان له وليّا*** ثم ارتضاه بعده وصيّا))

وقال زحر بن قيس الجعفي (3) ....................

ص: 52


1- حجر الخير من فضلاء الصحابة، شهد القادسية، وشهد مع الإمام علي (علیه السّلام) الجمل وصفين، ولما ولى معاوية زياد بن أبيه على العراق وأظهر الغلظة وسوء السيرة عارضه حجر، فبعث به زياد إلى معاوية في إثني عشر رجلاً من أصحابه فقتله معاوية سنة 51 ه أو 53 ه ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 356 – 358 ؛ ابن حجر، الاصابة، 1/ 314 – 315 .
2- أبو مخنف، الجمل وصفين، ص 182 – 183 .
3- زحر بن قيس الجعفي: أحد أصحاب الإمام علي، أنزله المدائن في جماعة جعلهم هناك رابطة،وهو الذي أرسله الإمام رسولاً إلى أهل همدان وعاملها جرير بن عبد الله البجلي، فخطب موضحاً الموقف في حرب الجمل. الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 8/ 489 – 490 ؛ المنقري، صفين، ص 15 – 18 .

يوم الجمل (1):

أضربكم حتى تقروا لعليّ*** خیر قريش كلها بعد النبي

مَنْ زانه الله وساّه الوصي*** أن الولّی حافظٌ ظهر الولي

كما الغويُّ تابعٌ أمرَ الغويّ

عاد الإمام عليّ من البصرة إلى الكوفة في 12 رجب سنة 36 ه أقام فيها، واستعمال العمال (2)، وبدأ مرحلة جديدة وافاه فيها بعض عماله بكتب الطاعة

المشفوعة بالوعي لفضائله ومنها كتاب الأشعث بن قيس(3) واليه على أذربيجان، ومما جاء على لسان الأشعث (4): (5)

أتانا الرسول رسول الوصي*** عليّ المهذبُ من هاشم

رسولُ الوصيّ وصيّ النبي*** وخیر البرية من قائم

وزير النبي وذو صهره*** وخیر البرية في العالم

ص: 53


1- أبو مخنف، الجمل وصفين، ص 186 .
2- المنقري، صفين، ص 3، ص 10 – 12 .
3- ابن قيس بن معد يكرب بن معاوية الكندي، ويكنى أبا محمد، قدم على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في سنة عشر من الهجرة في وفد كندة وكان رئيسهم فأسلموا ثم أُسر مع قبيلته كندة في حوادث الانتفاض على الدولة في خلافة أبي بكر بعد أن منعت قبيلته الزكاة، وأرسل إلى أبي بكر فأطلقه،شهد معركة القادسية وجلولاء ونهاوند، وسكن الكوفة، تولى أذربيجان لعثمان بن عفان، وعُزل عنها في خلافة الإمام علي (علیه السّلام)، مات سنة 40 ه/ 660 وقيل سنة 42 ه/ 662 م.ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 109 – 110 ؛ ابن حجر، الاصابة، 1/ 51 – 52 .
4- المنقري، صفين، ص 24 وتنظر أبيات أخرى في فضل الإمام علي (علیه السّلام)، على لسان الأشعث في ص 23 .
5- الأيجي الشافعي، فضائل الثقلين، ص 27 .

له الفضل والسّبقُ بالصالحات*** لَهدى النبي به يأتمي

محمداً أعني رسول الإله*** وغيث البرية والخاتَمِ

أجبنا عليا بفضلٍ له*** وطاعةِ نُصحٍ له دائمِ

فقيهٌ حليمٌ له صولةٌ*** كليث عرين بها سائم

حليم عفيف وذو نجدةٍ*** بعيدٌ من الغدر والمأثمِ

ويظهر في هذه الأبيات أن طاعة الأشعث في ذلك الحين كانت لوعيه بفضائل أمير المؤمنين من حيث السبق إلى الإسلام، ومؤازرة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وخصوصيته

بالمصاهرة، ونزول القرآن به ووصفه ب خير البرية (1)، واختصاصه بالوصية من النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(2) فضلًا عما ذكره له من فقه، وحلم، وعفة وشجاعة.

ولم يجهل هذه الفضائل والٍ آخر هو جرير بن عبد الله البجلي (3) الذي كان عاملاً لعثمان على ثغر همدان، فكتب إلى الإمام علي بالطاعة والتأييد وضمّن كتابه إشادة بعليّ وفضله، ورغبةً في جهاد عدوه فقال (4):

ص: 54


1- سورة البينة: الآية 7، وينظر: الطبري، تفسير، 30 / 318 – 319 ؛ ابن مردويه، ما نزل من القرآن في علي، ص 346 – 347 ؛ الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، 2/ 535 – 542 .
2- ينظر: ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 320 ؛ ابن المغازلي، مناقب أمير المؤمنين، ص 192 ؛ الخوارزمي، المناقب، ص 147 – 148 ، ص 319 ؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام علي، 3/ 5– 12 .
3- سيد قبيلته، اختُلف في إسلامه فقيل: أسلم قبل الفتح، وقيل بعده وقيل: أسلم قبل وفاة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأربعين يوماً، شارك في القادسية، سكن الكوفة، وأرسله الإمام علي (علیه السّلام) رسولاً إلى معاوية ثم اعتزل الفريقين وسكن قرقيسيا حتى مات سنة 51 ه/ 671 م أو سنة 54 ه/ 673 م.ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 232 – 234 ؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 1/ 529 – 531 .
4- المنقري، صفين، ص 15 ، ص 18 .

أتانا كتابُ عليّ فلم*** نردَّ الكتاب، بأرض العجم

ولم نعصِ ما فيه لمّا أتى*** ولمّا نذمّ ولما نَلُمْ

.................... ....................

مضينا يقيناً عى ديننا*** ودين النبي مجليّ الظُلَّم

.................... ....................

رسول المليك، ومن بعده*** خليفتنا القائمُ المدّعَم

علياً عنيتُ وصيّ النبيّ*** نُجالد عنه غواة الأمم

له الفضل والسبق والمكرمات*** وبيت النبوة لا يهتضم

ومن نافل القول أن اختصاص الإمام علي بالوصية وتلقيبه بهذا اللقب أمر متعارف ومشهور بين أنصار الإمام علي من صحابة وتابعين، وقد حفلت أبياتهم الشعرية التي قيلت إبان التهيؤ لمعركة صفين، وعند اندلاع القتال فيها بهذا الوصف(1).

ص: 55


1- على سبيل المثال لا الحصر قول النضر بن عجلان الأنصاري: كيف التفرق والوصيُّ إمامنا*** لا كيف إلاّ حیرةً وتخاذلا وقول حجر بن عدي الكندي: يا ربنا سلّم لنا علياً*** سلِّم لنا المهذّبَ النقيّا .................... .................... فإنه كان له وليّا*** ثم ارتضاهُ بعده وصيا وقول عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي:ألا أبلغ معاوية بن حرب*** أما لك لا تنيبُ إلى الصواب أكلَّ الدهرِ مرجوسٌ لغیرٍ ***تحاربُ مَنْ يقومُ لدى الكتاب فإن تسلم وتبقى الدهرَ يوماً*** نَزُرك بجحفلٍ شبه الهضاب يقودهم الوصيُّ إليك حتى*** يردَّك عن عُوائِك وارتياب وقول الفضل بن عباس: وقلتَ له لو بايعوك تبعتهم*** فهذا عليٌّ خیرُ حافٍ وناعل وصيُّ رسول الله من دون أهله*** وفارسه إن قيل هل من مُنازل وقول المنذر بن أبي حميصة الوادعي: ليس مِنّا مَنْ لم يكن لك في الل*** له وليّا يا ذا الولا والوصية لهذه الأبيات الشعرية ينظر: المنقري، صفين، ص 365 ، ص 381 ، ص 382 ، ص 416 ، ص 436 .

ونستطيع من خلال تأمل النصوص الواردة عن مرحلة النزاع القائم بين الإمام علي ومعاوية قبيل صفين وبعدها أن نتبين عدة أمور:

الأمر الأول:إن انتماء عدد من صحابة الإمام علي (علیه السّلام) إلى صفهِ في النزاع مع معاوية كان مبنياً على وعلي هؤلاء الأصحاب بفضل الإمام ومنزلته التي تجعله خياراً مرجحاً قبال معاوية بن أبي سفيان، وسنعرض كلمات بعضهم في هذا الشأن

لتوضيح هذه الفكرة:

قال زياد بن النضر (1) للإمام علي وهو يحث الناس للخروج إلى صفين:

ص: 56


1- أبو الأوبر الحارث: صحابي سكن الكوفة، وهو ممن خرج من أهل الكوفة على عثمان، صحب الإمام علياً (علیه السّلام)، وحضر معه صفين، وكان فارساً شجاعاً مطاعاً في قومه.لمزيد ينظر: ابن حجر الاصابة، 1/ 581 ؛ الأميني، أصحاب الإمام أمير المؤمنين، 1/ 230 .

((... فتوكل على الله وثقِ به، واشخص بنا إلى هذا العدو راشداً مُعانا؛ فإن يرد الله بهم خيراً لايدعوك رغبةً عنك إلى مَنْ ليس مثلك في السابقة مع النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )،

والقدم في الإسلام، والقرابة من محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...))(1).

وبنى عمرو بن الحمق الخزاعي (2) محبته وولاءه وتفانيه في تأييده للإمام علي (علیه السّلام) على مزاياه ومناقبه فقال: ((إني والله يا أمير المؤمنين ما أجبتك ولابايعتك على قرابة بيني وبينك، ولا إرادة مالٍ تؤتينيه، ولا التماس سلطانٍ يُرفع ذكري

به؛ ولكن أحببتك لخصالٍ خمس: إنك ابن عم رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وأول مَنْ آمن به، وزوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وأبو الذريّة التي بقيت فينا من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وأعظم رجل من المهاجرين سهماً في الجهاد، فلو أني كُلفت نقل الجبال الرواسي، ونزح البحور الطوامي حتى يأتي عليّ يومي في أمرٍ أقويّ به وليك وأوهن به عدوك، ما رأيت أني قد أديت فيه كل الذي يحقُّ عليّ من حقّك.

فقال أمير المؤمنين عليّ:... ليت أن في جندي مائة مثلك))(3).

فهذه الطاعة المبدئية المبنية على الوعي بمكانة أمير المؤمنين (علیه السّلام) وحقه على الأمة والياً وولياً هو ما كان يحتاجه الإمام علي (علیه السّلام) لمواجهة بوادر الشك

ص: 57


1- المنقري، صفين، ص 101 – 102 ، وينظر في المعنى نفسه قول هاشم بن عتبة، المصدر نفسه، ص 112 .
2- له صحبة، هاجر بعد الحديبية، سكن الشام ثم الكوفة، كان ممن قام على عثمان مع أهلها، شهد مع الإمام علي حروبه ثم قدم مصر، كان من أعوان حجر بن عدي فلما قُبض على حجر، وأرسل إلى معاوية توجه إلى الموصل، فنهشته حية فمات، ثم قطع عامل الموصل رأسه وبعث به إلى زياد فأرسله زياد إلى معاوية سنة 50 ه/ 670 م أو 51 ه/ 671 م وكان أول رأس أُهدي في الإسلام. ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 524 ؛ ابن حجر، الاصابة، 2/ 524 .
3- المنقري، صفين، ص 103 – 104 .

التي بدأت تعصف بالمجتمع الكوفي، الشك في صواب الموقف من معاوية، وقتال أهل الشام من أهل القبلة (1)، وهو ما كان يواجهه الإمام علي (علیه السّلام)(2) وأصحابه (3) موضحين ما استبهم ومؤكدين أن معسكر معاوية أهل ضلالة،

ص: 58


1- على سبيل المثال لا الحصر: عندما أجاب الناس الإمام علياً للسير إلى جهاد معاوية أتاه أصحاب عبد الله بن مسعود فقالوا له: إنا نخرج معكم، ولا ننزل عسكركم... وأتاه آخرون، فيهم ربيع ابن خُثيم وهم يومئذ أربعمائة رجل، فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا شككنا في هذا القتال على معرفتنا بفضلك. المنقري، صفين، ص 115 ؛ وينظر لأمثلة أخرى ص 185 ، ص 215 . وقال الإمام في وجوب لزوم البصيرة: ((قد فُتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة، ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر والعلم بمواضع الحق، فامضوا لما تؤمرون...)). نهج البلاغة، ص 305 – 306 . خطبة رقم 173 .
2- جاء رجل إلى الإمام علي فقال: ((يا أمير المؤمنين، هؤلاء القوم الذين نقاتلهم: الدعوةُ واحدةٌ،والرسول واحد، والصلاة واحدة، والحج واحد فبم نسميهم؟ قال: نسميهم بما سمّهم الله في كتابه... قال: [تلِكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ] إلى قوله [وَلَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهمْ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ]. فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالكتاب وبالنبي وبالحق. فنحن الذين آمنوا، وهم الذين كفروا، وشاء الله قتالهم فقاتلناهم هدىً، بمشيئة الله ربنا وإرادته)). المنقري، وقعة صفين، ص 322 – 323 . وقال الإمام علي في جواب لآخر: ((... لقد أهمني هذا الأمر وأسهرني، وضربتُ أنفه وعينه، فلم أجد إلاّ القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلّی الله عليه. إن الله تبارك وتعالى لم يرضَ من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوتٌ مذعنون، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فوجدت القتال أهوّن عليّ من معالجة الأغلال في جهنم)). المنقري، صفين، ص 474 . وباختلاف في الألفاظ نصوص أخرى في: نهج البلاغة، ص 85 الخطبة رقم 43 ، ص 93 الخطبة رقم 53 .
3- وقال عمار بن ياسر من كلام طويل له مع أحد الشاكين: ((... أما أنهم سيضربوننا بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولون: لو لم يكونوا على حقٍ ما ظهروا علينا. والله ما هم من الحق على ما يُقذى عينَ ذباب. واللهِ لو ضربونا بأسيافهم حتى يُبلغونا سعفات هجر لعرفت أنّا على حق وهم على باطل...)). المنقري، وقعة صفين، ص 322 .

وقتالهم هدى وهداية، ومما استعان به صحابة الإمام علي في مواجهة شك الشاكين، فضائل الإمام علي؛ فقام سعيد بن قيس(1) يخطب في أصحابه عند استعدادهم للقاء أهل الشام:

((... فوالله... أن لو كان قائدنا حبشياً مجدّعاً، إلا أن معنا من البدريين سبعين رجلاً، لكان ينبغي لنا أن تَسُن بصائرنا وتطيب أنفسنا. فكيف وإنما رئيسنا ابن عم نبينا، بدريٌّ صِدق، صلّی صغيراً، وجاهد مع نبيكم كبيراً.

ومعاوية طليقٌ من وثاق الإسار، وابن طليق، ألا إنه أغوى جفاةً فأوردهم النار، وأورثهم العار...))(2).

وخطب مالك الأشتر (3) معولًا على ما عوّل عليه صاحبه وهو وجود البدريين من أصحاب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في معسكر الإمام علي، ومزاياه وفضائله

ص: 59


1- الهمداني من كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم، كان سيد همدان والمطاع فيها، حضر الجمل وصفين مع الإمام علي وله مواقف مشهودة فيها، صحب الإمام الحسن (علیه السّلام) بعد ذلك وكان أحد قياديي جيشه الزاحف لملاقاة معاوية توفي بعد صلح الحسن بزمان يسير. ينظر: المصدر نفسه، ص 437 ؛ الدينوري، الأخبار الطوال، ص 209 ، 216 ، 253 ، ص 290 ، 298 – 299 ، 313 ؛ العطار، مقدمة ديوان سعيد بن قيس الهمداني، ص 7– 65 .
2- المنقري، صفين، ص 236 – 237 .
3- ابن النخع من مذحج، كان رئيس قومه، شهد اليرموك فذهبت عينه، له في فتوح الشام مواقف مذكورة، صحب الإمام علياً (علیه السّلام) وشهد معه الجمل وصفين ثم ولاهّ على مصر فمات في الطريق إليها.ابن سعد، الطبقات، 6/ 213 ؛ ابن حجر، الاصابة، 3/ 482 .

التي لاتقارن بمعاوية فقال: ((... ونرجو في قتالهم حسن الثواب، والأمن من العقاب، معنا ابن عمّ نبينا، وسيفٌ من سيوف الله، علي بن أبي طالب، صلّی مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، لم يسبقه بالصلاة ذكر حتى حتى كان شيخاً؛ لم يكن له

صبوةٌ ولا نبوةُ ولا هفوة، فقيه في دين الله، عالم بحدود الله، ذو رأي أصيل، وصبر جميل، وعفاف قديم... وأعلموا أنكم على الحق، وأن القوم على الباطل يقاتلون مع معاوية، وأنتم مع البدريين قريب من مائة بدري، ومن سوى ذلك من أصحاب محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أكثر ما معكم راياتٌ كانت مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )... فما يشك في قتال هؤلاء إلا ميت القلب...))(1).

وكان الإمام عليّ يدعم مواقف أصحابه من ذوي البصائر (2)، ويواجه شكوك بعض أفراد معسكره، وتضليل معاوية بالتذكير بفضائله، وبرواية أحاديث النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) التي نصبته مناراً للهدى، فخطب الناس بصفين قائلاً: ((...

ص: 60


1- المنقري، صفين، ص 238 – 239 . ولمزيد من مواقف آخرين ينظر: المصدر نفسه، ص 318 ، ص 338 ، ص 464 .
2- ورد مصطلح (ذوو البصائر من أصحاب علّي) عند: المنقري، صفين، ص 167 . وأهل البصائر: تعبير إسلامي يعود إلى صدر الإسلام يراد به المؤمنون الواعون الذين يتخذون مواقفهم السياسية وغيرها نتيجة لقناعات مستوحاة من المبدأ الإسلامي، ولا تتصل بالاعتبارات النفعية. ومن المؤكد أن هذا التعبير غدا في وقت مبكر جداً مصطلحاً ثقافياً إسلامياً يعني: الفئة المؤمنة الواعية للإسلام على الوجه الصحيح والملتزمة بالإسلام في حياتها بشكل دقيق، بحيث أنها تتخذ مواقف مبدئية من المشاكل الاجتماعية والسياسية التي تواجهها في الحياة والمجتمع فلا تُصغي إلى الاعتبارات الشخصية والقبلية، فضلاً عن أنها لا تقف على الحياد أمام هذه المشكلات، وإنما تعبر عن التزامها النظري بالممارسة اليومية للنضال ضد الانحرافات. للتفصيل والتوسع ينظر: شمس الدين، أنصار الحسين، ص 165 – 170 ؛ شمس الدين، حركة التاريخ، ص 58 .

وقد عهد إليّ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عهداً فلستُ أحيد عنه، وقد حضرتم عدوّكم وقد علمتم مَنْ رئيسُهم، منافق ابن منافق يدعوهم إلى النار، وابن عمّ نبيكم معكم

بين أظهركم يدعوكم إلى الجنة وإلى طاعة ربكم، ويعمل ب سنة نبيكم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

فلا سواءٌ مَنْ صلّی قبل كل ذكر. لم يسبقني بصلاتي مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أحد، وأنا من أهل بدر، ومعاوية طليقٌ وابن طليق... والذي نفسي بيده لنظر إليّ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أضرب قدّامه بسيفي فقال: ((لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا عليّ)). وقال: ((يا علي، أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وموتك وحياتك يا عليُّ معي)) والله ما كذبت ولا كُذِبت، ولا ضللتُ ولا ضُلّ بي، وما نسيتُ ما عَهِد إليّ، وإني لعلى بينة من ربّ، وإني لعلى الطريق

الواضح ألفظه لفظاً))(1).

الأمر الثاني: محاربة معاوية لفضائل الإمام علي (علیه السّلام) في هذه المرحلة المبكرة من الصراع، وقد كان ذلك لأسباب منها:- معرفة بعض أهل الشام بهذه الفضائل مما قد يشكل عائقاً أمام معاوية لإنجاز ما عوّل عليه من قتال الإمام علي.

- إلتفاف أصحاب الإمام علي حوله، وافتخارهم بفضائله وسوابقه، مقابل هجاء معاوية الذي لا يساويه ولا يدانيه (2).

ص: 61


1- المنقري، صفين، ص 314 – 315 . وفي نهج البلاغة، ص 172 ، خطبة رقم 96 وردت العبارة الأخيرة من الخطبة أعلاه هكذا: «وإنّ لعلى بينةٍ من ربّ، ومنهاجٍ من نبيي، وإني لعلى الطريق الواضح ألقُطُهُ لَقطاً » واللقط: هو أخذ الشيء من الأرض.
2- وسنقدم نموذجاً واحداً من أمثلة كثيرة على ذلك، وهي أبيات قالها النجاشي في الرد على معاوية:فقل للمضلّل من وائلٍ*** ومَنْ جعل الغَثَّ يوماً سمينا جعلتم علياً وأشياعه*** نظیر ابن هند ألا تستحونا إلى أول الناس بعد الرسول*** وصنو الرسول من العالمينا وصهر الرسول ومَنْ مثله*** إذا كان يوم يُشيب القرونا المنقري، صفين، ص 59 .

- إن الفضائل والمناقب التي امتاز بها الإمام علي (علیه السّلام) كانت تجعله أهلاً لخلافة المسلمين ورئاستهم، بينما معاوية طليق ابن طليق لا تحل له الخلافة (1).

فتضمنت خطة معاوية في محاربة الفضل وسيلتين هما:

أ–محق الفضائل.

ص: 62


1- ينظر: ابن أبي طالب، نهج البلاغة، ص 474 الكتاب رقم 17 ، ص 488 الكتاب رقم 28 . وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: ((هذا الأمر [أي الخلافة] في أهل بدر ما بقي منهم أحد... وليس فيها لطليق، ولا لولد طليق، ولا لمسلمة الفتح شيء)). ابن الأثير، أسد الغابة، 5/ 204 . وقد قارع عدد من الصحابة معاوية بهذا النقص، وتكرر وصفه بالطليق في كلماتهم، تعبيراً عن ازدرائه والحط من شأنه منهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وقيس بن سعد. ينظر: المنقري، وقعة صفين، ص 63 ، ص 314 ، ص 415 ، ص 449 ؛ البلاذري، انساب الاشراف، 5/ 115 ؛ الخوارزمي، المناقب، ص 257 – 258 . وقال الإمام علي (علیه السّلام) في رده على مبعوثي معاوية من أهل الشام وغيرهم: ((... وخلاف معاوية إياي الذي لم يجعل الله له سابقةً في الدين، ولا سلف صدق في الإسلام، طليقٌ ابن طليق، وحزبٌ من الاحزاب، لم يزل لله ولرسوله وللمسلمين عدواً هو وأبوه، حتى دخلا في الإسلام كارهين مكرهين، فعجباً لكم ولإجلابكم معه، وانقيادكم له، وتدعون أهل بيت نبيكم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم، ولا أن تعدلوا بهم أحداً من الناس)). المنقري، صفين، ص 201 .

ب–إثارة قضية تفضيل الخلفاء الثلاثة (أبو بكر وعمر وعثمان) على الإمام علي كخطوة أولى، ومن ثم التمهيد لتفضيل نفسه على الإمام علي أو على الأقل المساواة معه.

وفيما يتعلق بمحق الفضائل، توسل معاوية إلى ذلك بعدة وسائل منها: الدعاية المضلّلة، ولصق التهم المنفرة بالإمام علي مثل:

1-اتهامه بقتل الخليفة عثمان بن عفان: فعندما سأله أبو مسلم الخولاني (1) وعدد من قراء أهل الشام قبل مسيره إلى صفين: ((يا معاوية علامَ تقاتل علياً، وليس لك مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته؟ قال لهم:... ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً؟...))(2).

وأمر معاوية بعض اتباعه أن يسير في مدائن الشام، وأن ينادي فيهم: ((أن علياً قتل عثمان))(3).

وعلى ذلك قاتلت قبائل الشام مع معاوية، فنادى في بعضهم أبو شجاع الحميري وكان من ذوي البصائر مع الإمام علي فقال: ((يا معشر حمير، تبت أيديكم، أترون معاوية خيراً من عليّ؟ أضلَّ الله سعيكم. ثم أنت يا ذا

ص: 63


1- هو عبد الله بن ثوب من أهل الشام، من التابعين، حمل أحد رسائل معاوية إلى الإمام علي في صفين، وكان إلى جانب معاوية فيها، توفي إبان حكم يزيد بن معاوية. ينظر: المنقري، صفين، ص 85 – 86 ؛ ابن قتيبة، المعارف، ص 250 ؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، .588/4
2- المنقري، صفين، ص 85 .
3- المصدر نفسه، ص 50 . وقد حاول معاوية أن يستميل بهذه التهمة حتى أتباع الإمام علي، ينظر:موقفه من الوفد الذي أرسله الإمام علي إليه يدعوه إلى الطاعة. المصدر نفسه، ص 198 .

الكلاع (1) فوالله إن كنا نرى أن لك نيّةً في الدين. فقال ذو الكلاع:... والله فاعلمنّ ما معاوية بأفضل من عليّ، ولكن إنما أقاتل على دم عثمان...))(2).

وبعد أن تم ذلك لمعاوية كتب إلى الإمام علي: ((ولعمري ما مضى لك من السابقات لشبيهٌ أن يكون ممحوقاً؛ لما اجترأت عليه من سفك الدماء...))(3).

-2-القول بإلحاد الإمام علي وخروجه عن الدين: فكان يقول في آخر كل خطبة: ((اللهم أن أبا تراب (4)، ألحد في دينك، وصدَّ عن سبيلك، فالعنه لعناً وبيلا، وعذبه عذاباً أليما))(5).

لقد انطلت هذه المكيدة على كثير من الناس، وراجت في المجتمع الشامي؛

ص: 64


1- وهو سميفع بن ناكور يعود نسبه إلى حمير، أدرك الإسلام، وقُتل في صفين مع معاوية وقال شاعر العراق في قتله:فإن تقتلوا الصقر بن عمرو بن محصن*** فأنا قتلنا ذا الكلاع وحوشبا ابن دريد، الاشتقاق، 2/ 525 .
2- المنقري، وقعة صفين، ص 302 .
3- المنقري، وقعة صفين، ص 110 .
4- أبو تراب: كنى النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الإمام علياً (علیه السّلام) بأبي تراب، وقد اختلفت الروايات في سبب ذلك، وفي كلها يتبين أنها كانت مدحاً للإمام علي (علیه السّلام) لا ذماً، ومع ذلك فقد أراد معاوية والأمويون عامة أن يسلبوا ذلك العبق النبوي الذي أحاط بهذه الكنية، وإفراغه من محتواه الحقيقي، وتحويلها من منقبة حسنة إلى صفة مذمومة. للاطلاع على كل ذلك ينظر: البخاري، الصحيح، ص 659 ؛ النسائي، خصائص أمير المؤمنين، ص 210 ؛ الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ص 116 – 117 . ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 54 – 55 ؛ الجابري، السياسة الأموية، ص 64 – 67 .
5- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/ 45 .

وكانت الوسيلة الناجعة لمحق فضائل الإمام علي وحمل ذلك المجتمع على سب الإمام والبراءة منه، فكانوا يسهبون في ذمه، ومن أمثلة ذلك جواب أحد جنود معاوية في صفين لهاشم بن عتبة المرقال عندما اعترض الأخير على ما سمعه من ذلك الجندي من لعن الإمام علي وسأله عن الذي حمله على ذلك فقال: ((فإني أُقاتلكم لأن صاحبكم لا يُصلي كما ذُكر لي، وأنكم لا تصلون، وأُقاتلكم أن صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم وازرتموه...))(1).

3-اتهام الإمام علي (علیه السّلام) بالنفاق: وقد سار بعض أتباع معاوية بدعاياته المضلّلة، يحشدون الناس له ضد الإمام علي بإلصاق هذه التهمة به ومنهم: عمرو بن ثابت الذي كان يركب ويدور القرى بالشام ويجمع أهلها ويقول: ((أيها الناس، إن علياً كان رجلاً منافقاً، أراد أن ينخس برسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ليلة العقبة فالعنوه، فيلعنه أهل تلك القرية؛ ثم يسير إلى القرية الأخرى، فيأمرهم بمثل ذلك))(2).

ومما يلفت النظر هذا الكذب السافر على الإمام علي وتشويه المناقب العلوية بهذا البهتان البيّن، فقد روى كثير من أرباب الحديث عن جماعة من الصحابة قالوا: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلاّ ببغض علي بن أبي طالب (3)

واتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب فيها عند المحدثين على أن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

ص: 65


1- المنقري، وقعة صفين، ص 354 .
2- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/ 80 .
3- ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين علي، ص 251 ، ص 298 ؛ الترمذي، السنن، ص 979 .

قال للإمام علي: ((لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)) (1).

ومع ذلك فقد تجرأ معاوية وأتباعه على التضليل بهذه المطاعن بقصد التعتيم على شخصية الإمام علي، معوّلين على جهل أغلب أهل الشام بفضائله ومنزلته في الإسلام.

كانت الوسيلة الثانية لمعاوية في محاربة فضائل الإمام علي في هذه الحقبة الزمنية، هي التمويه على فضائل الإمام بفضائل الخلفاء السابقين، فكانت الإرهاصات الأولى لذلك إدعاؤه أن ترتيبهم في المنزلة كان على قدر فضائلهم في الإسلام، وأن لا فضل لعلي فقال: ((إن الله اصطفى محمداً بعلمه... واجتبى

له من المسلمين أعواناً أيده الله بهم، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام، فكان أفضلهم في إسلامه، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفةُ من بعده، وخليفة خليفته، والثالث الخليفة المظلوم عثمان، فكلهم حسدت، وعلى كلهم بغيت...))(2).

وقد رد الإمام علي على إثارة معاوية مبيناً أن ذلك ليس إليه فقال: ((... وما أنت والفاضل والمفضول، والسائس والمسوس؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم؟... ألا تربع أيها الإنسان على ضلعك، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخر حيث أخرّك القدر...))(3).

ص: 66


1- الترمذي، السنن، ص 982 ؛ النسائي، خصائص أمير المؤمنين، ص 155 .
2- المنقري، صفين، ص 86 – 87 .
3- نهج البلاغة، ص 488 الكتاب رقم 28 ؛ الخوارزمي، مناقب، ص 256 ، ألا تربع أيها الإنسان على ضلعك: أي ألا ترفق بنفسك وتكف وضلعَ البعير أي غمز في مشيه. ابن منظور، لسان العرب، مادة ضلع.

لقد سرت دعوة معاوية المضلّة في أفضلية الخلفاء في المجتمع الإسلامي، وأنشدها بعض أتباعه شعراً، فقال الوليد بن عقبة (1) :

ألا إن خر الناس بعد ثلاثة*** قتيل التجيبي الذي جاء من مصر

ويقصد أن الخليفة عثمان هو الثالث في المنزلة بعد الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وأبي بكر، وعمر.

فناقض الفضل بن عباس رأي الوليد وقدّم الإمام علياً (علیه السّلام) في الفضل على الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان) بعد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، مستنداً إلى المشهور من مناقبه الجهادية وسابقته وقرابته من النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فقال (2):

ألا إن خیر الناس بعد محمد*** مهيمنه التاليه في العرف والنكر

وخیرته في خير ورسوله*** بنبذ عهود الشرك فوق أبي بكر

وأول من صلىّ وصنو نبيه*** وأول من أردى الغواة لدى بدر

فذاك عليّ الخیر مَنْ ذا يفوقه*** أبو حسن حلف القرابة والصهر

ويبدو أن هذه المفاضلة والترتيب قد وجدت لها أذناً صاغية عند بعض أتباع الإمام علي (علیه السّلام) وأغرتْ بعضهم للجدال والمناقشة والمخالفة، فذكر له ذلك الحارث الهمداني (3) فقال: ((... نال الدهر يا أمير المؤمنين مني [و]زادني أواراً

ص: 67


1- الشيخ المفيد، الفصول المختارة، ص 268 .
2- المصدر نفسه، ص 268 – 269 .
3- الأعور بن عبد الله الهمداني السبعي من كبار التابعين، ومن أفقه علماء عصره، تعلم من أمير المؤمنين (علیه السّلام) علماً جماً، وقرأ عليه القرآن. توفي سنة 65 ه/ 684 م. ابن سعد، الطبقات، 6/ 168 – 169 ؛ الأربلي، كشف الغمة، 1/ 232 ، 274 ، ج 2/ 74 – 77 ، ص 382 ؛ الأميني، أصحاب الإمام أمير المؤمنين، 1/ 131 .

وغليلاً اختصام أصحابك ببابك، قال [الإمام علي]: وفيمَ خصومتهم، قال: فيك، وفي الثلاثة من قبلك، فمن مفرطٍ منهم غال، ومقتصد تال، ومن متردد مرتاب، لايدري أيُقدم أم يُجم؟))(1).

فتصدى الإمام علي (علیه السّلام) لتوعية أصحابه، وإزالة اللبس والشبهة، وزادهم بصيرةً في أمرهم، وعلماً بما له من منزلة ونصيب في المناقب فقال: ((... إن دين الله لايُعرف بالرجال بل بآية الحق، فاعرف الحق تعرف أهله، يا حارث إنّ الحق أحسن الحديث، والصادع به مجاهد، وبالحق أُخبرك، فأعرني سمعك،

ثم خبّر به من كان له حصافة من أصحابك. ألا إنّ عبد الله، وأخو رسوله،وصِدّيقه الأول، صَدّقته وآدم بين الروح والجسد، ثم إني صِدّيقه الأول في أمتكم حقاً، فنحن الأولون، ونحن الآخرون، ونحن خاصته وخالصته وأنا صنوه ووصيه ووليه وصاحب نجواه وسره، أوتيت فهم الكتاب، وفصل الخطاب، وعلم القرون والأسباب، واستُودعت ألف مفتاح، يفتح كل مفتاح ألف باب...))(2).

كانت الخطوة اللاحقة لمعاوية في إبطال فضل الإمام علي هي مساواة نفسه به فكتب إليه:((... ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعضٍ فضلٌ إلاّ فضلٌ لايُستذل به عزيز ولا يُسترق حرٌ به))(3).

ص: 68


1- الشيخ المفيد، الأمالي، ص 4– 5؛ الأربلي، كشف الغمة، 2/ 74 – 75 . والغال: المفرط في المحبة أو العداوة، والتال: المعتدل الذي يتلو ويلحق به.
2- الشيخ المفيد، الأمالي، ص 5– 6.
3- المنقري، صفين، ص 471 ؛ الدينوري، الأخبار الطوال، ص 277 .

فردّ الإمام ادعاءه، مؤكداً وجود التفاوت الكبير في ميزان الاخلاق والإيمان بينهما فقال: ((... فلعمري إنّا بنو أبٍ واحد، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا المحق كالمبطل. وفي أيدينا بعدُ فضلُ النبوة التي أذْلَلنا بها العزيز، وأعززنا بها الذليل))(1).

وكذلك حرص معاوية على أن يضاهي فضائل الإمام علي (علیه السّلام) ويناظره في مناقبه، وادعى أحياناً أنه يبزّه في الحلم والعلم، وردّ الإمام علي (علیه السّلام) ادعائه واصفاً إياه بالنفاق والجبن (2).

بل لقد حاول بعض أتباع معاوية التعمية على تاريخه، واصطناع الفضل والشرف له–بغيره–فقال عمرو بن العاص(3) وهو يحث أبا موسى الأشعري، على اختيار معاوية خليفةً للمسلمين في قضية التحكيم (4): ((... فما يمنعك

يا أبا موسى من معاوية وليّ عثمان، وبيته في قريشٍ ما قد علمت؟ فإن خشيت

ص: 69


1- المنقري، صفين، ص 471 .
2- ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 5/ 119 ؛ ابن أعثم، الفتوح، 2/ 434 ؛ الطبرسي، الاحتجاج، 1/ 220 ؛ المحمودي، نهج السعادة، 4/ 208 .
3- ابن وائل بن هاشم بن سعيد القرشي السهمي أسلم عام الفتح، فتحت مصر على يده ووليها سنة 20 ه/ 640 م وحتى وفاة عمر بن الخطاب ثم أقرّه عليها عثمان أربع سنين ثم عزله، فوليها ثانية أيام معاوية ومات بها والياً سنة 43 ه/ 663 م. ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 508 – 512 .
4- انتهت معركة صفين باختيار كل طرف نائباً عنه للتفاوض، وتحكيم كتاب الله بين الطرفين، وأسفر التحكيم عن إقرار معاوية وخلع عليّ، وفي بعض الروايات خلع الاثنين وإعادة الأمر شورى، وفي الواقع ظلت الأمور على ما هي عليه. ينظر: ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 110/1 – 111 ؛ اليعقوبي، تاريخ، 2/ 165 – 166 .

أن يقول الناس ولّی معاوية وليست له سابقةٌ، فإنّ لك بذلك حجة، تقول: إني وجدت وليّ عثمان الخليفة المظلوم، والطالب بدمه، الحسن السياسة، الحسن التدبير، وهو أخو أم حبيبة أم المؤمنين زوج النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وقد صحبه وهو أحد الصحابة...))(1).

فلا ريب أن يَعجب الإمام علي من تغيّر الحال، والالتفاف عليه وهو أهل الدين والفضل والشرف، ومُقايسته بمن هم دونه فقال: ((كنتُ في أيام رسول الله عليه وآله كجزءٍ من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، ينظرُ إليّ الناس كما يُنظر إلى الكواكب

في أُفق السماء، ثم غضّ الدهر مني، فقُرن بي فلان وفلان... ثم لم يرض الدهر لي بذلك؛ حتى أرذلني، فجعلني نظيراً لابن هند وابن النابغة!))(2).

وقال: ((فياعجباً للدهر، إذ صرتُ يُقرنُ بي مَن لم يسع بقدمي، ولم تكن له كسابقتي التي لا يدلي أحد بمثلها، إلا أن يدعِ مدّع مالا أعرفه...))(3).

ص: 70


1- المنقري، صفين، ص 541 .
2- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 20 / 265 . النابغة: أم عمرو بن العاص، كانت أمةً لرجل من عنزة، فسبيت، فاشتراها عبد الله بن جدعان التيمي بمكة، فكانت بغياً ثم أعتقها... وقد إدعى أبو لهب بن عبد المطلب، وأمية بن خلف الجمحي، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان بن حرب، والعاص بن وائل أنهم آباء عمرو بن العاص فحُكّمت أمه فقالت: هو من العاص بن وائل. المصدر نفسه، 6/ 226 – 228 ، وينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 508 .
3- نهج البلاغة، ص 466 ، الكتاب رقم 9.

المرحلة الثانية رواية فضائل الإمام علي (علیه السّلام) في العصر الأموي ( 41 – 132 ه / 661 – 749 م)

اشارة

ص: 71

ص: 72

المرحلة الثانية رواية فضائل الإمام علي (علیه السّلام) في العصر الأموي ( 41 – 132 ه / 661 – 749 م)

أسس ومعالم المنهج الأموي في تغييب وطمس فضائل الإمام علي (علیه السّلام) وأساليب التصدي لها:

اشارة

تولى معاوية حكم الدولة الإسلامية سنة 41 ه– 60 ه/ 661 م– 679 م، وعلى الرغم من شهادة الإمام علي سنة 40 ه/ 660 م، وغيابه عن ميدان المنافسة العملية مع خصمه اللدود معاوية، إلا أن الأخير استمر في حربه ضد ذكرى الإمام علي ومناقبه وفضائله التي يبدو أنها لم تكن تثير إحساس معاوية بدونيته فحسب، وإنما كانت تشكل مؤشراً دائماً على بقاء معاوية في دائرة اللاشرعية،

وتسلبه التأييد الحقيقي المبدئي الواعي، وهذا ما يترتب عليه نتائج خطيرة تعصف بمحاولات معاوية المستمرة لتركيز سيطرة وسلطة بني أمية واستمرار الملك العضوض في نسله.

استدعى كل ذلك أن يؤسس معاوية–ومن تولى بعده من بني أمية–لحربٍ فكرية تستمر أجيالاً حتى لا يُذكر لعليّ فضل(1) وقد تنوعت صور هذه الحرب

ص: 73


1- روى الجاحظ أن قوماً من بني أمية قالوا لمعاوية: ((يا أمير المؤمنين، إنك قد بلغت ما أمّلت، فلو كففت عن لعن هذا الرجل! فقال: لا والله حتى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكرٌ فضلاً!)). ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/ 45 .

وأسلحتها، وفيما يلي استعراض لأبرز الوسائل والأساليب المتبعة فيها:

• الأسلوب الأول: ترسيخ سياسة سب الإمام علي (علیه السّلام)، وجعلها سياسة رسمية للدولة الأموية.

فعلى الرغم من وجود ظاهرة السب، وممارسة معاوية وأتباعه لذلك قبل توليه الحكم–كما قدمنا–إلاّ أننا نستطيع أن نعدّها ظاهرة محدودة لم تتخذ جانب التبني التام والواضح لها؛ لعدم قيام دولة أموية لها سياستها الخاصة، ولها عُمالها وولاتها النافذين على الأقاليم آنذاك، بيد أن معاوية وبمجرد وصوله إلى سدة الحكم سنة 41 ه/ 661 م) أعلن هذه السياسة بوصفها سياسة رسمية

للدولة (1) وعمّم تلك السياسة على جميع الولايات الإسلامية وحمل الناس على تطبيقها وممارستها طوعاً وقسراً، فكتب ((نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة (2): أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته،فقامت الخطباء في كُلّ كورة، وعلى كُلّ منبر، يلعنون علياً ويبرؤون منه، ويقعون فيه...(3).

ص: 74


1- ينظر: مناقشة آراء المصادر التاريخية في بداية سب الإمام علي رسمياً، وترجيح سنة 41 ه/ 661 م بدايةً لذلك على وفق القرائن التاريخية عند الجابري، السياسة الأموية، ص 51 – 55 .
2- هو عام 41 ه/ 661 م الذي عقد فيه ما سُمي (بالصلح) بين الإمام الحسن (علیه السّلام)، ومعاوية. وقال عنه الجاحظ: ((... وما كان عام جماعة، بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة، والعام الذي تحولت فيه الإمامة ملكاً كسروياً، والخلافة منصباً قيصرياً...((.رسائل الجاحظ (رسالة في النابتة) 2/ 11 .
3- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 11 / 36 .

ويبدو أن اتخاذ المنابر والخطب كمكان وزمان للسب ظاهرة هدفها خلق جو إعلامي واسع لهذه البدعة، وهي خطوة عملية لتطبيق السب في أوسع مجالاته وإعطاء السب الصفة الشرعية من خلال تضمينه المواسم العبادية والدينية التي لها وقعها في نفوس المسلمين، ومن ثم فهي خطوة عملية لتشريع

سب الإمام علي (علیه السّلام) كون الارتكاز الذهني لوظيفة المنبر والخطبة هو أن وظيفتها دينية، ومن ثمّ استغلوا الوظيفة الدينية في تحقيق مبتغاهم وهدفهم في النيل من الإمام علي (علیه السّلام)، محاولةً لجعل السب مما تُبنى عليه اعتقادات المسلمين (1).

ومما يلفت النظر أنه على الرغم من تأكيد المصادر الإسلامية على قيام معاوية بتعميم لعن الإمام علي في مستهل حكمه (2) إلّا أننا نجد من خالف هذه المسلمات التاريخية بين الباحثين المحدثين، انسياقاً وراء الميول والعواطف،

وجهلاً بما نقلته المصادر المتنوعة–صحاح، سنن، تاريخ، فضائل، لغة، أدب– التي لم تخضع لزمان واحد أو مكان محدد، وعلى تنوع انتماءاتها المذهبية (3).

ص: 75


1- الجابري، السياسة الأموية، ص 72 .
2- وقد ورد ذلك بعشرات الروايات: وأن أول عمل عمله معاوية بعد أن استولى على الحكم أن كتب لعماله في جميع الآفاق بأن يلعنوا علياً على المنابر، ففعلوا، وبالغوا في السب خوفاً من بني أمية. ينظر: ابن قيس، كتاب سليم، ص 314 ؛ ابن عبد ربه، العقد الفريد، 4/ 159 ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 323 ، 334 ؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 1/ 239 ؛ ابن حجر، الإصابة، 1/ 77 ؛ السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص 272 .
3- كفانا عدد من المتتبعين مؤونة التوسع في ذلك ومناقشة هذه الأباطيل التي وردت لدى كُلٍ من: عبد الحليم عويس، وأحمد شلبي، وإبراهيم علي شعوط، والصلابي، ومحب الدين الخطيب، ومحمود شاكر. للإطلاع على ذلك ينظر: الجابري، السياسة الأموية، ص 55 ، ص 57 ؛ الخرسان، موسوعة عبد الله بن عباس، 5/ 158 – 199 ؛ البدري، الحسين في مواجهة الضلال الأموي، ص 63 – 71 ؛ العتابي، اللعن والسب بين الحقائق والادعاءات، ص 228 – 230 .

كان المجال الأرحب لتطبيق سياسة السب هو مراسيم الدولة الرسمية المتمثلة بعدة أمور أهمها: الوثائق الرسمية للدولة لاسيما تلك الخاصة بعهود التولية، ومراسلات الحاكم أو الوالي إلى عماله، وكذلك في المجالس، وعلى المنابر، وفي أعطاف الخطب وغير ذلك (1).

فقد كان معاوية يؤكد على الولاة في عهود توليتهم الرسمية على عدة أمور أهمها شتم الإمام علي ولعنه، والنيل والبراءة منه، إذ كان يعده خطاً أحمر لاينبغي تجاوزه، بحيث يمكن الاعتماد على الوالي وفطنته في الأمور الأخرى، أما هذا الأمر فلا ينبغي الاجتهاد أو التصرف به (2)، وهذا ما نفهمه مما ورد في عهد تولية المغيرة بن شعبة (3) على الكوفة سنة 41 ه/ 661 م، إذ كتب فيه: ((وقد أردتُ إيصائك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتماداً على بصرك بما يرضيني ويُسعد سلطاني ويُصلح به رعيتي ولست تاركاً إيصائك بخصلةٍ: لا تتحمّ (لا تمتنع) عن شتم علي وذمه))(4).

ص: 76


1- ينظر: ابن سعد، الطبقات، 6/ 304 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 380 ، ص 406 ؛ اليعقوبي، تاريخ، 2/ 199 ؛ الطبري، تاريخ، 5/ 169 ؛ الجابري، السياسة الأموية، ص 70 – 71 .
2- الجابري، السياسة الأموية، ص 70 .
3- الثقفي، أسلم عام الخندق وقدم مهاجراً، وقيل أن أول مشاهده الحديبية، وكان يُعد من دعاة العرب، تولى الكوفة زمن عمر بن الخطاب، وأخذ جانب معاوية في حربه مع الإمام علي فولاه الكوفة بعد عام 41 ه/ 661 م، وتوفي سنة 50 ه/ 670 م وهو أميرها. ابن قتيبة، المعارف، ص 167 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 167 .
4- الطبري، تاريخ، 5/ 169 .

لقد امتثل ولاة معاوية لأوامره، فذكرت المصادر عدداً من الولاة الذين اشتهروا بسب الإمام علي، ودعوة الناس إلى ذلك في عهد معاوية والعهود الأموية اللاحقة، ومن أبرزهم المغيرة بن شعبة في ولايته على الكوفة للسنوات ( 41 – 50 ه/ 661 – 670 م)، إذ كان لا يدع سب الإمام ولعنه، والترحم على عثمان وأوليائه (1) في الوقت الذي كان يأمر بتغييب فضائل الإمام علي وإظهار العيب له، إذ قال لصعصعة بن صوحان العبدي (2): ((إياك أن يبلغني عنك

أنك تعيب عثمان عند أحدٍ من الناس، وإيّاك أن يبلغني عنك أنّك تُظهر شيئاً من فضل علي علانية، فإنك لست بذاكرٍ من فضل علي شيئاً أجهله، بل أنا أعلم بذلك... فإن كنت ذاكراً فضله، فاذكره بينك وبين أصحابك، وفي منازلكم سراً، وأما علانية في المسجد، فإن هذا لا يحتمله الخليفة لنا ولا يعذرنا به...)) (3).

وقد انسجم ذلك مع سياسة الدولة في حربها لفضائل الإمام علي، وإيجاد مَنْ يقابله في هذه الفضائل (الخليفة عثمان)(4) وإضعاف موقع شيعة علي ومؤيديه

ص: 77


1- المصدر نفسه، 5/ 169 ؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/ 56 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، .158/8 .
2- العبدي، كان مسلمًا على عهد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لم يلقه ولم يره، صغر عن ذلك، كان سيداً من سادات عبد القيس، فصيحاً بليغاً، خطيباً عاقلاً ديناً فاضلاً، كان من أصحاب الإمام علي شهد معه الجمل،وقُتل فيها أخواه فأخذ الراية، كان ثقة قليل الحديث توفي بالكوفة أيام حكم معاوية بن أبي سفيان. ابن سعد، الطبقات، 6/ 221 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 196 – 197 .
3- الطبري، تاريخ، 5/ 128 .
4- كتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق: ((انظروا مَن قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولاته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم... ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع،ويفيضه في العرب منهم والموالي؛ فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كَتب اسمه وقرّبه وشفّعه)). ابن أبي الحديد؛ شرح النهج، 11 / 37 ؛ وباختلاف يسير في الألفاظ ابن سليم، كتاب قيس، ص 317 .

في الكوفة قبال دعم العثمانية (1) من أهلها.

وعمد والي البصرة بسر بن ارطأة (2)إلى سبّ الإمام علي من على منابرها،

ووصفه بالمنافق عندما دخلها والياً سنة 41 ه/ 661 م (3).

ومن ولاة معاوية الذين تطرفوا في ممارسة سبّ الإمام علي في ولاياتهم زياد ابن أبيه (4) في ولايته على الكوفة في السنوات ( 50 – 53 ه/ 670 – 672 م)،

ص: 78


1- العثمانية: هي تسمية أُطلقت على الأفراد والجماعات التي تميزت بآرائها في تقدير الخليفة عثمان ابن عفان، وفضله ودفاعها عنه من المطاعن التي وجهت إلى أعماله وتأييدها له، واتخاذها مواقف خاصة في الحوادث السياسية التي جرت بعد وفاته. العلي، الكوفة وأهلها، ص 493 . وقد ظلت العثمانية أداةً بيد معاوية خصوصاً وأن الطرفين يلتقيان في نظرتهم للخليفة عثمان وفضائله، ووجوب الاقتصاص من قتلته، فأفادَ منها معاوية طوال معارضته للإمام علي، وأمدها بأسباب البقاء بعد ذلك في أيام حكمه. لمزيد ينظر: الحسناوي، العثمانية، ص 64 – 92 .
2- واسمه عمير بن عويمر، ولد قبل وفاة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بسنتين، تحول من المدينة فنزل الشام، صحب معاوية وشهد معه صفين وكان شديداً على الإمام علي (علیه السّلام) وأصحابه، وكان رجل سوء لما ارتكبه في الإسلام من الأمور العظام منها ذبحه لعبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن عباس في اليمن، بقي حياً حتى أيام عبد الملك بن مروان. ابن سعد، الطبقات، 7/ 409 ؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 1/ 374 – 375 .
3- الثقفي، الغارات، 2/ 447 – 448 ؛ الطبري، تاريخ، 5/ 114 .
4- ويقال له زياد ابن سمية، وكانت أمه من بغايا الطائف، كان من ولاة الإمام علي (علیه السّلام) على فارس،ثم استماله معاوية ووعده بأن يلحقه بنسب أبي سفيان فتمّ ذلك سنة 44 ه/ 664 م، وولاه العراقين فلم يزل عليهما حتى مات سنة 53 ه/ 672 م.ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 567 – 574 ؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 2/ 336 – 337 ؛ ابن حجر،الاصابة، 1/ 580 .

إذ أحضر سبعين رجلاً من أتباع الإمام علي وخيّرهم بين لعنه والبراءة منه أو يضرب أعناقهم (1)، بل إن بعض الروايات أشارت إلى أنه حشر الناس في مسجد الكوفة والرحبة والقصر لسب الإمام والتبرؤ منه وهدد الممتنع عن

ذلك بالقتل إلا إن المرض أهلكه قبل أن ينفذ هذا الأمر (2).

أما عبيد الله بن زياد الذي كان والياً لمعاوية على البصرة سنة 56 ه/ 675 م، فقد عمد إلى بناء أربعة مساجد بالبصرة تقوم على بغض علي بن أبي طالب والوقيعة فيه هي: مسجد بني عديّ، ومسجد بني مجاشع، ومسجد كان في العلافين، ومسجد في الأزد (3). ولا شك أن هذه المنابر الإعلامية كانت تقوم بمهماتها في طمس فضائل الإمام علي بوسائل عديدة–وسنتعرف على بعض

أبعادها في الصفحات اللاحقة.

ولم تكن المدينة المنورة أفضل حالاً من العراق فقد كان مروان بن الحكم (4)

ص: 79


1- اليعقوبي، تاريخ، 2/ 210 .
2- المسعودي، مروج الذهب، 3/ 27 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 168 .
3- الثقفي، الغارات، 2/ 385 ؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/ 74 .
4- ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، ولد على عهد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وكان قد خرج إلى الطائف طفلاً مع والده الحكم الذي نفاه النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إليها فلم يزل بها حتى ولي عثمان فردهما إلى المدينة، شهد الجمل في المعسكر المضاد للإمام علي (علیه السّلام)، وصفين مع معاوية، ثم ولي له إمرة المدينة ولم يزل بها حتى أخرجه عبد الله بن الزبير وبقي في الشام إلى أن مات معاوية بن يزيدفبايعه بعض أهل الشام وكانت مدة حكمه تسعة أشهر أو عشر، مات سنة 65 ه/ 684 م.ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 425 – 428 ؛ ابن حجر، الاصابة، 3/ 477 – 478

يسبّ الإمام علياً (علیه السّلام) على منبرها كل جمعة (1).

لقد تعززت مواقف الولاة الأمويين في العهود اللاحقة، فقتل عبيد الله بن زياد والي يزيد بن معاوية على الكوفة للمدة ( 61 – 64 ه/ 680 – 683 م) عدداً من الموالين للإمام علي، ولاسيما مَنْ اشتهر منهم بالتحديث في فضائل الإمام علي وفضح السياسة الأموية الجائرة، ومنهم ميثم التمار (2) واتهم الإمام علياً (علیه السّلام) في مسجد الكوفة بأنه كذّاب (3)

واستمرت هذه السياسة الأموية في عهد عبد الملك بن مروان

( 65 – 86 ه/ 684 – 705 م) ومن تلاه من أبنائه في الحكم للدواعي السياسية والمعنوية نفسها، ولم يكن عبد الملك ((ممن يخفى عليه فضل علي (علیه السّلام)، وإن لعنه على رؤوس الأشهاد، وفي أعطاف الخطب، وعلى صهوات المنابر مما يعود عليه نقصه، ويرجع إليه وهنه؛ لأنهما جميعاً من بني عبد مناف؛ والأصل واحد...

وشرف عليّ وفضله عائد عليه... ولكنه أراد تشييد الملك وتأكيد ما فعله الأسلاف، وأن يقرر في أنفس الناس أن بني هاشم لا حَظَّ لهم في هذا الأمر،

ص: 80


1- ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 314 ؛ السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص 216 ؛ ابن حجر المكي، تطهير الجنان، ص 63 .
2- الأسدي، نزل الكوفة، كان عبداً لإمرأة فاشتراه الإمام علّي منها فأعتقه، صلب على باب عمرو ابن حريث عاشر عشرة في أيام يزيد بن معاوية، صلبه عبيد الله بن زياد قبل مقدم الحسين (علیه السّلام) إلى العراق بعشرة أيام، ولما رفع على الخشبة جعل يحدث بفضائل بني هاشم فقيل لابن زياد:فضحكم هذا العبد، فأمر بلجمه، فكان أول من أُلجم في الإسلام. الكشي، رجال، ص 64 – 69 ؛ الشيخ المفيد، الارشاد، 1/ 323 – 325 ؛ ابن حجر، الإصابة، 3/ 504 – 505 .
3- البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 413 .

وأن سيدهم الذي به يصولون، وبفخره يفخرون، هذا حاله وهذا مقداره، فيكون مَنْ ينتمي إليه ويُدلي به عن الأمر أبعد...))(1).

ومما يرجح هذا البعد السياسي في إخفاء فضائل الإمام علي ومحاولة طمسها وتشويهها باللعن، وإبعاد مَنْ يمت إلى الإمام علي بصلة عن سدة الحكم، وتنفير الناس من موالاته ما ذكره عمر بن عبد العزيز ( 99 – 101 ه/ 717 – 720 م) عن سيرة والده أيام ولايته على المدينة، وممارسته للعن الإمام عليّ يوم الجمعة

من على منبرها، وتسويغ عبد العزيز ذلك لعمر–وهو صغير–بأن أهل الشام وغيرهم، لوعلموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتبعنا منهم أحد، ولتفرقوا عنا إلى أولاده (2).

وكان هذا السب يأخذ صيغة التشويه والتنفير المتعمد من الإمام علي، فقد روي أن الوليد بن عبد الملك ( 86 – 96 ه/ 705 – 715 م)، كان يلعن الإمام في أيام حكمه وينسب الإمام علياً إلى اللصوصية فيقول أنه ((كان لصاً ابن لص)) (3) ويشوّه مناقب الإمام علي ويروي ما يناقضها عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) على منابر المسلمين ومن ذلك قوله في حديث المنزلة أنه كان هكذا: ((أنت مني بمنزلة قارون من موسى))(4).

وقد راقت هذه السياسة للوالي الأموي على العراق الحجاج بن يوسف

ص: 81


1- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/ 64 نقل ذلك عن الجاحظ.
2- ابن الأثير، الكامل، 4/ 315 ؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/ 47 .
3- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/ 46 .
4- ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/ 376 .

الثقفي ( 75 – 95 ه/ 694 – 713 م) (1)، فكان يلعن الإمام علياً، ويأمر بلعنه، ويُكرم مبغضيه (2)، ويتعقب محبيه في الولايات، فقد ذكر ابن سعد أن عطيةابن سعد العوفي (3) كان مقيماً في فارس أيام ولاية محمد بن القاسم الثقفي (4) عليها، فبعث الحجاج إلى واليه يأمره أن يعرض على عطية العوفي لعن الإمام والبراءة منه فإن أبى ضربه أربعمائة سوط وحلق رأسه ولحيته ((فدعاه، فقرأ عليه كتاب الحجاج، فأبى عطية أن يفعل فضُرب أربعمائة سوط وحَلق رأسه ولحيته))(5) وكان الحجاج في العراق يقتل مَنْ يظفر به من موالي أمير المؤمنين ومحبيه الذاكرين لفضائله ومناقبه بعد أن يأمرهم بلعنه والبراءة منه، فلا يستجيبون (6).

ص: 82


1- يكنى أبا محمد، وكان أخفش دقيق الصوت، ولي لأول مرة على تبالة فاحتقرها وانصرف، ثم على شرطة إبان بن مروان، وقاتل في زمن عبد الملك عبد الله بن الزبير حتى قتله فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين ثم ولاه العراق فوليها عشرين سنة، ثم هلك بواسط ودفن بها وأعفي قبره وأجري عليه الماء سنة 95 ه/ 713 م، ابن قتيبة، المعارف، ص 223 – 224 .
2- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/ 46 ، 48 – 49 .
3- ابن جنادة العوفي: يكنى أبا الحسن، ولد في خلافة الإمام علي، وكان من الذين هربوا إلى فارس في أيام ولاية الحجاج، وبقي فيها حتى ولاية عمر بن هبيرة، فعاد إلى الكوفة وسكنها حتى وفاته سنة 111 ه/ 729 م. ابن سعد الطبقات، 6/ 304 .
4- محمد بن القاسم بن الحكم بن عقيل الثقفي، ولد سنة 63 ه/ 682 م ولاه الحجاج ثغر الهند زمن الوليد بن عبد الملك ثم عزله سليمان بن عبد الملك وبعث به مقيداً إلى واسط وعذب بها، ثم أطلق سراحه. قتل سنة 98 ه/ 716 م. الزركلي، الاعلام، 7/ 225 .
5- ابن سعد، الطبقات، 6/ 304 .
6- ومنهم مولى أمير المؤمنين قنبر، وكميل بن زياد النخعي. ينظر: ابن سعد، الطبقات، 6/ 179 ؛الشيخ المفيد، الإرشاد، 1/ 327 – 328 ؛ الاربلي، كشف الغمة، 1/ 488 – 489 .

وكان يختبر العلماء فإذا وجد منهم مَنْ يذكر فضل الإمام علي، نهاه عن التحديث في مساجد البصرة (1) أو الكوفة.

وعلى الرغم من سياسة الدولة الشديدة، وتبني ممثليها من ولاة وقادةوشخصيات عامة لسياسة السب، إلاّ أن المجتمع الإسلامي لم يستسلم لذلك، بل رفض كثير من أبنائه هذه السياسة وأخذ على عاتقه التصدي لها عبر الأجيال المتعاقبة، ولم يقتصر الأمر على فئة الموالين للإمام علي وأهل بيته، وإنما شمل ذلك الصحابة والتابعين من علماء وفقهاء وأُدباء وعامة الناس، واتخذ هذا

التصدي أشكالاً مختلفة منها (2):

1.الربط بين سبّ الإمام علي (علیه السّلام) وسبّ الله ورسوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

2.الإكثار من رواية فضائل الإمام علي (علیه السّلام) ومناقبه.

3.الردّ على مَنْ يسبّ الإمام بالسب المعاكس مباشرة أو بالتورية.

4.المحاججة والتعريض بمَنْ يسب الإمام عليّاً (علیه السّلام).

5.تحشيد الناس ضد سياسة السبّ.

6.حصب السابّ وضربه.

ص: 83


1- كما حدث مع الحسن البصري، إذ روى المدائني عن النضر بن إسحاق الهذلي: أن الحجاج سأل الحسن عن علي فذكر فضله، فقال: لا تُحدِّثَنَّ في مسجدنا. فخرج فتوارى. البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 380 . وينظر: عزوف سعيد بن جبير عن التحديث بفضائل الإمام علي (علیه السّلام) خوفاً من الحجاج. ابن حنبل،فضائل الإمام علي، ص 313 .
2- للتفاصيل ينظر: الجابري، السياسة الأموية، ص 88 – 109 .

هذا ناهيك عما قدّمه محبو الإمام علي من دماء سخية في هذا السبيل بدءاً من حجر بن عدي وأصحابه مروراً ب ميثم التمار، وجويرية بن مسهر، ورشيد الهجري وغيرهم (1).

وسنقتصر على توضيح الشكل الأول والثاني من أشكال التصدي لسياسة السبّ لصلتها بموضوع البحث.

1-ربط سبّ الإمام علي بسبّ الله ورسوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

لقد حفلت كتب الصحاح والحديث المعتبرة بالأحاديث النبوية الصحيحة التي تفرض حبّ علي (علیه السّلام) وولايته، وتنهى عن إيذائه وبغضه، وتصف فاعل ذلك بالنفاق والحرب لله ورسوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (2)، وهذا يعني تصدي عدد معتد به من الصحابة والتابعين لنقل ذلك ونشره، وتعميمه في وجه السياسة الأموية القاضية بسبّه والبراءة منه وتشويه مكانته، وفيما يلي ذكر لبعض ما روي من

ذلك: فقد تبنت أم سلمة (3) معارضة سياسة السب في أول انبثاق لها، وكتبت إلى معاوية كتاباً أوضحت فيه خطورة هذه السياسة وجاء فيه: ((إنكم تلعنون

ص: 84


1- ينظر لتراجمهم وما جرى عليهم، الكشي، رجال، ص 43 – 44 ؛ الشيخ المفيد، الإرشاد، 1/ 322- 327.
2- ينظر: ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 147 ، ص 197 – 198 ، ص 255 ، ص 280 ، ص 321 ؛ البخاري، الصحيح، ص 658 – 659 ؛ الترمذي، السنن، ص 978 – 980 ؛ البدري، الحسين في مواجهة الضلال الأموي، ص 61 .
3- هند بنت أبي أمية، تزوجها أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد، وتوفي عنها على إثر جرح أصابه في معركة أحد، ثم تزوجها النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) سنة 4ه/ 625 م، توفيت في المدينة سنة 59 ه/ 678 م ولها أربع وثمانون سنة، ودفنت في البقيع.ابن سعد، الطبقات، 8/ 86 – 96 .

الله ورسوله على منابركم، وذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب ومَنْ أحبه وأنا أشهد أن الله أحبّه ورسوله، فلم يلتفت إلى كلامها))(1).

ولما استمر الأمويون في لعن الإمام، وتحريض الناس على البراءة منه، راحت أم سلمة تنكر على مَنْ تلتقيه من الناس إتّباع هذه السياسة الأموية، خاصة وأن الإمام علياً (علیه السّلام) على تلك المنزلة الكريمة من الله ورسوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فروي عنها قولها لأبي عبد الله الجدلي (2): ((أيُسب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فيكم وأنتم أحياء؟ قلت:معاذ الله. قالت: أليسوا يسبّون علياً ومَنْ أحبّه؟!!!))(3).

وفي رواية قالت: ((سمعتُ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: مَنْ سبَّ علياً فقد سبّني))(4).

ونُقل عنها مثل ذلك مع مَنْ زارها من الكوفيين (5)، وروى الطبراني عن فطر بن خليفة (6) عن أبي الطفيل (7)، قال: سمعت أم سلمة تقول: ((أشهد

ص: 85


1- ابن عبد ربه؛ العقد الفريد، 4/ 159 ؛ الجابري، السياسة الأموية، ص 96 .
2- شيعي، قال الجوزجاني: كان صاحب راية المختار، وقد وثقه أحمد [ابن حنبل]. الذهبي، ميزان الاعتدال، 7/ 390 .
3- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 406 ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 334 .
4- ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 194 ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 334 .
5- ابن عقدة، فضائل أمير المؤمنين، ص 33 – 34 ؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام علي، 2/ 171 .
6- أبو بكر الكوفي الحناط سمع أبا الطفيل عامراً، وأبا وائل، ومجاهداً، وروى عنه أبو أسامة، ويحيى ابن آدم وقبيصة وغيرهم، وثقه عدد من أصحاب الحديث منهم: أحمد بن حنبل، وابن سعد، وأبو حاتم، والنسائي، وترك آخرون الرواية عنه لتشيعه. توفي سنة 153 ه/ 770 م أو 155 ه/ 771 م. الذهبي، ميزان الاعتدال، 5/ 441 – 442 .
7- عامر بن واثلة الليثي، روى عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وعن عدة من الصحابة، وكان الخوارج يذمونه لاتصاله بعلي وقوله بفضله وفضل أهل بيته، توفي سنة مئة أو بعدها. ابن حجر، تهذيب التهذيب، 2/ 272 .

أني سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: مَنْ أحب علياً فقد أحبني، ومَنْ أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومَنْ أبغضني فقد أبغض الله))(1).

وروي عن سعد بن أبي وقاص(2) قوله: ((كنتُ جالساً في المسجد أنا

ورجلان معي، فنلنا من عليّ، فأقبل رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: مالكم ولي؟ مَنْ آذى علياً فقد آذاني))(3).

ولعل هذا الموقف وغيره من المواقف التي سمع فيها سعدٌ فضائل علي على لسان رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) هو الذي دفعه إلى تحذير الناس من سبّه، فقال لمن زاره منهم: ((... لا تسبه، فإن وضع المنشار على مفرقي على أن أسب علياً ما سببته بعدما سمعت من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ما سمعت))(4).

وروى أحمد بن حنبل: عن عمرو بن شاس الأسلمي (5) قال: ((...

ص: 86


1- المعجم الكبير، 23 / 380 .
2- القرشي الزهري من السابقين للإسلام، شهد بدراً والمشاهد مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وكان أحد الفرسان في مغازيه، قاتل الفرس في القادسية، وبنى الكوفة ووليها مرتين، كان ممن اعتزل الإمام علياً إبان خلافته. توفي في المدينة سنة 54 ه/ 673 م أو 55 ه/ 674 أو 58 ه/ 677 م. ابن قتيبة، المعارف، ص 140 – 144 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 18 – 27 .
3- الخوارزمي، المناقب، ص 149 .
4- النسائي، الخصائص، ص 147 .
5- ويقال له الأسدي له صحبة ورواية، شهد الحديبية، وهو ممن اشتهر بالبأس والنجدة، وكان شاعراً مطبوعاً.ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 526 – 530 ؛ ابن حجر، الاصابة، 2/ 542 – 543 .

خرجت مع علي إلى اليمن، فجفاني في سفري ذلك، حتى وجدت عليه في نفسي! فلما قدمتُ أظهرتُ شكايته في المسجد، حتى بلغ ذلك رسول الله صلّی الله عليه وسلم، فدخلتُ المسجد ذات غداةٍ ورسول الله في ناسٍ من أصحابه، فلما رآني أحدّني عينيه، يقول: حدَّدَ إليّ النظر حتى إذا جلستُ، قال: يا عمرو، أما والله لقد آذيتني!، قلت: أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله، قال: بلى، مَنْ آذى علياً فقد آذاني))(1).

وانسجاماً مع هذه المواقف المعارضة لسياسة السب سجّل عبد الله بن عباس(2) إنكاره ورفضه لسياسة الدولة الأموية وإجراءاتها؛ فلما بلغه أن قوماً يقعون في عليّ قال لابنه خذ بيدي فذهب إليهم فقال: ((أيكم الساب الله؟ فقالوا: سبحان الله! مَنْ سبّ الله فقد أشرك، فقال: أيكم السابّ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )؟ فقالوا: سبحان الله! مَنْ سب رسول الله فقد كفر، فقال: أيكم الساب

لعليّ؟ قالوا: قد كان ذلك، قال: فأشهد لقد سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: مَنْ سبّ علياً فقد سبني، ومَنْ سبني فقد سبّ الله، ومن سب الله كبّه الله على وجهه

في النار..))(3).

ص: 87


1- فضائل أمير المؤمنين، ص 174 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 530 ؛ ابن حجر، الاصابة، .543/2
2- ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكانوا يسمونه البحر والحبر لعلمه، برع في العلم والفقه والتفسير، توفي في الطائف سنة 68 ه/ 687 م أو سنة 71 ه/ 690 م. ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 351 – 357 ؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 3/ 291 – 295 .
3- الخوارزمي، المناقب، ص 137 .

-2 الإكثار من رواية فضائل الإمام علي ومناقبه.

اتخذ كثير من الصحابة والتابعين من التذكير بفضائل الإمام علي ومناقبه سبيلاً على إنكار سياسة السب الأموية، وركزوا على التصريح بما نزل فيه من القرآن الكريم، ومكانته ومنزلته عند رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وما خصّه به من أحاديث التكريم والتقديم، فضلاً عن مزاياه الشخصية والذاتية (1) حتى قال كثير

من العلماء: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر مما جاء في علي (2) ويعلل ابن حجر ذلك بالقول: فلما ((وقع ذلك الاختلاف والخروج عليه نشر مَنْ سمع من الصحابة تلك الفضائل وبثها نصحاً للأمة أيضاً، ثم لما

اشتد الخطب واشتغلت طائفةٌ من بني أمية بتنقيصه وسبّه على المنابر ووافقهم الخوارج لعنهم الله بل قالوا بكفره اشتغلت جهابذة الحفاظ من أهل السُنة ببث فضائله حتى كثرت نصحاً للأمة ونصرة للحق))(3).

ويبدو أن اتساع هذا النشاط الروائي كان في أعقاب تصدع وحدة الدولة الأموية وغياب السلطة المركزية لبني أمية التي كانت تُلاحق المحدثين الصادقين، فلم تسترجع سيطرتها كاملة إلاّ بعد خمس وعشرين سنة من قتل الحسين، لينطلق خلال هذه الفترة بقية الصحابة والتابعين من شيعة علي وغيرهم في المدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام وخراسان وغيرها ينشرون حديث النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في الإمام علي وأهل بيته كُل حسب استطاعته، وبقدر ما

ص: 88


1- ينظر: الجدول رقم ( 2) والجدول رقم ( 3).
2- ابن حجر، فتح الباري، 7/ 434 ؛ ابن حجر الهيثمي، الصواعق المحرقة، ص 118 – 119 .
3- الصواعق المحرقة، ص 119 .

تسمح له ظروفه ))(1).

جدول رقم ( 2) (2)

يمثل نماذج من الصحابة الذين صدعوا بذكر فضائل الإمام علي (علیه السّلام)في البلدان الإسلامية

ص: 89


1- البدري، الحسين في مواجهة الضلال الأموي، ص 505 – 506 . وينظر: للتطورات السياسية التي طالت الدولة الأموية من سنة ( 61 – 75 ه/ 680 – 694 م) من خروج عبد الله بن الزبير على الدولة، واستقلاله في مكة والمدينة والعراق، وخروج المختار الثقفي سنة 66 ه– 67 ه/ 685 – 686 م)، واختلاف أهل الشام على رايتين راية تدعو لابن الزبير وراية تدعو لمروان بن الحكم، واقتتال أهل خراسان لسنين ثم بيعتهم لعبد الملك وغيرها من تطورات. اليعقوبي، تاريخ،220/2 – 227 ، 2/3 – 8، 12 – 20 ؛ الطبري، تاريخ، 5/ 324 – 392 ، 6/ 5– 180 .
2- مقتبس مما ذكره البدري، الحسين في مواجهة الضلال الأموي، ص 374 .

صورة

جدول رقم ( 3) (1)

يمثل نماذج من التابعين الذين صدعوا بذكر فضائل الإمام علي (علیه السّلام)في البلدان الإسلامية

ص: 90


1- مقتبس مما ذكر ه البدري، الحسين في مواجهة الضلال الأموي، ص 374 – 375 .

صورة

ص: 91

وسنعُرج على نماذج من روايات الفضائل عن بعض الصحابة–حصراً– لنستشف منها بعض الأبعاد المهمة، فقد روي عن أم سلمة أحاديث لرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في مناقب الإمام علي ومنها:

- ((سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول لعلي (علیه السّلام): لا يحبك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق))(1).

- وعنها: ((والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول

الله صلیّ الله عليه وسلم. قالت: عُدنا رسول الله صلّی الله عليه وسلم غداة بعد غداة، يقول: جاء علي؟ مراراً... فجاء... فأكبّ عليه عليّ فجعل يُسارُّه ويناجيه، ثم قُبض رسول الله صلّی الله عليه وسلم من يومه ذلك، فكان أقرب الناس به عهداً))(2).

- وعنها أنها قالت: ((خرج رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وجه هذا المسجد فقال: ألا لا يحلّ هذا المسجد لجنب ولا لحائض إلا لرسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، ألا قد بيّنت لكم الأسماء أن لا تضلّوا))(3).

- وعنها قالت: ((أخذ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بيد علي (علیه السّلام) بغدير خم، فرفعها حتى رأينا بياض إبطيه، فقال: مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه، ثم قال: أيها الناس أني

مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض))(4).

ص: 92


1- ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 263 .
2- ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 323 ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 349 ؛ النسائي، الخصائص، ص 214 .
3- البيهقي، سنن، 7/ 56 .
4- ابن عقدة الكوفي، حديث الولاية، ص 146 – 147 ؛ القندوزي، ينابيع المودة، 1/ 123 – 124 .

وعن أم سلمة قالت: ((سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض))(1).

وقد روي عن أبي سعيد الخدري (ت 64 ه) عدد من أحاديث الفضائل منها:

- عن أبي سعيد عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال: ((عليّ خير البرية)) (2).

- وعنه قال: ((كان لعلي أحسبه، (قال): من النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مدخلاً لم يكن لأحدٍ من الناس))(3).

- عن أبي سعيد أن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال: ((﴿وَقفِوهُمْ إنِّهُمْ مَسْئُولوُنَ))(4) عن

ولاية علي...))(5).

- وعنه قال: سألت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عن قوله تعالى: «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ»(6) قال: ذاك أخي علي بن أبي طالب))(7).

- عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ »(8) على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي

ص: 93


1- ابن حجر الهيثمي، الصواعد المحرقة، 121 – 122 .
2- الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، 2/ 548 – 549 ؛ الخوارزمي، مناقب، ص 111 .
3- ابن عدي، الكامل في الضعفاء، 2/ 144 .
4- سورة الصافات: الآية 24 .
5- الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، 2/ 196 .
6- سورة الرعد: الآية 43 .
7- الحسكاني، شواهد التنزيل، 1/ 473 .
8- سورة المائدة: الآية 67 .

طالب))(1).

- وعنه قال: ((لما نصب رسول الله علياً يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية« الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ »(2)))(3).

وعنه قال: قال رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): ((أُعطيتُ في عليّ خمساً هنّ أحبُّ إليّ من الدنيا وما فيها: أما واحدة فهو تكاتي بين يدي الله عزّ وجل حتى يفرغ من الحساب، وأما الثانية فلواء الحمد بيد آدم (علیه السّلام) ومَنْ ولد تحته، وأما الثالثة فواقف على عقر حوضي يسقي من عرف من أُمتي، وأما الرابعة فساتر عورتي ومسلمي إلى ربي عزّ وجل، وأما الخامسة فلست أخشى عليه أن يرجع زانياً بعد إحصان ولا كافراً بعد إيمان))(4).

فضلاً عن ذلك فقد روى الخدري نزول عدد من الآيات في الإمام علي (علیه السّلام) مثل آية التطهير وغيرها (5) وأحاديث النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في فضائله مثل حديث الثقلين والموالاة (6)، وحديث المنزلة (7)، وتبليغ براءة (8) وغيرها.

ص: 94


1- ابن مردويه، ما نزل في علي من القرآن، ص 239 .
2- سورة المائدة: الآية 3.
3- ابن مردويه، ما نزل في علي من القرآن، ص 231 .
4- ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 289 – 290 .
5- الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، 2/ 99 ؛ ابن مردويه، مناقب علي، ص 278 – 302 ؛ وينظر: روايته لنزول الآية ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهمْ الرَّحْمانُ وُدًّا﴾ في الإمام علي؛ الحسكاني، شواهد التنزيل، 1/ 553 – 554 .
6- ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 180 ؛ ابن مردويه، مناقب علي، ص 121 ، ص 176 .
7- ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 154 .
8- المصدر نفسه، ص 252 – 253 ؛ ابن مردويه، مناقب علي، ص 252 .وينظر: مناقب أخرى عن أبي سعيد الخدري؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 352 ؛ ابن مردويه، مناقب علي، ص 74 ، ص 143 ، ص 146 .

وأكثر عبد الله بن عباس (ت 68 ه/ 687 م) في فضائل الإمام علي (علیه السّلام) فروى نزول عدد من آيات القرآن الكريم فيه (1)، وذكر أنه نزلت فيه ثلاثمائة آية (2)، وذكر من الأحاديث النبوية حديث سد الأبواب (3)، وحديث الطائر المشوي (4)، وحديث المنزلة (5)، وذكر أحاديث أخرى منها: في سبقه إلى الإسلام، وعلمه وحلمه (6).

ولإجمال دور ابن عباس في بث فضائل الإمام عليّ نقتبس من موسوعة السيد الخرسان ما ذكره من تقويمٍ لجهود ابن عباس في هذا المضمار، إذ قال:

ص: 95


1- ابن مردويه، ما نزل في علي من القرآن، ص 219 – 220 ، ص 222 – 225 ، ص 227 ، ص 233 ، ص 235 ، ص 240 – 241 ، ص 246 – 247 ، ص 250 ، ص 253 ، ص 256 – 258 ، ص 265 ؛ الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، 2/ 196 ، 202 ، 207 – 208 ، 211 ، 227 .
2- ابن مردويه، ما نزل في علي من القرآن، ص 217 .
3- ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 320 ؛ النسائي، خصائص، ص 54 ، ص 78 ؛ ابن المغازي، مناقب الإمام علي، ص 229 – 230 .
4- الخوارزمي، مناقب، ص 107 ؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام علي، 2/ 108 – 110 .
5- ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 320 ؛ النسائي، خصائص، ص 53 – 54 .
6- ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 185 ؛ ابن مردويه، مناقب علي، ص 256 – 257 ؛ ابن المغازي، مناقب الإمام علي، ص 116 – 117 ؛ الخوارزمي، مناقب، ص 54 – 55 ، ص 83 ، ص 92 . ونقل فضائل أخرى مثل فداء الإمام علي للنبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ليلة الهجرة، وحديث الراية،ونزول آية التطهير به وبآل بيته، وتبليغ براءة، وإقران النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أذى الإمام علي بأذاه. وغير ذلك كثير. ينظر: ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، 319 ؛ النسائي، خصائص، ص 52 – 53 ؛ ابن المغازي، مناقب الإمام علي، ص 97 .

((من خلال متابعتي لمواقف ابن عباس مع أعداء الإمام تبيّن لي أنه كان ابن جلاها وطلاع ثناياها في تحدي السلطة وإعلان معارضته، عن طريق التحديث بفضائل الإمام [علي] (علیه السّلام)، وكل تلك المواقف تنتهي بفوزه على خصومه، وجملةٌ

منها في أيام حكم معاوية، فهو لم تلن له قناة، ولم تقرع له صفاة، بل كان مُثجاً يسيل غرباً، وإذا أردت عرض جميع ما وقفنا عليه فاحتاج إلى وقت طويل... إلا أني أعرض بعض نماذج فيها تحدٍ سافر لبيان السلطة وصاحبها، ولم أقفعلى مورد واحد فيه عقاب أو عتاب جُوبه به، وهذا يعني أن ابن عباس في هذا الميدان كان أقوى من سلطة معاوية، وسلاحه فيه أمضّ وأمضى))(1) فلم يُصغ ابن عباس لتهديدات معاوية وأوامره بايقاف التحديث في فضائل الإمام علي (علیه السّلام) وسعى إلى نشرها وإذاعتها ما أمكنه ذلك، فقال له معاوية ذات يوم: ((فإنا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته فكف لسانك يا ابن عباس وأربع على نفسك! فقال له ابن عباس: افتنهانا عن قراءة القرآن؟!

قال: لا، قال: افتنهانا عن تأويله؟! قال: نعم، قال: فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟! قال: نعم، قال: فأيما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟! قال: العمل به.

قال: فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟ قال: سل عن ذلك مَن يتأوّله على غير ما تتأوّله أنت وأهل بيتك!!))(2) .

فتقصي السلطة للفضائل، ومحاولة طمسها أمرٌ جدي ولو تعلق ذلك بمنع تفسير كتاب الله وآياته المتضمنة الإشادة بآل البيت، وما نزل في عليّ من القرآن

ص: 96


1- موسوعة عبد الله بن عباس، 5/ 68 وتنظر الصفحات 68 – 88 .
2- ابن قيس، كتاب سليم، ص 315 .

الكريم (1) في مواقفه الجهادية العظيمة التي لا سبيل إلى إخفائها أو التعنت في

إنكارها.

وروى جابر بن عبد الله الأنصاري (ت 74 ه/ 693 م) من فضائل الإمام علي (علیه السّلام) المروية عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، أنه أخو رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(2)، وخير البشر(3)، ومدينة علم النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(4)، وأن محبته علامة المؤمن وبغضه علامة المنافق (5)، وهو نفس النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في آية المباهلة (6)، والمبلغ براءة في موقف الحج (7)، ومَنْ جعله الله وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه، وأبواب العلم في أمته، مَنْ اهتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم (8).

ص: 97


1- قال ابن عباس: ((ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علّي))، وقال ابن عباس وحذيفة بن اليمان: ما نزلت: [يَاأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا] إلاّ كان علي لبّها ولبابها)). ابن مردويه، ما نزل من القرآن في علي، ص 218 – 220 . وينظر: الفصل الخامس في (كثرة ما نزل فيه وفي أولاده والعترة من القرآن على الجملة) في شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني، 1/ 63 – 677 .
2- ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 294 ؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام علي، 1/ 119 .
3- ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 151 .
4- الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 340 .
5- ابن المغازلي، مناقب الإمام علي، ص 188 .
6- ابن مردويه، ما نزل في علي من القرآن، ص 226 – 227 ؛ الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل،.188–187/1
7- النسائي، خصائص، ص 114 – 116 ؛ الحاكم الحسكاني، شواهد، التنزيل، 1/ 375 – 377 .
8- الحسكاني، شواهد التنزيل، 1/ 91 .

سنكتفي بما ذكرناه من نماذج لنشاط الصحابة في نشر الفضائل (1) حتى غدت مضرب المثل في الكثرة (2) ونختم بما قاله ابن حجر الذي أوقفنا على حجم الجهد المبذول من الصحابة في الرواية فقال: ((... كان سبب ذلك بغض بني أمية له، فكان كل مَنْ كان عنده علم من شيء من مناقبه من الصحابة يُثبته، وكلما أرادوا إخماده، وهددوا مَنْ حَدَّث بمناقبه لا يزداد إلا انتشاراً))(3).

نستنتج مما تقدم:

1-إن الشخصيات التي اعترضت واحتجت على سبّ الإمام علي وذمه هي شخصيات مؤثرة في المجتمع الإسلامي من صحابة وتابعين.

2- إن التركيز على ذكر فضائل الإمام علي في هذه المرحلة له أهميته، إذ أدرك هؤلاء المسلمون أن الأمويين سعوا بكل قواهم لطمس فضائل الإمام علي، وخلق فضائل مضادة لفضائله، أو نسبة فضائله لغيره، ومن ثم فإنرواية فضائل الإمام علي، وتركيزها، ونسبتها إليه جعل من الصعوبة تحريفها أوالتلاعب بها.

3- لو تمعنا في ما تمّ إيراده من فضائل للإمام علي (علیه السّلام) يتبين أن رواتها كانوا يستهدفون مقابلة المآخذ والمطاعن التي ابتدعها الأمويون ضد الإمام علي، وتعريتها من أي مصداقية فإن طهارته وكونه نفس النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يبعده أن يكون

ص: 98


1- للتوسع ينظر روايات 25 صحابياً وتابعياً في فضائل الإمام علي بمصادرها عند البدري، الحسين في مواجهة الضلال الأموي، ص 375 – 454 .
2- ذكر الثعالبي: أن محمد بن مكرم قال لأبي علي البصير: ((فضولك والله أكثر من فضائل علّي)). ثمار القلوب، 1/ 89 ، وينظر: ابن شاذان، مائة منقبة، ص 159 – 160 .
3- الإصابة، 2/ 507 – 508 .

ملحداً أو منافقاً، ووصية النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بموالاته وكونه حجة الله وباب هدايته، وخير البرية يبعده أن يكون سفاكاً للدماء.

ومن الجدير بالذكر أن سياسة السبّ قد أوقف العمل بها في عهد الحاكم الأموي عمر بن عبد العزيز بعد أن استمرت طوال الحقبة ( 41 – 99 ه/ 661 – 717 م) (1).

وعلى الرغم من ذلك فقد ظل بعض الناس(2)، وبعض ولاة الدولة الأموية (3) يتبنون هذه السياسة الغاشمة.

• الأسلوب الثاني: التصريح بمنع رواية فضائل ومناقب الإمام علي (علیه السّلام)

مرّ بنا المنع الرسمي عن حديث رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في عهد الخلفاء أبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانت أولى خطوات معاوية في هذا المجال الإبقاء على تلك السُنة فكان يقول علناً: لا تحدثوا عن رسول الله (4) وكان يقول على منبر

ص: 99


1- ينظر: ابن سعد، الطبقات، 5/ 393 ؛ البلاذري، أنساب الاشراف، 8/ 161 .
2- يُستشف ذلك مما روى عن مدّة حكم هشام بن عبد الملك (ت 105 – 125 ه/ 723 – 724 م)فذُكر أنه لما حج خطب في الموسم فلم يذكر الإمام علياً فخاطبه أحد الناس بقوله: ((يا أمير المؤمنين أن هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي تراب...)). الجاحظ، رسائل الجاحظ (كتاب فضل هاشم على عبد شمس)، ص 92 ؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 45/4 ؛ وينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 5/ 121 ، 124 .
3- ومنهم خالد بن عبد الله القسري والي العراق في أيام هشام بن عبد الملك، وكان يلعن الإمام علياً بوقاحة وجرأة على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) واصفاً إياه وهو يلعنه بأنه صهر النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأبو سبطيه.ابن الأثير، أسد الغابة، 1/ 239 ؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/ 45 ، وينظر لسيرة هذا الوالي من عدة مصادر: آل خليفة، أمراء الكوفة، ص 370 – 384 .
4- ابن عساكر، تاريخ دمشق، 62 / 116 .

دمشق: ((إياكم وأحاديث إلا حديثاً كان في عهد عمر...))(1)وفي رواية: إلّا حديثاً ذكر على عهد عمر فأقرّه (2).

ولم يكن ذلك كافياً بنظر معاوية للإفصاح عن الغاية التي ابتغاها من ذلك، فآثر أن يستكمل ما بدأه من حركة مضادة لفضائل الإمام علي التي كان أولها لعنه (علیه السّلام) والبراءة منه بعد كل صلاة جمعة بوصفه ملحداً!!! وانتقل نقلةً نوعية فكتب نسخة واحدة إلى عماله: ((أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كُورة، وعلى كل منبر، يلعنون علياً ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته؛ وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة، لكثرة مَن بها من شيعة علي (علیه السّلام)، فاستعمل عليهم زياد بن سُميّة، وضمّ إليه البصرة،

فكان يتتبع الشيعة... فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق... وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق: ((... أن انظروا مَن قِبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته؛ والذين يروون فضائله ومناقبه؛ فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم،واسمه واسم ابيه وعشيرته. ففعلوا ذلك، حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه معاوية من الصلات... ثم كتب إلى عماله أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية؛ فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه

أحدٌ من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقضٍ له في الصحابة؛ فإن هذا

ص: 100


1- مسلم، الصحيح، ص 437 ؛ ابن الجوزي، الموضوعات، 1/ 56 .
2- ابن عدي، الكامل، 1/ 33 ؛ الذهبي، تذكرة الحفاظ، 1/ 12 .

أحبّ إليّ وأقرُّ لعيني، وأدحضُ لحجة أبي تراب وشيعته،... فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى... وأُلقي إلى معلّمي الكتاتيب؛ فعملوا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن...))(1).

يوقفنا هذا النص على عدد من الآليات الأموية في محاربة رواية فضائل الإمام علي، فمن مرحلة السبّ والوقيعة إلى مرحلة منع التحديث في فضائل علي والمعاقبة عليه، وترويع ناقلي هذه الفضائل حيناً (2)، وقتلهم والتمثيل بهم أحياناً أخرى (3) كُل ذلك قبال تشجيع نشر الحديث في سواه من الصحابة والإجازة على ذلك؛ ومن ثمّ سعي السياسة الأموية إلى خطوة أكثر خطراً، وأشد تعمية وطمساً وهي السعي إلى تكليف مَن يحيك أحاديث مفتعلة للصحابة على غرار أحاديث الفضائل في علي، فجُعلت أحاديث للخلفاء الثلاثة لتُقابل بها

ص: 101


1- نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج، 11 / 36 – 37 عن المدائني (ت 225 / 839 م) في كتابه الأحداث. وباختلاف في الألفاظ: ابن قيس، كتاب سليم، ص 316 – 319 .
2- حتى إنّ الرجل إذا روى عنه حديثاً لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه فيقول: حدثني رجل من أصحاب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، أو يقول حدثني رجل من قريش، ومنهم من يقول: حدثني أبو زينب. الشيخ المفيد، الارشاد، 1/ 310 ؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/ 58نقلاً عن أبي جعفر الاسكافي المعتزلي (ت 240 ه/ 854 م) في كتابه التفضيل.
3- وقد مرّ ذكر نماذج منهم مثل: حجر الكندي، وأصحابه ممن تصدوا للسب في زمن زياد بن أبيه وميثم التمار ورشيد الهجري وجويرية بن مسهر الذين نشروا فضائل الإمام علي في زمن عبيد الله ابن زياد وكميل بن زياد النخعي الذي قتله الحجاج.ينظر: الشيخ المفيد، الارشاد، 1/ 322 – 327 .

فضائل علي وخصائصه (1)، وفتح الباب على مصراعيه أمام حفظها وروايتها وتدوينها ولأجيال طويلة، حتى قال ابن الجوزي (ت 597 ه): ((قد تعصب قوم لا خلاق لهم يدّعون التمسك بالسُنة، فوضعوا لأبي بكر فضائل، وفيهم مَن قصد معارضة الرافضة (2) بما وضعت لعلّي))(3).

وروى ابن عرفة المعروف بنفطويه (4)–وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم–

في تاريخه ما يناسب هذا الخبر فقال: ((أن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل

ص: 102


1- الحلو، تاريخ الحديث النبوي، ص 248 .
2- الرافضة: الذين افترقوا بعد وفاة الإمام علي إلى أربعة أصناف: زيدية، وإمامية، وكيسانية وغلاة كما يقول البغدادي، وقد أطلق بعضهم هذا المصطلح على طائفة خاصة من الشيعة رفضت زيد ابن علي بعد أن اشترطت عليه البراءة من الشيخين (أبي بكر وعمر) للقتال معه فأبى. وصارت فيما بعد كلمة أو مصطلح خاص أُطلقت على الشيعة عامة للتنفير منهم. ينظر: الفرق بين الفرق، ص 24 ، ص 30 – 60 ؛ ابن منظور، لسان العرب، مادة رفض.
3- الموضوعات، 1/ 225 ، وتنظر أمثلة كثيرة من الوضع في فضائل الصحابة، المصدر نفسه، 1/ 327 – .344 ومن نافل القول أن نُعقب على ذيل ما ورد لدى ابن الجوزي في النص الوارد في المتن الذي عبر فيه عن وضع البكرية في فضائل أبي بكر قبال وضع مَن أسماهم بالرافضة في فضائل علي فنقول أنه قد جانب الصواب عندما وصف فضائل الإمام علي ( بالموضوعات) لأنها ذُكرت في صحاح السنة وعلى ألسنة محدثيهم بروايات متواترة وطرق صحيحة. ينظر: ابن البطريق، العمدة، ص 1– 22 .
4- الإمام الحافظ النحوي العلامة الاخباري إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان العتكي الأزدي الواسطي، ولد سنة 244 ه/ 858 م، كان ذا سُنة ودين وفتوة ومروءة وحسن خلق وكيس، وله نظم ونثر، له عدة تصانيف، منها تاريخ الخلفاء، توفي سنة 323 ه/ 934 م.الذهبي، سير أعلام النبلاء، 10 / 360 – 361 .

الصحابة افتُعلت في أيام بني أمية تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يُرغمون به أنوف بني هاشم)) (1).

ولعل من أبرز مصاديق معارضة ومقابلة أخبار الفضائل الواردة للإمام علي (علیه السّلام) هو ما جرى من استقصاء لفضائل الإمام علي وابتكار فضائل أخرى للآخرين على نسقها أو بما يشبهها أي أن ((هناك عملية مطاردة سياسية تلاحق

الفضائل، وتُصاغ على إثرها فضائل أخرى منسوبة)) (2) لغيره على لسان النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(3).

ولعل أول مَن أُضيفت إليه فضائل الإمام علي (علیه السّلام) هو معاوية بن أبي سفيان (4) الذي رويت في فضله أحاديث كثيرة موضوعة بلا شك (5) لا يصح

ص: 103


1- نقل ذلك عنه ابن أبي الحديد، شرح النهج، 11 / 38 .
2- الحلو، تاريخ الحديث، ص 260 .
3- تقصى الدكتور جواد كاظم منشد النصر الله، فضائل الإمام علي المنسوبة إلى غيره في حلقات صدر منها الحلقة الأولى وتنتظر ثمان منها، متبعاً منهجاً علمياً دقيقاً في إثبات صحة الفضيلة التي خُص بها الإمام علي، بالاعتماد على كل مَن ذكرها في كتب التاريخ، والحديث، والتفسير، والفقه، والأدب، والجغرافيا، والكلام، ودواوين الشعر، وما يُنقش على النقود، وغيرها من مصادر فضلاً عن دراسة رواتها ومكانتهم، ومدى وثاقتهم، ومن ثمَّ مَنْ نُسبت هذه الفضيلة إليه، واستقصاء المصادر التي روت هذه النسبة، وتوجهات أصحابها، وموقفهم من الإمام علي. ينظر: فضائل أمير المؤمنين علي المنسوبة لغيره–الحلقة الأولى، ص 54 – 58 .
4- ذكر الدكتور جواد علي أن بعض الأحاديث التي وضعت في فضائل معاوية هي أحاديث وضعت في مقابل أحاديث فضائل عبد الله بن عباس. ينظر: المفصل، 8/ 302 – 303 .
5- هذا ما ذكره ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 218 . وينظر: الاستقصاء والمناقشة الرائعة لما أسماه ابن كثير: (الأحاديث الصحاح والحسان والمستجادات) في فضل معاوية، وتفنيد ذلك سنداً ومتناً من قبل العلامة السيد محمد مهدي الخرسان، موسوعة عبد الله بن عباس، 5/ 163 – 176 .

عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) منها شيء (1)، كما ذكر ذلك كبار المحدثين (2).

وقد علل أحمد بن حنبل (ت 241 ه/ 855 م) لابنه هذه المفارقة الملفتة فقال: ((اعلم إنّ علياً كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا؛ فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كياداً منهم لعلي. فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له، وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس

فيها ما يصح من طريق الإسناد...))(3).

ومن أبرز مَن قُلبت لصالحهم الأحاديث الصحيحة الواردة في فضل الإمام علي الخلفاء الثلاثة (أبو بكر وعمر وعثمان) فروي حديث: ((يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)) (4) تارة بحق عمر بن الخطاب، وتارة بحق أبي بكر وعمر (5)، وروي حديث المنزلة: (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من

ص: 104


1- ابن الجوزي، الموضوعات، 1/ 335 . وينظر: عدد من الأحاديث الموضوعة في فضل معاوية لدى: الأميني، الوضاعون، ص 24 – 25 ، وعلق على هذه الموضوعات بالقول:((نكتفي بهذا، وأما ما صحّ عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنه قال بحق معاوية وثبت عند العلماء صحته سنداً ومتناً فهو أنه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه))، ص 25 – 26 . وهذا الحديث رجاله رجال الصحاح، أخرجه الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 12 / 178 وابن حجر في تهذيب التهذيب، 3/ 164 بالاسناد إلى أبي سعيد الخدري بطريق رجاله كلهم ثقات.
2- مثل إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، والنسائي، وابن الجوزي، وابن حجر، وابن تيمية، والذهبي، والعيني والشوكاني، وغيرهم–وكلهم من غير الشيعة -. للاطلاع على آرائهم ينظر: الخرسان، موسوعة عبد الله بن عباس، 5/ 172 – 174 .
3- ابن حجر، فتح الباري، 7/ 476 ، وينظر: ابن الجوزي، الموضوعات، 1/ 335 .
4- مسلم، الصحيح، ص 90 ؛ الترمذي، سنن، ص 982 .
5- رواه عبد الرحمن بن مالك بن مغول وهو كذاب ومتروك وليس بثقة، يضع الحديث كما ذكر ذلك أحمد والدارقطني وأبو داود والنسائي والذهبي. ينظر: المصدر نفسه، 4/ 311 .

موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) (1) لأبي بكر (2)، وزيد في حديث ((أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب))(3)، بعبارة: ((وأبو بكر أساسها، وعمر حيطانها))(4).

وذكر ابن أبي الحديد (5): أنّ البكرية وضعت لأبي بكر أحاديث لمقابلة أحاديث الفضائل العلوية نحو حديث: ((لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذتُ أبا

ص: 105


1- البخاري، الصحيح، ص 659 ، ص 777 ؛ مسلم، الصحيح، ص 1041 ؛ الترمذي، السنن، ص 981 .
2- قال الذهبي في رواية: (([جاء] علي بن الحسن بن علي الشاعر، عن محمد بن جرير الطبري بخبر كذب، هو المتهم به. متنُه (أبو بكر مني بمنزلة هارون من موسى)). ميزان الاعتدال، .149/5
3- الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 339 – 340 وقال عن حديث العلم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه [البخاري ومسلم].
4- ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص 32 ؛ الأميني، الوضاعون، ص 400 . ولمزيد ينظر: الإحصاء الرائع (للموضوعات في المناقب) الذي جمعه الأميني، في المصدر نفسه، ص 100 – 351 .
5- شرح النهج، 11 / 40 . تنظر: المصادر التي أوردت حديث الُخلّة لأبي بكر: البخاري، الصحيح، ص 649 – 650 ؛ مسلم، الصحيح، ص 1034 ؛ الترمذي، السنن، ص 966 . وحديث سد الأبواب إلاّ باب أبي بكر: البخاري، الصحيح، 649 ؛ الترمذي، السنن، ص 967 م. وحديث الوصية لأبي بكر: وروي عن عائشة أن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال لها: ((إدعي لي أبا بكر وأخاكِ، حتى أكتب كتاباً فاني أخاف أن يتمنّى متمنٍ ويقول قائل: أنا أولى. ويأبى الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر))!!! مسلم، الصحيح، ص 1035 . وينظر: الأحاديث الموضوعة والمقلوبة على غرار أحاديث فضائل الإمام علي الصحيحة التي نُسبت لأبي بكر وعمر وعثمان، ومناقشتها متناً وسنداً لدى الأميني، الغدير، 5/ 476 – 565 .

بكر خليلاً)) فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء–للإمام علي -، ونحو حديث سد الأبواب، فإنه كان لعليّ فقلبته البكرية إلى أبي بكر، ونحو ((إئتوني بدواة وبياض اكتب فيه لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه اثنان))... فإنهم وضعوه في مقابلة الحديث المروي عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في مرضه: (إئتوني بدواةٍ وبياض اكتب لكم ما لا تضلون بعده أبداً) فاختلفوا عنده)).

وقد تزامنت مع هذه الاجراءات، مرحلة أخرى هي مرحلة وضع المعايب والمثالب للإمام علي بدلا من المناقب ليبغضوه للناس، وساعد على ذلك عوامل البغض والحسد له، فإن عدة من الصحابة والتابعين والمحدثين كانوا منحرفين عن عليّ (علیه السّلام) قائلين فيه السوء (1).

وسنكتفي بإيراد شاهد واحد من المحدثين وهو: حريز بن عثمان أبو عون الحمصي قال عنه ابن حجر ( 852 ه/ 1488 م): أنه كان شديد التحامل على الإمام علي، يتنقصه وينال منه، ويعمد إلى قلب فضيلة: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) فيقول: حق ولكن اخطأ السامع... إنما هو: (أنت مني بمنزلة قارون من موسى)، وروى أن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لما أراد أن يركب بغلته جاء علي بن أبي طالب فحلّ حزام البغلة ليقع النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وكان يلعن الإمام علياً (علیه السّلام) في الغداة والعشي(2).

وذكر الجوهري (ت 323 ه/ 934 م):

أن حريزاً كان يقع في الإمام علي، ويروي أن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لما حضرته الوفاة أوصى أن تقطع يد علي بن أبي طالب. وقد سُئل عن سبب بغضه للإمام علي

ص: 106


1- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/ 58 – 80 .
2- تهذيب التهذيب، 1/ 376 – 377 .

قال: لأنه قتل أجدادي (1).

ومن المنحرفين عن الإمام علي (علیه السّلام) ((مَنْ كتم مناقبه، وأعان أعداءه ميلاً مع الدنيا وإيثاراً للعاجلة)) (2).

وقد تبلور هذا الإجراء بعد أن وضع معاوية قوماً على رواية أخبار قبيحة في علي تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلاً يُرغَب في مثله؛ فاختلقوا ما أرضاه (3).

وتبدو أهمية هذه المرحلة في أن محاولات طمس فضائل الإمام علي وتغييبها لم تعد ارتجالية وغير منظمة، وإنما تحولت في عهد معاوية بن أبي سفيان إلى حركة ذات طابع جماعي منظم ومخطط له مسبقاً؛ ولذلك وصلت من حيث التأثير والنتائج إلى ما لم تصل إليه محاولات السابقين (4).

وتفاقم هذا الأمر في عهد عبد الملك بن مروان وولاية الحجاج على العراق ((فتقرّب إليه أهل النسُك والصلاح والدين ببغض علي وموالاة

ص: 107


1- السقيفة، ص 53 – 54 ؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/ 376 .
2- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/ 58 . ومن الأمثلة على مَنْ كتم مناقب الإمام علي في مرحلة مبكرة زيد بن أرقم إذ قال: ((نشد عليّ الناس في المسجد، قال: أُنشد الله رجلاً سمع النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ مَن والاه، وعادِ مَنْ عاداه، فكنت أنا ممن كتم فذهب بصري)). ابن البطريق، العمدة، ص 106 – 107 .
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 4/ 50 ، وتنظر نماذج من هذه المختلقات على لسان أبي هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعروة بن الزبير في المصدر نفسه، 4/ 51 – 57 . وينظر عن الوضع في العصر الأموي وأسبابه. الأميني، الوضاعون، ص 14 – 32 .
4- البلداوي، فضائل أهل البيت، ص 88 .

أعدائه، وموالاة مَنْ يدعي من الناس أنهم أيضاً أعداؤه، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغضّ من عليّ (علیه السّلام) وعيبه، والطعن فيه...))(1).

ومما ساعد على نشر هذه المطاعن–التي باء بكبر افتعالها القراء المراؤون والمتصنعون الذين يظهرون الخشوع والنسك–واستمرار بقائها أنها انتقلت إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها، وهم يظنون أنها حق (2).

وبمرور الزمن أدت العصبية المذهبية–التي غذاها الأمويون لسنوات

طويلة–بين مَنْ أُطلق عليه اسم البكرية من المسلمين المتعصبين للخليفة أبي بكر وبين شيعة علي إلى إخراج الفريقين ((من ذكر الفضائل إلى ذكر الرذائل، ومن تعديد المحاسن إلى تعديد المساوئ والمقابح)) (3).

فذكرت البكرية مطاعن كثيرة في الإمام علي، ونسبوه تارة إلى ضعف العقل، وتارة إلى ضعف السياسة، وتارة إلى حب الدنيا والحرص عليها (4).

وفي قبال نشر المطاعن هذه كان يتم التكتم على رواية مناقب الإمام علي (علیه السّلام) طوال عهد عبد الملك ( 65 – 86 ه/ 685 – 705 م)، والوليد بن عبد الملك ( 86 – 96 ه/ 705 – 715 م)، وسليمان بن عبد الملك ( 96 – 99 ه/ 715 – 717 م) وعمر بن عبد العزيز ( 105 – 125 ه/ 724 – 743 م)، الذين لزمهم

ص: 108


1- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 11 / 38 .
2- ابن قيس، كتاب سليم، ص 319 ؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 11 / 38 .
3- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 11 / 40 .
4- المصدر نفسه، 11 / 40 .

المحدث الزهري (ت 123 ه/ أو 125 ه/ 740 م أو 742 م) (1).

نستشف ذلك من رواية معمر عنه حديثاً في فضل علي (علیه السّلام). فقال: ((حدثني الزهري، وقد حدثني في مرضةٍ مرضها ولم أسمعه يحدث عن عكرمة قبلها أحسبه ولا بعدها، فلما بَلّ من مرضه ندم فقال لي: أُكتم هذا الحديث واطوه دوني، فإن هؤلاء–يعني بني أمية–لا يعذرون أحداً في تقريض عليّ وذكره، [قال معمر:] قلت: فما بالك أوعبت مع القوم يا أبا بكر وقد سمعت الذي سمعت[من فضل عليّ]؟!! فقال: حسبك يا هذا أنهم شركونا في لهاهم [عطاياهم الجزيلة] فانحططنا لهم في أهوائهم))(2).

وإذا كان هذا النص يوقفنا على تماهي الزهري مع رغبات مَنْ لزمهم من سلاطين بني أمية طمعاً بما أغروا به المحدّثين، فهناك ما يدلنا على أنه كتم فضائل

ص: 109


1- الذهبي، سير أعلام، 4/ 447 .
2- المغازلي، مناقب علي، ص 154 ، وينظر: كلام اخت المحدث الزهري واتهامها له بأخذ جوائز بني أمية وكتمان فضائل آل محمد. ابن عساكر، تاريخ دمشق، 45 / 172 . ومما يجدر ذكره أن النص الآنف الذكر يبين أن الزهري لم يحدث بفضائل الإمام علي إلاّ في وقت مرضه الذي ربما ظن أنه يؤدي به إلى الموت فلا ضرر ولا خسارة إذا ما حدث بما حدث ويقودنا ذلك إلى ما أثاره الكاتب القدير باسم الحلي من إشكال يرد في سلوك عدد من خصوم الإمام علي الذين عرفوا بعدائهم له، أو على الأقل انحرافهم عن تأييده واعتزاله ومع ذلك يؤثر لهم أحاديث في فضله ومناقبه، وقد فسّه بنظرية (الثابت والمتحول) من سلوكهم وفقاً لعوامل تاريخية، وظروف شخصية، وأوضاع فردية لكل واحد منهم وإن اشترك الجميع في أصل مبدأ الخصومة، ومتى ما صار تقريظ علي ليس له–كما ظنوا–أي تأثير على عملية الصراع. لمزيد من تفاصيل هذا الرأي ينظر: سنة الرسول المصطفى، ص 699 – 701 .

أمير المؤمنين، وترك التحديث بها خوفاً على نفسه من انتقام حكام بني أمية (1).

ص: 110


1- ينظر: ابن الأثير، أسد الغابة، 2/ 27 .

المرحلة الثالثة رواية فضائل الإمام علي (علیه السّلام)في العصر العباسي (من 132 – 247 ه/ 749 – 861 م)

اشارة

ص: 111

ص: 112

المرحلة الثالثة رواية فضائل الإمام علي (علیه السّلام)في العصر العباسي (من 132 – 247 ه/ 749 – 861 م)

اشارة

لقد اعتمد دعاة العباسيين في زمن بني أمية على فضل الإمام علي (علیه السّلام) لكسب الأنصار فقد خرجت الدعاة إلى النواحي سنة 126 ه/ 743 م عند اختلاف كلمة بني مروان فكان ((أول ما يظهرونه فضل علي بن أبي طالب وولده، وما لحقهم من القتل والخوف والتشريد، فإذا استتب لهم الأمر ادعى كل فريق منهم الوصية لمن يدعو إليه)) (1).

وبوصول العباسيين للسلطة بدأت مرحلة جديدة لا تختلف كثيراً عن العصر الأموي من حيث محاربة فضائل الإمام علي، والتضييق على رواتها، فقد ظل العلويون من بني هاشم الداعين إلى حقهم في الخلافة، أو الناهضين بمعارضة السلطة العباسية خطراً محدقاً، أوجب التصدي له بكل الأشكال العسكرية والمعنوية، ومن أشكال التصدي المعنوي محاربة منزلتهم في النفوس، وأهليتهم لحكم الناس، والتي تستند في أساسها الشرعي الأول إلى منزلة ومقام

ص: 113


1- الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 207 .

زعيمهم الإمام علي بن أبي طالب (علیه السّلام) وأفضليته، وحقه وذريته في حكم الدولة الإسلامية.

ففي أيام المنصور العباسي ( 136 – 158 ه/ 754 – 775 م) تحرك طموح بعض العلويين للخلافة فخرج محمد بن عبد الله (1) في المدينة، وكتب إلى

المنصور: ((... فإن الحقّ حقّنا، وإنما ادعيتم هذا الأمر بنا، وخرجتم له بشيعتنا، وحظيتم بفضلنا، وأن أبانا علياً كان الوصيّ وكان الإمام، فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء؟! ثمّ قد علمتَ أنه لم يطلب هذا الأمر أحد له مثلُ نسبنا وشرفنا وحالنا وشرف آبائنا، لسنا من ابناء اللعناء ولا الطرداء ولا الطلقاء، وليس يمُتُّ أحد من بني هاشم بمثل الذي نُمتُّ به من القرابة والسابقة والفضل...)) (2).

فرد المنصور برسالة شديدة اللهجة أساء فيها إلى الإمام علي والحسن والحسين وشيعة آل البيت (3).

ولما تسنى للمنصور القبض على عبد الله بن الحسن (4) وإخوته والنفر

ص: 114


1- ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (علیه السّلام)، يكنى أبا عبد الله، وكان من أفضل أهل بيته في علمه بكتاب الله وفقهه في الدين وشجاعته وجوده وبأسه، حتى شاع في العامة أنه المهدي، بايعه رجال من بني هاشم وآل أبي طالب، وآل العباس، دعى إلى نفسه منذ سنة 126 ه/ 743 م، وأظهر دعوته في أيام أبي العباس السفاح، فلما ولي أبو جعفر المنصور جدّ في طلبه، وجدّ هو في أمره إلى أن ظهر، فقتله المنصور. للمزيد ينظر: المصدر نفسه، ص 206 – 262 .
2- الطبري، تاريخ، 8/ 15 . وينظر: اليعقوبي، تاريخ، 3/ 110 – 114 .
3- المصدر نفسه، 8/ 16 – 17 .
4- ابن الحسن بن علي بن أبي طالب شيخ بني هاشم، والمقدم فيهم، وصاحب فضل وعلم وكرم وكان المنصور قد طلب ولديه محمداً وإبراهيم فلم يقدر عليهما فحبس عبد الله بن الحسن واخوته، وجماعة من أهل بيته بالمدينة، ثم أحضرهم إلى الكوفة فحبسهم بها، فلما ظهر محمد قتل عدة منهم في الحبس.للمزيد ينظر: الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 166 ؛ المسعودي، مروج الذهب، 3/ 237 – 238 .

كانوا معه من أهل بيته صعد منبر هاشمية الكوفة فوقع في الإمام علي وولديه الحسن والحسين، وذم سياستهم وطعن في أهليتهم لتولي أمور المسلمين فقال: ((إنَّ ولد ابن أبي طالب تركناهم والذي لا إله إلا هو والخلافة فلم نعرض لهم... فقام فيها علي بن أبي طالب فما أفلح، وحكّم الحكمين، فاختلفت عليه

الأمة وافترقت الكلمة، ثم وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه. ثم قام بعده الحسن بن علي فوالله ما كان برجل، عُرضت عليه الأموال فقبلها، ودسَّ إليه معاوية إني أجعلك ولي عهدي، فخلعه وانسلخ له ما كان فيه، وسلمه إليه... ثم قام من بعده الحسين بن علي فخدعه أهل العراق...))(1).

ويتبين من هذا النص التوجه الخطير الذي تبناه المنصور العباسي منذ سنة 145 ه/ 672 م في تشويه سيرة الإمام علي خاصة وأهل البيت عامة، فكيف سيكون موقفه من رواية فضائلهم؟

لا شك أنه كان المنع والتضييق على رواة مناقب الإمام علي (علیه السّلام)، فذكر لنا الأعمش(2)–المعروف بكثرة ما رواه في فضائل الإمام علي (علیه السّلام)–خوفه الشديد من أن تطاله عقوبة القتل والصلب في هذا السبيل في عهد المنصور، وللتدليل

على ذلك لنتأمل في شهادته على تلك الأيام لما استُدعي ذات ليلة ليحضر بين يدي المنصور فقال ((... فنهضتُ من نومي فزعاً مرعوباً... متفكراً... فيما بيني

ص: 115


1- المسعودي، مروج الذهب، 3/ 238 .
2- أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي الكوفي، أصله من بلاد الري رأى أنس بن مالك وحفظ عنه، روى عنه خلق كثير، وصف بالمصحف من صدقه. تقع عواليه في صحيح البخاري وفي جزء ابن عرفة، وابن الفرات. كان رأساً في العلم النافع والعمل الصالح. توفي سنة 148 ه/ 765 م. الذهبي، تذكرة الحفاظ، 1/ 116 .

وبين نفسي إلى ماذا أصير إليه وأقول لم بعث إليّ في هذا الوقت وقد نامت العيون وغارت النجوم... فقلت: إنما بعث إليّ في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي ابن أبي طالب (علیه السّلام) فإن أنا اخبرته فيه بالحق أمر بقتلي وصلبي، فأيست والله من نفسي وكتبتُ وصيتي...)) (1).

ولعل هذه الكلمات شافية في الدلالة على ذلك الرعب والخوف الذي أشاعه المنصور في نفوس رواة المناقب العلوية في عهده، ومعرفتهم بنوع العقوبة التي تطال أحدهم إن ظفرت به السلطة.

وقد استبق هارون الرشيد ( 170 – 193 ه/ 786 – 809 م) أية عملية خروج علوية على حكمه وبدأ بالتضييق على رواة الأحاديث في أهل البيت(علیه السّلام)، ومنهم محمد بن أبي عمير (ت 217 ه/ 832 م) (2) الذي بقي في سجن هارون أربع سنين ودُفنت مصنفاته خوفاً من السلطة–وهي كثيرة–فتلفت (3).

وأبو معاوية (ت 194 ه/ 809 م) الذي قال له هارون الرشيد مهدداً: ((لا يُثبت أحد خلافة علي بن أبي طالب إلا قتلته)) (4).

ولا شك أن أحاديث الفضائل كانت من أوضح الأدلة على أفضلية الإمام

ص: 116


1- الخوارزمي، المناقب، ص 284 – 285 . وباختلاف بسيط في اللفظ: ابن المغازلي، مناقب الإمام علي، ص 155
2- الأزدي، بغدادي الأصل والمقام، لقي الإمام موسى الكاظم وسمع منه أحاديث، وروى عن الإمام الرضا (علیه السّلام)، جليل القدر، عظيم المنزلة عند الخاصة والعامة، حدّث من حفظه بعد تلف كتبه فلهذا يسكن إلى مراسيله، بلغ عدد مصنفاته أربعة وتسعين كتاباً. النجاشي، رجال، ص 312 – 313 .
3- المصدر نفسه، ص 312 .
4- الصفدي، الوافي بالوفيات، 2/ 316 .

عليّ على غيره واستحقاقه للخلافة أولا،ً ولهذا فقد شملت بهذا البيان الهاروني وأصبح الجزاء على روايتها بالقتل.

وقد شهدت فترة حكم المأمون العباسي ( 198 – 218 ه/ 813 – 833 م) انفراجاً تمثل بإظهاره سنة 212 ه/ 827 م تفضيل الإمام علي على الشيخين، وتزامن مع ذلك القول بأن القرآن مخلوق (1).

وهو ما نظرت إليه بعض الأوساط (السُنيّة) بأنه نوع من البدعة والمحنة (2)، لذا ستكافئ هذه الأوساط المتوكل العباسي ( 232 – 247 ه/ 847 – 861 م) الذي سارع بعد توليه الحكم إلى رفع (المحنتين–تفضيل عليّ وخلق القرآن -) بلقب محيي السُنّة (3)!!! .

ص: 117


1- قال الذهبي: ((وفي سنة اثنتي عشرة [ومائتين] سار محمد بن حميد الطوسي لمحاربة بابك وأظهر المأمون تفضيل علي على الشيخين، وأن القرآن مخلوق))، سير أعلام النبلاء، 7/ 321 وينظر: ابن كثير، البداية والنهاية، 10 / 176 .
2- تبين ذلك بكل وضوح من قول ابن كثير: ((في ربيع الأول من هذه السنة [أي سنة 212 ه] أظهر المأمون في الناس بدعتين فظيعتين؛ أحدهما أطمُّ من الأخرى، وهي القول بخلق القرآن، والأخرى تفضيل علي بن أبي طالب على الناس بعد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ). وقد اخطأ في كل من هذين المذهبين خطأً كبيراً فاحشاً، وأثم اثماً عظيماً...)). البداية والنهاية، 10 / 166 . علق على ذلك الحلي فقال: ((هذا هو العجب العجاب إذ أن ابن كثير في الوقت الذي يقول في تفضيل المأمون علياً على باقي الناس، والقول بخلق القرآن بدعتين فظيعتين، نراه لا يتهم المتوكل المظهر للنصب وعداوة علي (علیه السّلام) بأي تهمة، فما معنى ذلك؟!!.. وهذا يقودنا للقول بأن وصف المتوكل بمظهر السنة من باب تسمية الشيء بنقيضه،... تسمية المتوكل الناصبي المبغض لعلي بمظهر السنة، فالنصب وإظهار السنة لعمر الله لا يجتمعان!!!)). سنة الرسول المصطفى، ص 506 .
3- ينظر: ابن خلكان، وفيات الأعيان، 1/ 180 ؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 8/ 375 – 376 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 10 / 229 – 241 .

وكان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب غليظاً على جماعتهم، مهتماً بأمورهم، شديد الغيظ والحقد عليهم وسوء الظن والتهمة لهم،... فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من حكام بني العباس قبله، وكان من ذلك أنه كرب قبر الحسين (علیه السّلام)

وعفى آثاره، ووضع على سائر الطرق مسالح له لا يجدون أحداً زاره إلا أتوه به فقتله أو أنهكه عقوبة (1).

وكان شديد البغض للإمام علي ولأهل بيته، وكان يقصد من يبلغه عنه أنهيتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم (2).

ومن مظاهر إساءته للإمام علي أنه كان له أحد الندماء المخنثين ممن يحاكي الإمام علياً (علیه السّلام) في شكله و((يشد على بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهو أصلع، ويرقص بين يدي المتوكل والمغنون يغنون: قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين.. والمتوكل يشرب ويضحك)) (3).

ومَنْ كان هذا شأنه في البغض والنصب كيف كان تعامله مع رواة مناقب الإمام علي وفضائله؟

لا شك أنه كان شديد التضييق والتهديد والعقوبة المنهكة، من ذلك ما لحق ب نصر بن علي الأزدي الجهضمي (ت 250 ه/ 864 م) (4)–وهو من رجال

ص: 118


1- الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 478 ؛ الذهبي، سير أعلام، 8/ 376 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 10 / 209 .
2- ابن الأثير، الكامل، 6/ 108 .
3- المصدر نفسه، 6/ 108 – 109 .
4- أبو عمرو البصري حدّث عن نوح بن قيس ويزيد بن زريع وسفيان بن عيينة وغيرهم، وحدّث عنه الجماعة [أصحاب الصحاح] وزكريا الساجي وابن خزيمة، وابن أبي داود، وابن صاعد وغيرهم، قال أحمد: ما به بأس، ووثقه النسائي، مات سنة 250 ه/ 864 م، الخطيب البغدادي،تاريخ بغداد، 13 / 288 – 291 ، الذهبي، تذكرة الحفاظ، 2/ 78 – 79 .

الصحاح الستة–لما حدّث بسند عن أهل البيت أن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أخذ بيد حسن وحسين فقال: ((مَنْ أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة)) (1) أمر المتوكل بضربه ألف سوط! (2).

• العوامل المذهبية والمجتمعية وتأثيرها على رواية فضائل الإمام علي(علیه السّلام)

لم ينفصل الصراع السياسي عن التوجه الذي عززته بعض الفرق الإسلامية في إخفاء فضائل الإمام علي ومنع روايتها لغايات اجتماعية وعقيدية، وقد أعطانا ابن شهرآشوب (ت 588 ه/ 1192 م) صورة ناطقة عن الأخطار التي واجهت فضائل الإمام علي من هذه الجهة حتى عصره، فحدّد ثلاثة تيارات صوّبت سهامها اتجاهها وركبت الباطل، وذهبت مذهب الخلاف، هادفة إلى

التقليل من شأن الإمام علي (علیه السّلام) وهي(3):

ص: 119


1- الحديث صحيح أخرجه عدد من الحفاظ منهم:ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 335 – 337 ، الترمذي، السنن، ص 982 رقم الحديث 3742 ؛ ابن المغازلي، مناقب الإمام علي، ص 296 – 297 ؛ ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص 171 .
2- الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 13 / 289 . وقد علق العلامة المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي على هذه العقوبة متهكماً فقال: ((وحديث رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في حب أهل بيته وأمره بحبهم مجتمعين ومنفردين في كل واحد منهم متواتر ملء الصحاح والمسانيد والسنن والجوامع، لا يُصيه عدد، ولكن الأمر انعكس تماماً وأصبح حبهم ذنباً لا يُغفر وقليل من حبهم يكفي في جرح الراوي وتضعيفه، بل ترى أن رواية شيء في فضلهم ولو كان بالحديث الثابت عن جدهم النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أعظم عند الحكام المنافقين من الزنا! فالزاني يُلد مائة جلده، وهذا يُضرب ألف سوط!!)). أهل البيت في المكتبة العربية، ص 76 – 77 ، حاشية رقم ( 1).
3- المناقب، 1/ 13 .

• الخوارج الذين كفّروا الإمام علياً (علیه السّلام).

• التيار الذي أفرزه الخلاف بين السُّنة والشيعة في الإمامة.

•النواصب الذين نكصوا عن أهل البيت (علیهم السّلام)، وطعنوا في علومهم، وروجوا لأعدائهم.

وقد أجملَ ابن شهرآشوب تداعيات هذا العداء الذي أفرز تحريفات قصدية متعمّدة تمس ما ورد عن الإمام علي (علیه السّلام) من مناقب وفضائل: فمنهم مَنْ كتم الأحاديث، أو طعن فيها أو تأولها وإن كانت من المجمع عليه، و جعل مقابلها باطلاً لا يمت لها بصلة، أو زاد في الأخبار أو نقص منها بهدف تقليل قيمتها

أو تحريفها، ومنهم مَنْ نقل مناقب آل البيت إلى غيرهم... أو أنكرها وكذّبها أو جرّح رواتها وطعن في ألفاظها وقدح في معانيها، وقد قام بذلك جماعة من علماء الأمة ومفكريها حتى تكوّن رأياً عاماً لهم، يزعق على المحدثين والمذكرين في ذكرهم علياً (1).

وسنحاول أن نقف على شواهد لما جاء في هذا النص الواضح لابن شهرآشوب، الذي ينتقل بنا إلى مراحل أخرى في محاربة فضائل الإمام علي، كانت تُثل الامتداد لما غُرس في العصر الأموي والعباسي من تعصب وتمذهب، فصار قادة هذه المراحل علماء ومفكرين سعوا بغاية السلطان عن قصد أو غير قصد بتأثير التربية الفكرية المنحرفة.

فقد ابتُكرت طرق جديدة في مُضادة الفضائل المروية للإمام علي إذ كانت من الشهرة بحيث لا تُنكر، منها: التقليل من أهميتها؛ وللتدليل على ذلك نورد ما قالهُ الايجي الشافعي (ت بعد سنة 861 ه/ 1456 م) بعد أن ذكر الحديث

ص: 120


1- المصدر نفسه، 1/ 14 – 16 .

الوارد عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في الإمام علي يوم خيبر: ((لأعُطين الراية غداً رجلاً يُحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) (1)، فعلّق الايجي الشافعي قائلًا: ((وقد صنف بعض المتعصبين في الرد على الروضة ))(2) كتاباً وألّف فيه لكل فضيلة وخصيصة لعلي أمير المؤمنين رداً وجواباً!! وأثبت هذا الحديث [حديث خيبر] وحديثين آخرين من فضائله العليّة، ثم قال وهذه صفة موجودة لكل مؤمن فاضل!! فانظروا إلى شمائله في العصبية، أعاذنا الله مما يؤدي إلى مخالفة السُنةّ والكتاب)) (3).

ويكشف الكراجكي (ت 449 ه/ 1057 م) عن آلية أخرى تعرضت لها فضائل الإمام علي (علیه السّلام) في المحاربة والتشويه، تعتمد التأويل، فضلاً عما ذكرناه من الإنكار والمقابلة بالافتعال، فقال: ((وإنما وضع المخالفون هذا الخبر...وهذه عادة منهم جارية في فضائل أهل البيت (علیهم السّلام)، وهي أن يدفعوا منها ما قدروا على دفعه، فإن أعجزهم دفعه–لظهوره وانتشاره–تأولوه بما يصرفه على غير

ص: 121


1- البخاري، الصحيح، ص 659 ؛ مسلم، الصحيح، ص 1042 ؛ الترمذي، السنن، ص 980 . وقد خرّجه الأيجي الشافعي بطرق مختلفة الألفاظ متفقة المعاني وقال فيه: ((تصدى لتحديثه وروايته ملأ من الصحابة الأجلاء الكرام، وتحدى بتحقيقه ودرايته جماعة من الأئمة الأدلة العظام...)). فضائل الثقلين، ص 220 – 225 .
2- الروضة: قد يكون المقصود (كتاب الروضة) لأحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن بن دول القمي (ت 350 ه/ 961 م) وهو ممن ألف في مناقب الإمام علي (علیه السّلام). النجاشي، رجال، ص 87 – 88 . أو هو (كتاب الروضة في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السّلام) ل سديد الدين شاذان بن جبرائيل القمي (ت 660 ه/ 1261 م) وقد طبع في مدينة قم المقدسة سنة 1423 ه/ 2002 م.وحديث الراية ورد في الكتاب في ص 119 .
3- الأيجي الشافعي، فضائل الثقلين، ص 225 .

مقتضاه، فإن لم يقدروا على ذلك افتعلوا خبراً يقابلونه به))(1).

وأورد لذلك مثالا وهو حديث: (أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة))(2) لمقابلة حديث (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خيرٌ منهما) (3).

وقد مارس أتباع التيارات المذهبية المعادية للإمام علي تأثيراً على المحدثين بفضائل الإمام علي، منعهم أحياناً من المجاهرة بها، أو إملائها في المساجد.

ويلقي النص الآتي ضوءاً كاشفاً على هذه الحقيقة إذ أخرج العقيلي عن عيسى بن يونس قوله: ((ما رأيت الأعمش خضع إلا مرة واحدة! فإنه حدثنا بهذا الحديث: (قال علي: أنا قسيم النار) (4) ، فبلغ ذلك أهل السُّنة، فجاؤوا إليه

ص: 122


1- الرسالة العلوية، ص 27 – 28 . ولتعميق المعنى الذي ذكرناه ينظر في نص ابن قتيبة هذا: ((وإن ذكر ذاكر قول النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): (من كنت مولاه فعلي مولاه) (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، وأشباه هذا التمسوا لتلك الأحاديث المخارج ليتنقصوه ويبخسوه حقه بغضاً منهم للرافضة، وإلزاماً لعليّ (علیه السّلام) بسببهم ما لا يلزمه، وهذا هو الجهل بعينه)). الاختلاف في اللفظ، ص 42 .
2- الترمذي، السنن، ص 968 .
3- الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 377 .
4- روي هذا الحديث مرفوعاً عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وذكره: - ابن قتيبة، غريب الحديث، 2/ 150 . - الفسوي، المعرفة والتاريخ، 2/ 764 . - الدارقطني، العلل، 6/ 273 رقم 1132 . - الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، 2/ 301 – 302 . - ابن المغازلي، المناقب، ص 107 . - ابن عساكر، تاريخ دمشق، 2/ 244 – 245 . - ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 110 . وقد سُئل أحمد بن حنبل عن حديث قسيم النار فلم يضعفه ولم يخدش فيه، ولا جرح راويه بل ثبّته واتجه إلى تأويله وبيان معناه، قال محمد بن منصور الطوسي: ((كنا عند أحمد بن حنبل، فقال له رجل: يا أبا عبد الله، ما تقول في هذا الحديث الذي يروي أن علياً قال: (أنا قسيم النار)؟ فقال: ما تُنكرون من ذا؟ أليس روينا أن النبي صلّی الله عليه وسلم قال لعلي: (لا يحبك إلاّ مؤمن، ولا يُبغضك إلاّ منافق)؟! قلنا: بلى، قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنة. قال: وأين المنافق؟ قلنا: في النار. قال: فعلي قسيم النار)). أبو يعلى، طبقات الحنابلة، 2/ 358 حديث رقم 448 .

فقالوا: أتحدث بأحاديث تقوي بها الروافضة والزيدية (1)، والشيعة؟! فقال: سمعته فحدّثت به. فقالوا: فكل شيء سمعته تُحدث به؟! قال: فرأيته خضع ذلك اليوم))(2).

ويبدو أن خضوع الأعمش (ت 148 ه/ 765 م) هذا كان لقوة مجتمعية غالبة، فقد وصل نهي بعض الفرق إياه عن التحديث بفضائل أمير المؤمنين علي (علیه السّلام) إلى حد إحراجه (3).

وعلى الرغم من ذلك ظل الأعمش يحدث بفضائل الإمام علي (علیه السّلام) حتى عُدّ من المكثرين بها، فلم يكن أمام بعض أئمة المذاهب مثل أبي حنيفة (4) إلّا

ص: 123


1- الزيدية: الذين قالوا بإمامة زيد بن علي (علیه السّلام)، ثم قالوا بعده بالإمامة في ولد فاطمة، كائناً منكان بعد أن يكون عنده شروط الإمامة، وأكثر المحدثين على هذا المذهب مثل سفيان بن عيينة وسفيان الثوري، وصالح بن حي. واشتهر منهم عدد من المتكلمين والعلماء. ابن النديم، الفهرست، ص 311 .
2- الضعفاء الكبير، 3/ 416 ؛ الطباطبائي، أهل البيت في المكتبة العربية، ص 565 .
3- هذا ما حدث للأعمش الذي أجاب أحد سائليه عن فضيلةٍ للإمام علي بالقول: ((هؤلاء المرجئة لايدعوني أُحدث بفضائل علي، أخرجوهم من المسجد حتى أُحدّثكم)).الفسوي، المعرفة والتاريخ، 2/ 764 ؛ ابن عساكر، ترجمة أمير المؤمنين، 2/ 245 .
4- النعمان بن ثابت بن زوطي، من موالي تيم الله بن ثعلبة، وهو من أهل كابل، كان من التابعين، لقي عدة من الصحابة، له من الكتب: كتاب الفقه الأكبر، كتاب رسالته إلى البستي، كتاب العالم والمتعلم وكتاب الرد على القدرية وغيرها، توفي سنة 150 ه/ 767 م في بغداد.ابن قتيبة، المعارف، ص 277 – 278 ؛ ابن النديم، الفهرست، ص 342 – 343 .

غَمزهُ، والتشكيك بمصداقية ما يرويه، بل ودعوته إلى ترك رواية فضائل الإمام علي (علیه السّلام) وإعلان التوبة عن ذلك (1).

وقد وقع مثل هذا للحافظ أبي الأزهر النيسابوري ( 263 ه/ 876 م) (2)

ص: 124


1- روى الطوسي في كتابه الأمالي، ص 482 ، عن شريك بن عبد الله القاضي قال: ))حضرت الأعمش في علّته التي قبض فيها،.. إذ دخل عليه ابن شبرمة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة، فسألوه عن حاله،... فأقبل عليه أبو حنيفة فقال: يا أبا محمد، اتق الله وانظر لنفسك، فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا... وقد كنت تحدث في علي بن أبي طالب بأحاديث، لو رجعت عنها كان خيراً لك!! قال الأعمش: مثل ماذا يا نعمان؟! قال: مثل حديث عباية: (أنا [أي علي (علیه السّلام)] قسيم النار)، قال: أو لمثلي تقول يا يهودي؟! أقعدوني، سندوني، اقعدوني، حدثني–والذي مصيري إليه–موسى بن طريف، ولم أرَ أسدياً كان خيراً منه، قال: سمعت عباية بن ربعي–إمام الحيّ–قال: سمعت أمير المؤمنين (علیه السّلام) يقول: ((أنا قسيم النار، أقول هذا وليّي دعيه، وهذا عدوي خذيه))، وحدّثني أبو المتوكل الناجي في إمرة الحجاج... عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): ((إذا كان يوم القيامة يأمر الله عزّ وجل، فأقعد أنا وعليّ على الصراط، ويقال لنا: أدخِلا الجنة من آمن بي وأحبكما، وأدخلا النار من كفر بي وأبغضكما)... ثم تلا: ﴿أَلقْياَ فِی جَهَنمَّ كُلَّ كَفَّارٍ عَنيِدٍ﴾، قال: فجعل أبو حنيفة أزاره على رأسه، وقال: قوموا بنا لا يجيئنا أبو محمد بأطم من هذا)). وينظر: ابن أخي تبوك،مناقب علي، ص 336 . وقد عدّ ابن حجر عباية بن ربعي، وموسى بن طريف اللذين رويا عن الإمام علي (علیه السّلام) حديث (أنا قسيم النار) من غلاة الشيعة وعدّهما العقيلي غاليان ملحدان!!!. لسان الميزان، 3/ 247 .
2- أحمد بن الأزهر بن منيع العبدي النيسابوري الحافظ الثقة الرحال، روى عنه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة ومحمد بن الحسين القطان وغيرهم، وكان من علماء المحدثين قال عنه أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي والدارقطني: لا بأس به. توفي سنة 263 ه/ 876 م.الذهبي، تذكرة الحفاظ، 2/ 97 – 98 .

فإنه لما حدّث عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 ه/ 826 م) بحديث في فضل علي (1) أُخبر يحيى بن معين (ت 233 ه/ 847 م) بذلك فبينما أبو

الأزهر عنده في جماعة أهل الحديث، إذ قال يحيى بن معين: ((مَنْ هذا الكذاب النيسابوري الذي حدّث عن عبد الرزاق بهذا الحديث...))(2).

وقد كان اتهام الرواة بالمغالاة في فضائل الإمام علي أمراً يُسهل مهاجمتهم ومطاردتهم، مثلما حدث لأبي بكر محمد بن يحيى بن العباس الصولي (ت 330 ه/ 941 م) (3) الذي روى خبراً في علّي فطلبته الخاصة والعامة لتقتله (4).

بل وكان ذلك الاتهام يضطرهم أحياناً إلى مغادرة أماكن إقامتهم مثلما حدث لإبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي (ت 283 ه/ 896 م) الذي ألف كتاب

ص: 125


1- الحديث هو: ((يا علي أنت سيّدٌ في الدنيا سيّدٌ في الآخرة، حبيبُك حبيبي، وحبيبي حبيبُ الله، وعدوُّك عدوِّي، وعَدوّي عدوّ الله، والويلُ لمن أبغضك بعدي)) وعلق عليه الحاكم النيسابوري بعد أن أورده عن أبي الأزهر عن عبد الرزاق... قال: ((صحيح على شرط الشيخين، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة، وإذا تفرد الثقة بحديث فهو على أصلهم صحيح)). المستدرك، 3/ 340 . وقد أخرج هذا الحديث ابن حنبل باختلاف يسير في اللفظ وزاد فيه: (من أحبك فقد أحبني). مناقب أمير المؤمنين، ص 254 – 255 .
2- الذهبي، سير أعلام النبلاء، 7/ 197 .
3- من الأدباء الظرفاء والجماعين للكتب، نادم الراضي العباسي، وكان أولًا يُعلمه، ونادم المكتفي ثم المقتدر دفعة واحدة، حسن المروءة توفي مستتراً بالبصرة لأنه روى خبراً (أو جزءاً) في علي (علیه السّلام)، وله عدد من الكتب منها كتاب الأوراق في أخبار الخلفاء والشعراء، وغيرها كثير. ابن النديم، الفهرست، ص 243 .
4- المصدر نفسه، ص 243 .

(المعرفة) وذكر فيه مناقب الإمام علي المشهورة، ومثالب غيره، فاستعظمه الكوفيون وأشاروا عليه بتركه وأن لا يُرجه، فخرج إلى اصفهان ورواه بها ثقةً منه بصحة ما رواه فيه (1).

وقد حاول هذا الرأي العام–المعارض للتحديث بفضائل الإمام علي–أن يمارس تأثيراً وضغطاً حتى على الرواة المستقلين الذين كانوا يعظمون الخلفاء الأربعة (أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً)، لإطراء معاوية والتحديث بفضائله (الموضوعة) مضاهاةً لفضائل الإمام علي، مثلما حدث للحاكم النيسابوري (ت 405 ه/ 1014 م) (2)الذي منعه أصحاب عبد الله بن كرام (الكرامية) من الخروج من داره إلى المسجد، وكسروا منبره فقال له عبد الرحمن السلمي: ((لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل–معاوية–حديثاً لاسترحت من المحنة! فقال: لايجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي)) ) (3).

ولما جمع في كتابه المستدرك بعض الأحاديث في فضل الإمام علي (علیه السّلام) وأكد أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم يلزمهما إخراجها في صحيحيهما، منها

ص: 126


1- النجاشي، رجال، ص 19 . وينظر ما ذكره اغا بزرك الطهراني عن (كتاب المعرفة) وأنه في أربعة أجزاء. الذريعة، 21 / 243 .
2- محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الإمام الحافظ الناقد العلامة شيخ المحدثين صاحب التصانيف كما وصفه الذهبي، ولد سنة 321 ه/ 933 م بنيسابور وسمع من نحو ألفي شيخ، وارتحل إلى العراق والحجاز، وهو ثقة واسع العلم بلغت تصانيفه قريباً من خمسمائة جزء. توفي سنة 405 ه/ 1014 م.الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 3/ 93 – 94 ؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 12 / 74 – 78 .
3- الذهبي، سير أعلام النبلاء، 12 / 79 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 11 / 289 .

حديث الطير (1)، وحديث (ومن كنت مولاه فعلّي مولاه) (2)، أنكر عليه أصحاب الحديث ذلك ولم يلتفتوا فيه إلى قوله، ولا صوبوه في فعله (3)!!!

واتهموه بأنه رافضي خبيث، وفي أهون التُهم–المزرية في نظرهم–أنه يتشيّع (4).

وعلى هذا الأساس جرى ما جرى على أبي بكر الطائي وأصحابه. قال سليمان بن زير: اجتمعت أنا وعشرة من المشايخ في جامع دمشق فيهم أبو بكر ابن أحمد بن سعيد الطائي فقرأنا فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوثب علينا قريب من مئة يضربوننا ويسحبوننا إلى الوالي، فقال لهم أبو بكر الطائي:

ياسادة استمعوا لنا إنما قرأنا اليوم فضائل عليّ وغداً نقرأ فضائل أمير المؤمنين معاوية، وقد حضرتني أبيات فإن رأيتم أن تسمعوها، فقالوا له: هاتِ، فقال بديها:

حبُّ عليّ كلّهُ ضربُ*** يرجف من خيفته القلب

ومذهبي حبُّ إمام الهدى*** يزيد والدّين هو النَّصب

ص: 127


1- روي هذا الحديث بعدة أسانيد منها عن سفينة، قال: ((أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلّی الله عليه وسلم طيرين بين رغيفين، فقدّمت إليه الطيرين، فقال رسول الله: ((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك)) فجاء علي بن أبي طالب... فأكل مع رسول الله صلّی الله عليه وسلم من الطيرين حتى فَنَيا)). ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 147 . وأورده ابن عساكر من 44 طريقاً. ترجمة الإمام علي، 2/ 105 – 151 وصنّف فيه عدد من الحفاظ مصنفات مفردة. منهم الذهبي، والحاكم النيسابوري وغيرهم كثير.الذهبي، سير أعلام النبلاء، 12 / 76 ، 80 .
2- ينظر: المستدرك، 3/ 325 – 353 .
3- الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 3/ 94 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 11 / 289 .
4- الذهبي، سير أعلام النبلاء، 12 / 79 .

مَنْ غیرَ هذا قال فهو امرؤ*** ليس له عقلٌ ولا لبُّ

والناس مَن يَنْقَدْ لأهوائهم*** يسلم وإلاّ فالقضا نهبُ

قال: فخلّوا عنا... (1).

ويبدو أن هذا العامل وهو (التهديد المجتمعي) من جهة، وإتهام رواة الفضائل بالمغالاة والكذب الذي يولد العزوف عن الأخذ عنهم، أو التتلمذ على أيديهم، ويُسقط وثاقتهم العلمية من جهة أخرى، قد أدى ببعض المحدثين إلى مسايرة ذلك الاتجاه الضاغط فامتنع عن التحديث مثل وكيع بن الجراح (ت 197 ه/ 812 م) (2) الذي سمع يحيى بن معين (ت 233 ه/ 847 م) بعزوفه عن التحديث بفضائل الإمام علي (علیه السّلام) زماناً فسأله: ((لم لا تُحدث بها؟

فقال أن الناس يحملون علينا فيها...))(3).

ومن ذلك التحامل اتهامه بالرفض مرة (4) ...............................

ص: 128


1- الصفدي، تمام المتون، ص 251 – 252 ؛ الشيخ الأميني، موسوعة الغدير، 7/ 201 .
2- ابن مليح بن عدي الرؤاسي الكوفي، ولد سنة 129 ه/ 746 م وسمع من هشام بن عروة وسليمان الأعمش، وابن جريج وغيرهم كثير، كان من بحور العلم وأئمة الحفظ، حدّث عنه سفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك وأحمد وابن معين وبنو أبي شيبة وأمم سواهم، وكان من حُفّاظ الحديث مفتياً بقول أبي حنيفة وكان قد سمع منه كثيراً، توفي سنة 197 ه/ 812 م وقيل 196 ه/ 811 م راجعاً من الحج. الذهبي، سير أعلام النبلاء، 6/ 430 – 442 .
3- تاريخ ابن معين، 1/ 320 ، الحلي، سنة الرسول، ص 421 .
4- رأى يحيى بن معين عند مروان بن معاوية لوحاً فيه أسماء شيوخ: ((فلان رافضي، وفلان كذا، ووكيع رافضي)). الذهبي، سير أعلام النبلاء، 6/ 436 . وهذا يدل على تسقيط الرواة لمجرد روايتهم ما لا يتلائم مع مزاج هؤلاء المحدثين وعقائدهم.

والتشيع مرة، لأنه كوفي يُقدّم علياً على عثمان في الفضل (1).

وقد طال هذا التسقيط الروائي بتهمة الرفض عدداً لا يستهان به من الرواة لمجرد روايتهم فضائل أهل البيت (علیهم السّلام) كما نستشف ذلك من النص الآتي، إذ قيل للشافعي (ت 204 ه/ 819 م) (2): ((أن أناساً لا يصبرون على سماع منقبة أو فضيلة لأهل البيت، وإذا رأوا أحداً منا يذكرها يقولون: هذا رافضي، ويأخذون في كلام آخر، فأنشأ الشافعي (3):

إذا في مجلس ذكروا علياً*** وشبليه وفاطمة الزكية

فأجرى بعضهم ذكرى سواهم*** فأيقن أنها لسلقلقية

إذا ذكروا علياً أو نبيهِ*** تشاغَلَ بالروايات العليّة

وقال تجاوزوا يا قوم هذا*** فهذا من حديث الرافضية))

وتوقفنا أبيات شعرية أخرى أوردها ابن شهرآشوب عن التأثير الاجتماعي والمذهبي الذي بات يقف في فترة لاحقة بوجه رواة الفضائل باتهامات جديدة– فضلاً عن الاتهامات السابقة بالتضعيف والتوهين والنكارة–مثل تهمة الكفر،

ص: 129


1- وردت هذه التهمة على لسان الذهبي فقال: ((والظاهر أن وكيعاً فيه تشيّع يسير، لا يضّر إن شاء الله، فإنه كوفيّ في الجملة، وقد صنف كتاب فضائل الصحابة، سمعناه قدّم فيه باب مناقب علي على مناقب عثمان)). المصدر نفسه، 6/ 437 .
2- أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس القرشي المطلبي الشافعي المكي، ولد بغزة، ونشأ بمكة، ارتحل وهو ابن نيف وعشرين سنة إلى المدينة فحمل عن مالك بن أنس الموطأ، وصنّف التصانيف ودوّن العلم، حتى بعد صيته وتكاثر عليه الطلبة، صار إلى مصر فأقام بها حتى توفي سنة 204 ه/ 819 م.
3- للمزيد ينظر: ابن النديم، الفهرست، ص 352 – 354 ؛ الذهبي، سير أعلام، 7/ 204 – 239 .

وبغض الصحابة، بل إن ذكر فضيلة واحدة من فضائل الإمام علي صارت تقوم عند بعض مَن يسمعها مقام التشنيع على معاوية وذمه.

والأبيات هي (1):

قول الشاعر:

إذا ما ذكرنا من عليّ فضيلة*** رُمينا بزنديق وبغض أبي بكر

وقول ثاني:

وإن قلتُ عيناً من عليّ تغامزوا*** عليّ وقالوا قد سببت معاوية

• فضائل الإمام علي (علیه السّلام) وآليات المنع والتغييب الروائية:

ومما هو جدير بالملاحظة والتأمل اندراج الإسناد في وقت مبكر في إطار الصراعات السياسية والاجتماعية، فقد أخرج مسلم في صحيحه أنه لم يكونوا ((يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنةُ، قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فيُنظر إلى أهل السُّنة فيؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم)) (2).

ويكشف هذا الحديث عن الإطار الزماني لنشأة التقصي في الإسناد، والظروف التي أملته زمنياً، إذ بدأ الاهتمام بالاسناد بعد ربع قرن من وفاة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وتحديداً في خلافة الإمام علي (3)، وتولد ذلك عن صراعات

ص: 130


1- مناقب آل أبي طالب، 1/ 17 – 18
2- الصحيح، ص 51 المقدمة باب الإسناد من الدين، ابن حجر، لسان الميزان، 1/ 7.
3- من المؤرخين الذين عبّوا عن مدّة (خلافة الإمام علي) بمصطلح (الفتنة) أبو زرعة الدمشقي (ت 280 ه أو 281 / 893 أو 894 م) والذي ابتدأ تاريخه بالسيرة النبوية ثم تواريخ الخلفاء وأعمالهم (أبو بكر وعمر وعثمان)، ثم تجاهل خلافة الإمام علي مكتفياً بالقول: ((وكانت الفتنة خمس سنين)) ثم يستأنف تواريخ حكام بني أمية!!!.ينظر: تاريخ أبي زرعة، ص 31 – 42 وما بعدها، راجح، الإمام علي، ص 16 .

سياسية متمثلة في الخلاف حول الخلافة، وعن صراعات اجتماعية متمثلة في الفرق المتشيعة من (شيعة) و (خوارج)، على أن الإسناد السني سيطر، واُعتبر المرجعية الأساسية، وجرى تهميش ما خرج عنه (1) منذ أن أسس معاوية عبر كتبه إلى ولاته ب ((العيب على أصحاب علي والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم، وبإطراء شيعة عثمان... والإدناء لهم والاستماع منهم)) (2) من هنا تأسس مبدأ إقصاء (الشيعي) وردّ أحاديثه أو اتهامه، وتقديم (السني) وقبول أحاديثه واعتمادها! (3).

وتأسست على ذلك مدارس كان أهم مرتكزاتها الرجالية في تضعيف الراوي وتوثيقه ينطلق من أساس مذهبي شديد الحذر من رواية الحديث النبوي الذي يشمل فضائل علي بن أبي طالب (علیه السّلام)، فضلاً عن النص على خلافته لأنه سيكون

تبريراً فيما بعد لتفضيله على غيره، وسيعطي لمشروعية خلافته تراثاً نبوياً من الأحاديث التي لايمكن التخلف عنها بحال.

إن الانتماء المذهبي للراوي لم يعد علةً تامة في تضعيفه بل هو جزء علة، والعلة التامة فضلاً عن تشيعه هو روايته للفضائل التي لا تنسجم وتوجهات هذه المدارس، بل تُعد هذه الأحاديث في الحقيقة إدانة صريحة لأي نظام قائم، إذ تؤكد شرعية خلافة علي بن أبي طالب (علیه السّلام)(4).

ص: 131


1- يوسفي، صورة عثمان وعلي، ص 44 .
2- هذا ما جاء في كتاب معاوية إلى وإليه على الكوفة المغيرة بن شعبة. الطبري، تاريخ، 5/ 169 .
3- عبد الحميد، تاريخ الإسلام، ص 654 .
4- الحلو، تاريخ الحديث النبوي، ص 63 – 64 .

وقد راجت هذه الدسيسة على أكثر النقاد، فجعلوا يثبتون التشيع برواية الفضائل ويُرّحون راويها بفسق التشيع، ثم يردون من حديثه ما كان في الفضائل، ويقبلون منه ما سوى ذلك وهي مكيدة شيطانية كاد أن ينسد بها باب الصحيح من فضل العترة النبوية لولا حكم الله النافذ (1).

وأول مَنْ نص على هذه القاعدة إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني

(ت 259 ه/ 872 م) وكان من غلاة النواصب (2)، فأسس بذلك قاعدة التحكم في مرويات (المبتدع) الذي يُقصد به المتشيع: من قبول ما كان منها في الأحكام وشبهها، ورد ما كان منها في الفضائل حتى لا يُقبل في فضل علي حديث (3).

ص: 132


1- الغماري المالكي، فتح الملك العلي، ص 219 .
2- قال الذهبي في ترجمته: إبراهيم بن يعقوب، أبو إسحاق السعد الجوزجاني الثقة، الحافظ، أحدأئمة الجرح والتعديل... وكان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على علي رضي الله عنه، وقد وصف الجوزجاني بأنه لم يكن يكذب. ينظر: ميزان الاعتدال، 1/ 205 . ويطيب لي هنا أن أقتبس تعليق الحيدري على بعض توثيقات النواصب (بصدقه اللهجة) في الكتب الرجالية الذي أورده في كتابه (السلطة وصناعة الوضع)، ص 205 ، إذ قال: ((كيف يوفق الإنسان بين توثيق الناصبي الثابت نفاقه بمقتضى الحديث النبوي الصحيح: (يا علي لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق( ويوصف )بصدق اللهجة( والقرآن الكريم يصرح بما لامجال للشك فيه ﴿وَالله شْهَدُ إِنَّ الُمنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾؟!)) سورة المنافقون: الآية 1.
3- ابن حجر، لسان الميزان، 1/ 16 ؛ الغماري المالكي، فتح الملك العلي، ص 221 . وقال الغماري المالكي: وهذا الشرط لو أُعتبر لأفضى إلى رد جميع السُّنة إذ ما من راوٍ إلاّ وله في الأصول والفروع مذهب يختاره، ورأي يستصوبه ويميل إليه، مما غالبه ليس متفقاً عليه، فإذا روى ما فيه تأييد لمذهب وجب–حسب هذا الشرط–أن يُرد ولو كان ثقة مأموناً، لأنه لا يؤمن عليه حينئذ من غلبة الهوى في نصرة مذهبه كما لا يؤمن المبتدع الثقة المأمون في تأييد بدعته، فكما لا يُقبل من الشيعي في فضل علي، كذلك لا يُقبل من غيره شيء في بقية الأصحاب ثم لا يُقبل من الأشعري ما فيه دليل التأويل، ولا من السلفي ما فيه دليل التفويض، ثم لا يُقبل من الشافعي والحنفي وهكذا بقية أصحاب الأئمة الذين لم يخرج مجموع الرواة بعدهم عن التعلق بمذهب واحد منهم أو موافقته... وحينئذ فلا يُقبل في باب من الأبواب حديث إلاّ إذا أبلغ رواته حد التواتر... وبذلك تُرد أكثر السنة، أو ينعدم المقبول منها، وهذا في غاية الفساد. فتح الملك العلي، ص 220 – 222 ، وينظر: ابن حجر، لسان الميزان، 1/ 7– 13 .

ويبدو أن هذا الإجراء قد تم اللجوء إليه مع انطلاق بواكير التدوين

والتصنيف الرسمي للسُّنة النبوية لمحاصرة أحاديث الفضائل العلوية.

ولكن ما هو المعنى المقصود من المبتدع (المتشيع)؟

إن المعنى المقصود من اطلاق لفظ التشيع على الرواة الذين تُرد رواياتهم، ويُصنفون ضمن مَنْ يُطعن عليهم ويُغمز في وثاقتهم، يظهر مما صرح به بعض أصحاب الجرح والتعديل من المصنفين، ومنهم: ابن حجر إذ ذكر بعض أسباب الطعن على مجموعة من الرواة، ومنها ما يعود إلى قضايا الاعتقاد فقال:

((التشيع: محبة علي، وتقديمه على الصحابة، فمَنْ قدَّمه على أبي بكر وعمر فهو غالٍ في التشيع، ويطلق عليه رافضي وإلا فشيعي، فإن أضاف إلى ذلك السب، أو التصريح بالبغض، فغالٍ في الرفض..))(1).

وبناءً على عبارة ابن حجر هذه فإن مجرد محبة علي (علیه السّلام) والقول بأفضليته على عموم الصحابة تجعل من الشخص شيعياً، أما القول بأفضليته على الخليفتين الأول والثاني فإنه يجعل منه رافضياً غالياً في التشيع! (2).

ولما كان مجرد ذكر أي شخص بلفظ (شيعي) في ترجمته، يستدعي استحضار

ص: 133


1- هدي الساري مقدمة في فتح الباري، مج 2/ 138 .
2- الحيدري، السلطة وصناعة الوضع، ص 159 .

اللازمة لها وهي أنه (مبتدع)؛ فقد عني الذهبي ( 748 ه/ 1347 م) بتوضيح حدود هذه البدعة من أيام سابقه (السلف) وحتى عصره، وكلمته ذات مضمون جامع مهم لأنها تضع أيدينا على ما واجهته رواية الشيعي في سنوات التدوين الأولى.

إذ قال: ((أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلوّ التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق.

فلو رُدّ حديث هؤلاء لذهب جملةٌ من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بيّنة.

ثم بدعة كبرى؛ كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر– رضي الله عنهما–والدعاء إلى ذلك؛ فهذا النوع لا يُتجُّ بهم ولا كرامة.

وأيضاً فما أستحضرُ الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً؛ بل

الكذب شعارهم والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يُقبل نقلُ من هذا حاله!

حاشا وكلا.

فالشيعي الغالي في زمان السلف وعُرفهم هو مَن تكلّم في عثمان والزبيروطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً–رضي الله عنه -، وتعرّض لسبِّهم.

والغالي في زماننا وعُرفنا هو الذي يُكفّر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضاً فهذا ضالُّ مُعَثّر..))(1).

فالذهبي يرى أن مجرد مشايعة الإمام علي (علیه السّلام) (بدعة) وإن لم يرافقها غلو أو تحريف وحتى لو كانت هذه المشايعة بدافع الإيمان بالحديث النبوي الصحيح:

((ياعلي لا يحبك إلا مؤمن ولا يُبغضك إلا منافق)) (2)، أما مع التكلم في أمثال

ص: 134


1- الذهبي، ميزان الاعتدال، 1/ 118 – 119 ؛ ابن حجر، لسان الميزان، 1/ 9– 10 .
2- ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 150 ، ص 229 ، ص 321 ؛ مسلم، الصحيح، ص 90 ؛النسائي، خصائص، ص 155 – 156 . وينظر: الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 341 .

الزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً فإنها تجعل من الشخص غالياً في التشيع، مع أن (التكلم) لا يعني التجريح والطعن في الدين والحط على هؤلاء المحاربين، بل ولو كان تخطئة لهم فيما أقدموا عليه أو تصريحاً بميلهم عن الصواب في قتاله (علیه السّلام) واستحلالهم دمه أو طلبهم أمراً ليس لهم الحق فيه!! (1).

ويبدو أن معايير أصحاب هذا الرأي متناقضة وغير نزيهة وصريحة في التحامل على رواة الشيعة، وإلا لماذا لا تُعد محبة الشيخين (أبي بكر وعمر) والدعاء لهما بدعة؟ ولماذا لا يُبدع بالبدعة الكبرى مَنْ يُبغض أمير المؤمنين والذي يسبّه ويلعنه ويقع فيه علناً؟ ولماذا يوثق من يروي عنه المناكير، وتُسجل روايته في كتب الصحاح؟!! مثل حريز بن عثمان الرحبي (ت 163 ه/ 779 م) (2)،الذي قال عنه الذهبي: ((كان متقناً ثبتاً، لكنه مبتدع)) (3) ونقل توثيقات عدد من العلماء له مثل يحيى بن القطان (ت 198 ه/ 813 م) ويحيى بن معين

ص: 135


1- الحيدري، السلطة وصناعة الوضع، ص 161 .
2- ينظر لسب حريز لأمير المؤمنين:المزي، تهذيب الكمال، 5/ 576 ؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/ 376 . وينظر لروايته المناكير عن الإمام علي وقلب فضائله العلية:ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/ 376 . وينظر لإخراج البخاري لرواياته:الذهبي، ميزان الاعتدال، 2/ 218 ؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/ 376 – 377 .
3- ميزان الاعتدال، 2/ 218 .

(ت 233 ه/ 847 م) (1).

وقد علق أحد المحققين على هذا المنهج المتهافت فقال: ((لا نقبل هذا الكلام من شيخ النقاد أبي عبد الله الذهبي، إذ كيف يكون الناصبي ثقة، وكيف يكون (المبغض) ثقة؟ فهل النصب وبغض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بدعة صغرى أم كبرى؟ والذهبي نفسه يقول في (الميزان: 1/ 6) في وصف البدعة الكبرى: (الرفض الكامل والغلوّ فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يُحتجّ بهم ولا كرامة) أو ليس الحط على عليّ و(النصب) من هذا القبيل؟ وقد ثبت من نقل الثقاة أن هذا الرجل [حريز ابن عثمان] كان يبغض علياً، وقد قيل: أنه رجع عن ذلك، فإن صحّ رجوعه فما الذي يدرينا أنه ما حدّث في حال بغضه وقبل توبته؟))(2).

ويبدو أن منهج (توثيق) النواصب و(تبديع) الشيعة وتوهين رواياتهم كان مطلقاً (3)، فيكفي أن يوصف الراوي بكلمة (شيعي) لتبدأ شنشنة القدح فيه وتجريحه وتضعيفه (4)، أو ترك رواياته، وسنعرض لبعض الأمثلة بهذا الصدد:

1- في ترجمة فطر بن خليفة (ت 153 ه/ 770 م) أحد رواة أهل الكوفة، نجد تضعيفات بعض المحدثين له، وتعود تلك التضعيفات إلى كونه شيعياً يقدم الإمام علي بن أبي طالب على عثمان، قال ابن حجر: ((... ومن الناس

ص: 136


1- المصدر نفسه، 2/ 219 .
2- بشار عواد معروف، في حاشية تحقيق كتاب تهذيب الكمال للمزي، ج 5/ 579 .
3- ينظر: قائمة موثقة بأسماء المرفوضين بسبب تشيعهم: الحلو، تاريخ الحديث النبوي، ص 43 – 58 .
4- راجع قول ابن حجر عن ذلك في تهذيب التهذيب، 3/ 480 .

مَنْ يضعفه... وقال الساجي: صدوق ثقة، ليس بمتقن... وكان يقدم علياً على عثمان،... وقال أبو بكر بن عياش: ما تركت الرواية عنه إلا لسوء مذهبه..))(1).

وقال الذهبي نقلا عن أحمد بن يونس: ((تركته عمداً وكان يتشيع...))(2).

2- قال شارح جامع الترمذي في شرحه لحديث بريدة في الإمام علي عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وقوله فيه: ((أنه ولي كل مؤمن من بعدي)) (3) قال: ((... وقد استدل به الشيعة على أن علياً رضي الله عنه كان خليفة بعد رسول الله صلّی الله

عليه وسلم من غير فصل، واستدلالهم به على هذا باطل فإن مداره على صحة زيادة لفظ بعدي وكونها صحيحة محفوظة قابلة للاحتجاج، والأمر ليس كذلك فإنها قد تفرد بها جعفر بن سليمان (4)، وهو شيعي، بل هو غالٍ في التشيع...

فإن قلت: لم ينفرد بزيادة قوله (بعدي) جعفر بن سليمان بل تابعه عليها أجلح الكندي (5)، فروى الإمام أحمد في مسنده هذا الحديث من طريق أجلح

ص: 137


1- المصدر نفسه، 3/ 403 .
2- سير أعلام النبلاء، 5/ 330 .
3- ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص 208 – 210 ؛ الترمذي، السنن، ص 978 حديث رقم 3721 ؛ النسائي، خصائص، ص 103 .
4- الضبعي البصري، وهو مولى لبني الحريش، يكنى أبا سليمان، وثّقه كثير من أهل العلم، ووصف حديثه ب (الحسن) و (المستقيم) وبعضهم ضعّفه لمذهبه، وكان يُحدّث بأحاديث في فضل عليّ، وأهل البصرة يغلون في عليّ فلا يُكتب حديثه، وقد نُسب إلى الرفض والتشيع والميل إلى أهل البيت، وشتم معاوية. توفي سنة 178 ه/ 794 م.ابن سعد، الطبقات، 7/ 288 ؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/ 306 – 308 .
5- ابن عبد الله بن حُجّية، ويقال اسمه معاوية أو يحيى والأجلح لقبه، روى عن أبي إسحاق وأبي الزبير وعبد الله بن بريدة، والشعبي وغيرهم، وثّقه ابن معين وأحمد بن عبد الله العجلي، وقال عنه ابن عدي: ((له أحاديث صالحة، ويروي عنه الكوفيون وغيرهم، ولم أرَ له حديثاً منكراً مجاوزاً للحد لا إسناداً ولا متناً إلاّ أنه يُعدّ في شيعة الكوفة وهو عندي مستقيم الحديث صدوق))، وقد ضعّفه ابن سعد والنسائي وأبو داود، توفي سنة 145 ه/ 762 م. الذهبي، ميزان الاعتدال، 1/ 209 ؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/ 98 – 99 .

الكندي... قلت: أجلح الكندي هذا أيضاً شيعي))(1) ومع أن ابن حجر قد نقل شهادات بوثاقة جعفر بن سليمان الضبعي، وأجلح الكندي وهما مَن روى الحديث، ووصفُ كل منهما بالصَدّوق (2)، وهو مصدر مبالغة من الصدق، مع ذلك فلم تشفع لهما هذه الصفة ليُقبل حديثهما ولا يُرد (3).

لقد أفرزت منهجيات الجرح والتعديل هذه عدة نتائج منها:

أولا:ً عزوف بعض الرواة عن التحديث في فضائل الإمام علي بسبب أساليب القدح والتسقيط الروائي والاجتماعي من قبيل الرمي بالكذب والوضع والتضعيف والترك وغيرها (4).

ص: 138


1- تحفة الأحوذي، 10 / 146 .
2- ينظر ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/ 98 ، 308 .
3- الحلو، تاريخ الحديث النبوي، ص 37 .
4- ينظر: الجدول رقم ( 4)، وينظر قائمة واسعة بأسماء مَنْ تم تضعيفهم لروايتهم حديث الطير، أو حديث الباب، أو حديث رد الشمس، كما أحصاهم الغماري المالكي، فتح الملك العلي،ص 258 – 261 .

جدول رقم ( 4)

يمثل نماذج ممن تم تضعيفه من الرواة لروايته فضائل الإمام علي (علیه السّلام)

ص: 139

صورة

ص: 140

ويوقفنا على هذه النتيجة هذا النص المهم لابن قتيبة (ت 276 ه/ 889 م) الذي يعطينا صورة ناصعة عن ذلك حتى عصره فيقول: ((وقد رأيت هؤلاء أيضاً حين رأوا غلوّ الرافضة في حق علي وتقديمه... ورأوا شتمهم خيار السلف وبغضهم وتبرأهم منهم قابلوا ذلك أيضاً بالغلوّ في تأخير علي (كرم الله وجهه) وبخسه حقه... واتهموا مَنْ ذكره بغير خير وتحامى كثير من المحدثين أن

يحدثوا بفضائله كرم الله وجهه، أو يظهروا له ما يجب له، وكل تلك الأحاديث لها مخارج صحاح... وأهملوا مَنْ ذكره أو روى حديثاً من فضائله، حتى تحامى كثير من المحدثين أن يتحدثوا بها))(1).

ولعل ذلك يقف بنا على نتيجة أخرى تتفرع عن هذه وهي: أن بعض المحدثين كان لايحدث بتلك الفضائل إلا سراً، ولا يودعها كتبه المدونة، فصارت أسيرة الرواية الشفوية حيناً، والتكذيب حيناً آخر، وللتدليل على ذلك نعرض ما ذكره الذهبي عن عبد الرزاق بن همام الحميري الصنعاني (ت 211 ه/ 826 م) أحد الأعلام الثقات كما وصفه (2)، وكيف أنه كان ((يعرف الأمور، فما جسر يحدث بهذا إلا سراً...))(3) وما تلك الأمور إلّا فضائل علي التي كان يُحدّث بها بعض

من يأتيه للأخذ عنه خلوةً من حفظه (4) فرمي عبد الرزاق بسببها بالتشيع، ولم

ص: 141


1- الاختلاف في اللفظ، ص 41 – 42 .
2- ميزان الاعتدال، 4/ 342 .
3- المصدر نفسه، 1/ 213 .
4- وكان أحمد بن الأزهر النيسابوري الحافظ ممن يحدثهم عبد الرزاق (خلوة) ويخصه بحديث الفضائل دون أصحابه.ينظر: المصدر نفسه، 4/ 345 ؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 7/ 198 .

يوافقه أحد عليها (1)، وكان من مظاهر عدم الموافقة–فضلًا عن تضعيفها أو إنكارها–تأكيد مرجعية كتابه دون الرواية الشفوية عنه، ولذلك قال البخاري:

((ما حَدّث من كتابه فهو أصح))(2).

وأن الاقتصار على الرواية الشفوية لبعض الفضائل–في عصر التدوين–ربما جعلها تحت طائل الضياع بموت هؤلاء الرواة.

ثانياً: لقد ترتب على تكذيب وتوهين رواة الشيعة رد رواياتهم في الفضائل كما عرفنا، وهذه النتيجة تفرعت إلى نتيجة أخرى هي عزوف رواة السُّنة النبوية الرسميين ومدونيها عن اعتماد الرواية العراقية–والكوفية خاصة–إذ تقرر ((أن منابع الرواية النبوية الصحيحة هي الشام والمدينة والبصرة وأما الكوفة أو العراق فلا، لأن فيها الموت الزؤام، فيها شيعة علي، ومعتدلوا العقيدة من أهل السُّنة)) (3).

ومن نماذج هذا العزوف الرسمي قول الأوزاعي (ت 157 ه/ 773 م): ((كانت الخلفاء بالشام فإذا كانت ثلاثة سألوا عنها علماء أهل الشام، وأهل المدينة، وكانت أحاديث العراق لا تُجاوز جُدر بيوتهم))(4) فإذا كان هذا الغرس في العصر الأموي، فقد استوى على ساقه في العصر العباسي، عندما طلب المنصور من مالك بن أنس (ت 179 ه/ 795 م)–المدون الرسمي للسُّنة في العصر العباسي–أن لا يقبل من أحاديث أهل العراق شيئاً كما في هذا النص،

ص: 142


1- الذهبي، سير أعلام، 7/ 193 – 197 .
2- المصدر نفسه، 7/ 195 .
3- الحلي، سنة الرسول المصطفى، ص 476 .
4- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 1/ 242 .

قال مالك: ((يا أمير المؤمنين أن لأهل هذه البلاد قولا،ً ولأهل المدينة قولا،ً ولأهل العراق قولا تعدوا فيه طورهم، فقال [المنصور]: أما أهل العراق فلست أقبل منهم صرفاً ولا عدلاً، وإنما العلم علم أهل المدينة فضع للناس العلم... وفي رواية فقلت له [أي مالكاً]: أن أهل العراق لا يرضون علمنا.

فقال المنصور: يُضرب عامتهم بالسيف، وتقطع ظهورهم بالسياط)) (1).

وما ذلك إلا لأن أهل العراق هم (المفتونين))(2)–كما يعبرون–بأئمة أهل البيت (علیهم السّلام)، فإذا كانت رواياتهم تصدر عن هذا المعين لم يعد عجباً هذا النكول عنها، لأنها ستتضمن–بلا شك–فضائل أمير المؤمنين (علیه السّلام) ومناقبه.

وقد انسجم العزوف العلمائي عن أحاديث أهل العراق مع هذا العزوف الرسمي، فقد قال ابن المبارك (ت 181 ه/ 797 م): ((ما دخلت الشام إلا لأستغني عن أحاديث أهل الكوفة)) (3) وقال الشافعي ( 204 ه/ 819 م): ((كل حديث جاء من العراق وليس له أصل في الحجاز فلا تقبله وإن كان صحيحاً))(4)!!!.

ص: 143


1- القاضي عياض، ترتيب المدارك، 1/ 192 ؛ وينظر باختلاف يسير: ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 193/2 و ص 202 .
2- روي عن هشام بن عبد الملك أنه حجّ فرأى الناس حول الإمام محمد الباقر بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب (علیهم السّلام)، فقال: [ذاك] المفتون به أهل العراق. الذهبي، سير أعلام، 4/ 147 .
3- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 1/ 243 .
4- الذهبي، سير أعلام، 7/ 210 . وينظر في أقوال آخرين من أهل العلم في تزكية مدرسة الحجاز وترك رواية أهل العراق، عن سفيان بن عيينة (ت 198 ه/ 813 م): ((من أراد الإسناد والحديث الذي يُسكن إليه فعليه بأهل المدينة... ومن أراد شيئاً لا يعرف حقه من باطله فعليه بأهل العراق)). ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 1/ 242 .

لماذا لا يقبل الشافعي الحديث النبوي الصحيح إن جاء من أهل العراق؟!!

لعلنا سنجد الجواب إذا دققنا في النص الذي ينقل عن الإمام البزار

(ت 292 ه/ 904 م) إذ قال في مسنده وهو بصدد ذكر حديث سد الباب (1):

ص: 144


1- ورد حديث سد الباب بروايات كثيرة للإمام علي (علیه السّلام) وهو مما رواه أحمد بن حنبل قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا عوف، عن أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم، قال: كان لنفرٍ من أصحاب رسول الله صلّی الله عليه وسلم أبوابٌ شارعة في المسجد، فقال يوماً: ((سُدوا هذه الأبواب إلاّ باب علي))، قال: فتكلم في ذلك أُناس. قال: فقام رسول الله صلّی الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد! فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي بن أبي طالب، فقال فيه قائلكم، وإني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكني أُمرت بشيء فاتّبعتُه)).فضائل أمير المؤمنين، ص 176 – 177 ، ورواه النسائي، في الخصائص بأسانيد مختلفة، ص 72 – 79 ، ورواه الحاكم النيسابوري في المستدرك، 3/ 338 ، ووافقه الذهبي في التلخيص وقال: ((صحيح))، هامش المستدرك، 3/ 338 ، وأخرجه كثير من الحفاظ ممن جمعوا فضائل الإمام علي (علیه السّلام) مما يضيق المجال بذكرهم حتى لا يكاد يخلو كتاب مناقب أو فضائل من ذكره. وقال السيوطي: ((قد ثبت بهذه الأحاديث الصحيحة المتواترة أنه صلّی الله عليه وسلم منع من فتح باب شارع إلى مسجده، ولم يأذن في ذلك لأحد ولا لعمه العباس، ولا لأبي بكر، إلاّ لعليّ)). شد الأثواب في سد الأبواب، 2/ 12 . وقد ورد هذا الحديث عند البخاري ومسلم والترمذي لأبي بكر:- ورد لدى البخاري: حدثني عبد الله بن محمد: حدثنا أبو عامر: حدثنا فليح قال: حدثني سالم أبو النضر عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((... لا يبقين في المسجد باب إلاّ سُدَّ إلاّ باب أبي بكر)) الصحيح، ص 649 . - وورد عند مسلم: عن عبد الله بن جعفر بن يحيى بن خالد حدثنا معن، حدثنا مالك عن أبي النضر عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد، ((... لا تبقين في المسجد خوخةٌ إلاّ خوخةَ أبي بكر)).الصحيح، ص 1034 . - وعن الزهري عن عروة عن عائشة ان النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أمر بسد الأبواب إلاّ باب أبي بكر، الترمذي،السنن، ص 970 .

قد ورد في روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي وورد في روايات أهل المدينة في قصة أبي بكر (1).

فالرواية الكوفية التي تذكر مناقب أمير المؤمنين بأسانيد حسان لا تُقبل، والرواية التي تقلب تلك المناقب وتنقلها إلى سواه هي التي تُعتمد، ففي طريق التضارب هذا كم سيبقى من مناقب أمير المؤمنين وفضائله مما رضيت به المدرسة الحجازية؟!!.

لا شك أنه سيكون ضئيلاً بعد إعمال أسلحة التجريح والتضعيف لرواة العراق من جهة، ورَدّ الأحاديث الصحيحة ومقابلتها بأحاديث موضوعة من جهة أخرى، وسنكتفي بهذا النموذج الذي غلب عليه التمذهب في الجرح والتعديل الذي طال رواة الرواية العراقية، قال ابن حجر: إن ممن ينبغي:((أن يتوقف في قبول قوله في الجرح من كان بينه وبين مَنْ جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل

ص: 145


1- السيوطي، اللآلي المصنوعة، 1/ 319 . وينظر رأي ابن الجوزي في حديث سد الباب: الذي يرى أنه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث المتفق على صحته في أبي بكر: ((سدوا الأبواب إلاّ باب أبي بكر)). الموضوعات، 1/ 274 . ويُحاب عليه بجواب الشيخ الأميني الذي أجاب به ابن تيمية الذي كرر التهمة ذاتها، إذ قال: ((لا أجد لنسبة وضع هذا الحديث إلى الشيعة إلاّ القحّة والصلف، ودفع الحقائق الثابتة بالجلبة والسخب،فإن نصب عينيّ الرجل كتب الأئمة من قومه وفيها مسند إمام مذهبه أحمد قد أخرجوه فيها بأسانيد جمّة صحاح وحسان، عن جمع من الصحابة تربو عدتهم على عدد مايحصل به التواتر عندهم...)) إلى آخر ما ذكره الأميني من حجج دامغة لا يعاندها إلاّ مُكابر أو حانق مغفل. ينظر: موسوعة الغدير، 3/ 285 – 304 .

الكوفة رأى العجب، وذلك لشدة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيع فتراه لا يتوقف في جرح مَن ذكره منهم بلسان ذلقة وعبارة طلقة حتى أنه أخذ يُليّن مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيد الله بن موسى وأساطين الحديث وأركانالرواية..))(1).

وتبدو خطورة ما قال به الجوزجاني (ت 259 ه/ 872 م) من تجريح رواة أهل الكوفة إذا ما عرفنا أنه أحد أئمة الجرح والتعديل المعتمدين، ووصف بالحافظ الثقة (2)، وأنه ممن كان يكاتبه أحمد بن حنبل (ت 241 ه/ 855 م) فيتقوى بكتابته (3)!! وهذا مما يزكي طعوناته في الرواة الكوفيين بنظر المدرسة

التي ينتمي إليها.

وقد تصاعدت وتيرة الطعن على الرواة برواية الفضائل حتى طالت

عدداً من علماء أهل السنة، ووصل الأمر إلى أنهم قدحوا بمحمد بن جرير الطبري (ت 310 ه/ 922 م) لتصحيحه حديث الموالاة (4) ، وقدحوا بالإمام الطحاوي (ت 321 ه/ 933 م)، والحاكم النيسابوري (ت 405 ه/ 1014 م)

ص: 146


1- لسان الميزان، 1/ 16 .
2- الذهبي، ميزان الاعتدال، 1/ 205 بل ووصف بأنه لا يكذب.
3- المصدر نفسه، 1/ 205 .
4- حتى أن الحنابلة كانت تمنع من الدخول عليه. ينظر: ابن حجر، لسان الميزان، 5/ 757 – 758 ، ودفن في داره لأن بعض عوامهم ورعاعهم منعوا من دفنه. وحديث الموالاة هو: «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه ». وذكر الذهبي: أن الطبري ((لما بلغه أن ابن أبي داود تكلم في حديث غدير خم عمل كتاب الفضائل وتكلم على تصحيح الحديث [و] رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جرير [وهو حديث غدير خم]، فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق)). تذكرة الحفاظ، ص 202 – 203 .

لأنهما صححا حديث رد الشمس!! (1).

ولعل ذلك يرجع إلى سببين أساسيين (2):

أولهما: أن بعضهم–إذا أردنا أن نُحسن الظن–قد غَفل عن تواتر أو مشهورية فضائل علي (علیه السّلام) فضلاً عن صحتها؛ لذا فإنه حين (تفاجئه) روايات الفضائل من محدث أشعري أو غيره يتفادى استغرابه بأن يوعز أسباب رواية مثل هذه الفضائل إلى كون الراوي يتشيع، دون الالتفات إلى كون الراوي لم يسلك في روايته سوى طرق التصحيح الإسنادي الذي تُقرّه مدارس الجرح والتعديل

السلفي ولم يتجاوز في ذلك ما قررته منهجية الرواية لدى أهل السلف، مراعياً

ص: 147


1- أخرج أبو جعفر الطحاوي بسنده عن فاطمة بنت الحسين عن أسماء بنت عميس، قالت: ((كان رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يوحى إليه ورأسه في حجر علي، فلم يُصلِّ حتى غربت الشمس، فقال رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): صليت يا عليّ؟ قال: لا، فقال رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس. قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعدما غربت)) وكذلك رواه بطريق آخر، وورد حديث رد الشمس عن عدد من الصحابة منهم: الإمام علي، الإمام الحسين، جابر بن عبد الله الأنصاري، أبو سعيد الخدري، أبو رافع، أبو هريرة، أنس بن مالك، عبد الله بن عباس وغيرهم. وصححه عدد من الحفاظ.ينظر: مشكل الآثار، 2/ 8– 9، ابن عساكر، ترجمة الإمام علي، 2/ 283 – 305 . أما الحاكم النيسابوري فإن استدراكه على البخاري ومسلم في كثير من الأحاديث في فضل الإمام علي–وعلى شرط الشيخين–قد عرّى دعاوى التوثيق المطلق لهما، وأبطل خصوصية الشيخين في الضبط والإحصاء للأحاديث النبوية، وأكد إخفاءهما لكثير من فضائل الإمام علي التي تُلزم تقديمه على غيره.ينظر: الحلو، تاريخ الحديث النبوي، ص 3– 4. وينظر: دفع دعوى التشيع عن الحاكم في المصدر نفسه، ص 399 – 402 .
2- الحلو، تاريخ الحديث النبوي، ص 398 – 399 وينظر: الحلي، سنة الرسول المصطفى، ص 488 .

في ذلك ضوابط الجرح والتعديل، ومع هذا فلا يمكن أن يتغافل عن فضائل علي (علیه السّلام) التي تبلغ حد التواتر فضلاً عن المستفيض والمشهور.

ثانيهما: وهو ما يمكن ترجيحه على غيره من الأسباب، أن فضائل علي (علیه السّلام) ستفتح باب الطعن على مشروعية خلافة الشورى والإجماع ومبانيها، ولذا فإن أقصر الطرق في الغاء وشطب هذه الفضائل هو نسبة التشيع إلى رواتها، ومن ثمّ توهين وثاقة الراوي وحجيته–على مبنى أهل السلف–وبذلك ستتمكن مدارس السلف من مشكلة الطعن على مشروعية الخلافة من خلال رواية فضائل علي (علیه السّلام) التي تلزم تفضيله على غيره.

ولا نغالي إذا عممنا هذين السببين على جميع مشاريع الجرح والتعديل التي تتهم الراوي (السني وغيره) الراوي لفضائل علي بالتشيع.

ومما يُلفت النظر أن رد أحاديث الراوي الشيعي واتهامه بالرفض، قد امتد في العصر العباسي إلى أئمة آل البيت بفعل عداء الحكام العباسيين لهم، فهم يرونهم المنافس الحقيقي على الخلافة، والوجه الناصع المقبول علمياً واجتماعياً أمام العامة، وقد أدى ذلك إلى تدارك نشاط الإمام جعفر الصادق ( 83 – 148 ه/ 702 –

765 م) في الرواية–في بداية العصر العباسي–الذي أثمر مدرسة علمية ضمت آلاف الرواة (1)، فجرت محاولة رفع وثاقة شيعة الإمام الصادق وأولاده من الأئمة كالإمام موسى الكاظم ( 128 – 183 ه/ 745 – 799 م)، والإمام علي ابن موسى الرضا ( 148 – 203 ه/ 765 – 818 م) (2)، بل شملت المحاولة

ص: 148


1- ينظر: الشيخ المفيد، الارشاد، 2/ 179 ؛ ابن شهرآشوب، المناقب، 4/ 268 – 269 .
2- للتدليل على ذلك ينظر ما ذكره ابن حبان (ت 354 ه/ 965 م) في ترجمة الإمام الرضا (علیه السّلام) قال: ((من سادات أهل البيت وعقلائهم وجلة الهاشميين ونبلائهم يجب أن يعتبر حديثه إذا روى عنه غير أولاده وشيعته وأبي الصلت خاصة، فإن الأخبار التي رويت عنه بواطيل إنما الذنب فيها لأبي الصلت، ولأولاده وشيعته...))!!!. كتاب الثقات، 8/ 456 ؛ البدري، المدخل إلى دراسة السيرة، ص 475 . ومما يجدر توضيحه أن أبا الصلت الوارد ذكره في هذا النص هو: عبد السلام بن صالح الهروي. قال عنه يحيى بن معين: ((ثقة صدوق إلاّ أنه يتشيع... ولم يكن أبو الصلت عندنا من أهل الكذب)) ذنبه الوحيد أنه ممن روى حديث فضيلة الإمام علي عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ((أنا مدينة العلم وعليّ بابها)). فقال عنه العقيلي: رافضي خبيث، كذاب. ينظر في توثيقه وحديثه، ابن حجر، تهذيب التهذيب، 2/ 576 – 577 . ولحديث الباب وتصحيحه ودفع الشبه عنه ينظر: الغماري المغربي، فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي، ص 66 – 291 .

الإمام الصادق نفسه، فلم يكن مالك بن أنس (ت 179 ه/ 795 م) يروي عنه حتى يضمه إلى أحد (1)!!!، وكان يحيى بن سعيد القطان (ت 198 ه/ 813 م) يقول: ((في نفسي منه شيء)) (2)!!!، ولم يحتج البخاري (ت 256 ه/ 869 م) به فيما نقله من روايات!!! (3) وما أوهن مسوغات هؤلاء جميعاً في عدم الأخذ من الإمام جعفر الصادق، فابن سعد (ت 230 ه/ 844 م) يذكر أنه ((كان كثير الحديث ولا يُحتجُّ به، ويُسْتَضْعَفُ، سُئِل مرة سمعت هذه الأحاديث من

ص: 149


1- الذهبي، ميزان الاعتدال، 2/ 144 ؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/ 310 .
2- الذهبي، ميزان الاعتدال، 2/ 144 .
3- الذهبي، ميزان الاعتدال، 2/ 144 . ويبدو هذا غريباً في الوقت الذي عاش فيه البخاري في المدينة المنورة عامين، وكان بعض شيوخه من تلاميذ الإمام الصادق مثل سفيان الثوري (ت 161 ه/ 777 م) وسفيان بن عيينة (ت 198 ه/ 813 م). ابن حجر، تهذيب التهذيب، 310/1 ؛ الحيدري، السلطة وضاعة الوضع، ص 189 .

أبيك؟ فقال: نعم، وسُئل مرة فقال: إنما وجدتها في كتبه))(1) ولا ندري ما هو الخلل في رواية الإمام من أحاديث أبيه، أو من كتب آبائه الطاهرين ممن دونوا علومهم في صُحف جامعة في وقت مبكر يسبق تاريخ التدوين الرسمي (2) بل لقد هوجمت الرواية عن الإمام الصادق j(علیه السّلام) إذا كان في سندها أخص الناس به، وهم أولاده، فقال ابن حبان (ت 354 ه/ 965 م): ((جعفر بن محمد.. وكان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً روى عنه الثوري ومالك وشعبة والناس. يحتج بروايته ما كان من غير رواية أولاده عنه لأن في حديث ولده عنه مناكير كثيرة))!! (3).

ولا نحسب تلك المناكير إلا روايته في فضل الإمام علي، ومنزلة آل البيت التي كانت تُعد حيناً مناكير وحيناً غلواً وحيناً رفضاً.

وهكذا تُغلق كتب الجرح والتعديل الباب في وجه هذه الروايات بوسيلة التجريح التي تذكر علتها أحياناً بكون الراوي شيعياً، أو لا تذكر وإنما

ص: 150


1- ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/ 311 .قال الإمام الصادق (علیه السّلام): ((حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (علیه السّلام)، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (علیه السّلام)، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجل)). الكليني، الكافي،.31/1 وأين هذا من أقوال مَنْ يعتمد الرأي والقياس ويترك حديث رسول الله (علیه السّلام). الجلالي، تدوين السنة، ص 542 .
2- ينظر لهذا الغرض الدراسة القيمة للجلالي، تدوين السنة، ص 113 – 195 .
3- ابن حبان، الثقات، 6/ 131 – 132 ؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/ 311 ؛ البدري، المدخل إلى دراسة السيرة، ص 473 .

يقتصرون على مجرد القول: (فلان ضعيف)، و (فلان ليس بشيء)، و (فلان متروك)، ونحو ذلك ليعوّل عليها الناس في رد حديث الرواة، ويبدو أن فائدتها ليست في اعتمادها للحكم بالجرح فحسب وإنما ((في إثارة الريبة حول مَنْ جرحوه والتوقف في أمره، فلا يُقبل حديثه إلا إذا انزاحت هذه الريبة عنه وحصلت الثقة به))(1) وهذا ما وجدنا نموذجه في إثارة الريبة في حديث الإمام الصادق (علیه السّلام) وإعراض البخاري عن الاحتجاج بروايته، أو الأخذ عنه، وإذا عرفنا منزلة البخاري في منظومة التدوين السُّنية الرسمية تغدو أبعاد هذا الفعل واضحة للعيان.

• إبطال الرواية بأدلة واهية:

وقد بذل بعض العلماء–بسبب هذه التأثيرات المذهبية–جهوداً كبيرةفي إبطال ما يُروى في فضائل أمير المؤمنين (علیه السّلام) وتضعيفه مهما صحّح الحديث وكَثُرت رواته وطرقه وتواتر نقله، فإذا ما فشل السعي وأعيتهم المقاييس العلمية، فلهم عند ذلك أدلة ثلاثة يلجأوون إليها يأباها العلم، وهي (2):

1- الاستشهاد بالقلب: ومثال ذلك ما فعله ابن كثير (ت 774 ه/ 1372 م) فبعد أن خصص عدة صفحات من تاريخه ملأها بطرق حديث الطير وأسانيده ورواته، وسرد أسماء نحو المائة ممن رواه عن أنس بن مالك (3) فحسب، قال

ص: 151


1- السيوطي، تدريب الراوي، ص 265 ؛ الصالح، علوم الحديث ومصطلحه، ص 134 .
2- الطباطبائي، أهل البيت في المكتبة العربية، ص 409 – 410 .
3- ابن النضر الأنصاري خادم رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، كان عند قدوم رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلى المدينة ابن عشر سنين، فتولى خدمة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حتى وفاته (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، ثم شهد الفتوح وسكن البصرة ومات بها سنة 93 ه/ 711 م. ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 71 – 73 ؛ ابن حجر، الاصابة، 1/ 71 – 72 .

بعد هذا كله: ((وبالجملة ففي القلب من صحة هذا الحديث نظر وإن كثرت طرقه))!! (1).

2-اليمين الكاذبة: ومثال ذلك تعليق الذهبي ( 748 ه/ 1347 م) على ما أخرجه الحاكم النيسابوري (ت 405 ه/ 1014 م) من فضيلة الإمام علي التي رواها جابر بن عبد الله الأنصاري (2) بقوله: سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول: ((هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور مَنْ نصره، مخذول مَنْ خذله)) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (3) [البخاري ومسلم]، فعلّق الذهبي: بل والله موضوع! (4).

3- الحدّة في الكلام والسب والشتم: ومثال ذلك ما اخرجه الحاكم

النيسابوري بالإسناد إلى الإمام علي (علیه السّلام) في قوله تعالى:«إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(5) قال الإمام علي: ((رسول الله المنذر، وأنا الهادي)) وأكد الحاكم

ص: 152


1- البداية والنهاية، 8/ 106 – 109 . وتنظر أمثلة أخرى عند الذهبي، ميزان الاعتدال، 1/ 213 . ولتخريج حديث الطير لفظه وطرقه ومصادره ينظر: ابن عساكر، ترجمة الإمام علي، 2/ 105 – 134 ؛ الطباطبائي، أهل البيت في المكتبة العربية، ص 391 – 409 .
2- السلمي، شهد العقبة الثانية، شهد بدراً وما بعدها، كان له حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم، وكان من المكثرين الحفاظ للسنن، توفي سنة 74 ه/ 693 م أو 78 ه/ 697 م وقيل 77 ه/ 696 م وهو ابن أربع وتسعين سنة. ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 221 ؛ ابن حجر، الإصابة، 1/ 213 .
3- المستدرك، 3/ 341 .
4- تلخيص المستدرك، 3/ 341 .
5- سورة الرعد: الآية 7.

النيسابوري أنه حديث صحيح الإسناد ولم يخرجه الشيخان (1) فعلق الذهبي: بل كذب! قبح الله واضعه (2).

وهذه المنهجية منهجية خطيرة حاصرت أحاديث الفضائل وحاولت إبطالها وإلغائها تبعاً للمتبنيات المذهبية، وميول المحدثين النفسية ((فما وافق تلك الرغبات والمتبنيات والاعتقادات يكون صحيحاً وما خالفها يكون مكذوباً ويُحكم عليه بالضعف وعدم الاعتبار))(3).

ص: 153


1- المستدرك، 3/ 342 ، ولمن رواه من الصحابة، ومَنْ أخرجه من المصادر ينظر: الطباطبائي، أهل البيت في المكتبة العربية، ص 412 – 413 ، الحاشية رقم ( 2).
2- تلخيص المستدرك، 3/ 342 .
3- البلداوي، فضائل أهل البيت، ص 266 .

ص: 154

الخاتمة والاستنتاج

اشارة

ص: 155

ص: 156

الخاتمة والاستنتاج

يتبين لنا مما تقدم حقائق كثيرة منها:

1- أن (أفضلية) الإمام علي (علیه السّلام) استندت فعلياً وفكرياً إلى أساس راسخ في الإسلام وهو: تميزه وتقديمه من الله ورسوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بنصوصٍ إلهية ونبوية تقوم

على المكانة التي خصّه الله سبحانه بها من جهة، وعلى الملكات الشخصية التي أودعها فيه، فسخّرها الإمام علي (علیه السّلام) لخدمة الدين الحنيف من جهة أخرى، وتناسبت هذه الأفضلية كماً وكيفاً مع الدور الخطير الذي اضطلعت به هذه الشخصية العظيمة، وكان بعض الناس يعي ذلك فيتبعه، وبعضهم الآخر يتنكر له، فيُفضّل عليه من هو دونه.

2- واجهت فضائل الإمام علي (علیه السّلام) ومنذ وفاة النبي الأكرم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حملة من الطمس والتغييب اتخذت شكلاً غير مباشر تارة تمثّل بمنع رواية وتدوين حديث رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )–إلاّ على نطاق ضيق توافق عليه السلطة الحاكمة– وبشكل مباشر تارة أخرى لاسيما في خلافة عثمان الذي كان ولاته يعاقبون رواتها بالسجن والعقوبة تحت مسوغات مختلفة، فضلاً عن أن فضائل الإمام

ص: 157

علي خضعت لحالة (الثابت والمتحول) في سلوك خصومه لاسيما عندما كانت رواية فضائله مجرد رواية عارية عن كل تأثير في عملية الصراع السياسي.

3- إنتشرت أحاديث فضائل الإمام علي (علیه السّلام) على الرغم من كل أساليب الحظر والتضييق، وتبلور اتجاه خاص في روايتها في ظل المعارضة السياسية لخلافة عثمان، وبلغت مرحلةً متقدمةً في خلافة الإمام علي (علیه السّلام) التي شهدت

صراعاً سياسياً وفكرياً بين الإمام ومعارضيه على اختلاف توجهاتهم؛ فانبرى أصحابه للمنافحة عنه بوجه هؤلاء الخصوم وأتباعهم والدعوة الواضحة عبر أحاديث الفضائل إلى استحقاقاته في الولاية والخلافة، في الوقت الذي قاد معاوية–ومنذ أن كان والياً على الشام–حملةً شرسةً لمحاربة الفضائل العلوية

بوسائل وأساليب شتى تجمعها الرغبة الملحة في محق الفضائل، تمثلت بالاتهام والتشويه والدعايات المضللة، ومن ثمّ فتح الباب على مصراعيه أمام محاولات تفضيل الخلفاء السابقين عليه. ويمكن القول أن الإمام علياً (علیه السّلام) كان رائد الدفاع

عن مناقبه في هذه الحقبة الزمنية؛ فكان يقف بوجه حالات الشك التي يثيرها معاوية ناصحاً وموجّهاً ومن ثمَّ قام أنصاره بدور فاعل في هذا المجال في حياته وبعد شهادته.

4- فسح المجال واسعاً بعد وصول معاوية إلى سدة الحكم للتأسيس لحرب فكرية استمرت أجيالاً طويلة، عبر ترسيخ سياسة سب الإمام علي وحمل الناس على تطبيقها طوعاً وقسراً؛ لخلق حالة من الرفض النفسي لأي حديثٍ

في فضله (علیه السّلام)، وقد استدعت هذه الحالة الشاذة في تاريخ الإسلام أشكالا من التصدي خدمت نشر الفضائل العلوية عبر الإكثار من روايتها من قبل فئة واسعة من الصحابة والتابعين.

ص: 158

5-كانت السلطة الأموية تُسفر عن عدائها للإمام علي (علیه السّلام) في مختلف المراحل التاريخية، إذ أنها في الوقت الذي كانت تمنع صريحاً من رواية فضائله العلية وتعاقب رواتها وتروّعهم، وتُثّل بهم أحياناً–في الوقت نفسه–كانت تشجّع على اختلاق الحديث في سواه من الصحابة، وتحث على نشره وتدوينه، وتمادى هذا الاختلاق فابتكر على أساس فضائل الإمام علي فضائل لآخرين، أو قُلبت فضائله لصالحهم، ومن ثمَّ وضعت له المثالب والمعايب لتبغيضه للناس.

6-لم يختلف العصر العباسي عن العصر الأموي في محاربة فضائل الإمام علي بالوسائل نفسها من ترويع للرواة، وضرب وسجن وتهديد بالقتل، وعززت بعض الفرق الإسلامية التوجه السياسي بإخفاء الفضائل ومنع روايتها لأسبابٍ مذهبية مما أفرز تحريفات مُتعمّدة لفضائل الإمام علي فمنهم مَنْ كتم الأحاديث، أو طعن بها أو تأوّلها، أو اختلق أحاديث باطلة لمقابلتها، أو أنكرها وكذّبها وجَرَّحَ رواتها، أو طعن في ألفاظها، أو قدح في معانيها، فأثّر ذلك في تكوين رأي عام باتَ يُضيّق على رواة الفضائل في كثير من الأحيان، ويمنعهم من التحديث، والإملاء في المساجد، ويسعى لمطاردتهم أو عزلهم، فإن لم يستجب هؤلاء الرواة طالتهم التُهم المزرية التي تُسقط وثاقتهم وهو الأمر الذي دفع ببعضهم إلى مسايرة ذلك التهديد الاجتماعي الضاغط بالتكتم على الحديث أو عدم إذاعته إلا للخواص وجعله رهيناً للرواية الشفوية دون

التدوين مما هدد كثيراً من الفضائل بالضياع.

7- وقد استخدمت في هذا السبيل آلية توثيق الراوي أو تضعيفه على أساس مذهبي، فجعلوا يُثبتون تشيّع الراوي بروايته للفضائل العلوية، بهدف تجريح رواتها ب (فسق التشيع)!!! وعلى أساس تبديع الشيعة وتوهين رواياتهم رُدت

ص: 159

كثير من فضائل الإمام علي (علیه السّلام)، وقد أفرزت منهجيات الجرح والتعديل عزوف بعض الرواة عن الرواية خوفاً من الاتهام بالكذب والتضعيف والترك، ومن ثمَّ اعتماد الرواية الشامية والمدنية دون العراقية–وبالأخص الكوفية–لأنها تتضمن الكثير من أحاديث فضائل الإمام علي(علیه السّلام).

وعلى الرغم من كل هذه الوسائل والأساليب التي اتبعها خصوم الإمام علي في مختلف المراحل التاريخية، فلم يتمكنوا من جحد مناقبه ولا كتمان فضائله، لأن لله في هذا الرجل سراً يعلمه مَنْ يعلمه فبقي كالشمس لا تُستر بالراح، وكان كضوء النهار إن حُجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة كما قال ابن

أبي الحديد.

والحمد لله وله المنةّ

ص: 160

قائمة المصادر والمراجع

اشارة

ص: 161

ص: 162

قائمة المصادر والمراجع

المصادر الأولية:-

- ابن أبي الحديد، عز الدين بن هبة الله محمد بن محمد المدائني (ت 656 ه/ 1258 م)

1- شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط إيران، 1421 ه/ 2001 م.

- ابن أبي طالب، الإمام علي (ت 40 ه/ 660 م)

2- نهج البلاغة، تعليق وفهرسة: الدكتور صبحي الصالح، تحقيق: الشيخ فارس تبريزيان، ط 3، قم، 1425 ه/ 2004 م.

- ابن الأثير، عز الدين علي بن محمد الجزري (ت 630 ه/ 1232 م)

3- اسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق وتعليق: علي محمد معوض وآخرون، ط 2، بيروت، 1424 ه/ 2003 م.

4- الكامل في التاريخ، راجعه وصححه: د. محمد يوسف الدقاق، ط بيروت، 1407 ه/ 1987 م.

- ابن أخي تبوك، أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي (ت 396 ه/ 1005 م)

5- مناقب علي بن أبي طالب إثنان وثلاثون حديثاً من كتاب المسند، تحقيق وتعليق: محمد باقر البهبودي، مطبوع ضمن مناقب الإمام علي للمغازلي، ط 3، بيروت، 1424 ه/ 2003 م.

ص: 163

- الأربلي، أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح (ت 692 ه/ 1292 م)

6-كشف الغمة في معرفة الأئمة، تحقيق: علي الفاضلي، ط المجمع العالمي لأهل البيت (علیه السّلام)، 1426 ه/ 2005 م.

- الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين (ت 356 ه/ 996 م)

7- مقاتل الطالبيين، شرح وتحقيق: السيد أحمد صقر، ط إيران، 1425 ه/ 2004 م.

- ابن أعثم، أبو محمد أحمد الكوفي (ت 314 ه/ 926 م)

8- كتاب الفتوح، تحقيق: علي شيري، ط بيروت، 1411 ه/ 1991 م.

- الآيجي الشافعي، شهاب الدين أحمد بن جلال الدين الحسيني (من علماء ق 9ه)

9- فضائل الثقلين من كتاب توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل، تحقيق: حسين الحسني البيرجندي، ط طهران، 1428 ه/ 2007 م.

- البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت 256 ه/ 869 م)

10-صحيح البخاري، ط بيروت، 1422 ه/ 2001 م.

- ابن البطريق، يحيى بن الحسن الأسدي الحلي (ت 600 ه/ 1203 م)

11-عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، ط قم، 1407 ه/ 1986 م.

- البغدادي، أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد (ت 429 ه/ 1037 م).

12- الفرق بين الفرق، حقق أصوله وفصله وضبط مشكله وعلق حواشيه: محمد محي الدين عبد الحميد، ط القاهرة، 1426 ه/ 2005 م.

- البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279 ه/ 892 م).

13- كتاب جمل من أنساب الاشراف، حققه وقدم له: سهيل زكار ورياض زركلي، طبيروت، 1417 ه/ 1996 م.

- البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين (ت 458 ه/ 1065 م)

14- سنن البيهقي، ط بيروت، (بلا.ت).

ص: 164

- الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت 297 ه/ 909 م)

15-الجامع الصحيح–سنن الترمذي، ط بيروت، 1421 ه/ 2000 م.

الثعالبي، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل (ت 429 ه/ 1037 م)

16- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، شرح وتعليق: خالد عبد الغني محفوظ، ط بيروت، 1426 ه/ 2005 م.

- الثقفي، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد (ت 283 ه/ 896 م)

17- الغارات أو الاستنفار والغارات، حققه وعلق عليه: السيد عبد الزهراء الحسيني، طبيروت، 1408 ه/ 1987 م.

- الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (ت 255 ه/ 868 م)

18- رسائل الجاحظ (رسالة في النابتة)، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، ط القاهرة، (بلا.ت).

19-رسائل الجاحظ (كتاب فضل هاشم على عبد شمس)، جمع ونشر: حسن السندوبي، ط القاهرة، 1352 ه/ 1933 م.

- ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت 597 ه/ 1200 م)

20- صفة الصفوة، حققه وعلق عليه: محمود فاخوري، ط حلب، 1389 ه/ 1969 م.

21-كتاب الموضوعات، خرّج آياته وأحاديثه: توفيق حمدان، ط 2، بيروت، 1424 ه/ 2003 م.

- الجوهري، أبو بكر أحمد بن عبد العزيز البصري البغدادي (ت 323 ه/ 934 م)

22-السقيفة وفدك، تقديم وجمع وتحقيق: الدكتور محمد هادي الأميني، ط طهران، (بلا.ت).

- الحاكم الحسكاني، عبيد الله بن عبد الله بن أحمد النيسابوري (توفي بعد سنة 470 ه/ 1077 م).

23- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت صلوات الله

ص: 165

وسلامه عليهم، حققه وعلق عليه: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 3، إيران، 1427 ه/ 2006 م.

- الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ت 405 ه/ 1014 م).

24-المستدرك على الصحيحين، تحقيق وتقديم ودراسة: الدكتور محمود مطرجي، ط بيروت، 1422 ه/ 2002 م.

- ابن حبان، أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي (ت 354 ه/ 965 م).

25-الثقات، ط 2 (د.م)، 1424 ه/ 2003 م.

- ابن حجر الهيتمي، أحمد المكي (ت 974 ه/ 1566 م)

26- تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان، علق حواشيه وخرج أحاديثه وراجع أصوله: عبد الوهاب عبد اللطيف، مطبوع مع كتاب الصواعق المحرقة، ط القاهرة، 1375 ه/ 1955 م.

- ابن حجر، شهاب الدين أحمد بن علي العسقلاني (ت 852 ه/ 1488 م)

27- الإصابة في تمييز الصحابة بهامشه الاستيعاب لابن عبد البر، ط بيروت، 1328 ه/ 1910 م.

28- تهذيب التهذيب، باعتناء: إبراهيم الزيبق، وعادل مرشد، ط دمشق، 1432 ه/ 2011 م.

29-فتح الباري بشرح صحيح البخاري، مصححة على عدة نسخ، ط بيروت، 1420 ه/ 2000 م.

30- لسان الميزان، ط 3، بيروت، 1406 ه/ 1986 م.

31- هدي الساري مقدمة فتح الباري، وعليه تعليقات: عبد الرحمن بن ناصر البراك، تحقيق: أبو قتيبة نظر محمد الغاريابي، ط دار طيبة، (بلا.ت).

- ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد )ت 456 ه/ 1063 م(.

32- الفصل في الملل والأهواء والنحل، تحقيق: محمد إبراهيم نصر وعبد الرحمن عميرة، ط

ص: 166

167الرياض، 1403 ه/ 1982 م.

- الحموي، شهاب الدين بن عبد الله الرومي (ت 626 ه/ 1228 م).

33-معجم البلدان، ط 2، بيروت، 1416 ه/ 1995 م.

- ابن حنبل، أحمد (ت 241 ه/ 855 م)

34- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، حققه وعلّق عليه: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ط قم، 1433 ه/ 2011 م.

- الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت (ت 463 ه/ 1070 م)

35- تاريخ بغداد أو مدينة السلام، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 2، بيروت، 1425 ه/ 2004 م.

36- تقييد العلم، صدره وحققه وعلق عليه: يوسف العش، ط 2، 1394 ه/ 1974 م.

- ابن خلكان، شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (ت 681 ه/ 1282 م).

37-وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تقديم: محمد عبد الرحمن المرعشلي، ط 2، بيروت، 1430 ه/ 2009 م.

- الخوارزمي، الموفق بن أحمد بن محمد المكي (ت 568 ه/ 1172 م)

38- المناقب، ط قم، 1421 ه/ 2000 م.

- الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن (ت 255 ه/ 868 م).

39- سنن الدارمي، ط 2، بيروت، 1424 ه/ 2003 م.

- أبو داود، سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (ت 275 ه/ 888 م).

-40 كتاب السنن–سنن أبي داود- ، ضبط وتصحيح: محمد عدنان بن ياسين درويش، ط بيروت، 1421 ه/ 2000 م.

- ابن دريد، محمد بن الحسن الأزدي (ت 321 ه/ 933 م).

41-الاشتقاق، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، ط مصر، 1378 ه/ 1958 م.

ص: 167

- الدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود (ت 282 ه/ 895 م)

42- الأخبار الطوال، قدم له ووثق نصوصه ووضع حواشيه: د. عصام محمد الحاج علي، ط بيروت، 1421 ه/ 2001 م.

- الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه/ 1347 م).

43- تذكرة الحفاظ، وضع حواشيه: الشيخ زكريا عميرات، ط 2، 1428 ه/ 2007 م.

44-تلخيص المستدرك، تحقيق وتقديم ودراسة: د. محمود مطرجي، مطبوع بهامش المستدرك للحاكم النيسابوري، ط بيروت، 1422 ه/ 2002 م.

45- دول الإسلام، تحقيق: فهيم محمد شلتوت وزميله، ط القاهرة، 1394 ه/ 1974 م.

46- سير أعلام النبلاء، أشرف على تحقيقه وخرج أحاديثه: محمود شاكر، ط بيروت، 1427 ه/ 2006 م.

47- ميزان الاعتدال في نقد الرجال ويليه ذيل ميزان الاعتدال، دراسة وتحقيق وتعليق:الشيخ علي معوض وآخرون، ط 2، بيروت، 1429 ه/ 2008 م.

- أبو زرعة، عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله النصري الدمشقي (ت 181 ه/ 797 م).

48- تاريخ أبي زرعة الدمشقي، تحقيق: خليل المنصور، ط بيروت، 1417 ه/ 1996 م.

- ابن سعد، محمد بن منيع (ت 230 ه/ 844 م)

49- الطبقات الكبرى، ط بيروت، 1405 ه/ 1985 م.

- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال (ت 911 ه/ 1505 م)

50- تاريخ الخلفاء، ضبط وتحقيق: رضوان جامع رضوان، ط القاهرة، 1425 ه/ 2004 م.

51- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تحقيق: محمد أيمن عبد الله الشبراوي، ط القاهرة، 1425 ه/ 2004 م.

52- شد الأثواب في سد الأبواب، مطبوع ضمن الحاوي، ط بيروت 1402 ه/ 1981 م.

53-اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، خرج أحاديثه وعلق عليه: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة، ط بيروت، 1417 ه/ 1996 م.

ص: 168

- ابن شاذان، محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي (ت بعد سنة 412 ه/ 1021 م)

54-مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ولده (علیهم السّلام)، تحقيق: الشيخ نبيل رضا علوان، ط 5، قم، 1429 ه/ 2008 م.

- ابن شبه، أبو زيد عمر النميري البصري (ت 262 ه/ 875 م)

55- تاريخ المدينة المنورة، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، ط جدة، 1400 ه/ 1979 م.

- ابن شهرآشوب، أبو جعفر محمد بن علي السروي المازندراني (ت 588 ه/ 1192 م).

56- مناقب آل أبي طالب، تحقيق وفهرسة: د. يوسف البقاعي، ط 3، إيران، 1429 ه/ 2008 م.

- الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (ت 381 ه/ 991 م).

57- علل الشرائع، ط بيروت، 1432 ه/ 2011 م.

- الصفدي، خليل بن أيبك (ت 764 ه/ 1362 م)

58- تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط بيروت، (بلا.ت).

59- الوافي بالوفيات، باعتناء هلموت ريتر، ط 2، (د.م)، 1381 ه/ 1961 م.

- الطبراني، سليمان بن أحمد (ت 360 ه/ 970 م)

60- المعجم الكبير، حققه وخرج أحاديث: حمدي عبد المجيد السلفي، ط بغداد، 1404 ه/ 1983 م.

- الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير (ت 310 ه/ 922 م).

61-تاريخ الطبري تاريخ الأمم والملوك، ط بيروت، 1429 ه/ 2008 م.

62- جامع البيان عن تأويل آي القرآن المعروف بتفسير الطبري، ضبط وتعليقات: محمود شاكر الحرستاني، ط بيروت، 1421 ه/ 2001 م.

- الطبرسي، أحمد بن علي بن أبي طالب (ت 620 ه/ 1223 م).

ص: 169

63- الاحتجاج، تعليقات: محمد باقر الموسوي الخرساني، ط بيروت، 1425 ه/ 2004 م.

- الطبرسي، الفضل بن الحسن بن الفضل (ت 548 ه/ 1153 م).

64-مجمع البيان في تفسير القرآن، وضع حواشيه وخرج آياته وشواهده: إبراهيم شمس الدين، ط بيروت، 1418 ه/ 1997 م.

- الطحاوي، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري (ت 321 ه/ 933 م).

65- مشكل الآثار، ط الهند–حيدر آباد، 1333 ه/ 1914 م.

- الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن (ت 460 ه/ 1067 م).

66- الأمالي، ط بيروت، 1430 ه/ 2009 م.

- ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله النمري القرطبي (ت 463 ه/ 1070 م)

67-الاستيعاب في معرفة الأصحاب بهامش الإصابة لابن حجر، ط بيروت، 1328 ه/ 1910 م.

68- جامع بيان العلم وفضله، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، ط 5، الرياض، 1422 ه/ 2001 م.

- ابن عدي، عبد الله (ت 365 ه/ 1072 م)

69- الكامل في الضعفاء، ط بيروت، 1409 ه/ 1988 م.

- ابن عبد ربه، أحمد بن محمد (ت 328 ه/ 939 م)

70- العقد الفريد، تقديم: الأستاذ خليل شرف الدين، ط 2، بيروت، 1411 ه/ 1990 م.

- ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي (ت 573 ه/ 1177 م)

71-تاريخ دمشق الكبير، تحقيق وتعليق وتخريج: العلامة أبي عبد الله علي عاشور الجنوبي، ط بيروت، 1421 ه/ 2001 م.

72- ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط بيروت، 1395 ه/ 1975 م.

ص: 170

- ابن عقدة الكوفي، أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني (ت 332 ه/ 943 م)

73- حديث الولاية ومن روى غدير خم من الصحابة، جمع وتحقيق: أمير التقدمي المعصومي، ط قم، 1422 ه/ 2001 م.

74-فضائل أمير المؤمنين (علیه السّلام)، جمعه ورتبه وقدّم له: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، ط قم، 1424 ه/ 2003 م.

- العقيلي، أبو جعفر محمد بن عمرو المكي (ت 322 ه/ 933 م)

75- الضعفاء الكبير، حققه ووثقه: د. عبد المعطي أمين قلعجي، ط بيروت، (بلا.ت)

- القاضي عياض، أبو الفضل بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي (ت 544 ه/ 1149 م).

76- ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، تحقيق: د. أحمد بكير محمود، ط بيروت، (بلا.ت).

- الفسوي، أبو يوسف يعقوب بن سفيان (ت 277 ه/ 890 م)

77-المعرفة والتاريخ، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري، ط بغداد، 1395 ه/ 1975 م.

- ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم الدينوري (ت 276 ه/ 889 م).

78- الإمامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفاء، تحقيق: الأستاذ علي شيري، (د.م)، 1411 ه/ 1990 م.

79-غريب الحديث، تحقيق: د. عبد الله الحبوري، ط بغداد، 1398 ه/ 1977 م.

80- المعارف، ط 2، بيروت، 1424 ه/ 2003 م.

- ابن كثير، عماد الدين أبو الفدا إسماعيل بن عمر الشافعي (ت 774 ه/ 1372 م)

81 –البداية والنهاية، تحقيق: سيد إبراهيم الحويطي، ط مصر–المنصورة، 1428 ه/ 2007 م.

- الكراجكي، أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان (ت 449 ه/ 1057 م).

82- الرسالة العلوية في فضل أمير المؤمنين على سائر البرية سوى سيدنا رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

المعروف بالتفضيل، تحقيق: السيد عبد العزيز الكريمي، ط قم، 1427 ه/ 2006 م.

ص: 171

- الكشي، أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز (من علماء ق 4ه).

83-رجال الكشي، قدم له وعلق عليه ووضع فهارسه: السيد أحمد الحسيني، ط بيروت، 1430 ه/ 2009 م.

- الكليني، محمد بن يعقوب (ت 329 ه/ 940 م).

84-أصول الكافي، ط بيروت، (بلا.ت)

- ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت 275 ه/ 888 م)

85-سنن ابن ماجة، ط بيروت، 1421 ه/ 2000 م.

- المتقي الهندي، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين (ت 975 ه/ 1567 م)

86-كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، اعتنى به إسحاق الطيبي، ط (د.م)، (بلا.ت).

- محب الدين الطبري، أحمد بن محمد (ت 694 ه/ 1294 م).

87-مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من الرياض النضرة، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط قم، 1425 ه/ 2004 م.

- أبو مخنف، لوط بن يحيى الغامدي الأزدي (ت 157 ه/ 773 م)

88- الجمل وصفين والنهروان، جمعه وحققه: حسن حميد السند، ط مطبعة الصدر، 1423 ه/ 2002 م.

89-نصوص من تاريخ أبي مخنف، استخراج وتنسيق وتحقيق: كامل سلمان الجبوري، ط بيروت، 1419 ه/ 1999 م.

- ابن مردويه، أبو بكر أحمد بن موسى (ت 410 ه/ 1019 م)

90- ما نزل من القرآن في علي، جمعه ورتّبه وقدم له: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، ط قم، 1422 ه/ 2001 م.

- المرقال، هاشم بن عتبة بن أبي وقاص (ت 37 ه/ 657 م)

91-ديوان هاشم المرقال، جمع وتحقيق وشرح: قيس العطار، ط قم، 1421 ه/ 2000 م.

ص: 172

- المزي، جمال الدين أبو الحجاج يوسف (ت 742 ه/ 1341 م)

92- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، حققه وضبط نصه وعلق عليه: د. بشار عواد معروف، ط 5، بيروت، 1415 ه/ 1994 م.

- المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين (ت 346 ه/ 957 م)

93-مروج الذهب ومعادن الجوهر، ط بيروت، 1430 ه/ 2009 م.

- مسلم، أبو الحسن بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261 ه/ 874 م)

94- صحيح مسلم، ط بيروت، 1421 ه/ 2000 م.

ابن معين، يحيى بن عون المري الغطفاني (ت 233 ه/ 847 م).

95-تاريخ ابن معين، تحقيق: عبد الله أحمد حسن، ط دار القلم، بلا.ت

- ابن المغازلي، علي بن محمد الشافعي (ت 483 ه/ 1090 م)

96- مناقب الإمام علي بن أبي طالب (علیه السّلام)، تحقيق: الميرزا محمد باقر البهبودي، ط 3، بيروت، 1424 ه/ 2003 م.

- الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي )ت 413 ه/ 1022 م(.

97-الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السّلام) لتحقيق التراث، ط قم، (سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد؛ 11 )، 1431 ه/ 2009 م.

98- الإفصاح في الإمامة، تحقيق: مؤسسة البعثة، ط قم (سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد؛8)، 1431 ه/ 2009 م.

99-الأمالي، تحقيق: حسين الأستادولي، وعلي أكبر غفاري، ط قم (سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد؛ 13 )، 1431 ه/ 2009 م.

100- تفضيل أمير المؤمنين (علیه السّلام)، تحقيق: الشيخ مهدي نجف، ط قم (سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد؛ 7)، 1431 ه/ 2009 م.

-101 الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، تحقيق: السيد علي مير شريفي، ط قم (سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد رقم 1)، 1431 ه/ 2009 م.

ص: 173

102-الفصول المختارة من العيون والمحاسن، جمعه: السيد الشريف المرتضى، تحقيق: السيد علي مير شريفي، ط قم (سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد؛ 2)، 1431 ه/ 2009 م.

- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين بن مكرم الأفريقي (ت 711 ه/ 1311 م)

103- لسان العرب، مراجعة وتدقيق: يوسف البقاعي وآخرون، ط بيروت، 1426 ه/ 2005 م.

- المنقري، نصر بن مزاحم (ت 212 ه/ 827 م)

104- وقعة صفين، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، ط قم، 1418 ه/ 1997 م.

- ابن النديم، أبو الفتح محمد بن أبي يعقوب (ت 380 ه/ 990 م)

105- الفهرست، ضبطه وشرحه وعلق عليه وقدم له: الدكتور يوسف علي طويل، وضع فهارسه: أحمد شمس الدين، ط 2، بيروت، 1422 ه/ 2002 م.

- النسائي، أحمد بن شعيب (ت 303 ه/ 915 م)

106- خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، تحقيق: السيد جعفر الحسيني، ط قم، 1419 ه/ 1998 م.

- ابن هشام، أبو محمد عبد الملك المعافري (ت 218 ه/ 833 م).

107- السيرة النبوية وبهامشه الروض الآنف في تفسير السيرة للسهيلي، قدم له وعلق عليه وضبطه: طه عبد الرؤوف سعد، ط بيروت، 1399 ه/ 1978 م.

- الهلالي، سليم بن قيس (ت 76 ه/ 695 م)

108-كتاب سليم بن قيس الهلالي، تحقيق: محمد باقر الانصاري الزنجاني، ط 2، قم،1424 ه/ 2003 م.

- الهمداني، سعيد بن قيس (ت ما بين 41 – 45 ه/ 661 – 665 م)

109- ديوان سعيد بن قيس الهمداني، جمع وتحقيق وشرح: قيس العطار، ط قم، 1421 ه/ 2000 م.

- الواحدي، علي بن أحمد النيسابوري (ت 468 ه/ 1075 م)

ص: 174

110- أسباب النزول، تحقيق: عبد الله المنشاوي، ط القاهرة، 1422 ه/ 2001 م.

- وكيع، محمد بن خلف بن حيان (ت 306 ه/ 918 م)

111- أخبار القضاة، ط بيروت، (بلا.ت).

- اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب (ت بعد سنة 292 ه/ 904 م)

112- تاريخ اليعقوبي، ط النجف، 1358 ه/ 1939 م.

- ابن يعلى، محمد الفراء البغدادي الحنبلي (ت 526 ه/ 1131 م)

113-طبقات الحنابلة، حققه وقدم له وعلق عليه: د. عبد الرحمن بن سليمان العُثيمين، ط الرياض، 1419 ه/ 1999 م.

المراجع الثانوية:-

- الأميني، عبد الحسين أحمد النجفي

1-موسوعة الغدير في الكتاب والسّنة والأدب، تحقيق: مركز الغدير للدراسات الإسلامية، ط 5، بيروت، 1430 هت/ 2009 م.

2- الوضاعون، إعداد وتقديم السيد رامي بوزبكي، ط بيروت، 1420 هت/ 1999 م.

- الأميني، د. محمد هادي

3-أصحاب الإمام أمير المؤمنين (علیه السّلام) والرواة عنه، ط بيروت، 1412 ه/ 1992 م.

- البدري، السيد سامي

4- الحسين في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وعلي (علیه السّلام)، ط 2، العراق،

1430 ه/ 2009 م.

- البلداوي، وسام برهان

5-فضائل أهل البيت (علیهم السّلام) بين تحريف المدونين وتناقض مناهج المحدّثين دراسة لإثبات وقوع التحريف والتناقض في مصادر الحديث وقواعده عند العامة وأثر ذلك في فضائل أهل

البيت (علیهم السّلام)، ط بيروت، 1433 ه/ 2012 م.

ص: 175

- بيضون، إبراهيم

6- الحجاز والدولة الإسلامية دراسة في إشكالية العلاقة مع السلطة المركزية في القرن الأول الهجري، ط بيروت، 1403 ه/ 1983 م.

- جعفر، صادق

7- المشروع الإستراتيجي للنبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأوصيائه، ط بيروت، 1424 ه/ 2004 م.

- جعيط، هشام

8- الفتنة جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر، ترجمة: خليل أحمد خليل، ط 3، بيروت، 1416 ه/ 1995 م.

- الجلالي، السيد محمد رضا الحسيني

9- تدوين السنة الشريفة، ط 2، قم، 1418 ه/ 1997 م.

- الحلو، السيد محمد علي

10- تاريخ الحديث النبوي بين سلطة النص ونص السلطة، ط 5، (د.م(، (بلا.ت).

- الحلي، باسم

11- سُنة الرسول المصطفى (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأبجديات التحريف، ط بيروت، 1426 ه/ 2005 م.

- الحيدري، السيد كمال

12- السلطة وصناعة الوضع والتأويل دراسة تحليلية تطبيقية في حياة معاوية بن أبي سفيان تقريراً لدروس آية الله المحقق السيد كمال الحيدري، بقلم: علي المدن، ط بيروت، 1433 ه/ 2012 م.

- الخرسان، محمد علي

13- موسوعة عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، ط قم، 1428 ه/ 2007 م.

- آل خليفة، محمد علي

14- أمراء الكوفة وحكامها، مراجعة وتنقيح: د. ياسين صلواتي، ط طهران،

ص: 176

1425ه/ 2004م.

- الدوري، عبد العزيز

15-مقدمة في تاريخ صدر الإسلام، ط بغداد، 1369 ه/ 1949 م.

- الراوي، عبد الستار عز الدين

16-ثورة العقل، دراسة فلسفية في فكر معتزلة بغداد، ط 2، بغداد، 1407 ه/ 1986 م.

- الزركلي، خير الدين

17- الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، ط 3، (د.م)، (بلا.ت)

- شرارة، عبد الجبار

18- الإعداد التربوي والفكري لولاية علي (علیه السّلام) وخلافته، بحث ضمن كتاب نشأة التشيع والشيعة لمحمد باقر الصدر، ط بيروت، 1417 ه/ 1996 م.

- شمس الدين، محمد مهدي

19-انصار الحسين–دراسة عن شهداء ثورة الحسين الرجال والدلالات، ط بيروت، 1395 ه/ 1975 م.

20- حركة التاريخ عند الإمام علي دراسة في نهج البلاغة، ط 4، بيروت، 1418 ه/ 1997 م.

- الشهرستاني، السيد علي

21-منع تدوين الحديث قراءة في منهجة الفكر وأصول مدرستي الحديث عند المسلمين، ط قم، 1430 ه/ 2009 م.

- الصالح، صبحي

22-علوم الحديث ومصطلحه عرض ودراسة، ط قم، 1428 ه/ 2007 م.

- صبحي، أحمد محمود

23-في علم الكلام، ط 2، دار الكتب الجامعية، 1396 ه/ 1976 م.

ص: 177

- الصدر، محمد باقر

24-أهل البيت (علیهم السّلام) تنوع أدوار ووحدة هدف، تحقيق: عبد الرزاق الصالحي، ط بيروت،1423 ه/ 2003 م.

- الصغير، محمد حسين علي

25- الإمام علي سيرته وقيادته في ضوء المنهج التحليلي، ط بيروت، 1423 ه/ 2002 م.

- صليبا، جميل

26-المعجم الفلسفي، ط بيروت، 1403 ه/ 1982 م.

- الطباطبائي، السيد عبد العزيز

27- أهل البيت (علیهم السّلام) في المكتبة العربية، ط قم، 1417 ه/ 1996 م.

- الطهراني، أغا بزرك

28- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ط قم، (بلا.ت).

- عبد الحميد، صائب

29- تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي مسار الإسلام بعد الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ونشأة المذاهب، ط

بيروت، 1417 ه/ 1997 م.

- العتابي، ليث عبد الحسين

30- اللعن والسب بين الحقائق والإدعاءات، ط العراق، 1430 ه/ 2009 م.

- علي، جواد

31-المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط بيروت، 1391 ه/ 1971 م.

- الغماري الحسيني المالكي، أحمد بن محمد بن الصديق (ت 1380 ه/ 1960 م)

32- فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي، تحقيق: عمار عبد الأمير الفهداوي، تقديم: حسن الحسيني آل المجدد الشيرازي، ط قم، 1428 ه/ 2007 م.

- آل الفقيه، محمد جواد

ص: 178

33- أبو ذر الغفاري رمز اليقظة في الضمير الإنساني عرض وتحليل، قدم له: محمد تقي الفقيه، د.م، 1410 ه/ 1980 م.

- القندوزي الحنفي، سليمان بن إبراهيم (ت 1294 ه/ 1877 م).

34- ينابيع المودة لذوي القربى، تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني، ط 2، إيران، 1422 ه/ 2001 م.

- المباركفوري، أبو العلا محمد عبد الرحمن عبد الرحيم (ت 1353 ه/ 1934 م)

35-تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ط بيروت، 1422 ه/ 2001 م.

- محمد، عبد الزهراء عثمان

36- المعارضة السياسية في تجربة أمير المؤمنين (علیه السّلام)، ط بيروت، 1424 ه/ 2003 م.

- المحمودي، محمد باقر

37- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، تصحيح: عزيز آل طالب، ط طهران، 1418 ه/ 1997 م.

- النصر الله، جواد كاظم منشد

38- الإمام علي (علیه السّلام) في فكر معتزلة البصرة، ط البصرة، 1434 ه/ 2013 م.

39-شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي رؤية اعتزالية عن الإمام علي، ط قم، 1426 ه/ 2005 م.

40- فضائل أمير المؤمنين علي (علیه السّلام) المنسوبة لغيره، الحلقة الأولى الولادة في الكعبة، ط قم، 1430 ه/ 2009 م.

- الوائلي، أحمد

41- هل تعثرت سياسة الإمام علي ولماذا؟ ضمن كتاب علي بن أبي طالب نظرة عصرية جديدة، ط بيروت، 1394 ه/ 1974 م.

- يوسفي، محمد عبد الوهاب

42-صورة عثمان وعلي في صحيحي البخاري ومسلم–قراءة في الجذور والخصائص

ص: 179

والدلالات، ط بيروت، 1430 ه/ 2009 م.

الرسائل الجامعية:-

- الجابري، علي رحيم أبو الهيل

1- السياسة الأموية المضادة للإمام علي (علیه السّلام) دراسة في سياسة السب، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية التربية، جامعة البصرة، 1429 ه/ 2008 م.

- راجح، أياد كاظم

2- الإمام علي بن أبي طالب (علیه السّلام) في مؤلفات مؤرخي القرن الثالث الهجري–دراسة في دوره السياسي والفكري، رسالة ماجستير غير منشورة، مقدمة إلى كلية التربية، جامعةالقادسية، 1431 ه/ 2010 م.

البحوث المنشورة في المجلات العلمية:-

- الحسناوي، ختام راهي مزهر

1-العثمانية في عهد الإمام علي(علیه السّلام)( 35 – 40 ه/ 665 – 660 م) دراسة تاريخية، مجلة الكلية الإسلامية الجامعة، العدد 6، النجف، 1430 ه/ 2009 م.

ص: 180

ص: 181

ص: 182

المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

توطئة...11

المراحل التي مرت بها رواية فضائل الإمام علي (علیه السّلام)

المرحلة الأولى: رواية فضائل الإمام علي (علیه السّلام) في العصر الإسلامي (40 ه/ 632 - 660 م)...21

رواد رواية الفضائل العلوية من الصحابة...32

رواية الفضائل في خلافة الإمام علي ( 35 - 40 ه/ 655 - 660 م) ...40

المرحلة الثانية: رواية فضائل الإمام علي (علیه السّلام) في العصر الأموي ( 41 - 132 ه/ 661 - 749 )...73

أسس ومعالم المنهج الأموي في تغييب وطمس فضائل الإمام علي وأساليب التصدي لها...73

الأسلوب الأول: ترسيخ سياسة سبّ الإمام علي (علیه السّلام) ...74

ص: 183

الأسلوب الثاني: التصريح بمنع رواية فضائل ومناقب الإمام علي (علیه السّلام)...99

المرحة الثالثة: رواية فضائل الإمام علي (علیه السّلام) في العصر العباسي من ( 132 - 247 ه/ 749 - 861 م)...113

العوامل المذهبية والمجتمعية وتأثيرها على رواية فضائل الإمام علي(علیه السّلام)...119

فضائل الإمام علي (علیه السّلام) وآليات المنع والتغييب الروائية...130

إبطال الرواية بأدلة واهية ...151

الخاتمة واستنتاج ...157

قائمة المصادر والمراجع ...163

ص: 184

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.