الملائکة فی نهج البلاغة

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية

354 لسنة 2017 م

مصذر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda .

رقم تصنیف LC : BP38.09 .M3 M8 2016 .

المؤلف الشخصی: الخفاجی، محمد حمزة عباس، 1981- .

العنوان: الملائکة فی نهج البلاغة/

بیانات المسؤولیة: تألیف محمد حمزة الخفاجی، تقدیم السید نبیل قدوری الحسنی

بیانات الطبعة: الطبعة الأولی

بیانات النشر: کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438 ه = 2017 م.

الوصف المادی: 208 صفحه

سلسلة النشر: سلسلة الکتب العلمیة - وحدة العلوم العقدیة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

تبصرة عامة:

تبصرة ببیلو غرافیة: الکتاب یتضمن هوامش - لائحة المصادر ( الصفحات 200 - 207)

تبصرة محتویات:

موضوع شخصی: الشریف الرضی، محمد بن الحسین بن موسی، 359 - 406 هجریاً - نهج البلاغة - شرح.

موضوع شخصی: علی بن أبی طالب (علیه السلام) الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - أحادیث.

موضوع شخصی: علی بن أبی طالب (علیه السلام) الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - خطب حول الملائکة.

مصطلح موضوعی: الملائکة فی القرآن.

مصطلح موضوعی: الملائکة - أحادیث.

مصطلح موضوعی: الملائکة - جوانب دینیة.

مؤلف إضافی: الحسنی، نبیل قدوری، 1965 -، مقدم.

مؤلف إضافی: الشریف الرضی، محمد بن الحسین بن موسی، 359 - 406 هجریاً - نهج البلاغة - شرح.

عنوان إضافی: نهج البلاغة - شرح.

تمت الفهرسة قبل النشرفی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الملائکة فی نهج البلاغة

ص: 2

سلسلة الكتب العلمية

وحدة الدراسات العقدية

(6)

الملائکة فی نهج البلاغة

تألیف محمد حمزة الخفاجی

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1438 ه - 2017 م

العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600

07815016633

الموقع: www.inahj.org

Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

مقدمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أنعم، وله الشّكر بما ألهم، والثّناء بما قدّم، والصّلاة والسلام

على أتمّ النعّم وأفضلها، محمد وآله الأخيار.

أمّا بعد:

لقد شغل موضوع الملائكة في الفكر الإسلامي حيّزاً لا يستهان به وذلك لكونه مقدّمة للإيمان بالكتب السماوية وبعث الأنبياء عليهم السلام، ومن ثم يعدُّ الإيمان بهم من أركان الإيمان بالله تعالى، فضلاً عن أثر هذا الإيمان في تحقيق منظومة الإيمان بالغيب الذي جعله القرآن الكريم أحد مكونات التقوى، وأول صفات المتقين، قال تعالى: «الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى للْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ باِلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ»(1).

من هنا:

فإن الحديث عن الملائكة كان له من الأثر الإيماني والنفسي في المؤمنين، ما جعله يعيد النظر في الماديات وما يحيط به من ظواهر حياتية وشهودية وينقله إلى عالم الغيب وعالم الطهر والنور والرحمة، وإن كان من بين مهام بعض الملائكة

ص: 5


1- البقرة: 1 - 3

نزول العذاب؛ إلا أن المرتكز في الأذهان والملائم للقلوب هو الجانب الرحماني والنوراني كلما ورد ذكر الملائكة عليهم السلام.

ولأن خير ما نستعين به على معرفة هذا العالم الخاص بعد كتاب الله وحديث رسوله صلى الله عليه واله وسلم هو حديث أمير المؤمنين علي عليه السلام، لاسيما فيما ورد في كتاب نهج البلاغة فقد تضمّن العديد من الأحاديث الطويلة والقصيرة التي اختصت بالملائكة، ولأهمية هذا الموضوع ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة طباعة هذا البحث القيم للباحث الأخ محمد حمزة الحفاجي فقد بذل فيه جهده وعلى الله أجره.

والحمد لله أولاً وآخراً.

السيد نبيل الحسني

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 6

مقدمة الكتاب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وحبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:

فالحديث عن هذه المخلوقات حديث شيق، إذ إننا نتكلم عن كائنات منزّهة، خلقها الله من نور وليس للشيطان عليها من سلطان، فهي خالصة مخلصة لعبادة الله وطاعته، فمنذ بدء خلق آدم عليه السلام بانوا على حقائقهم وما منهم إلا وسجد لآدم عليه السلام فكان ذلك السجود طاعة وعبودية لله تعالى الذي أمرهم بذلك.

وقد تناولنا في هذا الكتاب جميع ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام عن بديع خلق الملائكة وعصمتها وقربها وعددها وسكنها.

وقد اعتمدت على جميع خطب نهج البلاغة التي تتحدث عن هذه الكائنات

ومنها:

ص: 7

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

(ثُمَّ خَلَقَ سُبْحَانَهُ لإِسْكَانِ سَمَاوَاتِهِ، وعِمَارَةِ الصَّفِيحِ الأَعْلَی مِنْ مَلَكُوتِهِ، خَلْقاً بَدِيعاً مِنْ مَلَائِكَتِهِ، مَلأَ بِهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا، وَحَشَى بِهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا، وبَيْنَ فَجَوَاتِ تِلْكَ الْفُرُوجِ، زَجَلُ الْمُسَبِّحِينَ مِنْهُمْ فِی حَظَائِرِ الْقُدُسِ، وسُتُرَاتِ الْحُجُبِ، وسُرَادِقَاتِ الْمَجْدِ، ووَرَاءَ ذَلِكَ الرَّجِيجِ، الَّذِي تَسْتَكُّ مِنْهُ الأَسْمَاعُ، سُبُحَاتُ نُورٍ تَرْدَعُ الأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا، فَتَقِفُ خَاسِئَةً عَلَ حُدُودِهَا، أَنْشَأَهُمْ عَلَی صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ، وأَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ، أُولِی أَجْنِحَةٍ تُسَبِّحُ جَلَلَ عِزَّتِهِ، لَا يَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِ الْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ، ولَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ شَيْئاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ، بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ، «لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وهُمْ بِأ مْرِهِ يَعْمَلُونَ»(1) جَعَلَهُمُ اللهُ فِيمَا هُنَالِكَ أَهْلَ الأَمَانَةِ عَلَی وَحْيِهِ، وحَمَّلَهُمْ إِلَی الُمْرْسَلِينَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ ونَهْيِهِ، وعَصَمَهُمْ مِنْ رَيْبِ الشُّبُهَاتِ، فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِيلِ مَرْضَاتِهِ، وأَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ الْمَعُونَةِ، وأَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّكِينَةِ، وفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلاً إِلَی تَمَاجِيدِهِ، ونَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَی أَعْلَمِ تَوْحِيدِهِ، لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُوصِرَاتُ الآثَامِ، ولَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اللَّيَالِی والأَيَّامِ، ولَمْ تَرْمِ الشُّكُوكُ بِنَوَازِعِهَا عَزِيمَةَ إِيمَنِانهِمْ، ولَمْ تَعْتَرِكِ الظُّنُونُ عَلَی مَعَاقِدِ يَقِينهِمْ، ولَا قَدَحَتْ قَادحَةُ الإِحَنِ فيِمَا بَيْنَهُمْ، ولَا سَلَبَتْهُمُ الْحَيْرَةُ مَا لَاقَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمَائِرِهِمْ، ومَا سَكَنَ مِنْ عَظَمَتِهِ وهَيْبَةِ جَلَالَتِهِ فِ أَثْنَاءِ صُدُورِهِمْ، ولَمْ تَطْمَعْ فيِهِمُ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَيْنِهَا عَلَی فِكْرِهِمْ، ومِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِی خَلْقِ الْغَمَامِ الدُّلَّحِ، وفِی عِظَمِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ، وفِی قَتْرَةِ الظَّلَامِ الأَبْهَمِ، ومِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ الأَرْضِ السُّفْلَی، فَهِيَ كَرَايَاتٍ بِيضٍ قَدْ نَفَذَتْ فِی مَخَارِقِ الْهَوَاءِ، وتَحْتَهَا رِيحٌ هَفَّافَةٌ تَحْبِسُهَا عَلَی حَيْثُ انْتَهَتْ مِنَ الْحُدُودِ الْمُتَنَاهِيَةِ، قَدِ اسْتَفْرَغَتْهُمْ أَشْغَالُ عِبَادَتِهِ،

ص: 8


1- الأنبياء: 27 ، والآية هكذا «... بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبقُونَهُ باِلْقَوْلِ وَهُمْ بأِمْرِه يَعْمَلوُنَ»

وَوَصَلَتْ حَقَائِقُ الإِیمَانِ بَیْنَهُمْ وَبَیْنَ مَعْرِفَتِهِ، وَقَطَعَهُمُ الاإِیقَانُ بِهِ إِلی الْوَلَهِ إِلیْهِ، وَلَمْ تُجَاوِزْ رَغَبَاتُهُمْ مَا عِنْدَهُ إِلی مَا عِنْدَ غَیْرِهِ، قَدْ ذَاقُوا حَلاَوَهَ مَعْرِفَتِهِ، وَشَرِبُوا بِالْکَأْس الرَّوِیَّهِ مِنْ مَحَبَّتِهِ، وَتَمَکَّنَتْ مَنْ سُوَیْدَاءِ قُلُوبِهمْ وَشِیجَهُ خِیفَتِهِ، فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَهِ اعْتِدَالَ ظُهُورِهمْ، وَلَمْ یُنْفِدْ طُولُ الرَّغْبَهِ إِلَیْهِ مَادَّهَ تَضَرُّعِهِمْ، وَلاَ أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظِیمُ الزُّلْفَهِ رِبَقَ خُشُوعِهمْ، وَلَمْ یَتَوَلَّهُمُ الإِعْجَابُ فَیَسْتَکْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ، وَلاَ تَرَکَتْ لَهُمُ اسْتِکَانَهُ الإِجْلاَلِ نَصِیباً فِی تَعْظِیمِ حَسَنَاتِهمْ، وَلَمْ تَجْرِ الْفَتَرَاتُ فِیهِمْ عَلَی طُولِ دُؤوبِهِمْ وَلَمْ تَغِضْ رَغَبَاتُهُمْ فَیُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ، وَلَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْمُنَاجَاهِ أَسَلاَتُ أَلْسِنَتِهمْ، وَلاَ مَلَکَتْهُمُ الْأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْس الْجُؤارِ إِلَیْهِ أَصْوَاتُهُمْ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ فِی مَقَاوِمِ الطَّاعَهِ مَنَاکِبُهُمْ، وَلَمْ یَثْنُوا إِلَی رَاحَهِ التَّقْصِیرِ فِی أَمْرِهِ رِقَابَهُمْ، وَلاَ تَعْدُوا عَلَی عَزِیمَهِ جِدِّهِم بَلاَدَهُ الْغَفَلاَتِ، وَلاَ تَنْتَضِلُ فِی هِمَمِهِمْ خَدَائِعُ الشَّهَوَاتِ، قَدِ اتَّخَذُوا ذَا الْعَرْش ذَخِیرَهً لِیَوْمِ فَاقَتِهمْ، وَیَمَّمُوهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْخَلْقِ إِلی الَمخْلُوقِینَ بِرَغْبَتِهمْ، لاَ یَقْطَعُونَ أَمَدَ غَایَهِ عِبَادَتِهِ، وَلاَ یَرْجِعُ بِهمُ الاِسْتِهْتَارُ بِلُزُومِ طَاعَتِهِ، إِلاَّ إِلَی مَوَادَّ مِنْ قُلُوبِهمْ غَیْرِ مُنْقَطِعَهٍ مِنْ رَجَائِهِ وَمَخَافَتِهِ، لَمْ تَنْقَطِعْ أَسْبَابُ الشَّفَقَهِ مِنْهُمْ، فَیَنُوا فی جِدِّهِمْ، وَلَمْ تَأْسِرْهُمُ الْأَطْمَاعُ فَیُؤثِرُوا وَشِیکَ السَّعْیِ عَلَی اجْتِهَادِهِمْ، لَمْ یَسْتَعْظِمُوا مَا مَضَی مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوِ اسْتَعْظَمُوا ذلِکَ لَنَسَخَ الرَّجَاءُ مِنْهُمْ شَفَقَاتِ وَجَلِهِمْ، وَلَمْ یَخْتَلِفُوا فِی رَبِّهمْ بِاسْتِحْواذِ الشَّیْطَانِ عَلَیْهِمْ، وَلَمْ یُفَرِّقْهُمْ سُوءُ التَّقَاطُعِ، وَلاَ تَوَلاَّهُمْ غِلُّ التَّحَاسُدِ، وَلاَ تَشَعَّبَتْهُمْ مَصَارِفُ الرِّیَبِ، وَلاَ اقْتَسَمَتْهُمْ أَخْیَافُ الْهِمَمِ، فَهُمْ أُسَرَاءُ إِیمَانٍ لَمْ یَفُکَّهُمْ مِنْ رِبْقَتِهِ زَیَغٌ وَلاَ عُدُولٌ وَلاَ وَنیً وَلاَ فُتُورٌ، وَلَیْسَ فی أَطْبَاقِ السَّمَاءِ مَوْضِعُ إِهَابٍ إِلاَّ وَعَلَیْهِ مَلَکٌ سَاجِدٌ، أَوْ سَاعٍ حَافِدٌ، یَزْدَادُونَ عَلَی طُولِ الطَّاعَهِ بِرَبِّهمْ عِلْماً، وَتَزْدَادُ عِزَّهُ رَبِّهِمْ فِی قُلُوبِهِمْ عِظَماً)(1).

ص: 9


1- نهج البلاغة، الخطبة: 91، ص 128 - 130

وقال علیه السلام:

(ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ الْعُلاَ، فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلاَئِكَتِهِ، مِنْهُمْ سُجُودٌ لاَ يَرْكَعُونَ، وَ رُكُوعٌ لاَ يَنْتَصِبُونَ، وَ صَافُّونَ لاَ يَتَزَايَلُونَ، وَ مُسَبِّحُونَ لاَ يَسْأَمُونَ، لاَ يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعَيْنِ، وَ لاَ سَهْوُ الْعُقُولِ، وَ لاَ فَتْرَةُ الْأَبْدَانِ، وَ لاَ غَفْلَةُ النِّسْيَانِ، وَ مِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَي وَحْيِهِ، وَ أَلْسِنَةٌ إِلَي رُسُلِهِ، وَ مُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَ أَمْرِهِ، وَ مِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ، وَ السَّدَنَةُ لِأَبْوَابِ جِنَانِهِ، وَ مِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَي أَقْدَامُهُمْ، وَ الْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ، وَ الْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ، وَ الْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ، نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ، مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ، مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ، وَ أَسْتَارُ الْقُدْرَةِ، لاَ يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ، وَ لاَ يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ، وَ لاَ يَحُدُّونَهُ بِالْأَمَاكِنِ، وَ لاَ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ)(1).

وقال علیه السلام:

(مِنْ مَلاَئِکَهٍ أَسْکَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِکَ، وَ رَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِکَ هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِکَ بِکَ، وَ أَخْوَفُهُمْ لَکَ، وَ أَقْرَبُهُمْ مِنْکَ لَمْ یَسْکُنُوا اَلْأَصْلاَبَ، وَ لَمْ یُضَمَّنُوا اَلْأَرْحَامَ، وَ لَمْ یُخْلَقُوا مِنْ مَاءٍ مَهِینٍ، وَ لَمْ یَتَشَعَّبْهُمْ رَیْبُ اَلْمَنُونِ وَ إِنَّهُمْ عَلَی مَکَانِهِمْ مِنْکَ وَ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَکَ، وَ اِسْتِجْمَاعِ أَهْوَائِهِمْ فِیکَ، وَ کَثْرَهِ طَاعَتِهِمْ لَکَ، وَ قِلَّهِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَمْرِکَ، لَوْ عَایَنُوا کُنْهَ مَا خَفِیَ عَلَیْهِمْ مِنْکَ لَحَقَّرُوا أَعْمَالَهُمْ وَ لَزَرَوْا عَلَی أَنْفُسِهِمْ، وَ لَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ یَعْبُدُوکَ حَقَّ عِبَادَتِکَ، وَ لَمْ یُطِیعُوکَ حَقَّ طَاعَتِکَ)(2).

وقال علیه السلام:

(وَ اسْتَأْدَی اللّه سُبْحَانَهُ الْمَلائِکَهَ وَدِیعَتَهُ لَدَیْهِمْ وَعَهْدَ وَصِیَّتِهِ إِلَیْهِمْ فِی الْإِذْعانِ

ص: 10


1- نهج البلاغة، الخطبة 1، ص 41
2- نهج البلاغة: الخطبة: 109 ، ص 159

بِالسُّجُودِ لَهُ وَالْخُنُوعِ لِتَکْرِمَتِهِ فَقالَ سُبْحانَهُ «اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِیسَ»(1) نهج البلاغة، الخطبة الاولى، ص 42.

وقال علیه السلام:

(... فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ هُوَ اَلْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ اَلْقُلُوبِ، وَ مَحْجُوبَاتِ اَلْغُیُوبِ «إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ»(2)، اِعْتَرَضَتْهُ اَلْحَمِیَّهُ...... وَ لَوْ أَرَادَ اَللَّهُ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ یَخْطَفُ اَلْأَبْصَارَ ضِیَاؤُهُ وَ یَبْهَرُ اَلْعُقُولَ رُوَاؤُهُ وَ طِیبٍ یَأْخُذُ اَلْأَنْفَاسَ عَرْفُهُ لَفَعَلَ وَ لَوْ فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ اَلْأَعْنَاقُ خَاضِعَهً وَ لَخَفَّتِ اَلْبَلْوَی فِیهِ عَلَی اَلْمَلاَئِکَهِ وَ لَکِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ یَبْتَلِی خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا یَجْهَلُونَ أَصْلَهُ تَمْیِیزاً بِالاِخْتِبَارِ لَهُمْ وَ نَفْیاً لِلاِسْتِکْبَارِ عَنْهُمْ وَ إِبْعَاداً لِلْخُیَلاَءِ مِنْهُمْ)(3).

وقال علیه السلام:

(بَلْ إِنْ کُنْتَ صَادِقاً أَیُّهَا الْمُتَکَلِّفُ لِوَصْفِ رَبِّکَ فَصِفْ جَبْرَئیلَ وَمِیکَائِیلَ وَجُنُودَ الْمَلاَئِکَهِ الْمُقَرَّبِینَ فِی حُجُراتِ الْقُدُسِ مُرْجَحِنِّینَ مُتَوَلِّهَهً ضخ عُقُولُهُمْ أَنْ یَحُدُّوا أَحْسَنَ الْخَالِقینَ فَإنَّمَا یُدرَکُ بِالصِّفَاتِ ذَوُوالْهَیْئَاتِ وَاَلْأَدَوَاتِ، وَمَنْ یَنْقَضِی إِذَا بَلَغَ أَمَدَ حَدِّهِ بِالْفَنَاءِ فَلاَ إلهَ إلاَّ هُوَ أَضَاءَ بِنُورِهِ کُلَّ ظَلاَمٍ وَأَظْلَمَ بِظُلْمَتِهِ کُلَّ نُورٍ)(4).

وقد تقسم الكتاب على وفق ما ذكره الإمام عليه السلام عن الملائكة وكان

على ستة مباحث:

ص: 11


1- سورة البقرة: 34
2- ص: 71 - 74
3- نهج البلاغة، خطبة القاصعة، خطبة 192 ، ص 286
4- نهج البلاغة، الخطبة: 182 ، ص 262

المبحث الأول: (الملائكة في اللغة، والقرآن، والسنّة المطهرة).

المسألة الأولى: (الملائكة في اللغة).

المسألة الثانية: (الملائكة في القرآن).

المسألة الثالثة: (الملائكة في السنة المطهرة).

المبحث الثاني: (الملائكة: خلقهم، عددهم، سكنهم).

المسألة الأولى: (خلق الملائكة).

أولاً–بديع خلق الملائكة:

ثانياً–تعدد أشكال الملائكة:

ثالثاً–الملائكة أجسام لطيفة:

رابعاً- كيفية خلق الملائكة:

المسألة الثانية: (كثرة الملائكة).

المسألة الثالثة: (سكن الملائكة).

المبحث الثالث: (احوال الملائكة، وصفاتهم، ووظائفهم).

المسألة الأولى: (أحوال الملائكة).

المسألة الثانية: (صفات الملائكة).

المسألة الثالثة: (وظائف الملائكة).

المبحث الرابع: (عصمة الملائكة).

المسألة الأولى: (مفهوم العصمة).

المسألة الثانية: (الملائكة عباد مكرمون لا يسبقون الله بالقول والفعل).

ص: 12

المسألة الثالثة: (عصمهم الله من ريب الشبهات).

المسألة الرابعة: (رعاية الله للملائكة).

المسألة الخامسة: (مقومات عصمة الملائكة).

المسألة السادسة: (الملائكة منزهون عن كل صفة ذميمة).

المبحث الخامس: (اختبار الملائكة).

المسألة الأولى: (إختبار الملائكة بالسجود لآدم علیه السلام).

المسألة الثانية: (إختبار الملائكة بطينة آدم علیه السلام).

المبحث السادس: (علم الملائكة، وخوفهم، وقربهم من الله).

المسألة الأولى: (علم الملائكة).

المسألة الثانية: (خوف الملائكة).

المسألة الثالثة: (قرب الملائكة).

المؤلف

ص: 13

ص: 14

التمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

(السَّلامُ عَلى مَلائِكةِ اللهِ المُقَرَّبين، السّلام عَلى مَلائكة اللهِ المُنْزَلينَ، السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ الله المَرْدِفينَ، السَّلامُ على ملائِكة اللهِ المُسَوِّمينَ).

وبعد..

الملائكة خلق يختلف عن باقي الموجودات الاخرى؛ كالجن، والانس، وغيرها من المخلوقات، إذ خلقهم الله من نور وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق علیه السلام بقوله:

(... إن الله عزوجل خلق الملائكة من نور)(1).

أما الجان فخلقوا من نار، وأما الانس فقد خلقهم الله من طين، قال تعالى:

«خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ»(2).

وكذلك تختلف الملائكة من حيث طاعتهم لله، فهم عباد مكرمون لا يخالفون الله بأي شيء فلا يوجد منهم عاصٍ، أما الجن، فمن الجن من هو كافر، ومنهم المؤمن وكذلك بنو البشر.

ويعد عالم الملائكة عالماً غير مرئي، فنحن لا نستطيع رؤيتهم كما هو الحال مع الجان، وقد جردهم الله من جميع الغرائز كغريزة الجنس وغريزة الجوع وغيرها

ص: 15


1- بحار الأنوار، ج 11 ، ص 102
2- الرحمن: 14 – 15

من الغرائز الأخرى، مما ساعدهم على أن يكونوا معصومين فهم لا يخطؤون ولايتحاسدون ولا يتباغضون ولا توجد فيهم أي صفة ذميمة، بل هم كرام منزهون ومطهرون من دنس الشيطان.

وكون الملائكة خلقوا بأعداد كثيرة، فالله سبحانه وتعالى قد أو كل لكلٍ منهم وظيفة خاصة، قال تعالى:

«وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا»(1).

وقول تعالى:

«وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا»(2).

وقد جعل الله لكل ملك مقاماً خاصاً، قال تعالى:

«وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ»(3).

حيث تختلف منازل الملائكة بعضهم عن الاخر، أي كما أن هنالك منازل بين الأنبياء والأولياء كذلك هنالك اختلاف بين منازل الملائكة مثل اختلاف اشكالها وأحجامها.

وجوب الإيمان بالملائكة:

إن كثيراً من الأمور الغيبية التي لم نرها، إنما هي حقائق يجب علينا أن نعتقد بها ونؤمن بوجودها؛ كالجنة والنار، وكذلك البعث والنشور وكل ما وعد به الله في كتابه الكريم هو حق، قال تعالى:

ص: 16


1- المرسلات: 1– 6
2- النازعات: 1– 5
3- الصافات: 164

«إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ»(1).

وما ذكره الله في كتابه الكريم من مخلوقات من جن وملائكة فهي بالحقيقة موجودات، ولكن الله جعل بيننا وبينهم حجباً، فمن الواجب أن نؤمن بها كما آمن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم والذين سبقونا، قال تعالى:

«آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»(2).

فالرسول آمن بكل ما جاءه من عند الله، لهذا نال هذه المكانة العظيمة، والقرآن الكريم كثيراً ما يتكلم عن غيبيات وامور لم نرها، بل سمعنا بها ونحن يكفينا ذكر هذه الموجودات بهذا الكتاب المقدس الذي أُنزل على النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم، فالكتاب والسنة هما معتقدنا ودليلنا الى الحق، والله خلق العقل وجعل فيه استيعاباً لكل شيء؛ فما أخبرنا الله به من خلال هذا الكتاب المقدس انما هي دلائل وبراهين واضحة، فكل يوم يكتشف العلم شيئاً من خلال هذا الكتاب المقدس؛

فهو معجزة وقد شهد بإعجازه حتى المعاندون، وقد ذكر سبحانه في كتابه الكريم وجوب الإيمان بالملائكة، فمن لم يؤمن بالملائكة فقد ضل ضلالاً بعيداً بنص القرآن الكريم لأنهم رسل الله إلى الأنبياء قال تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا»(3).

ص: 17


1- المرسلات: 7
2- البقرة: 285
3- النساء: 136

فهذه الآية تدل على وجوب الايمان بالملائكة والرسل، وان عداوتهما جهل وضياع، فقد جاء في تفسير الإمام الحسن العسكري علیه السلام إن النبي محمد صلی الله علیه و آله قال لأحد علماء بني اسرائيل:

(.... ولم اتخذتم جبرئيل عدوا؟ قال: لأنه ينزل بالبلاء والشدة على بني إسرائيل، ودفع دانيال عن قتل «بخت نصر» حتى قوى أمره، وأهلك بني إسرائيل.

وكذلك كل بأس وشدة لا ينزلها إلا جبرئيل، وميكائيل يأتينا بالرحمة. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: ويحك أجهلت أمر الله تعالى وما ذنب جبرئيل إن أطاع الله فيما يريده بكم؟

أرأيتم ملك الموت؟ أهو عدوكم وقد وكله الله بقبض أرواح الخلق الذي أنتم منه؟

أرأيتم الآباء والأمهات إذا وجروا الأولاد الأدوية الكريهة لمصالحهم، أيجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك؟ لا، ولكنكم بالله جاهلون، وعن حكمته غافلون، أشهد أن جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان، وله مطيعان، وأنه لا يعادي

أحدهما إلا كمن عادى الآخر، وأن من زعم أنه يحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كذب، وكذلك محمد رسول الله وعلي أخوان، كما أن جبرئيل وميكائيل أخوان، فمن أحبهما فهو من أولياء الله، ومن أبغضهما فهو من أعداء الله، ومن أبغض

أحدهما وزعم أنه يحب الآخر فقد كذب، وهما منه بريئان....)(1).

ولأهمية هذا الموضوع وما يترتب عليه من تحديد لمصير الإنسان في الآخرة كان الدافع بدراسة ما ورد على لسان أمير المؤمنين علیه السلام في كتاب نهج البلاغة، وذلك لما كشفه باب مدينة علم النبي عن هذا الخلق وشؤونه وهو مالم يتوفر عن

غيره بهذا البيان الواسع والمتعدد الجوانب.

والله ولي التوفيق

ص: 18


1- تفسير الامام الحسن العسكري، ص 408، ح 277

المبحث الأول الملائكة في اللغة والقرآن والسنة المطهرة

ص: 19

ص: 20

المبحث الأول الملائكة في اللغة، والقرآن، والسنة المطهرة

بما إن الإعتقاد بالملائكة من شرائط الإيمان فإننا نرى من اللازم التعرف على

ماهيتهم وأدوارهم ولذلك أخذنا على عاتقنا في هذا الكتاب بيان هذا النوع من

الخلق، وذلك من خلال المسائل الآتية:

المسألة الأولى الملائكة في اللغة

وردت في كثير من المعاجم اللغوية مفردة الملائكة ولغرض بيان هذه المفردة

نورد ما ذكر عند بعضهم:

1- قال الجوهري: (الملائكة: جمع ملاك، في الأصل، ثم حذفت همزته،

لكثرة الاستعمال، فقيل: ملك، وقد تحذف الهاء فيقال: ملائك، وقيل: أصله:

مألك، بتقديم الهمزة، من الألوك: الرسالة، ثم قدمت الهمزة وجمع، وقد تكرر

في الحديث ذكر «الملكوت» وهو اسم مبنى من الملك، كالجبروت والرهبوت، من

الجبر والرهبة، وفى حديث جرير «عليه مسحة ملك» أي أثر من الجمال، لأنهم أبدا

يصفون الملائكة بالجمال)(1).

ص: 21


1- الصحاح، ج 4، ص 359

2- قال الطريحي: (الملك من الملائكة واحد وجمع، وأصله مألك، فقدم

اللام وأخر الهمزة ووزنه مفعل من الألوكة وهي: الرسالة ثم تركت الهمزة لكثرة

الاستعمال فقيل ملك؛ فلما جمعوه ردوه إلى أصله فقالوا ملائك، فزيدت التاء

للمبالغة أو لتانيث الجمع، وملكته الشيء تمليكا: أي جعلته ملكا له، وتملكه أي ملكه قهرا، وعبد مملكة ومملكة بفتح اللام وضمها إذا ملك ولم يملك أبواه، وفي

الخبر لم يدخل الجنة سيئ الملكة أي سيئ الصنع إلى مماليكه، يقال فلان حسن

الملكة: إذا كان حسن الصنعة إلى مماليكه. وهو يملك نفسه عند شهوتها أي يقدر

على حبسها، وهو أملك لنفسه أي أقدر على منعها)(1).

الملائكة في الاصطلاح:

قال الطريحي: (اختلف في حقيقة الملائكة، فذهب أكثر المتكلمين - لما أنكروا

الجواهر المجردة - إلى أن الملائكة والجن أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال

مختلفة، وفي شرح المقاصد: الملائكة أجسام لطيفة نورانية كاملة في العلم والقدرة

على الأفعال الشاقة شأنها الطاعات ومسكنها السماوات وهم رسل الله إلى الأنبياء

يسبحون الليل والنهار لا يفترون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون،

ونقل عن المعتزلة أنهم قالوا: الملائكة والجن والشياطين متحدون في النوع،

ومختلفون باختلاف أفعالهم، أما الذين لا يفعلون إلا الخير فهم الملائكة، وأما

الذين لا يفعلون إلا الشر فهم الشياطين، وأما الذين يفعلون الخير تارة والشر

أخرى فهم الجن، ولذلك عد إبليس تارة في الجن وتارة في الملائكة)(2).

وعليه: فإن مصدر الملائكة مصدر مأخوذ من المألك أو الألوكة وهي الرسالة؛

فهم رسل الله والواسطة بين الله ورسله.

ص: 22


1- مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي، ج 5، ص 292
2- المصدر نفسه، ص 293

المسألة الثانية الملائكة في القران

وردت لفظة الملائكة في القرآن الكريم في عدة آيات ولكل آية بيان خاص

لمفهوم الملائكة، فمنها ما يختص بخلقهم ومنها ما يختص بعصمتهم، وتسبيحهم،

ومهامهم، وغيرها، فمن خلال هذه المسألة نبين مفهوم هذه الآيات المباركة:

قال تعالى:

«الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(1).

فهذه الآية تخص خلق الملائكة وتبين اختلافهم من حيث الشكل والحجم

ولتوضيح هذه الآية بصورة أدق سنبينها في موضوع خلق الملائكة.

وقال تعالى:

«وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(2).

وقال تعالى:

«وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ

ص: 23


1- فاطر: 1
2- البقرة: 31 - 33

مِنَ الْكَافِرِينَ»(1).

إن سجود الملائكة دليل على طاعتهم وأنهم عباد مكرمون لا يخالفون الله أما

ابليس فاتضح أنه ليس منهم وأنه من المتكبرين.

وقال تعالى:

«قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا»(2).

جاء في تفسير القمي عن أبي جعفر علیه السلام قال:

بينما رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم جالس وعنده جبرئيل إذ حانت من جبرئيل علیه السلام نظرة قِبَلَ

السماء فامتقع لونه حتى صار كأنه كركمة، ثم لاذ برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فنظر رسول

الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى حيث نظر جبرئيل فإذا شيء قد ملأ ما بين الخافقين مقبلا حتى كان

كقاب من الأرض(3)، ثم قال: يا محمد إني رسول الله إليك أخبرك أن تكون

ملكا رسولا أحب إليك أو تكون عبدا رسولا فالتفت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى جبرئيل

وقد رجع إليه لونه، فقال جبرئيل: بل كن عبدا رسولا، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: بل أكون عبدا رسولا، فرفع الملك رجله اليمنى فوضعها في كبد السماء الدنيا ثم رفع

الأخرى فوضعها في الثانية ثم رفع اليمنى فوضعها في الثالثة ثم هكذا حتى انتهى

إلى السماء السابعة كل سماء خطوة وكلما ارتفع صغر حتى صار آخر ذلك مثل

الذر، فالتفت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى جبرئيل فقال: لقد رأيتك ذعرا وما رأيت شيئا

كان أذعر لي من تغير لونك، فقال: يا نبي الله لا تلمني أتدري من هذا؟ قال:

ص: 24


1- البقرة: 34
2- الإسراء: 95
3- أي مقدار نصف القوس

لا، قال: هذا إسرافيل حاجب الرب ولم ينزل من مكانه منذ خلق الله السماوات

والأرض، فلما رأيته منحطا ظننت انه جاء بقيام الساعة، فكان الذي رأيت من

تغير لوني لذلك، فلما رأيت ما اصطفاك الله به رجع إلي لوني ونفسي)(1).

فهذه الرواية تبين أيضاً أن منزلة النبي أعلى وأجل من منزلة الملائكة.

وقال تعالى:

«إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ»(2).

جاء في تفسير الأصفي عن قوله (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا) لمثلناه

رجلا، كما مثل جبرئيل في صورة دحية، فإن القوة البشرية لا تقوى على رؤية

الملك في صورته. (وللبسنا عليهم ما يلبسون): ولخلطنا عليهم ما يخلطون على

أنفسهم، فيقولون: ما هذا الا بشر مثلنا، وكذبوه كما كذبوك. ورد: (انه قيل

لرسول الله صلی الله علیه آله وسلم: لو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد

الله أن يبعث إلينا نبيا لكان انما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا، فنزلت هذه الآية،

فقال صلی الله علیه و آله للقائل: الملك لم يشاهده حواسكم، لأنه من جنس هذا الهواء لأعيان منه، ولو شاهدتموه، بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم: ليس هذا ملكا بل هذا

بشر، لأنه انما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه، لتفهموا عنه مقالته

وتعرفوا خطابه ومراده، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك، وأن ما يقوله حق؟

بل انما بعث الله بشرا وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر

الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم، فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة، وأن

ص: 25


1- تفسير القمي، ج 2، ص 27 - 28
2- فصلت: 14

ذلك شهادة من الله بالصدق له، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما يعجز

عنه البشر، لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من

الملائكة حتى يصير ذلك معجزا، ألا ترون أن الطيور التي تطير ليس ذلك منها

بمعجز، لأن لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها، ولو أن آدميا طار كطيرانها كان

ذلك معجزا، فالله تعالى سهل عليكم الأمر وجعله مثلكم بحيث يقوم عليكم

حجته، وأنتم تقترحون عمل الصعب الذي لا حجة فيه)(1).

وقال تعالى:

«وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(2).

حافين أي محيطين به يسبحون الله لما أعطاهم الله من منزلة عظيمة، فحملة

العرش هم من الملائكة المقربين وهم أشد خوفاً من غيرهم لقربهم، وفي حديث

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، في سؤال عبد الله بن سلام، قال صلی الله علیه و آله وسلم:

(وأما الستة عشر فستة عشر صفا من الملائكة حافين من حول العرش، وذلك

قوله تعالى:

حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ)(3).

عن قتادة في تفسير قوله تعالى:

«وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ» الآية.

قال أنس: قال رسول الله صلی الله علیه و آله:

ص: 26


1- التفسير الأصفي، الفيض الكاشاني، ج 1، ص 311
2- الزمر: 75
3- البرهان في تفسير القرآن، ج 4، ص 736 ، ح 4

(لما كانت ليلة المعراج نظرت تحت العرش أمامي، فإذا أنا بعلي بن أبي طالب

قائم أمامي تحت العرش، يسبح الله ويقدسه، قلت: يا جبرئيل سبقني علي بن أبي

طالب؟ قال: لا، لكني أخبرك يا محمد، أن الله عزوجل يكثر من الثناء والصلاة على

علي بن أبي طالب علیه السلام فوق عرشه، فاشتاق العرش إلى رؤية علي بن أبي طالب علیه السلام،

فخلق الله تعالى هذا الملك على صورة علي بن أبي طالب علیه السلام تحت عرشه، لينظر إليه

العرش، فيسكن شوقه، وجعل تسبيح هذا الملك وتقديسه وتحميده ثوابا لشيعة

أهل بيتك، يا محمد)(1).

وقال تعالى:

«وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً»(2).

وقال تعالى:

«عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»(3).

جاء في تفسير الميزان عن قوله تعالى:

«عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ».

أي وكّل عليها لإجراء أنواع العذاب على أهلها ملائكة غلاظاً شداداً،

والغلاظ جمع غليظ ضد الرقيق والأنسب للمقام كون المراد بالغلظة خشونة العمل كما في قوله الآتي: «جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ»(4)،

ص: 27


1- البرهان في تفسير القرآن، ج 4، ص 736 ، ح 5
2- المدثر: 31
3- التحريم: 6
4- التوبة: 73

والشداد جمع شديد بمعنى القوي في عزمه وفعله)(1).

وقال تعالى:

«فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ»(2).

الملائكة رسل الله الى الأنبياء تبشرهم بعطاء الله وكذلك تتنزل الملائكة على

السيدات الطاهرات كمريم، والصديقة فاطمة الزهراء، وام موسى، وساره علیها السلام

أما مريم فقوله تعالى:

«إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ»(3).

وقال تعالى:

«إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ»(4).

إن الله سبحانه وتعالى وكّل لكل شخص ملكين يكتبون ما يقوله العبد

ويحفظون له أعماله فهم شهود عليه يوم القيامة، وللتفصيل أكثر سوف نذكر ما

يتعلق بالكرام الكاتبين في موضوع وظائف الملائكة.

وقال تعالى:

«وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا»(5).

ص: 28


1- تفسير الميزان، ج 19، ص 334
2- آل عمران: 39
3- آل عمران: 45
4- يونس: 27
5- النساء: 136

فالإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه السماوية واليوم الأخر واجب ومن

يكفر بذلك فقد ظل ظلالاً بعيدا.

وقال تعالى:

«هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا»(1).

(الآية تفيد قوله: وكان بالمؤمنين رحيما، في موقع العلة لقوله: هو الذي يصلي

عليكم، والمعنى إنه إنما يصلي عليكم، وكان من اللازم المترقب ذلك، لأن عادته

جرت على الرحمة بالمؤمنين، وأنتم مؤمنون فكان من شأنكم أن يصلي عليكم حتى

يرحمكم)(2).

عن إسحاق بن فروخ مولى آل طلحة، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام:

(يا إسحاق بن فروخ، من صلى على محمد وآل محمد عشرا صلى الله وملائكته

عليه مائة مرة، ومن صلى على محمد وآل محمد مائة مرة صلى الله عليه وملائكته ألف

مرة، أما تسمع قول الله عزوجل:

«هُوَ الَّذِي يُصَلِّی عَلَيْكُمْ ومَلائِكَتُه لِیُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ

وكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيما»(3).

فالملائكة تصلي على المؤمنون فقط كونهم خصوا بهذا اللطف الالهي.

وقال تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ

ص: 29


1- الأحزاب: 43
2- تفسير الميزان، ج 1، ص 361
3- البرهان في تفسير القرآن، ج 4، ص 474 ، ح 3

وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)»(1).

قال: صلوات الله عليه تزكية له وثناءً عليه، وصلاة الملائكة مدحهم له وصلاة الناس دعاؤهم له والتصديق والاقرار بفضله وقوله: (وسلموا تسليما)

يعني سلموا له بالولاية وبما جاء به)(2).

فالملائكة في مدح دائم لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ولأهل بيته علیهم السلام.

المسألة الثالثة الملائكة في السنة المطهرة

وردت في السنة المطهّرة أحاديث كثيرة حول الملائكة تتحدث عن أشكالها

وأحجامها ومهامها وتسبيحها وأنها تتنزل على أهل البيت علیهم السلام وتتبرك بهم ومنها:

1-(الملائكة تستشفع بالنبي والعترة الطاهرة).

عن مجاهد، قال: قال ابن عباس: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول:

(إن لله تبارك وتعالى ملكا يقال له «دردائيل» كان له ستة عشر ألف جناح، ما

بين الجناح إلى الجناح هواء، والهواء كما بين السماء والأرض فجعل يوما يقول في

نفسه: أفوق ربنا جل جلاله شيء؟ فعلم الله تبارك وتعالى ما قال، فزاده أجنحة

مثلها، فصار له اثنان وثلاثون ألف جناح، ثم أوحى الله عزوجل إليه أن طر، فطار

مقدار خمسمائة عام، فلم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش، فلما علم الله عزوجل

إتعابه أوحى إليه: أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظيم فوق كل عظيم، وليس فوقي

شيء ولا أوصف بمكان فسلبه الله أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة، فلما ولد

الحسين علیه السلام هبط جبرئيل في ألف قبيل من الملائكة لتهنئة النبي صلی الله علیه و آله وسلم فمر بدردائيل

ص: 30


1- الأحزاب: 56
2- تفسير القمي، ج 2، ص 196

فقال له: سل النبي صلی الله علیه و آله وسلم بحق مولوده أن يشفع لي عند ربي، فدعا له النبي صلی الله علیه و آله وسلم بحق

الحسين علیه السلام فاستجاب الله دعاءه ورد عليه أجنحته، ورده إلى مكانه)(1).

فهذا الرواية تبين لنا عظمة أهل البيت علیهم السلام وأن منزلتهم تفوق الخلائق، فكما

شفع الله لآدم النبي علیه السلام بهذه الأسماء كذلك شفع الله لهذا الملك.

2- (اختلاف الملائكة من حيث الشكل).

عن الإمام الصادق علیه السلام:

(خلق الله الملائكة مختلفة، وقد رأى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم جبرئيل وله ستمائة جناح،

على ساقه الدر مثل القطر على البقل، قد ملأ ما بين السماء والأرض، وقال: إذا أمرالله ميكائيل بالهبوط إلى الدنيا صارت رجله اليمنى في السماء السابعة، والأخرى

في الأرض السابعة، وإن لله ملائكة أنصافهم من برد وأنصافهم من نار، يقولون:

يا مؤلف بين البرد والنار، ثبت قلوبنا على طاعتك، وقال: إن لله ملكا بعد ما بين

شحمة أذنه إلى عينيه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير، وقال: إن الملائكة لا يأكلون

ولا يشربون ولا ينكحون، وإنما يعيشون بنسيم العرش، وإن لله ملائكة ركعا إلى

يوم القيامة، وإن لله ملائكة سجدا إلى يوم القيامة، ثم قال أبو عبد الله علیه السلام: قال

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: ما من شيء خلقه الله أكثر من الملائكة، وإنه ليهبط في كل يوم وفي

كل ليلة سبعون ألف ملك، فيأتون البيت الحرام فيطوفون به، ثم يأتون رسول

الله صلی الله علیه و آله وسلم ثم يأتون أمير المؤمنين علیه السلام فيسلمون عليه، ثم يأتون الحسين فيقيمون عنده،

فإذا كان السحر وضع لهم معراج إلى السماء، ثم لا يعودون أبدا)(2).

إن الملائكة مختلفة الأشكال، فكل ملك أو طائفة من الملائكة تشبه شيئاً معيناً

ص: 31


1- بحار الأنوار، ج 56، ص 185، ح 27
2- تفسير القمي، ج 2، ص 206

من الخلق كالملك الذي يشبه الديك وقد تكون هنالك طائفة لا تشبه أي مخلوق

بل خلقها الله بخصوصية مختلفة كما هو الحال في الكائنات البحرية كالأسماك

والضفادع والحيتان والاخطبوط فكل له شكله الخاص.

وكذلك تختلف الملائكة بالحجم فإن لكل ملك حجم خاص وهنالك من

الملائكة ما يفوق حجم الأرض وهذا النوع هم جنس وليسوا بأفراد فكيف

نتصور سعة الكون الذي يستوعب هذا الكم الهائل من الملائكة من حيث العدد

والحجم أم أن الملائكة تتداخل فيما بينها فإن لم تتداخل فإن سعة الكون وامتداده

لا يصل له أي خيال)(1).

فهذه الملائكة لا يصفها الا الذي خلقها، لذا نجد أمير المؤمنين علیه السلام في أحد

خطبه يقول لمن يصف الله عزوجل:

(بَلْ إِنْ کُنْتَ صَادِقاً أَیُّهَا اَلْمُتَکَلِّفُ لِوَصْفِ رَبِّکَ فَصِفْ جِبْرِیلَ وَ مِیکَائِیلَ وَ جُنُودَ اَلْمَلاَئِکَهِ اَلْمُقَرَّبِینَ فِی حُجُرَاتِ اَلْقُدُسِ مُرْجَحِنِّینَ مُتَوَلِّهَهً عُقُولُهُمْ أَنْ یَحُدُّوا أَحْسَنَ اَلْخَالِقِینَ فَإِنَّمَا یُدْرَکُ بِالصِّفَاتِ ذَوُو اَلْهَیْئَاتِ وَ اَلْأَدَوَاتِ وَ مَنْ یَنْقَضِی إِذَا بَلَغَ أَمَدَ حَدِّهِ بِالْفَنَاءِ فَلاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَضَاءَ بِنُورِهِ کُلَّ ظَلاَمٍ وَ أَظْلَمَ بِظُلْمَتِهِ کُلَّ نُورٍ)(2).

3- (اختلاف الملائكة بالتسبيح).

عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام هل في السماء بحار؟ قال: نعم،

أخبرني أبي، عن أبيه عن جده علیهم السلام، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله:

(إن في السماوات السبع لبحارا عمق أحدها مسيرة خمسمائة عام، فيها ملائكة

قيام منذ خلقهم الله عزوجل، والماء إلى ركبهم، ليس فيهم ملك إلا وله ألف

ص: 32


1- ينظر موسوعة أهل البيت علیهم السلام الكونية، ج 3، ص 131
2- نهج البلاغة، الخطبة: 181، ج 2، ص 291

وأربعمائة جناح، في كل جناح أربعة وجوه، في كل وجه أربعة ألسن، ليس فيها

جناح ولا وجه ولا لسان ولا فم إلا وهو يسبح الله عزوجل بتسبيح لا يشبه نوع

منه صاحبه)(1).

نفهم من كلامه علیه السلام أن هذه الملائكة ثابتة لا تتغير أحوالها فهم قيام منذ خلقهم

الله، ولأحوال الملائكة مسألة خاصة سوف نبين فيها جميع أحوال الملائكة.

ونفهم أيضاً من كلامه علیه السلام أن الملائكة تختلف في التسبيح كما تختلف في

الأشكال، فهذا الملك له ألف وأربعمائة جناح، وكل جناح أربعة وجوه، وكل

وجه أربعة ألسن، وكل لسان يسبح الله عزوجل بتسبيح، لا يشبه نوع منه صاحبه؛

وهذا التسبيح هو نسيمهم، فهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون.

4- (الملائكة تتنزل على أهل البيت علیهم السلام وتزورهم وتتبرك بهم).

عن عبدالله بن حماد عن المفضل بن عمر قال:

(دخلت على أبي عبدالله علیه السلام، فبينا انا جالس عنده إذ أقبل موسى ابنه وفى رقبته

قلادة فيها ريش غلاظ فدعوت به فقبلته وضممته إلي، ثم قلت لأبي عبدالله علیه السلام

جعلت فداك أي شيء هذا الذى في رقبة موسى؟ فقال: هذا من اجنحة الملائكة،

قال فقلت وإنها لتأتينكم؟ قال: نعم انها لتأتينا وتتعفر في فرشنا وان هذا الذي في

رقبة موسى من اجنحتها)(2).

بما أن الملائكة لا ترى عند عامة الناس كونها خلقت من نور فبلا شك أن ريش الملائكة لا يرى أيضاً كون الملائكة أجسام لطيفة، فهذا الريش هو جزء

من جسم الملك، وقد يحول الله هذا النور وهذا الجسم اللطيف الى جسم مادي

ص: 33


1- التوحيد، الشيخ الصدوق، 281
2- المصدر نفسه

لبيان أمر مهم وهو أن الملائكة تزور الحجج وتتبرك بهم في حياتهم وكذلك

تخدمهم في مماتهم عند أضرحتهم وهذا الحديث يبين عظمة الأئمة علیهم السلام وأنهم أعلى

منزلة من الملائكة.

فعن أبي اليسع قال: دخل حمران بن أعين على أبي جعفر علیه السلام وقال له:

(جعلت فداك يبلغنا ان الملائكة تنزل عليكم فقال: ان الملائكة والله لتنزل

علينا تطأ فرشنا أما تقرأ كتاب الله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله، ثم استقاموا تتنزل

عليهم الملائكة ألّا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون)(1).

5- (خلق بعض الملائكة قبل خلق السماء).

عن عبد الواحد عمن حدثه عن معاذ بن جبل أنه قال:

(كنت رديف رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إذ رفع رأسه إلى السماء، فقال: الحمد لله الذي

يقضي في خلقه ما أحب، ثمَّ قال: يا معاذ قلت: لبيك يا رسول الله سيد المؤمنين، قال:

يا معاذ قلت له لبيك يا رسول الله إمام الخیر ونبي الرحمة، فقال أحدثك بحديث ما

حدث نبي أمته، إن حفظته نفعك عيشك، وإن سمعته ولم تحفظه انقطعت حجتك

عند الله، (ثمَّ قال): إن الله خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السماوات فجعل في كل

سماء ملكا قد جللها بعظمته وجعل على كل باب من أبواب السماوات ملكا بوابا

فيكتب الحفظة عمل العبد، وله نور كنور الشمس حتى إذا بلغ سماء الدنيا فتزكيه

وتكثره فيقول الملك الذي في السماء الدنيا: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه

أنا ملك الغيبة، فمن اغتاب لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري أمرني بذلك ربي،

قال: (ثمَّ قال: ثمَّ تجيء الحفظة من الغد ومعه عمل صالح فتزكيه وتكبره حتى

يبلغ السماء الثانية فيقول الملك الذي في السماء الثانية قفوا واضربوا بهذا العمل

ص: 34


1- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن، ص 113

وجه صاحبه وظهره إنما أراد بهذا غرض الدنيا أنا صاحب الدنيا لا أدع عمله

يجاوزني إلى غيري، (قال): ثمَّ يصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا بصدقة وصلاة فتعجب به الحفظة وتجاوزه السماء الثالثة فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل

وجه صاحبه وظهره، أنا ملك صاحب الكبر فيقول: إنه عمل وتكبر على الناس

في مجالسهم أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري، (قال): وتصعد الحفظة

بعمل العبد يزهر كالكوكب الدري في السماء، له دوي بالتسبيح والصوم والحج

فيمر به إلى السماء الرابعة فيقول لهم الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه

وبطنه، أنا ملك العجب أنه كان يعجب بنفسه وأنه عمل وأدخل نفسه العجب

أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري، (قال): وتصعد الحفظة بعمل العبد

كالعروس المزفوفة إلى أهلها فتمر به إلى ملك السماء الخامسة بالجهاد والصدقة ما

بين الصلاتين ولذلك العمل ضوء كضوء الشمس فيقول الملك: قفوا، أنا ملك

الحسد اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه ويحمله على عاتقه، إنه كان يحسد من يتعلم

أو يعمل لله بطاعته، وإذا رأى لأحد فضلا في العمل والعبادة حسد ووقع فيه،

فيحمله على عاتقه ويلعنه عمله (قال) وتصعد الحفظة فيتجاوز إلى السماء السادسة

فيقول الملك: قفوا، أنا صاحب الرحمة اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه واطمسوا

عينيه لأن صاحبه لم يرحم شيئا، إذا أصاب عبد من عباد الله ذنبا في الآخرة أو

ضرا في الدنيا شمت به، أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني (قال) وتصعد الحفظة

بعمل العبد بفقه واجتهاد وورع وله صوت كالرعد وضوء كضوء البرق ومعه

ثلاثة آلاف ملك فيمر بهم إلى ملك السماء السابعة، فيقول الملك: قفوا واضربوا

بهذا العمل وجه صاحبه، أنا ملك الحجاب أحجب كل عمل ليس لله إنه أراد

رفعة عند الفؤاد وذكرا في المجالس وصيتا في المدائن، أمرني ربي أن لا أدع عمله

يجاوزني إلى غيري ما لم يكن لله خالصا (قال) وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا

ص: 35

به من حسن خلق وصمت وذكر كثير تشيعه ملائكة السماوات والملائكة السبعة

بجماعتهم فيطؤون الحجب كلها حتى يقوموا بين يديه سبحانه فيشهدوا له بعمل

ودعاء فيقول: أنتم حفظة عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه إنه لم يردني بهذا

العمل عليه لعنتي فيقول الملائكة: عليه لعنتك ولعنتنا (قال) ثمَّ بكى معاذ وقال:

قلت يا رسول الله ما أعمل؟ قال اقتد بنبيك يا معاذ في اليقين قال: قلت أنت

رسول الله وأنا معاذ قال: فإن كان في عملك تقصير يا معاذ فاقطع لسانك عن

إخوانك وعن حملة القرآن ولتكن ذنوبك عليك لا تحملها على إخوانك ولا تزك

نفسك بتذميم إخوانك، ولا ترفع نفسك بوضع إخوانك، ولا تراء بعملك، ولا

تدخل من الدنيا في الآخرة ولا تفحش في مجلسك لكي يحذروك بسوء خلقك ولا

تناج برجل وأنت مع آخر ولا تتعظم على الناس فتنقطع عنك خيرات الدنيا، ولا

تمزق الناس فيمزقك كلاب أهل النار، قال الله تعالى: «وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً» أفتدري

ما الناشطات؟ إنها كلاب أهل النار تنشط اللحم والعظم، قلت: ومن يطيق هذه

الخصال؟ قال يا معاذ: إنه يسير على من يسر الله عليه، قال وما رأيت معاذا يكثر

تلاوة القرآن كما يكثر تلاوة هذا الحديث)(1).

6- (الملائكة تستغفر لفاعل الخير).

عن أبي جعفر علیه السلام قال:

(أيّما مؤمن عاد مؤمنا خاض الرحمة خوضا، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإذا

انصرف وكّل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له ويس حمترون عليه ويقولون:

طبت وطابت لك الجنة إلى تلك الساعة من غد، وكان له يا أبا حمزة خريف في

الجنة، قلت: ما الخريف جعلت فداك؟ قال زاوية: في الجنة يسير الراكب فيها

ص: 36


1- روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي، ج 2، ص 42 - 44

أربعين عاما)(1).

فمن وظائف الملائكة أنها تستغفر لفاعل الخير وهذا دليل على عصمتهم

كونهم مجردين من الذنوب، ولو كانوا يذنبون لاستغفروا لأنفسهم.

وقال علیه السلام:

(إذا تصدق الرجل بنية الميت أمر الله جبرئيل أن يحمل إلى قبره سبعين ألف

ملك، في يد كل ملك طبق فيحملون إلى قبره، ويقولون: السلام عليك يا ولي الله،

هذه هدية فلان بن فلان إليك فيتلألأ قبره وأعطاه الله ألف مدينة في الجنة، وزوجه

ألف حوراء، وألبسه ألف حلة، وقضى له ألف حاجة)(2).

ص: 37


1- المصدر نفسه، ج 1، ص 367
2- وسائل الشيعة (آل البيت)، ج 2، ص 445، ح 9

ص: 38

المبحث الثاني

الملائكة خلقهم، عددهم، سكنهم

ص: 39

ص: 40

المبحث الثاني الملائكة خلقهم، عددهم، سكنهم

في هذا المبحث نبين ثلاثة أمور مهمة، أولها بيان خلق الملائكة أي بيان معدنها

ومن أي شيء خلقها الله، وبما أنها بهذه الأعداد الهائلة كذلك علينا بيان كيفية

تكاثرهم، فهل الملائكة كالبشر وباقي المخلوقات الأخرى في عملية التكاثر أم

أن هنالك طريقة خاصة يخلقهم الله بها؟ وهل الملائكة سكان السماء فإذا كانوا

سكان السماء فلماذا تواجد بعض الملائكة في الأرض؟ فمن خلال هذا البحث

سيتم التعرف على جميع ما مر ذكره.

المسألة الأولى خلق الملائكة

قال الإمام علي علیه السلام:

(... خَلَقَ سُبْحَانَهُ لِإِسْكَانِ سَمَاوَاتِهِ وَعِمَارَةِ اَلصَّفِيحِ اَلْأَعْلَی(1) مِنْ مَلَكُوتِهِ

خَلْقاً بَدِيعاً مِنْ مَلاَئِكَتِهِ)(2).

ص: 41


1- الصفيح: السماء، ينظر: تاج العروس، الزبيدي، ج 4، ص 122
2- نهج البلاغة، تحقيق محمد عبده، خطبة الاشباح، ج 1، ص 148

قبل أن يخلق الله السماوات والأرضين والملائكة، خلق الله الرسول وعترته قبل

كل شيء وهذا ما ورد عن أهل البيت علیهم السلام كمثل ما نقل عن الإمام الباقر علیه السلام قال:

(يا جابر كان الله ولا شيء غيره ولا معلوم ولا مجهول، فأول ما ابتدأ من

خلق خلقه أن خلق محمدا صلی الله علیه و آله وسلم وخلقنا أهل البيت معه من نوره وعظمته، فأوقفنا

أظلة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا

شمس ولا قمر، يفصل نورنا من نور ربنا كشعاع الشمس من الشمس، نسبح

الله تعالى ونقدسه ونحمده ونعبده حق عبادته ثم بدا لله تعالى أن يخلق المكان،

فخلقه وكتب على المكان: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين

ووصيه، به أيدته ونصرته)(1).

وروي أيضاً عن علي بن محمد عن سهل عن محمد بن علي بن إبراهيم عن علي

بن حماد عن المفضل قال:

(قلت لأبي عبد الله علیه السلام كيف كنتم حيث كنتم في الأظلة فقال: يا مفضل كنا

عند ربنا ليس عنده أحد غيرنا في ظلة خضراء نسبحه ونقدسه ونهلله ونمجده

وما من ملك مقرب ولا ذي روح غيرنا حتى بدا له في خلق الأشياء فخلق ما شاء

كيف شاء من الملائكة وغيرهم ثم أنهى علم ذلك إلينا)(2).

ومثل هذه الروايتين كثير(3) مضمونها أن أهل البيت علیهم السلام خلقوا قبل

أن يخلق الله كل شيء، والغاية من ذكر هذه الروايات هو بيان أفضلية أهل

البيت علیهم السلام على جميع الخلق حيث خلقهم الله من نوره قبل أن يخلق الملائكة

والسماء وكل الموجودات.

ص: 42


1- مستدرك سفينة البحار، ج 2، ص 19
2- الكافي، ج 1، ص 441، ح 7
3- ينظر بحار الأنوار، ج 15، ص 10 ، باب(1) بدء خلقه صلی الله علیه و آله وسلم وما جرى له في الميثاق، وبدء نوره وظهوره

وبما أن الملائكة خلقوا من نور فلا بد لهذا النور من مصدر، وقد روي عن

النبي الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم أن الملائكة خلقوا من نور الإمام علي علیه السلام ومنها ما روي في تفسير

البرهان عن أنس بن مالك قال النبي لعمه العباس:

(... إن الله تعالى خلقني وعليا وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الله

تعالى آدم، حيث لا سماء مبنية، ولا أرض مدحية، ولا ظلمة ولا نور، ولا جنة

ولا نار، ولا شمس ولا قمر، قال العباس: وكيف كان بدء خلقكم، يا رسول

الله؟ قال: يا عم، لما أراد الله تعالى أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا، ثم تكلم

بكلمة فخلق منها روحا، فمزج النور بالروح، فخلقني وأخي عليا وفاطمة

والحسن والحسين، فكنا نسبحه حين لا تسبيح، ونقدسه حين لا تقديس، فلما

أراد الله تعالى أن ينشئ الصنعة فتق نوري، فخلق منه نور العرش، فنور العرش

من نوري، ونوري من نور الله، ونوري أفضل من نور العرش، ثم فتق نور أخي

علي بن أبي طالب، فخلق منه نور الملائكة، فنور الملائكة من نور علي، ونور

علي من نور الله، وعلي أفضل من الملائكة، ثم فتق نور ابنتي فاطمة، فخلق منه

نور السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي

فاطمة من نور الله عزوجل، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض، ثم

فتق نور ولدي الحسن، وخلق منه نور الشمس والقمر، فنور الشمس والقمر

من نور الحسن، ونور ولدي الحسن من نور الله، والحسن أفضل من الشمس

والقمر، ثم فتق نور ولدي الحسين، فخلق منه الجنة والحور العين، فنور الجنة والحور من نور ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور الله، وولدي الحسين

أفضل من الجنة والحور العين)(1).

فقد فضّل الله ملائكته على كثير من خلقه اذ خلقهم من نوره، وهذا التفضيل

ص: 43


1- البرهان في تفسير القرآن، ج 2، ص 126. مدينة المعاجز، السيد هاشم البحراني، ج 3، ص 223

لا يأتي الا باستحقاق، عن أبي عبد الله علیه السلام قال:

(إن الله تبارك وتعالى كان ولا شيء فخلق خمسة من نور جلاله، و [جعل]

لكل واحد منهم اسما من أسمائه المنزلة، فهو الحميد وسمى النبي محمدا صلی الله علیه و آله وسلم، وهو

الأعلى وسمي أمير المؤمنين عليا، وله الأسماء الحسنى فاشتق منها حسنا وحسينا،

وهو فاطر فاشتق لفاطمة من أسمائه اسما، فلما خلقهم جعلهم في الميثاق فإنهم عن

يمين العرش، وخلق الملائكة من نور، فلما أن نظروا إليهم عظموا أمرهم وشأنهم

ولقنوا التسبيح فذلك قوله: (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون)(1).

فمن مظاهر قدرة الله سبحانه وتعالى في خلق الملائكة أنه سبحانه خلقهم من

نور وزاد في خلقهم جمالاً وقوةً بأن جعل لهم أجنحة مثنى وثلاث ورباع وهذا يزيد

في عظمتهم واختلافهم عن باقي المخلوقات، فإن دقة المصنوع تدل على عظمة

الصانع، فالملائكة مخلوقات عظيمة وعجيبة فهي بأحجام مختلفة؛ حتى وصل الأمر

ببعضهم أن رأسه في العرش ورجله خرقت الأرضين السبع وعلى الرغم من أعداد

الملائكة وأحجامها الهائلة إلا أننا لا نقدر أن نراها فهي أجسام لطيفة، ففي خلق

الملائكة أسرار ولبيان عظيم خلق الملائكة نقف فيها على عدة نقاط:

أولاً: بديع خلق الملائكة:

قوله علیه السلام:

(خَلْقاً بَدِيعاً مِنْ مَلاَئِكَتِهِ).

فالملائكة هي أحد المخلوقات التي أبدع الخالق في انشائها؛ أي كما ابتدع الله

خلقا عجيباً من مختلف صور الأطيار وباقي الموجودات الأخرى كذلك أبدع

أيضاً في خلق الملائكة وهذا دليل على قدرته وعظمته في ايجاد الخلق، وقد أشار

ص: 44


1- تفسير فرات الكوفي، ص 56

الإمام علیه السلام الى بديع صنعة الله بقوله علیه السلام: (خَلْقاً بَدِيعاً مِنْ مَلاَئِكَتِهِ)، فلو فكرنا في

عظيم قدرة الله وبديع خلقه لدلتنا الدلائل على وجوده سبحانه، فقد روي في

كتاب التوحيد للشيخ الصدوق رحمه الله، عن زيد بن وهب، قال: سئل أمير

المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام عن قدرة الله تعالى جلت عظمته، فقام خطيبا فحمد

الله وأثنى عليه، ثم قال:

(إن لله تبارك وتعالى ملائكة لو أن ملكا منهم هبط إلى الأرض ما وسعته لعظم

خلقه وكثرة أجنحته، ومنهم من لو كلفت الجن والإنس أن يصفوه ما وصفوه

لبعد ما بين مفاصله وحسن تركيب صورته، وكيف يوصف من ملائكته من

سبعمائة عام ما بين منكبيه وشحمة أذنيه، ومنهم من يسد الأفق بجناح من أجنحته

دون عظم بدنه، ومنهم من السماوات إلى حجزته، ومنهم من قدمه على غير قرار في

جو الهواء الأسفل و الأرضون إلى ركبتيه، ومنهم من لو ألقي في نقرة إبهامه جميع

المياه لوسعتها، ومنهم من لو ألقيت السفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين،

فتبارك الله أحسن الخالقين)(1).

فالملائكة لها دموع إذا فهي أجسام ولو كشف الله للإنسان الحجب لرأى

الملائكة كما كان الأنبياء والأولياء والصالحون يرونها فيعرفون عظيم القدرة، عن

أبي جعفر علیها السلام في تفسير هذه الآية.

(عن هشام عن أبي عبد الله علیه السلام قال: كشط له عن الأرض ومن عليها وعن

السماء ومن فيها والملك الذي يحملها والعرش ومن عليه، وفعل ذلك برسول

الله صلی الله علیه و آله وسلم وأمير المؤمنين علیه السلام)(2).

ص: 45


1- التوحيد، الشيخ الصدوق، ص 278، ح 3
2- تفسير القمي، ج 1، ص 205

فقد يعجز الانسان عن التفكر بهذه المخلوقات التي من الصعب وصفها،

وهنالك إعجاز في تركيب بعض الملائكة؛ فسبحان من خلقها، حيث خلقها

من الثلج والنار وهما مادتان متضادتان، فعن الإمام الصادق (.. إن لله ملائكة

أنصافهم من برد وأنصافهم من نار)، جاء في موسوعة أهل البيت علیهم السلام الكونية (... أن النور تقع تحته أنواع عدة، وهذا يدفعنا إلى أن نتصور أن الملائكة خلقوا من

مركبات النور، مثلما أن الإنسان خلق من مركبات التراب، التي تتركب بدورها

من عدد كبير من العناصر، كالكاربون، والهيدروجين والحديد والأملاح ومن

العناصر التي توجد في التراب. وعليه فإن الملائكة يمكن أن يكونوا قد خلقوا من

أصل نوري مركب، وهذا يقودنا للبحث عن العلاقة بين النور والأجسام.

فقد أثبت العلم أن النور والأجسام وجهان لشيء واحد، فالإلكترونات

حين تنفجر تتحول إلى ضوء وحرارة، وهنالك أنواع من الأشعة ليست منفصلة

عن المادة بل هي ذات طبيعة مشتركة. والضوء عبارة عن فوتونات عرفت بأنها

جسيمات يقودها في سيرها مجال موجي، فهنالك أيضاً جسيمات تسلك وكأنها

أشعة، وهكذا فإن الفاصلة بين الجسيم والأشعة تتقلص ولكن هذا لا يعني أنها

تضيع تماماً، بل هنالك حدود تجعل لكل منها وجوده المستقل، لكن المهم في ذلك

أن «العالم كما تبين أخيراً، بدأ كله من فوتونات ثم تحولت هذه الفوتونات إلى كل

هذا الغنى الذي تحدثنا عنه»(1).

ومهما يكن فالملائكة أجسام شاهدتها الأنبياء وقد وصفها لنا أمير المؤمنين علیه السلام

في بعض خطبه وهذه الميزة قد خصها الله بأنبيائه وأوليائه، فمن كلام له علیه السلام في الرد

على كل من يصف الله قال علیه السلام:

ص: 46


1- موسوعة أهل البيت علیهم السلام الكونية، عبد الله الفريجي، ص 40

(بَلْ إِنْ کُنْتَ صَادِقاً أَیُّهَا اَلْمُتَکَلِّفُ لِوَصْفِ رَبِّکَ، فَصِفْ جِبْرِیلَ وَ مِیکَائِیلَ وَ جُنُودَ اَلْمَلاَئِکَهِ اَلْمُقَرَّبِینَ فِی حُجُرَاتِ اَلْقُدُسِ مُرْجَحِنِّینَ مُتَوَلِّهَهً عُقُولُهُمْ أَنْ یَحُدُّوا أَحْسَنَ اَلْخَالِقِینَ فَإِنَّمَا یُدْرَکُ بِالصِّفَاتِ ذَوُو اَلْهَیْئَاتِ وَ اَلْأَدَوَاتِ وَ مَنْ یَنْقَضِی إِذَا بَلَغَ أَمَدَ حَدِّهِ بِالْفَنَاءِ فَلاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَضَاءَ بِنُورِهِ کُلَّ ظَلاَمٍ وَ أَظْلَمَ بِظُلْمَتِهِ کُلَّ نُورٍ)(1).

فهذه الملائكة هي خلق من خلق الله عزوجل، لا يقدر الإنسان أن يصفها،

فكيف بالذي خلقها وخلق هذا الكون؟! روي في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق عن سلمان الفارسي رحمه الله في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع

مائة من النصارى بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم

أرشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فسأله عنها فأجابه، فكان فيما سأله

أن قال له: أخبرني عن وجه الرب تبارك وتعالى، فدعا الإمام علي علیه السلام بنار وحطب

فأضرمه؛ فلما اشتعلت قال الإمام علي علیه السلام: أين وجه هذه النار؟! قال النصراني:

هي وجه من جميع حدودها: قال علي علیه السلام: هذه النار مدبرة مصنوعة لا يعرف

وجهها، وخالقها لا يشبهها، (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله)(2).

ثانياً: تعدد اشكال الملائكة:

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

(وأَنْشَأَهُمْ عَىَ صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ وأَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ أُولِی أَجْنِحَةٍ تُسَبِّحُ

جَلَالَ عِزَّتهِ)(3).

ص: 47


1- نهج البلاغة، محمد عبده، ج 2، الخطبة: 181، ص 290
2- التوحيد، ص 182، ح 16
3- نهج البلاغة، خطبة الاشباح، ج 1، ص 148

إن الله سبحانه وتعالى خلق الملائكة مختلفة من حيث الشكل والحجم، فبعض

الملائكة له جناحان ومنهم ما زاد على ذلك، قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم:

(الملائكة على ثلاثة أجزاء: جزء له جناحان، وجزء له ثلاثة أجنحة وجزء له

أربعة أجنحة)(1).

وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم: قال: (خلق الله الملائكة من نور، وإن منهم لملائكة أصغر من

الذباب)(2).

قال تعالى في محكم كتابه الكريم:

«الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(3).

فالله سبحانه وتعالى خلق الملائكة بمختلف الأشكال والأحجام، وجعل

لكل واحد منهم مزايا خاصة وقوة وقدرة عجيبة.

قال الطبرسي رحمه الله (جاعل الملائكة رسلا) إلى الأنبياء بالرسالات والوحي

(أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) ... وإنما جعلهم أولي أجنحة، ليتمكنوا بها من

العروج إلى السماء، ومن النزول إلى الأرض، فمنهم من له جناحان، ومنهم من له

ثلاثة أجنحة، ومنهم من له أربعة أجنحة، عن قتادة قال: ويزيد فيها ما يشاء، وهو

قوله: (يزيد في الخلق ما يشاء)، قال ابن عباس، رأى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم جبرائيل ليلة

المعراج، وله ستمائة جناح، وهذا اختيار الزجاج، والفراء، وقيل: أراد بقوله (يزيد

في الخلق ما يشاء): حسن الصوت، عن الزهري، وابن جريج، وقيل: هو الملاحة

ص: 48


1- الكافي، ج 8، ص 272، ح 403
2- ميزان الحكمة، ج 4، ص 2930، كنز العمال، ج 6، ص 142
3- فاطر: 1

في العينين، عن قتادة، وروى أبو هريرة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال: (هو الوجه الحسن،

والصوت الحسن، والشعر الحسن)(1).

وعن الأصبغ بن نباتة، قال: جاء ابن الكواء إلى أمير المؤمنين علیه السلام فقال:

(يا أمير المؤمنين والله إن في كتاب الله عزوجل لآية قد أفسدت علي قلبي

وشككتني في ديني، فقال له الإمام علي علیه السلام: ثكلتك أمك وعدمتك وما تلك

الآية؟ قال: قول الله تعالى:

«وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ»(2).

فقال له أمير المؤمنين علیه السلام: يا ابن الكواء إن الله تبارك وتعالى خلق الملائكة في

صور شتى، إلا أن لله تبارك وتعالى ملكا في صورة ديك أبلج أشهب، براثنه في

الأرض السابعة السفلي وعرفه مثني تحت العرش، له جناحان جناح في المشرق

وجناح في المغرب واحد من نار وآخر من ثلج، فإذا حضر وقت الصلاة قام على

براثنه ثم رفع عنقه من تحت العرش، ثم صفق بجناحيه كما تصفق الديوك في

منازلكم، فلا الذي من النار يذيب الثلج ولا الذي من الثلج يطفئ النار، فينادي

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا سيد النبيين وأن وصيه

سيد الوصيين، وأن الله سبوح قدوس رب الملائكة والروح، قال: فتخفق الديكة

بأجنحتها في منازلكم، فتجيبه عن قوله وهو قوله تعالى (والطير صافات كل قد

علم صلاته وتسبيحه) من الديكة في الأرض)(3).

فهذا الملك يشبه الديك وهذا يدفعنا على أن نتصور أن من الملائكة ما يشبه

ص: 49


1- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 8، ص 231
2- النور: 41
3- التوحيد، الشيخ الصدوق، ص 282

بعض الطيور الاخرى وكذلك منها ما يشبه البشر، وعن أبي عبد الله علیه السلام في خبر

المعراج قال: النبي صلی الله علیه و آله وسلم:

(.. قال: ثم مررنا بملائكة من ملائكة الله عزوجل، خلقهم الله كيف شاء،

ووضع وجوههم كيف شاء...)(1).

وإن بعض الملائكة لا تحتاج الى قوة جسمانية كالكرام الكاتبين أما بعض

الملائكة التي خلقها الله سبحانه بهيئات كبيرة لما لها من مسؤولية كبيرة تختلف عن

غيرها كحملة العرش فقد روي عن أبي عبد الله علیه السلام، قال:

(ان حملة العرش لما ذهبوا ينهضون بالعرش لم يستقلوه فألهمهم الله "لا حول

ولا قوة الا بالله" فنهضوا به..)(2).

ولو تتبعنا كلام أمير المؤمنين علیه السلام في الرواية السابقة نجد أن للنور أشكالاً

مختلفة وليس شكلاً واحداً وهذا ما بيّنه الإمام بقوله علیه السلام:

(له جناحان جناح في المشرق وجناح في المغرب واحد من نار وآخر من ثلج).

أي كما أن البشر جميعهم مخلوقون من الطين إلا أنهم مختلفون، فصنف أبيض،

وصنف أسود، وصنف أشقر وهكذا، كذلك النور فالله خلق الملائكة من نور

ولكنه سبحانه خلق النور بعدة أشكال فهذا يشبه الثلج وهذا يشبه النار، وهذا

النوع من الملائكة ليس فرداً وإنما هنالك جنس من الملائكة خلقهم الله بهذا

الشكل(3)، فعن أبي عبد الله علیه السلام قال:

(... إن لله ملائكة أنصافهم من برد وأنصافهم من نار يقولون يا مؤلفا بين

ص: 50


1- تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب، ج 7، ص 313، البرهان، ج 3، ص 476
2- الخصال، ج 1، ص 41، ح 53
3- ينظر موسوعة أهل البيت علیهم السلام الكونية، ج 3، ص 123

البرد والنار ثبت قلوبنا على طاعتك)(1).

فهذا الجنس من الملائكة خلق الله أنصافهم من برد والنصف الآخر من نار،

فكيف تجتمع النار مع الثلج في جسم واحد فسبحان الله أحسن الخالقين.

وقال أبو جعفر علیه السلام:

(ان الله خلق إسرافيل وجبرائيل وميكائيل من تسبيحة واحدة وجعل لهم

السمع والبصر وجودة العقل وسرعة الفهم)(2).

فالآيات والروايات التي وردت بخصوص الملائكة تؤكد أن الملائكة متعددة

الأشكال وليس لها شكل واحد، والملائكة تسمع وترى وتعقل بل جعل الله لها

فهماً وادراكاً عجيباً، حيث تتلقى الأوامر بشكل سريع، ثم تعمل به بلا زيادة ولا

نقصان.

والملائكة قادرة على أن تغير في أشكالها بإذن الله، قال الامام الصادق علیه السلام:

(خلق الله الملائكة مختلفة، وقد رأى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم جبرئيل وله ستمائة جناح

على ساقه الدر مثل القطر على البقل، قد ملأ ما بين السماء والأرض)(3).

جاء في تفسير الأمثل، قال بعض: إنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم قد رأى جبرائيل علیه السلام في صورته

الحقيقية مرّتين، الأولى عند بداية البعثة النبوية المباركة، حيث ظهر له في الأفق

الأعلى وقد غطى الشرق والغرب حتى بُر النبيّ بعظمة هيئته، والثّانية رآه عند

معراجه إلى السماوات العُلى واعتبروا الآية المبحوثة إشارة لتلك الرؤيتين)(4).

ص: 51


1- تفسير القمي، ج 2، ص 206
2- تفسير القمي، ج 2، ص 207
3- المصدر نفسه، ج 2، ص 206
4- تفسير الأمثل، ج 19، ص 465

فذاك الجسم الكبير الذي انبهر به الرسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم يتحول بلحظات الى

حجم الآدمي ومن شواهد ذلك قوله تعالى:

«فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا»(1).

وحينما أراد الله سبحانه أن يهلك قوم لوط أهبط إليهم جبرائيل والملائكة معه

وكانوا بأحسن صورة الآدميين، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال: لما جاءت

الملائكة في هلاك قوم لوط، مضوا حتى أتوا لوطا، وهو في زراعة له قرب المدينة

فسلموا عليه، فلما رآهم رأى هيئة حسنة وعليهم ثياب بيض وعمايم بيض، فقال

لهم: المنزل، قالوا: نعم فتقدمهم ومشوا خلفه، فندم على عرضه عليهم المنزل،

فالتفت إليهم فقال إنكم تأتون شرارا من خلق الله، وكان جبرئيل قد قال الله له

لا تعذبهم حتى تشهد عليهم ثلاث شهادات، فقال جبرئيل: هذه واحدة ثم مشى ساعة فقال: انكم تأتون شرارا من خلق الله، فقال هذه اثنتان، ثم مشى، فلما بلغ

المدينة التفت إليهم فقال: انكم تأتون شرارا من خلق الله، فقال جبرئيل: هذه

ثلاث، ثم دخل ودخلوا معه منزله فلما أبصرت بهم امرأته أبصرت هيئة حسنة،

فصعدت فوق السطح، فصفقت فلم يسمعوا، فدخنت فلما رأوا الدخان أقبلوا

يهرعون إليه حتى وقفوا بالباب، فقال لوط: (فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي) ثم

كابروه حتى دخلوا عليه قال: فصاح جبرئيل يا لوط دعهم يدخلوا قال: فدخلوا

فأهوى جبرئيل إصبعيه) وهو قوله تعالى: (فطمسنا أعينهم) ثم قال جبرئيل: (انا

رسل ربك لن يصلوا إليك)(2).

ص: 52


1- مريم: 17 - 18
2- قصص الأنبياء، قطب الدين الراوندي، ص 122 - 123

ثالثاً: الملائكة اجسام لطيفة:

(لقد نصت الأحاديث على أن الملائكة ذوو أجسام، وأنها مكونة من نور

وهذا هو الذي جعل البعض يقولون أنهم أجسام لطيفة بدون تحديد دقيق لما

تعنيه، فإن كان النظر إلى كونهم غير مرئيين من قبل البشر فإن اللطافة تعني عدم

قدرة الأعصاب البصرية على تحسس الأطوال الموجية التي تصدر عنهم، أو أنه لا

تصدر عنهم أطوال موجية، أو إذا كان المقصود هو قدرتهم على التشكيل بأشكال

غير محددة، فإن هذا معارض بالأحاديث التي تؤكد وجود أجزاء ومفاصل

وأحياء ثابته، ولهذا يمكن أن يكون تقبل التغيير المؤقت وتعود من جديد إلى

وضعها السابق كالأجسام المطاطية.

وقد يكون المقصود بها أنها غير متحيزة، أو أنها قابلة للتداخل فيمكن أن

يشغل اثنين منها أو أكثر حيزاً واحداَ بما يشبه السحابة من النور، وليس بالضرورة

أن تكون محكومة بالقوانين المعروفة لدينا، ولعلها فقط تكون كذلك حين تهبط الى السماء الدنيا، حيث تراعي في وجودها قوانين المادة، ولهذا يمكن تصور حالة تشبه

التي تَحَدَّثَ عنها انشتاين في نظريته النسبيتة، إذ لا يكون المكان والزمان مستقلين

عن المادة، ولهذا يمكن افتراض حيز خاص مختلف عن الحيز الذي يحكم المادة

لدينا، أما اذا قلنا أن الضوء أو النور هو ليس هذا النور الذي ينتمي الى مادتنا بل

هو مجرد تقريب للتصور وفي هذه الحالة علينا أن نفترض أن النور الذي أوجد

الملائكة هو نور آخر لا يمكن لنا الحديث عنه إلا بصورة تقريبية.

أما لو كانت من نفس النور، فإننا ففي هذه الحالة لا بد من افتراض وجود

طبقة من الوجود تختلف في احكامها، فمثلاً إن النور يمكنه أن يعبر من الذرة،

وهكذا يمكن له أن يتخلل المادة دون أن يتضرر أو يوقع ضرراً بالمادة خصوصاً

ص: 53

اذا افترضنا أن العالم ما دون الذرة أو ما دون الاجرام الذرية يحتفظ بفضاء كذلك

يتيح للأجرام الصغيرة جداً العبور ببساطة خصوصاً اذا افترضنا أن المجال الذي

يربط بين أجزاء الملك أقوى من المجالات بحيث لا ينتهي إلى تفكك أحدهما)(1).

رابعاً: كيفية خلق الملائكة:

إن مخلوقات الله منها جسمانية، كالبشر وغيرها من المخلوقات الاخرى،

ومنها نورانية كالملائكة، والله سبحانه وتعالى حينما خلق الإنسان جعله في مراحل

وهذا ما أشارت إليه الآية في سورة المؤمنون، قال تعالى:

«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»(2).

قال: رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

(خلق الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما

وصف لكم)(3).

فالله سبحانه لم يخلقهم عن طريق الأصلاب والأرحام لأنهم خلقوا من نور،

فهم يختلفون عن جنس البشر وغيرها من المخلوقات الاخرى، قال الإمام علي علیه السلام

في وصف الملائكة:

(لم يسكنوا الأصلاب ولم يضمنوا الأرحام، ولم يخلقوا من ماء مهين)(4).

ص: 54


1- موسوعة أهل البيت علیهم السلام الكونية، ج 3، ص 386 - 387
2- المؤمنون، 12 - 14
3- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 4، ص 2930. كنز العمال، ج 6، ص 136
4- نهج البلاغة، ج 1، خطبة: 109، ص 182

فالملائكة لا يتكاثرون كما يتكاثر بنو البشر عن طريق الجماع ولم يمروا بعالم

الأصلاب والأرحام ولم يخلقوا من نطفة؛ فهم يختلفون إطلاقا عن بقية الموجودات

حتى في الغذاء، وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق علیه السلام إذ قال:

(إن الملائكة لا يأكلون، ولا يشربون، ولا ينكحون، وإنما يعيشون بنسيم

العرش)(1).

وكون الملائكة لم يمروا في عالم الأصلاب والأرحام، ولم يخلقوا من ماء؛ فهذا

يدفعنا الى سؤال، وهو كيف يكون خلق الملائكة، فهل خلقهم الله بكن أم هنالك

طريقة اخرى؟

ورد في بعض الاحاديث، أن هنالك طريقة في خلق الملائكة، ومنها ما روي عن الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم قال إن في الجنة لنهرا ما يدخله جبريل من دخلة فيخرج

فينتفض إلا خلق الله من كل قطرة تقطر ملكا * وأخرج أبو الشيخ عن أبي العلاء

ابن هارون قال: لجبريل في كل يوم انغماسة في نهر الكوثر ثم ينتفض؛ فكل قطرة

يُخلق منها ملك)(2).

وعن أبي جعفر علیه السلام قال:

(إن في الجنة نهرا يغتمس فيه جبرئيل علیه السلام كل غداة ثم يخرج منه فينتفض؛

فيخلق الله عزوجل من كل قطرة تقطر منه ملكا)(3).

جاء في شرح أصول الكافي (فينتفض) أي: يتحرك ليزيل ما عليه من الماء

يقال نفض الثوب إذا حركه لينتفض، (يخلق الله من كل قطرة يقطر منه ملكا)

ص: 55


1- تفسير القمي، ج 2، ص 206
2- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي، ج 1، ص 93
3- الكافي، ج 8، ص 272، ح 404

الظاهر أن هذا من خواص جبرئيل علیه السلام، وأنه تعالى يخلق بعض الملائكة من شيء

وبعضها لا من شيء، يخلق الله ما يشاء كيف يشاء ويفعل ما يريد)(1).

المسألة الثانية كثرة الملائكة

بينا في المسألة الأولى من هذا البحث خلق الملائكة وفي هذه المسألة نبيّن

للقارئ الكريم كثرة الملائكة قال أمير المؤمنين علیه السلام:

(ثم خلق سبحانه..... وَمَلأَ بِهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا وَحَشَا بِهِمْ فُتُوقَ أَجْوائِها وَبَیْنَ فَجَواتِ تِلْکَ الْفُرُوجِ زَجَلُ الْمُسَبِّحِینَ مِنْهُمْ فِی حَظائِرِ الْقُدُسِ وَسُتُراتِ الْحُجُبِ وَسُرادِقاتِ الْمَجْدِ وَوَراءَ ذَلِکَ الرَّجِیجِ الَّذِی تَسْتَکُّ مِنْهُ الْأَسْماعُ سُبُحاتُ نُورٍ تَرْدَعُ الْأَبْصارَ عَنْ بُلُوغِها فَتَقِفُ خاسِئَهً عَلَی حُدُودِها)(2).

المعنى اللغوي:

(فروج: الفُرُوج: يعني الثُّغُور(3)، فِجَاجِهَا، الفج: الطريق الواسع في قبل

جبل ونحوه، ويجمع فجاجا(4)، فُتُوق، فتق: الفَتْق: الشق، والجمع فُتُوق(5)،زجل، الزجل: رفع الصوت(6)، حَظَائِر، الحَظِيرة: الحُجْرة(7)،القدس بسكون

ص: 56


1- شرح اصول الكافي، مولى محمد صالح المازندراني، ج 12، ص 384
2- نهج البلاغة، خطبة الأشباح، ج 1، ص 149
3- لسان العرب، ج 2، ص 342
4- لسان العرب، ج 6، ص 24
5- ينظر لسان العرب، ج 10، ص 296
6- العين، ج 6، ص 67
7- المخصص، ج 1، ص 136

الدال وضمها الطهر اسم ومصدر ومنه قيل للجنة حظيرة القدس(1)، وَسُتُرَاتِ

السترة: ما استترت به من شيء كائنا ما كان، وهو الستار والستارة(2)، اَلْحُجُبِ

الحجب: كل شيء منع شيئا من شيء فقد حجبه حجبا(3)،السرادق: واحد

السرادقات التي تمد فوق صحن الدار، وكل بيت من كرسف فهو سرادق(4)،

اَلرَّجِيجِ، رج الراء والجيم أصل يدل على الاضطراب(5)، سك: السين والكاف

أصل مطرد يدل على ضيق وانضمام وصغر من ذلك السكك وهو صغر الأذن

وهذه أذن سكاء ويقال استكت مسامعه إذا صمت)(6).

يتوضح لنا من كلام الإمام علیه السلام، أن أعداد الملائكة كثيرة بحيث لا تقاس

مع أعداد البشر ولا الشجر، ولا أي شيء في الوجود، وجاء في بعض الروايات

الواردة عن أهل البيت علیهم السلام أن عددهم لا يقاس حتى مع الذر، عن حماد بن عيسى

قال: سأل رجل أبا عبد الله علیه السلام فقال:

(الملائكة أكثر أو بنو آدم؛ فقال: والذي نفسي بيده لملائكة الله في السماوات أكثر

من عدد التراب، وما في السماء موضع قدم إلا وفيه ملك يقدس له ويسبح، ولا في

الأرض شجرة ولا مثل غرزة إلا وفيها ملك موكل بها، يأتي كل يوم بعملها والله

أعلم بها، وما منهم واحد إلا ويتقرب إلى الله في كل يوم بولايتنا أهل البيت ويستغفر

ص: 57


1- مختار الصحاح، ص 271
2- العين، ج 7، ص 236
3- المصدر نفسه، ج 3، ص 86
4- الصحاح، ج 4، ص 1496
5- معجم مقاييس اللغة، ج 2، ص 384
6- المصدر نفسه، ج 3، ص 58

لمحبينا ويلعن أعداءنا ويسأل الله أن يرسل عليهم من العذاب إرسالا)(1).

فلا يستطيع أحد أن يحصي ملائكة السماء والأرض إلا الله، قال تعالى:

«وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ»(2).

وقال أمير المؤمنين علیه السلام:

(ليس في أطباق السماء موضع إهاب(3) إلا وعليه ملك ساجد، أو ساع حافد)(4).

فالله سبحانه وتعالى ملأ السماوات السبع والأرضين بعدد هائل من ملائكته،

فعن أبي عبد الله علیه السلام قال:

(ليس خلق أكثر من الملائكة، إنه لينزل كل ليلة من السماء سبعون ألف ملك

فيطوفون بالبيت الحرام ليلتهم وكذلك في كل يوم)(5).

وعن داود الرقي، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول:

(ما خلق الله خلقا أكثر من الملائكة)(6).

فما من مكان إلا ووضع الله فيه ملكاً يسبحه حتى في الغمام، وهذا الصنف

من الملائكة قد يشبه خلقة الغمامة، وهو موظف لنشر السحاب وهطول الأمطار،

قال تعالى:

«فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا»(7).

ص: 58


1- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ، ص 89، ح 9
2- المدثر: 31
3- إهاب: أي طبقاتها المختلفة. توضيح نهج البلاغة السيد محمد الحسيني الشيرازي، ج 2، ص 70
4- نهج البلاغة، خطبة الأشباح، ج 1، ص 151
5- الكافي، ج 8، ص 272، ح 402
6- كامل الزيارات، ص 224
7- المرسلات: 1 - 3

جاء في تفسير الميزان و «الصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا»

وآيات مفتتح سورة المرسلات: «والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات

نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا» وهي تصف الملائكة في امتثالهم لأمر الله غير

أنها تصف ملائكة الوحي، والآيات في مفتتح هذه السورة تصف مطلق الملائكة

في تدبيرهم أمر العالم بإذن الله)(1).

وكذلك توجد الملائكة في الجبال، وهذا ما أشار إليه الإمام علیه السلام بدعائه:

(والقوّام على خزائن الرياح والموكّلين بالجبال فلا تزول).

وليس فقط في الجبال وحتى في الظلام الدامس الذي لا يرى منه شيء، عن

أبي ذر رضی الله عنه قال:

(قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إني أرى مالا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطت

السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربعة أصابع، إلا وملك واضع جبهته لله

ساجدا، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا؛ ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم

بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. لوددت أني كنت

شجرة تعضد)(2).

بيان: (أطت السماء «قال في النهاية: الأطيط صوت الأقتاب، وأطيط الإبل

أصواتها وحنينها، أي إن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت، وهذا مثل

وإيذان بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثم أطيط، وإنما هو كلام تقريب أريد منه تقرير

عظمة الله، وقال: الصعدات: الطرق، جمع صعد، وصعد جمع صعيد كطريق

وطرق وطرقات وقيل: هي جمع» صعدة؛ كظلمة وهي فناء باب الدار و ممر الناس

ص: 59


1- تفسير الميزان، ج 20، ص 181
2- بحار الأنوار، ج 56، ص 199

بين الأندية)(1).

وقيل (حول العرش سبعون ألف صنف من الملائكة، يطوفون به مهلَّلين

مكبّرين، ومن ورائهم سبعون ألف صفّ قيام، قد وضعوا أيديهم على عواتقهم،

رافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير، ومن ورائهم مائة ألف صفّ قد وضعوا

الأيمان على الشمائل، ما منهم أحد إلَّا وهو يسبّح بما لا يسبّح به الآخر)(2).

وروي في بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله (أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم حين عرج

به رأى الملائكة في موضع بمنزلة سوق بعضهم يمشي تجاه بعض، فسأل رسول

الله صلی الله علیه و آله وسلم عنهم إلى أين يذهبون؟ فقال جبرئيل علیه السلام: لا أدري إلا أني أراهم منذ

خلقت، ولا أرى واحدا منهم قد رأيته قبل ذلك، ثم سألوا واحدا منهم، وقيل

له: منذ كم خلقت؟ فقال: لا أدري غير أن الله تعالى يخلق كوكبا في كل أربعمائة

ألف سنة، فخلق مثل ذلك الكواكب منذ خلقني أربعمائة ألف كوكب)(3).

(ان كثرة الملائكة لم تبلغ حدا يمكن تصوره تفصيلا أو إجمالا، ولهم طبقات

وأصناف: منها: طبقات الملائكة الأرضية ومنها الملائكة السماوية. ومنها: حملة

العرش العظيم ومنها: المسلسلون. ومنها: المهيمنون.. وغير ذلك مما لم نسمع

اسمهم ورسمهم، ولا يحيط بهم إلا الله - سبحانه - فكل صنع من صنائع الله في

الأرض والسماء لا يخلو عن ملك أو ملائكة موكلين به. فانظر كيف وكلهم الله بك

فيما يرجع إلى الأكل والاغتذاء الذي كلامنا فيه، دون ما يجاوز، وذلك من صنائع

الله وأفعاله، ومن الوحي إلى الأنبياء والهداية والإرشاد وغيرها، فإن استقصاء

ص: 60


1- المصدر نفسه
2- زبدة التفاسير، الملى فتح الله الكاشاني، ج 6، ص 117
3- بحار الأنوار، ج 56، ص 206

ذلك ليس من مقدورات البشر. فنقول: إن كل جزء من أجزاء بدنك، بل من

أجزاء النبات، لا يغتذي إلا بأن يوكل به سبعة من الملائكة، هم أقل الأعداد إلى

عشرة إلى مائة، إلى أكثر من ذلك بمراتب)(1).

المسألة الثالثة مساكن الملائكة

حينما فتق الله السماوات السبع خلق فيها هذه المخلوقات الكريمة الطاهرة

المنزهة عن الخطأ والمنغمسة بالطاعة والعبادة لله الواحد الأحد، حيث أسكنهم

هذه السماوات كي تسبحه وتقدسه.

فالأصل من سكن الملائكة هي السماء، وإن كان هنالك من الملائكة ما يسكن

الأرض؛ فهذا لا ينافي قولنا؛ لأننا نتحدث عن الأصل من سكنهم، وإنما تواجد

بعض منهم في الأرض ليؤدوا بعض المهام التي كلفهم الله بها، كالكرام الكاتبين،

والحفظة وغيرهم، فالملائكة على طوائف مختلفة.

الطائفة الأولى: سكان السماء.

فهذه الطائفة من الملائكة هم سكان السماء الثابتون الذين لا يبرحون أماكنهم

اطلاقاً، قال علیه السلام:

(مِنْ مَلاَئِكَةٍ أَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ وَرَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ)(2).

فهؤلاء هم سكنة السماء لا يهبطون الى الأرض، ومنهم من يسكن السماء الأولى،

ومنهم يسكن الثانية حتى السماء السابعة ومنهم حملة العرش، فقد روي عن ميسرة

قال: (إنّ حملة العرش ارجلهم في الأرض السفلى، ورؤوسهم قد خرقت العرش

ص: 61


1- جامع السعادات، ج 3، ص 212
2- نهج البلاغة، الخطبة: 109، ج 1، ص 182

وهم خشوع لا يرفعون طرفهم، وهم أشدّ خوفا من أهل السّماء السّابعة، وأهل

السّماء السّابعة أشدّ خوفا من أهل السّماء السّادسة، وهكذا إلى سماء الدنيا)(1).

وروي عن ابن عباس أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم خرج على أصحابه، فقال: (ما جمعكم

فقالوا: اجتمعنا نذكر ربنا ونتفكر في عظمته، فقال: لن تدركوا التفكر في عظمته! ألا

أخبركم ببعض عظمة ربكم؟ قيل: بلى يا رسول الله قال: إن ملكا من حملة العرش

يقال له (إسرافيل) زاوية من زوايا العرش على كاهله، قدماه في الارض السابعة

السفلى، ورأسه في السماء السابعة العليا، في مثله من خليقة ربكم تبارك وتعالى)(2).

وجاء في قوله تعالى:

«قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا»(3).

أي: ساكنين قاطنين (لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) منهم، عن

الحسن، وقيل: معناه مطمئنين إلى الدنيا ولذاتها، غير خائفين، ولا متعبدين بشرع،

لأن المطمئن: من زال الخوف عنه)(4).

فقوله:

«لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ»

هذا يدل على عدم اطمئنان الملائكة في الأرض لأن السكن الحقيقي للملائكة

ص: 62


1- تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم، السيد حيدر الآمالي، ج 2، ص 247. الدر المنثور،ج 5، ص 374
2- الدر المنثور، ج 5، ص 347. بحار الانوار، ج 55، ص 20، ح 30
3- الإسراء: 95
4- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 6، ص 294

هي السماء وقد يكون عدم اطمئنانهم بسبب ذنوب العباد لأن الملائكة معصومون

لا يوجد فيهم عاصٍ.

عن أبي عبد الله علیه السلام في خبر المعراج قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: وصعد جبرائيل،

وصعدت معه إلى السماء الدنيا، وعليها ملك يقال له «إسماعيل» وهو صاحب

الخطفة الذي قال الله عز وجل «إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب» وتحته

سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك، ثم مررت - وساق الحديث

إلى قوله - حتى دخلت السماء الدنيا؛ فما لقيني ملك إلا ضاحكا مستبشرا، حتى

لقيني ملك من الملائكة لم أر خلقا أعظم منه، كريه المنظر ظاهر الغضب فقلت:

من هذا يا جبرئيل؟ قال: هذا مالك خازن النار - ثم ساق الحديث إلى قوله - ثم

مررت بملك من الملائكة جالس على مجلس وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه، وإذا

بيده لوح من نور مكتوب فيه كتاب ينظر فيه، لا يلتفت يمينا ولا شمالا، مقبلا

عليه كهيئة الحزين، فقلت: من هذا يا جبرئيل؟ فقال: هذا ملك الموت، فقال

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ثم رأيت ملكا من الملائكة جعل الله أمره عجيبا، نصف جسده

النار والنصف الآخر ثلج، فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار، وهو

ينادي بصوت رفيع ويقول: سبحان الذي كف حر هذه النار؛ فلا تذيب الثلج،

وكف برد هذا الثلج فلا يطفئ حر هذه النار، اللهم يا مؤلف بين الثلج والنار،

ألف بين قلوب عبادك المؤمنين؛ فقلت: من هذا يا جبرئيل؟ فقال: ملك وكله

الله بأكناف السماء وأطراف الأرضين، وهو أنصح ملائكة الله لأهل الأرض

من عباده المؤمنين، يدعو لهم بما تسمع منذ خلق، ورأيت ملكين يناديان في

السماء: أحدهما يقول: اللهم أعط كل منفق خلفا، والآخر يقول: اللهم أعط

كل ممسك تلفا، ثم مررنا بملائكة من ملائكة الله عزوجل خلقهم الله كيف

شاء، ووضع وجوههم كيف شاء، ليس شيء من أطباق أجسادهم، إلا وهو

ص: 63

يسبح الله ويحمده من كل ناحية بأصوات مختلفة، أصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله، فسألت جبرئيل عنهم، فقال: كما ترى خلقوا، إن الملك

منهم إلى جنب صاحبه ما كلمه كلمة قط، ولا رفعوا رؤوسهم إلى ما فوقها،

ولا خفضوها إلى ما تحتها، خوفا لله وخشوعا، ثم صعدنا إلى السماء الثانية فإذا

فيها من الملائكة وعليهم الخشوع، وقد وضع الله وجوههم كيف شاء ليس

منهم ملك إلا يسبح الله ويحمده بأصوات مختلفة، وكذا السماء الثالثة ثم صعدنا

إلى السماء الرابعة وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات؛ فبشروني

بالخير لي ولأمتي، ثم رأيت ملكا جالسا على سرير، وتحت يديه سبعون ألف

ملك، تحت كل ملك سبعون ألف ملك - وساق الحديث إلى قوله - ثم صعدنا

إلى السماء السابعة. قال: ورأيت من العجائب التي خلق الله وصور على ما

أراده ديكا، رجلاه في تخوم الأرضين السابعة، ورأسه عند العرش، وهو ملك

من ملائكة الله، خلقها الله كما أراد، رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ثم أقبل

مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة، وانتهى فيها مصعدا حتى انتهى

قرنه إلى قرب العرش وهو يقول: سبحان ربي حيث ما كنت لا تدري أين ربك

من عظم شأنه وله جناحان في منكبيه إذا نشرهما جاوز المشرق والمغرب، فإذا

كان في السحر نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح يقول: سبحان الله

الملك القدوس، سبحان الله الكبير المتعال لا إله إلا الله الحي القيوم، وإذا قال

ذلك سبحت ديوك الأرض كلها، وخفقت بأجنحتها وأخذت بالصراخ، فإذا

سكت ذلك الديك في السماء سكنت ديوك الأرض كلها، ولذلك الديك زغب

أخضر، وريش أبيض كأشد بياض رأيته قط، وله زغب أخضر أيضا تحت ريشه

ص: 64

الأبيض كأشد خضرة رأيتها قط)(1).

الطائفة الثانية: (سكان الأرض).

بما أن الملائكة مسؤولة عن إدارة أعمال الكون فقد وكل الله تعالى بكل ملك مهمة خاصة وهذه المهمة تحدد مكانه؛ كالملائكة الموكلين على الجبال والتلال

وغيرها، قال أمير المؤمنين علیه السلام في خطبة الأشباح:

وَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي خَلْقِ الْغَمَامِ الدُّلَّحِ(2)، وَ فِي عِظَمِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ(3)، وَ فِي قَتْرَةِ الظَّلاَمِ(4) الْأَيْهَمِ(5)، وَ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ(6) الْأَرْضِ السُّفْلَي، فَهِيَ كَرَايَاتٍ بِيضٍ، قَدْ نَفَذَتْ فِي مَخَارِقِ الْهَوَاءِ(7)، وَ تَحْتَهَا رِيحٌ هَفَّافَةٌ(8)، تَحْبِسُهَا عَلَي حَيْثُ انْتَهَتْ مِنَ الْحُدُودِ الْمُتَنَاهِيَةِ)(9).

ص: 65


1- بحار الأنوار، ج 56، ص 173
2- اَلدُّلَّح: دلح البعير فهو دالح إذا تثاقل في مشيه من ثقل الحمل، والسحابة تدلح في سيرها من كثرة مائها، كأنما تنخزل انخزالا، العين، ج 3، ص 183
3- اَلشُّمَّخ، شمخ: جبل شامخ طويل في السماء، ويجمع: شوامخ، وقد شمخ شموخا، وشمخ فلان بأنفه، وشمخ أنفه، إذا رفعه عزا، العين، ج 4، ص 174
4- قَتْرَة، قتر: القاف والتاء والراء أصل صحيح يدل على تجميع وتضييق من ذلك القترة بيت الصائد وسمى قترة لضيقه وتجمع الصائد فيه والجمع قتر والإقتار التضييق، معجم مقاييس اللغة، ج 5، ص 55
5- الأَيْهَمُ، الجَبَلُ الصَّعْبُ الطَّوِيلُ، الذي لا يُرْتَقَى، تاج العروس، ج 17، ص 780
6- تُخُوم، التُّخومُ: الفَصْل بين الَأرضَيْ من الحدود والمَعالِم، تُخومها حُدودُها، لسان العرب، ج 12، ص 64
7- الخرق: الشق في حائط، أو ثوب ونحوه فهو مخروق، العين، ج 4، ص 149
8- هَفَّافَةٌ، هَفّافة وهفهافة: سريعة المَرّ، لسان العرب، ج 9، ص 348
9- نهج البلاغة،خطبة الاشباح، ج 1،ص 149

فما من مكان في هذه الأرض إلا وجعل الله فيه سكنا لملائكته، وحتى في

البحار، فعن جعفر بن محمد، عن آبائه علیهم السلام - في وصية النبي صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام - قال:

(وكره الله لأمتي الغسل تحت السماء إلا بمئزر، وكره دخول الأنهار إلا بمئزر فإن

فيها سكانا من الملائكة)(1).

كذلك المساجد وأضرحة أهل البيت - صلوات الله وسلامه عليهم - فالملائكة الموكلون بقبر النبي والعترة الطاهرة كثير، فمنهم من لا يبرح هذا المكان فقد

صارت هذه الأضرحة الطاهرة سكنهم.

وقد وكل الله سبحانه وتعالى بقبر سيد الشهداء ملائكة يبكونه الى يوم القيامة،

فصار سكنهم قبر الحسين علیه السلام فهم يستغفرون لزوار ابي عبد الله علیه السلام ويقضون

حوائج الناس بإذن الله، عن هارون بن خارجة قال: (سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول:

(وكّل الله بقبر الحسين علیه السلام أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة،

فمن زاره عارفا بحقه شيعوه حتى يبلغوه مأمنه وإن مرض عادوه غدوة وعشية

وإن مات شهدوا جنازته واستغفروا له إلى يوم القيامة)(2).

وعنه علیه السلام:

(إن أربعة آلاف ملك عند قبر الحسين علیه السلام شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة،

رئيسهم ملك يقال له: منصور فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ولا يودعه مودع

إلا شيعوه ولا مرض إلا عادوه ولا يموت إلا صلوا على جنازته واستغفروا

له بعد موته)(3).

ص: 66


1- وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي، ج 2، ص 42، ح 3
2- الكافي، ج 4، ص 581، ح 6
3- المصدر نفسه، ح 7

وعنه علیه السلام قال:

(وكّل الله تعالى بالحسين علیه السلام سبعين ألف ملك، يصلون عليه كل يوم شعثا

غبرا منذ يوم قتل إلى ما شاء الله - يعني بذلك قيام القائم عجل الله تعالی فرجه الشریف(1).

ونقول في وداع الحسين والشهداء علیهم السلام (السلام على من في الحائر منكم ورحمة

الله وبركاته، السلام على ملائكة الله الباقين المقيمين المسبحين الذين هم بأمر الله

مقيمون)(2)، فعن أبي عبد الله علیه السلام قال:

(اذا زرتم ابا عبد الله علیه السلام فالزموا الصمت إلا من خير، وان ملائكة الليل

والنهار من الحفظة تحضر الملائكة الذين بالحائر، فتصافحهم فلا يجيبونهم من شدة البكاء فينتظرونهم حتى تزول الشمس وحتى ينور الفجر، ثم يكلمونهم

ويسألونهم عن اشياء من أمر السماء، فأما ما بين هذين الوقتين فإنهم لا ينطقون

ولا يفترون عن البكاء والدعاء، ولا يشغلونهم في هذين الوقتين عن اصحابهم،

فإنما شغلهم بكم اذا نطقتم.

قلت: جعلت فداك وما الذي يسألونهم عنه، أيهم يسال صاحبه، الحفظة

او اهل الحائر؟ قال: اهل الحائر يسألون الحفظة، لان اهل الحائر من الملائكة

لا يبرحون، الحفظة تنزل وتصعد، قلت: فما ترى يسألونهم عنه؟ قال: انهم

يمرون اذا عرجوا باسمعيل صاحب الهواء فربما وافقوا النبي صلی الله علیه و آله وسلم وعنده فاطمة

والحسن والحسين والائمة من مضى منهم فيسألونهم عن اشياء وعمن حضر

منكم الحائر، ويقولون: بشروهم بدعائكم، فتقول الحفظة: كيف نبشرهم وهم

لا يسمعون كلامنا؟ فيقولون لهم: باركوا عليهم وادعوا لهم عنا فهي البشارة منا

ص: 67


1- كامل الزيارات، ص 172، ح 5
2- مصباح المتهجدين، الشيخ الطوسي، ص 728

فاذا انصرفوا فحفّوهم بأجنحتكم حتى يحسوا مكانكم وإنا نستودعهم الذي لا

تضيع ودائعه؛ ولو يعلمون ما في زيارته من الخیر ويعلم ذلك الناس لأقتتلوا على

زيارته بالسيوف، وباعوا اموالهم فى اتيانه، وان فاطمة علیها السلام اذا نظرت إليهم و معها

الف نبي والف صديق والف شهيد من الكروبيين الف الف يساعدونها على

البكاء، وانها لتشهق شهقة فلا يبقى في السماوات ملك الا بكى رحمة لصوتها، وما

تسكن حتى يأتيها النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيقول: يا بنية قد ابكيت اهل السماوات وشغلتهم

عن التسبيح والتقديس فكفي حتى يقدسوا، فإن الله بالغ أمره، وإنها لتنظر الى

من حضر منكم فتسأل الله لهم من كل خير، ولا تزهدوا في اتيانه فإن الخیر في

إتيانه اكثر من أن يحصى)(1).

الطائفة الثالثة: (المترددين بين السماء والأرض).

ومنهم الملائكة التي تتنزل بليلة القدر، قال تعالى:

«تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ»(2).

(تنزل الملائكة) أي تتنزل الملائكة (والروح) يعني جبرائيل (فيها) أي في ليلة

القدر إلى الأرض، ليسمعوا الثناء على الله، وقراءة القرآن، وغيرها من الأذكار،

وقيل: ليسلموا على المسلمين بإذن الله أي بأمر الله، وقيل: ينزلون بكل أمر إلى

السماء الدنيا حتى يعلم ذلك أهل السماء الدنيا، فيكون لطفا لهم وقال كعب، ومقاتل بن حيان: الروح طائفة من الملائكة، لا تراهم الملائكة، إلا تلك الليلة،

ينزلون من لدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وقيل: الروح هو الوحي، كما

قال: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) أي تنزل الملائكة، ومعهم الوحي

ص: 68


1- كامل الزيارات، ص 177 - 178
2- القدر: 4

بتقدير الخيرات والمنافع. (بإذن ربهم) أي بأمر ربهم، كما قال: (وما نتنزل إلا بأمر

ربك) وقيل: بعلم ربهم، كما قال (أنزله بعلمه). (من كل أمر) أي بكل أمر من

الخير والبركة، كقوله: (يحفظونه من أمر الله) أي بأمر الله، وقيل: بكل أمر من أجل

ورزق إلى مثلها من العام القابل)(1).

وعن عبد الله بن عباس، قال: إن الله تعالى يأمر الملائكة في هذه الليلة، يعني

ليلة القدر، أن يهبطوا مع جبرئيل وميكائيل، من سدرة المنتهى إلى الارض، في

أربعة مواطن: على سطح الكعبة، وعلى قبر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وفي بيت المقدس،

وطور سيناء، ثم يقول جبرئيل: تفرقوا، فيتفرقون، فلا يبقى دار ولا حجرة فيها

مؤمن أو مؤمنة، إلا وتأتيه الملائكة، إلا بيتا فيه كلب، أو خنزير، أو خمر، أو صورة،

ويهللون ويسبحون ويستغفرون كل الليل لأمة محمد صلی الله علیه و آله وسلم، فإذا جاء وقت صلاة

الصبح، يصعدون إلى السماء، فيستقبلهم ساكنو السماء، ويقولون لهم: من أين

جئتم؟ فيقولون: من الارض، فإن البارحة كانت ليلة القدر، فيقولون: ما فعل الله

بحوائج أمة محمد صلی الله علیه و آله وسلم؟ فيقولون: إن الله غفر لصالحيها، وشفع لطالحيها، فيرفع

ملائكة السماء أصواتهم، بالتسبيح والتهليل والثناء على الله تعالى، وشكره بما فعل

بأمة محمد صلی الله علیه و آله وسلم، وساق في الخبر صعودهم سماء سماء، إلى العرش، بهذه الكيفية - إلى

أن قال - فيقول الله تبارك وتعالى: ولأمة محمد عندي، ما لا عين رأت، ولا أذن

سمعت، ولا خطر على قلب بشر)(2).

وكذلك تتنزل الملائكة على بيت الله ليطوفوا فيه، وكذلك في أضرحة أهل

البيت علیهم السلام فإنها مختلف الملائكة، قال علیه السلام:

ص: 69


1- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 10، ص 409
2- مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي،ج 7، ص 460، ح 16. (باب استحباب الجد والاجتهاد في العبادة، وأنواع الخير، في ليلة القدر، وفي العشر الأواخر)

(نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة)(1).

فالملائكة تنزل وتصعد بمختلف طوائفها الى هذه الاضرحة المقدسة وتتبرك

بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم وعترته الطاهرة علیهم السلام.

عن داود الرقي قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول:

(ما خلق الله خلقا أكثر من الملائكة وإنه ينزل من السماء كل مساء سبعون

ألف ملك يطوفون بالبيت ليلتهم حتى إذا طلع الفجر انصرفوا إلى قبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم

فسلموا عليه ثم يأتون قبر أمير المؤمنين علیه السلام فيسلمون عليه ثم يأتون قبر الحسن

فيسلمون عليه ثم يأتون قبر الحسين فيسلمون عليه ثم يعرجون إلى السماء قبل

أن تطلع الشمس، ثم تنزل ملائكة النهار سبعون ألف ملك فيطوفون بالبيت

الحرام نهارهم، حتى إذا دنت الشمس للغروب انصرفوا إلى قبر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم

فيسلمون عليه ثم يأتون قبر أمير المؤمنين فيسلمون عليه ثم يأتون قبر الحسن

فيسلمون عليه ثم يأتون قبر الحسين فيسلمون عليه ثم يعودون إلى السماء قبل

ان تغرب الشمس)(2).

وعن أبي عبد الله علیه السلام قال:

(ما بين قبر الحسين بن علي علیهما السلام إلى السماء السابعة مختلف الملائكة)(3).

وروي في الأمالي للشيخ الصدوق رحمه الله عن أبي الحسن علي بن موسى

الرضا علیه السلام أنه قال:

(إن بخراسان لبقعة يأتي عليها زمان تصير مختلف الملائكة، فلا يزال فوج ينزل

ص: 70


1- نهج البلاغة، الخطبة: 109، ج 1، ص 186
2- ثواب الاعمال، ص 96، ثواب من زار قبر الحسين علیه السلام
3- ثواب الاعمال، ص 97

من السماء وفوج يصعد إلى أن ينفخ في الصور.

فقيل له: يا ابن رسول الله، وأية بقعة هذه؟ قال: هي بأرض طوس، وهي والله

روضة من رياض الجنة، من زارني في تلك البقعة كان كمن زار رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم،

وكتب الله تبارك وتعالى له بذلك ثواب ألف حجة مبرورة وألف عمرة مقبولة،

وكنت أنا وآبائي شفعاءه يوم القيامة)(1).

وكذلك تتنزل الملائكة للأنبياء والأولياء حين حلول الأجل فتغسلهم

وتشارك في حمل جنازتهم، قال علیه السلام:

(ولَقَدْ وُلِّیتُ غُسْلَه، صَلَّی اللّهُ عَلَیْهِ وآلِهِ، وَالْمَلاَئِکَهُ أَعْوَانِی، فَضَجَّتِ الدَّارُ والأَفْنِیَهُ مَلأٌ یَهْبِطُ ومَلأٌ یَعْرُجُ، ومَا فَارَقَتْ سَمْعِی هَیْنَمَهٌ مِنْهُمْ یُصَلُّونَ عَلَیْهِ حَتَّی وَارَیْنَاهُ فِی ضَرِیحِهِ)(2).

ص: 71


1- الامالي: الشيخ الصدوق، ص 120، ح 7
2- نهج البلاغة، الخطبة: 196، ج 2، ص 338

ص: 72

المبحث الثالث أحوال الملائكة وصفاتهم ووظائفهم

ص: 73

ص: 74

المبحث الثالث أحوال الملائكة، وصفاتهم، ووظائفهم

من خلال تتبعنا لكلام الإمام علي علیه السلام في موضوع الملائكة، وجدنا أن أحوال الملائكة مختلفة؛ فمنهم ركع لا يسجدون ومنهم سجد لا يركعون ومنهم

صافون لا يتفارقون، وإن الهدف من ذكر أحوال الملائكة هو بيان مدى طاعتهم

وعبوديتهم لله سبحانه وتعالى، وكذلك بيان مقاماتهم فكل ملك في السماء له

مقام معلوم، قال تعالى:

«وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ»(1).

فهم لا يتجاوزون مقاماتهم، عن أبي عبد الله علیه السلام قال:

(لما أسري برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وحضرت الصلاة أذن جبرئيل وأقام الصلاة، فقال

يا حمد تقدم، فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: تقدم يا جبرئيل، فقال له: إنا لا نتقدم علی

الآدميين منذ أمرنا بالسجود لآدم)(2).

وقد جعل الله سبحانه لكل ملك تسبيحة يسبح بها، فهذه الطاعة تبين حال

الملائكة وخضوعهم لعظمته وعدم تكبرهم على عبادته، وللملائكة صفات تختلف

ص: 75


1- الصافات: 164
2- علل الشرائع، ج 1، ص 8، ح 4

عن باقي المخلوقات، فهم لا ينامون ولا تصيبهم حالة الفتور، فقد أعطاهم الله

هذه القدرة الهائلة لما لهم من مهام ووظائف مهمة ودقيقة؛ لذلك اختارهم الله في

تأديتها كونهم مؤهلين لتلك المهام وإلا لما اختارهم؛ فمنهم الأمناء على الوحي،

ومنهم الحفظة، ومنهم الكرام الكاتبون، ومنهم المختصون بنشر السحاب؛

فللملائكة مهام كثيرة سوف نبينها من خلال بحثنا هذا.

المسألة الأولى أحوال الملائكة

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

(ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ الْعُلاَ فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلاَئِكَتِهِ، مِنْهُمْ سُجُودٌ لاَيَرْكَعُونَ، وَرُكُوعٌ لاَيَنْتَصِبُونَ، وَصَافُّونَ لاَيَتَزَايَلُونَ، وَمُسَبِّحُونَ لاَيَسْأَمُونَ)(1).

قوله علیه السلام:

(فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً).

قال ابن منظور: «جمع الطَّوْرِ أَطْوارٌ، والناسُ أَطْوَارٌ أَي أَخْيافٌ على حالات

شتَّى، والطِّوْر: الحالُ، وجمعه أَطْوارٌ، قال الله تعالى: وقد خَلَقكُم أَطْوَاراً؛ معناه ضُرُوباً

وأَحوالاً مختلفةً؛ وقال ثعلب: أَطْواراً أَي خِلَقاً مختلفة كلُّ واحد على حدة»(2).

نفهم من كلام الإمام علیه السلام أن من الملائكة ما تكون في حالة ثابتة لا تتغير، فمن

هذه الأحوال التي ذكرها الإمام علیه السلام:

1- سجد لا يركعون:

فمعنى لا يركعون أي: لا يرفعون رؤوسهم عن السجدة فهم في حالة

ص: 76


1- نهج البلاغة، الخطبة الأولى، ص 25
2- لسان العرب، ج 4، ص 507

السجود، قال الإمام الصادق علیه السلام:

(إنّ للّ ملائكة ركّعا إلى يوم القيامة، وإنّ لله ملائكة سجّدا إلى يوم القيامة)(1).

وقال علیه السلام في خطبة الأشباح:

(وَلَمْ تَخْتَلِفْ فِی مَقَاوِمِ الطّاعَهِ مَناکِبُهُمْ، وَلَمْ یَثْنُوا إِلَی رَاحَهِ التَّقْصِیرِ فِی أَمْرِهِ رِقَابَهُمْ)(2).

فالملائكة مطيعون لا يتجاوزون حدود الله ولا يتخطون محلهم، فإن أمر الله

طائفة من الملائكة بأن تبقى ساجدة الى يوم القيامة فلا مانع لديهم على ذلك ويثبت

ذلك قول الإمام علیه السلام، وجاء في تفسير الميزان عن أبي العلاء بن سعد أن رسول

الله صلی الله علیه و آلهوسلم قال يوما لجلسائه: أطت السماء وحق لها أن تئط ليس منها موضع قدم إلا

عليه ملك راكع أو ساجد، ثم قرأ:

«وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون»(3).

2- وركّوع لا ينتصبون:

أي لا يقومون من الركوع ليسجدوا، عن ابن جبير أن عمر سأل النبي صلی الله علیه و آله وسلم

عن صلاة الملائكة فلم يرد عليه شيئا، فأتاه جبرئيل، فقال:

(إن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون: سبحان ذي الملك

والملكوت، وأهل السماء الثانية ركوع إلى يوم القيامة يقولون: سبحان ذي العزة

والجبروت، وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون: سبحان الحي الذي

لا يموت)(4).

ص: 77


1- تفسير القمي، ج 2، ص 206
2- نهج البلاغة، خطبة الأشباح، ج 1، ص 150
3- تفسير الميزان، ج 17، ص 9
4- بحار الأنوار، ج 56، ص 198، ح 66

3- صَافُّونَ لاَ يَتَزَايَلُونَ:

لا يتزايلون، أي: لا يتفارقون، فالملائكة صافون لا يفارقون مكانهم كما هو

الحال في صلاة الجماعة ولكن الفرق بيننا وبينهم أنهم باقون على هذا الحال ينزهون

الله عما لا يليق به، وفي تفسير القمي قال جبرائيل يا محمد:

(إنا نحن الصافون وإنا لنحن المسبحون)(1).

وقوله تعالى:

«وَالصَّافَّاتِ صَفًّا»(2).

فقد جاء في بحار الأنوار أن الملائكة يقفون صفوفا، إما في السماوات لأداء

العبادات كما أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا «وإنا لنحن الصافون» وقيل: إنهم

يصفون أجنحتهم في الهواء ويقفون منتظرين وصول أمر الله إليهم، ويحتمل أيضا

أن يقال: معنى كونهم صفوفا أن لكل واحد منهم مرتبة ودرجة معينة في الشرف

والفضيلة، أو في الذات والعلية وتلك الدرجات المترتبة باقية غير متغيرة، وذلك

نسبة الصفوف)(3).

4–ومُسَبِّحُونَ لاَ يَسْأَمُونَ:

قال تعالى:

«فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ»(4).

لاَ يَسْأَمُونَ، أي لا يملون من التسبيح ولا من عبادة الله سبحانه؛ فهم على

ص: 78


1- تفسير القمي، ج 2، ص 228
2- الصافات: 1
3- بحار الأنوار، ج 56، ص 156
4- فصلت: 38

الدوام بذكر الله، وجاء في الصحيفة السجادية عن الإمام زين العابدين علیه السلام - في

الصلاة على حملة العرش وكل ملك مقرب:

(اللهم وحملة عرشك الذين لا يفترون من تسبيحك، ولا يسأمون من تقديسك،

ولا يستحسرون من عبادتك، ولا يؤثرون التقصير على الجد في أمرك...)(1).

وقال علیه السلام:

(وَلَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْمُنَاجَاهِ أَسَلاَتُ أَلْسِنَتِهمْ(2)، وَلاَ مَلَکَتْهُمُ الَأشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ الْجُؤَارِ إِلَیْهِ أَصْواتُهُمْ).

عن النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم، قال:

(إن لله تبارك وتعالى ملائكة ليس شيء من أطباق أجسادهم إلا وهو يسبح الله

عزوجل ويحمده من ناحية بأصوات مختلفة، لا يرفعون رؤوسهم إلى السماء ولا

يخفضونها إلى أقدامهم من البكاء والخشية لله عزوجل)(3).

وفي القمي عن شهاب بن عبد ربه قال: سمعت الصادق علیه السلام يقول:

(يا شهاب نحن شجرة النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، ونحن

عهد الله وذمته ونحن ودايع الله وحجته، كنا أنوارا صفوفا حول العرش نسبح؛

فيسبح أهل السماء بتسبيحنا إلى أن هبطنا إلى الأرض فسبّحنا؛ فسبّح أهل الأرض

بتسبيحنا وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون، فمن وفى بذمتنا فقد وفى بعهد

الله عزوجل وذمته ومن خفر(4) ذمتنا فقد خفر ذمة الله عزوجل وعهده)(5).

ص: 79


1- الصحيفة السجادية: 36. (مِنْ دُعَائِه علیه السلام فِی الصَّلَةِ عَلَی حَملَةِ الْعَرْشِ وكُلِّ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ)
2- أسلة اللسان: طرف شباته، أي: مستدقه.العين، ج 7، ص 301
3- التوحيد، الشيخ الصدوق، ص 280، ح 6
4- في البحار خفر، أي: ومن نقض ذمتنا فقد نقض ذمة الله وعهده. ج 24، ص 88
5- تفسير القمي، ج 2، ص 228

المسألة الثانية (صفات الملائكة)

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

(لاَیَغْشَاهُمْ نَوْمُ اَلْعُیُونِ وَ لاَسَهْوُ اَلْعُقُولِ، وَ لاَفَتْرَهُ اَلْأَبْدَانِ وَ لاَغَفْلَهُ اَلنِّسْیَانِ)(1).

إن للملائكة صفات وميزات تختلف عن باقي الموجودات الاخرى؛ كونها

مجردة من جميع الغرائز التي تتمتع بها بعض المخلوقات؛ كغريزة الجنس وغيرها

من الغرائز الاخرى الموجودة في الانسان؛ مما ساعدها على أن تكون مختلفة في

طبيعتها وحياتها وقدرتها الهائلة على غيرها من المخلوقات؛ ولذلك اختلفت في

العبادة والطاعة وفي تنفيذ المهام.

فمن أهم الصفات التي ذكرها الإمام حول الملائكة ما يلي:

1–لاَ يَغْشَاهُمْ نَوْمُ اَلْعَيْنِ:

قد يستغرق الإنسان وقتا طويلا في العبادة ومهما أراد الاستمرار بذلك؛

فلا بد له من وقت محدد حيث يصيبه التعب ويستولي عليه النعاس؛ فحينها

يحتاج الى وقت للنوم بسبب ذلك المجهود الذي بذله في عبادة الله، وليس فقط

بالعبادة كذلك حينما يعمل الإنسان أو يقرأ كتاباً وحتى لو لم يفعل شيئاً فإن

جسم الإنسان بطبيعته يحتاج الى الراحة والنوم، أما الملائكة؛ فلا يصيبها هذا

النعاس ولا يغلب عليهم التعب فهم لا يفترون، بل هم قائمون دائمون في

العبادات يسبحون الليل والنهار، ولكن على الرغم من أنهم بعيدون كل البعد

عن هذه العوارض التي تحصل مع بني البشر فإن هذا لا يعني أنهم لا ينامون،

ص: 80


1- نهج البلاغة، الخطبة الأولى، ص 25

فقد روي عن داود بن فرقد العطار قال: قال لي بعض أصحابنا: أخبرني عن الملائكة أينامون؟ قلت: لا أدري، فقال: يقول الله عزوجل: «يسبحون الليل

والنهار لا يفترون»، ثم قال: ألا أطرفك عن أبي عبد الله علیه السلام فيه بشيء؟ [قال:]

فقلت: بلى، فقال: سئل عن ذلك فقال: ما من حي إلا وهو ينام ما خلا الله

وحده عزوجل، والملائكة ينامون، فقلت: يقول الله عزوجل: «يسبحون الليل

والنهار لايفترون» فقال: أنفاسهم تسبيح)(1).

سُئل الصادق علیه السلام عن الملائكة: يأكلون ويشربون وينكحون؟ فقال:

(لا، إنّم يعيشون بنسيم العرش؛ فقيل له: فما العلّة في نومهم؟ فقال: فرقا

بينهم وبين الله تعالى، لأنّ الّذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله تعالی)(2).

2–وَلاَ سَهْوُ اَلْعُقُولِ:

سها: «السَّهوُ والسَّهْوةُ: نِسْيانُ الشيء والغفلة عنه.... والسَّهْوُ في الصلاة:

الغفلة عن شيء منها، سها الرجلُ في صلاتِه»(3).

فالملائكة لا يسهون كما هو الحال مع الأنبياء والمعصومين، ومن دعاء الإمام

السجاد علیه السلام في وصف الملائكة:

(ولا يقطعهم عن تعظيمك سهو الغفلات)(4).

فهذه القدرة العقلية الهائلة موجودة عند الملائكة ولا سيما الملائكة المقربون،

قال أبو جعفر علیه السلام:

ص: 81


1- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص 666
2- بحار الأنوار، ج 56، ص 193، ح 54
3- لسان العرب، ج 14، ص 406
4- الصحيفة السجادية، ص 38. (مِنْ دُعَائِه علیه السلام فِی الصَّلَاةِ عَلَی حَمَلَةِ الْعَرْشِ وكُلِّ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ)

(ان الله خلق إسرافيل وجبرائيل وميكائيل من تسبيحة واحدة وجعل لهم

السمع والبصر وجودة العقل وسرعة الفهم)(1).

حيث أعطاهم الله قدرة عقلية تستوعب كل الوجود؛ فهم لا يسهون ولايغفلون، ولولا ذلك لما جعلهم الله أمناء على الوحي، فكما أن هنالك تفاوتاً في عقول

البشر كذلك هنالك تفاوت بين الملائكة في جودة العقل؛ فمثل جبرائيل وميكائيل

واسرافيل، اختلفوا عن غيرهم وإن كان جميع الملائكة لا يسهون لكن الله اعطاهم

سرعة في الفهم؛ لما لهم من مهمة كبيرة على عاتقهم تميزهم عن بقية الملائكة، كونهم

يوصلون الأحكام الإلهية للأنبياء والرسل؛ فهذه من أصعب المهام وأهمها.

3–وَلاَ فَتْرَةُ اَلْأَبْدَانِ:

وقال علیه السلام:

(وَلَمْ تَجْرِ الْفَتَرَاتُ فِیهِمْ عَلَی طُولِ دُؤُوبِهِمْ(2) وَلَمْ تَغِضْ رَغَبَاتُهُمْ، فَیُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ)(3).

فتور الأبدان يعني الضعف والتعب والقصور عن العمل؛ فإن الله سبحانه

وتعالى خلق الملائكة من نور؛ فتركيبة الملائكة تختلف عن تركيبة الإنسان كون

الإنسان خلق من تراب؛ فهذا الفتور من لوازم الجسم الحيواني أما الملائكة فلا

تتعب ولا تضعف، قال تعالى:

«يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ»(4).

ص: 82


1- تفسير القمي، ج 2، ص 207
2- المبالغة فيه والاجتهاد: توضيح نهج البلاغة، السيد محمد الحسيني الشريرازي، ج 2، ص 67
3- نهج البلاغة، خطبة الأشباح، ج 1، ص 150
4- الأنبياء: 20

وروي عن علي بن الحسين علیهما السلام حديث طويل في صفة خلق العرش يقول فيه:

(له ثمانية أركان، على كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله عزّ وجلّ،

يسبحون الليل والنهار لا يفترون)(1).

فالله سبحانه وتعالى كما أعطاهم جودة العقل كذلك أعطاهم قوة بدنية كبيرة

هائلة، فقد جاء في بحار الأنوار في وصف قدرتهم وذلك على عدة وجوه ومنها:

الأول: أن حملة العرش وهم ثمانية يحملون العرش والكرسي الذي هو أصغر

من العرش أعظم من حملة السماوات السبع لقوله تعالى:

«وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ»(2).

والثاني: أن علو العرش شيء لا يحيط به الوهم، ويدل عليه، قوله تعالى:

«تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ»(3).

ثم إنهم لشدة قدرتهم ينزلون منه في لحظة واحدة.

الثالث: قوله تعالى:

«وَنُفِخَ فِ الصُّورِ»(4).

فصاحب الصور بلغ في القوة إلى حيث إن بنفخة واحدة منه يصعق من في

السماوات والأرض، وبالثانية منه يعودون أحياء.

الرابع: أن جبرئيل بلغ من قوته أن قلع جبال آل لوط وبلادهم دفعة واحدة(5).

ص: 83


1- تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 417، ح 21
2- البقرة: 255
3- المعارج: 4
4- يس: 51
5- بحار الأنوار، ج 56، ص 208

4- وَلاَ غَفْلَةُ اَلنِّسْيَانِ:

فالقدرة العقلية التي تمتلكها الملائكة، تجعلهم لا ينسون ولا يغفلون عن أي

شيء كلفوا به؛ فهذه الصفات هي: من صفات المعصومين؛ مما جعلهم منزهين

ومقربين، ولعصمة الملائكة مبحث خاص، وقد بيّنا في الحديث السابق أن الله أعطى

للملائكة المقربين جودة العقل وسرعة الفهم كذلك سائر الملائكة الاخرى وإن كان هنالك فوارق في الفهم لكن الشيء المهم أن جميعهم لا يغفلون ولا ينسون.

فلوا افترضنا أن الملائكة تنسى وتغفل فذلك سوف يسبب خللاً كبيراً في

الكون، لأن الله سبحانه وتعالى جعل الملائكة مسؤولة عن إدارة أعماله؛ لذا

اعطاهم جودة في الفهم والادراك فهم لا ينسون ولا يغفلون، لكي لا يكون

هنالك خلل بالنظام الكوني.

المسألة الثالثة (وظائف الملائكة)

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

(وَمِنْهُمْ أُمَناءُ عَلَی وَحْیِهِ وَأَلْسِنَهٌ إِلَی رُسُلِهِ وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضائِهِ وَأَمْرِهِ وَمِنْهُمُ الْحَفَظَهُ لِعِبادِهِ وَالسَّدَنَهُ لِأَبْوابِ جِنانِهِ وَمِنْهُمُ الثّابِتَهُ فِی الْأَرَضِینَ السُّفْلَی أَقْدامُهُمْ وَالْمارِقَهُ مِنَ السَّماءِ الْعُلْیا أَعْناقُهُمْ وَالْخارِجَهُ مِنَ الْأَقْطارِ أَرْکانُهُمْ وَالْمُناسِبَهُ لِقَوائِمِ الْعَرْشِ أَکْتافُهُمْ ناکِسَهٌ دُونَهُ أَبْصارُهُمْ مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ مَضْرُوبَهٌ بَیْنَهُمْ وَبَیْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّهِ وَأَسْتارُ الْقُدْرَهِ)(1).

هنا يبين لنا الإمام علیه السلام وظائف الملائكة؛ فكل ملك وله وظيفة معينة يجب عليه

تأديتها بالشكل المطلوب، ومن الوظائف التي ذكرها الإمام علیه السلام:

ص: 84


1- نهج البلاغة، الخطبة الأولى، ص 25

1- الامناء على الوحي:

قال علیه السلام:

(وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَ وَحْيِهِ).

وقوله علیه السلام:

(جَعَلَهُمُ اَللهُ فِيمَا هُنَالِكَ أَهْلَ اَلْأَمَانَةِ عَلَی وَحْيِهِ وَحَمَّلَهُمْ إِلَی اَلْمُرْسَلِينَ وَدَائِعَ

أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ».

قبل معرفة من هم الأمناء على الوحي؛ يجب أن نبين ما هو الوحي؟ فقد جاء في

لسان العرب: (الوَحْي في اللغةِ إعْلامٌ في خَفاءٍ، ولذلكَ صارَ الإلْهامُ يُسَمَّى وَحْياً،

قال الأزْهري: وكَذلكَ الإشارَةُ والإيماءُ يُسَمَّى وَحْياً، والكِتابَةُ تُسَمَّى وَحْياً، وقولهُ عزَّوجلَّ:

(وما كانَ لبَشَرٍ أَن يكلِّمَهُ الله إلاَّ وَحْياً أَو مِن وَراء حِجابٍ) مَعْناهُ

إلاَّ أنْ يُوحَى إليه وَحْياً فيُعْلِمَه بمَا يَعْلمُ البَشَرُ أنَّه أَعْلَمَه، إمَّا إلْهاماً أَو رُؤْيا، وإمَّا أن

يُنْزِل عليه كتاباً كما أُنْزِل على موسَى، أَو قُرآناً يُتْلى عليه كما أنْزَله على سيِّدِنا محمد،

صلى الله عليه وسلم وكلُّ هذا إعْلامٌ وإن اخْتلَفَتْ أَسْبابُها والكَلامُ فيها)(1).

فهذا الصنف من الملائكة جعلهم الله امناء على الوحي؛ فهم الواسطة بين الله

وبين الأنبياء الذين كلفوا بتبليغ هذه الرسالة السماوية، ومنهم: جبرائيل علیه السلام؛ فهو

أمين وحي الله تعالى، مطاع في الملكوت الأعلى، قال تعالى:

«ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ»(2).

جاء في بحار الأنوار للمجلسي رحمه الله (أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال لجبرئيل: ما

أحسن ما أثنى عليك ربك: «ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين» فما

ص: 85


1- لسان العرب، ج 15، ص 381
2- التكوير: 20

كانت قوتك؟ وما كانت أمانتك؟ فقال: أما قوتي فإني بعثت إلى مدائن قوم لوط

وهي أربع مدائن في كل مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري، فحملتهم من

الأرض السفلى حتى سمع أهل السماوات أصوات الدجاج ونباح الكلاب، ثم

هويت بهن فقلبتهن، وأما أمانتي فإني لم أؤمر بشيء فعدوته إلى غيره)(1).

ومِنْ دُعَائِه علیه السلام فِی الصَّلَاةِ عَلَی حَمَلَةِ الْعَرْشِ وكُلِّ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ قال الإمام

السجاد علیه السلام:

(فَصَلِّ عَلَیْهِمْ وَعَلَی الرَّوْحانِیّینَ مِنْ مَلائِکَتِکَ، وَأَهْلِ الزُّلْفَهِ عِنْدَکَ، وَحُمّالِ الْغَیْبِ إِلی رُسُلِکَ، وَالْمُؤْتَمَنینَ عَلی وَحْیِکَ وَقَبائِلِ الْمَلائِکَهِ الَّذینَ اخْتَصَصْتَهُمْ لِنَفْسِکَ)(2).

فمن وظيفة جبرائيل، وميكائيل، واسرافيل علیهم السلام أن الله سبحانه وتعالى جعلهم

امناء على التنزيل، وهي: من أعظم المهام، فهم يتنزلون بأحكام الله على الرسل من حلال وحرام وما تخص امور الدنيا والآخرة؛ فتقوم الرسل بتبليغها للعباد، عن

ابن عباس، قال: قال عبد الله بن سلام للنبي صلی الله علیه و آله وسلم فيما سأله:

(من أخبرك؟ قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: جبرئيل، قال: عمن؟ (قال) قال: عن ميكائيل،

قال: عمن؟ (قال) قال: عن إسرافيل، قال: عمن؟ (قال) قال: عن اللوح المحفوظ،

قال: عمن؟ قال: عن القلم، قال: عمن قال: عن رب العالمين، قال: صدقت،

فأخبرني عن جبرئيل في زي الاناث أم في زي الذكور؟ قال: في زي الذكور، قال:

فأخبرني ما طعامه قال: طعامه التسبيح، وشرابه التهليل. قال: صدقت يا محمد،

فأخبرني ما طول جبرئيل؟ قال: إنه على قدر بين الملائكة، ليس بالطويل العالي

ص: 86


1- بحار الأنوار، ج 18، ص 171
2- الصحيفة السجادية، الإمام زين العابدين علیه السلام، ص 36

ولا بالقصير المتداني له ثمانون ذوابة، وقصة جعدة، وهلال بين عينيه، أغر أدعج

محجل، ضوؤه بين الملائكة كضوء النهار عند ظلمة الليل، له أربعة وعشرون

جناحا خضراء مشبكة بالدر والياقوت مختمة باللؤلؤ، وعليه وشاح بطانته الرحمة،

وأزراره الكرامة ظهارته الوقار ريشه الزعفران، واضح الجبين، أقنى الانف، سائل

الخدين مدور اللحيين، حسن القامة، لا يأكل ولا يشرب، ولا يمل ولا يسهو، قام

بوحي الله إلى يوم القيامة. قال: صدقت يا محمد - ثم ساق الحديث إلى أن قال - وما

الثلاثة؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم: جبرئيل، وميكائيل، وإسرافيل، وهم رؤساء الملائكة، وهم على

وحي رب العالمين)(1).

وجاء في تفسير قوله تعالى ولقد رآه قيل: ولقد رأى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم جبرئيل علیه السلام،

بالأفق المبين سئل: ما الأفق المبين؟ قال:

(قاع بين يدي العرش، فيه أنهار تطرد، فيه من القدحان عدد النجوم)(2).

ومن الوظائف الأخرى التي كان يقوم بها جبريل علیه السلام أنه كان يعلّم الناس

كيف يغتنمون الفرص عند جلوسهم مع النبي، فكان يأتي الرسول بشكل

الآدميين ويجلس عند النبي ويسأله عن أمور الدين، فقد روي في بحار الأنوار

عن ابن عباس قال:

(جلس رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مجلسا فأتاه جبرئيل فجلس بين يدي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم

واضعا كفيه على ركبتي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا رسول الله حدثني عن الاسلام،

قال: الاسلام أن تسلم وجهك لله عزوجل، وأن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا

شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. قال: فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت، فقال: يا

ص: 87


1- بحار الأنوار، ج 56، ص 253، ح 16
2- التفسير الأصفى، الفيض الكاشاني، ج 2، ص 1413

رسول الله حدثني عن الايمان، قال: الايمان أن تؤمن بالله واليوم الآخر والملائكة

والكتاب والنبيين والموت والحيوة بعد الموت، وتؤمن بالجنة والنار والحساب

والميزان، وتؤمن بالقدر كله خيره وشره، قال: فإذا فعلت ذلك فقد آمنت. قال: يا

رسول الله حدثني ما الاحسان؟ قال: الاحسان أن تعمل لله كأنك تراه، فإن لم يكن

تراه فإنه يراك)(1).

وعن أنس قال:

(بينما رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم جالسا مع أصحابه إذ جاءه رجل عليه ثياب السفر يتخلل

الناس حتى جلس بين يدي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فوضع يده على ركبة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم

فقال: يا محمد ما الاسلام؟ - وساقوا الحديث مثل ما مر إلى قولهم: - يا رسول الله

متى الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، وأدبر الرجل فذهب. فقال

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: علي بالرجل، فاتبعوه يطلبونه فلم يروا شيئا، فقال رسول الله: ذلك

جبرئيل، جاءكم ليعلمكم دينكم)(2).

ومن المهام الأخرى التي يقوم بها جبرائيل حينما تعصي العباد نبيهم، فعندها

ينزل جبرائيل ومعه ملائكة بغضب من الله فيهلكونهم، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال:

(إن الله تبارك وتعالى بعث أربعة أملاك في إهلاك قوم لوط: جبرئيل، وميكائيل،

وإسرافيل، وكروبيل علیهم السلام فمروا بإبراهيم علیه السلام وهم معتمون، فسلموا عليه، فلم

يعرفهم ورأى هيئة حسنة، فقال: لا يخدم هؤلاء أحد إلا أنا بنفسي، وكان صاحب

أضياف فشوى لهم عجلا سمينا حتى أنضجه، ثم قربه إليهم، فلما وضعه بين

أيديهم ورأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة، فلما رأى ذلك

ص: 88


1- بحار الأنوار، ج 56، ص 260
2- المصدر نفسه، ص 261

جبرئيل حسر العمامة عن وجهه وعن رأسه فعرفه إبراهيم، فقال: أنت هو؟ فقال:

نعم، ومرت امرأته سارة فبشرها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. فقالت: ما

قال الله؟ فأجابوها بما في الكتاب العزيز، فقال إبراهيم علیه السلام [لهم]: فبماذا جئتم؟ قالوا له: في إهلاك قوم لوط - وساق الحديث إلى أن قال -: فأتوا لوطا وهو في

زراعة له قرب المدينة فسلموا عليه وهم معتمون؛ فلما رآهم رأى هيئة حسنة

عليهم عمائم بيض وثياب بيض فقال لهم: المنزل، فقالوا: نعم، فتقدمهم ومشوا

خلفه، فندم على عرضه عليهم المنزل، وقال: أي شيء صنعت! آتي بهم قومي وأنا

أعرفهم؟! فالتفت إليهم فقال: إنكم تأتون شرارا من خلق الله - وساق إلى قوله -

فلما رأتهم امرأته رأت هيئة حسنة، فصعدت فوق السطح وصفقت فلم يسمعوا

فدخنت، فلما رأوا الدخان أقبلوا يهرعون إلى الباب - وساق إلى قوله - فكاثروه

حتى دخلوا البيت فأهوى جبرئيل نحوهم بإصبعه، فذهبت أعينهم - وساق إلى

قوله:- ثم اقتلعها جبرئيل علیه السلام بجناحه من سبع أرضين، ثم رفعها حتى سمع

أهل السماء الدنيا نباح الكلاب وصياح الديكة، ثم قلبها وأمطر عليها وعلى من

حول المدينة حجارة من سجيل)(1).

2- وَأَلْسِنَةٌ إِلَی رُسُلِهِ:

قال تعالى:

«اللهُ يَصْطَفِی مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا»(2).

فهؤلاء الرسل هم لسان الله الناطق بالحق، قال تعالى:

«فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ (18)»

ص: 89


1- بحار الأنوار، ج 56، ص 257
2- الحج: 75

مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا»(1).

فهذا الملك هو أحد ملائكة الله العظام وهو المتحدث عن الله سبحانه وتعالى

ووظيفته ايصال ما أراد الله بيانه سواء أكان حكماً شرعياً أو يرسل معه بشارة

للأنبياء والصالحين ومن وفقه الله ليصل الى هذه الكرامة ومريم هي احدى

السيدات التي وفقت في أن يحدثها وحي من الله، فهذه الكرامة خاصة للأنبياء

والحجج الأطهار، إضافةً الى السيدات الطاهرات وما يدل على صحة هذا الكلام

هذه الآية وغيرها كقوله تعالى:

«وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ»(2).

وقوله تعالی:

«وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ»(3).

روي عن عبد الله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن علي الأصبهاني، عن إبراهيم

بن محمد الثقفي، عن إسماعيل بن بشار قال: حدثنا علي بن جعفر الحضرمي بمصر

منذ ثلاثين سنة قال: حدثنا سليمان قال: محمد بن أبي بكر لما قرأ (وما أرسلنا من

قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث، وهل يحدث الملائكة إلا الأنبياء) قال مريم

لم تكن نبية وكانت محدثة، وأم موسى بن عمران كانت محدثة ولم تكن نبية، وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب

ص: 90


1- مريم: 17 - 19
2- آل عمران: 42 - 43
3- القصص: 7

ولم تكن نبية، وفاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كانت محدثة ولم تكن نبية)(1).

وجاء في علل الشرائع عن أبي عبد الله علیه السلام قال:

(إنما سميت فاطمة محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما

تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على

نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدثهم

ويحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت

عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله عزوجل جعلك سيدة

نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين)(2).

3- المختلفون بالقضاء والأمر:

قوله علیه السلام:

(وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ).

جاء في البحار (ومختلفون بقضائه)، أي: مقتضياته كما يأتون به في ليلة القدر

وغيرها، (وأمره) أي أحكامه، أو الامور المقدرة، كما قال تعالى:

«بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ».

فالأحكام داخلة في السابقتين، ويمكن تخصيص الاخير بغير الوحي أي

يختلفون لتمشية قضائه وأمره وتسبيب أسبابهما)(3).

وقال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في شرحه هذا المقطع من كلام الإمام

(ونفهم من هذه العبارة أنّ السفارة الإلهية لا تقتصر على جبرئيل علیه السلام، بل هو في

ص: 91


1- علل الشرائع: ج 1، ص 183
2- المصدر نفسه، ص 182، ح 1
3- بحار الأنوار، ج 54، ص 190

الحقيقة زعيم سفراء الله، والقرآن بدوره أشار إلى هذا الصنف من الملائكة:

«قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالحَقِّ»(1).

وقال في آية اُخرى:

«قُلْ مَنْ كانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلی قَلْبِكَ بِإِذنِ اللهِ»(2).

كما أشار أحياناً إلى الملائكة من حملة الوحي فقال:

«يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ»(3).

كما أشارت بعض الروايات الإسلامية وسائر خطب نهج البلاغة إلى هذا المعنى

أيضاً، وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ المراد بالقضاء والأمر الإلهي الوارد في العبارة

التي نخوض فيها هو: الأحكام والأوامر الدينية الشرعية، لا القضاء والأوامر

التكوينية التي احتملها البعض من شارحي نهج البلاغة، وذلك لعدم انسجام هذا

الاحتمال والعبارات السابقة التي طرحت مسألة أُمناء الوحي، أمّا مختلفون هنا فقد

جاءت من مادة الاختلاف بمعنى الذهاب والاياب والتردد على الأماكن)(4).

4- الحفظة لعباده:

وينقسمون على قسمين:

أ- الملائكة الذين يحرسون العبد من الأذى:

فهذه الطائفة من الملائكة يحفظون العبد من الهلاك حتى حلول أجله، قال تعالى:

حَدَكُمُ

«وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ

ص: 92


1- النحل: 102
2- البقرة: 97
3- النحل: 2
4- نفحات الولاية، ج 1، ص 101

الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ»(1).

فالإنسان معرض لكثير من الحوادث، ولولا رعاية الله له لما استطاع العيش

ولكن الله وكل له ملائكة تحرسه من البلايا وكثير من أمور الدنيا التي لا يعلمها

الا هو سبحانه، قال أمير المؤمنين علیه السلام قال:

(إِنَّ مَعَ کُلِّ إِنْسَانٍ مَلَکَیْنِ یَحْفَظَانِهِ، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُ خَلَّیَا بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُ، وَ إِنَّ اَلْأَجَلَ لَجُنَّهٌ حَصِینَهٌ)(2).

وعنه علیه السلام:

(ليس أحد من الناس إلا ومعه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر،

أو يقع عليه حائط أو يصيبه سوء، فإذا حان أجله خلوا بينه وبين ما يصيبه)(3).

وجاء في تفسير مجمع البيان عن قوله تعالى:

«لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ یَحْفَظُونَهُ بِأَمْرِ اَللَّهِ»(4).

أي: يطوفون به كما يطوف الموكل بالحفظة، وقيل: يحفظون ما تقدم من عمله،

وما تأخر إلى أن يموت فيكتبونه، عن الحسن، وقيل: يحفظونه من وجوه المهالك

والمعاطب، ومن الجن والإنس والهوام.

وقال ابن عباس: يحفظونه مما لم يقدر نزوله، فإذا جاء المقدر، بطل الحفظ،

وقيل: من أمر الله أي: بأمر الله، عن الحسن، ومجاهد، والجبائي، وروي ذلك عن

ابن عباس، وهذا كما يقال هذا الأمر بتدبير فلان، ومن تدبير فلان، وقيل: معناه

ص: 93


1- الأنعام: 61
2- نهج البلاغة، ج 4، باب الحكم، الحكمة: 102
3- التوحيد، الشيخ الصدوق، ص 368
4- الرعد: 11

يحفظونه عن خلق الله، فتكون من بمعنى عن كما في قوله: * (وآمنهم من خوف)

* أي: عن خوف، قال كعب: لولا أن الله وكل بكم ملائكة، يذبون عنكم في

مطعمكم، ومشربكم، وعوراتكم، لتخطفنكم الجن)(1).

وروي في بحار الأنوار أنها قرئت عند أبي عبد الله علیه السلام فقال لقارئها: ألستم

عربا؟ كيف تكون المعقبات من بين يديه وإنما المعقب من خلفه؟ فقال الرجل:

جعلت فداك كيف هذا؟ فقال:

(إنما نزلت «له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله» ومن

الذي يقدر أن يحفظ الشيء من أمر الله؟! وهم الملائكة الموكلون بالناس)(2).

ولم تقتصر مهام هذه الملائكة الحفظة بحفظ الانسان فقط وإنما وكل الله

ملائكة تحفظ النباتات من الأذى، قال أبو جعفر علیه السلام:

(.... إن لله عزوجل ملائكة، وكلهم بنبات الأرض من الشجر والنخل،

فليس من شجرة ولا نخلة إلا ومعها من الله عزوجل ملائكة تحفظها، وما كان

فيها، ولو لا أن معها من يمنعها لأكلها السباع وهوام الأرض، إذا كان فيها ثمرها،

قال: وإنما نهى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أن يضرب أحد من المسلمين خباءه تحت شجرة أو

نخلة قد أثمرت، لمكان الملائكة الموكلين بها، قال: ولذلك يكون الشجر والنخل

أنسا إذا كان فيه حملة، لأن الملائكة تحضره)(3).

ب- الكرام الكاتبون:

هم الملائكة الذين يحصون أعمال العبد ويحفظونها، فالله سبحانه وتعالى وكّل

بكل عبد ملكين، واحداً عن يمينه يكتب الحسنات والآخر عن يساره يكتب

ص: 94


1- مجمع البيان، ج 6، ص 18
2- بحار الأنوار، ج 56، ص 179، ح 17
3- البرهان في تفسير القرآن، ج 5، ص 196، ح 25

السيئات، قال تعالى:

«وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ»(1).

وقوله تعالى:

«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»(2).

عن المفضل بن عمر قال:

(سألت أبا عبدالله علیه السلام عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة

قال: لأنه تحليل الصلاة قلت: فلأي علة يسلم على اليمين ولا يسلم على اليسار؟

قال: لأن الملك الموكل الذي يكتب الحسنات على اليمين والذي يكتب السيئات

على اليسار والصلاة حسنات ليس فيها سيئات فلهذا يسلم على اليمين دون

اليسار، قلت: فلم لا يقال السلام عليك والملك على اليمين واحد ولكن يقال

السلام عليكم؟ قال: ليكون قد سلم عليه وعلى من على اليسار وفضل صاحب

اليمين عليه بالايماء إليه، قلت: فلم لا يكون الايماء في التسليم بالوجه كله ولكن

لا بالأنف لمن يصلي وحده وبالعين لمن يصلي بقوم؟ قال: لأن مقعد الملكين من

ابن آدم الشدقين فصاحب اليمين على الشدق الايمن وتسليم المصلي عليه ليثبت

له صلاته في صحيفته قلت: فلم يسلم المأموم ثلاثا؟ قال: تكون واحدة ردا على

الامام وتكون عليه؛ وعلى ملكيه وتكون الثانية: على من على يمينه والملكين

الموكلين به وتكون الثالثة: على من على يساره وملكيه الموكلين به ومن لم يكن على

ص: 95


1- سورة الإنفطار: 11
2- ق: 16 الى 18

يساره أحد لم يسلم على يساره إلا أن يكون يمينه إلى الحائط ويساره إلى مصلى معه

خلف الامام فيسلم على يساره قلت: فتسليم الامام على من يقع؟ قال: على ملكيه

والمأمومين يقول لملائكته اكتبا سلامة صلاتي لما يفسدها، ويقول لمن خلفه سلمتم

وأمنتم من عذاب الله عزوجل، قلت: فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال: لأنه

تحية الملكين، وفي اقامة الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها وتسليمها سلامة

للعبد من النار، وفي قبول صلاة العبد يوم القيامة قبول سائر اعماله؛ فاذا سلمت

له صلاته سلمت جميع اعماله، وان لم تسلم صلاته وردت عليه رد ما سواها من

الاعمال الصالحة)(1).

ففائدة تواجد الملائكة الكاتبين ليس أن الله عاجز عن حفظ ما يقول العبد؛

وإنما ليعلم العبد أن عليه رقيباً يكتب ما يقول فيشعره بالمسؤولية أكثر، والملائكة

الكاتبون هم: أحد الحجج التي وضعها الله على العباد لكي لا يكون للعبد أي حجة على الله يوم القيامة قال أمير المؤمنين علیه السلام في بعض خطبه:

(إِنْ أَسْرَرْتُمْ عَلِمَهُ وَ إِنْ أَعْلَنْتُمْ کَتَبَهُ، وَ قَدْ وَکَّلَ بِذَلِکَ حَفَظَهً کِرَاماً لاَ یُسْقِطُونَ حَقّاً وَ لاَ یُثْبِتُونَ بَاطِلاً)(2).

فمن عمل حقا أو باطلاً يجده مكتوباً في صحيفة أعماله، فهم لا يغادرون

صغيرة ولا كبيرة ولا يخالفون أمر الله، وقد سئل الصادق عليه السّلام: ما علّة

الملائكة الموكّلين بعباده يكتبون عليهم ولهم، والله عالم السرّ وما هو أخفى؟ قال

(عليه السّلام): استعبدهم بذلك، وجعلهم شهودا على خلقه، ليكون العباد

لملازمتهم إيّاهم أشدّ على طاعة الله مواظبة، وعن معصيته أشدّ انقباضا، وكم

ص: 96


1- علل الشرائع، ج 2، ص 360، ح 1، علة التسليم في الصلاة
2- نهج البلاغة، خ 183

عبد يهمّ بمعصيته، فذكر مكانهم فارعوى وكفّ فيقول: ربّ يراني، وحفظتي عليّ

بذلك تشهد، وإنّ الله برأفته ولطفه أيضا وكلّهم بعباده يذبّون عنهم مردة الشيطان

وهوامّ الأرض وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله إلى أن يجي ء أمر الله)(1).

سؤال: هل يخفى على الملكين الموكلين شيء أم هم مطلعون على جميع الخفايا؟

الجواب:

إن الملائكة تسجل وتحصي الذنوب والحسنات التي تراها وتسمعها قال تعالى:

«مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»(2).

ولكن بعض الخفايا التي يضمرها الانسان في نفسه كالخواطر السيئة والأفكار

الفاسدة فمن الممكن أن تخفى على الملائكة، فالله سبحانه وحده الذي لا يعزب

عنه شيء فكل حركة او سكنة يعلمها ويعلم ما توسوس كل نفس، قال تعالى:

خ«وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى»(3).

روي في الكافي عن إسحاق بن عمار قال:

(دخلت على أبي عبد الله علیه السلام، فنظر إليَّ بوجه قاطب، فقلت: ما الذي غيرك

لي؟ قال: الذي غيرك لإخوانك، بلغني يا إسحاق أنك أقعدت ببابك بوابا، يرد

عنك فقراء الشيعة؟ فقلت: جعلت فداك إني خفت الشهرة، فقال: أفلا خفت

البلية، أوما علمت أن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أنزل الله عزوجل الرحمة عليهما

فكانت تسعة وتسعين لأشدهما حبا لصاحبه، فإذا توافقا غمرتهما الرحمة فإذا قعدا

يتحدثان قال الحفظة بعضها لبعض: اعتزلوا بنا فلعل لهما سرا وقد ستر الله عليهما،

ص: 97


1- الإحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج 2، ص 95
2- ق: 18
3- طه: 7

فقلت: أليس الله عزوجل يقول: «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد»؟ فقال:

يا إسحاق إن كانت الحفظة لا تسمع فإن عالم السر يسمع ويرى)(1).

فعالم السر حينما جعل حداً لهذين الملكين في الوصول الى أعماق البشر انما هو

رحمة منه لعباده ومن رحمته الستر؛ فالله سبحانه وتعالى يستر ذنوب عباده حتى على

الملائكة، وقد ذكر هذا في احدى فقرات دعاء كميل بن زياد:

(.. وَكُلَّ سَيِّئَةٍ أَمَرْتَ بِإِثْباتِهَا الْكِرامَ الْكاتِبينَ الَّذينَ وَكَّلْتَهُمْ بِحِفْظِ ما يَكُونُ مِني وَجَعَلْتَهُمْ شُهُوداً عَلَيَّ مَعَ جَوارِحي، وَكُنْتَ أَنْتَ الرَّقيبَ عَلَيَّ مِنْ وَرائِهِمْ، وَالشَّاهِدَ لِما خَفِيَ عَنْهُمْ، وَبِرَحْمَتِكَ أَخْفَيْتَهُ، وَبِفَضْلِكَ سَتَرْتَهُ).

فقد روي عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول:

(إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة، فقلت:

وكيف يستر عليه؟ قال: ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ويوحي إلى

جوارحه: اكتمي عليه ذنوبه ويوحي إلى بقاع الأرض اكتمي ما كان يعمل عليك

من الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب)(2).

وهذه من أعظم نعم الله عزوجل وهي ستر العيوب، حيث يستر الله عيوب

عباده لكي لا يكونوا مهانين عند الملكين، فهذا الفضل لا يؤتى الا من لدن كريم

عظيم رؤوف بعباده غفور رحيم.

فالستر هو أحد العلل التي جعلت الله سبحانه وتعالى يحجب عن الملكين مايضمره الانسان في نفسه.

وكذلك بيان قدرته وعظمته بأنه يستطيع أن يحصي عدد أنفاس البشر وما

ص: 98


1- الكافي، ج 3، ص 182، ح 14
2- الكافي، ج 2، ص 431، ح 1، (باب التوبة)

يخفون في صدورهم بدون أن يستعين بأحد من خلقه، وإنما جعل علينا ملائكة

موكلين لكي يشعر الانسان أنه مراقب من قبلهم وأنهم شهود علينا يوم القيامة،

وكذلك يبين الله عزوجل أنه لم يخلق شيئاً عبثا وإنما خلقهم ليؤدوا وظيفتهم وهذه

الوظيفة هي عبادتهم وهي تنقسم على قسمين، التسبيح والدعاء والقسم الثاني،

العبادة العملية، ومثلها الملائكة الموكلون بحفظ العبد وحمايته من المخاطر وكذلك

الملائكة الموكلة بنشر السحاب وهطول الامطار وغيرهم)(1).

الجوارح شهود مع الملائكة:

قال أمير المؤمنين علیه السلام في بعض خطبه:

(اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ عَلَيْكُمْ رَصَداً مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَ عُيُوناً مِنْ جَوَارِحِكُمْ وَ حُفَّاظَ صِدْقٍ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَكُمْ وَ عَدَدَ أَنْفَاسِكُمْ لاَ تَسْتُرُكُمْ مِنْهُمْ ظُلْمَةُ لَيْلٍ دَاجٍ وَ لاَ يُكِنُّكُمْ مِنْهُمْ بَابٌ ذُو رِتَاجٍ)(2).

لم يجعل الله الملائكة وحدها رقيباً على الانسان وإنما جعل جوارحه شاهداً

اخر، قال تعالى:

«يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(3).

فهذه الآية تشير الى أن الالسن تشهد على مقترفي الذنب وكذلك الأيدي والأرجل، فكل هذه الجوارح جعلها الله شهوداً مع الملائكة لكي لا يكون

للإنسان أي حجة على الله، لأن الانسان من طبيعته الاعتراض والمجادلة وإن كان

على خطأ، قال تعالى:

ص: 99


1- ومن أراد التوسعة أكثر فليراجع المجلد الثالث من موسوعة أهل البيت علیهم السلام الكونية
2- نهج البلاغة، الخطبة: 156، ج 2، ص 248
3- النور: 24

«وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ»(1).

وجاء في تفسير القمي، عن قوله تعالى: «حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ

سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» فإنها نزلت في قوم تعرض

عليهم أعمالهم فينكرونها فيقولون ما عملنا منها شيئا، فتشهد عليهم الملائكة

الذين كتبوا عليهم اعمالهم، فقال الصادق علیه السلام فيقولون لله: يا رب هؤلاء

ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون بالله ما فعلوا من ذلك شيئا وهو قول الله:

«يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا یَخْلِفُونَ لَكُمْ» وهم الذين غصبوا حق

أمير المؤمنين علیه السلام، فعند ذلك يختم الله على ألسنتهم وينطق جوارحهم فيشهد

السمع بما سمع مما حرم الله ويشهد البصر بما نظر به إلى ما حرم الله وتشهد

اليدان بما أخذتا وتشهد الرجلان بما سعتا فيما حرم الله ويشهد الفرج بما ارتكب

مما حرم الله ثم انطق الله ألسنتهم (وقالوا) هم (لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا

انطقنا الله الذي انطق كل شيء وهو خلقكم اول مرة وإليه ترجعون وما كنتم

تسترون) اي من الله (ان يشهد عليكم سمعكم ولا ابصاركم ولا جلودكم)

والجلود الفروج (ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم

الذي ظننتم بربكم أرداكم فاصبحتم من الخاسرين)(2).

ص: 100


1- فصلت: 19 - 23
2- تفسير القمي، ج 2، ص 264

وقوله: (اليوم نختم على افواهم - إلى قوله - بما كانوا يكسبون) قال: إذا جمع

الله الخلق يوم القيامة دفع إلى كل إنسان كتابه فينظرون فيه فينكرون انهم عملوا

من ذلك شيئا فتشهد عليهم الملائكة فيقولون يا رب ملائكتك يشهدون لك ثم

يحلفون انهم لم يعملوا من ذلك شيئا وهو قوله «يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون

له كما يحلفون لكم «فاذا فعلوا ذلك ختم الله على ألسنتهم وتنطق جوارحهم (بما

كانوا يكسبون)(1).

فهذه الآيات خير دليل على أن الله يستطيع بطريقة أو بأخرى أن يلقي الحجج

على عباده وإنما وكّل الملائكة لبيان طاعتهم له ومنزلتهم وهذا سبب اخر لتوظيفهم.

3- حراس الجنان:

قوله علیه السلام:

(وسدنة ابواب الجنان).

«سدنة» جمع «سادن» بمعنى الخادم والبواب)(2).

فالله سبحانه وتعالى وكّل في كل باب من أبواب جنانه ملائكة، هم خزانها

وحراسها، قال تعالى:

«وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ»(3).

وقد وردت أحاديث عن أهل البيت علیهم السلام تشير إلى للجنّة لها ثمانية أبواب، فعن

أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن علي علیهم السلام قال:

ص: 101


1- تفسير القمي، ج 2، ص 216
2- نفحات الولاية، ج 1، ص 102
3- الزمر: 73

(إن للجنة ثمانية أبواب باب يدخل منه النبيون والصديقون، وباب يدخل منه

الشهداء والصالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا، فلا أزال واقفا

على الصراط أدعو وأقول: رب سلم شيعتي ومحبّي وأنصاري، ومن تولاني في دار

الدنيا فإذا النداء من بطنان العرش قد أجيبت دعوتك وشفعت في شيعتك ويشفع

كل رجل من شيعتي، ومن تولاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في

سبعين ألفاً من جيرانه وأقربائه، وباب يدخل منه سائر المسلمين ممن شهد أن لا إله

إلا الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرة من بغضنا أهل البيت)(1).

وعن أبي جعفر علیه السلام قال:

(أحسنوا الظن بالله، واعلموا أن للجنة ثمانية أبواب عرض كل باب منها

مسيرة أربعين سنة)(2).

وكما أن للجنان ملائكة تحرسها، كذلك لجهنم حراس وخزان، قال علیه السلام:

(أَعَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكاً إِذَا غَضِبَ عَلَی النَّارِ، حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضاً لِغَضَبِه، وإِذَا

زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِه»(3).

و قال تعالى:

«وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ»(4).

ص: 102


1- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 408، ح 6
2- المصدر نفسه، ح 7
3- نهج البلاغة،، الخطبة: 182، ج 2، ص 294
4- الزمر: 71

وقال تعالى:

«سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ»(1).

جاء في بحار الأنوار عن تفسير قوله تعالى: «سأصليه سقر» أي سأدخله

جهنم وألزمه إياها، وقيل: سقر: دركة من دركات جهنم؟ وقيل: باب من أبوابها

«وما أدراك» أيها السامع «ما سقر» في شدتها وهولها وضيقها «لا تبقي ولا تذر»

أي لا تبقي لهم لحما إلا أكلته، ولا تذرهم إذا أعيدوا خلقا جديدا، وقيل: لا تبقي

شيئا إلا أحرقته، ولا تذر أي لا إبقاء عليهم بل يبلغ مجهودهم في أنواع العذاب «لواحة للبشر» أي مغيرة للجلود، وقيل: لافحة للجلود حتى تدعها أشد سواداً

من الليل «عليها تسعة عشر» من الملائكة، هم خزنتها: مالك ومعه ثمانية عشر،

أعينهم كالبرق الخاطف وأنيابهم كالصياصي، يخرج لهب النار من أفواههم، ما

بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، تسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر، نزعت منهم

الرحمة، يرفع أحدهم سبعين ألفا فيرميهم حيث أراد من جهنم، وقيل: معناه:

على سقر تسعة عشر ملكا فهم خزان سقر، وللنار ودركاتها الأخر خزان آخرون،

وقيل: إنما خصوا بهذا العدد ليوافق الخبر لما جاء به الأنبياء قبله وما كان في الكتب

المتقدمة، ويكون في ذلك مصلحة للمكلفين، وقال: بعضهم في تخصيص هذا

العدد: إن تسعة عشر يجمع أكثر القليل من العدد وأقل الكثير منه، لان العدد آحاد

وعشرات ومئون وألوف، فأقل العشرات عشرة، وأكثر الآحاد تسعة، قالوا: ولما

نزلت هذه الآية قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم أتسمعون ابن أبي كبشة

يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم، والشجعان، أفيعجز كل عشرة

منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟ قال أبو الأسد الجمحي: أنا أكفيكم

ص: 103


1- المدثر: 26 - 30

سبعة عشر، عشرة على ظهري، وسبعة على بطني، فاكفوني أنتم اثنين، فنزل: «وما

جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة» عن ابن عباس وقتادة والضحاك، ومعناه: وما

جعلنا الموكلين بالنار المتولين تدبيرها إلا ملائكة، جعلنا شهوتهم في تعذيب أهل

النار، ولم نجعلهم من بني آدم كما تعهدون أنتم فتطيقونهم «وما جعلنا عدتهم إلا

فتنة للذين كفروا» أي لم نجعلهم على هذا العدد إلا محنة وتشديدا في التكليف

للذين كفروا نعم الله، وجحدوا وحدانيته حتى يتفكروا فيعلموا أن الله سبحانه

حكيم لا يفعل إلا ما هو حكمة، ويعلموا أنه قادر على أن يزيد في قواهم ما

يقدرون به على تعذيب الخلائق، ولو راجع الكفار عقولهم لعلموا أن من سلط ملكا واحدا على كافة بني آدم لقبض أرواحهم فلا يغلبونه قادر على سوق بعضهم

إلى النار وجعلهم فيها بتسعة عشر من الملائكة)(1).

4- حملة العرش:

قوله علیه السلام:

(وَمِنْهُمُ الثَّابِتَهُ فِی الْأَرَضِینَ السُّفْلَی أَقْدَامُهُمْ.... حُجُبُ الْعِزَّهِ وَأَسْتَارُ الْقُدْرَهِ).

قال تعالى:

«الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ»(2).

وقوله تعالى:

«وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ

ص: 104


1- بحار الانوار، ج 8، ص 271 - ص 272
2- غافر: 7

بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(1).

فحملة العرش هم ملائكة كرام مقربون، يعبدون الله وينزهونه عن كل ما لا

يليق به سبحانه، ويحملون عرشه الذي منه تظهر الأوامر، وتصدر الأحكام الإلهية

التي بها يدبر العالم، قال تعالى:

«خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ»(2).

فحملة العرش هم الملائكة المسؤولون عن تلقي الأوامر الالهية لتدبير أمر هذا العالم بأمر منه سبحانه، وقال تعالى:

«وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ»(3).

فقد روي في الخصال، عن الصادق علیه السلام:

(إن حملة العرش ثمانية أحدهم: على صورة ابن آدم يسترزق الله لولد آدم،

والثاني: على صورة الديك يسترزق الله للطير، والثالث: على صورة الأسد يسترزق

الله للسباع، والرابع: على صورة الثور يسترزق الله للبهائم، ونكس الثور رأسه منذ

عبد بنو إسرائيل العجل، فإذا كان يوم القيامة صاروا ثمانية)(4).

وفي الكافي عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله علیه السلام قال:

(حملة العرش - والعرش: العلم ثمانية: أربعة منا وأربعة ممن شاء الله)(5).

ص: 105


1- الزمر: 75
2- يونس: 3
3- الحاقة: 17
4- الخصال، ص 407، ح 5
5- الكافي، ج 1، ص 123، ح 6

جاء في الخصال عن أبي عبد الله علیه السلام، قال:

(ان حملة العرش لما ذهبوا ينهضون بالعرش لم يستقلوه فألهمهم الله «لا حول

ولا قوة الا بالله» فنهضوا به..)(1).

عن أحمد بن محمد البرقي، رفعه، قال:

(سأل الجاثليق أمير المؤمنين علیه السلام، فقال له: أخبرني عن الله عزوجل، يحمل

العرش أم العرش يحمله؟ فقال: أمير المؤمنين علیه السلام: الله تعالى حامل العرش

والسماوات والأرض، وما فيهما وما بينهما، وذلك قول الله عزوجل:

«إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا»

قال: فأخبرني عن قوله:

«ويَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ».

فكيف قال ذلك، وقلت: إنه يحمل العرش والسماوات والأرض؟ فقال

أمير المؤمنين علیه السلام: إن العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة: نور أحمر منه احمرت

الحمرة، ونور أخضر منه اخضرت الخضرة، ونور أصفر منه اصفرت الصفرة،

ونور أبيض منه ابيض البياض، وهو العلم الذي حملّه الله الحملة، وذلك نور من

عظمته، فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون،

وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض، من جميع خلائقه إليه الوسيلة

بالأعمال المختلفة، والأديان المشتبهة، وكل محمول يحمله الله بنوره وعظمته

وقدرته، لا يستطيع لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فكل شيء

ص: 106


1- الخصال، ج 1، ص 41، ح 53

محمول، والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا، والمحيط بهما)(1).

ومن المهام التي تقوم بها هذه الملائكة الكرام هو الاستغفار، قال تعالى:

«وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»(2).

ولكن هل يشمل هذا الاستغفار جميع الناس ام هذا الاستغفار للخاصة، ففي

سورة غافر توضح لنا الآية المباركة أن هذا الاستغفار يخص المؤمنين:

«..وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا»(3).

فهذا الاستغفار يخص فئة معينة من الناس وهم الذين أمنوا بالنبي واتبعوا

وصاياه ومن أهم تلك الوصايا الاقتداء بالعترة الطاهرة والسير على خطاهم

فلا يسمى الانسان مؤمناً حتى يحب علياً علیه السلام، فحب علي وأهل البيت علیهم السلام هو

السبيل الى النجاة.

ومن وظائف الملائكة الاخرى تقسيم الأرزاق على العباد بأمر منه سبحانه،

قال تعالى:

«فالمقسمات امرا».

جاء في بحار الأنوار أن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين علیه السلام وهو يخطب على المنبر

فقال: (ما الذاريات ذروا؟ قال الرياح، قال: فالحاملات وقرا؟ قال: السحاب

قال: فالجاريات يسرا؟ قال: السفن، قال: فالمقسمات أمرا؟ قال: الملائكة)(4).

ص: 107


1- البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص 751
2- الشورى: 5
3- غافر: 7
4- بحار الأنوار، ج 56، ص 165

ولا تقتصر مهام الملائكة على شيء معين، وإنما كلفوا بشمولية الأعمال لعالم

الوجود، فكل ملك وله وظيفة معينة؛ فمنهم ما كلف بنشر الرياح والسحاب،

ومنهم الذين يصدون هجوم الشياطين ومكائدهم على أفكار المؤمنين، ومنهم ما

كلف بقبض الأرواح، قال تعالى:

«قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ»(1).

والملائكة الذين ينزلون في ليلة القدر.

فعلى الرغم من قدرة الله وعظمته في تدبير الأمور وحده، إلا أنه سبحانه

وتعالى وكل بكل ملك وظيفة خاصة به والحكمة في ذلك نبينها في النقاط الآتية:

1- اشارة الى النظام السماوي المتقن في إدارة الأعمال وتقسيم الوظائف، فإن

بني البشر لو اتبعوا هذا النظام في كل شيء؛ لوصلوا الى قمة التطور سواء كان في

تقسيم الأرزاق أو أي جانب من جوانب الحياة، ولو رجعنا الى التاريخ وقرأنا

خلافة الإمام علي علیه السلام وما قام به أمير المؤمنين في تدبير أحوال الناس؛ لوجدنا

أن بالامكان أن تطلق على هذه الحقبه التي حكم بها الإمام علیه السلام ب- (دولة العدل

الإلهي)، حيث اتبع الإمام علیه السلام نظام الله العادل في تقسيم بيت المال بالتساوي،

فلم يحتج في زمانه أي أحد إلى المال وهذا ما شهد له الناس، ولم يظلم في حكومته أحداً، فما حكم به الإمام كان مرجعه الى الكتاب والسنة النبوية المطهرة، وأما

نظامه في الحروب فلم يهزم أمير المؤمنين علیه السلام في أي معركة، فالله أرادنا أن نعيش

منتظمين كي نهنأ بعيشنا وأن نحب النظام ولا نخالفه لكي لا تكون حياتنا عبثا،

قال تعالى:

«أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ»(2).

ص: 108


1- السجدة: 11
2- المؤمنون: 115

2- ترتيب المنازل وإعطاء كل ذي حق حقه؛ فنحن نعلم أن كل الملائكة

معصومون ولكن هنالك تفاوتاً في المنازل؛ كجبرائيل وميكائيل وكذلك حملة

العرش؛ فهؤلاء جعلهم الله أقرب ملائكته، لشدة طاعتهم وقرب منزلتهم من

الله، كذلك علينا أن نتعلم من هذا النظام الدقيق بأن نجعل من هو أقرب الى الله

أن يكون هو المتولي لأمور المسلمين، والله سبحانه وتعالى لم يتركنا في الأرض بلا

خليفة، وإنما جعل فيها من هو أعظم وأطهر من الملائكة وهم: الأنبياء والأولياء

والحجج الأطهار وأمرنا بإتباعهم، ولكن أعداء الدين وأتباع الشياطين، الذين

اتبعوا أهواءهم؛ كونهم لا يحبون النظام بل يحبون الهرج والمرج والفساد والظلم،

فقتلوا الأنبياء والصالحين ولا زالوا في عصرنا هذا يسفكون الدم المحرم ويعثوا في

الأرض مفسدين، ولكنه سبحانه وعد الذين امنوا أن يستخلفهم في الأرض كما

استخلف السابقين الذين حكموا وأظهروا العدل في زمانهم ومنهم: النبي يوسف

والنبي داود وسليمان، علیهما السلام وإن الله كما نشر القسط والعدل في السماء سوف ينشره في الأرض على يد أكرم الخلق وأطهرهم بعد النبي وهو الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، قال تعالى:

«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا»(1).

وقد سئل الإمام الصادق علیه السلام:

(يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك علیهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرنا

بمن تقع؟ فقال علیه السلام: إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمة

الهداة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق

ص: 109


1- النور: 55

بقية الله في الأرض وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه، لم

يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما)(1).

3- إن وضع الملائكة كلاً بوظيفته وحسب اختصاصه مما يجعلنا ننتبه الى شيء

مهم وهو وضع الشخص في مكانه الصحيح، أي: وضع الشخص المناسب في

المكان المناسب، ومن الشواهد على ذلك ما روي في بحار الأنوار للعلامة المجلسي

(من صحائف إدريس النبي علیه السلام، قال في صفة خلق آدم: إن الأرض عرّفها الله

جل جلاله أنه يخلق منها خلقا، فمنهم من يطيعه ومن يعصيه، فاقشعرت الأرض

واستعطفت الله، وسألته لا يأخذ عنها من يعصيه ويدخل النار، وأن جبرئيل أتاها

ليأخذ منها طينة آدم علیه السلام فسألته بعزة الله أن لا يأخذ منها شيئا حتى تتضرع إلى الله

تعالى وتضرعت فأمره الله تعالى بالانصراف عنها، فأمر الله ميكائيل فاقشعرت

وتضرعت وسألت، فأمره الله تعالى بالانصراف عنها، فأمر الله إسرافيل بذلك

فاقشعرت وسألت وتضرعت فأمره الله بالانصراف عنها، فأمر عزرائيل

فاقشعرت وتضرعت فقال: قد أمرني ربي بأمر أنا ماض له، سرك ذاك أم ساءك، فقبض منها كما أمر الله، ثم صعد بها إلى موقفه فقال الله له: كما وليت قبضها من

الأرض وهي كارهة كذلك تلي قبض أرواح كل من عليها وكل ما قضيت عليه

الموت من اليوم إلى يوم القيامة)(2).

فعزرائيل اختصه الله بقبض الأرواح كونه اختلف عن باقي الملائكة في تنفيذ

هذه المهمة، فلو اتبعت الأمم هذا النظام الدقيق باختيار من هو كفؤ في إدارة اعمال

الدولة لما سبب انهيار كثير من الدول في هذا الزمان وغيرها من الأزمنة الماضية.

ص: 110


1- بحار الأنوار، ج 51، ص 145. كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص 33
2- بحار الأنوار، ج 11، ص 121

المبحث الرابع عصمة الملائكة

ص: 111

ص: 112

المبحث الرابع عصمة الملائكة

إن من الضروري أن يتصف الملائكة بالعصمة؛ كونهم رسل الله الى العباد،

فهم الواسطة بين الله والأنبياء، وهم أمناء الله على الوحي، ولولا أمانتهم لما

جعلهم الله واسطته، قال تعالى:

«وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا»(1).

والعصمة معناها: عدم ارتكاب المعاصي صغيرها وكبيرها وهي حالة غير

جبرية وإنما اختيارية، فالذي أحاط علمه كل شيء علم أن من عباده منزهين عن

ارتكاب المعاصي فلهذا صار الاختيار، قال تعالب:

«اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ»(2).

أي: كما اصطفى الله تعالى من البشر رسلا كذلك اصطفى من الملائكة رسلا،

وكما أن هنالك صفات خاصة عند الأنبياء تميزهم عن غيرهم من البشر كذلك

توجد صفات خاصة تميز جنس الملائكة عن باقي الموجودات، ولكن دور الأنبياء

ص: 113


1- مريم: 64
2- الحج: 75 - 76

أصعب من دور الملائكة، فالإنسان فيه غرائز لا توجد في الملائكة؛ فهم لا يأكلون

ولا يشربون، ولا يوجد عندهم حب الشهوات؛ فهم مجردون من جميع دوافع

المعصية، وهم على تماس مستمر مع عالم الغيب مما يساعدهم هذا في اداء وظيفتهم

بالشكل التام، فعصمة الملائكة أمر مهم لا بد منه؛ كون الملائكة هي التي تدبر امور

الكون من أرزاق العباد وكل ما يتعلق من امور الدين والدنيا، فهي الواسطة بين عالم

الغيب والشهود، فإن كلمة الملائكة مشتقة من كلمة (رسالة)(1)، فالملائكة رسل الله

الى العباد فإن جاز لها ارتكاب المعاصي فقد اختل نظام الكون؛ كونها مسؤولة عن

نظامه وهذا مستحيل، كما هو الحال مع الرسل والحجج، فالله اختارهم لعلمه بهم

انهم اناس منزهون عن الخطأ، فكلّفهم بتأدية هذا الدور الرسالي، كذلك الملائكة

إنما اختارهم لعلمه انهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول ولا بالفعل، جاء في عيون

اخبار الرضا للصدوق رحمه الله قال الإمام الحسين بن علي علیهما السلام: حدثني أبي عن

جدي عن الرضا عن آبائه عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

(ان الله عزوجل اختارنا معاشر آل محمد واختار النبيين واختار الملائكة

المقربين وما اختارهم إلا على علم بهم انهم لا يواقعون ما يخرجون عن ولايته

وينقطعون به عن عصمته وينتمون به إلى المستحقين لعذابه ونقمته، قالا: فقلنا له: قد روي لنا: ان عليا علیه السلام لما نص عليه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بالإمامة عرض الله عزوجل ولايته في السماء على فيام من الناس وفيام من الملائكة؛ فأبوها فمسخهم الله

ضفادع! فقال علیه السلام: معاذ الله! هؤلاء المكذبون لنا المفترون علينا الملائكة هم رسل

الله فهم كسائر أنبياء الله ورسله إلى الخلق، أفيكون منهم الكفر بالله؟ قلنا: لا قال:

فكذلك الملائكة، إن شأن الملائكة لعظيم وان خطبهم لجليل)(2).

ص: 114


1- ينظر الصحاح، ج 4، ص 359
2- عيون اخبار الرضا علیه السلام، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 224

المسألة الأولى مفهوم العصمة

العصمة في اللغة:

(العِصْمة في كلام العرب: المَنْعُ، وعِصْمةُ الله عَبْدَه: أن يَعْصِمَه مما يُوبِقُه،

عَصَمه يَعْصِمُه عَصْماً: منَعَه ووَقَاه، وفي التنزيل:

«لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ»(1).

أي: لا مَعْصومَ إلا المَرْحومُ، وقيل: هو على النَسب أي ذا عِصْمةٍ، وذو

العِصْمةِ يكون مفعولاً كما يكون فاعلاً، فمِن هنا قيل: إن معناه لا مَعْصومَ، وإذا

كان ذلك فليس المُستثنى هنا من غير نوع الأَوَّل، بل هو من نوعِه، وقيل: إلا مَنْ

رَحِمَ مُستثنىً ليس من نوع الأَوَّل، وهو مذهب سيبويه، والاسمُ العِصْمةُ؛ قال

الفراء: مَنْ في موضع نصبٍ؛ لأَن المعصومَ خلافُ العاصِم، والمَرْحومُ مَعصومٌ،

فكان نصْبُه بمنزلة قوله تعالى: ما لَهُمْ به مِنْ علمٍ إلا اتِّباعَ الظنِّ.

واعْتَصَمَ فلانٌ بالله إذا امتنع به، والعَصْمة: الحِفظ، يقال: عَصَمْتُه فانْعَصَمَ،

واعْتَصَمْتُ بالله إذا امتنعْتَ بلُطْفِه من المَعْصِية)(2).

العصمة في الاصطلاح:

عرّف الشيخ المفيد العصمة في الاصطلاح الشرعي بأنّا: (لطفٌ يفعلُهُ اللهُ

تعالى بالمكلّف، بحيث تمنع منه وقوع المعصية، وترك الطاعة، مع قدرته عليهما).

ومِنْ هنا قالوا بأنّهُ: (ليس معنى العصمة أنّ الله يجبُهُ على ترك المعصية، بل

ص: 115


1- هود: 43
2- لسان العرب، ج 12، ص 404

يفعل به ألطافاً، يترك معها المعصية، باختياره، مع قدرته عليها)، ولذا قال الشيخ

المفيد قدس سره: (العصمة من الله لحججه هي التوفيق، واللّطف، والاعتصام

من الحجج بهما عن الذنوب والغلط في دين الله.

والعصمة: تفضّل من الله تعالى على من علم أنّه يتمسك بعصمته، والاعتصام

فعل المعتصم)(1).

وقال السيد علي الميلاني في اعتقاداتنا: (أننا نشترط في العصمة أن يكون

المعصوم منزها عن السهو والخطأ والنسيان أيضا، لا منزها عن المعاصي

والذنوب فقط)(2).

المسألة الثانية الملائكة عباد مكرمون لا يسبقون الله بالقول والفعل

قال الإمام علي علیه السلام:

(أَنشَأَهُم عَلَي صُوَرٍ مُختَلِفَاتٍ، وَ أَقدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ، أوُليِ أَجنِحَةٍ تُسَبّحُ جَلَالَ عِزّتِهِ، لَا يَنتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِي الخَلقِ مِن صُنعِهِ، وَ لَا يَدّعُونَ أَنّهُم يَخلُقُونَ شَيئاً مَعَهُ مِمّا انفَرَدَ بِهِبَل عِبادٌ مُكرَمُونَ «لا يَسبِقُونَهُ بِالقَولِ وَ هُم بِأَمرِهِ يَعمَلُونَ»(3)،(4).

المعنى اللغوي:

أَقْدَار، قَدَرَ الشيءَ بالشيء يَقْدُرُه قَدْراً وقَدَّرَه: قاسَه(5)،لَا يَنْتَحِلُونَ، انتحل

ص: 116


1- العصمة حقيقتها أدلتها، مركز الرسالة، ص 12
2- محاضرات في الاعتقاد، السيد علي الحسيني الميلاني، ج 2، ص 507
3- الأنبياء: 27
4- نهج البلاغة، خطبة الأشباح، ص 148
5- لسان العرب، ج 5، ص 76

كذا إذا تعاطاه وادّعاه(1).

قوله علیه السلام:

(أَنْشَأَهُمْ عَلَی صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ... تُسَبِّحُ جَلَالَ عِزَّتِه).

قد مر الكلام عن خلق الملائكة وإنه سبحانه خلقهم مختلفين فمنهم من له

جناحان ومنهم من زاده على ذلك، وبعضهم خلق نصفه من نار ونصفه الآخر من

ثلج، وبيّنا كيف يخلق الله بعضاً من ملائكته، أما قوله علیه السلام: (لا ينتحلون... بأمره

يعملون) فهذه تخص عصمتهم، فقد نزّه الله ملائكته عن كل ذنب وكل خطيئة،

قال تعالى:

«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ * وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ»(2).

فالذي أحاط علمه بجميع الموجودات، انما خلقهم ليعلموا هم مدى طاعتهم

ومدى مخالفتهم لخالقهم لا ليعلم هو سبحانه؛ فعالم الغيب والشهادة أراد أن يظهر

لهم ما يكمن في نفوسهم سواء كان خيرا او شرا ليتم الحجة عليهم؛ فالمخلوق رغم عصيانه إلا انه يعترض ويجادل يوم القيامة لذا تشهد عليهم جوارحهم،

والله حينما اختبر الملائكة بالسجود لآدم كان عارفا بهم انهم يسجدون له، ولكنه

سبحانه أراد أن يبين لهم أن ابليس ليس منهم، بل هو شيطان غوي رجيم، وهذا

ص: 117


1- معجم مقاييس اللغة، ج 5، ص 403
2- الأنبياء: 25 الى 29

من أنباء الغيب لا يعلمه إلا هو، لذا جعل الله الملائكة منهم الأمناء ومنهم الحفظة،

كونهم معصومين عن كل خطأ، فهذا الجنس من الخلق عباد طائعون معصومون،

وقوله علیه السلام: (لا ينتحلون...) ف- (انتحل الشيء وتنحله: إذا ادعاه لنفسه وهو

لغيره، أي: لا يدعون الربوبية لأنفسهم كما يدعيه البشر لهم ولأنفسهم؛ فتكون

هذه الفقرة لنفي ادعاء الاستبداد والثانية لنفي ادعاء المشاركة، أو الأولى: لنفي

ادعائهم الخالقية فيما لهم مدخل في وجوده بأمره تعالى، والثانية لنفي ذلك فيما

خلقه الله سبحانه بمجرد أمره وإرادته. (مكرمون) بالتخفيف من الاكرام، وقرئ

بالتشديد من التكريم، واللام في قوله (بالقول) عوض عن المضاف إليه، أي لا

يسبقون الله بقولهم، بل هم تابع لقوله سبحانه كما أن علمهم تابع لأمره)(1).

وكون الملائكة يمتلكون عقلاً بلا شهوة فإن ذلك ساعدهم في طاعة الله بلا

تكبر ولا استنكاف، قال تعالى:

«لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا»(2).

فكل أقوال الملائكة وأفعالها طاعة لله؛ فمنهم الصافون ومنهم المسبحون،

وكل عمل يعملونه إنما هو طاعة لله وعبودية له؛ وهذه من صفات العصمة.

وقد يسأل البعض كيف يجوز للملائكة الاعتراض على الله بقولهم:

«.. أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ».

ونحن نقول في عصمتهم، وكذلك تقول الآية المباركة:

ص: 118


1- بحار الأنوار، ج 54، ص 135
2- النساء: 172

«بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ».

فظاهر هذه الآية تشير الى أن هذا اعتراض منهم.

والجواب على ذلك: إن هذا لا يسمى اعتراضاً وإنما هو سؤال استفساري لكي

يصلوا الى علة الأمر وليس اعتراضاً على قضاء الله وقدره، وإن كان اعتراضهم

على الله فهو ينافي قوله تعالى:

«لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ».

روي في التبيان (ان خلقا يقال لهم الجان كانوا في الارض فأفسدوا وسفكوا

الدماء، فبعث الله تعالى ملائكة أجلَتْهُم من الارض وقيل: ان هؤلاء الملائكة كانوا

سكان الارض بعد الجان فقالوا: يا ربنا أتجعل في الارض من يفسد فيها ويسفك

الدماء على وجه الاستخبار منهم والاستعلام عن وجه المصلحة، والحكمة لا على

وجه الانكار كأنهم قالوا ان كان هذا كما ظننا فعرفنا وجه الحكمة فيه)(1).

قال تعالى:

«إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ»(2).

ففهمت الملائكة حكمة الله في هذا الأمر وبان لها عظمة هذا الخليفة.

فالملائكة حريصة على عمل الخير وهي تحب أن تنشر السلام في الأرض

كما هو في السماء حيث لا يوجد فيهم عاصٍ، فهم كرام طيبون يسبحون الله

ويعملون لمرضاته لذا قالوا لله إجعلنا خلفاء في الأرض لننشر الأمن والسلام

ص: 119


1- التبيان، الشيخ الطوسي، ج 1
2- البقرة: 30 - 32

ونسبحك ونقدسك ولا تجعل من يفسد ويسفك الدماء كما كان بنو الجان

يفسدون فنحن أولى منهم، فهذا الحوار مع الله إنما غايته الإصلاح، فلما علموا

علة الأمر خضعوا لله فعرفوا أن آدم خليفة الله في الأرض وهو أعلى رتبةً منهم

فسجدوا لآدم وكذلك علموا أن الله سبحانه وتعالى أحرص على عباده منهم

حيث جعل خلفاءه سادات الكون الذين هم في صلب النبي آدم علیه السلام لذا حاسبهم

الله على هذا السؤال، فقد جاء في تفسير القمي وهو حديث طويل نأخذ منه محل

الشاهد، قال أبو عبد الله علیه السلام:

(فقالت الملائكة يا ربنا افعل ما شئت (لا علم لنا الا ما علمتنا إنك

أنت العليم الحكيم) قال فباعدهم الله من العرش مسرة خمس مائة عام،

قال فلاذوا بالعرش وأشاروا بالأصابع فنظر الرب عزوجل إليهم ونزلت

الرحمة فوضع لهم البيت المعمور فقال طوفوا به ودعوا العرش فإنه لي رضى،

فطافوا به وهو البيت الذي يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون

أبدا، فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل الساء ووضع الكعبة توبة لأهل الأرض، فقال الله تبارك وتعالى «اني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون

فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين» قال وكان ذلك من

الله تعالى في آدم قبل ان يخلقه واحتجاجا منه عليهم (قال) فاغترف ربنا عز

وجل غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات وكلتا يديه يمن فصلصلها في

كفه حتى جمدت فقال لها منك أخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين

والأئمة المهتدين والدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا أبالي ولا

أسأل عما أفعل وهم يسألون)(1).

ص: 120


1- تفسير القمي، ج 1، ص 37

المسألة الثالثة عصمهم الله من ريب الشبهات

قال علیه السلام:

(جَعَلَهُمُ الله فِيمَا هُنَالِكَ أَهْلَ الأَمَانَةِ عَلَی وَحْيِه، وحَّمَلَهُمْ إِلَی الْمُرْسَلِينَ وَدَائِعَ

أَمْرِه ونَهْيِه، وعَصَمَهُمْ مِنْ رَيْبِ الشُّبُهَاتِ، فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِيلِ مَرْضَاتِه)(1).

المعنى اللغوي:

(وَدَائِعَ، واحدة الودائع، يقال أودعته مالا، أي دفعته إليه يكون وديعة عنده،

وأودعته أيضا، إذا دفع إليك مالا ليكون وديعة عندك فقبلتها، وهو من الأضداد،

واستودعته وديعة، إذا استحفظته إياها)(2)، الريب: الشك(3)، الشُّبُهَاتِ، اشتبه

الأمر، أي: اختلط، وتقول: إني لفي شبهة منه(4)، زَائِغٌ، الزيغ: الميل)(5).

قوله علیه السلام:

(جَعَلَهُمُ الله فِيمَا هُنَالِكَ أَهْلَ الأَمَانَةِ عَلَی وَحْيِه، وحَّمَلَهُمْ إِلَی الْمُرْسَلِينَ وَدَائِعَ

أَمْرِه ونَهْيِه)، قال تعالى:

«اللهُ يَصْطَفِی مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا»(6).

لقد تكلمنا عن وظائف الملائكة فمنهم من جعله الله امينا على التنزيل

ص: 121


1- نهج البلاغة، خطبة الأشباح، ص 148
2- الصحاح، ج 3، ص 1296
3- العين، ج 8، ص 287
4- العين، ج 3، ص 404
5- الصحاح، ج 4، ص 1320
6- الحج: 75

كجبرائيل علیه السلام، فالله سبحانه وتعالى اصطفاه واختاره من بين الملائكة، ليكون امينا

على التنزيل؛ فقد أودع الله جبرائيل هذه الأمانة الثقيلة، وهو يعلم أن في هذه

الوديعة أحكاماً شرعية ودستوراً سماوياً يخص العباد بكل ما يتعلق بهم من امور

الدنيا والآخرة، وهو حريص على ايصال هذا التكليف بالشكل التام ولولا ذلك

لما أودعه الله هذه الأمانة، والله سبحانه وتعالى أكد ذلك أتم التأكيد، بقوله:

«مطاع ثم أمين».

فمعناه: أنه مطاع في الملائكة، وأمين على وحي الله، فليس هنالك من الملائكة

من هو مائل منحرف عن طاعة الله ومرضاته؛ فالله عصمهم من كل شك وريب؛

فهم منقادون الى الله انقياداً تاماً.

قال الامام علیه السلام:

(وعَصَمَهُمْ مِنْ رَيْبِ الشُّبُهَاتِ، فَمَا مِنْهُمْ زَائغٌ عَنْ سَبيِلِ مَرْضَاتهِ)، وقال تعالى:

«لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»(1).

فهم موحدون لله حق توحيده لا يعدلون عن الحق ولا يجعلون مع الله شريكاً

له في الملك، ولقد سأل هشام الإمام الصادق عن معنى المعصوم، قال علیه السلام:

(المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، وقال الله تبارك وتعالى: (ومن

يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم)(2).

أما قصة هاروت وماروت فقد روي في تفسير القمي عن محمد بن قيس عن أبي

جعفر علیه السلام قال سأله عطاء ونحن بمكة عن هاروت وماروت؛ فقال أبو جعفر: ان الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الأرض في كل يوم وليلة يحفظون أوساط أهل

ص: 122


1- التحريم: 6
2- معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ص 132

الأرض من ولد آدم والجن ويكتبون اعمالهم ويعرجون بها إلى السماء قال: فضج

أهل السماء من معاصي أهل الأرض فتوامروا(1) فيما بينهم مما يسمعون ويرون من

افترائهم الكذب على الله تبارك وتعالى وجرأتهم عليه ونزهوا الله مما يقول فيه خلقه

ويصفون، فقال طائفة من الملائكة «يا ربنا ما تغضب مما يعمل خلقك في أرضك

ومما يصفون فيك الكذب ويقولون الزور ويرتكبون المعاصي وقد نهيتهم عنها، ثم

أنت تحلم عنهم وهم في قبضتك وقدرتك وخلال عافيتك؟ «قال أبو جعفر علیه السلام

فأحب الله أن يري الملائكة القدرة ونافذ أمره في جميع خلقه ويعرّف الملائكة ما منَّ

به عليهم ومما عدله عنهم من صنع خلقه وما طبعهم عليه من الطاعة وعصمهم

من الذنوب، قال: فأوحى الله إلى الملائكة ان انتخبوا منكم ملكين حتى أهبطهما

إلى الأرض، ثم اجعل فيهما من طبايع المطعم والمشرب والشهوة والحرص والأمل

مثل ما جعلته في ولد آدم، ثم أختبرهما في الطاعة لي، فندبوا إلى ذلك هاروت

وماروت وكانا من أشد الملائكة قولا في العيب لولد آدم واستيثار غضب الله

عليهم، قال: فأوحى الله إليهما ان اهبطا إلى الأرض فقد جعلت فيكما من طبايع

الطعام والشراب والشهوة والحرص والأمل مثل ما جعلته في ولد آدم، قال: ثم

أوحى الله إليهما انظرا أن لا تشركا بي شيئا ولا تقتلا النفس التي حرم الله ولا تزنيا

ولا تشربا الخمر، قال: ثم كشط عن السماوات السبع ليريهما قدرته ثم أهبطهما إلى

الأرض في صورة البشر ولباسهم فهبطا ناحية بابل؛ فوقع لهما بناء مشرق فأقبلا

نحوه فإذا بحضرته امرأة جميلة حسناء متزينة عطرة مقبلة مسفرة نحوهما، قال فلما

نظرا إليها وناطقاها وتأملاها وقعت في قلوبهما موقعا شديدا لموقع الشهوة التي جعلت فيهما، فرجعا إليها رجوع فتنة وخذلان وراوداها عن نفسهما؛ فقالت لهما:

ان لي دينا أدين به وليس أقدر في ديني على أن أجيبكما إلى ما تريدان إلا أن تدخلا

ص: 123


1- اي تشاوروا وتكلموا فيما بينهم

في ديني الذي أدين به، فقالا لها: وما دينك؟ قالت لي آله من عبده وسجد له كان

لي السبيل إلى أن أجيبه إلى كل ما سألني، فقالا لها وما إلهك قالت الهي هذا الصنم،

قال: فنظر أحدهما إلى صاحبه، فقال: هاتان خصلتان مما نهانا عنهما الشرك والزنا

لأنا ان سجدنا لهذا الصنم وعبدناه أشركنا بالله وإنما نشرك بالله لنصل إلى الزنا

وهو ذا نحن نطلب الزنا وليس نخطأ الا بالشرك فائتمرا بينهما فغلبتهما الشهوة

التي جعلت فيهما، فقالا لها فإنا نجيبك ما سألت، فقالت: فدونكما فاشربا هذا

الخمر فإنه قربان لكما عنده به تصلان إلى ما تريدان، فائتمرا بينهما فقالا: هذه

ثلاث خصال مما نهانا ربنا عنها الشرك والزنا وشرب الخمر وإنما ندخل في شرب

الخمر والشرك حتى نصل إلى الزنا فائتمرا بينهما، فقالا ما أعظم البلية بك قد

أجبناك إلى ما سألت، قالت: فدونكما فاشربا من هذا الخمر واعبدا هذا الصنم

واسجدا له، فشربا الخمر وعبدا الصنم ثم راوداها من نفسها فلما تهيأت لهما وتهيئا

لها دخل عليهما سائل يسأل، فلما رآهما ورأياه ذعرا منه فقال: لهما انكما لامرءان

ذعران فدخلتما بهذه المرأة العطرة الحسناء، انكما لرجلا سوء وخرج عنهما فقالت

لهما لا وإلهي لا تصلان الآن إلي وقد اطلع هذا الرجل على حالكما وعرف مكانكما

ويخرج الآن ويخبر بخبركما ولكن بادرا إلى هذا الرجل فاقتلاه قبل ان يفضحكما

ويفضحني، ثم دونكما فاقضيا حاجتكما وأنتما مطمئنان آمنان، قال فقاما إلى الرجل

فأدركاه فقتلاه ثم رجعا إليها فلم يرياها وبدت لهما سوأتهما ونزع عنهما رياشهما

واسقط في أيديهما، قال فأوحى الله إليهما إنما أهبطتكما إلى الأرض مع خلقي ساعة

من النهار فعصيتماني بأربع من معاصي كلها قد نهيتكما عنها، فلم تراقباني فلم تستحيا مني وقد كنتما أشد من نقم على أهل الأرض للمعاصي واستسجز أسفي

وغضبي عليهم، ولما جعلت فيكما من طبع خلقي وعصمتي إياكما من المعاصي

فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما؟ اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة، فقال

المبحث الرابع: عصمة الملائكة

ص: 124

أحدهما لصاحبه نتمتع من شهواتها في الدنيا إذ صرنا إليها إلى أن نصير إلى عذاب

الآخرة، فقال الآخر ان عذاب الدنيا له مدة وانقطاع وعذاب الآخرة قائم لا

انقضاء له فلسنا نختار عذاب الآخرة الدائم الشديد على عذاب الدنيا المنقطع

الفاني قال فاختارا عذاب الدنيا وكانا يعلمان الناس السحر في ارض بابل ثم لما

علما الناس السحر رفعا من الأرض إلى الهواء فهما معذبان منكسان معلقان في

الهواء إلى يوم القيامة)(1).

المسألة الثالثة رعاية الله للملائكة

قوله علیه السلام:

(وَأَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ المَعُونَهِ، وَأَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّکِینَهِ، وَفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلاً إِلی تَمَاجِیدِهِ، وَنَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَهً عَلَی أَعْلاَمِ تَوْحِیدِهِ)(2).

نحن نعلم إن الله لا يظلم العباد ولا يفرق بين عبد وآخر إلا بالتقوى والطاعة

له سبحانه؛ لذلك نجد أن الله تعالى حينما عصم الملائكة إنما وجدهم طائعين؛

فهؤلاء جنس من الخلق احبوا العبادة واختاروا أن يكونوا معصومين ففتح الله

لهم أبواب رحمته وتلطف عليهم ومن ألطافه سبحانه:

أولاً: أَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ الْمَعُونَةِ:

المعونة: الإعانة، يقال: ما عندك معونة، ولا معانة، ولا عون)(3).

من أهم الفوائد التي امدها الله لملائكته هو انتزاع حب الشهوات منهم لأن

ص: 125


1- تفسير القمي،ج 1، ص 55 - 57
2- نهج البلاغة، خطبة الأشباح، ص 148
3- الصحاح، ج 6، ص 2168

الشهوة اساس كل خطيئة، فبهذه النعمة التي أنعم الله عليهم قد أعانهم على العصمة

وعدم ارتكاب المعاصي فلا يلاقون صعوبة في عبادتهم ولا يصل لهم رجس.

عن أبي عبد الله علیه السلام قال:

(إن الله إذا أحب عبدا عصمه).

ثانياً: أَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّكِينَةِ:

(أَشْعَرَ شعرته، أي: عقلته وفهمته(1)، والاخبات الخشوع، يقال: أخبت لله،

وفيه خبتة، أي تواضع(2)، السَّكِينَةِ: والوقار(3).

والمعنى أن الله قد أشعر قلوبهم حبه وبيّن لها عظمته وأرى تلك القلوب

نور جلاله فصارت هذه القلوب عاقلة عارفة بحقه، خاشعة طائعة مقرة به، قال

الصادق علیه السلام قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

(.... لا يصح الاعتبار إلا لأهل الصفاء والبصيرة قال الله تعالى:

«فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ»(4).

قال تعالى أيضا:

«فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»(5).

فمن فتح الله عين قلبه وبصيرته بالاعتبار فقد أعطاه منزله رفيعه وملكا عظيما)(6).

ص: 126


1- العين، ج 1، ص 251
2- الصحاح، ج 1، ص 247
3- العين، ج 4، ص 57
4- الحشر: 2
5- الحج: 46
6- مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، المنسوب للإمام الصادق علیه السلام، ص 201

والله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى اجسام المخلوقات وانما ينظر إلى قلوبهم، فإذا

أراد الله بعبده خيراً نوّر قلبه وجعله واعياً بصيراً لكي يشعره التواضع والتذلل

فيكون القلب خاضعاً خاشعاً، يقول الرّسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم:

(..... وأعمى العمى عمى القلب...)(1)،

وقال تعالى في حق من عمت قلوبهم:

«لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»(2).

فالقلوب حينما تعقل فإنها لا تغفل فتكون مرتبطة بالله.

ثالثاً: فَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلًا إِلَی تَمَاجِيدِه:

ذُلُلًا: الذل مصدر الذلول أي المنقاد(3)، تَمَاجِيدِه، مجد: المجد: نيل الشرف،

وقد مجد الرجل، و مجد: لغتان، و أمجده كرم فعاله، وتمجد (بفعاله)، ومجده خلقه

تمجيدا أي تعظيما(4).

أي جعلهم الله منقادين إليه بلا صعوبة، فهم يعظمونه ويسبحونه في

كل وقت، فهذه الابواب التي فتحها الله للملائكته هي ابواب الهداية والرحمة

والشكر، ومن ادعية الإمام السجاد علیه السلام:

(.. وَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ صَاغِراً، ذَلِيلاً، خَاضِعَاً، خَاشِعاً)(5).

ص: 127


1- الكافي، ج 8، ص 82، ح 39
2- الأعراف: 179
3- العين، ج 8، ص 176
4- العين، ج 6، ص 89
5- الصحيفة السجادية، ص 260

رابعاً: نَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَى أَعْلَمِ تَوْحِيدِه.

المعنى اللغوي:

المنار: جمع منارة، وهي العلامة تجعل بين الحدين. ومنار الحرم: أعلامه التي

ضربها الخليل علیه السلام على أقطاره ونواحيه والميم زائدة)(1).

فعلائم التوحيد واضحة لديهم بلا شك ولا ريب وقد أمدّهم الله بكل العلوم

والمعارف كما هو الحال مع الأنبياء والأولياء فهم يرون الله بقلوبهم ولا يفارق

اسمه السنتهم، قال تعالى:

«فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا»(2).

وعن أمير المؤمنين علیه السلام قال:

(من ألهم العصمة أمن الزلل)(3).

وعنه علیه السلام قال:

(اعتصم في أحوالك كلها بالله، فإنك تعتصم منه سبحانه بمانع عزيز)(4).

فمن اعتصم بالله نجا من الذنوب المهلكة والمورطة التي تدخل صاحبها

جهنم، وعنه علیه السلام:

(من اعتصم بالله لم يضره شيطان)(5).

ص: 128


1- النهاية في غريب الحديث، ج 5، ص 125
2- النساء: 175
3- عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص 449
4- مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي، ج 11، ص 215
5- مستدرك الوسائل، ج 11، ص 215

فمن عصمه الله من الشيطان فقد أنعم الله عليه أفضل النعم، والشياطين لا

تطمع في إغواء الملائكة كونهم مجردين عن الشهوة وباقي الغرائز الاخرى، مما

ساعدهم ذلك في دحر الشياطين، ومن أدعية الإمام السجاد علیه السلام قال:

(إلهي خلقت لي جسما، وجعلت لي فيه آلات أطيعك بها وأعصيك، وأغضبك

بها وأرضيك، وجعلت لي من نفسي داعية إلى الشهوات، وأسكنتني دارا قد ملئت

من الآفات، ثم قلت لي: انزجر، فبك أنزجر، وبك أعتصم، وبك أستجير، وبك

أحترز وأستوفقك لما يرضيك)(1).

المسألة الرابعة مقومات عصمة الملائكة

قوله علیه السلام:

(لَمْ تُثْقِلْهُمْ مَوصِرَاتُ الآثَامِ، وَلَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اللَّیَالی وَالأَیَّام، وَلَمْ تَرْمِ الشُّکُوکُ بِنَوَازِعِهَا عَزِیمَهَ إِیِمَانِهمْ، وَلَم تَعْتَرِکِ الظُّنُونُ عَلَی مَعَاقِدِ یَقِینهِمْ، وَلاَ قَدَحَتْ قَادِحَهُ الإِحَنِ فِیمَا بَیْنَهُمْ، وَلاَسَلَبَتْهُمُ الْحَیْرَهُ مَا لاَقَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمائِرِهمْ، وَمَا سَکَنَ مِنْ عَظَمَتِهِ وَهَیْبَهِ جَلاَلَتِهِ فِی أَثْنَاءِ صُدُورِهْم، وَلَمْ تَطْمَعْ فِیهِمْ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَیْنِهَا عَلی فِکْرِهمْ)(2).

المعنى اللغوي:

مُؤْصِرَاتُ، الإصر: الثقل، والأصر: الحبس(3)، عُقَبُ اللَّيَالِی والأَيَّامِ، أي

خلفه، وكل شيء يعقب شيئا فهو عقيبه كقولك: خلف يخلف بمنزلة الليل والنهار

ص: 129


1- الصحيفة السجادية، ص 425. دعاؤه علیه السلام في المناجاة لله عزوجل
2- نهج البلاغة، خطبة الأشباح، ص 149
3- العين، ج 7، ص 147

إذا قضى أحدهما عقب الآخر فهما عقيبان كل واحد منهما عقيب صاحبه، ويعتقبان

ويتعاقبان: إذا جاء أحدهما ذهب الآخر(1)، بِنَوَازِعِهَا، [نزع] نزعت الشيء من

مكانه أنزعه نزعا: قلعته(2)، تَعْتَرِكِ، من مادة (عرك) الازدحام، اعْتَركت الِإبل في الوِرد: ازدحمت، وماءٌ مَعْروكٌ أَي مُزْدَحم عليه(3)، الِإحَنِ، أَي الحُقُودُ(4)، قرع

يقرع أي: سمعن قرع سهم بقوس(5).

إن من أهم مقومات العصمة هي:

1- حفظهم من الذنوب:

قوله علیه السلام:

(لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُؤْصِرَاتُ الآثَامِ).

إن الذنوب تحبس الدعاء وتجعل بين العبد والمعبود حجباً فهي حمل ثقيل

وكبير على كل مخلوق فإن سلم منها نجا في الدنيا والآخرة، فالملائكة لم تثقلهم هذه

الذنوب كونهم معصومين عن الزلل، حيث لا سبيل للذنب فانشغالهم بالتسبيح

والتهليل على طول الوقت يعصمهم من كل خطأ.

2- لم يجرِ الله عليهم تعاقب الليالي والايام:

قوله علیه السلام:

(ولَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اللَّيَالِی والأَيَّامِ).

ص: 130


1- العين، ج 1، ص 179
2- الصحاح، ج 3، ص 1289
3- لسان العرب، ج 10، ص 465
4- المصدر نفسه، ج 12، ص 282
5- العين، ج 8، ص 287

من الامور التي تختلف فيها الملائكة عن جنس البشر ان الملائكة لم يُتسلّط

عليهم تعاقب الليالي والايام فتفنيهم وتهرمهم كما هو الحال مع بني البشر؛ فهم

يأتون الى الدنيا من ضعف ثم بعد الضعف قوة، ثم بعد القوة ضعفاً وشيبة حتى

يصل الانسان الى سن الهرم وهذا بسبب تعاقب الأيام؛ فالإنسان حينما يكبر

يضعف شيئاً فشيئاً، أما الملائكة فلا.

وكلامه علیه السلام:

(ولَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اللَّيَالِی والأَيَّامِ)

لا يعني انهم لا يموتون، إنما اشارة الى أن الملائكة لا يهرمون ولا يتغيرون

بسبب تعاقب الليالي والايام كما هو الحال مع بقية المخلوقات وحتى الحيوانات

تكبر وتتغير يوماً بعد يوم.

أما بخصوص الملائكة فإنها تفنى لا محال ويدركها الموت كما هو الحال مع

بقية العباد، قال تعالى:

«كل من عليها فان»(1).

قال حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، عن الخير، وكنت أسأله عن

الشر، فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم:

«يكون في آخر الزمان فتن كقطع الليل المظلم، فإذا غضب الله على أهل

الأرض، أمر الله سبحانه وتعالى إسرافيل أن ينفخ نفخة الصعق، فينفخ على غفلة

من الناس، فمن الناس من هو في وطنه، ومنهم من هو في سوقه، ومنهم من هو

في حرثه، ومنهم من هو في سفره، ومنهم من يأكل فلا يرفع اللقمة إلى فيه حتى

يخمد ويصعق، ومنهم من يحدث صاحبه فلا يتم الكلمة حتى يموت، فتموت

ص: 131


1- الرحمن: 26

الخلائق كلهم عن آخرهم، وإسرافيل لا يقطع صيحته حتى تغور عيون الأرض

وأنهارها وبناؤها وأشجارها وجبالها وبحارها، ويدخل الكل بعضهم في بعض في

بطن الأرض، والناس خمود وصرعى، فمنهم من هو صريع على وجهه، ومنهم

من هو صريع على ظهره، ومنهم من هو صريع على جنبه، ومنهم من هو صريع

على خده، ومنهم من تكون اللقمة في فيه فيموت، فما أدرك به أن يبتلعها، وتنقطع

السلاسل التي فيها قناديل النجوم، فتسوى بالأرض من شدة الزلزلة، وتموت

ملائكة السماوات السبع والحجب والسرادقات والصافون والمسبحون وحملة

العرش والكرسي، وأهل سرادقات المجد والكروبيون، ويبقى جبرئيل وميكائيل

وإسرافيل وملك الموت علیهم السلام.

فيقول الجبار جل جلاله: يا ملك الموت من بقي؟ وهو أعلم، فيقول ملك

الموت: سيدي ومولاي، بقي إسرافيل، وبقي جبرئيل، وبقي ميكائيل، وبقي عبدك

الضعيف ملك الموت وهو خاضع خاشع ذليل، قد ذهبت نفسه لعظم ما عاين من

الأهوال، فيقول الجبار تبارك وتعالى: انطلق إلى جبرئيل فاقبض روحه فينطلق

ملك الموت إلى جبرئيل علیه السلام، فيجده ساجدا وراكعا، فيقول له: ما أغفلك عما يراد

بك يا مسكين، قد مات بنو آدم وأهل الدنيا والأرض والطيور والسباع والهوام وسكان السماوات وحملة العرش والكرسي والسرادقات وسكان سدرة المنتهى،

وقد أمرني المولى بقبض روحك. فعند ذلك يبكي جبرئيل علیه السلام، ويقول متضرعا إلى

الله تعالى: يا الله، هوِّن علي سكرات الموت، فيضمه ملك الموت ضمة يقبض فيها

روحه، فيخر جبرئيل علیه السلام منها ميتا صريعا.

فيقول الجبار جل جلاله: من بقي يا ملك الموت؟ وهو أعلم، فيقول: يا سيدي

ومولاي أنت أعلم بمن بقي، بقي ميكائيل وإسرافيل وعبدك الضعيف ملك

الموت. فيقول الجبار جل جلاله: انطلق إلى ميكائيل فاقبض روحه فينطلق ملك

ص: 132

الموت إلى ميكائيل، كما أمره الله تعالى، فيجده ينظر إلى الماء يكيله على السحاب،

فيقول له: ما أغفلك يا مسكين عما يراد بك، ما بقي لبني آدم رزق ولا للأنعام

ولا للوحوش ولا للهوام، قد مات أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الحجب

والسرادقات وحملة العرش والكرسي وسرادقات المجد والكروبيون والصافون

والمسبحون، وقد أمرني ربي بقبض روحك. فعند ذلك يبكي ميكائيل ويتضرع

إلى الله تعالى ويسأله أن يهوِّن عليه سكرات الموت، فيحتضنه ملك الموت، ويضمه

ضمة يقبض فيها روحه، فيخر صريعا ميتا لا روح فيه.

فيقول الجبار عزوجل: من بقي يا ملك الموت؟ وهو أعلم، فيقول: مولاي

وسيدي، أنت أعلم بمن بقي، بقي إسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت، فيقول

الجبار تبارك وتعالى: انطلق إلى إسرافيل فاقبض روحه، فينطلق ملك الموت إلى

إسرافيل، كما أمره الجبار، فيقول له: ما أغفلك يا مسكين عما يراد بك، قد مات

الخلائق كلهم، وقد أمرني ربي ومولاي أن أقبض روحك فيقول إسرافيل: سبحان

من قهر العباد بالموت، سبحان من تفرد بالبقاء، ثم يقول: مولاي هوِّن عليّ

سكرات الموت، مولاي هوِّن علي سكرات الموت، مولاي هوِّن علي مرارة الموت،

فيضمه ملك الموت ضمة يقبض فيها روحه، فيخر ميتا صريعا.

فيقول الجبار جل جلاله: من بقي يا ملك الموت؟ وهو أعلم، فيقول: أنت

أعلم يا سيدي ومولاي بمن بقي، بقي عبدك الضعيف ملك الموت. فيقول الجبار:

وعزتي وجلالي لأذيقنك مثل ما أذقت عبادي، انطلق بين الجنة والنار ومت،

فينطلق بين الجنة والنار فيصيح صيحة، فلولا أن الله تبارك وتعالى أمات الخلائق

لماتوا عن آخرهم من شدة صيحة ملك الموت، فيموت، فتبقى السماوات خالية من

أملاكها، ساكنة أفلاكها، وتبقى الأرض خالية من إنسها وجنها وطيرها وهوامها

وسباعها وأنعامها، ويبقي الملك لله الواحد القهار الذي خلق الليل والنهار، فلا

ص: 133

يرى أنيس، ولا يحس حسيس، قد سكنت الحركات، وخمدت الأصوات، وخلت

من سكانها الأرض والسماوات....)(1).

3- ليس لهم نزاع وصراع مع النفس:

قوله علیه السلام:

(ولَمْ تَرْمِ الشُّكُوكُ بِنَوَازِعِهَا عَزِيمَةَ إِيمَانِهِمْ).

هنالك دوافع للشك ومن أهم الدوافع التي تسبب الشكوك هو ضعف

العزيمة وضعف الايمان فتبدأ الوساوس والشكوك والارتياب، أما الملائكة فلم

ترمِهِم سهام الشكوك فتصدهم عن الحق، بل عزيمتهم ثابتة وايمانهم راسخ لا

يتغير تجاه الخالق عكس الانسان فتارة يقوى ايمانه وتارة يضعف بسبب الشكوك

التي تعتريه وهذه السهام يرميها ابليس وهي أحد مكائده ليظل العباد.

4- متيقنين بالله:

قوله علیه السلام:

(ولَمْ تَعْتَرِكِ الظُّنُونُ عَلَ مَعَاقِدِ يَقِينِهِمْ).

عنه علیه السلام:

(آفة الدين سوء الظن)(2).

فالملائكة لا توجد فيهم هذه الآفة الكبرى كي تضعف عزيمتهم.

والمخلوق حينما ينكشف عنه الغطاء يصل الى درجة اليقين فلا يهزمه ظن ولا

ريب ولا أي شيء من تلك الوساوس التي تحدث في النفس، فالملائكة موقنون

ومطمئنون، لذا تجدهم على الدوام يسبحون ويقدسون الله لا يفترون لحظة عن

عبادته مما جعلهم مقربين.

ص: 134


1- البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، ج 4، ص 730 - 731
2- عيون الحكم والمواعظ، ص 182

5- تجردهم من الحسد والتباغض فيما بينهم:

قوله علیه السلام:

(ولَا قَدَحَتْ قَادِحَةُ الإِحَنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ).

فكونهم معصومين عن كل رذيلة لا بد من تجردهم عن التحاسد فيما بينهم؛

كون الحسد من أسوأ الأمور، بل هو اساس كل خطيئة وهذا ما جعل ابليس يطرد

من رحمة الله عندما حسد آدم علیه السلام على منزلته، أما الملائكة فإنهم عندما سجدوا لآدم

فهذا دليل قاطع على انهم لا يتحاسدون ولا يتباغضون فيما بينهم وحتى مع بني البشر؛ فصفاتهم تدل على كل خير فهذه القلوب الصافية الطاهرة المتنورة بنور الله

لا تدخلها هذه الأمراض والأحقاد.

6- الملائكة راسخون في العقيدة والايمان بالله:

قوله علیه السلام:

(ولَا سَلَبَتْهُمُ الْحَيْرَةُ مَا لَاقَ مِنْ مَعْرِفَتهِ بضَمَائِرِهِمْ ومَا سَكَنَ مِنْ عَظَمَتهِ وهَيْبَةِ

جَلَالَتِه فِی أَثْنَاءِ صُدُورِهِمْ).

فبعض الناس يتحيرون بالله بعد معرفته كونه لا يدرك بالأبصار وانما يدرك

بالأفعال، أما الملائكة فلا يتحيرون بالله ابداً فعقيدتهم به راسخة لا تتغير وعظمته

في قلوبهم ثابتة مما جعلهم متصلين معه على الدوام فإنهم يهابونه ويعظمونه ولا

يزول ذلك من صدورهم، ومن كلام له علیه السلام في وصف الملائكة قال:

(وَلَمْ یُفَرِّقْهُمْ سُوءُ التَّقَاطُعِ، وَلاَتَوَلاّهُمْ غِلُّ التَّحَاسُدِ، وَلاَ تَشَعَّبَتْهُمْ مَصَارِفُ الرِّیَبِ، وَلاَ اقْتَسَمَتْهُمْ أَخْیَافُ الْهِمَمِ، فَهُمْ أُسَرَاءُ إِیمَانٍ لَمْ یَفُکَّهُمْ مَنْ رِبْقَتِهِ زَیَغٌ، وَلاَ عُدُولٌ وَلاَ وَنیً وَلاَ فُتُورٌ)(1).

ص: 135


1- خطبة الأشباح، ص 151

فغاية الملائكة غاية واحدة وهي: عبادة الله وطاعته حيث لا شكوك ولا

ظنون ولا تحاسد، بل عبادٌ طيبون هدفهم الوحيد طاعة الله، وبهذه الطاعة وصلوا

الى مرضاته فحفظهم الله من كل شيطان رجيم ومن جميع المضلات الدنيوية،

حيث لا مال ولا جاه يشغلهم عن ذكر الله ولا غريزة؛ فيتبعون شهواتهم فكل

هذه المغريات انما هي من مصائد الشيطان واتباع النفس الامارة بالسوء.

7- صونهم عن مس الشيطان ووساوسه:

قوله علیه السلام:

(ولَمْ تَطْمَعْ فِيهِمُ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَيْنِهَا عَلَی فِكْرِهِمْ).

إن أحدى الطرق التي يستخدمها الشيطان ليضل بها العباد هي الوسوسة

في الصدور وهو كلام خفي بحيث يصل مفهومه للشخص بدون سماع الصوت كي يدعوه الى حزبه، فهذه الوساوس تحدث مع بني البشر، والشياطين

قد توسوس في نفوس البشر جميعها باستثناء المعصومين وإن أرادوا ذلك فهم

يعلمون أنهم عاجزون عن أي تأثير وذلك لأن الشيطان لا سلطان له على

المؤمنين، قال تعالى:

«إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ»(1).

وكذلك الملائكة كونهم معصومين فلا يصل لهم الشيطان ولا يطمع في

التقرب منهم، لأنه يعلم انهم مصونون بقدرة الله من نزغاته وكذلك الوحي

مصون عن المس، قال تعالى:

«عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ

ص: 136


1- الحجر: 42

وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا»(1).

وجاء فی بعض کلامه علیه السلام فی حق الملائکة:

(وَلَمْ یَخْتَلِفُوا فِی رَبِّهِمْ بِاسْتِحْواذِ الشَّیْطَانِ عَلَیْهِمْ)(2).

روي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

(ان الشيطان واضع خطمه(3)، على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس، وإذا

نسي التقم فذلك الوسواس الخناس..)(4).

عن أبي عبد الله علیه السلام قال:

(ما من مؤمن إلا ولقلبه أذنان في جوفه: اذن ينفث فيها الوسواس الخناس، واذن

ينفث فيها الملك، فيؤيد الله المؤمن بالملك، فذلك قوله: وأيدهم بروح منه)(5).

وفي أمالي الصدوق، بإسناده إلى الإمام الصادق علیه السلام قال:

(لما نزلت هذه الآية «والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله

فاستغفروا لذنوبهم» صعد إبليس جبلا بمكة يقال له ثوير فصرخ بأعلى صوته

بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا: يا سيدنا لم دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية فمن لها؟

فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا و كذا. قال: لست لها فقام آخر فقال

مثل ذلك فقال لست لها. فقال الوسواس الخناس: أنا لها. قال: بما ذا؟ قال: أعدهم

و أمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار فقال: أنت

ص: 137


1- الجن: 26 - 28
2- خطبة الأشباح، ص 151
3- الخطم: أنف الانسان ومن الدابة: مقدم أنفها وفمها
4- تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، ج 5، ص 725
5- الكافي، ج 2، ص 267، ح 3

لها فوكله بها إلى يوم القيامة)(1).

المسألة الخامسة انشغال الملائكة بالعبادة

قال علیه السلام:

(قَدِ اسْتَفْرَغَتْهُمْ أَشْغَالُ عِبَادَتِهِ وَ وَصَّلَتْ حَقَائِقُ الْإِيمَانِ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ، وَ قَطَعَهُمُ الْإِيقَانُ بِهِ إِلَي الْوَلَهِ إِلَيْهِ، وَ لَمْ تُجَاوِزْ رَغَبَاتُهُمْ مَا عِنْدَهُ إِلَي مَا عِنْدَ غَيْرِهِ قَدْ ذَاقُوا حَلاَوَةَ مَعْرِفَتِهِ، وَ شَرِبُوا بِالْكَأْسِ الرَّوِيَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَ تَمَكَّنَتْ مِنْ سُوَيْدَاءِ قُلُوبِهِمْ وَشِيجَةُ خِيفَتِهِ، فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَةِ اعْتِدَالَ ظُهُورِهِمْ، وَ لَمْ يُنْفِدْ طُولُ الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ مَادَّةَ تَضَرُّعِهِمْ، وَ لاَ أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظِيمُ الزُّلْفَةِ رِبَقَ خُشُوعِهِمْ، وَ لَمْ يَتَوَلَّهُمُ الْإِعْجَابُ فَيَسْتَكْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ، وَ لاَ تَرَكَتْ لَهُمُ اسْتِكَانَةُ الْإِجْلاَلِ نَصِيباً فِي تَعْظِيمِ حَسَنَاتِهِمْ، وَ لَمْ تَجْرِ الْفَتَرَاتُ فِيهِمْ عَلَي طُولِ دُءُوبِهِمْ وَ لَمْ تَغِضْ رَغَبَاتُهُمْ، فَيُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ، وَ لَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْمُنَاجَاةِ أَسَلاَتُ أَلْسِنَتِهِمْ وَ لاَ مَلَكَتْهُمُ الْأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ الْجُؤَارِ إِلَيْهِ أَصْوَاتُهُمْ، وَ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي مَقَاوِمِ الطَّاعَةِ مَنَاكِبُهُمْ وَ لَمْ يَثْنُوا إِلَي رَاحَةِ التَّقْصِيرِ فِي أَمْرِهِ رِقَابَهُمْ، وَ لاَ تَعْدُو عَلَي عَزِيمَةِ جِدِّهِمْ بَلاَدَةُ الْغَفَلاَتِ)(2).

من الامور التي امتَنَّ بها الله سبحانه على الملائكة أنه تعالى جعل أوقاتهم كلها

في طاعته، فهم يسبحون الله على الدوام فلا شاغل يشغلهم عن الله، فهم لا يأكلون

فتشغلهم التجارة والعمل عن عبادته ولا يتناكحون فينشغلون بملذاتهم، وإنما

جعلوا أوقاتهم كلها لله في عبادته وطاعته وتنفيذ أوامره ونواهيه، وبهذا الانشغال

ص: 138


1- الامالي الشيخ الصدوق، ص 551
2- خطبة الأشباح، ص 149

وصلوا الى العصمة؛ فكل مخلوق يجعل وقته في ذكر الله يعصمه الله من كل خطيئة

وهذا الانشغال قد أوصل الملائكة الى:

1- حقيقة الإيمان به تعالى:

قوله علیه السلام:

(وَوَصَّلَتْ حَقَائِقُ اَلْإِيمَانِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ).

والوصول الى حقيقة الايمان بالله هي:

أ- التصديق بوجوده:

(إن الايمان لغة هو التصديق كما هو المنقول عن أهل اللغة والظاهر إن مرادهم

بالتصديق ليس هو اليقين والمعرفة بل عبارة عن التسليم والإذعان، بدليل اشتقاقه

من الأمن الذي هو سكون النفس واطمئنانها لعدم ما يوجب الخوف، ولما ذكروه

من أنه يتعدى بالباء نحو (آمنت بالله وبرسله) باعتبار معنى الإقرار والتسليم،

ويتعدى باللام نحو (ما أنت بمؤمن لنا) باعتبار الإذعان والقبول، وعليه يرجع

الايمان لغة إلى عقد القلب.

وأما شرعا فالظاهر أنه لم ينقل عن معناه اللغوي المذكور، وإنما قيّد متعلقه

بالله وبرسله وغير ذلك دون مطلق الأشياء، ويدلك على ذلك ما عرفته من دلالة الآيات والروايات من أن المطلوب شرعا هو عقد القلب في العقائد دون شيء

آخر؛ فيكون هو الايمان المطلوب شرعا ويؤيد ذلك من أنه عند الشرع مستعمل

في معناه اللغوي، وإنما يختلف في متعلقه ما روي أنه سئل النبي صلی الله علبه و آله وسلم عن الايمان

فقال صلی الله علیه و آله وسلم:

(الأيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله).

حيث اكتفى الرسول بمعناه اللغوي دون أن يفسر له الإيمان بشيء آخر وإنما

ص: 139

ذكر متعلقه، ومما يدل على ذلك هو أن أكثر المسلمين على أن الايمان الشرعي هو

التصديق والإذعان بالله وحده، وصفاته ونبوة نبينا محمد صلی الله علیه و آله وسلم وبما علم بالضرورة

مجيئه من الله تعالى لا ما وقع الخلاف فيه. وزاد المعتزلة التصديق بالعدل، وزاد

الإمامية التصديق بالعدل والتصديق بإمامة الأئمة لیهم السلام)(1).

ب- نفي الصفات الجسمانية عنه:

فهو لا يرى ولا يلمس ولا يوصف بأي شيء أي ليس كمثله شيء فكلامه

خلق من خلقه وقد سأله ذعلب اليماني فقال - هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟

فقال علیه السلام:

(أفأعبد ما لا أرى؟ فقال: وكيف تراه؟ فقال: لَا تُدْرِكُه الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ

الْعِيَانِ، ولَكِنْ تُدْرِكُه الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإِيمَانِ، قَرِيبٌ مِنَ الأَشْيَاءِ غَيْرَ مُلَبِسٍ،

بَعِيدٌ مِنْهَا غَيْرَ مُبَايِنٍ، مُتَكَلِّمٌ لَا بِرَوِيَّةٍ، مُرِيدٌ لَا بِهِمَّةٍ، صَانِعٌ لَا بِجَارِحَةٍ، لَطِيفٌ

لَا يُوصَفُ بِالْخَفَاءِ، كَبِيرٌ لَا يُوصَفُ بِالْجَفَاءِ، بَصِيرٌ لَا يُوصَفُ بِالْحاسَّةِ، رَحِيمٌ لَا

يُوصَفُ بِالرِّقَّةِ، تَعْنُو الْوُجُوه لِعَظَمَتِه وتَجِبُ الْقُلُوبُ مِنْ مَخَافَتِه(2).

ومن كلام له علیه السلام قال:

(ومِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِی الأَرَضِينَ السُّفْلَی أَقْدَامُهُمْ....، مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ مَنْ

دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ، وأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ، لَا يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ، ولَا يُجْرُونَ عَلَيْه

صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ، ولَا يَحُدُّونَه بِالأَمَاكِنِ ولَا يُشِيرُونَ إِلَيْه بِالنَّظَائِرِ)(3).

فبهذه الحقائق ازدادت معرفتهم بالله فزادتهم هذه المعرفة شوقا لعبادته وطاعته.

ص: 140


1- النور الساطع في الفقه النافع، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج 2، ص 121
2- نهج البلاغة، الخطبة: 178، ج 2، ص 285
3- نهج البلاغة، الخطبة الأولى، ص 25

2- الوصول الى اليقين القاطع:

قوله علیه السلام:

(وَقَطَعَهُمُ اَلْإِيقَانُ بِهِ إِلَی اَلْوَلَهِ(1) إِلَيْهِ)

فالملائكة قد بلغوا درجة اليقين وهذا اليقين يبعدهم عن كل الشكوك والاوهام،

فالمخلوق إذا وصل الى هذه الدرجة تنكشف عنه الحجب وتظهر عليه آثار عجيبة،

ومن آثارها أنه يتجرد من المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها، والمتيقن بالله والمؤمن

به يعرف أنه تعالى مستحق للتسبيح، والتهليل، والتحميد، والتمجيد، والثناء، فهذا

الإيمان الصادق وهذه المعرفة وهذا اليقين بالله قد أوصل الملائكة الى اَلْوَلَهِ به.

3- الرغبة الى الله لا إلى غيره:

قوله علیه السلام:

(وَلَمْ تُجَاوِزْ رَغَبَاتُهُمْ مَا عِنْدَهُ إِلَی مَا عِنْدَ غَيْرِهِ).

لأن غاية الملائكة ورغباتهم إنما هي القربى والثواب والمنزلة الرفيعة، ولولا

ذلك لما اختارهم الله واصطفاهم فهم يعرفون الله حق معرفته ولهذا لم يسألوا أي

مخلوق؛ لأن ما عند المخلوقات ليس ما تتمناه الملائكة وإنما يسألون الله ويطلبون

منه، لأنهم يريدون القربى لا غير ذلك، فالمنازل الرفيعة والدرجات العلى لا توجد

إلا عند واحد أحد.

4- حب الله:

قوله علیه السلام:

(وَشَرِبُوا بِالْكَأْسِ اَلرَّوِيَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ).

ص: 141


1- «وله» تعني الحيرة من شدة الحزن حتى يفقد صاحبها عقله، ثم اطلق على العشق المفرط الذي يسلب الإنسان استقراره. ينظر كتاب نفحات الولاية، ج 4، ص 64

فهذه العبادة وهذا التسبيح والتهليل المستمر على طول الوقت دون انقطاع هو

كاسهم الذي مُلئ بحلاوة الطاعة والمعرفة؛ فما من شيء أجمل وألذ من معرفة الله؛ فهذه

هي الحياة الصحيحة والجميلة لدى العباد والزهاد والمحبين والعارفين والطائعين لله.

5- الخوف من الله:

قوله علیه السلام:

(وَتَمَكَّنَتْ مِنْ سُوَيْدَاءِ قُلُوبِهِمْ وَشِيجَةُ خِيفَتِهِ).

والسويداء: حبة الشونيز وسواد القلب وسواديه وأسوده وسوداؤه: حبته.

يقال: رميته فأصبت سواد قلبه، فإذا صغروه ردوه إلى سويداء، ولا يقولون:

سويد قلبه، كما يقولون: حلق الطائر في كبد السماء وكبيداء السماء ولا يقولون: في

كبيد السماء(1)، وَشِيجَةُ، وشج: وشجت العروق والأغصان، وكل شيء يشتبك

فهو واشج، وقد وشج يشج وشيجا، والوشيج من القنا والقصب ما ينبت في

الأرض معترضا ملتفا، دخل بعضه في بعض(2).

فهذه القلوب المحبة لله تخافه ايضاً، كون الحب بلا خوف ولا حرص يؤدي

الى الغفلة وعدم المعرفة بمن يحب؛ لأن معرفة الله بعدالته ونظامه ومحاسبته يجلب

لكل من عرفه واراد التقرب منه الخوف، فيكون حريصاً على بقاء هذه القربى

لكي لا يفقد هذه المكانة والمنزلة الرفيعة.

6- الانحناء لله والخضوع له تعالى:

قوله علیه السلام:

(فَحَنَوْا بِطُولِ اَلطَّاعَةِ اِعْتِدَالَ ظُهُورِهِمْ).

ص: 142


1- العين، ج 7، ص 282
2- العين، ج 6، ص 157

فالملائكة خاضعة لله، بحيث حنوا تلك الظهور المعتدلة من أجل طاعته

وعبادته وقد يكون انحناؤهم لطول الدهر، كما أشرنا في المباحث السابقة عن أحوال الملائكة فمنهم سجدٌ لا يركعون، ومنهم ركع لا يسجدون؛ فهذا الحال

مستمر على مدى لا يعلمه إلا هو، وقد تكون هذه حياتهم الأبدية فيا لهذه الغرابة

في كيفية العبادة ومدى الطاعة!.

7- عدم الملل من التضرع لله:

قوله علیه السلام:

(وَلَمْ يُنْفِدْ طُولُ اَلرَّغْبَةِ إِلَيْهِ مَادَّةَ تَضَرُّعِهِمْ).

إن أغلب العباد حينما يتوجهون لله تعالى في طلب الحاجة وتطول المدة في

استجابتها يشعرون بضعف العزيمة بسبب تأخرها، بالعكس من الملائكة؛ فهم

لا يملون كونهم يريدون الدرجات الرفيعة، وهذا المطلب هو من أعظم المطالب

لذا نجدهم لا يسأمون من العبادة والطاعة كون المطلب عظيماً يستحق ذلك.

8- كلما تقربوا الى الله زادوا خشوعاً:

قوله علیه السلام:

(وَلاَ أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظِيمُ اَلزُّلْفَةِ رِبَقَ(1) خُشُوعِهِمْ).

حينما يتقرب انسان من زعيم أو رئيس، ترفع بعض الحواجز التي تكون بينهما،

أما الملائكة فعلى الرغم من درجة القربى التي وصلت إليها الملائكة بخالقهم، إلا

أنهم باقون على هذا الخشوع، وهذا التضرع، وهذا يأتي عن معرفة بأنهم قريبون

ص: 143


1- الربق بالكسر: حبل فيه عدة عرى، تشد به البهم، الواحدة من العرى: ربقة. وفي الحديث: «خلع ربقة الاسلام من عنقه» والجمع ربق وأرباق ورباق. وفى الحديث: «لكم العهد ما لم تأكلوا الرباق». الصحاح الجوهري، ج 4، ص 148

من إله جبار متكبر عظيم قوي، وهذا الحال يحدث مع الأنبياء فكلما كان النبي

أقرب كان اخشع وأكثر تواضعاً لله.

9- (تواضعهم في عبادتهم وطاعتهم لله).

قوله علیه السلام:

(وَلَمْ يَتَوَلَّهُمُ اَلْإِعْجَابُ فَيَسْتَكْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ وَلاَ تَرَكَتْ لَهُمُ اِسْتِكَانَةُ اَلْإِجْلاَلِ نَصِيباً فِی تَعْظِيمِ حَسَنَاتِهِمْ، وَلَم تَجْرِ اَلْفَتَرَاتُ فِيهِمْ عَلَی طُولِ دُءُوبِهِمْ وَلَم تَغِضْ رَغَبَاتُهُمْ فَيُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ، وَلَم تَجِفَّ لِطُولِ اَلْمُنَاجَاةِ أَسَلاَتُ أَلْسِنَتِهِمْ

وَلاَ مَلَكَتْهُمُ اَلْأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ اَلْجُؤَارِ إِلَيْهِ أَصْوَاتُهُمْ، وَلَم تَخْتَلِفْ فِی مَقَاوِمِ

اَلطَّاعَةِ مَنَاكِبُهُمْ وَلَم يَثْنُوا إِلَی رَاحَةِ اَلتَّقْصِيرِ فِی أَمْرِهِ رِقَابَهُمْ، وَلاَ تَعْدُو عَلَی عَزِيمَةِ

جِدِّهِمْ بَلاَدَةُ اَلْغَفَلاَتِ).

إن العجب من صفات المتكبرين لذا اختلفت الملائكة عن ابليس بهذه

الصفة، وابليس عليه اللعنة لم يعجب بخلقه فقط وإنما كان معجباً بعبادته، فأراد

الله سبحانه أن يظهر ذلك لملائكته المقربين فبان لهم ابليس وما كان يخفي، أما

الملائكة فلم يعجبوا اطلاقاً لذلك نجدهم لا يملون ولا يكسلون بل يسبحون الله

ولا يسأمون ولا تمل ألسنتهم من التسبيح والتهليل فلا توجد لهم أشغال شخصية

وإنما كل شغلهم وشاغلهم هو ذكر الله وعبادته وقوله علیه السلام:

(وَلَم تَخْتَلِفْ فِی مَقَاوِمِ اَلطَّاعَةِ مَنَاكِبُهُمْ(1) وَلَمْ يَثْنُوا إِلَی رَاحَةِ اَلتَّقْصِيِر فِی أَمْرِهِ

رِقَابَهُمْ، وَلاَ تَعْدُو عَلَی عَزِيمَةِ جِدِّهِمْ بَلاَدَةُ اَلْغَفَلاَتِ).

ذكرنا هذا المقطع في مسألة أحوال الملائكة، وفي هذا الوصف بيان طاعة

الملائكة فهم لا يبدلون منكباً بمنكب لغاية الاستراحة بل هم باقون على هذا

الحال وهم لا يسهون ولا يغفلون ولا يتعدون حدود الله وما أمرهم به.

ص: 144


1- المنكب: مجمع عظم العضد والكتف، العين،ج 5، ص 385

المسألة السادسة (الملائكة منزهون عن كل صفة ذميمة)

قال علیه السلام:

(وَ لا تَنْتَضِلُ فی هِمَهِهِمْ خَدائِعُ الشَّهَواتِ، قَدِ اتَّخَذُوا ذَا الْعَرْشِ ذَخیرَهً لِیَوْمِ فاقَتِهِمْ، وَ یَمَّمُوهُ عِنْدَ انْقِطاعِ الْخَلْقِ اِلَی الْمَخْلُوقینَ بِرَغْبَتِهِمْ لا یَقْطَعُونَ اَمَدَ غایَهِ عِبادَتِه وَ لا یَرْجِعُ بِهِمُ الْاِسْتِهْتارُ بِلُزُومِ طاعَتِه اِلاّ اِلی مَوادَّ مِنْ قُلُوبِهِمْ غَیْرِ مُنْقَطِعَهٍ مِنْ رَجَائِهِ وَ مَخَافَتِهِ، لَمْ تَنْقَطِعْ أَسْبَابُ الشَّفَقَةِ مِنْهُمْ فَيَنُوا فِي جِدِّهِمْ، وَ لَمْ تَأْسِرْهُمُ الْأَطْمَاعُ، فَيُؤْثِرُوا وَشِيكَ السَّعْيِ عَلَي اجْتِهَادِهِمْ، لَمْ يَسْتَعْظِمُوا مَا مَضَي مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَ لَوِ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ لَنَسَخَ الرَّجَاءُ مِنْهُمْ شَفَقَاتِ وَجَلِهِمْ).

فالملائكة منزهون عن كل الصفات الذميمة فهم:

1- لا ينخدعون بالشهوات:

قوله علیه السلام:

(وَلاَ تَنْتَضِلُ(1) فِی هَمِمِهِمْ خَدَائِعُ اَلشَّهَوَاتِ).

عنه علیه السلام:

(ليس في المعاصي أشد من اتباع الشهوة، فلا تطيعوها فتشغلكم عن الله)(2).

بما أن الملائكة بعيدة كل البعد عن هذه الشهوات ومتجردة منها، فلا يشغلهم

شيء عن ذكر الله عزوجل فنفوسهم طاهرة منزهة عن الشهوة والغفلة.

لذا لا ينخدعون بالشهوات ولا يتنازعون ولا يهمون إلى ارتكاب أي معصية،

ص: 145


1- نضل: نضل فلان فلانا أي فضله في مراماة فغلبه، و انتضل القوم: إذا تفاخروا، العين، ج 7، ص 43
2- مستدرك الوسائل، ج 11، ص 347

عكس الانسان المذنب فهو في نزاع مستمر مع النفس الأمارة بالسوء المنغمسة في

حب الشهوة، وقد يصل الإنسان الى مراتب سامية أعلى من مراتب الملائكة إذا

ترك هذه الشهوة وانشغل بالعبادة وذكر الله كثيراً، جاء في الخبر أن الإمام زين

العابدين علیه السلام صلى أربعين سنة صلاة الصبح بوضوء المغرب، ودعواته صلوات

الله عليه تدل على كمالاته»(1).

روي في كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام في بيان عصمة الملائكة قال يوسف بن

محمد بن زياد وعلي بن محمد سيار عن أبويهما انهما قالا: فقلنا للحسن بن علي علیه السلام:

فإن قوما عندنا يزعمون أن هاروت وماروت ملكان اختارهما الله الملائكة لما كثر

عصيان بني آدم، وانزلهما مع ثالث لهما إلى دار الدنيا وانهما افتتنا بالزهرة وارادا

الزنا بها وشربا الخمر، وقتلا النفس المحرمة، وان الله عزوجل يعذبهما ببابل وان

السحرة منهما يتعلمون السحر وان الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذيهو الزهرة فقال الإمام علیه السلام:

معاذ الله من ذلك! ان ملائكة الله معصومون محفوظون من الكفر والقبائح

بألطاف الله تعالى، قال الله عزوجل فيهم: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما

يؤمرون) وقال الله عزوجل: (وله من في السماوات والأرض ومن عنده) يعني

الملائكة (لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا

يفترون) وقال عزوجل في الملائكة أيضا: (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول

وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى

وهم من خشيته مشفقون)، ثم قال علیه السلام: لو كان كما يقولون كان الله عزوجل قد

جعل هؤلاء الملائكة خلفاءه في الأرض وكانوا كالأنبياء في الدنيا أو كالأئمة،

ص: 146


1- روضة الواعظين، في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (الأول)، ج 13، ص 264

فيكون من الأنبياء والأئمة علیهم السلام قتل النفس والزنا؟ ثم قال علیه السلام: أولست تعلم أن الله

عز وجل لم يخل الدنيا من نبي قط أو امام من البشر أوليس الله عزوجل يقول: (وما

أرسلنا قبلك) من رسول يعني إلى الخلق (إلا رجالا يوحى إليهم من أهل القرى)

فأخبر انه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة وحكاما وإنما كانوا أرسلوا

إلى أنبياء الله قالا: فقلنا له: فعلى هذا أيضا لم يكن إبليس أيضا ملكا فقال: لا بل

كان من الجن أما تسمعان الله عزوجل يقول: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم

فسجدوا إلا إبليس كان من الجن) فأخبر عزوجل انه كان من الجن وهو الذي قال

الله عزوجل: (والجان خلقناه من قبل من نار السموم)(1).

2- اتخذوا الله وسيلتهم ليوم فاقتهم:

قوله علیه السلام:

(قَدِ اِتَّخَذُوا ذَا اَلْعَرْشِ ذَخِيرَةً لِيَوْمِ فَاقَتِهِمْ).

يوم فاقتهم أي يوم احتياجهم إليه؛ فجميع المخلوقات محتاجة الى رعاية الله

وحفظه من البلايا وخصوصاً من عرفه، قال تعالى:

«لَبْتَغَوْا إِلَی ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا»(2).

أي: طلبوا سبيلا إليه ليغلبوه على ما له من الملك، والتعبير عنه تعالى بذي

العرش وهو من الصفات الخاصة بالملك للدلالة على أن ابتغاءهم السبيل إليه،

إنما هو لكونه ذا العرش وهو ابتغاء سبيل إلى عرشه ليستقروا عليه)(3).

وجاء في التفسير الصافي إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا لطلبوا إلى مالك

ص: 147


1- عيون اخبار الرضا علیه السلام ج 1، ص 224، ح 1
2- الاسراء: 42
3- تفسير الميزان، ج 13، ص 107

الملك سبيلا بالتقرب والطاعة كما يأتي في هذه السورة:

«أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب»(1).

«سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا * تسبح له..»(2).

وقرأ بالتاء السموات السبع والارض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح

بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم في الكافي والعياشي عن الصادق علیه السلام تنقض

الجدر تسبيحها. وعنه علیه السلام ما من طير يصاد إلا بتضييعه التسبيح وعن الباقر علیه السلام

إنه سئل أتسبح الشجرة اليابسة؟ فقال نعم أما سمعت خشب البيت كيف ينقض

وذلك تسبيحه لله فسبحان الله على كل حال)(3).

وهذه الآية تشير الى أن الله تعالى جعل له سبيلاً وقد جاء في الروايات أن أهل

البيت علیهم السلام هم السبيل الى الله سبحانه وتعالى، فقد روى القمي عن ابي جعفر علیه السلام في

قوله «وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله «

قال نحن السبيل..). وروي عن إبراهيم بن شعيب الميثمي، قال: سمعت أبا عبد

الله علیه السلام يقول: ان الحسين بن علي علیهما السلام لما ولد أمر الله عزوجل جبرئيل علیه السلام أن يهبط في

ألف من الملائكة فيهنئ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من الله ومن جبرئيل علیه السلام، قال: وكان مهبط

جبرئيل علیه السلام على جزيرة في البحر، فيها ملك يقال له: فطرس، كان من الحملة،

فبعث في شيء فأبطأ فيه، فكسر جناحه والقي في تلك الجزيرة يعبد الله فيها ستمائة

عام حتى ولد الحسين علیه السلام، فقال الملك لجبرئيل علیه السلام: أين تريد.

قال: ان الله تعالى أنعم على محمد صلی الله علیه و آله وسلم بنعمة فبعثت أهنيه من الله ومني، فقال: يا

ص: 148


1- الاسراء: 57
2- الاسراء: 43 - 44
3- التفسير الصافي، الفيض الكاشاني، ج 3، ص 194

جبرئيل احملني معك لعل محمدا صلی الله علیه و آله وسلم يدعو الله لي. قال: فحمله، فلما دخل جبرئيل

على النبي صلی الله علیه و آله وسلم وهنأه من الله وهنأه منه و أخبره بحال فطرس، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

يا جبرئيل ادخله فلما أدخله أخبر فطرس النبي صلی الله علیه و آله وسلم بحاله، فدعا له النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقال

له: تمسح بهذا المولود وعد إلى مكانك.

قال: فتمسح فطرس بالحسين علیه السلام وارتفع، وقال: يا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم اما ان

أمتك ستقتله وله علي مكافأة ان لا يزوره زائر إلا بلغته عنه، ولا يسلم عليه مسلم

إلا بلغته سلامه، ولا يصلي عليه مصل إلا بلغته عليه صلاته، قال: ثم ارتفع)(1).

وقد يسأل البعض كيف تكون الملائكة معصومة وقد عاقب الله فطرس والله

لا يعاقب إلا بسبب.

والجواب على ذلك أن الله سبحانه تعالى قد حاسب بعض الأنبياء لا لأنهم

أذنبوا، وإنما بسبب تركهم باب الأولى وخير مثال على ذلك ما حدث مع النبي

يوسف علیه السلام حينما استعان بأحد الخدم بقوله اذكرني عند ربك، فالله حاسبه على

استعانته بغيره، فلبث بسبب ذلك سبع سنين في السجن وكذلك ما حدث مع

النبي يونس علیه السلام حينما دعا على قومه وأراد هلاكهم، قال تعالى:

«وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا»(2).

وقال الله لرسوله الكريم بقوله:

«وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ».

يعني ولا تكن في استعجال عقابهم، فالنبي يونس علیه السلام حينما طلب من الله

تقديم العقاب وهلاك قومه فهذا لا يعني أن النبي يونس علیه السلام أراد هلاكهم بلا

ص: 149


1- كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه، ص 141
2- الأنبياء: 87

سبب بل دعاهم وصبر عليهم فلم يستجيبوا لقوله فطلب من الله إهلاكهم

ولكنه علیه السلام لما عرف أن قومه تابوا ورجعوا الى رشدهم قال:

«أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ»(1).

فالله سبحانه وتعالى يحاسب المعصوم باختلاف عن بقية الخلق لأن الله يريد

له بقاء هذه المكانة الرفيعة والمنزلة، وكون الملائكة معصومين فقد حاسب الله هذا

الملك الطاهر لبطئه في تنفيذ الأمر لا لعدم امتثاله لأمر الله.

وكذلك حينما يريد الله أن يرفع عبداً من عبيده يحاسبه على ابسط الامور

فيتجه العبد له بالدعاء والتوسل فيعوضه الله بعطاء أكبر وهذا ما حصل لفطرس

فقد جعله الله من خدام سيد الشهداء وهذه مكانه رفيعة لأن الملائكة تتوسل بالله

لكي تزور الامام الحسين فكيف وأنت في حرمه ومن المقربين لديه.

وقد بيّن الله من خلال ما حدث لفطرس أن أهل البيت علیهم السلام هم السبيل إليه

وهم الشفعاء لجميع الخلق وهم رحمته في السماء ورحمته في الأرض.

3- قصدوا الله بالرغبة والرجاء:

قوله علیه السلام:

(وَيَمَّمُوهُ(2) عِنْدَ اِنْقِطَاعِ اَلْخَلْقِ إِلَی اَلْمَخْلُوقِيَن بِرَغْبَتِهِمْ).

فالملائكة لا ترجو سوى الله سبحانه وتعالى وهذا يأتي من باب معرفتهم

به فهم لا يقصدون أي مخلوق سواه، عكس المخلوقات الأخرى، فهم يرجون

ويتوكلون بعضهم على البعض ويرغبون الى غيره في قضاء حوائجهم.

ص: 150


1- الانبياء: 87
2- يممه: قصده، القاموس المحيط، ج 4، ص 193

4- لا تنتهي عبادتهم مهما طالت المدة حتى يصلوا الغاية:

قوله علیه السلام:

(لاَ يَقْطَعُونَ أَمَدَ غَايَةِ عِبَادَتِهِ).

فهم يعبدون الله ولا ينقطعون عن عبادته ولو طالت هذه العبادة لسنين

واعوام فهم لا زالوا على هذه الحال حتى يطمأنوا بأنهم بلغو الغاية.

5- استمرارية طاعتهم بلا تهاون وكسل:

قوله علیه السلام:

(وَلاَ يَرْجِعُ بِهِمُ اَلِاسْتِهْتَارُ بِلُزُومِ طَاعَتِهِ).

معنى الاستهتار التولع الزائد، فالملائكة وولعهم ولزومهم الطاعة لم يسبب

لهم رجوعا عن العبادة فهم لا يغفلون ولا يكسلون، فالطاعة مترسخة في قلوبهم

وملازمة لهم لا ينفكون عنها.

6- لم يقطعوا رجاءهم وخوفهم من الله:

قوله علیه السلام:

(إِلاَّ إِلَی مَوَادَّ مِنْ قُلُوبِهِمْ غَيْرِ مُنْقَطِعَةٍ مِنْ رَجَائِهِ وَمَخَافَتِهِ).

مواد جمع مادة وهي التي تمد الشيء، والاستثناء منقطع، أي انهم كلما أطاعوا إذ

دارت فيهم بواعث الإطاعة من الرغبة والرهبة الموجودتين في قلوبهم، والحاصل

انه لا يرجع ولع الملائكة بالطاعة، إلا إلى الزيادة، وذلك للمواد الموجودة في

قلوبهم الموجبة للزيادة)(1).

ص: 151


1- توضيح نهج البلاغة، السيد محمد الحسيني الشيرازي، ج 2، ص 68

7- لم تنقطع منهم دوافع الخوف:

قوله علیه السلام:

(لَمْ تَنْقَطِعْ اَسْبابُ الشَّفَقَةِ(1) مِنْهُمْ فَیَنُوا(2) فی جِدِّهِمْ).

إن خوف الملائكة ملازم لهم لا ينفك عنهم، وهذا يأتي من المعرفة والقرب،

فمن عرف الله خافه أكثر وكلما زادت المعرفة زاد الخوف لديهم وهذا الخوف يحثهم

على العمل لمرضاته، مما جعلهم مجدين في عبادتهم وطاعتهم فلم يكسلوا بل زادت

طاعتهم يوما بعد يوم.

8- لم تمتلكهم الاطماع فتغير سعيهم في الطاعة:

قوله علیه السلام:

(وَلَمْ تَأْسِرْهُمُ الْأَطْمَاعُ فَیُؤْثِرُوا وَشِیکَ(3) السَّعْی عَلَی اجْتِهَادِهِمْ).

من أهم الأمور والأسباب التي ساعدت الملائكة على الجد والاجتهاد في الطاعة

ورضا الله، هو عدم طمعهم بأي شيء سوى التقرب من الباري عزوجل، قال تعالى:

«تَتَجَافَی جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا»(4).

فالملائكة تطمع بأن تكون قريبة من الله لأن الطمع والأماني في غير ذلك

يعمي البصيرة ويفسد العمل ويقلل السعي في طلب الخير؛ فينشغل المخلوق في

مغريات الدنيا فكان سعيهم الوحيد هو الطاعة والعبادة، وعن الإمام الكاظم علیه السلام

ص: 152


1- الخوف، ينظر لسان العرب، ج 10، ص 179
2- (فينّوا) من (ونى) بمعنى كسل وضعف. ينظر تاج العروس، ج 20، ص 317
3- وشيك:أي سريع، العين، ج 5، س 390
4- السجدة: 16

قال - لهشام وهو يعظه -:

(إياك والطمع، وعليك باليأس مما في أيدي الناس، وأمت الطمع من

المخلوقين، فإن الطمع مفتاح للذل، واختلاس العقل، واختلاق المروات، وتدنيس

العرض، والذهاب بالعلم)(1).

9- تواضعهم في العبادة:

قوله علیه السلام:

(وَلَم يَسْتَعْظِمُوا مَا مَضَی مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَوِ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ لَنَسَخَ اَلرَّجَاءُ مِنْهُمْ

شَفَقَاتِ وَجَلِهِمْ).

فكلما استصغر المخلوق عمله زاد عند الله أجره وعظم أكثر، والعكس اذا

استعظم ذلك فهو يقل عند الله ويصغر، قال الإمام علي علیه السلام:

(سَيِّئَةٌ تَسُوءُكَ خَيْرٌ عِنْدَ الله مِنْ حَسَنَةٍ تُعْجِبُكَ)(2).

وفي الكافي عن أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام قَالَ:

قال رَسُولُ اللَّه صلی الله علیه وآله: بَیْنَمَا مُوسَی علیه السلام جالِساً إِذْ أَقْبَلَ إِبْلِیسُ وَعَلَیْهِ بُرْنُسٌ ذُوأَلْوانٍ فَلَمّا دَنَا مِنْ مُوسَی علیه السلام خَلَعَ الْبُرْنُسَ وَقامَ إِلَی مُوسَی فَسَلَّمَ عَلَیْهِ فَقَالَ لَهُ مُوسَی مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا إِبْلِیسُ، قَالَ: أَنْتَ فَلَا قَرَّبَ اللَّهُ دَارَکَ(3)، قَالَ: إِنِّی إِنَّمَا جِئْتُ لِأُسَلِّمَ عَلَیْکَ لِمَکَانِکَ مِنَ اللَّهِ قَالَ فَقَالَ لَهُ مُوسَی علیه السلام: فَمَا هَذَا الْبُرْنُسُ؟ قَالَ: بِهِ أَخْتَطِفُ قُلُوبَ بَنِی آدَمَ(4)، فَقَالَ مُوسَی فَأَخْبِرْنِی بِالذَّنْبِ الَّذِی إِذَا أَذْنَبَهُ ابْنُ آدَمَ اسْتَحْوَذْتَ

ص: 153


1- الوافي، الفيض الكاشاني، ج 26، ص 281
2- نهج البلاغة، الحكمة: 46، ج 4، ص 512
3- أي لا قربك الله منا أو من أحد
4- اختطف أي استلب. وكأن الألوان في البرنس كانت صورة شهوات الدنيا وزينتها

عَلَیْهِ؟ قَالَ: إِذَا أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ وَاسْتَکْثَرَ عَمَلَهُ، وَصَغُرَ فِی عَیْنِهِ ذَنْبَهُ.

وَقَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ لِدَاوُدَ علیه السلام: یَا دَاوُدُ بَشِّرِ الْمُذْنِبِینَ وَأَنْذِرِ الصِّدِّیقِینَ قَالَ: کَیْفَ أُبَشِّرُ الْمُذْنِبِینَ وَأُنْذِرُ الصِّدِّقِینَ؟ قَالَ: یَا دَاوُدُ! بَشِّرِ الْمُذْنِبِینَ أَنِّی أَقْبَلُ التَّوْبَهَ وَأَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ وَأَنْذِرِ الصِّدِّیقِینَ أَلّا یُعْجِبُوا بِأَعْمالِهِمْ فَإِنَّهُ لَیْسَ عَبْدٌ أَنْصبُهُ لِلْحِسابِ إِلّا هَلَکَ)(1).

فالمخلوق إذا استعظم عمله تغلب رجاؤه على خوفه، والإنسان لا يصل الى

الكمال إلا أن يكون خوفه من الله بقدر رجائه منه سبحانه، وهذا المعنى أشار إليه

بقوله علیه السلام:

(وَلَوِ اِسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ لَنَسَخَ اَلرَّجَاءُ مِنْهُمْ شَفَقَاتِ وَجَلِهِمْ).

ومعنى وجلهم أي: خوفهم؛ فكل هذه الصفات تؤكد عصمة الملائكة.

ص: 154


1- الكافي، ج 2، ص 314، ح 8

المبحث الخامس

اختبار الملائكة

ص: 155

ص: 156

المبحث الخامس اختبار الملائكة

إن موضوع اختبار الملائكة مرتبط بموضوع العصمة الا أننا احببنا أن نفرده

بمبحث خاص ذلك لبيان درجات العصمة وكذلك أخذ العبر والدروس من هذا

الاختبار، فالله سبحانه وتعالى وإن كان أعلم بخلقه من أنفسهم إلا أنه لا يحاسب

عباده إلا بعد اختبارهم كي تظهر فعالهم فتكون تلك الفعال حجة عليهم، فبها

يستحق العبد الثواب أو العقاب فإن كان خيراً نال جزاءه وان كان شراً نال جزاءه

أيضاً، قال تعالى:

«فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(1).

وهذا الامتحان الذي يجري على العباد إما يكون بلاءً ظاهرياً أو يكون بلاءً

خفياً وهذا أصعب ذلك أن العبد لا يعلم مدى خطورة هذا البلاء.

وهذا ما حصل مع الملائكة حيث أمرهم الله بالسجود لآدم فكانوا جاهلين في

بادئ الأمر من هو آدم كما جاء في قوله تعالى:

«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا

ص: 157


1- الزلزلة: 7 - 8

مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(1).

وكذلك اختبرهم بخلق آدم كونه مخلوق من طين وهي مادة ظاهرها بسيط

بالنسبة لخلقهم ولكن الله جعل فيها اسراراً، ولم يكشف الله تعالى لهم عظمة هذه

الطينة وما تحوي من اسرار؛ لذا كان ذلك اختبارهم فهم يجهلون أموراً كثيرة، قال

أمير المؤمنين علیه السلام:

(ثُمَّ اِخْتَبَرَ بِذَلِکَ مَلاَئِکَتَهُ اَلْمُقَرَّبِینَ، لِیَمِیزَ اَلْمُتَوَاضِعِینَ مِنْهُمْ مِنَ اَلْمُسْتَکْبِرِینَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ هُوَ اَلْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ اَلْقُلُوبِ وَ مَحْجُوبَاتِ اَلْغُیُوبِ:

«إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِینٍ * فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ * فَسَجَدَ اَلْمَلائِکَهُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِیسَ»(2)(3).

المسألة الأولى اختبار الملائكة بالسجود لآدم علیه السلام

قال الإمام علي علیه السلام:

(وَ اسْتَأْدَی اللّه سُبْحَانَهُ الْمَلائِکَهَ وَدِیعَتَهُ لَدَیْهِمْ وَعَهْدَ وَصِیَّتِهِ إِلَیْهِمْ فِی الْإِذْعانِ بِالسُّجُودِ لَهُ وَالْخُنُوعِ لِتَکْرِمَتِهِ فَقالَ سُبْحانَهُ:

«اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِیسَ»(4))(5).

ص: 158


1- البقرة: 30
2- ص: 71 - 74
3- نهج البلاغة، خطبة القاصعة،ص 313
4- البقرة: 34
5- نهج البلاغة، الخطبة الاولى، ص 26

المعنى اللغوي: الإذعان أي: الانقياد، الخنوع أي: التذلّل.

إن الله تبارك وتعالى اختبر الملائكة بالسجود لآدم بعد وصيته لهم وأمرهم

بالسجود له بعد تمام خلقه ونفخ الروح فيه، قال تعالى:

«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»(1).

فقد أدّى الملائكة ما كلفوا به من قبل الله تعالى وتعدوا الاختبار وهو السجود

لآدم علیه السلام قال تعالى:

«فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ»(2).

فكان هذا السجود طاعة لله عزوجل، وتكريما لآدم لما فضله الله على سائر

خلقه، حيث جعل بصلبه أقدس الموجودات، جاء في علل الشرائع للشيخ

الصدوق رحمه الله، روي عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال:

(إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما

لنا واكراما، وكان سجودهم لله عزوجل عبودية ولآدم إكراما وطاعة لكوننا في

صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون)(3).

قال الشيخ الطوسي رحمه الله: (إن أمر الله تعالى للملائكة بالسجود لآدم

يدل على تفضيله عليهم، وإن كان السجود لله تعالى لا لآدم، لأن السجود عبادة،

لايجوز أن يفعل إلا لله، فأما المخلوقات فلا تستحق شيئا من العبادة بحال، لأن

ص: 159


1- الحجر: 28 - 29
2- الحجر 30 - 31
3- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 6، ح 1

العبادة تستحق بأصول النعم وبقدر من النعم لا يوازيها نعمة منعم.

وقال قوم: ان سجود الملائكة لآدم كان كما يسجد إلى جهة الكعبة - وهو قول

الجبائي - والصحيح الاول، لأن التعظيم الذي هو في أعلى المراتب حاصل لله لا لآدم بإسجاد الملائكة له. ولو لم يكن الأمر على ما قلناه من أن في ذلك تفضيلا

لآدم عليهم، لما كان لامتناع إبليس من السجود له وجه، و لما كان لقوله:

أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِ مِنْهُ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(1). وجه.

فلما احتج إبليس بأنه أفضل من آدم - وإن أخطأ في الاحتجاج - علمنا أن

موضوع الأمر بالسجود لآدم على جهة التفضيل، وإلا كان يقول الله لابليس: إني

ما فضلته على من أمرته بالسجود لآدم وإنما السجود لي، وهو بمنزلة القبلة، فلا

ينبغي أن تأنف من ذلك)(2).

وجاء في تفسير الصافي «وَإذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ» وذلك لما كان

في صلبه من أنوار نبينا صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بيته المعصومين علیهم السلام وكانوا قد فضلوا على الملائكة

باحتمالهم الأذى في جنب الله، فكان السجود تعظيما وإكراما لهم ولله سبحانه

عبودية ولآدم علیه السلام طاعة)(3).

قال علي بن الحسين حدثني أبي عن أبيه علیهم السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال:

يا عباد الله إن آدم علیه السلام لما رآى النور ساطعا من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا

من ذروة العرش إلى ظهره رأى النور ولم يتبين الأشباح فقال: يا رب ما هذه الأنوار

فقال عزوجل: (أنوار وأشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك

ص: 160


1- الأعراف: 12
2- التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي، ج 7، ص 214
3- التفسير الصافي،ج 1، ص 115

أمرت الملائكة بالسجود لك، إذ كنت وعاءً لتلك الأشباح، فقال آدم يا رب لو

بيّنتها لي، فقال الله عزوجل: انظر يا آدم إلى ذروة العرش فانطبع فيه صور أنوار

أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا، فقال

ما هذه الأشباح يا رب؟ فقال الله: يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي، هذا

محمد صلی الله علیه و آله وسلم وأنا الحميد المحمود في فعالي، شققت له اسما من اسمي، وهذا علي وأنا

العلي العظيم شققت له اسما من اسمي، وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض

فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عما يعرهم ويشينهم، فشققت لها اسما من اسمي وهذا الحسن وهذا الحسين وأنا المحسن المجمل شققت

أسميهما من اسمي، هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي، بهم آخذ وبهم أعطي وبهم

أعاقب وبهم أثيب، فتوسل بهم إلي يا آدم وإذا دهتك داهية فاجعلهم إلي شفعاءك،

فإني آليت على نفسي قسما حقا أن لا أخيب بهم آملا ولا أرد بهم سائلا فلذلك حين

زلت منه الخطيئة دعا الله عزوجل بهم فتيب عليه)(1).

المسألة الثانية اختبار الملائكة بطينة آدم

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

(فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ هُوَ اَلْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ اَلْقُلُوبِ، وَ مَحْجُوبَاتِ اَلْغُیُوبِ (إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِینٍ، فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ، فَسَجَدَ اَلْمَلائِکَهُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّ إِبْلِیسَ)، اِعْتَرَضَتْهُ اَلْحَمِیَّهُ...... وَلَوْ أَرَادَ اللّهُ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ یَخْطَفُ الْأَبْصَارَ ضِیَاؤُهُ وَیَبْهَرُ الْعُقُولَ رُوَاؤُهُ وَطِیبٍ یَأْخُذُ الْأَنْفَاسَ عَرْفُهُ لَفَعَلَ وَلَوْ فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ الْأَعْنَاقُ خَاضِعَهً وَلَخَفَّتِ الْبَلْوَی فِیهِ عَلَی الْمَلَائِکَهِ وَلکِنَّ

ص: 161


1- تفسير الصافي، ج 1، ص 116

اللّهُ سُبْحانَهُ اَبْتَلِی خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا یَجْهَلُونَ أَصْلَهُ تَمْیِیزاً بِالْإِخْتِبَارِ لَهُمْ وَنَفْیاً لِلْإِسْتِکْبَارِ عَنْهُمْ وَإِبْعَاداً لِلْخُیَلَاءِ عِنْهُمْ)(1).

المعنى اللغوي:

(مُضْمَرَاتِ: (ضمر) الضاد والميم والراء أصلان صحيحان أحدهما يدل

على دقة في الشيء والآخر يدل على غيبة وتستر(2)، رُوَاؤُهُ، الرواء: حسن المنظر

في البهاء والجمال(3)، العرف: عَرْفُهُ، ريح طيب، تقول: ما أطيب عرفه(4)،

لِلْخُيَلاَءِ: أي الكِبْر)(5).

إن الله سبحانه وتعالى يختبر خلقه ببعض الأمور التي يجهلونها، فيكون من

الصعب عليهم تمييز الحق من الباطل وهذا الاختبار يصعب عليهم المهمة أكثر،

فالنبي آدم علیه السلام خلق من طين ونحن نعلم أن الملائكة خلقت من نور، كما ورد لنا

في الروايات وكون النور من أوضح الموجودات وأقدسها لذلك ضرب لنا أمير

المؤمنين في ذلك مثلا، فلو خلق الله آدم من نور لبانت عظمة هذا المخلوق الطاهر ولكن الله جعل نورانية آدم في قلبه وأخفى عليهم جوهره الحقيقي؛ لأن أغلب

الموجودات تنظر لظاهر الخلق، أما الباطن فهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى؛

فخلقه من هذه المادة الصماء وهي التراب، قال تعالى:

«وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّی خالِقٌ بشَرَاً مِنْ طينٍ»(6).

ص: 162


1- نهج البلاغة: خطبة القاصعة، ص 286
2- معجم مقاييس اللغة، ج 3، ص 371
3- العين، ج 8، ص 311
4- المصدر نفسه، ج 2، ص 122
5- لسان العرب، ج 11، ص 228
6- ص: 71

حيث لا رائحه تملأ المكان، ولا أي بريق يخطف الأبصار، فلم تظهر لهم قداسة

هذا الخليفة، ولكن رغم هذا كله حينما أمرهم الله بالسجود سجدت الملائكة جميعاً

إلا ابليس لم يسجد كونه من الجن وهذا الاختبار قد وضح حقيقة الملائكة، فهم

عباد مطيعون لا يعصون الله بكل شيء، أما ابليس لم يسجد كونه قاس بين خلق

الطين والنار فافتخر بخلقه على آدم، قال تعالى:

«فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(1).

عن أبي عبد الله علیه السلام قال:

(إن إبليس قاس نفسه بآدم فقال: خلقتني من نار وخلقته من طين، ولو قاس

الجوهر الذي خلق الله منه آدم بالنار، كان ذلك أكثر نورا وضياء من النار)(2).

وجاء في تفسير الأمثل (وكأن إِبليس كان يتصوّر أنّ النّار أفضل من التراب،

وهذه هي أكبر أغلاطه وأخطائه، ولعلّه لم يقل ذلك عن خطأ والتباس، بل كذب

عن وعي وفهم، لأنّنا نعلم أنّ التراب مصدرُ أنواع البركات، ومنبَعُ جميع المواد

الحياتية، وأهم وسيلة لمواصلة الموجودات الحية حياتها، على حين أن الأمر بالنسبة

إِلى النّار ليس على هذا الشكل.

صحيح أنّ النّار أحد عوامل التجزئة والتركيب في الكائنات الموجودة في هذا

الكون، ولكن الدور الأصلي والأساس هو للمواد الموجودة في التراب، وتعدّ

النّار وسيلة لتكميلها فقط.

ص: 163


1- ص: 73 - 76
2- الكافي، ج 1، ص 58، ح 18

وصحيح أيضاً أنّ الكرة الأرضية انفصلت في بداية أمرها عن الشمس،

وكانت على هيئة كرة نارية فبردت تدريجاً، ولكن يجب أن نعلم أن الأرض مادامت

مشتعلة، وحارة لم يكن عليها أي كائن حيّ، وإِنّما ظهرت الحياة على سطح هذا

الكرة عندما حلّ التراب والطين محل النّار.

هذا مضافاً إِلى أنّ أية نار ظهرت على سطح الأرض كان مصدرها مواد

مستفادَة من التراب، ثمّ إِنّ التراب مصدر نموّ الأشجار، والأشجار مصدر ظهور

النّار، وحتى المواد النفطية أو الدهون القابلة للاشتعال والإِحتراق تعود أيضاً إِلى

التراب أو إِلى الحيوانات التي تتغذى من المواد النباتية.

على أنّ ميزة الإِنسان بغض النظر عن كل هذه الأُمور لم تكن في كونه من

التراب، بل إِنّ ميزته الأصلية تكمن في «الروح الإِنسانية» وفي خلافته لله تعالى.

وعلى فرض أنّ مادة الشيطان الأصلية كانت أفضل من مادة الإِنسان، فإِن

ذلك لا يعني تسويغ عدم السجود للإِنسان الذي خلق بتلك الروح، ووهبه الله

تلك العظمة، وجعله خليفة له على الأرض.

والظاهر أنّ الشيطان كان يعرف بكل هذه الأُمور، ولكن التكبر، والأنانية

هما اللذان منعاه عن امتثال أمر الله، وكان ما أتى به من العذر حجة داحضة،

ومحض تحجج وتعلّل)(1).

وقال:علیه السلام في الخطبة نفسها المعروفة بالقاصعة:

(..ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام وعزة لا تضام... لكان ذلك أهون

على الخلق في الاعتبار وأبعد لهم في الاستكبار... ولكن الله سبحانه أراد أن يكون

الاتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع لوجهه والاستكانة لأمره والاستسلام

ص: 164


1- الأمثل، ج 4، ص 577

لطاعته أمورا له خاصة لا تشوبها من غيرها شائبة، وكلما كانت البلوى والاختبار

أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل)(1).

ومثلما اختبر الله الملائكة وابليس في بادئ الأمر في خلق آدم وبساطته بالنسبة

لباقي الموجودات وما أعطاهم الله من قوة وقدرة ظاهرة ومنظر جميل، كذلك

اختبر الناس بالأنبياء حيث اختار لهم ضعف الحال والفقر والجوع كي يتبعهم

اصحاب البصيرة، أما الذين أضلّتهم الدنيا واستهوتهم الشياطين لا ينظرون لمثل

هؤلاء الطيبين المتواضعين المتعففين، وإنما ينظرون للظاهر، فهذا الاختبار يشبه

ذاك الاختبار ولكن اختلف الجنس، فجنس الملائكة يختلف عن جنس البشر

وكذلك الجان، فثبت أن الملائكة مطيعون لله، لا يعصون أوامره، أما بنو البشر

فمنهم مؤمن ومنهم كافر وكذلك الجان، والله سبحانه وتعالى أراد أن يبين لنا في

هذا الامتحان أموراً كثيرة ومنها:

1. بيان طاعة الملائكة وإنهم يختلفون عن باقي الموجودات، فكل الملائكة

معصومون ومنزهون عن الخطأ.

2. عزل ابليس عن الملائكة وإيضاح نواياه الفاسدة.

3. جعل هذا الحدث عبرة لكل معتبر كي يبتعد جميع العباد من إنس وجن

وملائكة عن التكبر والعصبية وأن لا يجادلوا الله فهو خالقهم وهو أعلم

بهم من انفسهم.

4. الابتعاد عن القياس، فالمخلوق حينما يقيس يخطئٍ وهذا القياس يأتي

من باب التفضيل كما فضل ابليس نفسه على آدم من حيث الخلق فقاس

بين خلق الطين والنار، فكل قياس يأتي من باب التفضيل خطأ، قال

ص: 165


1- نهج البلاغة، الخطبة: القاصعة

أمير المؤمنين علیه السلام: (وأما الأغنياء من مترفة الأمم فتعصبوا لآثار مواقع

النعم. فقالوا: "نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين" فإن كان

لا بد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال،

ومحاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء من بيوتات العرب

ويعاسيب القبائل بالأخلاق الرغيبة، والأحلام العظيمة، والأخطار

الجليلة، والآثار المحمودة).

فإن أغلب العباد تظن أن الله سبحانه وتعالى حينما ينعم عليهم من المال والجاه

والولد، فبهذا العطاء فضلهم على غيرهم حيث أعطاهم وحرم غيرهم، ومن كلام

له علیه السلام يوضح فيه عكس ذلك قال علیه السلام:

(.. ولقد كان في رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ما يدلك على مساوي الدنيا وعيوبها، إذ جاع

فيها مع خاصته، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله أكرم

الله محمدا بذلك أم أهانه؟ فإن قال أهانه فقد كذب والعظيم، وإن قال أكرمه

فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس منه،

فتأسى متأس بنبيه، واقتص أثره، وولج مولجه، وإلا فلا يأمن الهلكة فإن الله جعل

محمدا صلی الله علیه و آله وسلم علما للساعة، ومبشرا بالجنة، ومنذرا بالعقوبة، خرج من الدنيا خميصا،

وورد الآخرة سليما، لم يضع حجرا على حجر حتى مضى لسبيله، وأجاب داعي

ربه، فما أعظم منة الله عندنا حين أنعم علينا به سلفا نتبعه، وقائدا نطأ عقبه، والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل ألا تنبذها؟

فقلت اغرب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى)(1).

فإن كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حبيبه قد زويت عنه الدنيا إذاً لا يقاس رضا الله بالمال

ص: 166


1- نهج البلاغة، الخطبة: 159، ج 2، ص 254

والجاه والسلطان وإنما يقاس رضا الله بالعلم والمعرفة، فتظهر بسلوك الانسان من

خلال تعامله، ولو قسنا أن العطاء بالأفضلية لكان رسول الله أكثر الناس مالاً

وأكثرهم استحقاقاً لجميع ملذات الحياة وكذلك سائر الأنبياء والحجج ولكنه

سبحانه أراد لهم ذلك النعيم الأبدي الذي لا نفاد له ولا انقطاع فيه، فهذا هو

النعيم الحقيقي، ومن مناجاته تعالى لحبيبه وسيد رسله قال تعالى: (... يا أحمد،

هل تدري أيّ عيش أهنا وأيّ حياة أبقى؟ قال: اللهمّ لا، قال: أمّا العيش الهنيء

هو الذي لا يفتر صاحبه عن ذكري، و لا ينسى نعمتي عنّي، ولا يجهل حقّي،

يطلب رضاي ليله ونهاره، و أمّا الحياة الباقية فهي التي يعمل صاحبها لنفسه حتّى

تهون عليه وتصغر في عينه، وتعظم الآخرة عنده، و يؤثر هواي على هواه، ويبتغي

مرضاتي، ويعظم حقّ عظمتي، ويذكر علمي به، ويراقبني بالليل والنهار عند

كلّ معصية، وينقي قلبه عن كلّ ما أكره، ويبغض الشيطان ووسواسه، ولا يجعل

لإبليس على قلبه سلطانا وسبيلا، فإذا فعل ذلك أسكنت فيه حبّا حتّى أجعل قلبه

لي وفراغه واشتغاله وهمّه وحديثه من النعمة التي أنعمت بها على أهل محبّتي من

خلقي، وأفتح عين قلبه وسمعه حتّى يسمع بقلبه وينظر بقلبه بجلالي وعظمتي،

فأضيّق عليه الدنيا و أبغض إليه ما فيها من اللذّات، فاحذّره من الدنيا وما فيها

كما يحذّر الراعي غنمه من مراتع الهلكة، فإذا كان هكذا يفرّ من الناس فرارا و ينقل

من دار الفناء إلى دار البقاء و من دار الشيطان إلى دار الرحمن.

يا أحمد، ولأزيننّه بالهيبة والعظمة، فهذا هو العيش الهنيء والحياة الباقية، هذا مقام الراضين، فمن عمل برضاي اُلزمه ثلاث خصال: أعرّفه شكرا لا يخالطه

الجهل، وذكرا لا يخالطه النسيان، و محبّة لا يؤثر على محبّتي محبّة المخلوقين.

فإذا أحبّني أحببته وحبّبته، وأفتح عين قلبه إلى نور جلالي، فلا أخفي عليه

ص: 167

خاصّة خلقي، وأناجيه في ظلم الليل ونور النهار حتّى ينقطع حديثه مع المخلوقين

ومجالسته معهم، واسمعه كلامي و كلام ملائكتي، وأعرّفه السرّ الذي سترته عن

خلقي، وألبسه الحياء حتّى يستحي منه الخلق و يمشي على الأرض مغفورا له،

وأجعل قلبه واعيا و بصيرا، ولا أخفي عليه شيئا من جنّة و لا نار، وأعرّفه ما

يمرّ على الناس يوم القيامة من الهول و الشدّة، وما احاسب به الأغنياء والفقراء

والجهّال والعلماء، وأنوّمه في قبره وأنزل عليه منكرا ونكيرا حين يسألان، ولا يرى

ولا يرى غم الموت وظلمة القبر واللحد وهول المطلع، ثم أنصب له ميزانه وأنشر

له ديوانه وأضع كتابه في يمينه فيقرأه منشورا، ثم لا أجعل بيني وبينه ترجمانا،

وهذه صفات المحبين.(1)

فالناس تجمع لدنياهم والأنبياء والصالحون يجمعون لآخرتهم ومن حكمه علیه السلام قاَلَ:

(إِنَّ للهَّ مَلَكاً يُنَادِي فِی كُلِّ يَوْمٍ: لِدُوا لِلْمَوْتِ، واجْمَعُوا لِلْفَنَاءِ، وابْنُوا

لِلْخَرَابِ)(2).

روي عن الأصبغ بن نباته قال: إن سلمان - رضي الله عنه - قال لي: اذهب بي

إلى المقبرة، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال لي:

يا سلمان! سيكلمك ميت إذا دنت وفاتك. فلما ذهبت به إليها ونادى الموتى

أجابه واحد منهم، فسأله سلمان عما أرى من الموت وما بعده فأجابه بقصص طويلة،

وأهوال جليلة وردت عليه - إلى أن قال -: لما ودعني أهلي وأرادوا الانصراف من

قبري أخذت في الندم فقلت: يا ليتني كنت من الراجعين! فأجابني مجيب من جانب

القبر: كلا! إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون، فقلت له: من

ص: 168


1- الجواهر السنية، ص 198 - 200
2- نهج البلاغة، الحكمة: 133، ج 4، ص 530

أنت؟ قال: أنا منبه أنا ملك وكلني الله عزوجل بجميع خلقه لأنبههم بعد مماتهم

ليكتبوا أعمالهم على أنفسهم بين يدي الله عزوجل، ثم إنه جذبني وأجلسني وقال

لي: اكتب عملك، فقلت: إني لا أحصيه، فقال لي: أما سمعت قول ربك «أحصاه

الله ونسوه «ثم قال لي: أكتب وأنا أملي عليك فقلت: أين البياض؟ فجذب جانبا من

كفني، فإذا هو ورق فقال: هذه صحيفتك، فقلت: من أين القلم؟ فقال: سبابتك،

قلت: من أين المداد؟ قال: ريقك، ثم أملى عليّ ما فعلته في دار الدنيا، فلم يبق من

أعمالی صغيرة ولا كبيرة إلا أملاها كما قال تعالى «ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب

لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك

أحدا» ثم إنه أخذ الكتاب وختمه بخاتم وطوقه في عنقي فخيل لي أن جبال الدنيا

جميعا قد طوقوها في عنقي فقلت له: يا منبه! ولم تفعل بي كذا؟ قال: ألم تسمع قول

ربك «وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا

اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا «فهذا تخاطب به يوم القيامة ويؤتى بك

وكتابك بين عينيك منشورا تشهد فيه على نفسك. ثم انصرف عني)(1).

ص: 169


1- بحار الأنوار، ج 56، ص 235، الفضائل، ص 89

ص: 170

المبحث السادس علم الملائكة وخوفهم وقربهم من الله

ص: 171

ص: 172

المبحث السادس علم الملائكة، وخوفهم، وقربهم من الله

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

(هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ وَأَخْوَفُهُمْ لَكَ وَأَقْرَبُهُمْ مِنْكَ)(1).

في هذا المبحث سوف نبیّن علم الملائكة، وخوفهم، وقربهم من الله سبحانه وتعالى، فكلما زاد المخلوق علماً زادت معرفته به سبحانه، لأن العلم نور والله

سبحانه يقذف هذا النور بقلب من يشاء؛ أي: من يريد الهداية والقربى من الله

والملائكة من المخلوقات التي اختارت أن تكون من المقربين.

فالعلم دليل العقل حيث يدله على الصراط المستقيم؛ فلا يدرك شيء إلا به؛

لأنه أصل العبادة، ولا تأتي الخشية من الله إلا عن العلم والمعرفة به سبحانه؛ فنجد

العلماء أكثر خوفا من الله من غيرهم مما عظم ذلك درجتهم عنده سبحانه؛ ففضل

العالم ودرجته تختلف؛ لأنهم عقلاء لا يُغْضِبُون الله ويكون خوفهم بقدر رجائهم

به سبحانه، فمن كان أعلم كان اخشى من غيره، عن أبي عبد الله علیه السلام قال:

(إن أعلم الناس بالله أخوفهم لله وأخوفهم له اعلمهم به وأعلمهم به

أزهدهم فيها)(2).

ص: 173


1- نهج البلاغة، الخطبة: 109، ج 1، ص 182
2- تفسير القمي، ج 2، ص 146

فكلما زاد العلم زادت نورانية العبد وتقربه الى الله، وكلما أحاط المخلوق بعلم

الله ازداد تيقنا به سبحانه، لأن عظمة الله تظهر وتتضح له أكثر، قال ابن عباس:

إنما يخشى الله من عباده العلماء قال: كان علي يخشى الله ويراقبه ويعمل بفرايضه،

ويجاهد في سبيله وكان اذا صف في القتال كأنه بنيان مرصوص يقول الله: ان الله

يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص يتبع في جميع امره مرضاة

الله ورسوله، وما قتل المشركين قبله أحد)(1).

ومن خلال هذا المبحث سوف نحاول الإجابة عن اسئلة مهمة وهي:

السؤال الأول: هل الملائكة أعلم الخلق أم هنالك من هو أعلم منهم؟

السؤال الثاني: هل الملائكة اكثر خشية من سائر الخلق ام هنالك من هو

اخشى منهم؟

السؤال الثالث: هل الملائكة اقرب الخلق الى الله أم هنالك من هو أقرب منهم؟

فكل هذه أسئلة تحتاج الى أجوبة سوف نبينها إن شاء الله من خلال الآيات

والأحاديث الشريفة الواردة عن أهل البيت علیهم السلام.

المسألة الأولى علم الملائكة

قال علیه السلام:

(هم أعلم خلقك بك).

فتواجدهم جنب ذلك الملكوت الأعلى وإحاطتهم به مما يجعلهم أعلم الخلق

بالله عزوجل، فضلاً عن تجردهم من جميع الملذات، حيث لا شاغل يشغلهم عن

ص: 174


1- روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص 105

الله فيغفلون عنه، قال الإمام علیه السلام:

(يزدادون على طول الطاعة علما بربهم وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظمة)(1).

فهذه الطاعة التامة لله تزيدهم علماً ومعرفة بخالقهم وكلما زادت معرفة الله

زادت عظمته في قلوبهم.

وقد يتبادر إلى أذهان البعض سؤال وهو هل ان الملائكة أعلم من جميع الخلق

مما يشمل الأنبياء والأولياء والحجج الأطهار أم هم مستثنون؟

والجواب على هذا السؤال توضحه الآية

«وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(2).

فحينما اختبر الله ملائكته بهذه الأسماء لم يعرفوها؛ فأنبأهم آدم علیه السلام بتلك

الأسماء فاتضح للملائكة أن النبي آدم علیه السلام أعلم منهم وهم لا يملكون تلك القدرة

العلمية التي يمتلكها؛ لأن الله سبحانه وتعالى أودعه علم النبوة وهذا العلم يشمل

جميع المعارف الكونية، فعن أبي العباس عن أبي عبد الله علیه السلام سألته عن قول الله

«وعلم آدم الأسماء كلها» ماذا علمه؟ قال:

(الأرضين والجبال والشعاب والأودية، ثم نظر إلى بساط تحته فقال: وهذا

البساط مما علمه).

ص: 175


1- نهج البلاغة، خطبة الأشباح، ص 151
2- لبقرة: 31

قال تعالى:

«وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ»(1).

عن عبد الله بن حماد، عن بريد بن معاوية، عن أحدهما علیهما السلام في قوله الله عزوجل:

«وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم» فرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أفضل الراسخين

في العلم، قد علمه الله عزوجل جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان

الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله، والذين لا

يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم، فأجابهم الله بقوله «يقولون آمنا به كل من

عند ربنا» والقرآن خاص وعام ومحكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، فالراسخون

في العلم يعلمونه)(2).

وهنا يأتي سؤال آخر وهو: ما هي الأسماء التي عرضها الله على الملائكة ولم

يعرفوها وعرفها آدم علیه السلام؟

جاء في تفسير الإمام العسكري علیه السلام إن الأسماء التي علمها لآدم علیه السلام هي

(أسماء أنبياء الله، وأسماء محمد صلی الله علیه و آله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين، والطيبين

من آلهما وأسماء خيار شيعتهم وعتاة أعدائهم (ثم عرضهم - عرض محمدا وعليا

والأئمة - على الملائكة) أي عرض أشباحهم وهم أنوار في الأظلة، (فقال أنبئوني

بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) ان جميعكم تسبحون وتقدسون وأن ترككم ههنا

أصلح من إيراد من بعدكم أي فكما لم تعرفوا غيب من [في] خلالكم فالحري أن

لا تعرفوا الغيب الذي لم يكن، كما لا تعرفون أسماء أشخاص ترونها.

ص: 176


1- آل عمران: 7
2- الكافي، ج 1، ص 213، ح 2. (باب ان الراسخين في العلم هم الأئمة علیهم السلام)

قالت الملائكة: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)

[العليم] بكل شيء، الحكيم المصيب في كل فعل.

قال الله عزوجل: (يا آدم) أنبئ هؤلاء الملائكة بأسمائهم: أسماء الأنبياء

والأئمة، فلما أنبأهم فعرفوها أخذ عليهم العهد، والميثاق بالايمان بهم، والتفضيل

لهم. قال الله تعالى عند ذلك: (ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض -

سرهما - وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) [و] ما كان يعتقده إبليس من الإباء

على آدم إن أمر بطاعته، وإهلاكه إن سلط عليه ومن اعتقادكم أنه لا أحد يأتي

بعدكم إلا وأنتم أفضل منه، بل محمد وآله الطيبون أفضل منكم، الذين أنبأكم آدم

بأسمائهم)(1).

فالملائكة معصومون عن أي خطأ، أما ابليس وامتناعه عن السجود؛ فهذا لا

ينافي قولنا في عصمة الملائكة كون ابليس ليس من جنس الملائكة، وإنما هو من

الجان، قال تعالى:

«وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ»(2).

الأئمة هم من عَلَّم الملائكة التسبيح:

بما أن الله خلق نور محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم قبل الخلق، فهذا

يعطيهم الأولوية بكل شيء من حيث المنزلة والرفعة والعلم، فبهم عُبِدَ اللهُ حق

عبادته، وفي حديث الكساء بيان عظيم لهؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء

قال تعالى لملائكته: (....يا ملائكتي وياسكان سماواتي إني ما خلقت سماء مبنية

ص: 177


1- تفسير الإمام العسكري، ص 217، ح 100
2- الكهف: 50

ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة لا فلكا يدور ولا بحرا يجري

ولا فلكا يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء، فقال الأمين

جبرائيل يا رب ومن تحت الكساء؟ فقال عزوجل: هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة

هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها، فقال جبرائيل: يا رب أتأذن لي أن أهبط إلى

الأرض لأكون معهم سادسا؟ فقال الله: نعم قد أذنت لك، فهبط الأمين جبرائيل

وقال السلام عليك يا رسول الله العلي الأعلى يقرئك السلام ويخصك بالتحية

والإكرام ويقول لك وعزتي وجلالي إني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية

ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور ولا بحرا يجري ولا فلكا يسري

إلا لأجلكم ومحبتكم وقد أذن لي أن أدخل معكم فهل تأذن لي يا رسول الله فقال

رسول الله وعليك السلام يا أمين وحي الله، إنه نعم قد أذنت لك، فدخل جبرائيل

معنا تحت الكساء، فقال لأبي إن الله قد أوحى إليكم يقول إنما يريد الله ليذهب

عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(1)،

وقد وردت في السنة المطهرة روايات كثيرة تبين أن النبي والعترة الطاهرة

عليهم افضل الصلاة والسلام هم من عَلَّم الملائكة التسبيح ومن هذه الروايات.

1- عن أمير المؤمنين علیه السلام قال:

(... إني لأعرف بطرق السماوات من طرق الأرض، نحن الاسم المخزون

المكنون، نحن الأسماء الحسنى التي إذا سئل الله عزوجل بها أجاب، نحن الأسماء

المكتوبة على العرش، ولأجلنا خلق الله عزوجل السماء والأرض والعرش

والكرسي والجنة والنار، ومنا تعلمت الملائكة التسبيح والتقديس والتوحيد

والتهليل والتكبير، ونحن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه)(2).

ص: 178


1- مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، ص 869
2- البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص 678، ح 3

2- جاء في كتاب علل الشرائع إن حبيب بن مظاهر الأسدي (بيض الله

وجهه) قال للحسين بن علي بن أبي طالب علیهما السلام: أي شيء كنتم قبل ان يخلق الله عزوجل آدم علیه السلام؟ قال:

(كنا أشباح نور ندور حول عرش الرحمان، فنعلّم الملائكة التسبيح والتهليل

والتحميد، ولهذا تأويل دقيق ليس هذا مكان شرحه وقد بيّناه في غيره)(1).

فهذه الروايات تؤكد أن الله سبحانه وتعالى أودع أهل بيته علیهم السلام علمه ومكنون

أسراره، قال أمير المؤمنين علیه السلام في حق أهل البيت:

(هم عيش العلم وموت الجهل یخبرکم حلمهم عن علمهم)(2).

فمنذ أن خلقهم الله سبحانه كانوا يعلمون الملائكة التسبيح فعلموا أهل

السماء، ومن ثم قذفهم الله بصلب آدم علیه السلام فعلموا أهل الأرض.

المسألة الثانية خوف الملائكة

قوله علیه السلام:

(وأخوفهم لك)

قال تعالى:

«إِنَّمَا يَخْشَی اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»(3).

فكلما زادت المعرفة بالله زاد المخلوق خوفاً منه سبحانه، ففي المبحث السابق

قد أشرنا إلى علم الملائكة وأن الخوف مرتبط بالعلم، فالجاهل لا يخاف الله؛ لأنه

ص: 179


1- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 23، ح 1
2- نهج البلاغة، الخطبة 239، ص 358
3- فاطر: 28

لا يعرفه حق معرفته، لأن الملائكة هم أعلم الخلق بعد الرسل والحجج؛ فهم أشد

المخلوقات خوفاً.

فالخوف يأتي عن طريق المعرفة بالله والاحاطة بعلمه، كونه سبحانه لا

يقبل الظلم ولا الخطأ ولا يرضى لعباده السوء، بل يحب لهم أن يكونوا طائعين

متواضعين؛ فإبليس عليه اللعنة وما حدث له وطرده وعزله عن الملائكة أكبر دليل

على الحذر من مكر الله فقد صار عبرة لكل مخلوق طائع لله؛ فتلك العبادة التي

عبدها قد ضيعها بتكبره، فالملائكة تخشى الله كثيراً، قال تعالى:

«وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»(1).

جاء في تفسير مجمع البيان (من فوقهم) * من صفة الملائكة، والمعنى أن

الملائكة من فوق بني آدم، وفوق ما في الأرض من دابة، يخافون الله مع علو

رتبتهم، فلئن يخافه من دونهم أولى، وقد صح عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال: إن لله تعالى

ملائكة في السماء السابعة، سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة، ترعد فرائصهم من

مخافة الله تعالى، لا تقطر من دموعهم قطرة إلا صارت ملكا، فإذا كان يوم القيامة،

رفعوا رؤوسهم، وقالوا: ما عبدناك حق عبادتك)(2).

وروي أن جبرئيل أتى النبي صلی الله علیه و آله وسلم وهو يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ قال:

(مالي لا أبكي؟ فوالله ما جفت لي عين منذ خلق الله النار مخافة أن أعصيه

فيقذفني فيها. وقال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار)(3).

ص: 180


1- النحل: 49 - 50
2- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 6، ص 164
3- بحار الأنوار، ج 56، ص 260، ح 32

وفي الكافي عن أبي جعفر علیه السلام قال:

(كل عين باكية يوم القيامة غير ثلاث: عين سهرت في سبيل الله وعين فاضت

من خشية الله وعين غضت عن محارم الله)(1).

وعنه علیه السلام قال:

(ما من عين إلا وهي باكية يوم القيامة إلا عينا بكت من خوف الله وما

اغرورقت عين بمائها من خشية الله عزوجل إلا حرم الله عزوجل سائر جسده

على النار ولا فاضت على خده فرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة وما من شيء إلا وله

كيل ووزن إلا الدمعة، فإن الله عزوجل يطفئ باليسير منها البحار من النار، فلو

أن عبدا بكى في أمة لرحم الله عزوجل تلك الأمة ببكاء ذلك العبد)(2).

وبما أن الملائكة على طوائف مختلفة فقد تتفاوت درجة الخوف فيما بينهم،

فكلما كان مقام الملك أكبر وأعظم زاد خوفه من الله أكثر عن ميسرة (أنّ حملة

العرش ارجلهم في الأرض السفلى، ورؤوسهم قد خرقت العرش وهم خشوع

لا يرفعون طرفهم، وهم أشدّ خوفا من أهل السّماء السّابعة، وأهل السّماء السّابعة

أشدّ خوفا من أهل السّماء السّادسة، وهكذا إلى سماء الدنيا)(3).

فحملة العرش أشد خوفا من أهل السماء السابعة ذلك أنهم أقرب الى الله من

حيث المنزلة وكذلك باقي الملائكة، فكلما كان الملك أقرب كان أشد خوفا ممن

دونه من الملائكة، وقال الشارح البحراني (وكنى علیه السلام بنكس أبصارهم عن كمال

خشيتهم لله تعالى واعترافهم بقصور أبصار عقولهم عن إدراك ما وراء كمالاتهم

ص: 181


1- الكافي، ج 2، ص 80، ح 2
2- الكافي، ج 2، ص 482، ح 2
3- تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم، السيد حيدر الآمالي، ج 2، ص 247. الدر المنثور،ج 5، ص 374

المقدّرة لهم وضعفها عمّا لا يحتمله من أنوار الله وعظمة المشاهدة في خلق عرشه

وما فوقهم من مبدعاته، فإنّ شعاع أبصارهم منتهٍ واقف دون حجب عزّة الله.

وعن بريد الرقاشيّ أنّ لله تعالى ملائكة حول العرش يسمّون المخلخلين تجري

أعينهم مثل الأنهار إلى يوم القيامة يميدون كأنّما تنقضهم الرياح من خشية الله تعالى فيقول لهم الربّ جل جلاله ملائكتي ما الَّذي يخيفكم فيقولون: ربّنا لو

أنّ أهل الأرض اطَّلعوا من عزّتك وعظمتك على ما اطَّلعنا عليه ما ساغوا

طعاما ولا شرابا ولا انبسطوا في فرشهم ولخرجوا إلى الصحراء يخورون كما

يخور الثور)(1).

وفي الحديث: (إنّ الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على

حملة العرش، تفضيلا لهم على سائر الملائكة)(2).

وقد بيّنا في المسألة الأولى من هذا المبحث أن الأنبياء والحجج فاقوا الملائكة

من حيث العلم فكلما كان المخلوق أعلم كلما زاد خوفه أكثر فالعلماء أشد خشيةً،

وبما أن أهل البيت هم من علَّم الملائكة التسبيح فهم أشد خوفاً من الملائكة

وكذلك سائر الأنبياء والأولياء، قال أمير المؤمنين علیه السلام: (أعلمكم أخوفكم)(3)،

وعنه علیه السلام قال: (أخوفكم أعرفكم)(4).

روي في الخصال عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبد الله، عن أبيه علیهما السلام قال:

(بكى أبو ذر رحمه الله من خشية الله عزوجل حتى اشتكى بصره، فقيل له: يا

ص: 182


1- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني، ج 1، ص 166
2- زبدة التفاسير، ج 6، ص 116
3- عيون الحكم والمواعظ، ص 113
4- المصدر نفسه

أبا ذر لو دعوت الله أن يشفي بصرك، فقال: إني عنه لمشغول وما هو من أكبر همي،

قالوا: وما يشغلك عنه؟ قال: العظيمتان: الجنة والنار، الدنيا كلمتان ودرهمان)(1).

فهذا أبو ذر صحابي جليل ومن المقربين، يخشى الله بهذه الخشية فكيف بالنبي

والعترة، فعن حمزة بن حمران، عن أبيه عن أبي جعفر علیه السلام قال:

(كان علي بن الحسين علیهما السلام يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة كما كان يفعل أمير

المؤمنين علیه السلام، كانت له خمسمائة نخلة وكان يصلي عند كل نخلة ركعتين، وكان إذا

قام في صلاته غشى لونه لون آخر، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله، وكان يصلي صلاة مودع يرى

أن لا يصلي بعدها أبدا..)(2).

فالنبي محمد صلی الله علی و آله وسلم كان أكثر إنسان في الوجود يخشى الله ومن بعده علي وسائر

الائمة، ولو ميّزنا بين خوف النبي والعترة الطاهرة عن خوف الملائكة لعرفنا السبب

في تفضيل الله للنبي والعترة عليهم أفضل الصلاة والسلام قال أمير المؤمنين علیه السلام:

(ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنّتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة

فعبدتك)(3).

وروي في شرح ابن ميثم قال علیه السلام:

(ما عبدتك خوفا من عقابك ولا طمعا في ثوابك بل وجدتك أهلا للعبادة

فعبدتك)(4).

ص: 183


1- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 40، ح 25
2- وسائل الشيعة، ج 4، ص 99، ح 6
3- روض الجنان في شرح إرشاد الاذهان، الشهيد الثاني، ج 1، ص 87
4- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني، ج 5، ص 361

فالنبي وعلي وسائر العترة صلوات الله وسلامه عليهم رهبتهم رهبة اجلال

ومهابة وعظمة له سبحانه لا من نار وعقاب، فالله سبحانه خالق النار وهو أعظم

من كل شيء وأقوى لذا هو من يستحق هذه الرهبة وهذا ما وصل له محمد وعلي

وأهل البيت علیهم السلام.

المسألة الثالثة قرب الملائكة

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

(وأقربهم منك).

إن حقيقة القرب من الله سبحانه وتعالى هو القرب الروحي والقلبي، وقرب

الملائكة لا يعني كونهم في السماء مما يجعلهم مقربين إلى الله إنما عصمتهم وتنزيههم

لله عن كل ما لا يليق به مما جعلهم مقربين، لأن الله سبحانه وتعالى لا يحد بمكانبل هو موجود في كل مكان، قال تعالى:

فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»(1).

وإبليس خير دليل على كلامنا، فعلى الرغم من تواجده مع الملائكة إلا أنه

ملعون، وقد تبين للملائكة ان ابليس ليس منهم حينما لم يسجد لآدم فأظهر الله

نواياه وما كان يخفي بداخله.

ففي هذا الكلام أردنا بيان أن قرب منزلة الملائكة لكونها نابعة من القلب،

فلهذا أسكنهم سماواته وحفها بهم وحفظها من كل شيطان رجيم، وهنا يأتي

سؤال: هل ان الملائكة أقرب الخلق الى الله؟

فقد بيّنا علم الملائكة في المسألة الأولى وأن النبي آدم علیه السلام كان أعلم منهم وقد

ص: 184


1- البقرة: 115

سجدت له جميع الملائكة، فهذا دليل كافٍ على أنه أعلم من الملائكة وأقرب الى الله

منهم، قال تعالى:

«قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1).

فلولا قربه من الله لما أسجَدَ له الملائكة، فكلما زاد الإنسان علماً كان أقرب الى

الله، والقرب الى الله يأتي من خلال الطاعة والإمتثال لأوامره ونواهيه، فهنالك من

البشر من فاق طاعة الملائكة كالرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم، وكذلك سائر الأنبياء والحجج

وحتى المؤمنين كونهم يمتلكون غرائز لا توجد بالملائكة، ورغم هذه الغرائز إلا

انهم مطيعون لله في كل شيء مما يجعل لهم الأولوية بالقرب من الله، عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق علیهما السلام فقلت: الملائكة أفضل أم

بنو آدم؟ فقال: قال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام:

(إن الله ركَّب في الملائكة عقلا بلا شهوة، وركب في البهائم شهوة بلا عقل،

وركب في بني آدم كلتيهما، فمن غلب عقلُه شهوته فهو خير من الملائكة، ومن

غلب شهوته عقله فهو شر من البهائم)(2).

وروي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن

محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه

علي بن أبي طالب علیهم السلام قال: قال: رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا

أكرم عليه منى، قال: علي علیه السلام فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل فقال

ص: 185


1- الزمر: 9
2- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 5، ح 1، (باب 6: العلة التي من أجلها صار في الناس من هو خير من الملائكة)

يا علي، ان الله تبارك وتعالى فضَّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني

على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، وان

الملائكة لخدامنا وخدام محبينا. يا علي، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون

بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم

ولا حواء ولا الجنة ولا النار، ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا تكون أفضل

من الملائكة، وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه، لأن أول

ما خلق الله عزوجل خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده، ثم خلق الملائكة

فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة إنا خلق

مخلوقون، وانه منزه عن صفاتنا، فسبَّحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا،

فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا، لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وإنا عبيد ولسنا بآلهة

يجب ان نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلا الله، فلما شاهدوا كبر محلنا كبّنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به، فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من

العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائكة أن لاحول لنا ولا قوة إلا

بالله، فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد لله

لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته، فقالت الملائكة:

الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده،

ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما

لنا واكراما. وكان سجودهم لله عزوجل عبودية ولآدم إكراما وطاعة لكوننا في

صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون، وانه

لما عرج بي إلى السماء أذّن جبرئيل مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثم قال لي تقدم يا

محمد، فقلت له يا جبرئيل أتقدم عليك؟ فقال: نعم، لأن الله تبارك وتعالى فضّل

أنبياءه على ملائكته أجمعين، وفضّلك خاصة، فتقدمت فصليت بهم ولا فخر،

ص: 186

فلما انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل تقدم يا محمد وتخلف عني، فقلت يا

جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال يا محمد: ان انتهاء حدي الذي وضعني

الله عزوجل فيه إلى هذا المكان، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربي

جل جلاله، فزجَّ بي في النور زجة حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علو ملكه،

فنوديت يا محمد، فقلت: لبيك ربي وسعديك تباركت وتعاليت، فنوديت يا محمد

أنت عبدي وأنا ربك فإياي فاعبد وعلي فتوكل، فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى

خلقي وحجتي على بريتي، لك ولمن أتبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك خلقت

ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم أوجبت ثوابي، فقلت يا رب:

ومن أوصيائي، فنوديت يا محمد: أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي، فنظرت

وأنا بين يدي ربي جل جلاله إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نورا، في كل نورسطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي، أولهم: علي بن أبي طالب، وآخرهم

مهدي أمتي، فقلت يا رب هؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت يا محمد هؤلاء

أوليائي وأوصيائي وحججي بعدك على بريتي وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير

خلقي بعدك، وعزتي وجلالي، لأُظهرَنَّ بهم ديني ولأُعلِيَّنَ بهم كلمتي ولأُطَهِّرَنَّ

الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأمكنّنهُ مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخِرَّنَ له

الرياح، ولأذلِلَنَّ له السحاب الصعاب، ولأرقُيَنّهُ في الأسباب، ولأنصُرَنَّهُ بجندي

ولأمدَنَّهُ بملائكتي حتى تعلو دعوتي ويجتمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمَنَّ

ملكه، ولأداولَنَّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة)(1).

فقوله علیه السلام (أقرب خلقك بك) تشمل عامة الخلق لا الخاصة، فالملائكة أقرب من

كثير من المخلوقات ما عدا المستثنين، كالأنبياء والحجج والمؤمنين، فهؤلاء لهم خاصية

عند الله كما بينتها الأحاديث السابقة وقد بيّن الإمام علیه السلام ذلك في تكملة الخطبته بقوله:

ص: 187


1- علل الشرائع، ج 1، ص 5 - 6، (باب 7 - العلة التي من أجلها صارت الأنبياء والرسل)

(وَ إِنَّهُمْ عَلَی مَکَانِهِمْ مِنْکَ، وَ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَکَ وَ اِسْتِجْمَاعِ أَهْوَائِهِمْ فِیکَ، وَ کَثْرَهِ طَاعَتِهِمْ لَکَ وَ قِلَّهِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَمْرِکَ، لَوْ عَایَنُوا کُنْهَ مَا خَفِیَ عَلَیْهِمْ مِنْکَ، لَحَقَّرُوا أَعْمَالَهُمْ وَ لَزَرَوْا عَلَی أَنْفُسِهِمْ، وَ لَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ یَعْبُدُوکَ حَقَّ عِبَادَتِکَ، وَ لَمْ یُطِیعُوکَ حَقَّ طَاعَتِکَ)(1).

الملائكة المقربون:

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

(بَلْ إِنْ کُنْتَ صَادِقاً أَیُّهَا اَلْمُتَکَلِّفُ لِوَصْفِ رَبِّکَ فَصِفْ جِبْرِیلَ وَ مِیکَائِیلَ وَ جُنُودَ اَلْمَلاَئِکَهِ اَلْمُقَرَّبِینَ فِی حُجُرَاتِ اَلْقُدُسِ مُرْجَحِنِّینَ مُتَوَلِّهَهً عُقُولُهُمْ أَنْ یَحُدُّوا أَحْسَنَ اَلْخَالِقِینَ فَإِنَّمَا یُدْرَکُ بِالصِّفَاتِ ذَوُو اَلْهَیْئَاتِ وَ اَلْأَدَوَاتِ وَ مَنْ یَنْقَضِی إِذَا بَلَغَ أَمَدَ حَدِّهِ بِالْفَنَاءِ فَلاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَضَاءَ بِنُورِهِ کُلَّ ظَلاَمٍ وَ أَظْلَمَ بِظُلْمَتِهِ کُلَّ نُورٍ)(2).

المعنى اللغوي (في حجرات القدس) أي النزاهة والطهارة، والمراد بالحجرات

أماكنهم (مرجحنّين) أي مقشعرّين، خوفا ووجلا منه تعالى، من ارجحن، بمعنى

مال يمينا وشمالا (متولهة) أي متحيّة (عقولهم ان يحدّوا أحسن الخالقين) فانّ عقولهم تتحيّ في وصفه سبحانه، ولا تجد لذلك سبيلا)(3).

قد تناولنا هذه الخطبة في المبحث الثاني في مسألة خلق الملائكة وهنا نأخذ منها

محل الشاهد وهم الملائكة المقربون.

من هم الملائكة المقربون:

إن أقرب الملائكة إلى الله سبحانه وتعالى هم أربعة: جبرائيل، واسرافيل،

ص: 188


1- نهج البلاغة، الخطبة: 109، ص 183
2- نهج البلاغة، الخطبة: 181، ج 2، ص 291
3- توضيح نهج البلاغة، السيد محمد الحسيني الشيرازي، ج 3، ص 96

وميكائيل، وملك الموت عزرائيل علیهم السلام، وهذا البيان اورده رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والعترة

الطاهرة علیهم السلام ومنها:

1- قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

(إن الله تبارك وتعالى اختار من كل شيء أربعة: اختار من الملائكة جبرئيل

وميكائيل وإسرافيل وملك الموت..)(1).

2- عن أبي جعفر علیه السلام أنه قال:

(إن الله خلق الملائكة روحانيين لهم أجنحة يطيرون بها حيث يشاء الله،

فأسكنهم فيما بين أطباق السماوات يقدسونه الليل والنهار، واصطفى منهم

إسرافيل و ميكائيل وجبرئيل)(2).

3- وفي خبر المعراج قال جبرائيل علیه السلام:

(أقرب الخلق إلى الله أنا وإسرافيل)(3).

4- وعن عكرمة قال: سأل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم جبرئيل عن أكرم الخلق على الله

فعرج ثم هبط فقال: أكرم الخلق على الله جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك

الموت، فأما جبرئيل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين، وأما ميكائيل فصاحب

كل قطرة تسقط، وكل ورقة تنبت، وكل ورقة تسقط، وأما ملك الموت فهو موكل بقبض روح كل عبد في بر أو بحر، وأما إسرافيل فأمين الله بينه وبينهم)(4).

5- قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

ص: 189


1- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 225، ح 58
2- بحار الأنوار، ج 56، ص 252، ح 11
3- تفسير القمي، ج 2، ص 10
4- بحار الأنوار، ج 56، ص 260، ح 33

(أفضل الملائكة جبرئيل)(1).

فالله سبحانه وتعالى اصطفى من بين الملائكة أربعة هم أقرب الملائكة إلى

الله وأفضلهم من بين عدد هائل، حيث ان أعداد الملائكة لا تعد ولا تحصى

وقد بيّنا ذلك في المباحث السابقة وعلى الرغم من كثرتهم إلا ان جبرائيل

وميكائيل واسرافيل وعزرائيل علیهم السلام هم من اختارهم الله أن يكونوا مقربين منه

وهذا شرف عظيم ومرتبة رفيعة، وقد اتضح لنا من خلال الروايات الشريفة

أن جبرائيل علیه السلام نال الأولوية من بين هذه الملائكة الأربعة ومن ثم اسرافيل كما

هو الحال مع الأنبياء، فهم جمع طاهر من الأنبياء ولكن النبي محمداًصلی الله علیه و آله وسلم هو من

تصدر المجموعة فصار الأقرب الى الله ومن ثم علي علیه السلام والحجج الأطهار من

بعده، فهذه منازل عظيمة ودرجات رفيعة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم، فنسأل الله

بحق المقربين أن يمنَّ علينا بطاعته وأن يلحقنا بهم في منازل العليين والشهداء

والصالحين، فهذا جبرائيل علیه السلام قد نال شرف القربى من الله ولبيان شأنه عند الله

نروي ما جاء في تفسير الميزان عن عبد الله بن عباس قال: ان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لما

أسري به إلى السماء انتهى به جبرئيل إلى نهر يقال له النور، وهو قوله عزوجل: (جعل

الظلمات والنور) فلما انتهى به إلى ذلك قال له جبرئيل: يا محمد اعبر على بركة

الله فقد نوَّر الله لك بصرك ومر لك امامك، فإن هذا نهر لم يعبره أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، غير أن لي في كل يوم اغتماسة فيه ثم اخرج منه فانفض

أجنحتي فليس من قطرة تقطر من أجنحتي إلا خلق الله تبارك وتعالى منها ملكا

مقربا له عشرون ألف وجه وأربعون الف لسان، كل لسان يلفظ بلغة لا يفقهها

اللسان الآخر)(2).

ص: 190


1- بحار الأنوار، ج 56، ص 258، ح 23
2- تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج 13، ص 18

ومن كرامات الله لجبرائيل وبيان أفضليته نذكر بحديث الكساء، ودخوله مع

الخمسة الذين أذهب الله عنهم الرجس وهم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها، حيث

اختارهم الله من بين البشر ان يكونوا بهذا الكساء، كذلك جبرائيل فقد اختاره الله

أن يكون الوحيد من الملائكة تحت هذا الكساء، جاء في خطبة القاصعة قال أمير

المؤمنين علیه السلام:

(ولَقَدْ قَرَنَ اللّهُ بِهِ صَلَّی اللّهُ عَلَیْهِ وآلِهِ وسلم مِنْ لَدُنْ أَنْ کَانَ فَطِیماً أَعْظَمَ مَلَک مِنْ مَلاَئِکَتِهِ، یَسْلُکُ بِهِ طَرِیقَ الْمَکَارِمِ، ومَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ لَیْلَهُ ونَهَارَهُ)(1).

أما اسرافيل فهو أحد الملائكة المقربين وقد ورد في الأحاديث السابقة هو ثاني

الملائكة بعد جبرائيل وهو حاجب الرب وصاحب النفخة، قال تعالى:

«يَوْمَ يُنْفَخُ فِی الصُّورِ»(2).

جاء في تفسير الصافي روي أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم سئل عنه، فقال قرن من نور التقمه

إسرافيل فوصف بالسعَةِ والضيق، واختلف في أن أعلاه ضيق وأسفله واسع أو

بالعكس، ولكل وجه، وورد ان فيه ثقبا بعدد كل انسان ثقبة فيها روحه ففزع من

في السماوات ومن في الأرض من الهول(3).

وروي عن جابر عن ابي جعفر علیه السلام قال:

(بينما رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم جالس وعنده جبرئيل إذ حانت من جبرئيل علیه السلام نظرة قبل

السماء؛ فامتقع لونه حتى صار كأنه كركمة، ثم لاذ برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فنظر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى حيث نظر جبرئيل، فاذا شيء قد ملأَ ما بين الخافقين مقبلا حتى كان

ص: 191


1- نهج البلاغة، خطبة القاصعة، ج 2، ص 325
2- طه: 102
3- تفسير الصافي، ج 4، ص 78

كقاب من الارض ثم قال: يا محمد إني رسول الله إليك أخبرك أن تكون ملكا رسولا

أحب اليك او تكون عبدا رسولا؟ فالتفت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى جبرئيل وقد رجع

إليه لونه، فقال جبرئيل: بل كن عبدا رسولا، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: بل أكون عبدا

رسولا، فرفع الملك رجله اليمنى فوضعها في كبد السماء الدنيا ثم رفع الأخرى

فوضعها في الثانية ثم رفع اليمنى فوضعها في الثالثة ثم هكذا حتى انتهى إلى السماء

السابعة كل سماء خطوة وكلما ارتفع صغر حتى صار آخر ذلك مثل الذر، فالتفت

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى جبرئيل فقال: لقد رأيتك ذعرا وما رأيت شيئا كان أذعر لي من

تغير لونك، فقال: يا نبي الله لا تلمني أتدري من هذا؟ قال: لا، قال: هذا اسرافيل

حاجب الرب ولم ينزل من مكانه منذ خلق الله السماوات والارض، فلما رأيته منحطا

ظننت انه جاء بقيام الساعة، فكان الذي رأيت من تغير لوني لذلك، فلما رأيت ما

اصطفاك الله به رجع إلي لوني ونفسي، أما رأيته كلما ارتفع صغر انه ليس شيء يدنو

من الرب إلا صغر لعظمته ان هذا حاجب الرب وأقرب خلق الله منه واللوح بين

عينيه من ياقوتة حمراء، فاذا تكلم الرب تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه

فنظر فيه ثم يلقيه إلينا فنسعى به في السماوات والارض، إنه لأدنى خلق الرحمن منه

وبينه سبعون حجابا من نور تقطع دونها الأبصار ما لا يعد ولا يوصف وإني لأقرب

الخلق منه وبيني وبينه مسيرة الف عام)(1).

أما ميكائيل فقد ورد في الصحيفة السجادية من ادعية الإمام السجاد علیه السلام في

الاحتراز عن المخافة:

(اللهم إني أسألك بحق العرش وعظمته... وبحق ميكائيل وطاعته)(2).

فهذا الملك الكريم هو أحد الملائكة المقربين والطائعين لله عزوجل.

ص: 192


1- تفسير القمي، ج 2، ص 28
2- الصحيفة السجادية، ص 399، الدعاء: 180 دعاؤه في الاحتراز

وكذلك عزرائيل هو المختص بقبض الأرواح وهو أحد الملائكة المقربين،

عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: لما أسري بي إلى السماء رأيت ملكا من

الملائكة بيده لوح من نور لا يلتفت يمينا ولا شمالا مقبلا عليه ثبة كهيئة الحرير

فقلت: من هذا يا جبرئيل؟ فقال: هذا ملك الموت مشغول في قبض الأرواح

فقلت: أدنني منه يا جبرئيل لأكلمه، فأدناني منه، فقلت له: يا ملك الموت أكل

من هو مات أو هو ميت فيما بعد أنت تقبض روحه؟ قال: نعم، قلت: وتحضرهم

بنفسك؟ قال: نعم، ما الدنيا كلها عندي فيما سخره الله لي ومكنني منها إلا كدرهم

في كف الرجل يقلبه كيف يشاء، وما من دار في الدنيا إلا وأدخلها في كل يوم خمس

مرات وأقول إذا بكى أهل البيت على ميتهم: لا تبكوا عليه، فإن لي إليكم عودة

وعودة حتى لا يبقى منكم أحد. قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسللم: كفى بالموت طامة يا جبرئيل!

فقال جبرئيل: ما بعد الموت أطم وأعظم من الموت!(1).

وقد جاء في تفسير الامام العسكري أنهم صاروا أقرب الملائكة؛ لأنهم أشد

حبا لعلي، فعن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال:

(إن الملائكة أشرفها عند الله أشدها لعلي بن أبي طالب علیه السلام حباً، وإن قسم

الملائكة فيما بينهم: والذي شرف علياً علیه السلام على جميع الورى بعد محمد المصطفى)(2).

ويقول مرة [أخرى]:

«إن ملائكة السماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية علي بن أبي طالب علیه السلام كما

تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البار الشفيق آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم»،

فكان هؤلاء النصّاب يقولون: إلى متى يقول محمد: جبرئيل وميكائيل والملائكة؟ كل

ص: 193


1- بحار الأنوار، ج 56، ص 446
2- تفسير الإمام العسكري، ص 452

ذلك تفخيم لعلي وتعظيم لشأنه؟ ويقول الله تعالى لعلي خاصة من دون سائر الخلق؟

برئنا من رب ومن ملائكة ومن جبرئيل وميكائيل هم لعلي بعد محمد مفضلون.

وبرئنا من رسل الله الذين هم لعلي بن أبي طالب بعد محمد مفضلون)(1).

قال الشيخ الصدوق - رحمه الله - في كتاب الاعتقادات: اعتقادنا في الأنبياء

والرسل والحجج صلوات الله عليهم أنهم أفضل من الملائكة، وقول الملائكة لله

عزوجل لما قال لهم:

«إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ»(2).

الدِّمَاءَ وَن

هو التمني فيها لمنزلة آدم علیه السلام، ولم يتمنوا إلا منزلة فوق منزلتهم، والعلم

يوجب فضله).

قال الله تعالى: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(3).

فهذا كله يوجب تفضيل آدم على الملائكة، وهو نبي لهم، بقول الله تعالى:

(أنبئهم بأسمائهم). ولما ثبت تفضيل آدم على الملائكة أمر الله تعالى الملائكة

بالسجود لآدم، لقوله تعالى:

ص: 194


1- المصدر السابق نفسه، ص 452
2- البقرة: 30
3- البقرة: 31 - 33

«فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ»(1).

ولم يأمرهم الله بالسجود إلا لمن هو أفضل منهم، وكان سجودهم لله تعالى

عبودية وطاعة، ولآدم إكراما لما أودع الله صلبه من النبي والأئمة صلوات الله

عليهم أجمعين.

وقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: (أنا أفضل من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، ومن جميع

الملائكة المقربين، ومن حملة العرش وأنا خير البرية، وأنا سيد ولد آدم).

وأما قوله تعالى:

«لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ»(2).

فليس ذلك بموجب لتفضيلهم على عيسى، وإنما قال تعالى ذلك، لأن الناس

منهم من كان يعتقد الربوبية لعيسى ويتعبد له وهم صنف من النصارى، ومنهم

من عبد الملائكة وهم الصابئون وغيرهم، فقال الله عزوجل لن يستنكف المسيح

والمعبودون دوني أن يكونوا عبادا لي.

والملائكة روحانيون، معصومون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما

يؤمرون لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يألمون، ولا يسقمون، ولا يشيبون، ولا

يهرمون، طعامهم وشرابهم التسبيح والتقديس، وعيشهم من نسيم العرش،

وتلذذهم بأنواع العلوم، خلقهم الله أنوارا وأرواحا كما شاء وأراد، وكل صنف

منهم يحفظ مما خلق الله تعالى. وقلنا بتفضيل من فضلناه عليهم، لأن الحال التي

يصيرون إليها أفضل من حال الملائكة والله أعلم وأحكم)(3).

ص: 195


1- الحجر: 30
2- النساء: 172
3- الاعتقادات في دين الامامية، الشيخ الصدوق، ص 89

ص: 196

نتائج البحث

1. الملائكة رسل الله للخلق.

2. الملائكة معصومون عن كل خطأ.

3. الملائكة مسؤولون عن ادارة اعمال الكون.

4. الملائكة اجسام نورانية.

5. للملائكة منازل مختلفة كما هو الحال مع الأنبياء والرسل.

6. لكل ملك وظيفة خاصة.

7. الملائكة ليس لها علم بالغيبيات.

8. الملائكة تقر بأفضلية الرسل والأئمة والدليل انها تتبرك بأضرحتهم

وتتوسل إلى الله من أجل الهبوط لزيارتهم.

9. الملائكة تستشفع بالرسل والحجج عند طلب الحوائج.

10. كل ما تقوم به الملائكة هو عبادة لله.

11. الأنبياء والرسل والحجج والمؤمنين اعلى منزلة من الملائكة.

12. تعد الملائكة من المخلوقات الضخمة.

13. تعدّ الملائكة من أكثر الموجودات في هذا العالم فأعدادها كثيرة لا

يعلمها إلا الله تعالى.

ص: 197

وفي الختام نذكر دعاء الامام السجاد علیه السلام وكان من دعائه علیه السلام في الصلاة على

حملة العرش وكل ملك مقرب.

(اللهم وحملة عرشك الذين لا يفتُرُون من تسبيحك، ولا يَسأمون من

تقديسك، ولا يستحسرون من عبادتك ولا يؤثرون التقصير على الجد في

أمرك، ولا يغفلون عن الوله إليك، وإسرافيل صاحب الصُوْرِ، الشاخص

الذي ينتظر منك الإذن، وحلول الأمر، فينبه بالنفخة صرعى رهائن القبور،

وميكائيل ذو الجاه عندك والمكان الرفيع من طاعتك، وجبريل الأمين على

وحيك، المطاع في أهل سماواتك، المكين لديك، المقرب عندك، والروح

الذي هو على ملائكة الحجب، والروح الذي هو من أمرك، فصلَّ عليهم

وعلى الملائكة الذين من دونهم من سكان سماواتك، وأهل الأمانة على

رسالاتك، والذين لا تدخلهم سأمة من دؤوب، ولا إعياء من لغوب ولا

فتور، ولا تشغلهم عن تسبيحك الشهوات، ولا يقطعهم عن تعظيمك سهو

الغفلات، الخشَّعِ الأبصار، فلا يرومون النظر إليك، النواكس الأذقان، الذين

قد طالت رغبتهم فيما لديك، المستهترون بذكر آلائك، والمتواضعون دون

عظمتك وجلال كبريائك، والذين يقولون إذا نظروا إلى جهنم تزفِرُ على أهل

معصيتك، سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، فصلَّ عليهم وعلى الروحانيين

من ملائكتك وأهل الزلفة عندك، وحُمَّال الغيب إلى رسلك، والمؤتمنين على

وحيك، وقبائل الملائكة الذين اختصصتهم لنفسك، وأغنيتهم عن الطعام

والشراب بتقديسك، وأسكنتهم بطون أطباق سماواتك، والذين على أرجائها

إذا نزل الأمر بتمام وعدك، وخزان المطر وزواجر السحاب، والذي بصوت

زجره يُسمَعُ زَجلُ الرعود، وإذا سَبَحَتْ به حفيفة السحاب التَمَعَتْ صواعقُ

البروق، ومشيِّعي الثلج والبرد، والهابطين مع قطر المطر إذا نزل، والقُوَّام على

ص: 198

خزائن الرياح، والموكَّلين بالجبال فلا تزول، والذين عرفتهم مثاقيل المياه، وَكَيْلَ ما تحويه لواعِجُ الأمطارِ وعوالِجُها، ورُسُلُك من الملائكة إلى أهل

الأرض بمكروه ما ينزل من البلاء ومحبوب الرخاء، والسَّفَرَة الكرام البَرَرَة،

والحَفَظَة الكرام الكاتبين، ومَلَكِ الموت وأعوانه، ومنكر ونكير، ورُومانِ فَتَّان

القبور، والطائفين بالبيت المعمور، ومالِكِ والخزنة، ورضوانَ وسَدَنَة الجنان،

والذين: «لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»(1) والذين: «سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ»(2)، والزبانية الذين

إذا قيل لهم: «خُذُوه فَغُلوُّه * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ»(3) ابتدروه سراعا، ولم

يُنظرِوه، ومن أوهُمْنا ذكره، ولم نعلم مكانه منك، وبأي أمرٍ وكَّلْتَه، وسكان

الهواء والأرض والماء ومن منهم على الخلق، فصلِّ عليهم يوم تأتي «كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ»(4)، وصلّ عليهم صلاة تزيدهم كرامة على كرامتهم

وطهارة على طهارتهم، اللهم وإذا صليت على ملائكتك ورسلك، وبلغتهم

صلاتنا عليهم، فصلِّ علينا بما فتحت لنا من حسن القول فيهم، إنك جواد

كريم)(5).

ص: 199


1- التحريم: 6
2- الرعد: 24
3- الحاقة: 30 - 31
4- ق: 21
5- الصحيفة السجادية، ص 33 - 35

المصادر

- القرآن الكريم

1. نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام)، تحقيق: صبحي الصالح، (ت:

40) ط 1، 1387 - 1967 م.

2. بحار الأنوار/ العلامة المجلسي/ تحقيق: الشيخ عبد الزهراء العلوي سنة الطبع:

1403 - 1983 المطبعة: الناشر: دار الرضا - بيروت - لبنان.

3. تفسير الإمام العسكري علیه السلام المنسوب إلى الإمام العسكري علیه السلام الوفاة: 260/ تحقيق: مدرسة الإمام المهدي علیه السلام الأولى محققة سنة الطبع: ربيع الأول 1409

المطبعة: مهر - قم المقدسة الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف -

قم المقدسة.

4. الصحاح/ الجوهري/ الوفاة: 393 ه/ تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار/ الطبعة:

الرابعة/ سنة الطبع: 1407/ المطبعة الناشر: دار العلم للملايين - بيروت.

5. مجمع البحرين/ الشيخ فخر الدين الطريحي/ الوفاة: 1085/ الثانية سنة الطبع:

شهريور ماه 1362 ش.

6. تفسير القمي/ علي بن إبراهيم القمي/ الوفاة: نحو 329 ه/ تحقيق: تصحيح

وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري/ الطبعة: الثالثة/ سنة الطبع:

صفر 1404/ المطبعة: الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قم - ايران.

7. التفسير الأصفى/ الفيض الكاشاني/ الوفاة: 1091/ تحقيق: مركز الأبحاث

ص: 200

والدراسات الإسلامية/ الأولى/ سنة الطبع: 1418 م - 1376 ش/ المطبعة:

مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي/ الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام

الإسلامي.

8. البرهان في تفسير القرآن/ السيد هاشم البحراني/ الوفاة: 1107 تحقيق: قسم

الدراسات الاسلامية/ مؤسسة البعثة - قم.

9. تفسير الميزان/ السيد الطبطبائي/ الوفاة 1402/ مؤسسة النشر الاسلامي جماعة المدرسين بقم المشرفة.

10. كشف الغمة في معرفة الأئمة/ علي بن أبي الفتح الإربلي/ الوفاة: 693/

الطبعة: الثانية/ سنة الطبع: 1405 - 1985 م/ الناشر: دار الأضواء - بيروت -

لبنان.

11. التوحيد/ الشيخ الصدوق/ الوفاة: 381/تحقيق: تصحيح وتعليق: السيد

هاشم الحسيني الطهراني/ الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين

بقم المشرفة.

12. بصائر الدرجات/ محمد بن الحسن بن فروخ (الصفار) الوفاة: 290/ تحقيق:

تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي/ سنة الطبع: 1404 -

1362 ش/ المطبعة: مطبعة الأحمدي - طهران/ الناشر: منشورات الأعلمي -

طهران..ملاحظات: أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار المتوفى سنة 290

من أصحاب الإمام الحسن العسكري علیه السلام.

13. عدة الداعي ونجاح الساعي/ ابن فهد الحلي/ الوفاة: 841 تحقيق: تصحيح:

احمد الموحدي القمي/ المطبعة: الناشر: مكتبة وجداني - قم.

14. وسائل الشيعة آل البيت/ الحر العاملي/ الوفاة: 1104/ مؤسسة آل البيت

لإحياء التراث.

15. الكافي/ الشيخ الكليني/ الوفاة: 329/تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر

ص: 201

الغفاري/ الطبعة: الخامسة/ سنة الطبع: 1363 ش المطبعة: حيدري الناشر: دار

الكتب الإسلامية - طهران.

16. تفسير فرات الكوفي/ فرات بن إبراهيم الكوفي/ الوفاة: 352/ تحقيق: محمد

الكاظم الأولى/ سنة الطبع: 1410 - 1990 م/ الناشر: مؤسسة الطبع والنشر

التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - طهران.

17. موسوعة أهل البيت علیهم السلام الكونية/ تأليف وإعداد عبد الله الفريجي/ اشراف

فاضل الصفار/ المجلد الثالث/ الملائكة ومهامها التدبيرية/ الأولى 1423 ه

2002 م/ الناشر لبنان مؤسسة الفكر الإسلامي بيروت، سوريا، مكتب الرسول

الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم/ ايران مكتب أهل البيت علیه السلام قم المقدسة.

18. ميزان الحكمة/ محمد الريشهري/ تحقيق: دار الحديث/ الطبعة: الأولى/

المطبعة: دار الحديث.

19. تفسير مجمع البيان/ الشيخ الطبرسي/ الجزء: 5/ الوفاة: 548/ تحقيق

وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين/ الطبعة: الأولى سنة الطبع:

1415 - 1995 م/ الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.

20. تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب/ الشيخ محمد بن محمد رضا القمي

المشهدي/ الوفاة: 1125

21. تحقيق: حسين درگاهي/ الأولى/ سنة الطبع: نيمه شعبان 1407 - 1366 ه.

ش/ الناشر: مؤسسة الطبع والنشر وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي.

22. الخصال/ الشيخ الصدوق/ تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري/

الطبعة: سنة الطبع: 18 ذي القعدة الحرام 1403 - 1362 ش/ المطبعة: الناشر:

مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

23. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي/

24. قصص الأنبياء/ قطب الدين الراوندي/ الوفاة: 573/ تحقيق: الميرزا غلام

رضا عرفانيان اليزدي الخراساني/ الأولى/ سنة الطبع: 1418 - 1376 شال

ص: 202

المطبعة: مؤسسة الهادي.

25. الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ جلال الدين السيوطي الوفاة: 911/

المطبعة:/ الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.

26. شرح أصول الكافي/ مولي محمد صالح المازندراني الوفاة: 1081/ تحقيق

مع تعليقات: الميرزا أبو الحسن الشعراني/ ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور/

الطبعة: الأولى/ سنة الطبع: 1421 - 2000 م/ المطبعة: دار إحياء التراث العربي

للطباعة والنشر والتوزيع/ الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر

والتوزيع - بيروت - لبنان.

27. لسان العرب/ ابن منظور/ الوفاة: 711 ه/ سنة الطبع: محرم 1405/

المطبعة: الناشر: نشر أدب الحوزة.

28. العين/ الخليل الفراهيدي/ الوفاة: 175/تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي -

الدكتور ابراهيم السامرائي/ الطبعة: الثانية سنة الطبع: 1409 / المطبعة: الناشر:

مؤسسة دار الهجرة.

29. النهاية في غريب الحديث والأثر/ مجد الدين ابن الأثير الوفاة: 606/ تحقيق:

محمود محمد الطناحي/ الطبعة: الرابعة/ سنة الطبع: 1364/ الناشر: مؤسسة

إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع - قم - ايران.

30. المخصص/ ابن سيده/ الوفاة: 458 تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي المطبعة:

الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان.

31. مختار الصحاح/ محمد بن أبي بكر الرازي/ الوفاة: 721 ه/ تحقيق: ضبط

وتصحيح: أحمد شمس الدين/ الأولى/ سنة الطبع: 1415 - 1994 م/ المطبعة:

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

32. معجم مقاييس اللغة/ أحمد بن فارس بن زكريا (ابن فارس) الوفاة: 395/

تحقيق: عبد السلام محمد هارون/ الطبعة: سنة الطبع: 1404/ المطبعة: مكتبة الإعلام الإسلامي/ الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي.

ص: 203

33. كامل الزيارات/ جعفر بن محمد بن قولوي/ الوفاة: 367 ه/ تحقيق: الشيخ

جواد القيومي/ لجنة التحقيق الأولى/ سنة الطبع: عيد الغدير 1417/ المطبعة:

مؤسسة النشر الإسلامي الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة.

34. زبدة التفاسير/ الملا فتح الله الكاشاني/ الوفاة: 988 / تحقيق: مؤسسة

المعارف/ الأولى/ سنة الطبع: 1423/ المطبعة: عترت/ الناشر: مؤسسة المعارف

الإسلامية - قم - ايران.

35. جامع السعادات/ ملا محمد مهدي النراقي/ الوفاة: 1209/ تحقيق وتعليق:

السيد محمد كلانتر/ تقديم: الشيخ محمد رضا المظفر/ المطبعة: مطبعة النعمان -

النجف الأشرف/ الناشر: دار النعمان للطباعة والنشر.

36. تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم/

السيد حيدر الآملي/ الوفاة: 782/ تحقيق: السيد محسن الموسوي التبريزي/

الطبعة: الرابعة/ سنة الطبع: 1428/ المطبعة: الأسوة/ الناشر: مؤسسه فرهنگى

و نشر نور علي نور.

37. تاج العروس/ الزبيدي/ الوفاة: 1205/تحقيق: علي شيري/ الطبعة: سنة

الطبع: 1414 - 1994 م/ المطبعة: دار الفكر - بيروت الناشر: دار الفكر للطباعة

والنشر والتوزيع - بيروت.

38. مصباح المتهجد/ الشيخ الطوسي/ الوفاة: 460/ الأولى/ سنة الطبع:

1411 - 1991 م/ الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان.

39. مستدرك سفينة البحار/ الشيخ علي النمازي الشاهرودي/ الوفاة: 1405/

تحقيق: تحقيق وتصحيح: الشيخ حسن بن علي النمازي/ سنة الطبع: 1418

الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

40. ثواب الأعمال/ الشيخ الصدوق/ الوفاة: 381/ تحقيق: تقديم: السيد محمدمهدي السيد حسن الخرسان/ الثانية/ سنة الطبع: 1368 ش/ المطبعة: أمير -

قم/ الناشر: منشورات الشريف الرضي قم.

ص: 204

41. الأمالي/ الشيخ الصدوق/ الوفاة: 381/تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية -

مؤسسة البعثة - قم/ الطبعة: الأولى/ سنة الطبع: 1417/ الناشر: مركز الطباعة

والنشر في مؤسسة البعثة.

42. علل الشرائع/ الشيخ الصدوق/ الوفاة: 381 / تحقيق: تقديم: السيد محمد

صادق بحر العلوم/ سنة الطبع: 1385 - 1966 م/ المطبعة: الناشر: منشورات

المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف.

43. الصحيفة السجادية/ الإمام زين العابدين علیه السلام الوفاة: 94/ الأولى/ سنة

الطبع: 1418/ الناشر: دفتر نشر الهادي.

44. كمال الدين وتمام النعمة الشيخ الصدوق/ الوفاة: 381 سنة الطبع: محرم

الحرام 1405 - 1363 ش/ الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة

المدرسين بقم المشرفة.

45. تفسير نور الثقلين/ الشيخ الحويزي/ الوفاة: 1112 /الطبعة: الرابعة/

سنة الطبع: 1412 - 1370 ش/ المطبعة: مؤسسة إسماعيليان الناشر: مؤسسة

إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع - قم.

46. نفحات الولاية شرح نهج البلاغة/ لسماحة آية الله ناصر مكارم الشيرازي/

دار جواد الأئمة/ الطبعة الثانية/ 1430 ه - 2009 م.

47. كتاب: الاحتجاج/ الشيخ الطبرسي/ الوفاة: 548/ تحقيق وتعليق

وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان/ سنة الطبع: 1386 - 1966 م/ الناشر:

دار النعمان للطباعة والنشر.

48. الخصال/ الشيخ الصدوق/ الوفاة: 381 /تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر

الغفاري/ الطبعة: سنة الطبع: 18 ذي القعدة الحرام 1403 - 1362 ش/ الناشر:مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

49. عيون أخبار الرضا غلیه السلام/ الشيخ الصدوق/ الوفاة 381 /تحقيق الشيخ حسن

ص: 205

الأعلمي/ مؤسسة الاعلمي بيروت - لبنان.

50. العصمة حقيقتها - أدلتها/ مركز الرسالة/ الاولى/ سنة الطبع: 1420/

الناشر: مركز الرسالة - قم.

51. محاضرات في فقه الإمامية (الزكاة)/ السيد محمد هادي الميلاني/ الوفاة:

1395/ تحقيق: جمعها وعلق عليها فاضل الحسيني الميلاني.

52. التبيان في تفسير القرآن/ الشيخ الطوسي/ الوفاة: 460/ تحقيق وتصحيح:

أحمد حبيب قصير العاملي الأول/ الأولى/ سنة الطبع: رمضان المبارك 1409/

المطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي/ الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي.

53. معاني الأخبار الشيخ الصدوق/ الوفاة: 381/ تحقيق: تصحيح وتعليق: علي

أكبر الغفاري سنة الطبع: 1379 - 1338 ش الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

54. مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة/ المنسوب للإمام الصادق علیه السلام الوفاة:

148/ تحقيق: الأولى/ سنة الطبع: 1400 - 1980 م/ الناشر: مؤسسة الأعلمي

للمطبوعات بيروت - لبنان.

55. عيون الحكم والمواعظ/ علي بن محمد الليثي الواسطي الوفاة: ق 6/ تحقيق:

الشيخ حسين الحسيني البيرجندي/ الطبعة: الأولى المطبعة: دار الحديث.

56. مستدرك الوسائل/ ميرزا حسين النوري الطبرسي/ الوفاة: 1320 / تحقيق:

مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث/ الأولى المحققة /سنة الطبع: 1408 -

1987 م/ الناشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث - بيروت - لبنان.

57. النور الساطع في الفقه النافع/ الشيخ علي كاشف الغطاء/ الوفاة: 1253 سنة

الطبع: 1381 - 1961 م/ المطبعة: مطبعة الآداب.

58. روضة الواعظين/ الفتال النيسابوري/ الوفاة: 508 /تحقيق: تقديم: السيد

محمد مهدي السيد حسن الخرسان/ الناشر: منشورات الشريف الرضي - قم.

ص: 206

59. التفسير الصافي/ الفيض الكاشاني/ الوفاة: 1091/ تحقيق: صححه وقدم له

وعلق عليه العلامة الشيخ حسين الأعلمي الثانية/ سنة الطبع: رمضان 1416 -

1374 ش/ المطبعة: مؤسسة الهادي - قم المقدسة الناشر: مكتبة الصدر - طهران.

60. توضيح نهج البلاغة/ السيد محمد الحسيني الشيرازي/ الناشر: دار تراث

الشيعة - طهران - ايران.

61. الجواهر السنية/ الحر العاملي/ الوفاة: 1104/ سنة الطبع: 1384 - 1964

م/ المطبعة: النعمان - النجف الأشرف.

62. مفاتيح الجنان (عربي)/ الشيخ عباس القمي (مترجم: نجفي) الوفاة:

1359/ تحقيق: تعريب: السيد محمد رضا النوري النجفي/ الثالثة/ سنة الطبع:

1385 ش - 2006 م/ المطبعة: البعثة - قم/ الناشر: مكتبة العزيزي.

63. روض الجنان في شرح ارشاد الأذهان (ط.ج)/ الشهيد الثاني/ الوفاة: 965/

تحقيق: مركز الابحاث والدراسات الاسلامية/ الاولى/ سنة الطبع: 1422/

الناشر: بوستان كتاب قم.

64. شرح نهج البلاغة/ ابن ميثم البحراني/ الوفاة: 679 تحقيق: عني بتصحيحه

عدد من الأفاضل وقوبل بعدة نسخ موثوق بها/ الطبعة: الأولى/ سنة الطبع:

تابستان 1362 ش/ المطبعة: چاپخانه دفتر تبليغات اسلامي/ الناشر: مركز النشر

مكتب الاعلام الاسلامي - الحوزة العلمية - قم - ايران.

65. الاعتقادات في دين الإمامية/ الشيخ الصدوق/ الوفاة: 381/ تحقيق: عصام

عبد السيد/ الطبعة: الثانية/ سنة الطبع: 1414 - 1993 م/ الناشر: دار المفيد

للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

ص: 207

المحتويات

مقدمة مؤسسة...5

مقدمة الكتاب...7

التمهيد...15

المبحث الأول: الملائكة في اللغة، والقرآن والسنة...21

المبحث الثاني: الملائكة: خلقهم، عددهم، سكنهم...41

المبحث الثالث: أحوال الملائكة، وصفاتهم، ووظائفهم...75

المبحث الرابع: عصمة الملائكة...113

المبحث الخامس: اختبار الملائكة...157

المبحث السادس: علم الملائكة، و خوفهم وقربهم من الله...173

نتائج البحث...197

المصادر...200

ص: 208

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.