رائعه الخلق مقتل الشیخ الرئیس

اشارة

سرشناسه:شیخ الرئیس، عباس، 1308 -

عنوان و نام پديدآور:رائعه الخلق مقتل الشیخ الرئیس/ مولف عباس الشیخ الرئیس ؛ ترجمه کمال السید.

مشخصات نشر:قم: انصاریان، 1429ق.= 2008م.= 1387ش.

مشخصات ظاهری:409 ص.

شابک:978-964-438-992-4

یادداشت:کتابنامه: ص. [393] - 409؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع:حسین بن علی (ع)، امام سوم، 4 - 61ق.

موضوع:واقعه کربلا، 61ق.

شناسه افزوده:سید، کمال، 1336 -، مترجم

رده بندی کنگره:BP41/5/ش9ر2 1387

رده بندی دیویی:297/534

شماره کتابشناسی ملی:1523808

ص:1

اشارة

ص:2

رائعة الخلق

مقتل الشيخ الرئیس

المؤلف الشيخ عباس الشيخ الرئيس

ترجمة كمال السيد

ص:3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص:4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المقدمة

اشارة

بقلم الأستاذ علي اکبر مهدي پور

لكتابة المقاتل تاريخ طويل، وقد بدأت أولى الأوراق في يوم عاشوراء سنة 61 ه-، فلقد كان هناك من شرع قلمه في يوم الحادثة وبدأ يسجل ما يجري من وقائع في ذلك اليوم الدامي وسوف تبقى الأقلام مشرعة تكتب وتكتب عمّا جرى فوق تلك الامال في أرض كربلاء بالقرب من نهر الفرات.

نعم سوف تبقى رايات عاشوراء تخفق إلى يوم الظهور، ظهور الذي يأخذ بثأر شهداء الطفوف ألا وهو الامام المهدي الذي يعيد الحق إلى نصابه ويرفع راية العدالة والحرية والسلام في ربوع العالم.

ولقد انبری رجل من رجال العلم والقلم فشمّر عن ساعديه وراح يصنف موسوعة كبرى عن ثورة الحسين ونهضته وقد ظهر منها حتى الآن عشرة أجزاء تشتمل على الشعر الحسيني والمرائي الحسينية منذ قرون الاسلام الأولى وسوف تستوعب هذه الأشعار 155 جزءً من أصل 500 جزء من الموسوعة الكبرى.

أما الخطباء الحسينيون فقد اختصوا ب- 15 جزء ولأرباب المقاتل 30 جزء

ص:5

وسوف تأخذ 332 جزء من هذه الموسوعة طريقها إلى النشر والظهور شيئاً فشيئاً.

من هنا يمكن أن ندرك أن احصاء كل الذين نظموا في كربلاء أمر في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً.

ومن المؤكد أن كل ما كتب عن سيد الشهداء منذ يوم الواقعة لم ينتقل إلى الأجيال منه جزء من ألف جزء من تراث حسيني كبير وهذا الجزء الذي وصل يشكل البنية التحقيقية للموسوعة الحسينية التي يبلغ عدد أجزائها خمسمئة جزء.

فوق حدود العقيدة

لقد عبر الحسين بن علي سيّد الشهداء حدود العقيدة وعبر حدود العالم الاسلامي ونفذ في قلوب الأحرار كل الأحرار في دنيا الكرامة الانسانية لهذا عشقه الناس في كل زمان وفي كل مكان.

من أجل هذا لم ينحصر التأليف ولم تنحصر الكتابة عن الحسين بالشيعة وحدهم ولا بالمسلمين وحدهم بل انبرت أقلام من خارج حدود الاسلام للكتابة عنه والتغني بنهضته الخالدة(1) كما أن نهضة الحسين الكبرى في يوم عاشوراء لم تلهم المسلمين مبادىء الكرامة والحرية والمقاومة بل اشرقت على كل القلوب فاستلهم منها الأحرار قيم الاباء والثورة وأضاءت لهم طريق التحرير ولعل ما حصل في الهند التي تحررت من براثن الاستعمال البريطاني مثال باهر على تأثيرات الثورة الحسينية في تكوين شخصية قائدها الكبير المهاتما غاندي الذي

ص:6


1- نموذجاً «الحسين في الفكر المسيحي» تأليف انطوان بارا ويقع في 368 طبع سنة 1978 في الكويت.

مجّد الامام الحسين في مناسبات عديدة وهو يخوض صراعه المرير ضد الانجليز فلقد قال مرّة:

«إنّني لم آت للشعب الهندي بشيء جديد، إنما هي خلاصة دراساتي لسيرة أبطال كربلاء انني أحمل إلى الأمة الهندية هذه الهدية.

وإذا ما أردنا انقاذ الهند فان علينا أن نسلك الطريق الذي سلكه الحسين بن على»(1).

أن الخطاب الحسيني الخلّاق في يوم عاشوراء لا يختصّ بالمسلمين وحدهم ولا يختص بأتباع الأديان الأخرى انه يمتدّ ليشمل كلّ الأجيال الانسانيّة في طول الأرض و عرضها.

ان خطاب الحسين في عاشوراء يعبر كلّ حدود التاريخ والجغرافيا و حدود العقائد الدينية انه خطاب إنساني خالد وما تزال كلمات الحسين تدوّي في سماء التاريخ والحضارة:

«إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم»(2).

ولقد قال أحد اساقفة الدين المسيحي:

«مجالس الحسين مدارس».

ومن هنا فان كتابة المقتل الحسيني تتجاوز حالة التسجيل التاريخي بل انها

تستحيل إلى ما يشبه المنهج المدرسي في مدرسة الحسين الخالدة.

ص:7


1- مجلة الغري، ط النجف الأشرف، عدد ربيع الأول 1381 ه- وقد نسب الاغاندي أيضاً قوله: علمني الحسين كيف أكون مظلوماً فانتصر» وقوله أيضاً: استقيت صبري من صبر الحسين» (المترجم).
2- البداية والنهاية: 8/ 203، مقتل الخوارزمي 2/ 33، أعيان الشيعة: 1/ 609، بحار الأنوار: 54/ 51.

ولذا فان كتابة المقتل يجب أن تسير بشكل يؤمن عناصر الدقة والتوثيق

التاريخي والتحليل والتفسير المنهجي الصحيح والمثمر.

رائعة الخلق

وياله من عنوان رائع يطلق على «مقتل الشيخ الرئيس» الذي يرسم بقلم سیّال حركة ومسار الثورة الحسينيّة، ولأنه يتحدّث عن أبي الأحرار سیّد الشهداء والمثل الأنساني الأعلى ألا وهو الحسين بن علي فقد جاء الأسلوب أخاذاً.

وكيف لا يكون كذلك وقد سطر المقتل قلم أستاذ كبير وعالم جليل وأديب أريب ينتقي المفردة انتقاءً ويصوغ الجملة صياغة بارعة فتأتي کتابته لوحات فنيّة رائعة تتألق على صفحات الكتاب وفي مقتله هذا يسجّل المؤلّف ما تحقّق لديه من وقائع تاريخيّة فيثبتها ثم يستنطقها استنطاقاً ويصطاد من بحر التاريخ لالئه فيعرضها بعد أن ينظم منها عقوداً وقلائد ثم يرصع كل فصل من فصول الكتاب بجواهر ما ينظمه ويتدقّق من قريحته فیزدان كتابه جمالاً الاجمال.

ومؤلف هذه الرائعة الخطيب المفوّه العالم الكبير والمحقّق القدير سليل

العلماء مفخرة الخطباء حجّة الاسلام والمسلمين الحاج عباس الشيخ الرئیس الكرماني.

انه سابع ثمار الشجرة الطيبة لأسرة الشيخ الرئيس في کرمان وهو ينحدر

من سلالة كلهم من الفضلاء والعلماء والمدافعين عن حريم أهل البيت.

ص:8

والده الكريم

أن والد المؤلف الكريم هو المرحوم آية الله الحاج الشيخ علي الشيخ

الرئيس المولود سنة 1294 ه- في أسرة من أهل العلم وأهل الفضل ومن سلالة

العلماء الربّانيّين والأولياء الروحانيّين.

تلقی مقدمات العلوم في مسقط رأسه ثم هاجر إلى أعرق الاكاديميات العلميّة الشيعية ألا وهي الحوزة العلميّة في مدينة النجف الأشرف وهناك راح يقطف من بساتین علمائها الفطاحل عناقيد العلم والمعرفة في حوزة آية الله العظمى الآخوند ملا محمد کاظم الخراساني.

وبعد أن تأسست الحوزة العلمية في مدينة قمّ المقدّسة سافر إلى هناك لتتلمّذ عند مؤسس هذه الحوزة المرحوم آیة الله العظمى الحاج الشيخ عبدالکریم الحائري إلى أن نال اجازة الاجتهاد.

وقد اشتغل المرحوم الشيخ الرئيس مدّة في التدريس في مدرسة سپهسالار في طهران وربي تلامذة بارزين ليعود بعدها إلى مسقط رأسه في مدينة كرمان فامضى هناك عشرين عاماً في التدريس وتربية طلابه وتعزيز الثقافة الدينية ونشر علوم الدين ومکارم الاسلام الحنيف والدفاع عن مذهب أهل البيت، فكان كهف الضعفاء ومرجع المظلومين وافاه الأجل المحتوم في فجر الثالث عشر من شهر رجب الأصب سنة 1384 ه- فعانقت روحه الطاهرة ذكرى ميلاد إمام البلغاء وأعظم الأوصياء وليد الكعبة المبارك الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وذلك عن عمر ناهز التسعين عاماً فغادر دار الفناء إلى دار البقاء.

ص:9

في ذكر المؤلف

ولد مؤلف الكتاب في مدينة كرمان عام 1308 هجرية شمسية 1939

میلادية في بيت مفعم بالعلم والفضيلة والتقوى.

وفي عام 1941 الذي شهد ذروه الاضطراب في عهد رضا خان شاه ایران (وظروف الحرب العالمية الثانية) انتقل والده إلى مزرعته خارج المدينة مصطحباً أسرته ولقد نشأ المؤلف وتربّى في احضان والده وظلاله الوارفة وتلقّى عنه علوم و معارفه في الأدب الفارسي والعربي في أجواء هادئة بعيداً عن ضجيج الحياة وضجيعها.

وبعد عوده الهدوء إلى البلاد نسبيّاً انتقل إلى الدراسة في مدرسة معصومية التي يديرها والده عام 1956 ميلادية فتتلمذ لدى والده ومريدي والده وخريجي مدرسته من قبيل آية الله الحاج الشيخ علي أصغر صالحي وشارك في بعض الامتحانات وحصل على شهادة الثانوية في الفرع الأدبي وهذا ما جعله مؤهلاً للانتساب إلى الحوزة العلميّة بمدينة قم فهاجر إليها.

وفي قم تتلمذ لدى أساتذة مشهورين وفي طليعتهم آية الله الكلبايكاني وآية الله العظمى البروجردي الذي درس لديه البحث الخارج وبعد رحيل ذلك المرجع الكبير في عام 1962 عاد إلى مسقط رأسه ليؤم المصلين في جامع «اقا غلام علي» فكان مرشداً للناس وواعظهم حتّى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة إذا بنجمه يسطع في دنيا الخطابة وتربية الجيل وطار صيته في الآفاق فكانت الدعوات توجه إليه لالقاء المحاضرات فارتقى منابر المساجد في مدن البلاد الاسلامية بدءً من مدينة «بم» التاريخية إلى «بافق» و «جیرفت » وإلى المدن

ص:10

البنائية من قبيل مدينة «سمنان» و «زاهدان» و «کاشمر» ومدينة « مشهد المقدّسة».

آثاره وخدماته

ولقد بلغ المؤلف مرتبةً سامية من العلم والتقوى وحاز في قلوب الناس له موقعاً فريداً ما مكنه من القيام بالمشاريع الخيرية فانبرى إلى تأسيس المراكز الثقافية والخدمية. وقد وفقه الله لبناء وتأسيس ثلاثين مرکزاً خيرياً بين مسجد وحسينية ومكتبة عامة ومستشفئ وغير ذلك من المشاريع الخيرية اضافة إلى بناء وترميم أضرحة بعض الأولياء من قبيل ضريح السيد محمد وهو من ذريّة الامام موسى الكاظم.

وكان المؤلف وأثناء اقامته في مدينة قم المقدسة وقد حضر جلسات المرحوم العلّامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان ونهل من فيض علومه ولهذا فقد كان يدير حلقات في تفسير القرآن الكريم على مدى عشرين عاماً وقد نهل من علومه في التفسير عشرات الطلاب ونبغ فيهم الكثير والقسم الآخر من آثاره و مؤلفاته وما سطره يراعه وقلمه وجادت به قريحته وشاعريته فقدم إلى المكتبة الاسلامية مجموعات شعرية ومدائح في أهل البيت وهي:

- انوار الولاية في مديح الأسرة النبويّة طبع الكتاب في مشد 1980 م.

۔ کنوز الجواهر في رثاء آل الرسول طبع الكتاب في مشهد عام

1989 م.

- سفينة الكرامة في الدعاء والمناجاة طبع في مشهد.

ص:11

- رائعة الخلق الكتاب الذي بين يديك.

- علي مرآة الحق جاهز للطبع .

- موعود الأمم جاهز للطبع.

- السلوك إلى الله في العرفان الحق جاهز للطبع.

الأدب السيال

والآثار الثلاثة للمؤلف تنبع من طبيعته وشاعريته الفياضة، كما أن أشعاره المبثوتة في «رائعة الخلق» تعبّر عن قدراته الأدبيّة وشاعريّته ويجدر ذكره ان المؤلف الكريم كان قد بلغ سنّ الأربعين ولم يكن قد نظم بيتاً واحداً من الشعر ثم وقع له حادث له دلالة وقصّة ذلك أن الأستاذ المؤلّف وفق إلى حج بیت الله في عام 1969 م واحتراماً لآية الله المرحوم السيّد الحكيم الذي تشرّف بزيارة بيت الله في ذلك العام فقد سُمح للحجاج التشرف بزيارة العتبات المقدّسة في العراق، وكان المؤلف ممّن حظوا بهذا الشرف ببركة المرجعيّة الشريفة فذهب إلى العراق.

وبعد أدائه مراسم الزيارة في النجف الأشرف وكربلاء توجّه إلى بغداد

لزيارة الامامين الكاظم والجواد فوصل مدينة الكاظميّة.

وفي الحرم الطاهر لباب الحوائج بدا له أن يطلب حاجته في أن يوفقه الله

إلى عمل خالد في الدنيا والآخرة ويكون عميماً في خيره باق في أثره.

فنهض وصلّى صلاة جعفر الطيّار بخشوع تام وحضور للقلب وتوسّل بالامام موسی بن جعفر وآنذاك رفع يديه إلى الله سبحانه وسأله أن يهبه قريحة شعر وشاعريّة وما شعر إلاّ وقد استجاب الله له في نفس اليوم لأنه لمّا عاد

ص:12

إلى دار الضيافة وتناول طعام الغداء وخلد الى الراحة إذا به ينشد هذين البيتين وهو بين اليقظة والمنام:

آه وا ويلاه فالشمر ما بين الخيام يسير *** قد جاء يحمل سيفه الغادر المجلل بالدماء وبالغبار

جاء بالقتل مغيراً مدمراً يضرم بالنار *** خيمة تنظر السماء إليها في وقار(1)

ولقد شهد المؤلف کرامات عديدة لكريمة أهل البيت وهي مذكورة في كتاب

«الكرامات المعصوميّة»(2).

في الختام أسأله تعالى أن يوفّق المؤلّف والناشر وكل الذين أسهموا في طبع

ونشر هذا الأثر الجليل.

الحوزة العلميّة في قم المقدّسة

السابع من رجب المرجب 1423 ه-

علي أكبر مهدي پور

ص:13


1- أثوار الولاية ص 7.
2- الكرامات المعصومية ص 174.

سلام علی الحسین

سلاماً يا حسين المجد من علياء السموات؛

سلاماً على ذلك الانبعاث العظيم، انبعاث الكرامة؛

السلام عليك يا ربّات سفينة الانقاذ و یا مشعل الهداية للحائرین؛

السلام عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين وسلامٌ على أصحابك الميامين

وسلامٌ على الأرض التي شهدت ملحمتك؛

أيها الخالد على مدى العصور؛

لقد جسدت الحقيقة والحق وسيبقى اسمك ما بقيت السموات والأرض؛

ولهذا سموت فوق التاريخ والجغرافيا لأنّك فنت في الناموس الأكبر

ناموس الوجود.

ص:14

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحَمدُ للهِ العليَّ العظيم، الملِكِ القُدُّوسِ العزيز الحكيم، الذي هدانا إلى النعيم المقيم، وحذَّرنا من العذاب الأليم، لهُ الأسماءُ الحُسنى، والأمثالُ العليا، والكبرياء والآلاء، والصلاة والسلامُ على الأمين في الناسوت، والمُطاع في الملكوت والمُصلّى عليه في الجبروت، والمُتدلّي في اللاهوت، أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهلِ بيته مصابيح الدُّجى وأنوار الهدی، لاسيّما على سبطهِ الرشید وولده الشهيد، وحید الدهر ومدار الحشر، آية الآيات، اُعجوبة الكائنات، سيّد الأبرار، وقرّة عين الأحرار، عين الحياة، ولواء النجاة، ومبيّن سبل السداد، والمجاهد في الله حق الجهاد، عمود الدين، اكرم المستشهدین، مولى الكونين، شفيع الثقلين، أبي عبدالله الحسين، صلواتُ الله وسلامُهُ عليه ، واللّعنة الدائمةُ على أعدائهم وغاصبي حقوقهم وظالميهم وقاتليهم، حتّى توصلهم إلى أسفل دركات الجحيم، مع أنواع العذاب والخزي العظيم.

ص:15

ص:16

المدخل

تمرّ القرون تلو القرون وتمضي قدماً حركة الأجيال وتبلي القصص و تصبح جزءً من حكايات الغابرين وتستحيل الوقائع التاريخية إلى ما يشبه الوشم الذي لا يكاد يبين على صفحات التاريخ لكن قصة كربلاء باقية بكلّ عنفوانها و زخمها التاريخي والحضاري تنتقل من جيل إلى جيل و تذوب القرون كما تذوب حبات الملح على كف المحيط غير أن ثورة کربلاء ما تزال تتوهج وتتألف وتضيء الطريق للانسانيّة جمعاء.

فثورة الحسين لم تكن لتنحصر في ذلك العصر بل امتدت إلى كل العصور واستوعبت حركة التاريخ البشري، ولم ينحصر تأثيرها في فترة معينة ولا في بقعة معينة بل اجتازت حدود التاريخ والجغرافيا ومسار الحضارات.

من هنا فان للامام الحسين حق عظیم لأنه ومن أجل انقاذ الكرامة

الانسانية قدّم أعزّ أصدقائه وأحبته وبنيه وأنصاره وروحه العظيمة فداءً لذلك، ففي يوم واحد فقط أو بعض يوم قدّم كلّ هذا الحجم الهائل من التضحيات على طبق من الاخلاص لله سبحانه فصنع أعظم ملحمة انسانيّة في التاريخ البشري وقد شهدت أرض كربلاء على شواطئ الفرات فصولاً مثيرة من هذه الملحمة الخالدة إذ وقف الحسين يقاتل وحیداً آلاف الذئاب البشرية وهو ينشد:

ص:17

«إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني»(1).

وإذا كان علي قد صعب عليه فتح الشام ومعه تسعون ألف مقاتل فان رأس الامام الحسين وهو فوق رمح طویل قد تم له الفتح فإذا بيزید يتراجع ويتبرأ من قتلة الحسين وإذا به يعامل أسرة الحسين بكل احترام واجلال ويأمر باعادتهم إلى مدينة رسول الله مکرمین.

ولو قدر للحسين أن ينتصر عسكرياً في ذلك اليوم لما تم له هذا الفتح العظيم ولن يتم له القضاء على ما ابتدعه معاوية وخلفه يزيد ولكان شأنه، شأن والده الشهيد علي بن أبي طالب ولا الذي لم يتمكن من الفتح مع كل ما اُوتي فلقد حطم الامام الحسين باستشهاده هالة القداسة التي حفّت خلافة يزيد بن معاوية.

فلم تكن بيعة أهل الكوفة للامام الحسين عبر سفيره مسلم بن عقيل من أجل السلطة والحكم والخلافة وإنما من أجل أداء رسالة الاسلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

كذلك كانت المبيعات الثلاث للنبي الأكرم فلم تكن من أجل الحرب:

1- بيعة أهل المدينة (يثرب) في العقبة الاولى واعتناق الدين الاسلامي

الحنيف.

2- بيعة أهل المدينة (يثرب) في العقبة الثانية لتحكيم الاسلام في الحياة.

3- بيعة المسلمين تحت الشجرة للنبي الأكرم على اتباعه في كل خطوة

يخطوها حتّى لو كانت إلى الحرب والموت.

ومن الطبيعي لو كتب للامام الحسين أن ينتصر لحكم فهو القائل يوم عاشوراء:

فان نَهزِم فهزامون قدما *** وإن نهزم فغير مهزّمينا

ص:18


1- فلتقطعني السيوف ارباً ارباً من أجل ان يبقى دین محمد خالداً.

وبالرغم من ان ظاهر ما جری كان هزيمة إلّا أنّ الامام الحسين حقّق

انتصارين:

1- في يوم عاشوراء سطعت شمس الاسلام الأصيل من بين ركام غيوم

الدعاية الحكوميّة.

2- تدمير السدود و تمهيد الطريق أمام قيام الثورات واشتعالها فلقد خلقت ثورته الخالدة الثورات التي اندلعت فيما بعد وأدّت إلى زوال الحكم الأموي الغاشم فضاعت هذه السلالة القذرة في نفايات التاريخ.

أوّلاً: اندلاع انتفاضة الحرّة في المدينة المنوّرة.

ثانياً: قيام ثورة التوابين.

ثالثاً: اشتعال ثورة المختار الثقفي.

رابعاً: قيام الثورة الشاملة التي أدّت إلى سقوط الحكم الأموي.

ولأننا نسير على خطى الامام الحسين يتوجب علينا أن نتعرّف على أهدافه

ونسعى إلى تحقيقها.

وإنّها رسالة يتحمّلها الخطباء المؤلفون في بيان أهداف الحسين في

ثورته يوم عاشوراء.

مسؤوليّة الخطباء الحسينيين

«اللّهُمَّ اجعلني عندك وجيهاً بالحسين.

1- التوفّر على المعلومات الكافية حيث الحدّ الأدنى ما هو لدى المستمعين.

2- امتلاك العمل الصالح «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ

ص:19

صَالِحًا»(1).

3- الاخلاص في العمل «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(2).

4- التوازن في الطرح.

إذ يتوجب على الخطيب أن يتحدّث مع مخاطبيه بشكل يتناسب وأوضاعهم وظروفهم فلا يقنطهم من رحمة الله ولا يغرّهم ويخدعهم باسم الحسين وانتهاج الدقّة في النقل والاعتماد على المصادر المعتبرة.

وعلى الخطيب أن يجتنب نقل المواضيع الخاطئة التي تبعث على انحراف

الناس وضلالهم.

نظام الرشتي والاخلاص

حدّثني صديقي المكرم الحاج قدرة الله لطيفي دام عزّه وقد تولّى مسؤوليّة مسجد جمکران مدّة عشرين سنة قدّم خلالها خدمات جليلة للمسجد قال: إن واعظاً في مدينة طهران يدعى «نظام الرشتي» وكان إذا ارتقى المنبر ذهل على نفسه فكأنّه في عالم آخر فاذا حدّث أثر وإذا وعظ أبلغ في الموعظة.

وقد سئل ذات يوم عن هذه الحالة وهذه الملكة كيف تحصّلت لديه؟ فقال: ذهبت إلى زيارة سيّد الشهداء في كربلاء في قافلة، فلمّا أدّينا مراسم الزيارة و آن أوان العودة أحببت أن أشتري بعض الهدايا ولم يكن معي ما يكفي إلاّ نفقات السفر ولم أرد الاقتراض من أحد فذهبت إلى ضريح أبي عبدالله الحسين لا وقلت:

يا أبا عبدالله ان الخادم لا يطلب حاجته إلاّ من سيّده وأنت سيّدي ومولاي

ص:20


1- فصّلت: الآية 33.
2- المائدة: الأبة 27.

وأنا خادمك.

فلمّا أويت تلك الليلة إلى فراشي ونمت رأيت في عالم الرؤيا الامام الحسين وقد جلس في حضرته حبیب بن مظاهر وبعض من استشهد معه.

وكنت في الرؤيا خلف حبیب بن مظاهر لما خاطبني الامام الحسين وقال لي: ما الذي قلته یا نظام؟

فأعدت عليه ما قلته عن الخادم والسيد، فقال لي تكلّم بصوت عال حتّى

يسمعك الجميع.

ثم قال لي: ومتى كنت لي خادماً؟! أنت تخدم النقود والمال وعلامة ذلك أنّ منبرك عند فلان الذي يعطيك خمس ريالات منبرُ مفضلٌ تقول فيه ما تقول ولكن تلك المرأة العجوز التي تعطيك ريالاً واحداً يكون منبرك عندها آخر المنابر تقول فيه ما يخطر في ذهنك من دون تفکر وعلى أيّة حال ولأنّك تنتسب إلينا فان حبیب سیکتب لك حوالة، وقد سلمني حبيب الحوالة فلمّا استيقظت من نومي كانت الحوالة في يدي وفيها عنوان فذهبت إليه وكان خلف المخيّم (مكان في کربلاء كان الموقع الذي نزل فيه الحسين وأنصاره و نصبوا مخيّمهم) وكان الوقت صباحاً وا لساعة تشير إلى الثامنة فما مرّ وقت وأنا أدور في المكان حتّى رأيت سيّداً يضع عمامة على رأسه ولم يكن يرتدي ما يرتديه المعمّمون من لباس وقباء وعباءة فتقدّم نحوي وقال هات الحوالة!

فلمّا أعطيته الحوالة وضعها على وجهه ومسح بها عينيه وأخذني إلى منزله وجاءني بعنقود عنب وسلمني کیسين من النقود في كل منهما خمسون أو مئة دينار

(يقول السيّد لطيفي انّه نسي كم كان المبلغ ).

ص:21

وقال لي: إنّ أحد الكيسين حوالة الامام الحسين والآخر اکراماً لك بما

أكرمك الامام الحسين.

فعدت إلى دار الضيافة وخطر في بالي أن أطلب منه شيئاً غير المال. فذهبت إلى نفس المكان لكني لم أعثر للمنزل على أثر.

ومن ذلك اليوم لم أعد أهتمّ للمبلغ الذي يعطوني إيّاه ولم أحسب بعد ذلك ما كان يكرمني به المؤسّس للمجلس الحسيني فمن هنا تملكتني هذه الحالة وأضحت ملكة في نفسي. (وقد مرّ على وقوع هذه القصّة ثمانون سنة).

واجبات المؤسّسين لمجالس العزاء الحسيني

1- أن يقيم المؤسس للمجلس الحسيني عزاءه بالمال الحلال المخمّس.

2- أن يكون في ذلك مخلصاً.

3- أن يدعو الخطباء المخلصين وأن لا يرهق الحضور بعدد الذين يتعاقبون

على المنبر الحسيني.

4- أن تجرى المحاضرة الحسينيّة في وقت مناسب و اجتناب ایذاء الجيران

من خلال مكبّرات الصوت.

وعلى الحضور أيضاً أن يكونوا مخلصين في استماعهم ويكون حضورهم

لله عزّوجلّ وأن يعملوا بما علموه من خلال المحاضرة والله ولي التوفيق.

کرمان - عباس الشيخ الرئيس

28 ربيع الثاني 1421 ه-

ص:22

الفصل الأول: في فضائل اهل البيت عليهم السّلام

ومجد النهضة الحسينيّة

ص:23

ص:24

آل محمد نجوم السماء الهداة

خصائص النجوم:

1- معالم للهداية:

«جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا»(1).

2- زينة السماء:

«إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ»(2).

3- مطيعة لله عز وجل:

«وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ»(3).

4 - عظمة مواقعها:

«فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ»(4).

5- تشق الظلام شقاً:

«وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ»(5).

ص:25


1- الانعام: الآية 97.
2- الصافات: الآية 6.
3- الأعراف: الآية 54 والنحل: الآية 12.
4- الواقعة: الآيتان 75- 76.
5- الطارق: الآيات 1- 3.

6- خط دفاعی ضد الشياطين:

«إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ»(1).

7- كلّما أفل نجم طلع مكانه نجم آخر:

قال الامام على: «ألا وإن مثل آل محمد كمثل نجوم السماء إذا هوى نجم

طلع نجم»(2).

تشبيه آل محمد بنجوم السماء

1- كما ان نجوم السماء وكواكبها وسيلة هداية للحيارى والضالّين في طرقات الأرض فان آل محمد أيضاً هم معالم هداية للمجتمع البشري حيث الانسان الحائر والضائع يهتدي بنورهم وهداهم إلى الطريق السحب المضيء وينجو من الوقوع في هاوية الجهل والظلام.

2- وكما النجوم مصابيح زينة في السماء فان آل محمد مصابيح في سماء

الدين والفكر والعقيدة.

ولو أن التاريخ لم يسجّل إلّا تجارب الأشرار والمجرمين والطغاة لكان وجهه قبيحاً لكن جمال السيرة سير الأنبياء والأوصياء وسطوع تجاربهم الانسانية تمنح التاريج جمالاً وبهاءً.

3- وكما ان النجوم والكواكب مسخرات طائعات لله تدور في مداراتها فكل حركاتها تجري بنظام دقیق و قوانین الهيئة فكذلك آل محمد في طاعتهم.

ص:6


1- الصافات: الآيتان 6- 7.
2- بحار الأنوار 34/ 215.

لله عزّوجلّ فكلّ حركاتهم وسكناتهم في طاعة الله فهم يتحركون حول محور الله الواحد الأحد الفرد الصمد وقد بلغوا ذروة العبودية لله عزوجل.

4- وكما أن لكل نجم في السماء موقعه الخاص فكذلك آل محمد لكل منهم موقعه ومكانته فلكل امام من أئمّة آل النبي ظروفه وتجربته وموقعه، فلقد صالح الامام الحسن وحفظ للاسلام استمراره وثار الامام الحسين وحفظ للدين روحه وحياته.

5- وكما تشق أنوار النجوم الظلام بنورها الثاقب فتغمر الأرض بنورها الشفاف فكذلك آل محمد يضيئون الأرض بأنوار علومهم وضياء معارفهم فتنفذ هذه الأنوار في القلوب والأفئدة وتملأها بنور التوحيد وضياء الايمان فتنبض القلوب بالحب الإلهي والحياة الطيبة.

6- وكما أن النجوم والكواكب خلقها الله سبحانه لرجم الشياطين فإذا رام الشيطان أن يتسلل إلى ملكوت السماء لاستراق السمع فانه يتعرض إل شهاب ثاقب يقمعه ویرجمه فإذا هو طريد رجيم فكذلك آل محمد خلقهم الله ووهبهم العلم والمعرفة فهم بالمرصاد لكلّ شياطين الفكر المنحرف والعقائد الضالّة فاذا رام ملحد النفوذ داخل حريم الدين وساحة الايمان انقضوا عليه كالصواعق المحرقة وإن رام طاغية أن يتجبر ويعيث في الأرض فساداً ثار ثائر آل محمد كالشهاب الثاقب ينقض على الظلم انقضاضاً فيطيح بصروح الظلم والطغيان، فقد تمرّد معاوية وتجبّر فانقض عليه الامام علي ودمره عسكرياً وسياسياً وأخلاقياً وتاريخياً. ولما جاء نجله یزید ثار عليه الامام الحسين نجل علي المرتضی فدمره وفضحه واحیا دین الله.

ص:27

7- وكما ان النجوم في السماء يأفل أحدها فيطلع آخر، فكذلك آل النبي المختار إذا رحل أحدهم قام الآخر مكانه فكلما غاب امام أوصى إلى امام بعده يقوم مقامه ويسير على خطاه لتحقيق الأهداف العليا ورفع كلمة الله عالياً في كلّ ربوع الأرض.

خصائص قادة النور

«وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ»(1).

1- ان وجودهم المبارك مغمور بالحب والايمان .

2- يفيضون بالرأفة والرحمة لمخلوقات الله.

3- يتمتعون بكلّ الفضائل الانسانية من قبيل الحلم والتواضع والجود

والسخاء والعفو.

4- انهم أهل المنطق والدليل فهم کابراهيم الخليل يعامل الناس بالمنطق والدليل.

5- يتمتعتون بالهدفية وهم جميعاً في مسار واحد.

خصائص قادة النار

«وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّار»(2).

ص:28


1- الأنبياء: الآية 73.
2- القصص: الآية 41.

1- انهم يرفضون الحقيقة ويجحدون بها وليس لهم أصل يستندون إليه أو

أساس ينطلقون منه وهم متمردون على الله وأوامره:

«الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا»(1).

2- انهم فقدوا كل أدوات الاحساس والشعور والادراك فهم لا يفهمون

شيئاً كالحيوانات

«لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ»(2).

3- انهم ينضحون فساداً وانحرافاً فأينما وضعوا أقدامهم انتشر من تحتها

الفساد في الأرض.

«إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً»(3).

«وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ»(4).

4 - انهم يمتازون بالانانية والغرور ويتعالون على الآخرين:

«أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ»(5).

5- يفترون على الابرياء ويختلقون الاتهامات ويقذفون المصلحين بشتی

أنواع التهم فهم يتهمون المصلحين بالكذب والسحر والجنون:

ص:29


1- الأعراف: الآية 45.
2- الأعراف: الآية 179.
3- النمل: الآية 34.
4- البقرة: الآية 11.
5- الزخرف: الآية 52.

«وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ»(1).

6- يتظاهرون بالحرص على مصالح الامة والشعب والمجتمع:

«وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى»(2).

7- ليسو أهل منطق و استدلال ويطلقون الأحكام جزافاً:

«أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ»(3).

الانحراف

«أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ»(4).

بعد رحيل النبي ظهرت بعض الانحرافات(5):

1- الانحراف السياسي

فلقد كان المعيار في عهد النبي القيم الأخلاقيّة والاسلامية من قبيل

التقوى والفضيلة ولكن مع رحيل النبي عادت من جديد القيم الجاهلية.

2- الانحراف الاقتصادي

فلقد انصرف الفاتحون إلى جمع الأموال كما ظهرت سياسية جديدة في

توزيع الأموال اعتمدت التمييز العنصري وخاصّة في الخلافة الثانية والثالثة.

ص:30


1- القلم: الآية 51.
2- طه: الآية 63.
3- البقرة: الآية 258.
4- الأعراف: الآيتان 44 - 45.
5- لقد اذعن مؤيدو الخلفاء أيضاً انه حصل انحراف عن مسير الخلافة عمداً أو سهواً.

3- الانحراف العسكري

فلقد بدأ العرب يعاملون العجم باذلال وكانوا يميزون في عطائهم من بیت المال ويعطونهم أقل من العرب.

4- الانحراف العام

وقد تزامنت الانحرافات الثلاثة الأولى مع الخوف والتقية وأدّت فيما بعد إلى الانحراف العام فاتبع الناس جهاز الحكم وظهرت حكومة ارستقراطية في عهد عثمان ومعاوية ويزيد.

ومع ادراك الامام الحسين انه لن يتمكّن من اسقاط حكومة يزيد إلّا أنّه نهض بمسؤوليّة الاصلاح واستطاع بثورته الخالدة أن يعصف بكلّ ما بناه یزید ومعاوية من صروح الظلم والفساد والانحراف.

بواعث نهضة الامام الحسين

1- فساد جهاز الخلافة والقيادة السياسية

قال الرسول الأكرم: «صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا

فسدت أمتي: العلماء والأمراء(1).

2- الانحطاط الأخلاقي وخطر العودة إلى الجاهلية

حيث بدأ ظهور الأهواء النفسية في التهافت على الجاه والنفوذ، حب المال حبّاً جمّاً جمّاً، التملّق والتملّق السياسي والانصراف إلى اللهو واللعب واندثار العلم وانطفاء شعلة الايمان وانحسار حالات التقوى والورع والفضيلة، إن كل هذا

ص:31


1- الخصال: 1/ 37.

هو ما دفع الامام الحسين لا إلى القيام بثورته الاصلاحيّة قائلاً:

«بل خرجت لطلب الاصلاح في أمّة جدي»(1).

3- ظهور البدع وانحسار السنّة النبويّة

وفي طليعة ذلك سبّ أميرالمؤمنين الامام علي بن أبي طالب على

المنابر في طول البلاد وعرضها.

4- انتشار الظلم والفساد واراقة الدماء بغير حق

من قبيل الجرائم والمذابح البشعة التي نفّذها بسر بن ارطاة والضحّاك بن

قيس واعتلاء یزید منصب الخلافة وهو انسان لا يتحلّى بأيّة فضيلة انسانيّة.

اهداف نهضة الامام الحسين

1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

2- رفض البيعة لانسان مثل یزید.

3- استنجاد أهل الكوفة به واستغاثتهم.

وهذه العوامل الثلاثة كان لها أثر في نهضة الامام الحسين ولكن غايته الكبرى هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو القائل في احدى بياناته

الخالدة:

«أريد أن آمر بالمعروف وانهى عن المنكر».

ملامح الثائر الأربعة

1- صراحته فلقد اخبر من رافقه في رحلته من المدينة إلى مكّة ومن

ص:32


1- مقتل الخوارزمي: 1/ 188.

مكّة(1) إلى المدينة(2) وتتابع الأخبار عن مصرع سفيره مسلم بن عقيل وغيره فقال في احدى المناسبات: «من لحق بنا استشهد ومن تخلّف عنّالم يبلغ الفتح»(3).

فلقد اطلع أصحابه على المصير الذي ينتظرهم منذ بدء حركته من المدينة المنورة(4) وفي مكة المكرّمة(5) وفي «زرود» عندما جاءه خبر استشهاد مسلم بن عقیل(6).

2- ثباته وصمودة وصمود رفاقه وأصحابه وأنصاره حتى النفس الأخير.

3- ان خطوته كانت في اطار الشرعيّة وفي ضوء الواجب الديني

والشرعي.

4- وفاء أهل بيته وحبهم العميق له واستمرار نهجه من بعده من خلال ذريته

و آله.

ان الهدف الأعلى للامام الحسين هو الأمر بالمعروف یعنی تمزيق هالة القداسة المزيفة لخلافة يزيد هذه الهالة التي سرقها النظام الأموي من الآية الكريمة وقوله تعالى: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(7).

ولقد رسخت الحكومة الأموية في أذهان المجتمع المسلم بأن طاعتهم

ص:33


1- بحار الأنوار: 44/ 329.
2- مثير الأحزان: 44.
3- الارشاد للمفيد: 2/ 74.
4- بحار الأنوار: 44/ 329.
5- مثير الأحزان: 44.
6- ارشاد للمفيد: 2/ 74.
7- النساء: الآية 59.

واجبة كما هي طاعة الله ورسوله لأنّهم أولوا الأمر(1) وأن الثورة ضدهم حرام ومن يفعل ذلك فهو کافر خارج عن الدين الحنيف في حين أن الآية الكريمة تشير إلى أنّ أولى الأمر هم تنسجم مسیر تهم وأوامرهم ونواهيهم مع ما أوامر الله ونواهيه وأوامر الرسول ونواهيه لأنه يبلغ ذلك من الله وأولو الأمر يبلغون عن النبي صلى الله عليه و اله وتذهب الشيعة الامامية إلى أن أولي الأمر هم الأئمّة من آل النبي أوّلهم علي وآخرهم المهدي عليهم جميعاً صلوات الله.

ولهذا فان الامام الحسين بثورته وتضحيته وتضحية أهل بيته وأصحابه قد أبطل خرافة معاوية ويزيد وسائر ملوك بني أمية وطواغيتهم بل ان ثورته أصبحت من الشمول بحيث تسحب بساط الشرعية من تحت أقدام الحاکمین الغاصبين بل انها ترسم أسئلة محرجة على خلافة الشيخين وخلافة عثمان.

وبثورته انبعث الدين واتضح الطريق القديم وانبعث التشيع واستبان

طريق الله عزوجل وانتشر الولاء لأهل البيت بين الناس.

دروس من جامعة كربلاء

1- الايثار والتضحية

لقد كان أصحاب الحسين يتسابقون فيما بينهم إلى ميدان القتال والفوز

بالشهادة.

ص:34


1- بحث آية الله الصافي وهو من مراجع التقليد هذه الآية بحثاً مفصلاً وخلص إلى النتيجة: «وعلى هذا فان المراد من أولو الأمر هم الأئمة الاثنا عشر و ان طاعتهم طاعة مطلقة على الجميع وأن تفسير أولى الأمر بغير الأئمّة وحتى ب- «الفقهاء» هو تفسیر بالرأي. وينطبق عليه هذه التهدید: «من فسّر القرآن بالرأي فليتبوأ مقعده من النار» حول معرفة الامام: 59.

2- الصبر على كل أنواع البلاء والمصاعب: الجوع، الظماء والقهر والاضطهاد.

3- التعامل انسانياً واسلامياً مع العدو ما يعبر عن شهامة كبری وفتوة ونبل

امتازوا به وبلغوا به الذری.

فلقد قدموا ما معهم من الماء إلى عدوّهم في أشدّ الظروف حرجاً وكذا اجتناب وسيلة الاغتيال. فلقد كان بإمكان مسلم بن عقيل اغتيال عبيدالله بن زیاد في بيت هاني بكل سهولة لكنه رفض ذلك لأن قتل عبيدالله بهذه الطريقة أمر يتنافى مع الفروسية والنبل والفتوة.

4- الاباء والشمم

قوله في ظهيرة عاشوراء: «ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين

السلّة والذلّة وهيهات منا الذلة»(1).

5- تجلي الغيرة

كان جريحاً والدماء تنزف من جسمه وعندما رأى أعداءه يهاجمون مخيمه

نادئ:

«إن لم يَكُن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم»(2).

فقال الشمر: ما تقول یابن فاطمة! فقال الحسين:

ص:35


1- تحف العقول: 171.
2- مقتل الخوارزمی: 2/ 33.

«أنا الذي اقاتلكم وأنتم تقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم عن

التعرض لحرمي مادمت حیا».

فقال الشمر:

لك ذلك.

ثمّ قال:

فلعمري لهو كفوٌ کریم.

6- المساواة

فلقد كان الامام الحسين عادلاً يساوي في حضوره وتفقده الشهداء والجرحى فلقد هب عندما هوى ابنه علي الأكبر صريعاً وجلس عنده وبادر إلى مصرع الحرّ الرياحي ورجل افريقي يدعى جون كان غلاماً لأبي ذرّ الغفاري صاحب رسول الله.

7- ایمانه العميق بالانسان وحريّته الفكريّة

كان الامام الحسين وحتى عشية عاشوراء يعلن عن حرية الذين رافقوه وطالما كرّر عليهم قائلاً: «أنتم في حل من بيعتي»(1)

فلقد جمع أصحابه وأهل بيته في ليلة عاشوراء وخطب فيهم قائلاً: «أما بعد فاني لا أعلم أصحاباً أوفي ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً وقد أخبرني جدّي رسول الله بأنّي سأساق إلى العراق فأنزل أرضا يقال لها عمورا و کربلاوفيها استشهد وقد قرب الموعد ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا وأني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشیکم فاتخذوه جملا...

ص:36


1- الارشاد للمفيد: 2/ 91.

فان القوم إنّما يطلبونني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري»(1).

كما عرض ذلك في يوم عاشوراء على بعضهم بشرط أن يبتعد عن أرض المعركة ولا يصله صوت الحسين وهو يطلب النصرة لأن ذلك سيكلفه غالياً إن لم يستجب وسيكون مصير من يسمع واعية الحسين ثم لا يلبي استغاثته أن يدخل جهنم وبئس المصير.

8- انه كان يلتزم في أداء الصلاة في أوّل وقتها وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فلقد أقام صلاة الظهر في ظهيرة عاشوراء في أوّل وقتها فيما كانت السهام تساقط عليه وعلى أصحابه كالمطر «أشهد أنّك قد أقمت الصلاة و آاتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر»(2).

9- استقباله للموت استقبال العاشقين.

«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»(3).

لماذا خلد اسم الحسين؟

«وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(4).

لن يموت من تدفق في فؤاده العشق *** فلقد ثبت اسمه في صفحة الوجود خلودا

ص:37


1- مقتل الخوارزمی: 1/ 247.
2- زيارة وارث.
3- البقرة: الآية 207.
4- آل عمران: آية 169.

أسباب الخلود

1- سمو الفكر لدى الامام الحسين وأصحابه و تساميهم على حدود الزمان والمكان حيث بلغوا ذروة النقاء الانساني و تلاشئ في وجودهم كل أثر لشوائب المادة.

2- حيازته لجميع الفضائل الانسانية وتجسيده التام لكل القيم الاسلامية

النبيلة.

3- وجود أصحاب في ركبه أحبّوه إلى حد التضحية والموت في سبيله.

4- وجود نساء في ركبه بلغن الذروة في الفضيلة والسمو.

5- كانت ثورته هيبحق ثورة العشق الالهي.

ولقد أحدثت نهضة الامام الحسين ثلاث موجات:

الموجة الأولى: الموجة التي انطلقت بعد شهادته وأدّت إلى ثورة التوابین

ثم ثورة المختار الثقفي وثورات العلويين.

الموجة الثانية: والتي بدأت بعد السبي و دخول مواكب سبايا آل محمد إلى الكوفة ثم دمشق وانطلاق الموجة الاعلاميّة أثر خطاب زینب العقيلة التاريخي في الكوفة وخطاب الامام زین العابدين ولا في الكوفة ودمشق.

الموجة الثالثة: وهي الموجة العاطفية التي انطلقت من مجالس العزاء

الحسيني وامتزجت بكل المشاعر الانسانية النبيلة والدموع الفيّاضة.

ص:38

الامام الحسين في القرآن الكريم

«يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً»(1).

روي عن الامام جعفر الصادق: «قوله: إن النفس المطمئنة هي نفس

الحسين»(2).

وفي رواية أخرى ان سورة الفجر هي سورة الحسين «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا»(3).

المظلوم هنا هو الامام الحسين(4) وجاء في الزيارة المطلقة: «اللهم إني

أنشدك دم المظلوم»(5).

ولقد تعرض الامام الحسين إلى أشدّ أنواع الظلم والقهر وانه لمنصور

باذن الله وولي دمه «صاحب الزمان»(6).

ص:39


1- الفجر: الآيتان 27 - 28.
2- تفسير القمي: 2/ 422، نور الثقلين: 5/ 577، بحار الأنوار: 24/ 350 و 44/ 219.
3- الاسراء: الآية 33.
4- کنز الدقائق: 7/ 403.
5- مصباح المتهجد: 239، المزار الكبير: 386.
6- المحجة: 127.

وفي بعض تفاسير قوله تعالى: «وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ»(1) ان في تفسيرها

الباطني هو ان الذبح العظيم الامام الحسين(2).

«وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»(3).

ورد في أصول الكافي وبسند معتبر عن الامام الصادق انه قال: انه لما حملت فاطمة بالحسين قال جبرئيل للنبي: ان أمتك تقتل الحسین فأخبر النبي فاطمة بذلك فتساءلت عن مغزئ ذلك فأخبر جبرئیل النبي صلى الله عليه و اله انه من نسله وذريته الأئمّة فرضیت بذلك(4).

وان (حملته کرهاً) اشارة إلى انّ السيّدة فاطمة الزهراء لما اخبرت

بشهادته وهي حامل به لم تكن فرحة بذلك فكان حملها كرهاً ووضعها كرها.

(حتى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة) اشارة إلى عبادة الامام الحسين التي بلغت أشدّها في الأربعين من عمره عندما كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة (ثلاثون شهراً) واشارة إلى أنّه ولد وهو في الشهر السادس ولم يعش مولود بهذا العمر إلّا الحسين ویحیی بن زکریا(5).

ص:40


1- الصافات: الآية 107.
2- تفسير الصافي: 4/ 279.
3- الاحقاف: الآية 15.
4- أصول الكافي: 1/ 464.
5- نفس المهموم: 12.

(وأصلح لي ذريتي ) اشارة إلى الأئمّة من ذريّة الحسين.

وفي رواية ان احمد بن اسحاق لما تشرف بلقاء الامام الغائب أرواحنا فداه وسأله عن تفسير حروف (کهیعص) قال له: اما «کهیعص» فان الكاف اشارة إلى كربلاء والهاء إلى هلاك عترته والياء اشارة إلى يزيد الذي قتل الحسين والعين اشارة إلى عطش الحسين والصاد اشاره إلى صبره(1).

ص:41


1- الاحتجاج للطبرسي: 2/ 464، فرائد السمطين: 2/ 171.

ص:42

الفصل الثاني: قبس من

فضائل الامام الحسين علیه السلام

ص:43

ص:44

میلاد الامام الحسين

«وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا»(1).

المشهور في الروايات ان الامام الحسين ولد يوم الثالث من شعبان في

السنة الرابعة من الهجرة(2) في المدينة المنورة.

وجاء في بعض الروايات ان القابلة التي أولدت السيّدة الزهراء سيّدة

حوريات الجنّة تدعى «لعيا».

وروى الشيخ الطوسي عن القاسم بن العلاء(3) ان تاریخ میلاد الامام

الحسين يوم الخميس الثالث من شعبان(4).

وروي عن الامام الرضا أيضاً انه لما ولد الحسين طلب النبي صلى الله عليه و اله من أسماء أن تأتيه بولده الحسين فجاءت به تحمله في قطعة قماش بيضاء اللون فوضعته في حجر النبي له فاذّن النبي في اذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسری(5).

ص:45


1- مریم: الآية 33.
2- اقبال الأعمال: 689.
3- مصباح المتهجد: 826.
4- وفي بعض الروايات انه ولد في 5 شعبان. الارشاد للمفيد 2/ 27.
5- مقتل الخوارزمي: 2/ 215.

وروى الشيخ الصدوق انه لما ولد الحسين جاء جبرئيل من السماء

ومعه ألف ملك لتهنئة النبي بميلاده(1).

وفي بعض الروايات انه لما هبط جبرئيل ومعه الملائكة قال للنبي صلى الله عليه واله:

«أأهنيك قائلاً لك بشرى؟ أم أعزيك قائلاً لك صبرا؟»

وجاء في بعض الروايات أيضاً أن النبي اغلق بابه ثلاثة أيّام إلّا في وجه على وخلال هذه الأيّام الثلاثة كانت الملائكة تختلف إلى منزل النبي للتهنئة وان الامام علي قال للنبي صلى الله عليه واله انه احصى اربعة وعشرين ألف ملك، ولما سأله النبي كيف عرفت ذلك قال عدد لغاتها.

وكان الملك فطرس قد كسر جناحه فدلّه جبريل إلى أن يمس مهد الحسين

فلمّا مسّه استعاد أجنحته بشفاعة الحسين وعرج إلى السماء(2).

ويمكن القول أن شفاعة الحسين بدأت مع مولده.

وهبط جبریل مرّة أخرى فقال للنبي:

ان الحق تعالى يقرئك السلام ويقول ان علياً منك بمنزلة هارون من موسی

فسمّ ابنه باسم هارون الأصغر «شُبیر» ولأن لسانك عربي فسمّه «حسينا».

وقبّل النبي سبطه الحسین و بکی لمصيبته وقال: لعن الله قاتليك وطلب

من أسماء أن لا تخبر أمّه بذلك.

وتقول أسماء لما مرّت سبعة أيّام على ولادة الحسين جاء النبي صلى الله عليه واله وطلب أن يأتوه بسبطه الحسين فأمر بحلاقة شعر رأسه وتصدّق بوزن الشعر فضّة وعقّ

ص:46


1- أمالي الشيخ الصدوق: 118، باب 28ح 8، کشف الغمة 2/ 215.
2- الأمالي للشيخ الصدوق: 118، مجلس 28 ح 8.

عنه كبشين وأعطى القابلة(1) فخذاً.

روي عن ابن أبي الحديد انه قال: لو سألني أحد هل أن الحسین والحسن(2) ابنا رسول الله لقلت نعم، لأن الله عز وجل يقول في القرآن الكريم في آية المباهلة: «أبنائنا»(3)، ولم يكن أحد غير الحسن والحسين وكذلك عیسی بن مریم عدّ من ذريّة ابراهيم(4) ولو قال أحد ان في القرآن قوله تعالى:«مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ»(5) لقلت في جوابه: ان محمد أبو ابراهیم ابن مارية(6).

حب النبي الأكرم للامام الحسين

«حسين مني وأنا من حسين»(7).

تختلف علاقات الحب والمودّة وهناك خمسة أنواع للحب:

1- حب ينبع من الأهواء النفسيّة والميول الشهوانيّة الجنسيّة وهذا حب

هابط لا قيمة له.

2- الحب الناشى عن الاحساس الغرائزي وهو يشبه العلاقة بين الحيوان مع أبناء نوعه وهذا الحب مادي الّا انه أرقى من الحب الأول لخلوه من المفاسد.

ص:47


1- يبدو ان هناك قابلة غير السيدة «لعيا» في الظاهر.
2- تفسير القرطبي: 4/ 104.
3- آل عمران: الآية 61.
4- الأنعام: الآية 15.
5- الاحزاب: الآية 40.
6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 11/ 27.
7- سنن الترمذي: 2/ 307، مسند احمد 4/ 1720، اسد الغابة 2/ 19 و 5/ 130، فضائل الخمسة: 3/ 292.

3- الحب الذي ينبع من القلب والروح فيضييء القلب والنفس ولعل مقام العشق والعلاقات الروحيّة والأواصر المعنويّة تنتمي إلى هذا اارع حيث شعاره: «نحن روح واحد في بدنين».

4- الحب الذي ينبع من العقل والايمان وهذا حب رفيع ونبيل للغاية.

5- الحب الذي ينطلق من مقام الولاية ويندك فيها كالحب الذي يربط النبي الأكرم وسبطه الحسين فالنبي كان يعلم أن تضحيه سبطه الخالدة هي التي ستخلد الدين وتقويه وتنشره في ربوع العالم.

روي عن ابن عباس أن النبي أجلس الحسين على ركبته اليمنى وأجلس ابراهيم على ركبته اليسرى، وان جبرئیل هبط على النبي وأخبره ان على أحدهما أن يفتدي الآخر، ففدي النبي ابراهيم من أجل الحسين، فمرض ابراهیم وتوفي في اليوم الثالث.

فقال النبي ملاعباً لسبطه:

بأبي من فديته بابراهيم(1).

وكان النبي يقبل الحسين مرّة في نحره ومرّة على جبينه و مرّة على صدره(2) وأحياناً كان يبكي ويذرف الدموع هو يقبله فاذا سئل عن ذلك قال هذه مواضع السيوف(3).

ص:48


1- بحار الأنوار: 43/ 261.
2- الدموع الهاملة: 394 (فارسی: اشک روان).
3- كامل الزيارات: 70.

سخاء الامام الحسين وجوده

1- جاء رجل إلى الأمام الحسين وكان الرجل قد ضمن دية كاملة

وعجز عن ذلك فقال في نفسه:

أسأل أكرم الناس وما رأيت أكرم من أهل بیت رسول الله. فلما جاء إلى

الامام واطلعه على ذلك وطلب منه ألف دينار فقال الامام الحسين:

يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل، فان أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال، وإن أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال، وان أجبت عن الكلّ أعطيتك الكل.

فقال الرجل:

یابن رسول الله أمثلك يسأل مثلي، وأنت من أهل العلم والشرف؟

فقال الامام:

بلی سمعت جدي رسول الله يقول: المعروف بقدر المعرفة.

فقال الرجل: سل عمّا بدا لك، فان أجبت وإلّا تعلّمت منك ولا قوّة إلّا بالله.

فقال الامام:

أي الأعمال أفضل؟

قال الرجل:

الايمان بالله.

قال الامام الحسين:

فما النجاة من المهلكة؟

ص:49

قال الرجل:

الثقة بالله.

قال الامام الحسين:

فما يزين الرجل:

قال الرجل:

علم معه حلم.

قال الامام الحسين:

فان أخطأ ذلك؟

قال الرجل:

مال معه مروءة.

قال الامام الحسين:

فان أخطأه ذلك؟

قال الرجل:

فقر معه صبر.

فقال الامام الحسين:

فإن أخطأه ذلك؟

قال الرجل:

فصاعة تنزل من السماء وتحرقه فانه أهل لذلك.

فضحك الامام وأعطاه صرة فيها ألف دينار، وأعطاه خاتمه وفيه فصّ

قيمته مائتا درهم وقال له:

ص:50

اعط الذهب إلى غرمائك واصرف الخاتم في نفقتك فانصرف وهو يقول:

«الله اعلم حيث يجعل رسالته»(1).

2- وجاءه رجل من الأنصار يطلب حاجة فأمره الامام أن یکتب

حاجته ولا يبذل ماء وجهه.

وكتب الرجل الأنصاري انه اقترض من رجل خمسمئة دينار ولا يستطيع الوفاء بالدين ورجاه التدخل لدى الدائن أن يمهله. فما كان من الامام إلّا أن أعطاه ألف دينار وقال له خمسمئة لسداد دينك وخمسمئة لنفقتك ولا تطلب حاجتك إلّا من ثلاثة:

1- من له دین. 2- من له مروءة. 3- من له أصل(2).

3- وسلّمه رجل رقعة كتب فيها حاجته فقال الامام الحسين على

الفور: هي مقضية.

فقيل للامام أفلا تقرأ ما كتب؟

قال: ان الله سيسألني عن وقوفه (أي فترة انتظار وما فيها من شعور

بالذلّ والهوان) مناقب ابن شهراشوب 4/ 73.

4- وسأله رجل فأعطاه الامام ألف دينار ذهباً وراح الرجل يعدّها ويتأكّد من عدم كون الدنانير مزيفه فقيل له: هل بعته شيئاً حتّى تقلّب الدنانير؟ قال الرجل: نعم بعت ماء وجهي.

فقال: صدق الرجل ثم أعطاه ألفي درهم وقال له: هذا لسؤالك وهذا

لماء وجهك والثالثة لأنّك أتيتنا.

ص:51


1- بحار الأنوار: 24/ 196، جامع الأخبار: 137.
2- تحف العقول: 176.

5- وجاء الامام الحسين لعيادة اُسامة بن زيد، وكان اُسامة يطلق الآهة

تلو الأخرى فسأله الامام عمّا به؟

فقال:

عليّ دین.

فقال الامام:

كم هو؟

قال أسامة:

ستون ألف درهم.

قال الامام:

لا تغتم أنا أقضي دينك.

قال اُسامة:

أخشى أن أموت قبل ذلك.

فأمر له الامام الحسين بستين ألف درهم في نفس الساعة(1).

6- في أحد أسفاره بين مكّة والمدينة صادف الامام الحسن راعياً في

الفلاة فاستضافه وبات الامام الحسين ليلة في ضيافة ذلك الراعي ثم استأنف

سفره.

وكان الراعي غلاماً لرجل من أهل المدينة المنورة ويرعئ له قطيعه المؤلف من ثلاثمئة رأس من الغنم وكان الامام الحسن قال للراعي اذا جاء إلى المدينة أن يمرّ به ليجزيه حُسن ضيافته وجاء الغلام إلى المدينة وأراد الذهاب إلى منزل

ص:52


1- الدموع الجارية (اشک روان): 202.

امام الحسن فطرق الباب على منزل أخيه الحسين فاستقبله ورحّب به.

والتفت الامام الحسين إلى ان الراعي يظنه الامام الحسن وأن أخاه قد استضافه ليلة في طريق السفر، فما كان من الامام الحسين إلّا أن أرسل أحداً إلى صاحب الغلام ليشتريه ويشتري القطيع أيضاً وتمّ كلّ شيء والراعي ما يزال في منزل الامام الحسين وفي ضيافته ودهش الراعي عندما أخبره الامام انه الان رجل حرّ وأنه يملك قطيعاً مؤلفاً من ثلاثمئة رأس من الغنم وانه الان في حضرة الامام الحسين شقيق الامام الحسن الذي مرّ به منذ زمن وبات عنده ليلة واحدة ثم رحل في الصباح(1).

7- كان الامام الحسين في طريقه إلى بستان له وكان معه عدّة من أصحابه فلمّا دخل البستان رأي غلامه جالساً يتناول كسرات من الخبز وكان يأخذ لنفسه کسرة ويرمي لكلب بالقرب منه کسرة، فاقترب منه الامام وسلّم عليه وطلب منه أن يغفر له دخوله من غير اذن، تعجّب الفتي وقال: الأرض أرضك والزرع زرعك وأنا غلامك يا سيّدي فما الحاجة إلى الأذن؟

وكان اسم الغلام «صافي» فقال له الامام:

یا صافي أراك تأخذ لنفسك لقمة وترمي للكلب لقمة.

فقال الغلام: يا مولاي استحييت أن آكل وهو ينظر إليّ جائعاً.

وتأثر الامام الحسين وقال: يا صافي أنت حرّ لوجه الله وقد وهبتك

ألفي دينار.

فرح الفتى لحرّيته وطلب من الامام أن يسمح له بالعمل في البستان فأخبره

ص:53


1- مقتل الخوارزمی: 1/ 153.

الامام الحسين أن قد وهبه البستان منذ دخوله ولهذا قال اغفر لي أن دخلت البستان من دون اذنك(1).

8- وجاء في بعض الأخبار ان الامام الحسين دخل على معاوية وعنده اعرابي يسأله فأمسك وتشاغل بالامام الحسين فسأل الأعرابي بعض الحاضرين من هذا الذي دخل؟ فقيل له: هذا الحسين بن علي.

فقال الأعرابي للحسين: أسألك يابن بنت رسول الله لما كلّمته في حاجتي. فكلّم الحسين معاوية في ذلك فقضى له حاجته.

فقال الأعرابي:

أتيت العبشمي(2) فلم يجد لي *** إلى أن هزّه ابن الرسول

هو ابن المصطفی کرماً وجوداً *** ومن بطن المطهرة البتول

وان لهاشم فضلاً علیكم *** كما فضل الربيع على المحول

فقال معاوية: یا أعرابي أعطيك و تمدحه؟

فقال الأعرابي: يا معاوية أعطيتني من حقه(3) وقضيت حاجتي بقوله(4).

الضيافة

«هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ»(5).

ص:54


1- مقتل الخوارزمي: 1/ 153.
2- عبشم مخفف عبد شمس الجد الأكبر لبني أميّة.
3- وهي اشارة إلى أن الامام الحسين هو حجة الله وهو الخليفة بالحق وان معاوية غاصب.
4- بحار الأنوار: 44/ 210، مناقب ابن شهر آشوب 4/ 81.
5- الذاريات: الآية 24.

يقول رسول الله: «أدبني ربي فأحسن تأديبي».

وكان رسول الله المثال الأعلى في كل الفضائل الانسانية ولقد أفاض الرسول على أمته وراح يعلمها ویزکیها ويحثها على التحلّي بالفضائل ومن بين هذه الفضائل تبرز الضيافة واکرام الضيف كواحدة من الفضائل الانسانية والمحاسن الاخلاقية.

ومن بين الأنبياء اشتهر سیّدنا ابراهيم وداود وأيّوب وسليمان وسیّدنا

محمّد بالضشيافة والكرم.

والآية الشريفة الانفة الذكر تشير إلى قصة اولئك الضيوف الذين جاءوا إلى بیت ابراهيم الخليل و

«المكرمين» وتشير إلى أن ابراهيم الخليل هو الذي يقوم بنفسه بخدمة الضيوف.

وقد وردت القصّة في سورة الذاريات حيث دخل الضيوف إلى بيته قائلين:

سلاماً قال: سلام قوم منکرون ثم ما أسرع أن جاء بعجل مشوي.

وكان سيدنا ابراهيم لا يتناول طعامه إلّا مع الضيوف وأحياناً كان يذهب إلى الصحراء والفلاة فلعله يعثر على مسافر فيدعوه الى الاستراحة في بيته ضيفاً مكرماً.

وجاء في بعض الأخبار ان ابراهیم خلیل الرحمن أمضى يوماً وليلة يبحث عن ضيف ليتناول الطعام معه فرأى رجلاً في السبعين من عمره ولما أراد دعوته وجده مشركاً فقال النبي: لو كنت مسلماً لدعوتك فهبط جبريل يقول له عن الله عزوجل ان الله سبحانه يقول: انه يرزق هذا الرجل سبعين سنة وهو يشرك بالله وأنت تردّه فلا تطعمه ليوم واحد!

ص:55

وانطلق سيّدنا ابراهيم يبحث عن الرجل المشرك حتى وجده ودعاه إلى

منزله وأخبره بما جرى، فأسلم الرجل.

وجاء في الأخبار أيضاً ان ایوب النبي أقسم بالله عز وجل انه لم يأكل

طعاماً قط إلّا مع يتيم أو فقير.

وقد ورد في القرآن الكريم عن داود وسليمان واکرامهما للضيوف في قوله تعالى: «وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ»(1).

وفي الآية اشارة إلى ضخامة القدور التي يطبخ فيها الطعام وكميات الغذاء

الذي يقدم للضيوف والفقراء.

ويبرز النبي الأكرم من بين الأنبياء الذين أشرنا إليهم بأنه بلغ من کرمه إلى حدّ الايثار کما عرف عن النبي أنه عاش فقيراً ومع فقره كان في غاية الكرم و السخاء الجود.

وقد سئل الامام علي عن أحب الأشياء إليه فذكر أشياء كان أوّلها:

اطعام الطعام.

وجاء في الأثر: ان اکرام الضيف يبعث على الخير والبركة ويرفع البلاء وفيه

غفران للذنوب ولا تحصى فوائده في الدنيا ولا ثوابه في الآخرة.

وجاء في الأثر عن النبي ان المؤمن إذا سمع صوت خطى الضيف وفرح

غفر الله له كل ذنوبه حتى لو ملأت ما بين الأرض والسماء(2).

ص:56


1- سبأ: الآية 13.
2- بحار الأنوار: 75/ 260.

امرأة أصبحت تحب الضيوف

كان رجل يعيش في المدينة المنورة وكان يحب اکرام الضيف فاذا جاءه ضيف فرح أشدّ الفرح واحياناً كان يدعو بعض الناس لضيافتهم وكانت امرأته تستاء من ذلك فكانت على عكس زوجها لا تحب الضيوف وتسيء الى زوجها.

فذهب الرجل إلى النبي وشكئ له ذلك.

فطلب منه أن يخبر زوجته أن النبي ومعه بعض أصحابه سيأتون ضيوفاً، ثمّ طلب من زوجته أن تنظر إلى ما يجري عند دخول الضيوف إلى البيت وعندخروجهم منه.

فلمّا جاء النبي ومعه بعض أصحابه وطرقوا باب المنزل ودخلوا البيت ضيوفاً رأت المرأة ان سلالاً مليئةً بأنواع الفاكهة تدخل إلى بيتها ولما خرج النبي صلى الله عليه واله وأصحابه إذا بأنواع الأفاعي والعقارب تخرج من البيت وأخبر النبي تلك المرأة بأن الضيف إذا دخل البيت تدخل معه أنواع النعمة فاذا خرج تخرج معه أنواع البلايا والمصائب.

ولما رأت المرأة ذلك أصبحت مثل زوجها تحبّ الضيف و اکرام الضيف(1).

وجيء للنبي بأسير فهبط جبريل قائلاً له ان الله يقرئك السلام ويقول

أطلقه فقد كان يطعم الطعام ويصبر على المصائب ويواسي الناس(2).

وجاء في التاريخ ان عضد الدولة حاصر مدينة كرمان شرق ایران وأن حاكم المدينة رفض الاستسلام فكان يحارب في النهار فاذا حلّ الظلام يأمر

ص:57


1- المصدر السابق: 75/ 461.
2- فروع الكافي: 4/ 39، بحار الأنوار: 22/ 84.

بأعداد الطعام فيرسله إلى عضدالدولة وجنوده.

فأرسل إليه من يسأله عن ذلك فأجاب: ان حربنا لك دليل على شجاعتنا

وارسال الطعام دليل على ضيافتنا.

وكان من ابرز عادات العرب اکرام الضيف واستمر هذا الخلق الكريم مئات السنين ولكن المؤسف ان أهل الكوفة دعوا الامام الحسين بعشرات ومئات الرسائل فلما لبّى دعوتهم وجاءهم استقبلوه بالسيوف والرماح والسهام وقطعوا عنه الماء ثلاثة أيام من السابع من محرم حتى يوم العاشر!!

عبادة الامام الحسن

«قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا»(1).

روى السيد ابن طاوس في كتابه «اللهوف» عن الامام علي بن الحسين

زین العابدین قوله: إنّ أبي يصلّي في اليوم وليلته ألف ركعة(2).

وانه لا حجّ بیت الله الحرام مشياً على الأقدام خمساً وعشرين مرّة.

وجاء في الأخبار انه سایر أنس بن مالك، فأتى قبر خديجة الكبرى ثم قال لأنس: اذهب عني، قال أنس فاستخفيت عنه، فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته

يقول:

يارب يارب أنت مولاه *** فارحم عبيداً إليك ملجاه

ياذا المعالي عليك معتمدي *** طوبی لمن كنت أنت مولاه

ص:58


1- المزمل: الآية 2.
2- اللهوف: 114.

طوبى لمن كان خادماً ارقاً *** يشكو إلى ذي الجلال بلواه

وما به علة ولا سقم *** أكثر من حبه لمولاه

اذا اشتكى بثه وغصّته *** أجابه الله ثم لباه

اذا ابتلي بالظلام مبتهلا *** أكرمه الله ثم أدناه

فنودي

لبيك عبدي وأنت في كنفي *** وكلما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقة ملائکتي *** فحسبك الصوت قد سمعناه

دعاؤك عندي يجول في حجب *** فحسبك الستر قد سفرناه

لو هبت الريح في جوانبه *** خر صريعاً لما تغشاه

سلني بلا رعب ولا رهب *** ولا حساب انني أنا الله(1)

وجاء في زيارة الامام صاحب العصر والزمان لجدّه الحسين:

«وفي الذمم رضي الشميم، ظاهر الكرم متهجداً في الظلم».

وان لمن علامات استغراق الامام في العبادة وحبّه للصلاة والدعاء والمناجاة انه لما زحف جیش یزید یرید بدء الحرب ركب العباس في عشرين فارساً واستوضح منهم فقالوا: إما الاستسلام دون قيد أو شرط أو الحرب، فجاء العباس وأخبر أخاه الحسين بذلك فقال الحسين: ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشية إلى غد لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني أحب الصلاة له و تلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار(2).

ص:59


1- مناقب ابن شهرآشوب: 4/ 77.
2- الارشاد للمفيد: 2/ 92.

ويروي السيد بن طاوس ان الامام الحسين أمضى تلك الليلة ومعه أصحابه في الدعاء وتلاوة القرآن الكريم والصلاة ولهم دوی کدويّ النحل بين قائم وقاعد وراكع وساجد(1).

أشعار تنسب للامام الحسين

سبقت العالمين إلى المعالي *** بحسن خليقة وعلو همة

ولاح بحكمتي نور الهدى في *** ليال في الضلالة مدلهمة

يريد الجاحدون ليطفؤوه *** ويأبى الله إلا أن يتمة(2)

وينسب إليه أيضاً قوله:

يا أهل لذّة دنيا لا بقاء لها *** أن اغتراراً بظل زائل حمق

من مواعظ الامام الحسين

1- جاء رجل وشكا إليه الذنوب وأنه لا يستطيع ترك المعاصي فوعظه.

فأجابه الامام بانه يمكنه المعصية إذا التزم بخمسة شروط وهي:

الف - ألّا تأكل من رزق الله وأذنب ما شئت.

ب- أن تخرج من ظل ولاية الله وأذنب ما شئت.

ج - أن تجد مكاناً لا يراك الله فيه وأذنب ما شئت.

د- إذا جاءك ملك الموت وأراد قبض نفسك فادفعه وأذنب ما شئت.

ص:60


1- اللهوف: 112.
2- مناقب ابن شهرآشوب: 4/ 80.

ه-- إذا جاءك خازن النار ليلقيك في نار جهنم فادفعه عنك وأذنب ما شئت. فاطرق الرجل برأسه مفكراً و تاب إلى الله.

2- من طلب مرضاة في سخط الناس كفاه الله أمره من طلب مرضاة الناس

في سخط الله أوكله الله إلى الناس.

3- من نعم الله عليكم حاجة الناس إليكم.

حلم الامام الحسين

ورد في الأخبار ان عصام بن المصطلق (رجل من أهل الشام) جاء إلى المدينة فوقف في طريق الامام الحسين وأساء له بالكلام فقال الامام الحسين:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحیم «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ *** وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ***إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ»(1).

فلما رأى عصام ان الحسین تبسم في وجهه ولم يقابل اساءته بمثلها وانما قابلها بالعفو والتسامح ندم على ما بدر منه فرأى الامام الحسين في وجهه ملامح الندم فقرأ قوله تعالى:«لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ»(2).

ثم سأله: أمن أهل الشام أنت؟

ص:61


1- الأعراف: الآيات 199- 201.
2- يوسف: الآية 92.

قال عصام: نعم.

فقال: شنشنة أعرفها من أخزم(1) (مثل يضرب) ويعني ان هذه الشتائم

هي بسبب ما قام به معاوية من دعاية ضد أهل البيت.

تواضع الامام الحسين

مرّ الامام الحسين بمساكين قد بسطوا کساءً لهم وألقوا عليه كسراً من الخبز فقالوا هلمّ يابن رسول الله، فجلس إليهم وأكل معهم وتلا قوله تعالى: «لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ»(2).

ثم قال لهم قد أجبتكم فأجيبوني، قالوا: نعم يابن رسول الله! فقاموا معه

حتى أتوا منزله فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم(3).

شجاعة الامام الحسين

1- ومن شجاعته انه كان بين الحسين والولید بن عقبة منازعة في ضيعة (مزرعة) فتناول الامام الحسين عمامة الوليد عن رأسه وشدّها في عنقه والوليد يومئذ والي المدينة، فقال مروان: بالله ما رأيت كاليوم جرأة رجل على أميره.

واعترف الوليد بأن الضيعة للامام الحسين فوهبها له(4).

ص:62


1- منتهی الآمال: 1/ 286.
2- النحل: الآية 23.
3- مقتل الخوارزمي: 1/ 155.
4- مناقب ابن شهرآشوب: 4/ 75.

2- وقال له مروان بن الحكم يوماً: لولا فخركم بفاطمة بما کنتم تفتخرون علينا؟

فوثب الامام الحسين وكان شديد القبضة فقبض على حلقه فعصره ولوی عمامته على عنقه حتى غشي عليه و ترکه وأقبل الامام على جماعة من قريش فقال: انشدكم بالله إلّا صدقتموني إن صدقت أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحب إلى رسول الله مني ومن أخي؟ أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي؟ قالوا: لا قال: واني لا أعلم أن في الأرض ملعون بن ملعون غير هذا وأبيه طرید رسول الله والتفت إلى مروان وقال: والله ما بين المشرق والمغرب رجلان ممن ينتحل الاسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذ كان وعلامة قولي فيك أنك اذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك.

قال الراوي: فوالله ما قام مروان من مجلسه قد غضب فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه(1).

ص:63


1- الاحتجاج للطبرسي: 2/ 299.

ص:64

الفصل الثالث: بدء المواجهة

الهجرة من المدينة

ص:65

ص:66

الامام الحسین یرفض البیعة لیزید

في الخامس عشر من رجب هلك معاوية بن أبي سفيان وهو في الثمانين من عمره ليتبوأ مكانه يزيد الفاسق الذي بعث برسالة إلى حاكم المدينة المنوّرة الوليد بن عقبة بن أبي سفيان يطلب فيها أخذ البيعة من الحسين فان أبي فليضرب عنقه ويبعث إليه برأسه.

واستشار الوليد مروان بن الحكم فقال: ان الحسين لن يبايع ولو کنت مكانك لضربت عنقه فرفض الوليد وأرسل وراء الحسين يطلب حضوره في القصر.

وأدرك الامام الحسين أهميّة الأمر لكي يطلب الأمير حضوره في منتصف الليل فذهب للقائه ومعه ثلاثون رجل من مواليه وأهل بيته وشیعته وهم شاكون في السلاح فيكونوا على باب القصر فيتدخلون اذا علا صوته.

وكان في يد الحسين قضيب رسول الله فدخل على الوليد ولما استقرّ به

المجلس أخبره الوالي بموت معاوية ثم عرض عليه البيعة لليزيد.

(1) كان الامام الحسين قد رأى في منامه اشتعال النيران في دار معاوية وان منبره منکوس وفسر الرؤيا لأهل بيته لأن معاوية قد هلك، ولهذا اصطحب معه ثلاثين رجلاً

مسلحاً للتدخل اذا لزم الأمر.

ص:67

فقال الامام الحسين: مثلي لا يبايع سرّاً، فاذا دعوت الناس الى البيعة

دعوتنا معهم فكان أمراً واحداً.

واقتنع الوليد بكلام الامام ولكن مروان بادر بالقول: إذا خرج الساعة ولم يبايع لم تقدر عليه ولكن احبسه حتى يبايع أو تضرب عنقه فقال الامام الحسين یابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو؟ كذبت وأثمت والتفت الامام الى الوالي قائلاً: أيها الأمير إنّا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله ربنا يختم ويزيد رجل شارب الخمور وقاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح و تصبحون و نظر و تنظرون أیُّنا أحق بالخلافة(1).

وارتفعت الأصوات بينهما فاقتحم القصر تسعة عشر رجلاً قد انتضوا

خناجرهم وخرج الامام الحسين(2).

وتوجه الامام الحسين إلى قبر جدّه رسول الله صلى الله عليه واله فسطع له نور من القبر فقال الامام الحسين: السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة سبطك الذي خلّفتني في أمّتك فاشهد عليهم يا نبي الله انهم خذلوني(3).

وفي الليلة الثانية جاء الامام إلى ضریح جدّه الحبيب وصلّي عند القبر وقال في زيارته: اللهم ان هذا قبر نبيك محمد وأنا ابن بنت نبيك وقد حضرني من الأمر

ص:68


1- مقتل الخوارزمي: 1/ 183.
2- جاء في بعض المقاتل ان الوليد (أمير المدينة) أرسل وراء الامام الحسين في أول الليل وكان الامام في المسجد فسأل أصحاب الإمام من أبي عبدالله سبب ذلك فقال: أظن ان الطاغية قد هلك وقد دعانا للبيعة فأدّی صلاته وانطلق إلى الوالي (انظر: الكامل لابن الأثير: 4/ 15).
3- نفس المهموم: 68، الأمالي للشيخ الصدوق: 130.

ما قد علمت .. اللهم اني أحب المعروف وأنكر المنكر وأسألك يا ذالجلال والاكرام بحق القبر ومن فيه إلا أخترت لي ما هو لك رضئ ولرسولك رضي ثم بکی الامام.

ولما كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر فغفا فرأى رسول الله وحوله الملائكة فضم الحسين إلى صدره وقبّل جبهته وقال: حبيبي يا حسين، كأنّي أراك عن قريب مرملاً بدمائك ذبيحاً بأرض كربلاء عطشان لا تسقی و ظمآن لا تروي حبيبي يا حسين أن أباك وأمك وأخاك قدموا عليّ وهم مشتاقون إليك، فبكى الحسين وطلب من جده أن يأخذه معه، فقال جده: ان لك درجة في الجنة مغشاة بنور الله لا تنالها إلّا بالشهادة(1).

وانتبه الامام الحسين من غفوته وقص رؤياه على أهل بيته فاشتدّ

حزنهم وكثر بكاؤهم.

واستعد الامام للرحيل عن المدينة(2) فذهب ليودع قبر والدته الزهراء ثم قبر أخيه الحسن في البقيع(3).

حضور محمد بن الحنفية

وعندما سمع محمد بن الحنفية بما جرئ جاء إلى أخيه وقال له: أنت أحب الناس إليّ وأعزّهم عليّ ثم أشار عليه بالذهاب إلى مكّة قائلاً: تنزل مكة فان اطمأنت بك الدار والّا لحقت بالرمال

(الصحاري) وشعب الجبال وخرجت من

ص:69


1- نفس المهموم: 68.
2- أمالي الشيخ الصدوق: 130.
3- بحار الأنوار: 44/ 329.

بلد إلى بلد.

فقال الامام الحسين: يا أخي لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما

بایعت یزید بن معاوية.

فبکی محمد وقطع كلامه بالبكاء.

وصية الامام الحسين

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن علي إلى أخيه محمد بن الحنفية ان الحسين يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأن محمّداً عبده ورسوله جاء بالحق من عنده وان الجنة حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور.

واني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاکمین.

وهذه وصيتي إليك يا أخي وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أنبيب.

ثم طوى الكتاب و ختمه وسلمه إلى أخيه محمد وفي منتصف الليل غادر الامام الحسين ومعه أهل بيته المدينة المنورة متجهاً إلى مكة المكرمة وذلك في 28 رجب سنة 60 ه- خائفاً يترقب(1).

ص:70


1- وكان خوف الامام الحسين لا حباً بالحياة وإنّما خشية من أن يقتل غيلة فيضيع دمه ولا يكون له ذلك الأثر العميق وقد قال تعالى «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)» يونس: الآية 62

وتلا الامام قوله تعالى في قصة سيدنا موسی بن عمران: «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»(1)(2).

الامام الحسين يودّع سبع شخصيات

1- لقاء الامام مع أم هاني.

وكبر خروجه الامام على الهاشميات فاجتمعن للنياحة فمشى اليهن الامام وطلب منهن السكوت وقال: انشدكن الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله.

فقلن له ولمن نستبقي النياحة والبكاء، فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله

وعلي وفاطمة والحسن(3).

وجاءت عمته أم هاني وكانت قد تقدمت في السن فتأثر الامام لمجيئها

وبكائها وغادرت المكان وهي تبكي(4).

2: مع السيّدة أم سلمة

وجاء الامام لتوديع السيّدة أم سلمه زوجة جدّه الأكرم فقالت له:

لا تحزنني بخروجك إلى العراق، فاني سمعت جدك رسول الله يقول: يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء وعندي تربتك في

ص:71


1- القصص: الآية 21.
2- الارشاد للمفيد: 2/ 35.
3- كامل الزيارات: 96.
4- معالي السبطين.

قارورة دفعها إلى جدك(1).

فقال الحسين: يا أمّاه وأنا أعلم اني مقتول ظلماً وعدواناً وقد شاء الله عزوجل أن يرى حرمي ورهطي مشردين وأطفالي أسارى مقيدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصر.

قالت زوج النبي: واعجباً فأني تذهب وأنت مقتول؟!

قال: يا أمّاه ان لم أذهب اليوم ذهبت غداً وإن لم أذهب في غد ذهبت بعد غد وما من الموت والله بد، واني لأعرف اليوم الذي اقتل فيه والساعة التي أقتل فيها والثري الذي أوارئ فيه كما اعرفك وانظر إلى التربة كما انظر اليك وان احببت يا أماه أن أريك مضجعي ومكان أصحابي فطلبت منه ذلك فأراها تربة أصحابه ثم أعطاها من تلك التربة وأمرها أن تحتفظ بها في قارورة فاذا رأتها تفور تیقنت قتله ولما سافر الامام الحسين وغادر المدينة كانت تنظر إلى القارورتين.

وكانت أم سلمة قد رأت رسول الله في المنام أشعث مغبراً وعلى رأسه التراب، فقالت: يا رسول الله مالي أراك أشعث مغبراً؟ قال: قتل ولدي الحسين ومازلت أحفر القبور له ولأصحابه.

فانتبهت فزعة ونظرت إلى القارورة التي فيها تراب أرض کربلاء فاذا به

یفور دماً(2) وكان النبي قد أعطاها قارورة فيها تراب من أرض كربلاء وأمرها أن تحتفظ به وزاد على ذلك سماعها في جوف الليل هاتفاً ينعى الحسين ويقول:

ص:72


1- بحار الأنوار: 44/ 331.
2- معالي السبطين: 1/ 133.

أيّها القاتلون جهلاً حسيناً *** ابشروا بالعذاب والتنكيل

قد لعنتم على لسان ابن داود *** وموسى وصاحب الانجيل

وسمع الناس بكاء السيدة أم سلمة فأخبرتهم أن ما في القارورتين يفور

دماً.

لقاء مع العبادلة

وهم عبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وعبدالله بن عباس وعبدالله بن

جعفر.

مع عبدالله بن عمر

عندما علم عبدالله بن عمر بن الخطاب عزم الامام الحسين على مغادرة

المدينة جاء إليه وطلب منه البقاء، فأبى الامام ذلك وقال له:

یا عبدالله ان من هوان الدنيا على الله ان رأس یحیی بن زکریا یهدئ إلى

بغي من بغايا بني إسرائيل، وأنّ رأسي يهدئ إلى بغي من بغايا بني أمية.

وعندما تأكّد لعبدالله بن عمر عزم الامام الحسين على السفر قال له: يا أبا عبدالله اكشف لي عن الموضع الذي كان النبي يقبّله، فكشف الامام عن سرّته فقبّلها ثلاثاً وبكى(1).

ص:73


1- بحار الأنوار: 44/ 313.

مع عبدالله بن عباس

وجاءه عبدالله بن عباس وطلب منه أن يقيم في مكّه قائلاً:

أقم في هذا البلد فانك سيد أهل الحجاز، فان أبيت إلّا أن تخرج فسر إلى اليمن فان بها حصوناً وشعاباً وهي أرض عريضة طويلة ولأبيك فيها شيعة.

فقال الامام الحسين: يابن العم اني والله لأعلم انك ناصح مشفق وقد

أزمعت على المسير.

ثم قال له: والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي(1).

مع عبدالله بن جعفر

كان عبدالله بن جعفر قد بعث إلى الأمام الحسين رسالة وطلب منه التريث في سفر ثم جاء بنفسه إلى مكّة وحاول اقناع الأمام بالعدول عن السفر فلم يقبل الامام وأخبره بأنه رأى في المنام رسول الله وان النبي أمره بأمر لابدّ من انقاذه، فسأله عبدالله بن جعفر عن الرؤيا فقال الامام: ما حدّثت بها أحداً وما أنا محدث بها حتى القى ربي عزوجل(2).

وعندما رأي عبدالله جعفر اصرار الامام على السفر أرسل معه ابنیه عون

ومحمد(3).

ص:74


1- تاريخ الطبري: 4/ 288.
2- المصدر نفسه: 4/ 291.
3- المصدر نفسه.

الامام الحسين يودع جابر بن عبدالله الأنصاري

ذكر العلّامة البحراني ان الامام الحسين لما عزم على السفر جاءه صاحب رسول الله جابر بن عبدالله الأنصاري وذكّره بأن أخاه الحسن قد صالح وأنه يمكنه الاقتداء بأخيه.

فقال الامام: ان أخي الحسن ما فعل ذلك إلّا بأمر الله ورسوله وأنا ما

افعل ذلك من نفسي وإنما ماض بما أمر الله ورسوله(1).

وداع الحسين في المدينة

كان الامام الحسين قد ودّع في المدينة سبع شخصيّات:

1- أمّ هاني. 2- أمّ سلمة. 3- عبدالله بن عمر. 4- عبدالله بن الزبير.

5- عبدالله بن عباس. 6- عبدالله بن جعفر. 7- جابر بن عبدالله الأنصاري.

وفي مكة كان الامام وداع آخر مع محمد بن الحنفية وعبدالله بن جعفر. سؤال وجواب ما حكم الذين لم ينصروا الامام ولم يرافقوه إلى كربلاء.

ومن جملة الذين لم باتوا معه إلى كربلاء: محمد بن الحنفية والعبادلة الذين

حاولوا صرف الامام عن السفر الى الكوفة وقد أجاب كلّا منهم بجواب.

فهل سيكون مصيرهم إلى النار؟

وهنا يطرح موضوع الاستماتة.

ص:75


1- الثاقب في المناقب: 322.

الاستماتة أو طلب الشهادة

سأل حمزة بن حمران الامام الصادق حول مسألة توجّه الامام الحسين إلى كربلاء وتخلف محمد بن الحنفية فأخبره الامام الصادق بأن الامام الحسين لما غادر مكة كتب إلى محمد بن الحنفية كتاباً جاء فيه:

من الحسين بن علي إلى بني هاشم؛ من لحق بنا استشهد ومن تخلف عنالم

يبلغ الفتح(1).

ان الجهاد ضدّ العدو يحتاج أحياناً إلى قوّة تمكن من الانتصار والتفوق وهذا ما يستلزم استعدادات في العدة وعديد القوات بحيث لا تكون نصف قوى العدو وفي هذه الحالة إذا ما أعلن النبي أو الامام المعصوم الجهاد فان الجهاد يكون واجباً على من تتحقّق فيه الشروط وربما يأتي الجهاد بصورة تضحوية وفدائية وخطوة من أجل الاستشهاد في سبيل الله تعالى وتكون لهذه الخطوة آثار معنوية وروحية كما حصل في حرب مؤتة ضد الروم حيث استشهد جعفر الطيار ورفاقه في الجهاد ففي هذه الحالة لا يوجد بُعد اجتماعي وهو تكليف فردي وتطوعي حيث كل فرد يمكنه أن يفعل ذلك أن جهاد الامام الحسين جهاد استماتة وطلب للشهادة ولهؤلاء الذين يفدون أنفسهم في سبيل الله درجة رفيعة غير انه ليس على المتخلفين عنهم أثم.

ومن هنا فان رسالة الامام الحسين هي بهذا المضمون فهي تشير إلى ان الشهادة هي مصير كل من يلتحق بموكب الحسين وقافلته، وان الذين يلتحقوا بهذه القافلة لن يبلغوا الفتح والنصر الحقيقي وهذا الأمر يشمل الذين تركوا الحسين في

ص:76


1- نفس المهموم: 149.

کربلاء وغادروا أرض المعركة الّا ان صوت استغاثة الامام لم يصل آذانهم.

وقد ذكر المؤرخون أسماء أربعة نفر جاءوا لنصرة الامام في كربلاء ونجوا

من القتل:

1- غلام عبدالرحمن بن عبد ربه الأنصاري.

2- موقع بن ثمامة.

3- عقبة بن سمعان.

4- الضحاك بن عبدالله المشرقي.

وقد نقل عن ابن ثمامة قوله انه كان في معسكر الامام الحسين لما رشقوا جيش عمر بن سعد بالنبال فرآه بعض أقاربه وحصلوا له على أمان وان أقاربه أخذوه معهم ثم تعرض للنفي فيما بعد.

وأما ما يخص عقبة بن سمعان أنه ذكر بأن أخذ الى عمر بن سعد فقال لعمر: اني مملوك وليس في يدي حيلة فأطلقه عمر بن سعد وأما الضحاك بن عبدالله المشرقي ومالك بن النضير فقد جاءا إلى الامام الحسين وقالا له: ان القوم يريدون قتلك فقال: «حسبي الله ونعم الوكيل».

ونقل عن الضحاك قوله أن ظل مع الإمام حتى ظهيرة عاشوراء غير ان مالكاً كان قد غادر قبله وكانت للضحاك نية في مغادرة أرض المعركة ولهذا قال له الامام: ان كنت تريد الانصراف فافعل.

يقول الضحاك: لما رأيت خيل أصحابنا تعقر أقبلت بفرسي وأدخلتها

فسطاطاً لأصحابنا(1).

وكان الضحاك قد أخبر الامام الحسين أنه سيبقى معه إلى أن يبقى وحيداً

ولهذا فانه بعد استشهاد أبي الفضل أخرج فرسه من الفسطاط وهجم على الجيش

ص:77


1- معالي السبطين: 1/ 134.

الأموي فافرجوا له ونجا من العدو.

قافلة الامام الحسين حين مغادرة المدينة

تحركت قافلة الامام الحسين بعد أن ودع الامام قبر جده المصطفی صلى الله عليه واله في 28 رجب سنة 60 ھ وكان مقصد القافلة مدينة مكة المكرمة حيث وصلت مكة في يوم الجمعة الثالث من شعبان.

وتتألف القافلة من 222 فرد حيث اشتملت على أخوة الامام وبني عمومته وأبنائه وأبناء أخيه الحسن ونسائه وبنات أميرالمؤمنين علي وأزواجه وجواريه وغلمانه وعدد من الأطفال سنذكر أسماءهم(1).

وفي القافلة 250 من الخيل 250 من الابل 70 منها لحمل الخيام و 40 لحمل وسائل الطبخ والطعام وثلاثين لحمل الماء و 12 لحمل الأموال والثياب والعطور و 50 محملاً وهودجاً للنساء والأطفال والخدم وسائر الابل الأخرى لحمل الأشياء الثقيلة.

ولما استعدت القافلة للانطلاق ودع الامام قبر جده النبي صلى الله عليه واله وأخيه

الحسن وقبر جدّته فاطمة بنت أسد.

وكان الامام الحسين قد أخذ معه المرتجز وهو من جياد (من نسله) خیل رسول الله ومعه سيف النبي «البتار» ودرعه «ذات الفضول» وكذا عمامة النبي «السحاب»(2). ص:78


1- معالي السبطين: 1/ 134.
2- المصدر نفسه

ونقل الدربندي ان عدد المحامل كان أربعين محملاً وأن أبا الفضل العباس ساعد أخته العقيلة زينب في ركوب محملها وكذا أم كلثوم مع طفليها.

ثمانية من نساء اميرالمؤمنين شهدن کربلاء

1- الصهباء الثعلبية مع ابنتها عاتكة ورقية الكبرى زوجة مسلم بن عقیل

وابناها محمد وعبدالله وكلاهما استشهدا في كربلاء.

2- أم مسعود ابنة عروة الثقفي وابنتها رملة.

3- لیلی ابنة مسعود الدارمية مع ولديها عبدالله ومحمد الأصغر(1).

4- أم زينب الصغرى مع ابنتها زينب.

5- أم خديجة مع ابنتها خديجة.

6- أم رقية مع ابنتها.

7- أم فاطمة مع ابنتها فاطمة.

8- أمامة(2).

أخوات الامام الحسين اللاتي شهدن کربلاء

1- زينب الكبرئ شقيقة الامام الحسين وأمّها فاطمة.

ص:79


1- (1) وللامام علي ثلاثة أولاد يحملون اسم «محمد» وهم: 1-محمد بن الحنفية وهو الأكبر. 2- محمد الأصغر وأمه ليلئ وقد استشهد في كربلاء وقد ورد اسمه وذكره في زیارة الناحية المقدسة. 3- محمد الأوسط وأمه امامة [فرسان الهيجاء:2/ 56].
2- معالي السبطين:2/ 136.

2- زینب الصغری و تکنی ب-«أم كلثوم»(1).

3- خديجة زوجة عبدالرحمن بن عقيل مع ولديها وقد استشهدا من شدّة العطش.

4- رقية الكبرى زوجة مسلم بن عقيل مع ثلاثة من أولادها حيث استشهد محمد وعبدالله وكانت عاتكة ابنتها تبلغ من العمر 7 سنوات داستها الخيل بعد هجوم العدو على مخيم الامام واضرام النار فيه.

5- أم هاني زوجة عبدالله الأكبر (ابن عقيل بن أبي طالب).

6- رملة الكبرى زوجة عبدالرحمن الأوسط بن عقيل.

7-رملة الكبرى زوجة عبد الرحمن الأوسط بن عقيل.

8- فاطمة الصغرى زوجة أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب(2).

وكانت قد جاءت مع ولدها محمد وعمر 7 سنوات فلما هوى الامام على الأرض صريعة وسمع النساء يندبن أخذ عموداً من بعض الخيام وانطلق نحو الامام وهو يتلفت يميناً وشمالاً وأمه تنظر إليه وهي مدهوشة فوضع رجل من الجيش سهماً في قوسه ورم الصبي الذي هو شهيداً فوق الرمال.

9- خديجة الصغرى زوجة عبدالله الأوسط ابن عقیل.

10- أم سلمة. 11

11- ميمونة.

12- جمانة(3).

ص:80


1- زينب الكبرى وهي تکنّي ب- أم كلثوم».
2- وأبو طالب هذا هو غير أبي طالب.
3- معالي السبطين: 2/ 135.

بنات الامام الحسين

1- فاطمة زوجة الحسن المثنى وقد ألقت خطاباً في الكوفة.

2- سكينة التي قال عنها الامام الحسين ان الاستغراق في الله غالب

عليها(1).

3- رقية وكان لها من العمر ثلاث أو أربع سنوات(2).

نساء الامام الحسين في كربلاء

1- الرباب أم سكينة وعلي الأصغر.

2- أم اسحاق والدة عبدالله الرفيع الذي استشهد في ظهيرة عاشوراء(3).

3- عاتكة ابنة زيد بن عمر بن نفيل القرشي(4).

4- لیلی(5).

وقيل ان خمس من نساء الحسن حضرن کربلاء اضافة إلى نساء

الأصحاب(6).

ص:81


1- اسعاف الراغبين: 202.
2- اجساد جاویدان (الأجساد الخالدة): 59.
3- فرسان الهيجاء: 1/ 243.
4- اعلام النساء: 3/ 206.
5- تؤكد الدراسات التاريخيّة أن والدة السجاد السيّدة شهربانو لم تكن حاضرة في کربلاء وانها توفيت بعد میلاد السجاد بأيام الّا أن ليلى أم علي الأكبر شهدت کربلاء، وقد قام باثبات الموضوع سماحة العلاّمة المرحوم مرتضى البرقعي وأورد 25 دليلاً على ذلك (انظر: سحاب الرحمة: 479).
6- وقد أورد اسماءهم التفصيل المرحوم المازندراني في كتابه معالی السبطين: 2/ 136 - 138.

تسع جواری شهدن کربلاء

وأربع منهن مع زينب العقيلة وهن:

1- فضة وقد وهبها النبي لابنته فاطمة وكانت تعيش مع أهل البيت وان سورة الدهر أو الانسان تشمل فضة أيضاً في قصة صوم النذر المشهورة ولها منزلة رفيعة(1).

2- قفيرة: ويقال لها مليكة أيضاً وكان النجاشي امبراطور الحبشة قد أهداها إلى جعفر الطيار ووهبها جعفر لأخيه علي ثم انتقلت إلى بيت زينب العقيلة حيث جاءت إلى كربلاء في رفقة السيدة زينب.

3- روضة وكانت جارية النبي وقد ورد ذكرها في تفسير قوله تعالى:

«لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا»(2).

وذلك أن رجلاً أراد أن يدخل على النبي فاستأذن قائلاً ألج؟!

وهذه المفردة لها معنى آخر لا يليق بهذا المقام فقال النبي لجاريته روضة علميه كيف يستأذن، فأخبرته ان الاستئذان هكذا: السلام عليكم أأدخل؟ ففعل الرجل ذلك(3).

وبعد رحيل النبي انتقلت روضة إلى منزل فاطمة وبعد رحيل السيدة

الزهراء انتقلت إلى منزل زينب العقيلة وجاء معها إلى كربلاء.

4- أم رافع واسمها سلمى وكانت زوجة غلام النبي هرمز المعروف

ص:82


1- ریاحین الشريعة: 2/ 312 - 326.
2- سورة النور: الآية 27.
3- تفسير الطبري: 18/ 73.

ب-«أبي رافع» وكانت تخدم في بيت النبي ثم انتقلت إلى منزلها بعد رحيل النبي وبعد رحيل الزهراء انتقلت إلى منزل الامام الحسن وبعد ذلك انتقلت إلى منزل السيّدة زينب حيث رافقتها إلى كربلاء.

أما الجواري فهن كما يلي:

1- ميمونة أم عبدالله بن يقطر مربية الحسين بعد رحيل والدته السيّدة الزهراء وكانت في قافلة الامام الحسين مع ابنها عبدالله بن يقطر وقد بعثه الامام الحسين يحمل رسالته بعد أن تسلّم الامام رسالة سفيره مسلم حول استكمال الاستعدادات في الكوفة للثورة وقد أبدى عبدالله بن يقطر شجاعة فريدة بعد أن ألقي القبض عليه وقام باتلاف الرسالة ولكنه ومن على المنبر تمكن أن يبلغ أهل الكوفة بالخبر الهام منها بشكل شفهي.

2- الفاكهة وزوجها عبدالله بن اریقط الدؤلي ولها ولد يدعی قارب ورد

ذكره في زيارة الناحية المقدسة وكان قارب مع والدته في القافلة(1).

3- حسنية وهي زوجة سهم ولها ولد اسمه منجح ورد ذكره في زیارة الناحية وقد كانت مع ابنها في قافلة الامام الحسين وكانت في خدمة الامام زین العابدین(2).

4- كبشة: جارية الامام الحسين وكانت في القافلة وكان الامام

اشتراها بألف درهم لتخدم زوجته أم اسحاق(3).

ص:83


1- فرسان الهيجاء:1/ 258.
2- المصدر نفسه:2/ 25.
3- المصدر نفسه: 123.

وأم اسحاق هي ابنة طلحة بن عبيد الله وقد انجبت طلحة سليمان بن ابي رزین وقد ورد ذكره في زيارة الناحية وسلمان هو الذي حمل رسالة الامام الحسين الى البصرة واستشهد هناك(1).

5- مليكة زوجة عقبة بن سمعان وكانت تخدم في منزل الامام الحسن ثم انتقلت إلى منزل الامام الحسين ثم إلى منزل زينب وقد جاءت مع زوجها إلى كربلاء في قافلة الامام الحسين وكانت مليكة في خدمة زوجة الامام الحسين(2) الرباب وقد أُسر زوجها عقبة الذي دافع عن نفسه بانه مملوك لا يملك من نفسه شيئاً فأطلقه عمر بن سعد(3).

الامام الحسين يبعث ابن عمه مسلم بن عقیل سفيراً إلى الكوفة

عندما وصل الامام الحسين إلى مكة بعث بخمس رسائل ذات مضمون

واحد إلى خمسة زعماء في البصرة.

وكانت رسائل الاستغاثة تتدفق نحو الامام الحسين حتى انه في يوم فقط وصلت ستمائة(4) رسالة وقد وصل عدد رسائل أهل الكوفة إلى اثني عشر ألف رسالة(5).

ص:84


1- وكانت أم اسحاق زوجة الامام الحسن المجتبى ثم تزوجها الامام الحسين بعد رحيل أخيه تنفيذاً لوصيّة أخيه فولدت له رقية (ریاحین الشريعة 4/ 359).
2- فرسان الهيجاء: 1/ 161.
3- المصدر نفسه: 265.
4- مقتل المقرم: 144.
5- مثیر الاحزان: 27.

وكانت آخر رسائل الكوفة قد جاء بها كلا من هاني بن هاني السبيعي

وسعيد بن عبدالله الحنفي(1).

وبناء على هذا فقد كتب الامام رسالة جوابية هذا نصّها:

«بسم الله الرحمن الرحيم: من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين و المسلمين.

أما بعد

فان هانئاً وسعيداً قدما علىَّ بكتبكم وكانا آخر من قدّم على من رسلكم، وقد فهمت كل الذي قصصتم وذكرتم ومقالة جلكم انه ليس علينا امام فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الهدى والحق وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمرکم ورأيكم، فان كتب انه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله.

فلعمري ما الأمام إلا العامل بالكتاب والأخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس

نفسه على ذات الله والسلام»(2).

ثمّ سلّم الرسالة إلى مسلم بن عقیل وقال له:

«إني موجهك إلى أهل الكوفة وسيقضي الله من أمرك ما يحب ويرضى وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء، فامض ببركة الله وعونه، فاذا دخلتها (الكوفة)

ص:85


1- الارشاد للمفيد: 2/ 40.
2- اللهوف: 52.

فانزل عند أوثق أهلها»(1).

وأرسل الامام مع مسلم، قيس بن مسهر الصيداوي وعمار بن عبدالله السلولي وعبدالرحمن بن عبدالله الأزدي وأمر بتقوى الله.

وغادر مسلم مكة المكرمة في الخامس عشر من رمضان المبارك وكان قد

استأجر دليلين.

وذات ليلة ضلَّ الدليلان الطرق فأصبحوا تائهين لا يدرون أين الطريق.

وأثر فيهما الظمأ وأصبح الدليلان عاجزين عن مواصلة السير بعد أن وضحت لهما العلامات المفضية للطريق لهذا طلبا من مسلم ورفيقه أن يسلك تلك الجهة لعلهم ينجون و تمکن مسلم وبعد معاناة شاقة من الوصول إلى الطريق ثم إلى مكان فيه ماء فقرر التوقّف في ذلك المكان وكتب رسالة إلى الأمام الحسين يخبره بوفاة الدليلين عطشاً وانه ينتظر أوامر الامام وحمل الرسالة رجل من أهل تلك المنطقة، ولما اطلع الامام على مضمون الرسالة بعث له الجواب الذي يؤكد فيه الامام على المضي بأسرع ما يمكن.

ونفذ مسلم أمر الامام فسار على الفور حيث وصل الكوفة في الخامس من شوال فنزل في دار المختار بن أبي عبيد الثقفي وكان المختار شريفاً في قومه کریماً عالي الهمة شديداً على أعداء أهل البيت وعندما انتشر خبر قدوم مسلم إلى الكوفة وحلوله ضيفاً في منزل المختار بدأت وفود الشيعة بالتدفق إلى منزل المختار للبيعة وإظهار الولاء وقد بلغ الذين بايعوه 18000 رجل(2).

ص:86


1- الارشاد للمفيد: 2/ 39.
2- الارشاد للمفيد: 12/ 4.

ولذا كتب مسلم رسالة إلى الامام الحسين جاء فيها: «الرائد لا يكذب أهله وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً فعجّل الاقبال حين تأتيك كتابي»(1).

ووصلت التقارير إلى يزيد بن معاوية حول ما يجري في الكوفة فاستشار سرجون النصراني(2) وكان يزيد يثق به ويعتمد عليه فأشار سرجون بتعيين عبیدالله بن زیاد حاكم البصرة والياً على الكوفة أيضاً فقام یزید باقصاء النعمان بن بشير الانصاري عن حكومة الكوفة بسبب ضعف ادارته(3) يعني عدم اتخاذه وسائل دموية في الحكم.

شخصية مسلم بن عقیل

في احدى المناسبات سأل الامام علي النبي: أتحب عقيلاً؟ قال: بلى لأمرين: لحب أبي طالب له، ولأن مسلماً ابنه سيقتل في حبه للحسين وسيبكيه المؤمنون ويسلّم عليه الملائكة المقرّبون.

ثمّ بكى النبي وقال: أشكو إلى الله ما يحل بأهل بيتي من البلاء(4).

وقد تربئ مسلم بن عقيل في ظلال عمه علي وقد حاز ثقة ابن عمّه

ص:87


1- مقتل المقرم: 148.
2- هو سرجون بن منصور أحد نصارئ الشام وقد كان مستشاراً لمعاوية وكان أبوه منصور من رجال الدولة لدى هرقل امبراطور الروم قبل فتح الشام (الاسلام والحضارة العربية 2/ 158).
3- نفس المهموم: 79.
4- أمالي الشيخ الصدوق: 111.

الحسين حتى انّه كتب إلى أهل الكوفة لما أرسله سفيراً:

«قد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي»(1).

وهذه الكلمات تكشف عمّا وصل إليه مسلم من الدرجات الرفيعة التي

تكاد تلامس العصمة(2).

ومن الشواهد التي تؤكّد علو منزلته ما أشار إليه النبي وحديثه عن

مسلم قبل ولادته:

1- ان البكاء عليه من لوازم الايمان.

2- ان المؤمنين والملائكة المقربين يبكون عليه.

وشأنه لدى الامام الحسين شأن أبي الفضل العباس وعلي الأكبر

والقاسم وله زيارة تشبه زیارة أبي الفضل العباس(3).

وقد أقرّ بشجاعته العدو ومجّدها الصديق كما ان قيامه بقيادة عمل منظم ضد الحكم الأموي وتجنيد ثمانية عشر ألف رجل وقيادته حركة مسلحة بهذا الحجم يعبّر عن قدراته القياديّة والاداريّة.

وبسبب الاجراءات التعسفيّة لعبيد الله بن زیاد و ممارسته أساليب الترغيب والارهاب واعتقاله لبعض الشخصيات وفي طليعتها هاني بن عروة اضطر مسلم إلى اعلان الثورة وذلك في الثامن من ذي الحجة الحرام وهو يوم التروية وذلك

ص:88


1- الارشاد للمفيد: 2/ 39.
2- نظراً إلى ان مسلم بن عقیل قد حظى بثقة الامام الحسين التامّة وكان سفيراً للامام ونائباً خاصّاً فانّه قد وصل إلى مستوى العصمة أو قريباً من ذلك (حياة كريمة أهل البيت: 34).
3- المزار الكبير: 53.

على خلفية اعتقال هاني وانتشار الشائعات حول قتله.

وتمكن مسلم ومعه الجموع المسلحة من محاصرة قصر الامارة وقد كان عبیدالله بن زیاد على اطلاع على الوضع السياسي في الكوفة ووجود شخصیات قبلية عديدة معادية لأهل البيت ولذا ما إن اطلقت شائعة قدوم جيش جرّار من الشام وقد فعلت هذه الشائعات فعلها وسرعان ما تفرّقت تلك الحشود حتی ان المرأة كانت تأتي فتأخذ ابنها أو زوجها وهي تخوفه وتحذره من التدخل في هذه الفتنة وحتى ان الرجل يأتي إلى ابنه وأخيه وابن عمه ويأخذه.

فصلی مسلم بن عقيل في المسجد ومعه ثلاثون رجلاً فقط ثم اتجه إلى محلّة كندة فبقي معه ثلاثة رجال ثم سرعان ما اختفى هؤلاء واذا به يظل وحيداً لا يوجد معه من يدله الطريق فنزل عن فرسه و مضئ يسير لا يعرف إلى أين يتّجه(1).

وقادته قدماه إلى محلّة تدعى «بني جبلة» ووقف عند باب مفتوح وامرأة واقفة تنتظر عود ابنها، فسلّم عليها وطلب منها قليلاً من الماء، كان اسم المرأة «طوعة» ولما شرب مسلم الماء ظل واقفاً فقالت المرأة: يا عبدالله! ألا تنصرف؟

فسکت مسلم ولم يجب فكررت المرأة قولها: ألا تنصرف؟

وفي الثالثة قالت: انصرف إلى منزلك فأني لا أجيز لك الوقوف هنا.

فقال مسلم: يا أمة الله لا بيت لي في الكوفة وأنا رجل غريب.

قالت: من أنت؟

قال: انا مسلم بن عقيل أنا من أهل بيت الشفاعة يوم الحساب ولقد بايعني

أهل الكوفة ثم غدروا بي وتركوني وحيداً.

ص:89


1- تاریخ الطبری: 4/ 277.

فما كان من هذه المرأة الّا أن أضافته في احدى غرف المنزل.

وعرضت المرأة عليه الطعام فأبى وانصرف إلى الصلاة والعبادة وجاء ابنها بلال فلما رأى أمه تكثر من الدخول والخروج في تلك الغرفة استغرب ذلك وسألها عن ذلك فلم تقل له شيئاً ولما ألحّ عليها طلبت منه أن يحلف بالله على كتمان الأمر فحلف بلال فأخبرته أن مسلم بن عقيل قد لجأ إلى منزلها(1).

وعندما طلع الفجر تسلل بلال وأخبر عبیدالله بن زیاد بمكان اختفاء مسلم.

أما المرأة طوعة فانها أخذت ماءً إلى مسلم ليتوضأ به فقال لها مسلم إني غفوت ورأيت عمّي أمير المؤمنين يقول لي: العجل! العجل! فعرفت أن أجلي قد حان(2).

وتوضأ مسلم فصلى صلاة الفجر ثم استغرق في دعائه بعد الصلاة وفيما هو مشغول في ذلك تناهى إلى سمعه وقع حوافر الخيل لأن عبیدالله أمر محمد بن الأشعث بالهجوم على بيت طوعة(3).

وعجّل مسلم في دعائه ثم نهض فلبس لامة حربه وقال لطوعة: قد أدّيت ما عليك من البر وأخذت نصيبك من شفاعة رسول الله ولقد رأيت عمّي أمير المؤمنين في المنام وهو يقول لي: أنت معي غداً(4).

وخرج مسلم مصلتاً سيفه لمواجهة ثلاثمئة مقاتل جاءوا لقتله وكان

ص:90


1- الارشاد للمفيد: 2/ 55.
2- مبعوث الحسين: 200.
3- مناقب ابن شهرآشوب: 4/ 101.
4- تاريخ الطبري: 4/ 279.

عشرات منهم قد اقتحموا عليه الدار فأخرجهم(1) ثم عادوا فاقتحموه فاخرجهم وهو يقول بحماس الأبطال:

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع *** فأنت بكأس الموت لا شك جارع

فصبراً لأمر الله جلّ جلاله *** فحكم قضاء الله في الخلق ذائع

وتمكن مسلم من قتل أكثر من أربعين منهم وبلغ من قوّته انه كان يأخذ

الرجل بيده ويرمي به من فوق البيت(2).

وأرسل ابن الأشعث إلى ابن زیاد يستمده الرجال، فبعث إليه يلومه انه كيف يطلب تعزيزات لقتال رجل واحد؟ فأرسل إليه ابن الأشعث من يقول له: أتظن أنك أرسلتني إلى بقال من بقالي الكوفة أو جرمقاني من جرامقة الحيرة؟ وإنّما أرسلتني إلى سيف من أسیاف محمد بن عبدالله.

فأرسل إليه ابن زیاد قوات أخرئ واشتدّ القتال وتسلّق بعضهم الى سطح المنازل وراحوا يمطرونه بالحجارة ويلهبون بالنار حزماً من القصب ثم يلقونها عليه وهنا نقل مسلم المعركة الى الشارع وراح يهاجم بقوة وهو يهتف:

أقسمت لا أقتل إلا حرّا *** وإن رأيت الموت شيئا نكرا

كل امرئ يوماً ملاق شرا *** ويخلط البارد سخناً مرّا

رد شعاع الشمس فاستقرا *** اخاف أن أكذب أو اغرا(3)

فناداه ابن الأشعث: لا تقتل نفسك وأنت في ذمّتي.

ص:91


1- منتخب الطريحي: 2/ 426.
2- مقتل المقرّم: 159.
3- بحار الأنوار: 24/ 354.

وصاح به مسلم: أأوسر وبي طاقة؟ لا والله لا يكون ذلك أبداً(1).

وهجم علی ابن الأشعث فهرب منه وهجموا عليه من كل جانب وقد اشتدّ به العطش وطعنه رجل من الخلف فسقط على الأرض وانتزعوا سيفه فدمعت عيناه(2).

وقيل انهم حفروا له حفيرة وستروها بجريد النخل والتراب ثم هجموا عليه فلما صدّهم وهجم عليهم هربوا منه وجعلوا طريقهم على الحفيرة فلم يلتفت إلى الخدعة وسقط في الحفيرة وأخذوه أسيراً(3).

وراح مسلم يسترجع ويقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون وذرفت عيناه بالدموع

فتعجب عمرو بن عبیدالله السلمي من بكائه(4).

وجيء بمسلم إلى قصر عبیدالله بن زیاد فرأى على باب القصر قلة ماء فقال: اسقوني من هذا الماء فقال له مسلم بن عمرو الباهلي لا تذوق منه قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنم(5).

فقال مسلم: من أنت؟

قال الباهلي: أنا من عرف الحق إذ جهلته وأنكرته ونصح لامامه إذ غششته.

فقال مسلم بن عقيل: لأمك الثكل ما أقساك وأفظك أنت ابن باهلة أولى

بالحميم.

ص:92


1- الكامل: 4/ 23.
2- منتخب الطريحي: 2/ 427.
3- نفس المهموم: 1037.
4- الكامل: 4/ 33.
5- الكامل: 34.

وجلس مسلم و تساند إلى جدار القصر.

وفي رواية الشيخ المفيد ان عمرو بن حريث أرسل غلامه فأتاه بالماء ولمّا أراد مسلم أن يشرب امتلأ القدح دماً ثم فعل ذلك مرّة أخرى فامتلأ دماً و في المرّة الثالثة سقطت فيه ثناياه فلم يشرب بالرغم من عطشه الشديد وقال: لو كان من الرزق المقسوم لشربته(1).

ثم أدخل مسلم إلى القصر فلم يسلّم على عبيد الله بن زیاد.

فقال الحرسي: ألا تسلّم على الأمير؟

قال مسلم: انه ليس لي بأمير.

قال عبيد الله: سلّمت أو لم تسلّم فانّك مقتول.

ردّ مسلم بشجاعة: إن قتلتني فلقد قتل من هو شرّ منك من هو خير مني وبعد فانك لا تدع سوء القتلة ولا قبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لأحد أولى بها منك(2).

فقال ابن زیاد: لقد خرجت على امامك وشققت عصا المسلمين والقحت

الفتنة.

فردّ مسلم قائلاً: كذبت انما شق العصا معاوية وابنه يزيد(3) والفتنة ألقحها

أبوك وأنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يد شرّ خلقه(4).

وطلب مسلم من عبيدالله أن يوصي فهزّ رأسه موافقاً والتفت مسلم إلى

ص:93


1- الارشاد للمفيد: 2/ 61.
2- مقتل المقرم: 161.
3- الارشاد للمفيد: 2/ 62.
4- مقتل الخوارزمي: 1/ 211.

الحاضرين فرأى عمر بن سعد فقال له: ان بيني وبينك قرابة ولي إليك حاجة وهي سرّ.

ورفض عمر بن سعد أن يستمع إلى مسلم فقال ابن زیاد له: لا تمتنع أن تنظر

في حاجة ابن عمّك.

ونهض عمر بن سعد وأخذه مسلم إلى زاوية في القصر لا يسمع أحد كلامه ووصيته فأوصاه بأن يبيع سيفه ودرعه ويقضي ما عليه من الدين لأنه كان قد استدان منذ جاء إلى الكوفة ستمائة درهم، كما طلب منه أن يستوهب جثمانه من ابن زیاد ويقوم بدفنه وان يكتب إلى الامام الحسين يطلعه على ما جرى.

ولكن عمر لم يكتم ما أوصاه به مسلم بل اخبر بن زیاد بكلّ شيء فقال

عبیدالله: لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن(1).

والتقت عبیدالله بن زياد الى مسلم وقال: ايهاً يابن عقيل، أتيت إلى الكوفة

والناس جمع ففرقتهم.

قال مسلم: كلا لم آت لذلك! ولكن أهل الكوفة زعموا أن أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم وعمل فيهم أعمال کسرى وقيصر فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعوا إلى حكم القرآن(2).

قال ابن زیاد: ما أنت وذاك أو لم نكن نحكم بالعدل؟

قال مسلم: إن الله يعلم أنك غير صادق وانك لتقتل الانسان بسبب الغضب

والعداوة وسوء الظن.

ص:94


1- تاريخ الطبري: 4/ 282.
2- الكامل: 4/ 35.

أصبح ابن زیاد عصبياً وراح يشتم علياً وعقيلاً والحسن والحسين صلوات

الله عليهم.

فقال مسلم: أنت وأبوك أحق بالشم یا عدو الله!

وأمر عبيدالله رجلاً من أهل الشام كان قد شارك في قتال مسلم وجرح أن يأخذ مسلم إلى أعلى القصر وأن يضرب عنقه بالسيف ويلقى جسده ورأسه إلى الأرض.

وعندما أخذ مسلم إلى السطح القصر كان يهلّل ويكبّر ويسبّح الله عزّوجل أي كان يذكر الله سبحانه قائلاً: سبحان الله لا إله إلّا الله والله أكبر وكان القصر يشرف على دكاكين الحذائين.

ثم قال: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا وكذبونا ثم اتّجه نحو

الجنوب ونادى: السلام عليك يا أبا عبدالله.

وقام الرجل الشامي يضرب عنقه وألقى برأسه وجسده من فوق القصر إلى

الأرض وركض من السطح مذعورة على وجهه آثار الرعب !!

فقال له ابن زیاد: ما شأنك يا هذا؟

فقال الرجل: لما قتلته رأيت رجلاً أسود سيّئ الوجه إلى جانبي عاضّاً على

اصبعه(1) ففزعت منه.

فقال ابن زیاد: لعلّ ذلك من الدهشة والخوف.

ويرى المؤلف ان ما حصل كما جاء في الارشاد بأن جسد مسلم قد القي

ص:95


1- بحار الأنوار: 44/ 357.

من فوق قصر الامارة(1) وجاء في موضع آخر بأن رأس مسلم ورأس هاني أرسلا إلى دمشق(2) وسحل جسداهما في الأزقة والأسواق إلى منطقة تدعى الكناسة قريباً من مسجد الكوفة حيث ترکا هناك(3).

ولما حلّ المساء جاءت زوجة ميثم التمار تحت جنح الظلام وقامت

بدفنهما في زاوية من زوايا المسجد.

هاني بن عروة

كان هاني بن عروة من أشراف الكوفة ومن زعماء الشيعة(4) وكان شيخ قبيلة بني مراد وكان إذا ركب فرسه ركب معه أربعة آلاف فارس دارع(5) وثمانية آلاف راجل(6).

وجاء في بعض الأخبار والروايات انه أدرك النبي وكان بعد من

صحابته.

شارك في حرب الجمل إلى جانب علي أمير المؤمنين.

ولما سمع الامام الحسين نبأ استشهاده ترحم عليه كثيراً وسأل الله ان

يحشرهما (مسلم وهاني) في قرار رحمته.

ص:96


1- مثير الأحزان: 37.
2- الارشاد للمفيد: 2/ 65.
3- نفس المهموم: 108.
4- نفس المهموم: 108.
5- حبیب السير: 2/ 45.
6- المراد هو 12000 من أشياعه (مروج الذهب: 3/ 59).

وكان هاني لما استشهد له من العمر 89 سنة.

وان ما يبرز شهامته وشجاعته انه قام بابواء مسلم في منزله في أشدّ

الظروف حساسيّة وحراجة.

ولما تمكن أحد جواسيس ابن زیاد من النفوذ إلى داخل الشيعة بحجة انه يحمل حقوقاً شرعية يريد أن يسلمها إلى مسلم والح في ذلك كثيراً أخبره هاني انه في بيته.

فأمر ابن زیاد باستدعاء هاني بن عروة إلى القصر وطلب منه تسلیم مسلم

بن عقیل: أتيت بابن عقيل إلى دارك وجمعت له السلاح.

وأنكر هاني أن يكون مسلم في بيته وأصرّ عبیدالله على أن يسلّمه مسلم بن عقيل ثم استدعى الجاسوس واسمه «معقل» وهنا أدرك هاني كلّ شيء فالتفت إلى عبيدالله بن زياد وعرض عليه مغادرة الكوفة مع أسرته إلى الشام سالمين: هل لك في خير تمضي أنت وأهل بيتك إلى الشام سالمين بأموالكم فانه جاء من هو أحق بالأمر منك ومن صاحبك (یزید)(1).

فقال ابن زیاد: وتحت الرغوة اللبن الصريح.

ثم صاح بأعلى صوته: والله لا تفارقني حتى تأتيني به.

فقال هاني بصلابة الجبل: والله لو كانت تحت قدمي ما رفعتها عنه!

وهدّد ابن زیاد هاني بالقتل فقال هاني:

اذن تكثر البارقة حولك (سيوف قبيلته).

فأمسك ابن زیاد بشعره وضرب وجهه بالسيف وكسر أنفه وجرح هاني في

ص:97


1- بحار الانوار: 44/ 347.

خدّه وجبينه وأمر بسجنه(1).

وبلغ عمرو بن الحجاج ان هاني قد قتل وكانت زوجة هاني (أم يحيى) أخت عمرو بن الحجاج فركب فرسه ومعه رجال قبيلته وطوقوا القصر وسمع ابن زیاد ضجتهم فطلب من شريح القاضي أن يتأكّد من وجود هاني حياً ثم يخبر قبيلته بحياته.

قال شريح فيما بعد: ان هاني لما رآني صاح بصوت رفيع: يا للمسلمين إن

دخل عليّ عشرة انقذوني.

ولكن شريح خاف من الشرطي الذي كان يرافقه يقول: فلو لم يكن معي حميد بن أبي بكر الأحمري وهو شرطي لأبلغت مقالته إلى أصحابه ولكن قلت لهم: انه حي.

فحمد عمرو بن الحجاج الله وأمر بفك الحصار وانصرفوا وهكذا بقي هاني

بن عروة في السجن إلى أن استشهد مسلم بن عقيل(2).

وبعد مصرع مسلم أمر ابن زیاد بقتل هاني أمام الناس في السوق.

فأخرجه الجلادون إلى مكان في السوق لبيع الأغنام وكان هاني مكتوف الأيدي فراح يصيح: وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم.. وامذحجاه وأين مني مذحج ولكن أحداً لم يهبّ لنصرته فانتزع يده من الكتاف وصاح: أما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يدافع به رجل عن نفسه ولكن الحرس هجموا عليه وأوثقوه کتافاً مرة أخرى.

ص:98


1- الكامل: 4/ 30.
2- تاريخ الطبري: 4/ 284.

وصاح أحدهم: مدّ عنقك.

فقال هاني: ما أنا بها بسخي وما أنا بمعينكم على نفسي.

وهنا ضربه أحدهم بالسيف فصاح هاني: إلى الله المعاد اللهم إلى رحمتك

ورضوانك.

ثم ضربه ضربة أخرى وهوئ هاني شهيداً واحتزّ القاتل رأسه.

وأمر ابن زیاد بسحب جسدي هاني و مسلم من أرجلهما بالحبال في الأسواق والازقّة(1) ثم صلبهما منكوسين في منطقة الكناسة(2) وأرسل رأسيهما إلى يزيد الذي أمر بنصبهما في دروب من دروب دمشق(3).

الوداع الأخير لمحمّد بن الحنفية مع الامام الحسين

كان محمّد بن الحنفية يتوضأ عندما وصله نبأ عزم الامام الحسين على الرحيل من مكّة إلى العراق فبکی و تساقطت دموعه في طست أمامه وأتمّ وضوءه ثم صلّى فلما فرغ من صلاته انطلق للقاء أخيه الحسين وجاء في الليلة التي سافر في صبيحتها إلى العراق.

قال محمّد بن الحنفية لأخيه: انك عرفت غدر أهل الكوفة بأبيك وأخيك واني أخاف أن يكون حالك حال من مضى فأقم هنا فانك أعزّ من في الحرم وامنعه.

ص:99


1- منتخب الطريحي: 2/ 428.
2- تذکرة الخواص: 217.
3- مقتل المقرم: 147- 151.

فقال أبو عبدالله: أخاف أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فأكون

الذي تستباح به حرمة هذا البيت.

فقال ابن الحنفية: إذا كان الأمر كذلك فاذهب إلى اليمن أو بعض نواحي البر

فوعده الامام الحسين أن ينظر في هذا الرأي.

وفي السحر استعد الامام الحسين للرحيل فرکب ناقته وسمع محمد بذلك

فأسرع إلى أخيه وأمسك بزمام الناقة وقال: ألم تعدني النظر فيما سألتك؟

فقال الحسين: بلى ولكن بعد ما فارقتك أتاني رسول الله وقال: يا

حسين أخرج فان الله تعالى شاء أن يراك قتيلاً(1).

فقال ابن الحنيفة: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ثم قال: فلماذا تأخذ معك العياليا أخي؟

فقال أبو عبدالله: قد شاء الله أن يراهن سبایا(2).

ص:100


1- أكان ذلك في اليقظة أم في المنام.
2- اللهوف: 80.

الفصل الرابع: من مكّة إلى كربلاء

الرحيل عن مكة

ص:101

ص:102

وقبل أن يغادر الامام الحسين مكّة طاف حول الكعبة سبع مرات وسعى بين الصفا والمروة وتحلّل من احرامه واقتصر على العمرة ولم يستطع اتمام حجّه(1) ذلك أنّ الأنباء وقد وصلت إلى الأمام أن یزید بن معاوية أرسل عمرو بن سعید بن العاص أميراً على الحاج وولّاه أمر الموسم وطلب منه اغتيال الامام الحسين أينما وجده حتى لو وجده معلّقاً بأستار الكعبة وأرسل معه ثلاثين مسلحاً لعمليّة الاغتيال لهذا قرّر الامام الخروج من مكة حفاظاً على حرمتها من أن تستباح بقتله(2).

جاء في «نفس المهوم» ان عمرو بن سعید دخل مكّة يوم التروية أي في الثامن من ذي الحجة الحرام ومعه جيش كبير لمواجهة الامام الحسين في الشهر الحرام في البلد الحرام(3).

وكان الامام الحسين لا قد غادر مكّة في السحر لهذا أرسل عمرو أخاه يحيى لاقناعه بالعودة إلى مكة، فرفض الامام ذلك ووضع الطرفان أيديهم على

ص:103


1- الارشاد للمفيد: 2/ 67.
2- نفس المهموم: 147.
3- نفس المهموم: 155.

مقابض السيوف ولكن لم يحصل أي اشتباك(1).

وتلا الامام هذه الآية تعبيراً عن رفضه: «لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ»(2).

كان عدد شيعة الامام الحسين 82 رجلاً وكان لكل منهم بعير لحمل الزاد

ومتاع السفر وقد جهزهم الامام بذلك.

وقد ذكر المؤرخ الطبري ان عبدالله بن جعفر جاء إلى عمرو بن سعيد وطلب منه أن يكتب للامام الحسين اماناً ويرجوه أن يعود فقال عمرو بن سعيد: اكتب ما تشاء وأنا أُمضي ذلك.

فنظم عبدالله بن جعفر کتاب الأمان وانطلق مع يحيى بن سعيد والتقى الامام

الحسين وكانت القافلة قد قطعت مسافة عن مكة.

حاول عبدالله بن جعفر أن يصرف الامام عن السفر ولكن الامام أبي وأخبره انه رأى رسول الله في المنام وأمره بأمر لابدّ من انفاذه فسأله عن الرؤيا فقال: ما حدثت بها أحداً وما أنا محدث بها حتى ألقى ربي عزّوجل(3).

وعندما يئس عبدالله بن جعفر أوصى ولديه عون و محمد أن لا يفارقا خالهما الحسين علا وأن يجاهدا في ركابه(4)، وقد وفى الشابان و قاتلا في كربلاء قتال الأبطال إذ تمکن محمد من قتل عشرة رجال وقتل عون ثلاثة فرسان وثمانية عشر من المشاة.

ص:104


1- المصدر نفسه.
2- يونس: الآية 41.
3- الارشاد: 2/ 69.
4- مناقب ابن شهرآشوب: 4/ 115.

محطات السفر من مكة إلى كربلاء

توقفت قافلة الامام الحسين في الطريق بين مكة وكربلاء في محطات عديدة ومنازل ووفقاً لما أورده المؤرخ العلّامة السيّد عبد الرزّاق المقرّم فان هذه المنازل كما يلي:

المنزل الأول: التنعيم

هو مكان على بعد فرسخين من مكة وما يزال حتى الان يحمل نفس الاسم يقع على جانبه جبل يدعى «نعیم» وعلى جانبه الأيسر جبل يدعى «ناعم» وتوجد في هذا المكان مساجد عديدة حيث يحرم معظم الحجاج للعمرة المفردة في هذا المكان(1).

المنزل الثاني: الصفاح

وهو المنزل الثاني الذي التقى فيه الامام الشاعر العربي الكبير الفرزدق ولما سأله الامام عن أخبار الكوفة قال: قلوبهم معك وسيوفهم عليك، فقال أبو عبدالله: صدقت الله الأمر(2).

المنزل الثالث: ذات عرق

وفيه التقى الامام بشر بن غالب(3).

المنزل الرابع: الحاجر من بطن الرمة

وفي هذا المكان كتب الامام الحسين رسالة جوابية رداً على رسالة مسلم

ص:105


1- معجم البلدان: 2/ 49.
2- الارشاد للمفيد: 2/ 67.
3- البداية والنهاية: 8/ 168.

وسلم رسالته إلى قيس بن مسهر الصيداوي(1).

المنزل الخامس: الخزيمية

وقد أقام فيه الركب يوماً وليلة وفي الصباح جاءت زینب إلى أخيها

الحسين وقالت: اني سمعت هاتفاً يقول:

ألا ياعين فاحتفلي بجهد *** فمن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا *** بمقدار الى انجاز وعد(2)

فقال الحسين: يا اختاه كل الذي قضى فهو كائن(3).

المنزل السادس: زرود

ولما نزل الامام في هذا المكان نزل بالقرب منه زهیر بن القين البجلي وكان غير مشايع للامام ولم يكن يحب النزول معه، ولكن الماء جمعهم في هذا المكان.

كان زهیر بن القين مع جماعة من أصحابه يتناولون طعامهم وإذا برسول الامام الحسين يدعوه للقاء الامام، فتردد زهير في الاستجابة للدعوة ولكن زوجته حثته على تلبية الدعوة والاستماع إلى ما يقوله الامام(4).

وانطلق زهير للقاء الامام وسرعان ما عاد إلى أصحابه فرحاً قد أسفر

وجهه من الفرح وأمر بفسطاطه ونقله فحول إلى جهة الامام(5).

وقال لزوجته: الحقي بأهلك فأني لا أحب أن يصيبك بسبي الّاخير، ثم قال

ص:106


1- مقتل المقرّم: 174.
2- البداية والنهاية: 8/ 168.
3- مقتل المقرّم: 176.
4- تاريخ الطبري: 4/ 298.
5- الارشاد للمفيد: 2/ 74.

لأصحابه: من أحب منكم نصرة ابن الرسول وإلّا فهو آخر العهد ثم ودعهم والتحق بالامام(1).

وفي هذا المكان وصلته أنباء مصرع مسلم بن عقيل وهاني بن عروة فبكى وبكى معه بنو هاشم واسترجع كثيراً وترحم عليهما وعلا عويل النساء وانهمرت الدموع حزناً على الشهيدين.

المنزل السابع: الثعليّة

وفي هذا المنزل أتاه رجل وسأله عن قوله تعالى: «يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ»(2) فقال الامام: إمام دعا إلى هدى فأجابوا إليه وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوا إليها هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار وهو قوله تعالى: «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ»(3).

المنزل الثامن: الشقوق

وفي هذا المكان رأي الإمام الحسين رجلاً قادماً من الكوفة فسأله عن أهل العراق فأخبره بأنهم مجتمعون عليه فقال: ان الأمر لله يفعل ما يشاء وربنا تبارك هو كل يوم في شأن ثم انشد هذه الأبيات:

فان تكن الدنيا تعد نفيسة *** فدار ثواب الله أعلى وأنبل

وإن تكن الأموال للترك جمعها *** فما بال متروك به المرء يبخل

وإن تكن الأرزاق قسماً مقدراً *** فقلة حرص المرء في الكسب أجمل

ص:107


1- الأمالي للصدوق: 131.
2- سورة الاسراء: الآية 71.
3- الشوری: الآية 7.

وان تكن الأبدان للموت أنشئت *** فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل

علیکم سلام الله يا آل أحمد *** فانّي أراني عنكم سوف أرحل(1)

المنزل التاسع: زبالة

وفي هذا المكان وصله نبأ استشهاد رسوله عبدالله بن يقطر الذي أرسله إلى مسلم بن عقيل فقبض عليه الحصين بن نمير في القادسية وسرحه إلى عبيد الله بن زیاد، فأمره أن يصعد المنبر ويلعن الكذاب ابن الكذاب، ولما صعد المنبر خاطب الناس قائلاً:

ايها الناس أنا رسول الحسين بن فاطمة لتنصروه و تؤازروه علی ابن

مرجانة.

فأمر عبيد الله أن يلقى من فوق القصر فتكسرت عظامه وبقي به رمق وجاءه رجل يدعى عبدالملك فذبحه فانتقده الناس وعابوا عليه فقال: إنما أردت أن أريحه(2).

فاطلع الامام الحسين من معه على هذا النبأ وأذن لمن يريد الانصراف أن يرحل وكان بعض الناس قد التحقوا به ظنّاً منهم أنه سيدخل الكوفة وقد اسلست له الانقياد.

لهذا ما إن سمعوا الأنباء حتى راح هؤلاء الطامعون يتفرقون عن ركب الامام يميناً وشمالاً ولم يبق معه إلّا الذين ثبتوا أنفسهم على الموت والتضحية

ص:108


1- مقتل الخوارزمي: 1/ 223.
2- مقتل المقرم: 180.

والفداء(1).

المنزل العاشر: بطن العقبة

وفي هذا المكان أخبر الامام الحسين أصحابه بأنه سوف يستشهد.

ما أراني إلاّ مقتولاً فاني رأيت في المنام كلاباً تنهشني وأشدّها علي كلب أبقع(2).

المنزل الحادي عشر: شراف

ونزل الامام الحسين في هذا المكان وفي السحر أمر فتيانه أن يستقوا

من الماء ويكثروا.

وفي منتصف النهار سمع الامام الحسين رجلاً من أصحابه يكبر فسأله

الامام: لم كبّرت؟

قال الرجل: رأيت النخيل.

فاستغرب كثيرون وقالوا: انه لا يوجد في هذا المكان نخل وإنما هي أسنة

الرماح و آذان الخيل.

فقال الامام: وأنا أراه ذلك.

وأردف متسائلاً هل يوجد هنا ملجأ نلتجأ إليه؟

فأشار بعض الأصحاب إلى جهة اليسار وقالوا: هذا جبل «ذو حسم»(3)

عن يسارك فهو كما تريد.

ص:109


1- تاریخ الطبری: 4/ 300.
2- کامل الزيارات: 75.
3- جبل كان النعمان بن المنذر يصطاد فيه.

فأمر الامام بالتوجه إليه والنزول فيه.

المنزل الثاني عشر: ذو حسم

ونزل الامام الحسين في هذا المكان قبل أن يصل إليه جیش یزید وجعل من الجبل رکناً يستند إليه أصحاب الإمام وفيما هم على هذا الحال طلع عليهم الحرّ بن یزید الرياح في ألف فارس وكان عبيدالله بن زیاد بعث به لسدّ الطريق على ركب الامام الحسين ومنعه من العودة إلى المدينة المنوّرة أو يقدم به إلى الكوفة.

فوقف الحرّ مع فرسانه أمام الحسين وأصحابه في حرّ الظهيرة(1) ورأى الامام الحسين آثار العطش على وجوههم فأمر أصحابه أن يسقوهم ويرشفوا الخيل(2).

ووجه الامام الحسين خطاباً إلى الجيش حمد الله فيه وأثنى عليه عزوجل

وجاء في هذا الخطاب:

انها معذرة إلى الله عزوجل وإليكم واني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت بها عليّ رسلكم أن أقدم علينا فانه ليس لنا امام ولعل الله أن يجمعنا بك على الهدي، فان کنتم على ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما اطمئن به من عهودكم ومواثيقكم وإن کنتم لمقدمي کارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم فسكت الجميع ولم يجبه رجل واحد.

وحان وقت صلاة الظهر فأذّن الحجاج بن مسروق الجعفي صلاة الظهر،

ص:110


1- مقتل الخوارزمي: 1/ 231.
2- تاریخ الطبري: 4/ 302.

فقال الامام الحسين: أتصلّي بأصحابك؟

قال الحر: لا، نصلي جميعاً بصلاتك.

فصلى الامام الحسين ولما فرغ من الصلاة حمد الله وأثنى عليه وصلّى

على النبي محمّد وقال:

أيُّها الناس انكم ان تتقوا الله وعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله.

ونحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين بالجور والعدوان وان أبيتم إلّا الكراهية لنا والجهل بحقنا وكان رأيكم الان على غير ما أتتني به کتبكم انصرفت عنكم.

فقال الحر الرياحي: ما أدري ما هذه الكتب التي تذكرها!

فطلب الامام الحسين من عقبة بن سمعان فأحضر له خرجين مليئين بالكتب والرسائل.

قال الحر: اني لست من هؤلاء واني أُمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك

الكوفة على ابن زیاد.

فأجابه الحسين: الموت أدني إليك من ذلك(1).

وطلب الامام الحسين من أصحابه أن يركبوا وركبت النساء وهنا

اعترض الحر طريق الامام الحسين في العودة إلى المدينة المنورة.

فقال الحسين للحر: ثكلتك أمّك ما تريد منا؟

فقال الحر: أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذا الحال ما تركت ذكر أمّه بالثكل كائنا من كان، والله ما لي إلى ذكر أمّك من سبيل الاّ بأحسن

ص:111


1- الارشاد للمفيد: 2/ 80.

ما نقدر عليه.

وعرض الحر على الامام طريقاً ثالثاً:

ولكن خذ طريقاً نصفاً بيننا لا يدخلك الكوفة ولا يردك الى المدينة حتى

اكتب إلى ابن زیاد فلعل الله يرزقني العافية ولا يبتليني بشيء من أمرك.

وراح الامام الحسين يسير في هذا الطريق وقال له الحرّ أثناء الطريق:

أذكرك الله في نفسك لأنّك إن قاتلت لتقتلنّ.

فقال الامام بایماء: أفبالموت تخوفني سأقول ما قال أخو الأوس لابن عمه

وهو يريد نصرة رسول الله:

سأمضي وما بالموت عار على الفتى *** إذا مانوئ حقا وجاهد مسلما

وواسي الرجال الصالحين بنفسه *** وفارق مثبوراً وخالف مجرما

فان عشت لم أندم وان مت لم الم *** کفن بك ذلاً أن تعيش وترغما

وسارا كل في ناحية إلى أن وصلا البيضة.

المنزل الثالث عشر: البيضة

وفي هذا المكان خطب الامام الحسين في جيش الحر، فقال بعد أن حمد

الله عز وجل وأثنى عليه:

«أيها الناس! إنّ رسول الله صلى الله عليه واله قال: «من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ألا وان هؤلاء قد لزموا الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام

ص:112

الله وأحلو حرامه وأنا أحق من غير»(1).

المنزل الرابع عشر: الرهيمية

وفي هذه المنطقة عين ماء بهذا الاسم وقد التقى الامام في هذا المكان

رجلاً من أهل الكوفة يقال له أبو هرم فقال للامام:

یابن رسول الله ما الذي أخرجك عن حرم جدك؟

فقال الامام الحسين:

يا أبا هرم! إن بني أميّة شتموا عرضي فصبرت، وأخذوا مالي فصبرت وطلبوا دمي فهربت وأيم الله ليقتلوني فيلبسهم الله ذلاً شاملاً وسيفاً قاطعاً ويسلّط عليهم من يذلهم(2).

المنزل الخامس عشر: عُذيب الهجانات

وفي هذا المكان وافاه أربعة رجال قادمين من الكوفة على رواحلهم ويجنبون فرساً لنافع بن هلال وكان دليلهم الطرماح بن عدي الطائي.

وقد استأذن الطائي أن يوصل الميرة إلى أهله ويسرع في العودة لنصرته

فأذن له الامام.

وفي عودته للالتحاق بالامام وصل إلى نفس هذه المنطقة (العذيب) وقد

بلغه نبأ استشهاد الامام الحسين في كربلاء(3).

ص:113


1- تاريخ الطبري: 4/ 304.
2- مقتل المقرم: 185.
3- الكامل: 4/ 50.

المنزل السادس: قصر بني مقاتل

(1)

وفي هذا المكان نزل الامام الحسين فرأى عن بعد فسطاطاً مضروباً ورمحاً مركوزاً وفرساً واقفاً فسأل الامام عن صاحب الفسطاط فقيل له: هو العبيد الله بن الحر الجعفي.

فأرسل الامام إليه الحجاج بن مسروق الجعفي فسأله ابن الحرّ عما ورائه فقال الحجاج: هدية إليك وكرامة أن قبلتها، هذا الحسين يدعوك إلى نصرته فان قاتلت بين يديه أجرت وإن قتلت استشهدت.

فقال ابن الحر: والله ما خرجت من الكوفة إلّا لكثرة ما رأيته خارجاً لمحاربته وخذلان شيعته فعلمت أنه مقتول ولا أقدر على نصره ولست أحب أن يراني وأراه.

فعاد الحجاج إلى الأمام وأخبره بموقفه فنهض الامام الحسين بنفسه وذهب إليه في جماعة من أهل بيته وأصحابه فدخل عليه الفسطاط فتنحى ابن الحرّ للامام عن صدر المجلس ولما استقر به المجلس حمد الله وأثنى عليه وقال: يا ابن الحر ان أهل الكوفة كتبوا إليّ انّهم مجتمعون على نصرتي وسألوني القدوم عليهم وليس الأمر على ما زعموا.

وان عليك ذنوباً كثيرة فهل لك من توبة تمحو بها ذنوبك؟

قال ابن الحر: وما هي با ابن رسول الله؟

ص:114


1- ويقع في القادسية وفي هذا المكان القي القبض على قيس بن مسهر الصيداوي الذي مزّق الرساله فأرسله الحصين بن نمير إلى ابن زیاد وهدّده بالقتل إذا لم يصعد المنبر ويلعن الحسین فصعد المنبر وأثنى على الحسين ولعن یزید و ابن زیاد فأمر ابن زیاد بالقائه من فوق القصر (البداية والنهاية: 8/ 168).

فقال الامام: تنصر ابن بنت نبيك وتقاتل معه.

فقال ابن الحر: والله اني لأعلم ان من شايعك كان السعيد في الآخرة ولكن ما عسى أن أغني عنك، ولم أخلف لك بالكوفة ناصراً؟ فانشدك الله أن لا تحملني على هذه الخطة، فان نفسي لا تسمح بالموت، ولكن فرسي هذه «الملحقة» والله ما طلبت عليها شيئاً إلاّ لحقته ولا طلبني أحد وأنا عليها إلّا سبقته فخذها فهي لك.

فقال الامام الحسين: أما إذا رغبت بنفسك عنا فلا حاجة لنا في

فرسك(1).

قرى الطف

ولما كان آخر الليل طلب الامام الحسين من فتيانه الاستسقاء والرحيل من قصر بني مقاتل وفي الطريق والظلام ما يزال يغمر الصحراء سمع الامام الحسين يقول:

إنّا لله وإنّا إليه راجعون والحمد لله ربّ العالمين.

ثمّ كرّر ذلك مرّة أخرى فسأله نجله علي الأكبر عن سبب استرجاعه فقال الامام: إني خفقت برأسي فعنّ (لاح) لي فارس وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت انها أنفسنا نعيت إلينا.

فقال علي الأكبر: لا راك الله سوءً ألسنا على الحق؟ قال الامام: بلى والذي إليه مرجع العباد.

فقال علي: يا أبتِ إذاً لا نبالي أن نموت محقين.

ص:115


1- الأخبار الطوال: 370.

فقال الأب: جزاك الله من ولد خيراً ما جزئ ولداً عن والده(1).

ولم يزال الركب يسير إلى أن وصل منطقة بالقرب من «نینوی» واذا براکب يحمل السلاح فانتظروه إلى أن وصل، وكان رسول ابن زیاد إلى الحر ومعهرسالة وكتاب منه. قرأ الحر الرسالة وقد جاء فيها:

جعجع بالحسين (أي ضيق عليه الخناق) حين تقرأ كتابي ولا تنزله إلّا بالعراء على غير ماء وعلى حصن فقرأ الحرّ ما جاء في الكتاب على الامام الحسين فقال له الامام: دعنا ننزل نینوی(2) أو الغاضريات(3). فقال الحر: لا أستطيع فان الرجل عين (جاسوس) علي. وبعد حديث مع زهير بن القين التفت الامام الحسين الى الحر وقال: سر بنا

قليلاً.

فساروا جميعاً حتى إذا وصلوا أرض «کربلاء» وقف الحر وجيشه في طريق الامام ومنعوه من المسير وقال الحر: ان هذا المكان قريب من الفرات.

كما ان جواد الامام الحسين وقف ولم يتحرك، كما أوقفت ناقة النبي عند «الحديبية»(4) فسأل الامام الحسين عن اسم هذه الأرض فقال زهير: ان هذه الأرض تسمى الطف.

ص:116


1- نفس المهموم: 183، تاريخ الطبري 4/ 308.
2- نينوى منطقة في ضواحي الكوفة حيث كربلاء جزء منها (معجم البلدان 5/ 239).
3- الغاضرية وهي من نواحي الكوفة بالقرب من كربلاء تنسب إلى قبيلة «غاضرة» احدى قبائل بني أسد (المصدر السابق 4/ 183).
4- منتخب الطريحي: 2/ 439.

فقال: فهل لها اسم غيره؟

قال زهير: کربلاء.

فدمعت عينا الامام وقال: اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء(1).

ثمّ قال: ههنا محط ركابنا وسفك دمائنا ومحل قبورنا بهذا حدثني جدي

رسول الله.

ص:117


1- مقتل المقرم: 192.

ص:118

الفصل الخامس: في أرض کربلاء

البداية والنهاية

ص:119

ص:120

مفردة كربلاء

وكربلاء هي المنزل الأخير لقافلة الامام الحسين وقد وصلها الامام

يوم الخميس الثاني من شهر محرم الحرام سنة إحدى وستين للهجرة(1).

وتتألف مفردة كربلاء من جزئين «کرب» و «لا» التي تعني باللغة الآرامية

الحرم(2).

ويرى العلّامة الشهرستاني أنها مأخوذة من «کور بابل» أي بمعنی «قری

بابل»(3).

ولما قيل للامام الحسين ان اسم هذه الأرض کربلاء قال: أعوذ بالله من الكرب والبلاء، ثم جمع ولده وأخوته وأهل بيته ونظر إليهم وبك قائلاً: اللهم إنّا عترة نبيك محمد، قد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدنا وتعدت بنو أميّة علينا اللهم فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين.

وأقبل على أصحابه فقال: الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم

ص:121


1- الارشاد للمفيد: 2/ 84، تاریخ الطبری: 4/ 309، الكامل: 4/ 52، مناقب ابن شهراشوب: 4/ 105.
2- لغة العرب: 4/ 105.
3- نهضة الحسين: 6.

يحوطونه ما درّت معايشهم، فاذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون(1).

ثمّ حمد الله عزوجل و ذکر جده رسول الله صلى الله عليه واله فصلّى عليه و آله وقال: أما بعد فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها ولم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الاناء و خسیس عیش کالمرعي الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به؟ وإلى الباطل لا يتناهي عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله، فإني لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما(2).

فنهض زهير بن القين وقال: سمعنا یابن رسول الله مقالتك، ولو كانت الدنيا

لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الاقامة فيها.

ثمّ نهض بریر وقال: يابن رسول الله لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك

تُقطّع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة.

ثم نهض نافع بن هلال ففصل في القول وجاء فيه: فسر بنا راشداً معافی مشرّقاً إن شئت أو مغربا، فوالله ما اشفقنا من قدر الله ولا كرهنا لقاء ربنا وإنّا على نیاتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك.

وقام الامام الحسين بشراء النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف درهم وتصدق بها عليهم واشترط عليهم أن يرشدوا إلى قبره ويضيّفوا من زاره ثلاثة أيام، وكان حرم الامام الحسين أربعة أميال في أربعة أميال(3).

ص:122


1- مقتل الخوارزمي: 1/ 236.
2- حلية الأولياء: 2/ 39.
3- مستدرك الوسائل: 10/ 321.

الحسین وارث اأنبیا

«السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله»(1).

الحسين هو وارث آدم في العلم بالأسماء.

«وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا»(2).

لقد ابتلى أبونا أبو البشرية آدم بفاجعة مقتل ابنه هابيل وابتلى الامام

الحسين بمصرع ابنه علي الأكبر.

«السلام عليك يا وارث نوح نبي الله».

الحسين عليه السلام هو وارث نوح فالنبي نوح انقذ البشرية بسفينة من

هاوية الهلاك في الطوفان.

والامام الحسين أصبح سفينة النجاة لأنه دلت البشريّة إلى طريق

الخلاص من النار.

«سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ»(3).

وهذا السلام جدير بالامام الحسين وبما هو أعظم وأسمى من ذلك لقد كان صبر نوح عظيماً، فطالما تعرض للضرب حتى كان الدم يجري من جسمه، وقد جاء في أخبار الرسالات القديمة انه ربما ضرب حتى يغمى عليه ثلاثة أيّام من

شدّة الضرب.

لكن الامام الحسين تعرض لما هو أشدّ من ذلك فصبره يوم عاشوراء لا

ص:123


1- فقرات من زيارة وارث وهي أقوى الزيارات المطلقة للامام الحسين والتي رواها الشيخ الطوسي بسند صحيح عن الامام الصادق (مصباح المتهجد: 720).
2- البقرة: الآية 31.
3- الصافات: الآية 79.

يفوقه صبر ثم بعد مصرعه ظل جسمه المقطع الأوصال ثلاثة أيام فوق الرمال، أجل ظل جسمه بلا رأس ثلاثة أيام بلياليها فوق رمال كربلاء.

«السلام عليك يا وارث ابراهیم خلیل الله».

عندما قذف بابراهيم الخليل إلى أعماق النار الكبرى لم يطلب من أحد مساعدة فكانت النار عليه برداً وسلاماً وكانت الملائكة تأتي إلى الامام الحسين وتعرض عليه النصرة والمدد ولكنه أبى ذلك فكانت عليه نار الحرب برداً وسلاماً(1).

وامتحن ابراهيم بذبح ابنه اسماعيل وامتحن الامام الحسين بقتل

ابنه علي الأكبر.

وكانت زوجة ابراهيم الخليل قد طلبت من زوجها دقيقاً فلم يجد فملأ الكيس رملاً وعاد إلى البيت ولم تر زوجته رملاً بل رأت دقیقاً فلم يشعر بالخجل ولكن سكينة ابنة الامام طلبت من أبيها ماءً يوم عاشوراء فخجل الامام لأنه لم يستطع تلبية طلبها.

«السلام عليك يا وارث موسی کلیم الله».

كان موسى يكلم الله تكليماً وكان يسمع الجواب.

ولقد روي عن أنس بن مالك ان الحسين جلس إلى جانب قبر خديجة

الكبرئ ودعا الله عزوجل فسمع جواباً.

ولقد واجه موسي فرعون الطاغية، ونهض الامام الحسين بوجه

ص:124


1- لأنه لم يكن يشعر بألم الجراح لشدّة صيامه وحبّه لله عزوجل.

فرعون عصره یزید، ولما هوئ الامام شهیداً سمع نداء(1).

«يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً»(2).

وكان لموسى وزیراً من أهله هارون أخاه.

«وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي»(3).

وكان للحسين وزیراً من أهل بيته العباس أبا الفضل أخاه.

«السلام عليك يا وارث عیسی روح الله».

جاء في حق والده عیسی، مریم ابنة عمران قوله تعالی:

«وأُمُّهُ صدّيقة»(4) و «وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»(5).

وجاء في حق الزهراء فاطمة بنت النبي انها «سيّدة نساء العالمين من

الأوّلين والآخرين»(6) وكانت أيضاً «صديقة»(7).

وكان عیسی بن مریم زاهداً في الدنيا، وكان الامام الحسين من المستوحشين من الدنيا، كان لا يحب هذه الدنيا ويستوحش منها ولا يستأنس بها أبداً.

ص:125


1- ورد في أحاديث كثيره ان هذه الآية ترتبط بالامام الحسين وقد جاء في الأثر حث على قراءة سورة الفجر في الفريضة والمستحبة فهي سورة الحسين والمراد من «النفس المطمئنة» هي نفس الامام (کنز الدقائق: 14/ 280).
2- الفجر: الآيتين 27 - 28.
3- طه: الآيتين 29 - 30.
4- المائدة: الآية 75.
5- آل عمران: الآية 42.
6- فضائل شاذان بن جبرئیل: 10.
7- أصول الكافي: 1/ 459.

«السلام عليك يا وارث محمد حبیب الله».

كان الامام الحسين أشبه الناس بجدّه محمد خلقاً و خُلقاً و منطقاً.

وقد قال رسول الله له فيه: «حسين مني وأنا من حسین»(1).

«السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين ولي الله».

كان الامام الحسين في شجاعته امتداداً عظيماً لشجاعة أبيه ولم ير أحد

بعده بشجاعة التي أذهلت الآلاف في كربلاء.

الامام يطلب النصرة

طلب الامام الحسين النصرة في ستة موارد

الأول: رسائله إلى زعماء البصرة.

كان الامام الحسين في مكة وبعث بخمس رسائل إلى رؤساء الأخماس في البصره وهم: مالك بن مسمع البكري والأحنف بن قيس والمنذر بن الجارود و مسعود بن عمرو وقيس بن الهيثم وعمرو بن عبيد بن معمر وقد تولّى مهمّة توصيل الرسائل سليمان ابو رزين وقد جاء في جانب من الرسائل:

«ادعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه، فان السنة قد امینت والبدعة قد أحييت فان

تسمعوا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد»(2).

فأما المنذر بن الجارود فقد قام بالقبض على رسول الامام الحسين وسلّمه

ص:126


1- مسند أحمد: 4/ 174، مستدرك الحاكم: 3/ 177، سنن الترمذي: 5/ 658، سنن ابن ماجة: 51.
2- اللهوف: 58.

إلى عبیدالله بن زیاد فصل به في عشية الليلة التي سافر في صبيحتها إلى الكوفة ليصلها قبل وصول الامام الحسين وادعي المنذر انه ظن بأن هذه الرسالة قد دسّها عبیدالله بن زیاد لمعرفة حقيقة مواقفه، وكانت ابنة المنذر زوجة لعبیدالله.

وأما الأحنف بن قيس فقد كتب إلى الامام الحسين رسالة جاء فيها:

«أما بعد فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون».

وأما یزید بن مسعود فانه جمع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد وهاجم النظام الأموي وسياسة معاوية وشخصية يزيد وأقسم بالله ذات جهاده أفضل من جهاد المشركين ودعاهم إلى نصرة الامام الحسين.

وطلب منهم أن يغسلوا عار الجمل بالخروج لنصرة ابن رسول الله ثم

قال:

وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها ومن لم يُقتل يمت ومن يهرب لم يفت.

وكتب إلى الامام الحسين وجاء في الكتاب:

أنتم حجة الله على خلقه تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها.

ولما قرأ الامام الحسين رسالته قال:

آمنك الله من الخوف وأعزك وأرواك يوم العطش الأكبر وراح ابن مسعود يتجهز للالتحاق وفي أثناء الطريق سمع بأنباء الفاجعة في كربلاء فعاد إلى البصرة يكفكف دموعه ويأسف على فوات الشهادة مع ابن النبي المصطفى.

وكان يزيد بن نبيط يجتمع مع الشيعة في بيت مارية ابنة سعد ویذکرون

فضل أهل البيت فقال لأولاده وهم عشرة: أيكم يخرج معي؟

فانتدب منهم اثنان عبدالله وعبيد الله وحاول بعض رجال قبيلته تخويفه من

ص:127

انتقام ابن زیاد، فاستهان بذلك وسرعان ما غادر البصرة إلى مكة مع ولديه وبعض من التحق به وانضموا إلى قافلة الامام الحسين(1).

الثاني: طلب النصرة من أهل مكة

قبل يوم من رحيله ومغادرته مكة خطب الامام الحسين في أهلها وجاء في

خطابه:

من كان فينا باذلاً مهجته ووطناً على لقاء الله نفسه فليرح معنا فاني راحل

مصبحاً إن شاء الله تعالی(2).

الثالث: دعوته لزهير بن القين

وعندما نزل الامام الحسين في «زرود» وقد صادف نزول زهير بن القين حين جمعهما الماء وكان زهير لا يحب لقاء الامام عندما دعاه ولكن زوجته حثته على الاستجابة لدعوة الامام الحسين.

وسرعان ما عاد فرحاً من لقاء الامام وودع زوجته والتحق بقافلة

الامام(3).

ص:128


1- فرسان الهيجاء: 2/ 148.
2- مثير الأحزان: 41.
3- مقتل المقرم: 177.

الرابع: طلبه النصرة من أهل الكوفة

ولما نزل الامام الحسين في «حاجر» بعث رسالة إلى أهل الكوفة حملها قيس بن مسهر الصيداوي(1) ولكن الحصين بن نمير ألقي عليه القبض في منطقة «القادسية» وقد قام قیس بتمزيق رسالة الامام لئلا يطلع عليها عبیدالله بن زیاد، وقام ابن نمیر بارساله مغفوراً إلى الكوفة(2).

الخامس: طلبه النصرة من عبيد الله بن الحر

لما نزل الامام الحسين في «قصر بني مقاتل» أرسل الامام الحسين الحجاج بن مسروق إلى عبيدالله بن الحر الجعفي ودعاه إلى نصرته فقال عبيدالله انه لم يخرج من الكوفة إلّا لأن أهلها اجمعوا على محاربة أبي عبدالله الحسين وانه ضرب فسطاطه هنا ليعتزل ما يجري.

فنهض الامام الحسين وزاره في خيمته فأفلی عبیدالله بن الحر صدر

المجلس للامام.

وبعد أن استقر به المجلس دعاه إلى التوبة من خلال نصرته في حربه ضد

الطاغية.

فقال عبيدالله: ان نفسي لا تسمح بالموت، وعرض على الامام فرسه.

ص:129


1- جاء في مقتل الخوارزمي: 1/ 234: ودعا الحسين بدواة وبياض وكتب إلى أشراف الكوفة: بسم الله الرحمن الرحيم ... ثمّ طوي الكتاب وختمه ودفعه إلى قيس بن مسهر الصيداوي وأمره أن يسير إلى الكوفة.
2- البداية والنهاية: 8/ 168.

فرد الامام: اما إذا رغبت بنفسك فلا حاجة لنا في فرسك(1).

وقد استذكر عبيدالله بن الحر هذا اللقاء فيما بعد وحدث قائلاً

ما رأيت أحداً أحسن من الحسين ولا أملأ للعين منه ولا رققت على أحد قط رقتي عليه حين رأيته يمشي والصبيان حوله ونظرت إلى لحيته فرأيتها كأنها جناح غراب فقلت له: أسواد أم خضاب؟ قال: يابن الحر عجّل عليّ الشيب فعرفت انه خضاب(2).

السادس: دعوته في كربلاء أو اتمام الحجة

وذلك بعد مصرع أخيه العباس وبقي الامام وحيداً فصاح بأعلى

صوته طالباً النصرة والدفاع عن حرم رسول الله.

وطلب الامام الحسين من عياله السكوت وراح يودعهم، وكانت علیه جبة

خز دکناء، وعمامة مورّدة وبيده سيف رسول الله.

وطلب ثوباً لا يرغب فيه أحد يضعه تحت ثيابه ودعا بولده الرضيع يودعه

فجاءت به زینب تحمله فأجلسه في حجره وراح يقبّله ويقول(3):

بعداً لهؤلاء القوم إذا كان جدك المصطفی خصمهم ثم جاء به ووقف أمام

الجيش وطلب منهم أن يسقوا الطفل الرضيع ماءً.

فوضع حرملة سهماً في كبد القوس وسدده نحو رقبة الطفل فذبحه فأخذ

ص:130


1- الأخبار الطوال: 370.
2- الكبريت الأحمر: 477.
3- بحار الأنوار: 45/ 46.

الامام الحسين دمه بكفه ورمی به نحو السماء فلم تسقط منه قطرة(1).

خُطب الامام الحسين من مكة إلى كربلاء

وتبلغ عددها سبعاً:

1- خطبته في مكة المكرمة عندما أزمع على المسير ويغادر مكة بيوم

واحد، حيث قام الحسين خطيباً فقال بعد الحمد والثناء:

خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني الى أسلافي اشتیاق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تتقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس(2) و کربلا.

ثم اختتم خطابه قائلاً:

من كان فينا باذلاً مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فاني

راحل مصبحاً إن شاء الله(3).

2- خطبته في ذي حسم:

ألقى الأمام هذه الخطبة لما اعترضه الحر الرياحي وجاء فيها:

انه قد نزل من الأمر ما قد ترون وان الدنيا قد تغيّرت وتنکّرت وأدبر معروفها ولم يبق فيها الا صبابة كصبابة الاناء و خسیس عیش کالمرعي الوبيل، ألا

ص:131


1- تاريخ الطبري: 4/ 342.
2- النواويس جمع ناووس وهي مقابر النصارى (لسان العرب: 14/ 326) وهذه القبور محفورة في كربلاء حيث توضع أجساد الموتى في أواني من الخزف ويعود تاريخها إلى ما قبل ميلاد المسيح (موسوعة العتبات المقدسة: 8/ 16).
3- مثير الأحزان: 41.

ترون إلى الحق لا يعمل به؟ وإلى الباطل لا يتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما(1).

3- خطبته في جيش الحر في البيضة:

قال الامام الحسين بعد أن حمد الله وأثنى عليه:

ايها الناس ان رسول الله صلى الله عليه واله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ألا وان هؤلاء قد لزموا الشيطان وترکوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وأحلو حرامه وأنا أحق من غيّر(2).

الشمر بن ذي الجوشن يصل إلى كربلاء

وفي التاسع من شهر محرم الحرام وصل الشمر إلى كربلاء يحمل رسالة من ابن زیاد إلى قائد الجيش عمر بن سعد وفيها أن يخير الامام الحسين بين الاستسلام دون قيد أو شرط أو الحرب. فلما قرأ عمر الرسالة قال: والله لا يستسلم الحسين فان نفس أبیه بین جنبيه.

فقال الشمر: أخبرني ما أنت صانع، أتمضي لأمر أميرك؟ وإلّا فخلّ بيني

وبين العسكر.

ص:132


1- اللهوف: 94.
2- الكامل: 4/ 48.

أجاب عمر بن سعد: انا اتولى ذلك ولا كرامة لك ولكن كن أنت على

الرجّالة.

ولما راح عمر بن سعد يستعد لشن الهجوم والحرب على الامام الحسين اقترب الشمر من مخيم الامام الحسين ونادى بصوت عال: أين بنو أختنا؟ أين العباس واخوته؟

فأعرضوا ولم يجبه أحد منهم احتقاراً له.

وقوله أين بنو اختنا لأن أمّ العباس وهي أمّ البنين من بني كلاب حيث الشمر

ينتمي إلى هذه القبيلة(1).

قال الامام الحسين لهم: أجيبوا ولو كان فاسقاً.

فنهض أبو الفضل العباس ونادى: ما شأنك وما تريد؟

صاح الشمر: يا بني أختي أنتم آمنون، لا تقتلوا أنفسكم مع الحسين والزموا طاعة أمير المؤمنین یزید!!

فقال العباس: لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له!! ولمّا سمع الشمر هذا الجواب الغاضب عاد من حيث أتى.

وصاح عمر بن سعد بالجيش: يا خيل الله اركبي(2).

وسمعت زینب أصوات أشباه الرجال فقالت لأخيها الحسين: قد

اقترب العدو منا.

فقال الامام لأخيه العباس: اركب بنفسي أنت حتى تلقاهم واسألهم

ص:133


1- تذکرة الخواص: 224.
2- متقل المقرّم: 209.

عما جاء بهم وما الذي يريدون(1).

فركب العباس ومعه عشرون فارساً فيهم زهیر بن القين وحبیب بن مظاهر وسألهم عن ذلك فقالوا(2):

جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم النزول على حكمه أو ننازلكم الحرب.

فعاد أبو الفضل إلى أخيه وأخبره وظل أصحابه يتحدثون إلى جيش عمر بن

سعد ويعظونهم.

وقال الامام الحسين لأخيه العباس: ارع إليهم واستمهلهم هذه العشية إلى غد لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفرة فهو يعلم اني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار.

ووافق ابن سعد بعد تردّد وأمهلهم الليلة فقط(3).

4- خطبة الامام الحسين في ليلة عاشوراء(4):

وقد جاء فيها: «أثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السرّاء والضراء اللهم

اني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين.

أما بعد، فاني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا

أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عنّي خيراً.

ألا واني لأظنُّ انه آخر يوم لنا من هؤلاء الأعداء غداً واني قد أذنت لكم فانطلقوا

ص:134


1- الكامل: 56/4.
2- تاريخ الطبري: 4/ 215.
3- المصدر نفسه: 216.
4- ذكر المفيد أن هذه الخطبة خطبها الامام قبیل غروب التاسع من محرم فيما قال آخرون انها في ليلة العاشر.

جميعاً في حلّ، ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشیکم فاتخذوه جملاً»(1).

فنهضوا يتبارون في بيان مواقفهم البطولية وان الموت معه لأحلى من

العسل من الخلد مع هؤلاء الظالمين.

وأخبرهم الامام الحسين بأن غداً هو موعد اللقاء مع الله عزوجل

و بشّرهم بالشهادة.

وجاء في بعض الأخبار ان القاسم بن الحسن سأل عن مصيره فقال

الامام له: كيف تجد الموت يابن أخي؟

قال القاسم: أحلى من العسل.

فأخبره الامام بأن مصيره سيكون الشهادة.

ولما رأى الامام الحسين موقف أهل بيته وأصحابه شكرهم وجزّاهم

خیراً(2).

وروى العلّامة المجلسي ان الامام الحسين لما رأى ذلك الموقف من أصحابه وانهم حمدوا الله عز وجل على الشهادة كشف عن أبصارهم فرأوا ما جاءهم الله من نعيم الجنان وعرّفهم منازلهم فيها فزاد ذلك في يقينهم ولهذا راحوا يتسابقون إلى الموت في ظهيرة عاشوراء فدوّخوا الأعداء(3).

ص:135


1- الارشاد للمفيد: 2/ 91.
2- مدينة المعاجز: 4/ 215.
3- علل الشرائع: 1/ 229.

بيعة أصحاب الحسين ليلة عاشوراء

وفي المساء في ليلة عاشوراء جمع الامام الحسين أصحابه فحمد الله وأثنى

وشكره عز وجل أن أكرم أهل بيت بالنبوة ثمّ قال:

أما بعد فاني أظنّ يومنا من هؤلاء الاعداء غداً وأنّي قد أذنت لکم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشیکم فاتّخذوه جملاً؟ وليأخذ كل رجل منکم بید رجل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خیراً و تفرقوا في سوادکم ومدائنکم فان القوم إنّما يطلبونني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري»(1).

فنهض أخوه أبوالفضل العباس وقال: ولِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟ لا

أرانا الله ذلك أبداً وتبعه الهاشميون على هذا القول.

ونهض بنو عقيل فقالوا: نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا نقاتل معك قبح الله العيش بعدك.

وقام بعض أصحابه فقالوا مثل ذلك.

ثمّ قام زهیر بن القين فقال:

والله وددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف مرّة، وان الله عزوجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك(2).

ومن المؤكد أن أيّاً من هؤلاء الذين شهدوا هذا المشهد لم يغادر کربلاء حيّاً

ص:136


1- الكامل: 4/ 57.
2- اللهوف: 112.

فلقد لقي الجميع مصارعهم في اليوم التالي في ظهيرة عاشوراء(1).

اشعار الامام الحسين في ليلة عاشوراء

ووقوع زینب مغشياً عليها

وبعد لقائه مع أصحابه انصرف الامام الحسين إلى خيمته يقول الامام زین العابدین: سمعت أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها يقول وهو يصلح سیفه:

یا دهر اف لك من خليل *** كم لك با لاشراق والأصيل

من صاحب وطالب قتيل *** والدهر لا يقنع بالقليل

وإنما الأمر إلى الجليل *** وكلّ حيّ سالك سبيل(2)

فأعادها مرّتين أو ثلاثاً ففهمتها وعرفت ماذا أراد وخنقتني العبرة ولزمت

السكوت وعلمت أن البلاء قد نزل.

وأما عمّتي فانها لما سمعت ذلك نهضت تجرّ ذيلها حتى انتهت إليه وقالت:

واثکلاه ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن، یا خليفة الماضين وثمال الباقين.

فعزاها الامام الحسين وصبّرها قائلاً لها: يا أختاه تعزّي بعزاء الله واعلمي ان أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون وكل شيء هالك إلّا وجهه ولي ولكل مسلم برسول الله أسوة حسنة.

ص:137


1- مناقب ابن شهرآشوب: 4/ 107.
2- الارشاد للمفيد: 2/ 93.

فقالت سلام الله عليها: افتغصب نفسك اغتصابا فذاك أقرح لقلبي وأشدّ

على نفسي.

وبكت زینب وبكت النسوة معها و غُشي عليها من البكاء(1).

من وقائع ليلة العاشر من محرم

جاء في بعض الأخبار أن ثلاثين رجلاً من بلاد فارس كانوا يسكنون

الكوفة وقد هبّوا لنصرة الامام الحسين والتحقوا بمعسكره في كربلاء.

وقد ذكر ذلك المؤرخ الالماني «کورت فريشلر» الذي أشار إلى التحاق ثلاثين شخصاً ایرانياً وصلوا تحت جنح الظلام والتحقوا بأصحاب الامام ونالوا شرف الشهادة(2).

وأردف الكاتب الالماني انه لا يعلم ما إذا كان هؤلاء الأشخاص ضمن

ال- «72» وهم عدد أصحاب الامام الحسين أم أن هذا العدد يضاف عليهم.

وأضاف الكاتب أن زعيمهم يدعى برويز وقد عرّب الاسم إلى «برویج»

وقد استدلّ الكاتب على رأيه برأي بعض المؤرخين للواقعة:

1- النعمان بن أبي عبدالله المعروف بأبي حنيفة المتوفى سنة 463 ه-، وقد

عاش في مصر وتوفي فيها.

2- وردت اشارات في مصادر السنة والشيعة إلى أن ثلاثين شخصاً أو

ص:138


1- تاريخ الطبري: 4/ 319.
2- امام حسین و یاران (الحسين وأنصاره): 179.

اثنين وثلاثين قد لجأوا إلى معسكر الامام الحسن(1).

وفي مصادرنا هناك ارقام متفاوتة فبعض يشير إلى ان عدد أصحاب الامام كانوا «72»(2) أو «87»(3) أو أقل من «100»(4) رجل الا انّة لم يذكر أحد أن عددهم كان «300»(5).

والقدر المسلّم به انه وعلاوة على «72» وهم عدد الشهداء(6) فقد روي عن الامام الباقر ان عدد أصحاب الامام كان «45» فارساً و «100» راجل(7).

موقف نافع بن هلال ومواقف أصحاب الإمام الحسين

بعد نافع بن هلال من أصحاب الامام الحسين المقرّبين وكان أميناً لأسراره وفي ليلة عاشوراء طلب الامام الحسين من أصحابه أن يقاربوا بين

الخيام.

ص:139


1- اللهوف: 112، نفس المهموم: 212.
2- الارشاد للمفيد: 2/ 95، الأخبار الطوال: 378، الكامل: 4/ 59.
3- اللهوف: 160.
4- مجالس المواعظ : 150 وذكر المرحوم الشوشتري: ان أجساد الشهداء غير جسد الامام كانت 102 جسداً، 30 لأهل البيت و 72 لأصحابه.
5- وأعلى رقم لهم أورده صاحب فرسان الهيجاء وهو ما يناهز 220 رجلاً.
6- ورجح العلامة السماوي في كتاب الجليل «أبصار العين في أنصار الحسين» أن یکن عددهم 112 رجلاً إلّا ان المرحوم المقرّم انتخب العدد 82 (مقتل المقرّم: 225).
7- بحار الأنوار: 45/ 4، اللهوف: 118، مثير الأحزان: 54.

وخرج الامام الحسين في جوف الليل(1) إلى خارج المخيم يتفقد التلال والروابي ورآه نافع بن هلال البجلي فخاف على الامام الحسين من أن يتعرض له العدد فتبعه فلما رآه الامام قال له: ما الذي أخرجك يا نافع؟

قال البجلي: يابن رسول الله أفزعني خروجك إلى جهة معسكر هذا

الطاغية.

فقال الامام: خرجت اتفقد التلاع والروابي مخافة أن تكون ممكناً

لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون.

وبعد أن تفقد الامام تلك الروابي عاد وهو يمسك بيد نافع وقال له: هي هي

والله وعد لا خلف فيه.

ثم التفت إلى نافع قائلاً: ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك؟ وهنا شعر نافع بأن قلبه يكاد يتشظى من الأسى فوقع على قدم الامام الحسين متوسلاً: ثكلتني أمي يا سيدي ان سيفي بألف وفرسي مثله، فوالله الذي منّ بك عليّ لافارقتك حتی یکلّا عن فري وجري.

وجاء الامام الحسين ودخل خيمة أخته زينب ووقف نافع قرب الخيمة ينتظر الامام فسمع صوت زینب وهي تقول لأخيها الحسين: هل استعلمت من أصحابك نياتهم؟ فاني أخشى ان يسلموك عند الوثبة(2).

فقال الامام: والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلّا الأشوس الأقعس

يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أمّة.

ص:140


1- وأغلب الظن انها ليلة عاشوراء.
2- مقتل المقرّم: 219.

قال نافع: فلما سمعت هذا منه بكيت وأتيت إلى حبيب بن مظاهر وحكيت

ما سمعت منه ومن أخته زينب.

قال حبیب لي والله لولا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة.

قلت: إني خلفته عند أخته وأظن أن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة فهل

لك أن تجمع أصحابك وتواجهوهن بكلام يطيب قلوبهن.

فقام حبيب ونادى: يا أصحاب الحمية وليوث الكريهة!!

واذا بالجميع يهبوا من داخل الخيام كالأسود الضارية فقال حبيب لبني

هاشم: ارجعوا إلى مقركم لا سهرت عيونكم.

ثم التفت حبيب إلى أصحابه وحكي لهم ما شاهده نافع وما سمعه فقالوا

بأجمعهم:

والله الذي منّ علينا بهذا الموقف لولا انتظار أمره لعاجلناهم بسيوفنا

الساعة! فطب نفساً وقرَّ عيناً.

فجزاهم حبيب خیراً وقال لهم:

هلموا معي لنواجه النسوة ونطيب خاطرهن.

فجاء حبيب ومعه أصحابه إلى خیام حرم الرسول ونادئ:

يا معشر حرائر رسول الله! هذه صوارم فتیانكم آلوا ألّا يغمدوها إلّا في رقاب من يريد السوء فيكم، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألّا يركزوها إلّا في صدور من يفرق ناديكم.

فخرجن النساء إليهم ببكاء وعويل وقلنا:

أيها الطيبون حاموا عن بنات رسول الله حرائر أمیرالمؤمنین.

ص:141

فضج أصحاب الحسين بالبكاء حتى كان الأرض تميد بهم(1).

5- الخطبة الأولى في صبح عاشوراء:

وذلك بعد صلاة الصبح وقوله لأصحابه:

«ان الله قد أذن في قتلي وقتلكم في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال».

ثمّ صفّهم للحرب.

وبعد ذلك دعا براحلته فركبها ونادى بصوت عالي يسمعه معظم جیش عمر

بن سعد:

«أيها الناس! إن الله تعالى خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متفرقة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرّته والشقيّ من فتنته، فلا تغرّنكم هذه الدنيا فانها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها»(2).

ثم ذكّرهم الامام بنسبه العظيم:

«ألست أنا ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمّه؟

أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟

أو ليس جعفر الطيار عمي؟

أولم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي «هذان سيّدا شباب أهل الجنة؟(3) فان صدّقتموني بما أقول وهوالحق والله ما تعمدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ويضرّ به من اختلقه وإن كذّبتموني فانّ فيكم من إذا سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا

ص:142


1- مقتل المقر: 219، الدمعة الساكبة: 325.
2- مقتل المقرّم: 227.
3- البداية والنهاية: 8/ 179.

جابر بن عبدالله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم انّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي. أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟».

فقال الشمر بن ذي الجوشن:

أعبد الله على حرف إن كنت أدري ما تقول!

فقال حبیب بن مظاهر للشمر:

والله إني أراك تعبد الله على سبعين حرفاً وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما

تقول قد طبع الله على قلبك!

واستأنف الامام الحسين خطابه:

«فان كنتم في شكّ من هذا القول أفتشكون إني ابن بنت نبيّكم والله ما بين

المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم

ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال لكم استهلكته أو بقصاص

جراحة؟».

وساد الصمت على الجميع ولم يصدر عنهم جواب، فنادى بأعلى صوته:

«یا شبث بن ربعي ویا حجار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ویا زید بن الحارث! ألم تكتبوا إليّ أن أقدم قد أينعت الثمار وأخضرّ الجناب وإنّما تقدم على جند لك مجنّدة:».

فقالوا:

لم نفعل.

فقال الامام:

ص:143

سبحان الله! بلى والله لقد فعلتم».

ثم قال:

«أيها الناس! اذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من الأرض!».

فصاح قيس بن الأشعث:

أولا تنزل على حكم بني عمّك؟ فانهم لن يروك إلّا ما تحب ولن يصل إليك

منهم مكروه.

فقال له الحسين وذکّره بغدر أخيه بمسلم بن عقیل:

«أنت أخو أخيك، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟».

ثم وجه الامام الحسين نداءه إلى الجميع:

«لا والله لا أعطيهم بيدي اعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد(1).

عباد الله «وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ»(2) «عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ»(3).

وراح الجيش يزحف نحو معسكر الامام وكان من بينهم رجل يدعى

عبدالله بن حوزة التميمي فصاح:

أفيكم حسین؟

فلم يجبه أحد وفي المرّة الثانية أجابه أصحاب أبي عبدالله:

هذا الحسين فما تريد؟

ص:144


1- تاریخ الطبري: 4/ 323.
2- الدخان: الآية 20.
3- غافر: الآية 27.

فصاح:

یا حسین أبشر بالنار.

فأجاب الامام:

«كذبت بل أقدم على ربّ غفور کریم مطاع شفيع. فمن أنت؟».

قال ابن حوزة:

أنا ابن حوزة.

فرفع الامام الحسين يديه إلى السماء وقال:

«اللهم حزه إلى النار!».

فغضب ابن حوزة وأقحم الفرس إليه وكان بينهما نهر (جاف) فسقط من فوق الفرس لكن قدمه ظلت عالقة في الركاب وراحت الفرس تجول به حتی انقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقي جانبه الآخر معلّقاً بالركاب وأخذت الفرس تضرب به کل حجر وشجر وألقته في النار المشتعلة في الخندق(1) فاحترق بها ومات.

فخر الحسین ساجداً حامداً على اجابة دعائه وقال:

اللهم أنّا أهل بیت نبيك وذريته وقرابته فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقنا انك

سميع قريب.

صاح محمد بن الأشعث:

أي قرابة بينك وبين محمد؟

فقال الحسين وهو ما يزال في دعائه:

ص:145


1- الكامل: 4/ 66.

«اللهم إن ابن الأشعث يقول ليس بيني وبين محمد قرابة اللهم أرني في هذا

اليوم ذلاً عاجلاً».

فاستجاب الله عزوجل دعاء الامام إذ ان ابن الأشعث خرج من العسكر ليقضي حاجته فلما نزل عن فرسه اذا بعقرب أسود يلسعه فمات في الحال متلوثاً في ثيابه بادي العورة(1).

وخرج زهير بن القين فألقى خطابه في جيش العدو وحذّرهم من محاربة ابن بنت رسول الله وخرج بعده بریر وهو من شيوخ القراء فألقى بهم كلمة مؤثرة.

6- الخطبة الثانية للامام الحسين في يوم عاشوراء

وركب الامام الحسين فرسه وأخذ المصحف الشريف فنشره على رأسه

ووقف قريباً من الجيش ونادئ:

«یا قوم إنّ بيني وبينكم كتاب الله وسنة جدّي رسول الله»(2).

ثم استشهدهم عن نفسه المقدّسة وما عليه من لامة النبي وعمامته

وسيفه فأجابوه بالتصديق فسألهم:

فما الذي أقدمكم على قتلي؟

قالوا:

طاعة للأمير عبیدالله بن زیاد(3).

فقال:

ص:146


1- روضة الواعظين: 1/ 185.
2- تذکرة الخواص: 227.
3- مقتل المقدم: 233.

«تباً لكم أيتها الجماعة وترحا، أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدونا وعدوكم(1)، فأصبحتم إلبا لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم...».

ثم قال في ختام خطبته:

«ألا وأن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة

يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبيّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.

ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلّة العدد وخذلان الناصر»(2).

ثم أنشد أبيات بن مسيك المرادي:

فان نَهزم فهزّامون قدما *** وإن تهزم فغير مهزّمینا

وما أن طبنا جبن ولكن *** منایانا ودولة آخرينا

اذا ما الموت يرفع عن أناس *** كلاكله أناخ بآخرینا

فقل للشامتين بنا أفيقوا *** سيلقى الشامتون كما لقينا(3)

الامام الحسين يختتم خطبته بهذا الدعاء

رفع الامام الحسين يديه إلى الدعاء وذلك بعد أن بشّر هم بسوء العاقبة

ص:147


1- تاریخ دمشق، مجلد الامام الحسين: 216.
2- مقتل الخوارزمي: 2/ 7.
3- اللهوف: 116.

وما سيلقونه بعد استشهاده:

«اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبّرة، فانهم كذبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك المصير»(1).

حروب العرب يومذاك

اعتاد العرب في حروبهم على ما يلي:

1- المواجهة الفردية: حيث يقوم بعض الرجال بتوسط ميدان الحرب وقد اصطف الفريقان فيطلب البراز من الجانب الآخر فمن قبل التحدّي خرج وتبارز معه، وقبل المواجهة يعرّف كلّ رجل نفسه ثم يشتبكان.

2- هجوم بعض الكتائب أو القيام بالهجوم العام: وعادة ما تسبقه المبارزة

الفردية ثم يبدأ الاشتباك على نطاق أوسع بهجوم أحد الفريقين على الآخر.

وقد اعتاد النبي صلى الله عليه و اله وآل بيته عدم البدء بالهجوم في كل الظروف ففي معارك بدر واُحد وخيبر والخندق وحنين وغيرهما من الحروب كانت البداية مع المواجهات الفردية.

غير انه في يوم عاشوراء بدأ عمر بن سعد بالهجوم العام منتهكاً التقاليد

السائدة آنذاك.

ويستفاد من مدونات المقاتل التي أرخّت لما جرى يوم عاشوراء ان العدو قام به ثلاث هجمات عامّة: 1- قبل خروج الحرّ و طلبه البراز مع العدو.

ص:148


1- بحار الأنوار: 45/ 10.

2- قبل استشهاد مسلم بن عوسجة.

3- قبل صلاة الظهر.

بدء الحرب

تقدم عمر بن سعد أمام جيشه ثم وضع سهماً في قوسه ورمی به نحو معسکر الامام الحسين وكانت راية الجيش مع «ذوید» مولی ابن سعد، ولما رمی بالسهم صاح عمر:

اشهدوا لي عند الأمير اني أول من رمی(1).

وانطلقت سهام الجيش وراحت تتساقط على معسكر الامام كالمطر

فلم يبق أحد من أصحاب الامام إلّا أصابه سهم(2).

فقال الامام الحسين لأصحابه:

قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابدّ منه فان هذه السهام رسل القوم

إليكم.

فشنّ أصحاب الإمام هجوماً قوياً واشتبكوا مع تلك الحشود الضخمة واستمر القتال ساعة وتصاعد غبار المعركة إلى السماء فما انجلت غبرة المعركة إلّا عن خمسين صريعاً من أصحاب الحسين.

وبعد هذا الاشتباك بدأت المبارزة الفرديّة حيث خرج يسار مولى ابن زیاد

بن أبیه وسالم مولى عبيدالله بن زیاد وطلبا البراز.

ص:149


1- البداية والنهاية: 8/ 181.
2- مقتل المقرم: 237.

فنهض عبدالله بن عمير الكلبي من بني عليم وكنيته أبو وهب فاستأذن

الامام في قتالهما فأذن له وقال:

أحسبه للاقران قتّالا. وما أسرع ان قتلهما معاً.

وأخذت زوجته أم وهب عموداً وأقبلت نحو زوجها وهي تقول:

فداك أبي وأمّي قاتل دون الطيّبين من ذريّة محمد فناداها الحسين:

جزيتم عن أهل بیت نبیکم خيراً؛ ارجعي إلى الخيمة فانه ليس على النساء

قتال(1).

واستمرت المواجهة الفرديّة وكان أصحاب الإمام ينتصرون على أعدائهم فامتنعوا عن مواجهتهم.

وقام الجناح الأيمن في جيش العدو بقيادة عمرو بن الحجاج بالهجوم على ميمنة الامام فثبتوا وحثوا على الركب وأشرعوا الرماح واستشهد بعض أصحاب

الامام.

ثم هجم عمرو بن الحجاج من نحو الفرات وفي هذا الهجوم استشهد مسلم

بن عوسجة.

والهجوم الثالث للاعداء قام الجناح الأيسر بقيادة شمر بن ذي الجوشن

فهاجم میسرة الامام الحسين فثبتوا له حتی کشفوهم.

وفي الهجوم الرابع قتل عدد من أصحاب الامام الحسين وأدّى الأمام

صلاة الظهر وبعد أن استشهد حبيب وزهير ونافع.

ص:150


1- تاريخ الطبري: 4/ 327.

مقام الشهداء

«وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(1).

روي عن النبي انه قال: «فوق كلّ ذي برّ برّ حتّى يقتل المرء في سبيل الله

فليس فوقه بر(2) وانه لا قطرة أحب من قطرة دم تسقط من شهيد في سبيل الله»(3).

وللشهيد سبع کرامات:

1- ان أول قطرة من دمه تسقط تغسل كل ذنوبه.

2- ان حورية في الجنة تستقبل الشهيد و تضع رأسه في حجرها و تزيل عن

وجهه غبار المعركة وتقول له: مرحباً بك وهو أيضاً يرحب بها.

3- يخلع عليه من ثياب الجنة.

4- ان خزنة الجنة يتسابقون في تقديم طاقات الرياحين وما بقات الورد

إليه.

5- انه الشهيد برئ مكانه في الجنة.

6- يقال لروح الشهيد انطلق إلى أي مكان في الجنة تحب.

7- الشهيد ينظر إلى وجه الله ويحضر برضا الأنبياء.

وجاء في الروايات:

8- ان الشهداء يتوسدون أجنحة من النور.

ص:151


1- آل عمران: الآية 169.
2- الخصال: 1/ 9.
3- بحار الأنوار: 100/ 14.

9- تضرب لهم قبب خضراء عند أبواب الجنة ويحمل إليهم رزقهم صباحاً ومساءً منها (في البرزخ).

10- ما من مؤمن رحل عن الدينا وأحب العودة إليها حتى لو وهب نعیم

الدنيا كلّة إلّا الشهيد فانه يحب العودة إلى الدنيا ليقتل في سبيل الله مرة أخرى.

ان أفضل الشهداء مقاماً و منزلة هم أصحاب الحسين فهم سادة الشهداء كما جاء في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه واله ان عصبة من المسلمين تنصر ابني الحسين وهم سادة الشهداء يوم القيامة(1).

الشهود والشهادة

الشهود والشهادة في اللغة لها معنيان:

1- الحضور في مكان (يعني الرؤية والمشاهدة).

2- الشهادة بمعنى الأدلاء بالشهادة يعني رؤية حادثة معينة ثم ادلاء

بالشهادة يعني برؤيتها.

من هنا فان النبي الأكرمة والأئمّة ع يقال لكل منهم «شهید» في حياته(2) ذلك أنهم يرون أعمال الخليقة أي ان المعصومين كانوا شهداء على الخلق ومازالوا(3).

أما الشهادة في الاصطلاح العرفي لدى المجتمع الاسلامي فهي بمعنی

ص:152


1- بحار الأنوار: 36/ 253.
2- المصدر نفسه: 16/ 130.
3- المصدر نفسه: 23/ 351.

الشهود يعني لقاء الله عزوجل وهذه الحالة خاصّة بمن يجود بنفسه في سبيل الله

عزوجل.

تتحقق الشهادة بثلاثة شروط

1- الهجوم أو الدفاع بأمر النبي أو الامام المعصوم.

2- ان الجندي يهدف من وراء القتال رضا الله سبحانه فقط بعيداً عن أي هدف مادي.

3- أن يكون لمقتله فائدة للدين.

خصائص شهداء كربلاء

من المعروف ان عدد شهداء کربلاء هم 72 شهیداً(1) الّا انه قد ورد في زيارة الناحية المقدسة وهي الزيارة المنسوبة للامام الهادي أسماء 87 شهیداً(2).

بعض خصائصهم

1- بلغ من شدّة ولههم وعشقهم الالهي انهم لم يكونوا يشعرون بألم السيوف

ووجع السهام.

قال أمير المؤمنین: «لا يجدون ألم مس الحديد»(3).

ص:153


1- الأخبار الطوال: 378، البداية والنهاية: 8/ 178.
2- بحار الأنوار: 101/ 269 - 274.
3- المصدر نفسه.

2- ان الله عزوجل هو من يقبض أرواحهم وذلك بالاستناد إلى حديث النبي إلى أم أيمن «واذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولّى الله عزوجل قبض أرواحها بيده»(1).

3- ان شهداء کربلاء على منزلة رفيعة وأسمى درجة من كل الشهداء الذين

قتلوا في ركاب الأنبياء والأوصياء.

قال الامام الحسين في ليلة عاشوراء:

«فاني لا أعلم أصحابأ أوفي ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من

أهل بيتي».

4- ان شهداء كربلاء رأوا أماكنهم ودرجاتهم في الجنّة قبل استشهادهم وقد ورد في زيارة الناحية المقدسة: «أشهد لقد كشف الله لكم الغطاء ومهّد لكم الوطاء وأجزل لكم العطاء»(2).

5- ان أصحاب الامام الحسين هم وحدهم الذين قاتلوا العدو وهم يعلمون

تماماً بأن مصيرهم سوف يكون القتل ومع ذلك فقد قاتلوا بكل بسالة.

6- جاء في بعض الأخبار انهم نهلوا في ليلة عاشوراء جرعات من ماءالكوثر.

روى أبو الحسن سعيد بن هبة الله المعروف ب-«القطب الراوندي» بسنده عن الامام الباقر ان الامام الحسين حدث أصحابه قبل استشهاده وقال لهم بأن رسول الله أخبره بأنه يقتل في أرض العراق وهي أرض الانبياء وأوصياء

ص:154


1- کامل الزيارات: 264.
2- الارشاد للمفيد: 2/ 91.

الأنبياء يتلاقون في تلك الأرض وانه يستشهد في هذه الأرض مع جمع من أصحابه ان الله عزوجل سيجعل عليهم نار الحرب برداً وسلاماً ثم قال لهم الامام والله اذا قتلونا فاننا سنرد على النبي

إلى آخر الحديث(1).

ان العشق اذا وصل الى حدّ الهيام يفقد العاشق حسّه ويصبح ولهاناً ولا

يشعر بألم ما يؤلم.

وقد ورد في کشکول الشيخ البهائي انه ذهب يوماً الى قبيلة من القبائل فرأى شاباً عاشقا وقد أضرّ به العشق فهو نحيف هزيل قال العاشق: انني أعشق ابنة عمّي وهو مضيّفك. فطلب الشيخ من الفتاة أن تذهب الى وصاله وألح عليها حتى قبلت فقالت له تقدم وبشره بأني قادمة اليه.

وكان الفتى العاشق جالس على الموقد وعلى الموقد قدر يفور ماؤه وكان ينظر الى الباب وينتظر فلما لاحت له محبوبته ذهل عن نفسه ومدّ يده الى داخل القدر بدل الملعقة وما أحسّ بألم الاحراق. وقد جاء في القرآن الكريم في قصّة يوسف كيف قطعت النسوة أيديهن لما

رأينه «فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ»(2).

وهكذا أصحاب الحسين فقد كانوا متيمين ولهانين قد هاموا بلقاء المحبوب فما شعروا بألم الضراب والطعان والسيوف تأخذهم والسهام تنبت في أجسادهم(3).

ص:155


1- بحار الأنوار: 101/ 274.
2- يوسف: الآية 31.
3- بحار الأنوار: 45/ 80.

فهرست بمشاهير الشهداء

وهم الشهداء الذين أشرنا إليهم وأكبر الظن انهم استشهدوا بحسب التسلسل ادناه طبعاً مع الإشارة إلى ان الهجوم الأول أوقع منهم خمسين صريعاً:

1- الحر الرياحي.

2- بریر بن خضير.

3- وهب.

4- مسلم بن عوسجة.

5- حبیب بن مظاهر.

7- زهير بن القين

8- أبو ثمامة الصائدي.

9- نافع بن هلال الجملي.

10- عابس بن شبيب.

11 و 12- عبدالله وعبدالرحمان الغفاریان.

13- أنس بن کاهل.

ثم أعقب ذلك استشهاد جون وسنذكره ضمن الغلمان.

14- الحجاج بن مسروق الجعفي.

15- جندي مجهول جاء في بعض الروايات ان اسمه عمرو بن جنادة

وأعقبه غلام تركي سنورد اسمه ضمن الغلمان.

16- سوید بن عمرو.

17- الهفهاف.

ص:156

الحر و الحریّه

الحريّة من الكلمات الفاتنة حيث المراد منها في العصر الحاضر حرّية

الاعتقاد، حرية الرأي، حريّة العمل.

ومن ذلك موارد:

1- انتخاب السكن.

2- انتخاب العمل.

3- انتخاب الزوج.

4- الملكية الخاصّة وحق التصرف بالمال الفردي.

الّا ان دائرة الحريّة في الاسلام أوسع من ذلك بكثير:

أولاً: التحرر من أسر الخرافات وعبادة الأصنام.

«وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ»(1).

ثانياً: التحرر من أسر الأهواء النفسيّة واتباع العقل.

ثالثاً: التحرر من أسر الدنيا، بحيث يعتبر الانسان نفسه أسمى من الدنيا وأن

لا يكون عبداً للمال والجاه.

رابعاً: التحرر من كل اشكال التعصّب الفكري والانطلاق في آفاق التفكير

خاصّة عند تشخيص الحقيقة.

خامساً: التحرر من كل اشكال العبوديّة لغير الله عزوجل لأن في العبوديّة لغير الله ذلّ أما العبوديّة لله فهي لا تخلو من الذل فحسب بل أنها مفعمة بالمجد والعزّة والكرامة لأن عزوجل وجود مطلق لا نهائي، قدیم عظیم قوي عزيز وهو

ص:157


1- الأعراف: الآية 157.

الكمال المطلق.

قال الامام علي: «كفى لي فخرا أن أكون لك عبداً»(1).

وان من أبرز المصادیق للحرية هو الحر بن یزید الرياحي فلقد جسّد الحرّية اسماً و معنىً وموقفاً وكان من الأحرار في الدنيا وفيما يلي نبذة عن الحر الرياحي.

الحر بن يزيد الرياحي

كان الحرّ الرياحي من ذوي الفكر الحر.

مزايا الحر، توبة الحر، شهادة الحر.

مزايا الحر

1- انه لم يتأثر مطلقاً بكل الحملات الاعلاميّة المضللة.

2- كان في غاية الأدب والخلق الرفيع في سلوكه وتعامله مع الامام

الحسين منذ أولى لحظات اللقاء في تلك الصحراء وحتى لحظات توبته.

وبالرغم من أنه كان في مهمة عسكرية رسمية من قبل عبيدالله بن زیاد،

وكان في جانب العدو الّا انه صلّي مع أفراد جيشه خلف الامام الحسين.

وخلال حركة الركب الحسيني تدخل الحر واعترض مسار القافلة ثلاث مرّات حتى ان الامام قال له: ثكلتك أمّك، إلّا انه التزم حدود الأدب ولم يردّ على الامام الّا بأحسن القول.

ص:158


1- بحار الأنوار: 38/ 340.

3- تفتق ذهنه عن حلّ للمشكلة فاقترح على الامام طريقاً وسطاً لا يؤدي الى الكوفة ولا إلى المدينة المنورة، ولم يقل ان المأمور معذور بل ترك الطريق مفتوحاً أمام الامام الحسين.

4- انه اطغى إلى خطاب الحسين ووقف منه موقف الانصاف ثم جسّده

فيما بعد.

5- عندما لجأ إلى معسكر الامام الحسين وأعلن توبته خامره احساس

عمیق بالخجل ولم يجد سوى الشهادة طريقاً للتكفير عن خطيئته.

الحر يلتحق بأبي الأحرار

ذكر الشيخ المفيد ما خلاصته: ان الحر بن یزید الرياحي لما سمع خطب

الامام الحسين والقائه الحجج الدامغة جاء إلى عمر بن سعد وقال له:

أمقاتل أنت هذا الرجل؟

قال ابن سعد:

اي والله قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي.

قال الحر:

ما لكم فيما عرضة عليكم من الخصال؟

فقال عمر بن سعد:

لو كان الأمر إليّ لفعلت ولكن أميرك ابن زیاد يأبى ذلك.

فتركه الحر وذهب إلى مكان آخر وكان إلى جانبه قرّة بن قيس فقال له

الحر:

ص:159

هل سقیت فرسك اليوم؟

قال قرّة:

لا.

قال الحرّ:

فهل تريد أن تسقيه؟

فظن قرّة ان الحر یرید اعتزال الحرب ويكره أن يراه أحد.

فتركه الحرّ ثمّ أخذ يدنو من معسكر الامام الحسين قليلاً قليلاً فقال له

المهاجر بن أوس:

أتريد أن تحمل؟

فسكت الحر وأخذته الرعدة، وشعر المهاجر بالدهشة لأن الحرّ معروف

بشجاعته وصلابته فقال له:

لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الذي أراه منك؟ فقال الحر: وصوته يرتعش:

اني أخيّر نفسي بين الجنّة النار، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً.

ثم ان الحرّ ضرب جواده وانطلق نحو معسكر الامام الحسين فنکس رمحه وقلب ترسه وطأطأ برأسه حياءً من آل النبي صلى الله عليه واله وقطعه الطريق عليهم حتى جاء بهم الى هذه البيداء حيث لا ماء ولاكلاء ونادي الحر عالياً:

اللهم إليك أنيب فتب عليّ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيّك.

ثم نادی: يا أبا عبدالله! إني تائب فهل لي من توبة؟

ص:160

فناداه الامام الحسين:

نعم يتوب الله عليك.

وقال له:

لقد أصبت خيراً وأجراً.

ثم استأذن الحر الامام الحسين في أن يكلم القوم فأذن له، فتقدم إليهم وندد

بموقفهم من أبي عبدالله(1).

فحملوا عليه يرمونه بالسهام فتراجع ووقف إلى جانب الامام.

استشهاد الحر

ذکر أرباب المقاتل بانه قال للامام الحسين: أنا أول من وقف في

طريقك فأذن لي أن أكون أوّل من يقتل بين يديك.

ومراده أول من يقتل في المبارزة الفرديّة.

وهمز الحر فرسه و هجم وكان زهير بن القين يحمي ظهره فكان إذا شدّ أحدهم والتفوا حوله شدّ الآخر واستنقذه واستمر القتال ساعة وان فرس الحر لمضروب على أذنيه وحاجبيه والدماء تسيل منه وكان يتمثل بقول ابن شداد العبسي:

ما زلت أرمیهم بثغرة نحره *** ولبانه حتی تسربل بالدم

وجاء سهم فضرب الفرس فشبت به فوثب عن فرسه كالليث وراح يقاتل راجلاً حتى قتل أكثر من أربعين من أعدائه وهجمت عليه الرجّالة وتكاثر عليه

ص:161


1- الارشاد للمفيد: 2/ 100.

الأعداء فوقع على الأرض صريعاً فحمل أصحاب الامام الحسين واستنقذوه وجاءوا به إلى فسطاط الشهداء وكان. به رمق من الحياة وجلس الامام عنده وراح يمسح الدم عنه وقال له: أنت الحر كما سمّتك أمّك، وأنت الحرّ في الدنيا وسعيدٌ في الآخرة.

وأنشأ الامام الحسين لة بيتين في رثائه:

لنعم الحر حرّ بني ریاح *** صبور عند مشتبك الرماح

ونعم الحر إذ فادى حسينا *** وجاد بنفسه عند الصباح(1)

وقيل ان الحرّ قال للامام الحسين وهو يجود بنفسه:

أرضيت عنّي يابن رسول الله؟

فقال الامام:

رضي الله عنك.

فابتسم الحرّ وأغمض عينيه وبكاه أصحاب الامام الحسين وبعدها هجم ابنه وغلامه التركي على الأعداء فقاتلا حتّى وقعا على الرمال شهیدین(2).

ذكر المرحوم السيد نعمة الله الجزائري ان الشاه اسماعيل الصفوي بعد فتحه بغداد توجّه لزيارة الامام الحسين في كربلاء وكان الشاه اسماعیل سمع بأن الامام الحسين ضمد جبهة الحر بمنديل فأمر بفتح القبر ولما فتح القبر رأوا جسده طرياً ورأسه معصوباً بالمنديل فلما فتحوا عن جبهته المنديل سال الدم فعصبوه بمنديل آخر فلم يتوقف النزف فأفطروا إلى أن يعصبوه بنفس المنديل.

ص:162


1- مناقب ابن شهرآشوب: 4/ 109.
2- الأمالي للشيخ الصدوق: 136.

ولما رأی شاه اسماعيل هذه الكرامة أمر بأن يبنوا فوق القبر قبة كبيرة وأن

يعيّن للقبر خادم يتولّى الخدمة(1).

بریر بن خضير

كان بریر بن خضير الهمداني شیخاً زاهداً قارئاً للقرآن ومن شيوخ القراء في جامع الكوفة، وكان في الكوفة لما سمع بأن الامام الحسين عزم على مغادرة مكّة إلى الكوفة غادر الكوفة باتجاه مكّة والتحق بقافلة الامام الحسين في بداية الطريق. وفي ليلة عاشوراء مازح بریر، عبدالرحمن الأنصاري فقال له عبدالرحمن معاتباً:

ما هذه ساعة مزاح ولا ساعة باطل!!

فقال برير:

لقد علم قومي ما أحببت الباطل کهلاً ولا شاباً ولكني مستبشر بما نحن لاقون والله ما بيننا وبين الحور العين إلّا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ولوددت أنهم مالوا علينا الساعة(2). قال أبو مخنف لما برز برير الى الميدان ناداه یزید بن معقل:

یا بریر! كيف ترى صنع الله بك؟

فأجابه بریر:

صنع الله بي خيراً وصنع بك شرّاً.

ص:163


1- أجساد جاویدان (الأبدان الخالدة): 52.
2- رجال الكشي: 79.

فقال يزيد:

كذبت وقبل اليوم ما كنت كذاباً .. أتذكر يوم كنت أماشيك في «بني لوذان »

وأنت تقول: كان معاوية ضالاً وإن إمام الهدئ علي بن أبي طالب؟

قال بري:

بلى أشهد أن هذا رأيي.

فقال يزيد: وأنا أشهد انّك من الضالّين.

فدعاه برير إلى المباهلة، فرفعا أيديهما إلى الله سبحانه يدعوانه أن يلعن

الكاذب ويقتله(1).

ثم تبارزا وتضاربا فضربه برير على رأسه ضربة قدّت المغفر والدماغ فخرّ كأنما هوی من شاهق وسيف بریر ثابت في رأسه وبینا هو يريد أن يخرج سيفه هجم عليه ابن منقذ العبدي فتصارعا فصرعه برير وجلس على صدره فاستغاث ابن منقذ بأصحابه فحمل عليه رجل أزدي فصاح به رفيقه:

هذا بریر بن خضير القارئ الذي كان يقرؤنا القرآن في جامع الكوفة.

ولكن الرجل الأزدي لم يلتفت إلى ذلك وطعن برير في ظهره ثم ضربه آخر

بالسيف واستشهد وكان قد قتل من أعدائه أكثر من ثلاثين رجلاً(2).

ص:164


1- تاريخ الطبري: 4/ 328.
2- فرسان الهيجاء: 1/ 46.

شهادة أبي وهب وزوجته

كان أبو وهب يعيش مع أمّه «قمر» وزوجته «هانية» في خيمة في فلاة الثعلبية وهو أحد المنازل التي توقفت فيها قافلة الامام الحسين وكان وأسرته يدينون بدين النصرانية وكان وهب شابّاً قويّاً يرعى الغنم وقد تزوج حديثاً فذهب مع زوجته يرعيان غنمهما وبقيت أمّه في الخيمة.

ولما مرّ الامام الحسين بالثعلبيّة ونزل فيها رأي من بعيد خيمة فتوجه إليها فرأى امرأة عجوز فسألها عن أحوالها فشكت إليه ندرة الماء في هذه الفلاة.

فذهب الامام الحسين جانباً على مقربة من الخيمة وكانت في المكان صخرة صماء فعالجها الامام حتى ازاحها، فاذا تحت الصخرة عين ماء عذب ففرحت المرأة العجوز بذلك وشكرت الامام وهي لا تعرف عنه شيئاً.

قال الامام لها: إننا نحتاج إلى من يعيننا فاذا جاء ولدك فقولي له يلتحق بنا.

وانصرف الامام، ولما جاء ابنها ومعه زوجته ووقعت عيونهما على عين الماء تعجّبا فقصّت عليهما خبر ذلك الرجل المبارك ثم أبلغت ابنها مقالته وطلبه العون.

وما أسرع أن اتفقوا على الالتحاق بالقافلة فتجهزوا وراح وهب يتقصى

آثارها، حتى التحقوا بالقافلة قريباً من أرض كربلاء.

وفي يوم عاشوراء قالت الأم لولدها:

انهض وانصر ابن رسول الله.

فنهض وهو يقول: سمعاً وطاعة يا أمّاه.

وشق على هانية فراق زوجها وتعلّقت به لئلّا ينساها إذا رزقه الله الجنة وما

ص:165

فيها من حور العين.

فأخذت بيده وانطلقت به نحو الامام وطلبت منه حاجتين أولاهما أن زوجها إذا استشهد فانها تكون مع نسوة الامام وأهل بيته والثانية ألّا ينساها زوجها في الجنة(1).

فبكى الامام حتى سالت دموعه ودعا لهما ثم أن أبا وهب استأذن الامام في أن يحمل فأذن له فهجم على العدو کاللیث وراح يقاتل قتال الأبطال فقتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً وعاد إلى أمّه وقال لها:

أرضيت يا أمّاه؟

فقالت لا، حتى تقتل في الذبّ عن حرم رسول الله.

فعاد إلى الميدان وقاتل وتكاثروا عليه فقطعوا يده اليمنى وقطعوا اليسرى

ثم ساقه فوقع على الأرض وأخذوه أسيراً وقتل صبراً.

فمشت إليه زوجته هانية «أم وهب» وجلست عند رأسه تمسح الدم عنه

وتقول:

هنيئاً لك الجنّة أسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك.

فقال الشمر لغلامه رستم:

اضرب رأسها بالعمود.

فشدخ رستم رأسها واستشهدت في الحال وهي أول امرأة قتلت من

أصحاب الحسين.

وقطعوا رأسه ورموا به إلى جهة معسكر الامام، فأخذته أمّة ومسحت الدم

ص:166


1- فرسان الهيجاء: 2/ 137.

عنه ثمّ أخذت عمود خیمة وتوجّهت نحو الاعداء فردها الحسين وقال لها:

ارجعي رحمك الله فقد وضع عنك الجهاد.

فعادت وهي تقول:

اللهم لا تقطع رجائي.

فقال:

لا يقطع الله رجاك(1).

وكان لابنها من العمر يوم استشهد 25 سنة وقد مرّ على عرسه وزواجه 17

يوماً و علن اسلامه 10 أيام فقط.

مسلم بن عوسجة الأسدي

وهو من عظماء الرجال وكان صديقاً مقرباً من حبيب مظاهر أو في عمره وكان رفيق دربه وكلاهما من قبيلة بني أسد، وكانا قد تسللا من الكوفة معاً والتحقا بالامام الحسين.

عشق الحق وذاب فيه ولهذا تفاني في الدفاع عن الامام الحسين

ونصرته لأن الحقيقة الحق يتجسدان فيه.

وكان عمرو بن الحجاج لما حمل من نحو الفرات هب مع أصحابه واشتبكوا

مع العدو فقاتل قتالاً شديداً على كبر سنه و شيخوخته.

فشد عليه رجلان فقاتلهما وثار الغبار لشدّة الجدال والقتال فما انجلت

الغبرة إلّا ومسلم صريع على الأرض و به رمق.

ص:167


1- أمالي الشيخ الصدوق: 137.

فتوجه إليه الحسين ومعه حبیب بن مظاهر فقال له الامام:

رحمك الله يا مسلم.

ثم تلا قوله تعالى: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا»(1).

وجلس عنده حبيب وقال له:

عزّ عليّ مصرعك يا مسلم! أبشر بالجنّة.

فقال مسلم بصوت ضعيف:

بشّرك الله بخير(2).

قال حبيب: لو لم أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إليّ بما أهمك.

فقال مسلم وهو يشير إلى الامام الحسين:

أوصيك بهذا أن تموت دونه.

فقال حبيب:

أفعل وربّ الكعبة.

ثمّ فارقت روحه الطاهرة(3).

ص:168


1- الأحزاب: الآية 23.
2- الارشاد للمفيد: 2/ 103.
3- تاريخ الطبري: 4/ 331.

أبو ثمامة الصائدي وصلاة الظهر يوم عاشوراء

والتفت أبو ثمامة الصائدي إلى الشمس قد زالت فقال للامام أبي عبدالله

الحسين:

نفسي لك الفدا اني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، لا والله لا تقتل حتى أقتل

دونك وأحب أن ألقى الله وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها(1).

فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال:

ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاکرین، نعم هذا اوّل وقتها.

والتفت إلى بعض أصحابه وقال:

سلوهم أن يكفّوا عنا حتّى نصلّي.

فسألوهم وطلبوا منهم ايقاف القتال، فصاح الحصين بن نمیر.

انها لا تقبل.

فأجابه حبیب بن مظاهر:

ص:169


1- مقتل الخوارزمی: 2/ 17.

زعمت أنها لا تقبل من آل الرسول وتقبل منك يا حمار.

فهجم ابن نمير على حبيب فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف فشبّت به

الفرس ووقع على الأرض واستنقذه أصحابه فحملوه(1).

وقام الامام الحسين إلى الصلاة وتقدم أمامه زهیر بن القين وسعيد بن

عبدالله الحنفي في نصف أصحابه للدفاع(2).

ومنذ صباح يوم العاشر (عاشوراء) وحتى حلول وقت صلاة الظهر استشهد نصف أصحاب أبي عبدالله وصلّى النصف الآخر صلاة الظهر مع الامام.

شهادة سعيد بن عبدالله الحنفي

وجاء في بعض الروايات ان سعید بن عبدالله جعل من نفسه درعاً(3) للامام

حتّى يصلّي وكان يتلقى السهام بجسمه وانه لما اثخن بالجراح هوئ على الأرض صريعاً وهو يقول:

اللهم العنهم لعن عاد و ثموت وأبلغ نبيك مني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني أردت بذلک ثوابک في نصرة ذریّة نبیّک(4).

ثم التفت الى الامام الحسين قائلاً:

ص:170


1- تاريخ الطبري: 4/ 334.
2- الملهوف: 128.
3- تاريخ الطبري: 4/ 336.
4- مقتل الخوارزمي:2/ 17.

أوفيت یابن رسول الله؟

قال:

نعم أنت امامي في الجنة.

وفارقت روحه الطاهرة وقضى نحبه فوجد فيه ثلاثة عشر سهماً غير

الضرب بالسيف والطعن بالرمح(1).

ويبدو أن أول شهيد بعد صلاة الظهر كان سعید بن عبدالله الحنفي.

شهادة زهير بن القين

جاء في منتهى الآمال: ان زهیر تقدم لقتال الأعداء بعد استشهاد سعید

فأستأذن الامام وقد وضع يده على منكبه وقال مستأذناً:

أقدم هديت هادياً مهديا *** فاليوم ألقى جدّك النبيّا

وحسناً والمرتضى عليّا *** وذاالجناحين الفتى الكميا

وأسد الله الشهيد الحيّا

ثم هجم على الألوف وهو ينشد:

أنا زهير وأنا ابن القين *** أذودكم بالسیف عن حسین

ان حسيناً أحد السبطين *** من عترة البر التقي الدين

ذاك رسول الله غير المين *** أضربكم ولا أرى من شین(2)

وكان سيفه كالصاعقة تسطع وسط غبار المعارك فقتل مائة وعشرين

ص:171


1- اللهوف: 128.
2- مقتل المقرم: 246.

وتكاثروا عليه من كل جانب حتى هوى على الأرض شهيدا وترحم عليه الامام قائلاً:

لا يبعدنك الله يا زهیر ولعن قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير.

وكان زهير قائداً للميمنة لما اصطف أصحاب الامام الحسين

للحرب(1).

وفي صلاة الظهر تقدم ليحمي الأمام أثناء أداء الصلاة(2).

شخصيّة حبيب بن مظاهر الأسدي

كان حبیب بن مظاهر الأسدي قد استأذن الامام الحسين في ليلة الثامن أو التاسع من المحرم أن ينطلق إلى طائفة من قبيلته بني أسد فأذن له الامام فذهب إليهم وانتسب لهم فعرفوه وحثهم على نصرة سبط رسول الله في كربلاء فجاء معه تسعون منهم ولكن العدو قطع عليهم الطريق ومنعهم من التوجه إلى کربلاء فعادوا إلى مضاربهم وارتحلوا إلى مكان آخر و عاد حبيب وحيداً إلى کربلاء فقال الامام الحسين:

لا حول ولا قوّة إلّا بالله(3).

وقد استشهد حبیب بعد شهادة زهير بن القين، وكانت شهادة أبو ثمامة

الصائدي في هذا الوقت أيضاً.

ص:172


1- مقتل الخوارزمي: 2/ 20.
2- مقتل المقرّم: 247.
3- فرسان الهيجاء: 1/ 142.

نافع بن هلال الجملي

وهو من كبار الشخصيات في كربلاء كان شاباً في غاية الوسامة مديد القامة وكان شجاعاً قوياً آتاه الله بسطة في الجسم والعلم فقد كان قارئاً للقرآن وكان يكتب الحديث النبوي وقد أدرك أمير المؤمنین وسمع حديثه التقى الامام الحسين وهو في طريقه من مكة إلى الكوفة وذلك قبل استشهاد مسلم بن عقیل (وصول خبر استشهاده إلى الأمام).

وفي يوم السابع من المحرم وقد اشتدّ العطش بالأطفال والنساء من آل الرسول أمر الامام الحسين أخاه العباس أن يستقي للحرائر والصبية وضم إليه ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً مع عشرين قربة وقصدوا نهر الفرات في الليل وتقدم نافع بن هلال الجملي باللواء.

فصاح عمر بن الحجاج:

من الرجل؟

فقال نافع:

جئنا لنشرب من هذا الماء الذي حلأتموه عنّا.

فقال الحجاج: اشرب هنيئاً ولا تحمل إلى الحسين منه.

قال نافع:

لا والله لا أشرب منه قطرة والحسين ومن معه من آله وصحبه عطاشى.

وصاح نافع بأصحابه:

املأوا أسقيتكم.

ص:173

وهجم عليه الاعداء فاشتبك معهم ومعه بعض أصحابه والمشاة يملأون

القرب فعادوا بالماء إلى المخيم(1).

وكان نافع قد عقد عروسه ولم يزف إليها فلما أراد الالتحاق بالامام تعلّقت

به وبکت فأذن له بالانصراف مع أهله وجعله في حلّ من بيعته، فقال نافع:

أأخلي عنك؟ لا والله وبم أجيب جدك رسول الله غداً؟(2).

ولما هجم على الأعدأ يوم عاشوراء انشد:

إن تنكروني فانا ابن الجملي *** دیني على دين حسين وعلي

إن اقتل اليوم فهذا أملي *** فذاك رأيي وألاقي عملي(3)

فقتل اثني عشر رجلاً سوى من جُرح ولما فنیت نباله جرّد سيفه يضرب

فيهم فأحاطوه بر مونه بالحجارة والنصال قد كسروا عضديه وأخذوه أسيراً(4).

وجرّد الشمر سيفه ليضرب عنقه فقال نافع:

والله يا شمر لو کنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا فالحمد لله

الذي جعل منایانا على يدي شرار خلقه(5).

عابس بن شبيب الشاکری

كان عابس زعيماً في قومه شجاعاً شهد كربلاء مع شوذب وكان عابس من

ص:174


1- تاريخ الطبري: 4/ 312.
2- فرسان الهيجاء: 2/ 130.
3- مقتل الخوارزمي: 2/ 21.
4- تاريخ الطبري: 4/ 331.
5- البداية والنهاية: 8/ 184.

العباد المخلصين شارك في حرب صفين في ركاب علي أميرالمؤمنين وله موقف عظيم في تعبئه الناس وحثهم على مبايعة مسلم بن عقيل وقد حمل رسالته إلى الامام الحسين وكان الامام في مكة.

وفي يوم العاشر من المحرم في ظهيرة عاشوراء جاء إلى شوذب وقال له: یا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟

وكان شوذب مولن شاكر من الرجال المخصلين وداره مألف للشيعة يلتقون فيها ويتحدثون عن فضائل أهل البيت علي فلما سأله عابس ما تريد أن تصنع؟

قال:

أقاتل معك حتى أقتل.

فجزاه عابس خیراً وقال له:

تقدم بين يدي أبي عبدالله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك وحتى احتسبك فان هذا يوم نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه فسلّم شوذب على الحسين وقاتل حتى قتل(1).

فوقف عابس أمام أبي عبدالله وقال:

ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعد أعزّ عليّ منك ولو قدرت أن

أدفع الضيم عنك بشيء أعزّ عليّ من نفسي لفعلت.

السلام عليك.. أشهد اني على هداك وهدئ أبيك.

ثم تقدم نحو الأعداء شاهراً سيفه(2) و به ضربة على جبينه فنادى:

ص:175


1- نفس المهموم: 254.
2- مقتل الخوارزمی: 2/ 22.

ألا رجل؟

فأحجموا وجبنوا عن مواجهته لأنهم عرفوه أشجع الناس، فصاح عمر ارضخوه بالحجارة فأمطروه بالحجارة فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره وشدّ عليهم وانه ليطرد أكثر من مائتين(1).

ثم تعطف عليه الأعداء وتكاثروا عليه من كلّ جانب فقتل فتنازع بعضهم

على رأسه ومن الذي قتله فقال ابن سعد:

هذا لم يقتله واحد(2).

شهادة الغفاريين

وبعد استشهاد عابس الشاكري تقدّم الجابریان وهما سيف بن الحارث ومالك بن عبد وهما ابنا عم إلى الامام واستأذنا للقتال فسلّما عليه وكانا يبكيان فقال الامام:

ما يبكيكما يا ابني أخي؟ فوالله إني لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري

العين.

فقالا:

جعلنا الله فداك ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك، نراك قد أحيط بك

ولا نقدر أن نتفعك.

فجزاهم الامام خيرا فهجما على العدو وقاتلا قريباً من معسكر الامام

ص:176


1- تاريخ الطبري: 4/ 338.
2- المصدر نفسه.

حتى قتلا(1).

وبعد ذلك نهض الغفاریان عبدالرحمن وعبدالله ابنا عروة فقاتلا قريباً من

الامام حتى قتلا(2).

الصحابي أنس بن الحارث الكاهلي

وكان أنس بن الحارث شیخاً كبيراً صحب النبي وسمع حديثه وشهد معه

بدراً و حنيناً.

وقد ذكره البغوي ابن سكن، وعدلي ابن شاهين ابن زجر الباوردي وابن

مندة وأبو نعيم وآخرون في أصحاب النبي(3).

وروى عنه البخاري(4) حديث النبي مسنداً إليه عن أنس بن الحارث قال: سمعت رسول الله يقول: «إن ابني هذا يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها کربلاء فمن شهد منكم فلينصره»(5).

وله قرابة مع حبیب بن مظاهر وهو الذي أطلعه على سفر الامام إلى الكوفة وكربلاء وقد شهد معارك النبي وشارك في حرب صفين إلى جانب الامام علي.

وكان قد بلغ به الكبر وطعن في السن حتى انه كان يرفع حاجبيه عن عينيه

بالعصابة.

ص:177


1- مقتل الخوارزمی: 2/ 23.
2- الاصابة: 1/ 69.
3- مقتل الخوارزمي: 2/ 23.
4- التاريخ الكبير: 2/ 30.
5- الاصابة: 1/ 69.

فاستأذن الامام الحسين وبرز إلى الأعداء وقد شدّ وسطه بالعمامة رافعاً

حاجيبه بالعصابة ولما نظر الامام الحسين إليه بهذه الهيئة بكى وقال:

شكر الله سعيك يا شيخ.

فقتل على شيخوخته وكبر سنه ثمانية عشر رجلاً ثم هوى على الأرض

شهیداً مضمخاً بدمائه(1).

شهادة الحجاج بن مسروق

وهو مؤذن الامام الحسين وفي ظهيرة عاشوراء برز إلى الأعداء وقاتلهم أشدّ القتال حتى خضب بالدماء ثم عاد إلى الامام الحسين وهو ينشد:

اليوم ألقى جدك النبيّا *** ثم أباك ذا الندى عليا

ذاك الذي نعرفه الوصيا(2)

فقال الامام:

وأنا ألقاهما على أثرك.

ثم انطلق إلى الميدان فقاتل حتى سقط على الأرض شهیداً(3).

ص:178


1- مقتل المقرًّ: 252.
2- مقتل المقرم: 253.
3- مناقب ابن شهرآشوب: 4/ 112.

الجندي المجهول

وجاء صبي في الحادية عشرة من عمره واسمه عمرو بن جنادة الأنصاري

فاستأذن الامام الحسين للقتال فلم يوافق الامام وقال:

هذا غلام قتل أبوه في الحملة الأولى ولعلّ أمّه تكره ذلك فقال الصبي:

ان أمي هي التي أمرتني وهي التي ألبستني لامة حرب.

فأذن له الامام فخرج إلى الأعداء مصلتاً سيفه وهو يقول:

أميري حسين ونعم الأمير *** سرور الفؤاد البشير النذير

علي وفاطمة والداه *** فهل تعلمون له من نظير(1)

فما أسرع أن قتل ورمي برأسه إلى جهة الامام فأخذته أمه ومسحت الدم عنه وضربت به رجلاً قريباً منها فهلك و عادت أمه إلى المخيم فأخذت عموداً وقيل سيفاً وخرجت إلى الأعداء وهي تقول:

اني عجوز في النساء ضعيفة *** خاوية بالية نحيفة

أضربکم بضربة عنيفة *** دون بني فاطمة الشريفة(2)

فردّها الحسين بعد أن أصابت رجلين:

سوید بن عمرو اخر الشهداء في كربلاء

وكان من الزهاد وقد قاتل يوم عاشوراء حتى أثخن بالجراح وسقط على وجهه مغشياً عليه وظنّوا انه قتل، فلما استشهد الامام وسمعهم يصيحون: قتل

ص:179


1- نفس المهموم: 265.
2- مناقب ابن شهرآشوب 4/ 113.

الحسين، أخرج سكيناً كانت معه فقاتلهم بها وتعطفوا عليه من كل جانب فقتلوه وكان آخر من استشهد في كربلاء(1).

وسنذكر الهفهاف بن مهند الراسبي وقد وصل كربلاء عند الغروب قادماً من البصرة فهاجم الأعداء وذلك بعد استشهاد الامام وقاتل حتى استشهد إلّا اننا لم نورد اسمه ضمن أصحاب الإمام لأنه لم يكن في حضرة الامام.

شهادة الهفهاف بن مهند الراسبی

وكان الهفهاف فارساً شجاعاً من شيعة أهل البصرة وكان مخلصاً لأمير المؤمنين وشارك في حروبه وكانت راية بني الأزد معه في حرب صفين ولما استشهد الامام علي كان في ركاب الحسن السبط ثم في ركاب الحسين السبط الشهيد في كربلاء(2).

وكان في البصرة لما سمع بأن الامام غادر مكة إلى العراق ليلتحق بالامام الّا انه وصل كربلاء في الغروب وقد استشهد الامام الحسين وجميع صحبه وأهل بيته.

ولما رأى الأجساد المضرجة بالدماء والنيران تضطرم في مخيم أبي عبدالله

جرّد سيفه وهجم على الأعداء وقتل منهم جماعة كثيرة فصاح ابن سعد:

ویلکم احملوا عليه من كل جانب(3).

ص:180


1- مقتل المقرم: 254، اللهوف: 128.
2- مستدرکات علم الرجال: 8/ 162.
3- فرسان الهيجاء: 2/ 144.

فتكاثر عليه الأعداء فقاتلهم ببسالة حتى استشهد.

يقول الامام زین العابدین ان الأعداء لم يروا بعد أصحاب الامام شجاعاً مثل الهفهاف لم يقدر عليه شجعانهم حتى عقروا فرسه وتكاثروا عليه

حتى استشهد رحمه الله(1).

الغلمان

وعددهم ثمانية شهدوا كربلاء واستشهد بعضهم في أرض المعركة واثنان

منهم لم يستشهدوا وقد شهدا کربلاء.

1- سليمان بن أبي رزين الذي حمل رسالة الامام الحسين إلى البصرة

وقتل على يد عبیدالله بن زیاد ليلة سفره إلى مكة.

2- قارب بن عبدالله.

3- منهج بن سهم.

4- سعد بن الحارث کان غلاماً لعلي أمير المؤمنين وكان ممن يجبي

الزكاه.

5- نصر بن أبي نیزر وكان غلاماً لعلي ومن أولاد ملوك العجم وقد أسلم

صغيراً.

6- الحارث بن النبهان غلام حمزة بن عبدالمطلب سيد الشهداء وقد

استشهد في الحملة الأولى.

7- جون بن حوي النوبي غلام أبي ذر الغفاري وكان أسود اللون ومن

ص:181


1- معالی السبطين: 1/ 246.

مماليك الفضل بن عبد المطلب اشتراه علي وأهداه إلى أبي ذر وقد رافق أباذر إلى الربذة لما نفاه عثمان الى هناك والتحق بعلي بعد وفاة أبي ذر ثم التحق بالامام الحسن وبعده بالامام الحسين.

واستشهد في كربلاء عن عمر ناهز السابعة والتسعين وقد عثر على جسده بعد عشرة أيام من المعركة أي في العشرين من محرم، وقد دعا له الامام الحسين وهو في يلفظ أنفاسه الأخيره بأن يبيض وجهه ويطيب ريحه فكان كل من يمر بأرض المعركة يشم في تربته رائحة أطيب من المسك(1).

شهادة أسلم الغلام التركي

هو أسلم بن عمرو كان من غلمان الامام وكان قارئاً للقرآن عارفاً بالعربية وكان أبوه من الترك وقد جاء في مهيج الأحزان أن أسلم لما استأذن الامام الحسين للقتال قال الامام: وهبتك لابني علي

(السجاد) فانطلق إلى خيمة السجاد وكان مغشياً عليه من العلّة فبكى عند قدميه حتى بللهما ولما أفاق السجاد أخبره انه طلب الأذن للقتال وانه وهبني لك فقال السجاد:

اذهب فأنت حرّ لوجه الله.

فنهض للقتال وأنشد: البحر من طعني وضربي يصطلي *** والجو من نبلي وسهمي يمتلي

اذا حسامي عن يميني ينجلي *** ينشق قلب الحاسد المبجلي

وتكاثر عليه الأعداء وكانت الدماء تسيل من جسمه ولما أعياه النزف وقع

ص:182


1- فرسان الهيجاء: 1/ 80.

على الأرض فبادر الى الامام وطرد عنه الأعداء وكان به رمق فاعتنقه الامام فابتسم وهو يشعر بالفخر ثم فارقت روحه الطاهرة(1).

ونجا من القتل غلامان أحدهما عقبة بن سمعان(2) وهو غلام الرباب زوج

الامام الحسين والآخر علي بن عثمان وكان غلاماً لأميرالمؤمنين ويعرف ب- «علی بن عثمان المغربي» وكان قد جرح في معركة الجمل.

شهداء بني هاشم

والمشهور ان عددهم 17 أو 18 شهید قال عنهم السجاد:

ما لهم على الأرض نظير وأولهم كما ورد في زيارة الناحية المقدسة علي الأكبر وسنورد عنه

حديثاً مفصلاً فيما بعد ثم نأتي على سائر الشهداء.

وسنتحدث عن شهداء آل عقيل وبعدهم آل جعفر وأولاد الحسن السبط وأما أبو الفضل فله مقام رفيع بين الشهداء وهو أفضلهم وسنحدث عنه بالتفصيل، وأول من استشهد من أهل آل البيت علي الأكبر رضوان الله عليه.

شهداء آل عقيل

1- عبدالله بن مسلم بن عقيل وأمه رقية بنت أميرالمؤمنين وقد شهدت

ص:183


1- المصدر نفسه: 1/ 34.
2- کمال الدين: 2/ 546.

أمّه كربلاء وقد قتل في حملاته 98 رجلاً ثم استشهد(1) وذكر أبو الفرج الأصفهاني ان شهادته كانت بعد علي اأکبر.

2- عبدالرحمن بن عقيل وقد قتل في حملاته 17 رجلاً ثم استشهد.

3- جعفر بن عقيل وقتل من الأعداء 15 رجلاً ثم استشهد.

4- عبدالله بن عقيل وقاتله عثمان بن خالد.

5- محمد بن أبي سعيد بن عقيل وله من العمر سبع سنوات وقد خرج إلى

أرض المعركة وبيده عمود يريد الدفاع عن عمّه الحسين وكان عليه قميص و ازار وفي اذنيه درّتان وكان يتلفت يميناً وشمالاً فأقبل فارس من الأعداء ومال عن فرسه وعلاه بالسيف فقتله وكانت أمّه تنظر إليه وهي مدهوشة(2).

شهادة أولاد جعفر بن أبي طالب في كربلاء

1- عون بن عبدالله بن جعفر.

2- محمد بن عبدالله بن جعفر.

3- عون بن جعفر.

4- القاسم بن محمد بن جعفر(3).

وعون بن عبدالله بن جعفر وأخوه محمد أمهما زينب العقيلة، وقيل ان أم

محمد بن عبدالله بن جعفر امرأة تدعى «الخوساء».

ص:184


1- نفس المهموم: 286.
2- فرسان الهيجاء: 2/ 54.
3- لم يرد ذكر لعون بن جعفر والقاسم بن محمد بن جعفر في منتهى الآمال.

شهادة أولاد الامام الحسن المجتبى في كربلاء

1- القاسم بن الحسن وسيأتي الحديث عنه بشيء من التفصيل.

2- أبو بكر وهو أخوه القاسم لأمه وقتل قبل القاسم وقد ذكر الطبري

والشيخ المفيد انه استشهد بعد القاسم.

3- عبدالله بن الحسن وقد ذهب إلى عمه لما وقع الامام صريعاً وقد استشهد في حجر عمه ولد من العمر 11 سنة وكان عمر القاسم 13 سنة وأبوبكر 12 سنة يوم استشهدوا.

أما الحسن المثنى ابن الامام الحسن السبط فقد قتل من أعدائه في كربلاء 17 رجلاً وجرح منهم 18 رجلاً آخر وقد قطعت يده في المعركة ووقع على الأرض وغشي عليه وقد ظن انه استشهد فوضع في فسطاط الشهداء، فلما انتهت المعركة وأرادوا فصل الرؤوس عن الأجساد اذا به رمق فاستوهبه أسماء بن خارجة لقرابة أمه فوهبه عمر بن سعد فأخذ إلى منزله فبقي عنده عاماً فلم شفي من جراحه ذهب إلى المدينة المنورة(1).

وقيل ان من أولاد الحسن أحمد وقد قتل من الأعداء 190(2) رجلاً وقد

استشهد قبل أخيه القاسم.

ص:185


1- ورد في معالي السبطين ان أولاد الامام الحسن المجتبى تسعة نفر ولكن هذا لم يثبت بدلیل.
2- ناسخ التواریخ، مجلد الامام الحسين 2/ 330.

أولاد أمیرالمؤمنین في کربلاء

وهم خمسة رافقوا أخاهم الحسين الى كربلاء واستشهدوا بين يديه:

1- العباس وعمره 34 سنة.

2- عبدالله و عمره.

3- عثمان وعمره 20 سنة .

4- جعفر وعمره 19 سنة.

وأمهم هي أم البنين.

5- محمد وكنيته أبوبكر وأمه ليلى الدارمية وقد شهدت أمه وقعة كربلاء(1).

أولاد الامام الحسين في كربلاء

1- علي الأكبر.

2- علي الأصغر.

3- عبدالله الرضيع.

وقد استشهدوا إلّا الامام السجاد علي زين العابدین وقد شهد كربلاء إلّا أنّ علّته منعته من المشاركة في القتال وشاء الله عز وجل أن ينجو من المذبحة فكان مع الأسرى والسبايا فبنو هاشم 18 رجلاً وصبياً استشهدوا في كربلاء.

علي الأكبر.

ص:186


1- ذكر في منتهى الآمال خمسة أخوة إلّا أنّ بعض الروايات التاريخيّة لم تشر إلى محمد الأصغر ويذهب المرحوم المحلاتي الى ان محمد الأصغر هو أبوبكر وهي كنيته وان محمد الأوسط هو الأخ السادس للامام الحسين وقد شهد كربلاء واستشهد أيضاً. وإليه تشير الزيارة (زيارة الناحية المقدسة) فرسان الهيجاء: 2/ 56.

آل عقيل وهم خمسة نفر.

آل جعفر الطيار وهم أربعة نفر.

أبناء أمير المؤمنين وهم خمسة نفر.

وهؤلاء لا يدخل ضمنهم محمد بن أبي سعيد 7 سنوات وعبدالله بن الحسن

وعبد الله الرضيع ابن الامام الحسين ورضيع آخر.

علي الأكبر

«ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1).

خصاله وصفاته:

1- كان قمر العشيرة أو قمر بني هاشم أبوالفضل العباس بن علي أجمل بني

هاشم إلّا انّ علياً الأكبر كان أملحهم.

2- ورث عن رسول الله خَلقَه وخُلُقَه و منطقه فقد كان يشبه النبي

خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً.

3- كان الامام الحسين وأهل بيته اذا اشتاقوا إلى رؤية رسول الله نظروا إلیه.

4- كان سخياً يحب اکرام الضيف.

5- كان عارفاً بالله عزوجل غارقاً في العبادة.

6- قال عنه الامام الحسين: «ممسوس في ذات الله» غارقاً في بحر

التوحيد.

ص:187


1- آل عمران: الآية 34.

7- أول من استشهد من بني هاشم.

8- كان أحب أولاده إليه ولذا لما وراء السجاد أجساد الشهداء جعل قبره

عند قدمي أبيه ومن هنا أصبح لضريح الحسين ست زوايا.

9- كان أكبر من أخيه السجاد(1) وله من العمر استشهد 27 سنة(2).

10- كان من تقاليد كرام العرب أن يصعد من بيوتهم خيط من الدخان في النهار ويرى على سطوح منازلهم السنة نار في الليل تدلّ الغرباء إليهم فيقصدون إلى بيوتهم وكان بيت علي الأكبر من هذه البيوت(3).

«السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى

أصحاب الحسين».

والمقصود من «علي بن الحسين» علي الأكبر من دون شك وليس الامام

السجاد.

فالسلام عليه يتكرّر ثلاث مرّات، اسمه كما ورد في التحيّة ومع أولاد الحسين ومع أصحاب الحسين وفي الزيارة (زيارة عاشوراء) يكرّر هذا السلام مائة مرّة فيكون ثلاثمائة مرّة لعلي الأكبر.

الفضل ما شهدت به الأعداء

ذات يوم سأل معاوية عمن يليق بالخلافة فقيل له: أنت وقال آخر: یزید

ص:188


1- ولد علي الأكبر في 11 شعبان سنة 33ه- (مقتل المقرم: 255).
2- أورد المقرم ثمانية وعشرين نصاً تاريخياً معتبراً يصرّح بأن علي الاغ كبر هو اسنّ من الامام السجاد (علي الأكبر: 16- 19).
3- فرسان الهيجاء: 1/ 297.

وقال ثالث الحسين بن علي فقال معاوية لا أحد من هؤلاء فقيل له: فمن؟ قال: علي بن الحسين فقد جمع بین شجاعة بني هاشم وسخاء بني أميّة وجمال بني ثقیف(1).

سؤال: أيهما أكبر مقاماً علي الأكبر أم العباس بن علي.

الجواب: في رأي الؤلف ان علي الأكبر كان أحب إلى الامام الحسين

وكان العباس أعزّكما جاء في الرواية ان فاطمة سألت أباها رسول الله:

أينا أحب إليك؟ أنا أم علي؟

فقال رسول الله صلى الله عليه و اله:

أنت أحب إليّ وعلي أعزّ عندي.

قال الامام السجاد: «ان للعباس عند الله تبارك وتعالى لمنزلة يغبطه بها

جميع الشهداء يوم القيامة»(2).

ويقال أن أحدهم تشرف بلقاء صاحب الزمان، فسأله: أيّهما أفضل

علي الأكبر أم العباس فقال: عمي العباس.

وانه لا مصاب أوجع وأوقع من موت الولد خاصّة إذا كان بارّاً بأبيه يتحلّى

بالفضائل والصفات الحميدة(3).

وكان أيّوب النبي مثالاً في الصبر و مصداقاً بارزاً فلما جاءوا إليه وأخبروه ان الصواعق قتلت إيلك وأغنامك أخذها السيل صبر على ذلك ولكن لما

ص:189


1- مقاتل الطالبيين: 31.
2- الخصال: 1/ 68.
3- ثواب الأعمال: 196.

أخبروه ان السقف انهدّ على أولادك وهم اثنا عشر وانهم قتلوا جميعاً تغير حاله وكاد أن جزع فسجد الله.

قال الله عز وجل: «إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ»(1).

ولمّا رأى ابراهيم الرؤيا في ذبح ابنه اسماعیل قدمه إلى الذبح قال تعالى: «فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا»(2).

«وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» وقد فداه الله عز وجل بكبش قرباناً عن اسماعيل.

ولما جاء علي الأكبر إلى ابراهیم کربلاء يستأذن أباه في الذهاب إلى

الموت لشهادة أذن له.

ولما يمم وجهه نحو الميدان عزّ على مخدّرات الامامة فراقه فأحطن به

و تعلّقن بأطرافه وقلن: ارحم غربتنا لا طاقة لنا على فراقك.

فبكى الامام الحسين ثم قال:

دعنه فانه ممسوس في ذات الله(3) و مقتول في سبيل الله.

ولما توجه نحو الميدان قال الامام:

اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز اليهم أشبه الناس برسولك محمد خَلقاً

وخُلُقاً ومنطقاً وكنا اذا اشتقنا الى الرؤية نبيك نظرنا اليه(4).

ثم تلا قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى (33)»

ص:190


1- سورة ص: الآية 44.
2- الصافات: الآية 103.
3- وهي نفس عبارة الرسول الأكرم في حق أمير المؤمنين (بحار الأنوار: 39/ 313 و 110/ 31).
4- سحاب الرحمة: 476.

الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1).

وكانت عمته زينب لما رأيته يستعدّ:

إلى أين يا ابن أخي؟

قال علي: إلى الموت الذي لابدّ منه.

فعانقته و بکت(2).

ونادى الامام الحسين عمر بن سعد قائلاً:

قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله وسلّط

عليك من يذبحك على فراشك(3).

حب السيدة فاطمة لعلي الأكبر

كان الناس قدیماً يسافرون في قوافل وكانت قوافل زوار کربلاء في الطليعة من حيث الاخلاق والأدب وكان لكل قافلة حاديا يحدوها فهو يتقدم القافلة وينشد الأشعار خلال الطريق وكان حداة قوافل الزوار ينشدون أشعار المراثي في الحسين وأهل بيته فيبكون الزوار وكلّ من يمرّون بهم فمن أشعارهم:

كل من يهفو قلبه لزيارة أرض کرب و بلاء فهيا بسم الله.

كل من يريد الرفقة معنا فهيا بسم الله.

وكان رجل من أهل مازندران يحدو قوافل زوار الحسين كل عام حتى اذا مرّت عليه السنون والأعوام وشعر بالتعب أعلن انه لن يذهب هذا العام فقصده

ص:191


1- آل عمران: الآية 33- 34.
2- مقتل الخوارزمي: 2/ 30.
3- اللهوف: 130.

خمسة وعشرون شاباً واصرّوا عليه أن يذهب إلى كربلاء.

ووافق الحادي عباس وسار بالقافلة إلى مشارف کربلاء والقوا رحالهم يستريحون وكان الوقت ليلاً فلاحت لهم أضواء المنائر من بعيد وكانت ليلة جمعة فقال أحدهم: الليلة ليلة جمعة فلنغتنم ثواب العبادة فيها تحت قبّة أبي عبدالله فلملوا من جديد متاعهم وجهزوا أنفسهم حتى وصلوا خان الزائرين فألقوا عصا الترحال فتوضأوا وانطلقوا للزيارة ثم قالوا للحادي اقرأ علينا أشعار المصيبة فلما فتح دفتره رأي أول ما رأى أشعاراً في رثاء علي الأكبر فراح يشدو بها بصوت حزين أبکی جميع السامعين ثم عادوا الى الخان ولم يبق على طلوع الفجر سوی ساعات وفي عالم الرؤيا رأى الحادي أحدهم يطرق باب خان القوافل فلما فتح الباب رأی فتی أسمر الوجه يقول له: أنا رسول سيّدي الحسين يقول ليتهيّأوا فاني قادم لزيارتهم.

وفي عالم الرؤيا أيقظ الحادي الجميع وفجأة رأي عموداً من نور ومن داخل العمود سطع وجه أبي عبدالله الحسين فنهض له الجميع فقال: اجلسوا فأنتم متعبون ثم قال: أتدرون لم جئت لزيارتكم؟ قالوا: لا، فقال: لأمور ثلاثة.

لأنكم زواري.

ولأطلب منكم أن تبلغوا ذلك الشيخ الذي يرتب احذية الذين يحضرون

عزائي في رشت ويصفها لهم عند خروجهم.

وسكت الأمام هنيئة ثم قال: وقد خنقته العبرة الّا يتعرض القارئ لذكر

مصيبتي في علي الأكبر ليلة الجمعة لأن أمي الزهراء تأتي لزيارتي وهي لا تطيق سماع مصيبة علي الأكبر.

ص:192

عودة علي الأكبر من ميدان القتال

وفي حملاته قتل مائة وعشرين فارساً فرجع إلى أبيه يستريح واشتكئ إليه

شدّة العطش:

يا أبة العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدني فهل إلى شربة من سبيل(1)

أتقوى بها على الاعداء(2).

فقال الامام:

واغوثاه ما أسرع الملتقى بجدّك فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها أبدا.

ثم أخذ لسانه فمصه وأعطاه خاتمه ليضعه في فمه وقال له(3):

ارجع إلى قتال عدوك.

والله وحده الذي يعلم ما الذي يمنحه الخاتم من قوّة.

شهادة على الأكبر

ولما طلب الأكبر ماءً وقال له أبوه اصبر فان جدّك سيسقيك شربة لا تظمأ بعدها أبداً وقال له: عد بارك الله فيك فعاد علي الى الميدان مبتهجاً بالبشارة بلقاء جدّه المصطفى وهجم على الأعداء وكان السيف في يده كالصاعقة تنقض على عدوّه فأكمل في حملته المائتين.

فقال رجل من الأعداء يدعى مرّة بن منقذ العبدي: عليّ آثام العرب إن لم

ص:193


1- اللهوف: 130.
2- فرسان الهيجاء: 1/ 299.
3- نفس المهموم: 280.

أثكل أباه، فطعنه بالرمح في ظهره وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته.

واعتنق علي الأكبر فرسه فاحتمله إلى قلب الجيش فأحاطه الاعداء من كل جانب وقطعوه بسيوفهم. ونادى علي رافعاً صوته:

عليك مني السلام أبا عبدالله، هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه شربة لا

أظمأ بعدها، وهو يقول: ان لك كأساً مذخورة(1).

فهب الحسين إلى مصرع ولده وانكبّ عليه واضعاً خدّه على خدّه وهو

يقول:

على الدنيا بعد العفا! ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول؟! يعزّ على جدّك وأبيك ان تدعوهما فلا يجيبانك وتستغيث بهما يغيثانك(2).

فقد بقي أبوك فما أسرع لحوقه بك (3) .

القاسم بن الحسن

«فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»(3).

كان للامام الحسن سبعة أولاد شهدوا كربلاء منهم أربعة وهم:

ص:194


1- مقتل الخوارزمي: 2/ 31.
2- مثير الأحزان: 69، فروع الكافي: 4/ 115.
3- الجمعة: الآية 6.

1- ابوبکر وعمره 16 سنة وقد استشهد في كربلاء.

2- عبدالله وعمره 11 سنة واستشهد في كربلاء.

3- الحسن المثنى الذي جرح بشدّة واغمي عليه ووضع مع أجساد الشهداء

وهو صهر الامام الحسين اذ تزوج من فاطمة بنت الحسین.

ولما أراد الأعداء فصل الرؤوس وجدوا به رمقاً فشفع له أسماء بن خارجة وله قرابة مع أمه فوهبوه له فظل في الكوفة سنة عندهم حتى اذا شفي من جروحه عاد الى المدينة المنورة وكل ذرية الحسن السبط منه فالسادة الحسنيون ينتهون الى الحسن المثنی ابن الحسن السبط.

4- القاسم بن الحسن وله خصائصه وخصاله:

كان جميلاً للغاية كأنه فلقة قمر.

وكان شجاعاً لا يهاب الموت أبداً.

وكان عاشقاً للشهادة.

وكان يحب عمه الحسين حباً جمّاً.

وفي ليلة عاشوراء لما أخبر الامام الحسين أصحابه وأهل بيته بأنهم سوف

يستشهدون جميعاً الّا ابنه علي (السجاد) قال القاسم:

وأنا يا عم؟

فقال:

وأنت أيضاً فكيف تجد الموت يابن أخي؟

قال القاسم:

أحلى من العسل.

ص:195

شهادة القاسم

ولما استشهد عبدالله الأكبر (أبوبکر بن الحسن) وأمه رملة خرج من بعده شقيقه القاسم وهو غلام لم يبلغ الحلم(1) واستأذن عمه الحسين فلما نظر إليه بكى واعتنقه وعزّ عليه أن يأذن له فبكى القاسم حتى اذن له فبرز الى الاعداء كان وجهه فلقة قمر، وتقدم نحو الجموع غير مبال بالألوف ولا السيوف شاهراً سيفه منشداً:

إن تنكروني فأنا ابن الحسن *** سبط النبي المصطفى المؤتمن

هذا حسین کالأسير المرتهن *** بين أناس لا سقوا صوب المزن(2)

قال حميد بن مسلم كنت مع ابن سعد فرأيت غلاماً كأن وجهه فلقة قمر قد برز للقتال وبيده السيف وعليه قميص وازار وفي رجليه نعلان فراح يضرب بسيفه حتى قتل 35 رجلاً(3) فانقطع شسع نعله وأنف ابن النبي أن يحتفي في ساحة الحرب فوقف يشد شسع نعله غير مبال بالألوف ولا مكترث بالجموع

فهجم عليه عمرو بن سعد الأزدي فقال له حميد: وما تريد من هذا الغلام

فلم يلتفت إليه وضرب رأسه بالسيف فوقع القاسم على وجهه ونادى:

يا عمّاه!

فوثب إليه الحسين كالليث الغضبان فضرب عمراً بالسيف فقطع يده وصاح اللعين صيحة عظيمة سمعها العسكر فحملت الخيل لانقاذه فوطأته بحوافرها فمات.

ص:196


1- نفس المهموم: 292.
2- بحار الأنوار: 45/ 35.
3- مقتل الخوارزمي: 2/ 27.

ولما انجلت الغبرة إذا بالامام الحسين واقف على رأس القاسم وهو

يفحص برجليه والحسين يقول:

بعداً لقوم قتلوك، خصمهم يوم القيامة جدك(1).

ثم قال: عزّ والله على عزّ والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم

لا ينفعك صرن والله كثر واثره وقلّ ناصره.

ثم حمله الى المخيم فوضعه الى جانب علي الأكبر وقال:

صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي لأريتم هواناً بعد هذا اليوم.

ناهيك بالقاسم بن المجتبی حسن *** مزاول الحرب لما يعبأ بما فيها

كأن بيض مواضيها تكلمه غید *** تغازله منها غوانیها

كأن سمر عواليها كؤوس طلاً *** تزفها راح ساقيها لحساسيها

آه على ذلك البدر المنير محا *** بالخسف غرّته الغرّاء ماحيها

حكاية

يقول الحاج عبدالرحیم سرفرازي: قبل أكثر من عشرين سنة ومعظم الناس كانوا يبتلون بالحصبة وفي بيتي ابتلي سبعة نفر بهذا المرض فوضعوا في غرفة واحدة.

كانت ليلة الثامن من محرم فذهبت إلى مجلس العزاء وأنا مبلبل الخاطر وأسأل الله متوسلاً بعزيز الزهراء أن يشفي هؤلاء المرضى، فلما عدت وجدتهم جالسين حول الموقد يضعون الخبز البارد فوق الجمر ويتناولونه بشهية فغضبت

ص:197


1- البداية والنهاية: 8/ 186.

لأن الخبز فيه ضرر على صحتهم.

فقالت ابنتي الكبرئ: لا تقلق يا أبي فقد شفينا اجلس حتى أحكي لك الذي

جری:

رأيت الغرفة وقد أضاءت بشدّة فجاء رجل وفرش السجادة ووقف قرب الباب بأدب وما لبث إن جاء خمسة نفر عليهم سيماء المهابة والجلال فدخلوا الغرفة و كان أحد الخمسة امرأة جليلة القدر فراحت تنظر الى أعلى الرف والی أسماء المعصومين الأربعة عشر ثم جلست على طرف السجادة، ثم أخرجت مصحفاً وراحت تقرأ القرآن ثم بعد ذلك قرأت مصيبة القاسم بلسان عربي ولم أكن أفهم من ذلك شيئاً الّا تکرار اسم القاسم وكانوا يبكون بشدّة.

ثم ان ذلك الرجل الذي يبدو بهيئة من كان يخدمهم قدم إليهم في آنية صغيرة ما يشبه القهوة ووضعها أمامهم، وقد كنت اتعجب انهم بهذه الجلالة والهيبة كانوا حفاة فسألت: أقسم عليكم أيكم سيّدي ومولاي علي؟ فقال أحدهم: أنا، فأقسمت عليه بالله لم هم حفاة؟ فقال وهو يبكي: نحن في هذه الأيام في عزاء ولهذا نحن حفاة وكانت السيدة قد غطت قدميها بأذيال ثوبها فلا يبدو منهما شيء.

قلت: نحن جميعاً مرضى وأمنا أيضاً مريضة وخالتنا فمن سيّدي عليّ ومسح بيده على رؤوسنا ووجوهنا وقال ذهبت علتكم فقلت وأمي؟ فقال: هي راحلة فالتمسته وبكيت فذهب ومسح فوق رأسها من فوق اللحاف ولما خرج من الغرفة قال: عليكم بالصلاة حتى ولو بالايماء.

فذهبت وراءهم في الزقاق فرأيتهم قد امتطوا مراكبهم وقد جللها السواد فانتبهت من نومي وسمعت صوت الأذان فوضعت يدي على جباههم فلم أجد

ص:198

للحمّى أثر فنهضنا جميعاً لصلاة الفجر ثم أحسسنا بالجوع وها نحن نأكل الخبز كما تری(1).

أبو الفضل العباس

وأمّه أمّ البنين من قبيلة هوازن و تسكن في صحارى الجنوب من مكة إلى اليمن ورئيس القبيلة هو جدّ أمّ البنين وهو جعفر بن کلاب ومن أجداد أبي الفضل لأمه عامر بن الطفيل وهو معروف بالشجاعة بين العرب في عصره(2) ومن أجداده أيضاً لأمّة عروة الرحّال وقد جاءه اللقب من كثرة ترحاله وتجواله وجدّه عامر بن جعفر بن کلاب عرف ب- «ملاعب الاسنة» لشجاعته و فروسیته و معنی لقبه انه ماهر في استخدام الرمح(3).

وقد حاربت هوازن و ثقیف رسول الله في حنين فلما انتصر النبي

عفا عنهم احتراماً لأخته في الرضاعة الشيماء ابنة حليمة السعدية(4) وأمّ البنين هي ابنة حزام بن کلاب واسمها في الأصل فاطمة وكانت قد رأت رؤيا إذ رأت قمراً ثلاثة نجوم في حجرها.

وكان أمير المؤمنين قد أرسل أخاه عقيلاً لخطبتها وقد وهبها الله أربعة من البنين وأولهم العباس أبو الفضل قمر بني هاشم وهذا تعبير رؤیاها ثم رزقت بعد ذلك عبدالله وعثمان وجعفر وقد استشهدوا جميعاً في كربلاء.

ص:199


1- القصص العجيبة: 92.
2- الأغاني: 15/ 35.
3- سردار کربلا (بطل كربلاء): 155.
4- المغازي: 3/ 950.

وقد توفيت أمّ البنين في سنة 14 ه- في الثالث عشر من جمادي الثانية(1).

خصائص وخصال أبي الفضل

1- كان له من الجمال الفائق ما جعل الناس يطلقون عليه قمر بني هاشم.

2- آتاه الله بسطة في الجسم والعلم فلقد عرف بشجاعته وكان له يوم

عاشوراء صولات ارهبت الأعداء وبثت فيهم الرعب.

3- كان في غاية الأدب في حضرة أخيه الحسین مهذباً.

4- کان غیوراً رحيماً متواضعاً يستأنس بالأطفال.

5- كان سفير أبي عبدالله الحسین.

6- صاحب لواء الامام في يوم عاشوراء.

7- بلغ القمة في وفائه.

8- بلغ الذرى في ايثاره فتح الفرات ولم يذق قطرة منه بعد أن تذكّر عطش

أخيه.

9- كان في فتوّته عظيماً وفي معنویته مجيداً.

10- عرف بسقاء كربلاء فهو الذي حمل الماء الى الأطفال والنساء يوم

السابع من المحرم وحاول ذلك في يوم عاشوراء.

11- استشهد على نحو فجمع فاكتسب مظلومية فريدة.

12- كان حارس الركب الحسيني وحامي الظعينة(2).

ص:200


1- أم البنين سيّدة نساء العرب: 14.
2- الفتوة هي العفو عند المقدرة بلامن.

شجاعته وشهادته

«بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ»(1).

في دنيا الاسلام عرف ثلاثة رجال بشجاعتهم وكانوا مضرب الامثال في

ذلك:

1- حمزة سيد الشهداء عمّ النبي الأكرم،

وقد استشهد في معركة أحد وقد مثّل المشركون بجسده الطاهر.

2- جعفر الطيار شقيق أمير المؤمنين استشهد في حرب مؤتة وكانت رأية الجيش لديه فلما قطعوا يمينه أخذ الراية بشماله فقطعوا شماله ثم اعتنق الراية حتی هوئ شهیداً فطعنوا جسده بالرماح ثم حملوه عالياً وفاضت روحه الطاهرة وعرجت بجناحين فدعي ب-«الطيار» لذلك. وكان النبي فوق المنبر في مسجده الشريف، فنعى الى المسلمين مصرع

جعفر فبکی و بکی الناس.

3- ابو الفضل العباس القمر البهي قمر في الأرض وشمس في السماء صلّی

الله عليه.

كان لأبي الفضل سلام الله عليه من العمر يوم استشهد 34 سنة، وقد بلغ من بهاء طلعته ان عرف بقمر العشيرة وقمر بني هاشم آتاه الله بسطة في الجسم اذا كان طويل القامة مهاباً قوي الساعدين.

وفي يوم عاشوراء لما استشهد اخوته لأمّة وأبيه تقدّم إلى أخيه الحسين واستأذنه في القتال وكانت الراية تخفق في يمينه والنساء مطمئنة بوجوده فلم

ص:201


1- البقرة: الآية 247.

تسمح للحسين نفسه أن يفارقه وقال له:

يا أخي أنت صاحب لوائي.

فقال أبو الفضل: قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين وأريد أن آخذ ثأري.

فأمره أبو عبدالله أن يطلب الماء للأطفال والنساء فتقدم العباس إليهم ووعظهم وحذّرهم غضب الجبار وطلب منهم أن يسقوا الأطفال ماءً فصاح الشمر بأعلى صوته:

یابن أبي تراب لو كان وجه الأرض كله ماء وهو تحت أيدينا لما سقيناكم

منه قطرة.

فعاد الى اخيه وأخبره بما جرئ وتناهى إليه صراخ الأطفال من العطش فأخذ القربة وامتطى صهوة جواده و حمل باتجاه الفرات فأحاط به أربعة آلاف وانهمرت عليه السهام کالمطر فلم ترعه کثرتهم وانطلق يقاتلهم قتالاً شديداً والراية تخفق فوق هامته فلم يثبت له أحد حتى وصل الفرات وأقحم فرسه الماء(1).

ومدّ يده ليشرب الماء فتذكر عطش أخيه ومن معه فرمي الماء وقال:

يا نفس من بعد الحسین هوني *** وبعده لاكنت أو تكوني

هذا الحسين وارد المنون *** وتشربين بارد المعين

تالله ما هذا فعال دیني

فكمن بعضهم وراء جذوع النخيل فلما عاد من النهر وبثوا عليه فقاتلهم

ص:202


1- نفس المهموم: 307.

فقطع رجل يمينه فأخذ القربة بشماله وقال:

والله لو قطعتموا يميني *** اني أحامي أبدأ عن ديني

وعن امام صادق اليقين *** نجل النبي الطاهر الأمين

ثم قطعوا شماله فقال:

يانفس لا تخشِ من الكفار *** وأبشيري برحمة الجبّار

مع النبي اليسد المختار *** قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا رب حرّ النار(1)

وتكاثروا عليه وأتته السهام المطر فأصاب سهم القربة وأريق ماؤها و سهم

نبت في صدره وضربه رجل بالعمود على رأسه ففلق هامته وهوى على الأرض صريعاً ونادی:

عليك مني السلام يا أبا عبدالله.

فذهب إليه أخوه فوجده قد جللته الدماء والسهام ولما رآه بهذا الحال قال:

الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي(2).

كلمة في مظلوميّته

قال العلّامة المؤرّخ السيد عبدالرزاق المقرّم: سمعت العالم الفاضل الشيخ کاظم سبتي يقول: أتاني بعض العلماء الثقات وقال: أنا رسول العباس إليك، رأيته في المنام يعتب عليك ويقول: لم يذكر مصيبتي شیخ کاظم سبتي، فقلت له:

ص:203


1- بحار الأنوار: 41/45.
2- مقتل المقرّم: 269.

يا سيّدي مازلت أسمعه يذكر مصائبك فقال: قل يذكر هذه المصيبة وهي: «ان الفارس اذا هوى من فوق فرسه فانّه يتلقى الأرض بیدیه، فاذا كانت السهام نابته في صدره ويداه مقطوعتان بماذا يتلقى الأرض؟(1).

سقاية أبي الفضل العبّاس

«وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ»(2).

«وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ»(3).

خلق الله عزوجل الماء قبل خلقه السماوات والأرض، وهو يؤلف مساحة سطح الأرض ويشكل من جسم الانسان وتتراوح نسبة الماء في المخلوقات الحية بين 65 الی 95% من حيث الوزن. ولقد جعل الله سبحانه لكل مخلوقاته حق في الماء، حتى لو كان النهر متعلق بقاصر حتى لو لم يكن ولي النهر راضياً فان كل الناس من حقهم الشرب منه.

وقد أوجب الاسلام سقاية الظمآن وإن كان كافراً وان اطعام الطعام للكافر

لا يضاهي في ثوابه سقايته الماء.

وفي شريعة الاسلام لا يجوز للمسلم أن يتوضأ أو يغتسل بالماء والى جانبه

حیوان ظامئ.

ص:204


1- مقتل المقرّم: 268.
2- الأنبياء: الآية 30.
3- هود: الآية 7.

وقد روي أن الامام الصادق كان في طريقه الى الحج فمرّ بنصراني

ظامئ فقال: اسقوه؛ هذا بالرغم من ندرة الماء في تلك الطرق الصحراوية(1).

وأراد النبي أن يتوضأ فجاءت قطة ظامئة فدفع إليها الاناء فلما شربت

وارتوت توضأ.

وفي حرب صفين منع عن الامام علي وجيشه الماء واضطروا للقتال فاستولی جیش الامام على الشريعة ولما أراد أصحابه مقابلة معاوية وجيشه بالمثل ومنع الماء عنهم أمرهم الامام بالاستسقاء وترك الشريعة للجميع(2).

وكذلك ما فعله الامام الحسين لما التقى الحر وأصحابه وكانوا في غاية

العطش فقال اسقوهم وارشفوا الخيل(3).

ولا ثواب يعدل سقي الظامئين وغير الظامئين(4) وفي كربلاء كان السقاة أربعة:

1- وفق ما ورد في الأخبار أنّ علي الأكبر نادي أباه ان رسول الله صلى الله عليه واله سقاه

شربة لا يظمأ بعدها أبدا(5).

2- في احدى الليالي ويحتمل ليلة الثامن من المحرم خطا الامام تسع

خطوات خلف المخيم باتجاه القبلة واحتفر فنبع شيء من الماء.

3- ان الله عزوجل اجرئ من بين اصبعي الحسين من ماء الكوثر فسقی

أصحابه.

ص:205


1- فروع الكافي: 4/ 57.
2- وقعة صفين: 193.
3- البداية والنهاية: 8/ 172.
4- بحار الأنوار: 96/ 173.
5- مقتل الخوارزمي: 2/ 31.

4- ابو الفضل العباس الذي عرق بساقي العطاشی ويبدو ان أباالفضل کان المسؤول عن سقايه القافلة منذ انطلاقها من المدينة وحتى وصولها الى كربلاء ولما منع الماء عن الامام الحسين وأصحابه وأهل بيته كان الحرم والأطفال يندبون العباس كلما أرادوا ماءً وقد ورد في المقاتل ان برير في ليلة الثامن قال: أيعطش آل أبي عبدالله ونحن أحياء؟

فانطلق نحو الشريعة ومعه ثلاثون من أصحاب الامام وعاد يحمل قرب الماء وفي طريق العودة أصابه سهم فظن ان القرية قد أصيبت فلما رآها سالمة في ضوء القمر فرح وحملها إلى الأطفال ومن شدّة العطش هجموا عليها فأريق الماء.

وفي يوم عاشوراء وعد أبو الفضل الاطفال بالماء فاحتل الفرات وملأ القربة بالماء وجرئ ما جرى في طريق عودته من قطع يديه واستشهاده فوهبه الله جناحين يغيث من استغاث به باذن الله وأصبح باباً للحوائج بعد أن فلقوا هامته ولما نبت السهم في عينه جاءته الزهراء وخاطبته: ولدي العباس فولج حریم العصمة فهو ابن الزهراء.

وقد نظم الشيخ كاظم الأزري شعراً فلما وصل الى صدر البيت «ویوم أبوالفضل استجار به رکن الهدئ» وتوقف وشعر بالخجل لأنه لم يستطع أن يتمه فرأى في عالم المنام الامام الحسين يسأله لِمَ لَم تتم شعرك؟ فقال حياءً منك یا سيدي.

فعلمه الامام عجز البيت: وهو «والشمس من کدر العجاج لثامها» ولما عاد سبايا آل محمد إلى المدينة المنورة صنعت أم البنين أربعة قبور في البقیع و راحت تندب أبناءها بأشعار رقيقة مؤثرة: ص:206

لا تدعونّي ويك أمّ البنين *** تذكريني بليوث العرين

کانت بنون لي أدعى بهم *** واليوم أصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الربی *** قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان أشلائهم *** فكلهم أمسى صريعاً طعين

ياليت شعري أكما أخبروا *** بأن عباسا قطيع الوتين

وجاء في الروايات ان أمّ البنين كانت تندب أبناءها في البقيع فكل من جاء

أو مرّ من هناك توقف و بکن وخاصّة لما كانت تقول:

یا مں قد کرّ على جماهير النقد *** ووراه من ابناء حيدر كل ليث ذي کبد

انبئت ان ابني أصيب برأسه مقطوع يد *** ويلي على شبلي أنال برأسه ضرب العمد

لو كان سيفك في يديك لما دنى منه أحد *** وجاء في مثير الأحزان شعر السيد جعفر الحلي:

نادى وقد ملأ البوادي صيحة *** صمّ الصخور لهولها تتألم

أأخي من يحمي بنات محمد *** إذ صرن يسترحمن من لا يرحم

هذا حسامك من يذل به العدي *** ولواك هذا من به یتقدّم

فأكب منحنياً عليه ودمعه *** صبغ البسيط كأنما هو عندم

قد رام يلثمه فلم ير موضعاً *** لم يدمه عضّ السلاح فيلثم

ص:207

کرامات أبي الفضل

كان السيد هادي وهو حفيد السيد مهدي القزويني يعيش في قرية «طویریج» على بعد ثلاثة فراسخ من كربلاء وكان يقرأ في العشرة الأولى من المحرم أي يقيم مجلساً للعزاء الحسين وذات يوم لما قرأ مصيبة أبي الفضل العباس تغير حاله ووقع مغشياً عليه.

فلما سألوه عن علّة ذلك أبين أن يخبرهم ثم الحوا عليه أيّاماً لأنّهم أرادوا أن يعرفوا علّة الغشية التي أخذته، فأجاب: ان كل ما عندي هو من قمر بني هاشم. ان امرار معاشي هو من الفلاحة والعمل في الأرض وعيالي كثيرون ونحن نحب اکرام الضيف كثيراً وكنت أدفع الضرائب للحكومة سنوات، فهددني الحاكم وأمهلني عشرة أيّام لدفع ألف ليرة ذهباً وإلّا صادروا أموالي فاضطررت إلى أن أرفع حاجتي إلى أميرالمؤمنين تشرّفت بزيارة المرقد الطاهر وعرضت عليه حاجتي ثلاثة أيّام، ثمّ قررت أن اتّجه الى مرقد أبي الفضل العباس فلزمته ثلاث ليالي في الليلة الأولى لما تشرّفت بزيارة المرقد رأيت في السحر رؤيا أن خمس نفوس مقدسة جلست في حرم سید الشهداء وقد ورد فارس الى الصحن ثم دخل الحرم فقبل أيديهم واحداً بعد الآخر ثم وقف خلف سيد الشهداء وتحدث.

فقال الامام الحسين للنبي: يا جداه والنبي كان ساکتاً مرّة أذى تحدث أبوالفضل إلى أخيه فقال سيّد الشهداء أخبره أنت فنهض الى النبي «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ»(1).

يعني ان الله قبل قولك فما كان من السيد هادي إلّا أن ذهب إلى طویریج من

ص:208


1- الرعد: الآية 39.

فوره وفي اليوم التالي جاء الحاكم مع ولديه صباحاً إلى منزل السيد هادي وقال له: اني رأيت في المنام أبا الفضل العباس يتوعدني ويقول: إن لم ترض السيّد هادي فأخنق ولديك وما يجدر توضيحه هنا ان السيد هادي قبل قراره بالتوجه الى أبي الفضل کان قد زار مرقد الامام الحسين فان لم يجبه ذهب إلى مرقد أخيه هذا من جهة ومن جهة أخرى فان ولدي الحاكم وإن كانا لا ذنب لهما فهذا الأمر صادر من الملكوت فهما يذهبان الى الجنة شأنهما شأن كل الأطفال الأبرياء الذين يموتون لعلّة.

ثم ان الحاكم أسقط عن السيد هادي الضرائب ووهبه الف ليرة ذهباً ثم قال

له: لا تدفع لي ضريبة مادمت حياً.

2- الاجابة السريعة من أبي الفضل:

ذکر حجة الاسلام الحاج شیخ غلام رضا الأسدي المقدم في أحد تأليفاته: انه لما كان في دزفول كانت امرأة جارتهم وكان لها ولد اسمه عنبر وهو ابنها الوحيد وكان عنبر شاباً فطناً وكان أبوه مشهدي محمد يعمل في الصبح.

وكان قد توفي ولما بلغ عنبر الحلم ولعلّة لا أعرفها ذهب عنبر ذات يوم ولم يعد إلى المنزل، وكانت امه تبكي ابنها الوحيد وكان عملها الذي ترتزق منه انها تشتري مقداراً من الطحين فتخبز منه وتبيعه إلى الجيران، ومرّت عشرون سنة على اختفاء عنبر ثم ان والدته مع اثنتين من نساء الحي قدّر لها زيارة العتبات المقدّسة في العراق.

وذات يوم توجهن لزيارة مرقد أبي الفضل العباس فأخذت أم عنبر بشباك الضريح وانت أنة وطلبت من أبي الفضل أن يعيد إليها ابنها ثمّ بكت حتى

ص:209

غشي عليها فرشّت احدى المرأتين عليها الماء فما أفاقت بكت وساءت حالتها فذهبت بها إلى المستشفى وسأل سائق التاكسي عما جرى فأخبرتاه ثم سألهما من أين؟ فقالتا: من دزفول، ومن أي حي فذكرتا له اسم الحي واسمه «محلة المسجد» وما اسم المرأة قالتا فلانة واسم ابنها المفقود؟ قالتا: عنبر.

فبكى السائق بكاء مرّاً وركن سيارته جانباً فقال: أنا عنبر وهذه أمّي فلمّا رأت الأم ابنها تعانقا وامتزجت دموعهما وتجمهر حولهما الناس وتعجبوا لكرامة أبي الفضل وسرعة اجابته ثم ان عنبراً أخذ والدته إلى بيته مع المرأتين وبعد أيام عادت المرأتان إلى ديارهما وبقيت الأم مع ابنها(1).

3- في عام 1345 ه-. ش وفي قرية «قمشه» التابعة لريف «ماهیدشت» في ضواحي مدينة كرمنشاه كان هناك خان يدعی شیرخان وكان يتجاوز على حقوق الناس ويظلمهم، وكان أبي رجلاً متديناً فنصحه ووعظه وحذّره من ظلم الناس ومن امعانه في فسقه وفجوره ولكن الرجل كان معرضاً عن ذلك وربما غضب وتجاسر عليه.

وفي النهاية صمّم بعض أهل الغيرة والشهامة على قتله فقتلوه وذهبت روحه إلى جهنم وبئس المصير وجاء ورثته فاتهموا أبي لما شاهدوه منه في وعظه وتحذيره واتهموني بقتل شیر خان ثم استعملوا نفوذهم لدى الحكومة وجاءوا بشهود زور وتشكلت محكمة حكمت علي بالاعدام.

كنت في السجن وأضبارتي في ديوان الجزاء الأعلى تمر في مراحلهما

القانونية وكنت انتظر اجراء الحكم وتنفيذه في كل سحر.

ص:210


1- ریاض المعارف: 3/ 176.

وفي أحد الأسحار وكان الفصل شتاء انكسر قلبي وفارقني النوم فتوسلت من كل وجودي بأبي الفضل العباس وتذكرت أيام طفولتي يوم كنت أذهب مع أبي إلى مرقد أبي الفضل العباس عند طلوع الفجر.

ومن دون أن أشعر انتزعت ورقة من دفتري وشكوت إلى أبي الفضل ما أعاني وبدأت رسالتي بتحية وسلام وقلت: يا أبا فاضل انك تعرف انني بريء ممّا اتّهموني ولكنّهم أوقعوني في فخ ودبروا لي كيداً لا أرجو النجاة ممّا فيه وقد تقطّعت امالي ولم يصغ لي أحد وأنت كوّتي الوحيدة وأملي الباقي وأرجو النجاة على يديك ثم ذكرت غربة أخيه في ظهر عاشوراء وأقسمت عليه بذلك.

وكتبت فوق أسطر في عنوان العراق - كربلاء - الحرم الطاهر لأبي الفضل العباس وسلمت الرسالة إلى حارس سليم النفس يدعى «فلاحي» وكان رجلاً طيباً يحافظ على صلاته فأوصيته أن يضيع على الرسالة طابعاً ويرسلها ما بالبريد ولما رأى الحارس العنوان خنقته العبرة ووعدني خيراً.

ومرّ أسبوع لم أذق خلاله النوم وكنت في غاية الاضطراب والقلق وبین النوم والصحو أحسست بأن فضاء السجن قد امتلأ عطراً ينفتح القلب لعبيره وشذاه وفجأة رأيت يداً مضيئة من دون كتف ترتفع تسلمني الرسالة وعليها صوره مرقد أبي الفضل بقبته.

فلما فتحت الرسالة وجدت مكتوباً باللغة العربية وكنت اتقنها إلى حد ما وجاء فيها: ان السجن من غير ذنب مرّ فاعرف قدر ذلك لقد وصلت شكواك وصدر حكم اطلاق سراحك قبل انتهاء هذا الشهر وانظر إلى أبيك ماذا يقول، فرأيت أبي جالساً على سجادته يقول لي: انهض واذن للصلاة فلما قلت لست

ص:211

مؤذناً، وصوتي ليس حسناً قال: انه أمر من شكوت إليه فأذنت بصوت جميل حتى اذا وصلت إلى حيّ على الفلاح انتبهت من نومي فسمعت صوت الأذان يأتي من منائر مسجد عماد الدولة القريب من السجن، وفي ذلك اليوم وفي الساعة التاسعة صباحاً جاء أبي لزيارتي في السجن وقال: لقد نقض حكم الاعدام وقد اعتقلوا القاتل الحقيقي وفي يوم 29 من ذلك الشهر خرجت من السجن بعد أن صدر الحكم بالبراءة(1).

4- الحورية:

كان احد الطلبة ويدعى الشيخ علي يعيش في مدينة النجف الأشرف ولم يكن قد تزوج بعد وكان يقول: الآن وقد أردت الزواج فأنا أريد حورية، وكان لما يزور مراقد أهل البيت في النجف وفي كربلاء كان مطلبه الزواج من حورية وفي النهاية ملّ من ذلك وانصرف إلى دراسته.

وذات ليلة وكان عائداً من زيارة المرقد العلوي الطاهر رأي في وسط الصحن سيّدة تخاطبه وتقول: أنا هنا وحيدة غريبة وأريدك أن تأخذني معك فقال لها الشيخ علي: ان هذا مستحيل فأنا رجل أعزب وأنت امرأة شابّة كما اني أسكن في حجرة في مدرسة دينية ناصرّت المرأة فأخذها إلى حجرته ولكنه نام في حجرة أخرى، فلما هم بالخروج من حجرته اذا به يرى الغرفة تمتلأ ضوءً ونوراً بعد أن خلعت عباءتها فدهش الشيخ وسألها: من أنت؟ أجنية أنت؟ فقالت المرأة: ألم تطلب من أئمتك حورية فأنا هي الحورية التي طلبت ولقد أعدّ لنا بيت في المحلّة الفلانية وعلينا أن نتوجه إلى هناك فتعقدني.

ص:212


1- قمر بني هاشم: 1/ 362.

وعاش الشيخ علي مع زوجته 17 سنة ولم يكن يختلف إلى بيته سوى الشيخ محمد فاطلع على السرّ أثناء الاعلان عن مرض الشيخ علي و تاریخ وفاته قالت لصديقه: انني حورية كنت في منزلي لما جاءني من يقول أن أبا الفضل يريد حضورك ثم خوطبت ان قمر بني هاشم يقول ان عليك أن تعيشي في الأرض أقل من عشرين سنة و تكوني زوجة لشخص طلب من أئمته الزواج من حورية ثم قالت الحورية: انني سأعود من حيث أتيت وذلك بعد أيام من وفاة الشيخ

علي(1).

وقد جاء في الأخبار ان ثلاثة من بني آدم تزوجوا من حوريات.

5- الجزاء السريع:

كان السيد اسماعيل من خدام مرقد أبي الفضل العباس وقد حدّثني لما تشرّفت بزيارة المرقد الشريف في سنة 1379 ه-. ش وقد روى إليّ قائلاً: ان أبي أيضاً كان من خدّام أبي الفضل وقد وقع له قبل سنين حادث في الحرم وكنت في الصحن المطهر فجاء رجل برتبة فريق في الجيش فقال له الكشواني اخلع حذاءك وانزع سلاحك ثم ادخل الحرم، فقال أن أبا الفضل کان زعيماً وأنا زعيم فانطلق صوت رصاصة من سلاحه المشدود الى حزامه فأصابته وسقط على الأرض في الحال.

والأعجب انه لما قتل لم ينزف دماً حتى نقل إلى خارج الحرم نزف الجرح.

6- قبضة علم أبي الفضل في الهند

ذكر آية الله الحاج تقي الطباطبائي القمي انه في مدينة لكنهو الواقعة في

ص:213


1- المصدر نفسه: 1/ 454.

شمال الهند مزار خاص لوجود کف فولاذيّة في ذلك المكان والشيعة تختلف للزيارة خاصّة أيّام محرم الحرام وفيما يلي کيفية ظهور هذه الكف وبناء المزار في ذلك المحل رأى أحد الحجاج الهنود ليلة في مكة في عالم الرؤيا العباس بن علي حامل لواء الحسين يوم عاشوراء ودلّاه على محل دفنه ولما تشرف ذلك الحاج الهندي بزيارة كربلاء ودخل حرم العباس رأي عين هذه الكف في ذلك المكان ولدى عودته إلى لكنهو أخبر بذلك نواب آصف الدولة حاكم لكنهو يومئذٍ فقام نوّاب ببناء مزار خاص لهذه الكف وجعل لذلك المزار خادماً هو نفس الحاج الذي أحضر تلك الكف من كربلاء وبعد مدّة مرض سعادة على خان فلما شوفي من مرضه صنع بوابة جميلة للمزار ومن ذلك اليوم وحتى الان يقوم الناس بزيارة ذلك المزار في يوم الخامس من محرم الحرام في كل عام ويمسحون أعلامهم بتلك الكف الفولاذيّة ويقدر عدد ذلك الاعلام الممسوحة بين أربعين إلى خمسين الف علم(1).

عند نعوش الشهداء

وقف الامام الحسين عاشوراء على أجساد سبعة شهداء في كربلاء

وهم:

الحرّ بن یزید الرياحي.

سعد بن عبدالله الذي استشهد وقت صلاة الظهر بعد أن جعل من نفسه درعاً

للامام الحسين أثناء الصلاة.

ص:214


1- شهید کربلاء 2/ 192، قمر بني هاشم: 2/ 299.

أسلم (غلام اسود).

علي الأكبر.

القاسم بن الحسن.

مسلم بن عوسجة.

أبو الفضل العباس.

علي الأصغر

كان الامام الحسين قد حمل طفله الرضيع وله من العمر ستة أشهر الى القوم واستسقى له ماءً وذلك لا تمام الحجة عليهم وفضح حقيقة نفوسهم التي تنزلت الى أحط درجات الرذيلة وبيان مدى قوستهم وانعدام انسانيتهم فكان جوابهم بدل الماء سهماً نحر الطفل من الوريد إلى الوريد(1).

مجد علي الأصغر

1- ان علي الأصغر وثيقة دامغة على مظلومية الامام الحسين.

2- ان شهادته على هذا النحو كانت سبباً في هداية الكثيرين.

3- ان جيناته التي ورثها تشهد على عظمة ذاته.

4- قيل انه لما نادي الحسين: هل من مغيث يغيثنا؟ هل من معين يعيننا؟

ص:215


1- قال الامام الحسين وهو يطلب الماء لعلي الأصغر: «یا قوم لقد قتلتم أصحابي وبني عمي وأخوتي وولدي وقد بقي هذا الطفل وهو ابن ستة أشهر يشتكي من الظمأ فاسقوه شربة من الماء (ينابيع المودة: 3/ 179).

رمي الرضيع بنفسه من المهد.

5- ان الامام الحسين على عمق حنانه ورأفته وحبه لولده وعاطفته ولكنه طلب رضا الله وهو المحبوب الأكبر كان أقوى بكثير من كل العواطف، فقدم ولده قرباناً في سبيل المحبوب.

6- لما نحر الطفل بذلك السهم سمع الامام هاتفاً يناديه: «دعه فان له

مرضعاً في الجنة»(1).

7- ان الامام الحسين وضع كفه تحت نحر الطفل حتى اذا امتلأت دماً رمی به نحو السماء فلم تسقط منه قطرة ولو نزلت قطرة من ذلك الدم لنزل البلاء.

تشرف الشيخ علي اكبر التبريزي بزيارة مرقد الامام الثامن وطلب منه شيئاً لم يكن أعطى مثله أحداً، فلما أتم زيارته وخرج الى الصحن اذا بسيد على رأسه عمامة يناديه باسمه ويقول له: اعمل حفلة ميلاد ليلة التاسع من رجب فهي لعلي الأصغر ومنذ ذلك اليوم أصبح هذا الحفل جزءً من المراسم في مدينة مشهد.

هلم يا طفلي العزيز إلى حجري.

لأنس همومي وحزني ومصابي.

تعالی یا بلبلاً في حديقتي وغرّد.

فلقد كتبت وثيقة حرّيتك.

لا ترفرف في عش التراب.

هلم لاطلقك نحو الأجواء.

هلم أرضع من هذا اللبن والشهد.

ص:216


1- تذکرة الخواص: 227، نفس المهموم: 319.

ولا تدع امك تبكي عند المهد.

وقال الشاعر يصور تلك اللحطات:

اعزز علي وأنت تحمل طفلك *** الظامي وحرّر أوامه لا يبرد

قد نبح من نصح الهجيرة صوته *** بمرنة منها يذوب الجلمد

وقصدت نحو القوم تطلب منهم *** ورداً ولكن أين من المورد

والقوس طوق نحره فكأنه *** خيط الهلال يحل فيه الفرقد

وعلى الربية في الخيام نوائح *** تومي لطفلك بالشجئ وتردد

شهادة عبدالله الرضيع

طفلان رضيعان استشهدا في كربلاء في يوم عاشوراء.

1- علي الأصغر وله من العمر ستة أشهر وأمه الرباب.

2- عبدالله الرضيع الذي ولد في يوم عاشوراء وأمه أم اسحاق ابنة طلحة.

ان التأمل في كتب المقاتل والتاريخ والحديث يجعلنا نلتفت إلى ان هناك بعض الاختلاف في رواية مقتل الطفل الرضيع وقد اختلطت الروايات بعضها ببعض وقال البعض بما أن الزيارة (زيارة الناحية المقدسة) تشير الى طفل الرضيع(1) وانه لا اشارة إلى علي الأصغر فان ذلك يعني بأن الطفل الرضيع هو علي الأصغر في حين أن الزيارة لم تذكر ما يناهز العشرة من شهداء بني هاشم.

وقد جاء في اللهوف للسيد ابن طاووس: ان الامام الحسين لما التفت

ص:217


1- جاء في زيارة الناحية المقدسة: السلام على الطفل الرضيع (بحار الأنوار: 101/ 235).

ولم ير معه أحداً الا أجساد الشهداء المقطعة الأوصال وصراخ الأطفال وعويل النساء يرتفع في الفضاء نادى بأعلى صوته:

هل من مغيث يغيثنا؟ هل من معين يعيننا؟ هل من ذاب عن حرم رسول

الله؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في اغاثتنا؟

ثم انه عليه السلام دعا بولده الرضيع يودعه فأتته زینب بالرضيع فلما أراد

أن يقبّله اذا بسهم أطلقه حرملة بن کاهل ينحر الطفل فقال لأخته خذيه.

ثم ملأكفيه من دمه ورمی به نحو السماء وهناك شواهد تشير إلى ان عبدالله الرضيع غير علي الأصغر كما في «الآثار الباقية» لأبي ریحان البیروني(1) الذي أرخ لحادثة عاشوراء ان طفلاً ولد يوم عاشوراء جاءوا به الى الامام ليجري عليه المراسم في قراءة الاقامة والأذان في أذنيه فأتاه سهم وقع في حلق الصبي فذبحه فنزع الحسين السهم وجعل يلطخه بدمه ويقول: والله لأنت أكرم على الله من الناقة ولمحمد أكرم على الله من صالح ثم أتى فوضعه مع ولده وبني أخيه(2).

يقول السيد حيد الحلي في هذا الوليد وعمره ساعات فقط:

له الله مفطوراً من الصبر قلبه *** ولو كان من صم الصفا لتفطرا

ومنعطفٍ أهوى لتقبيل طفله *** فقبّل منه قلبه السهم منحرا

لقد ولدا في ساعة هو والردئ *** ومن قبله في نحره السهم کبّرا

ص:218


1- ولد البيروني سنة 362 وألف كتابه «الآثار الباقية» وهو في السابعة من عمره (أبوریحان البيروني: 11).
2- الآثار الباقية: 2/ 218.

وجاء في زيارة الناحية المقدسة للامام الهادي:

«السلام على عبدالله بن الحسين الرضيع المرمي الصريع المتشحط دماً المصعد دمه إلى السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدي وذويه(1)(2).

استغاثة الحسين لما بقي حيداً

ولما قتل أصحاب الحسين جميعاً وصرع أهل بيته كلهم التفت الحسين

فلم ير أحداً ينصره ونظر إلى الشهداء مجزّرین کالأضاحي والقرابين نادي:

هل من راحم يرحم آل الرسول المختار؟!

وهل من ناصر ینصر ذرية محمد الأطهار؟!(3)

فلما سمعت النساء ذلك علا بكاؤهن.

ونهض السجاد يتوكأ على عصاه ويجرّ سيفه لأنه عليل فلما رأى

الحسين ذلك نادئ:

یا أم كلثوم احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمد.

واقترب الامام الحسين بحيث يسمع نداءه(4) عمر بن سعد ونادى: ویلکم

ص:219


1- أدب الطف: 8/8.
2- بحار الأنوار: 101/ 270.
3- موسوعة كلمات الامام الحسين: 506.
4- ذكر الشيخ المفيد أن السهم أصابه وكان الامام الحسين يقبله وهذا هو عبدالله الرضيع وليس علي الأصغر (المؤلّف).

اسقوا هذا الرضيع أما ترونه كيف يتلظى عطشا من غير ذنب أتاه إليكم(1).

وقد روى صاحب الاحتجاج ان الامام الحسين نزل من فرسه وحفر

للرضيع بكعب سيفه ودفنه مرملاً بدمه وصلى عليه(2).

وروى ابن طاووس: ان الامام قال لأخته:

ناديني ولدي الصغير حتى أودعه.

فجاءت به وقالت:

انه له ثلاث لم يذق الماء(3).

ص:220


1- وقايع الأيّام، خياباني: 451.
2- الاحتجاج للطبرسي: 2/ 301.
3- معالي السبطين: 1/ 259.

الفصل السادس: من الوداع حتى الشهادة

بكى الامام الحسين في ستة مواضع

ص:221

ص:222

1- لما برز ابنه علي الأكبر وقاتل ثم عاد إلى المخيم عطشاناً.

2- لما استأذنه ابن أخيه القاسم بن الحسن للقتال.

3- لما قطعوا يد ابن أخيه عبدالله بن الحسن ونادي: يا عماه لقد قطعوا

يميني.

4- لما اشتبك علي الأكبر مع الأعداء وقال الامام: اللهم اشهد على

هؤلاء القوم فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك.

5- لما بادر الامام الحسين الى مصرع أخيه أبي الفضل العباس ورآه مقطوع

اليدين قد نبت السهم في عينيه.

6- لما ودع الامام الحسين عياله وتعلقت ابنته سكينة بثيابه وقال لها:

لا تحرقي قلبي(1).

الوداع الأول للامام الحسين مع عياله

لما نُحر ابنه الرضيع علي الأصغر وقام بدفنه مرملاً بدمائه.

ثم ان الامام الحسين ارتدی بردة رسول الله صلى الله عليه واله ودرعه وسيفه واستوئ

ص:223


1- اشک روان بر امیر کاروان (الدموع السائلة على أمير القافلة): 129.

على فرس من جیاد خیل رسول الله ونادى: يا سكينة، يا فاطمة، يا أم كلثوم، یا زینب فجاءت إليه بالبكاء والعويل و تعلقت به سکينة فبكى وقال:

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي *** منك البكاء اذا الحمام دهاني

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة *** مادام مني الروح في جثمان

فاذا قتلت فانت أولى بالذي *** تأتینه یاخيرة النسوان(1)

وقالت سكينة: استسلمت للموت يا أبتي؟ فقال: وكيف لا يستسلم من

لا ناصر له ولا معین(2). فقالت خذنا الى حرم جدنا فقال: هيهات لو ترك القطا

ليلاً لنام(3).

ثم انه طلبا ثوباً لا يرغب فيه أحد يضعه تحت ثيابه لئلا يجرّد منه فانه

مقتول مسلوب فجييء له بثوب فخرقه وجعله تحت ثيابه .

ثم تقدم نحو میدان القتال ونادى:

أتعرفوني يا أهل الكوفة؟

فصاحوا:

نعم أنت الحسين بن علي.

فقال: فلم تستحلون دمي؟

ص:224


1- منتخب الطريحي: 450، بنابيع المودة: 3/ 79.
2- نفس المهموم: 315.
3- روى المرحوم البيرجندي ان السيدة الزهراء سلمت ابنتها زينب الكبرى قميصاً وأخبرتها انه لابراهيم الخليل وطلبت منها أن تحتفظ به الى أن يطلبه منها اخوها الحسين (الدموع السائلة على أمير القافلة: 61).

قالوا:

والله لا ندعك حتى نقتلك(1).

الامام الحسين في الميدان

يقول الشيخ المفيد ان الأمام أنشد في الميدان:

كفر القوم وقدما رغبوا *** عن ثواب الله رب الثقلین

قتلوا قدماً علياً وابنه *** حسن الخير كريم الأبوين(2)

من له جدّ كجدّي في الورى *** أو کشيخي فانا ابن العلمين

فاطم الزهراء أمي وأبي *** قاصم الكفر ببدر و حنین

عبدالله غلاماً يافعاً *** وقريش يعبدون الوثنين(3)

وكذا جاء في بعض المقاتل انه أنشد أيضاً:

انا ابن علي الخير من آل هاشم *** كفاني بهذا مفخراً حين أفخر

وشیعتنا في الناس أكرم شيعة *** ومبغضنا يوم القيامة يخسر(4)

فطوبى لعبد زارنا بعد موتنا *** في جنة عدن صفوها لا يكدر

وجاء في مثير الأحزان: ان الامام الحسين تقدم نحو الأعداء مصلتاً سیفه آیساً من الحياة ودعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل جمعاً كثيراً، ثم حمل على الميمنة وهو يقول:

ص:225


1- مقتل الخوارزمي: 2/ 37.
2- المصدر نفسه: 2/ 33.
3- نفس المهموم: 32.
4- الاحتجاج للطبرسي: 2/ 302.

الموت أولی من ركوب العار *** والعار أولی من دخول النار

ثم حمل على الميسرة وهو يقول:

أنا الحسين بن علي *** آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي *** أمضي على دين النبي(1)

فصاح عمر بن سعد:

هذا ابن الأنزع البطين هذا ابن قتال العرب احملوا عليه من كل جانب فراحت السهام تنهمر عليه كالمطر ورموه بأربعة آلاف سهم وهجم عليه الالاف واشتدّ القتال، فحمل من نحو الفرات على عمرو بن الحجاج وكان في أربعة آلاف فكشفهم عن النهر(2) واقحم الفرس الماء، فلما همّ الفرس ليشرب قال الحسين: أنت عطشان وأنا عطشان فلا أشرب حتى تشرب، فرفع الفرس رأسه كأنه فهم الكلام، ولما مدّ الامام الحسين يديه ليشرب ناداه رجل:

أتلتذ بالماء وقد هتكت حرمك؟

فرمي الحسين الماء من يده ولم يشرب(3) وقصد المخيم فلما رأته النسوة

قادماً بادرن نحوه والتفن حوله کفراشات حول شمعة تذوب.

الوداع الثاني للامام الحسين

ثم انه ودّع السجاد وأودعه أسرار الامامة وودع عياله مرّة أخرى

وقال:

ص:226


1- نفس المهموم: 222؛ مناقب ابن شهراشوب: 4/ 119.
2- الأخبار الطوال: 258.
3- مناقب ابن شهرآشوب: 4/ 66.

استعدوا للبلاء واعلموا ان الله تعالی حامیكم وحافظكم(1) وسينجيكم من شر الأعداء ويجعل عاقبة أمركم إلى خير فلا تقولوا ما ينقص من قدركم.

ورأى الامام الحسين ابنته سكينة منحازة عن النساء باكية نادبة فقال لها

مصبراً:

هذا الوداع عزیزتي والملتقى *** يوم القيامة عند حوض الكوثر

فدعي البكاء وللأسار تهیّأي *** واستشعري الصبر الجميل وبادري

واذا رأيتني على وجه الثري *** دامي الوريد مبضعاً فتصبّري

فصاح عمر بن سعد:

ويحكم اهجموا عليه مادام مشغولاً بنفسه وحرمه والله إن فرغ لكم لا تمتاز

میمنتكم عن ميسر تكم.

فرموه بالسهام وشکّ بعضها ازر النساء.

الحملة الثانية

فحمل عليهم كالليث الغضبان والسهام تأتيه من كلّ جانب ثم عاد الى

مركزه يكثر من قول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله.

قال بعض المحدثين ممن رووا عن كربلاء ان ان مجموع من قتلهم بلغ ألفاً

وتسعمائة وخمسين(2).

وكان عمر بن سعد يحرض عليه بصياحه:

ص:227


1- اثات الوحید: 142.
2- نفس المهموم: 322.

هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتال العرب(1).

فأتته أربعة آلاف نبلة(2) وحال الأعداء بينه وبين مخيمة فنادی الحسين:

يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا

أحراراً في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إن کنتم عرباً كما تزعمون(3).

فناداه شمر بن ذي الجوشن:

ما تقول یابن فاطمة؟

فقال الحسين:

انا الذي أقاتلكم والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم عن التعرض

الحرمي مادمت حيا.

فقال الشمر:

لك هذا ولعمري انه لكفؤ کریم(4).

وقصده القوم واشتدّ القتال وقد اشتدّ به العطش وقد روي عن الامام الصادق ان جراح الحسين كانت بالعشرات فقد طعن بالرمح 33 مرّة وتلقى من السيوف 34 ضربة(5).

وجاء عن الامام الباقر ان مجموع جراحه من الرماح والسيوف

ص:228


1- مناقب ابن شهرآشوب: 4/ 120.
2- بحار الأنوار: 45/ 50.
3- اللهوف: 136.
4- نفس المهموم: 325.
5- مناقب ابن شهرآشوب: 4/ 102.

والسهام بلغت 320 جرحاً وقیل 1900 جرح(1).

الهجوم على الامام وهو يستريح

ولما كثرت جراحه وأعياه نزف الدم وقف ليستريح فرماه رجل بحجر على جبهته فسال الدم على وجهه فلما أخذ الثوب ليمسح الدم عن عينيه رماه آخر بسهم محدد له ثلاث شعب وقع على قلبه فقال:

بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله(2).

ورفع رأسه السماء وقال:

الهي انك تعلم انهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي

غيري!!

ثم أخرج السهم من قفاه وانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده تحت الجرح

فلما امتلأت رمی به نحو السماء وقال: هوّن علي ما نزل بي انه بعين الله.

فلم يسقط من الدماء قطرة الى الأرض ثم وضعها ثانية فلما امتلأت لطخ

بدمائه رأسه ووجهه ولحيته وقال:

هكذا أكون حتى ألقى الله وجدي رسول الله وأنا مخضب بدمي وأقول: يا

جد قتلني فلان وفلان(3).

واعياه نزف الدم وهوی من فوق فرسه الى الأرض وهو ينوء بنفسه فجاءه

ص:229


1- نفس المهموم: 325.
2- نفس المهموم: 325، مقتل الخوارزمي: 2/ 34، بحار الأنوار: 45/ 53.
3- الارشاد: 2/ 110.

مالك بن النسر فشتمه ثمّ ضربه بالسيف على رأسه وكان عليه برنس فامتلأ البرنس دماً فقال الامام:

لا أكلت بيمينك ولا شربت و حشرك الله مع الظالمين ثم ألقى البرنس واتم

على القنسوة.

شهادة عبدالله بن الحسن

وفيما كان الحسين على الأرض يحاول النهوض فلا يستطيع رأي عبدالله

بن أخيه الحسن قادماً نحوه وكان له من العم 11 سنة فنادى أخته زينب:

احبسيه يا أختاه.

ولما أرادت زینب أن تمنعه أفلت منها وجاء إلى عمّه ولما أهوى بحر بن

کعب على الامام بالسيف ليضربه صاح عبدالله به:

یابن الخبيثة أتضرب عمي؟

فأهوى بحر بالسيف على الصبي فاتقى الضربة بيده فقطعها(1) إلى الجلد

فاذا هي معلقة فصاح عبدالله:

يا عماه!

ووقع في حجر الامام فضمه إليه وقال:

يابن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فان الله تعالی

يلحقك بآبائك الصالحين.

وجاء حرملة بن کاهل فسدد سهماً إلى رقبة الصبي فذبحه وهو في احضان

ص:230


1- مثير الأحزان: 73.

عمه(1).

وخرجت أمه حافية تنادي:

يا ولداه! يا نور عيناه(2).

وراح الأعداء يدورون حول الامام وهو يجود بنفسه ثم راحو يضربونه

بسيوفهم.

ولما اشتد به الحال رفع بصره إلى السماء وقال:

اللهم متعال المكان عظیم الجبروت شديد المحال غني عن الخلائق عريض الكبرياء قادر على ما تشاء اجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً يا ارحم الراحمين

صبراً على قضائك يا رب لا إله سواك(3).

ونادت أم كلثوم زينب العقيلة:

وامحمداه! واأبتاه! واعلياه! واجعفراه! واحمزتاه! هذا حسین بالعراء

صريع بكربلاء(4).

ثم نادت: ليت السماء اطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على

السهل(5).

وبادرت الى أخيها الحسين فرأت عمر بن سعد في جماعة فصاحت:

ص:231


1- اللهوف: 140.
2- نفس المهوم: 327.
3- المصدر نفسه: 330.
4- اللهوف: 142.
5- المصدر نفسه.

أي عمر؛ أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر إليه(1).

فصرف بوجهه عنها وان دموعه تسيل على لحيته فصاحت زينب:

ويحكم أما فیکم مسلم؟(2)

فصاح ابن سعد:

انزلوا اليه واريحوه.

وقال الشمر:

ما وقوفكم وما تنظرون؟(3)

جاء في جانب من زيارة الناحية المقدسة:

«قد عجبت من صبرك ملائكة السموات واحدقوا بك من كل الجهات(4).

وتعجب الملائكة من صبر الحسين من ست نواحي:

1- فالشمس كانت حارقة تلهب الأرض بأشعتها.

2- الرمال متوهجة والأرض رمضاء حارقة.

3- العدو من الامام يشرع رماحه وسيوفه والسهام.

4- من الخلف يصاعد عويل النساء وبكاء الأطفال.

5- والجراح تجلل جسم الحسين في كل مكان.

6- والجوع والظمأ لم يبق له طاقة.

وهو في كل هذا يقول:

ص:232


1- تاريخ الطبري: 4/ 245.
2- الارشاد للمفيد.
3- نفس المهموم: 330.
4- المزار الكبير: 504، مصباح الزائر: 233، بحار الأنوار: 101/ 240.

صبراً على قضائك يا رب لا اله سواك يا غياث المستغيثين(1).

استشهاد الامام الحسين

وكان الامام يجود بنفسه لما صاح ابن سعد: انزلوا إليه وأريحوه(2).

فتقدم اليه خولي فلما أراد أن يضربه أخذته الرعدة فولّی(3) ثم تقدم ابن سنان ففتح الأمام عينيه فعاد سنان ثم جاء شبث بن ربعي فالتقت عيناه عيني الامام فألقى سيفه وولي وهو يقول:

معاذ الله يا حسين أن ألقى الله بدمك(4).

يقول صاحب الدرّ النظيم: ان عمر بن سعد كان قد قال لشبث بن ربعي انزل

إليه وأرحه فقال شبث(5):

والله لقد كاتبته وبايعته ثم غدرت به أما أن أقتله فلا، فنزل عمرو بن الحجاج إليه فلما التقت عينا هما عاد إلى فرسه فقال الشمر: ما بك؟ قال ابن الحجاج ذکرت به رسول الله.

فبدر إليه الشمر فقالت زينب:

دعوني أودعه.

فأراد الشمر أن يضربها بالرمح ففتح الأمام عينيه وقال: يا أختاه خذي

ص:233


1- مقتل المقرّم: 283، موسوعة كلمات الحسين: 510.
2- مناقب ابن شهرآشوب: 4/ 120.
3- الارشاد: 2/ 112.
4- مطالب السؤول: 76.
5- منتخب الطريحي: 2/ 464.

الأطفال إلى الخيام(1).

وجاء في زيارة الناحية المقدسة:

«وأسرع فرسك الى خيامك قاصداً محمحماً باكياً، فلما رأين النساء جوادك مخزياً ونظرن السرج عليه ملوياً برزن من الخدور»(2) .. على الخدود الاطمات والی مصرع الحسين مبادرات وجلس الشمر على صدر أبي عبدالله

فقال(3):

من أنت فلقد ارتقيت مرتقیً عظيماً طال ما قبله رسول الله(4).

فقال اللعين:

أنا الشمر(5).

فقال:

إذا كان لابدّ من قتلي فاسقني شربة من الماء.

فقال الشمر: هيهات حتى تذوق الموت(6).

فقال الامام:

اعرف أنك قاتلي لأني رأيت في المنام كلاباً تنهشني وأشدّها علي كان

ص:234


1- أنوار الشهادة نقلاً عن مقتل ابن عربي.
2- ثمة انسجام بين ما ذكره ابن عربي وبين ما ورد في زيارة الناحية المقدسة.
3- المزار الكبير: 504، مصباح الزائر: 233.
4- ناسخ التواریخ: 2/ 389.
5- ينابيع المودة: 3/ 83.
6- منتخب الطريحي: 2/ 464.

الأبقع، وقد أخبرني بذلك جدّي رسول الله فغضب اللعين واستلّ سيفه وضرب رأس أبي عبدالله اثني عشر ضربة ثم ذبح الامام من القفا ووضع رأس أبي عبدالله فوق رمحه.

واهتزت الأرض وارتجفت(1) واظلمت الدنيا واسودّت وأمطرت السماء

دماً عبيطاً وبكت الملائكة وقالت:

اللهم ان هذا الحسين صفيك وابن صفیك.

فأراهم الله عزوجل نور قائم آل محمد وقال:

بهذا انتقم لهذا(2).

صحراء نينوى تظلم

وظهر أربعة کائنات نورانية وكائنان من السماء يهبطان.

1- النبي من دون عمامة.

2- وجبرئيل في حضرة النبي.

وملكان يعرجان من الأرض الى السماء.

1- ملك يحمل في قارورة من زمرد دم الحسين.

2- رأس الحسين على قصبة.

ص:235


1- ينابيع المودة: 3/ 84.
2- القمقام الزخار: 2/ 465.

درجات المصيبة

1- العطش والظمأ. 2- فصل الرأس على البدن. 3- رض الجسد بسنابك

الخيل.

1- أثّر العطش في أربعة أعضاء من بدن الحسين.

- الشفاه حيث استحالت شفتاه الى خشبتين(1).

- اللسان وقد انشق من أثر الظمأ(2).

- العينان حتى انه كان يرى ما يشبه الدخان بين السماء والأرض(3).

- الكبد وقد قال: لقد نشفت كبدي من الظمأ(4).

2- فصل الرأس عن البدن وهو أكثر ایلاماً إذا كان من جهة القفا(5).

3- رض الأجساد وسحقها بسنابك الخيل وبتمامته جسد سيد الشهداء أبي

عبدالله وهو القائل لابنته سكينة(6).

وأنا السبط الذي من غير جرم قتلوني *** وبجرد الخيل بعد القتل عمداً سحقوني(7)

ص:236


1- اشک روان: 158.
2- مقتل الخوارزمي: 2/ 36.
3- بحار الأنوار: 44/ 245.
4- ذريعة النجاة: 135.
5- ينابيع المودة: 3/ 84.
6- الارشاد للمفيد: 2/ 113.
7- تذكرة: 373.

الفصل السابع: فضيلة البكاء والزيارة

مأتم الكائنات

ص:237

ص:238

ولقد بكت السموات والأرض على أبي عبدالله الحسين.

ان القرآن يقول حول مصير الفراعنة:

«فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ»(1).

وعلى قول علماء الأصول ان المهفوم المخالف للآية الكريمة ان السماء والأرض تبكي على ناس ولا تبكي على آخرين فهي تبكي على أحد دون آخر.

وقد جاء في الزيارة التي علمها الامام الصادق بعض أصحابه في كيفية

زيارة الامام أبي عبدالله الحسين:

«أشهد أن دمك سكن في الخلد واقشعرت له أظلّة العرش وبكى له جميع الخلائق وبكت له السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلّب في الجنة والنار من خلق ربنا وما يرى وما لا يرى»(2).

كما جاء في الروايات والأخبار ان حجراً في الشام ازيح عن مكانه فنبع من تحته دم عبيط(3) وهكذا في بيت المقدس ما رفع حجر من محلّه إلّا ورأوا دماً

ص:239


1- الدخان: الآية 229.
2- الكافي: 4/ 576.
3- الصواعق المحرقة: 194.

تحته يسيل.

أهمية البكاء على الامام الحسين

1- ان جميع الأنبياء والأوصياء بكوا على الامام الحسين وان البكاء

عليه هو اقتداء بهم(1).

2- ان البكاء يولّد الرأفة والحنان ويزيد في المودّة لأهل البيت.

3- انه يعزز من العمل بفروع الدين وهو مسألة التبرّي والتولّي لأن لعن

أعداء أهل البيت والتبري منهم هو واجب لأنهم أعداء الله عزوجل.

4- قال النبي: «إلا وصلّى الله على الباكين للحسين رحمة وشفقة»(2).

وقد جاء الرواية أنه من بكى على الحسين سبع مرات غفرت له جميع

ذنوبه(3).

5- ان البكاء على الحسين يرفع من درجات الانسان(4).

6- قال الامام الحسين: «أنا قتيل العبرة»(5).

ص:240


1- اشک روان: 257.
2- تفسير الامام الحسن العسكري: 269.
3- بحار الأنور: 44/ 255.
4- أمالي الصدوق: 68، مجلس 17 ح4.
5- کامل الزيارات: 16، باب 36 ح3.

البكاء والتباكي على الامام الحسين

روي عن أبي عمارة المنشد بسند معتبر انه ذهب يوماً الى الامام

الصادق فقال له الامام: انشدني في شعراً في رثاء الحسين.

وانه لما أنشده بکن الامام ثم بكى حتى ارتفع العويل في أهل بيته.

وجاء في الأخبار عنه انه كان يوصي أصحابه بالبكاء على أبي عبدالله

وانه كان يبكي في يوم العاشر من المحرم ويبكي معه أهل بيته.

وانه لما فرغ ابو عمارة المنشد من انشاد شعر في رثاء أبي عبدالله قال الامام الصادق: انه من قرأ شعراً في رثاء الحسين وأبكى خمسين وجبت له الجنة ومن أبكى ثلاثين وجبت له الجنة ومن أبكى عشرين وجبت له الجنة وعشرة وجبت له الجنة وخمسة وواحداً وجبت له الجنة وكل من قرأ شعراً في رثاء الحسين وبکی وجبت له الجنة ومن تباکئ في ذلك وجبت له الجنة(1).

وروى الكشي عن زيد الشحام انه تشرف مع جماعة بلقاء الامام الصادق فدخل جعفر بن عفان فأكرمه الامام وقربه وقال له: يا جعفر، قال: لبيك، قال: بلغني انك تقول الشعر في الحسين وتجيد؟ قال: بلى فديتك يا مولاي، قال: فاقرأ، ثم قرأ جعفر أشعار فبكى حتى سالت دموعه على لحيته، ثم قال: والله لقد حضرت الملائكة المقربون وسمعوا رثاءك ولقد أوجب الله لك الجنة بكل نعيمها في هذه الساعة.

ثم قال: يا جعفر ألا أزيدك؟ قال: بلى يا سيدي، قال: من قال شعراً في

ص:241


1- کامل الزيارات: 112، باب 33 ح 2، أمالي الشيخ الصدوق: 122 باب 29، ح6.

رثاء الحسين فبكى وأبكى الّا أوجب الله له الجنة.

وعن الرّيان بن شبيب بسند معتبر انه دخل على الامام الرضا في أول

يوم من المحرم فقال له الامام:

«يَا ابْنَ شَبِيبٍ أَصَائِمٌ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ لَا فَقَالَ إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي دَعَا فِيهِ زَكَرِيَّا (ع) رَبَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ «رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ» فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وَ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَنَادَتْ زَكَرِيَّا «وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى» فَمَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ كَمَااسْتَجَابَ لِزَكَرِيَّا (ع).

ثُمَّ قَالَ يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الشَّهْرُ الَّذِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا مَضَى يُحَرِّمُونَ فِيهِ الظُّلْمَ وَ الْقِتَالَ لِحُرْمَتِهِ فَمَا عَرَفَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ حُرْمَةَ شَهْرِهَا وَ لَا حُرْمَةَ نَبِيِّهَا (ص) لَقَدْ قَتَلُوا فِي هَذَا الشَّهْرِ ذُرِّيَّتَهُ وَ سَبَوْا نِسَاءَهُ وَ انْتَهَبُوا ثَقَلَهُ فَلَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ أَبَداً يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْ ءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ وَ قُتِلَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا مَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ شَبِيهُونَ وَ لَقَدْ بَكَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَ الْأَرَضُونَ لِقَتْلِهِ وَ لَقَدْ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ لِنَصْرِهِ فَوَجَدُوهُ قَدْ قُتِلَ فَهُمْ عِنْدَ قَبْرِهِ شُعْثٌ غُبْرٌ إِلَى أَنْ يَقُومَ الْقَائِمُ فَيَكُونُونَ مِنْ أَنْصَارِهِ وَ شِعَارُهُمْ يَا لَثَارَاتِ الْحُسَيْنِ.

يَا ابْنَ شَبِيبٍ لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (ع) أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ جَدِّي(ص) مَطَرَتِ السَّمَاءُ دَماً وَ تُرَاباً أَحْمَرَ.

يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ بَكَيْتَ عَلَى الْحُسَيْنِ (ع) حَتَّى تَصِيرَ دُمُوعُكَ عَلَى خَدَّيْكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ

ص:242

كُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتَهُ صَغِيراً كَانَ أَوْ كَبِيراً قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيراً.

يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَا ذَنْبَ عَلَيْكَ فَزُرِ الْحُسَيْنَ (ع).

يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَسْكُنَ الْغُرَفَ الْمَبْنِيَّةَ فِي الْجَنَّةِ مَعَ النَّبِيِّ وَ آلِهِ (ص) فَالْعَنْ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ لَكَ مِنَ الثَّوَابِ مِثْلَ مَا لِمَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَ الْحُسَيْنِ (ع) فَقُلْ مَتَى مَا ذَكَرْتَهُ «يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً».

يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجِنَانِ فَاحْزَنْ لِحُزْنِنَا وَ افْرَحْ لِفَرَحِنَا وَ عَلَيْكَ بِوَلَايَتِنَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَوَلَّى حَجَراً لَحَشَرَهُ اللَّهُ مَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة(1).

وأيضاً عن ابن قولویه بسند معتبر عن داود الرقّي انه كان عند الامام الصادق يوماً فطلب ماءً لشرب فلما شرب دمعت عيناه وقال: «يا داود لعن الله قاتل الحسين».

ثمّ قال: ما من عبد شرب الماء وذكره ولعن قاتله الّا كتب الله له مائة ألف حسنة ومحا عنه مائة ألف سيئة ورفعه مائة الف درجة وكتب له ثواب عتق مائة ألف رقبة وبعث يوم القيامة جذلان مسروراً(2).

وفي أمالي الشيخ الصدوق عن الامام الثامن: من بكى في مصيبتنا

وأبكي لم تبك عيناه يوم تبكي العيون.

وفي قرب الاسناد: من دمعت عيناه بقدر جنح ذبابة رحمه الله(3).

ص:243


1- عیون الاخبار: 1/ 233، باب 28، ح58: أمالي الشيخ الطوسي: 112، باب 27، ح 5.
2- کامل الزيارات: 114، باب 34.
3- بحار الأنوار: 44/ 293.

وقال الامام الحسين: «أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر»(1).

وعن الامام الصادق أيضاً: من بكئ لمصائب الحسين استحق

الجنة(2).

والتباكي حالة من التأثر النفساني وانطلاق الآهة من القلب خالية من

الرياء لأنه في البكاء على الحسين احياء لأمره وقضيته الانسانية.

وسماع صوت المرأة وهي تبكي جائز على غير المحرم ويبدو ان هذا

العمل لا يؤدي المرء إلى الجنة فحسب بل انه يؤدي الى حسن العاقبة والتوفيق الى التوبة وتكون عاقبته خيرا وهذا مشروط بالاخلاص وصفاء النية(3).

لماذا نبكي؟ عقلاً ونقلاً

1- عقلاً: ان صاحب العزاء تكون له مع المتوفي علاقة نسبية، وأعظم

مستوى تكون مع الوالدين، فالمرء يبكي على والديه أكثر من كل شيء.

ان للمتوفي في عنق صاحب العزاء حقاً، ولما كان الامام الحسين هو

من أحيا دين الله، ما كان لنا هذا الايمان ولكنا في ضلال فلهذا نبكي عليه.

اننا نبكي لأجل مصيبة عظمى «جلّت و عظمت مصيبتك في السموات على

ص:244


1- أمالي الشيخ الصدوق: 118، باب 28، ح 7.
2- المشهور أن التباكي هو اظهار البكاء والتشبه بالحالة كما صرّح بذلك الشيخ جعفر الشوشتري (اشک روان: 213) إلا أن المرحوم الطريحي يقول ان التباكي دفع الانسان لنفسه الى البكاء أي اجبار المرء لنفسه على ذلك (مجمع البحرین: 1/ 60).
3- وهذا رأي المؤلف.

جميع أهل السموات»(1).

اننا نبكي على فقدان من يتصف بالصفات الحميدة والخصال الحسنة حيث سیدالشهداء هو المثل الأعلى في كل ذلك.

2- نقلاً: ولقد بكى رسول الله لما توفي ابنه ابراهیم فسأله أحد أصحابه

عن علّة ذلك فقال: «يحترق القلب وتدمع العين ولا نقول ما يغضب الرب»(2).

ولما استشهد من استشهد في معركة أحد وسمع صوت الباكين على قتلاهم

قال: «ولكن حمزة لا بواكي له»(3) وفي هذا دعوة للبكاء على حمزة فبادر الناس إلى البكاء على حمزة وأصبح من تقاليد أهل المدينة اذا ندبوا ميتهم ندبوا سید الشهدأ حمزة رضوان الله عليه.

ولقد بكت الزهراء عند قبر أبيها حتى غشي عليها.

الرد على اشكالين

أن الأحاديث التي ترتبط بثواب البكاء على الامام الحسين وان هذا

الثواب يبلغ من العظمة والمستوى بحيث قال البعض:

1- ان هذا الثواب يبلغ في درجاته الرفيعة مستوى يدفع بالانسان الى

الاجتراء على ارتكاب المعاصي.

2- انه من المستبعد أن يكون لذلك كل هذا الثواب.

ص:245


1- زيارة عاشوراء.
2- صحيح البخاري: 2/ 179.
3- کنز العمال: 15/ 618.

والجواب على الأشكال الأول:

ان الله عزوجل يقول: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ»(1) وفي ذلك اشاره الى الذين ماتوا ولم يتوبوا الّا انه لم يشخص الذنب والمذنب الذي يغفر ويغفر له وهكذا فان البكاء على الحسين والذهاب لزيارته واحد من أسباب العفو الالهي حيث يتوجب أن يكون الزائر والباكي موضعاً لمغفرة المشية الالهية والارادة الربانيّة و تكون الزياره والبكاء أملاً للانسان في العفو الالهي لا الجزاء على ارتكاب المعصية.

والجواب على الاشكال الثاني في استبعاد ثواب البكاء والزيارة:

روي ان شاعراً مدح محظية هشام ولما لم يحصل على جائزة كتب على

باب الامارة:

لقد ضاع شعري على بابكم *** كماضاع درّ على خالصة

فوصل الخبر إلى خالصة فأرسلت وراء الشاعر وأدرك الشاعر انها تريد أن تعاقبه على ذلك فتسلل إلى باب الامارة وحك العين الا الجزء العلوي بحيث أصبحت «ع» هكذا «ء» يعني أبقى رأس العين لتكون همزة وأصبح بیت الشعر بهذه الصورة:

لقد ضاء شعري على بابكم *** كما ضاء درّ على خالصة

ثم دخل الشاعر على خالصة فعنفته في الكلام فقال: انما أردت المدح ثم

دعاها لقراءة الشعر فرأته مدحاً فوهبته كلّ ما عليها من الحلي.

لقد حصل شاعر علی تبدیل حرف واحد في شعره على كلّ حلي خالصة.

ص:246


1- النساء: الآية 48.

فكيف بعطاء خالق كل هذا الوجود وهو ارحم الراحمين ولمن يبكي على

من وهب نفسه وكل وجود في سبيل ربه؟

فضل زيارة الامام الحسين

جاء في الروايات عن المعصومين:

ان زيارة الامام الحسين تزيد في الرزق وتزيد في العمر وتدفع البلاء

عن الانسان(1).

فقد ورد عنهم من زار قبر الحسين استوفي عمره في الدنيا لا ينقص منه شيء(2).

وان في زيارة الامام الحسين ثواب عشرين حجة وعمره مقبولة وفي

بعضها يكون الثواب مائة حجة مع النبي(3) وان من زار الحسين كمن زار الله في عرشه(4) وان من زار الامام الحسين عارفاً بحقه لا يكون ثوابه إلّا الجنّة(5).

وان زيارة الامام الحسين توجب ازالة الهموم عن قلب الانسان ويعطئ الزائر حاجته وجاء في الروايات ان الأيام التي يمضيها المرء في زيارة الامام

ص:247


1- کامل الزيارات: 163، باب 61، 1.
2- المصدر نفسه: 164، باب 61، ح 3.
3- المصدر نفسه: 176، باب 66، ح 2 و 5.
4- المصدر نفسه: 150، باب 60، ح 4.
5- سحار الرحمة: 108.

الحسين لا تحسب من عمره(1).

وجاء في روايات أخرى أن ثواب زيارة الامام الحسين تعدل عتق ألف رقبة(2) وانها تعدل ثواب عمرة مقبولة أو حج وعمرة أو عشرة حجج وعشر عمرات(3) وهذا الثواب والأجر يرتبط بنفس الانسان الزائر وقدر معرفته ويرتبط بالحالة التي يكون عليها الزائر وبالأزمنة والعصور أيضاً.

أهمية زيارة عاشوراء

1- ذكر آية الله الشيخ عبد النبي الأراكي: ان من وجوه المعاني في الحديث الشريف وقول رسول الله صلى الله عليه و اله: «ما أوذي نبي مثل ما أوذيت» ان هذا الأذى حصل من خلال اطلاعه على ما يجري من حوادث في المستقبل وبخاصّة ما يجري على أهل بيته من مصائب فأدّى ذلك إلى شعوره بالحزن.

ولهذا فان الله عزوجل جعل من زيارة عاشوراء تسلية لخاطر النبي صلى الله عليه واله

وأهل بيته تسرّهم وتسرّ شيعتهم أولاً وثانياً يتوسلون بها في قضاء حوائجهم في الدنيا.

ولذا جاء في رواية عن الامام الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه على بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي والحسن بن علي، عن أبيهما علي بن أبي طالب، عن النبي، عن جبرائيل، عن القلم، عن

ص:248


1- وسائل الشيعة:14/ 414، باب 27، ح 9.
2- کامل الزيارات: 154، باب 56، ح 3.
3- المصدر نفسه: 178، باب 66، ح 9.

اللوح، عن رب العالمين: من سأل الله حاجة وقرأ هذه الزيارة قضاها الله له بقدرته الكاملة وبفضله على محمد و آل محمد و شیعتهم ومحبيهم والمؤلف لما فرغ من هذه الرسالة قرأ زيارة عاشوراء وطلب حاجته ولم تكن عادية فاستجیب له(1).

2- رفع المرض والوباء عن الشيعة بسبب زيارة عاشوراء وقد روي عن المرحوم آية الله الحاج الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي قوله:

انه كان في سامراء الدراسة العلوم الدينية فاجناح الوباء سامراء واصيب أهلها بالطاعون وكان كل يوم يمرّ يموت فيه جماعة من أهلها وانه ذات يوم كان في منزل المرحوم السيد محمد فشاركي وقد حضر جمع من أهل العلم وكان المرحوم آية الله الميرزا محمد تقي الشيرازي في مقامه العلمي يضاهي المرحوم فشارکي ودار الحديث حول الوباء وانه يهدد حياة الناس كلهم فقال آية الله فشاركي: إن حكمت فهل تطيعونني؟ ألست مجتهداً جامعاً للشروط؟ فقال الحضور بلی. فقال: احكم على الشيعة في سامراء بأن يقرأوا زيارة عاشوراء عشرة أيام ابتداءً من اليوم وان يهدوا ثواب الزيارة إلى السيّدة نرجس أمّ الامام المهدي لتشفع لنا عند ولدها فيشفع لنا عند الله عز وجل وأنا أضمن لمن يفعل ذلك ألّا يبتلى بهذا الوباء.

فلما حكم بذلك أطاعه الشيعة خوفاً من الاصابة وأملاً بالنجاة فقرأوا الزيارة عشرة أيام فلما بدأوا توقف الموت عندهم وكان عدّة من أهل السنة

ص:249


1- الكنز الخفي، عبدالنبي الأراكي:84.

يموتون حتى انهم كانوا يشعرون بالخجل فكانوا يدفنون موتاهم ليلاً(1).

والتفت بعضهم وكانت لهم معرفة وصداقة مع الشيعة فسألوهم عن علّة ذلك قالوا: بسبب قرائتنا لزيارة عاشوراء فبادروا هم أيضاً الى ذلك فتوقف الموت وكان بعضهم يأتي لزيارة الامامين العسكريين ويسلم عليها قائلاً: إنّا نسلم

عليكما مثل ما يسلّم الشيعة»(2).

ثلاث هبات مقابل الشهادة

جاء في الروايات: «انه سبحانه عوض شهادته بثلاث خصال: جعل الشفاء في

تربته وأجابة الدعاء تحت قبته والأئمّة من ذريّته»(3).

الشفاء في تربة الحسين

جاء في كامل الزيارات عن الامام الصادق قوله:

«في طين قبر الحسين الشفاء من كل داء وهو الدواء الأكبر»(4).

حكاية

قال رجل من أهل النجف: كان لي صديق ولم يكن شيعياً وكان من تجار بغداد المعروفين، وذات يوم وصل رسول منه إلى النجف وقال لي: يقول فلان

ص:250


1- مذكرات الشيخ الحائري: 28، سرّ دلبران (سرّ العاشقين): 88.
2- سرّ دلبران: 90.
3- امالي الشيخ الطوسي: 1/ 317، باب 11 ح 644.
4- بحار الأنوار: 44/ 221، باب 29، ح 1 - 3.

التاجر: احضر بسرعة فان زوجتي مريضة جداً فذهبت الى بغداد وقلت له لست طبيباً يا صاحبي فقال: انت شيعي فاقصد الأئمة وبخاصة الحسين وتوسل إليه من أجل شفاء زوجتي، فذهبت إلى مسجد الحسين بن روح وجئت بمقدار من تربة کربلاء «التربة» فوضعت شيئاً يسيراً منها في قدح وأخذت منه بملعقة شاي وأرقت قطرة منه على شفاة المرأة ففتحت المرأة فمها فارقت قطرة أخرى ففتحت عينيها وراحت ترتشف من القدح حتى أتت عليه كله وشفيت من مرضها، فاستبصرت عشيرة صديقي كلها الا امه(1).

2- استجابة الدعاء تحت قبة الحسين.

جاء في الروايات: «وتحت قبته اجابة الدعاء»(2).

وجاء في الروايات أيضاً ان الامام الصادق مرض يوماً فطلب أن يستأجروا شخصاً يذهب إلى كربلاء ويدعو له بالشفاء تحت قبة الحسين فتعجب الرجل الأجير وقال الامام الحسين والامام الصادق كلاهما امامان مفترضا الطاعة فقال الامام الصادق: لقد صدق الرجل الّا انه لا يعلم ان هناك بقاع يستجاب فيها الدعاء ومنها بقعة الحسين(3) وكذا الامام الهادي بعث رجلاً يدعو له تحت قبة الامام الحسين.

3- ان الله عزوجل جعل الأئمّة من ذريّة الحسين(4).

اذ انه وفقاً للمعتاد يجب أن يكون الأئمّة من نسل الامام الحسن

ص:251


1- کامل الزيارات: 289، باب 91، ح4، تهذيب الأحكام: 74/6.
2- بیان الأئمه: 1/ 394.
3- مستدرك الوسائل: 10/ 335.
4- بحار الأنوار: 101/ 112.

المجتبی(1).

الحائر الحسيني من أين إلى أين؟

1- جاء في كامل الزيارات عن ابن سنان عن الامام الصادق: ان قبر الحسين 20 ذراعاً مکسراً

(الذراعاً المكسراً(2) یعني 20×20) والذرع يساوي 50 - 70 سم وانه روضة من رياض الجنة (ما يساوي 100 متر مربع يعني قبة المرقد.

2- عن الامام الصادق ان لموضع قبر الحسين حرمة معلومة فطلب(3) بيان ذلك فبين له ان على امتداد 25 ذراعاً من الرأس ومن جهة القدمين ومن الامام والخلف 25 ذراعاً فهذه البقعة روضة من رياض الجنة ومن هنا معراج اعمال الزوار الى السماء(4).

فيكون لدينا مربع طول كل ضلع فيه ذراعاً ما يعادل 25 متراً.

ومساحة المربع طول الضلع في نفسه 25×25 = 625 م ويمكن القول ان هذه المساحة تغطي نصفاً من المسجد عند الرأس وإلى قبر حبيب وقبور سائر الشهداء.

3- وجاء عن الامام الصادق قوله: ان حرم قبر الحسين فرسخ في فرسخ على الجهات الأربع وحساب هذه المساحة بالامتار المربعة يكون 121

ص:252


1- امالي الشيخ الطوسي: 1/ 317، باب 11 ح 91.
2- تهذیب الأحکام: 6/ 72.
3- الظاهر انه ابن سنان.
4- مستدرك الوسائل: 10/ 321، کشکول الشيخ البهائی: 2/ 91، مقتل المقرّم: 196.

كم وهي تعادل مساحة الأرض التي اشتراها الامام الحسين له ولأصحابه في كربلاء من أصحاب تلك الأرض.

وبالنتيجة يبدو:

1- ان مائة متر تحت قبة المرقد هي أشرف بقاع العالم(1).

2- ان الحائر الحسيني يبلغ 625 متراً مربعاً ويأتي في حرمته بعد ما تحت

القبة.

3- 64كم(2) (مدينة كربلاء) تأتي في حرمتها في الدرجة الثالثة وهذه البقعة اشتراها الامام الحسين فمن دفن في هذه الأرض يكون في صون من عذاب البرزخ(3).

رعاية الامام الحسين لزواره

جاء في الأخبار ان الامام الحسين في برزخ عن يمين العرش ينظر الى مقتله ومن فيه وينظر الى زواره وانه يعرفهم ويعرف أسماء آبائهم ودرجاتهم ومنازلهم عند الله عزوجل(4).

ویری من يبكي عليه فيستغفر له ويطلب من آبائه (علي و محمد صلى الله عليه واله) أن يستغفرا له ويقول أيها الباكي لو تعلم ما أعد الله لك لكان سرورك أكثر من

حزنك(5).

ص:253


1- بحار الأنوار: 98/ 106 الی 109، اشک روان: 388.
2- امالي الشيخ الصدوق: 118، باب 28، ح 6.
3- بحار الأنوار: 44/ 281.
4- اشک روان: 150.
5- أمالي الشيخ الطوسي: 1/ 55، باب 2 ح 43.

الامام الحسين يحضر أميركبير عند الموت

كان رجل يلعن أمیركبیر فنهاه أحد العلماء عن ذلك فقال له الرجل ان رجاله غصبوا أرضاً لي فأنا ألعنه(1) وذات يوم جاء الرجل إلى ذلك العالم يعتذر عما كان يفعله وراح يثني عليه فقال العالم: ما الذي جرى؟ قال: رأيت البارحة أميركبير في الرؤيا وهو في حديقة غناء فنادئ علي فأعرضت عنه، فقال: ان الله قد غفر لي فتقدمت إليه وسألته كيف غفر الله لك؟ فقال: ذهبت إلى حمام فين في کاشان للاستحمام فجاء مرتزقة ناصرالدین شاه وقطعوا شرياني لكي أنزف وأموت من دون أن يشعر أحد بقتلي فشعرت بالعطش فذكرت عطش الحسين وفجأه ظهر لي الأمام في ذلك العالم فقال: يا محمد تقي أنا الحسين أتعرف لم أنا عند رأسك؟ قلت: لا، فقال: لأنك ذكرتني، أتعرف لم ذكرتني؟ قلت: لا، قال: من أجل نجاتك الطفلين اللذين كادا يموتان من شدّة البرد، ثم قال: لا تخش شيئاً فانا معك حتى يقبضوا روحك ثم رأيت الامام عند غسلي ثمّ رأيته في القبر فأعطاني هذا البستان.

وأما قصّة الطفلين وهما من ذريّة النبي صلى الله عليه واله فاني كنت نائماً في القصر وكانت ليلة شتائيّة شديدة البرد، فأيقظني الحارس وقال: ان رجلاً يدعي وجود کنز على مقربة من القصر وأنه لا يدلّ عليه أحد إلّا أميركبير فنهضت من فراشي وذهبت معه فأخذني الرجل إلى مكان فاذا طفلين يرتجفان من البرد وقال الرجل انهما ابناي وانهما يحتضران من شدّة البرد فاحتضنت أحدهما واحتضن الحارس الآخر ونقلتهما إلى القصر وأمرت برعايتهما فأطعموهما وأخذوهما إلى الحمام

ص:254


1- وأمير كبير لا يتحمل مسؤولية في ذلك.

وخلعوا عليهما من الثياب وأمرت بتسجيلهما في مدرسة «دار الفنون» و تكفلت نفقاتهما مادمت حياً.

شفاعة الامام الحسين في ليلة الرغائب

حدثني الحاج جعفر الچايچي وهو من مداحي أهل البيت وتاجر في قزوین وذلك قبل 23 سنة قائلاً: كنت صديقاً لأحد الأطباء وكان الطبيب صديق لشيخ منحرف عن مدرسة أهل البيت وقد أصدر رضا خان امراً بقتل ذلك الشيخ وذات يوم طارده جلاوزة رضا خان فأصابوه باطلاقات نارية في ميدان بهارستان وقتل في الحال ومرّت على تلك الحادثة ثلاث سنوات، ورأيت في المنام ذلك الشيخ يقول لي لولا الامام الحسين ما نجوت من العذاب وراح الشيخ يقول: لما قتلت وخرجت روحي أخذوني إلى وادي برهوت فتعذبت في ذلك المكان عذاباً أنساني ألم الرصاص.

وكان اليوم الذي يمرّ عليّ في ذلك الوادي كأنه ألف سنة.

وذات يوم سألت الملك الموكل بتعذيبي: كيف الخلاص مما أنا فيه؟ فقال: ان الامام الحسين يمرّ في هذا المكان مرّة في كل عام فان كانت لك علاقة فلعلك تنجو بذلك.

واطلت ليلة الرغائب وهي ليلة الجمعة الأولى من شهر رجب فجأة نادي المنادي يا أهل الوادي اسكتوا و تأدبوا فقد جاء سيد الشهداء إلى الوادي وقد رفع العذاب عن الوادي.

فقلت للملك الموكل بي: دعني ألقى الامام الحسين فقال: أبداً، لأني لو

ص:255

سمحت لك ولغيرك عمت الفوضى في الوادي ان الامام ان رغب أتاك فأفلت منه وركضت نحو الامام وقلت: أغثني فالتفت الأمام إليّ وقال: اننا لا نشفع للضالين فأعادني الملك إلى مكاني فبقيت في العذاب عاماً حتى حلّت ليلة الرغائب مرّة أخرى ونادي المنادي يا أهل الوادي اسكتوا و تأدبوا فقد جاء سيّد الشهداء ومعه أصحابه شهداء كربلاء، ورفع العذاب عن الوادي وانطفأت نيرانه وعم الهدوء المكان، فتوسلت إلى الملك أن يدعني أذهب إلى الامام فأبی فهربت منه ورأيت حبیب بن مظاهر يمشي خلف الامام وهو يحمل الطفل الرضيع والشهداء خلفه فألقيت بنفسي عند قدمي الامام وقلت: اشفع لي بحق هذا الطفل الرضيع فتكلم الطفل الرضيع وقال: يا أبتي ان له حقاً في عنقي فقد قرأ مصيبتي وأبكى امرأة عجوز فشفع لي الامام بشفاعة الرضيع ورفع عني العذاب مع بقائي في مكاني.

الامام الحسين في يوم القيامة

وفي يوم القيامة يجلس الامام الحسين في مقعد في ظل العرش ويجلس إليه الذين كانوا يبكون عليه وزواره فيأنسون بحديثه وتمتلأ نفوسهم بالرضوان وفيما هم جلوس يأتي من يقول لهم ان أزواجكم في الجنة يقلن انهن مشتاقات إليكم فيمتنعون من الذهاب الى الجنان مستأنسين بمجلس الامام الحسين وحديثه(1).

ص:256


1- بحار الأنوار: 45/ 207، اشک روان: 150.

الفصل الثامن: حوادث ما بعد شهادة الامام فی أرض كربلاء

وقائع عصر عاشوراء

ص:257

ص:258

1- الاغارة على الخيام.

2- اضرام النار في المخيم.

3- رض الخيل جسد الشهيد.

1- الاغارة على الخيام

ولما قتل أبو عبدالله هجم الأعداء على المخيم وأغاروا على ثقله ومتاعه وأنتهبوا ما في الخيام واقتحم الأعداء خيمة علي بن الحسين وأراد الشمر قتله فقال حميد بن مسلم: سبحان الله أتقتل الصبيان؟(1) ومنعه ابن سعد من ذلك(2).

وجاء في بعض المقاتل ان زينب العقيلة كانت في خيمة أخرئ لما دخلوا

على خيمة ابن أخيها فبادرت إليها والقت بنفسها على ابن أخيها وقالت: لا يقتل حتى اقتل فأمر ابن سعد بالكف عنه(3).

ص:259


1- كان علي السجاد في الثالثة والعشرين من العمر وأراد حمید بن مسلم أن يدفع القتل عنه فقال عنه صبياً.
2- تاريخ الطبري: 4/ 347.
3- مقتل المقرّم: 301، تاریخ القرماني: 108، نفس المهموم: 345.

وقبضوا على عقبة ابن سمعان وهو غلام الرباب وأخذوه الى عمر بن سعد

وأرادوا قتله فقال: انما أنا مملوك فأطلقه عمر بن سعد.

2- اضرام النار في الخيام

ذكر ابن نما ان القوم لما انتهبوا ما في المخيم اضرموا النار في الخيام(1) ففررن بنات الزهراء باكيات حاسرات يقول الامام الرضا: ان المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه الحرب فاستحلت دماؤنا فيه وانتهكت حرماتنا وسبيت نساؤنا وأضرمت النار في مضاربنا وانتهب ما فيها من ثقلنا ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا»(2).

وجاء في بعض الأخبار أن زينب قالت لابن أخيها یا خليفة الماضين

وثمال الباقين ان الاعداء أضرموا النار في الخيام.

فقال: علیکن بالفرار(3).

وفي روايات أخرى: فرن على وجوهكن في الصحراء ففررن النساء والأطفال الّا زینب فقد بقيت عند ابن أخيها تحميه وترعاه.

ص:260


1- مثير الأحزان: 77.
2- الأمالي لشيخ الصدوق: 111، باب 27، ح 27.
3- معالي السبطين: 2/ 52.

3- رض الخيول لجسد الشهيد

ونادئ عمر بن سعد والنيران تشتعل في الخيام:

ألا من ينتدب الى الحسين فيوطى الخيل صدره وظهره فانبرى عشرة فرسان ورضوا جسد الحسين بسنابك خيولهم وكان أحدهم يدعى اُسيد بن مالك فلما حضر مجلس ابن زیاد قال:

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر *** بكل يعبوب شدید الأسر(1)

فسأل ابن زیاد: من أنتم؟ قالوا نحن من انتدب لرض جسد الحسين فأمر

لهم بجوائز يسيرة(2).

وجاء في زيارة الناحية المقدسة: «تطؤك الخيل بحوافرها» وجاء في تذكرة الشهداء ان سكينة انتهت إلى مصرع أبيها وأعتنقته فسمعته يقول وقد غشي عليها:

شيعتي مهما شربتم عذب ماء فاذكروني *** أو سمعتم بقتيل أو شهید فاندبوني

ص:261


1- اللهوف: 154.
2- المزار الكبير: 504، بحار الأنوار: 504، بحار الأنوار: 101/ 322.

فأنا السبط الذي من غير جرم قتلوني *** وبجرد الخيل بعد القتل عمداً سحقوني(1)

يروي المرحوم الكليني بسند صحيح ان زينب العقيلة لما سمعت نداء عمر بن سعد برض جسد الشهيد أبي عبدالله الحسين بالخيل علا صوتها بالبكاء والعويل فجاءت فضة خادمة الزهراء وقالت ان في هذه الفلاة سبع سيمنعهم من ذلك(2).

واطلع المؤلف على مقتل يذكر ان فضة سمعت زينب تندب بصوت عال ولما سألتها عن علّة ذلك قالت: أما سمعت ابن سعد: يريد أن يرض صدر أبي عبدالله بالخيل فكيف أصبر على هذا؟ فقالت فضة: اني احفظ ثلاثة أدعية عن النبي وهي مستجابة وانه بالقرب منا سبع وهو سيمنع من رض الجسد ويحرسه.

ونظراً لصحة هذه الروايتين في رض الجسد ومنع الأسد فان حادثة رض

الجسد وقعت في يوم الحادي عشر.

وأي شهيد أصلت الشمس جسمه *** ومشهدها من أصله متولد

وأي ذبیح داست الخيل صدره *** وفرسانها من ذكره تتجمد

فلو علمت تلك الخيول كأهلها *** بأن الذي تحت السنابك أحمد

لثارت على فرسانها وتمردت *** كما انهم ثاروا بها وتمردوا

ص:262


1- الكافي: 465/1 (مولد الحسين).
2- المصدر نفسه.

شهادة طفلين

وفي مساء يوم العاشر من المحرم توفي طفلان بسبب الخوف الشديد والعطش ولما جمعت زینب الأطفال افتقدتهما فذهبت تبحث عنهما فرأتهما متعانقين نائمين فحركتهما فوجدتهما قد ماتا(1).

ولما سمح ابن سعد بسقي الأطفال الماء فجاءوا إليهم بالقرب المليئة فامتنوعوا من شرب الماء وقالوا كيف نشرب الماء وابن رسول الله مات عطشانا؟(2).

وجاء في بعض الروايات ان ابنتين للامام الحسين توفيتا من شدة العطش وقيل ان أحداهما ابنة الامام الحسن والأخرى ابنة الامام الحسين ويؤيد هذ ما ورد في بحار الأنوار في ان الله عزوجل کلم موسى في مصاب أبي عبدالله: «یا موسى صغيرهم يميته العطش وكبيرهم جلده منكمش»(3).

وكتب البرجندي: ولكن هدين الطفلين غير أطفال سیدالشهداء(4).

ومذعورة باليتم قدريع قلبها *** كطير عليه الصقر قد هدم الوكرا

وفرّت إلى الثاوي على جمرة الثرى *** وقد أرسلت من جفنها فوقه نهرا

وأهوت على جسم الحسين فضمها *** الى صدره ما بين يمناه واليسرى

تلوذ به حسرى القناع مروعة *** وعزّ عليه أن يشاهدها حسری

ص:263


1- سحاب الرحمة: 635.
2- أنوار الشهادة: 21.
3- معالي السبطين: 2/ 53.
4- بحار الأنوار: 44/ 308.

فما تركتها تستجير سياطهم *** بجسم أبيها حينما انتزعت قسري(1)

المرأة في الجاهلية، المرأة في الاسلام

1- تلهث المرأة وراء الحلي والذهب، وكانت النساء في العصر الجاهلي

ودنيا العرب بل جميع الأقوام يشغفن بالحلي والذهب والجواهر.

«أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ»(2).

ولقد كانت زينب الكبرى تعيش في عزّ ودلال في ظلال زوج کریم ثري هو ابن عمها عبدالله بن جعفر وكان لديهما من الخدم بحيث أنها لما جاءت إلى کربلاء كان معها خمس جواري فزهدت في هذه الدنيا لما شاء الله عز وجل أن تقف إلى جانب أخيها في محنته و تحملت المصائب الكبرى.

2- والمرأة عادة أقل جرأة من الرجل ويصعب عليها المواجهة ضد العدو.

«أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ»(3).

إلّا ان زينب بنت أميرالمؤمنین جسّدت من الشجاعة والثبات والمقاومة في كربلاء ما جعلها بحق بطلة كربلاء وفي الكوفة كانت كلماتها وخطابها من القوة والبلاغة ما ذكّر أهل الكوفة بعلي مؤسس البلاغة في دنيا العرب وخطابها كان في وقت مصيبة كبرى لا يمكن للانسان أن يستجمع فيها أفكاره.

بالرغم من عمق المحنة وهول الفاجعة وبالرغم من الظمأ القاتل والجوع

ص:264


1- الكبريت الأحمر: 2/ 233.
2- الزخرف: الآية 18.
3- المصدر نفسه.

الشديد والعويل وتلك المعاملة القاسية التي عانتها على يد اولئك الوحوش البرابرة بكل احقادهم الأموية وثاراتهم الجاهلية الّا انها ألقت خطاباً غاية في البلاغة والقوة ما جعل كثير من أهل الكوفة كما أشرنا يظنون ان علياً نشر وعاد الى الحياة وهو الان فوق منبره يخطب خطبه البليغة(1).

وفي مجلس ابن زیاد الذي يرتجف فيه الرجال خوفاً وهلعاً نکلت العقيلة

به وازدرته ثم قالت له: «ثكلتك أمك يابن مرجانة(2).

وفي مجلس یزید الطاغية مصاص الدماء وقد أحاط به القادة والزعماء

قالت زینب بشجاعة فريدة:

ولئن جرّ الدواهي عليّ یا یزید مخاطبتك اني لاستصغر قدرك(3).

3- ولقد كان العرب ينظرون الى المرأة نظرة دون الانسانية ويعتبرونها عاراً ولهذا كان أحدهم اذا بشر بالانثي اربدّ وجهه وشعر بالخجل وما أكثر الذين دفنوا بناتهم أحياءً.

«وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ»(4).

أما علي فقد اختار لابنته اسم زینب حيث احدى معانيها زين الأب، فلقد كانت زينب مبعث الفخار والمجد والعزة والكرامة فهي بطلة ملحمة انسانية خالدة وما تزال كلماتها تدوي في أذن التاريخ وما تزال مواقفها تثير اعجاب الأحرار.

ص:265


1- الامالي للشيخ الطوسي: 1/ 92، مجلس513.
2- الاحتجاج للطبرسي: 2/ 307.
3- الاحتجاج للطبرسي: 2/ 307.
4- النحل: الآية 58 - 59.

زينب ملحمة الصبر

منزلتها

1- ابنة الزهراء وعلي المرتضی وحفيدة رسول الله محمد.

2- منذ فجر التاريخ البشري والى قيام يوم الدين لا يوجد امتحان أصعب من الامتحان الذي تعرض له الامام الحسين وكانت زينب الكبرى شريكاً له في هذه الملحمة الكبرى والمصائب العظمى التي يزلزل هولها الجبال.

3- انطوت زینب على علم لدني فلقد قال لها زين العابدین:

أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة(1).

وكانت العقيلة زينب في بلاغتها تأتي بعد أبيها أمير المؤمنين الذي انتهج في

البلاغة نهجاً لا يسبقه فيها أحد وفي شجاعتها تأتي بعد أمها الزهراء(2).

4- زینب بطلة اكبر ملحمة في الصبر والمقاومة.

«وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ»(3).

والصبر من مختصات الانسان لأن الملائكة عقل محض والحيوانات عارية من العقل فلا معنى للصبر لديها فالصبر ما يقابل الأهواء النفسية حيث العقل يحول دونها.

والصبر ثلاثة أقسام:

ص:266


1- الاحتجاج للطبرسي: 2/ 305.
2- مقتل المقرم: 311.
3- الرعد: الآيتان 23 - 24.

1- صبر في طاعة الله وعبادته من قبيل أداء الواجبات والمستحبات

كالصوم والصلاة.

2- وصبر في ترك المعاصي وارتكاب الذنوب.

3- وصبر في مقابل المصائب والفجائع والبلايا التي تحل خاصة بالأنبياء والأولياء وفي القرآن 70 مناسبة يتحدث فيها عن الصبر كقوله تعالى: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»(1) وقد مجدّ القرآن الأنبياء على صبرهم قال سبحانه: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا»(2) وقوله تعالى: «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ»(3) وصبر نوح و ابراهيم وموسى وصبر نبينا الأكرم معروف وقد قال

رسول الله صلى الله عليه و اله: «ما اُوذي نبي مثل ما اوذيت»(4) و «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»(5).

مرور الأسرى على مصارع الشهداء

مرّت ثلاث أخوات على مصارع اخوانهن:

1- صفية أخت الحمزة لما استشهد أخوها عم النبي ومثلوا به فقال النبي للزبير ذلك وطلبه منه أن يحول بينها وبين رؤية أخيها بهذه الحال الا ان صفية وعدت بالصبر فلما رأت أخاها وما فعلوا به صاحت وبكت.

2- لما قتل عمرو بن عبد ود جاءت أخته ووقفت على مصرعه فرأته في

ص:267


1- البقرة: الآية 155.
2- السجدة: الآية 32.
3- الأحقاف: الآية 35.
4- بحار الأنوار: 29/ 56.
5- البقرة: الآية 153.

درعه ولم يسلبه علي شيئاً فلم تبك وقالت ان قاتل أخي رجل کریم.

3- لما وقفت زینب على مصرع أخيها مقطع الأوصال نادت: «وامحمداه(1) صلّى عليك ملائكة السماء هذا حسین مرمل بالدماء مقطع الأعضاء وبناتك سبايا»(2).

قال الراوي: فابکت والله كل عدو وصديق(3) وذكر الكفعمي في المصباح ان السيدة سكينة لما انتهت إلى مصرع أبيها اعتنقت جسده الدامي فسمعت بعد ما غشي عليها أباها يقول لها: شيعتي مهما شربتم عذب ماء فاذكروني *** أو سمعتم بقتيل أو شهید فاندبوني

وجاء في رواية أخرى عنها قالت انها ألقت بنفسها على جسد أبيها وبكت

فلما غشي عليها سمعت اثناء ذلك أباها يقول:

شيعتي مهما شربتم عذب ماء فاذكروني *** أو سمعتم بقتيل أو شهید فاندبوني(4)

فانا السبط الذي من غير جرم قتلونی *** وبجرد الخيل بعد القتل عمداً سحقوني

ليتكم في يوم عاشورا جميعاً تنظروني *** كيف استسقي لطفلي فأبوا أن يرحموني

ص:268


1- سحار الرحمة: 649.
2- مقتل المقرّم: 307، مقتل الخوارزمي: 2/ 39.
3- خطط المقريزي: 2/ 280.
4- المصباح للكفعمي: 741.

وسقوه سهم بغي عوض الماء المعين *** یا لرزء ومصاب هد أركان الحجون

ويلهم قد جرحوا قلب رسول الثقلین *** فالعنوهم ما استطعتم شيعتي في كل حين(1)

عصفت رياح الزمهریر علی ورود الرسالة وهوت زینب من شدّة المصاب

كأنها شهيدة(2).

لله صبر زينب العقيلة *** كم صابرت مصائباً مهولة

رأت من الخطوب والرزايا *** أمراً تهون دونه المنايا

رأت کرام قومها الأماجد *** مجزّرين في صعيد واحد

تسفي على جسومها الرياح *** وهي لذؤبان الفلا تباح

رأت عزیز قومها صريعاً *** قد وزعوه بالظبی توزیعا

رأت رؤوسأ بالقنا تشال *** وجثثأ أكفانها الرمال

رأت رضيعاً بالسهام يفطم *** وصبية بعد أبيهم ایتموا

رأت شماتة العدو فيها *** وصنعه ماشاء في أخيها

دفن أجساد الشهداء في كربلاء

روى المرحوم ملا باقر البهبهاني عن بعض الكتب المعتبرة ان عمر بن سعد ارتحل عن أرض كربلاء إلى الكوفة بجيشه ومعه موكب الاسرى والسبايا

ص:269


1- سحاب الرحمة: 654، مهيج الأحزان: 286.
2- دیوان کنز الجواهر: 145 (للمؤلف).

ورؤوس الشهداء فوق الرماح وقد ترك اجساد الشهداء في العراء بلا دفن.

وكانت قبيلة بني أسد قد ضربوا خيامهم بالقرب من نهر الفرات فخرجن النسوة إلى النهر يستقین الماء، فرأين بعض الأجساد مقطوعة الرؤوس متناثرة هنا وهناك فوق الرمال وكان من بين الأجساد جسد تفوح منه رائحة طيبة أطيب من المسك فصحن وبكين وقلن والله ان هذا جسم الحسين وهذه أجساد أهل بيته(1).

وعدن الى مضاربهن يلطمن خدودهن ويبكين وقلن: يا بني أسد أتجلسون هاهنا والحسين وأهل بيته وأصحابه مجزّرین کالأضاحي تسفي عليهم الرياح فان کنتم تحبونهم وتتولونهم فهلموا لتواروا هذه الأجساد الثرى.

فقالوا: اننا نخشى ابن زیاد و عمر بن سعد أن يحملوا علينا فيقتلون

وينهبون.

قال كبيرهم: نجعل على طريق الكوفة رصداً ونبادر الى الدفن.

فلما جاؤوا ووقفوا على الأجساد بكوا ولما شرعوا بالدفن قال بعضهم وبماذا نجيب من يسألنا عنهم وهذه الأجساد بلا رؤوس وفيما هم حائرون اذا بفارس يطلع عليهم فتفرقوا فلما نزل الفارس ألقى بنفسه على جسد الامام الحسين وراح يلثمه ویشمه.

ثم بكى بكاءً مرّاً ثمّ رفع رأسه وسألهم: ما وقوفكم هنا؟

قالوا: جئنا نتفرج، فقال: بل جئتم للدفن، قالوا: نعم، وقد رمنا تقليب جسد

الحسين فما استطعنا إلى ذلك ورأينا الأجساد بلا رؤوس.

فأنّ الفارس انةً قطعت نياط قلوبهم وصاح:

ص:270


1- دار السلام العراقي.

«يا أبتاه! يا أبا عبدالله! ليتك كنت حاضرة وتراني أسيرأ»(1).

ثم نهض و خطا خطوات وخط خطاً وقال لهم: احفروا هنا فلما حفروا قال ایتوني بهؤلاء وكانوا 17 شهیداً فحملوهم ودفنوهم ثم خطّ خطاً آخر وقال احفروا هنا فلما اتموا الحفر أشار إلى بعض الأجساد وقالوا واروهم هنا.

وبقي بدن واحد مقطع الأوصال قد رضته الخيل وسحقته وكان قد صعب عليهم دفنه فلما أرادوا أن يدفنونه بكى بكاءً شديداً، وقال: معي من يعينني(2)، ثم وضع يديه تحت الجسد المبضع وقال:

«بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، هذا ما وعدنا الله ورسوله

وصدق الله ورسوله ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».

وحمل الجسد لوحده.

ثم وضع خده على نحره الشريف وهو يبكي ويقول:

«طوبى لأرض تضمنت جسدك الشريف، أما الدنيا فبعدك مظلمة والآخرة بنورك مشرقة أما الحزن فسرمد والليل فمسهد، حتى يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، فعليك مني السلام يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته»(3).

ثم أهال التراب وطنه وكتب باصبعه فوق القبر:

«هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشاناً غريباً»(4).

ص:271


1- سحاب الرحمة: 666.
2- مقتل المقرم: 320، دار السلام للعراقي: 516، وقايع الأيام، خیابانی - تتمة محرم -: 137.
3- مقتل المقرّم: 320، معالي السبطين: 2/ 38.
4- سحار الرحمة: 666.

ثم قال لهم: انظروا هل بقي أحد؟

فقالوا: نعم وأشاروا إلى نهر العلقمي، فلما رأى الجسد الطاهر القى بنفسه

عليه و بکی قائلاً:

«على الدنيا بعدك العفا یا قمر بني هاشم، فعليك مني السلام من شهید محتسب

ورحمة الله وبرکاته»(1).

فحفروا له قبراً ثم دفنه وحده ولم يشرك بني أسد في الدفن.

وكان بالقرب منه جسد آخر وهو لحبيب بن مظاهر الأسدي ولما أرادوا أن يأتوا بجسد الحر الرياحي وكان بعيداً عن سائر الأجساد منعهم وأمرهم أن يدفنوه في نفس المكان ولما أتموا دفن أجساد الشهداء أقسموا على ذلك الفارس أن يعرف نفسه فقال: أنا امامكم علي بن الحسين، ثم ركب فرسه وغاب عنهم(2).

ويروى ان جماعة من زوار کربلاء سألوا المرحوم السيد مرتضى الكشميري عن قبر علي الأصغر (الطفل الرضيع) فبكى وقال: لا أدري، ثم طلب منهم أن يأتوا صباحاً فلعلّه يعثر على جواب.

فلما كان الليل واوئ إلى فراشه رأى في عالم الرؤيا سيد الشهداء يقول له: لِمَ لَم تجب زوّاري؟ فقال: وماذا أقول لهم يا أبا عبدالله وأنا لا أعلم أين قبره، فقال: اعلم وأخبرهم انه على صدري(3).

ص:272


1- دار السلام: 516.
2- دار السلام العراقي: 516.
3- المقتل الجامع: 1/ 450.

الفصل التاسع: من كربلاء إلى دمشق

دخول موكب أهل البيت الكوفة

ص:273

ص:274

لقد وردت رواية مسلم في أغلب المقاتل وخلاصتها انه صعد فوق قصر الامارة المشرف على الكناسة ووقف ينظر فرأى أربعين هودجاً و محملاً فيها نساء وبنات فاطمة وكان علي بن الحسين على جمل من غير غطاء ولا غطاء والدماء تسيل من عنقه وكان يقرأ بعض الأشعار وأخذ أهل الكوفة يناولون الأطفال التمر والجوز والخبز فصاحت أمّ كلثوم: إنّ الصدقة علينا حرام ثم رمت به إلى الأرض وبكين نساء أهل الكوفة فقالت أمّ كلثوم: يا أهل الكوفة رجالكم يقتلوننا ونساؤكم تبكي علينا والله يحكم بيننا.

ورأت زیبنب رؤوس الشهداء فوق الرماح يتقدّمها رأس الحسين

فقالت بينها وبين نفسها:

ياهلالاً لما استتم كمالا *** غاله خسفه فأبدى غروبا

ما توهمت یا شقيق فؤادي *** كان هذا مقدراً مكتوبا

يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها *** فقد كاد قلبها أن يذوبا(1)

وأومأت زینب ابنة علي إلى الناس وهم حشود متراكمة فهدأت حتى كأنّ على رؤوسهم الطير يقول الراوي: انها لما أومأت إلى الناس سكنت الأجراس

ص:275


1- بحار الأنوار: 45/ 115.

والأنفاس هنالك تدفقت كلماتها البليغة كأقوى ما تكون في خطبه فريدة قائلة:

الحمد لله و الصلاة على أبي محمد و آله الطيبین الأخيار.أما بعد: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ يَا أَهْلَ الْخَتْلِ وَالْغَدْرِ وَالْخَذْلِ أَلَا فَلَا رَقَأَتِ الْعَبْرَةُ وَلَا هَدَأَتِ الزَّفْرَةُ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ هَلْ فِيكُمْ إِلَّا الصَّلَفُ وَالْعُجْبُ وَالشَّنَفُ وَالْكَذِبُ وَمَلَقُ الْإِمَاءِ وَغَمْزُ الْأَعْدَاءِ أَوْ كَمَرْعًى عَلَى دِمْنَةٍ أَوْ كَفِضَّةٍ عَلَى مَلْحُودَةٍ(1) أَلَا بِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَفِي الْعَذَابِ أَنْتُمْ خَالِدُونَ(2) أتَبْكُونَ أَخِي؟! أَجَلْ، وَاللَّهِ فَابْكُوا فَإِنَّكُمْ أَحْرَى بِالْبُكَاءِ فَابْكُوا كَثِيراً وَاضْحَكُوا قَلِيلًا فَقَدْ أَبْلَيْتُمْ بِعَارِهَا وَمَنَيْتُمْ بِشَنَارِهَا وَلَنْ تَرْحَضُوهَا أَبَداً وَأَنَّى تَرْحَضُونَ قُتِلَ سَلِيلُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ وَمَعْدِنِ الرِّسَالَةِ وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَلَاذُ حَرْبِكُمْ وَمَعَاذُ حِزْبِكُمْ وَمَقَرُّ سِلْمِكُمْ وَآسِي كَلْمِكُمْ وَمَفْزَعُ نَازِلَتِكُمْ وَالْمَرْجِعُ إِلَيْهِ عِنْدَ مُقَاتَلَتِكُمْ- وَمَدَرَةُ حُجَجِكُمْ وَمَنَارُ مَحَجَّتِكُمْ أَلَا سَاءَ مَا قَدَّمَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ وَسَاءَ مَا تَزِرُونَ لِيَوْمِ بَعْثِكُمُ فَتَعْساً تَعْساً وَنَكْساً نَكْساً لَقَدْ خَابَ السَّعْيُ وَتَبَّتِ الْأَيْدِي وَخَسِرَتِ الصَّفْقَةُ وَبُؤْتُمْ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْكُمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أَ تَدْرُونَ وَيْلَكُمْ أَيَّ كَبِدٍ لِمُحَمَّدٍ ص فَرَثْتُمْ وَأَيَّ عَهْدٍ نَكَثْتُمْ وَأَيَّ كَرِيمَةٍ لَهُ أَبْرَزْتُمْ وَأَيَّ حُرْمَةٍ لَهُ هَتَكْتُمْ وَأَيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكْتُمْ أَ فَعَجِبْتُمْ أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ دَماً وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ- فَلَا يَسْتَخِفَّنَّكُمُ الْمَهَلُ فَإِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَحْفِزُهُ الْبِدَارُ وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ فَوْتُ النَّارِ كَلَّا إِنَّ رَبَّكَ لَنَا وَلَهُمْ لَبِالْمِرْصادِ(3).

وقد ورد في الأخبار عن بقيّة الله أرواحنا فداه أن الملائكة في يوم وفاة

ص:276


1- أمالي الشيخ الطوسي: 1/ 92، مجلس3 ح 51، الاحتجاج للطبرسي: 2/ 304، مقتل الخوارزمي: 2/ 40.
2- النحل: الآية 92.
3- الخصائص الزينبية: 142، الخصيصة 17.

السيّدة زينب الكبرى تعقد مجلساً للعزاء وتقرأ خطبتها في الكوفة فتبكي الملائكة.

وروى الشيخ المفيد والشيخ الطوسي عن ابن حذلم انه دخل الكوفة في شهر المحرم سنة احدى وستين للهجرة وقد صادف دخوله دخول موكب الأسرى والسبايا وفي الاسرى علي بن الحسين وقد أحاط بهم الجيش واجتمع الناس للنظر إليهم فصاحت أمّ كلثوم:

يا أهل الكوفة أما تستحون من الله ورسوله أن تنظروا إلى حرم النبي صلى الله عليه واله؟

وكان علي بن الحسين في أسوأ حال اذ غلّت يداه إلى عنقه بالجامعة

وأضعفته العلّة فقال بصوت واهن وقد علا بكاء نساء الكوفة:

أيبكين علينا؟ فمن الذي قتلنا(1)؟

وفي ذلك الوقت ارتجلت زينب العقيلة خطبتها الخالدة التي ما سمع أحد

أبلغ منها ولا أفصح(2).

يقول ابن حذلم والله ما رأيت أفصح منها ولا أبلغ وكأنما تنطق عن لسان

أبیها.

وفي رواية صاحب الاحتجاج قال الامام السجاد لعمته وهي تهدر في

خطبتها:

«اسكتي يا عمة فانت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة(3).

ص:277


1- الأمالي للشيخ الصدوق: 1/ 91، أمالي الشيخ المفيد: 322.
2- المصدر نفسه.
3- الاحتجاج للطبرسي: 2/ 305.

وبعد ذلك خطبت فاطمة بنت الحسين ثم أمّ كلثوم.

فارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب هنالك خطب الامام السجاد

وكان على بعير ضالع والجامعة في عنقه ويداه مغلولتان إلى عنقه وأوداجه تشخب

دماً فقال:

وأومأ إلى الناس أن اسكتوا فلما سكتوا حمد الله وأثنى عليه وذكر النبي

فصلّى عليه ثمّ قال:

أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن من انتهكت حرمته وسلبت نعمته وانتهب ماله وسبي عياله، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا تراث، أنا ابن من قتل صبرا وكفى بذلك فخرا(1).

في قصر الامارة

يقول المرحوم السيد ابن طاووس و آخرون أنه طافوا بالرؤوس في أزقة الكوفة وشوارعها، وعاد ابن زیاد إلى قصره وأذن للناس اذناً عاماً وأمر بادخال

ص:278


1- المصدر نفسه.

السبايا مجلسه فادخلت عليه الحرم بحالة تقشعر لها الجلود.

وكانت السيدة زينب الكبرى قد انحازت عن النساء وهي متنكرة

وحولها النساء والأطفال، فسأل ابن زیاد:

من هذه المتنكرة؟

فلم تجبه احتقاراً له فقيل له: هذه زينب العقيلة!

فأراد اللعين أن يحرق فؤادها فقال متشمتاً:

الحمد لله الذي فضحكم وقتلکم واكذب احدوثتكم.

فردّت عليه بكبرياء قائلة:

الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد وطهّرنا من الرجس تطهيرا، وإنما يفتضح

الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا. فقال النذل:

كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟

قالت:

ما رأیت إلّا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ و تخاصم فانظر لمن الفلح يومئذٍ ثكلتك أمّك يابن مرجانة.

فغضب اللعين واستشاط غيظاً من كلامها أمام الحشد وأراد قتلها.

فقال عمرو بن حریث: أنها امرأة وهل تؤاخذ بشيء من كلامها؟(1).

فقال ابنزیاد بحقد:

لقد شفي الله قلبي من طاغيتك والمردة من أهل بيتك.

ص:279


1- الارشاد للمفيد: 2/ 115، نفس المهموم: 371، اللهوف: 178.

والتفت اللعين الى الامام علي بن الحسين وقال:

ما اسمك؟

قال:

علي بن الحسین.

فقال اللعين:

أولم يقتل الله علياً؟

فقال:

كان لي أخ اكبر منّي يسمّئ عليّاً قتله الناس.

فقال ابن زیاد:

بل قتله الله.

فقال:

«اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»(1).

فغضب اللعين وكبر علیه وصاح:

اضربوا عنقه.

فاعتنقته عمّته زینب وقالت:

حسبك يابن زیاد من دمائنا ما سفكت وهل أبقيت أحداً غير هذا فان أردت

قتله فاقتلني معه(2).

ص:280


1- الزمر: الآية 4.
2- الارشاد للمفيد: 2/ 117.

وقال السجاد بشجاعة أبيه:

أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة(1).

ثم ان ابن زیاد راح ينكث بالقضيب ثنايا أبي عبدالله فقال له زيد بن أرقم:

ارفع القضيب عن هاتين الشفتين، فوالله الذي لا إله إلّا هو لقد رأيت شفتي

رسول الله على هاتين الشفتين يقبّلهما ثمّ بکن زيد فقال ابن زیاد:

ابكى الله عينيك فوالله لولا انّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت

عنقك.

فخرج زيد من المجلس وهو يقول:

أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة،

فبعداً لمن رضي بالذلّ(2).

منازل الامام الحسين

«خلقكم أنواراً فجعلكم بعرشه محدقین».

يعتقد حكماء اليونان ان أول مخلوق هو العقل الأول ثم العقل الثاني وهكذاحتى العقل العاشر.

إلّا أنّه وفقاً لما ورد في الأحاديث الصحيحة ان أوّل مخلوق هو نور

محمد

ص:281


1- اللهوف: 180.
2- الارشاد للمفيد: 2/ 114، نفس المهموم: 367.

وقد قال له:

«أول ما خلق الله نور نبيّك يا جابر».

وجاء في الروايات:

«أول ما خلق الله العقل»(1).

وقد فسّر العقل بالنبي ثم بعد نور النبي نور على ثم بعده نور فاطمة ثم الحسن والحسين.

ويبدو ان هذا كان حيث لا مكان ولا زمان وجاء في الروايات ان الله خلق من نور محمد عرشه حيث جاء في الزيارة: «خلقكم الله أنواراً، فجعلكم بعرشه محدقین».

وأذن فالمنزل الأول انهم كانوا حول العرش المنزل الثاني انهم كانوا في

الأصلاب المطهّرة.

«أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة»(2).

والمنزل الثالث: الأرحام المطهرة والمنزل الرابع للامام الحسين ولوج

الدنيا في يد لعيا سيدة الحوريات في الجنة(3).

ص:282


1- الزيارة الجامعة الكبيرة.
2- اشک روان: 340.
3- أمالي الشيخ الطوسي: 1/ 55.

المنزل الخامس: في حجر السيّدة الزهراء.

المنزل السادس: بين يدي النبي وفي حجره.

المنزل السابع: على عاتق جبرئيل الأمين.

المنزل الثامن: في صحراء كربلاء الحارقة.

المنزل التاسع: ما وراء هذا العالم (بعد شهادته) في عالم البرزخ في ظل

عرش الله عزوجل.

المنزل العاشر: في المحشر في مكان في ظل العرش وقد تحلق حوله زواره

ومن حضر مجالس عزائه.

منازل رأس الحسين

المنزل الأول: في قصر خولي.

المنزل الثاني: في مجلس ابن زیاد.

المنزل الثالث: في الكوفة معلقاً على شجرة.

المنزل الرابع: في الكوفة في حجر زوجته الرباب.

المنزل الخامس: بين الكوفة والشام معلّقاً فوق الرمح وأحياناً في

ص:283

صندوق.

المنزل السادس: في دير الراهب.

المنزل السابع: في طست من الذهب في مجلس یزید.

المنزل الثامن: معلقاً على باب قصر یزید حيث لم تتحمل زوجة يزيد هذا

المنظر فصاحت وندبته فأمر بانزال الرأس.

المنزل التاسع: معلقاً على بوابة دمشق.

المنزل العاشر: في القبر ملحقاً بالجسد بعد أربعين يوماً.

ويوجد في الشام مزار يدعى الستة عشر ويضم رؤوس شهداء كربلاء بما

في ذلك رأس العباس بن علي.

تكلم رأس الحسين مع ثلاثة من الرهبان

«أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا»(1).

ذكر الدميري في كتابه حياة الحيوان والدميري معروف انه من علماء أهل

السنة وفي ذیل کلمة يحيى: أن ثلاثة رؤوس تكلمت بعد فصلها:

1- یحیی بن زکریا. 2- الحسين بن علي. 3- سعید بن

ص:284


1- الكهف: الآية 9.

جبیر.

وقد سئل الشيخ المفيد عن تكلّم رأس الحسين فقال: انه لم يرد عن الأئمّة في ذلك شيء إلّا ان القرآن الكريم يقول: «يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ»(1).

ما هو الاشكال في أن يتكلّم رأس ولي الله بعد شهادته.

ولقد تكلّم رأس الحسين في عدّة مناسبات وكان لكل مناسبة قصتها

العجيبة:

1- في الكوفة.

2- مع راهب نصراني بالقرب من القادسيّة.

3- مع راهب آخر بعد مغادرة تكریت.

4- مع راهب ثالث بالقرب من مدينة قنسرین وسيأتي تفصيل ذلك.

1- لما أمر ابن زیاد أن يطاف برأس الحسين في أزقة الكوفة وبين القبائل يقول زيد بن أرقم أنه كان على سطح داره فلما وصل الرأس (وهو فوق رمح طویل) سمعته يقرأ: «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا»(2) فقف شعري لذلك وصحت: رأسك أعجب یابن رسول الله(3).

ص:285


1- النور: الآية 25.
2- الكهف: الآية 9.
3- الارشاد للمفيد: 2/ 117.

2- عن أبي مخنف ان سهل (من صحابة النبي) كان عائداً إلى الكوفة من الحج فدخلها وكانت أسواقها قد تعطلت وأحوالها قد انقلبت فسأل رجلاً عن ذلك فأخبره بمقتل الحسين وسبي عياله وفيما هو ذاهل إذ مرّ موكب السبايا وقد وصل باب بني خزيمة، حيث حبس الأسرى هناك ساعة، وكان رأس الحسين مجلّلاً بالدماء فرأى سهل شفاه الحسين تتحركان فاصغى إليه فاذا هو يقرأ سورة الكهف فلما بلغ قوله تعالى: «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا» فبکی سهل وقال: رأسك أعجب یابن رسول الله!!.

2 ولما سيّر ابن زياد السبايا والرؤوس إلى الشام فمرّ بالقرب من دير أحد الرهبان ونصبوا الرأس الى جنب صومعة الراهب وجلسوا يحرسونه فلما مرّ شطر من الليل والحرّاس يشربون الخمر ويقصفون اذا بهم يرون يداً تخرج من حائط الدير وتكتب بقلم من حديد على الجدار:

أترجو أمة قتلت حسينا *** شفاعة جده يوم الحساب

فخافوا خوفاً شديداً ونهض بعضهم ليأخذ القلم فاختفى فعادوا الى شربهم

وقصفهم فخرجت اليد مرّة أخرئ و راحت تكتب على الحائط:

فلا والله ليس لهم شفيع *** وهم يوم القيامة في العذاب

ثم اختفت لتخرج مرّة ثالثة وتكتب:

وقد قتلوا الحسين بحکم جور *** وخالف حكمهم حكم الكتاب

ص:286

فنغص عليهم شربهم وأكلهم وناموا خائفين، فلما كانت منتصف الليل اذا بالراهب(1) يسمع تسبیحاً و تهليلاً ویری نوراً ساطعاً يشعّ من الرأس المطهر ويسمع قائلاً يقول:

«السلام عليك يابن رسول الله، السلام عليك يا أباعبدالله صلوات الله

وسلامه عليك.

فتعجّب الراهب من ذلك، فلما طلع الصبح خرج من الدير واتّجه إليهم

وسألهم عن صاحب هذا الرأس فقالوا له بكل صلافة:

انه راس الحسين بن علي بن أبي طالب وأمّه فاطمة بنت رسول الله.

فقال لهم: تبّاً لكم وقد صدق علماؤنا وأحبارنا في انه إذا قتل هذا الرجل

مطرت السماء دماً عبيطاً ولا يكون ذلك إلّا بقتل نبي أو وصي نبي.

ثم طلب منهم أن يعطوه الرأس ساعة واحدة فأبوا حتى اعطاهم عشرة آلاف درهم فأخذ الرأس وغسله بماء الورد وطيّبه بالمسك والكافور وقبّله على جبهته و محل سجوده وبكى عليه وأسلم الراهب ونطق بالشهادتين وأعاد الرأس إلى الحراس.

ويقال أن الراهب لمّا أسلم غادر الدير ولجأ إلى الجبال يعبد الله عزوجل

حتى وافاه الأجل.

ولما وصلوا قريباً من الشام وأرادوا اقتسام الأموال اذا هم يرونها وقد

استحالت الى خزف وقد كتب على أحد جانبها: «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ

ص:287


1- كان دير الراهب بالقرب من القادسية.

الظَّالِمُونَ»(1).

على الجانب الآخر: «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»(2).

فقال خولي وهو رئيسهم:

ویلکم اکتموا ذلك.

ثم قال الرأس: انا لله وإنّا إليه راجعون خسر الدنيا والآخرة.

وجاء في بعض الأخبار أن الراهب خاطب الرأس: يا سيد العلماء اني لأظن ان وصفك في التوراة والانجيل مذكور وان الله قد وهبك التأويل وبكاك سادات بني آدم في الدنيا والآخرة واني أريد أن أعرفك بالاسم والصفة.

فنطق الرأس وقال:

أنا المظلوم، أنا المهموم، أنا الذي بسيف العدوان والظلم قتلت انا الذي بحرب أهل البغي ظلمت أنا الذي على غير جرم نهبت أنا الذي من الماء منعت أنا الذي عن الأهل والأوطان بعدت».

فأقسم عليه الراهب أن يزيده في ذلك، فقال الرأس:

أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن العروة الوثقى، أنا شهید کربلاء، أنا قتیل کربلاء، أنا مظلوم کربلاء، أنا عطشان کربلاء(3).

ص:288


1- ابراهيم: الآية 42.
2- الشعراء: الآية 27.
3- معالي السبطين: 2/ 83.

المنازل بين الكوفة والشام(1)

المنزل الأول: القادسيّة

يذكر بعض من دوّنوا حوادث کربلاء من قبيل المحدّث القمي ان أوّل منزل للسبايا كان اطلالاً لبناء ومنزل حيث يعيش بالقرب من تلك الاطلال راهب في دیر(2) وهنا نزل جنود يزيد للاستراحة حيث شربوا وأكلوا وخرجت اليد التي كتبت على الجدار (جدار الدير):

أترجو أمة قتلت حسیناً *** شفاعة جدّه يوم الحساب(3)

المنزل الثاني: تکریت

ردود فعل النصارى

ولما وصل جند یزید قريباً من مدينة تكريت أرسلوا إلى واليها أن يستقبلهم

حيث انهم يحملون رأس الحسين.

ولما قرأ الوالي الرسالة أمر بالأبواق أن تنفخ والأعلام أن تنشر واظهار

الزينة في المدينة وأمر أهل تكريت بالخروج لاستقبال جند یزید.

وكان رجل نصراني قد عاد من الكوفة الى تكريت فقال لقومه:

ان هذا رأس الحسين بن فاطمة بنت محمد!

فلما سمعه النصارى ذلك أغلقوا كنائسهم وقالوا: إنّا نبرأ من أمّة قتلت ابن

ص:289


1- وهي بين الكوفة والشام 14 منزلاً أوردنا باختصار من معالي السبطين وهو قد أخذها من أبي مخنف والبحار ونفس المهموم والدمعة الساكبة وناسخ التواریخ.
2- وكلاهما صحيح برأي المؤلف.
3- نفس المهموم: 385، مثير الأحزان: 96.

بنت نبيها، فلما سمع جند یزید ذلك امتنعوا من دخول تکریت وساروا إلى مدينة

أخرى(1).

المنزل الثالث: بالقرب من دیر راهب

«وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ»(2).

والدير مكان يقطن فيه الرهبان يعبدون فيه وعادة ما يكون ويبني بعيداً عن العمران وبخاصّة المدن الكبرى ولذا فان الاديرة تنتشر في الصحاري والمناطق الجبلية والفلوات، فاذا كان البناء داخل المدينة دعی کنیسة أو بيعة وقال بعض الكنيسة معبد اليهود والبيعة هي معبد النصاری(3). وعندما ظهر الاسلام كانت الاديرة كثيرة جداً و تنتشر في الشام وفلسطين والعراق وكانت مراکز حيوية جداً في الحياة الدينية والثقافية للمسيحيين واليوم ما تزال عشرات الاديرة قائمة في ايطاليا والفاتيكان حيث يعيش فيها الرهبان الذين أوقفوا حياتهم عليها.

وقد وردت في موسوعة دهخدا اللغوية أسماء للعديد من الأديرة منها:

ص:290


1- القمقام الزخار: 2/ 548.
2- المائدة: الآية (82).
3- وتطلق على معابد اليهود والنصارى (لسان العرب: 1/ 588).

دیر ابلق في الأهواز.

دیر احويتا في اسمرت احدى مدن ديار بكر (تركيا).

دير البخت على مسافة فرسخين عن دمشق (12 کم).

دير الخصان بين دمشق و بیت المقدس.

دير الرمانيين ويقع بين حلب وانطاكيا.

دیر ابشيا في مصر.

دیر ابوفانا في مصر(1).

حديث رأس الامام الحسين مع الراهب

ولما وصلت قافة السبايا إلى دير في الفلاة طرق الجند الباب ففتح باب الدير وظهر راهب فلما رأى السبايا والجند قال: ان الدير لا يسعكم جميعاً فليدخل الأسرى وأما الجند فيبقون في الخارج للحراسة ولما ادخل الاسرى وكان رأس الامام الحسين في صندوق مقفل.

وانتبه الراهب إلى نور يصاعد من الغرفة التي فيها الصندوق وقد انشق السقف واستقر سرير عليه امرأة حورية وشخص يقول: طرّقوا أي افتحو الطريق.

فجاءت حواء وسارة وهاجر وجلسن على طرف السرير ثم جاءت سيّدة

جليلة القدر وهي الزهراء فغشي عليها.

ولما رأى الراهب ذلك غشي عليه وأفاق فسمع كلاماً فدهش وغشي عليه

مرة أخرى، فلما أفاق جاء وكسر القفل واستخرج الرأس فغسله وقام بتحنيطه.

ص:291


1- انظر قاموس دهخدا حرف «د»: 529- 530.

ثم خاطبه من أنت يا سيّد بني آدم فجاء الجواب: أنا المظلوم، أنا المهموم،

فقال الراهب: زدني بياناً.

فقال الرأس: ان سألت عن حسبي ونسبي أنا بن محمد المصطفى أنا ابن

فاطمة الزهراء. أنا ابن خديجة الكبرى، انا شهید کربلاء.

المنزل الرابع: وادي النخلة

ولما وصلوا هذا المكان ونزلوا فيه سمعوا في جوف الليل نساء الجن ينحن

عليه بهذه الأشعار:

خیر نساء الجن يبكين شجيات *** ويلطمن خدوداً كالدنانير نقيات

ويلبسن ثياب السود لبساً للمصيبات

المنزل الخامس: لينا

وهي مدينة عامرة خرج أهلها فاستقبلوا قافلة السبايا بالصلاة على محمّد

وآله والسلام على الحسين وجدّه واللعن على قاتلیه.

المنزل السادس: عسقلان

وأمير هذه المدينة اشترك في حرب الحسين فأمر باظهار الزينة في

ص:292

المدينة واشتغلوا باللهو واللعب والضرب على الطنبور ولما دخلت القافلة وطيف بالأسرى في شوارعها كان تاجر غريب يدعى «زرير الخزاعي» فسأل من هؤلاء؟ فقيل: خرجوا على يزيد، فقال: أكفار هم أم أهل الاسلام؟ قيل: من أهل الاسلام ومن سادات أهل الاسلام وزعيمهم ابن رسول الله.

فجاء التاجر إلى الامام السجاد وقال له: أنا في هذه المدينة غريب وقد

سمعت بذلك.

فقال السجاد: جزاك الله خيراً إذ جعل الله في قلبك حبنا ومودتنا أهل

البيت.

اذهب إلى حامل رأس الحسين وقل يخرج من بين النساء، فذهب زریر وطلب منه ذلك بعد أن اعطاه خمسين مثقالاً ذهباً وفضة، ثم عاد إلى السجاد وقال: مرني بأمرك فطلب منه أن يحضر ثياباً للنساء والأطفال وعمامة له فما أسرع أن جاء بذلك، ثم ذهب إلى الشمر ولعنه وسبّه فأخذوه وضربوه(1).

المنزل السابع: الموصل

وقد طلب جند یزید من والي الموصل الميرة واستشار الوالي تجار المدينة وقال ان في الموصل شيعة لعلي لا فامنعوهم من دخول المدينة واعطوهم الميرة خارج المدينة.

وجاء في الأخبار ان رأس الأمام نصب إلى جانب جبل على بعد فرسخ من الموصل فسقطت قطرة من الدم على الأرض ففارت وفي كل عام تفور هذه النقطة

ص:293


1- معالي السبطين: 2/ 76.

فدعي المكان ب-«مشهد النقطة»(1).

المنزل الثامن: نصيبين

وقد أمر والي نصيبين بتزيين المدينة بألف مرآة فلما أراد حامل رأس

الامام دخول المدينة توقف الجواد فجاؤا بآخر فلم يتحرك هو الآخر.

فجاء رجل مسلم يدع ابراهيم الموصلي فأخذ الرأس ولعن جند یزید

فقتلوه واضطروا الى نصب الرأس خارج المدينة(2).

يقول المحدث القمي انه من المحتمل أن يكون قد سقط الرأس لأنه ما يزال حتى اليوم مزار يدعى «مشهد الرأس»(3).

المنزل التاسع: قنسرین

کلام الرأس مع راهب ثالث

وقد سدّ أهلها أبواب المدينة في وجود الجند ولعنوهم وقد ورد في بحار الأنوار ان رأس الحسين نصب بالقرب من صومعة وفي جوف الليل انتبه الراهب الى نور يصاعد من الرأس الى عنان السماء فأعطى الراهب للجند عشرة آلاف درهم مقابل أن يبقى الرأس عنده الى الصباح فسمع الرأس يقول له: هنيئاً لك، هنيئاً لك.

ص:294


1- نفس المهموم: 338، روضة الشهداء: 368.
2- الكامل للبهائي: 2/ 292.
3- نفس المهموم: 389.

ولما سأل الراهب: من أنت؟ قال الرأس: أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن على المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا المقتول بکربلاء، أنا المظلوم بكربلاء، أنا العطشان بكربلاء.

المنزل العاشر: کفر طاب

وهي قلعة صغيرة نزل عندها جند يزيد وأغلق من فيها الباب بوجه الجند فصاح خولي: الستم في طاعتنا؟ اسقونا الماء فجاء الجواب: لا والله لا نسقيكم قطرة منه وقد قتلتم الحسين وأصحابه ومنعتم عنهم الماء فرحلوا عنها.

المنزل الحادي عشر: سيبور

وهي مدينة أغلق أهلها الأبواب دونهم وكان شيخ في المدينة شهد قتل عثمان فقال دعوهم يدخلوا المدينة فقال شبانها لا والله لا ندعهم يدخلون ثم ضربوا الجسر الذي يؤدي الى المدينة.

وحملوا على خولي ومن معه وطردوهم.

المنزل الثالث عشر: حماه

وقد أغلق أهلها الأبواب دونهم وقالوا لن ندعكم تدخلون.

ص:295

المنزل الرابع عشر: حمص

وقد خرج الوالي لاستقبال الجند على بعد ثلاثة أميال من المدينة وعند باب المدينة قتل ستة وعشرون فارساً وقد أغلق أهل المدينة الباب دونهم وقالوا: أكفرتم بعد الايمان وضللتم بعد الهداية.

وأقسم أهل المدينة على قتل خولي وأخذ الرأس، فوصل الخبر إلى جند

یزید فرحلوا خائفين(1).

المنزل الخامس عشر: بعلبك

وقد استقبلهم الوالي وأركان حكومته على بعد ستة أميال بالأبواق

والدفوف والطبول وقدموا لجند یزید أصناف الطعام وقد لعنتهم أمّ كلثوم(2).

المنزل السادس عشر: حلب

وبالقرب منها جبل يقال له الجوشن وإلى جانبه كان يدعى «مشهد السقط» وقد جاء في الأخبار أن زوجة الامام الحسين الرباب اسقطت جنينها المحسن وقد دفن في ذلك المكان وكان هناك عمال يعملون في منجم للنحاس فاستسقاهم أهل البيت ماء فأبوا أن يسقوهم وقيل انه في ذلك المكان(3) سد صخري على شكل أسد فسالت من عينيه الدماء(4).

ص:296


1- معالي السبطين: 2/ 79.
2- القمقام الزخار: 2/ 550.
3- معجم البلدان: 2/ 186، نفس المهموم: 391.
4- معالي السبطين: 2/ 80.

سكينة تهوي إلى الأرض

جاء في مصباح الحرمين انه ذات ليلة استذكرت سكينة ابنة امام الحسين أيام عزّها في ظلال أبيها وما جرى عليها في كربلاء فاشتدّ بكاؤها فقال أحد الجلاوزة: اسكتي فقد آذيتني ببكائك، فلم تسكت، فصاح اللعين، اسكتي يا بنت الخارجي، فقالت سكينة: وأسفاه يا أبتاه قتلوك ثم وبالخروج نعتوك، فغضب اللعين ورمی بها من فوق الناقة وغشي عليها، فلما أفاقت كانت القافلة قد ابتعدت ولم تجد لها أثراً في الظلام فغشي عليها مرّة أخرى.

وقال السجاد لعمّته: أتفقدتي الأطفال یا عمّة! فنادت زینب على النساء والأطفال فكلهم أجاب إلّا سكينة، فترجلت زينب من الناقة و تتبعت الأثر حتى رأت من بعيداً امرأة وفي حجرها سكينة تمسح على رأسها كما يمسح على رؤوس اليتامى فسألتها من أنت؟ قالت: أنا أمّك فاطمة(1).

فليت السما حقاً على الأرض اطبقت *** وطاف على الدنيا الفناء أو النشر

بنات علي وهي خير حرائر *** يباح بأيدي الأدعياء لها ستر

فان دمعت منهن عین وقصرت *** عن المشي اعياءً مخدرة طهر

أصاب بها شمر الخنا بقساوة *** وألمها في سوطه نقمة زجر

ص:297


1- المصدر نفسه: 2/ 81، نقلاً عن مصابح الحرمین.

ص:298

الفصل العاشر: المصائب السبع في دخول الشام

المصائب السبع في دخول الشام

ص:299

ص:300

أشار الامام زین العابدين إلى سبع مصائب في حديثه مع النعمان بن

المنذر وذلك لما ادخلت السبايا الشام:

السيوف مشهورة والرماح مرفوعة وقد سبق آل محمد دفعاً بكعوب

السلاح.

رؤوس الشهداء مرفوعة على الرماح بين الأطفال والنساء وكان رأس

الامام الحسين وأخيه العباس أمام أم كلثوم.

كانوا يلقون من فوق السطوح الماء وشعل النار على السبايا.

وقد طیف بالأسرى في الأزقة والشوارع بعد ما أنزلوهم من الجمال

والدفوف تضرب والأبواق تنفخ.

طافوا بالأسرى في كل مكان من المدينة حتى احياء اليهود والنصاری.

أرادوا بيع السبايا في سوق العبيد والجواري ولكن الله حال دون ذلك.

حبس الأسرى في خربة لا سقف يحول دون الشمس وضيقوا عليهم في

الماء والطعام فكانوا عطشئ جياعاً خائفين(1).

ذكر الشيخ البهائي والكفعمي وآخرون ان دخول السبايا يتقدمها رأس

ص:301


1- سحاب الرحمة: 753، تذكرة الشهداء: 412.

الامام الحسين ورؤوس الشهداء دمشق صادف الأول من شهر صفر وقد اتخذ بنو أمية هذا اليوم عیداً.

وكان موكب السبايا لما اقترب من دمشق أرسلت أم كلثوم الى الشمر أن يدخل بهم المدينة من درب قليل النظار ويخرجوا رؤوس الشهداء من بين محامل النساء لكي يشتغل الناس بالنظر إلى رؤوس الا أن الشمر اللعين الذي عجنت طینته بالانحطاط والنذالة، أمر على عكس ذلك فسلك بموكب السبايا طريق كثير النظار وجعل الرؤوس بين محامل النساء(1).

يقول سهل بن سعد الساعدي ذهبت الى باب الساعات فرأيت رأساً على رمح طويل أشبه الناس برسول الله ورأيت نساءً وأطفالاً على جمال بلا غطاء ولا وطاء فاقترب من السيّدة سكينة وقال: أنا ممن رأى الرسول وسمع حديثه ألك حاجة فطلبت سلام الله عليها منه أن يدفع لحامل الرأس شيئاً فيبعده عن النساء ففعل ذلك(2).

قيل ان المال الذي دفعه الى حامل الرأس كان أربعمئة دينار وقد استحالت الى حجارة سوداء مكتوب(3) عليها: «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ

ص:302


1- اللهوف: 192.
2- نفس المهموم: 393.
3- المناقب: 4/ 68.

الظَّالِمُونَ»(1). ومكتوب على الجانب الآخر: «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»(2). وحبس موكب السبايا بالقرب من باب مسجد في دمشق فجاء شیخ ودنا من الامام السجاد وقال له:

الحمدلله الذي أهلككم وأمكن الأمر يزيد منکم.

وأراد الامام السجاد أن يكشف لهذا الشيخ الحقيقة المرّة فقال له:

يا شيخ أقرأت القرآن؟

قال الشيخ:

بلئ.

قال:

أقرأت قوله تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(3)(4).

هل قرأت قوله تعالى:«وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»(5).

وقوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى»(6).

قال الشيخ: نعم قرأت ذلك.

قال السجاد:

ص:303


1- ابراهيم: الآية 42.
2- الشعراء: الآية 227.
3- الشوری: الآية 23.
4- تجارب السلف: 69.
5- الاسراء: الآية 26.
6- الانفال: الآية 41.

نحن والله القربي في هذه الآيات.

ثم قال الامام ليزيده بصيرة.

يا شيخ أقرأت قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1).

قال الشيخ:

بلئ قرأت ذلك.

قال:

نحن أهل البيت الذين خصهم الله بالتطهير.

قال الشيخ وقد اتسعت عيناه دهشة.

بالله عليك أنتم هم؟(2).

فقال:

وحقّ جدنا رسول الله أنا لنحن هم من غير شك.

فما كان من الشيخ الّا أن شهق بالبكاء وألقى بنفسه على قدمي الامام

يقبلهما ويقول:

ابرأ إلى الله ممن قتلكم.

ووصل الخبر إلى يزيد فأمر بقتله قبل أن تحدث بلبلة لدى أهل الشام

فقتلوه(3).

ص:304


1- الأحزاب: الآية 33.
2- الأمالي للشيخ الصدوق: 141 (المجلس 31، ح 3).
3- اللهوف: 198.

دخوا الأسری مجلس یزید

ولما أخبر یزید الطاغية بقدوم الأسرئ أعدّ مجلسه وزینه وجلس على سريره وقد أحاط به أهل الشام وقبل أن يدخل عليه الأسرى جاءوا بحبال فربقوا الأسرى فكان الحبل في عنق الامام السجاد إلى زينب الكبرى وباقي بنات رسول الله صلى الله عليه و اله وكلما قصروا عن المشي ضربوهم حتى أوقفوهم بين يدي یزید وأعلن زجر بن قیس: ان الحسين بن علي جاء إلينا مع ثمانية عشر من أهل بيته وستين من أصحابه فعرضنا عليهم الصلح فأبوا فقتلناهم جميعاً وتركنا أجسادهم في الفلاة.

وجاء في بعض الروايات ان يزيد المتوحش حمل ابن زیاد مسؤولية(1)

المذبحة وصرف زجراً دون جائزة(2).

ونادئ محفّز بن ثعلبة قائلاً: هذا محفّز بن ثعلبة أتى أميرالمؤمنين بلئام الفجرة فقال يزيد: ما أنجبت أم محفّز لأشر والأم وجيء برأس سيّد الشهداء إلى يزيد وقد وضع في طست من ذهب. وقد روي عن الامام علي بن موسی الرضا انه قال: «لما حمل رأس

ص:305


1- تذکرة الخواص: 234، الكامل: 4/ 87.
2- دلائل الامامة: 182، نور الأبصار: 200.

الحسين إلى الشام أمر یزید لعنه الله فوضع ونصبت عليه مائدة فاقبل هو لعنه الله وأصحابه يأكلون ويشربون الفقاع، فلما فرغوا أمر بالرأس فوضع في طست تحت سريره وبسط عليه رقعة الشطرنح وجلس يزيد عليه اللعنة يلعب بالشطرنح ويذكر الحسين وأباه وجده ويستهزئ بذكرهم(1)، فمن قمر صاحبه تناول الفقاع، فشربه ثلاث مرات ثم صب فضالته على ما يلي الطست من الأرض، فمن كان من شیعتنا فليتورع عن شرب الفقاع واللعب الشطرنج ومن نظر الى الفقاع أو الى الشطرنج فليذكر الحسين وليلعن یزید و آل زیاد(2) يمحو الله بذلك ذنوبه ولو كانت بعدد النجوم.

ويقال ان يزيد لمّا رأى الأسرى في الحبال قال: قبح الله ابن مرجانة(3).

ويروي ابن نما عن الامام السجاد ان عدد الذكور (الأطفال) کانوا اثنی

عشر قد قيّدوا جميعاً بالأغلال وادخلوا على یزید(4).

وقال الامام السجاد:

ما ظنك برسول الله لو يرانا على هذا الحال(5).

فبكى بعض الحاضرين وأمر يزيد بالحبال فقطعت. ومنذ ورود الأسرى دمشق وحتى خروجهم منها حدثت اعتراضات على يزيد من قبل بعض الشخصيات:

ص:306


1- بحار الأنوار: 45/ 176 و 79/ 237.
2- عيون الأخبار: 2/ 22 (باب 30، ح 50)، من لا یحضره الفقيه: 4/ 301، وسائل الشيعة: 25/ 363.
3- تاریخ الطبري: 4/ 353، تذکرة الخواص: 234، تاريخ أبي مخنف: 1/ 500.
4- مثير الأحزان: 98، العقد الفرید: 5/ 131.
5- القمقام الزخار: 2/ 560.

1- اعتراض رأس الجالوت على يزيد

جاء في مقتل أبي مخنف ان رأس الجالوت قال ليزيد: اقسم عليك بالله یا یزید لمن هذا الرأس وما ذنبه؟ قال يزيد هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب وأمّه فاطمة ابنة محمد بن عبدالله نبينا، فسأله رأس الجالوت: لأي شيء قتلته؟ قال يزيد: ان أهل العراق کاتبوه ودعوه إلى الخلافة فقتله عاملي عبيدالله بن زیاد.

فقال رأس الجالوت، ومن للخلافة أهل غيره وهو ابن بنت النبي؟

اعلم یا یزید ان بيني وبين نبي الله داود ثلاثة وثلاثين ظهراً وان اليهود ليعظموني ويقبّلون التراب من تحت قدمي تبركاً ويمسحون به رؤوسهم ووجوههم ولا يتزوجون من دون حضوري ولا أمري وأنتم بالأمس نبیکم بینکم فقتلتم ابنه اليوم والله انكم أسوأ الامم(1).

فغضب اللعين وقال: لولا ان نبينا قال: «من آذى معاهداً كنت خصمه يوم القيامة»(2) لقتلتك على جسارتك، فقال رأس الجالوت: أتظن بایزید ان النبي يخاصم من آذى معاهداً ولا يخاصم من قتل ولده؟

والتفت رأس الجالوت إلى رأس الحسين وقال: يا أبا عبدالله أشهد لي عند

جدّك أني أشهد أن لا إله إلّا الله وان جدك محمداً رسول الله.

فأمر یزید به فقتل(3).

ص:307


1- منتخب الطريحي: 2/ 486.
2- والامام السجاد قد أورد هذا الحديث النبوي في رسالة الحقوق وهو قوله: «من ظلم معاهداً كنت خصمه»، تحف العقول: 195، بحار الأنوار: 74/ 21، رسالة الحقوق: 2/ 528.
3- رياض القدس: 2/ 299، سحاب الرحمة: 725.

2- اعتراض الجاثليق رئيس النصاری

ودخل الجاثليق على يزيد اللعين فلما رأى رأس الحسين في طست من ذهب سأل: رأس من هذا؟ فقال يزيد: هذا رأس الحسين بن علي وأمّه فاطمة بنت رسول الله، فقال الجاثليق: وبم استحق القتل؟ قال يزيد لعنه الله: ان أهل العراق دعوه الى الخلافة فقتله عاملي عبيد الله بن زیاد و بعث برأسه إليّ.

قال الجاثليق: لقد كنت الساعة في صومعتي نائماً فسمعت صيحة وأصواتاً ورأيت شاباً كأنّ وجهه الشمس قد نزل من السماء وقد التفّت حوله الملائكة فسألت من هذا؟ قيل هذا محمد رسول الله قد جاء ومعه الملائكة للعزاء على ابنه الحسين، ثم قال: ويلك يا يزيد أهلكك الله! فغضب اللعين وقال: أتكذب علينا في أحلامك ثم أمر باخراجه من المجلس فتبادر إليه غلمانه وجرّوه وأمر یزید بأن يجلد فالتفت الجاثليق إلى جهة رأس الامام ونادى: يا أباعبدالله اشهد لي عند جدك رسول الله ثم نطق بالشهادتين، فأمر يزيد بقتله.

قال الجاثليق: افعل ما بدا لك فهذا رسول الله واقف أمامي ويقول لي: بينك وبين أن ترتدي هذه الحلّة وهذا التاج يوضع على رأسك الّا أن تخرج من هذه الدنيا وترافقني في الجنة، فقتله یزید(1).

ويقال انه أمر بقتل رسول القيصر بعد أن نطق بالشهادتين فسمع الحاضرون

رأس الحسين يقول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله.

3- الرجل الشامي

يروي العلامة المجلسي عن الشيخ المفيد والسيد ابن طاووس و آخرین

ص:308


1- ناسخ التواریخ: 2/ 151.

روایات مختلفة ان رجلاً من أهل الشام نظر إلى فاطمة بنت الحسين، فطلب من یزید أن يهبها له لتخدمه، ففزعت فاطمة وألقت بنفسها على عمتها زينب وتعلقت بثوبها وقالت: وكيف أكون خادمة؟

قالت السيّدة زينب:

لا عليك انه لا يكون أبداً.

فقال الطاغية يزيد:

لو أردت لفعلت.

فقالت العقيلة: الّا أن تخرج عن ديننا وتدین بغیر ملتنا.

فقال اللعين:

إنما خرج عن الدين أبوك وأخوك.

قالت زينب:

بدين الله ودين جدّي وأبي وأخي اهتديت أنت وأبوك إن كنت مسلماً.

قال الطاغية:

كذبت یا عدوة الله.

فقالت زينب وقد انكسر قلبها:

أنت أمير متسلط تشتم ظالماً و تقهر بسلطانك.

وعاد الرجل الشامي إلى الطلب، فنهره یزید وقال:

وهب الله لك حتفاً قاضياً.

ص:309

4- حدیث الامام الباقر في مجلس یزید

جاء في اثبات الوصية للمسعودي ان الامام الحسين لما استشهد وجيء بالسبايا إلى دمشق كان أبو جعفر الباقر يومئذٍ صبياً وله من العمر عامان واشهر(1) وكان مع والده علي بن الحسين

(وذكر البعض ان عمره كان أربعة أعوام) وكان يزيد قد قال للامام السجاد: كيف رأيت صنع الله بأبيك الحسين؟

فقال الامام السجاد: رأيت ما قضاه الله عزوجل قبل أن يخلق السموات

والأرض.

واستشار یزید بعض الحاضرين بشأن الامام السجاد فأشاروا عليه بقتله.

وهنا نطق الصبي المبارك محمد بن الامام السجاد عليه فقال:

یا یزید لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار به جلساء فرعون عليه حين شاورهم في موسى وهارون فانهم قالوا له: «أرجِه وأخاه» ولا يقتل الأدعياء أولاد الأنبياء وأبناءهم فسکت یزید واطرق برأسه.

وفي رواية أخرى ان الباقر قال: ان جلساء فرعون قالوا: «أرجِه وأخاه»(2) لأنه لم يكن بينهم دعي

(ابن حرام) ولهذا سكت یزید وانصرف عن فكرة قتل الامام السجاد خاصّة وان الامام قال: لا يقتل الأدعياء أولاد الأنبياء.

ص:310


1- اثبات الوصية: 45.
2- الأعراف: الآية 111.

الامام السجاد ويزيد

وأمر يزيد بوضع الرأس أمامه فلما رآه الامام السجاد بكى ودمعت عيناه ونادت زینب واحسينا يا حبيب رسول الله يابن مكة ومنی یابن فاطمة الزهراء فدمعت أعين بعض الحاضرين(1).

وكان بيد يزيد قضيب من الخيزران فراح ينكث(2) به ثغر أبي عبدالله وقرأ

أبيات الشاعر الجاهلي ابن الزبعري:

ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحاً *** ثم قالوا یا یزید لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم *** وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم *** من بني أحمد ما كان فعل

وكان الصحابي أبو برزة الأسلمي حاضراً فقال:

ارفع قضيبك عن ثنايا أبي عبدالله اشهد لقد رأيت النبي يرشف ثناياه

و ثنايا أخيه الحسن ويقول: انتما سيّدا شباب أهل الجنّة، قتل الله قاتلكما ولعنه

ص:311


1- بحار الأنوار: 45/ 132، مجمع الزوائد: 9/ 159.
2- بحار الأنوار: 45/ 132، نفس المهموم: 404.

وأعدّ له جهنم وساءت مصيرا(1).

فغضب اللعين وأمر باخراجه من المجلس فأخرج سحباً(2).

ولما قرأ يزيد هذه الأشعار بان کفره ومن هنا حكم ابن الجوزي والقاضي

أبو يعلي والتفتازاني والسيوطي بكفره ولعنه فلقد تبين كفره لما قال:

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل

هنالك نهضت زینب وارتجلت خطبتها الخالدة قائلاً

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَ آلِهِ أَجْمَعِينَ صَدَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ يَقُولُ «ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ»(3) أَظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حَيْثُ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ وَ آفَاقَ السَّمَاءِ فَأَصْبَحْنَا نُسَاقُ كَمَا تُسَاقُ الْأُسَرَاءُ أَنَّ بِنَا هَوَاناً عَلَيْهِ وَ بِكَ عَلَيْهِ كَرَامَةً وَ أَنَّ ذَلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ عِنْدَهُ فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَ نَظَرْتَ فِي عِطْفِكَ جَذْلَانَ مَسْرُوراً حَيْثُ رَأَيْتَ الدُّنْيَا لَكَ مُسْتَوْثِقَةً وَ الْأُمُورَ مُتَّسِقَةً وَ حِينَ صَفَا لَكَ مُلْكُنَا وَ سُلْطَانُنَا فَمَهْلًا مَهْلًا.

أَنَسِيتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى «وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ»(4) أَمِنَ الْعَدْلِ يَا ابْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَ إِمَاءَكَ وَ سَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ ص سَبَايَا قَدْ هَتَكْتَ. سُتُورَهُنَّ وَ أَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ تَحْدُو بِهِنَّ الْأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَ يَسْتَشْرِفُهُنَّ أَهْلُ الْمَنَاهِلِ وَ

ص:312


1- نفس المهموم: 404، اللهوف: 200.
2- تاریخ الرطبري: 4/ 356، انساب الأشراف: نور الأبصار: 201.
3- الروم: الآية 10.
4- آل عمران: الآية 178.

الْمَنَاقِلِ وَ يَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَ الْبَعِيدُ وَ الدَّنِيُّ وَ الشَّرِيفُ لَيْسَ مَعَهُنَّ مِنْ رِجَالِهِنَّ وَلِيٌّ وَ لَا مِنْ حُمَاتِهِنَّ حَمِيٌّ.

وَ كَيْفَ يُرْتَجَى مُرَاقَبَةُ مَنْ لَفَظَ فُوهُ أَكْبَادَ الْأَزْكِيَاءِ وَ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ دِمَاءِ الشُّهَدَاءِ وَ كَيْفَ يَسْتَبْطِئُ فِي بُغْضِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ نَظَرَ إِلَيْنَا بِالشَّنَفِ وَ الشَّنَئَانِ وَ الْإِحَنِ وَ الْأَضْغَانِ ثُمَّ تَقُولُ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ وَ لَا مُسْتَعْظِمٍ:

لَأَهَلُّوا وَ اسْتَهَلُّوا فَرَحاً *** ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تُشَلَ

مُنْتَحِياً عَلَى ثَنَايَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَنْكُتُهَا بِمِخْصَرَتِكَ.

وَ كَيْفَ لَا تَقُولُ ذَلِكَ وَ قَدْ نَكَأْتَ الْقَرْحَةَ وَ اسْتَأْصَلْتَ الشَّافَةَ بِإِرَاقَتِكَ دِمَاءَ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ ص وَ نُجُومِ الْأَرْضِ مِنْ آلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ تَهْتِفُ بِأَشْيَاخِكَ زَعَمْتَ أَنَّكَ تُنَادِيهِمْ فَلَتَرِدَنَّ وَشِيكاً مَوْرِدَهُمْ وَ لَتَوَدَّنَّ أَنَّكَ شَلَلْتَ وَ بَكِمْتَ وَ لَمْ تَكُنْ قُلْتَ مَا قُلْتَ وَ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ.

اللَّهُمَّ خُذْ لَنَا بِحَقِّنَا وَ انْتَقِمْ مِنْ ظَالِمِنَا وَ أَحْلِلْ غَضَبَكَ بِمَنْ سَفَكَ دِمَاءَنَا وَ قَتَلَ حُمَاتَنَا فَوَ اللَّهِ مَا فَرَيْتَ إِلَّا جِلْدَكَ وَ لَا حَزَزْتَ إِلَّا لَحْمَكَ وَ لَتَرِدَنَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص بِمَا تَحَمَّلْتَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ ذُرِّيَّتِهِ وَ انْتَهَكْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ فِي عِتْرَتِهِ وَ لُحْمَتِهِ حَيْثُ يَجْمَعُ اللَّهُ شَمْلَهُمْ وَ يَلُمُّ شَعَثَهُمْ وَ يَأْخُذُ بِحَقِّهِمْ «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(1) حَسْبُكَ بِاللَّهِ حَاكِماً وَ بِمُحَمَّدٍ ص خَصِيماً وَ بِجَبْرَئِيلَ ظَهِيراً وَ سَيَعْلَمُ مَنْ سَوَّلَ لَكَ وَ مَكَّنَكَ مِنْ رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا وَ أَيُّكُمْ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً.

وَ لَئِنْ جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّوَاهِي مُخَاطَبَتَكَ إِنِّي لَأَسْتَصْغِرُ قَدْرَكَ وَ أَسْتَعْظِمُ

ص:313


1- آل عمران: الآیة 169.

تَقْرِيعَكَ وَ أَسْتَكْثِرُ تَوْبِيخَكَ لَكِنَّ الْعُيُونَ عبْرَى وَ الصُّدُورَ حَرَّى أَلَا فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِقَتْلِ حِزْبِ اللَّهِ النُّجَبَاءِ بِحِزْبِ الشَّيْطَانِ الطُّلَقَاءِ فَهَذِهِ الْأَيْدِي تَنْطِفُ مِنْ دِمَائِنَا وَ الْأَفْوَاهُ تَتَحَلَّبُ مِنْ لُحُومِنَا وَ تِلْكَ الْجُثَثُ الطَّوَاهِرُ الزَّوَاكِي تَنْتَابُهَا الْعَوَاسِلُ وَ تُعَفِّرُهَا أُمَّهَاتُ الْفَرَاعِلِ وَ لَئِنِ اتَّخَذْتَنَا مَغْنَماً لَتَجِدَنَّا وَشِيكاً مَغْرَماً حِينَ لَا تَجِدُ إِلَّا مَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فَإِلَى اللَّهِ الْمُشْتَكَى وَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ.

فَكِدْ كَيْدَكَ وَ اسْعَ سَعْيَكَ وَ نَاصِبْ جُهْدَكَ فَوَ اللَّهِ لَا تَمْحُو ذِكْرَنَا وَ لَا تُمِيتُ وَحْيَنَا وَ لَا تُدْرِكُ أَمَدَنَا وَ لَا تَرْحَضُ عَنْكَ عَارَهَا وَ هَلْ رَأْيُكَ إِلَّا فَنَدٌ وَ أَيَّامُكَ إِلَّا عَدَدٌ وَ جَمْعُكَ إِلَّا بَدَدٌ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي «أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ»(1).

فَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الَّذِي خَتَمَ لِأَوَّلِنَا بِالسَّعَادَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ وَ لِآخِرِنَا بِالشَّهَادَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُكْمِلَ لَهُمُ الثَّوَابَ وَ يُوجِبَ لَهُمُ الْمَزِيدَ وَ يُحْسِنَ عَلَيْنَا الْخِلَافَةَ إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُودٌ وَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ».

ص:314


1- هود: الآیة 18.

المضمون الأساسي للخطبة

«ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى»(1).

1- الحمد لله في بدء الخطبة واختتامها.

2- الاشارة صراحة إلى کفر یزید.

«وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ»(2).

3- الاشارة إلى ظلم یزید.

«أمن العدل يابن الطلقاء».

4 - فضح سلالة بني أمية وما جبلت عليه نفوسهم من الكراهية والحقد.

«یابن الطلقاء» «یابن آكلة الأكباد».

ص:315


1- الروم: الآية 10.
2- آل عمران: الآية 178.

5 - تکریم شهداء کربلاء.

6- ازدراء واحتقار یزید.

«اني لاستصغرقدرك»(1).

7- الاشارة إلى الجرائم التي ارتكبت في كربلاء والمنافقين الذين قاموا بها ممن كان حاضراً في مجلس یزید.

8- الإشارة إلى مصير يزيد وعاقبته وافتضاح أمره وانکشاف حقیقته وان

ذلك سوف يحدث قريباً.

9- الاشارة والاشادة بمستقبل أهل البيت وانهم نور لن ينطفئ أبداً.

10- الاشارة إلى ان دولة الحق وهي دولة آل محمد ستكون نهاية المطاف

«اللهم عجل لوليك الفرج».

عباد الله

«وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا»(2).

عباد الله على أربع أنواع:

1- ان كل مخلوقات الله هم عبيد له بحكم الخلق والايجاد: «إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا»(3).

ص:316


1- احدى أقوى العبارات في الخطبة التي تجسد شجاعة زينب الكبرى وقوّتها البلاغية.
2- الفرقان: الآية 13.
3- مريم: الآية 93.

2- ان القوانين القديمة وفي ظروف الحرب فيما مضى كانت الشريعة تقضي التعامل مع أسرى الحرب على أنهم عبيد.

3- ان العلاقة القوية بشخص أو شيء تؤدّي إلى استعباده كما هو الحال في

العبوديّة للطاغوت والعبودية للدنيا.

4- العبودية لله عزوجل وما يتصف به عباد الرحمن «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا»(1) وهم على درجات وأفضلهم: «عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ»(2).

قبس من أنوار السجاد

ولد الامام السجاد في سنة 38 ه- في أيام حرب صفين وكان له من العمر عامين لما استشهد جدّه علي بن أبي طالب وفي مذبحة كربلاء كان له من العمر 23 سنة وبلغت مدّة امامته 35 سنة حيث استشهد مسموماً سنة 95 ه- في عهد الوليد بن عبدالملك الذي أمر بدسّ السمّ إليه واغتياله.

ص:317


1- الفرقان: الآية 63.
2- الصافات: الأية 40.

واجه الامام السجاد مصائب کبری:

1- فاجعة کربلاء بكل آلامها ومرارتها وقد عاشها لحظة لحظة وتجرعها

غصة بعد غصة.

2- معاناة الأسر والأهوال التي قاسها في الطريق إلى الشام وهي مصيبة لم

يعانيه أمام غیره.

3- مصائب واقعة الحرّة في المدينة والمذابح التي نفذها الأمويون.

4- معاناته من فتنة ابن الزبير.

5- معاناته من سلطة الحجاج وما قاساه الشيعة من الظلم.

6- كان جسراً أوصل للأجيال وقائع کربلاء وما جرى في تلك الأرض.

7- كان في طليعة البكّائين وأفضلهم وهم خمسة نفر حیث بکی مدّة 35

سنة(1).

ولقد كان السجاد مظهراً عظيماً للعبوديّة لله عزوجل ولهذا لقّبه الناس

ب-«زین العابدین» و «سیّد الساجدین».

ص:318


1- يعني من يوم عاشوراء سنة 61 ه- وإلى يوم استشهاده في محرم الحرام سنة 95ه- وكان يُخشى عليه من كثرة بكائه (بحار الأنوار: 46/ 108).

وهذه الصحيفة السجاديّة التي عرفت ب- «زبور آل محمد» تشهد له بما وصله من العبادة والحب لله عزوجل والاخلاص حيث اشتملت هذه الصحيفة على معارف كبرى شدّت إليها أنظار العلماء فانبروا إلى شرحها والانتهال منها(1).

رسالة الحقوق

واضافة الى الصحيفة السجادية فقد ترك الامام زین العابدين تراثاً

عظيماً في أدب الدعاء وفي الجانب الحقوقي من قبيل:

1- المناجاة الخمسة عشر.

2- الدعاء المعروف ب-«دعاء أبي حمزة الثمالي».

3- خطبته الخالدة في المسجد الأعظم بالكوفة.

4- خطبته خلف بوابة المدينة.

5- خطبته في كناسة الكوفة.

ص:319


1- الصحيفة السجادية الجامعة.

6- رسالة الحقوق التي تشتمل على خمسين مادة حقوقيّة.

خطبة السجاد في مسجد الشام

أمر یزید بحبس السبايا في خربة لا تكنهم من حرّ ولا برد وأخذ الامام

السجاد معه إلى المسجد مقيداً بالأغلال.

وطلب يزيد من الخطيب أن يثني على معاوية وينال من الحسین و آله فأكثر

الخطيب من الوقيعة في علي والحسين(1) فصاح به السجاد قائلاً:

ويلك أيها الخاطب لقد اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ

مقعدك من النار(2).

والتفت الامام السجاد إلى يزيد وقال:

أتأذن لي أن أرقى هذه الأعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا ولهؤلاء الجلساء فيهن أجر وثواب(3).

فأبی يزيد وألح الناس عليه فلم يقبل وقال ان هؤلاء أهل بيت زقوا العلم(4) ص:320


1- نفس المهموم: 410.
2- اللهوف: 208، مثير الأحزان: 102.
3- مقتل الخوارزمي: 2/ 61.
4- ریاض الاحزان: 148.

زقاً وانه إذا صعد المنبر لا ينزل إلّا بفضيحة آل أبي سفيان(1) ومازالوا به حتى أذن له قائلاً:

على ألا تقل هجراً.

فقال الامام:

لقد وقفت موقفاً لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر.

ونظر إلى الأغلال في يديه وقال:

ما ظنّك برسول الله لو يراني على هذه الحال؟

فأمر يزيد بأن تفك الأغلال عنه وارتقى الامام السجاد المنبر وارتجل خطبة كبرى جاء فيها:

«الحمد لله الذي لا بداية له، الدائمِ الذي لا نفاد لهُ، والأوّل الذي لا أوليّة لهُ، والاخر الذي لا آخرية لهُ، والباقي بعد فناء الخلق. قدر الليالي والأيام وقسم فيما بينهم الأقسام فتبارَك اللهُ المِلكُ العلام»(2).

وفي رواية فخر الدين الطريحي: ان الامام قال:

«أيها الناس احذرُكم من الدنيا وما فيها فانّها دارُ زوالٍ وانتقال تنتقل بأهلها من حال إلى حال قد افنت القرون الخالية والامم الماضية الذين كانوا اطول منكم آثاراً.

افنتهم أيدي الزمان واحتوت عليهم الأفاعي والديدان، افنتهم الدنيا فكأنّهم لا كانوا لها أهلاً ولا سُكاناً قد أكل التراب لحومهم وازال محاسنهم وبدد أوصافهم وشمائلهم وغير ألوانهم، وطحنتهم أيدي الزمان.

ص:321


1- نفس المهموم: 410.
2- القمقام الزخار: 2/ 573.

أفتطمعون بعدهم البقاء، هيهات هيهات، لابد لكم من اللحوق بهم، فتداركوا ما

بقي من أعماركم بصالح الأعمال.

وكأني بكم وقد نُقلتم من قصوركم إلى قبوركم فرقین غیر مسرورين فكم والله من قريح قد استكملت عليه الحسرات حيث لا يقال نادم، ولا يغاث ظالم، قد وجدوا ما أسلفوا واحضروا ما تزودوا «وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا»(1).

فهم في منازل البلوى همود وفي عساكر الموتی خمود، ينتظرون صيحة القيامة وحلول يوم الطامة ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى».

ثمّ قال:

أَيُّهَا النَّاسُ أُعْطِينَا سِتّاً وَ فُضِّلْنَا بِسَبْعٍ. أُعْطِينَا الْعِلْمَ وَ الْحِلْمَ وَ السَّمَاحَةَ وَ الْفَصَاحَةَ وَ الشَّجَاعَةَ وَ الْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ.وَ فُضِّلْنَا بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ الْمُخْتَارَ مُحَمَّداً وَ مِنَّا الصِّدِّيقُ وَ مِنَّا الطَّيَّارُ وَ مِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَ أَسَدُ رَسُولِهِ وَ مِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ(2).

أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي أَنْبَأْتُهُ بِحَسَبِي وَ نَسَبِي. أَيُّهَا النَّاسُ أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَ مِنَى أَنَا ابْنُ زَمْزَمَ وَ الصَّفَا. أَنَا ابْنُ مَنْ حَمَلَ الرُّكْنَ بِأَطْرَافِ الرِّدَا. أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ ائْتَزَرَ وَ ارْتَدَى. أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ انْتَعَلَ وَ احْتَفَى. أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ طَافَ وَ سَعَى. أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ حَجَّ وَ لَبَّى. أَنَا ابْنُ مَنْ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ فِي الْهَوَاءِ. أَنَا ابْنُ مَنْ أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. أَنَا

ص:322


1- الکهف: آلایة 49.
2- مقتل الحسين للخوارزمي: 2/ 69.

ابْنُ مَنْ بَلَغَ بِهِ جَبْرَئِيلُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. أَنَا ابْنُ مَنْ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى.

أَنَا ابْنُ مَنْ صَلَّى بِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ. أَنَا ابْنُ مَنْ أَوْحَى إِلَيْهِ الْجَلِيلُ مَا أَوْحَى. أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى أَنَا ابْنُ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى. أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ خَرَاطِيمَ الْخَلْقِ حَتَّى قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ بِسَيْفَيْنِ وَ طَعَنَ بِرُمْحَيْنِ وَ هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَ بَايَعَ الْبَيْعَتَيْنِ وَ قَاتَلَ بِبَدْرٍ وَ حُنَيْنٍ وَ لَمْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ.

أَنَا ابْنُ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ النَّبِيِّينَ وَ قَامِعِ الْمُلْحِدِينَ وَ يَعْسُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَ نُورِ الْمُجَاهِدِينَ وَ زَيْنِ الْعَابِدِينَ وَ تَاجِ الْبَكَّائِينَ وَ أَصْبَرِ الصَّابِرِينَ وَ أَفْضَلِ الْقَائِمِينَ مِنْ آلِ يَاسِينَ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَنَا ابْنُ الْمُؤَيَّدِ بِجَبْرَئِيلَ الْمَنْصُورِ بِمِيكَائِيلَ أَنَا ابْنُ الْمُحَامِي عَنْ حَرَمِ الْمُسْلِمِينَ وَ قَاتِلِ الْمَارِقِينَ وَ النَّاكِثِينَ وَ الْقَاسِطِينَ. وَ الْمُجَاهِدِ أَعْدَاءَهُ النَّاصِبِينَ وَ أَفْخَرِ مَنْ مَشَى مِنْ قُرَيْشٍ أَجْمَعِينَ وَ أَوَّلِ مَنْ أَجَابَ وَ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ أَوَّلِ السَّابِقِينَ وَ قَاصِمِ الْمُعْتَدِينَ وَ مُبِيدِ الْمُشْرِكِينَ وَ سَهْمٍ مِنْ مَرَامِي اللَّهِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَ لِسَانِ حِكْمَةِ الْعَابِدِينَ وَ نَاصِرِ دِينِ اللَّهِ وَ وَلِيِّ أَمْرِ اللَّهِ وَ بُسْتَانِ حِكْمَةِ اللَّهِ وَ عَيْبَةِ عِلْمِهِ. سَمِحٌ سَخِيٌّ بَهِيٌّ بُهْلُولٌ زَكِيٌّ أَبْطَحِيٌّ رَضِيٌّ مِقْدَامٌ هُمَامٌ صَابِرٌ صَوَّامٌ مُهَذَّبٌ قَوَّامٌ.

قَاطِعُ الْأَصْلَابِ وَ مُفَرِّقُ الْأَحْزَابِ. أَرْبَطُهُمْ عِنَاناً وَ أَثْبَتُهُمْ جَنَاناً وَ أَمْضَاهُمْ عَزِيمَةً وَ أَشَدُّهُمْ شَكِيمَةً أَسَدٌ بَاسِلٌ يَطْحَنُهُمْ فِي الْحُرُوبِ إِذَا ازْدَلَفَتِ الْأَسِنَّةُ وَ قَرُبَتِ الْأَعِنَّةُ طَحْنَ الرَّحَى وَ يَذْرُوهُمْ فِيهَا ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمِ. لَيْثُ الْحِجَازِ وَ كَبْشُ الْعِرَاقِ مَكِّيٌّ مَدَنِيٌّ خَيْفِيٌّ عَقَبِيٌّ بَدْرِيٌّ أُحُدِيٌّ شَجَرِيٌّ مُهَاجِرِيٌّ. مِنَ الْعَرَبِ سَيِّدُهَا وَ مِنَ الْوَغَى لَيْثُهَا وَارِثُ الْمَشْعَرَيْنِ وَ أَبُو السِّبْطَيْنِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ. ذَاكَ جَدِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.

ص:323

ثُمَّ قَالَ:

«أَنَا ابْنُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ أَنَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ انا ابنُ خَدیجهَ الکبری. انا ابن الحسين القتيل بكربلا، انا ابن المرمل بالدماء، انا ابن من بكى عليه الجن في الظلماء، انا ابن من ناح عليه الطيور في الهواء فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ أَنَا أَنَا حَتَّى ضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَ النَّحِيبِ.

وَ خَشِيَ يَزِيدُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ فِتْنَةٌ. فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَقَطَعَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ. فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ عَلِيٌّ لَا شَيْ ءَ أَكْبَرُ مِنَ اللَّهِ. فَلَمَّا قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ شَهِدَ بِهَا شَعْرِي وَ بَشَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي. فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ الْتَفَتَ مِنْ فَوْقِ الْمِنْبَرِ إِلَى يَزِيدَ فَقَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا جَدِّي أَمْ جَدُّكَ يَا يَزِيدُ فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدُّكَ فَقَدْ كَذَبْتَ وَ كَفَرْتَ وَ إِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدِّي فَلِمَ قَتَلْتَ عِتْرَتَهُ قَالَ وَ فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْأَذَانِ وَ الْإِقَامَةِ وَ تَقَدَّمَ يَزِيدُ فَصَلَّى صَلَاةَ الظُّهْرِ.

فلمّا بلغ الامام بخطبته هذا الموضع ضج الناس بالبكاء وخاف یزید انقلاب

الأوضاع عليه فأمر المؤذّن أن يؤذن للصلاة.

فلمّا صاح المؤذّن:

الله أكبر الله أكبر.

قال الإمام: «الله أكبر وأجل وأعلى وأكرم مما أخاف وأحذر».

فلمّا صاح المؤذّن أشهدُ أن لا إله إلا الله.

قال علي ُّبن الحُسين:

«شهدَ بها شعړي و بشري و لحمي ودمي».

فلمَّا قال المؤذنُ:

أشهد أنَّ محمداً رسول الله.

قال الامام للمؤذّن:

«أسألك بحق محمد أن تسكت حتى أكلم هذا».

ص:324

الْتَفَتَ مِنْ فَوْقِ الْمِنْبَرِ إِلَى يَزِيدَ فَقَالَ:

«مُحَمَّدٌ هَذَا جَدِّي أَمْ جَدُّكَ يَا يَزِيدُ؟ فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدُّكَ فَقَدْ كَذَبْتَ وَ كَفَرْتَ وَ إِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدِّي فَلِمَ قَتَلْتَ عِتْرَتَهُ».

فصاح یزید بالمؤذن:

أقم للصلاة!

فوقع بين الناس همهمة وصلّى بعضهم وتفرّق الآخر.

ص:325

وصایا الاسلام بالیتیم

أوصى القرآن الكريم باليتامى وأكّد على ذلك كثيراً.

«فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ»(1).

«أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ»(2).

وفي هذه الآيات ثلاثة علامات للذين ينكرون يوم القيامة:

1- القسوة وافتقاد الرحمة التي هي من نتائج طرد اليتيم.

2- اهمال المساكين و عدم رعايتهم واطعامهم.

3- أداء الصلاة رياءً.

وقد ورد في القرآن الكريم:«وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ»(3).

هذه الآية وردت في قصّة موسى والخضر سلام الله عليهما وهذا الجدار الذي أقامه الخضر قبل أن يتهدّم وأراد الله أن يشتد عودهما ويستخرجا کنزاً لهما من تحته.

كما ورد في القرآن الكريم: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا»(4).

واليتامى يحتاجون إلى رعاية والتي تلبية احتياجاتهم الجسمية والروحية:

1- تأمين احتياجاتهم الجسمية.

ص:326


1- الضحى: الآية 9.
2- الماعون: الآيات 1-5.
3- الكهف: الآية 82.
4- النساء: الآية 10.

2- تأمين احتياجاتهم الروحية كالمحبة والعاطفة واللعب والتسالي.

3- وإذا كان اليتيم من عائلة محترمة فانه يكون في العادة حساساً ولذا يحتاج إلى رعاية أكثر وإلى إكرام و تکریم.

رقية ابنة الامام الحسين

وكان لها من العمر ثلاث سنوات لما استشهد والدها العظيم فهي من أسرة النبي ورثت خصال أبيها وجدّتها الزهراء كانت تعيش في ظلال أب رحيم وفي ظلال من أهل بيت طهّرهم الله تطهيراً.

أمّها «حيوة» وكانت زوجة للامام الحسن المجتبى وقد أوصاه أن يتزوجها بعد رحيلة وقد انجبت ابنتها «رقية» في ظلال أبي عبدالله وبعد عام من ولادة رقية توفيت حيوة فعاشت رقية يتيمة الأم(1).

وقد وردت في كتاب عوالم العلوم وكتب غيره رواية أخرى ان من بين

السبايا طفلة للامام الحسين صغيرة وقد صرّح بعضها بأن اسمها رقية(2).

وكان الامام الحسين يحبّها كثيراً.

وذكر الطبري وهو من علماء القرن السابع الهجري ان عمرها أربع سنين.

وقال انها انتبهت يوماً من نومها فقالت وهي مدهوشة:

أين أبي، لقد كان الساعة معي ورأيته. فبكت النسوة والأطفال وعلانحيبهم واستيقظ يزيد من نومه فسأل عن هذه

ص:327


1- موجز تواريخ أهل البيت محمد طاهر السماوي ط 1385، النجف الأشرف: 161.
2- منتخب الطريحي: 1/ 140.

الضجّة؟ فأخبروه بذلك فأمر اللعين أن يحمل إليها رأس أبيها سيّد الشهداء فيضعونه في حجرها.

فسألت ما هذا؟ قيل لها هذا رأس أبيك، فصاحت مدهوشة وإثّرَ ذلك

مرضت واعترتها الحمى ولم تلبث أن توفيت في دمشق(1).

وهذا ما ذكره البهائي وقال بعضهم انها توفيت في نفس الليلة، وذكر البعض في وفاتها غير ذلك(2) وانها بكت على والدها فجاؤا بطست من الذهب وقد غطي بمنديل ووضعوه أمامها ثم رفعوا المنديل فاذا هي برأس، فسألت: رأس من هذا؟

قيل: لها: انه رأس أبيك فأخذته وضمّته إلى صدرها وقالت:

«يا أبتاه من الذي خضّبك بدمائك؟ يا أبتاه من الذي قطع وريدك؟ يا أبتاه من الذي أيتمني على صغر سني؟ يا أبتاه من بقي بعدك نرجوه، يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر(3).

ص:328


1- الكامل للبهائی: 2/ 179.
2- ذکر «وقايع الشهور والأيام» وفاتها في 5 صفر 61 ه-.
3- نفس المهموم: 416.

وعلى الايانق من بنات محمد *** في الشمس تصلي حرّها افوانها

ابدى العدو لها وجوها لم تبن *** حتى لانفاس الصبا صفحاتها

ومروعة في السبي تشكو بثها *** فتجاب ضربة بالسياط شكاتها

احماة دين الله كيف بناتكم *** ساروا بها والشامتون حماتها

وخيامكم تلك التي أوتادها *** شهب السماء وعرشها داراتها

بالنار أضرمها العدو وأنتم *** أربابها وحريمكم رباتها

فرت تعادي في الفلاة نوائحاً *** حسرى تقطع قلبها حسراتها

بناء قبر السيّدة رقيّة

ذكر العالم الكريم المرحوم ملا محمد هاشم الخراساني انه سمع من العالم الجليل الشيخ محمد علي الشامي وهو من علماء النجف الأشرف ان جدّه لأمّه السيد ابراهيم الدمشقي الذي ينتهي نسبه إلى السيد المرتضئ علم الهدی (الشريف المرتضی) وكان قد بلغ التسعين ولم يكن له من الذرية إلّا ثلاث بنات انه ذات يوم رأت ابنته الكبرى السيّدة رقيّة في عالم المنام تقول لها: قولي لوالدك يخبر الوالي انه قد سقط ماء بين لحدي وجسمي وهو يؤذيني فليأت لترميم قبري فأخبرت البنت أباها بتلك الرؤيا فلم يحفل بها خوفاً من أهل السنة فلما كانت الليلة الثانية رأت البنت الوسطى نفس الرؤيا وهكذا في الليلة الثالثة رأت البنت الصغرى ذلك

ص:329

في المنام فلما كانت الليلة الرابعة رأي الأب السيّدة رقيّة تعاتبه و تلومه على عدم اخبار الوالي، فلما أصبح الصباح ذهب السيد إلى والي الشام وأخبره بقصّة الرؤيا.

فأمر الوالي بعض علماء السنة والشيعة الصالحين أن يغتسلوا ويرتدوا أطهر ثيابهم فمن انفتح القفل في يده فهو من يتولّى نبش القبر ويستخرج الجسد حتى يتولوا اصلاح و ترمیم القبر فما انفتح القفل إلّا في يد السيّد ابراهيم فلمّا أرادوا الحفر ما أثر المعول إلّا بيد السيّد أيضاً فأخلي الحرم وشق اللحد فاذا جسد السيّدة ما يزال طرياً ولكن الماء قد نفذ إلى اللحد و تجمع فيه فاستخرج السيد البدن الطاهر ووضعه على ركبتيه وبكئ حتى اذا رمم القبر وأصلح وأعيد البدن إلى لحده ثم صلّى ركعتين وطلب من الله عزوجل أن يرزقه صبياً فاستجيب له مع انه بلغ من الكبر عتياً فسمّی ابنه مصطفی وقد وقعت هذه الكرامة سنة 1280 ه- وذكرها کتاب «معالي السبطين» وقد أشار إلى أن السيّد رأي آثار جراح على بدن تلك الصبية

العلويّة.

وفي عصر آية الله السيد محسن الأمين العاملي كان الناس يستقون من نهر وحدث ما اقتضى تحويل مجرى النهر واستلزم ذلك نقل قبر السيّدة رقية إلى مكان آخر وطلب الناس من السيد أن يقوم بذلك فقال السيّد إذا كان ولابدّ من ذلك فيمكن نبش القبر ونقل البدن، فاغتسل السيد وارتدي ثياباً بيضاء وأمر بنبش القبر فلما وصلوا إلى اللحد قام بنفسه برفع الغطاء وإذا بالسيد يقع ويقول: واویلاه واويلاه لقد قيل ان السيّدة قد غسلت وکفنت ولكن الحقيقة انها قد دفنت في قميصها وان العطر ليفوح من المكان فأمر بسد القبر ودفع نفقات تحويل النهر(1).

ص:330


1- سحاب الرحمة: 272 نقلاً عن الشهيد حسن الشيرازي عن السيد محسن الأمين العاملي.

أهل البيت يعودون إلى المدينة

فلما اطلع أهل الشام على حقيقة ما جرى وكثرت اللائمة على یزید وافتضح أمره حتى وصل الأمر الى زوجته أضطر إلى القاء الجريمة على عاتق عبیدالله بن زیاد وأراد التعجيل باخراج أهل البيت من الشام فاستدعى الامام السجاد وقال له ألك حاجة(1) فكانت مطالب الامام كما يلي: أن يودع الرأس ويقبله وأن يعيد ما أغار عليه الجند من أموال وأن يرسل مع أهل البيت شخصاً أميناً إذا كان قد قصد قتله.

ويقال ان الامام طلب من يزيد رأس الحسين ورؤوس الشهداء من أهل بيته وأصحابه ليلحقها بالأبدان فلم يتباعد يزيد عن رغبته فدفع إليه الرؤوس جميعاً.

وقيل ان یزید أمر برد ما أغار عليه الجند وسلبوه وأعطى الامام 200 دینار

وزعها الامام على الفقراء ولم يبق منها شيئاً.

وورد في الأخبار ان أهل البيت طلبوا اقامة العزاء على الامام الحسين وأهل بيته وأصحابه فأذن لهم في ذلك فأقاموا العزاء ثلاثة أيّام وقیل سبعة أيّام.

وأمر يزيد النعمان بن بشير ان يجهّزهم للسفر وأوكلوا رعايتهم إلى رجل صالح من أهل الشام معروف بصلاحه يرافقهم إلى المدينة وأرسلوا بعض الجند للحراسة.

ص:331


1- بحار الأنوار: 144/45.

وكان يزيد أمر بانطاع من الابريسم ففرشت في مجلسه وصبّ عليها أموالاً كثيرة وقدّمها لآل البيت لتكون دية لقتلاهم وعوضاً لأموالهم التي نهبت في كربلاء وقال لهم:

خذوا هذا المال عوض ما أصابكم.

وتألمت زينب الكبرى وشعرت بموجة من الغضب الحسيني فقالت له:

ما أقل حياءك وأصلف وجهك تقتل أخي وأهل بيتي و تعطيني عوضهم؟(1)

ص:332


1- نفس المهموم: 419، الكامل للبهائي: 2/ 302.

الفصل الحادي عشر: الخروج من دمشق حتّى دخول المدينّة المنوّرة

التوسّلات

ص:333

ص:334

لأربعين في الطبيعة والشريعة كعدد ورقم أسراره ورموزه:

1- ان الجنين في بطن أمّة يمرّ بحالة تحول كل أربعين يوماً حتى يبلغ أربعة

شهور.

2- وجاء في الروايات ان الانسان يبلغ ذروة عقله في سن الأربعين(1).

3- ان الله عزوجل يبحث معظم أنبياءه في سن الأربعين وسيّدهم

محمد بعثه الله بالرسالة لما بلغ الأربعين(2).

4- ان الامام المهدي لما بلغ الأربعين وأصبح في هذا السن بقي على

نفس هیئته الأربعينيّة بالرغم من التقدم في عمره.

5- ان نبي الاسلام مكث في غار حراء يتعبد مدّة أربعين يوماً، ولما

خرج من الغار وهبه الله عزوجل فاطمة الزهراء(3).

6- ان موسی بن عمران أتم میقاته أربعين ليلة في جبل الطور فأنزل الله

عليه الألواح والتوراة.

7- جاء في الروايات من أخلص لله في عمله أربعين يوماً أجرى الله على

ص:335


1- بحار الأنوار: 73/ 389.
2- تفسير البيضاوي: 2/ 83.
3- بحار الأنوار: 16/ 78.

قلبه ولسانه ينابيع الحكمة(1).

8- من حفظ أربعين حديثاً (وعمل بها) بعثه الله فقيهاً يوم القيامة(2).

9- اذا شيّع أربعون مؤمناً جنازة وقالوا في دعائهم: اللهم إنّا لا نعلم منه إلّا

خيراً فاغفر له استجيب لهم وغفر ذنبه(3).

10- وفي صلاة الليل يتوجب على المصلّي أن يستغفر لأربعين من

المؤمنين.

11- عندما ندعوا ويؤمّن أربعون مؤمناً على دعائنا فانه يستجاب

الدعاء(4).

12- إذا بلغ المرء أربعين سنة ولم يوفق للصلاح تركه الشيطان لحاله وقال له بأبي أنت وأمّي من لا يفلح أبداً.

13- إذا استمرّ الانسان في مسار الفلاح أربعين سنة وفقه الله عزّوجل وكان

موضعاً لرحمته(5).

14- مکث النبي يونس أربعين يوماً بلياليها في بطن الحوت يستغيث بالله عزّوجل فأنجاه الله.

ص:336


1- عيون الأخبار: 2/ 68.
2- الاختصاص للشيخ المفيد: 61 - 62.
3- بحار الأنوار: 81/ 376.
4- بحار الأنوار: 93/ 316.
5- الخصال: 2/ 545.

15- وكان ذكر النبي يونس في بطن الحوت قوله: «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ»(1) وهذا الذكر نافع في دفع البلاء وفي التوبة من الذنوب فاذا استمرّ الانسان بهذا الذكر أربعين يوماً وليلة في كل يوم وليلة أربعمائة مرّة غفر الله له.

16- من واظب على قراءة زيارة عاشوراء أربعين مرّة في أربعين يوماً

(يومياً مرّة واحدة) وطلب حاجته استجيب له.

17 من أدّى الصلاة والدعاء في مسجد السهلة أربعين ليلة أربعاء أو نهار

الأربعاء وفّقه الله للقاء الامام المهدي.

18- التوجه لزيارة الحسين أربعين ليلة جمعة وفق للقاء الامام

المهدي.

19- الصلاة في مسجد جمکران أربعين ليلة يوفق المصلّي للقاء الامام

الحجّة أو طلب حاجة استجيب له.

20 جاء في الروايات ان الروح تزور بدن المتوفى بعد أربعين يوماً ولهذا

يستحب زيارة الموتى في يوم الأربعين.

وقد زار الامام زین العابدين والسيّدة زينب قبور الشهداء في كربلاء بعد

أربعين يوماً من استشهادهم وأدوا هذا المستحب(2).

وقد روي عن الامام الحسن العسكري قوله: ان من علامات المؤمن خمس: صلاة الإحدى وخمسين وزيارة الأربعين والتختّم باليمين و تعفير الجبين

ص:337


1- النساء: الآية 87.
2- الآثار الباقية: 331، مقتل المقرّم: 371.

والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم(1).

صلاة الإحدى وخمسين هي 17 ركعة واجبة فريضة و 34 ركعة مستحبة.

اشکالات أربعة على أربعين الامام الحسين

1- ان طول المسافة بين الكوفة والشام ينفي امكانية حضور أهل البيت

في كربلاء في الأربعين (بعد أربعين يوماً من يوم عاشوراء).

الجواب:

الف- وجود طريق خاص هو أقصر المسافات بين الكوفة والشام.

ب- الاستفادة من الجمال السريعة في السير (الذلول) والجياد العربية

المعروفة بقوّتها.

2- تشير بعض الروايات إلى أن أهل البيت مكثوا في الشام ثلاثين يوماً

وهذا ينفي امكانية وصولهم کربلاء في الأربعين.

الجواب:

يقول السيد ابن طاووس أن ناقل هذه الرواية مجهول (وهذا يعني عدم

صحة السند).

3- ان امكانية ايصال الخبر إلى يزيد حول شهادة الامام الحسين وعودة

(1)(2) صرح أكثر المؤرخين أن أهل البيت دخلوا الشام في الأول من صفر (الآثار الباقية : 1331

المصباح للكفعمي: 299، مقتل المقرم: 368، نفس المهموم، 391) وهذا يعني انه أهل البيت بعد توقفهم في الكوفة قطعوا المسافة إلى الشام في عشرين يوما هذا مع ان الطريق العودة إلى كربلاء لم يمر بالمدن والحواضر التي مر بها في الذهاب إلى الشام .

ص:338


1- مصباح المتهجد: 788، تهذیب الأحکام: 52/6، روضة الواعظين: 1/ 195.

الجواب وقطع كلّ هذه المسافة الطويلة في هكذا وقت أمر غير ممكن.

الجواب:

ان المراسلات السريعة تتم عن طريق استخدام الحمام الزاجل.

4- ان المحدّث النوري يعتبر الأربعين في السنة الأولى أمراً غير وارد.

الجواب:

ان معظم العلماء يعتبرون الأربعين في السنة الأولى الّا نفر يسير ومن بين

هؤلاء العلماء الذين يعدّون الأربعين في السنة الأولى:

ابن نما، الشيخ الطوسي، أبو ریحان البيروني، السيد ابن طاووس، الشيخ الطريحي وغيرهم بحيث انه الى عهد السيد ابن طاووس لا يوجد أدنى شك لدى أيّ عالم في كون الأربعين كانت في السنة الأولى وسوف نتحدّث بالتفصيل حول هذا الموضوع لاحقاً.

أربعين الامام الحسين

«فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»(1).

للأربعين الحسينيّة شهرة واسعة جدّاً في الأوساط الشيعيّة.

كما ان هناك اجماع على أن الأربعين كانت في السنة الأولى يعني ان هناك قناعة تامّة في أن أهل البيت عادوا إلى كربلاء بعد أربعين يوماً من عاشوراء حيث استشهد الامام الحسين وأهل بيته وصحبه في ذلك اليوم.

ولقد جاء في الروايات ان روح المتوفى تزور البدن بعد أربعين يوماً ولذا

ص:339


1- الأعراف: الآية 142.

يستحب زيارة الموت في الأربعين ومن هنا زار السجاد عمّته زينب الكبرى قبور شهداء كربلاء في يوم الأربعين(1).

وللامام الصادق زيارة خاصّة في أربعين الامام الحسين(2).

وأساساً فان الأربعين تكون في السنة الاولى للمتوفي يعني مرور أربعين

يوماً على الوفاة وانها تفقد مفهومها ومعناها في السنوات اللاحقة.

وهناك ما يشبه الاجماع بين علماء الشيعة والسنة على ان الرأس المطهر للامام الحسين اُلحق بالبدن(3) بعد أربعين يوماً من التطواف في المدن العراقيّة

والسورية.

إلّا انّ المحدّث النوري وهو من العلماء استبعد أن تكون الأربعين في السنة الأولى بل نفي ذلك نفياً واضحاً وقد ردّ على السيد ابن طاووس في كون الأربعين كانت في السنة الأولى قائلاً ان كتابه اللهوف ألفه السيد في أيام شبابه وهو يفتقر الى التحقيق.

إلّا ان جواب (المؤلف) حول هذا الموضوع والردّ على ما قاله المحدث النوري هو أن كتاب اللهوف لابن طاووس يتمتع باعتبار خاص لا يتمتع به أي من المقاتل الأخرى بالرغم من ان السيد ابن طاووس قد ألفه في سنوات شبابه الّا انه أبقى عليه كما هو حتى وفاته ولم يحدث فيه أيّ تغيير واذا كان هناك تغيير في أي من مواضيعه فهو يشير إليه في مكان آخر أو في كتاب آخر في حين أن الذين

ص:340


1- الآثار الباقية: 331، مقتل المقرَّ: 371.
2- مصباح المتهجد: 788.
3- حبيب السير: 2/ 60، نفس المهموم: 425.

الفوا وكتبوا في هذا الموضوع أشادوا بما كتبه ابن طاووس.

وابن طاووس المتوفی سنة 664 ه- كان في غاية الورع والتقوى حتّى انه لم يؤلّف أي كتاب في الفقه وكان يقول ان الله عزّوجل خاطب نبيه في محكم كتابه قائلاً: «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ»(1) ولهذا لم يفت أبداً خوفاً أن من يكون ذلك بغير ما امر الله عزوجل واكتفى بكتاب واحد فقط في الفقه تحت عنوان «غیاث سلطان الورى»(2) وموضوعه القضاء عن الميت.

وقد عاش حياته زاهداً في الدنيا وفي غاية الاحتياط حتى انه لا يأكل طعاماً لا يذكر اسم الله عليه عند طبخه واعداده انطلاقاً من قوله تعالى:«وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ»(3).

وكان له کرامات وقد بلغ من علوّ شأنه انه كان يلتقي الامام المهدي متى

شاء(4).

وقد ذكر ابن طاووس في كتاب اللهوف حول موضوع عودة السبايا إلى العراق «فلما وصلوا العراق قالوا للدليل: مر بنا على طريق كربلاء فوصلوا إلى مصرع الحسين فوجدوا جابر بن عبدالله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل رسول الله قد وردوا لزيارة قبر الحسين فتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم وأقاموا في كربلاء ينوحون على الحسين واجتمعت نساء من

ص:341


1- الحاقة: الآيات 44 - 46.
2- الذريعة: 16/ 73.
3- الأنعام: الآية 121.
4- ذکر ان لقاءاته بالامام بلغت 16 مرّة (صاحب الزمان والسيد بن طاووس).

تلك النواحي واستمر النوح على أبي عبدالله أيّاماً(1).

2- الاشكال الثاني الذي يورده المحدّث النوري و آخرون في أن المسافة بين الشام والعراق طويلة وجواب (المؤلف) على ذلك أن التأمّل في النصوص التاريخيّة يفيد بأنّه كان بالامكان يومذاك قطع هذه المسافة في أيام وكانوا يستخدمون أسفارهم الجمال (الذلول) والجياد العربية المعروفة بسرعتها.

والنقطة الأخرى ان الطريق بين الشام والعراق متصل حتى ان العرب يومذاك كانوا يقطعون هذه المسافة في اسبوع وقد أشار السيد محسن الأمين العاملي الى هذه النقطة فيما يخص عرب عقيل.

وذكروا ان عرب صليب كانوا ينتقلون من حوران (في الشام) إلى العراق

في 8 أيام.

3- ان المحدث النوري ذكر بأن السيّد ابن طاووس قد استبعد في كتابه

«اقبال الوری» علی کون الأربعين في السنة الأولى.

وجواب (المؤلف) على ذلك ان ابن طاووس ذكر في اقبال الأعمال ان الرأس المطهر أُلحق بالجسد الطاهر بعد أربعين يوماً(2) من عاشوراء وقال أيضاً انه بناء على رواية ان الأسرى مكثوا في الشام شهراً كاملاً فيستبعد وفق ذلك حضورهم الى كربلاء في الأربعين الّا انه (السيد ابن طاووس) عاد واستبعد بقاء الأسرى في الشام مدّة شهر كامل قائلاً لا يعلم ناقل هذه الرواية أي انه مجهول.

من جهة أخرى انه ورد في المقاتل ان الامام الحسين غادر مكة في الثامن

ص:342


1- اللهوف: 218.
2- اقبال الأعمال: 589.

من ذي الحجة الحرام والمسافة بين مكة والكوفة 380 فرسخاً وقد قطعها في 24 يوماً لأنه وصل كربلاء في الثاني من المحرم ان القافلة تأخرت يومين بسبب اعتراض الحرّ مسارها واضطر القافلة إلى سلوك طريق أطول من الطريق المباشر وكان من المعتاد ان تقطع القوافل 15 فرسخاً يومياً فان طي الطريق بين الشام والعراق ممكن.

حمام البريد

في عهد الخليفة العباسي الثالث (المهدي) بلغ سعر الحمام الزاجل الذي يحمل الرسائل بین 700 - 1000 دینار وكانت هذه الطيور تدعى «هدئ» و «بطاقة» و «الورقاء» وقد سميت الورقاء لأنّها تحمل الورق (ورق الرسائل).

واذن فقد كان الأنبیاء يستخدمون الحمام في نقل الرسائل كما استخدم الايرانيون ذلك واليونانيون هذه الطريقة في البريد وقد ورد في القرآن الكريم في قصّة قوم سبأ حيث أرسل النبي سليمان رسالة إلى ملكة سبأ بلقيس وحمل الرسالة طائر الهدهد(1).

ومن المؤكد ان خبر شهادة الامام الحسين قد وصل إلى يزيد بهذه الطريقة كما أن أوامر یزید بارسال الاسرى الشام أيضاً وصل الكوفة بالطريقة نفسها.

ص:343


1- النمل: الآية 28.

وأما حول موضوع الأربعين في السنة الأولى

فينبغي القول أيضاً ان كبار العلماء قد ذهبوا إلى القول بذلك اضافة إلى ما

ذكره السيّد ابن طاووس:

1- الفقيه ابن نما المتوفى سنة 645 ه- حيث ذكر ذلك في مثیر الاحزان حيث ذكر بأن عيال الحسين عرّج بهم إلى كربلاء وأن جابر بن عبدالله الأنصاري كان قد وفد إلى كربلاء لزيارة القبر الشريف وتلاقوا بالبكاء وبالعويل وسالت الدموع کل مسیل(1).

وبالرغم من ان ابن طاووس و ابن نما لم يصرّحا بتاريخ ذلك الّا انهما ذكرا لقاء السبايا مع جابر بن عبدالله الأنصاري في الأربعين.

2- صرّح الطريحي في كتابه مجمع البحرين ان السبايا وصلوا کربلاء في العشرين من صفر وقد وجدوا جابر بن عبدالله الأنصاري ونساءً من بني هاشم فتلاقوا بالبكاء وأقاموا العزاء ثلاثة أيّام في كربلاء(2).

3- وقال أبو ریحان البيروني المتوفى سنة 440 ه- في كتابه «الآثار الباقية» وهو كتاب جليل: وفي العشرين (من صفر) ردّ رأس الحسين إلى جثته حتى دفن مع جثته وفيه زيارة الأربعين(3). (3).

ص:344


1- مثير الأحزان: 107.
2- منتخب الطريحي: 489.
3- الآثار الباقية: 1/ 331.

وصول الأسرى إلى كربلاء

لسان حال السيّدة زينب الكبرى

فقد هيهنا رُوحاً ورَوحاً *** وريحاناً وزيتوناً وقینا

هنا تسن الحراب علوج حرب *** هنا شنت خيول الحرب فينا

هنا ذبح الحسين بسيف شمر *** هنا قد ترّبوا منه الجبينا

هنا العباس في يوم عبوس *** حيال الماء قد أمسى رهينا

هنا ذبحوا الرضيع بسهم حقد *** فما رحموا الصغار المرضعينا

هنا قد طيرت اسياف جور *** اكف القانتين المنفقينا

هنا صبغت نواصينا دماءً *** بذبح بني أميرالمؤمنينا

هنا حرق الخيام وأحرقوها *** وقسم فیئنا في الخائنینا(1)

وقد ورد في الأخبار ان زينب الكبرى ألقت بنفسها على القبر وصاحت وأخاه واحسيناه وا حبيب رسول الله يابن مكّة ومنئ يابن فاطمة الزهراء يابن علي المرتضی(2).

وقالت أم كلثوم وهي تلطم على وجهها: اليوم مات علي المرتضى اليوم

ماتت فاطمة الزهراء.

وصاحت سكينة وفاطمة: وا محمداه وا حسيناه.

يقول السيّد بن طاووس: أنّ عيال الحسين أقاموا العزاء أياماً(3) في كربلاء.

ص:345


1- معالي السبطين: 2/ 118.
2- سحاب الرحمة: 790.
3- اللهوف: 218، نفس المهموم: 426.

وذكر العلّامة المؤرّخ عبدالرزاق المقرّم: ان آل البيت مكثوا في كربلاء ثلاثة أيام ينوحون على الحسين: ولم يجد السجاد بدّاً من الرحيل من کربلاء إلى المدينة بعد أن أقام ثلاثة أيام، لانه رأى عمّاته ونساءه و صبيته نائحات الليل والنهار يقمن من قبر ويجلسن عند آخر(1).

جابر بن عبدالله الأنصاري صاحب النبي

«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ»(2).

يعد جابر بن عبدالله الأنصاري مصداقاً عظيماً للصحابي الحق حيث تجسّدت في شخصيّة كل الخصال التي ينبغي ان تكون في أصحاب النبي صلى الله عليه واله من الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة أعلاه.

وجابر من الأنصار وهما قبيلتا الأوس والخزرج اللتان ناصر تا رسول الله وهو من قبيلة الخزرج وقد حضر بيعة العقبة الثانية وكان صغيراً(3) حيث اصطحبه أبوه وقد استشهد والده عبدالله في معركة أحد(4).

يقول جابر ان رسول الله استغفر لي في ليلة البعير 25 مرّة (ليلة البعير(5)

هي الليلة التي اشترى فيها النبي بعيراً من جابر).

وتقول الروايات أن جابر بن عبدالله فقد بصره وكف في أواخر عمره حيث

ص:346


1- مقتل المقرّم: 373.
2- الفتح: الآية 29.
3- اسد الغابة: 1/ 257.
4- الأجساد الخالدة: 48.
5- قاموس الرجال: 2/ 519.

توفي سنة 74 ه- على قول و 77 ه- على قول آخر(1) وقد صلّى عليه أمير المدينة أبان بن عثمان ويقال انه عاش 94 سنة(2).

كما تذكر روايات أخرى انه آخر من توفي في المدينة المنوّرة(3) من أصحاب النبي وقد سأل جابر النبي عن أولى الأمر في قوله تعالى: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(4) إذ سأله بعد أن قال انه يعرف الله ورسوله أما أولوا الأمر فأخبره النبي بأن أوّلهم علي ثمّ أشار إلى الحسن وإلى الحسين ثم عدّد الأئمّة من بعد الحسين واحداً واحداً ثم قال له انك ستدرك الخامس منهم وهو محمد ويلقّب بالباقر فان رأسته فاقرأه مني السلام وقد عاش جابر إلى أن أدرك الامام الخامس من أهل البيت محمدا الباقر وأبلغه تحية النبي(5).

وروى ان النبي: رَأى جابِرَ بنَ عَبدِ اللّه وقَد تَنَفَّسَ الصُّعَداءَ، فَقالَ عليه السلام:

«يا جابِرُ عَلامَ تَنَفُّسُكَ أعَلَى الدُّنيا؟ فَقالَ جابِرٌ: نَعَم. فَقالَ: مَلاذُّ الدُّنيا سَبعَةٌ: المَأكولُ وَالمَشروبُ وَالمَلبوسُ وَالمَنكوحُ وَالمَركوبُ وَالمَشمومُ وَالمَسموعُ فَأَلَذُّ المَأكولاتِ العَسَلُ وهُوَ بَصقٌ مِن ذُبابَةٍ، وأحلُّی المَشروباتِ الماءُ وكَفى بِإِباحَتِهِ وسِياحَتِهِ حديث عَلى وَجهِ الأَرضِ وأعلَى المَلبوساتِ الدّيباجُ وهُوَ مِن لُعابِ دودَةٍ وأعلَى

ص:347


1- اسد الغابة: 1/ 258.
2- قاموس الرجال: 2/ 520.
3- الاصابة: 1/ 223.
4- النساء: الآية 59.
5- كناية الأثر: 53.

المَنكوحاتِ النِّساءُ وهِيَ مَبالٌ في مَبالٍ ومِثالٌ لِمِثالٍ، وإنَّما يُرادُ أحسَنُ ما فِي المَرأَةِ لاَءَقبَحِ ما فيها، وأعلَى المَركوباتِ الخَيلُ وهِيَ قَواتِلُ، وأجَلُّ المَشموماتِ المِسكُ وهُوَ دَمٌ مِن سُرَّةِ دابَّةٍ وأجَلُّ المَسموعاتِ الغِناءُ وَالتَّرَنُّمُ وهُوَ إثمٌ فَما هذِهِ صِفَتُهُ لَم يَتَنَفَّس عَلَيهِ عاقِلٌ».

قالَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللّه فَوَاللّه ما خَطَرَتِ الدُّنيا بَعدَها عَلى قَلبي(1).

وقد روى جابر حديث الكساء المعروف ما يدلّ على أنّه كان أصحاب

الرسول المقرّبين الميامين(2).

وفي يوم عاشوراء لما خطب الامام الحسين بجيش ابن سعد وذكر لهم حديث جده الرسول فيه وفي أخيه: «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة» قال لهم: وإن کنتم في شك من هذا القول فسلوا جابر بن عبدالله الأنصاري(3) وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي.

ص:348


1- بحار الأنوار: 78/ 11.
2- العوالم: 11/ 931.
3- الخوارزمي: 1/ 253.

نزول علي بن الحسین بالقرب من المدينة

ذكر السيّد ابن طاووس ان قافلة أهل البيت لما قربت من المدينة المنوّرة نزل علي بن الحسين وحطّ رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه يقول بشیر بن حذلم: لمّا قربنا من المدينة نزل علي بن الحسين وحطّ رحله ... وقال:

يا بشير رحم الله أباك لقد كان شاعراً فهل تقدر على شيء منه؟

قال بشير:

بلى يابن رسول الله اني لشاعر.

فقال:

ادخل المدينة وانع أبا عبدالله.

ص:349

قال بشير: فركبت فرسي حتى دخلت المدينة فملا بلغت مسجد النبي صلى الله عليه واله.

رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت:

يا أهل يثرب لا مقام لکم بها *** قتل الحسين فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج *** والرس منهُ على القناة يدار

وقلت: هذا علي بن الحسين مع عمّاته وأخواته قدحلوا بساحتكم وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه، فخرج الناس يهرعون ولم تبق مخدّرة إلّا برزت بالويل والثبور وضجّت المدينة بالبكاء فلم یر باك أكثر من ذلك اليوم واجتمعوا على زين العبادين يعزّونه، فخرج من الفسطاط وبیده خرقة يمسح بها دموعه وخلفه مولی معه فجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة وارتفعت الأصوات بالبكاء والحنين.

فأومأ إلى الناس أن اسكتوا فلما سكتت فورتهم قال:

«ألْحَمْدُللهِ رَبِّ الْعالَمِینَ، اَلرَّحْمنِ الرَّحِیمِ، مالِکِ یَوْمِ الدِّینِ، بارِىءِ الْخَلائِقِ أَجْمَعِینَ، أَلَّذِی بَعُدَ فَارْتَفَعَ فِی السَّمواتِ الْعُلى، وَقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوى، نَحْمَدُهُ عَلى عَظائِمِ الاْمُورِ، وَفَجائِعِ الدُّهُورِ، وَأَلَمِ الْفَجائِعِ، وَمَضاضَةِ اللَّواذِعِ، وَجلِیلِ الرُّزْءِ، وَعَظِیمِ الْمَصائِبِ الْفاظِعَةِ الْکاظَّةِ الْفادِحَةِ الْجائِحَةِ.

أَیُّهَا الْقَوْمُ! إنَّ اللهَ وَلَهُ الْحَمْدُ ابْتَلانا بِمَصائِبَ جَلِیلَة، وَثُلْمَة فِی الاِْسْلامِ عَظِیمَة، قُتِلَ أَبُو عَبْدِاللهِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِ السَّلامُ وَعِتْرَتُهُ، وَسُبِیَ نِساؤُهُ وَصِبْیَتُهُ، وَدارُوا بِرَأْسِهِ فِی الْبُلْدانِ مِنْ فَوْقِ عامِلِ السِّنانِ، وَهذِهِ الرَّزِیَّةُ الَّتِی لامِثْلَها رَزِیَّةٌ.

ص:350

أَیُّهَا النّاسُ! فَأَىُّ رِجالات مِنْکُمْ تَسُرُّونَ بَعْدَ قَتْلِهِ؟! اَمْ أیُّ فُؤاد لا یَحْزُنُ مِنْ أَجْلِهِ؟ أَمْ أَیَّةُ عَیْن مِنْکُمْ تَحْبِسُ دَمْعَها وَتَضَنُّ عَنِ انْهِمالِها؟! فَلَقَدْ بَکَتِ السَّبْعُ الشِّدادُ لِقَتْلِهِ، وَبَکَتِ الْبِحارُ بِأَمْواجِها، وَالسَّمواتُ بِأَرْکانِها، وَالاْرضُ بِأَرْجائِها، وَالاْشْجارُ بِأَغْصانِها، وَالْحِیتانُ وَلُجَجُ الْبِحارِ، وَالْمَلائِکَةُ الْمُقَرَّبُونَ، وَأَهْلُ السَّمواتِ أَجْمَعُونَ.

أَیُّهَا النّاسُ! أَیُّ قَلْب لا یَنْصَدِعُ لِقَتْلِهِ؟! أَمْ أَیُّ فُؤاد لا یَحِنُّ إِلَیْهِ؟! أَمْ أَیُّ سَمْع یَسْمَعُ هذِهِ الثُّلْمَةَ الَّتِی ثُلِمَتْ فِی الاْسْلامِ وَلا یُصَمُّ.

أَیُّهَا النّاسُ! أصْبَحْنا مَطْرُودِینَ مُشَرَّدِینَ مَذُودِینَ، شاسِعِینَ عَنِ الاْمْصارِ، کَأَنّا أَوْلادُ تُرْک وَکابُلَ مِنْ غَیْرِ جُرْم اجْتَرَمْناهُ، وَلا مَکْرُوه ارْتَکَبْناهُ، وَلا ثُلْمَة فِی الاْسْلامِ ثَلَمْناها، ما سَمِعْنا بِهذا فِی آبائِنَا الاْوَّلِینَ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ(1).

وَاللهِ لَوْ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ تَقَدَّمَ إِلَیْهِمْ فِی قِتالِنا کَما تَقَدَّمَ إِلَیْهِمْ فِی الْوِصایَةِ بِنا لَمَا ازْدادُوا عَلى ما فَعَلُوا بِنا، فَاِنّا للهِ وَإِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ مِنْ مُصِیبَة ما أَعْظَمَها وَأَوْجَعَها وَأَفْجَعَها وَأَکَظَّها وَأَفْظَعَها وَأَمَرَّها وَأَفْدَحَها، فَعِنْدَاللهِ نَحْتَسِبُ فِیما أَصابَنا وَما بَلَغَ بِنا، إِنَّهُ عَزِیزٌ ذُوانْتِقام».

ص:351


1- إشارة إلى الآية: 7 من سورة ص.

قدوم محمد بن الحنفية

ورد في الأخبار أن محمّد بن الحنفية لما سمع بنزول الامام السجاد خارج المدينة المنوّرة ركب جواده وأسرع للقاء الراكب فلما رأى الخيام ومظاهر العزاء وقع مغشياً عليه، فأخبروا الامام بذلك فجاء إليه وجلس عنده حتى أفاق فلما فتح عينيه ورأى الأمام قال:

يابن أخي أين أخي؟

فقال الامام باكياً:

يا عمّاه أتيتك يتيماً.

ثمّ قصّ عليه ما جرئ وما حلّ بهم من مصائب تهدّ الجبال الرواسي(1).

دخول المدينة

ولما وصل ركب آل النبي إلى المدينة هرعت زينب العقيلة ع إلى قبر

جدّها النبي وهي تنادي:

يا جدّاه اني ناعية إليك الحسين.

وأنشأت أمّ كلثوم تقول:

ص:352


1- ناسخ التواریخ: 3/ 178، رمز المصيبة: 3/ 381.

مدينة جدنا لا تقبلينا *** فبالحسرات والأحزان جینا

خرجنا منك بالأهلين جمعا *** رجعنا لا رجال ولا بنينا

وان رجالنا بالطف صرعى *** بلا رؤس وقد ذبحوا البنينا

واخبر جدنا انا أسرنا *** وبعد الأسر يا جدا سبينا

ورهطك يا رسول الله أضحوا *** عرايا بالطفوف مسلبينا

وقد ذبحوا الحسين ولم يراعوا *** جنابك يا رسول الله فينا

فلو نظرت عيونك للأسارى *** على أقتاب الجمال محملينا

أفاطم لو نظرت إلى السبايا ***بناتك في البلاد مشتتينا

فلو دامت حياتك لم تزالي ***إلى يوم القيامة تندبينا

شهادة طفلي مسلم بن عقیل

روى الشيخ الصدوق وقائع استشهاد طفلي مسلم بن عقيل قال :

«لمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ(ع) أُسِرَ مِنْ مُعَسْكَرِهِ غُلَامَانِ صَغِيرَانِ، فَأُتِيَ بِهِمَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ، فَدَعَا سَجَّاناً لَهُ فَقَالَ: خُذْ هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ إِلَيْكَ، فَمِنْ طَيِّبِ الطَّعَامِ فَلَا تُطْعِمْهُمَا، وَمِنَ الْبَارِدِ فَلَا تَسْقِهِمَا، وَضَيِّقْ عَلَيْهِمَا سِجْنَهُمَا.

وَكَانَ الْغُلَامَانِ يَصُومَانِ النَّهَارَ، فَإِذَا جَنَّهُمَا اللَّيْلُ أُتِيَا بِقُرْصَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ وَكُوزٍ مِنْ مَاءِ الْقَرَاحِ، فَلَمَّا طَالَ بِالْغُلَامَيْنِ المَكْثُ حَتَّى صَارَا فِي السَّنَةِ. قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: يَا أَخِي قَدْ طَالَ

ص:353

بِنَا مَكْثُنَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَفْنَى أَعْمَارُنَا، وَتَبْلَى أَبْدَانُنَا، فَإِذَا جَاءَ الشَّيْخُ فَأَعْلِمْهُ مَكَانَنَا، وَتَقَرَّبْ إِلَيْهِ بِمُحَمَّدٍ(ص)، لَعَلَّهُ يُوَسِّعُ عَلَيْنَا فِي طَعَامِنَا، وَيَزِيدُنَا فِي شَرَابِنَا.

فَلَمَّا جَنَّهُمَا اللَّيْلُ أَقْبَلَ الشَّيْخُ إِلَيْهِمَا بِقُرْصَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ وَكُوزٍ مِنْ مَاءِ الْقَرَاحِ، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ الصَّغِيرُ: يَا شَيْخُ، أَتَعْرِفُ مُحَمَّداً؟ قَالَ: فَكَيْفَ لَا أَعْرِفُ مُحَمَّداً وَهُوَ نَبِيِّي.

قَالَ: أَفَتَعْرِفُ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؟ قَالَ: وَكَيْفَ لَا أَعْرِفُ جَعْفَراً، وَقَدْ أَنْبَتَ اللهُ لَهُ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا مَعَ المَلَائِكَةِ كَيْفَ يَشَاءُ.

قَالَ: أَفَتَعْرِفُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ(ع)؟ قَالَ: وَكَيْفَ لَا أَعْرِفُ عَلِيّاً وَهُوَ ابْنُ عَمِّ نَبِيِّي وَأَخُو نَبِيِّي.

قَالَ لَهُ: يَا شَيْخُ، فَنَحْنُ مِنْ عِتْرَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ(ص)، وَنَحْنُ مِنْ وُلْدِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِكَ أُسَارَى، نَسْأَلُكَ مِنْ طَيِّبِ الطَّعَامِ فَلَا تُطْعِمُنَا، وَمِنْ بَارِدِ الشَّرَابِ فَلَا تَسْقِينَا، وَقَدْ ضَيَّقْتَ عَلَيْنَا سِجْنَنَا، فَانْكَبَّ الشَّيْخُ عَلَى أَقْدَامِهِمَا يُقَبِّلُهُمَا وَيَقُولُ: نَفْسِي لِنَفْسِكُمَا الْفِدَاءُ، وَوَجْهِي لِوَجْهِكُمَا الْوِقَاءُ، يَا عِتْرَةَ نَبِيِّ اللهِ المُصْطَفَى، هَذَا بَابُ السِّجْنِ بَيْنَ يَدَيْكُمَا مَفْتُوحٌ، فَخُذَا أَيَّ طَرِيقٍ شِئْتُمَا.

فَلَمَّا جَنَّهُمَا اللَّيْلُ أَتَاهُمَا بِقُرْصَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ، وَكُوزٍ مِنْ مَاءِ الْقَرَاحِ، وَوَقَّفَهُمَا عَلَى الطَّرِيقِ، وَقَالَ لَهُمَا: سِيرَا يَا حَبِيبَيَّ اللَّيْلَ، وَاكْمُنَا النَّهَارَ حَتَّى يَجْعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكُمَا مِنْ أَمْرِكُمَا فَرَجاً وَمَخْرَجاً. فَفَعَلَ الْغُلَامَانِ ذَلِكَ.

فَلَمَّا جَنَّهُمَا اللَّيْلُ انْتَهَيَا إِلَى عَجُوزٍ عَلَى بَابٍ، فَقَالا لَهَا: يَا عَجُوزُ إِنَّا غُلَامَانِ صَغِيرَانِ غَرِيبَانِ حَدَثَانَ غَيْرَ خَبِيرَيْنِ بِالطَّرِيقِ، وَهَذَا اللَّيْلُ قَدْ جَنَّنَا، أَضِيفِينَا سَوَادَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ، فَإِذَا أَصْبَحْنَا لَزِمْنَا الطَّرِيقَ. فَقَالَتْ لَهُمَا: فَمَنْ أَنْتُمَا يَا حَبِيبَيَّ؟ فَقَدْ شَمِمْتُ الرَّوَائِحَ كُلَّهَا فَمَا شَمَمْتُ رَائِحَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَتِكُمَا. فَقَالا لَهَا: يَا عَجُوزُ، نَحْنُ مِنْ عِتْرَةِ نَبِيِّكِ مُحَمَّدٍ(ص)، هَرَبْنَا مِنْ سِجْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ مِنَ الْقَتْلِ. قَالَتِ الْعَجُوزُ: يَا

ص:354

حَبِيبَيَّ، إِنَّ لِي خَتَناً فَاسِقاً قَدْ شَهِدَ الْوَاقِعَةَ مَعَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ، أَتَخَوَّفُ أَنْ يُصِيبَكُمَا هَاهُنَا فَيَقْتُلَكُمَا.

قَالا: سَوَادَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ، فَإِذَا أَصْبَحْنَا لَزِمْنَا الطَّرِيقَ، فَقَالَتْ: سَآتِيكُمَا بِطَعَامٍ، ثُمَّ أَتَتْهُمَا بِطَعَامٍ فَأَكَلَا وَشَرِبَا، وَلَمَّا وَلَجَا الْفِرَاشَ، قَالَ الصَّغِيرُ لِلْكَبِيرِ: يَا أَخِي، إِنَّا نَرْجُو أَنْ نَكُونَ قَدْ أَمِنَّا لَيْلَتَنَا هَذِهِ، فَتَعَالَ حَتَّى أُعَانِقَكَ وَتُعَانِقَنِي، وَأَشَمَّ رَائِحَتَكَ وَتَشَمَّ رَائِحَتِي، قَبْلَ أَنْ يُفَرِّقَ المَوْتُ بَيْنَنَا. فَفَعَلَ الْغُلَامَانِ ذَلِكَ وَاعْتَنَقَا وَنَامَا.

فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ أَقْبَلَ خَتَنُ الْعَجُوزِ الْفَاسِقُ حَتَّى قَرَعَ الْبَابَ قَرْعاً خَفِيفاً، فَقَالَتِ الْعَجُوزُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا فُلَانٌ. قَالَتْ: مَا الَّذِي أَطْرَقَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَلَيْسَ هَذَا لَكَ بِوَقْتٍ؟

قَالَ: وَيْحَكِ افْتَحِي الْبَابَ قَبْلَ أَنْ يَطِيرَ عَقْلِي، وَتَنْشَقَّ مَرَارَتِي فِي جَوْفِي، جَهْدَ الْبَلَاءِ قَدْ نَزَلَ بِي. قَالَتْ: وَيْحَكَ مَا الَّذِي نَزَلَ بِكَ؟

قَالَ: هَرَبَ غُلَامَانِ صَغِيرَانِ مِنْ عَسْكَرِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ، فَنَادَى الْأَمِيرُ فِي مُعَسْكَرِهِ: مَنْ جَاءَ بِرَأْسِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَمَنْ جَاءَ بِرَأْسِيهِمَا فَلَهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ، فَقَدْ أَتْعَبْتُ وَتَعِبْتُ وَلَمْ يَصِلْ فِي يَدِي شَيْ ءٌ.

فَقَالَتِ الْعَجُوزُ: يَا خَتَنِي، احْذَرْ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ خَصْمَكَ فِي الْقِيَامَةِ، قَالَ: وَيْحَكِ إِنَّ الدُّنْيَا مُحَرَّصٌ عَلَيْهَا.

فَقَالَتْ: وَمَا تَصْنَعُ بِالدُّنْيَا وَلَيْسَ مَعَهَا آخِرَةٌ! قَالَ: إِنِّي لَأَرَاكِ تُحَامِينَ عَنْهُمَا، كَأَنَّ عِنْدَكِ مِنْ طَلَبِ الْأَمِيرِ شَيْ ءٌ، فَقُومِي فَإِنَّ الْأَمِيرَ يَدْعُوكِ.

قَالَتْ: مَا يَصْنَعُ الْأَمِيرُ بِي، وَإِنَّمَا أَنَا عَجُوزٌ فِي هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ، قَالَ: إِنَّمَا لِيَ الطَّلَبُ افْتَحِي لِيَ الْبَابَ حَتَّى أُرِيحَ وَأَسْتَرِيحَ، فَإِذَا أَصْبَحْتُ فَكَّرْتُ فِي أَيِّ الطَّرِيقِ آخُذُ فِي طَلَبِهِمَا، فَفَتَحَتْ لَهُ الْبَابَ، وَأَتَتْهُ بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ.

فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ سَمِعَ غَطِيطَ الْغُلَامَيْنِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَأَقْبَلَ يَهِيجُ كَمَا يَهِيجُ الْبَعِيرُ الْهَائِجُ، وَيَخُورُ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ، وَيَلْمِسُ بِكَفِّهِ جِدَارَ الْبَيْتِ حَتَّى

ص:355

وَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى جَنْبِ الْغُلَامِ الصَّغِيرِ.

فَقَالَ لَهُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَصَاحِبُ المَنْزِلِ، فَمَنْ أَنْتُمَا، فَأَقْبَلَ الصَّغِيرُ يُحَرِّكُ الْكَبِيرَ وَيَقُولُ: قُمْ يَا حَبِيبِي، فَقَدْ وَاللهِ وَقَعْنَا فِيمَا كُنَّا نُحَاذِرُهُ.

قَالَ لَهُمَا: مَنْ أَنْتُمَا؟ قَالا لَهُ: يَا شَيْخُ، إِنْ نَحْنُ صَدَقْنَاكَ فَلَنَا الْأَمَانُ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قَالا: أَمَانُ اللهِ وَأَمَانُ رَسُولِهِ، وَذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِ اللهِ. قَالَ: نَعَمْ. قَالا: وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. قَالَ: نَعَمْ. قَالا: وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ وَشَهِيدٌ. قَالَ: نَعَمْ.

قَالا لَهُ: يَا شَيْخُ، فَنَحْنُ مِنْ عِتْرَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ(ص)، هَرَبْنَا مِنْ سِجْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ مِنَ الْقَتْلِ. فَقَالَ لَهُمَا: مِنَ المَوْتِ هَرَبْتُمَا وَإِلَى المَوْتِ وَقَعْتُمَا، الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَظْفَرَنِي بِكُمَا، فَقَامَ إِلَى الْغُلَامَيْنِ فَشَدَّ أَكْتَافَهُمَا، فَبَاتَ الْغُلَامَانِ لَيْلَتَهُمَا مُكَتَّفَيْنِ، فَلَمَّا انْفَجَرَ عَمُودُ الصُّبْحِ دَعَا غُلَاماً لَهُ أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ: فُلَيْحٌ.

فَقَالَ: خُذْ هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ، فَانْطَلِقْ بِهِمَا إِلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ وَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمَا، وَائْتِنِي بِرُءُوسِهِمَا لِأَنْطَلِقَ بِهِمَا إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ، وَآخُذَ جَائِزَةَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، فَحَمَلَ الْغُلَامُ السَّيْفَ فَمَضَى بِهِمَا، وَمَشَى أَمَامَ الْغُلَامَيْنِ فَمَا مَضَى إِلَّا غَيْرَ بَعِيدٍ حَتَّى قَالَ أَحَدُ الْغُلَامَيْنِ: يَا أَسْوَدُ، مَا أَشْبَهَ سَوَادُكَ بِسَوَادِ بِلَالٍ مُؤَذِّنِ رَسُولِ اللهِ(ص).

قَالَ: إِنَّ مَوْلَايَ قَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِكُمَا، فَمَنْ أَنْتُمَا؟ قَالا لَهُ: يَا أَسْوَدُ، نَحْنُ مِنْ عِتْرَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ(ص)، هَرَبْنَا مِنْ سِجْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ لَعَنَهُ اللهُ مِنَ الْقَتْلِ، أَضَافَتْنَا عَجُوزُكُمْ هَذِهِ، وَيُرِيدُ مَوْلَاكَ قَتْلَنَا. فَانْكَبَّ الْأَسْوَدُ عَلَى أَقْدَامِهِمَا يُقَبِّلُهُمَا وَيَقُولُ: نَفْسِي لِنَفْسِكُمَا الْفِدَاءُ، وَوَجْهِي لِوَجْهِكُمَا الْوِقَاءُ، يَا عِتْرَةَ نَبِيِّ اللهِ المُصْطَفَى، وَاللهِ لَا يَكُونُ مُحَمَّدٌ(ص) خَصْمِي فِي الْقِيَامَةِ، ثُمَّ عَدَا فَرَمَى بِالسَّيْفِ مِنْ يَدِهِ نَاحِيَةً، وَطَرَحَ نَفْسَهُ فِي الْفُرَاتِ، وَعَبَرَ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَصَاحَ بِهِ مَوْلَاهُ: يَا غُلَامُ عَصَيْتَنِي فَقَالَ: يَا مَوْلَايَ، إِنَّمَا أَطَعْتُكَ مَا دُمْتَ لَا تَعْصِي اللهَ، فَإِذَا عَصَيْتَ اللهَ فَأَنَا مِنْكَ

ص:356

بَرِي ءٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

فَدَعَا ابْنَهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّمَا أَجْمَعُ الدُّنْيَا حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا لَكَ، وَالدُّنْيَا مُحَرَّصٌ عَلَيْهَا، فَخُذْ هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ إِلَيْكَ، فَانْطَلِقْ بِهِمَا إِلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمَا، وَائْتِنِي بِرُءُوسِهِمَا لِأَنْطَلِقَ بِهِمَا إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ، وَآخُذَ جَائِزَةَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ.

فَأَخَذَ الْغُلَامُ السَّيْفَ وَمَشَى أَمَامَ الْغُلَامَيْنِ، فَمَا مَضَيَا إِلَّا غَيْرَ بَعِيدٍ حَتَّى قَالَ أَحَدُ الْغُلَامَيْنِ: يَا شَابُّ، مَا أَخْوَفَنِي عَلَى شَبَابِكَ هَذَا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، فَقَالَ: يَا حَبِيبَيَّ، فَمَنْ أَنْتُمَا؟

قَالا: مِنْ عِتْرَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ(ص)، يُرِيدُ وَالِدُكَ قَتْلَنَا، فَانْكَبَّ الْغُلَامُ عَلَى أَقْدَامِهِمَا يُقَبِّلُهُمَا وَيَقُولُ لَهُمَا: مَقَالَةَ الْأَسْوَدِ، وَرَمَى بِالسَّيْفِ نَاحِيَةً، وَطَرَحَ نَفْسَهُ فِي الْفُرَاتِ وَعَبَرَ، فَصَاحَ بِهِ أَبُوهُ: يَا بُنَيَّ عَصَيْتَنِي قَالَ: لَأَنْ أُطِيعَ اللهَ وَأَعْصِيَكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْصِيَ اللهَ وَأُطِيعَكَ. قَالَ الشَّيْخُ: لَا يَلِي قَتْلَكُمَا أَحَدٌ غَيْرِي، وَأَخَذَ السَّيْفَ وَمَشَى أَمَامَهُمَا، فَلَمَّا صَارَ إِلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، سَلَّ السَّيْفَ مِنْ جَفْنِهِ، فَلَمَّا نَظَرَ الْغُلَامَانِ إِلَى السَّيْفِ مَسْلُولاً اغْرَوْرَقَتْ أَعْيُنُهُمَا، وَقَالا لَهُ: يَا شَيْخُ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى السُّوقِ وَاسْتَمْتِعْ بِأَثْمَانِنَا، وَلَا تُرِدْ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ خَصْمَكَ فِي الْقِيَامَةِ غَداً. فَقَال:َ لَا وَلَكِنْ أَقْتُلُكُمَا، وَأَذْهَبُ بِرُءُوسِكُمَا إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ، وَآخُذُ جَائِزَةَ أَلْفَيْنِ. فَقَالا لَهُ: يَا شَيْخُ، أَمَا تَحْفَظُ قَرَابَتَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ(ص)؟

فَقَالَ: مَا لَكُمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ قَرَابَةٌ. قَالا لَهُ: يَا شَيْخُ، فَائْتِ بِنَا إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ حَتَّى يَحْكُمَ فِينَا بِأَمْرِهِ قَالَ: مَا بِي إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ إِلَّا التَّقَرُّبُ إِلَيْهِ بِدَمِكُمَا قَالا لَهُ: يَا شَيْخُ، أَمَا تَرْحَمُ صِغَرَ سِنِّنَا قَالَ: مَا جَعَلَ اللهُ لَكُمَا فِي قَلْبِي مِنَ الرَّحْمَةِ شَيْئاً.

ص:357

قَالا: يَا شَيْخُ، إِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ، فَدَعْنَا نُصَلِّي رَكَعَاتٍ. قَالَ: فَصَلِّيَا مَا شِئْتُمَا إِنْ نَفَعَتْكُمَا الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْغُلَامَانِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ رَفَعَا طَرْفَيْهِمَا إِلَى السَّمَاءِ فَنَادَيَا: يَا حَيُّ يَا حَكِيمُ، يَا أَحْكَمَ الْحَاكِمِينَ، احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالْحَقِّ. فَقَامَ إِلَى الْأَكْبَرِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَأَخَذَ بِرَأْسِهِ وَوَضَعَهُ فِي الْمِخْلَاةِ، وَأَقْبَلَ الْغُلَامُ الصَّغِيرُ يَتَمَرَّغُ فِي دَمِ أَخِيهِ وَهُوَ يَقُولُ: حَتَّى أَلْقَى رَسُولَ اللهِ(ص) وَأَنَا مُخْتَضِبٌ بِدَمِ أَخِي. فَقَالَ: لَا عَلَيْكَ سَوْفَ أُلْحِقُكَ بِأَخِيكَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْغُلَامِ الصَّغِيرِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَأَخَذَ رَأْسَهُ وَوَضَعَهُ فِي الْمِخْلَاةِ، وَرَمَى بِبَدَنِهِمَا فِي المَاءِ، وَهُمَا يَقْطُرَانِ دَماً، وَمَرَّ حَتَّى أَتَى بِهِمَا عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيَادٍ، وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ لَهُ، وَبِيَدِهِ قَضِيبُ خَيْزُرَانٍ، فَوَضَعَ الرَّأْسَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمَا قَامَ ثُمَّ قَعَدَ ثَلَاثاً.

ثُمَّ قَالَ: الْوَيْلُ لَكَ أَيْنَ ظَفِرْتَ بِهِمَا؟ قَالَ: أَضَافَتْهُمَا عَجُوزٌ لَنَا، قَالَ: فَمَا عَرَفْتَ حَقَّ الضِّيَافَةِ! قَالَ: لَا. قَالَ: فَأَيَّ شَيْ ءٍ قَالا لَكَ؟ قَالَ: قَالا: يَا شَيْخُ، اذْهَبْ بِنَا إِلَى السُّوقِ فَبِعْنَا فَانْتَفِعْ بِأَثْمَانِنَا، فَلَا تُرِدْ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ(ص) خَصْمَكَ فِي الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَأَيَّ شَيْ ءٍ قُلْتَ لَهُمَا؟

قَالَ: قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ أَقْتُلُكُمَا وَأَنْطَلِقُ بِرَأْسِكُمَا إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ، وَآخُذُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ. قَالَ: فَأَيَّ شَيْ ءٍ قَالا لَكَ؟ قَالَ: قَالا: ائْتِ بِنَا إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ حَتَّى يَحْكُمَ فِينَا بِأَمْرِهِ.

قَالَ: فَأَيَّ شَيْ ءٍ قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ إِلَّا التَّقَرُّبُ إِلَيْهِ بِدَمِكُمَا، قَالَ: أَفَلَا جِئْتَنِي بِهِمَا حَيَّيْنِ فَكُنْتُ أُضَاعِفُ لَكَ الْجَائِزَةَ، وَأَجْعَلُهَا أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ.

قَالَ: مَا رَأَيْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً إِلَّا التَّقَرُّبَ إِلَيْكَ بِدَمِهِمَا، قَالَ: فَأَيَّ شَيْ ءٍ قَالا لَكَ أَيْضاً؟ قَالَ: قَالا: يَا شَيْخُ، احْفَظْ قَرَابَتَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ.

قَالَ: فَأَيَّ شَيْ ءٍ قُلْتَ لَهُمَا؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا لَكُمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ مِنْ قَرَابَةٍ.

قَالَ: وَيْلَكَ فَأَيَّ شَيْ ءٍ قَالا لَكَ أَيْضاً؟ قَالا: يَا شَيْخُ، ارْحَمْ صِغَرَ سِنِّنَا. قَالَ: فَمَا رَحِمْتَهُمَا؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا

ص:358

جَعَلَ اللهُ لَكُمَا مِنَ الرَّحْمَةِ فِي قَلْبِي شَيْئاً.

قَالَ: وَيْلَكَ فَأَيَّ شَيْ ءٍ قَالا لَكَ أَيْضاً قَالَ: قَالا: دَعْنَا نُصَلِّي رَكَعَاتٍ، فَقُلْتُ: فَصَلِّيَا مَا شِئْتُمَا إِنْ نَفَعَتْكُمَا الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْغُلَامَانِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ.

قَالَ: فَأَيَّ شَيْ ءٍ قَالا فِي آخِرِ صَلَاتِهِمَا؟ قَالَ: رَفَعَا طَرْفَيْهِمَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالا: يَا حَيُّ يَا حَكِيمُ، يَا أَحْكَمَ الْحَاكِمِينَ، احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالْحَقِّ.

قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ: فَإِنَّ أَحْكَمَ الْحَاكِمِينَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَكُمْ، مَنْ لِلْفَاسِقِ؟ قَالَ: فَانْتَدَبَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَالَ: أَنَا لَهُ. قَالَ: فَانْطَلِقْ بِهِ إِلَى المَوْضِعِ الَّذِي قَتَلَ فِيهِ الْغُلَامَيْنِ، فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، وَلَا تَتْرُكْ أَنْ يَخْتَلِطَ دَمُهُ بِدَمِهِمَا، وَعَجِّلْ بِرَأْسِهِ.

فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ، وَجَاءَ بِرَأْسِهِ فَنَصَبَهُ عَلَى قَنَاةٍ، فَجَعَلَ الصِّبْيَانُ يَرْمُونَهُ بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: هَذَا قَاتِلُ ذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللهِ(ص)»(1).

قال الحجّة آية الله الشيخ کاشف الغطاء يرثي شهداء كربلاء:

تبكي السماء دما له أفلا بکت *** ماء لغلة قلبه الانواء

والهف قلبي يابن بنت محمد *** لك والعدى بك ادركوا ماشاؤوا

يابن النبي أقول فيك معزيا *** نفساً وعز على الثكول عزاء

ما غض من علياك سوء صنيعهم *** شرفا وإن عظم الذي قد جاءوا

ان تمس مغبر الجبين *** معفرأ فعليك من نور النبي بهاء

لله يوم فيه قد أمسيتم *** اسراء قوم هم لكم طلقاء

لله سرّ الله وهو محجب *** وضمير غیب الله وهو خفاء

آل النبي لأن تعاظم رزوکم *** وتصاغرت في وقعه الارزاء

فلأنتم يا أيها الشفعاء في *** يوم الجزاء وأنتم الخصماء

ص:359


1- معالي السبطين: 2/ 44.

واليكم من بكر فكري ثاكل *** تنعى وقد أودت بها البرحاء

حسناء جاءت للعزاء ولم تعد *** إلا بحسن منکم الحسناء

ولادة السيّدة زينب الكبری

ولدت السيّدة زينب العقيلة في الخامس من شهر جمادى الأولى في العام الخامس من الهجرة النبويّة المباركة وقيل في العام السادس(1) وهي أول ابنة لفاطمة(2).

وذهب بعضهم إلى أن ولادتها كانت قبل أربعة أعوام من رحيل

النبي(3).

وقالت الزهراء لأمير المؤمنین سمّها فان رسول الله في سفر فقال:

ما كنت لأسبق رسول الله.

فلما جاء رسول الله ذهب إلى بيت فاطمة و قال:

«ذرية فاطمة ذرّيتي»(4).

ولما قالت: سمها يا أبتي.

قال: ما كنت لأسبق ربّي.

وهبط رسول السماء يقول للنبي:

سم هذه المولودة زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم.

ص:360


1- زینب اکبری، العلامة النقدی: 33.
2- شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد: 9/ 242، المرأة العظيمة: 41.
3- السيّدة زينب الكبرى: 28.
4- الحاوي للفتاوي: 2/ 31.

وقيل ان النبي لما سمع بولادتها سارع إلى بيت ابنته وأخذ الوليدة

وقبّلها ثمّ بكى فقالت السيّدة فاطمة:

ما يبكيك يا أبتي؟ لا أبكى الله لك عيناً.

فأجابها النبي بحزن وأسئ:

یا فاطمة اعلمي أن هذه البنت بعدي وبعدك سوف تنصبّ عليها المصائب

والرزایا.

فبكت فاطمة أيضاً(1).

وجاء في الروايات والأخبار ان زینب مذ كانت رضيعة لا تستأنس بأحد قدر استئناسها بأخيها الحسين(2) فكانت تنظر إلى وجهه وتغفو في حجره، فاذا فتحت عينيها ولم تر وجهه بکت(3).

وقد لاحظت ذلك أمّها الزهراء سلام الله عليها فأخبرت أباها رسول الله بذلك فظهرت ملامح الحزن على وجهه ودمعت عيناه وأخبرها بما سيجري عليها من المصائب في المستقبل(4).

آلام زينب

«لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا

ص:361


1- الخصائص الزينبيّة: 17.
2- زينب الكبرى: 115.
3- ریاحین الشريعة: 3/ 41.
4- الخصائص الزينبيّة: 19، سحاب الرحمة: 833.

الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ»(1).

الآلام في الحياة ثلاثة أنواع:

1- آلام من صميم الحياة نفسها وهي تواكب الانسان منذ ميلاده وفترة رضاعته، ودراسته، وزواجه، والحمل والوضع وتربية الأبناء والكدح من أجل لقمة العيش وغير ذلك من صروف الحياة.

2- الحوادث الطبيعية من قبيل رحيل الأب والأم والأبناء والأصدقاء

والأقرباء والخسائر التي يتعرض لها الانسان في الأموال والأرواح والأمراض وغير ذلك.

3- البلايا التي يتعرض لها أولياء الله وأحبائه: «البلاء للولاء» وفي حياة الرجال والنساء يمكن القول ان المصائب التي صبّت على الامام الحسين والمصائب التي استهدفت زینب لا يمكن مقارنتها بأي كان من بني آدم علی الاطلاق يقول النبي الأكرم: «من بكى على مصاب هذه البنت كان كمن بكى على أخويها الحسن والحسين»(2).

وفي مناسبة أخرى نسبه النبي حفيد ته زینب بخديجة الكبری(3).

ولقد كانت زينب من عائدات زمانها(4) وقد أمضت ليالي الواقعة الكبرى والمصاب الجلل في عاشوراء بالعبادة حتّى انّها صلّت صلاة الليل إلى جانب خيمتها المحترقة وذلك في ليلة الحادي عشر من المحرم.

ص:362


1- البلد: الآيات 1 - 4.
2- زينب الكبری: 32.
3- الخصائص الزينبيّة: 17.
4- زينب الكبرى: 81.

وكانت من السخاء ما يجعلها كفئاً لزوجها عبدالله بن جعفر الذي اشتهر ببحر

الجود(1).

وقدّمت ولديها شهيدين في كربلاء قتلا دفاعاً عن خالهما الحسين والقيم

التي جاء بها جدّهما محمد.

وكانت المرأة القويّة التي انبرت إلى رعاية قافلة الأسرى في ظروف غاية

في الخطورة وتمكّنت من حمايتهم و نفخ روح المقاومة والصبر في نفوسهم.

ولقد تعرّض الأسرى من أهل البيت الى اشتى أنواع العذاب کالجوع والعطش لكنّهما كانت تخفّف من تأثير كل ذلك القهر فجسّدت القافلة من خلالها المثل الأعلى في الكرامة والعزّة والصبر على المصيبة.

إنّ المصائب التي قاستها وثقل المسؤوليّة تحملتها تدفعنا إلى أن ننحني اجلالاً لتلك السيّدة الكبرى التي كانت في قوتها وثباتها كالجبل وفي طهرها كالندى وفي ثورتها وغضبها لله ورسوله كالبركان(2).

زواجها

ولم يجد الامام علي وقد بلغت ابنته زينب مبلغ النساء كفئاً لها سوى ابن أخيه جعفر الطيّار عبدالله زوجها الذي عاشت معه في ظلال حياة مشتركة

دافئة(3).

ص:363


1- ریاحین الشريعة:.3/ 64.
2- مقتل المقرّم: 360.
3- شرح نهج البلاغة: 4/ 75.

وجاء في الأخبار ان عبدالله بن جعفر كان يختلف إلى منزل عمّه علي ولكن الحياء كان يمنعه من التقدم إلى ابنته وانه قيل للامام علي ان رسول الله كان ينظر إلى بني جعفر وبني علي وبناته وانه قال: «بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا» وما أجمل أن يقترن عبدالله بزينب وقد تحقّق ذلك بصداق قدر صداق أمّه الزهراء فاطمة(1).

أما أمّ عبدالله فهي أسماء بنت عمیس وهي من السابقات إلى الاسلام وقد هاجرت مع زوجها جعفر إلى الحبشة حيث ولد عبدالله(2) هناك وهو أول من ولد للمسلمين المهاجرين في الحبشة.

وقد نشأ عبدالله في ظلال أبيه وتربّى في أحضان أمّه و تشرّب ثقافة الاسلام.

وقد بلغ من خلقه الرفيع ان شبه النبي بنفسه المقدّسة وقال عنه: أنا وليه في

الدنيا والآخرة.

كان عبدالله شجاعاً تقيّاً وكان يدعى قطب السخاء وبحر الجود وضرب

المثل الأعلى في الجود والكرم والسخاء.

وأراد معاوية استمالته فخطب ابنته أم كلثوم إلى ابنه يزيد فما كان من عبدالله إلّا ان أوكل أمرها إلى الحسين فزوّجها لابن عمّها القاسم بن محمد بن أبي طالب.

ص:364


1- ریاحین الشريعة: 3/ 60.
2- سيرة ابن هشام: 2/ 165.

وقد وقف عبدالله إلى جانب عمّه علي في كلّ فصول حياته وهاجر معه إلى الكوفة عندما هاجر الامام إلى هناك وشارك في حرب صفين وكان أحد القادة.

وكان لعبدالله ضيعة في الشام تدعى «الرواية» على بعد 7 كم من دمشق حيث أرسل زوجته بعد الفاجعة إلى هناك وذلك ان حاكم المدينة عمل على ابعادها لأنها ظلت تستذكر مصيبة كربلاء وتهيج الرأي العام ضدّ يزيد ويقال ان واقعة الحرّة كانت نتيجة لما قامت به السيّدة زينب الكبرى من نشاط اعلامي ضدّ بني أميّة كلّ هذا دفع بيزيد إلى أن يصدر أمراً بنفيها من المدينة إلى أي مكان ترغب فيه، فجاء بها زوجها عبدالله إلى الشام إلى قرية الرواية.

وقد رحلت السيّدة زينب الكبرى عن الحياة في سنة 65 ه-.

قبرها في الشام

في مدينة القاهرة بمصر ثمّة مرقد ينسب إلى السيّدة زينب(1) ابنة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقد ذكر في تاريخ المرقد: ان السيّدة زينب قدمت واستقبلها مسلمة بن مخلد وهذا الكلام محض كذب(2) لأن مسلمة يصنف ضمن النواصب الذين نصبوا العداء لآل بيت الرسول وما يضعف کون هذا المرقد لامرأة أخرى وليس للسيّدة زينب العقيلة وان قبرها في الشام هذه الحكاية.

ص:365


1- وأقوى مصادره کتاب «أخبار الزينبيّات» المنسوب ل- «العبيدلي النسابّة» الذي ضعّفه المرحوم المحقق «محمّد حسين السابقي» في كتابه «مرقد العقيلة».
2- مرقد العقيلة: 96.

الامام المهدي عند قبر زینب

روي عن المرحوم آية الله الآخوند ملا علي الهمداني ان آية الله السيّد ضياء العراقي قال: جاء رجل من شيعة القطيف في الحجاز لزيارة ثامن الأئمّة الامام الرضا وفي منتصف الطريق أضاع ذلك الزائر نفقة سفره ذهاباً وايّاباً فانقطعت به السبل فلا هو يستطيع السفر إلى مشهد الرضا ولا العودة إلى

الديار.

فتوسل بالامام الحجة بن الحسن، فلمّا أتمّ دعاءه إذا به يصادف سيّداً على سیمائه المهابة والجلال فقال له السيّد: اذهب في هذه الجهة فانّك تصل إلى سامّراء فاذا وصلت فاذهب إلى وكيلنا الحاج میرزا حسن الشيرازي وقل ان السيّد المهدي يقول أعطني من مالي الذي عندك ما يوصلني إلى مشهد لزيارة جدّي علي بن موسی الرضا.

قال الرجل الحجازي فلم التفت إلى هوية هذا السيّد ومن أين أتى؟ لهذا

قلت له: انه ربما يطالبني بعلامة فماذا أقول له؟

فقال السيّد: قل للسيّد الشيرازي: ان السيّد مهدي يقول لك: ان علامة ذلك انك في فصل الصيف قد تشرّفت بزيارة عمّتي زينب الكبرى مع الحاج ملّا علي کني الطهراني في الشام وكان من أثر الازدحام قد تجمّعت على سطح الحرم أوساخ فخلعت عباءتك وجمعتها ونظفت سطح الحرم وقد أخذ الملّا الأوساخ ورماه خارجاً.

يقول الرجل القطيفي لما وصلت سامراء والتقيت آية الله الشيرازي

وأخبرته بذلك نهض من مكانه وعانقني وقبّلني على عيني وبارك لي.

ص:366

ثمّ ذهب إلى طهران والتقيت آية الله کني فصدّقني وتحسّر على انّ الحوالة

لم تصدر منه سلام الله عليه إليه(1).

السيّدة سكينة

كان الامام علي أميرالمؤمنين قد خطب لابنه الحسين الرباب ابنة امرئ القيس وهو رئيس قبيلة بكر بن وائل وهو شخصيّة هامّة وكان قبل ذلك نصرانياً فأسلم في عهد عمر ولمّا أسلم بعثه الخليفة والياً على احدى النواحي المقدرته الاداريّة(2).

يقول الامام الحسين في ابنته سكينة وزوجته الرباب:

لعمرك انني لأحب داراً *** تكون بها سكينة والرباب

احبهما وابذل جل مالي *** وليس لعاتب عندي عتاب

فلست لهم وإن عابوا مطيعاً *** حياتي او يغيبني التراب(3)

وقد جاء في الروايات والأخبار ان الحسن المثنّى ابن الحسن السبط

جاء إلى عمّه الحسين فخطب منه احدى ابنتيه ففضّل له فاطمة دون أختها سكينة وقال له اختار لك فاطمة لأنّها أكثر شبهاً بأمّي (الزهراء) في دينها قائمة في ليلها صائمة نهارها وفي جمالها كأنها حور العين أمّا سكينة فغالب عليها

ص:367


1- مرقد العقيلة: 187.
2- نفس المهموم: 479.
3- الأغاني: 14/ 164.

الاستغراق مع الله فلا تصلح لرجل(1).

قال الشبلنجي في نور الأبصار: كانت سكينة في حسنها وأدبها وفصاحتها على قدر عظیم(2).

وقد اتّهم أبو الفرج الاصبهاني قمر بني هاشم بأنّه قام بارسال اخوته للقتال لكي يرثهم(3) واتّهم السيّدة سكينة بأنّها تزوجت من مصعب بن الزبير(4) وانّها كانت تعقد مجالس للشعر وكانت هي شاعرة.

وقد فند المؤرّخ العلّامة ابن المقرّم هذه الأباطيل وقال: ان مجالس الشعر

والغناء ترتبط بسكينة ابنة خالد بن مصعب بن الزبير(5).

ومن المؤسف أن بعض الشيعة أخذوا كلام الاصبهاني هذا في انّ سكينة تزوّجت من مصعب على عواهنه و مصعب معروف موقفه من آل البيت وهو الذي قتل المختار وارتكب مذبحة كبرى في الكوفة راح ضحيتها الآلاف بعد أن منحهم الأمان(6).

ومصعب هو شقيق عبدالله بن الزبير وساعده الأيمن وعبدالله معروف في عدائه لآل الرسول حتى انّه ترك الصلاة على الرسول في صلاة الجمعة عداءً لآله.

ص:368


1- اسعاف الراغبين في حاشية نور الأبصار: 202، السيدة سكينة: 43.
2- نور الأبصار: 267.
3- قال أبو الفضل في يوم عاشوراء لأخوته: «تقدّموا یا بني أمي حتى أراكم نصحتم لله ولرسوله» مقتل المقرّم: 266 وقد حدث تصحيف لدى بعض المؤرّخين فكتب أرثكم بدل أراكم.
4- السيّدة سكيّة: 103.
5- الفهرست ابن الندیم: 160.
6- تاریخ الطبری: 4/ 570.

ومصعب هو من أمر بقتل زوجة المختار الثقفي صبراً وكانت امرأة تقيّة ورعة(1) فكيف يمكن لسكينة التي هامت بالعشق الالهي أن تكون زوجة لهذا السفّاح المجرم؟!

في حين ان الامام الحسين يخاطبها قائلاً: يا خيرة النسوان وهذا

الخطاب استند إليه المقرّم في أن سكينة قد بلغت مبلغ النساء أثناء واقعة كربلاء.

وقد ذهب البعض إلى ان عمرها كان عشر سنين على الأقل وقال آخرون انّها كانت في عقد ابن عمّها عبدالله بن الحسن والمشهور ان سكينة ولدت في سنة 47ھ(2) في المدينة(3) المنوّرة وتوفّيت سنة 117 ه- في مسقط رأسها المدينة وكان عمرها المبارك سبعين سنة.

ص:369


1- المصدر نفسه.
2- وفيات الأعيان: 2/ 396.
3- أنساب الأشراف: 2/ 418.

ص:370

الفصل الثاني: عشر الشجرة الملعونة

المدينة المنوّرة

ص:371

ص:372

اللعناء

«وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا»(1).

والشجرة الملعونة أصلها وجذورها معاوية ابن أبي سفيان، ولقد حکم البلاد الاسلاميّة خليفة مدّة عشرين سنة وكانت سياسته الحديد والنار والارهاب والاغراء وشراء الضمائر والكذب على الله ورسوله وقد عاونه على تحقيق أهدافه شعراء باعوا ضمائرهم من قبيل الأخطل ومحدثون من قبيل أبي هريرة فتمكّن الانحراف من الفتك بالمجتمع الاسلامي حتّى لم يبق له من الاسلام إلّا الاسم فقط.

من هنا نهض الامام الحسين ليحبط هذه الجهود الشيطانيّة التي استمرّت

عشرين عاماً.

یزید

ص:373


1- الاسراء: الآية 60.

«وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ»(1).

وأم یزید میمون الكلبي وقد ضاجعها غلام أبيها فحملت بیزید.

و یزید کائن مثقل بكل الخطايا والآثام، فلم يكن له عقل ولا دين کان يتظاهر بارتكاب الموبقات ويعلن بالفسق والفجور وحتى الكفر وكان يقضي أكثر أوقاته في الصيد ومعاقرة الخمرة واللعب مع کلابه و قردته.

ومن أجل هذا أوصاه معاوية ألّا يتعرّض بالسوء للامام الحسين.

بواعث عداء يزيد للامام الحسين

1- كان معاوية وبعده یزید قد ورثا عداء الآباء والأجداد لبني هاشم فكان

معاوية عدواً لدوداً لعلي والحسين وقد ورث یزید ذلک من أبيه وأجداده.

2- كان معاوية قد خطب ابنة عبدالله بن جعفر من السيّدة زينب ليزيد وأرسل مروان خاطباً فأوكل عبدالله الأمر إلى خالها الحسين الذي ردّ الخاطب وزوّج ابنة أخته لابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر(2).

3- وقيل ان يزيد رغب في الزواج من ارینب زوجة عبدالله بن سلام

ص:374


1- ابراهيم: الآية: 15.
2- المناقب: 4/ 44 بحار الأنوار: 44/ 207.

فاستدعاه معاوية وعرض عليه طلاق زوجته ارینب في مقابل الزواج من ابنته (ابنة معاوية) فلمّا طلقها زوجها حنث معاوية بوعده وأرسل من يخطب ارینب لابنه يزيد فمرّ الخاطب بالامام الحسين الذي كلّفه أيضاً بخطبتها، ولا التقى الخاطب ارینب وأخبرها فاستشارته في زواجها فقال:

ان كنت لا تريدين الدنيا ولا الآخرة فتزوّجي مني.

وإن كنت تريدين الدنيا فتزوّجي من يزيد.

وإن كنت تريدين الآخرة فتزوّجي من الحسین.

فاختارت ارينب الامام الحسين وانتقلت الى منزله وأرسل الامام الحسين من يستدعي عبدالله بن سلام الذي ندم على طلاق زوجته وبان له مکر

معاوية.

فأخبره الامام ان أرينب کانت امانة في منزله وهكذا عادت ارينب الى

زوجها.

عبیدالله بن زیاد

«وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ»(1).

ص:375


1- ابراهيم: الآية 46.

عبیدالله بن زیاد رمز للنذالة والفسق والشقاوة والمكر والغدر(1).

كان النعمان بن بشير الأنصاري والياً على الكوفة في عهد معاوية فأقرّه

یزید بعد هلاك أبيه وأبقاه والياً على الكوفة.

وكان النعمان بن بشير هو الأنصاري الوحيد الذي وقف إلى جانب معاوية في حرب صفّين وعين والياً على حمص في خلافة مروان وقد أيّد ابن الزبير ضد مروان فما كان من أهل حمص الّا ان ثاروا عليه فقتل سنة 15 ه-.

ويوم كان والياً على الكوفة لم يتّخذ أي اجراء ضدّ مسلم بن عقيل واستشار یزید سرجون النصراني فأشار عليه أن يعهد بحكم الكوفة إلى عبيد الله بن زیاد والذي كان والياً على البصرة فهو الوحيد الذي يمكنه القضاء على أنصار الامام الحسين(2).

فأرسل يزيد على وجه السرعة رسالة إلى عبیدالله بن زياد في البصرة وطلب منه التوجه إلى الكوفة لاستلام مقاليد الحكم فيها، وفور وصول الرسالة سافر عبیدالله إلى الكوفة ومعه بعض رجاله ودخل الكوفة ليلاً ملثّماً ليوهّم الناس فلا يعرفون هويته الحقيقية.

فكان الناس يستقبلونه قائلين: مرحباً بك يابن رسول الله حتّى وصل إلى

ص:376


1- نفس المهموم: 80.
2- الارشاد للمفيد: 2/ 42.

باب دار الامارة(1).

و تحصن النعمان بن بشير في القصر وهو يظن ان القادم هو الحسين فجعل يناشده الله والفتنة، حتّى غضب ابن زیاد وقال له: افتح الباب لعنك الله فلمّا سمع الناس صوته عرفوا انه ابن مرجانة وتفرّقوا وهكذا دخل عبید الله دار الامارة.

وكان ابن زیاد ماكراً في تعامله حتّى مع من حوله فقد خدع عمر بن سعد ووعده بحكم الري وجرجان فلمّا نفّذ ابن سعد جريمته في كربلاء وجاء إلى ابن زیاد يطالبه بالعهد قام ابن زیاد فمزّق الوثيقة وطرده من دار الامارة(2).

وعندما جاءه سنان بن أنس يطلب الجائزة قائلاً:

املأ رکابي فضّة وذهبا *** اني قتلت السيّد المحجبا

فنهره ابن زیاد وقال: ان تعلمه كذلك فلم قتلته؟ فقال سنان: من أجل

الجائزة، فقال له: إذا سمع يزيد قولك ضرب عنقك ثم اعطاه جائزة يسيرة(3).

ولما جاء الحارث الذي قتل طفلي مسلم بن عقيل قال له: كيف تقتل الضعيف؟ ثمّ سلّمه إلى رجل من الشيعة وقال خذه فاصنع به ما بدا لك، فأخذه الشيعي وقتله شر قتلة.

وطالبه الشمر بالجائزة فقال له ان جائزتك لا يقدر عليها أحد فاذهب إلى

دمشق وخذ جائزتك من يزيد.

ص:377


1- نفس المهموم: 89.
2- تذکرة الخواص: 228، انساب الاشراف: 3/ 205.
3- أمالي الشيخ الصدوق: 143، بحار الأنوار: 45/ 106، مقتل الخوارزمي: 2/ 51.

عمر بن سعد

كان عمر بن سعد من الذين يتظاهرون بالزهد وكان يروي الحديث وكان زعيماً في قومه. أبوه سعد بن أبي وقّاص أحد المهاجرين السابقين ولم تعرف له شجاعة وفروسية واستطاع بنو اميّة استمالته أمّا ابنه عمر فقد أصبح من رجال بني أميّة(1).

ولنفاقه انتخبه ابن زیاد لقيادة الجيش الذي انطلق لحرب الحسين لكي

يخدع الناس البسطاء بزهده الكاذب وصلاحه الظاهر.

وكان ابن زیاد قد أرسله على رأس جيش الفتح بعض المناطق في ایران(2) وقد وعده بحكم الري وجرجان، فلما قدم الحسين إلى العراق أرسل عليه واستدعاه وكان قد عسكر في «حمام اعين»(3) وأمره بمواجهة الحسين ثم التوجّه إلى الديلم(4).

فاستمهله عمر بن سعد ليلته ليفكر ويستشير ذوي الرأي في ذلك فأشاروا عليه بعدم التورط بقتال الامام الحسين حتى أنّ حمزة بن المغيرة بن شعبة أقسم

ص:378


1- وقد طعن في نسب عمر بن سعد ونسب الى رجل من بني عذرة كان على علاقة مع أمّه حتّى انّه لما تنافر في مجلس معاوية قال له معاوية دع الفخر لبني عذرة (بحار الأنوار: 44/ 309).
2- الديلم من مناطق الشمال الإيراني وهي اقليم «جیلان» في الوقت الحاضر وقد عرفت قديماً بالديلم والديلمستان والديالمة والطائفة التي تعرف ب«گیلکان» هي بقايا الديلم (انظر: موسوعة معين في اللغة والاعلام: 5/ 550).
3- منطقة في ضواحي الكوفة تنسب إلى أعين مولی سعد بن أبي وقاص (معجم البلدان: 2/ 299).
4- منتخب الطريحي: 2/ 280.

عليه الّا يذهب لحرب الحسین وإلّا يقطع رحمه، وقال له: فوالله لأن خرجت من مالك ودنياك وسلطان الأرض كلها خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين ابن فاطمة وجاء في بعض الاخبار ان عمر بن سعد انشد هذه الأشعار وهو يفكّر بما سیفعل:

أأترك ملك الري والري منيتي *** أم ارجع مأثوماً بقتل حسین

يقولون ان الله خالق جنة *** ونار وتعذيب وغل یدین

فان صدقوا فيما يقولون انني *** أتوب إلى الرحمن من سنتين

وان کذبوا فزنا بدنيا عظيمة *** وملك عظیم دائم الحجلين

وأخيراً وافق عمر بن سعد على القيام بهذه الجريمة بعد أن هدّده ابن زیاد

بعدم اسناد حكم الري إليه.

اللامائي الكاذبة

ولد عمر بن سعد في نفس اليوم الذي توفّي فيه عمر بن الخطاب وكان له من

العمر في كربلاء 38 سنة.

وقد جاء في مقتل الخوارزمي: ان المختار كان قد أمن عمر بن سعد بشفاعة عبدالله بن جعدة بن هبيرة المخزومي لأنه كان أكرم خلق على المختار لصهره وقرابته من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وكان عمر ختن المختار على ابنته وقالوا على اخته، فكتب محمد بن الحنفية للمختار: انك ذكرت انك قتلت قتلتنا وطلبت بثارنا، وقمت بأمرنا كيف ذاك؟ وقاتل الحسين عندك يغدو ويروح وهو عمر بن سعد فقال المختار حين قرأ الكتاب: صدق والله.

ص:379

ثمّ انّ المختار تحدث فقال: لأقطعنّ والله غداً رجلاً عظيم القدمين غائر العينين مشرف الحاجبين من قتلة الحسين يسرّ بقتله المؤمنون والملائكة المقرّبون(1).

فقالوا لعمر بن سعد: خذ حذرك فان المختار يريدك ولا يريد غيرك.

فقال عمر: كيف يريدني وقد أعطاني الأمان.

ودخل حفص بن عمر بن سعد على المختار فأجلسه إلى جنبه وأرسل إلى

عمر بن سعد الرجال لقتله.

وكان عمر بن سعد على فراشه لما دخلوا عليه وقتلوه وتحقّقت نبوءة أبي عبدالله الحسين يوم عاشوراء لما قال له: قطع الله رحمك كما قطعت رحمي وسلّط عليك من يذبحك على فراشك(2).

وجاءوا برأسه إلى المختار وحفص ابنه جالس فقال له: أتعرف هذا؟

فقال حفص: نعم هذا رأس أبي ولا خير في العيش بعده.

فقال المختار: ومن أنبأك أنّك تعيش بعده؟

ثمّ أمر بقتله فقال حفص:

أيها الامير ما شهدت کربلاء.

فقال المختار:

ولكنّك تفتخر بأنّ أباك قتل الحسين فوالله لا تعيش بعده فقتل وقال المختار

هذا برأس الحسين وهذا برأس ابنه علي الأكبر.

ص:380


1- مقتل الخوارزمي: 2/ 221.
2- لقي عمر بن سعد حتفه في سنة 66 ه- حيث اقتحموا داره وقتل.

وقد جاء في الروايات ان عمر بن سعد لما قُتل أبو عبدالله الحسين جاء إلى ابن زیاد وطالب بوثيقة الحكم في الري وجرجان وقال له انه قتل أفضل الناس وسيّد الناس فما كان من ابن زياد الا ان مزّق العهد الذي نصبه فيه حاكماً على الري وقال له ان سمعك یزید تقول هذا القول في الحسين لقتلك وطرده من القصر.

فخرج عمر بن سعد وهو ينتف شعر رأسه ولحيته(1).

الشمر

الشمر من قبيلة بني كلاب وله قرابة بعيدة مع أم البنين والدة العباس وقد

ارتكب في كربلاء جرائم كبرئ:

1- عندما أرسل ابن سعد رسالة إلى ابن زیاد وحاول تفادي وقوع الحرب مع الامام الحسين كان الشمر في مجلسه فحرّضه على قتل الحسين ونتج عن ذلك ان ارسل ابن زیاد رسالة شديدة اللهجة إلى ابن سعد يأمره بتضييق الخناق على الامام وأن يعرض عليه الاستسلام بلا قيد أو شرط أو الحرب وحمل الرسالة الشمر بنفسه.

2- وصل الشمر کربلاء في عصر تاسوعاء (9 محرم الحرام) وقرعت طبول الحرب حيث زحف الشمر ومعه فرقة من الجيش نحو مخيم الامام الحسين فأرسل الامام أخاه العباس واستمهلهم ليلة واحدة.

3- وقد اقترب الشمر من المخيم ليلاً وتكلّم بكلام مسيء فرده بریر.

4- طلب الامام الحسين في ظهيرة عاشوراء وقد حان وقت صلاة

ص:381


1- مثير الأحزان: 110، بحار الأنوار: 45/ 118.

الظهر وقف القتال لأداء الصلاة فرفض الشمر ذلك.

5- الشمر كان الوحيد الذي تولّى ذبح الحسين بعد أن تراجع غيره عن

هذه الجريمة.

6- أراد الشمر قتل علي بن الحسين السجاد فمنعه عمر بن سعد وهو الذي

أضرم النار في خيام الامام.

شريح القاضي

ذكر ابن الأثير ان شريح القاضي من أهل اليمن وقد جاء للقاء النبي فيمن جاء واعتنق الاسلام وقال للنبي صلى الله عليه واله ان في اليمن في قبيلتي من يحب لقاءك لهذا عاد الى اليمن وجمع من أفراد قبيلته من يحب اللقاء وجاء بهم إلى المدينة الّا ان النبي كان قد رحل إلى الرفيق الأعلى.

وفي عام 22ه- عيّنه عمر بن الخطاب قاضياً(1).

يقول المرحوم آية الله الشيخ عبد النبي العراقي: ان شریح رفض مبلغ مئة ألف دينار على أن يفتي باباحة دم الحسين الّا ان ابن زیاد أمر بارسال خمسين ألف دينار إلى منزله فلما عاد شريح إلى داره ورأي الذهب أمام عينيه يخطف العقول والأبصار وقف إلى جانب عبيدالله.

رأس القضاء مدّة ستين سنة ومارسه حتّى برع فيه وظلّ حسن السيرة الى

ما قبل استشهاد الامام الحسين.

وكان قاضياً في عهد عثمان فلما قتل وبايع الناس الامام علي لا أقرّه في

ص:382


1- اسد الغابة: 2/ 394.

منصبه(1) وظلّ في هذا المنصب إلى عهد الحجاج بن یوسف فاستعفی وفي سنة 87 ه- توفّي بعد أن بلغ 120 سنة.

اشقیاء کربلاء

وينقسمون إلى ثلاثة أقسام:

1- قسم يعترف بمجد و حقانيّة الامام الحسين ولكن حبّ الدنيا أعمى قلوبهم وبصائرهم وفي طليعتهم عمر بن سعد، سنان، واولئك الذين أغاروا على أهل البيت بعد مصرع الامام الحسين وكانوا يسلبون النساء حليهن ويبكون.

2- قسم يظنّ ان في قتل الحسين ثواب وهؤلاء تأثّروا بالاعلام والدعاية الأمويّة وكانوا يظنون انهم بذلك يتقرّبون إلى الله «كل يتقرّب إلى الله بسفك دمه»(2).

3- والقسم الثالث يضم الخبثاء المجرمين الذين تمرسوا في القتل وأصبحوا

يستشعرون في ذلك اللذة وذروتهم الشمر بن ذي الجوشن.

دناءة الأشقياء

لقد قاموا وهم أولئك الأشقياء وجراثيم الفساد وخريجو المدرسة الأمويّة واضافة إلى قتل أولياء الله بسبع جرائم ضد الانسانيّة في تعاملهم مع آل النبي صلى الله عليه و اله:

1- منع الماء.

ص:383


1- المصدر نفسه.
2- الأمالي للشيخ الصدوق: 374 (المجلس 70 ح 10)، بحار الأنوار: 44/ 298.

2- قتل الأطفال.

3- سلب الامام الشهيد ثيابه و ترکه عرياناً.

4- قطع رؤوس الشهداء ورفعها فوق الرماح.

5- اضرام النار في الخيام والغارة على من فيها ونهب الممتلكات.

6- رض الأجساد بالخيول.

7- أسر وسبي أسرة النبي والتعامل معهم بكلّ قسوة ووحشية.

بناء قبر الامام الحسين

«فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ»(1).

1- ان بناء قبر الامام الحسين حصل في العهد الأموي واستمر هذا البناء

قائماً إلى أيّام هارون الرشید.

2- أمر المأمون بتجدید بنائه.

3- أمر المنتصر ابن المتوكّل باعادة بناء القبر بعد ما هدّمه أبوه.

4- قام محمد بن زید العلوي بالايعاز ببناء القبر.

5- أمر عضدالدولة البويهي بتجدید بنائه.

6- أمر الحسن بن المفضل بتجدید بنائه.

7- تصدّئ اویس الايلكاني لتجديد البناء(2).

ص:384


1- النور: الآية 36.
2- يعود تاریخ مرقد الامام الحسين على تصميمه الحالي إلى سنة 767 (معالي السبطين: 2/ 183).

ولم يكن يسكن حول القبر أحد وكان أوّل من سكن هناك ابراهيم المجاب المتوفّى سنة 200 ه- وهو ابن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم وقبره الشريف داخل الحرم الحسيني الشريف(1).

هدم قبر الامام الحسين

«يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ»(2).

تعرض قبر و مرقد الامام الحسين للهدم کراراً ويذكر انه في عهد

المتوكّل وحده تعرض المرقد للتخريب 17 مرّة.

وكان المتوكّل لما أراد هدم القبر أوكل ذلك إلى من يقوم بهذه المهمّة فامتنع

المسلمون ولم يقدم أحد منهم وكذلك النصارئ.

ثم أخذ ابراهيم الدیزج اليهودي هذه المهمّة على عاتقه.

وقد روي هذه الحادثة فيما يقول انه وصل کربلاء متعباً فأصدر أمره إلى من معه من اليهود بحرث الأرض وهدم القبر ثمّ نام فايقظه غلمانه يقول: ففزعت وقلت ما الخبر؟ قالوا: ان رجالاً حالوا بيننا وبين القبر ورمونا بالسهام، ولكنّه اليهودي لم يرتدع وأصرّ على القيام بمأموريته ولما حضره الموت فيما بعد سئل عمّا رآه لما حفر القبر فقال: بعد فتح القبر وجد الجسد على حصير وقد فاحت منه رائحة أطيب من المسك فأغلقه كما كان وأمر بفتح الماء فلما صار قريباً من القبر

ص:385


1- وقد دفن بعض كبار العلماء في جوانب قبر ابراهيم المجاب في داخل السرداب من قبيل السيد الرضي والسيد المرتضى وقد درست آثارهم بفعل عمليات الترميم المتعاقبة (مستدرکات علم الرجال: 1/ 186).
2- الصف: الآية 8.

راح يدور حوله ولم يغمره فطلب من غلمانه حراثة المكان فجاءوا بالثيران والمحاريث فحرثت الأرض لكنها كانت تتحاشى منطقة القبر فالهبوا ظهورها بالعصي فما فعلت ذلك ولا تقدّمت باتجاه القبر.

من جرائم المتوكّل

وروي أن المتوكل من خلفاء بني العباس كان كثير العداوة، شديد البغض لأهل بيت الرسول، وهو الذي أمر الحارثين بحرث قبر الحسين عليه السلام وأن يخربوا بنيانه ويحفوا آثاره وأن يجروا عليه الماء من النهر العلقمي بحيث لا تبقى له أثر ولا أحد يقف له على خبر، وتوعد الناس بالقتل لمن زار قبره، وجعل رصدا من أجناده وأوصاهم: كل من وجدتموه يريد زيارة الحسين عليه السلام فاقتلوه، يريد بذلك إطفاء نور الله وإخفاء آثار ذرية رسول الله، فبلغ الخبر إلى رجل من أهل الخير يقال له زيد المجنون، ولكنه ذو عقل سديد، ورأي رشيد، وإنما لقب بالمجنون لأنه أفحم كل لبيب وقطع حجة كل أديب، وكان لا يعي من الجواب، ولا يمل من الخطاب. فسمع بخراب بنيان قبر الحسين عليه السلام وحرث مكانه، فعظم ذلك عليه واشتد حزنه وتجدد مصابه بسيده الحسين عليه السلام وكان مسكنه يومئذ بمصر، فلما غلب عليه الوجد والغرام لحرث قبر الإمام عليه السلام خرج من مصر ماشيا هائما على وجهه شاكيا وجده إلى ربه، وبقي حزينا كئيبا حتى بلغ الكوفة، وكان البهلول يومئذ بالكوفة، فلقيه زيد المجنون وسلم عليه فرد عليه السلام، فقال له البهلول: من أين لك معرفتي فلم ترني قط؟ فقال زيد: يا هذا اعلم أن قلوب المؤمنين جنود مجندة ما

ص:386

تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، فقال له البهلول: يا زيد ما الذي أخرجك من بلادك بغير دابة ولا مركوب؟ فقال: والله ما خرجت إلا من شدة وجدي وحزني، وقد بلغني أن هذا اللعين أمر بحرث قبر الحسين عليه السلام وخراب بنيانه وقتل زواره، فهذا الذي أخرجني من موطني ونقص عيشي وأجرى دموعي وأقل هجوعي فقال البهلول: وأنا والله كذلك فقال له: قم بنا نمضي إلى كربلا لنشاهد قبور أولاد علي المرتضى قال: فأخذ كل بيد صاحبه حتى وصلا إلى قبر الحسين عليه السلام وإذا هو على حاله لم يتغير، وقد هدموا بنيانه، وكلما أجروا عليه الماء غار، وحار واستدار بقدرة العزير الجبار، ولم يصل قطرة واحدة إلى قبر الحسين عليه السلام وكان القبر الشريف إذا جاءه الماء يرتفع أرضه بإذن الله تعالى فتعجب زيد المجنون مما شاهده وقال: انظر يا بهلول يريدون ليطفؤا نور الله بأفواهم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون قال: ولم يزل المتوكل يأمر بحرث قبر الحسين عليه السلام مدة عشرين سنة

والقبر على حاله لم يتغير، ولا يعلوه قطرة من الماء، فلما نظر الحارث إلى ذلك قال: آمنت بالله وبمحمد رسول الله والله لأهربن على وجهي وأهيم في البراري ولا أحرث قبر الحسين ابن بنت رسول الله وإن لي مدة عشرين سنة أنظر آيات الله وأشاهد براهين آل بيت رسول الله ولا أتعظ ولا أعتبر، ثم إنه حل النيران وطرح الفدان وأقبل يمشي نحو زيد المجنون وقال له: من أين أقبلت يا شيخ؟

قال: من مصر، فقال له: ولأي شئ جئت إلى هنا وإنه لأخشى عليك من القتل فبكى زيد وقال: والله قد بلغني حرث قبر الحسين عليه السلام فأحزنني ذلك وهيج حزني ووجدي.

ص:387

فانكب الحارث على أقدام زيد يقبلهما وهو يقول: فداك أبي وأمي، فوالله يا شيخ من حين ما أقبلت إلي أقبلت إلي الرحمة واستنار قلبي بنور الله، وإني آمنت بالله ورسوله وإن لي مدة عشرين سنة وأنا أحرث هذه الأرض، وكلما أجريت الماء إلى قبر الحسين عليه السلام غار وحار واستدار، ولم يصل إلى قبر الحسين منه قطرة وكأني كنت في سكر وأفقت الآن ببركة قدومك إلي فبكى زيد وتمثل بهذه الأبيات:

تالله إن كانت أمية قد أتت *** قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثلها *** هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا *** في قتله فتتبعوه رميما

فبكى الحارث وقال: يا زيد قد أيقظتني من رقدتي، وأرشدتني من غفلتي وها أنا الآن ماض إلى المتوكل بسر من رأى، اعرفه بصورة الحال إن شاء أن يقتلني وإن شاء أن يتركني، فقال له زيد: وأنا أيضا أسير معك إليه وأساعدك على ذلك قال: فلما دخل الحارث إلى المتوكل وخبره بما شاهد من برهان قبر الحسين عليه السلام استشاط غيظا وازداد بغضا لأهل بيت رسول الله وأمر بقتل الحارث وأمر أن يشد في رجله حبل، ويسحب على وجهه في الأسواق، ثم يصلب في مجتمع الناس، ليكون عبرة لمن اعتبر، ولا يبقى أحد يذكر أهل البيت بخير أبدا وأما زيد المجنون فإنه ازداد حزنه واشتد عزاؤه وطال بكاؤه وصبر حتى أنزلوه من الصلب وألقوه على مزبلة هناك، فجاء إليه زيد فاحتمله إلى الدجلة وغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه، وبقي ثلاثة أيام لا يفارق قبره، وهو يتلو كتاب الله عند، فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع صراخا عاليا، ونوحا شجيا، وبكاء

ص:388

عظيما، ونساء بكثرة منشرات الشعور، مشققات الجيوب، مسودات الوجوه ورجالا بكثرة يندبون بالويل والثبور، والناس كافة في اضطراب شديد، وإذا بجنازة محمولة على أعناق الرجال وقد نشرت لها الاعلام والرايات، والناس من حولها أفواجا قد انسدت الطرق من الرجال والنساء قال زيد: فظننت أن المتوكل قد مات، فتقدمت إلى رجل منهم وقلت له:

من يكون هذا الميت؟ فقال: هذه جنازة جارية المتوكل وهي جارية سوداء حبشية وكان اسمها ريحانة، وكان يحبها حبا شديدا، ثم إنهم عملوا لها شأنا عظيما ودفنوها في قبر جديد، وفرشوا فيه الورد والرياحين، والمسك والعنبر وبنوا عليها قبة عالية فلما نظر زيد إلى ذلك ازدادت أشجانه، وتصاعدت نيرانه وجعل يلطم وجهه ويمزق أطماره، ويحثي التراب على رأسه، وهو يقول: واويلاه وا أسفاه عليك يا حسين أتقتل بالطف غريبا وحيدا ظمآنا شهيدا، وتسبى نساؤك وبناتك وعيالك، وتذبح أطفالك، ولم يبك عليك أحد من الناس، وتدفن بغير غسل ولا كفن، ويحرث بعد ذلك قبرك ليطفؤا نورك وأنت ابن علي المرتضى، وابن فاطمة الزهراء، ويكون هذا الشأن العظيم لموت جارية سوداء، ولم يكن الحزن والبكاء لابن محمد المصطفى قال: ولم يزل يبكي وينوح حتى غشي عليه والناس كافة ينظرون إليه فمنهم من رق له، ومنهم من جنى عليه، فلما أفاق من غشوته أنشد يقول:

أيحرث بالطف قبر الحسين *** ويعمر قبر بني الزانية

لعل الزمان بهم قد يعود *** ويأتي بدولتهم ثانية

ألا لعن الله أهل الفساد *** ومن يأمن الدنية الفانية

ص:389

قال: إن زيدا كتب هذه الأبيات في ورقة وسلمها لبعض حجاب المتوكل قال: فلما قرأها اشتد غيظه وأمر باحضاره، فأحضر وجرى بينه وبينه من الوعظ والتوبيخ ما أغاظه حتى أمر بقتله، فلما مثل بين يديه سأله عن أبي تراب من هو؟

استحقارا له، فقال: والله إنك عارف به، وبفضله وشرفه، وحسبه، ونسبه، فوالله ما يجحد فضله إلا كل كافر مرتاب، ولا يبغضه إلا كل منافق كذاب، وشرع يعدد فضله ومناقبه حتى ذكر منها ما أغاظ المتوكل فأمر بحبسه فحبس فلما أسدل الظلام وهجع، جاء إلى المتوكل هاتف، ورفسه برجله وقال له: قم وأخرج زيدا من حبسه، وإلا أهلكك الله عاجلا، فقام هو بنفسه، وأخرج زيدا من حبسه، وخلع عليه خلعة سنية، وقال له: اطلب ما تريد قال: أريد عمارة قبر الحسين عليه السلام وأن لا يتعرض أحد لزواره فأمر له بذلك، فخرج من عنده فرحا مسرورا وجعل يدور في البلدان وهو يقول: من أراد زيارة الحسين عليه السلام فله الأمان طول الأزمان(1).

حقائق تاريخيّة مسلمة لدى المؤلّف

1- ان الامام الحسين لما شکئ العطش إنّما فعل ذلك لاتمام الحجّة

على اعدائه.

2- ان الامام الحسين لما هب لنجدة أخيه العباس بعد أن هو من فوق

فرسه وجده شهيداً.

3- لا صحّة ولا أساس تاریخي لما عرف به عرس القاسم أو خطوبته.

ص:390


1- بحار الأنوار: 45/ 403- 407، منتخب الطريحي: 2/ 341.

4- استشهد طفلان رضيعان في كربلاء في يوم عاشوراء علي الأصغر وعمره ستّة شهور وهو الذي حمله الامام وطلب له الماء والآخر عبدالله الرضيع الذي ولد يوم عاشوراء.

5- عندما استشهد الامام الحسين لم تنکسف الشمس وانما ثارت

عاصفة واعصار.

6- ان جیش ابن سعد لربما لم يقم باحراق جميع الخيام وإنّما عدداً منها

الارهاب آل البیت.

7- ان قدوم السبايا إلى كربلاء كان في الأربعين من السنة الأولى وهذا

مدعوم بأدلّة تاريخيّة قويّة.

8- ان قبر رقيّة هو في الشام من دون شكّ قيل ان عمرها يوم توفّيت ثلاث

سنين وقيل أربع سنین.

9- انه من المؤكّد بأن قبر السيّدة زينب الكبرى هو في الشام.

10- ان أسداً جاء إلى كربلاء لكنه وصل متأخّراً حيث قام جيش ابن زیاد

بجريمتهم(1) الوحشيّة (رضّ الجسد بسنابك الخيل).

ص:391


1- ان رض الجسد بسنابك الخيل حصل يوم الحادي عشر من المحرم (مدينة المعاجز: 4/ 70).

آخر الكلام

يارب الحسین، بحق الحسين، اشف صدر الحسين

بظهور الحجة

یا رب الحجة بحق الحجة اشف صدر الحجة بظهور

الحجة

یا رب المؤمنين بحق المؤمنين اشف صدر المؤمنين بظهور الحجة:

ص:392

المصادر

المصادر

1- الآثار الباقية، أبو ریحان البيروني، المتوفي 440 ه-، ط اروپا.

2- أبصار العين في أنصار الحسین، محمد السماوي، قرن 14، ط 1369 ش. قم.

3- أبو ریحان البیرونی، علی اکبر مهدي پور، ط 1360 ش، قم.

4- اثبات الوصية، علي بن حسين المسعودي، المتوفى 346 ه-، ط قم.

5- اثباة الهداة، الشيخ حر العاملي، المتوفى 1104 ه-. ط 1399 ه-، قم.

6- أجساد جاویدان، علی اکبر مهدي پور، ط 1377 ش، قم.

7- الاحتجاج للطبرسي، أبو منصور احمد بن علي الطبرسي، ط 1401 ه-،

بیروت.

8- احقاق الحق، القاضی نور الله الشوشتری، المستشهد 1109 ه-، ط قم.

9- اخبار الزينبيات، المنسوب الى العبيدلي النسّابة، المتوفی 277 ه-

ط 1401 ه-، قم.

10- الأخبار الطوال، أبو حنيفة الدينوري، المتوفی 282 ه، ط 1421 ه-،

بیروت.

11- الاختصاص، الشيخ المفيد، المتوفی 413 ه-، ط قم.

ص:393

12- أدب الطف، السيّد جواد شبّر، ط 1409 ه-، بیروت.

13- الارشاد للمفيد، المتوفّی 413 ه- ط 1431 ه-، قم.

14- أسد الغابة، أبو الحسن عزّالدين علي بن محمد، ابن الاثير، المتوفى 630

ه-، ط 1285 ه-، القاهرة.

15- اسرار الشهادة یا اکسیر العبادات، ملا آقا دربندي، المتوفّى 1286 ه-.

16- اسعاف الراغبين، محمد، ابن صبان المصري الشافعي، المتوفى 1406 ه-، حاشية نور الأبصار.

17- اشک رولن برلمیر کاروان، الشيخ جعفر الشوشتري، المتوفی 1303

ه-، ترجمة السيد محمد حسين الشهرستاني، المتوفی 1315 ه-، ط قم.

18- اصول الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، المتوفى 329 ه-، ط بيروت.

19- اعلام النساء، عمر رضا کحالة، ط 1404 ه-، بیروت.

20- اعلام الورى، أمين الاسلام الطبرسي، ط 1399 ه-، قم.

21- أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين العاملي، المتوفى 1371 ه-، بیروت.

22- أعيان النساء، محمد رضا حکیمی، ط 1403 ه، بیروت.

23- اقبال الأعمال، السيد ابن طاووس، المتوفى 664 ه- ط حجرية طهران.

24- الاسلام والحضارة العربية.

25- الاصابة، ابن حجر العسقلاني، المتوفی 852 ه-، ط 1835م، کلکته.

26- الأغاني، أبو الفرج علي بن حسين الاصفهاني، المتوقى 356، ه-، ط بيروت.

27- الامام الحسين، دکتر محمد بيومي مهران، ط القاهرة.

ص:394

28- الامام زین العابدین، دکتر محمد بيومي مهران ط القاهرة.

29- الامام زین العابدين، السيد عبدالرزاق المقرّم، المتوفی 1391 ه-،

ط 1374 ه-، النجف.

30- الامامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري، المتوفی 276 ه-، ط القاهرة.

31- أم البنين سيدة نساء العرب، السيد مهدي السويج، المتوفی 1423 ه-،

ط 1377 ش، قم.

32- الأهالي، للشيخ الصدوق، المتوفی 381 ه-، ط 1400 ه-، بیروت.

33- الأهالي، للشيخ الطوسي، المتوفى 460ه-، ط 1414 ه-، قم.

34- الأهالي، للشيخ المفيد، المتوفى 413 ه- ط 1403 ه-، قم.

35- امام حسین و یاران، (الامام الحسين وأنصاره).

36- أنساب الأشراف، أحمد بن يحيی بلاذري، المتوفی 279 ه-، ط 1420،

بيروت.

37- أنوار الشهادة، حسن یزدی الحائري، المتوفی 1279 ه-.

38- أنوار ولايت، الشيخ الرئيس کرمانی، ط 1358 ش، مشهد.

39- بانوی کربلاء، السيد رضا الصدر، ط 1336 ش، مشهد.

40- بحار الأنوار، المولی محمد باقر المجلسی، المتوفی 1110 ه-، ط بیروت.

41- البداية والنهاية، أبو الفداء، ابن کثیر، المتوفی 774 ه-، ط بيروت.

42- البد. والتاريخ، احمد بن سهل البلخی، المتوفی 322 ه-، ط 1899م، پاریس.

43- بطلة كربلاء، عایشة بنت الشاطئ، المتوفاة 1419 ه-، ط بيروت.

ص:395

44 - بلاغات النساء، ابن طيفور، المتوفی 280 ه-، ط 1420، بیروت.

45- بلاغة الامام علي بن الحسين، جعفر الحائری، ط 1374 ه-، النجف.

46- بیان الأئمة، محمد زين العابدین النجفي، ط 1383 ه-، قم.

47- پژوهشی پیرامون بارگاه حضرت زینب، محمد حسنين السابقی،

ترجمه عیسی سلیم پور اهری، ط 1378 ش، قم.

48- پیام آور عاشوراء، دکتر عطاء الله مهاجرانی، ط اطلاعات 1371 ش،

طهران.

49- پیرامون معرفت لمام، آية الله الشيخ لطف الله الصافي، ط 1402 ه-. طهران.

50- تاريخ أبي مخنف، لوط بن يحيى بن سعيد الأزدي، المتوفی 157 ه-،

ط 1419 ه-، بیروت.

51- تاریخ اصبهان، ابو نعیم الاصفهانی، المتوفى 430 ه-، ط بیروت.

52- تاريخ الأئمة، ابوبکر بن ابی الثلج البغدادي، المتوفی 325ه-، ط 1396 ه-.

قم.

53- تاریخ الاسلام، شمس الدین محمد بن احمد بن عثمان الذهبي، المتوفّى

748ه-، ط 1410 ه-، بیروت.

54- التاريخ الكبير، ابو عبدالله محمد بن اسماعيل البخاری، المتوفی 257 ه-،

ط بيروت.

55- تاریخ دمشق، ابن عساکر، متوئی 571 ه-، مجلد الامام الحسين، ط

1398 ه-، بيروت.

ص:396

56- تاريخ الطبري، ابو جعفر محمد بن جرير الطبري، المتوفی 310 ه-، ط

بيروت.

57- تاريخ القرماني، احمد بن يوسف، المتوفی 1019 ه-.

58- تأويل الآيات الظاهرة، السيد شرف الدین النجفي، القرن العاشر، ط

1409 ه-، قم.

59- تارب السلف، هند و شاه بن سنجر نخجوانی، المتوقى بعد 730 ه-، ط

1313 ش. طهران.

60- تحف العقول، حسین بن علی بن شعبه حرّانی، قرن الرابع، ط 1394 ه-،

بیروت.

61- تذکرة الخواص، سبط ابن جوزی، المتوفي 654ه-، ط 1383 ه-، النجف.

62- تذكرة الشهداء، حکیم امانت علی، ط هند.

63- تفسير البرهان، السيد هاشم البحراني، المتوفی 1109 ه-، ط ظهران.

64- التفسير المنسوب للامام الحسن العسکری، ط 1409 ه-، قم.

65- تفسير البيضاوي، عبدالله بن عمر البيضاوي، المتوقى 685 ه-، ط مصر.

66- تفسير الصافي، الفيض الكاشانی، المتوقى 1091 ه-، ط 1399 ه-،

بیروت.

67- تفسير الطبري، ابو جعفر محمد بن جرير الطبری، المتوقئ 310 ه-، ط 1323 ه-، بولاق.

68- تفسير العياشي، محمد بن مسعود بن عیاش سلمی، قرن سوم، ط 1380

ه-، طهران.

ص:397

69- تفسير القرطبي، محمد بن احمد الأنصاري، المتوفی 671 ه-، ط 1372

ه-، القاهرة.

70- تفسير القمي، ابوالحسن علی بن ابراهيم القمی، المتوقى بعد از 307 ه-،

ط 1404 ه-، قم.

71- تقويم المحسنين، الفيض الكاشاني، المتوفّى 1091 ه-، ط حجرية.

72- توضيع المقاصد، الشيخ البهائي، المتوفی 1031 ه-، ط مصر.

73- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسی، المتوفى 460 ه-، ط 1406 ه-، بيروت.

74- تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلانی، المتوفی 852 ه-، ط حیدر آباد.

75- الثاقب في المناقب، ابن حمزه، قرن السادس، ط 1412 ه-، قم.

76- ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، المتوفی 381 ه-، ط 1364 ش، قم.

77- جامع الأخبار، تاج الدین محمد بن محمد الشعيرى، القرن السادس، ط

النجف.

78- جامع الأخبار والاثار، السيد محمد باقر الأبطحی، ط 1411 ه-، قم.

79- جلاء العيون، المولی محمد باقر المجلسي، المتوفی 1110 ه-، ط النجف.

80- چهره درخشان قمر بني هاشم، علی ربانی خلخالی، ط 1417 قم.

81- الحاوي للفتاوي، جلال الدین سیوطی، المتوفی 911 ه-، ط بيروت.

82- حبیب السیر، خواند میر، المتوفی 430 ه-، ط 1357 ه-، بیروت.

83- حلية الأولياء، ابونعیم الاصفهاني، المتوئی 942 ه-، ط 1362 ش، طهران.

84- حياة الامام الحسين بن علي، باقر شريف القرشی، ط 1396 ه-،

ص:398

النجف.

85- حياة الامام زین العابدین، باقر شريف القرشی، ط 1409 ه-، النجف.

86- الخرائج والجرائح، قطب الدین راوندی، المتوفی 573 ه-، ط قم.

87- الخصائص الزينبية، السيد نور الدين الجزایری، ط 1341 ش، طهران.

88- الخصائص الکبری، جلال الدين السيوطي، المتوفی 911 ه-، ط 1405

ه-، بیروت.

89- خصال، الشيخ الصدوق، المتوفی 381 ه-، ط 1362 ش، قم.

90- خطط المقريزي، احمد بن علی بن عبدالقادر المقریزی، المتوفی 845 ه-، ط القاهرة.

91- دار السلام عراقي، محمود الميثمى العراقي، المتوقى 1306 ه-، ط

طهران.

92- داستانهای شگفت، السيد عبدالحسین دستغیب، المتوقى 1402 ه-، ط

1372 ش، قم.

93- الدر المنثور، جلال الدین السیوطی، المتوفی 911 ه-، ط 1413 ه-

القاهرة.

94- دفاع از حریم حق، استاد عمران علیزاده، ط 1404 ه-، قم.

95- دلائل الامامة، محمد بن جرير الطبري - الامامي - القرن الخامس، ط

1413 ه-، قم.

96- دلائل النبوة، ابونعیم الاصفهانی، المتوفی 430 ه، ط بیروت.

97- دمع السجوم، الشيخ عباس القمي، المتوفی 1359 ه-، ترجمه ابوالحسن

ص:399

شعرانی، المتوفى 1393 ه-، ط 1374 ه-، طهران.

98- الدمعة الساكبة، محمد باقر البهبهانی، المتوفی 1285 ه-.

99- دیوان کمپاني، آية الله حاج الشيخ حسين الاصفهانی، المتوفی 1361

ه-، ط 1378 ه-، طهران.

100- الذريعة، الشيخ آغا بزرگ الطهرانی، المتوفی 1389 ه-، ط بيروت.

101- ذريعة النجاة، میرزا رفیع گرمارودی، المتوفى حدود 1330 ه-، ط قم.

102- رجال الكشي، الشيخ الطوسی، المتوفى 460 ه-، ط 1348 ش، مشهد.

103- رسالة الحقوق، السيد حسن القپانچی، ط 1411 ه-، بیروت.

104- رمز المصيبة، السيد محمود دهسرخی، ط 1413 ه-، قم.

105- رموز الشهداء، الشيخ عباس القمي، المتوفى 1359 ه-، ترجمه محمد باقر

کمره ای، ط 1379 ه-، طهران.

106- روضة الشهداء، ملا حسين الكاشفی، المتوفی 910 ه-، ط 1333 ه- طهران.

107- روضة الواعظین، ابن فتال النيشابوری، ط حجرية 1303 ه-، طهران.

108- ریاحین الشريعة، الشيخ ذبیح الله المحلاتی، ط طهران.

109- رياض الأحزان، السيد اسماعيل مریدی، ط حجرية.

110- رياض القدس، صدر الدین محمد بن محمد حسن شعبانی قزوینی، ط

1351 ه-، طهران.

111- زندگانی حبیب بن مظاهر، الشيخ على نمازی، المتوئی 1405ه-، ط 1378 ه-، طهران.

ص:400

112- زندگانی کریمه اهل بیت، علی اکبر مهدی پور، ط 1377 ش، قم.

113- زينب الكبرى، الشيخ جعفر نقدی، المتوفی 1370 ه-، ط النجف.

114- زينب الكبرى من المهد إلى اللحد، السيد محمد کاظم قزوینی،

المتوفي 1415 ه-، ط بيروت.

115- زینب بنت الإمام أمير المؤمنین، علی محمد على الدخيل، ط 1399

ه-، بیروت.

116- زینب کبری، الشيخ جعفر النقدي، المتوفی 1370 ه-، ط 1411 ه-، قم.

117- سحاب رحمت، عباس اسماعیلی، ط 1377 قم.

118- سردار کربلاء، السيد عبدالرزاق مقرم، المتوفی 1391 ه-، ط 1411 ه-، قم.

119- سردلبران، آية الله حاج الشيخ مرتضی حائری، المتوفي 1406 ه-، ط قم.

120- سنن ابن ماجة، ابو عبدالله محمد بن یزید قزوینی، المتوفئ 275 ه-، ط

1359 ه-، بیروت.

121- سنن الترمذي، ابوعیسی محمد بن عيسى بن سوره، المتوفی 279 ه-، ط

بیروت.

122- سیاهپوشی در سوك ائمه نور، علی ابوالحسنی منذر، چاپ 1375 ش. قم.

123- السيدة زينب الكبرى، بطلة كربلاء.

124- السيدة سكينة، السيد عبدالرزاق المقرم، متوفی 1391 ه-، ط 1422 ه-،

بیروت.

125- سیراعلام النبلاء، شمس الدین محمد بن احمد الذهبي، المتوفی 748 ه-،

ص:401

ط بيروت.

126- سیرة ابن هشام، المتوفئ 213 ه-، ط بيروت.

127- شرح نهج البلاغه، ابن ابی الحدید، المتوفى 656 ه-، ط 1378 ه-،

القاهرة.

128- شهید کربلا، آية الله السيد تقی طباطبائي القمي، ط قم.

129- صحیح بخاري، ابوعبدالله محمد بن اسماعیل بن ابراهيم، المتوقى 256 ه-

ط مصر.

130- الصحيفة الثالثه، میرزا عبدالله افندی، ط 1364 ه-.

131- الصحيفة الثانية، الشيخ حر العاملی، المتوفی 104 ه-، ط 1311 ه-،

بومباي.

132- الصحيفة الخامسة، السيد محسن الأمين، المتوفی 1371 ه-.

133- الصحيفة الرابعة، المحدث النوری، المتوفی 1320 ه-، ط 1312 ه-.

حجرية، طهران.

134- صحيفة السادسة، الشيخ محمد صالح حائری مازندرانی، مخطوط .

135- الصحيفة السجادية، ادعية الامام السجاد *

136- الصواعق المحرقة، احمد بن حجر الهيثمي المکی، المتوفی 974 ه-، ط

1314 ه-، القاهرة.

137- العقد الفرید، احمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي، المتوفی 328 ه-، ط

بیروت.

138- علل الشرایع، الشيخ الصدوق، المتوئی 381، ه- ط 1385 ه-، النجف.

ص:402

139- على الاكبر، السيد عبدالرزاق المقرم، المتوقى 1391 ه-، ط 1368ه- النجف.

140- عمدة الطالب، ابن عنبه، المتوفی 828 ه-، ط 1362 ش، قم.

141- العوالم، الشيخ عبدالله البحرانی، تلمیذ علامه مجلسی ، ط 1409 ه-، قم.

142- عيون الأخبار، الشيخ صدوق، المتوفی 381 ه-، ط 1390 ه، النجف.

143- غاية المرام، السيد هاشم البحرانی، المتوفى 1091 ه-، ط 1422 ه-،

بیروت.

144- فرائد السمطین، ابراهیم بن محمد بن مؤيد الجوینی، المتوفى 730 ه-، ط

1398 ه-، بیروت.

145- فرسان الهيجاء، الشيخ ذبیح الله المحلاتی، ط 1390 ه-، طهران.

146- فروع کافي، محمد بن یعقوب کلینی، المتوفى 329 ه-، ط بیروت.

147- فرهنگ معین، دکتر محمد معین، المتوفی 1350 ش، ط 1360 ش،

طهران.

148- الفصول المهمة، ابن صباغ المالكي، المتوفی 855 ه-، ط النجف.

149 - فضائل الخمسة، السيد مرتضى الفيروز آبادی، ط 1392 ه، قم.

150- فضائل شاذان بن جبرئیل، المتوفى 660 ه، ط 1381 ه، قم.

151- فقه الرضا، المنسوب إلى الامام الرضا، ط 1406 ه، قم.

152- فهرست ابن النديم، محمد بن اسحاق النديم، المتوفی 380 ه، ط

طهران.

153- في رحاب السيدة زينب، السيد محمد بحر العلوم ، ط 1395 ه، بیروت.

ص:403

154- قاموس الرجال، محمد تقي الشوشتری، المتوفی 1415 ه، ط 1401 ه، قم.

155- قاموس الكتاب المقدس، مسترهاکس آمریکي، ط 1928م، بیروت.

156- القمقام الزخار، فرهاد میرزا، المتوفی 1305 ه، ط 1379 ش.

157- الكامل، ابن اثير الشيباني، المتوفی 630 ه، ط بیروت.

158- کامل الزیارات، ابوالقاسم جعفر بن محمد بن قولویه، المتوفی 367، ط

النجف.

159- الكامل البهائي، عماد الدین الحسن بن على الطبری، قرن هفتم، ط

طهران.

160- الكبريت الأحمر، محمد باقر البيرجندی، قرن 14، ط حجرية.

161- کرامامت معصومية، علی اکبر مهدی پور، ط 1420 ه، قم.

162- کشف الغمة، علی بن عیسی الاربلی، المتوفی 693 ه، ط بیروت.

163- کشکول الشيخ بهائي، المتوفی 1031 ه، ط حجرية 1305 ه.

164- كفاية الأثر، علی بن محمد بن علی خراز، قرن چهارم، ط 1401 ه.

165- كلمة السيدة زينب، السيد حسن الشيرازی، المستشهد 1400 ه، ط

1420 ه، بیروت.

166- کمال الدين، الشيخ الصدوق، المتوفی381، ط 1359 ش، طهران.

167- الكنز الخفي، الشيخ عبدالنبي الأراکی، ط 1371 ه، طهران.

168- کنز الدقائق، محمدرضا المشهدی، قرن الثاني عشر، ط 1410 ه.

طهران.

ص:404

169- کنز العمال، المتقي الهندي، المتوفى 975 ه، ط 1399 بیروت.

170- الكواكب الدرية، عبد الرؤوف المناوي، المتوفی 1031 ه، ط القاهرة.

171- گلستان معارف، غلامرضا اسدی مقدم، ط 1374 ش، قم.

172- گنجينه گهر، الشيخ الرئيس کرمانی، ط 1367 ش، مشهد.

173- لسان العرب، ابن منظور، المتوفی 711 ه، ط 1408 ه-، بیروت.

174- موسوعة دهخدا، علی اکبر دهخدا، المتوفی 1334 ش، ط طهران.

175- لغة العرب، انستاس مارى الكرملي، ط 1911 م، بغداد.

176- لمعات حسيني، سعدی زمان، ط 1336 ش، تبریز.

177- لوائع الأشجان، السيد محسن الأمين العاملي، المتوفی 1371 ه-، ط

1331 ه، صیدا.

178- اللهوف، السيد ابن طاووس، المتوفى 664 ه، ط 1377 ش، قم.

179- مبعوف الحسین، محمد علی عابدین، ط 1408 ه، قم.

180- مثير الأحزان، ابن نما، المتوفى 645 ه، ط 1406 ه، قم.

181- مجالس المواعظ، الشيخ جعفر الشوشتری، المتوفی 1303 ه، ط 1370 ش، طهران.

182- مجلة الغري، ط 1371 ه-، النجف اشرف.

183- مجمع البحرین، فخر الدين الطريحي، المتوفی 1085 ه، ط 1365 ش،

طهران.

184- مجمع البیان، ابو على الفضل بن حسن الطبرسی، المتوفی 548 ه،ط

1370 ه، طهران.

ص:405

185- مجمع الزوائد، ابن حجر الهيثمي، المتوفی 807 ه، ط 1353 ه، القاهرة.

186- مجموعه، یادداشت های حاج الشيخ مرتضی حائری، سر دلبران.

187- المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني، المتوفى 1091 ه، ط طهران.

188 -مختصر نبي الفداء، عماد الدين اسماعيل ، المتوفی 732ه، ط بیروت.

189 -مختصر تاریخ دمشق، محمد بن مکرم، ابن منظور، المتوفی 711 ه، ط

1408 ه، بيروت.

190- مدينة المعاجز، السيد هاشم البحراني، المتوفی 1109ه، ط 1416 ه، حیدر اباد.

191- مرآه الجنان، عبدالله بن اسعد اليافعي اليمني، المتوفی 768 ه، ط 1337 ھ، حیدرآباد.

192- المرأة العظيمة، حسن الصقار، ط 1414 ه، بیروت.

193- مرقد العقيلة، محمد حسنین سابقی، ط 1399 ه، بیروت.

194- مروج الذهب، علی بن حسين المسعودی، المتوفی 346، ط القاهرة.

195- المزار الکبیر، محمد بن جعفر مشهدی، قرن السادس، ط 1419 ه، قم.

196- المستجاد، العلامة الحلي، المتوقى 726 ه، ط 1396 ه، قم.

197- مستدرکات علم رجال الحديد، الشيخ على نمازی، المتوفی 1405

ه، ط 1412 ه، طهران.

198- المستدرک للحاکم، ابو عبدالله محمد بن عبدالله النيسابوری، المتوقى

405 ه، ط 1324 ه، حیدرآباد دکن.

199- مستدرك وسائل الشيعة، میرزا حسین النوری، المتوفی 1320 ه، ط

ص:406

1407 ه، قم.

200- مسند أحمد، احمد بن حنبل، المتوفی 241 ه، ط 1313 ه، القاهرة.

201- مصباح الزائر، السيد ابن طاووس، المتوفى 664 ه، ط طهران.

202- مصباح المتهجد، الشيخ الطوسی، المتوفى 460 ه، ط 1411 ه، قم.

203- مصباح کفعمي، الشيخ ابراهيم الكفعمي، المتوفى حدود 900 ه، ط طهران.

204- مطالب السؤول، کمال الدین محمد بن طلحه الشافعي، المتوفی 652 ه،

ط القاهرة.

205- معالي السبطين، الشيخ محمد مهدی المازندرانی الحائري، ط 1380 ه تبریز.

206- معجم البلدان، ياقوت الحموي، ط 1399 ه، بیروت.

207- المغازي، محمد بن عمر واقدی، المتوفی 207 ه، ط 1409 ه، بیروت.

208- مقاتل الطالبيين، ابوالفرج علی بن حسين الاصفهانی، المتوفی 356 ه،

ط القاهرة.

209- مقتل الحسین، ابو مخنف، لوط بن يحيى بن سعيد الازدی، المتوفى

157 ه-، ط 1363 ش، قم.

210- مقتل الحسین، اخطب خوارزم، المتوفی 568 ه، ط قم.

211 -مقتل الحسين، السيد عبدالرزاق مقرم، المتوفى 1391 ه، ط 1411 ه،

قم.

212- مكارم الأخلاق، حسن بن امین الاسلام الطبرسی، القرن السادس، ط

ص:407

بیروت.

213- المناقب، ابن شهر آشوب، المتوفئ 588 ه، ط بیروت.

214- منتخب التواریخ، ملاهاشم القزوینی، المتوفی 1352 ه، ط 1330 ه

اصفهان.

215- منتخب الطريحي، فخرالدین الطريحي النجفي ، المتوفئ 1085 ه، ط

1368 ش، قم.

216- منتهى الآمال، الشيخ عباس القمي، المتوفی 1359 ه، ط 1379 ه

طهران.

217- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، المتوفی 381 ه، ط 1405 ه.

218- موجزتواریخ اهل البيت، العلامة الشيخ محمد طاهر السماوی.

219- موسوعة العتبات المقدسة، جعفر خلیلی، ط 1407 ه، بیروت.

220- موسوعة كلمات الامام الحسين، مؤسسة باقرالعلوم، ط 1407 ه، قم.

221- مهيج الأحزن، السيد عبدالله الشبر، المتوفی 1242 ه، ط حجرية.

222- ناسخ التواریخ، میرزا محمد تقی خان سپهر، المتوفی 1297 ه - مجلد

الامام الكاظم- ط حجرية.

223- نخل میثم، شاعر معاصر سازگار، ط طهران.

224- النزاع والتخاصم، احمد بن علی بن عبدالقادر المقریزی، المتوفی 845 ه، ط القاهرة.

225- نفس المهموم، الشيخ عباس القمي، المتوفی 1359 ه، ط 1412 ه،

بيروت.

ص:408

226- نور الأبصار، الشبلنجی، المتوقى بعد از 1308 ه، ط 1418 ه، بیروت.

227- نور الثقلین، الشيخ عبد على بن جمعه الحویزی، المتوفی 1112 ه، ط

1383 ه، قم.

228- نهضة الحسين، السيد هبة الدين الشهرستانی، ط 1975 م، النجف.

229- وسائل الشيعة، الشيخ حر العاملي، محمد بن الحسن بن الحر، المتوفى

1104 ه، ط بيروت.

230- وفيات الأعيان، ابن خلکان، المتوفى 681 ه، ط بیروت.

231- وقایع الشهور والأيام، محمد باقر البيرجندی، قرن 14، ط طهران.

232- وقعة صفين، نصر بن مزاحم المنقري، المتوفئ 212 ھ ط 1382 ه القاهرة.

233- ينابيع المودة، سليمان بن ابراهيم القندوزي، المتوفی 294 ه، ط قم.

ص:409

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.