الثَّقَافَةُ المَهدَوِيَّة دُرُوسُ مَنهَجِيَّة

اشارة

الثَّقَافَةُ المَهدَوِيَّة

دُرُوسُ مَنهَجِيَّة

تَألِيفُ

السَّيِّد رياضُ الحَكِيم

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

دِيوَانِ الوَقفِ الشِّيعِي

ص: 1

اشارة

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

اسم الكتاب: .......الثَّقَافَةُ المَهدَوِيَّة دُرُوسُ مَنهَجِيَّة

المؤلّف: ......... السيد رياض الحكيم

تقديم: .......... مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

رقم الإصدار: ....... 197

الطبعة : ......... الأولي - 1440 ه

عدد النسخ: ......3000

****

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للمركز

النجف الأشرف - شارع السور - قرب جبل الحويش

هاتف: 07816787226

www.m-mahdi.com

info@m-mahdi.com

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المركز:

الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام علي خير خلقه وأفضل بريّته محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:

إن توسع الثقافة المهدوية واختلاف منابعها كان باعثاً علي القلق من صفاء وصحة المعلومة المهدوية عند المتلقي، هذا من جهة، ومن جهة أخري فإن المعلومة المهدوية منتش-رة بشكل عشوائي لم يرعَ فيها المنهج العلمي الأكاديمي في الطرح وترتيب المعلومات بشكل متسلسل من الناحية الزمنية والعلمية، لذا فكان لابد من الاهتمام بتأليف منهج تدريس-ي يتدرج مع الطالب في تلقّيه للمعلومة المهدوية مراعياً الأولويات وتاركاً الفضول، لأن فقدان المنهج يسبب ضبابية المعلومة المهدوية، ومن ثم ضياع المسيرة العلمية للقارئ والدارس، ومن هنا كان لابد من توفير المنهج المهدوي والحرص الشديد علي أن يكون متناغماً مع المعطي التراثي (القرآن الكريم والعترة (عليهم السلام)) حتي يخلق إنساناً منتظراً علي بصيرة من أمره، ليكون عاملاً في بناء المجتمع المهدوي والنواة

ص: 3

الأولي والقاعدة الأساس لتشكيل جيل من المنتظرين الواعين لمسؤولياتهم الفردية والاجتماعية.

فكان أن عرض المركز الفكرة علي سماحة آية الله السيد رياض الحكيم فوجد تقبلاً بل تفاعلاً وإدراكاً من سماحته بض-رورة أمثال هذه الخطوات المهمة في المسيرة المهدوية، بعد أن حاول البعض وعلي مدار التاريخ تشويه صورتها وسوء الاستفادة منها.

ويمتاز هذا المنهج بنقاط مهمة، منها:

أولاً: يمتاز بكونه أصيلاً نابعاً من ثقافة الأمة وأصالتها.

وثانياً: يمتاز كذلك من الناحية العلمية بعمق المعلومة ورصانتها، ومن الناحية الفنية والأدبية بسهولة تقديمه من جهة واستيعابه من جهة أخري.

وثالثاً: الاقتصار علي أهم المسائل في العقيدة المهدوية تاركاً بحوثاً أخري مهمة لمراحل دراسية متقدمة.

لذا فالمركز إذ يقدّم هذا المنهج المهدوي الدراسي لأبناء الأمة آملاً أن يحظي بالاهتمام الكافي في أروقة الحوزة والجامعات لتدريسه كمنهج ضروري يغطي حاجة معرفية ماسة في المجتمع.

ونسأله تعالي أن يمنّ علي سماحة المؤلف بمزيد من العطاء والخدمة وأن يجعلنا وإياه من أنصاره وأعوانه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) ويكحل أعيننا بالنظر إلي طلعته المباركة، إنه سميع مجيب.

مدير المركز

السيِّد محمّد القبانچي

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤلف:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عليٰ محمد وآله الطيبين الطاهرين.

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: 105).

تواترت النصوص الش-رعية بخصوص القضية المهدوية والتزم بها المسلمون عامة، وخاصة أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) التي يعتبرونها من ركائزهم العقائدية إلّا أن إفرازات بُعدها الغيبي وانعدام النصوص المعتبرة في الكثير من تفاصيلها أوجبت حدوث بعض الإرباك وانعدام المنهجية العلمية في التثقيف العام بها فضلاً عن استغلال بعض المنحرفين والأدعياء وضعاف النفوس لها لتمرير مآربهم المشبوهة مما أوجب نحواً من الغموض والإبهام في الذهنية العامة تجاهها، وقد عزمت منذ فترة طويلة عليٰ تأليف كتاب علمي منهجي يتناول هذا الموضوع الهام والحساس بمختلف جوانبه، ينتفع به طلبة العلوم الإسلامية والمبلّغون والمهتمون بذلك، إلّا أن تراكم المشاغل وتعقيدات

ص: 5

الظروف العامة حالت دون تحقيق ذلك، وقبل فترة وجيزة شدّ من عزيمتي جناب العلامة السيد محمد القبانجي (وفقه الله تعاليٰ) الذي يدير مركزاً للدراسات المهدوية في النجف الأشرف، فتوكّلت عليٰ الله تعاليٰ لإنجازه، معتمداً في ذلك عليٰ النصوص والحجج المعتبرة، ولا أذكر غيرها إلّا لمجرّد التأييد أو الاستشهاد في غير ما يرتبط بالبُعد العقائدي، آملاً أن يكون خالصاً لوجه الله تعاليٰ وأن يتقبله بقبول حسن ويعمّ به النفع، ويجعله صدقة جارية نافعة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتيٰ الله بقلب سليم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

رياض الحكيم - 1438ه-

ص: 6

ملاحظة:

تم الاعتماد في هذا الكتاب عليٰ النصوص الجامعة لش-روط الحجية، ولا يذكر غيرها إلّا للتأييد أو في الموارد التي ليس لها بُعد عقائدي، كما تم التقيّد في توصيف الروايات بالمصطلح السائد في العصور المتأخرة في علمي (الدراية والرجال)، وعليٰ النحو التالي:

1 - (الرواية الصحيحة): هي التي كلّ أفراد سندها من الإمامية المنصوص عليٰ وثاقتهم.

2 - (الرواية الموثقة): هي التي كل أفراد سندها منصوص عليٰ وثاقتهم وفيهم مَن هو غير إمامي.

3 - (الرواية المعتبرة): هي التي كل أفراد سندها معتمدون في النقل، ولو لمدح بعضهم مدحاً يوجب الاعتماد المذكور، وقد يطلق عليها أيضاً (الرواية الحسنة)((1)).

4 - ما عدا الروايات المذكورة فوق قد تكون معتبرة لديٰ كثير من العلماء أو لديٰ المؤلف، ولكن حيث لا تنطبق عليها الضوابط السابقة فلم يتم وصفها بما سبق، بل يعبّر عنها (رواية فلان).

ص: 7


1- انظر: مقباس الهداية: 1/145و160و168؛ وأصول الحديث وأحكامه: 48.

ص: 8

التعريف بالكتاب ومحتوياته

يتضمن هذا الكتاب تمهيداً وثلاثة أبواب وخاتمة:

التمهيد: يتناول - بإيجاز - معنيٰ الدّين والإسلام

الباب الأول: المهدوية في الأديان السماوية

الباب الثاني: الغَيبتان (الصغريٰ والكبريٰ)

الباب الثالث: الانحراف في القضية المهدوية

الخاتمة: الجمهور والثقافة المهدوية

وتشتمل هذه الأبواب والخاتمة عليٰ فصول وبحوث مناسبة لها.

ص: 9

ص: 10

الدرس الأول

تمهيد:

اشارة

يتضمن الإشارة إليٰ أمرين:

1 - الدين وحقيقته.

2 - الدين الإسلامي مقوماته وتعاليمه.

1 - الدين وحقيقته:

اشارة

ونتعرض هنا إليٰ المعنيٰ اللغوي والمعنيٰ الاصلاحي.

أولاً: المعنيٰ اللغوي:

قال ابن فارس: (الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذل، فالدّين: الطاعة، يقال: دان له يدين ديناً إذا انسحب وانقاد وطاع، وقومٌ دين: أي مطيعون منقادون)((1)).

وإليه يرجع المعنيٰ العرفي للدين، بمعنيٰ العقيدة أو الالتزام في مثل قول القائل: أدين بكذا، أي التزم به، باعتبار أنّ الالتزام والاعتقاد بشيء يستلزم الخضوع والانقياد له.

ص: 11


1- معجم مقاييس اللغة: 353.
ثانياً: المعنيٰ الاصطلاحي:

والمراد منه هنا المصطلح العرفي العام الشائع في المجتمعات، وليس اصطلاحاً خاصاً بعلم أو جماعة خاصة.

وقد اختلفت التعاريف المذكورة للدين تبعاً لرؤيٰ أصحابها، وقد جاء في تعريف بعض الباحثين أن الدّين (مجموعة من الأفكار والعقائد التي توضح حسب أفكار معتنقيها الغاية من الحياة والكون)((1)).

ولكنّ هذا التعريف غير دقيق، لأنه يشمل التحليل الفلسفي للكون من جانب غير المؤمنين بالأديان، مع أنه لا يعتبر ديناً في العرف العام، بل ينفي بعض الفلاسفة صراحةً اعترافه وانتماءه لأي دين.

وربما الأرجح تعريفه بأنه: (رؤية كونية تبتني عليٰ وجود قوّة مدرِكة وقاهرة لعالَم التكوين) مع غض النظر عن خصوصية وطبيعة هذه القوة.

فإنّ كل دين يبتني عليٰ الاعتقاد بذلك، بخلاف بعض الفلسفات التي لا تؤمن بذلك فإنها لا تعتبر ديناً.

وعادةً لا تقتص-ر الأديان عليٰ الجانب العقائدي المجرّد، بل تتضمن ثلاثة أمور:

1 - المعتقدات.

2 - القيم الأخلاقية.

3 - التشريعات.

ص: 12


1- الموسوعة الحرة ويكيبيديا.

وتختلف مساحة كل واحد من هذه الأمور الثلاثة في الأديان بحسب خصوصية كل دين، كما تختلف الأديان اختلافاً شاسعاً في مضامينها ومتبنّياتها، ويمكن تصنيفها إليٰ أصناف شتّيٰ، إلّا أن التصنيف الشائع لها هو تقسيمها إليٰ الأديان السماوية والأديان غير السماوية.

والمقصود من الأديان السماوية: هي التي مصدرها الإله الواحد الخالق للكون - وإن تغيرت لاحقاً أو ضاعت بعض تعاليمها - والمعروف منها الدين اليهودي، والدين المسيحي، والدين الإسلامي، ويلحق بها البعض الدين المجوسي((1))، وكذلك الدين الصابئي عند آخرين((2)).

2 - الإسلام:

اشارة

المعنيٰ اللغوي: قال ابن فارس: (الإسلام، هو الانقياد، لأنه يسلم من الإباء والامتناع)((3)).

وفي الاصطلاح: هو الدين الإلهي الذي جاء به النبي محمد(صلي الله عليه و آله) وهو آخر الأديان السماوية.

ص: 13


1- انظر: التنقيح في شرح العروة الوثقيٰ: 1/52.
2- انظر: منهاج الصالحين للخوئي: 1/361.
3- معجم مقاييس اللغة: 365.
وأركانه ثلاثة:

1 - التوحيد: وهو الاعتقاد بوجود الإله الواحد الخالق لعالم التكوين وأنه واحد لا شريك له ﴿اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ (البقرة: 255/آل عمران: 2).

2 - النبوة: وهو الاعتقاد بنبوة النبي محمد بن عبد الله(صلي الله عليه و آله) وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين.

3 - المعاد: وهو الاعتقاد بإعادة خلق البش-ر في حياة أُخريٰ وحسابهم يوم القيامة، عليٰ مواقفهم وأعمالهم في الحياة الدنيا.

كما توجد ضرورات دينية - عقائدية وفقهية - تسالم عليها المسلمون اعتماداً عليٰ أدلة وبراهين ثابتة لا مجال للتشكيك فيها، ومن ضمن هذه الض-رورات (القضية المهدوية) وهي الاعتقاد ب-(ظهور المهدي المنتظر) كما يتضح في مباحث هذا الكتاب.

الباب الأول: المهدوية في الأديان السماوية

إن الإيمان بالمهدي والمصلح الموعود لا يقتص-ر عليٰ دين معين، بل يعتبر من ضمن تعاليم ومعتقدات العديد من الأديان الأخريٰ، ونتعرض هنا إليٰ ما تضمّنته تعاليم الأديان السماوية الثلاثة - اليهودية والمسيحية والإسلامية - بهذا الخصوص من خلال رصد نصوصٍ محددّة

ص: 14

في الكتب المقدسة لديٰ أتباع هذه الديانات ظاهرة في التبشير بالمهدي والمصلح الموعود وتطبيق العدالة في أنحاء المعمورة وسوف نتعرض لذلك في ضمن فصلين:

ص: 15

الدرس الثاني

الفصل الأول: المهدوية عند اليهود والمسيحيين

1 - المهدوية عند اليهود:

تضمنت عدة نصوص دينية يهودية التبشير بالمهدي الموعود، منها:

أ - ما جاء في العهد القديم: (كانت كلمة الرب عن يدحَجَّيْ النبي قائلاً: حسب الكلام الذي عاهدتكم به عند خروجكم من مص-ر وروحي قائم في وسطكم: لا تخافوا، لأنه قال هكذا رب الجنود: هي مُرّةٌ بعد قليل فأُزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة، وأُزلزل كلَّ الأُمم، ويأتي مُشتهيٰ كلِّ الأُمم، فأملأُ هذا البيتَ مجداً قال ربُّ الجنود لي الفضةُ والذهبُ، يقول ربُّ الجنود مجدُ هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول قال ربُّ الجنود، وفي هذا المكان أُعطي السلام يقول ربُّ الجنود)((1)).

ب - (ويخرج قضيب من جذع (يسّيٰ) وينبت غصن من أصوله ويَحِلّ عليه روحُ الربّ روحُ الحكمة والفهم، روحُ المشورة والقوّة، روح

ص: 16


1- الكتاب المقدس: حَجَّي، الإصحاح الثاني: 1338.

المعرفةِ ومخافةِ الربّ. ولذّتُه تكون في مخافة الربّ فلا يقض-ي بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه، بل يقض-ي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائس-ي الأرض ويض-رب الأرض بقضيب فمِه ويُميت المنافقَ بنفخةِ شفتيه، ويكون البِّر منطقةَ متنيه والأمانةُ منطقةَ حقويه فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي...)((1)).

ج- - وفي مزامير داوود: (... لتفرحِ السماوات ولتبتهجِ الأرض، ليعجّ البحر وملؤه، ليجذل الحقل وكل ما فيه، لِتترنّمْ حينئذٍ كل أشجار الوعر أمام الرب، لأنه جاء، جاء ليُدينَ الأرض، يُدينَ المسكونة بالعدل والشعوب بأمانته.

الربُّ قد ملك، فلتبتهجِ الأرض، ولتفرحِ الجزائر الكثيرةُ السحاب والضباب حوله، العدلُ والحقُّ قاعدة كرسيه).

وهذا النص الأخير وإن لم يتضمن الوعد بظهور مصلح محدّد من البش-ر، إلّا أنه يتضمن سيادة العدل والفضيلة والبركة في الحياة، والذي هو من ضمن ما يعتقده المسلمون أيضاً.

د - ينتظر اليهود (مسيّا) و(هو إنسان مثالي من نسل الملك داوود (النبي داوود في الإسلام) يبشِّ-ر بنهاية التاريخ، ويخلص الشعب اليهودي من ويلاته، والأحداث المتوقعة عند وصول (الماشيح) حسب الإيمان اليهودي تشابه أحداثَ يوم القيامة في الإسلام والمسيحية)((2)).

ص: 17


1- الكتاب المقدس: اشعياء: الإصحاح الحادي عشر: 1005.
2- ويكيبيديا الموسوعة الحرة.

2 - المهدوية عند المسيحيين:

من ثوابت عقيدة المسيحيين انتظار ظهور عيسيٰ (عليه السلام)، وقد أشارت إليها عدّة نصوص في الأناجيل، منها:

أ - إنجيل لوقا: كونوا عليٰ استعداد، أوساطُكم مشدودة ومصابيحُكم موقَدة كرجالٍ ينتظرون رجوعَ سيّدهم من العرس.. فكونوا إذاً عليٰ استعداد، لأنّ ابن الإنسان يجيء في ساعةٍ لا تنتظرونها((1)).

ب - إنجيل مرقس: فإذا قال لكم أحد: (ها هو المسيح هنا أو ها هو هناك فلا تصدّقوه، فسيظهر مُسَحاء دجّالون وأنبياء كذّابون يعمَلون آياتٍ ومعجزاتٍ، ولو أمكنهم لضلّلوا الذين اختارهم الله، فكونوا عليٰ حذر... وفي تلك الأيام، بعد زمن الضيق تُظلم الشمس ولا يُض-يء القمر، وتتساقط النجوم من السماء وتتزعزع قواتُ السماء، وفي ذلك الحين يريٰ الناس ابنَ الإنسان آتياً في السّحاب بكلّ عزة وجلال، فيُرسل ملائكته إليٰ جهات الرياح الأربع ليَجمعوا مختاريه من أقص-يٰ الأرض إليٰ أقصيٰ السماء)((2)).

ج- - إنجيل يوحنا: قلت لكم: أنا ذاهب وسأرجع إليكم، فإن كنتم تحبّوني فرحتم بأني ذاهب إليٰ الأب، لأنّ الأب أعظمُ مني... لن أخاطبَكم بعدُ طويلاً، لأنّ سيّد هذا العالم سيجيء، لا سلطانَ له عليّ.

ص: 18


1- العهد الجديد: لوقا: 12/207.
2- العهد الجديد: مرقس: 13/139.

فقال لهم: (تتساءلون عن معنيٰ قولي: بعد قليل لا ترونني، ثم بعد قليل ترونني الحقَّ الحقَّ أقول لكم: ستبكون وتندبون، وأمّا العالم فسيفرح. ستحزنون، ولكنّ حزنَكم يصير فرحاً... أنتم تحزنون الآن ولكني سأعود فأراكم، فتفرح قلوبكم فرحاً لا ينتزعه أحد منكم)((1)).

الخلاصة:

1 - إن انتظار المخلّص (المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف)) من التعاليم المشتركة للأديان السماوية، وإن اختلفوا في تحديد هويته وبعض خصوصياته وشمائله.

2 - تضمّنت عدة نصوص في العهدين القديم والجديد التص-ريح أو الإشارة إليٰ ظهور المصلح وانتظار البشرية له.

الفصل الثاني: المهدوية في الإسلام

اشارة

تسالم المسلمون - عموماً - عليٰ الاعتقاد بخروج المهدي وانتظاره، وإن اختلفوا في بعض الخصوصيات والتفاصيل المرتبطة بذلك، كما سيأتي.

وقبل ذلك نشير إليٰ موقف المسلمين من الإمامة والخلافة واختلافهم فيها.

ص: 19


1- المصدر: يوحنا: 16/303 و307.

اختلاف المسلمين في الإمامة:

من المؤسف أن المسلمين قد اختلفوا اختلافاً شديداً منذ وفاة نبيهم (صلي الله عليه و آله) بل قبل ذلك في تعيين إمامهم وخليفته من بعده (صلي الله عليه و آله)، وقد تنبّأ النبي (صلي الله عليه و آله) بذلك وحذّرهم منه مراراً كان آخرها في ساعات وفاته الأخيرة، حتيٰ إنه أراد أن يكتب لهم كتاباً يكون وثيقة تحول دون اختلافهم وضلالهم.

فقد رويٰ البخاري بسنده عن عبد الله بن عباس قال: لما حُض-ِر رسول الله (صلي الله عليه و آله) - وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب - قال النبي(صلي الله عليه و آله): «هَلمّ اكتبْ لكم كتاباً لا تضلّوا بعده». فقال عمر: إنّ النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت - والمقصود منه هنا الذين كانوا حاضرين في الغرفة - فاختصموا، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «قوموا». قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كلَّ الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافِهم ولغَطِهم((1)).

وفي صحيح مسلم أنهم قالوا: (إن رسول الله يهجر)((2)).

ص: 20


1- انظر: الجامع الصحيح: 4/29.
2- صحيح مسلم: 11/95.

ويمكن أن نتعرف عليٰ ملامح مضمون وصية النبي (صلي الله عليه و آله) الذي أراد أن يوصي به الأمة من خلال خمسة شواهد وقرائن تضمّنتها الروايات المذكورة، وهي:

الأول: أن الأثر البارز والمهم لمضمون الوصية أنه يحفظ الأمة ويصونها من الضلال بعد وفاة النبي (صلي الله عليه و آله)، وهو الآفة التي واجهت أمماً أخريٰ بعد رحيل أنبيائها عنها.

الثاني: أن هذا المضمون قصير ومحدّد وواضح، وليس هو تعاليم أو توصيات عامة مفصَّلة، لأن ظرف النبي (صلي الله عليه و آله) الصحي الحرج لم يكن يسمح بذلك، كما أن الكتف الذي طلبه (صلي الله عليه و آله) - الذي تضمنته كثير من مصادر الحديث - لا تناسب كتابة مضامين وتعاليم مفصَّلة، قال ابن منظور: (الكَتِف والكِتْف... عظم عريض خلف المنكب... وفي الحديث «ائتوني بكتِف ودواة أكتب لكم كتاباً...» كانوا يكتبون فيه لقلّة القراطيس عندهم)((1)).

الثالث: ليس من المعقول أن يكون مضمون الوصية حكماً عاماً أو مفهوماً نظرياً صرفاً، لأن المفهوم النظري الص-رف لا يحفظ الأمة من الضلال، كما لم يحفظ الأمم السابقة منه، ولكون المفاهيم والتعاليم النظرية والأحكام قد بُيِّنَت في القرآن الكريم ومن النبي (صلي الله عليه و آله) نفسه، ولذلك قال تعاليٰ: ﴿إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ (الإسراء: 9) وقال الله تعاليٰ: ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ

ص: 21


1- لسان العرب: 12/27.

فَانْتَهُوا﴾ (الحش-ر: 7)، وقد أكد القرآن الكريم نفسه اكتمال معالم هذا الدين وتعاليمه وأحكامه سابقاً بقوله تعاليٰ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً﴾ (المائدة: 3).

الرابع: أن هناك توقعاً من بعض الحاضرين لمضمون الوصية باعتبار صدور ما يشبهه من النبي (صلي الله عليه و آله) سابقاً، وأنه (صلي الله عليه و آله) كان يروم كتابة ما قاله أمام المسلمين مشافهةً قبل فوات الأوان، ليتحوّل إليٰ وثيقة مكتوبة يصعب تجاوزها والالتفاف عليها وإنكارها، ولذلك بادروا بمعارضتها، وإلّا فلو لم يكن لها سابقة لما عرفوا طبيعتها وما كان لهم موقف صارم في معارضتها.

الخامس: أن مضمون الوصية حسّاس يمسّ مصالح بعض الحاضرين بحيث أدّيٰ توقّعهم له إليٰ الشغب والمنع من كتابة النبي (صلي الله عليه و آله) للوصية، واتهامه له (صلي الله عليه و آله) بأنه (يهجر)، لسلب شرعيته وقطع الطريق أمام أية محاولة أخريٰ منه (صلي الله عليه و آله) لكتابة الوصية المذكورة.

ص: 22

الدرس الثالث

مضمون الوصية:

بملاحظة تلك القرائن والشواهد المقتبسة من الرواية السابقة ونحوها يتضح أن مضمون الوصية هو النص عليٰ إمامة أهل البيت(عليهم السلام) يتقدمهم الإمام علي (عليه السلام) من خلال الشواهد والمؤشرات التالية:

1 - إن نفس الاختلاف واللغو والشجار الحاد بين بعض الحاضرين وغيرهم قد توقّعه النبي (صلي الله عليه و آله) في يوم الغدير عندما نصّ عليٰ ولاية علي (عليه السلام)، حيث طمأنته الآية الكريمة آنذاك ﴿يا أَي-ُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ﴾ (المائدة: 67)، والفارق بين الزمانين أن الوحي يوم الغدير قد فاجأهم وكان بحضور جموع غفيرة من المسلمين من أقطار شتّيٰ، فلم تسنح الفرصة والظروف لمعارضته بينما كانوا قد تهيّأوا للموقف المضاد حين وصية النبي (صلي الله عليه و آله) بحضور عدد محدود من الصحابة، فحال أولئك بينه وبين كتابة وصيته(صلي الله عليه و آله).

2 - إن هاجس النبي (صلي الله عليه و آله) الذي كان يوم الغدير وتوقُّعَه معارضة القوم لمضمون الوصية هو الذي دعاه إليٰ التأكيد عليٰ تحرك جيش أسامة

ص: 23

بن زيد مع مَن تحت إمرته من شيوخ المهاجرين والأنصار، لتفرغ المدينة المنورة من العناصر المعارِضة لوصيّته (صلي الله عليه و آله) التي تض-رّ بمصالحهم حتيٰ قال: «جهّزوا جيش أسامة لعن الله من تخلّف عنه»((1)).

ثم لمّا رآهم قد صمّموا عليٰ البقاء في المدينة والحيلولة دون وصيته، آثر (صلي الله عليه و آله) أن يؤخر كتابة وصيته إليٰ الساعات الأخيرة من حياته ليُحرِجَهم فيها، ويمنعَهم من اتخاذ موقف معارِض لها، إلّا أنهم بادروه بالمنع والشجار، وطعنوا في شرعيته ومرجعيته في ذلك الموقف الحسّاس من خلال اتهامه بأنه يهجر((2))، وحرموا الأمّة من وصيّته (صلي الله عليه و آله) المانعة من ضلالها.

3 - نظراً لتوقعه (صلي الله عليه و آله) ردود الأفعال الحادة من هذه الوصية التي تصطدم بمصالح بعض الحاضرين آثر (صلي الله عليه و آله) أن يكتبها بحضورهم، ولم يكتبها من قبل ذلك تجنّباً للتشكيك في مصداقيتها بادعاء أنها قد أُمليت عليه بسبب مرضه (صلي الله عليه و آله) وأنه لم يكتبها بعلمه واختياره.

4 - إنّ ادِّعاء إهمال النبي (صلي الله عليه و آله) لمصير الأمّة من بعده وعدم تصدّيه لتعيين وصيّه وخليفته من بعده ينافي حرصه الشديد الذي عُرف عنه عليٰ مصير الأمة ومصلحتها، مع أن مصادر الجمهور تضمّنت أن من جاء بعد النبي (صلي الله عليه و آله)، حرص عليٰ تعيين مَن يخلفه حفظاً لوحدة الأمة

ص: 24


1- الفصل في الملل والأهواء والنحل: 1/20.
2- ففي صحيحة مسلم (11/95) بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله: «ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتبْ لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً». فقالوا: إن رسول الله يهجر.

ومصلحتها، بما في ذلك معاوية الذي برّر وصيته ليزيد بذلك حيث كتب إليٰ مروان بن الحكم: (إني قد كبِرَت سنّي ودقّ عظمي وخشيت الاختلاف عليٰ الأمة بعدي، وقد رأيت أن أتخيّر لهم مَن يقوم بعدي...)((1))، فهل إنّ معاوية أحرص من النبي (صلي الله عليه و آله) عليٰ الأمة أو أن النبي (صلي الله عليه و آله) غفل عما انتبه له معاوية من أنّ عدم تعيين الخليفة يض-رّ بمصلحة الأمة ووحدتها؟!

عليٰ أن ما يأتي من ثبوت تواتر الروايات عن النبي (صلي الله عليه و آله) بخصوص المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وأوصافه وشؤونه لا ينسجم مع فرض إغفاله الحديث عن خصوصيات من يصلح لخلافته بعد رحيله.

5 - إن نفس الأثر المهم الذي كان ينشده النبي (صلي الله عليه و آله) ويحرص عليه - وهو التحصين من الضلال - قد رتّبه (صلي الله عليه و آله) عليٰ التمسك بالكتاب والعترة من خلال حديث الثقلين المتواتر والمنسجم مع مضمون وهدف الكتاب الذي كان يزمع كتابته، ففي صحيح الترمذي بسنده عن زيد بن أرقم، قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إليٰ الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتيٰ يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»((2)).

ص: 25


1- الكامل في التاريخ: 4/351.
2- الجامع الصحيح (البخاري): 5/663.

إن هذه القرائن والشواهد تؤكد ما ذكرناه سابقاً من تطابق مضمون الوصيّة المزمعة مع مضمون حديث الثقلين، وأن مضمون الوصية هو النص عليٰ إمامة أهل البيت (عليهم السلام) وأولهم الإمام علي (عليه السلام) وتوثيقها كتابةً منه (صلي الله عليه و آله) لتكون وثيقةً باقيةً لا يمكن تجاوزها، لكنّ المؤسف أنّ ذلك لم يتحقق.

ثم إنّه بسبب اختلاف المسلمين المذكور - عقيب رحيل نبيهم المصطفيٰ (صلي الله عليه و آله) - وما جريٰ عليٰ أهل بيته من بعده من مآسٍ ومجازر وإعراض عنهم، رعيٰ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) شيعتهم وأثْرَوا مدرستهم بعلومهم وهديهم وتوجيهاتهم((1))، ومما تتميز به مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تبعيّتها لرؤية النبي (صلي الله عليه و آله) للإمامة ودورها المحوري في الأمة باعتبارها الحافظة للأمة من الانحراف والموجّهة لها لتنعم بالأمن والاستقرار والرقي والكمال، وقد تضمّنت عِدّة نصوص معتبرة بيان أهمية الإمامة والولاية - بعبارات شتّيٰ -، منها:

1 - صحيحة زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعيَن ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود جميعاً عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أمر الله (عزوجل) رسولَه بولاية علي وأنزل عليه ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ [المائدة: 55] وفرَض ولاية أولي الأمر فلم يدروا ما هي، فأمر الله محمداً (صلي الله عليه و آله) أن يفس-ّر لهم الولاية كما فسّ-ر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج، فلما أتاه

ص: 26


1- انظر كتاب (دور أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة).

ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله (صلي الله عليه و آله) وتخوّف أن يرتدّوا عن دينهم وأن يكذّبوه، فضاق صدره وراجع ربَّه (عزوجل)، فأوحيٰ الله (عزوجل) إليه ﴿يا أَي-ُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: 67].

فصدع بأمر الله تعاليٰ ذكره فقام بولاية علي (عليه السلام) يوم غدير خم، فناديٰ: الصلاة جامعة، وأمر الناس أن يبلّغ الشاهد الغائب».

قال عمر بن أُذَينه: قالوا جميعاً - غير أبي الجارود -: وقال أبو جعفر (عليه السلام): «وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخريٰ. وكانت الولاية آخر الفرائض فأنزل الله (عزوجل) ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: 5]»، قال أبو جعفر (عليه السلام): «يقول الله (عزوجل): لا أُنزل عليكم بعد هذه الفريضة، ولقد أكملت لكم الفرائض»((1)).

2 - صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «بني الإسلام عليٰ خمسة أشياء، عليٰ الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية»، قال زرارة: فقلت: وأيّ شيء من ذلك أفضل؟ فقال: «الولاية أفضل، لأنها مفتاحهنّ، والوالي هو الدليل عليهنّ...»((2)).

ومما يؤكد أهمية الإمامة أن مكانة الدين المتميزة في نفوس الأمة تضفي عليه قدسية واحتراماً وتقديراً لحملَته ورجالاته، فإذا لم يكن

ص: 27


1- الكافي: 1/289.
2- الكافي: 2/18.

هناك إمام كفوء شرعي يوضّح معالمه ويوجّه حملَته، تستغله السلطات وأصحاب النفوذ لتثبيت سلطانهم وتحقيق مصالحهم، وهو ما نلاحظه عليٰ نطاق واسع في واقعنا المعاصر، وعليٰ مرّ العصور.

المهدوية وأهميتها:

بعد وضوح أهمية الإمامة في الإسلام عموماً وفي مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) خصوصاً، تتضح أهمية الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، باعتباره الإمام المعاصر لنا، والذي تضمّنت الأدلة العامة والخاصة وجوده وشرعيته وكونه الحجة عليٰ الأمة، والتي سيأتي التعرض لبعضها ضمن البحوث الآتية.

وينبغي التعرض هنا إليٰ موقف كلّ من جمهور المسلمين وشيعة أهل البيت (عليهم السلام) كلاًّ عليٰ حدة في ضمن بحثين:

المبحث الأول: المهدوية لدي جمهور المسلمين

ونتعرض هنا إليٰ ثلاثة أمور:

الأول: ما روي في مصادرهم بشأن المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) عموماً.

الثاني: المصادر التي تناولت موضوع المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

الثالث: الموقف من روايات المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

* * *

ص: 28

أمّا الأمر الأول: فقد وردت روايات كثيرة عن مجموعة من الصحابة في مصادر الجمهور تضمّنت أخبار المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) وظهوره وإنجازه، حتيٰ إن أحد الباحثين ذكر أسماء واحد وثلاثين صحابياً روَوا أحاديث المهدي، منهم: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عثمان بن عفان، طلحة بن عبيد الله، عبد الرحمن بن عوف، الحسين بن علي، جابر بن عبد الله الأنصاري، أبو سعيد الخدري، حذيفة بن اليمان، العباس بن عبد المطلب، أبو هريرة، عبد الله بن مسعود، عائشة بنت أبي بكر، وغيرهم((1))، بينما ذكر الشيخ محمد أمين زين الدين (رحمه الله) أن أخبار المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) رويت عن خمسين صحابياً ومئات التابعين((2))، كما استعرض عدد من الباحثين ثمانية وثلاثين شخصاً من أئمة الصحاح والمسانيد والسُّنن خرّجوا أحاديث المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) ((3)).

ص: 29


1- انظر (كتاب المهدي): 67.
2- انظر (مع الدكتور أحمد أمين) في حديث المهدي والمهدوية: 72-75.
3- انظر كتاب (المهدي) 68؛ وعبد المحسن العباد في مجلة الجامعة الإسلامية: العدد: 3/70.

الدرس الرابع

وفي ما يلي نماذج من هذه الروايات المروية في المصادر المذكورة:

1 - ما رواه عبد الرزاق (ت211) بسنده عن أبي سعيد الخُدري قال: (ذكر رسول الله (صلي الله عليه و آله) بلاءُ يصيب هذه الأمة حتيٰ لا يجد الرجل ملجأً يلجأ إليه من الظلم فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملأ الأرض به قسطاً كما مُلئت ظلماً وجَوراً، يرضيٰ عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدَعُ السماء من قطرها شيئاً إلّا صبّته مدراراً، ولا تدَعُ الأرض من مائها شيئاً إلّا أخرجته، حتيٰ تتمنيٰ الأحياءُ الأمواتَ، يعيشون في ذلك سبع سنين أو ثمان أو تسع سنين)((1)).

2 - ما رواه نُعَيم بن حمّاد المروزي (ت229) بسنده عن محمد بن الحنفية قال: حدثني علي بن أبي طالب 2 قال: (قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «المهدي يصلحه الله تعاليٰ في ليلة واحدة»((2)).

كما رويٰ بسنده عن ابن زرير الغافقي أنه سمع علياً 2 يقول: «هو من عترة النبي (صلي الله عليه و آله)»((3)).

ص: 30


1- المصنف: 15/198.
2- الفتن: 255.
3- المصدر: 264.

3 - ما رواه ابن أبي شيبة (159ه- - 235ه-) بسنده عن علي(عليه السلام) عن النبي ݕ، قال: «لو لم يبق من الدهر إلّا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما مُلئت جَوراً»((1)).

4 - ما رواه أحمد بن حنبل (ت 241) بسنده عن أبي سعيد الخُدَري قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «لا تقوم الساعة حتيٰ تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً»، قال: «ثم يخرج رجل من عترتي أو مِن أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وعدواناً» ((2)).

5 - ما رواه ابن ماجة (275ه-) بسنده عن علي قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «المهدي منّا أهل البيت يُصلحه الله في ليلة»((3)).

6 - ما رواه ابن ماجة أيضاً بسنده عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه و آله) يقول: «نحن ولد عبد المطلب سادةُ أهل الجنة، أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي»((4)).

7 - ما رواه أبو داوود (ت 275ه-) وغيره بسنده عن أم سلمة: قالت: سمعت رسول الله (صلي الله عليه و آله) يقول: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة»((5)).

ص: 31


1- المصنف لابن أبي شيبة: 15/198؛ انظر أيضاً مسند البزار: 2/134.
2- مسند أحمد: 3/36.
3- سنن ابن ماجة: 4/454.
4- المصدر: 455؛ انظر أيضاً: المعجم الصغير: 1/37.
5- سنن أبي داوود: 4/107؛ عقد الدرر في أخبار المنتظر: 35.

8 - ما رواه الترمذي (209 - 297) بسنده عن عبد الله عن رسول الله(صلي الله عليه و آله) قال: «يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» قال عاصم: وأنا أبو صالح. عن أبي هريرة قال: «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتيٰ يلي...»((1)).

9 - ما رواه الطبراني - في الصغير - عن أبي أيوب قال رسول الله(صلي الله عليه و آله) لِفاطمة: «نبيّنا خير الأنبياء، وهو أبوكِ، وشهيدنا خير الشهداء، وهو ابن عمّ أبيكِ حمزة، ومِنّا مَن له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وهو عمّ أبيكِ جعفر، ومِنّا سبطا هذه الأمة الحسن والحسين، وهما ابناكِ، ومِنّا المهدي»((2)).

ص: 32


1- الجامع الصحيح للترمذي: 4/ 505، انظر ايضاً شرح السنة للبغوي: 15/ 84.
2- المعجم الصغير (للطبراني): 1/37.

الدرس الخامس

10 - ما رواه الحاكم النيسابوري (ت405ه-) بسنده عن عبد الله بن مسعود 2 قال: (أتينا رسولَ الله (صلي الله عليه و آله) فخرج إلينا مستبش-راً يُعرف الس-رور في وجهه، فما سألناه عن شيء إلّا أخبرنا به، حتيٰ مرّت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه، فقلنا: يا رسول الله ما نزال نريٰ في وجهك شيئاً نكرهه، فقال: «إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة عليٰ الدنيا، وإنه سيلقيٰ أهل بيتي من بعدي تطريداً وتش-ريداً في البلاد، حتيٰ ترتفع رايات سود من المشرق، فيَسألون الحقَّ فلا يُعطَونه، ثم يسألونه فلا يُعطَونه، ثم يسألونه فلا يُعطَونه، فيقاتلون فيُنص-َرون، فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمامَ أهلِ بيتي ولو حبواً عليٰ الثلج، فإنها رايات هديٰ، يدفعونها إليٰ رجل من أهل بيتي يواطئ اسمُه اسمي، واسمُ أبيه اسمَ أبي، فيملك الأرض فيملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئت جَوراً وظلماً»((1)).

11 - تضمّنت بعض النصوص أنّ ظهور الهاشمي والتأييد الإلهي له ولأصحابه وإقامة العدل به ممّا كان معروفاً منذ أواسط القرن الأول الهجري، حتيٰ إنّ عبد الله بن عمرو بن العاص طبّقه عليٰ الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد رويٰ هشام بسنده عن الفرزدق الشاعر أنه في أثناء

ص: 33


1- المستدرك عليٰ الصحيحين: 1602- 1603.

مسيره في طريق الكوفة رأيٰ الحسين (عليه السلام) وبعد ذلك رأيٰ عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (فسألني، فأخبرتُه بلقاء الحسين بن علي، فقال لي: ويلك، فهلّا اتّبعتَه، فوالله ليملِكَنّ، ولا يجوز السلاح فيه ولا في أصحابه، قال: فهممت –والله - أن الحقَ به، ووقع في قلبي مقالته، ثم ذكرتُ الأنبياء وقتْلَهم فصدّني ذلك عن اللحاق به) وأضاف: (وكان أهل ذلك الزمان يقولون ذلك الأمر، وينتظرونه في كل يوم وليلة، قال: وكان عبد الله بن عمرو يقول: لا تبلغ الشجرة ولا النخلة ولا الصغير حتيٰ يظهر هذا الأمر)((1)).

لكن عبد الله بن عمر بن الخطاب رغم إيمانه بظهور المصلح الهاشمي آخر الزمان إلّا أنه أدرك عدم انطباقه عليٰ شخص الإمام الحسين (عليه السلام)، لعدم كونه في آخر الزمان، فقد قال يحييٰ بن معين: (حدثنا أبو عبيدة حدثنا سليم بن حيان عن سعيد بن مينا قال: سمعتُ عبد الله بن عمر يقول: عجَّل حسينٌ قدَره، واللهِ لو أدركتُه ما تركتُه يخرج إلّا أن يغلبني، ببني هاشم فُتِح هذا الأمر، وببني هاشم يُختم، فإذا رأيت الهاشمي قد ملك فقد ذهب الزمان)((2))، والرواية تؤكد إيمان عبد الله بن عمر بظهور المهدي الهاشمي في آخر الزمان.

* * *

ص: 34


1- تاريخ الطبري: 4/290-291.
2- البداية والنهاية: 4/174.

وأمّا الأمر الثاني: فهناك الكثير من مصادر الجمهور التي تعرضت أو اختصت بأخبار المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) أو أحواله، وهي صنفان:

الصنف الأول: المصادر العامة التي تعرّضت للمهدي المنتظر(عجل الله تعالي فرجه الشريف)، منها:

أ - المصنَّف: تأليف عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت211ه-).

ب - الفتن: تأليف الحافظ أبي عبد الله نُعَيم بن حمّاد المروزي (ت229ه-).

ج - المصنَّف في الأحاديث والآثار: تأليف الحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي (ت235ه-).

د - مسند أحمد بن حنبل: تأليف أبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني (ت241ه-).

ه- - سنن ابن ماجة: تأليف أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت275ه-).

و - سنن أبي داوود: تأليف أبي داوود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275ه-).

ز - الجامع الصحيح المعروف ب-(سنن الترمِذي): تأليف أبي عيسيٰ محمد بن عيسيٰ الترمذي السلمي (ت279ه-).

ح - شرح السُّنة: تأليف الحسن بن علي البربهاري الحنبلي (ت329 ه-).

ص: 35

ط - الصحيح: تأليف أحمد بن حبّان التميمي (ت354ه-).

ي - المستدرك عليٰ الصحيحين: تأليف أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النسيابوري (ت405ه-).

وقد يكون هذا نفس كتاب (أخبار المهدي) وكتاب (مناقب المهدي) وكتاب (نعت المهدي) المنسوبة إليه أيضاً.

ك - الاعتقاد والهداية إليٰ سبيل الرشاد: تأليف أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسيٰ البيهقي (384 - 458ه-).

ل - الشفا: تأليف القاضي عياض (544ه-).

م - منهاج السنة النبوية: تأليف أحمد بن تيمية (ت 728ه-).

ن - كنز العمال في سنن الأقوال والأعمال: تأليف علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي (ت975ه-).

وغيرهم كثير((1)).

ص: 36


1- انظر كتاب (المهدي): 68-73.

الدرس السادس

الصنف الثاني: المصادر المختصة بالمهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف):

أ - الأحاديث الواردة في المهدي: تأليف أبي بكر بن أبي خيثمة النسائي (ت279ه-)((1)).

ب - أحمد بن جعفر بن المنادي (ت336ه-)، جمع جزءاً في المهدي.

ج - أربعون حديثاً: تأليف أبي نعيم الأصفهاني (ت430ه-) وهو كتاب خاص بالمهدي وأخباره، وهذا الكتاب مفقود في عص-رنا، إلّا أن علي بن عيسيٰ الأربلي قد جمع هذا الكتاب المذكور في كتابه (كشف الغمة في معرفة الأئمة) حيث قال: (ووقع إليَّ أربعون حديثاً جمعها الحافظ أبو نُعيم أحمد بن عبد الله (رحمه الله) في أمر المهديّ (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، أوردتُها سرداً كما أوردها)((2)).

د - الوعاء المختوم في الس-رّ المكتوم في أخبار المهدي: المنسوب إليٰ محيي الدين الحاتمي المعروف بابن عربي (560 - 638 ه-).

ص: 37


1- قال السهيلي (508-581ه-) في الروض الآنف: (الأحاديث الواردة في المهدي كثيرة، وقد جمعها أبو بكر بن أبي خيثمة فأكثر).
2- انظر: كشف الغمة: 4/179.

ه- - البيان في أخبار صاحب الزمان: تأليف أبي عبد الله محمد الگنجي الشافعي (ت658ه-) وهو كتاب خاص بأخبار المهدي وأحواله.

و - عقد الدُّرَر في أخبار المنتظر: تأليف يوسف بن يحييٰ بن علي بن عبد العزيز المقدسي الشافعي (ت بعد 658ه-) وهو كتاب خاص بأخبار المهدي وأحواله.

ز - أخبار المهدي: تأليف الحسن بن محمد القرشي المطّلبي النابلسي الحنبلي (ت 772 ه-)((1)).

ح - عماد الدين بن كثير (ت774ه-) قال في كتابه (الفتن والملاحم): (وقد أفردتُ في ذكر المهدي جزءاً عليٰ حده)((2)).

ط - العُرف الوردي في أخبار المهدي: تأليف جلال الدين بن أبي بكر السيوطي (ت911ه-) وهو كتاب خاص بالمهدي وأحواله.

ي - القول المختص-ر في علامات المهدي المنتظر: تأليف ابن حجر الهيتمي (ت974ه-).

ك - البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: تأليف علاء الدين علي بن حسام الدين المعروف بالمتقي الهندي (ت975ه-) وهو خاص بالإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

* * *

ص: 38


1- قال ابن حجر في (الدرر الكامنة): (2/144) رأيت بخطه كتاباً جمعه في أخبار المهدي الذي يخرج في آخر الزمان تعب فيه.
2- انظر كتاب (المهدي): 75.

وأمّا الأمر الثالث - وهو موقف علماء العامة من روايات المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) -: فقد بنيٰ أو صرّح الكثير من شخصيات وعلماء الجمهور باعتبار روايات المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، ونصّ بعضهم عليٰ تواترها، نذكر منهم:

1و2 - عبد الله بن عمرو بن العاص (ت63أو67ه-) وعبد الله بن عمر (ت 73ه-) كما تقدّم عنهما آنفاً.

3 - سفيان الثوري (ت161ه-)((1)) حيث حكيٰ عنه أبو داوود قوله: (وإن مرّ بك المهدي وأنتَ في البيت فلا تخرج إليه حتيٰ يجمع الناس) ويفهم منه أن أمر المهدي كان شائعاً مسلّماً عندهم((2)).

4 - الترمذي حيث عبر عن بعض ما رواه بشأن المهدي (هذا حديث حسن صحيح)((3)).

5 - الحاكم النيسابوري حيث عبّر عن بعض ما رواه عن ظهور المهدي (هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)((4)) يعني أنه صحيح وفق ضوابط البخاري ومسلم وإن لم يخرجا الحديث في كتابيهما.

6 - الحسين بن مسعود البغوي الشافعي (ت 517ه-) ذكر حديثاً في فصل الروايات الصحاح وخمسة أحاديث في فصل الروايات الحسان((5)).

ص: 39


1- انظر كتاب (المهدي): 70.
2- المصدر: 81.
3- الجامع الصحيح (الترمذي): 4/505.
4- المستدرك عليٰ الصحيحين: 1603.
5- انظر، مصابيح السنة.

7 - القرطبي المالكي (ت656ه-) حيث صحح بعض ما رواه ابن ماجة في المهدي ((1)).

8 - الحافظ أبو عبد الله الگنجي الشافعي (ت 658ه-) قال: (تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفيٰ في أمر المهدي وأنه يملك سبع سنين ويملأ الأرض عدلاً، وأنه يخرج مع عيسيٰ بن مريم...)((2)).

9 - ابن تيمية (661 - 728ه-) قال: (إن الأحاديث التي يُحتجّ بها عليٰ خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داوود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره)((3)).

10 - ابن حجر العسقلاني (ت852ه-) قال: (تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأُمة وأن عيسيٰ (عليه السلام) سينزل ويصلي خلفه)((4)).

11 - جلال الدين السيوطي (ت911) قال: (إن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام عليٰ ممرّ الأعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت [النبوي] يؤيِّد الدينَ، ويُظهر العدلَ، ويتبعَه المسلمون، ويستولي عليٰ الممالك الإسلامية، ويسميٰ ب-(المهدي)، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح عليٰ أَثَرِه، وأن عيسيٰ (عليه السلام) ينزل من بعده فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده عليٰ قتله، ويأتمّ بالمهدي في صلاته.

ص: 40


1- انظر: كتاب التذكرة: 4-7.
2- البيان في أخبار صاحب الزمان: 509.
3- منهاج السنة: 4/211.
4- فتح الباري: 5/362.

وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله(صلي الله عليه و آله) بظهور وخروج (المهدي الفاطمي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف)...) وقد نقل غير واحد عن الحافظ السخاوي أنها متواترة، والسخاوي ذكر ذلك في (فتح المغيث) ونقله عن أبي الحسين الآبري (أبي الحسن الآبري).

وفي تأليف لأبي العلاء إدريس بن محمد بن إدريس الحسين العراقي في المهدي هذا، أن أحاديثه متواترة، أو كادت قال: وجزم بالأول غير واحد من الحفاظ النقاد.

وفي (شرح الرسالة) للشيخ جسوس ما نصه: ورد خبر المهدي في أحاديث ذكر السخاوي أنها وصلت إليٰ حد التواتر.

وفي (شرح المواهب) نقلاً عن أبي الحسين الآبري (أبي الحسن الآبري) في (مناقب الشافعي) قال: تواترت الأخبار أن المهدي من هذه الأمة وأن عيسيٰ يصلي خلفه، ذكر ذلك رداً لحديث ابن ماجة عن أنس (ولا مهدي إلّا عيسيٰ).

وفي (مغاني الوفا بمعاني الاكتفا): قال الشيخ أبو الحسين الآبري: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفيٰ (صلي الله عليه و آله) بمجيء المهدي، وأنه سيملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً.

وفي (شرح عقيدة الشيخ محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي) ما نصه: وقد كثرت بخروجه الروايات حتيٰ بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتيٰ عُدّ من معتقداتهم. ثم ذكر بعض الأحاديث الواردة فيه عن جماعة من الصحابة.

ص: 41

وقال بعدها: (وقد رويٰ عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم، مما يفيد مجموعة العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب، كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة)((1)).

12 - القرماني الدمشقي (939 - 1019ه-) قال: واتفق العلماء عليٰ أن المهدي هو القائم المهدي، وقد تعاضدت الأخبار عليٰ ظهوره وتضافرت الروايات عليٰ إشراق نوره((2)).

13 - ابن حجر الهيتمي (909 - 974 ه-) قال: ورد أنه (صلي الله عليه و آله) قال: «من كذّب بالدجال فقد كفر. ومن كذّب بالمهدي فقد كفر»، وقال - بعد أن رجح كونه من ذريته 9 ومن ولد فاطمة -: بل قال بعض الأئمة الحفاظ إن كونه من ذريته (صلي الله عليه و آله) قد تواتر عنه (صلي الله عليه و آله)، وأضاف: قال بعض الأئمة: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة روايتها عن المصطفيٰ (صلي الله عليه و آله) بمجيء المهدي وأنه من أهل بيته وأنه سيملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأنه يخرج مع عيسيٰ عليه الصلاة والسلام...((3)).

ص: 42


1- انظر: العرف الوردي في أخبار المهدي: 2-3.
2- أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ: 1/354.
3- القول المختصر في علامات المهدي المنتظر: 22-23.

14 - محمد ناصر الألباني قال: إن عقيدة المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه (صلي الله عليه و آله) يجب الإيمان بها، لأنها من أمور الغيب... وإنّ إنكارها لا يصدر إلّا من جاهل أو مكابر((1)).

15 - عبد العزيز بن باز (ت1420ه-) مفتي السعودية العام ورئيس هيئة كبار العلماء قال: إن أمر المهدي معلوم، والأحاديث به مستفيضة بل متواترة متعاضدة فهي بحق تدلّ عليٰ أن هذا الشخص الموعود بأمره ثابت وخروجه حق((2))، وقال أيضاً: أمّا إنكار المهدي المنتظر بالكلية كما زعم ذلك بعض المتأخرين فهو قول باطل، لأن أحاديث خروجه في آخر الزمان، وأنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً، قد تواترت تواتراً معنوياً((3)).

وقد استعرض بعض الباحثين أسماء سبعة وستين شخصاً من المتقدمين والمتأخرين منهم وقال: (وغيرهم كثير)((4)).

ص: 43


1- سلسلة الأحاديث الصحيحة: 4/43.
2- مجلة الجامعة الإسلامية: العدد 3/161-162.
3- مجلة عكاظ: رقم: 108/ محرم عام 1400ه-.
4- انظر كتاب (المهدي): 70-73.

الدرس السابع

المبحث الثاني: المهدوية لدي شيعة أهل البيت (عليهم السلام)

يعتبر الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) من أساسيات معالم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ومن مكمّلات عقيدة شيعتهم في الإمامة، حتيٰ عُرف ذلك واشتهر عنهم.

ونتعرض هنا إليٰ أمرين:

الأمر الأول: الأدلة الواردة في موضوع المهدي المنتظر.

الأمر الثاني: المصادر التي تناولت الموضوع.

أمّا الأمر الأول: فأهم ما يدل عليٰ العقيدة المهدوية عندهم أمران:

أولهما: اتفاقهم عليٰ تحقق الغَيبة الصغريٰ وارتباط النواب الأربعة(رحمهم الله) آنذاك بالإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وهو ما سوف نتعرض له لاحقاً.

ثانيهما: الروايات المتواترة الدالة عليٰ ظهور المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، وهي عليٰ صنفين:

الصنف الأول: الروايات الواردة في تفسير أو تطبيق بعض الآيات وارتباطها بالمهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

الصنف الثاني: الروايات المجرّدة عن التفسير المتضمنة للإخبار عن المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) وشؤونه وما يرتبط به.

ص: 44

أمّا الصنف الأول: فهي روايات كثيرة، منها:

1 - معتبرة محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن قدّام القائم علامات تكون من الله (عزوجل) للمؤمنين»، قلت: وما هي جعلني الله فداك؟ قال: «ذلك قول الله (عزوجل): ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ يعني المؤمنين قبل خروج القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف) ﴿بِشَ-يْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّ-رِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155] قال: يبلوهم بش-يء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع بغلاء أسعارهم، ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ﴾ قال: كساد تجارتهم وقلة الفضل، (ونقص من الأنفس) قال: موت ذريع (ونقص من الثمرات) قال: قلة ريع ما يزرع ﴿وَبَشِّ-رِ الصَّابِرِينَ﴾ عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف)».

ثم قال لي: «يا محمد، هذا تأويله إن الله تعاليٰ يقول: ﴿وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾[آل عمران: 7]»((1)).

2 - ما حكاه الشيخ محمد صادق الخاتون آبادي عن الفضل بن شاذان بسند صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المفقودون عن فُرشهم ثلاثمائة وثلاثة عش-ر رجلاً، عِدّةُ أهل بدر، فيُصبحون بمكة، وهو قول الله (عزوجل) ﴿أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ [البقرة: 148] وهم أصحاب القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف)»((2)).

ص: 45


1- كمال الدين: 2/649-650.
2- معجم الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) (نقلاً عن كشف الحق): 7/28.

3 - صحيحة أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) - في حديث يتضمن تفسير عدة آيات - إليٰ أن قال: «وأمّا قوله ﴿حَتَّيٰ إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: 44] يعني قيام القائم(عجل الله تعالي فرجه الشريف)»((1)).

4 - صحيحة أبي عبيدة الحَذّاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) ومنها: «فقال لهم: ﴿لَهُمُ الْبُشْ-ريٰ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: 64] والإمام يبشّرهم بقيام القائم وبظهوره...»((2)).

5 - صحيحة أبان بن تغلِب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا قام القائم(عليه السلام) لم يقم بين يديه أحد من خلْق الرحمن إلّا عرَفه صالح هو أم طالح، لأنّ فيه آية للمتوسّمين وهي بسبيلٍ مقيم»((3)).

وفي هذه الرواية تطبيق لقوله تعاليٰ: ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾ (الحجر: 75 - 76).

6 - معتبرة عبد الله بن سنان قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إنّ هؤلاء العامة يعيروننا ويقولون لنا: إنكم تزعمون أن منادياً ينادي من السماء بِاسم صاحب هذا الأمر، وكان متكئاً فغضب وجلس، ثم قال: «لا ترووه عني، وارووه عن أبي، ولا حرج عليكم في ذلك، أشهدُ أني قد سمعت أبي (عليه السلام) يقول: والله إن

ص: 46


1- المصدر: 145.
2- الكافي: 1/429.
3- كمال الدين: 2/671.

ذلك في كتاب الله (عزوجل) لبيِّن، حيث يقول: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ﴾ [الشعراء: 4] فلا يبقيٰ في الأرض يومئذٍ أحد إلّا خضع وذلّت رقبته له، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء: ألا إن الحق في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وشيعته...»((1))، وقريب منها غيرها((2)).

ص: 47


1- الغَيبة للنعماني: 267.
2- انظر: معجم أحاديث الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف): 7/420-427.

الدرس الثامن

اشارة

وأمّا الصنف الثاني: - الروايات المجرَّدة عن تفسير وتأويل القرآن- فهي كثيرة جداً، ونقتصر هنا عليٰ نماذج منها:

1 - صحيحة أيوب بن نوح قال: قلت للرضا (عليه السلام): وإنّا لنرجو أن تكون صاحبَ هذا الأمر وأن يردّه الله (عزوجل) إليك من غير سيف، فقد بويع لك وضُربت الدراهم باسمك، فقال: «ما مِنّا أحد اختلف إليه الكتب وسُئل عن المسائل وأشارت إليه الأصابع وحُملت إليه الأموال إلّا اغتيل أو مات عليٰ فراشه حتيٰ يبعث الله (عزوجل) لهذا الأمر رجلاً خفيَّ المولد والمنشأ، غير خفيّ في نسبه»((1)).

2 - صحيحة الريّان بن الصّلت قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: «أنا صاحب هذا الأمر، ولكني لست بالذي أملؤها عدلاً كما ملئت جَوراً، وكيف أكون ذلك عليٰ ما تريٰ من ضعف بدني، وّإنَّ القائم هو الذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ ومنظر الشبان، قوياً في بدنه حتيٰ لو مدّ يده إليٰ أعظم شجرة عليٰ وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسيٰ

ص: 48


1- كمال الدين وتمام النعمة: 1/370.

وخاتَم سليمان (عليهما السلام)، ذاك الرابع من ولدي، يغيّبه الله في سِتره ما شاء، ثم يُظهره فيملأ [به] الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»((1)).

3 - صحيحة أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «في صاحب هذا الأمر أربع سُنن من أربعة أنبياء (عليهم السلام): سُنّة من موسيٰ وسُنّة من عيسيٰ وسُنّة من يوسف وسُنّة من محمد(صلي الله عليه و آله)»((2)).

4 - موثقة سَماعة بن مهران قال: كنت أنا وأبو بصير ومحمد بن عمران موليٰ أبي جعفر (عليه السلام) في منزل بمكة فقال محمد بن عمران: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «نحن اثنا عش-ر مهدياً»، فقال له أبو بصير: تالله لقد سمعتَ ذلك من أبي عبد الله (عليه السلام)؟ فحلف مرة أو مرتين أنه سمع ذلك منه: فقال أبو بصير: لكني سمعته من أبي جعفر(عليه السلام)((3)).

وعليٰ هذا يكون نفس الكلام صادراً عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام).

5 - صحيحة زرارة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يأتي عليٰ الناس زمان يغيب عنهم إمامهم»، فقلت له: ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال: «يتمسكون بالأمر الذي هم عليه حتيٰ يتبيّن لهم»((4)).

ص: 49


1- كمال الدين وتمام النعمة: 376.
2- المصدر: 326.
3- المصدر: 335.
4- كمال الدين وتمام النعمة: 1/350.

6 - صحيحة غياث بن إبراهيم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «من أنكر القائمَ من ولدي فقد أنكرني»((1)).

7 - موثقة كرّام قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني جعلتُ عليٰ نفسي أن أصوم حتيٰ يقوم القائم: فقال: «صم، ولا تصم في السفر ولا في العيدين...»((2))، وهي دالة عليٰ أن قيام القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف) أمر معروف ومسلَّم آنذاك، وقد أقرّه الإمام (عليه السلام) عليٰ ذلك.

وسيأتي التعرض لغيرها من الروايات المعتبرة في ضمن البحوث الآتية بحسب مناسبة مضمونها.

الأمر الثاني: المصادر الشيعية التي تناولت موضوع المهدي المنتظر(عجل الله تعالي فرجه الشريف)، وهي عليٰ صنفين:

الصنف الأول: المصادر الروائية العامة المشتملة عليٰ روايات المهدي.

الصنف الثاني: المصادر المختصة بأخبار المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف).

أمّا الصنف الأول فهي كثيرة، منها:

1 - كتاب سليم بن قيس الهلالي (ت80ه-) والأرجح ضياع النسخة الأصلية منه، وأن النسخة المتداولة غير معتبرة.

ص: 50


1- كمال الدين وتمام النعمة: 402.
2- وسائل الشيعة: 10/384.

2 - المشيخة: الحسن بن محبوب الس-رّاد وفي بعض المصادر (الزراد) (ت224ه-) والكتاب مفقود في عصورنا إلّا أنّ الشيخ أبا علي الطبرسي قد نقل عنه((1)).

3 - المحاسن: تأليف أبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت 274 أو 280ه-).

4 - بصائر الدرجات: تأليف أبي جعفر محمد بن حسن بن فروخ الصفار (ت290ه-).

5 - تفسير العياشي: تأليف محمد بن مسعود عياش السمرقندي (العياشي) (في القرن الثالث الهجري) وهو كتاب بجزأين إلّا أن الجزء الثاني منه مفقود، والنسخة الموجودة للجزء الأول منه قد حذفت أسانيد رواياتها.

6 - تفسير القمي: تأليف أبي الحسن علي بن إبراهيم القمي (ت في القرن الرابع الهجري) ولكن النسخة الأصلية للكتاب مفقودة، والموجودة منه غير معتبرة.

7 - الكافي: تأليف أبي جعفر بن محمد بن يعقوب الكليني (ت329ه-) وهو من الكتب الحديثية الأساسية.

8 - الإرشاد في معرفة حجج الله عليٰ العباد: تأليف أبي عبد الله محمد بن محمد بن نعمان العسكري البغدادي، المعروف بالمفيد (ت413ه-).

ص: 51


1- انظر إعلام الوريٰ: 2/259.

9 - كشف الغمة في معرفة الأئمة (عليهم السلام): علي بن عيسيٰ بن أبي الفتح الأربلي (ت 792ه-).

10 - بحار الأنوار: محمد باقر المجلسي (ت 1111ه-).

11 - منتهيٰ الآمال في تواريخ النبي والآل: تأليف الشيخ عباس القمي (ت1359ه-).

وأمّا الصنف الثاني: وهي المصادر المختصة بأخبار المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) فهي كثيرة أيضاً، منها:

1 - الغَيبة: الفضل بن شاذان النيسابوري (ت 260ه-) وهو نفس كتاب إثبات الرجعة.

2 - الغَيبة: محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب المعروف بالنعماني (ت حوالي 360ه-).

3 - كمال الدين وتمام النعمة: محمد بن علي بن الحسن بن بابويه الصدوق (ت 381ه-).

4 - البرهان عليٰ صحة طول عمر صاحب الزمان (عجل الله تعالي فرجه الشريف): الكراجكي (449 ه-).

5 - الغَيبة: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت 460ه-).

6 - أخبار المهدي (مفقود): الحسن بن أحمد بن الحسن العطار (ت569ه-)، وقد يكون هو نفس كتابه المسميٰ (الأربعون حديثاً في المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف)).

ص: 52

7 - الغَيبة في الإمام الثاني عش-ر القائم الحجة (عجل الله تعالي فرجه الشريف): السيد أسد الله الموسوي الشفتي (1227 - 1290).

8 - النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجة الغائب (عجل الله تعالي فرجه الشريف): الشيخ حسين الطبرسي النوري (1254 - 1320ت).

9 - إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (عجل الله تعالي فرجه الشريف): علي اليزدي الحائري (ت 1333ه-).

10 - الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) من المهد اليٰ الظهور: تأليف السيد محمد كاظم القزويني(1415).

11 - موسوعة الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف): السيد محمد الصدر (1362 - 1418 ه-).

12 - منتخب الأثر في الإمام الثاني عش-ر (عجل الله تعالي فرجه الشريف): الشيخ لطف الله الصافي.

13 - المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف): الشيخ علي الكوراني.

14 - أعلام الهداية (الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) خاتم الأوصياء(عليهم السلام)): المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام).

15 - معجم أحاديث الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف): تأليف ونش-ر مؤسسة المعارف الإسلامية.

ص: 53

الخلاصة:

1 - تَسالم المسلمون عليٰ الاعتقاد بخروج المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

2 - بالنسبة لجمهور المسلمين تضمنت الكثير من رواياتهم التعرض للمهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، حتيٰ إن الكثير منهم اعتبر الروايات في ذلك متواترة.

3 - تضمنت الكثير من مصادر الجمهور التعرض لأخبار المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، حتيٰ إن الكثير منهم قد ألّف كتباً خاصة في ذلك مما يدل عليٰ أهمية الموضوع لديهم.

4 - يعتبر الاعتقاد بالإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) وظهوره من أساسيات معالم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ومن مكملات عقيدة شيعتهم في الإمامة.

5 - أهم مثبتات عقيدة شيعة أهل البيت (عليهم السلام) أمران:

أ - اتفاقهم عليٰ تحقق الغَيبة الصغريٰ التي استمرت حوالي سبعين عاماً وارتباط النواب الأربعة (رحمهم الله) بالإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) ارتباطاً مباشراً.

ب - النصوص المتواترة المروية في مصادرهم - سواء منها ما تضمن تفسيراً أو تطبيقاً للآيات الكريمة أم غيرها -.

6 - هناك الكثير من المصادر الشيعية التي تضمنت أخبار الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، بما فيها الكتب الخاصة بذلك.

ص: 54

صورة

* * *

الأسئلة:

1 - ما هي دلائل اهتمام المسلمين بقضية المهدي المنتظر؟

2 - اذكر أسماء أربعة من كتب الجمهور تعرضت للمهدي المنتظر عليٰ أن يكون اثنان منها خاصة بالمهدي.

3 - اذكر أسماء أربعة من كتب شيعة أهل البيت (عليهم السلام) تعرضت للمهدي المنتظر عليٰ أن يكون اثنان منها خاصة بالمهدي.

4 - ما هما دليلا شيعة أهل البيت (عليهم السلام) عليٰ ولادة المهدي المنتظر(عجل الله تعالي فرجه الشريف) إجمالاً؟

ص: 55

الدرس التاسع

اشارة

هذا، وبعد استعراض مواقف المسلمين ونماذج من الروايات المروية في مصادرهم المعتبرة وأهم المصادر الحديثية التي تعرضت لأخبار المهدي المنتظر، ينبغي البحث في أمرين:

الأمر الأول: ما يشترك فيه المسلمون بشأن المهدي المنتظر.

الأمر الثاني: مختصات شيعة أهل البيت (عليهم السلام).

وذلك ما نتناوله في المبحثين الثالث والرابع.

المبحث الثالث: ما يشترك فيه المسلمون بشأن المهدي المنتظر

اشارة

إن ما يشترك فيه المسلمون –عموماً - بخصوص المهدي المنتظر أمور عديدة، أهمها سبعة:

1 - البشارة وكونه حتمياً.

2 - اسمه، وأنه (محمد).

3 - أنه هاشمي ومن ذرية النبي(صلي الله عليه و آله) ومن ولد فاطمة الزهراء(عليها السلام).

4 - نزول نبيّ الله عيسيٰ (عليه السلام) معه.

5 - أنه أحد الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).

6 - أنه في آخر الزمان.

ص: 56

7 - إنجازه الأساسي وهو إقامة العدل في العالم.

وسوف نتعرض هنا إليٰ بعض الروايات التي تضمنت الأمور المذكورة من مصادر متنوعة.

1 - البشارة به وكونه حتمياً:

وقد تقدمت بعض النصوص الواردة لديٰ الفريقين في ذلك، وتصريح بعض علماء الجمهور بتواتر النصوص عليه وأنه من الثوابت في الإسلام.

2 - اسمه (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، وأنه (محمد):

اتفق المسلمون عليٰ تحديد اسم المهدي وهو (محمد) لما ورد في النصوص الكثيرة عن النبي(صلي الله عليه و آله) وأهل بيته (عليهم السلام) ففي موثقة أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت عليٰ فاطمة(عليها السلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثني عش-ر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد، وأربعة منهم علي صلوات الله عليهم أجمعين((1)).

فضلاً عما دّل عليٰ تحديد هويّته وأنه محمد بن الحسن العسكري(عليهما السلام)، وكذلك تواصل السفراء الأربعة (رحمهم الله) معه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) في

ص: 57


1- كمال الدين وتمام النعمة: 1/513.

عص-ر الغَيبة الصغريٰ، ودلائل أخريٰ واضحة عند شيعة أهل البيت(عليهم السلام)، وسيأتي التعرض لها.

كما تضمنت عدة روايات للجمهور أن اسمه نفس اسم النبي(صلي الله عليه و آله)((1)) وقد تقدّم بعضها.

وفي بعض روايات الجمهور عبارة «يواطئ اسمه اسمي»((2)) وذلك لا يوجب الاختلاف في المحتويٰ والمقصود هنا.

3 - أنه هاشمي ومن ذرية النبي(صلي الله عليه و آله) ومن ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام):

وهذا ما أكدته نصوص المسلمين وكلمات أكثرهم، كما يتضح بمراجعة ما تقدم، وبملاحظة انحصار ذريته وعترته بذرية فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولذلك قال ابن حجر الهيتمي: قال بعض الأئمة الحفاظ: (إن كونه من ذريته (صلي الله عليه و آله) قد تواتر عنه (صلي الله عليه و آله))((3)) بل نصت العديد من رواياتهم عليٰ كونه من ذرية فاطمة الزهراء (عليها السلام) مثل ما رواه أبو داوود بسنده عن أم سلمة قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه و آله) يقول: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة».

ونحوه ما رواه غيره ((4))، وسيأتي التعرض لبعض رواياتهم الدالة عليٰ أن المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) من ذرية الحسن أو الحسين (عليهما السلام).

ص: 58


1- انظر: معجم أحاديث الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف): 1/84.
2- انظر: الجامع الصحيح للترمذي: 4/505.
3- القول المختصر في علامات المهدي المنتظر: 22.
4- انظر: معجم أحاديث الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف): 1/129 وما بعدها.

4 - نزول نبي الله عيسيٰ (عليه السلام) معه:

تضمنت الكثير من نصوص المسلمين نزول نبي الله عيسيٰ (عليه السلام) مع المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وإن اختلفت في تفاصيل ذلك.

فقد رويٰ الصدوق (رحمه الله) بسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «والذي بعثني بالحق نبياً لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتيٰ يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روحُ الله عيسيٰ بنُ مريم فيصلي خلفه وتش-رق الأرض بنوره ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب»((1)).

ورويٰ ابن أبي شيبة بسنده عن ابن سيرين قال: (المهدي من هذه الأمة، وهو الذي يؤم عيسيٰ بن مريم (عليه السلام))((2))، وقد تقدمت آنفاً، وسيأتي غيرها.

ويناسبه ما رواه البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟»((3)) وحكيٰ السيوطي عن محمد بن الحسين السحري قوله: (قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفيٰ (صلي الله عليه و آله) بمجيء المهدي

ص: 59


1- كمال الدين وتمام النعمة: 1/280.
2- المصنف: 7/513.
3- الجامع الصحيح: 3/1272؛ صحيح مسلم: 1/135.

وأنه من أهل بيته وأنه سيملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلاً وأنه يخرج مع عيسيٰ (عليه السلام)... وأنه يؤم هذه الأمة وعيسيٰ يصلّي خلفه...)((1)).

فخروجه مع عيسيٰ (عليه السلام) الذي اتفق المسلمون عليٰ نزوله آخر الزمان يكشف عن كونه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) في آخر الزمان أيضاً، كما تقدم آنفاً.

ص: 60


1- العرف الوردي في أخبار المهدي: 114.

الدرس العاشر

5 - أنه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) أحد الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام):

تضافرت النصوص الواردة في المصادر الحديثية الإسلامية أن الأئمة أو الخلفاء أو القيّمين عليٰ الأمة اثنا عش-ر، مثل ما رواه البزار بسنده عن عبد الله أن النبي(صلي الله عليه و آله) قال: «يكون بعدي اثنا عش-ر خليفة» أحسبه قال: «عدّة نقباء بني إسرائيل»((1))، ويأتي - في محله - التعرض لمصادر أخريٰ عند الجمهور، حتيٰ قال البغوي: هذا حديث متفق عليٰ صحته((2)). وقد طبق شيعة أهل البيت (عليهم السلام) الحديث عليٰ أئمتهم الاثني عش-ر (عليهم السلام)، فيما اختلف غيرهم في تطبيقه لانعدام الضابطة الواضحة في ذلك.

ومع ذلك فالمعروف - فيما يبدو - بينهم أن المهدي المنتظر أحد الأئمة أو الخلفاء الاثني عش-ر الذين ذُكروا في النصوص الواردة عن النبي(صلي الله عليه و آله)، قال السيوطي - بعد أن ذكر ما أورده أبو داوود من حديث الاثني عش-ر -: فأشار بذلك إليٰ ما قاله العلماء: (إن المهدي أحد الاثني

ص: 61


1- مسند البزار: 5/320.
2- في رحاب العقيدة: 1/186.

عش-ر، فإنه لم يقع إليٰ الآن وجود اثني عش-ر اجتمعت الأمة عليٰ كلٍّ منهم)((1)).

6 - أنه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) في آخر الزمان:

وقد تضمنت ذلك عدة نصوص صراحة أو تلميحاً، وأكّدته عبارات العلماء من الفريقين، أمّا روايات أهل البيت (عليهم السلام) وموقف شيعتهم فواضحة.

وأمّا روايات الجمهور فمختلفة، فقد تضمن بعضها أن المهدي يظهر في وسط عمر أُمة الإسلام، فقد روي في مصادرهم عن النبي(صلي الله عليه و آله) قوله: «كيف يهلك الله أُمة أنا في أولها، وعيسيٰ في آخرها، والمهدي من أهل بيتي في وسطها»((2)).

وفي المقابل تضمنت بعض مصادر الجمهور العديد من الروايات التي يستفاد منها كون نزوله آخر الزمان، وهي عليٰ صنفين:

الصنف الأول: ما دل عليٰ اقتران حضوره (عجل الله تعالي فرجه الشريف) مع عيسيٰ (عليه السلام) - الذي ينزل آخر الزمان - وأن عيسيٰ يصلي خلفه، وهي عدّة روايات منها:

1 - ما تضمّن أن (المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) الذي ينزل عليه عيسيٰ بن مريم، ويصلي خلفه عيسيٰ (عليه السلام))((3)).

ص: 62


1- العرف الوردي في أخبار المهدي: 113.
2- انظر: معجم أحاديث الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف): 2/415، عن ابن أبي شيبة وغيره.
3- المصدر: 436، عن عدة مصادر.

ورويٰ نُعيم بن حمّاد بسنده عن محمد، قال: (المهدي من هذه الأمة، وهو الذي يؤمّ عيسيٰ بنَ مريم (عليهما السلام))((1)).

2 - وفي أخريٰ: (فيلتفت المهدي وقد نزل عيسيٰ (عليه السلام) كأنما يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي: تقدم صلّ بالناس، فيقول عيسيٰ: إنما أقيمت الصلاة لك، فيصلي عيسيٰ خلف رجل من ولدي، فإذا صُلِّيت قام عيسيٰ حتيٰ جلس في المقام فيبايعُه، فيمكث أربعين سنة)((2)).

وقد روي هذا المضمون في الكثير من مصادرهم كما سيأتي((3))، حتيٰ إن أبا الحسن الآبري (ت363ه-) قال: (تواترت الأخبار واستفاضت [بكثرة رواتها عن المصطفيٰ (صلي الله عليه و آله)] في المهدي وأنه من أهل بيت النبي (صلي الله عليه و آله) وأنه يملك سبع سنين ويملأ الأرض عدلاً وأنه سيخرج من عيسيٰ بن مريم... وأنه يؤم هذه الأمة وعيسيٰ (صليٰ الله عليه) يصلي خلفه)((4))، وقال ابن حجر العسقلاني: (تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة، وأن عيسيٰ (عليه السلام) سينزل ويصلي خلفه)((5)).

ص: 63


1- الفتن: 294.
2- انظر معجم أحاديث الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف): 2/440، عن بيان الشافعي وغيره.
3- انظر معجم أحاديث الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف): 2/403و436-442.
4- مناقب الشافعي: 95.
5- فتح الباري: 5/362.

الدرس الحادي عشر

اشارة

ويؤكد ذلك ملاحظة أمرين:

الأول: ما تضمن أنّ إمام المسلمين عند نزول عيسيٰ (عليه السلام) منهم، مثل ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم»((1)).

الثاني: ما تضمن أن عيسيٰ (عليه السلام) آخر هذه الأُمة التي هي آخر الأُمم - المقارن لآخر الزمان - من ذلك:

1 - ما رواه الحاكم الحسكاني بسنده عن عبد الرحمن بن جُبير بن نفير عن أبيه 2، قال: لما اشتدّ جزع أصحاب رسول الله (صلي الله عليه و آله) عليٰ مَن قُتل يوم مؤتة قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «لَيُدرِكنَّ الدجال قوماً مثلكم أو خيراً منكم - ثلاث مرات - ولن يخزي الله أُمة أنا أوّلها، وعيسيٰ بن مريم آخرها» قال: هذا حديث صحيح عليٰ شرط الشيخين ولم يخرجاه((2)).

2 - ما رواه الطبري في تفسيره عن معاوية بن صالح: أن كعب الأحبار قال: (ما كان لله (عزوجل) ليميت عيسيٰ، إنما بعثه الله داعياً ومبش-راً يدعو إليه وحده،

ص: 64


1- الجامع الصحيح: 4/205، صحيح مسلم: 1/136، انظر أيضاً: معجم أحاديث الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف): 2/411-415.
2- مستدرك الحاكم: 3/41.

فلما رأيٰ عيسيٰ قلّة مَن اتّبعه وكثرة مَن كذّبه شكا ذلك إليٰ الله (عزوجل) فأوحيٰ الله إليه ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ﴾ [آل عمران: 55] وليس مَن رفعتُه عندي ميّتاً، وإني سأبعثك عليٰ الأعور الدجال فتقتله، ثم تعيش بعد ذلك أربعاً وعش-رين سنة، ثم أُميتك ميتة الحي. قال كعب الأحبار: وذلك يصدّق حديث رسول الله (صلي الله عليه و آله) حيث قال: «كيف تهلك أُمة أنا أوّلها وعيسيٰ في آخرها»)((1)).

ورواه نُعيم بن حمّاد بلفظ آخر((2)).

الصنف الثاني: ما قد يدل مباشرة عليٰ ظهور المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) في آخر الزمان، من هذه الروايات:

1 - ما رواه الحاكم الحسكاني بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال نبي الله: «ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يُسمع بلاء أشدّ منه، حتيٰ تضيق عنهم الأرض الرحبة، وحتيٰ يملأ الأرض جوراً وظلماً، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث الله (عزوجل) رجلاً من عترتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضيٰ عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدّخر الأرض من بذرها شيئاً إلّا أخرجته، ولا السماء من قَطرها شيئاً إلّا صبّه الله عليهم مدراراً، يعيش فيها سبع سنين أو ثمان أو تسع، مما صنع الله (عزوجل) بأهل الأرض من خيره» قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه((3)).

ص: 65


1- تفسير الطبري: 3/203
2- انظر: الفتن: 427.
3- المستدرك عليٰ الصحيحين: 1603.

2 - ما رواه الترمذي بسنده عن عبد الله عن النبي(صلي الله عليه و آله) قال: «يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي»، قال عاصم: وأنا أبو صالح عن أبي هريرة قال: «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطّول الله ذلك اليوم حتيٰ يلي»، قال أبو عيسيٰ: هذا حديث حسن صحيح((1))، وقد يُستظهر منه كون ظهوره آخر الزمان.

وقد تقدّم آنفاً ما ذكره السيوطي من تواتر الأخبار عندهم عليٰ ظهور المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) في آخر الزمان وأنه المشهور بين المسلمين.

وقال عبد العزيز بن باز مفتي السعودية العام ورئيس هيئة كبار العلماء: (أمّا إنكار المهدي بالكلية كما زعم ذلك بعض المتأخرين فهو قول باطل، لأن أحاديث خروجه في آخر الزمان، وأنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً، قد تواترت تواتراً معنوياً)((2)).

7 - إنجازه (عجل الله تعالي فرجه الشريف):

والمهم في ذلك إقامة الحق والعدل في ربوع المعمورة، قال الألباني: (إن النبي (صلي الله عليه و آله) بش-ّر المسلمين برجل من أهل بيته، ووصفه بصفات أهمها أنه يحكم بالإسلام وينش-ر العدل بين الأنام)((3))، وهو ما تضمنته النصوص الكثيرة وعبارات علماء المسلمين التي تقدم بعضها، ويأتي غيرها.

ص: 66


1- سنن الترمذي: 4/505.
2- مجلة عكاظ: رقم: 108/ محرم عام 1400ه-.
3- سلسلة الأحاديث الصحيحة: 4/42.

الدرس الثاني عشر

المبحث الرابع: ما يختص به الشيعة بشأن المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف):

إن مختصات شيعة أهل البيت (عليهم السلام) - وقد يوافقهم في بعضها غيرهم من دون أن يكون مشهوراً عندهم - عديدة، أهمها خمسة أمور، وهي:

1 - إنه من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام).

2 - تحديد هويته الشخصية وأنه محمد بن الحسن العسكري(عليهما السلام).

3 - ولادته (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

4 - استمرار حياته (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

5 - غَيبته (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

ونتعرض هنا إليٰ ما يدلّ عليٰ كل واحدٍ من هذه الأمور:

1 - إنه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام):

وقد تضمنت ذلك النصوص الكثيرة الواردة من طرقهم، وهي أصناف منها:

أ - ما تضمن ذلك صراحةً، مثل صحيحة سلمان الفارسي 2 قال: دخلت عليٰ النبي(صلي الله عليه و آله) فإذا الحسين بن علي عليٰ فخذه، وهو يقبّل عينينه ويلثم فاه ويقول: «أنت سيّد وابن سيد، أنت إمام بن إمام [أخو

ص: 67

إمام] أبو أئمة، أنت حجة الله وأبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم»((1)).

وفي معتبرة غياث بن إبراهيم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي (عليهم السلام) قال: (سئل أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) عن معنيٰ قول رسول الله(صلي الله عليه و آله): «إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي»، مَن العترة؟ فقال: «أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديّهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتيٰ يردوا عليٰ رسول الله9 حوضه»((2)).

ب - ما تضمن نسبته إليٰ أئمة آخرين من ذرية الحسين (عليه السلام)مثل صحيحة عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدتُ مولاي الرضا علي بن موسيٰ (عليهما السلام) قصيدتي التي أولها:

مدارسُ آياتٍ خلت من تلاوةٍ *** ومنزلُ وحيٍ مقفرُ العرَصات

فلما انتهيت إليٰ قولي:

خروج إمامٍ لا محالةَ خارجٌ***يقوم عليٰ اسم الله والبركات

يميّز فينا كلَّ حقٍّ وباطل*** ويجزي عليٰ النعماء والنقمات

ص: 68


1- كمال الدين وتمام النعمة: 1/262.
2- كمال الدين وتمام النعمة: 2/240-241.

بكيٰ الرضا (عليه السلام) بكاءً شديداً ثم رفع رأسه إليّ، فقال لي: «يا خزاعي نطق روح القدس عليٰ لسانك بهذين البيتين، فهل تدري مَن هذا الإمام، ومتيٰ يقوم؟» فقلت: لا يا مولاي، إلّا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ويملؤها عدلاً (كما مُلئت جوراً)، فقال: «يا دعبل، الإمام بعدي محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غَيبته، المُطاع في ظهوره، لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يومٌ واحدٌ لطوّل الله ذلك اليوم حتيٰ يخرج، فيملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً، وأمّا متيٰ؟ فإخبارٌ عن الوقت، فقد حدّثني أبي عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) أنّ النبي(صلي الله عليه و آله) قيل له: يا رسول الله متيٰ يخرج القائم من ذريتك؟ فقال: مَثَلُه مَثَلُ الساعة ﴿لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾»((1)).

ونظيرها صحيحة الريان بن الصلت المتقدمة، عن الإمام الرضا(عليه السلام) وفيها - عن الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) -: «ذاك الرابع من ولدي».

وأمّا باقي المسلمين فلم يلتزم الكثير منهم أو أكثرهم بكون المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) من ولد الإمام الحسين (عليه السلام)، نعم قد يبدو من بعضهم التزامهم بذلك ممن أقرّ بولادة محمد بن الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) واعتبره هو المهدي الموعود (عجل الله تعالي فرجه الشريف) - كما سيأتي - لكنه خلاف المشهور بينهم، فلذلك لم نعتبره من المشتركات.

ص: 69


1- كمال الدين وتمام النعمة: 2/372-373.

وأمّا رواياتهم فهي مختلفة، وأهمها صنفان:

الصنف الأول: ما تضمن أنه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) من ذرية الحسين (عليه السلام).

الصنف الثاني: ما تضمن أنه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) من ذرية الحسن (عليه السلام).

فمن الصنف الأول:

1 - ما رووه عن حذيفة 2 قال: خطبنا رسول الله (صلي الله عليه و آله) فذكّرَنا رسول الله (صلي الله عليه و آله) بما هو كائن ثم قال: «لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يومٌ واحدٌ لطوّل الله ذلك اليوم حتيٰ يبعث الله فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي»، فقام سلمان الفارسي 2 فقال يا رسول الله، من أيّ ولدك؟ قال: «هو من ولَدي هذا، وضرب بيده عليٰ الحسين (عليه السلام)».

قال المقدسي الشافعي: أخرجه الحافظ أبو نُعيم في (صفة المهدي)((1)). وأخرجه أيضاً محب الدين الطبري الشافعي((2)).

2 - ما رواه الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي بسنده عن أبي سعيد الخُدري... (إن رسول الله مرض مرضاً نقه منها، فدخلت عليه فاطمة (عليها السلام) تعوده وأنا جالس عن يمين رسول الله (صلي الله عليه و آله)، فلما رأت ما برسول الله (صلي الله عليه و آله) من الضعف خنقتها العبرة حتيٰ بدت دموعها عليٰ خدها، فقال لها رسول الله (صلي الله عليه و آله): ما يُبكيكِ يا فاطمة؟... إنّا أهل بيت أُعطينا ستّ خصال لم يُعطَها أحد من الأولين ولا يدركها أحد من

ص: 70


1- عقد الدرر في أخبار المنتظر: 46.
2- انظر: ذخائر العقبيٰ في مناقب ذوي القربيٰ: 162.

الآخرين غيرنا أهل البيت: نبيُّنا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصيُّنا خير الأوصياء وهو بَعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمّ أبيك، ومنّا سبطا هذه الأمة وهما ابناك، ومنّا مهدي الأمة الذي يصلي عيسيٰ خلفه، ثم ضرب عليٰ منكب الحسين (عليه السلام) فقال: مِن هذا مهديَّ الأمة» قلت: هكذا أخرجه الدارقطني صاحب الجرح والتعديل((1)).

فقال الألوسي: (واختلف في نسبه، فقيل: من أولاد العباس بن عبد المطلب وقيل: من أولاد الحسن، والأصح أنه من أولاد الحسين)((2)).

ص: 71


1- عقد الدرر في أخبار المنتظر: 46.
2- غاية المواعظ: 77.

الدرس الثالث عشر

ومن الصنف الثاني:

ما رواه أبو داوود وغيره عن أبي إسحاق قال: قال علي (عليه السلام) - ونظر إليٰ ابنه الحسن - فقال: «ان ابني هذا سيد - كما سماه رسول الله (صلي الله عليه و آله) - وسيخرج من صلبه رجل يسميٰ باسم نبيّكم، ويشبهه في الخُلُق ولا يشبهه في الخَلق يملأ الأرض عدلاً»((1))، في إشارة واضحة للمهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف). ونحوها روايات أخريٰ عندهم.

2 - تحديد هويته الشخصية (محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام)):

يريٰ شيعة أهل البيت (عليهم السلام) أن هوية المهدي المنتظر محددة وأنه محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام)، وقد يوافقهم عليه بعض المسلمين الذين أقروا بولادته ووصفوه بأنه المهدي المنتظر - كما سيأتي - إلّا أن المعروف بين الجمهور عدم تحديد هوية المهدي الشخصية والاكتفاء بذكر أوصافه.

ويستند شيعة أهل البيت (عليهم السلام) إليٰ عدة أدلة وشواهد عليٰ ذلك، أهمّها اثنان:

ص: 72


1- عقد الدرر في أخبار المنتظر: 45.

الأول: النصوص الكثيرة التي تضمنت تحديد هويته ونسبه المذكور، (منها):

1 - صحيحة عبد السلام الهروي المتقدمة، وفيها: «... الإمام من بعدي محمد ابني، وبعد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غَيبته...».

2 - صحيحة الريان بن الصلت المتقدمة قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: «أنا صاحب هذا الأمر، ولكني لست بالذي أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك عليٰ ما تريٰ من ضعف بدني، وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ ومنظر الشبان، قوياً في بدنه حتيٰ لو مدّ يده إليٰ أعظم شجرة عليٰ وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسيٰ وخاتم سليمان (عليهما السلام)، ذاك الرابع من ولدي، يغيبه الله في ستره ما شاء، ثم يظهره فيملأ [به] الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»((1)).

3 - صحيحة أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمد (عليه السلام): جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال: «سَل»، قلت: يا سيدي هل لك ولد؟

فقال: «نعم»، فقلت: فإن حدَثَ بك حدَثٌ فأين أسأل عنه؟ قال: «بالمدينة»((2)).

ص: 73


1- كمال الدين وتمام النعمة: 376.
2- الكافي: 1/328.

وتشير هذه الرواية إليٰ غَيبته والظروف غير الطبيعية التي تحيط بالمهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) بحيث إنه يُطلب في المدينة المنوّرة مع أنه كان بعمر خمس سنوات إليٰ جنب أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عند وفاته في مدينة سامراء في العراق، ونظير هذه الروايات روايات أخريٰ كثيرة يأتي التعرض لبعضها.

4 - معتبرة أبي هاشم داوود بن القاسم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يقول: «الخَلَف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخَلَف من بعد الخَلَف؟» فقلت: ولمَ جعلني الله فداك؟ فقال: «لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحلّ لكم ذكره باسمه»، قلت: فكيف نذكره؟ قال: «قولوا: الحجة من آل محمد»((1)).

ولعلّ من أهم أسباب النهي عن ذكر اسمه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وتحديد هويّته في الملأ العام المحافظة عليٰ مصير العائلة ومقرَّبي الإمام العسكري (عليه السلام) من ملاحقة السلطة وبطشها، كما تُشير إليٰ ذلك بعض الروايات، ومنها ما في صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري عن الثقة أحمد بن إسحاق الأشعري القمي في حواره مع السفير الثاني محمد بن عثمان السمري (رحمه الله) قال:... قلت: فالاسم. قال: (محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، وليس لي أن أُحلِّل ولا أُحرّم، ولكن عنه (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

فإنّ الأمرَ عند السلطان أن أبا محمد (عجل الله تعالي فرجه الشريف) - يعني الحسن العسكري(عليه السلام) - مض-يٰ ولم يُخلّف ولداً، وقُسّم ميراثه وأخذَه من لا

ص: 74


1- المصدر: 381.

حقّ له، وصبَر عليٰ ذلك، وهو ذا عيالُه يجولون وليس أحد يجس-ر أن يتعرَّف عليهم أو يُنيلَهم شيئاً - أي يقدّم لهم شيئاً من المال - وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسِكوا عن ذلك...)((1)).

شبهة (اسم أبيه اسم أبي) والجواب عنها:

وأمّا ما تضمّنته بعض روايات الجمهور عن النبي(صلي الله عليه و آله) بأن اسم أبيه اسم أبي.

فقد قيل إنّ أصله ما رواه أبو داوود عن زائدة عن عصام عن زُر عن عبد الله عن النبي(صلي الله عليه و آله) أنه قال: (لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يومٌ واحدٌ لطوّل الله ذلك اليوم حتيٰ يبعث الله رجلاً مني أو - من أهل بيتي - يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما

ص: 75


1- انظر الكافي: 1/330؛ والغَيبة (للطوسي): 360-361. هذا، وقد عِشنا ما يشبه هذه الظروف في عهد طاغية العراق، حيث تم إعدام بعض أقاربنا لمجرّد سماعهم بكيفية مغادرة الشهيد السيد محمد باقر الحكيم (رحمه الله) للعراق، كما إن أجهزة النظام القمعية حاصرت بيوت كبار السن - بعد إطلاق سراحهم - لمدة أربع سنوات متواصلة حيث كانت عناصرهم تلازم بيوتهم صباحاً ومساءً طيلة كل هذه الفترة لمنع التواصل معهم، بل إن عناصر الأجهزة الأمنية حجزت غرفة في بيت الشهيد السيد محمد رضا الحكيم (رحمه الله) نجل مرجع الطائفة السيد محسن الحكيم (رحمه الله) وسكنوها خلال هذه الفترة الطويلة إمعاناً في الحصار والرصد وإيذاء العائلة. وإنما ذكرت ذلك لئلّا يستغرب القارئ من الروايات المحذرة من تحديد اسم وهوية الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) بين عموم الشيعة آنذاك حذراً من سطوة السلطة وبطشها بعائلته والمقرّبين منه.

ملئت ظلماً وجوراً)((1)) والذي لا ينسجم مع كون المهدي ابن الحسن العسكري (عليهما السلام).

والجواب عنه - بالإضافة إليٰ الإشكال لدينا فيه، لعدم وروده من طُرق معتبرة عندنا - أمران:

الأول: أن في سنده (زائدة) وقد طعنوا فيه بأنه كان يزيد في الأحاديث((2)).

الثاني: أن نفس الحديث روي بعدة طرق عن زُر من دون زيادة (واسم أبيه اسم أبي...) فقد ذكر الحافظ الكنجي الشافعي أن الأحاديث الواردة عن النبي(صلي الله عليه و آله) جميعها خالية من جملة (واسم أبيه اسم أبي) ثم ذكر الحديث المروي عن زائدة وقال: - بعد الحديث - ما نصّه: قلت: وقد ذكر الترمذي الحديث، ولم يذكر قوله (واسم أبيه اسم أبي...) وفي معظم روايات الحُفّاظ والثِّقات من نقَلة الأخبار: (اسمه اسمي) فقط.. والقول الفصل في ذلك: أن الإمام أحمد بن حنبل - مع ضبطه وإتقانه - رويٰ الحديث في مسنده في عدّة مواضع: (اسمه اسمي) ثم ذكر أسماء واحد وثلاثين شخصية ممن رويٰ الحديث بطرق متعددة وقال: كل هؤلاء رووا (اسمه اسمي) إلّا ما كان من عبيد الله بن موسيٰ عن زائدة عن عصام فإنه قال فيه: (واسم أبيه اسم أبي) ولا يرتاب اللبيب أن هذه

ص: 76


1- انظر سنن أبي داوود: 106-107.
2- انظر: البيان في أخبار صاحب الزمان: 483.

الزيادة لا اعتبار بها مع اجتماع هؤلاء الأئمة عليٰ خلافها((1))، وهناك مناقشات أخريٰ في ذلك توكل إليٰ محلّها.

ولعلّ لمسعيٰ الخليفة العباسي عبد الله أبي جعفر المنصور المحموم في الإيحاء بأن ولده محمداً هو المهدي المنتظر - ولذلك لقبّه ب-(المهدي) - دوراً في وضع هذه الزيادة ونش-ر الروايات المتضمّنة لها، وذلك مما يزيد هذه الرواية شكّاً وشبهة.

وعليٰ كل فالروايات الكثيرة المعتبرة عندنا - المتقدم بعضها - الدالة عليٰ كون المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) من ذرية الامام الحسين (عليه السلام) كافية في عدم اعتبار هذه الرواية وأمثالها.

الثاني: وجود النواب الأربعة (رحمهم الله):

وجه الاستدلال: أن النواب الأربعة مشهود لهم بالوثاقة والعدالة من الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) أو الأصحاب المعاصرين لهم والعلماء اللاحقين، وهم يدّعون النيابة والارتباط المباشر بالمهدي محمد بن الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) فتكون هذه شهادات منهم بذلك، وهي كافية في إثبات هويته (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وولادته، بالإضافة إليٰ عدة روايات تضمّنت رؤيتهم له، منها:

1 - صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري قال: قلت لمحمد بن عثمان العمري 2: إني أسألك سؤال إبراهيم ربّه جل جلاله حين قال له ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتيٰ قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَليٰ وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ

ص: 77


1- انظر: الإمام المهدي من المهد إليٰ الظهور: 23؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 485-486.

قَلْبِي﴾ [البقرة: 260] فأخْبِرني عن صاحب هذا الأمر هل رأيته؟ قال: (نعم، وله رقَبة مثل ذي - وأشار بيده إليٰ عنقه -)((1)).

وكأنه يريد من ذلك أنه مثل سائر الناس، له جسم مادي وأعضاء جسدية وأنه رآه عَياناً كما يريٰ غيره من الناس.

2 - معتبرة محمد بن موسيٰ المتوكل قال: حدثني عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن عثمان العمري 2 فقلت له: أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: (نعم، وآخر عهدي به عند البيت الحرام وهو يقول: «اللهم أنجز لي ما وعدتني».

ونحوهما غيرهما((2)).

ص: 78


1- كمال الدين وتمام النعمة: 2/335.
2- انظر: المصدر 440 وما بعدها.

الدرس الرابع عشر

3 - ولادته (عجل الله تعالي فرجه الشريف):

من العقائد الثابتة المسلمّة لديٰ شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ولادة الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) ووافقهم عليه بعض علماء الجمهور - خلافاً لما هو المعروف بينهم من ولادته مستقبلاً - وقد تضمنت بعض الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) التص-ريح بموقف أكثر الجمهور وإنكارهم لولادته، ففي معتبرة العباس بن عامر القصباني قال: سمعت أبا الحسن موسيٰ بن جعفر (عليهما السلام) يقول: «صاحب هذا الأمر من يقول الناس: لم يولد بعد»((1)).

فالرواية وإن أكدت ولادته (عجل الله تعالي فرجه الشريف) إلّا أنها تضمنت أن المعروف بين غير شيعة أهل البيت (عليهم السلام) إنكار ولادته.

ونبحث هنا أمرين:

الأمر الأول: من أقر من باقي المسلمين بولادة محمد بن الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام).

الأمر الثاني: الأدلة والشواهد عليٰ ولادته (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

ص: 79


1- كمال الدين: 2/360.

أمّا الأمر الأول: فقد صرّح العديد من علماء الجمهور - خصوصاً أصحاب الاتجاه الصوفي - بولادة محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام)، نذكر منهم:

1 - أحمد بن يوسف بن علي بن الأزرق (ت572 أو بعد 557ه-) قال في ترجمة محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام): (إن الحجة المذكور ولد تاسع شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ومائتين، وقيل: في ثامن شعبان سنة ستة وخمسين وهو الأصح)((1)).

2 - عبد الله بن أحمد بن الخشاب البغدادي (492 - 567ه-).

3 - الرازي - محمد بن عمر - (ت 606 ه-) قال: (أمّا الحسن بن العسكري الإمام فله ابنان وبنتان، أمّا الابنان فأحدهما: صاحب الزمان (عجل الله تعاليٰ فرجه الش-ريف)، والثاني موسيٰ درج في حياة أبيه، وأمّا البنتان فاطمة درجت في حياة أبيها، وأُم موسيٰ درجت أيضاً)((2)).

ص: 80


1- تاريخ ميافارقين، حكاه ابن خلكان في وفيات الأعيان 4/31 رقم (562).
2- الشجرة المباركة في الأنساب الطالبية: 92، وقد أثيرت شكوك في نسبة الكتاب المذكور للرازي المذكور، لكن جاء في نسخة مكتبة جامع السلطان أحمد الثالث في اسطنبول تحت الرقم (2677) وهي نسخة ثمينة نقلت عن نسخة الفخر الرازي نفسه، والناسخ هو وحيد بن شمس الدين وتاريخ النسخ (825 ه-) وفي آخرها ما نصه: كتبت هذه النسخة من نسخة صححها الإمام الرازي مصنف هذه النسخة وكتب عليٰ ظهرها بخطه هذه العبارة: (هذا الكتاب المسميٰ بالشجرة المباركة قرأته عليٰ السيد الأجل العالم المحترم شمس الدين مجد الإسلام شرف العترة علي بن شرف شاه ابن أبي المعالي أدام الله مجده وسمع هو هذا الكتاب بتمامه من لفظي، وأجزت له Z [روايته عني بالش-رائط المعتبرة عند أهل الصنعة وشرطت عليه أن يبالغ في نفي المتهمين. والله تعاليٰ يوفقه لاقتناء الخيرات والاحتراز عن السيئات. وهذا خط محمد بن عمر بن حسين الرازي مصنف هذا الكتاب ختم الله له بالخير. أثبته في غرة شعبان سنة (597) والحمد لله رب العالمين والصلاة عليٰ خير خلقه محمد وآله أجمعين، وكتبه الفقير وحيد شمس الدين سنة (825 ).

4 - المؤرخ علي بن أبي الكرم محمد بن عبد الكريم المعروف ب-(ابن الأثير) (ت 630ه-) حيث قال في أحداث سنة (260 ه-): (وفيها توفي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسيٰ بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو والد محمد الذي يعتقدونه المنتظر بس-رداب سامرا)((1))، فإنه قد يفهم من عبارته إقراره بولادة محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام).

5 - كمال الدين محمد بن طلحه الشافعي (ت 652ه-) قال: (الباب الثاني عش-ر في أبي القاسم محمد بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسيٰ الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتض-يٰ أمير المؤمنين بن أبي طالب، المهدي الحجة الخلف الصالح المنتظر عليهم السلام ورحمة الله وبركاته)((2)).

6 - سبط بن الجوزي (ت654 ه-) قال في ذكر أولاد الإمام العسكري (عليه السلام): (فصل في ذكر الحجة المهدي: هو محمد بن الحسن بن

ص: 81


1- الكامل في التاريخ: 6/246-250.
2- مطالب السؤول: 88.

علي بن محمد بن علي بن موسيٰ الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة صاحب الزمان وهو آخر الأئمة)((1)).

7 - عمر بن محمد بن عبد الواحد الموصلي شيخ الشافعية (ت657ه-) قال - في أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) -: (أولاده ثلاثة، وهم: موسيٰ وفاطمة، وانقرضا، ولم يخلّف سويٰ محمد (عليه السلام) وقال: وهو الإمام الثاني عش-ر، وهو الخلف الصالح الأمين المكين من سلالة الأنبياء وحجة الأولياء إمام المؤمنين وبقية الطاهرين، وأضاف: أنشدني سيدي وشيخي العالم العامل بمدينة السلام في ذي القعدة من سنة ست وأربعين وستمائة:

بأربعة أسماء كلٌّ محمد *** وأربعة أسماء كلّهم علي

وبالحسنين السيدين وجعفر *** وموسيٰ أجِرني إني لهم ولي((2))

8 - ابن خلّكان (ت681) قال: (الحجة المنتظر أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور قبله ثاني عش-ر الأئمة الاثني عش-ر عليٰ اعتقاد الإمامية، المعروف بالحجة، وهو الذي تزعم الشيعة أنه المنتظر والقائم المهدي...، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه - وقد سبق ذكره - كان عمره خمس وستين)((3)).

ص: 82


1- تذكرة الخواص: 452.
2- النعيم المقيم لعترة النبأ العظيم: 159-160.
3- وفيات الأعيان: 4/31.

9 - جمال الدين بن يوسف الزرندي الحنفي (693 - بضع وخمسين وسبعمائه) قال - عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) -: (وكان له من الولد ستة: ثلاثة ذكور وثلاث إناث، أحدهم الإمام القائم محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) ومن كلامه 2...)((1)).

10 - عبد الرحمن جامي الحنفي (817 - 898ه-) حيث ذكر في ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام): (كان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، وجلس عليٰ مسند الإمامة، ومثَلُه مثل يحييٰ بن زكريا حيث أعطاه الله في الطفولة الحكمة والكرامة، ومثلَ عيسيٰ بن مريم حيث أعطاه النبوة في صغر سنه، كذلك المهدي جعله الله إماماً في صغر سنه، وما ظهر له من خوارق العادات كثير لا يسعه هذا المختصر)((2)).

11 - شمس الدين محمد بن طولون (ت 935ه-) قال: (ثاني عش-رهِم ابنه محمد بن الحسن، وهو الذي تزعم الشيعة أنه المنتظر والقائم والمهدي... كانت ولادته 2 يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه المتقدم ذكره (رضي الله عنهم) كان عمره خمس سنين... وقد رتبت تراجم هؤلاء الأئمة الاثني عش-ر ݢ عليٰ ترتيب النظم المتقدم... وقد نظمتهم عليٰ ذلك فقلت:

ص: 83


1- معارج الوصول إليٰ معرفة فضل آل الرسول والبتول: 81.
2- انظر: شواهد النبوة.

عليكَ بالأئمة الاثني عش-رْ *** من آل بيت المصطفيٰ خير البش-ر

أبو ترابٍ حَسَنٌ حُسَينُ *** وبُغضُ زينِ العابدين شَيْنُ

محمد الباقر كمْ علمٍ دريٰ *** والصادقُ ادعُ جعفراً بين الوريٰ

موسيٰ هو الكاظم وابنُه *** لقّبه بالرضا وقدْرُهُ علي

محمد التقي قلبه معمور*** علي التقي دُرّه منثُورُ

والعسكريُّ الحسنُ المطهَّر *** محمد المهدي سوف يظهر((1))

12 - عبد الوهاب الشعراني الشافعي (ت973).

13 - أحمد بن حجر الهيتمي المكي (909 - 974ه-)

قال في ترجمة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ولم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة، ويسميٰ القائم المنتظر، قيل: لأنه سُتر بالمدينة وغاب فلم يُعرف أين ذهب((2)).

ص: 84


1- الأئمة الاثنا عشر: 117-118.
2- الصواعق المحرقة: 124.

الدرس الخامس عشر

وأمّا الأمر الثاني: وهو الأدلة والشواهد عليٰ ولادته فهي عديدة منها:

الأول: ما دلّ عليٰ تحديد هويته وأنه محمد بن الحسن العسكري(عليهما السلام) وقد تقدم التعرض لها، وذلك يدل عليٰ ولادته بالفعل، كما هو واضح، إذ لا يمكن أن يكون هو ابن الحسن العسكري (عليه السلام) الذي توفي عام (260 ه-) وهو لم يولد بعد.

الثاني: ما دل عليٰ أن الأرض لا تخلو من حجة، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.

وهي روايات كثيرة تضمّنتها مصادر المسلمين عليٰ اختلاف مذاهبهم، سيأتي التعرض لبعضها.

وهي تدل عليٰ اتصال الإمامة وعدم انقطاعها، وأنه لابّد من وجود إمام حيّ منذ وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وحيث إنه لا يوجد مَن يُحتمَل أن يكون إماماً آنذاك - بحيث تستمر الإمامة والحجة به إليٰ عص-رنا الحاضر - غير ولده محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام)، فلابّد أن يكون هو الإمام وقد كان مولوداً قبل وفاة أبيه، خصوصاً بملاحظة ما دلّ أن الإمامة لا تجتمع في أخوين غير الحسن

ص: 85

والحسين(عليهما السلام) التي تنفي إمامة جعفر بن الإمام علي الهادي (عليه السلام) وأخ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) - فضلاً عن الأدلة الأخريٰ المعروفة النافية لإمامته -.

وينبغي التعرض هنا إليٰ أمرين:

الأول: نماذج من روايات اتصال الإمامة.

الثاني: نماذج من روايات عدم اجتماع الإمامة في أخوين غير الحسن والحسين (عليهما السلام).

أولاً: الروايات الدالة عليٰ اتصال الإمامة وأن مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وهي كثيرة ورواها المسلمون عليٰ اختلاف مذاهبهم، وتضمنتها مصادرهم المعتبرة، نذكر منها:

أ - لديٰ الجمهور:

رويٰ الطبراني بسنده عن معاوية قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية»((1))، وكذلك أحمد بن حنبل في مسنده((2))، وابن حبان في صحيحه((3))، وابن حجر الهيثمي((4))، وغيرهم.

ص: 86


1- المعجم الكبير: 19/ 388 وقريب منه في: 335.
2- مسند أحمد: 4/96.
3- صحيح بن حبان: 7/49.
4- معجم الزوائد: 5/224.

ومن الواضح أنه لا يمكن أن يراد منه كل من سيطر عليٰ السلطة بالقوة أو بالخداع أو نحوهما من الأساليب غير المش-روعة، فإن الجهل بمثل هذا الحاكم وعدم طاعته لا يوجبان كون ميتة المسلم ميتة جاهلية - وقد تم التعرض لذلك مفصلاً في مباحث الإمامة -.

ب - لديٰ شيعة أهل البيت (عليهم السلام):

1 - صحيحة الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية»؟ قال: «نعم»، قلت: جاهلية جهلاء، أو جاهلية لا يعرف إمامه؟ قال: «جاهلية كفر ونفاق وضلال»((1)).

2 - صحيحة عبد الأعليٰ قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول العامة: إن رسول الله(صلي الله عليه و آله) قال: «من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية»، فقال: «الحق والله...»((2))، ونحوها روايات أخريٰ مشابهة.

3 - صحيحة صفوان بن يحييٰ قال: سمعت الرضا (عليه السلام) قال: «إن الأرض لا تخلو من أن يكون فيها إمام منّا»((3)).

ص: 87


1- أصول الكافي: 1/308.
2- أصول الكافي: 1/310.
3- كمال الدين وتمام النعمة: 1/229.

4 - معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله أجلّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل»((1)).

5 - صحيحة ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا تبقيٰ الأرض يوماً واحداً بغير إمامٍ منّا تفزع إليه الأمة»((2))، ونحوها غيرها.

ثانياً: ما دل عليٰ عدم اجتماع الإمامة في أخوين غير الحسن والحسين (عليهما السلام)، وهو ينفي إمامة جعفر أخ الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) ويؤكد إمامة الإمام محمد بن الحسن (عليهما السلام) وهي مجموعة روايات، منها:

1 - صحيحة الحسين بن ثوير أبي فاختة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) أبداً، إنها جرت من علي بن الحسين (عليهما السلام) كما قال الله جلّ جلاله ﴿وَأُولُوا الْأَرحامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ﴾ [الأنفال: 75/الأحزاب: 6] ولا تكون بعد علي بن الحسين إلّا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب»((3)).

2 - موثقة هشام بن سالم قال: قلت للصادق جعفر بن محمد(عليهما السلام): الحسن أفضل أم الحسين؟ فقال: «الحسن أفضل من الحسين» [قال] قلت: فكيف صارت الإمامة من بعد الحسين في عَقبه دون ولد الحسن؟ فقال: «إن الله تبارك وتعاليٰ أحب أن يجعل سنّة موسيٰ وهارون جارية في الحسن والحسين (عليهما السلام): ألا تريٰ أنهما كانا شريكين في النبوة كما

ص: 88


1- الكافي: 1/178 باب أن الأرض لا تخلو من حجة: ح6.
2- كمال الدين وتمام النعمة: 2/130.
3- كمال الدين وتمام النعمة: 2/414.

كان الحسن والحسين شريكين في الإمامة، وأن الله (عزوجل) جعل النبوة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسيٰ وإن كان موسيٰ أفضل من هارون(عليهما السلام)»، قلت: فهل يكون إمامان في وقت واحد؟ قال: «لا إلّا أن يكون أحدهما صامتاً مأموماً لصاحبه والآخر ناطقاً إماماً لصاحبه، فأمّا أن يكونا إمامين ناطقين في وقت واحد فلا»، قلت: فهل تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)؟ قال: «لا، إنما هي جارية في عقب الحسين (عليه السلام) كما قال الله (عزوجل) ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: 28] ثم هي جارية في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إليٰ يوم القيامة»((1)).

3 - صحيحة يونس بن يعقوب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «أبيٰ الله أن يجعل الإمامة لأخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)»((2)).

4 - رواية حماد بن عيسيٰ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين، إنما تجري في الأعقاب وأعقاب الأعقاب»((3)) ونحوها غيرها.

ص: 89


1- كمال الدين وتمام النعمة: 2/416-417.
2- الغَيبة: 225.
3- المصدر: 416.

الدرس السادس عشر

الثالث: روايات متفرقة تدل عليٰ ولادته (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، منها:

1 - صحيحة العباس بن عامر القصباني المتقدمة قال: سمعت أبا الحسن موسيٰ بن جعفر (عليهما السلام) يقول: «صاحب هذا الأمر من يقول الناس: لم يولد بعد»((1)).

2 - صحيحة أبي هاشم الجعفري المتقدمة قال: قلت لأبي محمد(عليه السلام): جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسالك؟ فقال: «سل»، قلت: يا سيدي، هل لك ولد؟ فقال: «نعم»، فقلت: فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال: «بالمدينة»((2))، وفي هذه الرواية إشارة إليٰ الغَيبة والظروف الاستثنائية المحيطة بالإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) - كما تقدم - وإلّا فكيف يُطلب شخص في مثل عمره (عجل الله تعالي فرجه الشريف) الذي لا يتجاوز خمس سنوات آنذاك في المدينة المنورة بدلاً من سامراء التي سكنها وتوفي فيها أبوه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).

3 - صحيحة أبي هاشم الجعفري قال: كنت محبوساً مع أبي محمد(عليه السلام) في حبس المهتدي بن الواثق فقال لي: «يا أبا هاشم: إن هذا

ص: 90


1- كمال الدين وتمام النعمة: 2/360.
2- الكافي: 1/264.

الطاغي أراد أن يعبث بالله في هذه الليلة، وقد بتر الله عمره وجعله للقائم من بعد، ولم يكن لي ولد، وسأُرزَق ولداً».

قال أبو هاشم: فلما أصبحنا شغب الأتراك عليٰ المهتدي فقتلوه، وولي المعتمد مكانه، وسلّمنا الله تعاليٰ((1)).

4 - صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري - المتقدمة - وفيها أنه سأل أبا عمرو عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله)... فقلت: أنت رأيت الخلَف من بعد أبي محمد(عليه السلام)؟ فقال: (أي والله، ورقبتُه مثل ذا - وأومأ بيده -...)((2)).

5 - صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري قال: سألت محمد بن عثمان العمري 2 فقلت له: أرايت صاحب هذا الأمر؟ فقال: (نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني)((3))، ونحوها غيرها.

4 - استمرار حياته (عجل الله تعالي فرجه الشريف):

اتفق شيعة أهل البيت (عليهم السلام) عليٰ استمرار حياة الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) وأنه لم يمت بعد ولادته، ويدل عليٰ ذلك ما يلي:

1 - ما دل عليٰ أن الأرض لا تَخلو من حُجة، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية - وقد تقدمت بعض الروايات في ذلك آنفاً - فإنه يدل بوضوح عليٰ استمرار حياته.

ص: 91


1- الغَيبة: 205.
2- الكافي: 1/266.
3- كمال الدين وتمام النعمة: 2/440.

2 - ما دل عليٰ غَيبته - ممّا تقدّم وما يأتي من النصوص - فإنه ظاهر في استمرار حياته غائباً لا وفاته، خصوصاً أنه لا شكّ في حياته في فترة الغَيبة الصغريٰ ووجود النواب الأربعة المرتبطين به ارتباطاً مباشراً، وأن آخرهم علي بن محمد السمري (رحمه الله) قد أخبر عن غَيبته (عجل الله تعالي فرجه الشريف) لا عن وفاته، بل هي دالة عليٰ استمرار حياة الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) وغَيبته حتيٰ يأذن الله في ظهوره.

3 - ما دل عليٰ طول عمره وعليٰ استمرار حياته ونفي وفاته (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، وقد تسالم شيعة أهل البيت (عليهم السلام) عليٰ ذلك جيلاً بعد جيل، ووجّه علماؤهم طول عمره (عجل الله تعالي فرجه الشريف) بوجوه عديدة ردّاً عليٰ إشكال مخالفيهم، وقد دلّت عليٰ ذلك عدّة روايات، منها:

أ - صحيحة أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء (عليهم السلام): سُنّة من موسيٰ، وسُنّة من عيسيٰ، وسُنّة من يوسف، وسُنّة من محمد(صلي الله عليه و آله)، فأمّا من موسيٰ فخائف يترقب، وأمّا من يوسف فالحبس، وأمّا من عيسيٰ فيقال: إنه مات ولم يمت، وأمّا من محمد(صلي الله عليه و آله) فالسّيف»((1)). والمقصود من السيف هو القوّة الرادعة للمعتدين والمعاندين، وليس القسوة عليٰ غيرهم من المسالمين، كما تشهد به سيرة النبي المصطفيٰ (صلي الله عليه و آله) وروايات أخريٰ، ويؤكد ذلك ما روي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام): «أن في القائم

ص: 92


1- كمال الدين وتمام النعمة: 1/326-327.

من آل محمد شبهاً من خمسة من الرُسل - وبعد أن ذكر وجوه الشبه بأربعة من الأنبياء قال - وأمّا شبهه من جدّه المصطفي فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله وأعداء رسوله الجبّارين والطواغيت...».

ب - معتبرة أبي الجارود زياد بن المنذر عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) قال: قال لي: «يا أبا الجارود، إذا دارت الفلك وقال الناس: مات القائم أو هلك، بأيّ وادٍ سلك، وقال الطالب: أنّيٰ يكون ذلك وقد بُليت عظامه فعند ذلك فارجوه، فإذا سمعتم به فأتوه ولو حبواً عليٰ الثلج»((1)). فإنّها ظاهرة في نفي موته.

ج - صحيحة عبد السلام بن صالح الهروي المتقدمة، فراجع صفحة (72).

د - رواية سعيد بن جبير قال: سمعت سيّد العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: «في القائم سُنّة من نوح، وهو طول العمر»((2))، ونحوها غيرها.

ص: 93


1- كمال الدين وتمام النعمة: 326.
2- المصدر: 322.

الدرس السابع عشر

5 - غَيبته (عجل الله تعالي فرجه الشريف):

اتفق شيعة أهل البيت (عليهم السلام) عليٰ أن المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) يغيب عن الأنظار قبل ظهوره مهما طالت فترة غَيبته، وقد دلت عليٰ غَيبته عدة أمور:

الأول: النصوص الواردة في فترة الغَيبة الصغريٰ الدالة عليٰ غَيبته(عجل الله تعالي فرجه الشريف) عن عموم الناس واقتصار الارتباط به عليٰ سفرائه الخاصين المعروفين، وهي عدّة نصوص، منها:

1 - معتبرة عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن عثمان العمري2 قال: سمعته يقول: (والله إن صاحب هذا الأمر ليحض-ر الموسم كلّ سنة فيريٰ الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه)((1)).

2 - معتبرة عبد الله بن جعفر الحميري الثانية قال: سمعت محمد بن عثمان رضي الله عنه يقول: (رأيته صلوات الله عليه متعلّقاً بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول: اللهم انتقم لي من أعدائي)((2)).

ص: 94


1- كمال الدين وتمام النعمة: 2/440.
2- المصدر: 440.

3 - معتبرته الأخريٰ قال: قلت لمحمد بن عثمان العمري 2: إني أسالك سؤال إبراهيم ربه (عزوجل) حين قال له: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتيٰ قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَليٰ وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260]، فأخبرني عن صاحب هذا الأمر هل رأيته؟ قال: (نعم، وله رقبة مثل ذي - وأشار بيده إليٰ عنقه -)((1)).

الثاني: النصوص الكثيرة الواردة بخصوص غَيبته، منها:

1 - صحيحة زرارة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يأتي عليٰ الناس زمان يغيب عنهم إمامهم»: فقلت له: ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال: «يتمسكون بالأمر الذي هم عليه حتيٰ يتبين لهم»((2)).

2 - صحيحة عبد السلام بن صالح الهروي المتقدمة قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي علي بن موسيٰ الرضا(عليهما السلام) قصيدتي... فقال: «يا دعبل، الإمام بعدي محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غَيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله (عزوجل) ذلك اليوم حتيٰ يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً»((3)).

3 - معتبرة صفوان بن مهران الجمّال قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): «أما والله ليغيبنّ عنكم مهديّكم حتيٰ يقول الجاهل منكم:

ص: 95


1- المصدر: 435.
2- المصدر: 440.
3- كمال الدين وتمام النعمة: 2/272.

ما لله في آل محمد حاجة، ثم يُقبل كالشهاب الثاقب فيلمؤها عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً»((1)).

4 - صحيحة أبي هاشم داوود بن القاسم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يقول: «الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخَلف؟» فقلت: ولِمَ جعلني الله فداك؟ فقال: «لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه»، قلت: فكيف نذكره؟ قال: «قولوا: الحجة من آل محمد»((2)).

5 - صحيحة محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن بلغكم عن صاحبكم غَيبة فلا تنكروها»((3)) ورويٰ الشيخ الطوسي مثله عن أبي بصير((4)).

ونظيرها روايات كثيرة أخريٰ.

قال الصدوق (رحمه الله): (إن الأئمة (عليهم السلام) قد أخبروا بغَيبته ووصفوا كونها لشيعتهم في ما نُقل عنهم واستُحفظ في الصحف ودُوِّن في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغَيبة بمأتي سنة أو أقل أو أكثر، وليس أحد من أتباع الأئمة (عليهم السلام) إلّا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنفاته، وهي الكتب التي تُعرف بالأصول المدوَّنة مستحفَظة عند

ص: 96


1- المصدر: 321.
2- كمال الدين وتمام النعمة: 381.
3- الكافي: 1/340.
4- إثبات الهداة: 5/51.

شيعة آل محمد من قبل الغَيبة بما ذكرناه من السنين... فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا قد علموا بما وقع الآن من الغَيبة، فألّفوا ذلك في كتبهم ودوّنوه في مصنَّفاتهم من قَبلِ كونِها، وهذا محال عند أهل اللب والتحصيل، أو أن يكونوا [قد] أسّسوا في كتبهم الكذب فاتفق الأمر لهم كما ذكروا، وتحقَّق كما وضعوا من كذبهم عليٰ بُعد ديارهم واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالّهم، وهذا أيضاً محال كسبيل الوجه الأول، فلم يبق في ذلك إلّا أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفَظين للوصية عن رسول الله(صلي الله عليه و آله) من ذكر الغَيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إليٰ آخر المقامات ما دوّنوه في كتبهم وألّفوه في أصولهم، وبذلك فلج الحق وزهق الباطل)((1)).

ونظير ذلك قاله الشيخ المفيد (رحمه الله): (فقد كانت الأخبار عمّن تقدّم من أئمة آل محمد(صلي الله عليه و آله) متناصرة بأنه لابدّ للقائم المنتظر من غَيبتين: إحداهما أطول من الأخريٰ... والأخبار بذلك موجودة في مصنَّفات الشيعة الإمامية قبل مولد أبي محمد وأبيه وجدّه (عليهم السلام)، وظهر حقها عند مض-ي الوكلاء والسفراء الذين سميناهم (رحمهم الله) وبان صدق رواتها بالغَيبة الطُّوليٰ، وكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية ودانت به في معناه...)((2)).

ص: 97


1- كمال الدين وتمام النعمة (يراجع المقدمة).
2- عدة رسائل للشيخ المفيد، الفصل الخامس من الفصول العشرة في الغَيبة: 362.

وقال أبو علي الطبرسي: (ومن جملة ثقات المحدّثين والمصنِّفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراد، وقد صنّف كتاب (المشيخة) الذي هو من أصول الشيعة - أشهر من كتاب المُزني [ت175ه-] - وأمثاله قبل زمان الغَيبة بأكثر من مائة سنة، فذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغَيبة، ومن جملة ما رواه عن إبراهيم المخارفي عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: قلت له: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: «لقائم آل محمد غَيبتان واحدة طويلة والأخريٰ قصيرة...»((1)).

وما حكاه الطبرسي هنا عن كتاب المشيخة، يؤكد تسالم الشيعة في عصور الأئمة السابقين (عليهم السلام) عليٰ غَيبة المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، وانتشار أخبارها والتأليف عنها بينهم.

ص: 98


1- إعلام الوريٰ: 2/259؛ واثبات الهداة: 5/147-148.

الدرس الثامن عشر

الثالث: شواهد ومؤيدات حصول الغَيبة:

هناك عدة شواهد أو مؤيدات أخريٰ لحدوث الغَيبة نشير إليٰ أهمها:

1 - رغم كثرة الروايات الواردة عن المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) ووفرتها في المصادر الإسلامية المختلفة إلّا أنّا لم نعثر عليٰ رواية معتبرة تتضمن أن ولادته (عجل الله تعالي فرجه الشريف) في آخر الزمان أو في تاريخ محدّد، بل اشتملت الروايات المذكورة عليٰ ألفاظ (القيام) (الخروج) (الظهور) ونحوها.

2 - إن فكرة غَيبة المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) لم يستحدثها الشيعة الإمامية، بل كانت معروفة منذ القرن الأول الهجري، فادّعاها بعض الكيسانية لمحمد بن الحنفية (ت 81 أو 87 وقيل: غير ذلك) حيث يزعمون أن محمد بن الحنفية حيّ بجبال رضويٰ أسدٌ عن يمينه ونمرٌ عن شماله يحفظانه، يأتيه رزقه غدوة وعشية إليٰ وقت خروجه، ومن القائلين بهذا القول (كثيّر) الشاعر، وفي ذلك يقول:

ألا إنّ الأئمة من قريش *** ولاة الحقّ أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه هم *** الأَسباط ليس بهم خفاء

ص: 99

فسبطٌ، سبطُ إيمانٍ وبرّ *** وسبطٌ غَيّبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتيٰ *** يقود الخيل يَقْدمها اللواء

تغيّب لا يُريٰ فيهم زمان ***برضويٰ عنده عسل وماء((1))

ثم ادَّعاها الإسماعيلية لإسماعيل بن الإمام الصادق (عليه السلام)، كما ادَّعاها الواقفة للإمام الكاظم (عليه السلام) حيث زعموا أنه حي غائب، وكذلك غير هؤلاء.

وقد كانت تجري محاججات بين هؤلاء المعتقدين بغَيبة المهدي المنتظر الذي كانوا يزعمونه وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، والملاحظ أنه بالرغم من غرابة دعويٰ الغَيبة في الذهنية العامة إلّا أن الأئمة (عليهم السلام) وأصحابهم لم يكونوا يشنّعون بها عليهم - كما يشنّع خصومنا علينا بسببها - بل كانوا يقتص-رون عليٰ تخطئتهم في تطبيق شخص المهدي المنتظر عليٰ من يزعمونه، مما يشهد بعدم رفض أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لفكرة غَيبة المهدي المنتظر، وإلّا لكان مناقشتهم لأُولئك والتشنيع عليهم بها أيسر من تخطئتهم في التطبيق.

3 - الروايات الدالة عليٰ أن الأئمة اثنا عش-ر، وهي روايات كثيرة ظاهرة في تسلسلهم وعدم وجود فاصل زمني بينهم - وإلّا لكان المناسب التنبيه عليٰ ذلك - وقد تضمنتها مصادر الفريقين، منها:

ص: 100


1- بحوث في الملل والنحل: 7/28.

أ - رواية جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه و آله) يقول: «إن الإسلام لا يزال عزيزاً إليٰ اثني عش-ر خليفة»، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال رسول الله (صلي الله عليه و آله)؟ فقال: «كلهم من قريش»((1)).

ب - ما رواه أحمد بن حنبل بسنده عن مس-روق: قال: كنا جلوساً عند عبد الله بن مسعود وهو يُقرئُنا القرآن، فقال له الرجل: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله (صلي الله عليه و آله) كم تملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول (صلي الله عليه و آله) فقال: «اثنا عش-ر كعدّة نقباء بني إسرائيل»((2))، ونحوها غيرها.

4 - الروايات الدالة عليٰ أن مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، ونحوها ما دلّ عليٰ أن الأرض لا تخلو من حجة.

وقد تقدم استعراض بعضها، فإنها تدلّ عليٰ حياة المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) وغَيبته وأن عدم رؤية الناس له لا يعني عدم وجوده.

ص: 101


1- انظر: مسند الطيالس-ي: 150؛ ومسند ابن الجعد: 2/813؛ وتاريخ البخاري: 1/446.
2- مسند أحمد: 1/398.

الدرس التاسع عشر

الفصل الثاني: الإشكاليات الأساسية المطروحة عليٰ العقيدة المهدوية

هناك عدّة إشكاليات أو إبهامات في الذهنية العامة قد تحيط بالعقيدة المهدوية، وقد طرحت خلال العصور المختلفة عليٰ أنها إشكالات عليٰ الاعتقاد بالمهدي المنتظر.

وسوف نستعرض أهمّ هذه الإشكالات والتساؤلات عليٰ بعض ما يرتبط بالعقيدة المهدوية، والإجابة عنها - ولو من خلال الإشارة لما تقدّم - وهي:

الأول: إثبات ولادة الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

الثاني: طول عمره (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

الثالث: غَيبته (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

الرابع: دوره وفائدة وجوده (عجل الله تعالي فرجه الشريف) في فترة الغَيبة.

الخامس: توجيه عدم ظهوره (عجل الله تعالي فرجه الشريف) مع انتشار الظلم وانعدام العدالة وحاجة المجتمعات البشرية إليه.

السادس: مهمته وإنجازه (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

ص: 102

أمّا الأمر الأول - وهو إثبات ولادته (عجل الله تعالي فرجه الشريف) -:

فقد تقدم الاستدلال عليه مفصّلاً((1))، ولا موجب للإعادة.

نعم قد يستشكل عليٰ الالتزام بولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام) وإمامته بأن الشيعة قد انقسموا إليٰ ثلاث عش-ر فرقة أو نحو ذلك بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مما يوجب الشك والارتياب في ولادته وإمامته، وإلّا لما حدث هذا الاختلاف.

والجواب عن ذلك:

أولاً: أن الخلاف لم يقتص-ر عليٰ فترة ما بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، بل حدث في الأُمم السابقة، حيث خالفت الأُمم – عموماً - الأنبياء والرسل (عليهم السلام)، وتمسّكوا بعقائد واهية مثل عبادة الأصنام.

وكذلك عقيب رحيل النبي المصطفيٰ (صلي الله عليه و آله) رغم الخطوات والمواقف التي اتخذها النبي(صلي الله عليه و آله) لبيان إمامة الإمام علي (عليه السلام) وضمان رجوع الأُمة إليه إلّا أن ذلك لم يحدث، بل صعّد المخالفون من موقفهم منه 9 حتيٰ قالوا عنه 9 إنه (يهجر)((2))، وحدث الخلاف أيضاً بالنسبة لبعض الأئمة (عليهم السلام) أيضاً، وهو جارٍ في عص-رنا أيضاً حيث نجد كثيراً من الأشخاص يبثون عقائد فاسدة بل واضحة الفساد تبلغ حدّ الخرافة بسبب الجهل خصوصاً المفرط منه أو المصالح الشخصية.

ص: 103


1- انظر صفحة: 83.
2- انظر: صحيح مسلم: 11/95.

وثانياً: أن العديد من قدماء الأصحاب وغيرهم قد صرّحوا أن جمهور شيعة أهل البيت (عليهم السلام) آمنوا بإمامة الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام)، وأن اتباع باقي الفرق - رغم تعددها - كانوا قلة قليلة، وقد تأثروا بتلك الادعاءات لعوامل شتّيٰ - لا يسع المجال استعراضها - ومن الذين صرّحوا بذلك:

1 - أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي (237 - 311 ه-)((1)).

حيث قال: (إن الحسن (عليه السلام) خلّف جماعة من ثقاته ممن يروي عنه الحلال والحرام ويؤدي كتب شيعته وأموالهم ويخرجون الجوابات وكانوا بموضع من الستر والعدالة بتعديله إياهم في حياته فلما مض-يٰ أجمعوا جميعاً عليٰ أنه قد خلَّف ولداً هو الإمام، وأمروا الناس...)((2)).

2 - أبو الحسن الأشعري زعيم الأشاعرة (ت 324).

حيث قال في كتابه (مقالات الإسلاميين) - الذي انتهيٰ من تأليفه عام (297 ه-) -: (... جمهور الشيعة يزعمون أن النبي نصّ عليٰ إمامة علي بن أبي طالب (عليه السلام) واستخلفه بعده بعينه واسمه - إليٰ أن قال بشأن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) - أن الحسن بن علي نصّ عليٰ إمامة

ص: 104


1- قال الشيخ الطوسي (رحمه الله) عنه: (كان شيخ المتكلّمين من أصحابنا ببغداد ووجوههم) عاش في فترة الغَيبة الصغريٰ، وقد روي عن ابن نوح قال: وسمعت جماعةً من أصحابنا في مص-ر يذكرون أن أبا سهل النوبختي سُئل فقيل له: كيف صار هذا الأمر - أي السفارة - إليٰ الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك؟ فقال: هم أعلم وما اختاروه.
2- كمال الدين 93، نقلاً عن كتاب أبي سهل (التنبيه في الإمامة).

ابنه محمد بن الحسن بن علي، وهو الغائب المنتظر عندهم الذي يدّعون أنه يظهر فيملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً)((1)).

3 - الشيخ الصدوق (رحمه الله) (ت 389 ه-) قال: (وكلّ من سألَنا من المخالفين عن القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف) لم يخل من أن يكون قائلاً بإمامة الأئمة الأحد عشر من آبائه (عليهم السلام) أو غير قائل بإمامتهم، فإن كان قائلاً بإمامتهم لزمه القول بإمامة الإمام الثاني عش-ر، لنصوص آبائه الأئمة (عليهم السلام) عليه باسمه ونسبه، وإجماع شيعتهم عليٰ القول بإمامته أنه القائم الذي يظهر بعد غَيبة طويلة فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً)((2)).

4 - ابن حزم الظاهري (ت 548 ه-) قال: (وقالت القطعية((3)) من الإمامية الرافضة كلهم، وهم جمهور الشيعة ومنهم المتكلمون والنظارون والعدد العظيم بأن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسيٰ بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حي لم يمت، ولا يموت حتيٰ يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وهو عندهم المهدي المنتظر)((4)). ونحو ذلك ما ذكره غير هؤلاء.

وأمّا عدم تص-ريح الحسن بن موسيٰ النوبختي - من أعلام القرن الثالث الهجري - في كتابه (فِرَق الشيعة) بكون القائلين بإمامته وغَيبته

ص: 105


1- شبهات وردود: 408.
2- كمال الدين: 45.
3- قال أبو الحسن الأشعري: (وإنما سمّوا القطعية، لأنهم قطعوا عليٰ موت موسيٰ بن جعفر بن محمد بن علي، وهم جمهور الشيعة).
4- الفصل في الملل والأهوال والنِحل: 4/138.

هم جمهور الشيعة فهو لا ينافي ما قدمناه، لأن كلامه مختص-ر عن الفِرَق فلم يتقيّد بذكر نسبة كلّ فرقة وعددها، حتيٰ بالنسبة للفِرَق التي سبقت وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عليٰ أنه قد يبدو من نقل الشيخ المفيد عن النوبختي أن النسخة التي كانت عنده من كتاب النوبختي قد تضمنت التص-ريح باعتقاد جمهور الشيعة عقيب وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بولادة وإمامة ولده محمد بن الحسن المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، حيث قال الشيخ المفيد (ت 413): (ولما توفي أبو محمد الحسن بن علي بن محمد (عليهم السلام) افترق أصحابه - عليٰ ما حكاه أبو محمد الحسن بن موسيٰ النوبختي - بأربع عش-رة فرقة، فقال الجمهور منهم بإمامة القائم المنتظر وأثبتوا ولادته وصححوا النص عليه، وقالوا: هو سميّ رسول الله9، ومهديّ الأنام)((1)).

ومما يؤكد ما ذكرناه تص-ريح أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي - الذي هو خال الحسن بن موسيٰ - المتقدم بأن ثقات الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (أجمعوا جميعاً عليٰ أنه قد خلّف ولداً هو الإمام وأمروا الناس...).

ومما يناسب كون باقي الفرق شراذم قليلة أن انقراضها كان سريعاً، كما يبدو عند ملاحظة عبارات أبي الحسن الأشعري وأبي سهل

ص: 106


1- شبهات وردود: 404.

النوبختي والشيخ الصدوق المتقدمة، ولذلك لم يظهر لهم أي كتاب أو أثر.

وقد صرّح الشيخ المفيد (ت 413ه-) بذلك حيث قال: (وليس من هؤلاء الفرق التي ذكرناها فرقة موجودة في زماننا هذه، وهو سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة إلّا الامامية الاثنا عش-رية القائلة بإمامة ابن الحسن المسميٰ باسم رسول الله(صلي الله عليه و آله) القاطعة عليٰ حياته وبقائه إليٰ وقت قيامه بالسيف - حسبما شرحناه فيما تقدم عنهم - وهم أكثر فرق الشيعة عدداً، وعلماء ومتكلّمون ونُظّار وصالحون وعُبّاد متفقهة وأصحاب حديث وأُدباء وشعراء، وهم وجه الإمامية ورؤساء جماعتهم والمعتمد عليهم في الديانة، ومن سواهم منقرضون، ولا يعلم أحد من جملة الأربع عشرة فرقة التي قدمنا ذكرها ظاهراً بمقالة، ولا موجوداً عليٰ هذا الوصف من ديانته، وإنما الحاصل منهم حكاية عمّن سلف، وأراجيف بوجود قومٍ منهم لا تثبت)((1)).

ص: 107


1- انظر: شبهات وردود: 404- 405.

الدرس العشرون

وأمّا الأمران الثاني والثالث وهو طولُ عمره وغَيبتُه (عجل الله تعالي فرجه الشريف):

فقد اتضح الجواب عن الإشكال فيهما من خلال النصوص والأدلة عليٰ ولادته وغَيبته (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وأن الأرض لا تخلو من حجة، خصوصاً أن المسلمين جميعاً يعتقدون بحصول حالات غَيبية مماثلة لأشخاص أطول عمراً منه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) مثل نبي الله عيسيٰ والخِض-ر (عليهما السلام)، ويتأكد ذلك بملاحظة الروايات المتقدمة وغيرها التي نصّت عليٰ ظهورهما مع المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) خصوصاً عيسيٰ (عليه السلام).

وأمّا الأمر الرابع وهو دوره (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وفائدة وجوده في فترة الغَيبة:

فيمكن أن يتلخص في مجالين:

أولهما: ملأ الفراغ القيادي وقطع الطريق أمام أدعياء المهدوية الذين يستغلون عقيدة الجمهور وتفاعله مع قضية المهدي المنتظر، ولذلك نجد أن ادِّعاء المهدوية في الوسط الشيعي الإمامي الاثني عش-ري يكاد يكون منعدماً، لأن الاعتقاد بهويته الشخصية وولادته قطَع الطريق أمام هؤلاء الأدعياء، فاكتفيٰ الدجالون بادعاء الارتباط به

ص: 108

أو الانتساب للإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، وذلك أخفّ وطأة من ادعاء المهدوية نفسها، كما حدث مع باقي المسلمين في مناطق وعصور مختلفة.

ثانيهما: الرعاية غير المحسوسة للأُمة ولو عند الض-رورة، كما تضمنته بعض الروايات، وإن لم تكن هذه الرعاية واضحة المعالم، ولعلّه هو المقصود من النصوص المتضمنة أن الفائدة من وجوده في عص-ر الغَيبة كالفائدة من الشمس حين يظللها السحاب.

كما في معتبرة محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري 2 أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ فورد[ت في] التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عجل الله تعالي فرجه الشريف): «... وأمّا وجه الانتفاع بي في غَيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غَيبتها عن الأبصار السحاب...»((1)).

ونحوها غيرها((2)).

بل إن حضوره (عجل الله تعالي فرجه الشريف) بين الأُمة لفترة طويلة من دون أن تتهيأ له ظروف قيامه وتحمّله لمسؤوليته الكاملة في الإصلاح الشامل يسبب له الحرج من جهتين:

الأوليٰ: ضغط السلطات المتعاقبة عليه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) لإعلان ولائه ودعمه لها، وهو لا يناسب مكانته ومقامه ودوره المرتقب (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، وقد أشارت

ص: 109


1- كمال الدين وتمام النعمة: 485.
2- انظر: المصدر: 207و253.

لذلك عدّة روايات، منها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يقوم القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وليس لأحد في عنقه عقد ولا عهد ولا بيعة»((1)).

الثانية: ضغط الجماهير، لأن وجوده بينهم يخلق أزمة عقائدية واجتماعية كبريٰ ويضيف له محنة مضاعفة، لأنه مع مواجهة الأُمة للظلم والمحن الكثيرة عليٰ مرّ العصور إذا لم يستجب لاستغاثات الجماهير فإنه يخلق ردّة فعل معاكسة قوية من جانبهم، فإنّ الجماهير المضطهدة لا تتحمل صمت إمامهم عليٰ معاناتهم اعتماداً عليٰ مصالح لا يدركونها. والمصادر التاريخية حافلة بمواقف انفعالية من أصحاب النبي(صلي الله عليه و آله) في صلح الحديبية وغيره، وكذلك أصحاب الأئمة (عليهم السلام) لمجرّد عدم إدراكهم لحكمة مواقفهم (عليهم السلام)، وقد كان بعض أصحاب الإمام الحسن(عليه السلام) يخاطبونه: (يا مذلّ المؤمنين)((2))، بل تجاوز عليه آخرون بأمور فضيعة((3))، كما نلاحظ في عص-رنا ردود الأفعال الانفعالية من جانب كثير من الناس تجاه مراجع الدين والقادة في ظروف المحنة أحياناً بسبب عدم تفاعلهم مع المواقف الانفعالية للجمهور، مع أن التوقع الجماهيري من العلماء والمراجع أقل بكثير من توقّعهم من الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) نفسه، خصوصاً أن عمره (عجل الله تعالي فرجه الشريف) ممتّد سنيناً طويلة وهو معاصر لمحَن وتحديات كثيرة.

ص: 110


1- الغَيبة للطوسي: 302.
2- انظر: الإمامة والسياسة: 185.
3- انظر: الإرشاد: 2/11.

ويشير إليٰ ما ذكرناه علي بن يقطين في حواره المروي مع أبيه يقطين - الذي كان من أعوان العباسيين وشيعتهم - حيث قال يقطين لابنه علي بن يقطين: ما بالنا قيل لنا فكان - يعني التنبؤ بحكم بني العباس - وقيل لكم - يعني التنبؤ بظهور المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) الذي هو من أهل البيت(عليهم السلام) - فلم يكن؟ فقال له علي: (إن الذي قيل لكم ولنا من مخرج واحد((1)) غير أنّ أمْرَكم حض-ر وقته فأُعطيتم محضَه، فكان كما قيل لكم، وإنّ أمْرَنا لم يحض-ر فعُلّلنا بالأماني، فلو قيل لنا، إن هذا الأمر لا يكون إلّا إليٰ مائتي سنة وثلاثمائة سنة لقست القلوب، ولرجعت عامة الناس عن الإيمان إليٰ الإسلام - يعني الإسلام العام عليٰ غير مذهب أهل البيت (عليهم السلام) - ولكن قالوا: ما أسرعه وما أقربه تألفاً لقلوب الناس وتقريباً للفرج)((2)).

ص: 111


1- باعتبار أن التنبؤ بحكم بني العباس كان قد صدر من أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً، مثل ما ورد عن الإمام علي (عليه السلام) أنه كان يصف علي بن عبد الله بن العباس بأنه أبو الأملاك (انظر: تهذيب التهذيب) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قد أخبر بحكم بني العباس، فقد رويٰ أبو الفرج الأصفهاني أن بعض بني هاشم ذهبوا إليٰ الإمام الصادق (عليه السلام) في عهد بني أمية فقال له عبد الله بن الحسن: قد علمت ما صنع بنا بنو أمية، وقد رأينا أن نبايع لهذا الفتيٰ - يقصد ولده محمد - فقال: «لا تفعلوا، فإن الأمر لم يأتِ بعد...» - وأضاف (عليه السلام) -... «ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم» وضرب يده عليٰ ظهر أبي العباس - يعني السفاح - ثم نهض واتبعه ولحقه عبد الصمد وأبو جعفر - يعني المنصور العباسي - فقالا: يا أبا عبد الله، أتقول ذلك؟ قال: «نعم، والله أقوله وأعلمه». (انظر مقاتل الطالبين: 172).
2- الغَيبة للنعماني: 306.

الدرس الحادي والعشرون

الأمر الخامس: توجيه عدم ظهوره مع انتشار الظلم وانعدام العدالة وحاجة المجتمعات البشرية إليه

وقد اتضح من خلال ما ذكرناه حكمة الأمر الخامس أيضاً وهو تأخر ظهوره رغم انتشار الظلم بين المجتمعات، وتوضيح الجواب يتضح من خلال ما يلي:

1 - إنه حيث لم يتوفر ظرف الإصلاح الشامل فلا فائدة في ظهوره وقيامه المبكر قبل ذلك، لعدم تحقق الهدف من ذلك، وهو قيام الحجة(عجل الله تعالي فرجه الشريف) وتحقق الإصلاح الشامل.

2 - إن مهمته حيث كانت استثنائية في عالم التكوين البش-ري فمن الطبيعي أن تكون ظروفها ومستلزماتها غير عادية ولا مألوفة، كما ارتبطت نماذج أخريٰ مماثلة بها مثل نزول نبي الله عيسيٰ والخض-ر (عليهما السلام)، وكما لا يمكن التنبؤ بما هو غير عادي لا يمكن الإشكال عليه بعد دلالة الأدلة المعتبرة عليٰ ذلك.

3 - إن نفس هذا الإشكال المزعوم يرد عليٰ مَن لا يلتزم بولادته(عجل الله تعالي فرجه الشريف) أيضاً، حيث يقال لهم: إن المهدي الذي تعتقدون ولادته آخر الزمان وأنه يقوم ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً لماذا تأخر تقدير ولادته

ص: 112

هذه الفترة الطويلة مع احتياج المجتمعات البش-رية إليه بسبب انتشار الظلم وانعدام العدالة في المجتمعات؟!

وأمّا الأمر السادس: مهمّته وإنجازه

فهو أن الذي يبدو أن المهمة الأساس والإنجاز الأبرز الذي يتحقق بظهور الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) هو إقامة الحجة عليٰ البش-رية - عليٰ مرّ عصورها - حيث يتحقق به الإصلاح التام الذي دعا إليه الأنبياء والأئمة والأولياء (عليهم السلام) من قبله (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، والذي لم يتحقق عليٰ أيديهم، كما عجز عنه غيرهم من دعاة العدالة والإصلاح ويشهد بذلك ثلاثة أمور:

الأول: النصوص التي صرّحت بذلك، مثل: موثقة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «ما يكون هذا الأمر حتيٰ لا يبقيٰ صنف من الناس إلّا وقد وُلّوا عليٰ الناس، حتيٰ لا يقول القائل: (إنّا لو وُلّينا لعدلْنا) ثم يقوم القائم بالحق والعدل»((1))، ونحوها غيرها.

الثاني: ما تضمّنته الكثير من النصوص أن ظهوره سوف يكون في آخر الزمان، وأن الحياة الدنيا لا تدوم بعده طويلاً، بل تلوح إرهاصات الحياة الأخريٰ التي تبدأ ببعث الأموات وحسابهم يوم القيامة. وقد تقدم بعضها.

ص: 113


1- الغَيبة للنعماني: 282.

الثالث: الدعم الغَيبي الواسع الذي يحيط به بما لم يسبق توفره لمن قبله من الأنبياء والأئمة والمصلحين، مما يكشف عن تميّز المهمة الموكلة إليه وإنجازه الذي لم يُنجزه أحد غيره.

ولذلك تضمّنت العديد من النصوص بشارة الأنبياء (عليهم السلام) - خاصة النبي المصطفيٰ (صلي الله عليه و آله) - به وبإنجازاته (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

الخلاصة:

1 - أهم المشتركات الإسلامية بخصوص المهدي المنتظر سبعة، وهي:

أ - البشارة به (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وكونه حتمياً.

ب - اسمه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) (محمد).

ج - أنه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) هاشمي من ذرية النبي(صلي الله عليه و آله) ومن ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام).

د - نزول نبيّ الله عيسيٰ (عليه السلام) معه (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

ه- - إنه أحد الأئمة والخلفاء الاثني عش-ر (عليهم السلام) الذين تضمنهم الحديث النبوي المشهور.

و - إن ظهوره (عجل الله تعالي فرجه الشريف) في آخر الزمان (لديٰ أكثر المسلمين).

ز - إنجازه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) تطبيق العدالة في الأرض.

2 - مختصات شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بخصوص المهدي المنتظر(عجل الله تعالي فرجه الشريف) خمسة، أهمها:

ص: 114

أ - إنه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام)، ووافقهم عليٰ ذلك بعض علماء الجمهور وبعض رواتهم.

ب - تحديد هويته الشخصية وأنه محمد بن الحسن العسكري(عليهما السلام)، وقد يبدو من بعض علماء الجمهور موافقتهم في ذلك.

ج- - ولادته (عجل الله تعالي فرجه الشريف) الفعلية، ووافقهم فيه بعض علماء الجمهور.

د - استمرار حياته (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

ه- - غَيبته (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

3 - اختلفت روايات الجمهور بخصوص نزول عيسيٰ (عليه السلام) مع المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف)، فبعضها تضمّن اقترانه بخروج المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف)، وبعضها تضمّن تأخر نزول عيسيٰ (عليه السلام) عن خروجه بينما ادعيٰ العديد من علمائهم تواتر الروايات بنزول عيسيٰ (عليه السلام) مع المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف).

4 - اختلفت روايات الجمهور بخصوص انتساب المهدي للحسن أو الحسين (عليهم السلام).

5 - أهم ما يثبت هويته الشخصية (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وكونه ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أمران:

أ - الروايات الكثيرة الدالة صراحةً عليٰ ذلك.

ب - النواب الأربعة الذين كانوا يرتبطون به (عجل الله تعالي فرجه الشريف) ويعرفون هويته.

6 - أقرّ الكثير من علماء الجمهور بولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام)، تقدم استعراض أسماء بعضهم.

ص: 115

7 - أهم ما يدل عليٰ ولادته (عجل الله تعالي فرجه الشريف) بالفعل، أمران:

أ - ما دلّ عليٰ تحديد هويته الشخصية وأنه محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام).

ب - ما دلّ عليٰ أن الأرض لا تخلو من حجة وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.

8 - أهم ما يشهد عليٰ غَيبته ثلاثة أمور:

أ - الروايات الكثيرة الدالة عليٰ ذلك.

ب - عدم رفض نفس فكرة الغَيبة من جانب الأئمة السابقين(عليهم السلام).

ج- - عدم تضمن الروايات الواردة في المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) - رغم كثرتها- لولادته آخر الزمان.

9 - البحوث السابقة تضمنت جوانب من الإجابة عليٰ الإشكالات والإبهامات الأساسية الستة عليٰ العقيدة المهدوية، وهي:

أ - إثبات ولادته (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

ب - طول عمره (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

ج-) غَيبته (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

د - دوره وفائدة وجوده (عجل الله تعالي فرجه الشريف) في عصر الغَيبة.

ه- - تأخر ظهوره (عجل الله تعالي فرجه الشريف) رغم الحاجة إليه.

و - مهمته وإنجازه (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

ص: 116

صورة

ص: 117

الأسئلة:

س1: اذكر ثلاثة أمور يشترك بها المسلمون فيها بخصوص المهدي المنتظر.

س2: اذكر ثلاثة أمور يختص بها شيعة أهل البيت (عليهم السلام) من بين أغلب المسلمين بخصوص المهدي المنتظر.

س3: ما هما الدليلان الدالان عليٰ تحديد هوية الإمام المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) الشخصية؟

س4: اذكر أسماء أربعة من علماء الجمهور الذين أقروا بولادة الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

س5: اذكر شاهدين عليٰ استمرار حياة المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

س6: اذكر ثلاثة من الإشكاليات الأساسية السائدة عليٰ العقيدة المهدوية والجواب عنها.

ص: 118

الدرس الثاني والعشرون

الباب الثاني: مرحلتا الغَيبة (الغَيبة الصغري والغَيبة الكبري)

يعتقد شيعة أهل البيت (عليهم السلام) أن غَيبة الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) مرّت بمرحلتين:

المرحلة الأوليٰ: التي ابتدأت بوفاة أبيه الحسن العسكري (عليه السلام) عام (260ه-) وامتدت إليٰ وفاة آخر السفراء الأربعة علي بن محمد السمري(رحمه الله) عام (328ه-) أو عام (329ه-) فتكون قرابة سبعين عاماً، غاب خلالها - وهو إمام - عن الملأ العام وتسميٰ (الغَيبة الصغريٰ).

المرحلة الثانية: التي ابتدأت من انتهاء الغَيبة الصغريٰ إليٰ الآن، وهي مستمرة لحين ظهوره (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

وينبغي البحث عن معالم المرحلتين أو الغَيبتين في فصلين:

الفصل الأول: الغَيبة الصغريٰ:

وأهم معالمها وجود النواب الأربعة (رحمهم الله) الذين سنتعرض لجانب من هويتهم ومواقفهم وشؤونهم.

ص: 119

المبحث الأول: النواب الأربعة (رحمهم الله):

وهم الوكلاء الخاصون الذين كانوا يتواصلون معه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) مباشرةً ويسمّون (السفراء) أيضاً.

الأول: أبو عمرو عثمان بن سعيد العُمَري (رحمه الله) أو العَمْري((1)) ولم يذكر تأريخ ولادته ولا تأريخ وفاته.

الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله) المعروف بالخلّاني، (ت 305ه-).

الثالث: أبو القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) بن أبي بكر النوبختي (ت 326ه-).

الرابع: أبو الحسن علي بن محمد السَّيمَري (رحمه الله)، وقيل: السّمَري وقيل: الصَّيمُري (ت 329ه- أو 328ه-).

وكلهم عاشوا في بغداد، ودفنوا فيها.

النائب الأول: عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله):

كان (رحمه الله) من الوكلاء المعتمدين لديٰ الإمامين الهادي والعسكري(عليهما السلام) وقد وردت العديد من الروايات التي تؤكد وثاقته لديٰ الإمامين (عليهما السلام) والأصحاب، منها:

1 - رواية أو معتبرة أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال: دخلت عليٰ أبي الحسن علي بن محمد (صلوات الله عليه) في يوم من الأيام،

ص: 120


1- انظر: الغَيبة: 214.

فقلت: يا سيدي: أنا أغيب وأشهد، ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت: فقولَ مَن نقبل؟ وأمرَ من نمتثل؟ فقال لي (صلوات الله عليه): «هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّاه إليكم فعني يؤديه»، فلما مض-يٰ أبو الحسن (عليه السلام) وصلت إليٰ أبي محمد ابنه الحسن - صاحب العسكر (عليه السلام) - ذات يوم، فقلت له مثل قولي لأبيه، فقال لي: «هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في الحياة والممات، فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدّيٰ إليكم فعنّي يؤديه»((1)).

قال أبو محمد هارون: قال أبو علي قال أبو العباس الحميري: (فكنا كثيراً مّا نتذاكر هذا القول ونتواصف جلالة محلّ أبي عمرو)((2))، وهؤلاء الأربعة كلهم ثقات((3)).

2 - صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو عند أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري القمي فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمرو إنّي أريد أن أسألك وما أنا بشاكّ في ما أريد أن أسألك عنه فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة - إلّا إذا كان قبل القيامة بأربعين يوماً فإذا كان ذلك رُفعت الحجة وغلق باب التوبة فلم يكن ينفع نفساً

ص: 121


1- بحار الأنوار: 51/ 344-345.
2- المصدر السابق.
3- انظر: المفيد من معجم رجال الحديث: 22و328 و485 و649.

إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك أشرار مَن خلق الله (عزوجل)، وهم الذين تقوم عليهم القيامة - ولكن أحببت أن أزداد يقيناً فإن إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتيٰ، فقال: أوَ لم تؤمن؟ قال: ﴿قالَ بَليٰ وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260]، وقد أخبرني أحمد بن إسحاق أبو علي، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته فقلت له: من أعامل؟ وعمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال له: «العمري ثقتي فما أدّيٰ إليك فعنّي يؤدي، وما قال لك فعني يقول، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون». قال: وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد الحسن بن علي(عليه السلام) عن مثل ذلك فقال له: «العمري وابنه ثقتان فما أدَّيا إليك فعنّي يؤدّيان وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان»، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك، قال: فخر أبو عمرو ساجداً وبكيٰ ثم قال: سل. فقلت له: أنت رأيت الخلف من أبي محمد(عليه السلام)؟ فقال: (أي والله ورقبته مثل ذا) وأومأ بيديه((1)).

3 - حكيٰ الشيخ الصدوق عن عبد الله بن جعفر الحميري في روايته الأخريٰ أنه قال: وخرج التوقيع إليٰ الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري في التعزية لأبيه (رضي الله عنهم) في فصل من الكتاب: «إنا لله وإنا إليه راجعون تسليماً لأمره ورضاءً بقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات

ص: 122


1- الكافي: 1/ 265-266.

حميداً فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام)، فلم يزل مجتهداً في أمرهم ساعياً في ما يقرّبه إليٰ الله (عزوجل) وإليهم، نضّر الله وجهه وأقاله عثرته».

وفي فصل آخر: «وأجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء، رُزئت ورُزئنا، وأوحشك فراقه، وأوحشنا، فس-رّه الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله ولداً مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بأمره ويترحم عليه. وأقول: الحمد لله، فإنّ الأنفس طيبة بمكانك، وما جعله الله (عزوجل) فيك وعندك أعانك الله وقواك وعضدك، ووفقك وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً ومعيناً»((1)).

ص: 123


1- كمال الدين وتمام النعمة: 2/510.

الدرس الثالث والعشرون

النائب الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد (رحمه الله):

وردت في حقه عدة روايات تتضمن توثيقه ومدحه واعتماد الأصحاب عليه، منها:

1 - صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري المتقدمة((1)) وفيها أن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال عنه وعن أبيه: «العمري وابنه ثقتان فما أدّيا إليك فعنّي يؤديّان، وما قالا لك فعنّي يقولان فاسمع لهما وأطِعهما، فإنهما الثقتان المأمونان»((2)).

2 - صحيحته الثانية المتقدمة المتضمنة تعزية الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) له بوفاة والده عثمان بن سعيد (رحمه الله)، وفيها: «وكان من كمال سعادته أن رزقه الله (عزوجل) ولداً مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بأمره ويترحّم عليه»((3)).

3 - قال أبو العباس: (وأخبرني هبة الله بن محمد بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمريّ 2 عن شيوخه قالوا: لم تزل الشيعة مقيمة عليٰ عدالة عثمان بن سعيد ومحمد بن عثمان (رحمهما الله) إليٰ أن مات أبو عمرو عثمان

ص: 124


1- راجع الصفحة: 129.
2- راجع الصفحة: 129.
3- راجع الصفحة: 129.

بن سعيد (رحمه الله)، وغسّله ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، وتوليٰ القيام به، وجعل الأمر كلّه له من النص عليه بالأمانة والعدالة، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن (عليه السلام) وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد، لا يُختلف في عدالته، ولا يُرتاب بأمانته، والتوقيعات تخرج عليٰ يده إليٰ الشيعة في المهمات طول حياته بالخط الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان، لا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره، ولا يرجع إليٰ أحد سواه.

وقد نقلت عنه دلائل كثيرة ومعجزات الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) ظهرت عليٰ يده، وأمور أخبرهم بها زادتهم في هذا الأمر بصيرة، وهي مشهورة عند الشيعة، وقد قدّمنا طرفاً منها، فلا نطوّل بإعادتها، فإن في ذلك كفاية للمنصف إن شاء الله تعاليٰ)((1)).

4 - قال ابن نوح: أخبرني أبو نص-ر هبة الله بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال: (كان لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري كتب مصنَّفة في الفقه مما سمعها من أبي محمد الحسن (عليه السلام)، ومن الصاحب(عجل الله تعالي فرجه الشريف)، ومن أبيه عثمان بن سعيد، عن أبي محمد وعن أبيه علي بن محمد (عليهما السلام) فيها كتب ترجمتها (كتب الأشربة) ذكرت الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر ݣ أنها وصلت إليٰ أبي القاسم الحسين بن روح عند الوصية إليه، وكانت في يده. قال أبو نص-ر: وأظنها قالت: وصلت بعد ذلك إليٰ أبي الحسن السمري رضي الله عنه وأرضاه)((2)).

ص: 125


1- الغَيبة للطوسي: 363.
2- الغَيبة: 363.

5 - قال محمد بن علي الأسود القمي: (إن أبا جعفر العمري (قدس سرّه) حفر لنفسه قبراً وسوّاه بالساج، فسألته عن ذلك فقال: للناس أسباب، وسألته عن ذلك فقال: قد أُمِرتُ أن أجمع أمري. فمات بعد ذلك بشهرين. رضي الله عنه وأرضاه)((1)).

6 - قال أبو نص-ر هبة الله: (وجدت بخط أبي غالب الزراري رحمه الله وغفر له: أنّ أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) مات في آخر جماديٰ الأوليٰ سنة خمس وثلاثمائة.

وذكر أبو نص-ر هبة الله [بن] محمد بن أحمد أن أبا جعفر العمري(رحمه الله) مات في سنة أربع وثلاثمائة، وأنّه كان يتوليٰ هذا الأمر نحواً من خمسين سنة، ويحمل الناس إليه أموالهم ويخرج إليهم التوقيعات بالخطّ الذي كان يخرج في حياة الحسن (عليه السلام) إليهم بالمهمّات في أمر الدين والدنيا، وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة. رضي الله عنه وأرضاه)((2)).

ص: 126


1- المصدر: 356-366.
2- انظر: المصدر: 366.

الدرس الرابع والعشرون

النائب الثالث: الحسين بن روح النوبختي (رحمه الله):

وهو من أجلاء الأصحاب، وقد وردت العديد من الروايات في مدحه واعتماد الأصحاب عليه، منها:

1 - رواية جعفر بن أحمد بن متيل قال: (لمّا حض-رت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري 2 الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسأله وأُحدِّثه وأبو القاسم بن روح عند رجليه فالتفت إليَّ ثم قال: أُمرتُ أن أوصي إليٰ أبي القاسم الحسين بن روح، قال: فقمتُ من عند رأسه وأخذتُ بيد أبي القاسم وأجلستُه في مكاني وتحوّلتُ إليٰ عند رجليه.

قال ابن نوح: وحدثني أبو عبد الله الحسين بن علي بن بابويه القمي - قدم علينا البص-رة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة - قال: سمعت علويّة الصفار والحسين بن أحمد بن إدريس(رضي الله عنهم) يذكران هذا الحديث وذكرا أنهما حض-را بغداد في ذلك الوقت وشاهدا ذلك)((1)).

2 - قال الشيخ الطوسي (رحمه الله): أخبرني الحسين بن إبراهيم عن ابن نوح عن أبي نص-ر هبة الله بن محمد قال: حدثني خالي أبو إبراهيم جعفر

ص: 127


1- الغَيبة: 370-371.

بن أحمد النوبختي قال: (قال لي أبي أحمد بن إبراهيم وعمي أبو جعفر عبد الله بن إبراهيم وجماعة من أهلنا - يعني بني نوبخت - أن أبا جعفر العمري لما اشتدت حالته اجتمع جماعة من وجوه الشيعة - منهم أبو علي بن همام وأبو عبد الله بن محمد الكاتب وأبو عبد الله الباقطاني وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي وأبو عبد الله بن الوجناء وغيرهم من الوجوه (و) الأكابر - فدخلوا عليٰ أبي جعفر 2 فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح ابن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) والوكيل [له] والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم وعوّلوا عليه في مهامكم فبذلك أُمِرت، وقد بَلَّغت)((1)).

3 - قال الصدوق: حدّثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود 2 قال: (كنت أحمل الأموال التي تحصل في باب الوقف إليٰ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري 2 فيقبضها منّي، فحملت إليه يوماً شيئاً من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين، فأمرني بتسليمه إليٰ أبي القاسم الروحي 2 وكنت أُطالبه بالقبوض فشكيٰ ذلك إليٰ أبي جعفر 2 فأمرني أن لا أُطالبه بالقبوض وقال: (كل ما وصل إليٰ أبي القاسم فقد وصل إليّ) فكنتُ أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أُطالبه بالقبوض)((2)).

ص: 128


1- الغَيبة: 371-372.
2- كمال الدين وتمام النعمة: 2/501-502؛ وانظر: الغَيبة: 370.

والرواية تشير إليٰ الظروف الصعبة آنذاك خاصة تلك التي تحيط بالحسين بن روح (رحمه الله) المعروف عنه رعايته البالغة لمقتضيٰ التقية.

4 - رويٰ جعفر بن محمد المدائني قال: (كان من رسمي إذا حملتُ المال الذي في يدي إليٰ الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس سرّه) أن أقول له ما لم يكن أحد يستقبله بمثله: هذا المال ومبلغه كذا وكذا للإمام فيقول: نعم، دعه. فأراجعه فأقول له: تقول لي: إنه للإمام فيقول: نعم للإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف). فيقبضه.

فص-رت إليه آخر عهدي به (قدس سرّه) ومعي أربعمائة دينار، فقلت له عليٰ رسمي. فقال لي: امض بها إليٰ الحسين بن روح. فتوقفت فقلت: تقبضها أنت مني عليٰ الرسم. فردّ عليّ كالمنكر لقولي وقال: قم، عافاك الله فادفعها إليٰ الحسين بن روح.

فلما رأيت (في) وجهه غضباً خرجت وركبت دابّتي، فلما بلغتُ بعض الطريق رجعت كالشاك فدققت الباب فخرج إليَّ الخادم فقال: من هذا؟ فقلت: أنا فلان، فاستأذن لي، فراجعني وهو منكر لقولي ورجوعي فقلت له: ادخُلْ فاستأذنْ لي، فإنه لابد من لقائه. فدخل فعرّفه خبر رجوعي وكان قد دخل إليٰ دار النساء فخرج وجلس عليٰ سرير ورجلاه في الأرض [وفيهما نعلان] يصف حسنهما وحسن رجليه، فقال لي: ما الذي جرأك عليٰ الرجوع ولِمَ لم تمتثل ما قلته لك؟ فقلت: لم أجس-ر عليٰ ما رسمتَه لي. فقال لي - وهو مُغضَب -: قم - عافاك الله - فقد أقمتُ

ص: 129

أبا القاسم الحسين بن روح مقامي ونصبته منصبي فقلت: بأمر الإمام؟ فقال: قم - عافاك الله - كما أقول لك، فلم يكن عندي غير المبادرة.

فص-رت إليٰ أبي القاسم بن روح وهو في دار ضيقة، فعرّفته ما جريٰ، فس-رّ به وشكر الله (عزوجل). ودفعت إليه الدنانير، وما زلت أحمل إليه ما يحصل في يدي بعد ذلك (من الدنانير))((1)).

ص: 130


1- الغَيبة للطوسي: 367-368.

الدرس الخامس والعشرون

اشارة

5 - قال الشيخ الطوسي: (وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسيٰ قال: أخبرني أبو علي محمد بن همام 2 وأرضاه، أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس سرّه) جَمعنا قبل موته وكنّا وجوه الشيعة وشيوخها، فقال لنا: إن حدث علي حدث الموت، فالأمر إليٰ أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أُمرتُ أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا إليه وعوّلوا في أموركم عليه)((1)).

6 - قال الصدوق: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود 2 قال: (سألني علي بن الحسين بن موسيٰ بن بابويه 2 (والد الشيخ الصدوق (رحمه الله)) بعد موت محمّد بن عثمان العمري 2، أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان (عجل الله تعالي فرجه الشريف) أن يدعو الله (عزوجل) أن يرزقه ولداً ذكراً، قال: فسألته. فأنهيٰ ذلك، ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيّام أنّه قد دعا لعليّ بن الحسين، وأنّه سيولد له ولد مبارك ينفعه [الله] به وبعده أولاده.

قال أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الأسود 2: وسألته في أمر نفس-ي أن يدعو الله لي أن يرزقني ولداً ذكراً، فلم يجبني إليه وقال: ليس

ص: 131


1- الغيبة للطوسي: 371.

إليٰ هذا سبيل. قال: فولد لعليّ بن الحسين 2 محمّد بن عليّ (وهو الشيخ الصدوق) وبعده أولاد، ولم يلد لي شيء.

قال مصنف هذا الكتاب 2، كان أبو جعفر محمد بن علي الأسود 2 كثيراً مّا يقول لي - إذا رآني اختلف إليٰ مجلس شيخنا محمد بن أحمد بن الوليد 2 وأرغب في كتب العلم وحفظه -: (ليس بعجبٍ أن تكون لك هذه الرغبة في العلم، وأنتَ وُلِدتَ بدعاء الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف)))((1)).

7 - قال النجاشي: (علي بن الحسين بن موسيٰ بن بابويه القمي أبو الحسن، شيخ القميين في عص-ره، ومتقدمهم، وفقيههم، وثقتهم، كان قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) وسأله مسائل ثم كاتبه بعد ذلك عليٰ يد علي بن جعفر الأسود يسأله أن يوصل له رقعة إليٰ الصاحب (عجل الله تعالي فرجه الشريف) ويسأله فيها الولد فكتب إليه: «قد دَعوْنا اللهَ لك بذلك، وستُرزق ولدين ذكرين خيِّرَين»، فولد له أبو جعفر وأبو عبد الله من أم ولد، وكان أبو عبد الله الحسين بن عبد الله يقول: سمعت أبا جعفر - يعني الشيخ الصدوق - يقول: (أنا ولدت بدعوة صاحب الأمر) ويفتخر بذلك)((2))، ((3)).

ص: 132


1- انظر: كمال الدين وتمام النعمة: 2/502-503.
2- انظر: رجال النجاشي: 261.
3- وقد ظهرت للشيخ الصدوق (رحمه الله) كرامة مشهورة بعد أكثر من ثمانية قرون ونصف من وفاته حيث تصدع البناء القائم عليٰ قبره فوُجد جثمانه سالماً وعليٰ أظفاره أثر الخضاب فجاء السلطان فتح علي شاه القاجاري وأمر بتكفينه وتجديد بناء مرقده، قال الخونساري (رحمه الله): (وإني لاقيت بعض من حض-ر تلك الواقعة، وكان يحكيها Z [ أعاظم أساتيدنا الأقدمين من أعاظم رؤساء الدنيا والدين) (انظر: روضات الجنات: 533). وقد ذكر المامقاني تلك الواقعة عن العدل الثقة الأمين السيد إبراهيم اللواساني الطهراني (رحمه الله) (انظر: تنقيح المقال: 3/155).

وفي رواية ابن نوح عن مجموعة من مشايخ (قم): (إن علي بن الحسين بن موسيٰ بن بابويه كانت تحته بنت عمه محمد بن موسيٰ بن بابويه فلم يُرزق منها ولداً).

فكتب إليٰ الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح 2 أن يسأل الحضرة((1)) أن يدعو الله أن يرزقه أولاداً فقهاء فجاء الجواب:

«إنك لا تُرزق من هذه، وستملك جارية ديلميّة وتُرزق منها ولدين فقيهين» قال: وقال لي أبو عبد الله بن سورة القمي (حفظه الله): ولأبي الحسن بن بابويه ثلاثة أولاد: محمد - وهو الشيخ الصدوق - والحسين فقيهان ماهران في الحفظ ويحفظان ما لا يحفظ غيرهما من أهل (قم)، ولهما أخ اسمه الحسن، وهو الأوسط مشتغل بالعبادة والزهد ولا يختلط بالناس ولا فقه له.

قال ابن سورة: (كلما رويٰ أبو جعفر وأبو عبد الله ابنا علي بن الحسين شيئاً يتعجب الناس من حفظهما، ويقولون لهما: هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) لكما، وهذا أمر مستفيض في أهل (قم))((2)).

ص: 133


1- إشارة للإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) حيث يعبّر الشيعة عنه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) في تلك الفترة (بالحض-رة) و(الناحية).
2- الغَيبة للطوسي: 308-309.

8 - قال الصدوق (رحمه الله): (قال ابن نوح((1)): وسمعت جماعةً من أصحابنا بمصر يذكرون أن أبا سهل النوبختي سئل فقيل له: كيف صار هذا الأمر إليٰ الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك؟

فقال: هم أعلم وما اختاروه، ولكن أنا رجل ألقيٰ الخصوم وأُناظرهم، ولو علِمتُ بمكانه كما علم أبو القاسم وضغطتني الحجة [عليٰ مكانه (عجل الله تعالي فرجه الشريف)] لعلّي كنت أدلّ عليٰ مكانه، وأبو القاسم فلو كانت الحجة تحت ذيله وقُرِّض بالمقاريض ما كشف الذيلَ عنه...)((2)).

النائب الرابع: علي بن محمد السّمُري (رحمه الله):

وهو من الشخصيات البارزة آنذاك، وقد وردت عدّة روايات في حقه وفي فضله، منها:

1 - رواية محمد بن أحمد الصفواني قال: (أوصيٰ الشيخ أبو القاسم2 إليٰ أبي الحسن علي بن محمد السمري 2 فقام بما كان إليٰ أبي القاسم، فلما حض-رته الوفاة حض-رت الشيعة عنده وسألته عن الموكَّل بعدَه ومن يقوم مقامه، فلم يُظهر شيئاً من ذلك، وذكر أنه لم يؤمَر بأن يوصي إليٰ أحدٍ بعده في هذا الشأن)((3)).

ص: 134


1- وهو من الشخصيات الموثقة، حيث وثقه النجاشي (رحمه الله) (انظر: رجال النجاشي: 86) والشيخ الطوسي (رحمه الله) (انظر: رجال الشيخ الطوسي: 417).
2- الغَيبة للطوسي: 391.
3- الغَيبة للطوسي: 394.

2 - رواية عتّاب وفيها: (... فلما مات عثمان بن سعيد أوصيٰ إليٰ أبي جعفر محمد بن عثمان (رحمه الله) وأوصيٰ أبو جعفر إليٰ أبي القاسم الحسين بن روح 2 وأوصيٰ أبو القاسم إليٰ أبي الحسن علي بن محمد السمُري2، فلما حض-رت السمُري الوفاة، سئل أن يوصي فقال: لله أمر هو بالغه.

فالغَيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري 2)((1)).

3 - رواية أحمد بن إبراهيم بن مخلَّد قال: (حض-رتُ بغدادَ عند المشايخ (رحمهم الله) فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمُري (قدس سرّه) ابتداءً منه: رحم الله علي بن الحسين بن بابويه القمي.

قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم، فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم، ومض-يٰ أبو الحسن السمُري 2 بعد ذلك في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة)((2)).

4 - قال الصدوق (رحمه الله): حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتَّب قال: كنتُ بمدينة السلام [بغداد] في السنة التي توفيٰ فيها الشيخ علي بن محمد السمري (قدس سرّه) فحض-رته قبل وفاته بأيام فأخرج إليٰ الناس توقيعاً نسخته:

ص: 135


1- المصدر: 393-394.
2- المصدر: 394؛ كمال الدين وتمام النعمة: 2/503.

«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُريَّ أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ فَأَجْمِعْ أَمْرَكَ وَلَا تُوصِ إِلَيٰ أَحَدٍ يَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ الثَّانِيَةُ (التامة) فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْن اللهِ (عزوجل) وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الأَمَدِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَامْتِلَاءِ الأَرْضِ جَوْراً، وَسَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي المُشَاهَدَةَ أَلَا فَمَن ادَّعَيٰ المُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ وَالصَّيْحَةِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ».

قَالَ: فَنَسَخْنَا هَذَا التَّوْقِيعَ وَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ السَّادِسُ عُدْنَا إِلَيْهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَقِيلَ لَهُ: مَنْ وَصِيُّكَ مِنْ بَعْدِكَ؟ فَقَالَ: للهِ أمْرٌ هُوَ بَالِغُهُ وَمَضَ-ي 2، فَهَذَا آخِرُ كَلاَم سُمِعَ مِنْهُ((1)).

ص: 136


1- انظر: كمال الدين وتمام النعمة: 2/516.

الدرس السادس والعشرون

وكلاء ومعتمدون في طول السفراء (رحمهم الله):

كان هناك العديد من الوكلاء المعتمدين في فترة الغَيبة الصغريٰ في طول اعتماد السفراء لا في عَرْضهم، قال الشيخ الطوسي (رحمه الله): (وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قِبَل المنصوبين للسفارة من الأصل)((1)) من هؤلاء:

1 - أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي (رحمه الله).

وقد وردت عدة روايات في مدحه منها:

صحيحة محمد بن أحمد بن يحييٰ عن صالح بن أبي صالح قال: سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين قبْضَ شيء، فامتنعت من ذلك وكتبت أستطلع الرأي: فأتاني الجواب: «بالري محمد بن جعفر العربيّ فليدفع إليه، فإنه من ثقاتنا»((2)).

2و3و4 - أحمد بن إسحاق الأشعري وإبراهيم بن محمد الهمداني وأحمد بن حمزة بن اليسع، قاله الشيخ الطوسي (رحمه الله). وقد وردت رواية في مدحهم، ففي صحيحة أحمد بن محمد بن عيسيٰ عن أبي محمد الرازي

ص: 137


1- الغَيبة للطوسي: 415.
2- بحار الأنوار للمجلسي: 51/362.

قال: (أحمد بن إسحاق الأشعري وإبراهيم بن محمد الهمداني، وأحمد بن حمزة اليسع ثقات)((1)).

المبحث الثاني: دور السفراء وانجازاتهم (رحمهم الله):

حيث كانت الغَيبة الصغريٰ تمثل مرحلة انتقالية مؤقتة لأجل التمهيد لمرحلة الغَيبة الكبريٰ، فمن الطبيعي أن تكون لها معالم وظروف ومقتضياتها الخاصة بها، وأن تكون مؤهّلات وأدوار السفراء منسجمة مع الهدف المذكور، ورغم قلة الروايات الواصلة لنا عن تلك الفترة يمكن أن نسجل النقاط التالية عن معالم تلك المرحلة وأدوار السفراء فيها:

1 - حيث كانت غَيبة الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) انقطاعاً عن الارتباط المباشر بالمجتمع فكان لابد أن يكون للسفراء مكانة خاصة لديٰ المؤمنين ومورد ثقتهم واعتمادهم، لحفظ استقرارهم النفس-ي ورسوخ إيمانهم (أولاً)، وقطع دابر الأدعياء والدجالين (ثانياً)، ولذلك كانت من أبرز معالم السفراء وخصائصهم ثقة المجتمع الشيعي بهم وتقواهم، خاصة السفير الأول الذي بدأت به تلك المرحلة، فإنه كان موثقاً توثيقاً خاصاً ومؤكَّداً من قِبَل الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام)، كما تضمنت ذلك بعض الروايات المتقدمة في حقه رضي الله عنه، وكذلك توثيق الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) له ولولده محمد بن عثمان - النائب الثاني - كما تقدمت

ص: 138


1- المصدر: 417.

بعض الروايات الدالة عليٰ إرجاع السفير الثاني محمد بن عثمان الناس إليٰ السفير الثالث الحسين بن روح في حياته، لتأكيد توثيقه واعتماده.

2 - إن نفس النقطة المتقدمة تقتض-ي أن يكون السفير عليٰ قدر كبير من الحكمة والاتزان في مواقفه وسلوكه بحيث يحافظ عليٰ سكينة المجتمع الشيعي واستقراره بعيداً عن المواقف الانفعالية.

قال الصفدي عن الحسين بن روح 2: (كثرت غاشيته حتيٰ كانت الأمراء يركبون إليه والوزراء والمعزولون عن الوزارة والأعيان، وتواصف الناس عقله، ولم يزل أبو القاسم عليٰ مثل هذا الحال حتيٰ ولي حامد بن العباس الوزارة فجريٰ له معه أُمور وخُطوب يطول شرحها، وقبض عليه وسُجن خمسة أعوام، وأُطلِق من السجن سنة (312 ه-)، وقيل سنَة (313ه-) لما خُلِع المقتدر (الخليفة العباسي) فلما أُعيد إليٰ الخلافة شاوروه فيه، قال: دعوه، فبخطيئته جريٰ علينا مما جريٰ، وبقيت حرمته عليٰ ما كانت عليه)((1)).

وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله): (وكان أبو القاسم (الحسين بن روح(رحمه الله)) من أعقل الناس عند المخالف والموافق، ويستعمل التقية)، واستشهد عليٰ ذلك ببعض الروايات منها:

أ - رواية أبي عبد الله بن غالب قال: (ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم حسين بن روح، ولعهدي به يوماً في دار ابن يسار

ص: 139


1- الوافي بالوفيات: 12/226.

(بشار) وكان له محلّ عند السيد(ة)((1)) والمقتدر عظيم، وكانت العامة أيضاً تعظّمه، وكان أبو القاسم يحضر تقية وخوفاً...)((2)).

ب - قال أبو نص-ر هبة الله: وحدّثني أبو أحمد درانويه الأبرص - الذي كانت داره في درب القراطيس - قال: قال لي: (إني كنت أنا وإخوتي ندخل إليٰ أبي القاسم الحسين بن روح 2 نعامله - قال: وكانوا باعة - ونحن مثلاً عش-رة، تسعة نلعنه وواحد يشكك، فنخرج من عنده بعد ما دخلنا إليه تسعة نتقرب إليٰ الله بمحبته وواحد واقف، لأنه كان يجارينا في فضل الصحابة ما رويناه وما لم نروه، فنكتبه عنه لحُسنه 2)((3)).

ويكشف لنا هذا النص مديٰ قساوة الظروف والمعاناة التي كان يمرّ بها السفراء والشيعة آنذاك.

ومما يؤكد ما ذكرناه من ضرورة اتصاف السفير بالحكمة والصلابة وقوة الشخصية ما تقدّم عن أبي سهل النوبختي في تقييمه للحسين بن روح وصلابته أنه لو أُحرج أمام الخصوم وكان الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) تحت ثوبه لما رفع ثوبه وما كشف أمره لهم.

3 - رفد المجتمع الشيعي بتواقيع الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وهي عليٰ ثلاثة أصناف:

ص: 140


1- قيل هي: أُم المتوكل صاحبة النفوذ في البلاط العباسي آنذاك.
2- الغَيبة للطوسي: 384.
3- المصدر: 386.

الصنف الأول: ما تضمن توجيه الشيعة ابتداءً منه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) مثل تعيين السفير أو كشف حال المنحرفين والدجالين.

الصنف الثاني: ما تضمن الإجابة عليٰ أسئلة شيعته (عجل الله تعالي فرجه الشريف) المختلفة، سواء منها ما يتضمن الأحكام والتعاليم الش-رعية أم ما يرتبط بحلّ مشاكلهم وتوجيههم ونصحهم.

الصنف الثالث: ما تضمن نصوص بعض الأدعية والمستحبات.

أمّا الصنف الأول: فقد تعرضنا سابقا إليٰ نماذج منها تضمنت تعيين بعض السفراء ومَن يخلفه.

ومن ذلك التوقيع الذي ظهر من الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) بلعن محمد بن علي بن أبي العزاقر المعروف ب-(الشلمغاني)، وسوف نتعرض لذلك إن شاء الله تعاليٰ.

ص: 141

الدرس السابع والعشرون

وأمّا الصنف الثاني: وهو ما تضمن الإجابة عليٰ أسئلتهم وحل مشاكلهم التي يواجهونها في حياتهم اليومية فقد تعرضت المصادر الروائية للعديد من تلك التواقيع، منها:

أ - ما ذكره الصدوق (رحمه الله) قال: حدّثنا محمد بن أحمد الشيباني وعلي بن محمد الدقاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدِّب وعلي بن عبد الله الورّاق ݢ قالوا: حدثنا أبو الحسين بن محمد بن جعفر الأسدي 2 قال: كان في ما ورد عليّ من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان (قدس سرّه) في جواب مسائلي إليٰ صاحب الزمان:

(وأمّا ما سألت عنه من أمر الوقف عليٰ ناحيتنا وما يُجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه، فكلّ ما لم يُسلَم فصاحبه فيه بالخيار، وكلّ ما سُلِّم فلا خيار لصاحبه، احتاج إليه صاحبه أو لم يحتج، افتقر إليه أو استغنيٰ عنه...

- وأمّا ما سألت عنه من أمر المصلي والنار والصورة والس-راج بين يديه هل تجوز صلاته فإنّ الناس اختلفوا في ذلك قِبَلَك، فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عَبدة الأصنام أو عبدة النيران، والصورةُ والس-راجُ بين يديه، ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عَبدة الأصنام والنيران).

ص: 142

(يلاحظ أن هذا الجواب يتضمن حكماً فقهياً ثانوياً، ويسلّط الضوء عليٰ دور الفقيه في فهم طبيعة الحكم الذي تتضمنه النصوص الش-رعية وضرورة التمييز بين الحكم الأولي والحكم الثانوي الذي يتغير بتغيّر موضوعه والظروف التي تحيط بالمكلّف والمجتمع، وأن عدم وضوح ذلك آنذاك أوجب الاختلاف بين الشيعة في الحكم المذكور).

(وأمّا ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا صنيعة ويسلّمها من قيّم يقوم بها ويعمرها ويؤدي مِن دخلِها خراجَها ومؤنتَها ويجعلُ ما يبقيٰ من الدخل لناحيتنا، فإن ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيِّماً عليها، إنما لا يجوز ذلك لغيره.

- وأمّا ما سألت عنه من أمر الثمار من أموالنا يمرّ به المار فيتناول منه ويأكله هل يجوز ذلك له؟ فإنه يحلّ لَه أكله ويحرم عليه حمله)((1)).

(هذا الجواب يشير إليٰ ما يسميه الفقهاء (حق المارّة) وقد تعرّضوا لحكمه مفصلاً في المصادر الفقهية).

ب - ما روي في توقيعات إجابات أسئلة أهالي (قم) المعروفة، منها:

- عن المرأة يموت زوجها هل يجوز أن تخرج في جنازته أم لا؟

التوقيع: «تخرج في جنازته».

- وهل يجوز لها وهي في عدّتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟

التوقيع: «تزور قبر زوجها، ولا تبيت عن بيتها...».

ص: 143


1- كمال الدين وتمام النعمة: 520-521.

- وعن وداع شهر رمضان متيٰ يكون؟ فقد اختلف فيه (أصحابنا) فبعضهم يقول: يقرأ في آخر ليلةٍ منه، وبعضهم يقول: هو في آخر يومٍ منه إذا رأيٰ هلال شوال.

التوقيع: «العمل في شهر رمضان في لياليه. والوداع يقع في آخر ليلة منه، فإن خاف أن ينقص جعله في ليلتين»((1)).

ج - كتاب آخر وفيه:

وعندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة ولا يغتسلون من الجنابة، وينسجون لنا ثياباً، فهل تجوز الصلاة فيها [من] قبل أن تُغسَل؟

الجواب: «لا بأس بالصلاة فيها..».

- وعن رجل من وكلاء الوقف يكون مستحلاًّ لما في يده ولا يَرع((2)) من أخذِ ماله، ربما نزلت في قرية وهو فيها، أو أدخل منزله وقد حض-ر طعامه فيدعوني إليه، فإن لم آكل من طعامه عاداني عليه، وقال: فلان لا يستحلّ أن يأكل من طعامنا، فهل يجوز لي أن آكل من طعامه وأتصدق بصدقة؟ وكم مقدار الصدقة؟ وإن أهديٰ هذا الوكيل هدية إليٰ رجل آخر، فأحضَ-رُ فيدعوني أن أنال منها، وأنا أعلم أن الوكيل لا يَرع عن أخذ ما في يده، فهل (عليَّ) فيه شيء إن أنا نلت منها؟

ص: 144


1- الغَيبة للطوسي: 377-378.
2- ورعَ، يَرِع من التورع، انظر: لسان العرب: 15/272.

الجواب: «إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامَه واقبل بِرّه، وإلّا فلا»((1)).

هذا، وقد تكون صياغة بعض التواقيع المروية من جانب السفير نفسه، إذا كان متيقنا من جواب السؤال الوارد إليه، ولو بسبب ورود نظيره سابقاً وجواب الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) عنه آنذاك، كما هو الحال في لجان الإفتاء في مكاتب المراجع الدينيين في عص-رنا حيث يقتص-ر إرجاع الاستفتاء للمرجع نفسه عليٰ صورة عدم معرفتهم بالجواب، لكن هذا يختص بما إذا لم يكن التوقيع بخط الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) أو منسوباً إليه شخصياً.

ص: 145


1- الغَيبة للطوسي: 381-383.

الدرس الثامن والعشرون

اشارة

وأمّا الصنف الثالث: وهو ما تضمن الأدعية وبعض المستحبات والآداب العامة ونحوها وذلك من خلال تواقيع نقلتها المصادر المختلفة، وقد حُفظت العديد من الأدعية التي تضمنتها تواقيع الإمام(عجل الله تعالي فرجه الشريف)، منها:

أ - دعاء الافتتاح المعروف الذي يُقرأ في ليالي شهر رمضان المروي عن السفير الثاني محمد بن عثمان (رحمه الله)((1))، ولا يبعد أنه قد أخذه من الإمام(عجل الله تعالي فرجه الشريف) نفسه.

ب - ما تضمنه التوقيع الذي رواه الشيخ الصدوق بسنده عن أبي علي بن همام، وذكر أن الشيخ العمري (قدس سرّه) أملاه عليه وأمره أن يدعو به، وهو الدعاء في غَيبة القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

«اللهم عرّفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللهم عرفني نبيك فإنك إن لم تعرفني نبيَّك لم أعرف حجتك، اللهم عرّفني حجتك فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني، اللهم لا تُمِتْني ميتةً جاهلية، ولا تُزغ قلبي بعد إذ هديتني...»((2)).

ص: 146


1- انظر: إقبال الأعمال: 322.
2- انظر: كمال الدين وتمام النعمة: 512؛ مصباح المجتهد: 369.

ج - الدعاء المعروف: «إلهي بحق من ناجاك وبحق من دعاك في البر والبحر، تفضل عليٰ فقراء المؤمنين والمؤمنات بالغناء والثروة، وعليٰ مرضيٰ المؤمنين والمؤمنات بالشفاء والصحة، وعليٰ أحياء المؤمنين والمؤمنات باللطف والكرم وعليٰ أموات المؤمنين والمؤمنات بالمغفرة والرحمة وعليٰ غرباء المؤمنين والمؤمنات بالردّ إليٰ أوطانهم سالمين غانمين، بمحمد وآله أجمعين»((1)).

المبحث الثالث: مدعو السّفارة زوراً وكذباً:

إن السفارة عن الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) شأنها شأن باقي العناوين الدّينية المقدّسة والمحترمة التي ادّعاها البعض كذباً وزوراً عليٰ مرّ التاريخ منذ أوائل غَيبة الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وإليٰ عص-رنا الحاضر، وسوف نمرّ مروراً سريعاً عليٰ العديد من هؤلاء الأدعياء والدجالين، منهم:

أ - أبو محمد المعروف ب-(الشريعي):

رويٰ الشيخ الطوسي بسنده عن محمد بن همام قال: (كان الشريعي يكنيٰ بأبي محمد، قال هارون: وأظن اسمه كان (الحسن) وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد، ثم الحسن بن علي بعده (عليهم السلام)، وهو أوّل من ادّعيٰ مقاماً لم يجعله الله فيه، ولم يكن أهلاً له، وكذب عليٰ الله وعليٰ حججه (عليهم السلام)، ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء،

ص: 147


1- مهج الدعوات: 295.

فلعَنَتْهُ الشيعة وتبرَّأَتْ منه، وخرج توقيع الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) بلعنه والبراءة منه. قال هارون: ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد)((1)).

ب - محمد بن نصير النميري:

قال ابن نوح: (أخبرنا أبو نص-ر هبة الله بن محمد قال: كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) فلما توفي أبو محمد ادعيٰ مقام أبي جعفر محمد بن عثمان أنه صاحبُ إمامِ الزمان(عجل الله تعالي فرجه الشريف) وادعيٰ (له) البابية، وفضحه الله تعاليٰ بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، ولعنِ أبي جعفر محمد بن عثمان له، وتبرّيه منه، واحتجابه عنه. وادعيٰ ذلك الأمر بعد الشريعي)((2)).

ويبدو أنه قد تماديٰ في دَجله، ففي صحيحة سعد بن عبد الله قال: (كان محمد بن نصير النميري يدّعي أنه رسول نبيّ وأن عليّ بن محمد(عليه السلام) أرسله، وكان يقول بالتناسخ ويغلو في أبي الحسن (عليه السلام) ويقول فيه بالرّبوبية، ويقول بالإباحة للمحارم و...)((3)).

وقد عايشنا أكثر من واحد ممّن يشبه ذلك في عص-رنا حيث بدأ بادعاءات منحرفة محدودة ثم تماديٰ في أباطيله ودَجله إليٰ سخافات مقرفة.

ص: 148


1- الغَيبة للطوسي: 397.
2- المصدر: 398.
3- الغيبة للطوسي: 1/419.

ج - أحمد بن هلال الكرخي:

وقد ظهر التوقيع عليٰ يد أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) بلعنه والبراءة منه في جملة مَن لُعِن((1)).

د - أبو طاهر محمد بن علي بن بلال:

وقد ذكر الشيخ الطوسي (رحمه الله) ادعاءه أنه الوكيل، حتيٰ تبرّأت الجماعة منه ولعنوه، وخرج فيه من صاحب الزمان (عجل الله تعالي فرجه الشريف) ما هو معروف((2)).

ه- - الحسين بن منصور الحلاج:

وقد ذكر الشيخ الطوسي (رحمه الله) بسنده عن هبة الله بن محمد الكاتب أنه ادعيٰ الوكالة عن صاحب الزمان (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وأنه حاول إغواء إسماعيل بن علي النوبختي 2 فلم يفلح، وانفضح أمره((3)) وحكيت عنه ادعاءات غريبة.

وقد تعرضت بعض المصادر التاريخية إليٰ جوانب من سيرته وادعاءاته((4)).

ص: 149


1- الغَيبة للطوسي: 399.
2- المصدر: 400.
3- المصدر: 401.
4- انظر: البداية والنهاية: 4/820؛ ووفيات الأعيان: 2/140؛ وتاريخ بغداد: 8/112.

و - أبو جعفر محمد بن علي بن أبي العزاقر المعروف ب-(الشلمغاني):

وكانت له وجاهة في بداية أمره، حتيٰ إنه ألّف كتاباً في الفقه سماه (كتاب التكليف) اشتهر بين الشيعة آنذاك، ويريٰ بعض المحققين أنه نفس الكتاب الذي يعرف اليوم ب-(فقه الرضا)((1)).

لكنه انحرف بعد ذلك وادعيٰ النيابة عن الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) أو عن الحسين بن روح (رحمه الله)، ثم تماديٰ في الانحراف والتخليط حتيٰ خرج التوقيع بلعنه والبرائة منه، واشتهرت أباطيله في المجتمع حتيٰ رُفع أمره للراضي العباسي فقتله((2)).

ز - أبو بكر البغدادي:

حيث ادَّعيٰ السفارة بعد السفير الرابع علي بن محمد السمُري(رحمه الله)، فأعرض عنه الشيعة وتبرؤوا منه ولعنوه، قال الشيخ الطوسي (رحمه الله): (وحُكي أنه توكّل لليزيدي بالبص-رة، فبقي في خدمته مدّة طويلة وجمع مالاً عظيماً، فسُعي به إليٰ اليزيدي، فقبَض عليه وصادره وضربه عليٰ أُم رأسه حتيٰ نزل الماء في عينيه، فمات أبو بكر ضريراً)((3)).

ص: 150


1- انظر: أصول علم الرجال: 2/82.
2- انظر الغَيبة: 403-406.
3- الغَيبة: 414.

الدرس التاسع والعشرون

اشارة

ويلاحظ أن جلّ المنحرفين - في كل العصور - يبدأ انحرافهم محدوداً ثم يتطور ليتمادَوْا فيه، وقد يصل إليٰ ادعاءات واهية واضحة البطلان، فضلاً عن تجاوزهم عليٰ المعايير والقيم الأخلاقية، لأن منشأ انحرافهم أحد أمرين أو كلاهما:

الأول: حالة العُجب والغرور المفرط بأنفسهم والذي يؤدي إليٰ خصال أخلاقية مذمومة مثل حسد الآخرين والاستخفاف بهم والتنكّر لمقامهم العلمي، وتنامي حالة الحقد في نفوسهم تجاه غيرهم.

وهي كلّها من الآفات والخصال المذمومة التي تأباها الفطرة الإنسانية السليمة، وقد تضمّنت الكثير من النصوص الش-رعية التحذير منها ومن عواقبها وآثارها، ففي صحيحة معاوية بن وهب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «آفةُ الدّينِ الحسَدُ والعُجبُ والفخر»((1)).

الثاني: الانجرار وراء الهويٰ وحبّ الذات والمقام والجاه والمال وغير ذلك، بحيث يتحوّل إليٰ الهدف من العلم أو الجهد الذي يبذلونه بدلاً من الإخلاص لله تعاليٰ وأداء الوظيفة الإنسانية والش-رعية وخدمة الصالح العام والمجتمع، وهو ما عُبّر عنه في بعض الروايات (بحبّ

ص: 151


1- الكافي: 2/307.

الدنيا) الذي حذّرت النصوص الش-رعية منه من آثارها، ففي موثقة هشام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «رأس كلّ خطيئةٍ حبُّ الدنيا»((1)).

وقد أشارت بعض الآيات والروايات والشواهد التاريخية إليٰ أن مثل هؤلاء قد يبدؤون بارتكاب ذنوب عادية، ثم يؤدي التَسامح فيها إليٰ انحرافات عقائدية تتفاقم تدريجياً، قال الله تعاليٰ: ﴿ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّوايٰ أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ (الروم: 10)، وفي رواية سَماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزوجل) ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: 182/القلم: 44) قال: «هو العبدُ يُذنب الذنبَ، فتجدد له النعمة معه تلهيه تلك النعمة عن الاستغفار من ذلك الذنب»((2)).

ومن هؤلاء المنحرفين الذين تمادَوا تدريجياً حتيٰ أوغلوا في الانحراف العديد من الأشخاص في كل عص-ر، سواءً في عصور الأئمة السابقين (عليهم السلام) أم في عص-ر الغَيبة الصغريٰ أم في عص-ر الغَيبة الكبريٰ، منهم:

أ - المغيرة بن سعيد الذي كان يكذب عليٰ الإمام الباقر (عليه السلام)، ففي رواية عبد الرحمن بن كثير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) يوماً لأصحابه: «لعن الله المغيرة بن سعيد.. إن المغيرة كذب عليٰ أبي (عليه السلام) فسلبه الله الإيمان، وإن قوماً كذبوا عليَّ، ما لهم؟ أذاقهم الله حرّ الحديد...»((3)).

ص: 152


1- الكافي: 2/238.
2- الكافي: 2/452.
3- اختيار معرفة الرجال: 2/491.

ب – د - علي بن أبي حمزة البطائي وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسيٰ الرواسي الذين كانوا من رؤوس الواقفة عليٰ الإمام الكاظم(عليه السلام) حيث جرّهم الطمع في الأموال إليٰ الانحراف العقائدي والقول بالوقف عليٰ الإمام الكاظم (عليه السلام) وإنكار إمامة الإمام الرضا(عليه السلام)، قال الشيخ الطوسي: (فرويٰ الثقات أن أول من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائي وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسيٰ الرواسي طمعوا في الدنيا، ومالوا إليٰ حطامها واستمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً مما اختانوه من الأموال نحو حمزة بن بزيع وابن المكاري وكرّام الخثعمي وأمثالهم)((1))، وهؤلاء كلهم صاروا من (الفرقة الواقفة).

ه- - محمد بن نصير النميري الذي ادعيٰ النيابة الخاصة عن الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) بعد النائب الأول عثمان بن سعيد - كما تقدّم - فقد ذكر ابن نوح (قال: أخبرنا أبو نص-ر هبة الله بن محمد قال: (كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام)، فلما توفي أبو محمد ادعيٰ مقام أبي جعفر محمد بن عثمان أنه صاحب إمام الزمان وادعيٰ (له) البابية، وفضحه الله تعاليٰ بما ظهر منه من الإلحاد والجهل...) ووصل به الحال إليٰ ما قاله عنه سعد بن عبد الله (كان يقول بالتناسخ، ويغلو في أبي الحسن (عليه السلام) ويقول فيه بالربوبية، ويقول بالإباحة للمحارم...)((2)).

ص: 153


1- الغَيبة للطوسي: 63/64.
2- الغَيبة للطوسي: 398.

وغيرهم كثير عليٰ مرّ العصور.

وقد رأينا في عص-رنا تمادي عدّة أشخاص في الانحراف - بأنحاء مختلفة - بسبب الغرور والعُجب أو الطمع والهويٰ أو الحسد أو غير ذلك. أعاذنا الله تعاليٰ جميعاً من شرور أنفسنا ومن كل سوء.

الخلاصة:

1 - هناك مرحلتان من الغَيبة عُرفت الأوليٰ بالغَيبة الصغريٰ والثانية بالغَيبة الكبريٰ.

2 - الغَيبة الصغريٰ هي فترة وجود السفراء الخاصين بالإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف)، والغَيبة الكبريٰ هي فترة ما بعد السفير الرابع، حيث لا يكون فيها سفير خاص للإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف).

3 - تمتد الغَيبة الصغريٰ من وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عام (260ه-) إليٰ وفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري (رحمه الله) عام (328 أو 329) وهي حوالي سبعين عام.

4 - السفراء أربعة وهم:

أ - أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله).

ب - محمد بن عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله) المعروف بالخلاني (ت 305ه-).

ج - أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بكر النوبختي (رحمه الله) (ت 326ه-).

ص: 154

د - أبو الحسن علي بن محمد السمري (رحمه الله) (ت 328 أو 329ه-).

5 - السفراء الأربعة (رحمهم الله) عاشوا ودفنوا في بغداد.

6 - كان هناك وكلاء معتمدون مرتبطون بالسفراء الأربعة، وفي طولهم.

7 - ظهر العديد من أدعياء السفارة والدجالين، ذكرت المصادر التاريخية، منهم:

أ - أبو محمد الشريعي.

ب - محمد بن نصير النميري.

ج - أحمد بن هلال الكرخي.

د - أبو طاهر محمد بن علي بن بلال.

ه- - الحسين بن منصور الحلاج.

و - محمد بن علي بن أبي العزاقر المعروف ب-(الشلمغاني).

8 - التوقيعات التي كانت تصدر عبر السفراء عليٰ أصناف، أهمها ثلاثة:

أ - الصنف الأول: ما تضمن توجيهات للشيعة مثل تعيين سفير ومعالجة فتنة وغير ذلك.

ب - الصنف الثاني: ما تضمن الإجابة عليٰ أسئلة الشيعة المتنوعة وحلّ مشاكلهم.

ج - الصنف الثالث: ما تضمّن بعض المستحبات كالأدعية ونحوها.

ص: 155

9 - الغَيبة الكبريٰ تمتد من وفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري من (328 أو 329ه-) إليٰ أن يأذن الله تعاليٰ بظهور الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

10 - أهم مؤهلات السفير (السفراء الأربعة).

أ - أن يكون عليٰ درجة عالية من الاعتماد والوثاقة.

ب - أن يكون متزناً وحكيماً.

ج - أن يكون صلباً وصبوراً.

د - أن يكون عالماً.

الأسئلة:

س1: ما هي فترة الغَيبة الصغريٰ؟

س2: متيٰ بدأت الغَيبة الكبريٰ؟

س3: اذكر أسماء النواب الأربعة؟

س4: اذكر ثلاثة من أدعياء السفارة؟

س5: ما هي أهم أصناف التوقيعات الصادرة عن الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) في عصر الغَيبة الصغريٰ؟

س6: ما هي أهم مؤهلات السفراء الأربعة (رحمهم الله) في عص-ر الغَيبة الصغريٰ؟

ص: 156

الدرس الثلاثون

الفصل الثاني: الغَيبة الكبريٰ:

المبحث الأول: معالمها وظروفها وفتنها والواجب فيها:

1 - أبرز معالم فترة الغَيبة الكبريٰ - مهما امتدت - هو عدم وجود سفير خاص أو رابط بين الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) والأُمة، لذلك اتفق شيعة آل البيت (عليهم السلام) عليٰ تكذيب كلّ من يدعي السفارة أو أي علاقة خاصة بينه وبين الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، ولم يدّعِ أي عالم من علماء الشيعة - مهما علا شأنه - أيّ ارتباط بينه وبين الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) حتيٰ في أحلك الظروف والفتن والمصائب التي حلّت بالمجتمعات الشيعية في عص-ر الغَيبة الكبريٰ، ورفضوا كلّ من تسوّل له نفسه مثل هذه الادعاءات.

2 - إن ظروف الغَيبة الكبريٰ تختلف باختلاف العصور والمجتمعات، وليس هناك ظرف واحد سائد فيها.

3 - إن مرجعية شيعة آل البيت (عليهم السلام) في الغَيبة الكبريٰ من الناحية النظرية، ومصدر التش-ريع عندهم هي نفس مرجعيتهم قبل الغَيبة الكبريٰ، وأهمها الكتاب العزيز والسُّنة من خلال الروايات المعتمدة المحفوظة عن النبي(صلي الله عليه و آله) والأئمة (عليهم السلام).

ص: 157

وأمّا من الناحية العلمية الإثباتية حيث لا يوجد سفير أو رابط خاص معيَّن من جانب الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) فيعتمدون في معرفة تعاليم دينهم الإسلامي الحنيف عليٰ المعايير المعتمدة التي تبرئ ذمتهم أمام الله تعاليٰ، وذلك أن التعاليم الدينية عليٰ صنفين أساسيين - عدا صنوف أخريٰ ثانوية -:

الصنف الأول: التعاليم العقائدية.

الصنف الثاني: الأحكام الفقهية.

أمّا التعاليم العقائدية فكل إنسان يعتمد فيها عليٰ الحجة التي تقوم عنده وفق مستواه العلمي - كما تم توضيحه في البحوث العقائدية -.

وأمّا الأحكام الفقهية فمعرفتها لا تتيس-ر من دون تخصّص في علم الفقه وسائر العلوم التي يتوقف عليها استنباط هذه الأحكام، وكلما امتدت الفترة الزمنية كانت عملية استنباط الأحكام الفقهية أكثر تعقيداً وتتطلب جهوداً علمية مضنية ومتخصصة، فلذلك كانت أمام شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ثلاثة خيارات:

الخيار الأول: هو التخصص في هذه العلوم، والذي يصطلح عليه (الاجتهاد في الفقه).

الخيار الثاني: الاحتياط، بأن يفعل الإنسان كل ما يحتمل كونه واجباً، ويتجنّب كل ما يحتمل كونه محرّماً، وإن لم تقم حجة شرعية عليٰ وجوب الأول وحرمة الثاني.

ص: 158

الخيار الثالث: الرجوع للمختصين المؤهَّلين لاستنباط الحكم الفقهي، وهم (الفقهاء) و(المجتهدون) كما هو الحال في سائر موارد الرجوع للمختصين والأكفاء في العلوم الأخريٰ.

ونظراً لعدم تيسّ-ر الخيارين الأولين لعموم شيعة آل البيت (عليهم السلام)، لأنّ الخيار الأول يستلزم أهليَّة الشخص للتخصص العلمي، وتفرّغه لذلك لسنوات طويلة، ولا يتيس-ران لعموم الناس المنشغلين بإدارة شؤونهم وأعمالهم الخاصة لتوفير مستلزمات الحياة لهم ولعوائلهم، ولتلبية مستلزمات التخصص في العلوم الأخريٰ التي يحتاجها المجتمع، فليس من المنطق والحكمة أن يترك الناس أعمالهم ويتفرّغوا سنين طويلة للتخصص في العلوم التي يتوقف عليها الاجتهاد الفقهي، كما هو واضح.

وأمّا الخيار الثاني: فهو خيار شاق يتعس-ّر عليٰ أكثر الناس ويوجب إرباك الوضع الاجتماعي العام.

فكان الخيار الثالث هو الخيار العلمي والميس-ّر والعقلائي الذي دأبت عليه المجتمعات البش-رية عليٰ مرّ العصور، والمطبَّق في كل موارد الاختصاصات العلمية الأخريٰ، فالمريض يراجع الطبيب المختص، وصاحب الحق القانوني يراجع المحامي أو المختص بالقانون لكسب حقه، فكذلك في المجالات الش-رعية يراجع الفقيه المختص بعلم الفقه القادر عليٰ استنباط الحكم الش-رعي من المصادر الش-رعية المعتبرة، ليكون معذوراً شرعاً، تجنباً لإهمال التكاليف الشرعية والتخبّط فيها.

ص: 159

ويطلق عليٰ الفقيه والمجتهد المذكور مصطلح (المرجِع) كما يطلق عليٰ نفس عملية الرجوع إليٰ المرجع عنوان (التقليد) باعتبار أن المقلِّد أو غير المختص يتبع المقلَّد وهو المرجع المختص في آرائه الفقهية، كما يتبع المريض الطبيب المختص في رأيه في تشخيص وعلاج المرض أو باعتبار أن المقلِّد يحمّل المرجع المسؤولية، والمرجع يكون مسؤولاً أمام الله تعاليٰ بالنسبة لأعمال مَن يرجع إليه في الفتويٰ، قال السيد محمد سعيد الحكيم: (المستفاد من بعض كلمات اللغويين وبعض استعمالات أهل اللغة: أن التقليد عبارة عن جعل الش-يء في عُنق الغير، ومن تقليد السيف...) وقول الصدّيقة (عليها السلام): في خطبتها الصغيرة «لا جرم والله لقد قلّدتهم ربَقتَها...» وقد أُطلق في العرف عليٰ متابعة الغير ومجاراته في الش-يء، ولعله بلحاظ أن التابع قد حَمّل المتبوع مسؤولية عمله، فكأنه جعله في عنقه وألزمه به((1)).

وقد اتضح مما ذكرناه أن التقليد ليس واجباً تعيينيّاً عليٰ كلّ شخص، بل هو خيار شرعي للتخفيف عليٰ عموم الناس وعدم إحراجهم بالاجتهاد في الفقه أو الاحتياط في الأحكام الفقهية((2)).

ص: 160


1- مصباح المنهاج (الاجتهاد والتقليد): 21-22.
2- ومن خلال ما ذكرناه يتضح الجواب عن الحملة المضلِّلة لبعض الجهلة والمنحرفين ضد الحوزة العلمية والفقهاء بادعاء عدم مش-روعية التقليد، وذلك أنه إذا لم يكن التقليد مجزئاً للمسلم، يترتب عليه الحرج بلزوم الاجتهاد في الفقه أو الاحتياط، وكلاهما غير عملي ويوجب إرباك وضع المجتمعات الإسلامية، - كما أوضحناه - وكلّما تعدّدت الخيارات للإنسان كان ذلك أخفّ عليه.

الدرس الحادي والثلاثون

وتدلّ عليٰ مرجعية الفقهاء أو تؤكدها العديد من النصوص الشرعية، منها:

1 - قوله تعاليٰ: ﴿فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة: 122) (فإنّ التفقه عبارة عن تعلّم الأحكام واستنباطها من أدلتها)((1))، فإنّ هؤلاء المتفقِّهين بمثابة العلماء ذوي الاختصاص في عص-رنا، نعم كان التفقه بالنسبة إليٰ المنظورين آنذاك في الآية الكريمة متيس-ّراً ولم يكن متوقفاً عليٰ بذل جهود مضنية، كما هو الحال في العصور المتأخرة بسبب البعد عن عصر النص، وتعقّد الحياة.

2 - النصوص الكثيرة الواردة في فضل العلم وتعلّمه والانتفاع به، والرجوع للعلماء والأخذ منهم والتحذير من الافتاء من غير علم، فإنّ تعلّم العلم والانتفاع به، والرجوع للعالم لا يراد بها خصوص ما أوجب القطع، بل الإشارة إليٰ ما هو المعروف عند العرف من أخذ الفتويٰ من العالم وقبول قوله، فالنصوص المذكورة بمجموعها ظاهرة

ص: 161


1- مصباح المنهاج (الاجتهاد والتقليد).

في المفروغية عن جواز ذلك إمضاءً لمقتض-يٰ سيرة المؤمنين عليٰ مرّ العصور((1))، (التي تسميٰ سيرة المتشرعة) ومن هذه النصوص:

أ - صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن الذي يُعلّم العلمَ منكم له أجر مثل أجر المتعلِّم، وله الفضل عليه، فتعلّموا العلمَ مِن حَملة العلم وعلّموه إخوانكم كما علّمكموه العلماء»((2))، ومن الواضح أن كثيراً من التعلّم لأجل العمل.

ب - صحيحة أبي عبيدة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «من أفتيٰ الناسَ بغير علم ولا هديٰ من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر مَن عمل بفتياه»((3)).

ونحوها غيرها.

فإنّ ظاهرها إقرار مش-روعية أصل الافتاء ورجوع الناس للمفتين المؤهَّلين للفتويٰ، لأن الرواية قد اقتص-رت عليٰ التحذير من الفتويٰ من دون علم ولا حجة، وهي التي تصدر من غير المؤهَّلين للإفتاء، ولم تحذّر من صدور الفتويٰ من المؤهَّلين، ولا من رجوع الناس إليهم.

ج - رواية إسحاق بن يعقوب قال: سألتُ محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألتُ فيه عن مسائل أشكلتْ عليَّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عجل الله تعالي فرجه الشريف): «أمّا ما سألتَ عنه أرشدك الله

ص: 162


1- انظر: المصدر: 13.
2- الكافي: 1/35.
3- وسائل الشيعة: 27/20.

وثبَّتك - إليٰ أن قال -: وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إليٰ رواة حديثنا فإنّهم حجتي عليكم وأنا حجة الله»((1)).

د - ما رواه الطبرسي - في حديث - عن الإمام الصادق (عليه السلام): «فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً عليٰ هواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه»((2)).

والمقصود من الفتويٰ التي هي حجة هي الفتويٰ التي يستنبطها الفقيه من مصادر التش-ريع، لا خصوص ما يتضمّنه النص الش-رعي حرفياً، كما تدل عليه بعض النصوص مثل صحيحة عبد الأعليٰ موليٰ آل سام قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): عثرت فانقطع ظفري، فجعلتُ عليٰ إصبعي مَرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: «يُعرف هذا وأشباهه من كتاب الله (عزوجل)، قال الله تعاليٰ: ﴿وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، امسح عليه»((3))، فإنّ الرواية تدل عليٰ مش-روعية الاجتهاد، والاجتهاد من الفقيه إذا كان حجّة في عمل نفسِه يكون حجة عليٰ من يرجع إليه ويسأله، بمقتض-يٰ الأدلة المتقدمة الدالة عليٰ مش-روعية رجوع الناس للفقيه الجامع للشروط.

ص: 163


1- المصدر: 140.
2- المصدر: 131.
3- وسائل الشيعة: 1/464.

الدرس الثاني والثلاثون

اشارة

3 - النصوص المتضمنة للرجوع في النزاعات إليٰ العلماء فإنّها تتضمّن حجّية آراء هؤلاء القضاة وفتاواهم، لأن القاضي يعتمد عليٰ آرائه العلمية في تحديد الحقوق ومثبتاتها الش-رعية ويحكم عليٰ طبقها، من هذه النصوص:

أ - معتبرة((1)) أو مقبولة عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث... فكيف يصنعان؟ قال: «ينظران مَن كان منكم ممّن قد رويٰ حديثنا، ونظَر في حلالنا وحرامنا، وعرَف أحكامنا فليرضَوا به حكماً فإنّي قد جعلتُه عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يُقبل منه، فإنّما استُخِفَّ بحكم الله وعَلينا ردّ، والرادُّ علينا الرادُّ عليٰ الله...»((2)).

ب - رواية أبي خديجة قال: بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) إليٰ أصحابنا، فقال: قل لهم: «إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداريٰ((3)) في شيء من الأخذ والعطاء أن تَحاكَموا إليٰ أحدٍ من هؤلاء الفساق، اجعلوا بينكم

ص: 164


1- الترديد المذكور لوحظ فيه اختلاف نظر الفقهاء في هذه الرواية.
2- وسائل الشيعة: 27/136- 137.
3- بمعنيٰ الاختلاف والتدافع في الخصومة، قال ابن فارس: دارأتُ فلاناً: إذا دافعته (معجم مقاييس اللغة): 335.

رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا، فإني قد جعلته عليكم قاضياً، وإيّاكم أن يخاصم بعضُكم بعضاً إليٰ السلطان الجائر»((1)).

4 - النصوص العديدة التي تضمّنت إرجاع الأئمة (عليهم السلام) لبعض أصحابهم المعتَمدين عندهم في بلدان مختلفة، فإنّ هؤلاء الأصحاب كانوا يجتهدون في معرفة بعض الأحكام وتفاصيلها ويستنبطونها من النصوص الش-رعية المختلفة، مما يكشف عن حجية فتويٰ المجتهدين - وفق الضوابط المذكورة في الفقه - بل في بعض هذه النصوص حثّ الأئمة (عليهم السلام) لأصحابهم في استنباط الأحكام الش-رعية من مصادرها المعتبرة والافتاء بها عند الحاجة. من هذه النصوص:

أ - رواية الفضل بن شاذان عن عبد العزيز بن المهتدي - قال: وكان خيرَ قمّي رأيتُه، وكان وكيلَ الرضا (عليه السلام) وخاصّتَه - قال: سألت الرضا (عليه السلام) فقلت: إني لا ألقاك في كلّ وقت، فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقال: «خذ عن [مِن] يونس بن عبد الرحمن»((2)).

ب - صحيحة شعيب العقرقوفي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ربّما احتجنا أن نسأل عن الش-يء، فمَن نسأل؟ قال: «عليك بالأسدي - يعني أبا بصير -»((3)).

ص: 165


1- وسائل الشيعة: 27/139.
2- انظر: وسائل الشيعة: 148.
3- المصدر: 142.

ج - رواية علي بن المسيّب الهمداني قال: قلت للرضا (عليه السلام): شقتي بعيدة، ولستُ أصلُ إليك في كل وقت، فممّن آخذ معالم ديني؟ قال: «من زكريا بن آدم القمي المأمون علي الدين والدنيا»، قال علي بن المسيب: فلمّا انص-رفت قدمنا علي زكريا بن آدم، فسألته عمّا احتجت إليه((1)).

ونحوها غيرها.

ومن الواضح أن إرجاع الأئمة (عليهم السلام) لهؤلاء الأصحاب باعتبارهم علماء معتمدين عندهم (عليهم السلام) من دون أن يعني ذلك عصمتهم من الخطأ في فهم الحكم، ولذلك عُرف اختلاف الاجتهاد بين بعض كبار أصحاب الأئمة (عليهم السلام) أحياناً كما تضمنته عدّة نصوص((2)).

شروط مرجع التقليد:

يشترط في مرجع التقليد عدّة شروط ذكرها الفقهاء في المصادر الفقهية إلّا أن ما يهمنا هنا الإشارة إليٰ شرطين:

الأول: الاجتهاد:

وهو: (القدرة عليٰ استنباط الحكم الش-رعي من مصادر التش-ريع المعتمدة) ويستلزم ذلك أن يكون الشخص عليٰ مستويٰ عالٍ من

ص: 166


1- وسائل الشيعة: 27/146.
2- انظر: وسائل الشيعة: 27: 106-148؛ والاستبصار: 4/188.

التخصص العلمي في الفقه والعلوم الأخريٰ التي يتوقف عليها استنباط الحكم الش-رعي، كما نلاحظه في علماء الشيعة عليٰ مرّ العصور حيث يص-رفون سنوات طوالاً من أعمارهم في دراسة وتدريس العلوم المختلفة والتعمق فيها إليٰ أن تتوفر فيهم ملكة الاستنباط).

والذي يعرف اجتهاد المجتهد وتأهّله للاستنباط وتميّزه العلمي هم العلماء وأهل الخبرة في الحوزة العلمية دون غيرهم ممن لا يملكون الخبرة في تشخيص المجتهد في الفقه من غيره، كما أن الذي يميز الطبيب المختص في مجاله مثلاً هم الأطباء دون غيرهم، وكذلك حال غيره من المختصين في المجالات المعرفية الأخريٰ.

هذا، وقد ذكر الفقهاء أن من شروط مرجع التقليد أن يكون أعلم من غيره من المجتهدين أو أن يكون من المتميّزين في مجال تخصصه الفقهي - عليٰ تفصيل مذكور في المصادر الفقهية -.

ص: 167

الدرس الثالث والثلاثون

الثاني: العدالة:

وهي: (ملكة إتيان الواجبات وترك المحرّمات)((1)) كما ذكره السيد الحكيم (رحمه الله)، أو (الاستقامة في جادة الش-ريعة المقدسة، وعدم الانحراف عنها يميناً وشمالاً بأن لا يرتكب معصية بترك واجب أو فعل حرام من دون عذر شرعي)((2)) كما ذكره السيد الخوئي (رحمه الله).

وذهب بعض الفقهاء إليٰ أن العدالة المعتبرة في مرجع التقليد هي أعليٰ مرتبةً من العدالة العادية المعتبرة في إمام الجماعة والشاهد، قال المرجع السيد محمد سعيد الحكيم - في استعراض الش-روط المعتبرة في المرجع -: (العدالة بمرتبة عالية، بأن يكون عليٰ مرتبة التقويٰ تمنعه عادةً من مخالفة التكليف الش-رعي ومن الوقوع في المعصية وإن كانت صغيرة، بحيث لو غلبته نوازع النفس ودواعي الشيطان - ولو نادراً - فوقع في المعصية لأسرع للتوبة وأناب لله تعاليٰ)((3)).

ثمّ: إن فائدة هذا الش-رط هو ضمان أن فتويٰ المرجع ومواقفه تنبع من قناعته واجتهاده بعيداً عن مصالح أو هويٰ ونحو ذلك.

ص: 168


1- انظر مستمسك العروة الوثقيٰ: 1/46.
2- منهاج الصالحين (السيد الخوئي): 1/9.
3- منهاج الصالحين (السيد محمد سعيد الحكيم): 1/13.

وقد كان نتاج تقيّد الجمهور الأعظم لشيعة آل البيت (عليهم السلام) في اختيارهم لمراجع التقليد واستقامة المراجع خلال القرون الطويلة منذ الغَيبة الكبريٰ للإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) وإليٰ عص-رنا الحاضر حفظ مسيرة التشيع –عموماً - من الانحراف والتخبط والتبعية للسلطات القائمة، قال المرجع السيد محمد سعيد الحكيم (حفظه الله): (وحَقّ لهذه الطائفة أن ترفع رأسها فخراً واعتزازاً بمحافظتها عليٰ أحكام الله تعاليٰ، واهتمامها بأخذها من منابع التش-ريع الأصلية، وصمودها في ذلك متحدية أعاصير الزمن، وظلمات الفتن، عليٰ طول المدة وشدة المحنة) كل ذلك بفضل علمائها المخلصين الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، وأتباعهم المؤمنين الذين لا يأخذون دينهم إلّا ممن هو أهل للأمانة في دينه وورعه وقدسيته، رافضين غيرهم ممن لا يتحليٰ بالأمانة والورع...

وأمام أعينهم في ذلك تعاليم أئمة الهديٰ من أهل البيت (عليهم السلام) المطابقة لحكم العقل السليم، وللكتاب المجيد وسُنة النبي(صلي الله عليه و آله)، فقد ورد عنهم (عليهم السلام) في ذلك الش-يء الكثير، وفي الحديث الش-ريف عن الإمام الصادق (عليه السلام): «فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً عليٰ هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه» وذلك لا يكون إلّا بعضَ فقهاء الشيعة لا جميعَهم...((1)).

فعليٰ المؤمنين سددهم الله تعاليٰ - العلماء منهم والأتباع - أن يعرفوا عِظمَ المسؤولية الملقاة عليٰ عواتقهم، وثقلَ الأمانة التي حمّلها الله

ص: 169


1- وسائل الشيعة: 27/131.

تعاليٰ إياهم، وليكن الهمّ الأول والأخير للعالِم هو معرفة الحقيقة والحفاظ عليها والوصول للحكم الش-رعي من منابعه الأصلية، وبيانه أداء للوظيفة الش-رعية، من دون اهتمام بكثرة الأتباع والأنصار، ولا بالبهرجة وحبّ الظهور، ولا بغير ذلك من مغريات الدنيا الزائلة ودواعي الشيطان المهلكة وأمام عينيه قوله تعاليٰ: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ﴾ (الحاقة: 44 - 47).

كما ليكن همّ الأتباع الخروج عن تَبِعة الأحكام الش-رعية بأخذها من العلماء العاملين من أهل الورع والتقويٰ والنزاهة والإخلاص والاستقامة.

وقد يقف الناس حياريٰ - لملابسات خاصة وظروف طارئة - أمام كثرة الدعاويٰ وتعدد الاتجاهات إلّا أن ذلك لا ينبغي أن يجرّ للتفريط في الوظيفة والتقصير في أداء الواجب، إذ مهما التبست الأمور وشبّهت الفتن فإن الله جلّت آلاؤه لا يضيع حجته ولا يخفي معالم دينه - بفضله ورحمته إن شاء الله - عليٰ من حاول البحث عنها وجهد في الوصول إليها ﴿وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: 69)، ﴿قُلْ فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (الأنعام: 149)((1)).

ص: 170


1- منهاج الصالحين (السيد محمد سعيد الحكيم): 1/8-10.

انتظار المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف):

تضمنت العديد من الروايات التأكيد عليٰ انتظار المهدي المنتظر(عجل الله تعالي فرجه الشريف)، وفضل المنتظرين له (عجل الله تعالي فرجه الشريف) - وفي بعضها أنه من الدّين، وفي أخريٰ أنّ من عرف الإمام كان له أجر مَن نصره - من هذه الروايات:

1 - موثقة أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): يا بن رسول الله، هل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إياكم؟ قال: فقال: «نعم»، قال: فقلت: فإني أسألك مسألة تجيبني فيها، فإني مكفوف البص-ر قليل المش-ي، ولا أستطيع زيارتكم كل حين قال: «هات حاجتك»، قلت: أخبرني بدينك الذي تُدين الله (عزوجل) به أنت وأهل بيتك لِأُدينَ اللهَ (عزوجل) به، قال: «إن كنت أقص-رتَ الخُطبة فقد أعظمتَ المسألة، والله لأُعطينّك ديني ودين آبائي الذي نُدين الله (عزوجل) به، شهادة أنْ لا إله إلّا الله، وأنَّ محمداً رسول الله(صلي الله عليه و آله) والإقرار بما جاء من عند الله، والولاية لولايتنا، والبراءةَ من عدوّنا، والتسليم لأمرنا، وانتظار قائمنا، والاجتهاد والورع»((1)). وقريب منها رواية إسماعيل الجعفي((2)) وغيرها.

2 - موثقة ثعلبة بن ميمون قال: «اعرف إمامك [فإنك] إذا عرفته لم يضرّك تقدم هذا الأمر أو تأخر، ومن عرف إمامه ثم مات قبل

ص: 171


1- الكافي: 2/21-22.
2- انظر: المصدر: 2/ ح13.

أن يريٰ هذا الأمر، ثم خرج القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف) كان له من الأجر كمن كان مع القائم في فسطاطه»((1)).

ورغم أن الرواية مضمرة - أي لم يص-رح فيها باسم القائل - إلّا أن من الواضح انتسابها للإمام (عليه السلام) لأن مضمونها لا يناسب صدورها من غير الإمام (عليه السلام)، وقريب منها رواية عبد الله بن عجلان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مَن عَرَف هذا الأمر ثم مات قبل أن يقوم القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف) كان له مثل أجر مَن قُتِل معه»((2)).

ص: 172


1- الغَيبة للطوسي: 459.
2- الغَيبة للطوسي: 460.

الدرس الرابع والثلاثون

3 - موثقة الفيض بن مختار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه»، ثم مكث هنيئة ثم قال: «لا بل كمن قارع معه بسيفه» ثم قال: «لا والله إلّا كمن استُشهِد مع رسول الله(صلي الله عليه و آله)»((1)).

4 - معتبرة معاوية بن وهب قال: كنت جالساً عند جعفر بن محمد(عليهما السلام) إذ جاء شيخ قد انحنيٰ من الكبر، فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته. فقال له أبو عبد الله: «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا شيخ، ادنُ مني»، فدنا منه فقبّل يده وبكيٰ. فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): «وما يُبكيك يا شيخ؟» قال له: يا بن رسول الله، أنا مقيمٌ عليٰ رجاءٍ منكم منذ نحو من مائة سنة أقول: هذه السنة وهذا الشهر وهذا اليوم، ولا أراه فيكم، فتلومني أن أبكي!..

قال: فبكيٰ أبو عبد الله (عليه السلام) ثمّ قال: «يا شيخ إن أُخّرتْ منيّتك كنتَ معنا، وإن عُجّلتْ كنتَ يوم القيامة مع ثقل رسول الله(صلي الله عليه و آله)». فقال الشيخ: ما أبالي ما فاتني بعد هذا يا بن رسول الله. فقال له أبو عبد الله: «يا شيخ: إن رسول الله(صلي الله عليه و آله) قال: إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن

ص: 173


1- المحاسن: 150.

تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله المُنزَل وعترتي أهل بيتي، تجيء وأنت معنا يوم القيامة»، قال: «يا شيخ، ما أحسبُك من أهل الكوفة». قال: لا. قال: «من أين؟» قال: من سوادها - جعلت فداك -، قال: «أين أنت من قبر جدّي المظلوم الحسين؟»، قال: إني لقريب منه. قال: «كيف إتيانك له؟» قال: إني لآتيه وأُكثر. قال: «يا شيخ ذاك دم يطلب الله تعاليٰ به، وما أصيب ولد فاطمة ولا يُصابون بمثل الحسين (عليه السلام)، ولقد قُتِل (عليه السلام) في سبعة عشر من أهل بيته نصَحوا لله وصبروا في جنب الله فجزاهم أحسن جزاء الصابرين، إنه إذا كان يوم القيامة أقبل رسول الله(صلي الله عليه و آله) ومعه الحسين (عليه السلام) ويده عليٰ رأسه يقطر دماً فيقول: يا رب سل أُمتي فيمَ قتلوا ولدي!»((1))، ومثلها في محل الشاهد روايات أخريٰ((2)).

ص: 174


1- أمالي الطوسي: 161.
2- انظر كفاية الأثر: 260؛ وكمال الدين: 2/645-646؛ والكافي: 1/333.

الدرس الخامس والثلاثون

المبحث الثاني: علامات الظهور:

من الطبيعي أن يكون لحدث مهم بل في غاية الأهمية وهو ظهور الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) إرهاصات وعلامات واضحة الدلالة عليه، تجنباً للشبهة والتباس الحق عليٰ الناس، وقد تضمنت الروايات الكثير من العلامات المفترضة، إلّا أن أسناد أكثرها غير معتبرة، وسوف نتعرض إليٰ كلا الصنفين – ما دل عليه دليل معتبر، وبعض ما لم يدل عليه دليل معتبر -.

أمّا الصنف الأول:

فهي أربع علامات:

العلامة الأوليٰ: الصيحة في السماء:

وقد ذكرت الروايات لها مضمونين:

الأول: أن هناك صيحتين: تتضمن أولاهما: أن الحق مع علي(عليه السلام) وشيعته، والثانية: أن الحق مع مخالفيه.

والثاني: التصريح باسم المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) في الصيحة.

ص: 175

أمّا المضمون الأول فهو معروف والذي هو أحد العلامات الثابتة، وإليه ينص-رف عناوين (النداء) و(الصوت) و(الصيحة) الواردة في بعض الروايات، وقد تضمّنته كثير من الروايات، منها:

أ - موثقة زرارة بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ينادي منادٍ من السماء: أن فلاناً هو الأمير، وينادي منادٍ: أنّ عليّاً وشيعته هم الفائزون». قلت: فمن يقاتل المهدي بعد هذا؟ فقال: «إنّ الشيطان ينادي: إن فلاناً وشيعته هم الفائزون - لرجل من بني أمية -» قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب؟ قال: «يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون: (إنه يكون) قبل أن يكون ويعلمون أنهم المحقّون الصادقون»((1)).

ب - موثقة عبد الله بن سنان قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إن هؤلاء العامة يعيّرونا، ويقولون لنا: إنكم تزعمون أن منادياً ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر! وكان متكئاً، فغضب وجلس. ثم قال: «لا تروه عنّي، وارووه عن أبي، ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أني قد سمعت أبي (عليه السلام) يقول: والله إن ذلك في كتاب الله (عزوجل) لبيّن حيث يقول: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ﴾ [الشعراء: 4]، فلا يبقيٰ في الأرض يومئذٍ أحد إلّا خضع وذلّت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء: ألا إنّ الحقّ في علي بن أبي طالب (عليه السلام)

ص: 176


1- الغَيبة للنعماني: 272-273.

وشيعته». قال: «فإذا كان من الغد صعد إبليس...» قال: «فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت عليٰ الحق، وهو النداء الأول، ويرتاب يومئذٍ الذين في قلوبهم مرض –والله - عداوتنا...»((1)).

ونظيرها رواية عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، وقد سأله عمارة الهمداني((2)).

وقد تضمّنت هذا المضمون روايات أخريٰ والتي يبدو منها أنها قضية معروفة ومشهورة منذ عص-ر الإمام الصادق (عليه السلام) ففي موثقة هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الجريري أخا إسحاق يقول لنا: إنكم تقولون: (نداءان) فأيهما الصادق من الكاذب؟

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «قولوا له: إن الذي أخبرنا بذلك - وأنت تُنكر أنّ هذا يكون - هو الصادق»((3))، ونحوها غيرها((4)).

وقد بلغ من شهرة الرواية المذكورة عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن نُعيم بن حماد رويٰ عن سعيد أبي عثمان - الثقة عندهم - عن جابر الجعفي عنه(عليه السلام) قال: «ينادي منادٍ من السماء: ألا إن الحق في آل محمد، وينادي منادٍ من الأرض: ألا إن الحق في آل عيسيٰ - أو قال - العباس - أنا أشك فيه - وإنما الصوت الأسفل من الشيطان، ليلبِسَ عليٰ الناس». شك أبو عبد الله نُعيم((5)).

ص: 177


1- الغَيبة للنعماني: 268.
2- انظر: المصدر: 269.
3- الغَيبة للنعماني: 273.
4- انظر المصدر: 273 و275.
5- الفتن ل-(نعيم بن حماد): 264.

هذا كلّه بالنسبة للمضمون الأول للصيحة في السماء.

وأمّا المضمون الثاني: - وهو التص-ريح باسم الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) في السماء - فقد تضمّنته عدّة روايات، منها - إضافةً لبعض ما تقدّم آنفاً -:

أ - صحيحة محمد بن مسلم قال: «ينادي منادٍ من السماء باسم القائم، فيسمع ما بين المش-رق إليٰ المغرب، فلا يبقيٰ راقد إلّا قام، ولا قائم إلّا قعد، ولا قاعد إلّا قام عليٰ رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين»((1)).

ب - صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «يشمل الناس موت وقتل حتيٰ يلجأ الناس عند ذلك إليٰ الحرم، فينادي منادٍ صادق من شدة القتال: فيمَ القتل والقتال؟ صاحبكم فلان»((2)).

ج - رواية عبيد الله بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «يناديٰ باسم القائم فيؤتيٰ، وهو خلف المقام، فيقال له: قد نودي باسمك، فما تنتظر؟ ثم يؤخَذ بيده فيُبايَع».

قال: قال لي زرارة: (الحمد لله، قد كنّا نسمع أن القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف) يُبايع مستكرَهاً، فلم نكن نعلم وجه استكراهه. فعلمنا أنه استكراه لا إثم فيه)((3)).

ص: 178


1- الغَيبة للنعماني: 274.
2- المصدر: 275.
3- المصدر: 271- 272.

د - صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ينادي منادٍ باسم القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف)». قلت: خاص أو عام؟ قال: «عام، يسمع كلّ قوم بلسانهم». قلت: فمن يخالف القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، وقد نودي باسمه؟! قال: «لا يدَعُهم إبليس حتيٰ ينادي [في آخر الليل] ويشكك الناس»((1)).

ه- - وقد رويت عدّة روايات في مصادر الجمهور تتضمن ذلك أيضاً، منها:

ما رواه نُعَيم بن حمّاد بسنده عن أرطاة: قال: (إذا كان الناس بمنيٰ وعرفات ناديٰ منادٍ - بعد أن تحاربَ القبائل - (ألا إن أميركم فلان) ويتبعه صوت: (ألا إنه قد كذب) ويتبعه صوت آخر (ألا إنه قد صدق...)((2)). ونحوها غيرها.

و(منها) موثقتا زرارة وعبد الله بن سنان المتقدمتان، راجع صفحة 188.

ص: 179


1- كمال الدين: 2/650-651.
2- الفتن ل-(نعيم بن حماد): 267.

الدرس السادس والثلاثون

العلامة الثانية: خروج السفياني:

وقد تضمنته عدة روايات، منها:

أ - معتبرة أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا جعفر كان يقول: إن خروج السفياني من الأمر المحتوم. قال [لي]: «نعم، واختلاف ولد العباس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم. وخروج القائم من المحتوم»، فقلت له: كيف يكون [ذلك] النداء؟ قال: «ينادي منادٍ في السماء أول النهار (ألا إن الحق في علي وشيعته) ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: (ألا إن الحق في السفياني وشيعته) فيرتاب عند ذلك المبطلون»((1)).

ب - صحيحة عمر بن يزيد قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «إنك لو رأيت السفياني لرأيت أخبث الناس، أشقر أحمر أزرق...»((2)). ونحوها غيرها.

ص: 180


1- كمال الدين وتمام النعمة: 2/591-592.
2- بحار الأنوار للمجلسي: 52/249.

ج - معتبرة عبد الملك بن أعين قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فجريٰ ذكر القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف) فقلت له: أرجو أن يكون عاجلاً ولا يكون سفياني. فقال: «لا والله، إنه لمن المحتوم الذي لابدّ منه»((1)).

د - رواية المعليٰ بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن أمر السفياني من المحتوم وخروجه في رجب»((2)).

ه- - رواية عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء»((3)).

و - موثقة محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «اتقوا الله واستعينوا عليٰ ما أنتم عليه بالورع والاجتهاد في طاعة الله، فإن أشدّ ما يكون أحدكم اغتباطاً بما هو فيه من الدِّين لو قد صار في حدّ الآخرة، وانقطعت الدنيا عنه فإذا صار في ذلك الحدّ عرف أنه قد استقبل النعيم والكرامة من الله والبش-ريٰ بالجنة، وأَمِن ممن كان يخاف، وأيقن أن الذي كان عليه هو الحق، وأن من خالف دينه عليٰ باطل، وأنه هالك، فأبش-روا ثم أبش-روا بالذي تريدونه، ألستم تَرون أعداءكم يُقتَلون في معاصي الله، ويقتل بعضهم بعضاً عليٰ الدنيا دونكم، وأنتم في بيوتكم آمنون في عزلة عنهم، وكفيٰ بالسفياني نقمةً لكم من عدوّكم، وهو من

ص: 181


1- الغَيبة للنعماني: 312.
2- المصدر: 592.
3- كمال الدين: 2/650.

العلامات لكم، مع أنّ الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم بأس حتيٰ يقتل خلقاً كثيراً دونكم... وإنّما فتنته حمل امرأة: تسعة أشهر ولا يجوزها إن شاء الله»((1)). يعني أن الفتنة تكون بمقدار حمل المرأة لجنينها عادةً، وهو تسعة أشهر.

العلامة الثالثة: خروج اليماني:

وهو من اليَمن، كما تدل عليه نسبته إليها، نظير الخراساني نسبةً إليٰ خراسان، ويبدو أنه ليس من البيت العلوي، وإلّا كان المناسب التنبيه عليٰ ذلك ونسبته إليهم، كما نسب السفياني إليٰ أبي سفيان مع أنه ينتمي أيضاً إليٰ أحد البلدان. وقد تضمّنت خروج اليماني عدة روايات، منها:

أ - رواية عمر بن حنظلة المتقدمة آنفاً.

ب - رواية أحمد بن محمد بن أبي نص-ر عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) أنه قال: «قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني وشعيب بن صالح...»((2)).

ج- - رواية أبي بصير عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، وفيها: «... خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد... وليس في الرايات راية أهديٰ من راية اليماني، هي راية هديٰ، لأنه يدعو إليٰ صاحبكم...»((3)).

ص: 182


1- الغَيبة للنعماني: 311.
2- الغَيبة للنعماني: 262.
3- المصدر: 246.

ه- - رواية بكر بن محمد الأزدي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، وليس فيها راية بأهديٰ من راية اليماني يهدي إليٰ الحق»((1)).

د - رواية محمد بن مسلم قال: «يخرج قبل السفياني مص-ري ويماني)((2)). ونحوها غيرها.

ورغم أن سند هذه الروايات غير تام وفق ضوابط التوثيق السندي، إلّا أن كثرة هذه الروايات توجب الاطمئنان أو الظن القوي بصدور مضمونها، ولذلك اعتبرها البعض من العلامات الحتمية.

العلامة الرابعة: قتل (النفس الزكية):

وقد تضمّنت ذلك عدة روايات بعضها اقتص-ر عليٰ ذكر ذلك مجملاً، وبعضها تضمّن بعض خصوصيات (النفس الزكية) أو ظرف مقتله، منها:

أ - معتبرة أبي حمزة الثمالي المتقدمة: قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا جعفر كان يقول: إن خروج السفياني من الأمر المحتوم؟ قال [لي]: «نعم، واختلاف ولد العباس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم...»((3)).

ص: 183


1- الغَيبة للنعماني: 271.
2- بحار الأنوار للمجلسي: 52/210.
3- كمال الدين وتمام النعمة: 2/519.

ب - روايته الأخريٰ قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا جعفر كان يقول: إن خروج السفياني من الأمر المحتوم و... فقال أبو عبد الله(عليه السلام): «واختلاف بني فلان من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم...»((1)).

ج- - رواية عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «خمس قبل قيام القائم من العلامات: الصيحة، والسفياني، والخسف بالبيداء، وخروج اليماني، وقتل النفس الزكية»((2)).

د - صحيحة شعيب الحدّاد عن صالح بن ميثم التمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ليس بين قيام القائم وبين قتل النفس الزكية إلّا خمس عشرة ليلة»((3)).

ه- - رواية ميمون البان عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)قال: «خمس قبل قيام القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف): اليماني والسفياني والمنادي ينادي من السماء، وخسف البيداء، وقتل النفس الزكية»((4)).

ولم تحدد الروايات المعتبرة هوية النفس الزكية ولا مكان قتله، نعم تضمّنت روايات أخريٰ ذلك، منها:

أ - ما تضمن أنه يقتل في مكة بين الركن والمقام.

ب - ما تضمن أنه يقتل في المدينة.

ص: 184


1- الغَيبة للطوسي: 435.
2- المصدر: 436-437.
3- المصدر: 445.
4- كمال الدين: 2/649.

ج- - ما تضمن أنه يقتل بظهر الكوفة. قال الشيخ المفيد (رحمه الله): (قد جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات، فمنها: خروج السفياني، وقتل الحسني... وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام)((1))، فاعتبر النفس الزكية مقتولاً بظهر الكوفة، وأنه مغاير للحسني وللهاشمي المذبوح بين الركن والمقام.

ولكن كلّاً من هذه الروايات التفصيلية لا يمكن الاعتماد عليها، وأيضاً هذه العلامة ليست واضحة وحاسمة في الدلالة عليٰ ظهور الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف)، لإمكان تعدد ذوي النفوس الزكية المقتولين خلال فترة الغَيبة الكبريٰ الطويلة.

وعليٰ كلّ حال فإنّ العلامات الأربع المتقدمة تمثل الصنف الأول من علامات الظهور.

ص: 185


1- الإرشاد: 2/368.

الدرس السابع والثلاثون

وأمّا الصنف الثاني - وهو ما لم يدل عليه دليل معتبر -:

فموارده عديدة تضمّنته روايات كثيرة، أهمها ما يلي:

العلامة الأوليٰ: خروج الشمس من المغرب:

وقد تضمنت ذلك عدة روايات من الخاصة والعامة، منها:

أ - رواية أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: خروج السفياني من المحتوم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من المغرب محتوم... فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «واختلاف بني فلان من المحتوم وقتل النفس الزكية من المحتوم وخروج القائم من المحتوم...»((1)).

ب - رواية عامر بن وائلة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «عش-ر قبل الساعة لابدّ منها: السفياني، والدجال، والدخان، والدابة، وخروج القائم، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسيٰ(عليه السلام) وخسف بالمش-رق، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إليٰ المحشر»((2)).

ص: 186


1- الغَيبة للطوسي: 435.
2- الغَيبة للطوسي: 436.

ج - ما رواه البخاري بسنده عن رسول الله(صلي الله عليه و آله) قال: «لا تقوم الساعة حتيٰ تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها - ثم قرأ الآية -»((1)).

د - وفي رواية مسلم «أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها»((2)).

وهذه الروايات وإن لم يص-رح فيها بكون طلوع الشمس من مغربها من علامات ظهور الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) إلّا أن الكثير من الأعلام والباحثين فهموا منها ذلك، قال الشيخ المفيد: (لقد جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات، فمنها: خروج السفياني، وقتل الحسني،... وطلوعها - يعني الشمس - من المغرب...)((3)).

العلامة الثانية: خروج الخراساني:

وقد تضمّنته عدّة روايات، منها:

1 - رواية بكر بن محمد الأزدي المتقدمة.

2 - رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إليٰ الكوفة، فإذا ظهر المهدي بعث إليه بالبيعة»((4)).

ص: 187


1- صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن: سورة الأنعام: ح4360.
2- صحيح مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة: ح5238.
3- انظر: الإرشاد: 2/368.
4- الغَيبة للطوسي: 452.

3 - رواية داوود الدجاجي عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: «سُئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن قوله تعاليٰ ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ﴾ [الزخرف: 65/مريم: 37 ]، فقال: انتظروا الفرج من ثلاث، فقيل: يا أمير المؤمنين، وما هنّ؟

فقال: اختلاف أهل الشام بينهم، والرايات السود من خراسان، والفزعة في شهر رمضان...»((1)).

4 - رواية أُبيّ عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) - في حديث - ثم قال (عليه السلام): «خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخِرَز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهديٰ من راية اليماني، هي راية هديٰ، لأنه يدعو إليٰ صاحبكم...»((2)).

5 - رواية جابر الجعفي قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر(عليهما السلام) - في حديث عن علامات ظهور القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف) -: «فبينما هم كذلك إذ أقبلت رايات من قِبَل خراسان وتطوي المنازل طياً حثيثاً، ومعهم نفر من أصحاب القائم...»((3)).

وهناك علامات أخريٰ غير مؤكّدة تضمنها بعض الروايات، يمكن للقارئ مراجعتها.

ص: 188


1- الغَيبة للنعماني: 260.
2- انظر: المصدر: 264.
3- انظر: المصدر: 289.

الخلاصة:

علامات الظهور المروية عليٰ صنفين:

الصنف الأول: ما دل عليه دليل معتبر.

الصنف الثاني: ما لم يدل عليه دليل معتبر.

الأول: ما دل عليه دليل معتبر أربع علامات:

1 - الصيحة في السماء.

2 - خروج السفياني.

3 - خروج اليماني.

4 - قتل النفس الزكية.

الثاني: ما لم يدل عليه دليل معتبر:

علامات كثيرة، منها:

1 - خروج الشمس من المغرب.

2 - خروج الخراساني.

الباب الثالث: الانحراف في العقيدة المهدوية

العقيدة المهدوية كسائر المفاهيم العقائدية الصحيحة التي حدثت لديٰ البعض فيها الانحرافات والبدع، بسبب عوامل متنوعة في مقدمتها الأهداف المشبوهة والمصالح الضيقة لديٰ بعض ضعاف النفوس بهدف استغلال السذج والبسطاء.

ص: 189

ولإلقاء الضوء عليٰ الانحراف في العقيدة المهدوية بمختلف أبعاده وعوامله يتم البحث في ثلاثة أمور، وهي:

أقسام الانحراف، وأصناف المنحرفين، ومن ادُّعيت لهم المهدوية.

أولاً: أقسام الانحراف:

يتنوع الانحراف الحاصل في العقيدة المهدوية بين ثلاثة ادعاءات أساسية باطلة:

الأول: إنكار المهدوية:

رغم وجود مئات الروايات الواردة في القضية المهدوية وإذعان جلّ المسلمين بالمهدي المنتظر إلّا أن بعض الأشخاص تجاهلوا كل النصوص المذكورة وأنكروا فكرة المهدي المنتظر من أساسها، من دون أن يذكروا ما يصلح حجةً لهم أو ما يصلح لمعالجة هذا الكم الهائل من النصوص المروية في المصادر المعتبرة للمسلمين، والكثير منها لها أسانيد معتبرة، فضلاً عن تسالم المسلمين عليها منذ الصدر الأول للإسلام - كما تقدم - ولذلك لم يستحق هذا الإنكار غير العلمي التوقف عنده والمناقشة فيه مادام لا يستند لِحُجة ويخالف الحجج المعتبرة.

ص: 190

الثاني: ادِّعاء المهدوية:

حيث تقدّم أن هناك الكثير من الأشخاص قد ادّعوا المهدوية أو ادُّعيت لهم - منذ الصدر الأول للإسلام وإليٰ عص-رنا الحاضر - ونظراً لدلالة الأدلة المعتبرة المتقدمة عليٰ تشخيص هوية الإمام المهدي المنتظر(عجل الله تعالي فرجه الشريف)، في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وأنه محمد بن الحسن العسكري(عليهما السلام)، فلم تعد لهذه الادعاءات الواهية قيمة ولا أثر يذكر لديٰ أتباع هذه المدرسة.

نعم باقي المذاهب الإسلامية التي لم تتحدّد فيها هوية المهدي المنتظر يواجهون بين فترة وأخريٰ مشكلة هذه الادعاءات وتأثّر بعض البسطاء بها.

الثالث: ادِّعاء الارتباط بالمهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف):

وقد تكرّر هذا الادعاء منذ عص-ر الغَيبة الصغريٰ - وبعناوين وأنحاء مختلفة - إليٰ عص-رنا الحاضر، حيث يستغل أصحابها تأجج العاطفة الدينية وسذاجة بعض الناس وأطماع آخرين من ضعاف النفوس أو المشبوهين لنش-ر هذه الأباطيل المرفوضة في ثقافة ومتبنّيات مدرسة أهل البيت (عليهم السلام). وسيتم التعرض إليٰ ما يرتبط بذلك من خلال البحث الآتي حول أصناف المنحرفين وسماتهم.

ص: 191

الدرس الثامن والثلاثون

ثانياً: أصناف المنحرفين وسماتهم:

يلاحظ أن المنحرفين في العقيدة المهدوية - سواء كانوا أتباعاً أم متبوعين - ينحصرون - تقريباً - في ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: السذّج:

حيث تبتني العقيدة المهدوية في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عليٰ تحديد شخصية المهدي المنتظر ونسبه، وهو أمر مادي وخارجي محدّد لا يقبل الخطأ والالتباس، فلذلك لا يلتبس الأمر فيه إلّا عليٰ عدد محدود جداً من السذّج والبلهاء الذين قد يتوهمون أحياناً تطبيق المهدي عليٰ غير شخصه الحقيقي، نعم هناك حالتان من الانحراف قد تحدثان بين فترة وأخريٰ:

الأوليٰ: الانبهار بشخصيات بارزة:

حيث يتوهم بعض البسطاء والسذّج انطباق عنوان المهدي عليهم من دون أن يدعي هؤلاء ذلك.

ص: 192

لكن هذه الحالات نادرة وسرعان ما تنكشف الحقائق لأصحابها، خاصة عندما لا يجدون تجاوباً ممّن ادّعيت المهدوية لهم، بل الرفض والإنكار الواضح منهم.

الثانية: إذا اقتص-ر الادعاء عليٰ النيابة الخاصة أو نحوها من أنحاء الارتباط، بسبب بعض الالتباسات والأوهام التي تعتري أصحابها.

وهذه أيضاً نادرة في المدّعين وليست ذات بال ولا مؤثرة، إلّا إذا كان المدعي نفسه مخادعاً ودجالاً فقد يجد أتباعاً كثيرين، كما سيأتي.

نعم في غير مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) حيث لا تكون الهوية الشخصية للمهدي المنتظر محدّدة قد تحصل لديٰ البعض التباسات فيدّعون لأنفسهم المهدوية اعتماداً عليٰ توفر بعض العلامات العامة المذكورة للمهدي في مصادرهم المعتمدة.

الصنف الثاني: الدجالون:

وهؤلاء هم أكثر أدعياء المهدوية خلال العصور المتفاوتة، حيث يدّعون لأنفسهم المهدوية لدوافع غير نزيهة كالحصول عليٰ امتيازات مادية أو مكانة اجتماعية أو بداعي التسلط عليٰ الآخرين أو نحو ذلك، مما يفرزه حبّ الدنيا المفرط، والذي هو رأس كل خطيئة - كما تضمنته بعض النصوص التي تقدم بعضها -.

ويتميز المؤثرون في المجتمع من هؤلاء عادةً بثلاث خصال، وهي:

ص: 193

1 - الذكاء -ولو نسبياً- الذي يجعلهم يجيدون توظيف إمكاناتهم أو مواهبهم الشخصية لخداع المجتمع والتدليس عليهم.

2 - الموهبة، مثل قوة الشخصية أو قوة التأثير في المجتمع أو البيان الساحر والمؤثر، ويلحق بذلك العلوم الغريبة مثل السحر والشعوذة ونحوهما، فيستغلون هذه المواهب والإمكانيات بطريقة بشعة لتضليل بعض البسطاء والسذّج.

3 - الشخصية القلقة وغير المتزنة التي تؤدي إليٰ الانحراف السلوكي أو عليٰ الأقل انعدام الاستقامة والاتزان اللذَيْن يناسبان الإيمان الحقيقي والعدالة المطلوبة في كلّ من يتبوأ مقاماً دينياً أو علمياً أو اجتماعياً رفيعاً، كما يلاحظ عند بعض ضعاف النفوس والطامعين أو الذين هم ضحايا الغرور والإعجاب الفادح بالنفس، والكثير من هؤلاء يتنكّرون لنسبهم الحقيقي، ويدّعون انتسابهم للبيت العلوي زوراً، لإيهام السذّج بانطباق روايات المهدي عليهم.

الصنف الثالث: المدسوسون (المشبوهون):

وهم فئة من مدعي المهدوية أو مدعي الارتباط بالمهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف)، وذلك أن خصوم المسلمين وأعداء شيعة أهل البيت (عليهم السلام) أدركوا - خاصة في العصور المتأخرة - دَور الدّين في حياة المسلمين فجعلوا من جملة سياساتهم التلاعب بتعاليم الدين وتوجيه المجتمعات بما ينسجم مع مصالحهم ونفوذهم، ونظراً لإيمان المسلمين وخاصة شيعة أهل

ص: 194

البيت (عليهم السلام) بقضية المهدي المنتظر واستحكامها في نفوسهم، ولوجود جوانب من الغموض والإبهام لديٰ المجتمع الإسلامي عموماً بتفاصيل وخصوصيات هذه القضية الاعتقادية، فمن الطبيعي أن يجعلوا من ضمن سياساتهم استغلالها من خلال توظيف بعض ضعاف النفوس وتوجيههم بادعاء المهدوية أو الارتباط المباشر بالمهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) لتمزيق شمل الأمة والمجتمع من ناحية، والتأثير فيهما من ناحية أخريٰ بواسطة هؤلاء الدجالين الذين باعوا دينهم وضمائرهم لأعداء الأمة مستغلين الارتباط الروحي والعقائدي للمسلمين عموماً ولشيعة أهل البيت(عليهم السلام) بالمهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

وأهم سمات هؤلاء الدجالين وحركتهم - إضافة للخصال الثلاث المتقدمة في الصنف الثاني - ثلاثة أمور:

ص: 195

الدرس التاسع والثلاثون

الأول: الغموض الذي يحيط بشخوصهم - ولو في بعض مراحل حياتهم - وعلاقاتهم وحركتهم المشبوهة والمثيرة.

الثاني: انسجام حركتهم ومواقفهم وتعاليمهم مع مواقف ومصالح خصوم الأمة والمجتمع، ومن مؤشرات ذلك نش-ر ثقافة الكراهية والعدوان والعنف داخل الوسط الشيعي، وقد رأينا في عص-رنا بعض هذه الجماعات التي تربي أتباعها عليٰ الحقد الأعميٰ تجاه العلماء والحوزات العلمية، والدعوة إليٰ عمليات القتل والإبادة الجماعية لهم لإرباك الوضع الأمني وتمزيق المجتمع الشيعي.

الثالث: الإمكانات المادية الهائلة وأدوات التأثير الاجتماعي المتنوّعة التي لا تنسجم مع إمكانات المجتمع والأتباع والمحيط الذي يحيط بهم.

وهذا مؤشر قوي عليٰ ارتباطاتهم المشبوهة ودعمهم الخارجي المريب.

ثالثاً: من ادعيت لهم المهدوية، وهم عليٰ صنفين:

ص: 196

الصنف الأول: مَن لم يدّعوا أو لم يثبت ادعاؤهم المهدوية، بل فيهم من نفيٰ صراحةً ادعاء المهدوية.

الصنف الثاني: من ادعوا المهدوية بالفعل.

وحيث إنه لم يثبت ادعاء المهدوية مِن بعض مَن ادُّعيت لهم المهدوية، ارتأينا استعراض أهم من ادُّعيت لهم المهدوية عموماً - بمن فيهم مَن نفاها صراحة - من دون التفريق بين الصنفين، وهم:

1 - محمد بن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) المعروف ب-(ابن الحنفية) (ت 81ه- وقيل 87 ه-) حيث ادعيٰ بعض الكيسانية له المهدوية، وبعد وفاته ادّعوا غَيبته في شعب (رضويٰ) حتيٰ قال (كثيّر) الشاعر ونسبت للسيد الحميري - قبل استبصاره - الأبيات المتقدمة المتقدِّمة المعروفة:

ألا إن الأئمة من قريش *** ولاة الأمر أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه *** هم أسباطنا والأوصياء

فسبطٌ سبطُ إيمانٍ وبِرٍّ *** وسبطٌ قد حوته كربلاء

وسبطٌ لا يذوق الموت حتيٰ *** يقود الجيش يقدمه اللواء

يَغيب - فلا يُريٰ - عنّا *** برضويٰ عنده عسل وماء((1))

ص: 197


1- كمال الدين: 1/32.

2 - زيد بن علي بن الحسين الشهيد (عليه السلام) (66ه- - 122 ه-)

حيث حكي عن بعض أتباعه ادعاء أنه المهدي المنتظر، حتيٰ قال حكيم بن عياش الكلبي - شاعر البلاط الأموي - معرِّضاً بهم في ضمن أبيات له:

صلبنا لكم زيداً عليٰ جذع نخلة

ولم نر مهديّاً عليٰ الجذع يُصلب((1))

باعتبار أن الحاكم الأموي قد صلبه عليٰ جذع نخلة أربع سنوات، وبعدها تم إحراق جسده وذرّه في الفضاء.

ولكن زيداً لم يدّع ذلك، ولا هو معروف بين أصحابه الزيدّية المنتسبين إليه، وقد يكون ذلك جزءاً من حملات التسقيط والتشويه من إعلام السلطة وأتباعها ضد زيد الشهيد وأتباعه أو أن عدداً محدوداً من أتباعه قد توهّموا مهدويته آنذاك.

3 - محمد بن عبد الله بن الحسن (المعروف بذي النفس الزكية) (ت145ه-) وقد تضمنت بعض المصادر التاريخية أنه قد ادعيت له المهدوية، فقد رويٰ أبو الفرج الأصبهاني أنه (كان أهل بيته يسمونه المهدي، ويقدّرون أنه الذي جاءت فيه الرواية)((2)) وقد اعتذر عبد الله بن

ص: 198


1- الإصابة لابن حجر، بترجمة حكيم بن عياش عن فوائد الكوكب.
2- مقاتل الطالبين: 207.

مسوّر بن مخرمة عن اتّباعه له بقوله: (ما خرجت معه وأنا أشك في أنه المهدي، لما روي لنا في أمره)((1)).

4 - محمد المهدي العباسي بن عبد الله المنصور الدوانيقي (ت169ه-)

وقد روي أن والده المنصور العباسي سعيٰ سعياً حثيثاً للإيحاء للعامة بأن ولده محمداً هو المهدي المنتظر، وقد سخّر أشخاصاً يضعون الأحاديث في ذلك منهم مطيع بن إياس - الذي كان المنصور يشكر له قيامه في الخطباء، ووضعه الحديث لابنه في أنه المهدي - ((2)).

5 - إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) (ت158ه-):

ويبدو أن بعض الإسماعيليين الأوائل قد ادعوا له المهدوية، فبالرغم من موته في عص-ر أبيه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) إلّا أن جماعة منهم زعموا أن إسماعيل (لا يموت حتيٰ يملك الأرض ويقوم بأمر الناس وأنه هو القائم)((3)).

ص: 199


1- المصدر: 254؛ والطبقات الكبريٰ: 5/431.
2- انظر: كتاب مهديان دروغين: 75 نقلاً عن الأغاني.
3- فرق الشيعة: 67.

الدرس الأربعون

اشارة

6 - الإمام موسيٰ بن جعفر الكاظم (عليهما السلام) (128ه- - 183ه-):

حيث ادعيٰ الواقفية أنه المهدي المنتظر، وأنه حي لم يمت، واستمرّت هذه الفرقة لفترة ثم انقرضت، قال أبو عمرو الكش-ي في ترجمة محمد بن البشير: (... وله أصحاب قالوا بأن موسيٰ بن جعفر لم يمت ولم يُحبس وأنه غاب واستتر، وهو القائم المهدي...)((1)) ورويٰ بسنده عن الحسن (الحسين) بن قياما الصيرفي قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام)، فقلت: جُعلت فداك، وما فعل أبوك؟ قال: «مض-يٰ كما مضيٰ آباؤه (عليهم السلام)»، قلت: فكيف أصنع بحديث حدثني به زرعة بن محمد الحضرمي عن سماعة بن مهران: أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال: (إن ابني هذا فيه شبه من خمسة أنبياء يُحسد كما حُسِد يوسف (عليه السلام)، ويغيب كما غاب يونس)، وذكر ثلاثة أُخر، قال: كذب زرعة، ليس هكذا حديث سماعة، إنما قال: «صاحب هذا الأمر يعني القائم (عجل الله تعالي فرجه الشريف) فيه شبه من خمسة أنبياء»، ولم يقل: (ابني)((2))، علماً أن زرعة وابن قياما قد ورد في ترجمتها أنّهما كانا من الواقفة عليٰ الإمام الكاظم (عليه السلام) ولم يؤمنا بإمامة الإمام الرضا(عليه السلام)((3)).

ص: 200


1- اختيار معرفة الرجال: 2/775.
2- انظر: اختيار معرفة الرجال: 774.
3- انظر: معجم رجال الحديث: 7/69 و8/272.

7 - عبيد الله بن الحسين المهدي (260 - 322 ه-) مؤسس الدولة الفاطمية، حيث جاء في وصية أبيه (محمد الحبيب) له: (أنت المهدي) وقد اعترض عليه بعضهم ب-(أن المهدي يختم بالحجة ويأتي بالآيات الباهرة.. إن كنتَ المهديَّ فأظهر لنا آية، فقد شككنا فيك) ممّا أوجب تشكيكاً لديٰ العامة به (فقتله المهدي) وقد وصف آباءه بالمهديين في الصلوات التي عمّمها عليٰ أتباعه في عهده (اللهم فصلِّ عليٰ عبدك وخليفتك القائم بأمر عبادك في بلادك أبي محمد الإمام المهدي بالله أمير المؤمنين، كما صلّيت عليٰ آبائه خلفائك الراشدين المهديين الذين كانوا يقضون بالحق وبه يعدلون)((1)).

8 - محمد بن عبد الله بن وجليد بن بامصال، المشهور ب-(ابن تومرت) المهدي (471أو474 - 524ه-) مؤسس دولة (الموحدين) في المغرب كانت مؤلفاته عاملاً أساسياً في انتشار الأشعرية في المغرب، ومزج بين أفكار ابن حزم الظاهري في دعوته...، ادعيٰ ابن تومرت أنه هو المهدي المنتظر، وقد ورد عن ابن تومرت في كتابه (أعز ما يطلب) ما يلي:

(... لا يصح قيام الحق في الدنيا إلّا بوجوب اعتقاد الإمامة في كل زمان من الأزمان إليٰ أن تقوم الساعة... ولا يكون الإمام إلّا معصوماً، ليهدم الباطل، لأن الباطل لا يهدم الباطل... وأن الإيمان بالمهدي واجب، وأن من شك فيه كافر، وأنه معصوم في ما دعا إليه من الحق،

ص: 201


1- انظر: كتاب مهديان دروغين: 239. نقلاً عن كتاب (افتتاح الدعوة).

وأنه لا يكابرَ ولا يضادّ ولا يدافَع ولا يُعانَد ولا يُخالَف ولا ينازَع، وأنه فرد في زمانه، صادق في أقواله، وأنه يقطع الجبابرة والدجاجلة، وأنه يفتح الدنيا شرقها وغربها، وأنه يملؤها بالعدل كما ملئت بالجور، وأن أمره قائم إليٰ أن تقوم الساعة...) وغيّر نسبه الأمازيغي إليٰ نسَب الحسين بن علي (عليهما السلام) حفيد النبي محمد(صلي الله عليه و آله)((1))، وورد في بعض رسائله: (من محمد بن عبد الله العربي القرشي الهاشمي الحسيني الفاطمي المحمدي إليٰ الفئة الباغية والشرذمة الطاغية)((2)).

9 - علي بن محمد رضا الشيرازي المعروف ب-(الباب) (1235ه- - 1266ه-):

حيث ادعيٰ في البداية أنه باب الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) ثم زعم أنه هو المهدي وأضاف في الأذان عبارة: (أشهد أن علي محمداً بقية الله) وفي بعض المصادر: (علي محمد نائب الله) وأنه قد تماديٰ في أباطيله إليٰ ادعاء النبوة والإتيان بدين جديد((3)).

وقد تفرّعت عليٰ دعوته من بعد موته فرقة (البهائية) المعروفة.

10 - محمد أحمد المهدي السوداني (1843 - 1885م):

قاد الثورة المهدية ضد الحكم التركي المص-ري في السودان... يقول المهدي في خطابه إليٰ محمد الطيّب البصير بتاريخ (4 نوفمبر

ص: 202


1- ويكيبيديا الموسوعة الحرّة.
2- انظر: كتاب مهديان دروغين: 247. نقلاً عن كتاب: أخبار المهدي.
3- انظر: مهديان دروغين: 301-304.

1880): (لا يخفيٰ عزيز علمكم أن الأمر الذي نحن فيه لابدّ من دخول جميع المؤمنين فيه إلّا من هو خالٍ من الإيمان، وذلك مما ورد في حقائق غيبية وأوامر إلهية وأوامر نبوية أوجبت لنا مهمات صرنا مشغولين بها... ثم تواترت الأنوار والبشائر والأسرار والأوامر النبوية والهواتف الإلهية بإشارات وبشارات عظيمة)((1)).

11 - محمد المهدي السنوسي بن محمد بن علي السنوسي مؤسس الطريقة السنوسية، والأسرة المالكة السابقة في ليبيا، توليٰ الحكم في ليبيا بعد وفاة أبيه (1844 - 1902م) ادعيٰ المهدوية حتيٰ عرف ب-(محمد المهدي)((2)).

12 - محمد عبد الله القحطاني (ت1400ه-):

ادعيٰ أنه المهدي المنتظر، واحتل الحرم المكي الش-ريف مع مجموعة من المسلمين أبرزهم صهره جهيمان العتيبي، وبعد اشتباكات عنيفة مع القوات الأمنية والعسكرية السعودية قتل هو والعش-رات من جماعته بالإضافة إليٰ مجموعة من الحجاج والمعتمرين والزائرين، وكذلك (270) رجل أمن سعودي، وقد استمرت المواجهات خمسة عش-ر يوماً حتيٰ استعانت السلطات السعودية بالفرنسيين الذين أرسلوا خبراء عسكريين للسيطرة عليٰ الحرم، وبعدها استسلم باقي المسلّحين منهم جيهان العتيبي فتم إعدامه مع ستين آخرين من الجماعة المذكورة.

ص: 203


1- المصدر: نقلاً عن منشورات المهدية.
2- الموسوعة الحرة.

وكان محمد بن عبد الله القحطاني من طلبة عبد العزيز بن باز - مفتي السعودية - ومن الجماعة السلفية المحتسِبة، واستند هو وجهيمان العتيبي في دعويٰ المهدوية إليٰ الأحلام، حيث كانا يدعيان إثبات ذلك بالأحلام! علماً أن جهيمان العتيبي كان عضواً في الحرس الوطني السعودي قبل ذلك، ورغم كونه قحطانياً إلّا أنه حاول انتسابه إليٰ الإمام الحسن (عليه السلام)، ليصحّح ادعاء مهدويته((1)) باعتبار ما ورد عن النبي(صلي الله عليه و آله) أن المهدي المنتظر من بني هاشم ومن ذرية فاطمة الزهراء (عليها السلام).

12 - ضياء الگرعاوي (1969م - 2007م):

ادعيٰ أنه المهدي المنتظر، ورغم كونه غير هاشمي ومن أسرة الگرعاوي إلّا أنه ادعيٰ ادعاءً غريباً، وأنه ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأن نطفته كانت في السماء خلال أكثر من ألف وثلاثمائة عام ثم استقرت في رحم أمه!

وجمع حوله مجاميع من البسطاء والسذج واشتريٰ أراضي شاسعة في منطقة (الزرگة) قرب مدينة النجف الأشرف مستغلاً الإرباك الاجتماعي والتجهيل الديني والثقافي الذي مارسه نظام الطاغية صدام بحق العراقيين خاصة شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، خلال فترة حكمه الحالكة، وكذلك الفراغ الأمني عقيب سقوط النظام، وخطّط لاقتحام مدينة النجف الأشرف يوم عاشوراء عام (1427ه-) واحتلالها وقتل مراجع الدين وأساتذة الحوزة العلمية، إلّا أن الأجهزة الأمنية سبقته

ص: 204


1- انظر: ويكيبيديا الموسوعة الحرّة.

باقتحام مقرّه في منطقة (الزرگة) ودارت اشتباكات عنيفة بين الطرفين، قتل خلالها (ضياء الگرعاوي) مع عدد كبير من أتباعه، واعتقل المئات منهم((1)).

الخلاصة:

أ - أهم أنحاء الانحراف في العقيدة المهدوية ثلاثة:

1 - إنكار المهدوية.

2 - ادعاء المهدوية.

3 - ادعاء الارتباط بالمهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف).

ب - أهم أصناف المنحرفين ثلاثة:

الصنف الأول: السذّج.

الصنف الثاني: الدجالون ويتميز المؤثرون منهم عادة بثلاثة أمور:

1 - الموهبة.

2 - الذكاء.

ص: 205


1- انظر: دنيا الوطن نقلاً عن الناطق باسم وزارة الداخلية العراقية. هذا، وعثرت الأجهزة الأمنية عليٰ فيديو لضياء الگرعاوي، وهو يصفق ويرقص إليٰ جانب نساء خليعات في الهند، وقد رأيت شخصياً المقطع المذكور الذي نش-رته بعض وسائل الإعلام، مما يؤكد دجله الفاضح، كما ذكر الناطق باسم وزارة الداخلية العراقية أنه لوحظ في جواز سفره كثرة تأشيرات السفر وتردده عليٰ بعض دول الجوار العربية الداعمة للإرهاب في العراق وكذلك علاقته ببعض التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن الإمكانات الهائلة من الأسلحة والذخيرة التي كانت بحوزته، مما يؤكد ارتباطه بجهات سياسية إقليمية بهدف إرباك الوضع الأمني في العراق.

3 - الشخصية القلقة التي تؤدي إليٰ الانحراف النفس-ي أو السلوكي.

الصنف الثالث: المدسوسون.

أهم سماتهم ست:

1و2و3 - السمات الثلاث المتقدمة آنفاً في الصنف الثاني.

4 - الغموض الذي يحيط بشخوصهم أو أنشطتهم.

5 - انسجام مواقفهم مع مصالح الأعداء.

6 - الإمكانات المادية الهائلة.

ج- - ادعيت المهدوية للكثير من الأشخاص، ومنهم مَن لم يدّعها لنفسه أصلاً.

الأسئلة:

س1: ما هي أهم أنحاء الانحراف في العقيدة المهدوية؟

س2: ما هي أهم أصناف المنحرفين بخصوص العقيدة المهدوية؟

س3: بماذا يتميز الدجالون بخصوص القضية المهدوية؟

س4: بماذا يتميز المدسوسون الذين يحرفون الأُمة عن العقيدة المهدوية الصحيحة؟

ص: 206

صورة

ص: 207

الدرس الحادي والأربعون

الخاتمة: الجمهور والثقافة المهدوية

اشارة

نتناول في هذا الفصل –باختصار - الأُسس السليمة لتثقيف الجمهور بالعقيدة المهدوية، تجنباً للتأثر بالشبهات والإثارات التي يستغلّها المنحرفون.

تمهيد:

أهم ما يركّز الأديان في نفوس أتباعها –عادة - ثلاثة أمور:

الأول: الحجة والبرهان.

الثاني: العاطفة.

الثالث: الإيمان بالغيب.

أمّا البرهان فيفترض أن يكون الأساس الذي يستند إليه الدّين باعتباره المثبِت لكونه حقّاً مطابقاً للواقع، وبذلك تختلف الأديان قوةً وضعفاً، فالدين الذي يمتلك البرهان والحجة القوية يرتكز في نفوس أتباعه ويصمد أمام الضغوط والتحديات المختلفة، بعكس الدّين الذي يفتقد الحجة القوية والمعتبرة، فيضطر رجاله وأتباعه إليٰ اعتماد أساليب أخريٰ لحفظ إيمان أتباعه وتمسكهم به.

ص: 208

وأمّا العاطفة فهي تفعّل حركة المجتمع باتجاه المبادئ والتعاليم التي يؤمن بها وتمنحها الحيوية والنشاط، بعكس المبادئ المجرّدة عن البعد العاطفي فإنها تفقد بريقها في المجتمع، إلّا أن تنامي العاطفة والمبالغة فيها له إفرازات سلبية عليٰ فهم التعاليم والقيم الدينية وتطبيقاتها ويفسح المجال للمنحرفين لحرف المجتمع وتوجيهه.

وأمّا الإيمان بالغيب فهو العنص-ر الذي يساهم في تعبّد الإنسان وخضوعه للمبادئ والتعاليم التي يؤمن بها، إلّا أن الغموض الذي يحيط بالأمور الغيبية - باعتبارها غير مألوفة للمجتمع - قد يفسح المجال لادعاءات واهية للمنحرفين والدجالين لإبعاد المجتمع عن القيم والتعاليم الدينية الأصيلة مستغلين الإبهام والغموض الذي يحيط بتلك الأمور الغيبية.

والدين الإسلامي كسائر الأديان يبتني عليٰ الاعتقاد بعالم الغيب في بعض المجالات، ومن أبرز تطبيقات الإيمان بالغيب في الإسلام موضوع (المهدي المنتظر) خاصة وفق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) الذي يتبنيٰ الاعتقاد بولادة الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) وغَيبته.

ولوحظ أن هذا الموضوع قد اكتنفه بعض الغموض والالتباسات في الذهنية العامة أدّت إليٰ ثغرات في بعض الأوساط وانحرافات عقائدية في أوساط اجتماعية متعدّدة وفي فترات زمنية متفاوتة، وما زالت تتحقق بين فترة وأخريٰ، بينما نجد عدم حدوث هذه الاختراقات في أوساط الحوزة العلمية عادةً - إلّا في نطاق ضيّق وفي فترات زمنية

ص: 209

حرجة مرّت بها بعض الحوزات ومجتمعاتها - ممّا يكشف أن منشأ الثغرات والاختراقات عموماً هو طبيعة التثقيف الجماهيري بهذا الموضوع، وما تخلّله من خلل أو إرباك أدّيٰ إليٰ ذلك.

وهذا يستدعي وقفة لرصد العوامل الأساسية لتلك الثغرات والإرباك، لتصحيح تثقيف الجمهور بالقضية المهدوية، وهو يتطلب إلقاء الضوء عليٰ الخصائص والظروف المحيطة بالقضية المهدوية، لأجل التعامل الموضوعي والعلمي السليم معها وذلك يقتض-ي البحث في أمرين، وهما:

1 - أهم خصائص وانعكاسات القضية المهدوية.

2 - الأسس السليمة للثقافة المهدوية.

1 - أهم خصائص وانعكاسات القضية المهدوية:

يمكن تلخيص أهم خصائص وانعكاسات القضية المهدوية بخمسة أمور:

الأول: البُعد الغَيبي البارز:

حيث كان من معالم العقيدة المهدوية في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) غَيبة الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) الطويلة والتي هي غير مألوفة في الذهنية العامة، فمن الطبيعي أن يحيط بها الإبهام وتكون منشأ للإثارات والتساؤلات، كما هو الحال في مماثلاتها مثل قضية نبي الله عيسيٰ والخض-ر (عليهما السلام)،

ص: 210

وكذلك كل ما هو غير مألوف للإنسان المتأثر عادةً بالمؤثرات والظواهر المادية في الحياة الدنيا، ولذلك نجد أن من أهم ما استنكره المش-ركون والمنكرون لرسالات الأنبياء (عليهم السلام) هو المعاد والحياة بعد الموت، كما يلاحظ من استعراض القرآن الكريم وتأكيده عليه في آيات كثيرة ﴿وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِ-يَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ (يس: 78-79).

بل أخبرنا القرآن الكريم عن إبراهيم الخليل (عليه السلام) قوله: ﴿وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتيٰ قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَليٰ وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُ-رْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَليٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (البقرة: آية 260) حيث رغب إبراهيم الخليل (عليه السلام) أن يريٰ كيفية إعادة الخلق بالرغم من إيمانه النظري به.

الثاني: ارتباطها بمصالح وآمال الجمهور:

إن القضية المهدوية ليست قضية اعتقادية مجرّدة، بل ترتبط بمصالح وطموح الجماهير وآمالها بكشف كرباتها ومعاناتها، فمن الطبيعي أن يكون لها بُعد جماهيري محاط بدوافع انفعالية وعاطفية مؤثرة، ممّا يوفّر أرضية خصبة لاندفاعات ومواقف غير عقلانية يتم استغلالها من جانب الدجالين والمنحرفين من أدعياء المهدوية أو

ص: 211

الارتباط بالإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) الذين يعتبرونها فرصة مؤاتية لاستغلال الاندفاع الجماهيري تحقيقاً لأطماعهم وأهدافهم الخبيثة وبث أباطيلهم الواهية، ويتأكد تأثير هذا العامل بملاحظة الظروف الصعبة والمعاناة الشديدة وعمليات القتل والإبادة الجماعية التي واجهها شيعة أهل البيت (عليهم السلام) عليٰ مرّ العصور وما زالوا يواجهونها والتي تحفّز فيهم البحث عن المخلّص والأمل الذي ينشدونه في أعماقهم، وهنا قد يبادر بعضهم بتصديق من ضعاف النفوس والدجالين للمهدوية أو أي ارتباط بالإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) من دون تروٍّ ولا بصيرة.

الثالث: تشعب القضية المهدوية:

حيث كانت للقضية المهدوية تفاصيل غير واضحة لديٰ الجمهور أو لهم فيها توقعات غير واقعية إمّا بسبب بعض الروايات غير المعتبرة أو مقولات أو تحليلات شائعة يتلقفها الجمهور من دون وعي وبصيرة، فمن الطبيعي أن يتم استغلالها من جانب المنحرفين والدجالين للتمويه عليٰ الأمة.

الرابع: عدم ثبوت جلّ الروايات المتضمنة للتفاصيل:

الملاحظ أن جلّ الروايات التي تتضمن تفاصيل حياة الإمام المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف) وظروفه الخاصة وحركته وأنصاره وإرهاصات ظهوره وسيرته بعد ظهوره والأحداث السابقة والمقارنة لذلك ونحوها من

ص: 212

أخبار الملاحم غير ثابتة سنداً أو دلالة، فإذا أضيف لذلك تشوّق الجمهور لمعرفة هذه التفاصيل وتأثير البُعد القصص-ي فيه، فإن كل ذلك يساهم في تسويق أباطيل الجهلة والمنحرفين الذين يطبقونها عليٰ أنفسهم أو يضيفون إليها أباطيل أخريٰ، لخداع الجمهور وتضليلهم واستغلالهم.

الخامس: المغريات الذاتية للطامعين:

المغريات الذاتية للطامعين وضعاف النفوس، والمغريات التي تقدم للمدسوسين منهم من جانب أعداء الأمة في سبيل إضلالها والسيطرة عليها أو تدميرها، خصوصاً أن بعض هؤلاء يستغلون الإرباك الأمني فيستخدم العنف والقتل في مواجهة من يتصدّيٰ لكشف ادعاءاته الواهية وأباطيله، ممّا يوجب حذر وخشية بعض المبلّغين الدينيين وغيرهم من المخلصين من التصدي له، لعدم وجود جهات تُعنيٰ أو تهتم بحمايتهم أو عدم توفر الظروف المناسبة لتأمين حمايتهم.

ص: 213

الدرس الثاني والأربعون

2 - الأسس الصحيحة للثقافة المهدوية:

بملاحظة ما تقدم من خصائص وإفرازات القضية المهدوية يفترض تشذيب التثقيف بالقضية المهدوية بملاحظة التوصيات التالية:

الأوليٰ: طرح العقيدة المهدوية بكل أبعادها بطريقة منهجية وبوضوح تام، وإزالة الإبهام في جوانب هذه القضية من خلال حشد الشواهد والأدلة المتعدّدة الرافعة للغموض والشبهة، طبعاً وفق المعايير العلمية والشرعية المعتمدة، ومنها التذكير بحالات غَيبية مماثلة ثابتة لديٰ المسلمين مثل غَيبة وظهور نبي الله عيسيٰ والخِض-ر (عليهما السلام)، وخروج أصحاب الكهف.

الثانية: تجنّب الإفراط في إذكاء العواطف والآمال لديٰ الجمهور التي تُفقِد البسطاء صوابهم بترقّب غير واقعي للظهور المرتقب أو أي ارتباط بالإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) فيحفزهم ذلك عليٰ الاندفاع بتصديق ادعاءات الدجّالين والمنحرفين المنسجمة مع الترقب المذكور.

الثالثة: التأكيد في التثقيف العام بالقضية المهدوية عليٰ البعد الشرعي العقائدي لها باعتبارها إحديٰ المرتكزات الايمانية العقائدية التي دلّت عليها الأدلة المعتبرة بعيداً عن المصالح الشخصية للأشخاص مما

ص: 214

يعني اعتماد الضوابط الش-رعية في كلّ ما يرتبط بها، وعدم التركيز عليٰ ما يترتب عليٰ ظهوره (عجل الله تعالي فرجه الشريف) من الفرج ورفع البلاء وتطبيق العدالة وتحقيق آمال الجماهير فيها، طبعاً من دون الإهمال المطلق لذلك، بل جعله ثانوياً ومن ثمار ظهوره (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، وليس الأساس في الاعتقاد بها.

الرابعة: التأكيد عليٰ الهدف الأسميٰ من انتظار الفرج والظهور، وهو أداء الوظيفة الذي لا يقتص-ر عليٰ تحقيق الظهور، بل يكون بالإيمان الراسخ والاستقامة في السلوك والصبر والثبات أمام التحديات والمحن، وتجنب الوقوع في مهبّ الفتن والانحراف، فإنّ ذلك هو الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن المنتظِر للظهور والفَرج، كما تضمّنته عدّة نصوص عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، منها:

1 - صحيحة زرارة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «اعرف إمامك فإنك إذا عرفتَه لم يضرّك تقدّم هذا الأمر أو تأخر»((1)).

2 - الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) عندما سأله أبو بصير عن قول الله تعاليٰ ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ (البقرة: 269) ما عنيٰ بذلك؟

فقال (عليه السلام): «معرفة الإمام (عليه السلام) واجتناب الكبائر... فمن مات وهو عارف بالإمامة لم يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخر، فكان كمن هو مع

ص: 215


1- الكافي: 1/371.

القائم في فسطاطه، قال: ثم مكث هنيئة ثم قال: لا، بل كمن هو قاتل معه، ثم قال: لا، بل - والله - كمن استُشهِد مع رسول الله(صلي الله عليه و آله)»((1)).

3 - موثقة ثعلبة بن ميمون المتقدمة((2)).

4 - معتبرة معاوية بن وهب المتقدمة((3)).

5 - رواية عبد الحميد الواسطي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر(عليهما السلام) قال: قلت له: أصلحك الله، لقد تركنا أسواقنا انتظاراً لهذا الأمر، فقال (عليه السلام): «يا عبد الحميد، أتَريٰ مَن حبس نفسَه عليٰ الله (عزوجل) أن لا يجعل الله له مخرجاً؟ بليٰ والله، ليجعلَنَّ الله له مخرجاً، رحم الله عبداً حبس نفسه علينا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا». قال: قلت: فإن متّ قبل أن أدرك القائم؟ قال: «القائل منكم: (أن لو أدركتُ قائم آل محمد نصرتُه) كان كالمقارع بين يديه بسيفه، لا بل كالشهيد معه»((4)).

6 - رواية عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): العبادة مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل أفضل أم العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام الظاهر منكم؟

فقال: «يا عمار، الصدقة - والله - في الس-ر [في دولة الباطل] أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك عبادتكم في الس-رّ مع إمامكم

ص: 216


1- أعلام الدين: 459.
2- راجع صفحة: 194.
3- راجع صفحة: 185.
4- كمال الدين وتمام النعمة: 2/584.

المستتر في دولة الباطل أفضل، لخوفكم من عدوّكم في دولة الباطل وحال الهدنة، ممن يعبد الله في ظهور الحق مع الإمام الظاهر في دولة الحق، وليس العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحق...» قال: فقلت: جعلت فداك فما نتمنيٰ إذاً أن نكون من أصحاب القائم في ظهور الحق، ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أعمال أصحاب دولة الحق؟ فقال: «سبحان الله أما تحبون أن يُظهِر الله (عزوجل) الحق والعدل في البلاد، ويحسنَ حال عامّة العباد ويجمع الله الكلمة ويؤلفَ بين قلوب مختلفة، ولا يُعص-يٰ الله في أرضه، ويقامَ حدود الله في خلقه، ويردَّ الله الحق إليٰ أهله فيُظِهروه حتيٰ لا يستخفي بش-يء من الحق مخافة أحدٍ من الخلق...»((1)). ونحوها روايات أخريٰ مشابهة.

الخامسة: تجنُّب تثقيف الجمهور عليٰ مضامين أخبار الملاحم والتفاصيل غير الثابتة شرعاً، وذلك:

أوّلاً: لما فيه من تحمّل طائلة المسؤولية ومخالفة الضوابط الش-رعية المعتمَدة في بناء العقيدة والتي يُفترض أن ترتكز عليٰ براهين وأدلة معتبرة.

وثانياً: لما يترتب عليه من توفير أرضية خصبة للخصوم والمشكِّكين في الأُسس العقائدية الثابتة مستغلّين انتشار الثقافة المذكورة

ص: 217


1- كمال الدين وتمام النعمة: 2/585-586.

والمسلَّمات العامة - من التفاصيل والتطبيقات - غير الثابتة بأدلة معتبرة، للتشكيك في أصل العقيدة المهدوية، مما يوجب إرباكاً عاماً لديٰ الجمهور، الذي يفقد ثقته آنذاك بالقضية المهدوية نفسها وغيرها من الأصول العقائدية الثابتة، فضلاً عن أنّ بعض مضامين هذه الروايات غير المعتبرة والمشهورات غير الثابتة قد تكون مادة دسمة للأدعياء والدجالين فيستغلّونها لتمرير ادعاءاتهم وأباطيلهم عليٰ الجمهور.

نعم لا مانع من طرح بحوث ودراسات علمية تخصصيّة في دائرة الأوساط العلمية حول بعض المضامين التفصيلية المفترضة، عليٰ أن لا يتم إقحام ذلك في ضمن التثقيف العام وتحويل القناعات الشخصية للبعض إليٰ مسلّمات عامة، لما في ذلك من السلبيات المشار إليها آنفاً، وقد يتم استغلالها من أطراف منحرفة أو نافذة، كما حدث في قضايا أخريٰ مثل مسألة (خلق القرآن) التي هي مسألة ثانوية تخصصيّة أثار طرحها عليٰ الملأ العام إرباكاً وأحدث فجوة كبيرة في المجتمع الإسلامي لفترة طويلة حينها، وقد استغلّتها السلطات المتعاقبة لمصالحها وتثبيت دعائم حكمها.

السادسة: التأكيد عليٰ مرجعية العلماء المعروفين بالعلم والتقويٰ في تحديد معالم القضية المهدوية باعتبارهم يمثلون الخط الشيعي العام في عص-ر الغَيبة، والحصن الحصين للأُمة من الانحراف والضياع - كما أكدته النصوص الش-رعية الكثيرة الواردة عن النبي(صلي الله عليه و آله) والأئمة(عليهم السلام)-

ص: 218

المنسجمة مع العقل والسيرة العقلائية الجارية عليٰ الرجوع لذوي الاختصاص - كما تقدم مفصّلاً -.

ونظراً لدور هؤلاء العلماء في تحصين الأمة من الانحراف صاروا أول الأهداف التي يستهدفها الطغاة بالقمع والإبادة، والدجالون المنحرفون بالتشويه والتسقيط، فكل الدجالين - ومنهم أدعياء المهدوية والبابية والنيابة الخاصة ونحوهم - يستهدفون العلماء المذكورين ويحاولون سلب ثقة الجمهور بهم، ليتسنيٰ لهم بث أباطيلهم والسيطرة عليٰ المجتمعات بعد سلب مرجعيتهم المعتمدة.

السابعة: التعامل بسعة الصدر مع الإثارات والاستفسارات المثارة، بل السبق إليٰ معالجة الشبهات قبل استفحالها واتِّساع تأثيرها في الأوساط الاجتماعية، وأن تتم معالجتها عليٰ أُسس شرعية وموضوعية، قبل استفحالها في المجتمع، وذلك من خلال الخطوات التالية:

أ - التثقيف السليم بالنحو المتقدم آنفاً.

ب - استعراض الادِّعاءات الباطلة عليٰ مرّ العصور وبيان سلبياتها وتحذير المجتمع من الوقوع في ورطة ضحاياها.

ج - ربط الإثارات والادِّعاءات الحديثة بما سبقها في العصور السابقة، دفعاً لتوهم كونها من مبتكرات الأدعياء المعاصرين - الذين

ص: 219

يموّهون عليٰ الجمهور بادِّعاء ذلك - ولتحذير الأُمة من أن يكونوا من ضحاياها كما حدث لغيرهم في عصور سابقة.

د - كشف هوية ودوافع الأدعياء المزيّفة والمشبوهة بملاحظة تأريخهم والمعطيات والشواهد الموضوعية الكاشفة عن طمعهم وانحرافهم وأحياناً ارتباطاتهم ومواقفهم المشبوهة.

ص: 220

الخلاصة: الجمهور والثقافة المهدوية:

أ - أهم الخصائص والظروف المحيطة بالقضية المهدوية أربعة:

1 - البُعد الغيبي البارز فيها.

2 - ارتباطها بمصالح وآمال الجماهير.

3 - تشعب القضية المهدوية.

4 - عدم اعتبار أكثر الروايات المتضمنة للتفاصيل.

ب - الأُسس الصحيحة للتثقيف العام بالقضية المهدوية ثمانية:

1 - طرح القضية المهدوية بكل أبعادها بوضوح وأدلة مقنعة للجمهور.

2 - التعامل بسعة صدر مع الشبهات بعيداً عن الانفعال والتشنج.

3 - تجنب الإفراط في إذكاء العواطف والآمال بآثار ظهور المهدي.

3 - التأكيد عليٰ البعد العقائدي الش-رعي للقضية المهدوية وعدم التركيز عليٰ الظهور وما يترتب عليه من رخاء.

4 - التأكيد عليٰ الهدف الأسميٰ من انتظار الفَرج، وهو أداء الوظيفة في عصر الظهور دون المصالح الشخصية.

5 - تجنب تثقيف الجمهور عليٰ أخبار الملاحم والغيبيات غير الثابتة بطرق معتبرة.

6 - التأكيد عليٰ مرجعية العلماء المعتمدين للأُمة في عصر الغَيبة.

7 - الردود المناسبة عليٰ الشبهات المثارة.

ص: 221

صورة

ص: 222

صورة

ص: 223

وفي الختام: أسأل الله تعاليٰ أن يهدينا جميعاً - خصوصاً شبابنا الأعزاء - صراطه المستقيم وأن يعصمنا من الزلل والانحراف، ويرزقنا خير الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.

هذا، وقد ابتدأت بكتابة هذا الكتاب (الثقافة المهدوية/دروس منهجية) في يوم الأربعاء (27/شعبان 1438ه-) وتم الانتهاء من نسخته الأوليٰ في يوم الإثنين (14/ذي القعدة 1438ه-).

ثم أضفت إليه إضافات مهمة أواخر جماديٰ الأوليٰ عام (1439ه-) وتمت مراجعته في ليلة (24 شوال 1439ه-) آملاً أن يكون نافعاً للمؤمنين والمؤمنات خاصة طلبة الحوزات العلمية والجامعات وكلّ المهتمين بالقضية المهدوية، داعياً الباري تعاليٰ أن يتقبّله بقبولٍ حسن، وأن يجعله ذخراً لي ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَيٰ اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (الشعراء: 88 - 89).

والحمد لله رب العالمين

رياض الحكيم

ص: 224

مصادر الكتاب

1 - القرآن الكريم.

2 - الأئمة الاثنا عش-ر/تأليف شمس الدين محمد بن طولون (ت 953 ه-) تحقيق صلاح الدين المنجد منشورات الرضي/ قم.

3 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات/تأليف محمد بن الحسن الحر العاملي مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت/الطبعة الأوليٰ (1425ه- - 2004م).

4 - أخبار الدول وآثار الأول في التأريخ/ تأليف أحمد بن يوسف بن أحمد الدمشقي القرماني (939 - 1019 ه-) الناشر عالم الكتب/بيروت.

5 - الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان/علاء الدين بن بلبان الفارسي(ت739ه-) دار الكتب العلمية/بيروت.

6 - اختيار معرفة الرجال/أبو جعفر الطوسي/مؤسسة آل البيت لإحياء التراث/مطبعة بعثت/قم 1404ه-.

7 - الإرشاد في معرفة حجج الله عليٰ العباد/الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العُكبَري البغدادي (336 - 413 ه-) مطبعة مهر/قم الطبعة الأوليٰ (1413ه-).

ص: 225

8 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار/محمد بن الحسن الطوسي (ت460ه-) دار الكتب الإسلامية/طهران 1390 ه-.

8 - الإصابة في تمييز الصحابة/ابن حجر العسقلاني (773ه- - 852 ه-).

9 - أصول الحديث وأحكامه/الشيخ جعفر السبحاني/مؤسسة النشر الإسلامي /قم /الطبعة الخامسة 1420ه-.

10 - أصول علم الرجال/تقرير بحث الشيخ مسلم الداوري/تأليف محمد علي المعلّم/مؤسسة المحبين للطباعة والنشر/قم/الطبعة الأوليٰ 1426 - 2005م.

11 - إعلام الوريٰ بأعلام الهديٰ/أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (القرن السادس الهجري) مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)/مطبعة ستارة/قم الطبعة الأوليٰ 1417ه-.

12 - إقبال الأعمال/السيد علي بن موسيٰ بن طاووس (ت 664ه-).

13 - الإمام المهدي من المهد إليٰ الظهور/تأليف السيد محمد كاظم القزويني/دار المرتض-يٰ بيروت 1426ه- - 2005م الطبعة الأوليٰ.

14 - الإمامة والسياسة/عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (213 - 276 ه-)/انتشارات الش-ريف الرضي/مطبعة أمير/قم الطبعة الأوليٰ 1414ه-.

ص: 226

15 - أمالي الطوسي/أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460ه-) دار الثقافة/قم/الطبعة الأوليٰ 1414ه-.

16 - بحوث في الملل والنحل/تأليف الشيخ جعفر السبحاني/الناشر مؤسسة الإمام الصادق/المطبعة اعتماد/قم الطبعة الثانية 1423ه-.

17 - البداية والنهاية/إسماعيل بن عمر بن كثير (ت774ه-)/الناشر دار الفكر العربي/دار النيل/مص-ر/الطبعة الأوليٰ 1351ه- - 1933م.

18 - البيان في أخبار صاحب الزمان/تأليف الحافظ الكنجي الشافعي/دار إحياء تراث أهل البيت/طهران - مطبعة فارابي/الطبعة الثالثة 1404ه-.

19 - تاريخ الإمام الثاني عشر/الشيخ عباس القمي/ترجمة وتحقيق السيد هاشم الميلاني/مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي / دار جواد الأئمة (عليهم السلام) بيروت/الطبعة الأوليٰ 1427ه- - 2006م.

20 - تاريخ بغداد/أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت463ه-)/دار الكتب العلمية/بيروت الطبعة الأوليٰ 1417ه-.

21 - التاريخ الكبير/إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري (ت256ه-) دار الكتب العلمية/بيروت.

ص: 227

22 - تاريخ ميّافارقين/تأليف أحمد بن يوسف بن علي بن الأزرق (510 - بعد 577 ه-).

23 - تذكرة الخواص/سبط ابن الجوزي (ت654) دار العلوم/بيروت.

24 - تفسير الطبري/محمد بن جرير الطبري (224 - 310ه-).

25 - التنقيح في شرح العروة الوثقيٰ/الشيخ ميرزا علي الغروي (1349 - 1419ه-) تقريرات بحوث السيد أبي القائم الخوئي/مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي/قم - إيران.

26 - تنقيح المقال في علم الرجال/الشيخ عبد الله المامقاني (ت351ه-)/ مؤسسة آل البيت لإحياء التراث/قم.

27 - الجامع الصحيح (سنن الترمذي)/أبو عيسيٰ محمد بن عيسيٰ بن سورة (209 - 297 ه-) دار إحياء التراث العربي/بيروت (1415ه- - 1995م).

28 - الجامع الصحيح/محمد بن إسماعيل البخاري (194 - 256ه-) دار إحياء التراث العربي/بيروت.

29 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة/أحمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني(ت852ه-)/مجلس دائرة المعارف العثمانية/حيدر آباد - الهند/الطبعة الثانية 1392ه- - 1972م.

ص: 228

30 - دور أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة/السيد محمد باقر الحكيم/مؤسسة تراث الشهيد الحكيم/النجف الأشرف/الطبعة الخامسة 2007م.

31 - ذخائر العقبيٰ في مناقب ذوي القربيٰ/محب الدين الطبري الشافعي (ت694ه-) دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأوليٰ 2006م.

32 - رجال الطوسي/محمد بن الحسن الطوسي (385ه- - 460 ه-) مؤسسة النشر الإسلامي/قم - الطبعة الرابعة 1428ه-.

33 - رجال النجاشي/أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي (372 - 450) مؤسسة النشر الإسلامي /قم.

34 - روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات/محمد باقر الخونساري (ت1313ه-).

35 - سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها/محمد ناصر الألباني/مكتبة المعارف/الرياض 1415ه-.

36 - سنن ابن ماجة/أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت275ه-) دار الكتب العلمية/بيروت الطبعة الأوليٰ 1419ه- - 1998م.

37 - سنن أبي داوود/أبو داوود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275ه-) /دار إحياء التراث العربي/بيروت.

ص: 229

38 - شبهات وردود/السيد سامي البدري/مطبعة شريعت 1442ه- (الطبعة الرابعة للكتاب والأوليٰ لمطبعة شريعت).

39 - الشجرة المباركة في الأنساب الطالبية محمد بن عمر الرازي (ت 606ه-) مطبعة حافظ/قم/الطبعة الثانية 1419ه-.

40 - شواهد النبوة/تأليف عبد الرحمن الجامي.

41 - صحيح مسلم/مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت261ه-) دار إحياء التراث العربي/بيروت.

42 - الصواعق المحرقة/أحمد بن حجر الهيثمي (899 - 974 ه-) مكتبة القاهرة/مصر.

43 - الطبقات الكبريٰ/ محمد بن سعد/ دار الكتب العلمية بيروت 1990.

44 - عدة رسائل/تأليف الشيخ المفيد.

45 - العرف الوردي في أخبار المهدي/تأليف عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي تحقيق الدكتور مهدي أكبر نجاد/الناشر: هستي شمار طهران/الطبعة الأوليٰ 1429ه-.

46 - غاية المواعظ ومصباح المتعظ وقبس الواعظ/تأليف أبي البركات نعمان أفندي الآلوسي/المطبعة الميرية/بولاق مصر 1301ه-.

47 - الغَيبة/تأليف أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت385 - 460 ه-) مؤسسة المعارف الإسلامية قم/الطبعة الأوليٰ 1411ه-.

ص: 230

48 - الغَيبة/تأليف أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب (النعماني) (ت حدود360ه-) مطبعة النهضة/قم الطبعة الأوليٰ 1426ه-.

49 - فتح الباري/ابن حجر العسقلاني (773 - 852 ه-).

50 - الفتن/تأليف نُعيم بن حماد الخزاعي المروزي (ت229ه-) دار الكتب العلمية/بيروت الطبعة الأوليٰ 1418ه- - 1997م.

51 - فرق الشيعة/أبو محمد حسن بن موسيٰ النوبختي / النجف 1936م.

52 - فرق الشيعة/الحسن بن موسيٰ النوبختي (من أعلام القرن الثالث الهجري) مركز كربلاء للدراسات والبحوث/كربلاء/الطبعة الأوليٰ: 1439ه- - 2017م.

53 - الفصل في الملل والأهواء والنحل/أحمد بن حزم الظاهري/دار المعرفة/بيروت/الطبعة الثانية: 1395ه- - 1975م.

54 - في رحاب العقيدة/تأليف السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم/دار الهلال - مطبعة فاضل الطبعة الخامسة: 1425ه- - 2005م.

55 - القول المختص-ر في علامات المهدي المنتظر/تأليف ابي العباس أحمد بن حجر المكي الهيثمي/مكتبة القرآن/القاهرة.

56 - الكافي/تأليف أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي (ت329 ه-) المكتبة الإسلامية المطبعة الإسلامية طهران 1388ه-.

ص: 231

57 - الكامل في التأريخ/تأليف أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد عبد الكريم الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري (ت 630ه-) دار الكتب العلمية بيروت/الطبعة الرابعة 2003م - 1424ه-.

58 - الكتاب المقدس (العهد الجديد)/اتحاد جمعيات الكتاب المقدس/بيروت الطبعة الرابعة 1992.

59 - الكتاب المقدس/جمعية الكتاب المقدس في الش-رق الأدنيٰ/ 1977.

60 - كشف الغمة في معرفة الأئمة/علي بن عيسيٰ الأربلي (ت 692ه-)/المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) مطبعة دار التعارف/بيروت 1433ه- - 2012م.

61 - كفاية الأثر في النص عليٰ الأئمة الاثني عش-ر/أبو القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي (القرن الرابع) انتشارات بيدار/قم.

62 - كمال الدين وتمام النعمة/أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (الصدوق) (ت381ه-) مؤسسة النش-ر الإسلامي /قم الطبعة الثالثة 1416 ه-.

63 - لسان العرب/تأليف ابن منظور (630ه- -711ه-) دار إحياء التراث العربي بيروت/الطبعة الثالثة.

64 - مجلة الجامعة الإسلامية /المدينة المنورة، مجموعة من الباحثين.

ص: 232

65 - مجلة عكاظ (السعودية).

66 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد/نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت807ه-) دار الكتاب العربي /بيروت.

67 - المحاسن/أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت274ه-) دار الكتب الإسلامية /قم.

68 - المستدرك عليٰ الصحيحين/أبو عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405ه-) دار إحياء التراث العربي/بيروت الطبعة الأوليٰ 1422ه- - 2002م.

69 - مستمسك العروة الوثقيٰ/السيد محسن الحكيم/مؤسسة اسماعيليان /قم/ الطبعة الخامسة/1411ه-.

70 - مسند ابن الجعد/علي بن الجعد الجوهري البغدادي (ت230ه-) مكتبة الفلاح/الكويت الطبعة الأوليٰ 1405ه-.

71 - مسند البزار (البحر الزخار المعروف بمسند البزار)/أحمد بن عمرو بن الخالق البزار (ت292ه-) مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة/الطبعة الأوليٰ 1414ه-.

72 - مسند الطيالسي/سليمان بن داوود بن الجارود الفارسي (ت204ه-) دار المعرفة/بيروت.

73 - مصباح المتهجد/الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت 460).

ص: 233

74 - مصباح المنهاج (الاجتهاد والتقليد) السيد محمد سعيد الحكيم/مؤسسة المنار/الطبعة الأوليٰ 1415ه- - 1994م.

75 - المصنّف/أبو بكر عبد الرزاق بن همّام بن نافع الصنعاني (ت211ه-).

76 - المصنَّف/عبد الله بن محمد ابن أبي شيبة (ت235ه-) دار عالم الكتب/الرياض الطبعة الأوليٰ 1408ه-.

77 - مطالب السؤول/محمد بن طلحة الشافعي (582 - 652ه-) طهران.

78 - معارج الوصول إليٰ معرفة فضل آل الرسول والبتول/جمال الدين بن يوسف الزرندي/مجمع إحياء الثقافة الإسلامية/الطبعة الأوليٰ 1425ه-.

79 - معجم أحاديث الإمام المهدي/تأليف ونش-ر مؤسسة المعارف الإسلامية - مسجد جمكران/مطبعة عترت قم/الطبعة الأوليٰ 1428ه-.

80 - المعجم الصغير/سليمان بن أحمد بن ايوب الطبراني (ت360ه-) دار الكتب العلمية بيروت.

81 - المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي/الشيخ علي الكوراني/الطبعة الأوليٰ (1426ه-).

82 - معجم رجال الحديث/السيد أبو القاسم الخوئي/الطبعة الخامسة/1413 ه- - 1992م.

ص: 234

83 - معجم مقاييس اللغة/أحمد بن فارس بن زكريا (ت395ه-) دار إحياء التراث العربي/بيروت 1429ه- - 2008م.

84 - مع الدكتور أحمد أمين في حديث المهدي والمهدوية/تأليف محمد أمين زين الدين/مؤسسة النعمان/بيروت.

84 - المفيد من معجم رجال الحديث/محمد الجواهري/الناشر مكتبة المحلاتي/ المطبعة العلمية/ قم - الطبعة الأوليٰ 1417 ه-.

85 - مقاتل الطالبين/أبو الفرج الأصبهاني (284 – 356ه-)/ تصحيح أحمد صفر/دار المعرفة/بيروت.

86 - مقالات الإسلاميين/أبو الحسن الأشعري (ت 324ه-).

87 - مقباس الهداية في علم الدراية/الشيخ عبد الله المامقاني (1920 - 1351 ه-) نش-ر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث/مطبعة مهر - قم الطبعة الأوليٰ 1411ه-.

88 - مناقب الشافعي/محمد بن الحسين أبو الحسن الآبري (363ه-)/الدار الأثرية/الطبعة الأوليٰ 1430ه-.

89 - منشورات المهدية/تحقيق محمد إبراهيم أبو سليم/دار الجيل بيروت 1979م.

90 - منهاج السنة النبوية/أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت728ه-) دار الكتب العلمية/بيروت.

91 - منهاج الصالحين/السيد أبو القاسم الخوئي/مطبعة مهر/قم/ الطبعة الثامنة والعشرون /1410ه- /نشر مدينة العلم.

92 - منهاج الصالحين/السيد محمد سعيد الحكيم/مطبعة ستارة/الطبعة الثامنة/1433ه- - 2012م الناشر دار الهلال.

ص: 235

93 - المهدي/محمد أحمد إسماعيل المقوم/الدار العالمية للنش-ر والتوزيع / الاسكندرية/مص-ر/الطبعة الحادية عش-رة 1429ه- - 2008م.

94 - مهديان دروغين/رسول جعفريان/انتشارات علم/الطبعة الثانية 1394ش.

95 - النعيم المقيم لعترة النبأ العظيم/عمر بن محمد بن غبد الواحد الموصلي (ت 657ه-) مؤسسة الأعلمي/بيروت/الطبعة الأوليٰ 2003م.

96 - نگين آفرينش/تأليف محمد أمين بالادستيان ومحمد مهدي حائري پور ومهدي يوسفيان - بنياد فرهنگي حض-رت مهدي موعود/الطبعة 74/1395ه- ش.

97 - الوافي بالوفيات/صلاح الدين الصفدي/دار إحياء التراث العربي/بيروت 2005م.

98 - وسائل الشيعة/محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104ه-) مطبعة مهر/تحقيق ونش-ر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/قم الطبعة الثانية 1414ه-.

99 - وفيات الأعيان/ ابن خلّكان (ت681ه-) منشورات محمد علي بيضون/ الطبعة الأوليٰ 1419 ه- - بيروت.

100 - ويكيبيديا - الموسوعة الحرة.

101 - ينابيع المودّة/سليمان بن إبراهيم البلخي القندوزي/مؤسسة الأعلمي/الطبعة الثانية 2009/بيروت لبنان.

ص: 236

الفهرست

مقدمة المركز:. 3

مقدمة المؤلف:. 5

ملاحظة:. 7

التعريف بالكتاب ومحتوياته. 9

الدرس الأول. 11

تمهيد:. 11

1 - الدين وحقيقته:. 11

أولاً: المعنيٰ اللغوي:. 11

ثانياً: المعنيٰ الاصطلاحي:. 12

2 - الإسلام:. 13

1 - التوحيد:. 14

2 - النبوة:. 14

3 - المعاد:. 14

الباب الأول: المهدوية في الأديان السماوية. 14

ص: 237

الدرس الثاني.. 16

الفصل الأول: المهدوية عند اليهود والمسيحيين.. 16

1 - المهدوية عند اليهود:. 16

2 - المهدوية عند المسيحيين:. 18

الخلاصة:. 19

الفصل الثاني: المهدوية في الإسلام. 19

اختلاف المسلمين في الإمامة:. 20

الدرس الثالث.. 23

مضمون الوصية:. 23

المهدوية وأهميتها:. 28

المبحث الأول: المهدوية لدي جمهور المسلمين.. 28

الدرس الرابع. 30

الدرس الخامس... 33

الدرس السادس... 37

الدرس السابع. 44

المبحث الثاني: المهدوية لدي شيعة أهل البيت (عليهم السلام).... 44

الدرس الثامن. 48

الخلاصة:. 54

الدرس التاسع. 56

المبحث الثالث: ما يشترك فيه المسلمون بشأن المهدي المنتظر. 56

ص: 238

1 - البشارة به (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وكونه حتمياً:. 57

2 - اسمه (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، وأنه (محمد):. 57

3 - أنه هاشمي ومن ذرية النبي(صلي الله عليه و آله) ومن ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام):. 58

4 - نزول نبي الله عيسيٰ (عليه السلام) معه:. 59

الدرس العاشر... 61

5 - أنه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) أحد الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام):. 61

6 - أنه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) في آخر الزمان:. 62

الدرس الحادي عشر... 64

7 - إنجازه (عجل الله تعالي فرجه الشريف):. 66

الدرس الثاني عشر... 67

المبحث الرابع: ما يختص به الشيعة بشأن المهدي المنتظر:. 67

1 - إنه (عجل الله تعالي فرجه الشريف) من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام):. 67

الدرس الثالث عشر... 72

2 - تحديد هويته الشخصية (محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام)):. 72

الدرس الرابع عشر... 79

3 - ولادته (عجل الله تعالي فرجه الشريف):. 79

الدرس الخامس عشر... 85

الدرس السادس عشر... 90

الثالث: روايات متفرقة تدل عليٰ ولادته (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، منها:. 90

4 - استمرار حياته (عجل الله تعالي فرجه الشريف):. 91

ص: 239

الدرس السابع عشر... 94

5 - غَيبته (عجل الله تعالي فرجه الشريف):. 94

الدرس الثامن عشر... 99

الثالث: شواهد ومؤيدات حصول الغَيبة:. 99

الدرس التاسع عشر... 102

الفصل الثاني: الإشكاليات الأساسية المطروحة عليٰ العقيدة المهدوية. 102

أمّا الأمر الأول - وهو إثبات ولادته (عجل الله تعالي فرجه الشريف) -:. 103

الدرس العشرون. 108

وأمّا الأمران الثاني والثالث وهو طولُ عمره وغَيبتُه (عجل الله تعالي فرجه الشريف):. 108

وأمّا الأمر الرابع وهو دوره (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وفائدة وجوده في فترة الغَيبة:. 108

الدرس الحادي والعشرون. 112

الأمر الخامس: توجيه عدم ظهوره مع انتشار الظلم.... 112

وأمّا الأمر السادس: مهمّته وإنجازه. 113

الخلاصة:. 114

الدرس الثاني والعشرون. 119

الباب الثاني: مرحلتا الغَيبة (الغَيبة الصغري والغَيبة الكبري). 119

الفصل الأول: الغَيبة الصغريٰ:. 119

المبحث الأول: النواب الأربعة (رحمهم الله):. 120

النائب الأول: عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله):. 120

الدرس الثالث والعشرون. 124

ص: 240

النائب الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد (رحمه الله):. 124

الدرس الرابع والعشرون. 127

النائب الثالث: الحسين بن روح النوبختي (رحمه الله):. 127

الدرس الخامس والعشرون. 131

النائب الرابع: علي بن محمد السّمُري (رحمه الله):. 134

الدرس السادس والعشرون. 137

وكلاء ومعتمدون في طول السفراء (رحمهم الله):. 137

المبحث الثاني: دور السفراء وانجازاتهم (رحمهم الله):. 138

الدرس السابع والعشرون. 142

الدرس الثامن والعشرون. 146

المبحث الثالث: مدعو السّفارة زوراً وكذباً:. 147

الدرس التاسع والعشرون. 151

الخلاصة:. 154

الدرس الثلاثون. 157

الفصل الثاني: الغَيبة الكبريٰ:. 157

المبحث الأول: معالمها وظروفها وفتنها والواجب فيها:. 157

الدرس الحادي والثلاثون. 161

الدرس الثاني والثلاثون. 164

شروط مرجع التقليد:. 166

الأول: الاجتهاد:. 166

ص: 241

الدرس الثالث والثلاثون. 168

الثاني: العدالة:. 168

انتظار المهدي(عجل الله تعالي فرجه الشريف):. 171

الدرس الرابع والثلاثون. 173

الدرس الخامس والثلاثون. 175

المبحث الثاني: علامات الظهور:. 175

أمّا الصنف الأول:. 175

العلامة الأوليٰ: الصيحة في السماء:. 175

الدرس السادس والثلاثون. 180

العلامة الثانية: خروج السفياني:. 180

العلامة الثالثة: خروج اليماني:. 182

العلامة الرابعة: قتل (النفس الزكية):. 183

الدرس السابع والثلاثون. 186

وأمّا الصنف الثاني - وهو ما لم يدل عليه دليل معتبر -:. 186

العلامة الأوليٰ: خروج الشمس من المغرب:. 186

العلامة الثانية: خروج الخراساني:. 187

الخلاصة:. 189

الباب الثالث: الانحراف في العقيدة المهدوية. 189

أولاً: أقسام الانحراف:. 190

الأول: إنكار المهدوية:. 190

ص: 242

الثاني: ادِّعاء المهدوية:. 191

الثالث: ادِّعاء الارتباط بالمهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف):. 191

الدرس الثامن والثلاثون. 192

ثانياً: أصناف المنحرفين وسماتهم:. 192

الصنف الأول: السذّج:. 192

الصنف الثاني: الدجالون:. 193

الصنف الثالث: المدسوسون (المشبوهون):. 194

الدرس التاسع والثلاثون. 196

الدرس الأربعون. 200

الخلاصة:. 205

الدرس الحادي والأربعون. 208

الخاتمة: الجمهور والثقافة المهدوية. 208

تمهيد:. 208

1 - أهم خصائص وانعكاسات القضية المهدوية:. 210

الأول: البُعد الغَيبي البارز:. 210

الثاني: ارتباطها بمصالح وآمال الجمهور:. 211

الثالث: تشعب القضية المهدوية:. 212

الرابع: عدم ثبوت جلّ الروايات المتضمنة للتفاصيل:. 212

الخامس: المغريات الذاتية للطامعين:. 213

الدرس الثاني والأربعون. 214

ص: 243

2 - الأسس الصحيحة للثقافة المهدوية:. 214

الخلاصة: الجمهور والثقافة المهدوية:. 221

مصادر الكتاب.. 225

الفهرست.. 237

ص: 244

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.