الإمِامُ المَهدِي فِي مَصَادِر عُلَماءِ الشِّيعِةِ مِنَ القَرنِ الثّاني الي القَرنِ الحَادِي عَشَر

اشارة

الإمِامُ المَهدِي فِي مَصَادِر عُلَماءِ الشِّيعِةِ مِنَ القَرنِ الثّاني الي القَرنِ الحَادِي عَشَر

الجُزءُ الأَوَّل - الثَّانِي - الثَّالِث

اعدَاد وَ تحقِيق

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

رقم الإصدار : 112

ص: 1

المجلد 1

اشارة

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة

فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

النجف الأشرَف - شارع السور - قريب جبل الحويش

هاتف : 218318 و 3702011، النقال : 07804754535

ص.ب588

www.m.mahdi.com

info@m.mahdi.com

***

الإمام المهدي عليه السلام في مصادر علماء الشية / ج(1)

إعداد و تحقيق

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة

فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

الطبعة الأولي : 1430ه

النجف الأشرف

رقم الإصدار : 112

عدد النسخ :1500

جميع الحقوق محفوظة للمركز

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المركز:

في خضم خضوعها للتقنية الحديثة أحدثت الثقافة البحثية قفزة تُعدُّ من أهمّ تحوّلات العصر الحديث، وبقيت هذه الثقافة أسيرة ما تجود به بحوث المتقدّمين الذين أرهقهم زمن الضياع والتهميش حتَّي كادت أن تختفي مثل هذه البحوث في غمار السهو والنسيان، ولعلَّ أهمّ من طالتهم حالات التهميش بحوث علمائنا الأعلام الذين ما فتئوا يحيطون أبواب العلم ببحوثهم ومقرّراتهم ولولا ضياعها في مطاوي النسيان والإهمال لكانت لعلمائنا التآليف الكثيرة والتي لم يبقَ منها إلاَّ عناوينها في مكثّفات البيلوغرافيا تتسلسل تبعاً لأهمّيتها الموضوعية التي يتصفَّحها الباحث وهو يدور في غمار البحث عن تراثيات ثقافية مضيعة أبادتها جهود المطاردة السياسية وامتهنتها محاولات الفكر المضاد.

وهكذا هي البحوث المهدوية تتزعَّم حالات الانغماس في البحث الاستطرادي المؤطّر ضمن قضيّة معيّنة ينتزعها الباحث في خلسةِ الرقيب، أو يدفعها من خلال محاولاته الاستباقية في إيقاف الهجمة الفكرية السلطوية التي يتحيّن لرصدها الحاكم في خضم الصراع الفكري الخطير، ممَّا حدي بالبحوث المهدوية أن تقفز في سلة البحوث التي يعمل علي صياغتها علماء الشيعة لئلاَّ تُصادر وفق تحسّبات السطوة الحاكمية.

إذن فلا يمكن أن نتسالم علي قضيّة موروثة تحمل الشيء الكبير من التجنّي علي بحوث علمائنا الذين دأبوا علي إثراء الفكر الإنساني

ص: 3

بالبحث المهدوي بأكثر تفاصيله، إلاَّ أنَّ الذي يساعد علي هذا الانطباع الخاطئ في مثل هذه التصوّرات والظنون هو عدم استقلالية البحث المهدوي حتَّي يُدمج استطراداً في بحوث أخري، في حين إذا استقلَّت هذه البحوث المهدوية منزوعة من البحوث الاستطرادية فإنَّها ستشكّل مكتبةً ثرةً غنية بالفكر المهدوي المتألّق الفوّاح بشذاه المتميّز، ولعلَّ المكتبة المهدوية التي ستؤلّفها هذه البحوث تُعدُّ نقلةً نوعيةً في الثقافة المهدوية تعين الباحثين من جهة علي استيعاب بحوثهم بشكل تكاملي ثر، وتفتح للقرّاء آفاق البحث ضمن منهجية علمية، وبحثية تاريخية تخضع لتسلس زمني يقرأ فيه تطوّر البحوث المهدوية من الرواية حتَّي التحليل العلمي لهذه النصوص مع فقه الرواية وقراءاتها المختلفة.

وهذه الرؤية دفعت بمركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام إلي أن يخطو نحو تأسيس بيليوغرافيا بحثية مهدوية تتوفَّر علي البحوث التي أنجزها علماؤنا الأعلام ضمن موسوعاتهم العقائدية والروائية حتَّي القرن العاشر الهجري الذي ختمه شيخنا المجلسي بموسوعته الحديثية (البحار)، وتتكامل في مجموعة تُغني الكثير عن البحث والتنقيب وتأخذ بالبحوث المهدوية الجديدة إلي خطوات متسارعة نحو الأمام.

نسأل الله العون والسداد للبحوث القادمة التي تستمدُّ من هذه المكتبة المهدوية أصالتها ورونقها المتميّز.

بين يدي القارئ الكريم:

موسوعة متنوّعة حول القضيّة المهدوية تجمع بين دفّتيها ما يقرب من (60) مؤلّفاً من علمائنا الأعلام خاصّة بعد أن اكتفي المركز بمبادرة

ص: 4

الشيخ فقيه إيماني إلي جمع ما كتب عن الإمام المهدي عند علماء السُنّة فجزاه الله خير الجزاء.

وختاماً يتقدَّم المركز بالشكر الجزيل لكلّ من ساهم في تحقيق ونشر هذه الموسوعة (الإمام المهدي عليه السلام في مصادر علماء الشيعة) ونخصُّ بالذكر: السيّد عبد الستّار الجابري، والسيّد بلاسم الموسوي الزاملي، والشيخ علاء عبد النبيّ، والشيخ ياسر الصالحي، لما بذلوه من جهد مميَّز في جمع هذا الشتات وتحقيق ما لم يحقَّق منه؛ نسأله تعالي لهم المزيد من التوفيق والسداد وخدمة المولي صاحب العصر والزمان عليه السلام .

فهرست الأجزاء الثلاثة:

يحتوي الجزء الأوّل علي الكتب التالية:

1 - تفسير فرات الكوفي/ تأليف: فرات بن إبراهيم الكوفي/ من علماء الحديث في القرن الثالث الهجري، (ص 11).

2 - بصائر الدرجات الكبري في فضائل آل محمّد عليهم السلام/ تأليف: محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار/ المتوفّي سنة (290ه-)، (ص 21).

3 - تفسير القمي/ تأليف: علي بن إبراهيم القمي/ كان حيّاً إلي (308ه-)، (ص 39).

4 - تفسير العياشي/ تأليف: أبي نصر محمّد بن مسعود ابن عيّاش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي/ المتوفّي سنة (320ه-)، (ص 63).

5 - أصول الكافي/ تأليف: ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني الرازي/ المتوفّي سنة (328/ 329ه-)، (ص 97).

6 - الهداية الكبري/ تأليف: أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي/ المتوفّي سنة (334ه-)، (ص 123).

ص: 5

7 - كفاية الأثر في النصّ علي الأئمّة الاثني عشر/ تأليف: علي بن محمّد بن الخزّاز القمي/ من علماء القرن الرابع الهجري، (ص 209).

8 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال/ تأليف: الشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي/ المتوفّي سنة (381ه-)، (ص 221).

9 - معاني الأخبار/ تأليف: الشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي/ المتوفّي سنة (381ه-)، (ص 227).

10 - عيون أخبار الرضا عليه السلام / تأليف: الشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي/ المتوفّي سنة (381ه-)، (ص 237).

11 - الخصال/ تأليف: الشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي/ المتوفّي سنة (381ه-)، (ص 273).

12 - الأمالي/ تأليف: الشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي/ المتوفّي سنة (381ه-)، (ص 285).

13 - علل الشرائع/ تأليف: الشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي/ المتوفّي سنة (381ه-)، (ص 297).

14 - الاعتقادات/ تأليف: الشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي/ المتوفّي سنة (381ه-)، (ص 309).

15 - الأمالي/ تأليف: الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العُكبري البغدادي/ المتوفّي سنة (413ه-)، (ص 315).

16 - الاختصاص/ تأليف: الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العُكبري البغدادي/ المتوفّي سنة (413ه-)، (ص 319).

17 - الإرشاد في معرفة حجج الله علي العباد/ تأليف: الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العُكبري البغدادي/ المتوفّي سنة (413ه-)، (ص 333).

ص: 6

18 - الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام / تأليف: الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العُكبري البغدادي/ المتوفّي سنة (413ه-)، (ص 381).

19 - النكت الاعتقادية/ تأليف: الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العُكبري البغدادي/ المتوفّي سنة (413ه-)، (ص 387).

20 - الفصول المختارة/ تأليف: الشريف المرتضي علم الهدي علي بن الحسين الموسوي/ المتوفّي سنة (436ه-)، (ص 393).

21 - رسائل الشريف المرتضي/ تأليف: الشريف المرتضي علم الهدي علي بن الحسين الموسوي/ المتوفّي سنة (436ه-)، (ص 411).

22 - الشافي في الإمامة/ تأليف: الشريف المرتضي علم الهدي علي بن الحسين الموسوي/ المتوفّي سنة (436ه-)، (ص 423).

23 - عيون المعجزات/ تأليف: حسين بن عبد الوهاب/ من أعلام القرن الخامس الهجري، (ص 445).

24 - المجدي في أنساب الطالبيين/ تأليف: علي بن محمّد العلوي العمري النسّابة/ من أعلام القرن الخامس الهجري، (ص 457).

يحتوي الجزء الثاني علي الكتب التالية:

25 - دلائل الإمامة/ تأليف: أبي جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي/ من أعلام القرن الخامس الهجري، (ص 3).

26 - تقريب المعارف/ تأليف: أبو الصلاح تقي بن نجم الحلبي/ المتوفّي سنة (447ه-)، (ص 159).

27 - كنز الفوائد/ تأليف: أبو الفتح محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي/ المتوفّي سنة (449ه-)، (ص 213).

ص: 7

28 - الاقتصاد الهادي إلي سبيل الرشاد/ تأليف: شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي/ المتوفّي سنة (460ه-)، (ص 233).

29 - شرح جمل العلم والعمل لشريف المرتضي علم الهدي/ تأليف: شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي/ المتوفّي سنة (460ه-)، (ص 241).

30 - الأمالي/ تأليف: شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي/ المتوفّي سنة (460ه-)، (ص 249).

31 - تلخيص الشافي/ تأليف: شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي/ المتوفّي سنة (460ه-)، (ص 261).

32 - مؤتمر علماء بغداد في الإمامة والخلافة/ تأليف: مقاتل بن عطية البكري البغدادي/ المتوفّي سنة (505ه-)، (ص 283).

33 - روضة الواعظين/ تأليف: زين المحدّثين محمّد بن الفتال النيسابوري/ الشهيد في سنة (508ه-)، (ص 287).

34 - إعلام الوري بأعلام الهدي/ تأليف: أمين الإسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي/ المتوفّي سنة (548ه-)، (ص 317).

35 - تاج المواليد في مواليد الأئمّة ووفياتهم/ تأليف: أمين الإسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي/ المتوفّي سنة (548ه-)، (ص 409).

36 - الخرائج والجرائح/ تأليف: قطب الدين الراوندي/ المتوفّي سنة (573ه-)، (ص 421).

37 - قصص الأنبياء/ تأليف: قطب الدين الراوندي/ المتوفّي سنة (573ه-)، (ص 469).

38 - الثاقب في المناقب/ تأليف: أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة/ المتوفّي سنة (585ه-)، (ص 479).

ص: 8

يحتوي الجزء الثالث علي الكتب التالية:

39 - عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار/ تأليف: يحيي بن الحسن الأسدي المعروف بابن البطريق/ المتوفّي سنة (600ه-)، (ص 3).

40 - الاحتجاج/ تأليف: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي/ المتوفّي سنة (620ه-)، (ص 31).

41 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف ب- (مجموعة الورام)/ تأليف: ورام بن أبي فراس المالكي الأشتري/ المتوفّي سنة (605ه-)، (ص 85).

42 - المنقذ من التقليد/ تأليف: سديد الدين محمود الحمصي الرازي/ المتوفّي أوائل القرن السابع الهجري، (ص 91).

43 - إقبال الأعمال/ تأليف: علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن طاووس العلوي الفاطمي/ المتوفّي سنة (664ه-)، (ص 129).

44 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف/ تأليف: علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن طاووس العلوي الفاطمي/ المتوفّي سنة (664ه-)، (ص 137).

45 - فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم/ تأليف: علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن طاووس العلوي الفاطمي/ المتوفّي سنة (664ه-)، (ص 155).

46 - كشف المحجّة لثمرة المهجة/ تأليف: علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن طاووس العلوي الفاطمي/ المتوفّي سنة (664ه-)، (ص 181).

47 - المسلك في أصول الدين/ تأليف: المحقّق الحلّي نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد/ المتوفّي سنة (672ه-)، (ص 197).

48 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة/ تأليف: أبي الحسن علي بن عيسي بن أبي الفتح الأربلي/ المتوفّي سنة (692ه-)، (ص 207).

ص: 9

49 - النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة/ تأليف: ميثم بن علي بن ميثم البحراني/ المتوفّي سنة (699ه-)، (ص 237).

50 - مختصر البصائر/ تأليف: عزّ الدين الحسن بن سليمان الحلّي/ المتوفّي سنة (802ه-)، (ص 247).

51 - المحتضر/ تأليف: عزّ الدين الحسن بن سليمان الحلّي/ المتوفّي سنة (802ه-)، (ص 277).

52 - مشارق أنوار اليقين في أسرار مولانا أمير المؤمنين عليه السلام / تأليف: الحافظ رجب البرسي/ المتوفّي سنة (811ه-)، (ص 289).

53 - إرشاد الطالبين إلي نهج المسترشدين/ تأليف: جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي/ المتوفّي سنة (826ه-)، (ص 297).

54 - اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية/ تأليف: جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي/ المتوفّي سنة (826ه-)، (ص 301).

55 - شرح أصول الكافي/ تأليف: الشيخ محمّد صالح المازندراني/ المتوفّي سنة (1081ه-)، (ص 307).

56 - الفوائد الطوسية/ تأليف: الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي/ المتوفّي سنة (1104ه-)، (ص 387).

57 - تفصيل وسائل الشيعة إلي تحصيل مسائل الشريعة/ تأليف: الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي/ المتوفّي سنة (1104ه-)، (ص 397).

58 - الأربعون حديثاً في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام / تأليف: سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني/ المتوفّي سنة (1121ه-)، (ص 409).

مدير المركز

السيّد محمّد القبانچي

ص: 10

تفسير فرات الكوفي: فُرات بن ابراهيم الكوفي من علماء الحديث في القرن الثالث الهجري

اشارة

تحقيق: محمد الكاظم

ص: 11

ص: 12

(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ):

* فرات، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن سعيد الأحمسي، قال: حدَّثنا الحسن بن الحسين، قال: حدَّثنا يحيي بن يعلي، عن إسرائيل، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لمَّا اُسري بي إلي السماء قال لي العزيز: (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ)(1).

قلت: (وَالْمُؤْمِنُونَ).

قال: صدقت يا محمّد عليك السلام، من خلَّفت لأمّتك من بعدك؟

قلت: خيرها لأهلها.

قال: علي بن أبي طالب؟

قلت: نعم يا ربّ.

قال: يا محمّد إنّي أطلعت علي ((أ)، (ب): إلي)(2) الأرض اطلاعة فاخترتك منها، واشتققت لك اسماً من أسمائي، لا أذكر في مكان إلاَّ ذكرت معي، فأنا محمود ((ب): محمود، (أ): أحمد) وأنت محمّد، ثمّ أطلعت الثانية (ثانياً، (أ)) (اطلاعة، (ر)، (أ)) فاخترت علياً، واشتققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلي وهو علي.

يا محمّد (إنّي، (ب)) خلقتك (وخلقت، (ر)، (ب)) علياً وفاطمة

ص: 13


1- البقرة: 285.
2- ما بين المعقوفتين والذي بعده في هذا الكتاب إشارة إلي رموز النسخ الخطّية التي اعتمدها محقّق الكتاب.

والحسن والحسين (والأئمّة من ولده)(1) أشباح نور من نوري، وعرضت ولايتكم علي السماوات وأهلها وعلي الأرضين ومن فيهنَّ، فمن ((أ): من) قبل ولايتكم كان عندي من المقرَّبين، ومن جحدها كان عندي من الكفّار (الضالّين، (ب)).

يا محمّد لو أنَّ عبداً عبدني حتَّي ينقطع أو يصير كالشنَّ البالي ثمّ أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتَّي يقرّ بولايتكم. يا محمّد تحبّ أن تراهم؟

قلت: نعم يا ربّ.

قال: التفت عن يمين العرش، فالتفتُ فإذا أنا بالأشباح ((ب): بأشباح) علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة كلّهم(2) حتَّي بلغ المهدي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في ضحضاح من نور قيام يصلّون، والمهدي (في، (ب)، (ر)) وسطهم كأنَّه كوكب درّي، فقال لي: يا محمّد، هؤلاء الحجج و(هذا) هو الثائر من عترتك، فوَعزَّتي وجلالي إنَّه لحجّة ((أ): حجّة) واجبة لأوليائي، منتقم (من، (ب)، (ر)) أعدائي)(3).

(بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ):

* فرات، قال: حدَّثني جعفر بن محمّد الفزاري معنعناً، عن عمر بن زاهر، قال: قال رجل لجعفر بن محمّد عليه السلام: نسلّم علي القائم بإمرة المؤمنين؟

ص: 14


1- زيادة يقتضيها السياق كما سيأتي وهي موجودة في الفرائد.
2- الأسماء مذكو ة بالتفصيل في رواية الفرائد وغيرها.
3- تفسير فرات: 74/ ح (48/23)؛ وانظر: الفرائد للحمويني: (مخطوط)؛ ومقتل الحسين للخوارزمي: 95/ (ط: الغري)؛ والغيبة للطوسي: 147/ ح 109؛ وبحار الأنوار 36: 261/ ح 82 .

قال: (لا، ذلك اسم سمّي الله به أمير المؤمنين (عليه السلام، (أ))، لا يُسمّي به أحد قبله ولا بعده إلاَّ كافر).

قال: فكيف نسلّم عليه؟

قال: (تقول: السلام عليك يا بقية الله)، قال: ثمّ قرأ جعفر: ((بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ))(1).

(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً...):

* فرات، قال: حدَّثني جعفر بن محمّد الفزاري معنعناً، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (تعالي، (ر)): (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) قال: (الحسين (عليه السلام، (أ)))، (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً)(2)، قال: (سمّي الله المهدي منصوراً ((ر)، (أ): المنصور) كما سمّي أحمداً ومحمّداً محموداً، وكما سمّي عيسي المسيح (عليهم الصلاة والسلام والتحيّة والإكرام ورحمة الله وبركاته، (ر): عليه السلام))(3).

(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقامُوا الصَّلاةَ...):

* (فرات، (ش))، قال: حدَّثني الحسن ((أ)، (ش)، (ر): الحسين) بن علي بن بزيع، (قال: حدَّثنا إسماعيل بن أبان، عن فضيل بن الزبير، (ش))، عن زيد بن علي (عليه السلام، (أ))، قال: إذا قام القائم من آل محمّد يقول: يا أيّها الناس نحن الذين وعدكم الله في كتابه: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ

ص: 15


1- تفسير فرات: 193/ ح (249/3).
2- الإسراء: 33.
3- تفسير فرات: 240/ ح (324/4).

فِي الأرض أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الأُْمُورِ)(1)(2)(3).

(وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَي الأرض هَوْناً...):

* قال: حدَّثنا محمّد بن القاسم بن عبيد معنعناً، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تبارك وتعالي: (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَي الأرض هَوْناً ...) إلي قوله: (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً)(4) (ثلاث عشر آية، (أ)، (ر))، قال: (هم الأوصياء يمشون علي الأرض هوناً، فإذا قام القائم عرفوا (5) كلّ ناصب ((أ): نصب) عليه فإن أقرَّ بالإسلام وهو ((ر)، (أ): وهي) الولاية وإلاَّ ضربت عنقه أو أقرَّ بالجزية فأدّيها كما يؤدّي ((ر): يؤدّون) أهل الذمّة)(6).

(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ):

* (فرات، (أ)، (ب)) قال: حدَّثني أحمد بن محمّد بن أحمد بن طلحة الخراساني، قال: حدَّثنا علي بن الحسن بن فضال، قال: حدَّثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدَّثنا يحيي بن أبان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ)، قال: (القائم

ص: 16


1- الحج: 41.
2- تفسير فرات: 274/ ح (371/13).
3- ورواه أبو القاسم الحذاء، شواهد التنزيل 1: 523.
4- الفرقان: 63 - 76.
5- كذا في المصدر، وفي بحار الأنوار: (عرضوا كلّ ناصب عليه).
6- تفسير فرات: 292/ ح (395/8).

وأصحابه)، قال الله (تعالي، (ر)): (فَأُولئِكَ ما عليهم مِنْ سَبِيلٍ)، قال: (القائم إذا قام انتصر من بني أميّة والمكذّبين والنصّاب، وهو قوله: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَي الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ)(1))(2).

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَدِينِ الْحَقِّ...):

* قال: حدَّثنا جعفر بن أحمد معنعناً، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالي: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(3)، قال: (إذا خرج القائم عليه السلام لم يبقَ مشرك بالله العظيم ولا كافر إلاَّ كره خروجه، حتَّي لو كان في بطن صخرة لقالت الصخرة: يا مؤمن فيَّ مشرك فاكسرني واقتله)(4)(5).

(ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ):

* قال: حدَّثني جعفر بن محمّد الفزاري معنعناً، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالي: (فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)، (يعني: لم نكُ ((أ)، (ر): يكونوا) من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) فذلك ((ر): فذاك) يوم القائم عليه السلام وهو يوم الدين (حتّي أَتانَا الْيَقِينُ) أيّام القائم عليه السلام (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ

ص: 17


1- الشوري: 41 و42.
2- تفسير فرات: 399/ ح (532/21).
3- التوبة: 33.
4- في (ر): (حدَّثني). وفي (أ)، (ب): (السلام قوله: (هُوَ...)).
5- تفسير فرات: 481/ ح (627/3).

الشَّافِعِينَ)(1) فما تنفعهم شفاعة لمخلوق ولن يشفع فيهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوم القيامة)(2)(3).

(وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها):

* فرات، قال: حدَّثني علي بن محمّد بن عمر الزهري معنعناً، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال الحارث (بن عبد الله) الأعور للحسين عليه السلام : يا ابن رسول الله جُعلت فداك أخبرني عن قول الله في كتابه: (وَالشَّمْسِ وَضُحاها).

قال: (ويحك يا حارث ذلك محمّد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم).

قال: قلت: جُعلت فداك قوله: (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها).

قال: (ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يتلو محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم).

قال: قلت: (وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها)(4).

قال: (ذلك القائم من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم يملأ الأرض عدلاً وقسطاً)(5)(6).

(فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّي):

* قال: حدَّثنا محمّد بن القاسم بن عبيد معنعناً، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالي: (وَكَذَّبَ بِالْحُسْني) (بولاية علي عليه السلام،

ص: 18


1- المدثر: 40 - 48.
2- (ب): (تعالي: ما سلككم). (ب): (القائم فما تنفعهم شفاعة المخلوق). (أ)، (ب): (صدق الله وصدق رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم).
3- تفسير فرات: 514/ ح (673/4).
4- الشمس: 1 - 3.
5- في (ر): (أمير المؤمنين الحسين بن علي عليهما السلام). (أ): (قسطاً وعدلاً).
6- تفسير فرات: 567/ ح (727/3).

(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْري) النار، (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّي) وما يغني (عنه، (ر)) علمه ((ب): عمله) إذا مات، (إِنَّ عليّنا لَلْهُدي) إنَّ علياً هذا الهدي (وَإِنَّ لَنا لَلآْخِرَةَ وَالأُْولي * فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّي) القائم (صلوات الله عليه، (ب)) إذا قام بالغضب فقتل من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين (لا يَصْلاها إِلاَّ الأَْشْقَي * الَّذِي كَذَّبَ) بالولاية، (وَتَوَلَّي) عنها، (وَسَيُجَنَّبُهَا الأَْتْقَي) المؤمن، (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّي) الذي يعطي العلم أهله، (وَما لأَِحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزي) ما لأحد عنده مكافأ (إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَْعْلي) القربة إلي الله تعالي، (وَلَسَوْفَ يَرْضي)(1) إذا عاين الثواب)(2)(3).

(سَلامٌ هِيَ حتّي مَطْلَعِ الْفَجْرِ):

* فرات، قال: حدَّثنا محمّد بن القاسم بن عبيد معنعناً، عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: ((إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) الليلة فاطمة والقدر الله، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنَّما سُمّيت فاطمة لأنَّ الخلق فُطموا عن معرفتها - أو من معرفتها الشكّ (من أبي القاسم، (أ)، (ب)) - وقوله: (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) يعني خير من ألف مؤمن وهي اُمّ المؤمنين، (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) والملائكة المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم والروح

ص: 19


1- الليل: 8 - 21.
2- القائم المهدي إذا ظهر طهَّر الأرض من الظلم والظلمة ونشر راية العدل والحرّية والفضيلة علي مختلف الطوائف، والرقم المذكور هنا علي فرض صدوره راجع إلي الظلمة. في (أ)، (ب): (قوله: (وَكَذَّبَ ...)).
3- تفسير فرات: 567/ (727/3).

القدس هي فاطمة عليها السلام (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حتّي مَطْلَعِ الْفَجْرِ)(1) يعني حتَّي يخرج القائم عليه السلام)(2).

* * *).

ص: 20


1- القدر: 1 - 5.
2- تفسير فرات: 581/ ح (747/2).

بصائر الدرجات الكبري في فضائل آل محمد عليهم السلام

للثقة الجليل والمحدث النبيل شيخ القميين ابو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار المتوفي سنة 290 ه-

من أصحاب الإمام الحسن العسكري عليه السلام

تحقيق: العلامة ميرزا محسن كوجه باغي

ص: 21

ص: 22

* حدَّثنا أبو جعفر، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: (إنَّ حديث آل محمّد صعب مستصعب ثقيل مقنع أجرد ذكوان لا يحتمله إلاَّ ملك مقرَّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان أو مدينة حصينة، فإذا قام قائمنا نطق وصدَّقه القرآن)(1).

* حدَّثنا محمّد بن أحمد، عن جعفر بن مالك الكوفي، عن علي بن هاشم، عن زياد بن المنذر، عن زياد بن سوقة، قال: كنّا عند محمّد بن عمرو بن الحسن فذكرنا ما أتي إليهم فبكي حتَّي ابتلَّت لحيته من دموعه، ثمّ قال: إنَّ أمر آل محمّد أمر جسيم مقنع لا يستطاع ذكره ولو قد قام قائمنا لتكلَّم به وصدَّقه القرآن(2).

* حدَّثني أبو جعفر أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن مفضَّل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلي آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(3)، قال: (عهد إليه في محمّد والأئمّة من بعده فترك ولم يكن له عزم فيهم إنَّهم هكذا، وإنَّما سُمّي أولوا العزم أولوا العزم؛ لأنَّه عهد إليهم في محمّد والأوصياء من بعده والمهدي وسيرته فاجمع عزمهم أنَّ ذلك كذلك والإقرار به)(4).1.

ص: 23


1- بصائر الدرجات: 41/ باب في أئمّة آل محمّد عليهم السلام حديثهم صعب مستصعب/ ح 3.
2- بصائر الدرجات: 48/ باب في أئمّة آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم أنَّ أمرهم صعب مستصعب/ ح 8 .
3- طه: 115.
4- بصائر الدرجات: 90/ باب ما خصَّ الله به الأئمّة من آل محمّد عليهم السلام/ ح 1.

* حدَّثني أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن داود العجلي، عن زرارة، عن حمران، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّ الله تبارك وتعالي حيث خلق الخلق خلق ماءً عذباً وماءً مالحاً أجاجاً فامتزج الماءان فأخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عركاً شديداً، فقال لأصحاب اليمين وهم فيهم كالذرّ يدبّون إلي الجنّة بسلام، وقال لأصحاب الشمال يدبّون إلي النار، ولا أبالي، ثمّ قال: ألست بربّكم؟ قالوا: بلي شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين)، قال: (ثمّ أخذ الميثاق علي النبيّين، فقال: ألست بربّكم؟ ثمّ قال: وإنَّ هذا محمّد رسول الله وإنَّ هذا علي أمير المؤمنين، قالوا: بلي، فثبتت لهم النبوّة وأخذ الميثاق علي أولي العزم، ألا إنّي ربّكم ومحمّد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزّان علمي، وأنَّ المهدي أنتصر به لديني، وأظهر به دولتي، وأنتقم به من أعدائي، واُعبد به طوعاً وكرهاً، قالوا: أقررنا وشهدنا يا ربّ، ولم يجحد آدم ولم يقرّ فثبتت العزيمة لهولاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزم علي الإقرار به وهو قوله عز وجل: (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلي آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(1))، قال: (إنَّما يعني فترك ثمّ أمر ناراً فأجَّجت(2) فقال لأصحاب الشمال: أدخلوها فهابوها، وقال لأصحاب اليمين: أدخلوها فدخلوها فكانت عليهم برداً وسلاماً، فقال أصحاب الشمال: يا ربّ أقلنا، فقال: قد أقلتكم، اذهبوا فادخلوها فهابوها، فثمّ ثبتت الطاعة والمعصية والولاية)(3).

* حدَّثنا عبد الله بن عامر، عن أبي عبد الله البرقي، عن الحسين بن2.

ص: 24


1- طه: 115.
2- قد أجَّجت، كذا في بحار الأنوار.
3- بصائر الدرجات: 90/ باب ما خصَّ الله به الأئمّة من آل محمّد عليهم السلام/ ح 2.

عثمان، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالي: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِْيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآْخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)(1)، قال: (تفسيرها في بطن القرآن يعني من يكفر بولاية علي وعلي هو الإيمان)، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالي: (وَكانَ الْكافِرُ عَلي رَبِّهِ ظَهِيراً)(2)، قال: (تفسيرها علي بطن القرآن، يعني علي هو ربّه في الولاية والطاعة، والربّ هو الخالق الذي لا يوصف)، وقال أبو جعفر عليه السلام : (إنَّ علياً آية لمحمّد، وإنَّ محمّداً يدعو إلي ولاية علي، أمَا بلغك قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)؟، فوالي الله من والاه وعاد الله من عاداه، وأمَّا قوله: (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ)(3) فإنَّه علي، يعني إنَّه لمختلف عليه، وقد اختلفت هذه الأمّة في ولايته، فمن استقام علي ولاية علي دخل الجنّة، ومن خالف ولاية علي دخل النار، وأمَّا قوله: (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ)(4) فإنَّه يعني علياً من أفك من ولايته أفك علي الجنّة، فذلك قوله: (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ)، وأمَّا قوله: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلي صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(5) إنَّك لتأمر بولاية علي عليه السلام وتدعو إليها، وعلي هو الصراط المستقيم، وأمَّا قوله: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلي صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(6) إنَّك3.

ص: 25


1- المائدة: 5.
2- الفرقان: 55.
3- الذاريات: 8 .
4- الذاريات: 9.
5- الشوري: 52.
6- الزخرف: 43.

علي ولاية علي، وعلي هو الصراط المستقيم، وأمَّا قوله: (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا) يعني فلمَّا تركوا ولاية علي وقد أمروا بها (فَتَحْنا عليهم أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) يعني مع دولتهم في الدنيا وما بسط إليهم فيها، وأمَّا قوله: (حتّي إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ)(1) يعني قيام القائم)(2).

* حدَّثنا أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن داود العجلي، عن زرارة، عن حمران، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّ الله تبارك وتعالي أخذ الميثاق علي أولي العزم أنّي ربّكم، ومحمّد رسولي، وعلي أمير المؤمنين عليه السلام وأوصيائه من بعده ولاة أمري، وخزّان علمي، وأنَّ المهدي أنتصر به لديني)(3).

* حدَّثنا حمزة بن يعلي، عن محمّد بن الفضيل، عن الربعي، عن رفيد مولي أبي هبيرة(4)، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جُعلت فداك يا ابن رسول الله، يسير القائم بسيرة علي بن أبي طالب في أهل السواد؟

فقال: (لا، يا رفيد إنَّ علي بن أبي طالب سار في أهل السواد بما في الجفر الأبيض، وإنَّ القائم يسير في العرب بما في الجفر الأحمر).

قال: فقلت له: جُعلت فداك، وما الجفر الأحمر؟

قال: فأمرَّ إصبعه إلي حلقه، فقال: (هكذا)، يعني الذبح، ثمّ قال: (يا رفيد إنَّ لكلّ أهل بيت مجيبا(5) شاهداً عليهم، شافعاً لأمثالهم)(6).4.

ص: 26


1- الأنعام: 44.
2- بصائر الدرجات: 97/ باب النوادر من الأبواب في الولاية/ ح 5.
3- بصائر الدرجات: 126/ باب في الأئمّة عليهم السلام أنَّهم خزّان الله.../ ح 14.
4- والصحيح أنَّه ابن هبيرة كما صرَّح به في منتهي المقال.
5- (نجيباً)، في نسخة بحار الأنوار.
6- بصائر الدرجات: 172/ باب في الأئمّة عليهم السلام أنَّهم اعطوا الجفر.../ ح 4.

* حدَّثنا أحمد بن محمّد، عن ابن سنان، عن رفيد مولي أبي هبيرة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال لي: (يا رفيد كيف أنت إذا رأيت أصحاب القائم قد ضربوا فساطيطهم في مسجد الكوفة؟ ثمّ أخرج المثال الجديد علي العرب الشديد(1)).

قال: قلت: جُعلت فداك ما هو؟

قال: (الذبح).

قال: قلت: بأيّ شيء يسير فيهم؟ بما سار علي بن أبي طالب في أهل السواد؟

قال: (لا، يا رفيد إنَّ علياً عليه السلام سار بما في الجفر الأبيض، وهو الكفّ، وهو يعلم أنَّه سيظهر علي شيعته من بعده، وإنَّ القائم يسير بما في الجفر الأحمر وهو الذبح، وهو يعلم أنَّه لا يظهر علي شيعته)(2).

* حدَّثنا حمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن أبي بكير، عن عبد الملك بن أعين، قال: أراني أبو جعفر عليه السلام بعض كتب علي، ثمّ قال لي: (لأيّ شيء كتبت هذه الكتب؟).

قلت: ما أبين الرأي فيها.

قال: (هات)، قلت: علم أنَّ قائمكم يقوم يوماً فأحبَّ أن يعمل بما فيها، قال: (صدقت)(3).

* حدَّثنا أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن سعيد السمّان، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه2.

ص: 27


1- كذا في المصدر، وفي بحار الأنوار: شديد.
2- بصائر الدرجات: 175/ باب في الأئمّة عليهم السلام أنَّهم اعطوا الجفر.../ ح 13.
3- بصائر الدرجات: 182/ باب في الأئمَّة عليهم السلام وأنَّه صارت إليهم كتب رسول الله.../ ح 2.

رجلان من الزيدية، فقالا: أفيكم إمام مفترضٌ طاعته؟ فقال: (لا)، قال: فقالا له: فأخبَرنا عنك الثقات أنَّك تعرفه وتسمّيهم(1) لك وهم فلان وفلان وهم أصحاب ورع وتشمير، وهم ممَّن لا يكذبون، فغضب أبو عبد الله عليه السلام، وقال: (ما أمرتهم بهذا)، فلمَّا رأيا الغضب في وجهه خرجا، فقال لي: (أتعرف هذين؟)، قلت: نعم، هما من أهل سوقنا من الزيدية، وهما يزعمان أنَّ سيف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عند عبد الله بن الحسن، فقال: (كذبا، لعنهما الله، ولا والله ما رآه عبد الله بعينيه ولا بواحد من عينيه، ولا رآه أبوه إلاَّ أن يكون رآه عند علي بن الحسين بن علي، وإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه؟ وما لا تري(2) في موضع مضربه؟ وإنَّ عندي لسيف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ودرعه ولامته(3) ومغْفَرَه، فإن كانا صادقين فما علامة في درعه، وإنَّ عندي لراية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم المغلبة، وإنَّ عندي ألواح موسي وعصاه، وإنَّ عندي لخاتم سليمان بن داود، وإنَّ عندي الطست الذي كان يقرَّب بها موسي القربان، وإنَّ عندي الاسم الذي كان إذا أراد رسول الله أن يضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلي المسلمين نشابة، وإنَّ عندي التابوت التي جاءت به الملائكة تحمله، ومثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل، أهل بيت(4) وقف التابوت علي باب دارهم أوتوا النبوّة كذلك، ومن صار إليهر.

ص: 28


1- هكذا في المصدر، وفي الكافي 1: 232: (قد أخبرنا الثقات أنَّك تفتي وتقرّ وتقول به ونسمّيهم لك...).
2- (أثر)، بدله في بحار الأنوار.
3- لامة: الدرع.
4- (فأيّ بيت)، في نسخة بحار الأنوار.

السلاح منّا أوتي الإمامة، ولقد لبس أبي درع رسول الله فخطَّت علي الأرض خطيطاً، ولبستها أنا فكانت وقائمنا ممَّن إذا لبسها ملأها إن شاء الله)(1).

* حدَّثنا أحمد بن محمّد وعبد الله بن عامر، عن ابن سنان، عن عبد الله مسكان(2)، عن سليمان خالد، قال: بينا مع أبي عبد الله عليه السلام في ثقيفة له إذ استأذن عليه اُناس من أهل الكوفة، فأذن لهم، فدخلوا فقالوا: يا أبا عبد الله إنَّ اُناساً يأتوننا يزعمون أنَّ فيكم أهل البيت إمام مفترض الطاعة.

فقال: (ما أعرف ذلك في أهل بيتي).

قالوا: يا أبا عبد الله يزعمون أنَّك أنت هو.

قال: (ما قلت لهم ذلك).

قالوا: يا أبا عبد الله إنَّهم أصحاب تشمير وأصحاب خلوة وأصحاب ورع، وهم يزعمون أنَّك أنت هو.

قال: (هم أعلم وما قالوا).

قال: فلمَّا رأوه أنَّهم قد أغضبوه (قاموا)(3) فخرجوا، (فقال)(4): (يا سليمان من هؤلاء؟)، قلت: الناس(5) من العجلية(6).

قال: (عليهم لعنة الله).ة.

ص: 29


1- بصائر الدرجات: 194/ باب ما عند الأئمّة عليهم السلام من سلاح رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.../ ح 2.
2- كذا في المصدر، وفي بحار الأنوار: (عن ابن مسكان).
3- أثبتناه من بحار الأنوار.
4- في المصدر المطبوع: (فقالوا)، والصحيح ما أثبتناه.
5- (قال: اُناس)، كذا في بحار الأنوار.
6- العجلية: الضعفاء من الزيدية.

قلت: يزعمون أنَّ سيف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقع عند عبد الله بن الحسن.

قال: (لا والله ما رآه عبد الله بن الحسن ولا أبوه الذي ولده بواحدة من عينيه إلاَّ أن يكون رآه عند علي بن الحسين عليه السلام، فإن كانوا صادقين فاسألوهم عمَّا في ميسره(1) وعمَّا في ميمنه(2) فإنَّ في ميسرة(3) سيف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وفي ميمنه(4) علامة)، ثمّ قال: (والله إنَّ عندنا لسيف رسول الله ودرعه وسلاحه ولامته، وإنَّ عندنا الذي كان رسول الله يضعه بين المشركين وبين المسلمين فلا يخلص إليهم نشابة، والله إنَّ عندنا لمثل التابوت الذي جاءت به الملائكة تحمله، والله إنَّ عندنا لمثل الطست الذي كان موسي يقرَّب فيها القربان، والله إنَّ عندنا ألواح موسي وعصاه، وإنَّ قائمنا من لبس درع رسول الله فملأها، ولقد لبسها أبو جعفر عليه السلام فخطَّت عليه)، فقلت له: أنت ألحم أم أبو جعفر؟ قال: (كان أبو جعفر ألحم منّي، ولقد لبستها أنا فكانت وكانت)، وقال بيده هكذا فقلَّبها ثلاثا(5).

* حدَّثنا محمّد بن الحسين، عن موسي بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن أبي سعيد الخراساني، عن أبي عبد الله، قال: قال أبو جعفر عليه السلام : (إذا قام القائم بمكّة وأراد أن يتوجَّه إلي الكوفة نادي مناديه: ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل حجر موسي بن عمران4.

ص: 30


1- في نسخة بدله: (ميسرته).
2- (ميمنته)، بدله في بحار الأنوار.
3- في نسخة بدله: (ميسره)، واُثبت ما في بحار الأنوار.
4- (ميمنته)، بدله في بحار الأنوار.
5- بصائر الدرجات: 195/ باب ما عند الأئمّة عليهم السلام من سلاح رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.../ ح 4.

وهو وقر بعير، ولا ينزل منزلاً إلاَّ انبعث عين منه، فمن كان جايعاً شبع، ومن كان ظامئاً روي، فهو زادهم حتَّي نزلوا(1) النجف من ظهر الكوفة)(2).

* حدَّثنا إبراهيم بن هاشم، عن أبي عبد الله البرقي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر وغيره، عن أبي أيّوب الحذاء، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: جُعلت فداك، إنّي اُريد أن ألمس(3) صدرك، فقال: (افعل)، فمسست صدره ومناكبه، فقال: (ولِمَ يا أبا محمّد؟)، فقلت: جُعلت فداك، إنّي سمعت أباك وهو يقول: (إنَّ القائم واسع الصدر، مسترسل المنكبين، عريض ما بينهما)، فقال: (يا محمّد، إنَّ أبي لبس درع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكانت تستخب(4)(5) علي الأرض، وأنا لبستها فكانت وكانت، وإنَّها تكون من القائم كما كانت من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مشمرة، كأنَّه ترفع نطاقها بحلقتين، وليس صاحب هذا الأمر من جاز أربعين)(6).

* حدَّثنا محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن هاشم، عن سالم بن أبي سلمة، قال: قرأ رجل علي أبي عبد الله عليه السلام وأنا أسمع حروفاً من القرآن ليس علي ما يقرأها الناس.

فقال أبو عبد الله عليه السلام : (مَهْ مَهْ، كفّ عن هذه القراءة، اقرأ كما6.

ص: 31


1- كذا في المصدر، وفي بحار الأنوار: (ينزل).
2- بصائر الدرجات: 208/ باب ما عند الأئمّة عليهم السلام من سلاح رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.../ ح 54.
3- (أمسّ - بالتشديد -)، في نسخة بحار الأنوار.
4- اختب من ثوبه خبّة: أخرج، (أقرب الموارد).
5- (تستحب)، في نسخة بحار الأنوار.
6- بصائر الدرجات: 208/ باب ما عند الأئمّة عليهم السلام من سلاح رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.../ ح 56.

يقرأ الناس حتَّي يقوم القائم، فإذا قام فقرأ كتاب الله علي حدّه وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام).

وقال: (أخرجه علي عليه السلام إلي الناس حيث فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله كما أنزل الله علي محمّد وقد جمعته بين اللوحين.

قالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه.

قال: أمَا والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنَّما كان عليَّ أن أخبركم به حين جمعته لتقرؤه)(1).

* حدَّثنا أبو القاسم، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن، قال: حدَّثنا أحمد بن علي بن الحكم، عن ربيع بن محمّد المكّي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا وقف الرجل بين يديه، قال: (يا فلان استعد وأعد لنفسك ما تريد، فإنَّك تمرض في يوم كذا وكذا في ساعة كذا وكذا، وسبب مرضك كذا وكذا وتموت في شهر كذا وكذا في يوم كذا وكذا في ساعة كذا وكذا).

قال سعد: فقلت هذا الكلام لأبي جعفر عليه السلام.

فقال: (كان ذاك).

فقلت: جُعلت فداك، فكيف لا تقول أنت فلا تخبرنا فنستعدّ له؟ قال: (هذا باب أغلق الجواب فيه علي بن الحسين عليه السلام حتَّي يقوم قائمنا)(2).

* حدَّثنا محمّد بن الحسين، عن موسي بن سعدان، عن عبد الله ابن القاسم، عن مالك بن عطيّة، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:1.

ص: 32


1- بصائر الدرجات: 213/ باب في أنَّ الأئمّة عليهم السلام عندهم الصحيفة.../ ح 3.
2- بصائر الدرجات: 282/ باب في أنَّ الأئمّة عليهم السلام أنَّهم يعرفون آجال شيعتهم.../ ح 1.

(سيأتي من مسجدكم هذا - يعني مكّة - ثلاثمائة وثلاث عشر رجلاً يعلم أهل مكّة أنَّه لم يلدهم آبائهم(1) ولا أجدادهم، عليهم السيوف مكتوب علي كلّ سيف كلمة يفتح ألف كلمة، تبعث الريح فتنادي بكلّ وادٍ: هذا المهدي، هذا المهدي يقضي بقضاء آل داود ولا يسأل عليه بيّنة)(2).

* حدَّثنا الحسين بن علي عن أحمد بن هلال، عن عثمان بن عيسي، عن ابن مسكان، عن يونس بن ظبيان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (أوّل خارجة علي موسي بن عمران بمرج وانق وهو بالشام، وخرجت علي المسيح بحران، وخرجت علي أمير المؤمنين عليه السلام بالنهروان، ويخرج علي القائم بالدسكرة دسكرة الملك)، ثمّ قال لي: (كيف مالح ديربين(3) ماكي مالح) يعني عند قريتك وهو بالنبطية، وذاك أنَّ يونس كان من قرية ديربين ما يقال الدسكرة إلي عند ديربين ما(4).

* حدَّثنا إبراهيم بن هاشم، عن أبي سليمان الديلمي، عن معاوية الدهني، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالأَْقْدامِ)(5) فقال: (يا معاوية، ما يقولون في هذا؟).

قال: قلت: يزعمون أنَّ الله تبارك وتعالي يعرف المجرمون بسيماهم يوم القيامة، فيأمر بهم فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم ويلقون في النار.1.

ص: 33


1- كذا في المصدر، وفي كمال الدين وبحار الأنوار: (آباؤهم).
2- بصائر الدرجات: 331/ باب فيه الكلمة التي علَّم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام / ح 11.
3- في المواضع الثلاثة: (دير بئر)، في نسخة بحار الأنوار.
4- بصائر الدرجات: 356/ باب في الأئمّة عليهم السلام أنَّهم يتكلَّمون الألسن كلّها/ ح 12.
5- الرحمن: 41.

قال: فقال لي: (وكيف يحتاج الجبّار تبارك وتعالي إلي معرفة خلقٍ أنشأهم وهو خلقهم؟).

قال: فقلت: فما ذاك جُعلت فداك؟

قال: (ذلك لو قد قام قائمنا أعطاه الله السيما فيأمر بالكافر فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم، ثمّ يخبط بالسيف خبطاً)(1).

* حدَّثنا إبراهيم بن هاشم، عن سليمان الديلمي، عن معاوية الدهني، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالي: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالأَْقْدامِ)(2)، فقال: (يا معاوية، ما يقولون في هذا؟)، قلت: يزعمون أنَّ الله تباك وتعالي يعرف المجرمون(3) بسيماهم في القيامة فيأمر بهم فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم فيلقون في النار، فقال لي: (وكيف يحتاج الجبّار تبارك وتعالي إلي معرفة خلق أنشاهم وهم خلقه(4)؟)، فقلت: جُعلت فداك وما ذلك(5)؟ قال: (لو قام قائمنا أعطاه الله السيماء، فيأمر بالكافر فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم، ثمّ يخبط بالسيف خبطاً)(6).

* حدَّثنا محمّد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن رفيد مولي ابن هبيرة، قال أبو عبد الله عليه السلام : (إذا7.

ص: 34


1- بصائر الدرجات: 376/ باب في الأئمّة عليهم السلام أنَّهم المتوسّمون في الأرض.../ ح 8 .
2- الرحمن: 41.
3- كذا في المصدر، وفي بحار الأنوار: (المجرمين).
4- (وهو خلقهم)، كذا في تفسير البرهان.
5- (وما ذاك)، هكذا في تفسير البرهان.
6- بصائر الدرجات: 379/ باب في الأئمّة عليهم السلام أنَّهم المتوسّمون في الأرض.../ ح 17.

رأيت القائم أعطي رجلاً مائة ألف وأعطي آخر درهماً فلا يكبر في صدرك).

وفي رواية أخري: (فلا يكبر ذلك في صدرك، فإنَّ الأمر مفوّض إليه)(1).

* وعنه، عن محمّد بن المثنّي، عن أبيه، عن عثمان بن زيد، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سألته عن قول الله عز وجل: (وَكَذلِكَ نُرِي إبراهيم مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالأرض)(2)، قال: فكنت مطرقاً إلي الأرض، فرفع يده إلي فوق، ثمّ قال لي: (ارفع رأسك).

فرفعت رأسي فنظرت إلي السقف قد انفجر حتَّي خلص بصري إلي نور ساطع حار بصري دونه.

قال: ثمّ قال لي: (رأي إبراهيم ملكوت السماوات والأرض هكذا).

ثمّ قال لي: (أطرق)، فأطرقت، ثمّ قال لي: (ارفع رأسك)، فرفعت رأسي فإذا السقف علي حاله، قال: ثمّ أخذ بيدي وقام وأخرجني من البيت الذي كنت فيه وأدخلني بيتاً آخر، فخلع ثيابه التي كانت عليه، ولبس ثياباً غيرها، ثمّ قال لي: (غضَّ بصرك)، فغضضت بصري، وقال لي: (لا تفتح عينك).

فلبثت ساعة، ثمّ قال لي: (أتدري أين أنت؟).

قلت: لا، جُعلت فداك.

فقال لي: (أنت في الظُلمة التي سلكها ذو القرنين).

فقلت له: جُعلت فداك، أتأذن لي أن أفتح عيني؟5.

ص: 35


1- بصائر الدرجات: 406/ باب في أنَّ ما فوّض إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.../ ح 10.
2- إبراهيم: 75.

فقال لي: (افتح فإنَّك لا تري شيئاً)، ففتحت عيني فإذا أنا في ظلمة لا أبصر فيها موضع قدمي، ثمّ صار(1) قليلاً ووقف، فقال لي: (هل تدري أين أنت؟)، قلت: لا، قال: (أنت واقف علي عين الحياة التي شرب منها الخضر عليه السلام)، وخرجنا من ذلك العالم إلي عالم آخر فسلكنا فيه، فرأينا كهيأة عالمنا في بنائه ومساكنه وأهله، ثمّ خرجنا إلي عالم ثالث كهيأة الأوّل والثاني حتَّي وردنا خمسة عوالم، قال: ثمّ قال: (هذه ملكوت الأرض ولم يرَها إبراهيم وإنَّما رأي ملكوت السماوات وهي اثني عشر عالماً كلّ عالم كهيأة ما رأيت، كلَّما مضي منّا إمام سكن أحد هذه العوالم، حتَّي يكون آخرهم القائم في عالمنا الذي نحن ساكنوه)، قال: ثمّ قال: (غضَّ بصرك)، فغضضت بصري، ثمّ أخذ بيدي فإذا نحن بالبيت الذي خرجنا منه، فنزع تلك الثياب ولبس الثياب التي كانت عليه، وعدنا إلي مجلسنا، فقلت: جُعلت فداك، كم مضي من النهار؟ قال عليه السلام : (ثلاث ساعات)(2).

* حدَّثنا أحمد بن محمّد بن الحسين، قال: حدَّثني أحمد بن إبراهيم، عن عمّار، عن إبراهيم بن الحسين، عن بسطام، عن عبد الله بن بكير، قال: حدَّثني عمر بن يزيد، عن هشام الجواليقي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّ لله مدينة خلف البحر سعتها مسيرة أربعين يوماً، فيها قوم لم يعصوا الله قط، ولا يعرفون إبليس، ولا يعلمون خلق إبليس، نلقاهم في كلّ حين فيسألونا عمَّا يحتاجون إليه، ويسألونا الدعاء فنعلمهم،4.

ص: 36


1- سار، هكذا في بحار الأنوار.
2- بصائر الدرجات: 424/ باب في أنَّ الأئمّة عليهم السلام يسيرون في الأرض من شاؤوا.../ ح 4.

ويسألونا عن قائمنا متي يظهر، وفيهم عبادة واجتهاد شديد، ولمدينتهم أبواب ما بين المصراع إلي المصراع مائة فرسخ، لهم تقديس واجتهاد شديد، لو رأيتموهم لاحتقرتم عملكم، يصلّي الرجل منهم شهراً لا يرفع رأسه من سجوده، طعامهم التسبيح، ولباسهم الورق(1)، ووجوههم مشرقة بالنور، إذا رأوا منّا واحداً لحسوه واجتمعوا إليه وأخذوا من أثره(2) إلي الأرض يتبرَّكون به، لهم دوي إذا صلّوا أشدّ من دوي الريح العاصف، فيهم جماعة لم يضعوا السلاح منذ كانوا، ينتظرون قائمنا، يدعون أن يريهم إيّاه وعمر أحدهم ألف سنة، إذا رأيتهم رأيت الخشوع والاستكانة وطلب ما يقرّبهم إليه، إذا حبسنا(3) ظنّوا أنَّ ذلك من سخط، يتعاهدون ساعة(4) التي نأتيهم فيها، لا يسئمون لا يفترون، يتلون كتاب الله كما علمناهم، وأنَّ فيما نعلمهم ما لو تلي علي الناس لكفروا به ولأنكروه، يسألوننا عن الشيء إذا ورد عليهم من القرآن ولا يعرفونه، فإذا أخبرناهم به انشرحت صدورهم لما يسمعون منّا ويسألوا(5) الله طول البقاء، وأن لا يفقدونا، ويعلمون أنَّ المنّة من الله عليهم فيما نعلّمهم عظيمة، ولهم خرجة مع الإمام، إذا قاموا يسبقون فيها أصحاب السلاح منهم، ويدعون الله أن يجعلهم ممَّن ينتصر به لدينهم(6)، فيهم كهول).

ص: 37


1- الظاهر أنَّه (ورع).
2- وفي نسخة، بدله: (ثمره).
3- (احتبسنا)، كذا في بحار الأنوار.
4- (الساعة)، هكذا في بحار الأنوار.
5- (سئلوا)، هكذا في بحار الأنوار.
6- في مختصر بصائر الدرجات وبحار الأنوار: (ينتصر بهم لدينه).

وشبّان، وإذا رأي شاب منهم الكهل جلس بين يديه جلسة العبد، لا يقوم حتَّي يأمره، لهم طريق أعلم به من الخلق إلي حيث يريد الإمام، فإذا أمرهم الإمام بأمر قاموا أبداً حتَّي يكون هو الذي يأمرهم بغيره، لو أنَّهم وردوا علي ما بين المشرق والمغرب من الخلق لأفنوهم في ساعة واحدة، لا يختلّ(1) الحديد فيهم، ولهم سيوف من حديد غير هذا الحديد، لو ضرب أحدهم بسيفه جبلاً لقدَّه حتَّي يفصله، يغزو بهم الإمام الهند والديلم والكرك والترك والروم وبربر وما بين جابرسا(2) إلي جابلقا وهما مدينتان واحدة بالمشرق وأخري بالمغرب، لا يأتون علي أهل دين إلاَّ دعوهم إلي الله وإلي الإسلام وإلي الإقرار بمحمّد صلي الله عليه وآله وسلم، ومن لم يسلم قتلوه حتَّي لا يبقي بين المشرق والمغرب وما دون الجبل أحد إلاَّ أقرَّ)(3).

* * *4.

ص: 38


1- لا يختل: لا يعمل.
2- (جابلسا)، كذا في بحار الأنوار.
3- بصائر الدرجات: 510/ باب في الأئمّة عليهم السلام أنَّ الخلق الذي خلف المشرق.../ ح 4.

تفسير القمي

لأبي الحسن علي بن ابراهيم القمّي رحمه الله كان حيا الي 308 ه-

تحقيق: السيد طيِّب الموسوي الجزائري

ص: 39

ص: 40

(وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً):

* عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: (... وأمَّا قوله: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عليهم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً)(1))، قال: (النبيّين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والصدّيقين علي عليه السلام، والشهداء الحسن والحسين عليه السلام، والصالحين الأئمّة، وحسن أولئك رفيقاً القائم من آل محمّد عليهم السلام)(2).

(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ):

* وقوله: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عليهم شَهِيداً)(3) فإنَّه روي أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذا رجع آمن به الناس كلّهم.

قال: حدَّثني أبي، عن القاسم بن محمّد بن سليمان بن داود المنقري، عن أبي حمزة، عن شهر بن حوشب، قال:

قال لي الحجّاج بأنَّ: آية في كتاب الله قد أعيتني.

فقلت: أيّها الأمير أيّة آية هي؟

فقال: قوله: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) والله إنّي لآمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه، ثمّ أرمقه بعيني فما أراه يحرّك شفتيه حتَّي يخمد.

ص: 41


1- النساء: 69.
2- تفسير القمي 1: 142.
3- النساء: 159.

فقلت: أصلح الله الأمير، ليس علي ما تأوَّلت.

قال: كيف هو؟

قلت: إنَّ عيسي ينزل قبل يوم القيامة إلي الدنيا، فلا يبقي أهل ملّة يهودي ولا نصراني إلاَّ آمن به قبل موته ويصلّي خلف المهدي.

قال: ويحك، أنّي لك هذا؟ ومن أين جئت به؟

فقلت: حدَّثني به محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

فقال: جئت بها والله من عين صافية(1).

(فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ):

* وأمَّا قوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَي الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(2)، قال: هو مخاطبة لأصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الذين غصبوا آل محمّد حقّهم وارتدّوا عن دين الله (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) نزلت في القائم عليه السلام وأصحابه (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)(3).

(فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ):

* وأمَّا قوله: (حتّي إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ)(4) يعني بذلك قيام القائم حتَّي كأنَّهم لم يكن لهم

ص: 42


1- تفسير القمي 1: 158.
2- المائدة: 54.
3- تفسير القمي 1: 170.
4- الأنعام: 44.

سلطان قط، فذلك قوله: (بَغْتَةً) فنزلت بخبره هذه الآية علي محمّد صلي الله عليه وآله وسلم(1).

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ):

* وقوله: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ)(2) فهو من الآيات التي تأويلها بعد تنزيلها، قال: ذلك في القائم عليه السلام، ويوم القيامة (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ) أي تركوه (قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) قال: هذا يوم القيامة(3).

(لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ):

* (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(4) فإنَّها نزلت في القائم من آل محمّد، وهو الذي ذكرناه ممَّا تأويله بعد تنزيله(5).

(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ):

* قال علي بن إبراهيم في قوله: (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ...) إلي قوله: (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ)(6) فإنَّه محكم، ثمّ قال: (وَإِمَّا

ص: 43


1- تفسير القمي 1: 200.
2- الأعراف: 53.
3- تفسير القمي 1: 235.
4- التوبة: 33.
5- تفسير القمي 1: 289.
6- يونس: 41 - 45.

نُرِيَنَّكَ) يا محمّد (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من الرجعة وقيام القائم (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل ذلك (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثمّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلي ما يَفْعَلُونَ)(1)(2).

(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ):

* قال علي بن إبراهيم في قوله: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)(3) معطوف علي قوله: (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثمّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)(4)، (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)، وقوله: (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)، قال: إن متّعناهم في هذه الدنيا إلي خروج القائم فنردّهم ونعذّبهم (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ) أي يقولون: أمَا لا يقوم القائم ولا يخرج؟ علي حدّ الاستهزاء، فقال الله: (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(5).

* أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن سيف، عن حسان، عن هشام بن عمّار، عن أبيه - وكان من أصحاب علي عليه السلام -، عن علي عليه السلام في قوله تعالي: (لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ)، قال: (الأمّة المعدودة أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر).

ص: 44


1- يونس: 46.
2- تفسير القمي 1: 312.
3- هود: 7.
4- هود: 1.
5- هود: 8 .

(لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلي رُكْنٍ شَدِيدٍ):

* (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلي رُكْنٍ شَدِيدٍ)(1) أخبرنا الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (ما بعث الله نبيّاً بعد لوط إلاَّ في عزّ من قومه).

* وحدَّثني محمّد بن جعفر، قال: حدَّثنا محمّد بن أحمد (مسلم ط)، عن محمّد بن الحسين، عن موسي بن سعدان، عن عبد الله بن القسم، عن صالح، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال في قوله: (قُوَّةً)، قال: (القوّة القائم عليه السلام، و(الركن الشديد): ثلاثمائة وثلاثة عشر)(2).

(وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ):

* (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عليه آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)(3)، فإنَّه حدَّثني أبي، عن حماد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (المنذر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والهادي أمير المؤمنين عليه السلام، وبعده الأئمّة عليهم السلام)، وهو قوله: (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) أي: في كلّ زمان إمام هاد مبين، وهو ردّ علي من ينكر أنَّ في كلّ عصر وزمان إماماً، وأنَّه لا تخلو الأرض من حجّة، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : (لا تخلو الأرض من إمام قائم بحجّة الله، إمَّا ظاهر مشهور، وإمَّا خائف مقهور، لئلاَّ يبطل حجج الله وبيّناته).

(وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ):

* وقوله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسي بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَي

ص: 45


1- هود: 80 .
2- تفسير القمي 1: 335.
3- الرعد: 7.

النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ)(1)، قال: أيّام الله ثلاثة: يوم القائم، ويوم الموت، ويوم القيامة(2).

(أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ):

* وقوله: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ)(3) من العذاب والموت وخروج القائم (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(4).

(فَإِذا جاءَ وَعْدُ الآْخِرَةِ):

* وأمَّا قوله: (وَقَضَيْنا إِلي بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) أي: أعلمناهم، ثمّ انقطعت مخاطبة بني إسرائيل، وخاطب أمّة محمّد صلي الله عليه وآله وسلم فقال: (لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ) يعني: فلاناً وفلاناً وأصحابهما ونقضهم العهد (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) يعني: ما ادّعوه من الخلافة (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) يعني: يوم الجمل (بَعَثْنا عليكم عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) يعني: أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) أي: طلبوكم وقتلوكم (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) يعني: يتمّ ويكون (ثمّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عليهم) يعني: بني أميّة علي آل محمّد (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) من الحسن والحسين أبناء علي وأصحابهما، فقتلوا الحسين بن علي وسبوا نساء آل محمّد (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَِنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ

ص: 46


1- إبراهيم: 5.
2- تفسير القمي 1: 367.
3- النحل: 33.
4- تفسير القمي 1: 385.

الآْخِرَةِ) يعني: القائم وأصحابه (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) يعني: يسوّدون وجوههم (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) يعني: رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأصحابه، وأمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه (وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً) أي: يعلوا عليكم فيقتلوكم، ثمّ عطف علي آل محمّد عليهم السلام فقال: (عَسي رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) أي: ينصركم علي عدوّكم، ثمّ خاطب بني أميّة فقال: (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) يعني: عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) أي: حبساً يحصرون فيها، ثمّ قال عز وجل: (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي) أي: يبيّن (لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) يعني: آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) ثمّ عطف علي بني أميّة فقال: (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآْخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(1)(2).

* وعنه (الإمام الصادق عليه السلام)، قال: (أقبل أمير المؤمنين عليه السلام يوماً ويده علي عاتق سلمان ومعه الحسن عليه السلام حتَّي دخل المسجد، فلمَّا جلس جاءه رجل عليه برد خزّ، فسلَّم وجلس بين يدي أمير المؤمنين فقال: يا أمير المؤمنين أريد أن أسألك عن مسائل، فإن أنت خرجت منها علمت أنَّ القوم نالوا منك وأنت أحقُّ بهذا الأمر من غيرك، وإن أنت لم تخرج منها علمت أنَّك والقوم شرع (سواء)(3).

فقال له أمير المؤمنين: سل ابني هذا - يعني الحسن -، فأقبل الرجل بوجهه علي الحسن عليه السلام فقال له: يا ابني، أخبرني عن الرجل إذا نام أين تكون روحه؟ وعن الرجل يسمع الشيء فيذكره دهراً ثمّ ينساه).

ص: 47


1- الإسراء: 4 - 10.
2- تفسير القمي 2: 14.
3- الشرع كالطفل، والشرع كالفرح: المثل، (ج ز).

في وقت الحاجة إليه كيف هذا؟ وأخبرني عن الرجل يلد له الأولاد منهم من يشبه أباه وأعمامه ومنهم من يشبه اُمّه وأخواله، فكيف هذا؟

فقال له الحسن عليه السلام : نعم، أمَّا الرجل إذا نام فإنَّ روحه تخرج مثل شعاع الشمس، فتعلق بالريح والريح بالهوي، فإذا أراد الله أن ترجع جذب الهوي الريح وجذب الريح الروح فرجعت إلي البدن، وإذا أراد الله أن يقبضها، جذب الهوي الريح وجذبت الريح الروح فيقبضها إليه.

وأمَّا الرجل الذي ينسي الشيء ثمّ يذكره، فما من أحد إلاَّ علي رأس فؤاده حقّة مفتوحة الرأس، فإذا سمع الشيء وقع فيها، فإذا أراد الله أن ينسيها أطبق عليها، وإذا أراد الله أن يذكره فتحها، وهذا دليل الإلهية.

وأمَّا الرجل الذي يلد له أولاد، فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة فإنَّ الولد يشبه أباه وعمومته، وإذا سبقت ماء المرأة ماء الرجل يشبه اُمّه وأخواله.

فالتفت الرجل إلي أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أشهد أن لا إله إلاَّ الله ولم أزل أقولها، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله ولم أزل أقولها، وأشهد أنَّك وصي محمّد وخليفته في أمّته وأمير المؤمنين حقّاً حقّاً، وأنَّ الحسن القائم بأمرك من بعدك، وأنَّ الحسين القائم من بعده بأمره، وأنَّ علي بن الحسين القائم بأمره من بعده، وأن محمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسي بن جعفر، وعلي بن موسي، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، ووصي الحسن بن علي القائم بالقسط المنتظر الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، ثمّ قام وخرج من باب المسجد، فقال أمير المؤمنين عليه السلام للحسن: هذا أخي الخضر)(1).4.

ص: 48


1- تفسير القمي 2: 44.

(أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً):

* وقوله: (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ)(1)، قال: ما بين أيديهم ما مضي من أخبار الأنبياء وما خلفهم من أخبار القائم عليه السلام، وقوله: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ)(2) أي: ذلَّت، وأمَّا قوله: (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً)(3) يعني ما يحدث من أمر القائم عليه السلام والسفياني(4).

(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلي آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً):

* عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله: (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلي آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(5)، قال: (عهد إليه في محمّد صلي الله عليه وآله وسلم والأئمّة من بعده، فترك ولم يكن له عزم فيهم، إنَّهم هكذا، وإنَّما سُمّوا أولو العزم أنَّه عهد إليهم في محمّد والأوصياء من بعده والقائم عليه السلام وسيرته، فأجمع عزمهم أنَّ ذلك كذلك والإقرار به)(6).

(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا):

* وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ): يعني: أهل قرية (كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا)

ص: 49


1- البقرة: 255.
2- طه: 111.
3- طه: 113.
4- تفسير القمي 2: 65.
5- طه: 115.
6- تفسير القمي 2: 66.

يعني: بني أميّة إذا أحسّوا بالقائم من آل محمّد (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلي ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) يعني: الكنوز التي كنزوها، قال: فيدخل بنو أميّة إلي الروم إذا طلبهم القائم عليه السلام، ثمّ يخرجهم من الروم ويطالبهم بالكنوز التي كنزوها، فيقولوا كما حكي الله: (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ * فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حتّي جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ)(1)، قال: بالسيف وتحت ظلال السيوف، وهذا كلّه ممَّا لفظه ماضٍ ومعناه مستقبل، وهو ممَّا ذكرناه ممَّا تأويله بعد تنزيله(2).

(أَنَّ الأرض يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ):

* وقوله: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ)، قال: الكتب كلّها ذِكْر (أَنَّ الأرض يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(3)، قال: القائم عليه السلام وأصحابه، قال: والزبور فيه ملاحم وتحميد وتمجيد ودعاء، وقوله: (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ)(4)، قال: معناه: لا تدعو (تدع ط) للكفّار، والحقّ الانتقام من الظالمين. ومثله في سورة آل عمران: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَْمْرِ شَيْ ءٌ أَوْ يَتُوبَ عليهم أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ)(5)(6).

(وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثمّ بُغِيَ عليه لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ):

* فقال الله تبارك وتعالي: (وَمَنْ عاقَبَ) يعني: رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم

ص: 50


1- الأنبياء: 11 - 15.
2- تفسير القمي 2: 68.
3- الأنبياء: 105.
4- الأنبياء: 112.
5- آل عمران: 128.
6- تفسير القمي 2: 77.

(بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) يعني: حسيناً أرادوا أن يقتلوه (ثمّ بُغِيَ عليه لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ)(1) يعني: بالقائم من ولده(2).

(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ...):

* وقوله: (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ ...) إلي قوله: (مُبِينٍ)(3)، قال: أعطي داود وسليمان ما لم يعطِ أحداً من أنبياء الله من الآيات، علَّمهما منطق الطير وألان لهما الحديد والصفر من غير نار، وجعلت الجبال يسبحن مع داود، وأنزل الله عليه الزبور فيه توحيد وتمجيد ودعاء، وأخبار رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة عليهم السلام من ذريتهما عليه السلام، وأخبار الرجعة والقائم عليه السلام ؛ لقوله: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(4)(5).

(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض...):

* (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * طسم * تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) ثمّ خاطب الله نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم فقال: (نَتْلُوا عليك) يا محمّد (مِنْ نَبَإِ مُوسي وَفِرْعَوْنَ...) إلي قوله: (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)، فأخبر الله نبيّه بما لقي موسي وأصحابه من فرعون من القتل والظلم ليكون تعزية له فيما يصيبه في أهل بيته من أمّته، ثمّ بشره بعد تعزيته أنَّه يتفضَّل عليهم بعد ذلك،

ص: 51


1- الحج: 60.
2- تفسير القمي 2: 87 .
3- النمل: 15 - 21.
4- الأنبياء: 105.
5- تفسير القمي 2: 126.

ويجعلهم خلفاء في الأرض، وأئمّة علي أمّته، ويردّهم إلي الدنيا مع أعدائهم حتَّي ينتصفوا منهم، فقال: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) وهم الذين غصبوا آل محمّد حقّهم، وقوله: (مِنْهُمْ) أي: من آل محمّد (ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(1) أي: من القتل والعذاب.

ولو كانت هذه الآية نزلت في موسي وفرعون لقال: ونري فرعون وهامان وجنودهما منه ما كانوا يحذرون، أي: من موسي، ولم يقل: (منهم) فلمَّا تقدَّم قوله: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) علمنا أنَّ المخاطبة للنبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، وما وعد الله به رسوله فإنَّما يكون بعده والأئمّة يكونون من ولده، وإنَّما ضرب الله هذا المثل لهم في موسي وبني إسرائيل وفي أعدائهم بفرعون وهامان وجنودهما فقال: إنَّ فرعون قتل بني إسرائيل وظلم من ظلمهم فأظفر الله موسي بفرعون وأصحابه حتَّي أهلكهم الله، وكذلك أهل بيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أصابهم من أعدائهم القتل والغصب، ثمّ يردهم الله ويرد أعداءهم إلي الدنيا حتَّي يقتلوهم.

(وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ):

* وقوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ)، قال: إذا آذاه إنسان أو أصابه ضرّ أو فاقة أو خوف من الظالمين ليدخل معهم في دينهم فرأي أنَّ ما يفعلونه هو مثل عذاب الله

ص: 52


1- القصص: 1 - 6.

الذي لا ينقطع (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) يعني: القائم عليه السلام (لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ)(1)(2).

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَي الأرض الْجُرُزِ):

* وقال علي بن إبراهيم في قوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَي الأرض الْجُرُزِ)(3)، قال: الأرض الخراب، وهو مثل ضربه الله في الرجعة والقائم عليه السلام، فلمَّا أخبرهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بخبر الرجعة قالوا: (مَتي هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وهذه معطوفة علي قوله: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الأَْدْني دُونَ الْعَذابِ الأَْكْبَرِ)(4) فقالوا: (مَتي هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(5) فقال الله: قل لهم: (يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) يا محمّد (وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ)(6)(7).

(وَلَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ):

* وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وَلَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ)(8): فإنَّه حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي خالد الكابلي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (والله لكأنّي أنظر إلي القائم عليه السلام وقد

ص: 53


1- العنكبوت: 10.
2- تفسير القمي 2: 149.
3- السجدة: 27.
4- السجدة: 21.
5- السجدة: 28.
6- السجدة: 29 و30.
7- تفسير القمي 2: 171.
8- سبأ: 51.

أسند ظهره إلي الحجر، ثمّ ينشد الله حقّه، ثمّ يقول: يا أيّها الناس من يحاجّني في الله فأنا أولي بالله، أيّها الناس من يحاجّني في آدم فأنا أولي بآدم، أيّها الناس من يحاجّني في نوح فأنا أولي بنوح، أيّها الناس من يحاجّني في إبراهيم فأنا أولي بإبراهيم، أيّها الناس من يحاجّني في موسي فأنا أولي بموسي، أيّها الناس من يحاجّني في عيسي فأنا أولي بعيسي، أيّها الناس من يحاجّني في محمّد فأنا أولي بمحمّد صلي الله عليه وآله وسلم، أيّها الناس من يحاجّني في كتاب الله فأنا أولي بكتاب الله، ثمّ ينتهي إلي المقام فيصلّي ركعتين وينشد الله حقّه).

ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام : (هو والله المضطر في كتاب الله في قوله: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأرض)(1) فيكون أوّل من يبايعه جبرئيل، ثمّ الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً، فمن كان ابتلي بالمسير وافاه، ومن لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه، وهو قول أمير المؤمنين: (هم المفقودون عن فرشهم)، وذلك قول الله: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً)(2))، قال: (الخيرات الولاية).

وقال في موضع آخر: ((وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)(3) وهم والله أصحاب القائم عليه السلام يجتمعون والله إليه في ساعة واحدة، فإذا جاء إلي البيداء يخرج إليه جيش السفياني، فيأمر الله الأرض فتأخذ أقدامهم وهو قوله: (وَلَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ * وَقالُوا آمَنَّا بِهِ) يعني بالقائم من آل محمّد عليهم السلام (وَأَنَّي لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ .

ص: 54


1- النمل: 62.
2- البقرة: 148.
3- هود: 8 .

بَعِيدٍ ...) إلي قوله: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) يعني: أن لا يعذبوا (كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ) يعني: من كان قبلهم من المكذّبين هلكوا (إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ)(1).

وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (وَلَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا)، قال: (من الصوت، وذلك الصوت من السماء)، (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ)، قال: (من تحت أقدامهم خسف بهم).

أخبرنا الحسين بن محمّد، عن المعلّي بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله: (وَأَنَّي لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)(2)، قال: (إنَّهم طلبوا الهدي من حيث لا ينال، وقد كان لهم مبذولاً من حيث ينال)(3).

(حم * عسق):

* (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * حم * عسق)(4) هو حروف من اسم الله الأعظم المقطوع يؤلّفه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام فيكون الاسم الأعظم الذي إذا دعا الله به أجاب، ثمّ قال: (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).(5)

حدَّثنا أحمد بن علي وأحمد بن إدريس، قالا: حدَّثنا محمّد بن أحمد العلوي، عن العمركي، عن محمّد بن جمهور، قال: حدَّثنا سليمان

ص: 55


1- سبأ: 52 - 54.
2- سبأ: 52.
3- تفسير القمي 2: 204.
4- الشوري: 1 و2.
5- الشوري: 3.

بن سماعة، عن عبد الله بن القاسم، عن يحيي بن مسيرة (ميسرة ط) الخثعمي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: ((حم * عسق) أعداد سني القائم، وقاف جبل محيط بالدنيا من زمرّد أخضر فخضرة السماء من ذلك الجبل، وعلم كلّ شيء في (عسق))(1).

(وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ):

* (وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) يعني بالنبيّ وبالأئمّة والقائم من آل محمّد (إِنَّهُ عليّمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(2)، ثمّ قال: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ...) إلي قوله: (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) يعني الذين قالوا: القول ما قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم(3).

(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ):

* حدَّثنا جعفر بن أحمد، قال: حدَّثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم، عن محمّد بن علي، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: ((وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) يعني: القائم عليه السلام وأصحابه (فَأُولئِكَ ما عليهم مِنْ سَبِيلٍ) والقائم إذا قام انتصر(4) من بني أميّة ومن المكذّبين والنصّاب هو وأصحابه، وهو قول الله: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَي الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) وقوله: (تَرَي الظَّالِمِينَ) آل محمّد حقّهم (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) وعلي

ص: 56


1- تفسير القمي 2: 267.
2- الشوري: 24.
3- تفسير القمي 2: 275.
4- أي انتقم منهم.

عليه السلام هو العذاب في هذا الوجه(1) (يَقُولُونَ هَلْ إِلي مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) فنوالي علياً عليه السلام (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عليها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ) لعلي (يَنْظُرُونَ) إلي علي، (مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا) يعني آل محمّد وشيعتهم (إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ) آل محمّد حقّهم (فِي عَذابٍ مُقِيمٍ))، قال: (والله يعني: النصّاب الذين نصبوا العداوة لعلي وذرّيته عليهم السلام والمكذّبين (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ)(2))(3).

(لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً):

* (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(4) يعني هؤلاء الذين كانوا بمكّة من المؤمنين والمؤمنات، يعني: لو زالوا عنهم وخرجوا من بينهم (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً).

حدَّثنا أحمد بن علي، قال: حدَّثنا الحسين بن عبد الله السعدي، قال: حدَّثنا الحسن بن موسي الخشاب، عن عبد الله بن الحسين، عن بعض أصحابه، عن فلان الكرخي، قال: قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام : ألم يكن علي قويّاً في بدنه، قويّاً في أمر الله؟

قال له أبو عبد الله عليه السلام : (بلي!).

قال له: فما منعه أن يدفع أو يمتنع؟

ص: 57


1- أي هو وجه العذاب، (ج. ز).
2- الشوري: 41 - 46.
3- تفسير القمي 2: 278.
4- الفتح: 25.

قال: (قد سألت فافهم الجواب، منع علياً من ذلك آية من كتاب الله).

فقال: وأيّ آية؟

فقرأ: ((لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) إنَّه كان لله ودايع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن علي عليه السلام ليقتل الآباء حتَّي يخرج الودايع، فلمَّا خرج ظهر علي من ظهر وقتله، وكذلك قائمنا أهل البيت لم يظهر أبداً حتَّي تخرج ودايع الله، فإذا خرجت يظهر علي من يظهر فيقتله)(1).

(وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ):

* قوله: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) قال: ينادي المنادي باسم القائم عليه السلام واسم أبيه عليه السلام، قوله: (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)(2) قال: صيحة القائم من السماء، (ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) قال: هي الرجعة.

حدَّثنا أحمد بن إدريس، قال: حدَّثنا محمّد بن أحمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)، قال: (هي الرجعة).

قال علي بن إبراهيم في قوله: (يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرض عَنْهُمْ سِراعاً)(3) قال: في الرجعة(4).

ص: 58


1- تفسير القمي 2: 316.
2- ق: 41 و42.
3- ق: 44.
4- تفسير القمي 2: 327.

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ):

* (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) قال: قربت القيامة فلا يكون بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلاَّ القيامة، وقد انقضت النبوّة والرسالة، وقوله: (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)(1) فإنَّ قريشاً سألت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يُريهم آية، فدعا الله، فانشقَّ القمر بنصفين حتَّي نظروا إليه، ثمّ التأم، فقالوا: هذا سحر مستمرّ، أي: صحيح.

وروي أيضاً في قوله: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) قال: خروج القائم عليه السلام (2).

(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ):

* قوله: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ)(3)، قال: بالقائم من آل محمّد عليهم السلام، حتَّي إذا خرج يظهره الله علي الدين كلّه حتَّي لا يعبد غير الله، وهو قوله: (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).

(وَأُخْري تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ):

* في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلي تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)، فقالوا: لو نعلم ما هي لبذلنا فيها الأموال والأنفس والأولاد، فقال الله: (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ...) إلي قوله: (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

ص: 59


1- القمر: 1.
2- تفسير القمي 2: 340.
3- الصف: 8 .

* وَأُخْري تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ)(1) يعني: في الدنيا بفتح القائم وأيضاً قال: فتح مكّة(2).

(حتّي إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ):

* قوله: (حتي إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) قال: القائم وأمير المؤمنين عليه السلام في الرجعة (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً)(3) قال: هو قول أمير المؤمنين لزفر: (والله يا ابن صهاك! لولا عهد من رسول الله وكتاب من الله سبق لعلمت أيّنا أضعف ناصراً وأقلّ عدداً)، قال: فلمَّا أخبرهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ما يكون من الرجعة قالوا: متي يكون هذا؟ قال الله: (قُلْ) يا محمّد (إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً)(4).

وقوله: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً ...)(5) الخ، قال: يخبر الله رسوله الذي يرتضيه بما كان قبله من الأخبار وما يكون بعده من أخبار القائم عليه السلام والرجعة والقيامة(6).

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ):

* (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ)(7) قال: سُئل

ص: 60


1- الصف: 10 - 13.
2- تفسير القمي 2: 390.
3- الجن: 24.
4- الجن: 25.
5- الجن: 26.
6- تفسير القمي 2: 390.
7- المعارج: 1.

أبو جعفر عليه السلام عن معني هذا، فقال: (نار تخرج من المغرب، وملك يسوقها من خلفها حتَّي تأتي دار بني سعد بن همام عند مسجدهم، فلا تدع داراً لبني أميّة إلاَّ أحرقتها وأهلها، ولا تدع داراً فيها وتر لآل محمّد إلاَّ أحرقتها، وذلك المهدي عليه السلام)(1).

(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً):

* قال: حدَّثنا أبو العبّاس، قال: حدَّثنا يحيي بن زكريا، عن علي بن حسان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً)، قال: (الوحيد ولد الزنا وهو زفر (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) قال: أجلا إلي مدّة، (وَبَنِينَ شُهُوداً) قال: أصحابه الذين شهدوا أنَّ رسول الله لا يورث، (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) ملكه الذي ملكه مهَّده له، (ثمّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لآِياتِنا عَنِيداً)، قال: لولاية أمير المؤمنين عليه السلام جاحداً، عانداً لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيها، (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) فكر فيما أمر به من الولاية، وقدّر إن مضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن لا يسلم لأمير المؤمنين عليه السلام البيعة التي بايعه علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثمّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) قال: عذاب بعد عذاب يعذّبه القائم عليه السلام)(2).

(فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً):

* حدَّثنا جعفر بن أحمد بن عبيد الله بن موسي، عن الحسن بن علي، عن

ص: 61


1- تفسير القمي 2: 385.
2- تفسير القمي 2: 395.

ابن أبي حمزة، عن أبي بصير في قوله: (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ)(1) قال: ما له قوّة يقوي بها علي خالقه، ولا ناصر من الله ينصره إن أراد به سوءاً.

قلت: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً)؟

قال: كادوا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وكادوا علياً عليه السلام، وكادوا فاطمة عليها السلام، فقال الله: يا محمّد (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) يا محمّد (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً)(2) لوقت بعث القائم عليه السلام فينتقم لي من الجبّارين والطواغيت من قريش وبني أميّة وسائر الناس(3).

(وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّي):

* أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدَّثنا محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشي)(4)، قال: (الليل في هذا الموضع فلان غشي أمير المؤمنين في دولته التي جرت له عليه وأمير المؤمنين عليه السلام يصبر في دولتهم حتَّي تنقضي، قال: (وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّي)(5) قال: النهار هو القائم عليه السلام منّا أهل البيت، إذا قام غلب دولته الباطل، والقرآن ضرب فيه الأمثال للناس وخاطب الله نبيّه به ونحن، فليس يعلمه غيرنا)(6).

* * *

ص: 62


1- الطارق: 10.
2- الطارق: 15 - 17.
3- تفسير القمي 2: 416.
4- الليل: 1.
5- الليل: 2.
6- تفسير القمي 2: 425.

تفسير العيّاشي

تأليف: المحدِّث الجليل أبي النصر محمد بن مسعود ابن عيّاش السلمي السمرقندي المعروف بالعيّاشي

المتوفي سنة 320ه-

صحّحه وعلّق عليه: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي

ص: 63

ص: 64

* عن ميسر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (لو لا أنَّه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقّنا علي ذي حجي، ولو قد قام قائمنا فنطق صدَّقه القرآن)(1)(2).

* عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (ما نزلت آية علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلاَّ أقرأنيها وأملاها عليَّ، فأكتبها بخطّي، وعلَّمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، ودعا الله لي أن يعلّمني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علم إملائه عليَّ(3)، فكتبته منذ دعا لي بما دعا، وما ترك شيئاً علَّمه الله من حلالٍ ولا حرام ولا أمر ولا نهي، كان أو يكون، من طاعةٍ أو معصيةٍ، إلاَّ علَّمنيه وحفظته، فلم أنسَ منه حرفاً واحداً، ثمّ وضع يده علي صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكمةً ونوراً، لم أنسَ شيئاً، ولم يفتني شيء لم أكتبه.

فقلت: يا رسول الله، أوَ تخوَّفت عليَّ النسيان فيما بعد؟

فقال: لست أتخوَّف عليك نسياناً ولا جهلاً، وقد أخبرني ربّي أنَّه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.).

ص: 65


1- بحار الأنوار 19: 30؛ البرهان 1: 22؛ إثبات الهداة 3: 43 و44؛ وللمحدّث الحرّ العاملي رحمه الله في هذه الأخبار بيان فراجع وسيأتي.
2- تفسير العياشي 1: 13/ باب ما عني به الأئمّة من القرآن/ ح 6.
3- كذا، وفي الكافي وكمال الدين: (ولا علماً أملاه عليَّ).

فقلت: يا رسول الله، ومن شركائي من بعدي؟

قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبي فقال: الأوصياء منّي إلي أن يردوا علي الحوض، كلّهم هاد مهتد، لا يضرّهم من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه، بهم تنصر أمّتي، وبهم يمطرون، وبهم يدفع عنهم، وبهم استجاب دعائهم.

فقلت: يا رسول الله سمّهم لي.

فقال: ابني هذا - ووضع يده علي رأس الحسن عليه السلام -، ثمّ ابني هذا - ووضع يده علي رأس الحسين عليه السلام -، ثمّ ابن له يقال له: علي وسيولد في حياتك فاقرأه منّي السلام، تكملة اثني عشر من ولد محمّد.

فقلت له: بأبي أنت (واُمّي) فسمّهم لي، فسمّاهم رجلاً رجلاً، فيهم(1) والله يا أخا بني هلال مهدي أمّة محمّد صلي الله عليه وآله وسلم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والله إنّي لأعرف من يبايعه بين الركن والمقام، وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم)(2)(3).

(إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ...):

* عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سألته عن تفسير هذه الآية من قول الله: (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إبراهيم وَإسماعيل وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً)(4)، قال: (جرت في القائم عليه السلام)(5).

ص: 66


1- وفي نسخة البرهان: (منهم).
2- بحار الأنوار 26: 19؛ البرهان 1: 17؛ الصافي 1: 11.
3- تفسير العياشي 1: 15/ باب علم الأئمّة بالتأويل/ ح 2.
4- البقرة: 131.
5- تفسير العياشي 1: 61/ ح 102.

(فَاخْتَلَفَ الأَْحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ...):

* عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام يقول: (الزم الأرض لا تحركنَّ يدك ولا رجلك أبداً حتَّي تري علامات أذكرها لك في سنة، وتري منادياً ينادي بدمشق، وخسف بقرية من قُراها، ويسقط طائفة من مسجدها، فإذا رأيت الترك جازوها فأقبلت الترك حتَّي نزلت الجزيرة، وأقبلت الروم حتَّي نزلت الرملة، وهي سنة اختلاف في كلّ أرض من أرض العرب، وأنَّ أهل الشام يختلفون عند ذلك علي ثلاث رايات: الأصهب والأبقع والسفياني، ومن معه بني ذنب الحمار مضر، ومع السفياني أخواله من كلب، فيظهر السفياني ومن معه علي بني ذنب الحمار حتَّي يقتلوا قتلاً لم يقتله شيء قط، ويحضر رجل بدمشق فيقتل هو ومن معه قتلاً لم يقتله شيء قطّ وهو من بني ذنب الحمار، وهي الآية التي يقول الله تبارك وتعالي: (فَاخْتَلَفَ الأَْحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(1).

ويظهر السفياني ومن معه حتَّي لا يكون له همّة إلاَّ آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم وشيعتهم، فيبعث بعثاً إلي الكوفة، فيصاب باُناس من شيعة آل محمّد بالكوفة قتلاً وصلباً.

وتقبل راية من خراسان حتَّي تنزل ساحل الدجلة يخرج رجل من الموالي ضعيف ومن تبعه، فيصاب بظهر الكوفة، ويبعث بعثاً إلي المدينة فيقتل بها رجلاً، ويهرب المهدي والمنصور منها، ويؤخذ آل محمّد صغيرهم وكبيرهم لا يترك منهم أحد إلاَّ حُبس، ويخرج الجيش في

ص: 67


1- مريم: 37.

طلب الرجلين، ويخرج المهدي منها علي سُنّة موسي خائفاً يترقَّب حتَّي يقدم مكّة، ويقبل الجيش حتَّي إذا نزلوا البيداء وهو جيش الهملات(1) خسف بهم فلا يفلت منهم إلاَّ مخبر، فيقوم القائم بين الركن والمقام فيصلّي وينصرف ومعه وزيره.

فيقول: يا أيّها الناس إنّا نستنصر علي من ظلمنا وسلب حقّنا، من يحاجّنا في الله فأنا أولي بالله، ومن يحاجّنا في آدم فأنا أولي الناس بآدم، ومن حاجّنا في نوح فأنا أولي الناس بنوح، ومن حاجّنا في إبراهيم فأنا أولي الناس بإبراهيم، ومن حاجّنا بمحمّد فأنا أولي الناس بمحمّد صلي الله عليه وآله وسلم، ومن حاجّنا في النبيّين فأنا أولي الناس بالنبيّين، ومن حاجّنا في كتاب الله فنحن أولي الناس بكتاب الله، إنّا نشهد وكلّ مسلم اليوم إنّا قد ظُلمنا وطُردنا (2) وبُغي علينا واُخرجنا من ديارنا وأموالنا وأهالينا وقُهرنا، ألا إنّا نستنصر الله اليوم وكلّ مسلم.

ويجيء والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمكّة علي غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف(3) يتبع بعضهم بعضاً، وهي الآية التي قال الله: (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ)(4) فيقول رجل من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم وهي القرية الظالمة8.

ص: 68


1- الهلاك، (خ ل).
2- طرحنا، (خ ل).
3- قال الجزري في النهاية: ومنه حديث علي: (يجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف) أي قطع السحاب المتفرّقة، وإنَّما خصَّ الخريف لأنَّه أوّل الشتاء والسحاب يكون فيه متفرّقاً غير متراكم ولا مطبق، ثمّ يجتمع بعضه إلي بعض بعد ذلك.
4- البقرة: 148.

أهلها، ثمّ يخرج من مكّة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه، ووزيره معه، فينادي المنادي بمكّة باسمه وأمره من السماء حتَّي يسمعه أهل الأرض كلّهم، اسمه اسم نبيّ، ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبيّ الله صلي الله عليه وآله وسلم ورايته وسلاحه، والنفس الزكية من ولد الحسين، فإن أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه وأمره، وإيّاك وشذاذ من آل محمّد، فإنَّ لآل محمّد وعلي راية ولغيرهم رايات، فالزم الأرض ولا تتَّبع منهم رجلاً أبداً حتَّي تري رجلاً من ولد الحسين، معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه، فإنَّ عهد نبيّ الله صار عند علي بن الحسين، ثمّ صار عند محمّد بن علي، ويفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء أبداً وإيّاك ومن ذكرت لك، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، ومعه راية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، عامداً إلي المدينة حتَّي يمرَّ بالبيداء، حتَّي يقول هكذا(1) مكان القوم الذين يخسف بهم، وهي الآية التي قال الله: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرض أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ)(2) فإذا قدم المدينة أخرج محمّد بن الشجري علي سُنّة يوسف، ثمّ يأتي الكوفة فيطيل بها المكث ما شاء الله أن يمكث حتَّي يظهر عليها.

ثمّ يسير حتَّي يأتي العذراء(3) هو ومن معه وقد لحق به ناس كثير، والسفياني يومئذٍ بوادي الرملة، حتَّي إذا التقوا وهم يوم الأبدال يخرج).

ص: 69


1- وفي نسخة بحار الأنوار: (هذا)، وهو الظاهر.
2- النحل: 45.
3- وفي البرهان: (البيداء).

اُناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمّد، ويخرج ناس كانوا مع آل محمّد إلي السفياني فهم من شيعته حتَّي يلحقوا بهم، ويخرج كلّ ناس إلي رايتهم، وهو يوم الأبدال.

قال أمير المؤمنين عليه السلام : ويقتل يومئذٍ السفياني ومن معه حتَّي لا يترك منهم مخبر، والخائب يومئذٍ من خاب من غنيمة كلب، ثمّ يقبل إلي الكوفة فيكون منزله بها، فلا يترك عبداً مسلماً إلاَّ اشتراه وأعتقه، ولا غارماً إلاَّ قضي دينه، ولا مظلمة لأحد من الناس إلاَّ ردّها، ولا يقتل منهم عبد إلاَّ أدّي ثمنه دية مسلّمة إلي أهلها، ولا يقتل قتيل إلاَّ قضي عنه دينه، وألحق عياله في العطاء، حتَّي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً، ويسكن هو وأهل بيته الرحبة، والرحبة إنَّما كانت مسكن نوح وهي أرض طيبة ولا يسكن رجل من آل محمّد عليهم السلام ولا يقتل إلاَّ بأرض طيبة زاكية، فهم الأوصياء الطيّبون)(1)(2).

(أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً):

* عن أبي سمينة، عن مولي لأبي الحسن، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوله: (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً) قال: (وذلك والله أن لو قد قام قائمنا يجمع الله إليه شيعتنا من جميع البلدان)(3)(4).

* عن المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : (إذا أوذن(5)

ص: 70


1- بحار الأنوار 13: 160 و161؛ البرهان 1: 163 و164؛ ورواه المحدّث الحرّ العاملي رحمه الله في كتاب إثبات الهداة 7: 94 عن هذا الكتاب مختصراً.
2- تفسير العياشي 1: 64/ ح 117.
3- بحار الأنوار 13: 176؛ إثبات الهداة 7: 94؛ البرهان 16: 31؛ الصافي 1: 150.
4- تفسير العياشي 1: 66/ ح 188.
5- كذا، وفي الغيبة للنعماني وبحار الأنوار: (أذن).

الإمام دعا الله باسمه العبراني الأكبر فانتحيت له(1) أصحابه الثلاثمائة والثلاثة عشر قزعاً كقزع الخريف، وهم أصحاب الولاية، ومنهم من يفتقد من فراشه ليلاً فيصبح بمكّة، ومنهم من يُري يسير في السحاب نهاراً يعرف باسمه واسم أبيه وحسبه ونسبه).

قلت: جُعلت فداك، أيُّهم أعظم إيماناً؟

قال: (الذي يسير في السحاب نهاراً وهم المفقودون، وفيهم نزلت هذه الآية: (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً)(2))(3)(4).

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ):

* عن الثمالي، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ)(5)، قال: (ذلك جوع خاصّ وجوع عام، فأمّا بالشام فإنَّه عام، وأمَّا الخاصّ بالكوفة يخصّ ولا يعمّ، ولكنَّه يخصّ بالكوفة أعداء آل محمّد عليه الصلاة والسلام فيهلكهم الله بالجوع، وأمَّا الخوف فإنَّه عام بالشام، وذاك الخوف إذا قام القائم عليه السلام، وأمَّا الجوع فقبل قيام القائم عليه السلام، وذلك قوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ))(6)(7).

ص: 71


1- انتحي الرجل: قصده.
2- البقرة: 148.
3- بحار الأنوار 13: 195؛ البرهان 1: 163.
4- تفسير العياشي 1: 66/ ح 119.
5- البقرة: 155.
6- بحار الأنوار 13: 162؛ البرهان 1: 168؛ إثبات الهداة 7: 432.
7- تفسير العياشي: 68/ ح 125.

* عن حمّاد بن عثمان، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : (لا يخرج القائم عليه السلام في أقلّ من الفئة، ولا يكون الفئة أقلّ من عشرة آلاف)(1)(2).

(كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ):

* عن المفضَّل بن محمّد الجعفي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله: (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ)(3) قال: (الحبّة فاطمة صلّي الله عليها، والسبع السنابل من ولدها سابعهم قائمهم)، قلت: الحسن؟ قال: (إنَّ الحسن إمام من الله مفترض طاعته، ولكن ليس من السنابل السبعة، أوّلهم الحسين وآخرهم القائم)، فقلت: قوله: (فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ)، قال: (يولد الرجل منهم في الكوفة مائة من صلبه، وليس ذاك إلاَّ هؤلاء السبعة)(4)(5).

(هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ):

* عن سيف، عن نجم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّ فاطمة عليها السلام ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت والعجين والخبز، وقمَّ البيت(6) وضمن لها علي عليه السلام ما كان خلف الباب من نقل الحطب وأن يجيء بالطعام، فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟

ص: 72


1- إثبات الهداة 7: 95؛ البرهان 1: 237.
2- تفسير العياشي 1: 134/ ح 444.
3- البقرة: 261.
4- البرهان 1: 253؛ وأخرجه المحدّث الحرّ العاملي رحمه الله في كتاب إثبات الهداة 7: 95 عن هذا الكتاب مختصراً ثمّ قال ما لفظه: أقول: (هؤلاء السبعة من جملة الاثني عشر وليس فيه إشعار بالحصر كما هو واضح، ولعلَّ السابع من الصادق عليه السلام ؛ لأنَّه هو المتكلّم بهذا الكلام) انتهي.
5- تفسير العياشي 1: 147/ ح 480.
6- قمَّ البيت: كنسه.

قالت: لا والذي عظم حقّك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيّام شيء نقريك به، قال: أفلا أخبرتني؟

قالت: كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نهاني أن أسألك شيئاً، فقال: لا تسألي ابن عمّك شيئاً، إن جاءك بشيء عفواً وإلاَّ فلا تسأليه.

قال: فخرج الإمام عليه السلام فلقي رجلاً فاستقرض منه ديناراً، ثمّ أقبل به وقد أمسي، فلقي مقداد بن الأسود، فقال للمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة؟

قال: الجوع والذي عظم حقّك يا أمير المؤمنين).

قال: قلت لأبي جعفر: ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حيّ؟

قال: (ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حيّ، قال: فهو أخرجني وقد استقرضت ديناراً وسأوثرك به.

فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جالساً وفاطمة تصلّي وبينهما شيء مغطّي، فلمَّا فرغت أحضرت ذلك الشيء فإذا جفنة من خبز ولحم، قال: يا فاطمة أنّي لك هذا؟

قالت: (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(1).

فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ألا اُحدّثك بمثلك ومثلها؟

قال: بلي، قال: مثل زكريا إذ دخل علي مريم المحراب فوجد عندها رزقاً، قال: يا مريم أنّي لك هذا؟

قالت: (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)، فأكلوا منها شهراً، وهي الجفنة التي يأكل منها القائم عليه السلام، وهي عندنا)(2)(3).1.

ص: 73


1- آل عمران: 37.
2- بحار الأنوار 5: 317؛ البرهان 1: 282؛ الصافي 1: 259.
3- تفسير العياشي 1: 172/ ح 41.

(وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأرض طَوْعاً وَكَرْهاً):

* عن رفاعة بن موسي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأرض طَوْعاً وَكَرْهاً)(1)، قال: (إذا قام القائم عليه السلام لا يبقي أرض إلاَّ نودي فيها بشهادة أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمّداً رسول الله)(2)(3).

* عن ابن بكير، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوله: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأرض طَوْعاً وَكَرْهاً)، قال: (اُنزلت في القائم عليه السلام إذا خرج باليهود والنصاري والصابئين والزنادقة وأهل الردّة والكفّار في شرق الأرض وغربها، فعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتَّي لا يبقي في المشارق والمغارب أحد إلاَّ وحَّد الله).

قلت له: جُعلت فداك، إنَّ الخلق أكثر من ذلك؟

فقال: (إنَّ الله إذا أراد أمراً قلَّل الكثير وكثَّر القليل)(4)(5).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً):

* عن جابر الجعفي، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام في حديث له طويل: (يا جابر، أوّل الأرض المغرب تخرب أرض الشام، يختلفون عند ذلك علي رايات ثلاث: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني، فيلقي السفياني الأبقع ويقتلون فيقتله ومن معه، وراية الأصهب، ثمّ لا يكون لهم همّ إلاَّ الإقبال نحو

ص: 74


1- آل عمران: 83 .
2- بحار الأنوار 13: 188؛ إثبات الهداة 7: 96؛ البرهان 1: 296؛ الصافي 1: 276.
3- تفسير العياشي 1: 183/ ح 81 .
4- بحار الأنوار 13: 188؛ إثبات الهداة 7: 96؛ البرهان 1: 296؛ الصافي 1: 276.
5- تفسير العياشي 1: 183/ ح 82 .

العراق، ويمرّ جيشه بقرقيسا(1) فيقتلون بها مائة ألف من الجبّارين، ويبعث السفياني جيشاً إلي الكوفة، وعدّتهم سبعون ألف، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوي المنازل طيّاً حثيثا(2)، ومعهم نفر من أصحاب القائم عليه السلام، يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعفاء فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة، ويبعث السفياني بعثاً إلي المدينة، فيفرّ المهدي عليه السلام منها إلي مكّة، فيبلغ أمير جيش السفياني أنَّ المهدي قد خرج من المدينة، فيبعث جيشاً علي أثره فلا يدركه حتَّي يدخل مكّة خائفاً يترقَّب علي سُنّة موسي بن عمران)، قال: (وينزل جيش أمير السفياني البيداء، فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء أبيدي بالقوم، فيخسف بهم البيداء، فلا يفلت منهم(3) إلاَّ ثلاثة نفر، يحوّل الله وجوههم في أقفيتهم وهم من كلب، وفيهم أنزلت هذه الآية: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقا (4)) يعني القائم عليه السلام (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلي أَدْبارِها)(5))(6)(7).

(قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عليّنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلي أَجَلٍ قَرِيبٍ):

* عن إدريس مولي لعبد الله بن جعفر، عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير هذه الآية: (أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) (مع الحسن (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا

ص: 75


1- قرقيسا: بلد علي الفرات سُمّي بقرقيسا بن طهمورث.
2- الحثيث: السريع.
3- أي: لا يخلص منهم.
4- في المصدر: (بما أنزلنا علي عبدنا)، وأثبتنا ما في المصادر الأخري، وهي الأصحّ.
5- النساء: 47.
6- بحار الأنوار 13: 136.
7- تفسير العياشي 1: 244/ ح 147.

الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عليهم الْقِتالُ) مع الحسين (قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عليّنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلي أَجَلٍ قَرِيبٍ) إلي خروج القائم عليه السلام فإنَّ معه النصر والظفر، قال الله: (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالآْخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقي ...)(1) الآية)(2)(3).

* عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (والله الذي صنعه الحسن بن علي عليه السلام كان خيراً لهذه الأمّة ممَّا طلعت عليه الشمس، والله لفيه نزلت هذه الآية: (أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) إنَّما هي طاعة الإمام فطلبوا القتال (فَلَمَّا كُتِبَ عليهم الْقِتالُ) مع الحسين (قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عليّنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلي أَجَلٍ قَرِيبٍ)(4) وقوله: (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلي أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ)(5) أرادوا تأخير ذلك إلي القائم عليه السلام)(6)(7).

(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً):

* عن محمّد بن إسماعيل الرازي، عن رجل سمّاه، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: دخل رجل علي أبي عبد الله فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين.

فقام علي قدميه فقال: (مَهْ، هذا اسم لا يصلح إلاَّ لأمير المؤمنين عليه السلام، الله سمّاه به، ولم يسمَّ به أحد غيره فرضي به إلاَّ كان منكوحاً،

ص: 76


1- النساء: 77.
2- البرهان 1: 395؛ بحار الأنوار 10: 150؛ الصافي 1: 372.
3- تفسير العياشي 1: 257/ ح 195.
4- النساء: 77.
5- إبراهيم: 44.
6- بحار الأنوار 10: 150؛ البرهان 1: 395.
7- تفسير العياشي 1: 258/ ح 196.

وإن لم يكن به ابتلي به، وهو قول الله في كتابه: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً)(1)).

قال: قلت: فماذا يدعي به قائمكم؟

قال: (يقال له: السلام عليك يا بقية الله، السلام عليك يا ابن رسول الله)(2)(3).

(الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ):

* عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال: قال أبو جعفر عليه السلام في هذه الآية: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ)(4): (يوم يقوم القائم عليه السلام يئس بنو أميّة، فهم الذين كفروا يئسوا من آل محمّد عليهم السلام)(5)(6).

* خيثمة الجعفي، عن أبي لبيد المخزومي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام : (يا أبا لبيد إنَّه يملك من ولد العبّاس اثنا عشر، يقتل بعد الثامن منهم أربعة فتصيب أحدهم الذبحة(7) فتذبحه، هم فئة قصيرة أعمارهم، قليلة مدّتهم، خبيثة سيرتهم(8) منهم الفويسق الملقَّب بالهادي، والناطق، والغاوي، يا أبا لبيد إنَّ في حروف القرآن المقطعة لعلماً جمَّاً، إنَّ الله

ص: 77


1- النساء: 117.
2- البرهان 1: 416.
3- تفسير العياشي 1: 276/ ح 274.
4- المائدة: 3.
5- البرهان 1: 444.
6- تفسير العياشي 1: 292/ ح 19.
7- الذبحة - كهمزة -: وجع في الحلق من الدم، وقيل: قرحة تظهر فيه فتنسد معها وينقطع النفس ويسمّي بالخناق.
8- كذا في النسخ، واستظهر في هامش نسخة العلاّمة المحدّث النوري رحمه الله أنَّ الأصل: (سريرتهم).

تبارك وتعالي أنزل: (الم * ذلِكَ الْكِتابُ)(1)، فقام محمّد صلي الله عليه وآله وسلم حتَّي ظهر نوره وثبت كلمته، وولد يوم ولد، وقد مضي من الألف السابع مأة سنة وثلاث سنين)، ثمّ قال: (وتبيانه في كتاب الله (في) الحروف المقطعة إذا عددتها من غير تكرار، وليس من حروف مقطعة حرف ينقضي أيّام (الأيّام خ ل) إلاَّ وقائم من بني هاشم عند انقضائه)، ثمّ قال: (الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فذلك مأة وإحدي وستّون، ثمّ كان بدو خروج الحسين بن علي عليه السلام (الم * اللَّهُ)(2)، فلمَّا بلغت مدَّته قام قائم ولد العبّاس عند (المص)(3)، ويقوم قائمنا عند انقضائها ب- (الر) فافهم ذلك وعِهِ واكتمه)(4)(5).

(إِنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ):

* عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (وجدنا في كتاب علي عليه السلام : (إِنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، وأنا وأهل بيتي الذين أورثنا (الله) الأرض، ونحن المتّقون، والأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فعمَّرها فليؤدّ خراجها إلي الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها وأخربها بعدما عمَّرها، فأخذها رجل من المسلمين بعده فعمَّرها وأحياها فهو أحقّ بها(6) من الذي تركها

ص: 78


1- البقرة: 1 و2.
2- آل عمران: 1 و2.
3- الأعراف: 1.
4- بحار الأنوار 19: 94؛ البرهان 2: 3؛ الصافي 1: 57.
5- تفسير العياشي 2: 3/ ح 3.
6- في المصدر وبحار الأنوار: (به)، وأثبتنا ما في المصادر الأخري.

فليؤدّ خراجها إلي الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها حتَّي يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف، فيحوزها ويمنعها ويخرجهم عنها كما حواها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومنعها إلاَّ ما كان في أيدي شيعتنا، فإنَّه يقاطعهم ويترك الأرض في أيديهم)(1)(2).

(يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ):

* عن جابر، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن تفسير هذه الآية في قول الله: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ)(3)، قال أبو جعفر عليه السلام : (تفسيرها في الباطن يريد الله، فإنَّه شيء يريده ولم يفعله بعد، وأمَّا قوله: (يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) فإنَّه يعني يحقّ حقّ آل محمّد، وأمَّا قوله: (بِكَلِماتِهِ))، قال: (كلماته في الباطن علي هو كلمة الله في الباطن، وأمَّا قوله: (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) فهم بنو أميّة، هم الكافرون يقطع الله دابرهم، وأمَّا قوله: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ) فإنَّه يعني ليحقّ حقّ آل محمّد حين يقوم القائم عليه السلام، وأمَّا قوله: (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) يعني: القائم، فإذا قام يبطل باطل بني أميّة، وذلك قوله: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)(4))(5)(6).

ص: 79


1- بحار الأنوار 21: 107؛ البرهان 2: 28؛ الصافي 1: 604.
2- تفسير العياشي 2: 25/ ح 66.
3- الأنفال: 7.
4- الأنفال: 8 .
5- بحار الأنوار 7: 127؛ البرهان 2: 68؛ ونقله المحدّث الحرّ العاملي رحمه الله في إثبات الهداة 7: 98 مختصراً عن هذا الكتاب.
6- تفسير العياشي 2: 50/ ح 24.

(وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً):

* عن زرارة، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام (1): (سُئل أبي عن قول الله: (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً)(2)، (حتّي لا تَكُونَ فِتْنَةٌ (3) وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)(4)، فقال: إنَّه (تأويل) لم يجئ تأويل هذه الآية، ولو قد قام قائمناً بعده سيري من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية، وليبلغنَّ دين محمّد صلي الله عليه وآله وسلم ما بلغ الليل حتَّي لا يكون شرك (مشرك خ ل) علي ظهر الأرض كما قال الله)(5)(6).

(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ):

* عن عبد الأعلي الجبلي (الحلبي خ ل)، قال: قال أبو جعفر عليه السلام : (يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب - ثمّ أومأ بيده إلي ناحية ذي طوي - حتَّي إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهي المولي الذي يكون بين يديه حتَّي يلقي بعض أصحابه، فيقول: كم أنتم هاهنا؟

فيقولون: نحو من أربعين رجلاً.

فيقول: كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم؟

ص: 80


1- وفي نسخة البرهان رواه عن أبي جعفر عليه السلام.
2- التوبة: 36.
3- وفي نسخة: (مشرك)، وفي آخر: (شرك)، وفي ثالث: (مشركاً) بدل (فتنة).
4- الأنفال: 39.
5- البرهان 2: 81؛ الصافي 1: 667 وزاد فيه بعد قوله: كما قال الله: ((يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)). ونقله المحدّث الحرّ العاملي في كتاب إثبات الهداة 7: 99 عن هذا الكتاب أيضاً.
6- تفسير العياشي 2: 56/ ح 48.

فيقولون: والله لو يأوي بنا الجبال لآويناها معه.

ثمّ يأتيهم من القابلة (القابل خ) فيقول لهم: أشيروا إلي ذوي أسنانكم وأخياركم عشيرة، فيشيرون له إليهم، فينطلق بهم حتَّي يأتون صاحبهم، ويعدّهم إلي الليلة التي تليها).

ثمّ قال أبو جعفر: (والله لكأنّي أنظر إليه وقد أسند ظهره إلي الحجر، ثمّ ينشد الله حقّه، ثمّ يقول: يا أيّها الناس من يحاجّني في الله فأنا أولي الناس بالله، ومن يحاجّني في آدم فأنا أولي الناس بآدم، يا أيّها الناس من يحاجّني في نوح فأنا أولي الناس بنوح، يا أيّها الناس من يحاجّني في إبراهيم فأنا أولي بإبراهيم، يا أيّها الناس من يحاجّني في موسي فأنا أولي الناس بموسي، يا أيّها الناس من يحاجّني في عيسي فأنا أولي الناس بعيسي، يا أيّها الناس من يحاجّني في محمّد فأنا أولي الناس بمحمّد صلي الله عليه وآله وسلم، يا أيّها الناس من يحاجّني في كتاب الله فأنا أولي (الناس)(1) بكتاب الله، ثمّ ينتهي إلي المقام فيصلّي (عنده) ركعتين، ثمّ ينشد الله حقّه).

قال أبو جعفر عليه السلام : (هو والله المضطر في كتاب الله، وهو قول الله: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأرض)(2) وجبرئيل علي الميزاب في صورة طاير أبيض، فيكون أوّل خلق الله يبايعه جبرئيل، ويبايعه الثلاثمائة والبضعة عشر(3) رجلاً).

قال: قال أبو جعفر عليه السلام : (فمن ابتلي في المسير وافاه في تلك الساعة، ومن لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه)، ثمّ قال: (هو والله قول علي).

ص: 81


1- ما بين المعقوفتين أثبتناه من بحار الأنوار.
2- النمل: 62.
3- في المصدر: (العشر).

بن أبي طالب عليه السلام : (المفقودون عن فرشهم)، وهو قول الله: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً)(1) أصحاب القائم الثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً)، قال: (هم والله الأمّة المعدودة التي قال الله في كتابه: (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)(2))، قال: (يجمعون في ساعة واحدة قزعاً كقزع الخريف، فيصبح بمكّة فيدعو الناس إلي كتاب الله وسُنّة نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم، فيجيبه نفر يسير، ويستعمل علي مكّة، ثمّ يسير، فيبلغه أن قد قتل عامله، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة لا يزيد علي ذلك شيئاً يعني السبي.

ثمّ ينطلق فيدعو الناس إلي كتاب الله وسُنّة نبيّه عليه وآله السلام، والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام، والبرائة من عدوّه، ولا يسمّي أحداً حتَّي ينتهي إلي البيداء، فيخرج إليه جيش السفياني، فيأمر الله الأرض فيأخذهم من تحت أقدامهم، وهو قول الله: (وَلَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ * وَقالُوا آمَنَّا بِهِ)(3) يعني بقائم آل محمّد (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ) يعني بقائم آل محمّد إلي آخر السورة، ولا يبقي منهم إلاَّ رجلان يقال لهما: وتر ووتير من مراد، وجوههما في أقفيتهما يمشيان القهقري، يخبران الناس بما فعل بأصحابهما، ثمّ يدخل المدينة فتغيب عنهم عند ذلك قريش، وهو قول علي بن أبي طالب عليه السلام : (والله لودَّت قريش أنَّ عندها موقفاً واحداً جزر جزور بكلّ ما ملكت وكلّ ما طلعت عليه الشمس أو غربت)، ثمّ يحدث حدثاً، فإذا هو فعل ذلك، قالت3.

ص: 82


1- البقرة: 148.
2- هود: 8 .
3- سباء: 51 - 53.

قريش: أخرجوا بنا إلي هذه الطاغية، فوَالله أن لو كان محمّديّاً ما فعل، ولو كان علويّاً ما فعل، ولو كان فاطميّاً ما فعل، فيمنحه الله أكتافهم، فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية، ثمّ ينطلق حتَّي ينزل الشقرة(1) فيبلغه أنَّهم قد قتلوا عامله فيرجع إليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحَرّة إليها بشيء، ثمّ ينطلق يدعو الناس إلي كتاب الله وسُنّة نبيّه والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة من عدوّه، حتَّي إذا بلغ إلي الثعلبية(2) قام إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشدّ الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه، ما خلا صاحب هذا الأمر، فيقول: يا هذا ما تصنع؟ فوَالله إنَّك لتجفل الناس إجفال النعم(3) أفبعهد من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أم بماذا؟

فيقول المولي الذي ولي البيعة: والله لتسكننَّ أو لأضربنَّ الذي فيه عيناك، فيقول له القائم عليه السلام : اسكت يا فلان، أي والله إنَّ معي عهداً من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، هات لي يا فلان العيبة(4) أو الطيبة(5) أو الزنفليجة(6) فيأتيه بها فيقرأه العهد من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

فيقول: جعلني الله فداك أعطني رأسك أقبّله، فيعطيه رأسه فيقبّله بين عينيه، ثمّ يقول: جعلني الله فداك جدّد لنا بيعة، فيجدّد لهم بيعة).ب.

ص: 83


1- موضع في الحجاز.
2- من منازل طريق مكّة من الكوفة، وفي وجه تسمية الموضع خلاف ذكره الحموي في المعجم، فراجع.
3- جفل الطير عن المكان: طردها. وأجفلت الريح التراب: أي أذهبته وطيّرته.
4- العيبة: ما يجعل فيه الثياب.
5- كذا في الأصل وفي نسخة البرهان: (الطبقة) ولم أظفر فيه ولا فيما يضاهيه في الكتابة في اللغة علي معني يناسب المقام، وقد خلت نسخة بحار الأنوار من اللفظة رأساً.
6- الزنفليجة: شبه الكنف، وهو وعاء أدوات الراعي، فارسي معرب.

قال أبو جعفر عليه السلام : (لكأنّي أنظر إليهم مصعدين من نجف الكوفة ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، كأنَّ قلوبهم زبر الحديد، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، يسير الرعب أمامه شهراً وخلفه شهراً، أمدَّه الله بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين، حتَّي إذا صعد النجف قال لأصحابه: تعبّدوا ليلتكم هذه، فيبيتون بين راكع وساجد يتضرَّعون إلي الله، حتَّي إذا أصبح قال: خذوا بنا طريق النخيلة(1) وعلي الكوفة جند مجنَّد).

قلت: جند مجنَّد(2)؟

قال: (أي والله حتَّي ينتهي إلي مسجد إبراهيم عليه السلام بالنخيلة، فيصلّي فيه ركعتين، فيخرج إليه من كان بالكوفة من مرجئها وغيرهم من جيش السفياني، فيقول لأصحابه: استطردوا لهم، ثمّ يقول: كروا عليهم).

قال أبو جعفر عليه السلام : (ولا يجوز والله الخندق منهم مخبر، ثمّ يدخل الكوفة، فلا يبقي مؤمن إلاَّ كان فيها أو حنَّ إليها(3) وهو قول أمير المؤمنين علي عليه السلام .

ثمّ يقول لأصحابه: سيروا إلي هذه الطاغية، فيدعوه إلي كتاب الله وسُنّة نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم، فيعطيه السفياني من البيعة سلماً، فيقول له كلب - وهم أخواله -: (ما) هذا ما صنعت؟ والله ما نبايعك علي هذا أبداً.ه.

ص: 84


1- النخيلة - تصغير نخلة -: موضع قرب الكوفة علي سمت الشام، وهو الموضع الذي خرج إليه علي عليه السلام لمَّا بلغه ما فعل بالأنبار من قبل.
2- جند مجنَّد: أي مجموع. وقد اختلفت النسخ هيهنا، ففي نسخة: (خندق مخندق)، وفي أخري: (جند مجنَّد)، وفي ثالثة: (جنة مجنة)، ولعلَّ الظاهر ما اخترناه ثمّ الثاني.
3- حنَّ إليه: اشتاق إليه.

فيقول: ما أصنع؟

فيقولون: استقبله، فيستقبله، ثمّ يقول له القائم عليه السلام : خذ حذرك(1) فإنَّني أدَّيت إليك وأنا مقاتلك.

فيصبح فيقاتلهم، فيمنحه الله أكتافهم. ويأخذ السفياني أسيراً، فينطلق به ويذبحه بيده، ثمّ يرسل جريدة خيل(2) إلي الروم فيستحضرون بقية بني أميّة، فإذا انتهوا إلي الروم قالوا: أخرجوا إلينا أهل ملَّتنا عندكم، فيأبون ويقولون: والله لا نفعل، فيقول الجريدة: والله لو اُمرنا لقاتلناكم.

ثمّ ينطلقون إلي صاحبهم فيعرضون ذلك عليه، فيقول: انطلقوا فأخرجوا إليهم أصحابهم، فإنَّ هؤلاء قد أتوا بسلطان (عظيم)، وهو قول الله: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلي ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ))، قال: (يعني الكنوز التي كنتم تكنزون، (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ * فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حتّي جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ)(3) لا يبقي منهم مخبر ثمّ يرجع إلي الكوفة فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً إلي الآفاق كلّها، فيمسح بين أكتافهم وعلي صدورهم، فلا يتعايون(4) في فضاء، ولا تبقي أرض إلاَّ نودي فيها شهادة أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له وأنَّ محمّداً رسول الله، وهوه.

ص: 85


1- الحذر: التحرّز ومجانبة الشيء خوفاً منه، وقالوا في تفسير قوله تعالي: (خُذُوا حِذْرَكُمْ) أي خذوا طريق الاحتياط واسلكوه واجعلوا الحذر ملكة في دفع ضرر الأعداء عنكم والحذر والحذر بمعني واحد كالأثر والأثر.
2- الجريدة: خيل لا رجالة فيها.
3- الأنبياء: 12 - 15.
4- تعاياه الأمر: أعجزه.

قوله: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(1) ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وهو قول الله: (وَقاتِلُوهُمْ حتّي لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)(2)).

قال أبو جعفر عليه السلام : (يقاتلون والله حتَّي يوحَّد الله ولا يشرك به شيئاً، وحتَّي تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولا ينهاها أحد، ويخرج الله من الأرض بذرها، وينزل من السماء قطرها، ويخرج الناس خراجهم علي رقابهم إلي المهدي عليه السلام، ويوسَّع الله علي شيعتنا، ولولا ما يدركهم (ينجز لهم خ ل) من السعادة لبغوا، فبينا صاحب هذا الأمر قد حكم ببعض الأحكام وتكلَّم ببعض السُنن، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه، فيقول لأصحابه: انطلقوا فتلحقوا بهم في التمارين، فيأتونه بهم أسري ليأمر بهم فيذبحون، وهي آخر خارجة تخرج علي قائم آل محمّد عليه السلام)(3)(4).

(وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَي النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَْكْبَرِ):

* عن جابر، عن (جعفر بن محمّد و) أبي جعفر عليه السلام في قول الله: (وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَي النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَْكْبَرِ)(5)، قال: (خروج القائم وأذان دعوته إلي نفسه)(6)(7).

ص: 86


1- آل عمران: 83 .
2- الأنفال: 39.
3- بحار الأنوار 3: 188 و189؛ البرهان 2: 81 - 83؛ ونقله المحدّث الحرّ العاملي في كتابه إثبات الهداة 7: 99 عن هذا الكتاب مختصراً.
4- تفسير العياشي 2: 56/ ح 49.
5- التوبة: 3.
6- البرهان 2: 102؛ إثبات الهداة 7: 99.
7- تفسير العياشي 2: 76/ ح 15.

* عن يزيد بن عبد الملك، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّه لن يغضب لله شيء كغضب الطلح والسدر، إنَّ الطلح كانت كالاترج، والسدر كالبطيخ، فلمَّا قالت اليهود: يد الله مغلولة نقصا حملهما فصغر فصار له عجم، واشتدَّ العجم، فلمَّا أن قالت النصاري: المسيح ابن الله أذعرتا فخرج لهما هذا الشوك ونقصتا حملهما، وصار الشوك إلي هذا الحمل، وذهب حمل الطلح، فلا يحمل حتَّي يقوم قائمنا (إن تقوم الساعة)، ثمّ) قال: (من سقي طلحة أو سدرة فكأنَّما سقي مؤمناً من ظمأ)(1)(2).

(لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ):

* عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(3)، قال: (إذا خرج القائم لم يبقَ مشرك بالله العظيم ولا كافر إلاَّ كره خروجه)(4)(5).

(الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ...):

* عن معاذ بن كثير صاحب الأكسية، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام قال: (موسَّع علي شيعتنا أن ينفقوا ممَّا في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرَّم علي كلّ ذي كنز كنزه حتَّي يأتيه فيستعين به علي عدوّه،

ص: 87


1- بحار الأنوار 4: 59؛ البرهان 2: 120.
2- تفسير العياشي 2: 86/ ح 44.
3- التوبة: 33.
4- بحار الأنوار 13: 190؛ البرهان 2: 121؛ الصافي 1: 697؛ إثبات الهداة 7: 99.
5- تفسير العياشي 2: 87/ ح 52.

وذلك قول الله: (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(1))(2)(3).

* عن الحسين بن علوان، عمَّن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (المؤمن، كان عنده من ذلك شيء ينفقه علي عياله ما شاء، ثمّ إذا قام القائم فيحمل إليه ما عنده، فما بقي من ذلك يستعين به علي أمره، فقد أدّي ما يجب عليه)(4)(5).

(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ):

* عن عبد الأعلي الحلبي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام : (أصحاب القائم عليه السلام الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً، هم والله الأمّة المعدودة التي قال الله في كتابه: (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)(6))، قال: (يُجمعون له في ساعة واحدة قزعاً كقزع الخريف)(7)(8).

* عن الحسين، عن الخزاز، عن أبي عبد الله عليه السلام (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)، قال: (هو القائم وأصحابه)(9).

ص: 88


1- التوبة: 34.
2- بحار الأنوار 70: 143/ ح 23؛ الصافي 1: 699.
3- تفسير العياشي 2: 87/ ح 54.
4- بحار الأنوار 70: 143/ ح 24؛ البرهان 2: 122.
5- تفسير العياشي 2: 87/ ح 55.
6- هود: 8 .
7- البرهان 2: 209؛ الصافي 1: 778؛ إثبات الهداة 7: 100.
8- تفسير العياشي 2: 140/ ح 8 .
9- تفسير العياشي 2: 141/ ح 9.

(لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلي رُكْنٍ شَدِيدٍ):

* عن صالح بن سعد، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلي رُكْنٍ شَدِيدٍ)(1)، قال: (قوّة القائم، والركن الشديد: الثلاثمائة وثلاثة عشر أصحابه)(2)(3).

(رَبَّنا أَخِّرْنا إِلي أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ):

* عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(4)، (إنَّما هي طاعة الإمام، وطلبوا القتال، فلمَّا كتب عليهم القتال مع الحسين (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلي أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ)(5) أرادوا تأخير ذلك إلي القائم عليه السلام)(6)(7).

(وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ):

* عن سعد بن عمر(8)، عن غير واحد ممَّن حضر أبا عبد الله عليه السلام

ص: 89


1- هود: 80 .
2- البرهان 2: 230؛ إثبات الهداة 7: 100؛ بحار الأنوار 5: 158، وقال المجلسي رحمه الله: يحتمل أن يكون المعني أنَّه تمنّي قوّة مثل قوّة القائم وأصحاباً مثل أصحابه أو مصداقهما في هذه الأمّة: القائم وأصحابه مع أنَّه لا يبعد أن يكون تمنّي إدراك زمان القائم عليه السلام وحضوره وأصحابه عنده إذ لا يلزم في المتمنّي إمكان الحصول.
3- تفسير العياشي 2: 156/ ح 55.
4- النساء: 77.
5- إبراهيم: 44.
6- البرهان 2: 321؛ بحار الأنوار 5: 132.
7- تفسير العياشي 2: 235/ ح 48.
8- وفي نسخة: (مسعدة) بدل (سعد)؛ وفي أخري: (عثمان) مكان (عمر).

ورجل يقول: قد ثبت دار صالح ودار عيسي بن علي، ذكر دور العبّاسيين، فقال رجل: أراناها الله خراباً أو خرَّبها بأيدينا، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : (لا تقل هكذا، بل يكون مساكن القائم وأصحابه، أمَا سمعت الله يقول: (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ)(1)؟)(2)(3).

(وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ):

* عن جميل بن دارج، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ((وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ)(4) وإن كان مكر العبّاس(5) بالقائم لتزول منه قلوب الرجال)(6)(7).

(قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلي يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ):

* عن وهب بن جميع مولي إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول إبليس: (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلي يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلي يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)(8)، قال له وهب: جُعلت فداك أيّ يوم هو؟

قال: (يا وهب، أتحسب أنَّه يوم يبعث الله فيه الناس! إنَّ الله أنظره إلي يوم يبعث فيه قائمنا، فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة،

ص: 90


1- إبراهيم: 45.
2- البرهان 2: 321؛ بحار الأنوار 13: 137.
3- تفسير العياشي 2: 235/ ح 49.
4- إبراهيم: 46.
5- كذا في المخطوطتين، لكن في نسخة البرهان هكذا: (وإنَّ مكر بني العبّاس)، وهو الظاهر.
6- البرهان 2: 321.
7- تفسير العياشي 2: 235/ ح 50.
8- الحجر: 36 - 38.

وجاء إبليس حتَّي يجثو بين يديه علي ركبتيه(1) فيقول: يا ويله من هذا اليوم، فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك اليوم هو الوقت المعلوم)(2)(3).

(وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي):

* عن يونس بن عبد الرحمن، عمَّن ذكره رفعه، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله: (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)(4)، قال: (إنَّ ظاهرها الحمد، وباطنها ولد الولد، والسابع منها القائم عليه السلام)(5)(6).

* عن القاسم بن عروة، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله: (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)، قال: (سبعة أئمّة والقائم عليه السلام)(7)(8).

* عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام : (إنَّ أوّل من يبايع القائم جبرئيل عليه السلام، ينزل عليه في صورة طير أبيض فيبايعه، ثمّ يضع رجلاً علي البيت الحرام ورجلاً علي البيت المقدس، ثمّ ينادي بصوت رفيع يسمع الخلائق: أتي أمر الله فلا تستعجلوه)(9)(10).

ص: 91


1- جثا: جلس علي ركبتيه.
2- البرهان 2: 343؛ بحار الأنوار 14: 628؛ الصافي 1: 906.
3- تفسير العياشي 2: 242/ ح 14.
4- الحجر: 87 .
5- البرهان 2: 354؛ بحار الأنوار 7: 115.
6- تفسير العياشي 2: 250/ ح 37.
7- بحار الأنوار 7: 115؛ البرهان 2: 354؛ إثبات الهداة 3: 52.
8- تفسير العياشي 2: 250/ ح 39.
9- البرهان 2: 360؛ بحار الأنوار 13: 175.
10- تفسير العياشي 2: 254/ ح 3.

(وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ):

* عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ)(1)، قال: (ما يقولون فيها؟).

قلت: يزعمون أنَّ المشركين كانوا يحلفون لرسول الله أنَّ الله لا يبعث الموتي.

قال: (تبّاً لمن قال هذا، ويلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات والعزّي؟).

قلت: جُعلت فداك، فأوجدنيه أعرفه.

قال: (لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوماً من شيعتنا قبايع سيوفهم(2) علي عواتقهم، فيبلغ ذلك قوماً من شيعتنا لم يموتوا، فيقولون: بعث فلان وفلان من قبورهم مع القائم، فيبلغ ذلك قوماً من أعدائنا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم، هذه دولتكم وأنتم تكذبون فيها، لا والله ما عاشوا ولا تعيشوا إلي يوم القيامة، فحكي الله قولهم فقال: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ))(3)(4).

* عن سيرين، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ قال: (ما يقول الناس في هذه الآية: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ)؟).

قال: يقولون: لا قيامة ولا بعث ولا نشور، فقال: (كذبوا والله، إنَّما ذلك إذا قام القائم وكَرَّ معه المُكِرَّون فقال: أهل خلافكم، قد ظهرت دولتكم يا معشر الشيعة وهذا من كذبكم، يقولون: رجع فلان وفلان وفلان، لا والله لا يبعث الله من يموت.

ص: 92


1- النحل: 38.
2- قبيعة السيف: ما كان علي طرف مقبضه من فضّة أو حديد. والجمع: قبايع.
3- البرهان 2: 368؛ بحار الأنوار 13: 223.
4- تفسير العياشي 2: 59/ ح 26.

ألا تري أنَّهم قالوا: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) كانت المشركون أشدُّ تعظيماً باللات والعزّي من أن يقسموا بغيرها، فقال الله: (بَلي وَعْداً عليه حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ * إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(1))(2)(3).

* عن الحسين بن علي بن أبي حمزة الثمالي، عن الحسين بن أبي العلا، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (من قرء سورة بني إسرائيل في كلّ ليلة جمعة لم يمت حتَّي يدرك القائم ويكون من أصحابه)(4)(5).

(بَعَثْنا عليكم عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ):

* عن صالح بن سهل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (وَقَضَيْنا إِلي بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ)(6)، (قتل علي، وطعن الحسن (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) قتل الحسين (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) إذا جاء نصر دم الحسين (بَعَثْنا عليكم عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم لا يدعون وتراً لآل محمّد إلاَّ حرقوه(7) (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) قبل قيام القائم (ثمّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عليهم وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) خروج الحسين في الكرّة في

ص: 93


1- النحل: 39 - 41.
2- بحار الأنوار 13: 217؛ البرهان 2: 368.
3- تفسير العياشي 2: 259/ ح 28.
4- البرهان 2: 389؛ الصافي 1: 1000؛ بحار الأنوار 19: 7.
5- تفسير العياشي 2: 271/ ح 1.
6- الإسراء: 4 - 6.
7- وفي رواية الكليني رحمه الله: (قتلوه).

سبعين رجلاً من أصحابه الذين قتلوا معه، عليهم البيض المذهب لكلّ بيضة وجهان المؤدّي إلي الناس أنَّ الحسين قد خرج في أصحابه حتَّي لا يشكّ فيه المؤمنون، وإنَّه ليس بدجّال ولا شيطان، الإمام الذي بين أظهر الناس يومئذٍ، فإذا استقرَّ عند المؤمن أنَّه الحسين لا يشكّون فيه، وبلغ عن الحسين الحجّة القائم بين أظهر الناس وصدَّقه المؤمنون بذلك، جاء الحجّة الموت فيكون الذي غسَّله وكفَّنه وحنَّطه وإيلاجه في حفرته(1) الحسين، ولا يلي الوصي إلاَّ الوصي). وزاد إبراهيم في حديثه: (ثمّ يملكهم الحسين حتَّي يقع حاجباه علي عينيه)(2)(3).

* عن حمران، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان يقرأ: (بَعَثْنا عليكم عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)(4)، ثمّ قال: (وهو القائم وأصحابه أولي بأس شديد)(5)(6).

(إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً):

* عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً)(7)، قال:

ص: 94


1- وفي البرهان: (ويلحده في حفرته) وهو الظاهر؛ وفي بحار الأنوار: (فيكون الذي يلي غسله كفنه وحنوطه) وهو الأظهر.
2- البرهان 2: 407؛ بحار الأنوار 13: 13؛ الصافي 1: 959؛ ونقله المحدّث الحرّ العاملي رحمه الله في كتاب إثبات الهداة 7: 102 مختصراً عن هذا الكتاب.
3- تفسير العياشي 2: 281/ ح 20.
4- الإسراء: 5.
5- البرهان 2: 407؛ بحار الأنوار 13: 13؛ الصافي 1: 959؛ ونقله المحدّث الحرّ العاملي رحمه الله في كتاب إثبات الهداة 7: 102 مختصراً عن هذا الكتاب.
6- تفسير العياشي 2: 281/ ح 21.
7- الإسراء: 33.

(هو الحسين بن علي عليه السلام قُتل مظلوماً ونحن أولياؤه، والقائم منّا إذا قام طلب بثأر الحسين، فيقتل حتَّي يقال: قد أسرف في القتل، وقال: (المسي)(1) المقتول الحسين عليه السلام ووليه القائم، والإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً)، فإنَّه لا يذهب من الدنيا حتَّي ينتصر برجل من آل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(2)(3).

* عن حمران، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: يا ابن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم زعم ولد الحسن عليه السلام أنَّ القائم منهم، وأنَّهم أصحاب الأمر، ويزعم ولد ابن الحنفية مثل ذلك، فقال: (رحم الله عمّي الحسن عليه السلام، لقد غمَّد الحسن عليه السلام أربعين ألف سيف حين أصيب أمير المؤمنين عليه السلام، وأسلمها إلي معاوية، ومحمّد بن علي سبعين ألف سيف قاتله، لو خطر عليهم خطر ما خرجوا منها حتَّي يموتوا جميعاً، وخرج الحسين عليه السلام فعرض نفسه علي الله في سبعين رجلاً، من أحقُّ بدمه منّا، نحن والله أصحاب الأمر، وفينا القائم، ومنّا السفّاح والمنصور، وقد قال الله: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) نحن أولياء الحسين بن علي عليه السلام وعلي دينه)(4)(5).9.

ص: 95


1- المسي: كذا في نسخة الأصل؛ وفي أخري: (الشيء)، والكلمة غير موجودة في بحار الأنوار، ولعلَّها من النسّاخ.
2- البرهان 2: 419؛ بحار الأنوار 10: 150؛ إثبات الهداة 7: 102 مختصراً.
3- تفسير العياشي 2: 290/ ح 67.
4- البرهان 2: 419؛ بحار الأنوار 8 : 152.
5- تفسير العياشي 2: 291/ ح 69.

* عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (والله ليملكنَّ رجل منّا أهل البيت الأرض بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً).

قال: قلت: فمتي ذلك؟

قال: (بعد موت القائم).

قال: قلت: وكم يقوم القائم في عالمه حتَّي يموت؟

قال: (تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلي يوم موته).

قال: قلت: فيكون بعد موته هرج؟

قال: (نعم، خمسين سنة).

قال: (ثمّ يخرج المنصور إلي الدنيا فيطلب دمه ودم أصحابه، فيقتل ويسبي حتَّي يقال: لو كان هذا من ذرية الأنبياء ما قتل الناس كلّ هذا القتل، فيجتمع الناس عليه أبيضهم وأسودهم، فيكثرون عليه حتَّي يلجئونه إلي حرم الله، فإذا اشتدَّ البلاء عليه مات المنتصر وخرج السفّاح إلي الدنيا غضباً للمنتصر، فيقتل كلّ عدوّ لنا جائر، ويملك الأرض كلّها، ويصلح الله له أمره، ويعيش ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً).

ثمّ قال أبو جعفر: (يا جابر، وهل تدري من المنتصر والسفّاح؟ يا جابر، المنتصر الحسين، والسفّاح أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين)(1)(2).

* * *4.

ص: 96


1- البرهان 2: 465؛ بحار الأنوار 13: 236.
2- تفسير العياشي 2: 326/ ح 24.

أصول الكافي

اشارة

تأليف: المحدث الخبير ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني الرّازي رحمه الله المتوفي سنة 328 / 329 ه-

صحّحه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري

ص: 97

ص: 98

باب الإشارة والنصّ إلي صاحب الدار عليه السلام

باب الإشارة والنصّ إلي صاحب الدار عليه السلام (1):

* علي بن محمّد، عن محمّد بن علي بن بلال، قال: خرج إليَّ من أبي محمّد قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثمّ خرج إليَّ من قبل مضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بالخلف من بعده.

* محمّد بن يحيي، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمّد عليه السلام : جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟

فقال: (سل).

قلت: يا سيّدي هل لك ولد؟

فقال: (نعم).

فقلت: فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟

فقال: (بالمدينة).

* علي بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن جعفر بن محمّد المكفوف، عن عمرو الأهوازي، قال: أراني أبو محمّد ابنه وقال: (هذا صاحبكم من بعدي).

* علي بن محمّد، عن حمدان القلانسي، قال: قلت للعمري: قد مضي أبو محمّد؟

فقال لي: قد مضي ولكن قد خلَّف فيكم من رقبته مثل هذه، وأشار بيده.

ص: 99


1- الكافي 1: 328/ ح 1 - 6.

* الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّي بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله، قال: خرج عن أبي محمّد عليه السلام حين قتل الزبيري لعنه الله(1): (هذا جزاء من اجترأ علي الله في أوليائه، يزعم أنَّه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأي قدرة الله فيه؟)، وولد له ولد سمّاه (م ح م د)(2) في سنة ستّ وخمسين ومائتين.

* علي بن محمّد، عن الحسين ومحمّد ابني علي بن إبراهيم، عن محمّد بن علي بن عبد الرحمن العبدي - من عبد قيس -، عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سمّاه، قال: أتيت سامراء ولزمت باب أبي محمّد عليه السلام فدعاني، فدخلت عليه وسلَّمت فقال: (ما الذي أقدمك؟).

قال: قلت: رغبة في خدمتك.

قال: فقال لي: (فالزم الباب).

قال: فكنت في الدار مع الخدم، ثمّ صرت أشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في الدار رجال.

قال: فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت فناداني: (مكانك لا تبرح).

فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج، فخرجت عليَّ جارية معها شيء مغطّي، ثمّ ناداني: (اُدخل)، فدخلت ونادي الجارية فرجعت إليه، فقال لها: (اكشفي عمَّا معك)، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه وكشف عن بطنه فإذا شعر نابت من لبَّته إلية.

ص: 100


1- الزبيري كان لقب بعض الأشقياء من ولد الزبير كان في زمانه عليه السلام فهدَّده وقتله الله علي يد الخليفة أو غيره، وصحَّف بعضهم وقرأ بفتح الزاء وكسر الباء من الزبير بمعني الداهية كناية عن المهتدي العبّاسي حيث قتله الموالي.
2- تقطيع الحروف لعدم جواز التسمية.

سرته أخضر ليس بأسود، فقال: (هذا صاحبكم)، ثمّ أمرها فحملته فما رأيته بعد ذلك حتَّي مضي أبو محمّد عليه السلام .

باب في تسمية من رآه عليه السلام

باب في تسمية من رآه عليه السلام (1):

* محمّد بن عبد الله ومحمّد بن يحيي جميعاً، عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رحمه الله عند أحمد بن إسحاق فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمرو إنّي أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاكّ فيما أريد أن أسألك عنه، فإنَّ اعتقادي وديني أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة إلاَّ إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رُفعت الحجّة(2) واُغلق باب التوبة فلم يكُ ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك أشرار من خلق الله عز وجل وهم الذين تقوم عليهم القيامة ولكنّي أحببت أن أزداد يقيناً وإنَّ إبراهيم عليه السلام سأل ربّه عز وجل أن يريه كيف يحيي الموتي، (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلي وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(3).

وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته وقلت: من أعامل أو عمَّن آخذ، وقول من أقبل؟

فقال له: (العمري ثقتي، فما أدّي إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنَّه الثقة المأمون).

وأخبرني أبو علي أنَّه سأل أبا محمّد عليه السلام عن مثل ذلك، فقال له:

ص: 101


1- الكافي 1: 329/ ح 1 - 15.
2- في بعض النسخ: (وقعت الحجّة).
3- البقرة: 260.

(العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنَّهما الثقتان المأمونان)، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك.

قال: فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكي، ثمّ قال: سل حاجتك.

فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمّد عليه السلام؟

فقال: أي والله ورقبته مثل ذا - وأومأ بيده -.

فقلت له: فبقيت واحدة.

فقال لي: هات.

قلت: فالاسم؟

قال: محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن اُحلّل ولا اُحرَّم، ولكن عنه عليه السلام، فإنَّ الأمر عند السلطان، أنَّ أبا محمّد مضي ولم يخلّف ولداً وقَسَّم ميراثه وأخذه من لا حقَّ له فيه وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرَّف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك.

قال الكليني رحمه الله: وحدَّثني شيخ من أصحابنا - ذهب عنّي اسمه - أنَّ أبا عمرو سأل عن أحمد بن إسحاق عن مثل هذا فأجاب بمثل هذا.

* علي بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن موسي بن جعفر وكان أسنّ شيخ من ولد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالعراق فقال: رأيته بين المسجدين وهو غلام عليه السلام.

* محمّد بن يحيي، عن الحسين بن رزق الله أبو عبد الله(1)، قال:ا.

ص: 102


1- كذا.

حدَّثني موسي بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسي بن جعفر، قال: حدَّثتني حكيمة ابنة محمّد بن علي - وهي عمّة أبيه - أنَّها رأته ليلة مولده وبعد ذلك.

* علي بن محمّد، عن حمدان القلانسي قال: قلت للعمري: قد مضي أبو محمّد عليه السلام؟

فقال: قد مضي ولكن قد خلَّف فيكم من رقبته مثل هذا، وأشار بيده.

* علي بن محمّد، عن فتح مولي الزراري(1)، قال: سمعت أبا علي بن مطهر يذكر أنَّه قد رآه ووصف له قدّه.

* علي بن محمّد، عن محمد بن شاذان بن نعيم، عن خادم لإبراهيم بن عبدة النيسابوري أنَّها قالت: كنت واقفة مع إبراهيم علي الصفا فجاء عليه السلام حتَّي وقف علي إبراهيم وقبض علي كتاب مناسكه وحدَّثه بأشياء.

* علي بن محمّد، عن محمّد بن علي بن إبراهيم، عن أبي عبد الله بن صالح أنَّه رآه عند الحجر الأسود والناس يتجاذبون عليه وهو يقول: (ما بهذا أمروا).

* علي، عن أبي علي أحمد بن إبراهيم بن إدريس، عن أبيه أنَّه قال: رأيته عليه السلام بعد مضي أبي محمّد حين أيفع وقبَّلت يديه ورأسه.

* علي، عن أبي عبد الله بن صالح وأحمد بن النضر، عن القنبري - رجل من ولد قنبر الكبير - مولي أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: جري حديث جعفر بن علي فذمَّه، فقلت له: فليس غيره(؟ قال: بلي، فقلت:)(2) فهل رأيته؟ر.

ص: 103


1- في بعض النسخ: (الرازي).
2- ما بين المعقوفتين أثبتناه من الإرشاد وبحار الأنوار.

فقال: لم أرَه ولكن رآه غيري، قلت: ومن رآه؟

قال: قد رآه جعفر مرَّتين وله حديث.

* علي بن محمّد، عن أبي محمّد الوجناني(1) أنَّه أخبرني عمَّن رآه: أنَّه خرج من الدار قبل الحادث بعشرة أيّام وهو يقول: (اللهم إنَّك تعلم أنَّها من أحبّ البقاع لولا الطرد)، أو كلام هذا نحوه.

* علي بن محمّد، عن علي بن قيس، عن بعض جلاوزة السواد، قال: شاهدت سيماء(2) آنفاً بسُرَّ من رأي وقد كسر باب الدار، فخرج عليه وبيده طبرزين، فقال له: (ما تصنع في داري؟).

فقال سيماء: إنَّ جعفراً زعم أنَّ أباك مضي ولا ولد له، فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك، فخرج عن الدار.

قال علي بن قيس: فخرج علينا خادم من خدم الدار فسألته عن هذا الخبر، فقال لي: من حدَّثك بهذا؟

فقلت له: حدَّثني بعض جلاوزة السواد.

فقال لي: لا يكاد يخفي علي الناس شيء.

* علي بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن جعفر بن محمّد المكفوف، عن عمرو الأهوازي، قال: أرانيه أبو محمّد عليه السلام وقال: (هذا صاحبكم)(3).

* محمّد بن يحيي، عن الحسن بن علي النيسابوري، عن إبراهيمب.

ص: 104


1- كذا في المصدر، وفي بحار الأنوار: (الوجنائي).
2- اسم رجل كأنَّه من أتباع السلطان.
3- قد مرَّ الخبر في الباب المتقدّم. راجع: باب الإشارة والنصّ إلي صاحب الدار عليه السلام المتقدّم علي هذا الباب في الكتاب.

بن محمّد ابن عبد الله بن موسي بن جعفر، عن أبي نصر ظريف الخادم: أنَّه رآه.

* علي بن محمّد، عن محمّد والحسن ابني علي بن إبراهيم أنَّهما حدَّثاه في سنة تسع وسبعين ومائتين، عن محمّد بن عبد الرحمن العبدي، عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سمّاه: أنَّ أبا محمّد أراه إيّاه.

* علي بن محمّد، عن أبي أحمد بن راشد، عن بعض أهل المدائن، قال: كنت حاجّاً مع رفيق لي، فوافينا إلي الموقف فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء، وفي رجليه نعل صفراء، قومت الإزار والرداء بمائة وخمسين ديناراً، وليس عليه أثر السفر، فدنا منّا سائل فرددناه، فدنا من الشاب فسأله، فحمل شيئاً من الأرض وناوله، فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال، فقام الشاب وغاب عنّا، فدنونا من السائل فقلنا له: ويحك ما أعطاك؟

فأرانا حصاة ذهب مضرَّسة قدرناها عشرين مثقالاً، فقلت لصاحبي: مولانا عندنا ونحن لا ندري.

ثمّ ذهبنا في طلبه فدرنا الموقف كلّه، فلم نقدر عليه، فسألنا كلّ من كان حوله من أهل مكّة والمدينة، فقالوا: شاب علوي، يحجّ في كلّ سنة ماشياً.

باب في النهي عن الاسم

باب في النهي عن الاسم(1):

* علي بن محمّد، عمَّن ذكره، عن محمّد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن العسكري عليه السلام يقول: (الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟).

ص: 105


1- الكافي 1: 332/ ح 1 - 4.

فقلت: ولِمَ جعلني الله فداك؟

قال: (إنَّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه).

فقلت: فكيف نذكره؟

فقال: (قولوا: الحجّة من آل محمّد صلوات الله عليه وسلامه).

* علي بن محمّد، عن أبي عبد الله الصالحي، قال: سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمّد عليه السلام أن أسأل عن الاسم والمكان، فخرج الجواب: (إن دللتهم علي الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلّوا عليه).

* عدّة من أصحابنا، عن جعفر بن محمّد، عن ابن فضال، عن الريّان بن الصلت، قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول - وسُئل عن القائم - فقال: (لا يُري جسمه، ولا يُسمّي اسمه).

* محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (صاحب هذا الأمر لا يُسمّيه باسمه إلاَّ كافر).

باب نادر في حال الغيبة

باب نادر في حال الغيبة(1):

* علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن خالد، عمَّن حدَّثه، عن المفضَّل بن عمر، ومحمّد بن يحيي، عن عبد الله بن محمّد بن عيسي، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (أقرب ما يكون العباد من الله جلَّ ذكره وأرضي ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجّة الله عز وجل ولم يظهر لهم ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنَّه لم تبطل حجّة الله جلَّ ذكره ولا ميثاقه، فعندها فتوقَّعوا

ص: 106


1- الكافي 1: 333/ ح 1 - 3.

الفرج صباحاً ومساءً، فإنَّ أشد ما يكون غضب الله علي أعدائه إذا افتقدوا حجّته ولم يظهر لهم، وقد علم أنَّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنَّهم يرتابون ما غيَّب حجّته عنهم طرفة عين، ولا يكون ذلك إلاَّ علي رأس شرار الناس).

* الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّي بن محمّد، عن علي بن مرداس، عن صفوان بن يحيي والحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمّار الساباطي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أيّما أفضل: العبادة في السرّ مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل، أو العبادة في ظهور الحقّ ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟

فقال: (يا عمّار، الصدقة في السرّ والله أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل وتخوّفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة أفضل ممَّن يعبد الله عز وجل ذكره في ظهور الحقّ مع إمام الحقّ الظاهر في دولة الحقّ، وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحقّ، واعلموا أنَّ من صلّي منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة، مستتر بها من عدوّه في وقتها فأتمَّها كتب الله له خمسين صلاة فريضة في جماعة، ومن صلّي منكم صلاة فريضة وحده مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمَّها، كتب الله عز وجل بها له خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلّي منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمَّها كتب الله له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله عز وجل له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله عز وجل حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان بالتقيّة علي دينه وإمامه ونفسه، وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة، إنَّ الله عز وجل كريم).

ص: 107

قلت: جُعلت فداك، قد والله رغَّبتني في العمل، وحثثتني عليه، ولكن أحبّ أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحقّ ونحن علي دين واحد؟

فقال: (إنَّكم سبقتموهم إلي الدخول في دين الله عز وجل وإلي الصلاة والصوم والحجّ وإلي كلّ خير وفقه وإلي عبادة الله عزَّ ذكره سرّاً من عدوّكم مع إمامكم المستتر، مطيعين له، صابرين معه، منتظرين لدولة الحقّ، خائفين علي إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة، تنظرون إلي حقّ إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك، واضطرّوكم إلي حرث الدنيا وطلب المعاش مع الصبر علي دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوّكم، فبذلك ضاعف الله عز وجل لكم الأعمال، فهنيئاً لكم).

قلت: جُعلت فداك، فما تري إذاً أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحقّ و نحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أصحاب دولة الحقّ والعدل؟

فقال: (سبحان الله أمَا تحبّون أن يظهر الله تبارك وتعالي الحقّ والعدل في البلاد ويجمع الله الكلمة ويؤلّف الله بين قلوب مختلفة، ولا يعصون الله عز وجل في أرضه، وتقام حدوده في خلقه، ويرد الله الحقّ إلي أهله فيظهر، حتَّي لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق؟، أمَا والله يا عمّار لا يموت منكم ميّت علي الحال التي أنتم عليها إلاَّ كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر واُحد، فأبشروا).

* علي بن محمّد، عن سهل بن زياد بن محبوب، عن أبي أسامة، عن هشام، ومحمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق، قال: حدَّثني الثقة من

ص: 108

أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام أنَّهم سمعوا أمير المؤمنين عليه السلام يقول في خطبة له: (اللهم وإنّي لأعلم أنَّ العلم لا يأزر كلّه، ولا ينقطع مواده، وإنَّك لا تخلي أرضك من حجّة لك علي خلقك، ظاهر ليس بالمطاع أو خائف مغمور، كيلا تبطل حججك ولا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم، بل أين هم وكم؟ أولئك الأقلّون عدداً، والأعظمون عند الله جلَّ ذكره قدراً، المتّبعون لقادة الدين: الأئمّة الهادين، الذين يتأدَّبون بآدابهم، وينهجون نهجهم، فعند ذلك يهجم بهم العلم علي حقيقة الإيمان، فتستجيب أرواحهم لقادة العلم، ويستلينون من حديثهم ما استوعر علي غيرهم، ويأنسون بما استوحش منه المكذّبون، وأباه المسرفون، أولئك أتباع العلماء، صحبوا أهل الدنيا بطاعة الله تبارك وتعالي وأوليائه، ودانوا بالتقيّة عن دينهم، والخوف من عدوّهم، فأرواحهم معلَّقة بالمحلّ الأعلي، فعلماؤهم وأتباعهم خرس صمت(1) في دولة الباطل، منتظرون لدولة الحقّ، وسيحقّ الله الحقّ بكلماته ويمحق الباطل، ها، ها، طوبي لهم علي صبرهم علي دينهم في حال هدنتهم، ويا شوقاه إلي رؤيتهم في حال ظهور دولتهم، وسيجمعنا الله وإيّاهم في جنات عدن ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم).

باب في الغيبة

اشارة

باب في الغيبة(2):

اشارة

* محمّد بن يحيي والحسن بن محمّد جميعاً، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن الحسن بن محمّد الصيرفي، عن صالح بن خالد، عن

ص: 109


1- أي لا يقدرون علي التكلّم بالحقّ وإعلاء كلمته في دولة الباطل.
2- الكافي 1: 335 - 343/ ح 1 - 31.

يمان التمّار قال: كنّا عند أبي عبد الله عليه السلام جلوساً، فقال لنا: (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد - ثمّ قال هكذا بيده (1) فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده؟) ثمّ أطرق ملياً، ثمّ قال: (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتّق الله عبد وليتمسَّك بدينه).

* علي بن محمّد، عن الحسن بن عيسي بن محمّد بن علي بن جعفر، عن أبيه عن جدّه، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام، قال: (إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم(2) لا يزيلكم عنها أحد، يا ابني إنَّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتَّي يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنَّما هو محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه، لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحّ من هذا لاتَّبعوه).

قال: فقلت: يا سيّدي، من الخامس من ولد السابع؟

فقال: (يا ابني! عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه).

* محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نجران، عن محمّد بن المساور، عن المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إيّاكم والتنويه(3) أما والله ليغيبنَّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحصنَّ حتَّي يقال: مات، قتل، هلك، بأيّ وادٍ سلك؟ ولتدمعنَّ عليهر.

ص: 110


1- أي: أشار بيده، والخارط: من يضرب بيده علي أعلي الغصن ثمّ يمدّها إلي الأسفل ليسقط ورقه، والقتاد: شجر له شوك.
2- ضمير الجمع باعتبار تعدّد المخاطبين.
3- التنويه: الرفع والتشهير.

عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ(1) كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلاَّ من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه، ولترفعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يدري أيّ من أيّ).

قال: فبكيت، ثمّ قلت: فكيف نصنع؟

قال: فنظر إلي شمس داخلة في الصفة فقال: (يا أبا عبد الله تري هذه الشمس؟) قلت: نعم، فقال: (والله لأمرنا أبين من هذه الشمس).

* علي بن إبراهيم، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ في صاحب هذا الأمر شبهاً من يوسف عليه السلام)، قال: قلت له: كأنَّك تذكره، حياته أو غيبته؟

قال: فقال لي: (وما تنكر من ذلك هذه الأمّة أشباه الخنازير، إنَّ إخوة يوسف عليه السلام كانوا أسباطاً أولاد الأنبياء تاجروا يوسف، وبايعوه وخاطبوه، وهم إخوته، وهو أخوهم، فلم يعرفوه حتَّي قال: (أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي)، فما تنكر هذه الأمّة الملعونة أن يفعل الله عز وجل بحجَّته في وقت من الأوقات كما فعل بيوسف، إنَّ يوسف عليه السلام كان إليه ملك مصر، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه لقدر علي ذلك، لقد سار يعقوب عليه السلام وولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلي مصر، فما تنكر هذه الأمّة أن يفعل الله عز وجل بحجَّته كما فعل بيوسف، أن يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم حتَّي يأذن الله في ذلك له كما أذن ليوسف، قالوا: (قالُوا أَإِنَّكَ لأََنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ)(2)).0.

ص: 111


1- علي بناء المجهول من المخاطب أو الغائب من قولهم: كفأت الإناء إذا كببته. كناية عن اضطرابهم وتذلّلهم في الدين لشدّة الفتن.
2- يوسف: 90.

* علي بن إبراهيم، عن الحسن بن موسي الخشّاب، عن عبد الله بن موسي، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ للغلام غيبة قبل أن يقوم).

قال: قلت: ولِمَ؟

قال: (يخاف) - وأومأ بيده إلي بطنه -، ثمّ قال: (يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يُشكّ في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل(1)، ومنهم من يقول: إنَّه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر، غير أنَّ الله عز وجل يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة).

(قال: قلت: جُعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أيّ شيء أعمل؟

قال: (يا زرارة) إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء: (اللهم عرّفني نفسك، فإنَّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللهم عرّفني رسولك، فإنَّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجَّتك، اللهم عرّفني حجَّتك، فإنَّك إن لم تعرّفني حجَّتك ضللت عن ديني))، ثمّ قال: (يا زرارة لا بدَّ من قتل غلام بالمدينة).

قلت: جُعلت فداك، أليس يقتله جيش السفياني؟

قال: (لا، ولكن يقتله جيش آل بني فلان(2) يجيء حتَّي يدخل المدينة، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لا يمهلون، فعند ذلك توقَّع الفرج إن شاء الله).).

ص: 112


1- أي: مات أبوه وهو حمل.
2- في بعض النسخ: (آل أبي فلان).

* محمّد بن يحيي، عن جعفر بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن يحيي بن المثني، عن عبد الله بن بكير، عن عبيد بن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه).

* علي بن محمّد، عن عبد الله بن محمّد بن خالد، قال: حدَّثني منذر بن محمّد بن قابوس، عن منصور بن السندي، عن أبي داود المسترق، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة، عن الأصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته متفكّراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك متفكّراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها؟

فقال: (لا، والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكنّي فكَّرت في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة، يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون).

فقلت: يا أمير المؤمنين! وكم تكون الحيرة والغيبة؟

قال: (ستّة أيّام أو ستّة أشهر أو ستّ سنين).

فقلت: وإنَّ هذا لكائن؟

فقال: (نعم كما أنَّه مخلوق، وأنّي لك بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمّة مع خيار أبرار هذه العترة).

فقلت: ثمّ ما يكون بعد ذلك؟

فقال: (ثمّ يفعل الله ما يشاء فإنَّ له بداءات وإرادات وغايات ونهايات).

ص: 113

* علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنان بن سدير، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّما نحن كنجوم السماء، كلَّما غاب نجم طلع نجم، حتَّي إذا أشرتم بأصابعكم وملتم بأعناقكم، غيَّب الله عنكم نجمكم، فاستوت بنو عبد المطَّلب، فلم يعرف أيّ من أيّ، فإذا طلع نجمكم فاحمدوا ربَّكم).

* محمّد بن يحيي، عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن معاوية، عن عبد الله بن جبلة، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ للقائم عليه السلام غيبة قبل أن يقوم)، قلت: ولِمَ؟

قال: (إنَّه يخاف) - وأومأ بيده إلي بطنه - يعني القتل.

* علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إن بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها).

* الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيي، عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن معاوية، عن عبد الله بن جبلة، عن إبراهيم بن خلف بن عباد الأنماطي، عن مفضَّل بن عمر، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده في البيت أناس، فظننت أنَّه إنَّما أراد بذلك غيري، فقال: (أمَا والله ليغيبنَّ عنكم صاحب هذا الأمر وليخملنَّ هذا حتَّي يقال: مات، هلك، في أيّ وادٍ سلك؟ ولتكفأنَّ كما تكفأ السفينة في أمواج البحر، لا ينجو إلاَّ من أخذ الله ميثاقه، وكتب الإيمان في قلبه، وأيَّده بروح منه، ولترفعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أيّ من أيّ).

قال: فبكيت.

فقال: (ما يبكيك يا أبا عبد الله؟).

ص: 114

فقلت: جُعلت فداك، كيف لا أبكي وأنت تقول: (اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أيّ من أيّ)!؟

قال: وفي مجلسه كوة تدخل فيها الشمس، فقال: (أبيّنة هذه؟).

فقلت: نعم.

قال: (أمرنا أبين من هذه الشمس).

* الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن يحيي بن المثني، عن عبد الله بن بكير، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (للقائم غيبتان، يشهد في إحداهما المواسم، يري الناس ولا يرونه).

* علي بن محمّد، عن سهل بن زياد، ومحمّد بن يحيي وغيره، عن أحمد بن محمّد وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ممَّن يوثق به: أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام تكلَّم بهذا الكلام وحفظ عنه وخطب به علي منبر الكوفة: (اللهم إنَّه لا بدَّ لك من حجج في أرضك، حجّة بعد حجّة علي خلقك، يهدونهم إلي دينك، ويعلّمونهم علمك، كيلا يتفرَّق أتباع أوليائك، ظاهر غير مطاع، أو مكتتم يترقَّب، إن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مبثوث علمهم، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون).

ويقول عليه السلام في هذه الخطبة في موضع آخر: (فيمن هذا؟ ولهذا يأزر العلم إذا لم يوجد له حملة يحفظونه ويروونه، كما سمعوه من العلماء ويصدقون عليهم فيه، اللهم فإنّي لأعلم أنَّ العلم لا يأزر كلّه ولا

ص: 115

ينقطع مواده، وإنَّك لا تخلي أرضك من حجّة لك علي خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور(1)، كيلا تبطل حجّتك(2) ولا يضلَّ أولياؤك بعد إذ هديتهم، بل أين هم؟ وكم هم؟ أولئك الأقلّون عدداً، الأعظمون عند الله قدراً).

* علي بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن موسي بن القاسم بن معاوية البجلي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)(3)، قال: (إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد؟).

* عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها).

* عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن علي الوشّاء، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بدَّ له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة(4)، وما بثلاثين من وحشة).

* وبهذا الإسناد، عن الوشّاء، عن علي بن الحسن(5) عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : (كيف أنت إذا وقعت البطشة بينل.

ص: 116


1- في بعض النسخ: (مغمود).
2- في بعض النسخ: (حججك).
3- الملك: 30.
4- أي المدينة.
5- في بعض النسخ: (علي بن الحسين)، وهو مجهول.

المسجدين، فيأرز العلم كما تأرز الحيّة في جحرها، واختلفت الشيعة وسمّي بعضهم بعضاً كذّابين، وتفل بعضهم في وجوه بعض؟).

قلت: جُعلت فداك، ما عند ذلك من خير، فقال لي: (الخير كلّه عند ذلك - ثلاثاً -).

* وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عيسي، عن ابن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، إنَّه يخاف - وأومأ بيده إلي بطنه -) يعني القتل.

* محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : (للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والأخري طويلة، الغيبة الأولي لا يعلم بمكانه فيها إلاَّ خاصّة شيعته، والأخري لا يعلم بمكانه فيها إلاَّ خاصّة مواليه).

* محمّد بن يحيي وأحمد بن إدريس، عن الحسن بن علي الكوفي، عن علي بن حسان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير، عن مفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (لصاحب هذا الأمر غيبتان: إحداهما يرجع منها إلي أهله، والأخري يقال: هلك، في أيّ وادٍ سلك؟)، قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟

قال: (إذا ادّعاها مدع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله).

* أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن جعفر بن القاسم، عن محمّد بن الوليد الخزّاز، عن الوليد بن عقبة، عن الحارث بن زياد، عن شعيب، عن أبي حمزة، قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: (لا).

فقلت: فولدك؟

ص: 117

فقال: (لا).

فقلت: فولد ولدك هو؟

قال: (لا).

فقلت: فولد ولد ولدك؟

فقال: (لا).

قلت: من هو؟

قال: (الذي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، علي فترة من الأئمّة، كما أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعث علي فترة من الرسل).

* علي بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن موسي بن جعفر البغدادي، عن وهب بن شاذان، عن الحسن بن أبي الربيع، عن محمّد بن إسحاق، عن اُمّ هاني، قالت: سألت أبا جعفر محمّد بن علي عليه السلام، عن قول الله تعالي: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ)(1)، قالت: فقال: (إمام يخنس سنة ستّين ومائتين، ثمّ يظهر كالشهاب يتوقَّد في الليلة الظلماء، فإن أدركت زمانه قرَّت عينك).

* عدّة من أصحابنا، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسن، عن عمر بن يزيد، عن الحسن بن الربيع الهمداني، قال: حدَّثنا محمّد بن إسحاق، عن أسيد بن ثعلبة، عن اُمّ هاني، قالت: لقيت أبا جعفر محمّد بن علي عليه السلام فسألته عن هذه الآية (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ)(2)، قال: (الخنس إمام يخنس في زمانه عند انقطاع من علمه عند الناس سنة ستّين ومائتين، ثمّ يبدو كالشهاب الواقد في ظلمة الليل، فإن أدركت ذلك قرَّت عينك).ة.

ص: 118


1- التكوير: 16 و17.
2- الآية السابقة.

* علي بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن أيّوب بن نوح، عن أبي الحسن الثالث عليه السلام، قال: (إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقَّعوا الفرج من تحت أقدامكم).

* عدّة من أصحابنا، عن سعد بن عبد الله، عن أيّوب بن نوح، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : إنّي أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن يسوقه الله إليك بغير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك، فقال: (ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب، وأشير إليه بالأصابع، وسئل عن المسائل، وحملت إليه الأموال، إلاَّ اغتيل(1) أو مات علي فراشه، حتَّي يبعث الله لهذا الأمر غلاماً منّا، خفي الولادة والمنشأ، غير خفي في نسبه).

* الحسين بن محمّد وغيره، عن جعفر بن محمّد، عن علي بن العبّاس بن عامر، عن موسي بن هلال الكندي، عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له: إنَّ شيعتك بالعراق كثيرة، والله ما في أهل بيتك مثلك، فكيف لا تخرج؟

قال: فقال: (يا عبد الله بن عطاء، قد أخذت تفرش أذنيك للنوكي(2) أي والله ما أنا بصاحبكم).

قال: قلت له: فمن صاحبنا؟

قال: (اُنظروا من عُمِيَ علي الناس ولادته، فذاك صاحبكم، إنَّه ليس منّا أحد يشار إليه بالإصبع ويمضغ بالألسن(3) إلاَّ مات غيظاً أو رغم أنفه).س.

ص: 119


1- غاله: أي: أدركه، اغتاله: أي أخذه من حيث لم يدر.
2- أي: شرعت تفتح وتبسط أذنيك للحمقي تسمع منهم.
3- كناية عن كثرة ذكره في المجالس.

* محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (يقوم القائم وليس لأحد في عنقه عهد ولا عقد ولا بيعة).

* محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضال، عن الحسن بن علي العطّار، عن جعفر بن محمّد، عن منصور، عمَّن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت: إذا أصبحت وأمسيت لا أري إماماً أئتمُّ به ما أصنع؟

قال: (فأحبّ من كنت تحبّ، وابغض من كنت تبغض، حتَّي يظهره الله عز وجل).

* الحسين بن أحمد، عن أحمد بن هلال، قال: حدَّثنا عثمان بن عيسي، عن خالد بن نجيح، عن زرارة بن أعين، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : (لا بدَّ للغلام من غيبة)، قلت: ولِمَ؟

قال: (يخاف - وأومأ بيده إلي بطنه - وهو المنتظر، وهو الذي يشكُّ الناس في ولادته، فمنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: مات أبوه ولم يخلف، ومنهم من يقول: ولد قبل موت أبيه بسنتين)، قال زرارة: فقلت: وما تأمرني لو أدركت ذلك الزمان؟ قال: (ادع الله بهذا الدعاء: (اللهم عرّفني نفسك، فإنَّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرّفني نبيّك، فإنَّك إن لم تعرّفني نبيّك لم أعرفه قط، اللهم عرّفني حجَّتك، فإنَّك إن لم تعرّفني حجَّتك ضللت عن ديني)).

قال أحمد بن الهلال: سمعت هذا الحديث منذ ستّ وخمسين سنة.

* أبو علي الأشعري، عن محمّد بن حسان، عن محمّد بن علي، عن عبد الله بن القاسم، عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام في

ص: 120

قول الله عز وجل: (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ)(1)، قال: (إنَّ منّا إماماً مظفراً مستتراً، فإذا أراد الله عزَّ ذكره إظهار أمره، نكت في قلبه نكتة فظهر فقام بأمر الله تبارك وتعالي).

* محمّد بن يحيي، عن جعفر بن محمّد، عن أحمد بن الحسين، عن محمّد بن عبد الله، عن محمّد بن الفرج، قال: كتب إليَّ أبو جعفر عليه السلام : (إذا غضب الله تبارك وتعالي علي خلقه نحّانا عن جوارهم).

* * * .

ص: 121


1- المدثر: 8 .

ص: 122

الهداية الكبري

تأليف: أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (المتوفي سنة 334 هجرية)

ص: 123

ص: 124

الباب الرابع عشر

الباب الرابع عشر (1): باب الإمام المهدي المنتظر عليه السلام

قال الحسين بن حمدان الخصيبي: حدَّثني هارون بن مسلم بن سعدان البصري، ومحمّد بن أحمد بن مطهَّر البغدادي، وأحمد بن إسحاق، وسهل بن زياد الآدمي، وعبد الله بن جعفر الحميري، وأحمد بن أبي عبد الله البرقي، وصالح بن محمّد الهمداني، وجعفر بن إبراهيم بن نوح، وداود بن عامر الأشعري القمي، وأحمد بن محمّد الخصيبي، وإبراهيم بن الخصيب، ومحمّد بن علي البشري، ومحمّد بن عبد الله اليقطيني البغدادي، وأحمد بن محمّد النيسابوري، وأحمد بن عبد الله بن مهران الأنباري، وأحمد بن محمّد الصيرفي، وعلي بن بلال، ومحمّد بن أبي الصهباني، وإسحاق بن إسماعيل النيسابوري، وعلي بن عبيد الله الحسني، ومحمّد بن إسماعيل الحسيني، وأبو الحسين محمّد بن يحيي الفارسي، وأحمد بن سندولا، والعبّاس اللبّان، وعلي بن صالح، وعبد الحميد بن محمّد، ومحمّد بن يحيي الخرقي، ومحمّد بن علي بن عبيد الله الحسني، وابن عاصم الكوفي، وأحمد بن محمّد الحجال، وعسكر مولي أبي جعفر التاسع، والزيان مولي الرضا، وحمزة مولي أبي جعفر التاسع، وعيسي بن مهدي الجوهري، والحسن بن إبراهيم، وأحمد بن

ص: 125


1- الهداية الكبري: 351.

إسماعيل، ومحمّد بن ميمون الخراساني، ومحمّد بن خلف، وأحمد بن حسان، وعلي بن أحمد الصائغ، والحسن بن مسعود الفراتي، وأحمد بن حيان العجلي، والحسن بن مالك، وأحمد بن محمّد بن أبي قرنة، وجعفر بن أحمد القصير البصري، وعلي بن الصابوني، وأبو الحسن علي بن بشر، والحسن البلخي، وأحمد بن صالح، والحسين بن عتاب، وعبد الله بن عبد الباري، وأحمد بن داود القمي، ومحمّد بن عبد الله، وطالب بن حاتم بن طالب، والحسن بن محمّد بن مسعود بن سعد، وأحمد بن ماران، وأبو بكر الصفار، ومحمّد بن موسي القمي، وعتاب بن محمّد الديلمي، وأحمد بن مالك القمي، وأبو بكر الجواري، وعبد الله جميعاً وشتّيً كانوا بأجمعهم مجاورين الإمامين عليه السلام، عن سيّدنا أبي الحسن وأبي محمّد عليه السلام قالا:

(إنَّ الله جل جلاله إذا أراد أن يخلق الإمام أنزل قطرة من ماء الجنّة في الزمان، فتسقط علي الأرض فيأكلها الحجّة في الزمان، فإذا استقرَّت في الموضع الذي تستقر فيه ومضي له أربعون يوماً سمع الصوت، فإذا أتت أربعة أشهر وهو حمل كتب علي عضده الأيمن: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(1) فإذا ولد قام بأمر الله عز وجل ورفع له عمود من نور في كلّ مكان ينظر فيه الخلائق وأعمالهم وينزل أمر الله في ذلك العمود، و(العمود)(2) نصب عينه حيث تولّي)(3).5.

ص: 126


1- الأنعام: 115.
2- ليست في المصدر.
3- قريب منه في: المحاسن 2: 315/ ح 32؛ بصائر الدرجا ت: 451/ باب 7 - 12؛ الكافي 1: (باب مواليد الأئمّة)/ 385 وما بعدها؛ تفسير العياشي 1: 374/ ح82 و83؛ تفسير القمي 1: 215.

قال أبو محمّد عليه السلام : (إنّي أدخلت عمّاتي في داري فرأيت جارية من جواريهنَّ قد زُيّنت تسمّي نرجس، فنظرت إليها نظراً أطلته.

فقالت عمّتي حكيمة: أراك يا سيّدي تنظر إلي هذه الجارية نظراً شديداً.

فقلت: يا عمّة ما نظري إليها إلاَّ أتعجَّب ممَّا لله فيها من إرادته وخيرته.

فقالت: يا سيّدي أحسبك تريدها.

قلت: بلي.

فأمرتها تستأذن لي أبي علي بن محمّد عليه السلام في تسليمها إليَّ ففعلت، فأمرها عليه السلام بذلك فجاءتني بها)(1).

* قال الحسين بن حمدان: حدَّثني من زاد في أسماء من حدَّثني من هؤلاء الرجال الذين أسمّيهم وهم: غيلان الكلابي، وموسي بن محمّد الرازي، وأحمد بن جعفر الطوسي، عن حكيمة ابنة محمّد بن علي الرضا عليه السلام، قال: كانت تدخل علي أبي محمّد عليه السلام فتدعو له أن يرزقه الله ولداً، وأنَّها قالت: دخلت عليه فقلت له كما كنت أقول، ودعوت له كما كنت أدعو، فقال: (يا عمّة، أمَا إنَّ الذي تدعين إلي الله أن يرزقنيه يولد في هذه الليلة - وكانت ليلة الجمعة لثمان ليالٍ خلت من شهر شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين من الهجرة - فاجعلي إفطارك عندنا).

فقالت: يا سيّدي ما يكون هذا الولد العظيم؟

قال: (إلي نرجس يا عمّة).

قالت: يا سيّدي ما في جواريك أحبّ إليَّ منها.0.

ص: 127


1- نحوه في الغيبة للطوسي: 244/ ح 210.

فقمت ودخلت عليها، ففعلت كما كانت تفعله، فخاطبتني (بالسيادة)(1) فخاطبتها بمثلها، وانكببت علي يديها فقبَّلتها، فقالت: فديتك.

فقلت لها: بل أنا فداءك وجميع العالمين.

فأنكرت ذلك منّي، فقلت: لا تنكرين ما فعلت؛ فإنَّ الله سيهب لك بهذه الليلة سيّداً في الدنيا والآخرة وهو فرج المؤمنين.

فاستحيت منّي، فتأمَّلتها فلم أرَ فيها أثر حمل، فقلت لسيّدي أبي محمّد عليه السلام : ما أري لها أثر حمل!

فتبسَّم وقال: (إنّا معاشر الأوصياء لا نُحْمَلُ في البطون، وإنَّما نحمل في الجيوب، ولا نخرج من الأرحام، وإنَّما نخرج من الفخذ الأيمن من اُمّهاتنا؛ لأنَّنا نور الله الذي لا تناله الدناسات).

فقلت له: يا سيّدي قد أخبرتني في هذه الليلة يلد، ففي أيّ وقت منها؟

قال: (طلوع الفجر يولد المولود الكريم علي الله إن شاء الله تعالي).

قالت حكيمة: فقمت وأفطرت ونمت بالقرب من نرجس، وبات أبو محمّد عليه السلام في صُفَّةٍ بتلك الدار التي نحن فيها، فلمَّا أتي وقت صلاة الليل قمت ونرجس نائمة ما بها أثر حمل، فأخذت في صلاتي ثمّ أوترت، فأنا في الوتر فوقع في نفسي أنَّ الفجر قد طلع ودخل بقلبي شيء، فصاح أبو محمّد عليه السلام من الصُفَّة: (لم يطلع الفجر يا عمّة) فأسرعت في الصلاة، وتحرَّكت نرجس فدنوت منها وضممتها إليَّ وسمَّيت عليها.

ثمّ قلت لها: هل تحسّين بشيء؟ر.

ص: 128


1- في الأصل: (بالسندية)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

قالت: نعم؟!

فوقع عليَّ سبات لم أتمالك معه أن نمت، ووقع علي (نرجس)(1) مثل ذلك، فلم أنتبه إلاَّ بحسّ سيّدي المهدي وضجّة أبي محمّد يقول: (يا عمّة هاتي ابني إليَّ فقد قبلته).

فكشفت عن سيّدي (إليه التسليم) فإذا هو ساجد (ملتقي)(2) الأرض بمساجده وعلي ذراعه الأيمن مكتوب: (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(3) فضممته إليَّ فوجدته متضرّعاً، فلففته بثوب وحملته إلي أبي محمّد عليه السلام، فأخذه وأقعده علي راحته اليسري وجعل راحته اليمني علي ظهره وأدخل لسانه في فيه ومرَّ يده علي ظهره ومفاصله وسمعه، ثمّ قال: (تكلَّم يا ابني)، فقال: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله وأنَّ علياً أمير المؤمنين)، ولم يزل يعدّ الأئمّة عليهم السلام حتَّي بلغ إلي نفسه ودعا لأولياءه علي يده بالفرج ثمّ أحجم(4)، فقال أبو محمّد عليه السلام : (يا عمّة اذهبي به إلي اُمّه لتسلّم عليه واتيني به)، (فمضيت)(5) به إليها فسلَّمت عليه وردَّته إليه، ثمّ وقع بيني وبين أبي محمّد كالحجاب فلم أرَ سيّدي، فقلت لأبي محمّد: يا سيّدي أين مولاي؟

فقال: (أخذه من هو أحقّ به منك، فإذا كان في اليوم السابع فإتنا).ر.

ص: 129


1- في الأصل: (حكيمة)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- في بعض المصادر: (يتلقّي)، أو (متلقّياً).
3- الإسراء: 81 .
4- أحجم عنه: أي كفّ ونكص هيبة.
5- في الأصل: (فمضت)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

فلمَّا جاء اليوم السابع أتيت وسلَّمت وجلست، فقال لي عليه السلام : (هلمّي ابني)، فجئت سيّدي وهو في ثياب صفر، ففعل به كفعله الأوّل وجعل لسانه في فيه ثمّ قال: (تكلَّم يا ابني).

فقال: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله)، وأثني بالصلاة علي محمّد وأمير المؤمنين والأئمّة حتَّي وقف علي أبيه، ثمّ قرأ: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(1).

ثمّ قال: (اقرأ يا ابني ما أنزل الله علي أنبيائه ورسله)، فابتدأ بصحف شيث، وإبراهيم، قرأها بالسريانية، وصحف إدريس، ونوح، وهود، وصالح، وتوراة موسي، وإنجيل عيسي، وقرآن جدّه رسول الله صلّي الله عليه وآله وعليهم أجمعين، ثمّ قصَّ قصص النبيّين والمرسلين إلي عهده.

فلمَّا كان بعد أربعين يوماً دخلت إلي أبي محمّد (إليه التسليم) فإذا بمولانا صاحب الزمان القائم (إليه التسليم) يمشي في الدار، فلم أرَ أحسن وجهاً من وجهه ولا لغة أفصح من لغته، فقال لي أبو محمّد عليه السلام : (هذا المولود الكريم علي الله عز وجل).

قلت له: يا سيّدي له أربعون يوماً وأنا أري من أمره ما أري.

فقال عليه السلام وتبسَّم: (يا عمّة أمَا علمت أنّا معاشر الأوصياء ننشو في اليوم ما ينشو غيرنا (في الجمعة)(2)، وننشو في الجمعة ما ينشو غيرنا في السنة؟) فقمت إليه وقبَّلت رأسه وانصرفت، فعدّت تفقَّدته فلم أرَه، فقلتر.

ص: 130


1- القصص: 5 و6.
2- في الأصل: (بالجمعة)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

لسيّدي أبي محمّد عليه السلام : ما فعل مولانا؟ فقال: (يا عمّة استودعناه (الذي استودعته اُمّ موسي)(1))(2).

وعن موسي بن محمّد، أنَّه قال: قرأ المولود علي أبي محمّد فصحَّح قراءته، فما زاد فيه ولا نقص فيه حرفاً.

* وعنه، عن أبي محمّد جعفر بن محمّد بن إسماعيل الحسني، عن أبي محمّد عليه السلام، قال: (لما وهب لي ربّي مهدي هذه الأمّة أرسل ملكين فحملاه إلي سرادق العرش حتَّي وقف بين يدي الله، فقال له: مرحباً بعبدي المختار لنصرة ديني وإظهار أمري ومهدي خلقي، آليت أنّي بك آخذ، وبك أعطي، وبك أغفر، وبك أعذّب، أردداه أيّها الملكان علي أبيه ردّاً رفيقاً وبلّغاه أنَّه في ضماني وكنفي وبعيني إلي أن أحقّ به الحقّ وأزهق الباطل ويكون الدين لي واصباً)(3).

* وعنه، عن غيلان الكلابي، عن محمّد بن يحيي، عن الحسين بن علي النيسابوري الدقّاق، عن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسي بن جعفر عليه السلام، قال: حدَّثني نسيم ومارية قالا(4):

لمَّا خرج صاحب الزمان عليه السلام من بطن اُمّه سقط جاثياً علي ركبتيه قائماً لسبابتيه، ثمّ عطس وقال: (الحمد لله ربّ العالمين وصلّ اللهم علي سيّدنا محمّد وآله عبداً ذاكراً لله غير مستنكف ولا مستكبر)،ن.

ص: 131


1- في الأصل: (للذي استودع موسي عليه السلام )، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- روي أيضاً في: كمال الدين: 426/ باب (ما روي في ميلاد القائم صاحب الزمان حجّة الله ابن الحسن)/ ح 2؛ الغيبة للطوسي: 234/ ح 204؛ إثبات الوصيّة: 218.
3- أنظر: إثبات الوصيّة: 218.
4- كذا في المصدر، والصحيح: (قالتا) كما في أكثر المصادر، كونهما امرأتين.

ثمّ قال: (زعمت (الظلمة)(1) أنَّ حجّة الله داحضة، لو أذن لنا بالكلام لزال الشكّ)(2).

* وعنه، عن حمزة بن نصر غلام أبي الحسن (منه السلام) قال: لمَّا وُلد السيّد المهدي عليه السلام تباشر أهل الدار لذلك، فلمَّا نشا خرج الأمر أن ابتاع في كلّ يوم مع اللحم مخ قصب، وقيل لي: إنَّ هذا لمولاي الصغير عليه السلام (3).

* وعنه، عن الحسن بن محمّد بن جمهور، عن البشار بن إبراهيم بن إدريس صاحب ثقة أبي محمّد عليه السلام، قال: وجَّه إليَّ مولاي أبو محمّد كبشين وقال: (اعقرهما(4) عن أبي الحسن عليه السلام وكُل واطعم إخوانك)، ففعلت.

ثمّ لقيته بعد ذلك فقال: (المولود الذي ولد لي مات).

ثمّ وجَّه لي بأربع أكبشة، وكتب إليه(5):

(بسم الله الرحمن الرحيم، اعقر هذه الأربعة أكبشة عن مولاك وكُل هَنّاك الله).

ففعلت، ولقيته بعد ذلك فقال لي: (إنَّما (ستر الله بابني)(6) الحسن وموسي لولده محمّد، مهدي هذه الأمّة والفرج الأعظم)(7).1.

ص: 132


1- في الأصل: (الظلم)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- روي أيضاً في: كما ل الدين: 430/ باب 42/ ح 5؛ الغيبة للطوسي: 245/ ح 211؛ إثبات الوصيّة: 281.
3- رواه أيضاً الطوسي في الغيبة: 245/ ح 213.
4- كذا في المصدر، والعقر يعني قطع إحدي قوائم الحيوان ليسقط ليسهل ذبحه، وهو إنَّما يفعل بالبعير أو الناقة، وليس بالكبش لسهولة ذبحه، لذا يمكن أن يكون تصحيف لكلمة: (عقّهما)، وهو الأقرب، نظراً للسياق.
5- كذا، والصحيح: (إليَّ).
6- في الأصل: (استر الله يا ابني)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
7- أنظر: إثبات الوصيّة: 221.

* وعنه، عن غيلان الكلابي، قال: حدَّثني نسيم خادم أبي محمّد عليه السلام، قال: قال صاحب الزمان المهدي عليه السلام وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست عنده فقال: (يرحمك الله).

ففرحت بكلامه لي بالطفولية ودعائه لي بالرحمة، فقال لي: ((ألا)(1) أبشرك (ب-)(2) العطاس؟).

قلت: بلي يا مولاي.

فقال: (هو أمان من الموت لثلاثة أيّام)(3).

* وعنه، عن غيلان الكلابي، قال: حدَّثني أبو نصر طريف خادم سيّدي أبي محمّد عليه السلام، قال: دخلت علي صاحب الزمان (إليه التسليم)، فقال: (يا طريف عليَّ بالصندل الأحمر)، فأتيته به.

فقال: (أتعرفني؟).

قلت: نعم.

قال: (من أنا؟).

قلت: مولاي وابن مولاي.

قال: (ليس عن هذا أسالك).

قلت: جعلني الله فداك عمَّا سألتني؟

قال: (أنا خاتم الأوصياء، وبي يرفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي القوّام بدين الله)(4).1.

ص: 133


1- ليست في الأصل، وما أثبتناه فهو من مصادر أخري.
2- في الأصل: (إنَّ)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- روي أيضاً في: كمال الدين: 430/ باب 42/ ح 5، و441/ باب 43/ ح 11؛ إثبات الوصيّة: 221.
4- روي أيضاً في: كمال الدين: 441/ باب 43/ ح 12؛ إثبات الوصيّة: 221.

* وعنه، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري الكوفي، عن محمّد بن جعفر بن عبد الله بن أبي نعيم، عن أبي أحمد الأنصاري، قال: وجَّه قوم من المؤمنين والمقصرة كامل بن إبراهيم المدني المعروف ب- : صناعة (إلي)(1) أبي محمّد بسامرا إلي الناجية في أمرهم.

قال كامل بن إبراهيم: فقلت في نفسي: لا يدخل الجنّة إلاَّ من عرف معرفتي، وقال مقالتي، قال: فلمَّا دخلت علي سيّدي أبي محمّد عليه السلام نظرت عليه ثياباً بيضاء ناعمة، فقلت في نفسي: وليّ الله وحجّة الله يلبس الناعم من الثياب ويأمر بمواساة إخواننا وينهي عن لبس مثله.

فقال مبتسماً: (يا كامل - وحسر عن ذراعيه فإذا هو مسح خشن، فقال -: هذا والله أهدي لكم) فخجلت، وجلست إلي باب ستر مرخي فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا بفتي كأنَّه فلقة قمر من أبناء (أربعة)(2) فقال كامل بن إبراهيم: فاقشعريت من ذلك واُلهمت وقلت: لبيك لبيك يا سيّدي.

فقال: (جئت إلي ولي الله وحجّته تريد تسأله هل يدخل الجنّة إلاَّ من عرف معرفتي وقال مقالتي).

فقلت: أي والله.

فقال: (إذاً والله (يقلُّ)(3) داخلها، ليدخلها خلق كثير، قوم يقال لهم: (الحقّية))(4).ر.

ص: 134


1- ليست في الأصل، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- في الأصل: (أربعة عشر) والصحيح ما أثبتناه، لأنَّ الإمام أبي محمّد عليه السلام توفّي والإمام الحجّة عليه السلام في الخامسة من عمره الشريف.
3- في الأصل: (يقول)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
4- في الأصل: (الحافية)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

قلت: سيّدي ومن هم؟

قال: (قوم من حبّهم إلي أمير المؤمنين يحلفون بحقّه ولا يدرون ما فضله)، ثمّ سكت عليه السلام وقال: (وجئت تسأله عن المفوّضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله فإذا شاء الله شيئاً شئنا والله يقول: (ما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ)(1)) ثمّ رجع الستر إلي حاله فلم أكشفه، فنظر إليَّ أبو محمّد عليه السلام وتبسَّم، وقال: (يا كامل بن إبراهيم، ما جلوسك وقد أنباك المهدي والحجّة بعدي بما كان في نفسك وجئت تسألني عنه؟).

قال: فنهضت وأخذت الجواب الذي أسررته في نفسي من الإمام المهدي ولم ألقِه بعد ذلك.

قال أبو نعيم: فلقيت كاملاً فسألته عن هذا الحديث فحدَّثني به عن آخره بلا زيادة ولا نقصان(2).

* وعنه، بهذا الإسناد، عن حمران بن أعين، عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام : المهدي، بكم يبلغ؟ قال: (إنَّ الله بعث عيسي بن مريم بنبوّة ورسالة وكتاب وشريعة وله سنتان وما يضرّ الإمام صغر سنّه وقد قام عيسي بن مريم عليه السلام بالرسالة وله ثلاث سنين، وتكلَّم بالمهد وأوتي الكتاب والنبوّة بثلاثة أيّام).

* وعنه، عن سعد بن محمّد بن أحمد، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن العسكري عليه السلام يقول: (الخليفة من بعدي الحسن ابني، فكيف لكم بالخلف من الخلف؟).2.

ص: 135


1- الإنسان: 30؛ التكوير: 29.
2- روي أيضاً في: دلائل الإمامة: 505/ ح (491/95)؛ إثبات الوصيّة: 222.

قلت: ولِمَ جُعلت فداك؟

قال: (إنَّكم لا ترون شخصه ولا يحلُّ لكم (ذكره باسمه)(1)).

قلت: فكيف نذكره؟

قال: (قولوا: الحجّة من آل محمّد عليه السلام)(2).

* وعنه، عن محمّد بن علي، عن محمّد بن أحمد بن عيسي بن عبد الله بن أبي خدان(3)، عن المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إيّاكم (التنويه)(4) والله ليغيبنَّ مهديكم سنين من دهركم، يطول عليكم وتقولون: أي، وليت، ولعلَّ، وكيف؟ وتمحصه الشكوك في أنفسكم حتَّي يقال: مات وهلك، ويأتي، وأين سلك؟ ولتدمعنَّ عليه أعين المؤمنين، ولتتكفّؤون كما تتكفّأ السفن في أمواج البحر ولا ينجو إلاَّ من أخذ الله ميثاقه بيوم الذر وكتب بقلبه الإيمان وأيَّده بروح منه، وليرفعنَّ له اثنتا عشرة راية مشبهة لا يدرون أمرها ما تصنع).

قال المفضَّل: فبكيت، وقلت: كيف يصنع أولياؤكم؟

فنظر إلي الشمس دخلت في الصفة، قال: (يا مفضَّل تري هذه الشمس؟).

قلت: نعم.

قال: (والله أمرنا أنور وأبين منها، وليقال المهدي في غيبته مات،ر.

ص: 136


1- في الأصل ليست موجودة، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- روي أيضاً في: الكافي 1: 328/ ح 13، و332/ ح 1؛ الإمامة والتبصرة: 118/ باب 31/ ح 112؛ علل الشرائع 1: 245/ باب 179 (علّة الغيبة)/ ح 5؛ كمال الدين: 381/ باب 37/ ح 5؛ كفاية الأثر: 288؛ إثبات الوصيّة: 208.
3- كذا في المصدر، وفي مستدرك الوسائل: (نجران).
4- في الأصل: (التبويه)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

ويقولون بالولد منه، وأكثرهم يجحد ولادته وكونه وظهوره، أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والرسل والناس أجمعين)(1).

* وعنه، عن الحسن بن عيسي، عن محمّد بن علي، عن جعفر، عن أبي الحسن بن(2) موسي بن جعفر عليهم السلام، قال: (إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم، لا يزيلكم أحد عنها فتهلكوا، لا بدَّ لصاحب (الزمان من)(3) هذا الأمر من غيبة حتَّي يرجع عنه من كان يقول فيه فرضاً، وإنَّما هو محنة من الله يمتحن بها خلقه).

قلت: يا سيّدي من الخامس من ولد السابع؟

قال: (عقولكم تصغر عن هذا، ولكن إن تعيشوا فسوف تذكرون).

قلت: يا سيّدي فنموت بشكّ منه؟

قال: (أنا السابع، وابني علي الرضا الثامن، وابنه محمّد التاسع، وابنه علي العاشر، وابنه الحسن حادي عشر، وابنه محمّد سمّي جدّه رسول الله وكنيته المهدي الخامس بعد السابع).

قلت: فرَّج الله عنك يا سيّدي، كما فرَّجت عنّي(4).

* وعنه، عن محمّد بن يحيي الفارسي، عن محمّد بن علي9.

ص: 137


1- روي نحوه في: الإمامة والتبصرة: 125/ ح 125؛ الكافي 1: 336/ ح 3؛ كمال الدين: 347/ ح 35؛ الغيبة للنعماني: 152/ ح 10؛ إثبات الوصيّة: 224.
2- كذا في المصدر، والرواية في المصادر الأخري عن علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام.
3- كذا في الأصل، وليست في المصادر الأخري.
4- نحوه في: مسائل علي بن جعفر: 325/ ح 810؛ الإمامة والتبصرة: 113/ ح 100؛ الكافي 1: 336/ ح 2؛ علل الشرائع 1: 244/ باب 179/ ح 4؛ كمال الدين: 359/ ح 1؛ كفاية الأثر: 268؛ الغيبة للنعماني: 154/ ح 11؛ إثبات الوصيّة: 224 و229.

الصيرفي، عن إبراهيم بن هاشم، عن فرات بن أحنف، عن سعيد بن المسيب، عن زادان، عن سلمان الفارسي، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام فذكر المهدي القائم عليه السلام : (والله ليغيبنَّ حتَّي يقول الجهّال: ما بقي لله في آل محمّد من حاجة، ثمّ يطلع طلوع البدر في وقت تمامه والشمس في وقت إشراقها، فتقرُّ عيون وتعمي عيون)(1).

* وعنه، عن الحسن، عن محمّد بن الحسن، عن عمر بن يزيد، عن الحسن بن أبي الربيع الهمداني، عن إسحاق، عن أسد بن ثعلبة، قال: لقيت أبا جعفر الباقر عليه السلام، فسألته عن هذه الآية: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوارِ الْكُنَّسِ)(2).

قال: (إمام يغيب سنة ستّين ومائتين ثمّ يبدو كالشهاب الثاقب، فإن أدركت زمانه قرَّت عيناك)(3).

* وعنه، عن الحسن بن محمّد بن جمهور، عن علي بن إسماعيل، عن هارون بن مسلم بن سعدان بن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله الصادق، (عن آبائه، عن علي عليه السلام)(4)، في خطبة له مع كميل بن زياد: (اللهم بلي لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة علي خلقه يهديهم إلي دينك ويعلّمهم علمك؛ لئلاَّ تبطل حجَّتك، وليقل(5) أتباع أوليائك).

ص: 138


1- بعض منه في: كمال الدين: 51 و302/ ح 9، و303/ ح 15؛ الغيبة للنعماني: 141.
2- التكوير: 15 و16.
3- نحوه في: الإمامة والتبصرة: 119/ ح 113؛ الكافي 1: 341/ ح 22 و23؛ كمال الدين: 324/ باب 32/ ح 1؛ إثبات الوصيّة: 224؛ الغيبة للنعماني: 149/ ح 6 و7، وفيها: (إمام يخنس) بدلاً من (يغيب).
4- ليست في الأصل، وما أثبتناه من مصادر أخري.
5- كذا في المصدر، وفي كمال الدين ودلائل الإمامة: (ولا يضل).

وشيعتهم بعد إذ هديتهم إلي إمام ظاهر مشهود ليس بمطاع ومكتمن(1)، خائف مغمور يترقَّب، أو غائب عن الناس في حال غيبته، لم يغب عنهم أمره ونهيه ومثوبة علمه، فآياته في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون)(2).

* وعنه، عن الحسن بن جمهور، عن أبيه، عن محمّد بن عبد الله بن مهران الكرخي، عن ماهان الابلي، عن جعفر بن يحيي الرهاوي، عن سعيد بن المسيب، عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخلت علي أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته مفكّراً ينكت في الأرض، قلت: يا مولاي ما لي أراك مفكّراً؟

قال: (في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي، وهو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، يكون له غيبة يضلُّ بها أقواماً، ويهدي بها آخرين، أولئك خيار هذه الأمّة مع أبرار هذه العترة).

فقلت: ثمّ ماذا؟

قال: (يفعل الله ما يشاء، من الرجعة البيضاء والكرّة الزهراء، وإحضار الأنفس الشحّ، والقصاص، والأخذ بالحقّ، والمجازاة بكلّ ما سلف، ثمّ يغفر الله لمن يشاء)(3).

* وعنه، عن النصر بن محمّد بن سنان الزاهري، عن يونس بن ظبيان، عن المفضَّل بن عمر، عن الصادق عليه السلام وهم عنده جمع كثير قد5.

ص: 139


1- كذا في المصدر، وفي كمال الدين ودلائل الإمامة: (أو مكتتم).
2- نحوه بلفظ مختلف في: الكافي 1: 339/ ح 13؛ كمال الدين: 302/ ح 11؛ إثبات الوصيّة: 225.
3- نحوه بلفظ مختلف في: الإمامة والتبصرة: 120/ ح 115؛ الكافي 1: 338/ ح 7؛ كمال الدين: 288/ باب 26/ ح 1؛ الغيبة للنعماني: 60/ ح 4؛ إثبات الوصيّة: 225.

امتلأ بهم مجلسه ظاهره وباطنه وقد قام الناس إليه، فقالوا: يا ابن رسول الله إنَّ الله جلَّ وعلا يقول: (ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَي اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(1) ولسنا نأمن غيبتك عنّا إلي رضوان الله ورحمته، فبيَّن لنا اختيار الله اختيار من هذه الأمّة لنلزمه ولا نفارقه.

فقال: (إنَّ الله عز وجل اختار من الأيّام الجمعة، ومن الليالي ليلة القدر، ومن الشهور شهر رمضان، واختار جدّي رسول الله من الرسل، واختار منه علياً، واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين تسعة أئمّة، وتاسعهم قائمهم ظاهرهم وباطنهم، وهو سميّ جدّه و(كنيّه)(2))(3).

* وعنه، عن الحسن بن مسعود، ومحمّد بن الجليل، قال: دخلنا علي سيّدنا علي العسكري عليه السلام بسامرا وعنده جماعة من شيعته، فسألناه عن أسعد الأيّام وأنحسها؟

فقال: (لا تعادوا الأيّام فتعاديكم).

وسألناه عن معني هذا الحديث؟

فقال: (معناه بين ظاهر وباطن، إنَّ السبت لنا، والأحد لشيعتنا، والاثنين لبني أميّة، والثلاثاء لشيعتهم، والأربعاء لبني العبّاس، والخميس لشيعتهم، والجمعة للمؤمنين، والباطن إنَّ السبت جدّي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والأحد أمير المؤمنين، والاثنين الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد، والأربعاء موسي بن جعفر وعلي بن موسي ومحمّد بن علي وأنا، والخميس ابني الحسن، والجمعة2.

ص: 140


1- الأحزاب: 36.
2- في الأصل: (كنيته)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- نحوه بتفاوت في: كمال الدين: 281/ ح 32.

ابنه الذي تجتمع فيه الكلمة وتتمُّ به النعمة ويحقُّ الله الحقَّ ويزهق الباطل، فهو مهديكم المنتظر)، ثمّ قرأ: ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(1))، ثمّ قال لنا: (والله هو بقية الله)(2).

* وعنه، عن محمّد بن زيد، عن عباد الأسدي، عن الحسن بن حماد، عن عباد بن نهيعة، عن حذيفة بن اليماني(3)، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (أختبرني العبّاس ابني نفيلة من ولدي مهديكم، وقيل: ويل لبني العبّاس من ولدي مهديكم، وهو الذي لا يسمّيه باسمه ظاهراً قبل قيامه إلاَّ كافر به).

* وعنه، عن علي بن الحسن بن فضالة، عن الريان بن الصلت، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: (القائم المهدي بن الحسن لا يري جسمه ولا (يسمّيه)(4) باسمه أحد بعد غيبته حتَّي يراه ويعلن باسمه ويسمعه كلّ الخلق).

فقلنا له: يا سيّدنا وإن قلنا صاحب الغيبة وصاحب الزمان والمهدي؟

قال: (هو كلّه جائز مطلق، وإنَّما نهيتكم عن التصريح باسمه، ليخفي اسمه عن أعدائنا فلا يعرفوه).

* وعنه، بهذا الإسناد، عن الرضا عليه السلام أنَّه قال: (إذا رفع عالمكم وغاب من بين أظهركم فتوقَّعوا الفرج الأعظم من تحت أقدامكم)(5).).

ص: 141


1- هود: 86 .
2- نحوه بتفاوت في: الخصال: 394/ ح 102؛ كمال الدين: 382/ ح 9؛ معاني الأخبار: 123/ ح 1؛ كفاية الأثر: 289؛ إثبات الوصيّة: 225.
3- كذا في المصدر، والصحيح: (اليمان).
4- في الأصل: (يسمّي)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
5- أنظر: الإمامة والتبصرة: 131/ ح 137؛ الكافي 1: 341/ ح 24؛ كمال الدين: 379 و381/ باب 37/ ح 4؛ شرح أصول الكافي 6: 268؛ الغيبة للنعماني: 187/ ح 39؛ إثبات الوصيّة: 226، وفيها: (رفع علمكم).

* وعنه، عن الحسن بن محمّد بن جمهور، عن عبد الله بن جعفر، عن محمّد بن عيسي، عن سليمان بن داود، عن أبي بصير، قال: سمعت الباقر عليه السلام يقول: (في مهدينا المنتظر (سبع سُنن)(1) من آدم أنَّه كان في الجنّة لا يراه أحد إلاَّ حواء حتَّي ظهر منها، وبه نجا نوح في السفينة، وفيه إبراهيم نجا من النار، وفيه يوسف نجا من السجن إلي أن ملَّكه الله خزائن الأرض، وفيه موسي خرج خائفاً يترقَّب وقوله: (فَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ)(2)، ومن عيسي اتّهم(3) لعيسي، قالوا: قتلناه وصلبناه فكذَّبهم الله بقوله: (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)(4)، ومن محمّد (ف--)(5) ظهوره بالسيف).

* وعنه، عن جعفر بن أحمد القصير، عن صالح بن أبي حماد، والحسين بن طريف جميعاً، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: (قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري: إنَّ لي إليك حاجة، فمتي يخفّ عليك أن أخلو بك وأسالك عمَّا شئت؟

قال جابر: في أيّ الأوقات أحببت يا سيّدي، فخلا به أبي في بعض الأيّام فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد اُمّي فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وما أخبرتك اُمّي أيّ شيء مكتوب في اللوح؟ه.

ص: 142


1- في الأصل: (بسبع سنين)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- الشعراء: 21.
3- كذا، والظاهر هو: (اتّهامهم).
4- النساء: 157.
5- في الأصل: (و)، والصحيح ما أثبتناه.

قال جابر: أشهد بالله أنّي دخلت علي اُمّك فاطمة عليها السلام في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فهنَّأتها في ولادة الحسين عليه السلام، ورأيت بيدها لوحاً أخضر ظننت أنَّه زمرّد، ورأيت كتاباً أبيض شبه نور الشمس، قلت لها: بأبي واُمّي يا بنت رسول الله ما هذا اللوح؟ قالت: هذا اللوح (أهداه)(1) الله إلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم فيه اسم أبي واسم بَعلي وأسماء أبنائي وأسماء الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي ليسرّني بذلك.

قال جابر: ثمّ أعطتني إيّاه اُمّك فاطمة فقرأته ونسخته.

فقال أبي: فهل لك يا جابر تعرضه عليَّ؟

قال: نعم، فمشي أبي معه حتَّي انتهي إلي منزل جابر، فأخرج أبي صحيفة من ورق.

وقال: يا جابر أنظر بكتابك لأقرأ عليك.

فنظر جابر بنسخته وقرأ أبي عليه فما خالف حرف لحرف، فقال جابر: أشهد بالله هكذا مكتوب، وهو:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمّد نبيّه ونوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين، عظّم يا محمّد أسمائي واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، أنا الله لا إله إلاَّ أنا، من رجا غير فضلي وخاف غيري عذَّبته عذاباً لا أعذّبه أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبد وعليَّ فتوكَّل، إنّي لم أبعث نبيّاً فأكملت أيّامه وأنقضت مدَّته إلاَّ جعلت له وصيّاً، وإنّي فضَّلتك علي الأنبياء، وفضَّلت وصيّكر.

ص: 143


1- في الأصل: (هداه)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

علي الأوصياء، (وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت حسناً معدن علمي، بعد انقضاء مدَّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي)(1)، وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، وهو أفضل كلّ من استشهد وأعلاهم درجة عندي، وجعلت كلمته التامّة معي وحجَّتي عنده، بعترته أثبت وعاقبت، أوّلهم سيّد العابدين وزين أوليائي العارفين الماضين، وابنه شبيه جدّه المحمود محمّد الباقر لعلمي المعلن بحكمي، سيهلك المرتابون في جعفر الصادق والرادّ عليه كالرادّ عليَّ، حقّاً منّي لأكرمنَّ مثوي جعفر ولأسرّ به أشياعه وأنصاره وأوليائه، تبيح به بعده فتنة عمياء حندس إلاَّ أنَّ حبل فرضي لا ينقطع وحجَّتي لا تخفي وأوليائي لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ألا من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدَّة عبدي موسي وحبلي وخيرتي، إنَّ المكذّب بالثامن مكذّب بكلّ أوليائي، وعلي ابنه ناصري، ومن أضع أعناق النبوّة عليه وأمنحه(2) الاصطلاح(3) إلي جانب مخالفي، حقّ القول منّي لأقرنَّ عينه، سرّي وحجّتي علي خلقي، جعلت الجنّة مثواه، وشفَّعته سبعين من أهل بيته كلّ منهم استوجب النار، وأختم بالسعادة لابنه علي وليّي وناصري، والشاهد في خلقي وأميني علي وحيي، وأخرج منه الداعي إلي سبيلي والخازن لعلمي ابنه الحسن، ثمّ أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال صفوة آدم، ورفعة إدريس، وسكينة نوح).

ص: 144


1- ما بين المعقوفتين أثبتناه من الكافي، وفي المصدر: (وأكرمت شبليه وسبطيه حسناً وحسيناً معدني علمي بعد انقضاء مدَّة أبيهما، وجعلت الحسين بعد أخيه الحسن روحي).
2- كذا في المصدر، وفي الكافي وإعلام الوري: (وامتحنه).
3- كذا في المصدر، وفي الكافي وإعلام الوري: (بالاضطلاع).

وحلم إبراهيم، وشدّة موسي، وبهاء عيسي، وصبر أيّوب، ستُذلّ أوليائي في غيبته وتتهادي رؤوسهم كما تتهادي رؤوس الترك والديلم، ويقتلون ويحرقون، ويكونون خائفين وجلين، تضيق بهم الأرض ويفتنون، ويفشو الويل والرنة في نساءهم، أولئك أوليائي حقّاً، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل وأرفع الآصار والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).

قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير جدّي لأبي: لو لم تسمع يا ابني في دهرك إلاَّ هذا الحديث لكفاك، فصنه إلاَّ عن أهله(1).

* وعنه، عن محمّد بن يحيي الفارسي، عن أبي الحسين، عن أبي محمّد بن جعفر الأسدي، قال: حدَّثني أحمد بن إبراهيم، قال: دخلت علي إبراهيم بن خديجة بنت محمّد بن علي الرضا عليه السلام في سنة اثنتين وستّين ومائتين بالمدينة، فكلَّمتها من وراء حجاب وسألتها عن أيمَّتها فسمَّت من (تأتم)(2) بهم، ثمّ قالت: فلان ابن الحسن بن علي، فقلت لها: جُعلت فداك تقولين معاينة أو خبراً؟

قالت: عن أبي محمّد عليه السلام كتب به إلي اُمّه.

فقلت لها: وأين الولد؟

قالت: مستور.

قلت: إلي من تفزع الشيعة؟ن.

ص: 145


1- أنظر الإمامة والتبصرة: 103/ باب 27/ ح 92؛ الكافي 1: 527/ ح 3؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 48/ ح 2؛ كمال الدين: 308/ باب 28/ ح 1؛ الغيبة للنعماني: 62/ ح 5، وألفاظها مختلفة مع اتّحاد كامل في المعني.
2- في الأصل: (أنتم)، والصحيح ما أثبتناه من كمال الدين.

قالت: إلي الجدّة اُمّ الحسن عليهما السلام.

قلت: فمن اقتدي في وصيّته إلي امرأة؟

فقالت: اقتدي بجدّه الحسين بن علي، أوصي لأخته زينب ابنة علي في الظاهر، فكلّ ما يخرج من علي بن الحسين عليه السلام من علم ينسب إلي عمَّته زينب ستراً علي علي بن الحسين عليه السلام، ثمّ قالت: إنَّكم قوم أصحاب أخبار أمَا رويتم عن سابع سبعة ولد من الحسين بعد الخمسة من ولد أمير المؤمنين يقسم ميراثه وهو حيّ؟ فلمَّا نشا صاحب الزمان عليه السلام نشا منشا آبائه عليهم السلام وقام بأمر الله عز وجل سراً إلاَّ عن ثقاته وثقات آبائه(1).

* وعنه، عن محمّد بن إسماعيل الحسني، (عن)(2) أبي الحسن صاحب العسكر احتجب عن كثير من الشيعة إلاَّ عن خواصّه، فلمَّا أفضي الأمر إلي أبي الحسن عليه السلام كان يكلّم الخواصّ وغيرهم من وراء الستر إلاَّ في (الأوقات)(3) التي يركب فيها إلي دار السلطان، وإنَّما ذلك مقدّمة (إلاَّ)(4) لغيبة صاحب الزمان عليه السلام، في تاسع عشر من الوقت توفّي المعتمد وبويع لأحمد بن موفق وهو المعتضد في رجب في سنة تسعة وسبعين ومائتين، في سنة تسعة وعشرين من الوقت توفي المعتضد وبويع لابنه علي المكتفي في شهر ربيع الآخر سنة تسعة وعشرين وهي سنة تسعة وثمانين من التاريخ، وفي سنة خمسة وثلاثين من الوقت توفّي المكتفي وبويع لجعفر المقتدر بالله بذي القعدة سنة خمسة وتسعينة.

ص: 146


1- كمال الدين: 501/ ح 27.
2- كذا، والظاهر أنَّها: (أنَّ).
3- في الأصل: (الأوقاب)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
4- كذا، والظاهر أنَّها زائدة.

ومائتين، وكانت كتبه ودلائله وتوقيعاته عليه السلام تخرج علي يد أبي شعيب محمّد بن نصير بن بكر النميري البصري، فلمَّا توفي خرجت علي يد جدَّته اُمّ أبي محمّد عليه السلام وعلي ابنه محمّد بن عثمان(1).

* وعنه، قال: حدَّثني محمّد بن جمهور، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار، قال: شككت بعد مضي أبي محمّد عليه السلام، اجتمع عند أبي مال كثير فحمله وركب السفينة وخرجت معه مشيّعاً، فوعك وعكاً شديداً، فقال: يا ابني ردني فهذا الموت، وقال: اتّق الله في هذا المال، وأوصاني ومات.

فقلت في نفسي: لم يكن أبي أوصاني في شيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلي العراق وأستكري داراً علي الشطّ ولا أخبر أحداً بشيء، فإن وضح لي شيء كوضوح أيام أبي محمّد عليه السلام أنفذته أو رجعت به، وقدمت بغداد واستكريت داراً علي الشطّ وبقيت أيّاماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: يا أبا محمّد، معك كذا في جوف كذا حتَّي قصَّ عليَّ جميع ما علمته وما لم أعلمه، فسلَّمته للرسول وبقيت أيّاماً لا يراجع بي رسول فاغتممت، فخرج الأمر: (قد أقمناك في مال لنا مقام أبيك فاحمد الله واشكره)(2).

* وعنه، عن أبي القاسم سعد بن أبي خلف، قال: كان الحسن بن النصر وأبو صدام وجماعة تكلَّموا معي بعد مضي أبي الحسن عليه السلام فير.

ص: 147


1- هكذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّ الصحيح وجود سقط في العبارة حيث لم يذكر عثمان بن سعيد رضوان الله عليه.
2- أنظر: الكافي 1: 518/ ح 5، باختلاف يسير.

ما كان في يد الوكلاء (وأرادوا الفحص)(1)، فجاء الحسن بن النصر إلي أبي صدام فقال: أريد الحجّ.

فقال أبو صدام: في آخر هذه السنة.

فقال له الحسن: إنّي أفزع في المنام ولا بدَّ من أن أخرج، فأوصي إلي أحمد بن حماد، وأوصي إلي الناحية بمال وأمره أن لا يخرج شيئاً إلاَّ من يده إلي يده بعد ظهوره - يعني: صاحب الزمان عليه السلام - قال الحسن بن النصر: وافيت إلي بغداد فاكتريت داراً ونزلتها، فجاءني بعض الوكلاء بكتاب ودنانير وخلَّفها عندي.

فقلت له: ما هذا؟

فقال: هو ما تري، ثمّ جاءني آخر بمثلها وآخر حتَّي كبسوا الدار، ثمّ جاءني أحمد بن إسحاق بجميع ما كان معي فتعجَّبت وبقيت متفكّراً، فوردت عليَّ رقعة: (ارحل إذا مضي من النهار سبع ساعات)، فرحلت وحملت ما كان معي، وفي الطريق صعاليك يقطعون الطريق بين بغداد وسامراء في ستّين رجلاً ولهم رئيس صعلوك فاجتزت به وهو يراني منه، فوافيت العسكر ونزلت، فوردت عليَّ رقعة: (احمل ما معك)، فسلَّمني الله وعبَّيته في صار الحمّالين، فلمَّا بلغت به الدهليز إذا فيه خادم أسود نائم، فقال لي: أنت الحسن بن النصر؟

فقلت: نعم.

فقال: ادخل الدار، فدخلت ونزلت في بيت، وفرغت صار الحمّالين، فإذا في زوايا البيت خبز كثير، فأعطي كلّ واحد من الحمّالينر.

ص: 148


1- ما بين المعقوفتين أثبتناه من الكافي وبه تستقيم العبارة، وفي المصدر: (وازدادوا القبط)، وهو تصحيف ظاهر.

رغيفين، فخرجوا، فنظرت إلي باب عليه ستر فنوديت منه: يا حسن بن النصر، احمد الله علي ما منَّ عليك ولا تسكن إلي قول الشيطان، إنَّك شككت، وأخرج إليَّ ثوبين فقال: خذهما؛ فإنَّك تحتاج إليهما، فأخذتهما وخرجت، فقال أبو القاسم: انصرف الحسن بن النصر بشهر رمضان ومات وكفَّنته في الثوبين.

* وعنه، عن محمّد بن جعفر الكوفي، عن أبي خالد البصري وكان يسمّي عبد ربّه، قال: خرجت في طريق مكّة بعد مضي أبي محمّد عليه السلام بثلاث سنين، فوردت المدينة وأتيت صاريا، فجلست في ظلّة كانت لأبي محمّد عليه السلام وكان سيّدي أبو محمّد رام أن أتعشّي عنده، وأنا أفكّر في نفسي فلو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين، فإذا بهاتف يقول لي أسمع صوته ولا أري شخصه: (يا عبد ربّه قل لأهل مصر: هل رأيتم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حيث آمنتم به؟).

قال: ولم أكن أعرف اسم أبي، وذلك أنّي خرجت من مصر وأنا طفل صغير، فقلت: إنَّ صاحب الزمان بعد أبيه حقّ، وأنَّ غيبته حقّ، وأنَّه الهاتف بي، فزال عنّي الشكّ وثبت اليقين(1).

* وعنه، عن محمّد بن الحسن بن عبد الحميد القطاني، قال: شكّ الحسن بن عبد الحميد في أمر حجر الوشا فجمع مالاً، وخرج إليه الأمر في سنة ستّين: (ليس فينا شكّ ولا في من يقوم بأمرنا، فاردد ما معك إلي حجر بن يزيد)(2).

* وعنه، عن أبي علي وأبي عبد الله المهدي، عن محمّد بن عبد الله وأبي عبد الله بن علي المهدي عليه السلام، عن محمّد السوري، عن أبير.

ص: 149


1- أنظر: كمال الدين: 491/ ح 15، باختلاف في الألفاظ.
2- أنظر: الكافي 1: 521/ ح 14؛ كمال الدين: 498/ ح 23، باختلاف كثير.

الحسن أحمد بن الحسن وعلي بن رزق الله، عن بدر غلام أحمد بن الحسن، قال: وردت الجبل وأنا أقول بالإمامة وأحبّهم جملة، إلي أن مات زيد بن عبيد الله وكان من موالي أبي محمّد عليه السلام ومن جند ذكوتكين، فأوصا في علَّته أن يدفع شهري(1) كان معه وسيف ومنطقة إلي مولاه صاحب الزمان عليه السلام، قال بدر: فخفت أن أقعد فيلحقني ذلك سرّاً من ذكوتكين، فقومت الشهري والسيف والمنطقة بتسع مائة دينار وما كنت والله أعلمت به أحداً، فحملت من مالي مثله(2).

* وعنه، عن أبي حامد المراغي أنَّ القاسم بن المعلّي الهمداني كتب يشكو قلّة الولد، وكان من وقت كتب إلي أن رزق ولداً ذكراً تسعة أشهر، ثمّ كتب يسأل بالدعاء بإطالة الحياة لولده، فورد الدعاء له في نفسه ولم يجب في ولده شيئاً، فمات الولد فمنَّ الله فرزق ابنين.

* وعنه، عن محمّد بن يحيي الفارسي، قال: حدَّثني الفضل الخزّاز المدني مولي خديجة ابنة أبي جعفر عليه السلام : أنَّ قوماً من أهل المدينة الطاغين كانوا يقولون الحقّ، فكانت الوظائف ترد عليهم في وقت معلوم، فلمَّا مضي أبو محمّد عليه السلام رجع قوم منهم عن القول بالخلف عليه السلام، فوردت الوظائف علي من ثبت علي الإقرار به بعد أبيه عليه السلام، وقطع عن الباقين فلم يعد إليهم(3).

* وعنه، عن أبي الحسن أحمد بن عثمان العمري، عن أخيه أبي جعفر بن عثمان، قال: حمل رجل من أهل السواد مالاً كثيراً إلي صاحب).

ص: 150


1- الشهري: اسم فرس. (مجمع البحرين 3: 357).
2- المحاسن 1: 30؛ الكافي 1: 522/ ح 16، بإختلاف يسير في الألفاظ غير مخل بأصل المعني.
3- أنظر: الكافي 1: 518/ ح 7، وفيه: (الطالبيين) بدلاً من (الطاغين).

الزمان عليه السلام، فردَّ عليه وقيل له: (أخرج حقّ أولاد عمّك منه أربعمائة درهم)، وكان في يده قرية لولد عمّه دفع إليهم بعضاً وزوي عنهم بعضاً، فبقي باهتاً متعجّباً، ونظر في حساب المال فإذا الذي لولد عمّه أربعمائة درهم كما قال عليه السلام (1).

* وعنه، عن أبي الحسن العمري، قال: كتب محمّد داود إلي الناحية يسأل الدعاء لوالديه وإخوته، وخرج التوقيع: (غفر الله لك ولوالديك (ولإخوانك المتوفاة بكلّ كلّ)(2))، ولم يذكر الباقين.

* وعنه، عن أبي الحسن العمري، قال: حمل رجل من القائلين مالاً إلي صاحب الزمان عليه السلام مفصّلاً بأسماء قوم مؤمنين، وجعل بين كلّ اسمين فصلاً، وحمل عشر دنانير باسم امرأة لم تكن مؤمنة، فقبل مال الجميع ووقع في فصوله، وردَّت عليَّ العشر دنانير علي الامرأة ووقع تحت اسمها: (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

* وعنه، قال: حدَّثني عبد الله الشيباني، قال: أوصلت مالاً وحلياً للمرزباني، كان فيه سوار ذهب، فقبل الجميع ورُدَّ السوار، وأمرني بكسره، فجئت إلي المرزباني فعرَّفته ما رُدَّ به صاحب الأمر، فكسرناه فوجدنا فيه مثقال حديد ونحاس وغيره، فأخرجناه ورددناه إليه فقبله(3).

* وعنه، قال: حدَّثني أبو الحسن الجلتيتي(4)، كان لي أخ علي).

ص: 151


1- أنظر: الإمامة والتبصرة: 140/ ح 162؛ الكافي 1: 519/ ح 8؛ كمال الدين: 486/ باب 45/ ح 6، باختلاف في اللفظ.
2- في كمال الدين: (ولأختك المتوفاة الملقّبة كلكي، وكانت هذه امرأة صالحة...).
3- أنظر: الكافي 1: 518/ ح 6.
4- كذا في المصدر، وفي عيون المعجزات: (الجليسي)، وفي مدينة المعاجز: (الحليسي).

الفرح(1) مالاً فأعطاني بعضه في حياته ومات، فطمعت في تمامه بعد موته في سنة إحدي وسبعين، واستأذنت في الخروج إلي ورثته إلي واسط فلم يؤذن لي، فاغتممت، فلمَّا مضت لذلك مدَّة كتب إليَّ مبتدياً بالأذان والخروج، وأنا آيس، فقلت: لم يؤذن لي في قرب موته، وأذن لي بهذا الوقت، فلمَّا وصلت إلي القوم اُعطيت حقّي عن آخره.

قال: وسرت إلي العسكر فمرضت مرضاً شديداً حتَّي آيست من نفسي، فظننت أنَّ الموت بعث إليَّ، فإذا أتاني من الناحية قارورة فيها بنفسج مربي من غير السؤال(2)، فكنت آكل منها علي غير مقدار، فكان يروي عند فراغي منها وفيما كان فيها (3).

* وعنه، قال: حدَّثني عبد الله بن المرزبان، عن أحمد بن الخصيب، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار، قال: أنفذت مالاً إلي الناحية، فقيل: (إنَّك غلظت علي نفسك في الصروف بثمانية وعشرين ديناراً)، فرجعت إلي الحساب فوجدت الأمر كما وقع به.

* وعنه، قال: حدَّثني محمّد بن عبّاس القصيري، قال: كتبت في سنة ثلاثة وسبعين إلي الناحية أسال الدعاء بالحجّ ولم يكن عندي ما يحملني، وأن أرزق السلامة وأن اُكفي أمر بناتي، فوقَّع تحت المسألة، سألت بالدعاء عليها فرزقت الحجّ والسلامة، ومات لي ثلاث بنات من السنة.

* وعنه، قال: حدَّثني أبو العبّاس الخالدي، قال: كتب رجلان من إخواننا بمصر إلي الناحية يسألان صاحب الزمان عليه السلام في جملين،ظ.

ص: 152


1- كذا.
2- كذا في المصدر، وفي المصادر الأخري: (من غير أن أسأله ذلك).
3- أنظر: كمال الدين: 493/ باب 45/ ح 18، باختلاف يسير في الألفاظ.

فخرج الدعاء لأحدهما بالبقاء، وخرج الآخر: (وأمَّا أنت يا حمدان فآجرك الله بجملك)، فمات الجمل الذي له.

* وعنه، قال: حدَّثني أبو الحسن علي بن الحسن اليماني، قال: كنت بالكوفة فتهيَّأت قافلة لليمانيين، فأردت الخروج معهم، وكنت ألتمس الأمر من صاحب الزمان، فخرج إليَّ الأمر: (لا تخرج مع هذه القافلة، فليس لك بالخروج معهم خير، وأقم بالكوفة).

قال: فقمت كما أمرني، وخرجت القافلة، فخرجت عليهم حنظلة فأباحتهم.

قال: وكتبت أستاذن في ركوب الماء من البصرة، فلم يؤذن لي، وسارت المراكب، فسألت عنها فخبرت أنَّ خيلاً من الهند يقال لهم: البوازج خرجوا فقطعوا عليهم، فما سلم أحد منهم، فخرجت إلي سامراء فدخلتها غروب الشمس، ولم أكلّم أحداً، ولم أتعرَّف إلي أحد حتَّي وصلت إلي المسجد الذي بإزاء الدار، قلت: اُصلّي فيه بعد فراغي من الزيارة، فإذا أنا بالخادم الذي كان يقف علي رأس السيّدة نرجس عليها السلام، فجاءني وقال: قم، فقلت: إلي أين، ومن أنا؟

قال: أنت أبو الحسن علي بن الحسن اليماني، رسول جعفر بن إبراهيم (حاطه الله)، فمرَّ بي حتَّي أنزلني في بيت الحسين بن حمدان، ثمّ سارّه، فلم أدرِ ما أقول(1) حتَّي أتاني بجميع ما أحتاج إليه، فجلست ثلاثة أيّام ثمّ استأذنت في الزيارة من داخل، فأذن(2) لي فزرت ليلا (3).ظ.

ص: 153


1- في الكافي: (ما قال له).
2- أثبتناه من الكافي.
3- أنظر: كمال الدين: 491/ باب 45/ ح 14، باختلاف في الألفاظ.

وورد كتاب أحمد بن إسحاق، في السنة(1) بحلوان في حاجتين، فقضيت له واحدة، وقيل له في الثانية: (إذا وافيت قم كتبنا إليك فيما سألت)، وكانت الحاجة أنَّه كتب يستعفي من العمل فإنَّه قد شاخ ولا يتهيَّأ له القيام به، فمات بحلوان.

* وعنه، قال: حدَّثني أبو جعفر محمّد بن موسي القمي، قال: خرجت إلي سامرا مع ابن أحمد الشعيباني، وكتبت رقعة إلي السيّدة نرجس عليها السلام اُعرّفها بقدومي لزيارة مولاي عليه السلام وأنفذتها مع بدر الخادم المعروف بأبي الحرّ، فانصرفت فإذا بالرسول يطلبني، فجئت وعلي بن أحمد وقد دفع إلي أبي دينارين وأربع رقع، فقال لي علي بن أحمد: لولا أنَّه ذهب لأخذ بعضه من الخادم.

فقال: خذ الدينارين.

فقلت: لا، هذه قد أمرت أن ينكسني بها.

فقال ابن أحمد: أكتب رقعة واسألهم الدعاء.

فقلت: حتَّي أستأذن الخادم، فإن أذن لي كتبت، فجئت إلي بدر فعرَّفته علي بن أحمد ومذهبه، وأعلمته أنَّه يريد يكتب رقعة، وإنّي أردت أن أستاذن له.

فقال لي: تعود إليَّ بعد هذا الوقت، فانصرفت، فجاءني رسول الخادم، فسرت إليه وعلي بن أحمد، قال: اُكتب بما تريد، فكتبت رقعة أسأل فيها الدعاء، وانصرفنا، فلمَّا كان بالعشي جاءني رسول الخادم، فسرنا إليه جميعاً فدفعت إليه رقعة، فدعا له فيها ودفع إليه ستّة دراهم، وقيل له: رصّع منها الخواتم.).

ص: 154


1- في مدينة المعاجز: (في السنة التي مات فيها).

* وعنه، عن أبي محمّد عيسي بن مهدي الجوهري، قال: خرجت في سنة ثمانية وستّين ومائتين إلي الحجّ، وكان قصدي المدينة وصاريا، حتَّي صحَّ عندنا أنَّ صاحب الزمان عليه السلام رحل من العراق إلي المدينة، فجلست بالقصر بصاريا في ظلّة أبي محمّد عليه السلام، ودخل عليه قوم من خاصّة شيعته، فخرجت بعد أن حجّيت ثلاثين حجّة في تلك السنة حاجّاً مشتاقاً إلي لقائه عليه السلام بصاريا، فاعتللت وقد خرجنا من فيد، فتعلَّقت نفسي بشهوة السمك واللبن والتمر، فلمَّا وردت المدينة الملاية(1) وافيت فيها إخواننا فبشّروني بظهوره عليه السلام بصاريا، فلمَّا أشرفت علي الوادي رأيت عنوزا(2) عجافاً تدخل القصر، فوقفت أرتقب الأمر إلي أن صلّيت العشاءين وأنا أدعو وأتضرَّع وأسأل، وإذا ببدر الخادم يصيح بي: يا عيسي بن مهدي الجوهري الجنبلاني أدخل، فكبَّرت وهلَّلت وأكثرت من حمد الله عز وجل والثناء عليه، فلمَّا صرت في صحن دار القصر فرأيت مائدة منصوبة، فمرَّ بي الخادم وأجلسني عليها، وقال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت بعلَّتك وأنت خارج من فيد.

فقلت في نفسي: حسبي بهذا برهاناً، فكيف آكل ولم أرَ سيّدي ومولاي؟!

فصاح: (يا عيسي كُلْ من طعامي فإنَّك تراني).

فجلست علي المائدة ونظرت فإذا عليها سمك حار يفور وتمر إلي جانبه أشبه التمر بتمرنا بجنبلا وجانب التمر لبن ولي، فقلت في نفسي: عليك ونفه وسمك ولبن ولي وتمر، فصاح: (يا عيسي لا تشكّ في أمرنا،).

ص: 155


1- كذا في الأصل، وليست في المصادر الأخري.
2- كذا في المصدر، وفي بحار الأنوار: (عنيزات).

أنت أعلم بما ينفعك ويضرّك؟). فبكيت واستغفرت الله وأكلت من الجميع، وكلَّما رفعت يدي لم يبن فيه موضع، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا، فأكلت منه كثيراً حتَّي استحييت، فصاح: (يا عيسي لا تستحي فإنَّه من طعام الجنّة لم تصنعه يد مخلوق).

فأكلت فرأيت نفسي لا تشتهي من أكله، فقلت: يا مولاي حسبي.

فصاح بي: (أقبل إليَّ).

فقلت في نفسي: ألقي مولاي ولم أغسل يدي.

فصاح بي: (يا عيسي وهل لما أكلت غمر؟).

فشممت يدي فإذا هي أعطر من المسك والكافور، فدنوت منه عليه السلام فبدا لي شخص أغشي بصري، ورهبت حتَّي ظننت أنَّ عقلي قد اختلط، فقال لي: (يا عيسي ما كان لكم أن تروني، ولولا الملا تقول: أين هو كان، متي يكون، وأين ولد، ومن رآه، وما الذي خرج إليكم منه، وبأيّ شيء أنباكم، وأيّ معجزة أراكم؟ أمَا والله لقد دفعوا أمير المؤمنين عمَّا أراده وقدَّموا عليه وكادوه وقتلوه، وكذلك فعلوا بآبائي عليهم السلام ولم يصدّقوهم ونسبوهم إلي السحر والكهانة وخدمة الجن، لما رأيتني يا عيسي أخبر أولياءنا بما رأيت، وإيّاك أن تخبر عدوّاً لنا فتسلبه).

فقلت: يا مولاي أدع لنا بالثبات.

فقال لي: (لو لم يثبّتك الله لما رأيتني، فامض لحجّك راشداً)، فخرجت من أكثر الناس حمداً وشكراً.

* وعنه، قال: حدَّثني محمّد بن سنان الزاهري، عن الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن جدّه الحسين، عن عمّه الحسن، عن أمير المؤمنين،

ص: 156

عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: (إذا (توالت)(1) أربعة أسماء من الأئمّة من ولدي فرابعهم القائم المؤمَّل المنتظر).

* وعنه، قال: حدَّثني علي بن الطيب الصابوني، عن علي بن مهزيار، عن محمّد بن خلف الطاطري، عن الحسن بن سماعة، عن جابر المعبراني، عن أبي حمزة الثمالي، عن محمّد الباقر، عن أبيه، عن جدّه الحسين عليهم السلام قال: دخلت أنا وأخي الحسن علي جدّي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فأجلسني علي فخذه وأجلس أخي علي فخذه الآخر، وقبلنا وقال: (بأبي واُمّي أنتما من إمامين زكيين صالحين اختاركما الله عز وجل منّي ومن أبيكما واُمّكما، واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمّة تاسعهم قائمهم و(كلّكم)(2) في المنزلة سواء)(3).

* وعنه، قال: حدَّثني الحسن بن محمّد بن جمهور، عن أبيه محمّد، عن كثير بن عبد الله، عن المفضَّل بن عمر، قال: دخلت علي جعفر الصادق عليه السلام فقلت: يا سيدي لِمَ لا عهدت إلينا بالخلف من بعدك؟

فقال: (يا مفضَّل الإمام بعدي ابني موسي، والخلف المؤمَّل المنتظر محمّد بن الحسن بن علي)(4).

* وعنه، قال: حدَّثني علي بن الحسن المقري الكوفي، عن أحمد بن زيد الدهان، عن المخول بن إبراهيم، عن رشدة بن عبد الله بن خالد المخزومي، عن سلمان، قال: دخلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فنظر إليَّر.

ص: 157


1- في الأصل: (تواتت)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- في الأصل: (كلاكما)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- أنظر: كمال الدين: 369/ باب 24/ ح 12.
4- أنظر: كمال الدين: 324/ ح 4، باختلاف يسير.

وقال: (يا سلمان، الله تبارك وتعالي لم يبعث نبيّاً ولا رسولاً إلاَّ جعل له اثني عشر نقيباً).

قال: قلت له: يا رسول الله، قد عرفت هذا من أهل الكتابين التوراة والإنجيل.

قال: (يا سلمان، فهل علمت من نقبائي، ومن الاثني عشر الذين اختارهم الله للأمّة من بعدي؟).

فقلت: الله ورسوله أعلم.

فقال: (يا سلمان، خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فأطعته، وخلق من نوري علياً ودعاه فأطاعه، وخلق من نوري ومن نور علياً فاطمة ودعاها فأطاعته، وخلق منّي ومن علي وفاطمة الحسن ودعاه فأطاعه، وخلق منّي ومن علي وفاطمة والحسن الحسين(1) ودعاه فأطاعه، فسمّانا الخمسة الأسماء من أسمائه، الله محمود وأنا محمّد، والله العلي وهذا علي، والله فاطر وهذه فاطمة، والله الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسين، ثمّ خلق منّا ومن صلب الحسين تسعة أئمّة ودعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق الله سماءً مبنيّة وأرضاً مدحيّة وهواءً وماءً وملكاً، وأشركنا(2) بعلمه، نوراً نسبّحه ونسمع له ونطيع).

قال سلمان: قلت: يا سيّدي يا رسول الله، فديتك بأبي أنت واُمّي (ما)(3) لمن عرف عنّي هذا؟ر.

ص: 158


1- في النسخة المطبوعة زيادة الواو.
2- كذا في المصدر، وفي بحار الأنوار عن منتخب البصائر: (وكنّا).
3- ليست في الأصل، وما أثبتناه فمن المصادر.

فقال: (يا سلمان من عرفهم حقّ معرفتهم، واقتدي بهم، ووالي وليّهم، وتبرَّأ من عدوّهم، فهو والله منّا يرد حيث نرد ويسكن حيث نسكن).

فقلت: يا رسول الله فهل (يكون إيمان)(1) بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم؟

فقال: (لا يا سلمان).

فقلت: يا رسول الله قد عرفتهم (إلي)(2) الحسين، (قال:)(3) (ثمّ سيّد العابدين علي بن الحسين، وابنه محمّد بن علي باقر علم الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين، ثمّ جعفر بن محمّد لسان الله الصادق، ثمّ موسي بن جعفر الكاظم الغيظ صبراً في الله عز وجل، ثمّ علي بن موسي الرضا لأمر الله، ثمّ محمّد بن علي المختار من خلق الله، ثمّ علي بن محمّد الهادي إلي الله، ثمّ الحسن بن علي الأمين علي سرّ الله، ثمّ محمّد بن الحسن الهادي المهدي الناطق القائم بحقّ الله).

قال سلمان: فبكيت، ثمّ قلت: يا رسول الله فأنّي لسلمان بإدراكهم؟

قال: (يا سلمان إنَّك مدركهم، ومثلك من توالاهم لحفظ المعرفة).

فقال سلمان: فشكرت الله كثيراً، ثمّ قلت: يا رسول الله إنّي مؤجّل إلي عهده؟

قال: (يا سلمان اقرأ: (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثمّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)(4)).6.

ص: 159


1- في الأصل: (تكون الجنات)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- ليست في الأصل، وما أثبتناه فمن المصادر.
3- ليست في الأصل، وما أثبتناه فمن المصادر.
4- الإسراء: 5 و6.

قال سلمان: واشتدَّ بكائي وشوقي، ثمّ قلت: بعهد منك؟

قال: (والذي بعث محمّداً إنَّه لعهدي ومن علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الأئمّة وكلّ من هو منّا مظلوماً فينا، أي والله يا سلمان ثمّ ليحضرنَّ إبليس وجنوده وكلّ من محض الإيمان محضاً ومحض الكفر محضاً، ثمّ يؤخذ بالقصاص والأوتار ولا يظلم ربّك أحداً، ونحن تأويل هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(1)).

قال سلمان: فقمت من بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولا أبالي متي لقيني الموت أو لقيته(2).

* وعنه، قال: حدَّثني علي بن الحسين الكوفي، قال: حدَّثني وهب بن عبد الله، عن محمّد بن جبلة، عن الحسين بن معمر، عن خالد بن محمّد، عن جابر الجعفي، قال: سمعت الباقر عليه السلام يقول عن تأويل قول الله عز وجل: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَْرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)(3) فتنفَّس صعداً ثمّ قال: (يا جابر أمَّا السنة جدّي رسول الله، وشهورها الاثنا عشر من جدّي أمير المؤمنين إلي الخلف المهدي من ولد الحسين اثنا عشر إمام.

وأمَّا الأربعة الحُرم منّا فهم أربعة أئمّة باسم واحد علي أمير المؤمنين، وعلي بن الحسين، وعلي بن موسي، وعلي بن محمّد، والإقرار6.

ص: 160


1- القصص: 5 و6.
2- أنظر: مصباح الشريعة: 63؛ دلائل الإمامة: 448، باختلاف في الألفاظ.
3- التوبة: 36.

بهؤلاء الدين القيّم، فلا تظلموا فيهنَّ أنفسكم وتجعلوهم بالسواء جميعاً)(1).

* وعنه، بهذا الإسناد، عن جابر الجعفي، قال: قال سيّدي الباقر عليه السلام في قول الله: (وَإِذِ اسْتَسْقي مُوسي لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَْرْضِ مُفْسِدِينَ)(2)، قال: (لمَّا شكي قوم موسي إليه الجدب والعطش فاستسقوا موسي فسقاهم فسمعت ما قال الله له، ومثل ذلك جاء المؤمنون إلي جدّي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقالوا له: يا رسول الله تعرّفنا من الأئمّة من بعدك، فما مضي من نبيّ إلاَّ وله وصيّ وأئمّة من بعده، وقد علمنا أنَّ علياً وصيّك، فمن الأئمّة بعدك؟

فأوحي الله: قد زوَّجت علياً بفاطمة في سمائي تحت ظلّ عرشي، وجعلت جبرائيل خطيبها، وميكائيل وليّها، وإسرافيل القابل عن علي، وأمرت شجرة طوبي فنثرت اللؤلؤ الرطب واليواقيت والزبرجد الأخضر والأحمر والأصفر ومناشير مخطوطة بالنور فيها أمان الملائكة من سخطي وعذابي، ونشر علي فاطمة تلك المناشير في أيدي الملائكة يفتخرون بها في يوم القيامة وفصل الخطاب، وجعلت نحلتها من علي (ونحلتها أعني)(3) خمس الدنيا وثلثي الجنّة، وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار الفرات ونيل مصر وسيحان وجيحان، فزوّجها أنت يا محمّد بخمسمائة درهماً تكون إسوة بها لأمّتك ولابنتك، فإذا زوّجت فاطمة مني.

ص: 161


1- أنظر: الغيبة للطوسي: 149/ ح 110، باختلاف في اللفظ.
2- البقرة: 60.
3- كذا في الأصل، وليست موجودة في المصادر الأخري.

علي فعلي العصا وفاطمة الحجر يخرج منها (أحد)(1) عشر إماماً من علي وتتمّ اثني عشر (إماماً)(2) بعلي حياة لأمّتك تهدي كلّ أمّة بإمامها في زمانه ويعلمون كلَّما علم موسي. فهذا تأويل هذه الآية، وكان بين تزويج فاطمة عليها السلام في السماء وتزويجها في الأرض أربعون يوماً)(3).

* وعنه، عن أبي الحسين محمّد بن يحيي الفارسي، عن هارون بن زيد الطبرستاني، عن المخول بن إبراهيم، عن محمّد بن خالد الكناسي الكوفي، عن يونس بن ظبيان، عن المفضَّل بن عمر، عن جابر الأنصاري، قال جابر: بعث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي سلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود الكندي، وأبي ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمّار بن ياسر، وحذيفة بن اليماني، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبو الهيثم مالك بن التيهان الأشهلي، وأبي الطفيل عامر بن واثلة وسويد بن غفلة، وسهل وعثمان (ابني حنيف)(4) ويزيد السلمي، فحضرنا يوم جمعة ضحي، فلمَّا اجتمعنا بين يديه وأمير المؤمنين عليه السلام عن يمينه، وأمر عليه السلام بأن لا يدخل أحد، وكان أنس في ذلك الوقت خادمه فأمره بالانصراف إلي منزله، ثمّ أقبل علينا بوجهه الكريم علي الله وقال لنا: (ابشروا؛ فإن الله منَّ علينا بفضله وعلم ما في أنفسنا من الخلاص(5) له، والإيمان به، والإقرار بوحدانيته وبملائكته وكتبه ورسله، وعلم وفّاكم(6) الجنّة بغير حساب، أنتم ومن كان كما أنتم عليه من مضي ومن يأتي إلي يوم القيامة).ة.

ص: 162


1- في الأصل: (إحدي)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- في الأصل: (إمام)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- أنظر: دلائل الإمامة: 92، باختلاف في الألفاظ.
4- في الأصل: (عثمان وعثمان)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
5- كذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّه: (الإخلاص).
6- كذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّ الصحيح وجود سقط في العبارة.

قال جابر: فرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يبشّرنا ويحدّثنا ودموعه تجري، ودموعنا تهطل(1) لبكائه ولفضل الله علينا ورحمته لنا، ورأفته بنا، فسجدنا شكراً لله، وأردنا الكلام فقطعتنا عنه الرقّة والبكاء، فقال لنا: (فإن بكيتم قليلاً لنضحككم(2) كثيراً، وإنّي أبشّركم بما أعلمه منكم أنَّكم تحبّون مسألتي عنه، ولو فقدتموني وسألتم أخي علياً لأخبركم به).

فجهرنا بالبكاء والشكر والدعاء، فقال لنا صلي الله عليه وآله وسلم: (تحاولون مسألتي عن بدو كوني، واعلموا رحمكم الله أنَّ الله تقدَّست أسماؤه وجلَّ ثناؤه كان ولا مكان ولا كون معه، ولا سواه أحد في فردانيته، صمد في أزليته، مشيء لا شيء معه، فلمَّا شاء أن يخلق خلقني بمشيئته، وإرادته لي نوراً، وقال لي: كن فكنت نوراً شعشعانياً، أسمع وأبصر وأنطق بلا جسم ولا كيفية، ثمّ خلق منّي أخي علياً، ثمّ خلق منّا فاطمة، ثمّ خلق منّي ومن علي وفاطمة الحسن، وخلق منّا الحسين، ومنه ابنه علي، وخلق منه ابنه محمّداً، وخلق منه ابنه جعفراً، وخلق منه ابنه موسي، وخلق منه ابنه علياً، وخلق منه ابنه محمّداً، وخلق منه ابنه علياً، وخلق منه ابنه الحسن، وخلق منه ابنه سميّي وكنيّي ومهدي أمّتي ومحيي سُنني، ومعدن ملّتي، ومن وعدني أن يظهرني به علي الدين كلّه ويحقّ به الحقّ ويزهق به الباطل إنَّ الباطل كان زهوقاً، ويكون الدين كلّه واصباً، فكنّا أنواراً بأرواح وأسماع وأبصار، ونطق وحسّ وعقل، وكان الله الخالق ونحن المخلوقون، والله المكوّن ونحن المكونون، والله البارئ ونحن البرية.. موصولون لا مفصولون، فهلَّل نفسه فهلَّلناه، وكبَّر نفسه فكبَّرناه، وسبَّح نفسه فسبَّحناه، وقدَّس نفسه فقدَّسناه، وحمد نفسهر.

ص: 163


1- تهطل: الهطل تتابع المطر والدمع وسيلانه، (الصحاح 5: 1850).
2- كذا في المصدر.

فحمدناه، ولم يغيبنا وأنوارنا تتناجي وتتعارف مسمّين متناسبين أزليين لا موجودين، منه بدأنا وإليه نعود، نور من نور بمشيئته وقدرته، لا ننسي تسبيحه، ولا نستكبر عن عبادته، ثمّ شاء فمدَّ الأظلة وخلق خلقاً أطواراً ملائكة، وخلق الماء والجان، وعرش عرشه علي الأظلّة، وأخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربّكم؟ قالوا: بلي، كان يعلم ما في أنفسهم، والخلق أرواح وأشباح في الأظلّة يبصرون ويسمعون ويعقلون، فأخذ عليهم العهد والميثاق؛ ليؤمننَّ به وبملائكته وكتبه ورسله، ثمّ تجلّي لهم وجلي علياً وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الأئمّة من الحسين الذين سمّيتهم لكم، فأخذ لي العهد والميثاق علي جميع النبيّين، وهو قوله الذي أكرمني به جلَّ من قائل: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثمّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلي ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)(1).

وقد علمتم أنَّ الميثاق اُخذ لي علي جميع النبيّين، وأنّي أنا الرسول الذي ختم الله بي الرسل، وهو قوله تعالي: (رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ)(2) فكنت والله قبلهم وبعثت بعدهم، واُعطيت ما أعطوا، وزادني ربّي من فضله ما لم يعطه لأحد من خلقه غيري، فمن ذلك أنَّه أخذ لي الميثاق علي سائر النبيّين ولم يأخذ ميثاقي لأحد، ومن ذلك ما نبأ نبيّاً ولا أرسل رسولاً إلاَّ أمره بالإقرار بي، وأن يبشّر أمّته بمبعثي ورسالتي، والشاهد لي بهذا قوله جلَّ ذكره في التوراة لموسي: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُْمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالإِْنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ0.

ص: 164


1- آل عمران: 81 .
2- الأحزاب: 40.

بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَْغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(1) ولا يعلمون نبيّاً ولا رسولاً غيري، وفي الإنجيل قوله عزَّ اسمه الذي حكاه فيما أنزله عليَّ من خطابه لأخي عيسي بن مريم عليه السلام : (مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)(2) ويعلم أنَّه ما يرسل رسولاً اسمه أحمد غيري، وأنَّ الله منحني اللوح يوم القيامة الذي يحمله أخي علي، وآدم فمن دونه تحته يوم القيامة، وأعطاني الشفاعة والحوض تفضّلاً منه عليَّ، وأعطاني مفاتيح الدنيا وكنوزها ونعيمها فلم أقبله زهداً فيه، فعوضني بمفاتيح الجنّة والنار، فجعلت كلّ ما أعطانيه ربّي لأخي علي، والأئمّة (منه)(3) فطوبي لكم وطوبي لمن والاكم حسن مآب).

فقمنا علي أقدامنا وقلنا: يا رسول الله إنّا قد أنعم الله بك علينا وبأخيك علي وذريّتك، فنسأل الله يقبضنا إليه الساعة، لئلاَّ يأتي أحد منّا ببائقة تخرجه عن هذا الخطر العظيم.

فقال لنا صلي الله عليه وآله وسلم: (كلا لا (تخافوا)(4) فإنَّكم من الذين قال الله فيهم: (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الأَْلْبابِ)(5)).

قال جابر الجعفي: فقلت لجابر الأنصاري: لقد أسعدني الله بلقائك8.

ص: 165


1- الأعراف: 157.
2- الصف: 6.
3- في الأصل: (منهم)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
4- في الأصل: (تخافون)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
5- الزمر: 17 و18.

في هذا اليوم، هذا ببركة الله وبركة سيّدي الباقر عليه السلام ولقائك إيّاه بأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

قال جابر بن عبد الله الأنصاري: يا جابر خبَّر من لقيك من شيعة آل محمّد بما سمعته منّي، فبهذا عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

* وعنه، عن محمّد بن عبد الحميد البزّاز، وأبي الحسين بن مسعود الفراتي قالا جميعاً، وقد سألتهم في مشهد سيّدنا أبي عبد الله الحسين عليه السلام بكربلاء عن جعفر وما جري في أمره بعد غيبة سيّدنا أبي الحسن علي وأبي محمّد الحسن الرضا عليهم السلام وما ادّعاه له جعفر وما فعل؟ فحدَّثوني بجملة أخباره أنَّ سيّدنا أبا الحسن عليه السلام كان يقول لهم: (تجنّبوا ابني جعفر، أمَا إنَّه بنيّ مثل حام من نوح الذي قال الله جلَّ من قائل فيه: (وَنادي نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ...) الآية، فقال له الله: يا نوح: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ)(1)).

وإنَّ أبا محمّد عليه السلام كان يقول لنا بعد أبي الحسن عليه السلام : (الله الله أن يظهر لكم أخي جعفر علي سرّ، فوَالله ما مثلي ومثله إلاَّ مثل هابيل وقابيل ابني آدم حيث حسد قابيل لهابيل(2) علي ما أعطاه الله لهابيل من فضله فقتله، ولو تهيَّأ لجعفر قتلي لفعل، ولكن الله غالب علي أمره)، فلقد عهدنا بجعفر وكلّ من في البلد، وكلّ من في العسكر من الحاشية الرجال والنساء والخدم يشكّون إذا وردنا الدار أمر جعفر، يقولون: إنَّه يلبس المصنّعات من ثياب النساء، ويضرب له بالعيدان فيأخذون (منه)(3)ر.

ص: 166


1- هود: 46.
2- هكذا في النسخة المطبوعة ولعلَّ الصحيح زيادة اللام.
3- في الأصل: (مننه)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

ولا يكتمون عليه، وإنَّ الشيعة بعد أبي محمّد عليه السلام زادوا في هجره، وتركوا رمي السلام عليه وقالوا: لا تقيّة بيننا وبينه نتجمَّل به، وإن نحن لقيناه وسلَّمنا عليه ودخلنا داره وذكرناه نحن فنضلّ الناس فيه وعملوا علي ما يرونا نفعله فنكون بذلك من أهل النار، وإنَّ جعفر (ليلة وفاة)(1) أبي محمّد عليه السلام ختم الخزائن وكلَّما في الدار ومضي إلي منزله، فلمَّا أصبح أتي الدار ودخلها ليحمل ما ختم عليه، فلمَّا فتح الخواتم ودخل نظرنا فلم يبقَ في الدار ولا في الخزائن إلاَّ قدراً يسيراً، فضرب جماعة من الخدم ومن الإماء.

فقالوا له: لا تضربنا فوَالله لقد رأينا الأمتعة والرجال توقر الجمال في الشارع ونحن لا نستطيع الكلام ولا الحركة، إلي أن سارت الجمال وغلّقت الأبواب كما كانت، فولول جعفر وضرب علي رأسه أسفاً علي ما خرج من الدار، وأنَّه بقي يأكل ما كان له، ويبيع حتَّي ما بقي له قوت يوم، وكان له في الدار أربعة وعشرون ولداً بنون وبنات، ولهم اُمّهات وأولاد وحشم وخدم وغلمان، فبلغ به الفقر إلي أن أمرت الجدّة وهي جدّة (أبي)(2) محمّد عليه السلام أن يجري عليه من مالها الدقيق واللحم والشعير والتبن لداوبه، وكسوة لأولاده واُمّهاتهم، وحشمه وغلمانه ونفقاتهم، ولقد ظهرت أشياء منه أكثر ممَّا وصفنا، نسأل الله العافية من البلاء والعصمة في الدنيا والآخرة.

* وعنه، قال: حدَّثني علي بن الحسين بن فضال - وكان ممَّن يقول بإمامة جعفر بعد أبي محمّد عليه السلام وكان قبل ذلك مخطئاً - أنَّهر.

ص: 167


1- في الأصل: (لا كان في ليلة)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- في الأصل: (إلي)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

كتب (إلي)(1) جعفر يسأله عن حقيقة أمره، (فكتب)(2) أنَّ أخي أبا محمّد عليه السلام كان إماماً مفروض الطاعة وإنّي وصيّه من بعده وإمام لا غير.

* وعنه، قال: حدَّثني أبو العبّاس بن حيوان، عن أحمد بن محمّد المدايني قال: لمَّا توفي أبو محمّد عليه السلام خرجت إلي الحجّ وأتيت المدينة فسألت بها كلّ من ظننت أنَّه يعرف خبر المهدي، فلم يعرفه أحد إلاَّ قوم من خواصّ الأهل والموالي، وإنَّهم يقولون لي: كم تسأل عن من أنت منكر له؟ فارجع إلي ربّك في جعفر، فبقيت ثلاث سنين علي هذا أسأل بالمدينة أو بالعسكر ولا يقال لي إلاَّ ما ذكرته، وكان هواي في جعفر، وكنت أسمع بالإمام المهدي مقيم بالعسكر، وأنَّ قوماً شاهدوه ويخرج إليهم أمره ونهيه، وكتبت إلي جعفر أسأله عن الإمام والوصيّ من بعده(3).

قال العبّاس بن حيوان وأبو علي الصايغ: إنَّ جعفراً كتب إلي أحمد بن إسحاق القمي يطلب منه ما كان يحمله من قم إلي أبي محمّد عليه السلام وأكثر من ذلك، واجتمع أهل قم وأحمد بن إسحاق وكتبوا له كتاباً لكتابه وضمَّنوه مسائل يسألونه عنها، وقالوا: تجيبنا عن هذه المسائل كما (سأل)(4) عنها سلفنا (عن)(5) آبائك عليهم السلام، فأجابوا عنها بأجوبة وهي عندنا نقتدي بها ونعمل عليها، فأجبنا عنها مثل ما أجاب آباؤكر.

ص: 168


1- في الأصل: (ابن)، والصحيح ما أثبتناه.
2- في الأصل: (وكتب)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- هكذا في النسخة المطبوعة ولعلَّه يوجد سقط في العبارة.
4- في الأصل: (سألوا)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
5- في الأصل: (إلي)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

المتقادمون عليهم السلام حتَّي نحمل إليك حقوق التي كنّا نحملها إليهم، فخرج الرجل حتَّي قدم العسكر فأوصل إليه كتاب، وأقام عليه مدَّة يسأل عن جواب المسائل، فلم يجب عنها ولا عن الكتاب بشيء منه أبداً.

* وعنه، قال: حدَّثني علي بن أحمد الواسطي أنَّه سار إلي العسكر وأتي الدار ووقف ببابه مستأذناً عليه يسأله عن مسائل كان يسأل عنها سيّدنا أبا الحسن وأبا محمّد عليه السلام، فخرج إليه الخادم فقال له: ما اسمك؟ قال: اسمي علي بن أحمد الواسطي، فقال: انصرف أنت لا آذن لك.

* وعنه، قال: حدَّثني أحمد بن مطهر صاحب عبد الصمد بن موسي أنَّه كان بائتاً عند عبد الصمد في الليلة التي توفّي بها(1) أبو محمّد عليه السلام، فإنَّه دخل أحمد بن مطهر علي عبد الصمد بن موسي فأخبره بوفاة أبي محمّد، فركب عبد الصمد إلي الوزير وأخبره بذلك، فركب الوزير وعبد الصمد بن موسي بن بقاء إلي المعتمد وأخبراه بوفاة أبي محمّد عليه السلام، فأمر المعتمد أخاه بالركوب والوزير وعبد الصمد إلي دار أبي محمّد حتَّي ينظروا إليه ويكشفوا عن وجهه ويغسّلوه ويكفّنوه ويصلّوا عليه ويدفنوه مع أبيه عليه السلام، وينظروا من خلف ويرجعوا إليه بالخبر، وتقدَّم إلي سائر الخاصّة والعامّة والدون أن يحضروا الصلاة عليه، ففعل أبو عيسي والوزير وعبد الصمد جميع ما أمروا به، ونظروا إلي من في الدار وانصرفوا إلي المعتمد، فقال المعتمد لأخيه أبي عيسي: أبشر إنَّك ستلي الخلافة؛ لأنَّ أخانا المعتزّ لمَّا توفّي أبو الحسن علي بن محمّد فخرجت وصلّيت وصلّي بصلاتنا في الدار؛ لأنَّه كان التكبير يصل، فلمَّاة.

ص: 169


1- كذا في النسخة المطبوعة.

دفنّا أبا الحسن عليه السلام ورجعت قال: أبشر يا أحمد؛ فإنَّك صلّيت علي أبي الحسن وأنت تجازي بالخلافة بصلاتك عليه، وأنت يا أبا عيسي قد صلّيت علي أبي الحسن وأرجو أن تجازي بالخلافة مثلي.

* وعنه، قال: حدَّثني أبو الحسن علي بن بلال وجماعة من إخواننا، أنَّه لمَّا كان في اليوم الرابع من زيارة سيّدنا أبي الحسن عليه السلام أمر المعتزّ بأن ينفذ إلي أبي محمّد عليه السلام من بشركم(1) إلي المعتزّ؛ ليعزّيه ويسلّيه، فركب أبو محمّد إلي المعتزّ، فلمَّا دخل عليه رحَّب به وعزّاه، وأمر فرتّب بمرتبة أبيه عليه السلام، وأثبت له رزقه وزاد فيه، فكان الذي يراه لا يشكّ إلاَّ أنَّه في صورة أبيه عليه السلام، وإجتمعت الشيعة كلّها من المهتدين علي أبي محمّد بعد أبيه إلاَّ أصحاب فارس بن ماهويه(2) فإنَّهم قالوا بإمامة جعفر بن علي العسكري عليه السلام.1.

ص: 170


1- كذا في النسخة المطبوعة.
2- قال عنه العلاّمة قدس سره في خلاصة الأقوال: 387/ ر 2: (فارس بن حاتم بن ماهويه، نزيل العسكر، القزويني، من أصحاب الرضا عليه السلام ، قلَّ ما روي الحديث إلاَّ شاذاً، وهو غال ملعون، فسد مذهبه، وبرئ منه، وقتله بعض أصحاب أبي محمّد عليه السلام بالعسكر، لا يلتفت إلي حديثه، وله كتب كلّها تخليط. قال الكشي: قال نصر: الحسن بن محمّد المعروف ب- (ابن بابا)، ومحمّد بن نصير النميري، وفارس بن حاتم القزويني، لعن هؤلاء الثلاثة علي بن محمّد عليهما السلام. وقال في فارس بن حاتم: أنَّه متَّهم غال، ثمّ قال: وذكر الفضل بن شاذان في بعض كتبه أنَّ من الكذّابين المشهورين الفاجر فارس بن حاتم القزويني. وروي أنَّ أبا الحسن عليه السلام أمر بقتله، فقتله جنيد. قال سعد: وحدَّثني جماعة من أصحابنا العراقيين وغيرهم بهذا الحديث عن جنيد، ثمّ سمعته أنا بعد ذلك من جنيد. وانظر: الخصال: 323/ 10؛ الإرشاد 2: 365؛ الغيبة 2: 352/ ح 312؛ كشف الغمّة 3: 254؛ الغدير 3: 144؛ نقد الرجال 4: 11/ 4086؛ جامع الرواة 2: 1؛ معجم رجال الحديث 41: 258/ 9311.

* قال الحسين بن حمدان: لقيت أبا الحسين بن ثوابة وأبا عبد الله أحمد بن عبد الله الجمال شيخاً كان مع أبي الحسين بن ثوابة في داره ببغداد في الجانب الشرقي بعسكر المهدي، فسألتهما عن ما علماه من أمر الإمام بعد أبي محمّد؟

فقالا لي: إنَّ أبا الحسن عليه السلام (أوصي)(1) في حياته إلي أبي جعفر محمّد ابنه، ومضي أبو جعفر في حياة أبي الحسن عليه السلام، وعاش أبو الحسن بعده أربع سنين وعشرة أشهر، وكان فارس بن ماهويه يدّعي أنَّه باب أبي جعفر فأمر(2) سيّدنا أبو الحسن عليه السلام، ثمّ وقعت الشبهة عند المقصّرة والمرتابين من الشيعة، وكان الأمر (بقتله)(3) والحقّ لأبي محمّد عليه السلام، وادّعي جعفر أنَّه باب أبي جعفر بعد فارس بن حاتم بن ماهويه، وذلك من سيّدنا أبي محمّد عليه السلام، وألقاه الرجلين قبلاً ذلك عنه ودعيا الناس إليه، فأمر سيّدنا بطلبهما فهربا إلي الكوفة وأقاما بها إلي أن مضي أبو محمّد عليه السلام.

قال الحسين بن حمدان: فقلت إلي الحسين بن ثوابة، ولأبي عبد الله الشيخ النازل عليه: قد قصصتما عليَّ هذه القصص، فإن قصَّ غيركما عليَّ قصصاً فأترك قصصكم وأقبل قصّة ذلك، ولكن عندي حجّة أقولها، قالا: هات ما عندك؟

فقلت لهم: هكذا قالت الميمونة: أنَّ أبا عبد الله الصادق أوصي إلي إسماعيل ابنه، ونصَّ عليه وخبَّر؛ أنَّه الإمام بعده، وقد علمتم وعلمناق.

ص: 171


1- في الأصل: (كان)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- كذا، والظاهر أنَّها: (بأمر).
3- ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء السياق.

وسائر الشيعة أنَّ إسماعيل مضي في حياة أبيه جعفر الصادق عليه السلام، وعاش الصادق بعده أربع سنين، ومضي أبو عبد الله.

قالت الشيعة: إنَّ عبد الله بن جعفر الصادق جلس بمجلس أبيه وادّعي الإمامة وهو مبطل، وكانت الإمامة في ابنه موسي عليه السلام، وإنَّما (ادّعي)(1) سُمّي عبد الله الأفطح؛ لأنَّه كان أفطح الرأس، فهل عندكما قول وحجّة تأتيان بها غير هذا الذي سمعته منكما؟

قالا: هذا عندنا في الظاهر.

قلت: ما عندكما في الباطن؟

فقالا: جعفر هو الإمام المفترض الطاعة الذي لا يسع الخلق إلاَّ معرفته.

فقلت لهما: أليس قد رويتما أنَّ أبا الحسن عليه السلام أشار إلي أبي جعفر أنَّه الإمام من بعده؟

قالا: بلي.

فقلت لهما: قد كفرتما بروايتكما علي أبي الحسن أنَّه أشار إلي أبي جعفر أنَّه الإمام من بعده، وقد مات أبو جعفر قبله في حياته، (ونسبتما إلي أبي الحسن عليه السلام إلي)(2) أنَّه لم يعلم أنَّ أبا جعفر لم يمت قبله، وأنَّ أبا الحسن غشَّ (الأمّة)(3) وتركها في الشكوك والحيرة، وأعلمهم أنَّه لا علم له بما كان وما يكون كما قالت الميمونة في الصادق عليه السلام وإسماعيل حذو النعل بالنعل، فكان أبو عبد الله الصادق وأبو الحسن صاحب العسكر عليه السلام أعرف بالله وأعلم بعلم الله بكلّ ما كان ومار.

ص: 172


1- كذا، والظاهر أنَّها زائدة.
2- في الأصل: (ونسيتما أبا الحسن عليه السلام إلاَّ)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- في الأصل: (الإمامة)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

هو كائن، من أين تقولان قولا يكون غيره؟ فهل عندكم من حجّة أو دليل غير ما ذكرتماه وسمعتما الجواب عنه؟ فلم يكن عندهما جواب إلاَّ أنَّهما قالا لي: سئل أبا الحسن عليه السلام من القائم بعده بالإمامة؟

فقال: (أكبر ولدي)، وكان أبو جعفر أكبر ولده.

فقلت لهما: سبحان الله ما أضلّ رأيكما وأضلّ روايتكما، أليس ابنه أبو جعفر مات قبله؟ وإنَّما سئل عن الإمام بعده، فقال: (أكبر ولدي الذي بعدي) وكان أكبر ولده بعده أبو محمّد عليه السلام.

وقد روينا عن أبي محمّد عبد الله بن سنان بن أحمد، وعلي بن أحمد النوفلي قال: كنّا مع سيّدنا أبي الحسن عليه السلام بالعسكر في داره فمرَّ به ابنه أبو جعفر، فقلنا له: يا سيّدنا هذا صاحبنا بعدك؟

فقال: (لا).

فقلنا له: ومن هو؟

فقال: (ابني أبو محمّد الحسن)(1) لا محمّد، ولا جعفر، فسكتا.

فقلت لهما: إن كان عندكما شيء في صاحبكما مثلما رويتم في أبي محمّد عليه السلام فهاتوه؟ فما كان عندهما شيء، فرددتهما.

وقلت: حدَّثني أبو علي الملكي، وأبو عبد الله جعفر بن محمّد الرامهرمزي أنَّهم نظروا إلي سيّدنا أبي محمّد وهو يسير في الموكب، قال جعفر بن محمّد: فكنت أحبّ أن أرزق ولداً، فقلت في نفسي: يا سيّدي يا أبا محمّد أرزق ولداً؟ فنظر إليَّ وقال (برأسه)(2): (نعم).

فقلت في نفسي: يكون ذكراً؟ر.

ص: 173


1- الظاهر هنا نهاية الرواية عن الإمام أبي الحسن عليه السلام ، أنظر: الكافي 1: 325/ ح 2.
2- في الأصل: (برأيه)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

فقال برأسه: (لا)، فكانت أنثي.

وقال: حدَّثني جعفر بن محمّد الرامهرمزي، قال: نظرت إلي سيّدي أبي محمّد عليه السلام وجماعة من إخواننا، فقلت في نفسي: إنّي أري من فضل سيّدي أبي محمّد برهاناً تقرُّ به عيني، فرأيته قد ارتفع نحو السماء حتَّي سدَّ الأفق، فقلت لأصحابي: ترون كما أري؟

فقالوا: وما هو؟

فأشرت فإذا هو قد رجع كهيأته الأولي ودخل المسجد.

فقال أبو الحسين بن ثوابة وأبو عبد الله الجمال: قد سمعنا ما سمعت من هذه الروايات والدلائل والبراهين، فإذا صدقنا الله فما رأينا لأبي جعفر ولا سمعنا لجعفر دليل ولا برهان ولا حقيقة إلاَّ إلي أبي محمّد بعد أبيه عليهم السلام، وإنّا لنعلم أنَّ المهدي سميّ جدّه وكنيه، وهو ابن الحسن من نرجس، ولقد عرفنا يوم مولده.

فقلت لهما: في أيّ يوم، وبأيّ شهر، وبأيّ سنة؟

فقالا: ولد طلوع الفجر بيوم الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان من سنة سبع وخمسين ومائتين.

فقلت لهما: قد قلتما الحقّ وعلمتما صحَّة المولود، فمن قبله؟

قالا لي: أبو محمّد أبوه، وكفيله حكيمة أخت أبي الحسن وهي العمّة.

فقلت: حقّاً، فلِمَ حاججتماني وأنتما تعلمان أنَّه باطل؟

فقالا: والله ما هذا إلاَّ خسران مبين في الدنيا والآخرة، وعرض الدنيا يفني وعذاب الآخرة يبقي إلاَّ أن يعفو الله.

فقلت: حسبكم الله شاهد عليكم.

فقالا: والله لا يسمع هذا الذي سمعته منّا أحد بعدك.

ص: 174

قال الحسين بن حمدان: ثمّ ظهرت عليهم أنَّهم كانوا يأخذون أموال جعفر والقرويين، وجعفر يخافهم ويقول فيهم (ويلعنهما)(1) عند من يثق به ويقول لهم: إنَّهم يأكلون مالي.

* قال الحسين بن حمدان: حدَّثني أبو القاسم بن الصائغ البلخي، قال: خرجت من بغداد إلي العسكر في شهر المحرَّم لسبع ليال خلت منه، فلمَّا كان بكرة يوم السبت فسلَّمت علي الموالي عليهم السلام وصرت علي باب جعفر فإذا في الدهليز دابة مسرجة، فجاوزت بابه وجلست عند حائط دار موسي بن بقاء، فخرج جعفر علي دابة كميت وعليه ثياب بيض ورداء وعليه عدنية سوداء طويلة، وبين يديه خادم وفي يده غاشية، وعلي يمينه خادم آخر ثيابه سود وعلي رأسه خادم آخر وخادم علي بغلته خلفه، فلمَّا رآني نظر إليَّ نظراً شديداً، فمشيت خلفه حتَّي بلغت باب النقيب الذي علي الطالبيين، فنزل عنده ودخل إليه ثمّ خرج منصرفاً إلي منزله، فلمَّا بلغ قبر أبي الحسن وقبر أبي محمّد عليه السلام أشار بيده وسلَّم عليهما ودخل داره، فانصرفت إلي حانوت بقال وأخذت منه أوقيتين فكتبت إليه كتاباً وكتاباً إلي امرأة تكنّي اُمّ أبي سلمان، امرأة محمّد بن زكريا الرازي، وكانت باب جعفر، وكان صديقاً لي كتب كتاباً إلي بعض إخوانه ليوصله إلي جعفر، وفعلت أنا كتاباً علي لسان أبي محمّد بن يعقوب بن أبي نافع المدائني وكتاباً إلي الامرأة اُمّ أبي سليمان، وتسمّيت في الذي ترون فيه أحمد بن محمّد المروزي وكتبت فيه: جُعلت فداك إنَّ حامل كتابي رجل من خراسان، وهو يقول بالسيّد محمّد متعلّقاً إليه.ر.

ص: 175


1- في الأصل: (إلاَّ يلعنهم)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

وذهبت إلي امرأة أبي سليمان فدفعت الكتاب إليها، فأدخلتني إلي دهليز فيه درجة، فقالت لي: اصعد، فصعدت إلي حجرة.

فقالت: اجلس، فجلست وجلست معي تحدّثني وتسائلني، وقامت فذهبت إلي جعفر، فاحتسبت به ثمّ جاءت ومعها رقعة بخطّه مكتوب فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا أحمد رحمك الله، أوصلت إليَّ الامرأة الكتاب بما أحببت أرشدك الله) (وثبَّته)(1) إليَّ بدواة وكاغد أبيض، وطين الختم، فكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم، أطال الله بقاءك وأعزَّك وأيَّدك وأتمَّ نعمته عليك وزاد في فضله وإحسانه إليك، وصلّي الله علي سيّدنا محمّد وآله وسلَّم كثيراً.

يا سيّدي: جُعلت فداك أنا رجل من مواليك وموالي آبائك عليهم السلام من خراسان، منذ كنّا متعلّقين بحبل الله المتين، كما قال الله تعالي: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)(2) فلمَّا حدث بالماضي أبي الحسن عليه السلام ما حدث، خرجت إلي العراق لقيت إخواننا فسألتهم فوجدتهم كلّهم مجمعين علي أبي محمّد عليه السلام غير أصحاب ابن ماهويه، إنَّهم كانوا مخالفين، وقالوا بإمامة جعفر أخو الحسن العسكري عليه السلام، فانصرفت إلي خراسان فوجدت أصحابي الذين خلَّفتهم ورائي فأخبرتهم، فقلنا بأبي محمّد عليه السلام ولم نشكّ فيه طرفة عين، فلمَّا توفّي أبو محمّد عليه السلام وجَّه رسولاً إلي إخواننا بالعراق ليسألهم، فكتبوا بما كان عندهم من الإختلاف، فخرجت بنفسي مرَّة، فقطع عليَّ الطريق فانصرفت إلي منزلي، واضطربت خراسان من الخوارج، ولم يمكنّي أن3.

ص: 176


1- في الأصل: (وثبَّتك)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- آل عمران: 103.

أخرج وسيّدي عالم بما أقول، فخرجت العام مع الحاج، فلم أترك أحداً من أصحابنا بنيسابور والري وهمدان وغيرهم إلاَّ سألتهم، فوجدتهم مختلفين حتَّي وجدت أحمد بن يعقوب المدائني صاحب الكتاب، فكتب لي كتاباً إلي السيّد، فدخلت بغداد منذ ثلاثة أشهر، فما تركت أحداً يقول بهذا القول إلاَّ لقيتهم وناظرتهم فوجدتهم مختلفين، حتَّي لقيت أبا الحسن بن ثوابة وأصحابه، وأبا عبد الله الجمال وأبا علي الصائغ وغيرهم فقالوا: إنَّ جعفر أبيه(1) وصيّ أخيه أبي محمّد ولم يكن إماماً غيره، ورأيت علي بن الحسين بن فضال، فقال: كتبت إلي جعفر فسألته عن أبي محمّد من وصيّه؟

فقال: أبو محمّد كان إماماً مفترض الطاعة علي الخلق، وأنا وصيّه، ورأيت غيرهم فقالوا: إنَّ جعفراً وصيّ أبيه أبي الحسن فتحيَّرت، وقلت: ليس هاهنا حيلة إلاَّ أن أخرج إلي السيّد وأسأله مشافهة؟

فخرجت إلي سيّدي فهذه قصَّتي وحالي، فإن رأي سيّدي أن يمنَّ علي عبده بالنظر إلي وجهه وسؤاله مشافهاً فعل؛ فإنّي خلَّفت ورائي قوماً حياري فلعلَّ الله أن يهديهم سيّدي سبيلاً فعلاً مفعولاً مأجوراً إن شاء تعالي، وراجعت الكتاب إليه علي يد اُمّ أبي سليمان، فلمَّا كان بعد ساعة جاءت هذه الامرأة التي تكنّي اُمّ سليمان فقالت لي: يقول لك السيّد: إنّي كنت راكباً وانصرفت وأنا كسلان، فكن عند هذه الامرأة حتَّي أوجّه إليك وأدعوك.

فقالت: أراك يا سيّدي رجلاً عاقلاً، وقد حملت كتاب أخينا إليَّ، وسألني هل تعرفين هذا الرجل؟ة.

ص: 177


1- كذا في النسخة المطبوعة.

فقلت: لا أعرفه، وكان عند السيّد عام الأوّل، وأنا أدخلك عليه، وأسألك يا أخي لا تتحدَّث.

قلت: نعم، لك هذا، فإنّي رجل مرتاد إليك أريد فكاك رقبتي من النار، فقلت: إنّي أدخل عليه إن شاء الله بعد الظهر، ثمّ نزلت من عندي وصعدت بطبق فيه أربع أرغفة وقثاً مفرم، وبطيخ وصينية وكوز ماء.

فقالت: كُلْ.

فقلت: إنّي أكلت وجئت.

فقالت: أسألك أن تأكل؛ فإنَّ هذا من الخبز الذي يجري علي السيّد، فأكلت منه رغيفاً من القثا والبطيخ، فلمَّا صدرت جاءت.

وقالت: قم، فقمت، فأدخلتني في دهليز جعفر، وردَّت الباب فجلست مع خادمه الأبيض، ودخلت الامرأة إليه ثمّ خرجت وقالت لي: أدخل، فدخلت بدهليز طوله عشرون ذراعاً ضيّق، فإذا بوسطه بير ماء وإذا علي يساره حجرة وقدام الدهليز باب، فدخلت فإذا بدهليز آخر، فدخلت فرأيت داراً كبيرة واسعة، فإذا فيها أسِرَّة عدّة، وفيها قبّة مكتسية من خشب من يسار الدار، وقدام الدار بيت، وعن يمينه بيوت غيره عدّة، فرفع الستر من البيت الأوّل فدخلت فإذا جعفر جالس علي سرير قصير في البيت، فسلَّمت فناولني يده فقبَّلتها، وجثوت بين يديه.

فقال لي: كيف طريقك، وكيف أنت، وكيف أصحابك؟

فقلت: في عافية وسلامة.

ثمّ قلت له: جُعلت فداك إنّي رجل من مواليك وموالي آبائك عليهم السلام، وقد حدث هذا الحديث فاختلف أصحابنا، فخرجت قاصداً مع الحاج وأنا مقيم ببغداد منذ ثلاثة أشهر، فلقيت خلقاً تدّعي هذا الأمر

ص: 178

فوجدتهم مختلفين حتَّي لقيت أبا الحسن بن ثوابة، وأبا عبد الله الجمال، وأبا علي الصايغ، فقالوا: أنَّك وصيّ أبي جعفر - أعني: أباك الذي مضي في أيّام الحسن أخيك عليه السلام - وقال غيرهم: بل هو وصيّ الحسن أخيه، جئت إليك لأسمع منك مشافهاً وآخذ بقولك وما تأمرني به.

فقال: لعن الله أبا الحسين بن ثوابة وأصحابه؛ فإنَّهم يكذبون عليَّ ويقولون ما لم أقل، ويخدعون الناس ويأكلون أموالهم، وقد قطعوا مالاً كان لي من ناحية، فصار بأيديهم، وهاهنا من هو أشدّ من ابن ثوابة.

فقلت: من جُعلت فداك؟

قال: القزويني علي بن أحمد.

فقلت: سمعت باسمه وأردت أن أذهب إليه.

فقال: إيّاك؛ فإنَّه كافر، وأخاف أن يفتنك ويفسد عليك. ما أنت عليه من دينك، علي بن أحمد القزويني وأصحابه لعنهم الله والملائكة والناس أجمعون.

فقلت: نعم، لعنهم الله بلغتك المنتظرة.

ثمّ قال لي: هل تشكّ في أبي الحسن؟

قلت: أعوذ بالله.

قال: مضي أبو محمّد أخي ولم يخلّف أحداً لا ذكراً ولا أنثي، وأنا وصيّه.

فقلت: وصيّ أبي الحسن، أم وصيّ أبي جعفر، أم وصيّ أبي محمّد؟

فقال: بل وصيّ أبي محمّد أخي.

قلت: أبو محمّد كان إماماً مفروض الطاعة عليك وعلي الخلق أجمعين؟

قال: نعم.

ص: 179

قلت: وأنت وصيّه وأنت الإمام المفروض الطاعة علي الخلق أجمعين؟

قال: نعم.

فارتميت إلي يده أقبّلها فناولني إيّاها فقبَّلتها، فقلت: يا سيّدي روينا عن آبائك عليهم السلام أنَّ الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين؟

قال: صدقت بهذا، ولكن أتقرّ بالبداء؟

قلت: نعم.

قال: فإنَّ الله بدا له في ذلك.

فقلت له: يا سيّدي فوقك إمام؟

قال: لا، ثمّ قال: يا أحمد لولا أنّي عرفت من نيَّتك الصدق لما أذنت لك؟

فقلت: جُعلت فداك، معي شيء حملت من خراسان، ولم أحمله معي وهو في بغداد معدّ، فإن كان لك ثَمَّ وليّاً تثق به حتَّي أدفعه إليه بأمرك.

فقال: ليس لي أحد ببغداد، ولكن أحمله بنفسك أنت حتَّي يكون لك الأجر والثواب.

قلت: نعم، جُعلت فداك فأسألك أن تدعو لي بالعافية والسلامة وأن يردّني الله إلي أهلي وبيتي في عافية ويخرجني من الدنيا علي ولايتك وولاية آبائك عليهم السلام.

فقال: ثبَّتك الله علي ولايتي، وولاية آبائي، وردَّك إلي أهلك وولدك في عافية وسلامة.

فقمت وخرجت من عنده ورجعت إلي منزلي وإلي أبي سليمان، فسألت أبا سليمان عن عياله وخدمه وجواره وحاله وكيف عيشه.

فقال: له عشرون ولداً وأربع عشرة بنتاً، وعليه من العيال ستّين نفساً

ص: 180

من الجوار والخدم والبنين والبنات وغيرهم، وهو اليوم يأكل بالربا وقد رهن ثيابه، وقدم ابن بشار وحمل عطايا الهاشميين والطالبيين، وقال: أعرضوا عليَّ بنيكم وبناتكم.

فقال جعفر: والله فلو صرت للصدق(1) باباً ما كشف وجه بناتي بين يديه.

وركب جعفر ومعه ثمانية من شيعته إلي ابن بشار فعرضهم عليه، وأخذ عطاه وعطاء بنيه وبناته، وانصرف فلم أرَ فيه شيئاً من دلائل آبائه عليهم السلام، ومن آثار الإمامة، فقلت لأبي الحسين بن ثوابة، وأبي عبد الله الجمال، وأبي علي الصائغ والقزويني كلّ ما قال لي وقصصت عليهم قصَّتي معه، فضحكوا وقالوا: والله هو أحقّ باللعنة منّا التي لعننا بها؛ لأنَّه يقول: إنَّنا أخذنا ماله، بل أخذنا مال الله وليس ماله، وقد ادّعي الوصيّة والإمامة والله برأه منها.

فقلت لهم: تأخذون مال الله بغير حقّ؟!

فقالوا: إنَّنا محتاجون إليه، وليس له طالب في هذا الوقت.

فقلت لهم: ويحكم أليس أبو (عمرو)(2) عثمان بن سعد العمري السمّان يأخذ بأمر أبي محمّد عليه السلام أموال الله هو وابنه أبو جعفر محمّد وينفذها حيث شاء بأمر الخلف من أبي محمّد عليه السلام وهو المهدي سميّ (جدّه)(3) رسول الله وكنيه، فضحكوا، وقالوا: إنَّ المهدي (إليه التسليم) بدا بكلّ دين علي المؤمنين فقضاه عنهم، فكيف لا يهب لنا ماله؟

فقلت: اُف عليكم أن تكونوا مؤمنين.ر.

ص: 181


1- كذا في النسخة المطبوعة.
2- في الأصل: (عمر)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- في الأصل: (جدّي)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

فقالوا: والله ما عندنا شكّ في الإمام بعد أبي الحسن عليه السلام إلاَّ أبي محمّد عليه السلام، وما لأبي جعفر محمّد بن علي، ولا لجعفر هذا الكذّاب في الوصيّة حظّ ولا نصيب، وأنَّ المهدي أبو القاسم محمّد بن الحسن لا شكّ فيه، وإنَّما نأخذ هذه الأموال ليري الناس أنّا مخالفون فيها علي جعفر، فانقلبت إلي أهلي بخراسان وسائر الجبل فقصصت عليهم قصَّتي من جعفر وسائر ما لقيت، فقمنا علي الخلف من أبي محمّد عليه السلام ومن قال في أبي جعفر ومن قال بجعفر وكان هذا فضل من الله.

* وعنه، قال الحسين بن حمدان الخصيبي: حدَّثني محمّد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيان، عن أبي شعيب محمّد بن نصير، عن ابن الفرات، عن محمّد بن المفضَّل، قال: سألت سيّدي أبا عبد الله الصادق عليه السلام : (هل للمأمول المنتظر المهدي عليه السلام من وقت موقَّت يعلمه الناس؟)(1)، قال: (حاش لله أن يوقّت له وقت، أو توقّت شيعتنا).

قال: قلت: يا مولاي ولِمَ ذلك؟

قال: (لأنَّه هو الساعة التي قال الله تعالي فيها: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها)(2)، وقوله: (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(3)، وقوله: (عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)(4)، ولم يقل أحد دونه، وقوله: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ4.

ص: 182


1- ليس في الأصل، وما أثبتناه فمن مصادر أخري.
2- الأعراف: 187.
3- الآية السابقة.
4- لقمان: 34.

أَشْراطُها فَأَنَّي لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ)(1)، وقوله: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)(2)، وقوله: (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)(3)).

قلت: يا مولاي ما معني: (يُمارُونَ)؟

قال: (يقولون: متي ولد؟ ومن رآه؟ وأين هو؟ وأين يكون؟ ومتي يظهر؟ كلّ ذلك استعجالاً لأمر الله وشكّاً في قضائه وقدرته, أولئك الذين خسروا أنفسهم في الدنيا والآخرة وأنَّ للكافر لشرّ مآب).

قال المفضَّل: يا مولاي فلا يوقَّت له وقت؟

قال: (يا مفضَّل لا توقّت، فمن وقَّت لمهدينا وقتاً فقد شارك الله في علمه وادّعي أنَّه يظهره علي أمره، وما لله سرّ إلاَّ وقد وقع إلي هذا الخلق المنكوس الضالّ عن الله الراغب عن أولياء الله، وما لله خزانة هي أحصن سرّاً عندهم أكبر من جهلهم به، وإنَّما ألقي قوله إليهم لتكون لله الحجّة عليهم).

قال المفضَّل: يا سيّدي فكيف بدو ظهور المهدي إليه التسليم؟

قال: (يا مفضَّل، يظهر في سنة يكشف لستر أمره(4)، ويعلو ذكره، وينادي باسمه وكنيته ونسبه، ويكثر ذلك في أفواه المحقّين والمبطلين والموافقين والمخالفين؛ لتلزمهم الحجّة لمعرفتهم به علي أنَّنا نصصنا).

ص: 183


1- محمّد: 18.
2- القمر: 1.
3- الشوري: 18.
4- كذا في المصدر، وفي مختصر البصائر وبحار الأنوار: (يظهر في شبهة ليستبين فيعلو ذكره).

ودللنا عليه، ونسبناه وسمّيناه وكنّيناه سميّ جدّه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكنيته؛ لئلاَّ يقول الناس: ما عرفنا اسمه ولا كناه ولا نسبه، والله ليحقنَّ الافصاح(1) به وباسمه وكنيته علي ألسنتهم حتَّي يكون كتسمية بعضهم لبعض، كلّ ذلك للزوم الحجّة عليهم، ثمّ (يظهره)(2) الله كما وعد جدّه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في قوله عزَّ من قائل: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(3)).

قال المفضَّل: قلت: وما تأويل قوله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ)؟

قال: (هو قول الله تعالي: (وَقاتِلُوهُمْ حتّي لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)(4)، كما قال الله عز وجل: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِْسْلامُ)(5)، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِْسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآْخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)(6)).

قال المفضَّل: فقلت: يا سيّدي والدين الذي أتي به آدم ونوح، وإبراهيم، وموسي، وعيسي ومحمّد هو الإسلام.

قال: (نعم، يا مفضَّل هو الإسلام لا غير).

قلت: فنجده في كتاب الله؟

قال: (نعم من أوّله إلي آخره وهذه الآية منه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِْسْلامُ)، وقوله عز وجل: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)(7)،8.

ص: 184


1- كذا في المصدر، وفي مختصر البصائر وبحار الأنوار: (ليتحقَّق الايضاح).
2- في الأصل: (يظهر)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- التوبة: 33؛ الصف: 9.
4- الأنفال: 38.
5- آل عمران: 19.
6- آل عمران: 85 .
7- الحج: 78.

وفي قصَّة إبراهيم وإسماعيل: (وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ)(1)، وقوله في قصَّة فرعون: (حتّي إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(2)، وفي قصَّة سليمان وبلقيس قالت: (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(3)، وقول عيسي للحواريين: (مَنْ أَنْصارِي إِلَي اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(4)، وقوله تعالي: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(5)، وقوله في قصَّة لوط: (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(6)، ولوط قبل إبراهيم، وقوله: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا ...) إلي قوله: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(7)، وقوله: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ...) إلي قوله: (إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(8)).

قال المفضَّل: يا مولاي كم الملل؟

قال: (يا مفضَّل الملل أربعة، وهي الشرائع).

قال المفضَّل: يا سيّدي المجوس لِمَ سمّوا مجوساً؟

قال: (لأنَّهم تمجَّسوا في السريانية، وادّعوا علي آدم وابنه شيث3.

ص: 185


1- البقرة: 128.
2- يونس: 90.
3- النمل: 44.
4- آل عمران: 52.
5- آل عمران: 83 .
6- الذاريات: 36.
7- البقرة: 136.
8- البقرة: 133.

هبة الله أنَّه أطلق لهم نكاح الاُمّهات والأخوات والعمّات والخالات والبنات والمحرَّمات من النساء، وأنَّه أمرهم أن يصلّوا للشمس حيث وقفت من السماء، ولم يجعلوا لصلاتهم وقتاً وإنَّما هو افتراء علي الله الكذب وعلي آدم وشيث).

قال المفضَّل: يا سيّدي فلِمَ سمّوا قوم موسي اليهود؟

قال: (لقول الله عنهم هدنا إليك، أي: اهتدينا إليك).

قال: والنصاري لِمَ سمّوا نصاري؟

قال: (لقول عيسي: يا ابني إسرائيل (مَنْ أَنْصارِي إِلَي اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ)(1) فتسمّوا نصاري لنصرة دين الله).

قال المفضَّل: ولِمَ سمّوا الصابئون؟

قال: (لأنَّهم صبوا إلي تعطيل الأنبياء والرسل والملل والشرائع، وقالوا: كلّ ما جاء به هؤلاء باطل، وجحدوا توحيد الله ونبوّة الأنبياء والرسل والأوصياء، فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول، وهم معطّلة العالم).

قال المفضَّل: يا سيّدي ففي أيّ بقعة يظهر المهدي؟

قال الصادق عليه السلام : (لا تراه عين بوقت ظهوره، ولا رأته كلّ عين، فمن قال لكم غير هذا فكذّبوه).

قال المفضَّل: يا سيّدي، وفي أيّ وقت ولادته؟

قال: (بلي، وبل والله لا يري(2) من ساعة ولادته إلي ساعة (وفاة)(3)ر.

ص: 186


1- آل عمران: 52؛ الصف: 14.
2- كذا في المصدر، وفي مختصر البصائر وبحار الأنوار: (قال: بلي والله، ليري...).
3- في الأصل: (وفاته)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

أبيه سنتين وسبعة أشهر(1) أوّلها وقت الفجر من ليلة يوم الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان لثمان ليال خلت من شهر ربيع الأوّل من سنة ستّين ومائتين، ثمّ يري بالمدينة التي تبني بشاطئ الدجلة، بناها المتكبّر الجبّار المسمّي باسم جعفر العيّار المتلقّب المتوكّل وهو المتأكّل لعنه الله، يدعو مدينة سامرا ستّة سنين يري شخصه المؤمن المحقّ ولا يري شخصه المشكّ المرتاب، وينفذ فيها أمره ونهيه ويغيب عنها، ويظهر بالقصر بصاريا بجانب حرم مدينة جدّه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيلقاه هناك المؤمن بالقصر وبعده لا تراه كلّ عين).

قال المفضَّل: يا سيّدي فمن يخاطبه، ولمن يخاطب؟

قال الصادق عليه السلام : (محمّد بن نصير في يوم غيبته بصاريا، ثمّ يظهر بمكّة، والله يا مفضَّل كأنّي أنظر إليه وهو داخل مكّة وعليه بردة جدّه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعلي رأسه عمامة صفراء وفي رجله نعل رسول الله المخصوفة، وفي يده هراوة يسوق بين يديه عنوز عجاف حتَّي يقبل بها نحو البيت، وليس أحد يوقّته، ويظهر وهو شاب غرنوق).

فقال له المفضَّل: يا سيّدي يعود شاباً ويظهر في شيعته؟

قال: (سبحان الله وهل يغرب عليك؟ يظهر كيف شاء وبأيّ صورة إذا جاءه الأمر من الله جلَّ ذكره).

قال المفضَّل: يا سيّدي فيمن يظهر؟ وكيف يظهر؟

قال يا مفضَّل: (يظهر وحده، ويأتي البيت وحده، فإذا نامت العيون ووسق الليل نزل جبرائيل وميكائيل والملائكة صفوفاً، فيقول له جبريل:ت.

ص: 187


1- هكذا في النسخة المطبوعة، والمشهور أنَّ عمره عليه السلام عند وفاة والده عليه السلام خمس سنوات.

يا سيّدي قولك مقبول وأمرك جائز، ويمسح يده علي وجهه ويقول: الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنّة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين، ثمّ يقف بين الركن والمقام ويصرخ صرخة ويقول: معاشر نقبائي وأهل خاصَّتي ومن ذخَّرهم الله لظهوري علي وجه الأرض، أتوني طائعين، فتورد صيحته عليهم وهم في محاريبهم وعلي فرشهم وهم في شرق الأرض وغربها (فيسمعون)(1) صيحة واحدة في إذن رجل واحد، (فيجيئون)(2) نحوه ولا يمضي لهم إلاَّ كلمح البصر، حتَّي يكونوا بين يديه بين الركن والمقام، فيأمر الله النور أن يصير عموداً من الأرض إلي السماء، فيستضئ به كلّ مؤمن علي وجه الأرض ويدخل عليه نوره في بيته، فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور وهم لا يعلمون بظهور قائمنا القائم عليه السلام، ثمّ تصبح نقباؤه بين يديه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر نفراً بعدد أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بيوم بدر).

قال المفضَّل: قلت: يا سيّدي والاثنان وسبعون رجلاً أصحاب أبي عبد الله الحسين بن علي عليه السلام يظهرون معهم؟

قال: (يظهر معهم الحسين بن علي باثني عشر ألف صدّيق من شيعته وعليه عمامة سوداء).

فقال المفضَّل: يا سيّدي فنقباء القائم (إليه التسليم) بايعوه قبل قيامه؟

قال: (يا مفضَّل، كلّ بيعة قبل ظهور القائم فهي كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع لها، بل يا مفضَّل يسند القائم ظهره إلي كعبةر.

ص: 188


1- في الأصل: (فيسمعوا)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- في الأصل: (فيجيئوا)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

البيت الحرام ويمدّ يده المباركة فتري بيضاء من غير سوء، فيقول: هذه يد الله وعن الله وبأمر الله، ثمّ يتلو هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلي نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفي بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(1) وأوّل من يقبّل يده جبريل عليه السلام، ثمّ يبايعه وتبايعه الملائكة ونقباء الحقّ، ثمّ النجباء، ويصبح الناس بمكّة فيقولون: من هذا الذي بجانب الكعبة؟ وما هذا الخلق الذي معه؟ وما هذه الآية التي رأيناها بهذه الليلة ولم نرَ مثلها؟ فيقول بعضهم لبعض: اُنظروا هل تعرفون أحداً ممَّن معه؟ فيقولون: لا نعرف منهم إلاَّ أربعة من أهل مكّة، وأربعة من أهل المدينة وهم فلان وفلان يعدّونهم بأسمائهم، ويكون ذلك اليوم أوّل طلوع الشمس بيضاء نقيّة، فإذا طلعت وابيضت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين، يسمعه من في السماوات والأرض: يا معاشر الخلائق هذا مهدي آل محمّد، ويسمّيه باسم جدّه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويكنّيه بكنيته، وينسبه إلي أبيه الحسن الحادي عشر، فاتَّبعوه تهتدوا، ولا تخالفوه فتضلّوا، فأوّل من يلبّي نداءه الملائكة، ثمّ الجن، ثمّ النقباء، ويقولون: سمعنا وأطعنا، ولم يبقَ ذو أذن إلاَّ سمع ذلك النداء، وتقبل الخلق من البدو والحضر والبرّ والبحر، يحدّث بعضهم بعضاً ويفهم بعضهم بعضاً ما سمعوه في نهارهم بذلك اليوم، فإذا زالت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغاربها: يا معاشر الخلائق لقد ظهر ربّكم من الوادي اليابس من أرض فلسطين وهو عثمان بن عنبسة الأموي، من ولد يزيد بن معاوية (لعنهم الله)، فاتَّبعوه تهتدوا0.

ص: 189


1- الفتح: 10.

ولا تخالفوه فتضلّوا، فترد عليه الجن والنقباء قوله، ويكذّبونه ويقولون: سمعنا وعصينا، ولا يبقي ذو شكّ ولا مرتاب ولا منافق ولا كافر (إلاَّ ضلَّ)(1) في النداء الثاني، ويسند القائم ظهره إلي الكعبة ويقول: معاشر الخلائق ألا من أراد أن ينظر إلي إبراهيم وإسماعيل فها أنا (ذا) إبراهيم، ومن أراد أن ينظر إلي موسي ويوشع فها أنا (ذا)(2) موسي، ومن أراد أن ينظر إلي عيسي وشمعون فها أنا عيسي، ومن أراد أن ينظر إلي محمّد صلي الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين إليا فها أنا (ذا) محمّد، ومن أراد أن ينظر إلي الأئمّة من ولد الحسين فها أنا هم(3) واحداً بعد واحد فها أنا هم، فلينظر إليَّ ويسألني؛ فإنّي نبيّ بما نبّؤوا به وما لم ينبّؤوا، ألا من كان يقرأ الصحف والكتب فليسمع إليَّ.

ثمّ يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله علي آدم وشيث فيقرأها، فتقول اُمّة آدم: هذه والله الصحف حقّاً، ولقد قرأ ما لم نكن نعلمه منها وما اُخفي عنّا وما كان اُسقط وبُدَّل وحُرَّف، ويقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور، فتقول اُمّتهم: هذه والله كما نزلت والتوراة الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل، وأنَّها أضعاف ما قرأناه، ثمّ يتلو القرآن فيقول المسلمون: هذا والله القرآن حقّاً الذي أنزله الله علي محمّد فما اُسقط ولا بُدَّل ولا حُرَّف، ولعن الله من أسقطه وبدَّله وحرَّفه، ثمّ تظهر الدابة بين الركن والمقام، فتكتب في وجه المؤمن مؤمن، وفي وجه الكافر كافر، ثمّ يقبل علي القائم رجل وجهه إلي قفاه).

ص: 190


1- في النسخة المطبوعة: (الأصل)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- ما بين المعقوفتين ليست في المصدر، وأثبتناه من المصادر.
3- كذا في المصدر، والظاهر أنَّها: (فها أنا ذا).

وقفاه إلي صدره، ويقف بين يديه فيقول: أنا وأخي بشير أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك وأبشّرك بهلاك السفياني بالبيداء، فيقول له القائم: بيّن قصَّتك وقصَّة أخيك نذير، فيقول الرجل: كنت وأخي نذيراً في جيش السفياني، فخرَّبنا الدنيا من دمشق إلي الزوراء وتركناهم حمماً، وخرَّبنا الكوفة، وخرَّبنا المدينة، وروثت أبغالنا في مسجد رسول الله، وخرجنا منها نريد مكّة، وعددنا ثلاثمائة ألف رجل نريد مكّة والمدينة وخراب البيت العتيق، وقتل أهله، فلمَّا صرنا بالبيداء عرسنا بها، فصاح صائح: يا بيداء بيدي بالقوم الكافرين، فانفجرت الأرض وابتلعت ذلك الجيش، فوَالله ما بقي علي الأرض عقال ناقة ولا سواه غيري وأخي نذير، فإذا بملك قد ضرب وجوهنا إلي وراء كما ترانا، وقال لأخي: ويلك يا نذير أنذر الملعون بدمشق بظهور مهدي آل محمّد وأنَّ الله قد أهلك جيشه بالبيداء، وقال لي: يا بشير الحق بالمهدي بمكّة فبشّره بهلاك السفياني وتب علي يده فإنَّه يقبل توبتك، فيمرّ القائم يده علي وجهه فيردّه سوياً كما كان ويبايعه ويسير معه).

قال المفضَّل: يا سيّدي وتظهر الملائكة والجنّ للناس؟

قال: (أي والله يا مفضَّل ويخالطونهم كما يكون الرجل مع جماعته وأهله).

قلت: يا سيّدي ويسيرون معه؟

قال: (أي والله ولينزلنَّ أرض الهجرة ما بين الكوفة والنجف، وعدد أصحابه ستّة وأربعون ألفاً من الملائكة وستّة آلاف من الجنّ، بهم ينصره الله ويفتح علي يده).

قال المفضَّل: يا سيّدي فما يصنع بأهل مكّة؟

ص: 191

قال: (يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة فيطيعونه، ويستخلف فيهم من أهل بيته ويخرج يريد المدينة).

قال المفضَّل: يا سيّدي فما يصنع بالبيت؟

قال: (ينقضه ولا يدع منه إلاَّ القواعد التي هي أوّل بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم، والذي رفعه إبراهيم وإسماعيل، وإنَّ الذي بني بعدهم لا بناه نبيّ ولا وصيّ، ثمّ يبنيه كما يشاء ويغيّر آثار الظلمة بمكّة والمدينة والعراق وسائر الأقاليم، وليهدمنَّ مسجد الكوفة ويبنيه علي بنائه الأوّل، وليهدمنَّ القصر العتيق ملعون من بناه).

قال المفضَّل: يا سيّدي يقيم بمكّة؟

قال: (لا، بل يستخلف فيها رجلاً من أهله، فإذا سار منها وثبوا عليه وقتلوه، فيرجع إليهم فيأتوا مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون ويتضرَّعون ويقولون: يا مهدي آل محمّد التوبة، فيعظهم وينذرهم ويحذّرهم، ثمّ يستخلف فيهم خليفة ويسير عنهم، فيثبون عليه بعده ويقتلونه، فيرجع إليهم فيخرجون إليه مجزّزين النواصي ويضجّون يبكون ويقولون: يا مهدي آل محمّد غلبت علينا شقوتنا، فاقبل منّا توبتنا يا أهل بيت الرحمة، فيعظهم ويحذّرهم ويستخلف فيهم خليفة ويسير، فيثبون عليه بعده ويقتلونه، فيرد إليهم أنصاره من الجنّ والنقباء فيقول: ارجعوا إليهم لا تبقوا منهم أحداً إلاَّ من وسم وجهه بالإيمان، فلولا رحمة الله وسعت كلّ شيء وأنا تلك الرحمة لرجعت إليهم معكم، فقد قطعوا الأعذار والأنذار بين الله وبيني وبينهم، فيرجعون إليهم فوَالله لا يسلم من المائة منهم واحد، والله ولا من الألف واحد).

ص: 192

قال المفضَّل: قلت: يا سيّدي فأين يكون دار المهدي ومجمع المؤمنين؟

قال: (يكون ملكه بالكوفة، ومجلس حكمه جامعها، وبيت ماله مقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة، وموضع خلوته الذكوات البيض من الغريين).

قال المفضَّل: وتكون المؤمنون بالكوفة؟

قال: (أي والله يا مفضَّل لا يبقي مؤمن إلاَّ كان فيها وجري إليها، وليبلغنَّ مربط مجال فرس ألف درهم والله، ومربط شاة ألف درهم والله، وليودّنَّ كثيرٌ من الناس أنَّهم يشترون شبراً من أرض السبيع بواحد ذهب - والسبيع خطّة من خطط همدان - ولتصيرنَّ الكوفة أربعة وخمسين ميلاً، ولتخافنَّ(1) قصورها كربلا، ولتصيرنَّ كربلا معقلاً ومقاماً تعكف فيه الملائكة والمنون، وليكوننَّ شأن عظيم، ويكون فيها البركات ما لو وقف فيها مؤمن ودعا ربه بدعوة واحدة لأعطاه مثل ملك الدنيا ألف مرّة)، ثمّ تنفَّس أبو عبد الله. وقال:

(يا مفضَّل إنَّ بقاع الأرض تفاخرت، ففخرت كعبة البيت الحرام علي البقعة بكربلاء، فأوحي الله: أسكتي يا كعبة البيت الحرام، فلا تفخري عليها؛ فإنَّها البقعة المباركة التي نودي موسي منها من الشجرة، وأنَّها الربوة التي آوت إليها مريم والمسيح، وأنَّها الدالية(2) التي غسَّل فيها رأس الحسين، وفيها غسَّلت مريم لعيسي، واغتسلت من ولادتها، وأنَّها آخر بقعة يخرج الرسول منها في وقت غيبته، وليكوننَّ لشيعتنا فيها حياة لظهور قائمنا).).

ص: 193


1- كذا في المصدر، وفي مختصر البصائر وبحار الأنوار: (وليجاورن).
2- الدالية: الأرض تسقي بدلو أو منحنون.. والجمع دوالي. (تاج العروس 19: 411).

قال المفضَّل: يا سيّدي إلي أين يسير المهدي؟

قال: (إلي مدينة جدّه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر سرور المؤمنين وحزن الكافرين).

قال المفضَّل: يا سيّدي ما هو ذلك؟

قال: (يرد قبر جدّه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ويقول: يا معاشر الخلائق هذا قبر جدّي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ فيقولون: نعم يا مهدي آل محمّد...).

إلي أن يقول: (ثمّ يسير المهدي إلي الكوفة وينزل ما بينها وبين النجف، وعدد أصحابه في ذلك اليوم ستّة وأربعون ألفاً من الملائكة، وستّة آلاف من الجنّ، والنقباء ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً).

قال المفضَّل: يا سيّدي كيف تكون دار الفاسقين الزوراء في ذلك اليوم والوقت؟

قال: (في لعنة الله وسخطه وبطشه، تحرقهم الفتن وتتركهم حمماً، الويل لها ولمن بها كلّ الويل من الرايات الصفر ومن رايات الغرب، ومن كلب الجزيرة، ومن الراية التي تسير إليها من كلّ قريب وبعيد، والله لينزلنَّ فيها من صنوف العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت بمثله، ولا يكون طوفان أهلها إلاَّ السيف، الويل عند ذلك كلّ الويل لمن اتّخذها مسكناً؛ فإنَّ المقيم بها لشقائه والخارج منها يرحمه الله، والله يا مفضَّل ليتنافس أمرها في الدنيا - يعني الكوفة - حتَّي يقال: إنَّها هي الدنيا، وإنَّ دورها وقصورها هي الجنّة، وإنَّ نساءها هي الحور العين، وإنَّ ولدانها (هم)(1) الولدان، وليظنَّ الناس أنَّ الله لم يقسم رزق للعباد إلاَّ بها، ولتُظهرق.

ص: 194


1- ما بين المعقوفتين أثبتناه لاقتضاء السياق.

بغداد الزور والافتراء علي الله ورسوله والحكم بغير كتاب وشهادة الزور وشرب الخمر وركوب الفسق والفجور وأكل السحت وسفك الدماء ما لم يكن في الدنيا إلاَّ دونه، ثمّ يخربها الله بتلك الفتن والرايات حتَّي ليمرَّ عليها المار فيقول: هاهنا كانت الزوراء).

قال المفضَّل: ثمّ ماذا يا سيّدي؟

قال: (ثمّ يخرج الحسني الفتي الصبيح من نحو الديلم، يصيح بصوت فصيح: يا آل أحمد أجيبوا الملهوف، والمنادي من حول الضريح، فتجيبه كنوز الله (بالطالقان)(1)، كنوز وأيّ كنوز ليست من فضّة ولا من ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد، كأنّي أنظر إليهم علي البراذين الشهب في أيديهم الحراب يتعاوون شوقاً للحرب كما تتعاوي الذئاب، أميرهم رجل من تميم يقال له: شعيب به صالح، فيقبل الحسني إليهم وجهه كدارة البدر، يريع الناس جمالاً أنيقاً فيعفي علي أثر الظلمة فيأخذ بسيفه الكبير والصغير والعظيم والرضيع، ثمّ يسير بتلك الرايات كلّها حتَّي يرد الكوفة وقد صفا أكثر الأرض فيجعلها معقلاً، ويتَّصل به وبأصحابه خبر المهدي عليه السلام فيقولون: يا ابن رسول الله من هذا الذي نزل بساحتنا؟

فيقول: أخرجوا بنا إليه حتَّي ننظره من هو؟ وما يريد؟ (وهو يعلم والله)(2) أنَّه المهدي، وأنَّه يعرفه، وأنَّه لم يرد بذلك الأمر إلاَّ له، فيخرج الحسني في أمر عظيم بين يديه أربعة آلاف رجل وفي أعناقهم المصاحف وعلي ظهورهم المسوح الشعر يقال لهم: الزيدية، فيقبلر.

ص: 195


1- في الأصل: (بالطاقات)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- في الأصل: (والله ويعلم)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

الحسني حتَّي ينزل بالقرب من المهدي، ثمّ يقول الرجل لأصحابه: اسألوا عن هذا الرجل من هو وما يريد؟ فيخرج بعض أصحاب الحسني إلي عسكر المهدي، ويقول: يا أيّها العسكر الجميل من أنتم حيّاكم الله؟ ومن صاحبكم هذا؟ وما تريدون؟

فيقول له أصحاب المهدي: هذا ولي الله مهدي آل محمّد، ونحن أنصاره من الملائكة والإنس والجنّ.

فيقول أصحاب الحسني: يا سيّدنا ما تسمع ما يقول هؤلاء في صاحبهم؟

فيقول الحسني: خلوا بيني وبين القوم؛ فأنا هل أتيت علي هذا حتَّي أنظر وينظروا؟ فيخرج الحسني من عسكره، ويخرج المهدي عليه السلام ويقفان بين العسكرين، فيقول له الحسني: إن كنت مهدي آل محمّد فأين هراوة جدّك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وخاتمه وبردته ودرعيه الفاضل وعمامته السحاب وفرسه البرقوع وناقته العضباء وبغلته الدلدل وحماره اليعفور ونجيبه البراق وتاجه السني والمصحف الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السلام بغير تبديل ولا تغيير؟).

قال المفضَّل: يا سيّدي فهذا كلّه في السفط؟

قال: (يا مفضَّل وتركات جميع النبيّين حتََّي عصاة(1) آدم، وآلة نوح، وتركة هود وصالح، ومجمع إبراهيم، وصاع يوسف (ومكيل شعيب وميزانه)(2) وعصاة موسي والتابوت الذي فيه بقيّة ممَّا ترك آل موسي وآل هارون تحمله الملائكة، ودرع داود وعصاته، وخاتم سليمان وتاجه، وإنجيل عيسي، وميراث النبيّين والمرسلين في ذلك السفط.ر.

ص: 196


1- كذا.
2- في الأصل: (وميكائيل وشعيب وميراثه)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

فيقول الحسني: هذا بعض ما قد رأيت، وأنا أسألك أن تغرس هراوة جدّك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في هذا الحجر (الصلب)(1) وتسأل الله أن ينبتها فيها، - وهو لا يريد بذلك إلاَّ أن يري أصحابه فضل المهدي (إليه التسليم) حتَّي يطيعوه ويبايعوه - فيأخذ المهدي الهراوة بيده ويغرسها في الحجر فتنبت فيه وتعلو وتفرع وتورق حتَّي تظلّ عسكر المهدي والحسني، فيقول الحسني: الله أكبر مدّ يدك يا ابن رسول الله حتَّي أبايعك، فيمدّ يده فيبايعه ويبايعه سائر عسكر الحسني إلاَّ الأربعة آلاف أصحاب المصاحف والمسوح الشعر المعروفين بالزيدية، فيقولون: ما هذا إلاَّ سحر عظيم، فتختلط العسكران ويقبل المهدي علي الطائفة المنحرفة فيعظهم (ويدعوهم)(2) ثلاثة أيّام فلم يزدادوا إلاَّ طغياناً وكفراً، فيأمر بقتلهم، كأنّي أنظر إليهم وقد ذبحوا علي مصاحفهم وتمرَّغوا بدمائهم، فيقبل بعض أصحاب المهدي لأخذ تلك المصاحف، فيقول لهم المهدي: دعوها تكون عليهم حسرة كما بدَّلوها وغيَّروها ولم يعملوا بما فيها).

قال المفضَّل: ثمّ ماذا يا سيّدي؟

قال: (ثمّ تثور رجاله إلي سرايا السفياني بدمشق فيأخذوه ويذبحونه علي الصخرة، ثمّ يظهر الحسين عليه السلام في اثني عشر ألف صدّيق واثنين وسبعين رجاله بكربلاء، فيا لك عندها من كَرَّة زهراء ورجعة بيضاء، ثمّ يخرج الصدّيق الأكبر أمير المؤمنين (إليه التسليم) وتنصب له القبّة علي النجف، وتقام أركانها؛ ركن بهجر، وركن بصنعاء اليمن، وركن بطيبة وهي مدينة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، فكأنّي أنظر إليها ومصابيحهار.

ص: 197


1- في الأصل: (الصفا)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- في الأصل: (ويدعيهم)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

تشرق بالسماء والأرض أضوي من الشمس والقمر، فعندها تبلي السرائر (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ...)(1) إلي آخر الآية.

ثمّ يظهر الصدّيق الأكبر الأجل السيّد محمّد صلي الله عليه وآله وسلم في أنصاره إليه ومن آمن به وصدَّق واستشهد معه، ويحضر مكذّبوه والشاكّون فيه أنَّه ساحر وكاهن ومجنون ومعلّم وشاعر وناعق عن هذا، ومن حاربه وقاتله حتَّي يقتصَّ منهم بالحقّ (ويجازوا)(2) بأفعالهم من وقت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي ظهور المهدي مع إمام إمام ووقت وقت، ويحقّ تأويل هذه الآية: (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ)(3))، قال: (ضلال ووبال لعنهما الله فينشبا ويحيا).

قال المفضَّل: قلت: يا سيّدي فرسول الله أين يكون؟ وأمير المؤمنين؟

قال: (إنَّ رسول الله وأمير المؤمنين لا بدَّ أن يطئا الأرض والله حتَّي يورثاها، أي والله ما في الظلمات ولا في قعر البحار حتَّي لا يبقي موضع قدم إلاَّ وطئاه وأقاما فيه الدين الواصب، والله فكأنّي أنظر إلينا يا مفضَّل معاشر الأئمّة ونحن بين يدي جدّنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نشكوا إليه ما نزل بنا من الأمّة بعده وما نالنا من التكذيب، والردّ علينا، وسبّنا، ولعننا، وتخويفنا بالقتل، وقصد طواغيتهم الولاة لأمورهم أيّانا من دون الأمّة، وترحيلنا عن حرمه إلي ديار ملكهم، وقتلهم إيّانا بالحبس وبالسمّ وبالكيد العظيم، فيبكي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويقول: يا ابنيّ ما نزل بكم إلاَّ ما نزل بجدّكم قبلكم، ولو علمت طواغيتهم وولاتهم أنَّ الحقّ والهدي والإيمان والوصيّة والإمامة في غيركم لطلبوه...).6.

ص: 198


1- الحجّ: 2.
2- في الأصل: (ويجاوزوا)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- القصص: 6.

إلي أن يقول: (ثمّ يقوم الحسين عليه السلام مخضّباً بدمائه، فيقبل في اثني عشر ألف صدّيق كلّهم شهداء وقتلوا في سبيل الله من ذرية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومن شيعتهم ومواليهم وأنصارهم وكلّهم مضرّجون بدمائهم، فإذا رآه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بكي فبكت أهل السماوات والأرض ومن عليها، ويقف أمير المؤمنين والحسن عن يمينه وفاطمة عن شماله ويقبل الحسين ويضمّه رسول الله إلي صدره ويقول: يا حسين فديتك، قرَّت عيناك وعيناي فيك، وعن يمين الحسين حمزة بن عبد المطلب، وعن شماله جعفر بن أبي طالب، وأمامه أبو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، ويأتي محسن مخضّباً بدمه، تحمله خديجة ابنة خويلد وفاطمة ابنة أسد، وهما جدَّتاه، وجمانة عمَّته ابنة أبي طالب، وأسماء ابنة عميس، صارخات وأيديهنَّ علي خدودهنَّ ونواصيهنَّ منشرة، والملائكة تسترهنَّ بأجنحتها، واُمّه فاطمة تصيح وتقول: (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)(1) وجبرائيل يصيح ويقول: مظلوم فانتصر، فيأخذ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم محسن علي يده ويرفعه إلي السماء وهو يقول: إلهي صبرنا في الدنيا احتساباً، وهذا اليوم: (تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً)(2)).

قال: ثمّ بكي الصادق وقال: (يا مفضَّل لو قلت عيناً بكت ما في الدموع من ثواب، وإنَّما نرجو أن بكينا الدماء أن ثاب(3) به).ة.

ص: 199


1- الأنبياء: 103.
2- آل عمران: 30.
3- كذا في النسخة المطبوعة.

فبكي المفضَّل طويلاً، ثمّ قال: يا ابن رسول الله إنَّ يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم؟

فقال له الصادق عليه السلام : (ولا كيوم محنتنا بكربلا، وإن كان كيوم السقيفة وإحراق الباب علي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب واُمّ كلثوم وفضّة وقتل محسن بالرفسة لأعظم وأمرّ؛ لأنَّه أصل يوم الفراش).

قال المفضَّل: يا مولاي أسأل؟

قال: (اسأل).

قال: يا مولاي (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)(1)؟

قال: (يا مفضَّل تقول العامّة أنَّها في كلّ جنين من أولاد الناس يقتل مظلوماً).

قال المفضَّل: نعم يا مولاي هكذا يقول أكثرهم.

قال: (ويلهم، من أين لهم هذه الآية؟ هي لنا خاصّة في الكتاب وهي محسن عليه السلام؛ لأنَّه منّا، وقال الله تعالي: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي)(2) وإنَّما هي من أسماء المودّة، فمن أين إلي كلّ جنين من أولاد الناس؟ وهل في المودّة والقربي غيرنا يا مفضَّل؟).

قال: صدقت يا مولاي، ثمّ ماذا؟

قال: (فتضرب سيّدة نساء العالمين فاطمة يدها إلي ناصيتها وتقول: اللهم أنجز وعدك وموعدك فيمن ظلمني وضربني وجرَّعني ثكل3.

ص: 200


1- التكوير: 8 و9.
2- الشوري: 23.

أولادي، ثمّ تلبّيها ملائكة السماء السبع وحملة العرش وسكّان الهواء ومن في الدنيا وبين أطباق الثري، صائحين صارخين بصيحتها وصراخها إلي الله، فلا يبقي أحد ممَّن قاتلنا ولا أحبَّ قتالنا وظلمنا ورضي بغضبنا وبهضمنا ومنعنا حقّنا الذي جعله الله لنا إلاَّ قتل في ذلك اليوم كلّ واحد ألف قتلة، ويذوق في كلّ قتلة من العذاب ما ذاقه من ألم القتل سائر من قتل من أهل الدنيا من دون من قتل في سبيل الله، فإنَّه لا يذوق الموت، وهو كما قال الله عز وجل: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(1)).

قال المفضَّل: يا سيّدي، فإنَّ من يستبشرون(2) شيعتكم من لا يقرُّ بالرجعة وأنَّكم لا تكرّون بعد الموت، ولا يكرّ أعداؤكم حتَّي تقتصّوا منهم بالحقّ.

فقال: (ويلهم ما سمعوا قول جدّنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وجميع الأئمّة عليهم السلام ونحن نقول: من لم يثبّت إمامتنا ويحلُّ متعتنا ويقول برجعتنا فليس منّا، وما سمعوا قول الله تعالي: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الأَْدْني دُونَ الْعَذابِ الأَْكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(3)).

قال المفضَّل: يا مولاي ما العذاب الأدني؟ وما العذاب الأكبر؟

قال عليه السلام : (العذاب الأدني عذاب الرجعة، والعذاب الأكبر عذاب يوم القيامة الذي يبدّل فيه الأرض غير الأرض، والسماوات، وبرزوا لله الواحد القهار).1.

ص: 201


1- آل عمران: 169 و170.
2- كذا، والظاهر أنَّها زائدة.
3- السجدة: 21.

قال المفضَّل: يا مولاي فإمامتكم ثابتة عند شيعتكم، ونحن نعلم أنَّكم اختيار الله في قوله: (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ)(1)، وقوله: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(2)، (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفي آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَي الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(3).

قال: (يا مفضَّل فأين نحن من هذه الآية؟).

قال: (يا مفضَّل قول الله تعالي: (إِنَّ أَوْلَي النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(4)، وقوله: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)(5)، وقول إبراهيم: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَْصْنامَ)(6) وقد علمنا أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام ما عبدا صنماً ولا وثناً ولا أشركا بالله طرفة عين، وقوله: (وَإِذِ ابْتَلي إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(7) والعهد هو الإمامة).

قال المفضَّل: يا مولاي لا تمتحني، ولا تختبرني، ولا تبتليني، فمن علمكم علمت ومن فضل الله عليكم أخذت.

قال: (صدقت يا مفضَّل، لولا اعترافك بنعمة الله عليك في ذلك لما كنت باب الهدي، فأين يا مفضَّل الآيات من القرآن فيه أنَّ الكافر ظالم؟).4.

ص: 202


1- الأنعام: 83 .
2- الأنعام: 124.
3- آل عمران: 33 و34.
4- آل عمران: 68.
5- الحجّ: 78.
6- إبراهيم: 35.
7- البقرة: 124.

قال: نعم، يا مولاي قوله: (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(1)، وقوله: (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(2)، ومن كفر وفسق وظلم لا يجعله الله للناس إماماً.

قال: (أحسنت يا مفضَّل، فمن أين قلت برجعتنا، ومقصّرة شيعتنا أنَّ معني الرجعة أن يرد الله إلينا ملك الدنيا فيجعله للمهدي، ويحهم متي سلبنا الملك حتَّي يرد إلينا؟).

قال المفضَّل: لا والله يا مولاي ما سلبتموه ولا (تسلبونه)(3) لأنَّه ملك النبوّة والرسالة والوصيّة والإمامة... الخ.

... قال المفضَّل: يا مولاي، فما تأويل: (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما)؟

قال: (والله الرجعة الأولي، ويوم القيامة العظمي، يا مفضَّل وما سمعوا قوله تعالي: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ...)(4) الآية...).

إلي أن قال: (ويقوم الخامس بعد السابع وهو المهدي يشكو إلي جدّه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وكنيته محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وعليه قميص رسول الله، بدم رسول الله يوم كسر رباعيته، والملائكة تحفّه حتَّي يقف بين يدي جدّه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فيقول له: يا جدّاه نصصت عليَّ ودللت، ونسبتني وسمَّيتني، فجحدتني الأمّة أمّة الكفر وتمارت فيَّ، وقالوا: ما ولد ولا كان، وأين5.

ص: 203


1- البقرة: 254.
2- النور: 55.
3- في الأصل: (سلبونه)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
4- القصص: 5.

هو؟ ومتي كان؟ وأين يكون؟ وقد مات وهلك، ولم يعقّب أبوه، واستعجلوا ما أخَّره الله إلي هذا الوقت المعلوم، فصبرت محتسباً، وقد أذن الله لي يا جدّاه فيما أمر، فيقول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنّة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين، ويقول: قد جاء نصر الله والفتح، وحقّ قوله تعالي: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(1)، ويقرأ: (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ)(2)).

فقال الصادق عليه السلام : (إنَّ الله تعالي (عَلَّمَ آدَمَ الأَْسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَي الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)(3) وكذلك يا مفضَّل لمَّا أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربّكم؟ عرضوا تلك الذرية علي جدّنا رسول الله وعلينا إمام بعد إمام إلي مهدينا الثاني عشر من أمير المؤمنين، سميّ جدّه وكنيته، محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسي ابني وعرض علينا أعمالهم، فرأينا لهم ذنوباً وخطايا، فبكي جدّنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وبكينا رحمة لشيعتنا أن يدعوا لنا بنا (4) ولهم ذنوب مشهورة بين الخلائق إلي يوم القيامة، فقال رسول اللهر.

ص: 204


1- التوبة: 33.
2- الفتح: 1 و2.
3- البقرة: 31 - 33.
4- كذا في المصدر.

صلي الله عليه وآله وسلم: اللهم اغفر ذنوب شيعة أخي وأولاده الأوصياء منه، وما تقدَّم منها وما تأخَّر ليوم القيامة، ولا تفضحني بين النبيّين والمرسلين في شيعتنا، فحمله الله إيّاها وغفرها جميعاً، وهذا تأويل: (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ ...)(1) الآية).

قال المفضَّل: فبكيت بكاءً طويلاً، وقلت: يا سيّدي هذا بفضل الله وفضلكم؟

قال الصادق عليه السلام : (هذا بفضل الله علينا فيكم يا مفضَّل، وهل علمت من شيعتنا؟).

قال المفضَّل: من تقول؟

فقال: (والله ما هم إلاَّ أنت وأمثالك، ولا تحدّث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا (فيتَّكلوا)(2) علي هذا الفضل ويتركوا العمل به، فلا يغني عنهم من الله شيئاً، لأنَّنا كما قال الله تعالي: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضي وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)(3)).

قال المفضَّل: يا مولاي بقي لي: (لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(4) ما كان رسول الله يظهر علي الدين كلّه؟

قال: (يا مفضَّل، ظهر عليه علماً ولم يظهر علمه عليه، ولو كان ظهر عليه ما كانت مجوسية، ولا يهودية، ولا جاهلية، ولا عبدت الأصنام والأوثان، ولا صابئة، ولا نصرانية، ولا فرقة، ولا (خلاف)(5)، ولا شكّ،ر.

ص: 205


1- الفتح: 1.
2- في الأصل: (فيتكلموا)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- الأنبياء: 28.
4- التوبة: 33.
5- في الأصل: (خلافة)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

ولا شرك، ولا أولوا العزّة، ولا عُبد الشمس والقمر والنجوم، ولا النار ولا الحجارة، وإنَّما قوله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ) في هذا اليوم، وهذا المهدي، وهذه الرجعة، و(هو)(1) قوله: (وَقاتِلُوهُمْ حتّي لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)(2)).

قال المفضَّل: ثمّ ماذا؟

قال الصادق عليه السلام : (يقول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين: فديتك يا أبا الحسن، أنت ضربتهم بسيف الله عن هذا الدين، فاضربهم الآن عليه عوداً، ويسير في هذه الدنيا يسير جبالها وأقدار أرضها ويطأها قدماً قدماً حتَّي يصفّي الأرض من القوم الظالمين، ويقول للمهدي: سر بالملائكة وخلصاء الجن والإنس، ونقبائك المختارين، ومن سمع وأطاع الله لنا، فاحمل خيلك في الهواء، فإنَّها تركض كما تركض علي الأرض، واحملها علي وجه الماء في البحار والأمصار، فإنَّها تركض بحوافرها عليه فلا يبل لها حافر، وإنَّها تسير مع الطير وتسبق كلّ شيء، فخذ بثأرك وثأرنا، واقتصَّ بمظالمنا منهم، وأظهر حقّنا، وأزهق الباطل؛ فإنَّها دولة لا ليل (فيها)(3) ولا ظلمة ولا قتام، ومن تضعه أهل الجنّة في الجنّة يقول لفاطمة والحسن والحسين وسائر الأئمّة: فينا اُنظروا إلي ما فضَّلكم الله به وجعل لكم عقبي الدار، فاكثروا من شكره واشفعوا لشيعتكم؛ فإنَّكم لا تزالون ترون هذه الأرض في هذه الرجعة منكرة مقشعرة إلي أن لا يبقي عليها شاكّ ولا مرتاب ولا مشرك ولا رادّ ولا مخالف ولا متكبّر ولار.

ص: 206


1- سقطت من الأصل، فأثبتناها من المصادر.
2- الأنفال: 39.
3- في الأصل: (فيه)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

جاحد إلاَّ طاهر مطهر، ويقعد الملك والشرائع، ويصير الدين لله واصباً، فإذا صفت جرت أنهارها بالماء واللبن والعسل والخمر بغير بلاء ولا غائلة، وتفتح أبواب السماء بالبرّ، وتمطر السماء خيرها، وتخرج الأرض كنوزها، وتعظم البرة حتَّي تصير حمل بعير، ويجتمع الإنسان والسبع والطير والحيّة وسائر من يدب في بقعة واحدة فلا يوحش بعضهم بعضاً، بل يؤنسه ويحادثه، ويشرب الذئب والشاة من مورد واحد ويصدران كما يصدر الرجلان المتواخيان في الله من وردهم، وتخرج الفتاة العاتق والعجوز العاقر وعلي رأسها مكيال من دقيق أو بر أو سويق، وتبلغ حيث شاءت من الأرض ولا يمسّها نصب ولا لغوب، وترتفع الأمراض والأسقام، ويستغني المؤمن عن قصّ شعره وتقليم أظافره وغسل أثوابه، وعن حمّام وحجّام، وعن طبّ وطبيب، ويفصح عن كلّ ذي نطق من البشر والدواب والطير والهوام والدبيب، وتفقد جميع اللغات ولم يبقَ إلاَّ اللغة العربية بأفصاح لسان واحد، ولا يخرج المؤمن من الدنيا حتَّي يري من صلبه ألف ولد ذكر مؤمن موحّد تقي) ... الخ.

إلي هذا الموضع تمَّت النسخة الكاملة التي عثرنا عليها من كتاب (الهداية الكبري) والحمد لله أوّلاً وآخرا(1)(2).

* * *ه.

ص: 207


1- وتوجد إضافات بعد الآية الشريفة في النسخة المطبوعة عام (1999م)، ولكنَّها لا تتعلَّق بموضوعنا ولذا لم نتطرَّق إليها.
2- تمَّ حذف بعض مقاطع الحديث لطوله ولعدم تعلّقها بما نحن فيه.

ص: 208

كفاية الأثر في النّص علي الأئمة الاثني عشر عليهم السلام

تأليف: علي بن محمد بن علي الخزاز القمي من علماء القرن الرابع الهجري

تحقيق: عبد اللطيف الكوه كمري الخوئي

ص: 209

ص: 210

باب ما جاء عن أبي محمّد الحسن بن علي عليه السلام ما يوافق هذه الأخبار ونصّه علي ابنه الحجة عليه السلام

باب ما جاء عن أبي محمّد الحسن بن علي عليه السلام ما يوافق هذه الأخبار ونصّه علي ابنه الحجة عليه السلام (1)

* حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي، قال: حدَّثنا علي بن عبد الله الدقّاق(2)، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، قال(: حدَّثني)(3) موسي بن جعفر بن وهب البغدادي: أنَّه خرج من عند أبي محمّد عليه السلام توقيع: (زعموا أنَّهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل، وقد كذَّب الله تعالي(4) قولهم، والحمد لله)(5).

* أخبرنا محمّد بن عبد الله الشيباني، قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثني علاّن الرازي، قال: أخبرني بعض أصحابنا: أنَّه لمَّا حملت جارية أبي محمّد عليه السلام، قال: (ستحملين ذكراً واسمه محمّد، وهو القائم من بعدي)(6).

* حدَّثنا علي بن محمّد الدقّاق، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، قال: حدَّثنا أبي، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفراري(7)،

ص: 211


1- كفاية الأثر: 293 - 304.
2- في (ن)، (ط)، (م): (الورّاق).
3- ما بين المعقوفتين أثبتناه من كمال الدين.
4- ليس (تعالي) في (ط).
5- كمال الدين 2: 407/ باب 38/ ح 3.
6- كمال الدين 2: 408/ باب 38/ ح 4.
7- في (ن): (الفزاري)؛ وفي (ط): (القزاري).

قال: حدَّثني أحمد(1) بن محمّد المدائني، عن أبي غانم، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي عليه السلام يقول: (في سنة مائتي وستّين يفترق شيعتي). ففيها (2) قبض أبو محمّد عليه السلام وتفرَّقت شيعته وأنصاره، فمنهم من انتمي(3) إلي جعفر، ومنهم من تاه وشكّ، ومنهم من وقعت(4) علي الحيرة(5)، ومنهم من ثبت علي دينه بتوفيق الله عز وجل(6).

* حدَّثنا محمّد بن علي(7)، قال: حدَّثنا المظفَّر بن جعفر العلوي السمرقندي، قال: حدَّثنا جعفر(8) بن مسعود العياشي، عن أبيه، عن أحمد بن علي بن كلثوم، عن أحمد بن علي الرازي، عن أحمد(9) بن إسحاق بن سعد، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي العسكري عليه السلام يقول: (الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتَّي أراني الخلف من بعدي، ما(10) أشبه الناس برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خَلقاً وخُلُقاً، يحفظه الله تبارك وتعالي في غيبته ويظهره(11) فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(12).7.

ص: 212


1- في (ن)، (ط)، (م)، (ك): (محمّد بن أحمد)، وفي (ن): (المداني).
2- والظاهر أنَّ من (ففيها قبض أبو محمّد عليه السلام ...) إلي آخره ليس من الحديث.
3- في (ط): (من رجع إلي جعفر)؛ وفي (ن): (انتهي).
4- (ط)، (م): (وقف علي الحيرة).
5- في كمال الدين: (ومنهم من وقف علي تحيّره).
6- كمال الدين 2: 408/ باب 38/ ح 6.
7- ليس (بن علي) في (ط).
8- في (ن)، (ط)، (م): (جعفر بن محمّد بن مسعود العياشي).
9- في (ن)، (م): (عن ابن إسحاق بن سعد)؛ وفي (ط): (عن إسحاق بن سعد).
10- ليس (ما) في كمال الدين.
11- في كمال الدين: (ثمّ يظهره).
12- كمال الدين 2: 408/ باب 38/ ح 7.

* حدَّثنا الحسن(1) بن علي، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدَّثني موسي بن جعفر بن وهب البغدادي، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي العسكري عليه السلام يقول: (كأنّي بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي، ألا إنَّ المقرّ بالأئمّة بعد رسول الله المنكر لولدي كمن أقرَّ بجميع الأنبياء(2) ورسله، ثمّ أنكر نبوّة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم(3)، لأنَّ طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا، والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا، أمَّا أنَّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلاَّ من عصمه الله)(4).

* أخبرنا أبو المفضل رحمه الله، قال: حدَّثني أبو همام(5)، قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري قدس سره يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمّد الحسن بن علي عليه السلام وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه عليهم السلام: (إنَّ(6) الأرض لا تخلو من حجّة لله(7) علي خلقه إلي يوم القيامة) وإنَّ (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).

فقال: (إنَّ هذا حقّ كما أنَّ النهار حقّ).

فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن الحجّة والإمام بعدك؟).

ص: 213


1- في (ن)، (ط)، (م): (الحسين).
2- في (ن)، (ط)، (م)، (ك): (أنبياء الله).
3- في كمال الدين: (والمنكر لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كمن أنكر جميع أنبياء الله).
4- كمال الدين 2: 409/ باب 38/ ح 8 .
5- في (ن)، (ط)، (ك)، (م): (أبو علي بن همام).
6- في (ط)، (ن)، (م): (ألا إنَّ الأرض).
7- في (ن)، (ط)، (م): (من حجّة الله).

قال: (ابني محمّد هو الإمام والحجّة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أمَا إنَّ له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها الوقّاتون، ثمّ يخرج، وكأنّي(1) أنظر إلي الأعلام البيض تخفق(2) فوق رأسه بنجف الكوفة)(3).

فهذه أسعدك الله أحاديث الرواة تنقلها(4) عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام، ونصّ بعضهم علي بعض علي(5) موافقة أحاديث الصحابة في النصوص علي الأئمّة عليهم السلام، فكيف(6) يجوز ويصحّ في العقل بتواطؤ(7) جماعة مختلفي(8) الآراء والهمم(9) متباعدي(10) الديار والأوطان، وفيهم جماعة من أهل بيت الرسول، وهم عند جميع(11) الأمّة بررة أتقياء وعند بعضها(12) معصومون من الخطايا والزلل(13)، علي وضع أحاديث افتعلوها لكي يغالطوا الناس ويشكّكوهم في أمر هؤلاء(14).).

ص: 214


1- في (ن)، (ط)، (م): (فكأنّي)؛ وفي (ط): (النظر)، وهو ليس بصحيح.
2- قال في المجمع: وخفق قلب الرجل إذا اضطرب، ومنه خفقت الراية.
3- كمال الدين 2: 409/ باب 38/ ح 9.
4- في (ن)، (م): (ننقلها)؛ وفي (ط): (ينقلها).
5- في (ط): (مع موافقة).
6- في (ط): (وكيف).
7- في (ن)، (م): (أن يتواطأ)؛ وفي (ط): (أن يتواطؤا).
8- في (ن): (مختلف)؛ وفي (ط)، (م): (مختلفوا).
9- في (ط): (والهمّ).
10- في (ن)، (ط)، (م): (متباعدوا).
11- ليس (جميع) في (ط).
12- في (ن)، (ط)، (م): (وعند بعضهم معصومون مبرؤن).
13- في (ط): (والخلل) بدل (والزلل).
14- في (ن)، (ط)، (م): (هؤلاء الأئمّة).

هذا ممَّا لا يجوز (في العقل ولا يصحّ)(1) في التقدير، لأنَّ الله تعالي لا يمدح المذمومين، وقد مدحهم في مواضع كثيرة باتّفاق الأمّة. فتأمَّلوا الأخبار الصادقة تعرفوا بها فضل ما بين خبر الصدق والكذب، إذ كان مثل هذا الحديث لا يجوز أن يكون موضوعاً مفتعلاً كما قدَّمنا ذكره، ولولا أنَّ قصدي في إيراد هذه الأخبار إثبات الحجّة لا غير لأوردت أضعافها، ولكن كرهت التطويل، إذ الحجّة ثابتة.

وقد روي عن أبي الحسين(2) زيد بن علي عليه السلام أخبار من جنسها، فأحببت إيرادها لشهرتها وشهرة أمثالها عند أهل الحقّ، ليعلم المنصف المتديّن أنَّها حقّ والتكليف بها لازم:

* حدَّثنا علي بن الحسن بن محمّد، قال: حدَّثنا هارون بن موسي ببغداد في صفر سنة إحدي وثمانين وثلاثمائة، قال: حدَّثنا أحمد(3) بن محمّد المقري مولي بني هاشم في سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. قال أبو محمّد: وحدَّثنا أبو حفص عمر(4) بن الفضل الطبري، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الفرغاني، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمّد ابن عمرو البلوي. قال أبو محمّد: وحدَّثنا عبد الله(5) بن الفضل بن هلال الطائي بمصر، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمّد بن عمر(6) بن محفوظ البلوي، قال: حدَّثني إبراهيم بن عبد الله بن العلا، قال: حدَّثني محمّد بن).

ص: 215


1- ما بين المعقوفتين ليس في (ط).
2- ليس (أبي الحسين) في (ط)، وفيه: (زيد بن علي بن الحسين).
3- في (ن)، (م)، (ط): (محمّد) بدل (أحمد)؛ وفي (ن): (بن مخزوم)؛ وفي (ط): (محروم)؛ وفي (م): (محزوم) بدل (أحمد).
4- في (ن): (عمرو) بدل (عمر)؛ وفي (ط): (المطيري) بدل (الطبري).
5- في (ط)، (ن)، (م): (عبيد الله).
6- في (ط)، (ن)، (م): (عمرو).

بكير، قال: دخلت علي زيد بن علي عليه السلام وعنده صالح بن بشر، فسلَّمت عليه وهو يريد الخروج إلي العراق، فقلت له: يا ابن رسول الله حدّثني بشيء سمعته من أبيك عليه السلام .

فقال: نعم، حدَّثني أبي(1)، عن جدّه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (من أنعم الله عليه بنعمة فليحمد الله عز وجل، ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله(2) (ومن حزنه(3) أمر) فليقل: لا حول ولا قوّة إلاَّ بالله).

فقلت: زدني يا ابن رسول الله.

قال: نعم، حدَّثني أبي، عن جدّه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (أربعة أنا شفيع(4) لهم يوم القيامة: المكرم لذريّتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم إليه، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه).

قال: فقلت: زدني يا ابن رسول الله من فضل ما أنعم الله عز وجل عليكم.

قال: نعم، حدَّثني أبي(5)، عن جدّه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (من أحبَّنا أهل البيت في الله حشر معنا وأدخلناه معنا الجنّة)، يا ابن بكير، من تمسَّك بنا فهو معنا في الدرجات العلي، يا ابن بكير، إنَّ الله تبارك وتعالي اصطفي محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم، واختارنا له ذرية، فلولانا لم يخلق الله تعالي الدنيا والآخرة، يا ابن بكير بنا عُرف الله، وبنا عُبد الله، ونحن السبيل إلي الله، ومنّا المصطفي والمرتضي(6)، ومنّا يكون المهدي قائم هذه الأمّة.).

ص: 216


1- في (ن)، (ط)، (م): (أبي، عن أبيه، عن جدّه).
2- ليس (الله) في (ن)، (ط)، (م)؛ وفي (ط): (فليستغفروا به).
3- في (ن)، (م): (ومن أحزنه)؛ وليس ما بين المعقوفتين في (ط).
4- في (ن)، (ط)، (م): (أنا لهم الشفيع).
5- في (ن)، (ط)، (م): (أبي، عن أبيه، عن جدّه).
6- في (ط): (ومنّا المرتضي).

قلت: يا ابن رسول الله، هل عهد إليكم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم متي يقوم قائمكم؟

قال: يا ابن بكير، إنَّك لن تلحقه، وإنَّ هذا الأمر يليه(1) ستّة من الأوصياء بعد هذا، ثمّ يجعل(2) خروج قائمنا فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

فقلت: يا ابن رسول الله، ألستَ صاحب هذا الأمر؟

فقال: أنا من العترة، فعدت فعاد إليَّ.

فقلت: هذا الذي تقوله عنك أو عن رسول الله.

فقال: (لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ)(3) لا، ولكن عهد عهده إلينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ثمّ أنشأ يقول:

نحن سادات قريش * وقوام الحقّ فينا

نحن أنوار التي من * قبل كون الخلق(4) كنّا

نحن منّا المصطفي * المختار والمهدي منّا

فبنا قد عرف الله * وبالحقّ أقمنا

سوف يصلاه سعيراً * من تولي اليوم عنّا

قال علي بن الحسين وحدَّثنا محمّد بن الحسين البزوفري بهذا الحديث في مشهد مولانا الحسين بن علي عليه السلام، قال: حدَّثنا محمّد بنح.

ص: 217


1- في (ن)، (م): (تليه)؛ وفي (ط): (وإنَّ هذا الأمر يكون بعد).
2- في (ن)، (ط)، (م): (ثمّ يجعل الله).
3- الأعراف: 188.
4- في (ن): (الحقّ)، وهو ليس بصحيح.

يعقوب الكليني، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، وعن(1) سلمة بن الخطاب، عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعاً، عن علقمة بن محمّد الحضرمي، عن صالح(2)، قال: كنت عند زيد بن علي عليه السلام، فدخل عليه(3) محمّد بن بكير... وذكر الحديث.

* حدَّثنا أبو المفضل رحمه الله، قال: حدَّثني محمّد بن علي بن شاذان بن حباب(4) الأزدي الخلاّل بالكوفة، قال: حدَّثني الحسن بن محمّد بن عبد الواحد(5)، قال: حدَّثنا الحسن ثمّ(6) الحسين العربي الصوفي، قال: حدَّثني يحيي بن يعلي الأسلمي، عن عمرو بن موسي الوجيهي، عن زيد بن علي عليه السلام، قال: كنت عند أبي علي بن الحسين عليه السلام إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فبينما هو يحدّثه إذ خرج أخي محمّد من بعض الحجر، فأشخص جابر ببصره نحوه ثمّ قام إليه، فقال: يا غلام أقبل، فأقبل، ثمّ قال: أدبر، فأدبر، فقال: شمائل كشمائل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ما اسمك يا غلام؟

قال: (محمّد).

قال: ابن من؟

قال: (ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

قال: أنت إذاً الباقر. قال: فانكبَّ عليه وقبَّل رأسه ويديه، ثمّ قال: يا محمّد إنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقرئك السلام.).

ص: 218


1- ليس (و) في (ط)، (ن)، (م).
2- في (م): (عن صلح).
3- في (ط)، (ن)، (م): (إليه).
4- في (ط): (حاب) بدل (حباب).
5- في (ط)، (ن)، (م): (علي الواحد) بدل (عبد الواحد).
6- في (ط)، (ن)، (م): (الحسن بن الحسين)؛ وفي (ن): (العرفي) بدل (العربي)؛ وفي (م): (العرني).

قال: (علي رسول الله أفضل السلام، وعليك يا جابر بما أبلغت السلام).

ثمّ عاد(1) إلي مصلاّه، فأقبل يحدّث أبي ويقول: إنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال لي يوماً: (يا جابر إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه منّي السلام، فإنَّه سميّي وأشبه الناس بي، علمه علمي، وحكمه حكمي، سبعة من ولده أمناء معصومون أئمّة أبرار، والسابع(2) مهديهم الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً). ثمّ تلا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ((وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ)(3)).

* حدَّثني أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن سعيد بن علي الخزاعي، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد بالكوفة، قال: حدَّثني جعفر بن علي بن نجيح(4) الكندي، قال: حدَّثني إبراهيم بن محمّد بن ميمون، قال: حدَّثني المسعودي أبو عبد الرحمن(5)، عن محمّد بن علي(6) الفراري(7)، عن أبي خالد الواسطي، عن زيد بن علي عليه السلام، قال: حدَّثني أبي علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم:).

ص: 219


1- في (ط): (ثمّ دعا).
2- في (ط): (والتاسع مهديهم)، والصواب ما في المتن.
3- الأنبياء: 73.
4- في (ط) وفي (م): (علي بحح).
5- في (ن): (أبو عبد الله الرحمن).
6- في (م): (محمّد بن عبد الله الفزاري).
7- في (ن): (الفزاري)؛ وفي (ط): (الفرازي).

(يا حسين أنت (الإمام(1) وأخي الإمام و) ابن الإمام، تسعة من ولدك أمناء معصومون، والتاسع مهديهم، فطوبي لمن أحبَّهم، والويل لمن أبغضهم).

* حدَّثنا أبو الحسن محمّد بن جعفر بن محمّد التميمي المعروف بابن النجّار النحوي الكوفي، عن محمّد بن القاسم بن زكريا المحاربي، قال: حدَّثني هشام بن يونس، قال: حدَّثني القاسم بن خليفة، عن يحيي بن زيد(2)، قال: سألت أبي عن الأئمّة؟ فقال: الأئمّة اثنا عشر، أربعة من الماضين، وثمانية من الباقين.

قلت: فسمّهم يا أبه.

فقال: أمَّا الماضين فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين، ومن الباقين أخي الباقر وجعفر(3) (الصادق ابنه وبعده موسي ابنه وبعده علي ابنه وبعده(4) محمّد ابنه) وبعده علي ابنه، وبعده الحسن ابنه، وبعده المهدي.

فقلت: يا أبه، ألست منهم؟

قال: لا، ولكنّي من العترة.

قلت: فمن أين عرفت أساميهم؟

قال: عهد معهود عهده إلينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

* * *).

ص: 220


1- ليس ما بين المعقوفتين في (ن)، (م)، (ط)؛ وما في (ن)، (م): (أنت ابن الإمام)؛ وما في (ط): (أنت الإمام).
2- في (ن): (يزيد)، وهو غلط فاحش بل أفحش.
3- في (م): (وبعده جعفر الصادق).
4- سقط ما بين المعقوفتين عن (ن).

ثواب الأعمال وعقاب الأعمال

للشيخ الجليل الأقدم الصّدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفي سنة 381ه-

تقديم: السيد مهدي الخرسان

ص: 221

ص: 222

(ثواب من قرأ سورة بني إسرائيل):

* بهذا الإسناد(1)، عن الحسن، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ما من عبد قرأ سورة بني إسرائيل في كلّ ليلة جمعة لم يمت حتَّي يدرك القائم عليه السلام ويكون من أصحابه)(2).

(ثواب قراءة سورة التغابن):

* وبهذا الإسناد(3)، عن الحسن بن علي، عن محمّد بن مسكين، عن عمرو بن بكر، عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (من قرأ بالمسبّحات كلّها قبل أن ينام لم يمت حتَّي يدرك القائم عليه السلام، وإن مات كان في جوار النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم)(4).

(وجوه يومئذٍ خاشعة):

* حدَّثني محمّد بن الحسن، قال: حدَّثني محمّد بن الحسن الصفّار، قال: حدَّثني عباد بن سليمان، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ)؟

ص: 223


1- الإسناد هو: (أبي رحمه الله، قال: حدَّثني محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن علي الكوفي، عن إسماعيل بن مهران...).
2- ثواب الأعمال: 107.
3- الإسناد هو: (أبي رحمه الله، قال: حدَّثني أحمد بن إدريس، عن محمّد بن حسان، عن إسماعيل بن مهران...).
4- ثواب الأعمال: 118.

قال: (يغشاهم القائم عليه السلام بالسيف).

قال: قلت: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ)؟

قال: (تقول: خاضعة ولا تطيق الامتناع).

قال: قلت: (عامِلَةٌ)؟

قال: (عَمِلت بغير ما أنزل الله عز وجل).

قلت: (ناصِبَةٌ)؟

قال: (نصبت لغير ولاة الأمر).

قال: قلت: (تَصْلي ناراً حامِيَةً)(1)؟

قال: (تصلي نار الحرب في الدنيا علي عهد القائم عليه السلام، وفي الآخرة جهنم)(2).

(يقتل القائم عليه السلام ذراري قتلة الحسين عليه السلام):

* حدَّثني محمّد بن الحسن، قال: حدَّثني محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (سمعته يقول القائم والله يقتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفِعال آبائها)(3).

(ذنبان لا يقضي بهما إلاَّ القائم):

* حدَّثني محمّد بن علي ماجيلويه، عن محمّد بن علي الكوفي، عن موسي بن شعبان، عن عبد الله بن القاسم، عن مالك بن عطية، عن

ص: 224


1- الغاشية: 1 - 4.
2- ثواب الأعمال: 208.
3- ثواب الأعمال: 217.

أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : (ذنبان في الإسلام لا يقضي فيهما أحد بحكم الله عز وجل حتَّي يقوم قائمنا، الزاني المحصن، يرجمه ومانع الزكاة يضرب عنقه)(1).

(عقاب من ترك الزكاة وقد وجبت له):

* أبي رحمه الله، قال: حدَّثني سعد بن عبد الله، قال: حدَّثني أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، قال: من منع قيراطاً من الزكاة فما هو بمؤمن ولا مسلم.

وقال أبو عبد الله عليه السلام : (ما ضاع مال في برّ أو بحر إلاَّ بمنع الزكاة)، وقال: (إذا قام القائم أخذ مانع الزكاة فضرب عنقه)(2).

* * *

ص: 225


1- ثواب الأعمال: 235.
2- ثواب الأعمال: 236.

ص: 226

معاني الأخبار

للشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفي سنة 381 ه-

عني بتصحيحه: علي أكبر الغفّاري

ص: 227

ص: 228

* حدَّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه الله، قال: حدَّثنا عبد العزيز بن يحيي الجلودي بالبصرة، قال: حدَّثني المغيرة بن محمّد، قال: حدَّثنا رجاء بن سلمة، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام، قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة بعد منصرفه من النهروان وبلغه أنَّ معاوية يسبّه ويلعنه ويقتل أصحابه، فقام خطيباً، فحمد الله وأثني عليه، وصلّي علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وذكر ما أنعم الله علي نبيّه وعليه، ثمّ قال: (لولا آية في كتاب الله ما ذكرت ما أنا ذاكره في مقامي هذا، يقول الله عز وجل: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(1) اللهم لك الحمد علي نعمك التي لا تحصي، وفضلك الذي لا ينسي، يا أيّها الناس إنَّه بلغني ما بلغني وإنّي أراني قد اقترب أجلي، وكأنّي بكم وقد جهلتم أمري، وإنّي تارك فيكم ما تركه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كتاب الله وعترتي وهي عترة الهادي إلي النجاة خاتم الأنبياء، وسيّد النجباء، والنبيّ المصطفي...).

إلي أن قال: (والله فالق الحَبّ والنوي لا يلج النار لنا محبّ، ولا يدخل الجنّة لنا مبغض، يقول الله عز وجل: (وَعَلَي الأَْعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ)(2) وأنا الصهر، يقول الله عز وجل: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً)(3) وأنا الاُذن الواعية، يقول الله عز وجل: (وَتَعِيَها أُذُنٌ4.

ص: 229


1- الضحي: 11.
2- الأعراف: 46.
3- الفرقان: 54.

واعِيَةٌ)(1) وأنا السلم لرسله يقول الله عز وجل: (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ)(2) ومن ولدي مهدي هذه الأمّة...)(3).

* حدَّثنا أحمد بن محمّد بن يحيي بن أحمد بن عيسي بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن أسباط، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن زياد القطان، قال: حدَّثني أبو الطيب أحمد بن محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثني عيسي بن جعفر بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن آبائه، عن عمر بن علي، عن أبيه، علي بن أبي طالب عليه السلام قال: (إنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم سئل: ما البتول(4)؟ فإنا سمعناك يا رسول الله تقول: إنَّ مريم بتول، وفاطمة بتول.

فقال: البتول التي لن ترَ حمرة قط)، أي لم تحض، فإنَّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء. وسُمّي الإمام إماماً لأنَّه قدوة للناس منصوب من قبل الله تعالي ذكره مفترض الطاعة علي العباد.

وسمّي علي بن الحسين عليه السلام السجّاد لما كان علي مساجده من آثار السجود، وقد كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة، وسُمّي ذا الثفنات لأنَّه كان له في مواضع سجوده آثار ناتئة فكان يقطعها في السنة مرَّتين كلّ مرّة خمس ثفنات فسُمّي ذا الثفنات لذلك.ً.

ص: 230


1- الحاقة: 12. أي: اُذن التي من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه لتذكّره والتفكّر فيه.
2- الزمر: 29.
3- معاني الأخبار: 58/ ح 9/ باب (معاني أسماء محمّد وعلي وفاطمة...).
4- البتل: القطع، أي أنَّها منقطعة عن نساء زمانها بعدم رؤية الدم. قال الجزري: امرأة بتول أي منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم، وبها سُمّيت مريم اُمّ عيسي عليها السلام وفاطمة عليها السلام البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً.

وسُمّي الباقر عليه السلام باقراً لأنَّه بقر العلم بقراً، أي شقَّه شقّاً وأظهره إظهاراً.

وسُمّي الصادق عليه السلام صادقاً ليتميَّز من المدّعي للإمامة بغير حقّها وهو جعفر بن علي إمام الفطحية الثانية.

وسُمّي موسي بن جعفر عليه السلام الكاظم لأنَّه كان يكظم غيظه علي من يعلم أنَّه كان سيقف عليه ويجحد الإمام بعده طمعاً في ملكه.

وسُمّي علي بن موسي عليه السلام الرضا لأنَّه كان رضي لله تعالي ذكره في سمائه، ورضي لرسول و الأئمّة بعده عليهم السلام في أرضه، ورضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه.

وسُمّي محمّد بن علي الثاني عليه السلام التقي لأنَّه اتّقي الله عز وجل فوقاه الله شرّ المأمون لما دخل عليه بالليل سكران فضربه بسيفه حتَّي ظنَّ أنَّه كان قد قتله فوقاه الله شرَّه.

وسُمّي الإمامان علي بن محمّد، والحسن بن علي عليه السلام العسكريين لأنَّهما نسبا إلي المحلّة التي سكناها بسُرَّ من رأي وكانت تسمّي عسكراً.

وسمّي القائم قائماً لأنَّه يقوم بعد موت ذكره.

وقد روي في هذا المعني غير ذلك. وقد أخرجت هذه الفصول مرتَّبة مسندة في كتاب علل الشرائع والأحكام والأسباب(1)(2).

* حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر ابن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين عليهم السلام، قال: (سئل أمير المؤمنين عليه السلام9.

ص: 231


1- معاني الأخبار: 64/ ح 17/ باب (معاني أسماء محمّد وعلي وفاطمة...).
2- علل الشرائع 1: 160/ باب 129.

عن معني قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي)، من العترة؟

فقال: أنا، والحسن، والحسين، والأئمّة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتَّي يردوا علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حوضه)(1).

* حدَّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدَّثنا الحسن بن علي بن الحسين السكري، عن محمّد بن زكريا الجوهري، عن جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: (قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي. وإنَّهما لن يفترقا حتَّي يردا عليَّ الحوض كهاتين - وضمَّ بين سبّابتيه -، فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال: يا رسول الله ومن عترتك؟ قال: علي، والحسن والحسين، والأئمّة من ولد الحسين إلي يوم القيامة).

... قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: والعترة علي بن أبي طالب وذريته من فاطمة وسلالة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، وهم الذين نصَّ الله تبارك وتعالي عليهم بالإمامة علي لسان نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم، وهم اثنا عشر، أوّلهم علي، وآخرهم القائم عليهم السلام.

* حدَّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه محمّد بن مسعود العياشي، عنة.

ص: 232


1- معاني الأخبار: 90/ ح 4/ باب معني الثقلين والعترة.

جعفر بن أحمد(1)، عن العمركي البوفكي، عن الحسن بن علي بن فضال، عن مروان بن مسلم، عن أبي بصير، قال: قال الصادق عليه السلام : (طوبي لمن تمسَّك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية).

فقلت له: جُعلت فداك وما طوبي؟

قال: (شجرة في الجنّة أصلها في دار علي بن أبي طالب عليه السلام وليس مؤمن إلاَّ وفي داره غصن من أغصانها، وذلك قول الله عز وجل: (طُوبي لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)(2))(3).

* حدَّثنا علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال: حدَّثنا حمزة بن القاسم العلوي العبّاسي، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي الفزاري، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسين بن زيد الزيات، قال: حدَّثنا محمّد بن زياد الأزدي، عن المفضَّل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: سألته عن قول الله عز وجل: (وَإِذِ ابْتَلي إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ)(4) ما هذه الكلمات؟

قال: (هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، وهو أنَّه قال: يا ربّ أسألك بحقّ محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاَّ تبت عليَّ، فتاب الله عليه إنَّه هو التوّاب الرحيم).

فقلت له: يا ابن رسول الله، فما يعني عز وجل بقوله: (أَتَمَّهُنَّ)؟4.

ص: 233


1- في بعض النسخ: (جعفر بن محمّد) والرجل يعرف ب- (ابن التاجر)، والاختلاف أيضاً مذكور في كتب الرجال.
2- الرعد: 29.
3- معاني الأخبار: 112/ ح 1/ باب معني طوبي.
4- البقرة: 124.

قال: (يعني أتمهنَّ إلي القائم عليه السلام اثنا عشر إماماً، تسعة من ولد الحسين عليه السلام).

قال المفضَّل: فقلت له: يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل: (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ)(1)؟

قال: (يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين إلي يوم القيامة).

قال: فقلت له: يا ابن رسول الله فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن وهما جميعاً ولدا رسول الله وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنّة؟

فقال عليه السلام : (إنَّ موسي وهارون كانا نبيّين مرسلين أخوين، فجعل الله النبوّة في صلب هارون دون صلب موسي، ولم يكن لأحد أن يقول: لِمَ فعل الله ذلك؟ فإنَّ الإمامة خلافة الله عز وجل ليس لأحد أن يقول: لِمَ جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن؟، لأنَّ الله تبارك وتعالي هو الحكيم في أفعاله (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ)(2))...(3).

* حدَّثنا محمّد بن أحمد الشيباني رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدَّثنا سهل بن زياد، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمّد العسكري عليه السلام يقول: (معني الرجيم أنَّه مرجوم باللعن، مطرود من مواضع الخير، لا يذكره مؤمن إلاَّ لعنه، وأنَّ في علم الله السابق أنَّه إذا خرج القائم عليه السلام لا1.

ص: 234


1- الزخرف: 28.
2- الأنبياء: 23.
3- معاني الأخبار: 126/ باب (معني الكلمات التي ابتلي إبراهيم ربّه فأتمهنَّ)/ ح 1.

يبقي مؤمن في زمانه إلاَّ رجمه بالحجارة كما كان قبل ذلك مرجوماً باللعن)(1).

* حدَّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، وأحمد بن إدريس جميعاً، عن محمّد بن أحمد بن يحيي بن عمران الأشعري، عن السيّاري، عن الحكم بن سالم، عمَّن حدَّثه، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله. قلنا: صدق الله، وقالوا: كذب الله. قاتل أبو سفيان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقاتل معاوية علي بن أبي طالب عليه السلام . وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي عليه السلام، والسفياني يقاتل القائم عليه السلام)(2).

* حدَّثنا أبي رحمه الله، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثنا إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن مثنّي الحناط، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليه السلام، قال: (أيّام الله عز وجل ثلاثة: يوم يقوم القائم، ويوم الكَرَّة(3)، ويوم القيامة)(4).

* * *1.

ص: 235


1- معاني الأخبار: 139/ باب (معني الرجيم)/ ح 1.
2- معاني الأخبار: 346/ باب (معني قول الصادق عليه السلام : (إنّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله عز وجل))/ ح 1.
3- أي الرجعة.
4- معاني الأخبار: 365/ باب (معني أيّام الله عز وجل)/ ح 1.

ص: 236

عيون أخبار الرّضا عليه السلام

للشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفي سنة 381 ه-

تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي

ص: 237

ص: 238

باب النصوص علي الرضا عليه السلام بالإمامة في جملة الأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام

باب النصوص علي الرضا عليه السلام بالإمامة في جملة الأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام(1)

* حدَّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: حدَّثنا الحسين ابن إسماعيل، قال: حدَّثنا أبو عمرو سعيد بن محمّد بن نصر القطان، قال: حدَّثنا عبيد الله بن محمّد السلمي، قال: حدَّثنا محمّد بن عبد الرحيم، قال: حدَّثنا محمّد بن سعيد بن محمّد، قال: حدَّثنا العبّاس بن أبي عمرو، عن صدقة بن أبي موسي عن أبي نضرة، قال: لمَّا احتضر أبو جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام عند الوفاة دعا بابنه الصادق عليه السلام ليعهد إليه عهداً، فقال له أخوه زيد بن علي عليه السلام : لو امتثلت في تمثال الحسن والحسين عليه السلام لرجوت أن لا تكون أتيت منكراً.

فقال له: (يا أبا الحسن إنَّ الأمانات ليست بالتمثال ولا العهود بالرسوم، وإنَّما هي أمور سابقة عن حجج الله عز وجل).

ثمّ دعا بجابر بن عبد الله، فقال له: (جابر حدَّثنا بما عاينت من الصحيفة).

فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر، دخلت علي مولاتي فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لاُهنّئها بمولودها الحسين عليه السلام فإذا بيديها صحيفة بيضاء من درّة، فقلت لها: يا سيّدة النساء ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟

قالت: (فيها أسماء الأئمّة من ولدي).

ص: 239


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 47 - 69/ باب 6/ ح 1 - 37.

قلت لها: ناوليني لأنظر فيها.

قالت: (يا جابر لولا النهي لكنت أفعل! لكنَّه قد نهي أن يمسّها إلاَّ نبيّ أو وصيّ نبيّ أو أهل بيت نبيّ، ولكنَّه مأذون لك أن تنظر باطنها من ظاهرها).

قال جابر: فإذا أبو القاسم محمّد بن عبد الله المصطفي اُمّه آمنة. أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضي اُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. أبو محمّد الحسن بن علي البرّ، أبو عبد الله الحسين بن (علي) التقي اُمّهما فاطمة بنت محمّد. أبو محمّد علي بن الحسين العدل اُمّه شهربانو بنت يزدجرد. أبو جعفر محمّد بن علي الباقر اُمّه اُمّ عبد الله(1) بنت الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام . أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق واُمّه اُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر. أبو إبراهيم موسي بن جعفر اُمّه جارية اسمها حميدة المصفّاة. أبو الحسن علي بن موسي الرضا اُمّه جارية اسمها نجمة. أبو جعفر محمّد بن علي الزكي اُمّه جارية اسمها خيزران. أبو الحسن علي بن محمّد بن الأمين اُمّه جارية اسمها سوسن. أبو محمّد الحسن بن علي الرفيق اُمّه جارية اسمها سمانة وتكنّي اُمّ الحسن. أبو القاسم محمّد بن الحسن هو حجّة الله القائم اُمّه جارية اسمها نرجس، صلوات الله عليهم أجمعين.

قال مصنّف هذا الكتاب: جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم عليه السلام، والذي أذهب إليه النهي عن تسميته عليه السلام.).

ص: 240


1- وهي كنيتها ولم يعلم اسم غير هذا، وكان عبد الله بن علي بن الحسين عليه السلام أخو أبو جعفر يلي صدقات رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وصدقات أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان فاضلاً فقيهاً. (من الإرشاد).

* حدَّثنا أبي ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً، عن أبي الخير صالح بن أبي حماد والحسن بن طريف جميعاً، عن بكر بن صالح، وحدَّثنا أبي ومحمّد بن موسي بن المتوكّل ومحمّد بن علي ماجيلويه وأحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم والحسين بن إبراهيم بن تاتانه وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قالوا: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (قال أبي عليه السلام لجابر بن عبد الله الأنصاري: إنَّ لي إليك حاجة، فمتي يخفُّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟

قال له جابر: في أيّ الأوقات شئت.

فخلا به أبي عليه السلام، فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد اُمّي فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وما أخبرتك به اُمّي أنَّ في ذلك اللوح مكتوباً.

قال جابر: أشهد بالله أنّي دخلت علي اُمّك فاطمة في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لاُهنّئها بولادة الحسين عليه السلام، فرأيت في يدها لوحاً أخضر ظننت أنَّه زمرّد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه نور الشمس، فقلت: بأبي أنت واُمّي يا ابنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ما هذا اللوح؟

فقالت: هذا اللوح أهداه الله عز وجل إلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني وأسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي صلي الله عليه وآله وسلم ليسرّني بذلك.

قال جابر: فأعطتنيه اُمّك فاطمة فقرأته وانتسخته.

فقال أبي عليه السلام : فهل لك يا جابر أن تعرضه عليَّ؟

قال: نعم.

ص: 241

فمشي معه أبي عليه السلام حتَّي انتهي إلي منزل جابر، فأخرج أبي عليه السلام صحيفة من رقّ(1).

قال جابر: فأشهد بالله أنّي هكذا رأيته في اللوح مكتوباً: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمّد نوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين، عظّم يا محمّد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إنّي أنا الله لا إله إلاَّ أنا، قاصم الجبّارين، ومذلّ الظالمين، وديّان الدين، أنا الله لا إله إلاَّ أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عذابي(2) عذَّبته عذاباً لا أعذّبه(3) أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبد، وعليَّ فتوكَّل، إنّي لم أبعث نبيّاً فأكملت أيّامه وانقضت مدَّته إلاَّ جعلت له وصيّاً، وإنّي فضَّلتك علي الأنبياء، وفضَّلت وصيّك علي الأوصياء، وأكرمتك بشبليك بعده وبسبطيك الحسن والحسين، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدَّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة عندي، وجعلت كلمتي(4) التامّة معه والحجّة البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب.

أوّلهم: علي سيّد العابدين وزين أوليائي الماضين.

وابنه شبيه جدّه المحمود محمّد الباقر لعلمي والمعدن لحكمي.).

ص: 242


1- الرقّ بالفتح: ما يكتب فيه وهو جلد رقيق، ومنه قوله تعالي: (فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ).
2- في الإمامة والتبصرة: (عدلي).
3- وفي بعض المصادر: (اُعذّب به).
4- أي الإمامة لأنَّها المراد من قوله تعالي: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) وهي تامّة في الكمال علي جميع الأحوال، وهم عليهم السلام كلمة الله كما قال علي عليه السلام: (أنا كلام الله الناطق).

سيهلك المرتابون في جعفر، الرادّ عليه كالرادّ عليَّ، حقّ القول منّي لأكرمنَّ مثوي جعفر ولأسرنَّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه.

انتجبت بعده موسي (وأتيحت)(1) بعده فتنة عمياء حندس؛ لأنَّ فرضي لا ينقطع وحجّتي لا تخفي، وأنَّ أوليائي لا يشقون، ألا ومن جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غيَّر آية من كتابي فقد افتري عليَّ، وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدّة عبدي موسي وحبيبي وخيرتي.

إنَّ المكذّب بالثامن مكذّب بكلّ أوليائي، وعلي وليّي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوّة، وأمنحه بالاضطلاع، يقتله عفريت مستكبر، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلي جنب شرّ خلقي، حقّ القول منّي لأقرنَّ عينيه بمحمّد ابنه وخليفته من بعده، فهو وارث علمي، ومعدن حكمي، وموضع سرّي وحجّتي علي خلقي، جعلت الجنّة مثواه، وشفَّعته في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النار.

وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني علي وحيي، أخرج منه الداعي إلي سبيلي، والخازن لعلمي الحسن.

ثمّ أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال موسي، وبهاء عيسي، وصبر أيّوب، سيذلّ في زمانه أوليائي ويتهادون رؤوسهم كما تتهادي رؤوس الترك والديلم، فيقتلون ويحرقون، ويكونون خائفين).

ص: 243


1- في النسخة المطبوعة: (وانتحبت)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر. واتيحت من الاتاحة بمعني تهيئة الأسباب. وفي بعض نسخ الحديث: (أبيحت)، وفي بعضها: (أنبحت).

مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشو الويل والرنين في نسائهم، أولئك أوليائي حقّاً، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل وأرفع الأصار(1) والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).

قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلاَّ هذا الحديث لكفاك، فصنه (إلاَّ)(2) عن أهله(3).

* وحدَّثنا أبو محمّد الحسن بن حمزة العلوي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن الحسين بن درست السروي، عن جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدَّثنا محمّد بن عمران الكوفي، عن عبد الرحمن بن أبي نجران وصفوان بن يحيي، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: (يا إسحاق ألا اُبشرك؟).

قلت: بلي جعلني الله فداك يا ابن رسول الله.

قال: (وجدنا صحيفة بإملاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وخطّ أمير المؤمنين عليه السلام فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز العليم)، وذكر الحديث مثله سواء، إلاَّ أنَّه قال في حديثه في آخره: ثمّ قال الصادق عليه السلام : (يا إسحاق، هذا دين الملائكة والرسل، فصنه عن غير أهله يصنك الله تعالي ويصلح بالك)، ثمّ قال: (من دان بهذا أمن من عقاب الله عز وجل).ي.

ص: 244


1- الأصار: الأثقال.
2- سقطت من المطبوع، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- أنظر: الكافي 1: 527/ ح 3؛ الإمامة والتبصرة: 103 - 106/ باب 27/ ح 92، باختلاف يسير في الألفاظ مع الاتّحاد التامّ في المعني.

* وحدَّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدَّثنا الحسن بن إسماعيل، قال: حدَّثنا سعيد بن محمّد القطان، قال: حدَّثنا عبد الله بن موسي الروياني أبو تراب، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حدَّثني عبد الله بن محمّد بن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه أنَّ محمّد بن علي الباقر جمع ولده وفيهم عمّهم زيد بن علي عليه السلام، ثمّ أخرج إليهم كتاباً بخطّ علي عليه السلام وإملاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مكتوب فيه: (هذا كتاب من الله العزيز الحكيم...) حديث اللوح، إلي الموضع يقول فيه: (وأولئك هم المهتدون)، ثمّ قال في آخره: قال عبد العظيم: العجب كلّ العجب لمحمّد بن جعفر وخروجه وقد سمع أباه عليه السلام يقول هذا ويحكيه، ثمّ قال: (هذا سرّ الله ودينه ودين ملائكته فصنه إلاَّ عن أهله وأوليائه).

* حدَّثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدّب رضي الله عنه وأحمد بن هارون العامّي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري(1) الكوفي، عن مالك بن السلولي، عن درست، عن عبد الحميد، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن جبلة، عن أبي السفاتج، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت علي فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقدامها لوح يكاد ضوئه يغشي الأبصار وفيهك.

ص: 245


1- الفزاري - بتقديم الزاي المخفَّفة علي الراء المهملة - منسوب إلي فزارة وهي طائفة من قبائل العرب، وقال أبو جعفر بن مالك: أبو عبد الله الفزاري هو ابن محمّد المالك.

اثنا عشر اسماً ثلاثة في ظاهره وثلاثة في باطنه وثلاثة أسماء في آخره وثلاثة أسماء في طرفه، فعددتها فإذا هي اثنا عشر، قلت: أسماء من هؤلاء؟

قالت: (هذه أسماء الأوصياء، أوّلهم ابن عمّي، وأحد عشر من ولدي آخرهم القائم).

قال جابر: فرأيت فيه محمّد محمّد محمّد في ثلاثة مواضع، وعلياً علياً علياً علياً في أربعة مواضع.

* حدَّثنا أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أبي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت علي فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثنا عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمّد، وأربعة(1) منهم علي عليهم السلام.

* حدَّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أبي، عن أحمد بن محمّد بن عيسي وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت علي فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثنا عشر آخرهم القائم عليه السلام، ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم علي عليهم السلام.

* حدَّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينه، عن أبان).

ص: 246


1- في الكافي 1: 532/ ح 9: (وثلاثة) بدلاً من (وأربعة).

بن أبي عياش، عن سليم(1) بن قيس الهلالي، قال: سمعت عبد الله بن جعفر الطيّار يقول لنا عند معاوية والحسن والحسين عليه السلام وعبد الله بن عبّاس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد، فذكر حديثاً جري بينه وبينه، وأنَّه قال لمعاوية بن أبي سفيان: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أخي علي بن أبي طالب عليه السلام أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابني الحسن أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ ابني الحسين عليه السلام أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابني علي بن الحسين أولي بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا علي، ثمّ ابني محمّد بن علي الباقر أولي بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا عبد الله، وتكملة اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين)، قال عبد الله: ثمّ استشهدت الحسن والحسين عليه السلام وعبد الله بن عبّاس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد، فشهدوا لي عند معاوية، قال سليم بن قيس: وقد كنت سمعت ذلك من سلمان وأبي ذر والمقداد وأسامة أنَّهم سمعوا من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم(2).

* حدَّثنا أبو علي أحمد بن الحسن القطان، قال: حدَّثنا أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي الرجال البغدادي، قال: حدَّثنا محمّد بن عبدوس الحراني، قال: حدَّثنا عبد الغفّار بن الحكم، قال: حدَّثنا منصور بن أبي الأسود، عن المطرف، عن الشعبي، عن عمّه قيس بن عبد7.

ص: 247


1- سُليم - بضمّ السين - ابن قيس الهلالي، حكي عن النجاشي هو يكنّي أبا صادق، له كتاب معروف طبع مرّات وهو من أقدم الكتب وقد حكم بعض بصحَّته، وممَّن نقل عنه شيخنا المفيد قدس سره وشيخنا الصدوق رحمه الله والكليني رحمه الله، ونسب إلي الصادق عليه السلام في حقّ هذا الكتاب قال: (من لم يكن من شيعتنا ومحبّينا كتاب سُليم بن قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شيء).
2- أنظر: الكافي 1: 529/ ح 4؛ الإمامة والتبصرة: 110 و111/ باب 29/ ح 97.

الله، قال: كنّا جلوساً في حلقة فيها عبد الله بن مسعود، فجاء أعرابي فقال: أيّكم عبد الله بن مسعود؟

فقال عبد الله: أنا عبد الله بن مسعود.

قال: هل حدَّثكم نبيّكم صلي الله عليه وآله وسلم كم يكون بعده من الخلفاء؟

قال: نعم اثنا عشر عدّة نقباء(1) بني إسرائيل.

* حدَّثنا أبو علي أحمد بن أبي الحسن بن علي بن عبدويه القطان(2)، قال: حدَّثنا أبو يزيد محمّد بن يحيي بن خالد بن يزيد المروزي بالري في شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وثلاثمأة، قال: حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في سنة ثمان وثلاثين ومأتين وهو المعروف بإسحاق بن راهويه، قال: حدَّثنا يحيي بن يحيي، قال: حدَّثنا هيثم، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتي شاب: هل عهد إليكم نبيّكم كم يكون من بعده خليفة؟

قال: إنَّك لحديث السنّ، وإنَّ هذا شيء ما سألني عنه أحد قبلك! نعم عهد إلينا نبيّنا صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه يكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل(3).

* حدَّثنا أبو القاسم غياث بن محمّد الوراميني الحافظ، قال: حدَّثنا يحيي بن محمّد بن صاعد، قال: حدَّثنا أحمد بن عبد الرحمن بن الفضل ومحمّد بن عبد الله بن سوار، قالا: حدَّثنا عبد الغفّار بن الحكم، قال: حدَّثنا منصور بن أبي3.

ص: 248


1- نقباء بني إسرائيل أشراف قوم هم اثنا عشر رجلاً منهم يوشع.
2- أحمد بن محمّد بن الحسن القطان المعروف ب- (أبي علي بن عبد ربّه الرازي)، هو شيخ كبير لأصحاب الحديث، جاء هكذا في كمال الدين.
3- أنظر: كفاية الأثر: 23.

الأسود، عن مطرف، عن الشعبي، وحدَّثنا عتاب بن محمّد، قال: حدَّثنا إسحاق بن محمّد الأنماطي، قال: حدَّثنا يوسف بن موسي، قال: حدَّثنا جرير، عن أشعث بن سوار، عن الشعبي، وحدَّثنا عتاب بن محمّد، قال: حدَّثنا الحسين محمّد الحراني، قال: حدَّثنا أيّوب بن محمّد الوزان، قال: حدَّثنا سعيد بن مسلمة، قال: حدَّثنا أشعث سوار، عن الشعبي كلّهم قالوا، عن عمّه قيس بن عبد الله: قال أبو القاسم عتاب: وهذا حديث مطرف، قال: كنّا جلوساً في المسجد ومعنا عبد الله بن مسعود، فجاء أعرابي فقال: فيكم عبد الله؟

قال: نعم، أنا عبد الله فما حاجتك؟

قال: يا عبد الله هل أخبركم نبيّكم صلي الله عليه وآله وسلم كم يكون فيكم من خليفة؟

قال: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد منذ قدمت العراق، نعم اثنا عشر عدّة نقباء بني إسرائيل.

وقال أبو عروبة في حديثه: نعم هذه عدّة نقباء بني إسرائيل، وقال جرير عن أشعث، عن ابن مسعود، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال: (الخلفاء بعدي اثنا عشر كعدّة نقباء(1) بني إسرائيل).

* حدَّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدَّثنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن عبيدة النيسابوري، قال: حدَّثنا أبو القاسم هارون بن إسحاق يعني الهمداني، قال: حدَّثني عمّي إبراهيم بن محمّد، عن زياد بن علاقة وعبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة(2)، قال: كنت مع أبي عند النبيّح.

ص: 249


1- النقيب: شاهد القوم وعريفهم، والنقاب - بالكسر -: العلامة.
2- السمرة - بضمّ الميم -: اسم رجل أو لقبه. وفي الصحاح: السمرة - بضمّ الميم -: من شجر الطلح.

صلي الله عليه وآله وسلم فسمعته يقول: (يكون بعدي اثنا عشر أميراً)، ثمّ أخفي صوته، فقلت لأبي: ما الذي أخفي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ قال: قال: (كلّهم من قريش)(1).

* حدَّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن علي بن إسماعيل المروزي بالري، قال: حدَّثنا الفضل بن عبد الجبّار المروزي، قال: حدَّثنا علي بن الحسن يعني ابن شقيق، قال: حدَّثنا الحسين بن واقد، قال: حدَّثني سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: أتيت النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فسمعته يقول: (إنَّ هذا الأمر لن ينقضي حتَّي يملك اثنا عشر خليفة) فقال كلمة خفيّة، فقلت لأبي: ما قال؟

فقال: قال: (كلّهم من قريش).

* حدَّثنا أحمد بن محمّد بن إسحاق القاضي، قال: حدَّثنا أبو يعلي قال: حدَّثنا علي بن الجعد، قال: حدَّثنا زهير، عن زياد بن خيثمة، عن أسود بن السعيد الهمداني، قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش).

فلمَّا رجع إلي منزله فأتيته فيما بيني وبينه، فقلت: ثمّ يكون ماذا؟

قال: (ثمّ يكون الهرج).

* حدَّثنا أبو القاسم عبد الله بن محمّد الصائغ، قال: أبو عبد الله محمّد بن سعيد، قال: حدَّثنا الحسن بن علي، قال: حدَّثنا شيخ ببغداد يقال له: يحيي سقط عنّي اسم أبيه، قال: حدَّثنا عبد الله بن بكر السهمي، قال: حدَّثنا حاتم بن أبي مغيرة، عن أبي بحير(2)، قال: كان أبو الخلد).

ص: 250


1- أنظر: الإمامة والتبصرة: 151 و153؛ الكافي 1: 525.
2- كذا في المصدر، وفي بحار الأنوار وغيره: (أي بحر).

جاري، فسمعته يقول ويحلف عليه: إنَّ هذه الأمّة لا تهدي حتَّي تكون فيها اثنا عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدي ودين الحقّ.

* حدَّثنا أبو القاسم عبد الله بن محمّد الصايغ، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن سعيد، قال: حدَّثنا الحسن بن علي، قال: حدَّثنا الوليد بن مسلم، قال: حدَّثنا صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد، عن عمرو البكائي، عن كعب الأحبار، قال في الخلفاء: هم اثنا عشر، فإذا كان عند انقضائهم وأتي طبقة صالحة مدَّ الله لهم في العمر، كذلك وعد الله هذه الأمّة، ثمّ قرأ: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)(1)، قال: وكذلك فعل الله عز وجل ببني إسرائيل، وليس بعزيز أن يجمع هذا الأمّة يوماً أو نصف يوم (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(2).

وقد أخرجت طرق هذه الأخبار في كتاب الخصال(3).

* حدَّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله بن أبي خلف، قال: حدَّثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسي، عن عبد الله بن مسكان، عن أبان بن خلف، عن سُليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي رحمه الله، قال: دخلت علي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فإذا الحسين علي فخذيه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه وهو يقول: (أنت سيّد ابن سيّد، أنت إمام ابن إمام، أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم)(4).ف.

ص: 251


1- النور: 55.
2- الحجّ: 47.
3- الخصال: 465/ باب الاثني عشر/ ح 5 وما بعده.
4- أنظر: الإمامة والتبصرة: 110/ باب 29/ ح 92، وفي سنده أبان بن تغلب بدلاً من أبان بن خلف.

* حدَّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي مولي بني هاشم، قال: أخبرني القاسم بن محمّد بن حماد، قال: حدَّثنا غياث بن إبراهيم، قال: حدَّثنا حسين بن زيد بن علي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (ابشروا ثمّ ابشروا ثلاث مرّات، إنَّما مثل أمّتي كمثل غيث لا يدري أوّله خير أم آخره؟

إنَّما مثل أمّتي كمثل حديقة أطعم منها فوج عاماً ثمّ أطعم منها فوج عاماً، لعلَّ آخرها فوج يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وفرعاً وأحسنها حَبّاً.

وكيف تهلك أمّة أنا أوّلها واثنا عشر من بعدي من السعداء وأولوا الألباب والمسيح عيسي بن مريم آخرها؟ ولكن يهلك من بين ذلك نتج الهرج، ليسوا منّي ولست منهم).

* حدَّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين الثقفي، عن صالح بن عقبة، عن جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: (لمَّا هلك أبو بكر واستخلف عمر رجع عمر إلي المسجد فقعد، فدخل عليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إنّي رجل من اليهود وأنا علامتهم، وقد أردت أن أسألك عن مسائل إن أجبتني فيها أسلمت.

قال: ما هي؟

قال: ثلاث وثلاث وواحدة، فإن شئت سألتك، وإن كان في قومك أحد أعلم منك فأرشدني.

ص: 252

قال: عليك بذلك الشاب - يعني علي بن أبي طالب عليه السلام -.

فأتي علياً عليه السلام فسأله فقال له: (لِمَ قلت: ثلاث وثلاث وواحدة، ألا قلت: سبعاً؟).

قال: أنا إذاً جاهل، إن لم تجبني في الثلاث اكتفيت.

قال: (فإن أجبتك تسلم؟).

قال: نعم.

فقال: (سل).

قال: أسألك عن أوّل حجر وضع علي وجه الأرض؟ وأوّل عين نبعت؟ وأوّل شجرة نبتت؟

قال: (يا يهودي أنتم تقولون: إنَّ أوّل حجر وضع علي وجه الأرض الحجر الذي في بيت المقدس، وكذبتم، هو الحجر الذي نزل به آدم من الجنّة).

قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسي.

قال: (وأنتم تقولون: إنَّ أوّل عين نبعت علي وجه الأرض العين التي في بيت المقدس، وكذبتم، هي عين الحياة التي غسل فيها يوشع بن نون السمكة وهي العين التي شرب منها الخضر، وليس يشرب منها أحد إلاَّ حيي).

قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسي.

قال: (وأنتم تقولون: إنَّ أوّل شجرة نبتت علي وجه الأرض الزيتون، وكذبتم، هي العجوة(1) التي نزل بها آدم عليه السلام من الجنّة معه).ة.

ص: 253


1- العجوة بالفتح: نوع من أجود التمر بالمدينة ونخلها تسمّي لينة.

قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسي.

قال: والثلاث الأخري: كم لهذه الأمّة من إمام هدي لا يضرّهم من خذلهم؟

قال: (اثنا عشر إماماً).

قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسي.

قال: فأين يسكن نبيّكم في الجنّة؟

قال: (في أعلاها درجةً وأشرفها مكاناً في جنات عدن).

قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسي.

قال: فمن ينزل معه في منزله؟

قال: (اثني عشر إماماً).

قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسي.

ثمّ قال: السابعة(1): فأسئلك كم يعيش وصيّه بعده؟

قال: (ثلاثين سنة).

قال: ثمّ ماذا؟ يموت أو يقتل؟

قال: (يقتل ويضرب علي قرنه فتخضب لحيته).

قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسي.

ولهذا الحديث طرق أخر أخرجتها في كتاب كمال الدين في إثبات الغيبة وكشف الحيرة(2).

* حدَّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدَّثنا أحمد بن يحيي بن زكريا القطان، قال: حدَّثنا بكر بن عبد الله حبيب، قال: حدَّثنا تميم بن6.

ص: 254


1- في كمال الدين: (قال: السابعة؟ قال:)، وفي الخصال: (ثمّ قال: السابعة فأسلم).
2- أنظر: كمال الدين: 289/ باب 26.

بهلول، قال: حدَّثنا عبد الله بن أبي الهذيل وسألته عن الإمامة فيمن تجب، وما علامة من تجب له الإمامة؟

فقال: إنَّ الدليل علي ذلك والحجّة علي المؤمنين والقائم بأمور المسلمين والناطق بالقرآن والعالم بالأحكام أخو نبي الله وخليفته علي أمّته ووصيّه عليهم ووليّه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسي، المفروض الطاعة بقول الله عز وجل: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ)(1).

الموصوف بقوله عز وجل: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)(2).

والمدعو إليه بالولاية، المثبت له الإمامة يوم غدير خمّ(3) بقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم عن الله عز وجل: (ألست أولي بكم منكم بأنفسكم؟)، قالوا: بلي، قال: (فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأعن من أعانه)، علي بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين وإمام المتّقين، وقائد(4) الغرّ المحجلين، وأفضل الوصيّين، وخير الخلق أجمعين بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وبعده الحسن بن علي ثمّ الحسين سبطا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وابنا خيرة النسوانة.

ص: 255


1- النساء: 59.
2- المائدة: 55. ولا يخفي أنَّ نزول الآية الشريفة في حقّ مولانا ومقتدانا سيّد الأوصياء علي بن أبي طالب عليه السلام ممَّا دلَّت عليه الروايات المتواترة معني وعليك بكتب الحديث والتفسير.
3- وقد روي جم غفير من محدّثي القوم حديث غدير خمّ في كتبهم، فراجع.
4- الغرّة: بياض في جباه الخيل، وهي تكون في المؤمن يوم القيامة نور يبدو علي مواضع الوضوء من أعضائه يقطع بذلك النور ظلمات القيامة، وهو عليه السلام قائدهم وإمامهم إلي الجنّة.

أجمعين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسي بن جعفر، ثمّ علي بن موسي، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ محمّد بن الحسن عليهم السلام إلي يومنا هذا واحداً بعد واحد، وهم عترة الرسول عليه وعليهم السلام المعروفون بالوصيّة والإمامة، لا تخلو الأرض من حجّة منهم في كلّ عصر وزمان وفي كلّ وقت وأوان، وهم العروة الوثقي، وأئمّة الهدي، والحجّة علي أهل الدنيا إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكلّ من خالفهم ضالّ مضلّ تارك للحقّ والهدي، وهم المعبّرون عن القرآن، والناطقون عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، من مات ولا يعرفهم مات ميتة جاهلية، ودينهم الورع والعفّة والصدق والصلاح والاجتهاد وأداء الأمانة إلي البرّ والفاجر وطول السجود وقيام الليل واجتناب المحارم وانتظار الفرج بالصبر وحسن الصحبة وحسن الجوار.

ثمّ قال تميم بن بهلول: حدَّثني أبو معاوية، عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد عليه السلام في الإمامة مثله سواء.

* حدَّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم(1)، عن محمّد عيسي بن عبيد ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطاب الزيّات، عن محمّد بن الفضيل الصيرفي، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إنَّ الله عز وجل أرسل محمّداً إلي الجنّ والإنس، وجعل من بعده اثنا عشر وصيّاً، منهم من سبق ومنهم من بقي، وكلّ وصيّ جرت به سُنّة والأوصياء الذين من بعد محمّد صلي الله عليه وآله وسلمه.

ص: 256


1- علي بن إبراهيم بن هاشم القمي أبو الحسن، ثقة في الحديث، ثبت معتمد، صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنَّف كتباً، وأضرَّ في وسط عمره.

علي سُنّة أوصياء عيسي عليه السلام وكانوا اثنا عشر(1)، وكان أمير المؤمنين عليه السلام (2) علي سُنّة المسيح عليه السلام)(3).

* حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور، قال: حدَّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن المعلّي بن محمّد البصري، عن الحسن بن علي الوشا، عن أبان بن عثمان، عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (نحن اثنا عشر إماماً، منهم الحسن والحسين ثمّ الأئمّة من ولد الحسين عليهم السلام)(4).

* حدَّثنا محمّد بن علي ماجيلويه، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمي، عن عثمان بن عيسي، عن سماعة بن مهران، قال: كنت أنا وأبو بصير ومحمّد بن عمران مولي أبي جعفر عليه السلام في منزل، فقال محمّد بن عمران: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (نحن اثنا عشر محدّثاً).

فقال له أبو بصير: بالله لقد سمعت ذلك من أبي عبد الله عليه السلام ؟ فحلَّفه مرّة أو مرَّتين، فحلف أنَّه سمعته.6.

ص: 257


1- كذا في المصدر، وفي الكافي والإرشاد: (اثني عشر).
2- قد ورد في الأحاديث أنَّ الناس افترقوا في علي ثلاث فِرَق كافتراقهم في عيسي عليه السلام ، فالغلاة من الشيعة ادّعوا له الربوبية، وكذلك غلاة النصاري قالوا: المسيح ابن الله، والخوارج طعنوا عليه وسبّوه علي المنابر ثمانين سنة وحكموا عليه بالكفر، وكذلك اليهود طعنوا علي عيسي عليه السلام ونسبوا اُمّه إلي المناكير، وأمَّا الفرقة الثالثة فهم أهل العدل الذين نزَّلوهما منزلتهما عند الله.
3- أنظر: الكافي 1: 532/ ح 10؛ الإمامة والتبصرة: 134/ باب 35/ ح 146، وفيه: (عن سعد بن عبد الله) بدلاً من (علي بن إبراهيم).
4- أنظر: الكافي 1: 533/ ح 16.

فقال له أبو بصير: لكنّي سمعته من أبي جعفر عليه السلام (1).

* حدَّثنا محمّد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثنا أبو علي الأشعري، عن الحسين بن عبيد الله، عن الحسن بن موسي الخشاب، عن علي بن سماعة، عن علي بن الحسن بن رباط(2)، عن أبيه، عن ابن اذينة، عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (نحن اثنا عشر إماماً من آل محمّد كلّهم محدّثون بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وعلي بن أبي طالب منهم).

* حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عليه السلام، قال: (سئل أمير المؤمنين عليه السلام، عن معني قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي)، من العترة؟

فقال: أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتَّي يردوا علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حوضه).

* حدَّثنا علي بن الفضل البغدادي، قال: سمعت أبا عمر صاحب أبي العبّاس تغلب يسأل عن معني قوله صلي الله عليه وآله وسلم: (إنّي تارك فيكم الثقلين)، لِمَ سمّيا بالثقلين؟ قال: لأنَّ التمسّك بهما ثقيل. .

ص: 258


1- أنظر: الكافي 1: 534/ ح 20.
2- علي بن الحسن بن رباط - بالباء الموحّدة والطاء المهملة - البجلي أبو الحسن، كوفي، ثقة، من أصحاب الرضا عليه السلام .

* حدَّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: حدَّثنا محمّد بن همام، قال: حدَّثنا أحمد بن بندار(1)، قال: حدَّثنا أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن المفضَّل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لمَّا أسري بي إلي السماء أوحي إليَّ ربّي جل جلاله فقال: يا محمّد إنّي أطلعت إلي الأرض اطلاعا(2) فاخترتك منها فجعلتك نبيّاً، وشققت لك من اسمي اسماً فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ أطلعت الثانية فاخترت منها علي وجعلته وصيّك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك، وشققت له اسماً من أسمائي فأنا العلي الأعلي وهو علي، وجعلت فاطمة والحسن والحسين من نوركما، ثمّ عرضت ولايتهم علي الملائكة، فمن قبلها كان عندي من المقرَّبين، يا محمّد لو أنَّ عبداً عبدني حتَّي ينقطع ويصير كالشنَّ(3) البالي ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم ما أسكنته جنّتي ولا أظللته تحت عرشي، يا محمّد أتحبّ أن تراهم؟

قلت: نعم يا ربّي.

فقال عز وجل: ارفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وموسي بن جعفر وعلي بن موسي ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي، والحجّة بن الحسن القائم في وسطهم كأنَّه كوكب درّي.

قلت: ربّ من هؤلاء؟ة.

ص: 259


1- ما بندار - بنداز (خ ل).
2- اطلاعة (خ ل).
3- الشن: القربة البالية.

قال: هؤلاء الأئمّة، وهذا القائم الذي يحلُّ حلالي ويحرّم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللات والعزّي طريين فيحرقهما، فلفتنة الناس بهما يومئذٍ أشدّ من فتنة العجل والسامري).

* حدَّثنا علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسي بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن يحيي بن أبي القاسم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (الأئمّة بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله علي أمّتي بعدي، المقرّ بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر).

* حدَّثنا أبو الحسن علي بن ثابت الدواليني رضي الله عنه بمدينة السلام سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، قال: حدَّثنا محمّد بن علي بن عبد الصمد الكوفي، قال: حدَّثنا علي بن عاصم، عن محمّد بن علي بن موسي، عن أبيه علي بن موسي، عن أبيه موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: (دخلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعنده اُبي بن كعب، فقال لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: مرحباً بك يا أبا عبد الله يا زين السماوات والأرضين.

قال له اُبي: وكيف يكون يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم زين السماوات والأرضين أحد غيرك؟

ص: 260

قال: يا اُبي، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً إنَّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض، وأنَّه لمكتوب عن يمين عرش الله عز وجل: مصباح هدي، وسفينة نجاة، وإمام خير، ويمن وعزّ، وفخر وعلم وذخر، وإنَّ الله عز وجل ركَّب في صلبه نطفة طيبة مباركة زكية، ولقد لقَّن دعوات ما يدعو بهنَّ مخلوق إلاَّ حشره الله عز وجل معه، وكان شفيعه في آخرته، وفرَّج الله كربه، وقضي بها دينه، ويسَّر أمره، وأوضح سبيله، وقوّاه علي عدوّه، ولم يهتك ستره.

فقال له اُبي بن كعب: وما هذه الدعوات يا رسول الله؟

قال: تقول إذا فرغت من صلاتك وأنت قاعد: (اللهم إنّي أسألك بكلماتك ومعاقد عرشك وسكّان سماواتك وأنبيائك ورسلك أن تستجيب لي، فقد رهقني(1) من أمري عسراً، فأسألك أن تصلّي علي محمّد وآل محمّد، وأن تجعل لي من أمري يسراً) فإنَّ الله عز وجل يسهّل أمرك ويشرح صدرك ويلقّنك شهادة أن لا إله إلاَّ الله عند خروج نفسك.

قال له اُبي: يا رسول الله، فما هذه النطفة التي في صلب حبيبي الحسين؟

قال: مثل هذه النطفة كمثل القمر، وهي نطفة تبيين وبيان، يكون من اتبعه رشيداً ومن ضلَّ عنه هويّاً.

قال: فما اسمه؟ وما دعاؤه؟

قال: اسمه علي، ودعاؤه: (يا دائم يا ديموم يا حيّ يا قيوم يا كاشف الغمّ ويا فارج الهمّ ويا باعث الرسل ويا صادق الوعد) من دعا بهذا الدعاء حشره الله عز وجل مع علي بن الحسين وكان قائده إلي الجنّة.ه.

ص: 261


1- رهق كفرح: غشيه وقطعه ودني منه.

فقال له اُبي: يا رسول الله، فهل له من خلف ووصيّ؟

قال: نعم، له مواريث السماوات والأرض.

قال: ما معني مواريث السماوات والأرض يا رسول الله؟

قال: القضاء بالحقّ، والحكم بالديانة، وتأويل الأحكام، وبيان ما يكون.

قال: فما اسمه؟

قال: اسمه محمّد، وأنَّ الملائكة لتستأنس به في السماوات، ويقول في دعائه: (اللهم إن كان لي عندك رضوان وودّ فاغفر لي ولمن تبعني من إخواني وشيعتي، وطيّب ما في صلبي) فركَّب الله عز وجل في صلبه نطفة طيبة مباركة زكية، وأخبرني جبرئيل عليه السلام : أنَّ الله عز وجل طيَّب هذه النطفة وسمّاها عنده جعفراً، وجعله هادياً مهدياً راضياً مرضياً، يدعو ربّه فيقول في دعائه: (يا دان غير متوان يا أرحم الراحمين اجعل لشيعتي من النار وقاء ولهم عندك رضا، واغفر ذنوبهم، ويسّر أمورهم، واقض ديونهم، واستر عوراتهم، وهب لهم الكباير التي بينك وبينهم، يا من لا يخاف الضيم ولا تأخذه سِنَة ولا نوم اجعل لي من كلّ غمّ فرجاً) من دعا بهذا الدعاء حشره الله تعالي أبيض الوجه مع جعفر بن محمّد إلي الجنّة.

يا اُبي إنَّ الله تبارك وتعالي ركَّب علي هذه النطفة نطفة زكيّة مباركة طيّبة أنزل عليها الرحمة وسمّاها عنده موسي.

قال له اُبي: يا رسول الله، كأنَّهم يتواصفون ويتناسلون ويتوارثون ويصف بعضهم بعضاً؟!

قال: وصفهم لي جبرئيل(1) عن ربّ العالمين جل جلاله.َ.

ص: 262


1- فيه لغات كجبرعيل وجبريل وجبرال وجبرين وغيرهنَّ.

قال: فهل لموسي من دعوة يدعو سوي دعاء آبائه؟

قال: نعم, يقول في دعائه: (يا خالق الخلق وباسط الرزق وفالق الحَبّ والنوي وبارئ النسم ومحيي الموتي ومميت الأحياء ودائم الثبات ومخرج النبات افعل بي ما أنت أهله) من دعا بهذا الدعاء قضي الله تعالي حوائجه وحشره يوم القيامة مع موسي بن جعفر.

وإنَّ الله عز وجل ركَّب في صلبه نطفة مباركة زكية رضية مرضية وسمّاها عنده علياً يكون لله تعالي في خلقه رضياً في علمه وحكمه، ويجعله حجّة لشيعته يحتجّون به يوم القيامة، وله دعاء يدعو به: (اللهم أعطني الهدي وثبّتني عليه واحشرني عليه آمناً، أمّن من لا خوف عليه ولا حزن ولا جزع، إنَّك أهل التقوي وأهل المغفرة).

وإنَّ الله عز وجل ركَّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية رضية مرضية وسمّاها محمّد بن علي، فهو شفيع شيعته ووارث علم جدّه، له علامة بينة وحجّة ظاهرة، إذا ولد يقول: لا إله إلاَّ الله محمّد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ويقول في دعائه: (يا من لا شبيه له ولا مثال، أنت الله الذي لا إله إلاَّ أنت، ولا خالق إلاَّ أنت، تفني المخلوقين وتبقي أنت، حلمت عمَّن عصاك والمغفرة رضاك) من دعا بهذا الدعاء كان محمّد بن علي شفيعه يوم القيامة.

وإنَّ الله تعالي ركَّب في صلبه نطفة لا باغية ولا طاغية، بارّة مباركة، طيبة طاهرة، سمّاها عنده علي بن محمّد، فألبسها السكينة والوقار وأودعها العلوم وكلّ سرّ مكتوم، من لقيه وفي صدره شيء أنبأه به وحذَّره من عدوّه، ويقول في دعائه: (يا نور يا برهان، يا منير يا مبين، يا ربّ اكفني شرّ الشرور وآفات الدهور، وأسألك النجاة يوم ينفخ في الصور) من دعا بهذا الدعاء كان علي بن محمّد شفيعه وقائده إلي الجنّة.

ص: 263

وإنَّ الله تبارك وتعالي ركَّب في صلبه نطفة وسمّاها عنده الحسن، فجعله نوراً في بلاده وخليفة في أرضه، وعزّاً لأمّة جدّه، وهادياً لشيعته، وشفيعاً لهم عند ربّه، ونقمة علي من خالفه، وحجّة لمن والاه، وبرهاناً لمن اتَّخذه إماماً، يقول في دعائه: (يا عزيز العزّ في عزّه ما أعزّ عزيز العزّ في عزّه، يا عزيزاً عزّني بعزّك، وأيّدني بنصرك، وأبعد عنّي همزات الشياطين، وادفع عنّي بدفعك، وامنع عنّي بمنعك، واجعلني من خيار خلقك، يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد) من دعا بهذا الدعاء حشره الله عز وجل معه ونجّاه من النار ولو وجبت عليه.

وإنَّ الله تبارك وتعالي ركَّب في صلب الحسن نطفة مباركة زكية طيبة طاهرة مطهَّرة، يرضي بها كلّ مؤمن ممَّن قد أخذ الله تعالي ميثاقه في الولاية، ويكفر بها كلّ جاحد، فهو إمام تقي نقي بارّ مرضي هادي مهدي، يحكم بالعدل ويأمر به، يصدّق الله تعالي ويصدّقه الله تعالي في قوله، يخرج من تهامة(1) حين تظهر الدلائل والعلامات، وله كنوز لا ذهب ولا فضّة إلاَّ خيول مطهمة(2) ورجال مسومة(3) يجمع الله تعالي له من أقاصي البلاد علي عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وطبائعهم وحلاهم وكناهم، كدادون مجدون في طاعته.

فقال له اُبي: وما دلايله وعلاماته يا رسول الله؟ة.

ص: 264


1- التهامة - بالكسر وتخفيف الميم -: بلاد شرقي الحجاز، والنسبة إليه تهامي.. مكّة.
2- المطهم: التامّ من كلّ شيء، ووجه مطهم أي مجتمع مدور جميل.
3- وخيل المسومة: أي المرعية والمسومة أيضاً المعلمة.

قال: له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه وأنطقه الله تعالي فناداه العلم: أخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله، وهما رايتان وعلامتان، وله سيف مغمد، فإذا حان وقت خروجه اختلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عز وجل فناداه السيف: أخرج يا وليّ الله فلا يحلُّ لك أن تقعد عن أعداء الله، فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم(1)، ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله.

يخرج جبرئيل عليه السلام عن يمينه وميكائيل عن يساره، وسوف تذكرون ما أقول لكم ولو بعد حين، وأفوّض أمري إلي الله تعالي عز وجل.

يا اُبي طوبي لمن لقيه، وطوبي لمن أحبَّه، وطوبي لمن قال به، ينجيهم الله به من الهلكة، وبالإقرار بالله وبرسوله وبجميع الأئمّة يفتح الله لهم الجنّة، مثلهم في الأرض كمثل المسك الذي يسطع ريحه ولا يتغيَّر أبداً، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير لا يطفئ نوره أبداً.

قال اُبي: يا رسول الله كيف بيان حال هؤلاء الأئمّة عن الله عز وجل؟

قال: إنَّ الله عز وجل أنزل عليَّ اثنا عشر(2) صحيفة، اسم كلّ إمام علي(3) خاتمه، وصفته في صحيفته).

* حدَّثنا علي بن عبد الله الورّاق(4) الرازي، قال: حدَّثنا سعد بنق.

ص: 265


1- ثقفه كسمعه: صادفه وأخذه، أو ظفر به، أو أدركه.
2- كذا في المصدر، وفي إعلام الوري وبحار الأنوار: (اثنتي عشر).
3- في (خ ل).
4- وفي نسخة أخري: (علي بن إبراهيم)، قال أبو علي: علي بن إبراهيم الورّاق الرازي من الثقة، كذا قال الصدوق رحمه الله في العيون، أستاده من تلامذة سعد بن عبد الله. وقال أيضاً علي بن عبد الله الورّاق يروي عنه الصدوق.

عبد الله، قال: حدَّثنا الهيثم بن أبي مسروق النهدي(1)، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن سعد بن طريف(2)، عن الأصبغ بن نباتة، عن عبد الله بن عبّاس، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين(3) مطهَّرون معصومون).

* حدَّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدَّثنا أحمد بن يحيي بن زكريا القطان، قال: حدَّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدَّثنا الفضل بن الصقر العبدي، قال: حدَّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عباية بن الربعي، عن عبد الله بن عبّاس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (أنا سيّد النبيّين وعلي بن أبي طالب سيّد الوصيّين، وإنَّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم القائم).

* حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن معقل القرميسيني(4)، قال: حدَّثنا محمّد بن عبد الله البصري، قال: حدَّثنا إبراهيم بن مهزم، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن آبائه، عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (اثنا عشر من أهل بيتي أعطاهم الله فهمي وعلمي وحكمتي، وخلقهم من طينتي، فويل للمنكرين عليهم بعدي، القاطعين فيهم صلتي، ما لهم؟ لا أنالهم الله شفاعتي).

* حدَّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال:ر.

ص: 266


1- وفي بعض النسخ: (الهندي).
2- سعد بن طريف الحنظلي الاسكاف مولي بني تميم السكوني، روي عن الأصبغ بن نباتة وهو صحيح الحديث.
3- وفي بعض النسخ: (والتسعة من ذرية الحسين) بدل (وتسعة من ولد الحسين).
4- القرميسين - بالكسر -: بلد قرب الدينور.

حدَّثنا محمّد بن همام أبو علي، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن الحسن بن موسي الخشاب، عن أبي المثني النخعي، عن زيد بن علي بن الحسين، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (كيف تهلك أمّة وعلي وأحد عشر من ولدي أولوا الألباب أوّلها، والمسيح بن مريم آخرها؟ ولكن يهلك بين ذلك من لست منه ومنّي).

* حدَّثنا أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، قال: حدَّثنا أبي، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أبي أحمد محمّد بن زياد الأزدي، عن أبان بن عثمان، عن ثابت بن دينار، عن سيّد العابدين علي بن الحسين، عن سيّد الشهداء الحسين بن علي، عن سيّد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: (قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: الأئمّة من بعدي اثنا عشر، أوّلهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله - تبارك وتعالي ذكره - علي يديه مشارق الأرض ومغاربها).

* حدَّثنا أبي ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمّد بن يحيي العطار وأحمد بن إدريس جميعاً، قالوا: حدَّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، قال: حدَّثنا أبي هاشم(1) داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهم السلام، قال: (أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم ومعه الحسن بن علي عليه السلام وسلمان الفارسي رضي الله عنه وأمير المؤمنين عليه السلام متّكئ علي يد سلمان، فدخل المسجد الحرام إذ أقبل رجل حسن الهيأة واللباس فسلَّم علي أمير المؤمنين عليه السلام فردَّ عليه السلام، فجلس ثمّ قال: يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهنَّ علمت أنَّم.

ص: 267


1- ثقة جليل، من أصحاب أبي جعفر الثاني وأبي الحسن الثالث وأبي محمّد عليهم السلام.

القوم قد ركبوا من أمرك ما أقضي عليهم أنَّهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم، وإن تكن الأخري علمت أنَّك وهم شرع(1) سواء.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: سلني عمَّا بدا لك.

فقال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسي؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال.

فالتفت أمير المؤمنين عليه السلام إلي أبي محمّد الحسن بن علي عليه السلام فقال: يا أبا محمّد أجبه.

فقال عليه السلام : أمَّا ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه؟ فإنَّ روحه متعلّقة بالريح والريح متعلّقة بالهواء إلي وقت ما يتحرَّك صاحبها لليقظة، فإن أذن الله تعالي بردّ تلك الروح علي صاحبها جذبت تلك الريح الروح وجذبت تلك الريح الهواء فرجعت الروح فاُسكنت في بدن صاحبها, وإن لم يأذن الله عز وجل بردّ تلك الروح علي صاحبها جذب الهواء الريح وجذبت الريح الروح فلم ترد علي صاحبها إلي وقت ما يبعث.

وأمَّا ما ذكرت من أمر الذكر والنسيان، فإنَّ قلب الرجل في حُقّ وعلي الحُقّ طبق، فإن صلّي الرجل عند ذلك علي محمّد وآل محمّد صلاة تامّة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحُقّ فأضاء القلب وذكر الرجل ما كان نسي، فإن هو لم يصلّ علي محمّد وآل محمّد أو نقص من الصلاة عليهم انطبق الطبق علي ذلك الحُقّ فأظلم القلب ونسي الرجل ما كان ذكره.

وأمَّا ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله، فإنَّ الرجل إذا أتي أهله فجامعها بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب فاستكنت تلكث.

ص: 268


1- شرع - بفتح الراء وسكونها أيضاً -، قال في الصحاح: وقولهم: (في هذا الأمر شرع) أي سواء، يحرَّك ويسكَّن، يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث.

النطفة في جوف الرحم خرج الولد يشبه أباه واُمّه، وإن هو أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت النطفة فوقعت حال اضطرابها علي بعض العروق، فإن وقعت علي عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، وإن وقعت علي عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله.

فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلاَّ الله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنَّك وصيّ رسوله والقائم بحجّته - وأشار إلي أمير المؤمنين عليه السلام - ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنَّك وصيّه والقائم بحجّته (بعده) - وأشار إلي الحسن عليه السلام -، وأشهد أنَّ الحسين بن علي وصيّ أبيك والقائم بحجّته بعدك، وأشهد علي علي بن الحسين أنَّه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد علي محمّد بن علي أنَّه القائم بأمر علي بن الحسين بعده، وأشهد علي جعفر بن محمّد أنَّه القائم بأمر محمّد بن علي، وأشهد علي موسي بن جعفر أنَّه القائم بأمر جعفر بن محمّد، وأشهد علي علي بن موسي أنَّه القائم بأمر موسي بن جعفر، وأشهد علي محمّد بن علي أنَّه القائم بأمر علي بن موسي، وأشهد علي علي بن محمّد أنَّه القائم بأمر محمّد بن علي، وأشهد علي الحسن بن علي القائم بأمر علي بن محمّد، وأشهد علي رجل من ولد الحسن بن علي لا يكنّي(1) ولا يسمّي حتَّي يظهر في الأرض أمره فيملأها عدلاً كماط.

ص: 269


1- قوله: لا يكنّي يعني: بأبي القاسم، وفي هذا الحديث دلالة علي استمرار تحريم التسمية إلي وقت ظهوره عليه السلام . وبه قال أكثر علمائنا سيّما أرباب الحديث منهم، لأنَّ في الاختيار لا يسمّيه باسمه إلاَّ كافر حتَّي يظهر، وذهب صاحب كشف الغمّة ونصير الدين الطوسي وبهاء الملّة والدين إلي جوازه في هذه الأعصار لعدم التقيّة، وحملوا أخبار النهي علي أعصار الخوف والتقيّة، والأوّل هو الأظهر من الأحاديث وموافق للأولي والأحوط.

ملئت جوراً، إنَّه القائم بأمر الحسن بن علي، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمه الله وبركاته.

ثمّ قام ومضي، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يا أبا محمّد اتبعه فانظر أين يقصد؟

فخرج الحسن عليه السلام في أثره، قال: فما كان إلاَّ أن وضع رجله خارج المسجد فما دريت أين أخذ من أرض الله عز وجل؟ فرجعت إلي أمير المؤمنين عليه السلام فأعلمته.

فقال: يا أبا محمّد أتعرفه؟

فقلت: الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم.

فقال: هو الخضر عليه السلام)(1).

* حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: أخبرنا وكيع عن الربيع بن سعد، عن عبد الرحمن بن سليط، قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام: (منّا اثنا عشر مهدياً، أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحقّ يحيي الله تعالي به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحقّ علي الدين كلّه ولو كره المشركون، له غيبة يرتدّ فيها قوم ويثبت علي الدين فيها آخرون، فيؤذون، فيقال لهم: (مَتي هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)؟ أمَا إنَّ الصابر في غيبته علي الأذي والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم).1.

ص: 270


1- أنظر: الإمامة والتبصرة: 106/ باب 27/ ح 93؛ والكافي 1: 525/ ح 1.

* حدَّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال: حدَّثنا أبو عبد الله العاصمي، عن الحسين بن قاسم بن أيّوب، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن ثابت الصباغ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: (منّا اثنا عشر مهدياً، مضي ستّة وبقي ستّة، ويصنع الله في السادس ما أحبّ).

وقد أخرجت الأخبار التي رويتها في هذا المعني في كتاب كمال الدين وتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة، والله تعالي أعلم.

* * *

ص: 271

ص: 272

الخِصال

للشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المتوفّي 381 ه-

صحّحه وعلّق عليه: علي أكبر الغفّاري

ص: 273

ص: 274

باب الواحد إلي اثني عشر

باب الواحد إلي اثني عشر(1):

* حدَّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله بن أبي خلف، قال: حدَّثني يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسي، عن عبد الله بن مسكان، عن أبان بن تغلب، عن سُليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي رحمه الله، قال: دخلت علي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وإذا الحسين عليه السلام علي فخذيه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه، وهو يقول: (أنت سيّد ابن سيّد، أنت إمام ابن إمام أبو الأئمّة، أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم)(2).

* حدَّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي مولي بني هاشم، قال: أخبرني القاسم بن محمّد بن حماد، قال: حدَّثنا غياث بن إبراهيم، قال: حدَّثنا حسين بن زيد بن علي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (أبشروا ثمّ أبشروا - ثلاث مرّات -، إنَّما مثل أمّتي كمثل غيث لا يدري أوّله خير أم آخره، إنَّما مثل أمّتي كمثل حديقة أطعم منها فوج عاماً، ثمّ أطعم منها فوج عاماً، لعلَّ آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وفرعاً، وأحسنها جني، وكيف تهلك أمّة أنا أوّلها واثنا عشر من

ص: 275


1- الخصال: 475 - 480/ ح 38 - 51.
2- أنظر: الإمامة والتبصرة: 110/ باب 29/ ح 96.

بعدي من السعداء وأولي الألباب والمسيح عيسي بن مريم آخرها، ولكن يهلك بين ذلك نتج الهرج، ليسوا منّي ولست منهم).

* حدَّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين الثقفي، عن صالح بن عقبة، عن جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: لمَّا هلك أبو بكر واستخلف عمر رجع عمر إلي المسجد فقعد، فدخل عليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إنّي رجل من اليهود وأنا علامتهم، وقد أردت أن أسألك عن مسائل إن أجبتني فيها أسلمت.

قال: ما هي؟

قال: ثلاث وثلاث وواحدة، فإن شئت سألتك، وإن كان في القوم أحد أعلم منك فأرشدني إليه.

قال: عليك بذلك الشاب - يعني علي بن أبي طالب عليه السلام -.

فأتي علياً عليه السلام فسأله فقال له: (لِمَ قلت: ثلاثاً وثلاثاً وواحدة، ألا قلت: سبعاً؟).

قال: إنّي إذاً لجاهل، إن لم تجبني في الثلاث اكتفيت.

قال: (فإن أجبتك تسلم؟).

قال: نعم.

قال: (سل).

قال: أسألك عن أوّل حجر وضع علي وجه الأرض, وأوّل عين نبعت، وأوّل شجرة نبتت؟

قال: (يا يهودي أنتم تقولون: أوّل حجر وضع علي وجه الأرض الذي في بيت المقدس، وكذبتم، هو الحجر الذي نزل به آدم من الجنّة).

ص: 276

قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسي.

قال: (وأنتم تقولون: إنَّ أوّل عين نبعت علي وجه الأرض العين التي ببيت المقدس، وكذبتم، هي عين الحياة التي غسَّل فيها يوشع بن نون السمكة وهي العين التي شرب منها الخضر وليس يشرب منها أحد إلاَّ حيي).

قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسي.

قال: (وأنتم تقولون: أوّل شجرة نبتت علي وجه الأرض الزيتون، وكذبتم، هي العجوة التي نزل بها آدم عليه السلام من الجنّة معه).

قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسي.

قال: والثلاث الأخري كم لهذه الأمّة من إمام هدي لا يضرّهم من خذلهم؟

قال: (اثنا عشر إماماً).

قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسي.

قال: فأين يسكن نبيّكم من الجنّة؟

قال: (في أعلاها درجة وأشرفها مكاناً في جنّة عدن).

قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسي.

ثمّ قال: فمن ينزل بعده في منزله؟

قال: (اثنا عشر إماماً).

قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسي.

ثمّ قال: السابعة فأسلم: كم يعيش وصيّه بعده؟

قال: (ثلاثين سنة).

قال: ثمّ مَهْ؟ يموت أو يقتل؟

ص: 277

قال: (يقتل يضرب علي قرنه فتخضب لحيته).

قال: صدقت والله إنَّه لبخط هارون وإملاء موسي.

وقد أخرجت هذا الحديث من طرق في كتاب الأوائل(1).

* حدَّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سُليم بن قيس الهلالي، وحدَّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن حماد بن عيسي، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش، عن سُليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت عبد الله بن جعفر الطيّار يقول: كنّا عند معاوية أنا والحسن و الحسين وعبد الله بن عبّاس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد، فجري بيني وبين معاوية كلام، فقلت لمعاوية: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أخي علي بن أبي طالب عليه السلام أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد علي فالحسن بن علي أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ ابنه الحسين بعد أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين الأكبر أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ ابني محمّد بن علي الباقر أولي بالمؤمنين من أنفسهم، وستدركه يا حسين، ثمّ تكملة اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين رضي الله عنه).

قال عبد الله بن جعفر: ثمّ استشهدت الحسن والحسين و عبد الله بن عبّاس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد فشهدوا لي عند معاوية. .

ص: 278


1- رواه أيضاً في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 56/ ح 19؛ وكذلك في كمال الدين: 300/ باب 26/ ح 8 .

قال سُليم بن قيس الهلالي: وقد سمعت ذلك من سلمان وأبي ذر والمقداد، وذكروا أنَّهم سمعوا ذلك من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم(1).

* حدَّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت علي فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثني عشر أحدهم القائم، ثلاثة منهم محمّد وثلاثة منهم علي(2).

* حدَّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن عيسي بن عبيد، عن محمّد بن فضيل الصيرفي، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّ الله عز وجل أرسل محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم إلي الجن والإنس، وجعل من بعده اثني عشر وصيّاً، منهم من سبق ومنهم من بقي، وكلّ وصي جرت به سُنّة. والأوصياء الذين من بعد محمّد صلي الله عليه وآله وسلم علي سُنّة أوصياء عيسي، وكانوا اثني عشر، وكان أمير المؤمنين عليه السلام علي سُنّة المسيح عليه السلام)(3).

* حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدَّثنا الحسين4.

ص: 279


1- أنظر: الإمامة والتبصرة: 110/ باب 29/ ح 97؛ الكافي 1: 529/ ح 4؛ ورواه في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 52/ ح 8؛ وكمال الدين: 270/ باب 24/ ح 15.
2- أنظر: الكافي 1: 532/ ح 9؛ ورواه الصدوق أيضاً في: من لا يحضره الفقيه 4: 180/ ح5408؛ وعيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 52/ ح 6 و7؛ وكمال الدين: 269/ باب 24/ ح13، وفي جميعها: (... وأربعة منهم علي).
3- أنظر: الإمامة والتبصرة: 134/ باب 35/ ح 146؛ الكافي 1: 532/ ح 10. ورواه الصدوق أيضاً في: عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 59/ ح 21، وكذلك في: كمال الدين: 326/ باب 32/ ح 4.

بن محمّد بن عامر الأشعري، عن المعلّي بن محمّد البصري، عن الحسن بن علي الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (نحن اثنا عشر إماماً منهم حسن وحسين، ثمّ الأئمّة من ولد الحسين)(1).

* حدَّثنا محمّد بن علي ماجيلويه، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمي، عن عثمان بن عيسي، عن سماعة بن مهران، قال: كنت أنا وأبو بصير ومحمّد بن عمران مولي أبي جعفر عليه السلام في منزله، فقال محمّد بن عمران: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (نحن اثنا عشر محدّثاً).

فقال له أبو بصير: تالله لقد سمعت ذلك من أبي عبد الله عليه السلام ؟ فحلَّفه مرّة أو مرَّتين، فحلف أنَّه قد سمعه، فقال أبو بصير: لكنّي سمعته من أبي جعفر عليه السلام (2).

* حدَّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدَّثنا أحمد بن يحيي بن زكريا القطان، (قال: حدَّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب)، قال: حدَّثنا تميم بن بهلول، قال: حدَّثني عبد الله بن أبي الهذيل، وسألته عن الإمامة فيمن تجب؟ وما علامة من تجب له الإمامة؟

فقال: إنَّ الدليل علي ذلك والحجّة علي المؤمنين والقائم بأمور).

ص: 280


1- أنظر: الكافي 1: 533/ ح 16؛ ورواه الصدوق في: عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 59/ ح 22؛ وكذلك في كمال الدين: 335/ باب 33/ ح 6.
2- أنظر: بصائر الدرجات: 339/ باب 5/ ح 2؛ الكافي 1: 534/ ح 20؛ ورواه الصدوق أيضاً في: عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 58/ ح 23؛ وكذلك في كمال الدين: 335/ باب 33/ ح 6، وفيه: (مهدياً) بدل (محدّثاً).

المسلمين والناطق بالقرآن والعالم بالأحكام أخو نبيّ الله وخليفته علي أمّته ووصيّه عليهم ووليّه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسي، المفروض الطاعة بقول الله عز وجل: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ)(1) الموصوف بقوله: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)(2) المدعو إليه بالولاية، المثبت له الإمامة يوم غدير خمّ بقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم عن الله عز وجل: (ألست أولي بكم من أنفسكم؟).

قالوا: بلي.

قال: (فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأعن من أعانه)، علي بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، وأفضل الوصيّين، وخير الخلق أجمعين بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وبعده الحسن بن علي، ثمّ الحسين سبطا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وابنا خير النسوان أجمعين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسي بن جعفر، ثمّ علي بن موسي، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ ابن الحسن عليهم السلام إلي يومنا هذا واحداً بعد واحد، وهم عترة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، المعروفون بالوصيّة والإمامة، ولا تخلو الأرض من حجّة منهم في كلّ عصر وزمان وفي كلّ وقت وأوان، وهم العروة الوثقي وأئمّة الهدي والحجّة علي أهل الدنيا إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكلّ من خالفهم ضالّ مضلّ، تارك للحقّ والهدي، وهم5.

ص: 281


1- النساء: 59.
2- المائدة: 55.

المعبّرون عن القرآن, والناطقون عن الرسول، ومن مات لا يعرفهم مات ميتة جاهلية، ودينهم الورع والعفّة والصدق والصلاح والاجتهاد، وأداء الأمانة إلي البرّ والفاجر، وطول السجود، وقيام الليل، و اجتناب المحارم، وانتظار الفرج بالصبر، وحسن الصحبة، وحسن الجوار.

ثمّ قال تميم بن بهلول: حدَّثني أبو معاوية، عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد عليه السلام في الإمامة مثله سواء(1).

* حدَّثنا محمّد بن موسي بن المتوكّل رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، قال: حدَّثنا الحسن بن العبّاس بن الحريش الرازي، عن أبي جعفر محمّد بن علي الثاني عليه السلام أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لابن عبّاس: (إنَّ ليلة القدر في كلّ سنة، وأنَّه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم).

فقال ابن عبّاس: من هم؟

قال: (أنا وأحد عشر من صلبي أئمّة محدّثون)(2).

وبهذا الإسناد، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأصحابه: (آمنوا بليلة القدر إنَّها تكون لعلي بن أبي طالب وولده الأحد عشر من بعدي)(3).

* حدَّثنا محمّد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثنا أبو علي الأشعري، عن الحسين بن عبيد الله،0.

ص: 282


1- رواه الصدوق في: عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 57/ ح 20، وكذلك في: كمال الدين: 336/ باب 33/ ح 9.
2- أنظر: الكافي 1: 247/ ح 2، و532/ ح 11؛ ورواه الصدوق أيضاً في: كمال الدين: 304/ باب 26/ ح 19.
3- أنظر: الكافي 1: 533/ ح 12؛ ورواه الصدوق أيضاً في: كمال الدين: 280/ باب 24/ ح 30.

عن الحسن بن موسي الخشاب، عن علي بن سماعة، عن علي بن الحسن بن رباط، عن أبيه، عن ابن اذينة، عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (اثنا عشر إماماً من آل محمّد عليهم السلام كلّهم محدّثون بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب عليه السلام منهم)(1).

* حدَّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (يكون تسعة أئمّة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم عليهم السلام)(2).

* حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدَّثنا الحسين بن محمّد بن عامر الأشعري، عن معلّي بن محمّد البصري، عن الحسن بن علي الوشّاء عن أبان، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (اثنا عشر إماماً منهم علي و الحسن والحسين، ثمّ الأئمّة من ولد الحسين عليهم السلام)(3).

وقد أخرجت ما رويته في هذا المعني في كتاب كمال الدين وتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة(4).

إذا قام القائم عليه السلام جعل الله عز وجل قوّة الرجل من الشيعة قوّة أربعين رجلاً

* حدَّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة

ص: 283


1- رواه الصدوق في: عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 60/ ح 24، وفيه زيادة: (نحن) في بداية الحديث.
2- أنظر: الكافي 1: 533/ ح 15؛ ورواه الصدوق أيضاً في: كمال الدين: 350/ باب 33/ ح 44.
3- أنظر: الكافي 1: 533/ ح 16، وفيه: (... منهم الحسن...).
4- راجع كمال الدين: 256/ باب 24.

الكوفي، عن العبّاس بن عامر القصباني، عن ربيع بن محمّد المسلي، عن الحسن بن ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، عن علي بن الحسين عليه السلام، قال: (إذا قام قائمنا أذهب الله عز وجل عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد، وجعل قوّة الرجل منهم قوّة أربعين رجلاً، ويكونون حكّام الأرض وسنامها)(1).

* * *9.

ص: 284


1- الخصال: 541/ باب 40/ ح 14؛ وقريب منه في الكافي 8 : 294/ ح 449.

أمالي الصدوق

للشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المتوفّي 381 ه-

تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية/ مؤسسة البعثة

ص: 285

ص: 286

* حدَّثنا الشيخ الجليل أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدَّثنا محمّد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدَّثنا عمي محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن علي الكوفي، عن محمّد بن سنان، عن المفضَّل بن عمر، عن جابر بن يزيد، عن سعيد بن المسيّب، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قلت: يا رسول الله، أرشدني إلي النجاة.

فقال: (يا ابن سمرة، إذا اختلفت الأهواء، وتفرَّقت الآراء، فعليك بعلي بن أبي طالب، فإنَّه إمام أمّتي، وخليفتي عليهم من بعدي، وهو الفاروق الذي يميّز بين الحقّ والباطل، من سأله أجابه، ومن استرشده أرشده، ومن طلب الحقّ من عنده وجده، ومن التمس الهدي لديه صادفه، ومن لجأ إليه آمنه، ومن استمسَّك به نجّاه، ومن اقتدي به هداه.

يا ابن سمرة، سَلِم من سلَّم له ووالاه، وهلك من ردَّ عليه وعاداه.

يا ابن سمرة، إنَّ علياً منّي، روحه من روحي، وطينته من طينتي، وهو أخي وأنا أخوه، وهو زوج ابنتي فاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، إنَّ منه إمامي أمّتي، وسيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين، تاسعهم قائم أمّتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(1).

وصلّي الله علي رسوله محمّد وآله أجمعين(2).).

ص: 287


1- كمال الدين: 256/ ح 1؛ بحار الأنوار 36: 226/ ح 2.
2- أمالي الصدوق: 78/ ح (45/3).

* حدَّثنا أحمد بن محمّد رحمه الله، قال: حدَّثنا أبي، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أبي أحمد محمّد بن زياد الأزدي، عن أبان بن عثمان، عن ثابت بن دينار، عن سيّد العابدين علي بن الحسين، عن سيّد الشهداء الحسين بن علي، عن سيّد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (الأئمّة من بعدي اثنا عشر، أوّلهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله تعالي ذكره علي يديه مشارق الأرض ومغاربها)(1)(2).

* حدَّثنا محمّد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الريّان بن شبيب، قال: دخلت علي الرضا عليه السلام في أوّل يوم من المحرَّم، فقال لي: (يا ابن شبيب، أصائم أنت؟).

فقلت: لا.

فقال: (إنَّ هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا عليه السلام ربّه عز وجل، فقال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ)(3) فاستجاب به، وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلّي في المحراب: (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيي)(4) فمن صام هذا اليوم ثمّ دعا الله عز وجل استجاب الله له، كما استجاب لزكريا عليه السلام).

ثمّ قال: (يا ابن شبيب، إنَّ المحرَّم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضي يحرّمون فيه الظلم والقتال لحرمته، فما عرفت هذه الأمّة حرمة شهرها ولا حرمة نبيّها صلي الله عليه وآله وسلم، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته، وسبوا نساءه، وانتهبوا ثقله، فلا غفر الله لهم ذلك أبداً.9.

ص: 288


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 65/ ح 34؛ كمال الدين: 282/ ح 35؛ بحار الأنوار 36: 226/ ح 1.
2- أمالي الصدوق: 172/ ح (175/11).
3- آل عمران: 38.
4- آل عمران: 39.

يا ابن شبيب، إن كنت باكياً لشيء، فابك للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، فإنَّه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيه، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلي الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قُتل، فهم عند قبره شعث غبر إلي أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره، وشعارهم: يا لثارات الحسين.

يا ابن شبيب، لقد حدَّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه عليه السلام : أنَّه لمَّا قتل جدّي الحسين عليه السلام، مطرت السماء دماً وتراباً أحمر.

يا ابن شبيب، إن بكيت علي الحسين عليه السلام حتَّي تصير دموعك علي خديك غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً.

يا ابن شبيب، إنَّ سَرَّك أن تلقي الله عز وجل ولا ذنب عليك، فزر الحسين عليه السلام .

يا ابن شبيب، إن سَرَّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبيّ وآله صلوات الله عليهم، فالعن قتلة الحسين.

يا ابن شبيب، إن سَرَّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السلام فقل متي ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً.

يا ابن شبيب، إن سَرَّك أن تكون معنا في الدرجات العلي من الجنان، فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أنَّ رجلاً تولّي حجراً لحشره الله معه يوم القيامة)(1)(2).).

ص: 289


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 299/ ح 58؛ إقبال الأعمال: 544؛ بحار الأنوار 101: 102/ ح 3.
2- أمالي الصدوق: 192/ ح (202/5).

* حدَّثنا أبي رحمه الله، قال: حدَّثنا حبيب بن الحسين التغلبي، قال: حدَّثنا عباد بن يعقوب، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (كان النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في بيت اُمّ سَلَمة رضي الله عنها، فقال لها: لا يدخل عليَّ أحد. فجاء الحسين عليه السلام وهو طفل، فما ملكت معه شيئاً حتَّي دخل علي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، فدخلت اُمّ سَلَمة علي أثره، فإذا الحسين علي صدره، وإذا النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم يبكي، وإذا في يده شيء يقلّبه، فقال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: يا اُمّ سَلَمة، إنَّ هذا جبرئيل يخبرني أنَّ هذا مقتول، وهذه التربة التي يقتل عليها، فضعيها عندك، فإذا صارت دماً فقد قُتل حبيبي.

فقالت اُمّ سَلَمة: يا رسول الله، سل الله أن يدفع ذلك عنه.

قال: قد فعلت، فأوحي الله عز وجل إليَّ: أنَّ له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين، وأنَّ له شيعة يشفعون فيشفعون، وأنَّ المهدي من ولده، فطوبي لمن كان من أولياء الحسين، وشيعته هم والله الفائزون يوم القيامة)(1)(2).

* حدَّثنا محمّد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدَّثني عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن هلال، عن الفضل بن دكين، عن معمر بن راشد، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: (أتي يهودي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، فقام بين يديه يحدّ النظر إليه، فقال: يا يهودي، ما حاجتك؟

قال: أنت أفضل أم موسي بن عمران النبيّ الذي كلَّمه الله، وأنزل عليه التوراة والعصا، وفلق له البحر، وأظلَّه بالغمام؟).

ص: 290


1- بحار الأنوار 44: 225/ ح 5.
2- أمالي الصدوق: 203/ ح (219/3).

فقال له النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: إنَّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه، ولكنّي أقول: إنَّ آدم عليه السلام لمَّا أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال: (اللهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد، لما غفرت لي)، فغفرها الله له، وإنَّ نوحاً عليه السلام لمَّا ركب في السفينة وخاف الغرق، قال: (اللهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد، لما أنجيتني من الغرق)، فنجّاه الله منه.

وإنَّ إبراهيم عليه السلام لمَّا ألقي في النار قال: (اللهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد، لما أنجيتني منها)، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً.

وإنَّ موسي عليه السلام لمَّا ألقي عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال: (اللهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد، لما أمنتني منها)، فقال الله جل جلاله: (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَْعْلي)(1).

يا يهودي: إنَّ موسي لو أدركني ثمّ لم يؤمن بي وبنبوّتي، ما نفعه إيمانه شيئاً، ولا نفعته النبوّة.

يا يهودي، ومن ذريتي المهدي، إذا خرج نزل عيسي بن مريم لنصرته، فقدَّمه وصلّي خلفه)(2)(3).

* حدَّثنا محمّد بن علي بن الفضل الكوفي، قال: حدَّثنا محمّد بن جعفر المعروف بابن التبّان، قال: حدَّثنا إبراهيم بن خالد المقرئ الكسائي، قال: حدَّثنا عبد الله بن داهر الرازي، عن أبيه، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: بينا نحن ذات يوم حول أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة، إذ قال: (يا أهل الكوفة، لقد حباكم الله عز وجل بما).

ص: 291


1- طه: 68.
2- جامع الأخبار: 44/ ح 48؛ بحار الأنوار 26: 319/ ح 1.
3- أمالي الصدوق: 287/ ح (320/4).

لم يحب به أحداً، ففضَّل مصلاكم، وهو بيت آدم، وبيت نوح، وبيت إدريس، ومصلّي إبراهيم الخليل، ومصلّي أخي الخضر عليه السلام، ومصلاي، وإنَّ مسجدكم هذا أحد الأربعة مساجد التي اختارها الله عز وجل لأهلها، وكأنّي به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه بالمحرم، يشفع لأهله ولمن صلّي فيه، فلا ترد شفاعته، ولا تذهب الأيّام حتَّي ينصب الحجر الأسود فيه، وليأتينَّ عليه زمان يكون مصلّي المهدي من ولدي، ومصلّي كلّ مؤمن، ولا يبقي علي الأرض مؤمن إلاَّ كان به، أو حنَّ قلبه إليه، فلا تهجروه، وتقربوا إلي الله عز وجل بالصلاة فيه، وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم، فلو يعلم الناس ما فيه من البركة لأتوه من أقطار الأرض ولو حبواً علي الثلج)(1)(2).

* حدَّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدَّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الحسين الكناني، عن جدّه، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: (إنَّ الله عز وجل أنزل علي نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم كتاباً قبل أن يأتيه الموت، فقال: يا محمّد، هذا الكتاب وصيّتك إلي النجيب من أهلك.

فقال: ومن النجيب من أهلي، يا جبرئيل؟

فقال: علي بن أبي طالب. وكان علي الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي علي عليه السلام، وأمره أن يفكّ خاتماً منها، ويعمل بما فيه، ففكَّ عليه السلام خاتماً، وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلي ابنه الحسن عليه السلام، ففكَّ خاتماً، وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلي الحسين عليه السلام، ففكَّ خاتماً،).

ص: 292


1- بحار الأنوار 100: 389/ ح 14.
2- أمالي الصدوق: 298/ ح (344/8).

فوجد فيه: أن أخرج بقوم(1) إلي الشهادة، فلا شهادة لهم إلاَّ معك، واشتر(2) نفسك لله عز وجل، ففعل، ثمّ دفعه إلي علي بن الحسين عليه السلام، ففكَّ خاتماً فوجد فيه: أصمت، والزم منزلك، واعبد ربَّك حتَّي يأتيك اليقين، ففعل، ثمّ دفعه إلي محمّد بن علي عليه السلام، ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وافتهم، ولا تخافنَّ إلاَّ الله، فإنَّه لا سبيل لأحد عليك، ثمّ دفعه إليَّ ففككت خاتماً، فوجدت فيه: حدّث الناس وافتهم، وانشر علوم أهل بيتك، وصدّق آبائك الصالحين، ولا تخافنَّ أحداً إلاَّ الله، وأنت في حرز وأمان، ففعلت، ثمّ ادفعه إلي موسي بن جعفر، وكذلك يدفعه موسي إلي الذي من بعده، ثمّ كذلك أبداً إلي قيام المهدي عليه السلام)(3)(4).

* حدَّثنا محمّد بن موسي بن المتوكّل رحمه الله، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن عيسي، عن الحسن بن محبوب، عن مقاتل بن سليمان، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (أنا سيّد النبيّين، ووصيّي سيّد الوصيّين، وأوصياؤه سادة الأوصياء، إنَّ آدم عليه السلام سأل الله عز وجل أن يجعل له وصيّاً صالحاً، فأوحي الله عز وجل إليه: أنّي أكرمت الأنبياء بالنبوّة، ثمّ اخترت خلقي، وجعلت خيارهم الأوصياء. ثمّ أوحي الله عز وجل إليه: يا آدم، أوص إلي شيث، فأوصي آدم إلي شيث، وهو هبة الله بن آدم، وأوصي شيث إلي ابنه شبان(5)، وهو ابن نزلة الحوراء التي أنزلها الله علي آدم من الجنّة،).

ص: 293


1- في كمال الدين: (بقومك).
2- في بعض المصادر: (واشر).
3- كمال الدين: 669/ ح 15؛ أمالي الطوسي: 441/ ح 990؛ بحار الأنوار 36: 192/ ح 1.
4- أمالي الصدوق: 486/ ح (660/2).
5- في نسخة: (شتبان).

فزوَّجها ابنه شيثاً، وأوصي شبان إلي مجلث(1)، وأوصي مجلث إلي محوق، وأوصي محوق إلي غثميشا(2)، وأوصي غثميشا إلي أخنوخ، وهو إدريس النبيّ عليه السلام، وأوصي إدريس إلي ناحور(3)، ودفعها ناحور إلي نوح النبيّ عليه السلام، وأوصي نوح إلي سام، وأوصي سام إلي عثامر، وأوصي عثامر إلي برعيثاشا(4)، وأوصي برعيثاشا إلي يافث، وأوصي يافث إلي برة، وأوصي برة إلي جفسية(5)، وأوصي جفسية إلي عمران، ودفعها عمران إلي إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، وأوصي إبراهيم إلي ابنه إسماعيل، وأوصي إسماعيل إلي إسحاق، وأوصي إسحاق إلي يعقوب، وأوصي يعقوب إلي يوسف، وأوصي يوسف إلي بثرياء(6)، وأوصي بثرياء إلي شعيب عليه السلام، ودفعها شعيب إلي موسي بن عمران عليه السلام، وأوصي موسي بن عمران عليه السلام إلي يوشع بن نون، وأوصي يوشع بن نون إلي داود عليه السلام، وأوصي داود عليه السلام إلي سليمان عليه السلام، وأوصي سليمان عليه السلام إلي آصف بن برخيا، وأوصي آصف بن برخيا إلي زكريا عليه السلام، ودفعها زكريا عليه السلام إلي عيسي بن مريم عليه السلام، وأوصي عيسي إلي شمعون بن حمون الصفا، وأوصي شمعون إلي يحيي بن زكريا، وأوصي يحيي بن زكريا إلي منذر، وأوصي منذر إلي سليمة، وأوصي سليمة إلي بردة).).

ص: 294


1- في نسخة: (محلث).
2- في نسخة: (عثمّيشا).
3- في نسخة: (ناخور).
4- في نسخة: (برعيثاثا).
5- في نسخة: (جفيسه)، وفي أخري: (خفيسه)، وفي أخري: (حفيسه).
6- وفي نسخة: (يثريا).

ثمّ قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (ودفعها إليَّ بردة، وأنا أدفعها إليك يا علي، وأنت تدفعها إلي وصيّك، ويدفعها وصيّك إلي أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد، حتَّي تدفع إلي خير أهل الأرض بعدك، ولتكفرنَّ بك الأمّة، ولتختلفنَّ عليك اختلافاً شديداً، الثابت عليك كالمقيم معي، والشاذ عنك في النار، والنار مثوي الكافرين)(1)(2).

* حدَّثنا أحمد بن محمّد بن إسحاق، قال: أخبرني إسماعيل ابن إبراهيم الحلواني، قال: حدَّثنا أحمد بن منصور بزرج، قال: حدَّثنا هدية بن عبد الوهاب، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر، قال: حدَّثنا عبد الله بن زياد اليمامي، عن عكرمة بن عمّار، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (نحن بنو عبد المطَّلب سادة أهل الجنّة: رسول الله، وحمزة سيّد الشهداء، وجعفر ذو الجناحين، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، والمهدي)(3)(4).

* حدَّثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن يعقوب بن يزيد الأنباري، قال: حدَّثنا الحسن بن علي ابن فضال، عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد).

ص: 295


1- أمالي الطوسي: 442/ ح 991؛ بحار الأنوار 17: 148/ ح 43.
2- أمالي الصدوق: 486/ ح (661/3).
3- الغيبة للطوسي: 183/ ح 142؛ بحار الأنوار 51: 65/ ح 1.
4- أمالي الصدوق: 562/ ح (757/15).

بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: (قلت لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أخبرني بعدد الأئمّة بعدك؟ فقال: يا علي، هم اثنا عشر، أوّلهم أنت، وآخرهم القائم)(1).

وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين(2).

* * *).

ص: 296


1- بحار الأنوار 36: 232/ ح 15.
2- أمالي الصدوق: 728/ ح (998/10).

علل الشرايع

للشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المتوفّي 381 ه-

ص: 297

ص: 298

باب (129): العلّة التي من أجلها سُمّي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، والعلّة التي من أجلها سُمّي سيفه: ذا الفقار، والعلّة التي من أجلها سُمّي القائم قائماً، والمهدي مهدياً

باب (129): العلّة التي من أجلها سُمّي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، والعلّة التي من أجلها سُمّي سيفه: ذا الفقار، والعلّة التي من أجلها سُمّي القائم قائماً، والمهدي مهدياً (1):

* حدَّثنا علي بن أحمد بن محمّد الدقّاق ومحمّد بن محمّد بن عصام رضي الله عنهما، قالا: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثنا القاسم بن العلاء، قال: حدَّثنا إسماعيل الفزاري، قال: حدَّثنا محمّد بن جمهور العمي، عن ابن أبي نجران، عمَّن ذكره، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، قال: سألت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام : يا ابن رسول الله لِمَ سُمّي علي عليه السلام أمير المؤمنين وهو اسم ما سُمّي به أحد قبله ولا يحلُّ لأحد بعده؟

قال: (لأنَّه ميرة العلم، يمتار منه ولا يمتار من أحد غيره).

قال: فقلت: يا ابن رسول الله، فلِمَ سُمّي سيفه ذا الفقار؟

فقال عليه السلام : (لأنَّه ما ضرب به أحد من خلق الله إلاَّ أفقره من هذه الدنيا من أهله وولده، وأفقره في الآخرة من الجنّة).

قال: فقلت: يا ابن رسول الله، فلستم كلّكم قائمين بالحقّ؟

قال: (بلي).

قلت: فلِمَ سُمّي القائم قائماً؟

قال: (لمَّا قتل جدّي الحسين عليه السلام ضجَّت عليه الملائكة إلي الله

ص: 299


1- علل الشرائع 1: 160/ ح 1 و3.

تعالي بالبكاء والنحيب، وقالوا: إلهنا وسيّدنا أتغفل عمَّن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك؟ فأوحي الله عز وجل إليهم: قرّوا ملائكتي، فوَعزّتي وجلالي لأنتقمنَّ منهم ولو بعد حين، ثمّ كشف الله عز وجل عن الأئمّة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة، فسرَّت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلّي، فقال الله عز وجل: بذلك القائم أنتقم منهم).

* حدَّثنا أبي رحمه الله، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عبد الله بن المغيرة، عن سفيان بن عبد المؤمن الأنصاري، عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال: أقبل رجل إلي أبي جعفر عليه السلام وأنا حاضر، فقال: رحمك الله اقبض هذه الخمسمائة درهم فضعها في موضعها فإنَّها زكاة مالي، فقال له أبو جعفر عليه السلام : (بل خذها أنت فضعها في جيرانك والأيتام والمساكين، وفي إخوانك من المسلمين، إنَّما يكون هذا إذا قام قائمنا، فإنَّه يقسّم بالسوية، ويعدل في خلق الرحمن، البرّ منهم والفاجر، فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصي الله، فإنَّما سمّي المهدي لأنَّه يهدي لأمر خفي، يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بأنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان، وتجمع إليه أموال الدنيا كلّها ما في بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس: تعالوا إلي ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء وركبتم فيه محارم الله، فيعطي شيئاً لم يعط(1) أحداً كان قبله).

قال: وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (وهو رجل منّي، اسمه كاسمي،).

ص: 300


1- في الغيبة للنعماني: (يعطه).

يحفظني الله فيه ويعمل بسُنّتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً بعد ما تمتلي ظلماً وجوراً وسوءً).

* * *

باب (158): العلّة التي من أجلها سار أمير المؤمنين عليه السلام بالمنّ والكفّ ويسير القائم بالبسط والسبي

باب (158): العلّة التي من أجلها سار أمير المؤمنين عليه السلام بالمنّ والكفّ ويسير القائم بالبسط والسبي (1):

* أبي رحمه الله، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن عيسي، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن الحسن بن هارون، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالساً، فسأله المعلّي بن خنيس: أيسير القائم بخلاف سيرة أمير المؤمنين؟

فقال: (نعم، وذلك أنَّ علياً عليه السلام سار فيهم بالمنّ والكفّ؛ لأنَّه علم أنَّ شيعته سيظهر عليهم عدوّهم من بعده، وأنَّ القائم عليه السلام إذا قام سار فيهم بالبسط والسبي، وذلك أنَّه يعلم أنَّ شيعته لن يظهر عليهم من بعده أبداً).

* * *

باب (164): العلّة التي من أجلها يقتل القائم عليه السلام ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها

باب (164): العلّة التي من أجلها يقتل القائم عليه السلام ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها (2):

* حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدَّثنا علي ابن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت لأبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله، ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السلام أنَّه قال: (إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة

ص: 301


1- علل الشرائع 1: 210/ ح 1.
2- علل الشرائع 1: 229/ ح 1، ورواه أيضاً في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 247/ ح 5.

الحسين عليه السلام بفعال آبائها)؟، فقال عليه السلام : (هو كذلك)، فقلت: فقول الله عز وجل: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري)(1) ما معناه؟

فقال: (صدق الله في جميع أقواله، لكن ذراري قتلة الحسين يرضون أفعال آبائهم ويفتخرون بها، ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه، ولو أنَّ رجلاً قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل، وإنَّما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم)، قال: قلت له: بأيّ شيء يبدأ القائم فيهم إذا قام؟ قال: (يبدأ ببني شيبة ويقطع أيديهم لأنَّهم سرّاق بيت الله عز وجل).

* * *

باب (179): علّة الغيبة

باب (179): علّة الغيبة (2):

* حدَّثنا محمّد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن أبيه، عن أبيه أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان وغيره، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لا بدَّ للغلام من غيبة)، فقيل له: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: (يخاف القتل).

* حدَّثنا أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيي، عن أحمد بن الحسين بن عمر بن محمّد بن عبد الله، عن مروان الأنباري، قال: خرج من أبي جعفر عليه السلام : (إنَّ الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم).

* أبي رحمه الله، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن هلال، عن

ص: 302


1- الأنعام: 164؛ الإسراء: 15، فاطر: 18.
2- علل الشرائع 1: 243 - 246/ ح 1 - 9.

عبد الرحمن بن أبي نجران، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ في القائم سُنّة من يوسف).

قلت: كأنَّك تذكر خبره أو غيبته.

قال لي: (وما تنكر من(1) هذه الأمّة أشباه الخنازير؟ إنَّ إخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء تاجروا بيوسف وباعوه وخاطبوه(2) وهم إخوته وهو أخوهم فلم يعرفوه، حتَّي قال لهم يوسف: (أَنَا يُوسُفُ)، فما تنكر هذه الأمّة الملعونة أن يكون الله عز وجل في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجّته؟ لقد كان يوسف أحبُّ إليه من ملك مصر، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد الله عز وجل أن يعرف مكانه لقدر علي ذلك، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة(3) تسعة أيّام من بدوهم إلي مصر، فما تنكر هذه الأمّة أن يكون الله أن يفعل بحجّته ما فعل بيوسف وأن يكون يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتَّي يأذن الله عز وجل أن يعرّفهم نفسه كما أذن ليوسف حين قال: (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) قالوا: (إِنَّكَ لأََنْتَ يُوسُفُ)، قال: (أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي)(4))(5).

وقد أخرجت الأخبار التي رويتها في هذا المعني في كتاب (الغيبة)(6).

------------------

(1) في الإمامة والتبصرة: (وما تنكر من ذلك).

(2) في الإمامة والتبصرة: (... تاجروا يوسف وبايعوه، وهم إخوته...).

(3) في الإمامة والتبصرة: (... البشارة مسيرة تسعة...).

(4) يوسف: 89 و90.

(5) أنظر: الإمامة والتبصرة: 121/ باب 3/ ح 117؛ الكافي 1: 336/ باب الغيبة/ ح 4.

(6) المعروف ب- (كمال الدين وتمام النعمة)، أنظر: 141/ باب 5 (في غيبة يوسف عليه السلام ).

ص: 303

* أبي رحمه الله، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن الحسن بن عيسي بن محمّد بن علي بن جعفر، عن جدّه محمّد بن علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام، قال: (إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم أحد عنها، يا ابني إنَّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتَّي يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنَّما هي محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحُّ من هذا لاتَّبعوه).

فقلت: يا سيّدي من الخامس من ولد السابع؟

قال: (يا ابني عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركوه)(1).

* أبي رحمه الله، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن أحمد العلوي، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن العسكري عليه السلام يقول: (الخلف من بعدي الحسن ابني، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف).

قلت: ولِمَ جعلني الله فداك؟

فقال: (لأنَّكم لا ترون شخصه، ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه).

قلت: فكيف نذكره؟

فقال: (قولوا: الحجّة من آل محمّد صلوات الله وسلامه عليه)(2).

* حدَّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال: حدَّثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن2.

ص: 304


1- أنظر: مسائل علي بن جعفر: 325/ ح 810؛ الكافي 1: 336/ ح 2؛ الإمامة والتبصرة: 113/ باب 30/ ح 100.
2- أنظر: الكافي 1: 328/ ح 13، و332/ ح 1؛ الإمامة والتبصرة: 118/ باب 31/ ح 112.

أبيه، عن أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام أنَّه قال: (كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي يطلبون المرعي فلا يجدونه).

قلت له: ولِمَ ذلك يا ابن رسول الله؟

قال: (لأنَّ إمامهم يغيب عنهم).

فقلت: ولِمَ؟

قال: (لئلاَّ يكون في عنقه لأحد حجّة إذا قام بالسيف).

* حدَّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا جعفر بن مسعود وحيدر بن محمّد السمرقندي جميعاً، قالا: حدَّثنا محمّد بن مسعود، قال: حدَّثنا جبرئيل بن أحمد، عن موسي بن جعفر البغدادي، قال: حدَّثني الحسن بن محمّد الصيرفي، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: (إنَّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها).

فقلت له: ولِمَ ذاك يا ابن رسول الله؟

قال: (إنَّ الله عز وجل أبي إلاَّ أن يجري فيه سُنن الأنبياء عليهم السلام في غيباتهم، وأنَّه لا بدَّ له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله عز وجل: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ)(1) أي سُنناً علي سُنن من كان قبلكم).

* حدَّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطّار رحمه الله، قال: حدَّثنا علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، قال: حدَّثنا حمدان بن سليمان النيسابوري، قال: حدَّثنا أحمد بن عبد الله بن جعفر المدايني، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، يقول: (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدَّ منها، يرتاب فيها كلّ مبطل).9.

ص: 305


1- الانشقاق: 19.

فقلت له: ولِمَ جُعلت فداك؟

قال: (لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم).

قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟

قال: (وجه الحكمة في غيبته، وجه الحكمة في غيبات من تقدَّمه من حجج الله تعالي ذكره، إنَّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاَّ بعد ظهوره، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسي عليه السلام إلاَّ وقت افتراقهما، يا ابن الفضل إنَّ هذا الأمر أمر من أمر الله وسرّ من سرّ الله وغيب من غيب الله ومتي علمنا أنَّه عز وجل حكيم صدقنا بأنَّ أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا).

* حدَّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطّار رحمه الله، قال: حدَّثنا علي بن محمّد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن علي بن رياب، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (إنَّ للقائم غيبة قبل ظهوره).

قلت: ولِمَ؟

قال: (يخاف - وأومي بيده إلي بطنه -).

قال زرارة: يعني القتل.

وقد أخرجت ما رويته من الأخبار في هذا المعني في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) في إثبات الغيبة وكشف الحيرة(1).

* * *).

ص: 306


1- أنظر: كمال الدين: 481/ باب 44 (علّة الغيبة).

باب (164): العلّة التي من أجلها وضع الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يضعه في غيره...

باب (164): العلّة التي من أجلها وضع الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يضعه في غيره... (1):

* أبي رحمه الله، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، عن محمّد بن أحمد، قال: حدَّثنا موسي، عن عمر، عن ابن سنان، عن أبي سعيد القمّاط، عن بكير بن أعين، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام : لأيّ علّة وضع الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره؟ ولأيّ علّة يُقبَّل؟ ولأيّ علّة اُخرج من الجنّة؟ ولأيّ علّة وضع فيه ميثاق العباد والعهد ولم يوضع في غيره؟ وكيف السبب في ذلك؟ تخبرني جُعلت فداك، فإنَّ تفكّري فيه لعجب.

قال: فقال: (سألت وأعضلت في المسألة واستقصيت، فافهم وفرَّغ قلبك وأصغ سمعك أخبرك إن شاء الله، إنَّ الله تبارك وتعالي وضع الحجر الأسود وهو جوهرة أخرجت من الجنّة إلي آدم فوضعت في ذلك الركن لعلّة الميثاق، وذلك أنَّه لمَّا أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان، وفي ذلك المكان تراءي لهم ربّهم، ومن ذلك الركن يهبط الطير علي القائم، فأوّل من يبايعه ذلك الطير وهو والله جبرئيل عليه السلام، وإلي ذلك المقام يسند ظهره، وهو الحجّة والدليل علي القائم، وهو الشاهد لمن وافي ذلك المكان، والشاهد لمن أدّي إليه الميثاق، والعهد الذي أخذ الله (به) علي العباد...

* * *

ص: 307


1- علل الشرائع 2: 429/ ح 1.

ص: 308

الاعتقادات

للشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المتوفّي 381 ه-

تحقيق: عصام عبد السيد

ص: 309

ص: 310

باب الاعتقاد في عدد الأنبياء والأوصياء عليهم السلام

باب الاعتقاد في عدد الأنبياء والأوصياء عليهم السلام (1):

قال الشيخ رحمه الله: اعتقادنا في عددهم أنَّهم مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرون ألف نبيّ، ومائة ألف وصيّ وأربعة وعشرون ألف وصيّ، لكلّ نبيّ منهم وصيّ أوصي إليه بأمر الله تعالي.

ونعتقد فيهم أنَّهم جاءوا بالحقّ من عند الحقّ، وأنَّ(2) قولهم قول الله تعالي، وأمرهم أمر الله تعالي، وطاعتهم طاعة الله تعالي، ومعصيتهم معصية الله تعالي. وأنَّهم عليهم السلام لم ينطقوا إلاَّ عن الله تعالي وعن وحيه. وأنَّ سادة الأنبياء خمسة الذين عليهم دارت الرحي(3) وهم أصحاب الشرايع، وهم أولو العزم: نوح، إبراهيم، وموسي، وعيسي، ومحمّد صلوات الله عليهم أجمعين.

وأنَّ محمّداً سيّدهم وأفضلهم، وأنَّه(4) جاء بالحقّ وصدَّق المرسلين. وأنَّ الذين كذَّبوا لذائقوا العذاب الأليم(5)، وأنَّ الذين (آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(6) الفائزون.

ويجب أن نعتقد أنَّ الله تعالي لم يخلق خلقاً أفضل من محمّد

ص: 311


1- الاعتقادات: 92 - 95/ باب 35.
2- في (م)، (ق): (فأنَّ).
3- في (م): (دار الوحي). وراجع الكافي 1: 133/ باب طبقات الأنبياء والرسل/ ح 3.
4- أثبتناها من (م)، (ج).
5- إشارة إلي الآيتين 37 و38 من سورة الصافات.
6- الأعراف: 157.

والأئمّة، وأنَّهم أحبُّ الخلق إلي الله، وأكرمهم عليه(1)، وأوّلهم إقراراً به لمَّا أخذ الله ميثاق النبيّين (وَأَشْهَدَهُمْ عَلي أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلي)(2).

وأنَّ الله تعالي بعث نبيّه محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم إلي الأنبياء في الذرّ. وأنَّ الله تعالي أعطي ما أعطي كلّ نبيّ علي قدر معرفته نبيّنا، وسبقه إلي الإقرار به.

وأنَّ(3) الله تعالي خلق جميع ما خلق له ولأهل بيته عليهم السلام(4) وأنَّه لولاهم لما خلق الله السماء والأرض، ولا الجنّة ولا النار، ولا آدم ولا حواء، ولا الملائكة ولا شيئاً ممَّا خلق(5)، صلوات الله عليهم أجمعين.

واعتقادنا أنَّ حجج الله تعالي علي خلقه بعد نبيّه محمّد صلي الله عليه وآله وسلم الأئمّة الاثنا عشر: أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسي بن جعفر، ثمّ علي بن موسي، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ محمّد بن الحسن الحجّة القائم صاحب الزمان خليفة الله في أرضه، صلوات الله عليهم أجمعين(6).

واعتقادنا فيهم: أنَّهم أولوا الأمر الذين أمر الله تعالي بطاعتهم. وأنَّهم الشهداء علي الناس. وأنَّهم أبواب الله، والسبيل إليه، والأدلاء عليه.).

ص: 312


1- ليست في (م)، (ج).
2- الأعراف: 172.
3- في (م): (فأنَّ)، وفي (ر): (ونعتقد أنَّ).
4- في (س): (نبيّه).
5- العبارة في (م): (ولا الملائكة ولا الأشياء).
6- اختصرت الفقرة في (م) كما يلي: (ثمّ الحسين، إلي صاحب الزمان عليه السلام )، وزيد فيها: (وهم خلفاء الله في أرضه). وفي (ر): (ثمّ محمّد بن الحسن الخلف الحجّة القائم بأمر الله صاحب الزمان الحاضر في الأمصار، الغائب عن الأبصار، خليفة الله...).

وأنَّهم عيبة علمه، وتراجمة وحيه(1) وأركان توحيده. وأنَّهم معصومون من الخطأ والزلل. وأنَّهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً. وأنَّ لهم المعجزات والدلائل.

وأنَّهم أمان لأهل الأرض، كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء. وأنَّ مثلهم في هذه الأمّة كسفينة نوح أو كباب حِطّة. وأنَّهم عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. ونعتقد فيهم أنَّ حبّهم إيمان، وبغضهم كفر.

وأنَّ أمرهم أمر الله تعالي، ونهيهم نهي الله تعالي، وطاعتهم طاعة الله تعالي، ووليّهم وليّ الله تعالي، وعدوّهم عدوّ الله تعالي، ومعصيتهم معصية الله تعالي. ونعتقد أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة لله علي خلقه، إمَّا ظاهر مشهور أو خائف مغمور.

(اعتقادنا في حجّة الله وخليفته في زماننا هذا):

ونعتقد أنَّ حجّة الله في أرضه، وخليفته علي عباده في زماننا هذا، هو القائم المنتظر محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

وأنَّه هو الذي أخبر به النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم عن الله عز وجل باسمه ونسبه.

وأنَّه هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً.

وأنَّه هو الذي يظهر الله به دينه، ليظهره علي الدين كلّه ولو كره المشركون.

وأنَّه هو الذي يفتح الله علي يديه مشارق الأرض ومغاربها، حتَّي

ص: 313


1- (وتراجمة وحيّه)، ليست في (ق)، (س).

لا يبقي في الأرض مكان إلاَّ نودي فيه بالأذان، ويكون الدين كلّه لله تعالي.

وأنَّه هو المهدي الذي أخبر به النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه(1) إذا خرج نزل عيسي بن مريم عليه السلام فصلّي خلفه، ويكون المصلّي(2) إذا صلّي خلفه كمن كان(3) مصلّياً خلف رسول الله، لأنَّه خليفته.

ونعتقد أنَّه لا يجوز أن يكون القائم غيره، بقي في غيبته ما بقي، ولو بقي في(4) غيبته عمر الدنيا لم يكن القائم غيره، لأنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام دلّوا عليه باسمه ونسبه، وبه نصّوا، وبه بشَّروا عليه السلام (5).

وقد أخرجت هذا الفصل من(6) كتاب الهداية(7).

* * *4.

ص: 314


1- في (م): وأنَّه.
2- ليست في (ق)، (س).
3- كمن كان، ليست في (م).
4- أثبتناها من (ر).
5- في (م) الفقرة كما يلي: وباسمه ونسبه نصّوا به وبشَّروا.
6- في (ر)، (س): في.
7- أنظر: الهداية للصدوق: 30 - 44.

كتاب الأمالي

تأليف: الشيخ المفيد الإمام أبي عبد الله محمد بن محمد بن النّعمان العُكبَري، البغدادي (336 - 413ه-)

تحقيق: حسين أستاد ولي/علي أكبر الغفاري

ص: 315

ص: 316

(أبدال الشام ونجباء أهل الكوفة):

* قال (الشيخ المفيد): أخبرني أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي، قال: حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدَّثنا عمر بن عيسي بن عثمان، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا خالد بن عامر بن عبّاس، عن محمّد بن سويد الأشعري، قال: دخلت أنا و فطر بن خليفة(1) علي جعفر بن محمّد عليه السلام، فقرَّب إلينا تمراً، فأكلنا وجعل يناول فطراً منه، ثمّ قال له: (كيف الحديث الذي حدَّثتني عن أبي الطفيل رحمه الله(2) في الأبدال؟).

فقال فطر: سمعت أبا الطفيل يقول: سمعت علياً أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (الأبدال من أهل الشام، والنجباء(3) من أهل الكوفة، يجمعهم الله لشرّ يوم لعدوّنا)(4)(5).

ص: 317


1- فطر بن خليفة المخزومي من رجال العامّة، ذكروه في معاجمهم واختلفوا فيه، وثَّقه ابن معين، وقال العلجي: ثقة حسن الحديث، وكان فيه تشيّع قليل. وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، ومن الناس من يستضعفه، وكان لا يدع أحداً يكتب عنه. وقال الساجي: صدوق ثقة ليس بمتقن، كان أحمد بن حنبل يقول: هو خشبي مفرط، وكان يقدّم علياً علي عثمان...
2- هو عامر بن واثلة الكناني وقد تقدَّم.
3- قال في النهاية: في حديث علي رضي الله عنه: (الأبدال بالشام) هم الأولياء والعبّاد. سُمّوا بذلك لأنَّهم كلَّما مات واحد منهم أبدل بآخر. والنجيب (جمعه النجباء): الفاضل من كلّ حيوان، وقد نجب ينجب نجابة: إذا كان نفيساً في نوعه.
4- أي يوم ظهور القائم عليه السلام .
5- أمالي المفيد: 30/ المجلس الرابع/ ح 4.

(مجيء الإمام المهدي عليه السلام إلي النجف):

* قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه رحمه الله، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن مسكان، عن بشير الكناسي، عن أبي خالد الكابلي، قال: قال لي علي بن الحسين عليه السلام: (يا أبا خالد، لتأتينَّ فتن كقطع الليل المظلم، لا ينجو إلاَّ من أخذ الله ميثاقه، أولئك مصابيح الهدي وينابيع العلم، ينجيهم الله من كلّ فتنة مظلمة، كأنّي بصاحبكم(1) قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان(2) في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله(3)، وإسرافيل أمامه(4)، معه راية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد نشرها، لا يهوي بها(5) إلي قوم إلاَّ أهلكهم الله عز وجل)(6).

* * *

ص: 318


1- يعني: الحجّة المهدي الموعود صاحب الزمان عليه السلام .
2- كوفان: موضعان، أحدهما اسم للكوفة، والآخر قرية ب- (هراة)، والمراد هنا الأوّل.
3- في بعض النسخ: (يساره).
4- فيه إشارة إلي حفظ الله وحراسته له بملائكته المقرَّبين الحافّين به وهم يؤيّدونه وينصرونه ويدفعون عنه الأعداء ويكشفون عن وجهه الكروب حتَّي يقضي الله أمره، فيحصد به فروع الغي والشقاق ويكون الدين كلّه لله. وفيه إشارة أيضاً إلي أنَّ كلّ من يرفع الراية ويدّعي الإصلاح في البسيطة ولم يكن كذلك فليس من الأمر في شيء.
5- الباء للتعدية، أي لا يسقطها أو لا يميلها، وأهوي بيده إليه، أي: مدَّها نحوه.
6- أمالي المفيد: 45/ المجلس السادس/ ح 5.

الاختصاص

اشارة

تأليف: الشيخ المفيد الإمام أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري، البغدادي (336- 413ه-)

صحّحه وعلّق عليه: علي أكبر الغفّاري

ص: 319

ص: 320

في إثبات إمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام

في إثبات إمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام (1):

* أبو جعفر محمّد بن أحمد العلوي، قال: حدَّثني أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن جدّه إبراهيم بن هاشم، عن حماد بن عيسي، عن أبيه، عن الصادق عليه السلام، قال: قال سلمان الفارسي رحمه الله: رأيت الحسين بن علي عليه السلام في حجر النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وهو يقبّل عينيه ويلثم شفتيه(2) ويقول: (أنت سيّد بن سيّد أبو سادة، أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمّة التسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم)(3).

* قال: حدَّثنا أبو الحسن محمّد بن معقل القرميسيني، قال: حدَّثنا محمّد بن عبد الله البصري، قال: حدَّثنا إبراهيم بن مهزم، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (اثنا عشر من أهل بيتي من أعطاهم الله فهمي وعلمي، خلقوا من طينتي، فويل للمنكرين حقّهم بعدي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي)(4).

* وحدَّثنا أبو الحسن محمّد بن معقل، قال: حدَّثنا محمّد بن عاصم، قال: حدَّثني علي بن الحسين، عن محمّد بن مرزوق، عن عامر السراج، عن سفيان الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب،

ص: 321


1- الاختصاص: 207.
2- أي يقبّل شفتيه.
3- أخرجه الإربلي في كشف الغمّة، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 9: 158 من الاختصاص.
4- رواه الصدوق بهذا السند في كمال الدين: 164/ باب 24؛ وفي العيون: 38/ باب 6؛ ونقله المجلسي في بحار الأنوار 9: 131.

قال: سمعت حذيفة يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا كان عند خروج القائم ينادي منادٍ من السماء: أيّها الناس قطع عنكم مدّة الجبّارين وولي الأمر خير أمّة محمّد فالحقوا بمكّة، فيخرج النجباء من مصر، والأبدال من الشام، وعصائب العراق، رهبان بالليل ليوث بالنهار، كأنَّ قلوبهم زبر الحديد، فيبايعونه بين الركن والمقام).

قال عمران بن الحصين: يا رسول الله، صف لنا هذا الرجل.

قال: (هو رجل من ولد الحسين، كأنَّه من رجال شنوءة(1)، عليه عباءتان قطوانيتان، اسمه اسمي، فعند ذلك تفرخ الطيور في أوكارها، والحيتان في بحارها، وتمدُّ الأنهار، وتفيض العيون، وتنبت الأرض ضعف أكلها، ثمّ يسير مقدمته جبرئيل وساقيه إسرافيل فيملأ عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً)(2).

* قال: حدَّثنا محمّد بن قولويه، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن المنذر بن محمّد، عن النصر بن السندي(3)، عن أبي داود سليمان بن سفيان المسترق، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك).

ص: 322


1- قال الجوهري: الشنوءة علي فعولة: التقزُّز، وهو التباعد من الأدناس. تقول: رجل فيه شنوءة، ومنه أزد شنوءة. وهم حيّ من اليمن ينسب إليهم شنئي. وقال: قال ابن السكيت: ربَّما قالوا: أزد شنوة بالتشديد غير مهموز. وينسب إليها شنوي، وقال: نحن قريش وهم شنوة بنا قريشاً ختم النبوّة
2- نقله المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار 13: 179 من الاختصاص.
3- في بعض النسخ: (النضر بن السدي).

الجهني، عن الحارث بن المغيرة، عن الأصبغ بن نباتة، قال سعد بن عبد الله: وحدَّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي، قال: حدَّثنا الحسن بن علي بن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة، عن الأصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته متفكّراً ينكت في الأرض(1)، فقلت: يا أمير المؤمنين ما لي أراك متفكّراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها؟

قال: (لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكنّي فكَّرت في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من ولدي(2) هو المهدي الذي يملأها(3) عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يكون له حيرة وغيبة، يضِلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون)(4).

فقلت: إنَّ هذا لكائن؟

قال: (نعم، كما أنَّه مخلوق، فأنّي لك بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمّة مع خيار أبرار هذه العترة).

قلت: وما يكون بعد ذلك؟

قال: (الله يفعل ما يشاء، فإنَّ لله إرادات وبداءات وغايات ونهايات)(5)(6).9.

ص: 323


1- النكت أن يضرب في الأرض بقضيب ونحوه فيؤثّر فيها.
2- قوله: (من ولدي) ليس بياناً للحادي عشر، فإنَّ المهدي عليه السلام هو ابن التاسع من ولده عليه السلام ، بل (من) تبعيضية أي أنَّ الإمام الحادي عشر هو من ولدي (كذا في هامش كتاب الغيبة للطوسي رحمه الله) وفي بعض نسخ الحديث: (يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي).
3- الضمير راجع إلي الأرض.
4- زاد في الكافي هنا: (فقلت: يا أمير المؤمنين، وكم تكون الحيرة والغيبة؟ قال: (ستّة أيّام أو ستّة أشهر أو ستّ سنين)).
5- رواه الكليني في الكافي 1: 337. وقوله عليه السلام : (له إرادات) أي له تعالي في إظهار أمره واخفائه إرادات، وله تعالي أيضاً في ذلك أمور بدائية في امتداد غيبته وزمان ظهوره، ونهايات مختلفة في ظهوره وغيبته عليه السلام .
6- ما سبق من الأحاديث في الاختصاص: 207 - 209.

* حدَّثنا محمّد بن معقل، قال: حدَّثنا أبي، عن عبد الله بن جعفر الحميري عند قبر الحسين عليه السلام في الحائر سنة ثمان وتسعين ومائتين، قال: حدَّثنا الحسن بن ظريف بن ناصح، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (قال أبي جعفر لجابر بن عبد الله الأنصاري: إنَّ لي إليك حاجة، فمتي يخفّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟

قال له جابر: في أيّ وقت شئت يا سيّدي.

فخلا به أبي في بعض الأيّام، فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يدي اُمّي فاطمة عليها السلام، وما أخبرتك اُمّي أنَّه مكتوب في اللوح.

فقال جابر: أشهد بالله أنّي دخلت علي فاطمة اُمّك عليها السلام في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فهنَّيتها بولادة الحسين عليه السلام، فرأيت في يدها لوحاً أخضر، فظننت أنَّه من زمرّد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه نور الشمس، فقلت لها: بأبي أنت واُمّي ما هذا اللوح؟

قالت: هذا لوح أهداه الله تبارك وتعالي إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيه اسم أبي واسمي واسم بعلي واسم ابنيَّ وأسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي ليسرّني به، قال جابر: فأعطتنيه اُمّك فقرأته واستنسخته.

فقال أبي عليه السلام : فهل لك يا جابر أن تعرضه عليَّ؟

قال: نعم.

فمشي معه أبي حتَّي أتي منزل جابر، فأخرج أبي من كمّه صحيفة من رقّ(1) فقال: يا جابر أنظر في كتابك لأقرأ أنا عليك، فنظر في نسختهه.

ص: 324


1- الرقّ - بالفتح والكسر -: الرقيق الذي يكتب فيه.

فقرأه عليه فما خالف حرف حرفاً، فقال جابر: أشهد بالله أنّي كذا رأيته في اللوح مكتوباً:

(بسم الله الرحمن الرحيم) هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمّد نبيّه وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين، عظّم يا محمّد أسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، إنّي أنا الله لا إله إلاَّ أنا، قاصم الجبّارين ومديل المظلومين(1) وديّان يوم الدين، إنّي أنا الله لا إله إلاَّ أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذَّبته عذاباً لا اُعذّب به أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبد وعليَّ فتوكَّل، إنّي لم أبعث نبيّاً قطّ فأكملت أيّامه وانقضت مدّته إلاَّ وجعلت له وصيّاً، وقد فضَّلتك علي الأنبياء وفضَّلت وصيّك علي الأوصياء وأكرمتك بشبليك بعده وسبطيك(2) الحسن والحسين، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء عندي درجة، جعلت كلمتي التامّة معه وحجّتي البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب، أوّلهم علي سيّد العابدين وزين أوليائي الماضين، وابنه شبه جدّه المحمود محمّد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر، الرادّ عليه كالرادّ عليَّ، حقّ القول منّي لأكرمنَّ مثوي جعفر ولأسرنَّه في أشياعه وأنصارهة.

ص: 325


1- في بعض نسخ الحديث: (مذلّ الظالمين). والإدالة: اعطاء الدولة والغلبة، والمراد بالمظلومين أئمّة المؤمنين وشيعتهم الذين ينصرهم الله في آخر الزمان.
2- بشبليك: أي بولديك، في القاموس الشبل - بالكسر -: ولد الأسد إذا أدرك الصيد، انتهي. وشبههما بولد الأسد في الشجاعة.

وأوليائه، انتجبت بعده موسي واتيحت(1) فتنة عمياء صمّاء حندس، لأنَّ خيط فرضي لا ينقطع وحجّتي لا تخفي، وأنَّ أوليائي يسقون بالكأس الأوفي.

ألا ومن جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غير آية من كتابي فقد افتري عليَّ، وويل للمكذّبين الجاحدين بعد انقضاء مدّة موسي عبدي وحبيبي وخيرتي، فإنَّ المكذّب لأحدهم المكذّب(2) لكلّ أوليائي، وعلي وليّي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوّة وأمتحنه بالاضطلاع بها(3) يقتله عفريت مستكبر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح(4) إلي جنب شرّ خلقي، لأقرنَّ عينه بمحمّد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه، فهو معدن علمي وموضع سرّي و حجّتي علي خلقي، جعلت الجنّة مثواه، وشفعته في سبعين ألفاً من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النار، وختمت بالسعادة لابنه علي وليّي وناصري والشاهد فيي.

ص: 326


1- اتيحت - بالمثناة الفوقية ثمّ التحتية ثمّ الحاء المهملة -: من الاتاحة بمعني تهيّة الأسباب وفي بعض نسخ الحديث: (أبيحت) وفي بعضها: (انبحت)، والحندس - بالكسر -: المظلم وإنَّما كانت الفتنة به عليه السلام عمياء حندس لخفاء أمره أكثر من اخفاء أمر آبائه عليهم السلام لشدّة الخوف الذي كان من جهة طاغي زمانه.
2- كذا في المصدر، وفي الإمامة والتبصرة وعيون أخبار الرضا عليه السلام والغيبة للطوسي: المكذّب بالثامن مكذّب بكلّ أوليائي، وفي الغيبة للنعماني: المكذّب به كالمكذّب بكلّ أوليائي.
3- أعباء جمع عبء - بالكسر -: وهي الأثقال، وقال العلاّمة المجلسي رحمه الله: المراد بها هنا العلوم التي أوحي بها الأنبياء، أو الصفات المشتركة بين الأنبياء والأوصياء عليهم السلام من العصمة والعلم والشجاعة والسخاوة وأمثالها وفي القاموس الضلاعة القوّة وشدّة الأضلاع، وهو مضلع لهذا الأمر ومضطلع أي قوي عليه.
4- المراد به ذو القرنين لأنَّ طوس من بنائه وقد صرَّح به في رواية النعماني.

خلقي وأميني علي وحيي، أخرج منه الداعي إلي سبيلي، والخازن لعلمي الحسن، ثمّ أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال موسي، وبهاء عيسي وصبر أيّوب، سيُذلّ أوليائي في زمانه وتتهادي رؤوسهم كما تتهادي رؤوس الترك والديلم، فيُقتلون ويُحرقون، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشوا الويل والرنة في نسائهم، هؤلاء أوليائي حقّاً، بهم أدفع كلّ بلية وفتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل وأدفع الأصار والأغلال(1) أولئك عليهم صلوات من ربّهم و رحمة وأولئك هم المهتدون).

قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلاَّ هذا الحديث لكفاك، فصنه إلاَّ عن أهله(2)(3).

* عمرو بن أبي المقدام، عن جابر الجعفي، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام : (يا جابر ألزم الأرض ولا تحرّك يداً ولا رجلاً حتَّي تري علامات أذكرها لك إن أدركتها:

أوّلها اختلاف ولد فلان(4) وما أراك تدرك ذلك ولكن حدَّث به بعدي، ومنادٍ ينادي من السماء، ويجيئكم الصوت من ناحية دمشقة.

ص: 327


1- المراد بالزلازل: رجفات الأرض، أو الشبهات المزلزلة المضلّة. والأصار: الأثقال، أي الشدائد والبلايا العظيمة والفتن الشديدة اللازمة في أعناق الخلق كالأغلال.
2- رواه الكليني في الكافي 1: 527؛ والصدوق في كمال الدين: 178؛ وفي العيون: 25؛ والنعماني في الغيبة: 29؛ وأمين الدين الطبرسي في إعلام الوري: 225؛ وأبو منصور الطبرسي في الاحتجاج: 41/ (ط النجف)، و36/ (ط طهران)؛ ونقله المجلسي في بحار الأنوار 9: 121.
3- الاختصاص: 209 - 212.
4- يعني بني العبّاس كما صرَّح به في رواية النعماني في الغيبة.

بالفتح، ويخسف بقرية من قري الشام تسمّي الجابية(1) وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن، ومارقة تمرق من ناحية الترك، ويعقبها مرج الروم(2)، ويستقبل إخوان الترك حتَّي ينزلوا الجزيرة، ويستقبل مارقة الروم حتَّي تنزل الرملة.

فتلك السنة يا جابر فيها اختلاف كثير في كلّ أرض من ناحية المغرب، فأوّل أرض تخرب الشام، يختلفون عند ذلك علي ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني، فيلقي السفياني الأبقع فيقتتلون فيقتله ومن معه ويقتل الأصهب، ثمّ لا يكون همّه إلاَّ الإقبال نحو العراق، ويمرُّ جيشه بقرقيسا(3) فيقتلون بها مائة ألف رجل من الجبّارين، ويبعث السفياني جيشاً إلي الكوفة وعدّتهم سبعون ألف رجل فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبيناهم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوي المنازل طيّاً حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم عليه السلام، وخرج(4) رجل من موالي أهل الكوفة فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة، ويبعث السفياني بعثاً إلي المدينة فينفر المهدي منها إلي مكّة، فبلغ أمير جيش السفياني أنَّ المهدي قد).

ص: 328


1- الجابية - بكسر الباء وياء خفيفة -: قرية من أعمال دمشق، ثمّ من عمل الجيدور من ناحية الجولان قرب مرج الصفر في شمالي حوران إذا وقف الإنسان في الصنمين واستقبل الشمال ظهرت له، ويظهر من نوي أيضاً وبالقرب منها تلّ يسمّونه تلّ الجابية، كثير الحيّات. ويقال لها: جابية الجولان. (مراصد الاطلاع).
2- في الغيبة: (هرج الروم).
3- في المراصد: (قرقيسياء) بزيادة ياء أخري: بلد علي الخابور عند مصبّه، وهي علي الفرات جانب منها علي الخابور وجانب علي الفرات، وفوق رحبة مالك بن طوق.
4- في الغيبة للنعماني: (ثمّ يخرج).

خرج من المدينة، فيبعث جيشاً علي أثره فلا يدركه حتَّي يدخل مكّة خائفاً يترقَّب علي سُنّة موسي بن عمران عليه السلام، وينزل أمير جيش السفياني البيداء، فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء أبيدي القوم، فيخسف بهم البيداء فلا يفلت منهم إلاَّ ثلاثة، يحوّل الله وجوههم في أقفيتهم، وهم من كلب، وفيهم نزلت هذه الآية: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلي أَدْبارِها...)(1) الآية)، قال: (والقائم يومئذٍ بمكّة، قد أسند ظهره إلي البيت الحرام مستجيراً به ينادي: يا أيّها الناس إنّا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس، فإنّا أهل بيت نبيّكم، ونحن أولي الناس بالله وبمحمّد صلي الله عليه وآله وسلم، فمن حاجّني في آدم فأنا أولي الناس بآدم، ومن حاجّني في نوح فأنا أولي الناس بنوح، ومن حاجّني في إبراهيم فأنا أولي الناس بإبراهيم عليه السلام، ومن حاجّني في محمّد صلي الله عليه وآله وسلم فأنا أولي الناس بمحمّد صلي الله عليه وآله وسلم، ومن حاجّني في النبيّين فأنا أولي الناس بالنبيّين.

أليس الله يقول في محكم كتابه: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفي آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَي الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(2)؟

فأنا بقيّة من آدم، و(ذ)خيرة من نوح، ومصطفي من إبراهيم، وصفوة من محمّد صلي الله عليه وآله وسلم.

ألا ومن حاجّني في كتاب الله فأنا أولي بكتاب الله، ألا ومن حاجّني في سُنّة رسول الله وسيرته فأنا أولي الناس بسُنّة رسول الله4.

ص: 329


1- النساء: 47.
2- آل عمران: 33 و34.

وسيرته، فأنشد الله من سمع كلامي اليوم لما أبلغه الشاهد منكم الغائب، وأسألكم بحقّ الله وحقّ رسوله وحقّي فإنَّ لي عليكم حقّ القربي برسول الله لما أعنتمونا ومنعتمونا ممَّن يظلمنا، فقد اُخفنا وظُلمنا وطُردنا من ديارنا وأبناءنا وبُغي علينا ودُفعنا عن حقّنا وآثر علينا أهل الباطل.

فالله الله فينا لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله، فيجمع الله له أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً فيجمعهم الله له علي غير ميعاد قزع كقزع الخريف، وهي يا جابر الآية التي ذكرها الله: (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ)(1)، فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد توارثه الأبناء عن الآباء.

والقائم يا جابر رجل من ولد الحسين بن علي عليه السلام يصلح الله له أمره في ليلة، فما أشكل علي الناس من ذلك يا جابر ولا(2) يشكلنَّ عليهم ولادته من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ووراثته العلماء عالماً بعد عالم، فإن أشكل عليهم هذا كلّه فإنَّ الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه واسم أبيه واسم اُمّه)(3)(4).

* عمرو بن ثابت، عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (والله ليملكنَّ رجل منّا أهل البيت بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً).

قال: فقلت: فمتي يكون ذلك؟7.

ص: 330


1- البقرة: 148.
2- في الغيبة للنعماني: (فلا).
3- رواه النعماني رحمه الله في الغيبة: 150؛ ونقله المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار 13: 164 منه ومن الاختصاص وتفسير العياشي.
4- الاختصاص: 255 - 257.

قال: فقال: (بعد موت القائم).

قلت له: وكم يقوم القائم في عالمه حتَّي يموت؟

قال: فقال: (تسعة عشر سنة من يوم قيامه إلي يوم موته).

قال: قلت له: فيكون بعد موته الهرج؟

قال: (نعم خمسين سنة، ثمّ يخرج المنتصر إلي الدنيا فيطلب بدمه ودماء أصحابه، فيقتل ويسبي حتَّي يقال: لو كان هذا من ذرية الأنبياء ما قتل الناس كلّ هذا القتل، فيجتمع عليه الناس أبيضهم وأسودهم فيكثرون عليه حتَّي يلجئوه إلي حرم الله، فإذا اشتدَّ البلاء عليه وقتل المنتصر خرج السفّاح إلي الدنيا غضباً للمنتصر فيقتل كلّ عدوّ لنا، وهل تدري من المنتصر ومن السفّاح يا جابر؟ المنتصر الحسين بن علي، والسفّاح علي بن أبي طالب عليه السلام)(1)(2).

* * *8.

ص: 331


1- نقله المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار 13: 225.
2- الاختصاص: 257 و258.

ص: 332

الإرشاد في معرفة حُجج الله علي العباد

تأليف: الشيخ المفيد الإمام أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري، البغدادي (336 - 413ه-)

تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث

ص: 333

ص: 334

باب ذكر الإمام القائم بعد أبي محمّد عليه السلام وتاريخ مولده، ودلائل إمامته، وذكر طرف من أخباره وغيبته، وسيرته عند قيامه ومدّة دولته

باب ذكر الإمام القائم بعد أبي محمّد عليه السلام وتاريخ مولده، ودلائل إمامته، وذكر طرف من أخباره وغيبته، وسيرته عند قيامه ومدّة دولته (1):

وكان الإمام بعد أبي محمّد عليه السلام ابنه المسمّي باسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، المكنّي بكنيته، ولم يخلف أبوه ولداً غيره ظاهراً ولا باطناً، وخلَّفه غائباً مستترا (2) علي ما قدَّمنا ذكره.

وكان مولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين.

واُمّه اُمّ ولد يقال لها: نرجس.

وكان سنّه عند وفاة أبي محمّد(3) خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب، وجعله آية للعالمين، وآتاه الحكمة كما آتاها يحيي صبياً، وجعله إماماً في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسي بن مريم عليه السلام في المهد نبيّاً.

وقد سبق النصّ عليه في ملّة الإسلام من نبيّ الهدي صلي الله عليه وآله وسلم ثمّ من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ونصَّ عليه الأئمّة عليهم السلام واحداً بعد واحد إلي أبيه الحسن عليه السلام، ونصَّ أبوه عليه عند ثقاته وخاصّة شيعته. وكان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده، وبدولته مستفيضاً قبل غيبته، وهو صاحب السيف من أئمّة الهدي

ص: 335


1- الإرشاد 2: 339.
2- في (م) وهامش (ش): (مستوراً).
3- في (م) وهامش (ش): (أبيه).

عليهم السلام، والقائم بالحقّ، المنتظر لدولة الإيمان، وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الأخري، كما جاءت بذلك الأخبار، فأمَّا القصري منهما فمنذ وقت مولده إلي انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة.

وأمَّا الطولي فهي بعد الأولي، وفي آخرها يقوم بالسيف.

قال الله تعالي: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(1)، وقال جلَّ ذكره: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(2).

وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لن تنقضي الأيام والليالي حتَّي يبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(3).

وقال صلي الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّي يبعث الله فيه رجلاً من ولدي، يواطئ اسمه اسمي، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(4).

* * *0.

ص: 336


1- القصص: 5 و6.
2- الأنبياء: 105.
3- وردت قطعة منه في مسند أحمد 1: 376؛ وتاريخ بغداد 4: 388؛ ونقله ابن الصبّاغ في الفصول المهمّة: 291.
4- سنن أبي داود 4: 106/ ح 4282؛ سنن الترمذي 4: 505/ ح 2231؛ الغيبة للطوسي: 180/ ح 140.

باب ذكر طرف من الدلائل علي إمامة القائم بالحقّ محمّد بن الحسن عليه السلام

باب ذكر طرف من الدلائل علي إمامة القائم بالحقّ محمّد بن الحسن عليه السلام (1)(2):

فمن الدلائل علي ذلك ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح، من وجود إمام معصوم كامل غني عن رعاياه في الأحكام والعلوم في كلّ زمان، لاستحالة خلو المكلَّفين من سلطان يكونون بوجوده أقرب إلي الصلاح وأبعد من الفساد، وحاجة الكلّ من ذوي النقصان إلي مؤدّب للجناة، مقوم للعصاة، رادع للغواة، معلّم للجهّال، منبّه للغافلين، محذّر من الضلال، مقيم للحدود، منفّذ للأحكام، فاصل بين أهل الاختلاف، ناصب للأمراء، سادّ للثغور، حافظ للأموال، حام عن بيضة الإسلام، جامع للناس في الجمعات والأعياد.

وقيام الأدلّة علي أنَّه معصوم من الزلاّت لغناه عن الإمام بالاتّفاق، واقتضاء ذلك له العصمة بلا ارتياب، ووجوب النصّ علي من هذه سبيله من الأنام، أو ظهور المعجز عليه، لتميّزه ممَّن سواه، وعدم هذه الصفات من كلّ أحد سوي من أثبت إمامته أصحاب الحسن بن علي عليه السلام وهو ابنه المهدي، علي ما بيَّناه. وهذا أصل لن يحتاج معه في الإمامة إلي رواية النصوص وتعداد ما جاء فيها من الأخبار، لقيامه بنفسه في قضيّة العقول وصحَّته بثابت الاستدلال.

ثمّ قد جاءت روايات في النصّ علي ابن الحسن عليه السلام من طرق ينقطع(3) بها الأعذار، وأنا بمشيّة الله مورد طرفاً منها علي السبيل التي سلفت من الاختصار.

* * *

ص: 337


1- في (م) وهامش (ش): (ابن الحسن).
2- الإرشاد 2: 342.
3- كذا في المصدر، وفي كشف الغمّة: (تنقطع).

باب ما جاء من النصّ علي إمامة صاحب الزمان الثاني عشر من الأئمّة عليهم السلام في مجمل ومفصّل علي البيان

باب ما جاء من النصّ علي إمامة صاحب الزمان الثاني عشر من الأئمّة عليهم السلام في مجمل ومفصّل علي البيان (1):

* أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد، عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسي، عن محمّد بن الفضيل(2)، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّ الله عزَّ اسمه أرسل محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم إلي الجنّ والإنس، وجعل من بعده اثني عشر وصيّاً، منهم من سبق ومنهم من بقي، وكلّ وصيّ جرت به سُنّة، فالأوصياء الذين من بعد محمّد (عليه وعليهم السلام) علي سُنّة أوصياء عيسي عليه السلام وكانوا اثني عشر، وكان أمير المؤمنين عليه السلام علي سُنّة المسيح عليه السلام)(3).

* أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، ومحمّد بن أبي عبد لله ومحمّد بن الحسين، عن سهل بن زياد جميعاً، عن الحسن بن عبّاس، عن أبي جعفر الثاني، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأصحابه: (آمنوا بليلة القدر، فإنَّه ينزل فيها أمر السنة، وإنَّ لذلك ولاة من بعدي علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده)(4).

ص: 338


1- الإرشاد 2: 345 - 350.
2- كذا في (ح)، وفي (ش) و(م): (الفضل)، وهو تصحيف كما يعلم من تتبّع الإسناد ومصادر الحديث، وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام والخصال وصف الراوي بالصيرفي وهو محمّد بن الفضيل بن كثير الأزدي الكوفي من أصحاب الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام. أنظر: معجم رجال الحديث 17: 145.
3- الكافي 1: 447/ ح 10؛ كمال الدين: 326/ ح 4؛ الخصال: 478/ ح 43؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 55/ ح 21؛ الغيبة للطوسي: 141/ ح 151؛ إعلام الوري: 366.
4- الكافي 1: 448/ ح 12؛ والخصال: 480/ ح 48؛ إعلام الوري: 370 باختلاف يسير؛ مناقب آل أبي طالب 1: 298 مثله.

* وبهذا الإسناد قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لابن عبّاس: (إنَّ ليلة القدر في كلّ سنة، وإنَّه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة من بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم).

فقال له ابن عبّاس: من هم؟

قال: (أنا وأحد عشر من صلبي(1) أئمّة محدّثون)(2).

* أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيي، عن (محمّد بن الحسين)(3)، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت علي فاطمة بنت رسول الله عليه السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء والأئمّة من ولدها، فعددت اثني عشر اسماً آخرهم القائم من ولد فاطمة، ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم علي(4).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن (الحسن بن عبيد الله)(5)، عن الحسن بن موسي الخشاب، عن علي بن سماعة، عن علي بن الحسن بن رباط، عن عمر بن أذينة،).

ص: 339


1- في (م): (وولدي).
2- الكافي 1: 447/ ح 11؛ الخصال: 479/ ح 47؛ الغيبة للنعماني: 60/ ح 3؛ الغيبة للطوسي: 141/ ح 106؛ إعلام الوري: 369.
3- كذا في (م)، وقد صحَّح الحسين بالحسن في (ش) و (م).
4- الكافي 1: 447/ ح 9؛ كمال الدين: 269/ ح 13، و311/ ح 3، و313/ ح 4؛ الخصال: 477/ ح 42؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 47/ ح 6 و7؛ الغيبة للطوسي: 139/ ح 103؛ إعلام الوري: 366.
5- كذا في النسخ، والظاهر أنَّ الصواب: (الحسين بن عبيد الله) كما في الخصال وعيون أخبار الرضا عليه السلام ، وإنَّه الحسين بن عبيد الله بن سهل السعدي، يروي عنه أحمد بن إدريس - أبو علي الأشعري - في حال استقامته. (رجال النجاشي: 61/ رقم 141).

عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (الاثنا عشر الأئمّة من آل محمّد كلّهم محدّث، علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده، ورسول الله وعلي هما الوالدان، صلّي الله عليهما)(1).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (يكون بعد الحسين عليه السلام تسعة أئمّة، تاسعهم قائمهم)(2).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلّي بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (الأئمّة اثنا عشر إماماً، منهم الحسن والحسين، ثمّ الأئمّة من ولد الحسين عليهم السلام)(3).

* أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن علي بن بلال، قال: خرج إليَّ أمر أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليه السلام قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثمّ خرج إليَّ من قبل مضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بالخلف من بعده(4).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيي، عن2.

ص: 340


1- الكافي 1: 448/ ح 14؛ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 56/ ح 24؛ والخصال: 480/ ح 49؛ والغيبة للطوسي: 151/ ح 112؛ ومناقب آل أبي طالب 1: 298؛ وإعلام الوري: 369 باختلاف يسير.
2- الكافي 1: 448/ ح 15؛ الخصال: 480/ ح 50؛ كمال الدين: 350/ ح 45؛ دلائل الإمامة: 24؛ الغيبة للنعماني: 94/ ح 25؛ إثبات الوصيّة: 272؛ الغيبة للطوسي: 140/ ح 104.
3- الكافي 1: 448/ ح 16؛ الخصال: 478/ ح 44، و480/ ح 51؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 56/ ح 22.
4- الكافي 1: 264/ ح 1؛ إعلام الوري: 413؛ الفصول المهمّة: 292.

أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمّد الحسن بن علي عليه السلام : جلالتك تمنعني عن مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟

فقال: (سل).

قلت: يا سيّدي، هل لك ولد؟

قال: (نعم).

قلت: إن حدث حدث فأين أسأل عنه؟

قال: (بالمدينة)(1).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن جعفر بن محمّد المكفوف، عن عمرو الأهوازي، قال: أراني أبو محمّد ابنه عليه السلام وقال: (هذا صاحبكم بعدي)(2).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن حمدان القلانسي، عن العمري(3)، قال: مضي أبو محمّد عليه السلام وخلَّف ولداً له(4).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلّي بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله، قال: خرج4.

ص: 341


1- الكافي 1: 264/ ح 2؛ الغيبة للطوسي: 232/ ح 199؛ إعلام الوري: 413؛ الفصول المهمّة: 292.
2- الكافي 1: 264/ ح 3؛ الغيبة للطوسي: 234/ ح 203؛ إعلام الوري: 414 باختلاف يسير؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 60/ ح 48.
3- كذا في (ش) وهامش (م) وهو الصواب، وفي (م) ضبطه: (العمري)، وفي ذيله: (صحَّ)، وفي هامش (ش): (العمري)، وفي جوانبه: (صحَّ) ثلاث مرّات، ورمز (ع) و(س)، وفي هامشها أيضاً: (وقرأت في نسخة من لا يحضره الفقيه المقروءة علي ابن بابويه رضي الله عنه، في باب نوادر الحجّ (2: 307/ ح 1525 و1526): (العمري) في عدّة مواضع مضبوطاً مصحّحاً وكانت النسخة مقروءة عليه وعليها خطّه).
4- هذا الحديث نقل بالمعني، روي أصله الكليني في الكافي 1: 264/ ح 4.

عن أبي محمّد عليه السلام حين قتل الزبيري(1) لعنه الله: (هذا جزاء من اجترأ علي الله تعالي في أوليائه، زعم أنَّه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأي قدرة الله فيه؟).

قال محمّد بن عبد الله: وولد له ولد(2).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عمَّن ذكره، عن محمّد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمّد عليه السلام يقول: (الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟!).

قلت: ولِمَ جعلني الله فداك؟

فقال: (لأنَّكم لا ترون شخصه، ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه).

فقلت: فكيف نذكره؟

قال: (قولوا: الحجّة من آل محمّد عليهم السلام)(3).

وهذا طرف يسير ممَّا جاء في النصوص علي الثاني عشر من الأئمّة عليهم السلام، والروايات في ذلك كثيرة قد دوَّنها أصحاب الحديث من هذه العصابة وأثبتوها في كتبهم المصنَّفة، فممَّن أثبتها علي الشرح).

ص: 342


1- يقول العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول 4: 3/ ح 5: (الزبيري: كان لقب بعض الأشقياء من ولد الزبير كان في زمانه عليه السلام فهدَّده وقتله الله علي يد الخليفة أو غيره، وصحَّفه بعضهم وقرأ بفتح الزاء وكسر الباء من الزبير بمعني الداهية كناية عن المهتدي العبّاسي، حيث قتله الموالي).
2- الكافي 1: 264/ ح 5؛ والغيبة للطوسي: 231/ ح 198 بزيادة في آخرهما.
3- الكافي 1: 264/ ح 13؛ كمال الدين: 381/ ح 5، و648/ ح 4؛ علل الشرائع: 245/ ح 5؛ إثبات الوصيّة: 422؛ كفاية الأثر: 288؛ الغيبة للطوسي: 202/ ح 169؛ إعلام الوري: 351؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 50: 240/ ح 5؛ وفي علل الشرائع وإثبات الوصيّة وكفاية الأثر وكمال الدين صرَّح بأنَّ: (الخلف من بعدي (ابني) الحسن).

والتفصيل محمّد بن إبراهيم المكنّي أبا عبد الله النعماني في كتابه الذي صنَّفه في الغيبة، فلا حاجة بنا مع ما ذكرناه إلي إثباتها علي التفصيل في هذا المكان(1).

* * *

باب ذكر من رأي الإمام الثاني عشر عليه السلام وطرف من دلائله وبيّناته

باب ذكر من رأي الإمام الثاني عشر عليه السلام وطرف من دلائله وبيّناته (2):

* أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن موسي بن جعفر - وكان أسنّ شيخ من ولد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالعراق -، قال: رأيت ابن الحسن بن علي بن محمّد عليهم السلام بين المسجدين وهو غلام(3).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيي، عن الحسين بن رزق الله، قال: حدَّثني موسي بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسي بن جعفر، قال: حدَّثتني حكيمة بنت محمّد بن علي - وهي عمّة الحسن عليه السلام - أنَّها رأت القائم عليه السلام ليلة مولده وبعد ذلك(4).

ص: 343


1- للشيخ المفيد رحمه الله في الغيبة مصنَّفات منها: كتاب الغيبة، ومنها: مختصره (مختصر في الغيبة)، ومنها: ثلاثة مسائل مجموعة موجودة في خزانة الطهراني بسامراء، ومنها: كلام منه في كتابه (العيون والمحاسن) انتزعه منه السيّد المرتضي رحمه الله وأدرجه في (الفصول المختارة من العيون والمحاسن) وقد أخرجه الطهراني من الفصول وأدرجه في (مجموعة مسائل المفيد في الغيبة). أنظر: الذريعة 16: 80 .
2- الإرشاد 2: 351 - 355.
3- الكافي 1: 266/ ح 2؛ الغيبة للطوسي: 268/ ح 230؛ إعلام الوري: 396.
4- الكافي 1: 266/ ح 3؛ وأنظره مفصَّلاً في كمال اللين: 424/ ح 1؛ والغيبة للطوسي: 237/ ح 205.

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن حمدان القلانسي، قال: قلت لأبي عمرو العمري(1): قد مضي أبو محمّد، فقال لي: قد مضي، ولكن قد خلَّف فيكم من رقبته مثل هذه - وأشار بيده- (2)(3).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن فتح - مولي الزراري -، قال: سمعت أبا علي بن مطهَّر يذكر أنَّه رآه، ووصف له قدّه(4).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن شاذان بن نعيم، عن خادمة لإبراهيم بن عبدة النيسابوري - وكانت من الصالحات - أنَّها قالت: كنت واقفة مع إبراهيم علي الصفا، فجاء صاحب الأمر عليه السلام حتَّي وقف معه وقبض علي كتاب مناسكه، وحدَّثه بأشياء(5).7.

ص: 344


1- في هامش (ش): (هو عثمان بن سعيد العمري وهو باب الإمام).
2- قال العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول 4: 2: (وأشار بيده: أي فرَّج من كلّ من يديه إصبعيه الإبهام والسبّابة وفرَّج بين اليدين كما هو الشائع عند العرب والعجم في الإشارة إلي غلظ الرقبة، أي شاب قوي رقبته هكذا، ويؤيّده أنَّ في رواية الشيخ: (وأومي بيده)، وفي رواية أخري رواه، قال: (قد رأيته عليه السلام وعنقه هكذا، يريد أنَّه أغلظ الرقاب حسناً وتماماً). ويؤيّده أيضاً ما في رواية الشيخ في الغيبة: 251/ ح 220: (إنَّ أحمد بن إسحاق سأل أبا محمّد عليه السلام عن صاحب هذا الأمر فأشار بيده، أي: أنَّه حيّ غليظ الرقبة)، وما رواه الصدوق في كمال الدين 2: 441 عن عبد الله بن جعفر الحميري أنَّه سأل العمري: هل رأيت صاحبي؟ قال: نعم، وله عنق مثل ذي، وأوما بيديه جميعاً إلي عنقه).
3- الكافي 1: 264/ ح 4، و266/ ح 4؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 60/ ح 45.
4- الكافي 1: 266/ ح 5؛ الغيبة للطوسي: 269/ ح 233؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 60/ ذيل الحديث 45.
5- الكافي 1: 266/ ح 6؛ الغيبة للطوسي: 268/ ح 231؛ إعلام الوري: 397.

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن علي بن إبراهيم، عن أبي عبد الله بن صالح أنَّه رآه بحذاء الحجر والناس يتجاذبون عليه، وهو يقول: (ما بهذا أمروا)(1).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن أحمد بن إبراهيم بن إدريس، عن أبيه أنَّه قال: رأيته عليه السلام بعد مضي أبي محمّد حين أيفع(2)، وقبَّلت يده ورأسه(3).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن أبي عبد الله بن صالح وأحمد بن النضر، عن القنبري(4)، قال: جري حديث جعفر بن علي فذَّمه، فقلت: فليس غيره؟

قال: بلي.

قلت: فهل رأيته؟

قال: لم أرَه، ولكن غيري رآه.

قلت: من غيرك؟ا.

ص: 345


1- الكافي 1: 267/ ح 7؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 60/ ح 46.
2- اليافع: الشاب. (لسان العرب 8 : 415/ مادة يفع).
3- الكافي 1: 297/ ح 8؛ الغيبة للطوسي: 268/ ح 230؛ إعلام الوري: 397.
4- أثبتناها من نسخة في هامش (ش) و(م)، وتحتها في (م): (صحَّ)، وفي متنها: (العنبري)، وفوقها في (ش): (م)، وتحتها: (صحَّ)، ونسخة (ح)، غير واضحة، والظاهر صحّة ما أثبتناه، وهو الموافق للمصادر، وقد وصفته بأنَّه رجل من ولد قنبر الكبير مولي أبي الحسن الرضا عليه السلام . وقد ذكر في الكافي والغيبة للطوسي في ذيل هذه الرواية: (وله حديث)، والظاهر أنَّه أشار إلي ما رواه في كمال الدين: 442/ ح 15 بإسناده عن أبي عبد الله البلخي عن محمّد بن صالح بن عليّ ابن محمّد بن قنبر الكبير مولي الرضا عليه السلام قال: خرج صاحب الزمان عليه السلام علي جعفر الكذّاب... الخبر، ومنه يظهر المراد من القنبري هنا.

قال: قد رآه جعفر مرَّتين(1).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن جعفر المكفوف، عن عمرو الأهوازي، قال: أرانيه أبو محمّد وقال: (هذا صاحبكم)(2).

* أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيي، عن الحسن بن علي النيسابوري، عن إبراهيم بن محمّد، عن أبي نصر طريف الخادم أنَّه رآه عليه السلام (3).

وأمثال هذه الأخبار في معني ما ذكرناه كثيرة، والذي اختصرناه منها كاف فيما قصدناه، إذ العمدة في وجوده وإمامته عليه السلام ما قدَّمناه، والذي يأتي من بعد زيادة في التأكيد لو لم نورده لكان غير مخلّ بما شرحناه، والمنّة لله عز وجل.

* * *

باب طرف من دلائل صاحب الزمان عليه السلام وبيّناته وآياته

باب طرف من دلائل صاحب الزمان عليه السلام وبيّناته وآياته (4):

* أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن حمويه، عن محمّد بن

ص: 346


1- الكافي 1: 267/ ح 9؛ الغيبة للطوسي: 248/ ح 217؛ إعلام الوري: 397؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 60/ ح 47.
2- الكافي 1: 264/ ح 2، و267/ ح 12؛ الغيبة للطوسي: 234/ ح 203؛ إعلام الوري: 414؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 60/ ح 48.
3- الكافي 1: 267/ ح 13؛ إعلام الوري: 396، وفيهما: (أبو نصر ظريف)؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 60/ ح 49.
4- الإرشاد 2: 355 - 367.

إبراهيم بن مهزيار(1)، قال: شككت عند مضي أبي محمّد الحسن بن علي عليه السلام واجتمع عند أبي مال جليل فحمله، وركبت السفينة معه مشيّعاً له، فوعك وعكاً شديداً، فقال: يا ابني، ردني فهو الموت، وقال لي: اتّق الله في هذا المال، وأوصي إليَّ ومات بعد ثلاثة أيّام. فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلي العراق، وأكتري داراً علي الشطّ، ولا أخبر أحداً بشيء، فإن وضح لي كوضوحه في أيّام أبي محمّد أنفذته، وإلاَّ أنفقته في ملاذي وشهواتي.

فقدمت العراق واكتريت داراً علي الشطّ ولقيت أيّاماً، فإذا أنا برقعة مع رسول، فيها: (يا محمّد، معك كذا وكذا) حتَّي قصَّ عليَّ جميع ما معي، وذكر في جملته شيئاً لم أحط به علماً، فسلَّمته إلي الرسول، وبقيت أيّاماً لا يرفع بي رأس، فاغتممت، فخرج إليَّ: (قد أقمناك مقام أبيك، فاحمد الله)(2).

* وروي (محمّد بن أبي عبد الله السياري)(3)، قال: أوصلت أشياء).

ص: 347


1- في (ش) و(م): (مهران) بدل (مهزيار) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من (ح) وهو الموافق للمصادر، وقد عدَّه الشيخ من أصحاب أبي محمّد العسكري: 436/ ح 15؛ وذكره الصدوق في كمال الدين: 442 ممَّن وقف علي معجزات صاحب الزمان عليه السلام وكان من الوكلاء وقد ذكر في: 486 رواية ورود محمّد بن إبراهيم بن مهزيار إلي العراق شاكّاً مرتاداً بألفاظ أخري.
2- الكافي 1: 434/ ح 5؛ الغيبة للطوسي: 281/ ح 239؛ إعلام الوري: 417؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51: 311/ ح 32.
3- كتب في (ش) في ذيل (أبي) و(السياري) كلمة: (كذا)، وكأنَّها أشارة إلي اختلاف الإرشاد مع المصادر، حيث إنَّ في الكافي: (محمّد بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله النسائي)، وفي بعض نسخه وإعلام الوري: (الشيباني) بدل (النسائي).

للمرزباني الحارثي فيها سوار ذهب، فقبلت وردَّ عليَّ السوار، وأمرت بكسره فكسرته، فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس وصفر، فأخرجته وأنفذت الذهب بعد ذلك فقبل(1).

* علي بن محمّد، قال: أوصل رجل من أهل السواد مالاً، فردَّ عليه وقيل له: (أخرج حقّ ولد عمّك منه، وهو أربعمائة درهم) وكان الرجل في يده ضيعة لولد عمّه، فيها شركة قد حبسها عنهم، فنظر فإذا الذي لولد عمّه من ذلك المال أربعمائة درهم، فأخرجها وأنفذ الباقي فقبل(2).

* القاسم بن العلاء، قال: ولد لي عدّة بنين، فكنت أكتب وأسأل الدعاء لهم فلا يكتب إلي بشيء من أمرهم، فماتوا كلّهم، فلمَّا ولد لي الحسين(3) - ابني - كتبت أسأل الدعاء له فاجبت فبقي والحمد لله(4).

* علي بن محمّد، عن أبي عبد الله بن صالح، قال: خرجت سنة من السنين إلي بغداد، واستأذنت في الخروج فلم يؤذن لي، فأقمت اثنين وعشرين يوماً بعد خروج القافلة إلي النهروان، ثمّ أذن لي بالخروج يوم8.

ص: 348


1- الكافي 1: 435/ ح 6؛ إعلام الوري: 418؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51: 297/ ح 12.
2- الكافي 1: 435/ ح 8؛ إعلام الوري: 418؛ ورواه باختلاف يسير الطبري في دلائل الإمامة: 286؛ والصدوق في كمال الدين: 486/ ح 6؛ وعماد الدين الطوسي في ثاقب المناقب: 597/ ح 540؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51: 326.
3- في الكافي: (الحسن)، والظاهر أنَّه هو الصحيح كما يظهر من كتب الرجال ومن رواية رواها الطوسي في الغيبة: 310/ ح 263.
4- الكافي 1: 435/ ح 9؛ إعلام الوري: 418.

الأربعاء، وقيل لي: (أخرج فيه) فخرجت وأنا آيس من القافلة أن ألحقها، فوافيت النهروان والقافلة مقيمة، فما كان إلاَّ أن علفت جملي حتَّي رحلت القافلة فرحلت، وقد دعي لي بالسلامة فلم ألقَ سوءً والحمد لله(1).

* علي بن محمّد، عن نصر بن صباح البلخي(2)، عن محمّد بن يوسف الشاشي، قال: خرج بي ناسور(3) فأريته الأطباء، وأنفقت عليه مالاً عظيماً فلم يصنع الدواء فيه شيئاً، فكتبت رقعة أسأل الدعاء، فوقع إليَّ: (ألبسك الله العافية، وجعلك معنا في الدنيا والآخرة) فما أتت عليَّ جمعة حتَّي عوفيت وصار الموضع مثل راحتي، فدعوت طبيباً من أصحابنا وأريته إيّاه فقال: ما عرفنا لهذا دواء، وما جاءتك العافية إلاَّ من قبل الله بغير احتساب(4).

* علي بن محمّد، عن علي بن الحسين اليماني، قال: كنت ببغداد فتهيَّأت قافلة لليمانيين، فأردت الخروج معهم فكتبت ألتمس الإذن في ذلك، فخرج: (لا تخرج معهم، فليس لك في الخروج معهم خيرة، وأقم بالكوفة).9.

ص: 349


1- الكافي 1: 435/ ح 10؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51: 297/ ح 13.
2- كذا في (ح) وهامش (ش) وبحار الأنوار، وفي (ش) و(م): (علي بن محمّد بن نصر بن صباح)، وفي مطبوعة الكافي: (علي عن النضر بن صباح البجلي)، وفي بعض نسخه: (علي بن نصر بن صباح)، وعن بعض نسخه: (نضر بن الصباح)، والظاهر أنَّ صحّة سند الكافي هو: (علي عن نصر بن صباح - أو الصباح - البلخي)، والمراد من (علي) في السند هو (علي بن محمّد) المتقدّم في السند السابق، ولذلك ذكر المصنّف اسمه الكامل، و(نصر بن صباح) كان من أهل بلخ، يروي عنه الكشي في غير واحد من مواضع رجاله، وقد ترجمه النجاشي في رجاله: 428/ رقم 1149، والطوسي في رجاله: 515.
3- الناسور: العرق الذي لا تنقطع علَّته. (القاموس المحيط 2: 141/ مادة نسر).
4- الكافي 1: 436/ ح 11؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51: 297/ ح 14؛ كما ذكر الراوندي بحذف آخره في الخرائج والجرائح 2: 695/ ح 9.

قال: فأقمت، وخرجت القافلة فخرجت عليهم بنو حنظلة فاجتاحتهم.

قال: وكتبت أستاذن في ركوب الماء فلم يؤذن لي، فسألت عن المراكب التي خرجت تلك السنة في البحر، فعرفت أنَّه لم يسلم منها مركب، خرج عليها قوم يقال لهم: البوارج فقطعوا عليها (1).

* علي بن الحسين، قال: وردت العسكر فأتيت الدرب مع المغيب(2)، ولم أكلّم أحداً ولم أتعرَّف إلي أحد، فأنا اُصلّي في المسجد بعد فراغي من الزيارة(3)، فإذا بخادم قد جاءني فقال لي: قم.

فقلت له: إلي أين؟

فقال: إلي المنزل.

قلت: ومن أنا؟ لعلَّك أرسلت إلي غيري.

فقال: لا، ما أرسلت إلاَّ إليك (أنت علي بن الحسين، وكان معه غلام فساره)(4)، فلم أدرِ ما قال حتَّي أتاني بجميع ما أحتاج إليه، وجلست عنده ثلاثة أيّام، واستأذنته في الزيارة من داخل الدار، فأذن لي فزرت ليلا (5).3.

ص: 350


1- الكافي 1: 436/ صدر حديث 12؛ إعلام الوري: 418؛ وباختلاف يسير في كمال الدين: 491/ صدر حديث 14؛ ورواه في الهداية الكبري: 372؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51: 330/ ح 53.
2- في هامش (ش): (أي عند غيبوبة الشمس).
3- قال الفيض الكاشاني في الوافي 3: 872 : (لعلَّه أراد بالزيارة زيارة الصاحب عليه السلام من خارج داره كما يدلُّ عليه قوله: (من داخل) في آخر الحديث).
4- في الكافي بدله: (أنت علي بن الحسين رسول جعفر بن إبراهيم، فمرَّ بي حتَّي أنزلني في بيت الحسين بن أحمد ثمّ ساره).
5- الكافي 1: 436/ ذيل الحديث 12؛ وباختلاف يسير في كمال الدين: 491/ ذيل الحديث 14؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51: 330/ ذيل الحديث 53.

* (الحسين بن الفضل الهماني)(1)، قال: كتب أبي بخطّه كتاباً فورد جوابه، ثمّ كتب بخطّي فورد جوابه، ثمّ كتب بخطّ رجل جليل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه، فنظرنا فإذا ذلك الرجل قد تحوَّل قرمطيا (2).

* وذكر (الحسين بن الفضل)(3)، قال: وردت العراق وعملت عليً.

ص: 351


1- في (ش): (الحسين بن المفضَّل الهماي)، وقد كتب في ذيل (المفضَّل) و(الهماني) كلمة: (هكذا)، وفي هامشها: (الفضل) بدل (المفضَّل)، وأيضاً في هامشها: (الهماي) (ع)، وفوقه: (صحَّ)، وفي متن (م): (الحسين بن المفضَّل الهماي)، وفي هامشها: (الهماي) وذيله: (صحَّ). وفي هامش كلا النسختين: (كان من فقهاء أصحابنا). وفي نسخة (ح): (الحسين بن الفضل ولقبه مردَّد بين الهماني والعماني). وروي الخبر في الكافي عن الحسن بن الفضل بن زيد (يزيد خ ل) اليماني (الهمداني، الهماني خ ل) وقد عدَّ في كمال الدين: 443 ممَّن وقف علي معجزات صاحب الزمان عليه السلام ورآه من غير الوكلاء جماعة كان من ضمنهم، بقوله: (ومن اليمن الفضل بن يزيد والحسن ابنه). وفي: 490 من نفس الكتاب ذكر هذا الخبر عن الحسن بن الفضل اليماني. فالظاهر أنَّ الصواب: (الحسن بن الفضل اليماني).
2- في هامش (ش) و(م): القرامطة هؤلاء المبطلون وهم منسوبون إلي إنسان كان ملقّباً بكوميته، والقرمطي هو أبو سعيد الجنابي، وجنابة: بليدة علي سيف أو قريبة من البحرين، وكان أبو سعيد يستعرض الحاجّ فأهلك عالماً منهم، وابنه أبو طاهر هو الذي تعرَّض للحاجّ فقتلهم عن آخرهم وأخذ الخفّ الذي كان معهم وقلع الحجر الأسود فحمله إلي الاحساء وبني بيتاً وركب الحجر في ركنه وجعل يحجّ الناس إليه، فبقي الحجر بالاحساء عشر سنين ثمّ نقل إلي الكوفة فبقي في مسجدها سنتين، ثمّ ردَّ إلي الكعبة، وروي أنَّ أبا طاهر الجنابي لمَّا قتل الحاجّ رؤي وهو يقول: أنا لله ولله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا الخفّ: المال الخفيف من الذهب والفضّة والأبريسم والجواهر وغير ذلك.
3- كذا في (م) و(ح) وهامش (ش)، وفي متن (ش): (الحسين بن المفضَّل)، وقد مرَّ ما يتعلّق به آنفاً.

ألاَّ أخرج إلاَّ عن بيّنة من أمري ونجاح من حوائجي، ولو احتجت أن أقيم بها حتَّي أتصدَّق(1)، قال: وفي خلال ذلك يضيق صدري بالمقام، وأخاف أن يفوتني الحجّ.

قال: فجئت يوماً إلي محمّد بن أحمد - وكان السفير يومئذٍ - أتقاضاه فقال لي: صر إلي مسجد كذا وكذا، فإنَّه يلقاك رجل.

قال: فصرت إليه، فدخل عليَّ رجل، فلمَّا نظر إليَّ ضحك وقال لي: (لا تغتم، فإنَّك ستحجّ في هذه السنة وتنصرف إلي أهلك وولدك سالماً).

قال: فاطمأننت وسكن قلبي، وقلت: هذا مصداق ذلك.

قال: ثمّ وردت العسكر(2) فخرجت إلي صرّة فيها دنانير وثوب، فاغتممت، وقلت في نفسي: جدّي(3) عند القوم هذا! واستعملت الجهل فرددتها، ثمّ ندمت بعد ذلك ندامة شديدة، وقلت في نفسي: كفرت بردّي علي مولاي، وكتبت رقعة أعتذر من فعلي وأبوء بالإثم وأستغفر من زللي وأنفذتها، وقمت أتطهَّر للصلاة وأنا إذ ذاك أفكّر في نفسي وأقول: إن ردَّت عليَّ الدنانير لم أحلل شدّها، ولم أحدث فيها شيئاً حتَّي أحملها إلي أبي فإنَّه أعلم منّي.

فخرج إليَّ الرسول الذي حمل الصرّة، وقال:

قيل لي: (أسأت إذ لم تُعلم الرجل، إنّا ربَّما فعلنا ذلك بموالينا ابتداء، وربَّما سألونا ذلك يتبرَّكون به)، وخرج إليَّ: (أخطأت في ردّك برّنا، فإذا استغفرت الله فالله يغفر لك، وإذا كانت عزيمتك وعقد نيَّتك).

ص: 352


1- تصدَّق: من الأضداد، يقال: قد تصدَّق الرجل إذا أعطي، وقد تصدَّق إذا سأل، والمراد هنا الثاني. أنظر: (الأضداد للأنباري: 179).
2- العسكر: مدينة سامراء في العراق.
3- في هامش (ش) و (م): (جدّي: أي حظّي ونصيبي كأنَّه استصغره).

فيما حملناه إليك ألاَّ تحدث فيه حدثاً إذا رددناه إليك ولا تنتفع به في طريقك فقد صرفناه عنك، فأمَّا الثوب فخذه لتحرم فيه).

قال: وكتبت في معنيين وأردت أن أكتب في الثالث فامتنعت منه، مخافة أن يكره ذلك، فورد جواب المعنيين والثالث الذي طويت مفسّراً، والحمد لله.

قال: وكنت وافقت جعفر بن إبراهيم النيسابوري - بنيسابور - علي أن أركب معه إلي الحجّ وأزامله، فلمَّا وافيت بغداد بدا لي(1) وذهبت أطلب عديلاً، فلقيني ابن الوجناء(2) وكنت قد صرت إليه وسألته أن يكتري لي فوجدته كارهاً، فلمَّا لقيني قال لي: أنا في طلبك، وقد قيل لي: (إنَّه يصحبك فأحسن عشرته واطلب له عديلاً واكتر له)(3).

* علي بن محمّد، عن الحسن بن عبد الحميد، قال: شككت في أمر حاجز(4)، فجمعت شيئاً ثمّ صرت إلي العسكر، فخرج إليَّ: (ليس فينا شكّ ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا، فرد ما معك إلي حاجز بن يزيد)(5).0.

ص: 353


1- في الكافي: (بدا لي فاستقلته).
2- قال العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول 6: 188: (يظهر من كتب الغيبة أنَّ ابن الوجناء هو أبو محمّد ابن الوجناء، وكان من نصيبين وممَّن وقف علي معجزات القائم عليه السلام ).
3- الكافي 1: 436/ ح 13؛ وذكره الطبرسي بحذف قطعة من آخره في إعلام الوري: 419؛ والصدوق باختلاف يسير في كمال الدين: 490/ ح 13.
4- في (م) وهامش (ش): (حاجر)، هكذا مهملاً، وعلي آخره في هامش (ش): (صحَّ)، وما أثبتناه من (ش) و(ح)، وفي المصادر وكتب الرجال: (حاجز) بالمعجمة أيضاً، وقد ورد اسمه في كمال الدين: 442/ ح 16 في من وقف علي معجزات صاحب الزمان ورآه من الوكلاء ببغداد، ويستفاد ذلك من نفس المصدر: 488/ ح 9 و10 وقد عبَّر عنه بالحاجزي أيضاً، وهو: (حاجز بن يزيد الوشاء) كما يظهر من آخر الحديث.
5- الكافي 1: 437/ ح 14؛ إعلام الوري: 420.

* علي بن محمّد، عن محمّد بن صالح، قال: لمَّا مات أبي وصار الأمر إليَّ(1)، كان لأبي علي الناس سفاتج(2) من مال الغريم، - يعني صاحب الأمر عليه السلام - قال الشيخ المفيد: وهذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديماً بينها، ويكون خطابها عليه للتقيّة. قال: فكتبت إليه أعلمه، فكتب إليَّ: (طالبهم واستقص عليهم) فقضاني الناس إلاَّ رجلاً واحداً وكانت عليه سفتجة بأربعمائة دينار، فجئت إليه أطلبه فمطَّلني واستخفَّ بي ابنه وسفَّه عليَّ، فشكوته إلي أبيه.

فقال: وكان ماذا؟

فقبضت علي لحيته وأخذت برجله وسحبته إلي وسط الدار، فخرج ابنه مستغيثاً بأهل بغداد وهو يقول: قمي رافضي قد قتل والدي.

فاجتمع عليَّ منهم خلق كثير، فركبت دابتي وقلت: أحسنتم - يا أهل بغداد - تميلون مع الظالم علي الغريب المظلوم، أنا رجل من أهل همذان من أهل السُنّة، وهذا ينسبني إلي قم ويرميني بالرفض ليذهب بحقّي ومالي.

قال: فمالوا عليه وأرادوا أن يدخلوا إلي حانوته حتَّي سكَّنتهم، وطلب إلي صاحب السفتجة أن آخذ مالها وحلف بالطلاق أن يوفيني مالي في الحال، فاستوفيته منه(3).5.

ص: 354


1- يعني أمر الوكالة.
2- السفاتج: جمع سفتجة، وهي أن تعطي مالاً لآخر له مال في بلد آخر وتأخذ منه ورقة فتأخذ مالك من ماله في البلد الآخر، فتستفيد أمن الطريق وهي في عصرنا الحوالة المالية، أنظر: مجمع البحرين 2: 310/ مادة سفتج.
3- الكافي 1: 437/ ح 15.

* علي بن محمّد، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن الحسن والعلاء بن رزق الله، عن بدر غلام أحمد بن الحسن، عنه(1)، قال: وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة، أحبّهم جملة، إلي أن مات يزيد بن عبد الله فأوصي في علَّته أن يدفع (الشهري السمند)(2) وسيفه ومنطقته إلي مولاه، فخفت إن لم أدفع الشهري إلي أذكوتكين(3) نالني منه استخفاف، فقومت الدابة والسيف والمنطقة سبعمائة دينار في نفسي، ولم أطلع عليه أحداً، ودفعت الشهري إلي أذكوتكين، وإذا الكتاب قد ورد عليَّ من العراق أن وجَّه السبع مائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة(4).

* علي بن محمّد، قال: حدَّثني بعض أصحابنا، قال: ولد لي ولد فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع، فورد: (لا تفعل) فمات يوم السابع أو الثامن، ثمّ كتبت بموته، فورد: (ستخلف غيره وغيره، فسمّ الأوّل أحمد، ومن بعد أحمد جعفراً) فجاء كما قال.

قال: وتهيَّأت للحجّ وودَّعت الناس وكنت علي الخروج، فورد: (نحن لذلك كارهون، والأمر إليك) فضاق صدري واغتممت وكتبت: أنا4.

ص: 355


1- ظاهره رجوعه إلي أحمد بن الحسن فهو راوي الخبر ففي السند تحويل، لكن قد خلت المصادر من كلمة (عنه) فراوي الخبر هو بدر غلام أحمد بن الحسن.
2- الشهري السمند: اسم فرس. (مجمع البحرين 3: 357/ مادة شهر).
3- أذكوتكين: قائد عسكري تركي للعبّاسيين وقد أغار علي بلاد الجبل. ومن أراد التوضيح فليراجع المحاسن للبرقي بقلم المحدّث الأرموي ص (لا - نب).
4- الكافي 1: 438/ ح 16؛ الغيبة للطوسي: 282/ ح 241، وفيه: (يزيد بن عبد الملك) بدل (يزيد بن عبد الله)؛ ورواه الطبري في دلائل الإمامة: 285 باختلاف يسير؛ والطبرسي في إعلام الوري: 420؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51: 311/ ح 34.

مقيم علي السمع والطاعة، غير أنّي مغتم بتخلّفي عن الحجّ، فوقَّع: (لا يضيقنَّ صدرك، فإنَّك ستحجّ قابلاً إن شاء الله)، قال: فلمَّا كان من قابل كتبت أستأذن، فورد الإذن، وكتبت: إنّي قد عادلت محمّد بن العبّاس، وأنا واثق بديانته وصيانته، فورد: (الأسدي نعم العديل، فإن قدم فلا تختر عليه) فَقَدِمَ الأسدي وعادلته(1).

* أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن الحسن بن عيسي العريضي، قال: لمَّا مضي أبو محمّد الحسن بن علي عليه السلام ورد رجل من مصر بمال إلي مكّة لصاحب الأمر، فاختلف عليه، وقال بعض الناس: إنَّ أبا محمّد قد مضي عن غير خلف. وقال آخرون: الخلف من بعده جعفر. وقال آخرون: الخلف من بعده ولده. فبعث رجلاً يكنّي أبا طالب إلي العسكر يبحث عن الأمر وصحَّته ومعه كتاب، فصار الرجل إلي جعفر وسأله عن برهان، فقال له جعفر: لا يتهيَّأ لي في هذا الوقت.

فصار الرجل إلي الباب وأنفذ الكتاب إلي أصحابنا المرسومين بالسفارة، فخرج إليه: (آجرك الله في صاحبك فقد مات، وأوصي بالمال الذي كان معه إلي ثقة يعمل فيه بما يجب وأجيب عن كتابه) وكان الأمر كما قيل له(2).1.

ص: 356


1- الكافي 1: 438/ ح 17؛ والغيبة للطوسي: 283/ ح 242، و416/ ح 393؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51: 308/ ح 24؛ وذكر صدره باختلاف يسير الطبري في دلائل الإمامة: 288؛ والصدوق في كمال الدين: 489، والأسدي هو محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي أبو الحسين الرازي أحد الأبواب؛ رجال الشيخ: 496/ 28 - في من لم يرو -، رجال النجاشي: 373/ رقم 1020.
2- الكافي 1: 439/ 19؛ إكمال الدين: 498؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51.

* وبهذا الإسناد عن علي بن محمّد، قال: حمل رجل من أهل آبة(1) شيئاً يوصله ونسي سيفاً كان أراد حمله، فلمَّا وصل الشيء كتب إليه بوصوله وقيل في الكتاب: (ما خبر السيف الذي أنسيته؟)(2).

* وبهذا الإسناد عن علي بن محمّد، عن محمّد بن شاذان(3) النيسابوري، قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص عشرون درهماً، فلم أحبّ أن أنفذها ناقصة، فوزَّنت من عندي عشرين درهماً وبعثت بها إلي الأسدي ولم أكتب ما لي فيها، فورد الجواب: (وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهماً)(4).

* الحسن(5) بن محمّد الأشعري، قال: كان يرد كتاب أبي محمّد عليه السلام في الاجراء علي الجنيد - قاتل فارس بن حاتم بن ماهويها (6) وأبي الحسن، وأخي، فلمَّا مضي أبو محمّد عليه السلام ورد استئناف من الصاحب عليه السلام بالاجراء لأبي الحسن وصاحبه، ولم يرد في أمر الجنيد شيء.ي.

ص: 357


1- آبة: بليدة تقابل ساوة، وأهلها شيعة، (معجم البلدان 1: 50).
2- الكافي 1: 439/ ح 20؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51: 299/ ح 17.
3- في الكافي: (محمّد بن علي بن شاذان)، و(علي بن) زائد كما يظهر من سائر المصادر.
4- الكافي 1: 439/ ح 23؛ رجال الكشي 2: 814/ رقم 1017؛ كمال الدين: 485/ ح 5، و509/ ح 38؛ والغيبة للطوسي: 416/ ح 394؛ دلائل الإمامة: 286؛ إعلام الوري: 420؛ الخرائج والجرائح 2: 697/ ح 14، وفيه: (بعثت بها إلي أحمد بن محمّد القمي) بدل (الأسدي)، ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51: 425/ ح 44.
5- كذا في النسخ وبحار الأنوار، والظاهر أنَّ الصواب: (الحسين) كما في سائر المصادر ومن تتبّع الإسناد.
6- في الكشي 2: 807/ ح 1006 سنده عن محمّد بن عيسي بن عبيد: (إنَّ فارس كان فتّاناً يفتن الناس ويدعو إلي البدعة وإنَّ أبا الحسن عليه السلام أمر بقتله وضمن لمن قتله الجنّة، فقتله جنيد ورمي الساطور الذي قتله به من يديه وأخذه الناس ولم يجدوا هناك أثراً من السلاح). أنظره مفصَّلاً في الكشي.

قال: فاغتممت لذلك، فورد نعي الجنيد بعد ذلك(1).

* علي بن محمّد، عن أبي عقيل عيسي بن نصر، قال: كتب علي بن زياد الصيمري(2) يسأل كفناً، فكتب إليه: (إنَّك تحتاج إليه في سنة ثمانين)(3).

فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته(4).

* علي بن محمّد، عن محمّد بن هارون بن عمران الهمداني، قال: كان للناحية(5) عليَّ خمسمائة دينار فضقت بها ذرعاً، ثمّ قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار).

ص: 358


1- الكافي 1: 439/ ح 2؛ إعلام الوري: 420، وفيهما: (وآخر) بدل (وأخي)؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51: 299/ ح 18.
2- في كمال الدين: (كتب علي بن محمّد الصيمري، فورد: أنَّه يحتاج إليه سنة ثمانين أو إحدي وثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته بشهر). وفي الغيبة للطوسي: (علي بن محمّد الكليني، قال: كتب محمّد بن زياد الصيمري يسأل صاحب الزمان عليه السلام كفناً... فورد: (إنَّك تحتاج إليه سنة إحدي وثمانين) وبعث إليه بالكفن قبل موته بشهر). وروي في ما يقرب منه في دلائل الإمامة بإسناده إلي الكليني قال: (كتبت علي بن محمّد السمري)، انتهي. والظاهر أنَّه علي بن محمّد بن زياد الصيمري، وقد يعبّر عنه بعلي بن زياد الصيمري نسبة إلي الجدّ اختصاراً، لاحظ: رجال الطوسي: 418/ رقم 12، و419/ رقم 25، و432/ رقم 3؛ معجم رجال الحديث 12: 142.
3- يقول العلاّمة المجلسي رحمه الله في المرآة 6: 199: (أي في سنة ثمانين من عمرك، أو أراد الثمانين بعد المائتين من الهجرة).
4- الكافي 1: 440/ ح 27؛ الغيبة للطوسي: 284/ ح 244؛ إعلام الوري: 421؛ ومرسلاً في عيون المعجزات: 146؛ ورواه باختلاف يسير الصدوق في كمال الدين: 501/ ح 26؛ والطبري في دلائل الإمامة: 285.
5- (الناحية: كناية عن صاحب الأمر عليه السلام كما يقال: الجهة الفلانية والجانب الفلاني)، هامش (ش) و(م).

وثلاثين ديناراً قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار، ولم أنطق بذلك، فكتب إلي محمّد بن جعفر: (اقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بالخمسمائة دينار التي لنا عليه)(1).

* أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش(2) والحائر علي ساكنيهما السلام، فلمَّا كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي(3) فقال له: الق بني فرات والبرسيين وقل لهم: لا تزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يفتقد كلّ من زاره فيقبض عليه(4).

والأحاديث في هذا المعني كثيرة، وهي موجودة في الكتب المصنَّفة المذكورة فيها أخبار القائم عليه السلام وإن ذهبت إلي إيراد جميعها طال بذلك هذا الكتاب، وفيما أثبته منها مقنع والمنّة لله.

* * *).

ص: 359


1- الكافي 1: 440/ ح 28؛ إعلام الوري: 421؛ الخرائج والجرائح 1: 472/ ح 16؛ وروي نحوه الصدرق في كمال الدين: 492/ ح 17.
2- أي: مشهد الكاظم والجواد عليهما السلام ببغداد.
3- باقطايا بالعراق: كلمة نبطية، وهي قرية، وكذلك باكسايا وبادرايا قريتان بالعراق. قال ياقوت الحموي في معجم البلدان: باقطايا ويقال: باقطيا من قري بغداد علي ثلاثة فراسخ من ناحية قطربل. (معجم البلدان 1: 327).
4- الكافي 1: 441/ ح 31؛ الغيبة للطوسي: 284/ ح 244؛ إعلام الوري: 421، وفيها: (يتفَّقد) بدل (يفتقد).

باب ذكر علامات قيام القائم عليه السلام ومدّة أيّام ظهوره، وشرح سيرته وطريقة أحكامه، وطرف ممَّا يظهر في دولته وأيّامه صلوات الله عليه

باب ذكر علامات قيام القائم عليه السلام ومدّة أيّام ظهوره، وشرح سيرته وطريقة أحكامه، وطرف ممَّا يظهر في دولته وأيّامه صلوات الله عليه (1):

* قد جاءت الأخبار(2) بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي عليه السلام وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات: فمنها: خروج السفياني، وقتل الحسني واختلاف بني العبّاس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره علي خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلي وسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم سور(3) الكوفة، وإقبال رايات سود من قبل خراسان، وخروج اليماني، وظهور المغربي بمصر وتملّكه للشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ثمّ ينعطف حتَّي يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر(4) في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طولاً وتبقي في الجو ثلاثة أيّام أو سبعة أيّام، وخلع العرب أعنَّتها وتملّكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم، وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاثة رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلي مصر ورايات كندة إلي خراسان، وورود خيل من قبل

ص: 360


1- الإرشاد 2: 368 - 378.
2- في هامش (ش) و(م): (الآثار).
3- في هامش (ش) و(م): (حائط مسجد).
4- في (ح) وهامش (ش): (ويلتبس).

المغرب حتَّي تربط بفناء الحيرة، وإقبال رايات سود من المشرق نحوها، وبثق(1) في الفرات حتَّي يدخل الماء أزقة الكوفة، وخروج ستّين كذّاباً كلّهم يدّعي النبوّة، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلّهم يدّعي الإمامة لنفسه، وإحراق(2) رجل عظيم القدر من شيعة بني العبّاس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر ممَّا يلي الكرخ بمدينة السلام(3)، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار، وزلزلة حتَّي ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق(4)، وموت ذريع فيه، ونقص من الأنفس والأموال والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتَّي يأتي علي الزرع والغلاّت، وقلّة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، (ومسخ لقوم)(5) من أهل البدع حتَّي يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد علي بلاد السادات، ونداء من السماء حتَّي يسمعه أهل الأرض كلّ أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتَّي يرجعوا إلي الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون.

ثمّ يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتَّصل فتحيي بها الأرض من بعد موتها وتعرف بركاتها، وتزول بعد ذلك كلّ عاهة عن معتقدي الحقّ).

ص: 361


1- انبثق الماء: انفجر وجري. (مجمع البحرين 5: 136/ مادة بثق).
2- في (م) وهامش (ش): (وخروج).
3- في (م) وهامش (ش): (بغداد).
4- في هامش (ش) و(م): (بغداد والعراق).
5- في هامش (ش) و(م): (ومسخ قوم).

من شيعة المهدي عليه السلام، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكّة فيتوجَّهون نحوه لنصرته.

كما جاءت بذلك الأخبار. ومن جملة هذه الأحداث محتومة ومنها مشترطة(1)، والله أعلم بما يكون، وإنَّما ذكرناها علي حسب ما ثبت في الأصول وتضمَّنها الأثر المنقول، وبالله نستعين وإيّاه نسأل التوفيق.

* أخبرني أبو الحسن علي بن بلال المهلبي، قال: حدَّثني محمّد بن جعفر المؤدَّب، عن أحمد بن إدريس، عن علي بن محمّد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن إسماعيل بن الصباح، قال: سمعت شيخاً من أصحابنا يذكر عن سيف بن عميرة، قال: كنت عند أبي جعفر المنصور فقال لي ابتداء: يا سيف بن عميرة، لا بدَّ من منادٍ ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب.

فقلت: جُعلت فداك يا أمير المؤمنين، تروي هذا؟

قال: إي والذي نفسي بيده لسماع أذني له.

فقلت: يا أمير المؤمنين، إنَّ هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا!

فقال: يا سيف، إنَّه لحقّ، وإذا كان فنحن أوّل من يجيبه، أمَّا إنَّ النداء إلي رجل من بني عمّنا.

فقلت: رجل من ولد فاطمة؟

فقال: نعم يا سيف، لولا أنَّني سمعت من أبي جعفر محمّد بن علي).

ص: 362


1- في هامش (ش) و(م): (محتوم ومنها مشترط).

يحدّثني به، وحدَّثني به أهل الأرض كلّهم ما قبلته منهم، ولكنَّه محمّد بن علي(1)(2).

* وروي يحيي بن أبي طالب، عن علي بن عاصم، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتَّي يخرج المهدي من ولدي، ولا يخرج المهدي حتَّي يخرج ستون كذّاباً كلّهم يقول: أنا نبيّ)(3).

* الفضل بن شاذان، عمَّن رواه، عن أبي حمزة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام : خروج السفياني من المحتوم؟

قال: (نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها محتوم، واختلاف بني العبّاس في الدولة محتوم، وقتل النفس الزكية محتوم، وخروج القائم من آل محمّد محتوم).

قلت له: وكيف يكون النداء؟

قال: (ينادي منادٍ من السماء أوّل النهار: ألا إنَّ الحقّ مع علي6.

ص: 363


1- في هامش (ش) و(م): (محمّد بن علي هو: محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس) انتهي. والمراد من هامش النسختين تفسيره بوالد المنصور، وهو تأويل ضعيف، إذ لا دلالة فيه، لاستبعاد تعبير المنصور عن أبيه بهذا الشكل، مضافاً إلي أنَّ المذكور يكنّي بأبي عبد الله لا أبي جعفر، أنظر: وفيات الأعيان 4: 186؛ شذرات الذهب 1: 166. والظاهر أنَّ المراد به هو الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام ، لعدم استبعاد رواية المنصور عن الإمام عليه السلام ، بل قد وقع نظيرها، حيث عدَّه الشيخ الطوسي في أصحاب الصادق عليه السلام ، فتأمَّل.
2- الكافي 8 : 209/ ح 255 بطريق آخر عن إسماعيل بن الصباح؛ والغيبة للطوسي: 433/ ح 423 بطريق آخر عن أحمد بن إدريس؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 288/ ح 25.
3- الغيبة للطوسي: 434/ ح 424؛ إعلام الوري: 426؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 209/ ح 46.

وشيعته، ثمّ ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض: ألا إنَّ الحقّ مع عثمان(1) وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون)(2).

* الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لا يخرج القائم حتَّي يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلّهم يدعو إلي نفسه)(3).

* محمّد بن أبي البلاد، عن علي بن محمّد الأودي، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام : (بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض، وجراد في حينه وجراد في غير حينه كألوان الدم، فأمَّا الموت الأحمر فالسيف، وأمَّا الموت الأبيض فالطاعون)(4).

* الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (الزم الأرض ولا تحرّك يداً ولا رجلاً حتَّي تري علامات أذكرها لك، وما أراك تدرك ذلك: اختلاف9.

ص: 364


1- المراد به عثمان بن عنبسة، وهو السفياني، وقد جاء في كمال الدين: 652/ ح 14: (أنَّ الحقّ مع السفياني وشيعته).
2- إعلام الوري: 426؛ ورواه الصدوق باختلاف يسير عن أبي حمزة الثمالي، قال: (قلت لأبي عبد الله: إنَّ أبا جعفر كان يقول: ...)، وفي كمال الدين: 652/ ح 14؛ والغيبة للطوسي: 435/ ح 425، وقطعة منه في: 454/ ح 461.
3- الغيبة للطوسي: 437/ ح 428؛ إعلام الوري: 426؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 209/ ح 47.
4- الغيبة للنعماني: 277/ ح 61، بطريق آخر عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن علي بن محمّد بن الأعلم الأزدي؛ الغيبة للطوسي: 438/ ح 430؛ إعلام الوري: 427؛ الفصول المهمّة: 301؛ ورواه الصدوق في كمال الدين: 655/ ح 27 باختلاف يسير؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 211/ ح 59.

بني العبّاس، ومنادٍ ينادي من السماء، وخسف قرية من قري الشام تسمّي الجابية(1)، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة. واختلاف كثير عند ذلك في كلّ أرض، حتَّي تخرب الشام ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني)(2).

* علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسي عليه السلام في قوله جلَّ قائلاً: (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآْفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حتّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)(3).

قال: (الفتن في الآفاق، والمسخ في أعداء الحقّ)(4).

* وهيب بن حفص، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في قوله تعالي: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(5)، قال: (سيفعل الله ذلك بهم).

قلت: من هم؟

قال: (بنو أميّة وشيعتهم).

قلت: وما الآية؟

قال: (ركود الشمس ما بين زوال الشمس إلي وقت العصر،4.

ص: 365


1- في هامش (ش) و(م): (الجابية: هي في غربي دمشق في طريق صيداء).
2- الغيبة للطوسي: 441/ ح 434؛ إعلام الوري: 427؛ الفصول المهمّة: 301؛ وروي نحوه مفصَّلاً النعماني في غيبته: 279/ ح 67؛ الاختصاص: 255؛ والعياشي في تفسيره 1: 64/ ح 117؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 212/ ح 62.
3- فصلت: 53.
4- إعلام الوري: 428؛ ونقل العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 221/ ح 83 .
5- الشعراء: 4.

وخروج صدر(1) ووجه في عين الشمس يعرف بحسبه ونسبه، وذلك في زمان السفياني، وعندها يكون بواره وبوار قومه)(2).

* عبد الله بن بكير، عن عبد الملك بن إسماعيل، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، قال: إنَّ السنة التي يقوم فيها المهدي عليه السلام تمطر الأرض أربعاً وعشرين مطرة، تري آثارها وبركاتها(3).

* الفضل بن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن ثعلبة الأزدي(4)، قال: قال أبو جعفر عليه السلام : (آيتان تكونان قبل القائم: كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، والقمر في آخره).

قال: قلت: يا ابن رسول الله، تنكسف(5) الشمس في آخر الشهر، والقمر في النصف.

فقال أبو جعفر عليه السلام : (أنا أعلم بما قلت، إنَّهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم عليه السلام)(6).7.

ص: 366


1- في (ح) زيادة: (رجل). وفي (ش): (رجل)، معلم عليها بأنَّها زائدة.
2- إعلام الوري: 428؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 221/ ح 84 .
3- الغيبة للطوسي: 443/ ح 435؛ إعلام الوري: 429.
4- كذا في النسخ، وأورد الخبر في بحار الأنوار عن الإرشاد والغيبة الطوسي عن ثعلبة عن بدر بن الخليل الأزدي. وثعلبة هو ثعلبة بن ميمون كما في سائر المصادر، فالظاهر سقوط (عن بدر بن الخليل) من السند هنا.
5- في (ش): (أتكسف)، وفي هامش (ش) و(م): (لم تنكسف)، وما أثبتناه من (م).
6- الغيبة للطوسي: 444/ ح 439؛ إعلام الوري: 429؛ وروي نحوه الكليني في الكافي 8 : 212/ ح 258؛ والنعماني في غيبته: 271/ ح 45؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 213/ ح 67.

ثعلبة بن ميمون، عن شعيب الحدّاد(1)، عن صالح بن ميثم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (ليس بين قيام القائم عليه السلام وقتل النفس الزكيّة أكثر من خمس عشرة ليلة)(2).

* عمرو بن شمر، عن جابر، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام : متي يكون هذا الأمر؟

فقال: (أنّي يكون ذلك - يا جابر - ولما يكثر القتل بين الحيرة والكوفة)(3).

* محمّد بن سنان، عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا هدم حائط مسجد الكوفة ممَّا يلي دار عبد الله بن مسعود، فعند ذلك زوال ملك القوم، وعند زواله خروج القائم عليه السلام)(4).

* سيف بن عميرة، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (خروج الثلاثة: السفياني والخراساني واليماني، في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، وليس فيها راية أهدي من راية اليماني، لأنَّه يدعو إلي الحقّ)(5).2.

ص: 367


1- في كمال الدين وإعلام الوري وبحار الأنوار: (الحذاء)، وهو تصحيف كما يعلم من كتب الرجال، وهو شعيب بن أعين الحدّاد، لاحظ: رجال النجاشي: 195/ رقم 521؛ فهرست الطوسي: 82/ رقم 343؛ رجال الطوسي: 217/ رقم 2، و476/ رقم 2؛ رجال البرقي: 29؛ معجم رجال الحديث 9: 29 و37؛ تنقيح المقال 3: 62.
2- كمال الدين: 649/ ح 2؛ الغيبة للطوسي: 445/ ح 440؛ إعلام الوري: 427؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 203/ ح 30.
3- الغيبة للطوسي: 445/ ح 441؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 209/ ح 50.
4- روي نحوه النعماني في غيبته: 276/ ح 57؛ والطوسي في غيبته: 446/ ح 442؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 210/ ح 51.
5- الغيبة للنعماني: 255 نحوه؛ الغيبة للطوسي: 446/ ح 443؛ إعلام الوري: 429؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 210/ ح 52.

* الفضل بن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: (لا يكون ما تمدّون إليه أعناقكم حتَّي تميّزوا وتمحّصوا فلا يبقي منكم إلاَّ القليل)(1)، ثمّ قرأ: ((الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(2))، ثمّ قال: (إنَّ من علامات الفرج حدثاً يكون بين المسجدين(3)، ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشاً من العرب)(4).

* الفضل بن شاذان، عن معمّر بن خلاد(5)، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: (كأنّي برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات، حتَّي تأتي الشامات فتهدي إلي ابن صاحب الوصيات).

* حماد بن عيسي، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لا يذهب ملك هؤلاء حتَّي يستعرضوا (6)).

ص: 368


1- في هامش (ش) و(م): (الأندر).
2- العنكبوت: 1 و2.
3- في هامش (ش): (مسجد البصرة والكوفة أو مسجد الكوفة والمدينة والله أعلم). وفي هامش ثان: (رأيت في موضع آخر من قول السيّد أدام الله ظله - يعني السيّد فضل الله الراوندي الذي قوبلت علي نسخته هذه النسخة - كأنَّهما مسجد الكوفة ومسجد السهلة).
4- أنظر: ذيله في الغيبة للطوسي: 448/ ح 447؛ ونقل ذيله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 210/ ح 56.
5- في (ش) و(م): (ميمون بن خلاد)، وما أثبتناه من (ح) وهامش (ش) عن نسخة، وهو الصواب، أنظر: رجال النجاشي: 421/ رقم 1128؛ رجال الشيخ في أصحاب الرضا عليه السلام : 390/ رقم 45، وفي فهرسته: 170/ رقم 742.
6- (الاستعراض: عرض القوم علي السيف من غير تمييز)، هامش (ش) و(م).

الناس بالكوفة في يوم الجمعة، لكأنّي أنظر إلي رؤوس تندر(1) فيما بين باب الفيل وأصحاب الصابون)(2).

* علي بن أسباط، عن الحسن(3) بن الجهم، قال: سأل رجل أبا الحسن عليه السلام عن الفرج؟ فقال: (تريد الإكثار أم أجمل لك؟).

قال: بل تجمل لي.

قال: (إذا ركزت رايات قيس بمصر، ورايات كندة بخراسان)(4).

* الحسين بن أبي العلاء، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّ لولد فلان عند مسجدكم - يعني مسجد الكوفة - لوقعة في يوم عروبة(5)، يقتل فيها أربعة آلاف من باب الفيل إلي أصحاب الصابون، فإيّاكم وهذا الطريق فاجتنبوه، وأحسنهم حالاً من أخذ في درب الأنصار).

* علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّ قدام القائم عليه السلام لسنة غيداقة، يفسد فيها الثمار والتمر في النخل، فلا تشكّوا في ذلك)(6).8.

ص: 369


1- تندر: تسقط، (الصحاح 2: 825/ مادة ندر).
2- الغيبة للطوسي: 448/ ح 448؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 211/ ح 57.
3- في (ش) و(م): (عن أبي الحسن)، وما أثبتناه من (ح) وهو الصواب. أنظر: رجال البرقي: 52؛ رسالة أبي غالب الزراري: 8؛ رجال النجاشي: 50/ رقم 109؛ رجال الشيخ: 347/ رقم 10.
4- الغيبة للطوسي: 448/ ح449؛ إعلام الوري: 429؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 214/ ح 68.
5- يوم عروبة: أي يوم الجمعة، (الصحاح 1: 180/ مادة عرب).
6- الغيبة للطوسي: 449/ ح 450؛ إعلام الوري: 428.

* إبراهيم بن محمّد، عن جعفر بن سعد(1)، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (سنة الفتح ينبثق الفرات حتَّي يدخل علي أزقَّة الكوفة)(2).

* وفي حديث محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ قدَّام القائم بلوي من الله).

قلت: ما هو، جُعلت فداك؟

فقرأ: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَْمْوالِ وَالأَْنْفُسِ وَالثمّراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(3))، ثمّ قال: (الخوف من ملوك بني فلان، والجوع من غلاء الأسعار، ونقص من الأموال من كساد التجارات وقلّة الفضل فيها، ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلّة ريع الزرع وقلّة بركة الثمار)، ثمّ قال: (وبشّر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم عليه السلام)(4).

* الحسين بن يزيد، عن منذر الخوزي(5)، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: (يزجر الناس قبل قيام القائم عليه السلام عن معاصيهم بنار تظهر في السماء، وحمرة تجلل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلد).

ص: 370


1- كذا في (ش) و(م)، وفي (ح): (جعفر بن سعيد). وقد ذكر الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام سعداً والد جعفر بن سعد الأسدي، رجال الطوسي: 203/ رقم 13. وقد وقع تحريف في إعلام الوري، فذكر: (إبراهيم بن محمّد بن جعفر، عن أبيه، عن أبي عبد الله). وفي الغيبة للطوسي: (جعفر بن سعيد الأسدي).
2- الغيبة للطوسي: 451/ ح 456؛ إعلام الوري: 429.
3- البقرة: 155.
4- رواه باختلاف في ألفاظه الطبري في دلائل الإمامة: 259؛ والصدوق في كمال الدين: 649/ ح 3؛ والنعماني في غيبته: 250/ ح 5؛ والطبرسي في إعلام الوري: 427.
5- في بحار الأنوار عن الكتاب: (الحسين بن زيد عن منذر الجوزي).

البصرة، ودماء تسفك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل(1) العراق خوف لا يكون لهم معه قرار)(2).

* * *

فصل: (سنة الظهور ويومه):

فصل: (سنة الظهور ويومه):(3)

فأمَّا السنة التي يقوم فيها عليه السلام واليوم بعينه، فقد جاءت فيه آثار عن الصادقين عليهم السلام.

* روي الحسن بن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لا يخرج القائم عليه السلام إلاَّ في وتر من السنين: سنة إحدي، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو تسع)(4).

* الفضل بن شاذان، عن محمّد بن علي الكوفي، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : (ينادي باسم القائم عليه السلام في ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عليه السلام، لكأنّي به في يوم السبت العاشر من المحرَّم قائماً بين الركن والمقام، جبرئيل عليه السلام علي (يده اليمني)(5)

ص: 371


1- إلي هنا آخر الموجود في نسخة (ح).
2- إعلام الوري: 429؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 221/ ح 85 .
3- الإرشاد 2: 378.
4- إعلام الوري: 429؛ الفصول المهمّة: 302؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 291/ ح 36.
5- في هامش (ش) و(م): (يمينه).

ينادي: البيعة لله، فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوي لهم طيّاً حتَّي يبايعوه، فيملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(1).

* * *

فصل: (مسيره عليه السلام):

فصل: (مسيره عليه السلام):(2)

* وقد جاء الأثر بأنَّه عليه السلام يسير من مكّة حتَّي يأتي الكوفة فينزل علي نجفها، ثمّ يفرّق الجنود منها في(3) الأمصار.

* وروي الحجال، عن ثعلبة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: (كأنّي بالقائم عليه السلام علي نجف الكوفة، قد سار إليها من مكّة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرّق الجنود في البلاد)(4).

* وفي رواية عمرو بن شمر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: ذكر المهدي فقال: (يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصغو(5) له، ويدخل حتَّي يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلّي بهم الجمعة، فيأمر أن يخطّ له مسجد علي الغري ويصلي بهم هناك، ثمّ يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين عليه السلام نهراً يجري إلي الغريين حتَّي ينزل الماء في

ص: 372


1- إعلام الوري: 430، وفيه: (ليلة ست وعشرين من شهر رمضان)؛ وبحذف أوّله في الفصول المهمّة: 302؛ وباختلاف يسير في الغيبة للطوسي: 452/ ح 458.
2- الإرشاد 2: 379 و380.
3- في (م) وهامش (ش): (إلي).
4- إعلام الوري: 430؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 336/ ح 75.
5- تصغو: تميل. (الصحاح 6: 2400/ مادة صغا)؛ وفي هامش (ش): (فتصفو).

النجف، ويعمل علي فوهته القناطير والأرحاء(1)، فكأنّي بالعجوز علي رأسها مكتل(2) فيه بر تأتي تلك الأرحاء فتطحنة بلا كراء)(3).

وفي رواية صالح بن أبي الأسود، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ذكر مسجد السهلة فقال: (أما إنَّه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله)(4).

وفي رواية المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إذا قام قائم آل محمّد عليه السلام بني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، واتَّصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء).

* * *

فصل آخر: (مدّة ملكه عليه السلام):

فصل آخر: (مدّة ملكه عليه السلام):(5)

وقد وردت الأخبار بمدّة ملك القائم عليه السلام وأيّامه، وأحوال شيعته فيها، وما تكون عليه الأرض ومن عليها من الناس.

* روي عبد الكريم الخثعمي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كم يملك القائم عليه السلام؟

قال: (سبع سنين، تطول له الأيّام والليالي حتَّي تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم، فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه، وإذا آن قيامه مطر الناس جمادي الآخرة وعشرة أيّام من

ص: 373


1- الأرحاء: جمع رحي، وهي آلة طحن الحنطة، أنظر: (الصحاح 6: 2353/ مادة رحا).
2- المكتل: الزنبيل. (الصحاح 5: 1809/ مادة كتل).
3- إعلام الوري: 430؛ ورواه الشيخ في غيبته: 468/ ح 485؛ باختلاف يسير مع زيادة؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 331/ ح 53.
4- الكافي 3: 495/ ح 2؛ التهذيب 3: 252/ ح 692؛ الغيبة للطوسي: 471/ ح 488.
5- الإرشاد 2: 381.

رجب مطراً لم يرَ الخلائق مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، فكأنّي أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب)(1).

* وروي المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها (2)، واستغني الناس(3) عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة، ويعمَّر الرجل في ملكه حتَّي يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثي، وتظهر الأرض كنوزها حتَّي يراها الناس علي وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك، استغني الناس بما رزقهم الله من فضله)(4).

* * *

فصل: (صفته عليه السلام):

فصل: (صفته عليه السلام):(5)

وقد جاء الأثر بصفة القائم وحليته عليه السلام .

* فروي عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرني عن المهدي، ما اسمه؟

ص: 374


1- إعلام الوري: 432؛ وذكر قطعة منه الشيخ في الغيبة: 474/ 497؛ وابن الصبّاغ في الفصول المهمّة: 302؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 337/ صدر الحديث 77.
2- في (م): (بنورها).
3- في (م) وهامش (ش): (العباد).
4- إعلام الوري: 434؛ وصدره في الغيبة للطوسي: 467/ ح 484؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 337/ ذيل الحديث 77.
5- الإرشاد 2: 382.

فقال: أمَّا اسمه فإنَّ حبيبي عليه السلام عهد إليَّ ألاَّ اُحدَّث به حتَّي يبعثه الله.

قال: فأخبرني عن صفته؟

قال: هو شاب مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر يسيل شعره علي منكبيه، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء)(1).

* * *

فصل: (سيرته عليه السلام):

فصل: (سيرته عليه السلام):(2)

فأمَّا سيرته عليه السلام عند قيامه، وطريقة أحكامه، وما يبيّنه الله تعالي من آياته، فقد جاءت الآثار به حسب ما قدَّمناه.

* فروي المفضَّل بن عمر الجعفي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إذا أذن الله عزَّ اسمه للقائم في الخروج صعد المنبر، فدعا الناس إلي نفسه، وناشدهم بالله، ودعاهم إلي حقّه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويعمل فيهم بعمله، فيبعث الله جل جلاله جبرئيل عليه السلام حتَّي يأتيه، فينزل علي الحطيم يقول له: إلي أيّ شيء تدعو؟ فيخبره القائم عليه السلام فيقول جبرئيل: أنا أوّل من يبايعك، أبسط يدك، فيمسح علي يده، وقد وافاه ثلاثمائة(3) وبضعة عشر رجلاً، فيبايعوه، ويقيم بمكّة حتَّي يتمّ أصحابه عشرة آلاف نفس، ثمّ يسير منها إلي المدينة)(4).

* وروي محمّد بن عجلان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا قام

ص: 375


1- الغيبة للطوسي: 487/ ح 470؛ إعلام الوري: 434؛ وذكر صدره باختلاف يسير الصدوق في كمال الدين: 648/ ح 3.
2- الإرشاد 2: 382 - 388.
3- في (م): (بثلاثمائة).
4- إعلام الوري: 431؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 337/ ح 78.

القائم عليه السلام دعا الناس إلي الإسلام جديداً، وهداهم إلي أمر قد دثر فضلَّ عنه الجمهور، وإنَّما سمّي القائم مهدياً لأنَّه يهدي إلي أمر قد ضلّوا عنه، وسمّي بالقائم لقيامه بالحقّ)(1).

* وروي عبد الله بن المغيرة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا قام القائم من آل محمّد عليه السلام أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثمّ أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثمّ أقام خمسمائة أخري حتَّي يفعل ذلك ستّ مرّات)، قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال: (نعم، منهم ومن مواليهم)(2).

* وروي أبو بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : (إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتَّي يرده إلي أساسه، وحوَّل المقام إلي الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بني شيبة وعلَّقها بالكعبة، وكتب عليها: هؤلاء سرّاق الكعبة)(3).

* وروي أبو الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل أنَّه: (إذا قام القائم عليه السلام سار إلي الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس - يدعون البترية - عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتَّي يأتي علي آخرهم، ويدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب، ويهدم قصورها، ويقتل مقاتلتها حتَّي يرضي الله عزَّ وعلا)(4). .

ص: 376


1- إعلام الوري: 431.
2- إعلام الوري: 431؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 338/ ح 79.
3- إعلام الوري: 431؛ ونحوه في الغيبة للطوسي: 472/ ح 492؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 338/ ح 8 .
4- إعلام الوري: 431؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 338/ ح 81 .

* وروي أبو خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا قام(1) القائم عليه السلام جاء بأمر جديد، كما دعا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في بدو الإسلام إلي أمر جديد)(2).

* وروي علي بن عقبة، عن أبيه، قال: إذا قام القائم عليه السلام حكم بالعدل، وارتفع في أيّامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، وردَّ كلّ حقّ إلي أهله، ولم يبقَ أهل دين حتَّي يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان، أمَا سمعت الله تعالي يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(3)؟ وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمّد عليه السلام، فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا لبرّه لشمول الغني جميع المؤمنين).

ثمّ قال: (إنَّ دولتنا آخر الدول، ولم يبقَ أهل بيت لهم دولة إلاَّ ملكوا قبلنا، لئلاَّ يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله تعالي: (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(4))(5).

* وروي أبو بصير، عن أبي جعفر عليه السلام - في حديث طويل - أنَّه قال: (إذا قام القائم عليه السلام سار إلي الكوفة فهدم بها أربعة مساجد، فلم يبقَ مسجد علي وجه الأرض له شرف إلاَّ هدمها وجعلها جماء، ووسَّع .

ص: 377


1- من هنا سقط من نسخة (م) إلي لفظة: (قد أوردنا في كلّ باب من هذا الكتاب طرفاً...).
2- نقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 338/ ح 82 .
3- آل عمران: 83 .
4- الأعراف: 128؛ القصص: 83 .
5- إعلام الوري: 432؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 338/ ح 83 .

الطريق الأعظم، وكسر كلّ جناح خارج في الطريق، وأبطل الكنف والمآزيب إلي الطرقات، ولا يترك بدعة إلاَّ أزالها ولا سُنّة إلاَّ أقامها، ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم، فيمكث علي ذلك سبع سنين مقدار كلّ سنة عشر سنين من سنيكم هذه، ثمّ يفعل الله ما يشاء).

قال: قلت له: جُعلت فداك، فكيف تطول السنون؟

قال: (يأمر الله تعالي الفلك باللبوث وقلّة الحركة، فتطول الأيّام لذلك والسنون).

قال: قلت له: إنَّهم يقولون: إنَّ الفلك إن تغيَّر فسد.

قال: (ذلك قول الزنادقة، فأمَّا المسلمون فلا سبيل لهم إلي ذلك، وقد شقَّ الله القمر لنبيّه صلي الله عليه وآله وسلم وردَّ الشمس من قبله ليوشع بن نون وأخبر بطول يوم القيامة وأنَّه (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(1))(2).

* وروي جابر، عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: (إذا قام قائم آل محمّد عليه السلام ضرب فساطيط لمن يعلّم الناس القرآن علي ما أنزل الله جل جلاله فأصعب ما يكون علي من حفظه اليوم، لأنَّه يخالف فيه التأليف)(3).

* وروي المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (يُخرج القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسي عليه السلام الذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون، وسبعة من أهل .

ص: 378


1- الحجّ: 47.
2- إعلام الوري: 432؛ ومختصراً في الفصول المهمّة: 302؛ ونحوه في الغيبة للطوسي 475/ ح 498؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 339/ ح 84 .
3- نقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 339/ ح 85 .

الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبا دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكّاماً)(1).

* وروي عبد الله بن عجلان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا قام قائم آل محمّد عليه وعليهم السلام حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلي بيّنة، يلهمه الله تعالي فيحكم بعلمه، ويخبر كلّ قوم بما استبطنوه، ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسّم، قال الله سبحانه وتعالي: (إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ)(2))(3).

* وقد روي(4) أنَّ مدّة دولة القائم عليه السلام تسع عشرة سنة تطول أيّامها وشهورها، علي ما قدَّمناه، وهذا أمر مغيّب عنّا، وإنَّما ألقي إلينا منه ما يفعله(5) الله عز وجل بشرط يعلمه من المصالح المعلومة له جلَّ اسمه، فلسنا نقطع علي أحد الأمرين، وإن كانت الرواية بذكر سبع سنين أظهر وأكثر.

وليس بعد دولة القائم عليه السلام لأحد دولة إلاَّ ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء الله ذلك، ولم ترد به علي القطع والثبات، وأكثر الروايات أنَّه لن يمضي مهدي هذه الأمّة عليه السلام إلاَّ قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيها الهرج، وعلامة(6) خروج الأموات، وقيام الساعة للحساب).

ص: 379


1- تفسير العياشي 2: 32/ ح 90 باختلاف يسير؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 346/ ح 92.
2- الحجر: 75 و76.
3- نقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 339/ ح 86 .
4- إعلام الوري: 434؛ ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 52: 340/ ح 87 .
5- في هامش (ش): (ما يعلمه).
6- في المطبوع: (وعلامات).

والجزاء، والله أعلم بما يكون، وهو وليّ التوفيق للصواب، وإيّاه نسأل العصمة من الضلال، ونستهدي به إلي سبيل الرشاد.

وصلّي الله علي سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين(1).

قد أوردنا في كلّ باب من هذا الكتاب طرفاً من الأخبار بحسب ما احتملته الحال، ولم نستقص ما جاء في كلّ معني منه كراهية الانتشار في القول ومخافة الإملال به والإضجار، وأثبتنا من أخبار القائم المهدي عليه السلام ما يشاكل المتقدّم منها في الاختصار، وأضربنا عن كثير من ذلك بمثل ما ذكرناه، فلا ينبغي أن ينسبنا أحد فيما تركناه من ذلك إلي الإهمال، ولا يحمله علي عدم العلم منّا به أو السهو عنه والإغفال.

وفيما رسمناه من موجز الاحتجاج عل إمامة الأئمّة عليهم السلام ومختصر من أخبارهم كفاية فيما قصدناه، والله وليّ التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل(2).

* * *).

ص: 380


1- أثبتناه من المطبوع.
2- في (ش): (تمَّ الكتاب والحمد لله ربّ العالمين وصلّي الله علي محمّد وآله أجمعين)؛ وفي (م): (تمَّ الكتاب بحمد الله ومنّه وصلواته علي رسوله محمّد وآله الطاهرين. فرغ من كتبه في خدمة القاضيين الإمامين الأخوين عزّ الدين أبي الفضائل وموفَّق الدين أبي المحاسن يوم الجمعة الرابع عشر من محرَّم سنة خمس وسبعين وخمس مائة أبو الحسن بن أبي سعد ابن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن عبدويه حامداً لله ومصلّياً علي نبيّه وعترته الطاهرين).

الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام

اشارة

تأليف: الشيخ المفيد الإمام أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري، البغدادي (336 - 413ه-)

تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية/ مؤسسة البعثة

ص: 381

ص: 382

فصل آخر: (الخوف والاستخلاف):

فصل آخر: (الخوف والاستخلاف):(1)

ويقال لهم: ما تنكرون أن يكون خروج أبي بكر وعمر وعثمان من الخوف في أيّام النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم يخرجهم عن الوعد بالاستخلاف، لأنَّه إنَّما توجَّه إلي من كان يلحقه الخوف من أذي المشركين، وليس له مانع منهم، كأمير المؤمنين عليه السلام (2) وما مني به النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وعمّار واُمّه وأبيه، والمعذّبين بمكّة، ومن أخرجهم النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم مع جعفر بن أبي طالب إلي بلاد الحبشة لما كان ينالهم من الفتنة والأذي في الدين(3).

فأمَّا أبو بكر فإنَّ الشيعة تذكر أنَّه لم يكن خائفاً في حياة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لأسباب نحن أغنياء عن شرحها، وأنتم تزعمون أنَّ الخوف مرتفع عنه لعزَّته في قريش ومكانه منهم وكثرة ماله واتّساع(4) جاهه، وإعظام القوم له لسنّه وتقدّمه، حتَّي أنَّه كان يجير ولا يجار عليه، ويؤمن ولا يحتاج إلي أمان، وزعمتم أنَّه اشتري تسعة نفر من العذاب.

وأنَّ عمر بن الخطاب لم يخف قط، ولا هاب أحداً من الأعداء، وأنَّه جرَّد سيفه عند إسلامه، وقال: لا يعبد الله اليوم سرّاً. ثقة بنفسه، وطمأنينة إلي سلامته، وأمناً من الغوائل، وأنَّه لن يقدم عليه أحد بسوء،

ص: 383


1- الإفصاح: 98.
2- في (ب)، (م): (مانع في أمير المؤمنين).
3- في (ب)، (م): (والأذي فيه).
4- في (ب)، (م): (وامتناع).

لعظم رهبة الناس منه وإجلالهم لمكانه. وأنَّ عثمان بن عفّان كان آمناً ببني أميّة، وهم ملاّك الأمر إذ ذاك.

فكيف يصحُّ لكم مع هذا القول أن تستدلّوا بالآية علي صحَّة خلافتهم ودخولهم(1) تحت الوعد بالاستخلاف، وهم من الوصف المنافي لصفات الموعودين بالاستخلاف علي ما ذكرناه، لولا أنَّكم تخبطون فيما تذهبون إليه خبط عشواء؟!

* * *

فصل: (المستخلفون هم أهل البيت عليهم السلام عند قيام المهدي منهم):

فصل: (المستخلفون هم أهل البيت عليهم السلام عند قيام المهدي منهم):(2)

ويقال لهم: أليس يمكنكم إضافة ما تلوتموه من هذه الآية في أئمَّتكم إلي صادق عن الله تعالي فيجب العمل به، وإنَّما أسندتم قولكم فيه إلي ضرب من الرأي والاعتبار الفاسد بما أوضحناه.

وقد ورد عن تراجمة القرآن من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم في تأويلها ما هو أشبه من تأويلكم وأولي بالصواب، فقالوا: إنَّها نزلت في عترة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وذريته الأئمّة الأطهار عليهم السلام وتضمَّنت البشارة لهم بالاستخلاف، والتمكّن في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي منهم، فكانوا عليهم السلام هم المؤمنين العاملين الصالحات، بعصمتهم(3) من الزلاّت. وهم أحقُّ بالاستخلاف علي الأنام ممَّن عداهم، لفضلهم علي سائر

ص: 384


1- (أن تستدلّوا... ودخلوهم) ليس في (ب)، (م).
2- الإفصاح: 100 - 102.
3- في (ب)، (م): (الصالحين عصمهم الله).

الناس، وهم المدالون(1) علي أعدائهم في آخر الزمان، حتَّي يتمكَّنوا في البلاد، ويظهر دين الله تعالي بهم ظهوراً لا يستخفي علي أحد من العباد، ويأمنون بعد طول خوفهم من الظالمين المرتكبين في أذاهم الفساد(2)، وقد دلَّ القرآن علي ذلك وجاءت به الأخبار: قال الله عز وجل: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(3).

وقال تعالي: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(4).

وقال تعالي: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً)(5).

وكلّ هذه أمور منتظرة، غير ماضية ولا موجودة في الحال.

ومثلهم فيما بشَّرهم الله تعالي به، من ذلك ما تضمَّنه قوله تعالي: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(6).

وقوله تعالي في بني إسرائيل: (ثمّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)(7).6.

ص: 385


1- المدالون: المنصورون، يقال: أداله علي عدوّه: نصره. (الصحاح 4: 1700/ مادة دول). وفي (أ): (الموالون)؛ وفي (ب)، (م): (المذلّون).
2- في (أ)، (ح): (العناد).
3- الأنبياء: 105.
4- آل عمران: 83 .
5- النساء: 159.
6- القصص: 5 و6.
7- الإسراء: 6.

وممَّا أنزله فيهم سوي المثل لهم عليهم السلام قوله تعالي: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَْرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الأُْمُورِ)(1).

فصار معاني جميع ما تلوناه راجعاً إلي الإشارة إليهم عليهم السلام بما ذكرناه.

ويحقّق(2) ذلك ما روي عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم علي الاتّفاق من قوله: (لن تنقضي الأيّام والليالي حتَّي يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(3).

وأمَّا ما تعلَّقوا به من كاف المواجهة، فإنَّه لا يخلُّ بما شرحناه في التأويل من آل محمّد عليهم السلام، لأنَّ القائم من آل محمّد والموجود من أهل بيته في حياته هم من المواجهين في الحقيقة والنسب والحسب، وإن لم يكن من أعيانهم، فإذا كان منهم بما وصفناه، فقد دخل تحت الخطاب، وبطل ما توهَّم أهل الخلاف.

* * *7.

ص: 386


1- الحج: 41.
2- في (ب)، (م): (وتحقيق).
3- سنن أبي داود 4: 106؛ سنن الترمذي 4: 52؛ مسند أحمد 1: 376 و377 و430 و448؛ وراجع إحقاق الحقّ 13: 234 - 247.

النُكت الاعتقادية

اشارة

تأليف: الشيخ المفيد الإمام أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري، البغدادي (336 - 413ه-)

تحقيق: رضا مختاري

ص: 387

ص: 388

(النصّ علي إمامة القائم عليه السلام):

فإن قيل: من الإمام بعد علي عليه السلام (1)؟

فالجواب: ولده(2): الحسن، ثمّ(3) الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي الباقر، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق، ثمّ موسي بن جعفر الكاظم، ثمّ علي بن موسي الرضا، ثمّ محمّد بن علي التقي الجواد، ثمّ علي بن محمّد الهادي، ثمّ الحسن بن علي العسكري، ثمّ الخلف القائم المهدي صلوات الله عليهم أجمعين.

فإن قيل: ما الدليل علي إمامة كلّ واحد من هؤلاء المذكورين؟

فالجواب: الدليل علي ذلك أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم نصَّ عليهم نصَّاً متواتراً بالخلافة، مثل(4) قوله صلي الله عليه وآله وسلم: (ابني هذا الحسين إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمّة تسعة تاسعهم قائمهم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(5)(6).

ومثل قوله صلي الله عليه وآله وسلم في حقّ القائم عليه السلام (7): (لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ ساعة

ص: 389


1- النكت الاعتقادية: 42.
2- (ل): (ولداه).
3- (ل): (و).
4- (ك): (ومثل).
5- (ل) و(ن): (جوراً وظلماً).
6- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 52/ ح 17؛ كمال الدين 1: 262؛ الخصال 2: 475/ ح 38؛ الاختصاص: 207/ باب 67/ ح 1؛ مناقب آل أبي طالب 1: 295؛ كشف الغمّة 3: 421؛ إرشاد القلوب للديلمي 2: 233؛ أنوار الملكوت: 230؛ كنز العمّال 7: 98، و13: 644، و11: 590.
7- (ل): (في حقّ).

واحدة لطوَّل الله تلك الساعة حتَّي يخرج رجل من ذريتي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي(1) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما(2) وجوراً)(3).

ويجب علي كلّ مخلوق متابعته؛ ولأنَّ كلّ إمام منهم نصَّ علي من بعده نصَّاً متواتراً بالخلافة، ولأنَّهم عليهم السلام ظهر عنهم(4) معجزات وكرامات خارقة للعادة لم تظهر علي يد غيرهم، كعجن(5) الحصا وختمه(6) وأمثال ذلك.

(الدليل علي وجود الإمام المهدي عليه السلام والوجه في استتاره):

فإن قيل: من إمام هذا الزمان؟

فالجواب: القائم المنتظر المهدي محمّد(7) بن الحسن العسكري صلوات الله عليه وعلي آبائه الطاهرين.

فإن قيل: هو موجود أم سيوجد؟

فالجواب: هو موجود من زمان أبيه الحسن العسكري عليه السلام، لكنَّه مستتر إلي أن يأذن الله تعالي له بالخروج(8) فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا(9).

ص: 390


1- (ل): (كنيتي).
2- (ن): (جوراً وظلماً).
3- (ن) و(م): (و)؛ إعلام الوري: 427 و435؛ مسند أحمد 1: 377؛ منتخب الأثر: 153.
4- (ك): (ظهرت منهم).
5- (ل): (كمعجز).
6- (ك): (حتمه).
7- (م): (م ح م د).
8- (ل) و(ك): (في الخروج).
9- (ل) و(ن): (جوراً وظلماً).

فإن قيل: ما الدليل علي وجوده؟

فالجواب: الدليل علي ذلك أنَّ كلّ زمان لا بدَّ فيه من إمام معصوم، وإلاَّ لخلا الزمان من إمام معصوم، مع أنَّه لطف، واللطف واجب علي الله تعالي في كلّ زمان.

فإن قيل: ما وجه استتاره؟

فالجواب: وجه استتاره لكثرة العدوّ وقلّة الناصر. وجاز أن يكون لمصلحة خفيّة استأثر الله تعالي بعلمها.

فإن قيل: قد تقدَّم أنَّ الإمامة لطف، واللطف واجب علي الله تعالي، فإذا كان الإمام مستتراً كان الله تعالي مخلاً بالواجب تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً.

فالجواب: اللطف الواجب علي الله تعالي في الإمام هو نصبه وتكليفه بالإمامة، والله تعالي قد فعل ذلك فلم يكن مخلاً بالواجب، وإنَّما الإخلال بالواجب من قبل(1) الرعيّة فإنَّهم يجب عليهم أن يتابعوه(2) ويمتثَّلوا أوامره ونواهيه ويمكّنوه من أنفسهم. فحيث لم يفعلوا ذلك كانوا مخلّين بالواجب، فهلاكهم من قبل أنفسهم.

فإن قيل: ما الطريق إلي معرفته حين ظهوره بعد استتاره عليه السلام؟

فالجواب: الطريق إلي ذلك ظهور المعجزة علي يده(3).

* * *).

ص: 391


1- (ك): (من جهة).
2- (ك): (يبايعوه).
3- (م): (بيده).

ص: 392

الفصول المختارة

اشارة

للشريف المرتضي عَلَمِ الهدي علي بن الحسين الموسوي (355 - 436ه-)

تحقيق: السيد علي ميرشريفي

ص: 393

ص: 394

فصل: (افتراق أصحاب الإمام الحسن العسكري عليه السلام بعد وفاته):

فصل: (افتراق أصحاب الإمام الحسن العسكري عليه السلام بعد وفاته):(1)

قال الشيخ(2) أيَّده الله: ولمَّا توفي أبو محمّد الحسن بن علي بن محمّد عليهم السلام افترق أصحابه بعده علي ما حكاه أبو محمّد الحسن بن موسي النوبختي رضي الله عنه أربع عشرة فرقة: فقال الجمهور منهم بإمامة ابنه القائم المنتظر عليه السلام وأثبتوا ولادته وصحَّحوا النصّ عليه وقالوا هو سمّي رسول الله ومهدي الأنام، واعتقدوا أنَّ له غيبتين إحداهما أطول من الأخري، والأولي منهما هي القصري، وله فيها الأبواب والسفراء.

ورووا عن جماعة من شيوخهم وثقاتهم أنَّ أبا محمّد الحسن عليه السلام أظهره لهم وأراهم شخصه، واختلفوا في سنّه عند وفاة أبيه، فقال كثير منهم: كان سنّه إذ ذاك خمس سنين، لأنَّ أباه توفّي سنة ستّين ومائتين، وكان مولد القائم عليه السلام سنة خمس وخمسين ومائتين، وقال بعضهم: بل كان مولده سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وكان سنّه عند وفاة أبيه ثماني سنين، وقالوا: إنَّ أباه لم يمت حتَّي أكمل الله عقله، وعلَّمه الحكمة وفصل الخطاب، وأبانه من سائر الخلق بهذه الصفة، إذ كان خاتم الحجج ووصيّ الأوصياء وقائم الزمان.

واحتجّوا في جواز ذلك بدليل العقل من حيث ارتفعت إحالته

ص: 395


1- الفصول المختارة: 318 - 321.
2- الشيخ المفيد رحمه الله.

ودخل تحت القدرة، وبقوله تعالي في قصَّة عيسي عليه السلام : (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ)(1)، وفي قصَّة يحيي عليه السلام (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(2).

وقالوا: إنَّ صاحب الأمر عليه السلام حيّ لم يمت ولا يموت ولو بقي ألف عام حتَّي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وأنَّه يكون عند ظهوره شاباً قويّاً في صورة ابن نيف وثلاثين سنة، وأثبتوا ذلك في معجزاته وجعلوه من جملة دلائله وآياته عليه السلام .

وقالت فرقة ممَّن دانت بإمامة الحسن عليه السلام : إنَّه حيّ لم يمت وإنَّما غاب، وهو القائم المنتظر.

وقالت فرقة أخري: إنَّ أبا محمّد عليه السلام مات وعاش بعد موته وهو القائم المهدي، واعتلّوا في ذلك بخبر رووه أنَّ القائم إنَّما سمّي بذلك لأنَّه يقوم بعد الموت.

وقالت فرقة أخري: إنَّ أبا محمّد عليه السلام قد توفّي لا محالة، وأنَّ الإمام من بعده أخوه جعفر بن علي، واعتلّوا في ذلك بالرواية عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّ الإمام هو الذي لا يوجد منه ملجأ إلاَّ إليه، قالوا: فلمَّا لم نرَ للحسن عليه السلام ولداً ظاهراً التجأنا إلي القول بإمامة جعفر أخيه. ورجعت فرقة ممَّن كانت تقول بإمامة الحسن عليه السلام عن إمامته عند وفاته وقالوا: لم يكن إماماً وكان مدّعياً مبطلاً، وأنكروا إمامة أخيه محمّد، وقالوا: الإمام جعفر بن علي بنصّ أبيه عليه، قالوا: إنَّما قلنا بذلك لأنَّ محمّداً مات في حياة أبيه، والإمام لا يموت في حياة أبيه، وأمَّا الحسن عليه السلام فلم يكن له عقب والإمام لا يخرج من الدنيا حتَّي يكون له عقب.2.

ص: 396


1- آل عمران: 46.
2- مريم: 12.

وقالت فرقة أخري: إنَّ الإمام محمّد بن علي أخو الحسن بن علي عليه السلام، ورجعوا عن إمامة الحسن عليه السلام، وادّعوا حياة محمّد بعد أن كانوا ينكرون ذلك.

وقالت فرقة أخري: إنَّ الإمام بعد الحسن عليه السلام ابنه المنتظر، وأنَّه علي بن الحسن، وليس كما تقول القطعية أنَّه محمّد بن الحسن، وقالوا بعد ذلك بمقالة القطعية في الغيبة والانتظار حرفاً بحرف.

وقالت فرقة أخري: إنَّ القائم محمّد بن الحسن عليه السلام ولد بعد أبيه بثمانية أشهر وهو المنتظر، وأكذبوا من زعم أنَّه ولد في حياة أبيه.

وقالت فرقة أخري: إنَّ أبا محمّد عليه السلام مات عن غير ولد ظاهر ولكن عن حبل من بعض جواريه، والقائم من بعد الحسن محمول به، وما ولدته اُمّه بعد، وإنَّه يجوز أنَّها تبقي مائة سنة حاملاً به فإذا ولدته أظهرت ولادته.

وقالت فرقة أخري: إنَّ الإمامة قد بطلت بعد الحسن عليه السلام فارتفعت الأئمّة، وليس في الأرض حجّة من آل محمّد عليهم السلام، وإنَّما الحجّة الأخبار الواردة عن الأئمّة المتقدّمين عليهم السلام، وزعموا أنَّ ذلك سائغ إذا غضب الله علي العباد فجعله عقوبة لهم.

وقالت فرقة أخري: إنَّ محمّد بن علي أخا الحسن بن علي عليه السلام كان الإمام في الحقيقة مع أبيه علي عليه السلام، وإنَّه لمَّا حضرته الوفاة وصّي إلي غلام له يقال له: نفيس وكان ثقة أميناً، ودفع إليه الكتب والسلاح ووصّاه أن يسلّمها إلي أخيه جعفر فسلَّمها إليه، وكانت الإمامة في جعفر بعد محمّد علي هذا الترتيب.

وقالت فرقة أخري: وقد علمنا أنَّ الحسن عليه السلام كان إماماً فلمَّا قبض التبس الأمر علينا فلا ندري أجعفر كان الإمام بعده أم غيره، والذي

ص: 397

يجب علينا أن نقطع علي أنَّه لا بدَّ من إمام، ولا نقدم علي القول بإمامة أحد بعينه حتَّي يتبيَّن لنا ذلك.

وقالت فرقة أخري: بل الإمام بعد الحسن ابنه محمّد وهو المنتظر، غير أنَّه قد مات، وسيحيي ويقوم بالسيف فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

وقالت الفرقة الرابع عشرة منهم: إنَّ أبا محمّد عليه السلام كان الإمام من بعد أبيه، وإنَّه لمَّا حضرته الوفاة نصَّ علي أخيه جعفر بن علي بن محمّد بن علي، وكان الإمام من بعده بالنصّ عليه والوراثة له، وزعموا أنَّ الذي دعاهم إلي ذلك ما يجب في العقل من وجوب الإمامة مع فقدهم لولد الحسن عليه السلام وبطلان دعوي من ادّعي وجوده فيما زعموا من الإماميّة.

قال الشيخ أيَّده الله: وليس من هؤلاء الفِرَق التي ذكرناها فرقة موجودة في زماننا هذا وهو من سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة إلاَّ الإماميّة الاثنا عشرية القائلة بإمامة ابن الحسن المسمّي باسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم القاطعة علي حياته وبقائه إلي وقت قيامه بالسيف، حسبما شرحناه فيما تقدَّم عنهم، وهم أكثر فِرَق الشيعة عدداً، وعلماء ومتكلّمين ونظّاراً وصالحين، وعبّاداً ومتفقّهة وأصحاب حديث وأدباء وشعراء، وهم وجه الإماميّة ورؤساء جماعتهم والمعتمد عليهم في الديانة. ومن سواهم منقرضون لا يعلم أحد من جملة الأربع عشرة فرقة التي قدَّمنا ذكرها ظاهراً بمقالة ولا موجوداً علي هذا الوصف من ديانته، وإنَّما الحاصل منهم حكاية عمَّن سلف وأراجيف بوجود قوم منهم لا تثبت.

* * *

ص: 398

فصل: (ردّ الفرقة القائلة بمهدويّة الإمام العسكري عليه السلام):(1)

وأمَّا الفرقة القائلة بحياة أبي محمّد عليه السلام، فإنَّه يقال لها: ما الفصل بينك وبين الواقفة والناووسية؟ فلا يجدون فصلاً، وأمَّا الفرقة الأخري التي زعمت أنَّ أبا محمّد عليه السلام عاش من بعد موته وهو المنتظر، فإنَّه يقال لها: إذا جاز أن تخلو الدنيا من إمام حيّ يوماً فلِمَ لا يجوز أن تخلو منه سنة، وما الفرق بين ذلك وبين أن تخلو أبداً من الإمام؟ وهذا خروج عن مذهب الإماميّة وقول بمذهب الخوارج والمعتزلة، ومن صار إليه من الشيعة كلم بكلام الناصبة ودلَّ علي وجوب الإمامة(2).

ثمّ يقال لهم: ما أنكرتم أن يكون الحسن عليه السلام ميّتاً لا محالة ولم يعش بعد وسيعيش، وهذا نقض مذاهبهم، فأمَّا ما اعتلّوا به من أنَّ القائم إنَّما سمّي بذلك لأنَّه يقوم بعد الموت، فإنَّه يحتمل أن يكون المراد به بعد موت ذكره دون أن يكون المراد به موته في الحقيقة بعدم الحياة منه، علي أنَّهم لا يجدون بهذا الاعتلال بينهم وبين الكيسانية فرقاً.

مع أنَّ الرواية قد جاءت بأنَّ القائم إنَّما سمّي بذلك لأنَّه يقوم بدين قد اندرس، ويظهر بحقّ كان مخفيّاً، ويقوم بالحقّ من غير تقيّة تعتريه في شيء منه، وهذا يسقط ما ادّعوه.

(ردّ القول بإمامة جعفر):

وأمَّا الفرقة التي زعمت أنَّ جعفر بن علي هو الإمام بعد أخيه

ص: 399


1- الفصول المختارة: 322 - 327.
2- في هامش بحار الأنوار 37: 23: (في النسخة (ت): كلم كلام الناصبة ودلَّ علي عدم وجوب الإمامة).

الحسن عليه السلام، فإنَّهم صاروا إلي ذلك من طريق الظنّ والتوهّم، ولم يوردوا خبراً ولا أثراً يجب النظر فيه، ولا فصل بين هؤلاء القوم وبين من ادّعي الإمامة بعد الحسن عليه السلام لبعض الطالبيين واعتمد علي الدعوي المتعرية من برهان.

فأمَّا ما اعتلّوا به من الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّ الإمام هو الذي لا يوجد منه ملجأ إلاَّ إليه، فإنَّه يقال لهم فيه: ولِمَ زعمتم أنَّه لا ملجأ إلاَّ إلي جعفر، وما أنكرتم أن يكون الملجأ هو ابن الحسن عليه السلام الذي نقل جمهور الإماميّة النصّ عليه؟

فإن قالوا: لا يجب أن يثبت وجود من لم يشاهد.

قيل لهم: ولِمَ لا يجب ذلك إذا قامت الدلالة علي وجوده؟ مع أنَّه لا يجب علينا أن نثبت الإمامة لمن لا نصّ عليه ولا دليل علي إمامته، علي أنَّ هذه العلّة يمكن أن يعتل بها كلّ من ادّعي الإمامة لرجل من آل أبي طالب بعد الحسن عليه السلام، ويقول إنَّما قلت ذلك لأنَّني لم أجد ملجأ إلاَّ إليه.

(ردّ القائلين بإمامة علي بن محمّد):

وأمَّا الفرقة الراجعة عن إمامة الحسن عليه السلام والمنكرة لإمامة أخيه محمّد، فإنَّها يحتجُّ عليها بدليل إمامة الحسن عليه السلام من النصّ عليه والتواتر عن أبيه به، ويطالب بالدلالة علي إمامة علي بن محمّد عليه السلام، وكلّ شيء اعتمدوه في ذلك فإنَّه العمدة عليهم فيما أبَوه من إمامة الحسن عليه السلام، وأمَّا إنكارهم لإمامة محمّد بن علي أخ الحسن عليه السلام فقد أصابوا في ذلك ونحن موافقوهم علي صحَّته.

ص: 400

وأمَّا اعتلالهم لصوابهم في الرجوع عن إمامة الحسن عليه السلام، وأنَّه ممَّن مضي ولا عقب له، فهو اعتماد علي التوهّم، لأنَّ الحسن عليه السلام قد أعقب المنتظر عليه السلام، والأدلّة علي إمامته أكثر من أن تحصي، وليس إذا لم نشاهد الإمام بطلت إمامته، ولا إذا لم يدرك وجوده حسّاً واضطراراً ولم يظهر للخاصّة والعامّة كان ذلك دليلاً علي عدمه.

(ردّ القائلين بإمامة محمّد بن علي):

وأمَّا الفرقة الأخري الراجعة عن إمامة الحسن عليه السلام إلي إمامة محمّد أخيه، فهي كالتي قبلها، والكلام عليها نحو ما سلف، مع أنَّهم أشدُّ بهتاناً ومكابرة، لأنَّهم أنكروا إمامة من كان حيّاً بعد أبيه وظهرت عنه من العلوم ما يدلُّ علي فضله علي الكلّ، وادّعوا إمامة رجل مات في حياة أبيه ولم يظهر منه علم ولا من أبيه عليه السلام نصٌّ عليه بعد أن كانوا يعترفون بموته، وهؤلاء سقّاط جدّاً.

(الردّ علي مدّعي كون اسم المهدي عليه السلام علياً):

وأمَّا الفرقة التي اعترفت بولد الحسن عليه السلام وأقرَّت بأنَّه المنتظر إلاَّ أنَّها زعمت أنَّه علي وليس بمحمّد، فالخلاف بيننا وبين هؤلاء في الاسم دون المعني، والكلام لهم فيه خاصّة، فيجب أن يطالبوا بالأثر في الاسم، فإنَّهم لا يجدونه، والأخبار منتشرة في أهل الإمامة وغيرهم أنَّ اسم القائم عليه السلام اسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولم يكن في أسماء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي، ولو ادّعوا أنَّه أحمد لكان أقرب إلي الحقّ، وهذا المقدار كافٍ فيما يحتجُّ به علي هؤلاء.

ص: 401

(الردّ علي من ادّعي ولادة المهدي عليه السلام بعد أبيه):

وأمَّا الفرقة التي زعمت أنَّ القائم ابن الحسن عليه السلام وأنَّه ولد بعد أبيه بثمانية أشهر فأنكروا أن يكون له ولد في حياة أبيه، فإنَّه يحتجُّ عليهم بوجوب الإمامة من جهة العقول، وكلّ شيء يلزم المعتزلة وأصناف الناصبة يلزم هذه الفرقة فيما ذهبوا إليه من جواز خلو العالم من وجود إمام حيّ كامل ثمانية أشهر، لأنَّه لا فرق بين ثمانية أشهر والثمانين. علي أنَّه يقال لهم: لِمَ زعمتم ذلك؟ أبالعقل قلتموه أم بالسمع؟

فإن ادّعوا العقل أحالوا في العقول، لأنَّ العقل لا مدخل له في ذلك، وإن ادّعوا السمع طولبوا بالأثر فيه ولن يجدوه، وإنَّما صاروا إلي هذا القول من جهة الظنّ والرجم بالغيب، والظنّ لا يعتمد عليه في الدين.

وأمَّا الفرقة الأخري التي زعمت أنَّ الحسن عليه السلام توفّي عن حمل بالقائم وأنَّه لم يولد بعد، فهي مشاركة للفرقة المتقدّمة في إنكار الولادة، وما دخل علي تلك داخل علي هذه، ويلزمها من التجاهل ما يلزم تلك لقولها: إنَّ حملاً يكون مائة سنة، إذ كان هذا ممَّا لم تجر به عادة ولا جاء به أثر في أحد من سائر الأمم ولم يكن له نظير، وهو وإن كان مقدوراً لله تعالي فليس يجب أن يثبت إلاَّ بعد الدليل الموجب لثبوته.

ومن اعترف به من حيث الجواز فأوجبه، يلزمه إيجاب وجود كلّ مقدور حتَّي لا يأمن لعلَّ المياه قد استحالت ذهباً وفضّة وكذلك الأشجار، ولعلَّ كلّ كافر في العالم إذا نام مسخه الله تعالي قرداً أو كلباً أو خنزيراً من حيث لم يشعر به ثمّ يعيده إلي الإنسانية، ولعلَّ بالبلاد القصوي ممَّا لا نعرف خبره نساء يحبلن يوماً ويضعن في غده، وهذا كلّه جهل وضلال فتحه علي نفسه من اعترف بخرق العادة من غير حجّة واعتمد علي جواز ذلك في القدرة.

ص: 402

(الردّ علي القائلين ببطلان الإمامة بعد الإمام العسكري عليه السلام):

وأمَّا الفرقة الأخري التي زعمت أنَّ الإمامة قد بطلت بعد الحسن عليه السلام، فإنَّ وجوب الإمامة بالعقل يفسد قولها، وقول الله: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ)(1)، وقول النبيّ: (من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)، وقول أمير المؤمنين عليه السلام : (اللهم إنَّك لا تخلي الأرض من حجّة علي خلقك إمَّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلاَّ تبطل حججك وبيّناتك)، وقول النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (في كلّ خلف من أمّتي عدل من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين).

وأمَّا تعلّقهم بقول الصادق عليه السلام : (إنَّ الله لا يخلي الأرض من حجّة إلاَّ أن يغضب علي أهل الدنيا)، فالمعني في ذلك أنَّه لا يخليها من حجّة ظاهرة بدلالة ما قدَّمناه.

(الردّ علي القائلين بإمامة محمّد وإيصائه إلي جعفر):

وأمَّا الفرقة التي زعمت أنَّ محمّد بن علي عليه السلام كان إماماً بعد أبيه، وأنَّه وصّي إلي غلام يقال له: (نفيس) وأعطاه السلاح والكتب وأمره أن يدفعها إلي جعفر، فإنَّ الذي قدَّمناه علي الإسماعيلية من الدليل علي بطلان إمامة إسماعيل بوفاته في حياة أبيه يكسر قول هذه الفرقة، ونزيده بياناً أنَّ وصيّ الإمام لا يكون إلاَّ إماماً، ونفيس غلام محمّد لم يكن إماماً، ويبطل إمامة جعفر عدم الدلالة علي إمامة محمّد، ودليل بطلان إمامته أيضاً ما ذكرناه من وفاته في حياة أبيه.

ص: 403


1- الإسراء: 71.

(الردّ علي المتحيّرين بعد أبي محمّد عليه السلام):

وأمَّا الفرقة التي أقرَّت بإمامة الحسن عليه السلام ووقفت بعده واعتقدت أنَّه لا بدَّ من إمام ولم يعينوا علي أحد، فالحجّة عليهم النقل الصادق بإمامة المنتظر عليه السلام والنصّ من أبيه عليه، وليس هذا موضعه فنذكره علي النظام.

(الردّ علي القائلين بأنَّ المهدي عليه السلام يبعث بعد وفاته):

وأمَّا الفرقة التي أقرَّت بالمنتظر وأنَّه ابن الحسن عليه السلام وزعمت أنَّه قد مات وسيحيي ويقوم بالسيف، فإنَّ الحجّة عليها ما يجب من وجود الإمام وحياته وكماله وكونه بحيث يسمع الاختلاف ويحفظ الشرع، وبدلالة أنَّه لا فرق بين موته وعدمه.

(الردّ علي مدّعي الوصيّة لجعفر):

وأمَّا الفرقة التي اعترفت بأنَّ أبا محمّد الحسن بن علي عليه السلام كان الإمام بعد أبيه، وادَّعت أنَّه لمَّا حضرته الوفاة نصَّ علي أخيه جعفر بن علي، واعتلّوا في ذلك بأن زعموا أنَّ دعوي من ادّعي النصّ علي ابن الحسن عليه السلام باطل، والعقل موجب للإمامة، فلذلك اضطرّوا إلي القول بإمامة جعفر.

فإنَّه يقال لهم: لِمَ زعمتم أنَّ نقل الإماميّة النصّ من الحسن عليه السلام علي ابنه باطل؟ وما أنكرتم أن يكون حقّاً؟ لقيام الدلالة علي وجوب الإمامة وثقة الناقلين وعلامة صدقهم بصفات الغيبة والخبر فيها عمَّا يكون قبل كونه، وتكون النقلة لذلك خاصّة أصحاب الحسن عليه السلام والسفراء بينه وبين شيعته.

ص: 404

ولفساد إمامة جعفر لما كان عليه في الظاهر ممَّا يضاد صفات الإمامة من نقصان العلم وقلّة المعرفة وارتكاب القبائح والاستخفاف بحقوق الله في مخلفي أخيه مع عدم النصّ عليه، ولفقد أحد من الخلق يروي ذلك أو يأثره عن أحد من آبائه أو من أخيه خاصّة، وإذا كان الأمر علي ما ذكرناه فقد سقط ما تعلَّق به هذا الفريق أيضاً.

علي أنَّه لا فصل بين هؤلاء القوم وبين من ادّعي إمامة بعض الطالبيين واعتلَّ بعلّتهم في وجوب الإمامة وفساد قول الإماميّة فيما يدَّعونه من النصّ علي ابن الحسن عليه السلام، فإذا كان لا فصل بين القولين وأحدهما باطل بلا اختلاف فالآخر في البطلان والفساد مثله، فهذه وفَّقكم الله جملة كافية فيما قصدناه، ونحن نشرح هذه الأبواب والقول فيها علي الاستقصاء والبيان في كتاب نفرده بعد، والله وليّ التوفيق وإيّاه نستهدي إلي سبيل الرشاد.

* * *

فصل: (ردّ مناقضة الغيبة لسيرة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم):

فصل: (ردّ مناقضة الغيبة لسيرة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم):(1)

سئل الشيخ - أيَّده الله - فقيل له: أليس رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد ظهر قبل استتاره ودعا إلي نفسه قبل هجرته وكانت ولادته معروفة ونسبه مشهوراً وداره معلومة، هذا مع الخبر عنه في الكتب الأولي والبشارة به في صحف إبراهيم وموسي عليه السلام وإدراك قريش وأهل الكتاب علاماته ومشاهدتهم لدلائل نبوَّته وإعلام عواقبه، فكيف لم يخف مع ذلك علي نفسه ولا أمر الله أباه بستر ولادته وفرض عليه إخفاء أمره كما زعمتم أنَّه

ص: 405


1- الفصول المختارة: 327 - 330.

فرض ذلك علي أبي الإمام لمَّا كان المنتظر عندكم من بين الأئمّة والمشار إليه بالقيام بالسيف دون آبائه، فأوجب ذلك علي ما ادَّعيتموه واعتللتم به في الفرق بين آبائه وبينه في الظهور علي خبره وكتم ولادته والستر عن الأنام شخصه، وهل قولكم في الغيبة مع ما وصفناه من حال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم إلاَّ فاسد متناقض؟

جواب: يقال: إنَّ المصلحة لا تكون من جهة القياس، ولا تعرف أيضاً بالتوهّم، ولا يتوصَّل إليها بالنظائر والأمثال، وإنَّما تعلم من جهة علاّم الغيوب المطَّلع علي الضمائر العالم بالعواقب الذي لا تخفي عليه السرائر، فليس ننكر أن يكون الله سبحانه قد علم من حال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مع جميع ما شرحتم أنَّه لا يقدم عليه أحد ولا يؤثر ذلك منه، إمَّا لخوف من الإقدام علي ذلك أو لشكّ فيما قد سمعوه من وصفه أو لشبهة عرضت لهم في الرأي فيه، فتدبير الله سبحانه له في الظهور علي خلاف تدبير الإمام المنتظر لاختلاف الحالين.

ويدلُّ علي ما بيَّناه ويوضّح عمَّا ذكرناه أنَّه لم يتعرَّض أحد من عبدة الأوثان ولا أهل الكتاب ولا أحد من ملوك العرب والفرس مع ما قد اتَّصل بهم من البشارة بالنبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لأحد من آباء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالإخافة، ولا لاستبراء واحدة من اُمَّهاته لمعرفة الحمل به، ولا قصدوا الاضرار به في حال الولادة، ولا طول زمانه إلي أن صدع بالرسالة.

ولا خلاف أنَّ الملوك من ولد العبّاس لم يزالوا علي الإخافة لآباء الإمام وخاصّة ما جري من أبي جعفر المنصور مع الصادق عليه السلام، وما صنعه هارون بأبي الحسن موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام حتَّي هلك في حبسه ببغداد، وما قصد المتوكّل بأبي الحسن العسكري عليه السلام جدّ الإمام

ص: 406

حتَّي أشخصه من الحجاز فحبسه عنده بسُرَّ من رأي، وكذلك جري أمر أبي محمّد الحسن عليه السلام بعد أبيه إلي أن قبضه الله تعالي.

ثمّ كان من أمر المعتمد بعد وفاة أبي محمّد عليه السلام ما لم يخف علي أحد من حبسه لجواريه، والمسألة عن حالهنَّ في الحمل، واستبراء أمرهنَّ عندما اتَّفقت كلمة الإماميّة علي أنَّ القائم هو ابن الحسن عليه السلام، فظنَّ المعتمد أنَّه يظفر به فيقتله ويزيل طمعهم في ذلك، فلم يتمكَّن من مراده، وبقي بعض جواري أبي محمّد عليه السلام في الحبس أشهراً كثيرة، فدلَّ بذلك علي الفرق بين حال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في مولده وبين الإمام عليه السلام علي ما قدَّمناه بما ذكرناه وشرحناه.

وشيء آخر، وهو أنَّ الخوف قد كان مأموناً علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من بني هاشم وبني عبد المطلب وجمع أهل بيته وأقاربه، لأنَّ الشرف المتوقّع له بالنبوّة كان شرفهم، والمنزلة التي تحصل له بذلك فهي تختَّص بهم، وعلمهم بهذه الحال يبعثهم علي صيانته وحفظه وكلاءته ليبلغ الرتبة التي يرجونها له فينالون بها أعلي المنازل ويملكون بها جميع العالم.

وأمَّا البعداء منهم في النسب فيعجزون عن إيقاع الضرر به لموضع أهل بيته ومنعهم منه وعلمهم بحالهم، وأنَّهم أمنع العرب جانباً، وأشدّهم بأساً، وأعزّهم عشيرة، فيصدّهم ذلك عن التعرّض له ويمنع من خطوره ببالهم، وهذا فصل بين حال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فيما يوجب ظهوره مع انتشار ذكره والبشارة به، وبين الإمام فيما يجوز استتاره وكتم أمر ولادته، وهذا بيّن لمن تدبَّره.

وشيء آخر، وهو أنَّ ملوك العجم في زمان مولد النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لم

ص: 407

يكونوا يكرهون مجيء نبيّ يدعو إلي شرع مستأنف، ولا يخافون بمجيئه علي أنفسهم ولا علي ملكهم، لأنَّهم كانوا ينوون الإيمان به والاتّباع له، وقد كانت اليهود تستفتح به علي العرب وترجو ظهوره كما قال الله عز وجل: (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ)(1) وإنَّما حصل للقوم الخلاف عليه والإباء له بنيّة تجدَّدت لهم عند مبعثه.

ولم يجر أمر الإمام المنتظر عليه السلام هذا المجري، بل المعلوم من حال جميع ملوك زمان مولده ومولد آبائه خلاف ذلك من اعتقادهم فيمن ظهر منهم يدعو إلي إمامة نفسه أو يدعو إليه داع، سفك دمه واستئصال أهله وعشيرته، وهذا أيضاً فرق بين الأمرين.

وشيء آخر، وهو أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مكث ثلاث عشرة سنة يدعو بمكّة إلي دينه والاعتراف بالوحدانية وبنبوَّته ويسفّه جميع من خالفه ويضلّلهم ويسبّ آلهتهم، فلم يقدم أحد منهم علي قتله ولا رام ذلك، ولا استقام لهم نفيه عن بلادهم ولا حبسه ولا منعه من دعوته، ونحن نعلم علماً يقيناً لا يتخالجنا فيه الشكّ بأنَّه لو ظنَّ أحد من ملوك هذه الأزمان ببعض آل أبي طالب أنَّه يحدث نفسه بادّعاء الإمامة بعد مدّة طويلة، لسفك دمه دون أن يعلم ذلك ويتحقَّقه، فضلاً عن أن يراه ويجده.

وقد علم أهل العلم كافة أنَّ أكثر من حبس في السجون من ولد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقتل بالغيلة إنَّما فعل به ذلك علي الظنّة والتهمة دون اليقين والحقيقة، ولو لم يكن أحد منهم حلَّ به ذلك إلاَّ موسي بن جعفر عليه السلام لكان كافياً، ومن تأمَّل هذه الأمور وعرفها وفكر فيما ذكرناه وتبيَّنه .

ص: 408


1- البقرة: 89 .

انكشف له الفرق بين النبيّ وبين الإمام فيما سأل عنه هؤلاء القوم ولم يتخالجه فيه ارتياب والله الموفّق للصواب.

وبهذا النحو يجب أن يجاب من سأل فقال: أليس الرسول قد ظهر في أوّل أمره وعرفت العامّة والخاصّة وجوده ثمّ استتر بعد ذلك عند الخوف علي نفسه، فقد كان يجب أن يكون تدبير الإمام في ظهوره واستتاره كذلك. مع أنَّ الاتفاقات ليس عليها قياس، والألطاف والمصالح تختلف في أنفسها ولا تدرك حقائقها إلاَّ بسمع يرد عن عالم الخفيات جلَّت عظمته، فلا يجب أن نسلك في معرفتها طريق الاعتبار.

وليس يستتر هذا الباب إلاَّ علي من قلَّ علمه بالنظر وبعد عنه الصواب، والله نستهدي إلي سبيل الرشاد.

* * *

ص: 409

ص: 410

رسائل الشريف المرتضي

اشارة

للشريف المرتضي علم الهدي علي بن الحسين الموسوي (355 - 436ه-)

اعداد: مهدي رجائي

ص: 411

ص: 412

رسائل الشريف المرتضي المجموعة الأولي

مسألة ثانية وعشرون: متي يظهر الحجّة عليه السلام؟

لصاحب الزمان عليه السلام يوم معلوم يظهر فيه؟ وهل يشاهدنا أم لا؟

الجواب:

ليس يمكن نعت الوقت الذي يظهر فيه صاحب الزمان عليه السلام، وإنَّما يعلم علي سبيل الجملة أنَّه يظهر في الوقت الذي يأمن فيه المخافة، وتزول عنه التقيّة. وهو عليه السلام شاهد لنا ومحيط بنا، وغير خافٍ عليه شيء من أحوالنا (1).

* * *

رسائل الشريف المرتضي المجموعة الثانية

رسالة في غيبة الحجّة(2):

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمد مرتبط للنعم، مستدفع للنقم، وصلّي الله علي خير العرب والعجم، المبعوث إلي سائر الأمم، محمّد وعلي آله الطاهري النسم، الظاهري الفضل والكرم.

ص: 413


1- رسائل المرتضي 1: 283.
2- رسائل المرتضي 2: 291 - 298.
وبعد:

فإنَّ المخالفين لنا في الاعتقاد يتوهَّمون صعوبة الكلام علينا في الغيبة وسهولته عليهم، وليس بأوّل اعتقاد جهل اعتقدوه، وعند التأمّل يبين عكس ما توهَّموه.

بيان ذلك:

إنَّ الغيبة فرع لأصول إنَّ صحَّت، فالكلام في الغيبة أسهل شيء وأوضحه، إذ هي متوقّفة عليها. وإن كانت غير صحيحة، فالكلام في الغيبة صعب غير ممكن.

بيان هذه الجملة: إنَّ العقل يقتضي بوجوب الرئاسة في كلّ زمان، وأنَّ الرئيس لا بدَّ منه كونه معصوماً مأموناً من كلّ فعل قبيح.

وإذا ثبت هذان الأصلان لم يبقَ إلاَّ إمامة من نشير إلي إمامته، لأنَّ الصفة التي اقتضاها ودلَّ علي وجوبها لا توجد إلاَّ فيه، وتساق الغيبة بهذا سوقاً ضرورياً لا يقرب منه شبهة، فيحتاج أن ندلَّ علي صحَّة الأصلين المذكورين.

فنقول:

أمَّا الذي يدلُّ علي وجوب الإمامة في كلّ زمان، فهو أنّا نعلم (و)(1) لا طريق للشكّ علينا أنَّ وجود الرئيس المطاع المهيب المنبسط اليد أدعي إلي فعل الحسن وأردع عن فعل القبيح، وأنَّ المظالم بين الناس: إمَّا أن يرتفع عند وجود من وصفناه، أو يقلّ.

وأنَّ الناس عند الإهمال وفقد الرؤساء يبالغون في القبيح، وتفسد

ص: 414


1- ليست في النسخة المطبوعة، وأثبتناه لاقتضاء السياق.

أحوالهم ويختلُّ نظامهم، والأمر في ذلك أظهر من (أن)(1) يحتاج إلي دليل، والإشارة إليه كافية، فاستقصاؤه في مظانه.

وأمَّا الذي يدلُّ علي وجوب عصمة الرئيس المذكور، فهو أنَّ علّة الحاجة إليه موجودة(2)، وجب أن يحتاج إلي رئيس وإمام كما احتيج إليه. والكلام في الإمامة كالكلام فيه، وهذا يقتضي القول بأئمّة لا نهاية لها، وهو محال، أو القول بوجود إمام فارقت عنه علّة الحاجة.

وإذا ثبت ذلك لم يبقَ إلاَّ القول بإمام معصوم لا يجوز عليه القبيح، وهو ما قصدناه، وشرح ذلك وبسطه مذكور في أماكنه.

وإذا ثبت هذان الأصلان، فلا بدَّ من القول بأنَّه صاحب الزمان بعينه، ثمّ لا بدَّ من فقد تصرّفه وظهوره من القول بغيبته، لأنَّه إذا بطلت إمامة من أثبتت له الإمامة بالاختيار، لفقد الصفة التي دلَّ العقل عليها.

وبطل قول من خالف من شذاذ الشيعة من أصحابنا بما صاحبنا، كالكيسانية والناووسية والواقفية، لانقراضهم وشذوذهم، ولعود الضرورة إلي فساد قولهم، فلا مندوحة عن مذهبنا، فلا بدَّ من صحَّته، وإلاَّ خرج الحقّ عن الإمامة.

وإذا علمنا بالسياقة التي ساق الأصلان إليها أنَّ الإمام هو ابن الحسن عليه السلام دون غيره، ورأيناه غائباً عن الأبصار، علمنا أنَّه لم يغب مع عصمته وتعيّن فرض الإمامة فيه وعليه، إلاَّ بسبب اقتضي ذلك، ومصلحة استدعته، وحال أوجبته.

ولم يعلم وجه ذلك مفصَّلاً، لأنَّ ذلك ممَّا لا يلزم علمه، وإن).

ص: 415


1- ليست في النسخة المطبوعة، وأثبتناه لاقتضاء السياق.
2- (ظ): (لو كانت موجودة فيه).

تكلَّفنا وتبرَّعنا بذكره كان تفضّلاً، كما إذا تبرَّعنا بذكر وجوه المتشابه من الآي بعد العلم بحكمة الله تعالي سبحانه، كان ذلك تفضّلاً.

فنقول:

السبب في الغيبة هو إخافة الظالمين له، ومنعهم يده من التصرّف فيما جعل إليه التصرّف فيه، لأنَّ الإمام إنَّما ينتفع به النفع الكلّي إذا كان متمكّناً مطاعاً مخلي بينه وبين أغراضه، ليقود الجنود، ويحارب البغاة، ويقيم الحدود، ويسدّ الثغور، وينصف المظلوم، وكلّ ذلك لا يتمّ إلاَّ مع التمكّن. فإذا حيل بينه وبين أغراضه من ذلك سقط عنه فرض القيام بالإمامة.

وإذا خاف علي نفسه وجبت غيبته، والتحرُّز من المضار واجب عقلاً وسمعاً، وقد استتر النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في الشعب، وأخري في الغار، ولا وجه لذلك إلاَّ الخوف والتحرُّز من المضار.

فإن قيل:

النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ما استتر عن قومه إلاَّ بعد أداء ما وجب عليه أداؤه، وقولكم في الإمام يخالف ذلك. ولأنَّ استتاره عليه السلام لم يتطاول ولم يتماد، واستتار إمامكم قد مضت عليه الشهور وانقضت دونه الدهور.

قلنا:

ليس الأمر علي ما ذكرتم، لأنَّ استتار النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم كان قبل الهجرة، ولم يكن عليه السلام أدّي جميع الشريعة، فإنَّ معظم الأحكام وأكثرها نزل المدينة، فكيف ادَّعيتم ذلك؟

علي أنَّه لو كان الأمر علي ما ادَّعيتم من الأداء (و) التكامل قبل الاستتار، لما كان ذلك رافعاً للحاجة إلي تدبيره وسياسته وأمره ونهيه.

ص: 416

ومن الذي يقول: إنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم غير محتاج إليه بعد أداء الشرع؟ وإذا جاز استتار النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم مع تعلّق الحاجة به لخوف الضرر، وكانت البعثة لازمة لمن أخافه وأحوجه إلي الاستتار وساقط(1) عنه، فكذلك القول في استتار إمام الزمان.

فأمَّا التفرقة بطول الغيبة وقصرها، ففاسدة، لأنَّه لا فرق بين القصير والممتد، وذلك موقوف علي علَّته وسببه، فتطول بطول السبب، وتقصر بقصيره، وتزول بزواله.

والفرق بينه وبين آبائه عليهم السلام أنَّه ظاهر بالسيف، ويدعو إلي نفسه، ويجاهد من خالفه، ويزيل الدول. فأيّ نسبة بين خوفه من الأعداء وخوف آبائه عليهم السلام لولا قلّة التأمّل؟

فإن قيل:

فأيّ فرق بين وجوده غائباً لا يصل إليه أحد ولا ينتفع به بشر، وبين عدمه؟ وألا جاز إعدامه إلي حين علم الله سبحانه بتمكين الرعيّة له كما جاز أن يبيحه الاستتار حتَّي يعلم منه التمكين له فيظهر؟

قيل له:

أوّلاً: نحن نجوّز أن يصل إليه كثير من أوليائه والقائلين بإمامته فينتفعون به، ومن لا يصل إليه منهم ولا يلقاه من شيعته ومعتقدي إمامته فهم ينتفعون به في حال الغيبة النفع الذي نقول أنَّه لا بدَّ في التكليف منه، لأنَّهم مع علمهم بوجوده بينهم، وقطعهم علي وجوب طاعته عليهم ولزومها لهم، لا بدَّ من أن يخافوه ويهابوه في ارتكاب القبائح، ويخشوا).

ص: 417


1- (ظ): (سقط عنه).

تأديبه ومؤاخذته، فيقلّ منهم فعل القبيح ويكثر فعل الحسن، أو يكون ذلك أقرب.

وهذه جهة الحاجة العقلية إلي الإمام، فهو وإن لم يظهر لأعدائه لخوفه منهم، وسدّهم علي أنفسهم طرق الانتفاع به، فقد بيَّنا في هذا الكلام الانتفاع به لأوليائه علي الوجهين المذكورين.

علي أنّا نقول: الفرق بين وجود الإمام من أجل الخوف من أعدائه، وهو يتوقَّع في هذه الحالة أن يمكّنوه فيظهر ويقوم بما فوض الله إليه، وبين عدمه جليّ واضح.

لأنَّه إذا كان معدوماً، كان (ما) يفوت العباد من مصالحهم ويعدمونه من مراشدهم ويحرمونه من لطفهم منسوباً إلي الله سبحانه، لا حجّة فيه علي العباد ولا لوم.

وإذا كان موجوداً مستتراً باخافتهم إيّاه، كان ما يفوتهم من المصالح ويرتفع عنهم من المنافع منسوباً إليهم، وهم الملومون عليه، المؤاخذون به.

علي أنَّ هذا ينعكس عليهم في استتار النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، فأيّ شيء قالوه فيه أجبناهم بمثله هنا.

والقول بالحدود في حال الغيبة ظاهر، وهو أنَّها في حياة فاعلها وحياتها (1)، فإن ظهر الإمام والمستحقّ للحدود باقٍ، وهي ثابتة عليه بالبيّنة والإقرار، استوفاها منه.

وإن فات ذلك بموته، كان الإثم علي من أخاف الإمام وألجأه إلي).

ص: 418


1- كذا في النسخة، والظاهر زيادتها، أو أن يكون: (في حياة فاعل جانيها).

الغيبة، وليس بنسخ الشريعة في إقامة الحدود، لأنَّه إنَّما يكون نسخاً لو سقط فرض إقامتها مع التمكين وزوال الأسباب المانعة من إقامتها. وأمَّا مع عدمه والحال ما ذكرنا فلا.

وهذه جملة مقنعة في هذه المسألة، والله المستعان وبه التوفيق.

* * *

رسائل الشريف المرتضي المجموعة الثالثة

فصل: في الغيبة

فصل: في الغيبة(1):

قال رضي الله عنه: إن قالوا: إن قلتم: إنَّ الإمام موجود، وإنَّه يظهر ويفعل ويصنع، فأيّ شيء يمنع من ظهوره؟ بيّنوا ما الموجب لاستتاره وغيبته؟

قلنا: قد ثبت وجوب الإمام، وأنَّ من صفته أن يكون معصوماً لا يجوز أن يقع منه الفعل القبيح، وإذا كان كذلك وقد بيَّنا أنَّ الإمام يجب كونه موجوداً والآن... ظهوره(2) وغيبته.

فنقول: إذا ثبت عصمته ثمّ استتر ولم يظهر، وجب أن يكون ذلك لعذر، لأنَّ القبيح لا يجوز وقوعه منه، وليس يجب علينا بيان ذلك العذر، وإنَّما هو بوجه من الوجوه.

وهذا مثل ما نقول وهم(3) الملحدة حين يقولون: ما الحكمة في رمي الحجارة والهرولة واستلام الحجر، لا نعلم شيئاً؟ إلي غير ذلك ممَّا يسألون عنه.

ص: 419


1- رسائل المرتضي 3: 144.
2- في الهامش: (ما بقي أن لا).
3- لعلَّه نقوله للملاحدة.

ألسنا نقول لهم: إنَّ صانع العالم قد ثبتت حكمته بالدليل الباهر القاهر، ومع حكمته إذا أمرنا بمثل هذه الأشياء، علمنا أنَّ الحكمة أوجبت ذلك الأمر.

فإذا قالوا: ما ذلك الأمر؟

قلنا: لا يجب علينا بيانه، من حيث علمنا أنَّ القبيح لا يحصل منه تعالي، والطريقان واحد علي ما تري، وهذا هو سدّ الباب علي مخالفينا وقطع التطويلات عنهم والأمارات(1)، وبهذا أن يستعمل معهم سؤال لهم.

إذا قالوا: إنَّ نصب الإمام إذا كان لطفاً للمكلّفين في فعل الواجبات وتجنّب المقبحات، فإنَّ استتاره وغيبته ينقضان هذا البناء، ويبطلان هذا الغرض.

قلنا لهم: لا يمتنع أن يقع هذا اللطف مع غيبته في هذا الباب أقوي، لأنَّ المكلَّف إذا لم يعلم مكانه ولم يقف موضعه ويجوز فيمن لا يعرفه أنَّ الإمام يكون إلي أن لا يفعل القبيح ولا يقصّر في فعل الواجب أقرب منه لو عرفه، ولا يجوز فيه كونه إماماً.

وهذا جواب ظاهر ليس لأحد من أصحابنا هذا الجواب.

قال رضي الله عنه: العصمة في صفات الإمام من أكبر الأصول في الإمامة، إن تثبت يكفي كثيراً من المؤن، فالواجب أن يكون الاشتغال بتصحيحها أكثر.

فصل

فصل(2):

وسُئِل رضي الله عنه عن الحال بعد إمام الزمان عليه السلام في الإمامة، فقال: إذا

ص: 420


1- في الهامش: (الإيرادات).
2- رسائل المرتضي 3: 145.

كان من المذهب المعلوم أنَّ كلّ زمان لا يجوز أن يخلو من إمام يقوم بإصلاح الدين ومصالح المسلمين، ولم يكن لنا بالدليل الصحيح أنَّ خروج القائم يطابق زوال التكليف، فلا يخلو الزمان بعده عليه السلام من أن يكون فيه إمام مفترض الطاعة، أو ليس يكون.

فإن قلنا بوجود إمام بعده خرجنا من القول بالاثني عشرية، وإن لم نقل بوجود إمام بعده، أبطلنا الأصل الذي هو عماد المذهب، وهو قبح خلو الزمان من الإمام.

فأجاب رضي الله عنه وقال: إنّا لا نقطع علي مصادفة خروج صاحب الزمان محمّد بن الحسن عليه السلام زوال التكليف، بل يجوز أن يبقي العالم بعده زماناً كثيراً، ولا يجوز خلو الزمان بعده من الأئمّة.

ويجوز أن يكون بعده عدّة أئمّة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، وليس يضرُّنا ذلك فيما سلكناه من طرق الإمامة، لأنَّ الذي كلَّفنا إيّاه وتعبَّدنا منه أن نعلم إمامة هؤلاء الاثني عشر، ونبيّنه بياناً شافياً، إذ هو موضع الخلاف والحاجة.

ولا يخرجنا هذا القول عن التسمّي بالاثني عشرية، لأنَّ هذا الاسم عندنا يطلق علي من يثبت إمامة اثني عشر إماماً. وقد أثبتنا نحن ولا موافق لنا في هذا المذهب، فانفردنا نحن بهذا الاسم دون غيرنا.

* * *

ص: 421

ص: 422

الشّافي في الإمامة

للشريف المرتضي علم الهدي علي بن الحسين الموسوي (355 - 436 ه-)

حققه وعلق عليه السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب

ص: 423

ص: 424

(الحجّة في فوت المصلحة نتيجة الغيبة علي الظالمين):

قال صاحب الكتاب: (ثمّ يقال لهم: فيجب علي زعمكم إذا لم يظهر الإمام حتَّي يزول النقص به، أن يكون الحال فيه كالحال، ولا حجّة في الزمان، لأنَّ النقص لا يزول بوجود الإمام، وإنَّما يزول بما يظهر منه، ويعلم من قبله، وهذا يوجب عليهم في هذا الزمان وفي كثير من الأزمنة أن يكون المكلَّف معذوراً، التكليف ساقطاً...)(1).

فيقال له: ليس يجب إذا لم يظهر الإمام ففات النفع به أن يكون الحال عند عدم ظهوره كالحال عند عدم عينه(2)، لأنَّه إذا لم يظهر لإخافة الظالمين له، ولأنَّهم أحوجوه إلي الغيبة والاستتار، كانت الحجّة في فوت المصلحة به عليهم، فكانوا هم المانعين أنفسهم من الانتفاع به، وإذا عدمت عين الإمام ففات المكلَّفين الانتفاع به كانت الحجّة في ذلك علي من فوَّتهم النفع به وهو القديم تعالي، وإذا وجب إزاحة علل المكلَّفين عليه تعالي علمنا أنَّه لا بدَّ من أن يوجد إمام، ويأمر بطاعته، والانقياد له، سواء علم وقوع الطاعة من المكلَّفين، أو علم أنَّهم يخيفونه ويلجئونه إلي الغيبة، وهذا بخلاف ما ظنَّه من كون المكلَّفين معذورين، أو سقوط التكليف عنهم.

فإن قال: إن كان المكلَّفون غير معذورين وقد أخافوا الإمام علي

ص: 425


1- المغني 20 (ق 1): 58.
2- عين الشيء: نفسه والمراد عند عدم وجوده.

دعواكم، وأحوجوه إلي السكوت بحيث لا ينتفعون به، ولا يصلون إلي مصالحهم من جهته، فيجب أن يسقط عنهم التكليف الذي أمر الإمام به، ونهيه وتصرّفه لطف فيه، لأنَّهم ما فعلوه، وقد منعوا من هذا اللطف، وجروا في هذا الوجه مجري من قطع رجل نفسه في أنَّ تكليفه بالصلاة قائماً لا يلزمه ويجب سقوطه عنه، ولا يفرق في سقوط التكليف حال قطعه لرجل نفسه وقطع الله تعالي لها.

قيل له: ليس يشبه حال المكلَّفين المانعين للإمام من الظهور والقيام بأمر الإمامة بحال القاطع لرجل نفسه في سقوط تكليف الصلاة مع القيام عنه، بأنَّ من قطع رجل نفسه قد أخرج نفسه عن التمكّن من الصلاة قائماً لأنَّه لا وصول إلي هذه الصلاة بشيء من أفعاله ومقدوراته، وليس كذلك حال الظالمين والمخيفين للإمام، لأنَّهم قادرون ومتمكّنون من إزالة إخافته، وما أحوجه إلي الغيبة، ويجرون في هذا الوجه مجري من شدَّ رجل نفسه في أنَّ تكليفه للصلاة قائماً لا يسقط عنه، وإن كان في حال شدّها غير متمكّن من الصلاة لأنَّه قادر علي إزالة الشدّ فيصحُّ منه فعل الصلاة.

فإن قالوا: ما هذا الأمر الذي فعله الظالمون فمنعوا منه الإمام من الظهور، بيّنوه لنعلم صحَّة ما ادَّعيتموه من تمكّنهم من إزالته، والانصراف عنه؟

قيل له: المانع - في الحقيقة - عندنا من ظهوره هو إعلام الله تعالي أنَّ الظالمين متي ظهر أقدموا علي قتله وسفك دمه، فبطل الحجّة بمكانه، وليس يجوز أن يكون المانع من الظهور إلاَّ ما ذكرناه، لأنَّ مجرَّد الخوف من الضرر وما يجري مجري الضرر ممَّا لا يبلغ إلي تلف النفس ليس يجوز أن يكون قانعاً، لأنّا قد رأينا من الأئمّة عليهم السلام (م-)مَّن

ص: 426

تقدَّم(1) ظهر مع جميع ذلك، وليس يجوز أن يجعل المانع من الظهور علم الله تعالي من حال بعض المكلَّفين أو أكثرهم أنَّهم يفسدون عند ظهوره في بعض الأحوال، لأنَّه إن قيل إنَّه يعلم ذلك علي وجه يكون ظهوره مؤثّراً فيه وجب سقوط ما عوَّلنا عليه في أصل الإمامة من كونها لطفاً في الواجبات، وارتفاع المقبحات، ولزم فيها ما نأباه من كونها استفساداً في حال من الأحوال وإن لم يكن ظهوره مؤثّراً فيما يتبع من الفساد لأجله كما لم يلزم استتار من تقدَّمه من الأئمّة عليهم السلام، ولا ترك بعثة كثير من الرسل لأجل ما وقع من بعض المكلَّفين من الفساد في حال الإمامة لهؤلاء والنبوّة لأولئك، وهذا يبيّن أنَّ الوجه الصحيح الذي ذكرناه دون غيره.

فإن قال: إذا كان المانع هو ما ذكرتموه فيجب في كلّ من كان في المعلوم أنَّ رعيته تقتله من إمام أو نبيّ أن يوجب الله تعالي عليه الاستتار والغيبة، ويحظر(2) عليه الظهور، وإلاَّ فإن جاز أن يبيح الله تعالي لبعض (من) يعلم أنَّه يقتل من حججه الظهور جاز مثل ذلك في كلّ إمام، فبطل أن يكون المانع ما ذكرتموه.

قيل له: إنَّما أوجبنا أن يكون ما بيَّناه مانعاً بشرط أن يكون مصلحة المكلَّفين مقصورة علي ذلك الإمام بعينه، ويكون في معلوم الله تعالي أنَّ أحداً من البشر لا يقوم في مصلحة الخلق بإمامته مقامه، ومن إباحة الله تعالي التصبّر علي القتل من حججه وأنبيائه لم يتَّجه ذلك إلاَّ مع العلم بأنَّه إذا قتل (قام) مقامه غيره من الحجج، فهذا واضح لمن تأمَّله.ة.

ص: 427


1- أي ممَّن تقدَّم علي الإمام الغائب.
2- الحظر: الحجر وهو ضدّ الإباحة.

فإن قال: إذا كان المانع للإمام من الظهور ما بيَّنتموه، فما هو معلوم أنَّ الظالمين هم المخصوصون به، فما قولكم في أوليائه ومعتقدي إمامته وهم متميّزون من أعدائه في المنع الذي ذكرتموه، فيجب عليكم أحد أمور: أن تقولوا: إنَّ التكليف الذي الإمام لطف فيه ساقط عنهم، وهذا خروج عن الدين، أو ترتكبوا القول بظهور الإمام لهم، وتدَّعون ما تعلمون أنتم وكلّ أحد خلافه، أو تشركوا بينهم وبين الأعداء في المنع الذي ادَّعيتموه، فيلزمكم مساواتهم بحالهم وخروجهم من جملة الولاية إلي العداوة، وقد علمنا وعلمتم أنَّ جميع الناس ليس بأعداء الإمام الذي تدَّعونه، بل فيهم من يعتقد إمامته وينتظر ظهوره؟

قيل له: قد أجاب أصحابنا عن هذا السؤال، بأن قالوا: إنَّ العلّة في استتار الإمام في غيبته عن أوليائه غير العلّة في استتاره عن أعدائه، وهو خوفه من الظهور لهم؛ لئلاَّ ينشروا خبره ويجروا ذكره فيسمع به الأعداء، ويظهروا عليه فيؤول الأمر إلي الغاية الموجبة للاستتار من الأعداء، وهذا قريب.

وممَّا يمكن أن يجاب به عن هذا السؤال، أن يقال: قد علمنا أنَّ الإمام إذا ظهر لجميع رعيّته أو لبعضهم وليس يعلم صدقه في ادّعائه أنَّه الإمام بنفس دعواه، بل لا بدَّ من آية يظهرها تدلُّ علي صدقه، وما يظهره من الآيات ليس يعلم ضرورة كونه آية ودلالة(1)، بل يعلم ذلك بضروب الاستدلال التي يدخل في طرقها الشكوك والشبهات، وإذا صحَّ هذا فمن لم يظهر له الإمام من أوليائه لا يمتنع أن يكون المعلوم من حاله أنَّ ما يظهره الإمام من المعجزات دخل عليه فيا.

ص: 428


1- يعني من جميع من شاهدها أو سمع بها.

طريقه الشبهات فلا يصل إلي العلم بكونه آية معجزة، وإذا لم يصل إلي ما ذكرناه واعتقد في المظهر له ما يعتقد في المحتالين المخرفين(1) لم يمنع أن يكون في المعلوم منه أن يقدم مع هذا الاعتقاد علي سفك دمه، أو فعل ما يؤدّي إلي ذلك من تنبيه بعضهم عليه - أعني بعض الأعداء - فيؤول الحال إلي العلّة التي منعنا لها من ظهوره لأعدائه، وإن كان بين الأعداء والأولياء فرق من وجه آخر، لأنَّ الأعداء قبل ظهوره معتقدون أنَّه لا إمام في العالم، وأنَّ من ادّعي الإمامة مبطل كاذب، فهم عند ظهور من يدّعي الإمامة علي الوجه الذي نذهب إليه لا ينظرون فيما يظهره ممَّا يدّعي أنَّه آية، لتقدّم اعتقادهم أنَّ كلّ ما يدّعيه من نسب الإمامة المخصوصة إلي نفسه من الآيات باطل لا دلالة فيه، فيقدمون لهذا الاعتقاد علي المكروه فيه، وليس كذلك حال الأولياء، لأنَّهم ينتظرون ظهور الإمام الذي يدّعي هذا النسب المخصوص، فهم فيما يظهر لهم من آية إنَّما يستحلّ بعضهم فيه المحرَّم لدخول الشبهة عليه فيما يظهره حتَّي يعتقد أنَّه ليس بآية ولا معجزة.

وعلي الجوابين جميعاً لسنا نقطع علي أنَّ الإمام لا يظهر لبعض أوليائه وشيعته، بل يجوز ذلك، ويجوز أيضاً أن لا يكون ظاهراً لأحد منهم، وليس يعرف كلّ واحد منّا إلاَّ حال نفسه، فأمَّا حال غيره فغير معلومة له، ولأجل تجويزنا أن لا يظهر لبعضهم أو لجميعهم ما ذكرنا العلّة المانعة من الظهور(2).

(وجود الإمام يؤثّر في التقليل من وقوع الشهوات):

قال صاحب الكتاب: (ولو كان الحجّة يؤثّر في الشهوة لكان

ص: 429


1- المخرف: الذي يأتي بما يستملح ولا يصدق عليه؛ وفي نسخة: (المنخرفين).
2- الشافي في الإمامة 1: 144 - 149.

يجب الغني عنه بأن لا يفعل الله تعالي الشهوة أو يزيلها عن المكلَّف، والتكليف قائم لأنَّه تعالي علي ذلك أقدر...)(1).

فيقال له: لو أنَّ الله تعالي أزال الشهوة ولم يفعلها بالابتداء لقبح التكليف، لأنَّ فقدها مخلّ بشرطه، ولو سقط التكليف لم يحتج إلي الإمام، لأنَّ الحاجة إليه مقرونة به(2) وباستمراره، علي أنَّ في قولك: (يزيلها) وأنت تعني الشهوة والتكليف قائم مناقضة ظاهرة، لأنَّك قبل هذا الفصل قلت: (إنَّ الشهوة والهوي لا بدَّ من إثباتها حتَّي يصحّ التكليف) فكيف نسيت هذا هاهنا، وألزمت أن لا يفعلها الله تعالي مع ثبوت التكليف؟

فإن قلت: إنَّما أردت أن يزيلها كما يزيلها الإمام، قلنا لك: الإمام ليس يزيلها، وإنَّما هو لطف في ارتفاع مقتضاها.

فإن قلت: فألا رفع مقتضاها بغير إمام.

قلنا لك: هذا ممَّا قد بيَّنا فساده بالدلالة علي أنَّ الإمام لطف، وأنَّ غيره لا يقوم مقامه في من كان لطفاً لهم(3).

(لا تجوز الغيبة مع الاختيار بل مع الإلجاء والاضطرار):

قال صاحب الكتاب: (وتعلّقهم بكلّ ذلك يبطل، لأنَّه يوجب أن لا يقتصروا علي حجّة واحدة يلزمهم أن يكون كلّ مكلَّف متمكّناً منه في كلّ وقت)(4).

ص: 430


1- المغني 20 (ق 1): 62.
2- أي بالتكليف.
3- الشافي في الإمامة 1: 158 و159.
4- المغني 20 (ق 1): 62.

فيقال له: أمَّا إلزامك أن لا يقتصر علي حجّة واحدة، فقد مضي ما فيه مكرَّراً.

فأمَّا الغيبة، فإنّا لم نجوّزها مع الاختيار، بل مع الإلجاء والاضطرار، والحجّة علي الظالمين الذين أخافوا الإمام وأحوجوه إلي الاستتار والغيبة، ولا حجّة فيه علي الله تعالي ولا علي الإمام عليه السلام . فأمَّا تمكّن كلّ واحد من الوصول إليه، فقد تقدَّم أنَّه ممكن من حيث تمكّنوا من مفارقة ما أحوج الإمام إلي الاستتار(1).

(الغيبة غير مانعة من المعرفة بالشرع ومن حفظه):

قال صاحب الكتاب: (ولا بدَّ لهم من ذلك من وجه آخر، لأنَّ الإمام عندهم قد يكون مغلوباً بالخوارج وغيرهم، ولا بدَّ مع إثبات التكليف من معرفة الشرائع، فإذا صحَّ أن يعرفوها(2) والحال هذه لا من جهة الإمام فلا يمتنع في سائر الأحوال مثله، ويستغني عن الإمام المعصوم، ولا بدَّ من ذلك من وجه آخر، لأنَّ الإمام منذ زمان غير معلوم عينه، وإن كان له عين فغير معلوم مكانه، وغير متميّز علي وجه يصحّ أن يقصد، وقد صحَّ مع ذلك أن نعرف الشرائع ونقوم بها، فغير ممتنع مثله في سائر الأزمنة...)(3).

يقال له: أمَّا غلبة الخوارج فغير مانعة من حفظ الشرع، وأمَّا معرفته في هذه الأحوال - يعني أحوال غلبتهم - فيكون بالنقل عن صاحب

ص: 431


1- الشافي في الإمامة 1: 159.
2- في الأصل: (أن يعرفوه)، وما في المتن عن المغني.
3- المغني 20 (ق 1): 81 .

الشرع، أو عمَّن تقدَّم إمام الزمان من الأئمّة، ويكون ذلك النقل محفوظاً بإمام الزمان، وليس يجوز أن تنتهي غلبة الخوارج إلي حدّ يمنع الإمام من بيان ما ضاع من الشرع(1)، وأخلَّ به الناقلون، لأنَّ ذلك لو علم لما كلّفنا الله تعالي العمل بالشرع، والثقة به، والقطع علي وصوله إلينا، وفي العلم بأنّا مكلَّفون بما ذكرناه دليل علي أنَّ الإمام لا يجوز أن ينتهي به غلبة الخوارج إلي حدّ يمنعه من بيان ما يضيع من الشرع. فأمَّا حال الغيبة فغير مانعة من المعرفة بالشرع، ومن حفظه أيضاً علي الوجه الذي بيَّناه، ولم نقل: إنّا نحتاج إلي الإمام في كلّ حال لنعرف الشرع، بل لنثق بوصوله إلينا، ونحن نثق بذلك في حال الغيبة، لعلمنا بأنَّه لو أخلَّ الناقلون منه بشيء يلزمنا معرفته لظهر الإمام، وبيَّن بنفسه عنه.

(الظالمين منعوا الإمام من التبليغ واللوم فيه عليهم):

قال صاحب الكتاب: (قد قال شيخنا أبو علي: إن كان الغرض إثبات إمام في الزمان، وإن لم يبلّغ(2) ولم يقم بالأمور، وصحَّ ذلك، فما الأمان(3) من أنَّه جبرائيل، أو بعض الملائكة في السماء ويستغني عن إمام في الأرض، لأنَّ المعني الذي لأجله يطلب الإمام عندكم يقتضي ظهوره، فإذا لم يظهر كان وجوده كعدمه، وكان كونه في الزمان ككون(4) جبرئيل في السماء)(5).

ص: 432


1- الشريعة (خ ل).
2- (غ): (وإن لم يقع)، والظاهر التحريف.
3- فما المانع (خ ل).
4- بمنزلة كون (خ ل).
5- المغني 20 (ق 1): 81 .

يقال له: لا شكَّ في أنَّ الغرض ليس هو وجود الإمام فقط، بل أمره ونهيه وتصرّفه، لأنَّ بهذه الأمور ما يكون المكلَّفون من القبيح أبعد، وإلي فعل الواجب أقرب، غير أنَّ الظالمين منعوه ممَّا هو الغرض، واللوم فيه عليهم، والله المطالب لهم، ولمَّا كان ما هو الغرض لا يتمّ إلاَّ بوجوده أوجده الله تعالي، وجعله بحيث لو شاء المكلَّفون أن يصلوا إليه وينتفعوا به لوصلوا وانتفعوا بأن يعدلوا عمَّا أوجب خوفه وتقيّته فيقع منه الظهور الذي أوجبه الله تعالي عليه مع التمكّن، ولمَّا كان المانع من تصرّفه وأمره ونهيه غير مانع من وجوده لم يجب(1) من حيث امتنع عليه التصرّف بفعل الظلمة أن يعدمه(2) الله تعالي، أو ألا يوجده في الأصل، ولو فعل ذلك لكان هو المانع حينئذٍ للمكلَّفين لطفهم، ولكانوا إنَّما أوتوا في فسادهم، وارتفاع صلاحهم من جهته، لأنَّهم غير متمكّنين مع عدم الإمام من الوصول إلي ما فيه لطفهم ومصلحتهم، فجميع ما ذكرناه يفرق بين وجود الإمام مع الاستتار وبين عدمه، وبما تقدَّم يعلم أيضاً الفرق بينه وبين جبرائيل في السماء، لأنَّ الإمام إذا كان موجوداً مستتراً كانت الحجّة لله تعالي علي المكلَّفين به ثابتة، لأنَّهم قادرون علي أفعال تقتضي ظهوره، ووصولهم من جهته إلي منافعهم ومصالحهم، وكلّ هذا غير حاصل في جبرئيل عليه السلام، فالمعارض به ظاهر الغلط.

(لا يمتنع اعتبار الإجماع لعلمنا بدخول الإمام فيه):

قال صاحب الكتاب: (ومتي قالوا: بأنَّ الإجماع حقّ لكون الإمام

ص: 433


1- لم يجز (خ ل).
2- أي: لا يوجده أصلاً.

فيه، أريناهم أنَّه لا فائدة تحت هذا القول، لأنَّ الحجّة هي قول الإمام، فضمّ سائرهم إليه لا وجه له، كما لا يجوز أن يقال: إجماع النصاري حقّ إذا كان عيسي فيهم، وقول اليهود حقّ إذا كان موسي فيهم، وكما لا يجوز أن يقال: إنَّ إجماع الكفّار حقّ إذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم(1) فيهم، فقد بيَّنا من قبل أنَّه لا بدَّ من محقّين في الأمّة من الشهداء وغيرهم علي ما يقوله شيخنا أبو علي(2)، فإن رجعوا بهذا الكلام علينا في الشهداء لم يكن لازماً لأنّا لا نعيّنهم(3) ولا يمتنع لفقد التعيّن أن يجعل الإجماع الذي هو حجّة إجماع المؤمنين ولو تميَّزاً، ولجعلنا إجماعهم هو الحجّة، وليس كذلك ما قاله القوم بأنَّ الإمام عندهم مميّزاً، فالذي ألزمناه(4) متوجّه، وهو عنّا زائل...)(5).

يقال له: قول الإمام وإن كان بانفراده حقّاً، ولا تأثير لضمّ غيره إليه، فلا بدَّ من أن يكون جواب من سأل عن الإجماع الذي الإمام في جملته أنَّه حقّ، كما يكون مثل ذلك الجواب لمن سأل عن عشرة(6) في جملتهم نبيّ.

فأمَّا الفائدة في ذكر غير الإمام معه، والحجّة في قوله بعينه، فإنَّما يسأل عنها من استعمل هذه اللفظة مبتدئاً مع تميّز قول الإمام، ونحن لا نكاد نستعملها في مثل هذه الحال، وإنَّما نجيب بالصحيح عندنا فيه عندّ.

ص: 434


1- في المغني: (رسولنا عليه السلام).
2- وهو أبو علي الجبائي وقد تقدَّمت الإشارة إليه.
3- (غ): (لا نعيهم).
4- (غ): (ألزمناهم).
5- المغني 20 (ق 1): 81 .
6- عن غيره (خ ل)، وما في المتن أوجه، بل أصحّ.

سؤال المخالف عنه، وإن كان لا يمتنع أن يكون لذلك فائدة، وهي أنَّ قول الإمام قد يكون غير متميّز في بعض الأحوال كأحوال الغيبة، والخوف التي لا نعرف قول الإمام فيها علي سبيل التفصيل، فلا يمتنع في مثل هذه الأحوال أن يعتبر الإجماع لعلمنا بدخول الإمام فيه، كما يقول خصومنا في الشهداء والمؤمنين، لأنَّ إجماع هؤلاء عندهم هو الحجّة، ولا تأثير بضمّ غيره إليه، ومع ذلك فنحن نراهم يعتبرون إجماع الأمّة من حيث لم يتميَّز عندهم أقوال الشهداء والمؤمنين، وعلموا دخولها في جملة أقوال الأمّة، وبهذا الجواب الذي ذكرناه يجب أن يجيب من سلَّم(1) الخبر المروي في الاجتماع الذي هو قوله: (لا تجتمع أمّتي علي ضلال) إذا تأوَّله علي أنَّ اجتماعهم حقّ لمكان الإمام المعصوم، ودخولهم في جملتهم متي سأل فقيل له: إذا كان قول الإمام هو الحجّة بانفراده فأيّ معني لضمّ غيره إليه، لأنّا قد بيَّنا الوجه في حسن استعمال ذلك ابتداء، ونبَّهنا علي وجه الفائدة فيه في الأحوال التي لا يتميّز قول الإمام فيها، وبيَّنا أيضاً الفرق بين ما يبتدئ المستعمل باستعماله من الكلام فيلزمه المطالبة لفائدته وبين ما يتناوله من سؤال خصمه، ويخرج له الوجوه، وليس يمتنع أن يجيب من سأل عن إجماع النصاري إذا كان عيسي عليه السلام فيهم بأنَّه حقّ، وكذلك القول في إجماع اليهود إذا كان قول موسي عليه السلام في جملة أقوالهم، لأنّا إن لم نقل أنَّه حقّ فلا بدَّ أن يكون باطلاً، وكيف يكون باطلاً وفي جملتهم نبيّ مقطوع علي صدقه، اللهم إلاَّ أن يسأل عن الفائدة في الابتداء بهذا القول، فقد قلنا أنَّه لا فائدة فيهش.

ص: 435


1- سلَّم الخبر: أي جعله سالماً من الطعن والخدش.

إذا كان قول عيسي عليه السلام منفرداً متميّزاً ولو عدم تميّزه في بعض الأحوال لحسن استعماله كما حسن ذلك في الإمام عند الغيبة علي مذهبنا، وفي الشهداء والمؤمنين علي مذاهب خصومنا.

فأمَّا تعاطيه(1) الفرق بين قولنا في الإمام وقوله في الشهداء، لأنَّ الإمام متميّز والشهداء غير متميّزين، فقد بيَّنا أنَّ قول الإمام قد يكون غير متميّز في بعض الأحوال، فيجب أن يسوغ لنا فيه ما ساغ له في الشهداء.

ثمّ يقال له: لو تعيَّن الشهداء عندكم وتميَّزوا، وسألت عن إجماع الأمّة هل هو حقّ بأيّ شيء كنت تجيب؟

فإذا قال: أجيب بأنَّه حقّ، قلنا: فَلِمَ عبت علينا أن نجيب بمثل ذلك إذا سألنا عن إجماع الأمّة؟ وألا منعك من الجواب بأنَّه حقّ تميّز الشهداء أو تعيّنهم؟ وأنَّه لا تأثير لضمّ غيرهم إليهم، فإن قال: كلّ هذا لا يمنع من الجواب بأنَّه حقّ إذا سألت عن ذلك، لأنَّه لا بدَّ أن يكون حقّاً إذا فرضنا هذا الفرض، وإنَّما العيب إذا ضمّ مبتدئاً إلي الشهداء مع تعيّنهم وتميّزهم غيرهم، ثمّ قضي بأنَّ في قولهم الحقّ، قلنا: أصبت في هذا التفصيل وبمثله أجبنا.

(التواتر لا يُقتصر عليه دون كون إمام معصوم وراءه):

قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخري، قالوا: إذا كان لا بدَّ في شريعة محمّد صلي الله عليه وآله وسلم وهو خاتم الأنبياء من حافظ ومبلغ، وكان لا يصحّ أن يقع ذلك بالتواتر فلا بدَّ من إثبات إمام معصوم يكون في حال بمنزلة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في أنَّه يبلّغ ويعلّم ويرجع إليه في المشكل، ويؤخذ عنه

ص: 436


1- يقال: فلان يتعاطي كذا: أي يخوض فيه.

الدين، وكما لا يجوز أن لا يكون الرسول في كلّ حال مع الحاجة إلي معرفة الشرع(1) فكذلك لا يجوز أن لا يكون الإمام في كلّ حال مع الحاجة إلي ذلك، وقدحوا في التواتر بوجوه قد قدَّمنا ذكرها في باب الأخبار(2) وأحدها: أنَّ كلّ واحد منهم إذا جاز أن يكتم النقل ويكذب ويغير فيجب جواز ذلك علي جميعهم، وأن لا يصحّ القطع علي صحّة خبرهم غلط طريف، لأنّا لا نجيز الكذب علي جماعتهم علي الحدّ الذي أجزناه علي آحادهم...)(3).

يقال له: هذه الطريقة صحيحة معتمدة، ويؤيّدها ما دللنا عليه من قبل أنَّ التواتر لا يجوز أن يقتصر عليه في حفظ الشرع، وأدائه، وأنَّه لابدَّ من كون معصوم وراءه. فأمَّا القدح في التواتر فمعاذ الله أن نراه أو نذهب إليه، فإن كان يظنّ أنّا إذا منعنا من أن يحفظ الشرع به فقد قدحنا فيه، فقد أبعد، لأن القدح فيه إنَّما يكون بالطعن في كونه حجّة، وطريقاً إلي العلم عند وروده علي شرائطه، فأمَّا لما ذكرناه فلا.

وقوله في الحكاية عنّا: (إنَّ كلّ واحد منهم إذا جاز أن يكتم ويكذب فيجب جواز ذلك علي جميعهم، وأن لا يصحّ القطع علي صحَّة خبرهم) غلط طريف، لأنّا لا نجيز الكذب علي جماعتهم علي الحدّ الذي أجزناه علي آحادهم، ولو كنّا نجيز ذلك للحقنا بمنكري الأخبار، والذاهبين إلي أنَّها لا توجب علماً، والمعلوم من مذهبنا خلاف هذا.

وأمَّا الكتمان، فإذا جاز علي آحادهم وجماعاتهم فليس يجب أن .

ص: 437


1- (غ): (الشريعة).
2- باب الأخبار في الجزء السادس عشر من المغني.
3- المغني 20 (ق 1): 82 .

يكون مانعاً من القطع علي صحَّة خبرهم إذا ورد علي الشرائط المخصوصة، وإنَّما يكون مانعاً من كونهم حافظين للشرع، لأنَّه إذا جاز ذلك عليهم لم نثق بأنَّه لم يقع منهم إلاَّ بأن يقطع علي وجود معصوم يكون وراءهم متي وقع منهم الكتمان الجائز عليهم تلافاه وبيَّن عنه، فليس يجب أن يخلط صاحب الكتاب جواز الكتمان بجواز الكذب(1) وإخراجهم من أن يكونوا حافظين للشرع بإخراجهم من أن يكونوا حجّة فيما يتواترون به، فإن ذلك لا يختلط إلاَّ عند من لا معرفة عنده(2).

(زمن الغيبة لا يستوجب الجهل بمراد الله تعالي):

قال صاحب الكتاب: (علي أنَّ الإمام عُرف من قِبَل الرسول، ولابدَّ من أوّل عرفه(3) من قبل الله تعالي، ولا يعلم مراده باضطرار، فإذا صحَّ أن يعرف مراده بكلامه - ولا ضرورة - فمن الذي يمنع من مثله في كلّ زمان؟ ولا يمكن التخلّص من ذلك إلاَّ بأن يوجب أنَّ كلّ أحد جاهل بمراد الله تعالي ذاهب عن الحقّ في هذا الزمان، وفي كلّ زمان كان الإمام مغلوباً عليه فيه، فيجب من ذلك الشهادة علي الكلّ بالجهل والكفر، وأن يلزمه أن لا يكون هو محقّاً...)(4).

يقال له: ما قدَّمته في هذا الفصل يدلُّ علي أنَّك ظننت علينا أنَّ المراد بالكلام إذا لم يعلم(5) ضرورة لم يصحّ أن يعلم، وأنّا نفصّل بين القرآن في العلم بالمراد منه وبين كلام الإمام، بأنَّ كلام الإمام يعلم

ص: 438


1- (خ): (بجواز الكذب جواز الكتمان).
2- الشافي في الإمامة 1: 277 - 284.
3- كذا في المصدر، والظاهر أنَّه: (ولا بدَّ أنَّه أوّل من عرفه من قبل...).
4- المغني 20 (ق 1): 89 .
5- يعرف (خ ل).

مراده باضطرار، وليس كذلك القرآن، وهذا ظنّ بعيد وغلط شديد، لأنَّ الذي قلناه وذهبنا إليه هو غير ما ظننته، وإنَّما أوجبنا في كثير من القرآن والسُنّة الحاجة إلي مترجم للاحتمال والاشتباه، وفقد الدليل المقطوع به علي المراد لا لفقد العلم الضروري، ولو كان جميع القرآن والسُنّة محكماً غير متشابه، ومفصّلاً غير مجمل يصحُّ أن يعلم المراد بهما.

فأمَّا الأوّل الذي عرف من جهة الإمام أو الرسول وكيفية علمه بمراد الله تعالي فيصحّ أن يكون يعلم مراده جلَّ اسمه بأن يخاطبه بلغة لا مجاز فيها ولا احتمال، أو يخاطبه بما ظاهره متطابق لحقائق اللغة، ويعلمه أنَّه لم يرد إلاَّ الظاهر، وليس يمكن أن يدّعي في جميع الكتاب والسُنّة مثل ذلك.

فأمَّا زمان الغيبة فليس يجب الجهل بمراد الله تعالي كما ألزمت، لأنّا قد علمنا تأويل مشكل الدين ببيان من تقدَّم من الأئمّة عليهم السلام، الذين لقيتهم الشيعة وأخذت عنهم الشريعة، فقد بثّوا من ذلك ونشروا ما دعت الحاجة إليه، ونحن آمنون من أن يكون من ذلك شيء لم يتَّصل بنا لكون إمام الزمان من وراء الناقلين علي ما بيَّناه وفصَّلناه(1).

(شبهات في الغيبة):

وقد سألهم أصحابنا في الغيبة، وأنَّ سببها إن كان الخوف من الظهور فقد كان يجب أن تحصل غيبة الأئمّة في أيّام بني أميّة لأنَّ خوفهم كان أكثر، وكذلك في كثير من أيّام بني العبّاس، ثمّ لم يمنع ذلك من ظهورهم، فكيف وجبت الغيبة في هذه الأيّام والخوف لا يزيد

ص: 439


1- الشافي في الإمامة 1: 306 و307.

فيها علي ما قد كان من قبل؟ وكيف تصحُّ الغيبة مع شدّة الحاجة إلي الإمام فيما يتَّصل بالتكليف؟ ولئن جاز ذلك ليجوزنَّ لبعض الأعذار أن لا ينصب عز وجل أدلّة المكلَّف، وأن لا يمكّنه والتكليف قائم. وهلاَّ وجب علي مذاهبهم حراسة إمام الزمان من جهة الله عز وجل، وأن يعصمه من كلّ مخافة لما يتعلَّق به من صحَّة الشريعة، وذلك يقتضي بطلان الغيبة؟ وقد ألزمهم واصل بن عطاء علي قولهم هذا أن يكون قبل بعثة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في الزمان حجّة من رسول أو إمام، ولو كان كذلك لما صحَّ قوله تعالي: (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلي فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ)(1) لأنَّ علي قولهم لم يخل الزمان من بشير ونذير، وادّعي إجماع علماء المسلمين(2) وظهور الأخبار عن أهل الكتب(3) أنَّ الفترات من الرسل(4) قد كانت ولم يكن فيها أنبياء ولا من يجري مجراهما، ثمّ قال: وهذه الوجوه إنَّما يقصد بها تقوية ما قدَّمناه، لأنَّ ذلك هو المعتمد...)(5).

يقال له: فأمَّا قوله: (إنَّ الغيبة إن كان الخوف سببها فقد كان يجب أن يحصل غيبة الأئمّة في أيّام بني أميّة، وكثير من أيّام بني العبّاس، لأنَّ الخوف كان هناك أظهر وأكثر) فأوّل ما نقوله في ذلك: أنَّ الأمر بخلاف ما ظنَّه من زيادة الخوف في تلك الأيّام علي غيرها، لأنّا نعلم أنَّ من عدا5.

ص: 440


1- المائدة: 19.
2- (غ): (وادّعاء إجماع المسلمين).
3- (غ): (أهل الكهف)، والظاهر أنَّه تحريف.
4- (غ): (بين الرسل).
5- المغني 20 (ق 1): 195.

إمام زماننا عليه السلام من آبائه عليهم السلام لم يكن أحد منهم يُدعي له، ويحكم فيه، وينتظر منه إظهار العدل في مشارق الأرض ومغاربها وابتزاز الأمر من أيدي الجائرين والمتغلّبين، ولا أنَّه(1) صاحب الزمان، والمهدي المنتظر لإصلاح ما فسد من الأمور، وارتجاع ما غصب من الحقوق، وهذا كلّه موجود في إمامة صاحب الزمان مفقود في إمامة من تقدَّمه من آبائه سلام الله عليهم أجمعين، ولهذا كُتمت ولادته، واُخفي في الابتداء أمره، وكيف لا يكون الحال كذلك، ولمَّا مات الحسن عليه السلام جمع جواريه وسراريه(2) واحتاط عليهم المتملّك في ذلك الوقت للأمر ليظهر له ميلاد القائم عليه السلام الذي ينتظر منه العجائب، وقلب الدول والممالك، ولم يعلم أنَّ ميلاده قد تقدَّم، وإنَّه عليه السلام ولد قبل وفاة أبيه عليه السلام بزمان طويل، فكيف يجمع منصف بين أحوال صاحب الزمان مع ما ذكرناه وأحوال من تقدَّم من آبائه عليهم السلام فيما يقتضي الخوف والغيبة والاستتار والأمن؟ وكيف يضمّ في باب الخوف والتقيّة من المتملّكين للأمور، والمستبدّين بالدول بين من لا يخافونه علي ما في أيديهم ولا ينازعهم شيئاً من أمورهم، ولا يقضي له ولا يدّعي فيه أنَّه المنصور عليهم، والسالب لنعمتهم، وبين من تجتمع فيه هذه الصفات؟ والفرق بين هذيني.

ص: 441


1- أي: ولا أنَّ أحداً من الأئمّة ادّعي له.
2- السرية: الأمَة التي بوأتها بيتاً، وهي فعيلة منسوبة إلي السرّ وهو الإخفاء لأنَّ الإنسان كثيراً ما يسرّها عن حرَّته، وهي بضمّ السين، وإنَّما ضمَّت السين لأنَّ الأبنية قد تغيَّر في النسب خاصّة كما قالوا بالنسبة إلي الدهر دهري، وإلي الأرض السهلة سهلي بضمّ أوّلهما، والجمع: (سراري)، وقال الأخفش: هي مشتقّة من السرور لأنَّه يسر بها، يقال: تسرر جارية، وتسري أيضاً، مثل: تظنن وتظني.

الأمرين فيما يدعو إلي الخوف والتقيّة أوضح من أن يطنب فيه، وهو بالعكس ممَّا قضي به صاحب الكتاب علي أنَّ أحوال الخائف إنَّما يرجع فيها إلي اعتقاداته، فظنونه واعتقاداته بحسب ما يظهر له من الأمارات التي تقتضي الخوف أو الأمن، ولا مرجع في أحوال الإنسان من خوف وأمن إلي غيره، ولهذا نجد كثيراً من العقلاء يقدم في بعض المجالس التي يلزم فيها الخوف والتقيّة في الظاهر علي أفعال وأقوال لا نراه يقدم علي مثلها في غير ذلك المجلس ممَّا لا يظهر لنا فيه قوّة أمارات الخوف، ولا يلزم أن ننسبه إلي السفه من حيث لم يظهر لنا ما ظهر له، لأنَّه يجوز أن يختصّ بأمارات تقتضي شدّة الخوف في الموضع الذي يظهر لنا فيه ضعف الخوف ويختصّ بأمارات تقتضي ضعف الخوف في الموضع الذي يظهر لنا قوته، والعادات تشهد بما ذكرناه شهادة لا يحتاج معها إلي الإكثار فيه.

(سبب الغيبة هو فعل الظالمين):

فأمَّا قوله: (وكيف تصحّ الغيبة مع شدّة الحاجة إلي الإمام فيما يتَّصل بالتكليف؟ ولئن جاز ذلك ليجوزنَّ أن لا ينصب الأدلّة للمكلَّف مع قيام التكليف).

فقد مضي الكلام في هذا المعني مستقصي وتكرَّر في اثناء نقضنا عليه، وبيَّنا أنَّ سبب الغيبة هو فعل الظالمين، وتقصيرهم فيما يلزم من تمكين الإمام فيه والإفراج بينه وبين التصرّف فيهم، وبيَّنا أنَّهم مع الغيبة متمكّنون من مصلحتهم بأن يزيلوا السبب الموجب للغيبة ليظهر الإمام، وينتفعوا بتدبيره وسياسته، وفرَّقنا بين ذلك وبين أن لا ينصب الله تعالي

ص: 442

الأدلّة للمكلَّف، أو لا يمكنه، بأن قلنا: لو فعل ذلك - تعالي عنه علواً كبيراً - لكان مكلّفاً لما لا يطاق، ولكان فقد العلم والانتفاع به من قبله تعالي خاصّة، ولا مدخل للمكلَّف فيه، ولا أتي فيه من تقصيره، وغيبة الإمام بخلاف ذلك لأنَّ التمكّن من المصالح معها ثابت، وما فقد من المنافع بالغيبة مرجعه إلي الظالمين الذين سبَّبوها وألجأوا إليها.

(إنَّ الله قد حرس الإمام بالحجّة وأيَّده ونصره بالأدلّة):

فأمَّا قوله: (هلاَّ وجب علي مذهبهم حراسة إمام الزمان من جهة الله تعالي، وأن يعصمه من كلّ مخافة؟)، فإنّا نقول له في ذلك: الحراسة والعصمة من المخافة علي ضربين، فمنها ما لا ينافي التكليف، ولا يخرج المكلَّف إلي حدّ الإلجاء، وهذا القسم قد فعله الله تعالي علي أبلغ الوجوه، وحرس الإمام بالحجّة وأيَّده ونصره بالأدلّة، وأمَّا القسم الآخر فهو ما نافي التكليف وأخرج من استحقاق الثواب والعقاب، وإلزامنا هذا القسم من عجيب الأمور، لأنَّ الإمام إنَّما يحتاج إليه للمصلحة في التكليف، فكيف يجمع بينه وبين ما نافاه ونافي التكليف، وهل هذا إلاَّ مناقضة من الملزم أو قلّة تأمّل لما يقوله خصومه.

فأمَّا ما حكاه عن واصل بن عطاء من ذكر الفترة والاستشهاد بالقرآن وإجماع علماء المسلمين عليها، فمن بعيد الكلام عن موقع الحجّة، لأنَّ قوله تعالي: (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلي فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ)(1) صريح في أنَّ الفترة تختصّ الرسل، وأنَّها عبارة عن الزمان الذي لا رسول فيه، وهذا إنَّما يلزم

ص: 443


1- المائدة: 19.

من ادّعي أنَّ في كلّ زمان حجّة هو رسول، فأمَّا إذا لم يزد علي ادّعاء حجّة وجواز أن يكون رسولاً وغير رسول فإنَّ هذا الكلام لا يكون حجاجاً عليه. فأمَّا ادّعاؤه إجماع علماء المسلمين علي الفترات بين الرسل، فإن أراد بالفترات خلو الزمان من رسول وحجّة فلا إجماع في ذلك، وكلّ من يقول بوجوب الإمامة في كلّ زمان وعصر يخالف في ذلك، فكيف يدّعي الإجماع وهذه الجملة تبيّن فساد جميع ما أورده في الفصل الذي حكيناه إلي آخره(1).

* * *1.

ص: 444


1- الشافي في الإمامة 3: 143 - 151.

عيون المعجزات

اشارة

تأليف: حسين بن عبد الوهاب من أعلام القرن الخامس

ص: 445

ص: 446

الخلف المهدي القائم الحجّة المنتظر صاحب الزمان عليه السلام

الخلف المهدي القائم الحجّة المنتظر صاحب الزمان عليه السلام(1)

(ولادته عليه السلام):

قرأت في كتب كثيرة بروايات كثيرة صحيحة أنَّه كان لحكيمة بنت أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام جارية ولدت في بيتها وربَّته(2) وكانت تسمّي نرجس، فلمَّا كبرت دخل أبو محمّد فنظر إليها، فقالت له عمَّته حكيمة: أراك يا سيّدي تنظر إليها؟

فقال عليه السلام : (إنّي ما نظرت إليها متعجّباً، أمَا إنَّ المولود الكريم علي الله يكون منها)، ثمّ أمرها أن تستأذن أبا الحسن أباه عليه السلام في دفعها إليه، ففعلت فأمرها بذلك(3).

وقرأت في كتاب الوصايا وغيره(4) بأنَّ جماعة من الشيوخ العلماء منهم علان(5) الكلابي وموسي بن أحمد الفزاري وأحمد بن جعفر ومحمّد بأسانيدهم: أنَّ حكيمة بنت أبي جعفر عمّة أبي محمّد عليه السلام

ص: 447


1- عيون المعجزات: 127 - 135.
2- هذا مخالف لما ورد في كمال الدين: 417/ باب 41؛ والغيبة للطوسي: 208/ ح 178؛ وروضة الواعظين: 252؛ ودلائل الإمامة: 489/ ح (488/92)؛ ومدينة المعاجز 7: 653/ باب 126/ ح (2468/130).
3- أنظر: دلائل الإمامة: 499/ ح (490/94)؛ كمال الدين: 426/ باب 42/ ح 2.
4- أنظر: إثبات الوصيّة: 218.
5- في النسخة المطبوعة: (عسلان)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

(كانت تدخل علي أبي محمّد، فتدعو له أن يرزقه الله ولداً، وأنَّها قالت: دخلت عليه)(1) يوماً وكنت أدعو الله له أن يرزقه ولداً فدعوت له كما كنت أدعو، فقال: (يا عمّة أما إنَّه يولد في هذه الليلة - وكانت ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين - المولود الذي كنّا نتوقَّعه فاجعلي إفطارك عندنا) وكانت ليلة الجمعة.

قالت حكيمة: ممَّن يكون هذا المولود يا سيّدي؟

فقال عليه السلام : (من نرجس).

قالت: ولم يكن في الجواري أحبُّ إليَّ منها ولا أخفُّ علي قلبي، وكنت إذا دخلت الدار تتلقّاني وتقبّل يدي وتنزع خفيّ بيدها، فلمَّا دخلت عليها فعلت بي ما كانت تفعل، فانكببت علي يدها فقبَّلتها ومنعتها ممَّا كانت تفعله، فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثلها، فأنكرت ذلك، فقلت: لا تنكري ما فعلت، فإنَّ الله تعالي سيهب لك في ليلتنا هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة، فاستحيت.

قالت حكيمة: فتعجَّبت وقلت لأبي محمّد عليه السلام : لست أري بها أثر الحمل.

فتبسَّم عليه السلام وقال لي: (إنّا معاشر الأوصياء لا نحمل في البطون ولكنّا نحمل في الجنوب، وفي هذه اللية مع الفجر يولد المولود الكريم علي الله إن شاء الله تعالي).

قالت حكيمة: ونمت بالقرب من الجارية، وبات أبو محمّد عليه السلام في صفة، فلمَّا كان وقت الليل قمت إلي الصلاة والجارية نائمة ما بها أثر ولادة، وأخذتق.

ص: 448


1- ما بين المعقوفتين أثبتناه من مصادر أخري لاقتضاء السياق.

في صلاتي ثمّ أوترت وأنا في الوتر، فوقع في نفسي أنَّ الفجر قد ظهر ودخل قلبي شيء، فصاح أبو محمّد عليه السلام من الصف: (لم يطلع الفجر يا عمّة).

فأسرعت الصلاة، وتحرَّكت الجارية فدنوت منها وضممتها إليَّ وسمَّيت عليها، ثمّ قلت لها: هل تحسّين؟

قالت: نعم.

فوقع عليَّ سبات لم أتمالك معه أن نمت، ووقع علي الجارية مثل ذلك فنامت وهي قاعدة، فلم تنتبه إلاَّ وبحسّ مولاي وسيّدي تحتها، وإذا بصوت أبي محمّد عليه السلام وهو يقول: (يا عمّتاه هاتي ابني إليَّ).

فكشفت عن مولاي عليه السلام وإذا هو ساجد، وعلي ذراعه الأيمن مكتوب: (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(1)، فضممته لي فوجدته مفروغاً منه مطهَّر الختانة، فحملته إلي أبي محمّد عليه السلام، فأقعده علي راحته اليسري وجعل يده اليمني علي ظهره ثمّ أدخل السبابة في فيه وأمر يده علي عينيه وسمعه ومفاصله، ثمّ قال: (تكلَّم يا بني).

فقال: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله وأنَّ أمير المؤمنين علياً)، ثمّ لم يزل يعدّ السادة الأوصياء عليهم السلام إلي أن بلغ إلي نفسه، ودعا لأوليائه علي يديه بالفرج ثمّ صمت عليه السلام، فقال أبو محمّد عليه السلام : (اذهبي به إلي اُمّه ليسلّم عليها وردّيه إليَّ).

فمضيت به وسلَّم عليها ورددته، ووقع بيني وبينه شيء كالحجاب فلم أرَ سيّدي ومولاي، فقلت لأبي محمّد عليه السلام : يا سيّدي أين مولانا؟

فقال: (أخذه من هو أحقُّ به منك ومنّا). .

ص: 449


1- الإسراء: 81 .

فلمَّا كان في اليوم السابع جئت فسلَّمت وجلست، فقال أبو محمّد عليه السلام : (ائتني إليَّ بابني).

فجيء بسيّدي عليه السلام وهو في ثياب صفر ففعل به كفعاله الأولي، ثمّ قال له عليه السلام : (تكلَّم يا بني)، فقال: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله)، وأثني بالصلوات علي محمّد وأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام ووقف عليه السلام علي أبيه، ثمّ قرأ: ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(1))، فخرجت من عندهم، ثمّ عدوت فافتقدته فلم أرَه، فقلت لأبي محمّد عليه السلام : يا سيّدي ما فعل مولانا عليه السلام ؟

فقال: (يا عمّة استودعناه الذي استودعته اُمّ موسي)(2).

(قولوا: الحجّة من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم):

عن أبي هاشم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمّد عليه السلام يقول: (الخلف بعدي ابني الحسن، فكيف بالخلف بعد الخلف؟).

فقلت: ولِمَ يا سيّدي؟

فقال عليه السلام : (لأنَّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه).

فقلت: فكيف نذكره؟

فقال عليه السلام : (قولوا: الحجّة من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم)(3).

ص: 450


1- القصص: 5 و6.
2- أنظر: كمال الدين: 426/ باب 42/ ح 2؛ ألقاب الرسول وعترته: 85؛ الغيبة للطوسي: 234/ ح 204.
3- أنظر: الكافي 1: 328/ ح 13، 332/ ح 1؛ الإمامة والتبصرة: 118/ باب 31/ ح 112؛ علل الشرائع 1: 245/ باب 179/ ح 5.

(الحكمة من غيبته عليه السلام):

عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه أخبر الأمّة بخروج المهدي خاتم الأئمّة عليه السلام الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وأنَّ عيسي عليه السلام ينزل عليه في وقت خروجه وظهوره ويصلّي خلفه، وهذا خبر قد اتَّفقت عليه الشيعة والسُنّة والعلماء وغير العلماء والخاصّ والعامّ والشيوخ والأطفال لشهرة هذا الخبر.

نعم، ووجوب الحكمة من الله في غيبة صاحب الزمان كوجوب الحكمة من الله بوجوب الغيبة من الحجج المتقدّمة واستتارهم، وما هذا الجحود الظاهر منهم إلاَّ لقلّة تمييزهم وفهمهم وعلمهم بالشرايع المتقدّمة، وقد ألزمنا الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم الإقرار بالقائم المنتظر المهدي عليه السلام، قال الله تعالي: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلي قُلُوبٍ أَقْفالُها)(1).

إنَّ الله سبحانه قد أخبر في قصَّة موسي عليه السلام (2) أنَّه قد كانت له شيعة بأمره عارفون وبولايته متمسّكون ولدعوته منتظرون، حيث يقول جلَّ وعزَّ: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلي حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَي الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ...)(3) الآية.

ولمَّا أخبر الله تعالي في كتابه أنَّه قد كان لموسي عليه السلام شيعة من قبل أن تظهر دعوته، وكانوا بأمره متمسّكين وإن لم يكونوا شاهدوا شخصه, علمنا أنَّ الحكمة من الله سبحانه.

واتَّفقت السُنّة أهل العلم أنَّ موسي عليه السلام أظهر دعوته بعد رجوعه

ص: 451


1- محمّد: 24.
2- أنظر: كمال الدين: 145/ باب 6/ ح 12.
3- القصص: 15.

من عند شعيب عليه السلام حين سار بأهله من بعد السنين التي كان يرعي فيها أغنام شعيب عليه السلام، وكان دخوله المدينة حين وجد فيها الرجلين يقتتلان قبل مصيره إلي شعيب، وكان القائل به وبنبوّته لم يكن يعرف شخصه، وكان يفترض علي نفسه طاعته وانتظار دعوته.

ولولا أنَّ الحجج الذين تقدَّموا شريعة موسي عليه السلام أخبروا بما يكون من ظهور موسي عليه السلام وقتله الفراعنة والجبابرة لما كان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل من طلب موسي عليه السلام وهو في حجره يربّيه ولا يعرفه، ولو لم يكن في أخبارهم ما يكون من موسي عليه السلام من الحكمة التامّة لأمسكوا من ذلك حتَّي يظهر عليه السلام .

وقد جاءت الروايات الكثيرة في حجج الله تعالي المتقدّمة في عصر آدم إلي زماننا هذا بأنَّهم كان منهم المستخفّون ومنهم المستعلون.

ومن قبل كانت قصَّة إبراهيم عليه السلام (1) مع النمرود كقصَّة موسي عليه السلام، فإنَّه بثَّ أصحابه إلي طلبه ليقتله وهو كان في حال غيبته وكان له عليه السلام شيعة ينتظرون ظهوره.

وإذا جاز في حكمة الله تعالي غيبة حجّة شهراً فقد جازت الغيبة سنة، وإذا جازت سنة واحدة جازت سنين كثيرة علي ما أوجبته حكمة الله تعالي واستقامة تدبيره.

ومن المخالفين قوم يقولون بظهور المهدي عليه السلام إلاَّ أنَّهم يقولون أنَّ الريب واقع عليهم لزعمهم بقائه من وقت وفاة أبيه الحسن الأخير عليه السلام إلي هذا الوقت، فإنَّهم لم يشاهدوا من عمره أكثر من مائة سنة إلاَّ وقد خرف وبطل وأشرف علي الموت.7.

ص: 452


1- أنظر: كمال الدين: 137/ باب 4/ ح 7.

وما ذلك منهم إلاَّ لقلّة فهمهم وقلّة إيمانهم بقدرة الله تعالي، وجهلهم بما قصَّه الله تعالي في محكم كتابه من قصَّة نوح عليه السلام وأنَّه لبث في قومه ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً، فكذلك جائز في حكمته وقدرته أن يعمّر الخلف الصالح الهادي المهدي حجَّته البالغة وكلمته التامّة ورايته الباقية عليه السلام ما شاء وأراد علي ما توجبه حكمته واستقامة أمره إلي أن يظهر أمره ويتمّم به ما وعده الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم.

وروي أنَّ مولانا الحجّة صاحب الزمان قام بأمر الله تعالي سرّاً إلاَّ عن ثقاته في سنة ستّين ومأتين(1) وله أربع سنين وستّة أشهر، وكان المعتمد يصرّ علي طلبه ليطفئ نور الله فأبي الله إلاَّ أن يتمَّ نوره ولو كره الكافرون(2).

والرواية الصحيحة أنَّ القائم عليه السلام ولد يوم الجمعة مع طلوع الفجر لأربع عشرة ليلة خلت من شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين(3) واتَّفقت الشيعة علي أنَّ دلائل حجّة صاحب الزمان عليه السلام تظهر لثقاته وبعض مواليه من الغيبة، وأنَّ كتبه وتوقيعاته كانت تخرج علي يد أبي عمرو عثمان العمري إلي الشيعة بالعراق مدّة.

ومن دلائل صاحب الزمان عليه السلام التي ظهرت من الغيب:

* ما روت الشيعة عن أحمد بن الحسين(4) المادراني(5) أنَّه قال: وردت

ص: 453


1- أنظر: الإمامة والتبصرة: 119/ باب 32 في الغيبة/ ح 113؛ الكافي 1: 341/ ح 22 و23؛ كمال الدين: 324/ باب 32/ ح 1.
2- عيون المعجزات: 132.
3- أنظر: كمال الدين: 424/ باب 42/ ح 1؛ روضة الواعظين: 266؛ ألقاب الرسول وعترته: 84 .
4- في بعض المصادر: (الحسن).
5- في بعض المصادر: (المادرائي).

الجبل مع شماتكين وأنا لا أقول بالإمامة، إلاَّ أنّي كنت أحبُّ أهل البيت عليهم السلام جملة إلي أن مات يزيد بن عبد الله التميمي صاحب (شهرورد)(1) وكان من ملوك الأطراف وله نتاج من الدواب الموصوفة بالنزاهة تعرف بالمعروفيات، فأوصي إليَّ في حال علَّته التي توفّي فيها أن أدفع شهريا(2) كان له خاصّته وسيفه ومنطقته إلي من سمّاه صاحب الزمان عليه السلام، فخفت إن لم أدفع الشهري إلي إذكوتكين بن سماتكين أن يلحقني منه تكبّر، ففكَّرت في نفسي وقوَّمت الشهري والسيف والمنطقة في نفسي سبعمائة ديناراً، ولم أطلع علي ذلك أحداً من خلق الله إذ ورد عليَّ توقيع من العراق: (وجّه بالسبع المائة الدينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة)، فآمنت به عليه السلام وسلَّمت وصدَّقت واعتقدت الحقّ وحملت المال(3).

* وروي عن أبي القاسم الجليسي أنَّه قال: مرضت بالعسكر مرضاً شديداً - أعني ب- (سُرَّ من رأي) - حتَّي أيست من نفسي وأشرفت علي الموت، فبعث إليَّ من جهته عليه السلام قارورة فيها بنفسج مربّي من غير أن سألت ذلك، وكنت آكل منها علي غير مقدار، فعوفيت عند فراغي منها وفني ما كان فيها(4).

* وروي عن الحسن بن جعفر القزويني، قال: مات بعض إخواننا من أهل فانيم من غير وصيّة، وعنده مال دفين لا يعلم به أحد من ورثته،).

ص: 454


1- في المصادر الأخري: (شهرزور).
2- الشهري: ضرب من البراذين.
3- أنظر: المحاسن 1: 30؛ الكافي 1: 522/ ح 16؛ الهداية الكبري: 369؛ الإرشاد 2: 363؛ الغيبة للطوسي: 282/ ح 24.
4- أنظر: كمال الدين: 439/ باب 45/ ح 18 باختلاف يسير في الألفاظ؛ وفيه: (الحليسي) بدلاً من (الجليسي).

فكتب إلي الناحية يسأله عن ذلك، فورد التوقيع في البيت في الطاق في موضع كذا وكذا وهو كذا وكذا، فقلع المكان وأخرج المال.

* عن العليان، قال: ولدت لي ابنة فاشتدَّ غمّي بها، فشكوت ذلك، فورد التوقيع: (ستكفي مؤنتها). فلمَّا كان بعد مدّة ماتت، فورد التوقيع: (الله تعالي ذو أناة وأنتم تستعجلون)(1).

* عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: (إنَّ لصاحب الزمان عليه السلام بيتاً يقال له: بيت الحمد فيه سراج يزهر منذ يوم ولد إلي أن يقوم عليه السلام بالسيف)(2).

* أحمد بن محمّد الجبلّي، قال: شككت بصاحب الزمان بعد مضي أبي محمّد عليه السلام، فخرجت إلي العراق وخرجت إلي خارج الرسا، وكنت سمعت أنَّ حاجزاً من وكلاء الناحية حرم أبي محمّد عليه السلام وأنَّه وكيل صاحب الزمان عليه السلام سرّاً إلاَّ عن ثقات الشيعة، فدفعت إليه خمسة دنانير وكتبت رقعة سألت فيها الدعاء لي وتسمَّيت في ترجمة الرقعة بغير اسمي، فورد التوقيع بوصول الخمسة دنانير والدعاء باسمي واسم أبي دون ما سمَّيت به، ولم يكن حاجز ولا غيره ممَّن حضر عرفني، فآمنت به عليه السلام واعتقدت إمامة القائم عليه السلام، فقال: (لعن الوقّاتون).

* حدَّث محمّد بن جعفر، قال: خرج بعض إخواننا يريد العسكر في أمر من الأمور، قال: فوافيت عكبرا، فبينما أنا قائم اُصلّي إذ أتاني رجل بصرّة مختومة، فوضعها بين يدي وأنا اُصلّي ومضي، فلمَّا انصرفت من صلاتي فضضت خاتم الصرّة وإذا فيها رقعة بشرح ما خرجت له، فانصرفت من عكبرا.3.

ص: 455


1- نحوه في كمال الدين: 489/ باب 45/ ح 12؛ ودلائل الإمامة: 527/ ح503 / 107 باختلاف يسير، وفيه: (تزوَّجت امرأة سرّاً، فلمَّا وطأتها علقت وجاءت بابنة...).
2- الغيبة للنعماني: 239/ ح 31؛ والغيبة للطوسي: 467/ ح 483.

* وكتب رجلان في حمل لهما، فخرج التوقيع بالدعاء لواحد منهما، وخرج للآخر: (يا حمدان آجرك الله)، فاسقطت امرأته، وولد للآخر ولد.

* وعن محمّد بن أحمد، قال: شكوت بعض جيراني ممَّن كنت أتأذّي به وأخاف شرّه، فورد التوقيع: (إنَّك ستكفي أمره قريباً)، فمنَّ الله بموته في اليوم الثاني.

* وعن أبي محمّد الثمالي، قال: كتبت في معنيين وأردت أن أكتب في معني الثالث، فقلت في نفسي لعلَّه عليه السلام يكره ذلك، فخرج التوقيع في المعنيين وفي المعني الثالث الذي أسررته ولم أكتب به(1).

* وروي أنَّ علي بن محمّد الصيمري كتب يسأل كفناً، فكتب إليه عليه السلام : (إنَّك تحتاج إليه في سنة ثمانين)، وبعث إليه ثوبين، فمات رحمه الله في سنة ثمانين(2).

* وحدَّث عن الحسن بن حنيف، عن أبيه، قال: حملت حرماً من المدينة إلي الناحية ومعهم خادمان، فلمَّا وصلنا إلي الكوفة شرب أحد الخدم مسكراً في السرّ ولم نقف عليه، فورد التوقيع بردّ الخادم الذي شرب المسكر، فرددناه من الكوفة ولم نستخدم به(3).

* عن الحصني، قال: خرج في أحمد بن عبد العزيز توقيع أنَّه قد ارتدَّ، فتبيَّن ارتداده بعد التوقيع بأحد عشر يوماً.

* * *ت.

ص: 456


1- أنظر: كمال الدين: 490/ باب 45/ ح 13 بتفاوت يسير.
2- أنظر: الكافي 1: 524/ ح 27؛ كمال الدين: 501/ باب 45/ ح 26؛ دلائل الإمامة: 524/ ح(494/98)؛ الإرشاد 2: 366؛ الغيبة للطوسي: 283/ ح 243، و297/ ح 253.
3- أنظر: الكافي 1: 523/ ح 21 بتفاوت.

المجدي في أنساب الطالبين

اشارة

تأليف: السيد الشريف الأجل نجم الدين أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن محمد العلوي العمري النسابة من أعلام القرن الخامس

تحقيق: الدكتور احمد المهدوي الدامغاني

ص: 457

ص: 458

الأخبار في معني الخلف الصالح عليه السلام

الأخبار في معني الخلف الصالح عليه السلام(1)

* حدَّثني أبو الحسن علي بن سهل التمّار بالبصرة، قال: أخبرني خالي أبو عبد الله محمّد بن وهبان الهنائي الدبيلي رحمه الله، قال: حدَّثنا الشريف الثقة أبو الحسن علي بن يحيي بن محمّد بن عيسي بن أحمد الشريف الفقيه الدّين ابن عيسي بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن علي أمير المؤمنين عليه السلام ببغداد، قال: حدَّثني علان الكلابي(2)، قال: صحبت أبا جعفر محمّد بن علي بن محمّد بن علي الرضا عليهم السلام، وهو حديث السنّ، فما رأيت أوقر ولا أزكي ولا أجلّ منه، وكان خلفه أبو الحسن العسكري عليه السلام بالحجاز طفلاً وقدم عليه مشتدّاً، فكان مع أخيه الإمام أبي محمّد عليه السلام لا يفارقه، وكان أبو محمّد يأنس به وينقبض مع أخيه جعفر.

* قال علان: حدَّثني أبو جعفر رضي الله عنه، قال: كانت عمّتي حكيمة تحبّ سيّدي أبا محمّد وتدعو له، وتتضرَّع أن تري له ولداً، وكان أبو محمّد عليه السلام اصطفي جارية يقال لها: نرجس عليها السلام وكان اسمها قبل ذلك (صقيل)، فلمَّا كانت ليلة النصف من شعبان دخلت(3) فدعت لأبي محمّد، فقال لها: (يا عمّة كوني الليلة عندنا لأمر قد حدث)، فقالت حكيمة: وكنت أتفقَّد جواري أبي

ص: 459


1- المجدي في أنساب الطالبيّين: 131 - 134.
2- كذا في الأساس وفي (ك) و(ش) و(خ)، وأمَّا في (ر): (الكلاني) بالنون.
3- في (ك) و(ش) و(ر): (دخلت علينا).

محمّد عليه السلام فلا أري عليهنَّ أثر حمل، وكنت آنس بنرجس عليها السلام واُقلّبها الظهر والبطن(1)، ولا أري دلالة الحمل عليها.

قال أبو جعفر: فأقامت كما رسم، فلمَّا كان وقت الفجر اضطربت نرجس، فقامت إليها عمّتي، قالت: فأدخلت يدي إلي ثيابها ووقع عليَّ نوم عظيم، فما أدري فيما كان منّي(2) غير أنّي رأيت المولود علي يدي، فأتيت به أبا محمّد عليه السلام وهو مختون مفروغ منه، فأخذه وأمرَّ يده علي ظهره وعينه، وأدخل لسانه في فيه، وأذَّن في أذنه وأقام في الأخري، ثمّ ردَّه إليَّ وقال: (يا عمّة اذهبي به إلي اُمّه). قالت: فذهبت به فقبَّلته ورددته إليه.

ثمّ رفع حجاب بيني وبين سيّدي أبي محمّد عليه السلام فانسفر عنه وحده، فقلت: يا سيّدي ما فعل المولود؟ فقال: (أخذه من هو أحقّ به، فإذا كان يوم السابع فأتينا).

قالت: فجئت إليه عليه السلام في اليوم السابع، فإذا المولود بين يديه في ثياب صفر وعليه من البهاء والنور ما أخذ بمجامع قلبي، فقلت: سيّدي هل عندك من علم في هذا المولود المبارك فتلقيه إليَّ؟

فقال عليه السلام : (يا عمّة، هذا المنتصر لأولياء الله، المنتقم من أعداء الله الذي يأخذ الله بثأره(3) ويجمع به ألفتنا، هذا الذي بشرنا به ودللنا عليه)، قالت: فخررت لله ساجدة شكراً علي ذلك.

قالت: ثمّ كنت أتردَّد إلي أبي محمّد عليه السلام فلا أراه، فقلت له يوماً: يا مولاي ما فعل سيّدنا ومنتظرنا؟).

ص: 460


1- في (ك) و(ش) و(ر): (ظهراً لبطن).
2- في (ك) و(ش) و(ر): (وما كان منّي).
3- في (ك) و(ش) و(ر) و(خ): (به ثارنا).

فقال: (أودعناه الذي استودعته اُمّ موسي ابنها).

* وبالإسناد(1)، قال: قال أبو جعفر(2) عمّ الحجّة عليه السلام: عطست بين يدي ولد أخي أبي محمّد عليه السلام وهو صبي، فقلت: الحمد لله.

فقال: (يرحمك الله يا عمّ، ألا أبشرك في العطاس؟).

قلت: بلي جُعلت فداك.

فقال: (أمان من الموت ثلاثة أيّام).

* وقال طريف(3) الخادم: دخلت علي مولاي أبي محمّد، فإذا بغلام خماسي يدرج، فرحَّبت به، فقال: (أتعرفني؟).

قلت: بعض مواليي.

فقال: (أنا الذي يدفع الله بي البلاء عن أهلي وشيعتي)، فلمَّا خرج أبو محمّد عليه السلام أنبأته، فقال: (اُكتم ما رأيت).

* وروي زرارة، عن الباقر عليه السلام : (يحكم بين عباد الله مذ يصير له أربع سنين، إنَّ عيسي بن مريم عليه السلام دعا قومه وأقام شرع ربّه تعالي وهو ابن ثلاث سنين).

* وقال أبو إبراهيم موسي عليه السلام : (لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتَّي يدخل الشكّ).

قلت: فهل من أمر يحتذ(4) به؟).

ص: 461


1- المتقدّم في الحديث السابق.
2- محمّد بن علي بن محمّد بن علي الرضا عليهم السلام.
3- كذا في جميع النسخ بالطاء المهملة، وفي جامع الرواة ومعجم سيّدنا الخوئي قدس سره وإعلام الوري وغيرها من المراجع: (ظريف) بالظاء المعجمة.
4- كذا في الأساس (و) (ر)، وفي (ك): (بحت ايه)، وفي (ش) و(خ): (تحت ذيه).

قال: (هو الخامس من ولد السابع عليه السلام).

* وقال الأصبغ بن نباتة: سألت علياً أمير المؤمنين عليه السلام عن المنتظر من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، فقال: (هو العاشر من ولد الثاني، يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً، يكون له غيبة طويلة تطول علي المنتظرين).

قلت: فندركه؟

قال: (يدركه من يشأ الله، ويرد له الله من يشأ الله من عباده، رجعة محتومة لا يكفر بها إلاَّ شقيّ).

* قال ريّان بن الصلت: قلت لمولاي أبي الحسن الرضا عليه السلام : ما اسم قائمكم؟

قال: (منعنا أن نسمّيه قبل ولادته).

* قال الصلت بن الريّان: سألت مولانا أبي محمّد عليه السلام عن اسم القائم.

فقال: (م ح م د).

فقلت: حدَّثني أبي أنَّ الرضا عليه السلام منع من تسميته قبل ولادته؟

قال عليه السلام: (فقد كان ولاده)(1)، ثمّ أومي، فدنوت منه، فقال: (أمَّا إنَّنا لا نختار(2) أن نسمّيه).

* وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: رأيت مع السجّاد عليه السلام صحيفة فيها أسماء الرجال، فقلت: من هؤلاء؟ فقال: (أئمّة الزمان، آخرهم قائمهم)، قال: فتأمَّلت الصحيفة فوجدت فيها من اسمه محمّد ثلاثة ومن اسمه علي أربعة.).

ص: 462


1- في (ك) و(ش) و(خ): (ولادته).
2- في (ك) و(ش) و(خ): (ما نختار).

* وقد حكي لي ممَّن أثق به جماعة أنَّهم رأوه وسمعوا كلامه، وإن ذهبت إلي حكاياتهم طال الكتاب، وممَّن حكي لي أنَّه رآه عليه السلام اثنان ثقتان(1) حاضران بمصر في وقتنا هذا.

* * *).

ص: 463


1- في (ك) و(ش) و(ر) و(خ): (تقيّان).

المجلد 2

اشارة

الإمِامُ المَهدِي فِي مَصَادِر عُلَماءِ الشِّيعِةِ مِنَ القَرنِ الثّاني الي القَرنِ الحَادِي عَشَر

الجُزءُ الثّاني

اعدَاد وَ تحقِيق

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

رقم الإصدار : 112

ص: 1

اشارة

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة

فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

النجف الأشرَف - شارع السور - قريب جبل الحويش

هاتف : 218318 و 3702011، النقال : 07804754535

ص.ب588

www.m.mahdi.com

info@m.mahdi.com

***

الإمام المهدي عليه السلام في مصادر علماء الشية / ج(2)

إعداد و تحقيق

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة

فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

الطبعة الأولي : 1430ه

النجف الأشرف

رقم الإصدار : 113

عدد النسخ :1500

جميع الحقوق محفوظة للمركز

ص: 2

دلائل الإمامة

اشارة

لأبي جعفر محمد بن جرير بن رُسّم

الطبري

من أعلام القرن الخامس

تحقيق

قسم الدراسات الإسلامية/ مؤسسة البعثة

ص: 3

ص: 4

أبو محمّد الحسن بن علي السراج عليه السلام:

أبو محمّد الحسن بن علي السراج عليه السلام(1):

... وتوفي بسُرَّ من رأي، ولمَّا اتَّصل الخبر باُمّه وهي في المدينة، خرجت حتَّي قدمت سُرَّ من رأي، وجري بينها وبين أخيه جعفر أقاصيص في مطالبته(2) إيّاها بميراثه، وسعي بها إلي السلطان، وكشف ما ستر الله، وادَّعت صقيل(3) عند ذلك أنَّها حامل، وحملت إلي دار المعتمد، فجعل نساءه وخدمه، ونساء الواثق، ونساء القاضي ابن أبي الشوارب، يتعاهدون أمرها إلي أن دهمهم أمر الصفّار، وموت عبد الله بن يحيي بن خاقان، وأمر صاحب الزنج، وخروجهم عن سُرَّ من رأي ما شغلهم عنها (4) وعن ذكر من أعقب من أجل ما يشاء(5) الله ستره وحسن رعايته بمنّه وطوله...

ذكر ولده عليه السلام:

الخلف الصالح القائم صاحب الزمان الإمام المنتظر لأمر الله (صلوات الله عليه وعلي آبائه وسلَّم)(6).

ص: 5


1- دلائل الإمامة: 423 - 575 / ح (384 / 1 ) - ( 529 / 133 )
2- في (ع)، (م): (ومطالبته).
3- قيل: هي اُمّ القائم عليه السلام علي ما في كمال الدين: 432/ ح 12.
4- في (ع)، (م): (عن ذلك).
5- في (ع)، (م): (أجله ويشاء).
6- تاريخ الأئمّة: 21؛ مناقب ابن شهرآشوب 4: 421؛ كفاية الطالب: 458؛ نور الأبصار: 341.

معرفة أنَّ الله لا يخلي الأرض من حجّة:

* حدَّثنا أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله الشيباني، قال: حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني، قال: حدَّثنا يحيي بن زكريا، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (تبقي الأرض يوماً بلا عالم منكم حيّ ظاهر، يفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟).

قال: (إذن لا يعبد الله، يا أبا يوسف)(1).

* وعنه، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر، عن محمّد بن أحمد، عن يحيي، عن محمّد بن إبراهيم، عن زيد الشحام، عن عمّه داود بن العلاء، عن أبي حمزة، عن بعضهم(2) أنَّه قال: ما خلت الدنيا منذ خلق الله السماوات والأرض من(3) إمام عدل(4)، إلي أن تقوم الساعة، حجّة لله فيها علي خلقه(5).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسي، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، عن أيّوب بن نوح، عن الربيع بن المسلي(6)، عن عبد الله بن سليمان العامري، عن أبي عبد الله

ص: 6


1- الإمامة والتبصرة: 27/ ح 5؛ علل الشرائع: 195/ ح 3؛ نوادر المعجزات: 194/ ح 1.
2- في (ط) زيادة: (عليهم السلام).
3- في (م)، (ط): (عن).
4- في (ط): (عادل).
5- الإمامة والتبصرة: 25/ ح 2؛ علل الشرائع: 197/ ح 14؛ ونحوه في بصائر الدرجات: 505/ ح 4؛ والكافي 1: 137/ ح 8 .
6- في (ع)، (م): (المسكن)؛ وفي (ط): (السكن)، وما في المتن هو الصواب، كما في المصادر، وهو الربيع بن محمّد بن عمر بن حسان الأصم المسلي، ومسلية قبيلة من مذحج؛ رجال النجاشي: 164.

عليه السلام، قال: (ما تزال الأرض ولله فيها حجّة، يعرف الحلال والحرام، ويدعو الناس إلي سبيل الله عز وجل، ولا ينقطع من الأرض إلاَّ أربعين يوماً قبل يوم القيامة، فإذا رفع الحجّة أغلق باب التوبة، ولم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن يرفع الحجّة، فأولئك(1) شرار خلق الله، وهم الذين تقوم عليهم فيها القيامة)(2).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسي، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام بن سهيل الكاتب، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثنا محمّد بن عيسي، عن الحسن بن علي الخزاز(3)، عن عمر بن أبان، عن الحسين بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال: (يا أبا حمزة، إنَّ الأرض لم تخل إلاَّ وفيها منّا عالم، فإذا زاد الناس، قال: زادوا. وإن نقصوا قال: نقصوا. ولن يخرج الله ذلك العالم حتَّي يري في ولده من يعلم مثل علمه، أو ما شاء الله)(4).

* وعنه، قال: حدَّثنا أبي، عن أبي علي محمّد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن يزيد ومحمّد بن عيسي جميعاً، عن عبد الله4.

ص: 7


1- في (م): (وأولئك من).
2- المحاسن: 236/ ح 202؛ بصائر الدرجات: 504/ ح 1؛ الكافي 1: 136/ ح 3؛ كمال الدين: 229/ ح 24؛ الغيبة للنعماني: 138/ ح 4.
3- في النسخ: (عن الحسن بن علي عن الحارث)، وفي كمال الدين: (الحسن بن علي الخزّاز، عن عمر بن أبان) بلا واسطة.
4- المحاسن: 235/ ح 201 نحوه؛ كمال الدين: 222/ ح 12، و228/ ح 21؛ نوادر المعجزات: 195/ ح 2؛ إثبات الهداة 1: 238/ ح 195؛ بحار الأنوار 25: 250/ ح 4.

الغفاري(1)، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (لا يزال في ولدي مأمون مأمول)(2).

* وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين، قال: حدَّثنا أحمد بن زياد الهمداني، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يمضي الإمام وليس له عقب؟

قال: (لا يكون ذلك).

قلت: فيكون؟

قال: (لا يكون، إلاَّ أن يغضب الله علي خلقه فيعاجلهم)(3).

* وعنه، عن أبي جعفر، قال: حدَّثنا(4) أبي، عن سعد بن عبد الله، عن أبي عبد الله محمّد بن خالد البرقي، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي هراسة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال: (لو أنَّ الإمام رفع لماجت الأرض بأهلها، كما يموج البحر بأهله)(5).0.

ص: 8


1- زاد في كمال الدين: (عن جعفر بن إبراهيم)، والظاهر صوابه، وهو ابن محمّد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الجعفري الهاشمي، روي عنه الغفاري في موارد أخري كثيرة، ولم تذكر رواية للغفاري عن الإمام الصادق عليه السلام مباشرة؛ راجع: معجم رجال الحديث 4: 47، و10: 80 و84 .
2- كمال الدين: 228/ ح 22.
3- كمال الدين: 204/ ح 13.
4- في (م)، (ط): (حدَّثني).
5- بصائر الدرجات: 508/ ح 3؛ الكافي 1: 137/ ح 12؛ كمال الدين: 202/ ح 3، و203/ ح 9؛ الغيبة للنعماني: 139/ ح 10.

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسي، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن أحمد بن محمّد ابن أبي نصر، عن عقبة بن جعفر، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: قد بلغت ما بلغت وليس لك ولد.

فقال: (يا عقبة، إنَّ صاحب هذا الأمر لا يموت حتَّي يري خلفه من ولده)(1).

* وعنه، عن عبد الله بن جعفر، عن علي بن سليمان بن رشيد، عن الحسن بن علي الخزّاز، قال: دخل علي بن أبي حمزة علي أبي الحسن الرضا عليه السلام، فقال له: أنت إمام؟

فقال: (نعم).

فقال له: إنّي سمعت جدّك جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول: (لا يكون الإمام إلاَّ وله عقب).

فقال له: (نسيت - يا شيخ - أم تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر، إنَّما قال جعفر عليه السلام: لا يكون الإمام إلاَّ وله ولد، إلاَّ الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي عليهما السلام، فإنَّه لا عقب له).

فقال: صدقت، جعلني الله فداك، هكذا سمعت جدّك يقول(2).

* وروي محمّد بن الحسين، عن عبد الله(3) بن محمّد الحجال، عن حماد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: (أوصير.

ص: 9


1- كمال الدين: 229/ ح 25؛ كفاية الأثر: 274؛ نوادر المعجزات: 195/ ح 3؛ الغيبة للطوسي: 222/ ح 184.
2- الغيبة للطوسي: 224/ ح 188؛ إثبات الهداة 1: 238/ ح 196.
3- في النسخ: (محمّد عن الحسين بن عبد الله)، وما أثبتناه من المصدر.

رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي علي والحسن والحسين وهما صبيّان)، ثمّ قال: ((وذلك)(1) قول الله (تعالي): (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ)(2) وأراد الأئمّة(3) من ولد علي وفاطمة عليهما السلام إلي أن تقوم الساعة)(4).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسي، عن أبيه، عن محمّد بن همام، عن عبد الله بن أحمد(5)، عن عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: (لو بقيت الأرض يوماً واحداً بلا إمام منّا لساخت الأرض بأهلها، ولعذَّبهم الله(6) بأشدّ عذابه، وذلك أنَّ الله جعلنا حجّة في أرضه وأماناً في الأرض لأهل الأرض، لن يزالوا بأمان من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم، فإذا أراد الله أن يهلكهم، ثمّ لا يمهلهم، ولا ينظرهم، ذهب بنا من بينهم، ثمّ يفعل الله (تعالي) بهم ما يشاء)(7).

* وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدَّثنا أبو جعفر، قال: حدَّثنا أبي، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: تكون الأرض بغير إمام؟4.

ص: 10


1- ما بين المعقوفتين أثبتناه لاقتضاء السياق.
2- النساء: 59.
3- في (ع)، (م): (منكم، قال: الأئمّة).
4- كمال الدين: 222/ ح 8 .
5- كذا في النسخ، ولعلَّ الصواب: (عن عبد الله بن جعفر الحميري - شيخ ابن همام -، عن محمّد بن أحمد، عن أبي سعيد العصفري، عن عمرو...)، كما في كمال الدين.
6- في (ع)، (م): (ويعذّبهم).
7- كمال الدين: 204/ ح 14؛ نوادر المعجزات: 196/ ح 4.

قال: (لا).

قلت: فيكون إمامان؟

قال: (لا، إلاَّ وأحدهما مصمت).

قلت: فالقائم؟

قال: (نعم، إمام ابن إمام، قد اؤتمَّ(1) به قبل ذلك)(2).

* حدَّثنا أبو الحسن أحمد بن الفرج بن منصور بن محمّد بن الحجّاج ابن هارون بن حماد بن سعيد بن أبان بن الصلت بن جرجشان(3) الفارسي، قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي رضي الله عنه، قال حرحشادان: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن محمّد بن سنان، عن نعمان الرازي، قال: كنت وبشير الدهّان عند أبي عبد الله عليه السلام، فقال: (لمَّا انقضت نبوّة آدم وانقطع أجله، أوحي الله عز وجل إليه أن: يا آدم قد انقضت نبوّتك، وقد انقطع أجلك، فانظر إلي ما عندك من العلم، والإيمان، وميراث النبوّة، وأثرة العلم، والاسم الأعظم، فاجعله في العقب من ذريتك، عند هبة الله، فإنّي لم أدع الأرض بغير عالم تعرف به طاعتي وديني، ويكون نجاة لمن أطاعني)(4).

* وعنه، عن أبي الحسن علي بن الحسين، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسي بن عبيد، عن الحسن بن محبوب، عن1.

ص: 11


1- في (ط): (قد أوعدتم).
2- كمال الدين: 223/ ح 17.
3- في (ع): (حوحشاران).
4- المحاسن: 235/ ح 197؛ الإمامة والتبصرة: 25/ ح 3؛ علل الشرائع: 195/ ح 1.

هشام بن سالم، عن أبي إسحاق الهمداني، قال: حدَّثني الثقة من أصحابنا أنَّه سمع أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (اللهم إنَّك لا تخل الأرض من حجّة لك علي خلقك، ظاهراً أو خافياً مغموراً، لئلاَّ تبطل حجَّتك وبيناتك)(1).

* وعنه، عن أبي الحسن علي بن الحسين بن موسي القمي، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عيسي، عن عبد الله بن محمّد بن سنان وصفوان بن يحيي وعبد الله بن المغيرة وعلي بن النعمان كلّهم، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّ الله عز وجل لا يدع الأرض إلاَّ وفيها عالم، يعلم الزيادة والنقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردَّهم، وإذا نقصوا أكمله لهم، وقال(2): خذوه كاملاً.

ولولا ذلك لالتبس علي المؤمنين أمرهم، ولم يفرق بين الحقّ والباطل)(3).

* وعنه، قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن موسي القمي، عن سعد بن عبد الله، عن الحسن بن موسي الخشاب، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد الكريم وغيره، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّ جبرئيل عليه السلام نزل علي النبيّ محمّد صلي الله عليه وآله وسلم بخبر عن ربّه، فقال له: إنَّ الله يقول(4): يا محمّد، إنّي لم أترك الأرض إلاَّ وفيها عالم، تعرف به طاعتي وهدايتي، ويكون نجاة فيما بين قبض النبيّ إلي خروج النبيّ الآخر، ولم).

ص: 12


1- الإمامة والتبصرة: 26/ ح 4؛ كمال الدين: 292 - 294/ ح 2 بعدّة طرق؛ علل الشرائع: 195/ ح 2؛ ونحوه في الغيبة للنعماني: 136/ ح 1؛ وإثبات الهداة 7: 141/ ح 689.
2- في (ع)، (م): (أكمله بهم فقال).
3- الإمامة والتبصرة: 30/ ح 11؛ علل الشرائع: 195/ ح 4؛ كمال الدين: 203/ ح 11.
4- (إنَّ الله يقول): من (ط).

أكن أترك إبليس يضلّ الناس وليس في الأرض حجّة لي، وداع إليَّ، وهادٍ إلي سبيلي وعارف بأمري، وإنّي قد قيضت(1) لكلّ قوم هادياً أهدي به السعداء، ويكون حجّة علي الأشقياء)(2).

والحمد لله وحده وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين.

معرفة وجوب القائم عليه السلام وأنَّه لا بدَّ أن يكون:

* حدَّثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمّد بن أحمد الطبري، قال: حدَّثنا أبو الحسن محمّد بن المظفر الحافظ، قال: حدَّثنا عبد الرحمن بن إسماعيل، قال: حدَّثنا محمّد بن إبراهيم الصوري، قال: حدَّثنا رواد(3)، قال: حدَّثنا سفيان، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (المهدي من ولدي، وجهه كالكوكب الدرّي، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يرضي بخلافته أهل السماء والطير في الجوّ، ويملك عشرين سنة)(4).6.

ص: 13


1- في (ع)، (م): (قضيت).
2- الإمامة والتبصرة: 31/ ح 16؛ علل الشرائع: 196/ ح 7.
3- في النسخ: (داود)، وهو تحريف، وما في المتن هو الصحيح، وهو: رواد بن الجراح الشامي، الراوي عن سفيان الثوري، روي عنه محمّد بن إبراهيم الصوري هذا الحديث بهذا السند في لسان الميزان 5: 23 و24، وانظر: تهذيب الكمال 9: 227.
4- نوادر المعجزات: 196/ ح 5؛ الفردوس 4: 221/ ح 6667؛ العمدة: 439/ ح 922؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 501 و513؛ كشف الغمّة 2: 481؛ ذخائر العقبي: 136؛ الفصول المهمّة: 294؛ الحاوي للفتاوي 2: 66؛ الصواعق المحرقة: 164؛ حلية الأبرار 2: 583؛ نور الأبصار: 346.

* وحدَّثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن زيد بن علي الحفري(1) بالكوفة، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسين بن حفص، قال: حدَّثنا إسماعيل بن إسحاق بن راشد، قال: حدَّثنا يحيي بن سالم، عن فطر عن خليفة وصباح بن يحيي المزني ومندل بن علي، كلّهم ذكره عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنّا جلوساً عند النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ذات يوم، إذ أقبل(2) فتية من بني عبد المطَّلب، فلمَّا نظر إليهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم اغرورقت عيناه(3)، فقلنا: يا رسول الله، لا نزال نري في وجهك شيئاً نكرهه(4)؟

قال: (إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا، وإنَّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتطريداً وتشريداً، حتَّي يجيء قوم من هاهنا - وأشار بيده إلي المشرق - أصحاب رايات سود، يسألون الحقّ فلا يعطونه - حتَّي أعادها ثلاثاً - فيقاتلون فيُنصرون، ولا يزالون كذلك حتَّي يدفعونها إلي رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، فمن أدركه منكم فليأته ولو حبواً علي الثلج)(5).8.

ص: 14


1- في (ط): (الخفري).
2- في (ط): (فأقبل).
3- في (ط) زيادة: (بالدموع).
4- في (ط): (رسول الله أرأيت شيئاً تكرهه؟).
5- سنن ابن ماجة 2: 1366/ ح 4082؛ مستدرك الحاكم 4: 464؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 491؛ كشف الغمّة 2: 472 و478؛ الحاوي للفتاوي 2: 60؛ حلية الأبرار 2: 704؛ غاية المرام: 700/ ح 98.

* وحدَّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري، قال: حدَّثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقيقي(1)، قال: حدَّثنا أبو الطيب أحمد بن عبيدالله الأنطاكي، قال: حدَّثني اليمان بن سعيد المحتسبي(2)، قال: حدَّثنا خالد بن يزيد القسري(3)، قال: حدَّثنا محمّد بن إبراهيم الهاشمي، عن أبي جعفر أمير المؤمنين عبد الله بن محمّد، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (كيف تهلك أمّة أنا أوّلها، وعيسي بن مريم في آخرها، والمهدي من أهل بيتي في وسطها؟!)(4).

* حدَّثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري، قال: حدَّثنا عبد الجبّار بن شيران(5) بالبصرة، قال: حدَّثنا محمّد بن زكريا، قال: حدَّثناه.

ص: 15


1- في ترجمته من تاريخ بغداد 11: 302؛ وسير أعلام النبلاء 15: 444 وغيرهما: الدقاق، وكلاهما نسبة إلي الدقيق وبيعه، أنظر أنساب السمعاني 2: 485؛ وصفه الذهبي بالشيخ الإمام المحدّث المكثر الصادق، مسند العراق... توفّي سنة (344 ه-).
2- في (ع): (المحصبي).
3- في النسخ والبيان: (القشيري)، وما في المتن هو الصواب، نسبة إلي قسر بطن من بجيلة، وهو الناصبي المعروف خالد بن عبد الله بن يزيد البجلي القسري: أمير العراقين البصرة والكوفة لهشام بن عبد الملك وكانت اُمّه نصرانية بني لها كنيسة تتعبَّد فيها، قتل بالكوفة (126ه-) أنظر: ترجمته في تهذيب الكمال 8 : 107؛ وفيات الأعيان 2: 226؛ سير أعلام النبلاء 5: 425.
4- تفسير الطبري 3: 203 قطعة منه؛ نوادر المعجزات: 197/ ح 6؛ مناقب ابن المغازلي: 395/ ح 449؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 508؛ كشف الغمّة 2: 484؛ فرائد السمطين 2: 339/ ح 593؛ كنز العمّال 14: 269/ ح 38682.
5- في (ع): (عبد الله بن الخيار بن سيراب)، وفي (م): (عبد الله (الجبّار نسخة بدل) بن سيراب)، وفي (ط): (عبد الجبّار بن سيراب)، وما في المتن من رجال النجاشي: 347، ذكره في الذين رووا عن محمّد بن زكريا ابن دينار الغلابي كتبه.

الحكم بن أسلم وشعيب بن واقد، قالا: حدَّثنا جعفر بن سليمان، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (والذي نفسي بيده، إنَّ مهدي هذه الأمّة الذي يصلّي خلفه عيسي منّا)، ثمّ ضرب(1) منكب الحسين عليه السلام، وقال: (من هذا، من هذا)(2).

* وحدَّثني محمّد بن عبد الله الشيباني، قال: حدَّثنا علي بن حفص ابن مسافر الهذلي بتنيسق(3)، قال: حدَّثني أبو صالح، قال: حدَّثنا موسي بن محمّد بن عطاء أبو طاهر البلقاوي ببيت المقدس، قال: حدَّثني الوليد بن محمّد الموقري(4)، قال: كنت واقفاً بالرصافة - يعني رصافة هشام - نصف النهار علي باب الزهري، فمرَّ اللعّانون(5) يطوفون برأس زيد بن علي عليه السلام، فبكي، وقال: أهلك(6) أهل هذا البيت(7) العجلة.).

ص: 16


1- في (ط): (زيادة يده علي).
2- الغيبة للطوسي: 191/ ح 154؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 501؛ الفصول المهمّة: 296؛ إثبات الهداة 7: 135/ ح 672 عن كتاب عيون المعجزات للسيّد المرتضي، و7: 144/ ح 698 عن كتاب مناقب فاطمة عليها السلام وولدها.
3- في (ع)، (م): (ببلنيس)، ولم نعثر علي مدينة تسمّي بهذين الاسمين، ولعلَّ الصواب بتنيس، جزيرة في بحر مصر قريبة من البر ما بين الفرما ودمياط، (معجم البلدان 2: 51).
4- في (ع)، (م): (المرقزي)؛ وفي (ط): (المروزي)، كلاهما تصحيف، والصواب ما في المتن، ذكره السمعاني في الأنساب 5: 409؛ وابن حجر في تهذيب التهذيب 11: 148؛ وعدَّ البلقاوي في الرواة عنه. والنسبة إلي الموقر موضع بنواحي البلقاء؛ (مراصد الاطلاع 3: 1335).
5- في مقاتل الطالبيين: (فسمع - الزهري - أصوات لعابين)؛ وفي تهذيب تاريخ ابن عساكر: (فإذا رأس زيد يطاف به بيد لعابين).
6- كذا في المقاتل وغيره، وصحّفت في النسخ: (يملك).
7- في (ط) زيادة: (ولكن).

قلت: يا أبا بكر، ويملكون؟

قال: نعم حدَّثني علي بن الحسين، عن أبيه عليهما السلام أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام: (المهدي من ولدك)(1).

* وحدَّثني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول القاضي، قال: حدَّثنا أبي(2)، قال: حدَّثنا سمرة بن حجر، عن حمزة بن النصيبي، عن زيد بن رفيع، عن أبي عبيدة(3)، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنت عند النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم إذ مرَّ فتية من بني هاشم، كأنَّ(4) وجوههم المصابيح، فبكي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟

قال: (إنّا أهل بيت قد اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا، وإنَّه سيصيب أهل بيتي قتل وتطريد وتشريد في البلاد، حتَّي يتيح(5) الله لنا راية تجيء من المشرق، من نصرها نصر(6)، ومن يشاقها يشاق، ثمّ يخرج عليهم رجل من أهل بيتي اسمه كاسمي، وخلقه كخلقي(7)، تؤوب إليه أمّتي كما تؤوب الطير إلي).

ص: 17


1- مقاتل الطالبيين: 97؛ كشف الغمّة 2: 468؛ الحاوي للفتاوي 2: 66؛ تهذيب تاريخ ابن عساكر 6: 26.
2- (قال: حدَّثنا أبي): ليس في (ع)، والصواب إثباتها، وهو إسحاق بن البهلول بن حسان التنوخي أبو يعقوب، من كبار العلماء، له مسند كبير، وحدَّث عنه ولده أحمد، وروي هو عن سمرة بن حجر أبو حجر الخراساني؛ راجع: تاريخ بغداد 4: 30، و6: 366، و9: 26/ ح 328.
3- هو ابن عبد الله بن مسعود، اسمه عامر، وقيل: اسمه كنيته، روي عن أبيه وقيل: لم يسمع منه، وروي عنه زيد بن رفيع الفزاري، راجع: تهذيب الكمال 14: 61؛ ميزان الاعتدال 2: 103.
4- في (ع)، (م) زيادة: (في).
5- في (ع)، (م): (يفتح).
6- في (ط): (من يهزّها يهزّ).
7- في (ع): (خلقته كخلقي)، وفي (م): (خلقته كخلقته).

أوكارها، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً).

* وحدَّثني أبو المفضَّل، قال: حدَّثنا إسحاق بن محمّد بن مروان الكوفي الغزال ببغداد، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا يحيي بن سالم الفراء، عن صباح بن يحيي وفطر بن خليفة، عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنّا حول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذ أقبلت فتية من بني هاشم، فلمَّا نظر إليهم اغرورقت عيناه، فقلنا: يا رسول الله، لا نزال نري في وجهك شيئاً نكرهه.

فقال: (إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا، وهؤلاء أهل بيتي(1) اختار الله لهم الآخرة، وسيلقون بعدي تطريداً وتشريداً وبلاءً شديداً، حتَّي يجيء قوم من هاهنا - وأشار بيده إلي المشرق - أصحاب رايات سود، يسألون الحقّ فلا يعطونه - حتَّي أعادها ثلاثاً - فيقاتلون حتَّي يدفعوها إلي رجل من أهل بيتي فيملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، فمن أدرك ذلك منكم فليأته ولو حبواً).

قال أبو المفضَّل: ورواه عمرو بن قيس الملائي، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم، عن عبيدة السلماني، عن عبد الله، وكلاهما عندي صحيح.

* حدَّثنا محمّد بن الحسين بن حفص الخثعمي ومحمّد بن جعفر بن رباح(2) الأشجعي، قالا: حدَّثنا عباد بن يعقوب الأسدي، قالا: أخبرنا حنان بن سدير، قال: كنت أختلف إلي عمرو بن قيس الملائي أتعلَّم منه القرآن، وكان الناس يجيئونه ويسألونه عن هذا الحديث، حتَّي حفظته).

ص: 18


1- في (ع): (الدنيا وأهل بيتي هؤلاء).
2- في (ع): (رزباح)؛ وفي (م): (زرباح).

منه. فحدَّثني عمرو بن قيس الملائي، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم، عن أبي(1) عبيدة، عن عبد الله، قال: أتينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فخرج إلينا مستبشراً يعرف السرور في وجهه، فما سألناه عن شيء إلاَّ أخبرنا، ولا سكتنا إلاَّ ابتدأنا، حتَّي مرَّت به فتية من بني هاشم، فيهم الحسن والحسين، فلمَّا أن رآهم خثر(2) لهم، وانهملت عيناه بالدموع.

فقالوا له: يا رسول الله، خرجت إلينا مستبشراً، نعرف السرور في وجهك، فما سألناك عن شيء إلاَّ أخبرتنا ولا سكتنا إلاَّ ابتدأتنا، حتَّي مرَّت بك الفتية، فخثرت لهم، وانهملت عيناك.

فقال صلي الله عليه وآله وسلم: (إنّا أهل بيت اختار الله عز وجل لنا الآخرة علي الدنيا، وإنَّه سيلقي أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتَّي ترتفع رايات سود من المشرق، فيسألون الحقّ فلا يعطون، ويقاتلون فينصرون، فيعطون الذي سألوا، فمن أدركهم منكم - أو من أبنائكم - فليأتهم ولو حبواً علي الثلج، فإنَّها رايات هدي، يدفعونها إلي رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً)(3).

* وحدَّثنا أبو المفضَّل، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الكوفي، عن محمّد بن عبد الله الفارسي، عن يحيي بن ميمون الخراساني، عن عبد الله2.

ص: 19


1- في (ع)، (م): (عن إبراهيم بن)، وهو خطأ.
2- في حديث: (أصبح رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو خاثر النفس)، قال الجرزي: أي ثقيل النفس غير طيّب ولا نشيط. (النهاية 2: 11).
3- سنن ابن ماجة 2: 1366/ ح 4082؛ مستدرك الحاكم 4: 464؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 491؛ كشف الغمّة 2: 472.

بن سنان، عن أخيه محمّد بن سنان الزاهري، عن سيّدنا الصادق(1) جعفر بن محمّد عليه السلام، عن أبيه، عن جدّه الحسين، وعن عمّه الحسن، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قال: قال لي: (يا علي، إذا تمَّ من(2) ولدك أحد عشر إماماً، فالحادي عشر منهم المهدي من أهل بيتي)(3).

* وبهذا الإسناد عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (إذا توالت ثلاثة أسماء من الأئمّة من ولدي: محمّد وعلي والحسن، فرابعها هو القائم المأمول المنتظر)(4).

* وحدَّثني أبو المفضَّل، قال: حدَّثني أبو الطيب الصابوني، عن جعفر القصيري(5)، عن علي بن هارون، عن عبد الله بن خلف الحلبي، عن أبي حمزة الثمالي، عن محمّد الباقر، عن أبيه علي، عن الحسين بن علي عليهم السلام، قال: (دخلت أنا وأخي الحسن علي جدّي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فأجلسني علي فخذه، وأجلس أخي علي فخذه الآخر، ثمّ قبَّلنا وقال: يا ابني، أنعم بكما من إمامين زكيين صالحين! اختاركما الله عز وجل منّي ومن أبيكما واُمّكما، واختار من صلبك يا حسين تسعة، تاسعهم قائمهم، وكلّهم في المنزلة والفضل عند الله واحد)(6).

* وعنه، قال: حدَّثني علي بن الحسن المنقري(7) الكوفي، قال:).

ص: 20


1- في (ط): (أبي عبد الله).
2- في (ع)، (م): (زيادة عدد).
3- نحوه في كمال الدين: 139/ ح 7؛ والعدد القويّة: 70/ ح 107.
4- كمال الدين: 333 و334/ ح 2 و3؛ الهداية الكبري: 374.
5- في (ع): (القصيري).
6- الهداية الكبري: 374؛ كمال الدين: 139/ ح 7؛ العدد القوية: 70/ ح 107.
7- في (ع)، (م): (رشدم)، وفي الهداية: (رشده).

حدَّثني أحمد بن زيد الدهان، عن مكحول(1) بن إبراهيم، عن رستم بن عبد الله بن خالد المخزومي، عن سليمان الأعمش، عن محمّد بن خلف الطاطري، عن زاذان، عن سلمان رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إنَّ الله تبارك وتعالي لم يبعث نبيّاً ولا رسولاً إلاَّ جعل له اثني عشر نقيباً).

فقلت: يا رسول الله، لقد عرفت هذا من أهل الكتابين(2).

فقال: (يا سلمان هل علمت من نقبائي ومن الاثني عشر الذين اختارهم الله للأمّة من بعدي؟).

فقلت: الله ورسوله أعلم.

فقال: (يا سلمان، خلقني الله من صفوة نوره، ودعاني فأطعته، وخلق من نوري علياً، ودعاه فأطاعه، وخلق من نور علي فاطمة، ودعاها فأطاعته، وخلق منّي ومن علي وفاطمة الحسن، ودعاه فأطاعه، وخلق منّي ومن علي وفاطمة الحسين، فدعاه فأطاعه. ثمّ سمّانا (3) بخمسة أسماء من أسمائه، فالله المحمود وأنا محمّد، والله العلي وهذا علي، والله الفاطر وهذه فاطمة، والله ذو(4) الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسين. ثمّ خلق منّا ومن نور الحسين، تسعة أئمّة، فدعاهم فأطاعوه، قبل أن يخلق(5) سماء مبنيّة، وأرضا (6) مدحيّة، ولا ملكاً ولا بشراً، وكنّا نوراً).

ص: 21


1- في الهداية: (مخول)، راجع: الجرح والتعديل 8 : 399.
2- في (ع): (الكنايس).
3- في (ع)، (م): (أسمانا).
4- في (ع)، (م): (ولله).
5- في (ع)، (م): (خلق الله).
6- في (ع)، (م): (ولا أرض).

نسبّح الله، ونسمع له ونطيع).

قال سلمان: فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت واُمّي، فما لمن عرف هؤلاء؟

فقال: (يا سلمان، من عرفهم حقّ معرفتهم، واقتدي بهم، ووالي وليّهم، وتبرَّأ من(1) عدوّهم، فهو والله منّا، يرد حيث نرد، ويسكن حيث نسكن).

فقلت: يا رسول الله، وهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم؟

فقال: (لا يا سلمان).

فقلت: يا رسول الله، فأنّي لي بهم وقد عرفت إلي الحسين؟

قال: (ثمّ سيّد العابدين علي بن الحسين، ثمّ ابنه محمّد بن علي باقر علم الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين، ثمّ ابنه(2) جعفر بن محمّد لسان الله الصادق، ثمّ ابنه موسي بن جعفر الكاظم غيظه صبراً في الله عز وجل، ثمّ ابنه علي بن موسي الرضي لأمر الله، ثمّ ابنه محمّد بن علي المختارمن خلق(3) الله، ثمّ ابنه علي بن محمّد الهادي إلي الله، ثمّ ابنه الحسن بن علي الصامت الأمين لسرّ الله، ثمّ ابنه محمّد بن الحسن الهادي المهدي الناطق القائم بحقّ(4) الله). ثمّ قال: (يا سلمان، إنَّك مدركه، ومن كان مثلك، ومن تولاّه بحقيقة المعرفة).

قال سلمان: فشكرت الله كثيراً، ثمّ قلت: يا رسول الله وإنّي مؤجّل).

ص: 22


1- في (ط): (وعادي).
2- (ابنه) ليس في (ع)، (م) وكذا في الموارد الآتية.
3- في (ط): (المختار لأمر).
4- في (ط): (بأمر).

إلي عهده؟

قال: (يا سلمان اقرأ: (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثمّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)(1)).

قال سلمان: فاشتدَّ بكائي وشوقي، ثمّ قلت: يا رسول الله، أبعهد منك؟

فقال: (إي والله، الذي أرسل محمّدا (2) بالحقّ، منّي ومن علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة، وكلّ من هو منّا ومعنا (3)، ومضام فينا، إي والله يا سلمان، وليحضرنَّ إبليس وجنوده، وكلّ من محض الإيمان محضاً ومحض الكفر محضاً، حتَّي يؤخذ بالقصاص والأوتار(4)، ولا يظلم ربّك أحداً، ويحقّق(5) تأويل هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(6)).

قال سلمان: فقمت من بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وما يبالي سلمان متي لقي الموت، أو الموت لقيه(7).

وحدَّثني أبو الحسن محمّد بن أحمد بن علي بن خيران الأنباري،4.

ص: 23


1- الإسراء: 5 و6.
2- في (ط): (أرسلني).
3- (ومعنا) ليس في (ع)، (م).
4- في (ع)، (م) زيادة: (والأثوار).
5- في (ط): (وذلك).
6- القصص: 5 و6.
7- في (ط): (بين يديه وما أبالي لقيت الموت أو لقيني). الهداية الكبري: 375؛ مقتضب الأثر: 6؛ المحتضر: 152؛ حلية الأبرار 2: 644.

قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن أحمد العقيقي، عن أبيه، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: حدَّثني معتب مولي جعفر بن محمّد، قال: سمعت مولاي عليه السلام يقول: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إنَّ نبيّاً من أنبياء الله عز وجل طرده قومه، فأوي إلي الديلم، فآووه ونصروه، وسألوه أن يدعو الله لهم، فدعا لهم أن يكثر الله عددهم، ويعلي أيديهم علي عدوّهم، ويمنع أرضهم وبلدهم، ويجعل فيهم ومنهم أنصاراً للقائم المهدي من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم...).

* أخبرني علي بن هبة الله، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسي القمي، قال: حدَّثنا علي بن أحمد بن موسي بن محمّد الدقاق ومحمّد بن محمّد بن عصام، قالا: حدَّثنا محمّد بن يعقوب، قال: حدَّثنا القاسم بن العلاء، قال: حدَّثني إسماعيل الفزاري، قال: حدَّثني محمّد بن جمهور العمّي، عن ابن أبي نجران، عمَّن ذكره، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، قال: سألت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام: يا ابن رسول الله، لِمَ سُمّي علي(1) أمير المؤمنين، وهو اسم ما تسمّي(2) به أحد قبله، ولا يحلّ لأحد بعده؟

فقال: (لأنَّه ميرة العلم، يمتار منه، ولا يمتار من أحد سواه).

قال: فقلت: يا ابن رسول الله، فلِمَ سُمّي سيفه ذا الفقار؟

فقال عليه السلام: (لأنَّه ما ضرب به أحداً من خلق الله عز وجل إلاَّ أفقره في هذه الدنيا من أهله وولده، وأفقره في الآخرة من الجنّة).).

ص: 24


1- (علي) ليس في (ع)، (م).
2- في (ط): (لم يسمّ).

قال: فقلت: يا ابن رسول الله، ألستم كلّكم قائمين بالحقّ؟

قال: (بلي).

قلت: فلِمَ سُمّي القائم قائماً؟

قال: (لمَّا قتل جدّي الحسين عليه السلام ضجَّت الملائكة إلي الله عز وجل بالبكاء والنحيب، وقالوا: إلهنا، وسيّدنا، أتغفل(1) عمَّن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك؟

فأوحي الله عز وجل إليهم: قروا ملائكتي، فوَعزَّتي وجلالي، لأنتقمنَّ منهم ولو بعد حين. ثمّ كشف الله عز وجل(2) عن الأئمّة من ولد الحسين عليهم السلام للملائكة، فسرَّت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم(3) يصلّي، فقال الله تعالي: بذلك القائم أنتقم منهم)(4).

* وأخبرني أبو طاهر عبد الله بن أحمد الخازن، قال: حدَّثنا أبو بكر محمّد بن عمر بن محمّد بن مسلم بن البراء الجعابي، قال: حدَّثنا أبو محمّد الحسن بن عبد الله بن محمّد بن العبّاس الرازي القمي، عن أبيه، قال: حدَّثني سيّدي علي بن موسي الرضا عليه السلام، قال: حدَّثني أبي موسي بن جعفر، قال: حدَّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدَّثني أبي محمّد بن علي، قال: حدَّثني أبي علي بن الحسين، قال: حدَّثني أبي الحسين، قال: حدَّثني أخي الحسن، قال: حدَّثني أبي علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتَّي يقوم قائم الحقّ، وذلك حين6.

ص: 25


1- في (ط): (إلهنا اتصفح).
2- في (ط): (كشف لهم).
3- في (ط): (ورأوا أحدهم قائماً).
4- علل الشرائع: 160/ ح 1؛ حلية الأبرار 2: 676.

يأذن الله عز وجل له، فمن تبعه نجا، ومن تخلَّف عنه هلك، الله، الله، عباد الله، فأتوه ولو حبواً علي الثلج، فإنَّه خليفة الله عز وجل وخليفتي)(1).

* وبإسناده، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لا تذهب الدنيا حتَّي يقوم بأمر أمّتي رجل من ولد الحسين، يملأ الأرض(2) عدلاً كما ملئت ظلماً)(3).

* وأخبرني أبو الحسن علي، قال: حدَّثنا أبو جعفر، قال: حدَّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، عن علي بن الحسن بن فضال، قال: حدَّثني العبّاس بن عامر، عن وهب بن جميع مولي إسحاق بن عمّار، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن إبليس، قوله: (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلي يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلي يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)(4) أيّ يوم هو؟

قال: (يا وهب، أتحسب أنَّه يوم يبعث الله تعالي الناس؟ لا، ولكن الله عز وجل أنظره إلي يوم يبعث الله عز وجل قائمنا، فإذا بعث الله عز وجل قائمنا، فيأخذ بناصيته، ويضرب عنقه، فذلك يوم الوقت المعلوم)(5).

* حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسي، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي1.

ص: 26


1- كفاية الأثر: 106؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 59/ ح 230؛ إثبات الهداة 7: 144/ ح 701.
2- في (ط): (الدنيا).
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 66/ ح 293؛ ينابيع المودّة: 445.
4- الحجر: 36 - 38.
5- تفسير العياشي 2: 242/ ح 14؛ حلية الأبرار 2: 681.

بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (يكون منّا تسعة بعد الحسين بن علي، تاسعهم قائمهم، وهو أفضلهم)(1).

* أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسي القمي، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إنَّ الله عز وجل اختار من الأيّام يوم الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، فجعلها خيراً من ألف شهر. واختار من الناس الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل، واختارني من الرسل، فاختار منّي علياً، واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين أئمّة(2) ينفون عن التنزيل تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، تاسعهم باطنهم، وهو ظاهرهم، وهو قائمهم)(3).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسي، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا أبو عبد الله جعفر بن محمّد الحميري، قال: حدَّثنا أحمد بن ميثم، قال: حدَّثنا سليمان بن صالح، قال: حدَّثنا أبو الهيثم القصّاب، عن المفضَّل بن عمر الجعفي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها، واستغني العباد عن ضوءن.

ص: 27


1- إثبات الوصيّة: 227؛ ونحوه في الكافي 1: 448/ ح 15؛ وكمال الدين: 350/ ح 45؛ والخصال: 419/ ح 12؛ والغيبة للنعماني: 94؛ والإرشاد: 348؛ والغيبة للطوسي: 140/ ح 104.
2- في (ع): (الأوصياء)؛ (أئمّة) ليس في (م).
3- إثبات الوصيّة: 227؛ كمال الدين: 281/ ح 32؛ الغيبة للنعماني: 67/ ح 7؛ مقتضب الأثر: 9 بطريقين.

الشمس، وصار الليل والنهار واحداً، وذهبت الظلمة، وعاش الرجل في زمانه ألف سنة، يولد له في كلّ سنة غلام، لا يولد له جارية، يكسوه الثوب فيطول عليه كلَّما طال، ويتلوَّن عليه أيّ لون شاء)(1).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسي، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، عن عبد الله بن جعفر بن محمّد الحميري، عن محمّد بن فضيل، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: (إذا قام القائم، يأمر الله الملائكة بالسلام علي المؤمنين، والجلوس معهم في مجالسهم، فإذا أراد واحد حاجة أرسل القائم من بعض الملائكة أن يحمله، فيحمله الملك حتَّي يأتي القائم، فيقضي حاجته، ثمّ يردّه. ومن(2) المؤمنين من يسير في السحاب، ومنهم من يطير مع الملائكة، ومنهم من يمشي مع الملائكة مشياً، ومنهم من يسبق الملائكة، ومنهم من تتحاكم الملائكة إليه، والمؤمنون أكرم علي الله من الملائكة، ومنهم من يصيره القائم قاضياً بين مائة ألف من الملائكة...)(3).

* وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الحميري، قال: حدَّثنا القاسم بن إسماعيل، عن الحسن بن علي، عن أبي المغرا، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: (ويل لطغاة العرب من أمر قد اقترب).

قلت: جُعلت فداك، كم مع القائم عليه السلام من العرب؟

قال: (نفر يسير).3.

ص: 28


1- الإرشاد: 363 نحوه؛ إثبات الهداة 7: 145/ ح 702؛ حلية الأبرار 2: 634.
2- في (ع)، (م): (وفي).
3- إثبات الهداية 7: 145/ ح 703.

فقلت: والله، إن يصف هذا الأمر منهم لكثير!

قال: (لا بدَّ للناس من أن يمحصوا، ويميّزوا، ويغربلوا، ويستخرج الغربال خلقاً كثيراً)(1).

* وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الحميري، قال: حدَّثني أحمد بن محمّد بن عيسي، قال: حدَّثنا عبد الله بن القاسم، عن عمر بن أبان الكلبي، عن أبان بن تغلب(2)، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (كأنّي بالقائم عليه السلام علي ظهر النجف، لبس درع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تتقلَّص عليه، ثمّ ينتفض بها، فتستدير عليه، ثمّ يتغشّي بثوب استبرق، ثمّ يركب فرساً له أبلق، بين عينيه شمراخ(3)، ينتفض به حتَّي لا يبقي أهل له إلاَّ أتاهم بين ذلك الشمراخ، حتَّي تكون آية له.

ثمّ ينشر راية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وهي المغلبة، عودها من عهد غرس الله، وسيرها من نصر الله، لا يهوي بها إلي شيء إلاَّ أهلكته).

قال: قلت: مخبئة هي أم يؤتي بها؟

قال: (بل يأتي بها جبرئيل عليه السلام، وإذا نشرها أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع الله يده علي رؤوس العباد، فلا يبقي مؤمن إلاَّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد، واُعطي قوّة أربعين رجلاً، فلا يبقي ميّتم.

ص: 29


1- في (ط): (من الغربال خلق كثير). الكافي 1: 302/ ح 2؛ الغيبة للنعماني: 204/ ح 6 نحوه، و204/ ح 7؛ العدد القوية: 74/ ح 123.
2- كذا في كامل الزيارات والغيبة للنعماني، وهو الصواب، وفي النسخ: (عبد الله بن عمرو (عمر ظ) بن أبان ابن تغلب الكلبي)، راجع: معجم رجال الحديث 1: 151، و10: 281، و13: 10.
3- الشمراخ: غرّة الفرس إذا دقَّت وسالت وجللت الخيشوم.

يومئذٍ إلاَّ دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، حيث(1) يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بخروج القائم، فيهبط مع الراية إليه ثلاثة عشر ألف ملك وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً).

قال: قلت: كلّ هؤلاء ملائكة؟

قال: (نعم، كلّهم ينتظرون قيام القائم، الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حين ألقي في النار، والذين كانوا مع موسي حين فلق البحر، والذين كانوا مع عيسي حيث رفعه الله إليه، وألف مع النبيّ مسوّمين، وألف مردفين، وثلاثمائة وثلاثة عشر كانوا مع النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم يوم بدر، وأربعة آلاف هبطوا إلي الأرض ليقاتلوا مع الحسين عليه السلام فلم يؤذن لهم، فرجعوا في الاستيمار، فهبطوا وقد قتل الحسين عليه السلام، فهم شعث غبر عند قبره، يبكونه إلي يوم القيامة، وما بين قبر الحسين عليه السلام إلي السماء مختلف الملائكة)(2).

* وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الحميري، قال: حدَّثني أحمد بن جعفر، قال: حدَّثني علي بن محمّد، يرفعه إلي أمير المؤمنين صلوات الله عليه في صفة القائم عليه السلام: (كأنَّني به قد عبر من وادي السلام إلي مسجد السهلة(3)، علي فرس محجَّل، له شمراخ، يزهو، ويدعو، ويقول في دعائه: لا إله إلاَّ الله حقّاً حقّاً، لا إله إلاَّ الله إيماناًة.

ص: 30


1- في (ط): (حتَّي).
2- نحوه في كامل الزيارات: 119/ ح 5، و192/ ح 9؛ وكمال الدين: 671/ ح 22؛ والغيبة للنعماني: 309/ ح 4، و310/ ح 5؛ وقطعة منه في العدد القويّة: 74/ ح 124.
3- من مساجد الكوفة.

وصدقاً، لا إله إلاَّ الله تعبّداً ورقّاً.

اللهم يا معين كلّ مؤمن وحيد، ومذلّ كلّ جبّار عنيد، أنت كهفي حين تعييني المذاهب، وتضيق عليَّ الأرض بما رحبت.

اللهم خلقتني وكنت عن خلقي غنيّاً، ولولا نصرك إيّاي لكنت من المغلوبين.

يا منشر الرحمة من مواضعها، ومخرج البركات من معادنها، ويا من خصَّ نفسه بشموخ الرفعة، فأولياؤه بعزّه يتعزَّزون، يا من وضعت له الملوك نير المذلّة علي أعناقها، فهم من سطوته خائفون.

أسألك باسمك الذي قصر عنه خلقك، فكلّ لك مذعنون، أسألك أن تصلّي علي محمّد وعلي آل محمّد، وأن تنجز لي أمري، وتعجّل لي الفرج، وتكفيني، وتعافيني، وتقضي حوائجي، الساعة الساعة، الليلة الليلة، إنَّك علي كلّ شيء قدير)(1).

* وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي، قال: حدَّثنا أبو محمّد هارون بن موسي التلعكبري، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا حبيب بن الحسين، قال: حدَّثنا أبو هاشم عبيد بن خارجة، عن علي بن عثمان، عن فرات بن الأحنف، قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام ونحن نريد زيارة أمير المؤمنين عليه السلام، فلمَّا صرنا إلي الثوية نزل فصلّي ركعتين، فقلت: يا سيّدي، ما هذه الصلاة؟

قال: (هذا موضع منبر القائم، أحببت أن أشكر الله في هذا الموضع).5.

ص: 31


1- العدد القويّة: 75/ ح 125.

ثمّ مضي ومضيت معه حتَّي انتهي إلي القائم الذي علي الطريق، فنزل فصلّي ركعتين، فقلت: ما هذه الصلاة؟

قال: (هاهنا نزل القوم الذين كان معهم رأس الحسين عليه السلام في صندوق، فبعث الله عز وجل طيراً فاحتمل الصندوق بما فيه، فمرَّ بهم جمال، فأخذوا رأسه، وجعلوه في الصندوق وحملوه، فنزلت وصلّيت هاهنا شكراً لله).

ثمّ مضي ومضيت معه حتَّي انتهي إلي موضع، فنزل وصلّي ركعتين، وقال: (هاهنا قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أمَا إنَّه لا تذهب الأيّام حتَّي يبعث الله رجلاً ممتحناً في نفسه بالقتل، يبني عليه حصناً فيه سبعون طاقاً).

قال حبيب بن الحسين: سمعت هذا الحديث قبل أن يبني علي الموضع شيء، ثمّ إنَّ محمّد بن زيد وجَّه فبني(1) عليه، فلم تمض الأيّام حتَّي امتحن محمّد في نفسه بالقتل(2).

* وبإسناده عن محمّد بن همام، قال: حدَّثنا أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدَّثنا أحمد بن زيد(3)، عن محمّد بن عمّار، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده رجل من أهل خراسان، وهو يكلّمه بلسان لم أفهمه، ثمّ رجعا إلي شيء فهمته، فسمعت أبا عبد الله يقول: (أركض برجلك الأرض)، فإذا بحر تحت الأرض، علي حافَّته).

ص: 32


1- في (م): (يبني).
2- حلية الأبرار 2: 638.
3- كذا في النسخ، وفي الاختصاص: (أحمد بن المؤدّب من ولد الأشتر).

فارسان(1)، قد وضعا أذقانهما علي قرابيس(2) سروجهما، فقال أبو عبد الله عليه السلام: (هؤلاء من أنصار القائم عليه السلام)(3).

* وحدَّثنا أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن همام، قال: حدَّثنا أحمد بن مابنداز والحميري، قالا: حدَّثنا أحمد بن هلال، قال: حدَّثني الحسن بن محبوب، قال: قال لي الرضا عليه السلام: (يا حسن، إنَّه ستكون فتنة صمّاء صيلم(4)، تسقط فيها كلّ وليجة وبطانة(5)، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء، كم من حرّة مؤمنة ومؤمن يتأسَّف ويتلهَّف، وحيران لفقده).

ثمّ أطرق ورفع رأسه، فقال: (بأبي واُمّي سمّي جدّي، وشبيهي، وشبيه موسي بن عمران، (عليه) جيوب النور(6) تتوقَّد من ضياء الشمس، كأنّي بهم آيس(7) ما كانوا، قد نودوا نداء تسمعه من البعد، كما تسمعه من القرب، يكون رحمة(8) علي المؤمنين، وعذاباً علي الكافرين).).

ص: 33


1- في النسخ: (فرسان).
2- القرابيس: جمع قربوس، حنو السرج.
3- الاختصاص: 325/ ح 2؛ مدينة المعاجز: 401/ ح 159.
4- قال في النهاية 3: 54: الفتنة الصمّاء: هي التي لا سبيل إلي تسكينها لتناهيها في دهائها، لأنَّ الأصمّ لا يسمع الاستغاثة، فلا يقلع عمَّا يفعله، وقيل: هي كالحيّة الصمّاء التي لا تقبل الرقي. والصيلم: الداهية. (النهاية 3: 49).
5- الوليجة: الدخيلة، وخاصَّتك من الناس، والبطانة: السريرة والصاحب. (مجمع البحرين 2: 335/ مادة ولج، 6: 412/ مادة بطن).
6- في (ط): (حبور وأنوار)، وفي (ع): (حبور والنور).
7- في (ع)، (م): (أيسوا).
8- في (ط): زيادة (الله).

قلت: بأبي واُمّي، ما ذلك النداء؟

قال: (ثلاثة أصوات في رجب.

أوّلها: ألا لعنة الله علي الظالمين.

والثاني: أزفَّت الآزفة يا معشر المؤمنين.

والثالث: يرون بدنا (1) بارزاً مع قرن الشمس، ينادي: ألا إنَّ الله قد بعث(2) فلان بن فلان علي هلاك الظالمين. فعند ذلك يأتي المؤمنين الفرج، وتشفي صدورهم، ويذهب غيظ قلوبهم)، وزاد الحميري: (ويتمنّي الأموات أنَّهم أحياء)(3).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسي، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن علي بن عبد الكريم الزعفراني، قال: حدَّثنا أبو طالب عبد الله بن الصلت، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن سنان، عن داود الرقي، قال: جاء رجل إلي أبي عبد الله عليه السلام، فقال له: ما بلغ من علمكم؟

قال: (ما بلغ من سؤالكم).

فقال الرجل: بحر ماء هذا، هل تحته شيء؟

قال أبو عبد الله: (نعم، رأي العين أحبُّ إليك، أو سمع الأذن؟).

قال الرجل: بل رأي العين، لأنَّ الأذن قد تسمع ما لا تدري ولا4.

ص: 34


1- في (ع)، (م): (بدراً).
2- في (ع)، (م): (قد بعث الله).
3- إثبات الوصيّة: 227؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 6/ ح 14؛ الغيبة للنعماني: 180/ ح 28؛ الغيبة للطوسي: 439/ ح 431؛ الخرائج والجرائح 3: 1168/ ح 65؛ مختصر بصائر الدرجات: 38 و214.

تعرف، وما يري بالعين يشهد به القلب.

فأخذ بيد الرجل ثمّ انطلق حتَّي أتي شاطئ البحر، فقال: (أيّها العبد المطيع لربّه، أظهر ما فيك).

فانفلق البحر عن آخر ماء فيه، وظهر ماء أشدُّ بياضاً من اللبن، وأحلي من العسل، وأطيب رائحة من المسك، وألذّ من الزنجبيل، فقال له: يا أبا عبد الله، جُعلت فداك، لمن هذا؟

قال: (للقائم عليه السلام وأصحابه).

قال: متي؟

قال: (إذا قام القائم وأصحابه فقد الماء الذي علي وجه الأرض، حتَّي لا يوجد ماء، فيضجّ المؤمنون إلي الله بالدعاء، فيبعث الله لهم هذا الماء، فيشربونه وهو محرَّم علي من خالفهم).

قال: ثمّ رفع رأسه، فرأي في الهواء خيلاً مسرجة ملجمة، ولها أجنحة، فقلت: يا أبا عبد الله، ما هذه الخيل؟

فقال: (هذا خيل القائم عليه السلام وأصحابه).

قال الرجل: أنا أركب شيئاً منها؟

قال: (إن كنت من أنصاره).

قال: فأشرب من هذا الماء؟

قال: (إن كنت من شيعته)(1).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسي، قال: حدَّثني0.

ص: 35


1- مدينة المعاجز: 421/ ح 250.

أبي، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا محمّد بن علي بن عبد الكريم، قال: حدَّثنا أبو طالب عبد الله بن الصلت، قال: حدَّثنا محمّد بن علي بن عبد الله الخيّاط(1)، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا قام القائم عليه السلام استنزل المؤمن الطير من الهواء، فيذبحه، فيشويه، ويأكل لحمه، ولا يكسر عظمه، ثمّ يقول له: احي بإذن الله. فيحيا ويطير، وكذلك الظباء من الصحاري. ويكون ضوء البلاد نوره(2)، ولا يحتاجون إلي شمس ولا قمر، ولا يكون علي وجه الأرض مؤذ، ولا شرّ، ولا إثم(3)، ولا فساد أصلاً، لأنَّ الدعوة سماوية، ليست بأرضية، ولا يكون للشيطان فيها وسوسة، ولا عمل، ولا حسد، ولا شيء من الفساد، ولا تشوك الأرض والشجر، وتبقي زروع الأرض(4) قائمة، كلَّما أخذ منها شيء نبت من وقته، وعاد كحاله، وإنَّ الرجل ليكسو ابنه الثوب فيطول معه كلَّما طال ويتلوَّن عليه أيّ لون أحبَّ وشاء.

ولو أنَّ الرجل الكافر دخل جحر ضبّ، أو تواري خلف مدرة، أو حجر، أو شجر، لأنطق الله ذلك الستر(5) الذي يتواري فيه، حتَّي يقول: يا مؤمن، خلفي كافر فخذه. فيأخذه ويقتله(6). ولا يكون لإبليس هيكل يسكن فيه - والهيكل: البدن - ويصافح المؤمنون الملائكة، ويوحي).

ص: 36


1- في (ع): (الحناط).
2- في (ط): (ونورها).
3- في (ط ): (ولا شرّ ولا سمّ).
4- في (ط): (وتبقي الأرض).
5- في (ط)، (ع): (الشيء).
6- في (ط): (فيؤخذ ويقتل).

إليهم، ويحيون - ويجتمعون - الموتي بإذن الله).

قال: (يأتي علي الناس زمان لا يكون المؤمن إلاَّ بالكوفة، أو يحنُّ إليها)(1).

* وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي، قال: حدَّثنا أبو محمّد هارون بن موسي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدَّثنا إسحاق بن محمّد الصيرفي، عن محمّد(2) بن إبراهيم الغزالي، قال: حدَّثني عمران الزعفراني، عن المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا ظهر القائم عليه السلام من ظهر هذا البيت، بعث الله معه سبعة وعشرين(3) رجلاً، منهم أربعة عشر رجلاً من قوم موسي عليه السلام، وهم الذين قال الله تعالي: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسي أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)(4)، وأصحاب الكهف ثمانية، والمقداد وجابر الأنصاري، ومؤمن آل فرعون، ويوشع بن نون وصيّ موسي عليهما السلام)(5).

* وحدَّثني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسي، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا أبو8.

ص: 37


1- نوادر المعجزات: 198/ ح 8؛ حلية الأبرار 2: 635.
2- في حلية الأبرار: (إسحاق).
3- كذا في النسخ، والمعدود ستّة وعشرون، وفي تفسير العياشي وروضة الواعظين اتَّفق العدد مع المعدود (27) بتغيير في الأسماء، فراجع.
4- الأعراف: 159.
5- تفسير العياشي 2: 32/ ح 90؛ روضة الواعظين 2: 266؛ حلية الأبرار 2: 618.

إسحاق إبراهيم بن نصر، قال: حدَّثنا أبو نعيم(1)، قال: حدَّثنا ياسين العجلي، عن إبراهيم بن محمّد بن الحنفية، عن أبيه، عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (المهدي منّا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة)(2).

* وبإسناده عن أبي علي النهاوندي، قال: حدَّثنا محمّد بن بندار، قال: عن المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا قام قائمنا ردَّ الله كلّ مؤذ للمؤمنين في زمانه في الصور التي كانوا عليها وفيها، بين أظهرهم، لينتصف منهم المؤمنون)(3).

* وبإسناده عن أبي علي النهاوندي، عن محمّد بن بندار، عن محمّد بن سعيد، عن أبي عمران، عن محمّد بن سنان، عن المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (يا مفضَّل، أنت وأربعة وأربعون رجلاً تحشرون مع القائم، أنت علي يمين القائم تأمر وتنهي، والناس إذ ذاك أطوع لك منهم اليوم)(4).

* وحدَّثني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن همام، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدَّثنا إسحاق بن9.

ص: 38


1- هو الفضل بن دكين التيمي، أبو نعيم الملائي، من كبار شيوخ البخاري، (تقريب التهذيب 2: 110).
2- مسند أحمد 1: 84؛ تاريخ البخاري الكبير 1: 317/ ح 994؛ سنن ابن ماجة 2: 1367/ ح 4085؛ مسند أبي يعلي 1: 359/ ح 205؛ كمال الدين: 152/ ح 15؛ حلية الأولياء 3: 177؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 487؛ الملاحم والفتن: 163 عن كتاب الفتن لأبي يحيي زكريا ابن يحيي البزّاز، كشف الغمّة 2: 477؛ فرائد السمطين 2: 331/ ح 583؛ حلية الأبرار 2: 709.
3- إثبات الهداة 7: 146/ ح 708؛ حلية الأبرار 2: 618.
4- إثبات الهداة 7: 146/ ح 709.

محمّد بن سميع، عن محمّد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام في قول الله عز وجل: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ)،(1) قال: (في قبورهم بقيام القائم عليه السلام)(2).

* وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي، قال: حدَّثنا أبي، عن سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا يعقوب بن يزيد، قال: حدَّثنا محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن اُذنية، عن فضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن خرج السفياني ما تأمرني؟

قال: (إذا كان ذلك كتبت إليك).

قلت: فكيف أعلم أنَّه كتابك؟

قال: (أكتب إليك بعلامة كذا وكذا)، وقرأ آية من القرآن.

قال: فقلت لفضيل: ما تلك الآية؟

قال: ما حدَّثت بها أحداً غير بريد العجلي.

قال زرارة: أنا اُحدّثك بها، هي: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلي وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا)(3).

قال: فسكت الفضيل، ولم يقل: لا، ولا نعم(4).

* وأخبرني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله، قال: حدَّثني أبو8.

ص: 39


1- الروم: 4 و5.
2- حلية الأبرار 2: 618؛ المحجّة للبحراني: 171.
3- النحل: 38.
4- تفسير العياشي 2: 260/ ح 29؛ المحجّة للبحراني: 118.

محمّد هارون بن موسي بن أحمد التلعكبري، قال: حدَّثني أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا علي بن محمّد بن نهيد الحصيني، قال: حدَّثنا أبو علي الشهرياري، قال: حدَّثنا إبراهيم بن عبد الرحمن، عن جعفر بن قرم، عن هارون بن حماد، عن مقاتل، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (يا علي، عشر خصال قبل يوم القيامة، ألا تسألني عنها؟).

قلت: بلي، يا رسول الله.

قال: (اختلاف وقتل أهل الحرمين، والرايات السود، وخروج السفياني، وافتتاح الكوفة، وخسف بالبيداء، ورجل منّا أهل البيت يبايع له بين زمزم والمقام، يركب إليه عصائب أهل العراق وأبدال الشام، ونجباء أهل مصر، وتصير أهل اليمن عدَّتهم عدّة أهل بدر، فيتبعه بنو كلب يوم الأعماق).

قلت: يا رسول الله، ما بنو كلب؟

قال: (هم أنصار السفياني، يريد قتل الرجل الذي يبايع له بين زمزم والمقام، ويسير بهم فيقتلون وتباع ذراريهم علي باب مسجد دمشق، والخائب(1) من غاب عن غنيمة كلب ولو بعقال)(2).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسي، عن أبيه، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا أبو محمّد عبد الكريم، عن أبي إسحاق الثقفي، قال: حدَّثنا محمّد بن سليمان8.

ص: 40


1- في (م)، (ط): (والغائب).
2- عنه، معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام 1: 506/ ح 348.

النخعي، قال: حدَّثنا السري بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن علي السلمي، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام، قال: (إنَّما سُمّي المهدي مهديا(1) لأنَّه يهدي لأمر خفي، يهدي لما في صدور الناس، يبعث إلي الرجل فيقتله لا يدري في أيّ شيء قتله، ويبعث ثلاثة راكب)، قال: (هي بلغة غطفان (ركبان): أمَّا راكب فيأخذ ما في أيدي أهل الذمّة من رقيق المسلمين، فيعتقهم. وأمَّا راكب فيظهر البراءة منهما - يغوث ويعوق - في أرض العرب. وراكب يخرج التوراة من مغارة(2) بأنطاكية، ويعطي حكم سليمان عليه السلام)(3).

* وبإسناده عن أبي علي النهاوندي، قال: حدَّثنا أبو عبد الله الزعفراني، قال: حدَّثنا أبو طالب، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن سنان، عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: (إذا قام قائمنا بعث في أقاليم الأرض، في كلّ إقليم رجلاً، فيقول له: عهدك في كفّك واعمل بما تري)(4).

* وبإسناده عن أبي علي النهاوندي، قال: حدَّثنا أبو القاسم بن أبي حيّة(5)، قال: حدَّثنا إسحاق بن أبي إسرائيل(6)، قال: حدَّثنا أبو عبيدة).

ص: 41


1- (مهدياً) ليس في (ع).
2- في (ط): (مفازة).
3- إثبات الهداة 7: 146/ ح 711، و169/ ح 786 قطعة منه؛ حلية الأبرار 2: 556.
4- إثبات الهداة 7: 147/ ح 712.
5- هو عبد الوهّاب بن عيسي بن عبد الوهّاب بن أبي حيّة أبو القاسم ورّاق الجاحظ، وثَّقه الدارقطني والخطيب، روي عن إسحاق بن أبي إسرائيل، مات سنة (319 ه-). (تاريخ بغداد 11: 28).
6- هو أبو يعقوب إسحاق بن أبي إسرائيل إبراهيم بن كامجر المروزي، وثَّقه غير واحد، مات سنة (245 ه-). (تاريخ بغداد 6: 356؛ تهذيب الكمال 2: 398).

الحدّاد(1) عبد الواحد بن واصل السدوسي، قال: حدَّثنا عوف(2)، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتَّي تملأ الأرض ظلماً وعدواناً، ثمّ يخرج رجل من عترتي - أو قال: من أهل بيتي - يملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وعدواناً)(3).

* وبإسناده عن أبي علي النهاوندي، قال: حدَّثنا إسحاق، عن يحيي بن سليم، قال: حدَّثنا هشام بن حسان، عن المعلّي بن أبي المعلي، عن أبي الصدّيق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (أبشروا بالمهدي، فإنَّه يأتي(4) في آخر الزمان علي شدّة وزلازل، يسع الله له الأرض عدلاً وقسطاً)(5).

* وعنه، عن أبي علي النهاوندي، قال: حدَّثنا محمّد بن أحمد القاساني، قال: حدَّثنا أبو مسلم محمّد بن سليمان البغدادي، عن أبي عثمان، عن هشام، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (كيف أنتم إذا استيأستم من المهدي، فيطلع عليكم3.

ص: 42


1- زاد في النسخ: (قال: حدَّثنا)، وهو خطأ، وأبو عبيدة الحدّاد كنية ولقب عبد الواحد، وثَّقه غير واحد، مات سنة (190ه-). (تهذيب التهذيب 6: 440).
2- وهو عوف بن أبي جميلة العبدي الهجري الأعرابي، وثقه أحمد والنسائي وابن سعد، وكان يسمّي: الصدوق. (طبقات ابن سعد 7: 258؛ تهذيب التهذيب 8 : 166).
3- مسند أحمد 3: 36؛ مسند أبي يعلي 2: 274/ ح 987؛ مستدرك الحاكم 4: 557؛ الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8 : 290/ ح 6784؛ إلزام الناصب 1: 338.
4- في (ع): (يهدي).
5- إثبات الهداة 7: 147/ ح 713.

صاحبكم مثل قرن الشمس، يفرح به أهل السماء والأرض).

فقيل: يا رسول الله، وأنّي يكون ذلك؟

قال: (إذا غاب عنهم المهدي، وأيسوا منه)(1).

* وبإسناده عن أبي علي النهاوندي، قال: حدَّثنا محمّد بن أحمد القاساني، قال: حدَّثنا علي بن سيف(2)، قال: حدَّثني أبي، عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (نزلت في بني فلان ثلاث آيات: قوله عز وجل: (حَتَّي إِذا أَخَذَتِ الأَْرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً) يعني: القائم بالسيف (فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَْمْسِ)(3) وقوله عز وجل: (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْ ءٍ حَتَّي إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(4))، قال أبو عبد الله عليه السلام: (بالسيف. وقوله عز وجل: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلي ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ)(5) يعني: القائم عليه السلام، يسأل بني فلان عن كنوز بني أميّة)(6).

* وحدَّثني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن8.

ص: 43


1- مختصر بصائر الدرجات: 18؛ إثبات الهداة 7: 147/ ح 715؛ معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام 1: 259/ ح 161.
2- هو علي بن سيف بن عميرة الكوفي، ثقة، روي عن أبيه، وقد روي عنه القاساني بواسطة محمّد بن سليمان. وانظر: رجال النجاشي: 189 و278.
3- يونس: 24.
4- الأنعام: 44 و45.
5- الأنبياء: 12 و13.
6- المحجّة للبحراني: 98.

همام، قال: أخبرنا جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن سفيان بن المهدي، عن أبان(1)، عن أنس بن مالك، قال: خرج علينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ذات يوم، فرأي علياً عليه السلام، فوضع يده بين كتفيه، ثمّ قال: (يا علي، لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ يوم واحد، لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّي يملك رجل من عترتك، يقال له: (المهدي) يهدي إلي الله عز وجل، ويهتدي به العرب، كما هديت أنت الكفّار والمشركين من الضلالة). ثمّ قال: (ومكتوب علي راحته(2): بايعوه، فإنَّ البيعة لله عز وجل)(3).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسي، قال: حدَّثنا(4) أبي، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا ابن أبي حيّة، قال: حدَّثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: حدَّثنا جرير، عن مطر(5) الورّاق، قال: أخبرنا أبو الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري: أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال: (ليقومنَّ علي أمّتي رجل من أهل بيتي، أقني(6)،).

ص: 44


1- روي عن أنس كلّ من: أبان بن صالح بن عمير القرشي، وأبان بن أبي عياش العبدي البصري، راجع: تهذيب الكمال 2: 9 و19، و3: 354.
2- في (ط): (راحتيه).
3- الملاحم والفتن: 139 قطعة منه؛ إثبات الهداة 7: 147/ ح 716.
4- في (ع)، (م): (مصر)، وفي (ط): (معد)، والصواب ما في المتن، كما في مسند أحمد. وأبي يعلي وغيرهما، وهو مطر بن طهمان الوراق أبو رجاء الخراساني السلمي. (تهذيب التهذيب 10: 167؛ سير أعلام النبلاء 5: 452).
5- القنا في الأنف: طوله ورقّة أرنبته مع حدب في وسطه. (النهاية لابن الأثير 4: 116).
6- الأجلي: الخفيف شعر ما بين النزعتين من الصدغين، والذي انحسر الشعر عن جبهته. (النهاية لابن الأثير 1: 290).

أجلي(1)، يوسع الأرض عدلاً، كما أوسعت جوراً، يملك سبع سنين).

* وقال أبو علي النهاوندي: وجدت في كتاب لبعض إخواننا: روي عن الصادق عليه السلام، أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام، قال: قال لي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (يا علي، صاحب الحلي، أخبركم بأمري، أنذركم بأس المهدي، يقيم فيكم سُنّة النبيّ، وذلك عند بيعة الصبي، عند طلوع الكواكب الدرّية، يفزع من بالمشرق والمغرب).

* وقال أبو علي النهاوندي: وحدَّثني أبو الحسن(2) الحصيني، قال: حدَّثني محمّد بن الحسن الصفّار(3)، عن الحسن بن علي الخزّاز، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن الصادق عليه السلام، قال: (يكون في أمّتي - يعني القائم - سُنّة(4) من أربعة أنبياء: سُنّة من موسي عليه السلام، خائف يترقَّب، وسُنّة من يوسف عليه السلام، يعرفهم وهم له منكرون، وسُنّة من عيسي عليه السلام، وما قتلوه وما صلبوه، وسُنّة من محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، يقوم بالسيف)(5).

* وقال أبو علي النهاوندي: حدَّثني أبو عبد الله محمّد بن أحمد القاساني، قال: حدَّثنا محمّد بن سليمان، قال: حدَّثنا أبو القاسم6.

ص: 45


1- مسند أحمد 3: 17؛ مسند أبي يعلي 2: 367/ ح 1128؛ مجمع الزوائد 7: 314.
2- في (م)، (ط): (الحسين).
3- في (ط) زيادة: (مملوكه)؛ وفي (ع)، (م): (مموله).
4- في (ع)، (م): (شبيه)، وكذا في المواضع الآتية.
5- نحوه في الإمامة والتبصرة: 93/ ح 84؛ كمال الدين: 28 و152/ ح 16، و326/ ح 6، و329/ ح11، و350/ ح 46؛ الغيبة للنعماني: 164/ ح 5؛ تقريب المعارف: 190؛ الغيبة للطوسي: 60/ ح57، و424/ ح 408؛ الخرائج والجرائح 2: 936.

الزندودي(1)، قال: حدَّثنا إبراهيم بن مهران، عن عمرو بن شمر، قال: قلت لجابر: إذا قام قائم آل محمّد كيف السلام عليه؟

قال: إنَّك إذا أدركته، ولن تدركه إلاَّ أن تكون مكروراً، فستراني إلي جنبه، راكباً علي فرس لي، ذنوب، أغرّ، محجَّل، مطلق يد(2) اليمني، عليَّ عمامة لي من عصب(3) اليمن، فأنا أوّل من يسلّم عليه(4).

* وقال أبو علي النهاوندي: حدَّثنا القاساني، قال: حدَّثنا محمّد بن سليمان، قال: حدَّثنا علي بن سيف، قال: حدَّثني أبي، عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: جاء رجل إلي أمير المؤمنين عليه السلام فشكا إليه طول دولة الجور، فقال له أمير المؤمنين: (والله، لا يكون ما تأملون حتَّي يهلك المبطلون، ويضمحل الجاهلون، ويأمن المتّقون، وقليل ما يكون حتَّي لا يكون لأحدكم موضع قدمه، وحتَّي تكونوا علي الناس أهون من الميتة عند صاحبها، فبينا أنتم كذلك إذ جاء نصر الله والفتح، وهو قول ربّي عز وجل في كتابه: (حَتَّي إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا)(5))(6).

* وقال أبو علي النهاوندي: حدَّثنا أبو علي هشام بن علي السيرافي، قال: حدَّثنا عبد الله بن رجاء، قال: حدَّثنا همام، عن المعلّي بنه.

ص: 46


1- في (ط): (الزندوري)، وقد ورد في أنساب السمعاني 3: 171 و174: الزندرودي والزندوردي.
2- في (ط)، (ع): (يده)، والمطلق من الخيل: ما لا تحجيل في إحدي قوائمه.
3- العصب: ضرب من البرود. وقيل: صبغ لا ينبت إلاَّ باليمن.
4- حلية الأبرار 2: 646.
5- يوسف: 110.
6- المحجّة للبحراني: 107؛ ينابيع المودّة: 424 قطعة منه.

زياد، قال: حدَّثني العلاء - رجل من مزينة - (1)، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ذكر المهدي، فقال: (يخرج عند كثرة اختلاف الناس وزلازل، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضي به ساكن السماء، وساكن الأرض، ويقسم المال قسمة صحاحاً).

قال: قلت: وما صحاح؟

قال: (بالسواء).

قال: (ويغنم الناس حتَّي لا يحتاج أحد أحداً، فينادي منادٍ: من له إلي من حاجة؟ فلا يجيبه أحد من الناس، إلاَّ إنسان واحد، فيقول له: خذ).

قال: (فيحثو في ثوبه ما لا يستطيع حمله، فيقول: احمل عليَّ. فيأبي عليه، فيخفف منه، حتَّي يصير بقدر ما يستطيع أن يحمله، فيقول: ما كان في الناس أجشع نفساً من هذا.

فيرجع إلي الخازن، فيقول: إنَّه قد بدا لي ردّه. فيأبي أن يقبله، فيقول: إنّا لا نقبل ممَّن أعطيناه).

قال: (فيمكث سبعاً، أو ثماني، أو تسعاً - يعني سنة - ولا خير في العيش بعد هذا). أو قال: (لا خير في الحياة بعده)(2).5.

ص: 47


1- في (م): (عن رجل من مرنية)، وما في المتن هو الصواب، والعلاء هو ابن بشير المزني، قال عنه ابن حنبل في مسنده 3: 52: وكان بكّاءً عند الذكر، شجاعاً عند اللقاء. روي عن أبي الصديق، وروي عنه المعلي ابن زياد القردوسي. راجع: تهذيب الكمال 4: 223؛ تهذيب التهذيب 8 : 177، و10: 237؛ الجرح والتعديل 6: 353، و8 : 330.
2- البيان في أخبار صاحب الزمان: 505؛ الحاوي للفتاوي 2: 58؛ الملاحم والفتن: 165.

* وأخبرني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: أخبرنا محمّد بن همام، قال: أخبرنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدَّثنا علي بن يونس الخزّاز، عن إسماعيل بن عمر بن أبان، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أراد الله قيام القائم بعث جبرئيل في صورة طائر أبيض، فيضع إحدي رجليه علي الكعبة، والأخري علي بيت المقدس، ثمّ ينادي بأعلي صوته: (أَتي أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ)(1)). قال: (فيحضر القائم فيصلّي عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين، ثمّ ينصرف، وحواليه أصحابه، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، إنَّ فيهم لمن يسري من فراشه ليلاً، فيخرج ومعه الحجر، فيلقيه فتعشب الأرض)(2).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا العبّاس بن مطران(3) الهمداني، قال: حدَّثنا إسماعيل بن علي المقرئ القمي، قال: حدَّثنا محمّد بن سليمان، قال: حدَّثني أبو جعفر العرجي، عن محمّد بن يزيد، عن سعيد بن عباية(4)، عن سلمان الفارسي، قال: خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام بالمدينة، فذكر الفتنة وقربها، ثمّ ذكر قيام القائم من ولده، وأنَّه يملأها عدلاً كما ملئت جوراً. قال سلمان: فأتيته خالياً، فقلت: يا أمير المؤمنين، متي يظهر القائم من ولدك؟ فتنفَّس الصعداء وقال: (لا يظهر القائم حتَّي يكون أمور الصبيان، وتضيع حقوق الرحمن، ويتغنّي بالقرآن بالتطريب والألحان، فإذا قتلت ملوك بني العبّاس أولي العمي والالتباس،).

ص: 48


1- النحل: 1.
2- إثبات الهداة 7: 148/ ح 717؛ المحجّة للبحراني: 115؛ حلية الأبرار 2: 615.
3- كذا، ولعلَّه تصحيف (عمران) أو (مهران).
4- في (ع)، (م): (عناية).

أصحاب الرمي عن الأقواس بوجوه كالتراس، وخربت البصرة وظهرت العشرة).

قال سلمان: قلت: وما العشرة: يا أمير المؤمنين؟

قال: (منها: خروج الزنج، وظهور الفتنة(1)، ووقائع بالعراق، وفتن الآفاق، والزلازل العظيمة، مقعدة مقيمة، ويظهر الحندر والديلم بالعقيق والصيلم، وولاية القصاح بعقب الفمّ(2) الجناح، وظهور آيات مقتربات(3) في النواحي والجنبات، وعمران الفسطاط بعين العرب والأقباط، ويخرج الحائك الطويل بأرض مصر والنيل).

قال سلمان: فقلت: وما الحائك الطويل؟

قال: (رجل صعلوك، ليس من أبناء الملوك، تظهر له معادن الذهب، ويساعده العجم والعرب، ويأتي له من كلّ شيء حتَّي يلي الحسن(4)، ويكون في زمانه العظائم والعجائب، وإذا سار بالعرب إلي الشام، وداس بالبرذون أرحام، وداس جبل الأردن واللكام(5)، وطار الناس من غشيته، وطار السيل من جيشه، ووصل جبل القاعوس(6) في جيشه، فيجرّبه(7) بعض الأمور، فيسرع الأسلاف، ولا يهنيه طعام ولا شراب حتَّي يعاود بأيلون(8) مصر، وكثرة الآراء والظنون، ولا تعجزء.

ص: 49


1- في (ع): (الفتن).
2- في (ع): (يعقب قم).
3- في (ط): (مفتريات).
4- لعلَّه تصحيف (الحسني) قصر في دار الخلافة ببغداد؛ أو (الحسنا) جبل قرب ينبع.
5- اللكام: جبل مشرف علي أنطاكية والمصيصة وطرطوس.
6- لعلَّه تصحيف (القاعون) جبل شاهق بالأندلس.
7- كذا في المصدر، وفي معجم أحاديث الإمام المهدي 3: 14: (فيجري به).
8- في (ع): (بابلون)، ولعلَّها تصحيف (بابليون) اسم عام لديار مصر بلغة القدماء.

العجوز، وشيّد القصور، وعمر الجبل الملعون، وبرقت برقة فردَّت، واتَّصل الأشرار(1) بين عين الشمس وحلوان(2)، وسمع من الأشرار الآذان، فصعقت صاعقة ببرقة، وأخري ببلخ(3)، وقاتل الأعراب البوادي، وجرت السفياني خيله، وجند الجنود، وبند البنود(4)، هناك يأتيه أمر الله بغتة، لغلبة الأوباش(5)، وتعيش المعاش(6)، وتنتقص الأطراف، ويكثر الاختلاف، وتخالفه طليعة بعين طرطوس(7)، وبقاصية أفريقية، هناك تقبل رايات مغربية، أو مشرقية، فأعلنوا الفتنة في البرية، يا لها من وقعات طاحنات، من النبل(8) والأكمات، وقعات ذات رسون، ومنابت اللون، بعمران بني حام بالقمار الادغام، وتأويل العين(9) بالفسطاط، من التربت(10)).

ص: 50


1- في (ع)، (م): (الأمرار).
2- عين شمس: مدينة فرعون بمصر، بينها وبين الفسطاط ثلاثة فراسخ. وحلوان: تطلق علي عدّة مواضع: منها: حلوان العراق، وهي آخر حدود السواد، وحلوان أيضاً: قرية من قري مصر مشرفة علي النيل، وحلوان أيضاً: بليدة بقوهستان، وهي آخر حدود خراسان.
3- بلخ: مدينة مشهورة بخراسان، وتقع اليوم ضمن حدود أفغانستان الإقليمية، وبرقة: تطلق علي مواضع عديدة: منها: اسم صقع كبير يشتمل علي مدن وقري بين الإسكندرية وأفريقية، ومنها: قرية من قري قم.
4- البنود: جمع بند، العقد أو الحيلة.
5- الأوباش: جمع وبش، الأخلاط والسفلة.
6- أي صعبت وتكلفت أسبابه.
7- في (م): (طرسوس)، وطرطوس: بلد بالشام علي البحر، وطرسوس: مدينة بثغور الشام، بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم.
8- في (ع): (واحناط من النيل)؛ وفي (م): (احنات من النيل).
9- في (ع): (لعين).
10- في (ع)، (م): (البريت).

من غير العرب، والأقباط بأدبجة الديباج، ونطحة(1) النطاح، بأحراث المقابر، ودروس المعابر، وتأديب المسكوب(2)، علي السن المنصوب، باقصاح(3) رأس العلم والعمل في الحرب بغلبة بني الأصفر علي الانعاد(4)، وقع المقدار، فما يغني الحذر، هناك تضطرب الشام، وتنصب الأعلام، وتنتقص التمام، وسدّ غصن الشجرة الملعونة الطاغية، فهنالك ذلّ(5) شامل، وعقل ذاهل، وختل قابل، ونبل ناصل، حتَّي تغلب الظلمة علي النور، وتبقي الأمور من أكثر الشرور، هنالك يقوم المهدي من ولد الحسين عليه السلام(6)، لا ابن مثله، لا ابن، فيزيل الردي، ويميت(7) الفتن، وتتدارس(8) الركبتين، هناك يقضي لأهل الدين بالدين).

قال سلمان رضي الله عنه: ثمّ انضجع ووضع يده تحت رأسه، يقول: شعار الرهبانية القناعة(9).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، قال: حدَّثنا أبي هارون9.

ص: 51


1- في (ع)، (م): (وبطحة).
2- في (م): (المسكوت).
3- في (ع): (بافصاح).
4- في (ط): (الانعار).
5- في (ع)، (م): (قلا).
6- (هنالك يقوم...) الجملة جواب ل-- (إذا) المتقدّمة قبل سؤال سلمان رضي الله عنه.
7- في (ع): (ومميت).
8- في (م): (تتداوس).
9- العدد لقويّة: 75/ ح 126؛ إثبات الهداة 7: 148/ ح 718 قطعة منه؛ معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام 3: 14/ ح 569.

بن موسي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد(1) بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد الهاشمي المنصوري بسُرَّ من رأي من لفظه، قال: حدَّثنا أبو موسي عيسي بن أحمد بن عيسي بن المنصور الهاشمي، قال: حدَّثنا أبو الحسن علي(2) بن محمّد بن علي بن موسي، عن علي بن موسي، عن موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، قال: حدَّثني محمّد بن علي، قال: حدَّثني أبي علي بن الحسين، قال: حدَّثني أبي الحسين بن علي، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (رأيت ليلة اُسري بي إلي السماء قصوراً من ياقوت أحمر، وزبرجد أخضر، ودرّ ومرجان، وعقيان(3)، بلاطها المسك الأذفر، وترابها الزعفران، وفيها فاكهة ونخل ورمّان، وحور وخيرات حسان، وأنهار من لبن، وأنهار من عسل، تجري علي الدرّ والجوهر، وقباب علي حافتي تلك الأنهار، وغرف وخيام، وخدم وولدان، وفرشها الاستبرق والسندس والحرير، وفيها أطيار(4)، فقلت: يا حبيبي جبرئيل، لمن هذه القصور؟ وما شأنها؟).

ص: 52


1- زاد في النسخ: (أبو المفضل)، وهو سهو، إذ روي التلعكبري عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن عبيد الله الهاشمي بلا واسطة، كما في الغيبة للطوسي: 136/ ح 100؛ وكفاية الأثر: 91 و166 وغيرهما.
2- في النسخ: (حدَّثنا الحسن بن علي)، وهو خطأ، والصواب ما في المتن، حيث روي عيسي بن أحمد، عن أبي الحسن علي بن محمّد عليه السلام نسخة ذكرها النجاشي في رجاله: 297.
3- في (ط): (عقيقاً)، والعقيان: ذهب متكاثف في مناجمه، خالص ممَّا يختلط به من الرمال والحجارة؛ (المعجم الوسيط 2: 618/ مادة عقي).
4- في (ع)، (م): (أطناب).

فقال لي جبرئيل: هذه القصور وما فيها، خلقها الله عز وجل كذلك(1)، وأعدَّ فيها ما تري، ومثلها أضعاف مضاعفة، لشيعة أخيك علي، وخليفتك من بعدك علي أمّتك، وهم يدعون في آخر الزمان باسم يراد به(2) غيرهم، يسمّون (الرافضة) وإنَّما هو زين لهم، لأنَّهم رفضوا الباطل، وتمسَّكوا بالحقّ، وهم السواد الأعظم، ولشيعة ابنه الحسن من بعده، ولشيعة أخيه الحسين من بعده، ولشيعة ابنه علي بن الحسين من بعده، ولشيعة ابنه محمّد بن علي من بعده، ولشيعة ابنه جعفر بن محمّد من بعده، ولشيعة ابنه موسي ابن جعفر من بعده، ولشيعة ابنه علي بن موسي من بعده، ولشيعة ابنه محمّد بن علي من بعده، ولشيعة ابنه علي بن محمّد من بعده، ولشيعة ابنه الحسن بن علي من بعده، ولشيعة ابنه محمّد المهدي من بعده.

يا محمّد، فهؤلاء الأئمّة من بعدك، أعلام الهدي، ومصابيح الدجي، شيعتهم وشيعة جميع ولدك ومحبّيهم شيعة الحقّ، وموالي الله، وموالي رسوله، الذين رفضوا الباطل واجتنبوه، وقصدوا الحقّ واتَّبعوه، يتولونهم في حياتهم، ويزورونهم من بعد وفاتهم، متناصرين لهم، قاصدين علي محبَّتهم رحمة الله عليهم، إنَّه غفور رحيم)(3).

* وعنه، عن أبيه أبي محمّد هارون بن موسي رضي الله عنه، قال: حدَّثني أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثني أحمد بن زهير، قال: حدَّثنا عبد الله بن داهر الرازي، قال: حدَّثنا عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن عاصم بن0.

ص: 53


1- في المصدر: (كذا)، وأثبتنا ما في المصادر الأخري.
2- في (ع): (يؤدّيه)؛ وفي (م): (يرد به).
3- الصراط المستقيم 2: 150.

أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتَّي يملك رجل من ولدي، يوافق اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً)(1).

* وعنه، عن أبيه، عن أبي علي، قال: حدَّثنا أحمد بن زهير، قال: حدَّثنا عبد الله بن عمر، قال: حدَّثنا محمّد بن مروان، قال: حدَّثنا عمارة بن أبي حفصة(2)، قال: أخبرنا زيد العمّي(3)، عن أبي الصدّيق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (حدث يكون في أمّتي، المهدي، إن قصر عمره فسبع، وإلاَّ فثمان(4)، وإلاَّ فتسع، وتنعم أمّتي فيها نعمة لم يتنعمو(5) مثلها قطّ، يرسل الله السماء عليهم مدراراً، فلا تدَّخر الأرض شيئاً من النبات والمأكل، وسيقوم الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني. فيقول: خذ)(6).

* وعنه، عن أبيه أبي محمّد هارون بن موسي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا6.

ص: 54


1- نحوه في حلية الأولياء 5: 75؛ والملاحم والفتن: 141/ باب 69؛ والفصول المهمّة: 291؛ والحاوي للفتاوي 2: 59؛ كشف الغمّة 2: 471/ ح 19؛ إثبات الهداة 7: 148/ ح 719.
2- في النسخ: (حبة)، والصواب ما في المتن، وهو عمارة بن أبي حفصة نابت الأزدي العتكي، روي عن زيد العمّي، وعنه محمّد بن مروان بن قدامة العقيلي، مات سنة (132ه-). (تهذيب التهذيب 7: 415؛ سير أعلام النبلاء 6: 138).
3- في النسخ: (القمي)، تصحيف صوابه ما في المتن، وهو زيد بن الحواري أبو الحواري العمي البصري سمّي العمّي لأنَّه كلَّما سأل عن شيء قال: حتَّي أسأل عمّي. (تهذيب الكمال 10: 56).
4- في (ط): (أو ثمان).
5- في (ع): (ينعموا).
6- نحوه في مسند أحمد 3: 21؛ وسنن ابن ماجة 2: 1366/ ح 4083؛ وسنن الترمذي 4: 506/ ح 2232؛ ومستدرك الحاكم 4: 558؛ ومصابيح البغوي 3: 493/ ح 4213؛ والبيان في أخبار صاحب الزمان: 492 و519؛ والفصول المهمّة: 298؛ وكشف الغمّة 2: 467/ ح 1؛ وفرائد السمطين 2: 315/ ح 566.

أبو علي، عن جعفر بن محمّد، قال: حدَّثنا محمّد بن سماعة الصيرفي، عن المفضَّل بن عيسي، عن محمّد بن علي الهمذاني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الليلة التي يقوم فيها قائم آل محمّد ينزل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وأمير المؤمنين عليه السلام، وجبرئيل عليه السلام، علي حراء، فيقول له جبرئيل عليه السلام: أجب. فيخرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رقّاً من حجزة(1) إزاره، فيدفعه إلي علي عليه السلام، فيقول له: اُكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا عهد من الله، ومن رسوله، ومن علي بن أبي طالب، لفلان بن فلان) باسمه واسم أبيه، وذلك قول الله عز وجل في كتابه: (وَالطُّورِ * وَكِتابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ)(2) وهو الكتاب الذي كتبه علي بن أبي طالب عليه السلام، والرقّ المنشور الذي أخرجه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من حجزة إزاره).

قلت: (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ)، أهو رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟

قال: (نعم، المملي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والكاتب علي عليه السلام)(3).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، قال: حدَّثنا أبي هارون بن موسي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن جرير الطبري، قال: حدَّثنا عيسي بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا الحسن بن الحسين العرني، قال: حدَّثنا يحيي بن يعلي الأسلمي وعلي بن القاسم الكندي ويحيي بن المساور، عن علي بن المساور، عن علي بن الحزور، عن الأصبغ بن نباتة، قال: كنّا مع علي عليه السلام بالبصرة، وهو علي بغلة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقد اجتمع5.

ص: 55


1- الحجزة: معقد الإزار.
2- الطور: 1 - 3.
3- المحجّة للبحراني: 212؛ إلزام الناصب 1: 95.

حوله(1) أصحاب محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، فقال: (ألا أخبركم بأفضل خلق الله عند الله يوم يجمع الرسل؟).

قلنا: بلي يا أمير المؤمنين.

قال: (أفضل الرسل محمّد، وإنَّ أفضل الخلق بعدهم الأوصياء، وأفضل الأوصياء أنا، وأفضل الناس بعد الرسل والأوصياء، الأسباط، وإنَّ خير الأسباط سبطا نبيّكم - يعني الحسن والحسين - وإنَّ أفضل الخلق بعد الأسباط الشهداء، وإنَّ أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطَّلب - قال ذلك النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم - وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين، مختصّان بكرامة خصَّ الله عز وجل بها نبيّكم، والمهدي منّا في آخر الزمان، لم يكن في أمّة من الأمم مهديّاً ينتظر غيره)(2).

* وعنه، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، قال، حدَّثنا محمّد بن الحسن الطحّان، الضحّاك العجلّي، عن محمّد بن يزيد النخعي، عن سيف بن عميرة، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: (المؤمن ليخيَّر في قبره، إذا قام القائم، فيقال له: قد قام صاحبك، فإن أحببت أن تلحق به فالحق، وإن أحببت أن تقيم في كرامة الله فأقم...)(3).

* وأخبرني أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن عبد الله بن خالد الكاتب(4)، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن جعفر بن محمّد بن محمّد الخلال(5)، قال: حدَّثني محمّد بن إسكاب والحسن بن منصور الجصاص، قالا: حدَّثنا أبو).

ص: 56


1- في (م)، (ط): (هو و).
2- الكافي 1: 374/ ح 34؛ إثبات الهداة 7: 148/ ح 720.
3- حلية الأبرار 2: 617 و641.
4- في (ط): (الكابلي).
5- في (ع): (الحلال).

النضر(1)، قال: حدَّثنا شيبان، عن مطر الوراق، عن أبي الصدّيق، عن أبي سعيد أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتَّي يملك رجل من أهل بيتي، أجلي، أقني، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبله ظلماً، يكون سبع سنين)(2).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، قال: حدَّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، (قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك)(3)، قال: حدَّثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا يحيي بن سالم، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (صاحب هذا الأمر أصغرنا سنّاً، وأخملنا شخصاً).

قلت: متي يكون؟

قال: (إذا سارت الركبان ببيعة الغلام، فعند ذلك يرفع كلّ ذي صيصية(4) لواء، فانتظروا الفرج)(5).

* وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي، قال: حدَّثنا أبو محمّد هارون بن موسي، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال:5.

ص: 57


1- هو هشام بن القاسم بن مسلم بن مقسم الليثي البغدادي من كبار شيوخ أحمد بن حنبل ويحيي بن معين، ولد سنة (134ه-) وتوفّي سنة (207ه-) وهو يروي عن أبي معاوية شيبان بن عبد الرحمن التميمي البصري المؤدّب من شيوخ أبي حنيفة، توفّي سنة (164ه-)، راجع بشأنهما: تهذيب الكمال 12: 592؛ سير أعلام النبلاء 7: 406، و9: 545؛ تهذيب التهذيب 11: 18.
2- مسند أحمد 3: 17؛ فرائد السمطين 2: 324/ ح 574؛ الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8 : 291/ ح 6787.
3- أضفناه من الغيبة للنعماني وهو الصواب، حيث لم يرو ابن همام عن عباد إلاَّ بواسطة، أو أكثر، ومنهم جعفر بن محمّد بن مالك. راجع: رجال النجاشي: 293؛ تهذيب الكمال 14: 175؛ معجم رجال الحديث 9: 210 و218.
4- هي الحصون والقلاع، والشوكة التي في رجل الطيور، وقال العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 51: 39: كناية عن القوّة والصولة؛ وانظر: مجمع البحرين 4: 174.
5- الغيبة للنعماني: 184/ ح 35.

حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، قال: حدَّثنا عمر بن طرخان، قال: حدَّثنا محمّد بن إسماعيل، عن علي بن عمر بن علي بن الحسين، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (القائم من ولدي، يعمر عمر خليل الرحمن، يقوم في الناس وهو ابن ثمانين(1) سنة، ويلبث فيها أربعين سنة، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً)(2).

* وأخبرني أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن عبد الله بن خالد، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن جعفر، قال: حدَّثني محمّد بن عبيد بن عتبة الكندي، قال: حدَّثني إسماعيل بن أبان الورّاق، قال: حدَّثنا عبد الله بن مسلم الملائي، عن أبي الحجاف، عن خالد بن عبد الملك، عن مطر الوراق، عن الناجي - يعني أبا الصدّيق -، عن أبي مسلم(3) أنَّه سمعه يقول: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (أبشروا بالمهدي، فإنَّه يبعث علي حين اختلاف من الناس شديد، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً، يرضي عنه ساكنو السماء وساكنو الأرض، ويملأ الله عز وجل قلوب عباده غني، ويسعهم عدله)(4).

* وحدَّثني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن همام، (قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك)(5)، قال: حدَّثنا محمّد بني.

ص: 58


1- في (ط): (ثلاثين).
2- إثبات الهداة 7: 149/ ح 722.
3- كذا في سند هذا الحديث، وفيما مرَّ من الأحاديث عن أبي سعيد الخدري، أنظر: تهذيب الكمال 4: 223.
4- مسند أحمد 3: 37 و52؛ الغيبة للطوسي: 178/ ح 136؛ البيان في أخبار صاحب الزمان: 505؛ الفصول المهمّة: 297.
5- ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصادر الأخري.

الحسن الصيرفي(1)، قال: حدَّثني يحيي بن المثنّي العطّار، عن عبد الله بن بكير، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (يفقد الناس إمامهم(2)، يشهد الموسم يراهم ولا يرونه)(3).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، قال: حدَّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثنا أحمد بن هلال، قال: حدَّثني الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب وأبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّ لقيام قائمنا عليه السلام علامات، بلوي من الله للمؤمنين)(4).

قلت: وما هي؟

قال: (ذلك قول الله عز وجل: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَْمْوالِ وَالأَْنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(5))، قال: ((لَنَبْلُوَنَّكُمْ) يعني المؤمن (بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ) من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم (وَالْجُوعِ) بغلاء أسعارهم (وَنَقْصٍ مِنَ الأَْمْوالِ))، قال: (فساد التجارات، وقلّة(6) الفضل (وَالأَْنْفُسِ) موت ذريع، (وَالثَّمَراتِ) قلّة ريع ما يزرع وقلّة).

ص: 59


1- كذا في النسخ، وسيأتي فيما بعد: الحسن بن محمّد بن سماعة الصيرفي، وهو الموافق لما في الغيبة للنعماني: 175/ ح 13؛ وكمال الدين: 351/ ح 49. وفي أسانيد أخري لهذا الحديث: إسحاق بن محمّد الصيرفي، راجع: معجم رجال الحديث 3: 70، و5: 135، و20: 87 .
2- في (ع)، (م): (إمام).
3- الكافي 1: 272/ ح 6، و274/ ح 12؛ كمال الدين: 346/ ح 33، و351/ ح 49، و440/ ح7؛ الغيبة للنعماني: 175/ ح 13؛ الغيبة للطوسي: 161/ ح 119.
4- في (ع)، (م): (للمؤمن).
5- البقرة: 155.
6- في (ع): (وفضل).

بركة الثمار (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) عن ذلك بخروج القائم عليه السلام). ثمّ قال لي: (يا محمّد، هذا(1) تأويله (ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(2))(3).

* وأخبرني أبو علي الحسن بن الحسين بن العبّاس النعالي(4)، قال: حدَّثنا أبو الحسن محمّد بن جعفر بن محمّد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد، قال: حدَّثنا أبو جعفر أحمد بن زيد، قال: حدَّثني أبو محمّد، عن اُمّ سعيد الأحمسية، قالت: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جُعلت فداك يا ابن رسول الله، اجعل في يدي علامة من خروج القائم.

قالت: قال لي: (يا اُمّ سعيد، إذا انكسف القمر ليلة البدر من رجب، وخرج رجل من تحته، فذاك عند خروج القائم)(5).

* وأخبرني أبو عبد الله، قال: حدَّثنا أبو محمّد هارون بن موسي، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا إبراهيم بن صالح النخعي، عن محمّد بن عمران، عن المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (يكرُّ(6) مع القائم عليه السلام ثلاث عشرة امرأة)(7).ء.

ص: 60


1- في (ع)، (م): (هو).
2- آل عمران: 7.
3- كمال الدين: 649/ ح 3؛ الغيبة للنعماني: 250/ ح 5؛ كشف الغمّة 2: 462؛ المستجاد من كتاب الإرشاد: 551؛ ينابيع المودّة: 421.
4- في (ط): (الثعلبي)، وفي (ع): (الثعالبي)، وفي (م): (الثعلابي)، تصحيفات صوابها ما في المتن، وقد تقدَّمت ترجمته.
5- إثبات الهداة 7: 149/ ح 724.
6- في (ط): (يكن).
7- المعدود في الحديث تسع نساء.

قلت: وما يصنع بهنَّ؟

قال: (يداوين الجرحي، ويقمن علي المرضي، كما كان مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم).

قلت: فسمهنَّ لي.

فقال: (القنواء بنت رشيد، واُمّ أيمن، وحبابة الوالبية، وسميّة اُمّ عمّار بن ياسر، وزبيدة(1)، واُمّ خالد الأحمسية، واُمّ سعيد الحنفية، وصبانة(2) الماشطة، واُمّ خالد الجهنية)(3).

* وأخبرني أبو الحسين، عن أبيه، عن بن همام(4)، قال: حدَّثنا سعدان بن مسلم، عن جهم بن أبي جهمة(5)، قال: سمعت أبا الحسن موسي عليه السلام يقول: (إنَّ الله تبارك وتعالي خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، ثمّ خلق الأبدان بعد ذلك، فما تعارف منها في السماء تعارف في الأرض، وما تناكر منها في السماء تناكر في الأرض، فإذا قام القائم عليه السلام ورَّث الأخ في الدين، ولم يورّث الأخ في الولادة، وذلك قول الله عز وجلا.

ص: 61


1- في (ع)، (م): (زبيرة).
2- في (ع): (صيانة).
3- إثبات الهداة 7: 15/ ح 725؛ مدينة المعاجز: 513.
4- الظاهر سقوط الواسطة بين ابن همام وسعدان، ولعلَّه علي بن محمّد بن مسعدة، شيخ ابن همام والراوي عن سعدان، راجع: أمالي الطوسي 1: 166؛ بشارة المصطفي: 93؛ معجم رجال الحديث 12: 161.
5- في (ط): (جرهم بن أبي جهنة)، والصواب ما في المتن، وهو كوفي من أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام، له كتاب نوادر، رواه عنه سعدان بن مسلم، وقد اختلف في اسمه علي أقوال، راجع: رجال البرقي: 50؛ رجال الطوسي: 345؛ رجال النجاشي: 131؛ لسان الميزان 2: 143، وغيرها.

في كتابه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)(1)، (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ)(2)...)(3).

* وأخبرني أبو عبد الله الحرمي، عن أبي محمّد، عن بن همام(4)، قال: حدَّثنا سليمان(5) بن صالح، قال: حدَّثني أبو الهيثم القصّاب، عن المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها، واستغني العباد عن ضوء الشمس، وصار الليل والنهار واحداً، وذهبت الظلمة، وعاش الرجل في زمانه ألف سنة، يولد له في كلّ سنة غلام، لا يولد له جارية، ويكسوه الثوب، فيطول عليه كلَّما طال، ويتلوَّن عليه أيّ لون شاء).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، (قال: حدَّثني جعفر بن محمّد بن مالك)(6)، عن عباد بن يعقوب، قال: حدَّثني الحسن بن حماد(7) الطائي، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (صاحب هذا الأمر الطريد الشريد، الموتور بأبيه، وهو يكنّي بعمّه، المفرد(8) من أهله، اسمه اسم نبيّ)(9).4.

ص: 62


1- المؤمنون: 1.
2- المؤمنون: 101.
3- المحجّة للبحراني: 146.
4- سقطت الواسطة بين همام وسليمان بن صالح.
5- في (ط)، (م): (سلمان).
6- من الغيبة للنعماني.
7- في (م)، (ط): (عماد)، وهو تصحيف، صوابه ما في المتن، راجع: رجال الطوسي: 168.
8- في (ط): (الفرد).
9- الغيبة للنعماني: 178 و179/ ح 22 - 24.

* وعنه، عن أبيه أبي محمّد هارون بن موسي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا علي بن محمّد الرازي، عمَّن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (العام الذي لا يشهد صاحب هذا الأمر الموسم، لا يقبل من الناس حجّهم)(1).

* وعنه، عن أبيه، عن محمّد بن همام، (قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري)(2)، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمّد بن خالد التميمي، قال: حدَّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (قبل القائم عليه السلام خمس علامات: السفياني، واليماني، والمرواني، وشعيب بن صالح، وكفّ تقول: هذا، هذا)(3).

* وعنه، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام(4)، قال: حدَّثنا القاسم ابن وهيب، قال: حدَّثني إسماعيل بن أبان، عن يونس بن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إذا خرج السفياني بعث جيشاً إلينا، وجيشاً إليكم، فإذا كان ذلك فأتونا علي كلّ صعب وذلول)(5).7.

ص: 63


1- حلية الأبرار 2: 607.
2- من الغيبة للنعماني، ولعلَّه الصواب لبعد طبقتي ابن همام والتميمي، راجع: معجم رجال الحديث 10: 93 و307.
3- نحوه في الكافي 8 : 310/ ح 483؛ وكمال الدين: 649/ ح 1، و650/ ح 7؛ والغيبة للنعماني: 252/ ح 9، و253/ ح 12؛ والغيبة للطوسي: 436/ ح 427؛ والبرهان في علامات آخر الزمان: 114/ ح 10.
4- زاد في الغيبة للنعماني: (قال: حدَّثني جعفر بن محمّد بن مالك)، ولعلَّه الصواب، ولم أعثر علي ترجمة للقاسم بن وهيب، أو الحسن بن وهب كما في (الغيبة).
5- الغبية للنعماني: 306/ ح 17.

والحمد لله ربّ العالمين وصلّي الله علي سيّدنا محمّد المصطفي وآله وسلَّم تسليماً.

خبر اُمّ القائم عليه السلام وسيرتها إلي أن اشتريت:

* حدَّثنا أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله بن المطَّلب الشيباني سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، قال: حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن بحر الرهني(1) الشيباني، قال: وردت كربلاء سنة ستّ وثمانين ومائتين، وزرت قبر غريب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ثمّ انكفأت إلي مدينة السلام متوجّهاً إلي مقابر قريش في وقت تضرم الهواجر وتوقد السمائم(2) فلمَّا وصلت منها إلي مشهد الكاظم عليه السلام واستنشقت نسيم تربته المغمورة بالرحمة، المحفوفة بحدائق الغفران، انكببت عليها بعبرات متقاطرة، وزفرات متتابعة، وقد حجب الدمع طرفي عن النظر. فلمَّا رقأت العبرة، وانقطع النحيب، فتحت بصري، فإذا أنا بشيخ قد انحني صلبه، وتقوَّس منكباه وتثفَّنت(3) جبهته وراحتاه، وهو يقول لآخر معه عند القبر: يا ابن أخي، لقد نال عمّك شرفاً عظيماً بما حمله السيّدان من غوامض العبرات، وشرائف العلوم التي لا يحتمل مثلها إلاَّ سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقد أشرف عمّك علي استكمال المدّة وانقضاء العمر، وليس يجد في أهل الولاية رجلاً يفضي إليه بسرّه.

-------------------

(1) في النسخ: (محمّد بن يحيي الذهبي)، تصحيف صوابه ما في المتن، راجع: رجال النجاشي: 384؛ معجم رجال الحديث 15: 122.

(2) في (ط): (تقدَّم).

(3) في (ط): (السماء).

ص: 64

قلت: يا نفس، لا يزال العناء والمشقّة ينالان منك باتعابي(1) الخفّ والحافر في طلب العلم، وقد قرعت سمعي من الشيخ لفظة تدلُّ علي علم جسيم، وأثر عظيم. فقلت: يا شيخ، من السيّدان؟

قال: النجمان المغيبان(2) في سُرَّ من رأي.

فقلت: فإنّي أقسم بالولاية، وشرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة والوارثة، إنّي خاطب علمهما، وطالب آثارهما، وباذل من نفسي الإيمان المؤكّدة علي حفظ أسرارهما.

فقال: إن كنت فيما تقول صادقاً، فاحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم.

فلمَّا نشرت الكتب، وتصفَّح الروايات منها، قال: صدقت، أنا بشر(3) بن سليمان النخّاس، من ولد أبي أيّوب خالد بن زيد الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد عليهما السلام، وجارهما بسُرَّ من رأي.

قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما.

قال: فإنَّ مولانا أبا الحسن علي بن محمّد العسكري عليه السلام فقَّهني في أمر الرقيق، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلاَّ بإذنه، فأتجنَّب بذلك موارد الشبهات، حتَّي كملت معرفتي وأحسنت الفرق بين الحلال والحرام. فبينا أنا ذات ليلة في منزلي بسُرَّ من رأي، وقد مضي هوي(4) منها، إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعاً، فإذا أنا بكافور خادم مولانا أبي الحسن علي بن محمّد عليه السلام يدعوني إليه، فلبستل.

ص: 65


1- في (ع)، (م): (وتنقبت).
2- في (ع): (البحران المغيبان)، وفي (م): (البحران المعينان).
3- في (م)، (ط): (بشير).
4- الهوي: الساعة من الليل.

ثيابي، فدخلت عليه، فرأيته يحدّث ابنه أبا محمّد عليه السلام، وأخته حكيمة من وراء الستر، فلمَّا جلست قال: (يا بشر، إنَّك من ولد الأنصار، وهذه الولاية لم تزل فيكم، يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها سوابق الشيعة في الولاية، بسرّ أطلعك عليه، وأنفذك في تتبّع أمره). وكتب كتاباً لطيفاً بخطّ رومي، ولغة رومية، وطبع عليه خاتمه، وأخرج سبيكة صفراء، فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: (خذها وتوجَّه إلي مدينة بغداد، واحضر معبر الفرات، ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلي جانب زواريق السبايا وبرزت(1) الجواري منها، فستحدق بهنَّ طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس، وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فاشرف من البعد علي المسمّي عمرو بن يزيد(2) النخّاس عامّة نهارك، إلي أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا، لابسة حريرين صفيقين(3)، تمنع من السفور، وليس يمكن التوصّل(4) والانقياد لمن يحاول لمسها، فيشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق، فيضربها النخّاس، فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنَّها تقول: وا هتك ستراه!

فيقول بعض المبتاعين: عليَّ بثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة.

فتقول له بالعربية: لو برزت في زيّ سليمان بن داود علي مثل سرير ملكه، ما بدت لي فيك رغبة، فاشفق علي مالك.

فيقول النخّاس: فما الحيلة؟ ولا بدَّ من بيعك؟).

ص: 66


1- في (ع): (وبور)، وفي (ط): (وبدزن).
2- في (ط)، (م): (مزيد).
3- الثوب الصفيق: المتين، الجيد النسج، الكثيف. (لسان العرب 10: 204/ مادة صفق).
4- في (ط): (الوصول).

فتقول الجارية: وما العجلة، ولا بدَّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلي أمانته ووفائه.

فعند ذلك قم إلي عمرو بن يزيد النخّاس وقل له: إنَّ معي كتاباً لطيفاً لبعض الأشراف، كتبه بلغة رومية ولفظ رومي، ووصف فيه نبله وكرمه ووفاءه وسخاءه، فناولها لتتأمَّل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك).

قال بشر بن سليمان النخّاس: فامتثلت جميع ما حدَّه لي مولانا أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية: فلمَّا نظرت إلي الكتاب بكت بكاءً شديداً، وقالت لعمرو بن يزيد النخّاس: بعني من صاحب هذا الكتاب. وحلفت بالمحرجة المغلظة(1) إنَّه متي امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.

فما زلت أشاحه(2) في ثمنها حتَّي استقرَّ الثمن علي مقدار ما كان أصحبني مولاي أبو الحسن عليه السلام من الدنانير في السبيكة الصفراء، فاستوفاه منّي وتسلَّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلي حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتَّي أخرجت كتاب مولانا أبي الحسن من كمّها وهي تلثمه، وتضعه علي خدّها، وتطبقه علي جفنها وتمسحه علي بدنها، فقلت متعجّباً منها: أتلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟!

فقالت: أيّها العاجز، الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء، أعرني سمعك، وفرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا (3) بن قيصر ملك الروم،ح.

ص: 67


1- المحرجة من الأيمان: التي لا مخرج منها، والمغلظة: المؤكّدة.
2- في (م)، (ط): (أشاحنه).
3- في المصدر: (يسوعاً)، وأثبتنا ما في المصادر الأخري، وهو الصحيح.

واُمّي(1) من ولد الحواريين، ونسبي متَّصل إلي وصيّ المسيح شمعون. أنبّئك بالعجب أنَّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه، وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين، من القسّيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم تسعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد، وقوّاد العساكر، ونقباء الجيوش، وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهي(2) ملكه كرسياً مرصعاً من أصناف الجواهر، إلي صحن القصر فوق أربعين مرقاة.

فلمَّا صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان، وقامت الأساقفة خلفه، ونشرت أسفار الإنجيل، تساقطت الصلبان من الأعالي حتَّي ألصقت بالأرض، وتقوَّضت الأعمدة، وتغيَّرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم. فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك، أعفنا من ملاقاة هذه النحوس، الدالّة علي زوال هذا الدين المسيحي، والمذهب الملكاني(3).

فتطيَّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا العاثر المنكوس جدّه، لأزوّج منه هذه الصبيّة، فتدفع نحوسه عنكم بسعوده.

فلمَّا فعلوا ذلك حدث علي الثاني ما حدث علي الأوّل وتفرَّق الناس وقام جدّي قيصر مغتمّاً، فدخل قصره، وأرخيت الستور. وأريت(4)).

ص: 68


1- في (ع)، (م): (وأبي).
2- في (ع)، (م): (بهر).
3- الملكانية: أصحاب: ملكا، الذي ظهر بأرض الروم، واستولي عليها. ومعظم الروم ملكانية. (الملل والنحل 1: 203).
4- في (ط): (ورأيت).

في تلك الليلة كأنَّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين، قد اجتمعوا في قصر جدّي، ونصبوا فيه منبراً، يباري السماء علواً وارتفاعاً، في الموضع الذي كان جدّي نصب فيه عرشه، فيدخل عليهم محمّد صلي الله عليه وآله وسلم مع ختنه وعدّة من أهل بيته، فيقوم إليهم المسيح فيعتنقه، فيقول له: يا روح الله إنّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته فلانة، لابني هذا.

وأومأ بيده إلي أبي محمّد ابن صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلي شمعون، فقال: قد أتاك الشرف، فصل رحمك برحم رسول الله.

قال: قد فعلت.

فصعدوا ذلك المنبر، فخطب محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، وزوَّجني من ابنه، وشهد المسيح عليه السلام، وشهد أبناء محمّد صلي الله عليه وآله وسلم والحواريون. فلمَّا استيقظت من نومي أشفقت(1) أن أقصّ هذه الرؤيا علي أبي وجدّي مخافة القتل، فكنت أسرها في نفسي، ولا أبديها لهم، وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد عليه السلام، حتَّي امتنعت عن الطعام والشراب، وضعفت نفسي، ودقَّ شخصي، ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاَّ أحضره جدّي وسأله عن دوائي، فلمَّا برح به اليأس قال: قرَّة عيني، يخطر ببالك شهوة فأزوّدكها في هذه الدنيا؟

قلت: يا جدّي أري أبواب الفرج عليَّ مغلقة، فلو كشفت العذاب(2) عمَّن في سجنك من أساري المسلمين، وفككت عنهم الأغلال، وتصدَّقت عليهم، ومنيتهم(3) بالخلاص، رجوت أن يهب لي المسيح واُمّه العافية والشفاء.).

ص: 69


1- في (ع)، (م): (أنفت).
2- (العذاب) ليس في (ع)، (م).
3- في (ع)، (م): (ومننتهم).

فلمَّا فعل ذلك تجلَّدت في إظهار الصحَّة في بدني، وتناولت يسيراً من الطعام، فسرَّ بذلك جدّي، وأقبل علي إكرام الأساري وإعزازهم، فرأيت أيضاً بعد أربع عشرة ليلة كأنَّ سيّدة النساء فاطمة عليها السلام، ومعها مريم بنت عمران، وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيّدة النساء اُمّ زوجك أبي محمّد عليه السلام.

فأتعلَّق بها وأبكي، وأشكو إليها امتناع أبي محمّد عليه السلام من زيارتي.

فقالت سيّدة النساء عليها السلام: إنَّ ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة بالله، علي مذهب النصرانية، هذه أختي مريم ابنة عمران تبرأ إلي الله من ذلك، فإن ملت إلي رضا الله، ورضا المسيح ومريم عنك، وزيارة ابني أبي محمّد إيّاك، فقولي: أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأنَّ محمّداً رسول الله.

فلمَّا تكلَّمت بهذه الكلمة ضمَّتني سيّدة النساء إلي صدرها، وطيَّبت نفسي، وقالت: الآن توقعي زيارة ابني أبي محمّد إيّاك، فإنّي منفذته إليك.

فانتبهت وأنا أقول: وا شوقاه إلي لقاء أبي محمّد.

فلمَّا كانت الليلة القابلة: رأيت أبا محمّد عليه السلام كأنَّني أقول له: لِمَ جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك؟

قال: فما كان تأخّري عنك إلاَّ لشركك، وإذ قد أسلمت فإنّي زائرك كلّ ليلة إلي أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلي هذه الغاية.

قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأساري؟

قالت: أخبرني أبو محمّد عليه السلام ليلة من الليالي: إنَّ جدّك سيسير جيوشاً إلي قتال المسلمين يوم كذا، فعليك باللحاق به، متنكّرة في زيّ الخدم، مع عدّة من الوصائف، من طريق كذا.

ص: 70

ففعلت، فوقعت علينا طلائع المسلمين، حتَّي كان من أمري ما رأيت وشاهدت، وما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلي هذه الغاية أحد سواك، وذلك باطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في قسم الغنيمة عن اسمي، فأنكرت وقلت: نرجس.

فقال: اسم الجواري.

قال بشر: فقلت لها: العجب أنَّك رومية ولسانك عربي!

قالت: بلغ من ولوع(1) جدّي وحبّه إيّاي علي تعلّم الآداب، أن أوعز إلي امرأة ترجمان له، في الاختلاف إليَّ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربية، حتَّي استمرَّ عليها لساني، واستقام.

قال بشر: فلمَّا انكفأت بها إلي سُرَّ من رأي دخلت علي مولانا أبي الحسن عليه السلام بها، فقال لها: (كيف أراك الله عز وجل عزّ الإسلام وذلّ النصرانية، وشرف أهل بيت نبيّه محمّد صلي الله عليه وآله وسلم؟).

قالت: كيف أصف لك - يا ابن رسول الله - ما أنت أعلم به منّي!

قال: (فإنّي أحبّ أن أكرمك، فأيّما أحبّ إليك: عشرة آلاف درهم، أم بشري لك بشرف الأبد؟).

قالت: بل البشري.

قال: (أبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً).

فقالت: ممَّن؟

قال: (ممَّن خطبك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ليلة كذا من شهر كذا بالرومية؟).).

ص: 71


1- في (ع)، (م): (بلوغ).

قالت: من ابنك أبي محمّد عليه السلام.

قال: (فهل تعرفينه؟).

قالت: وهل خلت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة التي أسلمت علي يد سيّدة النساء عليها السلام!

فقال أبو الحسن: (يا كافور، ادع لي حكيمة أختي)، فلمَّا دخلت عليه قال لها: (ها هي). فاعتنقتها طويلاً، وسرَّت(1) بها كثيراً. فقال مولانا: (يا بنت رسول الله، خذيها إليك وعلّميها الفرائض والسُنن، فإنَّها زوجة أبي محمّد)(2).

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّي الله علي سيّدنا محمّد وآله وسلَّم تسليماً كثيراً.

في معرفة الولادة، وفي أيّ ليلة وأيّ شهر ولد، وأين ولد عليه السلام:

* حدَّثنا أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثني محمّد(3) بن إسماعيل الحسني، عن حكمية ابنة محمّد بن علي الرضا عليه السلام أنَّها قالت: قال لي الحسن بن علي العسكري عليه السلام ذات ليلة، أو ذات يوم: (أحبّ أن تجعلي إفطارك الليلة عندنا، فإنَّه يحدث في هذه الليلة أمر).

فقلت: وما هو؟

قال: (إنَّ القائم من آل محمّد يولد في هذه الليلة).

فقلت: ممَّن؟

قال: (من نرجس).

ص: 72


1- في النسخ: (وسألت).
2- كمال الدين: 417/ ح 1؛ الغيبة للطوسي: 208/ ح 178؛ روضة الواعظين: 252؛ مناقب ابن شهر آشوب 4: 440.
3- (محمّد) ليس في (ط).

فصرت إليه، ودخلت إلي(1) الجواري، فكان أوّل من تلقَّتني نرجس، فقالت: يا عمّة، كيف أنت؟ أنا أفديك.

فقلت لها: بل أنا أفديك يا سيّدة نساء(2) هذا العالم.

فخلعت خفي وجاءت لتصبّ علي رجلي الماء، فحلَّفتها ألاَّ تفعل وقلت لها: إنَّ الله قد أكرمك بمولود تلدينه في هذه الليلة.

فرأيتها لمَّا قلت لها ذلك قد لبسها ثوب من الوقار والهيبة، ولم أرَ بها حملاً ولا أثر حمل. فقالت: أيّ وقت يكون ذلك؟

فكرهت أن أذكر وقتاً بعينه فأكون قد كذبت. فقال لي أبو محمّد عليه السلام: (في الفجر الأوّل). فلمَّا أفطرت وصلَّيت وضعت رأسي ونمت، ونامت نرجس معي في المجلس، ثمّ انتبهت وقت صلاتنا، فتأهبت، وانتبهت نرجس وتأهبت، ثمّ إنّي صلَّيت، وجلست أنتظر الوقت، ونام الجواري، ونامت نرجس، فلمَّا ظننت أنَّ الوقت قد قرب خرجت فنظرت إلي السماء، وإذا الكواكب قد انحدرت، وإذا هو قريب من الفجر الأوّل، ثمّ عدت فكأنَّ الشيطان أخبث قلبي(3). قال أبو محمّد: (لا تعجلي، فكأنَّه قد كان). وقد سجد فسمعته يقول في دعائه شيئاً لم أدرِ ما هو، ووقع عليَّ السبات في ذلك الوقت، فانتبهت بحركة الجارية، فقلت لها: بسم الله عليك، فسكنت إلي صدري فرمت به عليَّ، وخرَّت ساجدة، فسجد الصبي، وقال: لا إله إلاَّ الله، محمّد رسول الله، وعلي(4) حجّة الله. وذكر إماماً إماماً حتَّي انتهي إلي أبيه.و.

ص: 73


1- (إلي) ليس في (ط).
2- في تبصرة الولي: (أفديك بما نشاهد).
3- في الغيبة للطوسي وبعض المصادر: (فتداخل قلبي الشكّ).
4- في (ع): علي ولي الله و.

فقال أبو محمّد: (إليَّ ابني).

فذهبت لأصلح منه شيئاً، فإذا هو مسوي مفروغ منه، فذهبت به إليه، فقبَّل وجهه ويديه ورجليه، ووضع لسانه في فمه، وزقَّه كما يزقّ الفرخ، ثمّ قال: (اقرأ). فبدأ بالقرآن من بسم الله الرحمن الرحيم إلي آخره. ثمّ إنَّه دعا بعض الجواري ممَّن علم أنَّها تكتم خبره، فنظرت، ثمّ قال: (سلّموا عليه وقبّلوه وقولوا: استودعناك الله، وانصرفوا).

ثمّ قال: (يا عمّة، ادعي لي نرجس). فدعوتها وقلت لها: إنَّما يدعوك لتودّعيه.

فودَّعته، وتركناه مع أبي محمّد عليه السلام، ثمّ انصرفنا.

ثمّ إنّي صرت إليه من الغد، فلم أرَه عنده، فهنَّأته فقال: (يا عمّة هو في ودائع الله، إلي أن يأذن الله في خروجه)(1).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، قال: حدَّثني أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد، قال: حدَّثنا محمّد بن جعفر، عن أبي نعيم(2)، عن محمّد بن القاسم العلوي، قال: دخلنا جماعة من العلوية علي حكيمة بنت محمّد بن علي بن موسي عليهم السلام، فقالت: جئتم تسألونني(3) عن ميلاد وليّ الله؟

قلنا: بلي والله.

قالت: كان عندي البارحة، وأخبرني بذلك، وإنَّه كانت عندي).

ص: 74


1- حلية الأبرار 2: 522 و533 و536 نحوه؛ تبصرة الولي: 15/ ح 3؛ مدينة المعاجز: 589/ ح 5.
2- هو محمّد بن أحمد الأنصاري، روي عنه محمّد بن جعفر بن عبد الله، أنظر: الغيبة للطوسي: 246 و259 (أي: الحديث بعد الذي يليه).
3- في (م)، (ط): (تسألون).

صبيّة يقال لها: (نرجس) وكنت أربّيها من بين الجواري، ولا يلي تربيتها غيري، إذ دخل أبو محمّد عليه السلام عليَّ ذات يوم فبقي يلحّ النظر إليها، فقلت: يا سيّدي، هل لك فيها من حاجة؟

فقال: (إنّا معشر الأوصياء لسنا ننظر نظر ريبة، ولكنّا ننظر تعجّباً أنَّ المولود الكريم علي الله يكون منها).

قالت: قلت: يا سيّدي، فأروح بها إليك؟

قال: (استأذني(1) أبي في ذلك).

فصرت إلي أخي عليه السلام، فلمَّا دخلت عليه تبسَّم ضاحكاً وقال: (يا حكيمة، جئت تستأذنيني في أمر الصبيّة، ابعثي بها إلي أبي محمّد، فإنَّ الله عز وجل يحبّ أن يشركك في هذا الأمر). فزيَّنتها وبعثت بها إلي أبي محمّد عليه السلام، فكنت بعد ذلك إذا دخلت عليها تقوم فتقبّل جبهتي فاُقبّل رأسها، وتقبّل(2) يدي فأقبّل رجلها، وتمّد يدها إلي خفي لتنزعه فأمنعها من ذلك، فاُقبّل يدها إجلالاً وإكراماً للمحلّ الذي أحلَّه الله تعالي فيها، فمكثت بعد ذلك إلي أن مضي أخي أبو الحسن عليه السلام، فدخلت علي أبي محمّد عليه السلام ذات يوم فقال: (يا عمّتاه، إنَّ المولود الكريم علي الله ورسوله(3) سيولد ليلتنا هذه).

فقلت: يا سيّدي، في ليلتنا هذه؟

قال: (نعم).

فقمت إلي الجارية فقلَّبتها ظهراً لبطن، فلم أرَ بها حملاً، فقلت: يا سيّدي، ليس بها حمل.).

ص: 75


1- في (ع): (استأذن).
2- في (ع) زيادة: (يدي، فاُقبّل رأسها وتقبّل).
3- (ورسوله) ليس في (ع)، (م).

فتبسَّم ضاحكاً وقال: (يا عمّتاه، إنّا معاشر(1) الأوصياء ليس يحمل بنا في البطون، ولكنّا نحمل في الجنوب).

فلمَّا جَنَّ الليل صرت إليه، فأخذ أبو محمّد عليه السلام محرابه، فأخذت محرابها فلم يزالا يحييان الليل، وعجزت عن ذلك فكنت مرّة أنام ومرّة أصلّي إلي آخر الليل، فسمعتها آخر الليل في القنوت، لمَّا انفتلت من الوتر مسلّمة، صاحت: يا جارية، الطست. فجاءت بالطست فقدَّمته إليها فوضعت صبيّاً كأنَّه فلقة قمر، علي ذراعه الأيمن مكتوب: (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(2). وناغاه ساعة حتَّي استهل، وعطس، وذكر الأوصياء قبله، حتَّي بلغ إلي نفسه، ودعا لأوليائه علي يده بالفرج. ثمّ وقعت ظلمة بيني وبين أبي محمّد عليه السلام، فلم أرَه، فقلت: يا سيّدي، أين الكريم علي الله؟

قال: (أخذه من هو أحقّ به منك).

فقمت وانصرفت إلي منزلي، فلم أرَه. وبعد أربعين يوماً دخلت دار أبي محمّد عليه السلام. فإذا أنا بصبي يدرج في الدار، فلم أرَ وجهاً أصبح(3) من وجهه، ولا لغة أفصح من لغته، ولا نغمة أطيب من نغمته، فقلت: يا سيّدي، من هذا الصبي؟ ما رأيت أصبح وجهاً منه، ولا أفصح لغة منه، ولا أطيب نغمة منه.

قال: (هذا المولود الكريم علي الله).

قلت: يا سيّدي، وله أربعون يوماً، وأنا(4) أري من أمره هذا!).

ص: 76


1- في (ع): (معشر).
2- الإسراء: 81 .
3- في (ط): (أحسن).
4- في (ط) زيادة: (لا).

قالت: فتبسَّم ضاحكاً وقال: (يا عمّتاه، أمَا علمت أنّا معشر الأوصياء ننشأ في اليوم كما ينشأ غيرنا في الجمعة، وننشأ في الجمعة كما ينشأ غيرنا في الشهر، وننشأ في الشهر كما ينشا (1) غيرنا في السنة؟!).

فقمت فقبَّلت رأسه وانصرفت إلي منزلي، ثمّ عدت، فلم أرَه، فقلت: يا سيّدي، يا أبا محمّد، لست أري المولود الكريم علي الله.

قال: (استودعناه من استودعته اُمّ موسي، موسي).

وانصرفت وما كنت أراه إلاَّ كلّ أربعين يوماً. وكانت الليلة التي ولد فيها ليلة الجمعة، لثمان ليال خلون من شعبان، سنة سبع وخمسين ومائتين من الهجرة. ويروي: ليلة الجمعة النصف من شعبان سنة سبع(2).

نسبه عليه السلام:

هو الخلف بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(3) بن عبد المطَّلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد ابن أدد بن الهميسع بن يشخب بن تيم بن نكث بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام.

وكناه: أبو القاسم، وأبو جعفر، وله كني أحد عشر إماماً.

وألقابه: المهدي، والخلف، والناطق(4)، والقائم، والثائر، والمأمول،).

ص: 77


1- في (م)، (ط): (الأوصياء ننشأ في الشهر ما ينشأ).
2- حلية الأبرار 2: 534؛ مدينة المعاجز: 590/ ح 8؛ تبصرة الولي: 19/ ح 4.
3- في (م)، (ط): (عبد مناف).
4- (والناطق) ليس في (ع).

والمنتظر، والوتر، والمديل، والمعتصم، والمنتقم، والكرار، وصاحب الرجعة البيضاء والدولة الزهراء، والقابض، والباسط، والساعة، والقيامة، والوارث، والجابر(1)، وسدرة المنتهي، والغاية القصوي، وغاية الطالبين، وفرج المؤمنين، ومنية الصبر، والمخبر بما لم(2) يعلم، وكاشف الغطاء، والمجازي بالأعمال، ومن لم يجعل له من قبل سميّاً - أي شبهاً -، وذات الأرض، والهول الأعظم، واليوم الموعود، والداعي إلي شيء نكر، ومظهر الفضائح، ومبلي السرائر، ومباني(3) الآيات، وطالب التراث، والفزع الأعظم، والإحسان، والمحسن، والعدل، والقسط، والصبح، والشفق، وعاقبة الدار، والمنعم، والأمان، والسناء، والضياء، والبهاء، والمجاب(4)، والمضيء، والحقّ، والصدق، والصراط، والسبيل، والعين الناظرة، والأذن السامعة، واليد الباسطة، والجانب، والجنب، والوجه، والنفس، والتأييد، والتمكّن، والنصر، والفتح، والقوّة، والعزّة، والقدرة، والملك، والتمام.

فنشأ مع أبيه عليه السلام بسُرَّ من رأي ثلاث سنين، وأقام بها بعد وفاة أبيه إحدي عشرة سنة، ثمّ كانت الغيبة التي لا بدَّ منها، إلي أن يظهر الله له الأمر فيأذن له، فيظهر(5).

ولد ليلة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتينط.

ص: 78


1- في (ط): (والحاشر).
2- في (ط): (ومنته العبر، ومخبر بما لا).
3- كذا في المصدر، وفي الهداية الكبري: (ومبدي).
4- في (ع)، (م): (الحجاب).
5- في (ع)، (م) زيادة: (لأنَّ)، وكأنَّ بعدها كلام محذوف أو ساقط.

من الهجرة ومضي أبو محمّد عليه السلام يوم الجمعة لثمان ليال خلون من ربيع الأوّل سنة، ستّين ومائتين من الهجرة.

وكان أحمد بن إسحاق القمي الأشعري رضي الله عنه الشيخ الصدوق، وكيل أبي محمّد عليه السلام، فلمَّا مضي أبو محمّد عليه السلام إلي كرامة الله عز وجل أقام علي وكالته مع مولانا صاحب الزمان عليه السلام تخرج إليه توقيعاته، ويحمل إليه الأموال من سائر النواحي التي فيها موالي مولانا، فتسلّمها إلي أن استأذن في المصير(1) إلي قم، فخرج الإذن بالمضي، وذكر أنَّه لا يبلغ إلي قم، وأنَّه يمرض ويموت في الطريق، فمرض بحلوان(2) ومات ودفن بها رضي الله عنه وأقام مولانا عليه السلام بعد مضي أحمد بن إسحاق الأشعري بسُرَّ من رأي مدّة، ثمّ غاب لما روي في الغيبة من الأخبار عن السادة عليهم السلام، مع ما أنَّه مشاهد في المواطن الشريفة الكريمة العالية، والمقامات العظيمة، وقد دلَّت الآثار علي صحّة مشاهدته عليه السلام(3).

معرفة من شاهده في حياة أبيه عليهما السلام:

* أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسي بن أحمد، قال: حدَّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن همام، قال: حدَّثني جعفر بن محمّد، قال: حدَّثني محمّد بن جعفر، قال: حدَّثني أبو نعيم، قال: وجَّهت

ص: 79


1- في (ط): (المسير).
2- حلوان: تطلق علي عدّة مواضع، والمراد هنا حلوان العراق، وهي آخر حدود السواد ممَّا يلي الجبال، كانت مدينة عامرة ثمّ خربت. (معجم البلدان 2: 290).
3- راجع كمال الدين: 464؛ رجال الكشي: 557/ رقم 1052؛ الخرائج والجرائح 1: 483/ ذيل حديث (22)؛ الاحتجاج 2: 449.

المفوّضة(1) كامل بن إبراهيم المزني(2) إلي أبي محمّد الحسن بن علي عليه السلام يباحثون أمره. قال كامل بن إبراهيم: فقلت في نفسي: أسأله عن قوله(3): لا يدخل الجنّة إلاَّ من عرف معرفتي وقال بمقالتي.

فلمَّا دخلت علي سيّدي أبي محمّد عليه السلام نظرت إلي ثياب بيضاء ناعمة عليه، فقلت في نفسي: ولي الله وحجّته يلبس الناعم من الثياب، ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان، وينهانا عن لبس مثله!

فقال عليه السلام مبتسماً: (يا كامل بن إبراهيم!) وحسر عن ذراعيه، فإذا مسح(4) أسود خشن، فقال: (يا كامل، هذا لله عز وجل، وهذا لكم).

فخجلت وجلست إلي باب مرخي عليه ستر، فجاءت الريح فكشفت طرفه، فإذا أنا بفتي كأنَّه قمر، من أبناء أربع، أو مثلها، فقال: (يا كامل بن إبراهيم)، فاقشعررت(5) من ذلك، واُلهمت أن قلت: لبيك يا سيّدي.

فقال: (جئت إلي وليّ الله وحجّة زمانه، تسأله: هل يدخل الجنّة إلاَّ من عرف معرفتك، وقال بمقالتك؟).

فقلت: إي والله.).

ص: 80


1- هم قوم زعموا أنَّ الله تعالي فوَّض خلق العالم وتدبيره لرسوله وعلي والأئمّة عليهم السلام فخلقوا هم الأرضين والسماوات. راجع: المقالات والفرق: 238؛ الفرق بين الفرق: 251؛ معجم الفرق الإسلاميّة: 235.
2- في الهداية والغيبة والخرائج: (المدني)؛ وفي إثبات الوصيّة: (المدائني).
3- (عن قوله) ليس في (ع)، (ط).
4- المسح: (كساء من شعر).
5- في (ع)، (م): (فاشعرت).

قال: (إذن - والله - يقلُّ داخلها، والله إنَّه ليدخلها (1) قوم يقال لهم: الحقّية).

قلت: يا سيّدي، ومن هم؟

قال: (هم قوم من حبّهم لعلي يحلفون بحقّه ولا يدرون ما حقّه وفضله).

ثمّ سكت ساعة عنّي، ثمّ قال: (وجئت تسأله عن مقالة المفوّضة، كذبوا عليهم لعنة الله، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء الله شئنا، والله عز وجل يقول: (وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ))(2) ثمّ رجع والله الستر إلي حالته، فلم استطع كشفه.

ثمّ نظر إليَّ أبو محمّد عليه السلام مبتسماً وهو يقول: (يا كامل بن إبراهيم، ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك حجّتي من بعدي؟!)، فانقبضت وخرجت، ولم أعاينه بعد ذلك. قال أبو نعيم: فلقيت كامل بن إبراهيم، وسألته عن هذا الخبر، فحدَّثني به(3).

* وأخبرني أبو القاسم عبد الباقي بن يزداد بن عبد الله البزّاز، قال: حدَّثنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد الثعالبي قراءة في يوم الجمعة مستهل رجب سنة سبعين وثلاثمائة، قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي، قال: كنت امرءاً لهجاً بجمع(4) الكتب المشتملة علي غوامض العلوم ودقائقها، كلفاً باستظهار ما يصحُّ من حقائقها، مغرماً بحفظ مشتبهها ومستغلقها، شحيحاً).

ص: 81


1- في (ع)، (م) زيادة: (حتَّي).
2- الإنسان: 30.
3- الهداية الكبري: 359؛ إثبات الوصيّة: 222؛ الغيبة للطوسي: 246/ ح 216؛ الخرائج والجرائح 1: 458/ ح 4؛ كشف الغمّة 2: 499؛ ينابيع المودّة: 461.
4- في (ع): (بجميع).

علي ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها، ومتعصّباً لمذهب الإماميّة، راغباً عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم، والتعدّي إلي التباغض والتشاتم، معيباً للفِرَق ذوي الخلاف، كشّافاً عن مثالب أئمّتهم، هتّاكاً لحجب قادتهم. إلي أن بليت بأشدّ النواصب منازعة، وأطولهم مخاصمة، وأكثرهم جدالاً، وأقشعهم سؤالاً، وأثبتهم علي الباطل قدماً.

فقال ذات يوم وأنا اُناظره: تبّاً لك - يا سعد - ولأصحابك، إنَّكم معشر الرافضة تقصدون علي المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما، وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما، هذا الصدّيق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته، أمَا علمتم أنَّ الرسول عليه وآله السلام ما أخرجه مع نفسه إلي الغار إلاَّ علماً منه بأنَّ الخلافة له من بعده، وأنَّه هو المقلّد أمر التأويل، والملقي إليه أزمة الأمّة، وعليه المعول في شعب الصدع، ولمّ الشعث، وسدّ الخلل، وإقامة الحدود، وتسرية(1) الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق علي نبوّته أشفق علي خلافته، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة إلي مكان يستخفي فيه، فلمَّا رأينا النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم متوجّهاً إلي الانجحار(2)، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد، استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر إلي الغار للعلّة التي شرحناها.

وإنَّما أبات علياً عليه السلام علي فراشه لما لم يكن يكترث له، ولم يحفل به، لاستثقاله إيّاه، وعلمه بأنَّه إن قتل لم يتعذَّر عليه نصب غيره مكانه، للخطوب التي كان يصلح لها.ر.

ص: 82


1- في (ع): (وتسريته).
2- أي الاستتار.

قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتّي، فما زال يقصد كلّ واحد منها بالنقض والردّ عليَّ.

ثمّ قال: يا سعد، دونكها أخري بمثلها تحطم آناف الروافض، ألستم تزعمون أنَّ الصدّيق المبرأ من دنس الشكوك(1)، والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام، كانا يسرّان(2) النفاق، واستدللتم بليلة العقبة، أخبرني عن الصدّيق والفاروق، أسلما طوعاً أو كرهاً؟

قال سعد: فاحتلت لدفع هذه(3) المسألة عنّي خوفاً من الإلزام، وحذراً من أنّي إن أقررت له بطواعيتهما(4) في الإسلام احتجَّ بأنَّ بدء النفاق ونشوءه في القلب لا يكون إلاَّ عند هبوب روائح القهر والغلبة، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء علي من ليس ينقاد له قلبه، نحو قول الله عز وجل: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا)(5). وإن قلت: أسلما كرهاً، كان يقصدني(6) بالطعن، إذ لم يكن ثمة سيوف منتضاة كانت تريهما البأس.

قال سعد: فصدرت عنه مزوّرا (7) قد انتفخت أحشائي من الغضب، وتقطَّع كبدي من الكرب، وكنت قد اتَّخذت طومارا (8)، وأثبت فيه نيفاًة.

ص: 83


1- في (م)، (ط): (الشرك).
2- في (ع)، (م): (يستران).
3- (هذه) ليس في (ع)، (م).
4- في (ط): (بطوعهما)، وفي (م): (طوعيتهما).
5- غافر: 84 و85 .
6- في (ع): (كرهاً تقصدني).
7- في (ع)، (م): (عنه من وراء)، الازورار عن الشيء: العدول عنه.
8- أي صحيفة.

وأربعين مسألة من صعاب المسائل التي لم أجد لها مجيباً، علي أن أسأل عنها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمّد عليه السلام، فارتحلت خلفه، وقد كان خرج قاصداً نحو مولاي بسُرَّ من رأي، فلحقته في بعض المناهل، فلمَّا تصافحنا قال: لخير لحاقك بي.

قلت: الشوق، ثمّ العادة في الأسئلة.

قال: قد تكافأنا علي(1) هذه الخطّة الواحدة، فقد برح بي الشوق إلي لقاء مولانا أبي محمّد عليه السلام، وأريد أن أسأله عن معاضل في التأويل(2) ومشاكل من التنزيل، فدونكها الصحبة المباركة، فإنَّها تقف بك علي ضفة بحر لا تنقضي عجائبه، ولا تفني غرائبه، وهو إمامنا.

فوردنا سُرَّ من رأي فانتهينا منها إلي باب سيّدنا عليه السلام، فاستأذنا فخرج إلينا الإذن بالدخول عليه، وكان علي عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطّاه بكساء طبري، فيه ستّون ومائة صرّة من الدنانير والدارهم، علي كلّ صرّة ختم(3) صاحبها.

قال سعد: فما شبَّهت مولانا أبا محمّد عليه السلام حين غشينا نور وجهه إلاَّ ببدر قد استوفي من لياليه أربعاً بعد عشر، وعلي فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري(4) في الخلقة والمنظر، علي رأسه فرق بين وفرتين، كأنَّه ألف بين واوين، وبين يدي مولانا عليه السلام رمّانة ذهبية(5) تلمع بدائع نقوشها).

ص: 84


1- في (ع)، (م): (عن).
2- في (ع)، (م): (التوحيد).
3- في (ع)، (م): (اسم).
4- المشتري: من أكبر الكواكب السيارة.
5- في (م): (ذهب).

وسط غرائب الفصوص المركبة عليها، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلم، إذا أراد أن يسطر به علي البياض قبض الغلام علي أصابعه، وكان مولانا عليه السلام يدحرج الرمّانة بين يديه، ويشغله(1) بردّها لئلاَّ يصدّه عن كتبة(2) ما أراد(3) فسلَّمنا عليه، فألطف في الجواب، وأومأ إلينا بالجلوس، فلمَّا فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيّ كسائه، فوضعه بين يدي مولانا فنظر أبو محمّد عليه السلام إلي الغلام وقال: (يا بني، فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك).

فقال: يا مولاي، أيجوز لي أن أمدّ يداً طاهرة إلي هدايا نجسة، وأموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها؟!

فقال مولانا عليه السلام: (يا ابن إسحاق، استخرج ما في الجراب ليميّز بين الأحل منها والأحرم).

فأوّل صرّة بدأ أحمد بأخراجها قال الغلام: (هذه لفلان بن فلان، من محلّة كذا بقم، تشتمل علي اثنين وستّين ديناراً، فيها من ثمن حجرة باعها وكانت إرثاً له من أبيه خمسة وأربعون ديناراً، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً، وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير).).

ص: 85


1- في (ع)، (م): (يغفله).
2- في (ط): (كتب).
3- فيه غرابة من حيث قبض الغلام عليه السلام علي أصابع أبيه أبي محمّد عليه السلام وهكذا وجود رمّانة من ذهب يلعب بها لئلاَّ يصدّه عن الكتابة، وقد روي في الكافي 1: 248/ ح 15 عن صفوان الجمال قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صاحب هذا الأمر، فقال: (إنَّ صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب)، وأقبل أبو الحسن موسي - وهو صغير - ومعه عناق مكّية وهو يقول لها: (اسجدي لربّك)، فأخذه أبو عبد الله عليه السلام وضمّه إليه وقال: (بأبي واُمّي من لا يلهو ولا يلعب).

فقال مولانا عليه السلام: (صدقت يا بني، دلّ الرجل علي الحرام منها).

فقال عليه السلام: (فتّش عن دينار رازي السكّة، تاريخه(1) سنة كذا، قد انطمس من إحدي صفحتيه نصف نقشة(2)، وقراضة أصلية وزنها ربع دينار، والعلّة في تحريمها أنَّ صاحب هذه الجملة وزَّن في شهر كذا من سنة كذا علي حائك من جيرانه من الغزل منّاً وربع، فأتت علي ذلك مدّة، وفي انتهائها قيض لذلك الغزل سارق، فأخبر(3) الحائك صاحبه فكذَّبه، واستردَّ منه بدل ذلك منّاً ونصف غزلاً أدقّ ممَّا كان قد(4) دفعه إليه، واتَّخذ من ذلك ثوباً، كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه).

فلمَّا فتح الصرّة صادف في وسط الدنانير رقعة باسم من أخبر عنه، وبمقدارها علي حسب ما قال عليه السلام، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.

ثمّ أخرج صرّة أخري، فقال الغلام عليه السلام: (هذه لفلان بن فلان، من محلّة كذا بقم، تشتمل علي خمسين ديناراً، لا يحلّ لنا مسّها)(5).

قال: وكيف ذلك؟

قال عليه السلام: (لأنَّها من ثمن حنطة حاف(6) صاحبها علي أكاره في المقاسمة، وذلك أنَّه قبض حصَّته منها بكيل واف، وكال ما خصَّ الأكار منها بكيل بخس).م.

ص: 86


1- وفي بعض المصادر: (كتابة)، وفي بعضها الآخر: (كتبه).
2- في (ع)، (م): (صفحتيه فقر).
3- في (ط) زيادة: (به).
4- (قد) ليس في (ع)، (م).
5- في (ط): (لمسها).
6- أي جار وظلم.

فقال مولانا عليه السلام: (صدقت يا بني).

ثمّ قال: (يا ابن إسحاق، احملها بأجمعها لتردّها، أو توصي بردّها (1) علي أربابها، فلا حاجة لنا في شيء منها، ائتنا بثوب العجوز).

قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته. فلمَّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليَّ مولانا أبو محمّد عليه السلام فقال: (ما جاء بك يا سعد؟).

فقلت: شوَّقني أحمد بن إسحاق إلي لقاء مولانا.

فقال: (والمسائل التي أردت أن تسأله عنها؟).

قلت: علي حالتها يا مولاي.

فقال: (سل قرّة عيني - وأومأ إلي الغلام - عمّا بدا لك منها).

فقلت: مولانا وابن مولانا، إنّا روينا عنكم أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه السلام حتَّي أرسل يوم الجمل إلي عائشة: (إنَّك قد أرهجت(2) علي الإسلام وأهله بفتنتك(3)، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عنّي غربك(4) وإلاَّ طلَّقتك). ونساء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد كان طلاقهنَّ بوفاته(5).

قال عليه السلام: (ما الطلاق؟).

قلت: تخلية السبيل.).

ص: 87


1- (أو توصي بردّها) ليس في (ع)، (م).
2- الرهج: الشغب والفتنة، وأرهج: أثار الغبار.
3- في (ع): (بفئتك).
4- أي حدّتك، (النهاية 3: 350).
5- في (ع)، (م): (طلقهنَّ وفاته).

قال: (فإذا كان وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد خلّي سبيلهنَّ، فلِمَ لا يحلّ لهنَّ الأزواج؟).

قلت: لأنَّ الله عز وجل حرَّم الأزواج(1) عليهنَّ.

قال: (كيف وقد خلّي الموت سبيلهنَّ؟).

قلت: فأخبرني يا ابن مولاي عن معني الطلاق الذي فوَّض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حكمه إلي أمير المؤمنين عليه السلام.

قال: (إنَّ الله تقدَّس اسمه: عظَّم شأن نساء النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، فخصهنَّ بشرف الاُمّهات، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: يا أبا الحسن، إنَّ هذا الشرف باقٍ لهنَّ ما دمن لله علي الطاعة، فأيتهنَّ عصت الله بعدي بالخروج عليك، فاطلق لها في الأزواج، وأسقطها من شرف الاُمّهات ومن شرف اُمومة المؤمنين).

قلت: فأخبرني عن الفاحشة المبيّنة التي إذا أتت المرأة بها في أيّام عدَّتها حلَّ للزوج أن يخرجها من بيته؟

قال: (السحق دون الزنا، وإنَّ المرأة إذا زنت، واُقيم عليها الحدّ، ليس لمن أرادها أن يمتنع(2) بعد ذلك من التزوّج بها لأجل الحدّ(3)، وإذا سحقت وجب عليها الرجم، والرجم خزي، ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده، ومن أبعده فليس لأحد أن يقرّبه).

قلت: فأخبرني يا ابن رسول الله، عن أمر الله لنبيّه موسي عليه السلام:).

ص: 88


1- (الأزواج) ليس في (ع)، (م).
2- في (ع)، (م): (أراد أن يمنع).
3- في (ع)، (م): (الحدود).

(فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُويً)(1) فإنَّ فقهاء الفريقين يزعمون أنَّها كانت من إهاب(2) الميتة.

فقال عليه السلام: (من قال ذلك فقد افتري علي موسي عليه السلام واستجهله في نبوَّته، لأنَّه ما خلا الأمر فيها من خصلتين: إمَّا أن تكون صلاة موسي عليه السلام فيها جائزة أو غير جائزة، فإن كانت صلاة موسي عليه السلام جائزة جاز لموسي عليه السلام أن يكون لابسهما في البقعة، إذ لم تكن مقدَّسة، وإن كانت مقدَّسة مطهَّرة فليست بأطهر وأقدس من الصلاة.

وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب أنَّ موسي عليه السلام لم يعرف الحلال من(3) الحرام، وعلم ما جاز فيه الصلاة وما لا يجوز، وهذا كفر).

قلت: فأخبرني يا ابن مولاي، عن التأويل فيها.

قال: (إنَّ موسي عليه السلام ناجي ربَّه بالوادي المقدَّس، فقال: (يا ربّ، إنّي قد أخلصت لك المحبّة منّي، وغسلت قلبي عمَّن سواك) وكان شديد الحبّ لأهله، فقال الله تعالي: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) أي(4) انزع حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبَّتك لي خالصة، وقلبك من الميل إلي سواي مغسولاً.

قلت: فأخبرني - يا ابن رسول الله - عن تأويل (كهيعص)(5).).

ص: 89


1- طه: 12.
2- الأهاب: الجلد.
3- في (ط): (و).
4- في (ط): (و).
5- في (ع)، (م): (و).

قال: (هذه الحروف من أنباء الغيب، اطَّلع الله عليها عبده زكريا عليه السلام، ثمّ قصّها علي محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، وذلك أنَّ زكريا عليه السلام سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلَّمه إيّاها، فكان زكريا عليه السلام إذا ذكر محمّداً وعلياً وفاطمة والحسن سري عنه همّه، وانجلي كربه، فإذا ذكر اسم الحسين عليه السلام خنقته العبرة، ووقعت عليه الهموم، فقال ذات يوم: (إلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسلَّيت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني، وتثور زفرتي؟) فأنبأه الله عن قصَّته، فقال: (كهيعص)(1) فالكاف: اسم كربلاء، والهاء: هلاك العترة، والياء: يزيد لعنه الله، وهو ظالم الحسين عليه السلام، والعين: عطشه، والصاد: صبره. فلمَّا سمع بذلك زكريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيهنَّ الناس من الدخول عليه، وأقبل علي البكاء والنحيب، وكانت ندبته(2): (إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده، إلهي أتنزل بلوي هذه الرزيّة بفنائه، إلهي أتلبس علياً وفاطمة ثياب هذه المصيبة، إلهي أتحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟)(3).

ثمّ كان يقول: (إلهي ارزقني ولداً تقرّ به عيني علي الكبر، واجعله وارثاً رضياً، يوازي محلّه منّي محلّ الحسين، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه، ثمّ افجعني به، كما تفجع محمّداً حبيبك بولده) فرزقه الله تعالي يحيي عليه السلام، وفجعه به، وكان حمل يحيي ستّة أشهر، وحمل الحسين عليه السلام كذلك، وله قصَّة طويلة).).

ص: 90


1- مريم: 1.
2- في (ع)، (م): (أنَّته).
3- في (ط): (بساحتها).

قلت: فأخبرني يا مولاي، عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم.

قال: (مصلح، أو مفسد؟).

قلت: مصلح.

قال: (هل يجوز أن تقع خيرتهم علي الفساد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟).

قلت: بلي.

قال: (فهي العلّة أوردها لك ببرهان ينقاد له(1) عقلك: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله تعالي، وأنزل عليهم علمه، وأيَّدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الأمم، وأهدي إلي الاختيار منهم، مثل موسي وعيسي عليهما السلام، هل يجوز مع وفور عقلهما، وكمال علمهما، إذا همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما علي المنافق، وهما يظنّان أنَّه مؤمن؟).

قلت: لا.

قال عليه السلام: (فهذا موسي كليم الله، مع وفور عقله، وكمال علمه، اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلاً، ممَّن لم يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم، فوقعت خيرته علي المنافقين، قال الله عز وجل: (وَاخْتارَ مُوسي قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا)(2)، وقوله: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ)(3)، فلمَّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله تعالي لنبوَّته، واقعاً علي الأفسد دون الأصلح، وهو يظنّ أنَّه الأصلح دون5.

ص: 91


1- في (ط): (ينقاد بذلك).
2- الأعراف: 155.
3- البقرة: 55.

الأفسد، علمنا أن لا اختيار إلاَّ لمن يعلم ما تخفي الصدور، وتكنُّ الضمائر، وتنصرف عليه السرائر، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء علي ذوي الفساد، لما أرادوا أهل الصلاح).

ثمّ قال مولانا عليه السلام: (يا سعد، حين ادّعي خصمك: (أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمّة إلي الغار إلاَّ علماً منه أنَّ الخلافة له من بعده، وأنَّه هو المقلّد أمور التأويل، والملقي إليه أزمَّة الأمور، وعليه المعول في لَمَّ الشعث، وسدّ الخلل، وإقامة الحدود، وتسيير الجيوش(1) لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق علي نبوَّته أشفق علي خلافته، إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة من غيره إلي مكان يستخفي فيه، وإنَّما أبات علياً عليه السلام علي فراشه لما لم يكن يكترث له ولم يحفل به، لاستثقاله إيّاه، وعلمه بأنَّه إن قتل لن يتعذَّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها). فهلاَّ نقضت دعواه بقولك: أليس قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة) فجعل هذه موقوفة علي أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم.

فكان لا يجد بدَّاً من قوله: بلي.

فكنت تقول له حينئذٍ: أليس كما علم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنَّ الخلافة من بعده لأبي بكر، علم أنَّها من بعد أبي بكر لعمر، ومن بعده لعثمان، ومن بعد عثمان لعلي.

فكان أيضاً لا يجد بدَّاً من قوله: نعم.

ثمّ كنت تقول له: فكان الواجب علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنة.

ص: 92


1- في (ط): (تسريب الجيوش)، أي بعثها وتسييرها قطعة قطعة.

يخرجهم جميعاً علي الترتيب إلي الغار، ويشفق عليهم كما أشفق علي أبي بكر، ولا يستخفّ بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إيّاهم، وتخصيصه أبا بكر بإخراجه مع نفسه دونهم.

فلمَّا قال: (أخبرني عن الصدّيق والفاروق أسلما طوعاً، أو كرهاً؟).

لِمَ لم تقل: بل أسلما طمعاً! وذلك أنَّهما كانا يجالسان اليهود، ويستخبرانهم عمَّا كانوا يجدون في التوراة، وفي سائر الكتب المتقدّمة، الناطقة بالملاحم من حال إلي حال، من قصَّة محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، ومن عواقب أمره، وكانت اليهود تذكر أنَّ لمحمّد صلي الله عليه وآله وسلم تسلّطاً علي العرب، كما كان لبخت نصر علي بني إسرائيل، غير أنَّه كاذب في دعواه أنَّه نبيّ فأتيا محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم فساعداه علي قول شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وتابعاه طمعاً في أن ينال كلّ واحد منهما من جهته ولاية بلد، إذا استقامت أموره، واستتبَّت أحواله.

فلمَّا أيسا من ذلك تلثَّما وصعدا العقبة مع عدّة من أمثالهما من المنافقين، علي أن يقتلوه، فدفع الله كيدهم، وردَّهم بغيظهم، لم ينالوا خيراً.

كما أتي طلحة والزبير علياً عليه السلام فبايعاه، وطمع كلّ واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد، فلمَّا أيسا نكثا بيعته وخرجا عليه، فصرع الله كلّ واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين).

قال سعد: ثمّ قام مولانا أبو محمّد الحسن بن علي الهادي عليه السلام للصلاة مع الغلام، فانصرفت عنهما، وطلبت أحمد بن إسحاق، فاستقبلني باكياً، فقلت: ما أبطأك وأبكاك؟

فقال: قد فقدت الثوب الذي أرسلني مولاي لاحضاره.

ص: 93

قلت: لا عليك، فأخبره.

فدخل عليه وانصرف من عنده متبسّماً، وهو يصلّي علي محمّد وآل محمّد، فقلت: ما الخبر؟

قال: وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولانا عليه السلام، يصلّي عليه.

قال سعد: فحمدنا الله عز وجل علي ذلك، وجعلنا نختلف إلي مولانا أياماً فلا نري الغلام عليه السلام بين يديه(1).

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّي الله علي سيّدنا محمّد النبيّ وآله وسلَّم تسليماً كثيراً.

معرفة شيوخ الطائفة الذين عرفوا صاحب الزمان عليه السلام في مدّة مقامه بسُرَّ من رأي بالدلائل والبراهين والحجج الواضحة:

* حدَّثني أبو المفضَّل(2) محمّد بن عبد الله، قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن جعفر بن محمّد المقرئ، قال: حدَّثنا أبو العبّاس محمّد بن سابور(3)، قال: حدَّثني الحسن بن محمّد بن حيوان السراج القاسم، قال: حدَّثني أحمد بن الدينوري السراج، المكنّي بأبي العبّاس، الملقب ب- (آستاره)، قال: انصرفت من أردبيل(4)

ص: 94


1- كمال الدين: 454/ ح 21؛ الخرائج والجرائح 1: 481/ ح 22 نحوه؛ الاحتجاج 2: 461؛ وقطعة منه في الثاقب في المناقب: 585/ ح 534؛ وتأويل الآيات 1: 299/ ح 1؛ ومدينة المعاجز: 594.
2- في (م): (الفضل).
3- في (ط): (شابور).
4- في (ط): (إربيل): وهي مدينة في شمال العراق وهي (إربل) القديمة، ورد ذكرها في الكتابات السومرية، والعامّة تنطقها بفتح أوّلها (أربيل). (المنجد في الاعلام: 31). وأردبيل: من أشهر مدن أذربيجان في إيران. (معجم البلدان 1: 145).

إلي الدينور(1) أريد الحجّ، وذلك بعد مضي أبي محمّد الحسن بن علي عليه السلام بسنة، أو سنتين، وكان الناس في حيرة، فاستبشروا أهل الدينور بموافاتي، واجتمع الشيعة عندي، فقالوا: قد اجتمع عندنا ستّة عشر ألف دينار من مال الموالي، ونحتاج أن تحملها معك، وتسلّمها بحيث يجب تسليمها.

قال: فقلت: يا قوم، هذه حيرة، ولا نعرف الباب في هذا الوقت.

قال: فقالوا: إنَّما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك، فاحمله(2) علي ألاَّ تخرجه من يديك إلاَّ بحجّة.

قال: فحمل إليَّ ذلك المال في صرر باسم رجل رجل، فحملت ذلك المال وخرجت، فلمَّا وافيت قرميسين(3)، وكان أحمد بن الحسن مقيماً بها، فصرت إليه مسلّماً، فلمَّا لقيني استبشر بي، ثمّ أعطاني ألف دينار في كيس، وتخوت ثياب من ألوان معتمة(4)، لم أعرف ما فيها، ثمّ قال لي أحمد: احمل هذا معك، ولا تخرجه عن يدك إلاَّ بحجّة.

قال: فقبضت منه المال، والتخوت بما فيها من الثياب.

فلمَّا وردت بغداد لم يكن لي همّة غير البحث عمَّن أشير إليه بالنيابة(5)، فقيل لي: إنَّ هاهنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدّعي بالنيابة، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدّعي بالنيابة، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدّعي بالنيابة.ة.

ص: 95


1- الدينور: مدينة من اُمّهات مدن الجبال في كردستان إيران. (المنجد في الاعلام: 296).
2- في (ع)، (م): (فاعمل).
3- قرميسين: بلد معروف قرب الدينور، بين همذان وحلوان، علي جادة العراق. (مراصعد الاطلاع 3: 1081).
4- في (ع)، (م): (معكمة).
5- في (ط): (بالبابية)، وكذا في المواضع الآتية.

قال: فبدأت بالباقطاني، فصرت إليه، فوجدته شيخاً بهيّاً، له مروءة ظاهرة، وفرس(1) عربي، وغلمان كثير، ويجتمع عنده الناس يتناظرون.

قال: فدخلت إليه، وسلَّمت عليه، فرحَّب، وقرَّب، وبرّ، وسرّ.

قال: فأطلت القعود إلي أن خرج أكثر الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فعرَّفته أنّي رجل من أهل الدينور، ومعي شيء من المال، أحتاج أن اُسلّمه.

قال: فقال لي: احمله.

قال: فقلت: أريد حجّة.

قال: تعود إليَّ في غد.

قال: فعدت إليه من الغد، فلم يأتِ بحجّة، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأتِ بحجّة.

قال: فصرت إلي إسحاق الأحمر، فوجدته شابّاً نظيفاً، منزله أكبر من منزل الباقطاني، وفرسه ولباسه ومروءته أسري(2)، وغلمانه أكثر من غلمانه، ويجتمع عنده من الناس أكثر ممَّا يجتمعون عند الباقطاني.

قال: فدخلت وسلَّمت، فرحَّب وقرَّب، قال: فصبرت إلي أن خفّ الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فقلت له كما قلت للباقطاني، وعدت إليه بعد ثلاثة أيّام، فلم يأتِ بحجّة.

قال: فصرت إلي أبي جعفر العمري، فوجدته شيخاً متواضعاً، عليهة.

ص: 96


1- في (ط): (فرش)، وكذا في المواضع الآتية.
2- سرا سروا: شرف، وسخا في مروءة، وأسري: أي أكثر وأرفع شرفاً وسخاء ومروءة.

مبطنة(1) بيضاء، قاعد علي لبد(2)، في بيت صغير، ليس له غلمان، ولا له من المروة والفرس ما وجدت لغيره.

قال: فسلَّمت، فردَّ جوابي، وأدناني، وبسط منّي(3)، ثمّ سألني عن حالي، فعرَّفته أنّي وافيت من الجبل، وحملت مالاً.

قال: فقال: إن أحببت أن تصل هذا الشيء إلي من يجب أن يصل إليه يجب أن تخرج إلي سُرَّ من رأي، وتسأل دار ابن الرضا، وعن فلان بن فلان الوكيل - وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها - فإنَّك تجد هناك ما تريد.

قال: فخرجت من عنده، ومضيت نحو سُرَّ من رأي، وصرت إلي دار ابن الرضا، وسألت عن الوكيل، فذكر البوّاب أنَّه مشتغل في الدار، وأنَّه يخرج آنفاً، فقعدت علي الباب أنتظر خروجه، فخرج بعد ساعة، فقمت وسلَّمت عليه، وأخذ بيدي إلي بيت كان له، وسألني عن حالي، وعمَّا وردت له، فعرَّفته أنّي حملت شيئاً من المال من ناحية الجبل، وأحتاج أن اُسلّمه بحجّة.

قال: فقال: نعم. ثمّ قدَّم إليَّ طعاماً، وقال لي: تغدّي بهذا واسترح، فإنَّك تعب، وإنَّ بيننا وبين صلاة الأولي ساعة، فإنّي أحمل إليك ما تريد.

قال: فأكلت ونمت، فلمَّا كان وقت الصلاة نهضت وصلَّيت، وذهبت إلي المشرعة، فاغتسلت وانصرفت إلي بيت الرجل، ومكثت إليل.

ص: 97


1- المبطنة: ما ينتطق به، وهي إزار له حجزة.
2- اللبد: ضرب من البسط.
3- بسط فلان من فلان: أزال من الاحتشام وعوامل الخجل.

أن مضي من الليل ربعه، فجاءني(1) ومعه درج(2)، فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، وافي أحمد بن محمّد الدينوري، وحمل ستّة عشر ألف دينار، وفي كذا وكذا صرّة، فيها صرّة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً، وصرّة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً - إلي أن عدَّ الصرر كلّها - وصرّة فلان بن فلان الذراع ستّة عشر ديناراً).

قال: فوسوس لي الشيطان أنَّ سيّدي أعلم بهذا منّي، فما زلت أقرأ ذكر صرّة صرّة وذكر صاحبها، حتَّي أتيت عليها عند آخرها، ثمّ ذكر: (قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصواف(3) كيساً فيه ألف دينار وكذا وكذا تختاً ثياباً، منها ثوب فلاني، وثوب لونه كذا) حتَّي نسب الثياب إلي آخرها بأنسابها وألوانها.

قال: فحمدت الله وشكرته علي ما منَّ به عليَّ من إزالة الشكّ عن قلبي، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلي حيث ما يأمرني أبو جعفر العمري.

قال: فانصرفت إلي بغداد وصرت إلي أبي جعفر العمري.

قال: وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيّام.

قال: فلمَّا بصر بي أبو جعفر العمري قال لي: لِمَ لم تخرج؟

فقلت: يا سيّدي، من سُرَّ من رأي انصرفت.

قال: فأنا اُحدّث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة علي أبي جعفر العمري من مولانا عليه السلام، ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي، فيه ذكر المال والثياب، وأمر أن يسلّم جميع ذلك إلي أبي جعفر محمّد بن).

ص: 98


1- في (ع)، (م): زيادة (بعد أن مضي من الليل ربعه).
2- الدرج: الورق الذي يكتب فيه.
3- في (ط): (البادراني أخي الصراف).

أحمد بن جعفر القطّان القمي، فلبس أبو جعفر العمري ثيابه، وقال لي: احمل ما معك إلي منزل محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان القمي.

قال: فحملت المال والثياب إلي منزل محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان، وسلَّمتها، وخرجت إلي الحجّ.

فلمَّا انصرفت إلي الدينور اجتمع عندي الناس، فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا عليه السلام إليَّ، وقرأته علي القوم، فلمَّا سمع ذكر الصرّة باسم الذراع (صاحبها)(1) سقط مغشيّاً عليه، فما زلنا نعلله حتَّي أفاق، فلمَّا أفاق سجد شكراً لله عز وجل، وقال: الحمد لله الذي منَّ علينا بالهداية، الآن علمت أنَّ الأرض لا تخلو منَّ حجّة، هذه الصرّة دفعها - والله - إليَّ هذا الذراع، ولم يقف علي ذلك إلاَّ الله عز وجل.

قال: فخرجت ولقيت بعد ذلك بدهر أبا الحسن المادرائي، وعرَّفته الخبر، وقرأت عليه الدرج، قال: يا سبحان الله! ما شككت في شيء، فلا تشكنَّ في أنَّ الله عز وجل لا يخلي أرضه من حجّة. اعلم أنَّه لمَّا غزا أذكوتكين يزيد بن عبد(2) الله بسهرورد(3)، وظفر ببلاده، واحتوي علي خزانته صار إلي رجل، وذكر أنَّ يزيد بن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا عليه السلام.

قال: فجعلت أنقل خزائن يزيد بن عبد الله إلي أذكوتكين أوّلاً فأوّلاً، وكنت أدافع بالفرس والسيف، إلي أن لم يبقَ شيء غيرهما،).

ص: 99


1- ما بين المعقوفتين أثبتناه من (كتاب المحاسن للبرقي)، أي: صاحب الصرّة التي باسم فلان الذراع.
2- في (ع)، (م): (عبيد)، وكذا في المواضع الآتية.
3- سهرورد: بلدة قريبة من زنجان بالجبال. (معجم البلدان 3: 289).

وكنت أرجو أن أخلّص ذلك لمولانا عليه السلام، فلمَّا اشتدَّ مطالبة أذكوتكين إيّاي ولم يمكنني مدافعته، جعلت في السيف والفرس في نفسي ألف دينار ووزَّنتها ودفعتها إلي الخازن، وقلت له: ادفع(1) هذه الدنانير في أوثق مكان، ولا تخرجنَّ إليَّ في حال من الأحوال ولو اشتدَّت الحاجة إليها. وسلَّمت الفرس والنصل.

قال: فأنا قاعد في مجلسي بالري أبرم الأمور، وأوفي القصص، وآمر وأنهي، إذ دخل أبو الحسن الأسدي، وكان يتعاهدني الوقت بعد الوقت، وكنت أقضي حوائجه، فلمَّا طال جلوسه وعليَّ بؤس كثير قلت له: ما حاجتك؟

قال: أحتاج منك إلي خلوة. فأمرت الخازن أن يهيّئ لنا مكاناً من الخزانة، فدخلنا الخزانة، فأخرج إلي رقعة صغيرة من مولانا عليه السلام، فيها: (يا أحمد بن الحسن، الألف دينار التي لنا عندك، ثمن النصل والفرس، سلّمها إلي أبي الحسن الأسدي).

قال: فخررت لله عز وجل ساجداً شاكراً لما منَّ به عليَّ، وعرفت أنَّه خليفة الله حقّاً، لأنَّه لم يقف علي هذا أحد غيري، فأضفت إلي ذلك المال ثلاثة آلاف دينار أخري سروراً بما منَّ الله عليَّ بهذا الأمر(2).

* وحدَّثني أبو المفضَّل(3)، قال: حدَّثني محمّد بن يعقوب، قال: كتب علي بن محمّد السمري(4) يسأل الصاحب عليه السلام كفناً يتبيَّن ما).

ص: 100


1- في (م): (أرفع).
2- فرج المهموم: 239؛ مدينة المعاجز: 603/ ح 54؛ إلزام الناصب 1: 405.
3- في (م): (الفضل).
4- في (ع): (الصيمري).

يكون من عنده، فورد: (إنَّك تحتاج إليه سنة إحدي وثمانين) فمات في الوقت الذي حدَّه، وبعث إليه بالكفن قبل أن يموت بشهر(1).

وقال علي بن محمّد السمري(2): كتبت إليه أسأله عمَّا عندك من العلوم، فوقع عليه السلام: (علمنا علي ثلاثة أوجه: ماض، وغابر، وحادث، أمَّا الماضي فتفسير، وأمَّا الغابر فموقوف، وأمَّا الحادث فقذف في القلوب، ونقر في الأسماع، وهو أفضل علمنا، ولا نبيّ بعد نبيّنا صلي الله عليه وآله وسلم)(3).

* أخبرني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: أخبرني محمّد بن يعقوب، قال: قال القاسم بن العلاء: كتبت إلي صاحب الزمان عليه السلام ثلاثة كتب في حوائج لي، وأعلمته أنَّني رجل قد كبر سنّي، وأنَّه لا ولد لي، فأجابني عن الحوائج، ولم يجبني عن الولد بشيء.

فكتبت إليه في الرابعة كتاباً وسألته أن يدعو الله لي أن يرزقني ولداً، فأجابني، وكتب بحوائجي، فكتب: (اللهم ارزقه ولداً ذكراً، تقرُّ به عينيه، واجعل هذا الحمل الذي له وارثاً) فورد الكتاب وأنا لا أعلم أنَّ لي حملاً، فدخلت إلي جاريتي فسألتها عن ذلك، فأخبرتني أنَّ علّتها قد ارتفعت، فولدت غلاما(4).

* وحدَّثني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثني علي بن محمّد المعروف بعلان الكليني، قال: حدَّثني محمّد بن شاذان بن نعيم بنيشابور، قال: اجتمع عندي للغريم(5) - أطال الله بقاءه وعجَّل نصره -ّ.

ص: 101


1- فرج المهموم: 247؛ مدينة المعاجز: 604/ ح 55.
2- في (ع): (الصيمري).
3- مدينة المعاجز: 605.
4- مدينة المعاجز: 605/ ح 56.
5- المراد بالغريم هنا الصاحب عليه السلام لكونه طالباً للحقّ.

خمسمائة درهم، فنقصت عشرون درهماً، وأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار، قال: فأتممتها من عندي، وبعثت بها إلي محمّد بن جعفر، ولم أكتب بما لي منها، فأنفذ إلي محمّد بن جعفر القبض(1)، وفيه: (وصلت خمسمائة درهم، ولك فيها عشرون درهماً)(2).

* وعنه، قال: أخبرني محمّد بن يعقوب، قال: حدَّثني إسحاق بن يعقوب، قال: سمعت الشيخ العمري محمّد بن عثمان يقول: صحبت رجلاً من أهل السواد، ومعه مال للغريم عليه السلام فأنفذه، فردَّ عليه، وقيل له: (أخرج حقّ ولد عمّك منه، وهو أربعمائة درهم)، قال: فبقي الرجل باهتاً متعجّباً، فنظر في حساب المال، وكانت في يده ضيعة لولد عمّه، قد كان ردّ عليهم بعضها، فإذا الذي فضل لهم من ذلك أربعمائة درهم، كما قال عليه السلام، فأخرجها وأنفذ الباقي، فقبل(3).

وعنه، قال: حدَّثنا علي بن محمّد، قال: حدَّثني إسحاق بن جبرئيل الأهوازي، قال: وكتب من نفس التوقيع(4).

* وحدَّثني علي بن السويقاني وإبراهيم بن محمّد بن الفرج الرخجي، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار: أنَّه ورد العراق شاكّاً مرتابا(5)، فخرج إليه: (قل للمهزياري: قد فهمنا ما حكيته عن موالينا).

ص: 102


1- في (ط): (الفضل).
2- كمال الدين: 485/ ح 5؛ مدينة المعاجز: 605/ ح 57.
3- في (ع)، (م): (فقسم).
4- الإمامة والتبصرة: 140/ ح 162؛ كمال الدين: 486/ ح 6؛ الثاقب في المناقب: 597/ ح540؛ مدينة المعاجز: 605/ ح 58.
5- في (ط): (مرتاداً).

بناحيتكم، فقل لهم: أمَا سمعتم الله عز وجل يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ)(1)؟! هل أمروا إلاَّ بما هو كائن إلي يوم القيامة؟! أوَ لم تروا الله جلَّ ذكره جعل لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم عليه السلام إلي أن ظهر الماضي عليه السلام، كلَّما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم بدا نجم، فلمَّا قبضه الله إليه ظننتم أنَّ الله عز وجل قد قطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ما كان ذلك، ولا يكون إلي أن تقوم الساعة، ويظهر أمر الله وهم كارهون.

يا محمّد بن إبراهيم، لا يدخلك الشكّ فيما قدمت له، فإنَّ الله عز وجل لا يخلي أرضه من حجّة، أليس قال لك الشيخ قبل وفاته: أحضر الساعة من يعيّر هذه الدنانير التي عندي. فلمَّا أبطيء عليه ذلك، وخاف الشيخ علي نفسه الوحا(2)، قال لك: عيّرها علي نفسك. فأخرج إليك كيساً كبيراً، وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس وصرّة فيها دنانير مختلفة النقد، فعيَّرتها، وختم الشيخ عليها بخاتمه، وقال لك: اختم مع خاتمي، فإن أعش فأنا أحقُّ بها، وإن أمت فاتّق الله في نفسك أوّلاً وفي، وكن عند ظنّي بك. أخرج يرحمك الله الدنانير التي(3) نقصتها من بين النقدين من حسابه، وهي بضعة عشر ديناراً)(4).

* وعنه، قال: حدَّثنا علي بن محمّد، قال: حدَّثني نصر بن الصباح، قال: أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلي الصاحب عليه السلام، وكتب6.

ص: 103


1- النساء: 59.
2- أي السرعة، والمراد أنَّه خاف علي نفسه سرعة الموت.
3- في (ع) زيادة: (أنت).
4- كمال الدين: 486/ ح 8؛ الخرائج والجرائح 3: 1116.

معها رقعة غير فيها اسمه، فأوصلها إلي الصاحب عليه السلام، فخرج الوصول باسمه ونسبه والدعاء له(1).

* وعنه، قال: وحدَّثني أبو حامد المراغي، عن محمّد بن شاذان بن نعيم، قال: بعث رجل من أهل بلخ مالاً ورقعة ليس فيها كتابة، قد خطّ بإصبعه كما يدور من غير كتابة، وقال للرسول: احمل هذا المال، فمن أعلمك بقصَّته وأجابك عن الرقعة، فاحمل إليه هذا المال. فصار الرجل إلي العسكر، وقصد جعفراً، وأخبره الخبر، فقال له جعفر: تقرُّ بالبداء؟

فقال الرجل: نعم.

فقال له: إنَّ صاحبك قد بدا له، وقد أمرك أن تعطيني المال.

فقال له الرسول: لا يقنعني هذا الجواب، فخرج من عنده، وجعل يدور علي أصحابنا، فخرجت إليه رقعة: (هذا مال قد كان عثر به، وكان فوق صندوق، (فدخل اللصوص البيت وأخذوا ما في الصندوق)(2)، وسلم المال) وردت عليه الرقعة وقد كتب فيه: (كما يدور، سألت الدعاء فعل الله بك، وفعل)(3).

* وقال: حدَّثني أبو جعفر: قال: ولد لي مولود، فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع، فورد: (لا) فمات المولود يوم السابع. ثمّ كتبت أخبره بموته، فورد: (سيخلف الله عليك غيره، وغيره، فسمّه أحمد، ومن بعد أحمد جعفر) فجاء ما قال عليه السلام(4).2.

ص: 104


1- مدينة المعاجز: 605/ ح 60.
2- ما بين المعقوفتين أثبتناه من كمال الدين، والخرائج والجرائح.
3- كمال الدين: 488/ ح 11؛ الخرائج والجرائح 3: 1129/ ح 47؛ الثاقب في المناقب: 599/ ح 544.
4- مدينة المعاجز: 605/ ح 62.

* وعنه، قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني 1، قال: حدَّثني أبو حامد المراغي، عن محمّد بن شاذان بن نعيم، قال: قال رجل من أهل بلخ: تزوَّجت امرأة سرّاً، فلمَّا وطأتها علقت، وجاءت بابنة، فاغتممت وضاق صدري، فكتبت أشكو ذلك فورد: (ستكفاها) فعاشت أربع سنين ثمّ ماتت، فورد: (الله ذو أناة، وأنتم مستعجلون)(1).

والحمد لله ربّ العالمين.

معرفة ما ورد من الأخبار في وجوب الغيبة:

* أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، عن الحسن بن علي الزبيري، عن عبد الله بن محمّد بن خالد(2) الكوفي، عن منذر بن محمّد بن قابوس، عن نصر بن السندي(3)، عن أبي داود، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة، عن الأصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته متفكّراً، ينكت في الأرض(4)، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك مفكّراً، تنكت في الأرض؟ أرغبة منك فيها؟

فقال: (لا والله، ما رغبت في الدنيا قطّ، ولكنّي فكَّرت في مولود

ص: 105


1- مدينة المعاجز: 606/ ح 63.
2- في النسخ: (خلف)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر. أنظر: رجال الكشي: 566/ رقم 1070؛ التحرير الطاوسي: 284/ ح 426.
3- في (ط): (نضر بن السندي)، والظاهر صحَّة (منصور بن السندي) علي ما في الكافي والغيبة للنعماني، إذ يروي عنه منذر بن محمّد بن قابوس، ويروي عن منذر عبد الله بن محمّد بن خالد الكوفي. الكافي 1: 273/ ح 7؛ وأنظر: معجم رجال الحديث 18: 348.
4- نكت الأرض بقضيب ونحوه: ضربها به فأثَّر فيها، يفعلون ذلك حال التفكّر.

يكون من ظهر الحادي عشر، هو المهدي، يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له حيرة وغيبة، يضلّ فيها قوم، ويهتدي بها آخرون).

فقلت: يا أمير المؤمنين، وكم تكون تلك الحيرة، وتلك الغيبة؟

قال عليه السلام: (وأنّي لك ذلك، وكيف لك العلم بهذا الأمر يا أصبغ! أولئك خيار هذه الأمّة مع أبرار هذه العترة)(1).

* وعنه، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا محمّد بن عبد الله الحميري، قال: حدَّثنا هارون بن مسلم البصري، عن مسعدة بن صدقة الربعي، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين أنَّه قال في خطبة له بالكوفة: (اللهم لا بدَّ لأرضك من حجّة لك علي خلقك يهديهم إلي دينك ويعلّمهم علمك؛ لئلاَّ تبطل حجَّتك، ولا يضلّ أتباع أوليائك، بعد إذ هديتهم به، إمَّا ظاهر ليس بالمطاع، أو مكتتم ليس له دفاع، يترقَّبه أولياؤك، وينكره أعداؤك، إن غاب شخصه عن الناس لم يغب علمه في أوليائك من علمائهم)(2).

* حدَّثني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني، قال: حدَّثنا جعفر بن عبد الله العلوي المحمّدي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: (للقائم غيبتان، إحداهما أطول من الأخري)(3).8.

ص: 106


1- كمال الدين: 288/ ح 1؛ الغيبة للنعماني: 60/ ح 4؛ الاختصاص: 209؛ الغيبة للطوسي: 164/ ح 127.
2- كمال الدين: 302/ ح 11.
3- الفصول العشرة في الغيبة: 18.

* أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن حسان، عن داود الرقي، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن صاحب هذا الأمر، فقال: (هو الطريد، الشريد، الفريد، الوحيد، المنفرد عن أهله، المكنّي بعمّه، الموتور بأبيه)(1).

* وروي عن محمّد بن عبد الحميد وعبد الصمد بن محمّد جميعاً، عن حنان بن سدير، عن علي بن الحزور، عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (صاحب هذا الأمر الشريد، الطريد، الوحيد)(2).

* وروي الحسن بن محمّد بن سماعة الصيرفي، قال: حدَّثنا الحسين ابن مثنّي الحنّاط(3)، عن عبيد الله بن زرارة(4)، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم يراهم ولا يرونه)(5).

* أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدَّثنا أبو جعفر، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ في القائم سُنّة من يوسف).

قلت: كأنَّك تذكر خبره(6) وغيبته.).

ص: 107


1- الغيبة للنعماني: 178 و179/ ح 22 - 24.
2- كمال الدين: 303/ ح 13.
3- في (ط): (العطّار).
4- عدَّه البرقي في رجاله: 23 من أصحاب الصادق عليه السلام.
5- الكافي 1: 272/ ح 6، و274/ ح 12؛ كمال الدين: 346/ ح 33، و351/ ح 49؛ الغيبة للنعماني: 175/ ح 13؛ الغيبة للطوسي: 161/ ح 119.
6- في (ط): (حياته).

قال: (وما تنكر من ذلك، هذه الأمّة أشباه الخنازير، إنَّ إخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء، تاجروا يوسف وبايعوه، وخاطبوه وهم إخوته وهو أخوهم فلم يعرفوه، حتَّي قال لهم: (أَنَا يُوسُفُ). فما تنكر هذه الأمّة الملعونة أن يكون الله في وقت من الأوقات يريد أن يستر عنهم حجّته. لقد كان يوسف عليه السلام إليه ملك مصر، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلم مكانه لقدر علي ذلك، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلي مصر، فما تنكر هذه الأمّة أن يكون الله يفعل بحجّته ما فعل بيوسف عليه السلام، أن يكون يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه، حتَّي يأذن الله عز وجل له أن يعرّفهم نفسه، كما أذن ليوسف عليه السلام حين قال لهم: (أَنَا يُوسُفُ)، فقالوا: (أَنْتَ يُوسُفُ)!)(1).

* وحدَّثني أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدَّثنا يحيي بن زكريا، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زيد الكناسي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (صاحب هذا الأمر فيه سُنّة من يوسف، وسُنّة من موسي، وسُنّة من عيسي، وسُنّة من محمّد صلي الله عليه وآله وسلم.

وأمَّا شبهه من يوسف، فإنَّ إخوته يبايعونه ويخاطبونه وهم لا يعرفونه، وأمَّا شبهه من موسي، فخائف، وأمَّا شبهه من عيسي، فالسياحة، وأمَّا شبهه من محمّد، فالسيف)(2).8.

ص: 108


1- كمال الدين: 144/ ح 11.
2- نحوه في الإمامة والتبصرة: 93/ ح 84؛ كمال الدين: 28 و152/ ح 16، و326/ ح 6، و329/ ح 11؛ الغيبة للنعماني: 164/ ح 5؛ الغيبة للطوسي: 60/ ح 57، و424/ ح 408.

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، عن عبد الله بن عامر، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عمرو بن مساور، عن مفضَّل الجعفي، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إيّاكم والتنويه).

ثمّ قال: (أمَا والله، ليغيبنَّ سنيناً من دهركم، ولتمخضنَّ(1)، حتَّي يقال: مات، وأيّ وادٍ سلك؟، ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلاَّ من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه، ولترفعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يدري أيّ من أيّ).

قال: فبكيت، ثمّ قلت: كيف نصنع؟

قال: فقال: (يا أبا عبد الله)، ثمّ نظر إلي الشمس داخلة في الصفة(2) فقال: (يا أبا عبد الله، تري هذه الشمس؟).

قلت: نعم. قال: فقال: (والله لأمرنا أبين من هذه الشمس)(3).

* وروي محمّد بن عيسي والحسن بن طريف جميعاً، عن حماد بن عيسي، عن معروف بن خربوذ(4)، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال:ث.

ص: 109


1- أي أنَّ الله تعالي يتدبَّر عواقبكم بابتلائكم بأنواع الفتن، وفي الغيبة للنعماني: (وليخملنَّ)، والظاهر صوابه.
2- اسم يطلق علي البيت الصيفي، وما له ثلاث حوائط، والموضع المظلل من المسجد.
3- إثبات الوصيّة: 224؛ كمال الدين: 347/ ح 35؛ الغيبة للنعماني: 152/ ح 10؛ الغيبة للطوسي: 337/ ح 285.
4- كذا، وفي سند الحديث سقط أو إرسال، لأنَّ ابن خربوذ لا يروي عن أمير المؤمنين، بل يروي عن علي بن الحسين والباقر والصادق عليهم السلام وفي المصدر: (معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم...) الحديث.

(نحن بني(1) هاشم كنجوم السماء، كلَّما غاب نجم بدا نجم، حتَّي إذا أشرتم إليه بأيديكم، وأومأتم بحواجبكم، ومددتم إليه رقابكم جاء ملك الموت، فيغيب من بين أظهركم، فلبثتم سنين من دهركم لا تدرون أيّاً من أيّ، واستوت بنو عبد المطَّلب، وكانوا كأسنان المشط، فإذا أطلع الله لكم نوركم فاحمدوا الله واشكروه)(2).

* أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد العلوي، عن عبد الله بن أحمد بن نهيك - أبو العبّاس النخعي، الشيخ الصالح -، عن محمّد بن أبي عمير، عن الحسين بن موسي، عن يعقوب بن شعيب، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ الناس ما يمدّون أعناقهم إلي أحد من ولد عبد المطَّلب إلاَّ هلك، حتَّي يستوي ولد عبد المطَّلب، لا يدرون أيّاً من أيّ، فيمكثون بذلك سنين من دهرهم، ثمّ يبعث لهم صاحب هذا الأمر)(3).

* وروي يعقوب بن يزيد، عن سليمان بن الحسن، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عنكم.

قال: (نحن بمنزلة هذه النجوم، إذا خفي(4) نجم بدا نجم منّا، بأمن وإيمان، وسلام وإسلام، وفاتح ومفتاح، حتَّي إذا كان الذي تمدّون إليه أعناقكم، وترمقونه بأبصاركم، جاء ملك الموت فذهب به، ويستوي بنو عبد المطَّلب، لا يدري أيّ من أيّ، فعند ذلك يبدو لكم صاحبكم، فإذا ظهر لكم صاحبكم فاحمدوا الله عليه، وهو الذي يخيَّر الصعبة والذلّة).).

ص: 110


1- منصوب علي الاختصاص.
2- الغيبة للنعماني: 155 و156/ ح 15 - 17 نحوه.
3- رسالة في الغيبة للمفيد: 400 نحوه.
4- في (ط): (أخفي).

قلت: جُعلت فداك فأيّهما يختار؟

قال: (الصعبة علي الذلّة)(1).

* وروي أبو محمّد الحسن بن عيسي، عن أبيه عيسي بن محمّد بن علي، عن أبيه محمّد بن علي بن جعفر(2)، قال: قال: (يا بني، إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمّة عليهم السلام، فالله الله في أديانكم، فإنَّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة يغيبها، حتَّي يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به. يا بني، إنَّما هي محنة من الله عز وجل يمتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم أصحُّ من هذا الدين لاتَّبعوه).

قال أبو الحسن: فقلت له: يا سيّدي، من الخامس من ولد السابع؟

فقال: (يا بني، عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إيّاكم أن تفشوا بذكره)(3).

* أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همام، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الحميري، قال: حدَّثنا إسحاق بن محمّد بن سميع المعروف بابن أبي بيان، عن عبيد بن خارجة، عن علي بن عثمان بن جرير، قال: حدَّثني أبو هاشم، عن فرات بن أحنف، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام وذكر القائم عليه السلام فقال: (أمَا ليغيبنَّ عنهم تمييزاً لأهل الضلالة، حتَّي يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد من حاجة)(4).6.

ص: 111


1- كمال الدين: 329/ ح 13.
2- في المصادر بزيادة: (عن علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام).
3- إثبات الوصيّة: 224؛ كمال الدين: 359/ ح 1؛ كفاية الأثر: 264؛ الغيبة للطوسي: 166/ ح 128؛ إعلام الوري: 433؛ إثبات الهداة 6: 416/ ح 164.
4- إثبات الوصيّة: 224؛ كمال الدين: 302/ ح 9؛ الغيبة للنعماني: 141؛ الغيبة للطوسي: 340/ ح 290؛ إعلام الوري: 426.

* وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي، قال: حدَّثنا أبو محمّد هارون بن موسي بن أحمد، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدَّثني إسحاق بن محمّد، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيي، عن أبي بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (للقائم غيبة قبل قيامه). قلت: ولِمَ ذاك؟

قال: (يخاف علي نفسه) يعني الذبح(1).

* وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لصاحب هذا الأمر غيبتان، إحداهما أطول من الأخري: الأولي أربعين يوماً، والأخري ستّة أشهر، ونحو ذلك).

* وأخبرني أبو الحسن محمّد بن هارون، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد القاساني، عن زيد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن الحارث، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: (لقائم آل محمّد غيبتان، إحداهما أطول من الأخري).

قال عليه السلام: (نعم)(2).7.

ص: 112


1- كمال الدين: 481/ ح 10؛ حلية الأبرار 2: 589.
2- الغيبة للنعماني: 172/ ح 7.

معرفة من شاهد صاحب الزمان عليه السلام في حال الغيبة وعرفه من أصحابنا:

* روي عبد الله بن علي(1) المطلبي، قال: حدَّثني أبو الحسن محمّد بن علي السمري، قال: حدَّثني أبو الحسن المحمودي، قال: حدَّثني أبو علي محمّد بن أحمد المحمودي، قال: حججت نيفاً وعشرين سنة، كنت في جميعها أتعلَّق بأستار الكعبة، وأقف علي الحطيم، والحجر الأسود، ومقام إبراهيم، وأديم الدعاء في هذه المواضع، وأقف بالموقف، وأجعل جلّ دعائي أن يريني مولاي صاحب الزمان عليه السلام، فإنَّني في بعض السنين قد وقفت بمكّة علي أن أبتاع حاجة، ومعي غلام في يده مشربة حليج(2) ملمعة، فدفعت إلي الغلام الثمن، وأخذت المشربة من يده، وتشاغل الغلام بمماكسة البيع(3)، وأنا واقف أترقَّب، إذ جذب ردائي جاذب، فحوَّلت وجهي إليه فرأيت رجلاً أذعرت حين نظرت إليه، هيبة له، فقال لي: تبيع المشربة؟

فلم أستطع ردّ الجواب، وغاب عن عيني، فلم يلحقة بصري، فظننته مولاي. فإنَّني يوم من الأيّام اُصلّي بباب الصفا بمكّة، فسجدت وجعلت مرفقي في صدري، فحرَّكني محرّك برجله، فرفعت رأسي، فقال لي: افتح منكبك عن صدرك، ففتحت عيني، فإذا الرجل الذي سألني عن المشربة، ولحقني من هيبته ما حار بصري، فغاب عن عيني، وأقمت علي رجائي ويقيني، ومضت مدّة وأنا أحجّ، وأديم الدعاء في الموقف، فإنَّني في آخر سنة جالس في ظهر الكعبة

ص: 113


1- في (م)، (ط) زيادة: (بن).
2- المشربة: الإناء يشرب فيه والحليج: اللبن الذي ينقع فيه التمر ثمّ يماث. وفي (ط): (الحلج).
3- المماكسة في البيع: استنقاص الثمن حتَّي يصل البائع والمشتري إلي ما يتراضيان عليه.

ومعي يمان بن الفتح بن دينار، ومحمّد بن القاسم العلوي، وعلان الكليني، ونحن نتحدَّث إذا أنا برجل في الطواف، فأشرت بالنظر إليه، وقمت أسعي لأتبعه، فطاف حتَّي إذا بلغ إلي الحجر رأي سائلاً واقفاً علي الحجر، ويستحلف(1) ويسأل الناس بالله عز وجل أن يتصدَّق عليه، فإذا بالرجل قد طلع، فلمَّا نظر إلي السائل انكبَّ إلي الأرض وأخذ منها شيئاً، ودفعه إلي السائل، وجاز، فعدلت إلي السائل فسألته عمَّا وهب له، فأبي أن يعلمني، فوهبت له ديناراً، وقلت: أرني ما في يدك. ففتح يده، فقدَّرت أنَّ فيها عشرين ديناراً، فوقع في قلبي اليقين أنَّه مولاي عليه السلام، ورجعت إلي مجلسي الذي كنت فيه، وعيني ممدودة إلي الطواف، حتَّي إذا فرغ من طوافه عدل إلينا، فلحقنا له رهبة شديدة، وحارت أبصارنا جميعاً، قمنا إليه فجلس، فقلنا له: ممَّن الرجل؟

فقال: (من العرب).

فقلت: من أيّ العرب؟

فقال: (من بني هاشم).

فقلنا: من أيّ بني هاشم؟

فقال: (ليس يخفي عليكم إن شاء الله تعالي).

ثمّ التفت إلي محمّد بن القاسم فقال: (يا محمّد، أنت علي خير إن شاء الله، أتدرون ما كان يقول زين العابدين عليه السلام عند فراغه من صلاته في سجدة الشكر؟).

قلنا: لا.

قال: (كان يقول: يا كريم مسكينك بفنائك، يا كريم فقيرك).

ص: 114


1- في (ط): (ويستخلف).

زائرك، حقيرك ببابك يا كريم).

ثمّ انصرف عنّا، ووقفنا نموج ونتذكَّر، ونتفكَّر، ولم نتحقَّق.

ولمَّا كان من الغد رأيناه في الطواف، فامتدَّت عيوننا إليه، فلمَّا فرغ من طوافه خرج إلينا، وجلس عندنا، فأنس وتحدَّث، ثمّ قال: (أتدرون ما كان يقول زين العابدين عليه السلام في دعائه عقب الصلاة؟).

قلنا: تعلمنا.

قال: (كان عليه السلام يقول: اللهم إنّي أسألك باسمك الذي به تقوم السماء والأرض، وباسمك الذي به تجمع المتفرّق، وتفرع المجتمع، وباسمك الذي تفرّق به بين الحقّ والباطل، وباسمك الذي تعلم به كيل البحار، وعدد الرمال، ووزن الجبال، أن تفعل بي كذا وكذا). وأقبل عليَّ حتَّي إذا صرنا بعرفات، وأدمت الدعاء، فلمَّا أفضنا منها إلي المزدلفة، وبتنا فيها (1)، رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال لي: (هل بلغت حاجتك؟).

فقلت: وما هي يا رسول الله؟

فقال: (الرجل صاحبك).

فتيقنت عندها (2).

* وروي أبو عبد الله محمّد بن سهل الجلودي، قال: حدَّثنا أبو الخير أحمد بن محمّد بن جعفر الطائي الكوفي في مسجد أبي إبراهيم موسي بن جعفر عليه السلام، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن بن يحيي الحارثي، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي، قال: خرجت في بعض5.

ص: 115


1- في (ع)، (م): (أفضنا وصرنا إلي مزدلفة وبتنا بها).
2- مدينة المعاجز: 606/ ح 66؛ تبصرة الولي: 140/ ح 45.

السنين حاجاً إذ دخلت المدينة وأقمت بها أيّاماً، أسأل واستبحث عن صاحب الزمان عليه السلام، فما عرفت له خبراً، ولا وقعت لي عليه عين، فاغتممت غمّاً شديداً وخشيت أن يفوتني ما أمَّلته من طلب صاحب الزمان عليه السلام، فخرجت حتَّي أتيت مكّة، فقضيت حجَّتي واعتمرت بها أسبوعاً، كلّ ذلك أطلب، فبينا (1) أنا أفكّر إذ انكشف لي باب الكعبة، فإذا أنا بإنسان كأنَّه غصن بان، متَّزر ببردة، متَّشح بأخري، قد كشف عطف بردته علي عاتقه، فارتاح قلبي وبادرت لقصده، فانثني إليَّ، وقال: من أين الرجل؟

قلت: من العراق.

قال: من أيّ العراق؟

قلت: من الأهواز.

فقال: أتعرف الخصيبي(2)؟

قلت: نعم.

قال: رحمه الله، فما كان أطول ليله، وأكثر نيله، وأغزر دمعته! قال: فابن المهزيار. قلت: أنا هو.

قال: حيّاك الله بالسلام أبا الحسن. ثمّ صافحني وعانقني، وقال: يا أبا الحسن، ما فعلت العلامة التي بينك وبين الماضي أبي محمّد نضَّر الله وجهه؟

قلت: معي. وأدخلت يدي إلي جيبي(3) وأخرجت خاتماً عليه: (محمّد).

ص: 116


1- في (ط): (فبينما).
2- في (ط): (الحضيني).
3- في (ط): (جنبي).

وعلي) فلمَّا قرأه استعبر حتَّي بلَّ طمره(1) الذي كان علي يده، وقال: يرحمك الله أبا محمّد، فإنَّك زين الأمّة، شرَّفك الله بالإمامة، وتوَّجك بتاج العلم والمعرفة، فإنّا إليكم صائرون. ثمّ صافحني وعانقني، ثمّ قال: مالذي تريد يا أبا الحسن؟

قلت: الإمام المحجوب عن العالم.

قال: ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه(2) سوء أعمالكم، قم(3) إلي رحلك، وكن علي أهبة من لقائه، إذا انحطت الجوزاء، وأزهرت نجوم السماء، فها أنا لك بين الركن والصفا.

فطابت نفسي وتيقَّنت أنَّ الله فضَّلني، فما زلت أرقب الوقت حتَّي حان، وخرجت إلي مطيَّتي، واستويت علي رحلي، واستويت علي ظهرها، فإذا أنا بصاحبي ينادي: إليَّ يا أبا الحسن.

فخرجت فلحقت به، فحياني بالسلام، وقال: سر بنا يا أخ.

فما زال يهبط وادياً ويرقي ذروة جبل إلي أن علقنا علي الطائف، فقال: يا أبا الحسن انزل بنا نصلّي باقي صلاة الليل.

فنزلت فصلّي بنا الفجر ركعتين، قلت: فالركعتين الأوليين؟

قال: هما من صلاة الليل، وأوتر فيها، والقنوت في كلّ صلاة جائز.

وقال: سر بنا يا أخ. فلم يزل يهبط بي وادياً ويرقي بي ذروة جبل حتَّي أشرفنا علي وادٍ عظيم مثل الكافور، فأمدَّ عيني فإذا ببيت من الشعر يتوقَّد نوراً، قال: المح هل تري شيئاً؟).

ص: 117


1- الطمر: الكساء البالي.
2- في (ط): (جنه).
3- في (م)، (ط) زيادة: (سر).

قلت: أري بيتاً من الشعر.

فقال: الأمل.

وانحطَّ في الوادي واتبعت الأثر حتَّي إذا صرنا بوسط الوادي نزل عن راحلته وخلاها، ونزلت عن مطيَّتي، وقال لي: دعها.

قلت: فإن تاهت؟

قال: هذا وادٍ لا يدخله إلاَّ مؤمن ولا يخرج منه إلاَّ مؤمن.

ثمّ سبقني ودخل الخباء وخرج إليَّ مسرعاً، وقال: أبشر، فقد أذن لك بالدخول.

فدخلت فإذا البيت يسطع من جانبه النور، فسلَّمت عليه بالإمامة، فقال لي: (يا أبا الحسن، قد كنّا نتوقَّعك ليلاً ونهاراً، فما الذي أبطأ بك علينا؟).

قلت: يا سيّدي، لم أجد من يدلّني إلي الآن.

قال لي: (لم(1) تجد أحداً يدلّك؟ ثمّ نكث بإصبعه في الأرض، ثمّ قال: لا ولكنَّكم كثَّرتم الأموال، وتجبَّرتم علي ضعفاء المؤمنين، وقطعتم الرحم الذي بينكم، فأيّ عذر لكم الآن؟).

فقلت: التوبة التوبة، الإقالة الإقالة.

ثمّ قال: (يا ابن المهزيار، لولا استغفار بعضكم لبعض لهلك من عليها إلاَّ خواص الشيعة الذين تشبه أقوالهم أفعالهم...).

* أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، قال: حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري الكوفي، قال: حدَّثنا محمّد بن جعفر بن عبد الله، قال: حدَّثني إبراهيم بن).

ص: 118


1- في (ط): (ألم).

محمّد بن أحمد الأنصاري، قال: كنت حاضراً عند المستجار بمكّة وجماعة يطوفون، وهم زهاء ثلاثين رجلاً، لم يكن فيهم مخلص غير محمّد بن القاسم العلوي، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجة إذ خرج علينا شاب من الطواف، عليه إزار راجح محرم(1) فيه، وفي يده نعلان، فلمَّا رأيناه قمنا هيبة له، فلم يبقَ منّا أحد إلاَّ قام وسلَّم عليه، وجلس منبسطاً ونحن حوله، ثمّ التفت يميناً وشمالاً، فقال: (أتدرون ما كان أبو عبد الله عليه السلام يقول في دعاء الإلحاح؟).

فقلنا: وما كان يقول؟

قال: (كان عليه السلام يقول: اللهم إنّي أسألك باسمك الذي تقوم به السماء، وبه تقوم الأرض، وبه تفرّق بين الحقّ والباطل، وبه تجمع بين المتفرّق، وبه تفرّق بين المجتمع، وقد أحصيت به عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار، أن تصلّي علي محمّد وآل محمّد، وأن تجعل لي من أمري فرجاً) ثمّ نهض ودخل الطواف، فقمنا لقيامه حتَّي انصرف، وأنسينا (2) أن نذكر أمره، وأن نقول: من هو، وأيّ شيء هو؟ فلمَّا كان من الغد في ذلك الوقت خرج علينا من الطواف، فقمنا له كقيامنا بالأمس، وجلس في مجلسه منبسطاً، ونظر يميناً وشمالاً، وقال: (أتدرون ما كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول في الدعاء بعد الصلاة الفريضة؟).

قلنا: وما كان يقول؟

قال: (كان عليه السلام يقول: إليك رفعت الأصوات، ولك عنت الوجوه،).

ص: 119


1- في (ع): (وأصبح محرماً).
2- في (ط): (ونسينا).

ولك خضعت الرقاب، وإليك التحاكم في الأعمال، يا خير من سئل، وخير من أعطي، يا صادق، يا بارئ، يا من لا يخلف الميعاد، يا من أمر بالدعاء ووعد الإجابة، يا من قال: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(1)، يا من قال: (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(2)، ويا من قال: (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلي أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ)(3) لبيك وسعديك، ها أنا ذا بين يديك المسرف، وأنت القائل: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(4)). ثمّ نظر يميناً وشمالاً بعد هذا الدعاء، فقال: (أتدرون ما كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول في سجدة الشكر؟).

قلنا: وما كان يقول؟

قال: (كان عليه السلام يقول: يا من لا يزيده إلحاح الملحّين إلاَّ كرماً وجوداً، يا من لا يزيده كثرة الدعاء إلاَّ سعةً وعطاءً، يا من لا تنفد خزائنه، يا من له خزائن السماوات والأرض، يا من له ما دقَّ وجلَّ، لا يمنعك إسائتي من إحسانك أن تفعل بي الذي أنت أهله، فأنت أهل الجود والكرم والتجاوز، يا ربّ يا الله لا تفعل بي الذي أنا أهله، فإنّي أهل العقوبة ولا حجّة لي ولا عذر لي عندك، أبوء إليك بذنوني كلّها كي تعفو عنّي، وأنت أعلم بها منّي، أبوء إليك بكلّ ذنب أذنبته، وكلّ خطيئة احتملتها، وكلّ سيّئة عملتها، ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمَّا تعلم، إنَّك أنت الأعزّ الأجلّ الأكرم).ة.

ص: 120


1- غافر: 60.
2- البقرة: 186.
3- الزمر: 53.
4- الآية السابقة.

وقام فدخل الطواف، فقمنا لقيامه، وعاد من الغد في ذلك الوقت، وقمنا لاستقباله كفعلنا فيما مضي، فجلس متوسّطا (1)، ونظر يميناً وشمالاً، وقال: (كان علي بن الحسين عليه السلام يقول في سجوده في هذا الموضع - وأشار بيده إلي الحجر تحت الميزاب -: عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، يسألك ما لا يقدر عليه غيرك).

ثمّ نظر يميناً وشمالاً، ونظر إلي محمّد بن القاسم من بيننا، فقال: (يا محمّد بن القاسم، أنت علي خير إن شاء الله تعالي). وكان محمّد بن القاسم يقول بهذا الأمر. وقام فدخل الطواف، فما بقي أحد إلاَّ وقد الهم ما ذكر من الدعاء، وأنسينا أن نذكره إلاَّ في آخر يوم، فقال: بعضنا: يا قوم، أتعرفون هذا؟

فقال محمّد بن القاسم: هذا والله هو صاحب الزمان، هو والله(2) صاحب زمانكم.

فقلنا: كيف يا أبا علي؟

فذكر أنَّه مكث سبع سنين، وكان يدعو ربّه، ويسأله معاينة صاحب الزمان عليه السلام - قال -: فبينا نحن عشيّة عرفة فإذا أنا بالرجل بعينه يدعو بدعاء، فجئته وسألته ممَّن هو؟

فقال: (من الناس).

فقلت: من أيّ الناس، أمن عربها أو من مواليها؟

قال: (من عربها).).

ص: 121


1- في (ط): (مستوطناً).
2- (صاحب الزمان هو والله) ليس في (ع)، (م).

قلت: من أيّ عربها؟

قال: (من أشرافها).

قلت: ومن هم؟

قال: (بنو هاشم).

قلت: من أيّ بني هاشم؟

قال: (من أعلاها ذروة وأسناها).

فقلت: ممَّن؟

قال: (من فلق الهام، وأطعم الطعام، وصلّي بالليل والناس نيام).

فعلمت أنَّه علوي، فأحببته علي العلوية، ثمّ فقدته من بين يدي، ولم أدرِ كيف مضي، فسألت القوم الذين كانوا حولي: أتعرفون هذا العلوي؟

فقالوا: نعم، يحجّ معنا كلّ سنة ماشياً.

فقلت: سبحان الله والله ما أري به أثر مشي! ثمّ انصرفت إلي المزدلفة كئيباً حزيناً علي فراقه، ونمت ليلتي فإذا أنا بسيّدنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقال لي: (يا محمّد، رأيت طلبتك؟).

قلت: ومن ذلك يا سيّدي؟

قال: (الذي رأيته في عشيتك هو صاحب زمانك). وذكر أنَّه كان نسي أمره إلي الوقت الذي حدَّثنا به(1).

* نقلت هذا الخبر من أصل بخطّ شيخنا أبي عبد الله الحسين الغضائري رحمه الله، قال: حدَّثني أبو الحسن علي بن عبد الله القاساني، قال:8.

ص: 122


1- مدينة المعاجز: 607/ ح 68.

حدَّثنا الحسين بن محمّد سنة ثمان وثمانين ومائتين بقاسان بعد منصرفه من أصبهان، قال: حدَّثني يعقوب بن يوسف بأصبهان، قال: حججت سنة إحدي وثمانين ومائتين، وكنت مع قوم مخالفين، فلمَّا دخلنا مكّة تقدَّم بعضهم فاكتري لنا داراً في زقاق(1) من سوق الليل في دار خديجة تسمّي دار الرضا عليه السلام، وفيها عجوز سمراء، فسألتها لمَّا وقفت علي أنَّها دار الرضا عليه السلام: ما تكونين من أصحاب هذ الدار، ولِمَ سمّيت دار الرضا؟

فقالت: أنا من مواليهم، وهذه دار الرضا علي بن موسي عليهما السلام، وأسكننيها الحسن بن علي عليهما السلام فإنّي كنت خادمة له.

فلمَّا سمعت بذلك أنست بها، وأسررت الأمر عن رفقائي، وكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل أنام مع رفقائي في رواق(2) الدار ونغلق الباب، ونرمي خلف الباب حجراً كبيراً، فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنّا فيه شبيهاً بضوء المشعل، ورأيت الباب قد فتح، ولم أرَ أحداً فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلاً ربعة(3)، أسمر، يميل إلي الصفرة، في وجهه سجادة(4)، عليه قميصان وإزار رقيق قد تقنَّع به، وفي رجله نعل طاق - وأخبرني أنَّه رآه في غير صورة واحدة - فصعد إلي الغرفة التي في الدار حيث كانت العجوز تسكن، وكانت تقول لنا: إنَّ لها في الغرفة بنتاً، ولا تدع أحداً يصعد إلي الغرفة. فكنت أري الضوء الذي رأيته قبل في الزقاق علي الدرجة عند صعود الرجل في الغرفة التي يصعدها من غير أن أري السراج بعينه، وكان الذين معي يرون مثل ما أري،ة.

ص: 123


1- الزقاق: الطريق الضيّق.
2- الرواق: بيت كالفسطاط، وقيل: سقف في مقدم البيت.
3- الربعة: الوسيط القامة.
4- السجادة: أثر السجود في الجبهة.

فتوهَّموا أن يكون هذا الرجل يختلف إلي بنت هذه العجوز، وأن يكون قد تمتَّع بها، فقالوا: هؤلاء علوية، يرون هذا (1) وهو حرام لا يحلّ. وكنّا نراه يدخل ويخرج ونجيء إلي الباب وإذا الحجر علي حالته التي تركناه عليها، وكنّا نتعهَّد الباب خوفاً علي متاعنا، وكنّا لا نري أحداً يفتحه ولا يغلقه، والرجل يدخل ويخرج والحجر خلف الباب إلي أن حان وقت خروجنا. فلمَّا رأيت هذه الأسباب ضرب علي قلبي، ووقعت الهيبة فيه، فتلطَّفت للمرأة، وقلت: أحبُّ أن أقف علي خبر الرجل. فقلت لها: يا فلانة، إنّي أحبّ أن أسألك وأفاوضك من غير حضور هؤلاء الذين معي، فلا أقدر عليه، فأنا أحبّ إذا رأيتني وحدي في الدار أن تنزلي لأسألك عن شيء.

فقالت لي مسرعة: وأنا أردت أن أسر إليك شيئاً، فلم يتهيَّأ ذلك من أجل أصحابك.

فقلت: ما أردت أن تقولي؟

فقالت: يقول لك - ولم تذكر أحداً -: (لا تخاشنَّ(2) أصحابك وشركاءك ولا تلاحهم(3) فإنَّهم أعداؤك، ودارهم).

فقلت لها: من يقول؟

فقالت: أنا أقول.

فلم أجسر لما كان دخل قلبي من الهيبة أن أراجعها، فقلت: أيّ الأصحاب؟ وظننتها تعني رفقائي الذين كانوا حجّاجاً معي.

فقالت: لا، ولكن شركاؤك الذين في بلدك، وفي الدار معك.م.

ص: 124


1- أي المتعة.
2- خاشنه: خلاف لاينه، أي خشن عليه في القول أو العمل.
3- أي تنازعهم وتخاصمهم.

وكان قد جري بيني وبين الذين عنتهم أشياء في الدين فشنعوا عليَّ(1) حتَّي هربت واستترت بذلك السبب، فوقفت علي أنَّها إنَّما عنت أولئك. فقلت لها: ما تكونين من الرضا عليه السلام.

فقالت: كنت خادمة للحسن بن علي عليهما السلام.

فلمَّا قالت ذلك، قلت: لأسألنها عن الغائب عليه السلام، فقلت: بالله عليك رأيته بعينك(2)؟

فقالت: يا أخي(3)، لم أرَه بعيني، فإنّي خرجت وأختي حبلي وأنا خالية، وبشَّرني الحسن عليه السلام بأنّي سوف أراه آخر عمري، وقال: تكونين له كما أنت لي. وأنا اليوم منذ كذا وكذا سنة بمصر، وإنَّما قدمت الآن بكتابه ونفقة وجّه بها إليَّ علي يد رجل من أهل خراسان، لا يفصح بالعربية، وهي ثلاثون دينار، وأمرني أن أحجّ سنتي هذه، فخرجت رغبة في أن أراه.

فوقع في قلبي أنَّ الرجل الذي كنت أراه يدخل ويخرج هو هو، فأخذت عشرة دراهم رضوية، وكنت حملتها علي أن ألقيها في مقام إبراهيم عليه السلام فقد كنت نذرت ذلك ونويته، فدفعتها إليها، وقلت، في نفسي: أدفعها إلي قوم من ولد فاطمة عليها السلام أفضل ممَّا ألقيها في المقام وأعظم ثواباً، وقلت لها: ادفعي هذه الدراهم إلي من يستحقّها من ولد فاطمة عليها السلام، وكان في نيَّتي أنَّ الرجل الذي رأيته هو، وإنَّما تدفعها إليه، فأخذت الدراهم وصعدت وبقيت ساعة ثمّ نزلت، وقالت: يقول لك:).

ص: 125


1- شنع فلاناً: كثر عليه. وشنع عليه الأمر: قبحه الشناعة.
2- في (ع)، (م): (بعينه).
3- في (ط) زيادة: (أنّي).

(ليس لنا فيها حقّ، فاجعلها في الموضع الذي نويت، ولكن هذه الرضوية خذ منها بدلها وألقها في الموضع الذي نويت)، ففعلت ما أمرت به عن الرجل.

ثمّ كانت معي نسخة توقيع خرج إلي القاسم بن العلاء بأذربيجان، فقلت لها: تعرضين هذه النسخة علي إنسان قد رأي توقيعات الغائب و(1) يعرفها.

فقالت: ناولني فإنّي أعرفها. فأريتها النسخة، وظننت أنَّ المرأة تحسن أن تقرأ، فقالت: لا يمكن أن أقرأ في هذا المكان. فصعدت به إلي السطح، ثمّ أنزلته فقالت: صحيح. وفي التوقيع: إنّي اُبشّركم ما سررت به وغيره.

ثمّ قالت: يقول لك: (إذا صلَّيت علي نبيّك صلي الله عليه وآله وسلم، فكيف تصلّي عليه؟)، فقلت: أقول: (اللهم صلّ علي محمّد وآل محمّد، وبارك علي محمّد وآل محمّد، وارحم محمّداً وآل محمّد، كأفضل ما صلَّيت وباركت وترحَّمت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد).

فقالت: لا، إذا صلَّيت عليهم فصلّ عليهم كلّهم وسمّهم.

فقلت: نعم.

فلمَّا كان من الغد نزلت ومعها دفتر صغير قد نسخناه، فقالت: يقول لك: (إذا صلَّيت علي نبيّك فصلّ عليه وعلي أوصيائه علي هذه النسخة).

فأخذتها وكنت أعمل بها. ورأيته عدّة ليال قد نزل من الغرفة وضوء السراج قائم وخرج، فكنت أفتح الباب وأخرج علي أثر الضوء وأنا أراه - أعني الضوء - ولا أري أحداً حتَّي يدخل المسجد، وأري).

ص: 126


1- في (ط) زيادة: (هو).

جماعة من الرجال من بلدان كثيرة يأتون باب هذه الدار، قوم عليهم ثيات رثّة يدفعون إلي العجوز رقاعاً معهم، ورأيت العجوز تدفع إليهم كذلك الرقاع وتكلّمهم ويكلّمونها ولا أفهم عنهم، ورأيت منهم جماعة في طريقنا حتَّي قدمنا بغداد.

نسخة الدعاء: (اللَّهُمَّ صَلّ عَلَي مُحَمَّدٍ سَيَّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَم النَّبِيَّينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، الْمُنْتَجَبِ(1) فِي الْمِيثَاقِ، الْمُصْطَفَي فِي الظّلالِ، الْمُطَهَّر مِنْ كُلّ آفَةٍ، الْبَري ءِ مِنْ كُلّ عَيْبٍ، الْمُؤَمَّل لِلنَّجَاةِ، الْمُرْتَجَي لِلشَّفَاعَةِ، الْمُفَوَّض إِلَيْهِ دِينُ اللَّهِ.

اللَّهُمَّ شَرَّفْ بُنْيَانَهُ، وَعَظّمْ بُرْهَانَهُ، وَأفْلِجْ(2) حُجَّتَهُ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ، وَأضِئْ نُورَهُ، وَبَيَّضْ وَجْهَهُ، وَأعْطِهِ الْفَضْلَ وَالْفَضِيلَةَ، وَالْمَنْزلَةَ وَالْوَسِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً، يَغْبِطُهُ بِهِ الأوَّلُونَ وَالآخِرُونَ. وَصَلّ عَلَي أمِير الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الْغُرَّ الْمُحَجَّلِينَ، وَسَيَّدِ الْوَصِيَّينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَي الْحَسَن بْن عَلِيًّ، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَي الْحُسَيْن بْن عَلِيًّ، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَي عَلِيَّ بْن الْحُسَيْن، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَي مُحَمَّدِ بْن عَلِيًّ، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَي جَعْفَرِ بْن مُحَمَّدٍ، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَي مُوسَي بْن جَعْفَرٍ إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَي عَلِيَّ بْنا.

ص: 127


1- في (م): (المنتخب).
2- أفلج الله حجَّته: أظهرها وأثبتها.

مُوسَي، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلِّ عَلَي مُحَمَّدِ بْن عَلِيَّ، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَي عَلِيَّ بْن مُحَمَّدٍ، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَي الْحَسَن بْن عَلِيَّ، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلّ عَلَي الْخَلَفِ الْهَادِي الْمَهْدِيَّ(1)، إِمَام الْمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

اللهُمَّ صَلّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَأهْل بَيْتِهِ الْهَادِينَ، الأئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّادِقِينَ، الأوصياء المرضيين، دَعَائِم دِينكَ، وَأرْكَانِ تَوْحِيدِكَ، وَتَرَاجِمَةِ وَحْيِكَ، وَحُجَّتِكَ عَلَي خَلْقِكَ، وَخُلَفَائِكَ فِي أرْضِكَ، الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَاصْطَفَيْتَهُمْ عَلَي عَبِيدِك، وَارْتَضَيْتَهُمْ لِدِينكَ، وَخَصَصْتَهُمْ بِمَعْرفَتِكَ، وَجَلَّلْتَهُمْ بِكَرَامَتِكَ، وَغَشَّيْتَهُمْ بِرَحْمَتِكَ، وَغَذَّيْتَهُمْ بِحِكْمَتِكَ، وَألْبَسْتَهُمْ مِنْ نُورَكَ، وَرَبَّيْتَهُمْ بِنِعْمَتِكَ، رَفَعْتَهُمْ فِي مَلَكُوتِكَ، وَحَفَفْتَهُمْ بِمَلائِكَتِكَ، وَشَرَّفْتَهُمْ بِنَبِيَّكَ.

اللهُمَّ صَلّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِمْ صَلاةً دَائِمَةً كَثِيرَةً طَيَّبَةً، لا يُحِيطُ بِهَا إِلاَّ أنْتَ، وَلا يَسَعُهَا إِلاَّ عِلْمُكَ، وَلا يُحْصِيهَا أحَدٌ غَيْرُكَ، وَصَلّ عَلَي وَلِيَّكَ الْمُحْيِي سُنَّتَكَ، الْقَائِم بأمْركَ، الدَّاعِي إِلَيْكَ، الدَّلِيل عَلَيْكَ، حُجَّتِكَ وَخَلِيفَتِكَ فِي أرْضِكَ، وَشَاهِدِكَ عَلَي عِبَادِكَ.

اللهُمَّ أعِزز نَصْرَهُ، وَمُدَّ فِي عُمْرهِ، وَزَيَّن الأرْضَ بِطُولِ بَقَائِهِ، اللهُمَّ اكْفِهِ بَغْيَ الْحَاسِدِينَ، وَأعِذْهُ مِنْ شَرَّ الْكَائِدِينَ، وَادْحُرْ(2) عَنْهُ إِرَادَةَ الظَّالِمِينَ، وَخَلّصْهُ مِنْ أيْدِي الْجَبَّارِينَ.).

ص: 128


1- في (ع): (المهتدي).
2- في (ع): (وازجر).

اللهُمَّ أره فِي ذُرَّيَّتِهِ وَشِيعَتِهِ وَرَعِيَّتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَعَامَّتِهِ وَعَدُوَّهِ وَجَمِيع أهْل الدُّنْيَا مَا تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ، وَبَلّغْهُ أفْضَلَ أمله فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِنَّكَ عَلَي كُلَّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.

اللهُمَّ جَدَّدْ بِهِ مَا مُحِيَ مِنْ دِينكَ، وَأحْي بِهِ مَا بُدَّلَ مِنْ كِتَابِكَ، وَأظْهِرْ بِهِ مَا غُيَّرَ مِنْ حُكْمِكَ، حَتَّي يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلَي يَدَيْهِ غَضّاً جَدِيداً خَالِصاً مَحْضَاً، لا شَكَّ فِيهِ، وَلا شُبْهَةَ مَعَهُ، وَلا بَاطِلَ عِنْدَهُ، وَلا بِدْعَةَ لَدَيْهِ.

اللهُمَّ نَوَّرْ بِنُورِهِ كُلَّ ظُلْمَةٍ، وَهُدَّ بِرُكْنِهِ كُلَّ بِدْعَةٍ، وَاهْدِمْ بِقُوَّتِهِ كُلَّ ضَلال، وَاقْصِمْ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ، وَأخْمِدْ بِسَيْفِهِ كُلَّ نَارٍ، وَأهْلِكْ بِعَدْلِهِ كُلّ جَائِرٍ، وَأجْر حُكْمَهُ عَلَي كُلَّ حُكْم، وَأذِلَّ بِسُلْطَانِهِ كُلَّ سُلْطَانٍ.

اللهُمَّ أذِلْ مَنْ نَاوَاهُ، وَأهْلِكْ مَنْ عَادَاهُ، وَامْكُرْ بِمَنْ كَادَهُ، وَاسْتَأصِلْ مَنْ جَحَدَهُ حَقَّهُ وَاسْتَهَزَأ بِأمْرهِ، وَسَعَي فِي إِطْفَاءِ نُورِهِ، وَأرَادَ إِخْمَادَ ذِكْرهِ.

اللهُمَّ صَلّ عَلَي مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَي، وَعَلَي عَلِيًّ الْمُرْتَضَي، وَعَلَي فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، وَعَلَي الْحَسَن الرَّضَي، وَعَلَي الْحُسَيْن الصفي(1)، وَعَلَي جَمِيع الأوْصِيَاءِ، مَصَابِيح الدُّجَي، وَأعْلام الْهُدَي، وَمَنَارِ التُّقَي، وَالْعُرْوَةِ الْوُثْقَي، وَالْحَبْل الْمَتِين، وَالصّرَاطِ الْمُسْتَقِيم، وَصَلّ عَلَي وَلِيَّكَ وَعَلَي وُلاةِ عَهْدِهِ، الأئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، القائمين بأمره، وَمُدَّ فِي أعْمَارِهِمْ، وَزِدْ فِي آجَالِهِمْ وَبَلَّغْهُمْ أفْضَلَ آمَالِهِمْ)(2).9.

ص: 129


1- في (ط): (المصطفي).
2- الغيبة للطوسي: 273/ ح 238؛ الخرائج والجرائح 1: 461/ ح 6 قطعة منه؛ جمال الأسبوع: 494؛ مدينة المعاجز: 608/ ح 69.

* حدَّثني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسي التلعكبري، قال: حدَّثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب، قال: تقلَّدت عملاً من أبي منصور بن الصالحان، وجري بيني وبينه ما أوجب استتاري، فطلبني وأخافني، فمكثت مستتراً خائفاً، ثمّ قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة، واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة، وكانت ليلة ريح ومطر، فسألت ابن جعفر القيّم أن يغلق الأبواب وأن يجتهد في خلوة الموضع، لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة، وآمن من دخول إنسان ممَّا لم آمنه، وخفت من لقائي له، ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل، وورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع، ومكثت أدعو وأزور وأصلّي. فبينما أنا كذلك إذ سمعت وطأة عند مولانا موسي عليه السلام، وإذا رجل يزور، فسلَّم علي آدم وأولي العزم عليهم السلام، ثمّ الأئمّة واحداً واحداً إلي أن انتهي إلي صاحب الزمان عليه السلام (فلم يذكره)، فعجبت من ذلك وقلت: لعلَّه نسي، أو لم يعرف، أو هذا مذهب لهذا الرجل. فلمَّا فرغ من زيارته صلّي ركعتين، وأقبل إلي عند مولانا أبي جعفر عليه السلام، فزار مثل الزيارة. وذلك السلام، وصلّي ركعتين، وأنا خائف منه، إذ لم أعرفه، ورأيته شابّاً تامّاً من الرجال، عليه ثياب بيض، وعمامة محنَّك بها بذؤابة ورداء علي كتفه مسبل، فقال لي: (يا أبا الحسين بن أبي البغل، أين أنت عن دعاء الفرج؟).

فقلت: وما هو يا سيّدي؟

فقال: (تصلّي ركعتين، وتقول: (يَا مَنْ أظْهَرَ الْجَمِيلَ، وَسَتَرَ الْقَبِيحَ، يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بِالْجَريرَةِ، وَلَمْ يَهْتِكِ السَّتْرَ، يَا عَظِيمَ الْمَنَّ، يَا كَريمَ الصَّفْح، يَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ، يَا بَاسِطَ الْيَدَيْن بِالرَّحْمَةِ، يَا مُنْتَهَي كُلّ نَجْوَي، وَيَا غَايَةَ كُلّ شَكْوَي، يَا عَوْنَ كُلّ مُسْتَعِينٍ، يَا مُبْتَدِئاً بِالنّعَم قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، يَا رَبَّاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، يَا سَيَّدَاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، يَا

ص: 130

مَوْلَيَاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، يَا غَايَتَاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، يَا مُنْتَهَي رَغْبَتَاهْ (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، أسْألُكَ بِحَقَّ هَذِهِ الأسْمَاءِ، وَبحَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ عليهم السلام إِلاَّ مَا كَشَفْتَ كَرْبي، وَنَفَّسْتَ هَمَّي، وَفَرَّجْتَ عَنّي(1)، وَأصْلَحْتَ حَالِي)،

وتدعو بعد ذلك بما شئت وتسأل حاجتك. ثمّ تضع خدّك الأيمن علي الأرض وتقول مائة مرّة في سجودك: (يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، اكْفِيَانِي فَإنَّكُمَا كَافِيَايَ، وَانْصُرَانِي فَإنَّكُمَا نَاصِرَايَ). وتضع خدَّك الأيسر علي الأرض، وتقول مائة مرّة: (أدْركْنِي) وتكرّرها كثيراً، وتقول: (الْغَوْثَ الْغَوْثَ) حتَّي ينقطع نفسك، وترفع رأسك، فإنَّ الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله تعالي).

فلمَّا شغلت(2) بالصلاة والدعاء خرج، فلمَّا فرغت خرجت لابن جعفر لأسأله عن الرجل وكيف دخل، فرأيت الأبواب علي حالها مغلقة مقفلة، فعجبت من ذلك، وقلت: لعلَّه باب هاهنا ولم أعلم، فأنبهت ابن جعفر القيّم، فخرج إليَّ(3) من بيت الزيت، فسألته عن الرجل ودخوله، فقال: الأبواب مقفلة كما تري ما فتحتها. فحدَّثته بالحديث فقال: هذا مولانا صاحب الزمان عليه السلام، وقد شاهدته دفعات(4) في مثل هذه الليلة عن خلوها من الناس. فتأسَّفت علي ما فاتني منه، وخرجت عند قرب الفجر، وقصدت الكرخ(5) إلي الموضع الذي كنت مستتراً فيه، فما أضحي النهار إلاَّ وأصحاب ابن الصالحان يلتمسون لقائي، ويسألون عنّي

-----------------

(1) في (م)، (ط): (غمي).

(2) في (م)، (ط): (اشتغلت).

(3) في (ع)، (م) زيادة: (عندي).

(4) في (ط): (مراراً).

(5) في (ع): (الكوخ).

ص: 131

أصدقائي، ومعهم أمان من الوزير، ورقعة بخطّه فيها كلّ جميل، فحضرت مع ثقة من أصدقائي عنده، فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده منه وقال: انتهت بك الحال إلي أن تشكوني إلي صاحب الزمان عليه السلام.

فقلت: قد كان منّي دعاء ومسألة.

فقال: ويحك، ورأيت البارحة مولاي صاحب الزمان عليه السلام في النوم - يعني ليلة الجمعة - وهو يأمرني بكلّ جميل، ويجفو عليَّ في ذلك جفوة خفتها. فقلت: لا إله إلاَّ الله، أشهد أنَّهم الحقّ ومنتهي الصدق(1)، رأيت البارحة مولانا عليه السلام في اليقظة، وقال لي كذا وكذا، وشرحت ما رأيته في المشهد، فعجب من ذلك، وجرت منه أمور عظام حسان في هذا المعني، وبلغت منه غاية ما لم أظنّه ببركة مولانا صاحب الزمان عليه السلام(2).

معرفة رجال مولانا صاحب الزمان عليه السلام:

* حدَّثني أبو الحسين محمّد بن هارون، قال: حدَّثنا أبي هارون بن موسي بن أحمد رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن محمّد النهاوندي، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن إبراهيم بن عبيد(3) الله القمي القطّان، المعروف بابن الخزّاز، قال: حدَّثنا محمّد بن زياد، عن أبي عبد الله الخراساني، قال: حدَّثنا أبو الحسين عبد الله بن الحسن الزهري، قال: حدَّثنا أبو حسان سعيد بن جناح، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي بصير،

ص: 132


1- في (ع)، (م): (الحقّ).
2- فرج المهموم: 245؛ بحار الأنوار 95: 200/ ح 33.
3- في (م)، (ط): (عبد).

عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: جُعلت فداك، هل كان أمير المؤمنين عليه السلام يعلم أصحاب القائم عليه السلام كما كان يعلم عدَّتهم؟

قال أبو عبد الله عليه السلام: حدَّثني أبي عليه السلام، قال: (والله لقد كان يعرفهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم رجلاً فرجلا (1)، ومواضع منازلهم ومراتبهم، وكلّ ما عرفه أمير المؤمنين عليه السلام فقد عرفه الحسن عليه السلام، وكلّ ما عرفه الحسن عليه السلام فقد عرفه(2) الحسين عليه السلام، وكلّ ما عرفه الحسين عليه السلام فقد عرفه(3) علي بن الحسين عليه السلام، وكلّ ما علمه علي بن الحسين عليه السلام فقد علمه(4) محمّد بن علي عليه السلام، وكلّ ما علمه محمّد بن علي عليه السلام فقد علمه وعرفه صاحبكم) يعني نفسه عليه السلام.

قال أبو بصير: قلت: مكتوب؟

قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: (مكتوب في كتاب محفوظ في القلب، مثبت في الذكر لا ينسي).

قال: قلت: جُعلت فداك، أخبرني بعددهم وبلدانهم ومواضعهم، فذاك يقتضي من أسمائهم؟

قال: فقال عليه السلام: (إذ كان يوم الجمعة بعد الصلاة فائتني).

قال: فلمَّا كان يوم الجمعة أتيته، فقال: يا أبا بصير، أتيتنا لما سألتنا عنه؟

قلت: نعم، جُعلت فداك.

قال: (إنَّك لا تحفظ، فأين صاحبك الذي يكتب لك؟).).

ص: 133


1- وقبائلهم وحلاهم. حلاهم: صفتهم وخلقتهم وصورتهم.
2- في (ط): (فقد صار علمه إلي).
3- في (ع)، (م): (علمه).
4- في (ط): (فقد صار علمه إلي).

قلت: أظنّ شغله شاغل(1)، وكرهت أن أتأخَّر عن وقت حاجتي، فقال لرجل في مجلسه: (أكتب له: هذا ما أملاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي أمير المؤمنين عليه السلام وأودعه إيّاه من تسمية أصحاب المهدي عليه السلام، وعِدّة(2) من يوافيه من المفقودين عن فرشهم وقبائلهم، السائرين في ليلهم ونهارهم إلي مكّة، وذلك عن استماع الصوت في السنة التي يظهر فيها أمر الله عز وجل، وهم النجباء والقضاة والحكّام علي الناس:

من طاربند(3) الشرقي رجل، وهو المرابط السياح، ومن الصامغان(4) رجلان، ومن أهل فرغانة(5) رجل، ومن أهل الترمد(6) رجلان، ومن الديلم(7) أربعة رجال، ومن مرو الروذ(8) رجلان، ومن مرو اثنا عشر رجلاً، ومن بيروت تسعة رجال، ومن طوس خمسة رجال، ومن الفارياب(9) رجلان، ومن سجستان(10) ثلاثة رجال، ومن الطالقان(11)).

ص: 134


1- في (ع)، (م): (شغل شغله).
2- في (ع)، (م): (عدد).
3- طاربند: موضع ذكره المؤمّل بن أميل المحاربي في شعره. (معجم البلدان 4: 4).
4- الصامغان: كورة من كور الجبل، في حدود طبرستان. (معجم البلدان 3: 390).
5- فرغانة: مدينة واسعة بما وراء النهر، متاخمة لبلاد تركستان. (معجم البلدان 4: 253).
6- ترمد: موضع في ديار بني أسد. (معجم البلدان 2: 26).
7- الديلم: جيل سمّوا بأرضهم، وهم في جبال قرب جيلان، والديلم: ماء لبني عبس، وقيل: بأرض اليمامة. (مراصد الاطلاع 2: 581).
8- مرو الروذ: مدينة قريبة من مرو الشاهجان في خراسان. (معجم البلدان 5: 112).
9- فارياب: مدينة مشهوره بخراسان من أعمال جوزجان. (معجم البلدان 4: 229).
10- سجستان: ناحية كبيرة وولاية واسعة، بينها وبين هراة عشرة أيّام. (معجم البلدان 3: 190).
11- طالقان: بلدتان: إحداهما بخراسان بين مرو الروذ وبلخ، والأخري كورة وبلدة بين قزوين وأبهر. (معجم البلدان 4: 6).

أربعة وعشرون رجلاً، ومن جبال الغور(1) ثمانية رجال، ومن نيسابور ثمانية عشر رجلاً، ومن هراة(2) اثنا عشر رجلاً، ومن بوسنج(3) أربعة رجال، ومن الري سبعة رجال، ومن طبرستان(4) تسعة رجال، ومن قم ثمانية عشر رجلاً، ومن قومس(5) رجلان، ومن جرجان اثنا عشر رجلاً، ومن الرقة(6) ثلاثة رجال، ومن الرافقة(7) رجلان، ومن حلب ثلاثة رجال، ومن سلمية(8) خمسة رجال، ومن دمشق رجلان، ومن فلسطين رجل، ومن بعلبك رجل، ومن طبرية(9) رجل، ومن يافا (10) رجل، ومن قبرس(11) رجل.).

ص: 135


1- جبال الغور: بين هراة وغزنة، ويطلق بفتح الغين علي غور تهامة، وغور الأردن، (معجم البلدان 4: 216 - 218).
2- هراة: مدينة في شمال غربي أفغانستان. (المنجد في الأعلام: 727).
3- بوسنج: من قري ترمذ، وفي (ط): (بوشنج): بليد من نواحي هراة. (معجم البلدان 1: 508).
4- طبرستان: بلاد واسعة ومدن كثيرة مجاورة لجيلان وديلمان، تسمّي اليوم مازندران. (مراصد الاطلاع 2: 878).
5- قومس: كورة كبيرة في ذيل جبل طبرستان، قصبتها دامغان. (معجم البلدان 4: 414).
6- الرقة: تطلق علي عدّة مواضع فهي: مدينة في سورة، ومدينة من نواحي قوهستان، وبستان مقابل لدار الخلافة ببغداد بالجانب الغربي. (معجم البلدان 3: 58، المنجد في الاعلام: 309).
7- الرافقة: بلد متَّصل البناء بالرقة. (معجم البلدان 3: 15)، وفي (ع)، (م): (الرافعة)، ولعلَّها تصحيف (الرائعة) موضع بمكّة، ومنزل في طريق البصرة إلي مكّة، (معجم البلدان 3: 22).
8- سلمية: بليدة في ناحية البرية، من أعمال حماه، وبكسر الميم (سلمية) سهل في طرف اليمامة. (مراصد الاطلاع 2: 731).
9- طبرية: مدينة علي بحيرة طبرية، يجتازها نهر الأردن. (المنجد في الأعلام: 434).
10- يافا: من مدن فلسطين. (معجم البلدان 5: 426).
11- قبرس: جزيرة في بحر الروم (البحر المتوسط). (معجم البلدان 4: 305).

ومن بلبيس(1) رجل، ومن دمياط(2) رجل، ومن اسوان(3) رجل، ومن الفسطاط(4) أربعة رجال، ومن القيروان(5) رجلان، ومن كور كرمان ثلاثة رجال، ومن قزوين رجلان، ومن همدان أربعة رجال، ومن موقان(6) رجل، ومن البدو(7) رجل، من خلاط(8) رجل، ومن جابروان(9) ثلاثة رجال، ومن النوا (10) رجل، ومن سنجار(11) أربعة رجال، ومن).

ص: 136


1- بلبيس: مدينة بينها وبين فسطاط مصر عشرة فراسخ علي طريق الشام، والعامّة تقول: (بلبيس) بكسر الباء الأولي وفتح الثانية. (معجم البلدان 1: 479).
2- دمياط: مدينة قديمة في مصر، تقع علي زاوية بين بحر الروم ونهر النيل. (معجم البلدان 2: 472).
3- القيروان: مدينة في تونس، ومنطقة صحراوية في ليبيا، كثيرة الواحات، من مدنها بنغازي، ويرفع فيها شمالاً الجبل الأخضر. (المنجد في الأعلام: 559).
4- أسوان: مدينة كبيرة في آخر صعيد مصر، علي شرق النيل. (معجم البلدان 1: 191)، وفي (ع)، (م): (سوان): موضع قرب بستان ابن عامر، وصقع من ديار بني سليم. (معجم البلدان 3: 276).
5- الفسطاط: أوّل مدينة أسسها المسلمون في مصر علي الضفة الشرقية للنيل. (المنجد في الأعلام: 528).
6- موقان: ولاية من أذربيجان. (مراصد الاطلاع 3: 1335).
7- في (ع)، (م): (اليد)، لعلَّه تصحيف (أيد) موضع في بلاد مزينة. (معجم البلدان 1: 288).
8- خلاط: بلدة عامرة مشهورة، وهي أرمينية الوسطي. (معجم البدان 2: 380).
9- جابروان: مدينة بأذربيجان قرب تبريز. (معجم البلدان 2: 90).
10- النوا: بليدة من أعمال حوران، وقيل هي قصبتها، وتطلق علي قرية من قري سمرقند. (معجم البلدان 5: 306).
11- سنجار: مدينة مشهورة في شمال العراق: بينهما وبين الموصل ثلاثة أيّام. (معجم البلدان 3: 262).

قاليقلا (1) رجل، ومن سميساط(2) رجل، ومن نصيبين(3) رجل، ومن الموصل رجل، ومن تل موزن(4) رجلان، ومن الرها (5) رجل، ومن حران(6) رجلان(7)، ومن باغة(8) رجل، ومن قابس(9) رجل، ومن صنعاء رجلان، ومن مازن رجل، ومن طرابلس رجلان(10)، ومن القلزم(11) رجلان، ومن القبة(12) رجل، ومن وادي القري رجل، ومن خيبر رجل، ومن بدا (13) رجل.).

ص: 137


1- قاليقلا: مدينة بأرمينية العظمي من نواحي خلاط. (معجم البلدان 4: 299).
2- سميساط: مدينة علي شاطئ الفرات. (معجم البلدان 3: 258).
3- نصيبين: مدينة من بلاد الجزيرة علي جادة القوافل من الموصل إلي الشام. (معجم البلدان 5: 288).
4- تل موزن: بلد في العراق بين رأس عين وسروج. (معجم البلدان 2: 45).
5- الرها: مدينة بالجزيرة فوق حران. (مراصد الاطلاع 2: 644؛ معجم البلدان 3: 106).
6- حران: مدينة قديمة في بلاد ما بين النهرين (العراق)، وحران أيضاً: من قري حلب، وتطلق أيضاً علي قريتين بالبحرين، وعلي قرية بغوطة دمشق. (معجم البلدان 2: 235؛ المنجد في الأعلام: 231).
7- في (م)، (ط): (رجل).
8- باغة: مدينة بالأندلس. (معجم البلدان 1: 326).
9- قابس: مدينة بين طرابلس وسفاقس، علي ساحل بحر المغرب. (معجم البلدان 4: 289).
10- في (ع)، (م): (رجل).
11- القلزم: تطلق العرب علي البحر الأحمر، وهو بالأصل اسم مدينة علي ساحل بحر اليمن من جهة مصر. (معجم البلدان 4: 387؛ المنجد في الاعلام: 555).
12- القبة: تطلق علي عدّة مواضع، فهي موضع بالبحرين، وقبّة الكوفة وهي الرحبة بها، وقبّة جالينوس بمصر، وقبّة الرحمة بالإسكندرية. (معجم البلدان 4: 308).
13- بدا: وادٍ قرب أيلة، من ساحل البحر، وقيل: بوادي القري، وقيل: بوادي عذرة قرب الشام. (معجم البلدان 1: 356).

ومن الجار(1) رجل، ومن الكوفة أربعة عشر رجلاً، ومن المدينة رجلان، ومن الربذة(2) رجل، ومن خيوان(3) رجل، ومن كوثي ربا (4) رجل، ومن طهنة(5) رجل، ومن تيرم(6) رجل، ومن الأهواز رجلان، ومن إصطخر(7) رجلان، ومن المولتان(8) رجلان(9)، ومن الديبل(10) رجل، ومن صيدائيل رجل، ومن المدائن ثمانية رجال، ومن عكبرا (11) رجل، ومن حلوان(12) رجلان، ومن البصرة ثلاثة رجال، وأصحاب الكهف وهم سبعة رجال.).

ص: 138


1- الجار: مدينة علي ساحل بحر القلزم (البحر الأحمر) وتطلق علي عدّة مواضع أخري، فهي فرضة لأهل المدينة ترفأ إليها السفن، وهي جزيرة في البحر، وقرية من قري أصبهان، وقرية بالبحرين، وجبل شرقي الموصل. (معجم البلدان 2: 92).
2- الربذة: من قري المدينة. (معجم البلدان 3: 24)، وفي (ط): (الري).
3- خيوان: مخلاف باليمن ومدينة بها. (معجم البلدان 2: 415)، وفي (ع)، (م): (الحيون)، ولعلَّها تصحيف (خيوق) بلد من نواحي خوارزم، أو تصحيف (حيزن) من مدن أرمينية قريبة من شيروان وتسمّي أيضاً: (حيزان). (معجم البلدان 2: 331).
4- كوثي ربا: قرية في العراق، بها مشهد إبراهيم الخليل عليه السلام. (مراصد الاطلاع 3: 1185).
5- طهنة: قرية بالصعيد شرقي النيل. (معجم البلدان 4: 52)، وفي (م)، (ط): (طهر).
6- تيرم: موضع بالبادية. (معجم البلدان 2: 66)، وفي (ط)، (م): (بيرم).
7- إصطخر: بلدة بفارس. (معجم البلدان 1: 211).
8- مولتان: بلد من بلاد الهند. (مراصد الاطلاع 3: 1336)، وفي (ط)، (م): (الموليان).
9- في (ع)، (م): (رجل).
10- الديبل: مدينة مشهورة علي ساحل بحر الهند. (معجم البلدان 2: 495)، وفي (م): (الدبيل) تطلق علي عدّة مواضع، فيها موضع متاخم لاعراض اليمامة، ومدينة أرمينية تتاخم اران، وقرية من قري الرملة. (مراصد الاطلاع 2: 513).
11- عكبرا: بليدة من ناحية الدجيل، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ. (معجم البلدان 4: 142).
12- حلوان: في عدّة مواضع، منها حلوان العراق، وقرية من قري مصر، وبليدة بقوهستان بنيسابور. (مراصد الاطلاع 1: 418).

والتاجران الخارجان من عانة(1) إلي أنطاكية(2) وغلامهما وهم ثلاثة نفر والمستأمنون إلي الروم من المسلمين وهم أحد عشر رجلاً، والنازلان بسرنديب(3) رجلان، ومن سمندر(4) أربعة رجال، والمفقود من مركبه بشلاهط(5) رجل، ومن شيراز - أو قال: سيراف(6)، الشكّ من مسعدة - رجل، والهاربان إلي سردانية(7) من الشعب رجلان، والمتخلّي بصقلية(8) رجل، والطواف الطالب الحقّ من يخشب رجل، والهارب من عشيرته رجل، والمحتجّ بالكتاب مطرف، وبليل(9) بن وهايد بن هرمرديار.

ومن هراة اثنا عشر رجلاً: سعيد بن عثمان الوراق، وما سحر(10) بن عبد الله بن نيل(11)، والمعروف بعلام(12) الكندي، وسمعان القصاب، وهارون بن عمران، وصالح بن جرير، والمبارك بن معمّر بن خالد، وعبد الأعلي بن إبراهيم بن عبده، ونزل بن حزم، وصالح بن نعيم، وآدم بن علي، وخالد القواس.

ومن أهل بوسنج أربعة رجال: طاهر بن عمرو بن طاهر، المعروف).

ص: 139


1- عانة: مدينة علي الفرات، غرب العراق.
2- أنطاكية: مدينة واسعة من ثغور الشام. (معجم البلدان 1: 266).
3- سرنديب: جزيرة كبيرة بأقصي بلاد الهند. (معجم البلدان 3: 215).
4- سمندر: مدينة بأرض الخزر. (معجم البلدان 3: 253).
5- شلاهط: بحر عظيم فيه جزيرة سيلان. (معجم البلدان 3: 357).
6- سيراف: بلدة في إيران علي الخليج. (المنجد في الاعلام: 376).
7- سردانية: جزيرة في بحر المغرب. (معجم البلدان 3: 209).
8- صقلية: بالسين والصاد، جزيرة من جزائر بحر المغرب. (معجم البلدان 3: 416).
9- في (م): (بلبل).
10- في (ط): (وما سح).
11- في (ط): (نبيل).
12- في (ط): (بغلام).

ب- (الأصلع)، وطلحة بن طلحة السائح، والحسن بن الحسن بن مسمار، وعمرو بن عمر بن هشام.

ومن الري سبعة رجال: إسرائيل القطّان، وعلي بن جعفر بن خرزاد، وعثمان بن علي بن درخت، ومسكان بن جبل(1) بن مقاتل، وكردين بن شيبان، وحمدان بن كر، وسليمان بن الديلمي.

ومن طبرستان أربعة رجال: حرشاد(2) بن كردم، وبهرام بن علي، والعبّاس بن هاشم، و عبد الله بن يحيي.

ومن قم ثمانية عشر(3) رجلاً: غسّان بن محمّد بن غسّان(4)، وعلي بن أحمد بن برة(5) بن نعيم بن يعقوب بن بلال، وعمران بن خالد بن كليب، وسهل بن علي بن صاعد، وعبد العظيم بن عبد الله بن الشاه، وحسكة بن هاشم بن الداية، والأخوص بن محمّد بن إسماعيل بن نعيم بن طريف، وبليل(6) بن مالك بن سعد بن طلحة بن جعفر بن أحمد بن جرير، وموسي بن عمران بن لاحق، والعبّاس بن زفر(7) بن سليم، والحويد بن بشر بن(8) بشير، ومروان بن علابة بن جرير، المعروف بابن رأس الزقّ(9)، والصقر بن إسحاق بن إبراهيم، وكامل بن هشام.).

ص: 140


1- في (ط): (جبلة).
2- في (ط): (حرشام).
3- وهؤلاء أربعة عشر رجلاً.
4- في (ط): (محمّد عتبان)، وفي (ع): (محمّد غسّان).
5- في (ط): (بقرة).
6- في (م): (بلبل).
7- في (ط): (بقر)، وفي (م): (نضر).
8- (بشر بن) ليس في (ع).
9- في (ع، (م): (الون).

ومن قومس رجلان: محمود بن محمّد بن أبي الشعب، وعلي بن حمويه بن صدقة من قرية الخرقان.

ومن جرجان اثنا عشر رجلاً: أحمد بن هارون بن عبد الله، زرارة بن جعفر، والحسين بن علي بن مطر، وحميد بن نافع، ومحمّد بن خالد بن قرّة بن حوية، وعلان بن حميد بن جعفر بن حميد، وإبراهيم بن إسحاق بن عمرو، وعلي بن علقمة بن محمود وسلمان، بن يعقوب، والعريان بن الخفان، الملقب بحال(1) روت، وشعبة بن علي، وموسي بن كردويه.

ومن موقان رجل، وهو: عبيد(2) بن محمّد بن ماجور.

ومن السند رجلان: سياب بن العبّاس بن محمّد، ونصر(3) بن منصور، يعرف ب- (ناقشت).

ومن همدان أربعة رجال: هارون بن عمران بن خالد، وطيفور بن محمّد بن طيفور، وأبان بن محمّد بن الضحاك، وعتاب بن مالك بن جمهور.

ومن جابروان ثلاثة رجال: كرد بن حنيف، وعاصم بن خليد(4) الخياط، وزياد ابن رزين.

ومن النوا (5) رجل: لقيط بن الفرات.).

ص: 141


1- في (ط): (بخال).
2- في (ع) زيادة: (الله).
3- في (ط): (نضر).
4- في (ط): (خليط).
5- في (ط): (الشوري)، وفي (ع): (الشوي).

ومن أهل خلاط: وهب بن خربند بن سروين.

ومن تفليس(1) خمسة رجال: جحدر بن الزيت، وهاني العطاردي، وجواد بن بدر، وسليم بن وحيد، والفضل بن عمير.

ومن باب الأبواب(2): جعفر بن عبد الرحمن.

ومن سنجار أربعة رجال: عبد(3) الله بن زريق، وسحيم بن مطر، وهبة الله بن زريق بن صدقة، وهبل بن كامل.

ومن قاليقلا: كردوس بن جابر.

ومن سميساط: موسي بن زرقان.

ومن نصيبين رجلان: داود بن المحقّ، وحامد صاحب البواري.

ومن الموصل رجل يقال له: سليمان بن صبيح من القرية الحديثة.

ومن تل موزن(4) رجلان يقال لهما: بادصن (5) بن سعد بن السحير، وأحمد بن حميد بن سوار.

ومن بلد(6) رجل يقال له: بور بن زائدة بن شروان(7).

ومن الرها رجل يقال له: كامل بن عفير.

ومن حران: زكريا السعدي.).

ص: 142


1- تفليس: بلد بأرمينية الأولي. (معجم البلدان 2: 35).
2- باب الأبواب: مدينة علي بحر الخزر. (معجم البلدان 1: 303).
3- في (ع): (عبيد).
4- في (ط)، (ع): (يلمورق).
5- في (ط): (باد صبا).
6- بلد: تطلق علي عدّة مواضع، منها: البلد الحرام، ومدينة قدمية فوق الموصل علي دجلة، وقرية معروفة من قري الدجيل. (مراصد الاطلاع 1: 217).
7- في (ط): (ثوران)، وفي (ع): (ثروان).

ومن الرقة ثلاثة رجال: أحمد بن سليمان بن سليم، ونوفل بن عمر، وأشعث بن مالك.

ومن الرافقة: عياض(1) بن عاصم بن سمرة بن جحش، ومليح بن سعد.

ومن حلب أربعة رجال: يونس بن يوسف، وحميد بن علي الناصب.

ومن سرخس(2) رجل.

فذلك ثلاثمائة وثلاثة عشر(3) رجلاً بعدد أهل بدر، يجمعهم الله إلي مكّة في ليلة واحدة، وهي ليلة الجمعة، فيتوافون في صبيحتها إلي المسجد الحرام، لا يتخلَّف منهم رجل واحد، وينتشرون بمكّة في أزقتها، يلتمسون منازل يسكنونها، فينكرهم أهل مكّة، وذلك أنَّهم لم يعلموا برفقة(4) دخلت من بلد من البلدان لحجّ أو عمرة ولا لتجارة، فيقول بعضهم لبعض: إنّا لنري في يومنا هذا قوماً لم نكن رأيناهم قبل يومنا هذا، ليسوا من بلد واحد ولا أهل بدو، ولا معهم إبل ولا دواب! فبينا هم كذلك، وقد ارتابوا بهم إذ يقبل رجل من بني مخزوم يتخطّي رقاب الناس حتَّي يأتي رئيسهم فيقول: لقد رأيت ليلتي هذه رؤيا عجيبة، وإنّي منها خائف، وقلبي منها وجل.ر.

ص: 143


1- في (م)، (ط): (عياص).
2- سرخس: وكذا بفتح الراء، مدينة قديمة من نواحي خراسان. (معجم البدان 3: 208).
3- عدَّتهم في الحديث ثلاثمائة وسبعة رجال، وسيأتي في الحديث (ص 151) عدّة الرجال بالأسماء ثلاثمائة، وعدَّتهم بالأرقام المنصوص عليها قبل ذكر الأسماء ثلاثمائة وخمسة رجال علي أنَّ المتواتر بالروايات أنَّ عدَّتهم بعدّة أهل بدر، ولعلَّ الوهم نشأ من الرواة أو النسّاخ، والملاحظ أنَّ بعض أسماء المدن المذكورة في هذا الحديث غير موجودة في الحديث (ص 151) وبالعكس، فتأمَّل.
4- الرفقة: الجماعة ترافقهم في السفر.

فيقول له: اقصص رؤياك.

فيقول: رأيت كبة(1) نار انقضت من عنان السماء، فلم تزل تهوي حتَّي انحطت علي الكعبة، فدارت فيها، فإذا هي جراد ذوات أجنحة خضر كالملاحف، فأطافت بالكعبة ما شاء الله، ثمّ تطايرت شرقاً وغرباً، لا تمر ببلد إلاَّ أحرقته، ولا بحصن(2) إلاَّ حطَّمته، فاستيقظت وأنا مذعور القلب وجل.

فيقولون: لقد رأيت هؤلاء، فانطلق بنا إلي الأقيرع(3) ليعبرها، وهو رجل من ثقيف، فيقصّ عليه الرؤيا.

فيقول الأقيرع(4): لقد رأيت عجباً، ولقد طرقكم في ليلتكم جند من جنود الله، لا قوّة لكم بهم.

فيقولون: لقد رأينا في يومنا هذا عجباً.

ويحدّثونه بأمر القوم. ثمّ ينهضون من عنده ويهمّون بالوثوب عليهم، وقد ملأ الله قلوبهم منهم رعباً وخوفاً، فيقول بعضهم لبعض، وهم يتآمرون بذلك: يا قوم لا تعجلوا علي القوم، إنَّهم لم يأتوكم بعد بمنكر، ولا أظهروا خلافاً، ولعلَّ الرجل منهم يكون في القبيلة من قبائلكم، فإن بدا لكم منهم شرّ فأنتم حينئذٍ وهم، وأمَّا القوم فإنّا نراهم متنسّكين وسيماهم حسنة، وهم في حرم الله تعالي الذي لا يباح من دخله حتَّي يحدث به حدثاً ولم يحدث القوم حدثاً يوجب محاربتهم.).

ص: 144


1- كبة النار: صدمتها.
2- في (م)، (ط): (بحضر).
3- في (ط)، (ع): (الأقرع).
4- في (ط): (الأقرع).

فيقول المخزومي، وهو رئيس القوم وعميدهم: إنّا لا نأمن أن يكون وراءهم مادة لهم، فإذا التأمت إليهم كشف أمرهم وعظم شأنهم، فتهضموهم(1) وهم في قلّة من العدد وغربة(2) في البلد قبل أن تأتيهم المادة، فإنَّ هؤلاء لم يأتوكم مكّة إلاَّ وسيكون لهم شأن، وما أحسب تأويل رؤيا صاحبكم إلاَّ حقّاً، فخلوا لهم بلدكم وأجيلوا الرأي، والأمر ممكن.

فيقول قائلهم: إن كان من يأتيهم أمثالهم فلا خوف عليكم منهم، فإنَّه لا سلاح للقوم ولا كراع(3) ولا حصن يلجأون إليه، وهم غرباء محتوون، فإن أتي جيش لهم نهضتم إلي هؤلاء أوّلا (4)، وكانوا كشربة الظمآن.

فلا يزالون في هذا الكلام ونحوه حتَّي يحجز الليل بين الناس، ثمّ يضرب الله علي آذانهم وعيونهم بالنوم، فلا يجتمعون بعد فراقهم إلي أن يقوم القائم عليه السلام، وإنَّ أصحاب القائم عليه السلام يلقي بعضهم بعضاً كأنَّهم بنو أب واُمّ، وإن افترقوا عشاء التقوا غدوة، وذلك تأويل هذه الآية: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً)(5)).

قال أبو بصير: قلت: جُعلت فداك، ليس علي الأرض يومئذٍ مؤمن غيرهم؟8.

ص: 145


1- تهضمه: أذلّه وكسره.
2- في (م)، (ط): (وغرّة).
3- الكراع: اسم لجماعة الخيل خاصّة، وقيل: الخيل والبغال والحمير، أي ليس لهم دواب يفرون عليها.
4- في (ط): (وهؤلاء).
5- البقرة: 148.

قال: (بلي، ولكن هذه (العدّة)(1) التي يخرج الله فيها القائم عليه السلام، هم النجباء والقضاة والحكّام والفقهاء في الدين، يمسح بطونهم وظهورهم فلا يشتبه عليهم حكم)(2).

* قال(3) أبو حسان سعيد بن جناح: حدَّثنا محمّد بن مروان الكرخي، قال: حدَّثنا عبد الله بن داود الكوفي، عن سماعة بن مهران، قال: سأل أبو بصير الصادق عليه السلام عن عدّة أصحاب القائم عليه السلام فأخبره بعدّتهم ومواضعهم، فلمَّا كان العام القابل قال: عدت إليه فدخلت عليه، فقلت: ما قصَّة المرابط السائح؟

قال: (هو رجل من أصبهان، من أبناء دهاقينها (4)، له عمود فيه سبعون منّاً لا يقله غيره، يخرج من بلده سياحا (5) في الأرض وطلب الحقّ، فلا يخلو بمخالف إلاَّ أراح منه، ثمّ إنَّه ينتهي إلي طاربند، وهم الحاكم بين أهل الإسلام والترك، فيصيب بها رجلاً من النصّاب يتناول أمير المؤمنين عليه السلام، ويقيم بها حتَّي يسري به.

وأمَّا الطواف لطلب الحقّ، فهو رجل من أهل يخشب، قد كتب الحديث، وعرف الاختلاف بين الناس، فلا يزال يطوف في البلاد يطلب(6) العلم حتَّي يعرف صاحب الحقّ، فلا يزال كذلك حتَّي يأتيه الأمر، وهو يسير من الموصل إلي الرها، فيمضي حتَّي يوافي مكّة.).

ص: 146


1- ما بين المعقوفتين أثبتناه من الملاحم.
2- الملاحم والفتن: 202؛ المحجّة للبحراني: 28.
3- بالإسناد الذي قبله.
4- الدهقان: رئيس القرية أو الإقليم، والتاجر، والقوي علي التصرّف مع شدّة وخبرة.
5- كذا، وفي الملاحم والفتن للسيّد ابن طاووس نحوه، وفيه: (يسيح) بدل (سياحاً).
6- في (ط): (بالبلدان لطلب).

وأمَّا الهارب من عشيرته ببلخ(1) فرجل من أهل المعرفة، لا يزال يعلن أمره، ويدعو الناس إليه وقومه وعشيرته، فلا يزال كذلك حتَّي يهرب منهم إلي الأهواز، فيقيم في بعض قراها حتَّي يأتيه أمر الله فيهرب منهم.

وأمَّا المحتجّ بكتاب الله علي الناصب من سرخس، فرجل عارف، يلهمه الله معرفة القرآن، فلا يلقَ أحداً من المخالفين إلاَّ حاجه، فيثبت أمرنا في كتاب الله.

وأمَّا المتخلّي بصقلية، فإنَّه رجل من أبناء الروم , من قرية يقال لها: قرية يسلم، فينبو من الروم، ولا يزال يخرج إلي بلد الإسلام، يجول بلدانها، وينتقل من قرية إلي قرية، ومن مقالة إلي مقالة حتَّي يمنَّ الله عليه بمعرفة الأمر الذي أنتم عليه، فإذا عرف ذلك وأيقنه أيقن أصحابه فدخل صقلية وعبد الله حتَّي يسمع الصوت فيجيب.

وأمَّا الهاربان إلي السردانية من الشعب رجلان: أحدهما من أهل مدائن العراق، والآخر من جبانا (2)، يخرجان إلي مكّة، فلا يزالان يتّجران فيها ويعيشان حتَّي يتَّصل متَّجرهما بقرية يقال لها: الشعب، فيصيران إليها، ويقيمان بها حيناً من الدهر، فإذا عرفهما أهل الشعب آذوهما وأفسدوا كثيراً من أمرهما، فيقول أحدهما لصاحبه: يا أخي، إنّا قد أوذينا في بلادنا حتَّي فارقنا أهل مكّة، ثمّ خرجنا إلي الشعب، ونحن نري أنَّ أهلها ثائرة علينا من أهل مكّة، وقد بلغوا بنا ما تري، فلو سرنا في البلاد حتَّي يأتي أمر الله من عدل أو فتح أو موت يريح.).

ص: 147


1- بلخ: قرية صغيرة في أفغانستان. (المنجد في الأعلام: 140).
2- جبانا: ناحية بالسواد بين الأنبار وبغداد. (مراصد الاطلاع 1: 309).

فيتجهَّزان ويخرجان إلي برقة، ثمّ يتجهَّزان ويخرجان إلي سردانية، ولا يزالان بها إلي الليلة التي يكون فيها أمر قائمنا عليه السلام.

وأمَّا التاجران الخارجان من عانة إلي أنطاكية، فهما رجلان يقال لأحدهما: مسلم، وللآخر: سليم، ولهما غلام أعجمي يقال له: سلمونة، يخرجون جميعاً في رفقة من التجّار، يريدون أنطاكية، فلا يزالون يسيرون في طريقهم حتَّي إذا كان بينهم وبين أنطاكية أميال يسمعون الصوت فينصتون نحوه، كأنَّهم لم يعرفوا شيئاً غير ما صاروا إليه من أمرهم ذلك الذي دعوا إليه، ويذهلون عن تجاراتهم(1)، ويصبح القوم الذين كانوا معهم من رفاقهم، وقد دخلوا أنطاكية، فيفقدونهم، فلا يزالون يطلبونهم، فيرجعون ويسألون عنهم من يلقون من الناس فلا يقعون لهم علي أثر، ولا يعلمون لهم خبراً، فيقول القوم بعضهم لبعض: هل تعرفون منازلهم؟

فيقول بعضهم: نعم.

ثمّ يبيعون ما كان معهم من التجارة ويحملونها إلي أهاليهم. ويقتسمون مواريثهم، فلا يلبثون بعد ذلك إلاَّ ستّة أشهر، حتَّي يوافون إلي أهاليهم علي مقدمة القائم عليه السلام فكأنَّهم لم يفارقوهم.

وأمَّا المستأمنة من المسلمين إلي الروم فهم قوم ينالهم أذي شديد من جيرانهم وأهاليهم ومن السلطان، فلا يزال ذلك بهم حتَّي أتوا ملك الروم فيقصّون عليه قصَّتهم، ويخبرونه بما هم فيه من أذي قومهم وأهل ملَّتهم فيؤمّنهم ويعطيهم أرضاً من أرض قسطنطينة(2)، فلا يزالون بها حتَّي إذا كانت الليلة التي يسري بهم فيها، يصبح جيرانهم وأهل الأرض التي).

ص: 148


1- كذا، وفي الملاحم والفتن للسيّد ابن طاووس: (تجارتهم).
2- كذا، وفي الملاحم والفتن للسيّد ابن طاووس: (قسطنطينية).

كانوا بها قد فقدوهم، فيسألون عنهم أهل البلاد فلا يحسّون لهم أثراً، ولا يسمعون لهم خبراً، وحينئذٍ يخبرون ملك الروم بأمرهم وأنَّهم قد فقدوا، فيوجّه في طلبهم، ويستقصي آثارهم وأخبارهم، فلا يعود مخبر لهم بخبر، فيغتمّ طاغية الروم لذلك غمّاً شديداً، ويطالب جيرانهم بهم، ويحبسهم ويلزمهم إحضارهم، ويقول: ما قدمتم علي قوم آمنتهم وأوليتهم جميلاً؟ ويوعدهم القتل إن لم يأتوا بهم ويخبرهم، وإلي أين صاروا فلا يزال أهل مملكته في أذية ومطالبة، ما بين معاقب ومحبوس ومطلوب، حتَّي يسمع بما هم فيه راهب قد قرأ الكتب، فيقول لبعض من يحدّثه حديثهم: إنَّه ما بقي في الأرض أحد يعلم علم هؤلاء القوم غيري وغير رجل من يهود بابل.

فيسألونه عن أحوالهم فلا يخبر أحداً من الناس، حتَّي يبلغ ذلك الطاغية، فيوجّه في حملة إليه، فإذا حضره قال له الملك: قد بلغني ما قلت، وقد تري ما أنا فيه فاصدقني إن كانوا مرتابين قتلت بهم من قتلهم، ويخلص من سواهم من التهمة.

قال الراهب: لا تعجل - أيّها الملك - ولا تحزن علي القوم، فإنَّهم لم يقتلوا ولن يموتوا، ولا حدث بهم حدث يكرهه الملك، ولا هم ممَّن يرتاب بأمرهم ونالتهم غيلة، ولكن هؤلاء قوم حملوا من أرض الملك إلي أرض مكّة إلي ملك الأمم، وهو الأعظم الذي لم تزل الأنبياء تبشّر به وتحدّث عنه وتعد بظهوره وعدله وإحسانه.

قال له الملك: ومن أين لك هذا؟

قال: ما كنت لأقول إلاَّ حقّاً، فإنَّه عندي في كتاب قد أتي عليه أكثر من خمسمائة سنة، يتوارثه العلماء آخر عن أوّل.

ص: 149

فيقول له الملك: فإن كان ما تقول حقّاً، وكنت فيه صادقاً، فاحضر الكتاب.

فيمضي في إحضاره، ويوجّه الملك معه نفراً من ثقاته، فلا يلبث حتَّي يأتيه بالكتاب فيقرأه، فإذا فيه صفة القائم عليه السلام واسمه واسم أبيه، وعدّة أصحابه وخروجهم، وأنَّهم سيظهرون علي بلاده.

فقال له الملك: ويحك، أين كنت عن إخباري بهذا إلي اليوم؟

قال: لولا ما تخوَّفت أنَّه يدخل علي الملك من الإثم في قتل قوم أبرياء ما أخبرته بهذا العلم حتَّي يراه بعينه ويشاهده بنفسه.

قال: أوَتراني أراه؟

قال: نعم، لا يحول الحول حتَّي تطأ خيله أواسط بلادك، ويكون هؤلاء القوم أدلاّء علي مذهبكم.

فيقول له الملك: أفلا أوجّه إليهم من يأتيني بخبر منهم، وأكتب إليهم كتاباً؟

قال له الراهب: أنت صاحبه الذي تسلّم إليه وستَّتبعه وتموت فيصلّي عليك رجل من أصحابه.

والنازلون بسرنديب وسمندر أربعة رجال من تجّار أهل فارس، يخرجون عن تجاراتهم فيستوطنون سرنديب وسمندر حتَّي يسمعوا الصوت ويمضون إليه.

والمفقود من مركبه بشلاهط رجل من يهود أصبهان، تخرج من شلاهط قافلة، فيها هو، فبينما تسير في البحر في جوف الليل إذ نودي، فيخرج من المركب علي أرض أصلب من الحديد، وأوطأ من الحرير، فيمضي الربان إليه وينظر، فينادي: أدركوا صاحبكم فقد غرق.

ص: 150

فيناديه الرجل: لا بأس عليَّ إنّي علي جدد(1).

فيحال بينهم وبينه، وتطوي له الأرض، فيوافي القوم حينئذٍ مكّة لا يتخلَّف منهم أحد)(2).

* وبالإسناد الأوّل: أنَّ الصادق عليه السلام سمّي أصحاب القائم عليه السلام لأبي بصير فيما بعد، فقال عليه السلام: (أمَّا الذي في طاربند الشرقي: بندار بن أحمد من سكة تدعي بازان، وهو السياح المرابط.

ومن أهل الشام رجلان يقال لهما: إبراهيم بن الصباح، ويوسف بن صريا (3)، فيوسف عطّار من أهل دمشق، وإبراهيم قصّاب من قرية سويقان(4).

ومن الصامغان: أحمد بن عمر الخياط من سكة(5) بزيع، وعلي بن عبد الصمد التاجر من سكة النجارين.

ومن أهل سيراف: سلم الكوسج البزاز من سكة(6) الباغ، وخالد بن سعيد بن كريم الدهقان، والكليب الشاهد من دانشاه.

ومن مروروذ: جعفر الشاه الدقاق، وجور مولي الخصيب ومن مرو اثنا عشر(7) رجلاً، وهم: بندار بن الخليل العطّار، ومحمّد بن عمر الصيدناني، وعريب بن عبد الله بن كامل، ومولي قحطبة، وسعد الرومي،ً.

ص: 151


1- الجدد: الأرض الغليظة المستوية.
2- المحجّة للبحراني: 34.
3- في (ع)، (م): (حربا).
4- في (ع)، (ط): (صويقان).
5- في (ط): (سكنة)، وكذا في المواضع الآتية.
6- كذا في المطبوع، وصحّحت في معجم أحاديث الإمام المهدي: (سكنة).
7- وهؤلاء ثلاثة عشر رجلاً.

وصالح بن الرحال، ومعاذ بن هاني، وكردوس الأزدي، ودهيم بن جابر بن حميد، وطاشف بن علي القاجاني(1)، وقرعان بن سويد، وجابر بن علي الأحمر، وحوشب بن جرير.

ومن باورد(2) تسعة رجال: زياد بن عبد الرحمن بن جحدب، والعبّاس بن الفضل بن قارب، وسحيق بن سليمان الحناط، وعلي بن خالد، وسلم بن سليم بن الفرات البزاز، ومحمويه بن عبد الرحمن بن علي، وجرير بن رستم بن سعد الكيساني، وحرب بن صالح، وعمارة بن معمر.

ومن طوس أربعة رجال: شهمرد(3) بن حمران، وموسي بن مهدي، وسليمان بن طليق من الواد - وكان الواد موضع قبر الرضا عليه السلام -، وعلي بن السندي الصيرفي.

ومن الفارياب: شاهويه بن حمزة، وعلي بن كلثوم من سكة تدعي باب الجبل.

ومن الطالقان أربعة وعشرون(4) رجلاً: المعروف بابن الرازي الجبلي، وعبد الله بن عمير، وإبراهيم بن عمرو(5)، وسهل بن رزق الله، وجبريل الحدّاد، وعلي بن أبي علي الورّاق(6)، وعبادة بن جمهور(7)،).

ص: 152


1- في (ع): (الفاجاني).
2- في (م)، (ط): (بارود)، باورد: بلد بخراسان بين سرخس ونسا. (معجم البلدان 1: 333)، ومرَّ في الحديث (ص 132): (بيروت).
3- في (ع): (سهمرد).
4- وهؤلاء خمسة وعشرون.
5- في (ط): (عمر).
6- في (ط): (الرواف).
7- في (ط): (ممهور).

ومحمّد بن جيهار، وزكريا ابن حبة، وبهرام بن سرح، وجميل بن عامر بن خالد، وخالد وكثير مولي جرير، وعبد الله بن قرط بن سلام، وفزارة بن بهرام، ومعاذ بن سالم بن جليد التمّار، وحميد بن إبراهيم بن جمعة الغزال، وعقبة بن وفر بن الربيع، وحمزة بن العبّاس بن جنادة من دار الرزق، وكائن بن حنيذ الصائغ، وعلقمة بن مدرك، ومروان بن جميل بن ورقاء، وظهور مولي زرارة ابن إبراهيم، وجمهور بن الحسين الزجّاج، ورياش بن سعد(1) بن نعيم.

ومن سجستان: الخليل بن نصر من أهل زنج(2)، وترك بن شبه، وإبراهيم بن علي.

ومن غور ثمانية رجال: محج(3) بن خربوذ، وشاهد بن بندار، وداود بن جرير، وخالد بن عيسي، وزياد بن صالح، وموسي بن داود، وعرف الطويل، وابن كرد.

ومن نيسابور ثمانية عشر(4) رجلاً: سمعان بن فاخر، وأبو لبابة بن مدرك، وإبراهيم بن يوسف القصير، ومالك بن حرب بن سكين، وزرود بن سوكن، ويحيي بن خالد، ومعاذ بن جبرئيل، وأحمد بن عمر بن زفر، وعيسي بن موسي السواق، ويزيد ابن درست، ومحمّد بن حماد بن شيت، وجعفر بن طرخان، وعلان ماهويه، وأبو مريم، وعمرو بن عمير بن قيس بن سحيم بنً.

ص: 153


1- في (ط): (سعيد).
2- في (ع): (زيج).
3- في (ع): (محمح).
4- وهؤلاء ستّة عشر رجلاً.

مدرك ابن علي بن حرب بن صالح بن ميمون، ومهدي بن هند بن عطارد، ومسلم بن هوارمرد(1).

ومن دمشق ثلاثة رجال: نوح بن جرير(2)، وشعيب بن موسي، وحجر بن عبد(3) الله الفزاري.

ومن فلسطين: سويد بن يحيي.

ومن بعلبك: المنزل بن عمران.

ومن طبرية: معاذ بن معاذ.

ومن يافا: صالح بن هارون.

ومن قرمس(4): رئاب بن الجلود(5)، والخليل بن السيد.

ومن تيس(6): يونس بن الصقر، وأحمد بن مسلم بن مسلم.

ومن دمياط: علي بن زائدة.

ومن أسوان: حماد بن جمهور.

ومن الفسطاط أربعة رجال: نصر بن حواس، وعلي بن موسي الفزاري، وإبراهيم بن صفير، ويحيي بن نعيم.

ومن القيروان: علي بن موسي بن اليشخ، وعنبرة بن قرطة.

ومن باغة: شرحبيل السعدي.).

ص: 154


1- في (ط): (هو أمرد).
2- في (ط)، (ع): (جوير).
3- في (ع): (عبيد).
4- قرمس: بلدة بالأندلس. (معجم البلدان 4: 330).
5- في (ط): (الجلد).
6- التيس: موضع بين الكوفة والشام، وهو أيضاً جبل بالشام به عدّة حصون. (معجم البلدان 2: 66).

ومن بلبيس: علي بن معاذ.

ومن بالس(1): همام بن الفرات.

ومن صنعاء: الفياض بن ضرار(2) بن ثروان، وميسرة بن غندر بن المبارك(3).

ومن مازن: عبد الكريم بن غندر(4).

ومن طرابلس: ذو النورين عبيدة(5) بن علقمة.

ومن أبلة(6) رجلان: يحيي بن بديل، وحواشة بن الفضل.

ومن وادي القري: الحر بن الزبرقان.

ومن خيبر(7) رجل يقال له: سليمان(8) بن داود.

ومن ربدار(9): طلحة بن سعد(10) بن بهرام.

ومن الجار: الحارث بن ميمون.

ومن المدينة رجلان: حمزة بن طاهر، وشرحبيل بن جميل.

ومن الربذة: حماد بن محمّد بن نصير.).

ص: 155


1- بالس: بلدة بالشام بين حلب والرقة. (معجم البلدان 1: 328).
2- في (م): (الغياض بن صرار).
3- في (ع)، (م): (المباركي).
4- في (ط): (غند).
5- في (ع): (عبدة).
6- الأبلة: بلدة علي شاطئ دجلة البصرة العظمي. (معجم البلدان 1: 76).
7- في (ط): (الجيزة)، وهي بليدة غربي الفسطاط في مصر. (معجم البلدان 2: 200).
8- في (ع)، (م): (سليمي).
9- لعلَّه تصحيف (ريدان) وهي حصن باليمن، وقيل: قصر بظفار باليمن. (معجم البلدان 3: 111).
10- في (ط): (سعيد).

ومن الكوفة أربعة عشر رجلاً: ربيعة بن علي بن صالح، وتميم بن إلياس بن أسد، والعضرم بن عيسي، ومطرف بن عمر الكندي، وهارون بن صالح بن ميثم(1)، ووكايا ابن سعد، ومحمّد بن رواية، والحر(2) بن عبد الله بن ساسان، وقودة الأعلم، وخالد بن عبد القدوس، وإبراهيم بن مسعود بن عبد الحميد، وبكر بن سعد بن خالد، وأحمد بن ريحان بن حارث، وغوث(3) الأعرابي.

ومن القلزم: المرجئة(4) بن عمرو، وشبيب بن عبد الله.

ومن الحيرة: بكر بن عبد الله بن عبد الواحد.

ومن كوثي ربا: حفص بن مروان.

ومن طهنة: الحباب(5) بن سعيد، وصالح بن طيفور.

ومن الأهواز: عيسي بن تمام، وجعفر بن سعيد الضرير، يعود بصيراً.

ومن الشام: علقمة بن إبراهيم.

ومن إصطخر: المتوكّل بن عبيد(6) الله، وهشام بن فاخر.

ومن المولتان(7): حيدر بن إبراهيم.

ومن النيل: شاكر بن عبدة.

ومن القندابيل(8): عمرو بن فروة.).

ص: 156


1- في (ع)، (م): (عثيم).
2- في (ط): (الحرب).
3- في (ع)، (م): (غرث).
4- في (ع): (الرحبة).
5- في (ط): (الطاهي: الجاب)، وفي (م): (طاهي: الحباب).
6- في (ط): (عبد).
7- في (م)، (ط): (الموليان).
8- قندابيل: مدينة بالسند. (معجم البلدان 4: 402)، وفي (ط): (القنديل)، وفي (ع): (قندايل).

ومن المدائن ثمانية نفر: الأخوين الصالحين محمّد وأحمد ابني المنذر، وميمون(1) ابن الحارث، ومعاذ بن علي بن عامر بن عبد الرحمن بن معروف بن عبد الله، والحرسي ابن سعيد، وزهير بن طلحة، ونصر، ومنصور.

ومن عكبرا: زائدة بن هبة.

ومن حلوان: ماهان بن كثير، وإبراهيم بن محمّد.

ومن البصرة: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد بن مليح، وحماد بن جابر.

وأصحاب الكهف سبعة نفر: مكسلمينا وأصحابه.

والتاجران الخارجان من أنطاكية: موسي بن عون، وسليمان بن حرّ، وغلامهما الرومي.

والمستأمنة إلي الروم أحد عشر(2) رجلاً: صهيب بن العبّاس، وجعفر بن حلال(3) وضرار بن سعيد، وحميد القدوسي، والمنادي(4)، ومالك بن خليد، وبكر بن الحر، وحبيب بن حنان، وجابر بن سفيان.

والنازلان بسرنديب، وهما: جعفر بن زكريا، ودانيال بن داود.

ومن سندرا أربعة رجال: خور بن طرخان، وسعيد بن علي، وشاه بن بزرج، وحر بن جميل.

والمفقود من مركبه بشلاهط اسمه: المنذر بن زيد.

ومن سيراف - وقيل: شيراز، الشكّ من مسعدة -: الحسين بن علوان.).

ص: 157


1- في (ط): (تيمور)، وفي (م): (سيمون).
2- وهؤلاء تسعة رجال.
3- في (م)، (ط)، (ع): (وجعفر بن... وحلال بن حميد). وما أثبتناه من المحجّة للبحراني.
4- في (ع)، (م): (القدوس المناري).

والهاربان إلي سردانية: السري بن الأغلب، وزيادة الله بن رزق الله.

والمتخلّي بصقلية: أبو داود الشعشاع.

والطواف لطلب الحقّ من يخشب: وهو عبد الله بن صاعد بن عقبة.

والهارب من بلخ من عشيرته: أوس بن محمّد.

والمحتجّ بكتاب الله علي الناصب من سرخس: نجم بن عقبة بن داود.

ومن فرغانة: أزدجاه بن الوابص.

ومن الترمد(1): صخر بن عبد الصمد القنابلي، ويزيد بن قادر.

فذلك ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدد أهل بدر)(2).

* وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه رضي الله عنه، قال: حدَّثني محمّد بن همام، قال: حدَّثني أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم، عن أبيه، عن الحسن بن علي، عن إبراهيم بن محمّد، عن محمّد بن حمران، عن أبيه، عن يونس بن ظبيان، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فذكر أصحاب القائم عليه السلام، فقال: (ثلاثمائة وثلاثة عشر، وكلّ واحد يري نفسه في ثلاثمائة)(3).

والحمد لله ربّ العالمين وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين.

* * *6.

ص: 158


1- في (ط): (البرية)، وفي (م): (البريد).
2- المحجّة للبحراني: 38.
3- المحجّة للبحراني: 46.

تقريب المعارف

تأليف: عمدة الفقهاء والمتكلمين خليفة السيد المرتضي في علومه أبي الصلاح تقي بن نجم الحلبي 374 - 447ه-

تحقيق: فارس تبريزيان الحسّون

ص: 159

ص: 160

فصل: في إثبات إمامة الحجّة ابن الحسن ووجه الحكمة في غيبته

اشارة

فصل: في إثبات إمامة الحجّة ابن الحسن ووجه الحكمة في غيبته(1)

ما قدَّمناه من الأدلّة علي إمامة الأئمّة عليهم السلام برهانٌ واضحٌ علي إمامة الحجّة ابن الحسن عليه السلام، ومغن عن تكلّف كلام يختصّها، غير أنّا نستظهر في الحجّة علي ذلك بحسب قوّة الشبهة في هذه المسألة علي مستضعف، وإن كان برهان صحَّتها واضحاً.

والكلام فيها ينقسم إلي قسمين:

أحدهما: إثبات إمامة الحجّة ابن الحسن عليه السلام منذ قبض أبيه وإلي أن يظهر منتصراً لدين الله من أعدائه.

والثاني: بيان وجه الحكمة في غيبته وتعذّر معرفة شخصه ومكانه، وإسقاط ما يعتريها (2) من الشبه.

فأمَّا الدلالة علي إمامته وثبوت الحجّة بوجوده، فمن جهة العقل والسمع.

برهان العقل علي إمامته:

فأمَّا برهان العقل، فعلمنا به وجوب الرئاسة وعصمة الرئيس وفضله علي الرعيّة في الظاهر والباطن، وكونه أعلمهم بما هو رئيس فيه،

ص: 161


1- في النسخة: (بدينهم)
2- في النسخة: (ما يعترفها).

وكلّ مَن قال بذلك قال بإمامة الحجّة ابن الحسن عليه السلام، وكونه الرئيس ذا الصفات الواجبة، دون سائر الخلق، من وفاة أبيه وإلي أن يظهر للانتقام(1) من الظالمين.

ولأنَّ اعتبار هذه الأصول العقلية يقضي بوجود حجّة في الأوقات المذكورة دون من عداه، لأنَّ الاُمّة في كلّ عصر أشرنا إليه بين: نافٍ للإمامة، ومثبتٍ لها معترفٍ بانتفاء الصفات الواجبة للإمام عمَّن أثبت إمامته، ومثبتٍ لإمامة الحجّة ابن الحسن عليه السلام.

ولا شبهة في فساد قول من نفي الإمامة، لقيام الدلالة علي وجوبها، وقول(2) من أثبتها مع تعرّي الإمام من الصفات الواجبة للإمام لوجوبها له وفساد إمامة من انتفت عنه، وحصول العلم بكون الحقّ في الملّة الإسلاميّة، فصحَّ بذلك القول بوجود الحجّة عليه السلام، إذ لو بطل كغيره من أقوال المسلمين لاقتضي ذلك فساد مدلول الأدلّة أو خروج الحقّ عن الملّة الإسلاميّة، وكلا الأمرين فاسد، فصحَّ ما قلناه، وقد سلف لنا استنادها بين الطريقتين إلي أحكام العقول دون السمع، فأغني عن تكراره هاهنا.

برهان السمع علي إمامته:

وأمَّا أدلّة السمع علي إمامته، فعلي ضروب:

منها: أنَّ كلّ مَن أثبت إمامة أبيه وأجداده إلي علي عليه السلام قال بإمامته في الأحوال التي ذكرناها، وقد دللنا علي إمامتهم، فلحق الفرع بالأصل، والمنّة لله.

ص: 162


1- في النسخة: (الانتقام).
2- أي: وفساد قول.

ولأنّا نعلم وكلّ مخالط لآل محمّد عليهم السلام وسامع لحديثهم تديّنهم(1) بإمامة الحجّة الثاني عشر عليه السلام، ونصّهم علي كونه المهدي المستثير(2) لله ولهم من الظالمين، وقد علمنا عصمتهم بالأدلّة، فوجب القطع علي إمامة الاثني عشر عليهم السلام خاصّة، فما له وجبت إمامة الأوّل من الآيات والأخبار له وجبت إمامة الثاني عشر عليه السلام، إذ لا فرق بين الأمرين.

ومنها: النصّ علي إمامة الحجّة عليه السلام، وهو علي ضروب ثلاثة:

أحدها: النصّ من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام علي عدد الأئمّة عليهم السلام وأنَّهم اثنا عشر، ولا شبهة علي متأمّل في أنَّ النصّ علي هذا العدد المخصوص نصّ علي إمامة الحجّة عليه السلام، كما هو نصّ علي إمامة آبائه من الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرضا، إلي علي بن أبي طالب عليهم السلام، إذ لا أحد قال بهذا العدد المخصوص وقصر الإمامة عليه دون ما نقص منه وزاد عليه إلاَّ خصّ به أمير المؤمنين والحجّة بن الحسن ومَن بينهما من الأئمّة عليهم السلام.

وهذا الضرب من النصّ وارد من طريقي الخاصّة والعامّة.

نصّ رسول الله علي عدد الأئمّة من بعده من طريق العامّة:

فممَّا روته العامّة فيه:

* عن الشعبي، عن مسروق، قال: كنّا عند ابن مسعود، فقال له رجل: أحدَّثكم نبيّكم كم يكون بعده من الخلفاء؟ فقال له عبد الله بن

ص: 163


1- في النسخة: (بدينهم).
2- في النسخة: (المستشير).

مسعود: نعم، وما سألني عنها أحدٌ قبلك، وإنَّك لأحدث القوم سنّاً، سمعته عليه الصلاة والسلام يقول: (يكون بعدي من الخلفاء عدّة نقباء موسي عليه السلام: اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش)(1).

ورووا عن ابن مسعود من طرق أخر.

* وزاد في بعضها مسروق، قال: كنّا جلوساً إلي عبد الله يقرئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كم يملك أمر هذه الأمّة من خليفة من بعده؟ فقال له عبد الله: ما سألني أحد منذ قدمتُ العراق عن هذا، سألنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: (اثنا عشر، عدّة نقباء بني إسرائيل)(2).

* ورووا عن عبد الله بن أبي أميّة مولي بني مجاشع، عن يزيد الرقاشي(3)، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لن يزال هذا الدين قائماً إلي اثني عشر من قريش، فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها...) وساق الحديث(4).

* ورووا عن زياد بن خثيمة، عن الأسود بن سعيد الهمداني، قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش)، فقالوا له: ثمّ يكون ماذا؟ فقال: (ثمّ يكون الهرج)(5).ة.

ص: 164


1- الغيبة للنعماني: 107 من طرق العامّة.
2- مسند أحمد 1: 398.
3- في النسخة: (الرفاسي).
4- كشف الأستار للنوري: 134.
5- رواه الشيخ في الغيبة: 88؛ والنعماني في الغيبة: 103 من طرق العامّة.

* ورووا عن الشعبي، عن جابر بن سمرة أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال: (لا يزال أهل هذا الدين يُنصرون علي من ناواهم إلي اثني عشر خليفة، فجعل الناس يقومون ويقعدون)، وتكلَّم بكلمة لم أفهمها، فقلت لأبي أو لأخي: أيّ شيء قال؟ فقال: (كلّهم من قريش)(1).

* ورووا عن سمّاك بن حرب(2)، وزياد بن علاقة،(3) وحصين بن عبد الرحمن(4)، وعبد الملك بن عمير(5)، وأبي خالد الوالبي(6)، عن جابر بن سمرة، مثله.

* ورووا عن يونس بن أبي يعفور(7)، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: كنتُ عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو يخطب وعمّي جالس بين يديّ(8)، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لا يزال أمر أمّتي صالحاً حتَّي يمرّ اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش)(9).

* ورووا عن ربيعة بن سيف، قال: كنّا عند شقيق الأصبحي فقال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (يكون خلفي اثنا عشر خليفة)(10).).

ص: 165


1- رواه النعماني في الغيبة: 104 من طرق العامّة.
2- سنن الترمذي 3: 40.
3- الغيبة للنعماني: 103.
4- صحيح مسلم 6: 3.
5- صحيح البخاري 9: 101.
6- الغيبة للنعماني: 106.
7- في المستدرك: (يعقوب).
8- كذا، وفي الغيبة للنعماني: (بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم).
9- المستدرك علي الصحيحين 3: 618.
10- رواه الشيخ الطوسي في الغيبة: 89 من طرق العامّة، وفيه: (شفي الأصبحي).

* ورووا عن حمّاد بن سلمة، عن أبي الطفيل، قال: قال لي عبد الله بن عمر: يا أبا طفيل أعدد اثني عشر خليفة بعد النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، ثمّ يكون النقف والنفاق(1)(2).

في أمثال لهذه الأحاديث من طريق العامّة.

النصّ علي عدد الأئمّة من طريق الخاصّة:

ومن الشيعة ما تناصرت به روايتهم:

* عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين عليهم السلام، عن أبيه، عن جدّه عليهما السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إنّي واثنا عشر من أهل بيتي - أوّلهم علي بن أبي طالب عليه السلام - أوتاد الأرض التي أمسكها الله بها أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من أهلي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا)(3).

* وعن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (من أهل بيتي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدّثون، مفهّمون، وآخرهم القائم بالحقّ يملأها عدلاً كما ملئت جوراً)(4).

* ورووا عن أبي بصير، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال

ص: 166


1- رواه الشيخ الطوسي في الغيبة: 89 من طرق العامّة، ورواه الخطيب في تاريخ بغداد 6: 263، وفيه: (النقف والنقاف)، أي: القتل والقتال كما قيل، وفي بعض المصادر: (النفث والنفاث)، فراجع.
2- وفي رواية عبد الله بن أبي أوفي: (ثمّ يكون دواره)، أنظر: مناقب ابن شهرآشوب 1: 250؛ عنه بحار الأنوار 36: 268.
3- الكافي 1: 534؛ الغيبة للطوسي: 92 مع اختلاف يسير.
4- الكافي 1: 534؛ منتخب الأثر: 33.

رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إنَّ الله عز وجل اختار من الأيّام يوم الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختار من الناس الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل، واختار(ني) من الرسل، واختار منّي علياً، واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء عليهم السلام، وهم تسعة من ولد الحسين، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، تاسعهم باطنهم وظاهرهم، وهو قائمهم)(1).

* ورووا عن سلمان، قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقد أجلس الحسين بن علي عليهما السلام علي فخذه وتفرَّس في وجهه: ثمّ قال: (إمام ابن إمام أبو أئمّة حجج تسع، تاسعهم قائمهم، أفضلهم، أحلمهم، أعلمهم)(2).

* ورووا عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّ الله عز وجل أرسل محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم إلي الجنّ والإنس عامّة، وكان من بعده اثنا عشر وصيّاً، منهم من سبق، ومنهم من بقي، وكلّ وصيّ جرت به سُنّة، (و)الأوصياء الذين بعد محمّد صلي الله عليه وآله وسلم...)(3).

* ورووا عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يقول: كنّا عند معاوية، (أنا)(4) والحسن والحسين عليهما السلام وابن عبّاس وعمر بن أبي سلمة واُسامة بن زيد، فذكر كلاماً جري بينه وبينه، وأنَّه قال: يا معاوية سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (إنّي أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أخي علي بن أبي طالب أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه الحسن أولي بالمؤمنيني.

ص: 167


1- كمال الدين: 281.
2- مقتضب الأثر: 8 .
3- الكافي 1: 532؛ الغيبة للطوسي: 92.
4- ليست في المصدر، وأثبتناها من مصادر أخري.

من أنفسهم، فإذا استشهد فابني الحسين أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فعلي بن الحسين أولي بالمؤمنين من أنفسهم - وستدركه يا علي - ثمّ ابني محمّد بن علي أولي بالمؤمنين من أنفسهم - وستدركه يا حسين - ثمّ تكملة اثني عشر إماماً (تسعة)(1) من ولد الحسين عليه السلام).

قال عبد الله بن جعفر: فاستشهدت الحسن والحسين وعبد الله بن عبّاس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد، فشهدوا لي بذلك عند معاوية.

قال سليم: وقد كنت سمعت ذلك من سلمان وأبي ذر واُسامة بن زيد، ورووه عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم(2).

* ومنه ما تناصرت به الرواية من حديث الخضر عليه السلام وسؤاله أمير المؤمنين عليه السلام عن المسائل، فأمر الحسن عليه السلام بإجابته عنها، فأجابه، فأظهر الخضر عليه السلام بحضرة الجماعة الإقرار لله سبحانه بالربوبية، ولمحمّد صلي الله عليه وآله وسلم بالنبوّة، ولأمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين عليه السلام (و)أنَّه الخضر عليه السلام(3).

* ورووا قصَّة اللوح الذي أهبطه الله تعالي علي نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم فيه أسماء الأئمّة الاثني عشر.

* ورووا ذلك من عدّة طرق عن جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله، قال: دخلت علي فاطمة عليها السلام، وبين يديها(4) لوح فيه أسماء الأوصياء من).

ص: 168


1- سقطت من النسخة، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- أنظر: كتاب سُليم بن قيس: 361، باختلاف في الألفاظ، واتّحاد في المعني، وعنه في: الخصال 2: 477 مع اختلاف يسير؛ الكافي 1: 529؛ الغيبة للطوسي: 91.
3- الكافي 1: 525؛ كمال الدين: 213؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 53.
4- في النسخة: (يديه).

ولدها عليهم السلام، فعددت اثني عشر، أحدهم(1) القائم بالحقّ، اثنان منهم محمّد، وأربعة منهم علي(2).

* ورووا عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام، قال: (قال أبي - يعني الباقر محمّد بن علي عليهما السلام - لجابر بن عبد الله: إنَّ لي إليك حاجة، متي يخفّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ فقال له جابر: أيّ الأوقات أحببتَ، فخلي به في بعض الأيّام، فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد اُمّي فاطمة سلام الله عليها وما أخبرتك به أنَّ فيه مكتوباً؟ فقال جابر: أشهد بالله...) وساق الحديث(3).

* وممَّا رو(و)ه حديث الاثني عشر صحيفة المختومة باثني عشر خاتماً، التي نزل بها جبرئيل عليه السلام علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيعمل بما فيها (علي عليه السلام)، فإذا احتضر سلَّمها إلي الحسن عليه السلام، ففتح صحيفة وعمل بما فيها، ثمّ إلي الحسين عليه السلام، ثمّ واحداً بعد واحد إلي الثاني عشر عليهم السلام.

* ورووا عن أبي عبد الله عليه السلام من عدّة طرق قال: (إنَّ الله عز وجل أنزل علي عبده كتاباً قبل وفاته، وقال: يا محمّد، هذه وصيّتك إلي النخبة من أهلك، قال: وما النخبة(4) يا جبرئيل؟ قال: علي بن أبي طالب عليه السلام، وكان علي الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم إلي علي عليه السلام، وأمره أن يفكَّ خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففكَّ أمير المؤمنين عليه السلام الخاتم وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلي الحسن وأمره أن يفكَّ خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففكَّ الحسن عليه السلام الخاتم).

ص: 169


1- في المصدر: (آخرهم).
2- كمال الدين: 213، وفيه: (ثلاثة منهم محمّد).
3- الكافي 1: 527؛ كمال الدين: 309؛ الغيبة للطوسي: 93.
4- في النسخة بدون نقاط، وفي المصادر: (النجيب).

(وعمل بما فيه فما تعدّاه)، ثمّ دفعه إلي الحسين عليه السلام ففكَّ خاتماً فوجد فيه: أن اخرج بقوم إلي الشهادة فلا شهادة لهم إلاَّ معك، واشر نفسك لله، ففعل، ثمّ دفعه إلي علي بن الحسين عليهما السلام ففكَّ خاتماً فوجد فيه: أن اطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربّك حتَّي يأتيك اليقين، ففعل، ثمّ دفعه إلي ابنه محمّد بن علي عليهما السلام ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وأفتهم ولا تخافنَّ إلاَّ الله فإنَّه لا سبيل لأحد عليك، ثمّ دفعه إلي ابنه جعفر عليه السلام ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وافتهم وانشر علوم أهل بيتك وصدّق آبائك الصالحين، ولا تخافنَّ إلاَّ الله، وأنت في حرز وأمان، ففعل، ثمّ دفعه إلي موسي عليه السلام، وكذلك يدفعه موسي عليه السلام إلي الذي بعده، ثمّ كذلك أبداً إلي قيام المهدي عليه السلام)(1).

* وممَّا رووه عن أبي الطفيل، قال: شهدتُ جنازة أبي بكر يوم مات، وشهدت عمر حين بويع، وعلي عليه السلام جالس ناحية، فأقبل غلام يهودي جميل عليه ثياب حسان - وهو من ولد هارون عليه السلام - حتَّي قام علي رأس عمر بن الخطّاب، فقال: يا أمير المؤمنين، أنت أعلم هذه الأمّة بكتابهم وأمر نبيّهم صلي الله عليه وآله وسلم؟ فطأطأ عمر رأسه، فأعاد عليه القول.

فقال له عمر: ولِمَ ذاك؟

فقال: إنّي جئت مرتاداً لنفسي، شاكّاً في ديني، اُريد الحجّة وأطلب البرهان.

فقال له عمر: دونك هذا الشاب - وأشار إلي أمير المؤمنين عليه السلام -.

قال الغلام: ومن هذا؟

قال عمر: هذا علي بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وأبور.

ص: 170


1- الكافي 1: 279؛ كمال الدين: 232؛ علل الشرائع 1: 164 مع اختلاف يسير.

الحسن والحسين ابني رسول الله، وزوج فاطمة بنت رسول الله عليهم السلام، وأعلم الناس بالكتاب والسُنّة.

قال: فأقبل الغلام إلي علي عليه السلام، فقال له: أنت كذلك؟

فقال له علي عليه السلام: (نعم).

قال الغلام: فإنّي أريد أسألك عن ثلاث، وثلاث، وواحدة.

قال: فتبسَّم أمير المؤمنين عليه السلام وقال: (يا هاروني، ما منعك أن تقول سبعاً؟).

قال: لأنّي اُريد أسألك عن ثلاث، فإن علمتهنَّ سألتك عمَّا بعدهنَّ، وإن لم تعلمهنَّ علمتُ أنَّه ليس فيكم عالم.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أنا أسألك بالإله الذي تعبده إن أنا أجبتك عن كلّ ما تسأل عنه لتدعنَّ دينك ولتدخلنَّ في ديني؟).

قال: ما جئت إلاَّ لذلك.

قال له أمير المؤمنين عليه السلام: (سل).

فقال: أخبرني عن أوّل قطرة دم قطرت علي وجه الأرض أيّ قطرة هي؟ وأوّل عين فاضت علي وجه الأرض أيّ عين هي؟ وأوّل(1) شيء اهتزَّ علي وجه الأرض أيّ شيء هو؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: (يا هاروني، أمَّا أنتم فتقولون: أوّل قطرة قطرت علي وجه الأرض حيث قتل أحد ابني آدم عليه السلام صاحبه، وليس كذلك، ولكنَّه حيث طمثت حواء وذلك قبل أن تلد ابنيها.

وأمَّا أنتم فتقولون: أوّل عين فاضت علي وجه الأرض العين التي).

ص: 171


1- في النسخة: (وأيّ أوّل).

ببيت المقدس، وليس كذلك هو، ولكنَّها عين الحياة التي وقف عليها موسي عليه السلام وفتاه ومعهما النون المالح، فسقط منه فيها فحيي، وهذا الماء لا يصيب ميّتاً إلاَّ حيي.

وأمَّا أنتم فتقولون: أوّل شيء اهتزَّ علي وجه الأرض الشجرة التي كانت منها سفينة نوح عليه السلام، وليس كذلك هو، ولكنَّها النخلة التي اُهبطت من الجنّة، وهي العجوة، ومنها تفرَّع جميع ما تري من أنواع النخل).

فقال: صدقت والله الذي لا إله إلاَّ هو، إنّي لأجد هذا في كتب أبي هارون عليه السلام، كتابته بيده وإملاء عمّي موسي عليه السلام.

ثمّ قال: أخبرني عن الثلاث الأخر: عن أوصياء محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، وكم أئمّة عدل بعده؟ وعن منزله في الجنّة؟ ومن يكون معه ساكناً في منزله؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: (يا هاروني، إنَّ لمحمّد عليه السلام اثني عشر وصيّاً أئمّة عدل، لا يضرّهم خذلان من خذلهم، ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم، وإنَّهم أرسب(1) في الدين من الجبال الرواسي في الأرض.

ومسكن محمّد عليه السلام في جنّة عدن التي ذكرها الله عز وجل وغرسها بيده، ومعه في مسكنه فيها الأئمّة الاثنا عشر العدول).

فقال: صدقت والله الذي لا إله إلاَّ هو، إنّي لأجد ذلك في كتب أبي هارون عليه السلام، كتابته بيده وإملاء عمّي موسي عليه السلام.

فقال: أخبرني عن الواحد: كم يعيش وصيّ محمّد عليه السلام من بعده؟ وهل يموت أو يقتل؟ت.

ص: 172


1- الأرسب: الأثبت.

قال: (يا هاروني، يعيش بعده ثلاثين سنة، لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً، ثمّ يضرب ضربة هاهنا - ووضع يده علي قرنه وأومأ إلي لحيته - فتخضب هذه من هذه).

قال: فصاح الهاروني وقطع كشنيره(1) وقال: أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله، وأنَّك وصيّ رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، ينبغي أن تفوق ولا تُفاق، وأن تعظّم ولا تستضعف، وحسن إسلامه(2).

* ورووا عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعتُ علي بن الحسين عليهما السلام يقول: (إنَّ الله عز وجل خلق محمّداً عليه السلام واثني عشر من أهل بيته من نور عظمته، فأقامهم أشباحاً في ضياء نوره يعبدونه ويسبّحونه ويقدّسونه، وهم الأئمّة من بعد محمّد صلي الله عليه وآله وسلم)(3).

* ورووا عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم اثنا عشر إماماً كلّهم محدّث، ورسول الله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام هما الوالدان)(4).

* ورووا عن الحسن بن العبّاس بن الحريش، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن موسي عليهم السلام، قال: (إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لابنر.

ص: 173


1- كذا يقرء ما في النسخة، وهذه الجملة لم تُذكر في المصادر التي نشير إليها في الذيل إلاَّ الكافي بهذه العبارة: (وقطع كستيجه)، وهو كما في الوافي: خيط غليظ يشدّه الذمّي فوق ثيابه دون الزنار.
2- الكافي 1: 530؛ كمال الدين: 300؛ الخصال: 476؛ الغيبة للنعماني: 97؛ مقتضب الأثر: 14 - 17 مع اختلاف يسير.
3- الكافي1: 530؛ كمال الدين: 318 مع اختلاف يسير.
4- الكافي 1: 533؛ الغيبة للطوسي: 97 مع اختلاف يسير.

عبّاس: إنَّ ليلة القدر في كلّ سنة، وإنَّه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، وكذلك ولاة الأمر(1) بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

قال ابن عبّاس: مَن هم؟

قال: (أنا وأحد عشر من صلبي محدّثون)(2).

* وبإسناده، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأصحابه: (آمنوا بليلة القدر، فإنَّها تكون بعدي لعلي بن أبي طالب وولده، وهم أحد عشر من بعده عليهم السلام)(3).

* ورووا عن أبي بصير، (عن) أبي جعفر عليه السلام، قال: (يكون تسعة أئمّة بعد الحسين عليه السلام، تاسعهم قائمهم)(4).

* ورووا عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (الأئمّة اثنا عشر إماماً، منهم الحسن والحسين، ثمّ الأئمّة من ولد الحسين عليهم السلام)(5).

في أمثال لهذه الروايات الواردة من طريقي الخاصّة والعامّة.

* * *

ومعلوم أنَّ ورود الخبر متناصراً بنقل الدائن بضمنه والمخالف في معناه برهان صحَّته، إذ لا داعي للمحجوج به إلاَّ الصدق الباعث علي روايته.

وإذا ثبت صدق نقلته اقتضي إمامة المذكورين فيه، لكونه نصَّاً علي عدد لم يشركهم فيه أحد حسب ما قدَّمناه(6).م.

ص: 174


1- في الغيبة للطوسي: (ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله).
2- الغيبة للطوسي: 93؛ الكافي 1: 533.
3- كمال الدين: 281؛ الكافي 1: 533.
4- الغيبة للنعماني: 94؛ الخصال: 480؛ الكافي 1: 532.
5- الكافي1: 533 مع اختلاف يسير؛ الخصال: 480، وفيه: (منهم علي والحسن والحسين).
6- أي: ما سبق من الروايات من طريق العامّة والخاصّة حول عدد الأئمّة عليهم السلام.
نصّ أبيه عليه بالإمامة وشهادة المقطوع بصدقهم بإمامته:

والضرب الثاني من النصّ: نصّ أبيه عليه بالإمامة، وشهادة المقطوع بصدقهم بإمامته.

فأمَّا النصّ من أبيه:

* فما روي من عدّة طرق، عن محمّد بن علي بن بلال، قال: خرج إليَّ من أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده(1).

* ورووا عن عدّة طرق، عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمّد عليه السلام: جلالتك تمنعني عن مسألتك، فتأذن إلي أن أسألك؟

فقال: (سل).

فقلت: يا سيّدي هل لك ولد؟

قال: (نعم).

قلت: فإن حدث أمر فأين أسأل عنه؟

فقال: (بالمدينة)(2).

* ورووا من عدّة طرق، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله، قال: خرج من أبي محمّد عليه السلام حين قتل الزبير(ي): (هذا جزاء من اجتري(3) علي الله تعالي في أوليائه، يزعم(4) أنَّه يقتلني وليس لي عقب، كيف رأي قدرة الله فيه؟).

ص: 175


1- الكافي 1: 328؛ الإرشاد: 328.
2- الكافي 1: 328 مع اختلاف يسير؛ الغيبة للطوسي: 139؛ الإرشاد: 328.
3- في الكافي: (افتري).
4- في الكافي: (زعم).

قال: ولد له ولد سمّاه باسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وذلك في سنة ستّ وخمسين ومائتين(1).

* ورووا عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفر(ي)، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: (الخلف من بعدي الحسن عليه السلام، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟).

فقلت: ولِمَ جُعلت فداك؟

قال: (لأنَّكم لا ترون شخصه، ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه).

فقلت: كيف نذكره؟

فقال: (قولوا: الحجّة من آل محمّد عليهم السلام)(2).

* ورووا عن عمرو الأهوازي، قال: أراني أبو محمّد عليه السلام ابنه عليه السلام، فقال: (هذا صاحبكم بعدي)(3).

* ورووا عن نصر بن علي(4) العجلي، عن رجل من أهل فارس سمّاه، قال: أتيتُ سُرَّ من رأي ولزمتُ باب أبي محمّد عليه السلام، فدعاني فدخلت عليه وسلَّمت، فقال: (ما الذي أقدمك؟).

قال: قلت: رغبة في خدمتك.

قال: فقال لي: (الزم الدار).

قال: فكنت مع الخدم في الدار، ثمّ صرت أشتري لهم الحوائج من السوق، وكنتُ أدخل من غير إذن إذا كان في الدار رجال.).

ص: 176


1- الكافي 1: 514؛ الإرشاد: 329؛ كمال الدين: 430 مع اختلاف يسير.
2- الكافي 1: 332؛ كمال الدين: 648؛ الإرشاد: 329 مع اختلاف يسير.
3- الكافي 1: 328؛ الإرشاد: 329.
4- في الكافي وكمال الدين: (ضوء بن علي).

قال: فدخلتُ عليه يوماً وهو في دار الرجال، فسمعتُ حركةً في البيت، فناداني: (مكانك لا تبرح)، فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج، فخرجَتْ عليَّ جارية معها شيء مغطّي، ثمّ ناداني: (اُدخل)، فدخلتُ، فنادي الجارية، فرجعت فدخلت إليه، فقال لها: (اكشفي عمَّا معك)، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، فكشف أبو محمّد عليه السلام عن بطنه، فإذا شعر نابت من لبَّته إلي سرَّته أخضر ليس بأسود، فقال: (هذا صاحبكم)، ثمّ أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك حتَّي مضي أبو محمّد عليه السلام(1).

في أمثال لهذه النصوص.

وأمَّا شهادة المقطوع بصدقهم، فمعلوم لكلّ سامع لأخبار الشيعة تعديل أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام جماعة من أصحابه، وجعلهم سفراء بينه وبين أوليائهم، والأمناء علي قبض الأخماس والأنفال، وشهادته بإيمانهم وصدقهم فيما يؤدّونه عنه إلي شيعته.

وأنَّ هذه الجماعة شهدت بمولد الحجّة ابن الحسن عليه السلام، وأخبرت بالنصّ عليه من أبيه عليهما السلام، وقطعت بإمامته، وكونه الحجّة المأمول للانتصار من الظالمين.

فكان ذلك منهم نائباً مناب نصّ أبيه عليه السلام لو كان مفقوداً، إذ لا فرق في ثبوت الحكم بين أن ينصّ عليه حجّة معلوم العصمة لكونه نبيّاً أو إماماً، وبين أن ينصّ عليه منصوصٌ علي صدقه بقول نبيّ أو إمام.

والجماعة المذكورة(2): أبو هاشم داود بن قاسم الجعفري،5.

ص: 177


1- الكافي 1: 329؛ كمال الدين: 436.
2- روي الصدوق في كمال الدين روايات عدَّ فيها أكثر هذه الجماعة ممَّن رأي القائم عليه السلام، راجع كمال الدين: 442 و443 و445 و435.

ومحمّد بن علي بن بلال، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمّان، وابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان، وعمرو الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمّد الوجنائي(1)، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمّد بن إبراهيم.

نصّ آبائه عليه بغيبته وصفتها:

وأمَّا الضرب الثالث من النصّ، فهو ما ورد عن آبائه عليهم السلام من النبيّ وأمير المؤمنين إلي ابنه الحسن بن علي عليهم السلام: بغيبة الحجّة قبل وجوده، وصفتها قبل مولده، ووقوع ذلك مطابقاً للخبر، من غير أن ينخرم منه شيء.

وهذا الضرب من النصّ دالّ علي إمامته، وكونه المهدي المأمول إهلاك الظالمين، لثبوت النصّ بغيبته القصري والطولي المختصّة به، ومطابقتها للخبر عنها.

* فمن ذلك ما رواه الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الخارقي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: (لقائم آل محمّد عليه السلام غيبتان: واحدة طويلة، والأخري قصيرة).

قال: فقال لي: (نعم يا أبا بصير إحداهما أطول من الاُخري، ثمّ لا يكون ذلك - يعني ظهوره - حتَّي يختلف ولد فلان وتضيق الحلقة(2)، ويظهر السفياني، ويشتدّ البلاء، ويشمل الناس موت وقتل يلجأون فيه إلي حرم الله وحرم رسوله صلي الله عليه وآله وسلم)(3).

ص: 178


1- في إثبات الهداة 3: 587 نقلاً عن تقريب المعارف: (الوجباني).
2- في النسخة: (ويضيق الخلقة).
3- الغيبة للنعماني: 172 مع اختلاف يسير.

* وروي عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (يفسد الناس ثمّ يصلحها الله بعد أمن ولدي، خامل الذكر، لا أقول خاملاً في حسنه ولا موضعه، ولكن في حداثة سنّه، ويكون ابتداء أمره باليمن).

* ورووا عن الأصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته ينكت في الأرض، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك مفكّراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها؟

قال: ((لا)(1) والله ما رغبتُ (فيها ولا)(2) في الدنيا قطّ، ولكنّي (تفكَّرت)(3) في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر بعدي، وهو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملأت جوراً وظلماً، يكون له حيرة وغيبة تضلّ بها أقوام، ويهتدي بها آخرون)، قلت: يا أمير المؤمنين: إنَّ هذا لكائن؟ قال: (نعم، كما أنَّه مختوم)(4).

* ورووا عن زرارة، قال: سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ للغلام غيبة قبل أن يقوم).

قلت: ولِمَ؟

قال: (يخاف - وأومأ بيده إلي بطنه -)، ثمّ قال: (يا زرارة، وهوة.

ص: 179


1- ما بين المعقوفتين أثبتناه من عدّة مصادر، منها: الغيبة للطوسي: 165؛ والغيبة للنعماني: 61؛ والاختصاص: 209.
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق.
4- الغيبة للطوسي: 104؛ كمال الدين: 289، وفيهما: (كما أنَّه مخلوق)، ولعلَّ الصحيح: (محتوم) بالحاء المهملة.

المنتظر، وهو الذي يشكّ الناس في ولادته، فمنهم من يقول: مات أبوه ولا خلف له، ومنهم من يقول: مات أبوه وهو حمل، ومنهم من يقول: هو غائب قد ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر عليه السلام(1)، غير أنَّ الله يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون(2).

* ورووا عن المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (أقرب ما يكون العبد من الله سبحانه أرضي ما يكون عنه، وأرضي ما يكون عنه إذا افتقد حجّة الله سبحانه فلم يظهر له ولم يعلم مكانه وهو في ذلك يعلم أنَّه لم تبطل حجّة الله تعالي وبيّناته(3)، فعندها توقَّعوا الفرج، وقد علم أنَّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنَّهم يرتابون ما غيَّبه عنهم طرفة عين، ولا تكون الغيبة إلاَّ علي رؤوس شرار الناس(4).

* ورووا عن حنان بن سدير(5)، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ في القائم سُنّة من يوسف عليهما السلام).

قلت: كأنَّك تذكر حيرة(6) أو غيبة؟

قال: (وما تنكر ذلك من هذه الأمّة أشباه الخنازير، إنَّ إخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء، فتاجروا يوسف وبايعوه، فدخلوا عليه وهم إخوته فلم يعرفوه حتَّي قال لهم: (أَنَا يُوسُفُ)، فما تنكر هذه الأمّة).

ص: 180


1- في النسخة: (المنتظم)، ولعلَّ الصحيح ما أثبتناه، ولعلَّه: (المنتقِم).
2- الكافي1: 342 و347؛ كمال الدين: 342 و346؛ الغيبة للنعماني 166.
3- في الأصل: (بنيانه).
4- كمال الدين: 339 و337.
5- في المصادر التي نشير إليها في الذيل: (عن فضالة، عن سدير الصيرفي).
6- في الكافي: (تذكره حياته أو غيبته؟).

الملعونة أن يكون الله تعالي يريد أن يستر حجّته في وقت من الأوقات، لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد الله أن يعلمه مكانه لقدر علي ذلك، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلي مصر، فما تنكر هذه الأمّة الملعونة أن يفعل الله لحجّته عليه السلام ما فعل بيوسف عليه السلام، فيكون يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتَّي يأذن الله سبحانه أن يعرّفهم نفسه كما أذن ليوسف عليه السلام، فقالوا له: (أََنْتَ يُوسُفُ)؟ قال: (أَنَا يُوسُفُ))(1).

* ورووا عن فرات بن أحنف رفعه إلي أمير المؤمنين عليه السلام، قال: ذكر القائم من ولده فقال: (ليغيبنَّ حتَّي يقول الجاهل ما لله في آل محمّد عليه السلام حاجة)(2).

* ورووا عن المفضَّل، قال: سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول: (أمَا والله ليغيبنَّ القائم عنكم سنيناً من دهركم حتَّي يقال: مات أو قُتل (هلك)(3) بأيّ وادٍ سلك؟، ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين، ولتمحّصنَّ ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر)(4).

* ورووا عن الأصبغ، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (صاحب هذا الأمر الشريد الطريد الفريد الوحيد)(5).3.

ص: 181


1- الكافي1: 336؛ كمال الدين: 144 و341.
2- كمال الدين: 302 و303.
3- ليست في النسخة، وما أثبتناه من مصادر أخري.
4- الكافي 1: 336؛ كمال الدين: 347.
5- كمال الدين: 303.

* ورووا عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (في صاحب الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء: سُنّة من موسي، وسُنّة من عيسي، وسُنّة من يوسف، وسُنّة من محمّد صلي الله عليه وآله وسلم وعلي جميع أنبياء الله ورسله، فأمَّا موسي عليه السلام فخائف يترقَّب، وأمَّا عيسي عليه السلام فيقال: مات ولم يمت، وأمَّا يوسف عليه السلام فالغيبة عن أهله بحيث لا يعرفونه، وأمَّا محمّد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فالسيف)(1).

* ورووا عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لا بدَّ (ل-)صاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بدَّ له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة)(2).

* ورووا عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والأخري طويلة، الاُولي يعلم مكانه خاصَّته وأولياؤه)(3).

* ورووا عن أيّوب بن نوح، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إنّي أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن(4) يسوقه الله إليك بغير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك، فقال: (ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب وأشير إليه بالأصابع وسُئل عن المسائل وحُملت إليه الأموال إلاَّ اغتيل أو مات علي فراشه، حتَّي يبعث الله لهذا الأمر غلاماً منّا خفي المولد والمنشأ غير خفي في نسبه)(5).

* ورووا عن عبد الله بن عطاء، (عن أبي جعفر)، قال: قلت له: إنَّ شيعتك بالعراق كثيرة، فوَالله ما في أهل بيتك مثلك، فكيف لا تخرج؟0.

ص: 182


1- راجع: كمال الدين: 326 و350؛ الغيبة للنعماني: 164؛ الغيبة للطوسي: 40؛ منتخب الأثر: 301.
2- الكافي 1: 340؛ الغيبة للنعماني 188.
3- الغيبة للنعماني: 170؛ الكافي 1: 340.
4- في النسخة: (كأن).
5- الكافي 1: 341؛ كمال الدين: 370.

فقال: (يا عبد الله بن عطاء، قد أخذت تفرش اُذنيك للنوكي، أي والله ما أنا بصاحبكم).

قلت له: فمن صاحبنا؟

قال: (اُنظروا من عَمي علي الناس أمر ولادته فذلك صاحبكم، إنَّه ليس منّا أحد يشار إليه بالأصابع ويمضغ بالألسن إلاَّ مات غيظاً أو رغم أنفه)(1).

* ورووا عن يمان التمّار، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسّك فيها بدينه كخارط القتاد بيده)، ثمّ قال: (هكذا بيده، فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده؟)، ثمّ قال: (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتَّق الله عبد وليتمسَّك بدينه)(2).

* ورووا عن عبيد بن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم (ف-)(3) يراهم ولا يرونه)(4).

* ورووا عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (والله لا ينوّه باسم رجل منّا فيكون صاحب هذا الأمر حتَّي يأتي الله سبحانه به من حيث لا يعلم الناس).

* ورووا عن علي بن مهزيار، قال: كتبت إلي أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفرج؟ فقال: (إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقَّعوا الفرج)(5).

* ورووا عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعتُ0.

ص: 183


1- الكافي 1: 342؛ الغيبة للنعماني: 167 و168.
2- الكافي1: 336؛ كمال الدين: 346.
3- أثبتناه من مصادر أخري.
4- كمال الدين: 346؛ الكافي 1: 338.
5- كمال الدين: 380.

أبا الحسن العسكري عليه السلام يقول: (الخلف من بعدي الحسن عليه السلام، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟)

فقلت: ولِمَ؟

قال: (لأنَّكم لا ترون شخصه ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه)(1).

في أمثال لهذه الروايات الدالّة علي تخصّص الإمامة بعد الحسن عليه السلام وإلي الآن بالحجّة بن الحسن عليهما السلام.

ظهور معجزاته علي أيدي سفرائه:

وممَّا يدلُّ علي إمامته ظهور الأعلام علي أيدي سفرائه:

* فمن ذلك ما رووه عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار، قال: شككتُ بعد مضي أبي محمّد عليه السلام، فاجتمع عند أبي مال جزيل، فحمله وركب في السفينة، فخرجتُ معه مشيعاً، فوعك وعكاً شديداً، فقال: يا بني ردّني فهو الموت، وقال لي: اتّق الله في هذا المال، وأوصي إليَّ ومات، فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلي العراق فأكتري داراً علي الشطّ، فلا اُخبر أحداً بشيء، فإن وضح لي شيء كوضوحه أيّام أبي محمّد عليه السلام أنفذته، وإلاَّ أنفقته، فقدمتُ العراق، واكتريتُ داراً علي الشطّ، وبقيت أيّاماً، فإذا أنا برقعة مع رسول فيها: يا محمّد معك كذا وكذا، حتَّي نصَّ جميع ما معي ممَّا لم أحط به علماً، فسلَّمت المال إلي الرسول وبقيت أيّاماً لا يرفع بي رأس(2)، فاغتممت، فخرج إليَّ: (قد أقمناك مكان أبيك، فاحمد الله)(3).

ص: 184


1- الكافي 1: 332.
2- في النسخة: (رأساً).
3- الغيبة للطوسي: 171.

* ورووا عن أبي عبد الله الشيباني(1)، قال: أوصلت أشياء للمرزباني، وكان فيها سوار ذهب، فقبلت وردَّ عليَّ السوار، فأمرتُ بكسره فكسر، فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس وصفر، وأخرجت ذلك منه، وأنفذت الذهب فقبل(2).

* ورووا عن علي بن محمّد(3)، قال: أوصل رجل من أهل السواد مالاً، فردَّ عليه، وقيل له: (أخرج حقّ بني عمّك منه، وهو أربعمائة درهم)، وكان الرجل في يده ضيعة لولد عمّه فيها شركة قد حبسها عليهم، فنظر، فإذا لولد عمّه في ذلك المال أربعمائة درهم، فأخرجها وأنفذ الباقي، فقبل(4).

* ورووا عن القاسم(5) بن العلاء، قال: وُلد لي عدّة بنين، فكنت أكتب وأسأل الدعاء، فلا يكتب إليَّ بشيء، فماتوا كلّهم، فلمَّا وُلد لي الحسن ابني(6) كتبتُ أسال الدعاء فاُجبت، فبقي والحمد لله(7).

* ورووا عن علي بن الحسين اليماني، قال: كنت ببغداد، فاتَّفقت قافلة اليمانيين(8)، فأردتُ الخروج معهم، فكتبتُ ألتمس الإذن في ذلك، فخرج: (لا تخرج معهم، فليس لك في الخروج معهم خيرة، وأقم بالكوفة)، قال: فأقمت، وخَرَجت القافلة، فخرج عليهم حنظلة فاجتاحتهم.).

ص: 185


1- في الكافي: (النسائي)؛ وفي الوافي: (النسابي)؛ وفي الإرشاد وبحار الأنوار: (السياري).
2- الكافي 1: 518؛ الإرشاد: 331؛ الوافي 2: 203؛ بحار الأنوار 51: 297.
3- في النسخة: (عليهما السلام)، وهو اشتباه واضح.
4- الكافي1: 519؛ الإرشاد: 331؛ الوافي 2: 203.
5- في النسخة: (أبي القاسم).
6- في النسخة: (ابني عليه السلام)، وهو اشتباه.
7- الكافي1: 519؛ والإرشاد: 331.
8- في الكافي والإرشاد: (فتهيَّأت قافلة لليمانيين).

قال(1): وكتبتُ أستأذن في ركوب الماء، فلم يؤذن لي، فسألت عن المراكب التي خرجت في تلك السنة في البحر، فما سلم منها مركب، خرج عليها قوم يقال لهم: البوارح فقطعوا عليها(2).

* ورووا عن الحسن بن الفضل بن يزيد الهمداني(3)، قال: كتب أبي بخطّه كتاباً فورد جوابه، ثمّ كتب بخطّي فورد جوابه، ثمّ كتب بخطّ رجل جليل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه، فنظرتُ فإذا العلّة في ذلك أنَّ الرجل تحوَّل (بين ذلك)(4) قرمطيّا (5).

* ورووا عن الحسن بن الفضل، قال: وردت العراق وزرت طوس(6)، وعزمت أن لا أخرج إلاَّ عن بيّنة من أمري ونجاح من حوائجي، ولو احتجت أن أقيم بها حتَّي أتصدَّق، قال: وفي خلال ذلك يضيق صدري بالمقام، وأخاف أن يفوتني الحجّ، قال: فجئتُ يوماً إلي محمّد بن أحمد أتقاضاه، فقال لي: صرْ إلي مسجد كذا وكذا فإنَّه يلقاك رجل، قال: فصرت إليه، فدخل عليَّ رجل، فلمَّا نظر إليَّ ضحك وقال: لا تغتمّ فإنَّك ستحجُّ في هذه السنة وتنصرف إلي أهلك وولدك سالماً، فاطمأنَّت نفسي وسكن قلبي، فقلت: أري(7) مصداق ذلك إن شاء الله.).

ص: 186


1- الراوي في الرواية السابق.
2- الكافي1: 519؛ الإرشاد 332.
3- في الكافي: (الحسن بن الفضل بن زيد اليماني)، وفي الإرشاد: (الهماني).
4- كذا في المصدر، ولم ترد في المصادر الأخري: (بين ذلك)، ولعلَّ المقصود: (بعد ذلك).
5- الكافي1: 520؛ الإرشاد: 332؛ وبحار الأنوار 51: 309.
6- في الكافي 1: 520: (فزرت العراق ووردت طوس)، وفي كشف الغمّة: (وردت العراق وعزمت...) ولم تذكر: (طوس)، والظاهر أنَّها زائدة لعدم انتظام السياق.
7- في الكافي: (وأقول ذا مصداق)؛ وفي الإرشاد: (قلت: هذا مصداق).

قال(1): ثمّ وردت العسكر فخرجت إليَّ صرّة فيها دنانير وثوب، فاغتممت وقلت في نفسي: جزائي عند القوم هذا، واستعملت الجهل فرددتها وكتبت رقعة، ثمّ ندمتُ بعد ذلك ندامة شديدة وقلت في نفسي: كفرت بردّي علي مولاي عليه السلام، ثمّ كتبت رقعة اُخري أعتذر من فعلي وأبوء بالإثم وأستغفر من ذلك وأنفذتها، وقمت أتطهَّر للصلاة وأنا في ذلك اُفكر في نفسي وأقول: إن رُدَّت عليَّ الدنانير لم أحلل صرارها ولم اُحدث فيها حدثاً حتَّي أحملها إلي أبي فإنَّه أعلم منّي فيعمل فيها بما يشاء، فخرج إليَّ الرسول الذي حمل إليَّ الصرّة وقيل له: (أسأتَ إذ لم تعلم الرجل أنّا ربَّما فعلنا ذلك بموالينا من غير مسألة ليتبرَّكوا به)، وخرج إليَّ: (أخطاتَ في ردّك برّنا، فإذا استغفرت الله فالله يغفر لك، فأمَّا إذا كانت عزيمتك وعقد نيّتك ألاَّ تحدث فيها حدثاً ولا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك، فأمَّا الثوب فلا بدَّ منه لتحرم فيه).

قال(2): وكتبت في معنيين، وأردت أن أكتب في الثالث فامتنعتُ منه مخافة أن يكره ذلك، فورد جواب المعنيين والثالث الذي طويتُ مفسّراً والحمد لله(3).

* ورووا عن الحسن بن عبد الحميد، قال: شككتُ في أمر حاجز بن يزيد، فجمعتُ شيئاً ثمّ صرت إلي العسكر، فخرج إليَّ: (ليس فينا شكّ ولا في مَن يقوم مقامنا بأمرنا قادرين(4)، فاردد ما معك إلي حاجز بن يزيد)(5).3.

ص: 187


1- الراوي في الرواية السابقة.
2- الراوي في الرواية السابقة.
3- الكافي 1: 520؛ الإرشاد: 332 مع اختلاف يسير.
4- كذا في المصدر، ولم ترد في المصادر الأخري، ولعلَّها زائدة.
5- الكافي 1: 520؛ الإرشاد 333.

* ورووا عن بدر غلام أحمد بن الحسن، قال: وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة، اُحبّهم جملة، إلي أن مات يزيد بن عبد الله، فأوصي في علّته أن يعطي الشهري السمنَد(1) وسيفه ومنطقته إلي مولاه، فخفتُ إن أنا لم أدفع الشهري إلي إذكوتكين(2) نالني منه استخفاف، فقوَّمتُ الدابّة والسيف والمنطقة بسبع مائة دينار في نفسي ولم أطلع عليه أحداً، فإذا الكتاب قد ورد عليَّ من العراق: أن (وجّه السبع مائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة)(3).

* ورووا عن أبي محمّد الحسن بن عيسي العريضي، قال: لمَّا مضي أبو محمّد عليه السلام ورد رجل من مصر بمال إلي مكّة للناحية، فاختلف عليه، فقال بعض الناس: إنَّ أبا محمّد عليه السلام مضي من غير ولد، والخلف من بعده جعفر، وقال بعضهم: مضي أبو محمّد عليه السلام عن ولدٍ هو خلفه، فبعث رجلاً يكنّي أبا طالب، فورد العسكر ومعه كتاب، فصار إلي جعفر، فسأله عن برهان، فقال: لا يتهيَّأ في هذا الوقت، فصار إلي الباب وأنفذ الكتاب إلي أصحابنا، فخرج إليه: (آجرك الله في صاحبك فقد مات، وأوصي بالمال الذي كان معه إلي ثقة ليعمل فيه بما يحبّ)، واُجيب عن كتابه(4).

* ورووا عن الحسن بن خفيف، عن أبيه، قال: بعث حرم(5) إلي المدينة).

ص: 188


1- الشهري بالضمّ: ضرب من البرذون، والسمند فرس له لون معروف.
2- كان من أمراء الترك من أتباع بني العبّاس.
3- الكافي1: 522؛ الإرشاد: 334.
4- الكافي1: 523؛ الإرشاد: 335 مع اختلاف يسير.
5- في الكافي: (بعث بخدم إلي).

مدينة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ومعهم خادمان، فكتب إلي خفيف أن أخرج معهم، فلمَّا وصلوا إلي الكوفة شرب أحد الخادمين مسكراً، فما خرجوا من الكوفة حتَّي ورد كتاب من العسكر بردَّ الخادم الذي شرب المسكر وعزله عن الخدمة(1).

* ورووا عن محمّد بن شاذان النيسابوري، قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص منه عشرون درهماً، فأنفتُ أن أبعث بها ناقصة، فوزنت من عندي عشرين درهماً وبعثتُ بها إلي الأسديّ ولم أكتب مالي فيها، فورد: (وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهماً)(2).

* ورووا عن الحسن(3) بن محمّد الأشعري، قال: كان يرد إليَّ كتاب أبي محمّد عليه السلام في الإجراء علي الجنيد قاتل فارس(4) وأبي الحسن(5)، فلمَّا مضي أبو محمّد عليه السلام ورد استيناف من الصاحب عليه السلام بالإجراء علي أبي الحسن وصاحبيه(6)، ولم يرد في أمر الجنيد شيء، فاغتممت لذلك، فورد نعي الجنيد بعد ذلك، فإذا قطع جارِيه إنَّما كان لوفاته(7).

* ورووا عن عيسي بن نصر، قال: كتب علي بن زياد الصيمري يسأل كفناً، فكتب إليه: (إنَّك تحتاج إليه في سنة ثمانين)، وبعث إليه الكفن قبل موته (بأيّام)(8).2.

ص: 189


1- الكافي 1: 523؛ بحار الأنوار 51: 310.
2- الكافي 1: 523؛ الإرشاد: 335.
3- في الكافي: (الحسين).
4- كذا في الكافي والإرشاد، وفي الأصل: (الجنيد وفاتك وفارس).
5- في الكافي: (وآخر).
6- في الكافي والإرشاد: (وصاحبه).
7- الكافي1: 524؛ الإرشاد: 335.
8- الكافي1: 524؛ الغيبة للطوسي: 172.

* ورووا عن محمّد بن هارون بن عمران الهمداني، قال: كان للناحية عليَّ خمسمائة دينار، فضقتُ بها ذرعاً، ثمّ قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتُها بخمسمائة دينار وثلاثين ديناراً قد جعلتها للناحية بخمسمائة، ولا والله ما نطقت بذلك، فكتب إلي محمّد بن جعفر: (اقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عنده)(1).

* ورووا أنَّ قوماً وشوا إلي عبيد الله بن سليمان الوزير بوكلاء النواحي وقالوا: الأموال تجبي إليهم، وسمّوا له جميعهم، فهمَّ بالقبض عليهم، فخرج الأمر من السلطان: اطلبوا أين هذا الرجل فإنَّ هذا أمر غليظ.

فقال عبيد الله بن سليمان: نقبض علي مَن ذكر أنَّه من الوكلاء.

فقيل له: لا ولكن دسّوا إليهم قوماً لا يعرفون بالأموال فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه، فلم يشعر الوكلاء بشيء حتَّي خرج إليهم: ألاَّ تأخذوا من أحد شيئاً، وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر، وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك، فاندسَّ لمحمّد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به، فقال: معي مال أريد أن أصله، فقال له محمّد: غلطتَ أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطَّف به ومحمّد يتجاهل عليه، وبثّوا الجواسيس، فامتنع الوكلاء كلّهم لِما كان تقدَّم إليهم، ولم يظفر بأحد منهم(2)، وظهرت بعد ذلك الحيلة عليهم وأنَّها لم تتمّ(3).

* ورووا عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، قال: خرج النهي عن زيارة مقابر قريش والحائر علي ساكنيها السلام، ولم يُعرف).

ص: 190


1- الكافي1: 524.
2- الكافي1: 525.
3- في الأصل: (لم تنم).

السبب، فلمَّا كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطاني(1) وقال له: الق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزورون مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يتفقَّد كلّ مَن زار فيقبض عليهم(2).

في أمثال لهذه الروايات، إيراد جميعها يخرج عن الغرض، وفي بعض ما ذكرناه كفاية.

إثبات تواتر هذه الأخبار:

وليس لأحد أن يقول: جميع ما ذكرتموه من أخبار النصوص والمعجزات أخبار آحاد، وهي مع ذلك مختصَّة بنقلكم، وما هذه حاله لا يلزم الحجّة به.

لأنَّ هذا القدح دعوي مجرَّدة، ومَن تأمَّل حال ناقلي هذه الأخبار علمهم متواترين بها علي الوجه الذي تواتروا به من نقل النصّ الجليّ، وقد بيَّنا صحَّة الطريقة فيه، فلنعتمدها هنا عند الحاجة، ومساوٍ لنقل معجزات النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، ومَن لم يتأمَّل ذلك وأعرض عنه لبعض الصوارف فالحجّة لازمة له، ولا عذر له في جهله بما يقتضيه، لتمكّنه من تحصيل العلم به لو نظر علي الوجه الذي يجب عليه.

وإذا ثبت تواترها، لم يقدح فيه اختصاص نقلها بالفرقة الإماميّة دون غيرها، لأنَّ المراعي في صحَّة النقل وقوعه علي وجه لا يجوز علي ناقليه الكذب، سواء كانوا أبراراً أو فجّاراً، متديّنين بما نقلوه أو مخالفين فيه، وهذا الطعن...(3).

ص: 191


1- في الكافي: (الباقطائي).
2- الكافي 1: 525؛ الغيبة للطوسي: 173؛ الإرشاد: 336.
3- في النسخة وردت جملة مشوشة المعني، هي: (اجمع في المعجزات هو ما قدَّمناه سقط من أصله).

الحكمة في غيبته:

وأمَّا الكلام في القسم الثاني، وهو بيان الحكمة في غيبة الحجّة وسقوط الشبهة بها، فعلي الجملة والتفصيل.

أمّّا الجملة، فإذا تقرَّرت إمامة صاحب الزمان عليه السلام بالأدلّة العقلية والسمعية، واقتضي كونه المعصوم فيما قال وفعل الموثّق(1) فيما يأتي...(2).

وجب القطع علي حسن ذلك، وسقوط التبعة عنه، وإسناده إلي وجه حكمي له حسنت الغيبة، ولم يجز لمكلَّف عَلِمَ ذلك أن يشكّ في إمامته لغيبةٍ أو يرتاب بوجوده لتعذّر تميّزه ومكانه، لأنَّ حصول ذلك عن عذر لا ينافي وجود الغائب ولا يقدح في إمامته الثابتين بالأدلّة، كما لا يقدح إيلام الأنمال(3) وذبح البهائم وخلق الموذيات في حكمة القديم سبحانه الثابتة بالبرهان، وكذلك خوف النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في حال واستتاره في اُخري ومهادنته في اُخري، وتباين ما أتي به من العبادات والأحكام لا ينافي نبوّته ولا يقدح في حجّته الثابتين بالأدلّة.

وإن كان غير عالم بوجود الحجّة وإمامته فلا سؤال له في غيبته، إذ الكلام فيها وهل هي حسنة أم قبيحة فرع لوجوده وثبوت حجّته، ففرضنا مع هذا الجاهل بإمامة الحجّة إيضاح الأدلّة علي إمامته وفرضه أن ينظر فيها، فإن يفعل يعلم من ذلك ما علمناه ويسقط عنه شبهة الفرع لثبوت الأصل، وإن لا يفعل يكن محجوبا (4) في الأصل والفرع.

ص: 192


1- في النسخة: (الموفق).
2- وردت عبارة مشوَّشة المعني، هي: (ويدر وتعذر تعيين شخصه لمكلَّف حجّته ومكانه والرشد إليهما).
3- كذا في النسخة.
4- كذا في النسخة، ولعلَّه: (محجوجاً).

وهذا القدر من الجملة كافٍ في سقوط جميع ما يتعلَّقون به من الشبه في إمامة الحجّة عليه السلام، وغيبته عن رعيَّته، واستمرارها، وعدم اللطف بالظهور، وارتفاع الحفظ والتبليغ للشريعة معها، وانتفاء الإرشاد والتنبيه والقيام بما يلزم(1) الإمام من الأمر والنهي، وإقامة الحدود والجهاد، وقبض الحقوق، وطول عمر الحجّة.

لأنَّ ذلك أجمع ليس بقبيح في جنسه، وإنَّما يقبح لوقوعه علي وجه مخصوص ويحسن لآخر، وإذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يعلم ثبوت وجه الحسن في جميعه وبين أن يعلم استناده إلي معصوم لا يجوز عليه فعل القبيح، كعلمنا ذلك في جميع تأثيرات(2) الأنبياء عليهم السلام، إذ تقدير فرق بين الأمرين متعذّر، وهذا أحسم لمادّة الشغب وأبعد من الشبه.

من أسباب الغيبة الخوف وعدم الناصر:

وأمَّا التفصيل، فإنَّ(3) حسن غيبة الخائف من الضرر القويّ الظنّ بكون الغيبة مؤمنة له منه، فمعلوم ضرورة وجوبها عليه(4) فضلاً (عن) حسنها، لكونها محرزاً من ضرر، وأمَّا ثبوت ذلك في غيبة الصاحب عليه السلام فمختصّ به عليه السلام لكلّ ذي ظنّ لخوف، ويحرز منه لا يفتات(5) عليه فيه(6).

علي أنّا إذا كنّا وكلّ مخالط متأمّل بقدم وجوده أو تأخّره نعلم

ص: 193


1- في الأصل: (يكرم).
2- كذا.
3- في النسخة: (وإن).
4- في النسخة: (عليها).
5- فلان لا يفتات عليه: لا يعمل شيء دون أمره. (الصحاح 1: 260).
6- كذا وردت العبارة في النسخة.

نصّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة من ذريتهما عليهم السلام: علي إمامة الثاني عشر، وكونه المزيل لجميع الدول والممالك، الجامع للخلق علي الإيمان بالقهر والاضطرار، علمنا توفّر دواعي كلّ ذي سلطان وتابع له إلي طلبه وتتبّع آثاره وقتل المتّهم بنصرته، لما نجدهم عليه من حبّ الرئاسة وإيثارها علي الآخرة وقلّة الفكر في العاقبة، وتأييدها بقطع الأرحام وهجر الأحباب وبذل الأنفس والأموال وقتل الأبرار وتعظيم الفجّار.

وارتفع الريب عنّا بوجوب استتاره ما استمرَّ هذا الخوف إلي أن يعلم بشاهد الحال أو بغير ذلك وجود أنصار(1) يتمكَّن بمثلهم من تأدية الفرض من جهاد الكفّار، أو توبة المتغلّبين من ذوي السلطان، فحينئذٍ يظهر منتصراً للحقّ كظهور كلّ من الأنبياء وخلفاء الله في الأرض عليهم السلام بعد الخوف والاضطرار.

وليس لأحد أن يقول: فما بال الموجودين من شيعته الذين قد ملأوا الأرض لم ينصروه علي أعدائه؟ وما باله هو عليه السلام لم يظهر منتصراً بهم؟ ففي بعضهم نصرة.

لأنَّه ليس كلّ متديّن بإمامته عليه السلام يصلح للحرب وينهض نعت القتال ويقوي علي مجالدة الأقران، ولا كلّ مقتدر علي ذلك يوثق منه بنصرة الحقّ وبذل النفس والأموال والحميم وهجر طيب العيش في اتّباعه وإيثاره علي هذه الأمور مع ما فيه من عظيم الكلفة.

وكيف يظنّ ذلك مَن يعلم ضرورة كون أكثر شيعته ذوي مهن).

ص: 194


1- في النسخة: (أنصاف).

وضعف عن الانتصار من أضعف الظالمين، ومَن لا يثبت(1) الجمع الكثير منهم كواحد من أتباع المتغلّبين، ومَن يظنّ به النصرة من نفسه من شيعة الحجّة عليه السلام - لكونه ممارساً لآلات الحرب مخالطاً لأصحاب الدول - هو تبعٌ للضلال وباذل نفسه في نصرة الفجّار ومعونتهم علي مظالم العباد، ومَن يرجي معونته بماله من ذوي اليسار منهم معلوم كونهم أو معظمهم مانعاً لما يجب للحجّة عليه في ماله من حقوق الخمس والأنفال التي لو أخرجوها لأوشك ظهور الحجّة عليه السلام، لتمكّنه بها من الانتصار.

ولا عذر لأحد ممَّن ذكرناه، لتمكّن كلّ منهم من النظر في الأدلّة الموصلة إلي العلم بالحجّة، وما يجب له عليه، وبذل الجهد من نفسه، وتأدية الواجب عليه، وإخلاص النيّة لنصرته، وتمرين العامي نفسه علي ما معه يستطيع النصرة من معاناة آلات الحرب ورياضة في عادتها.

فلو فعل المكلَّفون أو أكثرهم أو مَن يصحّ به الانتقام من الباقين ما يجب عليه ممَّا ذكرناه لظهر الحجّة عليه السلام وغلب كلمة الحقّ.

ولمَّا لم يفعلوا ما يستطيعونه من تكليفهم، ثبت تقصير كلّ منهم، وكونه مستحقّاً للوزر، وإخلاله بالواجب عليه، وتأثيره في غيبة الحجّة عليه السلام كتأثير العدوّ المعلن.

وإذا لحق أكثر الأولياء بحكم الأعداء في تسبيب الغيبة، سقط الاعتراض بكثرتهم.

وحصول الغيبة للخوف الذي بيَّناه لا يمنع من العلم بإمامة الغائب عليه السلام وثبوت وجوده، لوقوف ذلك علي الأدلّة التي سلّمت دون الغيبة والظهور الذين لا تعلّق لهما بثبوت حجّة ولا انتفائها كسائر المعلومات بالأدلّة.ا.

ص: 195


1- كذا.

كيفية الجمع بين فقد اللطف بعدم ظهوره وثبوت التكليف:

وأمَّا فقد اللطف بظهوره متصرّفاً ورهبةً لرعيّته مع ثبوت التكليف الذي وجوده مرهوباً لطف فيه مع عدمه، فإنَّ اختصاص هذا اللطف بفعل المكلَّف لتمكّنه من إزاحة علّة نفسه بمعرفة الحجّة المدلول علي وجوده وثبوت إمامته وفرض طاعته، وما في ذلك من الصلاح وقدرته علي الإنقياد وحسن تكليفه ما تمكين الإمام وإرهابه أهل البغي لطف فيه، وإن كانا مرتفعين بغيبته الحاصلة عن جناية المكلَّف عن(1) نفسه، فالتبعة عليه دون مكلّفه سبحانه، ودون الحجّة الملطوف له بوجوده.

وتكليفه لازم له وإن فقد لطفه بالرئاسة، لوقوف المصلحة في ذلك علي إيثاره معرفة الإمام والإنقياد له باختياره دون إلجائه، كسائر المتعلّقة بفعل الملطوف له من المعارف العقلية والعبادات الشرعية المعلوم حسن تكليف ما هي لطف فيه من الضروريات، وإن انتفي العلم والعمل بها من الملطوف له بها، لكونه قادراً علي الأمرين وفاقداً للاستصلاح بهما بسوء نظره لنفسه وقبيح اختياره.

العلّة في عدم منع الله من يريد الحجّة بسوء:

وليس لأحد أن يقول: ألا أيَّد الله سبحانه الحجّة الملطوف بسلطانه للخلق، أو منع منه (مَن) يريده بالسوء ليتمّ الصلاح ويحسن التكليف؟

لأنَّ هذا وإن كان مقدوراً له تعالي، و(لكنَّ) المصلحة في غيره، لوقوفها علي اختيار المكلَّف دون إلجائه، كسائر المعارف العقلية والتكاليف الشرعية المتعلَّق كونها مصلحة بفعل المكلَّف دون مكلّفه

ص: 196


1- كذا في النسخة، والظاهر أنَّ الصحيح: (علي).

سبحانه، وتكليفه الضروري ثابت وإن فقد لطفه، لتعلّق فقدانه به دون القديم سبحانه.

فكما (1) أنَّ سؤال مَن قال: هلاَّ فعل الله العلم الضروري بجملة المعارف للكفّار، واضطرَّ الكلّ إلي فعل الشرعيات وترك قبائحها لتتمّ المصلحة ويحسن تكليفهم ما هذه المعارف والشرايع لطف فيه ساقط؟ فكذلك سؤال من قال: هلاَّ جبر الله تعالي الرعيّة علي طاعة الرئيس ومنعهم من ظلمه؟ إذ كان العذر في الموضعين واحداً.

إمكان ظهوره لأوليائه في زمن الغيبة:

وليس لأحد أن يقول: فهب تكليف أعدائه مع غيبته عليه السلام لازم، لتقصيرهم عن الواجب من تمكينه، فما بال أوليائه العارفين به المتديّنين بطاعته يمنعون لطفهم بظهوره لهم بجناية غيرهم، ويلزمهم تكليف ما ظهور الإمام لطف فيه مع غيبته بجريرة سواهم، ومقتضي الألطاف عندكم بخلاف هذا.

لأنّا لا نقطع علي غيبة الإمام عليه السلام عن جميعهم، بل يجوز ظهوره لكثير منهم، ومن لم يظهر له منهم فهو عالم بوجوده ومتديّن بفرض طاعته وخائف من سطوته، لتجويزه ظهوره له ولكلّ مكلَّف في حال منتصراً منه إن أتي جناية أو من غيره من الجناة، فغيبته عنده علي هذا التقدير كظهوره في كونه مزجوراً معها، بل حاله مع الغيبة أبلغ في الزجر، من حيث كانت حال الظهور تقتضي اختصاص الحجّة لمكان معلوم وخلوّه ممَّا عداه، وفي حال الغيبة لا مكلَّف من شيعته إلاَّ ويجوز

ص: 197


1- في النسخة: (فكأنَّما).

اختصاص الإمام بما يليه من الأمكنة ولا يأمن ظهوره فيها، وإذا كانت هذه حال أوليائه عليه السلام في زمان الغيبة حسن تكليفهم ما وجود الإمام لطف فيه وإن كان غائباً، لحصول صلاحهم فيها بالظهور.

حفظ الشريعة في حال الغيبة:

وأمَّا حفظه عليه السلام الشريعة وتبليغها في حال الغيبة، فإنَّها لم تحصل له إلاَّ بعد تبليغ آبائه جميع الشريعة إلي الخلق وإبانتهم عن أحكامها وإيداع شيعتهم من ذلك ما يزاح به علّة كلّ مكلَّف وحفظهم عليهم السلام عليهم في حال وجودهم، وحفظه هو عليه السلام بعد فقدهم بكونه من وراء الناقلين وأحد المجمعين من شيعته وشيعة آبائه عليهم السلام، فقام والحال هذه إجماع العلماء من شيعته وتواترهم بالأحكام عن آبائه عليهم السلام، مع كونه حافظاً من ورائهم مقام مشافهة الحجّة، ووجب علي كلّ مكلَّف العمل بالشريعة الرجوع إلي علماء شيعته والناقلين عن آبائه عليهم السلام، لكونه آمناً من الخطأ فيما أجمعوا عليه، لكون الحجّة المأمون واحداً من المجمعين وفيما تواتروا به عن الصادقين من آبائه عليهم السلام، لصحَّة الحكم المعلوم بالتواتر إسناده إلي المعصوم في تبليغه المأمون في أدائه وقطع علي بلوغه جملة ما تعبّد به(1) من الشريعة، لوجود الحجّة المعصوم المنصوب لتبليغ الملّة وبيان ما لا يعلم إلاَّ من جهته وإمساكه عن النكير فيما أجمعوا عليه وفقد فتياه بخلاف له أو زيادة فيه.

فمن أراد الشريعة في حال الغيبة فالطريق إليها ما ذكرناه والحجّة به قائمة، ولا معضل ولا مشكل إلاَّ وعند العلماء من شيعته منه تواتر

ص: 198


1- كذا في الأصل، وفي كشف القناع: (ما يعتدّ به).

ولهم(1) علي الصحيح منه برهان، مَن طلب ذلك ظفر به ظفر العلماء من شيعته، ومن عدل عنه ورغب عن الحجّة مع لزومها له بتخويف شيعته، ووضوح الحقّ علي جملة الشريعة(2) وقيام البرهان علي جميعها، فالتبعة عليه لتقصيره عمَّا وضح برهان لزومه له والمحنة بينهم وبين منكر ذلك.

وقد استوفينا ما يتعلَّق بهذا الفصل في كتاب العمدة ومسألتي الشافية والكافية، وأوضحنا عن ثبوت الحجّة به، وأسقطنا ما يتعلَّق به من الشبه، فذكرها ها هنا يخرج عن الغرض، ومريده يجده هناك مستوفي.

حكم تنفيذ الأحكام وإرشاد الضالّ وحقوق الأموال في حال الغيبة:

وأمَّا تنفيذه صلي الله عليه وآله وسلم الأحكام وردع الجناة باليد العالية وإقامة الحدود وجهاد الأعداء، فساقط (عنه) عليه السلام، لتقيّته وقصور يده بإخافة الظالمين له وأعوانهم، ولا تبعة عليه في شيء من ذلك، لوقوف فرضه علي التمكّن منه باتّفاق، بل التبعة فيه علي مخيفه ومسبب ضعفه عن القيام بما جعل إليه تنفيذه مع التمكّن منه، كسقوط ذلك عن كلّ نبيّ ووصيّ ومؤمن في حال الخوف والضعف عن القيام به، ولزوم التبعة للمانع من ذلك بإخافته، إذ كان ذلك أجمع من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتعلّق فرضها بالتمكّن منها وعدم المفسدة، دون الحجّة عليه السلام الممنوع من ذلك بالخوف والاضطرار.

وأمَّا إرشاد الضالّ عن الحقّ إليه، فالأدلّة علي التكليف العقلي ثابتة، والتخويف من ترك النظر فيها حاصل، والبراهين علي الحقّ من

ص: 199


1- في النسخة: (وهم).
2- في كشف القناع: (ووضوح الحقّ في جملة علي جهله مواصل الشريعة وقيام).

التكليف الشرعي قائمة، والتخويف من الأعراض ثابت ظاهر، وإن كان الحجّة غائباً.

فمَن ضلَّ عن تكليف عقلي أو شرعي والحال هذه اُتي من قبل نفسه ولم يجب علي الإمام إرشاده، لكونه قادراً علي النظر في أدلّة المعارف ومستطيعاً لتأمّل(1) فتيا الشيعة وما يستند إليه من وجود الحجّة المعصوم من ورائهم، وفرض النظر في ذلك مضيّق عليه بالتخويف الشديد من تركه، فلو فعل كلّ مكلَّف ما يجب عليه منه لعلم ما يلزم من تكليفه عقلاً وسمعاً، ولما لم يفعل، فالحجّة لازمة له، ولا عذر له في تقصيره عمَّا يجب عليه علمه وعمله، وإن كان الإمام عليه السلام غائباً.

وأمَّا حقوق الأموال الواجب حملها إليه، ففرض قبضها وتصرّفها في وجوهها موقوف علي تمكّنه صلوات الله عليه وآله من ذلك، و(مع) عدم التمكين له (ف-)(2) التبعة علي مسبب هذا المنع، ولا تبعة عليه، كما لا تبعة علي مَن قبله من آبائه عليهم الصلاة والسلام ومَن قبلهم من أنبياء الله وحججه عليهم السلام، وفرض مكلّف ذلك إخراج ما تعيَّن عليه فرضه من الزكاة والفطرة وشطر الخمس إلي من يستحقّه، وهم معروفون منصوص علي أعيانهم وصفاتهم في الكتاب والسُنّة المعلومة بنقل آبائه عليهم السلام، فإن جهل حالهم سأل علماء العصابة عنهم، أو حمل ما يجب عليه من الحقوق إليهم فيضعوه في مستحقّيه، وعزل ما يستحقّه الإمام عليه السلام من الخمس والأنفال من جملة المال، وأحرزه وانتظر به التمكّن من إيصالها.

ص: 200


1- في الأصل: (التأمّل).
2- ليست في الأصل، وأثبتناها لاقتضائها.

إليه أو إلي مَن يأذن له قبضه، والوصيّة به إن خاف الفوت قبل ذلك، كسائر الحقوق المتعذّر معرفة مستحقّها بعينه، فإن ضعف عن ذلك، حمله إلي المأمون من فقهاء الطائفة ليحكم فيه بما شرع له، وأيّ الأمرين فعل برأت ذمّته ممَّا وجب من حقوق الأموال.

ردّ من قال: لا حاجة إلي الحجّة:

وليس لأحد أن يقول: فإذا كان التكليف العقلي والسمعي ثابتاً، والطريق إليهما واضحاً في زمان الغيبة، فلا حاجة بالمكلَّفين فيها إلي الحجّة، لصحَّة التكليف من دونه، وهذا ينقض قولكم بوجوب الحاجة إليه في كلّ حال.

لأنّا قد بيَّنا قبح التكليف العقلي من دون الرئاسة، لكونها لطفاً في فعل الواجب وترك القبيح، وقولنا الآن بإمكان العلم بالتكليف العقلي في حال الغيبة منفصل من حصول اللطف برئاسة الغائب بغير شبهة علي متأمّل، ولزوم التكليف به لعدوّه ووليّه في زمان الغيبة لا يقتضي القدح في وجوب وجوده، لأنَّ تقدير عدمه يقتضي سقوط تكليفها أو ثبوته من دون اللطف، وكذلك قد بيَّنا أنَّ العلم بوصول المكلَّف إلي جملة التكليف الشرعي لا يمكن مع عدم الحجّة المنصوص لحفظه وإن علم أحكاماً كثيرة، لتجويزه بقاء أكثر ما كلَّفه من الشرعيات لم يصل إليه، فكيف يعترض علينا لقولنا بلزوم التكليفين في زمان الغيبة وإمكان العلم بهما، فيقال: ذلك مقتض للاستغناء عن الإمام مع وقوف التكليفين علي وجوده وإن كان غائباً عليه السلام، لو لا غفلة الخصم؟

ص: 201

ردّ من قال: لا حاجة إلي ظهور الحجّة:

وليس لأحد أن يقول: فإذا كنتم معشر القائلين بإمامة الحجّة ابن الحسن عليهما السلام حال الغيبة عندكم كحال الظهور في إزاحة العلّة في التكليفين عقلاً وسمعاً، بل قد رجَّحتم الغيبة في بعض المواضع علي الظهور، فلا حاجة بكم خاصّة إلي ظهوره، ولا وجه لتمنّيكم ذلك ورغبتكم إلي الله تعالي فيه.

لأنّا وإن كانت علَّتا (1) مزاحة في تكليفنا علي ما وضح برهانه، ففي ظهور الحجّة علي الوجه الذي نصّ عليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فوائد كثيرة، وتكاليف تتعيَّن بظهوره ومنافع حاصلة بذلك ليس شيء منها حاصلاً في حال الغيبة.

لأنَّه عليه السلام يظهر لزوال دول الظالمين المخيفين لشيعته وذراري آبائه عليهم السلام، ورفع جورهم بعدله وإبطال أحكام أهل الضلال بحكم الله والسيرة بالملّة الإسلاميّة التي لم يحكم بجملتها منذ قبض الله نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم.

ومنها: الأمر بكلّ معروف، والنهي عن كلّ منكر، وجهاد الكفّار، مع سقوط ذلك أجمع عنّا في حال الغيبة، وهذه أحكام تثبت، وحقوق تظهر، وقبائح ترتفع، وتكاليف تتعيَّن بظهوره ليست حاصلة في حال غيبته.

ومنها: زوال الخوف عن شيعته وذرية آبائه عليه السلام بظهور سلطانه، وارتفاع التقيّة بدولته، وسهولة التكليف الشرعي ببيانه، وسقوط كلفة النظر الشاقّ في الأدلّة الموصلة إليه في حال غيبته.

ومنها: براءة الذمم من الحقوق الواجبة له في الأموال المتعذّر إيصالها إليه في زمان الغيبة.

ومنها: ظهور الدعوة إلي جملة الحقّ في المعارف والشرائع بظهوره،

ص: 202


1- كذا في النسخة المطبوعة، والظاهر أنَّها: (علّة).

والفتيا بذلك والعمل بها في جميع الأرض مع ارتفاع ذلك في حال الغيبة.

وهذه فوائد عظيمة، لها رغِبنا إلي الله تعالي في ظهوره لنفوز بها، ونكون من أنصاره عليها، فنحظي بثواب نصرته، ونسرّ بنفوذ حكم الله، وظهور عدله عليه السلام.

مسألة طول الغيبة وطول عمر الحجّة:

وأمَّا طول الغيبة وتراخي الزمان بها، فلثبوت الواجب لها، واستمراره من إخافة الظالمين، وإصرارهم علي الظلم والعزم علي استيصال الحجّة، وإذا كان ماله وجبت الغيبة مستمراً حسن لذلك استمرارها، وكانت التبعة علي موجب ذلك دون الحجّة المضطر إليها.

وأمَّا طول العمر وبقاء الشباب مع كونه خلافاً للعادات، فلا قدح به، لكونه مقدوراً للقديم سبحانه وشائعاً في حكمه، وإنَّما يفعل منه من طول وقصر وشيخوخة وتبقية شباب ما يقتضي المصلحة فعله، لكون ذلك موقوفاً علي مقدوره تعالي المعلوم حسن جميعه، وتعلّقه بمقدوره تعالي بغير شبهة علي موحد.

وإنَّما استبعد ذلك ملحد يضيف التأثيرات إلي الطبائع أو الكواكب، فأمَّا مَن أثبت صانعاً قادراً لنفسه فشبهته في ذلك ساقطة، ولم يبقَ إلاَّ استبعاده في العادة مع المنع من خرق العادات لغير الأنبياء عليهم السلام، وكلا الأمرين ساقط:

أمَّا استبعاده في العادة، فالمعلوم خلافه.

لإجماع الأمّة علي طول عمر نوح عليه السلام، وأنَّه عاش ألفاً ومائتين، وقد نطق القرآن بنبوّته في قومه داعياً ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً، ولا

ص: 203

شبهة في وجوده حيّاً قبل الدعوة وبعد الطوفان.

وأجمع العلماء بالنقل علي كون الخضر عليه السلام حيّاً باقياً إلي الآن، وهو علي ما وردت الروايات به من ولد الثاني(1) من ولد نوح عليه السلام، ويكفي كونه صاحباً لموسي بن عمران عليه السلام باقياً إلي الآن.

وقد تواتر الخبر وأجمع أهل السيرة علي طول عمر لقمان الحكيم عليه السلام، وأنَّه عاش عمر سبعة أنسر، وفيه يقول الأعشي، شعر:

لنفسك أن تختار سبعة أنسر * إذا ما مضي نسر خلوت إلي نسر

فعمَّر حتَّي خال أنَّ نسوره * خلود وهل تبقي النفوس علي الدهر

وقال لأدناهنَّ إذ حلَّ ريشه * هلكت وأهلكت ابن عاد وما تدري(2)

وإنَّما اختلفوا في عمر النسر، ففيهم من قال: ألف سنة، وفيهم من قال: خمس مائة سنة، وأقلّ ما روي: أنَّ عمر السبعة الأنسر الذي عاشه لقمان ألف وخمسون ومائة سنة.

وقد تناصرت الروايات بطول عمر سلمان الفارسي رضي الله عنه، وأنَّه لقي من لقي المسيح عليه السلام، وعاش إلي خلافة عمر بن الخطّاب.

ونقل الكلّ من أصحاب الحديث أو من تثبت بنقله الحجّة من الفرق المختلفة أخبار المعمّرين ودوَّنوا أشعارهم وأخبارهم.

فمن ذلك: عمرو بن حممة الدوسي، عاش أربع مائة سنة حاكماً علي العرب، وهو ذو الحلم الذي يقول فيه المتلمّس(3) اليشكري، شعر:ر.

ص: 204


1- كذا في النسخة.
2- كنز الفوائد: 249، المعمّرون: 4 و5؛ كمال الدين 2: 559.
3- في النسخة المطبوعة: (الملتمس)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * وما علَّم الإنسان إلاَّ ليعلما (1)

وهو القائل:

كبرتُ وطال العمر حتَّي كأنَّني * سليم أفاع ليله غير مودع

فما الموت أفناني ولكن تتابعت * عليَّ سنون من مصيف ومربع

ثلاث مئين قد مررن كواملاً * وها أنا هذا أرتجي مرَّ أربع(2)

ومنهم: الحارث بن كعب بن عمرو بن وعلة بن خالد بن مالك بن أدد المذحجي، وكان من حكماء العرب وفصحائهم، وهو القائل، شعر:

أكلتُ شبابي فأفنيته * وأمضيتُ بعد دهور دهورا

ثلاثة أهلين صاحبتهم * فبادوا وأصبحت شيخاً كبيرا

عسير القيام قليل الطعام(3) * قد ترك الدهر خطوي قصيرا

أبيت أرعي(4) نجوم السما * اُقلّب أمري بطوناً ظهورا (5)

ومنهم: المستوغر، وهو عمرو بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد بن(6) مناة بن تميم بن مرّة بن أدّ بن طلحة(7) بن إلياس بن مضر.

عاش ثلاث مائة، وأدرك أوّل الإسلام، وروي أنَّه مات قبل ظهور النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، وهو القائل، شعر:).

ص: 205


1- المعمرون والوصايا: 58.
2- كنز الفوائد: 250؛ المعمّرون والوصايا: 58.
3- في المصادر الأخري: (قليل الطعام عسير القيام...).
4- كذا، وفي المصادر الأخري: (اُراعي).
5- كنز الفوائد: 251؛ المعمّرون والوصايا: 124؛ أمالي المرتضي 1: 232 و233.
6- في أمالي المرتضي: (زيد مناة).
7- في أمالي المرتضي: (طابخة بن الياس).

ولقد سئمتُ من الحياة وطولها * وعَمِرتُ من عدد السنين مئينا

مائة أتت من بعدها مائتان لي * وازددتُ من عدد الشهور سنينا

هل ما بقي إلاَّ كما قد فاتنا * يوم يكرّ وليلة تحدوها (1)

ومنهم: دويد بن زيد بن نهد بن(2) سود بن أسلم بن ألحاف بن قضاعة بن مالك بن مرّة بن مالك بن حمير.

عاش أربع مائة سنة وستّاً وخمسين سنة، وهو القائل، الشعر:

اليوم يبني لدويد بيته .............................(3)

إلي قوله، شعر:

لو كان للدهر بليً أبليته * أو كان قرني واحداً كفيته(4)

ومن قوله، شعر:

ألقي عليَّ الدهر رجلاً ويدا * والدهر ما أصلح يوماً أفسدا

يفسد ما أصلحه اليوم غدا (5)

ومنهم: زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن ألحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرّة بن زيد بن مالك بن حمير، عاش مائتي سنة، وواقع مائتي وقعة، وكان سيّداً مطاعاً شريفاً في قومه،7.

ص: 206


1- المعمّرون: 12 - 14؛ أمالي المرتضي 1: 234؛ كمال الدين 2: 561.
2- في أمالي المرتضي: (نهد بن زيد بن ليث بن أسود).
3- في أمالي المرتضي 1: 171: (يا رب نهب صالح حويته...).
4- المعمّرون والوصايا: 26؛ أمالي المرتضي 1: 236 و237.
5- كنز الفوائد: 250؛ المعمّرون والوصايا: 25؛ أمالي المرتضي 1: 237.

ويقال: كانت فيه عشر خصال، لم يجتمعن في غيره من أهل زمانه: كان سيّد قومه، وشريفهم، وخطيبهم، وشاعرهم، ووافدهم إلي الملوك، وطبيبهم، وكاهنهم، وفارسهم، وله البيت فيهم، والعدد منهم. وله حِكم ووصايا وأشعار مشهورة. فمن قوله، شعر:

لقد عمَّرت حتَّي ما اُبالي * أحتفي في صباحي أو مسائي

وحقّ لمن أتت مائتان عاماً * عليه أن يملَّ من الثواء(1)

ومنهم: ذو الأصبع العدواني، واسمه حرثان بن محرّث بن الحارث بن ربيعة بن وهب بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عبّاد بن يشكر بن عدوان، وكان شاعراً فصيحاً ومن حكماء العرب، عاش مائة سنة وسبعين سنة، وفي رواية أبي حاتم أنَّه عاش ثلاث مائة سنة، ومن حسن شعره:

لا يبعدنَّ عهد الشباب ولا * لذّاته ونباته(2) النضر

هزئت أثلية أن(3) رأت هرمي * وأن انحني لتقادم ظهري

* * *

أكاشر ذا الطعن(4) المبيّن عنهم * وأضحك حتَّي يبدو الناب أجمع

وأهدنه بالقول هدناً ولو يري * سريرة ما اُخفي لبات يفزّع(5)

ومنهم: الربيع بن ضبع الفزاري، روي أنَّه دخل علي عبد الملك بن1.

ص: 207


1- المعمّرون والوصايا: 34؛ أمالي المرتضي 1: 238 - 241.
2- في النسخة: (وبيانه).
3- في النسخة: (هربت أثلية إذا).
4- كذا في الأصل، وفي أمالي المرتضي وبحار الأنوار: (الضغن).
5- أمالي المرتضي 1: 244 - 251.

مروان، فقال له: يا ربيع أخبرني عمَّا أدركتَ من العمر ورأيتَ من الخطوب الماضية؟

فقال: أنا الذي أقول، شعر:

ها أنا ذا آمل الخلود وقد * أدرك عقلي ومولدي حُجرا

فقال عبد الملك: قد رويت هذا من شعرك وأنا صبيّ، يا ربيع لقد طلبك جدّ غير عاثر ففصّل لي عمرك.

فقال: عشت مائتي سنة في فترة عيسي عليه السلام وعشرين ومائة في الجاهلية وستّين في الإسلام، وهو القائل، شعر:

إذا كان الشتاء فأدفئوني * فإنَّ الشيخ يهدمه الشتاء

وأمَّا حين يذهب كلّ قرّ * فسربالٌ خفيف أو رداء

إذا عاش الفتي مائتين عاماً * فقد ذهب المسرّة(1) والفتاء(2)

ومنهم: عبد المسيح بن بقيلة، واسمه ثعلبة بن عمرو بن قيس بن حيّان، عاش ثلاث مائة سنة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام فلم يسلم وكان نصرانياً، وبني له قصراً بالحيرة، وعاش إلي خلافة عمر، ولمَّا نزل خالد بن الوليد بالحيرة صالحه علي مائة ألف درهم، فقال في ذلك، شعر:

أبعد المنذرين أري سوا ما * تروّح بالخورنق والسدير

تحاماه فوارس كلّ قوم * مخافة ضيغم علي الزئير

إلي قوله:0.

ص: 208


1- في معظم المصادر: (اللذاذة) بدلاً من (المسرة)، وفي بعضها: (فقد أودي المسرة).
2- كمال الدين 2: 549 و550؛ أمالي المرتضي 1: 253 - 255؛ المعمّرون: 8 : 10.

نؤدّي الخرج بعد خراج كسري * وخرج من قريظة والنضير

كذاك الدهر دولته سجال * فيوم من مساة أو سرور(1)

ومنهم: النابغة الجعدي، واسمه قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ويكنّي أبا ليلي، وأدرك الإسلام فأسلم، وهو القائل، شعر:

تذكَّرت والذكري تهيج علي الهوي * ومن حاجة المحزون أن يتذكّرا

نداماي عند المنذر بن محرق * أري اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا (2)

كهول وفتيان كأنَّ وجوههم * دنانير ممَّا شيف في أرض قيصرا

وله أيضاً:

لبست اُناسا فأفنيتهم * وأفنيت بعد اُناس اُناساً

ثلاثة أهلين أفنيتهم * وكان الإله هو المستآسا

يعني المستعاض، وله:

ولقد شهدتُ عكاظ قبل محلّها * فيها وكنت اُعدّ مفتيان(3)

والمنذر بن محرّق في ملكه * وشهدت يوم هجائن النعمان

وعمَّرت حتَّي جاء أحمد بالهدي * وقوارع تتلي من القرآن(4)

ومنهم: أكثم بن صيفي الأسدي، عاش ثلاث مائة سنة وثلاثين6.

ص: 209


1- أمالي المرتضي 1: 260 - 262.
2- في أمالي المرتضي: (أقفرا).
3- كذا في المصدر، وفي المصادر الأخري: (من الفتيان)، (ملفتيان)، (م الفتيان)، (في الفتيان).
4- أمالي المرتضي 1: 263 - 266.

سنة، وأدرك النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وآمن به قبل أن يلقاه، وله أحاديث كثيرة وحِكم، وهو القائل، شعر:

وإنَّ امرءاً قد عاش تسعين حجَّة * إلي مائة لم يسأم العيش جاهل

مضت مائتان بعد عشر وفازها (1) * وذلك من عدّ الليالي قلائل(2)

ومنهم: صيفي بن رباح، عاش مائتي سنة وسبعين سنة، لا ينكر من عقله شيء، وهو في بعض الروايات ذو الحلم الذي يقول المتلمّس اليشكري فيه البيت السالف(3).

ومنهم: ضبيرة بن سعد بن سهم بن عمرو، عاش مائتي سنة وعشرين سنة ولم يشب، وأدرك الإسلام ولم يسلم، ومات أسود الشعر صحيح الأسنان، فرثاه ابن عمّه قيس بن عديّ فقال، شعر:

مَن يأمن الحدثان بعد * ضبيرة السهمي ماتا

سبقت منيّته المشيب * فكان ميتته افتلاتا

فتزوّدوا لا تهلكوا * من دون أهلكم خفاتا (4)

ومنهم: شريح بن هاني بن نهيك بن دريد بن سلمة، أدرك الإسلام، وقتل في ولاية الحجّاج، وهو القائل، شعر:

قد عشتُ بين المشركين أعصرا * ثمَّت أدركت النبيّ المنذرا

وبعده صدّيقه وعمرا * (ويوم مهران ويوم تسترا)5.

ص: 210


1- في كمال الدين: (خلت مائتان غير ست وأربع).
2- كنز الفوائد: 249؛ المعمّرون: 14 - 25؛ كمال الدين 2: 570.
3- كمال الدين 2: 570؛ الوصايا: 146.
4- الغيبة للطوسي: 81؛ كمال الدين 2: 565؛ المعمّرون: 25.

والجمع من صفّينهم والنهرا

هيهاتَ ما أطول هذا عمرا (1)

ومنهم: الحارث بن مضاض الجرهمي(2)، عاش أربع مائة سنة، وأدرك الإسلام ولم يسلم، وقتل يوم حنين، وهو القائل، شعر:

حرب عوان ليتني فيها جدع...(3)

وإذا كان ما ذكرناه من أعمار هؤلاء معلوماً لكلّ سامع للأخبار، وفيهم أنبياء صالحون وكفّار معاندون وفسّاق معلنون، سقط دعوي خصومنا كون عمر الغائب خارقاً العادة، لثبوت أضعاف ما انتهي إليه من المدّة لأبرار وفجّار.

علي أنَّ خرق العادة علي غير الأنبياء عليهم السلام إنَّما يمنع منه المعتزلة وإخوانها الخوارج إذا تكاملت فيه شروط المعجز، وطول عمر الحجّة عليه السلام خارج من قبيل الإعجاز بغير شبهة، لانفصاله من دعواه، بل هو مستحيل(4)، لأنَّ تأخّر الدعوي ومضيّ العمر الخارق للعادة لا يؤثّر شيئاً، لوجوب تقدّم الدعوي بخرق العادات المفعول للتصديق عقيبها، وتقدّم الدعوي بطول العمر لا يجدي شيئاً، لتعرّيها من برهان صحَّته، ولوقوعها علي ما لم يحصل إلاَّ بعد أزمان.

اللهم إلاَّ أن يجعل جاعل طول عمره عليه السلام مدّة معلومة دلالة علي صدقه بعد مضيّ الزمان الذي أخبر به، غير أنَّ هذا المعجز من قبيل الإخبار بالغائبات دون طول العمر.ا.

ص: 211


1- كمال الدين: 558.
2- راجع ترجمته في تذكرة الخواصّ: 365؛ المعمّرون: 8 .
3- في المصادر أنَّ هذا البيت ل- (دريد بن الصمة)، والشطر الثاني فيه: (أخب فيها وأضع). أنظر: تفسير القمي 1: 286.
4- كذا.

أو يجعل جاعل ظهوره عليه السلام بعد طول المدّة شابّاً قويّاً معجزاً، فيصحّ ذلك، إلاَّ أنَّه مختصّ بزمان ظهوره دون زمان غيبته.

وبعد، فلو سلَّمنا أنَّ طول عمر الغائب عليه السلام المدّة التي بلغها أحد مَن ذكرناه من المعمّرين وأضعافها خارقاً للعادة علي ما اقترح علينا، وأنَّه من قبيل الإعجاز، لم يقدح ذلك في شيء ممَّا قدَّمناه، لجواز ظهور المعجز عندنا علي الأبرار، فضلاً عن الحجج والصالحين حسب ما دللنا عليه في ماضي كتابنا هذا وأوضحناه.

كيف يمكن معرفة الحجّة عند ظهوره:

فإن قيل: فهب أنَّكم تعلمون تخصيص حجّة الإمامة في هذا الزمان بابن الحسن عليه السلام، فكيف لمن ظهر له من خاصّته في زمان الغيبة بمعرفته ولجميع شيعته وغيرهم حين الظهور العام.

قيل: لا بدَّ في حال ظهوره الخاصّ والعام من معجز يقترن به ليعلم الخاصّ والعام من شيعته وغيرهم عند تأمّله كونه الحجّة بعينه، إذ كان النصّ المتقدّم من الكتاب والسُنّة والاعتبار العقلي دلالة علي إمامته وتخصيص الحجّة علي الجملة، ولا طريق لأحد من المكلَّفين منها إلي تعيّنه، وكذلك وجب ظهور المعجز مقترناً بظهوره عليه السلام.

* * *

ص: 212

كنزُ الفوائد

اشارة

للإمام أبي الفتح الشيخ محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي المتوفي 449 ه-

ص: 213

ص: 214

فصل: الكلام في الغيبة وسببها

اشارة

فصل: الكلام في الغيبة وسببها(1)

إن قال قائل: ما السبب الموجب لغيبة صاحب الزمان عليه وعلي آبائه أفضل السلام؟

قيل له: لا يسأل عن هذا السؤال إلاَّ من قد أعطي صحَّة وجود الإمام وسلَّم ما نذكره من غيبته من الأنام، لأنَّ النظر في سبب الغيبة فرع عن كونها، فلا يجوز أن يسأل عن سببها من يقول إنَّها لم تكن.

وكذلك الغيبة نفسها فرع عن صحَّة الوجود، إذ كان لا يصحّ غيبة من ليس بموجود، فمن جحد وجود الإمام (فلا يصحّ كلامه في ما بعد ذلك من هذه الأحوال، فقد بان أنَّه لا بدَّ من تسليم الوجود والإمامة).

والغيبة إمَّا تسليم دين واعتقاد ليكشف السائل عن السبب الموجب للاستتار، وإمَّا أن يكون تسليم نظر واحتجاج لينظر السائل عن السبب إن كان كلامنا في الفرع ملائماً للأصل وأنَّه مستمر عليه من غير أن يضادّه وينافيه.

فإن قال السائل: أنا أسلّم لك ما ذكرتموه من الأصل لأنظر إن كان ينتظم معه جوابكم عن الفرع، فما السبب الآن في غيبة الإمام عليه السلام؟

فقيل له: أوّل ما نقوله في هذا: إنَّه ليس يلزمنا معرفة هذا السبب،

ص: 215


1- كنزل الفوائد : 172 - 176.

ولا يتعيَّن علينا الكشف عنه، ولا يضرّنا عدم العلم به، والواجب علينا اللازم لنا هو أن نعتقد أنَّ الإمام الوافر المعصوم الكامل العلوم لا يفعل إلاَّ ما هو موافق للصواب وإن لم نعلم الأغراض في أفعاله والأسباب.

فسواء ظهر أو استتر، قام أو قعد، كلّ ذلك يلزمه فرضه دوننا ويتعيَّن عليه فعل الواجب فيه سوانا، وليس يلزمنا علم جميع ما علم، كما لا يلزمنا فعل جميع ما فعل، وتمسّكنا بالأصل من تصويبه في كلّ فعل يغنينا في المعتقد عن العلم بأسباب ما فعل، فإن عرفنا أسباب أفعاله كان حسناً، وإن لم نعلمها لم يقدح ذلك في مذهبنا.

كما أنَّه قد ثبت عندنا وعند مخالفينا إصابة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في جميع أقواله وأفعاله، والتسليم له والرضا بما يأتي منه وإن لم نعرف سببه.

ولو قيل لنا: لِمَ قاتل المشركين علي كثرتهم يوم بدر وهو في ثلاثمائة من أصحابه وثلاثة عشر أكثرهم رجّالة ومنهم من لا سلاح معه، ورجع عام الحديبية عن إتمام العمرة وهو في العدّة القويّة ومن معه من المسلمين ثلاثة آلاف وستمائة، وأعطي سهيل بن عمرو جميع مناه ودخل تحت حكمه ورضاه من محو بسم الله الرحمن الرحيم من الكتاب ومحو اسمه من النبوّة وإجابته إلي أن يدفع عن(1) المشركين ثلث ثمار المدينة(2) وأن يرد إليهم من أتاه ليسلم علي يده منهم، مع ما).

ص: 216


1- كذا في المطبوع، والظاهر: (إلي).
2- لم تذكر الروايات التاريخية هذا الشرط في صلح الحديبية، والوارد في بعض الروايات أنَّه كان في غزوة الخندق، وللعلاّمة المحقّق السيّد جعفر مرتضي العاملي حفظه الله بحث حول هذه القضيّة في كتابه القيّم (الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم 9: 242 تحت عنوان: العقد المزعوم...).

في هذا من المشقّة العظيمة والمخالفة في الظاهر للشريعة؟ لما ألزمنا الجواب عن ذلك أكثر من أنَّه أعرف بالمصلحة من الأمّة، وأنَّه لا يفعل هذا إلاَّ لضرورة يختصُّ بعلمها ملجئة، أو مصلحة تقتضيه تكون له معلومة، وهو الوافر الكامل الذي لا يفرّط فيما أمر به، وليس عدم علمنا بأسباب فعله ضارّاً لنا ولا قادحاً فيما نحن عليه من اعتقادنا وأصلنا.

فكذلك قولنا في سبب غيبة إمامنا وصاحب عصرنا وزماننا عليه السلام، ويشبه هذا أيضاً من أصول الشريعة عن السبب في إيلام الأطفال وخلق الهوام والمسمومات من الحشائش والأحجار ونحو ذلك ممَّا لا يحيط أحد بمعرفة معناه ولا يعلم السبب الذي اقتضاه، فإنَّ الواجب علينا أن نرد ذلك إلي أصله ونقول: إنَّ جميعه فعل من ثبت الدليل علي حكمته وعدله وتنزّهه عن العيب في شيء من فعله، وليس عدم علمنا بأسباب هذه الأفعال مع اعتقادنا في الجملة أنَّها مطابقة للحكمة والصلاح بضارّ لنا ولا قادح في صحَّة أصولنا، لأنَّا لم نكلَّف أكثر من العلم بالأصل، وفي هذا كفاية لمن كان له عقل.

وهكذا أيضاً يجري الأمر في الجواب إن توجّه إلينا السؤال عن سبب قعود أمير المؤمنين عليه السلام عن محاربة أبي بكر وعمر وعثمان ولم يقعد عن محاربة من بعدهم من الفرق الثلاث؟ والأصل في هذا كلّه واحد، وما ذكرناه فيه كافٍ للمسترشد.

فإن قال السائل لنا: جميع ما ذكرته من أفعال الله عز وجل فلا شبهة في أنَّه أعرف بالمصالح فيها وأنَّ الخلق لا يعلمون جميع منافعهم ولا يهتدون إليها.

وأمَّا النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وما جري من أمره في عام الحديبية فإنَّه علم

ص: 217

المصلحة في ذلك بالوحي من الله سبحانه، فمن أين لإمامكم علم المصلحة في ذلك وهو لا يوحي إليه؟

قيل له: إن كان إمامنا عليه السلام إماماً فهو معهود إليه قد نصَّ له علي جميع ما يجب تعويله عليه، وأخذ ذلك وأمثاله عن آبائه عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولنا أيضاً مذهب في الإلهام، وعندنا أنَّ الإمام عليه السلام يصحّ أن يُلهم من المصالح والأحكام ما يكون هو المخصوص به دون الأنام.

ثمّ إنّا نتبرَّع بعد ما ذكرناه بذكر السبب الذي تقدَّم فيه السؤال وإن كان غير لازم لنا في الجواب، فنقول: إنَّ السبب في غيبة الإمام عليه السلام إخافة الظالمين له، وطلبهم سفك دمه، وإعلام الله أنَّه متي أبدي شخصه لهم قتلوه، ومتي قدروا عليه أهلكوه، فحصل ممنوعاً من التصرّف فيما جعل إليه من شرع الإسلام، وهذه الأمور التي هي مردودة إليه ومعوّل في تدبيرها عليه فإنَّما يلزمه القيام بها بشرط وجود التمكّن والقدرة وعدم المنع والحيلولة وإزالة المخافة علي النفس والمهجة، فمتي لم يكن ذلك فالتقيّة واجبة، والغيبة عند الأسباب الملجئة إليها لازمة، لأنَّ التحرّز من المضارّ واجب عقلاً وسمعاً، وقد استتر النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في غار حراء ولم يكن لذلك سبب غير المخافة من الأعداء.

فإن قال السائل: إنَّ استتار النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم كان مقداراً يسيراً لم يمتدّ به الزمان، وغيبة صاحبكم قد تطاولت بها الأعوام.

قيل له: ليس القصر والطول في الزمان يفرق في هذا المكان، لأنَّ الغيبتين جميعاً سببهما واحد وهما المخافة من الأعداء، فهما في الحكم سواء، وإنَّما قصر زمان إحداها لقصر مدّة المخافة فيها، وطول زمان الأخري لطول زمان المخافة فيها، ولو ضادت إحداهما الحكمة وأبطلت الاحتجاج لكانت كذلك الأخري.

ص: 218

فإن قال: فالأظهر ابداء شخصه وإقامة الحجّة علي مخالفيه وإن أدّي ذلك إلي قتله؟

قيل لهم: إنَّ الحجّة في تثبيت إمامته قائمة في الأمّة، والدلالة علي إمامته موجودة ممكنة، والنصوص من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومن الأئمّة (علي)(1) غيبته مأثورة متَّصلة، فلم يبقَ بعد ذلك أكثر من مطالبة الخصم لنا بظهوره ليقتل، فهذا غير جائز، وقد قال الله سبحانه: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ)(2)، وقال موسي عليه السلام: (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ)(3).

فإن قال السائل: إنَّ في ظهوره تأكيداً لإقامة الحجّة، وكشفاً لما يعترض أكثر الناس في أمره من الشبهة، فالأوجب ظهوره وإن قتل لهذه العلّة.

قيل له: قد قلنا في النهي عن التغرير بالنفس ما فيه كفاية، ونحن نأتي بعد ذلك بزيادة فنقول: إنَّه ليس كلَّما نري فيه تأكيداً لإقامة الحجّة فإنَّ فعله واجب ما لم يكن فيه لطف ومصلحة، ألا تري أنَّ قائلاً لو قال: لِمَ لم يعاجل الله تعالي العصاة بالعقاب والنقمة، ويظهر آياته للناس في كلّ يوم وليلة حتَّي يكون ذلك آكد في إقامته عليهم الحجّة؟ أليس كان جوابنا له مثل ما أجبنا في ظهور صاحب الغيبة من أنَّ ذلك لا يلزم ما لم يفارق وجهاً معلوماً من المصلحة؟، وعندنا أنَّ الله سبحانه لم يمنعه من الظهور وإن قتل إلاَّ وقد علم مصلحة المكلَّفين مقصورة علي كونه إماماً لهم بعينه وأن لا يقوم غيره فيها مقامه، فلذلك أمره بالاستتار المدّة التي علم أنَّه متي ظهر فيها قتله الفجّار.1.

ص: 219


1- ليس في الأصل، وأثبتناه لاقتضاء السياق.
2- البقرة: 195.
3- الشعراء: 21.

فإن قال الخصم: هلاَّ أظهره الله تعالي وأرسل معه ملائكة تبيد كلّ من أراده بسوء وتهلك من قصده بمكروه؟

قيل له: قد سألت الملحدة عن مثل هذا السؤال في إرسال الأنبياء عليهم السلام، فقالوا: لِمَ لم يبعث الله تعالي معهم من الأملاك من يصدّ عنهم كلّ سوء يقصدهم به العباد؟ فكان الجواب لهم أنَّ المصالح ليست واقعة بحسب تقدير الخلائق، فيقال لهم: لِمَ لم يكن صلاحاً وألا فعل الله تعالي وصنع، وإنَّما هي بحسب المعلوم عند الله عز وجل، وبعد فإنَّ اصطلام الله تعالي للعاصين ومعاجلته بإهلاك سائر الظالمين قاطع لنظام التكليف، وربَّما اقتضي ذلك عموم الجماعة بالهلاك كما كان في الأمم السالفة في الزمان، وهو أيضاً مانع للقادرين من النظر في زمان الغيبة المؤدّي إلي المعرفة والإجابة، فقد يصحّ أن يكون فيهم ومنهم في هذه المدّة من ينظر فيعرف الحقّ ويعتقده، أو يكون فيهم معاندون مقرّون قد علم الله سبحانه أنَّهم إن بقوا كان من نسلهم ذرية صالحة فلا يجوز أن يحرمها الوجود بإعدامهم في مقتضي الحكمة، وليس العاصون في كلّ زمان هذا حكمهم، وربَّما علم ضدّ ذلك منهم فاقتضت الحكمة إهلاكهم كما كان في زمن نوح عليه السلام حيث قال: (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَي الأَْرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً)(1).

فإن قال السائل: إنَّ آباءه عليهم السلام قد كانوا أيضاً في زمان مخافة وأوقات صعبة، فلِمَ لم يستتروا كما استتر، وما الفرق بينهم وبينه في هذا الأمر؟7.

ص: 220


1- نوح: 26 و27.

قيل له: إنَّ خوف إمامنا عليه السلام أعظم من خوف آبائه وأكثر، والسبب في ذلك أنَّه لم يرو عن أحد من آبائه عليهم السلام أنَّه يقوم بالسيف، ويكسر تيجان الملوك، ولا يبقي لأحد دولة سواه، ويجعل الدين كلّه لله، فكان الخوف المتوجّه إليه بحسب ما يعتقد من ذلك فيه، وتطلَّعت نفوس الأعداء إليه، وتتبَّعت الملوك أخباره الدالّة عليه، ولم ينسب إلي آبائه عليهم السلام شيء من هذه الأحوال، فهذا فرق واضح بين المخافتين وبيان.

فإن قال قائل: فمن أين لكم أنَّ السبب في الغيبة هو المخافة؟

قيل له: قد علم أوّلاً إنَّما ذكرناه من الجائز الممكن الذي ليس لأحد فيه مطعن، وفي كونه ممكناً كفاية من إثبات الحجّة لنا وإسقاط السؤال عنّا, ثمّ إنّا نقول بعد ذلك: إنَّ من اطَّلع في الأخبار وسير السير والآثار علم أنَّ مخافة صاحبنا عليه السلام كانت مذ وقت مخافة أبيه عليه السلام، بل كان الخوف عليه قبل ذلك في حال حمله وولادته، ومن ذا الذي خفي عنه من أهل العلم ما فعله سلطان ذلك الزمان مع أبيه وتتبّعه لأخباره وطرحه العيون عليه انتظاراً لما يكون من أمره، وخوفاً ممَّا روت الشيعة أنَّه يكون من نسله إلي أن أخفي الله تعالي الحمل بالإمام عليه السلام، وستر أبوه عليه السلام ولادته إلاَّ عمَّن اختصَّه من الناس، ثمّ كان بعد موت أبيه وخروجه للصلاة ومضي عمّه جعفر ساعياً به إلي المعتمد ما كان حتَّي هجم علي داره وأخذ ما كان بها من أثاثه ورحله، واعتقل جميع نسائه وأهله، وسأل اُمّه عنه فلم تعترف به وأودعها عند قاضي الوقت المعروف بابن أبي الشوارب، ولم يزل الميراث معزولاً سنتين(1)، ثمّ ما كان بعد).

ص: 221


1- أنظر: كمال الدين: 473/ باب 43/ ح 25 و26؛ دلائل الإمامة: 423/ ح (384/1).

ذلك من الأمور المشهورة التي يعرفها من اطَّلع في الأخبار المأثورة، وهذه كلّها من أسباب المخاوف التي نشأت بنشوء الرجل الخائف ثمّ بترادف الزمان لعظم ذكره علي لسان المؤالف والمخالف، ومع ذلك فإنَّ النصوص قد نطقت بذكر مخافته، كما تضمَّنت نعت استتاره وغيبته، منها ما هو مجمل ومنها ما هو مفصَّل، فروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه ذكر المهدي عليه السلام فقال: (صاحب هذا الأمر هو الشريد الطريد الفريد الوحيد)(1).

وقال عليه السلام علي المنبر: (اللهم إنَّك لا تخلي الأرض من حجّة لك علي خلقك ظاهراً موجوداً أو خائفاً مغموراً كي لا تبطل حججك وبيّناتك)(2).

ومن ذلك قول الإمام الصادق عليه السلام وقد ذكر عنده المهدي عليه السلام فقال: (إنَّ للغلام غيبة قبل أن يقوم).

فقال له زرارة: ولِمَ؟ قال: (يخاف علي نفسه)(3).ر.

ص: 222


1- لاحظ مسائل علي بن جعفر: 321/ ح 805؛ الإمامة والتبصرة: 115/ باب 31/ ح 103؛ الكافي 1: 322/ ح 14؛ كمال الدين: 303/ باب 26/ ح 13، 318/ باب 30/ ح 5، 361/ باب 34/ ح 4؛ دلائل الإمامة: 486/ ح (484/88)، 530/ ح (507/111)، 531/ ح (508/112)؛ شرح الأخبار 3: 367/ ح 1240؛ الغيبة للنعماني: 178/ ح 22، و179/ ح 24؛ مقتضب الأثر: 31؛ الإرشاد 2: 275؛ الغيبة للطوسي: 163/ ح 124.
2- علل الشرائع 1: 195/ باب 153/ ح 1 و2؛ الخصال: 186/ ح 257؛ كمال الدين: 288/ باب 26/ ح 1 و2، 294 - 302/ ح 10، 337/ باب 33/ ح 10، 339/ ح 16، تحف العقول: 170؛ خصائص الأئمّة: 105؛ الفصول المختارة: 325؛ الإرشاد 1: 228.
3- أنظر: الكافي 1: 337/ ح 5، و342/ ح 29؛ علل الشرائع 1: 243/ باب 179/ ح 1, 346/ ح 32؛ الغيبة للنعماني: 177/ ح 20؛ الغيبة للطوسي: 333/ ح 279، رووه جميعاً بلفظ آخر.

وقول أبيه الباقر عليه السلام: (في صاحب هذا الأمر أربع سُنن من أربعة أنبياء، سُنّة من موسي، وسُنّة من عيسي، وسُنّة من يوسف، وسُنّة من محمّد صلّي الله عليه وآله وعلي جميع الأنبياء.

فأمَّا موسي فخائف يترقَّب، وأمَّا عيسي فيقال: مات، ويقال: لم يمت، وأمَّا يوسف فالغيبة عن أهله بحيث لا يعرفهم ولا يعرفونه، وأمَّا محمّد صلي الله عليه وآله وسلم فالسيف)(1).

وفيما أوردناه مقنع والحمد لله...

خبر آخر:

خبر آخر(2):

عن قسّ يذكر فيه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام من بعده.

أخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن محمّد السباط البغدادي، قال: حدَّثني أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن أيّوب البغدادي الجوهري الحافظ، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن لاحق بن سابق، قال: حدَّثنا هشام بن محمّد بن السائب الكلبي، قال: حدَّثني أبي عن الشرقي بن القطامي، عن تميم بن وهلة المري، قال: حدَّثني الجارود بن المنذر العبدي وكان نصرانياً فأسلم عام الحديبية وحسن إسلامه، وكان قارئاً للكتب عالماً بتأويلها علي وجه الدهر وسالف العصر، بصيراً بالفلسفة والطبّ، ذا رأي أصيل ووجه جميل، أنشا يحدّثنا في أيّام عمر بن

ص: 223


1- أنظر: الإمامة والتبصرة: 93/ ح 84؛ كمال الدين: 152/ باب 6/ ح 16و326/ باب 32/ ح 6، و328/ ح 9، و329/ ح 11، و350/ ح 46؛ دلائل الإمامة: 470/ ح (460/64)؛ الغيبة للنعماني: 164/ ح 5؛ الغيبة للطوسي: 424/ ح 408، رووه جميعاً بلفظ آخر.
2- كنزل الفوائد: 256 - 258 .

الخطّاب، قال: وفدت علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في رجال من عبد القيس ذوي أحلام وأسنان وفصاحة وبيان وحجّة وبرهان، فلمَّا بصروا به صلي الله عليه وآله وسلم راعهم منظره ومحضره عن بيانهم، واعتراهم الرعداء في أبدانهم، فقال زعيم القوم لي: دونك من أممت بنا أممه فما نستطيع أن نكلّمه، فاستقدمت دونهم إليه، فوقفت بين يديه فقلت: سلام عليك يا رسول الله بأبي أنت واُمّي، ثمّ أنشأت أقول:

يا نبيّ الهدي أتتك رجال * قطعت قرددا وآلا فآلا

جابت البيد والمهامة حتَّي * غالها من طوي السري ما غالا

قطعت دونك الصحاصح تهوي * لا تعد الكلال فيك كلالا

كلّ دهياء يقصر الطرف عنها * أرقلتها قلاصنا إرقالا

وطوتها العتاق تجمع فيها * بكماة مثل النجوم تلالا

ثمّ لمَّا رأتك أحسن مرءي * أفحمت عنك هيبة وجلالا

تتّقي شرّ بأس يوم عصيب هائل * أوجل القلوب وهالا

ونداء لمحشرنا الناس طرّاً * وحساباً لمن تمادي ضلالا

نحو نور من الإله وبرها * ن وبرّ ونعمة لن تنالا

وأمان منه لدي الحشر والنشر * إذ الخلق لا يطيق السؤالا

فلك الحوض والشفاعة والكو * ثر والفضل إذ ينصّ السؤالا

خصَّك الله يا ابن آمنة الخير * إذا ما بكت سجال سجالا

أنبأ الأوّلون باسمك فينا * وبأسماء بعده تتلألأ

قال: فأقبل عليَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بصفحة وجهه المبارك شمت منه

ص: 224

ضياء لامعاً ساطعاً كوميض البرق، فقال: (يا جارود لقد تأخَّر بك وبقومك الموعد)، وقد كنت وعدته قبل عامي ذلك أن أفد إليه بقومي فلم آته وأتيته في عام الحديبية، فقلت: يا رسول الله بنفسي أنت ما كان إبطائي عنك إلاَّ جلّة قومي أبطأوا عن إجابتي حتَّي ساقها الله إليك لما أرادها به من الخير لديك، وأمَّا من تأخَّر عنه فحظّه فات منك، فتلك أعظم حوبة وأكبر عقوبة، ولو كانوا ممَّن رآك لما تخلَّفوا عنك، وكان عنده رجل لا أعرفه، قلت: ومن هو؟ قالوا: هو سلمان الفارسي ذو البرهان العظيم والشأن القديم.

فقال سلمان: وكيف عرفته أخا عبد القيس من قبل إتيانه؟ فأقبلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو يتلألأ ويشرق وجهه نوراً وسروراً، فقلت: يا رسول الله، إنَّ قسَّاً كان ينتظر زمانك ويتوكَّف إبانك ويهتف باسمك وأبيك واُمّك وبأسماء لست أصيبها معك ولا أراها فيمن اتبعك، قال سلمان: فأخبرنا، فأنشأت أحدّثهم ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يسمع والقوم سامعون واعون، قلت: يا رسول الله، لقد شهدت قسَّاً وقد خرج من نادٍ من أندية أياد إلي صحصح ذي قتاد وسمر وعتاد وهو مشتمل بنجاد، فوقف في أضحيان ليل كالشمس رافعاً إلي السماء وجهه وإصبعه، فدنوت منه فسمعته يقول: اللهم ربّ هذه السبعة الأرقعة والأرضين الممرعة، وبمحمّد والثلاثة المحامدة معه، والعليين الأربعة، وسبطيه التبعة الأرفعة والسري الألمعة، وسميّ الكليم الضرعة والحسن ذي الرفعة، أولئك النقباء الشفعة والطريق المهيعة، درسة الإنجيل، وحفظة التنزيل، علي عدد النقباء من بني إسرائيل، محاة الأضاليل، نفاة الأباطيل، الصادقوا

ص: 225

القيل، عليهم تقوم الساعة، وبهم تنال الشفاعة، ولهم من الله فرض الطاعة، ثمّ قال: اللهم ليتني مدركهم، ولو بعد لأي من عمري ومحياي، ثمّ أنشأ يقول:

متي أنا قبل الموت للحقّ مدرك * وإن كان لي من بعد هاتيك مهلك

وإن غالني الدهر الحرون(1) بغوله * فقد غال من قبلي ومن بعد يوشك

فلا غرو أنّي سالك مسلك الأولي * وشيكا ومن ذا للردي ليس يسلك

ثمّ آب يكفكف دمعه ويرن رنين البكرة قد بريت ببراة وهو يقول:

أقسم قسّ قسماً ليس به مكتتما * لو عاش ألفي عمر لم يلقَ منها سئاما

حتَّي يلاقي أحمداً والنقباء الحكما * هم أوصياء أحمد أكرم من تحت السما

يعمي العباد عنهم وهم جلاء للعمي * لست بناس ذكرهم حتَّي أجل الرخما (2)

ثمّ قلت: يا رسول الله أنبئني أنبأك الله بخبر عن هذه الأسماء التي لم نشهدها وأشهدنا قسّ ذكرها، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (يا جارود، ليلة أسري بي إلي السماء أوحي الله عز وجل إليَّ: أن سل من أرسلنا قبلك من رسلنا علي ما بعثوا، فقلت لهم: علي ما بعثتم؟ فقالوا: علي نبوَّتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمّة منكما، ثمّ أوحي إليَّ: أن التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وموسي بن جعفر وعلي بن موسي ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي والمهدي عليهم السلام في ضحضاح منر.

ص: 226


1- كذا في المصدر، وفي المصادر الأخري: (الحزون)، (الخئون).
2- كذا في المصدر، وفي مقتضب الأثر، وبحار الأنوار: (أحل الرجما)، والرجما: القبر، وهو ما تقتضيه سياقة الشعر.

نور يصلّون، فقال لي الربّ تعالي: هؤلاء الحجج لأوليائي، وهذا المنتقم من أعدائي)، قال الجارود: فقال لي سلمان: يا جارود هؤلاء المذكورون في التوراة والإنجيل والزبور، فانصرفت بقومي وأنا أقول:

أتيتك يا ابن آمنة الرسولا * لكي بك اهتدي النهج السبيلا

فقلت فكان قولك قول حقّ * وصدق ما بدا لك أن تقولا

وبصرت العمي من عبد شمس(1) * وكلّ كان في عمه ضليلا

وأنبأناك عن قسّ الأيادي * مقالاً فيك ظلت به جديلا

وأسماء عمت عنّا فآلت * إلي علم وكنت به جهولا (2)

سؤال في الغيبة يتعلَّق بما ذكرناه(3):

(الفقهاء من شيعة الأئمّة عليهم السلام هم الوسائط بين الرعيّة وصاحب الزمان عليه السلام):

إن قال قائل: إذا كانت علل المكلَّفين في الشريعة لا تنزاح إلاَّ بحافظ للأحكام يُنصب لهم، مميَّز بالعصمة والكمال منهم، يقصده المسترشدون، ويعوَّل علي قوله السائلون، وكان الإمام عليه السلام اليوم علي قولكم غائباً لا يوصل إليه، ومستتراً عن الأمّة لا يقدر عليه، فعلل المكلَّفين إذن غير مزاحة في الشرع، ووجود الحافظ لم يغن، لكونه بحيث لا يقدر عليه الخلق، فإلي من حينئذٍ يفزع الراغبون، ومن يقصد الطالبون، وعلي من يعوّل السائلون، ومن الذي ينفر إليه المسترشدون؟

الجواب:

ص: 227


1- في بعض المصادر: قيس.
2- مقتضب الأثر: 31 وما بعدها؛ بحار الأنوار 15: 243/ ح 60.
3- كنز الفوائد: 301 - 303.

قلنا: إنَّ الله سبحانه قد أزاح علل المكلَّفين في هذا العصر، كما أزاح علل الأمم السابقة من قبل، الذين بعث فيهم أنبياءه فكذَّبوهم وأخافوهم، وشرَّدوهم، وظفروا بكثير منهم فقتلوهم.

ولم يرسلهم الله تعالي إليهم إلاَّ ليقيموا أحكامه بينهم، وينفذوا أوامره فيهم، ويعلّموا جاهلهم، وينبّهوا غافلهم، ويجيبوا سائلهم، وينفر إليهم الراغب، ويقتبس منهم الطالب، فحال بينهم وبين ذلك الظالمون، ومنعهم ممَّا بعثوا له الأفاكون، وقطعوهم عن الإبلاغ، وحرموا أنفسهم الهداية منهم والإنذار، فكانوا في قتلهم أنبيائهم كمن قصد إلي نفسه وأعمي بصره عن النظر إلي سبيل النجاة، ووقر سمعه عن استماع ما فيه هداه، ثمّ قال: لا حجّة لله عليَّ، ولا هداية منه وصلت إليَّ، يقول الله عز وجل:

(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)(1).

فللّه الحجّة البالغة علي الناس، ولو شاء لمنعهم من الضلال منع اضطرار، ولأخرجهم بالجبر عن سنن التكليف والاختيار، تعالي الله الحكيم فيما قضي، الحليم عمَّن عصاه.

والذي اقتضاه العدل والحكمة في هذا الزمان من نصب الإمام للأنام، فقد أزاح الله سبحانه العلّة فيه، وأوجده، ودلَّ عليه بحجّة العقل الشاهدة في الجملة بأنَّه لا بدَّ من إمام كامل معصوم في كلّ عصر، وبحجج النصوص علي التعيين، المأثورة عن رسول الله ربّ العالمين، وعن الأئمّة من أهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، في التعريف بصاحب هذا الزمان عليه السلام بنعته ونسبه اللذين يتميَّز بهما عن0.

ص: 228


1- البلد: 8 - 10.

الأنام، ولكن الظالمين سلكوا سُنن من كان قبلهم في قصدهم لإهلاك هداتهم، وحرصهم علي إطفاء نور مصابيحهم، فقصدوا قصده فأخافوه، وانطوت نيّاتهم علي قتله متي وجدوه. فأمره الله بالاستتار، لما علمه من مباينة حاله لحال كلّ نبيّ وإمام أبدي شخصه فقتلهم الناس.

إذاً كانت مصلحة الأمّة بعد آبائه عليهم السلام مقصورة علي كونه إماماً لهم، وأنَّ غيره لا يقوم مقامه في مصلحتهم، وسقط عنهم فرض التصدّي للسائلين لعدم الأمن والتمكّن، فكانت الحجّة لله تعالي علي الظالمين الذين وجدوا سبيل الهداية، وأرشدوا إليها، فمنعوا أنفسهم سلوكها، وآثروا الضلالة عليها، فكانوا كمن شدَّ عينه عن النظر إلي مصالحه، وسدَّ سمعه عن استماع مناصحته، ثمّ قال: لو شاء الله لهداني، قال الله سبحانه فيمن ماثلت أحواله لحاله:

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمي عَلَي الْهُدي)(1).

تعالي الله ذو الكلمة العليا والحجّة المثلي.

ولسنا مع ذلك نقطع علي أنَّ الإمام عليه السلام لا يعرفه أحد ولا يصل إليه، بل قد يجوز أن يجتمع به طائفة من أوليائه تستر اجتماعها به وتخفيه.

فأمَّا الذي يجب أن يفعله اليوم المسترشدون ويعوّل عليه المستفيدون فهو الرجوع إلي الفقهاء من شيعة الأئمّة، وسؤالهم في الحادثات عن الأحكام، والأخذ بفتاويهم في الحلال والحرام، فهم الوسائط بين الرعيّة وصاحب الزمان عليه السلام، والمستودعون أحكام شريعة الإسلام، ولم يكن الله تعالي يبيح لحجَّته صلّي الله عليه الاستتار إلاَّ وقد7.

ص: 229


1- فصّلت: 17.

أوجد للأمّة من فقه آبائه عليه السلام ما تنقطع به الأعذار، وليس الرجوع إليهم كالرجوع إلي القائسين، ولا التعويل عليهم بمماثل للتعويل علي المستحسنين، المفتين في الشريعة بالظنّ والترجيح، وإنَّما هو رجوع إلي ما استودعوه من النصوص (المفيدة)(1) للعلم واليقين، وتعويل علي ما استحفظوه من الآثار المنقولة من فتاوي الصادقين، التي فيها علم ما يلتمسه الطالبون، وفيه ما يقتبسه السائلون. ومن أخذ من هذا المعدن فقد أخذ من الإمام عليه السلام، لأنَّها علومه، وأقوال آبائه عليهم السلام.

وكثيراً ما يقول لنا المخالفون عند سماعهم منّا هذا الكلام:

إذا كنتم قد وجدتم السبيل إلي علم ما تحتاجونه من الفتاوي في الأحكام المحفوظة عن الأئمّة المتقدّمين عليهم السلام، فقد استغنيتم بذلك عن إمام الزمان.

وهذا قول غير صحيح، لأنَّ هذه الآثار والنصوص في الأحكام موجودة مع من لا يستحيل منه الغلط و النسيان، ومسموعة بنقل من يجوز عليه الترك و الكتمان.

وإذا جاز ذلك عليهم لم يؤمن وقوعه منهم إلاَّ بوجود معصوم يكون من ورائهم، شاهد لأحوالهم، عالم بأخبارهم، إن غلطوا هداهم، أو نسوا ذكرهم، أو كتموا عُلم الحقّ منه دونهم.

وإمام الزمان عليه السلام وإن كان مستتراً عنهم بحيث لا يعرفون شخصه، فهو موجود بينهم، يشاهد أحوالهم، ويعلم أخبارهم، فلو انصرفوا عن النقل، أو ضلّوا عن الحقّ، لما وسعته التقيّة و لأظهره الله).

ص: 230


1- في المصدر: (مفيدة).

سبحانه، ومنع منه إلي أن يبيّن الحقّ، وتثبت الحجّة علي الخلق.

ولو لزمنا القول بالاستغناء عن الإمام فيما وجدنا الطريق إلي علمه من غير جهته، للزم مخالفينا القول بالاستغناء عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في جميع ما أدّاه ممَّا علم بالعقول قبل أدائه، وفي إطلاق القول بذلك خروج عن الإسلام وأحكامه. وقد ورد في جواب هذا السؤال ما فيه بلاغ للمسترشدين وهداية، والحمد لله.

* * *

ص: 231

ص: 232

الإقتصاد الهادي إلي سبيل الرشاد

تأليف: شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي قدس سره (385 - 460ه-)

ص: 233

ص: 234

(الكلام في الغيبة وسببها):

(الكلام في الغيبة وسببها)(1):

فأمّاَ(2) الكلام في الغيبة وسببها (فهو أنَّه)(3) إذا ثبتت هذه الأصول التي قدَّمناها، وأنَّ كلّ زمان لا يخلو من إمام، وأنَّ من شرطه القطع علي عصمته، ووجود النصّ عليه، فوجب إمامة من يُدّعي إمامته، لأنَّ الناس في عصرنا بين أقوال، منهم من يدَّعي إمامة من لا يُدّعي القطع علي عصمته فقوله يبطل بما قدَّمناه. ولم(4) يبقَ بعد ذلك إلاَّ القول بإمامته وإلاَّ خرج الحقّ عن الأمّة.

فإذا ثبتت إمامته ووجدناه لم يظهر علمنا أنَّ لاستتاره سبباً مبيحاً له ذلك ولولاه لم يجز له الاستتار لكونه معصوماً ولا يلزم أن يُعلم ذلك السبب مفصَّلاً كما نقول لمن طعن في إثبات الصانع بخلق المؤذيات وفعل الآلام وغير ذلك بأن نقول: إذا ثبتت حكمته تعالي علمنا أنَّ هذه الأشياء لها وجه حكمة وإن لم نعلمه مفصَّلاً، وبذلك نجيب من(5) طعن في متشابه القرآن، وإن تكلَّفنا الكلام في تفصيل ذلك فللإستظهار والقوّة، وإلاَّ فالقدر الذي ذكرناه كافٍ في الحجّة.

وإذا ثبتت ووجدنا التكليف قائماً علي المكلَّف كما كان علمنا أنَّ

ص: 235


1- الاقتصاد: 232 - 235
2- في (ب): (وأمّا).
3- في بعض النسخ المطبوعة: (فإنَّه)، والصحيح ما أثبتناه.
4- في (ح): (فلم).
5- في (أ)، (ب): (فيجيب لمن).

استتاره لشيء يرجع إليهم، لأنَّه لو لم يرجع إليهم لما حسن تكليفهم. ولا يلزمنا أن نعلم ذلك الأمر مفصَّلاً، كما نقول لمن أخلَّ بشرط من شروط النظر فلم يحصل له العلم بالله: إنَّك قد أخللت بشرط من شروط النظر. فتحتاج إلي أن تراجع وتعود فيه أبداً حتَّي يحصل لك العلم.

وكذلك من لم يظهر له الإمام ينبغي أن يراجع نفسه ويصلح سيرته، فإذا علم الله تعالي منه صدق النيّة في نصرة الإمام وأنَّه لا يتغيَّر عن ذلك ظهر له الإمام.

وقيل في ذلك: إنَّه لا يمتنع أن يكون من لم يظهر له الإمام المعلوم من حاله أنَّه إذا ظهر له سيره(1)(2) وألقي خبره إلي غيره من أوليائه وإخوانه، فربَّما انتهي إلي شياع خبره وفساد أمره.

وقيل أيضاً: إنَّه لا يمتنع إذا ظهر وظهر علي يده علم معجز فإنَّه لا بدَّ من ذلك فإنَّ(3) غيبته غير معلومة، وإذا كان كذلك دخلت عليه شبهة، فيعتقد أنَّه مدّع لما لا أصل له، فيشيع خبره ويؤدّي إلي إغرائه، وغير ذلك من العلل.

وهذه(4) العلّة يبطلها ممَّن لم يظهر له من شيعته وإن كانت علَّته مزاحة من حيث إنَّ لطفه حاصل، لأنَّه يعتقد وجوده ويجوز تمكينه في كلّ حال فهو يخافه.

واللطف به حاصل(5) وبمكانه أيضاً يثق بوصول جميع(6) الشرع).

ص: 236


1- في (ب)، (ح) هكذا: (سرية). وفي (أ): (سره).
2- الأظهر هو (سرّه) لاقتضاء السياق.
3- في (ب)، (ح): (لأنَّ).
4- في (ح): (فهذه).
5- في (ب) زيادة: (له).
6- سقطت من (أ)، (ب).

إليه، لأنَّه لو لم يصل إليه ذلك لما ساغ له الاستتار إلاَّ بسقوط التكليف عنهم. فإذا وجدنا التكليف باقياً والغيبة مستمرة علمنا أن جميع الشرع واصل إليه، فأمَّا المخالف فسبب استتاره عنه اعتقاده بطلان إمامته، وأنَّ من ادّعي هذا المنصب ممَّن أشرنا إليه صار مضلا (1). ولا يحتاج أن يخرج علّة في الاستتار عنه.

والفرق بين استتاره(2) وظهور آبائه عليهم السلام أنَّه(3) لم يكن المعلوم من حالهم أنَّهم(4) يقومون بالأمر ويزيلون الدول، ويظهرون بالسيف ويقومون بالعدل، ويميتون الجور، وصاحب الزمان عليه السلام بالعكس من ذلك، ولهذا يكون مطلوباً مرموقاً. والأوّلون ليسوا كذلك. علي أنَّ آبائه عليهم السلام ظهروا لأنَّه كان المعلوم أنَّهم لو قتلوا لكان هناك من يقوم مقامهم ويسدّ مسدَّهم، وليس كذلك صاحب الزمان، لأنَّ المعلوم أنَّه لو هلك لم يكن هناك من يقوم مقامه(5)، ولا يسدّ مسدَّه. فبان الفرق بينهما.

وطول غيبة الإمام عليه السلام كقصرها، فإنَّه ما دامت العلّة الموجبة حاصلة فإنَّه مستتر إلي أن يعلم الله تعالي زوال العلّة، فيعلم ذلك بما وقفه عليه آباؤه من الوقت المعلوم وبالأمارات اللائحة للنصر. وغلبة الظنّ يقوم مقام العلم في ذلك. وخاصّة إذا قيل لك ظهرت أمارات النصر فاعلم أنَّه وقت الخروج، وكلّ ذلك جائز(6).).

ص: 237


1- في (ح): (ضالّ مضلّ) بدل (صار مضلاً).
2- في (ب)، (ح): (الاستتار).
3- سقطت من (ح).
4- في (أ): (أنَّه).
5- في (أ): (لم يقم هناك مقامه) بدل (لم يكن هناك من يقوم مقامه).
6- سقطت من (أ)، (ب).

وطول عمر صاحب الزمان(1) وإن كان خارقاً للعادة فالله تعالي قادر عليه بلا خلاف بيننا وبين من خالفنا من الأمّة. وخرق العادات علي من ليس بنبيّ قد بيَّنا جوازه فلا وجه لاستبعاد(2) ذلك.

وقد رأينا (3) استتر النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في الشعب تارة، وفي الغار أخري. فلا ينبغي أن يُتعجَّب من ذلك. وليس لهم أن يقولوا: إنَّ استتار النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم كان مدّة يسيرة. وذلك أنَّ استتاره في الشعب كان ثلاث سنين، وإذا جاز الاستتار ولو يوماً واحداً لعلّة جاز الاستتار الطويل مع استمرار العلّة، فلا فرق بين الطول والقصر، بل المراعي(4) حصول العلّة وزوالها.

وليس لهم أنَّ يقولوا: إنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم استتر بعد أداء الشرع. وذلك أنَّ وقت استتاره في الشعب لم يكن أدّي جلّ الشريعة، لأنَّ معظم الشريعة نزل بالمدينة. علي أنَّ في كون النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بين الخلق لطفاً ومصلحة، فأيّ شيء قالوه في ذلك فهو قولنا بعينه. والحدود المستحقّة في حال الغيبة في جور(5) أصحابها، والذمّ لاحق بمن أحوج الإمام إلي الغيبة.

ومثل ذلك يلزم المعتزلة الذين يقولون: أهل الحلّ والعقد ممنوعون من اختيار الإمام، فما لهم إلاَّ مثل ما عليهم.

ويدلُّ علي إمامة الاثني عشر - علي ما نذهب إليه - ما تواترت به).

ص: 238


1- في (ح): (الأمر).
2- في (أ): (لاعادة).
3- سقطت من (ح).
4- في (ح): (الداعي).
5- في (ح): (جواب).

الشيعة من نصّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم علي الاثني عشر في الجملة، ورووه أيضاً عن إمام إمام علي من يقوم مقامه، وترتيب ذلك كترتيب النصّ علي أمير المؤمنين عليه السلام، والأسئلة علي ذلك قد مضي الجواب عنها أيضا (1). وقد روي المخالفون عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أخباراً كثيرة ذكرناها في المفصح وغيره من كتبنا، بأنَّ(2) الأئمّة من بعده اثنا عشر، فإذا ثبت العدد فالأمّة بين قائلين: قائل يقول بالاثني عشر فهو(3) يقطع علي أنَّهم هؤلاء بأعيانهم، ومن لم يقل بإمامتهم لم يقصرها علي عدد مخصوص، فإذا ثبت العدد بما رووه ثبت الأعيان بهذا الاعتبار.

* * *).

ص: 239


1- في (ح) هكذا: (وأيضاً قد روي).
2- في (ب)، (ح): (أنَّ).
3- في (أ)، (ب): (وهو).

ص: 240

شرح جُمَل العلم والعمل للشريف المرتضي علم الهدي

اشارة

تأليف: شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي قدس سره (385 - 460ه-)

صحّحه وعلق عليه: الشيخ يعقوب الجعفري المراغي

ص: 241

ص: 242

(بيان علّة غيبة الإمام الثاني عشر):

مسألة:

قال السيّد المرتضي رضي الله عنه: وغيبة ابن الحسن عليهما السلام سببها الخوف علي النفس المبيح للغيبة والاستتار، وما ضاع من حدّ وتأخَّر من حكم يبوء بإثمه من هو سبب الغيبة وأحوج إليها.

شرح ذلك:

لا سبب للغيبة يجوز لأجله الاستتار إلاَّ خوفه عليه السلام علي نفسه، فأمَّا خوفه علي ماله وعلي الأذي في نفسه فإنَّه يجب أن يتحمَّل ذلك كلّه لتنزاح علّة المكلّفين في تكليفهم، كما يقول من خالفنا في النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في أنَّه يجب عليه أن يتحمَّل كلّ أذي في نفسه دون القتل حتَّي يصحَّ منه الأداء إلي الخلق ما هو لطف لهم.

فإن قيل: فهلاَّ أوجبتم الظهور وإن أدّي إلي قتله، كما أظهر الله تعالي كثيراً من الأنبياء والأوصياء وإن قتلوهم.

قلنا: إنَّما جاز ذلك في الأنبياء والأوصياء لما كان من معلوم الله تعالي أنَّ هناك من يقوم مقام المقتول في تحمّل أعباء النبوّة، أو يعلم تغيّر المصالح التي كان يؤدّيها، فأمَّا إذا علم تعالي أنَّه ليس هناك من يقوم مقامه ولا تتغيَّر المصلحة فلا يجوز ظهوره إذا أدّي إلي قتله.

وهذه حالة الإمام المنتظر عليه السلام، فإنَّه تعالي قد علم أنَّه ليس بعده من يقوم مقامه في باب الإمامة والشريعة علي ما كانت عليه، واللطف

ص: 243

بمكانه لم يتغيَّر ولا يصحُّ تغيّره، فلا يجوز ظهوره إذا أدّي إلي قتله. وإذا كان كذلك فقد صحَّ السبب الذي ذكرناه.

فإن قالوا: هلاَّ منع الله تعالي من قتله وظهر فلا يتمكَّن من قتله؟

قلنا: كلّ منع لا يؤدّي إلي زوال التكليف والإلجاء، فإنَّ الله تعالي قد فعل به، من الأمر بطاعته وإيجاب نصرته وامتثال أمره ونهيه. فأمَّا ما يمنع من التكليف - من الحيلولة بينه وبينهم - وما يجري مجراه، فإنَّ ذلك يمنع التكليف منهم.

فإن قالوا: هلاَّ ظهر عليه السلام لأوليائه إن كانت العلّة في استتاره خوفه علي نفسه، فإنّا نعلم أنَّه لا يخاف من أوليائه كما يخاف من أعدائه.

قلنا: عن ذلك أجوبة من أصحابنا:

فمنهم من قال: إنَّه إذا ثبتت إمامته وعصمته ثمّ علمنا غيبته واستتاره علمنا أنَّه لم يستتر إلاَّ لوجه لا ينافي عصمته غيبته، استتار يوجد في الوليّ والعدوّ وإن لم نعلمه علي سبيل التفصيل، كما أنّا إذا علمنا حكمة القديم تعالي علمنا أنَّ ما أمر به من الشرائع وما يفعله من آلام الأطفال وخلق المؤذيات، له وجه لا ينافي حكمته تعالي وإن لم نعلمه علي سبيل التفصيل. وهذا القدر كافٍ في الجواب عن علّة استتار الإمام.

ومنهم من قال: إنَّ علّة استتاره عن أوليائه علّة استتاره عن أعدائه، فعلّة استتاره عن أعدائه خوفه منهم، وعلّة استتاره عن أوليائه هو أنَّه إذا ظهر لا يمكن معرفته بعينه إلاَّ بالمعجز، ويجوز علي من شاهد ذلك المعجز أن يدخل عليه شبهة، فيعتقد فيه أنَّه مدَّع لما ليس له، ويعتقد أنَّه مبطل، ويشيع خبره فيؤدّي إلي هلاكه.

علي أنّا لا نقطع علي أنَّ جميع أوليائه لا يرونه، وإنَّما يعلم كلّ

ص: 244

إنسان حال نفسه، غير أنّا إذا جوّزنا استتاره عن بعضهم أمكن أن يكون العلّة ما ذكرناه.

فأمَّا ما تضيع من الحدود والأحكام في حال غيبة الإمام، فإنَّه باقٍ في جنب مستحقّيه، والذنب في ذلك علي من أوجب غيبة الإمام وكان سبباً فيها.

ومجري ذلك مجري ما يقول أصحاب الاختيار: إنَّه إذا مُنع أهل الحلّ والعقد من اختيار من يصلح للإمامة، فإنَّ الحدود التي تفوت في ذلك الوقت تكون باقية في جنب من يستحقّها، ويكون الذنب علي من حال بينهم وبين الاختيار، ولا يلزمهم أن يكون الحدود قد سقطت فيؤدّي ذلك إلي نسخ الشريعة، فكذلك قولنا في حال غيبة إمامنا سواء.

والكلام في هذا الفصل بيَّناه مستوفي في كتاب (المقنع في الغيبة)(1)(2) وغيره.

(عدم ضياع الشرع مع الغيبة):

مسألة:

قال السيّد المرتضي رضي الله عنه: والشرع محفوظ مع الغيبة، لأنَّه لو جري فيه ما لا يمكن العلم به لفقد أدلّة وانسداد الطريق إليه، لوجب ظهور الإمام لبيانه واستدراكه.

ص: 245


1- قال العلاّمة الطهراني: المقنع في الغيبة للسيّد المرتضي... ينقل عنه في (الدمعة الساكبة) وفي (بحار الأنوار)، وقال شيخنا النوري: كتبه السيّد المرتضي للوزير المغربي، وهو موجود في خزانة الحاج علي محمّد منضماً إلي الآداب الدينيّة... ويظهر منه أنَّه كتبه بعد الشافي وتنزيه الأنبياء، حيث أحال في أوّله إليهما... (الذريعة 22: 123).
2- أنظر: المقنَّع في الغيبة: 59/ إقامة الحدود في الغيبة.

شرح ذلك:

وإن قيل: إذا كان الإمام غائباً لا يوصل إليه، وعندكم أنَّ أحد ما يحتاج إليه فيه أن يحفظ الشريعة، فما الذي يؤمّنكم أن يكون شيء من الشريعة لم يصل إليكم ولم ينقل. وهذا يؤدّي إلي الشكّ في فوت كثير من الشرائع.

قلنا نحن: لا يجوز أنَّ شيئاً من الشريعة لم يصل إلينا ونتمكَّن نحن من الوصول إليه، لأنّا إذا علمنا أنَّ شريعة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لازمة لنا إلي يوم القيامة، وعلمنا أنَّ التكليف لم يسقط عنّا في حال من الأحوال، علمنا أنَّ ما فرضوه من ضياع بعض الشريعة وترك نقله - وإن كان ممكناً - لم يتَّفق، لأنَّه لو اتَّفق ذلك لكان إمَّا أن يسقط من التكليف عنّا ما ذلك الشيء لطف فيه وقد علمنا أنَّ شيئاً من التكليف لم يسقط، أو كان يجب أن يظهر الإمام ويؤيّده الله تعالي بالملائكة فيؤدّي إلينا ما ضاع منّا ولم يصل إلينا، فلمَّا لم يسقط التكليف عنّا ولم يظهر هو، علمنا أنَّ ذلك لم يتَّفق.

علي أنَّ الذي جوَّزنا أخيراً إن جوَّزنا أن يكون بعض الشريعة لم يصل إلينا ويكون عنده عليه السلام، فلا يجب إسقاط التكليف عنّا من حيث أتينا من قبل نفوسنا لفعلنا ما أوجب استتاره وغيبته، وجري ذلك مجري ما يفوتنا من تصرّفه وتأديبه والانتفاع بمكانه، في أنَّ ذلك لا يوجب إسقاط التكليف عنّا من حيث كنّا السبب في استتاره وغيبته. وعلي هذا السؤال لا جواب علينا في ذلك.

(طول الغيبة وزيادة عمر الغائب):

مسألة:

قال السيّد المرتضي رضي الله عنه: وطول الغيبة كقصيرها؛ لأنَّها متعلّقة بزوال الخوف الذي ربَّما تقدَّم أو تأخَّر. وزيادة عمر الغائب علي المعتاد لا قدح به، لأنَّ العادة قد تنخرق للأئمّة بل للصالحين.

ص: 246

شرح ذلك:

إذا كان السبب في استتاره وغيبته ما بيَّناه من خوفه علي نفسه جاز أن يطول زمان غيبته، لاستمرار أسبابها التي أوجبها، لأنَّها متعلّقة بها. فلا يجوز ظهوره مع ثبوت السبب الموجب للغيبة، لأنَّه يؤدّي ذلك إلي تغريره بنفسه. ولا ينبغي أن يستبعد استمرار أسباب الغيبة، لأنَّ ذلك ممكن غير ممتنع.

فأمَّا طول الغيبة وخروجه عن العادة فلا اعتراض به أيضاً لأمرين:

أحدهما: إنّا لا نسلّم أنَّ ذلك خارق للعادة، لأنَّ من قرأ الأخبار ونظر في أحوال من تقدَّم ووقف علي ما سطر في الكتب من ذكر المعمّرين، علم أنَّ ذلك قد جرت العادة بمثله. وقد نطق القرآن ببعض ذلك، قال الله تعالي إخباراً عن نوح النبيّ عليه السلام: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً)(1) فأخبر بمقامه بين أظهرهم هذه المدّة، وهو أضعاف ما وجدنا من عمر صاحب الزمان عليه السلام. وما ذكر من أخبار المعمّرين من العرب والعجم قد صنّفت فيه الكتب(2)، وقد أوردنا طرفاً منه في كتاب الغرر والدرر(3) لا يتحمَّل هذا الموضع إيراده.

والوجه الأخير: أنّا لو سلَّمنا أنَّ ذلك خارق للعادات كلّها عادتنا وغيرها، كان أيضاً جائزاً عندنا، لأنَّ أكثر ما في ذلك أن يكون معجزاً،ت.

ص: 247


1- العنكبوت: 14.
2- مثل كتاب المعمّرين لأبي حاتم السجستاني؛ وكتاب المعمّرين لأبي مخنف؛ وكتاب المعمّرين لأبي منذر هشام بن محمّد الكلبي.
3- اُنظر 1: 232 من كتاب غرر الفوائد ودرر القلائد للسيّد المرتضي المعروف بأمالي المرتضي. وهذا الكتاب من أنفس كتب السيّد، وهو مشحون بالفوائد التفسيريّة والأدبيّة والتاريخيّة والكلاميّة. وقد طبع مرّات.

وإظهار المعجزات عندنا يجوز علي ما ليس بنبيّ من إمام أو صالح. وهو مذهب أكثر الاُمّة غير المعتزلة والزيديّة والخوارج. وإن سمّي بعضهم ذلك كرامات لا معجزات، ولا اعتبار بالأسماء بل المراد خرق العادات.

وقد دللنا علي هذا المذهب في كثير من المواضع ذكرناه في الشافي(1) والذخيرة، وليس هذا موضع ذكره.

وهذا جملة مقنعة في هذا الباب إن شاء الله تعالي.

* * *6.

ص: 248


1- أنظر: الشافي في الإمامة 1: 196.

الأمالي

اشارة

تأليف: شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي قدس سره (385 - 460ه-)

تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية/ مؤسسة البعثة

ص: 249

ص: 250

* أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: حدَّثنا أبو أحمد إسماعيل بن يحيي العبسي، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، قال: حدَّثنا محمّد بن إسماعيل الضراري، قال: حدَّثني عبد السلام بن صالح الهروي، قال: حدَّثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: حدَّثنا قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي الأسدي، عن أبي أيّوب الأنصاري، قال: مرض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مرضة، فأتته فاطمة عليها السلام تعوده، فلمَّا رأت ما برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من المرض والجهد استعبرت وبكت حتَّي سالت دموعها علي خدّيها، فقال لها النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (يا فاطمة، إنّي لكرامة الله إيّاك زوَّجتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً، إنَّ الله (تعالي) أطلع إلي أهل الأرض اطلاعة فاختارني منها فبعثني نبيّاً، وأطلع إليها ثانية فاختار بعلك فجعله وصيّاً).

فسرَّت فاطمة عليها السلام فاستبشرت، فأراد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يزيدها مزيد الخير، فقال: (يا فاطمة، إنّا أهل بيت اُعطينا سبعاً لم يعطها أحد قبلنا ولا يعطاها أحد بعدنا: نبيّنا أفضل الأنبياء وهو أبوك، ووصيّنا أفضل الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا أفضل الشهداء وهو عمّك، ومنّا من جعل الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة وهو ابن عمّك، ومنّا سبطا هذه الأمّة وهما ابناك. والذي نفسي بيده لا بدَّ لهذه الأمّة من مهدي، وهو والله من ولدك)(1).).

ص: 251


1- أمالي الطوسي: 154/ ح (256/8).

* أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد، قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن عيسي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال: دخلنا علي أبي جعفر محمّد بن علي عليهما السلام ونحن جماعة بعدما قضينا نسكنا، فودعناه وقلنا له: أوصنا يا ابن رسول الله. فقال: (ليعن قويّكم ضعيفكم، وليعطف غنيّكم علي فقيركم، ولينصح الرجل أخاه كنصيحته لنفسه، واكتموا أسرارنا، ولا تحملوا الناس علي أعناقنا، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنّا، فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فيه فقفوا عنده وردّوه إلينا حتَّي نشرح لكم من ذلك ما شُرح لنا، وإذا كنتم كما أوصيناكم، لم تعدوا إلي غيره، فمات منكم ميّت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيداً، ومن أدرك منكم قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين، ومن قتل بين يديه عدوّاً لناكان له أجر عشرين شهيداً)(1).

* أبو محمّد الفحّام، قال: حدَّثني عمّي، قال: حدَّثني أبو العبّاس أحمد بن عبد الله بن علي الرأس، قال: حدَّثنا أبو عبد الله عبد الرحمن بن عبد الله العمري، قال: حدَّثنا أبو سلمة يحيي بن المغيرة، قال: حدَّثني أخي محمّد بن المغيرة، عن محمّد بن سنان، عن سيّدنا أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: (قال أبي لجابر بن عبد الله: لي إليك حاجة أريد أخلو بك فيها؟ فلمَّا خلا به في بعض الأيّام، قال له: أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد اُمّي فاطمة عليها السلام.).

ص: 252


1- أمالي الطوسي: 231/ ح (410/2).

قال جابر: أشهد بالله لقد دخلت علي فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأهنّئها بولدها الحسين عليه السلام، فإذا بيدها لوح أخضر من زبرجدة خضراء، فيه كتاب أنور من الشمس وأطيب من رائحة المسك الأذفر.

فقلت: ما هذا، يا بنت رسول الله؟

فقالت: هذا لوح أهداه الله عز وجل إلي أبي، فيه اسم أبي واسم بعلي واسم الأوصياء بعده من ولدي، فسألتها أن تدفعه إلي لأنسخه ففعلت.

فقال له: فهل لك أن تعارضني به؟

قال: نعم.

فمضي جابر إلي منزله وأتي بصحيفة من كاغد، فقال له: أنظر في صحيفتك حتَّي أقرأها عليك، وكان في صحيفته مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز العليم، أنزله الروح الأمين علي محمّد خاتم النبيّين. يا محمّد، عظّم أسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، ولا ترج سواي، ولا تخش غيري، فإنَّه من يرجو سواي ويخشي غيري اُعذّبه عذاباً لا اُعذّبه أحداً من العالمين. يا محمّد، إنّي اصطفيتك علي الأنبياء، وفضَّلت وصيّك علي الأوصياء، وجعلت الحسن عيبة علمي من بعد انقضاء مدّة أبيه، والحسين خير أولاد الأوّلين والآخرين، فيه تثبت الإمامة، ومنه تعقب، علي زين العابدين، ومحمّد الباقر لعلمي والداعي إلي سبيلي علي منهاج الحقّ، وجعفر الصادق في العقل والعمل، تنشب من بعده فتنة صمّاء، فالويل كلّ الويل للمكذّب بعبدي وخيرتي من خلقي موسي، وعلي الرضا يقتله عفريت كافر، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلي جنب شرّ خلق الله، ومحمّد الهادي إلي سبيلي الذابّ عن حريمي والقيّم في رعيّته، حسن أغرّ، يخرج منه ذو الاسمين

ص: 253

علي (والحسن)، والخلف محمّد يخرج في آخر الزمان علي رأسه غمامة بيضاء تظلّه من الشمس، ينادي بلسان فصيح يسمعه الثقلين والخافقين، وهو المهدي من آل محمّد، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً)(1).

* أخبرنا الحفّار، قال: حدَّثنا أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي الحافظ، قال: حدَّثني أبو الحسن علي بن موسي الخزّاز من كتابه، قال حدَّثنا الحسن بن علي الهاشمي، قال: حدَّثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدَّثنا أبو مريم، عن ثوير بن أبي فاختة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، قال: قال أبي: دفع النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم الراية يوم خيبر إلي علي بن أبي طالب عليه السلام، ففتح الله عليه، وأوقفه يوم غدير خمّ، فاعلم الناس أنَّه مولي كلّ مؤمن ومؤمنة، وقال له: (أنت منّي، وأنا منك). وقال له: (تقاتل علي التأويل كما قاتلت علي التنزيل). وقال له: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسي). وقال له: (أنا سلم لمن سالمت، وحرب لمن حاربت). وقال له: (أنت العروة الوثقي). وقال له: (أنت تبيّن لهم ما اشتبه عليهم بعدي). وقال له: (أنت إمام كلّ مؤمن ومؤمنة، ووليّ كلّ مؤمن ومؤمنة بعدي) وقال له: (أنت الذي أنزل فيه: (وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَي النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَْكْبَرِ)(2)). وقال له: (أنت الآخذ بسُنّتي والذابّ عن ملَّتي). وقال له: (أنا أوّل من تنشَّق عنه الأرض، وأنت معي). وقال له: (أنا عند الحوض، وأنت معي). وقال له: (أنا أوّل من يدخل الجنّة، وأنت بعدي تدخلها، والحسن والحسين وفاطمة). وقال له: (إنَّ الله أوحي إليَّ بأن أقوم بفضلك، فقمت3.

ص: 254


1- أمالي الطوسي: 291/ ح (566/13).
2- التوبة: 3.

به في الناس، وبلَّغتهم ما أمرني الله بتبليغه) وقال له: (اتَّق الضغائن التي لك في صدر من لا يظهرها إلاَّ بعد موتي، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون).

ثمّ بكي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، فقيل: ممَّ بكاؤك يا رسول الله؟

قال: (أخبرني جبرئيل عليه السلام أنَّهم يظلمونه ويمنعونه حقّه، ويقاتلونه ويقتلون ولده، ويظلمونهم بعده، وأخبرني جبرئيل عليه السلام عن الله عز وجل أنَّ ذلك يزول إذا قام قائمهم، وعلت كلمتهم، واجتمعت الأمّة علي محبّتهم، وكان الشانئ لهم قليلاً، والكاره لهم ذليلاً، وكثر المادح لهم، وذلك حين تغيّر البلاد، وضعف العباد، والإياس من الفرج، وعند ذلك يظهر القائم منهم).

فقيل له: ما اسمه؟

قال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (اسمه كاسمي، واسم أبيه كاسم أبي، هو من ولد ابنتي، يظهر الله الحقّ بهم، ويخمد الباطل بأسيافهم، ويتبعهم الناس بين راغب إليهم وخائف منهم).

قال: وسكن البكاء عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقال: (معاشر المؤمنين، ابشروا بالفرج، فإنَّ وعد الله لا يخلف، وقضاءه لا يرد، وهو الحكيم الخبير، فإنَّ فتح الله قريب. اللهم إنَّهم أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، اللهم اكلأهم(1) وارعهم وكن لهم، وانصرهم وأعنهم، وأعزهم ولا تذلهم، واخلفني فيهم، إنَّك علي كلّ شيء قدير)(2).).

ص: 255


1- كلا الله فلاناً: حفظه.
2- أمالي الطوسي: 351/ ح (726/66).

* أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن محمّد بن عبيد، عن علي بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن محمّد بن حمران، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لمَّا كان من أمر الحسين بن علي ما كان، ضجَّت الملائكة إلي الله (تعالي) وقالت: يا ربّ يفعل هذا بالحسين صفيّك وابن نبيّك؟!

قال: فأقام الله لهم ظلّ القائم عليه السلام وقال: بهذا أنتقم له من ظالميه)(1).

* وبالإسناد(2)، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن جدّه، عن أبي عبد الله عليه السلام: (أنَّ الله (جلَّ اسمه) أنزل علي نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم كتاباً قبل أن يأتيه الموت، فقال: يا محمّد، هذا كتاب وصيَّتك إلي النجيب من أهلك.

قال: وما النجيب من أهلي يا جبرئيل؟

فقال: علي بن أبي طالب.

وكان علي الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم إلي علي عليه السلام وأمره أن يفكّ خاتماً منها ويعمل بما فيه، ففكَّ علي عليه السلام خاتماً منها وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلي ابنه الحسن عليه السلام ففكَّ خاتماً وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلي أخيه الحسين عليه السلام ففكَّ خاتماً فوجد فيه: أن أخرج بقوم إلي الشهادة ولا شهادة لهم إلاَّ معك، واشر نفسك لله عز وجل، ففعل، ثمّ

------------------

(1) أمالي الطوسي: 418/ ح (941/89).

(2) الإسناد المتقدّم في أحاديث المجلس الخامس عشر من أمالي الطوسي، وفيه أحاديث أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، رواية الحسين بن عبيد الله الغضائري عنه.

ص: 256

دفعه إلي علي بن الحسين عليه السلام ففكَّ خاتماً فوجد فيه: اصمت والزم منزلك واعبد ربَّك حتَّي يأتيك اليقين! ففعل، ثمّ دفعه إلي محمّد بن علي الباقر عليه السلام ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وافتهم، ولا تخافنَّ إلاَّ الله، فإنَّه لا سبيل لأحد عليك، ثمّ دفعه إليَّ، ففككت خاتماً فوجدت فيه: حدّث الناس وأفتهم، وانشر علوم أهل بيتك، وصدّق آباءك الصالحين، ولا تخافنَّ أحداً إلاَّ الله، فأنت في حرز وأمان، ففعلت، ثمّ ادفعه إلي موسي بن جعفر، وكذلك يدفعه إلي من بعده، ثمّ كذلك إلي القائم(1) المهدي عليه السلام)(2).

* وعنه(3)، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضَّل، قال: حدَّثنا محمّد بن فيروز بن غياث الجلاب بباب الأبواب، قال: حدَّثنا محمّد بن الفضل بن المختار الباني، ويعرف بفضلان صاحب الجار، قال: حدَّثني أبي الفضل بن مختار، عن الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي، عن ثابت بن أبي صفيّة أبي حمزة، قال: حدَّثني أبو عامر القاسم بن عوف، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: حدَّثني سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال: دخلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه، فجلست بين يديه وسألته عمَّا يجد، وقمت لأخرج، فقال لي: (اجلس يا سلمان، فسيشهدك الله عز وجل أمراً إنَّه لمن خير الأمور)، فجلست، فبينا أنا كذلك إذ دخل رجال من أهل بيته ورجال من أصحابه، ودخلت فاطمة عليها السلام ابنته فيمن دخل، فلمَّا رأت ما برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من الضعف خنقتها العبرة حتَّي فاض دمعهاه.

ص: 257


1- في نسخة: (إلي قيام).
2- أمالي الطوسي: 441/ ح (990/47).
3- الشيخ الطوسي قدس سره.

علي خدّها، فأبصر ذلك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: (ما يبكيك يا بنية؟، أقرَّ الله عينك، ولا أبكاها).

قالت: (وكيف لا أبكي، وأنا أري ما بك من الضعف). قال لها: (يا فاطمة، توكَّلي علي الله، واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء، واُمّهاتك من أزواجهم، ألا أبشرك يا فاطمة؟).

قالت: (بلي يا نبيّ الله - أو قالت: يا أبه -).

قال: (أمَا علمت أنَّ الله (تعالي) اختار أباك فجعله نبيّاً، وبعثه إلي كافّة الخلق رسولاً، ثمّ اختار علياً فأمرني فزوَّجتك إيّاه، واتَّخذته بأمر ربّي وزيراً ووصيّاً؟، يا فاطمة، إنَّ علياً أعظم المسلمين علي المسلمين بعدي حقّاً، وأقدمهم سلماً، وأعلمهم علماً، وأحلمهم حلماً، وأثبتهم في الميزان قدراً)، فاستبشرت فاطمة عليها السلام، فأقبل عليها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: (هل سررتك يا فاطمة؟).

قالت: (نعم يا أبه).

قال: (أفلا أزيدك في بعلك وابن عمّك من مزيد الخير وفواضله؟).

قالت: (بلي يا نبيّ الله).

قال: (إنَّ علياً أوّل من آمن بالله عز وجل ورسوله من هذه الأمّة، هو وخديجة اُمّك، وأوّل من وازرني علي ما جئت. يا فاطمة، إنَّ علياً أخي وصفيّي وأبو ولدي، إنَّ علياً أعطي خصالاً من الخير لم يعطها أحد قبله ولا يعطاها أحد بعده، فأحسني عزاك، واعلمي أنَّ أباك لاحق بالله عز وجل).

قالت: (يا أبتاه فرَّحتني وأحزنتني).

قال: (كذلك يا بنية أمور الدنيا، يشوب سرورها حزنها، وصفوها كدرها، أفلا أزيدك يا بنية؟).

قالت: (بلي يا رسول الله).

ص: 258

قال: (إنَّ الله (تعالي) خلق الخلق فجعلهم قسمين، فجعلني وعلياً في خيرهما قسماً، وذلك قوله عز وجل: (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ)(1) ثمّ جعل القسمين قبائل، فجعلنا في خيرها قبيلة، وذلك قوله عز وجل: (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ)(2) ثمّ جعل القبائل بيوتاً، فجعلنا في خيرها بيتاً في قوله (سبحانه): (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(3)، ثمّ إنَّ الله (تعالي) اختارني من أهل بيتي، واختار علياً والحسن والحسين واختارك، فأنا سيّد ولد آدم، وعلي سيّد العرب، وأنت سيّدة النساء، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ومن ذريتكما المهدي، يملأ الله عز وجل به الأرض عدلاً كما ملئت من قبله جوراً)(4).

* حدَّثنا الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي رضي الله عنه، قال: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمّد بن الزبير القرشي، قال: أخبرنا علي بن الحسن بن فضال، قال: حدَّثنا العبّاس بن عامر، قال: حدَّثنا أحمد بن رزق الغمشاني، عن يحيي بن العلاء، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (كلّ مؤمن شهيد، وإن مات علي فراشه فهو شهيد، وهو كمن مات في عسكر القائم عليه السلام).

قال: (أيحبس نفسه علي الله ثمّ لا يدخله الجنّة؟!)(5).

* * *).

ص: 259


1- الواقعة: 27.
2- الحجرات: 13.
3- الأحزاب: 33.
4- أمالي الطوسي: 606/ ح (1254/2).
5- أمالي الطوسي: 676/ ح (1426/5).

ص: 260

تلخيص الشافي

تأليف: شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي قدس سره (385 - 460ه-)

قدم له وعلق عليه: السيد حسين بحر العلوم

ص: 261

ص: 262

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام علي سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

فصل: في إمامة صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلي آبائه

فصل: في إمامة صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلي آبائه(1)

قد دللنا علي وجوب الإمامة في كلّ حال بما تقدَّم من الأدلّة. ودللنا أيضاً علي وجوب كونه معصوماً لا يجوز عليه الغلط علي وجه القطع والثبات(2).

فإذا ثبت هذان الأصلان ثبتت إمامة صاحب الزمان الذي نذهب إلي إمامته، لأنَّ كلّ من قطع علي وجوب اعتبار هذين الأصلين قطع علي إمامته، وليس يقول بهما ويخالف في إمامته إلاَّ قوم دللنا علي بطلان قولهم وانقراضهم: من الكيسانية والناووسية والفَطَحية والواقفة، فلا وجه لإعادة القول في ذلك، وإذا بطل أقوال هؤلاء سلم لنا القول بإمامته عليه السلام.

فإن قيل: أليس أحد ما دللتموه علي بطلان قول الناووسية والواقفة أن قلتم: إنَّهم أنكروا موت من علم موته ودفعوا بذلك المشاهدات؟

فعليكم أيضاً مثله، لأنَّكم ادَّعيتم ولادة صاحبنا عليه السلام، ولا علم في ذلك ولا ظنَّ صحيحاً.

ص: 263


1- تلخيص الشافي: 209 - 227 .
2- راجع: تلخيص الشافي 1: 63 و191 فصل خاصّ بذلك.

لأنَّ نفي ولادة الأولاد من الباب الذي لا يصحّ أن يعلم ضرورة في موضع من المواضع، ولا يمكن أحداً أن يدَّعي فيمن لم يظهر له ولد أنَّه يعلم أنَّه لا ولد له، وإنَّما يرجع في ذلك إلي الظنّ والأمارات، وأنَّه لو كان له ولد لظهر أمره وعُرف خبره، وليس كذلك وفاة الموتي فإنَّه من الباب الذي يصحّ أن يُعلم ضرورة حتَّي يزول الريب فيه، ألا تري أنَّ من شاهدناه حيّاً متصرّفاً ثمّ رأيناه بعد ذلك صريعاً طريحاً قد قعدت حركات عروقه وظهرت دلائل تغيّره، يعلم يقيناً أنَّه ميّت؟ ونفي وجود الأولاد بخلاف ذلك.

علي أنّا لو تجاوزنا عن ذلك لكان الفرق بيننا وبين هؤلاء القوم واضحاً، لأنَّ هذه الفرق أعني: الكيسانية والناووسية والواقفة والفَطَحية قد انقرضت ولم يبقَ قائل بقولها، فلو كانت محقّة في حال من الأحوال لما انقرض القائلون بها.

(علّة الغيبة وسببها):

فأمَّا الكلام في علّة الغيبة وسببها والوجه الذي يحسنها، فواضح بعد تقرّر ما تقدَّم من الأصول، لأنّا إذا علمنا إمامته بالسياقة التي سقناها، ورأيناه غائباً عن الأبصار علمنا أنَّه لم يغب - مع عصمته وتعيّن فرض الإمامة فيه وعليه - إلاَّ لسبب اقتضي ذلك وضرورة قادت إليه، وإن لم يُعلم الوجه علي التفصيل. وجري الكلام في الغيبة ووجهها وسببها علي التفصيل مجري العلم بمراد الله تعالي من الآيات المتشابهة في القرآن التي ظاهرها بخلاف ما دلَّت عليه العقول: من جبر أو تشبيه أو غير ذلك(1).

ص: 264


1- راجع - لمحة عن المتشابه -: تلخيص الشافي 1: هامش (ص 184).

ونقول - كلّنا -: إنّا إذا علمنا حكمة الله تعالي وأنَّه لا يجوز أن يخبر بخلاف ما هو عليه من الصفات علمنا أنَّ لهذه الآيات وجوهاً صحيحة تخالف ظاهرها وتطابق مدلول الأدلّة العقلية، وإن لم يمكننا العلم بذلك مفصَّلاً، ولا حاجة بنا إليه، ويكفينا علم الجملة: بأنَّ المراد خلاف الظاهر، فكذلك لا يلزمنا أن نعلم سبب الغيبة علي جهة التعيين، والوجه في فقد ظهوره علي التفصيل، ويكفينا علم الجملة الذي تقدَّم. ومتي تكلَّفناه وتبرَّعنا بذكره فهو فضل. كما أنَّ ذلك فضل من جماعتنا إذا ذكرنا وجوه الآيات المتشابهات والأغراض فيه علي سبيل التعيين.

ثمّ يقال للمخالف في الغيبة: أيجوز أن يكون للغيبة سبب صحيح اقتضاها ووجه من الحكمة أوجبها، أم لا يجوز ذلك؟

فإن قال: يجوز ذلك.

قيل له: فإذا كان ذلك جائزاً فكيف جعلت وجود الغيبة دليلاً علي فقد الإمام في الزمان مع تجويزك لها سبباً لا ينافي وجود الإمام؟ وهل يجري ذلك إلاَّ مجري من توصّل بإيلام الأطفال إلي نفي حكمة الصانع تعالي - وهو معترف بأنَّه يجوز أن يكون في إيلامهم وجه صحيح لا ينافي الحكمة - أو من توصَّل بظواهر الآيات المتشابهات إلي أنَّه تعالي مشبه للأجسام وخالق لأفعال العباد(1)، مع تجويزه أن يكون لها وجوه صحيحة لا تنافي التوحيد والعدل ونفي التشبيه؟

وإن قال: لا أجوّز ذلك، قيل: هذا تحجّر منك شديد فيما لا يحاط بعلمه ولا يقطع علي مثله، فمن أين قلت: إنَّ ذلك لا يجوز، وما الفرق).

ص: 265


1- أمثال قوله تعالي: (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (الفجر: 22)، (وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) (الإنسان: 30).

بينك وبين من قال: لا يجوز أن تكون للآيات المتشابهات وجوه صحيحة تطابق أدلّة العقل، ولا بدَّ من أن تكون علي ظواهرها؟

وليس له أن يقول: إنَّني أتمكَّن من ذكر وجوه هذه الآيات المتشابهات وأنتم لا تتمكَّنون من ذكر سبب صحيح للغيبة، (لأنَّ) كلامنا علي من يقول إنّي غير محتاج إلي العلم - علي التفصيل - بوجوه الآيات المتشابهة، وأنَّ التعاطي لذلك فضل وتبرّع. ويكفيني العلم بحكمة القديم، وأنَّه لا يجوز أن يخبر عن نفسه بخلاف ما هو عليه.

وأمَّا من جعل الفرق بين الأمرين: تمكنه من ذكر وجوه الآيات المتشابهات، فجوابه أن يقال له: قد تركت مذاهب شيوخك وخرجت عمَّا اعتمدوه من الصحيح الواضح، وكفي بذلك عجزاً، فإذا قنعت لنفسك بهذا، قلنا: عليك مثله، وهو: أنّا نتمكَّن أيضاً من أن نذكر في الغيبة الأسباب والأغراض الواضحة التي لا تنافي عصمته. وسنذكر ذلك فيما بعد. وقد مضي في أوّل الكتاب قطعة منه حيث تكلَّمنا في وجوب الإمامة(1)، ولو اقتصرنا علي ذلك لكان كافياً.

ثمّ يقال له: كيف يجوز أن تجتمع صحَّة إمامة ابن الحسن عليهما السلام لما بيَّناه من سياقة الأصول العقلية، مع القول بأنَّ الغيبة لا يجوز أن يكون لها سبب صحيح يقتضيها؟ أوَليس هذا تناقضاً ظاهراً، ويجري مجري القول بالتوحيد والعدل مع القطع، إلاَّ أنَّه لا يجوز أن يكون للآيات المتشابهات وجه يطابق هذه الأصول؟

ومتي قالوا: نحن لا نسلّم إمامة ابن الحسن، كان الكلام معهم فيً.

ص: 266


1- راجع: تلخيص الشافي 1: 69/ الطريقة الأولي في وجوب الإمامة عقلاً.

ثبوت إمامته عليه السلام دون الكلام في سبب الغيبة. وقد تقدَّمت الدلالة علي إمامته عليه السلام بما لا يحتاج إلي إعادته، وإنَّما قلنا ذلك، لأنَّ الكلام في سبب غيبة الإمام فرع علي ثبوت إمامته. فأمَّا قبل ثبوتها، فلا وجه للكلام في سبب غيبته، وجري هذا مجري من سألنا عن إيلام الأطفال، ووجوه الآيات المتشابهات، وجهات المصالح من العبادات: مثل الطواف ورمي الأحجار، وما أشبه ذلك علي التفصيل.

ومتي عوَّلنا علي حكمة القديم في ذلك وأنَّه لا يجوز أن يفعل قبيحاً فلا بدَّ من وجه حسن في جميع ما فعله، وإن جهلناه بعينه، قال لنا: ومن يسلّم حكمة القديم وأنَّه لا يفعل القبيح؟ وإنّا إنَّما جعلنا الكلام في سبب إيلام الأطفال ووجوه الآيات المتشابهات طريقاً إلي نفي ما يدَّعونه من نفي القبيح عن أفعاله، فكما أنَّ جوابنا: إنَّك إذا لم تسلّم حكمة القديم تعالي، دللنا عليها ولا نتكلَّم في سبب أفعاله، فكذلك الجواب لمن كلَّمنا في الغيبة، وهو لا يسلّم إمامة صاحب الزمان وصحَّة أصولها (1).

فإن قيل: ألا كان السائل بالخيار بين الكلام في إمامة ابن الحسن ليعرف صحَّتها من فسادها، وبين أن يتكلَّم في سبب الغيبة؟ فإذا بان أنَّه لا سبب لها صحيحاً انكشف له بذلك بطلان إمامته.

قلنا: لا خيار في ذلك، لأنَّ من شكَّ في إمامة ابن الحسن يجب أن يكون الكلام معه في نصّ إمامته والتشاغل بالدلالة عليها، ولا يجوز مع الشكّ فيها أن نتكلَّم في سبب الغيبة، لأنَّ الكلام في الفرع لا يسوغ إلاَّم.

ص: 267


1- فإنَّ النزاع - حينئذٍ - يكون صغروياً. فلا بدَّ فيه من إثبات أصل الموضوع لتجري عليه الأحكام.

بعد إحكام الأصول، كما لا يجوز أن يتكلَّم في سبب إيلام الأطفال قبل ثبوت حكمة القديم تعالي، وأنَّه لا يفعل القبيح.

وممَّا يقوّي ما ذكرناه: أنَّ محصّلي المتكلَّمين عوَّلوا في إبطال ما تدَّعيه اليهود - من تأييد شرعهم وأنَّه لا ينسخ ما دام التكليف قائماً، وادّعائهم أنَّ موسي عليه السلام قاله - علي صحَّة نبوّة نبيّنا صلي الله عليه وآله وسلم، وقوله: إنَّ شرعه ناسخ لكلّ شرع تقدَّم، وقالوا: إنَّ الكلام في معجز النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أولي من الكلام في طريق صحَّة الخبر، لأنَّ المعجز معلوم وجوده ضرورة، وهو القرآن، ومعلوم صفته في الإعجاز بطرق عقلية لا يدخلها الاحتمال، وليس كذلك الخبر الذي يدَّعونه، لأنَّ صحَّته تستند إلي أمور غير معلومة ولا ظاهرة ولا طريق إلي علمها، لأنَّ الكثرة التي لا يجوز عليهم التواطئ لا بدَّ من إثباتهم في رواية الخبر في أصله وفرعه، وفيما بيننا وبين موسي، حتَّي نقطع علي أنَّهم ما انقرضوا في وقت من الأوقات ولا قلَّوا، وهذا - مع بعد العهد - محال العلم بصحَّته، فقالوا حينئذٍ: الكلام في معجز النبوّة - حتَّي إذا صحَّ قطع به علي بطلان الخبر - أولي من الكلام في الخبر والتشاغل به، وهذا بعينه يمكن أن نستعمله بيننا وبين من كلَّمنا في سبب إيلام الأطفال قبل الكلام في حكمة القديم، وقال: إذا بان أنَّه لا وجه لحسن هذه الآلام بطلت حكمة القديم، أو قال مثل ذلك في الآيات المتشابهات.

علي أنَّ حكمة القديم تعالي أصل في نفي القبح عن أفعاله، والأصل لا بدَّ من تقدّمه لفرعه.

وليس كذلك الكلام في النبوّة والخبر، لأنَّه ليس أحدهما أصلاً

ص: 268

لصاحبه، وإنَّما رجح المتكلّمون الكلام في النبوّة علي الخبر وطريقه من الوجه الذي ذكرناه، من حيث إنَّ أحدهما مشتبه والآخر واضح يمكن التوصّل إليه بمجرَّد العقل، والكلام في إمامة صاحب الزمان وغيبته يجري - في أنَّه أصل وفرع - مجري الكلام في إيلام الأطفال وتأويل المتشابهات والكلام في حكمة القديم، فواجب تقديم الكلام في إمامته قبل الكلام في سبب غيبته من حيث الأصل والفرع اللذين ذكرناهما، ويوجب الترجيح أيضاً، لأنَّ الكلام في الظاهر اللائح أولي من الكلام في الغامض. علي أنَّ ما نستعمله في مواضع كثيرة - نحن ومخالفونا - وسبب الغيبة ربَّما غمض، وثبوت الإمامة ليس بذلك الغموض - فلذلك صار الكلام فيه أولي، غير أنّا نذكر سبب الغيبة علي التفصيل، وإن كان لا يلزمنا استظهاراً في الحجّة:

وقد بيَّنا في صدر هذا الكتاب أنَّ سبب غيبته إخافة الظالمين له، ومنعهم يده عن التصرّف فيما جعل إليه التدبير والتصرّف فيه، فإذا حيل بينه وبين مراده سقط عنه فرض القيام بالإمامة. وإذا خاف علي نفسه وجبت غيبته ولزم استتاره، وقد استتر النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم تارة في الشعب(1)، وأخري في الغار(2) ولا وجه لذلك إلاَّ الخوف من المضار الواصلة إليه...

وليس لأحد أن يقول: إنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ما استتر عن قومه إلاَّ بعد

------------------

(1) وهو المعروف ب- (شعب أبي يوسف) قال الحموي في (معجم البلدان: مادة شعب): وهو الشعب الذي آوي إليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وبنو هاشم لمَّا تحالفت قريش علي بني هاشم، وكتبوا الصحيفة...

(2) وهو الذي آوي إليه هو وأبو بكر حين خروجهما من مكّة إلي المدينة، وهو في جبل ثور بمكّة - كما عن معجم البلدان للحموي بمادة غار -.

ص: 269

أدائه إليهم ما وجب أداؤه، ولم تتعلَّق بهم إليه حاجة، وقولكم في الإمام بخلاف ذلك، ولأنَّ استتار النبيّ ما تطاول ولا تمادي، واستتار الإمام قد مضت عليه الدهور وانقرضت العصور، (وذلك) أنَّه ليس الأمر علي ما قالوه، لأنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم إنَّما استتر في الشعب والغار بمكّة وقبل الهجرة، وما كان أدّي صلي الله عليه وآله وسلم جميع الشريعة، فإنَّ أكثر الأحكام ومعظم القرآن نزل بالمدينة(1)، فكيف ادَّعيتم أنَّه كان بعد الأداء؟ ولو كان الأمر علي ما قالوه من تكامل الأداء قبل الاستتار لما كان ذلك رافعاً للحاجة إلي تدبيره صلي الله عليه وآله وسلم وسياسته وأمره ونهيه. وما هذا الذي يقول: إنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بعد أداء الشرع غير محتاج إليه ولا مفتقر إلي تدبيره - إلاَّ معاند مكابر. وإذا جاز استتاره صلي الله عليه وآله وسلم مع الحاجة إليه لخوف الضرر - وكانت التبعة بذلك لازمة لمخيفيه ومحوجيه إلي الغيبة، وسقطت اللائمة عنه، وتوجَّهت إلي من أحوجه إلي الاستتار وألجأه إلي التغيّب - فكذلك القول في غيبة إمام الزمان...

فأمَّا التفرقة بطول الغيبة وقصرها، فغير صحيحة، لأنَّه لا فرق في ذلك بين القصير المنقطع، والممتدّ المتمادي، لأنَّه إذا لم تكن في الاستتار لائمة علي المستتر إذا أحوج إليه، جاز أن يتطاول بسبب الاستتار، كما جاز أن يقصر زمانه.

فإن قيل: إن كان الخوف أحوجه إلي الاستتار، فقد كان آباؤه - عندكم - علي تقيّة من خوف من أعدائهم، فكيف لم يستتروا؟ا.

ص: 270


1- إنَّ أكثر سور القرآن مكّية. ولكن أغلب آيات الأحكام هي من سور مدنية، حيث إنَّ مجموع آيات الأحكام يقارب ال- (500 آية) المدنيات منها تتجاوز ال- (300 آية) تقريباً. راجع أحكام القرآن للجزائري وللسيوري وغيرهما.

قلنا: ما كان علي آبائه عليهم السلام خوف من أعدائهم مع لزوم التقيّة والعدول عن التظاهر بالإمامة ونفيها عن نفوسهم، وإمام الزمان كلّ الخوف عليه، لأنَّه يظهر بالسيف ويدعو إلي نفسه ويجاهد من خالف عليه، فأيّ نسبة بين خوفه من الأعداء، وخوف آبائه عليهم السلام لولا قلّة التأمّل؟ وقد بيَّنا - فيما تقدَّم - الفرق بين وجوده غائباً - لا يصل إليه أحد أو أكثرهم - وبين عدمه. حتَّي إذا كان المعلوم من حاله التمكّن بالأمر يوجده. وكذلك قولهم: ما الفرق بين وجوده حيث لا يصل إليه أحد، وبين وجوده في السماء بما لا مزيد عليه. وفيما تقدَّم من الجواب كفاية عن التطويل بذكره هاهنا.

علي أنَّ هذا يقلب عليهم في النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بأن يقال لهم: أيّ فرق بين وجوده مستتراً وبين عدمه أو كونه في السماء؟ فأيّ شيء قالوه، قلنا مثله حرفاً بحرف.

وليس لهم أن يفرّقوا بين الأمرين: بأنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ما استتر من كلّ أحد وإنَّما استتر من أعدائه. وإمام الزمان مستتر عن الجميع، (لأنّا) قد بيَّنا فيما تقدَّم: أنّا لا نقطع علي أنَّه مستتر عن جميع أوليائه، والتجويز في هذا الباب كافٍ، علي أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لمَّا استتر في الغار كان مستتراً من أوليائه وأعدائه ولم يكن معه إلاَّ أبو بكر وحده، وقد كان يجوز أن يستتر بحيث لا يكون معه أحد من وليّ ولا عدوّ إذا اقتضت المصلحة ذلك.

فإن قيل: فالحدود - في حال الغيبة - ما حكمها؟ وإن سقطت عن الجاني علي ما يوجبها فهذا اعتراف بنسخ الشريعة، وإن كانت ثابتة فمن يقيمها؟

ص: 271

قلنا: الحدود المستحقّة ثابتة في جنوب (الجناة بما)(1) يوجبها من الأفعال، فإن ظهر الإمام - والمستحقّ لهذه الحدود باقٍ - أقامها عليه بالبيّنة أو الإقرار، فإن فات ذلك بموته كان الإثم في تفويت إقامتها علي من أخاف الإمام وألجأه إلي الغيبة. وليس هذا بنسخ لإقامة الحدود، لأنَّ الحدّ إنَّما يجب إقامته مع التمكّن وزوال الموانع، ويسقط مع الحيلولة، وإنَّما يكون مع ذلك نسخاً لو سقط فرض إقامة الحدّ مع التمكّن وزوال الأسباب المانعة.

ثمّ يقلب هذا عليهم، فيقال لهم: كيف قولكم في الحدود التي تستحقّها الجناة في الأحوال التي لا يتمكّن فيها أهل الحلّ والعقد من اختيار الإمام ونصبه؟ فأيّ شيء قالوه في ذلك قلنا مثله.

فإن قيل: كيف السبيل - مع غيبة الإمام - إلي إصابة الحقّ؟ فإن قلتم: لا سبيل إليها جعلتم الخلق في حيرة وضلالة، ولا ريب في سائر أمورهم، فإن قلتم: يصاب الحقّ مع أدلَّته، قيل لكم: هذا تصريح بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلّة.

قلنا: الحقّ علي ضربين: عقلي، وسمعي. والعقلي يصاب بأدلَّته، والسمعي عليه أدلّة منصوبة: من أقوال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ونصوصه وأقوال الأئمّة عليهم السلام من ولده. وقد بيَّنوا ذلك وأوضحوه ولم يتركوا منه شيئاً لا دليل عليه، غير أنَّ هذا وإن كان علي ما قلناه فالحاجة إلي الإمام قد بيَّنا ثبوتها، لأنَّ جهة الحاجة إليه المستمرة في كلّ زمان: كونه لطفاً لنا - علي ما تقدَّم القول فيه - ولا يقوم مقامه غيره، والحاجة المتعلّقة بالسمعب.

ص: 272


1- في النسخ: (جناة ما)، وأثبتنا ما رأي بعض المحقّقين أنَّه الصواب.

أيضاً ظاهرة، لأنَّ النقل وإن كان وارداً من الرسول ومن آباء الإمام بجميع ما يحتاج إليه في الشريعة، فجائز علي الناقلين العدول عنه، إمَّا تعمّداً أو لشبهة. فينقطع النقل أو يبقي فيمن لا حجّة في نقله. وقد استوفينا هذه الطريقة فيما تقدَّم، فلا وجه لإعادته.

فإن قيل: أرأيتم لو كتم الناقلون - بعض منهم - الشريعة، واحتيج إلي بيان الإمام، ولم يعلم الحقّ إلاَّ من جهته، وكان خوف القتل من أعدائه مستمراً، كيف يكون الحال؟ فأنتم بين أن تقولوا: إنَّه يظهر - وإن خاف القتل - فيجب علي هذا أن يكون خوف القتل غير مبيح للغيبة، ويجب ظهوره علي كلّ حال، وإن قلتم: لا يظهر - وسقط التكليف في ذلك الشيء المكتوم عن الأمّة - خرجتم من الإجماع، لأنَّه منعقد علي أنَّ كلّ شيء شرَّعه النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وأوضحه فهو لازم للأمّة إلي أن تقوم الساعة(1)، وإن قلتم: إنَّ التكليف لا يسقط، صرَّحتم بتكليف ما لا يطاق وإيجاب العمل بما لا طريق إليه.

قلنا: قد أجبنا عن هذا السؤال وفرغنا منه فيما تقدَّم، وجملته: أنَّ الله تعالي لو علم أنَّ النقل ببعض الشريعة المفروضة ينقطع في حال تكون تقيّة الإمام فيها مستمرة، وخوفه من الأعداء باقياً لأسقط ذلك التكليف عمَّن لا طريق له إليه، فإذا علمنا بالإجماع: أنَّ تكليف الشرائع مستمر ثابت علي جميع الأئمّة إلي أن تقوم الساعة ينتج لنا هذا العلم: أنَّه لو اتَّفق انقطاع النقل بشيء من الشرع لما كان ذلك إلاَّ في حالٍ يتمكَّن فيها الإمام من الظهور والبروز والإعلام والإنذار.-.

ص: 273


1- فإنَّ حلال محمّد حلال إلي يوم القيامة، وحرام محمّد حرام إلي يوم القيامة - كما ورد عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام بمضامين متشابهة -.

وقد بيَّنا - فيما تقدَّم - الجواب عن سؤالهم: أنَّ الإمام لِمَ لا يظهر لأوليائه - وسبب الخوف غير حاصل فيهم؟ بما لا حاجة بنا إلي إعادته، بما فيه كفاية(1).

وقد ذكر في موضع آخر: أنَّه لا يمتنع أن تكون ها هنا أمور كثيرة غير واصلة إلينا هي مودعة عند الإمام، وإن كان كتمها الناقلون ولم ينقلوها, ولم يلزم - مع ذلك - سقوط التكليف عن الخلق، لأنَّه إذا كان سبب الغيبة خوفه علي نفسه من الذين أخافوه، فمن أحوجه إلي الاستتار أتي من قِبَل نفسه في فوت ما يفوته من الشرع، كما أنَّه أتي من قِبَل نفسه فيما يفوته من تأدية الإمام وتصرّفه، حيث أحوجه إلي الاستتار، ولو زال خوفه لظهر، فيحصل له اللطف بتصرّفه، وتبيَّن له ما عنده ممَّا انكتم عنه، فإذا لم يفعل - وبقي مستتراً - أتي في الأمرين من قِبَل نفسه، وهذا قويّ تقتضيه الأصول.

وفي جملة ما تقدَّم ما ذكره بعض أصحابنا: أنَّ علّة استتاره عن أوليائه: خوفه من أن يشيعوا خبره، ويتحدَّثوا سروراً باجتماعهم معه، فيؤدّي ذلك إلي الخوف من الأعداء، وإن كان غير مقصود، وهذا الجواب يُضعَّف، لأنَّ عقلاء شيعته لا يجوز أن يخفي عليهم ما في إظهار اجتماعهم معه من الضرر عليه وعليهم، فكيف يخبرون بذلك مع العلم بما فيه من المضرّة الشاقة، وإن جاز هذا علي الواحد والاثنين لا يجوز علي جماعة شيعته الذين لا يظهر لهم، علي أنَّ هذا يلزم عليه أن تكون شيعته قد عدموا الانتفاع به علي وجه لا يتمكَّنون من تلافيه، وإزالته، لأنَّه إذا علق الاستتار بما يعلم من حالهم أنَّهم يفعلونه، وليس فيا.

ص: 274


1- راجع: الجزء الأوّل من هذا الكتاب: فصل في ذكر اختلاف الناس في وجوب الإمامة. تجد كثيراً من هذه العبارات مدرجة هناك بنصوصها.

مقدورهم - الآن - ما يقتضي ظهور الإمام، وهذا يقتضي سقوط التكليف - الذي الإمام لطف فيه - عنهم، وقد تكلَّمنا بما يمكن أن يكون نصرة لهذا الجواب بما لا يحتاج إلي إعادته.

وقد حكينا أيضاً ما قاله بعض أصحابنا: من أنَّ العلّة في استتاره عن الأولياء ما يرجع إلي الأعداء، لأنَّ انتفاع جميع الرعيّة من عدوّ ووليّ بالإمام إنَّما يكون بأن ينفذ أمره وتنبسط يده، فيكون ظاهراً متصرّفاً بلا دافع ولا منازع. وهذا (ممَّا)(1) المعلوم أنَّ الأعداء قد حالوا دونه ومنعوا منه.

قالوا: ولا فائدة في ظهوره لبعض أوليائه، لأنَّ النفع المبتغي من تدبير الأمّة لا يتمّ إلاَّ بظهوره للكلّ ونفوذ الأمر، فقد صارت العلّة في استتار الإمام علي الوجه الذي هو لطف ومصلحة للجميع واحدة...

ويمكن أن يعترض علي هذا الجواب بأن يقال: الأعداء إن حالوا بينه وبين الظهور علي وجه التصرّف والتدبير، فلم يحولوا بينه وبين لقاء من شاء من أوليائه علي سبيل الاختصاص، وهو يعتقد طاعته ويفترض اتّباع أوامره ويحكمه في نفسه، فإن كان لا نفع في هذا اللقاء لأجل الاختصاص، لأنَّه غير نافذ الأمر في الكلّ - فهذا تصريح بأنَّه لا انتفاع للشيعة الإماميّة بلقاء أئمّتها من لدن وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام)(2) إلي أيّام الحسن بن علي أبي القائم عليه السلام لهذه العلّة. ويوجب أيضاً أن يكون أولياء أمير المؤمنين (وشيعته)(3) لم يكن لهم بلقائه انتفاع قبل انتقال الأمر إلي تدبيره وحصوله في يده.ه.

ص: 275


1- كذا في النسخ، والغيبة للطوسي: 98.
2- ليس في النسخ ولا المطبوع.
3- في النسخة المطبوعة: (وشيعة)، والصحيح ما أثبتناه.

وهذا بلوغ من قائله إلي حدًّ لا يبلغه متأمّل، علي أنَّه لو سلّم لهم ما ذكروه: من أنَّ الانتفاع بالإمام لا يكون إلاَّ مع ظهوره لجميع الرعيّة ونفوذ أمره فيهم، بطل قولهم من وجه آخر: وهو أنَّه يؤدّي إلي سقوط التكليف - الذي الإمام لطف فيه - عن شيعته، لأنَّه إذا لم يظهر لهم لعلّة لا ترجع إليهم، ولا كان في قدرتهم وإمكانهم إزالة ما يمنعه من الظهور فلا بدَّ من سقوط التكليف عنهم، لأنَّه لو جاز أن يمنع قوم من المكلَّفين غيرهم من لطفهم ويكون التكليف - الذي ذلك اللطف لطف فيه - مستمراً عليهم، لجاز أن يمنع بعض المكلَّفين غيره بقيد أو ما أشبهه من المشي علي وجه لا يتمكَّن من إزالته، ويكون تكليف المشي مستمراً علي المقيَّد. وليس لهم أن يفرّقوا بين القيد وبين اللطف من حيث كان القيد يتعذَّر معه الفعل، ولا يتوهَّم وقوعه، وليس كذلك فقد اللطف، لأنَّ أكثر أهل العدل علي أنَّ فقد اللطف كفقد القدرة والآلة، وأنَّ التكليف مع فقد اللطف فيمن له لطف معلوم كالتكليف مع فقد القدرة والآلة، ووجود الموانع، وأنَّ من لم يفعل له اللطف - ممَّن له لطف معلوم - غير متمكّن من الفعل، كما أنَّ الممنوع غير متمكّن.

وقد بيَّنا - فيما تقدَّم -: أنَّ الذي يجب أن يجاب به عن السؤال الذي ذكرناه في علّة الاستتار عن أوليائه: أنَّه لا يجب القطع علي استتاره عن جميع أوليائه، غير أنَّ من يقطع علي استتاره عنهم أقرب ما يقال عنه ما تقدَّم ذكره: من أنَّ هذا الباب لا يجب العلم به علي سبيل التفصيل، وأنَّ العلم علي سبيل الجملة فيه كافٍ. ولا بدَّ أن تكون علّة الغيبة عن أوليائه مضاهية لعلّة الغيبة عن الأعداء من أنَّها لا تقتضي سقوط التكليف

ص: 276

عنهم، ولا تلحق اللائمة بمكلَّفهم، ولا بدَّ أن يكونوا متمكّنين من دفعها وإزالتها، فيظهر لهم.

وعلي هذا التقدير أقوي ما يعلّل(1) به: أنَّ الإمام إذا ظهر ولا يعلم شخصه وعينه من حيث المشاهدة، فلا بدَّ من أن يظهر عليه علم معجز يدلُّ علي صدقه، والمعجز - لكون دلالة طريقه الدليل - يجوز أن تعترض فيه الشبهة، فيعتقد أنَّه كذّاب فيشيع خبره فيؤدّي إلي ما تقدَّم القول فيه.

فإن قيل: أيّ تقصير وقع من الوليّ الذي لم يظهر له الإمام لأجل هذا المعلوم من حاله، وأيّ قدرة له علي النظر فيما يظهر له الإمام معه، وإلي أيّ شيء يفزع في تلافي ما يوجب غيبته؟

قلنا: ما أحلنا في سبب الغيبة عن الأولياء إلاَّ علي معلوم يظهر موضع التقصير فيه وإمكان تلافيه، لأنَّه غير ممتنع أن يكون من المعلوم من حاله أنَّه متي ظهر له الإمام قصَّر في النظر في معجزه، فإنَّما أتي في ذلك لتقصيره الحاصل في العلم بالفرق بين المعجز والممكن، والدليل من ذلك وما ليس بدليل. ولو كان من ذلك علي قاعدة صحيحة لم يجز أن يشتبه عليه معجز الإمام عند ظهوره له، فيجب عليه تلافي هذا التقصير واستدراكه.

وليس لأحد أن يقول: هذا تكليف لما لا يطاق وحوالة علي غيب، لأنَّ هذا الوالي ليس يعرف ما قصَّر فيه بعينه من النظر والاستدلال فيستدركه، حتَّي يتمهد في نفسه ويتقدر. ونراكم تلزمونه ما لم يلتزمه، (وذلك): أنَّ أوّل ما يلزم في التكليف قد يتميَّز تارةً، ويشتبه أخري بغيره.ي.

ص: 277


1- في المصدر المطبوع: (القدر أولي ما علّل)، وأثبتنا ما في الغيبة للطوسي.

وإذا كان التمكّن من الأمرين حاصلاً، فالوليّ - علي هذا - إذا حاسب نفسه ورأي أنَّ الإمام لا يظهر له، وأفسد أن يكون السبب في الغيبة ما ذكرناه من الوجوه الباطلة وأجناسها، علم أنَّه لا بدَّ من سبب يرجع إليه. وإذا رأي أنَّ أقوي الأسباب ما ذكرناه، علم أنَّ التقصير واقع من جهته في صفات المعجز وشروطه، فعليه حينئذٍ معاودة النظر في ذلك، وتخليصه من الشوائب وما يوجب الالتباس، فإنَّه متي اجتهد في ذلك حقّ الاجتهاد ووفّي النظر شروطه، فلا بدَّ من وقوع العلم بالفرق بين الحقّ والباطل.

وهذه المواضع، الإنسان فيها علي نفسه بصيرة، وليس يمكن أن يؤمر فيها بأكثر من التناهي في الاجتهاد والبحث والفحص والاستسلام للحقّ.

وقد قلنا: إنَّ هذا نظير ما يقوله من يخالفنا في توليد النظر (للعلم)(1) بأن يقول: أنا نظرت كما نظرتم، واستوفيت شرائطه ولم يحصل العلم.

فإنّا نقول له: لا نصدّقك في ذلك، لأنَّك لو كنت استوفيت جميع شراط النظر لحصل لك العلم، ومتي لم يحصل لك العلم، علمنا أنَّك أخللت بشيء من شرائطه، وإن لم يمكننا الإشارة إلي ما أخللت به بعينه، فكذلك القول هاهنا، فاعرف.

فإن قيل: لو كان الأمر علي ما قلتم، لوجب أن لا يعلم شيئاً من المعجزات في الحال، وهذا يؤدّي إلي أن لا يعلم النبوّة وصدق الرسول، وذلك يخرجه عن الإسلام، فضلاً عن الإيمان.ر.

ص: 278


1- في النسخة المطبوعة: (العلم)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

قلنا: لا يلزم ما ذكرتموه، لأنَّه لا يمتنع أن تدخل الشبهة في نوع من المعجزات دون نوع. وليس إذا دخلت الشبهة في بعضها دخلت في سائرها، فلا يمتنع أن يكون المعجز الدالّ علي النبوّة لم تدخل عليه الشبهة، فحصل له العلم بكونه معجزاً، وعلم عند ذلك نبوّة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم. والمعجز الذي يظهر علي يد الإمام إذا ظهر يكون أمراً آخر، يجوز أن تدخل عليه الشبهة في كونه معجزاً، فيشكّ حينئذٍ في إمامته وإن كان عالماً بالنبوّة، وهذا كما تقول: إنَّ من عَلِم نبوّة موسي عليه السلام بالمعجزات الدالّة علي نبوّته إذا لم ينعم النظر في المعجزات الظاهرة علي يد عيسي عليه السلام ونبيّنا محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، لا يجب أن يقطع علي أنَّه بما عرف تلك المعجزات يجب أن يعرف هذه الأخري، لأنَّه لا يمتنع أن يكون عارفاً بها وبوجه دلالتها، وإن لم يعلم هذه المعجزات واشتبه عليه وجه دلالتها.

فإن قيل: فيجب - علي هذا - أن يكون كلّ من لم يظهر له الإمام يقطع علي أنَّه علي كبيرة تلحق بالكفر، لأنَّه مقصّر - علي ما فرضتموه - فيما يوجب غيبة الإمام عنه، ويقتضي فوت مصلحته، فقد لحق الوليّ - علي هذا - بالعدوّ.

قلنا: ليس يجب في التقصير الذي أشرنا إليه أن يكون كفراً ولا ذنباً عظيماً، لأنَّه - في هذه الحال - ما اعتقد في الإمام أنَّه ليس بإمام ولا أخافه علي نفسه، وإنَّما قصَّر في بعض المعلوم تقصيراً كان كالسبب في أنَّ علم من حاله أنَّ ذلك الشكّ في الإمامة يقع منه مستقبلاً، والآن فليس بواقع، فغير لازم في هذا التقصير أن يكون بمنزلة ما يفضي إليه ممَّا المعلوم أنَّه سيكون كافراً، غير أنَّه وإن لم يلزم أن يكون كفراً ولا جارياً مجري تكذيب الإمام والشكّ في صدقه، فهو خطأ لا ينافي الإيمان

ص: 279

واستحقاق الثواب، ولن يلحق الوليّ بالعدوّ علي هذا التقدير، لأنَّ العدوّ في الحال معتقد في الإمام ما هو كفر وكبيرة، والوليّ بخلاف ذلك.

والذي يبيّن ما ذكرناه في أنَّ ما هو كالسبب في الكفر لا يجب أن يكون كفراً في الحال: أنَّه لو اعتقد معتقد في القادر منّا بقدرة أنَّه يصحّ أن يفعل في غيره من الأجسام من غير مماسةٍ، كان ذلك خطأ وجهلاً ليس بكفر، ولا يمتنع أن يكون المعلوم من حال هذا المعتقد أنَّه لو ظهر نبيّ يدعو إلي نبوّته، وجعل معجزه أن يفعل الله علي يده فعلاً بحيث لا تصل إليه أسباب البشر أنَّه كان يكذّبه ولا يؤمن به، وهذا لا محالة لو علم أنَّه معجز كان يقبله، وما سبق من اعتقاده في مقدور العبد كان السبب في هذا، ولم يلزم أن يجري مجراه في الكفر، وهذه الجملة ذكرها في المسألة التي له في الغيبة أوردنا بعض ألفاظها ومعانيها (1).

فإن قيل: إنَّ هذا الجواب أيضاً لا يستمر علي أصولكم، لأنَّ الصحيح من مذهبكم أنَّ من عرف الله تعالي بصفاته، وعرف النبوّة والإمامة وحصل مؤمناً لا يجوز أن يقع منه كفر أصلاً. فإذا ثبت هذا فكيف يمكنكم أن تجعلوا علّة الاستتار عن الولي: أنَّ المعلوم من حاله أنَّه إذا ظهر الإمام وظهر علي يده علم معجز شكّ فيه، ولا يعرفه إماماً، فإنَّ الشكّ في ذلك كفر، وذلك يقطع دليلكم الذي صحَّحتموه.

قيل: هذا الذي ذكرتموه ليس بصحيح، لأنَّ الشكّ في المعجز الذي يظهر علي يد الإمام ليس بقادح في معرفته لغير الإمام علي طريق الجملة، وإنَّما يقدح في أنَّ ما علم علي طريق الجملة وصحَّت معرفته له:3.

ص: 280


1- أنظر: الغيبة للطوسي: 103.

هل هو هذا الشخص أم لا؟ والشكّ في هذا ليس بكفر، لأنَّه لو كان كفراً لوجب أن يكون كفراً وإن لم يظهر المعجز، فإنَّه لا محالة قبل ظهور هذا المعجز علي يده شاك فيه، ومجوّز كونه إماماً وكون غيره كذلك.

وإنَّما يقدح في العلم الحاصل له علي طريق الجملة لو شكّ في المستقبل في إمامته علي طريق الجملة. وذلك ممَّا يمنع من وقوعه منه مستقبلاً.

وقد ذكر في الزيادات في الغيبة جواباً آخر ذكرناه فيما تقدَّم صريحا (1) ومع ذلك لا يحتاج إلي تمحّل هذه العلل لاستتاره علي وجه من الوجوه، وهو الذي أومأنا إليه فيما تقدَّم: من أنَّ لطف أوليائه حاصل بالإمام في حال الغيبة كما هو حاصل في حال الظهور، لأنَّهم لا يأمنون في حال غيبته من انبساط يده وتمكّنه من التأديب والردع، فهم - مع علمهم بإمامته - يخافونه ويرهبون تأديبه في كلّ حال. وعلي هذا لا مسألة علينا في استتاره عن أوليائه، وأنَّه تفوتهم لغيبته مصالح توجب إسقاط التكليف عنهم.

وقد وفينا بما شرطناه في أوّل الكتاب من تلخيص هذا الكتاب(2)، وحذف ما تكرَّر، وردّ كلّ شيء منه إلي نظيره، ورتَّبناه ترتيب المصنَّفات اللائقة به، وعوَّلنا في أكثر الكتاب علي نقل معاني كلامه بألفاظه، فإنَّه لا مستزاد عليها، ولا يمكن النقصان منها، لأنَّها واقعة علي غاية ما يحتاج إليه من الاختصار في اللفظ واستيفاء المعاني، وأوردنا في مواضع من الكتاب زيادات ذكرها في غير هذا الكتاب - لم يكن بدّ منل.

ص: 281


1- إشارة إلي ذكر هذا الكلام نصّاً في الجزء الأوّل: 95 - 99.
2- راجع: ص 61 و62 من الجزء الأوّل.

إضافتها إلي هذا الكتاب ليكمل الغرض به، وعدلنا عمَّا أردنا ذكره من النصوص الواردة علي أعيان الأئمّة واحداً واحداً، لئلاَّ يطول به الكتاب. وهي موجودة في كتب أصحاب الحديث المعروفة من أصحابنا. من أرادها وقف عليها من هناك(1)، وما يتعلَّق بإمامة الاثني عشر علي الجملة ممَّا رواه المخالفون لنا عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، قد ذكرنا منه طرفاً في المختصر الذي عملناه في الإمامة، الملقَّب ب- (المفصح)(2) من أراده وقف عليه من هناك.

ونحن - الآن - قاطعون كتابنا علي ما انتهي بنا الحال إليه إن شاء الله. ونسأل الله تعالي أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه، مقرّباً من ثوابه، مبعداً من عقابه، بمنّه وجوده إن شاء الله.

ووافق الفراغ من إتمامه في رجب سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، والحمد لله ربّ العالمين، وصلاته علي خير خلقه وحجَّته علي بريَّته محمّد وآله الطاهرين.

* * *).

ص: 282


1- راجع: أصول الكافي 1: 286/ ط طهران/ حيدري.
2- وهو كتاب صغير في العقائد، لا يزال مخطوطاً. ولقد أدرجناه في عداد مؤلّفات شيخنا قدس سره في مقدّمتنا المفصَّلة للجزء الأوّل من هذا الكتاب: 33 (تلخيص الشافي).

مؤتمر علماء بغداد في الإمامة والخلافة

بقلم: مقاتل بن عطيّة المتوفّي 505 ه-

عني بمراجعته وتحقيقه: أقلُّ خدمة الدين الإسلامي والمذهب الإمامي السيد مرتضي الرضوي

ص: 283

ص: 284

الإمام المهدي وظهوره عليه السلام :

الإمام المهدي وظهوره عليه السلام(1):

قال العبّاسي: اسمع أيّها الملك: إنَّ الشيعة يقولون بأمر خرافي وهو: أنَّ (المهدي) حيّ في دار الدنيا منذ سنة (255ه-) وهل هذا معقول؟ ويقولون: إنَّه سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً بعد أن تملأ جورا (2).

قال الملك - موجّهاً الخطاب إلي العلوي -: هل صحيح أنتم تعتقدون بذلك؟

قال العلوي: نعم، صحيح ذلك، ولأنَّ الرسول قال بذلك، ورواه الرواة منهم: الشيعة والسُنّة.

قال الملك: وكيف يمكن أن يبقي إنسان هذه المدّة الطويلة.

قال العلوي: الآن لم يذهب من عمر الإمام المهدي مقدار مأتي سنة، والله يقول في القرآن حول نوح النبيّ: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً)(3). فهل يعجز الله أن يبقي إنساناً طويل العمر. ثمّ إنَّ الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قال ذلك وهو صادق مصدّق.

ص: 285


1- مؤتمر علماء بغداد: 195 - 197.
2- قال أبو داود: حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا الفضل بن دكين، ثنا فطر، عن القاسم بن أبي بزّة، عن أبي الطفيل، عن علي رضي الله عنه، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، قال: (لو لم يبقَ من الدهر إلاَّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً). وعن اُمّ سَلَمة قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة). سنن أبي داود 2: 310/ كتاب المهدي/ ح 4284.
3- العنكبوت: 14.

قال الملك - موجّهاً خطابه إلي الوزير -: هل صحيح أنَّ الرسول أخبر بالمهدي علي ما يقوله العلوي؟

قال الوزير: نعم(1).

قال الملك - موجّهاً خطابه إلي العبّاسي -: فلماذا أنت تنكر الحقائق الواردة عندنا نحن السُنّة؟

قال العبّاسي: خوفاً علي عقيدة العوام أن تتزلزل، وتميل نحو الشيعة!

قال العلوي: إذن أنت أيّها العبّاسي، مصداق لقوله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدي مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ)(2)، فشملتك اللعنة من الله.

* * *9.

ص: 286


1- مجمع الزوائد 7: 318؛ شرح المقاصد 1: 307؛ ينابيع المودّة 1: 258/ ط استنابول؛ مطالب السؤول 2: 125؛ شرح ابن أبي الحديد 19: 104 و105/ ط مصر؛ التذكرة للقرطبي: 615؛ النهاية لابن كثير 1: 26؛ المنار المنيف: 151/ ط حلب؛ فريدة العجائب: 199/ ط مصر؛ مشكاة المصابيح 3: كتاب الفتن/ ح 5453/ ط دمشق؛ فرائد السمطين 2: بيروت؛ موارد الضمآن إلي زوائد ابن حبان 6: 128؛ الحاوي للفتاوي 2: 124 و135؛ اليواقيت والجواهر 2: المبحث الخامس والستّون؛ الصواعق المحرقة: 161/ ط مصر؛ مرقاة المفاتيح 5: 179/ ط مصر؛ سنن ابن ماجة 2: 22؛ سنن الترمذي 4: 505؛ مختصر سنن أبي داود 6: 159؛ ذخائر العقبي: 136/ ط مصر؛ المصنف 11: 38؛ البدء والتاريخ للبلخي 2: 181/ ط باريز 1899م؛ معالم السنن: 344؛ مصابيح السُنّة 1: 93؛ جامع الأصول 11: 48؛ الفتوحات المكّية 3: 106.
2- البقرة: 159.

روضة الواعظين

اشارة

تأليف: الشيخ العلامة زين المحدثين محمد بن الفتّال النيسابوري الشهيد في سنة 508ه-

ص: 287

ص: 288

مجلس: في ذكر ما روي في نرجس اُمّ القائم عليه السلام :

مجلس: في ذكر ما روي في نرجس اُمّ القائم عليه السلام(1):

واسمها مليكة بنت يشوعا بن قيصر الملك.

قال بشر بن سليمان النخّاس من ولد أبي أيّوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن أبي محمّد عليهما السلام، قال: كان مولانا أبو الحسن علي بن محمّد العسكري عليه السلام فقَّهني في أمر الرقيق فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلاَّ بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتَّي كملت معرفتي فيه فأحسنت الفرق بين الحلال والحرام، فبينا أنا ذات ليلة في منزلي بسُرَّ من رأي وقد مضي هوي(2) منها إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعاً فإذا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمّد عليهما السلام يدعوني إليه، فلبست ثيابي ودخلت عليه، فرأيته يحدّث ابنه أبا محمّد عليه السلام وأخته حكيمة من وراء الستر، فلمَّا جلست قال: (يا بشر إنَّك من ولد الأنصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكّيك ومسرّحك(3) بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة في الموالاة بها بسرّ أطلعك عليه وأنفذك في تتبّع أمره)، وكتب كتاباً ملطفا (4) بخطّ رومي ولغة روميّة وطبع عليه خاتمه وأخرج شستقة(5) صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً،

ص: 289


1- روضة الواعظين: 252 - 267
2- هوي: يعني زماناً غير قليل.
3- كذا، وفي كمال الدين: (ومشرّفك).
4- في كمال الدين: (ملصقاً)، وفي الغيبة للطوسي: (لطيفاً).
5- في دلائل الإمامة: (سبيكة)، وفي الغيبة للطوسي: (شقيقة)، وفي هامشه: (الشقيقة تصغير شقّة وهو بالكسر والضمّ ما شقّ من ثوب ونحوه).

قال: (خذها وتوجَّه بها إلي بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة (كذا)، فإذا وصلت إلي جانبك زواريق السبايا وبرزت الجواري منها فستحدق بهنَّ طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فاشرف من البعد علي المسمّي عمرو بن يزيد النخّاس عامة نهارك إلي أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا لابسة خزّين(1) صفيقين تمتنع من السفور ولمس المعرض والانقياد لمن يحاول لمسها أو شغل نظرها بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق، فيضربها النخّاس، فتصرخ صرخة روميّة، فاعلم أنَّها تقول: وا هتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين: عليَّ بثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة. فتقول بالعربية: لو برزت في زيّ سليمان علي مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق علي مالك. فيقول لها النخّاس: فما الحيلة ولا بدَّ من بيعك؟

فتقول الجارية: وما العجلة، ولا بدَّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلي أمانته ووفائه، فعند ذلك قم إلي عمرو بن يزيد النخّاس وقل له: إنَّ معي كتاباً ملطفاً لبعض الأشراف كتبه بلغة روميّة وخطّ رومي ووصف فيه كرمه، ووفائه ونبله وسخاءه فناولها لتتأمَّل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك).

قال بشر بن سليمان النخّاس: فامتثلت جميع ما حدَّه لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية، فلمَّا نظرت في الكتاب بكت بكاءً شديداً، وقالت لعمرو بن يزيد النخّاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة المغلظة أنَّه متي امتنع من بيعها منه قتلت نفسها. فما زلت أشاحه في ثمنها حتَّي استقرَّ الأمر علي مقدار ما كان أصحبنيه مولاي من).

ص: 290


1- في الغيبة للطوسي: (حريرين).

الدنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه منّي وتسلَّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلي حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتَّي أخرجت كتاب مولانا من جيبها وهي تلثمه وتضعه علي خدّها، وتمسحه علي ثديها، فقلت تعجباً منها: أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟

قالت: أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك، أنا ملكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأنا من ولد الحواريين ينسب إلي وصيّ المسيح شمعون، أنبئك العجيب، إنَّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث وعشرة سنة فجمع من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من نهر(1) ملكه عرشاً مرصعاً من أصناف الجواهر إلي صحن القصر، فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلمَّا صعده ابن أخيه وأحدقت به الصلبان، وقامت الأساقفة عكفاً ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوَّضت الأعمدة فانهارت إلي القرار، وخرَّ الصاعد من العرش مغشياً عليه، فتغيَّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة علي زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطيَّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لأزوّج منه هذه الصبيّة).

ص: 291


1- هكذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّ الصحيح: (بهي).

فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلمَّا فعلوا ذلك حدث علي الثاني ما حدث علي الأوّل، فتفرَّق الناس، وقام جدّي قيصر مغتمّاً فدخل قصره، واُرخيت الستور ورأيت من تلك الليلة كأنَّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علوّاً وارتفاعاً في الموضع الذي كان جدّي نصب فيه عرشه، فيدخل عليهم محمّد صلي الله عليه وآله وسلم مع فتية وعدّة من بنيه، فيقوم إليه المسيح فيعتنقه، ويقول: يا روح الله، إنّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا وأومأ بيده إلي أبي محمّد صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلي شمعون، فقال: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

قال: قد فعلت، فصعدوا ذلك المنبر وخطب محمّد وزوَّجني من ابنه وشهد بنو محمّد والحواريون، فلمَّا استيقظت من نومي خشيت أن أقصّ هذه الرؤيا علي أبي وجدّي مخافة القتل، فكنت اُسرّها في نفسي، ولا أبديها لهم، فضرب صدري لمحبّة أبي محمّد حتَّي امتنعت من الطعام والشراب، فضعفت نفسي ورقَّ شخصي، ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلاَّ أحضره جدّي وسأله عن دائي، فلمَّا برح لي(1) اليأس قال: يا قرّة عيني فهل يخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا؟

فقلت: يا جدّي، أري أبواب الفرج عليَّ مغلقة، فلو كشفت عن سجنك من المسلمين من الأساري وفككت عنهم الأغلال وتصدَّقت عليهم ومننتهم(2) الخلاص رجوت أن يهب لي المسيح واُمّه عافية وشفاء، فلمَّا فعل ذلك تجلدت في إظهار الصحَّة في بدني وتناولت يسيراً).

ص: 292


1- كذا، وفي دلائل الإمامة: (به).
2- هكذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّ الصحيح: (منيتهم) أو (مننت عليهم).

من الطعام، فسرَّ بذلك جدّي وأقبل علي إكرام الأساري وإعزازهم، فأريت أيضاً بعد أربعة عشر ليلة كأنَّ سيّدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيّدة النساء اُمّ زوجك أبي محمّد، فأتعلَّق بها، وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد عن زيارتي.

فقالت سيّدة النساء: إنَّ ابني أبا محمّد لا يتزوَّجك وأنت مشركة بالله علي مذهب النصاري، وهذه أختي مريم تبرأ إلي الله من دينك، فإن ملت إلي رضا الله ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمّد إيّاك فقولي: إنّي أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمّداً رسول الله، فلمَّا تكلَّمت بهذه الكلمة ضمَّتني سيّدة نساء العالمين إلي صدرها وطيَّبت نفسي وقالت: الآن توقعي زيارة أبي محمّد إيّاك، فإنّي منفذة(1) إليك، فانتبهت وأنا أقول: وا شوقاه إلي لقاء أبي محمّد. ثمّ رأيت بعد ذلك أبا محمّد كأنّي أقول له: لِمَ جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك؟

قال: ما كان امتناعي وتأخيري عنك إلاَّ لشركك، فإذا قد أسلمت فإنّي زائرك كلّ ليلة إلي أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلي هذه الغاية.

قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأساري؟

فقالت: أخبرني أبو محمّد ليلة من الليالي: إنَّ جدّك سيسرب جيوشاً إلي قتال المسلمين يوم كذا، ثمّ يتبعهم، فعليك باللحاق به متنكّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت، فوقعت).

ص: 293


1- هكذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّ الصحيح: (منفذته إليك).

علينا طلائع المسلمين حتَّي كان من أمري ما رأيت وشاهدت، وما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلي هذه الغاية أحد سواك، وذلك باطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته فقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.

فقلت: العجيب أنَّك رومية ولسانك عربي.

قالت: بلغ من ولوع جدّي بي وحمله إيّاي علي تعلّم الآداب أن أوعز إلي امرأة ترجمان له في الاختلاف إليَّ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتغذيني العربية حتَّي استمر عليها لساني، واستقام.

قال بشر: فلمَّا انكفأت إلي سُرَّ من رأي دخلت علي مولاي أبي الحسن العسكري عليه السلام.

قال لها: (كيف أراك الله عزّ الإسلام وذلّ النصرانية، وشرف أهل بيت نبيّه محمّد صلي الله عليه وآله وسلم؟).

قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي؟

قال: (فإنّي أحبّ أن أكرمك، فأيّهما أحبّ إليك: عشرة ألف درهم، أم بشري لك فيها شرف الأبد؟).

قالت: بل البشري.

قال: (فابشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).

قالت: ممَّن؟

قال: (ممَّن خطبك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية؟).

قالت: من المسيح ووصيّه.

ص: 294

قال: (فمن زوَّجك المسيح ووصيّه؟).

قالت: هل ابنك أبي محمّد؟

قال: (فهل تعرفينه؟).

قالت: فهل خلت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة التي أسلمت فيها علي يد سيّدة نساء العالمين اُمّه؟

فقال أبو الحسن عليه السلام: (يا كافور ادع لي أختي حكيمة)، فلمَّا دخلت عليه قال لها: (ها هي) فاعتنقتها أخته طويلاً، وسألتها كثيراً، فقال مولانا: (يا ابنت رسول الله أخرجيها إلي منزلك، وعلّميها الفرائض والسنن، فإنَّها زوجة أبي محمّد واُمّ القائم عليهما السلام)(1).

قد تمَّ المجلَّد الأوّل من كتاب روضة الواعظين (في مناقب أهل البيت الطاهرين عليهم السلام).

* * *

المجلد الثاني

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

مجلس في ذكر ولادة القائم صاحب الزمان عليه السلام

قالت حكيمة بنت محمّد بن علي بن موسي بن جعفر عليهم السلام: بعث إليَّ أبو محمّد الحسن بن علي, فقال: (يا عمّة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنَّها ليلة النصف من شعبان، فإنَّ الله تبارك وتعالي سيظهر في هذه الليلة الحجّة، وهو حجّته في أرضه).

ص: 295


1- أنظر: كمال الدين: 417/ باب 41/ ح 1؛ الغيبة للطوسي: 208/ ح 178.

قالت: فقلت له: ومن اُمّه؟

قال لي: (نرجس).

قلت له: جعلني الله فداك والله ما بها أثر!

فقال: (هو ما أقول لك).

قالت: فجئت، فلمَّا سلَّمت وجلست جاءت تنزع بخفي، وقالت لي: يا سيّدتي كيف أمسيت؟

فقلت: بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي.

قالت: فأنكرت قولي، وقالت: ما هذه(1) يا عمّة؟

فقلت لها: يا ابنيّة إنَّ الله تعالي سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً, سيّداً في الدنيا والآخرة.

قالت: فخجلت واستحيت، فلمَّا أن فرغت من صلاة العشاة الآخرة وأخذت مضجعي فرقدت، فلمَّا أن كان في جوف الليل قمت إلي الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة وليست بها حادثة، ثمّ جلست معقّبة ثمّ اضطجعت ثمّ انتبهت فزعة وهي راقدة، ثمّ قامت وصلَّت ونامت.

قالت حكيمة: وخرجت أتفقَّد الفجر، وإذا بالفجر الأوّل كذبة السرحان وهي نائمة، قالت حكيمة: فدخلتني الشكوك، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام من المجلس فقال: (لا تعجلي يا عمّة فهاك الأمر قد قرب).

وقالت: فجلست وقرأت (الم) السجدة و(يس)، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة، فوثبت إليها فقلت: اسم الله عليك، ثم قلت لها: تحسّين شيئاً؟).

ص: 296


1- هكذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّ الصحيح: (هذا).

قالت: نعم يا عمّة، فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك, فهو ما قلت لك. قالت حكيمة: ثمّ أخذتني فترة وأخذتها فترة، فانتبهت بحسّ سيّدي، فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به عليه السلام ساجداً يتلقّي الأرض بمساجده، فضممته عليه السلام إليَّ فإذا أنا به نظيف منظَّف، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام: (هلمّي إليَّ ابني يا عمّة).

فجئت به إليه، فوضع يديه تحت إليتيه وظهره فوضع قدمه علي صدره، ثمّ أدلي لسانه في فيه وأمرَّ يده علي عينيه وسمعه ومفاصله، ثمّ قال: (تكلَّم يا ابني)، فقال: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله)، ثمّ صلّي علي أمير المؤمنين، وعلي الأئمّة إلي أن وقف علي أبيه ثمّ أحجم، ثمّ قال أبو محمّد: (يا عمّة اذهبي به إلي اُمّه ليسلّم عليها وأتيني به)، فذهبت به فسلَّم ورددته ووضعته عليه السلام في المجلس، ثمّ قال: (يا عمّة إذا كان يوم السابع فأتنا).

قالت حكيمة: فلمَّا أصبحت وجئت لأسلّم علي أبي محمّد وكشفت الستر لأتفقَّد سيّدي عليه السلام فلم أرَه، فقلت: جُعلت فداك ما فعل سيّدي؟

فقال: (يا عمّة قد استودعناه الذي استودعت اُمّ موسي عليه السلام).

قالت حكيمة: فلمَّا كان يوم السابع جئت وسلَّمت وجلست، فقال: (هلمّي إليَّ ابني)، فجئت بسيّدي وهو في الخرقة، ففعل به ما فعل في الأولي. ثمّ أدلي لسانه في فيه كأنَّما يغذيه لبناً أو عسلاً، ثمّ قال: (تكلَّم يا بني)، فقال عليه السلام: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله)، وثنّي بالصلاة علي محمّد وعلي أمير المؤمنين، وعلي الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين حتَّي وقف علي أبيه عليه السلام، ثمّ تلا هذه الآية: ((وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي

ص: 297

الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(1)).

قال موسي: فسألت عقبة الخادم عن هذا، قال: صدقت حكيمة(2).

* قال محمّد بن عبد الله الطهوي: قصدت حكيمة بنت محمّد بعد مضي أبي محمّد عليهم السلام أسألها عن الحجّة، وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها، فقالت لي: أجلس، فجلست، ثمّ قالت لي: يا أبا محمّد، إنَّ الله تعالي لا يخلي الأرض من حجّة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين تفضيلاً للحسن والحسين، وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلهما، لأنَّ الله تبارك وتعالي خصَّ ولد الحسين بالفضل علي ولد الحسن كما خصَّ ولد هارون علي ولد موسي، وإن كان موسي حجّة علي هارون فالفضل لولده إلي يوم القيامة، ولا بدَّ للأمّة من حيرة يرتاب فيها المبطلون، ويخلص فيها المحقّون لئلاَّ يكون للخلق علي الله حجّة بعد الرسل، إنَّ الحيرة الآن لا بدَّ واقعة بعد مضي الحسن.

فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن عقب؟

فتبسَّمت، ثمّ قالت: إذا لم يكن للحسن عقب فمن الحجّة من بعده؟ وقد أخبرتك أنَّه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين.

فقلت: يا سيدتي حدّثيني بولادة مولاي وغيبته عليه السلام.

قالت: نعم، كانت لي جارية يقال لها: نرجس، فزارني ابن أخي، وأقبل يحدق إليها، فقلت له: يا سيّدي لعلَّك هويتها، فأرسلها إليك؟1.

ص: 298


1- القصص: 5 و6.
2- أنظر: كما ل الدين: 424/ باب 42/ ح 1.

فقال: (لا يا عمّة، ولكنّي أتعجب منها).

فقلت: وما أعجبك منها؟

فقال عليه السلام: (سيخرج منها ولد كريم علي الله عز وجل الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً) .

فقلت: فأرسلها إليك يا سيّدي؟

فقال: (استأذني في ذلك أبي).

قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن وجلست، فبدأني وقال لي: (يا حكيمة ابعثي بنرجس إلي ولدي أبي محمّد).

قالت: فقلت: يا سيّدي علي هذا قصدتك أن استأذنك في ذلك.

فقال لي: (يا مباركة إنَّ الله تبارك وتعالي أحبَّ أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً).

قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلي منزلي فزينتها وهيَّأتها لأبي محمّد عليه السلام وجمعت بينه وبينها في منزلي، فأقام عندي أيّاماً ثمّ مضي إلي والده ووجَّهت بها معه.

قالت حكيمة: فمضي أبو الحسن وجلس أبو محمّد عليهما السلام مكان والده، فكنت أزوره كما كنت أزور والده، فجائتني نرجس يوماً تخلع خفّي وقالت: يا مولاتي ناوليني خفّك.

فقلت: بل أنت سيّدتي ومولاتي، والله لا دفعت إليك خفّي لتخليعه، ولا خدمتني، بل أخدمك علي بصري.

فسمع أبو محمّد عليه السلام ذلك فقال: (جزاك الله خيراً يا عمّة)، فجلست عنده إلي وقت غروب الشمس، فصحت بالجارية فقلت: ناوليني ثيابي لأنصرف.

ص: 299

فقال عليه السلام: (يا عمّة بيتي الليلة عندنا، فإنَّه سيولد الليلة المولود الكريم علي الله عز وجل الذي يحيي الله به الأرض بعد موتها).

قلت: فممَّن يا سيّدي ولست أري بنرجس شيئاً من أثر الحبل؟

فقال: (من نرجس لا من غيرها).

قالت: فوثبت إليها فقلبتها ظهراً لبطن فلم أرَ بها أثر حبل، فعدّت إليه فأخبرته بما فعلت، فتبسَّم ثمّ قال لي: (إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل، لأنَّ مثلها مثل اُمّ موسي لم يظهر بها الحبل، ولم يعلم بها أحد إلي وقت ولادتها، لأنَّ فرعون كان يشقّ بطون الحبالي في طلب موسي، وهذا نظير موسي عليه السلام).

قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها.

فقالت: يا مولاتي ما أري بي شيئاً من هذا.

قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلي وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي ولا تقلب جنباً إلي جنب، حتَّي إذا كان في آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة، فضممتها إلي صدري وسمَّيت عليها، فصاح أبو محمّد عليه السلام وقال: (اقرأي: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ))، فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها: ما حالك؟

قالت: ظهر بي الأمر الذي أخبرك به أبو محمّد مولاي، فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ بمثل ما أقرأ وسلَّم عليَّ، قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت, فصاح بي أبو محمّد عليه السلام: (لا تعجبين من أمر الله، إنَّ الله تعالي ينطقنا صغاراً بالحكمة ويجعلنا حجّة في أرضه كباراً).

فلم يستتم الكلام حتَّي غيّبت عنّي نرجس فلم أرَها كأنَّه ضرب

ص: 300

بيني وبينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمّد عليه السلام وأنا صارخة، فقال لي: (ارجعي يا عمّة فإنَّك ستجدينها في مكانها).

قالت: فرجعت، فلم ألبث إلي أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها، وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشي بصري، فإذا أنا بالصبي عليه السلام ساجداً لوجهه جاث علي ركبتيه رافعاً سبابته نحو السماء وهو يقول: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ جدّي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأنَّ أبي أمير المؤمنين)، ثمّ عدَّ إماماً إماماً إلي أن بلغ إلي نفسه، فقال: (اللهم أنجز لي وعدي، وأتمم لي أمري، وثبّت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً).

فصاح بي أبو محمّد عليه السلام، وقال: (يا عمّة تناوليه وهاتيه)، فتناولته وأتيت به نحوه، فلمَّا مثلت بين يدي أبيه وهو علي يدي فسلَّم علي أبيه، فتناوله الحسن عليه السلام منّي والطير يرفرف علي رأسه ويناوله لسانه فيشرب منه، ثمّ قال: (امض به إلي اُمّه لترضعه وردّيه إليَّ).

قالت: فناولته اُمّه فأرضعته ورددته إلي أبي محمّد والطير يرفرف علي رأسه، فصاح بطير منها فقال له: (احمله واحفظه ورده إلينا في كلّ أربعين يوماً)، فتناوله الطير وطار به في جو السماء وأتبعه سائر الطيور، فسمعت أبا محمّد يقول: (استودعك الذي أودعته اُمّ موسي)، فبكت نرجس.

فقال: (أسكتي، فإنَّ الرضاع محرَّم عليه إلاَّ من ثديك، وسيعاد إليك كما ردَّ موسي إلي اُمّ موسي، وذلك قول الله عز وجل: (فَرَدَدْناهُ إِلي أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ)(1)).

قالت حكيمة: قلت: فما هذا الطير؟3.

ص: 301


1- القصص: 13.

قال: (هذا روح القدس الموكّل بالأئمّة عليهم السلام يوفّقهم ويسدّدهم ويربيهم بالعلم).

قالت حكيمة: فلمَّا كان بعد أربعين يوماً ردّ الغلام، ووجَّه إليَّ ابن أخي فدعاني، فدخلت عليه فإذا أنا بصبي متحرّك يمشي بين يديه، فقلت: سيّدي هذا ابن سنتين! فتبسَّم عليه السلام ثمّ قال: (إنَّ أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمّة ينشؤن بخلاف ما ينشأ غيرهم، وإنَّ الصبي منّا إذا أتي عليه شهر كان كمن أتي عليه سنة، وإنَّ الصبي منّا ليتكلَّم في بطن اُمّه ويقرأ القرآن ويعبد الله تعالي عند الرضاع، وتطيف به الملائكة وينزل عليه بالسلام صباحاً ومساءً).

قالت حكيمة: فلم أزل أري ذلك الصبي في كلّ أربعين يوماً إلي أن رأيته رجلاً قبل مضي أبي محمّد بأيّام قلائل فلم أعرفه، فقلت لابن أخي عليه السلام: من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟

فقال لي: (هذا ابن نرجس، وهذا خليفتي من بعدي، وعن قليل تفقدونني فاسمعي وأطيعي).

قالت حكيمة: فمضي أبو محمّد بعد ذلك بأيّام قلائل، وافترق الناس كما تري، ووالله إنّي لأراه صباحاً ومساءً لينبئني عن ما يسألونني عنه فأخبرهم، ووالله إنّي لا أريد أن أسأله من الشيء فيبدئني به وأنَّه ليرد عليَّ الأمر فيخرج إليَّ منه جوابه من ساعته من غير مساءلتي، وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليَّ وأمرني أن أخبرك بالحقّ.

قال محمّد بن عبد الله: فوَالله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطَّلع عليها أحد إلاَّ الله عز وجل، فعلمت أنَّه صدق وعدل من الله تبارك وتعالي، وأنَّ الله قد أطلعها علي ما لم يطلع عليها أحداً من خلقه(1).2.

ص: 302


1- أنظر: كمال الدين: 426/ باب 42/ ح 2.

* قال أبو جعفر العمري: لمَّا ولد السيّد عليه السلام قال أبو محمّد: (ابعثوا إلي أبي عمرو) فبعث إليه فصار إليه، فقال له: (اشتر أربعة آلاف رطل خبز وعشرة آلاف رطل لحم وفرّقه واحسبه(1)). قال علي بن هاشم: وعقَّ عنه بكذا وكذا شاة(2).

* (وروي) أنَّه لمَّا ولد السيّد عليه السلام رأيت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأيت طيوراً بيضاً تهبط من السماء وتمسح أجنحتها علي رأسه ووجهه وسائر جسده ثمّ تطير، فأخبرنا أبا محمّد بذلك، فضحك، ثمّ قال: (تلك ملائكة السماء نزلت للتبرّك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج)(3).

مجلس في ذكر إمامة صاحب الزمان ومناقبه عليه السلام:

قال الله تعالي: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(4). وقال تعالي: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(5).

والإمام بعد أبي محمّد الحسن ابنه المهدي المنتظر عليهما السلام بدليل قد مضي، وأنَّه لا يخلو الزمان من كون معصوم يكون لطفاً للمكلَّفين علي

ص: 303


1- في كمال الدين: (أحسبه، قال: علي بن هاشم).
2- أنظر: كمال الدين: 430/ باب 42/ ح 6.
3- أنظر: كمال الدين: 431/ باب 42/ ح 7.
4- القصص: 5 و6.
5- الأنبياء: 105.

ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح؛ لأنّا علمنا أنَّ بكون المعصوم يكون الناس أقرب إلي الصلاح وأبعد من الفساد، وإذا كان اللطف يجب علي الله تعالي وجب أن لا يخلو الزمان من الإمام.

وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لن تنقضي الأيّام والليالي حتَّي يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جورا وظلماً)(1).

* وقال صلي الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّي يبعث فيه رجلاً من ولدي يواطئ اسمه اسمي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً).

* وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأصحابه: (آمنوا بليلة القدر فإنَّه ينزل فيه أمر السنة، وإنَّ لذلك ولاة من بعدي علي بن أبي طالب وأحد عشرة من ولده)(2).

* قال أمير المؤمنين عليه السلام لابن عبّاس: (إنَّ ليلة القدر في كلّ سنة، وأنَّه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة من بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم).

فقال ابن عبّاس: من هم؟

قال: (أنا وأحد عشر من صلبي أئمّة محدّثون)(3).

* قال أبو جعفر عليه السلام: (إنَّ الله أرسل محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم إلي الجنّ والإنس، وجعل من بعده اثني عشر وصيّاً، منهم من سبق ومنهم من بقي، وكلّ وصيّ6.

ص: 304


1- الإرشاد 2: 340.
2- أنظر: الإرشاد 2: 346.
3- أنظر: الكافي 1: 532/ ح 11، و247/ ح 2؛ الغيبة للنعماني: 60/ ح 3؛ الخصال: 479/ باب 11/ ح 47؛ كمال الدين: 304/ باب 27/ ح 19؛ كفاية الأثر: 220؛ الإرشاد 2: 346؛ الغيبة للطوسي: 141/ ح 106.

جرت به سُنّة، فالأوصياء من بعد محمّد صلي الله عليه وآله وسلم علي سُنّة أوصياء عيسي وكانوا اثني عشر، وكان أمير المؤمنين علي سُنّة المسيح عليه السلام)(1).

* قال جابر: دخلت علي فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء والأئمّة من ولدها، فعددت اثني عشر اسماً آخرهم القائم، ثلاثة من ولد فاطمة منهم محمّد، وثلاثة منهم علي(2).

* قال مسروق: بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ يقول فتي شاب: هل عهد إليكم نبيّكم عليه السلام كم يكون من بعده خليفة؟ قال: إنَّك لحدث السنّ، وإنَّ هذا شيء ما سألني عنه أحد قبلك، نعم عهد إلينا نبيّنا صلوات الله عليه وآله أنَّه يكون من بعده اثني عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل(3).

* قال الشعبي: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لا يزال أمر أمّتي ظاهراً حتَّي يمضي اثني عشر خليفة كلّهم من قريش)(4).

* قال أبو هاشم الجعفري: قلت لأبي محمّد عليه السلام: جلالتك تمنعني من مسائلتك، أفتأذن لي أن أسألك؟

فقال: (سل).4.

ص: 305


1- أنظر: تفسير أبي حمزة الثمالي: 132؛ الإمامة والتبصرة: 134/ ح 146؛ الكافي 1: 532/ ح 10؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 59/ ح 21؛ الخصال: 478/ ح 43؛ كمال الدين: 220/ ضمن ح 1، و326/ ح 4؛ الإرشاد 2: 345؛ الغيبة للطوسي: 141؛ إعلام الوري 2: 105/ ح 166.
2- أنظر: الكافي 1: 532/ ح 9؛ الخصال: 477/ ح 42؛ الغيبة للطوسي: 139/ ح 103.
3- أنظر: عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 53/ ح 10؛ الخصال: 466/ ح 6؛ أمالي الصدوق: 385/ ح (495/4)؛ كمال الدين: 67 عند ردّه علي الزيديّة، و270/ ح 16؛ كفاية الأثر: 23.
4- أنظر: الخصال: 475/ ح 37؛ أمالي الصدوق: 387/ ح (500/9)؛ كمال الدين: 273/ ح 24.

قلت: يا سيّدي هل لك ولد؟

قال: (نعم).

قلت: فإن حدث حدث فأين أسأل عنه؟

قال: (بالمدينة)(1).

* قال عمرو الأهوازي: أراني أبو محمّد ابنه وقال: (هذا صاحبكم بعدي)(2).

* قال داود بن القاسم الجعفري: سمعت أبا الحسن علي بن محمّد عليه السلام يقول: (الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف بعد الخلف؟).

قلت: ولِمَ جعلني الله فداك؟

قال: (لأنَّكم لا ترون شخصه ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه).

قلت: فكيف نذكره؟

قال: (قولوا: الحجّة من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم)(3).

قال محمّد بن إسماعيل: وحكيمة بنت محمّد بن علي وهي عمّة الحسن عليه السلام، وأبو عمرو العمري، وأبو علي بن مطهر، وأبو عبد الله بن صالح، وإبراهيم بن إدريس، وجعفر بن علي، وأبو نصر طريف الخادم، كلّهم رأوا صاحب الزمان، وبعضهم ذكر صفته وقدّه عليه السلام.7.

ص: 306


1- أنظر: الكافي 1: 328/ ح 22؛ الإرشاد 2: 348؛ تقريب المعارف: 184؛ الغيبة للطوسي 232: ح 199؛ إعلام الوري 2: 251.
2- أنظر: الكافي 1: 328/ ح 3؛ شرح أصول الكافي 6: 227؛ الإرشاد 2: 348؛ الغيبة للطوسي: 234/ ح 203؛ تقريب المعارف: 184؛ إعلام الوري 2: 252.
3- أنظر: الكافي 1: 328/ ح 13، و332/ ح 1؛ الإمامة والتبصرة: 118/ باب 31/ ح 112؛ إثبات الوصيّة: 208؛ علل الشرائع 1: 245/ باب 179/ ح 5؛ كمال الدين: 381/ باب 37/ ح 5؛ الهداية الكبري: 360؛ الإرشاد 2: 320 و349؛ الغيبة للطوسي: 202/ ح 169؛ إعلام الوري 2: 247.

(علامات الظهور):

(وروي) علامات قبل قيامه عليه السلام: منها خروج السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العبّاس في ملك الدنياوي، وكسوف الشمس من نصف شهر رمضان وكسوف القمر في آخره علي خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلي أوساط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكيّة بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم حائط مسجد الكوفة، وإقبال الرايات السود من خراسان، وخروج اليماني، وظهور المغربي بمصر وتملّكه الشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر، ثمّ ينعطف حتَّي يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طولاً، وتبقي في الجوّ ثلاثة أيّام أو سبعة أيّام، وخلع العرب أعنَّتها وتملّكها البلاد، وخروجها علي سلطان العجم، وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاث رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلي مصر ورايات كندة إلي خراسان، وورود خيل من قبل المغرب حتَّي تربط بفناء الجزيرة، وإقبال رايات سود من المشرق ونحوها، وشقّ في الفرات حتَّي يدخل الماء في أزقّة الكوفة، وخروج ستّين كذّاباً كلّهم يدّعي النبوّة، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلّهم يدّعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العبّاس بين جلولا وخانقين، وعقد الجسر ممَّا يلي الكرخ بمدينة بغداد، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار، وزلزلة حتَّي

ص: 307

ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق، وموت ذريع فيه ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وغير أوانه يأتي علي الزرع والغلات، وقلّة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخ القوم من أهل البدع حتَّي يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد علي بلاد السادات، ونداء يسمعه أهل الأرض كلّ أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتَّي يرجعوا إلي الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون، ثمّ يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتَّصل(1) فتحيي به الأرض من بعد موتها، ويعرف بركاتها ويزول بعد ذلك كلّ عاهة عن معتقدي الحقّ من شيعة المهدي عليه السلام فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكّة فيتوجَّهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الأخبار.

ومن جملة هذه الأخبار محتومة ومنها مشترطة.

* قال الصادق عليه السلام: (لا يخرج القائم إلاَّ في وتر من السنين، سنة إحدي أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع).

* وقال عليه السلام: (ينادي باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم في يوم عاشورا وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عليهما السلام، لكأنّي به في يوم السبت العاشر من المحرَّم قائماً بين الركن والمقام جبرئيل بين يديه ينادي: البيعة لله، فيصير إليه شيعته من أطراف الأرض، تطوي لهم الأرض حتَّي يبايعوه فيملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).ر.

ص: 308


1- في المصدر: (يتَّصل)، وما أثبتناه من المصادر.

* وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام: (يدخل المهدي الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت، فيصطفّوا له ويدخل حتَّي يأتي المنبر، فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، فإذا كانت الجمعة الثانية يسأله الناس أن يصلّي بهم الجمعة، فيأمر أن يخطّ له مسجد علي الغري ويصلّي بهم هناك، ثمّ يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين عليه السلام نهراً يجري إلي الغري حتَّي ينزل الماء في النجف ويعمل علي فوهته القناطر والأرحاء، فكأنّي بالعجوز علي رأسها مكتل فيه برّ تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كرا).

* وقال عليه السلام: (كأنّي بالقائم علي نجف الكوفة، قد سار إليها من مكّة في خمسة آلاف من الملائكة جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره المؤمنون بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد).

* قال الصادق عليه السلام: (يملك القائم سبع سنين، تطول له الأيّام والليالي، حتَّي يكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون سني ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه، وإذا آن قيامه مطر الناس جمادي الآخرة وعشرة أيّام من رجب مطراً لم يرَ الخلائق مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، وكأنّي أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب).

* وقال عليه السلام: (إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنورها فاستغني العباد عن ضوء الشمس فذهبت الظلمة، ويعمّر الرجل في ملكه حتَّي يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثي، وتظهر الأرض كنوزها حتَّي يراه الناس علي وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ زكاته ولا يجد أحداً يقبل منه ذلك استغناء الناس بما رزقهم الله من فضله).

ص: 309

* وقال أبو جعفر عليه السلام في حديث طويل: (إذا قام القائم سار إلي الكوفة فيهدم بها أربعة مساجد، ولم يبقَ علي وجه الأرض مسجد له شرف إلاَّ هدمها وجعلها جماً، ووسَّع الطريق الأعظم، وكسر كلّ جناح خارج في الطريق، وأبطل الكنف والميازيب إلي الطرقات، ولا يترك بدعة إلاَّ أزالها، ولا سُنّة إلاَّ أقامها، ويفتتح قسطنطينية والصين وجبال ديلم، فيمكث علي ذلك سبع سنين مقدار كلّ سنة عشرين سنة من سنيكم هذه، ثمّ يفعل الله ما يشاء).

قيل له: جُعلت فداك فكيف يطول السنون؟

قال: (يأمر الله الفلك باللبوث وقلّة الحركة، فتطول الأيّام لذلك والسنون).

قال: قلت لهم: إنَّهم يقولون: إنَّ الفلك إن تغيَّر فسد.

قال: (ذلك قول الزنادقة, فأمَّا المسلمون فلا سبيل لهم إلي ذلك، وقد شقَّ الله القمر لنبيّه صلي الله عليه وآله وسلم وردَّ الشمس من قبله ليوشع بن نون، وأخبر بطول يوم القيامة وقال: (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(1)).

* وقال الصادق عليه السلام: (إذا قام القائم عليه السلام دعا الناس إلي الإسلام جديداً وهداهم إلي أمر قد دثر وضلَّ عنه الجمهور، وإنَّما سمّي المهدي مهدياً لأنَّه يهدي إلي أمر مضلول عنه، وسمّي القائم لقيامه بالحقّ).

* وقال عليه السلام: (إذا أذن الله تعالي للقائم في الخروج صعد المنبر ودعا الناس إلي نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلي حقّه وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويعمل فيهم بعلمه، فيبعث الله جبرئيل عليه السلام حتَّي يأتيه فينزل علي الحطيم ثمّ يقول له: إلي أيّ شيء تدعو؟ فيخبره القائم، فيقول جبرئيل: أنا أوّل من7.

ص: 310


1- الحج: 47.

يبايعك، فيمسح يده علي يده وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر إلي المدينة).

* وقال عليه السلام: (إذا قام القائم من آل محمّد عليهم السلام أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثمّ أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثمّ خمسمائة مرّة أخري حتَّي يفعل ذلك ستّ مرات).

قلت: أوَ يبلغ عدد هؤلاء هذا؟

قال: (نعم، منهم ومن مواليهم).

* وقال عليه السلام: (إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتَّي يرده إلي أساسه، وحوَّل المقام إلي الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بني شيبة وعلَّقها بالكعبة وقال: هؤلاء سرّاق الكعبة).

* وقال الباقر عليه السلام في حديث طويل: (إذا قام القائم سار إلي الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف يدعون التبرئة(1) عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتَّي يأتي علي آخرهم، ثمّ يدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب، ويهدم قصرها ويقتل مقاتليها حتَّي يرضي الله عز وجل).

* (وروي) علي بن عقبة، عن أبيه، قال: إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيّامه الجور، وآمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، وردَّ كلّ حقّ إلي أهله، ولم يبقَ أهل دين حتَّي يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان، أمَا سمعت الله عز وجل يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً)(2) وحكم في الناس بحكم داود وحكم محمّد صلي الله عليه وآله وسلم فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها وتبدي .

ص: 311


1- هكذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّ الصحيح: (البترية).
2- آل عمران: 83 .

بركاتها فلا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا لبرّه لشمول الغنا جميع المؤمنين)، ثمّ قال: (إنَّ دولتنا آخر الدول ولم يبقَ أهل بيت لهم دولة إلاَّ ملكوا قبلنا لئلاَّ يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عز وجل: (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(1)).

* وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام: (إذا قام القائم من آل محمّد ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن علي ما أنزله الله عز وجل فأصعب ما يكون علي من حفظه اليوم لأنَّه يخالف فيه التأليف).

* وقال الصادق عليه السلام: (يخرج القائم من ظهر الكعبة مع سبعة وعشرين رجلاً: خمسة عشر من قوم موسي عليه السلام الذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون وسلمان وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصاراً أو حكّاماً).

* وقال عليه السلام: (إذا قام قائم آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلي بيّنة يلهمه الله تعالي فيحكم بعلمه، ويخبر كلّ قوم ما استبطنوه ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسّم، قال الله تعالي: (إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ)(2).

* وقد روي أنَّه لم يمضي(3) مهدي الأمّة إلاَّ قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيه الهرج وعلامات خروج الأموات وقيام الساعة للحساب والجزاء، والعلم عند الله.

* قال أبو جعفر عليه السلام: (سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين فقال:ر.

ص: 312


1- الأعراف: 128؛ القصص: 83 .
2- الحجر: 7 و76.
3- في النسخة المطبوعة: (لم يمض)، وما أثبتناه من المصادر.

أخبرني عن المهدي ما اسمه؟

قال له: أمَّا اسمه فإنَّ حبيبي قد عهد إليَّ ألاَّ أحدّث به حتَّي يبعثه الله عز وجل، قال: فأخبرني عن صفته؟

قال: هو شاب مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره علي منكبه، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء).

وكان مولده عليه السلام يوم الجمعة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين، وكان سنّه عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله الحكمة، وفصل الخطاب، وجعله آية للعالمين، وآتاه الحكمة كما آتاها يحيي صبياً، وجعله إماماً في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسي بن مريم في المهد نبيّاً عليهما السلام، ويقال لاُمّه: ريحانة، ويقال لها: نرجس، ويقال: صيقل، ويقال: سوسن.

(وروي) أنَّه ولد يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومئتين قبل وفاة أبيه بسنتين وسبعة أشهر، والأوّل هو المعتمد.

وبابه عثمان بن سعيد، فلمَّا مات عثمان أوصي إلي ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصي أبو جعفر إلي أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصي أبو القاسم إلي أبي الحسن علي بن محمّد السمري، فلمَّا حضرت السمري الوفاة، سأل أن يوصي، فقال: إنَّ الله بالغ أمره، وقد انتظر عليه السلام لدولة الحقّ، وكان قد أخفي مولده، وستر أمره لصعوبة الوقت وشدّة طلب سلطان الزمان إيّاه واجتهاده في البحث عن أمره، فلمَّا شاع من مذهب الشيعة الإماميّة فيه وعرف من انتظارهم له فلم يظهر والده(1) في حياته عليه السلام، ولا عرَّفه الجمهور بعد وفاته، وتولّي جعفر بن علي أخو أبي محمّد عليه السلام أخذ تركته، وسعي في حبس).

ص: 313


1- هكذا في النسخة المطبوعة، ولعلَّ الصحيح: (لم يظهره).

جواري أبي محمّد عليه السلام واعتقاله حلائله، وشنع علي أصحابه بانتظارهم ولده، وقطعهم بوجوده والقول بإمامته، وأغري بالقوم حتَّي أخافهم وشرَّدهم، وجري علي مخلفي أبي محمّد عليه السلام بسبب ذلك عظيم من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل، وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمّد، واجتهد في القيام عند الشيعة مقام أخيه فلم يقبل أحد منهم ذلك ولا اعتقد فيه، فصار إلي سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه وبذل مالاً جليلاً وتقرَّب بكلّ ما ظنَّ أنَّه يتقرَّب به فلن ينتفع بشيء من ذلك، وقد أوردنا طرفاً من الأخبار ويسيراً من الآثار في مناقب الأئمّة الأبرار، وما يتعلَّق بها وتاريخ ولادتهم وأسماء اُمّهاتهم، وما أشبه ذلك، ومن أراد أكثر من ذلك فليلتمس من الكتب المصنَّفة والزبر المدوَّنة وجده هناك إن شاء الله.

* (وروي) أنَّ الصادق عليه السلام كثيراً ما يقول:

لكلّ اُناس دولة يرقبونها * ودولتنا في آخر الدهر تظهر

* وقال السيّد الحميري:

وما به من دان يوم الدهر دنت به * وشاركت كفّه كفّي بصفينا (1)

في سفك ما سفكت فيه إذا حضروا * وأبرز الله للقسط الموازينا

تلك الدماء معا يا ربّ في عنقي * ثمّ اسقني مثلها آمين آمينا

آمين من مثلهم في مثل حالهم * في عصبة هاجروا لله شاريناظ.

ص: 314


1- في المناقب لابن شهرآشوب وغيره من المصادر: إنّي اُدين بما دان الوصيّ به وما به دان يوم النهر دنت به يوم الخريبة من قتل المحلينا وبايعت كفّه كفّي بصفينا في سفك ما سفكت فيها إذا حضروا مع اختلافات أخري في الألفاظ... فليلاحظ.

في عصبة حول مهدي يسير بهم * من بطن مكّة ركبانا وماشينا

ليسوا يريدون إلاَّ الله ربّهم * نعم المراد توخّاه المريدونا

حتَّي يلاقوا بني حرب بجمعهم * فيضربوا الهام منهم والعرانينا

هناك ربّي ما أعطاك من شرف * منه أبا حسن خير الوصيينا

وزادك الله أضعافاً مضاعفة * حتَّي ينيلك ما نال النبيينا

فالله يشهد لي أنّي اُحبّهم * حبّاً أدين به فيكم له دينا

لا أبتغي بدلاً من معشر بكم * حتَّي اُغيّب في الأكفان مدفونا

* وقال دعبل بن علي الخزاعي:

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * تقطع قلبي أثرهم قطعاتِ

خروج إمام لا محالة خارج * يقوم علي اسم الله والبركاتِ

يبيّن فينا كلّ حقّ وباطل * ويجزي علي الإحسان والنعماتِ

ويلعن فذ الناس في الناس كلّهم * إذا ما دعا (1) ذاك ابن هن وهناتِ

فيا نفس طيبي ثمّ يا نفس فابشري * فغير بعيد كلّ ما هو آتِ

ولا تجزعي من مدّة الجور إنَّني * كأنّي بها قد آذنت بشتاتِ

فإن قرَّب الرحمن من تلك مدّتي * وأخَّر في عمري ووقت وفاتِ

شفيت ولم أترك لنفسي ريبة * ورويت منهم منصلي وقناتي

* * *).

ص: 315


1- كذا، وفي بعض المصادر: (إذا ما ادّعي).

ص: 316

إعلام الوري بأعلام الهدي

اشارة

تأليف: أمين الإسلام الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي المتوفي سنة 548ه-

تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

ص: 317

ص: 318

ذكر القسم الثاني من الركن الرابع

ذكر القسم الثاني من الركن الرابع(1)

وهو الكلام في إمامة صاحب الزمان الثاني عشر من الأئمّة، ابن الحسن بن علي بن محمّد بن الرضا عليهم السلام، وتاريخ مولده، ودلائل إمامته، وذكر طرف من أخباره، وغيبته، وعلامات وقت قيامه ومدّة دولته، ووصفه، وسيرته.

ويشتمل علي خمسة أبواب:

الباب الأوّل منه: في ذكر اسمه وكنيته ولقبه، ومولده ووقت ولادته، واسم اُمّه ومن شاهده أو رآه

اشارة

فيه ثلاثة فصول:

الفصل الأوّل: في ذكر اسمه، وكنيته، ولقبه عليه السلام:

وهو المسمّي باسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، المكنّي بكنيته.

وقد جاء في الأخبار: أنَّه لا يحلّ لأحد أن يسمّيه باسمه، ولا أن يكنّيه بكنيته إلي أن يزيّن الله تعالي الأرض (بظهوره وظهور(2)) دولته(3).

ويلقَّب عليه السلام: بالحجّة، والقائم، والمهدي، والخلف الصالح، وصاحب الزمان، والصاحب.

ص: 319


1- إعلام الوري 2 : 211 - 221 .
2- في نسختي (ط) و(ق): (بظهرر)، وما أثبتناه فمن نسخة (م).
3- أنظر: الكافي 1: 264/ 13، و268/ 1 - 4؛ كمال الدين: 648/ 1 - 4.

وكانت الشيعة في غيبته الأولي تعبّر عنه وعن غيبته بالناحية المقدَّسة، وكان ذلك رمزاً بين الشيعة يعرفونه به، وكانوا يقولون أيضاً علي سبيل الرمز والتقيّة: الغريم - يعنونه عليه السلام - وصاحب الأمر.

الفصل الثاني: في ذكر مولده عليه السلام واسم اُمّه:

ولد عليه السلام بسُرَّ من رأي ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة، روي ذلك محمّد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمّد(1).

وكان سنّه عند وفاة أبيه عليه السلام خمس سنين، آتاه الله سبحانه الحكم صبيّاً كما آتاه يحيي، وجعله في حال الطفولية إماماً كما جعل عيسي عليه السلام نبيّاً في المهد صبيّاً.

* فمن الأخبار التي جاءت في ميلاده عليه السلام: ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن يحيي العطّار، عن الحسين بن رزق الله، عن موسي بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حدَّثتني حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا عليهما السلام قالت:

بعث إلي أبو محمّد الحسن بن علي عليهما السلام فقال: (يا عمّة، اجعلي إفطارك الليلة عندنا، فإنَّها ليلة النصف من شعبان، فإنَّ الله تعالي سيظهر في هذه الليلة الحجّة وهو حجّته في أرضه).

ص: 320


1- أورد الكليني رحمه الله في الكافي 1: 431 باباً أسماه بمولد الصاحب عليه السلام، ذكر في صدره: ولد عليه السلام للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ثمّ أورد جملة مختلفة من الروايات مختلفة التواريخ، إلاَّ أنّا لم نعثر علي الرواية المذكورة أعلاه، والمروية عن علي بن محمّد، ولعلَّه من سهو القلم، أو اشتباهات النسّاخ، والله تعالي هو العالم.

قال: فقلت له: ومن اُمّه؟

قال: (نرجس).

قلت له: جعلني الله فداك، ما بها أثر!

فقال: (هو ما أقول لك).

قالت: فجئت فلمَّا سلَّمت وجلست جاءت تنزع خفّي وقالت لي: يا سيّدتي كيف أمسيت؟

فقلت: بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي.

قالت: فأنكرت قولي، وقالت: ما هذا؟!

فقلت لها: يا ابنيّة، إنَّ الله تبارك وتعالي سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة.

قالت: فخجلت واستحيت، فلمَّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي، فرقدت، فلمَّا أن كان في جوف الليل قمت إلي الصلاة، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث، ثمّ جلست معقّبة، ثمّ اضطجعت، ثمّ انتبهت فزعة وهي راقدة، ثمّ قامت فصلَّت ونامت.

قالت حكيمة: وخرجت أتفقَّد الفجر، فإذا أنا بالفجر الأوّل كذنب السرحان وهي نائمة، قالت حكيمة: فدخلتني الشكوك فصاح بي أبو محمّد من المجلس فقال: (لا تعجلي يا عمّة، فهاك الأمر قد قرب).

قالت: فجلست فقرأت (الم السجدة) و(يس)، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت: اسم الله عليك، ثمّ قلت لها: هل تحسّين شيئاً؟

قالت: نعم.

فقلت لها: اجمعي نفسك، واجمعي قلبك، فهو ما قلت لك.

ص: 321

قالت حكيمة: ثمّ أخذتني فترة وأخذتها فترة، فانتبهت بحسّ سيّدي، فكشفت الثوب عنه فإذا به عليه السلام ساجداً يتلقّي الأرض بمساجده، فضممته إليَّ فإذا أنا به نظيف منظَّف، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام: (هلمّي إليَّ ابني يا عمّة).

فجئت به إليه، فوضع يديه تحت إليتيه وظهره، ووضع قدميه علي صدره، ثمّ أدلي لسانه في فيه، وأمرَّ يده علي عينيه وسمعه ومفاصله ثمّ قال: (تكلَّم يا ابني).

فقال: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله) ثمّ صلّي علي أمير المؤمنين وعلي الأئمّة عليهم السلام إلي أن وقف علي أبيه ثمّ أحجم.

ثمّ قال أبو محمّد عليه السلام: (يا عمّة اذهبي به إلي اُمّه ليسلّم عليها، وائتني به).

فذهبت به فسلَّم ورددته ووضعته في المجلس، ثمّ قال عليه السلام: (يا عمّة إذا كان يوم السابع فائتينا).

قالت حكيمة: فلمَّا أصبحت جئت لاُسلّم علي أبي محمّد عليه السلام وكشفت الستر لأتفقَّد سيّدي فلم أرَه، فقلت له: جُعلت فداك ما فعل سيّدي؟

قال: (يا عمّة استودعناه الذي استودعت اُمّ موسي موسي).

قالت حكيمة: فلمَّا كان يوم السابع جئت وسلَّمت وجلست، فقال: (هلمّي إليَّ ابني) فجئت بسيّدي عليه السلام وهو في الخرقة، ففعل به كفعلته الأولي، ثمّ أدلي لسانه في فيه كأنَّما يغذيه لبناً أو عسلاً ثمّ قال: (تكلَّم يا ابني).

فقال عليه السلام: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله)، وثني بالصلاة علي محمّد وعلي أمير المؤمنين عليهما السلام وعلي الأئمّة حتَّي وقف علي أبيه عليهم السلام، ثمّ تلا هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً

ص: 322

وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(1). قال موسي: فسألت عقبة الخادم عن هذا فقال: صدقت حكيمة(2).

* وروي الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رحمه الله، قال: أخبرنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن الحسن بن شاذان القمي، قال: حدَّثني أبو عبد الله الحسن بن يعقوب، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، قال: حدَّثنا الحسين بن علي النيسابوري، قال: حدَّثني إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسي بن جعفر (عن السياري)(3)، قال: حدَّثني نسيم خادم الحسن بن علي ومارية قالا:

لمَّا سقط صاحب الزمان عليه السلام من بطن اُمّه سقط جاثياً علي ركبتيه رافعاً سبابتيه إلي السماء، ثمّ عطس فقال: (الحمد لله ربّ العالمين، وصلّي الله علي محمّد وآله، زعمت الظلمة أنَّ حجّة الله داحضة، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشكّ)(4).

* قال إبراهيم بن محمّد: وحدَّثني نسيم الخادم، قال: قال لي صاحب الزمان - وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست - فقال: (يرحمك الله).

قال نسيم: ففرحت بذلك. .

ص: 323


1- القصص: 5 و6.
2- كمال الدين: 424/ ح 1.
3- أثبتناه من الغيبة للطوسي.
4- الغيبة للطوسي: 244/ ح 211؛ وكذا في: كمال الدين: 430/ ح 5، الهداية الكبري: 357؛ إثبات الوصيّة: 221؛ الخرائج والجرائح 1: 457/ ح 2 .

فقال: (ألا أبشرك بالعطاس؟).

فقلت: بلي.

فقال: (هو أمان من الموت ثلاثة أيّام)(1).

الفصل الثالث: في ذكر من رآه عليه السلام:

* محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن موسي بن جعفر - وكان أسنّ شيخ من ولد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالعراق - قال: رأيت ابن الحسن بن علي بن محمّد بين المسجدين وهو غلام(2).

* وعنه، عن محمّد بن يحيي، عن الحسن بن علي النيسابوري، عن إبراهيم بن محمّد، عن أبي نصر ظريف الخادم أنَّه رآه عليه السلام(3).

* وعنه، عن محمّد بن عبد الله، ومحمّد بن يحيي جميعاً، عن عبد الله ابن جعفر الحميري، قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رضي الله عنه أحمد ابن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أساله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمرو، إنّي أريد أن أسالك عن شيء، وما أنا بشاكّ فيما أريد أن أسالك عنه، فإنَّ اعتقادي وديني أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة إلاَّ إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً فإذا كان ذلك رفعت الحجّة، وأغلق باب التوبة، فلم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك شرار خلق الله، ولكنّي أحببت أن أزداد يقيناً، فإنَّ

ص: 324


1- الغيبة للطوسي: 232/ ح 200؛ وكذا في: كمال الدين: 430/ ذيل الحديث 5، و441/ ح 11؛ الهداية الكبري: 358؛ إثبات الوصيّة: 221؛ الخرائج والجرائح 1: 465/ ح 11، و2: 693/ ح 7 .
2- الكافي 1: 266/ ح 2؛ وكذا في: الإرشاد: 251؛ الغيبة للطوسي: 268/ ح 230.
3- الكافي 1: 267/ ح 13؛ وكذا في: الإرشاد 2: 354.

إبراهيم عليه السلام سأل ربّه أن يريه كيف يحيي الموتي فقال: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلي وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(1) وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته وقلت: من أعامل، وعمَّن آخذ، وقول من أقبل؟

فقال له: (العمري ثقتي، فما أدّي إليك فعنّي يؤدّي، وما قال لك فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنَّه الثقة المأمون).

وأخبرني أبو علي: أنَّه سأل أبا محمّد عليه السلام عن مثل ذلك فقال له: (العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنَّهما الثقتان المأمونان) فهذا قول إمامين عليهما السلام فيك.

قال: فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكي ثمّ قال: سل.

فقلت: رأيت ابن أبي محمّد عليه السلام؟

فقال: إي والله، ورقبته مثل ذا، وأوما بيده إلي عنقه.

فقلت له: قد بقيت واحدة.

فقال لي: هات.

قلت: الاسم؟

قال: محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن اُحلّل ولا اُحرّم، ولكن عنه عليه السلام، وإنَّ الأمر عند السلطان في أمر أبي محمّد عليه السلام أنَّه مضي ولم يخلّف ولداً، وقسّم ميراثه، وأخذه من لا حقّ له فيه، وصبر علي ذلك، وهو ذا عياله يجولون، وليس أحد يجسر أن يتعرَّف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك(2). .

ص: 325


1- البقرة: 260 .
2- الكافي 1: 265/ ح 1 .

* وعنه، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن شاذان بن نعيم، عن خادمة لإبراهيم بن عبدة النيسابوري - وكانت من الصالحات - أنَّها قالت: كنت واقفة مع إبراهيم علي الصفا، فجاء صاحب الأمر حتَّي وقف معه، وقبض علي كتاب مناسكه وحدَّثه بأشياء(1).

* وعنه، عن علي بن محمّد، عن أبي علي أحمد بن إبراهيم بن إدريس، عن أبيه، قال: رأيته عليه السلام بعد مضي أبي محمّد عليه السلام حين أيفع، وقبَّلت يده ورأسه(2).

* وعنه، عن علي بن محمّد، عن أبي عبد الله بن صالح، وأحمد بن النضر، عن القنبري - رجل من ولد قنبر الكبير مولي أبي الحسن الرضا عليه السلام - قال: جري حديث جعفر بن علي فذمّه، فقلت: فليس غيره؟

فذكر الحجّة عليه السلام، فقلت: فهل رأيته؟

قال: قد رآه جعفر مرَّتين(3).

* وعنه(4) عن علي بن الحسين بن الفرج المؤدَّب، عن محمّد بن الحسن الكرخي، قال: سمعت أبا هارون - رجلاً من أصحابنا - يقول: رأيت صاحب الزمان ووجهه كأنَّه القمر ليلة البدر، ورأيت علي سرَّته شعراً يجري كالخطّة، وكشفت الثوب عنه فوجدته مختوناً، فسألتم.

ص: 326


1- الكافي 1: 266/ ح 6؛ وكذا في: الإرشاد 2: 352؛ الغيبة للطوسي: 268/ ح 231.
2- الكافي 1: 267/ ح 8؛ وكذا في: الإرشاد 2: 353؛ الغيبة للطوسي: 268/ ح 232.
3- الكافي 1: 267/ ح 9، وكذا في: الإرشاد 2: 353؛ الغيبة للطوسي: 248/ ح 217.
4- كذا وهو غير صواب، لأنَّ الرواية لا تعود إلي الكافي، بل هي مرويّة في كمال الدين، وبسند الشيخ الصدوق رحمه الله، كما أنَّها لم ترد في متن نسخة (ط) بل في هامشها. ولعلَّها إضافة من النسّاخ، والله تعالي هو العالم.

مولانا الحسن بن علي، عن ذلك، فقال: (هكذا ولد وهكذا ولدنا، ولكنّا سنمرّ الموسي لإصابة السُنّة)(1).

ولو ذكرنا جميع أسماء من رآه عليه السلام لطال الكتاب واتَّسع الخطاب، وسيأتي ذكر بعضهم فيما يأتي من الكتاب، وفيما أوردناه هنا كفاية في الغرض الذي نحوناه.

الباب الثاني: في ذكر النصوص الدالّة علي إمامته عليه السلام من آبائه عليهم السلام سوي ما تقدَّم من ذكره في جملة الاثني عشر

اشارة

الباب الثاني:(2) في ذكر النصوص الدالّة علي إمامته عليه السلام من آبائه عليهم السلام سوي ما تقدَّم من ذكره في جملة الاثني عشر

فيه ثلاثة فصول:

الفصل الأوّل: في ذكر إثبات النصّ علي إمامته عليه السلام من طريق الاعتبار:

إذا ثبت بالدليل العقلي وجوب الإمامة، واستحالة أن يخلي الحكيم سبحانه عباده المكلَّفين وقتاً من الأوقات من وجود إمام معصوم من القبائح، كامل غني عن رعاياه في العلوم، ليكونوا بوجوده أقرب إلي الصلاح وأبعد من الفساد، وثبت وجوب النصّ علي من هذه صفته من الأنام، أو ظهور المعجز الدالّ عليه المميّز له عمَّن سواه، وعدم هذه الصفات من كلّ أحد بعد وفاة أبي محمّد الحسن بن علي العسكري ممَّن ادَّعيت الإمامة له في تلك الحال، سوي من أثبت إمامته أصحابه

ص: 327


1- كمال الدين: 434/ ح 1.
2- إعلام الوري 2 : 224 - 253 .

عليه السلام من ولده، القائم مقامه، ثبتت إمامته عليه السلام، وإلاَّ أدّي إلي خروج الحقّ عن أقوال الأمّة.

وهذا أصل لا يحتاج معه في الإمامة إلي رواية النصوص، وتعداد ما جاء فيها من الروايات والأخبار، لقيامه بنفسه في قضيّة العقل، وثبوته بصحيح الاعتبار، علي أنَّه قد سبق النصّ عليه من النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ثمّ من أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ من الأئمّة عليهم السلام واحداً بعد واحد إلي أبيه عليه السلام، وإخبارهم عليهم السلام بغيبته قبل وجوده، وبدولته بعد غيبته.

ونحن نذكر ذلك في الفصل الذي يلي هذا الفصل ثمّ نذكر بعد ذلك الأخبار الواردة في أنَّه نصَّ عليه أبوه عليه السلام عند خواصّه وثقاته وشيعته، وأشار إليه بالإمامة من بعده استظهارا في الحجّة، وتثبيتاً علي المحجّة.

الفصل الثاني: في ذكر الأخبار الواردة عن آبائه عليهم السلام في ذلك:

سوي ما ذكرناه فيما تقدَّم من الكتاب، حذفنا أسانيدها تحرّياً للاختصار، فمن أرادها فليطلبها في كتاب كمال الدين للشيخ أبي جعفر بن بابويه قدَّس الله روحه.

فممَّا جاء عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في ذلك:

* ما رواه جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم:

(المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلُقاً، تكون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الأمم، ثمّ يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(1).

ص: 328


1- كمال الدين: 286/ ح 1.

* وروي أبو بصير، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم:

(المهدي من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلُقاً، تكون له غيبة وحيرة حتَّي يضلّ الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً)(1).

* وروي محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن أبيه، عن أبي جعفر الباقر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم:

(المهدي من ولدي، تكون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(2).

* وروي ثابت بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم:

(إنَّ علي بن أبي طالب عليه السلام إمام أمّتي، وخليفتي عليها بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقّ بشيراً، إنَّ الثابتين علي القول في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر).

فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله، وللقائم من ولدك غيبة؟

قال: (إي وربّي، ليمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين، يا جابر 5.

ص: 329


1- كمال الدين: 287/ ح 4.
2- كمال الدين: 287/ ح 5.

إنَّ هذا الأمر من أمر الله عز وجل، وسرّ من سرّ الله، علَّته مطويّة عن عباد الله، فإيّاك والشكّ، فإنَّ الشكّ في أمر الله عز وجل كفر)(1).

* وروي هشام بن سالم، عن الصادق، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم:

(القائم من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسُنّته سُنّتي، يقيم الناس علي ملّتي وشريعتي ويدعوهم إلي كتاب ربّي، من أطاعه أطاعني ومن عصاه عصاني، ومن أنكر غيبته فقد أنكرني، ومن كذَّبه فقد كذَّبني، ومن صدَّقه فقد صدَّقني، إلي الله أشكو المكذّبين لي في أمره، والجاحدين لقولي في شأنه، والمضلّين لأمّتي عن طريقته (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(2))(3).

وممَّا جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك:

* ما رواه الحارث بن المغيرة النصري، عن الأصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فوجدته متفكّراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك متفكّراً تنكت في الأرض، أرغبة فيها؟

فقال: (لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قطّ، ولكنّي فكَّرت في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من ولدي، هو المهدي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له حيرة وغيبة، يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون).

فقلت: يا أمير المؤمنين، وإنَّ هذا لكائن؟6.

ص: 330


1- كمال الدين: 287/ ح 7.
2- الشعراء: 227.
3- كمال الدين: 411/ ح 6.

قال: (نعم كما أنَّه مخلوق، وأنّي لك العلم بهذا الأمر يا أصبغ؟ أولئك خيار هذه الأمّة مع أبرار هذه العترة).

قلت: وما يكون بعد ذلك؟

قال: (ثمّ يفعل الله ما يشاء، وإنَّ له إرادات وغايات ونهايات)(1).

* ومن كلامه المشهور لكميل بن زياد: (اللهم إنَّك لا تخلي الأرض من قائم بحجّة، إمَّا ظاهر مشهور، أو خائف مغمور، لئلاَّ تبطل حججك وبيّناتك)(2).

* وروي سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه ذكر القائم فقال:

(أما ليغيبنَّ حتَّي يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد حاجة)(3).

* وروي عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن أبي جعفر الثاني، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: (للقائم منّا غيبة أمدها طويل، كأنّي بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته، يطلبون المرعي فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم علي دينه ولم يقس قلبه لطول مدّة غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة)(4).

وقال عليه السلام: (إنَّ القائم منّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفي ولادته ويغيب شخصه)(5).ق.

ص: 331


1- كمال الدين: 288/ ح 1.
2- كمال الدين: 291/ ح 10.
3- كمال الدين: 302/ ح 9.
4- كمال الدين: 303/ ذيل الحديث 14.
5- المصدر السابق.

* وروي علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين ابن خالد، عن الرضا عليه السلام، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام أنَّه قال: (التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ، والمظهر للدين، والباسط للعدل).

قال الحسين عليه السلام: (فقلت له: وإنَّ ذلك لكائن؟).

فقال: (إي والذي بعث محمّداً بالنبوّة، واصطفاه علي جميع البريّة، ولكن بعد غيبة وحيرة لا يثبت فيهما علي دينه إلاَّ المخلصون، المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيَّدهم بروح منه)(1).

وممَّا جاء فيه عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام:

* ما رواه حنان بن سدير، عن أبيه سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي، عن أبيه، عن أبي سعيد عقيصا، قال: لمَّا صالح الحسن بن علي عليهما السلام معاوية دخل عليه الناس، فلامه بعضهم علي بيعته، فقال عليه السلام:

(ويحكم، ما تدرون ما عملت، والله للذي عملت خير لشيعتي ممَّا طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون أنّي إمامكم، ومفترض الطاعة عليكم، وأحد سيّدي شباب أهل الجنّة بنصّ من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عليَّ؟).

قالوا: بلي.

قال: (أمَا علمتم أنَّ الخضر لمَّا خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار كان ذلك سخطاً لموسي عليه السلام، إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالي ذكره حكمة وصواباً؟

أمَا علمتم أنَّه ما منّا أحد إلاَّ وتقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاَّ القائم 6.

ص: 332


1- كمال الدين: 304/ ح 16.

الذي يصلّي روح الله عيسي بن مريم خلفه، فإنَّ الله عز وجل يخفي ولادته، ويغيب شخصه، لئلاَّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن سيّدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أنَّ الله علي كلّ شيء قدير)(1).

وممَّا جاء عن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام:

* ما رواه محمّد بن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام، قال: قال الحسين عليه السلام:

(في التاسع من ولدي سُنّة من يوسف، وسُنّة من موسي بن عمران، وهو قائمنا أهل البيت، يصلح الله تعالي أمره في ليلة واحدة)(2).

* وروي جعيد الهمداني(3)، عنه عليه السلام، قال:

(قائم هذه الأمّة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الذي يقسّم ميراثه وهو حيّ)(4).

* وروي يحيي بن وثاب، عن عبد الله بن عمر، قال: سمعت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام يقول:

(لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّي يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، كذلك سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول)(5).4.

ص: 333


1- كمال الدين: 315/ ح 2.
2- كمال الدين: 316/ ح 1.
3- في كمال الدين: (رجل من همدان).
4- كمال الدين: 317/ ح 2.
5- كمال الدين: 317/ ح 4.

وممَّا جاء فيه عن علي بن الحسين عليهما السلام:

* ما رواه حمزة بن حمران، عن أبيه حمران بن أعين، عن سعيد بن جبير، قال: سمعته يقول:

(في القائم منّا سنن من ستة من الأنبياء عليهم السلام: سُنّة من نوح، وسُنّة من إبراهيم، وسُنّة من موسي، وسُنّة من عيسي، وسُنّة من أيّوب، وسُنّة من محمّد.

فأمَّا من نوح عليه السلام فطول العمر، وأمَّا من إبراهيم عليه السلام فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأمَّا من موسي عليه السلام فالخوف والغيبة، وأمَّا من عيسي عليه السلام فاختلاف الناس فيه، وأمَّا من أيّوب عليه السلام فالفرج بعد البلوي، وأمَّا من محمّد صلي الله عليه وآله وسلم فالخروج بالسيف)(1).

قال: وسمعته عليه السلام يقول: (القائم منّا تخفي علي الناس ولادته حتَّي يقولوا: لم يولد بعد، ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة)(2).

* وروي علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن بسطام بن مرة، عن عمرو بن ثابت، قال: قال علي بن الحسين سيّد العابدين عليه السلام:

(من ثبت علي موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر)(3).

وممَّا جاء عن محمّد بن علي الباقر عليه السلام:

* ما رواه عبد الله بن عطاء قال:

قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنَّ شيعتك بالعراق كثيرون، ووالله ما في أهل بيتك مثلك.7.

ص: 334


1- كمال الدين: 321/ ح 3.
2- كمال الدين: 322/ ح 6.
3- كمال الدين: 323/ ح 7.

فقال: (يا عبد الله، قد أمكنت الحشو من أذنيك، والله ما أنا بصاحبكم).

قلت: فمن صاحبنا؟

قال: (أنظر من تخفي علي الناس ولادته فهو صاحبكم)(1).

* وروي أبو الجارود زياد بن المنذر، عنه، قال:

قال لي: (يا أبا الجارود، إذا دار الفلك، وقال الناس: مات القائم أو هلك، بأيّ واد سلك؟، وقال الطالب: أنّي يكون ذلك، وقد بليت عظامه. فعند ذلك فارجوه، فإذا سمعتم به فأتوه ولو حبواً علي الثلج)(2).

* أبو بصير، عنه، قال: (في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء: سُنّة من موسي، وسُنّة من عيسي، وسُنّة من يوسف، وسُنّة من محمّد صلّي الله عليه وآله وعليهم.

فأمَّا من موسي فخائف يترقَّب، وأمَّا من يوسف فالسجن، وأمَّا من عيسي فيقال: إنَّه مات ولم يمت، وأمَّا من محمّد صلّي الله عليه وآله وعليهم فالسيف)(3).

* محمّد بن مسلم الثقفي، قال: دخلت علي أبي جعفر عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم فقال لي مبتدئاً:

(يا محمّد بن مسلم، إنَّ في القائم من آل محمّد شبهاً بخمسة من الرسل: يونس بن متي، ويوسف بن يعقوب، وموسي، وعيسي، ومحمّد صلوات الله عليه وآله وعليهم.6.

ص: 335


1- كمال الدين: 325/ ح 2.
2- كمال الدين: 326/ ح 5.
3- كمال الدين: 326/ ح 6؛ وكذا في: الإمامة والتبصرة: 234/ ح 84؛ والغيبة للطوسي: 424/ ح 408؛ وإثبات الوصيّة: 226.

فأمَّا شبهه الذي من يونس عليه السلام فرجوعه من غيبته وهو شاب مع كبر السنّ.

وأمَّا شبهه من يوسف عليه السلام فالغيبة من خاصَّته وعامَّته، واختفاؤه من إخوته، وإشكال أمره علي أبيه يعقوب النبيّ مع قرب من المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته.

وأمَّا شبهه من موسي عليه السلام فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده ممَّا لقوا من الأذي والهوان إلي أن أذن الله في ظهوره، وأيَّده علي عدوّه.

وأمَّا شبهه من عيسي عليه السلام فاختلاف من اختلف فيه حتَّي قالت طائفة: ما ولد، وطائفة قالت: مات، وطائفة قالت: قتل وصلب.

وأمَّا شبهه من جدّه المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم فتجريده السيف، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله والجبّارين والطواغيت، وأنَّه ينصر بالسيف وبالرعب، وأنَّه لا ترد له راية.

وإنَّ من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني، وصيحة من السماء في شهر رمضان، ومنادٍ ينادي باسمه واسم أبيه)(1).

وممَّا جاء عن الصادق عليه السلام في ذلك:

* ما رواه محمّد بن سنان، عن صفوان بن مهران، عنه عليه السلام، قال:

(من أقرَّ بجميع الأئمّة وجحد المهدي كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم نبوَّته).

فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن المهدي من ولدك؟7.

ص: 336


1- كمال الدين: 327/ ح 7.

قال: (الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحلّ لكم تسميته)(1).

* وروي الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن عبد الله بن أبي يعفور، عنه عليه السلام مثل ذلك(2).

* وروي أحمد بن هلال، عن أميّة بن علي، عن أبي الهيثم بن أبي حيّة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

(إذا اجتمعت ثلاثة أسامي متوالية: محمّد، وعلي، والحسن، فالرابع القائم)(3).

* وروي المفضَّل بن عمر، قال: دخلت علي سيّدي جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام فقلت: يا سيّدي، لو عهدت إلينا من الخلف من بعدك؟

فقال: (يا مفضَّل، الإمام من بعدي موسي، والخلف المنتظر (م ح م د) بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسي عليهم السلام)(4).

* وروي محمّد بن خالد البرقي، عن محمّد بن سنان، وأبي علي الزراد جميعاً، عن إبراهيم الكرخي، قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام فإنّي لجالس عنده إذ دخل أبو الحسن موسي - وهو غلام - فقمت إليه فقبَّلته وجلست، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

(يا إبراهيم، أما إنَّه صاحبك من بعدي، أمَا لتهلكنَّ فيه أقوام 4.

ص: 337


1- كمال الدين: 333/ ح 1.
2- كمال الدين: 338/ ح 12.
3- كمال الدين: 333/ ح 2؛ وباختلاف يسير في الغيبة للنعماني: 179/ ح 26.
4- كمال الدين: 334/ ح 4.

ويسعد آخرون، فلعن الله قاتله وضاعف علي روحه العذاب، أما ليخرجنَّ الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه، سميّ جدّه، ووارث علمه وأحكامه وقضاياه، معدن الإمامة وأحكامها، ورأس الحكمة، يقتله جبّار بني فلان بعد عجائب طريفة، حسداً له، ولكن الله تعالي بالغ أمره ولو كره المشركون.

ويخرج الله من صلبه تكملة اثني عشر إماماً مهدياً، اختصَّهم الله بكرامته، وأحلَّهم دار قدسه، المنتظر للثاني عشر منهم كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يذبّ عنه).

قال: فدخل رجل من موالي بني أميّة، فانقطع الكلام، فعدت إلي أبي عبد الله عليه السلام إحدي عشرة مرّة أريد منه أن يتمّ الكلام فما قدرت علي ذلك.

فلمَّا كان من قابل - السنة الثانية - دخلت عليه وهو جالس(1) فقال:

(يا إبراهيم، هو المفرّج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد، وبلاء طويل وجزع وخوف، فطوبي لمن أدرك ذلك الزمان، حسبك يا إبراهيم).

قال إبراهيم: فما رجعت بشيء هو أسرُّ من هذا لقلبي، ولا أقرُّ لعيني(2).

* وروي محمّد بن خالد البرقي، عن محمّد بن سنان، عن المفضَّل ابن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

(أقرب ما يكون العباد من الله عز وجل، وأرضي ما يكون عنهم، إذا فقدوا حجّة الله، فلم يظهر لهم، ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنَّه لن تبطل حجّة الله ولا ميثاقه، فعندها فتوقَّعوا الفرج صباحاً ومساءً.1.

ص: 338


1- في نسخة (م) زيادة: (فسلَّمت وردَّ سلامي).
2- كمال الدين: 334/ ح 5؛ وكذا في الغيبة للنعماني: 90/ ح 21.

وإنَّ أشد ما يكون غضب الله علي أعداء الله تعالي إذا افتقدوا حجّته فلم يظهر لهم، وقد علم أنَّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنَّهم يرتابون ما غيَّب عنهم حجّته طرفة عين، ولا يكون ذلك إلاَّ علي رأس شرار الناس)(1).

* وروي الحسن بن محبوب، عن محمّد بن النعمان، عن أبي عبد الله عليه السلام، مثله(2).

* وروي عبد الرحمن بن أبي نجران، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

(إنَّ في القائم سُنّة من يوسف).

قلت: كأنَّك تذكر خبره أو غيبته؟

فقال لي: (وما تنكر من ذلك هذه الأمّة أشباه الخنازير، إنَّ إخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء تاجروا يوسف وبايعوه وهم إخوته وهو أخوهم، فلم يعرفوه حتَّي قال لهم: (أَنَا يُوسُفُ).

فما تنكر هذه الأمّة أن يكون الله تعالي في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجّته! لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد الله عز وجل أن يعرّفه مكانه لقدر علي ذلك.

والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيّام من بلدهم إلي مصر، فما تنكر هذه الأمّة أن (يكون الله تعالي يفعل بحجّته ما فعل بيوسف أن)(3) يكون يسير في أسواقهم، ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه، ).

ص: 339


1- كمال الدين: 339/ ح 16؛ وكذا في: الكافي 1: 268/ ح 1.
2- كمال الدين: 339/ ح 17.
3- ما بين القوسين لم يرد في نسختي (ق) و(ط).

حتَّي يأذن الله تبارك وتعالي له أن يعرّفهم نفسه كما أذن ليوسف حتَّي قال لهم: (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ * قالُوا أَ إِنَّكَ لأََنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي)(1))(2).

* وروي أحمد بن محمّد بن عيسي، عن عثمان بن عيسي الكلابي، عن خالد بن نجيح، عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ للقائم غيبة قبل أن يقوم).

قلت: ولِمَ؟

قال: (يخاف - وأومأ بيده إلي بطنه -)، ثمّ قال: (يا زرارة، وهو المنتظر، وهو الذي يشكّ الناس في ولادته، منهم من يقول: هو حمل، ومنهم من يقول: هو غائب، ومنهم من يقول: ما ولد، ومنهم من يقول: قد ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، وهو المنتظر، غير أنَّ الله تعالي يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون).

قال زرارة: فقلت: جُعلت فداك، فإن أدركت ذلك الزمان فأيّ شيء أعمل؟

قال: (يا زرارة، إن أدركت ذلك الزمان فأدم هذا الدعاء: اللهم عرّفني نفسك، فإنَّك إن لم تعرّفي نفسك لم أعرف نبيّك، اللهم عرّفني رسولك، فإنَّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهم عرّفني حجّتك فإنَّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني)، ثمّ قال: (يا زرارة، لا بدَّ من قتل غلام بالمدينة).4.

ص: 340


1- يوسف: 89 و90.
2- كمال الدين: 341/ ح 21؛ وكذا في: الكافي 1: 271/ ح 4؛ وعلل الشرائع: 244/ ح 3؛ والغيبة للطوسي: 163/ ح 4.

قلت: جُعلت فداك، أليس يقتله جيش السفياني؟

قال: (لا، ولكن يقتله جيش بني فلان، يدخل المدينة فلا يدري الناس في أيّ شيء دخل، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لم يمهلهم الله عز وجل، فعند ذلك فتوقَّعوا الفرج)(1).

وروي هذا الحديث من طرق عن زرارة(2).

* وروي يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:

(ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يري ولا إمام هدي، لا ينجو منها إلاَّ من دعا بدعاء الغريق).

قلت: كيف دعاء الغريق؟

قال: (يقول: يا الله يا رحمن يا رحيم، يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي علي دينك).

فقلت: يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي علي دينك.

فقال: (إنَّ الله عز وجل مقلّب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي علي دينك)(3).

* وروي سدير الصيرفي، عن أبي عبد الله - في حديث طويل - قال: قال: (أمَّا العبد الصالح - أعني الخضر - فإنَّ الله عز وجل ما طوَّل عمره لنبوّة قدَّرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الإقتداء بها، ولا لطاعة 0.

ص: 341


1- كمال الدين: 342/ ح 24؛ وكذا في: الكافي 1: 272/ ح 5؛ والغيبة للنعماني: 166/ ح 6.
2- كمال الدين: 343/ ذيل الحديث 24.
3- كمال الدين: 351/ ح 50.

يفرضها له، بل إنَّ الله تعالي لمَّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم عليه السلام في أيّام غيبته ما يقدّر، وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوَّل عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك إلاَّ لعلّة الاستدلال به علي عمر القائم، وليقطع بذلك حجّة المعاندين، لئلاَّ يكون للناس علي الله حجّة)(1).

فهذا طريق ممَّا روي عن الصادق عليه السلام في هذا المعني.

وممَّا جاء عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السلام في مثله:

* ما رواه سعد بن عبد الله، عن الحسن بن عيسي بن محمّد بن علي بن جعفر، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام، قال:

(إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم، لا يزيلكم أحد عنها.

يا أخي، إنَّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر، من غيبة حتَّي يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنَّما هي محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحُّ من هذا لاتَّبعوه).

فقلت: يا سيّدي، من الخامس من ولد السابع؟

فقال: (يا أخي، عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن ذلك، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه)(2).

* وروي عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن صالح بن 8.

ص: 342


1- كمال الدين: 357/ ذيل الحديث 51.
2- كمال الدين: 359/ ح 1؛ وكذا في: الكافي 1: 271/ ح 2؛ علل الشرائع: 244/ ح 4؛ الغيبة للنعماني: 154/ ح 11؛ إثبات الوصيّة: 229؛ كفاية الأثر: 268.

السندي، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلت علي موسي بن جعفر عليهما السلام فقلت له: يا ابن رسول الله، أنت القائم بالحقّ؟

قال: (أنا القائم بالحقّ، ولكن القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء الله، ويملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً علي نفسه، يرتدّ فيها قوم ويثبت فيها آخرون).

وقال عليه السلام: (طوبي لشيعتنا المتمسّكين بحبلنا (1) في غيبة قائمنا، الثابتين علي موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمّة ورضينا بهم شيعة، فطوبي لهم ثمّ طوبي لهم، هم والله معنا في درجتنا يوم القيامة)(2).

وممَّا روي عن الرضا عليه السلام في ذلك:

* ما رواه محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن أيّوب بن نوح، قال:

قلت للرضا عليه السلام: إنّا نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن يسديه الله إليك من غير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك.

فقال: (ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب، وسئل عن المسائل، وأشارت إليه الأصابع، وحملت إليه الأموال إلاَّ اغتيل أو مات علي فراشه، حتَّي يبعث الله عز وجل بهذا الأمر رجلاً خفيّ المولد والمنشأ غير خفيّ في نسبه)(3).

* وروي علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الريّان بن الصلت، قال:

قلت للرضا عليه السلام: أنت صاحب هذا الأمر؟9.

ص: 343


1- كذا في المصدر، وفي كمال الدين وكشف الغمّة وكفاية الأثر وبحار الأنوار: (بحبّنا).
2- كمال الدين: 361/ ح 5؛ وكذا في: كفاية الأثر: 269.
3- كمال الدين: 370/ ح 1؛ وكذا في: غيبة النعماني: 168/ ح 9.

فقال: (أنا صاحب هذا الأمر، ولكنّي لست بالذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك علي ما تري من ضعف بدني! وأنَّ القائم هو الذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ ومنظر الشبّان(1)، قويّاً في بدنه حتَّي لو مدَّ يده إلي أعظم شجرة علي وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسي وخاتم سليمان.

ذلك الرابع من ولدي، يغيّبه الله في ستره ما شاء ثمّ يظهره فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، كأنّي بهم أين ما كانوا قد نودوا نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب، يكون رحمة للمؤمنين وعذاباً علي الكافرين)(2).

* علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد: قال: قال الرضا عليه السلام:

(لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقيّة له، وإنَّ أكرمكم عند الله أعملكم بالتقيّة).

فقيل له: يا ابن رسول الله، إلي متي؟

قال: (إلي يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا، فمن ترك التقيّة قبل خروج قائمنا فليس منّا).

فقيل له: يا ابن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟

قال: (الرابع من ولدي، ابن سيّدة الإماء، يطهّر الله به الأرض من كلّ جور، ويقدّسها من كلّ ظلم، وهو الذي يشكّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، ه.

ص: 344


1- في (ق) و(ط): (الشباب).
2- كمال الدين: 376/ ح 7 دون ذيله.

ووضع ميزان العدل بين الناس، فلا يظلم أحد أحداً. وهو الذي تطوي له الأرض، ولا يكون له ظلّ، وهو الذي ينادي منادٍ من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول: ألا إنَّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتَّبعوه فإنَّ الحقّ معه وفيه.

وهو قول الله عز وجل: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(1))(2).

وقد ذكرنا حديث دعبل بن علي الخزاعي عنه في هذا المعني في ما تقدَّم من الكتاب.

وممَّا روي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام في مثله:

* ما رواه عبد العظيم بن عبد الله الحسني رحمه الله، قال:

دخلت علي سيّدي محمّد بن علي وأنا أريد أن أسأله عن القائم عليه السلام أهو المهدي أو غيره؟، فابتدأني فقال:

(يا أبا القاسم، إنَّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي. والذي بعث محمّداً بالنبوّة، وخصَّنا بالإمامة، إنَّه لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّي يخرج فيه فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وإنَّ الله تعالي ليصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسي عليه السلام إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو رسول نبيّ).

ثمّ قال عليه السلام: (أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج)(3).0.

ص: 345


1- الشعراء: 4.
2- كمال الدين: 371/ ح 5؛ وكذا في: كفاية الأثر: 274.
3- كمال الدين: 377/ ح 1؛ وكذا في: كفاية الأثر: 280.

* وعنه أيضاً، قال: قلت لمحمّد بن علي عليهما السلام: إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

فقال: (يا أبا القاسم، ما منّا إلاَّ قائم بأمر الله وهادٍ إلي دين الله، ولكن القائم منّا هو الذي يطهّر الله عز وجل الأرض به من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفي علي الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته.

وهو سميّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكنيه، وهو الذي تطوي له الأرض، ويذلّ له كلّ صعب.

يجتمع إليه من أصحابه عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وهو قول الله عز وجل: (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ)(1).

فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر أمره، وإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عز وجل، فلا يزال يقتل أعداء الله حتَّي يرضي الله تبارك وتعالي).

قال عبد العظيم فقلت له: يا سيّدي، وكيف يعلم أنَّ الله قد رضي؟

قال: (يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزّي فأحرقهما)(2).

* وروي حمدان بن سليمان، قال: حدَّثنا الصقر بن أبي دلف، 1.

ص: 346


1- البقرة: 148.
2- كمال الدين: 377/ ح 2؛ وكذا في: كفاية الأثر: 281.

قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الرضا عليهما السلام، يقول: (إنَّ الإمام بعدي علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، (وقوله قول أبيه)(1)، وطاعته طاعة أبيه). ثمّ سكت، فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الإمام بعد الحسن؟

فبكي بكاءً شديداً ثمّ قال: (إنَّ الإمام من بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر).

فقلت له: يا ابن رسول الله، ولِمَ سمّي القائم؟

قال: (لأنَّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته).

فقلت له: ولِمَ سمّي المنتظر؟

قال: (لأنَّ له غيبة تكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيه الوقّاتون، ويهلك فيه المستعجلون، وينجو فيه المسلمون)(2).

وممَّا روي عن أبي الحسن علي بن محمّد العسكري عليهما السلام في ذلك:

* ما رواه عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال:

دخلت علي سيّدي علي بن محمّد عليهما السلام، فلمَّا أبصرني قال لي: (مرحباً بك يا أبا القاسم، أنت وليّنا حقّاً).

فقلت له: يا ابن رسول الله، إنّي أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه حتَّي ألقي الله عز وجل.

فقال: (هات يا أبا القاسم).

فقلت: إنّي أقول: إنَّ الله تبارك وتعالي واحد ليس كمثله شيء، 3.

ص: 347


1- ما بين القوسين لم يرد في (ط) و(ق)، وأثبتناه من نسخة (م).
2- كمال الدين: 378/ ح 3؛ وكذا في: كفاية الأثر: 283.

خارج من الحدّين حدّ الإبطال وحدّ التشبيه، وإنَّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسّم الأجسام، ومصوّر الصور، وخالق الأعراض والجواهر، وربّ كلّ شيء ومالكه وجاعله ومحدثه.

وأنَّ محمّداً عبده ورسوله، وخاتم النبيّين فلا نبيّ بعده إلي يوم القيامة، وأنَّ شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلي يوم القيامة.

وأقول: إنَّ الإمام والخليفة ووليّ الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسي بن جعفر، ثمّ علي بن موسي، ثمّ محمّد بن علي عليهم السلام ثمّ أنت يا مولاي.

فقال عليه السلام: (ومن بعدي الحسن فكيف للناس بالخلف من بعده).

قال: فقلت: وكيف ذاك يا مولاي؟

قال: (لأنَّه لا يري شخصه، ولا يحلّ ذكره باسمه حتَّي يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).

قال: فقلت: أقررت، وأقول: إنَّ وليّهم ولي الله، وعدوّهم عدوّ الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله.

وأقول: إنَّ المعراج حقّ، والمسألة في القبر حقّ، وأنَّ الجنّة حقّ، والنار حقّ، والصراط حقّ، والميزان حقّ، وأنَّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث من في القبور.

وأقول: إنَّ الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فقال علي بن محمّد عليهما السلام: (يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي

ص: 348

ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، ثبَّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)(1).

* وروي علي بن إبراهيم، عن عبد الله بن أحمد الموصلي، عن الصقر ابن أبي دلف، قال: لمَّا حمل المتوكّل سيّدنا أبا الحسن عليه السلام جئت أسأل عن خبره، قال: فنظر إليَّ حاجب المتوكّل فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه، فقال: يا صقر ما شأنك؟

فقلت: خيراً أيّها الأستاذ.

قال: أقعد.

قال الصقر: وأخذني ما تقدَّم وما تأخَّر وقلت: أخطأت في المجيء.

قال: فوحي الناس عنه ثمّ قال: ما شأنك وفيم جئت؟ لعلَّك جئت تسأل عن خبر مولاك؟

فقلت له: ومن مولاي؟! مولاي أمير المؤمنين.

فقال: اُسكت، مولاك هو الحقّ، لا تحتشمني فإنّي علي مذهبك.

فقلت: الحمد لله.

فقال: تحبّ أن تراه؟

فقلت: نعم.

فقال: اجلس حتَّي يخرج صاحب البريد.

قال: فلمَّا خرج قال لغلام له: خذ بيد الصقر فأدخله إلي الحجرة التي فيها العلوي المحبوس، وخلّ بينه وبينه.

قال: فأدخلني الحجرة، وأومأ إلي بيت فدخلت، فإذا هو عليه السلام جالس علي صدر حصير، وبحذاه قبر محفور.6.

ص: 349


1- كمال الدين: 379/ ح 1؛ وكذا في: كفاية الأثر: 286.

قال: فسلَّمت فردَّ، ثمّ أمرني بالجلوس فجلست، ثمّ قال لي: (يا صقر، ما أتي بك؟).

قلت: يا سيّدي جئت أتعرَّف خبرك؟

قال: ثمّ نظرت إلي القبر فبكيت، فنظر إليَّ ثمّ قال: (يا صقر لا عليك، لن يصلوا إلينا بسوء).

فقلت: الحمد لله، ثمّ قلت: يا سيّدي حديث يروي عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لا أعرف معناه.

فقال: (وما هو؟).

قلت: قوله: (لا تعادوا الأيّام فتعاديكم) ما معناه؟

فقال: (نعم، الأيّام نحن ما قامت السماوات والأرض، فالسبت اسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والأحد أمير المؤمنين، والاثنين الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد. والأربعاء موسي بن جعفر، وعلي بن موسي، ومحمّد بن علي، وأنا، والخميس ابني الحسن، والجمعة ابن ابني، إليه تجتمع عصابة الحقّ، وهو الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فهذا معني الأيّام، فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة).

ثمّ قال: (ودّع واخرج فلا آمن عليك)(1).

* وبهذا الإسناد: عن الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت علي بن محمّد بن علي الرضا عليهم السلام يقول: (الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(2).2.

ص: 350


1- كمال الدين: 382/ ح 9؛ وكذا في: الخصال: 394/ ح 102؛ كفاية الأثر: 289.
2- كمال الدين: 383/ ح 10؛ وكذا في: كفاية الأثر: 292.

* وروي علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن صدقة، عن علي بن عبد الغفّار، قال: لمَّا مات أبو جعفر الثاني عليه السلام كتبت الشيعة إلي أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام يسألونه عن الأمر فكتب عليه السلام: (الأمر لي ما دمت حيّاً، فإذا نزلت بي مقادير الله تبارك وتعالي أتاكم الخلف منّي، فأنّي لكم بالخلف من بعد الخلف؟)(1).

* وروي إسحاق بن محمّد بن أيّوب، قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمّد عليهما السلام يقول: (صاحب هذا الأمر من يقول الناس: لم يولد بعد)(2).

والأخبار في هذا الباب كثيرة ظاهرة، في الشيعة متواترة، ثابتة في أصولها المتقدّمة لزمان الحسن العسكري عليه السلام، وفي ذلك أصحُّ دليل وبرهان علي إمامة القائم ابن الحسن عليهما السلام.

الفصل الثالث: في ذكر النصوص عليه عليه السلام من جهة أبيه الحسن بن علي عليه السلام خاصّة:

* الشيخ أبو جعفر بن بابويه رضي الله عنه، عن علي بن عبد الله الورّاق، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال:

دخلت علي أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: (يا أحمد بن إسحاق، إنَّ الله تبارك وتعالي لم يخل الأرض منذ خلق آدم، ولا يخليها إلي أن تقوم الساعة من حجّة لله علي خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض).

ص: 351


1- كمال الدين: 382/ ح 8 .
2- كمال الدين: 382/ ح 7.

قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الخليفة والإمام بعدك؟

فنهض عليه السلام مسرعاً فدخل البيت ثمّ خرج وعلي عاتقه غلام، كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين، وقال: (يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك علي الله وعلي حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنَّه سميّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكنيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأمّة مثل الخضر، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبنَّ غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلاَّ من ثبَّته الله تعالي علي القول بإمامته، ووفَّقه للدعاء بتعجيل فرجه).

قال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي، فهل من علامة يطمئنّ إليها قلبي؟

فنطق الغلام عليه السلام بلسان عربي فصيح فقال: (أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق).

قال أحمد: فخرجت مسروراً فرحاً، فلمَّا كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا ابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت عليَّ، فما السُنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟

فقال: (طول الغيبة يا أحمد).

فقلت له: يا ابن رسول الله، وإنَّ غيبته لتطول؟

قال: (إي وربّي، حتَّي يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، فلا يبقي إلاَّ من أخذ الله عهده بولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه.

يا أحمد بن إسحاق، هذا أمر من (أمر)(1) الله، وسرّ من سرّ الله، ه.

ص: 352


1- ما بين المعقوفتين أثبتناه من كمال الدين، والرواية عن الشيخ أبي جعفر بن بابويه رضي الله عنه.

وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه، وكن من الشاكرين، تكن معنا غداً في عليين)(1).

* ويؤيّد هذا الخبر ما رواه محمّد بن مسعود العياشي، عن محمّد بن نصير، عن محمّد بن عيسي، عن حماد بن عيسي، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:

سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (إنَّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً جعله الله حجّة علي عباده، فدعا قومه إلي الله عز وجل، وأمرهم بتقواه، فضربوه علي قرنه، فغاب عنهم زماناً حتَّي قيل: مات أو هلك، بأيّ وادٍ سلك؟

ثمّ ظهر ورجع إلي قومه، فضربوه علي قرنه الآخر، وفيكم من هو علي سُنّته، وإنَّ الله عز وجل مكَّن لذي القرنين في الأرض، وجعل له من كلّ شيء سبباً، وبلغ المشرق والمغرب، وإنَّ الله تعالي سيجري سُنّته في القائم من ولدي، ويبلغه شرق الأرض وغربها، حتَّي لا يبقي منهل ولا موضع من سهل أو جبل وطئه ذو القرنين إلاَّ وطئه، ويظهر الله له كنوز الأرض ومعادنها، وينصره بالرعب، ويملأ الأرض به عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً)(2).

* محمّد بن مسعود العياشي، عن آدم بن محمّد البلخي، عن علي بن الحسين بن هارون الدقّاق، عن جعفر بن محمّد بن عبد الله بن القاسم بن إبراهيم بن الأشتر، عن يعقوب بن منقوش، قال:4.

ص: 353


1- كمال الدين: 384/ ح 1.
2- كمال الدين: 394/ ح 4.

دخلت علي أبي محمّد عليه السلام وهو جالس علي دكّان في الدار، وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل، فقلت له: سيّدي، من صاحب هذا الأمر؟

فقال: (ارفع الستر).

فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، درّي المقلتين، شثن الكفّين(1)، معطوف الركبتين، في خدّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس علي فخذ أبي محمّد ثمّ قال لي: (هذا هو صاحبكم).

ثم وثب فقال له: (يا ابني، اُدخل إلي الوقت المعلوم).

فدخل البيت. وأنا أنظر إليه، ثمّ قال لي: (يا يعقوب، أنظر من في البيت؟).

فدخلت فما رأيت أحدا(2).

* محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن علي بن بلال، قال: خرج إليَّ من أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثمّ خرج إليَّ من قبل مضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بالخلف من بعده(3).

* وعنه، عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمّد عليه السلام: جلالتك تمنعني عن مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟

قال: (سل).

فقلت: يا سيّدي، هل لك ولد؟1.

ص: 354


1- شثن الكفّين: أي خشنتان وغليظتان، أنظر: الصحاح 5: 2142/ مادة شثن.
2- كمال الدين: 407/ ح 2.
3- الكافي 1: 264/ ح 1.

قال: (نعم).

قلت: فإن حدث أمر، فأين أسأل عنه؟

قال: (بالمدينة)(1).

* وعنه، عن الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّي بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله، قال: خرج عن أبي محمّد عليه السلام حين قتل الزبيري(2): (هذا جزاء من اجترأ علي الله في أوليائه، زعم أنَّه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأي قدرة الله فيه؟).

قال: وولد له ولد وسمّاه باسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وذلك في سنة ستّ وخمسين ومائتين(3).

* وعنه، عن علي بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن جعفر ابن محمّد المكفوف، عن عمرو الأهوازي، قال: أراني أبو محمّد عليه السلام ابنه وقال: (هذا صاحبكم بعدي)(4).

* الشيخ أبو جعفر، عن محمّد بن علي ماجيلويه، عن محمّد بن يحيي العطّار، عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن محمّد بن معاوية بن 3.

ص: 355


1- الكافي 1: 264/ ح 2؛ وكذا في: الإرشاد 2: 348؛ الغيبة للطوسي: 232/ ح 199؛ الفصول المهمّة: 292.
2- قال العلاّمة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول 4: 3/ ح 5: الزبيري كان لقب بعض الأشقياء من ولد الزبير، كان في زمانه عليه السلام فهدَّده، وقتله الله علي يد الخليفة أو غيره. وصحَّفه بعضهم وقرأ بفتح الزاي وكسر الباء من الزبير، بمعني الداهية، كناية عن المهتدي العبّاسي، حيث قتله الموالي.
3- الكافي 1: 264/ ح 5؛ وكذا في: كمال الدين: 430/ ح 3؛ الغيبة للطوسي: 231/ ح198؛ ودون ذيله في الإرشاد 2: 349.
4- الكافي 1: 264/ ح 3؛ وكذا في: الإرشاد 2: 348؛ الغيبة للطوسي: 234/ ح 203.

حكيم، ومحمّد بن أيّوب بن نوح، ومحمّد بن عثمان العمري، قالوا: عرض علينا أبو محمّد ابنه ونحن في منزله - وكنّا أربعين رجلاً - فقال: (هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، فأطيعوه ولا تتفرَّقوا بعدي فتهلكوا في أديانكم، أمَا إنَّكم لا ترونه(1) بعد يومكم هذا).

قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلاَّ أيّام قلائل حتَّي مضي أبو محمّد عليه السلام(2).

* وعنه، عن أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، عن سعد بن عبد الله، عن موسي بن جعفر بن وهب البغدادي، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي عليهما السلام، يقول:

(كأنّي بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي، أمَا إنَّ المقرّ بالأئمّة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم المنكر لولدي كمن أقرَّ بجميع أنبياء الله ورسله ثمّ أنكر نبوّة محمّد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، لأنَّ طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا، والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا، أمَا إنَّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلاَّ من عصمه الله)(3).

* وعنه، عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، عن أبي علي بن همام، قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمّد الحسن بن علي عليهما السلام وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه عليهم السلام:7.

ص: 356


1- لعلَّ المراد بقوله عليه السلام هذا (أكثركم) لمعارضته مع أخبار أخري تذهب إلي رؤية العمري له عليه السلام. أنظر: كمال الدين: 440/ ح 9 و10، و441/ ح 14؛ الإرشاد 2: 351. كما أنَّ العمري رحمه الله كان من سفرائه عليه السلام في أيّام غيبته الصغري، فتأمَّل.
2- كمال الدين: 435/ ح 2.
3- كمال الدين: 409/ ح 8؛ وكذا في: كفاية الأثر: 295؛ روضة الواعظين: 257.

(إنَّ الأرض لا تخلو من حجّة لله علي خلقه إلي يوم القيامة)، وإنَّ (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).

فقال: (إنَّ هذا حقّ كما أنَّ النهار حقّ).

فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن الحجّة والإمام بعدك؟

فقال: (ابني محمّد هو الإمام والحجّة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنَّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقّاتون، ثمّ يخرج فكأنّي أنظر إلي الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة)(1).

الباب الثالث: في بيان وجه الاستدلال بهذه الأخبار الواردة في النصوص علي إمامته، وذكر أحوال غيبته، وما شوهد من دلالالته وبيّناته، وبعض ما خرج من توقيعاته

اشارة

الباب الثالث:(2) في بيان وجه الاستدلال بهذه الأخبار الواردة في النصوص علي إمامته، وذكر أحوال غيبته، وما شوهد من دلالالته وبيّناته، وبعض ما خرج من توقيعاته

وفيه أربعة فصول:

الفصل الأوّل: في ذكر الدلالة علي إثبات غيبته عليه السلام وصحَّة إمامته من جهة الأخبار التي تقدَّم ذكرها، وذكر أحوال غيبته

تدلُّ علي إمامته عليه السلام ما أثبتناها من أخبار النصوص، وهي علي ثلاثة أوجه:

أحدها: النصّ علي عدد الأئمّة الاثني عشر، وقد جاءت تسميته عليه السلام في بعض تلك الأخبار، ودلَّ البعض علي إمامته بما فيه من ذكر

ص: 357


1- كمال الدين: 409/ ح 9؛ وكذا في: كفاية الأثر: 296.
2- إعلام الوري 2 : 255 - 275 .

العدد من قبل أنَّه لا قائل بهذا العدد في الأمّة إلاَّ من دان بإمامته، وكلّ ما طابق الحقّ فهو حقّ.

والوجه الثاني: النصّ عليه من جهة أبيه خاصّة.

والوجه الثالث: النصّ عليه بذكر غيبته وصفتها التي يختصّها، ووقوعها علي الحدّ المذكور من غير اختلاف، حتَّي لم يخرم منه شيئاً، وليس يجوز في العادات أن تولد جماعة كذباً يكون خبراً عن كائن فيتَّفق لهم ذلك علي حسب ما وصفوه.

وإذا كانت أخبار الغيبة قد سبقت زمان الحجّة عليه السلام، بل زمان أبيه وجدّه، حتَّي تعلَّقت الكيسانية(1) بها في إمامة ابن الحنفية والناووسية(2) والممطورة(3) في أبي عبد الله وأبي الحسن موسي عليهما السلام، وخلَّدها9.

ص: 358


1- الكيسانية: يذهب أصحاب هذه الفرقة إلي إمامة محمّد ابن الحنفية بعد أخويه الحسن والحسين عليهما السلام، وأنَّه لم يمت بل اختفي في جبال رضوي حتَّي يؤذن له بالخروج علي اعتبار أنَّه هو المهدي المنتظر. أنظر: فِرَق الشيعة للنوبختي: 23؛ الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: 56؛ الملل والنحل 1: 147.
2- الناووسية: يزعم أصحاب هذه الفرقة أنَّ الإمام الصادق عليه السلام لم يمت، وأنَّه سيظهر بعد لإحياء الحقّ وإماتة الباطل، وأنَّه هو الإمام المهدي المنتظر. وقيل: إنَّهم أتباع رجل يقال له: ناووس، أو عجلان بن ناووس. وقيل: إنَّهم ينسبون إلي قرية ناووسا. أنظر: فِرَق الشيعة للنوبختي: 67؛ الملل والنحل 1: 166؛ الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: 77.
3- الممطورة: هم من الواقفين علي الإمام موسي بن جعفر عليه السلام، والذاهبين إلي أنَّه عليه السلام لم يمت، وأنَّه هو المهدي الذي يخرج لإقامة العدل وإماتة البدع والأهواء، وأنَّ الأئمّة عليهم السلام من بعده ليسوا إلاَّ خلفاء له لا أئمّة، ينوبون عنه حتَّي ظهوره. وسمّوا بذلك الاسم من خلال جدال قام بين علي بن إسماعيل وبينهم حتَّي قال لهم بعد أن اشتدَّ الجدال فيما بينهم: ما أنتم إلاَّ كلاب ممطورة. أي أنَّهم أنتن من جيف، لأنَّ الكلاب إذا أصابها المطر تنبعث منها رائحة نتنة. أنظر: فرق الشيعة: 81؛ الملل والنحل 1: 169.

المحدّثون من الشيعة في أصولهم المؤلَّفة في أيّام السيّدين الباقر والصادق عليهما السلام، وأثروها عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام واحداً بعد واحد، صحَّ بذلك القول في إمامة صاحب الزمان عليه السلام بوجود هذه الصفة له، والغيبة المذكورة في دلائله وإعلام إمامته، وليس يمكن لأحد دفع ذلك.

ومن جملة ثقات المحدّثين والمصنّفين من الشيعة:

الحسن بن محبوب الزرّاد، وقد صنَّف كتاب المشيخة الذي هو في أصول الشيعة أشهر من كتاب المزني وأمثاله قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة، فذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة، فوافق الخبر الخبر، وحصل كلّ ما تضمَّنه الخبر بلا اختلاف.

ومن جملة ذلك: ما رواه عن إبراهيم الخارقي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

قلت له: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: (لقائم آل محمّد عليه السلام غيبتان واحدة طويلة والأخري قصيرة).

قال: فقال لي: (نعم يا أبا بصير، إحداهما أطول من الأخري، ثمّ لا يكون ذلك - يعني ظهوره - حتَّي يختلف ولد فلان، وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتدّ البلاء، ويشمل الناس موت وقتل، ويلجأون منه إلي حرم الله تعالي وحرم رسوله صلي الله عليه وآله وسلم)(1).

فانظر كيف قد حصلت الغيبتان لصاحب الأمر عليه السلام علي حسب ما تضمَّنته الأخبار السابقة لوجوده عن آبائه وجدوده عليهم السلام، أمَّا غيبته الصغري(2) منهما فهي التي كانت فيها سفراؤه عليه السلام موجودين، وأبوابه).

ص: 359


1- الغيبة للنعماني: 172/ ح 7.
2- في (ط)، (ق): (القصري).

معروفين، لا تختلف الإماميّة القائلون بإمامة الحسن بن علي عليه السلام فيهم، فمنهم:

أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمّد بن علي بن بلال، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمّان، وابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان، وعمر الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمّد الوجناني، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمّد بن إبراهيم في جماعة أخر ربَّما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم.

وكانت مدّة هذه الغيبة أربعاً وسبعين سنة، وكان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري قدَّس الله روحه باباً لأبيه وجدّه عليهما السلام من قبل وثقة لهما، ثمّ تولّي الباقية من قبله، وظهرت المعجزات علي يده، ولمَّا مضي لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمّد مقامه رحمهما الله بنصّه عليه، ومضي علي منهاج أبيه رضي الله عنه في آخر جمادي الآخرة من سنة أربع أو خمس وثلاثمائة.

وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنصّ أبي جعفر محمّد بن عثمان عليه، وأقامه مقام نفسه، ومات رضي الله عنه في شعبان سنة ستّ وعشرين وثلاثمائة.

وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمّد السمري بنصّ أبي القاسم عليه، وتوفّي في النصف من شعبان سنه ثمان وعشرين وثلاثمائة.

فروي عن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتَّب أنَّه قال:

كنت بمدينة السلام في السنة التي توفّي فيها علي بن محمّد السمري، فحضرته قبل وفاته بأيّام، فأخرج إلي الناس توقيعاً نسخته:

(بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك، ولا

ص: 360

توص إلي أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاَّ بعد أن يأذن الله تعالي ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب(1)، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلاَّ بالله العلي العظيم).

قال: فانتسخنا (2) هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمَّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك؟

قال: لله أمر هو بالغه.

فقضي. فهذا آخر كلام سمع منه(3). ثمّ حصلت الغيبة الطولي التي نحن في أزمانها، والفرج يكون في آخرها بمشيئة الله تعالي.

الفصل الثاني: في ذكر بعض ما روي من دلالاته وبيّناته عليه السلام

* محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن حمويه، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار، قال:

شككت عند مضي أبي محمّد عليه السلام واجتمع عند أبي مال جليل، فحمله وركب السفينة، وخرجت معه مشيّعاً، فوعك وعكاً شديداً فقال: يا ابني، ردني فهو الموت، وقال لي: اتَّق الله في هذا المال، وأوصي إلي ومات.

فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلي العراق وأكتري داراً علي الشطّ ولا أخبر أحداً بشيء، فإن وضح لي شيء

ص: 361


1- في (ط)، (ق): (القلب)، وأثبتنا ما في (م)، وهو الموافق لما في المصدر.
2- كذا في المصدر، وفي كمال الدين، والغيبة للطوسي: (فنسخنا).
3- كمال الدين: 516/ ح 44.

كوضوحه في أيّام أبي محمّد عليه السلام أنفذته، وإلاَّ قصفت(1) به. فقدمت العراق، واكتريت داراً علي الشطّ، وبقيت أيّاماً فإذا أنا برقعة مع رسول فيها:

(يا محمّد، معك كذا وكذا) حتَّي قصَّ عليَّ جميع ما معي ممَّا لم أحط به علماً، فسلَّمته إلي الرسول وبقيت أيّاماً لا يرفع لي رأس، واغتممت فخرج إليَّ: (قد أقمناك مقام أبيك، فاحمد الله)(2).

* وعنه، عن محمّد بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله الشيباني، قال: أوصلت أشياء للمرزباني الحارثي، وكان فيها سوار ذهب، فقبلت وردَّ علي السوار وأمرت بكسره، فكسرته فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس أو صفر، فأخرجت ذلك منه وأنفذت الذهب فقبل)(3).

* وعنه، عن علي بن محمّد، قال: أوصل رجل من أهل السواد مالاً فردَّ عليه وقيل له:

(أخرج حقّ بني عمّك منه، وهو أربعمائة درهم) وكان الرجل في يده ضيعة لبني عمّه فيها شركة قد حبسها عليهم، فنظر فإذا لولد عمّه في ذلك أربعمائة درهم، فأخرجها وأنفذ الباقي فقبل(4).

* وعنه، عن علي بن محمّد، عن علي بن الحسين اليماني، قال:0.

ص: 362


1- القصوف: الإقامة في الأكل والشرب، أي أنَّه ينفقه علي أكله وشربه. أنظر: القاموس المحيط 3: 185.
2- الكافي 1: 434/ ح 5؛ وكذا في: الإرشاد 2: 356؛ الغيبة للطوسي: 281/ ح 239؛ الخرائج والجرائح 1: 462/ ح 7.
3- الكافي 1: 435/ ح 6؛ وكذا في: الإرشاد 2: 356.
4- الكافي 1: 435/ ح 8؛ وكذا في: الإرشاد 2: 356؛ وباختلاف يسير في: كمال الدين: 486/ ح 6؛ ودلائل الإمامة: 286؛ وثاقب المناقب: 597/ ح 540.

كنت ببغداد فاتَّفقت قافلة لليمانيين، فأردت الخروج معها، فكتبت ألتمس الإذن في ذلك، فخرج:

(لا تخرج معهم، فليس لك في الخروج معهم خيرة، وأقم بالكوفة).

قال: فأقمت وخرجت القافلة، فخرجت(1) عليهم بنو حنظلة فاجتاحتهم.

قال: وكتبت أستأذن في ركوب الماء فلم يؤذن لي، فسألت عن المراكب التي خرجت تلك السنة في البحر فما سلم منها مركب، خرج عليها قوم (من الهند)(2) يقال لهم: البوارج، فقطعوا عليها (3).

* وعنه، عن القاسم بن العلاء، قال: ولد لي عدّة بنين، فكنت أكتب وأسأل الدعاء لهم فلا يكتب إلي لهم بشيء، فماتوا كلّهم، فلمَّا ولد لي الحسن ابني كتبت أسال الدعاء فأجبت: (يبقي، والحمد لله)(4).

* وعنه، عن الحسن بن الفضل بن يزيد اليماني، قال: كتب أبي بخطّه كتاباً فورد جوابه، ثمّ كتب بخطّي فورد جوابه، ثمّ كتب بخطّ رجل جليل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه، فنظرنا فإذا العلّة في ذلك أنَّ الرجل تحوَّل قرمطيا(5).0.

ص: 363


1- في (ط)، (ق): (فخرج).
2- ما بين القوسين لم يرد في (ط) و(ق).
3- الكافي 1: 436/ صدر الحديث 12؛ وكذا في: الهداية الكبري: 372؛ الإرشاد 2: 358؛ وباختلاف يسير في: كمال الدين: 491/ صدر الحديث 14.
4- الكافي 1: 435/ ح 9؛ وكذا في: الإرشاد 2: 356.
5- ذكر النوبختي في فِرَق الشيعة: أنَّ هذه التسمية تعود إلي رئيس لهذه الفرقة يسمّي بقرموطيه، وأنَّهم يزعمون بأنَّ رسالة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قد انقطعت يوم غدير خمّ وانتقلت إلي الإمام علي عليه السلام. كما أنَّهم يذهبون - علي ما نسب إليهم - إلي أنَّ الفرائض رموز وإشارات، وإلي إباحة جميع الملذّات والمنكرات، واستحلال استعراض الناس بالسيف وغير ذلك. أنظر: فِرَق الشيعة: 72؛ الملل والنحل 1: 167 و191؛ تلبيس إبليس: 110.

* قال الحسن بن الفضل: وردت العراق، وزرت طوس، وعزمت أن لا أخرج إلاَّ عن بيّنة من أمري، ونجاح من حوائجي، ولو احتجت أن أقيم بها حتَّي أتصدَّق(1).

قال: وفي خلال ذلك يضيق صدري بالمقام، وأخاف أن يفوتني الحجّ.

قال: فجئت يوماً إلي محمّد بن أحمد - وكان السفير يومئذٍ - أتقاضاه فقال لي: صر إلي مسجد كذا وكذا فإنَّه يلقاك رجل.

قال: فصرت إليه، فدخل عليَّ رجل فلمَّا نظر إليَّ ضحك وقال: لا تغتم، فإنَّك ستحجّ في هذه السنة وتنصرف إلي أهلك وولدك سالماً.

قال: فاطمأننت وسكن قلبي وقلت: أري مصداق ذلك إن شاء الله.

قال: ثمّ وردت العسكر، فخرجت إليَّ صرّة فيها دنانير وثوب، فاغتممت وقلت في نفسي: جدّي(2) عند القوم هذا، واستعملت الجهل فرددتها وكتبت رقعة، ثمّ ندمت بعد ذلك ندامة شديدة، وقلت في نفسي: كفرت بردّي علي مولاي، وكتبت رقعة أعتذر فيها من فعلي، وأبوء بالإثم، وأستغفر من ذلك، وأنفذتها وقمت أتطهَّر للصلاة، فأنا في ذلك أفكّر في نفسي وأقول: إن ردَّت عليَّ الدنانير لم أحلّل صرارها ولم أحدث فيها حدثاً حتَّي أحملها إلي أبي فإنَّه أعلم منّي ليعمل فيها بما شاء.

فخرج إلي الرسول الذي حمل إلي الصرة: (أسأت إذ لم تعلم الرجل إنّا ربَّما فعلنا ذلك بموالينا من غير مسألة ليتبرَّكوا به).

وخرج إليَّ: (أخطأت في ردّك برّنا، فإذا استغفرت الله فالله يغفري.

ص: 364


1- أي أسأل الناس الصدقة.
2- جدّي: حظّي.

لك، فأمَّا إذا كانت عزيمتك وعقيدتك أن لا تحدث فيها حدثاً، ولا تنفقها في طريقك، فقد صرفناها عنك، وأمَّا الثوب فلا بدَّ منه لتحرم فيه).

قال: وكتبت في معنيين وأردت أن أكتب في ثالث فامتنعت عنه مخافة أن يكره ذلك، فورد جواب المعنيين والثالث الذي طويت مفسّراً، والحمد لله(1).

* وعنه، عن علي بن محمّد، عن الحسن بن عبد الحميد، قال: شككت في أمر حاجز بن يزيد(2)، فجمعت شيئاً وصرت إلي العسكر، فخرج:

(ليس فينا شكّ، ولا في من يقوم مقامنا بأمرنا، فاردد ما معك إلي حاجز بن يزيد)(3).

* وعنه، عن علي بن محمّد، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن الحسن، والعلاء بن رزق الله، عن بدر - غلام أحمد بن الحسن -، قال: وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة، أحبّهم جملة، إلي أن مات يزيد بن عبد الله، فأوصي في علّته أن يدفع الشهري السمند(4) وسيفه ومنطقته إلي مولاه، فخفت إن أنا لم أدفع الشهري إلي أذكوتكين(5) نالني منه استخفاف، فقوَّمت الدابة والسيف والمنطقة بسبعمائة دينار في نفسي ولم أطلع عليه أحداً، ودفعت الشهري إلي أذكوتكين، ً.

ص: 365


1- الكافي 1: 436/ ح 13؛ وكذا في: الإرشاد 2: 360؛ وباختلاف يسير في: كمال الدين: 490/ ح 13.
2- ذكر الشيخ الصدوق رحمه الله في كمال الدين: 442/ ح 16: أنَّ حاجزاً ممَّن وقف علي معجزات صاحب الزمان عليه السلام ورآه من الوكلاء في بغداد.
3- الكافي 1: 437/ ح 14؛ وكذا في: الإرشاد 2: 361.
4- الشهري السمند: اسم فرس. (مجمع البحرين 3: 357).
5- أذكوتكين: كان من أمراء الترك ووالياً علي الري من قبل العبّاسيين راجع مقدّمة المحاسن للمحدّث الأرموي (صفحة: لا، وما بعدها) فقد أورد شرحاً وافياً حول هذا الرجل وحول هذه الرواية أيضاً.

فإذا الكتاب قد ورد عليَّ من العراق أن (وجَّه السبعمائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة)(1).

* وعنه، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن شاذان النيسابوري، قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم تنقص عشرون درهماً، فأنفت أن أبعث بها ناقصة، فوزنت من عندي عشرين درهماً وبعثت بها إلي الأسدي ولم أكتب مالي فيها، فورد:

(وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهماً)(2).

* وعنه، عن الحسين بن محمّد الأشعري، قال: كان يرد كتاب أبي محمّد عليه السلام في الإجراء علي الجنيد - قاتل فارس - وأبي الحسن وآخر، فلمَّا مضي أبو محمّد عليه السلام ورد استئناف من الصاحب لإجراء(3) أبي الحسن وصاحبه، ولم يرد في أمر الجنيد شيء فاغتممت لذلك، فورد نعي الجنيد بعد ذلك(4). وإذا قطع جرايته إنَّما كان لوفاته.

* وعنه، عن علي بن محمّد، عن أبي عقيل عيسي بن نصر، قال: كتب علي بن زياد الصيمري يسأل كفناً، فكتب إليه: (إنَّك تحتاج إليه في سنة ثمانين) فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته(1).).

ص: 366


1- الكافي 1: 438/ ح 16؛ وكذا في: الإرشاد 2: 363؛ الغيبة للطوسي: 282/ ح 241؛ الخرائج والجرائح 1: 464/ ح 9؛ وباختلاف يسير في: الهداية الكبري: 369؛ دلائل الإمامة: 285.
2- الكافي 1: 439/ ح 23؛ وكذا في: الإرشاد 2: 365؛ وباختلاف يسير في: كمال الدين: 485/ ح 5، و509/ ح 38؛ والغيبة للطوسي: 416/ ح 394؛ ودلائل الإمامة: 286؛ ونحوه، في: رجال الكشي: 533/ رقم 1017.
3- كذا في المصدر وغيره، وفي الإرشاد وكشف الغمّة: (بالإجراء).
4- الكافي 1: 439/ ح 24؛ وكذا في: الإرشاد 2: 366، وفيه: (أخي) بدل (آخر).

* وعنه، عن محمّد بن هارون بن عمران الهمداني، قال: كان للناحية(1) عليَّ خمسمائة دينار، وضقت بها ذرعاً، ثمّ قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار وثلاثين ديناراً قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار، ولا والله ما نطقت بذلك، فكتب إلي محمّد بن جعفر: (اقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بالخمسمائة دينار التي لنا عليه)(2).

* وعنه، عن الحسين بن الحسن العلوي، قال: أنهي إلي عبيد الله بن سليمان الوزير أنَّ له وكلاء(3)، وأنَّه تجبي إليهم الأموال، وسمّوا الوكلاء في النواحي. فهمَّ بالقبض عليهم، فقيل له: لا، ولكن دسّوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه. فلم يشعر الوكلاء بشيء حتَّي خرج الأمر أن لا يأخذوا من أحد شيئاً، وأن يتجاهلوا بالأمر، وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك. فاندسَّ لمحمّد بن أحمد رجل لا يعرفه وقال: معي مال أريد أن أوصله.

فقال له محمّد: غلطت، أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطَّف به ومحمّد يتجاهل.

وبثّوا الجواسيس، وامتنع الوكلاء كلّهم لما كان تقدَّم إليهم، فلم يظفر بأحد منهم، ولم تتمّ الحيلة فيهم(4).).

ص: 367


1- كناية عن الإمام المهدي عليه السلام.
2- الكافي 1: 440/ ح 28؛ وكذا في: الإرشاد 2: 366 و367؛ الخرائج والجرائح 1: 472/ ح 16؛ ونحوه في: كمال الدين: 492/ ح 17.
3- كذا في المصدر، وفي الكافي: (الحسين بن الحسن العلوي، قال: كان رجل من ندماء روز حسني - في الهامش: كأنَّه كان والياً بالعسكر، وفي بعض النسخ: (بدر حسني) -، وآخر معه، فقال له: هو ذا يجبي الأموال، وله وكلاء...).
4- الكافي 1: 440/ ح 27؛ وكذا في: الإرشاد 2: 366؛ الغيبة للطوسي: 283/ ح 243؛ الخرائج والجرائح 1: 463؛ ثاقب المناقب: 590/ ح 535؛ دلائل الإمامة: 285.

* وعنه، عن علي بن محمّد، قال: خرج النهي عن زيارة مقابر قريش(1) والحائر - علي ساكنيهما السلام - ولم نعرف السبب، فلمَّا كان بعد شهر دعا الوزير الباقطاني(2) فقال له: ألق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا تزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يتفقَّد كلّ من زار فيقبض عليه(3).

* الشيخ أبو جعفر بن بابويه، قال: حدَّثنا محمّد بن إبراهيم الطالقاني، عن أبي القاسم علي بن أحمد الخديجي الكوفي، قال: حدَّثنا الأودي قال: بينا أنا في الطواف - وقد طفت ستّاً وأريد السابع - فإذا بحلقة عن يمين الكعبة، وشاب حسن الوجه، طيّب الرائحة، هيوب مع هيبته، متقرّب إلي الناس يتكلَّم، فلم أرَ أحسن من كلامه، ولا أعذب من منطقه(4)، فذهبت أكلّمه فزبرني الناس، فسألت بعضهم: من هذا؟

فقالوا: هذا ابن رسول الله يظهر للناس في كلّ سنة يوماً لخواصّه يحدّثهم.

فقلت: سيّدي، مسترشداً أتيتك فأرشدني.

فناولني عليه السلام حصاة وكشفت عنها فإذا بسبيكة ذهب، فذهبت فإذا أنا به عليه السلام قد لحقني فقال لي: (ثبتت عليك الحجّة، وظهر لك الحقّ، وذهب عنك العمي، أتعرفني؟).

فقلت: لا.).

ص: 368


1- يعني بذلك قبري الإمامين الكاظم والجواد عليهما السلام.
2- باقطايا ويقال: باقطيا: قرية من قري بغداد علي ثلاثة فراسخ من ناحية قطربل. (معجم البلدان 1: 327).
3- الكافي 1: 441/ ح 31؛ وكذا في: الإرشاد 2: 367؛ الغيبة للطوسي: 284/ ح 244؛ الخرائج والجرائح: 465/ ح 10.
4- في (م) زيادة: (في حسن جلوسه).

فقال عليه السلام: (أنا المهدي، وأنا قائم الزمان، أنا الذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، إنَّ الأرض لا تخلو من حجّة، ولا يبقي الناس في فترة، وهذه أمانة فحدّث بها إخوانك من أهل الحقّ)(1).

* قال: وحدَّثنا أبي، عن سعد بن عبد الله، عن علي بن محمّد الرازي قال: حدَّثني جماعة من أصحابنا: أنَّه بعث إلي عبد الله بن الجنيد - وهو بواسط - غلاماً وأمر ببيعه، فباعه وقبض ثمنه، فلمَّا عيَّر الدنانير نقصت في التعيير ثمانية عشر قيراطاً وحبّة، فوزن من عنده ثمانية عشر قيراطاً وحبّة وأنفذها، فردَّ عليه ديناراً وزنه ثمانية عشر قيراطاً وحبّة(2).

* قال: وحدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي الأسود أنَّ أبا جعفر العمري حفر لنفسه قبراً وسوّاه بالساج، فسألته عن ذلك فقال: قد أمرت أن أجمع أمري. فمات بعد ذلك بشهرين(3).

* قال: وحدَّثنا محمّد بن علي الأسود، قال: سألني علي بن الحسين بن موسي بن بابويه رحمه الله بعد موت محمّد بن عثمان العمري أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه السلام أن يدعو الله أن يرزقه ولداً، قال: فسألته، فأنهي ذلك، ثمّ أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنَّه قد دعا لعلي بن الحسين وأنَّه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به، وبعده أولاد.

* قال أبو جعفر محمّد بن علي الأسود: وسألته في أمر نفسي أن يدعو لي أن أرزق ولداً، فلم يجبني إليه وقال لي: ليس إلي هذا سبيل.9.

ص: 369


1- كمال الدين: 444/ ح 1؛ وكذا في: الغيبة للطوسي: 253/ ح 223؛ الخرائج والجرائح 2: 784/ ح 110.
2- كمال الدين: 486/ ح 7.
3- كمال الدين: 502/ ح 29.

قال: فولد لعلي بن الحسين تلك السنة ابنه محمّد بن علي وبعده أولاد، ولم يولد لي.

* قال الشيخ: كان أبو جعفر محمّد بن علي الأسود رضي الله عنه كثيراً ما يقول لي إذا رآني أختلف إلي مجلس شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد ابن الوليد رحمه الله وأرغب في كتب العلم وحفظه: ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم وأنت ولدت بدعاء الإمام عليه السلام(1).

* قال: حدَّثنا صالح بن شعيب الطالقاني، عن أحمد بن إبراهيم بن مخلَّد، قال: حضرت بغداد عند المشايخ فقال الشيخ علي بن محمّد السمري - قدَّس الله روحه - ابتداءً منه: رحم الله علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي.

قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم فورد الخبر أنَّه توفّي في ذلك اليوم(2).

فهذا طرف يسير ممَّا جاء في هذا المعني، وإيراد سائره يخرج عن الغرض في الاختصار، وفيما أوردناه كفاية في بابه إن شاء الله تعالي.

الفصل الثالث: في ذكر بعض التوقيعات الواردة منه عليه السلام

* الشيخ أبو جعفر بن بابويه رحمه الله، عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق قال: سمعت أبا علي محمّد بن همام، قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري يقول: خرج توقيع بخطّ أعرفه: (من سمّاني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله).

ص: 370


1- كمال الدين: 502/ ح 31؛ وكذا في: الغيبة للطوسي: 320/ ح 266، ودون ذيله في: الخرائج والجرائح 3: 1124/ ح 42.
2- كمال الدين: 503/ ح 32؛ وكذا في: الغيبة للطوسي: 394/ ح 364؛ الخرائج والجرائح 3: 128/ ح 45.

* قال أبو علي محمّد بن همام: وكتبت أسأله عن ظهور الفرج متي يكون؟

فخرج التوقيع: (كذب الوقّاتون)(1).

* محمّد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتاباً سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عليه السلام:

(أمَّا ما سألت عنه - أرشدك الله وثبَّتك - من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمّنا، فاعلم أنَّه ليس بين الله وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس منّي، وسبيله سبيل ابن نوح عليه السلام.

وأمَّا سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف عليه السلام.

وأمَّا الفقاع فشربه حرام، ولا بأس بالشلماب(2).

وأمَّا أموالكم فلا نقبلها إلاَّ لتطهروا، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع، فما آتانا الله خير ممَّا آتاكم.

وأمَّا ظهور الفرج فإنَّه إلي الله تعالي ذكره، وكذب الوقّاتون.

وأمَّا قول من زعم أنَّ الحسين لم يقتل فكفر، وتكذيب، وضلال.

وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا، فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجّة الله.

وأمَّا محمّد بن عثمان العمري - رضي الله عنه وعن أبيه من قبل - فإنَّه ثقتي، وكتابه كتابي.5.

ص: 371


1- كمال الدين: 483/ ح 3.
2- الشلماب: لفظة فارسية معناها ماء الشيلم، والشيلم حبّ صغار مستطيل أحمر قائم كأنَّه في خلقه سوس الحنطة، ولا يسكر ولكنَّه يمرّ الطعام إمراراً شديداً. أنظر: لسان العرب 12: 325.

وأمَّا محمّد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله قلبه، ويزيل عنه شكّه.

وأمَّا ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلاَّ لما طاب وطهر، وثمن المغنّية حرام.

وأمَّا محمّد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت.

وأمَّا أبو الخطاب محمّد بن أبي زينب الأجدع فملعون وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم، فإنّي منهم بريء وآبائي عليهم السلام منهم براء.

وأمَّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلَّ منها شيئاً فأكله فإنَّما يأكل النيران.

وأمَّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا، وجعلوا منه في حلّ إلي وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.

وأمَّا ندامة قوم شكوا في دين الله علي ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال، ولا حاجة لنا في صلة الشاكّين.

وأمَّا علّة ما وقع من الغيبة فإنَّ الله عز وجل يقول: (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)(1) إنَّه لم يكن أحد من آبائي إلاَّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.

وأمَّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبها عن الأبصار السحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء، فاغلقوا باب السؤال عمَّا لا يعنيكم، ولا تتكلَّفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجكم.

والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلي من اتَّبع الهدي)(1).1.

ص: 372


1- المائدة: 101.

* الشيخ أبو جعفر بن بابويه، عن أبيه، ومحمّد بن الحسن، عن عبد الله ابن جعفر الحميري، عن محمّد بن صالح الهمداني، قال: كتبت إلي صاحب الزمان عليه السلام: إنَّ أهل بيتي يؤذونني ويقرعونني بالحديث الذي روي عن آبائك عليهم السلام أنَّهم قالوا: (خدّامنا وقوّامنا شرار خلق الله). فكتب عليه السلام: (أمَا يقرؤون قول الله عز وجل: (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَي الَّتِي بارَكْنا فِيها قُريً ظاهِرَةً)(1)؟ نحن والله القري التي بارك الله فيها وأنتم القري الظاهرة)(2).

الفصل الرابع: في ذكر أسماء الذين شاهدوه أو رأوا دلائله وخرج إليهم توقيعاته وبعضهم وكلاءه

* الشيخ أبو جعفر - قدَّس الله روحه -، قال: حدَّثنا محمّد بن محمّد الخزاعي، عن أبي علي الأسدي، عن أبيه محمّد بن أبي عبد الله الكوفي أنَّه ذكر عدد من انتهي إليه ممَّن وقف علي معجزات صاحب الزمان عليه السلام ورآه من الوكلاء:

ببغداد: العمري، وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطّار.

ومن الكوفة: العاصمي.

ومن أهل الأهواز: محمّد بن إبراهيم بن مهزيار.

ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق.

ومن أهل همدان: محمّد بن صالح.

ومن أهل الري: الشامي(3)، والأسدي. يعني نفسه.

ص: 373


1- سبأ: 18.
2- كمال الدين: 483/ ح 2.
3- كمال الدين: 483/ ح 4؛ وكذا في: الغيبة للطوسي: 290/ ح 247؛ الخرائج والجرائح 3: 1113/ ح 3؛ الاحتجاج: 469.

ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء. ومن نيسابور: محمّد بن شاذان.

ومن غير الوكلاء: من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبد الله الكندي، وأبو عبد الله الجنيدي، وهارون القزّاز، والنيلي، وأبو القاسم بن رميس، وأبو عبد الله بن فروخ، ومسرور الطبّاخ مولي أبي الحسن عليه السلام، وأحمد، ومحمّد ابنا أبي الحسن، وإسحاق الكاتب من بني نوبخت، وصاحب الفداء، وصاحب الصرّة المختومة.

(ومن همدان: محمّد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمّد بن هارون بن عمران)(1).

ومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد وأخوه، وأبو الحسن.

ومن أصفهان: ابن بادشايجه(2).

ومن الصيمرة: زيدان.

ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمّد بن محمّد، وعلي بن محمّد بن إسحاق، وأبوه، والحسين(3) بن يعقوب.

ومن أهل الري: القاسم بن موسي، وابنه، وابن محمّد بن هارون، وصاحب الحصاة، وعلي بن محمّد، ومحمّد بن محمّد الكليني، وأبو جعفر الرفاء.

ومن قزوين: مرداس، وعلي بن أحمد.

ومن قابس: رجلان.

ومن شهرزور: ابن الخال.).

ص: 374


1- ما بين القوسين لم يرد في (ق) و(ط)، وأثبتناه من (م).
2- كذا، وفي كمال الدين وبحار الأنوار: (ابن باذشالة، أو ابن بادشاكة).
3- في (م): (البسامي).

ومن فارس: المجروح(1).

ومن مرو: صاحب الألف دينار، وصاحب المال والرقعة البيضاء، وأبو ثابت.

ومن نيسابور: محمّد بن شعيب بن صالح.

ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن ابنه، والجعفري، وابن الأعجمي، والشمشاطي.

ومن مصر: صاحب المولودين، وصاحب المال بمكّة، وأبو رجاء.

ومن نصيبين: أبو محمّد بن الوجناء.

ومن الأهواز: الحصيني(2).

الباب الرابع: في ذكر علامات قيام القائم عليه السلام، ومدّة أيام ظهوره وطريقة أحكامه، وسيرته عند قيامه، وصفته، وحليته

اشارة

الباب الرابع:(3) في ذكر علامات قيام القائم عليه السلام، ومدّة أيام ظهوره وطريقة أحكامه، وسيرته عند قيامه، وصفته، وحليته

أربعة فصول:

الفصل الأوّل: في ذكر علامات خروجه عليه السلام

قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيامه عليه السلام، فمن ذلك:

* ما رواه صفوان بن يحيي، عن محمّد بن حكيم، عن ميمون البان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

ص: 375


1- في (ق): (النجروح)، وفي كمال الدين: (المحروج).
2- كمال الدين: 442/ ح 16.
3- إعلام الوري 2 : 277 - 295

(خمس قبل قيام القائم: اليماني، والسفياني، والمنادي ينادي من السماء، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية)(1).

* ومنه ما رواه علي بن عاصم، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، قال:

قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتَّي يخرج المهدي من ولدي، ولا يخرج المهدي حتَّي يخرج ستّون كذّاباً كلّهم يقول: أنا نبيّ)(2).

* وروي الفضل بن شاذان، عمَّن رواه، عن أبي حمزة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: خروج السفياني من المحتوم؟

قال: (نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم، واختلاف بني العبّاس محتوم، وقتل النفس الزكية محتوم، وخروج القائم من آل محمّد محتوم).

قلت له: وكيف يكون النداء؟

فقال: (ينادي منادٍ من السماء أوّل النهار: ألا إنَّ الحقّ مع آل علي وشيعته، ثمّ ينادي إبليس في آخر النهار: ألا إنَّ الحقّ مع عثمان(1) وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون)(2).

* وروي الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي ).

ص: 376


1- كمال الدين: 649/ ح 1.
2- الإرشاد 2: 371؛ كشف الغمّة 2: 459؛ ورواه الطوسي في الغيبة: 434/ ح 424 دون ذكر: (حتَّي يخرج المهدي من ولدي ولا يخرج المهدي).

خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لا يخرج القائم حتَّي يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلّهم يدعو إلي نفسه)(1).

* وروي صالح بن عقبة، عن عبد الله بن محمّد الجعفي، عن جابر، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (توقّوا آخر دولة بني العبّاس، فإنَّ لهم في شيعتنا لذعات أمضّ من الحريق الملتهب).

* وروي عمّار الساباطي، عن أبي الحسن عليه السلام قال: (آخر دولة ولد العبّاس ضرام عرفج(2)، يلتهب، فتوقوهم فإن المتوقّي لهم فائز).

* وروي الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب الخزاز، والعلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ قدام القائم علامات تكون من الله تعالي للمؤمنين).

قلت: فما هي جعلني الله فداك؟

قال: (ذاك قول الله عز وجل: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) يعني المؤمنين قبل خروج القائم (بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَْمْوالِ وَالأَْنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(3))، قال: (يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع بغلاء الأسعار، ونقص من الأموال بكساد(4) 3.

ص: 377


1- الإرشاد 2: 372؛ الغيبة للطوسي: 437/ ح 428؛ الخرائج والجرائح 3: 1162؛ كشف الغمّة 2: 459.
2- العرفج: شجر معروف صغير سريع الاشتعال بالنار، ولهبه شديد الحمرة، يبالغ بحمرته فيقال: كضرام عرفج. أنظر: النهاية 3: 219؛ لسان العرب 2: 323.
3- المراد عثمان بن عنبسة، وهو السفياني.
4- الإرشاد 2: 371؛ وباختلاف في: كمال الدين: 652/ ح 14؛ الغيبة للطوسي: 474/ ح 497؛ وصدره في: الفصول المهمّة: 435/ ح 425.

التجارات وقلّة الفضل، ونقص من الأنفس بالموت الذريع، ونقص من الثمرات قلّة ريع ما يزرع وقلّة بركات الثمرات، وبشّر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم).

ثمّ قال لي: (يا محمد، هذا تأويله، إنَّ الله تعالي يقول: (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(1))(2).

* وروي علي بن مهزيار، عن عبد الله بن محمّد الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن شعيب الحذاء، عن أبي صالح مولي بني العذراء، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (ليس بين قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزكيّة إلاَّ خمس عشرة ليلة)(3).

* وروي محمّد بن أبي البلاد، عن علي بن محمّد الأودي، عن أبيه، عن جدّه، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

(بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض، وجراد في حينه وجراد في غير حينه، كألوان الدم، فأمَّا الموت الأحمر فالسيف، وأمَّا الموت الأبيض فالطاعون)(4).

* وروي الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:4.

ص: 378


1- آل عمران: 7.
2- كمال الدين: 649/ ح 3؛ الغيبة للنعماني: 250/ ح 5؛ دلائل الإمامة: 259؛ وباختلاف يسير في: الإمامة والتبصرة: 139/ ح 132؛ والإرشاد 2: 377؛ والخرائج والجرائح 3: 1153/ ح 60.
3- كمال الدين: 649/ ح 2؛ الغيبة للطوسي: 445/ ح 440؛ الإرشاد 2: 274.
4- البقرة: 155.

(الزم الأرض ولا تحرّك يداً ولا رجلاً حتَّي تري علامات أذكرها لك، وما أراك تدرك (ذلك): اختلاف بني العبّاس، ومنادٍ ينادي من السماء، وخسف قرية من قري الشام تسمّي الجابية، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، واختلاف كثير عند ذلك في كلّ أرض حتَّي تخرب الشام، ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني)(1).

* وروي قتيبة، عن محمّد بن عبد الله بن منصور البجلي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اسم السفياني فقال: (وما تصنع باسمه؟! إذا ملك كور الشام الخمس: دمشق، وحمص، وفلسطين، والأردن، وقنسرين، فتوقَّعوا عند ذلك الفرج).

قلت: يملك تسعة أشهر؟

قال: (لا ولكن يملك ثمانية أشهر لا تزيد يوماً)(2).

* وروي محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: قال أبي عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

(يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجل ربعة، وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري، إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان وأبو عيينة، وهو من ولد أبي سفيان، حتَّي يأتي أرضاً ذات قرار ومعين فيستوي علي منبرها)(2).1.

ص: 379


1- الإرشاد 2: 372؛ الاختصاص: 249؛ الغيبة للنعماني: 279/ ح 67؛ الغيبة للطوسي: 441/ ح 434؛ الخرائج والجرائح 3: 1156؛ الفصول المهمّة: 301.
2- الإرشاد 2: 372؛ الغيبة للطوسي: 438/ ح 430؛ الغيبة للنعماني: 277/ ح 61؛ الخرائج والجرائح 3: 1152.

* وروي علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسي عليه السلام في قوله تعالي: (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآْفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)(1).

قال: (الفتن في آفاق الأرض، والمسخ في أعداء الحقّ)(2).

* وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(3).

قال: (سيفعل الله ذلك بهم).

قال: فقلت: من هم؟

قال: (بنو أميّة وشيعتهم).

قلت: وما الآية؟

قال: (ركود الشمس ما بين زوال الشمس إلي وقت العصر، وخروج صدر رجل ووجهه في عين الشمس يعرف بحسبه ونسبه، ذلك في زمان السفياني وعندها يكون بواره وبوار قومه)(4).

* العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، قال:

(إذا رأيتم ناراً من المشرق كهيأة المرد(5) العظيم يطلع ثلاثة أيّام أو سبعة - الشكّ من العلاء - فتوقَّعوا فرج آل محمّد، إنَّ الله عزيز كريم)(3).4.

ص: 380


1- فصّلت: 53 .
2- الإرشاد 2: 373.
3- الشعراء: 4.
4- كمال الدين: 651/ ح 11.
5- كمال الدين: 651/ ح 9؛ الخرائج والجرائح 3: 1150.

* علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

(إنَّ قدام القائم لسنة غيداقة(1) تفسد الثمر في النخل، فلا تشكّوا في ذلك)(2).

* سيف بن عميرة، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

(خروج الثلاثة: السفياني والخراساني واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها راية أهدي من راية اليماني، لأنَّه يدعو إلي الحقّ)(3).

* علي بن أسباط، عن الحسن بن الجهم، قال: سأل رجل أبا الحسن عليه السلام عن الفرج، فقال:

(تريد الإكثار أم أجمل لك؟).

قال: بل تجمل لي.

قال: (إذا ركزت رايات قيس بمصر، ورايات كندة بخراسان)(4).

* إبراهيم بن محمّد بن جعفر، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

(سنة الفتح ينشقّ الفرات حتَّي يدخل أزقّة الكوفة)(5).

* الحسين بن يزيد، عن منذر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر في السماء، وحمرة تجلل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلد البصرة، ودماء 3.

ص: 381


1- الغدق: المطر الكثير العام، وقد غيدق المطر: كثر. (لسان العرب 10: 282).
2- الإرشاد 2: 377؛ الغيبة للطوسي: 449/ ح 450؛ الخرائج والجرائح 3: 1164.
3- الإرشاد 2: 375؛ الغيبة للطوسي: 446/ ح 443؛ الخرائج والجرائح 3: 1163.
4- الإرشاد 2: 373.
5- كذا في نسخنا، وفي الغيبة للنعماني: (الهردي)، وهو الثوب المصبوغ بالهرد، أي بالكركم. وقيل: هو الذي يصبغ بالورس ثمّ بالزعفران فيجيء لونه مثل لون زهزة الحوذانة. ولعلَّ المراد به أنَّ لون هذه النار العظيمة صفراء تميل إلي الحمرة لشدّة اشتعالها، والله تعالي هو العالم. أنظر: لسان العرب 3: 435.

تسفك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار)(1).

* الفضل بن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن ثعلبة الأزدي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام:

(آيتان تكونان قبل قيام القائم: كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره).

قال: فقلت: يا ابن رسول الله، تنكسف الشمس في النصف من الشهر والقمر في آخر الشهر؟

فقال: (أنا أعلم بما قلت، إنَّهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم عليه السلام)(2).

* عبد الله بن بكير، عن عبد الملك بن إسماعيل، عن أبيه، عن سعيد ابن جبير، قال: إنَّ السنة التي يقوم فيها المهدي تمطر الأرض أربع وعشرين مطرة تري آثارها وبركاتها (3) إن شاء الله(3).

الفصل الثاني: في ذكر السنة التي يقوم فيها القائم عليه السلام، واليوم الذي يقوم فيه

* روي الحسن بن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

ص: 382


1- الإرشاد 2: 378.
2- الإرشاد 2: 376؛ الغيبة للطوسي: 448/ ح 449؛ الخرائج والجرائح 3: 1164.
3- الإرشاد 2: 377؛ الغيبة للطوسي: 451/ ح 456؛ الخرائج والجرائح 3: 1164.

(لا يخرج القائم إلاَّ في وتر من السنين، سنة إحدي، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو تسع)(1).

* الفضل بن شاذان، عن محمّد بن علي الكوفي، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:

(ينادي باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ويقوم في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عليهما السلام.

لكأنّي به في يوم السبت العاشر من المحرَّم قائماً بين الركن والمقام، جبرئيل بين يديه ينادي بالبيعة له، فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض، تطوي لهم طيّاً، حتَّي يبايعوه، فيملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(2).

الفصل الثالث: في ذكر نبذ من سيرته عند قيامه، وطريقة أحكامه، ووصف زمانه، ومدّة أيّامه

* روي الحجال، عن ثعلبة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال:

(كأنّي بالقائم علي نجف الكوفة قد سار إليها من مكّة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في الأمصار)(3).

ص: 383


1- الإرشاد 2: 378؛ الغيبة للطوسي: 453/ ح 460؛ روضة الواعظين: 263؛ الخرائج والجرائح 3: 1161؛ الفصول المهمّة: 302.
2- الكافي 8 : 212/ ح 258؛ الإرشاد 2: 374؛ الغيبة للطوسي: 444/ ح 439؛ الغيبة للنعماني: 271/ ح 45.
3- في (ط): (وبركتها).

* وفي رواية عمرو بن شمر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: ذكر المهدي فقال:

(يدخل الكوفة وفيها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له، ويدخل حتَّي يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلّي بهم الجمعة، فيأمر أن يخطّ له مسجد علي الغري، ويصلّي بهم هناك، ثمّ يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين عليه السلام نهراً يجري إلي الغريين حتَّي ينزل الماء في النجف، ويعمل علي فوهته القناطير والارحاء، فكأنّي بالعجوز علي رأسها مكتل فيه بر تأتي تلك الارحاء فتطحنه بلا كراء)(1).

* وفي رواية المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

(إذا قام قائم آل محمّد بني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، واتَّصلت بيوت أهل الكوفة بنهر كربلاء)(2).

قال: وسمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

(إذا أذن الله تعالي للقائم بالخروج صعد المنبر فدعا الناس إلي نفسه، وناشدهم بالله، ودعاهم إلي حقّه، علي أن يسير فيهم بسيرة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ويعمل فيهم بعمله، فيبعث الله عز وجل جبرئيل عليه السلام حتَّي يأتيه فينزل علي الحطيم ثمّ يقول له: إلي أيّ شيء تدعو؟

فيخبره القائم فيقول جبرئيل: أنا أوّل من يبايعك اُبسط كفّك، 4.

ص: 384


1- الإرشاد 2: 379؛ الغيبة للطوسي: 453/ ح 459؛ روضة الواعظين: 263، وفيها: (البيعة لله) بدل (بالبيعة له).
2- إرشاد المفيد 2: 379؛ روضة الواعظين: 264.

فيمسح علي يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، فيبايعونه، ويقيم بمكّة حتَّي يتمّ أصحابه عشرة آلاف نفس، ثمّ يسير إلي المدينة)(1).

* وروي محمّد بن عجلان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

(إذا قام القائم دعا الناس إلي الإسلام جديداً، وهداهم إلي أمر قد دثر وضلَّ عنه الجمهور، وإنَّما سمّي المهدي مهدياً (لأنَّه يهدي إلي أمر قد ضلَّوا عنه، وسمّي بالقائم)(2) لقيامه بالحقّ)(3).

* وروي عبد الله بن المغيرة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

(إذا قام القائم من آل محمّد أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثمّ أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثمّ خمسمائة أخري، حتَّي يفعل ذلك ستّ مرّات).

قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟

قال: (نعم، منهم ومن مواليهم)(4).

* وروي أبو بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:

(إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتَّي يرده إلي أساسه، وحوَّل المقام إلي الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بني شيبة وعلَّقها بالكعبة، وكتب عليها: هؤلاء سرّاق الكعبة)(5).

* وروي علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:4.

ص: 385


1- الإرشاد 2: 382؛ روضة الواعظين: 265 لم يرد فيه ذيل الحديث.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من الإرشاد ليستقيم السياق.
3- الإرشاد 2: 383؛ روضة الواعظين: 264.
4- الإرشاد 2: 380؛ الغيبة للطوسي: 468/ ح 485؛ روضة الواعظين: 263.
5- الإرشاد 2: 380؛ الغيبة للطوسي: 467/ ذيل الحديث 484؛ الخرائج والجرائح 3: 1176 لم يرد فيه ذيل الحديث.

(إذا قام القائم نزلت ملائكة بدر: ثلث علي خيول شهب، وثلث علي خيول بلق، وثلث علي خيول حو).

قلت: يا ابن رسول الله، وما الحو؟

قال: (الحمر)(1).

* وروي محمّد بن عطاء، عن سلام بن أبي عمرة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّ لصاحب هذا الأمر بيتاً يقال له: الحمد، فيه سراج يزهر منذ يوم ولد إلي يوم يقوم بالسيف)(2).

* وروي أبو الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام - في حديث طويل - أنَّه قال:

(إذا قام القائم سار إلي الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون البترية، عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتَّي يأتي علي آخرهم، ثمّ يدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب، ويهدم قصورها، ويقتل مقاتليها، حتَّي يرضي الله عز وجل)(3).

* وروي علي بن عقبة، عن أبيه، قال:

(إذا قام القائم عليه السلام حكم بالعدل، وارتفع في أيّامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، وردّ كلّ حقّ إلي أهله، ولم يبقَ أهل دين حتَّي يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان، أمَا سمعت الله عز وجل يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(3) 4.

ص: 386


1- الغيبة للنعماني: 244/ ح 44.
2- الإرشاد 2: 383؛ روضة الواعظين: 265.
3- الإرشاد 2: 383؛ روضة الواعظين: 265؛ ونحوه في: الغيبة للطوسي: 472/ ح 492.

وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها، وتبدي بركتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا لبرّه لشمول الغني جميع المؤمنين).

ثمّ قال عليه السلام: (إنَّ دولتنا آخر الدول، ولم يبقَ أهل بيت لهم دولة إلاَّ ملكوا قبلنا لئلاَّ يقولوا - إذا رأوا سيرتنا -: لو ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عز وجل: (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(1))(2).

* وروي عبد الكريم الخثعمي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كم يملك القائم؟

قال: (سبع سنين، تطول له الأيّام والليالي حتَّي تكون السنة من سنيه مكان عشر سنين من سنيكم هذه، فيكون ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه، وإذا آن قيامه مطر الناس جمادي الآخرة وعشرة أيّام من رجب مطراً لم يرَ الناس مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، فكأنّي أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون رؤوسهم من التراب)(3).

* وروي أبو بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إذا قام القائم عليه السلام سار إلي الكوفة فهدم بها أربع مساجد، ولم يبقَ مسجد علي وجه الأرض له شرف إلاَّ هدمه وجعلها جماً، ووسَّع الطريق الأعظم، وكسر كلّ جناح خارج في الطريق، وأبطل الكنف المآزيب، ولا يترك بدعة إلاَّ أزالها، 5.

ص: 387


1- الأعراف: 128؛ القصص: 83 .
2- الإرشاد 2: 384؛ روضة الواعظين: 265.
3- الغيبة للطوسي: 467/ ح 483؛ الغيبة للنعماني: 239/ ح 31؛ إثبات الوصيّة: 226.

ولا سُنّة إلاَّ أقامها، ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم، ويمكث علي ذلك سبع سنين من سنيكم هذه، ثمّ يفعل الله ما يشاء).

قال: قلت له: جُعلت فداك، وكيف تطول السنون؟

قال: (يأمر الله تعالي الفلك بالثبوت وقلّة الحركة، فتطول الأيّام لذلك والسنون).

قال: قلت: إنَّهم يقولون: إنَّ الفلك إن تغيَّر فسد؟

قال: (ذلك قول الزنادقة، فأمَّا المسلمون فلا سبيل لهم إلي ذلك وقد شقَّ الله القمر لنبيّه، وردَّ الشمس من قبله ليوشع بن نون، وأخبر بطول يوم القيامة وإنَّه (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(1))(2).

* وروي عاصم بن حميد الحناط، عن محمّد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:

(القائم منّا منصور بالرعب، مؤيّد بالنصر، تطوي له الأرض، وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر به الله دينه علي الدين كلّه ولو كره المشركون، فلا يبقي في الأرض خراب إلاَّ عمّر، وينزل روح الله عيسي بن مريم فيصلّي خلفه).

قال: فقلت: يا ابن رسول الله، ومتي يخرج قائمكم؟

قال: (إذا تشبَّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، واكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وركبت ذوات الفروج السروج، وقبلت شهادات 2.

ص: 388


1- الإرشاد 2: 381؛ روضة الواعظين: 164؛ وقطعة منه في: الغيبة للطوسي: 474/ ح 497؛ وصدره في: الفصول المهمّة: 302.

الزور وردَّت شهادات العدول، واستخفَّ الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا، واتّقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخرج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد بين الركن والمقام اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأنَّ الحقّ فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا.

فإذا خرج أسند ظهره إلي الكعبة واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، فأوّل ما ينطق به هذه الآية: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(1).

ثمّ يقول: أنا بقية الله وخليفته وحجّته عليكم.

فلا يسلّم عليه مسلم إلاَّ قال: السلام عليك يا بقية الله في أرضه.

فإذا اجتمع له العقد عشرة آلاف رجل فلا يبقي في الأرض معبود دون الله - من صنم ولا وثن - إلاَّ وقعت فيه نار واحترق، وذلك بعد غيبة طويلة، ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به)(2).

* وروي المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

(يخرج إلي القائم من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً، خمسة عشر من قوم موسي الذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون، وسبعة من أصحاب الكهف، ويوشع ابن نون، وسلمان، وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد بن الأسود، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكّاماً)(3).

* وروي عبد الله بن عجلان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

(إذا قام قائم آل محمّد حكم بين الناس بحكم داود، لا يحتاج 2.

ص: 389


1- الحجّ: 47.
2- إرشاد المفيد 2: 385؛ روضة الواعظين: 264؛ ونحوه في: غيبة: 475/ ح 498، وصدره في: الفصول المهمّة: 302.

إلي بيّنة، يلهمه الله تعالي فيحكم بعلمه، ويخبر كلّ قوم بما استبطنوه، ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسّم، قال الله تعالي: (إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)(1)).

* وقد روي: أنَّ مدّة دولة القائم تسع عشر سنة، تطول أيّامها وشهورها علي ما تقدَّم ذكره.

* وروي أيضاً: أنَّه عليه السلام يملك ثلاثمائة وتسع سنين، قدر ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم(2)، وهذا أمر مغيّب عنّا، والله أعلم بحقيقة ذلك.

* وروي المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

(إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها، واستغني العباد عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة، ويعمّر الرجل في ملكه حتَّي يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم إنثي، وتظهر الأرض كنوزها حتَّي يراها الناس علي وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله، ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحدا يقبل منه ذلك، لاستغناء الناس بما رزقهم الله من فضله)(3).

الفصل الرابع: في ذكر صفة القائم وحليته

* روي عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:

(سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال: أخبرني عن المهدي ما اسمه؟

ص: 390


1- الحجر: 75.
2- هود: 86 .
3- كمال الدين: 330/ ح 16؛ وباختلاف يسير في: الفصول المهمّة: 302.

فقال: أمَّا اسمه، فإنَّ حبيبي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عهد إليَّ أن لا أحدّث به حتَّي يبعثه الله تعالي.

قال: فأخبرني عن صفته.

فقال: هو شاب مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره علي منكبيه، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء)(1).

* وروي محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، عن أبيه، عن جدّه عليهما السلام، قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلامعلي المنبر:

(يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض مشرب حمرة، مبدح البطن(2)، عريض الفخذين، عظيم مشاش(3) المنكبين، بظهره شامتان: شامة علي لون جلده، وشامة علي لون شامة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، له اسمان, اسم يخفي واسم يعلن، فأمَّا الذي يخفي فأحمد، وأمَّا الذي يعلن فمحمّد، فإذا هزَّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده علي رؤوس العباد فلا يبقي مؤمن إلاَّ صار قلبه أشدُّ من زبر الحديد، وأعطاه الله عز وجل قوّة أربعين رجلاً، ولا يبقي ميّت إلاَّ دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، فهم يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائمعليه السلام)(4).1.

ص: 391


1- الغيبة للطوسي: 474/ صدر الحديث 496؛ تاج المواليد: 153؛ دلائل الإمامة: 242 ضمن رواية.
2- الإرشاد 2: 381؛ روضة الواعظين: 264؛ وباختلاف في ذيل الحديث في: الغيبة للطوسي: 467/ ح 484؛ وصدره في: دلائل الإمامة: 241.

* وروي أبو الصلت الهروي قال: قلت للرضا عليه السلام: ما علامة القائم منكم إذا خرج؟

فقال: (علامته أن يكون شيخ السنّ، شابّ المنظر، حتَّي أنَّ الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وإنَّ من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيّام والليالي عليه حتَّي يأتي أجله)(1).

* وجاءت الرواية الصحيحة: بأنَّه ليس بعد دولة القائم عليه السلام دولة لأحد، إلاَّ ما روي من قيام ولده إن شاء الله تعالي ذلك، ولم ترد به الرواية علي القطع والثبات، وأكثر الروايات أنَّه لن يمضي عليه السلام من الدنيا إلاَّ قبل القيامة بأربعين يوماً، يكون فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة، والله أعلم(2).

الباب الخامس: في ذكر مسائل يسأل عنها أهل الخلاف في غيبة صاحب الزمان عليه السلام وحلّ الشبهات فيها بواضح الدليل ولائح البرهان

اشارة

الباب الخامس:(3) في ذكر مسائل يسأل عنها أهل الخلاف في غيبة صاحب الزمان عليه السلام وحلّ الشبهات فيها بواضح الدليل ولائح البرهان

وهي سبع مسائل:

مسألة: (الوجه في غيبته عليه السلام علي الاستمرار والدوام)

قالوا: ما الوجه في غيبته عليه السلام علي الاستمرار والدوام، حتَّي صار ذلك سبباً لإنكار وجوده، ونفي ولادته(4)، وآباؤه عليهم السلام وإن لم يظهروا

ص: 392


1- الإرشاد 2: 382؛ الغيبة للطوسي: 470/ ح 487؛ روضة الواعظين: 266؛ وصدره في: كمال الدين: 648/ ح 3.
2- مبدح البطن: أي واسعها. أنظر: الصحاح 1: 354/ مادة بدح.
3- إعلام الوري 2 : 297 - 311.
4- كمال الدين: 653/ ح 17.

الدعاء إلي نفوسهم فيما يتعلَّق بالامامة، فقد كانوا ظاهرين يفتون في الأحكام، فلا يمكن لأحد نفي وجودهم؟

الجواب: قد ذكر الأجلّ المرتضي - قدَّس الله روحه - في ذلك طريقة لم يسبقه إليها أحد من أصحابنا، فقال: إنَّ العقل إذا دلَّ علي وجوب الإمامة فإنَّ كلّ زمان - كلّف المكلَّفون الذين يقع منهم القبيح والحسن، ويجوز عليهم الطاعة والمعصية - لا يخلو من إمام، لأنَّ خلوّه من الإمام إخلال بتمكينهم، وقادح في حسن تكليفهم.

ثمّ دلَّ العقل علي أنَّ ذلك الإمام لا بدَّ أن يكون معصوماً من الخطأ، مأموناً منه كلّ قبيح، وثبت أنَّ هذه الصفة - التي دلَّ العقل علي وجوبها - لا توجد إلاَّ فيمن تدّعي الاماميّة إمامته، ويعري منها كلّ من تدّعي له الإمامة سواه.

فالكلام في علّة غيبته وسببها واضح بعد أن تقرَّرت إمامته، لأنّا إذا علمنا أنَّه الإمام دون غيره، ورأيناه غائباً عن الأبصار، علمنا أنَّه لم يغب مع عصمته وتعيّن فرض الإمامة فيه وعليه إلاَّ لسبب اقتضي ذلك، ومصلحة استدعته، وضرورة حملت عليه، وإن لم يعلم وجهه علي التفصيل، لأنَّ ذلك ممَّا لا يلزم علمه، وجري الكلام في الغيبة ووجهها مجري العلم بمراد الله تعالي من الآيات المتشابهات في القرآن التي ظاهرها الجبر أو التشبيه.

فإنّا نقول: إذا علمنا حكمة الله سبحانه، وأنَّه لا يجوز أن يخبر بخلاف ما هو عليه من الصفات، علمنا - علي الجملة - أنَّ لهذه الآيات وجوهاً صحيحة بخلاف ظاهرها، تطابق مدلول أدلّة العقل، وإن غاب عنّا العلم بذلك مفصّلاً، فإن تكلَّفنا الجواب عن ذلك، وتبرَّعنا بذكره، فهو فضل منّا غير واجب.).

ص: 393

وكذلك الجواب لمن سأل عن الوجه في إيلام الأطفال، وجهة المصلحة في رمي الجمار والطواف بالبيت، وما أشبه ذلك من العبادات علي التفصيل والتعيين، فإنّا إذا عوَّلنا علي حكمة القديم سبحانه، وأنَّه لا يجوز أن يفعل قبيحاً، فلا بدَّ من وجه حسن في جميع ذلك وإن جهلناه بعينه، وليس يجب علينا بيان ذلك الوجه وأنَّه ما هو، وفي هذا سدّ الباب علي مخالفينا في سؤالاتهم، وقطع التطويلات عنهم والاسهابات، إلاَّ أن نتبرَّع بإيراد الوجه في غيبته عليه السلام علي سبيل الاستظهار وبيان الاقتدار، وإن كان ذلك غير واجب علينا في حكم النظر والاعتبار.

فنقول: الوجه في غيبته عليه السلام هو خوفه علي نفسه، ومن خاف علي نفسه احتاج إلي الاستتار، فأمَّا لو كان خوفه علي ماله أو علي الأذي في نفسه لوجب عليه أن يتحمَّل ذلك كلّه لتنزاح علّة المكلَّفين في تكليفهم، وهذا كما نقوله في النبيّ في أنَّه يجب عليه أن يتحمَّل كلّ أذي في نفسه حتَّي يصحّ منه الأداء إلي الخلق ما هو لطف لهم، وإنَّما يجب عليه الظهور وإن أدّي إلي قتله كما ظهر كثير من الأنبياء وإن قتلوا، لأنَّ هناك كان في المعلوم أنَّ غير ذلك النبيّ يقوم مقامه في تحمّل أعباء النبوّة، أو أنَّ المصالح التي كان يؤدّيها ذلك النبيّ قد تغيَّرت، وليس كذلك حال إمام الزمان عليه السلام، فإنَّ الله تعالي قد علم أنَّه ليس بعده من يقوم مقامه في باب الإمامة والشريعة علي ما كانت عليه، واللطف بمكانه لم يتغيَّر، ولا يصحّ تغيّره، فلا يجوز ظهوره إذا أدّي إلي القتل.

وإنَّما كان آباؤه عليهم السلام ظاهرين بين الناس يفتونهم ويعاشرونهم، ولم يظهر هو لأنَّ خوفه عليه السلام أكثر، فإنَّ الأئمّة الماضين من آبائه عليهم السلام

ص: 394

أسرّوا إلي شيعتهم أنَّ صاحب السيف هو الثاني عشر منهم، وأنَّه الذي يملأ الأرض عدلاً، وشاع ذلك القول من مذهبهم حتَّي ظهر ذلك القول بين أعدائهم، فكانت السلاطين الظلمة يتوقَّفون عن إتلاف آبائه لعلمهم بأنَّهم لا يخرجون بالسيف، ويتشوَّقون إلي حصول الثاني عشر ليقتلوه ويبيدوه.

ألا تري أنَّ السلطان قي الوقت الذي توفّي فيه العسكري عليه السلام وكَّل بداره وجواريه من يتفقَّد حملهنَّ لكي يظفر بولده ويفنيه، كما أنَّ فرعون موسي لمَّا علم أنَّ ذهاب ملكه علي يد موسي عليه السلام منع الرجال من أزواجهم، ووكَّل بذوات الأحمال منهنَّ ليظفر به.

وكذلك نمرود لمَّا علم أنَّ ملكه يزول علي يد إبراهيم عليه السلام وكَّل بالحبالي من نساء قومه، وفرَّق بين الرجال وأزواجهم، فستر الله سبحانه ولادة إبراهيم وموسي عليهما السلام كما ستر ولادة القائم عليه السلام لما علم في ذلك من التدبير.

وأمَّا كون غيبته سبباً لنفي ولادته، فإنَّ ذلك لضعف البصيرة والتقصير عن النظر، وعلي الحقّ الدليل(1) الواضح، لمن أراده، الظاهر لمن قصده.

مسألة ثانية: (الفرق بين وجود الإمام وعدمه)

قالوا: إذا كان الإمام غائباً بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ولا ينتفع به، فما الفرق بين وجوده وعدمه؟

وإلاَّ جاز أن يميته الله تعالي أو يعدمه حتَّي إذا علم أنَّ الرعيّة تمكّنه وتسلّم له وجده أو أحياه كما جاز أن يبيحه الاستتار حتَّي يعلم منهم التمكين له فيظهره.

ص: 395

الجواب: أوّل ما نقوله: إنّا لا نقطع علي أنَّ الإمام لا يصل إليه أحد، فهذا أمر غير معلوم، ولا سبيل إلي القطع به.

ثمّ إنَّ الفرق بين وجوده غائباً عن أعدائه للتقيّة - وهو في اثناء تلك الغيبة منتظر أن يمكّنوه فيظهر ويتصرَّف - وبين عدمه واضح، وهو أنَّ الحجّة هناك فيما فات من مصالح العباد لازمة لله تعالي، وههنا الحجّة لازمة للبشر، لأنَّه إذا خيف فغيّب شخصه عنهم كان ما يفوتهم من المصلحة - عقيب فعل كانوا هم السبب فيه - منسوباً إليهم، فيلزمهم في ذلك الذمّ، وهم المؤاخذون به، الملومون عليه.

وإذا أعدمه الله تعالي، كان ما يفوت العباد من مصالحهم، ويحرمونه من لطفهم وانتفاعهم به، منسوباً إلي الله تعالي، ولا حجّة فيه علي العباد، ولا لوم يلزمهم، لأنَّهم لا يجوز أن ينسبوا فعلاً لله تعالي.

مسألة ثالثة: (حكم الحدود في زمن الغيبة)

فإن قالوا: الحدود التي تجب علي الجناة في حال الغيبة ما حكمها؟

فإن قلتم: تسقط من أهلها (فقد) صرَّحتم بنسخ الشريعة، وإن كانت ثابتة فمن الذي يقيمها والإمام مستتر غائب؟

الجواب: الحدود المستحقّة ثابتة في جنوب (الجناة بما)(1) يوجبها من الأفعال، فإن ظهر الإمام ومستحقّوها باقون أقامها عليهم بالبيّنة أو الإقرار، وإن فات ذلك بموتهم كان الإثم في تفويت إقامتها علي المخيفين للإمام، المحوجين إيّاه إلي الغيبة.

وليس هذا بنسخ لإقامة الحدود، لأنَّ الحدّ إنَّما تجب إقامته مع

ص: 396


1- كذا، وفي كشف الغمّة: (وعلي الحقّ فيه دليل واضح).

التمكّن وزوال المانع، وسقوط فرض إقامته مع الموانع وزوال التمكّن لا يكون نسخاً للشرع المتقرّر، لأنَّ الشرط في الوجوب لم يحصل، وإنَّما يكون ذلك نسخاً لو سقط فرض إقامتها عن الإمام مع تمكّنه.

علي أنَّ هذا أيضاً يلزم مخالفينا إذا قيل لهم: كيف الحكم في الحدود في الأحوال التي لا يتمكّن فيها أهل الحلّ والعقد من اختيار الإمام ونصبه؟

وهل تبطل أو تثبت من تعذّر إقامتها؟

وهل يقتضي هذا التعذّر نسخ الشريعة؟

فكلّ ما أجابوا به عن ذلك فهو جوابنا بعينه.

مسألة رابعة: (معرفة الحقّ مع الغيبة)

فإن قالوا: فالحقّ مع غيبة الإمام كيف يدرك؟

فإن قلتم: لا يدرك ولا يوصل إليه، فقد جعلتم الناس في حيرة وضلالة مع الغيبة.

وإن قلتم: يدرك الحقّ من جهة الأدلّة المنصوبة(1) عليه فقد صرَّحتم بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلّة، وهذا يخالف مذهبكم.

الجواب: إنَّ الحق علي ضربين عقلي وسمعي، فالعقلي يدرك بالعقل، ولا يؤثّر فيه وجود الإمام ولا فقده.

والسمعي عليه أدلّة منصوبة من أقوال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ونصوصه، وأقوال الأئمّة الصادقين عليهم السلام، وقد بيَّنوا ذلك وأوضحوه، غير أنَّ ذلك وإن كان علي ما قلناه فالحاجة إلي الإمام مع ذلك ثابتة، لأنَّ جهة

ص: 397


1- في نسخنا: (جناة بما)، ولعلَّه تصحيف، وأثبتنا ما رأيناه صواباً.

الحاجة إليه - المستمرة في كلّ عصر وعلي كلّ حال - هي كونه لطفاً في فعل الواجب العقلي من الإنصاف والعدل واجتناب الظلم والبغي، وهذا ممَّا لا يقوم غيره مقامه فيه.

فأمَّا الحاجة إليه من جهة الشرع فهي أيضاً ظاهرة، لأنَّ النقل الوارد عن النبيّ والأئمّة عليهم السلام يجوز أن يعدل الناقلون عن ذلك إمَّا بتعمّد أو شبهة فينقطع النقل أو يبقي فيمن ليس نقله حجّة ولا دليلاً، فيحتاج حينئذٍ إلي الإمام ليكشف ذلك ويبيّنه(1)، وإنَّما يثق المكلَّفون بما نقل إليهم وأنَّه جميع الشرع إذا علموا أنَّ وراء هذا النقل إماماً متي اختلَّ سدّ خلله وبيَّن المشتبه فيه.

فالحاجة إلي الإمام ثابتة مع إدراك الحقّ في أحوال الغيبة من الأدلّة الشرعية، علي أنّا إذا علمنا بالإجماع أنَّ التكليف لازم لنا إلي يوم القيامة ولا يسقط بحال، علمنا أنَّ النقل ببعض الشريعة لا ينقطع في حال تكون تقيّة الإمام فيها مستمرة، وخوفه من الأعداء باقياً، ولو اتَّفق ذلك لما كان إلاَّ في حال يتمكّن فيها الإمام من البروز والظهور، والإعلام والإنذار.

مسألة خامسة: (انتفاء علّة الغيبة عند البعض)

فإن قالوا: إذا كانت العلّة في غيبة الإمام خوفه من الظالمين واتّقاء من المخالفين فهذه العلّة منتفية عن أوليائه فيجب أن يكون ظاهراً لهم أو يجب أن يسقط عنهم التكليف الذي إمامته لطف فيه.

الجواب: قد أجاب أصحابنا عن هذا السؤال بأجوبة:

أحدها: أنَّ الإمام ليس في تقيّة من أوليائه وإن غاب عنهم كغيبته من أعدائه لخوفه من إيقاعهم الضرر به، وعلمه بأنَّه لو ظهر لهم لسفكوا دمه.

ص: 398


1- في (م): (المنصوص بها).

وغيبته عن أوليائه لغير هذه العلّة، وهو أنَّه أشفق من إشاعتهم خبره، والتحدّث منهم كذلك علي وجه التشرّف بذكره، والاحتجاج بوجوده، فيؤدّي ذلك إلي علم أعدائه بمكانه، فيعقب علمهم بذلك ما ذكرناه من وقوع الضرر به.

وثانيها: أنَّ غيبته عن أعدائه للتقيّة منهم، وغيبته عن أوليائه للتقيّة عليهم، والإشفاق من إيقاع الضرر بهم، إذ لو ظهر للقائلين بإمامته وشاهده بعض أعدائه وأذاع خبره طولب أولياؤه به، فإذا فات الطالب بالاستتار أعقب ذلك عظيم المكروه والضرر بأوليائه، وهذا معروف بالعادات.

وثالثها: أنَّه لا بدَّ أن يكون في المعلوم أنَّ في القائلين بإمامته من لا يرجع عن الحقّ من اعتقاد إمامته، والقول بصحَّتها علي حال من الأحوال، فأمره الله تعالي بالاستتار ليكون المقام علي الإقرار بإمامته مع الشبه في ذلك وشدّة المشقّة أعظم ثواباً من المقام علي الإقرار بإمامته مع المشاهدة له، فكانت غيبته عن أوليائه لهذا الوجه، ولم تكن للتقيّة منهم.

ورابعها: وهو الذي عوَّل عليه المرتضي - قدَّس الله روحه - قال: نحن أوّلاً: لا نقطع علي أنَّه لا يظهر لجميع أوليائه، فإنَّ هذا أمر مغيّب عنّا، ولا يعرف كلّ منّا إلاَّ حال نفسه، فإذا جوَّزنا ظهوره لهم كما جوَّزنا غيبته عنهم فنقول في علّة غيبته عنهم: إنَّ الإمام عند ظهوره من الغيبة إنَّما يميّز شخصه كما يعرف عينه بالمعجز الذي يظهر علي يديه، لأنَّ النصوص الدالّة علي إمامته لا تميّز شخصه من غيره كما ميّزت أشخاص آبائه، والمعجز إنَّما يعلم دلالته بضرب من الاستدلال، والشبه تدخل في ذلك، فلا يمتنع أن يكون كلّ من لم يظهر له من أوليائه، فإنَّ المعلوم من حاله أنَّه متي ظهر له قصَّر في النظر في معجزه، ولحق لهذا التقصير بمن يخاف منه من الأعداء.).

ص: 399

علي أنَّ أولياء الإمام وشيعته منتفعون به في حال غيبته، لأنَّهم مع علمهم بوجوده بينهم، وقطعهم بوجوب طاعته عليهم، لا بدَّ أن يخافوه في ارتكاب القبيح، ويرهبوا من تأديبه وانتقامه ومؤاخذته فيكثر منهم فعل الواجب، ويقلّ ارتكاب القبيح(1)، أو يكونوا إلي ذلك أقرب، فيحصل لهم اللطف به مع غيبته، بل ربَّما كانت الغيبة في هذا الباب أقوي، لأنَّ المكلَّف إذا لم يعرف مكانه، ولم يقف علي موضعه، وجوز فيمن لا يعرفه أنَّه الإمام، يكون إلي فعل الواجب أقرب منه إلي ذلك لو عرفه ولم يجوز فيه كونه إماماً.

فإن قالوا: إنَّ هذا تصريح منكم بأنَّ ظهور الإمام كاستتاره في الانتفاع به والخوف منه.

فنقول: إنَّ ظهوره لا يجوز أن يكون في المنافع كاستتاره، وكيف يكون ذلك وفي ظهوره وقوّة سلطانه انتفاع الوليّ والعدوّ، والمحبّ والمبغض، ولا ينتفع به في حال الغيبة إلاَّ وليّه دون عدوّه، وأيضاً فإنَّ في انبساط يده منافع كثيرة لأوليائه وغيرهم، لأنَّه يحمي حوزتهم ويسدّ ثغورهم، ويؤمن طرقهم، فيتمكَّنون من التجارات والمغانم، ويمنع الظالمين من ظلمهم، فتتوفَّر أموالهم، وتصلح أحوالهم.

غير أنَّ هذه منافع دنيوية لا يجب إذا فاتت بالغيبة أن يسقط التكليف معها، والمنافع الدينية الواجبة في كلّ حال بالإمامة قد بيَّنا أنَّها ثابتة لأوليائه مع الغيبة، فلا يجب سقوط التكليف.

ص: 400

مسألة سادسة: (طول العمر وكمال العقل)

قالوا: لا يمكن أن يكون في العالم بشر له من السنّ ما تصفونه لإمامكم، وهو مع ذلك كامل العقل، صحيح الحسّ، وأكثروا التعجّب من ذلك، وشنعوا به علينا.

والجواب: أنَّ من لزم طريق النظر، وفرَّق بين المقدور والمحال، لم ينكر ذلك، إلاَّ أن يعدل عن الإنصاف إلي العناد والخلاف. وطول العمر وخروجه عن المعتاد لا اعتراض به لأمرين:

أحدهما: إنّا لا نسلّم أنَّ ذلك خارق للعادة، لأنَّ تطاول الزمان لا ينافي وجود الحياة، وإنَّ مرور الأوقات لا تأثير له في العلوم والقدر، ومن قرأ الأخبار ونظر فيما سطر في الكتب من ذكر المعمّرين علم أنَّ ذلك ممَّا جرت العادة به، وقد نطق القرآن بذكر نوح وأنَّه لبث في قومه ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً.

وقد صنّفت الكتب في أخبار المعمّرين من العرب والعجم، وقد تظاهرت الأخبار بأنَّ أطول بني آدم عمراً الخضر عليه السلام، وأجمعت الشيعة وأصحاب الحديث بل الأمّة بأسرها - ما خلا المعتزلة والخوارج - علي أنَّه موجود في هذا الزمان، حيّ كامل العقل، ووافقهم علي ذلك أكثر أهل الكتاب. ولا خلاف في أنَّ سلمان الفارسي أدرك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقد قارب من عمره أربعمائة عام.

وهب أنَّ المعتزلة والخوارج يحملون أنفسهم علي دفع الأخبار، فكيف يمكنهم دفع القرآن وقد نطق بدوام أهل الجنّة والنار، وجاءت الأخبار بلا خلاف بين الأمّة فيها بأنَّ أهل الجنّة لا يهرمون ولا يضعفون، ولا يحدث بهم نقصان في الأنفس ولو كان ذلك منكراً من جهة العقول لما جاء به القرآن، ولا حصل عليه الإجماع، ومن اعترف بالخضر عليه السلام لم يصحّ منه هذا الاستبعاد،

ص: 401

ومن أنكره حجّته الأخبار، وجاءت الرواية عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لمَّا بعث الله نوحاً إلي قومه بعثه وهو ابن خمسين ومائتي سنة، ولبث في قومه ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً، وبقي بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة، فلمَّا أتاه ملك الموت عليه السلام قال له: يا نوح، يا أكبر الأنبياء، ويا طويل العمر، ويا مجاب الدعوة، كيف رأيت الدنيا؟

قال: مثل رجل بني له بيت له بابان فدخل من واحد وخرج من الآخر)(1).

وكان لقمان بن عاد الكبير أطول الناس عمراً بعد الخضر، وذلك أنَّه عاش ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، ويقال: إنَّه عاش عمر سبعة أنسر، وكان يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش، فإذا مات أخذ آخر فربّاه، حتَّي كان آخرها لبد وكان أطولها عمراً فقيل: أتي أبد علي لبد(2).

وعاش الربيع بن ضبع الفزاري ثلاثمائة سنة وأربعين سنة، وأدرك النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وهو الذي يقول:

ها أنا ذا آمل الخلود وقد * أدرك عمري ومولدي حجرا

أما امرئ القيس قد سمعت به * هيهاتَ هيهاتَ طال ذا عمرا

وهو القائل:

إذا عاش الفتي مائتين عاما * فقد أودي المسرة والغناء

وله حديث طويل مع عبد الملك بن مروان.

وعاش المستوعر بن ربيعة ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين سنة، وهو الذي يقول:

ص: 402

ولقد سئمت من الحياة وطولها * وعمرت من بعد السنين سنينا

وعاش أكثم بن صيفي الأسدي ثلاثمائة وستّاً وثلاثين سنة، وهو

الذي يقول:

إن امرءاً قد عاش تسعين حجّة * إلي مائة لم يسأم العيش جاهل

خلت مائتان غير ستّ وأربع * وذلك من عدّ الليالي قلائل

وكان ممَّن أدرك النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وآمن به، ومات قبل أن يلقاه.

وعاش دريد بن زيد أربعمائة سنة وستّاً وخمسين سنة، فلمَّا حضره الموت قال:

ألقي علي الدهر رجلاً ويدا * والدهر ما أصلح يوماً أفسدا

يفسد ما أصلحه اليوم غدا

وعاش دريد بن الصمة مائتي سنة، وقتل يوم حنين.

عاش صيف(1) بن رياح بن أكثم مائتي سنة وسبعين سنة، لا ينكر من عقله شيئاً وهو ذو الحلم، زعموا فيه ما قال المتلمّس:

لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع العصا * وما علم الإنسان إلاَّ ليعلما

وعاش نصر بن دهمان بن سليم بن أشجع مائة وتسعين سنة حتَّي سقطت أسنانه، وابيضَّ رأسه، فاحتاج قومه إلي رأيه، فدعوا الله أن يرد إليه عقله، فعاد إليه شبابه واسودَّ شعره، فقال في ذلك سلمة بن الخرشب:

لنصر بن دهمان الهنيدة(2) عاشها * وتسعين حولاً ثمّ قوم فانصاتا9.

ص: 403


1- راجع كتاب المقنع في الغيبة للسيّد المرتضي رحمه الله، والمنشور محقّقاً علي صفحات مجلة تراثنا الفصليّة: العدد 27/ الصفحة 155.
2- كمال الدين: 559.

وعاد سواد الرأس بعد بياضه * وراجعه شرخ الشباب الذي فاتا وعاش مملياً في رخاء وغبطة(1) * ولكنَّه من بعد ذا كلّه ماتا

وعاش ضبيرة بن سعيد السهمي مائتين وعشرين سنة، وكان أسود الرأس، صحيح الأسنان.

وعاش عمرو بن حممة الدوسي أربعمائة سنة، وهو الذي يقول:

كبرت وطال العمر حتَّي كأنَّني * سليم يراعي ليله غير مودع

فلا الموت أفناني ولكن تتابعت * عليَّ سنون من مصيف ومرتع

ثلاث مئات قد مررن كواملا * وها أنا ذا أرتجي مرَّ أربع

وروي الهيثم بن عدي، عن مجاهد، عن الشعبي قال: كنّا عند ابن عبّاس في قبّة زمزم وهو يفتي الناس، فقام إليه أعرابي فقال: قد أفتيت أهل الفتوي فافت أهل الشعر.

فقال: قل. قال: ما معني قول الشاعر:

لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع العصا * وما علم الإنسان إلاَّ ليعلما

قال: ذلك عمرو بن حممة الدوسي، قضي علي العرب ثلاثمائة سنة، فلمَّا كبر ألزموه السادس أو السابع من ولد ولده، فقال: إنَّ فؤادي بضعة منّي، فربَّما تغيَّر عليَّ في اليوم مراراً، وأمثل ما أكون فهماً في صدر النهار، فإذا رأيتني قد تغيَّرت فاقرع العصا، فكان إذا رأي منه تغيّر أقرع العصا فراجعه فهمه.

وعاش زهير بن حباب بن عبد الله بن كنانة بن عوف أربعمائة سنة وعشرين سنة، وكان سيّداً مطاعاً شريفاً في قومه.).

ص: 404


1- في (م): (صيفي).

وعاش الحارث بن مضاض الجرهمي أربعمائة سنة، وهو القائل:

كأن لم يكن بين الحجون إلي الصفا * أنيس ولم يسمر بمكّة سامر

بلي نحن كنّا أهلها فأبارنا * صروف الليالي والجدود العواثر

وعاش عامر بن الظرب(1) العدواني مائتي سنة، وكان من حكماء العرب، وله يقول ذو الإصبع: ومنّا حكم يقضي ولا ينقض ما يقضي(2).

فهذا طرف يسير ممَّا ذكر من المعمّرين، وفي إيراد أكثرهم إطالة في الكتاب، وإذا ثبت أنَّ الله سبحانه قد عمَّر خلقاً من البشر ما ذكرناه من الأعمار، وبعضهم حجج الله تعالي وهم الأنبياء، وبعضهم غير حجّة، وبعضهم كفّار، ولم يكن ذلك محالاً في قدرته، ولا منكراً في حكمته، ولا خارقاً للعادة، بل مألوفاً علي الأعصار، معروفاً عند جميع أهل الأديان، فما الذي ينكر من عمر صاحب الزمان أن يتطاول إلي غاية عمر بعض من سمّيناه، وهو حجّة الله تعالي علي خلقه، وأمينه علي سرّه، وخليفته في أرضه، وخاتم أوصياء نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم وقد صحَّ عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (كلّ ما كان في الأمم السالفة فإنَّه يكون في هذه الأمّة مثله حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة)(3).

هذا وأكثر المسلمون يعترفون ببقاء المسيح عليه السلام حيّاً إلي هذه الغاية، شابّاً قويّاً، وليس في وجود الشباب مع طول الحياة - إن لم يثبت ما ذكرناه - أكثر من أنَّه نقض للعادة في هذا الزمان، وذلك غير منكر علي ما نذكره.

والأمر الآخر أن نسلّم لمخالفينا أنَّ طول العمر إلي هذا الحدّ مع ).

ص: 405


1- كذا في المصدر وكشف الغمّة، وفي كمال الدين وكنز الفوائد وبحار الأنوار: (رواجع عقلاً بعد ما فات عقله...).

وجود الشباب خارق للعادات - عادة زماننا هذا وغيره - وذلك جائز عندنا وعند أكثر المسلمين، فإنَّ إظهار المعجزات عندهم وعندنا يجوز علي من ليس بنبيّ، من إمام أو وليّ، لا ينكر ذلك من جميع الأمّة إلاَّ المعتزلة والخوارج، وإن سمّي بعض الأمّة ذلك كرامات لا معجزات، ولا اعتبار بالأسماء، بل المراد خرق العادات، ومن أنكر ذلك في باب الأئمّة فإنّا لا نجد فرقاً بينه وبين البراهمة في إنكارهم إظهار المعجزات ونقض العادات لأحد من البشر، وإلاَّ فليأت القوم بالفصل، وهيهاتَ.

مسألة سابعة: (هل الإمام المهدي ناسخ لشريعة الإسلام؟)

قالوا: إذا حصل الإجماع علي أنَّ لا نبيّ بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وأنتم قد زعمتم أنَّ القائم إذا قام لم يقبل الجزية من أهل الكتاب، وأنَّه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقَّه في الدين، ويأمر بهدم المساجد والمشاهد، وأنَّه يحكم بحكم داود عليه السلام لا يسأل عن بيّنة، وأشباه ذلك ممَّا ورد في آثاركم، وهذا يكون نسخاً للشريعة، وإبطالاً لأحكامها، فقد أثبتم معني النبوّة وإن لم تتلفَّظوا باسمها، فما جوابكم عنها؟

الجواب: إنّا لا نعرف ما تضمَّنه السؤال من أنَّه عليه السلام لا يقبل الجزية من أهل الكتاب، وأنَّه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقَّه في الدين، فإن كان ورد بذلك خبر فهو غير مقطوع به.

أمَّا هدم المساجد والمشاهد فقد يجوز أن يختصّ بهدم ما بني من ذلك علي غير تقوي الله تعالي، وعلي خلاف ما أمر الله سبحانه به، وهذا مشروع قد فعله النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم.

وأمَّا ما روي من أنَّه عليه السلام يحكم بحكم داود لا يسأل عن بيّنة

ص: 406

فهذا أيضاً غير مقطوع به، وإن صحَّ فتأويله: أنَّه يحكم بعلمه فيما يعلمه، وإذا علم الإمام أو الحاكم أمراً من الأمور فعليه أن يحكم بعلمه ولا يسأل البيّنة، وليس في هذا نسخ للشريعة.

علي أنَّ هذا الذي ذكروه من ترك قبول الجزية واستماع البيّنة، لو صحَّ لم يكن ذلك نسخاً للشريعة، لأنَّ النسخ هو ما تأخَّر دليله عن الحكم المنسوخ ولم يكن مصاحباً له، فأمَّا إذا اصطحب الدليلان فلا يكون أحدهما ناسخاً لصاحبه وإن كان يخالفه في الحكم، ولهذا اتَّفقنا علي أنَّ الله سبحانه لو قال: ألزموا السبت إلي وقت كذا، ثمّ لا تلزموه، أنَّ ذلك لا يكون نسخاً، لأنَّ الدليل الرافع مصاحب للدليل الموجب.

وإذا صحَّت هذه الجملة، وكان النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قد أعلمنا بأنَّ القائم من ولده يجب اتّباعه وقبول أحكامه، فنحن إذا صرنا إلي ما يحكم به فينا - وإن خالف بعض الأحكام المتقدّمة - غير عاملين بالنسخ، لأنَّ النسخ لا يدخل فيما يصطحب الدليل، وهذا واضح.

وهذا ما أردنا أن نبيّن من مسائل الغيبة وجواباتها، واستقصاء الكلام في مسائل الإمامة والغيبة يخرج عن الغرض المقصود في هذا الكتاب، ومن تأمَّل كتابنا هذا، ونظر فيه بعين الانصاف، وتصفَّح ما أثبتناه من الفصول والأبواب، وصل إلي الحقّ والصواب، ونحن نحمد الله سبحانه علي ما يسَّره من ذلك، وسهَّله، وأعان عليه، ووفَّق له، ونسأله سبحانه وتعالي أن يجعل ما عملناه خالصاً لوجهه، وموصلاً إلي ثوابه، ومنجياً من عقابه، ويلحقنا دعاء من أوغل في شعابه، وغاص في الدرر الثمينة من لجج عبابه، واستفاد الغرر الثمينة من خلل أبوابه.

تمَّ الكتاب، والحمد لله أولاً وآخراً.

* * *

ص: 407

ص: 408

تاج المواليد في مواليد الأئمة ووفياتِهم

تأليف: أمين الإسلام الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي المتوفي سنة 548ه-

ص: 409

ص: 410

في ذكر الإمام القائم المهدي عجَّل الله فرجه

الباب الثالث عشر: في ذكر الإمام الحادي عشر وهو الحسن بن علي العسكري عليهما السلام

الفصل الخامس: في ذكر ولده عليه السلام

الباب الثالث عشر:(1) في ذكر الإمام الحادي عشر وهو الحسن بن علي العسكري عليهما السلام

* الفصل الخامس: في ذكر ولده عليه السلام

أمَّا الحسن العسكري عليه السلام فلم يكن له ولد سوي صاحب الزمان عليه السلام، ولم يخلف ولداً غيره ظاهراً وباطناً، وإنَّما خلفه عليه السلام غائباً مستتراً وخائفاً منتظراً لدفدلة الحقّ، وكان عليه السلام قد أخفي مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وشدّة طلب سلطان الزمان له واجتهاده في البحث عن أمره ولمَّا شاع من مذهب الشيعة الإماميّة فيه وعرف من انتظارهم له، فلم يظهر ولده عليهما السلام في حياته إلاَّ لجماعة من الثقات وأهل الأمانة من شيعته ولا عرفه الجمهور بعد وفاته إلاَّ من اختصَّ به علي ما سنذكره إن شاء الله.

الباب الرابع عشر: في ذكر الإمام الثاني عشر وهو القائم المهدي عليه وعلي آبائه الصلوة والسلام

اشارة

وفيه خمسة فصول:

ص: 411


1- تاج المواليد: 59 - 78 .
الفصل الأوّل: في اسمه وكنيته ولقبه عليه السلام:

الإمام الثاني عشر صلوات الله عليه، اسمه اسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكنيته كنية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولا يحل لأحد أن يسمّيه باسمه ولا أن يكني بكنيته قبل خروجه من الغيبة، لما قد ورد النهي عن ذلك، وإنَّما يُعبّر عنه عليه السلام بأحد ألقابه، ومن ألقابه صلوات الله عليه المختصَّة به الحجّة، والقائم، والمهدي، والخلف الصالح، وصاحب الزمان، والمنتظر، وقد عبّر عنه وعن حسبته عليه السلام بالناحية المقدَّسة.

الفصل الثاني: في وقت ولادته عليه السلام:

ولد عليه السلام بسُرَّ من رأي ليلة النصف من شعبان قبل طلوع الفجر سنه (255) خمس وخمسين ومأتين من الهجرة، قد آتاه الله سبحانه في حال الطفولية والصبي الحكمة وفصل الخطاب كما آتاهما يحيي صبياً، وجعله إماماً وهو طفل قد أتي عليه خمس سنين كما جعل عيسي بن مريم عليه السلام في المهد نبيّاً، وقد سبق النصّ عليه في ملّة الإسلام من النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ثمّ من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ومن الأئمّة الطاهرين عليهم السلام واحداً بعد واحد إلي ابنه الحسن عليه السلام، ونصَّ عليه أبوه عليه السلام عند ثقاته وشيعته، والنصوص عليه صلوات الله عليه متواترة علي وجه لا يتخالج فيها الشكّ لأحد أنصف من نفسه لا يحتمل ذكرها هيهنا، وكانت اُمّه عليه السلام اُمّ ولد، اسمها نرجس وهي بنت ليشوعا بن قيصر ملك الروم من أولاد الحواريين من قبل الإمام(1)، وكان اسمها عند أبيها مليكة، ولها قصَّة عجيبة لا يسعها هذا الكتاب.

ص: 412


1- كذا في المصدر المطبوع، والظاهر أنَّها زائدة.
الفصل الثالث: في تفصيل ما مضي من عمره عليه السلام وذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه والإشارة إلي شيء من سيره بعد قيامه:
اشارة

مقدار ما مضي من عمر صاحب الزمان عليه السلام مائتان وأربع وخمسون سنة لأنَّه ولد سنة (255) خمس وخمسين ومائتين وتاريخ اليوم سنة (509) تسع وخمسمائة، وكان منها مع أبيه أبي محمّد عليه السلام خمس سنين يعرضه فيها كلّ وقت وحين علي خواصه واُمنائه الموثوق بهم من الشيعة الإماميّة، لزوال الشبهة وحصول اليقين لهم وانتشار الخبر بوجود صاحب الأمر صلوات الله عليه فيهم، وقد عرضه عليه السلام في مجلس واحد علي أربعين نفساً منهم حتَّي حصل لهم العلم بوجوده عينه وتحقّقوه وشاهدوا منه الآيات والبراهين، فظلَّت أعناقهم لها خاضعين، فلمَّا قبض أبو محمّد عليه السلام وهو ابن خمس سنين، ثار جعفر بن علي أخو أبي محمّد وجاء بظاهر تركة أخيه عليه السلام، وسعي في حبس جواري أبي محمّد عليه السلام واعتقال حلائله، وشنع علي أصحابه بانتظارهم ولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته، وأغري بالقوم حتَّي أخافهم وشرَّدهم، وجري علي مخلفي أبي محمّد عليه السلام بسبب ذلك أمر عظيم من حبس وتهديد واستخفاف وذلّ، فلم يظفر السلطان منهم بطائل، ثمّ جاء إلي الشيعة الإماميّة، واجتهد في القيام عندهم مقام أخيه أبي محمّد عليه السلام فلم يقبل أحد منهم ذلك ولا اعتقدوا فيه...، فضي إلي سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه وبذل مالاً جليلاً وتقرَّب بكلّ ما ظنَّ أنَّه يتقرَّب به فلم ينتفع بشيء من ذلك، ولجعفر أخبار كثيرة في هذا المعني لا يحتملها هذا الموضع.

ص: 413

(غيبته عليه السلام وسفراءه الأربعة):

وأمَّا غيبته صلوات الله عليه فقد تواترت الأخبار بها قبل ولادته، واستفاضت بدولته قبل غيبته، وهو صاحب السيف.0 من أئمّة الهدي عليهم السلام، والمنتظر لدولة الإيمان، والقائم بالحقّ، وله قبل قيامه غيبتان إحديهما أطول من الأخري كما جاءت به الأخبار عن آبائه الصادقين عليهم السلام، فأمَّا الغيبة الصغري، فمنذ ولد صلوات الله عليه إلي أن قطعت السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة.

وأمَّا الطولي فهي بعد الأولي، وفي آخرهما يقوم بالسيف صلوات الله عليه، وكان مدّة غيبة الأولي وهي زمان السفارة أربعاً وسبعين سنة منها خمس سنين مع أبيه عليه السلام وتسع وستون سنة بعد أبيه قد كان يُعرف فيها أخباره ويقتفي آثاره ويهتدي إليه بوجود سفير بينه وبينهم وباب قد دلَّ الدليل القاطع علي صدقه وصحَّة بابيَّته وسفارته وهي المعجزة التي كانت تظهر علي يد كلّ واحد من الأبواب، وعدد الأبواب وهم السفراء أربعة:

أوّلهم أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه وأرضاه، وكان أسدياً، وكان يتَّجر في السمن ومن أجل ذلك قيل له: السمّان، وكان رضي الله عنه باباً وثقة لأبيه وجدّه علي بن محمّد عليهم السلام من قبل، ثمّ تولّي البابية من قِبَل صاحب الأمر عليه السلام، وظهرت المعجزات الكثيرة علي يديه من قِبَله عليه السلام وعلي أيدي الباقين من السفراء رضي الله عنهم بعد والسيل والليل، وكذلك يخرج علي أيديهم التوقيعات وجوابات مسائل الشيعة، وتصل علي أيديهم أيضاً الأخماس والصدقات إلي صاحب الأمر عليه السلام لتفرّقها في أهلها ويضعها في مواضعها، علي هذا مضي لسبيله أبو عمرو عثمان بن سعيد رضي الله عنه.

ص: 414

ثمّ قام ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان مقامه بنصّ أبي محمّد عليه السلام ونصّ أبيه عثمان عليه بأمر صاحب الزمان عليه السلام، وسدَّ مسدَّه في جميع ما ينط به، وفوّض إليه القيام بذلك، ثمّ مضي علي منهاج أبيه رحمه الله في جمادي الآخر سنة (305) خمس وثلاثمائة، ويقال: سنة (304) أربع وثلاثمائة.

ثمّ قام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنصّ أبي جعفر محمّد بن عثمان عليه، وأقامه مقام نفسه بأمر الإمام عليه السلام، وعاش رضي الله عنه سفيراً كما قد ذكرناه إحدي وعشرين سنة، ومات رضي الله عنه في شعبان سنة (326) ستّ وعشرين وثلثمائة.

وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمّد السمري بنصّ أبي القاسم الحسين بن روح عليه ووصيّه إليه رضي الله عنه، وقام بالأمر علي منهاج من مضي وتقدَّم عليه من الأبواب الثلاثة، وعلي ذلك أربع سنين، فلمَّا استكمل أيّامه وقرب أجله أخرج إلي الناس توقيعاً نسخته:

(بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص علي أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاَّ بعد إذن الله تعالي ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلاَّ بالله العلي العظيم).

فنسخوا هذا التوقيع وخرجوا من عنده، فلمَّا كان اليوم السادس عادوا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك؟ فقال: لله أمر هو بالغه، وقُبض، فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه، وكان وفاته في سنة (329) تسع وعشرين وثلاثمائة.

ص: 415

ووقعت بعد مضي السمري الغيبة الثانية، وهي أطولها وأتمّها، وقد أتي عليها ومضي منها إلي هذا التاريخ وهو سنة (509) تسع وخمسمائة كما قد ذكرناه فيما تقدَّم مائة وثمانون سنة، ولم يوقّت لأحد غايتها ولا نهايتها، فمن عيَّن لذلك وقتاً فقد افتري كذباً وزوراً، إلاَّ أنَّه قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيامه عليه السلام وحوادث يكون أمام خروجه:

(في علائم ظهور الإمام القائم المهدي عليه السلام):

فمنها: خروج السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العبّاس في ملك(1)، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره علي خلاف العادات، وخسف البيداء، وخسف بالمشرق، وركود الشمس عند الزوال إلي وقت العصر وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكيّة بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وإقبال رايات سود من قبل خراسان، وخروج اليماني، وظهور المغربي بمصر وتملّكه الشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ثمّ ينعطف حتَّي يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طولاً ويبقي في الجو ثلاثة أيّام أو سبعة أيّام، وخلع العرب أعنَّتها وتملّكها البلاد، وخروجها عن سلطان العجم، وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، ودخول رايات قيس إلي مصر، ورايات كندة إلي خراسان. وورود خيل من المغرب حتَّي تربط بفناء

ص: 416


1- كذا في المصدر، وفي روضة الواعظين: (ملك الدنيا)، وفي الإرشاد: (في الملك الدنياوي).

الحيرة. وإقبال رايات سود من المشرق نحوها، وشقّ في الفرات حتَّي يدخل الماء أزقّة الكوفة، وخروج ستّين كذّاباً كلّهم يدّعي النبوّة. وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلّهم يدّعي الإمامة لنفسه، وعقد الجسر ممَّا يلي الكرخ بمدينة بغداد، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار، وزلزلة حتَّي يخسف كثير منها، وخوف أهل العراق، وموت ذريع فيه، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتَّي يأتي علي الزرع والغلات، وقلّة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخ لقوم من أهل البدع حتَّي يصيروا قردة وخنازير، ونداء يسمعه أهل الأرض كلّ أهل لغة بلغتهم، فقيل له - أعني الرضا عليه السلام -: أيّ نداء هو؟ قال: ينادون في رجب ثلاثة أصوات، صوت، ألا لعنة الله علي الظالمين، والصوت الثاني: أزفت الأزفة يا معشر المؤمنين، والصوت الثالث: يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس يقول: إنَّ الله بعث فلاناً فاسمعوا وأطيعوا، فعند ذلك يأتي الناس الفرج، وتودّ الأموات أن كانوا أحياء، ويشفي الله صدور قوم مؤمنين، وموت أحمر، وموت أبيض، والموت الأحمر السيف، والأبيض الطاعون، وخروج رجل بقزوين اسمه اسم النبيّ يسرع الناس إلي طاعته المشرك والمؤمن يملأ الجبال خوفاً، وهدم حائط مسجد الكوفة مؤخّرة ممَّا يلي دار عبد الله بن مسعود، ومنادٍ ينادي باسم القائم عليه السلام ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان فيسمع ما بين المشرق إلي المغرب، فلا يبقي راقد إلاَّ قام، ولا قائم إلاَّ قعد، ولا قاعد إلاَّ قام علي رجليه من ذلك

ص: 417

الصوت وهو صوت جبرئيل عليه السلام الروح الأمين، وأموات ينشرون من القبور حتَّي يرجعوا إلي الدنيا فيتعارفون ويتزاورون، ثمّ يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتَّصل، فتحيا بها الأرض من بعد موتها، وتعرف بركاتها وتزول بعد ذلك كلّ عاهة عن معتقدي الحقّ من شيعة المهدي عليه السلام، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكّة فيتوجَّهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الآثار.

فمن جملة هذه الأحداث محتومة، ومنها مشترطة، والله أعلم بما يكون، وإنَّما ذكرناها علي حسب ما ثبتت في الأصول.

وجاءت الأخبار عنهم عليهم السلام:

(ما بعد الظهور):

أنَّ صاحب الزمان عليه السلام يخرج في وتر من السنين تسع أو سبع أو خمس أو ثلاث أو إحدي. ويقوم عليه السلام يوم السبت يوم عاشوراء، وإذا قام عليه السلام اُتي المؤمن في قبره فيقال له: إنَّه قد ظهر صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ تقم في كرامة ربّك فأقم به، ويبايعه بين الركن والمقام ثلاثمائة وثلاث عشر عدّة أهل بدر من النجباء والأبدال والأخيار، كلّهم شاب لا كهل فيهم، ثمّ يصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوي لهم طيّاً حتَّي يبايعوه، ويكون دار ملكه الكوفة وأكثر مقامه صلوات الله عليه بها، ويأمر بحفر نهر من ظهر مشهد الحسين عليه السلام يجري إلي الغري حتَّي تنزل الماء في النجف ويعمل علي فوهته القناطر والأرجاء يطحن فيها بلا كراء، ويبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، ويتَّصل بيوت أهل الكوفة بنهر كربلاء، ويعمّر الرجل حتَّي يولد له

ص: 418

ألف ذكر لا يولد فيهم (أنثي)(1)، وتظهر الأرض كنوزها حتَّي يراها الناس علي وجهها، ويطلب الرجل منهم من يصله ماله ويأخذ زكاته فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك استغناء بما رزقهم الله من فضله.

وحليته ونعته عليه السلام: أنَّه يكون شابّاً مربوعاً حسن الوجه حسن الشعر يسبل شعره علي منكبيه، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه، وسيرته صلوات الله عليه أن يدعو الناس إلي الإسلام جديداً وهداهم إلي أمر قد دُثر وضلَّ عنه الجمهور، ويحكم بالعدل ويرتفع في أيّامه الجور، وأمنت به السبل، وتخرج الأرض بركاتها، ويرد كلّ حقّ إلي أهله، ولا يبقي أهل دين إلاَّ وهو يظهر الإسلام ويعترف بالإيمان، ويحكم عليه السلام في الناس بحكم داود وحكم محمّد عليهم السلام، ويسير عليه السلام إلي الكوفة فهدم بها أربعة مساجد، ولا يبقي علي وجه الأرض مسجد له شُرف إلاَّ هدمها، وجعل المساجد كلّها جماء لا شرفة لها، ويكسر كلّ جناح خارج في الطريق، ويبطل الكنف والميازيب إلي الطرقات، ولا يترك بدعة إلاَّ أزالها، ولا سُنّة إلاَّ أقامها، ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم.

وأمَّا مقدار ملكه عليه السلام، فقد روي عن الباقر عليه السلام أنَّه يملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتَّي لا يبقي إلاَّ دين محمّد صلوات الله عليه وآله... تمام الخبر. ثمَّ يتوجَّه إلي الكوفة فينزلها وتكون دار ملكه كما قدَّمنا ذكره.د.

ص: 419


1- ما بين المعقوفتين أثبتناه من روضة الواعظين والإرشاد.
الفصل الرابع: في الإشارة إلي وقت وفاته عليه السلام:

وقت وفاته عليه السلام يكون قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيها الفرج، وعلامة خروج الأموات وقيام الساعة للحساب والجزاء، ويُغلق باب التوبة، ويسقط التكليف، فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل.

الفصل الخامس: في ذكر ولده عليه السلام:
اشارة

وأمَّا الولد لصاحب الزمان عليه السلام، فقد وردت الروايات عنهم عليهم السلام بأنَّه يولد له الأولاد، وغير ممتنع أن يكون له في هذا الوقت أهل وولد، وجايز أن يكون ذلك بعد خروجه وفي أيّام دولته، ولا قطع علي أحد الأمرين، والله أعلم.

* * *

ص: 420

الخرائج والجرائح
اشارة

للفقيه المحدث والمفسّر الكبير قُطب الدين الراوندي المتوفّي سنة 573 هجرية

تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام

ص: 421

ص: 422

الجزء الأوّل: الباب الثالث عشر: في معجزات الإمام صاحب الزمان عليه السلام :

الجزء الأوّل: الباب الثالث عشر: في معجزات الإمام صاحب الزمان عليه السلام(1):

* عن حكيمة (قالت:) دخلت يوماً علي أبي محمّد عليه السلام فقال: ((يا عمّة) بيتي عندنا الليلة فإنَّ الله سيظهر الخلف فيها).

قلت: وممَّن؟

(قال: (من نرجس)(2)، قلت:) فلست أري بنرجس حملاً. قال: (يا عمّة إنَّ مثلها كمثل اُمّ موسي، لم يظهر حملها بها إلاَّ وقت ولادتها).

فبتُّ أنا وهي في بيت، فلمَّا انتصف الليل صلَّيت أنا وهي صلاة الليل، فقلت في نفسي: قد قرب الفجر ولم يظهر ما قال أبو محمّد.

فناداني أبو محمّد عليه السلام (من الحجرة): (لا تعجلي).

فرجعت إلي البيت خجلة، فاستقبلتني نرجس (وهي) ترتعد(3) فضممتها إلي صدري، وقرأت عليها: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، و(إِنَّا أَنْزَلْناهُ)، وآية الكرسي، فأجابني الخلف من بطنها يقرأ كقراءتي(4).

ص: 423


1- الخرائج و الجرائح 1 : 455 - 484 / ح 1 - 22.
2- هي اُمّ الإمام المهدي عليه السلام وقد أخبر عنها الرسول صلي الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام بأنَّها خير الإماء في أحاديث كثيرة، ومن أسمائها أيضاً: صيقل، سوسن، حكيمة، مليكة... راجع كتاب اُمّهات الأئمّة عليهم السلام: 107 (مخطوط)؛ والعوالم: حياة الإمام المهدي عليه السلام في باب اُمّه وأسمائها.
3- في (ط)، (م): (ترعد).
4- القرآن (خ ل).

قالت: وأشرق نور في البيت فنظرت فإذا الخلف تحتها ساجد (لله تعالي) إلي القبلة، فأخذته.

فناداني أبو محمّد عليه السلام من الحجرة: (هلمّي بابني إليَّ يا عمّة). قالت: فأتيته به فوضع لسانه في فيه وأجلسه علي فخذه، وقال: (انطق يا ابني بإذن الله).

فقال: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(1) وصلّي الله علي محمّد المصطفي، وعلي المرتضي، وفاطمة الزهراء، والحسن، والحسين وعلي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسي بن جعفر، وعلي بن موسي، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي أبي).

قالت (حكيمة): وغمرتنا طيور خضر فنظر أبو محمّد إلي طائر منها(2) فدعاه فقال له: (خذه واحفظه حتَّي يأذن الله فيه فإنَّ الله بالغ أمره).

قالت حكيمة: قلت لأبي محمّد: ما هذا الطائر(3) وما هذه الطيور؟

قال: (هذا جبرئيل، وهذه ملائكة الرحمة(4))، ثمّ قال: (يا عمّة ردّيه إلي اُمّه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أنَّ وعد الله حقّ ولكن أكثر الناس لا يعلمون(5))، فرددته إلي اُمّه.3.

ص: 424


1- القصص: 5 و6.
2- في (ه-)، (س): (منهم).
3- في (م)، (ط): (الطير).
4- في (م)، (ط): (الله).
5- اقتباس من: القصص: 13.

قالت (حكيمة): ولمَّا ولد كان نظيفاً مفروغاً منه، وعلي ذراعه الأيمن مكتوب: (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(1).

* ومنها: ما روي عن السياري، (قال:) حدَّثتني نسيم ومارية قالتا: لمَّا خرج صاحب الزمان من بطن اُمّه سقط جاثياً علي ركبتيه رافعاً سبابتيه(2) نحو السماء ثمّ عطس، فقال: (الحمد لله ربّ العالمين وصلّي الله علي محمّد وآله، عبداً داخرا(3) لله غير مستنكف ولا مستكبر (ولا مستحسر)(4))، ثمّ قال: (زعمت الظلمة أنَّ حجّة الله داحضة(5) ولو أذن لنا(6) في الكلام لزال الشكّ).

* ومنها: ما روي علاّن، عن ظريف أبي نصر الخادم(7)، قال: دخلت علي صاحب الزمان عليه السلام وهو في المهد فقال لي: (عليَّ بالصندل الأحمر)، فأتيته به, فقال: (أتعرفني؟).

قلت: نعم، أنت سيّدي وابن سيّدي.

فقال: (ليس عن هذا سألتك).

فقلت: فسّر لي.

فقال: (أنا خاتم الأوصياء، وبي يرفع(8) الله البلاء عن أهلي وشيعتي).).

ص: 425


1- اقتباس من: الإسراء: 81 .
2- في (م): (سبابته).
3- الداخر: الصاغر الذليل.
4- استحسر: تعب وأعيا.
5- داحضة: زائلة باطلة.
6- في (ط)، (ه-): (لي).
7- في (م): (طريف أبو نصر)، في (ط)، (س)، (ه-): (طريف، عن نصر) وما أثبتناه كما في الغيبة للطوسي، راجع: معجم رجال الحديث 9: 181.
8- في (س)، (ط)، (ه-): (يدفع).

* ومنها: ما روي عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري، قال: وجَّه قوم من المفوّضة(1) كامل بن إبراهيم المدني إلي أبي محمّد عليه السلام، قال: فقلت - في نفسي -: لمَّا دخلت عليه أسأله عن الحديث المروي عنه عليه السلام: (لا يدخل الجنّة إلاَّ من عرف معرفتي) وكنت جلست إلي باب عليه ستر مرخي(2) فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتي كأنَّه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها.

فقال لي: (يا كامل بن إبراهيم!).

فاقشعررت من ذلك وألهمت أن قلت: لبيك يا سيّدي.

فقال: (جئت إلي وليَّ الله تسأله لا يدخل(3) الجنّة إلاَّ من عرف معرفتك وقال بمقالتك؟).

قلت: إي والله.

قال: (إذن والله يقلُّ داخلها، والله إنَّه ليدخلها قوم يقال لهم: الحقّيّة).

قلت: ومن هم؟

قال: (قوم - من حبّهم لعلي بن أبي طالب عليه السلام - يحلفون بحقّه ولا يدرون ما حقّه وفضله)، أي قوم يعرفون ما يجب عليهم معرفته جملة(4) لا تفصيلاً من معرفة الله تعالي ورسوله والأئمّة عليهم السلام ونحوها.).

ص: 426


1- المفوّضة: فرقة من الغلاة. زعموا أنَّ الله خلق محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم، ثمّ فوَّض إليه خلق العالم فهو الذي خلق العالم دون الله تعالي، ثمّ فوَّض محمّد تدبير العالم إلي علي بن أبي طالب عليه السلام. معجم الفِرَق الإسلاميّة: 235؛ مجمع البحرين للطريحي مادة (فوَّض).
2- في (كشف الغمّة): (مسبل).
3- في (م)، (س): (هل يدخل).
4- في (ط): (مجملاً).

ثمّ قال: (وجئت تسأل عن مقالة المفوّضة(1)، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيّة الله عز وجل، فإذا شاء الله تعالي شئنا، والله يقول: (وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ)(2)).

فقال لي أبو محمّد عليه السلام: (ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك (قم)، فقمت)(3).

* ومنها: ما روي عن رشيق حاجب المادراني(4)، قال: بعث إلينا المعتضد(5) (رسولاً) وأمرنا أن نركب ونحن ثلاثة نفر، ونخرج مخفين(6) علي السروج ونجنب أخر، وقال: الحقوا بسامراء، واكبسوا دار الحسن بن علي، فإنَّه توفّي ومن رأيتم فيها(7) فأتوني برأسه.).

ص: 427


1- في (ط): (المفوّضة فينا أنا نتكلَّم بما يخطر في قلوبنا).
2- الإنسان: 30؛ التكوير: 29.
3- عنه كشف الغمّة 2: 499؛ ورواه في الهداية الكبري: 359 بإسناده إلي أحمد الأنصاري، قال: (توجَّه قوم...)؛ ورواه الطبري في دلائل الإمامة: 173 بإسناده إلي أبي نعيم...؛ عنه بحار الأنوار 52: 50/ ح 35؛ وعن الغيبة للطوسي: 148 بإسناده إلي أحمد الأنصاري بطريقين؛ عنه إثبات الهداة 7: 19/ ح 320؛ وبحار الأنوار 70: 117/ ح 5، و72: 163/ ح 20، و79: 302/ ح 12؛ وأورده في ينابيع المودّة: 461 مرسلاً باختصار؛ عنه إحقاق الحقّ 19: 642، وله تخريجات أخر.
4- في (ط): (المادراي)، (المروائي). والظاهر أنَّ المادراني هو أحمد بن الحسن المادراني. ذكره القمي في الكني والألقاب 3: 107 وله بيان فراجع.
5- هكذا في النسخ والمصادر. والظاهر أنَّه تصحيف (المعتمد). حيث بويع أبو العبّاس أحمد بن طلحة المعتضد بالله في اليوم الذي مات فيه المعتمد علي الله عمّه وهو يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة سبع وسبعين ومائتين. بينما قبض الإمام الحسن العسكري عليه السلام في سنة ستّين ومائتين. راجع: مروج الذهب 4: 111 و143.
6- في (ط): (مختفين)، في (كشف الغمّة): (مخفين).
7- في (ط)، (كشف الغمّة): (في الدار).

فكبسنا الدار كما أمرنا، فوجدنا داراً سرّية(1) كأنَّ الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت، فرفعنا الستر وإذا سرداب في الدار الأخري، فدخلناه وكأنَّ فيه بحراً وفي أقصاه حصير - قد علمنا أنَّه علي الماء - وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلّي فلم يلتفت إلينا ولا إلي شيء من أسبابنا. فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطّي فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتَّي مددت يدي إليه فخلَّصته(2) وأخرجته، فغشي عليه وبقي ساعة. وعاد صاحبي الثاني إلي فعل ذلك، فناله مثل ذلك، فبقيت مبهوتاً.

فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلي الله وإليك، فوَالله ما علمت كيف الخبر، وإلي من نجيء(3) وأنا تائب إلي الله.

فما التفت إليَّ بشيء ممَّا قلت، فانصرفنا إلي المعتضد.

فقال: اكتموه، وإلاَّ أضرب(4) رقابكم(5).

* ومنها: ما روي عن يعقوب بن يوسف الضرّاب الغساني في منصرفه من أصفهان، قال: حججت في سنة إحدي وثمانين ومائتين وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا فلمَّا قدمنا مكّة نزلنا (6) داراً في).

ص: 428


1- في (ط): (دار شبيه الجنّة).
2- في (ط)، (ه-): (فجذبته).
3- في (ط): (نحن).
4- في (ط)، (ه-): (اكتموا هذا الحال، وإلاَّ ضربت).
5- عنه كشف الغمّة 2: 499؛ وإثبات الهداة 7: 324/ ح 92؛ وعن الغيبة للطوسي: 149؛ قال: وحدَّث عن رشيق صاحب المادراني مثله؛ عنه بحار الأنوار 52: 51/ ح 36؛ ومدينة المعاجز: 597/ ح 18؛ وأورده في كشف الأستار: 55 مرسلاً؛ وأخرجه القندوزي في ينابيع المودّة: 458 عن كتاب الغيبة عن شقيق الأرزاني.
6- في (ط)، (ه-): (دخلنا).

سوق الليل تسمّي دار الرضا عليه السلام وفيها عجوز سمراء، فسألتها: ما تكونين من أصحاب هذه الدار؟

قالت: أنا من مواليهم (وعبيدهم) أسكننيها الحسن بن علي عليهما السلام.

فكنّا إذا انصرفنا من الطواف تغلق الباب، فرأيت غير ليلة ضوء السراج، ورأيت الباب قد انفتح ولا أري أحداً فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلاً ربعة(1) أسمر (يميل) إلي الصفرة، ما هو قليل اللحم، يصعد إلي غرفة في الدار حيث تكون(2) العجوز تسكن، وكانت تقول لنا: إنَّ لي في الغرفة ابنة لا تدعو أحداً يصعد إليها، فأحببت أن أقف علي خبر الرجل. فقلت للعجوز: إنّي أحبّ أن أسالك.

قالت: وأنا أريد(3) أن أسرّ إليك فلم يتهيّأ، من أجل أصحابك.

فقلت: ما أردت أن تقولي؟

فقالت: يقول لك - يعني صاحب الدار - ولم تذكر أحداً) باسمه لا تخاشننَّ(4) أصحابك وشركاءك، ولا تلاحهم(5) فإنَّهم أعداؤك ودارهم. فلم أجسر أن أراجعها، فقلت: أيّ أصحابي؟

قالت: شركاؤك الذين في بلدك وفي الدار معك، وقد كان جري بيني وبين من (معي) في الدار عنت(6) في الدين فسعوا بي حتَّي هربت).

ص: 429


1- قال ابن الأثير في النهاية 2: 190: وفي صفته عليه الصلاة والسلام (أطول من المربوع) هو بين الطويل والقصير. يقال: رجل ربعة ومربوع.
2- في (م): (كانت).
3- في (ط)، (ه-): (أحبّ).
4- خاشنه: حارشه خلاف لانه. خشن عليه في القول أو العمل.
5- لاحاه ملاحاة: نازعه وخاصمه.
6- أعنته وتعنته تعنتاً: سأله عن شيء أراد به اللبس عليه والمشقّة. (لسان العرب 2: 61/ مادة عنت).

واستترت بذلك السبب، فوقفت(1) علي أنَّها عنت أولئك، وكنت نذرت أن ألقي في مقام إبراهيم عشرة دراهم ليأخذها من أراد الله، فأخذت عشرة دراهم فيها ستّة رضوية وقلت لها: ادفعي هذه إلي الرجل، فأخذت (الدراهم) وصعدت وبقيت ساعة ثمّ نزلت، فقالت: يقول لك: ليس لنا فيها حقّ، اجعلها في الموضع الذي نذرت ونويت، ولكن هذه الرضوية خذ منها بدلها وألقها في الموضع الذي نويت. ففعلت(2).

* ومنها: ما روي عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار(3)، قال: شككت عند مضي(4) أبي محمّد عليه السلام، وكان اجتمع عند أبي مال جليل فحمله وركب السفينة، وخرجت معه مشيّعاً له فوعك(5).

فقال: ردني فهو الموت، واتق الله في هذا المال، وأوصي إليَّ، ومات. ض.

ص: 430


1- في (ط)، (ه-): (فعرفت).
2- أورده في دلائل الإمامة: 300، قال: (نقلت هذا الخبر من أصل بخطّ شيخنا أبي عبد الله الحسين الغضائري، عن أبي الحسن علي بن عبد الله القاشاني، عن الحسين بن محمّد...) مثله؛ عنه بحار الأنوار 52: 17 - 22/ ح 15؛ وعن الغيبة للطوسي: 165 بإسناده عن أبي الحسين محمّد جعفر الأسدي، عن الحسين بن محمّد بن عامر الأشعري القمي، عن يعقوب بن يوسف الضرّاب مثله؛ عنه إثبات الهداة 7: 22/ ح 326؛ ومدينة المعاجز: 608/ ح 69؛ وتبصرة الولي: 782؛ ورواه في جمال الأسبوع: 494 بإسناده إلي يعقوب بن يوسف الضرّاب.
3- في (ط)، (م)، (ه-): (مهران)، والصحيح (محمّد بن إبراهيم بن مهزيار)، عدَّه الشيخ في رجاله: 436 من أصحاب العسكري عليه السلام؛ وذكره السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث 14: 222 وذكر الرواية.
4- في (بحار الأنوار): (وفاة).
5- وعك الرجل: أصابه ألم من شدّة التعب أو المرض.

وقلت: لا يوصي أبي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلي العراق ولا أخبر أحداً، فإن وضح لي شيء أنفذته وإلاَّ أنفقته، فاكتريت داراً علي الشطّ وبقيت أيّاماً فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: (يا محمّد معك كذا وكذا)، حتَّي قصَّ علي جميع ما معي، وما لم أحط به علماً ممَّا كان معي، فسلَّمت المال إلي الرسول، وبقيت أيّاماً لا يرفع لي(1) رأس فاغتممت فخرج إليَّ: ((قد) أقمناك مقام أبيك، فاحمد الله (تعالي))(2).

* ومنها: ما قال أبو عقيل عيسي بن نصر: إنَّ علي بن زياد الصيمري كتب يلتمس كفناً، فكتب: (إنَّك تحتاج إليه في سنة ثمانين)، فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته.

* ومنها: ما روي عن بدر غلام أحمد بن الحسن، (عنه)(3): وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة إلي أن مات يزيد بن عبد الملك(4) فأوصي في علَّته أن).

ص: 431


1- في (م): (بي)، وفي بحار الأنوار: (قوله: (لا يرفع لي رأس) كناية عن عدم التوجّه والاستخبار فإنَّ من يتوجَّه إلي أحد يرفع إليه رأسه).
2- عنه بحار الأنوار 51: 364/ ح 12؛ ورواه في الهداية الكبري: 367 عن محمّد بن جمهور، عن محمّد بن إبراهيم؛ ورواه في الكافي 1: 518/ ح 5 عن علي بن محمّد، عن محمّد بن حمويه، عن محمّد بن إبراهيم؛ عنه إثبات الهداة 7: 273/ ح 4؛ ومدينة المعاجز: 600/ ح 25؛ ورواه المفيد في الإرشاد: 396 عن ابن قولويه، عن الكليني، عن علي بن محمّد؛ عنه كشف الغمّة 2: 450؛ وبحار الأنوار 51: 311/ ح 32؛ ورواه الطوسي في الغيبة: 170 عن جماعة، عن ابن قولويه؛ عنه بحار الأنوار 51: 310/ ح 31؛ وأخرجه في إثبات الهداة 7: 360/ ح 142 عن صاحب كتاب مناقب فاطمة وولدها عليهم السلام.
3- ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصادر الأخري.
4- في الهداية زيادة: (وكان من موالي أبي محمّد عليه السلام).

يدفع الشهري السمند(1) وسيفه ومنطقته إلي مولاه عليه السلام، فخفت إن لم أدفع الشهري إلي أذكوتكين(2) نالني منه استخفاف، فقوَّمتها كلّها بسبعمائة دينار، في نفسي، ولم أطلع عليه أحداً فإذا الكتاب قد ورد عليَّ من العراق أن: (وجّه سبعمائة الدينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري السمند والسيف والمنطقة).

* ومنها: ما روي عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش وقبر الحسين عليه السلام فلمَّا كان بعد أشهر (زارها رجلان من الشيعة فدعاهما) الوزير الباقطاني وزجرهما، فقال (لخادمه:) الق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا تزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يقبض علي كلّ من زار.

* ومنها: ما روي عن نسيم خادم أبي محمّد عليه السلام: دخلت علي صاحب الزمان عليه السلام بعد مولده بعشر ليال، فعطست عنده، فقال لي: (يرحمك الله).

قال: ففرحت بذلك.

فقال: (ألا أبشرك في العطاس).

قلت: بلي يا سيّدي.

قال: (هو أمان من الموت ثلاثة أيّام).

* ومنها: ما روي عن حكيمة، قالت: دخلت علي أبي محمّد عليه السلام بعد أربعين يوماً من ولادة نرجس، فإذا مولانا صاحب الزمان عليه السلام9.

ص: 432


1- في لسان العرب 4: 433: (الشهرية: ضرب من البراذين، وهو بين البرذون والمقرف من الخيل)، انتهي. والبرذون: يطلق علي غير العربي من الخيل والبغال. والسمند: الفرس. القاموس المحيط 1: 303؛ ومجمع البحرين 3: 70. والشهري السمند: اسم فرس. مجمع البحرين 3: 357.
2- الظاهر أنَّه أذكوتكين بن أساتكين، من أكابر قوّاد الترك في زمن المعتمد العبّاسي. راجع: الكامل في التاريخ 7: 269.

يمشي في الدار فلم أرَ لغة أفصح من لغته فتبسَّم أبو محمّد عليه السلام فقال: (إنّا معاشر الأئمّة ننشأ في يوم كما ينشأ غيرنا في السنة).

قالت: ثمّ كنت بعد ذلك أسأل أبا محمّد عليه السلام عنه.

فقال: (استودعناه الذي استودعت اُمّ موسي ولدها)(1).

* ومنها: ما روي عن يوسف بن أحمد الجعفري: حججت سنة ستّ وثلاثمائة ثمّ حاورت بمكّة ثلاث سنين، ثمّ خرجت عنها منصرفاً إلي الشام، فبينا (أنا) في بعض الطريق، وقد فاتتني صلاة الفجر، فنزلت من المحمل وتهيَّأت للصلاة فرأيت أربعة نفر في محمل، فوقفت أعجب منهم، فقال لي أحدهم: مِمَ تعجب؟ تركت صلاتك.

فقلت: وما علمك بذلك منّي؟

فقال: تحبّ أن تري صاحب زمانك؟

قلت: نعم، فأومأ إلي أحد الأربعة، فقلت: إنَّ له دلائل وعلامات.

فقال: أيّما أحبُّ إليك: أن تري الجمل صاعداً إلي السماء، أو تري المحمل صاعداً؟

فقلت: أيّهما كان فهي دلالة، فرأيت الجمل وما عليه يرتفع إلي السماء، وكان الرجل أومأ إلي رجل به سمرة، وكان لونه الذهب، بين عينيه سجادة(2).ي.

ص: 433


1- عنه كشف الغمّة 2: 500؛ وبحار الأنوار 51: 293/ ح 3؛ وإثبات الهداة 7: 344/ ح117؛ وحلية الأبرار 2: 536.
2- عنه مدينة المعاجز: 611/ ح 83؛ ورواه الطوسي في الغيبة: 155 بإسناده عن يوسف بن أحمد الجعفري؛ عنه بحار الأنوار 52: 5/ ح 3؛ وإثبات الهداة 7: 326/ ح 93؛ وغاية المرام: 780/ ح49؛ وأورده في ثاقب المناقب: 540 (مخطوط) عن يوسف بن أحمد الجعفري.

* ومنها: ما روي الشيخ المفيد، عن أبي عبد الله الصفواني، قال: رأيت القاسم بن العلاء وقد عمَّر مائة سنة، وسبعة عشر سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينين لقي العسكريين عليهما السلام وحجب بعد الثمانين، وردَّت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيّام وذلك أنّي كنت بمدينة (أران)(1) من أرض آذربيجان، وكان لا تنقطع توقيعات صاحب الأمر عليه السلام عنه علي يد أبي جعفر العمري، وبعده علي يد أبي القاسم بن روح فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين، وقلق لذلك.

فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل البوّاب مستبشراً، فقال له: فيج(2) العراق ورد - ولا يسمّي بغيره -، فسجد القاسم، ثمّ دخل كهل قصير يري أثر الفيوج عليه، وعليه جبّة مضربة(3) وفي رجله نعل محاملي(4)، وعلي كتفه مخلاة(5) فقام إليه القاسم فعانقه، ووضع المخلاة، ودعا بطشت وماء، وغسل يده، وأجلسه إلي جانبه، فأكلنا وغسلنا أيدينا، فقال الرجل وأخرج كتاباً أفضل من نصف الدرج(6) فناوله القاسم فأخذهط.

ص: 434


1- أران - بتشديد الراء -: اسم أعجمي لولاية واسعة وبلاد كثيرة، بينها وبين آذربيجان نهر يقال له: الرسّ. (معجم البلدان 1: 136).
2- الفيج: هو المسرع في مشيه، الذي يحمل الأخبار من بلد إلي بلد. وقيل: هو الذي يسعي بالكتب. فارسي معرب. (لسان العرب 2: 350).
3- الضريبة: الصوف أو الشعر ينفَّش ثمّ يدرج ويشدّ بخيط ليغزل، فهي ضرائب، وقيل: الضريبة الصوف يضرب بالمطرق. (لسان العرب 1: 548).
4- أي ذو سيور كسيور علاقة السيف. راجع: لسان العرب 11: 178.
5- المخلاة: كيس يوضع فيه علف الدابة - أو غيره - ويعلَّق في عنقها. وفي (م): (عنقه) بدل (كتفه).
6- الدرج: ما يكتب فيه. وسفيط صغير تدخر فيه المرأة طيبها وأدواتها. فالظاهر أنَّ مراده وصف ذلك الكتاب بأنَّه أكبر من السفيط.

وقبَّله ودفعه إلي كاتب له يقال له: (أبو عبد الله بن أبي سلمة) ففضَّه وقرأه (وبكي)(1) حتَّي أحسَّ القاسم ببكائه(2).

فقال: يا أبا عبد الله خير خرج فيَّ شيء ممَّا يكره؟

قال: لا.

قال: فما هو؟

قال: ينعي الشيخ إليَّ نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً، وأنَّه يمرض اليوم السابع بعد وصول الكتاب، وأنَّ الله يرد عليه عينيه بعد ذلك، وقد حمل إليه سبعة أثواب.

فقال القاسم: علي سلامة من ديني؟

قال: في سلامة من دينك.

فضحك، وقال: ما أؤمل بعد هذا العمر؟!

فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر، وحبرة يمانية حمراء، وعمامة، وثوبين ومنديلاً، فأخذه القاسم، و(كان) عنده قميص خلعه عليه علي النقي عليه السلام(3).

وكان للقاسم صديق في أمور الدنيا، شديد النصب يقال له: عبد الرحمن بن محمّد الشيزي(4) وافي إلي الدار، فقال القاسم: اقرؤا الكتاب عليه، فإنّي أحبّ هدايته.).

ص: 435


1- من فرج الهموم.
2- في (م)، و(الغيبة للطوسي): (بنكاية).
3- في (الغيبة للطوسي) و(فرج المهموم): (مولانا الرضا أبو الحسن).
4- في (الغيبة للطوسي): (البدري)؛ في (فرج المهموم): (السري). وما في المتن من النسخ وتاريخ بغداد 12: 320 حيث ذكره في ترجمة القاضي عتبة قائلاً: (وكان صديقه).

قالوا: هذا لا يحتمله خلق من الشيعة، فكيف عبد الرحمن؟!

فأخرج إليه القاسم الكتاب وقال: اقرأه، فقرأه عبد الرحمن إلي موضع النعي، فقال للقاسم: يا أبا عبد الله(1) اتق الله، فإنَّك رجل فاضل في دينك، والله يقول: (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)(2)، وقال: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً)(3).

قال القاسم: فأتمّ الآية (إِلاَّ مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُولٍ)(4) مولاي هو المرضي من الرسول.

ثمّ قال: أعلم أنَّك تقول هذا، ولكن أرّخ اليوم فإن أنا متُّ بعد هذا اليوم، أو متُّ قبله، فاعلم أنّي لست علي شيء، وإن أنا متُّ في ذلك اليوم فانظر لنفسك.

فورَّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا، وحمَّ القاسم يوم السابع، واشتدَّت العلّة به إلي مدّة، ونحن مجتمعون يوماً عنده، إذ مسح بكمّه عينه، وخرج من عينه شبه ماء اللحم، ثمّ مدَّ بطرفه إلي ابنه، فقال: يا حسن إليَّ، ويا فلان إليَّ.

فنظرنا إلي الحدقين صحيحتين، وشاع الخبر في الناس فانتابه(5) الناس، من العامّة ينظرون إليه.ه.

ص: 436


1- كذا في (م)، وفي سائر النسخ والمصادر: (أبا محمّد) فلعلَّه كان يكنّي بهما، وإن لم يصرّح بكنيته في كتب الرجال، ولكن في المورد الآتي: (أبا محمّد) باتّفاق النسخ والمصادر. راجع: معجم رجال الحديث 14: 35.
2- لقمان: 34.
3- الجن: 26.
4- الجن: 27.
5- انتابه الناس: قصدوه.

وركب القاضي إليه - وهو: أبو السائب عتبة بن عبيد الله المسعودي(1) وهو قاضي القضاة ببغداد - فدخل عليه وقال له: يا أبا محمّد ما هذا الذي بيدي؟

وأراه خاتماً فصّه فيروزج فقرَّبه منه، فقال: عليه ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها وقد قال: لمَّا رأي ابنه الحسن في وسط الدار قاعداً: (اللهم ألهم الحسن طاعتك، وجنّبه معصيتك) قاله ثلاثاً، ثمّ كتب وصيّته بيده.

وكانت الضياع التي بيده لصاحب الأمر عليه السلام كان أبوه وقفها عليه.

وكان فيما أوصي ابنه: (إن أهَّلت إلي الوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة ب- (فرجيده)(2) وسائرها ملك لمولانا عليه السلام.

فلمَّا كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم، فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً، وهو يصيح: (يا سيّداه) فاستعظم الناس ذلك منه فقال لهم: اسكتوا، فقد رأيت ما لم تروا. وتشيَّع، ورجع عمَّا كان (عليه).).

ص: 437


1- هو قاضي القضاة أبو السائب عتبة بن عبيد الله بن موسي بن عبيد الله الهمداني الشافعي، تولّي مهام القضاء في مراغة، ثمّ في ممالك آذربيجان، ثمّ ولي قضاء همدان، ثمّ بغداد توفّي سنة إحدي وخمسين وثلاثمائة. تجد ترجمته في: تاريخ بغداد 12: 320؛ سير أعلام النبلاء 16: 47؛ والعبر 2: 53 و85 . وتقدَّم في أوّل الرواية أنَّ أحداثها جرت في مدينه أران، وذكر أنَّها من توابع آذربيجان.
2- هكذا في (الغيبة للطوسي) و(بحار الأنوار)؛ وفي (م)، (ه-): (فرجيده)، وفي (فرج المهموم): (فرجند).

فلمَّا كان بعده مدّة يسيرة ورد كتاب علي الحسن ابنه من صاحب المنزل (يقول فيه:) (ألهمك الله طاعته، وجنَّبك معصيته، وهو الدعاء الذي دعا لك به أبوك(1))(2).

* ومنها: ما روي عن ابن أبي سورة، عن أبيه - وكان أبوه من مشايخ الزيديّة بالكوفة -، قال: كنت خرجت إلي قبر الحسين عليه السلام أعرف عنده، فلمَّا كان وقت العشاء الآخرة صلَّيت، وقمت فابتدأت أقرأ الحمد، وإذا شاب حسن الوجه عليه جبّة سيفية(3) فابتدأ أيضاً قبلي، وختم قبلي. فلمَّا كان الغداة خرجنا جميعاً من باب الحائر، فلمَّا صرنا إلي شاطئ الفرات قال لي الشاب: (أنت تريد الكوفة، فامض).

فمضيت في طريق الفرات، وأخذ الشاب طريق البرّ.

قال أبو سورة: ثمّ أسفت علي فراقه، فأتبعه، فقال لي: (تعال)، فجئنا جميعاً إلي أصل حصن المسناة، فنمنا جميعاً، وانتبهنا، وإذا نحن علي الغري علي جبل الخندق فقال لي: (أنت مضيق، ولك(4) عيال،).

ص: 438


1- في (ه-)، (ط): (دعا به أبوه)، وكذا في المصادر الأخري.
2- عنه كتاب فرج المهموم: 249 وفي أوّله: (ما رويناه عن الشيخ المفيد ونقلناه عن نسخة عتيقة جدّاً من أصول أصحابنا قد كتبت في زمان الوكلاء، فقال فيها ما هذا لفظه...)؛ ومنتخب الأنوار المضيئة: 130؛ ورواه الطوسي في الغيبة: 188 بإسناده عن المفيد والغضائري، عن محمّد بن أحمد الصفواني؛ عنه بحار الأنوار 51: 313/ ح 37؛ وإثبات الهداة 7: 337/ ح 106؛ وأورده في ثاقب المناقب: 513 (مخطوط) عن أبي عبد الله الصفواني؛ وأخرجه في مدينة المعاجز: 612/ ح 89 عن المفيد.
3- لعلَّها المصنوعة من الثياب المسيفة، وهي التي نقش عليها صور كهيأة السيوف، أو نسبة إلي بعض القبائل والبلدان كالحله السيفية.
4- في (م): (وعليك).

فامض إلي أبي طاهر الزراري، فسيخرج إليك من داره، وفي يده الدم من الأضحية، فقل له: شاب من صفته كذا وكذا يقول لك: أعط هذا الرجل صرّة الدنانير التي عند رجل السرير مدفونة).

قال: فلمَّا دخلت الكوفة مضيت إليه، وقلت ما ذكر لي الشاب.

فقال: سمعاً وطاعة، وعلي يده دم الأضحية.

* وعن جماعة، عن أبي ذر أحمد بن أبي سورة، وهو محمّد بن الحسن بن عبيد الله التميمي (نحو ذلك)، وزادوا: قال: ومشينا ليلتنا فإذا نحن علي مقابر مسجد السهلة، فقال: (هو ذا منزلي)، ثمّ قال لي: (تمرّ أنت إلي ابن الزراري علي بن يحيي فتقول له يعطيك المال بعلامة أنَّه كذا وكذا، وفي موضع كذا ومغطّي بكذا).

فقلت: من أنت؟

قال: (أنا محمّد بن الحسن).

ثمّ مشينا حتَّي انتهينا إلي النواويس في السحر، فجلس وحفر بيده، فإذا الماء قد خرج، وتوضّأ ثمّ صلّي ثلاث عشرة ركعة، فمضيت(1) إلي الزراري، فدققت الباب.

فقال: من أنت؟

فقلت: أبو سورة.

فسمعته يقول: ما لي ولأبي سورة؟!

فلمَّا خرج وقصصت عليه (القصَّة) صافحني وقبَّل وجهي، ووضع (يده) بيدي، ومسح بها وجهه، ثمّ أدخلني الدار وأخرج الصرّة من عند رجل السرير فدفعها إليَّ، فاستبصر أبو سورة وبرئ من الزيديّة.).

ص: 439


1- في (م): (خرجت).

* ومنها: ما روي عن محمّد بن هارون الهمداني، قال: كان للناحية عليَّ خمسمائة دينار، فضقت بها ذرعاً، ثمّ قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار وثلاثين دينار قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار، ولا والله ما نطقت بذلك. فكتب عليه السلام إلي محمّد بن جعفر: (اقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عليه).

* ومنها: ما روي عن أبي الحسن المسترق الضرير: كنت يوماً في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان، ناصر الدولة، فتذاكرنا أمر الناحية، قال: كنت أزري(1) عليها، إلي أن حضرت مجلس عمّي الحسين(2) يوماً، فأخذت أتكلَّم في ذلك.

فقال: يا ابني قد كنت أقول بمقالتك هذه إلي أن ندبت لولاية قم حين استصعبت علي السلطان(3)، وكان كلّ من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها، فسلم إلي جيش وخرجت نحوها.ة.

ص: 440


1- أي أعيب.
2- هو الحسين بن حمدان بن حمدون التغلّبي العدوي عمّ سيف الدولة وناصر الدولة، كان أميراً شجاعاً مهيباً فارساً فاتكاً وكان خلفاء بني العبّاس يعدونه لكلّ مهم، ولاّه المقتدر الحرب بقم وكاشان في سنة ستّ وتسعين ومائتين، ثمّ إنَّه ذبح صبراً في حبس المقتدر أمره في سنة ستّ وثلاثمائة. تجد ترجمته وشرح أحواله في: أعيان الشيعة 5: 491؛ والعبر 1: 431 و435 و444 و451.
3- السلطان هنا هو المقتدر العبّاسي حيث هو الذي ولاّه حرب أهل قم وكاشان. راجع التعليقة السابقة.

فلمَّا بلغت إلي ناحية طزر(1) خرجت إلي الصيد ففاتتني طريدة، فاتَّبعتها، وأوغلت في أثرها، حتَّي بلغت إلي نهر، فسرت فيه، وكلَّما أسير يتَّسع النهر، فبينما أنا كذلك إذ طلع عليَّ فارس تحته شهباء، وهو متعمّم بعمامة خزّ خضراء، لا أري منه إلاَّ عينيه، وفي رجليه خفّان أحمران، فقال لي: (يا حسين).

فلا هو أمَّرني ولا كنّاني، فقلت: ماذا تريد؟

قال: (لِمَ تزري علي الناحية؟ ولِمَ تمنع أصحابي خمس مالك؟).

وكنت الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئاً فأرعدت (منه) وتهيبته، وقلت له: أفعل يا سيّدي ما تأمر به.

فقال: (إذا مضيت إلي الموضع الذي أنت متوجّه إليه، فدخلته عفواً وكسبت ما كسبته، تحمل خمسه إلي مستحقّه).

فقلت: السمع والطاعة.

فقال: (امض راشداً).

ولوي عنان دابته وانصرف فلم أدرِ أيّ طريق سلك، وطلبته يميناًه.

ص: 441


1- كذا في (م). قال الحموي في معجم البلدان 4: 34: طزر: مدينة في مرج القلعة بينها وبين سابلة خراسان مرحلة، وهي في صحراء واسعة. وقال في 5: 101: مرج القلعة: بينه وبين حلوان منزل، وهو من حلوان إلي جهة همذان. وفي (ه-) و(البحار): (طرز) بالزاي المعجمة في آخرها، قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط 2: 180: طرز: الموضع الذي تنسب فيه الثياب الجيّدة، ومحلّة بمرو، وبأصفهان وبلد قرب اسبيجاب. ولكن الحموي ضبطها في معجم البلدان 4: 27: طراز. واختلف في موقع اسبيجاب أين هي، حيث ذكر الحموي أنَّها من ثغور الترك. ولم يحدّد موقعها الجغرافي، وقال ابن خلّكان في وفيات الأعيان 4: 308: هي مدينة من أقصي بلاد السرق، وأظنّها من إقليم الصين أو قريبة منه.

وشمالاً فخفي عليَّ أمره، وازددت رعباً وانكفأت(1) راجعاً إلي عسكري وتناسيت الحديث.

فلمَّا بلغت قم وعندي أنّي أريد محاربة القوم، خرج إليَّ أهلها وقالوا: كنّا نحارب من يجيئنا بخلافهم لنا فأمَّا إذا (2) وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك اُدخل البلدة فدبّرها كما تري.

فأقمت فيها زماناً، وكسبت أموالاً زائدة علي ما كنت أقدّر، ثمّ وشي القوّاد بي إلي السلطان، وحسدت علي طول مقامي، وكثرة ما اكتسبت، فعزلت ورجعت إلي بغداد، فابتدأت بدار السلطان وسلَّمت عليه، وأتيت(3) إلي منزلي، وجاءني فيمن جاءني محمّد بن عثمان العمري(4) فتخطّي الناس حتَّي اتَّكأ علي تكأتي، فاغتظت من ذلك، ولم يزل قاعداً ما يبرح، والناس داخلون وخارجون، وأنا أزداد غيظاً. فلمَّا تصرَّم(5) (الناس، وخلا) المجلس، دنا إليَّ وقال: بيني وبينك سرّ فاسمعه.

فقلت: قل.

فقال: صاحب الشهباء والنهر يقول: (قد وفينا بما وعدنا)، فذكرت الحديث وارتعت(6) من ذلك، وقلت: السمع والطاعة.ت.

ص: 442


1- في (بحار الأنوار): (انكففت)، وكلاهما بمعني انصرف ورجع.
2- في (م): (لخلافهم، فأوما وقد).
3- في (م): (وأقبلت) بدل (عليه وأتيت).
4- وهو رضوان الله عليه كان وكيلاً للإمام صاحب الزمان في زمن الغيبة الصغري، وله منزلة جليلة عند الطائفته.
5- أي ذهب.
6- أي فزعت.

فقمت فأخذت بيده، ففتحت الخزائن، فلم يزل يخمّسها، إلي أن خمَّس شيئاً كنت قد أنسيته ممَّا كنت جمعته، وانصرف، ولم أشكّ بعد ذلك، وتحقَّقت الأمر، فأنا منذ سمعت هذا من عمّي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شكّ(1).

* ومنها: ما روي عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، قال: فلمَّا وصلت بغداد في سنة تسع(2) وثلاثين (وثلاثمائة) للحجّ - وهي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلي مكانه من البيت - كان أكبر همّي الظفر بمن ينصب الحجر؛ لأنَّه يمضي في اثناء الكتب قصَّة أخذه وأنَّه ينصبه في مكانه الحجّة في الزمان، كما في زمان الحجّاج وضعه زين العابدين عليه السلام في مكانه فاستقر.

فاعتللت علّة صعبة خفت منها علي نفسي، ولم يتهيّأ لي ما قصدت له، فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعة مختومة، أسأل فيها عن مدّة عمري، وهل تكون المنية(3) في هذه العلّة، أم لا؟ وقلت: همّي إيصال هذه الرقعة إلي واضع الحجر في مكانه، وأخذ جوابه، وإنَّما أندبك لهذا.).

ص: 443


1- عنه كشف الغمّة 2: 500؛ ومنتخب الأنوار المضيئة: 161؛ وبحار الأنوار 52: 56/ ح 40؛ ووسائل الشيعة 7: 377/ ح 8؛ وإثبات الهداة 7: 345/ ح 118؛ ومدينة المعاجز: 613/ ح 92.
2- في سائر النسخ وبحار الأنوار: (سبع). ولكن اتَّفقت كتب التاريخ أنَّ القرامطة ردّوا الحجر الأسود في سنة تسع وثلاثين، بعد أن اغتصبوه في سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وكان مكثه عندهم اثنتين وعشرين سنة. راجع: الكامل في التاريخ 8 : 486؛ النجوم الزاهرة 3: 301؛ العبر 2: 56؛ البداية والنهاية 11: 223، وغيرها. ونشأ هذا التصحيف لتقارب كلمتي (سبع) و(تسع) في الرسم.
3- في (م): (الميتة)، في (ه-)، (بحار الأنوار): (الموتة).

قال: فقال المعروف بابن هشام: لمَّا حصلت بمكّة وعزم علي إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكَّنت معها من الكون بحيث أري واضع الحجر في مكانه، وأقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام الناس، فكلَّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنَّه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات، وانصرف خارجاً من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عنّي يميناً وشمالاً، حتَّي ظنَّ بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه، حتَّي انقطع عن الناس، فكنت أسرع السير خلفه، وهو يمشي علي تؤدة(1) ولا أدركه.

فلمَّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إليَّ فقال: (هات ما معك).

فناولته الرقعة، فقال من غير أن ينظر فيها: (قل له: لا خوف عليك في هذه العلّة، ويكون ما لا بدَّ منه بعد ثلاثين سنة)(2).

قال: فوقع عليَّ الزمع(3) حتَّي لم أطق حراكاً، وتركني وانصرف.

قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة. فلمَّا كان سنة تسع(4) وستّين اعتلَّ أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره، وتحصيل جهازه إلي قبره، وكتب وصيّته، واستعمل الجد في ذلك.ة.

ص: 444


1- أي ترزن وتأنّي وتمهّل.
2- أي في سنة (369ه-) كما أرَّخها العلاّمة الحلّي، حيث تقدَّم إثبات تاريخ ردّ الحجر الأسود إلي مكانه سنة (339ه-)، راجع التعليقات السابقة.
3- زمع: دهش، وخاف، وارتعد. وقيل: الزمع: من إذا خاف أو غضب سبقه دمعه. وفي بحار الأنوار: (الدمع).
4- في سائر النسخ، وكشف الغمّة، وبحار الأنوار: (سبع)، راجع التعليقات السابقة.

فقيل له: ما هذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضَّل الله تعالي بالسلامة، فما عليك مخوفة.

فقال: هذه السنة التي خوفت فيها، فمات في علَّته(1).

* ومنها: ما روي عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عيسي بن صبيح(2)، قال: دخل الحسن العسكري عليه السلام علينا الحبس، وكنت به عارفاً، فقال لي: (لك خمس وستّون سنة، وشهر، ويومان).

وكان معي كتاب دعاء عليه تاريخ مولدي، وإنّي نظرت فيه فكان كما قال.

وقال: (هل رزقت ولداً؟).

قلت: لا.

فقال: (اللهم ارزقه ولداً يكون له عضداً، فنعم العضد الولد).

ثمّ تمثَّل عليه السلام:

من كان ذا عضد يدرك ظلامته

إنَّ الذليل الذي ليست له عضد(3)

قلت: ألك ولد؟

قال: (إي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً (وعدلاً) فأمَّا الآن فلا)، ثمّ تمثَّل:6.

ص: 445


1- عنه كشف الغمّة 2: 502؛ وبحار الأنوار 52: 58/ ح 41، و99: 226/ ح 26؛ وإثبات الهداة 7: 346/ ح 119؛ ومدينة المعاجز: 614/ ح 93.
2- في (م): (سيح)، في (كشف الغمّة): (شج)، في (نور الأبصار) و(الفصول المهمّة): (الفتح).
3- نسب ابن قتيبة هذا البيت في عيون الأخبار 3: 5 إلي عمرو بن حبيب الثقفي، وأضاف إليه: تنبو يداه إذا ما قلَّ ناصره ويأنف الضيم إن أثري له عدد (تنبو أي تضعف)، وأوردهما ابن عبد ربّه في العقد الفريد 2: 246.

لعلَّك يوماً أن تراني كأنَّما * بني حوالي الأسود اللوابد(1)

فإنَّ تميما (2) قبل أن يلد الحصي(3) * أقام زماناً وهو في الناس واحد(4)

* ومنها: ما روي عن أبي غالب الزراري: تزوَّجت بالكوفة امرأة من قوم يقال لهم: (بنو هلال)(5) خزّازون(6) وحصلت لها منزلة من قلبي فجري بيننا كلام اقتضي خروجها عن بيتي غضباً، ورمت ردّها، فامتنعت عليَّ؛ لأنَّها كانت في(7) أهلها في(8) عزّ وعشيرة، فضاق لذلك صدري، وتجهَّزت(9) إلي السفر، فخرجت إلي بغداد أنا وشيخ من أهلها، فقدمناهاه.

ص: 446


1- اللابد: الأسد، جمعها: اللوابد. (القاموس المحيط 1: 335/ مادة لبد).
2- المراد بتميم هنا هو تميم بن مر بن أد، وحيث تنسب إليه واحدة من أكبر القبائل العربية، قال ابن حزم الأندلسي في جمهرة أنساب العرب: 207: بنو تميم بن مرّ بن أدهم قاعدة من أكبر قواعد العرب.
3- الحصي: العدد الكثير، تشبيهاً بالحصي من الحجارة في الكثير، قال الأعشي: ولست بالأكثر منهم حصي وإنَّما العزّة للكاثر ويقال: نحن أكثر منهم حصي. أي عدداً. (لسان العرب 14: 183/ مادة حصي).
4- عنه بحار الأنوار 50: 275/ ح 48، و51: 162/ ح 15؛ ووسائل الشيعة 15: 99/ ح 2؛ وإثبات الهداة 6: 324/ ح 78؛ ومدينة المعاجز: 575/ ح 92؛ وأورده في الفصول المهمّة: 270؛ ونور الأبصار: 184 عن علي بن إبراهيم؛ عنهما إحقاق الحقّ 12: 468؛ وأخرجه في إحقاق الحقّ 13: 369 في الفصول المهمّة.
5- في (م): (هلالي).
6- خزّازون: جمع خزّاز، وهو بائع الخزّ وصانعه. والخزّ من الثياب: ما ينسج من صوف وأبريسم، وما ينسج من أبريسم خالص.
7- في (ه-)، (ط): (من).
8- في (ه-)، (ط): (من موضع).
9- في (ه-)، (م): (وتروَّحت). تروَّح: سار في العشي، أو عمل فيه.

وقضينا الحقّ في واجب(1) الزيارة وتوجَّهنا إلي دار الشيخ أبي القاسم بن روح وكان مستتراً من السلطان، فدخلنا وسلَّمنا.

فقال: إن كان(2) لك حاجة فاذكر اسمك هاهنا.

وطرح إليَّ مدرجة(3) كانت بين يديه، فكتبت فيها اسمي، واسم أبي، وجلسنا قليلاً، ثمّ ودَّعناه، وخرجت إلي سُرَّ من رأي للزيارة وزرنا وعدنا، وأتينا دار الشيخ، فأخرج المدرجة التي كنت كتبت فيها اسمي وجعل يطويها علي أشياء كانت مكتوبة فيها (إلي) أن انتهي إلي موضع اسمي، فناولنيه، فإذا تحته مكتوب - بقلم دقيق -: (أمَّا الزراري في حال الزوج أو الزوجة فسيصلح الله - أو: فأصلح الله - بينهما).

وكنت عندما كتبت اسمي أردت (أن أسأله) الدعاء لي بصلاح الحال مع الزوجة، ولم أذكره، بل كتبت اسمي وحده، (فجاء الجواب كما كان في خاطري، من غير أن أذكره ثمّ ودَّعنا الشيخ(4)) وخرجنا من بغداد حتَّي قدمنا الكوفة، فيوم قدومي أو من غده، أتاني إخوة المرأة، فسلَّموا عليَّ واعتذروا إليَّ ممَّا كان بيني وبينهم من الخلاف والكلام، وعادت الزوجة علي أحسن الوجوه إلي بيتي، ولم يجر بيني وبينها خلاف ولا كلام مدّة صحبتي (لها) ولم تخرج من منزلي بعد ذلك إلاَّ بإذني حتَّي ماتت(5).4.

ص: 447


1- في (ه-)، (ط): (واجب الحقّ من).
2- في (ه-): (يك).
3- المدرجة: الورقة التي تكتب فيها الرسالة، أو يدرج فيها الكتاب.
4- في (م): (فودَّعناه).
5- عنه مدينة المعاجز: 614/ ح 94.

* ومنها: أنَّ أبا محمّد الدعلجي(1) كان له ولدان، وكان من خيار أصحابنا وكان قد سمع الأحاديث، وكان أحد ولديه علي الطريقة المستقيمة، وهو أبو الحسن كان يغسّل الأموات، وولد آخر يسلك مسالك الأحداث في فعل الحرام، ودفع إلي أبي محمّد حجّة يحجّ بها عن صاحب الزمان عليه السلام، وكان ذلك عادة الشيعة وقتئذٍ، فدفع شيئاً منها إلي ابنه المذكور بالفساد، وخرج إلي الحجّ.

فلمَّا عاد حكي أنَّه كان واقفاً بالموقف، فرأي إلي جانبه شابّاً حسن الوجه، أسمر اللون، بذؤابتين، مقبلاً علي شأنه في الدعاء والابتهال والتضرّع، وحسن العمل، فلمَّا قرب نفر الناس التفت إليَّ وقال: (يا شيخ ما تستحي؟!).

قلت: من أيّ شيء يا سيّدي؟!

قال: (يدفع إليك حجّة عمَّن تعلم، فتدفع منها إلي فاسق يشرب الخمر، يوشك أن تذهب عينك هذه)، وأومأ إلي عيني، وأنا من ذلك إلي الآن علي وجل ومخافة.

وسمع(2) أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان(3) ذلك، وقال: فما مضي عليه أربعون يوماً بعد مورده حتَّي خرج في عينه التي أومأ إليها قرحة، فذهبت(4).4.

ص: 448


1- في (م): (الدعجلي)، والظاهر - بحسب الطبقة - أنَّه هو: (عبد الله بن محمّد بن عبد الله، أبو محمّد الحذاء الدعلجي، منسوب إلي موضع خلف باب الكوفة ببغداد، يقال له: الدعالجة، كان فقيهاً عارفاً، وعليه تعلَّمت المواريث، له كتاب الحجّ) قاله النجاشي في رجاله: 230.
2- في (ه-)، (د): (سمع منه).
3- هو الشيخ المفيد رضوان الله عليه.
4- عنه وسائل الشيعة 8 : 147/ ح 2؛ وإثبات الهداة 7: 346/ ح 120؛ وبحار الأنوار 52: 59/ ح 42؛ ومدينة المعاجز: 614/ ح 95؛ ومستدرك الوسائل 8 : 70/ باب 11/ ح 4.

* ومنها: ما روي عن سعد بن عبد الله الأشعري، قال: ناظرني مخالف فقال: أسلم أبو بكر وعمر طوعاً أو كرهاً؟

ففكَّرت في ذلك وقلت: إن قلت: كرها، فقد كذبت، إذ لم يكن حينئذٍ سيف مسلول، وإن قلت: طوعاً، فالمؤمن لا يكفر (بعد إيمانه) فدفعته عنّي دفعاً بالراح لطيفاً وخرجت من ساعتي إلي دار أحمد بن إسحاق(1) أسأله عن ذلك.

فقيل لي: إنَّه خرج إلي سُرَّ من رأي اليوم.

فانصرفت إلي بيتي وركبت دابتي، وخرجت خلفه حتَّي وصلت إليه في المنزل، فسألني عن حالي، فقلت: أجيء إلي حضرة أبي محمّد عليه السلام فعندي أربعون مسألة قد أشكلت عليَّ. فقال: خير صاحب ورفيق.

فمضينا حتَّي دخلنا سُرَّ من رأي، وأخذنا بيتين في خان، وسكن كلّ واحد (منّا) في واحد(2) وخرجنا إلي الحمّام، واغتسلنا غسل الزيارة والتوبة.

فلمَّا رجعنا أخذ أحمد بن إسحاق جراباً ولفَّه بكساء طبري، وجعله علي كتفه ومشينا، وكنّا نسبّح الله ونهلّله ونكبّره ونستغفره ونصلّي علي محمّد وآله إلي أن وصلنا إلي باب الدار فاستأذن أحمد بن إسحاق، فأذن (له)(3) بالدخول.ر.

ص: 449


1- هو أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري، كبير القدر، وكان من خواصّ أبي محمّد عليه السلام، ورأي صاحب الزمان عليه السلام، وهو شيخ القميين ووافدهم. تجد ترجمته في رجال النجاشي: 91؛ فهرست الطوسي: 26؛ معجم رجال الحديث 2: 44، وغيرها.
2- مسكن (خ ل).
3- ما بين المعقوفتين ليست في المصدر.

فلمَّا دخلنا وإذا أبو محمّد عليه السلام علي طرف الصفة(1) قاعد، وكان علي يمينه غلام قائم كفلقة قمر، فأحسن الجواب، وأكرمنا، وأقعدنا، فوضع أحمد الجراب بين يديه، وكان أبو محمّد عليه السلام ينظر في درج طويل في الاستفتاء، ورد عليه من ولاية، فجعل يقرأ ويكتب تحت كلّ مسأله التوقيع، فالتفت إلي الغلام وقال: (هذه هدايا موالينا)، وأشار إلي الجراب.

فقال الغلام: (هذا لا يصلح لنا؛ لأنَّ الحلال مختلط بالحرام فيه).

فقال أبو محمّد عليه السلام: (أنت صاحب الإلهام، أفرق بين الحلال والحرام).

ففتح أحمد الجراب فأخرج صرّة فنظر إليها الغلام وقال: (هذا بعثه فلان بن فلان من محلّة كذا، وكان باع حنطة خاف علي الزرّاع في مقاسمتها، وهي كذا ديناراً، وفي وسطها خطّ مكتوب عليه كمّيته، وفيها صحاح ثلاث: إحداها آملي، والأخري ليس عليها سكّة، والأخري فلاني أخذها (2) من نسّاج غرامة من غزل سرق من عنده)، ثمّ أخرج صرّة فصرة فجعل يتكلَّم علي كلّ واحدة بقريب من ذلك، ثمّ قال: (أشدد الجراب علي الصرر حتَّي توصلها عند وصولك إلي أصحابها (3) هات الثوب الذي بعثت العجوز الصالحة)، وكانت امرأة بقم غزلته بيدها ونسجته. فخرج أحمد ليجيء بالثوب.

فقال لي أبو محمّد عليه السلام: (ما فعلت مسائلك(4) الأربعون؟ سل الغلام (عنها) يجبك).).

ص: 450


1- الصفة: البهو الواسع العالي السقف.
2- في (ه-)، (بحار الأنوار): (من فلان أخذت).
3- في (م): (توصي بالوصول إلي أربابها).
4- في (ه-)، (بحار الأنوار): (أين مسائلك).

فقال لي الغلام - ابتداءً -: (هلاَّ قلت للسائل: ما أسلما طوعاً، ولا كرهاً، وإنَّما أسلما طمعاً، فقد كانا يسمعان من أهل الكتاب منهم من يقول: هو نبيّ يملك المشرق والمغرب، وتبقي نبوّته إلي يوم القيامة، ومنهم من يقول: يملك الدنيا كلّها ملكاً عظيماً، وينقاد له أهل الأرض، فدخلا كلاهما في الإسلام طمعاً في أن يجعل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم كلّ واحد منهما والي ولاية، فلمَّا أيسا من ذلك دبّرا مع جماعة في قتل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة فكمنوا له، وجاء جبرئيل عليه السلام وأخبر محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم بذلك، فوقف علي العقبة وقال: يا فلان، يا فلان، يا فلان، أخرجوا، فإنّي لا أمر حتَّي أراكم كلّكم قد خرجتم وقد سمع ذلك حذيفة.

ومثلهما طلحة والزبير فهما بايعا علياً عليه السلام بعد قتل عثمان طمعاً في أن يجعلهما كليهما علي بن أبي طالب عليه السلام والياً علي ولاية، لا طوعاً، ولا رغبةً، ولا إكراهاً ولا إجباراً، فلمَّا أيسا من ذلك من علي عليه السلام نكثا العهد، وخرجا (عليه) وفعلا ما فعلا).

وأجاب عن مسائلي الأربعين، قال: ولمَّا أردنا الانصراف قال أبو محمّد عليه السلام لأحمد بن إسحاق: (إنَّك تموت السنة)، فطلب منه الكفن.

قال: (يصل إليك عند الحاجة).

قال سعد بن عبد الله: فخرجنا حتَّي وصلنا حلوان(1) حمَّ أحمد بن إسحاق، ومات في الليل بحلوان، فجاء رجلان من عند أبي محمّد عليه السلام(2) ومعهما أكفانهم.

ص: 451


1- حلوان - بالضمّ ثمّ السكون - في عدّة مواضع: منها حلوان العراق، وهي في آخر حدود السواد ممَّا يلي الجبال من بغداد. (معجم البلدان 2: 290).
2- روي الكشي في رجاله: 556 و557 ما يفيد أنَّ أحمد بن إسحاق عاش بعد وفاة أبي محمّد عليه السلام.

فغسّلاه وكفّناه، وصلّينا عليه، قال: وقد كنّا عنده من أوّل الليل، فلمَّا مضي وهن(1) منه قال لي: انصرف إلي البيت فإنّي ساكن، فمضيت، ونمت، فلمَّا كان قرب(2) السحر أتي الرجلان إلي باب بيتي وقالا: آجرك الله في أحمد بن إسحاق فقد غسَّلناه وكفَّناه وصلّينا عليه، فقمت ورأيته مفروغاً في الأكفان، فدفناه من الغد بحلوان رحمة الله عليه.

* * *

الجزء الثاني: فصل: في أعلام الإمام وارث الأنبياء...

الجزء الثاني: فصل: في أعلام الإمام وارث الأنبياء والأوصياء، حجّة الله علي خلقه، صاحب المرأي والمسمع (م ح م د) بن الحسن المهدي عليه من الصلوات أفضلها ومن التحيّات أكملها صاحب الزمان عليه السلام(3):

* عن أبي سعيد الخراساني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام، (قال): (إذا قام القائم بمكّة وأراد أن يتوجَّه إلي الكوفة، نادي منادٍ(4): (ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً).

ويحمل معه حجر موسي بن عمران عليه السلام الذي انبجست(5) منه اثنتا عشرة عيناً فلا ينزل منزلاً إلاَّ نصبه، فانبعثت(6) منه العيون، فمن كان

ص: 452


1- الوهن: نحو من منتصف الليل أو بعد ساعة منه. (القاموس المحيط 4: 276/ مادة وهن).
2- في (ه-)، (بحار الأنوار): (وقت).
3- الخرائج والجرائح 2: 690 - 705/ ح 1 - 21.
4- في (بحار الأنوار): (مناديه).
5- أي انفجرت، ومنه قوله تعالي: (فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْناً) (الأعراف: 160).
6- (ط)، (ه-)، (بحار الأنوار): (فانبجست).

جائعاً شبع، ومن كان ظمآناً روي(1)، فيكون زادهم حتَّي ينزلوا النجف من ظاهر الكوفة، فإذا نزلوا ظاهرها انبعث منه الماء واللبن دائماً، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان عطشاناً روي)(2).

* ومنها: ما روي أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام: قلت له: إنّي أريد أن أمسّ صدرك.

قال: (افعل). فدنوت منه ومسست صدره ومنكبيه. فقال: (ما تريد بهذا؟).

قلت: إنّي سمعت أباك يقول: (إنَّ القائم منّا واسع الصدر، مشرف المنكبين(3) عريض ما بينهما).

قال: (إنَّ أبي لبس درع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فكان يرفع ذيلها، ولبستها، فكان كذلك وهي علي صاحب هذا الأمر مشمرة(4) كما كانت علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم)(5).

* ومنها: ما روي عن أبي القاسم بن أبي حليس(6)، قال: كتبت في إنفاذ خمسين ديناراً لقوم مؤمنين، منها: عشرة دنانير لابنة(7) عمّ لي، لمة.

ص: 453


1- في (ط)، (ه-): (عطشاناً فأروي).
2- عنه بحار الأنوار 52: 325؛ ورواه في بصائر الدرجات: 188/ ح 53؛ وفي الكافي 1: 231/ ح 3 بإسنادهما إلي أبي سعيد الخراساني؛ ورواه الصدوق في كمال الدين: 670/ ح 17 بإسناده إلي أبي الجارود؛ ورواه في منتخب الأنوار المضيئة: 199 بإسناده إلي الصدوق.
3- أي عالي المنكبين.
4- أي مرفوعة.
5- عنه بحار الأنوار 52: 319/ ح 20؛ وعن بصائر الدرجات: 188/ ح 55 بإسناده إلي أبي بصير؛ وأخرجه في إثبات الهداة 7: 42/ ح 393؛ وحلية الأبرار 2: 577 عن بصائر الدرجات.
6- في (م): (حبيس)، وكذا في حديث التالي. وقد تقدَّمت ترجمته.
7- لابن (البحار)، وكذا في الموضع التالي، والضمائر مذكرة.

تكن من الإيمان علي شيء فجعلت اسمها آخر الرقعة والفصول، ألتمس بذلك الدلالة في ترك الدعاء لها، فخرج في فصول المؤمنين: (تقبل (الله) منهم وأحسن إليهم وأثابك) ولم يدع لابنة عمّي بشيء(1).

* ومنها: ما قال ابن أبي حليس أيضاً: وأنفذت أيضاً دنانير لقوم مؤمنين وأعطاني رجل يقال له: (محمّد بن سعيد) دنانير، فأنفذتها باسم أبيه متعمّداً، و لم يكن من دين الله علي شيء، فخرج الوصول باسم من غيَّرت اسمه (محمّد)(2).

* ومنها: ما قال أيضاً: وحملت في هذه السنة - التي ظهرت لي فيها الدلالة - ألف دينار، بعث بها أبو جعفر ومعي أبو الحسين محمّد بن محمّد بن خلف، وإسحاق بن الجنيد، فحمل أبو الحسين الخرج إلي الدور، واكترينا ثلاثة أحمرة، فلمَّا بلغنا القاطول(3)، لم نجد حميراً، فقلت لأبي الحسين: احمل الخرج الذي فيه المال واخرج مع القافلة حتَّي أتخلَّف في طلب حمار لإسحاق بن جنيد يركبه.

فاكتريت له حماراً ولحقت بأبي الحسين في الحير(4) بسُرَّ من رأي وأنا أسايره وأقول: احمد الله علي ما أنت (عليه).

فقال: وددت أنَّ هذا العمل دام لي.ه.

ص: 454


1- عنه بحار الأنوار 51: 332؛ وعن كمال الدين: 494 بإسناده عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أبي القاسم؛ وأخرجه في إثبات الهداة 7: 307/ ح 61 و62 عن كمال الدين.
2- المصدر السابق.
3- القاطول: نهر كان في موضع سامراء قبل أن تعمَّر. (معجم البلدان 4: 297).
4- كذا في كمال الدين، والظاهر أنَّه الأنسب، ففي معجم البلدان 2: 328: الحير: اسم قصر كان بسامراء بناه المتوكّل. وفي (م)، (ه-): (الخرجة)، قال عنها الحموي في معجم البلدان 2: 358 نقلاً عن العمراني: اسم ماء. ولم يحدّد موقعه.

فوافيت سُرَّ من رأي وأوصلت ما معنا فأخذه الوكيل بحضرتي ووضعه في منديل وبعث به مع غلام أسود.

فلمَّا كان العصر جاءني برزمة خفيفة، ولمَّا أصبحنا خلا بي أبو القاسم، وتقدَّم أبو الحسين وإسحاق، فقال لي أبو القاسم: الغلام الذي حمل الرزمة، جاءني بهذه الدراهم فقال: ادفعها إلي الرسول الذي حمل الرزيمة، فأخذتها منه.

فلمَّا خرجت من باب الدار قال لي أبو الحسين - من قبل أن أنطق(1) أو يعلم أن معي شيئاً -: لمَّا كنت معك(2) تمنَّيت أن تجيئني منه دراهم أتبرَّك بها وكذلك عام أوّل حيث كنت معك بالعسكر.

فقلت له: خذها قد أتاك بها (3).

* ومنها: ما روي مفضَّل عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (أتدري ما كان قميص يوسف؟).

قلت له: لا.

قال: (إنَّ إبراهيم عليه السلام لمَّا أوقدت له النار، أتاه جبرئيل عليه السلام بثوب من الجنّة فألبسه(4) إيّاه، فلم يضرّه معه حرّ ولا برد، فلمَّا حضر إبراهيم الموت، جعله في تميمة وعلَّقها علي إسحاق عليه السلام، وعلَّقه إسحاق علي يعقوب عليه السلام، فلمَّا ولد يوسف، علَّقه عليه، فكان في عضده حتَّي كان من أمره ما كان.).

ص: 455


1- كذا في كمال الدين وبحار الأنوار، وفي (م): (قبل أن ينطلق).
2- في (م)، (ه-): (لم أكتب معك وكنت).
3- عنه بحار الأنوار 51: 332؛ وعن كمال الدين: 495 بإسناده عن أبيه، عن سعد بن عبد الله عن أبي القاسم؛ وأخرجه في إثبات الهداة 7: 308/ ح 63 عن كمال الدين.
4- فكساه (خ ل).

فلمَّا أخرجه من التميمة يوسف بمصر، وجد يعقوب ريحه، وهو قوله تعالي حاكياً عنه: (إِنِّي لأََجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ)(1) فهو ذلك القميص الذي اُنزل من الجنّة).

قلت: جُعلت فداك فإلي من صار ذلك القميص؟

قال: (إلي أهله، وهو (مع) قائمنا إذا خرج، يجد المؤمنون ريحه شرقاً وغرباً)، ثمّ قال: (كلّ نبيّ ورث علماً أو غيره فقد انتهي إلي محمّد صلي الله عليه وآله وسلم).

* ومنها: ما روي عن إبراهيم الكرخي، حدَّثنا نسيم خادم أبي محمّد عليه السلام: قال لي صاحب الزمان عليه السلام وقد دخلت عليه بعد عشرة أيام من مولده، فعطست عنده.

فقال: (يرحمك الله)، ففزعت.

فقال لي: (ألا أبشرك في العطاس؟).

فقلت: بلي.

قال: (هو أمان من الموت ثلاثة أيّام)(2).

* ومنها: ما روي عن أبي أحمد (بن)(3) راشد، عن بعض إخوانه2.

ص: 456


1- يوسف: 94.
2- عنه كشف الغمّة 2: 500؛ وعنه إثبات الهداة 7: 293/ ح 35 وعن الغيبة للطوسي وكمال الدين؛ ورواه في كمال الدين: 430/ ذح 5، و441/ ح 11 بإسناده من طريقين إلي نسيم؛ عنه وسائل الشيعة 8 : 461/ ح 1؛ وبحار الأنوار 51: 5/ ح 7، و52: 30/ ح 24، و76: 54/ ح 12؛ ورواه الطوسي في الغيبة: 139 بإسناده إلي محمّد بن يعقوب يرفعه إلي نسيم؛ عنه إعلام الوري: 420؛ وبحار الأنوار 61: 5/ ح 8؛ وعنه حلية الأبرار 2: 544 وعن كمال الدين؛ ورواه في الهداية الكبري: 358؛ وفي إثبات الوصيّة: 252 بالإسناد إلي نسيم؛ عنهما مستدرك الوسائل 8 : 383/ ح 1؛ وأورده في الصراط المستقيم 2: 235 عن إبراهيم.
3- كذا في موردين من الكافي، ومعجم رجال الحديث 21: 12.

من أهل المدائن، قال: كنت مع رفيق لي حاجّاً قبل الأيّام، فإذا شاب قاعد وعليه إزار ورداء فقوَّمناهما مائة وخمسين ديناراً، وفي رجله نعل صفراء ما عليها غبار ولا أثر السفر فدنا منه سائل، فتناول من الأرض شيئاً فأعطاه، فأكثر له السائل الدعاء، وقام الشاب وذهب وغاب، فدنونا من السائل فقلنا: ما أعطاك؟

فأرانا حصاة من ذهب، قدَّرناها عشرين ديناراً، فقلت لصاحبي: مولانا معنا ولا نعرفه؟! اذهب بنا في طلبه.

فطلبنا الموقف كلّه فلم نقدر عليه، ثمّ رجعنا فسألنا عنه من كان حوله.

فقالوا: شاب علوي من المدينة يحجّ في كلّ سنة ماشيا (1).

* ومنها: ما روي نصر بن صباح(2) البلخي، عن محمّد بن يوسف الشاشي(3)، قال: خرج باسور(4) علي مقعدي، فأريته الأطبّاء، وأنفقت عليه مالاً، فقالوا: لا نعرف له دواء، فكتبت رقعة علي يدي امرأة تختلف إلي).

ص: 457


1- عنه بحار الأنوار 52: 59/ ح 43؛ ومدينة المعاجز: 616/ ح 99؛ ورواه في الكافي 1: 332/ ح 15 عن علي بن محمّد، عن أبي أحمد؛ عنه مدينة المعاجز: 598/ ح 22؛ ومستدرك الوسائل 3: 241/ ح 6، و8 : 49/ ح 2.
2- في (ه-، (م): (أبي) بدل (نصر بن صباح)، وما في المتن هو الصحيح كما في الكافي والإرشاد ومعجم رجال الحديث 19: 194.
3- في (م): (الشاسي)، في (خ ل): (الشامي)، (الساشي)، وكذا في الحديث الآتي، وأشار لهذه الاختلافات في معجم رجال الحديث 18: 78. والظاهر أنَّ ما في المتن هو الصحيح نسبة إلي الشاش: وهي مدينة وراء نهر سيحون خرج منها جماعة من العلماء. راجع: وفيات الأعيان 4: 201.
4- في الكافي والإرشاد: (ناسور). وكلاهما علّة تحدث في المقعدة. (لسان العرب 4: 59، و5: 205).

الدار، أسأله الدعاء. فوقَّع: (ألبسك الله العافية، وجعلك معنا في الدنيا والآخرة). فما أتت عليَّ جمعة حتَّي عوفيت وصارت مثل راحتي(1).

* ومنها: ما قال محمّد بن يوسف الشاشي: إنَّني لمَّا انصرفت من العراق كان عندنا رجل بمرو يقال له: (محمّد بن الحصين الكاتب) وقد جمع مالاً للغريم(2) فسألني عن أمر الغريم، فأخبرته بما رأيته من الدلائل.

فقال: عندي مال للغريم فأيش تأمرني؟

فقلت: وجّهه إلي حاجز(3).

فقال لي: فوق حاجز أحد؟

فقلت: نعم، الشيخ(4).

فقال: إذا سألني الله عن ذلك أقول: إنَّك أمرتني؟

قلت: نعم.

قال: فخرجت من عنده، فلقيته بعد سنين، فقال: هو ذا أخرج إلي العراق ومعي مال الغريم، واعلمك أنّي وجَّهت بمائتي دينار علي يد العامر بن يعلي الفارسي، وأحمد بن علي الكلثومي، وكتبت إلي الغريم).

ص: 458


1- عنه بحار الأنوار 51: 297/ ح 14 وعن الكافي وعن الإرشاد. ورواه في الكافي 1: 519/ ح 11 عن علي بن محمّد، عن نصر بن صباح؛ عنه إثبات الهداة 7: 276/ ح 10؛ ومدينة المعاجز: 600/ ح 31؛ ورواه المفيد في الإرشاد: 398 عن ابن قولويه، عن الكليني؛ عنه كشف الغمّة 2: 451.
2- قال الشيخ المفيد في الإرشاد: 400: هذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديماً بينها ويكون خطابها عليه السلام للتقيّة.
3- هو حاجز بن يزيد، عدَّه في ربيع الشيعة من وكلاء الحجّة. راجع: معجم رجال الحديث 4: 189؛ ومجمع الرجال 2: 67.
4- في (بحار الأنوار): (العابد).

بذلك، وسألته الدعاء، فخرج الجواب بما وجَّهت، وذكر أنَّه كان له قبلي ألف دينار، وأنّي وجَّهت إليه بمائتي دينار لأنّي شككت، وإنَّ الباقي له عندي، فكان كما وصف، وقال: (إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري).

فقلت: أفكان كما كتب إليك؟

قال: نعم وجَّهت بمائتي دينار لأنّي شككت، فأزال الله عنّي ذلك، فورد موت حاجز بعد يومين أو ثلاثة، فصرت إليه، فأخبرته بموت حاجز، فاغتم.

فقلت: لا تغتم، فإنَّ ذلك دلالة لك في توقيعه إليك، وإعلامه أنَّ المال ألف دينار، والثانية: أمره بمعاملة الأسدي لعلمه بموت حاجز(1).

* ومنها: ما قال محمّد بن الحسين: إنَّ التميمي حدَّثني عن رجل من أهل أسد آباد(2)، قال: صرت إلي العسكر ومعي ثلاثون ديناراً في خرقة، منها دينار شامي فوافيت الباب وإنّي لقاعد، إذ خرج إليَّ جارية أو غلام (الشكّ منّي).

قال: هات ما معك.

قلت: ما معي شيء.

فدخل ثمّ خرج فقال: معك ثلاثون ديناراً في خرقة لونها).

ص: 459


1- عنه بحار الأنوار 51: 294/ ح 5؛ وإثبات الهداة 7: 344؛ ومدينة المعاجز: 616/ ح 100؛ ورواه الشيخ الطوسي في الغيبة: 257 بالإسناد إلي الكليني، بإسناده إلي الشاشي؛ عنه بحار الأنوار 51: 363/ ح 10؛ وإثبات الهداة 7: 343/ ح 114.
2- في (ط)، (بحار الأنوار)، (إثبات الهداة): (استراباد).

أخضر(1)، منها دينار شامي ومعه خاتم كنت تمنَّيته(2)، فأوصلته ما كان معي، وأخذت الخاتم(3).

* ومنها: ما قاله: إنَّ مسروراً الطبّاخ قال: كتبت إلي الحسن بن راشد لضيقة أصابتني، فلم أجده في البيت، فانصرفت، فدخلت مدينة أبي جعفر، فلمَّا صرت في الرحبة، حاذاني رجل لم أرَ وجهه، وقبض علي يدي ودسَّ فيها صرّة بيضاء، فنظرت فإذا عليها كتابة فيها اثنا عشرة ديناراً وعلي الصرّة مكتوب: (مسرور الطبّاخ)(4).

* ومنها: ما روي عن جعفر بن حمدان، عن حسن بن حسين الاسترابادي(5) قال: كنت في الطواف، فشككت فيما بيني وبين نفسي في الطواف، فإذا شاب قد استقبلني، حسن الوجه، قال: (طف أسبوعاً آخر)(6).

* ومنها: ما قال: وحدَّثنا محمّد بن شاذان بالتنعيم(7)، قال: اجتمعت عندي خمسمائة درهم تنقص عشرون درهماً، فأتممتها من عندي، ).

ص: 460


1- في (بحار الأنوار): (خضراء) بدل (لونها أخضر).
2- في (بحار الأنوار): (وخاتم كنت نسيته).
3- عنه بحار الأنوار 51: 294/ ح 6؛ وإثبات الهداة 7: 347/ ح 122؛ ومدينة المعاجز: 616/ ح 101.
4- عنه بحار الأنوار 51: 295/ ح 7؛ وإثبات الهداة 7: 348/ ح 123؛ ومدينة المعاجز: 616/ ح 102.
5- كذا في (ه-) و(وسائل الشيعة) و(إثبات الهداة). وفي (م): (الاستادمي)، وفي (خ ل): (الاستاني).
6- عنه وسائل الشيعة 9: 436/ ح 13؛ وإثبات الهداة 7: 348/ ح 124؛ وبحار الأنوار 52: 60/ ح 44؛ ومدينة المعاجز: 616/ ح 103.
7- موضع علي فرسخين من مكّة، وقيل: أربعة، وسمّي بذلك لأنَّ جبلاً عن يمينه يقال له: (نعيم) منه يحرم المكّيون بالعمرة. (معجم البلدان 2: 49).

وبعثت بها إلي محمّد بن أحمد(1) القمي، ولم أكتب كم لي فيها، فأنفذ إليَّ كتابه: (وصلت خمسمائة درهم لك فيها عشرون درهماً)(2).

* ومنها: ما روي عن أبي سليمان، عن المحمودي، قال: ولينا الدينور(3) مع جعفر بن عبد الغفّار، فجائني الشيخ قبل خروجنا فقال: إذا وردت الري فافعل كذا وكذا.

فلمَّا وافينا الدينور، وردت عليه ولاية الري بعد شهر، فخرجت إلي الري فعملت ما قال لي(4).

* ومنها: ما قال: وحدَّثنا علاّن الكليني(5)، حدَّثنا الأعلم المصري،ا.

ص: 461


1- في (م): (أحمد بن محمّد)، وفيه تقديم وتأخير، وهو محمّد بن أحمد بن جعفر القمي وكيل الإمام الحجّة عليه السلام. مجمع الرجال 5: 127. وفي بعض المصادر: (الأسدي) بدل (محمّد بن أحمد القمي). وهو محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي الكوفي عدَّه الشيخ الطوسي في الغيبة: 257 من وكلاء الحجّة عليه السلام، وراجع: مجمع الرجال 5: 177.
2- عنه بحار الأنوار 51: 295/ ح 8 ، وفي: 325 عنه وعن كمال الدين والإرشاد؛ وفي إثبات الهداة 7: 284/ ح 22 عنه وعن كمال الدين والكافي؛ ورواه الكليني في الكافي 1: 523/ ح 23 بإسناده إلي محمّد بن شاذان؛ عنه الإرشاد: 401؛ والغيبة للطوسي: 258؛ وإعلام الوري: 448؛ ومدينة المعاجز: 602/ ح 43؛ ورواه في كمال الدين: 485/ ح 5، و509/ ح 38؛ وفي دلائل الإمامة: 286 بإسنادهما إلي محمّد بن شاذان؛ وأورده في الصراط المستقيم 2: 247 مرسلاً؛ وأخرجه في منتخب الأنوار المضيئة: 116 عن الشيخ المفيد.
3- مدينة من أعمال الجبل، بينها وبين همذان نيف وعشرون فرسخاً. (معجم البلدان 2: 545).
4- عنه بحار الأنوار 51: 295/ ح 9.
5- كذا في كمال الدين وكتب الرجال، وفي (م): (علاّن بن حمك (حميد خ ل))، وفي بحار الأنوار: (غلال بن أحمد)، وفي إثبات الهداة: (هلال بن أحمد). وهو علي بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني، المعروف بعلاّن، يكنّي أبا الحسن، ثقة عين، له كتاب أخبار القائم عليه السلام. راجع: رجال النجاشي: 260؛ ومعجم رجال الحديث 12: 139، وغيرها.

عن أبي الرجاء المصري - وكان أحد الصالحين -، قال: خرجت في الطلب(1) بعد مضي أبي محمّد عليه السلام، فقلت في نفسي: لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين.

فسمعت صوتاً ولم أرَ شخصاً: (يا نصر بن عبد ربّه، قل لأهل مصر: هل رأيتم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فآمنتم به؟!).

قال أبو الرجاء: ولم أعلم أنَّ اسم أبي (عبد ربّه) وذلك أنّي ولدت بالمدائن فحملني أبو عبد الله النوفلي إلي مصر، فنشأت بها، فلمَّا سمعت الصوت لم أعرج علي شيء وخرجت(2).

* ومنها: ما روي عن أحمد بن أبي روح، قال: وجَّهت إلي امرأة من أهل دينور، فأتيتها: فقالت: يا ابن أبي روح أنت أوثق من في ناحيتنا ديناً وورعاً، وإنّي أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤدّيها وتقوم بها.

فقلت: أفعل إن شاء الله تعالي.

فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم، لا تحله ولا تنظر فيه حتَّي تؤدّيه إلي من يخبرك بما فيه، وهذا قرطي(3) يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث حبّات لؤلؤ تساوي عشرة دنانير، ولي إلي(4) صاحب الزمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.).

ص: 462


1- أي طلب الإمام.
2- عنه بحار الأنوار 51: 295/ ح 10؛ وإثبات الهداة 7: 348/ ح 125؛ ومدينة المعاجز: 616؛ ورواه في كمال الدين: 491/ ح 15 عن أبيه، عن سعد، عن علاّن؛ عنه بحار الأنوار 51: 330/ ح 54.
3- القرط: ما يعلَّق في شحمة الأذن من درّ أو ذهب أو فضّة أو نحوها.
4- في (ط)، (ه-): (عند).

فقلت: وما الحاجة؟

قالت: عشرة دنانير استقرضتها اُمّي في عرسي(1) لا أدري ممَّن استقرضتها، ولا أدري إلي من أدفعها، فإن أخبرك بها، فادفعها إلي من يأمرك بها.

قال: وكنت أقول بجعفر(2) بن علي، فقلت هذه المحبّة(3) بيني وبين جعفر فحملت المال وخرجت حتَّي دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشاء، فسلَّمت عليه وجلست، فقال: ألك الحاجة؟

قلت: هذا مال دفع إليَّ، لا أدفعه(4) إليك (حتَّي) تخبرني كم هو، ومن دفعه إليَّ؟ فإن أخبرتني دفعته إليك.

قال: (لم اُؤمر بأخذه، وهذه رقعة جاءتني بأمرك. فإذا فيها: (لا تقبل من)(5) أحمد بن أبي روح، توجَّه به إلينا إلي سامراء)(6).

فقلت: لا إله إلاَّ الله هذا أجلّ شيء أردته(7).

فخرجت ووافيت سامراء، فقلت: أبدأ بجعفر، ثمّ تفكَّرت فقلت: أبدأ بهم فإن كانت المحبّة(8) من عندهم وإلاَّ مضيت إلي جعفر.).

ص: 463


1- في (م): (عرسها).
2- في (ط)، (بحار الأنوار): (فقلت في نفسي: وكيف أقول لجعفر) بدل (وكنت أقول بجعفر).
3- في (بحار الأنوار): (فقلت: هذه المحنة).
4- في (م): (لأدفعه).
5- في (بحار الأنوار): (يا).
6- في (ط)، (ه-)، (بحار الأنوار): (سُرَّ من رأي)، وكذا في الموضع الآتي.
7- في (ط)، (ه-): (هذا الذي أردت).
8- في (بحار الأنوار): (المحنة).

فدنوت من دار(1) أبي محمّد عليه السلام فخرج إليَّ خادم فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟

قلت: نعم.

قال: هذه الرقعة اقرأها.

فقرأتها فإذا فيها:

(بسم الله الرحمن الرحيم، يا ابن أبي روح أودعتك عاتكة بنت الديراني كيساً فيه ألف درهم بزعمك، وهو خلاف ما تظنّ، وقد أدَّيت فيه الأمانة، ولم تفتح الكيس ولم تدرِ ما فيه، وفيه ألف درهم وخمسون ديناراً صحاح، ومعك قرط(2) زعمت المرأة أنَّه يساوي عشرة دنانير، صدقت، مع الفصّين اللذين فيه، وفيه(3) ثلاث حبّات لؤلؤ شراؤها بعشرة دنانير، وهي تساوي أكثر، فادفع ذلك(4) إلي جاريتنا (5) فلانة فإنّا قد وهبناه لها، وصر إلي بغداد وادفع المال إلي حاجز، وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلي منزلك.

وأمَّا العشرة الدنانير التي زعمت أنَّ اُمّها استقرضتها في عرسها، وهي لا تدري من صاحبها، بل هي تعلم لمن، هي(6) لكلثوم بنت أحمد،).

ص: 464


1- في (ط)، (ه-): (باب).
2- في (م): (قرطان).
3- في (م): (فيهما، وفيهما).
4- في (م): (فادفعها).
5- في (ه-): (خادمتنا)، في (ط)، (بحار الأنوار): (خادمتنا إلي).
6- في (خ)، (ط)، (م): (هي هي).

وهي ناصبية، فتحيَّرت(1) أن تعطيها إيّاها، وأوجبت(2) أن تقسمها في إخوانها(3)، فاستأذنتنا في ذلك، فلتفرّقها في ضعفاء إخوانها.

ولا تعودنَّ يا ابن أبي روح إلي القول بجعفر والمحبّة(4) له، وارجع إلي منزلك فإنَّ عدوّك(5) قد مات، وقد ورثك(6) الله أهله وماله).

فرجعت إلي بغداد، وناولت الكيس حاجزاً فوزَّنه(7) فإذا فيه ألف درهم وخمسون ديناراً، فناولني ثلاثين ديناراً، وقال: اُمرت(8) بدفعها إليك لنفقتك. فأخذتها وانصرفت إلي الموضع الذي نزلت فيه، فإذا أنا بفيج(9) وقد جاءني من منزلي يخبرني بأنَّ حموي(10) قد مات وأهلي يأمروني بالانصراف إليهم. فرجعت فإذا هو قد مات، وورثت منه ثلاثة آلاف دينار، ومائة ألف درهم(11).

* ومنها: ما روي عن أحمد بن أبي روح، قال: خرجت إلي بغدادح.

ص: 465


1- في (ط)، (بحار الأنوار): (فتحرَّجت).
2- في (ط)، (ه-)، (بحار الأنوار): (وأحبَّت).
3- في (بحار الأنوار): (أخواتها)، وكذا في الموضع الآتي.
4- في (بحار الأنوار): (والمحنة).
5- في (بحار الأنوار): (عمّك).
6- في (ط)، (ه-)، (بحار الأنوار): (رزقك).
7- في النسخ المعتمدة: (فوزَّنته).
8- في (م): (اُمرنا).
9- الفيج: هو الذي يسعي علي رجليه، أو المسرع في مشيه الذي يحمل الأخبار من بلد إلي بلد.
10- في (ط)، (ه-)، (بحار الأنوار): (وقد جاءني من يخبرني أنَّ عمّي). وحمو الرجل: أبو امرأته أو أخوها أو عمّها. (لسان العرب 14: 197/ مادة حما).
11- عنه بحار الأنوار 51: 295/ ح 11؛ وإثبات الهداة 7: 349/ ح 126؛ وعنه مدينة المعاجز: 616/ ح 105؛ وعن ثاقب المناقب: 517 (مخطوط) عن أحمد بن أبي روح.

في مال لأبي الحسن الخضر بن محمّد لأوصله، وأمرني أن أدفعه(1) إلي أبي جعفر محمّد بن عثمان(2) العمري، وأمرني أن (لا) أدفعه إلي غيره(3)، وأمرني أن أسأله الدعاء للعلّة التي هو فيها، وأسأله عن الوبر، يحلّ لبسه؟

فدخلت بغداد، وصرت(4) إلي العمري، فأبي أن يأخذ المال، وقال: صر إلي أبي جعفر محمّد بن أحمد وادفع إليه، فإنَّه أمره بأخذه(5)، وقد خرج الذي طلبت فجئت إلي أبي جعفر، فأوصلته إليه، فأخرج إلي رقعة، فإذا فيها:

(بسم الله الرحمن الرحيم، سألت الدعاء من العلّة التي تجدها، وهب الله لك العافية، ودفع عنك الآفات، وصرف عنك بعض ما تجده من الحرارة، وعافاك وصحَّ لك جسمك.

وسألت ما يحلّ(6) أن يصلّي فيه من الوبر والسمور والسنجاب والفنك والدلق والحواصل(7)؟ل.

ص: 466


1- في (ه-): (أوصله).
2- في (ط)، (ه-): (عبد الله)، وهو أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري، وأبوه يكنّي أبا عمرو، وهما وكيلان من جهة صاحب الزمان عليه السلام، ولهما منزلة جليلة عند الطائفة. تجد ترجمته في: معجم رجال الحديث 16: 309 - 313، وغيره.
3- في (ه-)، (م): (غيره، فقلت).
4- في (م): (وخرجت).
5- في (بحار الأنوار): (بأن يأخذه).
6- في (خ ل): (ما يصح).
7- الوبر: حيوان من ذوات الحوافر في حجم الأرنب، أطحل اللون - أي بين الغبرة والسواد - قصير الذنب، يحرّك فكَّه السفلي كأنَّه يجتر، ويكثر في لبنان، والأنثي: وبرة. السمور: حيوان ثديي ليلي من الفصيلة السمورية من آكلات اللحوم، يتَّخذ من جلده فرو ثمين، ويقطن شمالي آسيا. السنجاب: حيوان أكبر من الجرذ، له ذنب طويل كثيف الشعر، يرفعه صعداً. الفنك: ضرب من الثعالب فروته أجود أنواع الفراء، وتسمّي فراؤه: فنكاً أيضاً. الدلق: دويبة نحو الهرة طويلة الظهر، يعمل منها الفرو. الحوصل: طير كبير، له حوصلة عظيمة، يتَّخذ منه الفرو، ويكثر في مصر والجمع: الحواصل.

فأمَّا السمور والثعالب فحرام عليك وعلي غيرك الصلاة فيه، ويحلُّ لك(1) جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن (لك)(2) غيره، فإن لم يكن لك بدّ فصلّ فيه والحواصل جائز لك أن تصلّي فيه، والفراء متاع الغنم، ما لم تذبح بأرمينية، تذبحه النصاري علي الصليب، فجائز لك أن تلبسه إذا ذبحه أخ لك، أو مخالف تثق به(3))(4).

* ومنها: ما روي سعد بن عبد الله، حدَّثنا علي (بن) محمّد الرازي المعروف بعلاّن الكليني، قال: سمعت الشيخ العمري يقول: صحبت رجلاً من أهل السواد ومعه مال للغريم عليه السلام فأنفذه، فردّ عليه وقال: (أخرج حقّ ولد عمّك منه، وهي أربعمائة)!

فبقي الرجل باهتاً متعجّباً، فنظر في حساب المال فإذا الذي نصّ عليه من ذلك المال كما قال عليه السلام(5).ل.

ص: 467


1- في (خ ل): (عليك).
2- في (بحار الأنوار): (فيه).
3- في (م): (مخالفة بتوبة)، وهو تصحيف.
4- عنه منتخب الأنوار المضيئة: 136؛ وبحار الأنوار 53: 197/ ح 23، و66: 26/ ح 26، و83 : 227/ ح 16 وفيه بيان مفيد؛ وإثبات الهداة 7: 350/ ح 127؛ ومستدرك الوسائل 2: 587/ ح 1، و3: 197/ باب 3/ ح 1.
5- عنه إثبات الهداة 7: 274/ ح 7؛ وعن الكافي 1: 519/ ح 8؛ ورواه في الإمامة والتبصرة: 140/ ح162؛ وكمال الدين: 486/ ح 6؛ والهداية الكبري: 370؛ والإرشاد: 397؛ والغيبة للطوسي: 171؛ ومنتخب الأنوار المضيئة: 120؛ ودلائل الإمامة: 286 جميعاً بإسنادهم إلي الشيخ العمري. وأخرجه في إعلام الوري: 446 عن الكافي؛ وفي كشف الغمّة 2: 451 عن الإرشاد؛ وفي بحار الأنوار 51: 326/ ح 45 عن الإرشاد وكمال الدين؛ وفي مدينة المعاجز: 605/ ح 58 عن الدلائل.

* ومنها: ما قال الكليني هذا: حدَّثنا جماعة من أصحابنا أنَّه بعث إلي أبي عبد الله بن الجنيد - وهو بواسط - غلاماً وأمر ببيعه، فباعه وقبض ثمنه، فلمَّا عير الدنانير نقصت ثمانية عشر قيراطاً وحبّة، فوزن من عنده ثمانية عشر قيراطاً وحبّة، وأنفذ المال، فرد عليه ديناراً وزنه ثمانية عشر قيراطاً وحبّة(1).

* ومنها: ما قالوا: حدَّثنا أبو جعفر: ولد لي مولود كتبت أستأذن في تطهيره(2) يوم السابع. فورد: (لا).

فمات الولد يوم السابع. ثمّ قال: كتبت بموته، فكتب(3): (سيخلف عليك غيره، فسمّه: أحمد، ومن بعده جعفراً).

فجاء كما قال.

وكتبت في معنيين وأردت أن أكتب في معني ثالث فقلت في نفسي: لعلَّه يكره ذلك.

فخرج الجواب في المعنيين والمعني الثالث الذي طويته ولم أكتبه(4).

* * *ت.

ص: 468


1- عنه إثبات الهداة 7: 30/ ح 128؛ وعنه بحار الأنوار 51: 326/ ح 46؛ وعن كمال الدين: 486/ ح 7؛ ورواه في الإمامة والتبصرة: 141/ ح 163 بإسناده إلي جماعة من أصحابنا؛ وأخرجه في إعلام الوري: 450؛ وإثبات الهداة 7: 302/ ح 45؛ ومدينة المعاجز: 612/ ح 85 عن كمال الدين.
2- في (خ ل): (تسميته).
3- في (خ ل): (فخرج).
4- عنه إثبات الهداة 7: 279 وعن الكافي وكمال الدين؛ ورواه في الكافي 1: 522/ ح 17؛ وكمال الدين: 490/ ح 13؛ والإرشاد: 399؛ والغيبة للطوسي: 171؛ وعيون المعجزات: 146 جميعاً بإسنادهم إلي الحسن بن الفضل بن يزيد اليماني؛ وأخرجه في إعلام الوري: 447 عن الكافي؛ وفي كشف الغمّة 2: 452 عن الإرشاد؛ وفي بحار الأنوار 51: 308 عن الإرشاد والغيبة للطوسي، وفي 311/ ح 33 عن الغيبة للطوسي، وفي 328 عن كمال الدين؛ وفي مدينة المعاجز: 611 عن عيون المعجزات.

قصص الأنبياء

اشارة

للفقيه المحدث والمفسر الكبير قطب الدين الراوندي المتوفي سنة 573 هجرية

تحقيق: غلام رضا عرفانيان اليزدي الخراساني

ص: 469

ص: 470

فصل (17) :

فصل (17)(1):

* وعن ابن بابويه، حدَّثنا محمّد بن موسي بن المتوكّل، حدَّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، حدَّثنا موسي بن عمران النخعي، حدَّثنا عمّي الحسين بن يزيد، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (حدَّثني جبرئيل عليه السلام عن ربّ العزّة جل جلاله أنَّه قال: من علم أن لا إله إلاَّ أنا وحدي وأنَّ محمّداً عبدي ورسولي، وأنَّ علي بن أبي طالب خليفتي، وأنَّ الأئمّة من ولده حججي، أدخله الجنّة برحمتي ونجَّيته من النار بعفوي، وأبحت له جواري، وأوجبت له كرامتي، وأتممت عليه نعمتي، وجعلته من خاصّتي وخالصتي، إن ناداني لبَّيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فرَّ منّي دعوته، وإن شهد بذلك ولم يشهد أنَّ محمّداً عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ علي بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ الأئمّة من ولده حججي، فقد جحد نعمتي، وصغر عظمتي، وكفر بآياتي وكتبي إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم استجب دعاءه، وإن رجاني خيَّبته، وذلك جزاؤه منّي، وما أنا بظلام للعبيد).

فقام جابر بن عبد الله، فقال: يا رسول الله ومن الأئمّة بعد علي بن أبي طالب عليه السلام؟

فقال: (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ سيّد العابدين في زمانه

ص: 471


1- قصص الأنبياء : 365 / ح 470 .

علي بن الحسين، ثمّ الباقر محمّد بن علي - وستدركه يا جابر، فإذا أدركته فاقراه منّي السلام -، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ الكاظم موسي بن جعفر، ثمّ الرضا علي بن موسي، ثمّ التقي محمّد بن علي، ثمّ النقي علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي الزكي، ثمّ ابنه القائم بالحقّ مهدي أمّتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني، بهم يمسك الله السماء أن تقع علي الأرض إلاَّ بإذنه، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها)(1).

* * *

فصل (18) :

فصل (18)(2):

* وعن ابن بابويه، حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن وهبان(3)، حدَّثنا أبو بشر أحمد بن إبراهيم بن أحمد العمّي، حدَّثنا محمّد بن زكريا ابن

ص: 472


1- بحار الأنوار 36: 251 و252/ ح 68، عن كمال الدين مع اختلاف يسير.
2- قصص الأنبياء : 366 / ح 471 - 480 .
3- في بحار الأنوار وإعلام الوري: (قال - أي محمّد بن أحمد الدوريستي -: وأخبرني أبو عبد الله محمّد بن هارون...)، وعليه فما في النسخ المخطوطة وإثبات الهداة: (وعن ابن بابويه حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن دهقان - أو هبان -)، يحكم بصحَّته فيما إذا قيل برواية الراوندي الرواية بسند فيه ابن بابويه عن محمّد بن وهبان واشتبه الأمر علي شيخه الطوسي فنقل الرواية في إعلام الوري عن الوريستي عن محمّد بن وهبان. هذا والصحيح: محمّد بن وهبان. تعرَّض له النجاشي ووثَّقه ويستفاد منه ومن رجال الطوسي (ص 505) معاصرة الصدوق له وليس في المصادر ومشيخة الصدوق روايته عنه ولو في مورد واحد غير هذا المورد.

دينار الغلابي(1)، حدَّثنا سليمان بن إسحاق بن سليمان(2) بن علي بن عبد الله بن العبّاس، قال: حدَّثني أبي، قال: كنت يوماً عند الرشيد، فذكر المهدي وعدله فأطنب في ذلك، ثمّ قال: أخبرني أبي المهدي، حدَّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاس، عن أبيه العبّاس بن عبد المطَّلب أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال: (يا عمّ يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ثمّ تكون أمور كريهة وشدّة عظيمة، ثمّ يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ويمكث في الأرض ما شاء الله، ثمّ يخرج الدجّال)(3).

* وروي أبو بكر بن خيثمة(4)، عن علي بن جعد، عن زهير بن معاوية، عن زياد بن خيثمة، عن الأسود بن سعيد الهمداني، قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (يكون بعدي اثنا عشر خليفه كلّهم من قريش).

فقالوا: ثمّ ما ذا يكون؟

قال: (ثمّ يكون الهرج)(5).

* وفي صحيح مسلم، عن ابن سمرة العدوي: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ه.

ص: 473


1- في (المناقب): (محمّد بن زكريا العلاني).
2- كذا في بحار الأنوار، وهو الصحيح كما يظهر من تاريخ بغداد 6: 329. وفي جميع النسخ: (أحمد بن سليمان).
3- بحار الأنوار 36: 300 و301/ ح 136؛ من إعلام الوري: 385 و386؛ وعن المناقب لابن شهرآشوب 1: 292 و293، وراجع: إثبات الهداة 1: 615/ ح 637.
4- في (ق 3): (أبو بكر بن خثيمة)، وفي المصادر المطبوعة: (أبو بكر بن أبي خثيمة).
5- بحار الأنوار 36: 268/ ح 88؛ عن المناقب 1: 290؛ وإعلام الوري: 384؛ وأومأ إليه في إثبات الهداة 1: 615/ ح 638 عن القصص باختصار؛ وفي المصدر: 684 عن الخرائج نحوه.

يقول: (لا يزال الدين قائماً حتَّي يكون اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، ثمّ يخرج كذّابون بين يدي الساعة، وأنا الفرط علي الحوض)(1).

* وعن الشعبي، عن مسروق: كنّا عند عبد الله بن مسعود فقال له رجل: أحدَّثكم نبيّكم كم يكون بعده من الخلفاء؟

قال: نعم وما سألني عنها أحد قبلك وإنَّك لأحدث القوم سنّاً، سمعته يقول صلي الله عليه وآله وسلم: (يكون بعدي من الخلفاء عدد نقباء بني إسرائيل اثنا عشر كلّهم من قريش)(2).

* ورواه حماد بن زيد، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله وزاد فيه: قال: كنّا جلوساً إلي عبد الله يقرؤنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله كم يملك أمر هذه الأمّة من خليفة بعده؟

فقال له عبد الله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق، نعم سألنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقال: (اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل)(3).

* وروي عبد الله بن أبي أميّة، عن يزيد الرقاشي(4)، عن أنس بن).

ص: 474


1- صحيح مسلم 6: 4 وألفاظه أكثر وبهذا المضمون في نفس المورد قبل هذا البحث وبعده روي روايات مستفيضة. والشيخ الحرّ نقله في إثبات الهداة 1: 684 عن الخرائج عن صحيح مسلم؛ وذكره في بحار الأنوار 1: 684/ ح 25 عن الخرائج عن صحيح مسلم.
2- بحار الأنوار 36: 298/ ح 132 عن إعلام الوري؛ وأورده الحرّ في إثبات الهداة 1: 684/ ح 26 عن الخرائج.
3- بحار الأنوار 36: 299 عن إعلام الوري، وفي: 267 عن مناقب ابن شهرآشوب؛ ورواه في إثبات الهداة 1: 684/ ح 27 عن الخرائج.
4- في جميع النسخ المخطوطة: (عن زيد الرقاشي).

مالك، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لن يزال هذا الدين قائماً إلي اثني عشر من قريش، فإذا مضوا ماجت الأرض بأهلها)(1).

* وعن ابن مثنّي، عن أبيه، عن عائشة أنَّه سألها كم خليفة يكون لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟

قالت: أخبرني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة).

فقلت لها: من هم؟

فقالت: أسماؤهم في الوصيّة من لدن آدم عليه السلام(2).

* وروي لنا بالإسناد المتقدّم، عن الحسن بن محبوب، عن مقاتل بن سليمان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (أنا سيّد النبيّين ووصيّي سيّد الوصيّين وأوصياؤه سادات الأوصياء، إنَّ آدم عليه السلام سأل الله أن يجعل له وصيّاً صالحاً، فأوحي الله تعالي إليه أنّي أكرمت الأنبياء بالنبوّة، ثمّ اخترت خلقي، وجعلت خيارهم الأوصياء. وأوحي الله إلي آدم يا آدم اوص إلي شيث، فأوصي آدم عليه السلام إلي شيث، وهو هبة الله بن آدم، وأوصي شيث إلي ابنه شبان، وهو ابن نزلة الحوراء التي أنزلها الله علي آدم من الجنّة، فزوَّجها شيثاً ابنه، وأوصي شبان إلي محلث، وأوصي محلث إلي مخوق، وأوصي مخوق إلي عتميثا، وأوصي عتميثا إلي اخنوخ وهو إدريس النبيّ، وأوصي إدريس إلي ناخور، وأوصي ناخور إلي نوح، وأوصي نوح إلي سام، وأوصي سام إلي عنام، وأوصي عنام إلي عنيشاشا، وأوصي عنيشاشا إلي يافث، وأوصي يافث إلي بره، وأوصي بره إلي جعشيه، وأوصي جعشيه إلي عمران، ودفعها عمران إلي إبراهيم).

ص: 475


1- بحار الأنوار 36: 267 عن مناقب؛ وإثبات الهداة 1: 615/ ح 639، و684/ ح 28 عن الخرائج.
2- بحار الأنوار 36: 300/ ح 137 عن إعلام الوري، وإثبات الهداة 1: 615/ ح 640، وفي بحار الأنوار زيادة: (فقالت: أسماؤهم عندي مكتوبة بإملاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقلت لها...).

الخليل، وأوصي إبراهيم إلي ابنه إسماعيل، وأوصي إسماعيل إلي إسحاق، وأوصي إسحاق إلي يعقوب، وأوصي يعقوب إلي يوسف، وأوصي يوسف إلي مثريا، وأوصي مثريا إلي شعيب، ودفعها شعيب إلي موسي بن عمران، وأوصي موسي بن عمران إلي يوشع بن نون، وأوصي يوشع إلي داود، وأوصي داود إلي سليمان، وأوصي سليمان إلي آصف بن برخيا، وأوصي آصف إلي زكريا، ودفعها زكريا إلي عيسي بن مريم، وأوصي عيسي إلي شمعون بن حمون الصفا، وأوصي شمعون إلي يحيي بن زكريا، وأوصي يحيي إلي منذر، وأوصي منذر إلي سليمة، وأوصي سليمة إلي بردة). ثمّ قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (ودفعها بردة إليَّ وأنا أدفعها إليك يا علي، وأنت تدفع إلي وصيّك، ويدفع وصيّك إلي أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد، حتَّي تدفع إلي خير أهل الأرض بعدك، ولتكفرنَّ بك الأمّة، ولتختلفنَّ عليك اختلافاً شديداً، الثابت عليك كالمقيم معي، والشاذ عنك في النار، والنار مثوي الكافرين)(1).ق.

ص: 476


1- أورده الشيخ الطوسي في أماليه 2: 58 في أواخر الجزء 15 بألفاظ أكثرها موافقة مع ألفاظ الرواية هنا وشذَّ الاختلاف. ورواه الشيخ الحرّ في إثبات الهداة 1: 264/ الباب 9/ الفصل 2 عن جملة من المصادر منها كمال الدين وكفاية الأثر؛ أمالي الصدوق وأمالي الشيخ الطوسي مسنداً عن الفقيه بسنده عن ابن محبوب والسند إليه معتبر وإنَّما الكلام في مقاتل بن سليمان والأمر فيه هيّن بعد كون الراوي عنه الحسن بن محبوب الذي أمرنا بتصديقه عموماً وخصوصاً وكون المقاتل مروياً من قبل جمهور العامّة (الرجاليين منهم) ومبغوضاً عندهم ويؤيّد وثاقته بل يؤكّد عدّه في أصحاب الإمام الصادق عليه السلام الذين ارتأي الشيخ المفيد في إرشاده (باب ذكر تايخ الإمام الصادق عليه السلام) وثاقتهم علي اختلافهم في الآراء والمقالات. والحديث مذكور في الفقيه الجزء 4/ باب الوصيّة من لدن آدم عليه السلام؛ و ذكره في بحار الأنوار 23: 57 عن أمالي الصدوق.

* ووردت الأخبار الصحيحة بالأسانيد القويّة أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أوصي بأمر الله إلي علي بن أبي طالب، وأوصي علي بن أبي طالب إلي ابنه الحسن، وأوصي الحسن إلي أخيه الحسين، وأوصي الحسين إلي ولده علي، وأوصي علي بن الحسين إلي ابنه محمّد، وأوصي محمّد بن علي إلي ابنه جعفر، وأوصي جعفر إلي ابنه موسي، وأوصي موسي بن جعفر إلي ابنه علي الرضا، وأوصي الرضا إلي ولده محمّد، وأوصي محمّد إلي ولده علي، وأوصي علي بن محمّد إلي ولده الحسن، وأوصي الحسن إلي ابنه الحجّة القائم بالحقّ الذي لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّي يخرج، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(1).

* وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إنَّ لله تبارك وتعالي مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ أنا سيّدهم وأفضلهم وأكرمهم علي الله، ولكلّ نبيّ وصيّ أوصي إليه من الله، وإنَّ وصيّي علي بن أبي طالب لسيّدهم وأفضلهم وأكرمهم علي الله سبحانه وتعالي جلَّ ذكره)(2).

* * *ة.

ص: 477


1- أخرجه الشيخ الحرّ العاملي في إثبات الهداة 1: 465 و466 عن الفقيه، ثمّ قال: (ورواه الراوندي في قصص الأنبياء مرسلاً).
2- بحار الأنوار 11: 30 عن الخصال وأمالي الصدوق ما هو بنفس المفاد باختلاف في بعض الألفاظ لا يضر بالوحدة.

ص: 478

الثّاقب في المناقب

اشارة

للفقيه عماد الدين أبو جعفر محمد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة المتوفي سنة 585 هجرية

تحقيق: نبيل رضا علوان

ص: 479

ص: 480

الباب الخامس عشر: في ذكر آيات صاحب الزمان الخلف الصالح المنتظر المهدي عليه السلام

اشارة

الباب الخامس عشر:(1) في ذكر آيات صاحب الزمان الخلف الصالح المنتظر المهدي عليه السلام

وفيه خمسة فصول:

1 - فصل: في بيان ظهور آياته عليه السلام في حال ولادته وبعدها:

وفيه: حديثان:

* عن السياري، قال: حدَّثتني نسيم ومارية، قالتا: لمَّا خرج صاحب الزمان عليه السلام من بطن اُمّه سقط جاثياً علي ركبتيه، رافعاً سبابته نحو السماء، ثمّ عطس فقال: (الحمد لله ربّ العالمين، وصلّي الله علي محمّد وآله، عبداً ذاكراً لله، غير مستنكف ولا مستكبر). ثمّ قال: (زعمت الظلمة أنَّ حجّة الله داحضة، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشكّ)(2).

* عن أبي علي الحسن الآبي، قال: حدَّثتني الجارية التي أهديتها لأبي محمّد عليه السلام، قالت: لمَّا ولد السيّد عليه السلام رأيت نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها علي رأسه ووجهه وسائر جسده ثمّ تطير، فأخبرنا أبا محمّد عليه السلام

ص: 481


1- الثاقب في المناقب: 583 - 615
2- كمال الدين: 430/ ح 5؛ إثبات الوصيّة: 221؛ الغيبة للطوسي: 147؛ الخرائج والجرائح 1: 457/ ح 2؛ إعلام الوري: 395؛ حلية الأبرار 2: 544؛ مدينة المعاجز: 586/ ح 2.

بذلك فضحك ثمّ قال: (تلك ملائكة السماء نزلت لتتبرَّك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج بأمر الله عز وجل)(1).

2 - فصل: في بيان ظهور آياته عليه السلام في حال طفولته:

وفيه: حديث واحد:

* عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف، قال في حديث طويل أنا أقتصر علي الموضع المقصود منه، قال: مضيت إلي سُرَّ من رأي مع أحمد بن إسحاق لأزور أبا محمّد عليه السلام وأسأله عن مسائل أشكلت عليَّ، فلمَّا وصلنا إليها ووردنا باب أبي محمّد عليه السلام استأذنا فخرج الإذن بالدخول، وكان علي عاتق أحمد بن إسحاق جراب غطّاه بكساء طبري، فيه مائة وستّون صرّة من الدنانير والدارهم، علي كلّ صرّة منها ختم لصاحبه.

قال سعد: فما شبَّهت أبا محمّد حين غشينا نور وجهه إلاَّ ببدر قد استوت لياليه أربعاً بعد عشرة، وعلي فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، علي رأسه فرق بين وفرة كأنَّه ألف بين واوين، وبين يديه رمّانة ذهبية تلمع ببدائع نقوشها، ووسطها غرائب الفصوص المركبة عليها، قد كان أهداها له بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به علي البياض قبض الغلام علي أصابعه، فكان مولانا عليه السلام يدحرج الرمّانة بين يديه ويشغله بردّها كي لا يصدّه عن كتبه(2) ما أراده، فسلَّمنا عليه فألطف بالجواب وأومأ إلينا بالجلوس.

ص: 482


1- روضة الواعظين: 260.
2- كذا، وفي كمال الدين ومختصر بصائر الدرجات: (كتابة).

فلمَّا فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه، فوضعه بين يديه، فنظر المولي أبو محمّد عليه السلام إلي الغلام، وقال: (يا ابني، فضّ الختم عن هدايا شيعتك التي بعثوها إليك).

فقال: (يا مولاي، أيجوز لي أن أمدّ يدي الطاهرة إلي هدايا نجسة وأموال وحشة قد خلط حلّها بحرامها؟).

فقال عليه السلام: (يا ابن إسحاق، استخرج ما في الجراب، ليميّز بين الحلال والحرام منها).

فأوّل صرّة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: (هذا لفلان بن فلان من غلة كذا، تشتمل علي اثنين وستّين ديناراً منها من ثمن حجرة باعها، وكانت إرثاً له من أبيه، خمسة وأربعين ديناراً، ومن أثمان تسعة أثواب(1) أربعة عشر ديناراً، وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير).

فقال مولانا صلي الله عليه وآله وسلم: (يا ابني، دلّ الرجل علي الحرام منها).

فقال: (فتّش عن دينار منها رازي السكة، تاريخه سنة كذا، قد انطمس من نصف إحدي صفحتيه نقشه وقراضته(2) أصلية وزنها ربع دينار. والعلّة في تحريمها أنَّ صاحب هذه الحلّة وزَّن في شهر كذا من سنة كذا علي حائك من جيرانه من الغزل منّاً وربع، فأتت علي ذلك مدّة قبض انتهاها لذلك الغزل سارقاً، فأخبر به الحائك صاحبه فكذَّبه واستردَّ منه بدل ذلك منّاً ونصفاً من غزل أوّل ممَّا كان دفعه إليه، فاتَّخذ من ذلك ثوباً كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه).).

ص: 483


1- في (م): (أبواب).
2- القراضة: ما سقط بالقرض، ومنه قراضة الذهب، (لسان العرب 7: 216/ مادة قرض).

فلمَّا فتح رأس الصرّة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها علي حسب ما قال، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.

ثمّ أخرج صرّة أخري فقال الغلام عليه السلام: (هذا لفلان بن فلان، من محلّة كذا، وهو يشتمل علي خمسين ديناراً، لا يحلّ لنا شيء منها).

قال: (وكيف ذلك؟).

قال: (لأنَّها من ثمن حنطة قد حاف صاحبها علي أكاريه في المقاسمة، وذلك أنَّه قبض حصّته منها بكيل واف، وكان ما خصَّ الأكارين منها بكيل بخس).

فقال عليه السلام: (صدقت يا ابني).

ثمّ قال: (يا ابن إسحاق، احملها جميعاً لتردّها، أو توصي بردّها علي أربابها، ولا حاجة لنا في شيء منها، وأتنا بثوب العجوز).

قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقّ لي فنسيته، فلمَّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليَّ مولانا عليه السلام فقال: (ما جاء بك يا سعد؟).

فقلت: شوَّقني أحمد بن إسحاق الخصيب إلي لقاء مولانا.

قال: (فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟).

قلت: علي حالها.

قال: (اسأل قرّة عيني - وأومأ إلي الغلام - فاسأله عَّما بدا لك).

فسألته عنها، فأجاب، وإنّي تركت ذكرها كراهية التطويل، فلمَّا أجاب قام أبو محمّد عليه السلام مع الغلام وانصرفت عنهما، وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكياً، فقلت: ما أبكاك وأبطأك؟

فقال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره.

ص: 484

فقلت: لا عليك، فأخبره، وانصرف من عنده متبسّماً وهو يصلّي علي محمّد وآل محمّد، فقلت: ما الخبر؟

قال: وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدميّ مولاي يصلّي عليه.

قال سعد: فحمد الله تعالي واثني عليه علي ذلك، وجعلنا نختلف بعد ذلك إلي منزله عليه السلام أيّاماً، ولا نري الغلام بين يديه.

فلمَّا كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا، فانتصب أحمد بن إسحاق قائماً بين يديه، وقال: يا ابن رسول الله، قد دنت الرحلة واشتدَّت المحنة، ونحن نسأل الله تعالي أن يصلّي علي جدّك المصطفي، وعلي المرتضي أبيك، وعلي سيّدة النساء اُمّك، وعلي سيّدي شباب أهل الجنّة عمّك وأبيك، وعلي الأئمّة الطاهرين من بعدهما آبائك، وأن يصلّي عليك وعلي ولدك، ونرغب إليه أن يعلي كعبك، ويكبت عدوّك، ولا جعله الله هذا آخر عهدنا من لقائك.

فلمَّا قال هذه الكلمة استعبر عليه السلام حتَّي انهملت دموعه وتقاطرت عبراته، ثمّ قال: (يا ابن إسحاق، لا تكلّف في دعائك شططاً، فإنَّك ملاق الله تعالي، في صدرك هذا).

فخرَّ أحمد مغشياً عليه، فلمَّا أفاق قال: سألتك بالله، وبحرمة جدّك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، إلاَّ ما شرَّفتني بخرقة أجعلها كفناً.

فأدخل عليه السلام يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً وقال: (خذها، ولا تنفق علي نفسك غيرها، فإنَّك لا تعدم ما سألت، وإنَّ الله تعالي لا يضيع أجر من أحسن عملاً).

قال سعد: فلمَّا صرنا بعد منصرفنا من حلوان علي ثلاثة فراسخ حمَّ أحمد بن إسحاق وصارت به علّة صعبة أتي بلدة كان قاطناً بها، ثمّ قال:

ص: 485

تفرَّقوا عنّي هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه ورجع كلّ واحد منّا إلي مرقده.

قال سعد: فلمَّا حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة(1)، ففتحت عيني، فإذا أنا بكافور الخادم - خادم مولانا أبي محمّد عليه السلام - وهو يقول: أحسن الله بالخير عزائكم، وجبر بالمحبوب رزيَّتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه، فقوموا لدفنه، فإنَّه من أكرمكم محلاً عند سيّدكم، ثمّ غاب عن أعيننا)(2).

3 - فصل: في بيان ظهور آياته عليه السلام من الإخبار بآجال الناس:

وفيه: حديثان:

* عن أبي عقيل عيسي بن نصر، قال: إنَّ علي بن زياد الصيمري كتب إليه يلتمس كفناً، فكتب إليه: (إنَّك تحتاج إليه في سنة ثمانين)، فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته(3).

* عن أبي عبد الله الصفواني، قال: رأيت القاسم بن العلاء وقد بلغ عمره مائة وستّ عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينين، ثمّ لقي العسكريين وحجب بعد الثمانين، وردَّت عليه عينه قبل وفاته بتسعة أيّام، وذلك أنّي كنت بمدينة كذا من أرض أذربايجان، وكان لا تنقطع توقيعات صاحب الزمان عليه السلام علي يد أبي جعفر العمري، وبعده علي يد أبي القاسم بن روح، فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين فقلق من ذلك.

ص: 486


1- في (ص)، (ك): (وكزة).
2- كمال الدين: 454/ ح 21؛ الخرائج والجرائح 1: 481/ ح 22 وفيه مثله؛ الاحتجاج: 268؛ ينابيع المودّة: 459؛ حلية الأبرار 2: 557.
3- الخرائج والجرائح 1: 463/ ح 8؛ إعلام الوري: 421.

فبينما نحن عنده نأكل إذ دخل البوّاب مستبشراً، فقال: فيج(1) العراق ورد، ولا يسمّي بغيره، فسجد القاسم، ودخل كهل قصير يري أثر الفيوج عليه، وعليه جبّة مصرية، وفي رجله نعل محاملي، وعلي كتفيه مخلاة، فقام إليه القاسم فعانقه، ووضع المخلاة، ودعا بطشت وماء، وغسل يديه وأجلسه إلي جانبه، فأكلنا وغسلنا أيدينا، فقام الرجل وأخرج كتاباً أفضل من نصف الدرج، فناوله القاسم (فأخذه)(2)، فقبَّله ودفعه إلي كاتب له يقال له: ابن أبي سلمة أبو عبد الله، فأخذه وقرأه (وبكي) حتَّي أحسَّ القاسم ببكائه، فقال: يا أبا عبد الله، خبر خرج فيَّ فيما تركته؟

قال: لا، قال: فما هو؟

قال: نعي الشيخ إليَّ نفسه بعد ورود هذا الكتاب إليَّ بأربعين يوماً، وأنَّه يمرض يوم السابع بعد وصول هذا الكتاب، وأنَّ الله يرد عليه عينيه بعد ذلك، وقد حمل إليه سبعة أثواب.

فقال القاسم: علي سلامة من ديني؟

قال: في سلامة من دينك.

فضحك وقال: ما أؤمل من بعد هذا العمر؟

فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر، وحبرة يمانية حمراء، وعمامة، وثوبين، ومنديلاً، فأخذه القاسم، وعنده قميص خلعة خلعها عليه علي النقي عليه السلام.ي.

ص: 487


1- الفيج هو المسرع في مشيه، الذي يحمل الأخبار من بلد إلي بلد، وقيل: هو الذي يسعي بالكتب. (لسان العرب 2: 350/ مادة فيج).
2- ما بين المعقوفتين أثبتناه من الغيبة للطوسي.

وكان للقاسم صديق في مهمّ الدنيا، شديد النصب يقال له: عبد الرحمن بن محمّد السري فوافي(1) في قوم إلي الدار، فقال القاسم: اقرؤوا الكتاب عليه فإنّي أحبّ هدايته.

قالوا: هذا لا يحتمله خلق من الشيعة، فكيف عبد الرحمن؟!

فأخرج القاسم إليه الكتاب، وقال: اقرأه، فقرأوه إلي موضع النعي، فقال عبد الرحمن: يا أبا محمّد اتَّق الله فإنَّك رجل واصل في دينك، والله تعالي يقول: (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)(2) وقال جلَّ ذكره: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً)(3).

قال القاسم: فأتمّ الآية: (إِلاَّ مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُولٍ)(4) فمولاي هو المرتضي من الرسول.

ثمّ قال: اعلم أنَّك تقول هذا، ولكن أرّخ اليوم فإن أنا عشت بعد هذا اليوم أو متّ فاعلم أنّي لست علي شيء، وإن أنا متّ في ذلك اليوم فانظر لنفسك.

فأرَّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا، وحمَّ القاسم يوم السابع واشتدَّت العلّة إلي مدّة، ونحن مجتمعون عنده يوماً إذ مسح بكمّه عينيه فخرج من عينيه شبه ماء اللحم، ثمّ مدَّ يده إلي ابنه فقال: يا حسن، إليَّ، ويا فلان إليَّ، فنظرنا إلي الحدقتين صحيحتين. وشاع الخبر في الناس، وأتته العامّة من الناس ينظرون إليه وركب القاضي إليه، وهو أبو السائب7.

ص: 488


1- في (ش)، (ص)، (م): (فورد).
2- لقمان: 34.
3- الجن: 26.
4- الجن: 27.

عتبة بن عبيد الله المسعودي(1) وهو قاضي القضاة ببغداد فدخل عليه، وقال: يا أبا محمّد، ما هذا الذي تري وأراه؟

فقال: خاتماً فصّه فيروزج، فقرَّبه منه فقال: ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها.

وقد قال: لمَّا رأي الحسن ابنه في وسط الدار: اللهم ألهم الحسن طاعتك، وجنّبه معصيتك. ثلاثاً، ثمّ كتب وصيّته بيده، وكانت الضياع التي في يده لصاحب الأمر، كان أبوه وقفها عليه.

وكان فيما وصّي ابنه: إن أهَّلت للوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرخندة وسائرها ملك لمولانا.

فلمَّا كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم رحمه الله فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً وهو يصيح: يا سيّداه.

فاستعظم الناس ذلك منه فقال لهم: اسكتوا، فقد رأيت ما لم تروا، وتشيَّع ورجع عمَّا كان، فلمَّا كان بعد مدّة يسيرة ورد الكتاب علي الحسن ولده من صاحب الزمان عليه السلام:

(ألهمك الله طاعته وجنَّبك معصيته). وهو الدعاء الذي دعا به أبوه. وفي ذلك عدّة آيات(2). .

ص: 489


1- أبو السائب هو عتبة بن عبيد الله بن موسي الهمذاني الشافعي، تولّي القضاء في مراغة وأذربيجان وهمذان، ثمّ قدم بغداد فكان أوّل شافعي ولي قضاء بغداد، عاش ستّاً وثمانين سنة، وتوفّي في ربيع الآخر سنة إحدي وخمسين وثلاثمائة، راجع: سير أعلام النبلاء 16: 47؛ تاريخ بغداد 12: 320؛ البداية والنهاية 11: 239.
2- الغيبة للطوسي: 188؛ الخرائج والجرائح 1: 467/ ح 14؛ فرج المهموم: 249؛ مدينة المعاجز: 612/ ح 89 .
4 - فصل: في بيان ظهور آياته عليه السلام من الإخبار بالغائبات:

وفيه: ستّة عشر حديثاً:

* عن أحمد بن أبي روح، قال: وجَّهت إليَّ امرأة من أهل دينور فأتيتها فقالت: يا ابن أبي روح، أنت أوثق من في ناحيتنا ورعاً، وإنّي أريد أن أودعك أمانة وأجعلها في رقبتك تؤدّيها وتقوم بها.

فقلت: أفعل إن شاء الله.

فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم، لا تحله ولا تنظر ما فيه حتَّي تؤدّيه إلي من يخبرك بما فيه، وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث لؤلؤات تساوي عشرة دنانير، ولي إلي صاحب الزمان عليه السلام حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.

فقلت: وما الحاجة؟

قالت: عشرة دنانير استقرضتها اُمّي في عرسي، ولا أدري ممَّن استقرضتها، ولا أدري إلي من أدفعها، فإن أخبرك بها فادفعها إلي من يأمرك به.

قال: وكنت أقول بجعفر بن علي فقلت: هذه المحنة بيني وبين جعفر. فحملت المال وخرجت حتَّي دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشاء، فسلَّمت عليه وجلست فقال: ألك حاجة؟

فقلت: هذا مال دفع إليَّ لأدفعه إليك، أخبرني كم هو؟ ومن دفعه إليَّ؟ فإن أخبرتني دفعته إليك.

قال: لم أؤمر بأخذه، وهذه رقعة جاءتني بأمرك. فإذا فيها: (لا تقبل من أحمد بن أبي روح، وتوجَّه به إلينا إلي سُرَّ من رأي).

ص: 490

فقلت: لا إله إلاَّ الله، هذا أجلّ شيء أردته. فخرجت به ووافيت سُرَّ من رأي، فقلت: أبدأ بجعفر، ثمّ تفكَّرت وقلت: أبدأ بهم، فإن كانت المحنة من عندهم وإلاَّ مضيت إلي جعفر.

فدنوت من باب دار أبي محمّد عليه السلام، فخرج إليَّ خادم فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟

قلت: نعم.

قال: هذه الرقعة اقرأها فقرأتها، فإذا فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا ابن أبي روح أودعتك حايل بنت الديراني كيساً فيه ألف درهم بزعمك، وهو خلاف ما تظنّ، وقد أدَّيت فيه الأمانة، ولم تفتح الكيس ولم تدرِ ما فيه، وإنَّما فيه ألف درهم، وخمسون ديناراً صحاحاً، ومعك قرطان زعمت المرأة أنَّها تساوي عشرة دنانير صدقت مع الفصّين اللذين فيهما، وفيهما ثلاث حباب لؤلؤ شراؤهما بعشرة دنانير، وهي تساوي أكثر، فادفعهما إلي جاريتنا فلانة، فإنّا قد وهبناهما لها، وصر إلي بغداد وادفع المال إلي حاجز وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلي منزلك.

فأمَّا العشرة دنانير التي زعمت أنَّ اُمّها استقرضتها في عرسها، وهي لا تدري من صاحبها ولا تعلم لمن هي، هي لكلثوم بنت أحمد، وهي ناصبية، فتحرَّجت أن تعطيها فإن أحبَّت أن تقسمها في أخواتها فاستأذنتنا في ذلك، فلتفرقها علي ضعفاء أخواتها.

ولا تعودنَّ يا ابن أبي روح إلي القول بجعفر والمحنة له، وارجع إلي منزلك فإنَّ عدوّك قد مات، وقد أورثك الله أهله وماله).

فرجعت إلي بغداد، وناولت الكيس حاجزاً، فوزَّنه فإذا فيه ألف درهم صحاح وخمسون ديناراً فناولني ثلاثين ديناراً، وقال: أمرنا بدفعها إليك لتنفقها.

ص: 491

فأخذتها، وانصرفت إلي الموضع الذي نزلت فيه، فإذا أنا بفيج قد جاءني من المنزل يخبرني بأنَّ حموي قد مات، وأنَّ أهلي أمروني بالانصراف إليهم، فرجعت فإذا هو قد مات، وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم. وفي ذلك أيضاً عدّة آيات(1).

* عن ابن أبي سورة، عن أبيه، وأبوه من مشايخ الزيديّة بالكوفة قال: كنت خرجت إلي قبر الحسين عليه السلام أعرف عنده، فلمَّا كان وقت العشاء الآخرة صلَّيت وقمت، فابتدأت أقرأ (الحمد) فإذا شاب حسن الوجه، عليه جبّة سنيّة ابتدأ أيضاً قبلي، وختم قبلي، فلمَّا كان الغداة خرجنا جميعاً إلي شاطئ الفرات، قال لي الشاب: (أنت تريد الكوفة فامض).

فمضيت في طريق الفرات، وأخذ الشاب طريق البرّ، قال أبو سورة: ثمّ أسفت علي فراقه، فاتبعته، فقال لي: (تعال) فجئنا جميعاً إلي حصن المسناة فنمنا جميعاً، وانتهينا فإذا نحن علي الغري علي جبل الخندق، فقال لي: (أنت مضيق ولك عيال، فامض إلي أبي طاهر الرازي فسيخرج إليك من داره، وعلي يده دم الإضحية فقال له: شابّ من صفته كذا وكذا، يقول لك: اعط هذا الرجل صرّة الدنانير التي عند رجل السرير مدفونة).

قال: فلمَّا دخلت الكوفة خرجت إليه وقلت له ما ذكر لي الشاب، فقال: بالسمع والطاعة. وعلي يده دم الإضحية(2)(3).1.

ص: 492


1- الخرائج والجرائح 2: 699/ ح 17؛ مدينة المعاجز: 616/ ح 105.
2- في جميع النسخ: (الشاه)، وما أثبتناه من المصدر.
3- الغيبة للطوسي: 181؛ الخرائج والجرائح 1: 470/ ح 15؛ مدينة المعاجز: 613/ ح 90 و91.

* وعن أبي أحمد بن أبي سورة، وهو محمّد بن الحسين بن عبد الله التميمي، عن الرازي (قال:) مشينا ليلتنا فإذا نحن علي مقابر السهلة، فقال: (هو ذا منزلي)، قال لي: (أين الرازي علي بن يحيي فقل له يعطيك المال بعلامة أنَّه كذا وفي موضع كذا ومغطي بكذا)، فقلت: من أنت؟

قال: (أنا محمّد بن الحسن).

ثمّ مشينا حتَّي انتهينا إلي البوّابين في السحر فجلس فحفر بيده فإذا الماء قد خرج وتوضَّأ وصلّي عشر ركعات.

فمضيت إلي الرازي فدفعت الباب فقال: من أنت؟

فقلت: أبو سورة، فسمعته يقول: ما لي ولأبي سورة.

فلمَّا خرج وقصصت عليه صافحني وقبَّل وجهي وأخذ بيدي ومسح بها علي وجهه ثمّ أدخلني الدار وأخرج الصرّة من عند رجل السرير ودفعها إليَّ، فاستبصر أبو سورة وكان زيديّاً. وفي ذلك عدّة آيات(1).

* عن إسحاق بن يعقوب، قال: سمعت الشيخ العمري يقول: صحبت رجلاً من أهل السواد ومعه مال للغريم عليه السلام فأنفذه فردَّ عليه وقيل له: (أخرج حقّ ولد عمّك منه، وهو أربعمائة درهم) فبقي باهتاً متعجّباً، فنظر في حساب المال وكانت (في يده) ضيعة لابن عمّه قد كان ردَّ عليهم بعضها وزوي عنهم بعضها، فإذا الذي بقي لهم من ذلك المال أربعمائة درهم كما قال عليه السلام، فأخرجها منه وأنفذ الباقي. فقيل لجماعة من أصحابنا قالوا: إنَّه بعث إلي أبي عبد الله بن الجنيد وهو بواسط غلاماً وأمر ببيعه فباعه، وقبض ثمنه، فلمَّا عيَّر الدنانير نقصت في التعيير ثمانية عشر قيراطاً وحبّة(2).

ص: 493


1- كمال الدين: 486/ ح 6؛ الإمامة والتبصرة: 14/ ح 162؛ دلائل الإمامة: 286.
2- المصدر السابق.

* عن محمّد بن هارون، قال: كانت للغريم عليَّ خمسمائة دينار، فأنا ليلة ببغداد، وبها ريح وظلمة، وقد فزعت فزعاً شديداً، وفكَّرت فيما عليَّ، وقلت في نفسي: لي حوانيت أشتريتها بخمسمائة دينار.

قال: فجاءني من يتسلَّم منّي الحوانيت، وقد كتب لي في ذلك من قبل أن ينطق به لساني وما أخبرت به أحدا (1).

* عن جعفر بن أحمد بن متيل، قال: دعاني أبو جعفر محمّد بن عثمان فأخرج لي ثوبين معلمة وصرّة فيها دراهم، فقال لي: تحتاج أن تصير بنفسك إلي واسط في هذا الوقت، وتدفع ما دفعته إليك إلي أوّل رجل يلقاك عند صعودك من المركب إلي الشطّ بواسط.

قال: فتداخلني من ذلك غمّ شديد، وقلت: مثلي يرسل في هذا الأمر ويحمل هذا الشيء الوتح(2)!

قال: فخرجت إلي واسط، وصعدت المركب، فأوّل رجل لقيته سألته عن الحسن بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط فقال: أنا هو، من أنت؟

فقلت: أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام ودفع إليَّ هذين الثوبين وهذه الصرّة لأسلمهما إليك فقال: الحمد لله، فإنَّ محمّد بن عبد الله الحائري(3) قد مات وخرجت لإصلاح كفنه، فحلَّ الثياب فإذا فيها ما يحتاج إليه من حبرة وثياب وكافور، وفي الصرة كري الحمّالين والحفّار. قال: فشيعنا جنازته وانصرفت(4).8.

ص: 494


1- كمال الدين: 486/ ح 7، الإمامة والتبصرة: 141/ ح 163.
2- الوتح: القليل من كلّ شيء، التافه. (لسان العرب 2: 628/ مادة وتح).
3- في (ر)، (م)، (ك): (الحيراني)، وما أثبتناه هو الصحيح. راجع: معجم رجال الحديث 16: 252.
4- كمال الدين: 492/ ح 17؛ الخرائج والجرائح 3: 1119/ ح 35؛ مدينة المعاجز: 617/ 108.

* عن نصر بن الصباح، قال: أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلي حاجز، وكتب رقعة غيَّر فيها اسمه، فخرج إليه الوصول باسمه ونسبه، والدعاء له(1).

* عن محمّد بن شاذان بن نعيم، قال: بعث رجل من أهل بلخ بمال ورقعة ليس فيها كتابة، وقد خطّ فيها بأصابعه كما تدور من غير كتابة، وقال للرسول: احمل هذا المال، فمن أخبرك بقصَّته وأجاب عن الرقعة فأوصل إليه المال. فصار الرجل إلي العسكر وقصد جعفراً وأخبره الخبر فقال جعفر: تقرُّ بالبداء؟

قال الرجل: نعم.

قال: فإنَّ صاحبك قد بدا له، وقد أمرك أن تعطيني المال.

فقال الرسول: لا يقنعني هذا الجواب.

فخرج الرجل من عنده وجعل يدور علي أصحابنا، فخرجت إليه رقعة: (هذا مال قد كان غرر به وكان فوق صندوق، فدخل اللصوص البيت وأخذوا ما في الصندوق وسلم المال)، وردت عليه الرقعة كما يدور الدعاء: (فعل الله بك وفعل)(2).

* عن محمّد بن شاذان بن نعيم، قال: أهديت(3) مالاً ولم أفسّر لمن هو، فورد الجواب: (وصل كذا، وكذا منه لفلان بن فلان، ولفلان كذا)(4).

* عن أبي العبّاس الكوفي، قال: حمل رجل مالاً ليوصله، وأحبَّ8.

ص: 495


1- كمال الدين: 488/ ح 10؛ الإمامة والتبصرة: 141/ ح 164؛ دلائل الإمامة: 287.
2- كمال الدين: 488/ ح 11؛ الإمامة والتبصرة: 141/ ح 165؛ دلائل الإمامة: 287؛ الخرائج والجرائح 3: 1129/ ح 47؛ مدينة المعاجز: 605/ ح 61.
3- في (م): (أنفذت).
4- كمال الدين: 509/ ح 38؛ مدينة المعاجز: 176/ ح 118.

أن يقف علي الدلالة، فوقَّع عليه السلام: (إن استرشدت أرشدت(1)، وإن طلبت وجدت، يقول لك مولاك: احمل ما معك).

قال الرجل: فأخرجت ممَّا معي ستّة دنانير بلا وزن وحملت الباقي، فخرج التوقيع: (يا فلان ردّ الستّة دنانير التي أخرجتها بلا وزن، ووزنها ستّة مثاقيل وخمسة دوانق وحبّة ونصف).

قال الرجل: فوزَّنت الدنانير، فإذا هي كما قال عليه السلام(2).

* عن إسحاق بن حامد الكاتب، قال: كان بقم رجل بزّاز مؤمن، وله شريك مرجئ، فوقع بينهما ثوب نفيس فقال المؤمن: يصلح هذا الثوب لمولاي.

فقال شريك: لست أعرف مولاك، لكن افعل ما تحبّ بالثوب.

فلمَّا وصل الثوب شقَّه عليه السلام نصفين طولاً فأخذ نصفه وردَّ النصف وقال: (لا حاجة لنا في مال المرجئ)(3).

* عن محمّد بن الحسن الصوفي، قال: أردت الخروج إلي الحجّ، وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضّة، فجعلت ما كان معي من ذهب سبائك، وما كان معي من الفضّة نقراً، وكان قد دفع ذلك المال إليه ليسلّمه إلي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه.

قال: فلمَّا نزلت بسرخس ضربت خيمتي علي موضع فيه رمل، فجعلت أميز تلك السبائك والنقر، فسقطت سبيكة من تلك السبائك منّي، وغاصت في الرمل، وأنا لا أعلم.ه.

ص: 496


1- في (م): (أرشدتك).
2- كمال الدين: 509/ ذيل الحديث 38؛ مدينة المعاجز: 176/ ح 119.
3- كمال الدين: 510/ ح 40؛ بحار الأنوار 51: 340 عنه.

قال: فلمَّا دخلت همدان ميَّزت تلك السبائك والنقر مرّة أخري اهتماماً منّي بحفظها، ففقدت منها سبيكة وزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل، أو قال: ثلاثة وتسعون مثقالاً.

قال: فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكة وجعلتها بين السبائك، فلمَّا وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح فسلَّمت إليه ما كان معي من السبائك والنقر، فمدَّ يده من بين السبائك إلي السبيكة التي كنت سبكتها من مالي بدلاً ممَّا ضاع منّي، فرمي بها إليَّ وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا، وسبيكتنا ضيَّعتها بسرخس حيث ضربت الخيمة في الرمل، فارجع إلي مكانك وانزل حيث نزلت، واطلب السبيكة هناك تحت الرمل، فإنَّك ستجدها وستعود إلي هاهنا فلا تراني.

قال: فرجعت إلي سرخس ونزلت حيث كنت نزلت، ووجدت السبيكة تحت الرمل، فنبت عليها الحشيش، وأخذت السبيكة وانصرفت إلي بلدي، فلمَّا كان من السنة القابلة توجَّهت إلي مدينة السلام ومعي السبيكة، فدخلت مدينة السلام وقد كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه قد مضي، ولقيت أبا الحسن علي بن محمّد السمري رضي الله عنه فسلَّمت السبيكة إليه. وفي ذلك عدّة آيات(1).

* عن الحسين بن علي بن محمّد القمي، المعروف بأبي علي البغدادي، قال: كنت ببخاري فدفع إليَّ المعروف بابن جاشير عشر سبائك وأمرني أن أسلّمها بمدينة السلام إلي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدَّس الله سرَّه، فحملتها معي.5.

ص: 497


1- أموية: مدينة مشهورة في غربي جيحون علي طريق القاصد إلي بخاري من مرو، ويطلق عليها عدّة أسماء منها آمل الشطّ وآمل المفازة. راجع: معجم البلدان 1: 58 و255.

فلمَّا وصلت مفازة أموية ضاعت منّي سبيكة من تلك السبائك، ولم أعلم بذلك حتَّي دخلت مدينة السلام فأخرجت السبائك لاُسلّمها إليه، فوجدتها قد نقصت واحدة منها، فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها وأضفتها إلي التسع سبائك، ثمّ دخلت علي الشيخ أبي القاسم الروحي، ووضعت السبائك بين يديه، فقال لي: خذ تلك السبيكة التي اشتريتها قد وصلت إلينا وهي ذا هي ثمّ أخرج تلك السبيكة التي ضاعت منّي بأموية(1) فنظرت إليها وعرفتها.

قال الحسين بن علي المعروف بأبي علي البغدادي: ورأيت تلك السبيكة بمدينة السلام(2).

* قال: وسألتني امرأة عن وكيل مولانا عليه السلام من هو؟

فقال لها بعض القميين: إنَّه أبو القاسم بن روح، وأشار لها إليه.

فدخلت عليه وأنا عنده، فقالت له: أيّها الشيخ، أيّ شيء معي؟

فقال: ما معك فألقيه في دجلة، فألقته، ثمّ رجعت ودخلت إلي أبي القاسم الروحي رضي الله عنه وأنا عنده، فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إليَّ الحُقّة، فأخرجت إليه حقّة، فقال للمرأة: هذه الحُقّة التي كانت معك ورميت بها في دجلة؟

قالت: نعم.

قال: أخبرك بما فيها، أم تخبريني؟3.

ص: 498


1- كمال الدين: 516؛ بحار الأنوار 51: 340 عن كمال الدين؛ الخرائج والجرائح 3: 1126/ ح 44.
2- كمال الدين: 518/ ح 47؛ الخرائج والجرائح 3: 1123/ ح 41 قطعة منه؛ بحار الأنوار 51: 341/ ح 69؛ مدينة المعاجز: 618/ ح 113.

فقالت: بل أخبرني أنت.

فقال: في هذه الحقّة زوج سوار من ذهب، وحلقة كبيرة فيها جوهر، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر، وخاتمان، أحدهما فيروزج والآخر عقيق.

وكان الأمر كما ذكر، لم يغادر منه شيئاً، ثمّ فتح الحقّة فعرض علي ما فيها، ونظرت المرأة إليه فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في دجلة! فغشي عليَّ وعلي المرأة فرحاً بما شاهدنا من صدق الدلالة.

ثمّ قال الحسين لي بعد ما حدَّثنا بهذا الحديث: أشهد عند الله يوم القيامة بما حدَّثت به أنَّه كما ذكرته، لم أزد فيه ولم أنقص منه، وحلف بالأئمّة الاثني عشر صلوات الله عليهم لقد صدق فيه، وما زاد ولا أنقص. وفي هذين الحديثين أيضاً عدّة آيات(1).

* عن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتَّب، قال: كنت بالمدينة في السنة التي توفّي فيها الشيخ علي بن محمّد السمري قدس سره، فحضرته قبل وفاته بأيّام فأخرج إلي الناس توقيعاً نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجرك وأجر إخوانك فيك، فإنَّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك، ولا توص إلي أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، ولا ظهور إلاَّ بإذن الله تعالي، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي، من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلاَّ بالله العلي العظيم).4.

ص: 499


1- كمال الدين: 519؛ الخرائج والجرائح 3: 1125/ ح 43؛ مدينة المعاجز: 618/ ح 114.

قال: فنسخنا ذلك التوقيع وخرجنا من عنده، فلمَّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، قيل له: من وصيّك من بعدك؟

فقال: لله أمر هو بالغه، وقضي رحمه الله، وهذا آخر كلام سمع منه قدس سره(1).

* عن محمّد بن شاذان بن نعيم النيسابوري، قال: قد اجتمع عندي مال للغريم عليه السلام خمسمائة درهم، ينقص عشرين درهماً، فأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندي، وبعثت بها إلي محمّد بن جعفر، ولم أكتب مالي فيها. فأنفذ إليَّ محمّد بن جعفر القبض، وفيه خمسمائة درهم منها عشرون درهما (2).

5 - فصل: في بيان ظهور آياته عليه السلام في معان شتّي:

وفيه: عشرة أحاديث:

* عن أحمد بن محمّد بن فارس الأديب، قال: سمعت حكاية بهمذان حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني، فسألني أن أكتبها له بخطّي، ولم أجد إلي مخالفته سبيلاً، وقد كتبتها، وعهدتها علي من حكاها، وذلك أنَّ بهمذان أناساً يعرفون ببني راشد، وهم كلّهم يتشيَّعون، ومذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همدان، فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحاً وسمتاً حسناً: إنَّ سبب ذلك أنَّ جدّنا الذي ننتسب إليه خرج حاجّاً، فقال إنَّه لمَّا فرغ من الحجّ وساروا منازل في البادية، قال: فنشطت للنزول والمشي، فمشيت طويلاً حتَّي أعييت وتعبت، فقلت في نفسي: أنام نومة تريحني فإذا جاءت القافلة قمت.4.

ص: 500


1- الغيبة للطوسي: 242؛ كمال الدين: 516/ ح 44؛ الاحتجاج 2: 297؛ الخرائج والجرائح 3: 1129/ ح 5؛ بحار الأنوار 51: 360/ ح 7.
2- كمال الدين: 485/ ح 5؛ بحار الأنوار 51: 325/ ح 44.

قال: فما انتبهت إلاَّ بحرّ الشمس، ولم أرَ أحداً، فتوحشت ولم أرَ طريقاً ولا أثراً، فتوكَّلت علي الله تعالي وقلت: أتوجَّه حيث وجَّهني ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنَّها قريبة عهد بغيث، فإذا تربتها أطيب تربة، ونظرت في سواد تلك الأرض إلي قصر يلوح كأنَّه سيف، فقلت في نفسي: ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده ولم أسمع به؟! فقصدته، فلمَّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلَّمت عليهما فردّا ردّاً جميلاً وقالا: اُجلس، فقد أراد الله بك خيراً.

وقام أحدهما فدخل، فاحتبس غير بعيد ثمّ خرج، فقال: قم فادخل.

فقمت ودخلت قصراً لم أرَ شيئاً أحسن ولا أضوأ منه، وتقدَّم الخادم إلي ستر علي بيت فرفعه، ثمّ قال لي: اُدخل، فدخلت البيت وقد علَّق فوق رأسه من السقف سيفاً طويلاً تكاد ظبَّته تمسّ رأسه، وكان الفتي يلوح في ظلام، فسلَّمت، فردَّ السلام بألطف كلام وأحسنه ثمّ قال: (أتدري من أنا؟).

فقلت: لا والله.

فقال: (أنا القائم من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، أنا الذي أخرج آخر الزمان بهذا السيف - وأشار إليه - فأملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً).

قال: فسقطت علي وجهي وتعفَّرت.

فقال: (لا تفعل، ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها: همذان).

قلت: صدقت يا سيّدي ومولاي.

قال: (أفتحبّ أن تؤوب إلي أهلك؟).

قلت: نعم يا مولاي، وأبشّرهم بما يسَّر الله تعالي، فأومأ إلي خادم وأخذ بيدي وناولني صرّة، وخرج بي ومشي معي خطوات، فنظرت إلي ظلال وأشجار ومنارة ومسجد.

ص: 501

فقال: أتعرف هذا البلد؟

قلت: إنَّ بقرب بلدنا بلدة تعرف بأسد آباد وهي تشبهها.

فقال: أتعرف أسد آباد؟ فامض راشداً. فالتفت ولم أرَه. ودخلت أسد آباد، ونظرت فإذا في الصرّة أربعون - أو خمسون ديناراً - فوردت همدان وجمعت أهلي وبشَّرتهم بما يسَّر الله تعالي لي، فلم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير(1).

* عن أبي الأديان، قال: كنت أخدم أبا محمّد عليه السلام وأحمل كتبه إلي الأمصار، فدخلت عليه في علَّته التي توفّي بها، فكتب معي كتباً وقال: (امض بها إلي المدائن، فإنَّك ستغيب خمسة عشر يوماً، وتدخل سُرَّ من رأي يوم الخامس عشر، وتسمع الواعية في داري، وتجدني علي المغتسل).

قال أبو الأديان: فقلت: يا سيّدي، فإذا كان ذلك فمن لنا؟

قال: (من طالبك بجوابات كتبي، فهو القائم بعدي).

فقلت: زدني.

فقال: (من يصلّي عليَّ فهو القائم من بعدي).

فقلت: زدني يا ابن رسول الله.

فقال: (من طلب ما في الهميان فهو القائم بعدي).

ثمّ منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان وخرجت بالكتب إلي المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت سُرَّ من رأي يوم الخامس عشر كما قال عليه السلام، وإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به علي المغتسل، وإذا بجعفر بن علي علي الباب، والشيعة من حوله يعزّونه ويهنّونه.2.

ص: 502


1- كمال الدين: 453/ ح 20؛ الخرائج والجرائح 2: 788/ ح 112.

فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة؛ لأنّي كنت أعرفه يشرب الخمر والنبيذ ويقامر بالجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدَّمت وعزَّيت وهنَّيت، ولم يسألني عن شيء، ثمّ خرج عبد فقال: يا سيّدي، قد كفن أخوك، فقم فصلّ عليه.

فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم فلمَّا صرنا في الدار فإذا نحن بالحسن بن علي عليه السلام علي نعشه مكفّناً، فتقدَّم جعفر بن علي ليصلّي عليه، فلمَّا همَّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة وبشعر قطط وبأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر بن علي وقال: (تأخَّر يا عمّ، فأنا أحقُّ بالصلاة علي أبي عليه السلام).

فتأخَّر جعفر وأربد وجهه، وتقدَّم مولانا وسيّدنا الخلف الصالح وصلّي علي أبيه، ودفن إلي جانب قبر أبيه عليه السلام ثمّ قال: (يا بصري، هات جوابات الكتب التي معك) فدفعتها إليه، وقلت في نفسي: هذه آيتان، بقي الهميان.

ثمّ خرجنا إلي جعفر بن علي وهو يزفر فقال له حاجز الوشاء: من الصبي؟ ليقيم الحجّة عليه.

فقال: والله ما رأيته قطّ ولا أعرفه.

ونحن جلوس إذ قدم نفر من أهل قم، فسألوه عن الحسن عليه السلام، فعرفوا بموته، فقالوا: من ضبط الأمر بعده؟

فأشار الناس إلي جعفر، فسلَّموا عليه وعزّوه وهنّوه، وقالوا: معنا مال وكتب ندفعه إلي من يقول كم المال، وممَّن الكتب، فقام ينفض أثوابه وهو يقول: يريدون منّا أن نعلم الغيب.

قال: فخرج الخادم وقال: معكم كتب من فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار، وعشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا الكتب والمال إليه وقالوا: الذي وجَّه بك إلينا لأخذ المال هو الإمام.

ص: 503

فدخل جعفر بن علي علي المعتمد وكشف ذلك له، فوجَّه المعتمد بخدمه فقبض علي صقيل الجارية وطالبوها بالصبي، فأنكرته وادَّعت حبلاً بها لتغطّي حال الصبي، فسلّمت إلي ابن أبي الشوارب، وبغتهم موت عبد الله بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت(1) عن أيديهم، والحمد لله ربّ العالمين.

* عن علي بن سنان الموصلي، عن أبيه، قال: لمَّا قبض أبو محمّد عليه السلام وقدم وفد من قم والجبل وفود بالأموال التي كانت تحمل علي الرسم، ولم يكن عندهم خبر وفاة أبي محمّد الحسن عليه السلام، فلمَّا أن وصلوا إلي سُرَّ من رأي سألوا عنه، فقيل لهم: إنَّه قد فقد.

فقالوا: ومن وارثه؟

فقالوا: جعفر أخوه، فسألوا عنه فقيل: خرج متنزّهاً، وركب زورقاً في الدجلة يشرب الخمر ومعه المغنّون.

قال: فتشاور القوم وقالوا: ليس هذه صفة الإمام.

وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتَّي نرد هذه الأموال علي أصحابها.

فقال أبو العبّاس محمّد بن جعفر الحميري القمي: قفوا بنا حتَّي ينصرف هذا الرجل، ونختبر أمره علي الصحَّة.

قال: فلمَّا انصرف دخلوا عليه وسلَّموا عليه وقالوا: يا سيّدنا، نحن من أهل قم، فينا جماعة من الشيعة وغيرهم، وكنّا نحمل إلي سيّدنا أبي محمّد عليه السلام الأموال.

فقال: وأين هي؟ن.

ص: 504


1- كمال الدين: 475؛ الخرائج والجرائح 3: 1101/ ح 23؛ بحار الأنوار 50: 332/ ح 4 عن كمال الدين.

قالوا: معنا.

قال: احملوها إليَّ.

قالوا: إنَّ لهذه الأموال خبراً طريفاً.

فقال: وما هو؟

قالوا: إنَّ هذه الأموال تجمع، ويكون فيها من عامّة الشيعة الدينار والديناران، ثمّ يجعلونها في كيس ويختمون عليها، وكنّا إذا وردنا بالمال إلي سيّدنا أبي محمّد عليه السلام يقول جملة المال كذا دينار، من فلان كذا، ومن عند فلان كذا، حتَّي يأتي علي أسماء الناس كلّهم، يقول ما علي نقش الخواتيم.

فقال جعفر: كذبتم، تقولون علي أخي ما لم يفعله، هذا علم الغيب.

قال: فلمَّا سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلي بعض فقال لهم: احملوا هذا المال إليَّ.

فقالوا: إنّا قوم مستأجرون، لا يسلّم المال إلاَّ بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيّدنا الحسن عليه السلام، فإن كنت الإمام فبرهن لنا، وإلاَّ رددناها علي أصحابها، يرون فيها رأيهم. قال: فدخل جعفر بن علي علي الخليفة، وكان بسُرَّ من رأي، فاستعدي عليهم، فلمَّا أحضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلي جعفر.

فقالوا: أصلح الله الخليفة، نحن قوم مستأجرون، ولسنا أرباب هذه الأموال، وهي لجماعة، وأمرونا أن لا نسلّمها إلاَّ بالعلامة والدلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمّد عليه السلام.

فقال الخليفة: وما كانت الدلالة التي كانت مع أبي محمّد؟

قال القوم: كان يصف لنا الدنانير، وأصحابها، والأموال، وكم هي، فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه، وقد وفدنا عليه مراراً، وكانت هذه علامتنا

ص: 505

معه، وقد مات، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، وإلاَّ رددناها إلي أصحابها الذين بعثوها بصحبتنا.

قال جعفر: يا أمير المؤمنين، هؤلاء قوم كذّابون، يكذبون علي أخي، وهذا علم الغيب. فقال الخليفة: القوم رسل، وما علي الرسول إلاَّ البلاغ المبين.

قال: فبهت جعفر، ولم يرد جواباً، فقال القوم: يا أمير المؤمنين، تطوَّل بإخراج أمره إلي من يبدرقنا (1) حتَّي نخرج من هذا البلد.

قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها، فلمَّا أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن الناس وجهاً كأنَّه خادم، فصاح: يا فلان ويا فلان بن فلان، أجيبوا مولاكم.

فقالوا له: أنت مولانا؟

فقال: معاذ الله، أنا عبد مولاكم فسيروا إليه.

قالوا: فسرنا معه حتَّي دخلنا دار مولانا الحسن بن علي عليهما السلام، فإذا ولده القائم سيّدنا عليه السلام قاعد علي سرير، كأنَّه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلَّمنا عليه، فردَّ علينا السلام، ثمّ قال: (جملة المال كذا وكذا ديناراً، وحمل فلان كذا) ولم يزل يصف حتَّي وصف الجميع، ووصف ثيابنا ورواحلنا، وما كان معنا من الدواب، فخررنا سجّداً لله تعالي، وقبَّلنا الأرض بين يديه، ثمّ سألناه عمَّا أردنا فأجاب، فحملنا إليه الأموال وأمرنا عليه السلام أن لا نحمل إلي سُرَّ من رأي شيئاً من المال، وأنَّه ينصب لنا ببغداد رجلاً نحمل إليه الأموال، وتخرج من عنده التوقيعات.).

ص: 506


1- يبدرقنا: من البدرقة، وهي الجماعة التي تتقدَّم القافلة وتكون معها، تحرسها وتمنعها العدوّ. (مجمع البحرين 5: 137/ مادة بدرق).

قالوا: فانصرفنا من عنده، ودفع إلي أبي العبّاس محمّد بن جعفر الحميري القمي شيئاً من الحنوط والكفن، فقال له: (أعظم الله أجرك في نفسك).

قال: فلمَّا بلغ أبو العبّاس عقبة همذان حمّ توفي رحمه الله، وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلي بغداد، إلي نوّابه المنصوبين، وتخرج من عندهم التوقيعات(1).

* عن محمّد بن صالح: كتبت أسأله الدعاء لباداشاله وقد حبسه عبد العزيز، واستأذنت في جارية أستولدها، فورد: (ستولد الجارية، ويفعل الله ما يشاء، والمحبوس يخلّصه الله) فاستولدت الجارية فولدت وماتت، وخلّي عن المحبوس يوم خرج إليَّ التوقيع(2).

* قال: وحدَّثني أبو جعفر، قال: ولد لي مولود وكتبت، أستأذن في تطهيره يوم السابع أو الثامن، فكتب يخبر بموته، وكتب: (سيخلف عليك غيره، فسمّه أحمد، ومن بعد أحمد جعفراً) فجاء كما قال عليه السلام.

قال: وتزوَّجت امرأة سرّاً، فلمَّا وطأتها علقت وجاءت ببنت فاغتممت وضاق صدري، وكتبت أشكو ذلك، فورد: (ستكفاها) فعاشت أربع سنين ثمّ ماتت فورد: (الله ذو أناة، وأنتم تستعجلون)(3).

* عن أبي محمّد الحسن بن وجناء، قال: كنت ساجداً تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجّة بعد العمرة وأنا أتضرَّع في الدعاء إذ حرَّكني محرّك، فقال لي: قم يا حسن بن وجناء فرعشت.

قال: فقمت، فإذا جارية صفراء نحيفة البدن، أقول إنَّها من بنات8.

ص: 507


1- كمال الدين: 476/ ح 26؛ ينابيع المودّة: 462؛ الخرائج والجرائح 3: 1104/ ح 24؛ مدينة المعاجز: 619/ ح 117؛ بحار الأنوار 52: 47/ ح 34.
2- كمال الدين: 489/ ح 12؛ بحار الأنوار 51: 327.
3- أصول الكافي 1: 438؛ الإرشاد: 355؛ بحار الأنوار 51: 308.

أربعين فما فوقها، فمشت بين يدي، وأنا لا أسألها عن شيء، حتَّي أتت دار خديجة عليها السلام، وفيها بيت بابه في وسط الحائط، وله درج ساج يرتقي إليه، فصعدت الجارية وجاءني النداء: (أصعد يا حسن) فصعدت، فوقفت بالباب فقال لي صاحب الزمان عليه السلام: (يا حسن، أتراك خفيت عليَّ! والله ما من وقت في حجّك إلاَّ وأنا معك فيه).

ثمّ جعل يعدّ عليَّ أوقاتي فوقعت علي وجهي. فحسست بيد قد وقعت عليَّ، فقمت، فقال لي: (يا حسن، إلزم بالمدينة دار جعفر بن محمّد عليه السلام، ولا يهمنَّك طعامك ولا شرابك، ولا ما تستر به عورتك).

ثمّ دفع إليَّ دفتراً فيه دعاء الفرج، وصلاة عليه، وقال: (بهذا فادع، وهكذا فصلّ عليَّ، ولا تعطه إلاَّ أوليائي، فإنَّ الله عز وجل يوفّقك).

فقلت: يا مولاي، لا أراك بعدها؟

فقال: (يا حسن إذا شاء الله تعالي).

قال: فانصرفت من حجَّتي ولزمت دار جعفر عليه السلام، وأنا لا أخرج منها ولا أعود إليها إلاَّ لثلاث خصال: إلاَّ لتجديد الوضوء أو النوم، أو لوقت الإفطار، فإذا دخلت بيتي وقت الإفطار فأصيب وعائي مملوءً دقيقاً علي رأسه، عليه ما تشتهي نفسي بالنهار، فآكل ذلك فهو كفاية لي، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء، وكسوة الصيف في وقت الصيف، وإنّي لأدخل الماء بالنهار وأرش به البيت، وأدع الكوز فارغاً، وآتي بالطعام ولا حاجة لي إليه، فأتصدَّق لئلاَّ يعلم به من معي(1).

* عن الأزدي، قال: بينا أنا في الطواف، قد طفت ستّاً وأريد9.

ص: 508


1- كمال الدين: 443/ ح 17؛ الخرائج والجرائح 2: 961؛ مدينة المعاجز: 620/ ح 119.

السابع، وإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشاب حسن الوجه طيّب الرائحة هيوب، مع هيبته متقرّب إلي الناس، يتكلَّم، فلم أرَ أحسن من كلامه، ولا أعذب من منطقه في حسن جلوسه، فذهبت أكلّمه فزبرني الناس، فسألت بعضهم: من هذا؟

فقالوا: ابن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، يظهر للناس في كلّ سنة لخواصّه يوماً يحدّثهم.

فقلت: يا سيّدي، مسترشداً أتيتك، فأرشدني هداك الله، فناولني عليه السلام حصاة، فحوَّلت وجهي.

فقال لي بعض جلسائه: ما الذي بيدك؟

فقلت: حصاة، وكشفت يدي عنها فإذا هي سبيكة ذهب، فذهبت فإذا أنا به عليه السلام قد لحقني.

فقال لي: (بينت لك الحجّة، وظهر لك الحقّ، وذهب عنك العمي، أتعرفني؟).

فقلت: لا.

فقال عليه السلام: (أنا المهدي، أنا القائم بأمر الله، أنا قائم الزمان، أنا الذي أملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، إنَّ الأرض لا تخلو من حجّة، ولا تبقي الناس في فترة، وهذه أمانة تحدّث بها إخوانك من أهل الحقّ)(1).

* عن أبي جعفر محمّد بن علي الأسود، قال: سألني علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي رحمه الله بعد موت محمّد بن عثمان0.

ص: 509


1- الغيبة للطوسي: 152؛ كمال الدين: 444/ ح 18؛ إعلام الوري: 450؛ ينابيع المودّة: 464؛ الخرائج والجرائح 1: 784/ ح 110.

العمري رضي الله عنه أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان صلوات عليه أن يدعو الله أن يزرقه ولداً ذكراً.

قال: فسألته، فأنهي ذلك، (ثمّ) أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيّام أنَّه قد دعا لعلي بن الحسين، وأنَّه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به، وبعده أولاد، فرزق ابنه أبو جعفر محمّد بن علي الفقيه، وبعده أولاد(1).

* عن أحمد بن إبراهيم بن مخلد، قال: حضرت ببغداد عند المشايخ، فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمّد السمري (قدَّس الله روحه) ابتداءً منه: رحم الله علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي.

قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم، فورد الخبر أنَّه توفي في ذلك اليوم(2).

* عن يوسف بن أحمد الجعفري، قال: حججت سنة ستّ وثلاثين وثلاثمائة، ثمّ جاورت بمكّة ثلاث سنين، ثمّ خرجت عنها منصرفاً إلي الشام، فبينما أنا في بعض الطريق وقد فاتتني صلاة الفجر فنزلت من محملي وتهيَّأت للصلاة، فرأيت أربعة نفر في محمل فوقفت أعجب منهم، فقال لي أحدهم: مِمَ تتعجَّب؟ تركت صلاتك.

فقلت: وما علمك بي؟!

فقال: تحبّ أن تري صاحب زمانك؟

فقلت: نعم. .

ص: 510


1- الغيبة للطوسي: 194؛ كمال الدين: 502؛ الخرائج والجرائح 3: 1124؛ مدينة المعاجز: 618/ ح 113.
2- الغيبة للطوسي: 242؛ كمال الدين: 503؛ إعلام الوري: 451؛ الخرائج والجرائح 3: 1128/ ح 45؛ مدينة المعاجز: 612/ ح 88 .

فأومأ إلي أحد الأربعة، فقلت له: إنَّ له دلائل وعلامات؟

فقال: أيّما أحبُّ إليك، أن تري المحمل وما عليه صاعداً إلي السماء، أو تري المحمل بما عليه يرتفع إلي السماء؟ فقلت: أيّهما فهو دلالة، فرأيت المحمل وما عليه صاعداً إلي السماء وكان الرجل أومأ إلي رجل به سمرة، كأنَّ لونه الذهب بين عينيه سجادة(1).

* * *

ص: 511


1- الغيبة للطوسي: 155، الخرائج والجرائح 1: 466/ ح 13، مدينة المعاجز: 612.

المجلد 3

اشارة

الإمِامُ المَهدِي فِي مَصَادِر عُلَماءِ الشِّيعِةِ مِنَ القَرنِ الثّاني الي القَرنِ الحَادِي عَشَر

الجُزءُ الثّالِث

اعدَاد وَ تحقِيق

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

رقم الإصدار : 112

ص: 1

اشارة

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة

فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

النجف الأشرَف - شارع السور - قريب جبل الحويش

هاتف : 218318 و 3702011، النقال : 07804754535

ص.ب588

www.m.mahdi.com

info@m.mahdi.com

***

الإمام المهدي عليه السلام في مصادر علماء الشية / ج(3)

إعداد و تحقيق

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة

فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

الطبعة الأولي : 1430ه

النجف الأشرف

رقم الإصدار : 114

عدد النسخ :1500

جميع الحقوق محفوظة للمركز

ص: 2

عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار

اشارة

تأليف: الحافظ يحيي بن الحسن الأسدي الحلي المعروف بابن البطريق 533 - 600 ه-

تحقيق: الشيخ مالك المحمودي - الشيخ ابراهيم البهادري

ص: 3

ص: 4

فصل: في ذكر ما جاء في المهدي عليه السلام من متون الصحاح الستّة

فصل: في ذكر ما جاء في المهدي عليه السلام من متون الصحاح الستّة(1)

* من الجزء الثالث من أجزاء ثلاثة من صحيح مسلم علي حدّ كرّاسين من آخره، قال: حدَّثنا زهير بن حرب وعلي بن حجر - واللفظ لزهير -، قال: حدَّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن الجريري، عن أبي نضرة، قال: كنّا عند جابر بن عبد الله، فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبي(2) إليهم قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قِبَل العجم يمنعون ذلك، ثمّ قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبي لهم دينار ولا مدّ، قلنا له: من أين ذلك؟ قال: من قِبَل الروم، ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (يكون في آخر أمّتي خليفة، يحثي المال حثيا (3)، لا يعدّه عدّ(4))، قال: قلت لأبي نضرة وأبي العلاء: أتريان أنَّه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا(5).

وبالإسناد المقدَّم، قال: حدَّثنا ابن مثنّي، حدَّثنا عبد الوهاب، حدَّثنا سعيد - يعني: الجريري - بهذا الإسناد، نحوه(6).

ص: 5


1- العمدة: 423 - 438/ ح 423 - 924.
2- جبي: جمع.
3- الحثي: الرمي، والمراد منه أنَّ هذا الخليفة يفعل هذا الحثو بكثرة الأموال والغنائم والفتوحات عنده مع سخاء نفسه.
4- أي: معدوداً.
5- صحيح مسلم 8 : 184 و185/ باب لا تقوم الساعة حتَّي يمرّ الرجل...
6- المصدر السابق.

* وحدَّثنا نصر بن علي الجهضمي، حدَّثنا بشر - يعني: ابن المفضَّل -، وحدَّثنا علي بن حجر، حدَّثنا إسماعيل - يعني: ابن علية - كلاهما، عن سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (من خلفائكم خليفة يحثو المال حثياً، لا يعدّه عدّاً).

وفي رواية ابن حجر: يحثي المال(1).

* قال: وحدَّثني زهير بن حرب، حدَّثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدَّثنا أبي، حدَّثنا داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله، قالا: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعدّه)(2).

* وبه قال: وحدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدَّثنا أبو معاوية، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بمثله(3).

* ومن الجزء المذكور أيضاً إلاَّ أنَّه قبل هذه الأخبار بكرّاس واحد وبالإسناد المقدَّم، قال: وحدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر كلاهما، عن أبن علية - واللفظ لابن حجر -، حدَّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيّوب، عن حميد بن هلال، عن أبي قتادة العدوي، عن يسير بن جابر، قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجير(4) فقال: ألا يا عبد الله بن مسعود، جاءت الساعة، قال: فقعد وكان متّكئاً فقال: إنَّ الساعة لا تقوم حتَّي لا يقسمح.

ص: 6


1- المصدر السابق.
2- صحيح مسلم 8 : 185/ باب لا تقوم السعة حتَّي يمرّ الرجل...
3- المصدر السابق.
4- الهجير: الدأب والعادة، هجيري الرجل كلامه ودأبه وشأنه. وفي (أ): (الهجين)، والهجنة في الكلام: العيب والقبح.

الميراث ولا يفرح بغنيمة، ثمّ قال بيده هكذا ونحّاها نحو الشام، فقال: (عدوّ يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام).

قلت: الروم تعني؟

قال: نعم، وتكون عند ذاكم(1) القتال ردّة شديدة(2) فيشترط المسلمون شرطة(3) للموت لا ترجع إلاَّ غالبة، فيقتتلون حتَّي يحجر بينهم الليل، فيفيء(4) هؤلاء وهؤلاء كلّ غير غالب، وتفني الشرطة، ثمّ يشترط المسلمون شرطة للموت فلا ترجع إلاَّ غالبة، فيقتتلون حتَّي يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كلّ غير غالب، وتفني الشرطة، ثمّ يشترط المسلمون شرطة للموت، لا ترجع إلاَّ غالبة فيقتتلون حتَّي يمسوا، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كلّ غير غالب، وتفني الشرطة فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم(5) بقيّة أهل الإسلام، فيجعل الله الدبرة(6) عليهم فيقتتلون مقتلة - إمَّا قال: لا يري مثلها، وإمَّا قال: لم يرَ مثلها -، حتَّي أنَّ الطائر ليمرّ بجنباتهم فما يخلّفه(7) حتَّي يخر ميّتاً فيتعاد بنو الأب كانوا مائة فلا يجدونه بقي منهم إلاَّ رجل واحد(8) فبأيّ غنيمة يفرح أو بأيّ ميراث يقاسم، فبينما همً.

ص: 7


1- في (أ): (ذلك).
2- ردّة شديدة: صولة شديدة. وفي (أ): (بردة شديدة).
3- الشرطة: من الجيش تتقدَّم للقتال.
4- في (أ): (فسعي)، وكذا فيما بعد.
5- نهد إلي العدوّ: نهض.
6- الدبرة: الهزيمة. وفي بعض النسخ: (الدائر)، والمعني متقارب.
7- في النسخ الموجودة بأيدينا: (فما يلحقهم)، وفي (أ): (يجناحه) بدل (بجنباتهم).
8- والمراد منه أنَّهم يشرعون في عدّ أنفسهم فيشرع كلّ جماعة في عدّ أقاربهم فلا يجدون من مائة إلاَّ واحداً.

كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر(1) من ذلك فجاءهم الصريخ: إنَّ الدجّال قد خلفهم في ذراريهم فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة، قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إنَّي لأعرف أسمائهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم، هم خير فوارس علي ظهر الأرض يومئذٍ، أو من خير فوارس علي ظهر الأرض يومئذٍ).

قال ابن أبي شيبة في روايته عن يسير بن جابر(2).

* ومن صحيح مسلم في الجزء الخامس من أجزاء خمسة(3) علي حدّ ثلاثة أرباعه وبالإسناد الأوّل، قال: حدَّثني محمّد بن حاتم بن ميمون، حدَّثنا الوليد بن صالح، حدَّثنا عبيد الله بن عمرو، حدَّثنا زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الملك العامري، عن يوسف بن ماهك، أخبرني عبد الله بن صفوان، عن اُمّ المؤمنين اُمّ سَلَمة رضي الله عنها إنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: (سيعوذ بهذا البيت - يعني: الكعبة - قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدّة، يبعث إليهم جيش حتَّي إذا كانوا ببيداء(4) من الأرض خسف بهم).

قال يوسف: وأهل الشام يومئذٍ يسيرون إلي مكّة، فقال عبد الله بن صفوان: أمَا والله ما هو بهذا الجيش.

قال زيد: وحدَّثني عبد الملك العامري، عن عبد الرحمن بنة.

ص: 8


1- في (أ): (باُناس هو أكثر).
2- صحيح مسلم 8 : 177/ باب إقبال الروم في كثرة القتل.
3- في (أ): (ستّة).
4- البيداء: المفازة التي لا شيء بها، وهي هاهنا اسم موضع مخصوص بين مكّة والمدينة.

سابط، عن الحارث بن أبي ربيعة، عن اُمّ المؤمنين بمثل حديث يوسف بن ماهك، غير أنَّه لم يذكر فيه الجيش الذي ذكره عبد الله بن صفوان(1).

* وبالإسناد أيضاً، قال: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدَّثنا يونس بن محمّد، حدَّثنا القاسم بن الفضل الحداني، عن محمّد بن زياد، عن عبد الله بن الزبير أنَّ عائشة قالت: عبث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في منامه(2) فقلنا: يا رسول الله صنعت شيئاً في منامك لم تكن تفعله؟

فقال: (العجب، إنَّ ناساً من أمّتي يؤمّون البيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت حتَّي إذا كانوا بالبيداء خسف بهم).

فقلنا: يا رسول الله إنَّ الطريق قد يجمع الناس؟

قال: (نعم، فيهم المستبصر والمجبور(3) وابن السبيل، يهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتّي، يبعثهم الله علي نيّاتهم)(4).

* وبالإسناد المقدَّم أيضاً، قال: حدَّثنا أحمد بن يونس، حدَّثنا زهير حدَّثنا عبد العزيز بن رفيع بهذا الإسناد، وفي حديثه قال: فلقيت أبا جعفر فقلت: إنَّها إنَّما قالت بيداء من الأرض.

فقال أبو جعفر: (كلاَّ، والله إنَّها لبيداء المدينة)(5).

* ومن تفسير الثعلبي، ذكر الثعلبي في تفسير قوله تعالي: (إِنَّاق.

ص: 9


1- صحيح مسلم 8 : 167/ باب الخسف بالجيش.
2- عبث في منامه: حرَّك يديه كالدافع أو الآخذ.
3- المستبصر: المستبين للأمر القاصد لذلك عمداً، والمجبور: المكره.
4- صحيح مسلم 8 : 167 و168/ باب الخسف بالجيش، وبيداء المدينة: الشرف الذي قدّام ذي الحليفة.
5- المصدر السابق.

لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَْشْهادُ)(1) وذكر فتنة الدجّال، ثمّ قال: وبالإسناد المقدَّم، قال مقاتل: قالوا: يا رسول الله فكيف نصلّي في تلك الأيّام القصار؟

قال: (تقدّرون فيها كما تقدّرون في هذه الأيّام الطوال، ثم تصلّون وأنَّه لا يبقي شيء في الأرض إلاَّ وطأه وغلب عليه إلاَّ روضة مكّة والمدينة؛ فإنَّه لا يأتيهما من نقب(2) من أنقابهما إلاَّ لقيه ملك مصلت بالسيف حتَّي ينزل الظريب الأحمر(3) عند مجتمع السيول عند منقطع السبخة(4) ثمّ ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقي منافق فيها ولا منافقة إلاَّ خرج إليه، فتنفي المدينة يومئذٍ الخبيث، كما ينفي الكير(5) خبث الحديد، يدعي ذلك اليوم: يوم الخلاص).

قالت اُمّ شريك: يا رسول الله، أين الناس يومئذٍ؟

قال: (ببيت المقدس، يخرج حتَّي يحاصرهم، وإمام الناس يومئذٍ رجل صالح، فبينما صلّي الصبح فإذا كبَّر ودخل في الصلاة(6) نزل عيسي ابن مريم عليهما السلام فإذا رآه ذلك الرجل عرفه، فرجع يمشي القهقري، فيتقدَّم عيسي عليه السلام فيضع يده بين كتفيه ويقول: صلّ فإنَّما اُقيمت لك الصلاة فيصلّي عيسي وراءه، ثمّ يقول: افتحوا الباب، فيفتحون الباب)(7).4.

ص: 10


1- غافر: 51.
2- النقب: الطريق في الجبل.
3- الظريب: الجبال الصغار.
4- السبخة: أرض مالحة يعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلاَّ بعض الأشجار.
5- الكير: زقّ ينفخ فيه الحدّاد.
6- في المصدر: (فبينما إمامهم قد تقدَّم يصلّي بهم الصبح إذ...).
7- سنن ابن ماجة 2: 512 مع شيء من التقديم والتأخير؛ كنز العمّال 14: 293 و294.

* ذكر الثعلبي في تفسير قوله تعالي: (حم * عسق)(1): بالإسناد المقدَّم قال: ((س): سناء المهدي، (ق): قوّة عيسي حين ينزل فيقتل النصاري ويخرب البِيَع)(2).

* ذكر الثعلبي في تفسير السورة (الشوري) في تفسير قوله تعالي: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي)(3)، والخبر طويل ذكرناه في تاسع فصل من الكتاب(4)، ونذكر منه موضع الحاجة هاهنا.

* وبالإسناد المقدَّم، قال: أخبرنا أبو الحسن العلوي الرضوي، حدَّثنا أحمد بن علي بن مهدي، حدَّثني أبي، حدَّثني علي بن موسي الرضا، حدَّثني أبي موسي بن جعفر، حدَّثني أبي جعفر الصادق، قال: (كان نقش خاتم أبي محمّد بن علي عليه السلام: ظنّي بالله حسن، وبالنبيّ المؤتمن، وبالوصيّ ذي المنن، وبالحسين والحسن)(5).

* قال الثعلبي بإسناده: وأنشدني أحمد بن إبراهيم الجرجاني، قال: أنشدني منصور الفقيه لنفسه:

إن كان حبّي خمسة * زكت بهم فرائضي

وبغض من عاداهم * رفضاً فإنّي رافضي

قال: وقيل: هم ولد عبد المطَّلب.

قال: ويدلُّ عليه ما أخبرنا أبو العبّاس: سهل بن محمّد بن سعيد1.

ص: 11


1- الشوري: 1 و2.
2- تفسير منهج الصادقين 8 : 202 نقلاً عن الثعلبي.
3- الشوري: 23.
4- لاحظ (ص 96) من الكتاب.
5- نقش الخواتيم لدي الأئمّة: 143 نقلاً عن نور الأبصار؛ كشف الغمّة 2: 331.

المروزي، حدَّثنا جدّي أبو الحسن المحمودي، حدَّثنا أبو جعفر: محمّد بن عمران الأرسابندي، حدَّثنا هدبة بن عبد الوهاب، حدَّثنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر، حدَّثنا عبد الله بن زياد اليمامي، حدَّثنا عكرمة بن عمّار اليمامي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (نحن ولد عبد المطَّلب سادة أهل الجنّة أنا وحمزة وجعفر وعلي والحسن والحسين والمهدي)(1).

* ذكر الثعلبي في تفسير قوله تعالي: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)(2) قال: ذلك عيسي بن مريم عليه السلام.

وروي ذلك عن مجاهد(3) بإسناده، وقرأ ابن عبّاس وأبو هريرة وقتادة ومالك بن دينار وضحّاك: (وإنَّه لعَلَم للساعة) بفتح العين واللام، أي: أمارة وعلامة، وقال في الحديث: (إنَّ عيسي عليه السلام ينزل في ثوبين مهرودين)، أي مصبوغين بالهرد وهو الزعفران.

قال: وفي الحديث: (ينزل عيسي بن مريم عليه السلام علي ثنية من الأرض(4) المقدَّسة يقال لها: اثبني(5)، وعليه ممصرتان(6)، وشعر رأسه دهين وبيده حربة وهي التي يقتل بها الدجّال، فيأتي بيت المقدسة.

ص: 12


1- أنظر: سنن ابن ماجة 2: 519؛ وذكر أخبار أصفهان لأبي نعيم 2: 130؛ ومستدرك الصحيحين 3: 211؛ ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه 9: 434.
2- الزخرف: 61.
3- في (ب)، (ج): (جماعة).
4- الثنية: كلّ عقبة في الجبل مسلوكة.
5- وفي معجم البلدان: (اثبيت).
6- الممصرة من الثياب: التي فيها صفرة خفيفة.

والناس في صلاة العصر والإمام يؤوم، فيتأخَّر الإمام فيقدَّمه عيسي ويصلّي خلفه علي شريعة محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، ثمّ يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البِيَع والكنائس ويقتل النصاري إلاَّ من آمن به)(1).

* ذكر الثعلبي في تفسير قوله تعالي: (إِذْ أَوَي الْفِتْيَةُ إِلَي الْكَهْفِ)(2) وذكر حديث البساط ومسيرهم إلي الكهف ويقظتهم، ثمّ قال بالإسناد المقدَّم، قال: وأخذوا مضاجعهم فصاروا إلي رقدتهم إلي آخر الزمان عند خروج المهدي، يقال: إنَّ المهدي عليه السلام يسلّم عليهم فيحييهم الله عز وجل له، ثمّ يرجعون إلي رقدتهم ولا يقومون إلي يوم القيامة(3).

* ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي الحديث التاسع من المتَّفق عليه من البخاري ومسلم في الصحيحين من مسند أبي هريرة الدوسي وبالإسناد المقدَّم، قالا - وأخرجاه من حديث ابن شهاب عن نافع مولي أبي قتادة الأنصاري -: إنَّ أبا هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم عليه السلام فيكم وإمامكم منكم؟)(4).

وليس لنافع - مولي أبي قتادة - عن أبي هريرة في الصحيحن غير هذا الحديث.

* ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي الحديث العاشر من المتَّفق عليه بين الصحيحين من البخاري ومسلم من مسند ثوبان - موليب.

ص: 13


1- غاية المرام: 697 نقلاً عن الثعلبي.
2- الكهف: 10.
3- غاية المرام: 697 نقلاً عن الثعلبي.
4- صحيح مسلم 1: 94؛ صحيح البخاري 4: 168. لقد عدَّ المصنّف هذا الحديث حديثين؛ لوجوده في صحيحي مسلم والبخاري، كما أشار إليه في مقدّمة الكتاب.

رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم - وليس له في الصحيحين غير عشرة أحاديث ممَّا خرَّجه أبو بكر البرقاني من حديث أبي الربيع الزهراني وقتيبة من حديث أبي موسي وبندار، عن هشام، كما أخرجه مسلم من حديثهم بالإسناد.

وزاد بعد مضي ما تقدَّم، قال بالإسناد المقدَّم: (وإنَّما أخاف علي أمّتي الأئمّة المضلّين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلي يوم القيامة(1)، ولا تقوم الساعة حتَّي يلحق حيّ من أمّتي بالمشركين، وحتَّي يعبد فئة(2) من أمّتي الأوثان، وأنَّه سيكون في أمّتي الكذّابون ثلاثون، كلّهم يزعم أنَّه نبيّ، وأنا خاتم النبيّين، لا نبيّ بعدي(3)، ولا يزال طائفة من أمّتي علي الحقّ منصورة، لا يضرّهم من خذلهم حتَّي يأتي أمر الله)(4).

* ومن الجمع بين الصحاح الستّة لرزين العبدري في الجزء الثاني من أجزاء ثلاثة في أوّل ثاني كرّاسة منه، وبالإسناد المقدَّم، قال: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم)(5).

* ومن الجمع بين الصحاح الستّة أيضاً لرزين العبدري في الجزء الثالث من أجزاء ثلاثة علي حدّ ربعه الأخير في باب (جامع ما جاء في العرب والعجم) وهو آخر الباب من صحيح النسائي وبالإسناد المقدَّم، قال: عن مصعدة، عن جعفر، عن أبيه، عن جدّه أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: (أبشروا أبشروا، إنَّما أمّتي8.

ص: 14


1- كنز العمّال 11: 239.
2- في (أ): (فئام).
3- صحيح مسلم 8 : 189 و6: 52 و53؛ وصحيح الترمذي 4: 498 و499.
4- كنز العمّال 11: 366.
5- صحيح البخاري 4: 168.

كالغيث، لا يدري آخره خير أم أوّله، أو كحديقة اُطعم منّا فوج عاماً، ثمّ اُطعم منها فوج عاماً لعلَّ آخرها فوجاً يكون أعرضها عرضاً، وأعمقها عمقاً، وأحسنها حسناً، كيف تهلك أمّة أنا أوّلها والمهدي أوسطها، والمسيح آخرها، ولكن بين ذلك ثبج(1) أعوج، ليسوا منّي ولا أنا منهم)(2).

* ومن الجمع بين الصحاح الستّة أيضاً لرزين العبدري في آخر الجزء الثاني من أجزاء اثنين علي حدّ أربعة كراريس من آخره، وكان الجزء (قد قرأه الغزنوي - نزيل واسط - الواعظ علي مصنّفه)، وقد قرأه الوزير: يحيي بن هبيرة علي الغزنوي وهو آخر النصف في باب تغيير الزمان وذكر الأشراط، من صحيح أبي داود السجستاني - وهو كتاب السنن - ومن صحيح الترمذي أيضاً.

* وبالإسناد المقدَّم، قال: عن زر، عن عبد الله بن مسعود أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: (لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ يوم واحد، لطوَّل الله تعالي ذلك اليوم حتَّي يبعث رجل)(3).

قال: وفي حديث أبي هريرة: (حتَّي يلي رجل).

قال: وفي رواية: (حتَّي يملك العرب رجل منّي ومن أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(4).

* وبالإسناد أيضاً، قال: عن علي عليه السلام أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: (لوق.

ص: 15


1- ثبج الشيء: وسطه.
2- صحيح الترمذي 5: 152/ كتاب الأمثال؛ فردوس الأخبار للديلمي 3: 339؛ كنز العمّال 14: 269.
3- صحيح الترمذي 4: 505؛ صحيح أبي داود 4: 106.
4- المصدر السابق.

لم يبقَ من الدنيا (1) إلاَّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً)(2).

* وبالإسناد أيضاً، قال: عن اُمّ سَلَمة عليها السلام، قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (المهدي من عترتي، من ولد فاطمة عليها السلام)(3).

* وبالإسناد أيضاً، قال: وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (المهدي منّي، وهو أجلي الجبهة، أقني الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين)(4).

* وبالإسناد أيضاً، قال: وعن اُمّ سَلَمة زوج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قالت: قال: (يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلي مكّة، فيأتيه ناس من أهل مكّة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليه بعث من الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكّة والمدينة، فإذا رأي الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب(5) أهل العراق فيبايعونه، ثمّ ينشأ رجل من قريش، أخواله كلب(6) فيبعث إليه بعثاً فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال ويعمل بسُنّتي - أو قال: بسُنّة نبيّهم - ويلقي الإسلام بجرانه إلي الأرض(7) فيلبث سبع سنين).ه.

ص: 16


1- في (أ): (من الدهر).
2- صحيح أبي داود 4: 107؛ وكنز العمّال 14: 264.
3- صحيح أبي داود 4: 107؛ وكنز العمّال 14: 264 - 267.
4- المصدر السابق.
5- العصائب: جمع عصابة وهم الجماعة من الناس من العشرة إلي الأربعين.
6- كلب اسم قبيلة كبيرة من قبائل قضاعة.
7- الجران: باطن العنق، إذا برك البعير ومدَّ عنقه علي الأرض قيل: ألقي جرانه بالأرض، وهو كناية أنَّ الإسلام استقام وقرَّ في قراره.

قال: وقال بعض الرواة عن هشام: (تسع سنين)(1).

* وبالإسناد أيضاً، قال: وعن أبي إسحاق قال: قال علي عليه السلام ونظر إلي ابنه الحسين وقال: (إنَّ ابني هذا سيّد، كما سمّاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وسيخرج من صلبه(2) رجل يسمّي باسم نبيّكم، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق، يملأ الأرض عدلاً)(3).

* وبالإسناد أيضاً، قال: وعن أبي الحسن بن هلال بن عمير، قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (يخرج رجل من وراء النهر يقال له: الحارث بن حراث، علي(4) مقدّمته رجل يقال له: منصور، يوطئُ أو يمكّن لآل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم كما مكَّنت قريش لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، واجب علي كلّ مؤمن نصرته - أو قال: إجابته -)(5).

* وبالإسناد أيضاً يليه من الكرّاس المذكور أيضاً من صحيح النسائي، قال: عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (لن تهلك أمّة أنا أوّلها، ومهديها وسطها، والمسيح بن مريم آخرها)(6).

* ومن كتاب غريب الحديث من الجزء الأوّل - في حديث النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم - تأليف أبي محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري في9.

ص: 17


1- سنن أبي داود 4: 107 و108؛ وكنز العمّال 14: 265.
2- في (أ): (واستخرج من ظهره).
3- سنن أبي داود 4: 108، ولكن فيه: (الحسن)، والأصحّ أنَّه الحسين لأنَّ الروايات تدلُّ علي أنَّ المهدي من ولد الحسين عليه السلام.
4- في (أ): (وأنَّ علي...).
5- سنن أبي داود 4: 109؛ وكنز العمّال 11: 370. وفي (أ): (نصره له).
6- غاية المرام: 698؛ وكنز العمّال 14: 266 و269.

(التناقض) قال بإسناده: حديث حدَّثنيه محمّد بن عبد، عن معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق، عن الأوزاعي، عن يحيي أو غزوة(1) بن رويم أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: (خيار أمّتي أوّلها وآخرها، وبين ذلك ثبج أعوج ليس منّي ولست منه).

قال ابن قتيبة: الثبج: الوسط.

قال أبو زيد: ضربٌ بالسيف، ثبج الرجل: أي وسطه، والجمع أثباج، ومثله: جوز وأجواز.

وقد جاءت في هذا آثار، منها: أنَّه ذكر آخر الزمان فقال: (المتمسّك منهم يومئذٍ بدينه كالقابض علي الجمر).

والحديث الآخر: (والشهيد منهم يومئذٍ بشهيد بدر)، هذا وما أشبهه من الكلام.

وفي حديث آخر: إنَّه سئل عن الغرباء؟

فقال: (الذين يحيون ما أمات الناس من سُنّتي)، من ذلك قوله: (لا نبيّ بعدي ولا كتاب بعد كتابي ولا أمّة بعد اُمّتي، فالحلال ما أحلَّه الله علي لساني إلي يوم القيامة، والحرام ما حرَّمه الله علي لساني إلي يوم القيامة).

قال: ليس يراد للحديث الذي ذكر فيه: (إنَّ المسيح ينزل فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويزيد في الحلال؛ لأنَّ المسيح نبيّ متقدَّم رفعه الله إليه، ثمّ ينزله في آخر الزمان علماً للساعة، قال الله تعالي: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها)(2)) وقرأ بعض القرّاء: لَعَلَم للساعة، فإذا نزل لم ينسخ1.

ص: 18


1- كذا في المصدر، وفي غيره: (عروة).
2- الزخرف: 61.

شيئاً ممَّا أتي به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولم يتقدَّم الإمام(1) من أمّته بل يقدَّمه ويصلّي خلفه(2).

* ومن كتاب المصابيح تصنيف أبي محمّد: الحسين بن مسعود الفرّاء في باب أخبار (المهدي) وهو علي حدّ أربعة كراريس من آخر الكتاب، ذكر صاحب الكتاب بإسناده، قال: وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (المهدي منّا أجلي الجبهة، أقني الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين)(3).

* وبإسناده، قال: وعن أبي سعيد أيضاً، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في قصَّة المهدي قال: (فيجيئُ إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني، أعطني، قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله)(4).

* وبإسناده، قال: وعن أبي سعيد الخدري أيضاً، قال: ذكر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (بلاء يصيب هذه الأمّة حتَّي لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي، فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضي عنه ساكن السماوات والأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلاَّ صبَّته مدراراً ولا تدع الأرض من نباته شيئاً إلاَّ أخرجته، حتَّي يتمنّي الأحياء الأموات، يعيش في ذلك سبع سنين أو تسع سنين)(5).5.

ص: 19


1- في (ب)، (ج): (الإمامة).
2- غاية المرام: 698 نقلاً عن غريب الحديث لأبي قتيبة الدينوري.
3- نظيره في فردوس الأخبار للديلمي 4: 496 عن حذيفة اليماني؛ كنز العمّال 4: 264؛ وغاية المرام: 698 نقلاً عن كتاب المصابيح.
4- صحيح الترمذي 4: 506؛ وكنز العمّال 14: 262 و273؛ وغاية المرام: 698 نقلاً عن كتاب المصابيح.
5- غاية المرام: 698؛ وكنز العمّال 14: 275.

* وقال أيضاً بإسناده عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لا تذهب الدنيا حتَّي يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئُ اسمه اسم، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(1).

* وقال أيضاً بإسناده عن اُمّ سَلَمة عليها السلام، قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (المهدي من عترتي، من ولد فاطمة عليها السلام)(2).

قال يحيي بن الحسن: اعلم أنَّ الذي قد تقدَّم في الصحاح ممَّا يماثل هذا الخبر، من قوله صلي الله عليه وآله وسلم: (يواطئُ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي)، هو أنَّ الكلام في ذلك لا يخلو من أحد قسمين:

إمَّا أن يكون النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أراد بقوله: (واسم أبيه اسم أبي)، أنَّه جعله علامة تدلُّ علي أنَّه من ولد الحسين دون الحسن؛ لأن لا يعتقد معتقد ذلك.

فإن كان مراده ذلك، فهو المقصود، وهو المراد بالخبر؛ لأنَّ المهدي عليه السلام بلا خلاف من ولد الحسين عليه السلام، فيكون اسم أبيه مشابهاً لكنية الحسين فيكون قد انتظم اللفظ المعني وصار حقيقة فيه.

والقسم الثاني: أن يكون الراوي وهم من قوله: (ابني) إلي قوله: (أبي) فيكون قد وهم بحرف تقديره أنَّه قال: ابني، فقال: هو (أبي).

والمراد بابنه الحسن؛ لأنَّ المهدي عليه السلام محمّد بن الحسن بإجماع كافّة الأمّة، وكذلك قوله في الخبر الذي قبله من الصحاح أيضاً وهو أنَّه قال: إنَّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال وقد نظر إلي ابنه الحسن: (إنَّ ابني هذا سيّد، كما سمّاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمّي باسم نبيّكم، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق،4.

ص: 20


1- كنز العمّال 14: 263 و270 و273 و275؛ وصحيح الترمذي 4: 505.
2- فردوس الأخبار 4: 497؛ كنز العمّال 14: 264.

يملأ الأرض عدلاً)؛ فإنَّ الراوي أيضاً وهم في حرف واحد وهو (الياء) فأراد أن يقول: (الحسين) فقال: (الحسن) وإلاَّ فالمهدي عليه السلام من ولد الحسين عليه السلام بلا خلاف.

وقد سمّي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ولده الحسين(1) سيّداً بأخبار كثيرة من غير هذه الطرق، تركنا ذكرها للشرط الذي قدَّمناه، بل نذكر ذلك من الصحاح، وقد تقدَّم ذكره وهو قوله صلي الله عليه وآله وسلم: (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة)، فهذه السيادة بلفظ هذا الخبر الصحيح؛ لأنَّ سادة أهل الدنيا هم (سادة) أهل الجنّة، وهو سيّدهم، فقد اتَّضح بما قلناه وجه التحقيق، ولله المنّة والحمد.

وقوله عليه السلام: (يشبهه في الخَلق ولا يشبهه في الخُلق) من أحسن الكنايات عن انتقام المهدي عليه السلام ممَّن كفر وظلم؛ لأنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بعث رحمة للعالمين كما ذكر الله تعالي في كتابه العزيز(2) والمهدي عليه السلام يظهر نقمة من أعداء الله تعالي، فتفاوت الخلقان مع استواء الخلقين؛ لأنَّه شبيه له في الجسمية، مخالف له في الفعلية.

وأمَّا ما ورد فيما ذكرناه من الصحاح من قول النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (كيف تهلك أمّة أنا أوّلها والمهدي أوسطها والمسيح آخرها)، فلم يرد به أنَّ المسيح يبقي بعد المهدي، لأنَّ ذلك لا يجوز، لأنَّ المهدي إذا كان إمام آخر الزمان ومات، فلا إمام بعده مذكور في رواية أحد من الأمّة، فقد بقيت الأمّة بغير إمام، وهذا ما لا يمكن أنَّ الخلق يبقي بغير إمام.7.

ص: 21


1- في (أ): (ابنه الحسين).
2- الأنبياء: 107.

فإن قيل: إنَّ عيسي يبقي بعده وتقتدي الأمّة به، فغير ممكن أيضاً؛ لأنَّ عيسي عليه السلام لا يجوز أن يكون إماماً لأمّة محمّد صلي الله عليه وآله وسلم.

ولو كان ذلك جائزاً لانتقلت الملّة المحمّدية إلي ملّة عيسي، فلا يمكن أن يكون ذلك، وذلك لا يقوله عاقل ولا محصّل، بل للخبر معني صحيح يحمل عليه، وهو أنَّه قد تقدَّم معني من الأخبار في هذا الباب: أنَّ عيسي ينزل وقد صلّي الإمام وهو المهدي بالناس العصر، وقيل: الصبح، فيتأخَّر فيقدَّمه عيسي، ويصلّي عيسي خلفه.

وما نزل عيسي علي مقتضي هذه الأخبار إلاَّ بعد نفوذ دعوة الإمام واجتماع الناس عليه فيكون مصدّقاً لدعوة الإمام في دعواه، وقوّة له وعوناًَ؛ لأنَّه لا يغيَّر شيئاً ممَّا جاء به النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فتكون فائدة الخبر: أنَّ النبيّ أوّلها؛ لأنَّه هو الداعي إلي الإسلام والمهدي أوسطها وإن كان آخر الأئمّة، فجعله وسطاً إذ ظهوره قبل نزول عيسي فيكون في نزوله آخر المصدّقين بهذه الملّة، والمهدي قبله صدّق بهذه الملّة قبل نزوله، والنبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فهو صاحب الملّة لا بدَّ أن يكون أوّلاً، فعلي هذا يكون المسيح عليه السلام آخر المصدّقين والمعينين والمتّبعين لأنَّه آخر الاُمّة.

يشهد بصحَّة هذا التأويل لفظ الخبر، لأنَّه صلي الله عليه وآله وسلم قال: (كيف تهلك أمّة أنا أوّلها والمهدي أوسطها والمسيح آخرها)، والمسيح ليس من أمّتنا هذه، وإنَّما نبيّها منها بلا خلاف؛ والمهدي منها بلا خلاف، لأنَّه إمام آخر الزمان ومن ولد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومن ولد علي عليه السلام وفاطمة، والمسيح ليس من النبيّ، ولا من علي عليه السلام وفاطمة، ولا من أمّة محمّد صلي الله عليه وآله وسلم بل هو آخر من ينزل لنصرة ملّة محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، وآخر من يدعو إليها

ص: 22

لأنَّ المهدي يكون قبل نزوله وقد تبعته الأمّة وقد دخلت تحت أمره ونهيه بدليل ما ورد في هذه الأخبار الصحاح: (إنَّ المسيح يصلّي خلفه إمَّا صلاة الصبح أو صلاة العصر)، كما تقدَّمت الرواية به، فصار آخر هذه الأمّة داعياً ومصدّقاً، إلاَّ أنَّه منفرد ببقاء ودولة.

والنبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أوّل داع إلي ملّة الإسلام، والمهدي عليه السلام أوسط داع والمسيح عليه السلام آخر داع، فهذا معني هذا الخبر ولله المنّة والحمد.

* ومن كتاب الفردوس لابن شيرويه الديلمي وهو كتاب معتمد عليه، معروف عند الجمهور، ذكر في باب (الألف واللام) بإسناده عن ابن عبّاس، قال عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (المهدي طاووس أهل الجنّة)(1).

وبه قال عن حذيفة بن اليمان، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (المهدي عليه السلام من ولدي، وجهه كالقمر الدرّي، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يرضي بخلافته أهل السماوات والأرض والطير في الجوّ، يملك عشرين سنة)(2).

وبه أيضاً قال عن اُمّ سَلَمة عليها السلام أنَّها قالت: قال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (المهدي من ولد فاطمة عليها السلام)(3).

وبه قال عن علي عليه السلام، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (المهدي منّا أهل البيت يصلحه الله عز وجل في ليلة)(4).ق.

ص: 23


1- غاية المرام: 702 نقلاً عن كتاب الفردوس.
2- غاية المرام: 703 نقلاً عن ابن ماجة؛ والصواعق المحرقة: 98.
3- كنز العمّال 14: 264؛ وسنن ابن ماجة 2: 519.
4- المصدر السابق.

ما جاء في بقاء الدجّال من متون الصحاح ومن المتَّفق عليه في الصحيحين من أخبار الدجّال

ما جاء في بقاء الدجّال من متون الصحاح ومن المتَّفق عليه في الصحيحين من أخبار الدجّال(1)

من آخر الجزء الثالث من أجزاء ثلاثة، ومن الجزء الثالث من صحيح مسلم من أجزاء ثلاثة، ومن الجزء الثامن من صحيح البخاري من أجزاء ثمانية قريباً من آخره، وبالإسناد المقدَّم، قال: حدَّثني حرملة بن يحيي بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي، أخبرني ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله أخبره أنَّ عبد الله بن عمر أخبره أنَّ عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في رهط قِبَل ابن صيّاد حتَّي وجده يلعب مع الصبيان عند اُطم(2) بني مغالة، وقد قارب ابن صيّاد يومئذٍ الحلم، فلم يشعر حتَّي ضرب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي ظهره بيده، ثمّ قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لابن صيّاد: (أتشهد أنّي رسول الله؟).

فنظر إليه ابن صيّاد فقال: أشهد أنَّك رسول الأمّيين، فقال ابن صيّاد لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أتشهد أنّي رسول الله؟

فرفضه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: (آمنت بالله وبرسوله)، ثمّ قال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (ماذا تري؟).

قال ابن صيّاد: يأتيني صادق وكاذب؟

فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (خلط عليك الأمر)، ثمّ قال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إنّي قد خبأت لك خبئا)(3).

ص: 24


1- العمدة: 439 - 444/ ح 925 - 927.
2- الاُطم - بضم الأوّل والثاني -: حصن مبني بحجارة.
3- الخبأ: كلّ شيء غائب مستور.

فقال ابن صيّاد: هو الدخ(1).

فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (اخسأ، فلن تعدو قدرك).

فقال عمر بن الخطاب: ذرني يا رسول الله أضرب عنقه.

فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إن يكن هو، فلن تسلّط عليه، وإن لم يكن هو، فلا خير لك في قتله).

وقال سالم بن عبد الله: سمعت عبد الله بن عمر يقول: انطلق رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعد ذلك واُبي بن كعب إلي النخل التي فيها ابن صيّاد، حتَّي إذا دخل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم النخل طفق يتّقي بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صيّاد شيئاً قبل أن يراه ابن صيّاد، فرآه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو مضطجع علي فراش في قطيفة له فيها زمزمة(2) فرأت اُمّ ابن صيّاد رسول الله وهو يتّقي بجذوع النخل، فقالت لابن صيّاد: يا صاف - وهو اسم ابن صيّاد - هذا محمّد، فثار ابن صيّاد.

فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لو تركته بيَّن)(3).

قال سالم: قال عبد الله بن عمر: فقام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الناس فأثني علي الله تعالي بما هو أهله، ثم ذكر الدجّال فقال: (إنّي لأنذركموه وما من نبيّ إلاَّ وقد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه ولكن أقول لكم فيه قولاً لم يقله نبيّ لقومه: تعلمون أنَّه أعور وأنَّ الله ليس بأعور).ر.

ص: 25


1- الدخ: الدخان، وفسّر في الحديث أنَّه أراد بذلك: (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ)، وقيل: إنَّ الدجّال يقتله عيسي عليه السلام بجبل الدخان، فيحتمل أن يكون أراده تعريضاً بقتله لأنَّ ابن الصيّاد كان يظنّ أنَّه الدجّال.
2- الزمزمة: صوت خفي لا يكاد يفهم.
3- أي لو لم تخبره ولم تعلمه اُمّه بمجيئنا لبيَّن لنا من حاله ما نعرف به حقيقة أمره. أخذناه من هامش المصدر.

قال ابن شهاب: وأخبرني عمر بن ثابت أنَّه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان حذَّر الناس الدجّال(1) أنَّه مكتوب بين عينيه: كافر، يقرأه من كره عمله، أو يقرأه كلّ مؤمن. وقال: (تعلموا أنَّه لن يري أحد منكم ربَّه حتَّي يموت(2) وابن صيّاد هو الدجّال).

* ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي الحديث الحادي والثلاثون من المتَّفق عليه في الصحيحين من مسلم والبخاري من مسند جابر بن عبد الله الأنصاري وبالإسناد المقدَّم، قال: عن محمّد بن المنكدر، قال: رأيت جابر بن عبد الله الأنصاري يحلف بالله أنَّ ابن الصيّاد الدجّال، فقلت: أتحلف بالله؟ قال: إنّي سمعت عمر يحلف علي ذلك عند النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فلم ينكره النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم(3).

قال يحيي بن الحسن: اعلم أنَّه قد ثبت بما قدَّمناه في الصحاح الستة ومسند ابن حنبل، التي هي عمدة كتب الإسلام، وقد عضدها غيرها من الكتب وتفسير القرآن للثعلبي بما فيه كفاية ومقنع، وفي غير هذه الكتب، ومن غير هذه الطرق، ممَّا ترويه الشيعة ممَّا هو أكثر في الرواية وأبلغ في الدراية إلاَّ أنَّه لا تقوم به الحجّة عند غير رواته ولا تتَّضح به المحجّة عند غير هداته؛ لكونه من خاصّ طرقهم واتّحاد فرقهم، وما ذكرناه(4) في هذا الفصل ملزم راويه بصحَّة ما رواه، وشاهد).

ص: 26


1- في المصدر: (أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال يوم حذَّر الناس الدجّال...).
2- صحيح مسلم 8 : 192/ باب ذكر ابن صياد، وفيه: (إنَّ ابن صائد الدجّال).
3- المصدر السابق.
4- في (أ): (قد ذكرناه).

لخصمه بصحَّة ما ادّعاه، فثبتت المزية ما بين الروايتين، وحصلت الفائدة به باتّفاق الفريقين، فصار حجّة الملتمس ومنار المقتبس، إذ قد انتفي عنه ضعف الانفراد، وأطرق(1) به طريق الاتّحاد، فصار تلقّيه بالقبول فرض عين لا فرض كفاية، وإجماعاً باليقين لا بانتحال رواية(2)، وإذا ثبت أنَّه لابدَّ من وجود الإمام المهدي، وأنَّه إمام آخر الزمان، ووجود عيسي عليه السلام معه ويصلّي خلفه ويصدّقه علي دعواه، وثبت وجود الدجّال أيضاً، وقد اتّفقت الصحاح علي أنَّه لا بدَّ من وجود الثلاثة في آخر الزمان، وأنَّه ليس فيهم متبوع غير المهدي عليه السلام بدليل أنَّه إمام الأمّة، ودليل أنَّ عيسي يصلّي خلفه ويصدّقه علي دعواه ويدعو إلي ملّته التي هو عليها، ودليل أنَّ الثالث لهما وهو الدجّال عدوّ لله تعالي، فالكلام في بقائهم لا يخلو من أحد قسمين:

إمَّا أن يكون بقاؤهم في مقدور الله تعالي أو لا يكون؛ ومستحيل أن يخرج عن مقدور الله تعالي؛ لأنَّ من بدأ الخلق من غير شيء وأفناه ثمّ يعيده بعد الفناء، لا بدَّ أن يكون البقاء في مقدوره، وإذا ثبت أنَّ البقاء في مقدوره تعالي، فلا يخلو أيضاً من قسمين:

إمَّا أن يكون راجعاً إلي اختياره تعالي أو إلي اختيار الأمّة؛ ولا يجوز أن يكون راجعاً إلي اختيار الأمّة، لأنَّه لو صحَّ ذلك لصحَّ من أحدنا أن يختار البقاء لنفسه ولولده، وذلك غير حاصل فينا وغير داخل تحت مقدورنا، فلا بدَّ من أن يكون ذلك راجعاً إلي اختيار الله تعالي.).

ص: 27


1- أطرق جناح الطائر: التفَّ.
2- الانتحال: ادّعاء قول أو شعر يكون قائله غيره. وفي (ب)، (ج): (رواية).

ثمّ لا يخلو بقاء هؤلاء الثلاثة من قسمين أيضاً: إمَّا أن يكون لسبب أو يكون لغير سبب، فإن كان لغير سبب، كان خارجاً عن وجه الحكمة، وما خرج عن وجه الحكمة لا يدخل في أفعال الله تعالي، فلا بدَّ من أن يكون لسبب، وسنذكر سبب بقاء كلّ واحد منهم علي حدته.

فنقول: سرّ(1) بقاء عيسي عليه السلام: وهو قوله تعالي (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)(2) ولم يؤمن به منذ نزول الآية إلي يومنا هذا أحد، فلا بدَّ من أن يكون ذلك في آخر الزمان، وكذلك الدجّال لم يحدث حدثاً منذ عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي ما روي في الصحاح أنَّه صلي الله عليه وآله وسلم رآه إلي يومنا هذا، فلا بدَّ من أن يكون ذلك في آخر الزمان، وكذلك المهدي عليه السلام مذ غيبته إلي يومنا هذا لم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما تقدَّم ذكره في الخبر، إلي يومنا هذا، فلا بدَّ من أن يكون ذلك مشروطاً بآخر الزمان ٍٍ(فقد صارت هذه أسباباً مشروطة بآخر الزمان)(3) وبقاء أرباب هذه الأسباب لاستيفاء هذه الشروط وصحَّة وجودها، فيكون بقاء هذه الثلاثة موقّتاً لصحَّة أشراط الساعة، فعلي هذا فقد اتّفقت أسباب بقاء الثلاثة لصحَّة أمر معلوم في وقت معلوم وهم صالحان: نبيّ وإمام، وطالح(4) عدّو الله، وهو الدّجال.

وقد تقدَّمت الأخبار من الصحاح بما ذكرنا بصحَّة بقاء الدجّال مع صحَّة بقاء عيسي، فما المانع في بقاء المهدي عليه السلام مع كون بقائه باختياره.

ص: 28


1- كذا في (أ)، وفي (ب)، (ج): (فنقول في).
2- النساء: 159.
3- ما بين المعقوفين من (أ).
4- الطالح: خلاف الصالح، رجل طالح أي فاسد لا خير فيه.

الله تعالي وداخلاً تحت مقدوره سبحانه وهو أولي بالبقاء من الاثنين الآخرين؛ لأنَّه إذا بقي المهدي عليه السلام كان إمام آخر الزمان يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، علي ما تقدَّمت به الرواية من الصحاح فيكون بقاؤه مصلحة للمكلَّفين ولطفاً لهم.

والدجّال إذا بقي فبقاؤه مفسدة للمكلَّفين لما ذكر من ادّعائه الربوبية وفتكه بالأمّة(1)، وفي بقائه وجه من وجوه الحسن وهو اختبار الله تعالي سبحانه خلقه بفتنة الدجّال، ليعلم منهم المطيع من العاصي، والمحسن من المسيء، والمفسد من المصلح، وإذا بقي عيسي عليه السلام فلسبب، ليؤمن به قوم من أهل الكتاب، وهو أن يؤمنوا به أنَّه عيسي وأنَّه مصدّق بما جاء به محمّد صلي الله عليه وآله وسلم وبإمامة هذا الإمام من أمّة محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، فيكون تبياناً لدعوي الإمام عند أهل الإيمان ومصداقاً لما دعا إليه عند أهل الطغيان، بدليل صلاته خلفه ونصرته إيّاه، ودعائه إلي ملّة محمّد صلي الله عليه وآله وسلم التي هو إمام فيها، فصار بقاء المهدي أصلاً لبقاء صالح من مصاحبته في آخر الزمان وهو عيسي عليه السلام ولبقاء الطالح من معارضيه(2) في آخر الزمان وهو الدجّال، وبقاء الاثنين فرع علي بقائه، وكيف يصحُّ بقاء الفرعين مع عدم بقاء الأصل لهما.

ولو صحَّ ذلك لصحَّ وجود المسبّب من دون وجود السبب، وذلك مستحيل في العقول.

* * *

---------------------

(1) وفي نسخة: (وقتله للأمّة).

(2) في (أ): (من معاصريه).

ص: 29

ص: 30

الإحتجاج

تأليف: العلامة الخبير أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي المتوفي سنة 620 هجرية

تعليقات وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان

ص: 31

ص: 32

احتجاج الحجّة القائم المنتظر المهدي صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلي آبائه الطاهرين

احتجاج الحجّة القائم المنتظر المهدي صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلي آبائه الطاهرين(1)

* سعد بن عبد الله القمي الأشعري(2)، قال: بليت بأشدّ النواصب منازعة فقال لي يوماً - بعد ما ناظرته -: تباً لك ولأصحابك! أنتم معاشر الروافض تقصدون المهاجرين والأنصار بالطعن عليهم، وبالجحود لمحبّة النبيّ لهم، فالصدّيق هو فوق الصحابة بسبب سبق الإسلام، ألا تعلمون أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إنَّما ذهب به ليلة الغار لأنَّه خاف عليه كما خاف علي نفسه، ولما علم أنَّه يكون الخليفة في أمّته وأراد أن يصون نفسه كما يصون عليه السلام خاصّة نفسه، كي لا يختلّ حال الدين من بعده. ويكون الإسلام منتظماً؟ وقد أقام علياً علي فراشه لما كان في علمه أنَّه لو قتل لا يختلّ الإسلام بقتله. لأنَّه يكون من الصحابة من يقوم مقامه لا جرم لم يبال من قتله؟!

ص: 33


1- الاحتجاج 2: 268 - 325.
2- سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي، قال الشيخ في باب أصحاب العسكري عليه السلام (ص 438): (عاصره عليه السلام ولم أعلم أنَّه روي عنه)؛ وقال العلاّمة في القسم الأوّل من الخلاصة (ص 78): (يكنّي أبا القاسم، جليل القدر واسع الأخبار، كثير التصانيف، ثقة، شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجيهها ولقي مولانا أبا محمّد العسكري عليه السلام؛ قال النجاشي: ورأيت بعض أصحابنا يضعّفون لقاءه لأبي محمّد ويقولون: هذه حكاية موضوعة عليه، والله أعلم. توفّي سعد رحمه الله سنة إحدي وثلاثمائة. وقيل: سنة تسع وتسعين ومائتين. وقيل: مات رحمه الله يوم الأربعاء لسبع وعشرين من شوال سنة ثلاثمائة، في ولاية رستم).

قال سعد: إنّي قلت علي ذلك أجوبة لكنَّها غير مسكتة.

ثمّ قال: معاشر الروافض تقولون: إنَّ (الأوّل والثاني) كانا ينافقان، وتستدلّون علي ذلك بليلة العقبة. ثمّ قال لي: أخبرني عن إسلامهما كان من طوع ورغبة أو كان عن إكراه وإجبار؟

فاحترزت عن جواب ذلك وقلت مع نفسي: إن كنت أجبته بأنَّه كان عن إكراه وإجبار لم يكن في ذلك الوقت للإسلام قوّة حتَّي يكون إسلامهما بإكراه وقهر، فرجعت عن هذا الخصم علي حال ينقطع كبدي، فأخذت طوماراً وكتبت بضعاً وأربعين مسألة من المسائل الغامضة التي لم يكن عندي جوابها، فقلت: أدفعها إلي صاحب مولاي أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام الذي كان في قم أحمد بن إسحاق فلمَّا طلبته كان هو قد ذهب، فمشيت علي أثره فأدركته، وقلت الحال معه.

فقال لي: جئ معي إلي سُرَّ من رأي حتَّي نسأل عن هذه المسائل مولانا الحسن بن علي عليهما السلام. فذهبت معه إلي سُرَّ من رأي ثمّ جئنا إلي باب دار مولانا عليه السلام فاستأذنا عليه فأذن لنا، فدخلنا الدار وكان مع أحمد بن إسحاق(1) جراب قد ستره بكساء طبري، وكان فيه مائة وستّون صرّة من الذهب والورق، علي كلّ واحدة منها خاتم صاحبها الذي دفعها إليه، ولمَّا دخلنا ووقع أعيننا علي أبي محمّد الحسن العسكري عليهما السلام كان وجهه كالقمر ليلة البدر وقد رأينا علي فخذه غلاماً يشبه المشتري في الحسن والجمال، وكان علي رأسه ذوابتان، وكان بين يديه رمّان من).

ص: 34


1- قال العلاّمة في القسم الأوّل من خلاصته (ص 14): (أحمد بن إسحاق الرازي من أصحاب أبي الحسن الثالث علي بن محمّد الهادي عليهما السلام، أورد الكشي ما يدلُّ علي اختصاصه بالجهة المقدَّسة، وقد ذكرته في الكتاب الكبير).

الذهب قد حلي بالفصوص والجواهر الثمينة قد أهداه واحد من رؤساء البصرة، وكان في يده قلم يكتب به شيئاً علي قرطاس، فكلَّما أراد أن يكتب شيئاً أخذ الغلام يده فألقي الرمّان حتَّي يذهب الغلام إليه ويجيء به فلمَّا ترك يده يكتب ما شاء. ثمّ فتح أحمد بن إسحاق الكساء ووضع الجراب بين يدي العسكري عليه السلام، فنظر العسكري إلي الغلام فقال: (فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك!).

فقال: (يا مولاي أيجوز أن أمدّ يداً طاهرة إلي هدايا نجسة وأموال رجسة؟!).

ثمّ قال: (يا ابن إسحاق أخرج ما في الجراب ليميّز بين الحلال والحرام!)، ثمّ أخرج (صرّة) فقال الغلام: (هذا (لفلان بن فلان) من محلّة (كذا) بقم، مشتمل علي اثنين وسبعين ديناراً، فيها من ثمن حجرة باعها وكانت إرثاً عن أبيه خمسة وأربعون ديناراً، ومن أثمان سبعة أثواب أربعة عشر ديناراً، وفيه من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير).

فقال مولانا عليه السلام: (صدقت يا ابني! دلّ الرجل علي الحرام منها).

فقال الغلام: (في هذه العين دينار بسكّة الري تاريخه في سنة (كذا) قد ذهب نصف نقشه عنه، وثلاثة أقطاع قراضة بالوزن (دانق ونصف) في هذه الصرّة الحرام هذا القدر.

فإنَّ صاحب هذه الصرّة في سنة كذا في شهر كذا كان له عند نسّاج - وهو من جملة جيرانه - من وربع، فأتي علي ذلك زمان كثير فسرقه سارق من عنده فأخبره النسّاج بذلك فما صدَّقه وأخذ الغرامة بغزل أدقّ منه مبلغ من ونصف، ثمّ أمر حتَّي نسج منه ثوب وهذا الدينار والقراضة من ثمنه).

ص: 35

ثمّ حلَّ عقدها فوجد الدينار والقراضة كما أخبر، ثمّ أخرجت (صرّة) أخري. فقال الغلام: (هذا (لفلان بن فلان) من المحلّة (الفلانية) بقم والعين فيها (خمسون ديناراً) ولا ينبغي لنا أن ندني أيدينا إليها).

قال: (لِمَ؟).

فقال: (من أجل أنَّ هذه الدنانير ثمن الحنطة، وكانت هذه الحنطة بينه وبين حرّاث له، فأخذ نصيبه بكيل كامل وأعطي نصيبه بكيل ناقص).

فقال مولانا الحسن بن علي عليهما السلام: (صدقت يا ابني!).

قال: (يا ابن إسحاق احمل هذه الصرور وبلّغ أصحابها وأوص بتبليغها إلي أصحابها، فإنَّه لا حاجة بنا إليه).

ثمّ قال: (جئ إليَّ بثوب تلك العجوز).

فقال أحمد بن إسحاق: كان ذلك في حقيبة فنسيته، ثمّ مشي أحمد بن إسحاق ليجيء بذلك فنظر إليَّ مولانا أبو محمّد العسكري عليه السلام وقال: (ما جاء بك يا سعد؟).

فقلت: شوَّقني أحمد بن إسحاق إلي لقاء مولانا.

قال: (المسائل التي أردت أن تسأل عنها؟).

قلت: علي حالها يا مولاي.

قال: (فاسأل قرَّة عيني - وأومي إلي الغلام - عمَّا بدا لك!).

فقلت: يا مولانا وابن مولانا روي لنا أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جعل طلاق نسائه إلي أمير المؤمنين، حتَّي أنَّه بعث يوم الجمل رسولاً إلي عائشة وقال: (إنَّك أدخلت الهلاك علي الإسلام وأهله بالغشّ الذي حصل منك، وأوردت أولادك في موضع الهلاك بالجهالة، فإن امتنعت

ص: 36

وإلاَّ طلَّقتك). فأخبرنا يا مولاي عن معني الطلاق الذي فوَّض حكمه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي أمير المؤمنين عليه السلام.

فقال: (إنَّ الله تقدَّس اسمه عظَّم شأن نساء النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فخصهنَّ لشرف الاُمّهات فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (يا أبا الحسن إنَّ هذا شرف باقٍ ما دمن لله علي طاعة، فأيَّتهنَّ عصت الله بعدي بالخروج عليك فطلّقها من الأزواج، وأسقطها من شرف اُمّيّة المؤمنين).

ثمّ قلت: أخبرني عن الفاحشة المبيّنة التي إذا فعلت المرأة ذلك يجوز لبعلها أن يخرجها من بيته في أيّام عدّتها.

فقال عليه السلام: (تلك الفاحشة السحق(1) وليست بالزنا لأنَّها إذا زنت يقام عليها الحدّ، وليس لمن أراد تزويجها أن يمتنع من العقد عليها لأجل الحدّ الذي اُقيم عليها، وأمَّا إذا ساحقت فيجب عليها الرجم، والرجم هو الخزي، ومن أمر الله تعالي برجمها فقد أخزاها ليس لأحد أن يقربها).

ثمّ قلت: أخبرني يا ابن رسول الله عن قول الله تعالي لنبيّه موسي: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُويً)(2) فإنَّ فقهاء الفريقين يزعمون أنَّها كانت من إهاب الميتة.

فقال عليه السلام: (من قال ذلك فقد افتري علي موسي واستجهله في نبوَّته، لأنَّه ما خلا الأمر فيها من خطبين: إمَّا أن كانت صلاة موسي فيها جائزة أو غير جائزة، فإن كانت صلاة موسي جائزة فيها، فجاز لموسي أن يكون لابسها في تلك البقعة وإن كانت مقدَّسة مطهَّرة، وإن كانت2.

ص: 37


1- المساحقة عند النساء كاللواط عند الرجال.
2- طه: 12.

صلاته غير جائزة فيها فقد أوجب أنَّ موسي لم يعرف الحلال والحرام، ولم يعلم ما جازت الصلاة فيه ممَّا لم يجز وهذا (كفر)).

قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها.

قال: (إنَّ موسي عليه السلام كان بالوادي المقدَّس فقال: يا ربّ إنّي أخلصت لك المحبّة منّي وغسلت قلبي عمَّن سواك، وكان شديد الحبّ لأهله، فقال الله تبارك وتعالي: فاخلع نعليك أي: انزع حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبَّتك لي خالصة وقلبك من الميل إلي من سواي مغسولاً).

فقلت: أخبرني عن تأويل: (كهيعص).

قال: (هذه الحروف من أنباء الغيب، أطلع الله عليها عبده زكريا ثمّ قصَّها علي محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، وذلك: أنَّ زكريا عليه السلام سأل ربّه: أن يعلّمه الأسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل فعلَّمه إيّاها، فكان زكريا إذا ذكر محمّداً وعلياً وفاطمة والحسن سري عنه همّه، وانجلي كربه، وإذا ذكر اسم الحسين عليه السلام خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة. فقال - ذات يوم -: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسلَّيت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي. فأنبأه الله تبارك وتعالي عن قصته فقال: (كهيعص) فالكاف اسم (كربلاء) والهاء (هلاك العترة) والياء (يزيد) وهو ظالم الحسين والعين (عطشه) والصاد (صبره) فلمَّا سمع بذلك زكريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام ومنع فيهنَّ الناس من الدخول عليه، وأقبل علي البكاء والنحيب، وكان يرثيه: إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده؟ إلهي أتنزل بلوي هذه الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس علياً وفاطمة ثوب هذه المصيبة؟ إلهي أتحلّ كربة هذه المصيبة بساحتهما؟ ثمّ كان يقول: إلهي ارزقني ولداً تقرُّ به عيني علي الكبر، فإذا رزقتنيه فافتني بحبّه، ثمّ

ص: 38

أفجعني به كما تفجع محمّداً حبيبك بولده. فرزقه الله يحيي وفجعه به، وكان حمل يحيي ستّة أشهر وحمل الحسين كذلك).

فقلت: أخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم.

قال: (مصلح أو مفسد؟).

فقلت: مصلح.

قال: (هل يجوز أن يقع خيرتهم علي المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟).

قلت: بلي.

قال: (فهي (العلّة) أيدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك).

قلت: نعم.

قال: (أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله، وأنزل عليهم الكتب، وأيَّدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الأمم، فأهدي إلي ثبت الاختيار ومنهم موسي وعيسي هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذ همّا علي المنافق بالاختيار أن يقع خيرتهما(1)، وهما يظنّان أنَّه مؤمن؟).

قلت: لا.

قال: (فهذا موسي كليم الله مع وفور عقله، وكمال علمه، ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلاً ممَّن لم يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم، فوقع خيرته علي المنافقين.).

ص: 39


1- كذا في المصدر، وفي كمال الدين ودلائل الإمامة: (إذ هما بالاختيار أن يقع (تقع) خيرتهما علي المنافق...).

قال الله عز وجل: (وَاخْتارَ مُوسي قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا ...)(1) الآية، فلمَّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوّة واقعاً علي الأفسد دون الأصلح وهو يظنّ أنَّه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن لا اختيار لمن لا يعلم ما تخفي الصدور وما تكنّ الضمائر، وينصرف عنه السرائر. وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء علي ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح).

ثمّ قال مولانا عليه السلام: (يا سعد من ادّعي أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم - وهو خصمك - ذهب بمختار هذه الأمّة مع نفسه إلي الغار فإنَّه خاف عليه كما خاف علي نفسه لما علم أنَّه الخليفة من بعده علي أمّته، لأنَّه لم يكن من حكم الاختفاء أن يذهب بغيره معه وإنَّما أقام علياً علي مبيته لأنَّه علم أنَّه إن قتل لا يكون من الخلل بقتله ما يكون بقتل أبي بكر، لأنَّه يكون لعلي من يقوم مقامه في الأمور، لِمَ لا تنقض عليه بقولك: أوَلستم تقولون: إنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال: (إنَّ الخلافة من بعدي ثلاثون سنة) وصيرها موقوفة علي أعمار هؤلاء الأربعة: (أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي) فإنَّهم كانوا علي مذهبكم خلفاء رسول الله؟ فإنَّ خصمك لم يجد بدّاً من قوله: بلي. قلت له: فإذا كان الأمر كذلك فكما أبو بكر الخليفة من بعده كان هذه الثلاثة خلفاء أمّته من بعده، فلِمَ ذهب بخليفة واحد وهو (أبو بكر) إلي الغار ولم يذهب بهذه الثلاثة؟

فعلي هذا الأساس يكون النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم مستخفّاً بهم دون أبي بكر فإنَّه يجب عليه أن يفعل بهم ما فعل بأبي بكر، فلمَّا لم يفعل ذلك بهم يكون متهاوناً بحقوقهم وتاركاً للشفقة عليهم بعد أن كان يجب أن يفعل بهم جميعاً علي ترتيب خلافتهم ما فعل بأبي بكر.4.

ص: 40


1- الأعراف: 154.

وأمَّا ما قال لك الخصم: بأنَّهما أسلما طوعاً أو كرهاً، لِمَ لم تقل: بل أنَّهما أسلما طمعاً، وذلك أنَّهما يخالطان مع اليهود ويخبران بخروج محمّد صلي الله عليه وآله وسلم واستيلائه علي العرب من التوراة والكتب المقدَّسة وملاحم قصَّة محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، ويقولون لهما: يكون استيلاؤه علي العرب كاستيلاء (بخت نصر) علي بني إسرائيل إلاَّ أنَّه يدّعي النبوّة ولا يكون من النبوّة في شيء، فلمَّا ظهر أمر رسول الله فساعدا معه علي شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمّداً رسول الله طمعاً أن يجدا من جهة ولاية رسول الله ولاية بلد إذا انتظم أمره، وحسن باله، واستقامت ولايته، فلمَّا أيسا من ذلك وافقا مع أمثالهما ليلة العقبة وتلثَّما مثل من تلثَّم منهم، فنفروا بدابة رسول الله لتسقطه ويصير هالكاً بسقوطه بعد أن صعد العقبة فيمن صعد، فحفظ الله تعالي نبيّه من كيدهم ولم يقدروا أن يفعلوا شيئاً، وكان حالهما كحال طلحة والزبير إذ جاءا علياً عليه السلام وبايعاه طمعاً أن تكون لكلّ واحد منهما ولاية، فلمَّا لم يكن ذلك وأيسا من الولاية نكثا بيعته وخرجا عليه حتَّي آل أمر كلّ واحد منهما إلي ما يؤل أمر من ينكث العهود والمواثيق).

ثمّ قام مولانا الحسن بن علي عليهما السلام لصلاته وقام القائم معه، فرجعت من عندهما وطلبت أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكياً فقلت: ما أبطأك وما أبكاك؟

قال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي احضاره.

قلت: لا بأس عليك فأخبره!

فدخل عليه وانصرف من عنده متبسّماً وهو يصلّي علي محمّد وأهل بيته.

ص: 41

فقلت: ما الخبر؟

فقال: وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدميّ مولانا عليه السلام يصلّي عليه.

قال سعد: فحمدنا الله جلَّ ذكره علي ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلي منزل مولانا عليه السلام أيّاماً فلا نري الغلام بين يديه، فلمَّا كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا، فانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائماً وقال: يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة، واشتدَّت المحنة، فنحن نسأل الله أن يصلّي علي المصطفي جدّك، وعلي المرتضي أبيك، وعلي سيّدة النساء اُمّك فاطمة الزهراء وعلي سيّدي شباب أهل الجنّة عمّك وأبيك، وعلي الأئمّة من بعدهما آبائك. وأن يصلّي عليك وعلي ولدك، ونرغب إليه أن يعلي كعبك، ويكبت عدوّك، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك.

(قال): فلمَّا قال هذه الكلمة استعبر مولانا عليه السلام حتَّي استهملت دموعه وتقاطرت عبراته ثمّ قال: (يا ابن إسحاق لا تكلّف في دعائك شططاً، فإنَّك ملاق الله في صدرك هذا)، فخرَّ أحمد مغشياً عليه، فلمَّا أفاق قال: سألتك بالله وبحرمة جدّك إلاَّ ما شرَّفتني بخرقة أجعلها كفناً، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً فقال: (خذها ولا تنفق علي نفسك غيرها فإنَّك لن تعدم ما سألت والله لا يضيع أجر المحسنين).

قال سعد: فلمَّا صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا عليه السلام من حلوان علي ثلاثة فراسخ، حمَّ أحمد بن إسحاق وثارت عليه علّة صعبة أيس من حياته بها، فلمَّا وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات، دعا أحمد بن إسحاق رجلاً من أهل بلده كان قاطناً بها ثمّ قال: تفرَّقوا عنّي هذه الليلة واتركوني وحدي! فانصرفنا عنه ورجع كلّ واحد إلي مرقده.

ص: 42

(قال) سعد: فلمَّا حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني، فإذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمّد وهو يقول: أحسن الله بالخير عزاكم، وختم بالمحبوب رزيَّتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه، فقوموا لدفنه فإنَّه من أكرمكم محلاً عند سيّدكم، ثمّ غاب عن أعيننا، فاجتمعنا علي رأسه بالبكاء والنحيب والعويل حتَّي قضينا حقَّه وفرغنا من أمره رحمه الله.

* وعن الشيخ الموثوق أبي عمرو العمري رحمه الله(1) قال: تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في (الخلف) فذكر ابن أبي غانم: إنَّ أبا محمّد عليه السلام مضي ولا خلف له، ثمّ إنَّهم كتبوا في ذلك كتاباً وأنفذوه إلي الناحية، وأعلموه بما تشاجروا فيه.).

ص: 43


1- هو عثمان بن سعيد العمري - بفتح العين وسكون الميم - أوّل النوّاب الأربعة يكنّي أبا عمرو السمّان ويقال له: الزيّات والعسكري ذكره الشيخ الطوسي في عداد أصحاب الهادي عليه السلام (ص 420) وقال: (... خدمه عليه السلام وله إحدي عشر سنة، وله إليه عهد معروف)، وفي أصحاب العسكري (ص 434) وقال: (... جليل القدر ثقة وكيله عليه السلام)، وفي كتاب الغيبة (ص 214) قال: (فأمَّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة، فأوّلهم: من نصَّبه أبو الحسن علي بن محمّد العسكري وأبو محمّد الحسن بن علي بن محمّد ابنه عليهم السلام وهو الشيخ الموثوق به: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، وكان أسدياً وإنَّما سُمّي العمري لما رواه أبو نصر هبة الله ابن محمّد بن أحمد الكاتب أنَّه ابن بنت أبي جعفر العمري رحمه الله قال أبو نصر: كان أسدياً فنسب إلي جدّه فقيل: العمري. وقد قال قوم من الشيعة: إنَّ أبا محمّد الحسن بن علي عليه السلام قال: (لا يجتمع علي أمره بين عثمان وأبو عمرو) فأمر بكسر كنيته فقيل: العمري... إلي أن قال: ويقال له: (السمّان) لأنَّه كان يتَّجر في السمن تغطية علي الأمر، وكان الشيعة إذا حملوا إلي أبي محمّد عليه السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلي أبي عمرو فيجعله في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلي أبي محمّد عليه السلام تقيّة وخوفاً).

فورد جواب كتابهم بخطّه صلّي الله عليه وعلي آبائه: (بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإيّاكم من الفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإيّاكم من سوء المنقلب، إنَّه أنهي إلي ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشكّ والحيرة في ولاة أمرهم، فغمَّنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم لا فينا، لأنَّ الله معنا فلا فاقة بنا إلي غيره، والحقّ معنا فلن يوحشنا من قعد عنّا، ونحن صنايع ربّنا والخلق بعد صنايعنا. يا هؤلاء ما لكم في الريب تتردَّدون، وفي الحيرة تنعسكون، أوَما سمعتم الله يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ)(1)؟ أوَما علمتم ما جاءت به الآثار ممَّا يكون ويحدث في أئمّتكم، علي الماضين والباقين منهم السلام؟ أوَما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها، من لدن آدم عليه السلام إلي أن ظهر الماضي عليه السلام، كلَّما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلمَّا قبضه الله إليه ظننتم أنَّ الله أبطل دينه، وقطع السبب بينه وبين خلقه، كلاَّ ما كان ذلك ولا يكون، حتَّي تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون، وإنَّ الماضي عليه السلام مضي سعيداً فقيداً علي منهاج آبائه عليهم السلام، (حذو النعل بالنعل) وفينا وصيَّته وعلمه، ومنه خلفه ومن يسدّ مسدَّه، ولا ينازعنا موضعه إلاَّ ظالم آثم، ولا يدَّعيه دوننا إلاَّ كافر جاحد، ولولا أنَّ أمر الله لا يغلب، وسرّه لا يظهر ولا يعلن، لظهر لكم من حقّنا ما تبتزّ منه عقولكم، ويزيل شكوكم ولكنَّه ما شاء الله كان، ولكلّ أجل كتاب، فاتَّقوا الله وسلّموا لنا وردّوا الأمر إلينا فعلينا الإصدار كما كان منّا الإيراد،8.

ص: 44


1- النساء: 58.

ولا تحاولوا كشف ما غطّي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلي اليسار، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودّة علي السُنّة الواضحة فقد نصحت لكم، والله شاهد عليَّ وعليكم، ولولا ما عندنا من محبّة صاحبكم ورحمتكم، والاشفاق عليكم، لكنّا عن مخاطبتكم في شغل ممَّا قد امتحنّا به من منازعة الظالم العتل، الضالّ المتتابع في غيّه، المضاد لربّه، المدّعي ما ليس له، الجاحد حقّ من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب، وفي ابنة رسول الله صلّي الله عليه وآله وعليها إليَّ أسوة حسنة، وسيتردّي(1) الجاهل رداء عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبي الدار. عصمنا الله وإيّاكم من المهالك والأسواء، والآفات والعاهات كلّها برحمته إنَّه وليّ ذلك والقادر علي ما يشاء، وكان لنا ولكم وليّاً وحافظاً، والسلام علي جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته، وصلّي الله علي النبيّ محمّد وآله وسلَّم تسليماً).

* وعن سعد بن عبد الله الأشعري، عن الشيخ الصدوق أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري رحمه الله أنَّه جاء بعض أصحابنا يعلمه أنَّ جعفر بن علي كتب إليه كتاباً يعرّفه نفسه، ويعلمه أنَّه القيّم بعد أخيه، وأنَّ عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه، وغير ذلك من العلوم كلّها.

قال أحمد بن إسحاق: فلمَّا قرأت الكتاب كتبت إلي صاحب الزمان عليه السلام وصيَّرت كتاب جعفر في درجه، فخرج إليَّ الجواب في ذلك:

(بسم الله الرحمن الرحيم، أتاني كتابك أبقاك الله والكتاب الذي أنفذت درجه، وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمَّنه علي اختلاف ألفاظه،).

ص: 45


1- كذا في المصدر، وفي منتخب الأنوار وإلزام الناصب: (وسيردي).

وتكرّر الخطأ فيه، ولو تدبَّرته لوقفت علي بعض ما وقفت عليه منه، والحمد لله ربّ العالمين حمداً لا شريك له علي إحسانه إلينا وفضله علينا، أبي الله عز وجل للحقّ إلاَّ إتماماً، وللباطل إلاَّ زهوقاً، وهو شاهد عليَّ بما أذكره، ولي عليكم بما أقوله، إذا اجتمعنا لليوم الذي لا ريب فيه، ويسألنا عمَّا نحن فيه مختلفون. وإنَّه لم يجعل لصاحب الكتاب علي المكتوب إليه ولا عليك ولا علي أحد من الخلق جميعاً إمامة مفترضة، ولا طاعة ولا ذمّة، وسأبيّن لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله.

يا هذا يرحمك الله! إنَّ الله تعالي لم يخلق الخلق عبثاً، ولا أهملهم سدي، بل خلقهم بقدرته، وجعل لهم أسماعاً وأبصاراً وقلوباً وألباً، ثمّ بعث النبيّين عليهم السلام مبشّرين ومنذرين، يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته، ويعرّفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم، وأنزل عليهم كتاباً وبعث إليهم ملائكة، وباين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم، وما آتاهم الله من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة، والآيات الغالبة. فمنهم: من جعل النار عليه برداً وسلاماً واتَّخذه خليلاً، ومنهم: من كلَّمه تكليماً وجعل عصاه ثعباناً مبيناً، ومنهم: من أحيي الموتي بإذن الله وأبرأ الأكمه والأبرص باذن الله، ومنهم: من علَّمه منطق الطير وأوتي من كلّ شيء. ثمّ بعث محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين وتمَّم به نعمته، وختم به أنبياءه، وأرسله إلي الناس كافّة، وأظهر من صدقه ما أظهر، وبيَّن آياته وعلاماته ما بيَّن، ثمّ قبضه صلي الله عليه وآله وسلم حميداً فقيداً سعيداً، وجعل الأمر من بعده إلي أخيه وابن عمّه ووصيّه ووارثه علي بن أبي طالب عليه السلام، ثمّ إلي الأوصياء من ولده واحداً بعد واحد، أحيي بهم دينه، وأتمَّ بهم نوره، وجعل بينهم وبين إخوتهم وبني عمّهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقاً بيّناً، تعرف به

ص: 46

الحجّة من المحجوج، والإمام من المأموم بأن: عصمهم من الذنوب، وبرأهم من العيوب، وطهَّرهم من الدنس، ونزَّههم من اللبس، وجعلهم خزّان علمه، ومستودع حكمته، وموضع سرّه، وأيَّدهم بالدلائل ولولا ذلك لكان الناس علي سواء، ولادّعي أمر الله عز وجل كلّ أحد، ولما عرف الحقّ من الباطل، ولا العلم من الجهل. وقد ادّعي هذا المبطل المدّعي علي الله الكذب بما ادّعاه، فلا أدري بأيّة حالة هي له، رجا(1) أن يتمّ دعواه بفقه في دين الله؟! فوَالله ما يعرف حلالاً من حرام ولا يفرّق بين خطأ وصواب، أم بعلم؟! فما يعلم حقّاً من باطل، ولا محكماً من متشابه، ولا يعرف حدّ الصلاة ووقتها، أم بورع؟! فالله شهيد علي تركه الصلاة الفرض (أربعين يوماً) يزعم ذلك لطلب الشعوذة، ولعلَّ خبره تأدّي إليكم، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة، وآثار عصيانه لله عز وجل مشهورة قائمة، أم بآية؟! فليأت بها، أم بحجّة؟! فليقمها، أم بدلالة؟! فليذكرها.

قال الله عز وجل في كتابه: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * حم * تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالأَْرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّي وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الأَْرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلي يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ * وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ)(2).

فالتمس تولّي الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك، وامتحنه واسأله6.

ص: 47


1- كذا في المصدر، وفي إلزام الناصب وبحار الأنوار: (رجاء).
2- الأحقاف: 1 - 6.

عن آية من كتاب الله يفسّرها، أو صلاة يبيّن حدودها وما يجب فيها، لتعلم حاله ومقداره، ويظهر لك عواره ونقصانه، والله حسيبه. حفظ الله الحقّ علي أهله، وأقرَّه في مستقرّه، وأبي الله عز وجل أن تكون الإمامة في الأخوين إلاَّ في الحسن والحسين، وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحقّ واضمحلَّ الباطل، وانحسر عنكم. وإلي الله أرغب في الكفاية، وجميل الصنع والولاية وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلّي الله علي محمّد وآل محمّد).

* محمّد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عليه السلام:

(أمَّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبَّتك، ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمّنا. فاعلم: أنَّه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس منّي وسبيله سبيل ابن نوح.

وأمَّا سبيل عمّي جعفر وولده، فسبيل إخوة يوسف عليه السلام.

وأمَّا الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلماب.

وأمَّا أموالكم فلا نقبلها إلاَّ لتطهروا، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع، وما آتانا الله خير ممَّا آتاكم.

وأمَّا ظهور الفرج فإنَّه إلي الله وكذب الوقّاتون.

وأمَّا قول من زعم أنَّ الحسين لم يقتل، فكفر وتكذيب وضلال.

وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا فإنَّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله.

وأمَّا محمّد بن عثمان العمري، فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنَّه ثقتي وكتابه كتابي.

ص: 48

وأمَّا محمّد بن علي بن مهزيار الأهوازي، فسيصلح الله قلبه، ويزيل عنه شكّه.

وأمَّا ما وصلتنا به، فلا قبول عندنا إلاَّ لما طاب وطهر، وثمن المغنّية حرام.

وأمَّا محمّد بن شاذان بن نعيم، فإنَّه رجل من شيعتنا أهل البيت.

وأمَّا أبو الخطاب محمّد بن أبي زينب الأجدع، ملعون وأصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم، فإنّي منهم بريء، وآبائي عليهم السلام منهم براء.

وأمَّا المتلبّسون بأموالنا، فمن استحلَّ منها شيئاً فأكله فإنَّما يأكل النيران وأمَّا الخمس، فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلي وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.

وأمَّا ندامة قوم شكّوا في دين الله علي ما وصلونا به، فقد أقلنا من استقال فلا حاجة إلي صلة الشاكّين.

وأمَّا علّة ما وقع من الغيبة، فإنَّ الله عز وجل يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)(1) إنَّه لم يكن أحد من آبائي إلاَّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.

وأمَّا وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبها عن الأبصار السحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء، فاغلقوا أبواب السؤال عمَّا لا يعنيكم، ولا تتكلَّفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلي من اتَّبع الهدي).4.

ص: 49


1- المائدة: 104.

* أبو الحسن علي بن أحمد الدلاّل القمي، قال: اختلف جماعة من الشيعة في أنَّ الله عز وجل فوَّض إلي الأئمّة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا، فقال قوم: هذا محال لا يجوز علي الله تعالي، لأنَّ الأجسام لا يقدر علي خلقها غير الله عز وجل، وقال آخرون: بل الله أقدر الأئمّة علي ذلك وفوَّض إليهم فخلقوا ورزقوا، وتنازعوا في ذلك نزاعاً شديداً، فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلي أبي جعفر محمّد بن عثمان فتسألوه عن ذلك ليوضّح لكم الحقّ فيه، فإنَّه الطريق إلي صاحب الأمر، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلَّمت وأجابت إلي قوله، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه، فخرج إليهم من جهته توقيع، نسخته: (إنَّ الله تعالي هو الذي خلق الأجسام، وقسَّم الأرزاق لأنَّه ليس بجسم ولا حالّ في جسم، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير. وأمَّا الأئمّة عليهم السلام، فإنَّهم يسألون الله تعالي فيخلق، ويسألونه فيرزق إيجاباً لمسألتهم، وإعظاماً لحقّهم).

* عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدَّثني محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه مع جماعة منهم علي بن عيسي القصري، فقام إليه رجل فقال له: أريد أن أسألك عن شيء.

فقال له: سل عمَّا بدا لك.

فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي عليهما السلام أهو وليّ الله؟

قال: نعم.

قال: أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدوّ لله؟

قال: نعم.

قال الرجل: فهل يجوز أن يسلّط الله عز وجل عدوّه علي وليّه؟

ص: 50

فقال أبو القاسم قدَّس الله روحه: افهم عنّي ما أقول لك! اعلم أنَّ الله تعالي لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان، ولا يشافههم بالكلام، ولكنَّه جلَّت عظمته يبعث إليهم من أجناسهم وأصنافهم بشراً مثلهم، ولو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصوَّرهم لنفروا عنهم، ولم يقبلوا منهم، فلمَّا جاؤهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، قالوا لهم: أنتم بشر مثلنا لا نقبل منكم حتَّي تأتونا بشيء نعجز من أن نأتي بمثله، فنعلم أنَّكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه، فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها. فمنهم: من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار فغرق جميع من طغي وتمرَّد. ومنهم: من اُلقي في النار فكانت عليه برداً وسلاماً. ومنهم: من أخرج من الحجر الصلب الناقة، وأجري من ضرعها لبناً. ومنهم: من فلق له البحر وفجّر له من العيون، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً تلقف ما يأفكون. ومنهم: من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيي الموتي بإذن الله، وأنبأهم بما يأكلون وما يدَّخرون في بيوتهم. ومنهم: من انشقَّ له القمر وكلَّمته البهائم، مثل البعير والذئب وغير ذلك.

فلمَّا أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله، كان من تقدير الله جل جلاله ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وأخري مغلوبين، وفي حال قاهرين وأخري مقهورين، ولو جعلهم الله في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتَّخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل، ولمَّا عرف فضل صبرهم علي البلاء والمحن والاختيار، ولكنَّه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم، ليكونوا في حال المحنة والبلوي صابرين وفي حال

ص: 51

العافية والظهور علي الأعداء شاكرين، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبّرين، وليعلم العباد أنَّ لهم عليهم السلام إلهاً هو خالقهم ومدبّرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله، وتكون حجّة الله ثابتة علي من تجاوز الحدّ فيهم، وادّعي لهم الربوبية، أو عاند وخالف، وعصي وجحد، بما أتت به الأنبياء والرسل، وليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيي من حيّ عن بيّنة.

قال محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله: فعدت إلي الشيخ أبي القاسم الحسين ابن روح رحمه الله في الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر لنا ما ذكر يوم أمس من عند نفسه فابتدأني وقال:

يا محمّد بن إبراهيم لئن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله برأيي، ومن عند نفسي، بل ذلك عن الأصل، ومسموع من الحجّة صلوات الله عليه وسلامه.

* وممَّا خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه، ردّاً علي الغلاة من التوقيع جواباً لكتاب كتب إليه علي يدي محمّد بن علي بن هلال الكرخي: (يا محمّد بن علي تعالي الله وجلَّ عمَّا يصفون، سبحانه وبحمده، ليس نحن شركاؤه في علمه ولا في قدرته، بل لا يعلم الغيب غيره، كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ)(1). وأنا وجميع آبائي من الأوّلين: آدم ونوح وإبراهيم وموسي، وغيرهم من النبيّين، ومن الآخرين محمّد رسول

----------------------

(1) النمل: 65.

ص: 52

الله، وعلي بن أبي طالب، وغيرهم ممَّن مضي من الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين، إلي مبلغ أيّامي ومنتهي عصري، عبيد الله عز وجل، يقول الله عز وجل: (مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمي * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمي وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسي)(1).

يا محمّد بن علي قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه. فاُشهد الله الذي لا إله إلاَّ هو وكفي به شهيداً، ورسوله محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، وملائكته وأنبياءه، وأولياءه عليهم السلام. واُشهدك، واُشهد كلّ من سمع كتابي هذا، إنّي بريء إلي الله وإلي رسوله ممَّن يقول: إنّا نعلم الغيب، ونشاركه في ملكه، أو يحلّنا محلاً سوي المحلّ الذي رضيه الله لنا وخلقنا له، أو يتعدّي بنا عمَّا قد فسَّرته لك وبيَّنته في صدر كتابي. واُشهدكم: أنَّ كلّ من نبرأ منه فإنَّ الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياءه وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك وعنق من سمعه أن لا يكتمه لأحد من موالي وشيعتي حتَّي يظهر علي هذا التوقيع الكلّ من الموالي لعلَّ الله عز وجل يتلافاهم فيرجعون إلي دين الله الحقّ، وينتهون عمَّا لا يعلمون منتهي أمره، ولا يبلغ منتهاه، فكلّ من فهم كتابي ولا يرجع إلي ما قد أمرته ونهيته، فقد حلَّت عليه اللعنة من الله وممَّن ذكرت من عباده الصالحين).

* روي أصحابنا: أنَّ أبا محمّد الحسن السريعي كان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمّد عليهما السلام، وهو أوّل من ادّعي مقاماً لم يجعله الله فيه من قبل صاحب الزمان عليه السلام وكذب علي الله وحججه عليهم السلام، ونسب6.

ص: 53


1- طه: 124 - 126.

إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء، ثمّ ظهر منه القول بالكفر والإلحاد، وكذلك كان محمّد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمّد الحسن عليه السلام، فلمَّا توفّي ادّعي البابية لصاحب الزمان، ففضحه الله تعالي بما ظهر منه من الإلحاد والغلو والتناسخ، وكان يدّعي أنَّه رسول نبيّ أرسله علي بن محمّد عليه السلام، ويقول بالإباحة للمحارم، وكان أيضاً من جملة الغلاة أحمد بن هلال الكرخي، وقد كان من قبل في عدد أصحاب أبي محمّد عليه السلام، ثمّ تغيَّر عمَّا كان عليه وأنكر بابية أبي جعفر محمّد بن عثمان، فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الأمر والزمان وبالبراءة منه، في جملة من لعن وتبرَّء منه، وكذا كان أبو طاهر محمّد بن علي بن بلال، والحسين بن منصور الحلاّج، ومحمّد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر، لعنهم الله، فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعاً، علي يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله ونسخت:

(عرّف أطال الله بقاك! وعرَّفك الله الخير كلّه وختم به عملك، من تثق بدينه وتسكن إلي نيّته من إخواننا أدام الله سعادتهم: بأنَّ (محمّد بن علي المعروف بالشلمغاني) عجَّل الله له النقمة ولا أمهله، قد ارتدَّ عن الإسلام وفارقه، وألحد في دين الله وادّعي ما كفر معه بالخالق جلَّ وتعالي، وافتري كذباً وزوراً، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، كذب العادلون بالله وضلّوا ضلالاً بعيداً، وخسرواً خسراناً مبيناً. وإنّا برئنا إلي الله تعالي وإلي رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته منه، ولعنّاه، عليه لعاين الله تتري، في الظاهر منّا والباطن، في السرّ والجهر، وفي كلّ وقت وعلي كلّ حال، وعلي كلّ من شايعه وبلغه هذا القول منّا فأقام علي تولاّه بعده.

ص: 54

أعلمهم تولاّك الله! إنَّنا في التوقّي والمحاذرة منه علي مثل ما كنّا عليه ممَّن تقدَّمه من نظرائه، من: (السريعي، والنميري، والهلالي، والبلالي) وغيرهم. وعادة الله جلَّ ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة، وبه نثق وإيّاه نستعين وهو حسبنا في كلّ أمورنا ونعم الوكيل).

وأمَّا الأبواب المرضيون، والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة:

فأوّلهم: الشيخ الموثوق به أبو عمرو (عثمان) بن سعيد العمري. نصبه أوّلاً أبو الحسن علي بن محمّد العسكري، ثمّ ابنه أبو محمّد الحسن، فتولّي القيام بأمورهما حال حياتهما عليهما السلام، ثمّ بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان عليه السلام، وكان توقيعاته وجواب المسائل تخرج علي يديه. فلمَّا مضي لسبيله، قام ابنه أبو جعفر (محمّد) بن عثمان مقامه، وناب منابه في جميع ذلك. فلمَّا مضي هو، قام بذلك أبو القاسم (حسين بن روح) من بني نوبخت. فلمَّا مضي هو، قام مقامه أبو الحسن (علي) بن محمّد السمري ولم يقم أحد منهم بذلك إلاَّ بنصّ عليه من قبل صاحب الأمر عليه السلام، ونصب صاحبه الذي تقدَّم عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم إلاَّ بعد ظهور آية معجزة تظهر علي يد كلّ واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه السلام، تدلُّ علي صدق مقالتهم، وصحَّة بابيَّتهم.

فلمَّا حان سفر أبي الحسن السمري من الدنيا وقرب أجله قيل له: إلي من توصي؟

فأخرج إليهم توقيعاً نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلي أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد

ص: 55

وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاَّ بعد إذن الله تعالي ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي إلي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلاَّ بالله العلي العظيم).

فنسخوا هذا التوقيع وخرجوا، فلمَّا كان اليوم السادس عادوا إليه وهو يجود بنفسه. فقال له بعض الناس: من وصيّك من بعدك؟

فقال: لله أمر هو بالغه، وقضي فهذا آخر كلام سمع منه رحمه الله.

ذكر طرف ممَّا خرج أيضاً عن صاحب الزمان عليه السلام من المسائل الفقهية وغيرها، في التوقيعات علي أيدي الأبواب الأربعة وغيرهم:

* عن محمّد بن يعقوب الكليني، رفعه عن الزهري، قال: طلبت هذا الأمر طلباً شافياً حتَّي ذهب لي فيه مال صالح، فوقعت إلي العمري وخدمته ولزمته، فسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان عليه السلام. قال: ليس إلي ذلك وصول. فخضعت له.

فقال لي: بكّر بالغداة. فوافيت، فاستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم ريحاً، وفي كمّه شيء، كهيأة التجّار، فلمَّا نظرت إليه دنوت من العمري، فأومي إليه فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كلّ ما أردت. ثمّ مرَّ ليدخل الدار وكانت من الدور التي لا يكترث بها. فقال العمري: إن أردت أن تسأل فاسأل فإنَّك لا تراه بعد ذا. فذهبت لأسأل فلم يستمع ودخل الدار وما كلَّمني بأكثر من أن قال: (ملعون ملعون من أخَّر العشاء إلي أن تشتبك النجوم، ملعون ملعون من أخَّر الغداة إلي أن تنقضي النجوم)، ودخل الدار.

ص: 56

* وعن أبي الحسن محمّد بن جعفر الأسدي، قال: كان فيما ورد عليَّ من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدَّس الله روحه في جواب مسائل إلي صاحب الزمان: (أمَّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، فلئن كان كما يقول الناس: (إنَّ الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان) فما أرغم أنف الشيطان شيء أفضل من الصلاة، فصلّها وارغم الشيطان أنفه.

وأمَّا ما سألت عنه من أمر الوقف علي ناحيتنا، وما يجعل لنا ثمّ يحتاج إليه صاحبه، فكلّ ما لم يسلّم فصاحبه فيه بالخيار، وكلّ ما سلّم فلا خيار لصاحبه فيه احتاج أو لم يحتج، افتقر إليه أو استغني عنه.

وأمَّا ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا ويتصرَّف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا، فمن فعل ذلك فهو ملعون، ونحن خصماؤه يوم القيامة، وقد قال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (المستحلّ من عترتي ما حرَّم الله ملعون علي لساني ولسان كلّ نبيّ مجاب) فمن ظلمنا كان في جملة الظالمين لنا، وكانت لعنة الله عليه لقوله عز وجل: (أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَي الظَّالِمِينَ)(1).

وأمَّا ما سألت عنه عن أمر المولود الذي نبتت غلفته بعد ما يختن مرّة أخري فإنَّه يجب أن يقطع غلفته فإن الأرض تضجُّ إلي الله تعالي من بول الأغلف أربعين صباحاً.

وأمَّا ما سألت عنه من أمر المصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه، هل يجوز صلاته؟ فإنَّ الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك، فإنَّه جائز3.

ص: 57


1- الأعراف: 43.

لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران أن يصلّي والنار والسراج بين يديه، ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان والنيران.

وأمَّا ما سألت عنه عن أمر الضياع التي لناحيتنا، هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج منها، وصرف ما يفضل من دخلها إلي الناحية، احتسابا للأجر، وتقرّباً إليكم؟ فلا يحلّ لأحد أن يتصرَّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في مالنا من فعل ذلك بغير أمرنا فقد استحلَّ منّا ما حرم عليه، ومن أكل من أموالنا شيئاً فإنَّما يأكل في بطنه ناراً وسيصلي سعيراً.

وأمَّا ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة، ويسلّمها من قيّم يقوم بها ويعمّرها، ويؤدّي من دخلها خراجها ومؤنتها، ويجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا فإنَّ ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيّماً عليها، إنَّما لا يجوز ذلك لغيره.

وأمَّا ما سألت عنه من الثمار من أموالنا يمرُّ به المار فيتناول منه ويأكل، هل يحلّ له ذلك؟ فإنَّه يحلّ له أكله ويحرم عليه حمله.

وعن أبي الحسين الأسدي أيضاً، قال: ورد عليَّ توقيع من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري - قدَّس الله روحه - ابتداء لم يتقدَّمه سؤال عنه، نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم، لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، علي من استحلَّ من أموالنا درهماً).

قال أبو الحسين الأسدي رحمه الله: فوقع في قلبي أنَّ ذلك فيمن استحلَّ من مال الناحية درهماً دون من أكل منه غير مستحلّ، وقلت في نفسي: إنَّ ذلك في جميع من استحلَّ محرَّماً، فأيّ فضل في ذلك للحجّة عليه السلام علي غيره؟!

ص: 58

قال: فوَالذي بعث محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم بالحقّ بشيراً، لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلي ما كان في نفسي: (بسم الله الرحمن الرحيم، لعنة الله والملائكة والناس أجمعين علي من أكل من مالنا درهماً حراماً).

* وقال أبو جعفر بن بابويه في الخبر الذي روي فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً أنَّ عليه ثلاث كفارات فإنّي أفتي به فيمن أفطر بجماع محرَّم عليه أو بطعام محرَّم عليه لوجود ذلك في روايات أبي الحسن الأسدي رحمه الله فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان رحمه الله.

* وعن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: خرج التوقيع إلي الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان قدَّس الله روحه في التعزية بأبيه رحمه الله في فصل من الكتاب: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون، تسليماً لأمره، ورضاً بقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم السلام. فلم يزل مجتهداً في أمرهم ساعياً فيما يقرّبه إلي الله عز وجل، نضَّر الله وجهه، وأقاله عثرته).

وفي فصل آخر: (أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء، رزيت ورزينا وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرَّه الله في منقلبه، كما كان من كمال سعادته أن رزقه الله ولداً مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحَّم عليه، وأقول: الحمد لله، فإنَّ النفس طيّبة بمكانك، وما جعله الله عز وجل فيك وعندك، أعانك الله وقوّاك، وعضدك ووفَّقك، وكان لك وليّاً وحافظاً، وراعياً وكافياً).

* وممَّا خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه من جوابات المسائل الفقهية أيضاً: ما سأله عنها محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري فيما كتب إليه وهو: بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاك، وأدام الله

ص: 59

عزّك، وتأييدك، وسعادتك، وسلامتك، وأتمَّ نعمته عليك، وزاد في إحسانه إليك، وجميل مواهبه لديك، وفضله عندك، وجعلني من السوء فداك، وقد مني قبلك الناس يتنافسون في الدرجات، فمن قبلتموه كان مقبولاً، ومن دفعتموه كان وضيعاً، والخامل من وضعتموه، ونعوذ بالله من ذلك وببلدنا أيَّدك الله جماعة من الوجوه يتساوون ويتنافسون في المنزلة، وورد أيَّدك الله كتابك إلي جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة (ص)(1).

وأخرج علي بن محمّد بن الحسين بن الملك المعروف بملك بادوكة وهو ختن (ص) رحمه الله من بينهم فاغتمَّ بذلك، وسألني أيَّدك الله أن اعلمك ما ناله من ذلك، فإن كان من ذنب فاستغفر الله منه، وإن يكن غير ذلك عرَّفته ما تسكن نفسه إليه إن شاء الله.

التوقيع: (لم نكاتب إلاَّ من كاتبنا).

وقد عوَّدتني أدام الله عزّك من تفضّلك ما أنت أهل أن تخبرني علي العادة، وقبلك أعزَّك الله فقهاؤنا قالوا: محتاج إلي أشياء تسأل لي عنها. روي لنا عن العالم عليه السلام: أنَّه سئل عن إمام قوم صلّي بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال: (يؤخّر ويتقدَّم بعضهم، ويتمّ صلاتهم، ويغتسل من مسَّه).

التوقيع: (ليس علي من نحاه إلاَّ غسل اليد، وإذا لم يحدث حادثة يقطع الصلاة تمَّم صلاته مع القوم).).

ص: 60


1- كذا، قال المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار 53: 154 في معرض شرحه للرواية: (عبَّر عن المعان برمز (ص) للمصلحة...).

وروي عن العالم عليه السلام: إنَّ من مسَّ ميّتاً بحرارته غسل يده، ومن مسَّه وقد برد فعليه الغسل، وهذا الإمام في هذه الحالة لا يكون إلاَّ بحرارة، فالعمل في ذلك علي ما هو، ولعلَّه ينحيه بثيابه ولا يمسّه، فكيف يجب عليه الغسل؟

التوقيع: (إذا مسَّه علي هذه الحال لم يكن عليه إلاَّ غسل يده).

وعن صلاة جعفر: إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود، أو ركوع أو سجود وذكره في حالة أخري قد صار فيها من هذه الصلاة، هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في صلاته؟

التوقيع: (إذا سها في حالة من ذلك ثمّ ذكر في حالة أخري، قضي ما فاته في الحالة التي ذكره).

وعن المرأة: يموت زوجها، يجوز أن تخرج في جنازته أم لا؟

التوقيع: (تخرج في جنازته).

وهل يجوز لها في عدَّتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟

التوقيع: (تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها).

وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حقّ يلزمها، أم لا تبرح من بيتها وهي في عدَّتها؟

التوقيع: (إذا كان حقّ خرجت فيه وقضته، وإن كانت لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت بها حتَّي تقضيها، ولا تبيت إلاَّ في بيتها).

وروي في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها: إنَّ العالم عليه السلام قال: (عجباً لمن لم يقرأ في صلاته: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) كيف تقبل صلاته؟).

وروي: (ما زكت صلاة من لم يقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)).

ص: 61

وروي: أنَّ من قرأ في فرائضه (الهمزة) اُعطي من الثواب قدر الدنيا، فهل يجوز أن يقرأ (الهمزة) ويدع هذه السور التي ذكرناها، مع ما قد روي: أنَّه لا تقبل صلاة ولا تزكو إلاَّ بهما؟

التوقيع: (الثواب في السور علي ما قد روي، وإذا ترك سورة ممَّا فيها الثواب وقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، و(إِنَّا أَنْزَلْناهُ) لفضلهما اُعطي ثواب ما قرأ، وثواب السورة التي ترك، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامّة، ولكن يكون قد ترك الفضل).

وعن وداع شهر رمضان: متي يكون؟ فقد اختلف فيه أصحابنا، فبعضهم يقول: يقرأ في آخر ليلة منه، وبعضهم يقول: هو في آخر يوم منه إذا رأي هلال شوال؟

التوقيع: (العمل في شهر رمضان في لياليه والوداع يقع في آخر ليلة منه، فإذا خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين).

وعن قول الله عز وجل: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) أرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم المعني به، (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) ما هذه القوّة؟! (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ)(1) ما هذه الطاعة وأين هي؟ ما خرج لهذه المسألة جواب.

فرأيك أدام الله عزَّك بالتفضّل عليَّ بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل فأجبني عنها منعماً مع ما تشرحه لي من أمر علي بن محمّد بن الحسين بن الملك المقدَّم ذكره بما يسكن إليه، ويعتدّ بنعمة الله عنده، وتفضَّل عليَّ بدعاء جامع لي ولإخواني في الدنيا والآخرة فعلت مثاباً إن شاء الله.

التوقيع: (جمع الله لك ولإخوانك خير الدنيا والآخرة).1.

ص: 62


1- التكوير: 19 - 21.

* كتاب آخر لمحمّد بن عبد الله الحميري أيضاً إليه عليه السلام في مثل ذلك:

فرأيك أدام الله عزّك في تأمّل رقعتي والتفضّل بما أسأل من ذلك لأضيفه إلي ساير أياديك عندي ومنّك عليَّ واحتجت أدام الله عزّك أن يسألني بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهد الأوّل إلي الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبّر؟ فإنَّ بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبير، ويجزيه أن يقول: بحول الله وقوّته أقوم وأقعد؟

الجواب: (إنَّ فيه حديثين: أمَّا أحدهما: فإنَّه إذا انتقل من حالة إلي حالة أخري فعليه التكبير. وأمَّا الآخر: فإنَّه روي: أنَّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبَّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير، وكذلك في التشهد الأوّل يجري هذا المجري، وبأيّها أخذت من جهة التسليم كان صواباً).

وعن الفصّ الخماهن: هل يجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه؟

الجواب: (فيه كراهية أن يصلّي فيه، وفيه أيضاً إطلاق والعمل علي الكراهة).

وعن رجل اشتري هدياً لرجل غاب عنه، وسأله أن ينحر عنه هدياً بمني، فلمَّا أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل ونحر الهدي، ثمّ ذكره بعد ذلك، أيجزي عن الرجل أم لا؟

الجواب: (لا بأس بذلك، وقد اجزأ عن صاحبه).

وعندنا حاكة مجوس، يأكلون الميتة. ولا يغتسلون من الجنابة، وينسجون لنا ثياباً، فهل يجوز الصلاة فيها من قبل أن تغسل؟

الجواب: (لا بأس بالصلاة فيها).

ص: 63

وعن المصلّي: يكون في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلط بالسجّادة ويضع جبهته علي (مسح أو نطع) فإذا رفع رأسه وجد السجّادة، هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟

الجواب: (ما لم يستو جالساً فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة).

وعن المحرم: يرفع الظلال هل يرفع خشب العمارية أو الكنيسية ويرفع الجناحين أم لا؟

الجواب: (لا شيء عليه في ترك رفع الخشب).

وعن المحرم: يستظل من المطر بنطع أو غيره، حذراً علي ثيابه وما في محمله أن يبتل، فهل يجوز ذلك؟

الجواب: (إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه، فعليه دم).

والرجل: يحجّ عن أحد، هل يحتاج أن يذكر الذي حجَّ عنه عند عقد إحرامه أم لا، وهل يجب أن يذبح عمَّن حجَّ عنه وعن نفسه أم يجزيه هدي واحد؟

الجواب: (قد يجزيه هدي واحد، وإن لم يفصّل فلا بأس).

وهل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خز أم لا؟

الجواب: (لا بأس بذلك، وقد فعله قوم صالحون).

وهل يجوز للرجل أن يصلّي في بطيط لا يغطّي الكعبين أم لا يجوز؟

الجواب: (جائز).

ويصلّي الرجل وفي كمّه أو سراويله سكّين أو مفتاح حديد، هل يجوز ذلك؟

الجواب: (جائز).

ص: 64

وعن الرجل: يكون معه بعض هؤلاء ويكون متَّصلاً بهم، يحجّ ويأخذ علي الجادة ولا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخّر إحرامه إلي ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز إلاَّ أن يحرم من المسلخ؟

الجواب: (يحرم من ميقاته ثمّ يلبس الثياب، ويلبّي في نفسه، فإذا بلغ إلي ميقاتهم أظهر).

وعن لبس المعطون، فإنَّ بعض أصحابنا يذكر أنَّ لبسه كريه؟

الجواب: (جايز، ولا بأس به).

وعن الرجل: من وكلاء الوقف مستحلاً لما في يده، ولا يرع عن أخذ ماله ربَّما نزلت في قريته وهو فيها، أو أدخل منزله - وقد حضر طعامه - فيدعوني إليه، فإن لم آكل من طعامه، عاداني وقال: فلان لا يستحلّ أن يأكل من طعامنا فهل يجوز لي أن آكل من طعامه وأتصدَّق بصدقة؟ وكم مقدار الصدقة؟ وإن أهدي هذا الوكيل هدية إلي رجل آخر فأحضر فيدعوني إلي أن أنال منها، وأنا أعلم أنَّ الوكيل لا يرع عن أخذ ما في يده، فهل عليَّ فيه شيء إن أنا نلت منها؟

الجواب: (إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه، واقبل برّه، وإلاَّ فلا).

وعن الرجل ممَّن يقول بالحقّ ويري المتعة، ويقول بالرجعة، إلاَّ أنَّ له أهلاً موافقة له في جميع أموره، وقد عاهدها: ألاَّ يتزوَّج عليها، ولا يتمتَّع، ولا يتسرّي وقد فعل هذا منذ تسعة عشر سنة. ووفي بقوله، فربَّما غاب عن منزله الأشهر فلا يتمتَّع ولا تتحرَّك نفسه أيضاً لذلك، ويري أنَّ وقوف من معه من أخ وولد وغلام ووكيل وحاشية ممَّا يقلّله في أعينهم، ويحبّ المقام علي ما هو عليه

ص: 65

محبّة لأهله وميلاً إليها، وصيانة لها ولنفسه، لا لتحريم المتعة بل يدين الله بها، فهل عليه في ترك ذلك مأثم أم لا؟

الجواب: (يستحبّ له أن يطيع الله تعالي بالمتعة ليزول عنه الحلف في المعصية ولو مرّة).

* وفي كتاب آخر لمحمّد بن عبد الله الحميري إلي صاحب الزمان عليه السلام من جواب مسائله التي سأله عنها، في سنة سبع وثلاثمائة. سأل عن المحرم: يجوز أن يشدّ الميزر من خلفه علي عقبه بالطول، ويرفع طرفيه إلي حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما إلي خاصرته، ويشدّ طرفيه إلي وركيه، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك، فإنَّ الميزر الأوَّل كنّا نتَّزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك، وهذا ستر؟

فأجاب عليه السلام: (جاز أن يتَّزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في الميزر حدثاً بمقراظ ولا أبرة يخرجه به عن حدّ الميزر، وغزره غزراً ولم يعقده، ولم يشدّ بعضه ببعض، وإذا غطّي سرَّته وركبتيه كلاهما فإنَّ السُنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرّة والركبتين، والأحبّ إلينا والأفضل لكلّ أحد شدّه علي السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعاً إن شاء الله).

وسأل: هل يجوز أن يشدّ عليه مكان العقد تكّة؟

فأجاب: (لا يجوز شدّ الميزر بشيء سواه من تكّة ولا غيرها).

وسأل عن التوجّه للصلاة أن يقول: علي ملّة إبراهيم ودين محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، فإنَّ بعض أصحابنا ذكر: أنَّه إذا قال: علي دين محمّد فقد أبدع، لأنّا لم نجده في شيء من كتب الصلاة خلا حديثاً في كتاب القاسم بن

ص: 66

محمّد، عن جدّه، عن الحسن بن راشد أنَّ الصادق عليه السلام قال للحسن: (كيف تتوجَّه؟).

فقال: أقول: لبّيك وسعديك.

فقال له الصادق عليه السلام: (ليس عن هذا أسألك. كيف تقول: وجَّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً؟).

قال الحسن: أقول... فقال الصادق عليه السلام: (إذا قلت ذلك فقل: علي ملّة إبراهيم، ودين محمّد، ومنهاج علي بن أبي طالب، والايتمام بآل محمّد، حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين).

فأجاب عليه السلام: (التوجّه كلّه ليس بفريضة، والسُنّة المؤكّدة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه: وجَّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفاً مسلماً علي ملّة إبراهيم ودين محمّد وهدي أمير المؤمنين، وما أنا من المشركين. إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك اُمرت وأنا من المسلمين. اللهم اجعلني من المسلمين، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثمّ اقرأ الحمد.

قال الفقيه الذي لا يشكّ في علمه: إنَّ الدين لمحمّد والهداية لعلي أمير المؤمنين لأنَّها له صلي الله عليه وآله وسلم وفي عقبه باقية إلي يوم القيامة، فمن كان كذلك فهو من المهتدين، ومن شكَّ فلا دين له، ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدي).

وسأله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه، يجوز أن يرد يديه علي وجهه وصدره للحديث الذي روي: (إنَّ الله عز وجل أجلّ من أن يرد يدي عبده صفراً بل يملأها من رحمته) أم لا يجوز؟ فإنَّ بعض أصحابنا ذكر أنَّه عمل في الصلاة.

ص: 67

فأجاب عليه السلام: (ردّ اليدين من القنوت علي الرأس والوجه غير جايز في الفرائض والذي عليه العمل فيه، إذا رجع يده في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء، أن يرد بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه علي تمهّل، ويكبّر ويركع، والخبر صحيح وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض، والعمل به فيها أفضل).

وسأل عن سجدة الشكر بعد الفريضة، فإنَّ بعض أصحابنا ذكر أنَّها (بدعة) فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة؟ وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟

فأجاب عليه السلام: (سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها، ولم يقل: إنَّ هذه السجدة بدعة إلاَّ من أراد أن يحدث بدعة في دين الله. فأمَّا الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في أنَّها بعد الثلاث أو بعد الأربع فإنَّ فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض علي الدعاء بعقيب النوافل كفضل الفرائض علي النوافل، والسجدة دعاء وتسبيح فالأفضل أن تكون بعد الفرض فإن جُعلت بعد النوافل أيضاً جاز).

وسأل: أنَّ لبعض إخواننا من نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب للسلطان فيها حصّة وأكرته ربَّما زرعوا حدودها وتؤذيهم عمّال السلطان ويتعرَّضون في الكل(1) من غلات ضيعته، وليس لها قيمة لخرابها وإنَّما هي بائرة منذ عشرين سنة، وهو يتحرَّج من شرائها، لأنَّه يقال: إنَّ هذه الحصّة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقف قديماً للسلطان، فإن جاز شراؤها من السلطان، وكان ذلك صلاحاً له وعمارة

----------------------

(1) كذا في المصدر وغيره، وفي بحار الأنوار: (الأكل).

ص: 68

لضيعته، وأنَّه يزرع هذه الحصّة من القرية البائرة لفضل ماء ضيعته العامرة، وينحسم عنه طمع أولياء السلطان، وإن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء الله تعالي.

فأجاب: (الضيعة لا يجوز ابتياعها إلاَّ من مالكها أو بأمره أو رضاء منه).

وسأل عن رجل استحلَّ امرأة خارجة من حجابها، وكان يحترز(1) من أن يقع ولد فجاءت بابن، فتحرَّج الرجل ألاَّ يقبله فقبله وهو شاك فيه، وجعل يجري النفقة علي اُمّه وعليه حتَّي ماتت الاُمّ، وهو ذا يجري عليه غير أنَّه شاك فيه ليس يخلطه بنفسه، فإن كان ممَّن يجب أن يخلط بنفسه ويجعله كساير ولده فعل ذلك وإن جاز أن يجعل له شيئاً من ماله دون حقّه فعل.

فأجاب عليه السلام: (الاستحلال بالمرأة يقع علي وجوه، والجواب يختلف فيها فليذكر الوجه الذي وقع الاستحلال به مشروحاً ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء الله).

وسأله الدعاء له.

فخرج الجواب: (جاد الله عليه بما هو جلَّ وتعالي أهله، إيجابنا لحقّه، ورعايتنا لأبيه رحمه الله وقرَّبه منّا، وقد رضينا بما علمناه من جميل نيَّته، ووقفنا عليه من مخاطبته، المقرّ له من الله التي يرضي الله عز وجل ورسوله وأولياؤه عليهم السلام والرحمة بما بدأنا، نسأل الله بمسألته ما أمَّله من كلّ خير عاجل وآجل، وأن يصلح له من أمر دينه ودنياه ما يحبّ صلاحه، إنَّه وليّ قدير).).

ص: 69


1- كذا في المصدر، وفي بحار الأنوار: (يتحرَّز).

وكتب إليه صلوات الله عليه أيضاً في سنة ثمان وثلاثمائة كتاباً سأله فيه عن مسائل أخري كتب:

بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاك وأدام عزّك وكرامتك وسعادتك وسلامتك، وأتمَّ نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك، وجميل مواهبه لديك، وفضله عليك، وجزيل قسمه لك، وجعلني من السوء كلّه فداك، وقدَّمني قبلك.

إنَّ قبلنا مشايخ وعجايز يصومون رجباً منذ ثلاثين سنة وأكثر، ويصلّون بشعبان وشهر رمضان. وروي لهم بعض أصحابنا: أنَّ صومه معصية.

فأجاب عليه السلام: (قال الفقيه: يصوم منه أياماً إلي خمسة عشر يوماً، إلاَّ أن يصومه عن الثلاثة الأيّام الفائتة، للحديث: (إنَّ نِعْمَ شهر القضاء رجب)).

وسأل عن رجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة رجل، فيتخوَّف إن نزل الغوص فيه، وربَّما يسقط الثلج وهو علي تلك الحال ولا يستوي له أن يلبد شيئاً منه لكثرته وتهافته، هل يجوز أن يصلّي في المحمل الفريضة؟ فقد فعلنا ذلك أيّاماً فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟

فأجاب: (لا بأس به عند الضرورة والشدّة).

وسأل عن الرجل يلحق الإمام وهو راكع فيركع معه ويحتسب تلك الركعة. فإنَّ بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتدّ بتلك الركعة؟

فأجاب: (إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدَّ بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الركوع).

وسأل عن رجل صلّي الظهر ودخل في صلاة العصر، فلمَّا أن صلّي من صلاة العصر ركعتين استيقن أنَّه صلي الظهر ركعتين، كيف يصنع؟

ص: 70

فأجاب: (إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخرتين(1) تتمّة لصلاة الظهر، وصلّي العصر بعد ذلك).

وسأل عن أهل الجنّة هل يتوالدون إذا دخلوها أم لا؟

فأجاب: (إنَّ الجنّة لا حمل فيها للنساء ولا ولادة، ولا طمث ولا نفاس، ولا شقاء بالطفولية. وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، كما قال سبحانه، فإذا اشتهي المؤمن ولداً خلقه الله بغير حمل ولا ولادة علي الصورة التي يريد كما خلق آدم عبرة).

وسأل عن رجل تزوَّج امرأة بشيء معلوم إلي وقت معلوم، وبقي له عليها وقت، فجعلها في حلّ ممَّا بقي له عليها وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حلّ من أيامها بثلاثة أيّام، أيجوز أن يتزوَّجها رجل معلوم إلي وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة أو يستقبل بها حيضة أخري؟

فأجاب: (يستقبل حيضة غير تلك الحيضة، لأنَّ أقلّ تلك العدّة حيضة وطهرة تامّة).

وسأل عن الأبرص والمجذوم وصاحب الفالج هل يجوز شهادتهم، فقد روي لنا: أنَّهم لا يأمّون الأصحاء.

فأجاب: (إن كان ما بهم حادثاً جازت شهادتم، وإن كان ولادة لم يجز).

وسأل: هل يجوز للرجل أن يتزوَّج ابنة امرأته؟

فأجاب: (إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز، وإن لم تكن ربيت في حجره وكانت اُمّها في غير عياله فقد روي: أنَّه جائز).).

ص: 71


1- كذا في المصدر، وفي وسائل الشيعة وبحار الأنوار: (الأخيرتين).

وسأل: هل يجوز أن يتزوَّج بنت ابنة امرأة ثمّ يتزوَّج جدَّتها بعد ذلك؟

فأجاب: (قد نهي عن ذلك).

وسأل عن رجل ادّعي علي رجل ألف درهم وأقام به البيّنة العادلة، وادّعي عليه أيضاً خمسمائة درهم في صكّ آخر، وله بذلك بيّنة عادلة، وادّعي عليه أيضاً ثلاثمائة درهم في صكّ آخر، ومائتي درهم في صكّ آخر، وله بذلك كلّه بيّنة عادلة، ويزعم المدّعي عليه أنَّ هذه الصكاك كلّها قد دخلت في الصكّ الذي بألف درهم، والمدّعي منكر أن يكون كما زعم، فهل يجب الألف الدرهم مرّة واحدة أو يجب عليه كلَّما يقيم البيّنة به؟ وليس في الصكاك استثناء إنَّما هي صكاك علي وجهها.

فأجاب: (يؤخذ من المدّعي عليه ألف درهم مرّة وهي التي لا شبهة فيها، ويرد اليمين في الألف الباقي علي المدّعي فإن نكل فلا حقّ له).

وسأل عن طين القبر يوضع مع الميّت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟

فأجاب: (يوضع مع الميّت في قبره، ويخلط بخيوطه إن شاء الله).

وسأل فقال: روي لنا عن الصادق عليه السلام أنَّه كتب علي أزار ابنه: (إسماعيل يشهد: أن لا إله إلاَّ الله)، فهل يجوز أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟

فأجاب: (يجوز ذلك).

وسأل: هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر، وهل فيه فضل؟

فأجاب: (يسبح الرجل به فما من شيء من السبح أفضل منه، ومن فضله أنَّ الرجل ينسي التسبيح ويدير السبحة فيكتب له التسبيح).

وسأل عن السجدة علي لوح من طين القبر، وهل فيه فضل؟

فأجاب: (يجوز ذلك وفيه الفضل).

ص: 72

وسأل عن الرجل يزور قبور الأئمّة عليهم السلام، هل يجوز أن يسجد علي القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلّي عند بعض قبورهم عليهم السلام أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة، ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدَّم القبر ويصلّي ويجعل القبر خلفه أم لا؟

فأجاب: (أمَّا السجود علي القبر، فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة والذي عليه العمل: أن يضع خدّه الأيمن علي القبر. وأمَّا الصلاة فإنَّها خلفه، ويجعل القبر أمامه، ولا يجوز أن يصلّي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره، لأنَّ الإمام صلي الله عليه وآله وسلم لا يتقدَّم ولا يساوي).

وسأل فقال: يجوز للرجل إذا صلّي الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديرها وهو في الصلاة؟

فأجاب: (يجوز ذلك إذا خاف السهو والغلط).

وسأل: هل يجوز أن يدير السبحة بيده اليسار إذا سبَّح، أو لا يجوز؟

فأجاب: (يجوز ذلك والحمد لله ربّ العالمين).

وسأل فقال: روي عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور: إذا كان الوقف علي قوم بأعيانهم وأعقباهم، فاجتمع أهل الوقف علي بيعه وكان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه، فهل يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم علي البيع، أم لا يجوز إلاَّ أن يجتمعوا كلّهم علي ذلك؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟

فأجاب: (إذا كان الوقف علي إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، وإن كان علي قوم من المسلمين فليبع كلّ قوم ما يقدرون علي بيعه مجتمعين ومتفرّقين إن شاء الله).

وسأل: هل يجوز للمحرم أن يصيّر علي إبطه المرتك والتوتيا لريح العرق أم لا يجوز؟

ص: 73

فأجاب: (يجوز ذلك وبالله التوفيق).

وسأل عن الضرير إذا شهد في حال صحَّته علي شهادة، ثمّ كفّ بصره ولا يري خطّه فيعرفه، هل يجوز شهادته أم لا؟ وإن ذكر هذا الضرير الشهادة، هل يجوز أن يشهد علي شهادته أم لا يجوز؟

فأجاب: (إذا حفظ الشهادة وحفظ الوقت، جازت شهادته).

وسأل عن الرجل يوقف ضيعة أو دابة ويشهد علي نفسه باسم بعض وكلاء الوقف، ثمّ يموت هذا الوكيل أو يتغيَّر أمره ويتولّي غيره، هل يجوز أن يشهد الشاهد لهذا الذي اُقيم مقامه إذا كان أصل الوقف لرجل واحد أم لا يجوز ذلك؟

فأجاب: (لا يجوز ذلك، لأنَّ الشهادة لم تقم للوكيل وإنَّما قامت للمالك، وقد قال الله: (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ)(1)).

وسأل عن الركعتين الأخراوين قد كثرت فيهما الروايات فبعض يروي: أنَّ قراءة الحمد وحدها أفضل، وبعض يروي: أنَّ التسبيح فيهما أفضل، فالفضل لأيّهما لنستعمله؟

فأجاب: (قد نسخت قراءة اُمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح والذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السلام: كلّ صلاة لا قراءة فيها فهو خداج إلاَّ للعليل، أو يكثر عليه السهو فيتخوَّف بطلان الصلاة عليه).

وسأل فقال: يتَّخذ عندنا رب الجوز لوجع الحلق والبحبحة، يؤخذ الجوز الرطب من قبل أن ينعقد ويدقّ دقّاً ناعماً، ويعصر ماؤه ويصفي ويطبخ علي النصف ويترك يوماً وليلة ثمّ يُنصب علي النار، ويلقي علي2.

ص: 74


1- الطلاق: 2.

كلّ ستّة أرطال منه رطل عسل ويغلي رغوته، ويسحق من النوشادر والشب اليماني من كلّ واحد نصف مثقال ويداف بذلك الماء، ويلقي فيه درهم زعفران مسحوق، ويغلي ويؤخذ رغوته حتَّي يصير مثل العسل ثخيناً، ثمّ ينزل عن النار ويبرد ويشرب منه، فهل يجوز شربه أم لا؟

فأجاب: (إذا كان كثيره يسكر أو يغيّر، فقليله وكثيره حرام، وإن كان لا يسكر فهو حلال).

وسأل عن الرجل تعرض له الحاجة ممَّا لا يدري أن يفعلها أم لا، فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما: (نعم افعل) وفي الأخر: (لا تفعل) فيستخير الله مراراً، ثمّ يري فيهما، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل يجوز ذلك أم لا؟ والعامل به والتارك له أهو مثل الاستخارة أم هو سوي ذلك؟

فأجاب: (الذي سَنَّه العالم عليه السلام في هذه الاستخارة بالرقاع والصلاة).

وسأل عن صلاة جعفر بن أبي طالب رحمه الله في أيّ أوقاتها أفضل أن تصلّي فيه، وهل فيها قنوت؟ وإن كان ففي أيّ ركعة منها؟

فأجاب: (أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة، ثمّ في أيّ الأيّام شئت وأيّ وقت صلَّيتها من ليل أو نهار فهو جائز، والقنوت فيها مرَّتان: في الثانية قبل الركوع، وفي الرابعة بعد الركوع).

وسأل عن الرجل ينوي إخراج شيء من ماله وأن يدفعه إلي رجل من إخوانه ثمّ يجد في أقربائه محتاجاً، أيصرف ذلك عمَّن نواه له أو إلي قرابته؟

فأجاب: (يصرفه إلي أدناهما وأقربهما من مذهبه، فإن ذهب إلي قول العالم عليه السلام: (لا يقبل الله الصدقة وذو رحم محتاج) فليقسّم بين القرابة وبين الذي نوي حتَّي يكون قد أخذ بالفضل كلّه).

ص: 75

وسأل فقال: اختلفت أصحابنا في مهر المرأة. فقال بعضهم: إذا دخل بها سقط المهر ولا شيء لها. وقال بعضهم: هو لازم في الدنيا والآخرة، فكيف ذلك؟ وما الذي يجب فيه؟

فأجاب: (إن كان عليه بالمهر كتاب فيه ذكر دين فهو لازم له في الدنيا والآخرة، وإن كان عليه كتاب فيه ذكر الصداق سقط إذا دخل بها، وإن لم يكن عليه كتاب، فإذا دخل بها سقط باقي الصداق).

وسأل فقال: روي لنا عن صاحب العسكر عليه السلام أنَّه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغشّ بوبر الأرانب فوقَّع: يجوز، وروي عنه أيضاً: أنَّه لا يجوز. فأيّ الخبرين يعمل به؟

فأجاب: (إنَّما حرم في هذه الأوبار والجلود، فأمَّا الأوبار وحدها فكلّ حلال).

وقد سأل بعض العلماء عن معني قول الصادق عليه السلام: (لا يصلّي في الثعلب ولا في الأرنب، ولا في الثوب الذي يليه).

فقال: (إنَّما عني الجلود دون غيرها).

وسأل فقال: يتَّخذ بأصفهان ثياب عتابية علي عمل الوشا من قزّ أو أبريسم هل يجوز الصلاة فيها أم لا؟

فأجاب: (لا يجوز الصلاة إلاَّ في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان).

وسأل عن المسح علي الرجلين وبأيّهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعاً معاً؟

فأجاب عليه السلام: (يمسح عليهما معاً فإن بدأ بإحداهما قبل الأخري فلا يبتدئ إلاَّ باليمين).

ص: 76

وسأل عن صلاة جعفر في السفر هل يجوز أن يصلّي أم لا؟

فأجاب عليه السلام: (يجوز ذلك).

وسأل عن تسبيح فاطمة عليها السلام: من سهي فجاز التكبير أكثر من أربع وثلاثين هل يرجع إلي أربع وثلاثين أو يستأنف؟ وإذا سبَّح تمام سبعة وستّين هل يرجع إلي ستّة وستّين أو يستأنف؟ وما الذي يجب في ذلك؟

فأجاب: (إذا سها في التكبير حتَّي يجوز أربعة وثلاثين عاد إلي ثلاثة وثلاثين وبني عليها، وإذا سها في التسبيح فتجاوز سبعاً وستّين تسبيحة عاد إلي ستّة وستّين وبني عليها، فإذا جاوز التحميد مائة فلا شيء عليه).

(زيارة آل ياسين):

* وعن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنَّه قال: خرج التوقيع من الناحية المقدَّسة حرسها الله - بعد المسائل -:

(بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم، لا لأمْرهِ تَعْقِلُونَ، حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِي النُّذُرُ عَنْ قَوْم لا يُؤْمِنُونَ. السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَي عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. إذا أردتم التوجّه بنا إلي الله وإلينا، فقولوا كما قال الله تعالي:

(سَلامٌ عَلي إِلْ ياسِينَ)(1). السَّلامُ عَلَيْكَ يَا دَاعِيَ اللَّهِ وَرَبَّانِيَّ آيَاتِهِ. السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بَابَ اللَّهِ وَدَيَّانَ دِينهِ. السَّلامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ وَنَاصِرَ حَقّهِ. السَّلامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ وَدَلِيلَ إِرَادَتِهِ. السَّلامُ عَلَيْكَ يَا تَالِيَ كِتَابِ اللَّهِ وَتَرْجُمَانَهُ. السَّلامُ عَلَيْكَ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَأطْرَافِ نَهَارِكَ. السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللَّهِ فِي أرْضِهِ. السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مِيثَاقَ اللَّهِ الَّذِي أخَذَهُ وَوَكَّدَهُ. السَّلامُ عَلَيْكَ يَا وَعْدَ اللَّهِ الَّذِي ضَمِنَهُ.

ص: 77


1- الصافات: 30.

السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا الْعَلَمُ الْمَنْصُوبُ، وَالْعِلْمُ الْمَصْبُوبُ، وَالْغَوْثُ وَالرَّحْمَةُ الْوَاسِعَةُ وَعْداً غَيْرَ مَكْذُوبٍ. السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْعُدُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقُومُ. السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْرَأ وَتُبَيَّنُ. السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصَلّي وَتَقْنُتُ. السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ.

السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُكَبَّرُ وَتُهَلّلُ. السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَحْمَدُ وَتَسْتَغْفِرُ. السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ. السَّلامُ عَلَيْكَ فِي اللَّيْل إِذَا يَغْشَي وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّي. السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا الإمَامُ الْمَأمُونُ. السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا الْمُقَدَّمُ الْمَأمُولُ. السَّلامُ عَلَيْكَ بِجَوَامِع السَّلام.

أشْهِدُكَ يَا مَوْلايَ أنّي أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لا حَبِيبَ إِلاَّ هُوَ وَأهْلُهُ، وَأشْهِدُ أنَّ أمِيرَ الْمُؤْمِنينَ حُجَّتُهُ، وَالْحَسَنَ حُجَّتُهُ، وَالْحُسَيْنَ حُجَّتُهُ، وَعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْن حُجَّتُهُ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيّ حُجَّتُهُ، وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ، وَمُوسَي بْنَ جَعْفَرٍ حُجَّتُهُ، وَعَلِيَّ بْنَ مُوسَي حُجَّتُهُ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيّ حُجَّتُهُ، وَعَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ، وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيّ حُجَّتُهُ، وَأشْهَدُ أنَّكَ حُجَّةُ اللَّهِ.

أنْتُمْ الأوَّلُ وَالآخِرُ، وَأنَّ رَجْعَتَكُمْ حَقٌّ لا رَيْبَ فِيهَا يَوْمَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أو كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً، وَأنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ، وَأنَّ نَاكِراً وَنَكِيراً حَقٌّ، وَأشْهَدُ أنَّ النَّشْرَ وَالْبَعْثَ حَقٌّ، وَأنَّ الصّرَاطَ وَالْمِرْصَادَ حَقٌّ، وَالْمِيزَانَ وَالْحِسَابَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ، وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ بِهِمَا حَقٌّ.

يَا مَوْلايَ شَقِيَ مَنْ خَالَفَكُمْ وَسَعِدَ مَنْ أطَاعَكُمْ. فَاشْهَدْ عَلَي مَا أشْهَدْتُكَ عَلَيْهِ، وَأنَا وَلِيٌّ لَكَ بَريءٌ مِنْ عَدُوَّكَ، فَالْحَقُّ مَا رَضِيتُمُوهُ،

ص: 78

وَالْبَاطِلُ مَا أسْخَطْتُمُوهُ، وَالْمَعْرُوفُ مَا أمَرْتُمْ بِهِ. وَالْمُنْكَرُ مَا نَهَيْتُمْ عَنْهُ، فَنَفْسِي مُؤْمِنَةٌ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَبرَسُولِهِ، وَبأمِير الْمُؤْمِنينَ، وبأئِمَةِ الْمُؤْمِنينَ وَبكُمْ يَا مَوْلايَ. أوَّلِكُمْ وَآخِركُمْ، وَنُصْرَتِي مُعَدَّةٌ لَكُمْ، فَمَوَدَّتِي خَالِصَةٌ لَكُمْ آمِينَ آمِينَ.

الدعاء عقيب هذا القول:

بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم، اللَّهُمَّ إِنّي أسْألُكَ أنْ تُصَلّيَ عَلَي مُحَمَّدٍ نَبِيّ رَحْمَتِكَ، وَكَلِمَةِ نُورِكَ، وَأنْ تَمْلَأ قَلْبِي نُورَ الْيَقِين، وَصَدْرِي نُورَ الإيمَانِ، وَفِكْري نُورَ الثَباتِ، وَعَزْمِي نُورَ الْعِلْم، وَقُوَّتِي نُورَ الْعَمَل، وَلِسَانِي نُورَ الصّدْقِ، وَدِينِي نُورَ الْبَصَائِر مِنْ عِنْدِكَ، وَبَصَري نُورَ الضّيَاءِ، وَسَمْعِي نُورَ الْحِكْمَةِ، وَمَوَدَّتِي نُورَ الْمُوَالاةِ لِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، حَتَّي ألْقَاكَ وَقَدْ وَفَيْتُ بِعَهْدِكَ وَمِيثَاقِكَ، فلتسعني رَحْمَتَكَ يَا وَلِيُّ يَا حَمِيدُ.

اللَّهُمَّ صَلّ عَلَي حُجَّتِكَ فِي أرْضِكَ، وَخَلِيفَتِكَ فِي بِلادِكَ، وَالدَّاعِي إِلَي سَبِيلِكَ، وَالْقَائِم بِقِسْطِكَ، وَالثَّائِر بِأمْركَ، وَلِيّ الْمُؤْمِنينَ، وَبَوَارِ الْكَافِرينَ، وَمُجَلّي الظُّلْمَةِ، وَمُنِير الْحَقّ، والساطع بِالْحِكْمَةِ وَالصّدْقِ، وَكَلِمَتِكَ التَّامَّةِ فِي أرْضِكَ، الْمُرْتَقِبِ الْخَائِفِ وَالْوَلِيّ النَّاصِح، سَفِينَةِ النَّجَاةِ، وَعَلَم الْهُدَي، وَنُورِ أبْصَارِ الْوَرَي، وَخَيْر مَنْ تَقَمَّصَ وَارْتَدَي، وَمُجَلّي الْعَمَي، الَّذِي يَمْلأ الأرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، إِنَّكَ عَلَي كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللَّهُمَّ صَلّ عَلَي وَلِيّكَ وَابْن أوْلِيَائِكَ الَّذِينَ فَرَضْتَ طَاعَتَهُمْ وَأوْجَبْتَ حَقَّهُمْ وَأذْهَبْتَ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهِيراً. اللَّهُمَّ انْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ أوْلِيَاءَكَ وَأوْلِيَاءَهُ، وَشِيعَتَهُ وَأنْصَارَهُ وَاجْعَلْنَا مِنْهُمُ.

ص: 79

اللَّهُمَّ أعِذْهُ مِنْ كُلّ بَاغ وَطَاغ، وَمِنْ شَرّ جَمِيع خَلْقِكَ. وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَاحْرُسْهُ، وَامْنَعْهُ، مِنْ أنْ يُوصَلَ إِلَيْهِ بِسُوءٍ وَاحْفَظْ فِيهِ رَسُولَكَ وَآلَ رَسُولِكَ، وَأظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ وَأيّدْهُ بِالنَّصْر، وَانْصُرْ نَاصِريهِ وَاخْذُلْ خَاذِلِيهِ، وَاقْصِمْ بِهِ جَبَابِرَةَ الْكَفَرة، وَاقْتُلْ بِهِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَجَمِيعَ الْمُلْحِدِينَ، حَيْثُ كَانُوا فِي مَشَارِقِ الأرْض وَمَغَارِبِهَا، بَرّهَا وَبَحْرهَا، وَامْلأ بِهِ الأرْضَ عَدْلاً، وَأظْهِرْ بِهِ دِينَ نَبِيّكَ، وَاجْعَلْنِي اللَّهُمَّ مِنْ أنْصَارِهِ وَأعْوَانِهِ، وَأتْبَاعِهِ وَشِيعَتِهِ، وَأرِنِي فِي آلِ مُحَمَّدٍ مَا يَأمُلُونَ، وَفِي عَدُوّهِمْ مَا يَحْذَرُونَ إِلَهَ الْحَقّ آمِينَ، يَا ذَا الْجَلالِ وَالإكْرَام، يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ).

(توقيعاته صلوات الله عليه إلي الشيخ المفيد قدس سره):

* ذكر كتاب ورد من الناحية المقدَّسة - حرسها الله ورعاها - في أيّام بقيت من صفر، سنة عشر وأربعمائة علي الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان قدَّس الله روحه ونوَّر ضريحه، ذكر موصله أنَّه يحمله من ناحية متَّصلة بالحجاز، نسخته:

(للأخ السديد، والوليّ الرشيد، الشيخ المفيد، أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان أدام الله اعزازه، من مستودع العهد المأخوذ علي العباد.

بسم الله الرحمن الرحيم

أمَّا بعد: سلام عليك أيّها الوليّ المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلاَّ هو، ونسأله الصلاة علي سيّدنا ومولانا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين، ونعلمك - أدام الله توفيقك لنصرة الحقّ، وأجزل مثوبتك علي نطقك عنّا بالصدق -: أنَّه قد أذن لنا

ص: 80

في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤدّيه عنّا إلي موالينا قبلك، أعزَّهم الله بطاعته، وكفاهم المهمّ برعايته لهم وحراسته، فقف أيَّدك الله بعونه علي أعدائه المارقين من دينه علي ما أذكره، واعمل في تأديته إلي من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله. نحن وإن كنّا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أراناه الله تعالي لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنّا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذلّ الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلي ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنَّهم لا يعلمون. إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللاواء(1) أو اصطلمكم الأعداء(2) فاتَّقوا الله جل جلاله وظاهرونا علي انتياشكم(3) من فتنة قد أنافت عليكم(4) يهلك فيها من حم أجله(5) ويحمي عنها من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف حركتنا (6) ومباثتكم بأمرنا ونهينا، والله متمّ نوره ولو كره المشركون. اعتصموا بالتقيّة! من شبّ نار الجاهلية، يحششها (7) عصب أمويّة، يهول بها فرقة مهدية، أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن، وسلك في الطعن منها السبل المرضيّة، إذا حلَّ جمادي الأوليا.

ص: 81


1- اللاواء: الشدّة وضيق المعيشة.
2- اصطلمه: استأصله.
3- انتاشه من الهلكة: أنقذه.
4- أناف علي الشيء: طال وارتفع عليه.
5- حم أجله: قرب.
6- الأزوف: الاقتراب.
7- حشّ النار: أوقدها وهيَّجها.

من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه. ستظهر لكم من السماء آية جليّة، ومن الأرض مثلها بالسوية، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد علي العراق طوائف عن الإسلام مراق، تضيق بسوء فعالهم علي أهله الأرزاق، ثمّ تنفرج الغمّة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار، ثمّ يستر بهلاكه المتَّقون الأخيار، ويتَّفق لمريدي الحجّ من الآفاق ما يؤملونه منه علي توفير عليه منهم واتّفاق، ولنا في تيسير حجّهم علي الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر علي نظام واتساق. فليعمل كلّ امرء منكم بما يقرب به من محبّتنا، ويتجنَّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإنَّ أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم علي حوبة. والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته.

نسخة التوقيع باليد العليا علي صاحبها السلام:

هذا كتابنا إليك أيّها الأخ الوليّ، والمخلص في ودّنا الصفي، والناصر لنا الوفي، حرسك الله بعينه التي لا تنام، فاحتفظ به! ولا تظهر علي خطّنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحداً! وأدّ ما فيه إلي من تسكن إليه، وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله، وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين).

* ورد عليه كتاب آخر من قبله صلوات الله عليه، يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة، سنة اثني عشر وأربعمائة. نسخته:

(بسم الله الرحمن الرحيم، سلام الله عليك أيّها الناصر للحقّ، الداعي إليه بكلمة الصدق، فإنّا نحمد الله إليك الذي لا إله إلاَّ هو، إلهنا وإله آبائنا الأوّلين، ونسأله الصلاة علي سيّدنا ومولانا محمّد خاتم النبيّين،

ص: 82

وعلي أهل بيته الطاهرين. وبعد: فقد كنّا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائه، وحرسك به من كيد أعدائه، وشفعنا ذلك الآن من مستقر لنا ينصب في شمراخ، من بهماء صرنا إليه آنفاً من غماليل ألجأنا إليه السباريت من الإيمان، ويوشك أن يكون هبوطنا إلي صحصح من غير بعد من الدهر ولا تطاول من الزمان ويأتيك نبأ منّا بما يتجدَّد لنا من حال، فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال، والله موفقك لذلك برحمته، فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام أن تقابل لذلك فتنة(1) تسبل(2) نفوس قوم حرثت باطلاً لاسترهاب المبطلين، يبتهج لذمارها المؤمنون، ويحزن لذلك المجرمون، وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالجرم المعظم من رجس منافق مذمم، مستحلّ للدم المحرَّم، يعمد بكيده أهل الإيمان ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان، لأنَّنا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء، فلتطمئن بذلك من أوليائنا القلوب، وليثقوا بالكفاية منه، وإن راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب.

ونحن نعهد إليك أيّها الوليّ المخلص المجاهد فينا الظالمين أيَّدك الله بنصره الذي أيَّد به السلف من أوليائنا الصالحين، إنَّه من اتّقي ربَّه من إخوانك في الدين وأخرج ممَّا عليه إلي مستحقّيه، كان آمناً من الفتنة المبطلة، ومحنها المظلمة المظلّة ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته).

ص: 83


1- كذا، وفي بحار الأنوار: (بذلك).
2- كذا في المصدر، وفي المزار: (تسل)، وفي بحار الأنوار: (ففيه تبسل).

علي من أمره بصلته، فإنَّه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته، ولو أنَّ أشياعاً وفَّقهم الله لطاعته علي اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخَّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا علي حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلاَّ ما يتَّصل بنا ممَّا نكرهه ولا نؤثره منهم، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلاته علي سيّدنا البشير النذير محمّد وآله الطاهرين وسلَّم. وكتب في غرة شوال من سنة اثني عشر وأربعمائة. نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله علي صاحبها: هذا كتابنا إليك أيَّها الولي الملهم للحقّ العلي، بإملائنا وخطّ ثقتنا، فاخفه عن كلّ أحد، واطوه واجعل له نسخة يطَّلع عليها من تسكن إلي أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله.

الحمد لله والصلاة علي سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين).

* * *

ص: 84

تنبيه الخواطر ونزهة النّواظر المعروف بمجموعة ورّام

تأليف: الأمير الزاهد أبي الحسين ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري المتوفي سنة 605 ه-

ص: 85

ص: 86

* حدَّثني السيّد الأجل الشريف أبو الحسن علي بن إبراهيم العريضي العلوي الحسيني، قال: حدَّثني علي بن نما، قال: حدَّثني أبو الحسن بن علي بن حمزة الأقساني في دار الشريف علي بن جعفر بن علي المدايني العلوي، قال: كان بالكوفة شيخ قصّار، وكان موسوماً بالزهد منخرطاً في سلك السياحة، متبتّلاً للعبادة، مقتفياً للآثار الصالحة، فاتَّفق يوماً أنَّني كنت بمجلس والدي، وكان هذا الشيخ يحدّثه وهو مقبل عليه, قال: كنت ذات ليلة بمسجد جعفي، وهو مسجد قديم، وقد انتصف الليل، وأنا بمفردي فيه للخلوة والعبادة، فإذا أقبل عليَّ ثلاثة أشخاص، فدخلوا المسجد فلمَّا توسَّطوا صرحته(1) جلس أحدهم ثمّ مسح الأرض بيده يمنة ويسرة فحصحص(2) الماء ونبع، فأسبغ الوضوء منه، ثمّ أشار إلي الشخصين الآخرين بإسباغ الوضوء فتوضّئا, ثمّ تقدَّم فصلّي بهما إماماً، فصلَّيت معهم مؤتمّاً به, فلمَّا سلَّم وقضي صلاته بهرني حاله(3) واستعظمت فعله من إنباع الماء, فسألت الشخص الذي كان منهما إلي يميني: من الرجل؟ه.

ص: 87


1- صرحة الدار عرصتها وزناً ومعني.
2- الظاهر أنَّه من قولهم: حصحص الحقّ - بالحاء والصاد المهملتين - إذا بان وظهر بعد كتمانه، وأمَّا خضخض بالمعجمات كما في بعض النسخ فغير مناسب فإنَّ الخضخضة بمعني التحريك، قال: خضخض الرجل الماء فتخضخض حرَّكه فتحرَّك.
3- بهرة الشيء: غلبه التعجّب منه.

فقال لي: هذا صاحب الأمر ولد الحسن عليه السلام.

فدنوت منه وقبَّلت يديه وقلت له: يا ابن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ما تقول في الشريف عمر بن حمزة هل هو علي الحقّ؟

فقال: (لا، وربَّما اهتدي, إلاَّ أنَّه ما يموت حتَّي يراني).

فاستطرفنا هذا الحديث فمضت برهة طويلة فتوفّي الشريف عمر ولم يشع أنَّه لقيه, فلمَّا اجتمعت بالشيخ الزاهد ابن نادية(1) أذكرته بالحكاية التي كان ذكرها, وقلت له مثل الرادّ عليه: أليس كنت ذكرت أنَّ هذا الشريف عمر لا يموت حتَّي يري صاحب الأمر الذي أشرت إليه؟!

فقال لي: ومن أين لك أنَّه لم يرَه؟

ثمّ إنَّني اجتمعت فيما بعد بالشريف أبي المناقب ولد الشريف عمر بن حمزة وتفاوضنا في أحاديث والده فقال: إنّا كنّا ذات ليلة في آخر الليل عند والدي، وهو في مرضه الذي مات فيه، وقد سقطت قوَّته بواحدة وخفت موته والأبواب مغلقة علينا، إذ دخل علينا شخص هبناه واستطرفنا دخوله وذهلنا عن سؤاله, فجلس إلي جنب والدي وجعل يحدّثه مليّاً ووالدي يبكي، ثمّ نهض فلمَّا غاب عن أعيننا تحامل والدي وقال: أجلسوني.

فأجلسناه وفتح عينيه، وقال: أين الشخص الذي كان عندي؟

فقلنا: خرج من حيث أت-ي.

فقال: اطلبوه.).

ص: 88


1- بعض النسخ: (من بادية).

فذهبنا في أثره فوجدنا الأبواب مغلقة ولم نجد له أثراً, فعدنا إليه فأخبرناه بحاله وإنّا لم نجده, ثمّ إنّا سألناه عنه فقال: هذا صاحب الأمر.

ثمّ عاد إلي ثقله في المرض وأغمي عليه(1).

* * *3.

ص: 89


1- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 2: 303.

ص: 90

المنقذ من التقليد

تأليف: سديد الدين محمود الحمصي الرازي المتوفي أوائل القرن السابع

تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

ص: 91

ص: 92

الكلام في الغيبة:

إن قال قائل: إن كان الأمر علي ما ذكرتموه، فأين إمام زمانكم هذا؟ ولِمَ لا يظهر ولا يتصرَّف تصرّف الأئمّة؟ وما الوجه في حسن غيبته واستتاره؟

قلنا: الكلام في غيبة إمام عصرنا هذا وسببها ووجه حسنها ظاهر إذا صحَّت الاُصول التي قدَّمناها، فأمَّا من دون صحّتها فهو غير واضح، بل هو مستحيل، وذلك لأنّا إذا علمنا إمامته، لعلمنا بأنَّ الزمان لا يخلو من إمام، وأنَّ الإمام لا بدَّ من أن يكون مقطوعاً علي عصمته من كبائر الذنوب وصغائرها، وأنَّ الحقّ لا يخرج من الاُمّة، ووجدنا أنَّ الاُمّة بين قائل يقول بجواز خلوّ الزمان من إمام مبطل في مقاله للدلالة الدالّة علي...(1)، وقائل يقول بإمامة من ليس بمقطوع علي عصمته من الصغائر والكبائر...(2) الدالّ علي عصمة الإمام من جميع المعاصي قطعاً، وقائل يقول بإمامة من ثبت...(3) هذه الفرقة قد انقرضت، لكنَّها وإن لم تنقرض وكانت موجودة، فإنَّ قولها يبطل بما علمنا...(4)، من ادَّعت حياته كموت آبائهم وأولادهم.

ص: 93


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار كلمتين.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
3- بياض في نسخة (ج) بمقدار كلمتين.
4- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.

وقائل يقول بإمامة صاحبنا عليه السلام، فيتعيَّن صحَّة وجوده وإمامته، وإلاَّ أدّي إلي أنَّ الحقّ خارج عن الاُمّة، إذ لا قول للاُمّة في هذه المسألة غير ما ذكرناه، وذلك باطل بالاتّفاق، ثمّ وجدناه غائباً عن الناس، علمنا أنَّه لم يغب مع عصمته وتعيّن فرض القيام بالإمامة فيه إلاَّ لسبب أباح له ذلك وإن لم نعلم ذلك السبب مفصَّلاً، كما نقول في خلق الموذيات من الهوام والسباع، وإيلام الأطفال والبالغين والبهائم بالأمراض والأوجاع النازلة بهم من جهته تعالي، لأنّا نقول لمن اشتبه عليه وجه الحكمة في جميع ذلك: إذا ثبت أنَّ هذه الأمور من جهته تعالي، وأنَّه عز وجل عدل حكيم لا يفعل القبيح، علمنا وتحقَّقنا أنَّ لكلّ شيء من هذه الأشياء وجه حكمة وحسن في الجملة، وإن لم يتعيَّن ذلك الوجه لنا، وكفانا هذا العلم الجملي في حلّ هذه المشكل والمشتبه، وكما نقول في الآيات المتشابهات التي تقتضي ظواهرها الجبر والتشبيه، فأنّا بمثل هذا الجواب ندفع المتمسّك بها بأن نقول له: إذا ثبت أنَّ هذه الآيات كلامه ووحيه، وأنَّه تعالي لا يكذب ولا يقول إلاَّ الحقّ بوجه من الوجوه علمنا أنَّ لهذه الآيات تأويلات صحيحة مطابقة للحقّ، ودليله، وإن لم نعلم ذلك المراد والتأويل بعينه مفصَّلاً، ويكفينا علم الجملة في ذلك، كذلك القول في الغيبة سواء، فإن تشاغلنا بإيراد العلّة المعيَّنة في غيبته واستتاره في الوجه المخرج له إلي الاستتار، والغيبة مفصَّلاً كان ذلك تبرّعاً منّا، كما كنّا متبرّعين بإيراد الوجوه المفصّلة في نظائره ممَّا ذكرناه، ومهما قال المنازع: لا نسلّم لكم إمامته، كان الكلام معه في إمامته لا في غيبته، إذ الكلام في غيبته وسببها فرع علي ثبوت إمامته، ولا يمكن التوصّل إلي

ص: 94

إفساد الأصل باشتباه الأمر في الفرع، كما لا يمكن ذلك في نظائره التي أشرنا إليه...(1) في الآيات المتشابهة.

إن قال قائل: لِمَ لا يكون الخصم مخيّراً بين أن يتكلَّم...(2) وجوده وإمامته(3) في زماننا هذا، ليعرف أنَّها صحيحة أو فاسدة؟ وبين أن يتكلَّم...(4) اتَّضح أن لا سبب(5) لها انكشف له بطلان إمامته.

قلنا: ليس للشاكّ في إمامته أن يتكلَّم في سبب غيبته، كما أنَّه ليس للشاكّ في حكمة الله تعالي وأنَّه لا يفعل القبيح أن يتكلَّم في سبب إيلام الأطفال وخلق الموذيات، من حيث إنَّ الكلام في الفرع لا يصحّ إلاَّ بعد إحكام أصله.

ثمّ بعد هذا فإنّا نذكر ما ذكره أصحابنا من الوجوه المختلفة في سبب غيبته عليه السلام علي التفصيل، استظهاراً في الحجّة.

فمن تلك الوجوه إضافة الظالمين له، ومنعهم إيّاه من التصرّف فيما جُعل إليه التصرّف فيه، وخوفه علي نفسه من التصرّف في ذلك، كما أشرنا إليه فيما سبق، فإذا حالوا بينه وبين مراده لم يلزمه القيام بالإمامة، ومتي خاف علي نفسه لزمه الاستتار والغيبة كاستتار النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم تارة في الشعب وتارة في الغار، إذ من المعلوم أنَّه لا وجه لذلك إلاَّ الخوف علي النفس.).

ص: 95


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.
3- في (م): (بإمامته) بدل (وجوده وإمامته).
4- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.
5- في (م): (لا يصحّ إلاَّ بسبب...).

إن قال قائل: لعلَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم إنَّما استتر بعد أداء ما يجب عليه أدائه إلي الخلق وما بقي إليه حاجة، والإمام عندكم بخلافه، لأنَّ الحاجة إليه وإلي سياسته قائمة في كلّ زمان، وبعد فإنَّ استتار النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لم يمتدّ ولم يطل فيه الزمان، وغيبه الإمام عليه السلام مضي عليها الأعصار والدهور.

قلنا: استتار النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في الشعب والغار كان بمكّة قبل الهجرة ولم يكن صلي الله عليه وآله وسلم قد أدّي جميع الشرع إلي الخلق في ذلك الزمان، ثمّ ولو ثبت ما قالوه من تكامل الأداء لكانت الحاجة إلي تدبيره وسياسته قائمة، فنقول: إذا جازت غيبة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم مع الحاجة إليه، واللوم يكون متوجّهاً إلي من سبَّبها، فكذلك القول في غيبة الإمام عليه السلام، أمَّا التفرقة بالطول والقصر بين الغيبتين فغير صحيحة، من حيث إنَّ الغيبة موقوفة علي سببها، فإذا استمرَّ سببها استمرَّت الغيبة فطالت، وإن لم يستمرّ سببها وقصر لم يستمرّ وقصرت.

فإن قيل: لو كان الخوف هو المحوج له إلي الغيبة والاستتار لاستتر آباؤه عليهم السلام مثل ذلك، فإنَّهم كانوا أيضاً خائفين كخوفه، علي مذهبكم.

قلنا: أباؤه عليهم السلام ما كانوا خائفين مع تمسّكهم بالتقيّة وترك التظاهر بالإمامة ونفيها عن نفوسهم، وحال صاحب الزمان بخلاف ذلك، لأنَّه يظهر بالسيف ويدعو إلي نفسه، ويجاهد ويحارب بأمر الله تعالي من خوَّفه وخوَّف آبائه عليهم السلام.

فإن قيل: هلاَّ ظهر كظهور آبائه لا بالسيف...(1) ويدّعي الإمامة؟ت.

ص: 96


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات.

بل بأن يلزم بيته والتقيّة، فينتفع الخلق به بعض الانتفاع بأن يفيدهم...(1) كصنيع الصادق عليه السلام والباقر عليه السلام وغيرهما من أسلافه عليهم السلام؟

قلنا: لو ظهر كذلك وعُرف أنَّه ابن العسكري، مع ما قد اشتهر فيما بين شيعته وعرفه المخالفون من مذهب شيعته أنَّه الذي يزيل الظلم ويقهر الملوك ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً علي ما تواترت به الأخبار، لقصده أعداؤه وقتلوه وعاملوه بما عاملوا به جدّه الحسين عليه السلام وبني عمّه من أولاد الحسين والحسن عليهما السلام أليس فرعون لما قيل له وبلغه أنَّه سيظهر في بني إسرائيل رجل يغلبك ويقهرك ويكون هلاكك وزوال ملكك علي يده اجتهد في البحث عن حاله ونصب عيوناً ووكَّل جماعة لتعرف أحوال الحبالي، فكان يذبح أبنائهم(2) ويستحيي نسائهم علي ما نطق به القرآن في قوله تعالي: (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ)(3) فكيف يحمل خوفه علي خوف آبائه عليهم السلام لولا الغفلة أو قلّة الإنصاف.

فإن قيل: كيف حال حدود الزناة والمحاربين والسرّاق وغيرهم من الجناة في حال الغيبة، أهي ساقطة عن هؤلاء الجناة أم ليست ساقطة عنهم، بل استحقاقها ثابت؟ إن قلتم بالأوّل فذلك نسخ الشرع، وإن قلتم بالثاني فمن يقيمها؟

قلنا: هي باقية في جنبة مستحقّيها غير ساقطة، فمهما ظهر الإمام وهم باقون أقامها عليهم عند قيام البيّنة أو حصول الإقرار من جهتهم علي4.

ص: 97


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
2- في (م): (أبناء بني إسرائيل).
3- القصص: 4.

ما هو مشروع، وإن لم يكونوا باقين وفاتت إقامة الحدود عليهم بموتهم، فاللائمة في فواتها علي من أخاف الإمام وأحوجه إلي الاستتار(1)، وليس في هذا نسخ إقامة الحدود، لأنَّ إقامتها إنَّما تجب مع التمكّن وزوال المنع، ثمّ نقول للمخالف: ما حكم الحدود التي تستحقّ في الأحوال التي لا يتمكَّن فيها أهل الحلّ والعقد من نصب إمام واختياره؟ ونلزمه مثل ما ألزمناه، فأيّ شيء قاله في التفصّي والجواب فهو جوابنا.

فإن قيل: ما الطريق إلي معرفة أحكام الشرع في حال غيبة الإمام؟ إن قلتم: لا طريق إليها، كان ذلك حكماً منكم بأنَّ الناس في حيرة وضلالة، وأنَّ أحكام الشرع مهملة معطَّلة في أحوال الغيبة، إذ لا طريق إلي...(2) الكتاب السُنّة والإجماع كان في ذلك التصريح بالاستغناء عن الإمام...(3) ذلك مبطل(4) قولكم: إنَّ أحكام الشرع تؤخذ وتتلقّي منه، وأنَّه حافظ للشرع.

قلنا: ...(5) الشرع منصوص الكتاب المبيّنة والمجملة، مع بيان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم والأئمّة من ولده، والنصوص المروية عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وعن الأئمّة من بعده قولاً أو فعلاً، وقد بيَّنوا ذلك وأوضحوه، ولم يتركوا شيئاً لا دليل عليه، كلّ ذلك مستند إلي تنصيص الله تعالي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ووصوله منه إلي الأئمّة القائمين مقامه بعده، والإجماع الذي هو مشتمل).

ص: 98


1- كذا في النسختين.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
3- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
4- (ذلك مبطل) ليس في (م).
5- بياض في نسخة (ج) بمقدار نصف سطر تقريباً، و(قلنا... الشرع) ليس في (م).

علي قول المعصوم في الجملة من غير احتياج إلي العلم بتعيينه أي بالعلم بكون الإجماع حجّة غير محتاج إلي العلم بعين المعصوم، بل إذا علم أنَّ فيما بين المجمعين معصوماً علي الجملة كفي ذلك في العلم بكون الإجماع حجّة، فعلي هذا لا يلزم كون الناس في الحيرة والضلالة في حال الغيبة، ولا يلزم أيضاً الاستغناء عن الإمام في معرفة أحكام الشرع؛ لأنَّ أحد الطرق إليها الإجماع، وقد بيَّنا أنَّ وجه كونه حجّة دخول قول الإمام فيما بين أقوال المجمعين وما نعرف منها من غير هذا الطريق، فإنّا إنَّما نثق بوصول جميع ذلك إلينا بكون الإمام المعصوم من وراء الناقلين، فما دام النقل واصلاً والعلّة مزاحة بنقل المتواترين، فإنَّه يجوز له الاستتار، ومتي وقع فيه خلل أو انقطع النقل بالكلّية وجب عليه الظهور وإظهار ما عنده فيه.

وذكر الشيخ السعيد أبو جعفر في التمهيد أنَّ سيّدنا المرتضي (قدَّس الله روحيهما) كان يذكر كثيراً أنَّه لا يمتنع أن يكون هاهنا أمور كثيرة غير واصلة إلينا علمها مودع عند الإمام وإن كتمها الناقلون، ولا يلزم مع هذا سقوط التكليف عن الخلق، لأنَّه إذا كان سبب الغيبة خوفه ممَّن أخافه فمن أحوجه إلي الاستتار أتي من قبل نفسه في فوت ما يفوته من الشرع، كما أنَّ ما يفوته من اللطف بتصرّف الإمام أتي فيه من قبل نفسه(1).

قال الشيخ: واعترضنا علي هذا في كتاب العدّة في أصول الفقه، وقلنا: هذا الجواب صحيح، لولا ما نستدلُّ في أكثر الأحكام علي صحَّته).

ص: 99


1- النسخة المطبوعة لكتاب تمهيد الأصول للشيخ الطوسي ناقصة، وليس فيها المطلب المذكور أعلاه، قال المصحح لكتاب التمهيد في (ص 403): (فبقي الفصلان الأخيران ولم أظفر علي نسخة أخري لتكميل ما سقط منه).

بإجماع الفرقة، فمتي جوَّزنا أن يكون قول الإمام خلافاً لقولهم ولا يجب ظهوره، جاز لقائل أن يقول: ما أنكرتم أنَّ قوله الإمام خارج عن قول من يتظاهر بالقول بالإمامة ومع هذا لا يجب عليه الظهور لأنَّهم أتوا من قبل نفوسهم، فلا يمكن الاحتجاج بإجماعهم أصلا (1).

قلت: وعلي ما يتراءي لي لا يقدح ما ذكره الشيخ فيما جوَّزه علم الهدي رحمه الله؛ وذلك لأنّا إنَّما نستدلُّ علي صحَّة الحكم بإجماع الفرقة في الموضع الذي نعلم إجماع جميع علماء الفرقة المحقّة من غير استثناء واحد منهم قطعاً...(2) خروج واحد منهم أو أكثر فإنّا نعرفه بعينه، وأنَّه ليس هو الإمام حتَّي لو علمنا...(3) غير معيَّن لم يكن عالمين بإجماعهم الذي هو حجّة ولا يُتعرض للاستدلال بإجماعهم في المسألة...(4) استدلالنا بإجماع الطائفة علي صحَّة الحكم في الصورة التي ذكرناه وعلي الوجه الذي بيَّناه بإجماع جميع علماء الطائفة كيف يجوز أن يكون قول الإمام الذي هو أجلّ علمائهم مخالفاً لأقوالهم؟ أليس هذا التجويز يبطل ذلك العلم؟ ويقتضي أنَّ العلم الذي وصفناه لم يكن علماً بل كان جهلاً؟

اللّهم إلاَّ أن يقول: مرادي بقولي: لا يمكننا الاحتجاج بإجماعهم، أنَّه لا يمكننا أن نعلم إجماعهم حتَّي يحتجّ به، ولئن قال ذلك، فالجواب عنه أنَّ تجويزنا لكون قوله عليه السلام مخالفاً لقولهم في حكم بعض المسائل، لا يمنع من).

ص: 100


1- تمهيد الأصول في علم الكلام، النسخة المطبوعة ناقصة.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.
3- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.
4- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات، وكلمة (المسألة) ليست في (ج).

علمنا بموافقة قوله لأقوالهم فيما يوافقهم فيه، ألا تري أنَّ علمنا زائداً علي التجويز بأنَّ الشافعي يخالف أبا حنيفة في التسمية في الصلاة وفي إفراد الإقامة وفي نكاح المرأة البالغة الرشيدة بغير وليّ، لا يمنعنا من علمنا بموافقتهما فيما اتَّفقا فيه من المسائل كوقوع التطليقات الثلاث دفعة واحدة ووقوع الطلاق المعلَّق بشرط عند حصول شرطه وتحليل الفقاع وغيرها ممَّا اتّفقا عليه كذلك في مسألتنا تجويزنا لكون قول الإمام عليه السلام مخالفاً لقول باقي الطائفة في حكم بعض المسائل لا يمنعنا من العلم بموافقة قوله لأقوالهم فيما يوافقهم فيه، فيمكننا أن نعلم إجماع الطائفة التي يشتمل أقوالهم علي قول الإمام، إذ التجويز المشار إليه لا يمنع من هذا العلم علي ما بيَّناه، وإذا انكشف أنَّ حصول هذا العلم غير ممتنع وأنَّ التجويز الذي ذكره رحمه الله لا يمنع منه، ففي الموضع الذي لا يحصل لم يُحتجّ بإجماعهم، فظهر أنَّ الذي ذكره السيّد غير مقدوح فيه، بما أورده الشيخ قدَّس الله روحه.

ولكنَّه يمكن أن يقال للسيّد رضي الله عنه: تجويز كون بعض أحكام الشرع مودعاً عند الإمام بحيث لا يطَّلع عليه غيره علي ما ذكرت يتَّجه عليه كون من فاته اللطف بمعرفة ذلك الحكم الشرعي والعمل به معذوراً في فوات لطفه ذلك وأن يسقط التكليف في ذلك الحكم عنه، لأنَّه وإن جني بما أحوج الإمام إلي الاستتار وأتي من قبل نفسه في فوات انتفاعه به...(1) ذلك الحكم، ولا جناية له في فوات ذلك الطريق، وهو نقل الناقلين...(2) ذلك الحكم أو غفلتهم وتوانيهم عن نقله، فهب أنَّه أفسدت.

ص: 101


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات.

وسدَّ علي...(1) معرفة ذلك الحكم، فإنَّ الواجب في حكمة المكلّف الحكيم واللائق برأفة الرؤوف الرحيم...(2) من الطريق الآخر(3)، بأن يقوّي دواعي الناقلين إلي نقل ذلك الحكم، ليكون قد ألزمه الحجّة أو يسقط عنه التكليف فيه، فعلي هذا إنَّما لا يجب تقوية دواعي الناقلين وحلّهم بالطريق الموافق للحكمة علي النقل في حال يتمكَّن الإمام من إظهار ما عنده من الحقّ، فأمَّا في الحال التي لا يتمكَّن الإمام فيها من ذلك، فإنَّه يجب تقوية دواعي الناقلين وحملهم علي النقل بالطريق الذي ذكرناه، وعلي هذا التقرير لا يمكن تجويز ما جوَّزه رضي الله عنه.

فإن قيل: هب أنَّ سبب استتار الإمام وغيبته عن الأعداء خوفهم منهم، فما سبب غيبته واستتاره عن أوليائه المعتقدين لوجوده وإمامته وفرض طاعته؟

قلنا: قد قيل في ذلك وجوه:

منها: أنَّ السبب هو خوفه من إشاعة خبره سروراً بمكانه، فيؤدّي ذك إلي انتشار خبره والخوف من أعدائه.

ولكن هذا الوجه ضعيف؛ لأنَّ هذا وإن كان جائزاً علي بعضهم، فلا يجوز علي جميعهم، إذ فيهم من المحصّلين وأصحاب الآراء الصائبة من لا يخفي عليهم ضرر الإشاعة، فكيف يخبرون بمكانه؟

وذكر الشيخ رفع الله درجته في تضعيف هذا الجواب وجهاً آخر،).

ص: 102


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار كلمتين.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار كلمة.
3- (من الطريق الآخر) ليس في (م).

وهو قوله: علي أنَّه يلزم عليه أن يكون شيعته عدموا الانتفاع به علي وجه لا يمكنهم تلافيه لأنَّه إذا كانت العلّة في ذلك ما علم من حالهم، فليس في مقدورهم إزالة ذلك، وهذا غير مستقيم، لأنَّ الصحيح الذي يذهب إليه أنَّ خلاف المعلوم مقدور فكيف يصحّ أن يقول: إذا كانت العلّة في ذلك ما علم من حاله فليس في مقدورهم إزالة ذلك(1)؟

ومنها: أنَّ سبب استتاره عن الأولياء راجع إلي الأعداء، وهم الذين خوَّفوا شيعته الإنتفاع به.

وهذا الوجه أيضاً ليس بصحيح؛ لأنَّه لو كان ذلك للزم سقوط التكليف الذي الإمام لطف فيه عنهم؛ لأنَّه إذا استتر عن الشيعة لعلّة لا ترجع إليهم، ولا يتمكَّنون من إزالتها ورفعها، لم يكونوا مزاحي العلّة فيجب سقوط التكليف الذي وصفناه عنهم، وبعد فإنَّ الخوف من الأعداء إنَّما يمنع من الظهور الكلّي ولا يمنع من ظهوره علي وجه الاختصاص لشيعته المعتقدين لإمامته وفرض طاعته، وليس لأحد أن يقول: الظهور علي هذا الوجه لا فائدة فيه...(2) لأنَّه يلزم عليه عدم انتفاع الشيعة بالأئمّة الذين كانوا بعد أمير المؤمنين عليه السلام إلي...(3) كانوا يتصرّفون تصرّف الأئمّة.

ومنها: إن قيل: أوّلاً نحن لا نقطع علي أنَّه عليه السلام لا يظهر...(4) وإنَّما يعلم كلّ واحد منهم حال نفسه دون غيره، ولكن من لا يظهر له منهمت.

ص: 103


1- تمهيد الاُصول في علم الكلام، النسخة المطبوعة ناقصة.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
3- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات، وكلمة (إلي) ليست في (ج).
4- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.

فإنَّ سبب عدم ظهوره عليه السلام راجع إليه، ولا يلزمنا معرفة ذلك السبب بعينه في حقّ الغير، بل يكفينا أن نعلم أنَّ مع بقاء التكليف واستمرار غيبته عنه لا بدَّ من أن يكون ذلك بسبب راجع إليه دون غيره، وإن لم نعلم مفصَّلاً علي ما يقوله بعض المخالفين الذين نظروا في الأدلّة الصحيحة فلم يحصل لهم العلم أنَّه لا بدَّ من أن يكونوا أخلّوا بشرط من شروط النظر وإن لم يعلم ذلك مفصَّلاً، وإذا كان كذلك ففي وسعهم إزالة السبب الراجع إليهم، فيجب أن يزيلوه ليظهر لهم.

فإن قيل: إذا لم يتعيَّن ذلك السبب فكيف يزيله؟ وكيف يكون مكلّفاً بإزالة شيء معيَّن وهو لا يعرفه بعينه؟ وهل هذا إلاَّ كتكليف ما لا يُطاق؟ إذ التكليف مع فقد العلم بما كلّف يكون جارياً مجري التكليف مع فقد القدرة في القبح.

قلنا: إنَّما لا يتعيَّن لغيره، فأمَّا ذلك الإنسان الذي لم يظهر له فإنَّما يجب أن يعلمه بعينه فيزيله، أو يعلم انحصار ما يتصوّر أن يكون سبباً في أشياء معيَّنة، فيجتهد في إزالة جميع ذلك ورفعها ومثل هذا السؤال يتوجَّه علينا كلّنا إذا قلنا في المخالفين الذين نظروا في الأدلّة الصحيحة فلم يحصل لهم العلم أنَّهم أخلّوا بشرط من شروط النظر، بأن يقال: فما ذلك الشرط؟ عيّنوه حتَّي يتدراكه المخالف ويتلافاه ويزيل الخلاف الذي وقع منه في الأوّل، وإلاَّ كان يكلّفه إزالة الخلل الواقع منه تكليفاً لما لا يعلمه وجارياً مجري تكليفه مع فقد القدرة، ولا جواب عنه إلاَّ مثل ما ذكرناه بأن يقول: ذلك الخلل إنَّما لا يتعيَّن لنا، فأمَّا هم فإنَّه يجب أن يعلموه إمَّا معيّناً، أو أن يعلموا انحصار شروط النظر في اُمور معيَّنة مفصَّلة، فيلزمهم معاودة النظر مع مراعاة تلك الشروط والتحرّز من الخلل

ص: 104

في شيء منها ليحصل لهم العلم، وهذا الوجه الثاني الذي هو العلم بانحصار الشروط هاهنا والأسباب هناك في اُمور معيَّنة قد يستوي فيها المخلّ وغيره وأقوي ما قيل في ذلك أنَّ الإمام إذا ظهر لا يعلم شخصه، وأنَّه لا إمام ضرورة، وإنَّما يُعلم بضرب من الاستدلال...(1) فالمعلوم من حال من لم يظهر له أنَّه لا ينعم النظر في المعجز، ولا يحصل له العلم(2) كلّ ذلك ممَّا يشيع خبره فيؤدّي إلي ما مضي.

فإن قيل: فهذا الوليّ لا يعلم ما قصّر...(3) من النظر فيستدركه.

قلنا: قد ذكرنا الجواب عن هذا السؤال قبيل هذا، ونزيد هاهنا:...(4) والوليّ إذا علم أنَّ الإمام لا يظهر، وعلم أنَّه لا بدَّ أن يكون سبب استتاره عنه أمراً راجعاً إليه لا إلي غيره، فلا بدَّ من أن يعلم أنَّ ذلك لتقصير وقع منه، فيلزمه معاودة النظر فيما يوجب الإلتباس، ويجتهد غاية الاجتهاد في تحصيل المعرفة بالفرق بين الممكن والمعجز حتَّي لا يشتبه عليه شيء من ذلك كما قلناه فيمن أخلَّ بشرط النظر الموجب للعمل، وأنَّ عليه معاودة النظر ومراعاة سائر شروط النظر له.

فإن قيل: لو كان الأمر علي ما قلتم لما علم شيئاً من المعجزات، وفي ذلك الحكم بأنَّه لا يعرف النبوّة وصدق الرسول، وفي ذلك خروجه عن الإسلام.

قلنا: لا يلزم ذلك من حيث إنَّه غير ممتنع دخول الشبهة في نوعت.

ص: 105


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
3- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.
4- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.

من المعجزات دون نوع، فلا يجب إذا دخلت الشبهة في بعضها أن تدخل في جميعها، فعلي هذا لم يمتنع أنَّه لم يدخل عليه شبهة في المعجز الدالّ علي النبوّة، فحصل لهم العلم بالنبوّة، وما يظهر علي يد الإمام يكون أمراً يجوز دخول شبهة عليه في كونه معجزاً، وفي إمامة من ظهر علي يده وإن كان عالماً بالنبوّة.

فإن قيل: فيجب في حكمته تعالي أن يظهر علي يد الإمام المعجز من النوع الذي أظهره علي النبيّ حتَّي لا يدخل عليه فيه شبهة.

قلنا: إظهار المعجزات ونصب الأدلّة بحسب اقتراح المقترحين غير واجب، وإنَّما الواجب إظهار ما يكون معجزاً، ونصب ما يكون دليلاً في الجملة، وهذا متَّفق عليه بيننا وبين خصومنا، وعلي هذا لم يجب الله تعالي المقترحين علي الرسول بقولهم: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّي تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأَْرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَْنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً)(1) إلي ما التمسوه واقترحوه.

يبيّن ما ذكرناه أنَّ في تحصيل العلم المطلوب بالنظر في الدليل الذي يدخله شبهة، معجزاً كان أو غيره، زيادة مشقّة، فتكون في مقابلتها زيادة ثواب، ثمّ ولعلَّ في إظهار ذلك النوع من المعجز مفسدة لغير ذلك الوليّ، فلا يجب بل لا يجوز إظهاره.

وجميع ما ذكرناه في الجواب عن هذا السؤال ممَّا يذهب إليه محقّقوا مخالفينا من المعتزلة ويقرّون به.

فإن قيل: يلزم علي هذا أن يكون كلّ وليّ لم يظهر له الإمام مقيماً2.

ص: 106


1- الإسراء: 90 - 92.

علي كبيرة لمكان هذا التقصير، فيؤدّي إلي إلحاقه بالعدوّ...(1) كون ذلك التقصير كبيرة وإلحاق الوليّ المقصّر بالعدوّ، وذلك لأنَّه في الحال ما...(2) علي نفسه، وإنَّما هو مقصّر في تحصيل بعض العلوم تقصيراً صار سبباً في أن من علم من...(3) إلي الشكّ في عين الإمام مستقبلاً، وذلك غير حاصل في الحال، فلا يلزم أن يكون بمنزلة ما يؤدّي...(4) غير أنَّه خطأ علي كلّ حال، وإن لم يكن كفراً ولا كبيرةً ولا العدوّ بخلاف ذلك، لأنَّه يعتقد في الحال نفيه وإمامته، وذلك من أكبر الكبائر، وكان بذلك مفاوقاً للوليّ، يوضح ما ذكرناه أنَّ أحداً لو اعتقد في القادر بقدرة أنَّه يصحّ منه الاختراع كان هذا الاعتقاد جهلاً خطأ قبيحاً، ولكنَّه لا يكون كفراً، وإن علم تبارك وتعالي أنَّه لو ظهر نبيّ يدعوه إلي التصديق به، وجعل معجزة اختراعاً يظهر علي يديه، فإنَّ ذلك المعتقد لا بدَّ من أن لا يصدّقه ولا يؤمن به مع اعتقاده المتقدّم، ويمكن أن يقدم علي قتله وذلك يكون كفراً، ومع هذا لا يلزم أن يكون في الحال كافراً، لأنَّ ما هو كفر لم يقع منه في الحال، وإن كان ما هو كالسبب له من الاعتقاد الفاسد حاصلاً.

فإن قيل: ما تقولونه من أنَّ سبب استتاره عن الوليّ تقصير الوليّ فيما ذكرتموه، حتَّي علم تعالي من حاله أنَّه إذا ظهر الإمام وأظهر معجزاً يشكّ في ذلك المعجز وفي كونه إماماً، والشكّ في ذلك كفر لا يستقيم ولا يستمرّ علي أصلكم، وما تذهبون إليه من المنع من الارتداد وأنَّ منت.

ص: 107


1- نقص في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
2- نقص في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
3- نقص في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
4- نقص في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.

عرف الله بصفاته وعرف توحيده بالتمام وعدله والنبوّة والإمامة لا يجوز أن يكفر، وأنَّه لا بدَّ أن يوافي بالإيمان.

قلنا: الشكّ في المعجز الذي يظهر علي يد الإمام لا يقدح في علمه بأنَّ الإمام إنَّما هو ابن الحسن العسكري عليه السلام علي الجملة، وإنَّما تأثيره في أنَّ من علمه علي الجملة هل هو هذا الشخص أم لا والشكّ في ذلك ليس كفراً، ألا تري أنَّه يشكّ في أنَّه هل هو الإمام أو ليس هو الإمام فيطلب ظهور المعجز عليه؟ ولا يكون شكّه بذلك كفراً، وإنَّما الذي يقدح في إيمانه الشكّ فيما علمه علي الجملة أنَّ الإمام إنَّما هو ابن الحسن العسكري عليه السلام، وذلك ممَّا لا يجوز وقوعه منه.

واعلم أنَّا إنَّما نحتاج إلي إيراد هذه الوجوه في سبب استتاره عن الوليّ إذا سلَّمنا أنَّ انتفاع الوليّ بلطف الإمامة يفوته بغيبة الإمام واستتاره عنه، فأمَّا إذا لم نسلّم ذلك وقلنا: إنَّ الوليّ منتفع بلطف الإمامة في حال غيبة الإمام كانتفاعه به في حال ظهوره فلا يلزمنا إيراد شيء من هذه الوجوه...(1) بلطف الإمامة(2) في حال غيبته، حاصل كحصوله في حال ظهوره قول صحيح قويّ...(3) إنَّما هم الذين(4) علموا بالدليل وجوده وإمامته وفرض طاعته، وأنَّه لا بدَّ له من خروج...(5) ولا يتعيَّن(6) لهم ذلك).

ص: 108


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
2- (بلطف الإمامة) ليس في (م).
3- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
4- (إنَّما هم الذين) ليس في (م).
5- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
6- (ولا يتعيَّن) ليس في (م).

الوقت؛ لأنَّ كلّ ما نقل وروي في أشراط ظهوره وعلامات ظهوره منقول عن (التواتر)(1) والآحاد، ولا يكون معهم شكّ وريب في ذلك، ومن كذلك لا بدَّ من أن يكون خائفاً عند اقترافه معصية عرفه عليها من أن يطَّلع عليها الإمام، إمَّا بمشاهدة أو بإقامة بيّنة عنده، فيقيم عليه ما يستحقّه من التأديب والحدّ، ويكون خوفه من ذلك بأحد وجهين: إمَّا بالظهور العام لجميع الخلق علي ما هو موعود في حقّه عليه السلام، وإمَّا بظهوره خاصّة لإقامة حدّ الله عليه، إذ لو ظهر له خاصّة، لما أمكنه مقاومته والامتناع ممَّا يريده من إقامة الحدّ عليه، ولا يستجيز أيضاً مخالفته وأن لا ينقاد له، وإن فرضنا قدرته علي ذلك، إذ لو استجاز ذلك لخرج عن الولاية إلي العداوة، ولما كان وليّاً بل عدوّاً، فتحقَّق بما بيَّناه أنَّ الوليّ لا يفوته الانتفاع بلطف الإمامة في حال غيبة الإمام، بل لو قيل: إنَّ خوفه من تصرّف الإمام في حال غيبته يكون آكد منه في حال ظهوره لكان قويّاً ظاهراً لكلّ أحد، وإذا كان كذلك فمن يكون منزله ومقامه بعيداً من ذلك الموضع لا يكون خوفه منه ومن تصرّفه كخوف من يكون في جواره وبالقرب منه، وليس كذلك إذا كان غائباً مستتراً، لأنَّ كلّ أحد من أوليائه يجوز أن يكون هو عليه السلام في أقرب الأماكن إلي مقامه ومنزله، فيكون خوفه آكد وأقوي من هذا الوجه، ولا يعترض علي ما قلناه من أنَّ خوف أوليائه من تصرّفه حاصل في حال غيبته، كحصوله في حال ظهوره ما نراه في بعض المدّعين لولايته، من إقدامهم علي المعاصي، واقترافهم السيّئات، مع ظهور أمارات عدم الخوف منه فيهم،).

ص: 109


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار كلمة، و(عن... والآحاد) ليس في (م).

لأنَّه إن تحقَّق أنَّهم لا يخافون من تصرّفه جملة، كشف ذلك من أنَّهم لا يعتقدون ما ذكرناه من وجوده وغمامته وفرض طاعته، بل ولا يجوّزون ذلك، إذ لو كان معهم شكّ في ذلك وتجويز له لكانوا خائفين بعض الخوف، فعدم خوفهم جملة يدلُّ علي أنَّهم يعتقدون نفي إمامته وفرض طاعته، فهم أعداؤه لا أولياؤه، وإنَّما ينافقون بإظهار ولايته ما هذا إلاَّ كما إذا علمنا من حال أحد أنَّه لا يخاف من العقاب جملة، في أنَّ ذلك يكشف عن أنَّه لا يقرّ بالعقاب ولا يعتقده.

فإن قيل: كيف يتصوّر إطّلاع الإمام علي ما يفعله هذا الوليّ في حال غيبته حتَّي يخاف الوليّ من ذلك الإطّلاع؟

قلنا: كما يتصوّر في حال ظهوره...(1) عليه، إمَّا بأن يشهده فاعلاً للمعصية، أو بإقراره علي نفسه بها، أو بإقامة البيّنة عليه...(2) وكلّ ذلك ممكن في حال الغيبة.

واعلم: أنَّ الخصوم يرومون القدح في وجود صاحب الزمان بإظهار التعجّب في ذلك من وجوه:

منها: خفاء ولادته علي الخلق، حتَّي أهل أبي محمّد الحسن بن علي...(3) وبني عمّه وأوليائهم وأعدائهم في وقته إلي هذه الغاية، حتَّي(4) يوافق الإماميّة غيرهم في هذه الدعوي، هذا علي إنكار جعفر بن علي، أخي أبي محمّد الحسن، علي دعوي الإماميّة، أنَّ لأخيه أبي محمّد ولداً).

ص: 110


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار كلمتين.
3- بياض في نسخة (ج) بمقدار كلمتين.
4- في (ج): (حتَّي لم).

وحوزه(1) ميراثه ورفعه خبر المدّعين لذلك السلطان، حتَّي حثَّه وبعثه علي حبس جواريه واستبراء حالهنَّ في الحمل، فلم يظهر لواحدة منهنَّ حمل(2)، ويؤكّدون ذلك بأنَّ أبا محمّد الحسن بن علي عليهما السلام أوصي في وقوفه وصدقاته وإمضائها علي شروطها إلي والدته المكنّاة باُمّ الحسن، ولم يذكر في وصيّته تلك ولداً له موجوداً ولا منتظراً.

ومنها: استتاره من جميع الناس حتَّي لا يعرف أحد مكانه ومستقرّه، ولا يأتي عنه مخبر ولا يعرف أثر، ولا يدّعي عدل من الناس لقائه، ويزعمون أنَّ هذا خارج عن المعهود، وإذا لم تجر العادة لأحد من الناس بذلك فإنَّ كلّ من اتّفق له الاستتار عن ظالم أو عدوّ، لخوف منه علي نفسه أو لغير ذلك من الأغراض، لا يخفي علي جميع الخلق مكانه في مدّة استتاره، بل لا بدَّ من أن يعلم ذلك بعض أقربائه وأصدقائه، إمَّا برؤيتهم له أو بما يأتي إليهم من الخبر عنه.

ومنها: طول عمره وبقائه، فإنَّ ما يقوله الإماميّة في ذلك خارج عن المعهود والمعتاد، ثمّ طول استتاره فإنَّه أيضاً غير معهود، إذ كلّ من لم يستتر عن ظالم أو عدوّ له يقصر مدّة استتاره ولا تطول ولا تبلغ عشرين سنة فضلاً عمَّا زاد عليها.

والجواب: أنَّ التوصّل إلي إبطال المذاهب بالتعجّب عنها رأس مال من لا حجّة معه، لأنَّ ما دلَّ عليه الدلالة القاطعة لال.

ص: 111


1- في (م): (وجوَّزه).
2- نقص بمقدار صفحتين في نسخة (م)، والنقص في التصوير لا في الأصل.

يبطل بأن يتعجَّب منه، ألا تري أنَّ ما علمناه من ثبوت صانع حكيم عليم حليم، غير جسم ولا عرض، ولا شبيه شيء، ولا داخل العالم ولا خارجه، ولا ممازج به ولا مباين عنه، بالأدلّة القاطعة لا يبطل بتعجّب المجسّم والمشبّه منه، وقوله: كيف يتصوَّر وجود شيء لا يكون داخل العالم ولا خارجه ولا ممتزجاً ولا مبايناً عنه؟ وعلي هذا قيل: الدليل يعمل العجائب هذا لو كان...(1) العجيبة التي لم يكن لها نظير ولم يوجد مثلها، كيف والأمر بخلاف ذلك؟...(2) فعجيب، إذ ليس هو مخالفاً لحكم العادات، بل قد اتّفق مثل ذلك في الأنبياء وفي الملوك...(3) لأسباب تقتضيه:

وأمَّا في الأنبياء فولادة إبراهيم الخليل عليه السلام، فإنَّها إن كانت مخفيّة عن أهل زمانه إلي حين ترعرعه وبلوغه، يدلُّ عليه قوله تعالي: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأي كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي ...)(4) الآيات، لأنَّ هذا الكلام، كلام من لم يكن رأي قبل ذلك ما رآه في تلك الحالة، وولادة موسي بن عمران عليه السلام، علي ما نطق به القرآن من إخفاء اُمّه ولادته، حتَّي ألقته في اليمّ.

وأمَّا في الملوك فولادة كيخسرو بن سياوخش بن كيقاوس ملك الفرس، وما كان من ستر اُمّه حبلاً وإخفاء ولادتها لكيخسرو، واُمّه هذه كانت بنت أفراسياب ملك الترك، فخفي أمره مع الحدّ الذي كان من جدّه كيقاوس الملك الأعظم في البحث عن أمره والطلب له، فلم يظفر به مدّة طويلة، وإخفاء ولادته وسبب إخفائه معروف عند علماء الفرس ومؤرّخيهم، وأورده محمّد بن جرير الطبري في تأريخه(5).

وأمَّا في السوقة فنظيره يكثر.6.

ص: 112


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
3- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
4- الأنعام: 76.
5- تاريخ الطبري 1: 506.

(أسباب كتمان الولادة):

والأسباب التي تقتضي كتمان الحبل والولادة كثير:

فمنها: أن يستسرّ الرجل من زوجته بشري جارية فتحمل منه، فيكتم ذلك كلّ من يخاف منه أن يذكره، ويخفيه عمَّن لا يأمن عليه من إذاعة الخبرية، لئلاَّ يؤدّي ذلك إلي وقوع وحشة بينه وبين زوجته وإثارة ضرر يعسر دفعه، فتلد الجارية وينشأ الولد ولا علم لأحد من أهل الرجل وأقربائه وأصدقائه بذلك، ويمضي علي ذلك زمان طويل إلي أن يزول خوفه من الإخبار عنه، فيذكر ولده ويعرف حاله أقربائه وأصدقائه، وربَّما يستمرّ ذلك الإخفاء إلي حضور وفاته فيقرّ به حينئذٍ، تحرّزاً من تضييع نسبه ورغبةً في وصوله إلي مستحقّه من ميراثه.

ومنها: خوف الرجل علي ولده من بني عمّه وأقربائه بأن يهلكوه طمعاً منهم في ميراثه، إذا لم يكن له ولد، فيخفي ولادته ووجوده إلي أن يزول خوفه، ويتمكَّن من إظهاره علي أمان منه عليه.

ومنها: رغبة الإنسان في مناكحة من لا يختار مناكحة من له ولد، فيخفي ولادته ووجوده إلي أن يزول خوفه، ويظهر أنَّه لم يتعرَّض لنكاح قبله وأنَّه لا ولد له، وقد شوهد من فعل ذلك، وهذا في النساء أظهر منه في الرجال، ومن الملوك من يولد له ولد، فلا يعلمه أحد حتَّي ينشأ ويقرب من البلوغ، فيراه ويعلمه عند ذلك علي الصورة التي تعجبه، وقد ذكر أهل السير والآثار ذلك عن جماعة من ملوك الفرس والهند والروم والخلفاء وسطروا أخبارهم في ذلك...(1) لضرب من التدبير وخليفته

ص: 113


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.

وامتحان جنوده بذلك في طاعته، أن كانوا...(1) الأجنبيّ مع وجود ولده، ثمّ بعد ذلك يظهر أمر الولد إمَّا بأن يُرضي الجند بصرف...(2)، وإمَّا بعزل المستخلف عن المقام علي وجه ينتظم به أمر الملك ويتمّ معه تدبيره...(3) وتعداده، فليس خفاء الولادة بالعجب الذي لا يعثر له علي نظير.

ثمّ وليس الأمر في خفاء ولادته ما تزعمه الخصوم ولا ينتهي إلي الغاية التي تدّعيها من أنَّه لا يمكن تثبيتها وتصحيح انتسابه إلي الحسن بن علي عليهما السلام بولده المهدي عليه السلام، وأنَّه أعلمهم وجوده ونصَّ لهم علي إمامته من بعده، وبمشاهدة بعضهم له طفلا (4)، وبعضهم له يافعاً وشابّاً كاملاً، وقد نقلوا جميع ذلك إلي شيعته من بعد أبيه، وكذا نقلوا ما كان يخرج من ناحيته من الأوامر والنواهي، والأجوبة عن المسائل، وتسليم الشيعة الحقوق إليه وإلي خواصّه، وقد أثبت أسامي جماعة من ثقات الحسن بن علي بن محمّد عليهم السلام، المعروفين بخدمته، وذكر ما رووه منه في وجود ولده، وسماعهم منه النصّ بالإمامة عليه، ومشاهدتهم له عليه السلام، وذلك يوجد في كتب سلف أصحابنا الإماميّة، خاصّة ما ذكره الشيخ السعيد المفيد قدَّس الله روحه في كتابه الإرشاد في معرفة حجج الله علي العباد(5)، وكتابه0.

ص: 114


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.
3- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.
4- من هنا موجود في نسخة (م) أيضاً.
5- الإرشاد: 350.

المعروف بالإفصاح في الإمامة(1) والغيبة(2)، فمن أراد ذلك، فليطلبه من كتابيه المشار إليهما (3).

فأمَّا إنكار جعفر بن علي أخي الحسن علي الإماميّة في دعواها أنَّ لأخيه الحسن ولداً، وحوزه ميراثه، ورفعه لخبر المدّعين لذلك إلي السلطان، وحمله علي حبس جواريه واستبراء حالهنَّ في الحمل...(4) شبهة، فضلاً عن الحجّة، لاتّفاق الاُمّة علي أنَّ جعفراً لم يكن له...(5) حقّ ودعوي باطل كان من جملة الرعيّة التي يجوز عليها الخطأ...(6) الغلط ويتوقَّع تعمد الباطل والضلال منها، وقد قصَّ الله في القرآن(7) يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام من ظلم أخيهم يوسف عليه السلام، وإلقائهم إيّاه في الجب، وسعيهم في دمه بذلك، ثمّ بيعهم له بثمن بخس ونقضهم عهد أبيهم يعقوب بحفظه، ونبذهم عهده في حراسته، وتعمّدهم عقوقه وإدخال الهمّ علي قلبه بما صنعوه بأحبّ ولده إليه، وتمويههم في دعواهم علي الذئب أنَّه أكله بما جاؤوا به علي قميصه من الدم الكذب، هذا، وهم أسباط النبيّين، وأقرب الناس نسباً بعد أبيهم إلي خليل الله إبراهيم عليه السلام، فكيف يتعجَّب من وقوع مثل ذلك ممَّن هو دونهم في الدين والدنيا؟

ولا يتصوَّر أن يقول قائل: أيّ غرض كان له في ذلك؟ وأيّ داعن.

ص: 115


1- الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين: 102.
2- الغيبة للمفيد: 9.
3- الظاهر أنَّ مراده من كتابيه المشار إليهما هما الإرشاد والغيبة.
4- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
5- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
6- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.
7- بياض في نسخة (ج) بمقدار كلمتين.

دعاه إلي إنكار ولد لأخيه؟ وذلك لأنَّ أغراضه فيما فعله من ذلك أظهر من الشمس، من حوزه ميراثه مع كثرته، ودعوي مقامه الذي جلَّ قدره عند كافّة الناس وخاصّة عند شيعته، وصرف وجوه الشيعة إلي نفسه ونيله ما كان يصل إلي أخيه من خمس الغنائم وكالة الأموال لإيصالها إلي مستحقّيها.

وما تعلَّق من تعلَّق بما روي من إنكار جعفر من وجود ولد لأخيه الحسن أو معاملته التي عملها في جحد وجود صاحب الزمان عليه السلام، مع قيام الدليل بالاعتبار العقلي، وظهور الحجّة السمعيّة علي وجوده وإمامته إلاَّ كتعلّق بعض البُله من الكفّار في جحد نبوّة نبيّنا عليه السلام وإبطالها بإنكار عمّه أبي لهب وإنكار أكثر ذوي نسبه من بني هاشم وبني اُميّة صدقه في دعواه النبوّة واجتماعهم علي عداوته وتجريدهم السيوف في حربه واجتهادهم في استئصاله وأتباعه، هذا مع الاضطرار بالمشاهدة إلي وجوده وظهور الأعلام الباهرة علي نبوّته عليه السلام، وضيق الطريق في معرفة ولادة الحجّة المهدي عليه السلام في البعد عن التحقيق، ومن تمسَّك في إنكار شيء ونفيه أو إثباته أو صحَّته أو فساده بمثل المتعلّق بما جري لجعفر بن علي في إنكار وجود خلف وولد لأخيه، وما كان من أبي لهب وشركائه في جحد نبوّة النبيّ عليه السلام فإنَّه لقليل البضاعة.

وأمَّا ما ذُكر من استبراء جواري الحسن بن علي عليهما السلام...(1) ولد في حياة أبيه، علي ما تواترت به رواة الشيعة، وإذا كان كذلك...(2) استبراءت.

ص: 116


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار نصف سطر.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات.

الجواري بعد وفاة سيّدهنَّ لولا العناد والعصبية فأمَّا ما يولد...(1) من وصيّة أبي محمّد الحسن بن علي إلي اُمّه المكنّاة باُمّ الحسن عليها السلام في وقوفه وصدقاته...(2) الأمر في جميع ذلك إليها دون غيرها فضعيف وباطل أيضاً، وذلك لأنَّ غرضه عليه السلام...(3) ممَّا لا ينبغي أن يخفي علي ذي لبّ متأمّل منصف، من حيث إنَّه كان فيما فعله إتمام مقصوده من ولادة ولده الحجّة عليه السلام، وستر حاله عن سلطان الوقت ومتملّك الأمر في زمانه، ومن يجري مجراه ويسلك سبيله في إراقة دم من يخالف تلك الدولة ويدّعي فيه أنَّه المستحقّ للأمر دونهم، ولو ذكر في وصيّته ولداً له وأسندها إليه لنقض بذلك غرضه، ولأبطل شفقته علي ولده، ونظره في حقّه وتدبيره أمره، خاصّة مع اضطراره عليه السلام إلي إشهاد خواصّ دولة السلطان علي نفسه في تلك الوصيّة وإثبات حظوظهم فيها، وثبوت وصيّته عند قاضي الوقت حراسةً لوقوفه وحفظاً لصدقاته، وكان عليه السلام جامعاً بين غرضين فيما فعله: حفظ الوقوف والصدقات، وإخفاء أمر الولد، ولعلَّه كان معظم غرضه هذا الأخير، إذ كفّ بهذا التدبير اللطيف أعدائه وصدّهم عن الاجتهاد والجدّ في طلب ولده عليه السلام، وقد صنع الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام ما يقرب من هذه علي ما نظاهر به الخبر مراعاة لجانب خَلَفه وولده القائم مقامه بعده موسي بن جعفر عليهما السلام وحراسته لمهجته، فعدل عن إفراده بالوصيّة عند وفاته، وجعلها إلي خمسة نفر، أوّلهم المنصور قدَّمهت.

ص: 117


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار كلمتين.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات، وكلمة (وصدقاته) ليست في (ج).
3- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.

علي جماعتهم، إذ كان سلطان الوقت، ثمّ صاحبه الربيع، ثمّ متولّي القضاء في وقته، ثمّ اُمّ ولده حميدة البربرية، وختمهم بذكر ابنه موسي بن جعفر ليحرس بذلك نفسه، ولم يذكر غيره من أولاده لعلمه بأنَّ فيهم من يدّعي مقامه من بعده فيلتمس بإدخاله في وصيّته، ولو لم يكن موسي عليه السلام معلوم الوجود مشهور المكان، بل كان اتّفق له من خفاء الولادة مثل ما اتّفق لصاحب الزمان عليه السلام، لما ذُكر في وصيّته أصلاً، ولاقتصر علي ذكر غيره.

فإن قيل: في دعواكم غيبة إمامكم وبين غيركم من الفرق المنتسبين...(1) حياة من سلف من أئمّتكم وذويهم وبقائهم وغيبتهم كالسبأيّة القائلين بأنَّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يُقتل وأنَّه حيّ، والكيسانية القائلين بحياة محمّد بن الحنفيّة في جبال رضوي، والناووسية المدّعين لحياة الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، فإنَّه...(2) هو حيّ إلي أن خرج بالسيف، والممطورة من الواقفيّة الذين يدّعون حياة موسي بن جعفر عليهما السلام وغيبته وأنَّه هو الإمام المنتظر، والإسماعيلية الذين يذهبون إلي حياة إسماعيل، وإذا كانت هذه المذاهب والأقاويل باطلة عندكم، وقولكم ومذهبكم في الغيبة نظير هذه المذاهب والأقوال وجب أن يكون باطلاً، بل قول هؤلاء أقرب إلي النفوس من قولكم، لأنَّ هؤلاء إنَّما يدّعون حياة أشخاص ولدوا ووجدوا وعُلم وجودهم ضرورة ولم يشكّ أحد في وجودهم، فيدّعون بقائهم وغيبتهم، وأنتم تدّعون غيبة شخص لم يرَ ولم يطّلع أحد علي ولادته وجوده، فقولكم أبعد.ت.

ص: 118


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار كلمتين.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.

قلنا: الفرق بيننا وبين من ذُكر في السؤال من المنتمين إلي الشيعة أظهر من الشمس إذا تأمَّل الإنسان بعين الإنصاف، وذلك لأنَّ كلّ فرقة من أولئك الفِرَق يدّعون ما عوين وعلم خلافه ضرورة في وقته، ونحن من كان بعد ذلك الوقت، فإنَّه أيضاً يعلم خلاف ما يدّعونه بالتواتر، إمَّا ضرورة إن كان العلم بمخبر الأخبار عن الوقائع والبلدان ضرورياً، وإمَّا علماً لا يتخالجه شكّ وريب، إن لم يكن العلم بمخبر الإخبار المشار إليها ضرورياً، ألا تري أنَّ السبأيّة يزعمون أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يقتل، وكلّ من كان في ذلك الوقت في المسجد بالقرب منه عاين وشاهد ضربة اللعين ابن ملجم إيّاه وعلم قتله له ضرورة، ومن بعد عنهم، وكذا من جاء بعد ذلك العصر، فإنَّه علمه بنقل المتواترين إليهم، كما علموا موت النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وغير السبأيّة من الفِرَق المذكورة يدّعون حياة قوم علم كلّ من حضرهم عند وفاتهم موتهم بالضرورة، إذ الموت ممَّا يمكن ويتصوَّر أن يعلم ضرورة عند ظهور علاماته، من لم يحضرهم عند وفاتهم فإنَّه علم موتهم بنقل المتواترين إليهم، كما علموا موت آبائهم وأسلافهم، وموت النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم كذلك، ثمّ وقول الكيسانية يبطل من وجه آخر، وهو إدعائهم إمامة من لم يكن مقطوعاً علي عصمته بالاتّفاق، وليس كذلك ما نقوله، لأنَّ خلاف...(1) بالتواتر لأنَّا نقول بوجود صاحب الزمان وولادته، وخلاف ذلك هو...(2) ممَّا لا يُشاهد ولا يُعاين ولا يُعلم ضرورة، بلي ثبوت الولادة ممَّا يشاهد، فأمَّا نفيها فليس بمشاهد، فأين قولنا من أقوال هؤلاء...(3).ت.

ص: 119


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات.
3- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.

فأمَّا ما اُورد في آخر السؤال من أنَّكم تدّعون ولادة شخص لم يطّلع علي ولادته...(1) ما سبق من السبب في خفاء ولادته، وبيَّنا أنَّ ذلك غير منكر، بل هو ممَّا يمكن أن يكون...(2) الإمكان قد ثبت وتحقَّق في الأنبياء والملوك والعامّة أيضاً، وأشرنا إلي ما يبطل قول من قال: إنَّه لم يرَه أحد بأن ذكرنا أنَّ جماعة من ثقاة أبيه شاهدوه طفلاً وشابّاً كاملاً، وأنَّه كان يخرج من ناحيته التوقيعات وجوابات المسائل إلي مدّة من الزمان، وأنَّه كان له سفراء معروفون بينه وبين شيعته، وفي الجملة نحن ما أنكرنا غيبة من ادّعي هؤلاء الفِرَق المبطلة حياته وغيبته بتطاول الزمان فيها، فيحتجّ به علينا في استمرار غيبة صاحبنا وطول زمانها، وإنَّما أنكرناها لأنَّا علمنا قطعاً ويقيناً قتل من قُتل منهم، وموت من مات من جملتهم بالطريق الذي أشرنا إليه وبشهادة الأئمّة المعصومين القائمين مقام من ادّعي بقائه وحياته، الذين ثبتت إمامتهم بمثل الحجج التي بها تثبت إمامة من تقدَّمهم بموت الماضين منهم، ولأنَّه لم يثبت إمامة من يدّعي الكيسانية إمامته ولا إمامة صاحبي الإسماعيلية.

وأمَّا تعجّبهم من استتاره عن جميع الناس حتَّي لا يعرف أحد مكانه ومستقرّه ولا يأتي عنه خبر، ولا يعرف له أثر، فالكلام عليه أنَّ الأمر في ذلك ليس علي ما يظنّه المخالفون، فإنَّ أصحابنا الإماميّة بأجمعهم يدفعون هذا القول ويقولون: إنَّ جماعة من أصحاب أبيه أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام قد شاهدوه في حياة أبيه، وكانوا أصحابهت.

ص: 120


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات.

وخاصّته بعد وفاته والسفراء بينه وبين شيعته مدّة طويلة، وكانوا ينقلون عنه إليهم معالم الدين وأجوبته عن مسائلهم ويقبضون عنهم حقوقهم، وهم جماعة معروفون بأسمائهم وأنسابهم وأعيانهم، كأبي عمرو عثمان بن سعيد السمّان، وأخيه أبي جعفر محمّد بن سعيد وبني مهزيار بالأهواز(1)، وبني الزكوزكي بالكوفة، وبني نوبخت ببغداد، وجماعة من أهل قزوين وقم وغيرهما من الجبال المشهورون بذلك عند أصحابنا...(2) صيروا بأنَّه ظاهرة(3) وأصحاب فهم ورواية، وكان السلطان يعظّم...(4) واستشهاد عدالتهم، وهذا يبطل دعوي الخصوم وفاق الإماميّة...(5) عنه ولد، ولا عرف له مكان، ولا أخبر بلقائه أحد، وأمَّا بعد انقراض...(6) أخبار متناصرة بأنَّه لا بدَّ للقائم المنتظر من غيبتين، إحداهما أطول من الاُخري، يعرف(7) (خبره في غيبته ال-) قُصري الخاصّ دون العامّ، وفي الطولي لا يعرف خبره العامّ والخاصّ. ولا يعلمون له منزلاً إلاَّ من يتولّي خدمته من ثقات أوليائه ولم ينقطع عنه الأخبار بذلك موجودة في كتب الشيعة قبل مولد أبي محمّد وجدّه وأبيه عليهم السلام، فظهر صدق رواة تلك الأخبار عند مضيّ السفراء الذين سمّيناهم بالغيبة الطولي، وصار ذلك من الدلالات الواضحة في صحَّة ما ذهبت الإمامية إليه.).

ص: 121


1- (بالأهواز) في نسخة (ج).
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات.
3- في (م): (وظاهرة) بدل (صيروا بأنَّه ظاهرة).
4- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات.
5- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات.
6- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات.
7- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات، وكلمة (قصري) ليست في (م).

(عدم استحالة طول العمر):

وأمَّا تعجّبهم من طول بقائه وعمره، ثمّ من طول استتاره، فالكلام عليه أن نقول: التعجّب من طول العمر إمَّا أن يكون من حيث اعتقاد المتعجّب أنَّ ذلك مستحيل، وهو غير مقدور، وإمَّا أن يكون من حيث كونه خارقاً للعادة.

أمَّا الأوّل: فهو قول الدهرية والطبائعيّين الذين لا يقرّون بالصانع المختار العالم، ويكذّبون بما جاء في القرآن من قوله تعالي في نوح: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً)(1)، وفي أصحاب الكهف: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً)(2) وبما هو مشهور بين الاُمّة من قصَّة المعمّرين من الأنبياء والحكماء والملوك وغيرهم، علي ما جاء في التفاسير والآثار والقصص، وليس هذا من مذهب فرقة من فِرَق المسلمين.

وأمَّا الثاني: وهو أنَّه خارق للعادة فلا شكّ فيه، ولكنّا قد بيَّنا في الكلام في النبوّة أنَّ خرق العادة في حقّ غير الأنبياء جائز حسن، وأنَّه ليس فيه وجه قبح، ويوافقنا علي ما ذكرناه الصوفيّة وأصحاب الظاهر والأشعرية، فلا وجه للاستعجاب من هذا الوجه أيضاً، والتعجّب من طول استتاره وغيبته وعدم العثور علي مستقرّه، فممَّا لا يصحّ التمسّك به في إبطال وجوده، فكم من وليّ لله تعالي يسيح في الأرض يعبده تعالي، وينفرد عن الخلق، لا يعرف أحد لهم مكاناً، ولا يدّعي إنسان لقائهم ولا

ص: 122


1- العنكبوت: 14.
2- الكهف: 25.

الاجتماع معهم، أليس الخضر عليه السلام موجوداً قبل زمن موسي عليه السلام وإلي وقتنا هذا بإجماع أهل النقل واتّفاق أهل السير والأخبار؟ سائح في الأرض لا يعرف أحد له مستقرّاً، ولا يدّعي أحد أنَّه صحبه، إلاَّ ما جاء في القرآن في قصَّته عليه السلام مع موسي عليه السلام، وما يقوله...(1) بحيث لا يعرف، ويظنّ من رآه أنَّه بعض الزهّاد، فإذا فارق مكانه، ربَّما كان عليه السلام...(2)، فإنَّ الاُمّة مجمعة علي بقائه، ولا يراه أحد ولا يعرف مكانه، وقد كان من(3) (قصَّة موسي عليه السلام وهجرته عن) وطنه وفراره من فرعون ورهطه ما صرَّح به القرآن، ولم يطَّلع عليه أحد بحيث لو...(4) فيعرف له مكاناً، حتَّي ناجاه الله تعالي وابتعثه نبيّاً.

وكان من قصَّة يوسف بن يعقوب...(5) (عليهما السلام وغيبته عن أبيه وإخوته) وذويه ما جاءت بذكره سورة مفردة وتضمَّنت ذكر استتار خبره عن أبيه، وهو نبيّ الله تعالي يأتيه الوحي من الله تعالي، أمره مطويّ عنه وعن إخوته، وهم يعاملونه ويلقونه فيعرفهم، وهم لا يعرفونه، حتَّي مضي علي ذلك الأزمان، وتقضّت فيه السنون، ويلزم حزن أبيه لفقده ويأسه من لقائه ما صرَّح بذكره القرآن، وليس لذلك نظير في زماننا هذا، ولا سمعنا مثله في غيره.

وغيبة يونس عليه السلام نبيّ الله عن قومه وفراره منهم لطول زمانت.

ص: 123


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار خمس كلمات.
3- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.
4- بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.
5- بياض في نسخة (ج) بمقدار ستّ كلمات.

خلافهم له وإصرارهم علي ذلك، بحيث لم يطَّلع أحد علي مستقرّه إلاَّ الله الذي حبسه في جوف حوت في قعر بحر، ومقامه وبقائه هناك حيّاً، ثمّ إخراجه تعالي إيّاه من بطن الحوت إلي تحت شجرة من يقطين، بحيث لم يكن له معرفة بذلك المكان ولا خطر علي قلبه سكناه، كلّ ذلك ظاهر فيما بين الأمّة مجمع عليه، وقد جاء بذكره القرآن، وهو أيضاً خارج عن عادتنا.

وأمر أصحاب الكهف علي ما شرحه القرآن أيضاً ظاهر، وهو خارج عن عادتنا وعمَّا نعرفه ونعهده.

وقصَّة صاحب الحمار الذي مرَّ علي قرية وهي خاوية علي عروشها واستبعاده عمارتها وعودها إلي ما كانت عليه، وإحياء أمواتها بقوله: (أَنَّي يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)(1)، وإحيائه بعد ذلك مع بقاء طعامه وشرابه بحالهم لم يتغيَّر، ومع بقاء حماره حيّاً قائماً علي علفه، لم يتَّفق ولم يتغيَّر عن حاله ولم يضرّه طول عمره ولا أضعفه، ثمّ أنشأ الله العظام، وإحياء أولئك الموتي، كلّ ذلك مذكور في القرآن في قوله تعالي: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلي قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلي عُرُوشِها قالَ أَنَّي يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلي طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلي حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَي الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ)(2)...(3) لنبيّ يقولون: إنَّهت.

ص: 124


1- البقرة: 259.
2- الآية السابقة.
3- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.

كان نبيّاً من أنبياء الله تعالي، ولا شكّ في أنَّ جميع ذلك خارج...(1) في الغيبة اتَّفق لكثير من الخلق، وإن لم يكن في القرآن، قد ذكره أصحاب...(2) لينظروه، وأورده نقلة السير والآثار في كتبهم من غيبات ملوك الفرس عن...(3) (بلادهم) طويلاً لوجوه من التدبير، بحيث لم يعرف أحوالهم فيها ولا مستقرّاً ولا اطَّلع لهم علي موضع ومكان، ثمّ...(4) (رجعوا إلي وطنهم) بعد ذلك وعادوا إلي ملكهم بأحسن حال، وكذلك جماعة من حكماء الروم والهند وملوكهم قد كانت لهم غيبات وأخبار بأحوال تخرج عن العادات، لم يذكر شيئاً من ذلك أكثر أصحابنا، لعلمهم بأنَّ الخصوم ينكرونه، لكنَّ ما في القرآن لا يمكن دفعه إلاَّ بالخروج من الدين. وإذا كان كذلك بطل تعجّب الخصوم، وقولهم: إنَّ ما تقولونه وتذهبون إليه من غيبة صاحبكم، ممَّا لم يتَّفق ولم يكن لأحد قطّ.

ثمّ وكم من الاُمور العجيبة التي يعتقدها من دان بالإسلام وأقرَّ به ممَّا لم يرَ نظيره ولم يعتد مثله، كرفع عيسي عليه السلام إلي السماء، وإسراء نبيّنا صلي الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي، ثمّ عروجه إلي السماء وانتهائه إلي الصفيح الأعلي، بحيث لا مكان بعده عي ما جاء جملةً في القرآن، وتفاصيله وتتمَّته في الأخبار، فليس ما نقوله ونذهب إليه في الغيبة بأعجب منها.

----------------------

(1) بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.

(2) بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات.

(3) بياض في نسخة (ج) بمقدار كلمة.

(4) بياض في نسخة (ج) بمقدار ثلاث كلمات.

ص: 125

ثمّ وإنّي أقول: إنَّ استبطاء خروج صاحب الزمان وظهوره والتمسّك به واتّخاذه وحده طريقاً إلي نفي وجوده يشعر باعتقاد نفي القيامة والبعث والنشور، وذلك لأنَّ الاستبطاء في ذلك أعظم وآكد وأكثر، من حيث إنَّ جميع الأنبياء عليهم السلام من لدن آدم إلي نبيّنا صلي الله عليه وآله وسلم كانوا ينذرون اُممهم بالقيامة والبعث والنشور، وقد قال نبيّنا صلي الله عليه وآله وسلم: (بُعثتُ أنا والساعة كهاتين)(1) وبعد فلم تقم القيامة إلي الآن، والمؤمنون الموقنون لم يشكّوا فيها بسبب تأخّرها، واستبطاء قيامها، فإن كان مجرَّد تأخّر خروج صاحبنا عليه السلام واستبطاء القوم ظهوره طريقاً إلي نفيه، فتأخّر قيام القيامة واستبطاء الخلق ظهورها وقيامها أولي بأن يُتّخذ طريقاً إلي نفيها.

فإن قالوا: لسنا ننكر وجوده لما ذكرتموه، وإنَّما ننكره لعدم الدليل عليه.

قلنا: فاتركوا التعجّب والاستبطاء جانباً، واطلبوا منّا الدلالة والحجّة في ذلك، فإذا طالبونا بذلك فالدلالة ما قدَّمناه من وجوب وجود إمام معصوم مقطوع علي عصمته في كلّ عصر يكون...(2) وبطلان إمامة كلّ من يُدّعي له الإمامة في عصرنا هذا، سوي صاحبنا...(3) المدّعون لبقاء واحد من سلفه المعصومين قد انقرضوا، فلا يوجد منهم...(4) ولحصول العلم بموت أولئك السادة المعصومين، علي ما بيَّناه، وثبوت أنَّ الحقّ...(5) هو الدليل من حيث الاعتبار العقلي، ومن طريق السمع،ً.

ص: 126


1- صحيح البخاري 7: 68/ كتاب الطلاق باب اللّعان.
2- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات تقريباً.
3- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات تقريباً.
4- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات تقريباً.
5- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات تقريباً.

فالتنصيص عليه من جهة...(1) عليه السلام ومن آبائه عليهم السلام، علي ما تواترت به الشيعة التي بيَّنا صحَّة نقلها عند الكلام في النصّ.

ويؤيّد هذه الأدلّة ويؤكّدها ما يرويه مخالفوا الشيعة في نعوت المهدي وصفاته، والرواية الظاهرة المستفيضة عن الرسول من قوله صلي الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ يوم واحد، لطوَّل الله ذلك اليوم، حتَّي يخرج رجل من ولدي، يواطئ اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً)(2).

* * *م.

ص: 127


1- بياض في نسخة (ج) بمقدار أربع كلمات تقريباً.
2- الإرشاد: 346/ باب ذكر القائم بعد أبي محمّد عليه السلام.

ص: 128

اقبال الأعمال

اشارة

تأليف: رضي الدين أبي القاسم علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس العلوي الفاطمي المتوفي سنة 664 ه-

تحقيق: جواد القيومي الاصفهاني

ص: 129

ص: 130

فصل (49):

فيما نذكره من ولادة مولانا المهدي عليه السلام في ليلة النصف من شعبان وما يفتح الله جل جلاله علينا من تعظيمها بالقلب والقلم واللسان(1):

اعلم أنَّنا ذكرنا في كتاب التعريف للمولد الشريف تفصيل هذه الولادة الشريفة، وروينا ما يتعلَّق بها في فصول لطيفة، فذكرنا فصلاً في كشف شراء والدته عليها أفضل التحيّات، وفصلاً في حديث الولادة والقابلة ومن ساعدها من نساء الجيران، ومن ها هنا نساء من الدار، بولدها العظيم الشأن عليه أفضل الصلوات.

وفصلاً في حديث عرض مولانا الإمام الحسن العسكري لولده المهدي صلوات الله عليهما بعد الولادة بثلاثة أيّام علي من يثق به من خاصّته الصالحين لحفظ أسرار الإسلام.

وفصلاً فيمن بشَّر ها هنا صلوات الله عليه بولادة المهدي عليه السلام.

وفصلاً بذكر العقيقة الجسيمة عن تلك الولادة العظيمة خبزاً ولحماً.

وفصلاً فيمن أهدي إليه مولانا الحسن العسكري رأساً من جملة الغنم المتقرّب بذبحها، لأجل عقيقة الولادة التي شهد المعقول والمنقول بمدحها.

وفصلاً في حديث إقامة الحسن العسكري عليه السلام وكيلاً في حياته يكون في خدمة مولانا المهدي عليه السلام بعد انتقال والده إلي الله جل جلاله ووفاته.

----------------------

(1) إقبال الأعمال 3: الباب التاسع/ 327 - 330.

ص: 131

وأوضحنا تحقيق هذه الأحوال - لم أعرف أنَّ أحداً سبقنا إلي كشفها - كما رتَّبناه من صدق المقال.

فصل (50):

فيما نذكره (في بشارة النبيّ جدّه صلي الله عليه وآله وسلم بولادته وعظيم انتفاع الإسلام برئاسته):

إنَّ مولانا المهدي عليه السلام ممَّن أطبق أهل الصدق ممَّن يعتمد علي قوله، بأنَّ النبيّ جدّه صلي الله عليه وآله وسلم بشَّر الأمّة بولادته وعظيم انتفاع الإسلام برئاسته ودولته، وذكر شرح كمالها وما يبلغ إليه حال جلالها إلي ما لم يظفر نبيّ سابق ولا وصيّ لاحق، ولا بلغ إليه ملك سليمان عليه السلام الذي حكم في ملكه علي الإنس والجن، لأنَّ سليمان عليه السلام لمَّا قال: (هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَِحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)(1)، ما قيل له: قد أجبنا سؤالك في أنَّنا لا نعطي أحداً من بعدك أكثر منه في سبب من الأسباب، إنَّما قال الله جل جلاله: (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ * وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَْصْفادِ)(2).

والمسلمون مجمعون علي أنَّ محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم سيّد المرسلين وخاتم النبيّين اُعطي من الفضل العظيم والمكان الجسيم ما لم يعط أحد من الأنبياء في الأزمان، ولا سليمان.

ومن البيان علي تفصيل منطق اللسان والبيان أنَّ المهدي عليه السلام يأتي في أواخر الزمان وقد تهدَّمت أركان أديان الأنبياء ودرست معالم مراسم الأوصياء

ص: 132


1- ص: 35.
2- ص: 36 - 38.

وطمست آثار أنوار الأولياء، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً وحكماً كما ملئت جوراً وجهلاً وظلماً. فبعث الله جل جلاله رسوله محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم ليجدّد سائر مراسم الأنبياء والمرسلين، ويحيي به معالم الصادقين من الأوّلين والآخرين، ولم يبلغ أحداً منهم صلوات الله عليهم وعليه إلي أنَّه قام أحد منهم بجميع أمرهم بعدد رؤوسه ويبلغ به ما يبلغ هو عليه السلام إليه.

وقد ذكره أبو نعيم الحافظ وغيره من رجال الحافظ وغيره من رجال المخالفين، وذكر ابن المنادي في كتاب الملاحم - وهو عندهم ثقة أمين -، وذكره أبو العلي الهمداني وله المقام المكين، وذكرت شيعته من آيات ظهوره وانتظام أموره عن سيّد المرسلين صلي الله عليه وآله وسلم ما لم يبلغ إليه أحد من العالمين.

وذلك من جملة آيات خاتم النبيّين وتصديق ما خصَّه الله جل جلاله(1)، أنَّه من فضله في قوله جل جلاله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ)(2).

أقول: فينبغي أن يكون تعظيم هذه الليلة لأجل ولادته عند المسلمين والمعترفين بحقوق إمامته علي قدر ما ذكره جدّه محمّد صلي الله عليه وآله وسلم وبشَّر به المسعودين من أمّته، كما لو كان المسلمون قد أظلمت عليهم أيّام حياتهم، وأشرفت عليهم جيوش أهل عداوتهم، وأحاطت بهم نحوس خطيئاتهم.

فأنشأ الله تعالي مولوداً يعتق رقابهم من رقّها، ويمكّن كلّ يد مغلولة من حقّها، ويعطي كلّ نفس ما تستحقّه من سبقها، ويبسط للخلائق في المشارق والمغارب بساطاً متساوي الأطراف مكمل الألطاف، مجمل الأوصاف، ويجلس9.

ص: 133


1- في (خ ل): (إليه).
2- التوبة: 33؛ الفتح: 28؛ الصف: 9.

الجميع عليه إجلاس الوالد الشفيق لأولاده العزيزين عليه، أو إجلاس الملك الرحيم الكريم لمن تحت يديه، ويريهم من مقدّمات آيات المسرّات وبشارات المبرات في دار السعادات الباقية ما يشهد حاضرها لغائبها، وتقود القلوب والأعناق إلي طاعة واهبها.

أقول: وليقم كلّ إنسان لله جل جلاله في هذه الليلة بقدر شكر ما منَّ الله عز وجل عليه بهذا السلطان وأنَّه جعله من رعاياه والمذكورين في ديوان جنده والمسمين بالأعوان علي تمهيد الإسلام والإيمان واستيصال الكفر والطغيان والعدوان، ومدّ سرادقات السعادات علي سائر الجهات من حيث تطلع شموس السماوات، وإلي حيث تغرب إلي أقصي الغايات والنهايات.

ويجعل من خدمته لله جل جلاله الذي لا يقوم الأجساد بمعانيها خدمة لرسوله صلي الله عليه وآله وسلم، الذي كان سبب هذه الولادة والسعادة وشرف رئاستها، وخدمة لآبائه الطاهرين الذين كانوا أصلاً لها وأعوانا علي إقامة حرمتها وخدمة له صلوات الله عليه وآله، كما يجب علي الرعيّة لمالك أزمّتها والقيّم لها باستقامتها وإدراك سعادتها. ولست أجد القوّة البشريّة قادرة علي القيام بهذه الحقوق المعظمة المرضيّة إلاَّ بقوّة من القدرة الربّانية، فليقم كلّ عبد مسعود من العباد بما يبلغ إليه ما أنعم به عليه الله جل جلاله من القوّة والاجتهاد.

فصل (51):

فيما نذكره من الدعاء والقسم علي الله جل جلاله بهذا المولود العظيم المكان ليلة النصف من الشعبان:

وهو: اللهم بحقّ ليلتنا هذه ومولودها، وحجَّتك وموعدها، التي قرنت إلي فضلها فضلاً، فتمَّت كلمتك صدقاً وعدلاً، لا مبدّل لكلماتك، ولا معقّب لآياتك،

ص: 134

نورك المتألّق، وضياؤك المشرق، والعلم النور في طخياء(1) الديجور، الغائب المستور، جلَّ مولده، وكرم محتده(2)، والملائكة شهده(3)، والله ناصره ومؤيّده إذا آن ميعاده، والملائكة أمداده، سيف الله الذي لا ينبو(4)، ونوره الذي لا يخبو(5)، وذو الحلم الذي لا يصبو(6)، مدار الدهر، ونواميس العصر، وولاة الأمر، والمنزل عليهم ما ينزل(7) في ليلة القدر، وأصحاب الحشر والنشر، وتراجمة وحيه، وولاة أمره ونهيه. اللهم فصلّ علي خاتمهم وقائمهم، المستور عن عوالمهم(8)، وأدرك بنا أيّامه وظهوره وقيامه، واجعلنا من أنصاره، وأقرن ثارنا بثاره، واكتبنا في أعوانه وخلصائه، وأحينا في دولته ناعمين، وبصحبته غانمين، وبحقّه قائمين، ومن السوء سالمين، يا أرحم الراحمين.

والحمد لله ربّ العالمين وصلّي الله علي محمّد خاتم النبيّين والمرسلين وعلي أهل بيته الصادقين وعترته الناطقين، والعن جميع الظالمين، واحكم بيننا وبينهم يا أحكم الحاكمين(9).

* * * .

ص: 135


1- طخياء: ليلة مظلمة.
2- المحتد: الأصل.
3- في (خ ل): (شهدائه).
4- بنو السيف عن الضريبة: كلّ وارد عنها ولم يقطع.
5- خبا النار: خمدت وسكنت وطفئت.
6- الصبوة: جهلة الفتوة.
7- في (خ ل): (المنزل عليهم الذكر وما ينزل).
8- في (خ ل): (عوامهلم).
9- رواه الطوسي في المصباح المتهجّد 2: 842 .

ص: 136

الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

اشارة

تأليف: رضي الدين أبي القاسم علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس العلوي الفاطمي المتوفي سنة 664 ه-

ص: 137

ص: 138

بشارة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بالمهدي عليه السلام

بشارة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بالمهدي عليه السلام(1):

(قال عبد المحمود)(2): قال لي الشيعي: واعلم أنَّنا روينا نحن وأكثر أهل الإسلام أيضاً أنَّ نبيّنا محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم قال: (لا بدَّ من مهدي من ولد فاطمة - ابنته عليها السلام - يظهر فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً).

وقد روي أيضاً جماعة من رجال الأربعة المذاهب في كتبهم وأجمع عليه أهل الإسلام.

فمن رواياتهم في ذلك ما رواه في الجمع بين الصحاح الستّة بإسنادهم إلي اُمّ سَلَمة قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة عليها السلام)(3).

وروي هذا الحديث بألفاظه ابن شيرويه الديلمي في (كتاب

ص: 139


1- الطرائف: 175 - 187.
2- أسمي المؤلّف رحمه الله نفسه في هذا الكتاب عبد المحمود بن داود، وافترض أنَّه رجل من أهل الذمّة يريد البحث في المذاهب الإسلاميّة بحرّية وتجرّد، وقيل: إنَّ السيّد سمّي نفسه بعبد المحمود بن داود تعمية وتقيّة عن الخلفاء الذين كان في بلادهم. ونقل عن خطّ الشهيد الثاني رحمه الله أنَّه قال: إنَّ التسمية بعبد المحمود لأنَّ كلّ العالم عباد الله المحمود، والنسبة إلي داود إشارة إلي داود بن الحسن المثني أخ الإمام الصادق عليه السلام في الرضاعة، وهو المقصود بالدعاء المشهور بدعاء اُمّ داود، وهو من جملة أجداد السيّد ابن طاووس. أنظر: ترجمة المؤلّف في المقدّمة التحقيقية لكتاب التعجّب للكراجكي: 19؛ وكذلك أعيان الشيعة 3: 190، و8 : 362.
3- رواه أبو داود في سننه 4: 151؛ وبحار الأنوار 51: 102.

الفردوس) في باب الألف واللام، ورواه أبو محمّد حسين بن مسعود الفرّاء في كتاب (المصابيح) في باب أخبار المهدي(1).

ومن ذلك من صحيح أبي داود بإسناده، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبقَ من الدهر إلاَّ يوم واحد لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(2).

ومن ذلك ما ذكره الثعلبي في تفسير قوله تعالي: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي)(3) بإسناده إلي أنس، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (نحن ولد عبد المطَّلب سادة أهل الجنّة)، ... وذكر نفسه الشريفة وخمسة سمّاهم من أهل بيته، ثمّ قال: (والمهدي عليه السلام)(4).

ومن ذلك ما ذكره الثعلبي أيضاً في تفسيره (حم * عسق)(5) بإسناده، قال: (السين سناء المهدي عليه السلام، والقاف قوّة عيسي عليه السلام حين ينزل فيقتل النصاري ويخرب البِيَعْ)(6).

ومن ذلك ما تقدَّم من رواية الثعلبي في تفسيره في قصَّة أصحاب الكهف، ورواه عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّ المهدي عليه السلام يسلّم عليهم، فيحييهمه.

ص: 140


1- راجع: بحار الأنوار 36: 370، و51: 105؛ ورواه البخاري في تاريخه 4: 406؛ وأبو داود في سننه 4: 151؛ والعمدة: 224؛ وراجع: الفصول المهمّة: 294 فإنَّه روي الحديثين عنهم.
2- المصدر السابق.
3- الشوري: 23.
4- بحار الأنوار 51: 103 عن الثعلبي؛ وابن بطريق في المستدرك 36: 369 علي ما في بحار الأنوار؛ وابن المغازلي في المناقب: 48.
5- الشوري: 1 و2.
6- بحار الأنوار 51: 105 عنه.

الله عز وجل، ثمّ يرجعون إلي رقدتهم، فلا يقومون إلي يوم القيامة(1).

ومن ذلك ما رواه أيضاً في الجمع بين الصحاح الستّة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (المهدي منّي، أجلي الجبهة، أقني الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويملك سبع سنين).

وفي رواية عن هشام: (تسع سنين).

وفي رواية الفرّاء في كتاب المصابيح مثل الحديث بهذه الألفاظ، إلاَّ أنَّه قال: (يملك تسع)(2).

ومن ذلك ما رواه في الجمع بين الصحاح الستّة، عن أبي إسحاق: قال علي عليه السلام ونظر إلي ابنه الحسين، وقال: (إنَّ ابني هذا سيّد كما سمّاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وسيخرج من صلبه رجل باسم نبيّكم يشبهه في الخُلق، ولا يشبهه في الخَلق، يملأ الأرض عدلاً)(3).

ومن ذلك ما رواه الفقيه ابن المغازلي في كتاب المناقب من عدّة طرق بأسانيدها إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم يتضمَّن البشارة بالمهدي عليه السلام وذكر فضائله ودولته(4).

ومن ذلك ما ذكره أبو محمّد ابن مسعود الفرّاء في كتاب المصابيح في حديث يرفعه إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه ذكر بلاء يصيب هذه الأمّة حتَّي لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعثع.

ص: 141


1- قد ذكره المصنّف في: (ص 83/ ح 116).
2- إحقاق الحقّ 13: 133 و140 عنه؛ وأبو داود في سننه 4: 152؛ والعمدة: 225.
3- العمدة: 225 عنه؛ وبحار الأنوار 51: 116.
4- غير موجود هذا الباب في المناقب المطبوع، ولعلَّ نسخة السيّد كانت أتمّ من هذا المطبوع.

الله رجلاً من عترتي أهل بيتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، يرضي عنه ملائكة السماء والأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلاَّ صبَّته مدراراً، ولا تدع(1) الأرض من نباتها شيئاً إلاَّ أخرجته، حتَّي يتمنّي الأحياء الأموات، يعيش في ذلك سبع سنين أو تسع سنين)(2).

ومن ذلك في كتاب المصابيح المقدَّم ذكره في قصَّة المهدي عليه السلام يرفعه إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (فيجيء الرجل فيقول: يا مهدي أعطني أعطني، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله)(3).

ومن ذلك في كتاب الفردوس لابن شيرويه الديلمي بإسناده إلي ابن عبّاس رضي الله عنه، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، قال: (المهدي طاووس أهل الجنّة)(4).

ومن ذلك في الكتاب المذكور بإسناده إلي حذيفة بن اليمان، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (المهدي من ولدي وجهه كالقمر الدرّي، واللون منه لون العربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضي بخلافته أهل السماوات والأرض والطير في الجوّ، ويملك عشرين سنة)(5).8.

ص: 142


1- في المصدر: (لا يدع)، وأثبتنا ما في المصادر الأخري ومنها الملاحم لابن طاووس، وهو الأصحّ.
2- بحار الأنوار 51: 104؛ وينابيع المودّة: 431؛ والصواعق المحرقة: 97.
3- بحار الأنوار 51: 104؛ وروي نحوه ابن صبّاغ في الفصول المهمّة: 297؛ والصواعق المحرقة: 99.
4- فصول المهمّة: 293 عنه؛ وبحار الأنوار 51: 105؛ وينابيع المودّة: 181.
5- فصول المهمّة: 294 عنه؛ وذخائر العقبي: 136؛ وينابيع المودّة: 188.

ومن ذلك في الكتاب المشار إليه بإسناده أيضاً إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (المهدي منّا أهل البيت يصلحه الله عز وجل في ليلة)(1).

(قال عبد المحمود بن داود): إنَّ هذه الأحاديث بعض ما أورده رجال الأربعة المذاهب وعلماء الإسلام.

وقد جمع الحافظ أبو نعيم كتاباً في ذلك نحو ستّ وعشرين ورقة من أربعين حديثاً، وسمّاه: (كتاب ذكر المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه)، وهذا من أعيان علماء الأربعة المذاهب، وقد كان بعض العلماء من الشيعة قد صنَّف كتاباً ووجدته ووقفت عليه وفيه أحاديث أحسن ممَّا أوردناه وسمّاه: (كتاب كشف المخفي في مناقب المهدي)(2)، وروي فيه مائة وعشرة أحاديث من طرق رجال الأربعة المذاهب، فتركت نقلها بأسانيدها وألفاظها كراهية التطويل، ولئلاَّ يملّ ناظرها، ولأنَّ بعض ما أوردنا يغني عن زيادة التفصيل لأهل الإنصاف والعقل الجميل، وسأذكر أسماء من روي المائة وعشرة أحاديث التي في (كتاب المخفي عن أخبار المهدي عليه السلام)، لتعلم مواضعها علي التحقيق وتزداد هداية أهل التوفيق:

فمنها من صحيح البخاري ثلاثة أحاديث، ومنها من صحيح مسلم أحد عشر حديثاً، ومنها من الجمع بين الصحيحين للحميدي حديثان، ومنها من الجمع بين الصحاح الستّة لرزين بن معاوية العبدري أحد عشر حديثاً، ومنها من كتاب فضائل الصحابة ممَّا أخرجه الشيخ الحافظ عبدب.

ص: 143


1- أحمد بن حنبل في مسنده 1: 84؛ وينابيع المودّة: 188.
2- وهو للشيخ يحيي بن الحسن بن بطريق صاحب (العمدة) و(المستدرك) وقد ذُكر ترجمته في أوائل الكتاب.

العزيز العكبري من مسند أحمد بن حنبل سبعة أحاديث، ومنها من تفسير الثعلبي خمسة أحاديث، ومنها من غريب الحديث لابن قتيبة الدينوري ستّة أحاديث، ومنها من كتاب الفردوس لابن شيرويه الديلمي أربعة أحاديث، ومن كتاب مسند سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام تأليف الحافظ أبي الحسن علي الدارقطني ستّة أحاديث، ومنها من كتاب الحافظ أيضاً من مسند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثلاثة أحاديث، ومن كتاب المبتدأ للكسائي حديثان يشتملان أيضاً علي ذكر المهدي عليه السلام وذكر خروج السفياني والدجّال، ومنها من كتاب المصابيح لأبي الحسين بن مسعود الفرّاء خمسة أحاديث، ومنها من كتاب الملاحم لأبي الحسن أحمد بن جعفر بن محمّد بن عبيد الله المناري أربعة وثلاثون حديثاً، ومنها من كتاب الحافظ محمّد بن عبد الله الحضرمي المعروف بابن مطيق ثلاثة أحاديث، ومنها من كتاب الرعاية لأمل الرواية لأبي الفتح محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم الفرغاني ثلاثة أحاديث، ومنها خبر سطيح رواية الحميدي أيضاً، ومنها من كتاب الاستيعاب لأبي عمر يوسف بن عبد البرّ النمري حديثان(1).

(قال عبد المحمود): ووقفت علي الجزء الثاني من كتاب السنن رواية محمّد بن يزيد ماجة قد كتب في زمان مؤلفه تاريخ كتابته وبعض الإجازات عليه ما هذا لفظها:

(بسم الله الرحمن الرحيم، أمَّا بعد، فقد أجزت ما في هذا الكتاب من أوّله إلي آخره، وهو آخر كتاب السنن لأبي عمرو محمّد بن سلمة

---------------------

(1) ومن أراد الوقوف علي أحاديث هؤلاء القوم، فعليه بكتاب إحقاق الحقّ (ج 13).

ص: 144

وجعفر والحسن ابني محمّد بن سلمة حفظهم الله، وهو سماعي من محمّد بن يزيد ماجة نفعنا الله وإيّاكم به، وكتب إبراهيم بن دينار بخطّه وذلك في شهر شعبان سنة ثلاثمائة، وقد عارضت به، وصلّي علي محمّد وسلَّم كثيراً).

وقد تضمَّن هذا الجزء المذكور الموصوف كثيراً من الملاحم، فمنها باب خروج المهدي، وروي في هذا الباب من هذه النسخة سبعة أحاديث بأسانيدها في خروج المهدي، وأنَّه من ولد فاطمة عليها السلام، وأنَّه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وذكر كشف الحالة وفضلها يرفعها إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم.

و(قال عبد المحمود): ووقفت أيضاً علي (كتاب المقتصّ علي محدّثي الأعوام لنبأ ملاحم غابر الأيّام) تلخيص أبي الحسين أحمد بن جعفر بن محمّد المناري، قد كتب في زمان مؤلّفه في آخر النسخة التي وقفت عليها ما هذا لفظه: (فكان الفراغ من تأليفه سنة ثلاثمائة وثلاثين)، وعلي الكتاب إجازات وتجويزات تاريخ بعض إجازاته في ذي قعدة سنة ثمانين وأربعمائة، من جملة هذا الكتاب ما هذا لفظه:

(سيأتي بعض المأثور في المهدي عليه السلام وسيرته)، ثمّ روي ثمانية عشر حديثاً بأسانيدها إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بتحقيق خروج المهدي عليه السلام وظهوره، وأنَّه من ولد فاطمة عليها السلام، وأنَّه يملأ الأرض عدلاً، وذكر كماله وسيرته وجلاله وولايته.

(قال عبد المحمود): وقد وقفت علي كتاب قد ألَّفه ورواه وحرَّره أبو نعيم الحافظ، واسمه أحمد بن أبي عبد الله بن أحمد، وهذا المؤلّف

ص: 145

من أعيان رجال الأربعة المذاهب وله تصانيف وروايات كثيرة، وقد سمّي أبو نعيم الكتاب المشار إليه: (كتاب ذكر المهدي، ونعوته، وحقيقة مخرجه، وثبوته)، ثمّ ذكر في صدر الكتاب تسعة وأربعين حديثاً، أسندها إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، يتضمَّن البشارة بالمهدي عليه السلام، وأنَّه من ولد فاطمة عليها السلام، وأنَّه يملأ الأرض عدلاً، وأنَّه لا بدَّ من ظهوره، ثمّ ذكر بعد ذلك حديثاً معني بعد معني، وروي في كلّ معني أحاديث بأسانيدها إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم.

فقال أبو نعيم بعد رواية التسعة والأربعين حديثاً مشاراً إليها في حقيقة ذكر المهدي ونعوته وخروجه وثبوته ما هذا لفظه: (وبخروجه يرفع عن الناس تظاهر الفتن وتلاطم المحن ويمحق الهرج).

وروي في صحَّة هذا المعني عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم اثنين وأربعين حديثاً بأسانيدها، ثمّ قال أبو نعيم أيضاً ما هذا لفظه: (إعلام النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّ المهدي سيّد من سادات أهل الجنّة)، وروي عن النبيّ في صحَّة هذا المعني ثلاثة أحاديث، ثمّ ذكر أبو نعيم أيضاً ما هذا لفظه: (ذكر جيشه وصورته وطول مدَّته وأيّامه)، وروي في صحَّة هذا المعني عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أحد عشر حديثاً، ثمّ ذكر ما هذا لفظه: (بالعدل وفي، وبالمال سخي، يحثوه حثواً ولا يعدّه عدّاً) وروي في صحَّة هذا المعني عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بإسناده تسعة أحاديث.

ثمّ ذكر أبو نعيم أيضاً ما هذا لفظه: (ذكر البيان عن الروايات الدالّة علي خروج المهدي وظهوره)، ثمّ روي عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في صحَّة هذا المعني أربعة أحاديث.

ثمّ ذكر ما هذا لفظه: (ذكر البيان في أنَّ توطئة أمر المهدي

ص: 146

وخلافته وجيشه من قبل المشرق)، فروي في هذا المعني وصحَّته عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم حديثين.

ثمّ ذكر أبو نعيم الحافظ أيضاً ما هذا لفظه: (ذكر بيان القرية التي يكون منها خروج المهدي)، وروي في صحَّة ذلك حديثين يرفعهما إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم.

ثمّ ذكر أبو نعيم أيضاً ما هذا لفظه: (ذكر بيان أنَّ من تكرمة الله لهذه الأمّة أنَّ عيسي بن مريم يصلّي خلف المهدي)، ثمّ روي في صحَّة هذا المعني ثمانية أحاديث عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم.

ثمّ ذكر أبو نعيم أيضاً ما هذا لفظه: (ذكر ما ينزل الله عز وجل من الخسف والنكال علي الجيش الذين يرومون الحرم تكرمة للمهدي)، ثمّ روي في صحَّة هذا المعني خمسة أحاديث عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بأسانيدها.

ثمّ ذكر أبو نعيم الحافظ ما هذا لفظه: (ذكر المهدي أنَّه من ولد الحسين، وذكر كنيته وموته حين يبعث)، وروي أبو نعيم في صحَّة هذا المعني تسعة أحاديث عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بأسانيدها.

ثمّ ذكر أبو نعيم أيضاً ما هذا لفظه: (ذكر فتح المهدي المدينة الرومية وردّ ما سبا ملكها من بني إسرائيل إلي بيت المقدس)، وروي في صحَّة هذا المعني عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم خمسة أحاديث بأسانيدها.

ثمّ ذكر أبو نعيم الحافظ ما هذا لفظه: (ما يكون في زمان المهدي من الخصب والأمن والعدل)، وفي صحَّة هذا المعني عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بإسناده سبعة أحاديث.

فجملة الأحاديث المذكورة في كتاب ذكر المهدي عليه السلام ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته المختصّة بهذا المعني المقدَّم ذكرها مائة وستّة

ص: 147

وخمسون حديثاً، وأمَّا طرق هذه الأحاديث فهي كثيرة تركت ذكرها في هذا الكتاب كراهية الإكثار والإطناب.

(قال عبد المحمود): قال الشيعي: وأمَّا الذي ورد من طريق الشيعة وأهل البيت عليهم السلام في ذلك مجملاً ومفصّلاً لا يسعه إلاَّ مجلّدات، وقد تضمَّن كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) تأليف أبي جعفر محمّد بن بابويه القمي رحمه الله طرفاً جيّداً من الروايات، فمن أراد سلامة نفسه من الهلاك فلينظر أيضاً ما هناك.

قال: ونقل إلينا سلفنا نقلاً متواتراً أنَّ المهدي عليه السلام المشار إليه ولد ولادة مستورة، لأنَّ حديث تملّكه ودولته وظهوره علي كافّة الممالك والعباد والبلاد كان قد ظهر للناس، فخيف عليه كما جرت الحال في ولادة إبراهيم وموسي عليهما السلام وغيرهما ممَّن اقتضت المصلحة ستر ولادته، وأنَّ الشيعة عرفت ذلك لاختصاصها بآبائه عليهم السلام وتلزّمها بمحمّد نبيّهم وعترته، فإنَّ كلّ من تلزَّم بقوم كان أعرف بأحوالهم وأسرارهم من الأجانب، كما أنَّ أصحاب الشافعي أعرف (به من)(1) أصحاب غيره من رؤساء الأربعة المذاهب.

قال الشيعي: وقد كان المهدي عليه السلام ظهر لجماعة كثيرة من أصحاب والده العسكري ونقلوا عنه أخباراً وأحكاماً شرعيّة وأسباباً مرضيّة، وكان له وكلاء ظاهرون في غيبته معروفون بأسمائهم وأنسابهم وأوطانهم، يخبرون عنه بالمعجزات والكرامات وجواب أمور المشكلات بكثير ممَّا ينقله عن آبائه عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن الله تعاليق.

ص: 148


1- ما بين المعقوفتين أثبتناه لاقتضاء السياق.

من الغائبات، منهم: عثمان بن سعيد العمري المدفون بقطقطان من الجانب الغربي ببغداد، ومنهم: ولده أبو جعفر بن عثمان بن سعيد العمري، ومنهم: أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي، ومنهم: علي بن محمّد السمري رضوان الله عليهم.

وقد ذكر نصر بن علي الجهضمي في (تاريخ أهل البيت)(1) وقد تقدَّم ذكره قبل هذا الموضع(2) برواية رجال الأربعة المذاهب حال هؤلاء الوكلاء وأسمائهم، وأنَّهم كانوا وكلاء المهدي عليه السلام، وأمرهم أشهر من أن يحتاج إلي الإطالة في هذا الكتاب، وكان هؤلاء الوكلاء من أعيان الصالحين وخيار المسلمين، وكان كلَّما قرب وفاة أحد منهم عيَّن المهدي عليه السلام علي من يقوم مقامه آيات وكرامات شاهدة بتصديق ذلك، ورواياتهم منقولة، وأنسابهم وسيرتهم وقبورهم معلومة، ولو خالط هؤلاء الأربعة المذاهب علماء الشيعة واطَّلعوا علي كتبهم ورواياتهم في المعني علموا صحَّة ما قلنا ضرورةً وتواتراً.

ولمَّا بلغ الأمر إلي علي بن محمّد السمري ذكر أنَّ المهدي عليه السلام قد عرَّفه أن ينتقل إلي الله وكشف له عن يوم وفاته، وأنَّه قد تقدَّم إليه أن لا يوكل أحداً غيره، وأن قد جاءت الغيبة التامّة التي يمتحن فيها المؤمنون، وهذه سُنّة من الله تعالي قد كان أمثالها في عباده وبلاده يشهد بها التواريخ وأخبار الأنبياء، وقال سبحانه في كتابه: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ5.

ص: 149


1- تاريخ أهل البيت عليهم السلام: 150.
2- أنظر: إقبال الأعمال: 175.

الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ)(1). فتوفّي علي (بن) محمّد السمري رضي الله عنه في الوقت الذي أشار إليه.

ولقد لقي المهدي عليه السلام خلق كثير بعد ذلك من شيعته وغيرهم، وظهر لهم علي يده من الدلائل ما ثبت عندهم وعند من أخبروه أنَّه هو عليه وعلي آبائه السلام، ونقلوا عنه أخباراً متظاهرة وإذ كان عليه السلام غير ظاهر الآن لجميع شيعته، فلا يمتنع أن يكون جماعة منهم يلقونه وينتفعون بمقاله وفعاله ويكتمونه كما جري الأمر في جماعة من الأنبياء والأوصياء والملوك، حيث غابوا عن كثير من الأمّة لمصالح دينية أو دنيوية أوجبت ذلك.

وأمَّا من يشكّ في هذا من مخالفينا ويقولون: إنَّه ما ولد، فلو خالطونا وسمعوا أخبارنا الصحيحة عن الثقات تحقَّقوا ما نقلناه.

وأمَّا استبعاد من استبعد منهم ذلك لطول عمره الشريف، فما يمنع من ذلك إلاَّ جاهل بالله وبقدرته وبإخبار نبيّنا وعترته، أو عارف ويعاند بالجحود كما حكي الله تعالي عن قوم فقال: (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا)(2). فكيف يستبعد بطول الأعمار وقد تواتر كثير من الأخبار بطول عمر جماعة من الأنبياء وغيرهم من المعمّرين، وهذا الخضر عليه السلام باقٍ علي طول السنين وهو عبد صالح من بني آدم ليس بنبيّ ولا حافظ شريعة ولا بلطف في بقاء التكليف، فكيف يستبعد طول حياة المهدي عليه السلام وهو حافظ شريعة جدّه محمّد صلي الله عليه وآله وسلم ولطف في بقاء التكليف وحجّة في أحد الثقلين اللذين قال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فيهما: (أنَّهما لن4.

ص: 150


1- العنكبوت: 1 - 3.
2- النمل: 14.

يفترقا حتَّي يردا عليَّ الحوض)، والمنفعة ببقائه في حال ظهوره وخفائه أعظم من المنفعة بالخضر.

وكيف يستبعد طول عمره الشريف من يصدّق بالقرآن وقد تضمَّن قصَّة أصحاب الكهف أعجب من هذا؛ لأنَّه مضي لهم علي ما تضمَّنه القرآن ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، وهم أحياء كالنيام، يقلّبهم الله ذات اليمين وذات الشمال لئلاَّ تبلي جنوبهم بالأرض، فهؤلاء محتاجون الطعام والشراب قد بقوا هذه المدّة بنصّ القرآن بغير طعام ولا شراب ممَّا يأكل الناس، وبمقتضي ما تقدَّم من الخبر السالف عن ذكر قصَّة أصحاب الكهف إلي زمن محمّد نبيّهم صلي الله عليه وآله وسلم، حيث بعث الصحابة علي البساط ليسلّموا عليهم، ويبقون - كما رواه الثعلبي فيما سلف عنها(1) إلي زمن المهدي عليه السلام علي الصفة التي تضمَّنها القرآن والحياة بغير طعام ولا شراب، فأيّما أعجب: هؤلاء، أو بقاء المهدي عليه السلام وهو يأكل ويشرب وله مواد يصحّ معها استمرار البقاء؟ فكيف استبعدت حياته نفوس السفهاء وعقول الجهلاء؟

(قال عبد المحمود): رأيت تصنيفاً لأبي حاتم سهل بن محمّد السجستاني من أعيان الأربعة المذاهب سمّاه (كتاب المعمّرين) وذكرهم بأسمائهم.

وبعد هذا فليس علي أحد من الملوك والخلفاء وغيرهم من الأتباع والأقوياء والضعفاء ضرراً في اعتقادنا، هذا لأنَّ المسلمين كافّة0.

ص: 151


1- أنظر نصّ ما رواه ابن طاووس في الطرائف: 83 ، عن الثعلبي؛ ورواه أيضاً ابن المغازلي في المناقب: 232/ ح 280.

متّفقون علي البشارة بالمهدي عليه السلام، وإنَّما خالفونا في وقت ولادته وتعيين أبيه، ولأنَّنا نعتقد أنَّ المهدي عليه السلام إذا أراد الله ظهوره نادي منادٍ من السماء باسمه ووجوب طاعته، وحدث من الآيات ما يدلُّ علي فرض متابعته.

فممَّن روي أنَّ الملك المنادي من السماء ينادي باسم المهدي عليه السلام: أحمد بن المناوي في كتاب الملاحم، وأبو نعيم الحافظ في كتاب أخبار المهدي، وابن شيرويه الديلمي في كتاب الفردوس، وأبو العلاء الحافظ في كتاب الفتن، وابن التميمي في كتاب الفتن أيضاً، وهؤلاء كلّهم من أعيان رجال الأربعة المذاهب.

وأمَّا رواية الشيعة بالملك الذي ينادي فهي كثيرة يضيق الكتاب عن ذكر مواضعها وعن تسمية رواتها، وهذه معجزات إذا وقعت كما قلنا فما يمكن دفعها، وربَّما لا يخالف أحد في العمل بها ممَّن يكون عارفاً بها وموافقاً لها.

ولقد قيل عنّا كلام لبعض الخلفاء من بني هاشم يحملونه علي أذيّتنا، فقال: والله ما علينا من هؤلاء الشيعة ضرر، لأنَّ مذهبهم يقتضي تعظيم بني هاشم كافّة لما يرونه ويعملون به من وصايا النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لهم، ولأنَّ الإمام الذي يشيرون إليه الآن هو المهدي لا يخالف أحد من المسلمين في البشارة به وفي إمامته وظهوره ودولته، وإنَّما الخلاف في وقت ولادته، ولا يجيزون القدح في دولته وولايته، فاتَّفق كافّة أهل الإسلام علي البشارة بإمامته، ولا سلّ سيف قبل ظهوره، لأنَّ هؤلاء الشيعة يذكرون أنَّه ينادي منادٍ باسمه من السماء، وأنَّه من ولد علي وفاطمة عليهما السلام كما روي كافّة المسلمين، وإذا كان فما يمكن جحوده

ص: 152

وهو ابن عمّنا والدولة أيضاً يكون لنا ونحن أحقّ بنصره، وما يري الشيعة في هذا الاعتقاد إلاَّ علي حكم الوفاء لنا، وإنَّما أعداؤنا الذين يذكرون ويعتقدون أنَّه يجوز اختيار الأئمّة والخلفاء في كلّ وقت ومن أيّ القبائل كان، كما فعلوا أوّلاً في إبعادنا (عن)(1) خلافتنا وميراث نبيّنا صلي الله عليه وآله وسلم، فهؤلاء الذين يعتقدون ذلك هم أعداؤنا وأعداء ربّنا ونبيّنا وأعداء وليّنا، ولا نأمن ضررهم، ولا يجوز رفع شأنهم.

* * *ق.

ص: 153


1- إضافة لاقتضاء السياق.

ص: 154

فرج المهموم في تأريخ علماء النّجوم

اشارة

تأليف: رضي الدين أبي القاسم علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس العلوي الفاطمي المتوفي سنة 664 ه-

ص: 155

ص: 156

فصل: (دلائة النجوم علي ولادة الإمام):

فصل: (دلائة النجوم علي ولادة الإمام):(1)

فيما نذكره من دلالة النجوم علي مولانا المهدي بن الحسن العسكري صلوات الله عليهما ذكرها بعض أصحابنا في كتاب الأوصياء، وهو كتاب معتمد عند الأولياء وجدته في أصل عتيق لعلَّه كتب في زمان مصنّفه وقد (د؟؟)(2) تاريخه، فيه دلالات الأئمّة وولادة المهدي صلوات الله عليهم رواه الحسن بن جعفر الصيمري، ومؤلّفه علي بن محمّد بن زياد الصيمري وكانت له مكاتبات إلي الهادي والعسكري وجوابهما إليه وهو ثقة معتمد عليه، فقال ما هذا لفظه: حدَّثني أبو جعفر القمي ابن أخي أحمد بن إسحاق بن مصقلة، أنَّه كان بقم منجّم يهودي موصوفاً بالحذق في الحساب، فأحضره أحمد بن إسحاق وقال له: قد ولد مولود في وقت كذا وكذا فخذ الطالع واعمل له ميلاداً.

فأخذ الطالع ونظر فيه وعمل عملاً له، فقال لأحمد: لست أري النجوم تدلّني علي شيء لك من هذا المولود بوجه الحساب، إنَّ هذا المولود ليس لك، ولا يكون مثل هذا المولود إلاَّ لنبيّ أو وصيّ نبيّ، وإنَّ النظر فيه يدلّني علي أنَّه يملك الدنيا شرقاً وغرباً وبرّاً وبحراً وسهلاً وجبلاً حتَّي لا يبقي علي وجه الأرض أحد إلاَّ دان له وقال بولايته.

يقول علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن محمّد الطاووس:

ص: 157


1- فرج المهموم: 36.
2- كذا في المطبوع، ولعلَّه: (وقد دوّن).

وهذا من آيات الله الباهرة وحججه علي من عرفه بالعين الباصرة، فإنَّ أحمد بن إسحاق ستر المولود علي المنجّم المذكور، فدلَّه الله جل جلاله بدلالة النجوم علي ما جعل فيه من السرّ المستور، وقد كنت أشرت إلي قدامة بن الأحنف البصري المنجّم ليحقّق طالع ولادة المهدي صلوات الله عليه، ولم أكن وقفت علي هذا الحديث المشار إليه، فذكر أنَّه حقَّق طالعه وأحضر زايجته(1) وكما سبقنا راوي هذا الحديث إليه، فصار ذلك إجماعاً منهما عليه.

فصل: (كرامات الإمام المهدي عليه السلام):

ومن ذلك في دلائل المهدي عليه السلام ما رويناه بإسنادنا إلي الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب (الخرائج والجرائح)(2)، عن الكليني، قال: حدَّثنا الأعلم المصري وكان أحد الصالحين، قال: خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمّد عليه السلام وقلت في نفسي: لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين، فسمعت صوتاً ولم أرَ شخصاً يقول: (يا نصر بن عبد ربّه، قل لأهل مصر: هل رأيتم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فآمنتم به؟).

قال أبو الرجاء: لم أعلم أنَّ اسم أبي عبد ربّه، وذلك أنّي ولدت بالمدائن، فحملني أبو عبد الله النوفلي إلي مصر فنشأت بها، فلمَّا سمعت الصوت لم أعول علي شيء وخرجت.

ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلي الشيخ أبي جعفر محمّد بن جرير

ص: 158


1- الزيج: كتاب يحسب فيه سير الكواكب سنة سنة وتستخرج التقويمات، وهو بالفارسية: زه، أي الوتر، ثمّ عرّب فقيل: زيج، وجمعوه علي زيجة كقردة. (تاج العروس 3: 396).
2- أنظر: الخرائج والجرائح 2: 698/ ح 16.

الطبري(1) بإسناد يرفعه إلي أحمد الدينوري الملقَّب بأستار، قال: انصرفت من أردبيل إلي الدينور أريد الحجّ، وذلك بعد مضي أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام بسنة أو سنتين، وكان الناس في حيرة، فاستبشر أهل الدينور بموافاتي، واجتمع الشيعة عندي وقالوا: اجتمع عندنا ستّة عشر ألف دينار من مال الموالي، ونحن نحتاج أن تحملها معك وتسلّمها لمن يجب تسليمها إليه.

فقلت: يا قوم هذه أيّام حيرة، ولا يُدري الباب في هذا الوقت.

فقالوا: إنّا اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك، فاعمل علي أن لا تخرجه من يدك إلاَّ بحجّة.

فحملوا إليَّ ذلك المال وخرجت، فلمَّا وافيت قرمسين كان أحمد ابن الحسن بن الحسن مقيماً بها، فانصرفت إليه مسلّماً، فلمَّا رأني استبشر ثمّ أعطاني ألف دينار في كيس وتخوت ثياب ألوان معكمة لم أعرف ما فيها، ثمّ قال: احمل هذا معك ولا تخرجه من يدك إلاَّ بحجّة.

فقبضت المال والتخوت بما فيها من الثياب، فلمَّا وردت بغداد لم تكن لي همّة غير البحث عمَّن أشير إليه بالنيابة، فقيل: إنَّ ههنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدّعي بالنيابة، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدّعي أيضاً بالنيابة، وآخر يُدعي بأبي جعفر العمري يدّعي أيضاً بالنيابة.

فبدأت بالباقطاني، وصرت إليه فوجدته شيخاً مهيباً له مروّة ظاهرة وفرس عربي وغلمان كثير، وتجتمع إليه الناس فيتناظرون، فدخلت إليه وسلَّمت عليه، فرحَّب وقرَّب وسرَّ وبرَّ، فأطلت القعود إلي أن خرج أكثر).

ص: 159


1- أنظر: دلائل الإمامة: 519/ ح (493/97).

الناس، فسألني عن إربتي، فعرَّفته أنّي رجل من الدينور وافيت ومعي شيء من المال أحتاج إلي أن أسلّمه.

فقال: احمله.

فقلت: اُريد حجّة.

قال: تعود إليَّ في غد.

فعدت إليه من الغد فلم يأتِ بحجّة، وعدت في اليوم الثالث فلم يأتِ، فصرت إلي إسحاق الأحمر فوجدته شابّاً نظيفاً منزله أكبر من منزل الباقطاني وفرسه ولباسه ومروَّته أسري(1) وغلمانه أكثر، ويجتمع عنده أكثر ممَّا يجتمع عند الباقطاني، فدخلت وسلَّمت فرحَّب وقرَّب، فصبرت إلي أن خفَّ الناس، فسألني عن حاجتي، فقلت له كما قلت للباقطاني، ووعدني بالحجّة، فعدت إليه ثمانية أيّام فلم يأتِ بحجّة.

فصرت إلي أبي جعفر العمري فوجدته شيخاً متواضعاً عليه منطقة بيضاء قاعد علي لبد في بيت صغير ليس له غلمان ولا له من المروّة والفرش ما وجدته لغيره، فسلَّمت فردَّ السلام وأدناني وبسط منّي، ثمّ سألني عن حاجتي، فعرَّفته أنّي وافيت من الجبل وحملت مالاً.

فقال: إن أحببت أن يصل هذا الشيء إلي من يجب أن يصل إليه تخرج إلي سُرَّ من رأي وتسأل عن فلان بن فلان الوكيل، وكانت دار ابن الرضا عليه السلام عامرة، فإنَّك تجد هناك ما تريد.

فخرجت إلي سُرَّ من رأي وصرت إلي دار ابن الرضا عليه السلام،).

ص: 160


1- الأسر في كلام العرب: شدّة الخلق، يقال: فلان شديد أسر الخلق، إذا كان شديد الخلق غير مسترخ، وفي التنزيل: (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) (الإنسان: 28)، أي خلقهم، ... ومن المجاز: شدَّ الله أسره، أي قوّي إحكام خلقه. (تاج العروس 6: 22).

وسألت عن الوكيل فذكر البوّاب أنَّه مشتغل بالدار، وأنَّه يخرج آنفاً، فقعدت علي الباب أنتظر خروجه، فخرج بعد ساعة، فقمت وسلَّمت عليه، فأخذ بيدي إلي بيت كان له، وسألني عن حالي وما وردت له فعرَّفته أنّي حملت شيئاً من المال من ناحية الجبل وأحتاج أن أسلّم بحجّة.

فقال: نعم.

ثمّ قدَّم إليَّ طعاماً، وقال: تغدَّ بهذا واسترح فإنَّك تعب، وبيننا وبين الصلاة الأولي ساعة فإنّي أحمل إليك ما تريد.

فأكلت ونمت، فلمَّا كان وقت الصلاة قمت وصلَّيت، وذهبت إلي المشرعة فاغتسلت وزرت وانصرفت إلي بيت الرجل، ومكثت إلي أن مضي من الليل ربعه، فجائني ومعه درج فيه:

(بسم الله الرحمن الرحيم، وافي محمّد بن أحمد الدينوري وقد حمل ستّة عشر ألف دينار في كذا وكذا صرّة، فيها صرّة فلان بن فلان، وفيها كذا وكذا دينار، وصرّة فلان بن فلان، وفيها كذا وكذا دينار...)، إلي أن عدَّد الصرر كلّها، (وفيها صرّة فلان ابن فلان الزراع ستّة عشر ديناراً).

قال: فوسوس لي الشيطان وقلت في نفسي: إنَّ سيّدي أعلم بهذا منّي.

فما زلت أقرأ ذكر صرّة صرّة وذكر صاحبها عليها حتَّي أتي علي آخر صرّة، وذكر بعد ذلك: (وقد حمل من قرمسين من أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصرّاف كيساً فيه ألف دينار وكذا وكذا تختاً من الثياب ثوب لونه كذا وثوب لونه كذا...)، حتَّي وصف ألوان الثياب ونسبها إلي أصحابها عن آخرها.

ص: 161

قال: فحمدت الله وشكرته علي ما منَّ به عليَّ ممَّا أزال الشكّ عن قلبي، ثمّ أمرني بتسليم جميع ما حملت إلي حيث يأمرك أبو جعفر العمري.

قال: فانصرفت إلي بغداد وصرت إلي أبي جعفر العمري، وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيّام، فلمَّا بصر بي أبو جعفر قال لي: ألم تخرج؟

قلت: يا سيّدي بلي، وانصرفت من سُرَّ من رأي، فأنا أحدّث أبا جعفر إذ وردت رقعة إليه من صاحب الأمر عليه السلام ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي فيه ذكر المال والثياب، وأمره أن يسلّم جميع ذلك إلي أبي جعفر محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان القمي.

فلبس أبو جعفر ثيابه وقال لي: احمل ما معك إلي منزل محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان.

فحملت المال والثياب إلي منزل القطّان وسلَّمتها إليه وخرجت إلي الحجّ، فلمَّا رجعت إلي الدينور اجتمع عندي الناس، فأخرجت الدرج الذي أعطانيه وكيل مولانا صلوات الله عليه وقرأته علي القوم، فلمَّا سمع ذكر الصرّة باسم الزراع صاحبها سقط مغشياً عليه، وما زلنا نعلّله حتَّي أفاق، ولمَّا أفاق سجد شكراً لله عز وجل، وقال: الحمد لله الذي منَّ علينا بالهداية، الآن علمت أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة، هذه الصرّة دفعها إليَّ هذا الزراع ولم يقف علي ذلك إلاَّ الله عز وجل، قال: وخرجت بعد ذلك فلقيت أبا الحسن المادرائي وعرَّفته الخبر وقرأت عليه الدرج، فقال: يا سبحان الله، مهما شككت في شيء فلا تشكّ أنَّ الله لا يخلي أرضه من حجّة، اعلم أنَّه لما غزا إذكوتكين يزيد بن عبد الله بشهرزور(1)، وظفر ببلاده واحتوي علي خزائنه صار إليَّ رجل، وذكر أنَّ يزيد بن عبد الله جعل الفرس).

ص: 162


1- في بعض المصادر: (بسهرورد).

الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا، فجعلت أنقل خزائن يزيد إلي إذكوتكين أوّلاً فأوّلاً وكنت أدافع عن الفرس والسيف إلي أن لم يبقَ شيء غيرهما، وكنت أرجو أن أخلص ذلك لمولانا عليه السلام، فلمَّا اشتدَّت مطالبة إذكوتكين إيّاي ولم يمكنني مدافعته جعلت في السيف والفرس علي نفسي ألف دينار ورتَّبتها ودفعتها إلي الخازن وقلت له: ادفع هذه الدنانير في أوثق مكان، ولا تخرجنَّ إليَّ في حال من الأحوال شيئاً منها، ولو اشتدَّت الحاجة إليها، وسلَّمت الفرس والسيف، فأنا قاعد في مجلسي الذي أبرم فيه الأمور، وأوفي القصص وآمر وأنهي إذ دخل أبو الحسن الأسدي، وكان يتعاهدني في الوقت بعد الوقت، وكنت أقضي حوائجه، فلمَّا طال جلوسه وعليَّ بؤس كثير قلت له: ما حاجتك؟ قال: أحتاج منك إلي خلوة، فأمرت الخازن أن يهيّئ لنا مكاناً، فدخلنا الخزانة، فأخرج لي رقعة صغيرة من مولانا صلوات الله عليه فيها: (يا أحمد بن الحسن الألف دينار التي عندك ثمن الفرس والسيف سلّمها إلي أبي الحسن الأسدي)، فخررت لله ساجداً لما منَّ به عليَّ من معرفة حجّة الله حقّاً، لأنَّه لم يكن وقف علي هذا أحد غيري، فأضفت إلي ذلك المال ثلاثة الآف دينار أخري سروراً بما منَّ الله به عليَّ من معرفة هذا الأمر.

ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلي الشيخ أبي جعفر الطبري أيضاً من كتابه(1)، قال: كتب علي بن محمّد السمري يسأل الصاحب عليه السلام كفناً يتبيَّن ما يكون من عنده، فورد الجواب: (إنَّك تحتاجه سنة إحدي وثمانين)، فمات في الوقت الذي حدّه عليه السلام، وبعث إليه الكفن قبل موته بشهر.

---------------------

(1) دلائل الإمامة: 524/ ح (494/98).

ص: 163

ومن الكتاب(1) أيضاً ما لفظه: قال القاسم بن العلا: كتبت إلي صاحب الأمر عليه السلام كتاباً في حوائج وأعلمته أنّي رجل كبر سنّي ولا ولد لي، فأجابني عن الحوائج ولم يجيبني عن الولد بشيء، فكتبت إليه في الرابعة أسأله أن يدعو الله لي أن يرزقني الله ولداً، فأجابني بحوائجي وكتب: (اللهم ارزقه ولداً ذكراً تقرّ به عينه، واجعله هذا الحمل الذي أردت). فورد الكتاب وأنا لا أعلم أنَّ لي حملاً، فدخلت علي جاريتي وسألتها عن ذلك، فأخبرتني أنَّ علّتها قد ارتفعت، وأنَّها حامل، فولدت غلاماً.

وهذان الحديثان رويتهما عن الطبري والحميري.

ومن ذلك ما رويناه عن الشيخ أبي جعفر الطبري(2) والشيخ أبي العبّاس الحميري بإسنادنا إليهما، قالا: حدَّثنا أبو جعفر، قال: ولد لي مولود فكتبت أستاذن في تطهيره يوم السابع، فورد الجواب: (لا)، فمات المولود، في اليوم السابع، ثمّ كتبت إليه أخبره بموته، فكتب في الجواب: (يخلف الله عليك غيره وغيره، فسمّ أحمد ومن بعد أحمد جعفراً)، فجاءا كما قال صلوات الله عليه.

ومن الكتاب المذكور(3) ما رويناه بإسنادنا إلي الشيخ أبي جعفر الطبري، قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثني أبو حامد المراغي، عن محمّد بن شاذان بن نعيم، قال: قال لي رجل من أهل بلخ:8.

ص: 164


1- دلائل الإمامة: 524/ ح (496/100).
2- دلائل الإمامة: 527/ ح (503/106).
3- دلائل الإمامة: 528.

تزوَّجت امرأة سرّاً، فلمَّا وطأتها علقت وجاءت بابنة فاستأت(1) وضاق صدري، فكتبت أشكو ذلك، فورد الجواب: (ستكفاها)، فعاشت أربع سنين فماتت، فوردني منه عليه السلام: (الله ذو أناة وأنتم تستعجلون).

ومن الكتاب المذكور(2) ما رويناه بإسنادنا إلي الشيخ أبي جعفر الطبري، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن هارون بن موسي التلعكبري، قال: حدَّثني أبو الحسين ابن أبي البغل الكاتب، قال: تقلَّدت عملاً من أبي منصور الصالحان، وجري بيني وبينه ما أوجب استتاري عنه، فطلبني وأخافني، فمكثت مستتراً خائفاً، ثمّ قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة، وكانت ليلة ريح ومطر، فسألت أبا جعفر القيّم يقفل الأبواب وأن يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة، خوفاً من دخول إنسان لم آمنه وأخاف من لقائه، ففعل وقفل الأبواب، وانتصف الليل فورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع، فمكثت أدعو وأزور وأصلّي، فبينا أنا كذلك إذ سمعت وطئاةً عند مولانا موسي عليه السلام، وإذا هو رجل يزور، فسلَّم علي آدم وعلي أولي العزم ثمّ علي الأئمّة واحداً واحداً، إلي أن انتهي إلي صاحب الزمان فلم يذكره، فعجبت من ذلك، وقلت في نفسي: لعلَّه نسي، أو لم يعرف، أو هذا مذهب لهذا الرجل، فلمَّا فرغ من زيارته صلّي ركعتين وأقبل إلي مولانا أبي جعفر عليه السلام فزار مثل تلك الزيارة وسلَّم ذلك السلام وصلّي ركعتين وأنا خائف منه، إذ لم أعرفه، (ورأيته)(3) شابّاًر.

ص: 165


1- في المصدر: (فاغتممت).
2- دلائل الإمامة: 551/ ح (525/129).
3- ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

من الرجال عليه ثياب بيض وعمامة محنَّك بها، وله ذوابة ورداء علي كتفه، فالتفت إليَّ وقال: (يا أبا الحسين ابن أبي البغل، أين أنت عن دعاء الفرج؟)، قلت: فما هو يا سيّدي؟ قال: (تصلّي ركعتين وتقول:

يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يؤاخذ بالجريرة، ولم يهتك الستر، يا عظيم المنّ، يا كريم الصفح، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا منتهي كلّ نجوي وغاية كلّ شكوي، يا عون كلّ مستعين، يا مبتدأ بالنعم قبل استحقاقها، يا ربّاه (عشر مرّات)، يا منتهي غاية رغبتاه (عشر مرّات)، أسألك بحقّ هذه الأسماء، وبحقّ محمّد وآله الطاهرين إلاَّ ما كشفت كربي، ونفَّست همّي، وفرَّجت غمّي، وأصلحت حالي.

وتدعو بعد ذلك ما شئت وتسأل حاجتك، ثمّ تضع خدّك الأيمن علي الأرض وتقول مائة مرّة في سجودك:

يا محمّد يا علي، اكفياني فإنَّكما كافياي، وانصراني فإنَّكما ناصراي.

ثمّ تضع خدّك الأيسر علي الأرض وتقول: أدركني يا صاحب الزمان، وتكرّر ذلك كثيراً، وتقول: الغوث الغوث الغوث، حتَّي ينقطع النفس، وترفع رأسك، فإنَّ الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله).

فلمَّا شُغلت بالصلاة والدعاء خرج، فلمَّا فرغت خرجت إلي أبي جعفر لأساله عن الرجل وكيف دخل، فرأيت الأبواب علي حالها مقفلة، فعجبت من ذلك، وقلت: لعلَّ باباً هنا آخر لم أعلمه. وانتهيت إلي أبي جعفر القيّم، فخرج إليَّ من باب الزيت، فسألته عن الرجل ودخوله، فقال: الأبواب مقفلة كما تري ما فتحتها.

ص: 166

فحدَّثته الحديث، فقال: هذا مولانا صاحب الزمان، وقد شاهدته دفعات في مثل هذه الليلة عند خلوتها من الناس.

فتأسفت علي ما فاتني منه، وخرجت عند قرب الفجر وقصدت الكرخ إلي الموضع الذي كنت مستتراً فيه، فما أضحي النهار إلاَّ وأصحاب ابن أبي الصالحان يلتمسون لقائي ويسألوا عنّي أصحابي وأصدقائي، ومعهم أمان من الوزير ورقعة بخطّه فيها كلّ جميل، فحضرت مع ثقة من أصدقائي، فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده، وقال: انتهت بك الحال إلي أن تشكوني إلي صاحب الزمان صلوات الله عليه، فإنّي رأيته في النوم البارحة - يعني ليلة الجمعة - وهو يأمرني بكلّ جميل، ويجفو عليَّ في ذلك جفوة خفتها، فقلت: لا إله إلاَّ الله، أشهد أنَّهم الحقّ ومنتهي الحقّ، رأيت البارحة مولانا في اليقظة، وقال لي كذا وكذا، وشرحت ما رأيته في المشهد، فعجب من ذلك، وجرت منه أمور عظام حسان في هذا المعني، وبلغت منه غاية لم أظنّها، وذلك ببركة مولانا صلوات الله عليه.

فصل: (دعاء الإمام عليه السلام لجنين):

فصل: (دعاء الإمام عليه السلام لجنين):(1)

وممَّا روينا بإسنادنا إلي الشيخ أبي العبّاس عبد الله بن جعفر الحميري في الجزء الثاني من كتاب (الدلائل) قال: وكتب رجل من (ربض حميد)(2) يسأله الدعاء في حمل له، فورد عليه الدعاء في الحمل قبل الأربعة أشهر وأنَّها ستلد ابناً، فكان الأمر كما قال صلوات الله عليه.

ص: 167


1- فرج المهموم: 247.
2- اسم موضع ببغداد، وكان حميد أحد النقباء في دولة بني العبّاس. (معجم البلدان 3: 25).

فصل: (سؤال السمري كفناً):

فصل: (سؤال السمري كفناً):(1)

ومن الكتاب المذكور قال الحسن بن علي بن إبراهيم السياري: كتب علي بن محمّد السمري يسأل الصاحب عليه السلام كفناً، فورد عليه: (إنَّك تموت في إحدي وثمانين)، فمات في تلك السنة، وبعث إليه بالكفن قبل موته بشهرين.

فصل: (قصَّة رشيق المادراني):

فصل: (قصَّة رشيق المادراني):(2)

وممَّا روينا بإسنادنا إلي الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في الجزء الأوّل من كتاب (الخرائج والجرائح)(3) فقال: عن رشيق الحاجب المادراني، قال: بعث إلينا المعتضد وأمرنا أن نركب ونحن ثلاثة نفر، ونخرج مخفّين علي السروج وبحيث لا نري(4)، وقال: الحقوا بسامرا واكبسوا دار الحسن بن علي فإنَّه توفّي، فمن رأيتم بها فأتوني به.

فأتينا سامرا وكبسنا الدار كما اُمرنا، فوجدنا دار أسترته(5) كأنَّ الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت، فرفعنا السترة فإذا سرداب في الدار الأخري، فدخلنا فرأينا كأنَّ بحراً فيه، وفي أقصاه حصير قد علمنا أنَّه علي الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيبة قائم يصلّي، فلم يلتفت إلينا ولا إلي شيء من أسبابنا، فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطّي فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتَّي مددت يدي إليه فخلَّصته وأخرجته،

ص: 168


1- فرج المهموم: 247.
2- فرج المهموم: 248 - 255.
3- أنظر: الخرائج والجرائح 1: 460/ ح 5.
4- في المصدر: (ونجنب أخر).
5- في المصدر: (سرّية).

وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلي فعل الأوّل فناله مثل ذلك، فبقيت مبهوتاً، فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلي الله وإلي رسوله وإليك، فوَالله ما علمت كيف الخبر وإلي من نجيء، وأنا تائب إلي الله، فما التفت إليَّ بشيء ممَّا قلت، ثمّ عدنا إلي المعتضد فأخبرناه، فقال: اكتموه وإلاَّ ضربت أعناقكم.

(خبر القاسم بن العلاء، وعلمه عليه السلام بالآجال وبالغائب):

ومن الكتاب المذكور(1) ما رويناه عن الشيخ المفيد ونقلناه عن نسخة عتيقة جدَّاً من أصول أصحابنا قد كتبت في زمان الوكلاء، فقال فيها ما هذا لفظه: قال الصفواني رحمه الله: رأيت القاسم بن العلاء وقد عمَّر مائة سنة وسبعة عشرة، منها ثمانون سنة صحيح العينين، فيها لقي مولانا أبا الحسن ومولانا أبا محمّد العسكري عليهما السلام، وحجب بعد الثمانين وردَّت عيناه قبل موته بسبعة أيّام، وذلك أنّي كنت مقيماً عنده بمدينة آران من أرض آذربيجان، وكان لا تنقطع عنه توقيعات مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه علي يد أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري، وبعده علي يد أبي القاسم بن روح (قدَّس الله روحيهما) فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين، فقلق رحمه الله لذلك، فبينا نحن عنده إذ دخل البوّاب مستبشراً وقال: فيج العراق قد ورد ولا يسمّي بغيره، فاستبشر أبو القاسم، وحوَّل وجهه إلي القبلة فسجد، ودخل رجل قصير بالصرر الفيوج عليه، وعليه جبّة مصرية وفي رجليه نعل آملي وعلي كتفه مخلاة.

ص: 169


1- الخرائج والجرائح 1: 467/ باب 13/ ح 14.

فقام إليه وعانقه ووضع المخلاة من عنقه، ودعا بطست من ماء فغسل وجهه وأجلسه إلي جانبه، فأكلنا وغسلنا أيدينا، فقام الرجل وأخرج كتاباً أفضل من نصف الدرج، فناوله القاسم فقبَّله، ودفعه إلي كاتب له يقال له: عبد الله بن أبي سلمة، فأخذه وفضَّه وقرأه وبكي حتَّي أحسَّ القاسم ببكائه، فقال القاسم له: يا عبد الله خيراً؟!

قال: ما يكره فلا.

قال: فما هو؟

قال: ينعي الشيخ نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً وأنَّه يمرض في اليوم السابع من ورود هذا الكتاب، وأنَّ الله يرد عليه بعد ذلك عينيه، وقد حمل سبعة أثواب.

فقال القاسم: في سلامة من ديني؟

قال: في سلامة من دينك، فضحك رحمه الله وقال: ما أؤمّل بعد هذا العمر؟

ثمّ قام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة اُزر يمانية حمراء وعمامة وثوبين ومنديلاً، فأخذها الشيخ وكان عنده قميص خلعه عليه مولانا أبو الحسن ابن الرضا عليه السلام.

وكان له صديق يقال له: عبد الرحمن بن محمّد السري، وكان شديد النصب، وكان بينه وبين القاسم (نضَّر الله وجهه) مودّة في أمور الدنيا شديدة، وكان يوادّه وكان عبد الرحمن وافي إلي آران للإصلاح بين أبي جعفر ابن حمدون الهمداني وبين حيان العين، فربَّما حضر عنده، فقال لشيخين كانا مقيمين عنده أحدهما يقال له: أبو حامد عمران بن المفلس والآخر يقال له: أبو علي محمّد: أريد أن أقرأ هذا الكتاب لعبد الرحمن فإنّي أحبّ هدايته، وأرجو أن

ص: 170

يهديه الله عز وجل بقراءة هذا الكتاب، فقال: لا إله إلاَّ الله، هذا الكتاب لا يحتمل ما فيه خلق من الشيعة، فكيف عبد الرحمن؟

فقال: إنّي أعلم أنّي مفش سرّاً لا يكون لي إعلانه، ولكن لمحبّتي عبد الرحمن أشتهي أن يهديه الله لهذا الأمر، فأقرأه له، فلمَّا مرَّ ذلك اليوم وكان الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة أربع وثلاثماثة دخل عبد الرحمن وسلَّم عليه، فقال له: اقرأ هذا الكتاب وانظر لنفسك، فقرأه، فلمَّا بلغ إلي موضع النعي به رمي الكتاب من يده وقال للقاسم: يا أبا محمّد اتّق الله، فإنَّك رجل فاضل في دينك متمكّن من عقلك، إنَّ الله يقول: (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)(1)، ويقول: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً)(2).

فضحك القاسم وقال: أتم الآية: (إِلاَّ مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُولٍ)(3) ومولاي هذا المرتضي من رسول، قد علمت أنَّك تقول هذا، ولكن أرّخ هذا اليوم، فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرّخ في الكتاب فاعلم أنّي لست علي شيء، وإن أنا متُّ فانظر لنفسك.

فأرَّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا، فلمَّا كان اليوم السابع من ورود الكتاب حمَّ القاسم واشتدَّت به العلّة، واستند في فراشه إلي الحائط، وكان ابنه الحسن بن القاسم مدمناً علي شرب الخمر، وكان متزوّجاً إلي أبي عبد الله بن حمدون الهمداني، وكان ابن حمدون الهمداني جالساً في ناحية من الدار ورداؤه علي وجهه، وأبو حامد في ناحية، وأبو علي بن محمّد وجماعة من أهل البلد يبكون7.

ص: 171


1- لقمان: 34.
2- الجن: 26.
3- الجن: 27.

إذ اتكأ القاسم علي يديه إلي خلف وجعل يقول: يا محمّد يا علي يا حسن يا حسين إلي آخر الأئمّة، يا موالي كونوا شفعائي إلي الله عز وجل، ثمّ قالها ثانية، ثمّ قالها ثالثة، فلمَّا وصل إلي: يا موسي، يا علي، تفرقعت أجفان عينيه كما تفرقع الصبيان شقائق النعمان، وانفتحت حدقتاه، وجعل يمسح بكمّه عينيه، وخرج من عينيه شيء يشبه ماء اللحم، ثمّ مدَّ طرفه إلي ابنه، فقال: يا حسن إليَّ، يا أبا حامد إليَّ، يا أبا علي إليَّ.

فاجتمعوا حوله ونظروا إلي حدقتيه صحيحين، فقال أبو حامد: تراني؟

فجعل يده علي كلّ واحد منّا، وشاع في الناس هذا فأتاه الناس ينظرون إليه، وركب إليه القاضي وهو عينية(1) بن عبيد الله أبو ثابت المسعودي قاضي القضاة ببغداد، فدخل عليه وقال: يا أبا محمّد ما هذا الذي بيدي؟ وأراه خاتماً فصّه فيروزج، وقرَّبه منه، فقال: خاتم فصّه فيروزج عليه ثلاثة أسطر.

فتناوله القاسم فلم يمكنه قراءته، وخرج الناس متعجّبين يتحدَّثون بخبره، فالتفت القاسم إلي ابنه الحسن، فقال: يا بني إنَّ الله عزَّ اسمه جعل منزلتك منزلتي ومرتبتك مرتبتي، فاقبلها بشكر.

فقال الحسن: قد قبلتها.

قال القاسم: علي ماذا؟

قال: علي ما تأمرني به.

قال: أن تنزع عمَّا أنت عليه من شرب الخمر.

فقال: يا أبه، وحقّ من أنت في ذكره لأنزعنَّ عن شرب الخمر ومع الخمر أشياء لا تعرفها.).

ص: 172


1- في المصدر: (عتبة).

فرفع القاسم يده إلي السماء وقال: اللهم ألهم الحسن طاعتك وجنّبه معصيتك - ثلاث مرَّات -.

ثمّ دعا بدرج وكتب وصيّته رحمه الله بيده، وكانت الضياع التي بيده لمولانا عليه السلام، وقفها له أبوه، فكان فيما أوصي الحسن أن قال له: إنَّك إن أهّلت الأمر - يعني الوكالة لمولانا عليه السلام - تكون مؤنتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرجند، وسائرها ملك لمولاي، وإن لم تؤهّل فاطلب خيرك من حيث يبعث الله لك.

فقبل الحسن وصيّته علي ذلك، فلمَّا كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم، فوافاه عبد الرحمن بن محمّد يعدو في الأسواق حافياً حاسراً وهو يصيح: وا سيّداه. فاستعظم الناس منه ذلك، وجعلوا يقولون له: ما الذي تفعل بنفسك؟

فقال: اسكتوا فإنّي رأيت ما لم تروا.

وشيَّعه ورجع عمَّا كان عليه، ووقف أكثر ضياعه.

فتجرَّد أبو علي بن محمّد وغسل القاسم وأبو حامد يصبّ عليه الماء، ولفَّ في ثمانية أثواب، علي بدنه قميص مولانا، وما يليه السبعة أثواب التي جاءت من العراق، فلمَّا كان بعد مدّة يسيرة ورد كتاب تعزية علي الحسن من مولانا صلوات الله عليه، ودعا له في آخره: (ألهمه الله طاعته وجنَّبه معصيته)، وهو الدعاء الذي كان دعا به أبوه وكان في آخره: (قد جعلنا أباك لك إماماً وفعاله مثلاً).

وروينا هذا الحديث الذي ذكرناه أيضاً عن أبي جعفر الطوسي رضوان الله عليه(1).3.

ص: 173


1- الغيبة للطوسي: 310/ ح 263.

(علمه عليه السلام بما يكون):

ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلي الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في الجزء الأوّل من كتاب (الخرائج والجرائح)(1)، قال: روي عن أبي الحسن المسترق الضرير، قال: كنّا يوماً في مجلس الحسن بن عبيد الله بن حمدان ناصر الدولة، فتذاكرنا أمر الناحية، فقال: كنت أزري عليها حتَّي حضرت مجلس عمّي الحسين، فأخذت أتكلَّم بذلك، فقال: يا بني كنت أقول بمقالتك هذه إلي أن ندبت إلي ولاية قم حين استصعبت علي السلطان، وكان كلّ من ورد إليها يحاربه أهلها، فسلَّم إليَّ الجيش وخرجت نحوها، فلمَّا بلغت إلي ناحية نهر خرجت إلي الصيد، ففاتتني طريدة فأتبعتها وأوغلت في طلبها وأثرها حتَّي بلغت إلي نهر، فسرت فيه وكلَّما سرت اتَّسع ذلك النهر، فبينا أنا كذلك إذ طلع عليَّ فارس تحته شهباء وهو متعمّم بعمامة خزّ أخضر لا أري منه سوي عينيه وفي رجليه خفّان أحمران، فقال لي: (يا حسين). لا هو لقَّبني ولا كنّاني، قلت: ماذا تريد؟

قال: (لِمَ تزري علي الناحية؟ ولِمَ تمنع أصحابي خمس مالك؟).

قال: وكنت الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئاً، فأرعدت وتهيَّبته، وقلت: أفعل يا سيّدي ما تأمر به.

قال: (فإذا مضيت إلي الموضع الذي أنت متوجّه إليه ودخلته وكسبت ما كسبت فيه فاحمل إلي من يستحقّ خمسه).

فقلت: السمع والطاعة.

----------------------

(1) الخرائج والجرائح 1: 472/ باب 13/ ح 17.

ص: 174

قال: (فامض راشداً).

ولوي عنان دابته وانصرف، فلم أدرِ أيّ طريق سلك، فطلبته يميناً وشمالاً فخفي عليَّ أثره، فازددت رعباً وانفلت راجعاً إلي عسكري، وتناسيت الحديث حتَّي بلغت قم، وعندي أنّي محارب القوم، فخرج إليَّ أهلها وقالوا: كنّا نحارب من يجيئنا لخلافهم لنا، فإذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك، أدخل البلد ودبّرها كما تري، فدخلت البلد وأقمت فيها زماناً واكتسبت أموالاً زائدة علي ما كنت أقدّر.

ثمّ وشي القوّاد بي إلي السلطان وحدَّثوه بطول مقامي وكثرة ما اكتسبت، فعزلت ورجعت إلي بغداد، فابتدأت بدار السلطان فسلَّمت، وأقبلت إلي منزلي، فجائني فيمن جائني محمّد بن عثمان العمري، فتخطّي الناس حتَّي اتكأ علي متكئي، فاغتظت من ذلك، ولم يزل قاعداً ما يبرح والناس داخلون وخارجون وأنا أزداد غيظاً، فلمَّا تصرَّم المجلس دنا إليَّ وقال: بيني وبينك سرّ فاسمعه.

قلت: ماذا؟

قال: صاحب الشهباء والنهر يقول: (هلاَّ وفيت بما وعدتنا؟)، فذكرت الحديث وارتعت وقلت: السمع والطاعة، وقمت ففتحت الخزائن له، ولم يزل يخمّس إلي أن خمَّس شيئاً كثيراً كنت أنسيته ممَّا جمعته فذكَّرنيه، وأخذ الخمس وانصرف، فلم أشكّ بعد ذلك وتحقَّقت الأمر.

قال: فأنا منذ سمعت هذا الحديث من عمّي أبي عبد الله زال ما كان عرض لي من شكّ بحمد الله.

ص: 175

(وضعه عليه السلام للحجر الأسود وعلمه بالآجال):

ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا عن الشيخ سعيد الراوندي في كتابه المذكور(1) قال: ومنها ما روي عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه رحمه الله، قال: لمَّا وصلت بغداد سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة أردت الحجّ، وهي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلي مكانه من البيت، لأنَّه يمضي في الكتب قصَّة أخذه وأنَّه ينصبه في مكانه الحجّة في ذلك الزمان كما وضعه في مكانه زين العابدين عليه السلام في زمن الحجّاج فاستقرَّ في مكانه، فاعتللت علّة صعبة خفت منها علي نفسي، ولم يتهيَّأ لي ما قصدت، فأتيت ابن هشام وأعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدّة عمري، وهل تكون الميتة في هذه العلّة أو لا؟ وقلت له: همّي إيصال هذه الرقعة إلي من يضع الحجر في مكانه ويستقرّ وأخذ جوابه، فإنَّما أندبك لهذا.

فقال الرجل المعروف بابن هشام: لمَّا وصلت مكّة وعزم أهلها علي إعادة الحجر مكانه بذلت لسدنة البيت جملة تمكَّنت معها من الوقوف بحيث أري واضع الحجر في مكانه، وأقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام الناس، فكلَّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام، ولم يزل عن مكانه، فَعَلَت لذلك الأصوات، فانصرف خارجاً من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عنّي يميناً وشمالاً حتَّي ظنَّ الاختلاط بي في العقل، والناس يفرجون له وعيني لا تفارقه حتَّي انقطع عن الناس، وكنت أسرع المسير خلفه، وهو يمشي علي توأدة، فلمَّا

ص: 176


1- الخرائج والجرائح 1: 475/ باب 13/ ح 18.

حصل بحيث لا يراه أحد غيري وقف والتفت إليَّ وقال: (هات ما معك)، فناولته الرقعة، فقال من غير أن ينظر إليها: (قل له: لا خوف عليك في هذه العلّة، وسيكون ما لا بدَّ منه بعد ثلاثين سنة)، قال: فوقع عليَّ الزمع(1) حتَّي لم أطق حراكاً، وتركني وانصرف.

قال أبو القاسم: فحضر وأعلمني هذه الجملة، فلمَّا كانت سنة الثلاثين اعتلَّ أبو القاسم، فأخذ ينظر في أمره بتحصيل جهازه في قبره، وكتب وصيَّته واستعمل الجدّ في ذلك، فقيل له: ما ذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضَّل الله عليك بالسلامة، فما علّتك ممَّا يخاف، فقال: هذه السنة التي خوّفت فيها، ومات في علَّته رحمه الله.

فصل: (علمه عليه السلام بالغائب وبما يكون):

اشارة

فصل: (علمه عليه السلام بالغائب وبما يكون):(2)

فيما رويته عن أبي محمّد عبد الله بن محمّد بن أبي محمّد عبد الله الحذّاء الدعلجي (منسوب إلي موضع خلف باب الكوفة ببغداد يقال لأهله: الدعالجة)، وكان فقيهاً عارفاً ذكره النجاشي في كتابه بما ذكرناه، قال: وعليه تعلَّمت المواريث، وله كتاب الحجّ.

قال الشيخ سعيد بن عبد الله الراوندي في الجزء الأوّل من كتابه (الخرائج والجرائح)(3) ما هذا لفظه: إنَّ أبا محمّد الدعلجي كان له ولدان، وكان من خيار أصحابنا، وكان قد سمع الأحاديث، وكان أحد ولديه علي الطريقة المستقيمة وهو أبو الحسن - وكان يغسّل الأموات -،

ص: 177


1- الزمع: الرعدة من الخوف والدهشة.
2- فرج المهموم: 256 - 258.
3- الخرائج والجرائح 1: 480/ باب 13/ ح 21.

والولد الآخر يسلك مع الفسّاق(1)، فدفع(2) إلي أبي محمّد حجّة يحجّ بها عن صاحب الزمان صلوات الله عليه، وكان ذلك عادة الشيعة في ذلك الوقت وتُركت بعد ذلك، فدفع منها شيئاً إلي ولده المذكور بالفساد، وخرج إلي الحجّ، ولمَّا عاد حكي أنَّه كان واقفاً بالموقف رأي شخصاً إلي جانبه حسن الوجه أسمر اللون ذا ذوابتين مقبلاً علي شأنه في الابتهال والدعاء، حسن العمل والتضرّع، قال: فلمَّا نفر الناس التفت إليَّ وقال: (يا شيخ أمَا تستحي؟).

قلت: من أيّ شيء يا سيّدي؟

قال: (تدفع إليك حجّة عمَّن تعلم فتدفع منها إلي فاسق يشرب الخمر؟!، يوشك أن تذهب عينك هذه)، وأومأ إلي عيني، فأنا من ذلك علي وجل ومخافة، وسمع منه أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان ذلك، فما مضي عليه إلاَّ أربعون يوماً من بعد ملاقاته مولانا عليه السلام حتَّي خرجت في عينه التي أومأ إليها قرحة فذهبت بها.

ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلي الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتابه (الخرائج والجرائح)(3) في الجزء الثاني منه، قال: ومنها ما روي عن أحمد بن أبي روح، قال: وجَّهت إليَّ امرأة من أهل الدينور، فأتيتها، فقالت: يا بن أبي روح أنت أوثق من في ساحتنا ديناً وورعاً، وإنّي أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤدّيها وتقوم بها.

قلت: أفعل إن شاء الله.ء.

ص: 178


1- في المصدر: (وولد آخر يسلك مسلك الأحداث في فعل الحرام).
2- في المصدر: (ودفع).
3- الخرائج والجرائح 2: 699/ باب 17/ فصل في اعلام الإمام وارث الأنبياء والأوصياء.

قالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحله ولا تنظر إليه حتَّي تؤدّيه إلي من يخبرك بما فيه، وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث حبّات لؤلؤ تساوي عشرة دنانير، ولي إلي صاحب الزمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.

قلت: وما الحاجة؟

قالت: عشرة دنانير، اقترضتها ولا أدري إلي من أدفعها، فإن أخبرك فادفعها إلي من يأمرك.

فأتيت سامراء، فقيل لي: إنَّ جعفر بن علي يدّعي الإمامة.

فقلت: أبدأ بجعفر، ثمّ تفكَّرت فقلت: أبدأ بهم، فإن كانت الحجّة عندهم وإلاَّ أتيت جعفراً.

فدنوت من باب دار أبي محمّد عليه السلام فخرج إليَّ خادم وقال: أنت أحمد بن أبي روح؟

قلت: نعم.

قال: فهذه الرقعة اقرءها، فإذا فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم، أودعتك بنت الدينوري كيساً فيه ألف درهم بزعمك وهو خلاف ما تظنّ، وقد أدَّيت الأمانة ولم تفتح الكيس ولم تدرِ ما فيه، وفيه ألف درهم وخمسون ديناراً صحاحاً، ومعك قرطان زعمت المرأة أنَّهما تساوي عشرة دنانير، وهي تساوي ثلاثين ديناراً فادفعها إلي جاريتنا فلانة، فإنّا قد وهبناها لها، وصر إلي بغداد وادفع المال إلي حاجز، وخذ منه ما يعطيك لنفقتك). فأتيت بغداد ودفعت المال إليه، فأعطاني شيئاً منه، فأخذته وانصرفت إلي الموضع الذي نزلت فيه، فإذا بفيج فاجأني من المنزل يخبرني بأنَّ حموي قد مات وأهلي يأمروني بالانصراف إليهم، فرجعت فإذا هو مات وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم.

ص: 179

ومن ذلك ما ذكره الراوندي رحمه الله أيضاً في الجزء الأوّل(1) من كتاب (الخرائج والجرائح)(2)، قال: إنَّ علي بن الحسين بن موسي بن بابويه كانت تحته ابنة عمّه ولم يرزق منها ولداً، فكتب إلي الشيخ أبي القاسم بن روح أن يسأل الحضرة ليدعو الله أن يرزقه أولاداً، فجاء الجواب: (إنَّك لا ترزق من هذه، وستملك جارية ديلمية ترزق منها ولدين فقيهين ماهرين)، فرزق منها محمّداً والحسين، وكان لهما أخ أوسط مشتغل بالزهد لا فقه له.

ومن الكتاب المذكور(3) ما روي عن علي بن إبراهيم الفدكي، قال: قال الأودي(4): بينا أنا في الطواف طفت ستّة أشواط وأريد أن أطوف السابع، فإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشاب حسن الوجه طيّب الرائحة هيوب، مع هيبته متقرّب إلي الناس، وقالوا: هذا ابن رسول الله يظهر للناس في كلّ سنة لخواصّه يوماً فيحدّثهم، فجئته وقلت: مسترشد فارشدني هداك الله عز وجل، فناولني حصاة، فحوَّلت وجهي فقال لي بعض خدّامه: ما الذي دفع إليك؟ قلت: حصاة، فقال هو لي: (قد تبيَّنت لك الحجّة وظهر الحقّ وذهب عنك العمي أتعرفني؟)، قلت: اللهم لا، قال: (أنا المهدي، أنا قائم الزمان املؤها عدلاً كما ملئت جوراً، إنَّ الأرض لا تخلو من حجّة، ولا تبقي الناس في فترة أكثر من تيه بني إسرائيل، فقد ظهر أيّام خروجي، فهذه أمانة في رقبتك تحدّث بها إخوانك من أهل الحقّ).

* * *).

ص: 180


1- في المطبوع: (الثاني).
2- الخرائج والجرائح 2: 79/ ح 113.
3- الخرائج والجرائح 2: 784/ ح 110.
4- كذا في بعض النسخ، وفي المصدر المطبوع: (الأزدي).

كشف المحجة لثمرة المهجة

تأليف: رضي الدين أبي القاسم علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس العلوي الفاطمي المتوفي سنة 664 ه-

ص: 181

ص: 182

(غيبة الإمام المهدي عليه السلام)
الفصل السابع والسبعون: (الغيبة دليل الإمامة):

الفصل السابع والسبعون: (الغيبة دليل الإمامة):(1)

واعلم يا ولدي محمّد - ألهمك الله ما يريده منك ويرضي به عنك - أنَّ غيبة مولانا (المهدي) صلوات الله عليه التي حيَّرت المخالف والمؤالف هي من جملة الحجج علي ثبوت إمامته وإمامة آبائه الطاهرين صلوات الله علي جدّه محمّد وعليهم أجمعين، لأنَّك إذا وقفت علي كتب الشيعة أو غيرهم مثل كتاب الغيبة لابن بابويه، وكتاب الغيبة للنعماني، ومثل كتاب الشفاء والجلاء، ومثل كتاب أبي نعيم الحافظ في أخبار المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته، والكتب التي أشرت إليها في كتاب (الطرائف) وجدتها أو أكثرها تضمَّنت قبل ولادته أنَّه يغيب عليه السلام غيبة طويلة حتَّي يرجع عن إمامته بعض من كان يقول بها، فلو لم يغب هذه الغيبة كان طعناً في إمامة آبائه وفيه، فصارت الغيبة حجّة لهم عليهم السلام وحجّة علي مخالفيه في ثبوت إمامته وصحَّة غيبته، مع أنَّه عليه السلام حاضر مع الله جل جلاله علي اليقين، وإنَّما غاب من لم يلقه عنهم لغيبتهم عمَّن حضره للمتابعة له ولربّ العالمين.

الفصل الثامن والسبعون: (كشف الأستار لمعرفة الأسرار):

فإن أدركت يا ولدي موافقة توفيقك لكشف الأسرار عنك

ص: 183


1- كشف المحجّة: 53 - 56.

عرَّفتك من حديث المهدي صلوات عليه ما لا يشتبه عليك وتستغني بذلك عن الحجج المعقولات ومن الروايات، فإنَّه صلّي الله عليه حيّ موجود علي التحقيق، ومعذور عن كشف أمره إلي أن يؤذن له تدبير الله الرحيم الشفيق، كما جرت عليه عادة كثير من الأنبياء والأوصياء، فاعلم ذلك يقيناً واجعله عقيدة وديناً فإنَّ أباك معرفته أبلغ من معرفة ضياء شمس النهار.

الفصل التاسع والسبعون: (القول في الصحابة والمتعة والرجعة والمهدي):

ولقد جمعني وبعض أهل الخلاف مجلس منفرد، فقلت لهم: ما الذي تأخذون علي الإماميّة؟ عرّفوني به بغير تقيّة لأذكر ما عندي، وفيه غلقنا باب الموضع الذي كنّا ساكنيه، فقالوا: نأخذ عليهم تعرّضهم بالصحابة، ونأخذ عليهم القول بالرجعة، والقول بالمتعة، ونأخذ عليهم حديث المهدي وأنَّه حيّ مع تطاول زمان غيبته.

فقلت لهم: أمَّا ما ذكرتم من تعرّض من أشرتم إليه بذمّ بعض الصحابة فأنتم تعلمون أنَّ كثيراً من الصحابة استحلَّ بعضهم دماء بعض في حرب طلحة والزبير وعائشة لمولانا علي عليه السلام، وفي حرب معاوية له أيضاً، واستباحوا أعراض بعضهم لبعض حتَّي لعن بعضهم بعضاً علي منابر الإسلام، فأولئك هم الذين طرقوا سبيل الناس للطعن عليهم، وبهم اقتدي من ذمَّهم ونسب القبيح إليهم، فإن كان لهم عذر في الذي عملوه من استحلال الدماء وإباحة الأعراض فالذين اقتدوا بهم أعذر وأبعد من أن تنسبوهم إلي سوء التعصّب والإعراض، فوافقوا علي ذلك.

وقلت لهم: وأمَّا حديث ما أخذتم عليه من القول بالرجعة، فأنتم

ص: 184

ترون أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال: إنَّه يجري في أمّته ما جري في الأمم السابقة، وهذا القرآن يتضمَّن: (أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ)(1) فشهد جل جلاله أنَّه قد أحيا الموتي في الدنيا وهي رجعة، فينبغي أن يكون في هذه الأمّة مثل ذلك، فوافقوا علي ذلك.

فقلت لهم: وأمَّا أخذكم عليهم القول بالمتعة، فأنتم أحوجتم الشيعة إلي صحَّة الحكم بها، لأنَّكم رويتم في صحاحكم عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن مسعود، وسلمة بن الأكوع، وعمران بن الحصين، وأنس بن مالك، وهم من أعيان الصحابة أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم مات ولم يحرّمها، فلمَّا رأت الشيعة أنَّ رجالكم وصحاح كتبكم قد صدَّقت رجالكم ورواتهم أخذوا بالمجمع عليه وتركوا ما انفردتم به، فوافقوا علي ذلك.

وقلت لهم: وأمَّا ما أخذتم عليه من طول غيبة المهدي عليه السلام، فأنتم تعلمون أنَّه لو حضر رجل وقال: أمشي علي الماء، ببغداد، فإنَّه يجتمع لمشاهدته لعلَّ كلّ من يقدر علي ذلك منهم، فإذا مشي علي الماء وتعجَّب الناس منه، فجاء آخر قبل أن يتفرَّقوا وقال أيضاً: أنا أمشي علي الماء، فإنَّ التعجّب منه يكون أقلّ من ذلك، فمشي علي الماء، فإنَّ بعض الحاضرين ربَّما يتفرَّقون ويقلّ تعجّبهم، فإذا جاء ثالث وقال: أنا أيضاً أمشي علي الماء، فربَّما لا يقف للنظر إليه إلاَّ قليل، فإذا مشي علي الماء سقط التعجّب من ذلك، فإن جاء رابع وذكر أنَّه يمشي أيضاً علي الماء: فربَّما لا يبقي أحد ينظر إليه ولا يتعجَّب منه، وهذه حالة المهدي عليه السلام،3.

ص: 185


1- البقرة: 243.

لأنَّكم رويتم أنَّ إدريس حيّ موجود في السماء منذ زمانه إلي الآن، ورويتم أنَّ الخضر حيّ موجود مذ زمان موسي عليه السلام أو قبله إلي الآن، ورويتم أنَّ عيسي حيّ موجود في السماء وأنَّه يرجع إلي الأرض مع المهدي عليه السلام، فهذه ثلاثة نفر من البشر قد طالت أعمارهم وسقط التعجّب بهم من طول أعمارهم، فهلاَّ كان لمحمّد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وآله أسوة بواحد منهم أن يكون من عترته آية الله جل جلاله في أمّته بطول عمر واحد من ذرّيته؟ فقد ذكرتم ورويتم في صفته أنَّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت جوراً وظلماً، ولو فكَّرتم لعرفتم أنَّ تصديقكم وشهادتكم أنَّه يملأ الأرض بالعدل شرقاً وغرباً وبعداً وقرباً أعجب من طول بقائه وأقرب إلي أن يكون ملحوظاً بكرامات الله جل جلاله لأوليائه.

وقد شهدتم أيضاً له أنَّ عيسي بن مريم النبيّ المعظَّم عليهما السلام يصلّي خلفه مقتدياً به في صلاته وتبعاً له ومنصوراً به في حروبه وغزواته، وهذا أيضاً أعظم مقاماً ممَّا استبعدتموه من طول حياته، فوافقوا علي ذلك.

وفي حكاية الكلام زيادة، فاطلب من الطرائف وغيرها.

الفصل الخمسون والمائة: (كيفية تعاطي الناس مع قضيّة الإمام المهدي عليه السلام):

الفصل الخمسون والمائة: (كيفية تعاطي الناس مع قضيّة الإمام المهدي عليه السلام):(1)

وأوصيك يا ولدي محمّد وأخاك ومن يقف علي كتابي هذا بالصدق في معاملة الله جل جلاله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم، وحفظ وصيّتهما بما بشّرا به من ظهور مولانا المهدي عليه السلام، فإنَّني وجدت القول والفعل من كثير من الناس في حديثه عليه السلام مخالفاً للعقيدة من وجوه كثيرة.

منها: أنَّني وجدت أنَّه لو ذهب من الذي يعتقد إمامته عبد أو فرس أو درهم أو دينار تعلَّق خاطره وظاهره بطلب ذلك الشيء المفقود، وبذل

ص: 186


1- كشف المحجّة: 148 - 154.

في تحصيله غاية المجهود، وما رأيت لتأخّر هذا المحتشم عظيم الشأن عن إصلاح الإسلام والإيمان وقطع دابر الكفّار وأهل العدوان مثل تعلّق الخاطر بتلك الأشياء المحقرات، فكيف يعتقد من يكون بهذه الصفات أنَّه عارف بحقّ الله جل جلاله وحقّ رسوله صلي الله عليه وآله وسلم ومعتقداً إمامته علي الوجه الذي يدعي المغالات والموالات لشريف معاليه.

ومنها: أنَّني وجدت من يذكر أنَّه يعتقد وجوب رئاسته والضرورة إلي ظهوره وإنفاذ أحكام إمامته لو واصله بعض من يدّعي أنَّه عدوّ لإمامته من سلطان وشمله بإنعامه، كان قد تعلَّق خاطره ببقاء هذا السلطان المشار إليه وشغله ذلك عن طلب (المهدي) عليه السلام وعمَّا يجب عليه من التمنّي لعزل الوالي المنعم عليه.

ومنها: أنَّني وجدت من يدّعي وجوب السرور بسروره والتكدّر بتكدّره صلوات الله عليه يقول: إنَّه معتقد أنَّ كلّ ما في الدنيا قد أخذ من يد (المهدي) عليه السلام وغصبه الناس والملوك من يديه، ومع هذا لا أراه يتأثَّر بذلك النهب والسلب كتأثّره لو أخذ ذلك السلطان منه درهماً أو ديناراً أو ملكاً أو عقاراً، فأين هذا من الوفاء ومعرفة الله جل جلاله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم ومعرفة الأوصياء؟

ومنها: أنَّني قلت لبعض من يدّعي الحرص علي ظهوره والوفاء له والتأسّف عليه: ما تقول لو نفذ إليك (المهدي) عليه السلام وقال لك: إنّي قد عرفت من جهة آبائي عليهم السلام عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بطريق محقّق اعتمدت عليه أنّي متي ظهرت الآن فإنَّ ساعة ما تقع عينك عليَّ تموت في الحال، ومتي تأخَّرت عن الظهور عشت عشرين سنة ممتعاً مسروراً بالأهل والولد والمال، أفليس كنت تختار تأخّر ظهوره لأجل حياتك الفانية؟

ص: 187

ومنها: أنَّني قلت لبعض من يدّعي مغالي في موالاته عليه السلام: لو أنفذ إليك وقال لك: إنَّ سلطان بلادك يعطيك بعد هذا اليوم كلّ يوم ألف دينار ثمّ أعطاك السلطان مستمرّاً علي التكرار كلّ يوم جملة هذا المقدار وقال عليه السلام: هو لك حلال زمن الغيبة، ثمّ نفذ إليك عليه السلام وقال: أنا قد أذن لي في الظهور وهذا العطاء ما كان بإذني ولا تستحقّه إلاَّ مع غيبتي، فأيّما أحبُّ إليك: أظهر وأقطع بهذا العطاء وأحاسبك علي كلّ ما فضل عن مؤنتك، وأجعل هذا الإدرار لبعض من بينك وبينه عداوة دنيوية ممَّن منزلته في الظاهر دون منزلتك، فأيّما كان أحبُّ إليك أن تطول غيبته وتأخذ العطاء كلّ يوم ألف دينار، أو يتعجَّل ظهوره ويحاسبك عليها ويقطعها ويردّها إلي عدوّك؟ عرّفنا ما يكون في قلبك من الاختيار، واعرف من الوجوه غير ما ذكرته الآن.

وقلت لبعض الإخوان: إنَّ رجال (المهدي) عليه السلام من يريده للوجه الذي أراده الله جل جلاله له، سواء كان نفعاً بهذا المريد أو غير نافع في العاجلة له وأن يكون الاختيار فيهم جل جلاله وله.

وقد كان سألني بعض من يذكر أنَّه معتقد لإمامته، فقال: قد عرضت لي شبهة في غيبته، فقلت: ما هي؟ فقال: أمَا كان يمكن أن يلقي أحداً من شيعته ويزيل الخلاف عنهم في عقايد ويتعلَّق(1) بدين جدّه محمّد صلي الله عليه وآله وسلم وشريعته؟ واشترط عليَّ أن لا أجيبه بالأجوبة المسطورة في الكتب، وذكر أنَّه ما زال الشبهة منه ما وقف عليه ولا ما سمعه من الأعذار المذكورة.).

ص: 188


1- هكذا في المصدر، والظاهر: (في عقائدهم وما يتعلَّق).

فقلت: أيّهما أقدر علي إزالة الخلاف بين العباد؟ وأيّما أعظم وأبلغ في الرحمة والعدل والإرفاد؟ أليس الله جل جلاله؟ فقال: بلي، فقلت له: فامنع الله جل جلاله أن يزيل الخلاف بين الأمم أجمعين، وهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وهو أقدر علي تدبير ذلك بطرق لا يحيط بها علم الآدميين، أفليس أنَّ ذلك لعذر يقتضيه عدله وفضله علي اليقين؟

فقال: بلي.

فقلت له: فعذر نائبه عليه السلام هو عذره علي التفصيل، لأنَّه ما فعل فعلاً إلاَّ ما يوافق رضاه علي التمام، فوافق، وزالت الشبهة، وعرف صدق ما أورده الله جل جلاله علي لساني من الكلام.

واعلم: يا ولدي محمّد - زيَّن الله جل جلاله سرائرك وظواهرك بموالاة أوليائه ومعاداة أعداءه -، أنَّني كنت لمَّا بلغني ولادتك بمشهد الحسين عليه السلام في زيارة عاشورا، إلاَّ أنَّك ولدت بطالع السعد والإقبال يوم تاسع محرَّم سنة ثلاث وأربعين وستمائة يوم الثلاثاء بعد مضي ساعتين وخمس دقايق من ذلك النهار كما قدَّمناه في خطبة هذه الرسالة(1)، فقمت بين يدي الله جل جلاله مقام الذلّ والانكسار والشكر لما شرَّفني به من ولادتك من المسار والمبار، وجعلتك بأمر الله جل جلاله عبد مولانا (المهدي) عليه السلام ومتعلّقاً عليه وقد احتجنا كم مرّة عند حوادث حدثت لك إليه، ورأيناه في عدّة مقامات في منامات، وقد تولّي قضاء حوائجك بإنعام عظيم في حقّنا وحقّك لا يبلغ وصفي إليه، فكن في موالاته والوفاء له وتعلّق الخاطر به علي قدر مراد الله جل جلاله ومراد رسوله صلي الله عليه وآله وسلم ومراد آبائهب.

ص: 189


1- أنظر: (ص 4) من الكتاب.

عليهم السلام ومراده عليه السلام منك، وقدّم حوائجه علي حوائجك عند صلات الحاجات كما ذكرناه في كتاب (المهمّات والتتمّات)، والصدقة عنه قبل الصدقة عنك وعمَّن يعزّ عليك، والدعاء له قبل الدعاء لك، وقدّمه في كلّ خير يكون وفاءً له ومقتضياً لإقباله عليك وإحسانه إليك، فاعرض حاجتك عليه كلّ يوم الاثنين ويوم الخميس من كلّ أسبوع لما يجب له من أدب الخضوع، وقل عند خطابه بعد السلام عليه بما ذكرناه في أواخر الأجزاء من كتاب (المهمّات) من الزيارة التي أوّلها: (سلام الله الكامل، يا أيّها العزيز مسّنا وأهلنا الضرّ وجئنا ببضاعة مزجاة، فأوف لنا الكيل وتصدَّق علينا إنَّ الله يجزي المتصدّقين، تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنّا لخاطئين، يا مولانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا كنّا خاطئين).

وقل: يا مولانا، هذه مقامات إخوة يوسف مع أخيهم وأبيهم وقد رحماهم بعد تلك الجنايات، فإن كنّا غير مرضيين عند الله جل جلاله وعند رسوله صلي الله عليه وآله وسلم وعند آبائك وعندك عليكم أفضل الصلاة فأنت أحقّ أن تسعنا من رحمتك وحلمك وكرمك وشريف شيمك بما وسع إخوة يوسف من تعطّفه عليهم ورحمته لهم وإحسانه إليهم.

وقل: يا مولانا إنَّني وجدت في النقل أنَّ جدَّك محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم كان له عدوّ شديد يقال له: النضر بن الحارث فقتله، فقالت أخته تخاطب النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في أبيات اعتبر بعض خطابها:

أمحمّد ولأنت نسل نجيبة من قومها * والفحل فحل معرقُ

ص: 190

إن كان يمكن أن تمنَّ وربَّما * منَّ الفتي وهو المغيض المخنقُ

والعبد أقرب من وصلت قرابة * وأحقّهم إن كان عتق يعتقُ

فقال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ما معناه: لو وصلتني هذه الأبيات قبل قتله لعفوت عن سوء فعله(1).

وأنت يا مولانا أهل الاقتداء بجميع خصاله.

وقل له: إنَّني رويت في الحديث: أنَّ قارون لمَّا دعي عليه موسي عليه السلام وخسفت به الأرض، نادي: وا رحماه، وكان بينه وبين موسي عليه السلام قرابة ورحم ماسّة، فروي أنَّ الله جل جلاله أمر الأرض أن لا تنخسف به، ورعي له حقّ حرمة هذه الاستغاثة، وأنا أقول: وا رحماه، وقل له غير ذلك ممَّا يجريه الله جل جلاله علي خاطرك، واذكر له أنَّ أباك قد ذكر لك أنَّه أوصي بك إليه وجعلك بإذن الله جل جلاله عبده وإنَّني علَّقتك عليه، فإنَّه يأتيك جوابه صلوات الله وسلامه عليه.

وممَّا أقول لك يا ولدي محمّد - ملأ الله جل جلاله عقلك وقلبك من التصديق لأهل الصدق والتوفيق في معرفة الحقّ -: أنَّ طريق تعريف الله جل جلاله لك بجواب مولانا (المهدي) صلوات الله وسلامه علي قدرته جل جلاله ورحمته، فمن ذلك ما رواه محمّد بن يعقوب الكليني في كتاب (الوسائل)(2) عمَّن سمّاه، قال: كتبت إلي أبي الحسن عليه السلام: أنَّ الرجل يحبّ أن يفضي إلي إمامه ما يحبّ أن يفضي به إلي ربّه، قال: فكتب: (إن كانت لك حاجة فحرّك شفتيك، فإنَّ الجواب يأتيك).2.

ص: 191


1- أنظر: شرح نهج البلاغة 14: 172.
2- كذا، والصحيح: (الرسائل)، أنظر: الفهرست للطوسي: 210.

ومن ذلك ما رواه هبة الله بن سعيد الراوندي في كتاب (الخرائج)(3) عن محمّد بن الفرج، قال: قال لي علي بن محمّد عليهما السلام: (إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها وضع الكتاب تحت مصلاّك، ودعه ساعة ثمّ أخرجه وانظر فيه)، قال: ففعلت فوجدت جواب ما سألت عنه موقّعاً فيه.

وقد اقتصرت لك علي هذا التنبيه، والطريق مفتوحة إلي إمامك عليه السلام لمن يريد الله جل جلاله شأنه وعنايته به وتمام إحسانه إليه.

الفصل الحادي والخمسون والمائة: (البداء وآية المحو والإثبات):

الفصل الحادي والخمسون والمائة: (البداء وآية المحو والإثبات):(1)

واعلم يا ولدي محمّد - كمَّل الله جل جلاله بلقائه سعادتك، وشرَّف ببقائه وحسن إرادته منزلتك وخاتمتك - أنَّني لولا آية في كتاب الله المقدَّس: (يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)(2) لكنت قد عرَّفتك ووثَّقتك أنَّني أدرك أيّام ظهوره الكامل وأدخل تحت ظلّه الشامل، فهذا أوان ظهور تلك الشموس وزوال الضرّ والبؤس إن شاء الله، فإن تمَّم الله جل جلاله لي ما أؤمله من هذه الآمال فقد كمل لي تحف الشرف والإقبال، وإن أراد انتقالي فالأمر إليه جل جلاله وله جل جلاله في تدبير آمالي.

الفصل الثاني والخمسون والمائة: (تضرّع ابن طاووس أمام الحضرة المهدوية):

الفصل الثاني والخمسون والمائة: (تضرّع ابن طاووس أمام الحضرة المهدوية):(3)

فإن دُعيت أنا إلي لقاء الله جل جلاله وتقدَّمت قبل الظهور ولم تشملني

ص: 192


1- كشف المحجّة: 154.
2- الرعد: 39.
3- كشف المحجّة: 154.

عناية أهل الرجعة والحضور فأوصيك ثمّ أوصيك ثمّ أوصي من يلقاه من ذرّيتي وولدي وولد ولدي، وأشهد الله جل جلاله عليكم وملائكته بهذه الوصيّة إنَّكم إذا رأيتموه وتشرَّفتم بتلك السعادة الربّانية وأذن لكم في الكلام بين يدي منزلته النبويّة أن تقولوا: إنَّ والدي علياً عبد الطاعة ومملوك الضراعة، ويقبل ما يرضيك أن تقبله بين يديك، ويسأل تشريفه بالإذن في إبلاغ التسليم والصلاة عليك، ويضرع بين يديك في كلّ ما هو يحتاج أن يضرع في سؤاله وفي كلّ ما أنت صلوات الله وسلامه عليك أهل أن تبلغه من آماله وإقباله، ويسأل من مراحمك ومكارمك قبول وصيَّته في هذا العبد المبلغ عنه القائم بين يديك، وأن يكون ممَّن يعزّ عليك، ويبلغ ما هو محتاج من الله جل جلاله ومنك إليه وإليك، صلوات الله وبركاته وتحياته وإقباله علي آبائك الطاهرين وعليك.

الفصل الثالث والخمسون والمائة: (وصايا عامّة):

الفصل الثالث والخمسون والمائة: (وصايا عامّة):(1)

وأوصيك يا ولدي محمّد - أدام الله جل جلاله إقباله عليك وكمال إحسانه إليك - بما أوصاك الله به جل جلاله في نفسك والوالدين وذوي الأرحام وساير وصايا الإسلام، وبالتحنّن علي إخوتك وأخواتك وخدمك وحشمك وأهل مودَّتك، وما أوصاك به جدّك محمّد صلي الله عليه وآله وسلم ولسان حال آبائك وعترته الطاهرين، وبما أوصاك به من مواهبه عليك ولديك من المروّة والصفاء والوفاء وجميع صفات أهل الدين، وأن تشركني في خلواتك ودعواتك وصدقاتك، وتذكرني بين يدي الله جل جلاله بما يجري به جل جلاله علي خاطرك عند مناجاتك، وتبعث إليَّ بالسلام أوّل

ص: 193


1- كشف المحجّة: 155.

كلّ ليلة وأوّل كلّ نهار، فإنَّه روي في الآثار أنَّه يبلغني ويكون من جملة المسار، وجمل ذكري لحفظك جانب الله جل جلاله وسلوك سبيل سلفك الطاهرين، فإنَّه من صفات المسعودين إذا وجدوا آباءهم وقد بنوا لهم مجداً لا يسعوا في نقضه، بل يكون همّتهم الاجتهاد في مراعاته وحفظه، وأن يزيدوا علي ذلك المجد بغاية الجهد كما قيل:

لسنا وإن كبرت أوائلنا * يوماً علي الأحساب نتكل

نبني كما كانت أوائلنا * تبني ونفعل مثل ما فعلوا

وأنت يا ولدي وديعة الله جل جلاله ووديعة خاصَّته، وفي حمي حمايته ورعايته، وفي أمان حفظه وحياطته، والسلام علي من يجب تقدّم السلام عليه، وعليك في الحياة وبعد الممات، وأن أسأل الله أن تجتمع في دوام العزّ والإقبال والجاه وكمال النجاة.

أقول: وربَّما سمعت يا ولدي من غير خبير بالأسرار ولا مطَّلع علي وصول الأخبار أنَّ بني جدّك الحسن والحسين عليهما السلام كان الطالبون بهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاحدين لأئمَّتك (وللمهدي) عليهم السلام، وذلك غلط ممَّن يعتمد عليه، وقد رويت بعدّة أسانيد تعزية الصادق عليه السلام للجماعة الذين اتَّهموا بطلب الخلافات وحملوا إلي العراق وحبسوا إلي الممات، وفي تعزية الصادق عليه السلام علي حملهم والتعظيم لهم والدعاء لهم دلالة علي أنَّهم عارفون بأئمّة الإسلام وسأذكر ذلك في الجزء الثاني(1) من كتاب الإقبال بالأعمال الحسنة في عمل شهر المحرَّم إن شاء الله تعالي.).

ص: 194


1- الجزء الثالث من مطبوع الإقبال، أنظر: (ص 82).

ولقد رويت بعدّة أسانيد في كتاب أصل أبي الفرج أبان بن محمّد: أنَّ عبد الله بن الحسن والحسن بن الحسن وجعفر بن الحسن شهدوا جميعاً أنَّ مولانا (المهدي) عليه السلام من ذرية الصادق، وسأذكر أيضاً الحديث بأسانيده في الكتاب الذي أشرت إليه(1).

ورأيت في كتاب تبيين سيرة الخلفاء المصريين وقد طالت خلافتهم كثيراً من السنين ما يدلُّ علي معرفتهم (بالمهدي) عليه السلام، وإنَّما كانوا يطلبون الانتصار بشرايع الإسلام، فقال عن المعزّ - الخليفة بمصر - ما هذا لفظه: إنَّ القائم متي أسند ظهره إلي الكعبة البيت الحرام وأقام خطيباً للناس فحينئذٍ يقوم بكلّ ما عنده.

أقول: ومع هذا القول من المعزّ فإنَّ آبائه تسمّوا بالمهدي والقائم وغيرهم من ذرية النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وإن كانوا عارفين بالمهدي عليه السلام.

* * * .

ص: 195


1- أنظر: الإقبال 3: 87 .

ص: 196

المسلك في أصول الدين

اشارة

تأليف: نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد

المحقق الحلي رحمه الله: 602 - 676 ه-

تحقيق: رضا الأستادي

ص: 197

ص: 198

المقصد الثالث: في مباحث متعلّقة بالغيبة:

المقصد الثالث: في مباحث متعلّقة بالغيبة:(1)

وقد عرفت قيام الدلالة علي أنَّ الزمان لا يخلو من إمام، وأنَّه يجب أن يكون معصوماً، وكلّ من قال بذلك قال بأنَّ الإمام الآن هو الذي نشير إليه.

وثبت أيضاً من الأخبار المتواترة عن النبيّ والأئمّة عليهم السلام ما تتضمَّن النصّ علي اسمه ونسبه ووجوده، فأغني بذلك عن التعرّض للزيادة في الدلالة.

ويكفي في الجواب عن سبب الغيبة أن يقال: مع ثبوت عصمته يجب أن نحمل أفعاله علي الصواب، وإن خفي الوجه، فلولا مصلحة مبيحة للاستتار لما استتر، غير أنَّ للمخالف هاهنا أسئلة خمسة مهمّة لا بدَّ من إيرادها والجواب عنها، ليتَّضح المقصود في هذا الفصل.

الأوّل: المطالبة بالأخبار الدالّة علي تعيينه.

الثاني: المطالبة بتصحيح ولادته، ومن شاهده، فإنَّهم ينكرون ذلك أيضاً.

الثالث: المطالبة بالوجه الذي لأجله حصلت الغيبة مفصَّلاً، ووجه استتاره عن أوليائه.

الرابع: أنَّه يلزم من الغيبة فوات كثير من الأحكام، فهل تسقط، أو تكون باقية؟

الخامس: الاستبعاد الذي يلهج به الخصم من تطاول عمره عليه السلام هذه المدّة.

ص: 199


1- المسلك في أصول الدين: 276 - 284.

(ولادته والإخبار علي تعيينه):

أمَّا تصحيح ولادته، فقد بيَّنا أنَّه يكفي فيه قيام الدلالة العقلية أنَّ الزمان لا يخلو من إمام معصوم، ونحن نعلم أنَّ كلّ من قال بذلك قال بإمامة المشار إليه، وهذا دليل علي وجوده وذلك يتضمَّن تصحيح ولادته، ويغني عن الإشارة إلي من شاهده، لكنّا نضيف إلي ذلك شيئاً من المنقول ليكون أقوي في الحجّة، فنقول:

أمَّا النصّ علي تعيينه فممَّا لا تحصي كثرة، وذلك ما رواه جابر عن النبيّ عليه السلام، قال: قال: (المهدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، تكون له غيبة يضلّ فيها الأمم. يقبل كالشهاب الثاقب، يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(1).

وعن الأصبغ، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (الحادي عشر من ولدي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(2).

وعن جابر، قال: دخلت علي مولاتي فاطمة بنت رسول الله لأهنّيها بمولد الحسن، فإذا بيدها صحيفة من درّة بيضاء، فقلت: يا سيّدة النساء، ما هذه الصحيفة؟

فقالت: (فيها أسماء الأئمّة من ولدي)، ثمّ قالت: (أنت مأذون أن تنظر إلي باطنها من ظاهرها)، فقرأت فيها عدد الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام بأسمائهم، حتَّي انتهي إلي أبي القاسم محمّد بن الحسن الحجّة القائم(3).

وفي حديث آخر عنه أنَّه قال: دخلت علي فاطمة عليها السلام وبين

ص: 200


1- كمال الدين 1: 286، مع تلخيص.
2- كمال الدين 1: 289، مع تلخيص.
3- كمال الدين 1: 306، مع تلخيص.

يديها لوح مكتوب فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثني عشر، آخرهم القائم(1).

وفي حديث آخر عنه: ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم علي(2).

وفي حديث عن الحسن بن علي عليهما السلام في ذكر القائم: (يخفي ولادته ويغيب شخصه، ذاك من ولد أخي الحسين عليه السلام)(3).

وعن الحسين عليه السلام، قال: (في التاسع من ولدي شبه من يوسف، وشبه من موسي بن عمران، وهو قائمنا أهل البيت)(4).

وعنه عليه السلام، قال: (قائم هذه الأمّة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة)(5).

وعنه عليه السلام، قال: (منّا اثنا عشر مهدياً، أوّلهم علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحقّ)(6).

وعن علي بن الحسين عليهما السلام، قال: (إنَّ الله خلق محمّداً وعلياً والأئمّة الأحد عشر من نور عظمته أرواحاً يعبدونه قبل خلق الخلق، وهم الأئمّة الهداية من آل محمّد عليهم السلام)(7).

ولنقتصر علي هذا القدر، فإنَّه باب واسع.ب.

ص: 201


1- كمال الدين 1: 311، مع تلخيص.
2- كمال الدين 1: 312.
3- كمال الدين 1: 316.
4- كمال الدين 1: 317، مع تلخيص.
5- كمال الدين 1: 317.
6- كمال الدين 1: 317، وفيه: (وهو الإمام القائم بالحقّ).
7- كمال الدين 1: 318 مع تلخيص، وفيه: (الأئمّة الهادية). أقول: راجع الكتاب القيّم منتخب الأثر، فإنَّه أجمع كتاب في هذا الباب.

(من شاهده بعد ولادته):

وأمَّا تصحيح ولادته ومن شاهده بطريق النقل فغير خفي أنَّه لا يطَّلع علي الولادة إلاَّ نساء الإنسان وخدمه، ثمّ يشيع ذلك مع اعتراف الوالد، فيثبت النسب الشرعي بذلك، وقد كان الحال فيه عليه السلام أظهر من ذلك، فإنَّ حكيمة بنت محمّد بن علي عمّة العسكري صلوات الله عليه وآله، مع صلاحها أخبرت بحضور ولادته صلّي الله عليه، قالت: رأيته ساجداً لوجهه، جاثياً علي ركبتيه، رافعاً سبّابته نحو السماء، وهو يقول: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأنَّ جدّي رسول الله، وأنَّ أبي أمير المؤمنين)، ثمّ عدَّ إماماً إماماً حتَّي بلغ إلي نفسه، ثمّ قال: (اللهم أنجز عدّتي وأتمم أمري)(1).

وكذا أخبرت نسيم ومارية، قالتا: وقع جاثياً علي ركبتيه، وهو يقول: (زعمت الظلمة أنَّ حجّة الله داحضة، ولو أذن لنا(2) في الكلام لزال الريب)(3).

وجارية الخيزراني(4).

وأخبرنا (أبو) غانم الخادم فقال: ولد لأبي محمّد ولد فسمّاه محمّداً، وعرضه علي أصحابه وقال: (هذا صاحبكم من بعدي)(5).

وعن أبي هارون، قال: رأيت صاحب الزمان، وكان مولده يوم الجمعة سنة ستّ وخمسين ومائتين(6).

ص: 202


1- راجع: كمال الدين: الباب 42/ ح 5.
2- كمال الدين 2: 428، مع تلخيص واختلاف يسير.
3- كمال الدين 2: 430.
4- كمال الدين 2: 431، أبو علي الخيزراني عن جارية كان أهداها لأبي محمّد عليه السلام.
5- كمال الدين 2: 431، وفيه: (عن أبي غانم الخادم).
6- كمال الدين 2: 432.

وعن محمّد بن إبراهيم الكوفي: أنَّ أبا محمّد عليه السلام بعث إليَّ بشاة، وقال: (هذه عقيقة ابني محمّد)(1).

وكذا أخبر حمزة بن الفتح(2).

وأمَّا الذين شاهدوه فكثير: منهم أبو هارون وحده(3).

ومعاوية بن حكيم، ومحمّد بن أيّوب بن نوح، ومحمّد بن عثمان العمري، قالوا: عرض علينا أبو محمّد عليه السلام ابنه وكنّا في منزله أربعين رجلاً، فقال: (هذا إمامكم بعدي وخليفتي عليكم)(4).

ويعقوب بن منفوس(5).

وأبو نصر طريف(6).

ورآه البلالي، والعطّار والعاصمي ومحمّد بن إبراهيم بن مهزيار وأحمد بن إسحاق القمي ومحمّد بن صالح الهمداني والسامي (والبسامي) والأسدي والقاسم بن العلاء(7) وغير هؤلاء ممَّن لو استقصينا عددهم لأطلنا (8).ء.

ص: 203


1- كمال الدين 2: 432 مع اختلاف يسير.
2- كمال الدين 2: 432، وفيه: (حدَّثنا الحسن بن المنذر، عن حمزة بن أبي الفتح، قال: جاءني يوماً فقال لي: البشارة ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمّد عليه السلام وأمر بكتمانه...).
3- كمال الدين 2: 434.
4- كمال الدين 2: 435، مع تلخيص.
5- كمال الدين 2: 437 وفيه: (يعقوب بن منقوش).
6- كمال الدين 2: 441.
7- قال الصدوق في كمال الدين 2: 442: ورآه من الوكلاء ببغداد: العمري وابنه وحاجز، والبلالي، والعطّار، ومن الكوفة: العاصمي، ومن أهل الأهواز: محمّد بن إبراهيم بن مهزيار، ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق، ومن أهل همدان: محمّد بن صالح، ومن أهل الري: السامي و(البسامي) والأسدي، ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء، ومن أهل نيسابور: محمّد بن شاذان.
8- راجع: كمال الدين 2: 442 فإنَّ الصدوق رحمه الله ذكر عدداً كثيراً ممَّن رآه عليه السلام من غير الوكلاء.

(علّة الغيبة):

وأمَّا الوجه الذي لأجله وقعت الغيبة، فقد ذكر جماعة من فضلاء الأصحاب أنَّ ذلك هو الخوف علي نفسه. قالوا: الحال في ذلك كحال النبيّ عليه السلام حين استتر تارة في الشعبْ(1) وأخري في الغار(2).

لا يقال: النبيّ عليه السلام استتر يسيراً، وليس كذلك حال غيبة إمامكم.

لأنّا نقول: التفاوت غير مؤثّر في واحد من الحالين، إذ تفوت مصالح دينية فإذا جاز تفويت تلك المصالح مع الخوف وقصر المدّة جاز مع تطاولها.

وحاله عليه السلام في ذلك يخالف حال آبائه، إمَّا لأنَّهم أمنوا علي أنفسهم وخاف هو، أو لأنَّه عليه السلام يلزمه من العروض(3) مع ظهوره ما لا يلزمهم، فيكون الحذر في جانبه أتمّ من غيره، وهذا من الممكن.

وقد قيل: إنَّما لم يظهر إلي أوليائه خوفاً من إشاعة خبره. وقيل: بل خوفاً من أعدائه لا غير. وقيل: خوفاً علي الولي من الشكّ في المعجز الدالّ علي صدقه.

وكلّ ذلك لا يخلو من قدح، بل الأولي اعتقاد أنَّه لا بدَّ في ذلك من وجه مقتض لحسنه، وإن كنّا لا نستفصله(4).

ص: 204


1- يعني شعب أبي طالب.
2- يعني غار جبل ثور.
3- هنا كلمة تقرأ: (الفروض)، والظاهر أنَّ ما أثبتناه هو الصحيح.
4- جاء في رواية عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن الصادق عليه السلام: (وجه الحكمة في غيبته لا ينكشف إلاَّ بعد ظهوره، وأنَّ هذا الأمر أمر من أمر الله تعالي وسرّ من سرّ الله...)، كمال الدين 2: 482.

علي أنّا نقول: (لا نسلّم) أنَّه لم يظهر إلي أوليائه، بل من الجائز أن يظهر إلي من يرتفع من ظهوره إليه وجه المفسدة، فإنّا لا نعلم أحوال (كلّ إنسان)، بل كلّ إنسان يعلم حال نفسه حسب.

فأمَّا ما شرط القيام(1) من الشرعيات وجوده كالحدود وغيرها من الأحكام، فإنَّها لا تسقط لغيبته، بل تكون باقية في جنب من استحقَّت عليه، فإن ظهر والحقّ عليه باقٍ، استوفاه، وإلاَّ كان اللوم علي من كان سبب خوفه.

(شبهة طول العمر):

وأمَّا استبعاد الخصم بقاءه عليه السلام هذه المدّة، فإنَّما نشأ من ضعف البصيرة، وإلاَّ فكيف يقال ذلك مع العلم بقدرة الله وقيام الدلالة علي إمكان فعل الكرامات للأولياء، غاية ما في الباب أن يقال: هو خرق العادة، ونحن نمنع ذلك أوّلاً ثمّ نسلّم ونجعل ذلك معجزاً له عليه السلام.

واعلم أنَّ تطاول الأعمار أضعاف عمر القائم عليه السلام وقع وقوعاً مستمرّاً حتَّي حصل ذلك لجماعة من الملوك والجبابرة، فلا يكون ذلك خرقاً للعادة، بل ممَّا جرت به العوائد(2)، فإنَّ القرآن المجيد أخبر في طرف الصلحاء أنَّ نوحاً عاش زيادة عن (أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً)(3).

وفي نقل أهل التاريخ في طرف غير الصلحاء مثل شداد بن عاد بن إرم أنَّه عاش سبع(4) مائة سنة، ومن المعلوم بين أهل المذاهب وجود

ص: 205


1- هنا جملة لا تقرأ.
2- جمع العادة.
3- العنكبوت: 14 .
4- في (ن خ): (تسع).

الخضر، وعمره أضعاف عمر القائم عليه السلام، ولو حملت العصبية علي إنكاره، لكان النقل من طرقهم مساعداً لنا، ولو فرّق بين المقامين بأنَّ الإمام يناط به أمور لا يتعطَّل مثلها لغيبة الخضر، كان فرقاً في غير موضعه، لأنّا نتكلَّم علي استبعادهم طول العمر، لا علي فوات المصالح. وقد أجبنا علي العذر فيما يفوت من المصالح بغيبة الإمام بأنَّ الحال(1) في ذلك من جهة المخيف لا من جهته عليه السلام.

وبيَّنا أنَّ الحال فيه كالحال في النبيّ عليه السلام حين استتر، فما وجه استبعاد ذلك في حقّ القائم عليه السلام؟

* * *).

ص: 206


1- كذا في الأصل، ولعلَّ الصحيح: (الحائل).

كشف الغمة في معرفة الأئمة

اشارة

تأليف: العلامة المحقق أبي الحسن علي بن عيسي بن أبي الفتح الأربلي المتوفي سنة 692 ه-

ص: 207

ص: 208

ذكر الإمام الثاني عشر :

ذكر الإمام الثاني عشر(1):

وهو مولانا الإمام المنتظر الخلف الحجّة صاحب الزمان محمّد بن الحسن الخالص بن علي المتوكّل بن محمّد القانع بن علي الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي سيّد العابدين ابن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.

إذا ما وصل الجمع إلي أخبار مولانا * فما أجدرنا بالشكر لله وأولانا

إمام نتولاّه فطوبي لو تولانا * رآنا الله في عطل وبالمهدي خلانا

وأولانا به لطفاً وتأييداً وإحساناً * ونرجو أنَّنا نلقاه في الدنيا ويلقانا

عسي يروي به قلب به ما زال ظمآنا

قال الشيخ كمال الدين بن طلحة رحمه الله(2):

الباب الثاني عشر:

في أبي القاسم محمّد الحجّة بن الحسن الخالص بن علي المتوكّل بن محمّد القانع بن علي الرضا عليهم السلام والتحيّة.

فهذا الخلف الحجّة قد أيَّده الله

هداه منهج الحقّ وآتاه سجاياه

وأعلي في ذري العلياء بالتأييد مرقاه

وآتاه حلي فضل عظيم فتحلاّه

ص: 209


1- كشف الغمّة: 3 : 233
2- في كتابه: مطالب السؤول: 479، في جوابه عن الغيبة، وما استدلَّ به علي إمامة القائم عليه السلام.

وقد قال رسول الله قولاً قد رويناه

وذوا العلم بما قال إذا أدرك معناه

تري الأخبار في المهدي جاءت بمسمّاه

وقد أبداه بالنسبة والوصف وسمّاه

ويكفي قوله مني لإشراق محياه

من بضعته الزهراء (مجراه ومرساه)(1)

ولن يبلغ ما أوتيه أمثال وأشباه

فإن قالوا هو المهدي ما ماتوا بما فاهوا

قد وقع من النبوّة في أكناف عناصرها، ووضع من الرسالة أخلاف أواصرها، ونزع من القرابة بسجال معاصرها، وبرع في صفات الشرف فعقدت عليه بخناصرها، واقتني من الأنساب شرف نصابها، واعتلي عند الانتساب علي شرف أحسابها، واجتنا جني الهداية من معادنها وأسبابها، فهو من ولد الطّهر البتول، المجزوم بكونها بضعة من الرسول، فالرسالة أصله، وإنَّها لأشرف العناصر والأصول.

فأمَّا مولده: (ف-)(2) بسُرَّ من رأي في ثالث (و)(3) عشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة.

وأمَّا نسبه أباً واُمّاً: فأبوه أبو محمّد الحسن الخالص بن علي المتوكّل بن محمّد القانع بن علي الرضا بن موسي الكاظم بن جعفرر.

ص: 210


1- في مطالب السؤول: (مرساه ومسراه).
2- ما بين المعقوفتين ليست في المصدر.
3- ما بين المعقوفتين ليست في المصدر.

الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضي أمير المؤمنين، وقد تقدَّم ذكر ذلك مفصَّلاً.

واُمّه اُمّ ولد تسمّي: صيقل(1)، وقيل: حكيمة(2)، وقيل غير ذلك.

وأمَّا اسمه فمحمّد، وكنيته: أبو القاسم، ولقبه: الحجّة والخلف الصالح، وقيل: المنتظر.

(النصّ عليه عليه السلام):

وأمَّا ما ورد عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في المهدي من الأحاديث الصحيحة:

فمنها: ما نقله الإمامان أبو داود والترمذي كلّ واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلي أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (المهدي منّي أجلي الجبهة، أقني الأنف، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويملك سبع سنين).

ومنها: ما أخرجه أبو داود بسنده في صحيحه، يرفعه إلي علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبقَ من الدهر إلاَّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً).

ومنها: ما رواه أيضاً أبو داود رحمه الله يرفعه بسنده في صحيحه إلي اُمّ سَلَمة زوج النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلَّم ورضي عنها، قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة).

ومنها: ما رواه القاضي أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي رضي الله عنه في كتابه المسمّي ب- (شرح السُنّة) وأخرجه الإمامان البخاري ومسلم

ص: 211


1- كذا، وفي المصادر: (صقيل).
2- كذا، وهو إمَّا تصحيف أو وهم من المصنّف، و(حكيمة) هي عمّة الإمام العسكري عليه السلام.

كلّ واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلي أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟).

ومنها: ما أخرجه أبو داود والترمذي بسندهما في صحيحهما يرفعه كلّ واحد منهما بسنده إلي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّي يبعث الله رجلاً منّي أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).

وفي رواية أخري أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال: (يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي)، هذه الروايات عن أبي داود والترمذي.

ومنها: ما نقله الإمام أحمد بن إسحاق بن محمّد الثعلبي رضي الله عنه في تفسيره يرفعه بسنده إلي أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (نحن ولد عبد المطَّلب سادة الجنّة أنا وحمزة وجعفر وعلي والحسن والحسين والمهدي).

(شبهة عدم الانطباق):

فإن قال معترض: هذه الأحاديث النبويّة الكثيرة بتعدادها المصرّحة بجملتها وأفرادها متَّفق علي صحَّة إسنادها ومجمع علي نقلها عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وإيرادها، وهي صحيحة صريحة في كون المهدي عليه السلام من ولد فاطمة عليها السلام، وأنَّه من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومن عترته وأهل بيته، وأنَّ اسمه يواطئ اسمه وأنَّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وأنَّه من ولد عبد المطَّلب، وأنَّه من سادات الجنّة، وذلك ممَّا لا نزاع فيه غير رديف(1): إنَّ ذلك لا يدلُّ علي أنَّ المهدي الموصوف بما ذكره صلي الله عليه وآله وسلم من الصفات

ص: 212


1- كذا في المطبوع، والظاهر أنَّها زائدة لاستقامة العبارة بدونها وهي: (غير أنَّ ذلك لا يدلُّ...).

والعلامات هو هذا أبو القاسم محمّد بن الحسن الحجّة الخلف الصالح عليه السلام، فإنَّ ولد فاطمة عليها السلام كثيرون، وكلّ من يولد من ذريتها إلي يوم القيامة يصدق عليه أنَّه من ولد فاطمة وأنَّه من العترة الطاهرة وأنَّه من أهل البيت عليهم السلام، فتحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلي زيادة دليل يدلُّ علي أنَّ المهدي المراد هو الحجّة المذكور ليتمّ مرامكم.

فجوابه: أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لمَّا وصف المهدي عليه السلام بصفات متعدّدة من ذكر نسبه واسمه ومرجعه إلي فاطمة عليها السلام وإلي عبد المطَّلب، وأنَّه أجلي الجبهة، أقني الأنف، وعدَّد الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفاً، وجعلها علامة ودلالة علي أنَّ الشخص الذي يسمّي بالمهدي وتثبت له الأحكام المذكورة هو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه، ثمّ وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمّد الخلف الصالح دون غيره، فيلزم القول بثبوت تلك الأحكام له وأنَّه صاحبها وإلاَّ فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ولا يثبت ما هو مدلوله قدح ذلك في نصبها علامة ودلالة من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وذلك ممتنع.

(شبهة عدم الاختصاص):

فإن قال المعترض: لا يتمّ العمل بالدلالة والعلامة إلاَّ بعد العلم باختصاص من وجدت فيه بها دون غيره وتعيينه لها، فأمَّا إذا لم يعلم تخصّصه وانفراده بها فلا يحكم له بالدلالة، ونحن نسلّم أنَّه من زمن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي ولادة الخلف الصالح الحجّة عليه السلام ما وجد من ولد فاطمة عليها السلام شخص جمع تلك الصفات التي هي الدلالة والعلامة، لكن وقت بعثة المهدي وظهوره وولادته هو في آخر

ص: 213

أوقات الدنيا عند ظهور الدجّال ونزول عيسي بن مريم صلوات الله عليه، وذلك سيأتي بعد مدّة مديدة، ومن الآن إلي ذلك الوقت المتراخي الممتدّ أزمان متجدّدة وفي العترة الطاهرة من سلالة فاطمة عليها السلام كثيره يتعاقبون ويتوالدون إلي ذلك الأبان، فيجوز أن يولد من السلالة الطاهرة والعترة النبويّة من يجمع تلك الصفات فيكون هو المهدي المشار إليه في الأحاديث المذكورة، ومع هذا الاحتمال والإمكان كيف يبقي دليلكم مختصّاً بالحجّة المذكور عليه السلام؟

فالجواب: إنَّكم إذا اعترفتم أنَّه إلي وقت ولادة الخلف الصالح وإلي زماننا هذا لم يوجد من جمع تلك الصفات والعلامات بأسرها سواه، فيكفي ذلك في ثبوت تلك الأحكام له عملاً بالدلالة الموجودة في حقّه، وما ذكرتموه من احتمال أن يتجدَّد مستقبلاً في العترة الطاهرة من يكون بتلك الصفات لا يكون قادحاً في إعمال الدلالة ولا مانعاً من ترتّب حكمها عليها، فإنَّ دلالة الدليل راجحة لظهورها، واحتمال تجدّد ما يعارضها مرجوح ولا يجوز ترك الراجح بالمرجوح، فإنَّه لو جوَّزنا ذلك لامتنع العمل بأكثر الأدلّة المثبتة للأحكام، إذ ما من دليل إلاَّ واحتمال تجدّد ما يعارضه متطرّق إليه ولم يمنع ذلك من العمل به وفاقاً.

والذي يوضّح ذلك ويؤكّده أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيما أورده الإمام مسلم بن الحجّاج رضي الله عنه في صحيحه يرفعه بسنده، قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (يأتي عليك من أمداد أهل اليمن أويس بن عامر بن مراد ثمّ من قرن، كان به برص فبرأ منه إلاَّ موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم علي الله لأبرَّ قسمه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل).

فالنبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ذكر اسمه ونسبه وصفته، وجعل ذلك علامة ودلالة علي أنَّ المسمّي بذلك الاسم المتّصف بتلك الصفات لو أقسم علي الله

ص: 214

لأبرَّ قسمه، وأنَّه أهل لطلب الاستغفار منه، وهذه منزلة عالية ومقام عند الله تعالي عظيم، ولم يزل عمر رضي الله عنه بعد وفاة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وبعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه يسأل أمداد أهل اليمن عن الموصوف بذلك، حتَّي قدم وفد من اليمن، فسألهم فأخبر بشخص متّصف بذلك، فلم يتوقَّف عمر رضي الله عنه في العمل بتلك العلامة والدلالة التي ذكرها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، بل بادر إلي العمل بها واجتمع به وسأله الاستغفار، وجزم بأنَّه المشار إليه بالحديث النبوي لما علم تلك الصفات فيه، مع وجود احتمال أن يتجدَّد في وفود اليمن مستقبلاً من يكون بتلك الصفات، فإنَّ قبيلة مراد كثيرة والتولّد فيها كثير، وعين ما ذكرتموه من الاحتمال موجود.

وكذلك قضيّة الخوارج الذين وصفهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بصفات ورتَّب عليها حكمهم، ثمّ بعد ذلك لمَّا وجد علي عليه السلام تلك الصفات موجودة في أولئك في واقعة حروري والنهروان جزم بأنَّهم هم المرادون بالحديث النبوي، وقاتلهم وقتلهم، فعمل بالدلالة عند وجود الصفة مع احتمال أن يكون المرادون غيرهم، وأمثال هذه الدلالة والعمل بها مع قيام الاحتمال كثيرة، فعلم أنَّ الدلالة الراجحة لا تترك لاحتمال المرجوح.

نزيده بياناً وتقريراً، فنقول بثبوت الحكم عند وجود العلامة والدلالة لمن وجدت فيه أمر يتعيَّن العمل به والمصير إليه، فمن تركه وقال بأنَّ صاحب الصفات المراد بإثبات الحكم ليس هو هذا بل شخص غيره سيأتي، وقد عدل عن النهج القويم، ووقف نفسه موقف اللئيم، ويدلُّ علي ذلك أنَّ الله عزَّ وعلا لمَّا أنزل في التوراة علي موسي عليه السلام أنَّه يبعث النبيّ العربي في آخر الزمان خاتم الأنبياء، ونعته بأوصافه وجعلها

ص: 215

علامة ودلالة علي إثبات حكم النبوّة، وصار قوم موسي صلوات الله عليه يذكرونه بصفاته، ويعلمون أنَّه يبعث، فلمَّا قرب زمان ظهوره وبعثه صاروا يهدّدون المشركين به، ويقولون سيظهر الآن نبيّ نعته كذا وصفته كذا نستعين به علي قتالكم.

فلمَّا بعث صلي الله عليه وآله وسلم (و)(1) وجدوا العلامات والصفات بأسرها التي جعلت دلالة علي نبوّته أنكروه، وقالوا: ليس هو هذا، بل هو غيره وسيأتي، فلمَّا جنحوا إلي الاحتمال وأعرضوا عن العمل بالدلالة الموجودة في الحال أنكر الله تعالي عليهم كونهم تركوا العمل بالدلالة التي ذكرها لهم في التوراة وجنحوا إلي الاحتمال.

وهذه القصَّة من أكبر الأدلّة وأقوي الحجج علي أنَّه يتعيَّن العمل بالدلالة عند وجودها، وإثبات الحكم لمن وجدت تلك الدلالة فيه، فإذا كانت الصفات التي هي علامة ودلالة لثبوت تلك الأحكام المذكورة موجودة في الحجّة الخلف الصالح محمّد عليه السلام تعيَّن إثبات كونه المهدي المشار إليه، من غير جنوح إلي الاحتمال بتجدّد غيره في الاستقبال.

(شبهة اتّحاد اسم الأب بين الإمام والنبيّ):

فإذا قال المعترض: نسلّم لكم أنَّ الصفات المجعولة علامة ودلالة إذا وجدت تعيَّن العمل بها ولزم إثبات مدلولها لمن وجدت فيه، لكن نمنع وجود تلك العلامة والدلالة في الخلف الصالح محمّد عليه السلام، فإنَّ من جملة الصفات المجعولة علامة ودلالة: أن يكون اسم أبيه مواطئاً

ص: 216


1- إضافة لاقتضاء السياق.

لاسم أبي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، هكذا صرَّح به الحديث النبوي علي ما أوردتموه، وهذه الصفة لم توجد فيه، فإنَّ اسم أبيه الحسن واسم أب النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم عبد الله، وأين الحسن من عبد الله، فلم توجد هذه الصفة التي هي جزء من العلامة والدلالة، فإذا لم يثبت جزء العلّة فلا يثبت حكمها، إذ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لم يجعل تلك الأحكام ثابتة إلاَّ لمن اجتمعت تلك الصفات كلّها له التي جزؤها مواطاة اسمي الأبوين في حقّه، وهذه لم تجتمع في الحجّة الخلف الصالح، فلا يثبت تلك الأحكام له، وهذا إشكال قوي.

فالجواب: لا بدَّ قبل الشروع في تفصيل الجواب من بيان أمرين يبني عليهما الغرض:

فالأوّل: أنَّه سايغ شايع في لسان العرب إطلاق لفظة الأب علي الجدّ الأعلي، وقد نطق القرآن الكريم بذلك فقال الله: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ)(1)، وقال تعالي حكاية عن يوسف عليه السلام: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ)(2)، ونطق صلي الله عليه وآله وسلم بذلك النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وحكاه عن جبرئيل عليه السلام في حديث الإسراء أنَّه قال: (قلت: من هذا؟، قال: أبوك إبراهيم).

فعلم أنَّ لفظة أب تطلق علي الجدّ وإن علا، فهذا أحد الأمرين.

الأمر الثاني: إنَّ لفظة الاسم تطلق علي الكنية وعلي الصفة، وقد استعملها الفصحاء ودارت بها ألسنتهم، ووردت في الأحاديث حتَّي ذكرها الإمامان البخاري ومسلم ، كواحد منهما يرفع ذلك بسنده إلي سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنَّه قال عن علي عليه السلام: (والله أنَّ رسول8.

ص: 217


1- الحج: 78.
2- يوسف: 38.

الله صلي الله عليه وآله وسلم سمّاه بأبي تراب، ولم يكن له اسم أحبُّ إليه منه)، فأطلق لفظة الاسم علي الكنية.

ومثل ذلك قول الشاعر:

أجلّ قدركِ أن تُسَمّي مؤننة(1) * ومن كنّاك فقد سمّاك للعرب

ويروي: (ومن يصفك)، فأطلق التسمية علي الكناية أو الصفة، وهذا شايع ذايع في كلام العرب.

فإذا وضح ما ذكرنا من الأمرين، فاعلم أيَّدك الله بتوفيقه أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم كان له سبطان: أبو محمّد الحسن، وأبو عبد الله الحسين عليهما السلام، ولمَّا كان الحجّة الخلف الصالح عليه السلام من ولد أبي عبد الله، وكانت كنية الحسين: أبا عبد الله، فأطلق النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم علي الكنية لفظة الاسم لأجل المقابلة بالاسم في حقّ أبيه، وأطلق علي الجدّ لفظة الأب، فكأنَّه عليه السلام قال: يواطئ اسمه اسمي، فأنا محمّد وهو محمّد، وكنية جدّه اسم أبي إذ هو أبو عبد الله وأبي عبد الله، لتكون تلك الألفاظ المختصّة به جامعة لتعريف صفاته وإعلام أنَّه من ولد أبي عبد الله الحسين بطريق جامع موجز، فحينئذٍ تنتظم الصفات وتوجد بأسرها مجتمعة للحجّة الخلف الصالح محمّد عليه السلام.

وهذا بيان شافٍ كافٍ في إزالة ذلك الإشكال فافهمه.

قلت: رحم الله الشيخ كمال الدين(2) وأثابه الجنّة، بحثه أوّلاً مع قوم يشاهدون الإمام عليه السلام فينكرونه ويدفعون العلائم والدلالات التيي.

ص: 218


1- في المصدر المطبوع: (مؤمنته)، وفي بعض المصادر: (مؤنبة)، (مؤبنة)، (مؤنته)... وفي خزانة الأدب قال: مؤبنة: مرثية من التأبين وهو مدح الميّت وهي من أبيات للمتنبي يؤبّن بها أخت سيف الدولة أوّلها: يا أخت خير أخ يا بنت خير أب، كناية بهما عن أشرف النسب...
2- ابن طلحة الشافعي.

وصف بها، ولا يحتاج إلي البحث مع هؤلاء، فإنَّهم إذا رأوه وشاهدوه كان هو عليه السلام قيّماً بإثبات حجّته، دالاً لهم علي اقتفاء محجَّته، وإنَّما البحث معهم في بقائه ووجوده عليه السلام، فإنَّهم مجمعون أو أكثرهم علي ظهوره، ومختلفون في أنَّه ولد أو سيولد.

وجوابنا لمخالفينا: أنَّ القائلين بوجوده قائلون به، فلا يحتاجون إلي دليل، لما ثبت عندهم من نقل رجالهم عن أئمّتهم عليهم السلام، وأمَّا المنكرون لوجوده فقائلون بإمكانه، فقد ترجَّح جانب الوجود، وعبارة كمال الدين فيها طول.

وقال: وأمَّا ولده فلم يكن له ولد ليُذكر، وأمَّا عمره ففي أيّام المعتمد علي الله، خاف فاختفي إلي الآن فلم يمكن ذكر ذلك، إذ من غاب وإن انقطع خبره لا توجب غيبته وانقطاع خبره الحكم بمقدار عمره ولا بانقضاء حياته، وقدرة الله تعالي واسعة وحكمه وألطافه بعباده عظيمة عامّة، ولو رام عظماء العلماء أن يدركوا حقائق مقدوراته وكنه قدره لم يجدوا إلي ذلك سبيلاً، ولانقلب طرف تطلّعهم إليه حسيراً وحده كليلاً، وأملا عليهم لسان عجزهم عن الإحاطة به (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)(1).

وليس ببدع ولا مستغرب تعمير بعض عباد الله الصالحين (المخلصين)، ولا امتداد عمره إلي حين، فقد مدَّ الله أعمار جمع كثير من خلقه من أصفيائه وأولياءه ومن مطروديه وأعدائه، فمن الأصفياء عيسي عليه السلام، ومنهم الخضر عليه السلام، وخلق آخر من الأنبياء عليهم السلام طالت أعمارهم حتَّي جاز كلّ واحد منهم ألف سنة أو قاربها كنوح عليه السلام وغيره. .

ص: 219


1- الإسراء: 85 .

وأمَّا من الأعداء والمطرودين فإبليس والدجّال، ومن غيرهم كعاد الأولي، وكان منهم من يقارب عمره الألف.

وكذلك لقمان صاحب لبد، وكلّ هذا البيان اتّساع القدرة الربّانية في تعمير بعض خلقه، فأيّ مانع يمنع من امتداد عمر(ه ثمّ)(1) يظهر فيعمل ما حكم الله تعالي له به؟

وحيث وصل الكلام إلي هذا المقام وانتهي جريان القلم بما خطّه من هذه الأقسام الوسام فلنختمه بالحمد لله ربّ العالمين، فإنَّها كلمة مباركة جعلها الله سبحانه وتعالي آخر دعوي أهل جنانه، وخصَّها بمن اختاره من خليفته فكساه ملابس رضوانه، فهذا آخر ما حرَّره القلم من مناقبهم السنيّة، وسطّره من صفاتهم الزكيّة، ونثره من مزاياهم العليّة، وإنَّ ذلك وإن كثر لقليل في جنب شرفهم الشامخ، ويسير فيما آتاهم الله من فضلهم الراسخ، وأنا أرجو من كرم الله عزَّ وعلا أن يشملني ببركتهم ويدخلني في زمرتهم، ويجعل هذا المؤلَّف مسطوراً في صحيفة حسناتي المعدودة من حسنتهم، فقد بذلت جهدي في جميع مزاياهم بذل المجد الطالب، ولم آل جهداً في تأليفها وجمعها قضاء لحقّهم اللازم اللازب، ولسان الحال يقرع باب الاسماع لاسماع كلّ شاهد وغائب.

رويدك إن أحببت نيل المطالب * فلا تعد عن ترتيل آي المناقب

مناقب آل المصطفي قدوة الوري * بهم يبتغي مطلوبه كلّ طالب

مناقب آل المصطفي المهتدي بهم * إلي نقم التقوي ورغبي الرغايب

مناقب تجلي سافرات وجوهها * ويجلو سناها مدلهمّ الغياهبق.

ص: 220


1- ما بين المعقوفتين إضافة يقتضيها السياق.

عليك بها سرّاً وجهراً فإنَّها * تحلل عند الله أعلي المراتب

وجد عندما يتلوا لسانك إنَّها * بدعوة قلب حاضر غير غايب

لمن قام في تأليفها واعتني به * ليقضي من مفروضهم كلّ واجب

عسي دعوة تزكو بها حسناته * فيحظي من الحسني بأسني المواهب

فمن سأل الله الكريم أجابه * وجاوره الإقبال من كلّ جانب

آخر كلام كمال الدين رحمه الله وكتابه، والحمد لله ربّ العالمين(1)...

وقال ابن الخشاب رحمه الله(2):

ذكر الخلف الصالح عليه السلام:

حدَّثنا صدقة بن موسي، حدَّثنا أبي، عن الرضا عليه السلام، قال: (الخلف الصالح من ولد أبي محمّد الحسن بن علي وهو صاحب الزمان وهو المهدي).

وحدَّثني أبو القاسم طاهر بن هارون بن موسي العلوي، عن أبيه هارون، عن أبيه موسي، قال: قال سيّدي جعفر بن محمّد: (الخلف الصالح من ولدي وهو المهدي اسمه محمّد وكنيته أبو القاسم يخرج في آخر الزمان يقال لاُمّه: صقيل(3)).

وقال لنا أبو بكر الذراع(4): وفي رواية أخري: بل اُمّه حكيمة، وفي رواية ثالثة: يقال لها: نرجس، ويقال: بل سوسن، والله أعلم بذلك،

ص: 221


1- أنظر: مطالب السؤول 2: 152 - 163.
2- كشف الغمّة 3: 275، عن تاريخ مواليد الأئمّة (المجموعة) لابن الخشاب البغدادي: 45 و46.
3- في المصدر المطبوع: (صيقل).
4- في المصدر المطبوع: (الزارع الذارع).

ويكنّي بأبي القاسم وهو ذو الاسمين خلف ومحمّد، يظهر في آخر الزمان علي رأسه غمامة تظلّه من الشمس تدور معه حيثما دار ينادي بصوت فصيح: هذا المهدي.

حدَّثني محمّد بن موسي الطوسي، قال: حدَّثنا أبو مسكين، عن بعض أصحاب التأريخ أنَّ اُمّ المنتظر يقال لها: حكيمة.

حدَّثني محمّد بن موسي الطوسي، حدَّثني عبيد الله بن محمّد، عن القاسم بن عدي، قال: يقال: كنية الخلف الصالح أبو القاسم وهو ذو الاسمين. آخر كتاب التاريخ(1).

قال الفقير إلي الله تعالي علي بن عيسي أثابه الله تعالي برحمته(2):

هذه الأبحاث لا تثبت لنا حجّة ولا تقطع الخصم ولا تضرّه، لما يرد عليها من الإيرادات، وتطويله في إثبات بقاء المسيح عليه السلام وإبليس والدجّال، فهي مثل الضروريات عند المسلمين، فلا حاجة إلي التكلّف لتقريرها، والجواب المختصر ما ذكرته آنفاً، وهو أنَّ النقل قد ورد به من طرق المؤالف والمخالف، والعقل لا يحيله، فوجب القطع به.

فأمَّا قوله: إنَّ المهدي عليه السلام في سرداب، وكيف يمكن بقاءه من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه؟ فهذا قول عجيب وتصوّر غريب، فإنَّ الذين أنكروا وجوده عليه السلام لا يوردون هذا، والذين يقولون بوجوده لا يقولون: إنَّه في سرداب، بل يقولون: إنَّه حيّ موجود يحل ويرتحل ويطوف في الأرض ببيوت وخيم وخدم وحشم وإبل وخيل وغير ذلك، وينقلون قصصاً في ذلك وأحاديث يطول شرحها.ي.

ص: 222


1- انتهي ما نقله الإربلي عن تاريخ مواليد الأئمّة لابن الخشاب.
2- بعد أن سرد أحاديث (البيان في أخبار صاحب الزمان) للكنجي الشافعي.

وأنا أذكر من ذلك قصَّتين قرب عهدهما من زماني وحدَّثني بهما جماعة من ثقات إخواني:

(الأولي: قصَّة إسماعيل الهرقلي):

كان في بلاد الحلّة شخص يقال له: إسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها: هرقل، مات في زماني وما رأيته، حكي لي ولده شمس الدين، قال: حكي لي والدي أنَّه خرج فيه وهو شباب علي فخذه الأيسر توثة مقدار قبضة الإنسان، وكانت في كلّ ربيع تشقّق ويخرج منها دم وقيح ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله، وكان مقيماً بهرقل، فحضر الحلّة يوماً ودخل إلي مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاوس رحمه الله وشكا إليه ما يجده منها، وقال: أريد أن أداويها.

فأحضر له أطباء الحلّة وأراهم الموضع، فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الأكحل وعلاجها خطر ومتي قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت.

فقال له السعيد رضي الدين قدَّس روحه: أنا متوجّه إلي بغداد، وربَّما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني.

فأصعد معه وأحضر الأطباء، فقالوا كما قال أولئك، فضاق صدره، فقال له السعيد: إنَّ الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب، وعليك الاجتهاد في الاحتراس، ولا تغرر بنفسك، فالله تعالي قد نهي عن ذلك ورسوله.

فقال له والدي: إذا كان الأمر علي ذلك وقد وصلت إلي بغداد

ص: 223

فأتوجَّه إلي زيارة المشهد الشريف بسُرَّ من رأي علي مشرفه السلام، ثمّ أنحدر إلي أهلي.

فحسن له ذلك، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجَّه، قال: فلمَّا دخلت المشهد وزرت الأئمّة عليهم السلام ونزلت السرداب واستغثت بالله تعالي وبالإمام عليه السلام وقضيت بعض الليل في السرداب وبتُّ في المشهد إلي الخميس، ثمّ مضيت إلي دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً وملأت إبريقاً كان معي وصعدت أريد المشهد، فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم، فالتقينا فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط وكلّ واحد منهم متقلّد بسيف، وشيخاً منقّباً بيده رمح والآخر متقلّد بسيف وعليه فرجية ملوَّنة فوق السيف وهو متحنّك بعذبته.

فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعب الرمح في الأرض، ووقف الشابان عن يسار الطريق، وبقي صاحب الفرجية علي الطريق مقابل والدي، ثمّ سلَّموا عليه فردَّ عليهم السلام، فقال له صاحب الفرجية: (أنت غداً تروح إلي أهلك؟).

فقال: نعم.

فقال له: (تقدَّم حتَّي أبصر ما يوجعك).

قال: فكرهت ملامستهم، وقلت في نفسي: أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول، ثمّ إنّي بعد ذلك تقدَّمت إليه، فلزمني بيده ومدَّني إليه وجعل يلمس جانبي من كتفي إلي أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني، ثمّ استوي في سرجه كما كان، فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل.

ص: 224

فعجبت من معرفته باسمي، فقلت: أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله.

قال: فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام.

قال: فتقدَّمت إليه فاحتضنته وقبَّلت فخذه.

ثمَّ إنَّه ساق وأنا أمشي معه محتضنه، فقال: (ارجع).

فقلت: لا أفارقك أبداً.

فقال: (المصلحة رجوعك).

فأعدت عليه مثل القول الأوّل، فقال الشيخ: يا إسماعيل ما تستحيي يقول لك الإمام مرَّتين: ارجع وتخالفه.

فجبهني بهذا القول فوقفت، فتقدَّم خطوات والتفت إليَّ وقال: (إذا وصلت بغداد فلا بدَّ أن يطلبك أبو جعفر - يعني الخليفة المستنصر رحمه الله -، فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئاً فلا تأخذه، وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلي علي بن عوض، فإنَّني أوصيه يعطيك الذي تريد).

ثمّ سار وأصحابه معه، فلم أزل قائماً أبصرهم إلي أن غابوا عنّي، وحصل عندي أسف لمفارقته، فقعدت إلي الأرض ساعة، ثمّ مشيت إلي المشهد، فاجتمع القوام حولي وقالوا: نري وجهك متغيّراً أوجعك شيء؟

قلت: لا.

قالوا: أخاصمك أحد؟

قلت: لا، ليس عندي ممَّا تقولون خبر، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟

فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم.

فقلت: لا، بل هو الإمام عليه السلام.

فقالوا: الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية؟

ص: 225

فقلت: هو صاحب الفرجية.

فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟

فقلت: هو قبضه بيده وأوجعني، ثمّ كشفت رجلي فلم أرَ لذلك المرض أثراً، فتداخلني الشكّ من الدهش، فأخرجت رجلي الأخري فلم أرَ شيئاً.

فانطبق الناس عليَّ ومزَّقوا قميصي، فأدخلني القوام خزانة ومنعوا الناس عنّي، وكان ناظر بين النهرين بالمشهد فسمع الضجّة وسأل عن الخبر فعرَّفوه، فجاء إلي الخزانة وسألني عن اسمي، وسألني منذ كم خرجت من بغداد؟ فعرَّفته أنّي خرجت في أوّل الأسبوع، فمشي عنّي، وبتُّ في المشهد وصلَّيت الصبح وخرجت وخرج الناس معي إلي أن بعدت عن المشهد ورجعوا عنّي، ووصلت إلي أوانا فبتُّ بها، وبكَّرت منها أريد بغداد، فرأيت الناس مزدحمين علي القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان، فسألوني عن اسمي ومن أين جئت، فعرَّفتهم، فاجتمعوا عليَّ ومزَّقوا ثيابي ولم يبقَ لي في روحي حكم، وكان ناظر بين النهرين كتب إلي بغداد وعرَّفهم الحال، ثمّ حملوني إلي بغداد وازدحم الناس عليَّ وكادوا يقتلوني من كثرة الزحام، وكان الوزير القمي رحمه الله تعالي قد طلب السعيد رضي الدين رحمه الله وتقدَّم أن يعرّفه صحَّة هذا الخبر.

قال: فخرج رضي الدين ومعه جماعة، فوافينا باب النوبي فردَّ أصحابه الناس عنّي، فلمَّا رآني قال: أعنك يقولون؟

قلت: نعم.

ص: 226

فنزل عن دابته وكشف عن فخذي فلم يرَ شيئاً، فغشي عليه ساعة، وأخذ بيدي وأدخلني علي الوزير وهو يبكي ويقول: يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس إلي قلبي.

فسألني الوزير عن القصَّة، فحكيت له، فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها، فقالوا: ما دوائها إلاَّ القطع بالحديد، ومتي قطعها مات.

فقال لهم الوزير: فبتقدير أن تقطع ولا يموت في كم تبرء؟

فقالوا: في شهرين، وتبقي في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر.

فسألهم الوزير: متي رأيتموه؟

قالوا: منذ عشرة أيّام.

فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أختها ليس فيها أثر أصلاً، فصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح.

فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم، فنحن نعرف من عملها.

ثمَّ إنَّه اُحضر عند الخليفة المستنصر رحمه الله تعالي، فسأله عن القصَّة فعرَّفه بها كما جري، فتقدَّم له بألف دينار، فلمَّا حضرت قال: خذ هذه فانفقها.

فقال: ما أجسر آخذ منه حبّة واحدة.

فقال الخليفة: ممَّن تخاف؟

فقال: من الذي فعل معي هذا، قال: لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً، فبكي الخليفة وتكدَّر، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئاً.

قال أفقر عباد الله تعالي إلي رحمته علي بن عيسي عفا الله عنه:

ص: 227

كنت في بعض الأيّام أحكي هذه القصَّة لجماعة عندي، وكان شمس الدين محمّد ولده عندي أنا لا أعرفه، فلمَّا انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه، فعجبت من هذا الاتّفاق وقلت: هل رأيت فخذه وهي مريضة؟

فقال: لا لأنّي أصبو عن ذلك، ولكنّي رأيتها بعد ما صلحت ولا أثر فيها وقد نبت في موضعها شعر.

وسألت السيّد صفي الدين محمّد بن محمّد بن بشر العلوي الموسوي، ونجم الدين حيدر بن الأيسر رحمهما الله تعالي، وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي الهيآت منهم، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي، فأخبراني بصحَّة هذه القصَّة وأنَّهما رأياها في حال مرضها وحال صحَّتها.

وحكي لي ولده هذا أنَّه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه عليه السلام، حتَّي أنَّه جاء إلي بغداد وأقام بها في فصل الشتاء، وكان كلّ يوم يزور سامراء ويعود إلي بغداد، فزارها في تلك السنة أربعين مرّة طمعاً أن يعود له الوقت الذي مضي أو يقضي له الحظّ بما قضي، ومن الذي أعطاه دهره الرضا أو ساعده بمطالبة صرف القضا، فمات رحمه الله بحسرته وانتقل إلي الآخرة بغصَّته، والله يتولاّه وإيّانا برحمته بمنّه وكرامته.

(الثانية: قصَّة السيّد باقي بن عطوة العلوي):

وحكي لي السيّد باقي بن عطوة العلوي الحسيني أنَّ أباه عطوة كان به أدرة، وكان زيدي المذهب، وكان ينكر علي بنيه الميل إلي مذهب الإمامية، ويقول: لا أصدّقكم ولا أقول بمذهبكم حتَّي يجيء صاحبكم - يعني المهدي - فيبرئني من هذا المرض.

ص: 228

وتكرَّر هذا القول منه، فبينا نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة إذا أبونا يصيح ويستغيث بنا، فأتيناه سراعاً، فقال: الحقوا صاحبكم فالساعة خرج من عندي، فخرجنا فلم نرَ أحداً، فعدنا إليه وسألناه، فقال: إنَّه دخل إليَّ شخص وقال: (يا عطوة).

فقلت: من أنت؟

فقال: (أنا صاحب بنيك، قد جئت لأبرئك ممَّا بك).

ثمّ مدَّ يده فعصر قروتي ومشي، ومددت يدي فلم أرَ لها أثراً.

قال لي ولده: وبقي مثل الغزال ليس به قلبة(1)، واشتهرت هذه القصَّة، وسألت عنها غير ابنه فأخبر عنها فأقرَّ بها.

والأخبار عنه عليه السلام في هذا الباب كثيرة، وإنَّه رآه جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز وغيرها فخلَّصهم وأوصلهم إلي حيث أرادوا، ولولا التطويل لذكرت منها جملة، ولكن هذا القدر الذي قَرُب عهده من زماني كافٍ...

قال الفقير إلي الله علي بن عيسي (أثابه الله تعالي)(2): مناقب المهدي عليه السلام ظاهرة النور، منيرة الظهور، سافرة الإشراف، مشرفة السفور، مسورة بالعلاء، عالية السور، آمرة بالعدل، عادلة في الأمور، يكاد المداد أن يبيضّ من إشراق ضيائها، وتذعن الثوابت لارتفاعها وعلائها، وتتضاءل الشموس لآلائها، نور الأنوار، وسلالة الأخيار، وبقيّة الأطهار، وذخيرة الأبرار، والثمرة المتخلّفة من الثمار، صاحب الزمان،7.

ص: 229


1- أي ليست به علّة. أنظر: الصحاح 1: 205.
2- كشف الغمّة 3: 357.

حاوي خصل الرهان، الغائب عن العيان، الموجود في كلّ الأزمان، الذخيرة النافعة، والبقيّة الصالحة، والموئل، والعصر، والملجأ، والوزر المساعد بمعاضدة القضاء والقدر، وصاحب الأوضاح والغرر، القوي في ذات الله، الشديد علي أعداء الله، المؤيّد بنصر الله، المخصوص بعناية الله، القائم بأمر الله، المنصور بعون الله، قد تعاضدت الأخبار علي ظهوره، وتظاهرت الروايات علي إشراق نوره، وستسفر ظلم الأيّام والليالي بسفوره، وتنجلي به الظلم انجلاء الصباح عن ديجوره، ويخرج من سرار الغيبة فيملأ القلوب بسروره، ويسير عدله في الآفاق فيكون أضوء من البدر في مسيره، ويعيد الله به دينه، ويوضّح منهاج الشرع وقانونه، ويصدع بالدلالة، ويقوم بتأييد الإمامة والرسالة، ويرد الأيّام حالية بعد عطلتها، وقويّة بعد ضعف قوَّتها، ويجدّد الشريعة المحمّدية بعد اندحاضها، ويبرم عقدها بعد انتقاضها، ويعيدها بعد ذهابها وانقراضها، ويبسطها بعد تجعّدها وانقباضها، ويجاهد في الله حقّ جهاده، ويطهّر من الأدناس أقطار بلاده، ويصلح من الدين ما سعت الأعداء في إفساده، ويحيي بجدّه واجتهاده سُنّة آبائه وأجداده، ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً، ويخلق للظلم دوراً، ويجدد للعدل دوراً، يردي الطغاة المارقين، ويبيد العتاة والمنافقين، ويكفّ عادية الأشرار والفاسقين، ويسوق الناس سياقة لم يرَ من قبله من أحد من السايقين السابقين ولا تري بعده من اللاحقين، فزمانه حقّاً زمان المتّقين، وأصحابه هم المأمور بالكون معهم في قوله تعالي: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)(1) خلصوا9.

ص: 230


1- التوبة: 119.

بتسليكه من الريب، وسلموا بتزيينه من العيب، وأخذوا بهداه وطريقه، واهتدوا من الحقّ إلي تحقيقه، ووفَّقهم الله إلي الخيرات بتسديده وتوفيقه، به ختمت الخلافة والإمامة، وإليه انتهت الرياسة والزعامة.

وهو الإمام من لدن مات أبوه إلي يوم القيامة، فأوصافه زاد الرفاق، ومناقبه شائعة في الآفاق، تُهزم الجيوش باسمه، وينزل الدهر علي حكمه، فالويل في حربه، والسلامة في سلمه، يجدّد من الدين الرسوم الدارسة، ويشيّد معالم السنن الطامسة، ويخفض منار الجور والعدوان، ويرفع شعار أهل الإيمان، ويعطّل السبت والأحد، ويدعو إلي الواحد الأحد المنزَّه عن الصاحبة والولد، ويتقدَّم في الصلاة علي السيّد المسيح كما ورد في الخبر الصحيح والحقّ الصريح، صلوات الله والسلام والتحيّة والإكرام علي المأموم والإمام.

وأنا أعتذر إلي كرمه من تقصيري، وأسأل مسامحته قبول معاذيري، فمن أين أجد لساناً ينطق بواجب حمده، وما علي المجتهد جناح بعد بذل جهده، وقد كنت عملت أبياتاً من سنين أمدحه وأتشوَّقه عليه السلام، وهي:

عداني عن التشبيب بالرشأ الأحوي * وعن بانتي سلع وعن علمي حزوي

عزامي بناء عن عزامي وفكرتي * تمثّله للقلب في السرّ والنجوي

من النفر الغرّ الذين تملَّكوا * من الشرف العادي غايته القصوي

هم القوم من أصفاهم الودّ مخلصاً * تمسَّك في أخراه بالسبب الأقوي

هم القوم فاقوا العالمين مآثراً * محاسنها تجلي وآياتها تروي

بهم عرف الناس الهدي فهداهم * يضلّ الذي يقلي ويهدي الذي يهوي

موالاتهم فرض وحبّهم هدي * وطاعتهم قربي وودّهم تقوي

ص: 231

أمولاي أشواقي إليك شديدة * إذا انصرفت بلوي أسي أردفت بلوي

أكلّف نفسي الصبر عنك جهالة * وهيهاتَ ربع الصبر مذ غبت قد أقوي

وبعدك قد أغري بنا كلّ شامت * إلي الله يا مولاي من بعدك الشكوي

ولمَّا شرعت في سطر مناقبه وذكر عجايبه عملت هذه الأبيات أنا ذاكرها علي حرف الميم، ثمّ إنّي ذكرت أنّي مدحت الإمام الكاظم عليه السلام بقصيدة علي هذا الوزن والروي، فتركتها وشرعت في أخري، وها أنا ذا أذكر الميمية التي لم أتمّها وأكتب الأخري عقيبها، وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكَّلت وإليه اُنيب وهي:

تحيّة الله ورضوانه * علي الإمام الحجّة القائم

علي إمام حكمه نافذ * إذا أراد الحكم في العالم

خليفة الله علي خلقه * والآخذ للحقّ من الظالم

العادل العالم أكرم به * من عادل في حكمه عالم

مطهّر الأرض ومحيي الوري * العلوي الطاهر الفاطمي

ناصر دين الله كهف الوري * محيي الندي خير بني آدم

الصاحب الأعظم والماجد * الأكرم المولي أبو القاسم

وصاحب الدولة يحيي بها * ممتحن في الزمن الغاشم

والنافذ الحكم فرعيا له * وجاده الوابل من حاكم

من حاتم حتَّي يوازي به * عبيده أكرم من حاتم

لو أنَّني شاهدته مقبل * في جحفل ذي عيثر قاتم

لقلت من فرط سروري به * أهلاً وسهلاً بك من قادم

ص: 232

والأخري التي شرعت فيها هي هذه:

إن شئت تتلو سور سور الحمد * الأقوال في المهدي

وامدح إماماً حاز خصل العلي * وفاز بالسؤدد والمجد

إمام حقّ نوره ظاهر * كالشمس في غور وفي نجد

القائم الموجود والمنتمي * إلي العلي بالأب والجدّ

وصاحب الأمر وغوث الوري * وحصنهم في القرب والبعد

وناشر العدل وقد جارت * الأيّام والناس عن القصد

والمنصف المظلوم من ظالم * والملجأ المرجو والمحتدي

وباذل الرفد إلي أن يري * لا أحد يرغب في الرفد

جلَّت أياديه وآلاؤه * والحمد للواهب عن عد

وأصبحت أيّامه لا نقضت * ولا تولَّت جنّة الخلد

سيرته تهدي إلي فضله * وهديه يهدي إلي الرشد

يمنع بالله ويعطي به * موفّق في البذل والردّ

ليس له في الفضل من مشبه * ولا له في النبل من ندّ

العلم والحلم وبذل الندي * جاوز فيها رتب الجد

قد عمَّه الله بألطافه * وخصَّه بالطالع السعد

أدعوه مولاي ومن لي بأن * يقول لي إن قال يا عبدي

أدعو به الله وما من دعا * بمثله يجبه بالردّ

أعدّه ذخراً وأرجوه في * بعثي وفي عرضي وفي لحدي

ص: 233

فليت مولاي ومولي الوري * يذكرني في سرّه بعدي

وليته يبعث لي دعوة * يسعد في الأخري بها جدي

مولاي أشواقي تذكي الجوي * لأنَّها دائمة الوقد

أودّ أن ألقاك في مشهد * أشرح فيه معلناً ودّي

برح بي وجد إلي عالم * بما أعاينه من الوجد

وهمت في حبّ فتي غائب * وهو قريب الدار في البعد

فاعطف علينا عطفة واشف * ما نلقاه من هجر ومن صدّ

واظهر ظهور الشمس واكشف لنا * عن طالع مذ غبت مسودّ

قد تمَّ ما ألفت من وصفكم * فجاء كالروضة والعقد

ولست فيه بالغاً حقّكم * لكن علي ما يقتضي جهدي

فإن يكن حسني فمن عندكم * أو كان تقصير فمن عندي

ورفدكم أرجوه في محشري * يا باذلي الإحسان والرفد

والحمد لله وشكراً له * أهل الندي والشكر والحمد

وقلت هذه الأبيات لتكون خاتمة لهذا الكتاب، وهي:

أيّها السادة الأئمّة أنتم * خيرة الله أوّلاً وأخيرا

قد سموتم إلي العلي فافترعتم * بمزاياكم المحلّ الخطيرا

أنزل الله فيكم هل أتي نصّاً * جليّاً في فضلكم مسطورا

من يجاريكم وقد طهَّر الله * تعالي أخلاقكم تطهيرا

لكم سؤدد يقرّره القرآن * للسامعينه تقريرا

ص: 234

إن جري البرق في مداكم كبا * من دون غاياتكم كليلاً حسيرا

وإذا أزمة عرت واستمرَّت * فتري للعصاة فيها صريرا

بسطوا الندي أكفاً سباطاً * ووجوهاً تحكي الصباح المنيرا

وأفاضوا علي البرايا عطايا * خلَّفت فيهم السحاب المطيرا

فتراهم عند الأعادي ليوثاً * وتراهم عند العفاة بحورا

يمنحون الوليّ جنّة عدن * والعدوّ الشقي يصلي سعيرا

يطعمون الطعام في العسر واليسر * يتيماً وبائساً وأسيرا

لا يريدون بالعطاء جزاء * محبطاً أجر برّهم أو شكورا

فكفاهم يوماً عبوساً وأعطاهم * علي البرّ نضرة وسرورا

وجزاهم بصبرهم وهو أولي * من جزي الخير جنّة وحريرا

وإذا ما ابتدوا لفصل خطاب * شرفوا منبراً وزانوا سريرا

بخلوا الغيث نائلاً وعطاء * واستخفوا يلملماً وثبيرا

يخلفون الشموس نوراً وإشراقاً * وفي الليل يخجلون البدورا

أنا عبد لكم أدين بحبّي * لكم الله ذا الجلال الكبيرا

عالم أنَّني أصبت وأنَّ * الله يؤلي لطفاً وطرفاً قريرا

مال قلبي إليكم في الصبي * الغض وأحببتكم وكنت صغيرا

وتوليّتكم وما كان في أهلي * ولي مثلي فجئت شهيرا

أظهر الله نوركم فأضاء الأفق * لما بدا وكنت بصيرا

فهداني إليكم الله لطفاً بي * وما زال لي وليّاً نصيرا

ص: 235

كم أياد أولي وكم نعمة أسدي * فلي أن أكون عبداً شكورا

أمطرتني منه سحائب جود * عاد حالي بهنَّ غضّاً نضيرا

وحماني من حادثات عظام * عدت فيها مؤيّداً منصورا

لو قطعت الزمان في شكر أدني * ما حباني به لكنت جديرا

فله الحمد دائماً مستمراً * وله الشكر أوّلاً وأخيرا

هذا آخر ما جري القلم بسطره وأدَّت الحال إلي ذكره، ومناقبهم عليهم السلام تحتمل بسط المقال، والطالب لاستقصاء جميعها طالب للمحال، فإنَّها تعجز طالبها، وتفوت حاصرها، وقد أتيت منها بما هو علي قدر اجتهادي وبمقتضي قوَّتي، وأنا أعتذر إليهم عليهم السلام من تقصير وإخلال وذهول عمَّا يجب وإقلال، وكرمهم يقتضي إجابة هذا السؤال، والله تعالي أسئل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وهادياً إلي الصراط المستقيم، فإليه سبحانه وتعالي نتقرَّب بموالاتهم، ونلتزم بطاعتهم، ونبالغ في حبّهم، ونري الإخلاص في مودَّتهم، وهم عليهم السلام وسائطنا وشفعاؤنا إلي رحمته التي وسعت كلّ شيء إنَّه جواد كريم، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وآخر دعواهم أنَّ الحمد لله ربّ العالمين.

* * *

ص: 236

النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة

اشارة

تأليف: العالم الرباني والحكيم المتألّه ميثم بن علي بن ميثم البحراني قدس سره المتوفي 699 هجرية قمرية

ص: 237

ص: 238

البحث الثالث: في فساد ما قالته الطوائف من الشيعة المنكرين لواحد من الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام...:

الطائفة العاشرة(1): الذين زعموا أنَّ الحسن بن علي لم يمت: شبهتهم:

أنَّه لو مات وليس له ولد، لخلا الزمان عن الإمام المعصوم، وأنَّه غير جائز.

الجواب: أمَّا موته فمعلوم بالضرورة. وأمَّا أنَّه لا ولد له فلا نسلّم، فإنَّ الجمهور من الإمامية يثبتون ولادة ابنه القائم المنتظر، وصحَّحوا النصّ عليه، وقالوا: هو سميّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومهدي الأنام، وتواتر بينهم أنَّ الحسن عليه السلام أظهره لهم وأراهم شخصه، وإن كان بينهم خلاف في سنّه عند وفاة أبيه، فقال كثير منهم: كان سنّه إذ ذاك خمس سنين، لأنَّ أباه توفّي سنة ستّين ومائتين، وكان مولد القائم سنة خمس وخمسين ومائتين. وقال بعضهم: بل كان مولوده سنة اثنين وخمسين، وكان(2) سنّه عند وفاة أبيه ثمان سنين.

واتَّفقوا علي أنَّ أباه لم يمت حتَّي أكمل الله تعالي عقله وعلمه الحكمة وفصل الخطاب، وأبانه من سائر الخلق بهذه الصفة، إذ كان خاتم الحجج ووصيّ الأوصياء وقائم الزمان.

--------------------

(1) النجاة في القيامة: 201.

(2) في الأصل: (كانت).

ص: 239

واحتجّوا علي جواز ذلك عقلاً: بقصَّة عيسي عليه السلام في قوله تعالي: (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)(1)، وبقصَّة يحيي عليه السلام بقوله تعالي: (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(2) وقالوا: (إنَّ صاحب الأمر حيّ لا يموت حتَّي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً).

وأمَّا أنَّه لِمَ وجب بقاؤه؟ فلما تقدَّم من وجوب نصب الإمام من الله تعالي في كلّ وقت.

فهذا هو الكلام علي الطوائف المشهورة منهم، وأمَّا الباقون فكلامهم ظاهر الفساد، وبالله التوفيق.

البحث الرابع: في غيبة الإمام عليه السلام:

البحث الرابع: في غيبة الإمام عليه السلام:(3)

اعلم أنَّ البحث في هذه المسألة يقع في مقامات أربعة:

المقام الأوّل: في سبب الغيبة.

(المقام) الثاني: في إمكان بقاء المزاج الإنساني مثل المدّة التي ندَّعيها لهذا الإمام الغائب.

(المقام) الثالث: وقوع ذلك البقاء في الأمزجة كثيرة مشهورة.

(المقام) الرابع: في كون المدعي إمامته هذا هو الإمام المعيَّن.

وعند بيان هذه الأمور نبيّن لك أنَّ إنكار ما يقول الاثنا عشرية في أمر الغيبة جهل محض من منكريه، وعصبية باطلة في مقابلة الحقّ.

ص: 240


1- مريم: 29 و30.
2- مريم: 12.
3- النجاة في القيامة: 203 - 207.

أمَّا المقام الأوّل: وهو بيان سبب الغيبة، فاعلم: إنّا بيَّنا في البحث الأوّل في وجوب عصمة الإمام، أنَّ سبب انبساط يده عليه السلام مركَّب من ثلاثة أجزاء:

أحدها: يجب من الله، وهو إيجاده وإكماله في ذاته.

والثاني: يجب عليه نفسه، وهو القيام بأعباء الإمامة.

والثالث: علي الخلق، وهو الانقياد له ومساعدته في تنفيذ أوامر الله تعالي والقيام بها.

والماهية المركَّبة لا تتحقَّق إلاَّ بمجموع أجزائها، لكن وإن حصل وجوده وقيامه بأعباء الإمامة - وهذان الأمران اللذان يتعلقان بالله تعالي وبه نفسه - فإنَّ الجزء الثالث من الخلق لم يحصل، إذ لم يزل خائفاً مستتراً من الأعداء، فقد(1) ظهر من ذلك: أنَّ سبب غيبة الإمام هو قوّة الظالمين والخوف منهم.

علي أنَّ لنا أن نقول: إن سلَّمنا أنَّ هذا ليس بسبب، لكن إذا ثبت أنَّه عليه السلام معصوم لم يفعل قبيحاً ولم يخل بواجب، لم يزل من عدم تعقَّلنا (2) لعلّة غيبته أن لا يكون موجوداً، لجواز أن يكون ذلك لمصلحة لا يطَّلع عليها.

وأمَّا المقام الثاني: وهو إمكان بقاء المزاج الإنساني مثل المدّة التي ندَّعيها لهذا الإمام القائم، فالعلم به ضروري، ويدلُّ علي ثبوت الإمكان تواتر الوقوع.ه.

ص: 241


1- هنا في النسختين: (فإنَّ)، وأثبتنا مقتضي السياق.
2- في الأصل: (عقيلتنا)، ولعلَّ الصواب ما أثبتناه.

وأمَّا المقام الثالث: وهو ثبوت البقاء في أمزجة مشهورة، فهو أيضاً بيّن، ولنذكر عدّة من أعمار المعمّرين الذين تواترت بتعيين أعمارهم الأخبار:

فمن أولئك: الربيع بين ضبيع الفزاري، كان من المعمّرين وعاش ثلاثمائة وثمانين سنة(1)، روي أنَّه دخل علي بعض خلفاء بني أميّة فقال: يا ربيع، لقد طلبك جد(2) غير عاثر. فقال: فصّل لي عمرك.

فقال: عشت مائتي سنة في الفترة فترة عيسي بن مريم عليه السلام، ومائة وعشرين سنة في الجاهلية، وستّين سنة في الإسلام.

مع سؤالات أخر لا تتعلَّق بغرضنا (3).

ومنهم: المستوغر، وهو عمر بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة، عاش ثلاثمائة وعشرين سنة، وأدرك أوّل الإسلام، وله في ذلك شعر:

ولقد سئمت من الحياة وطولها * وعمرت من بعد السنين مئينا

مئة أتت من بعدها مئتان لي * وازددت من بعد المئين سنينا (4)

هل ما بقي إلاَّ كما قد فاتنا * يوم يكرّ وليلة تفنينا (5)

ومنهم: أمانة بن قيس بن الحارث بن شيبان بن العارك بن معاوية بن الكندي(6)، عاش ثلاثمائة وعشرين سنة، وفي ذلك المسلم النخعي يقول:).

ص: 242


1- عاش ثلاثمائة وأربعين سنة، أنظر: الفصول العشرة: 96، والغيبة للطوسي: 80/ ط النجف.
2- الجد هنا بمعني الحظ.
3- أنظر: الغيبة للطوسي: 79 و80؛ وكمال الدين: 512 و513 و522.
4- إلي هنا في الفصول العشرة: 97؛ والمعمّرون: 13 و14.
5- وإلي هنا في الغيبة للطوسي: 80 .
6- ذكره الصدوق: أماباة بن قيس بن الحارث بن شيبان الكندي، عاش ستّين ومائة سنة، كمال الدين: 557؛ وفي كنز الفوائد: 253: (أماناة).

أيا ليتني عمَّرت يا اُمّ خالد * كعمر أمانات بن قيس بن شيبان

لقد عاش حتَّي قيل ليس بميّت * وأفني فئام (1) من كهول وشبّان

فحلَّت به من بعد حرس وحقبة * دويهية حلَّت بنصر بن دهمان

ومنهم: عبد المسيح بن بقيلة الغساني، وهو عبد المسيح بن عمر بن قيس بن حنان بن بقيلة، وبقيلة: كنية لثعلبة وقيل: الحرث، وإنَّما سمّي بقيلة لأنَّه خرج علي قومه في بردين أخضرين، فقالوا له: ما أنت إلاَّ بقيلة، فعرف بذلك، وعاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام ولم يسلم، وكان نصرانيا (2).

ومنهم: دويد بن زيد بن نهد بن زيد بن أسلم بن الحاف(3) بن قضاعة، عاش أربعمائة سنة وستّة وخمسين سنة.

وأمَّا من عاش في الإسلام وقبيل الإسلام المأتين وفوقها فكثيرون، كزهير بن حباب الكلبي(4): فإنَّه عاش مائتين وعشرين سنة، وواقع مائتي وقعة(5)، وكان سيّداً مطاعاً في قومه.

وكالرجل الجرهمي(6) قيل: إنَّه دخل علي معاوية بن أبي سفيان رجل فقال: ممَّن الرجل؟

فقال: من جرهم.

فقال: ومنهم باقٍ؟1.

ص: 243


1- أنظر: الغيبة للطوسي: 81 .
2- الفئام: جماعات، وفي النسختين: (قياماً)، غلطاً.
3- في النسختين: (الحرث)، وأنظر: الغيبة للطوسي: 83 .
4- وفي الغيبة للطوسي: (الحميري).
5- في النسختين: (واقع مائتي وتسعة)، والصحيح من الغيبة للطوسي: 83 .
6- ذكره الصدوق في كمال الدين: 511.

فقال: بقيت، ولو لم أبقَ لم آتك.

فقال له معاوية: صف لنا الدنيا وأوجز.

فقال: نعم، سنيات بلاء وسنيات رخاء، يولد مولود ويهلك هالك، ولولا المولود لباد الخلق، ولولا الهالك لضاقت الأرض برحبها.

وقال:

وما الدهر إلاَّ صدر يوم وليلة * ويولد مولود ويفقد فاقد

وساع لرزق ليس يدرك قوته * ومهدي إليه رزقه وهو قاعد

وكان سنّه مائتين وأربعين سنة.

فهؤلاء بعض من عاش إلي هذه المدّة في هذا القرن.

وأمَّا الأخبار عن أعمار من كان في القرون الأولي(1) فمشهورة، وقد نبَّه القرآن العظيم علي بعضها، كعمر نوح عليه السلام، إذ لبث في قومه يدعوهم سوي ما سبق (أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً)(2) وما اشتهر عن عمر لقمان(3) وأنَّه عاش ثلاثة آلاف سنة، وقيل: سبعة آلاف سنة.

وبالجملة: فالعلم التواتري حاصل بامتداد الحياة الإنسانية هذه المدّة وأمثالها.

وأمَّا المقام الرابع: وهو أنَّ المدّعي إمامته وغيبته هو هذا المعيَّن، فقد بيَّنا أنَّ ذلك معلوم من نصّ أبيه(4) وأنَّ الاثني عشرية ينقلون خلفاً عن سلف أنَّ الحسن عليه السلام أظهره لهم ونصَّ عليه، ولم يخرج من الدنيا حتَّيق.

ص: 244


1- في النسختين: (القرن الأوّل)، والصحيح بالسياق ما أثبتناه.
2- العنكبوت: 14.
3- أنظر: كمال الدين: 521؛ والفصول العشرة: 94.
4- الكلمة في النسختين: (الله)، إلاَّ أنَّها في (عا) مصحَّحة (أبيه) وهو الصحيح بمقتضي السياق.

أكمل الله عقله وعلمه الحكمة وفصل الخطاب، وإذا عرفت هذه المقامات ظهر لك أنَّ استنكار غيبة هذا الإمام وطول حياته ممَّن ينكرها ليس إلاَّ بمجرَّد العصبية الفاسدة، ولو سلَّمنا أنَّه لم يوجد بقاء المزاج الإنساني إلي الحدّ المذكور إلاَّ أنَّ ذلك من الأمور الممكنة، والله تعالي قادر علي جميع الممكنات، ومن مذهب الكلّ أنَّ خرق العادة في حقّ الأولياء والصالحين أمر جائز، وحينئذٍ يكون الاستنكار والاستبعاد قبيحاً، والله وليّ التوفيق والعصمة، وهو وليّ السداد، وله الحمد والمنّة، والحول والقوّة.

* * *

ص: 245

ص: 246

مختصر البصائر

اشارة

تأليف: الشيخ عز الدين الحسن بن سليمان الحلي المتوفي سنة 802 ه-

ص: 247

ص: 248

(الدعاء في عصر الغيبة):

روي الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في مصباح المتهجّد(1) عن يونس بن عبد الرحمن: أنَّ الرضا عليه السلام كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر عليه السلام (بهذا)(2): (اللهم ادفع عن وليّك وخليفتك وحجَّتك...) ثمّ ساق الدعاء فقال: (اللهم وصلّ علي ولاة عهده والأئمّة من بعده، وبلّغهم آمالهم، وزد في آجالهم، وأعز نصرهم، وتمّم لهم ما أسندت إليهم من أمرك ونهيك، وثبّت دعائمهم، واجعلنا لهم أعواناً، وعلي دينك أنصاراً، فإنَّهم معادن كلمتك، وخزّان علمك، وأركان توحيدك، ودعائم دينك، وولاة أمرك، وخالصتك من عبادك، وصفوتك من خلقك، وأوليائك وسلائل أوليائك، وصفوة أولاد نبيّك صلي الله عليه وآله وسلم، والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته).

اعلم أنَّ هذا الدعاء يدعي به لكلّ إمام في زمانه، ومولانا صاحب الأمر والزمان عليه السلام ابن الحسن عليه السلام أحدهم، فحينئذٍ يصدق عليه هذا الدعاء: (اللهم وصلّ علي ولاة عهده والأئمّة من بعده...) إلي آخره، وإلاَّ لم يكن هذا الدعاء عامّاً لهم أجمع، ويكون هذا النصّ مضافاً إلي ما رويناه أوّلاً عنهم عليهم السلام من الأحاديث الصحيحة الصريحة في هذا المعني، وأصلاً له وشاهداً بمعناه.

ص: 249


1- مصباح المتهجد: 409.
2- أثبتناه من المصدر.

ومن الكتاب المذكور(1) أيضاً ممَّا يدعي به في شهر رمضان وغيره: (اللهم كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة وكلّ ساعة وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً، حتَّي تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلاً).

قوله: (حتَّي تسكنه أرضك طوعاً) يدلُّ علي زمان ظهوره وانبساط يده عليه السلام، لأنَّه اليوم مقهور مغصوب مستأثر علي حقّه، غير مستطيع لإظهار الحقّ في الخلق.

وقوله: (وتمتّعه فيها طويلاً) هذا يكون علي ما رويناه في رجعته عليه السلام بعد وفاته، لأنّا روينا أنَّه يعيش في عالمه بعد مقدم ظهوره تسع عشرة سنة وأشهراً، ويموت عليه السلام.

فمن ذلك ما رويناه عن النعماني من كتاب الغيبة(2) له رفع الحديث عن حمزة بن حمران، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: (يملك القائم عليه السلام تسع عشرة سنة وأشهراً).

وروي أيضاً أنَّ الذي يغسّله جدّه الحسين عليه السلام(3).

فأين موقع هذه التسع عشرة سنة وأشهر من الدعاء له بطول العمر والتمتّع في الأرض طويلاً؟

الذي يظهر من هذا ويتبادر إليه الذهن أنَّه يكون أطول من الزمان الذي انقضي في غيبته عليه السلام وعمره الشريف اليوم ينيف علي الخمسمائة0.

ص: 250


1- مصباح المتهجد: 630.
2- الغيبة للنعماني: 331/ باب 26/ ح 1.
3- أنظر: الكافي 8 : 206/ ح 250.

والثلاثين سنة، ويدلُّ علي ما قلناه ما تقدَّم ورويناه عن الصادق عليه السلام(1) أنَّه سُئل: أيّ العمرين له أطول؟ قال: (الثاني(2) بالضّعف).

وهذا صريح في رجعته عليه السلام.

ورويت عن جعفر بن محمّد، عن الحسين بن محمّد بن عامر، عن المعلّي بن محمّد البصري، قال: حدَّثني أبو الفضل، عن ابن صدقة، عن المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (كأنّي والله بالملائكة قد زاحموا المؤمنين علي قبر الحسين عليه السلام).

قال: قلت: فيتراؤن لهم؟

قال: (هيهاتَ هيهاتَ، قد لزموا والله المؤمنين، حتَّي أنَّهم ليمسحون وجوههم بأيديهم).

قال: (وينزل الله علي زوّار الحسين عليه السلام غدوة وعشية من طعام الجنّة، وخدّامهم الملائكة، لا يسأل الله عبد حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاَّ أعطاه إيّاها).

قال: قلت: هذه والله الكرامة.

قال المفضَّل: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (أزيدك؟).

قلت: نعم يا سيّدي.

قال: (كأنّي بسرير من نور قد وُضِع وقد ضُربت عليه قبّة من ياقوتة حمراء مكللة بالجوهر، وكأنّي بالحسين عليه السلام جالساً علي ذلك السرير وحوله تسعون ألف قبّة خضراء، وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلّمون عليه، فيقول الله عز وجل لهم: أوليائي سلوني، فطال ما اُوذيتم وذللتم).

ص: 251


1- ما تقدَّم ورواه المصنّف (ص 18) هو عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وليس عن الصادق عليه السلام.
2- في المصدر نفسه: (الآخر).

واضطهدتم، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاَّ قضيتها لكم، فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة، فهذه والله الكرامة التي لا يشبهها شيء)(1).

اعلم أنَّ الحديث فيه دلالة واضحة بيّنة علي أنَّ ذلك يكون في الدنيا في رجعة سيّدنا الحسين عليه السلام إلي الدنيا كما رويناه في الأحاديث الصحيحة الصريحة عنهم عليهم السلام في رجعته ورجعتهم.

أوّلاً: قوله عليه السلام: (وينزل الله علي زوّار الحسين عليه السلام غدوة وعشية من طعام الجنّة) والإنزال يدلُّ علي أنَّه في الدنيا لا في الآخرة.

وثانياً: قوله عليه السلام: (لا يسأل عبد حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاَّ أعطاه إيّاه) وحوائج الدنيا لا تسأل في الآخرة.

وثالثاً: قوله سبحانه: (فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاَّ قضيتها لكم).

ورابعاً: قوله عليه السلام: (فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة) فظهر ما قلناه، والحمد الله معطي من يشاء ما يشاء كيف يشاء.

ومن كتاب المشيخة(2) للحسن بن محبوب رحمه الله بإسنادي المتّصل إليه أوّلاً، عن محمّد بن سلام، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله: (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلي خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ)(3)، قال: (هو خاصّ لأقوام في الرجعة بعد الموت، ويجري في القيامة، فبعداً للقوم الظالمين).1.

ص: 252


1- أنظر: كامل الزيارات: 258/ ح (390/3).
2- علي ما في بصائر الدرجات، وإنَّما روته المصادر عنه.
3- غافر: 11.

* الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن إسحاق الخارقي، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: (لقائم آل محمّد عليه وعليهم السلام غيبتان: واحدة طويلة، والأخري قصيرة).

قال: فقال لي: (نعم يا أبا بصير، أحدهما أطول من الأخري، ثمّ لا يكون ذلك حتَّي يختلف ولد فلان، وتضيق الحلقة ويظهر السفياني، ويشتدّ البلاء، ويشمل الناس موت وقتل، ويلجأون منه إلي حرم الله وحرم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم).

ووقفت علي كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وعليه خطّ السيّد رضي الدين علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن طاووس ما صورته:

هذا الكتاب ذكر كاتبه رجلين بعد الصادق عليه السلام، فيمكن أن يكون تاريخ كتابته بعد المائتين من الهجرة، لأنَّه عليه السلام انتقل بعد سنة مائة وأربعين من الهجرة، وقد روي بعض ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد عليه السلام، وبعض ما فيه عن غيرهما، ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام تسمّي (المخزون) وهي:

(الحمد لله الأحد المحمود الذي توحَّد بملكه، وعلا بقدرته، أحمده علي ما عرف من سبيله، وألهم من طاعته، وعلم من مكنون حكمته، فإنَّه محمود بكلّ ما يولي، مشكور بكلّ ما يبلي، وأشهد أنَّ قوله عدل، وحكمه فصل، ولم ينطق فيه ناطق بكان إلاَّ كان قبل كان، وأشهد أنَّ محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم عبد الله وسيّد عباده، خير من أهلَّ أوّلاً، وخير من أهلَّ آخراً، فكلَّما نسج الله الخلق فريقين جعله في خير الفريقين، لم يسهم فيه

ص: 253

عاير(1)، ولا نكاح جاهلية، ثمّ إنَّ الله تعالي قد بعث إليكم (قد بعث إليكم رسولاً من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)(2)، (فاتبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتَّبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون)(3)، فإنَّ الله تعالي جعل للخير أهلاً، وللحقّ دعائم، وللطاعة عصماً يعصم بهم، ويقيم من حقّه فيهم علي ارتضاء من ذلك، وجعل لها رعاة وحفظة يحفظونها بقوّة ويعينوا عليها، أولياء ذلك بما ولّوا من حقّ الله فيها.

أمَّا بعد، فإنَّ روح البصر روح الحياة الذي لا ينفع إيمان إلاَّ به، مع كلمة الله والتصديق بها، فالكلمة من الروح، والروح من النور، والنور نور السماوات، فبأيديكم سبب وصل إليكم منه إيثار واختيار نعمة الله لا تبلغوا شكرها، خصَّصكم بها، واختصَّكم لها، (وَتِلْكَ الأَْمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ)(4).

فابشروا بنصر من الله عاجل، وفتح يسير يقرّ الله به أعينكم ويذهب بحزنكم، كفّوا ما تناهي الناس عنكم، فإنَّ ذلك لا يخفي عليكم، إنَّ لكم عند كلّ طلعة عوناً من الله، يقول علي الألسن، ويثبت علي الأفئدة، وذلك عون الله لأوليائه يظهر في خفي نعمته لطيفاً، وقد أثمرت لأهل3.

ص: 254


1- كذا، وفي البحار: (عائر)، وهي من العور، قال ابن منظور: والأعور الرديء من كلّ شيء... وكلّ عيب وخلل في شيء فهو عورة وشيء معور، ويقال: إنَّ رجلاً أصابه سهم عائر فقتله، أي لا يدري من رماه... (لسان العرب 4: 616).
2- كذا، والآية هي: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ ...) التوبة: 128.
3- كذا، والآية هي: (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ ...) الأعراف: 3.
4- العنكبوت: 43.

التقوي أغصان لشجرة الحياة، وإنَّ فرقاناً من الله بين أوليائه وأعدائه، فيه شفاء للصدور، وظهور للنور، يعزُّ الله به أهل طاعته، ويذلُّ به أهل معصيته، فليعد لذلك امرء عدَّته، ولا عدّة له إلاَّ بسبب بصيرة وصدق نيّة وتسليم سلامة أهل الخفّة في الطاعة، ثقل الميزان، والميزان بالحكمة، والحكمة ضياء للبصر، والشكّ والمعصيّة في النار، وليسا منّا ولا لنا ولا إلينا، قلوب المؤمنين مطويّة علي الإيمان، إذا أراد الله إظهار ما فيها فتحها بالوحي، وزرع فيها الحكمة، وإنَّ لكلّ شيء إنَّاً يبلغه، لا يعجل الله بشيء حتَّي يبلغ إناه ومنتهاه، فاستبشروا ببشري ما بشّرتم به، واعترفوا بقربان ما قرّب لكم، وتنجزوا من الله ما وعدكم.

إنَّ منّا دعوة خالصة يظهر الله بها حجّته البالغة، ويتمّ بها النعمة السابغة، ويعطي بها الكرامة الفاضلة، من استمسك بها أخذ بحكمة منها، آتاكم الله رحمته، ومن رحمته نور القلوب، ووضع عنكم أوزار الذنوب، وعجَّل شفاء صدوركم وصلاح أموركم، وسلام منّا لكم دائماً عليكم، تسلّمون به في دول الأيّام، وقرار الأرحام أين كنتم، وسلامه لسلامه عليكم في ظاهره وباطنه، فإنَّ الله عز وجل اختار لدينه أقواماً انتجبهم للقيام عليه والنصرة له، بهم ظهرت كلمة الإسلام، وأرجاء مفترض القرآن، والعمل بالطاعة في مشارق الأرض ومغاربها.

ثمّ إنَّ الله تعالي خصَّكم بالإسلام واستخلصكم له، لأنَّه اسم سلامة، وجماع كرامة، اصطفاه الله فنهجه، وبيَّن حججه، وأرف أرفه(1) وحده، ووصفه).

ص: 255


1- الأرف: الحد، والجمع أرف، مثال غرفة وغرف، وهي معالم الحدود بين الأرضين. (صحاح الجوهري 4: 1330).

وجعله رضاً، كما وصفه ووصف أخلاقه، وبيَّن أطباقه، ووكَّد ميثاقه، من ظهر وبطن ذي حلاوة وأمن، فمن ظفر بظاهره رأي عجائب مناظره في موارده ومصادره، ومن فطن لما بطن رأي مكنون الفطن وعجائب الأمثال والسنن.

فظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تنقضي عجايبه، ولا تفني غرائبه، فيه ينابيع النعم، ومصابيح الظلم، لا تفتح الخيرات إلاَّ بمفاتيحه، ولا تنكشف الظلم إلاَّ بمصابيحه، فيه تفصيل وتوصيل، وبيان الاسمين الأعلين اللذين جمعا فاجتمعا لا يصلحان إلاَّ معاً، يسيمان فيعرفان، ويوصفان فيجتمعان، قيامها في تمام أحدهما في منازلهما، جري بهما، ولهما نجوم، وعلي نجومهما نجوم سواهما، تحمي حماه، وترعي مراعيه، وفي القرآن بيانه وحدوده وأركانه ومواضيع تقادير ما خزن بخزائنه، ووزَّن بميزانه، ميزان العدل، وحكم الفصل.

إنَّ رعاة الدين فرَّقوا بين الشكّ واليقين، وجاءوا بالحقّ المبين، قد بيَّنوا الإسلام تبياناً، وأسَّسوا له أساساً وأركاناً، وجاءوا علي ذلك شهوداً وبرهاناً: من علامات وأمارات، فيها كفاء المكتف، وشفاء لمشتف، يحمون حماه، ويرعون مرعاه، ويصونون مصونه، ويهجرون مهجوره، ويحبّون محبوبه، بحكم الله وبرّه، وبعظيم أمره، وذكره بما يجب أن يذكر به، يتواصلون بالولاية، ويتلاقون بحسن اللهجة، ويتساقون بكأس الرؤبة، ويتراعون بحسن الرعاية، بصدور برية، وأخلاق سنيّة، لم يولم عليها، وبقلوب رضية، لا تتسرَّب فيها الدنية، ولا تشرع فيها الغيبة.

فمن استبطن من ذلك شيئاً استبطن خلقاً سنياً، وقطع أصله، واستبدل منزله، بنقضه مبرماً، واستحلاله محرّماً من عهد معهود إليه، وعقد معقود عليه بالبرّ والتقوي، وإيثار سبيل الهدي، علي ذلك عقد

ص: 256

خلقهم، وآخا ألفتهم، فعليه يتحابّون، وبه يتواصلون، فكانوا كالزرع وتفاضله، يبقي فيؤخذ منه، ويفني ببقية التخصّص، ويبلغ منه التخليص، فانتظر أمره في قِصر أيّامه، وقلَّة مقامه في منزله حتَّي يستبدل منزلاً فليصنع لمتحوّله ومعارف منتقله.

فطوبي لذي قلب سليم أطاع من يهديه، وتجنَّب ما يرديه، فيدخل مدخل الكرامة، فأصاب سبيل السلامة، يبصر ببصره، وأطاع هادي أمره، دلَّ أفضل الدلالة، وكشف غطاء الجهالة المضلّة الملهية، فمن أراد تفكّراً وتذكّراً فليذكر رأيه، وليبرز بالهدي ما لم تغلق أبوابه وتفتح أسبابه، وقبل نصيحة من نصح بخضوع وحسن خشوع، بسلامة الإسلام ودعاء التمام، وسلام بسلام، تحيّة دائمة لخاضع متواضع يتنافس بالإيمان، ويتعارف عدل الميزان، فليقبل أمره وإكرامه بقبول، وليحذر قارعة قبل حلولها، إنَّ أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلاَّ ملك مقرَّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، لا يعي حديثنا إلاَّ حصون حصينة، أو صدور أمينة، أو أحلام رزينة، يا عجبا كلّ العجب بين جمادي ورجب).

فقال رجل من شرطة الخميس: ما هذا العجب يا أمير المؤمنين؟

قال: (ومالي لا أعجب وقد سبق القضاء فيكم، وما تفقهون الحديث إلاَّ صوتات بينهنَّ موتات، حصد نبات ونشر أموات، يا عجبا كلّ العجب بين جمادي ورجب).

قال أيضاً رجل: يا أمير المؤمنين، ما هذا العجب الذي لا تزال تعجب منه؟

قال: (ثكلت الآخرة اُمّه، وأيّ عجب يكون أعجب من أموات يضربون هامات الأحياء؟!).

ص: 257

قال: أنّي يكون ذلك يا أمير المؤمنين؟

قال: (والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، كأنّي أنظر إليهم قد تخلّلوا سكك الكوفة، وقد شهروا سيوفهم علي مناكبهم يضربون كلّ عدوّ لله ولرسوله صلي الله عليه وآله وسلم وللمؤمنين، وذلك قول الله عز وجل: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآْخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ)(1).

أيّها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني لأنا بطرق السماء أعلم من العالم بطرق الأرض، أنا يعسوب المؤمنين، وغاية السابقين، ولسان المتّقين، وخاتم الوصيّين، ووارث النبيّين، وخليفة ربّ العالمين، أنا قسيم النار، وخازن الجنان، وصاحب الحوض، وصاحب الأعراف، فليس منّا أهل البيت إمام إلاَّ وهو عارف بجميع أهل ولايته، وذلك قول الله تبارك وتعالي: (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)(2) ألا أيّها الناس، سلوني قبل أن تشرع(3) برجلها فتنة شرقية، وتطأ في خطانها (4)، بعد موت وحياة، أو تشب نار بالحطب الجزل غربي الأرض، ورافعة ذيلها تدعو يا ويلها بذحلة أو مثلها، فإذا استدار الفلك قلت: مات أو هلك، بأيّ وادٍ سلك؟ فيومئذٍ تأويل هذه الآية: (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)(5) ولذلك آيات وعلامات، أوّلهنَّ: احصار الكوفة بالرصد والخندق، وتحريق الزوايا في سكك الكوفة، وتعطيل المساجد6.

ص: 258


1- الممتحنة: 13.
2- الرعد: 7.
3- في نهج البلاغة: (تشغر).
4- كذا في المصدر، وفي البحار: (خطامها).
5- الإسراء: 6.

أربعين ليلة، وتخفق رايات ثلاث حول المسجد الأكبر يشبهن بالهدي، القاتل والمقتول في النار، وقتل كثير، وموت ذريع، وقتل النفس الزكيّة بظهر الكوفة في سبعين، والمذبوح بين الركن والمقام، وقتل الأسبع(1) المظفر صبراً في بيعة الأصنام مع كثير من شياطين الإنس وخروج السفياني براية خضراء، وصليب من ذهب، أميرها رجل من كلب، واثني عشر ألف عنان من خيل يحمل السفياني متوجّهاً إلي مكّة والمدينة، أميرها أحد من بني أميّة يقال له: خزيمة، أطمس العين الشمال، علي عينه طرفة تميل بالدنيا، فلا ترد له راية حتَّي ينزل المدينة، فيجمع رجالاً ونساءً من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، فيحبسهم في دار بالمدينة يقال لها: دار أبي الحسن الأموي، ويبعث خيلاً في طلب رجل من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم قد اجتمع إليه رجال من المستضعفين بمكّة، أميرهم رجل من غطفان، حتَّي إذا توسّطوا الصفايح البيض بالبيداء يخسف بهم، فلا ينجو منهم أحد إلاَّ رجل واحد يحوّل الله وجهه في قفاه، لينذرهم، وليكون آية لمن خلفه، فيومئذٍ تأويل هذه الآية: (وَلَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ)(2) ويبعث السفياني مائة وثلاثين ألفاً إلي الكوفة، فينزلون بالروحاء والفاروق، وموضع مريم وعيسي عليهما السلام بالقادسية، ويسير منهم ثمانون ألفاً حتَّي ينزلوا الكوفة، موضع قبر هود عليه السلام بالنخيلة، فيهجموا عليه يوم زينة، وأمير الناس جبّار عنيد، يقال له: الكاهن الساحر، فيخرج من مدينة يقال لها: الزوراء في خمسة آلاف من الكهنة، ويقتل علي جسرها سبعين ألفاً، حتَّي يحتمي الناس الفرات ثلاثة أيّام من الدماء ونتن الأجسام،1.

ص: 259


1- في بعض المصادر: (الأسقع)، أو (الأسبغ).
2- سبأ: 51.

ويسبي من الكوفة أبكاراً لا يكشف عنها كفّ ولا قناع، حتَّي يوضعن في المحامل، يزلف بهنَّ الثوية (وهي الغريين).

ثمّ يخرج عن(1) الكوفة مائة ألف بين مشرك ومنافق حتَّي يضربوا دمشق، لا يصدّهم عنها صادٌّ، وهي إرم ذات العماد، وتقبل رايات شرقي الأرض ليست بقطن ولا كتّان ولا حرير، مختمة في رؤوس القنا بخاتم السيّد الأكبر، يسوقها رجل من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، يوم تطير بالمشرق يوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر، يسير الرعب أمامها شهراً، ويخلف أبناء سعد السقاء بالكوفة طالبين بدماء آبائهم، وهم أبناء الفسقة، حتَّي تهجم عليهم خيل الحسين عليه السلام، يستبقان كأنَّهما فرسا رهان، شعث غبر، أصحاب بواكي وفوارح، إذ يضرب أحدهم برجله باكية يقول: لا خير في مجلس بعد يومنا هذا، اللهم فإنّا التائبون الخاشعون الراكعون الساجدون، فهم الأبدال الذين وصفهم الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(2) والمطهرون نظرائهم من آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم.

ويخرج رجل من أهل نجران راهب مستجيب للإمام، فيكون أوّل النصاري إجابة، ويهدم صومعته، ويدقّ صليبها، ويخرج بالموالي وضعفاء الناس والخيل، فيسيرون إلي النخيلة بأعلام هدي، فيكون مجتمع الناس جميعاً من الأرض كلّها بالفاروق، وهي محجّة أمير المؤمنين عليه السلام، وهي ما بين البرس والفرات، فيقتل يومئذٍ فيما بين المشرق والمغرب ثلاثة الآف من اليهود والنصاري، يقتل بعضهم بعضاً،2.

ص: 260


1- كذا في المصدر، وفي بعض المصادر: (من).
2- البقرة: 222.

فيومئذٍ تأويل هذه الآية: (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّي جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ)(1) بالسيف وتحت ظلّ السيف.

ويخلف من بني الأشهب الزاجر اللحظ في أناس من غير أبيه هراباً حتَّي يأتوا سبطري عوذاً بالشجر، فيومئذٍ تأويل هذه الآية: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلي ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ)(2) ومساكنهم الكنوز التي غلبوا عليها من أموال المسلمين، ويأتيهم يومئذٍ الخسف والقذف والمسخ، فيومئذٍ تأويل هذه الآية: (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)(3).

وينادي منادٍ في شهر رمضان من ناحية المشرق عندما تطلع الشمس: يا أهل الهدي اجتمعوا، وينادي من ناحية المغرب بعدما يغيب الشمس: يا أهل الضلالة اجتمعوا، ومن الغد عند الظهر تكور الشمس فتكون سوداء مظلمة، واليوم الثالث يفرّق بين الحقّ والباطل بخروج دابة الأرض، وتقبل الروم إلي قرية بساحل البحر عند كهف الفتية، ويبعث الله الفتية من كهفهم إليهم رجل يقال له: تمليخا، والآخر: كمسلمينا، وهما الشهداء المسلمون للقائم، فيبعث أحد الفتية إلي الروم، فيرجع بغير حاجة، ويبعث بالآخر فيرجع بالفتح، فيومئذٍ تأويل هذه الآية: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً)(4) ثمّ يبعث الله من كلّ أمّة فوجاً ليريهم ما كانوا يوعدون، فيومئذٍ تأويل هذه الآية: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ .

ص: 261


1- الأنبياء: 15.
2- الأنبياء: 12 و13.
3- هود: 83 .
4- آل عمران: 83 .

فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ)(1) والوزع خفقان أفئدتهم، ويسير الصدّيق الأكبر براية الهدي، والسيف ذو الفقار، والمخصرة، حتَّي ينزل أرض الهجرة مرَّتين وهي الكوفة، فيهدم مسجدها ويبنيه علي بنائه الأوّل، ويهدم ما دونه من دور الجبابرة، ويسير إلي البصرة حتَّي يشرف علي بحرها، ومعه التابوت وعصا موسي، فيعزم عليه فيزفر زفرة بالبصرة فتصير بحراً لجياً، فيغرقها لا يبقي فيها غير مسجدها كجؤجؤ السفينة علي ظهر الماء، ثمّ يسير إلي حرور، ثمّ يحرقها، ويسير من باب بني أسد حتَّي يزفر زفرة في ثقيف وهم زرع فرعون، ثمّ يسير إلي مصر فيعلو منبره، ويخطب الناس، فتستبشر الأرض بالعدل، وتعطي السماء قطرها، والشجر ثمرها، والأرض نباتها، وتتزَّين لأهلها، وتأمن الوحوش حتَّي ترتعي في طرق الأرض كأنعامهم، ويقذف في قلوب المؤمنين العلم، فلا يحتاج مؤمن إلي ما عند أخيه من العلم، فيومئذٍ تأويل هذه الآية: (يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ)(2) وتخرج لهم الأرض كنوزها، ويقول القائم عليه السلام: (فَكُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الأَْيَّامِ الْخالِيَةِ)(3) فالمسلمون يومئذٍ أهل صواب للدين، أذن لهم في الكلام، فيومئذٍ تأويل هذه الآية: (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)(4) فلا يقبل الله يومئذٍ إلاَّ دينه الحقّ، (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ)(5)، فيومئذٍ تأويل هذه الآية: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَي الأَْرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ3.

ص: 262


1- النمل: 83 .
2- النساء: 130.
3- الحاقة: 24.
4- الفجر: 22.
5- الزمر: 3.

زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَ فَلا يُبْصِرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتي هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ)(1) فيمكث فيما بين خروجه إلي يوم موته ثلاثمائة سنة ونيفاً، وعدّة أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر، منهم تسعة من بني إسرائيل، وسبعون من الجنّ، ومائتان وأربعة وثلاثون، فيهم سبعون الذين غضبوا للنبيّ صلي الله عليه وآله وسلم إذ هجته مشركوا قريش، فطلبوا إلي نبيّ الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يأذن لهم في إجابتهم، فأذن لهم، حيث نزلت هذه الآية: (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(2) وعشرون من أهل اليمن منهم المقداد بن الأسود، ومائتان وأربعة عشر الذين كانوا بساحل البحر ممَّا يلي عدن، فبعث إليهم نبيّ الله برسالة فأتوا مسلمين، وتسعة من بني إسرائيل، ومن أفناء الناس ألفان وثمانمائة وسبعة عشر، ومن الملائكة أربعون ألفاً، من ذلك من المسوّمين ثلاثة آلاف، ومن المردفين خمسة آلاف، فجميع أصحابه عليه السلام سبعة وأربعون ألفاً ومائة وثلاثون، من ذلك تسعة رؤوس، مع كلّ رأس من الملائكة أربعة آلاف من الجنّ والإنس عدّة يوم بدر، فبهم يقاتل، وإيّاهم ينصر الله، وبهم ينتصر، وبهم يقدم النصر، ومنهم نضرة الأرض).

كتبتها كما وجدتها، وفيها نقص حروف(3).ه.

ص: 263


1- السجدة: 27 - 30.
2- الشعراء: 227.
3- انتهي ما نقله المصنّف رحمه الله عن كتاب خطب لأمير المؤمنين عليه السلام، قال: إنَّه وقف عليه بخطّ السيّد ابن طاووس رحمه الله ولم يذكر مؤلّفه.

* محمّد بن علي الصدوق رحمه الله، عن محمّد بن أحمد بن إبراهيم، قال: حدَّثنا أبو عبد الله الورّاق محمّد بن عبد الله بن الفرج، قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن بيان المقرئ، قال: حدَّثنا محمّد بن سائق، قال: حدَّثنا زائدة، عن الأعمش، قال: حدَّثنا فرات القزّاز، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: كنّا جلوساً في المدينة في ظلّ حائط، قال: وكان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في غرفة، فأطلع إلينا، فقال: (فيما أنتم؟)، قلنا: نتحدَّث، قال: (عم ذا؟)، قلنا: عن الساعة، فقال: (إنَّكم لا ترون الساعة حتَّي تروا قبلها عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدجّال، ودابة الأرض، وثلاثة خسوف يكون في الأرض: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونزول عيسي بن مريم عليهما السلام، وخروج يأجوج ومأجوج، وتكون آخر الزمان نار تخرج من اليمن من قعر الأرض لا تدع خلفها أحداً تسوق الناس إلي المحشر، كلَّما قاموا قامت لهم تسوقهم إلي المحشر)(1).

* محمّد بن علي الصدوق رحمه الله، عن حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي مولي بني هاشم، قال: أخبرني القاسم بن محمّد بن حماد، قال: حدَّثنا غياث بن إبراهيم، قال: حدَّثنا الحسين بن زيد بن علي، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (أبشروا ثمّ أبشروا - ثلاث مرّات - إنَّما مثل أمّتي كمثل غيث لا يدري أوّله خير أم آخره،ر.

ص: 264


1- الخصال: 449/ ح 52 من أبواب العشر.

إنَّما مثل أمّتي كمثل حديقة أطعم منها فوج عام، ثمّ أطعم منها فوج عاماً، لعلَّ آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً، وأعمقها طولاً وفرعاً، وأحسنها جِنَاً، وكيف تهلك أمّة أنا أوّلها، واثني عشر من بعدي من السعداء وأولي الألباب والمسيح عيسي بن مريم عليهما السلام آخرها؟، ولكن يهلك بين ذلك نتج الهرج، ليسوا منّي ولست منهم)(1).

* ومن الكتاب المذكور(2) أيضاً الذي فيه خطب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام خطبة، قال فيها بعد كلام طويل: يا رسول الله، فبأيّ المنازل أنزلهم إذا فعلوا ذلك؟ قال: (بمنزلة فتنة، ينقذ الله بنا أهل البيت عند ظهورنا السعداء من أولي الألباب، إلاَّ أن يدعوا الضلالة ويستحلّوا الحرام في حرم الله، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر، يا علي بنا ختم الله فتح الإسلام، وبنا يختمه، بنا أهلك الله الأوثان ومن يعبدها، وبنا يقصم كلّ جبّار وكلّ منافق، حتَّي ليقتل في الحقّ من يقتل في الباطل، يا علي إنَّما مثل هذه الأمّة مثل حديقة أطعم منها فوج عاماً ثمّ فوج عاماً ثمّ فوج عاماً، فلعلَّ آخرها فوجاً أن يكون أثبتها أصلاً، وأحسنها فرعاً، وأمدّها ظلاً، وأحلاها جِنَاً، وأكثرها خيراً، وأوسعها عدلاً، وأطولها ملكاً، إنَّما مثل هذه الأمّة كمثل الغيث لا يدري أوّله خير أم آخره، وبعد ذلك نتج الهرج، لست منه وليس منّي...) إلي آخر الخطبة.

* ومن كتاب (التنزيل والتحريف): أحمد بن محمّد السيّاري،).

ص: 265


1- الخصال: 475/ ح 39 من أبواب الواحد إلي الاثني عشر.
2- أي: كتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام المتقدّم ذكره، والخطبة موجودة في نهج البلاغة إلي: (بمنزلة فتنة).

عن محمّد بن خالد، عن عمر بن عبد العزيز، عن عبد الله بن نجيح اليماني، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)(1)، قال: (النعيم الذي أنعم الله عليكم بمحمّد وآل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم)، وفي قوله تعالي: (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ)(2)، قال: (المعاينة)، وفي قوله تعالي: (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ)(3)، قال: (مرّة بالكرّة، وأخري يوم القيامة)(4).

* محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيي وأحمد بن محمّد جميعاً، عن محمّد بن الحسن، عن علي بن حسان، قال: حدَّثني أبو عبد الله الرياحي، عن أبي الصامت الحلواني، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أنا قسيم الله بين الجنّة والنار لا يدخلها داخل إلاَّ علي أحد قسمي، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا الإمام لمن بعدي، والمؤدّي عمَّن كان قبلي، لا يتقدّمني أحد إلاَّ أحمد صلي الله عليه وآله وسلم، وإنّي وإيّاه لعلي سبيل واحد، إلاَّ أنَّه هو المدعو باسمه، ولقد اُعطيت الستّ: علم البلايا والمنايا، والوصايا، وفصل الخطاب، وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدول، وإنّي لصاحب العصا والميسم، والدابة التي تكلّم الناس)(5).

* ومن كتاب (الاحتجاج) لأبي منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي رحمه الله، قال: روي أنَّ يوماً قال أبو حنيفة لمؤمن الطاق: إنَّكم تقولون بالرجعة، قال: نعم، قال أبو حنيفة: فاعطني ألف درهم حتَّي3.

ص: 266


1- التكاثر: 8 .
2- التكاثر: 5.
3- الكوثر: 3.
4- التنزيل والتحريف: 70.
5- الكافي 1: 198/ باب إنَّ الأئمّة عليهم السلام أركان الأرض/ ح 3.

أعطيك ألف دينار إذا رجعنا، قال الطاقي لأبي حنيفة: اعطني كفيلاً بأنَّك ترجع إنساناً ولا ترجع خنزيرا (1).

* ومنه أيضاً، عن عباية، قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: (أنا سيّد الشيب، وفيَّ سُنّة من أيّوب، لأنَّ أيّوب عليه السلام ابتلي ثمّ عافاه الله من بلواه، واُتي أهله ومثلهم معهم كما حكي الله سبحانه)(2).

فروي أنَّه أحيا له أهله الذين قد ماتوا لمَّا أذهب بلواه وكشف ضرّه.

وقد صحَّ عنهم صلوات الله عليهم أنَّه كلّما كان في بني إسرائيل يكون في هذه الأمّة مثله حذوا النعل بالنعل والقذّة بالقذّة.

وقد قال: إنَّ فيه شبهه عليه السلام، وقوله: (والله ليجمعنَّ لي أهلي كما جمعوا ليعقوب عليه السلام)(3)، فإنَّ يعقوب فرّق بينه وبين أهله برهة من الزمان ثمّ جمعوا له، فقد حلف عليه السلام أنَّ الله سبحانه وتعالي سيجمع له ولده كما جمعهم ليعقوب عليه السلام وقد كان اجتماع يعقوب بولده في دار الدنيا، فيكون أمير المؤمنين عليه السلام كذلك في الدنيا، يجمعون له في رجعته عليه السلام وولده الأئمّة الإحدي عشر، وهم المنصوص علي رجعتهم في أحاديثهم الصحيحة الصريحة، والعاقبة للمتّقين، وهم المتّقون.

ومن كتاب (تأويل ما نزل من القرآن في النبيّ وآله صلوات الله عليه وعليهم)(4) تأليف أبي عبد الله محمّد بن العبّاس بن مروان، وعلير.

ص: 267


1- الاحتجاج 2: 148.
2- المصدر السابق.
3- هذا الكلام جزء من حديثه عليه السلام، والذي قبله كالشرح.
4- ذكره المجلسي في بحار الأنوار 53: 109، عن منتخب البصائر.

هذا الكتاب خطّ السيّد رضي الدين علي بن موسي بن طاووس ما صورته:

قال النجاشي في كتاب (الفهرست)(1) ما هذا لفظه: محمّد بن العبّاس، ثقة ثقة في أصحابنا عين سديد، له كتاب (المقنع في الفقه) وكتاب (الدواجن)، وقال جماعة من أصحابنا: إنَّه لم يصنّف في معناه مثله، رواية علي بن موسي بن طاوس، عن فخار بن معد العلوي وغيره، عن شاذان بن جبرئيل، عن رجاله، ومنه قوله عز وجل: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(2).

* حدَّثنا علي بن عبد الله بن أسد، قال: حدَّثني إبراهيم بن محمّد، قال: حدَّثنا أحمد بن معمّر الأسدي، قال: حدَّثنا محمّد بن فضل، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس في قوله عز وجل: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) قال: هذه نزلت فينا وفي بني أميّة، يكون لنا عليهم دولة، فتذلّ أعناقهم لنا بعد صعوبة وهوان بعد عزّ.

* حدَّثنا أحمد بن سعيد، قال: حدَّثنا أحمد بن الحسن، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا حصين بن مخارق، عن أبي الورد، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً)، قال: (النداء من السماء باسم رجل واسم أبيه).

* حدَّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسي، عن يونس، عن بعض أصحابنا، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سألته عن قول4.

ص: 268


1- فهرست النجاشي: 94.
2- الشعراء: 4.

الله عز وجل: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)، قال: (تخضع لها رقاب بني أميّة)، قال: (ذلك بارز عند زوال الشمس)، قال: (وذاك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه يبرز عند زوال الشمس علي رؤوس الناس ساعة حتَّي يبرز وجهه، يعرف الناس حسبه ونسبه)، ثمّ قال: (أما إنَّ بني أميّة ليختبينَّ الرجل منهم إلي جنب شجرة، فتقول: هذا رجل من بني أميّة فاقتلوه).

* حدَّثنا محمّد بن جعفر بن محمّد بن الحسن، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمّد الزيّات، قال: حدَّثنا محمّد - يعني ابن الجنيد -، قال: حدَّثنا مفضَّل بن صالح، عن جابر، عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت علي علي عليه السلام يوماً، فقال: (أنا دابة الأرض).

* حدَّثنا علي بن أحمد بن حاتم، حدَّثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي، حدَّثنا خالد بن مخلَّد، حدَّثنا عبد الكريم بن يعقوب الجعفي، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت علي علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: (ألا اُحدثك ثلاثاً قبل أن يدخل عليَّ وعليك داخل؟ أنا عبد الله، أنا دابة الأرض صدقها وعدلها وأخو نبيّها، أنا عبد الله، ألا اُخبرك بأنف المهدي وعينه؟)، قال: قلت: نعم، فضرب بيده إلي صدره فقال: (أنا).

* حدَّثنا محمّد بن الحسن بن الصباح، حدَّثنا الحسين بن الحسن القاشي، حدَّثنا علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي داود، عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت علي علي عليه السلام فقال: (اُحدثك بسبعة أحاديث إلاَّ أن يدخل علينا داخل)، قال: قلت: افعل جُعلت فداك، قال: (أتعرف أنف المهدي وعينه؟)، قال: قلت:

ص: 269

أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: (وحاجب الضلالة تبدو مخازيهما في آخر الزمان)، قال: قلت: أظنُّ والله يا أمير المؤمنين أنهما فلان وفلان، فقال: (الدابة وما الدابة، عدلها وصدقها وموقع بعثها، والله مهلك من ظلمها...) وذكر الحديث(1).

* محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيي، عمَّن ذكره، عن الحسن بن موسي الخشّاب، عن جعفر بن محمّد، عن كرام، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام عليه السلام).

وقال: (إنَّ آخر من يموت الإمام عليه السلام، لئلاَّ يحتجّ أحد علي الله أنَّه تركه بغير حجّة عليه)(2).

المراد بالإمام هنا الذي هو آخر من يموت الجنس، لأنَّ الحجّة تقوم علي الخلق بمنذر أو هادٍ في الجملة دون المشار إليه صلّي الله عليه، علي ما ورد عنهم صلوات الله عليهم فيما تقدَّم من أنَّ الحسين بن علي عليه السلام هو الذي يغسّل المهدي عليه السلام ويحكم بعده في الدنيا ما شاء الله.

ويجب علي من يقرّ لآل محمّد صلّي الله عليه وعليهم بالإمامة وفرض الطاعة أن يسلّم إليهم فيما يقولون، ولا يرد شيئاً من حديثهم المروي عنهم إذا لم يخالف الكتاب والسُنّة المتَّفق عليهما، ورجعتهم صلوات الله عليهم جاءت في الكتاب والسُنّة لا ريب فيها، والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّي الله علي محمّد وآله أجمعين.

* محمّد بن علي بن الحسين بن موسي ابن بابويه، عن علي بن3.

ص: 270


1- انتهي من كتاب (تأويل ما نزل من القرآن في النبيّ وآله صلوات الله عليهم).
2- الكافي 1: 180/ باب أنَّه لو لم يبقَ في الأرض رجلان.../ ح 3.

أحمد بن موسي الدقّاق، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسي بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: قلت للصادق عليه السلام: يا بن رسول الله، سمعت من أبيك أنَّه قال: (يكون بعد القائم عليه السلام اثني عشر إماماً)، فقال: (قد قال: اثني عشر مهدياً، ولم يقل: اثني عشر إماماً، ولكنَّهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلي موالاتنا ومعرفة حقّنا)(1).

اعلم هداك الله بهداه أنَّ علم آل محمّد ليس فيه اختلاف، بل بعضه يصدّق بعضاً. وقد روينا أحاديث عنهم صلوات الله عليهم جمّة في رجعة الأئمّة الاثني عشر، فكأنَّه عليه السلام عرف من السائل الضعف عن احتمال هذا العلم الخاصّ الذي خصَّ الله سبحانه من شاء من خاصَّته، وتكرَّم به علي من أراد من بريته، كما قال سبحانه وتعالي: (ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(2) فأوَّله بتأويل حسن، بحيث لا يصعب عليه فينكر قلبه فيكفر.

فقد روي في الحديث عنهم عليهم السلام: (ما كلّ ما يعلم يقال، ولا كلّ ما يقال حان وقته، ولا كلّ ما حان وقته حضر أهله)(3).

وروي أيضاً: (لا تقولوا الجبت والطاغوت وتقولوا الرجعة، فإن قالوا: قد كنتم تقولون؟ قولوا: الآن لا نقول)(4)، وهذا من باب التقيّة التي تعبَّد الله بها عباده في زمن الأوصياء في وجوب التقيّة في زمن حكّام الجور.ق.

ص: 271


1- كمال الدين: 358.
2- الحديد: 21.
3- بحار الأنوار 53: 115، عن مختصر بصائر الدرجات.
4- المصدر السابق.

ومن كتاب (البشارة) للسيّد رضي الدين علي بن طاووس(1): وجدت في كتاب تأليف جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، بإسناده إلي حمران بن أعين، قال: عمر الدنيا مائة ألف سنة لسائر الناس، عشرون ألف سنة، وثمانون ألف سنة لآل محمّد عليه وعليهم السلام).

قال السيّد رضي الدين رحمه الله:

وأعتقد أنَّني وجدت في كتاب طاهر بن عبد الله أبسط من هذه الرواية.

ومن كتاب (الغيبة) لمحمّد بن إبراهيم النعماني(2): أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدَّثنا يحيي بن زكريا بن شيبان، قال: حدَّثنا يوسف بن كليب، قال: حدَّثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن عاصم بن حميد الحناط، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي عليهما السلام يقول: (لو قد خرج قائم آل محمّد عليهم السلام لينصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبين، يكون جبرئيل عليه السلام أمامه، وميكائيل عن يمينه، وإسرافيل عن يساره، والرعب مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، والملائكة المقربون حذاه، أوّل ما يبايعه محمّد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وعلي صلوات الله عليه الثاني، معه سيف مخترطه، يفتح الله له الروم، والصين والترك، والديلم، والسند، والهند، وكابل شاه، والخزر، يا أبا حمزة لا يقوم القائم عليه السلام إلاَّ علي خوف شديد، وزلازل، وفتنة، وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك،2.

ص: 272


1- بحار الأنوار 53: 116، عن مختصر بصائر الدرجات.
2- الغيبة للنعماني: 234/ ح 22.

وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس، وتشتّت في دينهم، وتغيّر من حالهم، حتَّي يتمنّي المتمنّي الموت صباحاً ومساءً من عظم ما يري من كلب الناس وأكل بعضهم بعضاً، وخروجه إذا خرج عند الإياس والقنوط، فيا طوبي لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كلّ الويل لمن ناواه وخالف أمره وكان من أعدائه)، ثمّ قال: (يقوم بأمر جديد، وكتاب جديد، وسُنّة جديدة، وقضاء جديد، علي العرب شديد، ليس شأنه إلاَّ القتل، لا يستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم).

ومن كتاب (الغيبة) للنعماني(1): أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدَّثنا محمّد بن المفضَّل بن إبراهيم بن قيس بن رمانة الأشعري وسعدان بن إسحاق بن سعيد وأحمد بن الحسين بن عبد الملك الزيّات ومحمّد بن أحمد بن الحسين القطواني، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن ثابت، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي عليهما السلام يقول: (ليملكنَّ رجل منّا أهل البيت ثلاثمائة سنة، وتزداد تسعاً).

قال: قلت له: متي يكون ذلك؟

فقال: (بعد موت القائم صلوات الله عليه).

فقلت: وكم يقوم القائم في عالمه حتَّي يموت؟

قال: (تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلي يوم موته).

ومنه(2) أيضاً: أخبرنا محمّد بن همام، قال: حدَّثنا أحمد بن هابنداذ وعبد الله بن جعفر الحميري، قالا: حدَّثنا أحمد بن هلال، قال: حدَّثني7.

ص: 273


1- الغيبة للنعماني: 331/ باب 26/ ح 3.
2- الغيبة للنعماني: 180/ ح 27.

الحسن بن محبوب الزرّاد، قال: قال لي الرضا عليه السلام: (يا حسن، إنَّه ستكون فتنة صمّاء صيلم، يذهب فيها كلّ وليجة وبطانة).

وفي رواية أخري: (يسقط فيها كلّ وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء، كم من مؤمن ومؤمنة متأسّف متلهّف حيران حزين لفقده)، ثمّ أطرق، ثمّ رفع رأسه وقال: (بأبي واُمّي سميّ جدّي، وشبيهي، وشبيه موسي بن عمران عليه السلام، عليه جلابيت النور، وتتوقَّد من شعاع ضياء القدس، كأنّي بهم آيس ما كانوا، قد نودوا نداء يسمعه من بالبعد كما يسمعه من بالقرب، يكون رحمة علي المؤمنين، وعذاباً علي الكافرين).

قلت: بأبي واُمّي أنت ما ذلك النداء؟

قال: (ثلاثة أصوات في رجب: أوّلها: ألا لعنة الله علي الظالمين. والثاني: أزفت الأزفة يا معشر المؤمنين، والثالث: يرون بدناً بارزاً مع قرن الشمس).

قد مضي فيما تقدَّم من الروايات أنَّه مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه الذي يراه الخلق بارزاً مع الشمس في غير حديث، والحمد لله علي ما هداه، (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)(1).

ومنه(2): أبي رحمه الله، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، عن محمّد بن أحمد، قال: حدَّثنا موسي بن عمر، عن ابن سنان، عن أبي سعيد القمّاط، عن بكر بن أعين، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: لأيّ علّة وضع1.

ص: 274


1- النحل: 53.
2- من علل الشرائع 2: 429/ باب 164/ ح 1.

الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره؟ ولأيّ علّة يقبل ولأيّ علّة اُخرج من الجنّة؟ ولأيّ علّة وُضع فيه مواثيق العباد والعهد ولم توضع في غيره؟ وكيف السبب في ذلك؟ فخبرني جُعلت فداك، فإنَّ تفكّري فيه لعجب.

قال: فقال: (سألت وأعضلت في المسألة، واستقصيت، فافهم، وفرّغ قلبك، واصغ سمعك، اُخبرك إن شاء الله تعالي، إنَّ الله تبارك وتعالي وضع الحجر الأسود وهو جوهرة اُخرجت من الجنّة إلي آدم عليه السلام، فوضعت في ذلك الركن لعلّة الميثاق، وذلك أنَّه لمَّا أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان، وفي ذلك المكان ترائي لهم ربّهم، ومن ذلك الركن يهبط الطير علي القائم عليه السلام، فأوّل من يبايعه ذلك الطير، وهو والله جبرئيل عليه السلام، وإلي ذلك المقام يسند ظهره، وهو الحجّة والدليل علي القائم عليه السلام، وهو الشاهد لمن وافي ذلك المكان، والشاهد لمن أدّي إليه الميثاق والعهد الذي أخذه الله علي العباد، وأمَّا القبلة والالتماس فلعلّة العهد تجديداً لذلك العهد والميثاق، وتجديداً للبيعة، وليؤدّوا إليه ذلك العهد الذي أخذ عليهم في الميثاق، فيأتونه في كلّ سنة ليؤدّوا إليه ذلك العهد، ألا تري أنَّك تقول: أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، والله ما يؤدّي ذلك أحد غير شيعتنا، ولا حفظ ذلك العهد والميثاق أحد غير شيعتنا، وإنَّهم ليأتونه فيعرّفهم ويصدّقهم، ويأتيه غيرهم فينكرهم ويكذّبهم، وذلك أنَّه لم يحفظ ذلك غيركم، فلكم والله يشهد، وعليهم والله يشهد بالخفر والجحود والكفر، وهو الحجّة البالغة من الله عليهم

ص: 275

يوم القيامة، يجيء وله لسان ناطق، وعينان في صورته الأولي، يعرفه الخلق ولا ينكرونه، يشهد لمن وافاه وجدَّد العهد والميثاق عنده بحفظ العهد والميثاق وأداء الأمانة، ويشهد علي كلّ من أنكره وجحد ونسي الميثاق بالكفر والإنكار).

* * *

ص: 276

المحتضر

تأليف: الشيخ عز الدين الحسن بن سليمان الحلي المتوفي سنة 802 ه-

ص: 277

ص: 278

وذكر الفضل بن شاذان في كتاب القائم أيضاً، قال: حدَّثنا محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن زيد الشحّام، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّ أرواح المؤمنين تري آل محمّد عليهم السلام في جبال رضوي، فتأكل من طعامهم، وتشرب من شرابهم، ونتحدَّث(1) معهم في مجالسهم، حتَّي يقوم قائمنا أهل البيت، فإذا قام قائمنا بعثهم الله تعالي وأقبلوا معه يلبّون زمراً زمراً، فعند ذلك يرتاب المبطلون، ويضمحل المنتحلون، وينجو المقرَّبون)(2).

وممَّا يدلُّ علي تفضيل محمّد وآله صلوات الله عليهم علي جميع أوليائه ورسله قوله تعالي: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(3)، فروي عن مولانا الصادق عليه السلام أنَّ المراد بالغيب هنا ثلاثة أشياء: يوم قيام القائم، ويوم الكرّة، ويوم القيامة، من آمن بها فقد آمن بالغيب، وهذا بعينه هو معني قوله تعالي: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ)(4)(5).

وروي عن الصادق عليه السلام أنَّ أيّام الله ثلاثة: يوم القائم، ويوم الكرّة، ويوم القيامة(6).8.

ص: 279


1- كذا في المصدر، وفي غيره من المصادر: (يتحدَّث).
2- المحتضر: 5.
3- البقرة: 3.
4- إبراهيم: 5.
5- المحتضر: 97.
6- المحتضر: 98.

وروي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّ لله تعالي بالمشرق مدينة يقال لها: (جابلقا) لها اثنا عشر ألف باب من ذهب، ما بين كلّ باب إلي صاحبه فرسخ، علي كلّ باب برج فيه اثنا عشر ألف مقاتل، يهيّؤون الخيل، ويشهرون السيوف والسلاح، ينتظرون قيام قائمنا، وإنّي الحجة عليهم)(1).

وروي عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ميراث العلم ما مبلغه؟ أجوامع هو من العلم؟ أم تفسير كلّ شيء من هذه الأمور التي نتكلَّم فيها؟

فقال عليه السلام: (إنَّ لله عز وجل مدينتين مدينة بالمشرق، ومدينة بالمغرب، فيهما قوم لا يعرفون إبليس ولا يعلمون بخلق إبليس، نلقاهم في كلّ حين فيسألونا عمَّا يحتاجون إليه فنعلّمهم، ويسألونا عن قائمنا متي يظهر، وفيهم عبادة واجتهاد شديد، ولمدينتهم أبواب ما بين المصراع إلي المصراع مائة فرسخ، لهم تقديس وتمجيد ودعاء واجتهاد شديد، لو رأيتهم لحقرت عملكم، يصلّي الرجل منهم شهراً لا يرفع رأسه من سجدته، طعامهم التسبيح، ولباسهم الورع، ووجوههم مشرقة بالنور، وإذا رأوا منّا واحداً احتوشوه واجتمعوا إليه وأخذوا من أثره من الأرض يتبرَّكون به، لهم دوي إذا صلّوا كأشد من دوي الريح العاصف، فيهم جماعة لم يضعوا السلاح منذ كانوا ينتظرون قائمنا، يدعون الله أن يريهم إيّاه، يعمّر أحدهم ألف سنة، إذا رأيتهم رأيت الخشوع والاستكانة وطلب ما يقرّبهم من الله، إذا احتبسنا عنهم ظنّوا أنَّ ذلك من سخط،2.

ص: 280


1- المحتضر: 102.

يتعاهدون أوقاتنا التي نأتيهم فيها، لا يسأمون ولا يفترون، يتلون كتاب الله عز وجل كما علَّمناهم، وإنَّ فيما نعلّمهم ما لو تلي علي الناس لكفروا به، ولأنكروه، ويسألونا عن الشيء إذا ورد عليهم من القرآن لا يفهمونه، فإذا أخبرناهم به انشرحت صدورهم لما يسمعونه منّا، وسألوا لنا طول البقاء، وأن لا يفقدونا، ويعلمون أنَّ المنّة من الله تعالي عليهم فيما نعلمهم به عظيمة، ولهم خرجة مع الإمام إذا قام، يسبقون فيها أصحاب السلاح منكم، ويدعون الله تعالي أن يجعلهم ممَّن ينتصر به لدينه، فيهم كهول وشباب، إذا رأي شاب منهم الكهل جلس بين يديه جلسة العبد، لا يقوم حتَّي يأمره، فإذا أمرهم الإمام بأمر قاموا إليه أبداً حتَّي يكون هو الذي يأمرهم بغيره، لو أنَّهم وردوا علي ما بين المشرق والمغرب لأفنوهم في ساعة واحدة، لهم سيوف من حديد غير هذا الحديد، لو ضرب أحدهم بسيفه جبلاً لقدَّه حتَّي يفصله، ويغزو بهم الإمام الهند والديلم والكرد والروم وبربر وفارس وبين جابرسا إلي جابلقا، وهما مدينتان، واحدة بالمشرق، وواحدة بالمغرب، لا يأتون علي أهل دين إلاَّ دعوهم إلي الله تعالي وإلي الإسلام والتوحيد والإقرار بمحمّد صلي الله عليه وآله وسلم وولايتنا أهل البيت، فمن أجاب منهم ودخل في الإسلام تركوه وأمَّروا عليه أميراً منهم، ومن لم يجب ولم يقرّ بمحمّد صلي الله عليه وآله وسلم وبالإسلام قتلوه حتَّي لا يبقي بين المشرق والمغرب أحد إلاَّ آمن)(1).

* وروي عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (ليلة اُسري بي إلي السماء جاوزت الحجب حتَّي دنوت من ربّي جل جلاله، فلم يبقَ بيني وبين ربّي إلاَّ

----------------------

(1) المحتضر: 103.

ص: 281

حجاب النور وهو يتلألأ، فأوحي إليَّ: يا أحمد، قلت: لبيك، فقال: من خلَّفت علي أمّتك؟ قلت: خيرها، فقال: خلَّفت عليها علي بن أبي طالب، وأنا أعلم؟ قلت: نعم يا ربّ، فأوحي إليَّ: يا محمّد، إنّي أطلعت إلي الأرض اطلاعة فاخترتك منها نبيّاً، فلا أذكر إلاَّ وأنت معي، وشققت لك اسماً من اسمي، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ أطلعت إلي الأرض اطلاعة أخري فاخترت منها علياً فجعلته وصيّك، وشققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلي وهو علي، فأنت سيّد الأنبياء وهو سيّد الأوصياء، خلقتك من نوري، وخلقته من نورك، وخلقت فاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين من نوركما، ثمّ عرضت ولايتكم علي خلقي، فمن قبلها كان من المقرَّبين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومن جحدها كان من الكافرين، يا محمّد، لو أنَّ عبداً عبدني حتَّي يتقطَّع إرباً إرباً ثمّ لقيني جاحداً لولايتكم لأدخلته النار وعذَّبته العذاب الأليم.

يا محمّد، أتحبّ أن تري صورة شبحك وأشباح خلفائك من بعدك، علي وأحد عشر إماماً من ذريته؟ قلت: نعم يا ربّ، فأوحي تعالي إليَّ أن تقدَّم أمامك، فتقدَّمت، فإذا أنا بأشباح من نور يتلألأ، مكتوب عليها بالنور أسمائنا، وهي: محمّد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسي بن جعفر، وعلي بن موسي، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، ومحمّد بن الحسن، وهو في وسطهم شبيه الكوكب الدرّي، فقلت: يا ربّ، من هؤلاء؟ فأوحي إليَّ: أن يا محمّد، هذه ابنتك والخلفاء من ولدها من ذرية وصيّك علي، وهذا الذي بينهم كالكوكب الدرّي هو القائم المهدي، يهدي أمّتك إلي الإيمان ويخرجها من الضلالة والطغيان، أملأ به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

ص: 282

قلت: يا ربّ، ما اسمه؟ فأوحي إليَّ هو سميّك، والموفي بعهدك، وهؤلاء الأئمّة من ائتمَّ بهم نجا وسلم، وعذابي مقيم علي من جحدهم حقّهم، وهم أوليائي وخلفائي وسكّان جنّتي، وهم خيرتي من خلقي، فطوبي لمن أحبَّهم وصدَّقهم، وويل لمن جحد حقّهم وكذَّب بهم)(1).

* وروي عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالي: (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلي آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(2)، قال: (عهد إليه في محمّد والأئمّة من بعده، فترك، فلم يكن له عزم، إنَّهم هكذا، وإنَّما سمّوا أولي العزم لأنَّه عهد إليهم في محمّد والأوصياء من بعده، والمهدي وسيرته، فأجمع عزمهم أنَّهم كذلك، وأنَّهم يقرّون به)(3).

* وروي عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّ الله تبارك وتعالي حين خلق الخلق خلق ماءً عذباً وماءً مالحاً أجاجاً، فامتزج الماءان، فأخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عركاً شديداً، فقال لأصحاب اليمين - وهم كالذرّ يدبّون -: الجنّة بسلام، وقال لأصحاب الشمال: إلي النار ولا أبالي، ثمّ قال: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلي شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ)(4)، ثمّ أخذ الميثاق علي النبيّين، فقال: ألستُ بربّكم؟ قالوا: بلي، فقال: وأنَّ محمّداً رسولي، وعلياً أمير المؤمنين وأوصيائه من بعده ولاة أمري وخزّان علمي، وأنَّ المهدي أنتصر به لديني، وأظهر به دولتي، وأنتقم به من أعدائي، وأعبد به طوعاً وكرهاً؟ فقالوا: قد أقررنا يا ربّ2.

ص: 283


1- المحتضر: 106.
2- طه: 115.
3- المحتضر: 116.
4- الأعراف: 172.

وشهدنا، ولم يجحد آدم ولم يقرّ فثبتت العزيمة الخمسة من الأنبياء في المهدي ولم يكن لآدم عزم علي الإقرار به، وذلك قوله تعالي في آدم: (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(1) ثمّ أمر تعالي ناراً فأججت فقال لأصحاب الشمال: اُدخلوها فهابوها، وقال لأصحاب اليمين: اُدخلوها فدخلوها فكانت عليهم برداً وسلاماً، فقال أصحاب الشمال: يا ربّ أقلنا، فقال: قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها فهابوها، فثَمَّ ثبتت الطاعة والمعصية والولاية)(2).

* وروي عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: (إنَّ الله عز وجل خلق أربعة عشر نوراً من نور عظمته قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا)، فقيل له: يا بن رسول الله فمن هؤلاء الأربعة عشر نوراً؟ فقال: (هو(3) محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائمهم)، ثمّ عدَّهم بأسمائهم، وقال: (نحن والله الأوصياء الخلفاء من بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ونحن المثاني التي أعطاها الله تعالي نبيّنا محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم ونحن شجرة النبوّة ومنبت الرحمة ومعدن الحكمة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وموضع سرّ الله ووديعة الله في عباده وحرم الله الأكبر وعهده المسؤل عنه فمن وفي بعهدنا فقد وفي بعهد الله ومن خفره فقد خفر ذمّة الله وعهده، عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا، نحن الأسماء الحسني الذين لا يقبل الله من العباد عملاً إلاَّ بمعرفتنا، ونحن والله الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، إنَّ الله خلقنا فأحسن خلقنا).

ص: 284


1- طه: 115.
2- المحتضر: 116.
3- لا يوجد في البحار: (هو).

وصوَّرنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه علي عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة عليهم بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتي منه وبابه الذي يدلُّ عليه وخزّان علمه وتراجمة وحيه وأعلام دينه والعروة الوثقي والدليل الواضح لمن اهتدي، وبنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار ونزل الغيث من السماء ونبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبد الله تعالي ولولانا لما عرف الله تعالي، وأيم الله لولا كلمة سبقت وعهد اُخذ علينا لقلت قولاً يعجب أو يذهل منه الأوّلون والآخرون)(1).

وروي في حديث الجالوت النصراني بعد كلام طويل، فقلت: يا رسول الله أخبرني بهذه الأسماء التي لم نشهدها وأشهدنا قس(2) بها(3)، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (يا جالوت ليلة اُسري بي إلي السماء أوحي الله تعالي إليَّ أن أسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا علي ما بعثوا، فقلت لهم: علي ماذا بعثتم؟ قالوا: علي نبوَّتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمّة من ذريتكما، ثمّ أوحي إليَّ أن التفت إلي يمين العرش، فالتفت فإذا علي والحسن والحسين وعلي ومحمّد وجعفر وموسي وعلي ومحمّد وعلي والحسن والمهدي في ضحضاح من نور يصلّون، فقال الربّ تعالي: هؤلاء الحجج أوليائي وهذا منهم المنتقم من أعدائي)، قال الجالوت: فقلت: هؤلاء المذكورون في التوراة والإنجيل والزبور(4).1.

ص: 285


1- المحتضر: 129.
2- هو: قس بن ساعدة الأيادي.
3- في المصادر الأخري: (ذكرها) بدلاً من (بها).
4- المحتضر: 151.

* وروي عن سلمان، قال: دخلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فلمَّا نظر إليَّ قال: (يا سلمان إنَّ الله لم يبعث نبيّاً ولا رسولاً إلاَّ جعل له اثني عشر نقيباً).

فقلت: يا رسول الله قد عرفت هذا من الكتابين.

قال صلي الله عليه وآله وسلم: (فهل عرفت نقبائي الاثني عشر الذين اختارهم الله للإمامة من بعدي؟).

فقلت: الله ورسوله أعلم.

قال: (يا سلمان، خلقني الله من صفاء نوره ودعاني فأطعته وخلق من نوري علياً ودعاه فأطاعة وخلق من نوري ونور علي فاطمة ودعاها فأطاعته وخلق من نوري ونور علي وفاطمة الحسن والحسين ودعاهما فأطاعاه، فسمّانا الله بخمسة أسماء من أسمائه فالله المحمود وأنا محمّد، والله الأعلي وهذا علي، والله فاطر وهذه فاطمة، والله الحسن وهذا الحسن، والله ذو الإحسان وهذا الحسين، ثمّ خلق من نور الحسين تسعة أئمّة ودعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق الله سماء مبنيّة وأرضاً مدحيّة وهواءً وماءً وملكاً وبشراً فكنّا بعلمه أنواراً نسبّحه ونسمع له ونطيع).

فقلت: يا رسول الله بأبي أنت واُمّي ما لمن عرف هؤلاء؟

فقال صلي الله عليه وآله وسلم: (يا سلمان من عرفهم حقّ معرفتهم واقتدي بهم فوالي وليّهم وتبرَّأ من عدوّهم فهو والله منّا يرد حيث نرد).

فقلت: يا رسول الله أيكون إيمان بهم بغير معرفتهم بأسمائهم وأنسابهم؟

قال: (لا).

فقلت: يا رسول الله فأنّي لي بهم.

ص: 286

قال: (الحسين عرفته، ثمّ سيّد العابدين علي بن الحسين، ثمّ ابنه محمّد باقر علم الأوّلين والآخرين، ثمّ ابنه جعفر لسان الصادقين، ثمّ ابنه موسي الكاظم غيظه صبراً في الله، ثمّ ابنه علي الرضا لأمر الله، ثمّ ابنه محمّد الجواد المختار لله، ثمّ ابنه علي الهادي إلي الله، ثمّ ابنه الحسن الأمين الصامت العسكري، ثمّ ابنه محمّد المهدي الناطق القائم بحقّ الله) فسكت.

ثمّ قلت: يا رسول الله اُدع لي بإدراكهم.

فقال صلي الله عليه وآله وسلم: (إنَّك مدركهم وأمثالك ومن تولاّهم بحقيقة المعرفة).

فشكرت الله ثمّ قلت: يا رسول الله مؤجّل إلي عهدهم؟

فقال صلي الله عليه وآله وسلم: (يا سلمان (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)(1)).

فكثر بكائي واشتدَّ شوقي فقلت: يا رسول الله بعهد منك؟

قال صلي الله عليه وآله وسلم: (إي والذي أرسل محمّداً إنَّه لبعهد منّي وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة أئمّة منه، وكلّ من هو منّا مظلوم فينا، أي والله يا سلمان، ثمّ ليحضرنَّ إبليس وجنوده وكلّ من محض الإيمان ومحض الكفر محضاً حتَّي يؤخذ بالقصاص والترات ولا يظلم ربّك أحداً، نحن تأويل هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(2)).6.

ص: 287


1- الإسراء: 5 و6.
2- القصص: 5 و6.

فقمت من بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقلت: ما يبالي سلمان لقي الموت أو لقيه الموت(1).

* وروي عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (اختار الله تعالي من الأيّام يوم الجمعة ومن الشهور شهر رمضان ومن الليالي ليلة القدر واختار من الناس الأنبياء والرسل واختارني من الرسل واختار منّي علياً واختار من علي الحسن والحسين واختار من الحسين الأوصياء يمنعون عن التنزيل تحريف الضالّين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين تاسعهم باطنهم ظاهرهم قائمهم وهو أفضلهم)(2).

* * *9.

ص: 288


1- المحتضر: 152.
2- المحتضر: 159.

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام

اشارة

تأليف: الحافظ رجب البرسي المتوفي سنة 811 ه-

ص: 289

ص: 290

الفصل الرابع عشر: في أسرار أبي صالح المهدي عليه السلام:

الفصل الرابع عشر: في أسرار أبي صالح المهدي عليه السلام:(1)

فمن ذلك ما رواه الحسن بن حمدان، عن حكيمة(2) بنت محمّد بن علي الجواد، قالت: كان مولد القائم ليلة النصف من شعبان سنة (250ه-).

واُمّه نرجس بنت ملك الروم، فقالت حكيمة: فلمَّا وضعته سجد، وإذا علي عضده مكتوب بالنور: (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ)(3)، قالت(4): فجئت به إلي الحسن عليه السلام فمسح يده الشريفة علي وجهه وقال: (تكلَّم يا حجّة الله وبقيّة الأنبياء، وخاتم الأوصياء، وصاحب الكرّة البيضاء، والمصباح من البحر العميق الشديد الضياء، تكلَّم يا خليفة الأتقياء، ونور الأوصياء).

فقال: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنَّ علياً وليّ الله)، ثمّ عدَّ الأوصياء، فقال له الحسن عليه السلام: (اقرأ ما نزل علي الأنبياء)، فابتدأ بصحف إبراهيم فقرأها بالسريانية، ثمّ قرأ كتاب نوح وإدريس، وكتاب صالح، وتوراة موسي، وإنجيل عيسي، وفرقان محمّد صلّي الله عليه وعليهم أجمعين، ثمّ قصَّ قصص الأنبياء إلي عهده عليه السلام.

(فقال:)(5) هذا بقيّة الله في خلقه، ووجه الله في عباده، ووديعته

ص: 291


1- مشارق أنوار اليقين: 157.
2- في المطبوع: (حليمة)، والصحيح ما أثبتناه.
3- في المطبوع: (قال)، والصحيح ما أثبتناه.
4- الإسراء: 81 .
5- ما بين المعقوفتين أثبتناه من (مجمع النورين).

المستحفظة، وكلمته الباقية، وهذا بقيّة أغصان شجرة طوبي، هذا القاف، وسدرة المنتهي، هذا ريحان جنّة المأوي، هذا خليفة الأبرار، هذا بقيّة الأطهار، هذا خازن الأسرار، هذا منتهي الأدوار، هذا ابن التسمية البيضاء، والوحدانية الكبري، وحجاب الله الأعظم الأعلي، هذا السبب المتَّصل من الأرض إلي السماء، هذا الوجه الذي يتوجَّه الأولياء، هذا الولي الذي بيمنه رزق الوري، وببقائه بقيت الدنيا، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء، هذا الحجّة من الحجج، هذا نسخة الوجود والموجود، هذا غوث المؤمنين، وخاتم الوصيّين وبقيّة النبيّين، ومستودع علم الأوّلين والآخرين، هذا خاتم الألقاب الذاتية، والأشخاص المحمّدية، والعترة الهاشمية، هذا البقيّة من النور القويم، والنبأ العظيم، والصراط المستقيم، خلفاء النبيّ الكريم، وأبناء الرؤوف الرحيم، وأمناء العلي العظيم، ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم.

هم خلفاء أحمد والنقباء الحكماء أئمّة اثنا عشر أشرف من تحت السماء تعمي العيون عنهم وهم جلاء للعماء هذا الخليفة الوارث لأسرة النبوّة والإمامة، والخلافة والولاية، والسلطنة، والعصمة والحكمة، هذا الخلف من الآيات الباهرات، والنجوم الزاهرات، الذين لهم الحكم علي الموجودات، والتصرف في الكائنات، والاطلاع علي الغيوب، والعلم بما في الضمائر والقلوب، والإحاطة بالمخلوقات والشهادة لسائر البريّات، شهد لهم بذلك الذكر المبين، بأنَّهم سادة الأوّلين والآخرين، والولاة علي السماوات والأرضين، وإنَّ الذي وصل إلي الأنبياء قطرة من بحرهم، ولمعة من نورهم، وذرَّة من سرّهم، وذلك لأنَّ الذي كان عند الأنبياء من الاسم الأعظم حرفان لا غير، وكانوا يفعلون بهما العجائب، وعند آل محمّد سبعون حرفاً، وعندهم ما عند الأنبياء أيضاً مضاف إليه، فالكلّ

ص: 292

منهم وعنهم، وإليه الإشارة بقوله حكاية عن موسي عليه السلام: (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الأَْلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)(1) ومن هنا للتبعيض، وقال حكاية عن عيسي عليه السلام: (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ)(2)، وقال حكاية عن خاتم النبيّين: (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(3)، وقوله: (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)(4)، فهم اللوح الحاوي لكلّ شيء، والكتاب المبين الجامع لكلّ شيء، لأنَّ كلّ ما سطر في اللوح صار إليهم، دليله قوله: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)(5). والإمام المبين هو اللوح المحفوظ المتقدّم في الوجود علي سائر الموجودات، وسمّاه الإمام لأنَّه فوق الكلّ وإمام الكلّ، دليله قوله: (أوّل ما خلق الله اللوح المحفوظ) ونور محمّد متقدّم في علم الغيب علي الكلّ وعدل علي الكلّ، وعنه بدأ الكلّ ولأجله خلق الكلّ، فاللوح المحفوظ هو الإمام، وإليه الإشارة بقوله: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) فالكتاب المبين هو الإمام، وإمام الحقّ علي، فعلي هو الكتاب المبين، وإليه الإشارة بما روي عن محمّد الباقر عليه السلام أنَّه لما نزلت هذه الآية قام رجلان فقالا: يا رسول الله من الكتاب المبين أهو التوراة؟

قال: (لا).

قالا: فهو الإنجيل؟

قال: (لا).

قالا: فهو القرآن؟

قال: (لا).2.

ص: 293


1- الأعراف: 145.
2- النحل: 39.
3- النحل: 89 .
4- الأنعام: 38.
5- يس: 12.

فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (هذا هو الإمام المبين الذي أحصي الله فيه علم كلّ شيء) وإن كبر عليك أنَّه هو الكتاب المبين، فعنده علم الكتاب وإليه الإشارة بقوله: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)(1) فعلي الوجهين عنده علم الغيب من غير ريب.

أقول: يؤيّد هذا ما رواه ابن عبّاس من كتاب المقامات قال: أنزل الله علي نبيّه كتاباً من قبل أن يأتيه الموت عليه خواتيم من ذهب، فقال له: ادفعه إلي النجيب من أهلك علي بن أبي طالب عليه السلام ومُره أن يفكّ خاتماً منه ويعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلي الحسين عليه السلام ففكَّ خاتماً منه فوجد فيه: اُخرج بقومك إلي الشهادة، واشتر نفسك لله، ثمّ دفعه إلي علي ابنه عليه السلام فوجد فيه: اصمت والزم بيتك واعبد ربَّك حتَّي يأتيك اليقين، ففعل، ثمَّ دفعه إلي محمّد ابنه عليه السلام ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وافتهم، ولا تخافنَّ إلاَّ الله فلا سبيل لأحد عليك، ففعل، ثمّ دفعه إلي ابنه جعفر ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وافتهم وانشر علوم آبائك وصدّق أهل بيتك، ولا تخافنَّ أحداً إلاَّ الله، هكذا(2) حتَّي مضي، ثمّ صار إلي القائم عليه السلام.

يشهد بصحَّة هذا الإيراد حديث اللوح الذي رواه جابر عن الزهراء عليها السلام، وهو لوح أهداه الله إلي رسوله فيه اسمه واسم الخلفاء من بعده، نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز الحكيم إلي محمّد نبيّه وسفيره نزل به الروح الأمين من ربّ العالمين، عظّم يا محمّد أمري، واشكر نعمائي، إنَّني أنا الله لا إله إلاَّ أنا فمن رجا غير فضلي، وخاف غير عدلي، عذَّبته عذاباً أليماً فإيّاي).

ص: 294


1- الرعد: 43.
2- ذكر المصنّف الحديث مختصراً، راجع نصّ الحديث في: كمال الدين: 670؛ وأمالي الطوسي: 441/ ح (990/47).

فاعبد، (و)(1) عليَّ فتوكَّل، إنَّني لم أبعث نبيّاً قطّ فأكملت أيّامه إلاَّ جعلت له وصيّاً، وإنّي فضَّلتك علي الأنبياء وجعلت لك علياً وصيّاً، وكرَّمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، وجعلت حسناً معدن وحيي بعد أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة، وأعطيته مواريث الأنبياء فهو سيّد الشهداء، وجعلت كلمتي الباقية في عقبه أخرج منه تسعة أبرار هداة أطهار منهم سيّد العابدين وزين أوليائي، ثمّ ابنه محمّد شبيه جدّه المحمود الباقر لعلمي، هلك المرتابون في جعفر، الرادّ عليه كالرادّ عليَّ، حقّ القول منّي أن أهيج بعده فتنة عمياء، من جحد وليّاً من أوليائي فقد جحد نعمتي، ومن غيَّر آية من كتابي فقد افتري عليَّ، ويل للجاحدين فضل موسي عبدي وحبيبي، وعلي ابنه وليّي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوّة، يقتله عفريت مريد، حقّ القول منّي لأقرنَّ عينه بمحمّد ابنه موضع سرّي، ومعدن علمي، وأختم بالسعادة لابنه علي الشاهد علي خلقي، أخرج منه خازن علمي الحسن الداعي إلي سبيلي، وأكمل ديني بابنه زكي العالمين(2) عليه كمال موسي، وبهاء عيسي، وصبر أيّوب، يذلّ أولياؤه في غيبته ويتهادون برؤوسهم إلي الترك والديلم، ويصبغ الأرض بدمائهم ويكونون خائفين أولئك أوليائي حقّاً، بكم أكشف الزلازل والبلاء، (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(3)).

* * *7.

ص: 295


1- أثبتناه لاقتضاء العبارة.
2- كذا في المصادر، وفي الكافي وكمال الدين والغيبة للطوسي وغيرها من المصادر: (ثمّ أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين).
3- البقرة: 157.

ص: 296

إرشاد الطالبين إلي نهج المسترشدين

اشارة

تأليف: الفقيه الكبير والمتكلم النحرير جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلي المتوفي سنة 826 هجرية

ص: 297

ص: 298

(بحث في غيبة الإمام المنتظر عجَّل الله فرجه):

قال: وأمَّا غيبة الإمام عليه السلام: فإمَّا (أن تكون)(1) لخوفه علي نفسه من أعدائه، أو علي أوليائه، فلا يظهر عامّاً ولا خاصّاً، وإمَّا لمصلحة خفيّة استأثر الله تعالي بعلمها.

ولا استبعاد في طول عمره عليه السلام، فقد وجد في الأزمنة الماضية والقرون الخالية من عمَّر عمراً مديداً أطول من عمره، وإذا ثبت أنَّ الله تعالي قادر علي كلّ مقدور، فلا شكَّ في إمكان بقائه عليه السلام مدّة طويلة، فلا استبعاد.

ووجوب القطع بوجوده عليه السلام هذا العمر الطويل، للنصّ الدالّ عليه من النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ومن الأئمّة، المنقول المتواتر بين الأماميّة.

ولوجوب نصب الرئيس في كلّ زمان ووجوب عصمته.

أقول: هنا مسائل:

الأولي: في سبب غيبة الإمام الثاني عشر:

فنقول: لمَّا دلَّ الدليل علي إمامته وليس ظاهراً فوجب أن يكون غائباً.

وأمَّا سبب الغيبة فقد ذكر المصنّف سببين:

أحدهما: أن يكون سببها الخوف علي نفسه، لكثرة عدوّه وقلّة ناصره، أو الخوف علي أوليائه لو ظهر لهم، فلذلك لا يظهر عامّاً لخوفه علي نفسه ولا خاصّاً لخوفه علي أوليائه.

ص: 299


1- لم تثبت في المطبوع من المتن.

وثانيهما: أن يكون سبب الغيبة مصلحة خفيّة استأثر الله تعالي بعلمها و(لا) يجب أن تعلم تلك (المصلحة بالتفصيل، لأنّا إذا أثبتنا الغيبة وعلمنا أنَّ فعل الحكيم لا بدَّ له من علّة علمنا بذلك) إجمالاً وإن لم نعلمه تفصيلاً.

الثانية: في (بيان) إمكان بقائه هذه المدّة الطويلة:

فنقول: لا شكَّ أنَّ هذا أمر ممكن، والله تعالي قادر علي كلّ الممكنات، فيكون قادراً علي إبقاء هذا الشخص هذه المدّة الطويلة، هذا مع أنَّ مثل هذا التعمير وأضعافه قد وقع: إمَّا في حقّ الأنبياء فكما في نوح وشعيب عليهما السلام، وإمَّا في حقّ الأشقياء فكما في السامري والدجّال، وإذا جاز ذلك في حقّ الطرفين فليجز في حقّ الوسط وهم الأولياء، وحيث الحال كذلك فلا وجه لاستبعاد الخصم طول عمره عليه السلام.

الثالثة: في بيان وجوب وجوده في هذه المدّة الطويلة:

وذلك لوجهين:

الأوّل: النصوص الدالّة علي وجوده، وولادته، وطول عمره، وغيبته، نقلتها الشيعة خلفاً عن سلف نقلاً متواتراً عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وعن الأئمّة عليهم السلام.

الثاني: الدليل الدالّ علي أنَّ كلّ زمان لا بدَّ فيه من إمام معصوم، وغيره ليس بمعصوم بالإجماع، فيجب أن يكون هو موجوداً في هذه المدّة الطويلة من حين وفاة أبيه الحسن العسكري عليه السلام إلي انقطاع التكليف، وإلاَّ لزم خلوّ الزمان من إمام معصوم، وهو باطل بالإجماع، لما تقدَّم من الدليل.

* * *

ص: 300

اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية

اشارة

تأليف: الفقيه الكبير والمتكلم النحرير جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلي المتوفي سنة 826 هجرية

ص: 301

ص: 302

البحث الخامس: في الغيبة:

وفيه ثلاث مسائل:

الأولي: أنَّه لمَّا دلَّ الدليل علي إمامة سيّدنا المنتظر عليه الصلاة والسلام، وأنَّ كلّ زمان لا بدَّ فيه من إمام معصوم وجب وجوده وبقاؤه من حين موت أبيه الحسن عليه السلام إلي آخر زمان التكليف، وإلاَّ لزم إمَّا القول بوجوب إمامة معصوم غيره وهو باطل بالإجماع، أو خلوّ زمان عن إمام وهو باطل بما تقدَّم، وبدلالة الأخبار المتواترة علي وجوده(1) وبقائه وغيبته وظهوره بعد ذلك، فيكون القول بوجوده حقّاً، وهو المطلوب، وقد تقدَّم وجه لطفيته حال غيبته فلا وجه لإعادته.

الثانية: سبب غيبته، لا يجوز أن يكون قبيحاً؛ لما ثبت من عصمته عليه السلام فتكون حسناً، ولا يجب علينا معرفة وجه حسن كلّ فعل تفصيلاً وإلاَّ لوجب معرفة وجه حسن خلق الحيَّات والعقارب تفصيلاً، وهو باطل بالإجماع، وحينئذٍ جاز أن تكون غيبته لمصلحة خفيّة استأثر الله تعالي بعلمها، غير أنّا نذكر ما يمكن أن يكون سبباً، وهو الخوف كما استتر النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم تارة في الغار وتارة في الشعب؛ خوفاً من المشركين.

وقد دلَّ(2) بعض الأخبار علي أنَّ غيبته عليه السلام لذلك(3) وتكون

ص: 303


1- في (خ آ): (بوجوده).
2- في (خ آ): (ذكر).
3- في (خ آ): (كذلك).

الغيبة حاصلة ما دام السبب باقياً، ويكون الإثم في تعطيل الحدود والأحكام علي من منه الخوف.

لا يقال: الخوف ليس مختصّاً بزمانه عليه السلام بل كان في زمن آبائه عليهم السلام أيضاً، ثمّ إنَّهم ظهروا وبيَّنوا الشرائع(1) لشيعتهم ولزموا التقيّة مع الظلمة ولم يستتروا، فهلاَّ كان حاله كذلك؟ سلَّمنا، لكن الخوف ليس من شيعته فهلاَّ ظهر لهم خاصّة وأفتاهم وبيَّن لهم ما اختلفوا فيه من الأحكام؟

لأنّا نقول: أمَّا الأوّل: فقد أجاب السيّد المرتضي رحمه الله عنه بما مضمونه: أنَّه عليه السلام غير متعبّد بالتقيّة، بل فرضه الجهاد ومنابذة الأعداء وإقامة الدين، كما دلَّت عليه الأخبار المتواترة من الإمامية وغيرهم، بخلاف آبائه عليهم السلام فإنَّ أكثرهم لم يكن مأموراً بالخروج والقيام والحرب بل كان متعبّداً بالتقيّة، كما ورد عنهم عليهم السلام: (ما منّا إلاَّ من وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاَّ قائمنا فإنَّه يخرج ولا بيعة لأحد في عنقه)، فظهر الفرق بينه وبين آبائه كما أنَّ عيسي عليه السلام لم يحارب ولم يكن(2) فرضه الجهاد، ومحمّد صلي الله عليه وآله وسلم حارب وكان فرضه الجهاد(3)، والأحكام تتغيَّر بحسب تغيّر المصالح.

وأمَّا الثاني: فقد أجاب شيخنا المفيد رحمه الله: بأنَّ شيعته غير معصومين، فجاز أن تدعوهم دواعي الشيطان إلي إغرائه؛ طمعاً في الدنيا كما دعت أمم الأنبياء إلي الارتداد عن شرائعهم، وكما عاند قوم موسي عليه السلام أخاه هارون وارتدّوا، وفي هذا نظر.).

ص: 304


1- في (خ آ): (وأفتوا شيعته).
2- في (خ آ): (ولا كان).
3- في (خ د): (ومحمّد صلي الله عليه وآله وسلم...) إلي قوله: (فرضه الجهاد).

وأجاب غيره بأنّا نجوّز ذلك ولا نحيله، لكن ليس(1) كلّ جائز يجب وقوعه، بل إذا وجد سبب وجوده، وهو غير حاصل هنا، لأنَّهم ينتفعون بلطفيته حال غيبته فلا مرجّح لظهوره(2)، وهذا أقوي عندي.

الثالثة: في طول بقائه عليه السلام: ولا شكَّ في إمكانه؛ لكون الفاعل قادراً مختاراً كما تقدَّم، وقد وقع تعمير أقوام مثل عمره عليه السلام وأزيد وأنقص، فإنَّ الخضر عليه السلام موجود اتّفاقاً وكان قبل موسي عليه السلام علي عهد (أفريدون)، وكذلك السامري والدجّال من الأشقياء، وقد نصَّ القرآن علي أنَّ نوحاً عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً وجاء في الأخبار أنَّه عاش ألفي سنة وزائداً، وكذلك لقمان عاش سبعة آلاف سنة وهو صاحب النسور(3) وأخبار المعمّرين شائعة بذلك، من وقف عليها عرف صحَّة ما قلنا(4).

لا يقال: قال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (أعمار أمّتي ما بين الستّين إلي السبعين)(5)، وقال أصحاب الأحكام النجومية: إنَّ العمر لا يزيد علي مائة وعشرين.).

ص: 305


1- في (خ د): (علي كلّ).
2- قال السيّد علم الهدي رحمه الله في رسالته الموجزة في الغيبة ما هذا لفظه: (نحن نجوّز أن يصل إليه كثير من أوليائه والقائلين بإمامته فينتفعون به...) الخ، أنظر: نفائس المخطوطات/ المجموعة الرابعة: (ص 12)/ طبعة بغداد.
3- هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.
4- أنظر إلي كتاب (المعمّرون) لأبي حاتم السجستاني المتوفي (250ه-)/ مطبوع. وانظر إلي كتاب كنز الفوائد للعلاّمة الكراجكي رحمه الله له كتاب البرهان علي صحَّة عمر الإمام صاحب الزمان عليه السلام أدرجه في كنز الفوائد، فراجع.
5- نقله السيّد الأعظم السيّد الرضي قدس سره في كتابه المجازات النبويّة، أنظر (ص 248)/ طبعة مصر سنة (1356ه-).

لأنّا نقول: أمَّا الأوّل: فإنَّه بناءً علي الأغلب؛ لأنَّ خلافه معلوم ضرورة، وأيضاً خرق العادة جائز للإعجاز فلِمَ لا يجوز أن يكون طول عمره معجزة له عليه السلام؟

وأمَّا الثاني: فباطل، لما بيَّنا من بطلان استناد الحوادث إلي الكواكب بل إلي الفاعل المختار، وقولهم بناؤه علي نفيه، ثمّ علي تقدير القول بالإيجاب يجوز أن يحدث شكل غريب فلكي يوجب طول عمره عليه السلام والحكماء لا ينكرون ذلك، هذا مع أنَّ أصحاب النجوم لا يمنعون ذلك أيضاً وإنَّما قالوا: أكثر ما يعطي كوكب واحد من العمر من حيث هو مائة وعشرون سنة، وجاز أيضاً أن يضمّ إليه عندهم أسباب أخر فتتضاعف العطية، قالوا: مثل أن يتَّفق طالع كثرة الهيلاجات فيه والكتخدايات كلّها في أوتاد الطالع، ناظرة إلي بيوتها، ونظر السعود إليها من الأوتاد بالتثليث أو التسديس وتكون النحوس ساقطة، وحينئذٍ يحكمون لصاحب الطالع بطول العمر كما لسيّدنا صلوات الله عليه وعجَّل الله فرجه وأرانا أيّامه بحقّ الحقّ وأهله.

* * *

ص: 306

شرح أصول الكافي

اشارة

تأليف: الشيخ محمد صالح المازندراني المتوفي سنة 108ه-

ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور

ص: 307

ص: 308

باب في تسمية من رأي القائم عليه السلام:

باب في تسمية من رأي القائم عليه السلام:(1)

الأصل:

محمّد بن عبد الله ومحمّد بن يحيي جميعاً، عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رحمه الله عند أحمد بن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف فقلت له: يا أبا عمرو إنّي أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاكّ فيما أريد أن أسألك عنه، فإنَّ اعتقادي وديني أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة إلاَّ إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رفعت الحجّة وأغلق باب التوبة (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً)(2) فأولئك شرار من خلق الله عز وجل وهم الذين تقوم عليهم القيامة، ولكنّي أحببت أن أزادد يقيناً وإنَّ إبراهيم عليه السلام سأل ربّه عز وجل أن يريه كيف يحيي الموتي (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلي وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(3).

وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته وقلت: من أعامل أو عمَّن آخذ وقول من أقبل؟

فقال له: (العمري ثقتي فما أدّي إليك عنّي فعنّي يؤدّي وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنَّه الثقة المأمون).

ص: 309


1- الكافي 1: 329/ باب في تسمية من رآه عليه السلام/ ح 1 - 15؛ شرح أصول الكافي 6: 230.
2- الأنعام: 158.
3- البقرة: 260.

وأخبرني أبو علي أنَّه سأل أبا محمّد عليه السلام عن مثل ذلك، فقال له: (العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعمها فإنَّهما الثقتان المأمونان)، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك.

قال: فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكي، ثمّ قال: سل حاجتك.

فقلت: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمّد عليه السلام؟

فقال: إي والله ورقبته مثل ذا - وأومأ بيده -.

فقلت له: فبقيت واحدة.

فقال لي: هات.

قلت: فالاسم؟

قال: محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن اُحلّل ولا اُحرّم، ولكن عنه عليه السلام، فإنَّ الأمر عند السلطان أنَّ أبا محمّد مضي ولم يخلف ولداً، وقسّم ميراثه وأخذه من لا حقّ له فيه، وهو ذا عياله يجولون، ليس أحد يجسر أن يتعرَّف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتّقوا الله وأمسكوا عن ذلك.

قال الكليني رحمه الله: وحدَّثني شيخ من أصحابنا - ذهب عنّي اسمه - أنَّ أبا عمرو سأل أحمد بن إسحاق عن مثل هذا فأجاب بمثل هذا.

الشرح:

قوله: (والشيخ أبو عمرو): هو عثمان بن سعيد العمري، وهو أوّل وكيل من الوكلاء الأربعة وأوّل سفير منهم.

قوله: (أحمد بن إسحاق): هو أحد المذكورين سابقاً.

قوله: (فغمزني أحمد بن إسحاق): الغمز: العصر والكبس باليد،

ص: 310

والإشارة كالرمز بالعين أو الحاجب أو اليد، يقال: غمزت الشيء بيدي وغمزته بعيني.

قوله: (رفعت الحجّة وأغلق باب التوبة): المراد بالحجّة القرآن وصاحب الزمان عليه السلام، وظاهر قوله: (أغلق باب التوبة) وظاهر الآية يشعران بسقوط التكليف في ذلك الزمان، وظاهر قوله: (فأولئك شرار من خلق الله) يشعر ببقائه(1)، ولم يحضرني من الأخبار ما يدلُّ علي أحدهما، ويمكن أن يرجّح الأوّل بما دلَّ من الأخبار علي أنَّه (لو بقي في الأرض اثنان لكان أحدهما الحجّة)(2) وعلي أنَّه (لو بقيت الأرض بغير حجّة لساخت)(3) بتخصيص هذه الأخبار بزمان التكليف، وبذلك يندفع التنافي بينها وبين هذا القول، ويمكن رفع التنافي أيضاً بتخصيصها بغير الأربعين، وإن وقع التكليف في الأربعين أيضاً لعدم الاعتداد به، ولكنَّه بعيد جدّاً، فليتأمّل.

قوله: (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً)(4)، (إِيمانُها) فاعل (يَنْفَعُ) و(لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ) صفة ل- : (نَفْساً)، و(أَوْ كَسَبَتْ) عطف علي (آمَنَتْ) يعني إذا تحقَّقت هذه الآية التي هي من آيات قيام القيامة - أعني رفع الحجّة وسدّ باب التوبة - لا ينفع الإيمان حينئذٍ نفساً لم تؤمن قبل هذه الآية، أو آمنت ولم تكسب في إيمانها8.

ص: 311


1- أي ببقاء التكليف.
2- أنظر: بصائر الدرجات: 507/ باب 11؛ الكافي 1: 179/ باب أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلاَّ رجلان لكان أحدهما الحجّة.
3- أنظر: بصائر الدرجات: 508/ باب 12؛ علل الشرائع 1: 199.
4- الأنعام: 158.

خيراً من قبل، لأنَّ هذا الزمان لمَّا كان من مقدّمات يوم القيامة كان حكمه حكم يوم القيامة في أنَّه لا ينفع الإيمان والعمل فيه، وهذا حجّة لمن ذهب إلي أنَّ الإيمان المجرَّد عن العمل لا ينفع.

وأمَّا من ذهب إلي أنَّه ينفع فهو إمَّا أن يخصّص عدم النفع بذلك الزمان، أو يجعل العطف علي: (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ) ليصير المعني: لا ينفع الإيمان حينئذٍ نفساً كسبت في إيمانها خيراً، فكيف إذ لم يكسبه.

قوله: (فأولئك شرار من خلق الله)، أي: أولئك الذين بقوا في الأرض بعد رفع الحجّة منه وسد باب التوبة عليهم شرار من خلق الله لفقد الخير فيهم، ولا بدَّ من تخصيصهم بمن لم يؤمن ولم يعمل خيراً قبل الرفع والسدّ، والشرار بالكسر خلاف الخيار.

قوله: (تقوم عليهم القيامة): بعد إماتتهم جميعاً.

قوله: (ولكنّي أحببت أن أزداد يقيناً) اليقين هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، وله درجات متفاوتة ومراتب متباعدة يحصل بسبب التفاوت في رفع المزاحمات الخيالية والتوهّمات الوهمية التي لا تقدح في أصل اليقين حتَّي يبلغ إلي مرتبة عين اليقين، وإليه يشير قول أمير المؤمنين عليه السلام: (لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً)(1) ولو لم يكن اليقين متفاوتاً لما كان بينه عليه السلام وبين غيره في ذلك تفاوت، وأيضاً الفرق1.

ص: 312


1- أنظر: عيون الحكم والمواعظ: 415؛ فضائل ابن شاذان: 127؛ الروضة في المعجزات والفضائل: 161؛ الطرائف: 512؛ عين العبرة: 22؛ حاشية السندي علي النسائي 8 : 96؛ شرح نهج البلاغة 7: 253، و10: 142، و11: 179 و202؛ مناقب الخوارزمي: 375؛ نهج الإيمان: 269؛ جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام 2: 150؛ ينابيع المودّة 1: 203/ ح 8 ، و2: 412/ ح 91.

الضروري بين يقين الأنبياء والأوصياء ويقين غيرهم قاض بذلك، وتفاوت درجات الإيمان أيضاً مؤيّد له.

قوله: (وإنَّ إبراهيم عليه السلام): استشهاد، لأنَّ سؤاله ليس بسبب الشكّ فيما يسأله، بل لأجل أن يحصل له زيادة بصيرة وكمال يقين وسكون قلب كسؤال إبراهيم عليه السلام، نقل أنَّ إبراهيم عليه السلام أراد أن يصير علمه البرهاني بإحياء الموتي عيانياً ونوره القلبي شهودياً ليزداد بصيرة وسكون قلب بمشاهدة المعلوم عياناً (قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتي) حتَّي أراه بعيني كما علمته بقلبي، قال جلَّ شأنه: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) بأنّي قادر علي إحياء الموتي؟ قال: (بَلي آمنت به ولكن سألت لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(1) ويحصل له سكون وزيادة بصيرة بإضافة البصيرة العينية إلي البصيرة القلبية، والغرض من قوله تعالي: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) مع علمه أنَّه مؤمن خالص ليجيب عليه السلام بما أجاب، فيعلم السامعون غرضه من هذا السؤال وهو حصول زيادة بصيرة والفرق بينه وبين القول المذكور لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام واضح لا يخفي علي أحد.

قوله: (فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكي): سجد لشكر النعمة، وبكي لموت الإمامين.

قوله: (رقبته مثل ذا) قد مرَّ تفسيرها (2).

قوله: (فإنَّ الأمر عند السلطان): أراد بالسلطان المعتمد العبّاسي لعنه).

ص: 313


1- البقرة: 260.
2- شرح أصول الكافي 6: 227، (الرقبة العنق وقد يراد بها الشخص كلّه تسمية للشيء باسم جزئه كما صرَّحوا به، ولعلَّ المراد بها المعني الثاني، والإشارة باليد لبيان طول قامته عليه السلام، ويبعد أن يكون المراد طول عنقه أو حجمه، والله أعلم).

الله، وهذا التعليل دلَّ صريحاً علي أنَّ حرمة التصريح باسمه في زمان الغيبة، إلاَّ أنَّ صاحب كشف الغمّة قال: (قد جاء في الأخبار أنَّه لا يحلُّ لأحد أن يسمّيه باسمه ولا أن يكنّيه بكنيته إلي أن يزيّن الله الأرض بظهور دولته)(1)، ومال إليه جماعة من الأصحاب والله أعلم(2).

قوله: (يجولون): جال واجتال: جاء وذهب، وفي بعض النسخ: (يحولون) من التحويل، والظاهر أنَّه تصحيف.

قوله: (ليس أحد يجسر أن يتعرَّف إليهم)، أي: ليس أحد يجسر أن يجعل نفسه معروفاً لهم يعرفونه بالمحبّة والولاية أن ينيلهم ويعطيهم شيئاً يسدّ حاجتهم خوفاً من السلطان وتبعته.

الأصل:

علي بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن موسي بن جعفر - وكان أسنّ شيخ من ولد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالعراق -، فقال: رأيته بين المسجدين وهو غلام عليه السلام.

الشرح:

قوله: (بين المسجدين): مسجد مكّة والمدينة.م.

ص: 314


1- كشف الغمّة 3: 326، وأضاف الإربلي قدس سره بعد ذلك: (من العجب أنَّ الشيخ الطبرسي والشيخ المفيد رحمهما الله قالا: إنَّه لا يجوز ذكر اسمه ولا كنيته، ثمّ يقولان: اسمه اسم النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وكنيته كنيته صلي الله عليه وآله وسلم وهما يظنّان أنَّهما لم يذكرا اسمه ولا كنيته وهذا عجيب، والذي أراه المنع من ذلك إنَّما كان للتقيّة في وقت الخوف عليه والطلب له والسؤال عنه، فأمَّا الآن فلا، والله أعلم).
2- حول حرمة التسمية وعدمها أنظر: النجم الثاقب للشيخ النوري قدس سره 1: 218/ في باب أسماءه عليه السلام.

الأصل:

محمّد بن يحيي، عن الحسين بن رزق الله أبو عبد الله، قال: حدَّثني موسي بن محمّد القاسم بن حمزة بن موسي بن جعفر، قال: حدَّثتني حكيمة ابنة محمّد بن علي عليه السلام وهي عمّة أبيه(1) أنَّها رأته ليلة مولده وبعد ذلك.

علي بن محمّد، عن حمدان القلانسي، قال: قلت للعمري: قد مضي أبو محمّد عليه السلام؟ فقال: قد مضي، ولكن قد خلَّف فيكم من رقبته مثل هذا - وأشار بيده -.

الشرح:

قوله: (علي بن محمّد عن حمدان القلانسي) مرَّ هذا الحديث متناً وسنداً وتفسيراً في الباب السابق(2).

الأصل:

علي بن محمّد، عن فتح مولي الزراري، قال: سمعت أبا علي بن مطهَّر يذكر أنَّه قد رآه ووصف له قدّه.

علي بن محمّد، عن محمّد بن شاذان بن نعيم، عن خادم لإبراهيم بن عبدة النيسابوري أنَّها قالت: كنت واقفة مع إبراهيم علي الصفا، فجاء عليه السلام حتَّي وقف علي إبراهيم وقبض علي كتاب مناسكه وحدَّثه بأشياء.7.

ص: 315


1- وقال العلاّمة المجلسي رحمه الله في مزار البحار: (إنَّ في القبّة الشريفة - يعني قبّة العسكريين عليهما السلام - قبراً منسوباً إلي النجيبة الكريمة العالمة الفاضلة التقيّة الرضيّة حكيمة بنت أبي جعفر الجواد عليه السلام، ولا أدري لِمَ لم يتعرَّضوا لزيارتها مع ظهور فضلها وجلالتها وأنَّها كانت مخصوصة بالأئمّة عليهم السلام ومودعة أسرارهم، وكانت اُمّ القائم عليه السلام عندها، وكانت حاضرة عند ولادته، وكانت تراه حيناً بعد حين في حياة أبي محمّد العسكري عليه السلام...) الفوائد الرجالية 2: 316.
2- راجع: شرح أصول الكافي 6: 227.

علي بن محمّد، عن محمّد بن علي بن إبراهيم، عن أبي عبد الله بن صالح أنَّه رآه عند الحجر الأسود والناس يتجاذبون عليه وهو يقول: (ما بهذا اُمروا).

الشرح:

قوله: (يتجاذبون عليه) أي: يتنازعون للوصول إلي الحجر الأسود ويتدافعون، يدفع بعضهم بعضاً أشدّ دفع.

الأصل:

علي، عن أبي علي أحمد بن إبراهيم بن إدريس، عن أبيه أنَّه قال: رأيته عليه السلام بعد مضي أبي محمّد حين أيفع، وقبَّلت يديه ورأسه.

الشرح:

قوله: (حين أيفع): أيفع الغلام فهو يافع إذا شارف البلوغ ولما يبلغ، وهو من نوادر الأبنية، وفي التكملة: غلام يفاع بمعني يافع، واليفاع واليافع: المرتفع من كلّ شيء.

الأصل:

علي، عن أبي عبد الله بن صالح وأحمد بن النضر، عن القنبري - رجل من ولد قنبر الكبير - مولي أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: جري حديث جعفر بن علي فذمَّه، فقلت له: فليس غيره فهل رأيته؟

فقال: لم أرَه ولكن رآه غيري.

قلت: ومن رآه؟

قال: قد رآه جعفر مرَّتين وله حديث.

الشرح:

قوله: (من ولد قنبر الكبير): لعلَّ المراد بقنبر الكبير قنبر مولي أمير

ص: 316

المؤمنين عليه السلام، والوصف بالكبير للمدح والإيضاح لا للاحتراز، وقوله: (مولي أبي الحسن الرضا عليه السلام) بيان أو بدل لرجل.

قوله: (قال: جري) فاعل قال وقلت أحمد، وفاعل ذمَّه وضمير له وغيره راجع إلي القنبري، ومفعول ذمَّه راجع إلي جعفر بن علي وهو المشهور بالكذّاب، وضمير المفعول في رأيته راجع إلي صاحب الزمان عليه السلام.

الأصل:

علي بن محمّد، عن أبي محمّد الوجناني أنَّه أخبرني عمَّن رآه، أنَّه خرج من الدار قبل الحادث بعشرة أيّام وهو يقول: (اللهم إنَّك تعلم أنَّها من أحبّ البقاع لولا الطرد - أو كلام هذا نحوه -).

الشرح:

قوله: (قبل الحادث)، أي: قبل وفاة أبيه أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام، وضمير (أنَّها) راجع إلي البقعة المباركة المعروفة.

قوله: (أو كلام نحو هذا) صريح في أنَّ الراوي ليس متذكّر اللفظ بعينه، وأنَّ المروي هو المعني، فهو حجّة لمن جوَّز نقل الحديث بالمعني.

الأصل:

علي بن محمّد، عن علي بن قيس، عن بعض جلاوزة السواد، قال: شاهدت سيماء آنفاً بسُرَّ من رأي وقد كسر باب الدار، فخرج عليه وبيده طبرزين فقال له: (ما تصنع في داري؟).

فقال سيماء: إنَّ جعفراً زعم أنَّ أباك مضي ولا ولد له، فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك، فخرج عن الدار.

قال علي بن قيس: فخرج علينا خادم من خدم الدار، فسألته عن هذا الخبر، فقال لي: من حدَّثك بهذا؟

ص: 317

فقلت له: حدَّثني بعض جلاوزة السواد، فقال لي: لا يكاد يخفي علي الناس شيء.

الشرح:

قوله: (عن بعض جلاوزة السواد) السواد بالفتح: قري المدينة وعامّة الناس وأوباشهم وكلّ عدد كثير، والجلاوزة: جمع الجلواز بالكسر، وهو الشرطي والأرذل والمتابع للشرطي والعون للسلطان يكون معه بلا رزق.

قوله: (شاهدت سيماء) هو واحد من عبيد جعفر الكذّاب.

قوله: (فخرج عليه) فاعل خرج صاحب الدار وهو الصاحب عليه السلام.

الأصل:

علي بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن جعفر بن محمّد المكفوف، عن عمرو الأهوازي، قال: أراني أبو محمّد عليه السلام وقال: هذا صاحبكم.

محمّد بن يحيي، عن الحسن بن علي النيسابوري، عن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسي بن جعفر، عن أبي نصر ظريف الخادم أنَّه رآه.

علي بن محمّد، عن محمّد والحسن (الحسين) ابني علي بن إبراهيم أنَّهما حدَّثاه في سنة تسع وسبعين ومائتين، عن محمّد بن عبد الرحمن العبدي، عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سمّاه، أنَّ أبا محمّد أراه إيّاه.

الشرح:

قوله: (عن رجل من أهل فارس) لعلَّ هذا الحديث وهذا الرجل مرَّ ذكرهما في الباب السابق تفصيلاً.

ص: 318

الأصل:

علي بن محمّد، عن أبي أحمد بن راشد، عن بعض أهل المدائن قال: كنت حاجّاً مع رفيق لي، فوافينا إلي الموقف فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء وفي رجليه نعل صفراء، قوَّمت الإزار والرداء بمائة وخمسين ديناراً، وليس عليه أثر السفر، فدنا منّا سائل فرددناه، فدنا من الشاب فسأله، فحمل شيئاً من الأرض وناوله، فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال، فقام الشاب وغاب عنّا، فدنونا من السائل فقلنا له: ويحك ما أعطاك؟

فأرانا حصاة ذهب مضرسة، قدَّرناها عشرين مثقالاً، فقلت لصاحبي: مولانا عندنا ونحن لا ندري.

ثمّ ذهبنا في طلبه فدرنا الموقف كلّه فلم نقدر عليه، فسألنا كلّ من كان حوله من أهل مكّة والمدينة فقالوا: شاب علوي، يحجّ في كلّ سنة ماشياً.

باب في النهي عن الاسم:

باب في النهي عن الاسم:(1)

الأصل:

علي بن محمّد، عمَّن ذكره، عن محمّد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن العسكري عليه السلام يقول: (الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟).

فقلت: ولِمَ جعلني الله فداك؟

قال: (إنَّكم لا ترون شخصه ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه).

ص: 319


1- الكافي 1: 332/ ح 1 - 4؛ شرح أصول الكافي 6: 236/ ح 1 - 4.

فقلت: فكيف نذكره؟

فقال: (قولوا: الحجّة من آل محمّد صلوات الله عليه وسلامه).

الشرح:

قوله: (علي بن محمّد، عمَّن ذكره، عن محمّد بن أحمد العلوي) هذا الحديث قد مرَّ سنداً ومتناً في آخر باب الإشارة والنصّ علي أبي محمّد عليه السلام(1).

الأصل:

علي بن محمّد، عن أبي عبد الله الصالحي، قال: سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمّد عليه السلام أن أسأل عن الاسم والمكان.

فخرج الجواب: (إن دللتهم علي الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلّوا عليه).

الشرح:

قوله: (عن أبي عبد الله الصالحي) كان وكيلاً للناحية المقدَّسة، يعني الصاحب عليه السلام.

قوله: (إن دللتهم علي الاسم أذاعوه)، أي: أفشوه ولم يكتموه، وصار ذلك سبباً لتسلّط الأعداء عليهم وإيذائهم، وفيه دلالة علي أنَّ حرمة التصريح بالاسم في زمان التقيّة والخوف.

الأصل:

عدّة من أصحابنا، عن جعفر بن محمّد، عن ابن فضال، عن الريان بن الصلت، قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول - وسئل عن القائم-، فقال: (لا يُري جسمه ولا يُسمّي اسمه).3.

ص: 320


1- أنظر: شرح أصول الكافي 6: 224/ ح 13.

الشرح:

قوله: (لا يري جسمه ولا يسمّي اسمه)، الأوّل إخبار عن غيبته، والثاني نهي في المعني عن التصريح باسمه، ولعلَّه في بعض الأزمنة لأجل الخوف.

الأصل:

محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (صاحب هذا الأمر لا يسمّيه باسمه إلاَّ كافر).

الشرح:

قوله: (لا يسمّيه باسمه إلاَّ كافر)، لعلَّ المراد بالكافر ههنا تارك الأوامر وفاعل النواهي دون منكر الربّ والمشرك به، وفيه مبالغة في تحريم التصريح باسمه، ولعلَّه مختصّ بزمان التقيّة، بدليل ما ذكرناه في مواضع متفرّقة، ودلالة بعض الأخبار عليه ظاهرة، ويؤيّده عدم بقاء التحريم فيه في جميع الأوقات والأزمان، فإذا تطرَّق إليه التخصيص جاز حمله علي ما ذكرناه، فلا يكون دليلاً علي شمول التحريم لزمان الغيبة، وبالجملة المانع مستظهر.

باب نادر في حال الغيبة:

باب نادر في حال الغيبة:(1)

الأصل:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن خالد، عمَّن حدَّثه عن المفضَّل بن عمر، ومحمّد بن يحيي، عن عبد الله بن محمّد بن عيسي، عن أبيه، عن بعض

ص: 321


1- الكافي 1: 333/ ح 1 - 3؛ شرح أصول الكافي 6: 238/ ح 1 - 3.

أصحابه، عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (أقرب ما يكون العباد من الله جلَّ ذكره وأرضي ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجّة الله جلَّ وعزَّ، ولم يظهر لهم ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنَّه لم تبطل حجّة الله جلَّ ذكره ولا ميثاقه، فعندها فتوقَّعوا الفرج صباحاً ومساءً، فإنَّ أشد ما يكون غضب الله علي أعدائه إذا افتقدوا حجّته ولم يظهر لهم، وقد علم أنَّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنَّهم يرتابون ما غيَّب حجّته عنهم طرفة عين، ولا يكون ذلك إلاَّ علي رأس شرار الناس).

الشرح:

قوله: (أقرب ما يكون العباد) دلَّ علي أنَّ قرب العباد منه تعالي في زمان غيبة الإمام إذا كانوا عارفين بحقّه أزيد وأكمل، ورضاه تعالي عنهم وإضافة الرحمة عليهم إذا كانوا تابعين له أعظم وأشمل، وذلك ليُتمهم وانتظارهم وتحسّرهم وأسرهم، وخوفهم علي الأنفس والأموال من تغلّب الكفّار وتسلّط الأشرار عليهم، ولأنَّ الإيمان بالغيب دلَّ علي ضياء عقولهم ولطف قرائحهم ولينة طبائعهم وصفاء عقيدتهم وكمال هدايتهم، وكلّ ذلك موجب لزيادة القرب من الحقّ وكمال رضاه.

وفي طرق العامّة عن ابن مسعود، قال: إنَّ أمر محمّد كان بيّناً لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب، ثمّ تلا قوله تعالي: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(1)(2).6.

ص: 322


1- البقرة: 3.
2- في المستدرك: (إنَّ أمر محمّد كان بيّناً لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، ثمّ قرأ: (الم * ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُديً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرّجاه) المستدرك 2: 26.

قال الطيبي: معني هذا الحديث مخرج في سنن الدارمي عن أبي عبيدة بن الجرّاح، قال: يا رسول الله أحد خير منّا، أسلمنا وجاهدنا معك!

قال: (نعم، هم قوم يكونون بعدكم يؤمنون بي ولم(1) يروني)(2).

وأنت خبير بأنَّ هذا الحكم غير مختصّ بالنبيّ، بل يجري في الإمام بعده.

قوله: (يعلمون أنَّه لم تبطل حجّة الله)، أي: يعلمون بالبراهين العقلية والأحاديث النبويّة أنَّه لم تبطل حجّة الله عزَّ ذكره في الأرض ولا ميثاقه وعهده في الحجّة، بل هما باقيان في الخلق ودائمان فيهم ما دامت الدنيا، فلذلك يؤمنون بالإمام وإن لم يروه، ويعتقدون بوجوده وإن لم يشاهدوه.

قوله: (فتوقَّعوا الفرج صباحاً ومساءً) لوجوب ظهوره في وقت ما لدفع الظلم والجور ونصرة دين الحقّ وأهله، ولكن لمَّا لم نعلم ذلك الوقت بخصوصه، واحتمل كلّ جزء من أجزاء الزمان أن يكون ذلك الوقت لا بدَّ لنا من توقّع الفرج في جميع الأوقات، وإنَّما ذكر الصباح والمساء لشيوعهما في التعارف وإحاطتهما بسائر الأوقات.ً.

ص: 323


1- في المصدر: (لا)، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- أنظر: سنن الدارمي 2: 308؛ مسند أحمد 4: 106؛ مجمع الزوائد 10: 66؛ أمالي الطوسي: 391/ ح (858/6)، وليس فيه: (ولم يروني)؛ بحار الأنوار 22: 307/ ح 7 عن الأمالي؛ فتح الباري 7: 5؛ الآحاد والمثاني 4: 151/ ح 2134؛ المفاريد عن رسول الله: 70؛ مسند أبي يعلي 3: 128/ ح 1559؛ المعجم الكبير 4: 22؛ كنز العمّال 14: 46/ ح 37895؛ فيض القدير 5: 449/ ح 7559، وفي جميع الروايات أنَّ الراوي عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم يدعي ب- (أبي جمعة) وكان أبو عبيدة بن الجرّاح حاضراً.

قوله: (فإنَّ أشدّ ما يكون) دليل لتوقّع الفرج، ولعلَّ وجه ذلك مع أنَّ الظاهر أن يكون الغضب عليهم عند ظهور الحجّة وعدم إيمانهم به أشدّ وأجدر ولحقوق النكال بهم أحري وأظهر لكون الحجّة عليهم حينئذٍ أقوي وأكمل من عدم ظهوره، بسبب سوء صنيعهم واعوجاج طبيعتهم حتَّي حرم المستعدون للهداية والقابلون للفهم والدراية عن مشاهدة جماله وملاحظة كماله، فلذلك كان الغضب عليهم حال الغيبة أشدّ.

قوله: (وقد علم أنَّ أولياءه)، أي: أولياء الحجّة، وهذا دفع لما عسي أن يقال من أنَّ إخفاء الحجّة موجب لإضلال الخلق ورفع اللطف عنهم، ولا يجوز شيء من ذلك، ووجه الدفع ظاهر، وحاصله: أنَّ ذلك إنَّما يلزم لو كان أحد من أوليائه يرتاب فيه بعد الغيبة، وليس كذلك، فلا مفسدة في الغيبة، وإنَّما هي محض المصلحة وهي حفظ النفس المعصومة أو غيرها.

قوله: (ولا يكون ذلك إلاَّ علي رأس شرار الناس) دلَّ علي أنَّ ظهوره لا يكون إلاَّ عند فشو الشرّ في الناس وبُعد الخير عنهم، وقد دلَّ علي ذلك أيضاً بل علي تعيين الشرور والمفاسد بعض الروايات كما يأتي ذكره في كتاب الروضة.

الأصل:

الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّي بن محمّد، عن علي بن مرداس، عن صفوان بن يحيي والحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمّار الساباطي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيّما أفضل: العبادة في السرّ مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل، أو العبادة في ظهور الحقّ ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟

ص: 324

فقال: (يا عمّار، الصدقة في السرّ والله أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل وتخوّفكم من عدوّكم في دولة الباطل وحال الهدنة أفضل ممَّن يعبد الله عزَّ وجلَّ ذكره في ظهور الحقّ مع إمام الحقّ الظاهر في دولة الحقّ، وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحقّ.

واعلموا أنَّ من صلّي منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمَّها، كتب الله له خمسين صلاة فريضة في جماعة، ومن صلّي منكم صلاة فريضة وحده مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمَّها، كتب الله عز وجل بها له خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلّي منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمَّها، كتب الله له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله عز وجل له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله عز وجل حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ودان بالتقيّة علي دينه وإمامه ونفسه، وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة، إنَّ الله عز وجل كريم).

قلت: جُعلت فداك، قد والله رغَّبتني في العمل وحثثتني عليه، ولكن اُحبّ أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحقّ ونحن علي دين واحد؟

فقال: (إنَّكم سبقتموهم إلي الدخول في دين الله عز وجل، وإلي الصلاة والصوم والحجّ، وإلي كلّ خير وفقه، وإلي عبادة الله عزَّ ذكره سرّاً من عدوّكم مع إمامكم المستتر، مطيعين له، صابرين معه، منتظرين لدولة الحقّ، خائفين علي إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة، تنظرون إلي حقّ إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك واضطروكم إلي حرث الدنيا وطلب المعاش، مع

ص: 325

الصبر علي دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوّكم، فبذلك ضاعف الله عز وجل لكم الأعمال، فهنيئاً لكم).

قلت: جُعلت فداك، فما تري إذاً أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحقّ ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أصحاب دولة الحقّ والعدل؟

فقال: (سبحان الله، أما تحبّون أن يُظهر الله تبارك وتعالي الحقّ والعدل في البلاد، ويجمع الله الكلمة، ويؤلّف الله بين قلوب مختلفة، ولا يعصون الله عز وجل في أرضه، وتقام حدوده في خلقه، ويرد الله الحقّ إلي أهله فيظهر، حتَّي لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق؟، أمَا والله يا عمّار! لا يموت منكم ميّت علي الحال التي أنتم عليها إلاَّ كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر واُحُد، فأبشروا).

الشرح:

قوله: (أيّما أفضل العبادة في السرّ مع الإمام منكم المستتر) المراد بالإمام المستتر من لا يقدر علي إظهار الدين كما ينبغي خوفاً من الأعداء والظلمة، سواء كان ظاهراً بين الخلق أو كان غائباً عنهم، فكلّ إمام إلي زمان ظهور صاحب الزمان فهو مستتر بهذا المعني، والمراد بالإمام الظاهر من قدر علي ذلك وكان حكمه جارياً علي الخلق، وهو صاحب الزمان بعد ظهوره.

قوله: (الصدقة في السرّ) دلَّ علي أنَّ الصدقة مطلقاً في السرّ أفضل، وبه قال بعض الأصحاب(1)، ووجه ذلك أنَّها أقرب إلي القربة وأبعد عن الرياء والسمعة واحتقار الفقير.0.

ص: 326


1- جواهر الكلام 28: 130.

وقيل: هذا لمن لم يتَّهم بترك الصدقات، وإلاَّ فالأفضل أن يعطيها جهراً لدفع التهمة عن نفسه(1)، وكذا إن علم أنَّ للناس به اُسوة في أداء الصدقات(2)، وقيل: هذا في المندوبة، وأمَّا الفريضة فالجهر أفضل(3).

قوله: (وكذلك والله) وليس من قبيل إثبات الحكم بالقياس، لأنَّ القياس عند أهل البيت عليهم السلام باطل، بل هي من قبيل ذكر الشيء مع نظيره للإيضاح، وكأنَّ حكم الكلّ ثابت بالنصّ.

قوله: (وحال الهدنة) هادنه مهادنة: صالحه، وتهادنوا: تصالحوا، والهدنة بالضمّ فالسكون الاسم وأصلها من هدن إذا سكن، والمراد بها الهدنة الحاصلة للإمام الحقّ مع أئمّة الجور وعدم منازعته إيّاهم لحكمة مقتضية لذلك.

قوله: (أفضل ممَّن يعبد الله) أي من عبادة من يعبد الله، وإنَّما حذف العبادة لدلالة المقام والكلام عليها، فالمفضّل والمفضَّل عليه من جنس واحد.

قوله: (وليست العبادة مع الخوف)، أي: ليست العبادة مع خوف النفس والمال والعرض في دولة الباطل مثل العبادة والأمن من تلف النفس والمال والعرض في دولة الحقّ، بل الأولي أجزل ثواباً، وأكمل رتبة من الثانية، ويتفاوت ذلك بحسب تفاوت درجات الخوف والأمن، وإنَّما لم يقل مثل العبادة مع الأمن كما قال مثل العبادة مع الخوف للإشعار بأنَّ الفضل باعتبار العبادة في نفسها والخوف في نفسه، علي أن4.

ص: 327


1- شرائع الإسلام 2: 454؛ تبصرة المتعلّمين: 162.
2- تحرير الأحكام 3: 306.
3- مسالك الأفهام 5: 414.

يكون كلّ واحد منهما مستقلاً في الاتصاف به لا باعتبار المجموع من حيث المجموع، فليتأمّل.

قوله: (من صلّي منكم اليوم) أراد باليوم زمانه عليه السلام الذي كان دولة الحقّ فيه مخفوضة ودولة الباطل فيه مرفوعة.

قوله: (في وقتها فأتمَّها) الجار متعلّق بصلّي، وأتمَّها عطف عليه، والمراد بإتمامها: الإتيان بأركانها وأفعالها وكيفياتها وآدابها وشرائطها، وبالجملة جميع الأمور المعتبرة في تحقّقها وصحَّتها كما هي.

قوله: (كتب الله) إسناد كتب إلي الله مجاز باعتبار أنَّه آمر له.

قوله: (ومن صلّي منكم صلاة فريضة وحده...) إلي قوله: (خمساً وعشرين) كون صلاة المنفرد خمساً وعشرين وصلاة الجماعة خمسين يحتمل أن يكون باعتبار أقلّ الأفراد في الجماعة وهو الاثنان، ويحتمل أن لا يكون بهذا الاعتبار، بل بأعمّ منه ومن الأكثر، والله أعلم.

قوله: (وحدانية) الوحدانية بالفتح والسكون: المفردة بنفسها، المفارقة عن الجماعة منسوبة إلي الوحدة بمعني الإنفراد بزيادة الألف والنون للمبالغة.

قوله: (لوقتها) الإتيان باللام لمجرَّد التفنّن، فيكون (اللام) بمعني (في)، أو الإتيان بها للإشعار بأنَّ ظرفية الوقت للصلاة لأجل تعلّق خاصّ لها به باعتبار الشارع، فكما يصحُّ استعمال (في) للإشعار بالظرفية يصحُّ أيضاً استعمال (اللام) للإشعار بالاختصاص، وإن كان استعمال (في) أكثر.

قوله: (ومن عمل منكم حسنة) أراد بالحسنة ما عدا الصلاة بقرينة المقابلة.

ص: 328

قوله: (ويضاعف الله عز وجل) أشار به إلي أنَّ المراتب المذكورة من التضاعف ليست بمتعيّنة، بل قد يزيد الله تعالي لمن يشاء وهو عزيز كريم.

قوله: (إذا أحسن أعماله) المراد بإحسانها الإتيان بها علي الوجه المطلوب، تقرّباً إلي الله تعالي، خالصاً لوجهه، فلو ترك شيئاً من الوجوه المطلوبة أو قصد بها الرياء والسمعة فقد أبطل عمله، فلا يكون له قدر، فضلاً أن يترتَّب عليه الزيادة.

قوله: (وأمسك من لسانه) بأن لا يقول شيئاً يوجب وثوب الأعداء علي الأولياء، وزيادة (من) لبيان أنَّ المطلوب حينئذٍ هو الإمساك عن بعض الكلام دون الجميع، وهو الكلام الموجب للضرر في الدين والدنيا.

قوله: (أضعافاً مضاعفة) في المغرب: إذا قال لفلان: عليَّ دراهم مضاعفة فعليه ستّة دراهم، فإن قال: أضعافاً مضاعفة فله عليه ثمانية عشر، لأنَّ أضعاف الثلاثة ثلاثة ثلاث مرَّات، ثمّ أضعفناها مرّة أخري لقوله مضاعفة، أقول: ثمّ اتَّسع لزيادة غير محصورة في عدد.

قوله: (إنَّ الله عز وجل كريم) أشار بذلك إلي سبب تلك الزيادة وهو الكرم، لأنَّ الكريم هو الذي يعطي المستحقّ من غير نظر إلي قدر ما يستحقّه.

قوله: (قد والله رغَّبتني)، أي: قد اُقسم والله رغَّبتني، أو قد رغَّبتني والله رغَّبتني، فحذف لوجود المفسّر، أو في الكلام تقديم وتأخير، أي: قد رغَّبتني والله في العمل.

قوله: (ولكن أحبّ أن أعلم) يريد: إنّي علمت ممَّا ذكرت أنَّ

ص: 329

أعمالنا أفضل من أعمال أصحاب المهدي صلوات الله عليه بعد ظهوره وظهور دولة الحقّ، ولكن أحبّ أن أعلم سبب تلك الأفضلية، والحال إنّا وإيّاهم علي دين واحد، وهذا يقتضي التساوي بيننا وبينهم!

فذكر عليه السلام من أسباب الأفضلية ثمانية أمور:

الأوّل: سبقكم إلي الإيمان بالله وبرسوله والدخول في دين الله تعالي والإقرار به.

الثاني: سبقكم إلي العمل بالأحكام، مثل: الصلاة والصوم والحجّ وغيرها من الخيرات.

الثالث: عبادتكم سرّاً مع الإمام المستتر، وطاعته كذلك خوفاً من الأعداء.

الرابع: صبركم مع الإمام المستتر في الشدائد.

الخامس: انتظاركم لظهور دولة الحقّ، وهو عبادة.

السادس: خوفكم علي إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة وتغلّبهم.

السابع: نظركم نظر تأسّف وتحسّر إلي حقّ إمامكم، وهو الإمامة والفيء، وحقوقكم التي هي الأموال في أيدي الظلمة الغاصبين، الذين منعوكم عن التصرّف فيها، واضطرّوكم إلي حرث الدنيا وكسبها وطلب المعاش من وجوه شاقّة.

الثامن: صبركم مع تلك البلايا والمصائب علي دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوّكم قتلاً وأسراً ونهباً وعرضاً، وليس لأصحاب المهدي عليه السلام بعد ظهوره شيء من هذه الأمور، فلذلك ضاعف الله تعالي لكم الأعمال.

ص: 330

قوله: (فهنيئاً لكم)، أي: فيكون ما أعطاكم الربّ من مضاعفة الأعمال هنيئاً لكم، وكلّ أمر يأتيك من غير تعب فهو هنيء، والهنيء من الطعام ما لا يعقبه الضرر والفساد.

قوله: (فما تري إذاً أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحقّ ونحن اليوم)، (ما) نافية، و(أن نكون) مفعول تري، و(يظهر الحقّ) عطف علي (نكون)، و(نحن اليوم) إلي آخره جملة حالية، وهي في الحقيقة تعليل للنفي المتقدّم، يعني: (نمي بينيم ما در خود در اين هنگام كه أعمال ما مضاعف باشد اينكه بوده باشيم ما از أصحاب قائم عليه السلام وآنكه ظاهر شود در دست او چرا كه أعمال ما أفضل از أعمال أصحاب اوست).

والحاصل: إنّا لا نتمنّي أن نكون من أصحابه وأن يظهر الحقّ، وهذا القول ليس من باب الاستخفاف وإنكار ظهور الحقّ، بل لأجل طلب الفضل والزيادة، وهو مع ذلك لا يخلو من سوء أدب.

قوله: (فقال: (سبحان الله)) يحتمل التعجّب والتنزيه، وهو مصدر منصوب بفعل مضمر ومضاف إلي المفعول، أي: اُسبّحه سبحاناً، يعني أنزّهه تنزيهاً عمَّا لا يليق بجناب قدسه، وربَّما جوَّز كونه مضافاً إلي الفاعل بمعني التنزّه.

قوله: (أمَا تحبّون)، (ما) نافية، و(الهمزة) لإنكار النفي أو للتوبيخ علي عدم المحبّة، والحقّ خلاف الباطل، وهو القوانين النبويّة والنواميس الإلهية، والعدل خلاف الظلم والجور، والله سبحانه يظهرهما (1) في البلادل.

ص: 331


1- الحقّ والعدل.

بظهور صاحب الأمر عليه السلام بالسيف، بعدما كانت البلاد مملوّة بالباطل والجور.

قوله: (ويجمع الله الكلمة)، أي: يجمع الله كلمة الخلق، حتَّي لا يكون بينهم اختلاف في الأقوال، أو يجمع الله كلمة الحقّ بعد تفرّقها وتكسّرها بصدمات الباطل.

قوله: (ويؤلّف الله بين قلوب مختلفة) في الأديان والعقائد والأغراض، فيرفع المذاهب عن وجه الأرض، ويظهر الدين الخالص في الخلق، فيرجعون إلي أمر واحد بلا اختلاف ولا تباغض ولا تحاسد ولا حميّة، فيقع التآلف والتوافق بينهم.

قوله: (ولا يعصون الله عز وجل في أرضه) باعتبار المذاهب والعقائد، وإلاَّ فقد يقع المعصية عنهم، ويعامل بهم ما يقتضيه الشرع، بدليل قوله: (وتقام حدوده في خلقه).

قوله: (ويرد الله الحقّ إلي أهله) بعدما غصبوه منه، والمراد بالحقّ هنا الرئاسة والخلافة أو أعمّ منها، وفاعل يظهر راجع إلي الحقّ من الظهور، أو إلي أهله منه أو من الإظهار، ومفعوله علي الأخير محذوف.

قوله: (فأبشروا) الإبشار الفرح والسرور، يقال: أبشر، أي: فرح، ومنه: أبشر بخير.

الأصل:

علي بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن أبي أسامة، عن هشام، ومحمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق، قال: حدَّثني الثقة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام أنَّهم سمعوا أمير المؤمنين

ص: 332

يقول في خطبة له: (اللهم وإنّي لأعلم أنَّ العلم لا يأرز كلّه، ولا ينقطع مواده، وإنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك علي خلقك، ظاهر ليس بالمطاع أو خائف مغمور، كيلا تبطل حجّتك، ولا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم، بل أين هم وكم؟ أولئك الأقلّون عدداً، والأعظمون عند الله جلَّ ذكره قدراً، المتّبعون لقادة الدين، الأئمّة الهادين، الذين يتأدَّبون بآدابهم، وينهجون نهجهم، فعند ذلك يهجم بهم العلم علي حقيقة الإيمان، فتستجيب أرواحهم لقادة العلم، ويستلينون من حديثهم ما استوعر علي غيرهم، ويأنسون بما استوحش منه المكذّبون، وأباه المسرفون، أولئك أتباع العلماء، صحبوا أهل الدنيا بطاعة الله تبارك وتعالي وأوليائه، ودانوا بالتقيّة عن دينهم والخوف من عدوّهم، فأرواحهم معلّقة بالمحلّ الأعلي، فعلماؤهم وأتباعهم خرس صمت في دولة الباطل، منتظرون لدولة الحقّ، وسيحق الله الحقّ بكلماته ويمحق الباطل، ها، ها، طوبي لهم علي صبرهم علي دينهم في حال هدنتهم، ويا شوقاه إلي رؤيتهم في حال ظهور دولتهم، وسيجمعنا الله وإيّاهم في جنّات عدن ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم).

الشرح:

قوله: (اللهم وإنّي لأعلم)، قال الفرّاء: أصل (اللهم): يا الله آمنّا بالخير، فخفّف بالحذف لكثرة الاستعمال، فالواو حينئذٍ للعطف علي المفهوم ضمناً، وهو آمنّا بالخير، وقيل: أصله: يا ألله، فحذف حرف النداء وعوّض عنها الميم المشدَّدة، فالواو حينئذٍ للعطف علي جملة (اللهم).

قوله: (أنَّ العلم لا يأرز كلّه ولا ينقطع مواده) أرز فلان يأرز بالراء ثمّ الزاي المعجمة إذا تضأم وتقبَّض، يعني أنَّ العلوم الدينية والمعارف

ص: 333

الإلهية والإسرار الربّانية لا تذهب كلّها عن الخلق وإلاَّ لارتفع التكليف عنهم. ولا تنقطع مواد العلم عنهم بالكلّية وهم العلماء الراسخون والحكماء الإلهيون، الذين يظهرون تلك العلوم علي المستعدّين للقبول والقائلين لفيضانها، وهم علماء الفرقة الناجية (رضوان الله عليهم) فيبقي فيهم قدراً منها.

قوله: (وإنَّك لا تخلي أرضك من حجّة لك علي خلقك) لا تخلي إمَّا من التخلية أو من الإخلاء، والحجّة هو الإمام، و(ظاهر) صفة له، والمغمور المستور من خوف يعلوه، من غمره الماء أي علاه.

قوله: (كيلا تبطل حجّتك) إشارة إلي قوله تعالي: (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَي اللَّهِ حُجَّةٌ)(1) وإلي سبب عدم تخلية الأرض منه، قال بعض المحقّقين: إنَّ الإماميّة 4 آووا إلي هذا الكلام ليدفعوا ما أورد مخالفوهم عليهم، حيث قالوا: يجب نصب الإمام علي الله تعالي، لأنَّه إذا كان لهم رئيس قاهر يمنعهم من المحظورات ويحثّهم علي الواجبات كانوا معه أقرب إلي الطاعة وأبعد عن المعاصي منهم بدونه، واللطف واجب علي الله.

فاعترض عليهم مخالفوهم وقالوا: إنَّما يكون منفعة ولطفاً واجباً إذا كان ظاهراً قاهراً زاجراً عن القبائح، قادراً علي تنفيذ الأحكام، وإعلاء لواء كلمة الإسلام، وهذا ليس بلازم عندكم، فالإمام الذي ادّعيتم وجوبه ليس بلطف، والذي هو لطف ليس بواجب.

فأجابوا: بأنَّ وجود الإمام لطف سواء تصرَّف أو لم يتصرَّف، علي

---------------------

(1) النساء: 165.

ص: 334

ما نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام من الكلام المذكور، وتصرّفه الظاهر لطف آخر.

وتوضيحه علي ما ذكره الشيخ بهاء الملّة والدين نقلاً عن القوم: أنَّ الثمرة ليست منحصرة في مشاهدته وأخذ المسائل عنه، بل نفس التصديق بوجوده عليه السلام، وأنَّه خليفة الله في الأرض أمر مطلوب لذاته، وركن من أركان الإيمان، كتصديق من كان في عصر النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بوجوده عليه السلام ونبوّته.

وقد روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ذكر المهدي فقال: (ذلك الذي يفتح الله عز وجل علي يديه مشارق الأرض ومغاربها، يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت فيها إلاَّ من امتحن الله قلبه للإيمان).

قال جابر: فقلت: يا رسول الله، هل لشيعته انتفاع به في غيبته؟

فقال صلي الله عليه وآله وسلم: (إي والذي بعثني بالحقّ، إنَّهم ليستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها السحاب)(1).

ثمّ قال الإماميّة: إنَّ تشنيعكم علينا مقلوب عليكم، لأنَّكم تذهبون أنَّ المراد بإمام الزمان في الحديث الذي رويتموه من قوله صلي الله عليه وآله وسلم: (من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية)(2) - وهو منقول من9.

ص: 335


1- أنظر: إعلام الوري 2: 182؛ قصص الأنبياء للراوندي: 358/ ح 466؛ كشف الغمّة 3: 314.
2- الأصول الستّة عشر: 78؛ المحاسن 1: 92/ ح 46، 154/ ح 78 و80؛ قرب الإسناد: 351؛ الإمامة والتبصرة: 63/ باب 11/ ح 50؛ الكافي 1: 376/ باب من مات وليس له إمام من أئمّة الهدي، و2: 20 وما بعدها؛ مسند أحمد 3: 446، و4: 96؛ شرح النووي علي مسلم 12: 238؛ مجمع الزوائد 5: 218؛ فتح الباري 13: 5؛ مسند أبي داود: 259.

طرق الخاصّة أيضاً - صاحب الشوكة من ملوك الدنيا كائناً من كان، عالماً أو جاهلاً، عادلاً أو فاسقاً، فأيّ ثمرة تترتَّب علي معرفة الجاهل الفاسق ليكون من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، ولما استثمر هذا بعض المخالفين ذهب إلي أنَّ المراد بالإمام في الحديث الكتاب.

وقال الإماميّة: إنَّ إضافة الإمام إلي زمان ذلك الشخص يشعر بتبدّل الأئمّة في الأزمنة، والقرآن العزيز لا تبدّل له بحمد الله علي مرّ الأزمان. وأيضاً فالمراد بمعرفة الكتاب التي إذا لم تكن حاصلة للإنسان مات ميتة جاهلية، إن اُريد بها معرفة ألفاظه والإطلاع علي معانيه أشكل الأمر علي كثير من الناس، وإن اُريد مجرَّد التصديق بوجوده فلا وجه للتشنيع علينا إذا قلنا بمثله.

قوله: (بل أين هم وكم)، أي: كم هم أين هم، إشارة إلي أنَّهم مظلومون مستورون مشرَّدون حتَّي لا يعلم لغاية طردهم مكانهم، كما هو المعلوم من مشاهدة أحوال المعصومين سيَّما في زمن الغيبة، و(كم هم) إشارة إلي قلّة عددهم، مثل قوله تعالي: (ثُلَّةٌ مِنَ الأَْوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآْخِرِينَ)(1) إشارة إلي أنَّ في آخر الزمان - يعني بعد نبيّنا صلي الله عليه وآله وسلم - لا يكون في كلّ وقت وزمان إلاَّ واحد من الأوصياء، بخلاف الزمان السابق، فإنَّه كان في عهد واحد جماعة من الأنبياء والأوصياء، هذا والظاهر أنَّ الضمير راجع إلي الأولياء بدليل ما بعده، وفيه حينئذٍ شكاية من قلّة أنصار الإمام حتَّي صار مقهوراً للأعادي مستوراً عن الخلق.

قوله: (أولئك الأقلّون عدداً، والأعظمون عند الله جلَّ ذكره قدراً)4.

ص: 336


1- الواقعة: 13 و14.

أولئك إشارة إلي الأولياء وقلَّتهم ظاهرة، فإنَّهم بمنزلة شعرة بيضاء في فرس أسود، وكذا عظمة قدرهم ومنزلتهم، إذ هم عباد الله جلَّ ذكره ومنقادون له في الأوامر والنواهي، وحافظون لدينه، ولهم درجة الهداية والشفاعة، وقد نقل عنه صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (إذا اجتمع الخلق علي الصراط قيل للعالم: قم ههنا فاشفع لمن أحببت، فإنَّك لا تشفع لأحد إلاَّ شفعت مقام الأنبياء)(1) والأخبار الواردة في رفعة شأنهم كثيرة.

قوله: (المتبعون لقادة الدين الأئمّة الهادين) الأئمّة بدل أو بيان للقادة، ولعلَّ المراد بالمتابعة لهم المتابعة في معرفة أصل الدين، وهو جميع ما جاء به النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، إذ هم القادة والهداة إليه، وبالمتأدّب بآدابهم المتخلّق بأخلاقهم الفاضلة حتَّي يحصل بذلك المناسبة الروحانية، وبسلوك طريقهم العمل بكلّ ما عملوه وترك كلّ ما تركوه، ويحتمل أن يراد بالتأدّب التخلق بمثل أخلاقهم والعمل بمثل أعمالهم، وبنهج منهجهم إبانة طريقتهم وإيضاحها بالتعليم والإرشاد.

قوله: (وينهجون نهجهم)، النهج والمنهج: الطريق الواضح، يقال: نهجت الطريق أي: سلكته، ويقال أيضاً: نهجت الطريق أي: أبنته وأوضحته، ويجوز إرادة كلا المعنيين هنا كما أشرنا إليه.

قوله: (فعند ذلك يهجم بهم العلم علي حقيقة الإيمان)، وذلك إشارة إلي الاتّباع لقادة الدين وما بعده، والهجوم علي القوم الدخول2.

ص: 337


1- روي عنه صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (إذا اجتمع العالم والعابد علي الصراط قيل للعابد: أدخل الجنّة، وتنعّم بعبادتك، وقيل للعالم: قف هنا فاشفع لمن أحببت، فإنَّك لا تشفع لأحد إلاَّ شفعت، فقام مقام الأنبياء) الجامع الصغير 1: 57/ ح 352؛ وكنز العمّال 10: 136/ ح 28688، وفيه: (علي الصراط)؛ فيض القدير 1: 316/ ح 352.

عليهم بغتة، والباء في (بهم) للتعدية، (والعلم) فاعل (يهجم)، والمراد به العلم اللدني الفائض، وعلي متعلّق ب- (يهجم)، والحقيقة الشيء الذي له ثبات ووجود في نفس الأمر، كقوله صلي الله عليه وآله وسلم: (إنَّ لكل حقّ حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟)(1).

أي ما الذي ينبئ عن كون ما تدَّعيه حقّاً؟ ولها معان اُخر، وإضافتها إلي الإيمان لأدني ملابسة باعتبار أنَّ الإيمان الكامل مقتض لحصولها للمؤمن، والمعني أنَّ ذلك الاتّباع إلي آخره يدخلهم العلم اللدنّي، ويطلعهم علي حقائق الإيمان الكامل الذي يقتضي حصولها وهي حقائق الأشياء، ويكشف لهم حجبها حتَّي يعرفوها بعين اليقين علي ما هي عليه في نفس الأمر، وهذه هي الحكمة التي أشار إليها جلَّ شأنه بقوله: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)(2) ويحتمل أن يجعل (الباء) بمعني (علي)، والجار بعد العلم متعلّقاً به، يعني يدخل عليهم العلم علي حقائق الإيمان، ويحتمل أيضاً أن يراد بحقيقة الإيمان أركانه وهي العقائد الصالحة والأعمال الفاضلة، والله أعلم.

قوله: (فتستجيب أرواحهم لقادة العلم) واستجابتها لهم لأجل

----------------------

(1) عن أنس قال: إنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم دخل المسجد والحارث بن مالك نائم، فحرَّكه برجله، قال: (ارفع رأسك)، فرفع رأسه، فقال: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله، فقال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (كيف أصبحت يا حارث بن مالك؟)، قال: أصبحت يا رسول الله مؤمناً حقّاً، قال: (إنَّ لكلّ حقّ حقيقة، فما حقيقة ما تقول؟)، قال: عزفت عن الدنيا، وأظمأت نهاري وأسهرت ليلي، وكأنّي أنظر إلي عرش ربّي، فكأنّي أنظر إلي أهل الجنّة فيها يتزاورون وإلي أهل النار يتعاوون، فقال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (أنت امرؤ نوَّر الله قلبه، عرفت فالزم). أنظر: كنز العمّال: 353/ ح 36989؛ وانظر: منتخب مسند عبد الحميد: 165.

(2) البقرة: 269.

ص: 338

مناسبة وارتباط بينها وبين أرواحهم المقدَّسة في أصل الصفاء والنورية والبهاء والاتصاف بالعلوم، إلاَّ أنَّها لمَّا رأت العلوم والصفاء في أرواحهم أشدّ وأقوي، وشاهدت النورية والبهاء في ذواتهم أكمل وأبهي، أقبلت إليهم بالرضا والتسليم، واعترفت لهم بالفضل والتعليم.

قوله: (ويستلينون من حديثهم ما استوعر علي غيرهم) استوعر بمعني وعر، كاستقر بمعني قرَّ، والوعر الصعب، أي يستسهلون ويجدون سهلاً ليّناً من حديثهم ما صعب علي غيرهم من المخالفين والموافقين، الذين لم تتنعَّم عقولهم بنعمة العلم والكمال، وذلك لفقدهم المناسبة والارتباط المذكورين، وما لم يتحقّق المناسبة والارتباط بين المعلّم والمتعلّم امتنع التفهّم والتفهيم وصعب التعلّم والتعليم.

قوله: (ويأنسون بما استوحش منه المكذّبون وأباه المسرفون) الوحشة: الهمّ والحزن والفرار، ومنه الوحشي لفراره عن الناس، والمكذّبون هم المخالفون الذين يكذّبون إمام الحقّ وأهله، والجاهلون مطلقاً لأنَّ شأنهم التكذيب، والمسرفون: المترفون المتنعّمون، لأنَّ شأنهم الإسراف غالباً أو دائماً، لأنَّهم يصرفون أعمارهم في طلب الدنيا وشهواتها دائماً، ولا إسراف أعظم من ذلك، والموصول عبارة عن أمور الدين وفضائل الإمام، وملازمة الصمت، والصبر علي قيام الليل وصيام النهار، ورياضة السهر والجوع، ومراقبة أحوال النفس وأمور الآخرة، ورفض الشهوات النفسانية، وقطع التعلّقات الدنيوية، ورفع المخاطرات الشيطانية، يعني أنَّ الأولياء المذكورين الموصوفين بما مرَّ يأنسون بهذه الأمور التي يحزن ويفرُّ منها المكذّبون ويأباها المسرفون، لأنَّهم بأضدادها، وحبّهم زهرات الدنيا وشهواتها، وكلّ من أحبَّ شيئاً أبغض ضدّه.

ص: 339

قوله: (أولئك أتباع العلماء)، أي: أولئك الموصوفون بالصفات المذكورة هم أتباع العلماء الذين هم أئمّة الدين وأولاد سيّد المرسلين، وتعريف المسند إليه باسم الإشارة للدلالة علي أنَّ اتّصافهم بالخير لأجل الصفات المذكورة، كما قالوا مثل ذلك في قوله تعالي: (أُولئِكَ عَلي هُديً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(1).

قوله: (صحبوا أهل الدنيا بطاعة الله تعالي)، صحبوا خبر بعد خبر دون العطف، وقوله: (بطاعة الله) حال عن فاعله، والمراد بأهل الدنيا إمَّا المخالفون أو أهلها جميعاً، يعني أولئك الموصوفون صحبوا أهل الدنيا ورفضوا آدابهم المبتدعة وأطوارهم الشنيعة، متلبّسين بطاعة الله تبارك وتعالي وطاعة أوليائه، ولا ينقض ذلك شيئاً من وظائف طاعاتهم، لجلوسهم علي بساط الأنس في حضرة القدس، فلا يرون إلاَّ جلاله وكماله، ولا يطلبون إلاَّ قربه ووصاله.

قوله: (ودانوا بالتقيّة عن دينهم والخوف من عدوّهم)، أي: أطاعوا ربّهم وإمامهم بالتقيّة عن دينهم، وبالخوف من عدوّهم، أو اتَّبعوهما بالتقيّة والخوف، أو اتّخذوا التقيّة والخوف ديناً لهم، أو أذلّوا أنفسهم بالتقيّة والخوف، لأنَّ (دان) يصلح لهذه المعاني كلّها كما لا يخفي علي المتصفّح في اللغة.

قوله: (فأرواحهم معلّقة بالمحلّ الأعلي) أي: بالجنّة العالية ودرجاتها والروضة الباقية ومقاماتها، بل بمقعد صدق عند مليك مقتدر، وفي بعض النسخ: بالملأ الأعلي، أي نفضوا عن نفوسهم التعلّقات الحسّية

---------------------

(1) البقرة: 5.

ص: 340

والوهمية، ودفعوا عن قلوبهم حبّ زهرات الدنيا الدنيّة، حتَّي توجَّهت أرواحهم إلي مشاهدة القدسيات الروحانية، وملاحظة الفيوضات الربّانية، فهم بأجسادهم مصاحبون لأهل هذه الدار، وبأرواحهم للملائكة المقرَّبين الأبرار وحسن أولئك رفيقاً.

قوله: (فعلماؤهم وأتباعهم خرس وصمت) لا يقدرون علي التكلّم بالحقّ واعلاء كلمته لشدّة التقيّة وكمال الخوف.

قوله: (وسيحق الله الحقّ بكلماته) أي سيُظهر الله تعالي دين الحقّ بالأئمّة الطاهرين، لأنَّ واحد منهم كلمة الله كعيسي بن مريم عليه السلام، وقد ثبت أنَّهم يرجعون في دولة المهدي عليه السلام وينصرونه، هذا وقال المفسّرون في تفسير قوله تعالي: (وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ)(1) أنَّ معناه يظهره ويبينّه بأوامره وقضاياه(2).

قوله: (ها، ها)، (ها) بالقصر للتنبيه، ينبّه بها المخاطب علي ما يساق إليه من الكلام، وتكريرها للتأكيد والمبالغة فيه، وإنَّما ينبَّه بها ويؤكّد فيها إذا كان مضمون الكلام أمراً عظيماً.

قوله: (طوبي لهم) طوبي اسم الجنّة، وقيل: اسم شجرة فيها، وأصلها فعلي من الطيّب فلمَّا ضمّت الطاء انقلبت الياء واواً، وعلي التقديرين فهو مبتدأ.

قوله: (ويا شوقاه) النداء للتعجّب من كثرته أو لطلب حضوره، والشوق والاشتياق نزاع النفس إلي الشيء وميلها إليه، وهو إنَّما يحصل3.

ص: 341


1- الأنفال: 7.
2- أنظر: تفسير غريب القرآن: 410؛ والتفسير الصافي 2: 413.

بعد تصوّره وتصوّر نفعه، ثمّ التصديق بترتّبه عليه، فإذا انتقشت في النفس هذه الأمور حصلت لها كيفية أخري، أي ميلها ورغبتها إلي ذلك المتصوّر وهي الشوق، وفي هذا الكلام دلالة بحسب الظاهر علي ثبوت الرجعة.

قوله: (في جنّات عدن) العدن: الإقامة، عدن بها أي أقام، ومنه سمّيت الجنّة جنّة عدن، أي جنّة إقامة، يقال: عدن بالمكان يعدن عدنا إذا لزمه ولم يبرح منه.

قوله: (ومن صلح) عطف علي آبائهم، أو الواو بمعني مع، ومتبوعية ما بعد الواو ليست أمراً كلّياً، قال القاضي وغيره: والمعني أنَّه يلحق بهم من صلح من أهلهم، وإن لم يبلغ فضلهم، تبعاً لهم وتعظيماً لشأنهم، وهو دليل علي أنَّ الدرجة تعلو بالشفاعة، وفي التقييد بالصلاح دلالة علي أنَّ مجرَّد الأنساب لا ينفع.

باب في الغيبة(1):

الأصل:

محمّد بن يحيي والحسن بن محمّد جميعاً، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن الحسن بن محمّد الصيرفي، عن صالح بن خالد، عن يمان التمّار، قال: كنّا عند أبي عبد الله عليه السلام جلوساً فقال لنا: (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد - ثمّ قال هكذا بيده - فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده) ثمّ أطرق مليّاً، ثمّ قال: (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتَّق الله عبد وليتمسَّك بدينه).1.

ص: 342


1- الكافي 1: 335 - 343/ ح 1 - 31؛ شرح أصول الكافي 6: 249 - 371/ ح 1 - 31.

الشرح:

قوله: (كالخارط للقتاد)، القتاد: شجر له شوك وهو القتاد الأعظم، وأمَّا القتاد الأصغر فهي التي ثمرتها نفاخة كنفاخة العشر(1)، وخرطه أن يمسك أعلاه بيده ويمرّها إلي أسفله، وهذا مثل يضرب لكلّ أمر مشكل.

قوله: (ثمّ قال هكذا بيده)، أي: ضرب بها علي الخشب وأظهر صورة العمل، ثمّ قال علي سبيل الإنكار: (فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده ويمرّها إلي أسفله؟)، وفيه مبالغة علي أنَّه لا يصبر علي دينه حينئذٍ إلاَّ الصابرون علي جميع أنحاء المشاق.

قوله: (ثمّ أطرق مليّاً)، أي: أرخي عينه ورأسه إلي الأرض زماناً طويلاً كأنَّه متفكّر في أمر.

قوله: (فليتّق الله)، أمر أوّلاً باتّقاء الله تعالي، لأنَّ التمسّك بدين الحقّ حينئذٍ لا يمكن بدون التقوي الحاملة للنفس علي الصبر وتحمّل المشاق وتجرّع المكاره.

الأصل:

علي بن محمّد، عن الحسن بن عيسي بن محمّد بن علي بن جعفر، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليهم السلام، قال: (إذا فُقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد، يا بَنيّ إنَّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتَّي يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنَّما هي محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه، لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحُّ من هذا لاتّبعوه).ة.

ص: 343


1- كذا في لسان العرب، وفي بعض النسخ: (لفاحة) كرمانة.

قال: فقلت: يا سيّدي، من الخامس من ولد السابع؟

فقال: (يا بَنيّ! عقولكم تصغر عن هذا وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه).

الشرح:

قوله: (إذا فقد الخامس من ولد السابع)، السابع موسي بن جعفر عليهما السلام، والخامس هو الصاحب المنتظر.

قوله: (فالله الله في أديانكم)، الله منصوب بفعل مضمر، والتكرير للتأكيد، أي احفظوا الله، أو أطيعوا في طاعتكم أو في أموركم أو في سبلكم وطرائقكم، لأنَّ كلّ ما جاء به النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فهو سبيل وطريق إلي الله تعالي، والدين يُطلق علي كلّ واحد كما يطلق علي المجموع، والمقصود هو الأمر برعاية جانب الله عزَّ شأنه فيها وطلب رضاه، ثمّ أكَّده بقوله: (لا يزيلكم عنها أحد) من شياطين الجنّ والإنس بالخدعة والمكر والوعيد وإلقاء الشبهات وأنواع التدليسات والتلبيسات.

قوله: (يا بَني) بفتح الباء وكسر النون علي صيغة الجمع بقرينة قوله: ولو علم آباؤكم، وهو خطاب مع أولاده، وليس علي صيغة الإفراد خطاباً مع أخيه علي بن جعفر، لإباء السياق وعدم صحَّته بدون التجوّز.

قوله: (إنَّما هي محنة)، المحنة بكسر الميم واحدة المحن التي يمتحن بها الإنسان من بلية وشدّة محنة، وامتحنته أي اختبرته والاسم المحنة، وقد جرت كلمة الله تعالي علي اختبار الناس بأنواع المحن والبلايا، ليميّز الجيّد من الردي ويظهر الصابر وغيره كما قال جلَّ شأنه: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ

ص: 344

الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّي يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتي نَصْرُ اللَّهِ)(1) وقال: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(2) إلي غير ذلك من الآيات الكثيرة.

فإن قلت: حقيقة الاختبار طلب الخبر بالشيء ومعرفته لمن لا يكون عارفاً به، والله سبحانه عالم بمضمرات القلوب وخفيّات الغيوب، فالمطيع في علمه متميّز من العاصي، فما معني الاختبار في حقّه؟

قلنا: اختباره تعالي ليس إلاَّ ليعلم غيره من خلقه طاعة من يطيع وعصيان من يعصي، ويتميَّز ذلك عنده، فهو من باب الكناية، لأنَّ التميّز من لوازم الاختبار وعوارضه، فاُطلق الملزوم واُريد به اللازم، كما هو شأن الكناية، أو قلنا: اختباره تعالي استعارة بتشبيه فعله هذا، ليثيب المطيع ثواباً جزيلاً، ويعذّب العاصي عذاباً وبيلاً، باختبار الإنسان لعبيده ليتميّز عنده المطيع والعاصي، ليثيب المطيع ويكرمه، ويعذّب العاصي ويهينه، فأطلق علي فعله تعالي الإختبار مجازاً.

قوله: (ولو عَلِم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحُّ من هذا لاتّبعوه) دلَّ علي أنَّ هذا الدين أصحُّ الأديان، وليس دين أصحُّ منه، وإلاَّ لاتبعه الصالحون المطهَّرون، الذين شأنهم طلب الأصحّ والأفضل، واتّباع الأشرف والأكمل، ولعلَّ التفضّل هنا مجرَّد عن معناه فلا يلزم ثبوت الصحَّة لغير هذا الدين، وفيه حثّ علي التمسّك به وعدم مفارقته، وتأكيد لما مرَّ من قوله: (لا يزيلكم عنها أحد).2.

ص: 345


1- البقرة: 214.
2- العنكبوت: 1 و2.

قوله: (قال: فقلت) فاعل الفعلين علي بن جعفر.

قوله: (من ولد السابع)، كأنَّه سأل عن حقيقته وحقيقة صفاته المختصَّة به، لا عن اسمه واسم أبيه، ولذلك أجاب عليه السلام بأنَّ عقولكم قاصرة عن إدراكه علي هذا الوجه، لأنَّ حقيقة الإمام وصفاته لا يعلمها إلاَّ الله سبحانه كما مرَّ سابقا (1).

قوله: (يا بني)، الظاهر أنَّه علي صيغة الجمع، وأنَّ علي بن جعفر يدخل في الخطاب علي سبيل التغليب.

قوله: (ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه)، لا يقال: كيف يدركونه مع فقده؟ لأنّا نقول: معناه: فسوف تدركون زمانه، أو فسوف تدركونه قبل فقده وغيبته، أو نقول: معناه إن تعيشوا وتبقوا علي هذا الدين فسوف تدركونه بعد الظهور بالرجعة، وفيه بُعد، والله أعلم.

الأصل:

محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نجران، عن محمّد بن المساور، عن المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إيّاكم والتنويه، أمَا والله ليغيبنَّ إمامكم سنين من دهركم، ولتمحصنَّ حتَّي يقال: مات، قتل، هلك، بأيّ وادٍ سلك؟ ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلاَّ من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيَّده بروح منه، ولترفعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يُدري أيّ من أيّ).

قال: فبكيت، ثمّ قلت: فكيف نصنع؟ه.

ص: 346


1- أنظر: شرح أصول الكافي 5: 209/ شرح الحديث الأوّل من باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته.

قال: فنظر إلي شمس داخلة في الصفة، فقال: (يا أبا عبد الله تري هذه الشمس؟).

قلت: نعم.

فقال: (والله لأمرنا أبين من هذه الشمس).

الشرح:

قوله: (إيّاكم والتنويه)، لعلَّ المراد تنويه أمره وغيبته وتشهيرها عند المخالفين.

قوله: (ولتمحصنَّ)، محصت الذهب بالنار إذا أخلصته ممَّا يشوبه من الغش، والتمحيص بالصاد المهملة: الابتلاء والاختبار، والمقصود: أنَّكم تختبرون بغيبته ليتميّز الخبيث من الطيّب).

قوله: (حتَّي يقال: مات)، الظاهر أنَّ هذا قول الشيعة المفتونين بطول الغيبة، أو أنَّ ما نزل عليهم من البؤس والقنوط ومشقّة انتظار الفرج وإصابة البلاء والشدّة وبُعد رجاء الخلاص منه بظهور المنتظر، وفيه إشارة إلي ما يقع في آخر الزمان عند قرب ظهور الحجّة من الهرج والمرج وانتشار الظلم والجور والسبي والنهب والقتل والغارة وارتفاع الشبهة عن الخلق.

قوله: (ولتكفأنَّ)، يقال: كفأت الإناء أي: كببته وقلبته، فهو مكفوء، وقيل: جاء: أكفأت، والتشبيه من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس لزيادة الإيضاح.

قوله: (فلا ينجو إلاَّ من أخذ الله ميثاقه)، فإنَّ من قَبِل ولايته وإمامته عند أخذ العهد والميثاق ينجو من أمواج بحار الفتن ويبقي علي دينه ويصبر علي الشدائد بعون الله.

ص: 347

قوله: (وكتب في قلبه الإيمان)، أي: أثبته فيه حتَّي صار مستقرَّاً لا يزول بالشبهات ونزول النوائب والبليات، بخلاف الإيمان المستودع، فإنَّه كثيراً ما يزول بتوارد الشكوك والتدليسات.

قوله: (وأيَّده بروح منه)، الضمير راجع إلي الله تعالي، والمراد بالروح الملك الموكَّل بالقلب، أو نوره، وهو نور إلهي يري به صور المعقولات الحسنة والقبيحة، فيتبع الأولي ويجتنب عن الثانية، فلا تزل قدمه بعد ثبوتها، أو القرآن، فإنَّه روح القلب وحياته، يتميّز به بين الحقّ والباطل، أو البصيرة علي ما ينفع وما يضرّ، ويحتمل أن يعود الضمير إلي الإيمان، فإنَّه سبب لحياة القلب، ولذلك سمّاه روحه.

قوله: (ولترفعنَّ اثنتا عشرة راية) هذا من علامات ظهور القائم عليه السلام، وعند هذه يقع الفساد في الخلق وانقطاع نظامهم بالكلّية، وتضيق الأمور عليهم، ولعلَّ المراد باشتباه تلك الرايات ادّعاء صاحب كلّ واحد أنَّه حقّ وغيره باطل، فيقع الاشتباه فيها ويتحيَّر الخلائق في أمر دينهم ودنياهم، حتَّي لا يُدري أيّ رجل من أيّ راية لتبدّد النظام فيهم وانقطاع عنان الاجتماع وسلسلة الانضمام عنهم، ويحتمل أن يراد باشتباهها تداخل بعضها علي بعض حتَّي لا يُدري أيّ راية من أيّ رجل، والله أعلم.

قوله: (فكيف نصنع) عند ارتفاع تلك الرايات؟ وبمَ نميّز بين المحقّ والمبطل؟

فأجاب عليه السلام بأنَّ أمرنا عند ظهور الدولة القاهرة أظهر من الشمس، أو في قلوب المؤمنين، فلا يقع الالتباس بين الحقّ والباطل، كما لا يقع الالتباس بين النور والظلمة، فالعارفون عارفون بحقّنا إيماناً وتصديقاً، والمنكرون منكرون لحقّنا حسداً وعناداً.

ص: 348

الأصل:

علي بن إبراهيم، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ في صاحب هذا الأمر شبهاً من يوسف عليه السلام).

قال: قلت له: كأنَّك تذكر حياته أو غيبته؟

قال: فقال لي: (وما تنكر من ذلك هذه الأمّة أشباه الخنازير، إنَّ إخوة يوسف عليه السلام كانوا أسباطاً أولاد الأنبياء تاجروا يوسف وبايعوه وخاطبوه وهم إخوته وهو أخوهم، فلم يعرفوه حتَّي قال: (أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي)، فما تنكر هذه الأمّة الملعونة أن يفعل الله عز وجل بحجّته في وقت من الأوقات كما فعل بيوسف، إنَّ يوسف عليه السلام كان إليه ملك مصر، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه لقدر علي ذلك، لقد سار يعقوب عليه السلام وولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلي مصر، فما تنكر هذه الأمّة أن يفعل الله جلَّ وعزَّ بحجّته كما فعل بيوسف، أن يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم حتَّي يأذن الله في ذلك له، كما أذن ليوسف (قالُوا أَإِنَّكَ لأََنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ)(1)).

الشرح:

قوله: (شبهاً من يوسف عليه السلام) الشبه بالتحريك التماثل والتشابه، وكذا الشبه بالكسر والسكون.

قوله: (وما ينكر من ذلك)، أي: ما ينبغي إنكار شيء من ذلك المذكور، أو إنكار بعض ذلك، إذ لا استبعاد فيه، ثمّ بيَّن عدم الاستبعاد0.

ص: 349


1- يوسف: 90.

بقوله: (هذه الأمّة أشباه الخنازير) باطناً، وإن كانوا في صورة الإنسان ظاهراً، وإخوة يوسف عليه السلام مع كونهم أسباط الأنبياء وأولادهم وأقرب إلي الحقيقة الإنسانية منهم ظاهراً وباطناً إذا فعلوا بأخيهم يوسف من صلب أبيهم ما فعلوا حتَّي غاب عن أبيه وسائر عشيرته سنين كثيرة مع تمكّنه من إظهار وجوده ومكانه ولم يفعله لمصلحة، جاز أن تفعل هذه الأمّة مع واحد من الأئمّة مثل فعلهم، بل تحقّق مثل ذلك الفعل من هذه الأمّة أقرب، وصدوره منهم أظهر وأنسب، لعدم الروابط المسفورة والقرابة المذكورة والزواجر المسطورة بينه وبينهم، حتَّي يغيب هو عن أقربائه وعشيرته، ويعتزل عن أوليائه وشيعته ظاهراً، وهو معهم باطناً، حتَّي أنَّه يصاحبهم ويصاحبونه، ويراهم ويرونه، ولكن لا يعرفونه بشخصه ونسبه وهو يعرفهم، وقد روي أنَّه بعد ظهوره يقول كثير من الناس: رأيناه كثيراً.

قوله: (إنَّ يوسف كان إليه ملك مصر)، أي: كان مصر مفوّضاً إليه، وكان حكمه جارياً وأمره ماضياً، مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وعشيرته، ولم يخبرهم بوجوده ومكانه، مع ما عليهم من الشدائد والمصائب، كما حكي عنه جلَّ شأنه في القرآن العزيز، وما كان ذلك إلاَّ لمصلحة إلهية وحكمة ربّانية تعلَّقت بعدم علمهم بحاله، فإذا كان هذا غير منكر في حقّه فغيبة المنتظر أولي بعدم الإنكار.

الأصل:

علي بن إبراهيم، عن الحسن بن موسي الخشّاب، عن عبد الله بن موسي، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ للغلام غيبة قبل أن يقوم).

ص: 350

قال: قلت: ولِمَ؟

قال: (يخاف - وأومأ بيده إلي بطنه -).

ثمّ قال: (يا زرارة وهو، المنتظر، وهو الذي يشكّ في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: إنَّه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر، غير أنَّ الله عز وجل يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة).

قال: قلت: جُعلت فداك، إن أدركت ذلك الزمان أيّ شيء أعمل؟

قال: (يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء: (اللهم عرّفني نفسك، فإنَّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللهم عرّفني رسولك، فإنَّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهم عرّفني حجّتك، فإنَّك إن لم تعرّفني حجّتك ظللت عن ديني))، ثمّ قال: (يا زرارة، لا بدَّ من قتل غلام بالمدينة).

قلت: جُعلت فداك، أليس يقتله جيش السفياني؟

قال: (لا ولكن يقتله جيش آل بني فلان، يجيء حتَّي يدخل المدينة، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لا يمهلون، فعند ذلك توقَّع الفرج إن شاء الله).

الشرح:

قوله: (حمل)، أي: هو حمل عند موت أبيه، كما روي أنَّ السلطان وكَّل القوابل علي نساء الحسن العسكري عليه السلام وإمائه بعد موته ليعرفن الحوامل.

قوله: (ومنهم من يقول أنَّه ولد قبل موت أبيه بسنتين)، الذي يظهر من تاريخ تولّده وتاريخ موت أبيه عليهما السلام أنَّه ولد قبل موت أبيه بثلاث سنين وسبعة أشهر إلاَّ ثمانية أيّام.

ص: 351

قوله: (فعند ذلك يرتاب المبطلون، يا زرارة إذا أدركت ذلك الزمان)، المراد بالمبطلين المائلون إلي البطلان والفساد، وهم الذين قلوبهم مريضة، وعقولهم عليلة، وإيمانهم مستودع، وميثاقهم متزلزل، وعقائدهم كبيت نسجته العنكبوت، يخرقها ريح البليّات، ويطيّرها صرصر الشبهات، وفي بعض النسخ المصحَّحة (فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة)، قال: قلت: جُعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أيّ شيء أعمل؟ قال: (يا زرارة، إذا أدركت ذلك الزمان...) إلي آخره.

قوله: (اللهم عرّفني نفسك، فإنَّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيَّك) سيأتي الدعاء في حال الغيبة عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام: (اللهم عرّفني نفسك، فإنَّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرّفني نبيّك، فإنَّك إن لم تعرّفني نبيَّك لم أعرفه قطّ، اللهم عرّفني حجَّتك، فإنَّك إن لم تعرّفني حجَّتك ضللت عن ديني)(1) وهذا أظهر من المذكور، ولا بدَّ في الجمع من القول باختلاف القضيّة، بأن يكون أحدهما مروياً في وقت غير وقت الآخر، أو القول بأنَّ الاختلاف وقع من جهة الراوي، ولعلَّ الوجه في الأوّل أنَّ معرفة الربّ إنَّما يتحقَّق بمعرفته علي وجه يليق به، وهي معرفته بصفات ذاته وأفعاله، ومن جملتها إرسال النبيّ، فلو لم يُعَرّف الربّ نفسه للعبد لم يَعرف العبد نبيّه، كما لم يعرف الله، وقس عليه ما يتلوه، وفيه دلالة علي أنَّ المعرفة موهبية، كما دلَّ عليه أيضاً صريح بعض الروايات، وقد أوضحناه سابقا(2).0.

ص: 352


1- أنظر: الكافي 1: 342/ ح 29؛ شرح أصول الكافي 6: 271.
2- شرح أصول الكافي 5: 50.

قوله: (فعند ذلك توقَّع الفرج بخروج القائم عليه السلام)، وقد قيل: إنَّ خروجه بعد قتل النفس الزكيّة، ولا يكون إلاَّ بعد عشر ليال(1).

وروي عن الصادق عليه السلام أنَّه قال: (خمس علامات قبل قيام القائم عليه السلام: الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزكيّة، واليماني)(2).

وعنه عليه السلام، قال: (اختلاف بني العبّاس من المحتوم، والنداء من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم).

وقيل: كيف النداء؟

قال: (ينادي منادٍ من السماء أوّل النهار: ألا أنَّ علياً وشيعته هم الفائزون، فينادي منادٍ آخر النهار: ألا أنَّ عثمان وشيعته هم الفائزون)(3).

وروي يعقوب السراج، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: متي فرج شيعتكم؟

قال: فقال: (إذا اختلف ولد العبّاس، ووهي سلطانهم، وطمع فيهم من لم يكن يطمع فيهم، وخلعت العرب أعنَّتها، ورفع كلّ ذي صيصية صيصيته، وظهر الشامي، وأقبل اليماني، وتحرَّك الحسني، خرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلي مكّة بتراث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم).

فقلت: ما تراث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟1.

ص: 353


1- في كمال الدين: (بين قتل النفس الزكيّة والظهور الشريف خمسة عشر ليلة)، أنظر: كمال الدين: 649/ باب علامات خروج القائم عليه السلام/ ح 2؛ الغيبة للطوسي: 445/ ح 440؛ الإرشاد: 374.
2- الكافي 8 : 310/ ح 483؛ وانظر: كمال الدين: 650/ ح 7؛ الغيبة للنعماني: 252/ ح 9، و289/ ح 6.
3- الكافي 8 : 209/ ح 253، و310/ ح 484؛ الغيبة للطوسي: 454/ ح 461.

قال: (سيف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ودرعه وعمامته وبرده وقضيبه ورايته ولامته وسرجه، حتَّي ينزل مكّة، فيخرج السيف من غمده، ويلبس الدرع، وينشر الراية والبردة والعمامة، ويتناول القضيب بيده، ويستأذن الله في ظهوره، فيطَّلع علي ذلك بعض مواليه، فيأتي الحسني فيخبره الخبر، فيبتدر الحسني إلي الخروج، فيثب عليه أهل مكّة ويقتلونه ويبعثون برأسه إلي الشامي، فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر، فيبايعه الناس ويتبعونه، ويبعث الشامي عند ذلك جيشاً إلي المدينة، فيهلكهم الله عز وجل دونها، ويهرب يومئذٍ من كان بالمدينة من ولد علي عليه السلام إلي مكّة، فيلحقون بصاحب هذا الأمر، ويقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق، ويبعث جيشاً إلي المدينة، فيأمن أهلها ويرجعون إليها)(1).

الأصل:

محمّد بن يحيي، عن جعفر بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن يحيي بن المثنّي، عن عبد الله بن بكير، عن عبيد بن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه).

علي بن محمّد، عن عبد الله بن محمّد بن خالد، قال: حدَّثني منذر بن محمّد بن قابوس، عن منصور بن السندي، عن أبي داود المسترق، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة، عن الأصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته متفكّراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك متفكّراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها؟2.

ص: 354


1- الكافي 8 : 225/ ح 285؛ الغيبة للنعماني: 270/ ح 42.

فقال: (لا والله، ما رغبت فيها، ولا في الدنيا يوماً قطّ، ولكنّي فكَّرت في مولود يكون من ظهر(ي)، الحادي عشر من ولدي، هو المهدي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة، يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون).

فقلت: يا أمير المؤمنين، وكم تكون الحيرة والغيبة؟

قال: (ستّة أيّام، أو ستّة أشهر، أو ستّ سنين).

فقلت: وإنَّ هذا لكائن؟

فقال: (نعم، كما أنَّه مخلوق، وأنّي لك بهذا الأمر يا أصبغ! أولئك خيار هذه الأمّة، مع خيار أبرار هذه العترة).

فقلت: ثمّ ما يكون بعد ذلك؟

فقال عليه السلام: (ثمّ يفعل الله ما يشاء، فإنَّ له بداءات وإرادات وغايات ونهايات).

الشرح:

قوله: (ينكت في الأرض)، النكت: الضرب والأثر اليسير، وهو فعل المهموم المتفكّر، يقال: نكت في الأرض بالقضيب من باب نصر، إذا أثر فيها بطرفه كفعل المتفكّر المهموم.

قوله: (أرغبة منك فيها)، كأنَّه توهَّم أنَّ همّه وتفكّره للرغبة في الدنيا، ويبعد حمله علي المزاح.

قوله: (هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)، القسط والعدل متقاربان، وكذا الجور والظلم، فالعطف للتفسير، والأخبار الدالّة علي خروج المهدي في آخر الزمان من نسل الحسين عليه السلام في طرق العامّة والخاصّة متواترة، لا ينكره أحد من الأمّة،

ص: 355

إلاَّ أنَّ العامّة يقولون: إنَّه سيولد، ونحن نقول: إنَّه حيّ موجود، وبوجوده قامت السماوات والأرضون.

ومن جملة روايات العامّة ما رواه مسلم(1) عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (يكون في آخر أمّتي خليفة يحثي المال حثياً ولا يعدّه عدداً).

وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (من خلفائكم خليفة يحثي المال حثياً ولا يعدّه عدداً)(2).

قال عياض: الحثي الحفن باليد، يعطيه الناس كذلك لكثرته لديه، كما يحثي التراب، لاتّساع المجبي والفتوحات(3).

وقال القرطبي: قيل: هذا الخليفة هو عمر بن عبد العزيز، ولا يصحُّ، إذ ليست فيه تلك الصفات.

وذكر الترمذي وأبو داود هذا الخليفة وسمّياه بالمهدي(4).

ومنها: ما رواه الترمذي وأبو داود عنه صلي الله عليه وآله وسلم، قالا: (لا تقوم الساعة حتَّي يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي)، وقالا: هذا حديث حسن صحيح، وزاد أبو داود: (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً)(5).).

ص: 356


1- في صحيحه 8 : 185/ أبواب الفتن.
2- في المصدر: (يحثو المال حثياً لا يعدّه...).
3- أنظر: شرح صحيح مسلم 18: 39.
4- أنظر: سنن أبي داود 2: 309/ باب 31 كتاب المهدي؛ سنن الترمذي 3: 343/ باب 44 ما جاء في المهدي.
5- سنن الترمذي 3: 343/ ح 2313، وفيه: (لا تذهب الدنيا)؛ وفي سنن أبي داود 2: 310/ ح 4283: (لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا...(، و(لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً).

ومنها: ما روياه من حديث أبي سعيد، قال: خشينا أن يكون بعد نبيّنا حدث، فسألناه، فقال: (يخرج(1) من أمّتي المهدي يملك خمساً أو سبعاً أو تسعاً).

قال: قلنا: ما ذاك يا رسول الله؟

قال: (سنين)، قال: (يجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني(2))، قال: (فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله)، قال: هذا حديث حسن(3).

وفي أبي داود: (من أمّتي أجلي الجبهة، أقني الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً، يملك سبع سنين)(4).

فهذه أخبار صحيحة مشهورة، تدلُّ علي خروج هذا الخليفة الصالح في آخر الزمان، وهو منتظر، ولم يوجد من كملت فيه الصفات التي تضمَّنتها تلك الأحاديث.

كذا نقل عنهم أبو عبد الله الآبي في كتاب (إكمال الإكمال) وهو من أعاظم علمائهم.

ومنها: ما رواه في الجمع بين الصحاح الستّة عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (المهدي فتي أجلي الجبهة، أقني الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً...) الحديث(5).2.

ص: 357


1- في سنن الترمذي: (إنَّ في أمّتي المهدي يخرج يعيش).
2- في سنن الترمذي: (أعطني أعطني).
3- سنن الترمذي 3: 343/ ح 2333، ولم أعثر عليه في سنن أبي داود، ولعلَّه كان موجوداً في النسخة التي كانت عنده قدس سره.
4- سنن أبي داود 2: 310/ ح 4285، وفيه: (المهدي منّي...).
5- عنه: العمدة: 432؛ والصراط المستقيم 2: 242.

ومنها: ما رواه الفقيه الشافعي المغازلي في كتاب المناقب من عدّة طرق بأسانيدها إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم يتضمَّن البشارة بالمهدي عليه السلام وذكر فضائله ودولته(1).

ومنها: ما ذكره أبو محمّد الحسين بن مسعود الفرّاء في كتاب المصابيح في حديث يرفعه إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم (أنَّه يصيب هذه الأمّة حتَّي لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله تعالي إليهم رجلاً من عترتي فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً...) الحديث(2).

ومنها: ما رواه ابن شيرويه الديلمي في كتاب الفردوس بإسناده إلي حذيفة بن اليمان، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (المهدي من ولدي وجهه كالقمر الدرّي، اللون لون عربي، والجسم إسرائيلي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويرضي بخلافته أهل السماوات والأرض والطير في الجو، يملك عشرين سنة)(3).

وفي كتاب الطرائف: كان بعض علماء الشيعة قد صنَّف كتاباً وجدته، ووقفت عليه وقد سمّاه (كتاب كشف المخفي في مناقب المهدي عليه السلام)(4)، وروي فيه مائة وعشرة أحاديث من طرق رجال المذاهب الأربعة، فتركت نقلها بأسنادها، وألفاظها كراهة للتطويل، وأذكر أسماء من روي المائة والعشرة أحاديث التي في كتاب كشف المخفي، لتعلم مواضعها علي التحقيق: فمنها منر.

ص: 358


1- أنظر: المناقب: 101/ ح 144.
2- العمدة: 435 عنه.
3- الفردوس 4: 221/ ح 6667.
4- هذا الكتاب للشيخ يحيي بن الحسن بن بطريق صاحب كتاب عمدة عيون صحاح الأخبار.

صحيح البخاري ثلاثة أحاديث، ومنها من صحيح مسلم أحد عشر حديثاً، ومنها عن الجمع بين الصحيحين للحميدي حديثان، ومنها من الجمع بين الصحاح الستّة أحد عشر حديثاً، ومنها من كتاب فضائل الصحابة ممَّا خرَّجه الحافظ عبد العزيز المحدّث من مسند أحمد بن حنبل سبعة أحاديث، ومنها من تفسير الثعلبي خمسة أحاديث، ومنها من غريب الحديث لابن قتيبة الدينوري ستّة أحاديث، ومنها من كتاب الفردوس لابن شيرويه الديلمي أربعة أحاديث، ومنها من كتاب مسند سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام من تأليف الحافظ أبي الحسن علي الدارقطني ستّة أحاديث، ومنها من كتاب الحافظ أيضاً من مسند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثلاثة أحاديث، ومنها من كتاب المبتدأ للكسائي حديثان يشملان أيضاً علي ذكر خروج السفياني والدجّال، ومنها من كتاب المصابيح لأبي محمّد الحسين بن مسعود الفرّاء خمسة أحاديث، ومنها من كتاب الملاحم لأبي الحسين أحمد بن جعفر بن محمّد بن عبيد الله المناوي أربعة وثلاثون حديثاً، ومنها من كتاب الحافظ محمّد بن عبد الله الحضرمي ثلاثة أحاديث، ومنها من كتاب الرعاية لأهل الدراية لأبي الفتح محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم الفرغاني ثلاثة أحاديث، ومنها خبر سطيح رواية الحميدي أيضاً ثلاثة أحاديث، ومنها من كتاب الإستيعاب لأبي عمر يوسف بن عبد البر النميري حديثان(1).

وقال الشيخ محي الدين في الفتوحات: إنَّ لله خليفة يخرج من عترة رسول الله من ولد فاطمة عليها السلام يواطئ اسمه اسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، جدّه الحسين بن علي عليهما السلام، يبايع بين الركن والمقام يشبه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، في الخلق - بفتح0.

ص: 359


1- أنظر: الطرائف: 179 و180.

الخاء - وينزل عنه في الخلق - بضمّها -، أسعد الناس به أهل الكوفة، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً، يضع الجزية، ويدعو إلي الله بالسيف، ويرفع بالمذاهب عن الأرض، ولا يبقي إلاَّ الدين الخالص...، إلي آخر ما ذكره، وفيه دلالة علي تشيّعه والله أعلم(1).

قوله: (يضلّ فيها أقوام ويهتدي آخرون)، المهتدون في غيبته هم المقرّون به وبوجوده، والضالّون هم المنكرون لوجوده، والقائلون بأنَّ العصر خالٍ عنه، وإن قالوا بأنَّه سيوجد.

قوله: (ستّة أيّام أو ستّة أشهر أو ستّ سنين)، لعلَّ السائل سأل عن مقدار زمان الغيبة والحيرة معاً، فأجاب عليه السلام بأنَّ زمان مجموعهما أحد الأزمنة المذكورة، وبعد ذلك ترتفع الحيرة وتبقي الغيبة، والترديد بالنسبة إلي تفاوت مراتب الأشخاص، فقد ترتفع حيرة شخص بعد ستّة أيّام وترتفع حيرة الآخر بعد ستّة أشهر أو ستّ سنين، ويحتمل أن يكون المراد أنَّ الغيبة والحيرة في ذلك القدر من الزمان أمر محتوم ويجري لله فيهما البداء بعد ذلك، ويؤيّده ظاهر ما سيأتي من قوله: (فإنَّ له بداءات)، والترديد للإبهام وقصد عدم تعيينه.

وقال الفاضل الأمين الاسترآبادي علي ما نقل عنه: المراد أنَّ آحاد مدّة الغيبة هذا القدر، فيكون ظهوره في السابع، ليوافق الأحاديث الدالّة علي أنَّ ظهوره في فرد من السنين، ولمَّا تجاوز مدّة الآحاد ومدّة الآحاد مع العشرات بقيت مدّة الآحاد مع المئات ومدّة الآحاد مع الألوف،ه.

ص: 360


1- أنظر نصّ كلام ابن عربي في الفتوحات المكّية 3: 327/ دار صادر/ بيروت؛ ينابيع المودّة 3: 339 عنه.

فيمكن أن يكون زمان الغيبة ثمانمائة وستّة أيّام، أو ثمان مائة وستّة أشهر، أو ثمانمائة وستّ سنين، أو ألفاً وستّة أيّام، أو ألفاً وستّة أشهر، أو ألفاً وستّ سنين.

أقول: وعلي هذا لمَّا مضت في عصرنا ثمانمائة مع الآحاد المذكورة، بقي احتمال تسعمائة منها، والترديد لِما مرَّ أخيراً.

قوله: (كما أنَّه مخلوق)، لعلَّ المراد أنَّ غيبته أمر محتوم كما أنَّ خلقه كذلك.

قوله: (وأنّي لك هذا)، لعلَّ المراد هو الإشارة إلي أنَّه لا يدرك عصره، وأنَّ الذين يدركونه ويقرّون به وبغيبته أفضل الأمّة.

قوله: (ثمّ ما يكون بعد ذلك)، ذلك: الإشارة إلي المذكور من الأزمنة، يعني: هل ترفع الغيبة بعده أو لا؟

فأجاب عليه السلام بأن الله تعالي يفعل بعد ذلك ما يشاء، فإنَّ له بداءات، أي: تقديرات متجدّدة في أوقات الزمان، وإرادات حادثة فيها، إن شاء أظهره، وإن شاء أخفاه بحسب المصالح المعلومة له تعالي، ولتقديراته وإراداته غايات ونهايات، فإنَّ كلّ وقت تعلَّق التقدير والإرادة بإخفائه أو إظهاره غاية ونهاية لما قبله، وهذا ظاهر الانطباق علي ما ذكرناه ثانياً كما أشرنا إليه، بل علي ما ذكرناه أوّلاً أيضاً، وأمَّا علي ما ذكره الفاضل المذكور ففيه نوع خفاء، إذ ظهوره بعد الأزمنة المذكورة محتوم به لا يجري فيه البداء، اللهم إلاَّ أن يكون (ذلك) في قول السائل: (ثمّ ما يكون بعد ذلك) إشارة إلي الغيبة، ويكون السؤال متعلّقاً بما في زمانها، فليتأمّل.

ص: 361

الأصل:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنان بن سدير، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّما نحن كنجوم السماء، كلَّما غاب نجم طلع نجم، حتَّي إذ أشرتم بأصابعكم وملتم بأعناقكم غيَّب الله عنكم نجمكم، فاستوت بنو عبد المطَّلب، فلم يعرف أيّ من أيّ، فإذا طلع نجمكم فاحمدوا ربَّكم).

الشرح:

قوله: (إنَّما نحن كنجوم السماء)، شبَّه الإمام بالنجم، وأشار إلي وجه التشبيه بقوله: (كلَّما غاب نجم طلع نجم) والغرض منه أنَّه لا بدَّ من إمام بعد إمام، وأنَّ الأرض لا تخلو منه، فإذا لم يكن الإمام ظاهراً وجب أن يكون محتجباً بحجاب الغيبة، كالنجم المحتجب بالسحاب، ويلزم من هذا التشبيه تشبيه سماء الدين بسماء الدنيا في لزوم ظهورها بعد ذهاب آخر.

قوله: (حتَّي إذا أشرتم بأصابعكم وملتم بأعناقكم)، في بعض النسخ: بحواجبكم، الإشارة بالأصابع والميل بالأعناق كنايتان عن الشهرة والزيارة، وهما من أسباب غيبة الإمام عن شيعته ليحفظ نفسه المعصومة ونفوسهم المحترمة عن شرّ الأعداء.

قوله: (فاستوت بنو عبد المطَّلب، فلم يعرف أيّ من أيّ)، لعلَّ المراد أنَّهم قاموا بالرايات ووقع التحارب والاختلاط بينهم حتَّي لا يعرف أيّ رجل من أيّ راية، أو لا يعرف أيّ راية من أيّ رجل.

ونقل عن الفاضل الاسترآبادي أنَّ قوله: فاستوت بنو عبد المطَّلب، إشارة إلي أنَّ كلّهم بعد الغيبة رعيّة بلا رئيس، وأنَّ قوله: فلم يعرف أيّ

ص: 362

من أيّ، ناظر إلي الاختلاف المشاهد في هذا الزمان، فإنَّ أهل السُنّة والزيديّة يقولون: هو محمّد بن عبد الله، ثمّ اختلفوا في أنَّه حسني أو حسيني.

قوله: (فإذا طلع نجمكم فاحمدوا ربَّكم)، المراد بطلوع النجم ظهور صاحب الأمر عليه السلام، وهو من أجلّ نعماء الله تعالي علي عباده، لكونه سبب الخصب والرخاء ورفاهة العيش واستقامة النفوس ورواج الدين ورفع الظلم والجور، فيجب الحمد والثناء له تعالي شأنه.

الأصل:

محمّد بن يحيي، عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن معاوية، عن عبد الله بن جبلة، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ للقائم عليه السلام غيبة قبل أن يقوم).

قلت: ولِمَ؟

قال: (إنَّه يخاف - وأومأ بيده إلي بطنه -) يعني القتل.

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إن بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها).

الشرح:

قوله: (إن بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها)، لأنَّ غيبته حقّ ثابت وأمر محتوم، والمنكر لها القائل بعدم وجوده كالمنكر لإمامة علي عليه السلام، كما دلَّ عليه بعض الروايات من أنَّه كيف يؤمن بالأوّل من لا يؤمن بالآخر، ولا وجه للإنكار أصلاً، لأنَّ سببه إمَّا استبعاد أن يكون الهادي للخلائق غائباً عنهم، وهو باطل لتحقّق الغيبة لجميع

ص: 363

الأنبياء والأوصياء كما دلَّ عليه تصفّح الأخبار وتتبّع الآثار، وإمَّا طول الزمان واستبعاد أن يكون لأحد هذا العمر الطويل، وهو أيضاً باطل لتحقّقه في كثير من الخلائق.

وممَّا يناسب ذكره في هذا المقام ما حكاه السيّد الجليل رضي الدين علي بن طاووس قدس سره في بعض كتبه قال: اجتمعت يوماً في بغداد مع بعض فضلائها، فانجرَّ الكلام بيني وبينه إلي ذكر الإمام محمّد بن الحسن المهدي عليهما السلام وما يدّعيه الإماميّة من حياته في هذه المدّة الطويلة، فشنع ذلك الفاضل علي من يصدّق بوجوده ويعتقد طول عمره إلي هذا الزمان تشنيعاً بليغاً، فقلت له: إنَّك تعلم أنَّه لو حضر اليوم رجل وادعي أنَّه يمشي علي الماء لاجتمع بمشاهدته أهل البلد كلّهم، فإذا مشي علي الماء وعاينوه وقضوا تعجّبهم منه ثمّ جاء في اليوم الثاني آخر وقال: أنا أمشي علي الماء أيضاً فشاهدوا مشيه عليه، لكان تعجّبهم أقلّ من الأوّل، فإذا جاء في اليوم الثالث آخر وادعي أنَّه يمشي علي الماء أيضاً فربَّما لا يجتمع للنظر إليه إلاَّ قليل ممَّن شاهد الأوّلين، فإذا مشي سقط التعجّب بالكلّية، فإذا جاء رابع وقال: أنا أيضاً أمشي علي الماء كما مشوا فاجتمع عليه جماعة ممَّن شاهدوا الثلاثة الاُول ثمّ أخذوا يتعجّبون منه تعجّباً زائداً علي تعجّبهم من الأوّل والثاني والثالث، لَتَعَجَّبَ العقلاء من نقص عقولهم وخاطبوهم بما يكرهون، وهذا بعينه حال المهدي عليه السلام، فإنَّكم رويتم أنَّ إدريس عليه السلام حيّ موجود في السماء من زمانه إلي الآن، ورويتم أنَّ الخضر عليه السلام كذلك في الأرض حيّ موجود من زمانه إلي الآن، ورويتم أنَّ عيسي عليه السلام حيّ موجود في السماء وأنَّه

ص: 364

سيعود إلي الأرض إذا ظهر المهدي ويقتدي به، فهذه ثلاثة نفر من البشر قد طالت أعمارهم زيادة علي المهدي عليه السلام، فكيف لا تتعجَّبون منهم وتتعجَّبون من أن يكون لرجل من ذرية النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أسوة بواحد منهم، وتنكرون أن يكون من جملة آياته صلي الله عليه وآله وسلم أنَّ يعمّر واحد من ذريته زيادة علي ما هو المتعارف من الأعمار في هذا الزمان(1)؟! والله الهادي.

الأصل:

الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيي، عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن معاوية، عن عبد الله ابن جبلة، عن إبراهيم بن خلف بن عباد الأنماطي، عن مفضَّل بن عمر، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده في البيت اُناس، فظننت أنَّه إنَّما أراد بذلك غيري، فقال: (أمَا والله ليغيبنَّ عنكم صاحب هذا الأمر وليخملنَّ هذا حتَّي يقال: مات، هلك، في أيّ وادٍ سلك؟ ولتكفأنَّ كما تكفأ السفينة في أمواج البحر، لا ينجو إلاَّ من أخذ الله ميثاقه، وكتب الإيمان في قلبه وأيَّده بروح منه، ولترفعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أيّ من أيّ).

قال: فبكيت.

فقال: (ما يبكيك يا أبا عبد الله؟).

فقلت: جُعلت فداك، كيف لا أبكي وأنت تقول: (اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أيّ من أيّ)؟!

قال: وفي مجلسه كوة تدخل فيها الشمس، فقال: (أبيّنة هذه؟).

فقلت: نعم.ف.

ص: 365


1- أنظر: كشف المحجّة لثمرة المهجة: 55، بتصرّف.

قال: (أمرنا أبين من هذه الشمس).

الشرح:

قوله: (إنَّما أراد بذلك غيري)، أي: بذلك الخطاب الذي يأتي ذكره.

قوله: (أمَا والله ليغيبنَّ عنكم صاحب هذا الأمر وليخملنَّ) الخطاب لنوع البشر، أو لنصف منه وهم الشيعة، ويختصّ بقرينة المقام بمن أدرك عصره عليه السلام، والخامل: الساقط المنخفض الذي لا ذكر ولا تباعة له.

قوله: (حتَّي يقال: مات، هلك) إستفهام للتعجّب في عدم ظهوره لكمال الاحتياج إليه في دفع البلايا والفتن ورفع المصائب والمحن، وقد مرَّ شرح هذا الحديث في الثالث من هذا الباب.

الأصل:

الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن يحيي بن المثنّي، عن عبد الله بن بكير، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (للقائم غيبتان، يشهد في إحداهما المواسم، يري الناس ولا يرونه).

الشرح:

قوله: (قال: (للقائم غيبتان))، إحداهما صغري، وهي سبعون سنة إلاَّ اثني عشر شهراً وأربعة أيّام، وكان له عليه السلام فيها سفراء بينه وبين الشيعة، أوّلهم أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، وهو أوّل من نصب أبو محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام، ثمّ نصَّ أبو عمرو رحمه الله بأمر الصاحب علي ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، ونصَّ عليه أيضاً العسكري عليه السلام، ثمّ نصَّ أبو جعفر بأمر الصاحب عليه السلام علي أبي القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، وقال وعنده وجوه من الشيعة:

ص: 366

(هو(1) القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عليه السلام والوكيل(2) والثقة والأمين، فارجعوا في أموركم إليه، وعوّلوا في مهامكم عليه فبذلك اُمرت وقد بلَّغت(3)، ثمّ نصَّ أبو القاسم بن روح بأمر الصاحب عليه السلام علي أبي الحسن علي بن محمّد السمري، فلمَّا حضره الموت سُئل أن يوصي، فقال: لله أمر هو بالغه(4)، ومات رحمه الله سنة تسع وعشرين وثلاثمائة فوقعت الغيبة الكبري وهي الغيبة الثانية التي نحن فيها، وقد كتب عليه السلام في هذه الغيبة إلي الشيخ المفيد رحمه الله مكاتيب مذكورة في آخر كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي رحمه الله(5).

قوله: (يشهد في إحداهما الموسم)، لعلَّ المراد بإحداهما الكبري، وبعدم رؤيتهم إيّاه عدم رؤيتهم علي وجه يعرفونه، وإلاَّ فقد يقع الرؤية لا علي هذا الوجه، وقد دلَّ عليه الروايات والنقل عن الأكابر.

الأصل:

علي بن محمّد، عن سهل بن زياد، ومحمّد بن يحيي وغيره، عن أحمد بن محمّد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ممَّن يوثق به، أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام تكلَّم بهذا الكلام وحفظ عنه وخطب به علي منبر الكوفة: (اللهم إنَّه لا بدَّ لك2.

ص: 367


1- في الغيبة للطوسي: (هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي).
2- في بعض نسخ الغيبة للطوسي: (والوكيل له).
3- الغيبة للطوسي: 371/ ح 342؛ بحار الأنوار 51: 355؛ خلاصة الأقوال: 432.
4- كمال الدين: 433/ ح 12؛ الغيبة للطوسي: 393/ ح 362.
5- الاحتجاج 2: 322.

من حجج في أرضك، حجّة بعد حجّة علي خلقك، يهدونهم إلي دينك، ويعلّمونهم علمك، كيلا يتفرَّق أتباع أوليائك، ظاهر غير مطاع، أو مكتتم يترقَّب، إن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مثبوت(1) علمهم، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون).

ويقول عليه السلام في هذه الخطبة في موضع آخر: (فيمن هذا؟ ولهذا يأرز العلم إذا لم يوجد له حَمَلَة يحفظونه ويروونه كما سمعوه من العلماء ويصدقون عليهم فيه، اللهم فإنّي لأعلم أنَّ العلم لا يأرز كلّه، ولا ينقطع مواده، وإنَّك لا تخلي أرضك من حجّة لك علي خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور، كيلا تبطل حجّتك، ولا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم، بل أين هم؟ وكم هم؟ أولئك الأقلّون عدداً، الأعظمون عند الله قدراً).

الشرح:

قوله: (تكلَّم بهذا الكلام وحفظ عنه)، المراد بهذا الكلام الكلام الآتي، وبالحفظ الحفظ بالكتابة أو بظهر القلب علي الاحتمال.

قوله: (حجّة بعد حجّة) بيان لقوله: (حجج)، وتفسير له ودفع احتمال الاجتماع، وقد مرَّ أنَّه لا يجتمع في الأرض حجّتان إلاَّ وأحدهما صامت(2).

قوله: (يهدونهم إلي دينك)، الجملة حال عن (الحجج)، وكونه2.

ص: 368


1- كذا، وفي الكافي ووسائل الشيعة: (مبثوث).
2- أنظر: شرح أصول الكافي 5: 122.

استينافاً لبيان سبب الاحتياج إليهم بعيد، بالنظر إلي المقام، والمراد بالهداية هنا الدلالة إلي ما يوصل إلي المطلوب، وبالدين جميع ما جاء به النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم.

قوله: (ظاهر غير مطاع، أو مكتتم يترقَّب)، أي: يترقَّب ظهوره، وهو صاحب الزمان عليه السلام، وأمَّا غيره من الأئمّة فهو مندرج في الأوّل، لظهورهم بين الخلق وعدم إطاعة الخلق لهم، ولا ينتقض بأمير المؤمنين عليه السلام في أيّام خلافته، لأنَّه أيضاً لم يكن مطاعاً علي وجه الكمال، كما دلَّت عليه الأخبار والآثار، و(ظاهر) إمَّا مجرور علي أنَّه صفة لحجّة، أو مرفوع علي أنَّه خبر لمبتدأ محذوف.

قوله: (إن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم، فلم يغب عنهم قديم مثبوت(1) علمهم)، الهدنة الاسم من المهادنة وهي المصاحبة، والمثبوت من ثبته بمعني أثبته وثبت جاء لازماً ومتعدّياً، وإضافة القديم إلي المثبوت والمثبوت إلي العلم من باب إضافة الصفة إلي الموصوف، يعني إن غاب من الخلق شخصهم بالانزواء والاعتزال في حال مصالحتهم مع الأعداء المتغلّبة وعدم اقتدارهم علي الظهور وإجراء الأحكام خوفاً منهم وممَّن تابعهم، لم يغب عمَّن تابعهم علمهم المثبوت القديمي الذي نقله الرواة الثقات، وكأنَّه عليه السلام أخبر عن أمثال زماننا هذا، فإنَّ علمهم مع غيبتهم شائع بين أصحاب الإيمان أرباب العرفان بنقل السابقين إلي التابعين، وهكذا ينقل إلي ما شاء الله.

وإليه يشير ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري: أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ذكر).

ص: 369


1- كذا، وفي الكافي ووسائل الشيعة: (مبثوث).

المهدي عليه السلام فقال: (ذلك الذي يفتح الله عز وجل علي يديه مشارق الأرض ومغاربها، يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت فيها إلاَّ من امتحن الله قلبه للإيمان).

قال جابر: فقلت: يا رسول الله هل لشيعته انتفاع به في غيبته؟

فقال صلي الله عليه وآله وسلم: (إي والذي بعثني بالحقّ، إنَّهم ليستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها السحاب)(1).

أقول: هذا تشبيه المعقول بالمحسوس لزيادة الايضاح، ولا يخفي ما فيه من الحسن واللطف، إذ كما أنَّ الشمس المستترة بالسحاب تنوّر هذا العالم الجسماني وتربّيه وتنميه وتغذيه، كذلك الإمام المستتر بحجاب الغيبة ينوّر العالم الروحاني ويربيه وينميه ويغذيه، وهو(2) قلوب العارفين وعقول المؤمنين، فقلوبهم عارفة بأنوار علومهم، وعقولهم مشرقة باشراق نورهم، والله الهادي.

قوله: (وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة)، الظاهر أنَّ آدابهم مبتدأ، ومثبتة خبره، والجملة حال عن ضمير عنهم، والمراد بالآداب الأخلاق المرضية والأطوار السَنية، بقرينة مقابلته مع العلم المراد به علم الأحكام النبويّة والمعارف الإلهيّة، وإنَّما قلت: (الظاهر) ذلك لاحتمال أن يكون آدابهم عطفاً علي علمهم، ومثبتة حالاً عنهما و(في) متعلّقاً بمثبتة، وتخصيص قلوب المؤمنين بالذكر لأنَّها القابلة لقبول علمهم وآدابهم دون غيرها.ي.

ص: 370


1- كمال الدين: 253؛ كفاية الأثر: 55؛ إعلام الوري 2: 182؛ قصص الأنبياء: 359/ ح 466؛ كشف الغمّة 3: 314؛ ينابيع المودّة 3: 238/ ح 11.
2- أي العالم الروحاني.

قوله: (فهم بها عاملون)، تقديم الظرف يفيد الحصر، يعني أنَّهم عاملون بعلوم الأئمّة عليهم السلام لا بغيرها من الأقيسة والاستحسانات المخترعة والآراء المبتدعة، كما هو شأن أهل الخلاف وأرباب الضلال، وفيه أيضاً دلالة علي أنَّ العمل بدون العلم ليس بعمل، وهو كذلك، لأنَّ العلم أصل والعمل فرع، ولا يعقل وجود الفرع بدون الأصل.

قوله: (فيمن هذا)، في بعض النسخ: فمن هذا، وفيه إشارة إلي قلّة وجوده، وهو الحقّ الذي لا ريب فيه، لأنَّ المؤمن العالم العامل الخالص عزيز الوجود.

قوله: (وإنّي لأعلم أنَّ العلم لا يأرز كلّه) قد مرَّ شرحه في آخر الباب المتقدّم(1).

الأصل:

علي بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن موسي بن القاسم بن معاوية البجلي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام في قول الله عز وجل: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)(2)، قال: (إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد؟).

الشرح:

قوله: (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) ماء غور، أي: غائر في الأرض، وصف بالمصدر مبالغة، وماء معين: ماء جار في الأرض، والمعين: فعيل بمعني فاعل.0.

ص: 371


1- باب نادر في الغيبة/ شرح الحديث 3.
2- الملك: 30.

قوله: (إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد؟) شبَّه الإمام الغائب بالماء الغائر في الخفاء عن الخلق مع كثرة النفع وشدّة احتياجهم إليه، وشبَّه الإمام الحاضر الذي يأتي بعد غيبته بالماء المعين الجاري في الأرض في جريانه وسيره فيها ونفعه لأهلها، وفيه علي هذا التأويل دلالة علي الغيبة، وعلي أنَّ تعيين الإمام ونصبه من عند الله تعالي، وهو الحقّ كما مرَّ سابقا (1).

الأصل:

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها).

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بدَّ له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة).

الشرح:

قوله: (ولا بدَّ له في غيبته من عزلة)، إشارة إلي الغيبة الكبري، لأنَّه يعتزل فيها الناس جميعاً، وفي بعض النسخ: (ولا له في غيبته من عزلة)، وله وجه أيضاً، لأنَّه بين الناس ويراهم ولا يرونه مع ظهور آثاره عليهم ووصول فوائده إليهم كما مرَّ(2).ب.

ص: 372


1- أنظر: شرح أصول الكافي 5: 239.
2- أنظر شرح الحديث 13 من هذا الباب.

قوله: (ونعم المنزل طيبة)، طيبة بفتح الطاء، وقد يقال: طابة، سمّي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بذلك المدينة من الطيب وهو الطهارة، وقيل: الطيب العيش بها، وقيل: الطيب أرضها، قال الفاضل الأمين الاسترآبادي: يعني أنَّ طيبة وهي المدينة المعروفة منزله عليه السلام، وكان يستأنس بثلاثين من أوليائه، ويحتمل أن يكون هذا حاله في الصغري.

أقول: وممَّا يؤيّد هذا ما مرَّ في باب الإشارة إلي صاحب الزمان(1) عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمّد عليه السلام: جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن أسألك؟

فقال: (سل).

قلت: يا سيّدي هل لك ولد؟

فقال: (نعم).

قلت: فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟

قال: (بالمدينة)(2).

وقيل: كان طيبة اسم محلّ هو منزله عليه السلام مع ثلاثين من أصحابه، وهو ليس بمستوحش معهم، وقيل: يحتمل أن يكون المراد أنَّه عليه السلام علي هيأة من سنّه ثلاثون سنة أبداً، وما في هذا السنّ من وحشة، والله أعلم.

الأصل:

وبهذا الإسناد، عن الوشاء، عن علي بن الحسن، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (كيف أنت إذا وقعت البطشة بين5.

ص: 373


1- أنظر: شرح أصول الكافي 6: 226/ ح 2.
2- الكافي 1: 328/ ح 2؛ روضة الواعظين: 262؛ الإرشاد 2: 348؛ الغيبة للطوسي: 232/ ح 199؛ إعلام الوري 2: 251؛ كشف الغمّة 3: 426/ ح 335.

المسجدين، فيأرز العلم كما تأرز الحيّة في جحرها، واختلفت الشيعة، وسمّي بعضهم بعضاً كذّابين، وتفل بعضهم في وجوه بعض؟).

قلت: جُعلت فداك، ما عند ذلك من خير.

فقال لي: (الخير كلّه عند ذلك - ثلاثاً -).

الشرح:

قوله: (كيف أنت إذا وقعت البطشة بين المسجدين؟)، كيف: سؤال عن الحال، والبطشة: الأخذ القوي الشديد، والمسجدين مسجد مكّة ومسجد المدينة، والأرز بالراء ثمّ الزاء المعجمة: الاجتماع والانضمام، والعلم بالتحريك: الراية، والجحر بضمّ الجيم ثمّ سكون الحاء المهملة بيت الضبّ والحيّة واليربوع، والتفل شبيه بالبزاق، وهو أقلّ منه، أوّله البزق، ثمّ التفل، ثمّ النفث، ثمّ النفخ.

ولعلَّ هذا إشارة إلي وقعة الحسني واليماني والسفياني بين المسجدين، وإلي ظهور الفتن والمحن من تراكم العساكر المختلفة وارتفاع الرايات المشتبهة في عراق العرب، بل في أقطار الأرض كلّها، ومن الشيعة ابن بغي صاحب برقع(1) ودلالة السفياني وعساكره الملعونة علي الشيعة ومنازلهم حتَّي يهربون من صدمتهم إلي قلل الجبال والمغارات، وعند ذلك يقولون استبطاءً لخروج المهدي عليه السلام واستبعاداً له: مات، هلك، أيّ وادٍ سلك؟، فإذا بلغت الفتنة إلي هذه المراتب).

ص: 374


1- في الغيبة للطوسي: 450/ ح 453، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كأنّي بالسفياني أو لصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة...) إلي أن قال: (كأنّي أنظر إلي صاحب البرقع... رجل منكم يقول بقولكم يلبس البرقع فيحوشكم فيعرفكم ولا تعرفونه، فيغمز بكم رجلاً رجلاً، أمَا إنَّه لا يكون إلاَّ ابن بغي).

وعمَّت البلية والنوائب أظهره الله تعالي بين الركن والمقام، فيقمع الكفرة بسيف الانتقام، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وإليه أشار عليه السلام في آخر الحديث بقوله: (الخير كلّه عند ذلك)، وأراد به ظهور المهدي عليه السلام وما يترتَّب عليه من منافع العباد.

الأصل:

وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عيسي، عن ابن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، إنَّه يخاف - وأومأ بيده إلي بطنه -) يعني القتل.

محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة والأخري طويلة، الغيبة الأولي لا يعلم بمكانه فيها إلاَّ خاصّة شيعته، والأخري لا يعلم بمكانه فيها إلاَّ خاصّة مواليه).

الشرح:

قوله: (إلاَّ خاصّة مواليه)، وهم حواريه، لأنَّ لكل واحد من الأئمّة عليهم السلام حواريين كما كانوا لعيسي عليه السلام.

الأصل:

محمّد بن يحيي وأحمد بن إدريس، عن الحسن بن علي الكوفي، عن علي بن حسان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير، عن مفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (لصاحب هذا الأمر غيبتان: إحداهما يرجع منها إلي أهله، والأخري يقال: هلك، في أيّ وادٍ سلك؟).

قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟

قال: (إذا ادّعاها مدّع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله).

ص: 375

الشرح:

قوله: (كيف نصنع إذا كان كذلك)، يعني: إذا خرج رجل وادّعي أنَّه المهدي الموعود كيف نعرف أنَّه صادق وأنَّه هو.

قوله: (قال: (إذا ادّعاها مدّع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله))، يعني: إذا ادّعي الإمامة أحد، فاسألوه عن أشياء من العلوم الدينية والمعارف اليقينية التي أنتم منها علي بصيرة ويقين، فإن أجاب فيها مثل صاحب الأمر أو مثل ما علمتم فهو الإمام، لأنَّه لا يجيب فيها كذلك إلاَّ هو، وهذا طريق من طرق معرفته يختصّ به العلماء الراسخون الذين يميّزون بين الحقّ والباطل، وإليه يشير قول محي الدين في كتاب الفتوحات في وصف المهدي عليه السلام وأصحابه عند خروجه، حيث قال: (إذا ظهر يبايعه العارفون من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف إلهي، له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه)(1).

الأصل:

أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن جعفر بن القاسم، عن محمّد بن الوليد الخزّاز، عن الوليد بن عقبة، عن الحارث بن زياد، عن شعيب، عن أبي حمزة، قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: أنت صاحب هذا الأمر؟

فقال: (لا).

فقلت: فولدك؟

فقال: (لا).ر.

ص: 376


1- أنظر: الفتوحات المكّية 3: 419/ باب 366/ ط بولاق/ مصر.

فقلت: فولد ولدك هو؟

قال: (لا).

فقلت: فولد ولد ولدك؟

فقال: (لا).

قلت: من هو؟

قال: (الذي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، علي فترة من الأئمّة، كما أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعث علي فترة من الرسل).

الشرح:

قوله: (الذي يملأها عدلاً)، ذكر عليه السلام آيتين من آيات صاحب الأمر، ولم يوجد فيمن ذكر شيء منهما، إحداهما استيلاؤه علي أهل الأرض وإظهار العدل شرقاً وغرباً ورفع الجور أصلاً وفرعاً، وأخراهما ظهوره بعد فترة من الأئمّة بمعني عدم وجود إمام ظاهر بينه وبين السابق، والفترة بين الرسولين هي الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة، وأصلها الضعف والانكسار.

الأصل:

علي بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن موسي بن جعفر البغدادي، عن وهب بن شاذان، عن الحسن بن أبي الربيع، عن محمّد بن إسحاق، عن اُمّ هانئ، قالت: سألت أبا جعفر محمّد بن علي عليهما السلام، عن قول الله تعالي: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ)(1)، قالت: فقال: (إمام يخنس سنة ستّين ومائتين، ثمّ يظهر كالشهاب يتوقَّد في الليلة الظلماء، فإن أدركت زمانه قرَّت عينك).5.

ص: 377


1- التكوير: 15.

الشرح:

قوله: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ)، قالوا: الخنس جمع خانس، وهي الكواكب، لأنَّها تغيب بالنهار وتظهر بالليل، وقيل: هي الكواكب الخمسة السيارة: زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد، يريد به مسيرها ورجوعها، لقوله: (الْجَوارِ الْكُنَّسِ) ولا يرجع من الكواكب غيرها، والكنس جمع كانس وهي الكواكب التي تغيب وترجع من كنس الظبي إذا تغيَّب واستتر في كناسه وهو الموضع الذي يأوي إليه، وفسَّره عليه السلام بإمام يخنس، أي يغيب سنة ستّين ومائتين وهي سنة مات أبوه عليه السلام، ثمّ يظهر ويرجع من أفق الحقّ كالشهاب المتوقّد في الليلة الظلماء، يعرف كلّ أحد أنَّه الإمام العادل، وإرادة الواحد من الجمع إمَّا للتعظيم، أو لأجل أنَّه داخل فيه ومن آحاده، لأنَّ الأئمّة عليهم السلام كلّهم موصوفون بهذه الصفة، سيّما علي القول بالرجعة.

الأصل:

عدّة من أصحابنا، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسن، عن عمر بن يزيد، عن الحسن بن الربيع الهمداني، قال: حدَّثنا محمّد بن إسحاق، عن أسيد بن ثعلبة، عن اُمّ هانئ، قالت: لقيت أبا جعفر محمّد بن علي عليهما السلام فسألته عن هذه الآية: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ)، قال: (الخنس إمام يخنس في زمانه عند انقطاع من علمه عند الناس سنة ستّين ومائتين، ثمّ يبدو كالشهاب الواقد في ظلمة الليل، فإن أدركت ذلك قرَّت عينك).

الشرح:

قوله: (عند انقطاع من علمه عند الناس)، الظاهر أن (من) للتبعيض وفاعل الانقطاع، وإنَّ العلم بمعني المصدر وهو الإدراك، وإضافته إلي

ص: 378

الضمير إضافة المصدر إلي المفعول، وفيه إشارة إلي أن غيبته وخفاءه عند علم بعض الناس بوجوده دون بعض، ويحتمل أن يكون العلم عبارة عن الحاصل بالمصدر وهو الصور الإدراكية والإضافة لاميّة، وفيه إشارة إلي أنَّ علومه كلّها لم تنقطع عند الناس، بل المنقطع هو بعضها، ولو لم يذكر لفظة (من) لفهم علي الأوّل أنَّ أحداً لم يعلم بوجوده، وعلي الثاني أنَّ علمه كلّه منقطع عن الخلق، وليس كذلك.

الأصل:

علي بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن أيّوب بن نوح، عن أبي الحسن الثالث عليه السلام، قال: (إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقَّعوا الفرج من تحت أقدامكم).

الشرح:

قوله: (إذا رفع علمكم من بين أظهركم)، هذا أيضاً من علامات ظهوره عليه السلام، لأنَّ الناس في ذلك العصر معزولين عن العلم والعمل، وموصوفين بالجهل والزلل، ولا همَّ لهم إلاَّ السير في ميدان الضلالة والشقاوة، ولا عزم إلاَّ السباق في مضمار الغواية والغباوة.

قوله: (فتوقَّعوا الفرج من تحت أقدامكم)، مبالغة في قرب زمان ظهوره حينئذٍ، أو كناية عن ظهوره قبل رجوعهم إلي منازلهم.

الأصل:

عدّة من أصحابنا، عن سعد بن عبد الله، عن أيّوب بن نوح، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إنّي أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن يسوقه الله إليك بغير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك.

فقال: (ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب، وأشير إليه بالأصابع، وسئل

ص: 379

عن المسائل، وحملت إليه الأموال، إلاَّ اغتيل أو مات علي فراشه، حتَّي يبعث الله لهذا الأمر غلاماً منّا، خفيُّ الولادة والمنشأ، غير خفي في نسبه).

الشرح:

قوله: (إلاَّ اغتيل أو مات علي فراشه)، الاغتيال: الخدعة، يقال: قتله غيلة إذا خدعه فذهب به إلي موضع فقتله، وكلمة (أو) للتنويع، وهو التقسيم لا للشكّ، لتنزّه ساحة قدسه عنه، وصدق الشرطية لا يتوقَّف علي صدق طرفيها مطلقاً، فلا ينافي هذا ما تقرَّر من أنَّ الأئمّة عليهم السلام كلّهم مقتولين، بعضهم بالسيف وبعضهم بالسمّ.

قوله: (خفي الولادة والمنشأ، غير خفي في نسبه)، المراد بخفاء ولادته خفاؤها عند الأكثر، بدليل علم بعض الخواص بها، وبخفاء منشئه خفاء مكانه الذي ينشأ فيه ويأوي إليه، وبعدم خفاء نسبه، كون نسبه معلوماً للخاصّة والعامّة، فإنَّهم أيضاً قائلون بأنَّ المهدي عليه السلام من أولاد الحسين بن علي عليه السلام(1).

الأصل:

الحسين بن محمّد وغيره، عن جعفر بن محمّد، عن علي بن العبّاس بن عامر، عن موسي بن هلال الكندي، عن عبد الله بن عطاء، عن).

ص: 380


1- أنظر: النجم الثاقب للعلاّمة النوري/ ترجمة السيّد ياسين الموسوي (ج 1/ ص 376)، وعدَّ منهم: (محمّد بن طلحة بن محمّد القرشي النصيبي، محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي، يوسف بن قزعلي البغدادي الحنفي، علي بن محمّد بن الصبّاغ المالكي، عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الخشاب، محيي الدين بن عربي، عبد الوهاب بن أحمد الشعراني، حسن العراقي، عبد الرحمن بن أحمد الجامي، محمّد بن محمّد المعروف بالخواجة بارسا، عبد الحقّ الدهلوي، جمال الدين الحسيني، عبد الرحمن الصوفي، علي أكبر بن أسد الله المودودي، أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذري...).

أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له: إنَّ شيعتك بالعراق كثيرة، والله ما في أهل بيتك مثلك، فكيف لا تخرج؟

قال: فقال: (يا عبد الله بن عطاء، قد أخذت تفرش أذنيك للنوكي، إي والله ما أنا بصاحبكم).

قال: قلت له: فمن صاحبنا؟

قال: (اُنظروا من عمي علي الناس ولادته، فذاك صاحبكم، إنَّه ليس منّا أحد يشار إليه بالأصبع ويمضغ بالألسن إلاَّ مات غيظاً أو رغم أنفه).

الشرح:

قوله: (ما في أهل بيتك مثلك)، أي: في العلم والعمل والصلاح والشهرة، والمراد بأهل البيت أولاد فاطمة عليهم السلام، وإرادة من انتسب إلي قريش بعيدة.

قوله: (قد أخذت تفرش أذنيك للنوكي)، أخذت من أفعال المقاربة بمعني شرعت، وتفرش خبره، والنَوكَي بفتح النون والكاف جمع أنوك وهو الأحمق، ويجمع أيضاً بالنوك وبالضمّ علي القياس، يقال: رجل أنوك وقوم نوكي ونوك، وهذا مثل يضرب لمن يسمع كلام كلّ أحد وإن كان أحمقاً لا يعقل شيئاً.

قوله: (من عمي علي الناس ولادته)، عمي عليه الأمر إذا التبس، ومنه قوله تعالي: (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَْنْباءُ يَوْمَئِذٍ)(1).

قوله: (ويمضغ بالألسن)، المضغ باللسان كناية عن تناوله وذكره بالخير والشرّ.6.

ص: 381


1- القصص: 66.

قوله: (أو رغم أنفه)، رغم الأنف كناية عن الذلّ، ولعلَّ المراد به هنا القتل، ووجه الترديد ما مرَّ، ويحتمل أن يكون من الراوي.

الأصل:

محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (يقوم القائم وليس لأحد في عنقه عهد ولا عقد ولا بيعة).

الشرح:

قوله: (وليس لأحد في عنقه عهد ولا عقد ولا بيعة) هذه الأمور الثلاثة متقاربة، ويمكن أن يراد بالعهد الميثاق والملاقاة والصحبة، يقول: عهدته إذا لقيته وعرفته، أو الوصيّة تقول: عهد إليه إذا أوصاه، وبالعقد عقد الصلح والمهادنة، وبالبيعة الإقرار للغير بالخلافة مع التماسح بالأيدي علي الوجه المعروف، كأنَّ كلّ واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره، وكأنَّ فيه إشارة إلي سبب من أسباب غيبته ومصلحة من مصالحها، لأنَّه عليه السلام لو كان ظاهراً إلي أوان ظهور دولته لكان في عنقه لا محالة عهد أو عقد أو بيعة لسلاطين الجور، فكان عند خروجه بالسيف ناقضاً لذلك العهد، ونقض العهد قبيح لا يليق بجنابه.

الأصل:

محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضال، عن الحسن بن علي العطّار، عن جعفر بن محمّد، عن منصور، عمَّن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت: إذا أصبحت وأمسيت لا أري إماماً أئتمُّ به ما أصنع؟

ص: 382

قال: (فأحبّ من كنت تحبّ، وأبغض من كنت تبغض، حتَّي يظهره الله عز وجل).

الشرح:

قوله: (فأحبّ من كنت تحبّ)، يعني: أنَّك تعلم أنَّ الأرض لا تخلو من إمام من أهل بيت نبيّك، فأحبّه وإن لم تعرفه بخصوصه وشخصه، فإنَّ ذلك يكفيك حتَّي يظهره الله عز وجل، فإذا أظهره أطعه واتَّبعه واعرفه بشخصه.

الأصل:

الحسين بن أحمد، عن أحمد بن هلال، قال: حدَّثنا عثمان بن عيسي، عن خالد بن نجيح، عن زرارة بن أعين، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لا بدَّ للغلام من غيبة).

قلت: ولِمَ؟

قال: (يخاف - وأومأ بيده إلي بطنه - وهو المنتظر، وهو الذي يشكّ الناس في ولادته، فمنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: مات أبوه ولم يخلف، ومنهم من يقول: ولد قبل موت أبيه بسنتين).

قال زرارة: فقلت: وما تأمرني لو أدركت ذلك الزمان؟

قال: (ادع الله بهذا الدعاء: (اللهم عرّفني نفسك، فإنَّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرّفني نبيَّك، فإنَّك إن لم تعرّفني نبيَّك لم أعرفه قطّ، اللهم عرّفني حجَّتك، فإنَّك إن لم تعرّفني حجَّتك ضللت عن ديني)).

قال أحمد بن الهلال: سمعت هذا الحديث منذ ستّ وخمسين سنة.

أبو علي الأشعري، عن محمّد حسان، عن محمّد بن علي، عن عبد

ص: 383

الله بن القاسم، عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ)(1)، قال: (إنَّ منّا إماماً مظفراً مستتراً، فإذا أراد الله عزَّ ذكره إظهار أمره نكت في قبله نكتة فظهر فقام بأمر الله تبارك وتعالي).

الشرح:

قوله: (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ)، أي: فإذا نفخ في الصور وصوت فيه، والناقور فاعول من النقر بمعني التصويت، والنفخ وهو ما ينفخ ويصوت فيه مثل القرن وغيره، وقد شبَّه عليه السلام به قلب المنتظر، ففي الكلام مكنية وتخييلية.

الأصل:

محمّد بن يحيي، عن جعفر بن محمّد، عن أحمد بن الحسين، عن محمّد بن عبد الله، عن محمّد بن الفرج، قال: كتب إليَّ أبو جعفر عليه السلام: (إذا غضب الله تبارك وتعالي علي خلقه نحّانا عن جوارهم).

الشرح:

قوله: (إذا غضب الله)، أي: إذا غضب الله تبارك وتعالي علي خلقه وسلب رحمته وفيضه عنهم، لسوء استعدادهم وقبح صنيعهم وكمال عتوهم، نحّانا عن جوارهم بالغيبة عنهم وكذلك جري قضاء الله جلَّ شأنه في قوم أراد أن يصيبهم بعذاب أو يؤاخذهم بعقوبة أو يوردهم في بلية، فإنَّه يخرج من بينهم العلماء والصلحاء إمَّا بالموت أو بالغيبة، ثمّ يفعل بهم ما يشاء .

ص: 384


1- المدّثر: 8 .

كما يشهد به التتبع بأحوال الماضين، ويرشد إليه قوله تعالي خطاباً لسيد المرسلين: (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)(1)(2).

* * *).

ص: 385


1- الأنفال: 33.
2- قوله: (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) ولعلَّ قائلاً يقول: كانت واقعة الحَرّة علي أهل المدينة وزين العابدين عليه السلام كان فيهم! قلنا: هذا من التمسّك بالعامّ والمطلق وظاهر الألفاظ في غير الأحكام العملية، ومعلوم أنَّها ليست بحجّة، لأنَّ عمدة الاعتماد في حجّية الظواهر قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا حاجة إلي العلم بالتفاصيل في غير العمل، وعلي هذا فيمكن أن يكون هذا الكلام ناظراً إلي بعض الأوقات والأزمنة، أو إلي مورد خاصّ. واعلم أنَّ ما مضي من الأحاديث في النصّ علي الأئمّة عليهم السلام تأيَّدت بالقرائن القطعية الموجبة لليقين، بل هي من ضروريات مذهبنا، يعرف ذلك منّا كلّ مؤمن ومخالف، بل كلّ مسلم وكافر من جميع الأمم، وقد روي البخاري وغيره من حديث جابر بن سمرة، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بطرق كثيرة أنَّ الأئمّة بعده اثنا عشر، وهذا حجّة قاطعة لا يتدخَّل فيها احتمال الجعل والوضع، وقد مات البخاري قبل الغيبة الصغري وألَّف صحيحه في عصر أحد العسكريين عليهما السلام ولم يكن عنوان الاثنا عشرية مميّزاً لطائفتنا، ولم يقل أحد من المسلمين بانحصار الأئمّة في اثني عشر غيرنا، فنحن مصداق حديث البخاري، وأيّ دليل أقوي من هذا حتَّي نتكلَّف لغيره، ولذلك لم نرَ التكلّم في أسانيدها ودلالتها علي مطلوبنا كثير فائدة، بل رأيناه إضاعة للعمر وتفويتاً للوقت. نعم، جاء في تضاعيف المقصود الأصلي أعني إثبات إمامتهم عليهم السلام بعض أمور قابلة للتأمّل والمناقشة، كأمر البداء في أبي جعفر بن علي العسكري وإسماعيل بن جعفر الصادق عليهم السلام ومثل أمر النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بالرجوع إلي القافة، ولم يكن أمثال ذلك قادحة في أصل المقصود المعقود له هذه الأبواب، ولذلك تركنا التعليق عليها جملة وإن لم يكن بعضها مرضياً، وأبو جعفر المروي عنه هذا الحديث هو الجواد عليه السلام، ومن زعم أنَّه الباقر عليه السلام فقد أوقعه في الخطأ عدم علمه بطبقات الرجال. (ش).

ص: 386

الفوائد الطوسية

اشارة

تأليف: الفقيه المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفي سنة 1104 ه-

ص: 387

ص: 388

فائدة (38): حديث الاثني عشر بعد الاثني عشر عليهم السلام:(1)

اعلم أنَّه قد ورد هذا المضمون في بعض الأخبار، وهو لا يخلو من غرابة وإشكال، ولم يتعرَّض له أصحابنا إلاَّ النادر منهم علي ما يحضرني الآن، ولا يمكن اعتقاده جزماً قطعاً، لأنَّ ما ورد بذلك لم يصل إلي حدّ اليقين، بل تجويزه احتمالاً علي وجه الإمكان مشكل لما يأتي إن شاء الله تعالي من كثرة معارضه، وبالجملة فهو محلّ التوقّف إلي أن يتحقَّق وتظهر قوَّته علي معارضه، والذي يحضرني الآن من ذلك أنَّه ورد من طرق:

أحدها: ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة في جملة الأحاديث التي رواها من طريق المخالفين في النصّ علي الأئمّة عليهم السلام، قال: أخبرنا جماعة عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد البصري(2)، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي عليه السلام: (يا أبا الحسن، أحضر دواة وصحيفة).).

ص: 389


1- الفوائد الطوسية: الفائدة: 38.
2- في (خ م): (المصري).

فأملي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وصيَّته حتَّي انتهي إلي هذا الموضع، فقال: (يا علي، إنَّه يكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أوّل الاثني عشر إماماً...) وذكر النصّ عليهم بأسمائهم وألقابهم إلي أن انتهي إلي الحسن العسكري عليه السلام، فقال: (فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه محمّد المستحفظ من آل محمّد عليهم السلام، فذلك اثنا عشر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه أوّل المقرّبين، له ثلاثة أسامي اسم كاسمي واسم كاسم أبي(1) وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أوّل المؤمنين)(2).

قال الشيخ بعد ما ذكر عدّة أخبار اُخر في النصّ في الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام: فهذا طرف من الأخبار قد أوردناه ولو شرعنا في إيراد الأخبار من جهة الخاصّة لطال به الكتاب وإنَّما أوردنا ما أوردناه ليصحّ ما قلناه من نقل الطائفتين المختلفتين. انتهي(3).

الثاني: ما رواه أيضاً في آخر كتاب الغيبة، فقال: محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن محمّد بن عبد الحميد بن عيسي، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل أنَّه قال: (يا أبا حمزة، إنَّ ما بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين عليه السلام)(4). رواه بعض أصحابنا عن أحمد بن عقبة، عن أبيه، عن الصادق عليه السلام.5.

ص: 390


1- في المصدر: (اسم كاسمي واسم أبي).
2- كتاب الغيبة: 97/ ط طهران.
3- أنظر: الغيبة للطوسي: 156.
4- الغيبة للطوسي: 285.

الثالث: ما رواه الشيخ أيضاً في المصباح الكبير، حيث أورد دعاء ذكر أنَّه مروي عن صاحب الزمان، خرج إلي أبي الحسن الضرّاب الأصفهاني بمكّة، بإسناده لم نذكره اختصاراً، هذا عبارة الشيخ، ثمّ أورد الدعاء بطوله، إلي أن قال: (اللهم صلّ علي محمّد المصطفي وعلي المرتضي وفاطمة الزهراء والحسن الرضا والحسين المصفي وجميع الأوصياء مصابيح الدجي...)، إلي أن قال: (وصلّ علي وليّك وولاة عهدك والأئمّة من ولده، ومدَّ في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلّغهم أقصي آمالهم ديناً ودنيا وآخرة، إنَّك علي كلّ شيء قدير)(1).

الرابع: ما أورده بعده بغير فصل فقال: الدعاء لصاحب الأمر المروي عن الرضا عليه السلام: روي يونس بن عبد الرحمن، عن الرضا عليه السلام أنَّه كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر عليه السلام بهذا الدعاء: (اللهم ادفع عن وليّك وخليفتك...)، إلي أن قال: (اللهم صلّ علي ولاة عهده والأئمّة من بعده، وزد في آجالهم، وبلّغهم آمالهم...) الدعاء(2)، والذي حذفناه (منه) في صدره يشتمل علي أوصاف وألقاب وعبارات لا تكاد تستعمل في غير المهدي عليه السلام.

أقول: هذه الروايات غير موجبة للعلم واليقين، لكثرة معارضاتها، فإنَّ الأحاديث المعتبرة والروايات الصحيحة المتواترة صريحة في حصر الأئمّة في اثني عشر عليهم السلام، وإنَّ الثاني عشر منهم خاتم الأوصياء والأئمّة والخلفاء، وإنَّه لا يبقي بعده أحد من الخلق، ولو شرعنا في إيراد بعض ماق.

ص: 391


1- مصباح المتهجّد: 266.
2- المصدر السابق.

أشرنا إليه لطال الكلام وحصلت السآمة والملل، ومثل هذا المطلب الجليل يجب تواتر الأخبار به كأمثاله علي تقدير وجوب اعتقاده علينا، فكيف (وقد)(1) ورد من طريق شاذ، وورد معارضه بهذه القوّة المشار إليها.

وقد نقل عن سيّدنا المرتضي رضوان الله عليه أنَّه جوَّز ذلك علي وجه الإمكان والاحتمال، وأنَّه قال: لا نقطع بزوال التكليف عند موت المهدي عليه السلام، بل يجوز أن يبقي بعده أئمّة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يخرجنا هذا من التسمية بالاثني عشرية، لأنّا كُلّفنا أن نعلم إمامتهم، وقد بيَّنا ذلك بياناً شافياً، ودللنا عليهم فانفردنا بهذا عن غيرنا. انتهي(2).

وربَّما كان في الحديثين السابقين علي هذا البحث إشارة ما إلي هذا المضمون، وفي هذا التجويز نظر لما أشرنا إليه سابقاً، ولأنَّ الأوّل من طريق العامّة فلا يعتدّ به فيما لا يوافق التصريحات الثابتة من طريق الخاصّة، والباقي ليس بصريح مع أنَّ بين الأوّل والثاني تعارضاً ظاهراً في العدد، وليس في الثالث والرابع حصر لعددهم، وأقلّ الجمع ثلاثة والزيادة غير معلومة وليس في الرابع تصريح لأنَّ صاحب الأمر أعمّ من المهدي عليه السلام بحسب أصل وضعه علي أنَّه يستعمل في كلّ واحد منهم عليهم السلام.

فلا يبعد أن يكون الرضا عليه السلام أمر بالدعاء لإمام العصر مطلقاً وللأئمّة من أولاده، وتلك الألقاب والأوصاف لا يمتنع إطلاقها عليه.

ص: 392


1- ما بين المعقوفتين أضفناه لاقتضاء السياق.
2- الصراط المستقيم 2: 152 عنه.

الرضا عليه السلام وكلّ واحد من أولاده عليهم السلام، وإن كان فيه بُعد، فإنَّه لا يصل إلي حدّ الامتناع، بل هو تأويل صالح للجمع بين الأخبار المختلفة وهنا احتمالات أخر.

أحدها: أن يقال: البعدية لا يتعيّن كونها زمانية، بل يمكن كونها بمعني المغايرة بمنزلة البعدية في قوله تعالي: (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ)(1) وعلي هذا يجوز كونهم في زمانه ويكونون نوّابه عليه السلام، وهذا لا ينافيه سوي قوله في الأوّل: (فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه) وقد عرفت أنَّه من طريق العامّة فلا حجّة فيه، ويجوز حمله علي أنَّ المهدي عليه السلام يوصي إلي ولده ليخرج عن حدّ قوله عليه السلام: (من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهلية)(2) فيوصي ليفوز بفضيلة الوصيّة ويقوم بتكليفها ويخرج من عهدة تركها ثمّ يموت ولده قبله، وباقي الاثني عشر كما قلناه، وكما في موسي وهارون.

وثانيها: أنَّ قوله: (من بعده) لا بدَّ له من تقدير مضاف إليه، فيمكن أن يقدّر من بعد ولادته، أو من بعد غيبته ويكون إشارة إلي السفراء والوكلاء من ثقاته وأصحابه والعلماء من شيعته الموجودين في غيبته الداعين إلي دينه ودين آبائه عليهم السلام، كما قال: (اللهم ارحم خلفائي).

قيل: ومن خلفاؤك؟

قال: (الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسُنّتي)(3).

ولا ينافي الحصر في الاثني عشر، لأنَّ مفهوم العدد ليس بحجّة، ولأنَّ حمله علي السفراء والوكلاء ممكن، وهم لا يزيدون عن ذلك.ء.

ص: 393


1- الجاثية: 23.
2- وسائل الشيعة 2: 661.
3- وسائل الشيعة 3: 379/ ط القديمة كتاب القضاء.

والثالث والرابع: لا حصر فيهما فيمكن حملهما علي العلماء، بل علي جميع ما ذكرناه من الأقسام.

وثالثها: أن يقدّر المضاف المشار إليه في قوله: (من بعده) أي من بعد خروجه، فإنَّه لا يلزم أن يقدر من بعد موته، ويكون المشار إليهم في زمانه وهم نوّابه أو خواصّه كما أشرنا إليه في الوجه الأوّل، وبينه وبين هذا الوجه فرق في التوجيه ظاهر ومآل الأمرين واحد كما لا يخفي.

وروي الصدوق في كتاب كمال الدين وتمام النعمة: عن علي بن أحمد بن موسي الدقّاق، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسي بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: قلت للصادق عليه السلام: سمعت من أبيك أنَّه قال: (يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً).

فقال: (اثنا عشر مهدياً، ولم يقل اثنا عشر إماماً، ولكنَّهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلي ولايتنا ومعرفة حقّنا)(1).

أقول: وهذا الحديث يقارب هذا الوجه والأوّل فتدبَّر.

ورابعها: أن يكون ذلك محمولاً علي الرجعة، فقد رويت أحاديث كثيرة في رجعتهم عليهم السلام علي وجه الخصوص، ورويت أحاديث كثيرة جدَّاً متجاوزة حدّ التواتر في صحَّة الرجعة علي وجه العموم، باعتبار التجويز والإمكان، بل ورد ما ظاهره عمومها لجميع المكلَّفين، غير أنَّ لها معارضات متواترة دلَّت علي أنَّها مختصَّة بمن محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً، إلاَّ أنَّ أصل الرجعة وثبوتها ممَّا لا خلاف فيهة.

ص: 394


1- كمال الدين 2: 358/ 56/ ط الإسلاميّة.

بين الشيعة، ولا اختلاف فيه في أحاديث الأئمّة عليهم السلام، بل هي من ضروريات مذهبهم، واحتجّوا علي إثباتها بوجوه عقلية ونقلية مذكورة في محلّها، وعلي هذا فالأئمّة من بعده هم الأئمّة من قبله، وإنَّما رجعوا بعد حصول غيبته أو بعد خروجه علي اختلاف الروايتين، وهذا الوجه يرجّح رواية الأحد عشر - أعني الحديث الثاني - ولا ينافيه الثالث والرابع.

وأمَّا الأوّل فقد عرفت أنَّه من روايات العامّة، ومع ذلك يمكن حمله علي دخول النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم مع الأحد عشر كما في أحاديث الرجعة، والأقوي في الأحاديث أنَّ رجعة الأئمّة عليهم السلام بعد وفاة المهدي عليه السلام وأنَّ المهدي عليه السلام أيضاً يرجع بعد وفاته وبعد رجعة آبائه عليهم السلام ووفاتهم، وأنَّه لا دولة لهم (لأحد - خ ل) بعد ذلك، بل تقوم القيامة، ويظهر من بعض أحاديث الرجعة أنَّ أهلها غير مكلَّفين، وقد أوضحنا الأمر بعض الإيضاح في آخر رسالة الرجعة.

وقد روي الصدوق في آخر الخصال حديثين بسندين معتبرين عن أبي جعفر عليه السلام: (إنَّه إذا كان يوم القيامة، ودخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار، خلق الله خلقاً يعبدونه، وخلق لهم أرضاً وسماء، أليس الله يقول: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَْرْضُ غَيْرَ الأَْرْضِ وَالسَّماواتُ)(1)، وقال الله عز وجل: (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الأَْوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)(2))(3).ً.

ص: 395


1- إبراهيم: 48.
2- ق: 15.
3- أقول: لم نجد في الخصال المطبوع إلاَّ حديثاً واحداً.

وروي أحمد بن محمّد بن عيسي في نوادره حديثين بسند معتبر عن أبي عبد الله عليه السلام في هذا المعني(1).

قال بعض مشايخنا المعاصرين(2): لم أرَ أحداً من المتكلّمين تعرَّض لهذا بنفي ولا إثبات، وأدلّة العقل لا تنفيه، بل تؤيّده، لكن الأخبار الواردة في ذلك لم تصل إلي حدّ يوجب القطع به، والله أعلم، انتهي.

* * *5.

ص: 396


1- لعلَّ الحديثين هما: الأوّل: ما روي أنَّه قيل لأبي عبد الله عليه السلام: إذا أدخل أهل الجنّة الجنّة وأدخل أهل النار النار، فمَه؟... قال: (إن أراد أن يخلق الله خلقاً ويخلق لهم دنيا يردهم إليها فعل، ولا أقول لك أنَّه يفعل). والثاني: أنَّه عليه السلام قال: (... ما أزعم لك أنَّه تعالي يخلق خلقاً يعبدونه...) الحديث. أنظر: بحار الأنوار 8 : 375.
2- هو المجلسي أعلي الله مقامه. راجع: بحار الأنوار 8 : 375.

تفصيل وسائل الشيعة الي تحصيل مسائل الشريعة

تأليف: الفقيه المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفي سنة 1104 هجرية

تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

ص: 397

ص: 398

(33): باب تحريم تسمية المهدي عليه السلام، وسائر الأئمّة عليهم السلام وذكرهم وقت التقيّة، وجواز ذلك مع عدم الخوف(1):

* وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر عليه السلام - في حديث الخضر عليه السلام - أنَّه قال: (وأشهد علي رجل من ولد الحسن، لا يسمّي ولا يكنّي حتَّي يظهر أمره فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، إنَّه القائم بأمر الحسن بن علي عليه السلام)(2).

ورواه الصدوق في كتاب (كمال الدين)(3) وفي (عيون الأخبار)(4) عن أبيه، ومحمّد بن الحسن، عن سعد والحميري ومحمّد بن يحيي وأحمد بن إدريس كلّهم عن أحمد بن محمّد البرقي مثله.

* وعن محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (صاحب هذا الأمر لا يسمّيه باسمه إلاَّ كافر)(5).4.

ص: 399


1- وسائل الشيعة 16: 237 - 247/ باب 33/ ح 3 - 23.
2- الكافي 1: 441/ ح 1.
3- كمال الدين: 315/ باب 29/ ح 1.
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 67.
5- الكافي 1: 268/ ح 4.

ورواه الصدوق في (كمال الدين)(1) عن أبيه، عن سعد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن محبوب، عن علي بن الريان - وفي نسخة: علي بن زياد(2)، عن أبي عبد الله عليه السلام نحوه.

* وعن عدّة من أصحابنا، عن جعفر بن محمّد، عن ابن فضال، عن الريان بن الصلت، قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام وسئل عن القائم عليه السلام؟ فقال: (لا يري جسمه، ولا يسمّي اسمه)(3).

ورواه الصدوق في (كمال الدين)(4) عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عن سعد، عن جعفر بن محمّد بن مالك مثله.

* وعن علي بن محمّد، عمَّن ذكره، عن محمّد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن العسكري عليه السلام يقول: (الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟).

قلت: ولِمَ جعلني الله فداك؟

قال: (لأنَّكم لا ترون شخصه ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه).

قلت: كيف نذكره؟

قال: (قولوا: الحجّة من آل محمّد)(5).

ورواه الصدوق في (كمال الدين)(6) عن أبيه عن سعد، عن محمّد بن أحمد العلوي مثله.4.

ص: 400


1- كمال الدين: 648/ باب 56/ ح 1.
2- في كمال الدين: (علي بن رئاب).
3- الكافي 1: 268/ ح 3.
4- كمال الدين: 648/ ح 2.
5- الكافي 1: 268/ ح 1.
6- كمال الدين: 648/ ح 4.

* وعن علي بن محمّد، عن أبي عبد الله الصالحي، قال: سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمّد عليه السلام أن أسال عن الاسم والمكان، فخرج الجواب: (إن دللتم علي الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلّوا عليه)(1).

أقول: هذا دالٌّ علي اختصاص النهي بالخوف وترتّب المفسدة.

* وعن محمّد بن عبد الله ومحمّد بن يحيي جميعاً، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمّد بن عثمان العمري، - في حديث - أنَّه قال له: أنت رأيت الخلف؟

قال: إي والله...، إلي أن قال: قلت: فالاسم.

قال: محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي فليس لي أن أحلّل ولا أحرّم، ولكن عنه عليه السلام فإنَّ الأمر عند السلطان، أنَّ أبا محمّد مضي ولم يخلّف ولداً...، إلي أن قال: وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتّقوا الله وأمسكوا عن ذلك(2).

أقول: هذا أوضح دلالة في أنَّ وجه النهي التقيّة والخوف.

* محمّد بن علي بن الحسين في كتاب (كمال الدين) وفي كتاب (التوحيد) عن علي بن أحمد الدقّاق وعلي بن عبد الله الورّاق، عن محمّد بن هارون(3)، عن عبد العظيم الحسني، عن سيّدنا علي بن محمّد عليه السلام أنَّه عرض عليه اعتقاده وإقراره بالأئمّة عليهم السلام...، إلي أن قال: ثمّ أنت يا مولاي، فقال له عليه السلام: (ومن بعدي ابني الحسن فكيف للناس بالخلف من بعده؟).).

ص: 401


1- الكافي 1: 268/ ح 2.
2- الكافي 1: 265/ ح 1، وأورد صدره في الحديث 4 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي.
3- في كمال الدين زيادة: (عن أبي تراب عبد الله بن موسي الروياني)، وفي التوحيد: (أبو تراب عبيد الله بن موسي الروياني).

قلت: وكيف ذلك؟

قال: (لأنَّه لا يري شخصه، ولا يحلّ ذكره باسمه، حتَّي يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً)...، إلي أن قال: فقال عليه السلام: (هذا ديني ودين آبائي)(1).

أقول: هذا لا ينافي الحمل علي التقيّة والتخصيص بوقت الخوف كما يظنّ، لما تقدَّم من التصريح بوجوب التقيّة إلي أن يخرج صاحب الزمان عليه السلام(2)، ولكن التقيّة في هذه المدّة لا تشتمل جميع الأشخاص والأماكن، لما مرَّ أيضا(3)، فهذا من جملة القرائن علي ما قلنا، لأنَّ هذه المدّة هي مدّة التقيّة.

* وفي كتاب (كمال الدين) عن أحمد بن زياد بن جعفر، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي أحمد محمّد بن زياد الأزدي، عن موسي بن جعفر عليه السلام في حديث أوصاف الإمام الثاني عشر وغيبته قال: (تخفي علي الناس ولادته، ولا تحلُّ لهم تسميته حتَّي يظهره الله فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً)(4).

* وعن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن سنان، عن صفوان بن مهران، عن الصادق عليه السلام أنَّه قيل له: من المهدي من ولدك؟

قال: (الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحلّ لكم تسميته)(5).2.

ص: 402


1- كمال الدين: 379/ ح 1؛ والتوحيد: 81/ ح 37.
2- تقدَّم في الحديث 25 من الباب 24 من هذه الأبواب.
3- مرَّ في الحديثين 6 و10 من الباب 25 من هذه الأبواب، وفي الحديث 8 من هذا الباب.
4- كمال الدين: 368/ ح 6.
5- كمال الدين: 338/ ح 12.

وعن علي بن محمّد الدقّاق، عن محمّد بن أبي عبد الله، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله(1).

* وعن المظفّر بن جعفر العلوي، عن جعفر بن محمّد بن مسعود، وحيدر بن محمّد، عن محمّد بن مسعود، عن آدم بن محمّد البلخي، عن علي بن الحسين الدقّاق(2) وإبراهيم بن محمّد، قالا: سمعنا علي بن عاصم الكوفي يقول: خرج في توقيعات صاحب الزمان عليه السلام: (ملعون ملعون من سمّاني في محفل من الناس)(3).

أقول: فيه وفي أمثاله دلالة علي ما قلنا في العنوان لاختصاصه بالمحفل وهو مظنّة التقيّة والمفسدة، وبالناس وكثيراً ما يطلق هذا اللفظ علي العامّة(4) فهو قرينة أيضاً.

* وعن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، عن محمّد بن همام، عن محمّد بن عثمان العمري، قال: خرج توقيع بخطّ أعرفه: (من سمّاني في مجمع من الناس فعليه لعنة الله)(5).

ورواه المفيد في (الإرشاد)(6)، والطبرسي في (إعلام الوري)(7) نحوه.0.

ص: 403


1- المصدر السابق.
2- في المصدر: (علي بن الحسن الدقّاق).
3- كمال الدين: 482/ ح 1.
4- تقدَّم إطلاقه علي العامّة هنا في حديث عنبسة. (منه).
5- كمال الدين: 483/ ح 3.
6- لم نجده في الإرشاد المطبوع.
7- إعلام الوري 2: 270.

* وعن محمّد بن أحمد السناني(1)، عن محمّد بن أبي عبد الله، عن سهل بن زياد، عن عبد العظيم الحسني، عن محمّد بن علي بن موسي عليه السلام في ذكر القائم عليه السلام، قال: (يخفي علي الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، وتحرم عليهم تسميته، وهو سميّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكنيّه...) الحديث(2).

* وعن محمّد بن موسي بن المتوكّل، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمّد بن إبراهيم الكوفي: أنَّ أبا محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام بعث إلي بعض من سمّاه شاة مذبوحة، وقال: (هذه من عقيقة ابني محمّد)(3).

* وعنه، عن الحميري، عن محمّد بن أحمد العلوي، عن أبي غانم الخادم، قال: ولد لأبي محمّد عليه السلام مولود فسمّاه محمّداً، وعرضه علي أصحابه يوم الثالث، وقال: (هذا صاحبكم من بعدي، وخليفتي عليكم وهو القائم...) الحديث(4).

* وعن محمّد بن محمّد بن عصام، عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن علاّن الرازي، عن بعض أصحابنا أنَّه لمَّا حملت جارية أبي محمّد عليه السلام قال: (ستحملين ولداً واسمه محمّد وهو القائم من بعدي)(5).

* وعن محمّد بن إبراهيم الطالقاني، عن الحسين بن إسماعيل4.

ص: 404


1- في المصدر: (محمّد بن أحمد الشيباني).
2- كمال الدين: 377/ ح 2.
3- كمال الدين: 432/ ح 10.
4- كمال الدين: 431/ ح 8 .
5- كمال الدين: 408/ ح 4.

القطّان(1)، عن عبد الله بن محمّد، عن محمّد بن عبد الرحمن، عن محمّد بن سعيد، عن العبّاس بن أبي عمرو، عن صدقة بن أبي موسي، عن أبي نصرة، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبد الله، عن فاطمة عليها السلام، أنَّه وجد معها صحيفة من درّة فيها أسماء الأئمّة من ولدها فقرأها...، إلي أن قال: أبو القاسم محمّد بن الحسن حجّة الله علي خلقه القائم، اُمّه جارية اسمها: نرجس(2).

* وعن علي بن أحمد بن موسي، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي، عن إسماعيل بن مالك، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام علي المنبر: (يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان...)، وذكر صفة القائم وأحواله إلي أن قال: (له اسمان: اسم يخفي، واسم يعلن، فأمَّا الذي يخفي فأحمد، وأمَّا الذي يعلن فمحمّد...) الحديث(3).

* وبأسانيده الكثيرة عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر، قال: دخلت علي فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم علي(4).

ورواه في (الفقيه) بإسناده عن الحسن بن محبوب(5).7.

ص: 405


1- في المصدر: (الحسن بن إسماعيل، عن ابي عمرو سعيد بن محمّد بن نصر القطان).
2- كمال الدين: 305/ ح 1.
3- كمال الدين: 653/ ح 17.
4- كمال الدين: 313/ ح 4.
5- من لا يحضره الفقيه 4: 132/ ح 7.

ورواه الكليني، عن محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب مثله(1).

* وعن علي بن الحسن بن شاذويه(2) وأحمد بن هارون الفامي(3) جميعاً، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد بن مالك(4)، عن درست، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن جبلة، عن أبي السفاتج، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبد الله أنَّه رأي قدام فاطمة عليها السلام لوحاً يكاد ضوؤه يغشي الأبصار، فيه اثني عشر اسماً، قال: فقلت: أسماء من هؤلاء؟

قالت: (أسماء الأوصياء أوّلهم ابن عمّي وأحد عشر من ولدي، آخرهم القائم).

قال جابر: فرأيت فيه محمّداً محمّداً محمّداً في ثلاثة مواضع، وعلياً علياً علياً علياً في أربعة مواضع(5).

ورواه في (عيون الأخبار) أيضا (6).

* وعن علي بن محمّد بن أحمد الدقّاق(7)، عن محمّد بن أبي).

ص: 406


1- الكافي 1: 447/ ح 9.
2- في كمال الدين: (علي بن الحسين بن شاذويه).
3- في المصدر: (أحمد بن هارون القاضي).
4- في المصدر زيادة: (عن مالك السلولي).
5- كمال الدين: 311/ ح 2.
6- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 46/ ح 5.
7- في المصدر: (علي بن أحمد بن محمّد الدقّاق).

عبد الله، عن موسي بن عمران، عن عمّه الحسين بن زيد(1)، عن المفضَّل بن عمر، قال: دخلت علي الصادق عليه السلام فقلت: لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك.

فقال: (الإمام بعدي ابني موسي، والخلف المأمول المنتظر محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسي)(2).

الفضل بن الحسن الطبرسي في (إعلام الوري)، عن المفضَّل بن عمر مثله(3).

وبإسناده عن ابن بابويه، عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، عن أبي علي محمّد بن همام، عن محمّد بن عثمان العمري، عن أبيه، عن أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام في الخبر الذي روي عن آبائه عليهم السلام: (إنَّ الأرض لا تخلو من حجّة لله علي خلقه، وإنَّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).

فقال: (إنَّ هذا حقّ كما أنَّ النهار حقّ).

فقيل: يا بن رسول الله فمن الحجّة والإمام بعدك؟

فقال: (ابني محمّد(4)، هو الإمام والحجّة بعدي، فمن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية)(5).3.

ص: 407


1- في المصدر: (الحسين بن يزيد النوفلي).
2- كمال الدين: 334/ ح 4.
3- إعلام الوري 2: 234.
4- قد صرَّح باسمه عليه السلام جماعة من علمائنا في كتب الحديث، والأصول، والكلام، وغيرها، منهم العلاّمة، والمحقّق، والمقداد، والمرتضي، والمفيد، وابن طاووس، وغيرهم، والمنع نادر، وقد حقَّقناه في رسالة مفردة. (منه).
5- إعلام الوري 2: 253.

ورواه علي بن عيسي في (كشف الغمّة)(1) نقلاً عن الطبرسي في (إعلام الوري).

أقول: والأحاديث في التصريح باسم المهدي محمّد بن الحسن عليهما السلام وفي الأمر بتسميته عموماً وخصوصاً تصريحاً وتلويحاً فعلاً وتقريراً في النصوص والزيارات والدعوات والتعقيبات والتلقين وغير ذلك كثيرة جدّاً، قد تقدَّم جملة من ذلك(2)، ويأتي جملة أخري(3) وهو دالّ علي ما قلناه في العنوان.

* * *د.

ص: 408


1- كشف الغمّة 2: 528.
2- تقدَّم في الحديث 3 من الباب 37 من أبواب الاحتضار، وفي الباب 20، وفي الحديثين 5، 6 من الباب 21 من أبواب الدفن، وفي الحديث 6 من الباب 48 من أبواب الذكر، وفي الحديث 2 من الباب 81 من أبواب المزار.
3- يأتي في الحديثين 3 و4 من الباب 64 من أبواب أحكام الأولاد.

الأربعون حديثاً في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام

اشارة

تأليف: سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني المتوفي سنة 1121 هجرية

تحقيق: مهدي رجائي

ص: 409

ص: 410

(المهدي عليه السلام):

المقام الثالث(1):

ما تضمَّنه الخبران من قوله صلي الله عليه وآله وسلم: (ومنّا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمّة)، وفي الخبر الثاني: ثمّ ضرب علي منكب الحسين عليه السلام وقال: (من هذا مهدي هذه الأمّة) قد استفاضت به الأخبار من طرق المخالفين وبلغت حدّ التواتر.

وقد جمع الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني من أعيان المخالفين(2) أربعين حديثاً في أمر المهدي خاصّة(3).

وصنَّف الشيخ أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي في ذلك كتاباً، سمّاه: (البيان في أخبار صاحب الزمان).

روي الشيخ أبو عبد الله في كتابه هذا بإسناده عن رزين بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لا تذهب الدنيا حتَّي يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي)(4) هكذا أخرجه أبو داود في سننه(5).

وعن علي بن أبي طالب عليه السلام، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (لو لم يبقَ

ص: 411


1- الأربعون حديثاً في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام: 206 - 230.
2- وبعض أصحابنا تشبَّه عليه حاله، فعدَّه من علماء الإماميّة، وهو غلط فضيع. (منه).
3- وأوردها بتمامها الشيخ الجليل علي بن عيسي الأربلي في كشف الغمّة 2: 467 - 475.
4- البيان في أخبار آخر الزمان: 308/ ط النجف.
5- سنن أبي داود 4: 151/ ط السعادة بمصر.

من الدهر إلاَّ يوم واحد لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً) أخرجه في سننه أيضا(1).

وروي أبو داود والترمذي في سننهما، كلّ واحد منهما يرفعه إلي أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (المهدي منّي، أجلي(2) الجبهة، أقني الأنف(3)، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً). وزاد أبو داود: (ويملك سبع سنين). وقال: حديث ثابت حسن صحيح(4).

ورواه أبو القاسم الطبراني في معجمه(5)، وكذلك غيره من أئمّة الحديث.

(المهدي، رجل من ولدي، وجهه كالقمر الدري، اللون منه لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يرضي بخلافته أهل السماوات والأرض والطير في الجوّ، يملك عشر سنين)(6).

وبإسناده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (المهدي طاووس أهل الجنّة)(7).1.

ص: 412


1- سنن أبي داود 4: 151.
2- الأجلي: الحسن الوجه الأنزع.
3- وقنا الأنف: ارتفاع أعلاه واحد يداب وسطه وسبوغ طرفه أو نتو وسط القصبة وضيق المنخرين، وهو أقني وهي قنواء.
4- سنن أبي داود 4: 152؛ والفصول المهمّة: 274 عن سنن أبي داود والترمذي؛ الجامع الصغير 2: 579/ ط مصر.
5- المعجم الأوسط 9: 176.
6- فردوس الأخبار 4: 496/ ح 6940/ الطبعة المحقَّقة.
7- فردوس الأخبار 4: 497/ ح 6941.

وممَّا رواه أبو داود أيضاً يرفعه إلي اُمّ سَلَمة عليها السلام، قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة)(1).

ومن ذلك ما رواه القاضي أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي في كتابه المسمّي ب- (شرح السُنّة)، وأخرجه مسلم والبخاري في صحيحيهما، يرفعه كلّ واحد منهما بسنده إلي أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟)(2).

ومن ذلك ما أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما يرفعانه بسندهما إلي عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّي يبعث فيه رجلاً من أمّتي ومن أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(3).

ومن ذلك ما رواه أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي يرفعه بسنده إلي أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (نحن ولد(4) عبد المطَّلب سادة الجنّة: أنا وحمزة وجعفر وعلي والحسن والحسين والمهدي)(5).

وعن علقمة بن عبد الله، قال: بينما نحن عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذي.

ص: 413


1- سنن أبي داود 4: 151 .
2- مصابيح السُنّة 2: 141/ ط مصر؛ وصحيح مسلم 1: 94/ ط مصر؛ والفصول المهمّة: 294 عن الصحيحين. (أنظر كذلك: صحيح البخاري 4: 143).
3- سنن أبي داود 4: 151؛ وصحيح الترمذي: 74/ ط الصاوي بمصر؛ والفصول المهمّة: 294 عن سنن الترمذي وأبي داود.
4- ولد منصوب علي الاختصاص. (منه).
5- الفصول المهمّة: 294، عن تفسير الثعلبي.

أقبل فتية من بني هاشم، فلمَّا رآهم النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم اغرورقت عيناه وتغيَّر لونه، قال: قلت: ما لك يا رسول الله نري في وجهك شيئاً نكرهه؟

قال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (إنّا أهل بيت اختار الله تعالي لنا الآخرة علي الدنيا، وإنَّ أهل بيتي سيلقون من بعدي تشريداً وتطريداً، حتَّي يأتي قوم من قبل المشرق ومعهم رايات سود، فيسألون الحقّ فلا يعطونه، فيقاتلون، فينصرون، فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتَّي يدفعوها إلي رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً كما ملئت جوراً، فمن أدرك ذلك منهم فليأتينهم ولو حبواً علي الثلج) أخرجه الحافظ أبو نعيم(1).

وروي الحافظ أبو نعيم أيضاً بسنده عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان، فأتوها ولو حبواً علي الثلج، فإنَّ فيها خليفة الله المهدي)(2).

والأخبار الواردة بهذا المعني لا تحصي كثرة، ومن أراد الوقوف عليها فليطالع: كتاب البيان للكنجي الشافعي، والأربعين لأبي نعيم الحافظ، والفصول المهمّة لنور الدين علي بن محمّد المكي، ومطالب السؤول للشيخ كمال الدين بن طلحة الشامي الشافعي وغيرها(3)، وقد تضمَّن كثير منها كونه عليه السلام من ولد فاطمة عليها السلام، وأنَّه من ولد الحسين عليه السلام.

ومخالفونا قد اضطربوا هنا اضطراباً كثيراً، فمنهم من أقرَّ به عليه السلام وإنَّه موجود، ووافقنا علي أنَّ الإمام الثاني عشر (م ح م د) ابن العسكري عليه السلام، لتواتر ذلك عن آبائه عليهم السلام، وإطباق الشيعة علي ذلك، وهم أعرفّ.

ص: 414


1- الفصول المهمّة: 294، عن الحافظ أبي نعيم.
2- الأربعون حديثاً في ذكر المهدي: الحديث السادس والعشرون؛ والفصول المهمّة: 295 عنه.
3- راجع تفصيل ذلك إلي المجلد الثالث عشر من كتاب إحقاق الحقّ.

بهذا الشأن، ومنهم الشيخ كمال الدين بن طلحة في مطالب السؤول، وابن الخشاب الحنبلي في تاريخ مواليد ووفيات أهل البيت عليهم السلام، والشيخ نور الدين المكّي في الفصول المهمّة.

ومنهم من قال: إنَّه لم يوجد بعد.

ومنهم من زعم أنَّه المسيح عليه السلام.

والقول الثالث أوضح فساداً من أن ينبّه عليه، لمدافعته الأخبار المتواترة من الطرفين المستفيضة بين القبيلين.

وقد ذكر بعض علماء المخالفين في كتاب(1) ألَّفه في أخبار المهدي عليه السلام نحواً من مائة وعشرة أحاديث، أكثرها بل كلّها إلاَّ ما ندر ينادي بأنَّه عليه السلام من العترة الطاهرة، ومن أهل البيت عليهم السلام، ومن ولد فاطمة عليها السلام، ومن ولد الحسين عليه السلام(2).

ومنها: ما نقله عن الجمع بين الصحاح الستّة، بإسناده عن أبي إسحاق، قال: قال علي عليه السلام ونظر إلي ابنه الحسين عليه السلام وقال: (إنَّ ابني هذا سيّد، كما سمّاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وسيخرج من صلبه رجل باسم نبيّكم، يشبهه في الخلق، ولا يشبهه في الخلق، يملأ الأرض عدلاً)(3).

وأخبار أخر تؤدّي هذا المؤدّي، تركنا نقلها لأدائها إلي التطويل،ة.

ص: 415


1- وهو كتاب (كشف المخفي في مناقب المهدي) للشيخ يحيي بن الحسن بن بطريق الحلّي صاحب كتاب العمدة والمستدرك، وهو من أجلّة علماء الإمامية، راجع كتاب الطرائف للسيّد ابن طاووس: 179.
2- راجع حول مصادر هذه الروايات عن كتب أهل السُنّة إلي كتاب إحقاق الحقّ: المجلد الثالث عشر.
3- الطرائف: 177/ ح 279، عن الجمع بين الصحاح الستّة.

وقد أفردنا لاستيفائها كتاباً ضخماً سمّيناه ب- (الفوائد الحسان في أخبار صاحب الزمان).

وأمَّا القول الثاني، فمما ينادي بفساده إجماع الشيعة رضوان الله عليهم، وتواتر أخبارهم بولادته صلوات الله عليه وعلي آبائه، علي نحو ولادة إبراهيم وموسي عليهما السلام، وغيرهما ممَّن اقتضت المصلحة تستر ولادته.

وقد استفاضت الأخبار عنهم باسمه ونسبه، وإنَّما عرفه الشيعة رضوان الله عليهم دون غيرهم، لاختصاصهم بآبائه عليهم السلام، وتلزّمهم بمحمّد صلي الله عليه وآله وسلم وعترته عليهم السلام، فإنَّ كلّ من تلزَّم بقوم كان أعرف بأحوالهم وأسرارهم من الأجانب(1)، كما أنَّ أصحاب الشافعي أعرف بحاله من أصحاب غيره.

هذا مع أنَّ مخالفينا قد رووا ما يشهد بما عليه أصحابنا، من نسبه، واسمه، ووجوده، وبقائه، وأنَّه ولد أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام الثاني عشر من الأئمّة عليهم السلام.

كما رواه المسمّي عندهم صدر الأئمّة أخطب خوارزم موفق بن أحمد المكّي في كتابه، قال: حدَّثنا فخر القضاة نجم الدين أبو منصور محمّد بن الحسين بن محمّد البغدادي فيما كتب إليَّ من همدان، قال: أبلغنا الإمام الشريف نور الهدي أبو طالب الحسن بن محمّد الزينبي، قال:).

ص: 416


1- وقد أنصف المحقّق التفتازاني، حيث اعترف بما يلزم من الاعتراف به الاعتراف بما ذكرناه في شرح شرح المختصر للحاجبي في مبحث اختلاف الصحابة في بيع اُمّ الولد، فقال مستدلاً علي أنَّ مذهب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام جواز بيعها: إنَّ الشيعة نقلوا جواز بيعها، وهم أعلم بمذهبه. (منه).

أخبرنا إمام الأئمّة محمّد بن أحمد بن شاذان، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن عبد الله الحافظ، قال: حدَّثنا علي بن سنان الموصلي، عن أحمد بن محمّد بن صالح، عن سلمان بن محمّد، عن زياد بن مسلم، عن عبد الرحمن، عن زيد بن جابر(1)، عن سلامة، عن أبي سليمان(2) راعي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (ليلة اُسري بي إلي السماء قال لي الجليل جل جلاله: (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ)(3).

فقلت: (وَالْمُؤْمِنُونَ).

قال: صدقت يا محمّد، من خلَّفت في أمّتك؟

قلت: خيرها.

قال: علي بن أبي طالب؟

قلت: نعم يا ربّ.

قال: يا محمّد، إنّي أطلعت إلي الأرض اطلاعة فاخترتك منها، فشققت لك اسماً من أسمائي، فلا أذكر في موضع إلاَّ ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ أطلعت الثانية، فاخترت منها علياً وشققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلي وهو علي.

يا محمّد إنّي خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نوري، وعرضت ولايتكم علي أهل السماوات والأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن لم يقبلها (4) كان من الكافرين.).

ص: 417


1- كذا في الطرائف، وفي المقتل: (عبد الرحمن بن يزيد بن جابر).
2- في المصدر: (عن أبي سلمي).
3- البقرة: 285.
4- في المصدر: (ومن جحدها).

يا محمّد لو أنَّ عبداً من عبيدي عبدني حتَّي ينقطع أو يصير كالشن البالي، ثمّ أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتَّي يقرّ بولايتكم.

يا محمّد، تحبّ أن تراهم؟

فقلت: نعم يا ربّ.

فقال لي: التفت عن يمين العرش.

فالتفت، فإذا بعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسي بن جعفر، وعلي بن موسي، ومحمّد بن علي، وعليّ بن محمّد، والحسن بن علي، ومحمّد بن الحسن المهدي في ضحضاح(1) من نور قياماً يصلّون وهو في وسطهم - يعني: المهدي عليه السلام - كأنَّه كوكب درّي.

وقال: يا محمّد، هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتك، وعزَّتي وجلالي إنَّه الحجّة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي)(2).

وبالإسناد عن الإمام محمّد بن أحمد بن علي بن شاذان، قال: حدَّثنا محمّد بن علي بن الفضل، عن محمّد بن القاسم، عن عباد بن يعقوب، عن موسي بن عثمان، عن الأعمش، قال: حدَّثني أبو إسحاق، عن الحارث وسعيد بن بشر، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (أنا واردكم، وأنت يا علي الساقي، والحسن الذائد، والحسين الآمر، وعلي بن الحسين الفارط، ومحمّد بن علي الناشر،ي.

ص: 418


1- الضحضاح في الأصل، من رقّ من الماء علي وجه الأرض ما يبلغ الكعبين، فاستعاره للنور المتألّق. (منه).
2- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي: 95 و96/ ط النجف؛ وينابيع المودّة: 486/ ط إسلامبول؛ والطرائف: 172 و173 عن الخوارزمي.

وجعفر بن محمّد السائق، وموسي بن جعفر محصي المحبّين والمبغضين وقامع المنافقين، وعلي بن موسي مزيّن المؤمنين، ومحمّد بن علي منزل أهل الجنّة درجاتهم، وعلي بن محمّد خطيب شيعته ومزوّجهم الحور العين، والحسن بن علي سراج أهل الجنّة يستضيؤون به، والمهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن الله إلاَّ لمن يشاء ويرضي)(1).

وبالإسناد السابق عن ابن شاذان، قال: حدَّثنا أبو محمّد الحسن بن علي العلوي الطبري(2)، عن أحمد بن عبد الله، حدَّثني جدّي أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن حماد بن عيسي، عن عمر بن أذينة، قال: حدَّثنا أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان المحمّدي، قال: دخلت علي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وإذا الحسين عليه السلام علي فخذه، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه، ويقول: (أنت(3) سيّد ابن سيّد أبو السادة، أنت إمام ابن إمام أبو الأئمّة، أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم)(4).

وهذه الأخبار كما تري صريحة في معتقد الفرقة الناجية الإماميّة رضوان الله عليهم، وناطقة بأنَّ الأئمّة اثنا عشر، وأنَّ القائم عليه السلام هو الثاني عشر، وأنَّه ابن العسكري عليه السلام.

ولعمري إنَّ المخالفين لو تركوا رواية هذه الأخبار الناطقة بفساد مذهبهم وصحَّة عقيدة خصومهم لكانوا أعذر، فالحمد لله الذي أنطقهم2.

ص: 419


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي: 94 و95؛ والطرائف: 174/ ح 271 .
2- هو الناصر للحقّ المعروف بالأطروش.
3- في المصدر: (إنَّك).
4- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي: 146؛ والطرائف: 174/ ح 272.

وأجري أقلامهم بما هو حجّة عليهم، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيي من حي عن بيّنة، فما يتفوَّه بعض المخذولين منهم من إنكار وجوده عليه السلام وبقائه، مكابرة محضة واستبعاد بحت.

ومحقّقوهم ككمال الدين بن طلحة الشامي، ونور الدين المكّي، ونصر بن علي الجهضمي، وابن الخشّاب الحنبلي، وعبد الرحمن الجامي في دلائل النبوّة، وملا حسين الكاشفي(1) في روضة الشهداء وغيرهم، قد وافقونا علي وجوده وبقائه، وأنَّه ابن العسكري عليه السلام، وهو الذي عليه أكابر الصوفية، كصدر الدين القونوي والحموي وغيرهما.

إرشاد ورفع استبعاد:

ولد مولانا المهدي عليه السلام بسُرَّ من رأي ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة، هذا هو الصحيح، وعليه اعتمد ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي(2)، وغيره من عظماء أصحابنا. ومن المخالفين نور الدين علي بن محمّد المكّي المالكي في كتاب الفصول المهمّة(3).

وروي ثقة الإسلام في الكافي أيضاً عن الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّي بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، قال: خرج عن أبي محمّد عليه السلام حين قتل الزبيري: (هذا جزاء من افتري علي الله في أوليائه،2.

ص: 420


1- إنَّما نظَّمنا ملا حسين الكاشفي في سلك المخالفين بناء علي الظاهر من حاله في زوائده وجواهره، وإلاَّ فلا يبعد أن يكون من الإماميّة. (منه).
2- أصول الكافي 1: 514.
3- الفصول المهمّة: 292.

زعم أنَّه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأي قدرة الله)، وولد له ولد فسمّاه (م ح م د) سنة ستّ وخمسين ومائتين(1).

والمعلّي بن محمّد ضعيف مضطرب المذهب، لا اعتماد علي ما ينفرد به، وجزم شيخنا المعاصر(2) - خلَّد الله ظلال إفاداته - بعدم قدحه في صحَّة الخبر، لأنَّه من مشايخ الإجازة. وفيه نظر حرَّرناه في تعليقات الخلاصة، والاعتماد علي الأوّل.

وسنّه إلي عامنا هذا، وهو العام الخامس بعد المائة والألف من الهجرة النبويّة، ثمانمائة وإحدي وخمسون سنة.

وقال الشيخ أبو عبد الله المفيد في الإرشاد: الإمام القائم بعد أبيه الحسن عليه السلام ابنه المسمّي باسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، المكنّي بكنيته، ولم يخلّف أبوه ولداً ظاهراً ولا غائباً غيره(3)، وخلّفه غائباً مستتراً.

وكان سنّه عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب، وآتاه الحكمة كما آتاها يحيي صبياً، وجعله إماماً في حال الطفولية، كما جعل عيسي بن مريم عليه السلام في المهد نبيّاً، وللنصّ عليه من الأئمّة عليهم السلام واحداً واحداً إلي أبيه عليه السلام، ونصَّ أبوه عليه عند ثقاته وخواص شيعته.

وكان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده، وبدولته مستفيضاً قبل غيبته، وهو صاحب السيف من أئمّة الهدي عليهم السلام يقوم بالسيف، قال الله سبحانه:).

ص: 421


1- أصول الكافي 1: 514/ ح 1.
2- هو المحدّث الجليل العلاّمة الشيخ محمّد باقر المجلسي المتوفّي سنة (1111ه-).
3- وأمَّا ما ذكره الحسين بن أحمد الخصيبي في كتاب الهداية ممَّا يخالف ذلك من أنَّ للعسكري ولد غير القائم عليه السلام ممَّا لا يلتفت إليه، مع كونه صاحب مقالة غالياً. (منه).

(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ...) إلي قوله: (ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(1)، وقال سبحانه: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(2).

وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لن تنقضي الأيّام والليالي حتَّي يبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(3).

وعن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الأئمّة اثنا عشر كلّهم من آل محمّد عليهم السلام علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده)(4).

والنصوص الواردة عليه من آبائه صلوات الله عليهم متواترة، ومن أرادها فليقف عليها في كتاب الكافي(5)، وإرشاد المفيد(6)، وكتاب كمال الدين وتمام النعمة في إثبات الغيبة ورفع الحيرة لرئيس المحدّثين محمّد بن علي بن بابويه القمي(7)، وكتاب ملاء الغيبة في طول الغيبة للشيخ جمال الدين أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم الشهير بالنعماني(8)، وكتاب الغيبة للشيخ أبي جعفر الطوسي(9) وغيرها.6.

ص: 422


1- القصص: 5 و6.
2- الأنبياء: 105.
3- مسند أحمد 1: 376؛ والفصول المهمّة: 291؛ وسنن أبي داود 4: 106؛ الإرشاد 2: 339 - 341.
4- الإرشاد 2: 347.
5- أصول الكافي 1: 525 - 535.
6- الإرشاد 2: 345 - 350 .
7- كمال الدين: 256 - 384.
8- الغيبة للنعماني: 57 - 102.
9- الغيبة للطوسي: 127 - 156.

واستبعد أكثر مخالفينا تعميره عليه السلام إلي هذا القدر، وهو استبعاد محض لا يعارض الأدلّة القاهرة العقلية الدالّة علي عدم جواز خلوّ عصر من الأعصار عن معصوم يكون ناطقاً عن الله سبحانه، كيلا تبطل حجج الله وبيّناته.

قال أمير المؤمنين عليه السلام في حديث كميل بن زياد النخعي: (اللهم بلي لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة إمَّا ظاهر مشهور، أو مستور مغمور(1)، لئلاَّ تبطل حجج الله وبيّناته)(2).

ولا يجوز التعويل علي الاستبعاد المحض، والاستغراب البحت، وإطراح الأدلّة القطعية العقلية والسمعية المتواترة المرويّة من طرق المخالف والمؤالف، مع شمول قدرة الله سبحانه لجميع الممكنات، وعمومها للمقدورات وخوارق العادات، وقد اتَّفق أطول من عمره عليه السلام في الأمم الماضية بكثير، كنوح، وشعيب، والخضر، وإلياس، والسامري، وفرعون وغيرهم.

قال الحافظ أبو عبد الله محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتاب (البيان في أخبار صاحب الزمان)، بعد أن أكثر الأدلّة علي كونه عليه السلام حيّاً باقياً منذ غيبته إلي الآن ما نصّه: ولا امتناع في بقائه كبقاء عيسي بن مريم والخضر وإلياس من أولياء الله تعالي، وبقاء الأعور الدجّال وإبليس اللعين من أعداء الله، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسُنّة.

أمَّا عيسي عليه السلام، فالدليل علي بقائه قوله تعالي: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)(3) ولم يؤمن به منذ نزول الآية إلي يومنا هذا أحد، فلا بدَّ أن يكون هذا في آخر الزمان.9.

ص: 423


1- في النهج: (أو خائفاً مغموراً).
2- نهج البلاغة: 497/ خ 147.
3- النساء: 159.

وأمَّا السُنّة، فما رواه مسلم في صحيحه، عن ابن سمعان في حديث طويل في قضيّة الدجّال، قال: فينزل عيسي بن مريم عند المنارة البيضاء بين مهرودتين(1)، واضعاً كفّيه علي أجنحة ملكين(2).

وأيضاً ما تقدَّم من قوله عليه السلام: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟).

وأمَّا الخضر وإلياس، فقد قال ابن جرير الطبري: الخضر وإلياس باقيان يسيران في الأرض.

وأيضاً ما رواه مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري، قال: حدَّثنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حديثاً طويلاً عن الدجّال، وكان فيما حدَّثنا أن قال: (يأتي وهو محرَّم عليه أن يدخل نقاب(3) المدينة، فينتهي إلي بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذٍ رجل هو خير الناس، أو من خير الناس، فيقول الدجّال: إن قتلت هذا ثمّ أحييته أتشكّون في الأمر؟

فيقولون: لا.).

ص: 424


1- قال ابن الأثير في النهاية 5: 258: في حديث عيسي عليه السلام: (إنَّه ينزل بين مهرودتين) أي: في شقَّتين أو حلتين. وقيل: الثوب المهرود الذي يصبغ بالورس ثمّ بالزعفران، فيجيء لونه مثل لون زهرة الحوذانة. قال القتيبي: هو خطأ من النقلة، وأراه مهروتين أي: صفراوين، يقال: هريت العمامة إذا لبستها صفراء، وكأنَّ فعلت منه هروت، فإن كان محفوظاً بالدال فهو الهرد: الشق، وخطئ ابن قتيبة في استدراكه واشتقاقه. قال ابن الأنباري: القول عندنا في الحديث (بين مهرودتين) يروي بالدال والذال، أي: بين ممصرتين، علي ما جاء في الحديث، ولم نسمعه إلاَّ فيه، وكذلك أشياء كثيرة لن تسمع إلاَّ في الحديث. والممصرة من الثياب: التي فيها صفرة خفيفة. وقيل: المهرود يصبغ بالعروق، والعروق يقال لها: الهرد. انتهي (منه).
2- صحيح مسلم 4: 2253/ قطعة من الحديث 2137.
3- النقاب جمع نقب، وهو الطريق بين الجبلين، أراد أنَّه لا يدخل طرق المدينة. (منه).

فيقتله ثمّ يحييه، ثمّ يقول حين يحييه: والله ما كنت فيك قطّ أشد بصيرة منّي الآن.

قال: فيريد الدجّال أن يقتله فلن يسلّط عليه).

وقال إبراهيم بن سعد: يقال: إنَّ هذا الرجل هو الخضر(1) وهذا لفظ مسلم في صحيحه كما سقناه سواء.

وأمَّا الدليل علي بقاء إبليس اللعين، فآي الكتاب العزيز، وهو قوله تعالي: (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلي يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ)(2).

وأمَّا بقاء المهدي عليه السلام، فقد جاء بالكتاب والسُنّة.

أمَّا الكتاب، فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالي: (لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(3)، قال: هو المهدي من ولد فاطمة عليها السلام.

وأمَّا من قال: إنَّه عيسي عليه السلام، فلا تنافي بين القولين، إذ هو مساعد للمهدي عليه السلام علي ما تقدَّم.

وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسّرين في قوله تعالي: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)(4)، قال: هو المهدي يكون في آخر الزمان، وبعد خروجه يكون أمارات ودلالات الساعة وقيامها. انتهي(5).

وقد نقله عنه أيضاً نور الدين المكّي المالكي في فصوله(6).

وحكي السيّد الجليل ذو الكرامات الباهرة والمآثر الظاهرة أبو0.

ص: 425


1- صحيح مسلم 4: 2256/ ح 2938.
2- الحجر: 37؛ ص: 80 .
3- التوبة: 33؛ الصف: 9.
4- الزخرف: 61.
5- أنظر: كشف الغمّة 3: 290، عن (البيان في أخبار صاحب الزمان).
6- الفصول المهمّة: 299 و300.

القاسم رضي الدين علي بن طاووس(1) عطَّر الله مرقده في بعض كتبه(2) ما حاصله: إنَّه اجتمع يوماً في بغداد مع بعض فضلائها، فانجرَّ الكلام إلي ذكر الإمام المهدي عليه السلام وما تدَّعيه الإماميّة من حياته في هذه المدّة الطويلة، فشنع ذلك الفاضل وأنكره إنكاراً بليغاً.

قال السيّد رحمه الله: فقلت له: إنَّك تعلم أنَّه لو حضر اليوم رجل وادّعي أنَّه يمشي علي الماء، لاجتمع لمشاهدته كلّ أهل البلد، فإذا مشي علي الماء وعاينوه قضوا تعجّبهم منه، ثمّ لو جاء في اليوم الثاني آخر وقال: أنا أمشي علي الماء أيضاً، فشاهدوا مشيه عليه لكان تعجّبهم أقلّ من الأوّل، فإذا جاء في اليوم الثالث آخر وادّعي أنَّه يمشي علي الماء أيضاً، فربَّما لا يجتمع للنظر إليه إلاَّ قليل ممَّن شاهد الأوّلين، فإذا مشي سقط التعجّب بالكلّية.

فإذا جاء رابع وقال: أنا أمشي علي الماء كما مشوا، فاجتمع عليه جماعة ممَّن شاهدوا الثلاثة الأوّل، ثمّ أخذوا يتعجَّبون منه تعجّباً زائداً علي تعجّبهم الأوّل والثاني والثالث، لتعجَّب العقلاء من نقص عقولهم وخاطبوهم بما يكرهون.

وهذا بعينه حال المهدي عليه السلام، فإنَّكم رويتم أنَّ إدريس عليه السلام حيّ موجود في السماء من زمانه إلي الآن، ورويتم أنَّ الخضر كذلك في الأرض حيّ موجود من زمانه إلي الآن، ورويتم أنَّ عيسي عليه السلام حيّ موجود في السماء، وأنَّه سيعود إلي الأرض إذا ظهر المهدي عليه السلام ويقتدي به، فهذه ثلاثة نفر من البشر قد طالت أعمارهم زيادة علي المهدي عليه السلام، فكيف لا تتعجَّبون منهم؟ وتتعجَّبون أن يكون لرجل من ذرية النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أسوة بواحد منهم، وتنكرون أن).

ص: 426


1- هذا السيّد له كرامات باهرة، أوردنا شطراً منها في بعض مجموعاتنا. (منه).
2- هو كتاب كشف المحجّة. (منه).

يكون من جملة آياته صلي الله عليه وآله وسلم أن يعمّر واحد من عترته وذريته زيادة علي ما هو المتعارف من الأعمار في هذا الزمان(1). انتهي.

وقال عطَّر الله مرقده في الطرائف: وأمَّا استبعاد من يستبعد منهم ذلك لطول عمره الشريف، فما يمنع من ذلك إلاَّ جاهل بالله وقدرته، وبأخبار نبيّنا وعترته، أو عارف يعاند بالجحود، كما حكي الله تعالي عن قوم فقال: (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا)(2).

فكيف يستبعد بطول الأعمار؟ وقد تواترت كثير من الأخبار بطول عمر جماعة من الأنبياء وغيرهم من المعمّرين، وهذا الخضر باقٍ علي طول السنين، وهو عبد صالح من بني آدم عليه السلام، ليس بنبيّ ولا حافظ شريعة، ولا بلطف في بقاء التكليف، فكيف يستبعد طول حياة المهدي عليه السلام؟ وهو حافظ شريعة جدّه محمّد صلي الله عليه وآله وسلم ولطف في بقاء التكليف، وحجّة في أحد الثقلين اللذين قال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فيهما: (إنَّهما لن يفترقا حتَّي يردا عليَّ الحوض). والمنفعة ببقائه في حالتي ظهوره واختفائه أعظم من المنفعة بالخضر.

وكيف يستبعد طول عمر المهدي عليه السلام من يصدّق بالقرآن؟ وقد تضمَّن من قصَّة أصحاب الكهف أعجب من هذا، لأنَّهم مضي لهم فيما تضمَّنه القرآن ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، وهم أحياء كالنيام، كما قال الله تعالي في كتابه الكريم: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ)(3) لئلاَّ تبلي جنوبهم بالأرض.8.

ص: 427


1- كشف المحجّة: 55 و56/ ط النجف الأشرف.
2- النمل: 14.
3- الكهف: 18.

فهؤلاء مجوّفون محتاجون إلي طعام وشراب، وقد بقوا هذه المدّة بنصّ القرآن بغير طعام ولا شراب ممَّا يأكل الناس، وبقوا بمقتضي ما تقدَّم من الخبر السالف عند ذكر قصّة أصحاب الكهف إلي زمان محمّد نبيّهم صلي الله عليه وآله وسلم، حين بعث الصحابة علي البساط للسلام عليهم، ويبقون - كما رواه الثعلبي - إلي زمن المهدي عليه السلام علي الصفة التي تضمَّنها القرآن من الحياة بغير طعام مألوف ولا شراب معروف، فأيّما أعجب بقاء هؤلاء، أو بقاء المهدي عليه السلام(1)؟

انتهي كلامه أعلي الله مقامه، وهو جيّد مفيد جدَّاً.

وبعض الحذّاق من الأطبّاء جوَّز بقاء الإنسان باعتبار مزاجه الطبيعي ما يقرب من هذه المدّة ويزيد عليها(2).

وأمَّا المنجّمون، فقالوا: أكثر ما يعطي كوكب واحد من العمر من حيث هو مائة وعشرون سنة، وجاز أن ينضمّ إليه عندهم أسباب أخر فتتضاعف العطية، قالوا: في مثل أن يتَّفق في طالع كثرة الهيلاجات فيه، والكدخدايات كلّها في أوتاد الطالع ناظرة إلي بيوتها ونظر السعود لها بالتثليث أو التسديس، وتكون).

ص: 428


1- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: 185 و186 المطبوع بتحقيقنا.
2- قال الفاضل الأقسرائي في شرح الموجز: وأمَّا سنّ الشيخوخة، فقد حكم بعض الناس بأنَّه أكثره ستّون سنة، لأنَّ سنّ الكمال إذا انتهي في الأربعين، فبالحري أن لا يمتدّ سنّ النقصان أكثر من ضعفه، والمجموع مائة وعشرون، وهو المشاهد من أكثر العمر في سكّان وسط المعمورة، ولكن الحقّ أنَّ البرهان دالّ علي وجوب الموت لا علي مقدار أكثر العمر. وما ذكره من الحكم علي كون زمان النقصان ضعف زمان الكون لا دليل عليه، وقد اعترف أرباب التنجيم بإنكار الزيادة علي مائة وعشرين سنة، حتَّي أنَّ أبا الريحان حكي عن ما شاء الله أنَّه: يمكن أن يعيش الإنسان تسعمائة وستّين سنة، وهو القرآن الأظم انتهي. وقد نقلت أقوال المنجّمين وحكاياتهم وتصريحات الأطبّاء وغيرهم في رسالة عملتها في الغيبة (منه). وما شاء الله اسم حكيم، وقيل: هو يوسف الصدّيق عليه السلام. (منه).

النحوس ساقطة، وحينئذٍ يحكمون لصاحب الطالع بطول العمر، وقد نقلنا جملة من كلامهم في رسالة أفردناها في الردّ علي من استبعد بقاءه عليه السلام.

وذكر السيّد الجليل رضي الدين المذكور في كتابه (فرج المهموم في معرفة الحلال والحرام من علم النجوم): أنَّ بعض أكابر المنجّمين وقف علي زائجة مولد مولانا المهدي عليه السلام، فقال: إنَّه يعمّر عمراً طويلاً جدَّا (1).

وبالجملة فليس للمخالفين إلاَّ الإخلاد إلي الاستبعاد المحض والتخمين الكاذب، (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَي اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(2).

من مات ولم يعرف إمام زمانه:

إكمال وقطع إشكال:

تحقيق حول حديث: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).

من الأخبار المستفيضة المتَّفق عليها بين علماء الإسلام قوله صلي الله عليه وآله وسلم: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)(3).

ص: 429


1- فرج المهموم: 37/ ط النجف.
2- التوبة: 32.
3- أصول الكافي 2: 20 و 21؛ لا يخفي أنَّ هذا الخبر يدلُّ علي ما عليه أصحابنا رضوان الله عليهم، من أنَّ الإمامة من أصول الدين لا من فروعه، لا كما تقول الزيديّة وأهل السُنّة. ووجه الدلالة أنَّه يدلُّ علي كون الجهل بالإمام موجباً للهلاك الدائم، إذ الميتة الجاهلية تقتضيه. وقد صرَّح القاضي البيضاوي في المنهاج في مباحث الأخبار بأنَّها من الأصول، وتبعه جماعة من شارحي كتابه، ونقل صاحب إحقاق الحقّ عطَّر الله مرقده عن بعض الحنفية أنَّه حكم بكفر من لا يقول بإمامة أبي بكر، وهو يدلُّ علي أنَّها عنده من الأصول. أقول: في الدلالة عندنا بل والأدلّة الدالّة علي أنَّ الإمامة من الأصول كثير جدَّاً. (منه).

واستقامته ظاهرة علي مذهب أصحابنا قدَّس الله أرواحهم، من عدم خلوّ الأرض من حجّة ناطق عن الله تعالي، معصوم في الأقوال والأفعال والتقريرات من أوّل عمره إلي آخره، لأنَّ إمام زماننا - كما سلف - هو مولانا الحجّة المهدي عليه السلام.

وما أورده المخالفون من أنَّه إذا لم يمكن التوصّل إليه وأخذ المسائل الدينية عنه، فأيّ ثمرة تترتَّب علي مجرَّد معرفته حتَّي يكون من مات ولم يكن عارفاً به، فقد مات ميتة جاهلية.

فهو واضح السقوط، إذ ليست الثمرة منحصرة في مشاهدته، وأخذ المسائل عنه، بل نفس التصديق بوجوده عليه السلام، وأنَّه خليفة الله في الأرض، أمر مطلوب لذاته، ولكن من أركان الإيمان، كتصديق من كان في عصر النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بوجوده ونبوّته.

وقد روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ذكر المهدي عليه السلام، فقال: (ذلك الذي يفتح الله عز وجل علي يديه مشارق الأرض ومغاربها، يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت فيها إلاَّ من امتحن الله قلبه للإيمان).

قال جابر: فقلت: يا رسول الله هل لشيعته انتفاع به في غيبته؟

فقال صلي الله عليه وآله وسلم: (إي والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، إنَّهم ليستضيؤون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها السحاب)(1).ه.

ص: 430


1- إحقاق الحقّ 13: 259 عنه.

والعجب أنَّ المخالفين حملوا إمام الزمان(1) في الخبر المذكور علي صاحب الشوكة(2) من ملوك الدنيا كائناً من كان، عالماً كان أو جاهلاً، عادلاً أو فاسقاً.

ومن المعلوم أنَّه لا ثمرة لمعرفة الجاهل الفاسق، ليكون من مات ولم يعرفه فقد مات ميتة جاهلية، وكيف يتوهَّم من له أدني مسكة أن يكون معرفة شياطين بني أميّة وبني العبّاس المستهترين بالنرد والكأس والشطرنج السفّاكين الهتّاكين فريضة(3)؟ وإنَّ جاهلها لو مات مات ميتة جاهلية، نعوذ بالله من الحور بعد الكور(4)، والضلالة بعد الهداية.ا.

ص: 431


1- وحمله الشيخ قطب الدين الشيرازي صاحب المكاتيب في بعض مكاتيبه علي السلطان، وفي بعضها علي المرشد الكامل المسلك للسالكين إلي الله تعالي. فإن أراد الإمام المعصوم، كما يقتضيه التوفيق بين كلاميه، فمرحباً بالوفاق، وإلاَّ لزم التهافت، وورد علي أوّل كلاميه ما أوردناه في الكتاب، وعلي ثانيهما أنَّه خلاف الإجماع، وعنده أنَّ مخالف الإجماع كافر، كما صرَّح به في مكاتيبه، ونقله عن القاضي عياض في الشفا. (منه).
2- وأكثرهم حمل الإمام علي ذي الشوكة مطلقاً، وهو الذي اختاره عظماؤهم كالعلاّمة التفتازاني وغيره. (منه).
3- والعجب أنَّ مخالفينا رووا في كتبهم وأصحَّتهم عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثمّ تصير ملكاً)، رواه جم غفير من فضلائهم، منهم الإمام نور الدين المالكي في الفصول المهمّة، والعلاّمة التفتازاني في شرح عقائد النسفي، بل قال النسفي في عقائده ما نصّه: والخلافة ثلاثون سنة ثمّ بعدها ملك. فجعله من جملة العقائد والأصول، وهذا يقتضي أن لا يكون معاوية ومن تلاه من الأمويين والمروانيين والعبّاسيين أئمّة، بل ملوكاً ظالمين ولصوصاً متسلّطين، وقد صرَّح به جمع منهم صاحب الفصول المهمّة، وأشار إليه العلاّمة التفتازاني في شرح العقائد. ولا يخفي أنَّ هذا يدافع حملهم الإمام في قوله صلي الله عليه وآله وسلم: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) علي ذي الشوكة مطلقاً. (منه).
4- أي: من النقصان بعد الزيادة، أو من فساد أمورنا بعد صلاحها.

ولمَّا استشبع بعض المحقّقين من مخالفينا هذا الالتزام(1)، ذهب إلي أنَّ المراد بالإمام في الحديث هو الكتاب العزيز، وهو أوضح فساداً من أن ينبَّه عليه، فإنَّ إضافة الإمام إلي زمان ذلك الشخص يشعر بتبديل الأئمّة في كلّ الأزمنة، والقرآن العزيز لا تبدُّل له بحمد الله علي كرور الأعصار.

وأيضاً فما المراد بمعرفة الكتاب التي إذا لم تكن حاصلة في الإنسان مات ميتة جاهلية؟ إن أريد بها معرفة ألفاظه أو الاطلاع علي معانيه لم يقل به أحد، ولو قيل به لأشكل الأمر علي أكثر الناس، بل أدّي إلي اختلال النظام، فإنَّ تكليف جميع آحاد الأمّة بذلك مقتض للحرج العظيم، والمشقّة الكثيرة مؤدًّ إلي تعطيل المعاش، واختلال نظام النوع.

وإن أريد مجرَّد التصديق بوجوده، ورد عليهم ما أوردوه علي أصحابنا.

وأيضاً فقد اعتذر(2) محقّقوهم عن سبق أبي بكر وعمر إلي سقيفة بني ساعدة، والاشتغال بالخلافة عن تجهيز الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، بأنَّ مبادرتهما لذلك إنَّما هي لقوله صلي الله عليه وآله وسلم: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) وهذا يدلُّ علي أنَّ ليس المراد القرآن، وإنَّ المراد من لم يعرف إمام زمانه بالمصطلح.

(سبب الغيبة):

جوهرة فاخرة:

اختلف علماؤنا في سبب غيبته عليه السلام، فقال جمع منهم: لا يجوز

ص: 432


1- في (س): (الإلزام).
2- هذا الاعتذار مذكور في الشرح الجديد للتجريد، وفي شرح الأصفهاني، و غيرهما. (منه).

نسبته إلي الله تعالي لحكمته، والإمام لطف، فلا يليق بحكمته منعه، ولا إلي الإمام لعصمته، فلا يكون الإخلال من جهته، لعدم جواز الإخلال بالواجب عليه، فيكون السبب من الرعية، فبكثرة عدوّه منهم، وقلّة ناصره، وتسلّط شياطين الإنس وسلاطين الجور علي أطراف الربع المعمور وجوانبه، خاف علي نفسه، ودفع الضرر عن النفس واجب، فاختفي عنهم، وذلك بعد لزوم الحجّة للخلق، وكشف الحقيقة، وإزاحة العلّة، وسدّ طرق الأعذار عليهم، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيي من حي عن بيّنة، إذ ليس الواجب علي الله سبحانه سوي إيجاد الإمام وتعيينه، وقد فعل ذلك، والواجب علي الإمام قبول الإمامة وتحمّله لأعبائها، وقد فعله أيضاً، والواجب علي الأمّة متابعة الإمام وقبول أحكامه وإمتثال أوامره ونواهيه وطاعته ونصرته علي أعدائه، وهم لم يفعلوا ذلك، فكانت الحجّة لهم لازمة، لأنَّهم منعوا نفسهم اللطف الحافظ للشريعة.

وقال بعض الأعلام: إنّا لمَّا أثبتنا أنَّه تعالي عدل حكيم لا يفعل قبيحاً، ولا يخل بواجب، وإنَّ أفعال الله تعالي معلّلة بالأغراض والمصالح، كان ذلك موجباً لاعتقاد أنَّ جميع أفعاله تعالي مشتملة علي الغرض الصحيح، وإن لم نعلم كنه ذلك الغرض وحقيقة تلك الحكمة، إذ لا سبيل لنا إلي معرفة حقائق جميع الأشياء، لعجز القوّة البشرية عن إدراك جميع ذلك.

ثمّ قال: وحينئذٍ نقول: جاز أن يكون الغيبة لأمر خفي ومصلحة استأثر الله تعالي بعلمها، ولا يجب علينا البحث عن حقيقة تلك المصلحة والإطلاع علي كنهها، كما في خلق الحيّات والمؤذيات.

وقال بعض المتأخّرين: إنَّ السبب في غيبته عليه السلام استخلاص

ص: 433

المؤمنين من أصلاب المنافقين، محتجّاً بأنَّه عليه السلام إنَّما يظهر بالقيام بالسيف وإظهار الدعوة، فحينئذٍ لا يقبل إيمان نفس لم تكن آمنت من قبل، لأنَّ قيامه من أشراط الساعة وعلاماتها، مستشهداً بقوله تعالي: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً)(1)، وقال: إنَّ تلك الآية هو الإمام عليه السلام.

(الغيبة الصغري):

فائدة:

ابتدأت الغيبة الصغري بعد وفاة مولانا أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليه السلام، وكانت وفاة العسكري عليه السلام يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين، وحينئذٍ فيكون غيبة مولانا المهدي عليه السلام وهو ابن خمس سنين، وهذا هو الصحيح(2).

وقال نور الدين علي بن محمّد المكّي المالكي في الفصول المهمة: إنَّه غاب في السرداب والحرس عليه، وكان ذلك سنة ستّ وسبعين ومائتين من الهجرة، وتزعم الشيعة أنَّه دخل السرداب في دار أبيه واُمّه تنظر إليه، فلم يخرج إليها بعد ذلك، وعمره يومئذٍ تسع سنين.

وذكر ابن الأزرق في تاريخ ميافارقين: إنَّه دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومائتين وعمره سبع عشرة سنة(3). انتهي.

وما ذكره من أنَّ ابتداء الغيبة سنة ستّ وسبعين ومائتين وهم.

ص: 434


1- الأنعام: 158.
2- كما ذكره الشيخ المفيد في الإرشاد. (منه).
3- الفصول المهمّة: 293.

نعم، ذكر جمع من عظماء أصحابنا أنَّ ابتداءها سنة ستّ وستون ومائتين، وهذا يوافق ما نقله عن الشيعة رضي الله عنهم، من أنَّ عمره إذ ذاك تسع سنين، وما ذكرناه نحن أوضح، لأنَّه بعد موت أبيه لم يصل إليه إلاَّ آحاد قليلون، فلا يدافع الغيبة.

(سفراء الغيبة الصغري):

وكان له عليه السلام في الغيبة الصغري أبواب مرضيّون وسفراء ممدوحون.

قال الشيخ الجليل أحمد بن أبي طالب(1) الطبرسي(2) في كتاب الاحتجاج: وأمَّا الأبواب المرضيون والسفراء الممدوحون في زمن الغيبة: فأوّلهم الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، نصبه أوّلاً أبو الحسن علي بن محمّد العسكري عليه السلام، ثمّ ابنه أبو محمّد الحسن بن علي العسكري عليه السلام، فتولّي القيام بأمورهما حال حياتهما عليهما السلام، ثمّ قام بعد ذلك بأمر صاحب الزمان عليه السلام، وكانت توقيعاته وجوابات المسائل تخرج علي يده.

ص: 435


1- حكي لي بعض الثقات أنَّه وجد في كتاب المناقب لابن شهرآشوب ما معناه: وجدت كتاب الإحتجاج لأبي طالب الطبرسي بخطّه. وهو يدافع ما اشتهر من أنَّه أحمد بن أبي طالب، اللهم إلاَّ أن يكون أبو طالب كنية لأحمد بن أبي طالب، والله أعلم. (منه).
2- الطبرسيون من أصحابنا كثيرون، والمشهور منهم أربعة: حجّة الإسلام أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب التفاسير وإعلام الوري والآداب الدينية. وابنه صاحب مكارم الأخلاق. وأحمد بن أبي طالب صاحب الاحتجاج، ومن أصحابنا من نسب الاحتجاج إلي أبي علي صاحب التفسير. والفاضل الجليل الحسن بن علي صاحب الكامل الذي ألَّفه للصاحب بهاء الدين الجويني، وله أيضاً تحفة الأبرار. (منه).

فلمَّا مضي لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان مقامه، وناب منابه في جميع ذلك.

فلمَّا مضي لسبيله قام بذلك أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت.

فلمَّا مضي هو قام مقامه أبو الحسن علي بن محمّد السمري.

ولم يقم منهم أحد بذلك إلاَّ بنصّ عليه من قبل صاحب الزمان صلوات الله عليه، ونصب صاحبه الذي تقدَّم عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم إلاَّ بعد ظهور آية معجزة تظهر علي يد كلّ واحد منهم من قبل صاحب الأمر صلوات الله عليه تدلّ علي صدق مقالتهم وصحَّة نيابتهم.

فلمَّا حان رحيل أبي الحسن السمري عن الدنيا وقرب أجله، قيل له: إلي من توصي؟

فأخرج توقيعاً إليهم نسخته:

(بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك، ولا توص إلي أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاَّ بعد إذن الله تعالي ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض ظلماً وجوراً، وسيأتي إلي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلاَّ بالله العلي العظيم).

فنسخوا هذا التوقيع وخرجوا من عنده، فلمَّا كان اليوم السادس عادوا إليه وهو يجود بنفسه، فقال له بعض الأصحاب: من وصيّك بعدك؟

ص: 436

فقال: (لله أمر هو بالغه) وقضي، فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه(1). انتهي كلامه زيد إكرامه.

أقول: وكان وفاة أبي الحسن السمري (قدَّس الله روحه) بالنصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وبه انتهت مدّة الغيبة الصغري.

ختام:

قال الشيخ محي الدين بن عربي، وهو من أكابر صوفية المخالفين، كما يظهر لمن تتبَّع كلامه في الفتوحات المكّية، في الكتاب المذكور في الباب الثلاثمائة والستّة والستّين ما نصّه: إنَّ لله خليفة(2) يخرج من عترة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من ولد فاطمة عليها السلام يواطئ اسمه اسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، جدّه الحسين بن علي عليهما السلام، يبايع بين الركن والمقام، يشبه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الخَلق - بفتح الخاء - وينزل عنه في الخُلق - بضم الخاء - أسعد الناس به أهل الكوفة، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً، يضع الجزية، ويدعو إلي الله بالسيف، ويرفع المذاهب، فلا يبقي إلاَّ الدين الخالص، أعداؤه مقلّدة العلماء أهل الاجتهاد، لما يرونه يحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمّتهم، فيدخلون كرهاً تحت حكمه خوفاً من سيفه، وتفرح به عامّة المسلمين أكثر من خواصّهم. يبايعه العارفون من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف إلهي، له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه، ولولا أنَّ السيف بيده لأفتي الفقهاء بقتله، ولكن الله

ص: 437


1- الاحتجاج 2: 296 و297/ ط النجف الأشرف.
2- ظاهر قوله: (إنَّ لله خليفة) يشعر بأنَّه موجود، كما عليه أصحابنا ومحقّقوا المخالفين، لا أنَّه سيوجد. (منه).

يظهره بالسيف والكرم، فيطمعون ويخافون، ويقبلون حكمه من غير إيمان، ويضمرون خلافه، ويعتقدون فيه إذا حكم فيهم بغير مذهب أئمّتهم أنَّه علي ضلال في ذلك، لأنَّهم يعتقدون أنَّ أهل الاجتهاد وزمانه قد انقطع، وما بقي مجتهد في العالم، وأنَّ الله لا يوجد بعد أئمّتهم أحداً له درجة الاجتهاد.

وأمَّا من يدّعي التعريف الإلهي بالأحكام الشرعية، فهو عندهم مجنون فاسد الخيال(1).

هذا كلامه، وهو صريح الدلالة علي ما عليه أصحابنا رضوان الله عليهم، من جهات عديدة(2) لا تخفي علي من تأمَّلها بعين البصيرة، وتناولها بيد غير قصيرة.

* * *).

ص: 438


1- الفتوحات المكّية 3: 327/ ط بيروت.
2- منها قوله: (إنَّ لله خليفة)، ومنها: (أسعد الناس به أهل الكوفة)، وقوله: (أعداؤه مقلّدة العلماء)، وقوله: (لولا أنَّ السيف بيده لأفتي الفقهاء بقتله). (منه).

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.