التقويم المهدوي يتضمّن المناسبات والأحداث المهدوية بحسب الأشهر والسنين

اشارة

التقويم المهدوي

يتضمّن المناسبات والأحداث المهدوية

بحسب الأشهر والسنين

تأليف

السيّد محمّد القبانچي - الشيخ ياسر الصالحي

تقديم و نشر

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

رقم الإصدار : 140

ص: 1

اشارة

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة

فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

النجف الأشرف - شارع السور - قرب جبل الحويش

هاتف: 332811 و 332813

www.m-mahdi.com

info@m-mahdi.com

***

التقويم المهدوي

تأليف

السيّد محمّد القبانچي - الشيخ ياسر الصالحي

منشورات

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة

فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

الطبعة الأولي: 1434 ه

رقم الذصدار: 140

عدد النسخ: 3000

النجف الأشرف

جميع الحقوق محفوظة للمركز

ص: 2

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي خير خلقه محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

إنَّ نزعة الإنسان الفطرية منذ فجر التاريخ إلي توثيق الأحداث التي يواكبها عبر قنوات متنوّعة وآليات مختلفة ترتبط بشكل موضوعي مع الزمان والمكان الذي يعيش فيه تكشف ربَّما عن إحساسه النفسي لإثبات دوره مع متغيّرات التاريخ ومشاركته في صناعة القرار وتأثيره علي مجتمعه من خلال ذلك. وبهذا الشعور الأيدلوجي عند الإنسان استطاع أن يحفظ لنا الكثير من الحضارات المختلفة عبر التاريخ، انطلاقاً من التوثيق الحجري ومروراً بالتوثيق الورقي والقلمي والضوئي ووصولاً إلي التوثيق الآلي والإلكتروني، ولا نعلم مديات ما سوف يصل إليه عبر التطوّر الحضاري والقفزة العلمية في عصر المعلومات.

ولأهمّية التوثيق وضرورته فقد أصبح علماً يُدرَّس في الكثير من الجامعات في العالم له أسسه وقواعده وتعريفه وموضوعه الخاصّ الذي يبحث فيه عن العناصر المشتركة التي تساعد الباحثين للوصول إلي المعلومة بأيسر طريقة وبسلاسة بالغة وسرعة كبيرة.

ولم يكتف علم التوثيق بحفظ المعلومة وأرشفتها وإنَّما أصبح المحور والركيزة التي يدور حولها علم التحليل الوثائقي بقطع النظر عن

ص: 3

تراتبية أو عشوائية موضوعاته من تأريخ الوثيقة أو مصدرها أو مستقبلها أو موضوعها. فإذا أمكن أن تكون عملية التوثيق والأرشفة هي إحكام للمعلومة التاريخية فلا شكَّ أنَّ تحليلها من خلال المعرفة الزمنية للنصّ الموروث بحسب الآليات والمناهج المتَّبعة يشكّل تفكيك ذلك الأحكام وربط المعلومة التاريخية مع بعضها للوصول إلي استنتاج معيَّن يخدم قضيّة البحث، ولهذا فإنَّ كلّ باحث في التاريخ يحتاج إلي ثقافة مستوعبة وتتبّع دقيق لحركة الزمن لما يترتَّب علي ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة من فهم موسوعي للنصّ التاريخي.

وهذا ما حاولنا إيجاده في هذا الكتاب وهو التوثيق الزمني للنصّ المهدوي لكي يكون مساعداً للباحث علي ترتيب معلوماته وتحليل رجاحة المعلومة المهدوية بعد توثيقها للوصول إلي النتيجة المرجوَّة، فالزمن دخيل وأساس في تحليل المفردة التاريخية ودراستها، مضافاً إلي أنَّ الكتاب وبهذا النسق الزمني والذي جمعنا فيه أكثر من (250) معلومة مهدوية زمنية يفتح آفاقاً رحبة للإخوة الأحبَّة من الخطباء والمبلّغين، ويعتبر مادَّة زاخرة بالمعلومات المهدوية المرتَّبة بشكل زمني حيث يجد الخطيب أو المبلّغ ضالَّته المنشودة في أيّ وقت رغب أن يتحدَّث حول القضيّة المهدوية.

علماً أنَّ الكتاب يقع في فصلين، الأوّل نذكر فيه الأحداث والمناسبات بحسب الأيّام والأشهر الهجرية، والفصل الثاني ذكر الأحداث بحسب السنين فقط لعدم توفّرنا علي معلومات أكثر وضوحاً ودقَّة لتعيين اليوم أو الشهر.

ص: 4

ولا يفوتني أن أتقدَّم بالشكر الوافر لابن أختنا سماحة الشيخ ياسر كاظم الصالحي الذي واكب هذا الجهد من بدايته إلي نهايته، تخريجاً للروايات وتعليقاً لتعريف الشخصيات وغيرها.

وأخيراً أسأله تعالي أن يجعل هذا الجهد متقبّلاً ميموناً نافعاً، وأن يرضي إمام زماننا عنّا، ويقرّ عيوننا بطلعته الرشيدة وغرَّته الحميدة، إنَّه نعم المولي ونعم المجيب.

مدير المركز

السيّد محمّد القبانجي

ص: 5

ص: 6

الفصل الأوّل: وفيه ذكر المناسبات والأحداث المهدوية بحسب الأشهر الهجرية

اشارة

ص: 7

ص: 8

1- محرَّم الحرام

اشارة

ص: 9

ص: 10

1- محرَّم الحرام

سنة (81ه-): وفاة محمّد بن الحنفية(1) وفيها إبطال غيبته المزعومة:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن عصام رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثنا القاسم بن العلاء، قال: حدَّثني إسماعيل بن علي القزويني، قال: حدَّثني علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسي، عن الحسين بن المختار، قال: دخل حيّان السرّاج علي الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام فقال له: (يا حيّان، ما يقول أصحابك في محمّد بن الحنفية؟)، قال: يقولون: إنَّه حيّ يرزق، فقال الصادق عليه السلام: (حدَّثني أبي عليه السلام أنَّه كان فيمن عاده في مرضه وفيمن غمَّضه وأدخله حفرته وزوَّج نسائه وقسَّم ميراثه)، فقال: يا أبا عبد الله، إنَّما مثل محمّد بن الحنفية في هذه الأمّة كمثل عيسي بن مريم شبّه أمره للناس، فقال الصادق عليه السلام: (شبّه أمره علي أوليائه أو علي أعدائه؟)، قال: بل علي أعدائه، فقال:

******

(1) اعتمدنا في إثبات وفاة محمّد بن الحنفية رحمه الله بهذا التاريخ علي ما ذكره النمازي رحمه الله في مستدرك سفينة البحار (ج 5/ ص 216)، وابن كثير في البداية والنهاية (ج 9/ ص 48)، وابن خلّكان في وفيات الأعيان (ج 4/ ص 172، والنوري في النجم الثاقب (ج 1/ ص 351)؛ وقد اختلف المؤرّخون في تاريخ وفاته، فقيل: في سنة (80ه-)، قاله البخاري في التاريخ الصغير (ج 1/ ص 182)؛ وقيل: في ربيع الأوّل سنة (81ه-)، قاله الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 4/ ص 128)، وأبي نصر البخاري في سر السلسلة العلوية (ص 80)؛ وقيل: في سنة (83ه-)، قاله أحمد بن حسن الخطيب في الوفيات (ص 93/ الرقم 83)؛ وقيل: في سنة (84ه-)، قاله الصدوق في كمال الدين (ص 36).

ص: 11

(أتزعم أنَّ أبا جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السلام عدوّ عمّه محمّد بن الحنفية؟)، فقال: لا، فقال الصادق عليه السلام: (يا حيّان، إنَّكم صدفتم عن آيات الله، وقد قال الله تبار ك وتعالي: (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) (الأنعام: 157))، وقال الصادق عليه السلام: (ما مات محمّد بن الحنفية حتَّي أقرَّ لعلي بن الحسين عليهما السلام)(1).

ورواه الكشّي رحمه الله عن الحسين بن الحسن بن بندار القمّي، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمّي، عن أحمد بن محمّد بن عيسي ومحمّد بن عبد الجبّار الذهلي، عن العبّاس بن معروف، عن عبد الله بن الصلت أبي طالب، عن حماد بن عيسي. وعن الحسين بن الحسن بن بندار القمّي، عن علي بن إسماعيل ويعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسي، عن الحسين بن المختار القلانسي، عن عبد الله بن مسكان(2).

ليلة العاشر من محرَّم

سنة (61ه-): بشارة الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه في ليلة شهادته برجعته مع أصحابه حين ظهور الإمام المهدي عليه السلام للانتقام من الظالمين:

روي الفضل بن شاذان رحمه الله عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن ثابت بن دينار، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (قال الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام لأصحابه قبل أن يُقتل بليلة واحدة: إنَّ رسول

******

(1) كمال الدين: 36.

(2) اختيار معرفة الرجال 2: 602 - 604/ ح 570.

ص: 12

الله صلي الله عليه وآله وسلم قال لي: يا بني إنَّك ستُساق إلي العراق، وتنزل في أرض يقال لها: (عمورا) و(كربلاء)، وإنَّك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة. وقد قرب ما عهد إليَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وإنّي راحل إليه غداً فمن أحبَّ منكم الانصراف فلينصرف في هذه الليلة، فإنّي قد أذنت له، وهو منّي في حلّ. وأكَّد فيما قاله تأكيداً بليغاً، وقالوا: والله ما نفارقك أبداً حتَّي نرد موردك. فلمّا رأي ذلك، قال: فأبشروا بالجنّة، فوَالله إنَّما نمكث ما شاء الله تعالي بعدما يجري علينا، ثمّ يخرجنا الله وإيّاكم حين يظهر قائمنا فينتقم من الظالمين وإنّا وأنتم نشاهدهم في السلاسل والأغلال وأنواع العذاب والنكال. فقيل له: مَنْ قائمكم يا ابن رسول الله؟ قال: السابع من ولد ابني محمّد بن علي الباقر، وهو الحجّة بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن علي ابني، وهو الذي يغيب مدَّة طويلة ثمّ يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً(1).

* وروي الراوندي رحمه الله عن أبي سعيد سهل بن زياد، قال: حدَّثنا الحسن بن محبوب، قال: حدَّثنا ابن فضيل، قال: حدَّثنا سعد الجلاَّب، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (قال الحسين بن علي عليهما السلام لأصحابه قبل أن يُقتل: إنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: يا بني إنَّك ستساق إلي العراق، وهي أرض قد التقي بها النبيّون، وأوصياء النبيّين، وهي أرض تُدعي: عمورا، وإنَّك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مسّ الحديد، وتلا: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلي إِبْراهِيمَ) (الأنبياء: 69)، تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً.

******

(1) راجع: مجلَّة تراثنا 15: 208 و209/ كتاب مختصر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان/ ح 7.

ص: 13

فأبشروا فوَالله لئن قتلونا، فإنّا نرد علي نبيّنا. ثمّ أمكث ما شاء الله، فأكون أوّل من تنشقّ عنه الأرض، فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين عليه السلام وقيام قائمنا، وحياة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. ثمّ لينزلنَّ عليَّ وفد من السماء من عند الله، لم ينزلوا إلي الأرض قطّ. ولينزلنَّ إليَّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، وجنود من الملائكة. ولينزلنَّ محمّد، وعلي، وأنا، وأخي، وجميع من منَّ الله عليه في حمولات من حمولات الربّ، خيل بلق من نور، لم يركبها مخلوق. ثمّ ليهزَّنَّ محمّد صلي الله عليه وآله وسلم لواءه، وليدفعنَّه إلي قائمنا مع سيفه. ثمّ إنّا نمكث من بعد ذلك ما شاء الله، ثمّ إنَّ الله يخرج من مسجد الكوفة عيناً من دهن وعيناً من لبن وعيناً من ماء. ثمّ إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام يدفع إليَّ سيف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيبعثني إلي الشرق والغرب ولا آتي علي عدوّ إلاَّ أهرقت دمه، ولا أدع صنماً إلاَّ أحرقته حتَّي أقع إلي الهند فأفتحها. وإنَّ دانيال ويونس يخرجان إلي أمير المؤمنين عليه السلام يقولان: صدق الله ورسوله. ويبعث معهما إلي البصرة سبعين رجلاً فيقتلون مقاتلتهم، ويبعث بعثاً إلي الروم فيفتح الله لهم. ثمّ لأقتلنَّ كلّ دابّة حرَّم الله لحمها حتَّي لا يكون علي وجه الأرض إلاَّ الطيّب، وأعرض علي اليهود والنصاري وسائر الملل، ولأخيّرنَّهم بين الإسلام والسيف، فمن أسلم مننت عليه، ومن كره الإسلام أهرق الله دمه. ولا يبقي رجل من شيعتنا إلاَّ أنزل الله إليه ملكاً يمسح عن وجهه التراب ويعرفه أزواجه ومنازله في الجنَّة، ولا يبقي علي وجه الأرض أعمي ولا مقعد ولا مبتلي إلاَّ كشف الله عنه بلاءه بنا أهل البيت. ولتنزلنَّ البركة من السماء إلي الأرض حتَّي أنَّ الشجرة لتقصف بما يريد الله فيها

ص: 14

من الثمر، وليأكلنَّ ثمرة الشتاء في الصيف، وثمرة الصيف في الشتاء، وذلك قول الله تعالي: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُري آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا) (الأعراف: 96). ثمّ إنَّ الله ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفي عليهم شيء في الأرض، وما كان فيها حتَّي أنَّ الرجل منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته، فيخبرهم بعلم ما يعملون)(1).

10 محرَّم الحرام

1 _ دعاء الإمام الصادق عليه السلام للإمام المهدي عليه السلام في اليوم العاشر من المحرَّم:

روي السيّد ابن طاووس رحمه الله(2) عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثنا الحسن بن علي الكوفي، عن الحسن بن محمّد الحضرمي، عن عبد الله بن سنان،

******

(1) الخرائج والجرائح 2: 848 - 850/ ح 63؛ مختصر بصائر الدرجات: 36 - 38.

(2) هو السيّد علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن إسحاق بن الحسن بن محمّد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنّي بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، ولد في الحلَّة قبل ظهر يوم الخميس في منتصف محرَّم سنة (589ه) ونشأ بها، ثمّ هاجر إلي بغداد وأقام فيها نحواً من (15) سنة في زمن العبّاسيين، وعاد في أواخر عهد المستنصر المتوفّي (640ه-) إلي الحلَّة، فبقي هناك مدَّة من الزمن ثمّ انتقل إلي المشهد الغروي فبقي فيها ثلاث سنين، ثمّ انتقل إلي كربلاء فبقي هناك ثلاث سنين، ثمّ انتقل إلي الكاظمين فبقي فيها ثلاث سنين، ثمّ عاد إلي بغداد سنة (652ه-) وبقي فيها إلي حين احتلال المغول بغداد، فشارك في أهوالها وشملته آلامها، وكُلّف في زمن المستنصر بقبول منصب الافتاء تارةً ونقابة الطالبيين تارةً أخري، حتَّي وصل الأمر بأن عرض عليه الوزارة فرفضها، غير أنَّه ولي النقابة بالعراق من قبل هولاكو سنة (661ه-)، له آثار قيّمة منها: إقبال الأعمال، وجمال الأسبوع، ومهج الدعوات. (أنظر: إقبال الأعمال 1: 7 و8/ حياة المؤلّف).

ص: 15

قال: دخلت علي مولاي أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام يوم عاشوراء وهو متغيّر اللون ودموعه تنحدر علي خدّيه كاللؤلؤ، فقلت له: يا سيّدي، ممَّا بكاؤك؟ لا أبكي الله عينيك، فقال لي: (أمَا علمت أنَّ في مثل هذا اليوم اُصيب الحسين عليه السلام؟)، فقلت: بلي يا سيّدي، وإنَّما أتيتك مقتبس منك فيه علماً ومستفيد منك لتفيدني فيه، قال: (سل عمَّا بدا لك وعمَّا شئت)، فقلت: ما تقول يا سيّدي في صومه؟ قال: (صمه من غير تتبيت، وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوماً كاملاً، ولكن أفطر بعد العصر بساعة ولو بشربة من ماء، فإنَّ في ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلَّت الهيجاء عن آل رسول عليه وعليهم السلام، وانكشفت الملحمة عنهم وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً يعزُّ علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مصرعهم). قال: ثمّ بكي بكاءً شديداً حتَّي اخضلَّت لحيته بالدموع، وقال: (أتدري أيّ يوم كان ذلك اليوم؟)، قلت: أنت اعلم به منّي يا مولاي، قال: (إنَّ الله عز وجل خلق النور يوم الجمعة في أوّل يوم من شهر رمضان، وخلق الظلمة في يوم الأربعاء يوم عاشوراء، وجعل لكلّ منهما شرعةً ومنهاجاً، يا عبد الله بن سنان أفضل ما تأتي به هذا اليوم أن تعمد إلي ثياب طاهرة فتلبسها وتحلّ أزرارك وتكشف عن ذراعيك وعن ساقيك، ثمّ تخرج إلي أرض مغفرة حيث لا يراك أحداً وفي دارك حين يرتفع النهار. وتُصلّي أربع ركعات تسلّم بين كلّ ركعتين، تقرأ في الركعة الأولي سورة الحمد و(قُلْ يا أَي-ُّهَا الْكافِرُونَ)، وفي الثانية سورة الحمد و(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)، وفي الثالثة سورة الحمد وسورة الأحزاب، وفي الرابعة الحمد والمنافقين. ثمّ تُسلّم وتُحوّل وجهك نحو قبر أبي عبد الله عليه السلام وتُمثّل بين يديك مصرعه، وتفرغ ذهنك وجميع بدنك وتجمع له عقلك، ثمّ تلعن قاتله ألف مرَّة يكتب لك بكلّ لعنة ألف حسنة، ويمحي عنك ألف سيّئة، ويرفع لك ألف درجة في الجنَّة،

ص: 16

ثمّ تسعي من الموضع الذي صلَّيت فيه سبع مرَّات، وأنت تقول في كلّ مرَّة من سعيك: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، رضاً بقضاء الله وتسليماً لأمره _ سبع مرَّات _، وأنت في كلّ ذلك عليك الكآبة والحزن ثاكلاً حزيناً متأسّفاً. فإذا فرغت من ذلك وقفت في موضعك الذي صلَّيت فيه وقلت سبعين مرَّة: اللّهمّ عذّب الذين حاربوا رسلك وشاقوك، وعبدوا غيرك واستحلّوا محارمك، والعن القادة والأتباع، ومن كان منهم ومن رضي بفعلهم لعناً كثيراً. ثمّ تقول: اللّهمّ فرج عن أهل محمّد صلّي الله عليه وعليهم أجمعين، واستنقذهم من أيدي المنافقين والكفّار والجاحدين، وامنن عليهم، وافتح لهم فتحاً يسيراً، واجعل لهم من لدنك علي عدوّك وعدوّهم سلطاناً نصيراً. ثمّ اقنت بعد الدعاء وقل في قنوتك: اللّهمّ إنَّ الأمَّة خالفت الأئمّة وكفروا بالكلمة، وأقاموا علي الضلالة والكفر والردي والجهالة والعمي، وهجروا الكتاب الذي أمرت بمعرفته، والوصيّ الذي أمرت بطاعته، فأماتوا الحقّ وعدلوا عن القسط، وأضلّوا الأمَّة عن الحقّ وخالفوا السُنَّة، وبدَّلوا الكتاب وملكوا الأحزاب، وكفروا بالحقّ لمَّا جاءهم وتمسَّكوا بالباطل، وضيَّعوا الحقّ وأضلّوا خلقك، وقتلوا أولاد نبيّك صلي الله عليه وآله وسلم وخيرة عبادك وأصفياءك، وحملة عرشك، وخزنة سرّك، ومن جعلتهم الحكّام في سماواتك وأرضك. اللّهمّ فزلزل أقدامهم، وأخرب ديارهم، واكفف سلاحهم وأيديهم، والق الاختلاف فيما بينهم، وأوهن كيدهم، واضربهم بسيفك الصارم وحجرك الدامغ، وطمهم بالبلاء طمّاً، وارمهم بالبلاء رمياً، وعذّبهم عذاباً شديداً نكراً، وارمهم بالغلاء، وخذهم بالسنين الذي أخذت بها أعداءك، وأهلكهم بما أهلكتهم به. اللّهمّ وخذهم أخذ القري وهي ظالمة إنَّ أخذها أليم شديد. اللّهمّ إنَّ سبلك ضائعة، وأحكامك معطَّلة، وأهل نبيّك في الأرض هائمة كالوحش السائمة. اللّهمّ اعل

ص: 17

الحقّ واستنقذ الخلق، وامنن علينا بالنجاة واهدنا للإيمان، وعجّل فرجنا بالقائم عليه السلام، واجعله لنا ردءاً، واجعلنا له رفداً. اللّهمّ وأهلك من جعل قتل أهل بيت نبيّك عيداً، واستهلَّ فرحاً وسروراً، وخذ آخرهم بما أخذت به أوّلهم. اللّهمّ أضعف البلاء والعذاب والتنكيل علي الظالمين من الأوّلين والآخرين، وعلي ظالمي آل بيت نبيّك صلي الله عليه وآله وسلم، وزدهم نكالاً ولعنةً، وأهلك شيعتهم وقادتهم وجماعتهم. اللّهمّ ارحم العترة الضائعة المقتولة الذليلة من الشجرة الطيّبة المباركة. اللّهمّ اعل كلمتهم، وأفلج حجَّتهم، وثبّت قلوبهم وقلوب شيعتهم علي موالاتهم، وانصرهم وأعنهم وصبّرهم علي الأذي في جنبك، واجعل لهم أيّاماً مشهوداً وأيّاماً معلومةً، كما ضمنت لأولياءك في كتابك المنزل، فإنَّك قلت: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَض-ي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) (النور: 55). اللّهمّ أعل كلمتهم يا لا إله إلاَّ أنت، يا لا إله إلاَّ أنت، يا لا إله إلاَّ أنت، يا أرحم الراحمين، يا حيّ يا قيّوم، فإنّي عبدك الخائف منك والراجع إليك والسائل لديك والمتوكّل عليك، واللاجئ بفناءك، فتقبَّل دعائي وتسمع نجواي، واجعلني ممَّن رضيت عمله وهديته، وقبلت نسكه وانتجبته، برحمتك إنَّك أنت العزيز الوهّاب. أسألك يا الله بلا إله إلاَّ أنت ألاَّ تفرّق بيني وبين محمّد والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين، واجعلني من شيعة محمّد وآل محمّد _ وتذكرهم واحداً واحداً بأسمائهم إلي القائم عليه السلام _، وأدخلني فيما أدخلتهم فيه وأخرجني ممَّا أخرجتهم منه. ثمّ عفّر خدّيك علي الأرض وقل: يا من يحكم بما يشاء ويعمل ما يريد، أنت حكمت في أهل بيت محمّد ما حكمت، فلك الحمد محموداً مشكوراً، وعجّل فرجهم وفرجنا بهم،

ص: 18

فإنَّك ضمنت اعزازهم بعد الذلَّة، وتكثيرهم بعد القلَّة، وإظهارهم بعد الخمول، يا أرحم الراحمين. أسألك يا إلهي وسيّدي بجودك وكرمك أن تبلّغني أملي وتشكر قليل عملي، وأن تزيد في أيّامي، وتبلّغني ذلك المشهد، وتجعلني من الذين دُعي فأجاب إلي طاعتهم وموالاتهم، وأرني ذلك قريباً سريعاً إنَّك علي كلّ شيء قدير. وارفع رأسك إلي السماء فإنَّ ذلك أفضل من حجَّة وعمرة، واعلم أنَّ الله عز وجل يعطي من صلّي هذه الصلاة في ذلك اليوم ودعا بهذا الدعاء عشر خصال: منها أنَّ الله تعالي يوقيه من ميتة السوء، ولا يعاون عليه عدوّاً إلي أن يموته، ويوقيه من المكاره والفقر، ويؤمنه الله من الجنون والجذام، ويؤمن ولده من ذلك إلي أربع أعقاب، ولا يجعل للشيطان ولا لأوليائه عليه سبيلاً)، قال: قلت: الحمد لله الذي منَّ عليَّ بمعرفتكم ومعرفة حقّكم وأداء ما افترض لكم برحمته ومنه، وهو حسبي نعم الوكيل(1).

2 _ سنة (61ه-): بعد سقوط الحسين عليه السلام عن جواده يوم العاشر أظهر الله للملائكة مهدي آل محمّد عليه السلام عن يمين العرش وهو قائم يُصلّي:

روي البرسي رحمه الله عن ابن طاووس، قال: إنَّ الحسين لمَّا سقط عن فرسه يوم الطفّ قالت الملائكة: ربّنا يفعل هذا بالحسين وأنت بالمرصاد؟ فقال الله لهم: انظروا إلي يمين العرش. فنظروا فإذا القائم قائماً يُصلّي، فقال لهم: إنّي أنتقم لهذا بهذا من هؤلاء(2).

3 _ سنة (61ه-): في اليوم العاشر تجلّي ظلّ القائم عليه السلام للملائكة للانتقام من قتلة الحسين عليه السلام بعد أن ضجّوا بالبكاء عليه عليه السلام:

******

(1) إقبال الأعمال 3: 65 - 69.

(2) مشارق أنوار اليقين: 341.

ص: 19

روي الكليني رحمه الله عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عيسي بن عبيد، عن علي بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن محمّد بن حمران، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لمَّا كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان، ضجَّت الملائكة إلي الله بالبكاء وقالت: يفعل هذا بالحسين صفيّك وابن نبيّك؟ قال: فأقام الله لهم ظلّ القائم عليه السلام وقال: بهذا أنتقم لهذا)(1).

ورواه الطوسي رحمه الله في أماليه عن المفيد، عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفّار، عن محمّد بن عبيد، عن علي بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن محمّد بن حمران(2).

* وروي الصدوق رحمه الله عن علي بن أحمد بن محمّد الدقّاق ومحمّد بن محمّد بن عصام رضي الله عنهما، قالا: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثنا القاسم بن العلاء، قال: حدَّثنا إسماعيل الفزاري، قال: حدَّثنا محمّد بن جمهور العمّي، عن ابن أبي نجران، عمَّن ذكره، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، قال: سألت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام: يا ابن رسول الله، لِمَ سُمّي علي عليه السلام أمير المؤمنين؟ وهو اسم ما سُمّي به أحد قبله ولا يحلُّ لأحد بعده؟ قال: (لأنَّه ميرة العلم يمتار منه ولا يمتار من أحد غيره)، قال: فقلت: يا ابن رسول الله فلِمَ سُمّي سيفه ذا الفقار؟ فقال عليه السلام: (لأنَّه ما ضرب به أحد من خلق الله إلاَّ أفقره من هذه الدنيا من أهله وولده، وأفقره في الآخرة من الجنّة)، قال: فقلت: يا ابن رسول الله فلستم كلّكم قائمين بالحقّ؟ قال: (بلي)، قلت: فلِمَ سُمّي القائم قائماً؟ قال: (لمَّا قُتل جدّي الحسين عليه السلام ضجَّت عليه الملائكة إلي الله

******

(1) الكافي 1: 465/ باب مولد الحسين بن علي عليهما السلام/ ح 6؛ اللهوف لابن طاووس: 74 و75.

(2) أمالي الطوسي: 418/ ح (941/89) بتفاوت يسير.

ص: 20

تعالي بالبكاء والنحيب وقالوا: إلهنا وسيّدنا أتغفل عمَّن قتل صفوتك وابن صفوتك، وخيرتك من خلقك؟ فأوحي الله عز وجل إليهم: قروا ملائكتي، فوَعزَّتي وجلالي لأنتقمنَّ منهم ولو بعد حين. ثمّ كشف اللهعز وجل عن الأئمّة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة فسرَّت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يُصلّي، فقال الله عز وجل: بذلك القائم أنتقم منهم)(1).

ورواه محمّد بن جرير الطبري الشيعي رحمه الله في دلائل الإمامة عن علي بن هبة الله، عن أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسي القمّي...(2).

4 _ سنة (61ه-): سبعون ألف ملك يدعون لزوّار الحسين عليه السلام من يوم مقتله إلي يوم ظهور مهدي آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم:

روي ابن قولويه رحمه الله عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (وكَّل الله تعالي بقبر الحسين عليه السلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كلّ يوم، شعثاً غبراً من يوم قُتل إلي ما شاء الله _ يعني بذلك قيام القائم عليه السلام _، ويدعون لمن زاره ويقولون: يا ربّ هؤلاء زوّار الحسين عليه السلام افعل بهم وافعل بهم)(3).

5 _ سنة (61ه-): عدم التوفيق في عيد أضحي أو فطر لهذه الأمَّة بعد قتل الحسين إلي ظهور المهدي عليه السلام:

روي الكليني رحمه الله عن علي بن محمّد، عمَّن ذكره، عن محمّد بن سليمان، عن عبد الله بن لطيف التفليسي، عن رزين، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لمَّا

******

(1) علل الشرائع 1: 160/ باب 129/ ح 1.

(2) دلائل الإمامة: 451 و452/ ح (427/31).

(3) كامل الزيارات: 233/ باب 41/ ح (347/4).

ص: 21

ضُرب الحسين بن علي عليه السلام بالسيف فسقط رأسه، ثمّ ابتدر ليقطع رأسه، نادي منادٍ من بطنان العرش: ألا أيَّتها الأمّة المتحيّرة، الضالّة بعد نبيّها، لا وفَّقكم الله لأضحي ولا لفطر)، قال: ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام: (فلا جرم والله ما وُفّقوا ولا يُوفَّقون حتَّي يثأر ثائر الحسين عليه السلام)(1).

6 _ سنة الظهور: ظهور الإمام المهدي عليه السلام يوم السبت العاشر من المحرَّم بين الركن والمقام:

روي أبو بصير، عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لا يخرج القائم إلاَّ في وتر من السنين: سنة إحدي، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو تسع، ويقوم في يوم عاشوراء، ويظهر يوم السبت العاشر من المحرَّم قائماً بين (الركن) و(المقام)، وشخص قائم علي يديه ينادي: البيعة البيعة، فيسير إليه أنصاره من أطراف الأرض يبايعونه، فيملأ الله تعالي به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ثمّ يسير من (مكّة) حتَّي يأتي (الكوفة)، فينزل علي نجفها، ثمّ يفرّق الجنود منها إلي جميع الأمصار)(2).

* وروي الطوسي رحمه الله عن الفضل، عن محمّد بن علي، عن محمّد بن سنان، عن حيّ بن مروان، عن علي بن مهزيار، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (كأنّي بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام، بين يديه جبرئيل عليه السلام ينادي: البيعة لله، فيملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(3).

* وروي أيضاً عن الفضل بن شاذان، عن محمّد بن علي الكوفي، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إنَّ

******

(1) الكافي 4: 170/ باب النوادر/ ح 3.

(2) حياة الإمام المهدي عليه السلام: 283 و284/ ح 3.

(3) الغيبة للطوسي: 453/ ح 459؛ الخرائج والجرائح 3: 1159.

ص: 22

القائم صلوات الله عليه ينادي اسمه ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم يوم عاشوراء يوم قُتل فيه الحسين بن علي عليهما السلام)(1).

* وروي الصدوق رحمه الله عن الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أبي، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (يخرج القائم عليه السلام يوم السبت يوم عاشورا يوم الذي قُتل فيه الحسين عليه السلام)(2).

7 _ سنة الظهور: قدوم أصحاب المهدي عليه السلام من أطراف الأرض لبيعته في مكّة المكرَّمة في اليوم العاشر من المحرَّم:

روي المفيد رحمه الله عن الفضل بن شاذان، عن محمّد بن علي الكوفي، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (ينادي باسم القائم عليه السلام في ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قُتل فيه الحسين بن علي عليهما السلام، لكأنّي به في يوم السبت العاشر من المحرَّم قائماً بين الركن والمقام، جبرئيل عليه السلام علي (يده اليمني) ينادي: البيعة لله، فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوي لهم طيّاً حتَّي يبايعوه، فيملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(3).

8 _ سنة الظهور: ظهور الإمام المهدي عليه السلام في مكّة عند العشاء في يوم عاشوراء مع راية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم:

روي نعيم بن حماد المروزي، عن سعيد أبو عثمان، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: (ثمّ يظهر المهدي بمكّة عند العشاء، ومعه راية رسول

******

(1) الغيبة للطوسي: 452/ ح 458.

(2) كمال الدين: 653 و654/ باب 57/ ح 19.

(3) الإرشاد 2: 379؛ إعلام الوري 2: 286.

ص: 23

الله صلي الله عليه وآله وسلم وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان، فإذا صلّي العشاء نادي بأعلي صوته يقول: اُذكّركم الله أيّها الناس ومقامكم بين يدي ربّكم، فقد اتَّخذ الحجّة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب، وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً، وأن تحافظوا علي طاعته وطاعة رسوله، وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات، وتكونوا أعواناً علي الهدي ووزراً علي التقوي، فإنَّ الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها وأذنت بالوداع، فإنّي أدعوكم إلي الله وإلي رسوله والعمل بكتابه، وإماتة الباطل، وإحياء سُنَّته، فيظهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدَّة أهل بدر علي غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف، رهبان بالليل اُسُد بالنهار، فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز، ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم، وتنزل الرايات السود الكوفة، فيُبعث بالبيعة إلي المهدي، ويبعث المهدي جنوده في الآفاق، ويميت الجور وأهله، وتستقيم له البلدان، ويفتح الله علي يديه القسطنطينية)(1).

9 _ سنة الظهور: مبايعة الإمام المهدي عليه السلام من قبل أصحابه النجباء والأبدال والأخيار في اليوم العاشر من المحرَّم:

روي الطوسي رحمه الله عن الفضل بن شاذان، عن أحمد بن عمر بن مسلم، عن الحسن بن عقبة بن النهمي، عن أبي إسحاق البنّاء، عن جابر الجعفي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدَّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم)(2).

******

(1) كتاب الفتن للمروزي: 213.

(2) الغيبة للطوسي: 476 و477/ ح 502.

ص: 24

10 _ سنة الظهور: نزول جبرئيل علي الحطيم في اليوم العاشر من محرَّم ويكون أوّل من يبايع الإمام المهدي عليه السلام:

روي المفيد رحمه الله عن المفضَّل بن عمر الجعفي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إذا أذن الله عزَّ اسمه للقائم في الخروج صعد المنبر، فدعا الناس إلي نفسه، وناشدهم بالله، ودعاهم إلي حقّه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويعمل فيهم بعمله، فيبعث الله جل جلاله جبرئيل عليه السلام حتَّي يأتيه، فينزل علي الحطيم(1)، يقول له: إلي أيّ شيء تدعو؟ فيخبره القائم عليه السلام، فيقول جبرئيل: أنا أوّل من يبايعك، اُبسط يدك، فيمسح علي يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيبايعوه، ويقيم بمكّة حتَّي يتمّ أصحابه عشرة آلاف نفس، ثمّ يسير منها إلي المدينة)(2).

11 _ سنة الظهور: نداء جبرئيل بين يدي الإمام المهدي عليه السلام: (البيعة لله) في اليوم العاشر من محرَّم:

روي عن محمّد بن مسلم، قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام: متي يظهر قائمكم؟ قال: (إذا كثرت الغواية وقلَّت الهداية، وكثر الجور والفساد وقلَّ الصلاح والسداد، واكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ومال الفقهاء إلي الدنيا، وأكثر الناس إلي الأشعار والشعراء، ومسخ قوم من أهل البدع حتَّي

******

(1) قال الطريحي في مجمع البحرين (ج 6/ ص 42): الحطيم هو ما بين الركن الذي فيه الحجر الأسود وبين الباب، كما جاءت به الرواية. سمّي حطيماً لأنَّ الناس يزدحمون فيه علي الدعاء، ويحطم بعضهم بعضاً. وقيل: لأنَّ من حلف هناك عجّلت عقوبته. وتسمية الحجر بالحطيم من أوضاع الجاهلية، كان عادتهم أنَّهم إذا كانوا يتحالفون بينهم كانوا يحطمون أي يدفعون فعلاً أو سوطاً أو قوساً إلي الحجر، علامة لعقد حلفهم، فسمّوه به لذلك. وقيل: سمّي بذلك لما حطم من جداره فلم يسو ببناء البيت وترك خارجاً.

(2) الإرشاد 2: 382 و383؛ روضة الواعظين: 265؛ إعلام الوري 2: 288.

ص: 25

يصيروا قردة وخنازير، وقتل السفياني(1)، ثمّ خرج الدجّال وبالغ في الإغواء والإضلال، فعند ذلك ينادي باسم القائم عليه السلام في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ويقوم في يوم عاشوراء، فكأنّي أنظر إليه قائماً بين الركن والمقام وينادي جبرئيل بين يديه: البيعة لله، فتقبل إليه شيعته من أطراف الأرض تطوي لهم طيّاً حتَّي يبايعوا، ثمّ يسير إلي الكوفة فينزل علي نجفها، ثمّ يفرّق الجنود منها إلي الأمصار لدفع عمّال الدجّال، فيملؤ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)، قال: فقلت له: يا بن رسول الله فداك أبي واُمّي، أيعلم أحد من أهل مكّة من أين يجيء قائمكم إليها؟ قال: (لا)، ثمّ قال: (لا يظهر إلاَّ بغتةً بين الركن والمقام)(2).

12 _ سنة الظهور: ينادي المنادي في يوم عاشوراء من السماء: (ألا إنَّ صفوة الله من خلقه فلان فاسمعوا له وأطيعوا):

روي نعيم بن حماد المروزي، عن الوليد، عن عنبسة القرشي، عن سَلَمة بن أبي سَلَمة، عن شهر بن حوشب، قال: بلغني أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: (يكون في رمضان صوت، وفي شوّال مهمهة، وفي ذي القعدة تحازب القبائل، وفي ذي الحجّة ينتهب الحاجّ، وفي المحرَّم ينادي منادي من السماء: ألا إنَّ صفوة الله من خلقه فلان فاسمعوا له وأطيعوا)(3).

13 _ سنة الظهور: أوّل خطبة للإمام المهدي عليه السلام بعد ظهوره في يوم عاشوراء وقد أسند ظهره إلي البيت الحرام:

******

(1) اختلف في اسم السفياني، فمنها عثمان بن عنبسة، ومنها حرب بن عنبسة، ومنها عنبسة بن مرة كما ذُكر في الروايات.

(2) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام 3: 490 و491/ ح 1061.

(3) كتاب الفتن للمروزي: 131.

ص: 26

روي النعماني رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن هؤلاء الرجال الأربعة _ أي محمّد بن المفضَّل وسعدان بن إسحاق بن سعيد وأحمد بن الحسين بن عبد الملك ومحمّد بن أحمد بن الحسن _، عن ابن محبوب. وأخبرنا محمّد بن يعقوب الكليني أبو جعفر، قال: حدَّثني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه. قال: وحدَّثني محمّد بن عمران، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن عيسي، قال: وحدَّثنا علي بن محمّد وغيره، عن سهل بن زياد جميعاً، عن الحسن بن محبوب. قال: وحدَّثنا عبد الواحد بن عبد الله الموصلي، عن أبي علي أحمد بن محمّد بن أبي ناشر، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام: (... ويبعث السفياني بعثاً إلي المدينة فينفر المهدي منها إلي مكّة، فيبلغ أمير جيش السفياني أنَّ المهدي قد خرج إلي مكّة، فيبعث جيشاً علي أثره فلا يدركه حتَّي يدخل مكّة خائفاً يترقَّب علي سُنّة موسي بن عمران عليه السلام). وقال: (فينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء، بيدي القوم، فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلاَّ ثلاثة نفر، يحوّل الله وجوههم إلي أقفيتهم، وهم من كلب، وفيهم نزلت هذه الآية: (يا أَي-ُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلي أَدْبارِها ...) الآية (النساء: 47)). قال: (والقائم يومئذٍ بمكّة، قد أسند ظهره إلي البيت الحرام مستجيراً به، فينادي: يا أيّها الناس، إنّا نستنصر الله فمن أجابنا من الناس فإنّا أهل بيت نبيّكم محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، ونحن أولي الناس بالله وبمحمّد صلي الله عليه وآله وسلم، فمن حاجَّني في آدم فأنا أولي الناس بآدم، ومن حاجَّني في نوح فأنا أولي الناس بنوح، ومن حاجَّني في إبراهيم فأنا أولي الناس بإبراهيم، ومن حاجَّني في محمّدصلي الله عليه وآله وسلم فأنا أولي الناس بمحمّد صلي الله عليه وآله وسلم، ومن حاجَّني في النبيّين فأنا أولي

ص: 27

الناس بالنبيّين، أليس الله يقول في محكم كتابه: (إِنَّ اللهَ اصْطَفي آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَي الْعالَمِينَ 33 ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (آل عمران: 33 و34)؟ فأنا بقيّة من آدم، وذخيرة من نوح، ومصطفي من إبراهيم، وصفوة من محمّد صلّي الله عليهم أجمعين. ألا فمن حاجَّني في كتاب الله فأنا أولي الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجَّني في سُنّة رسول الله فأنا أولي الناس بسُنّة رسول الله، فأنشد الله من سمع كلامي اليوم لمَّا أبلغ الشاهد منكم الغائب، وأسألكم بحقّ الله وبحقّ رسوله وبحقّي، فإنَّ لي عليكم حقّ القربي من رسول الله إلاَّ أعنتمونا ومنعتمونا ممَّن يظلمنا، فقد اُخفنا وظُلمنا وطُردنا من ديارنا وأبنائنا وبُغي علينا ودُفعنا عن حقّنا وافتري أهل الباطل علينا، فالله الله فينا لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله تعالي...)(1).

14 _ سنة الظهور: خروج الإمام المهدي عليه السلام يوم الجمعة في العاشر من المحرَّم علي رواية:

روي الصدوق رحمه الله عن أبيه، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (السبت لنا، والأحَّد لشيعتنا، والاثنين لأعدائنا، والثلاثاء لبني أميّة، والأربعاء يوم شرب الدواء، والخميس تقضي فيه الحوائج، والجمعة للتنظّف والتطيّب، وهو عيد المسلمين وهو أفضل من الفطر والأضحي، ويوم الغدير أفضل الأعياد، وهو ثامن عشر من ذي الحجّة وكان يوم الجمعة، ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة، ويقوم القيامة يوم الجمعة، وما من عمل يوم الجمعة أفضل من الصلاة علي محمّد وآله)(2).

******

(1) الغيبة للنعماني: 288 - 291/ باب 14/ ح 67.

(2) الخصال: 394/ ح 101؛ روضة الواعظين: 392.

ص: 28

15 _ سنة الظهور: يقطع الإمام المهدي عليه السلام في اليوم العاشر من المحرَّم أيدي بني شيبة سرّاق الكعبة:

روي الطوسي رحمه الله عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن ابن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (يخرج القائم عليه السلام يوم السبت يوم عاشورا اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام ويقطع أيدي بني شيبة(1) ويعلّقها في الكعبة)(2).

29 محرَّم الحرام

سنة (61ه-): خطبة الإمام السجّاد عليه السلام في الشام وبشارته بالمهدي عليه السلام:

خطب الإمام زين العابدين خطبته المعروفة بدمشق جاء فيها: (إنَّ الله تعالي أعطانا الحلم والعلم والشجاعة والسخاوة والمحبَّة في قلوب المؤمنين، ومنّا رسول الله، ووصيّه، وسيّده الشهداء، وجعفر الطيّار في الجنّة، وسبطا هذه الأمّة، والمهدي الذي يقتل الدجّال)(3).

******

(1) هم بنو شيبة بن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزّي بن عبد الدار بن قصي جدّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، كانوا يسكنون علي جبل شيبة المشرف علي جبل مروة، وهم سدنة الكعبة، الذين كانت بأيديهم مفاتيح الكعبة، يتوارثونها خلفاً عن سلف، وكان هؤلاء يسرقون الأموال والذخائر المهداة إلي الكعبة، ويتصرَّفون بها كما تشتهيه أنفسهم، ولا يكتفي الإمام المهدي عليه السلام بقطع أيديهم، بل يأمر بأن يطاف بهم، فقد ورد عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (أمَا إنَّ قائمنا لو قد قام لقد أخذهم - أي بني شيبة - وقطع أيديهم وطاف بهم، وقال: هؤلاء سرّاق الله) (الكافي 4: 243/ ح 4)، ويمكن أن يقال: إنَّ المقصود هو الرمزية بمعني أنَّ المتولّين علي البيت الحرام تكون أعمالهم وأفعالهم شبيهة ببني شيبة في زمن الجاهلية.

(2) تهذيب الأحكام 4: 333/ ح (1044/112).

(3) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام 3: 200/ ح 722.

ص: 29

أحداث هذا الشهر بدون ذكر اليوم

سنة (317ه-): كرامة الشيخ الحسين بن روح وأبي عبد الله البزوفري في إثبات نسب جنين إلي أبيه بعد إنكار الأب في مدينة قمّ المقدَّسة:

روي الطوسي رحمه الله عن ابن نوح، قال: ووجدت في أصل عتيق كتب بالأهواز في المحرَّم سنة سبع عشرة وثلاثمائة: أبو عبد الله، قال: حدَّثنا أبو محمّد الحسن بن علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمّد بن عبد الله بن محمّد (بن عمر) بن علي بن أبي طالب الجرجاني، قال: كنت بمدينة قم فجري بين إخواننا كلام في أمر رجل أنكر ولده، فأنفذوا رجلاً إلي الشيخ صانه الله. وكنت حاضراً عنده أيَّده الله فدفع إليه الكتاب فلم يقرأه وأمره أن يذهب إلي أبي عبد الله البزوفري(1) أعزَّه الله ليجيب عن الكتاب فصار إليه وأنا حاضر، فقال (له) أبو عبد الله: الولد ولده وواقعها في يوم كذا وكذا في موضع كذا وكذا فقل له: فيجعل اسمه محمّداً، فرجع الرسول إلي البلد وعرَّفهم ووضح عندهم القول، وولد الولد وسمّي محمّد(2).

* * *

******

(1) قال المجلسي رحمه الله في البحار (ج 51/ ص 325): (يظهر منه أنَّ البزوفري رحمه الله كان من السفراء ولم ينقل، ويمكن أن يكون وصل ذلك إليه بتوسّط أو بدون توسّطهم في خصوص الواقعة).

(2) الغيبة للطوسي: 308/ ح 260.

ص: 30

2- صفر الخير

اشارة

ص: 31

ص: 32

1 صفر الخير

سنة (37ه-): معركة صفّين(1) وفيها طلب المؤمنون من أمير المؤمنين عليه السلام نشر راية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فأبي عليهم ذلك، وادَّخرها لقائم آل محمّد عليهم السلام:

سيأتي في (10/ جمادي الأولي/ 36ه-) تحت عنوان (معركة الجمل وفيها نشر علي عليه السلام راية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولا ينشرها بعده إلاَّ القائم عليه السلام).

9 صفر الخير

سنة (38ه-): معركة النهروان وفيها أخبر أمير المؤمنين عليه السلام ببقاء الخوارج إلي ظهور مهدي آل محمّد صلي اجلله عليه وآله وسلم:

روي المسعودي في مروج الذهب مرسلاً عن أمير المؤمنين عليه السلام في باب

******

(1) في (1/ صفر/ 37ه-) كانت وقعة صفّين بين جيش أمير المؤمنين عليه السلام وبين جيش القاسطين من أهل الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان. قال نصر بن مزاحم في وقعة صفّين (ص 196): (تقاتلوا في تمام ذي الحجّة، ثمّ تركوه في المحرَّم، ثمّ ابتدؤا به في غرَّة صفر). وكان معاوية وأصحابه نزلوا صفّين علي شريعة الفرات ومنعوا عليّاً وأصحابه الماء، فأنفذ علي شبث بن ربيعي وصعصعة بن صوحان فقالا في ذلك لطفاً وعنفاً، فقالوا: أنتم قتلتم عثمان عطشاً. فقال عليه السلام: (أرووا السيوف من الدماء ترووا من الماء، فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين)، فحملا في سبعة عشر ألف رجل حملة رجل واحد، ففرق بعضهم وانهزم الباقون، فأمر علي عليه السلام أن لا يمنعوهم الماء. وانتهت الوقعة بعد مائة وعشرة أيّام، بحيلة رفع المصاحف وما تلاه من مسألة التحكيم. (راجع: أعيان الشيعة 1: 466).

ص: 33

ذكر حروبه عليه السلام مع أهل النهروان(1): ... ثمّ ركب ومرَّ بهم وهم صرعي، فقال: (لقد صرعكم من غرَّكم)، قيل: ومن غرَّهم؟ قال: (الشيطان وأنفس السوء)، فقال أصحابه: قد قطع الله دابرهم إلي آخر الدهر، فقال: (كلاَّ والذي نفسي بيده، وإنَّهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، لا تخرج خارجة إلاَّ خرجت بعدها مثلها، حتَّي تخرج خارجة بين الفرات ودجلة مع رجل يقال له: الأشمط، يخرج إليه رجل منّا أهل البيت فيقتله، ولا تخرج بعدها خارجة إلي يوم القيامة)(2).

* وروي ابن أبي شيبة الكوفي في المصنَّف عن محاضر، قال: وحدَّثنا أبو بكر، قال: حدَّثنا الفضل بن دكين، قال: حدَّثنا يونس بن أبي إسحاق، عن عبيد الله بن بشير بن جرير البجلي، قال: قال علي: (إنَّ آخر خارجة تخرج في الإسلام بالرميلة رميلة الدسكرة، فيخرج إليهم ناس فيقتلون منهم ثلثاً، ويدخل ثلث، ويتحصَّن ثلث في الدير دير مرمار(3)، فمنهم الأشمط، فيحضرهم الناس فينزلونهم فيقتلونهم، فهي آخر خارجة تخرج في الإسلام)(4).

******

(1) في (9/ صفر/ 38ه-) كان فتح النهروان، وكان أمير المؤمنين عليه السلام سار إليهم بعد منصرفه من صفّين عندما خرجوا عليه واجتمعوا في النهروان، وقد أخبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عنهم وسمّاهم المارقين، وأمر أمير المؤمنين عليه السلام بقتالهم وحذَّر من فتنتهم، وروي في ذلك أحاديث كثيرة، منها: أنَّه صلي الله عليه وآله وسلم قال له عليه السلام: (تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين) (الخرائج والجرائح 1: 123/ ح 201)، وقال أمير المؤمنين عليه السلام مخاطباً لأصحابه: (لا ينفلت منهم عشرة ولا يهلك منّا عشرة) (مناقب آل أبي طالب 2: 99)، فقتل من أصحابه تسعة، وانفلت منهم تسعة.

(2) مروج الذهب 2: 407.

(3) دير مرمار ويسمّي الآن دير مارمتي من أشهر أديرة المسيحية صيتاً ومكانةً، يقع علي مسافة (35) كيلومتراً شمالي شرقي مدينة الموصل، أسَّسه القدّيس مارمتي الناسك السرياني في غضون القرن الرابع الميلادي، وقد انعدمت معالم هذا الدير بسبب الغزوات والكوارث التي ألمَّت به ولم يبقَ منها إلاَّ القليل، منها: المذبح وبيت القدّيسين.

(4) المصنَّف 8 : 673/ ح 168.

ص: 34

بعد 9 صفر الخير

سنة (38ه-): لقاء أمير المؤمنين عليه السلام مع حبّاب النصراني وأمره ببناء مسجد (براثا) وإخباره بالكثير من المغيّبات وما يفعله جيش السفياني بأهل الكوفة:

روي ابن طاووس رحمه الله عن محمّد بن المشهدي بإسناده عن محمّد بن القاسم، عن أحمد بن محمّد، عن مشايخه، عن سليمان الأعمش، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: حدَّثني أنس بن مالك وكان خادم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قال: لمَّا رجع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من قتال أهل النهروان نزل (براثا)(1)، وكان بها راهب في قلايته، وكان اسمه الحبّاب، فلمَّا سمع الراهب الصيحة والعسكر أشرف من قلايته إلي الأرض، فنظر إلي عسكر أمير المؤمنين عليه السلام، فاستفظع ذلك ونزل مبادراً، قال: من هذا؟ ومن رئيس هذا العسكر؟ فقيل له: هذا أمير المؤمنين عليه السلام وقد رجع من قتال أهل النهروان. فجاء الحبّاب مبادراً يتخطّي الناس حتَّي وقف علي أمير المؤمنين عليه السلام فقال: السلام

******

(1) (براثا) قرية من القري العامرة قبل تأسيس بغداد، وهو اسم سرياني معناه (ابن العجائب) وفي اللغة العربية تعني: (الأرض الرخوة الحمراء)، ومسجدها أقدم مسجد في بغداد حيث كان ديراً وصار مسجداً بعد إسلام حبّاب المسيحي الذي كان مسؤولاً عنه علي يد أمير المؤمنين عليه السلام، ويعرف قديماً ب- (جامع المنطقة) و(مشهد العتيقة). يقع المسجد في منطقة الكرخ من بغداد، مقابل المنطقة المعروفة ب- (العُطَيفيّة)، علي بعد خمسة كيلومترات من مرقد الإمامين موسي الكاظم ومحمّد الجواد عليهما السلام. وذكر الشيخ عبّاس القمّي رحمه الله في مفاتيح الجنان (ص 709) فضائل كثيرة لهذا المسجد، منها: أنَّ الله تعالي أقرَّ أن لا ينزله بجيشه إِلاَّ نبيّ أو وصيّ نبيّ، وأنَّه بيت مريم وأرض عيسي عليهما السلام، وأنَّه صلّي فيه أمير المؤمنين والحسن والحسين والأنبياء عليهم السلام لاسيّما خليل الرحمن عليه السلام.

ص: 35

عليك يا أمير المؤمنين حقّاً حقّاً. فقال له: (وما علمك بأنّي أمير المؤمنين حقّاً حقّاً؟)، قال له: بذلك أخبرنا علماؤنا وأحبارنا. فقال له: (يا حبّاب)، فقال له الراهب: وما علمك باسمي؟ فقال: (أعلمني بذلك حبيبي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال له الحبّاب: مُدْ يدك (لأبايعك)، فأنا أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأنَّ محمّداً رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وأنَّك علي بن أبي طالب وصيّه. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: (وأين تأوي؟)، فقال: أكون في قلاية لي هيهنا. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: (بعد يومك هذا لا تسكن فيها، ولكن ابن هاهنا مسجداً وسمّه باسم بانيه)، فبناه رجل اسمه (براثا) فسمّي المسجد ببراثا باسم الباني له. ثمّ قال: (ومن أين تشرب يا حبّاب؟)، فقال: يا أمير المؤمنين، من دجلة هيهنا. قال: (فلِمَ لا تحفر هيهنا عيناً أو بئراً؟)، فقال له: يا أمير المؤمنين، كلَّما حفرنا بئراً وجدناها مالحة غير عذبة. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: (احفر هاهنا بئراً)، فحفر فخرجت عليهم صخرة لم يستطيعوا قلعها، فقلعها أمير المؤمنين، فانقلعت عن عين أحلي من الشهد وألذّ من الزبد. فقال له: (يا حباب، (يكون شربك من هذه العين، أمَا أنَّه يا حبّاب) ستبني إلي جنب مسجدك هذا مدينة، وتكثر الجبابرة فيها ويعظم البلاء حتَّي أنَّه ليركب فيها كلّ ليلة جمعة سبعون ألف فرج حرام. فإذا عظم بلائهم سدّوا علي مسجدك بقنطرة، ثمّ وابنه مرَّتين، ثمّ وابنه لا يهدمه إلاَّ كافر، فإذا فعلوا ذلك منعوا الحجّ ثلاث سنين، واحترقت خضرهم، وسلَّط الله عليهم رجلاً من أهل السفح لا يدخل بلداً إلاَّ أهلكه وأهلك أهله، ثمّ ليعد عليهم مرَّة أخري، ثمّ يأخذهم القحط والغلا ثلاث سنين حتَّي يبلغ بهم الجهد، ثمّ يعود عليهم، ثمّ يدخل البصرة فلا يدع فيها قائمة إلاَّ سخطها وأهلكها وأهلك أهلها، وذلك إذا عمرت الخربة وبني فيها مسجد جامع فعند ذلك يكون هلاك أهل البصرة. ثمّ يدخل

ص: 36

مدينة بناها الحجّاج يقال لها: (واسط) فيفعل مثل ذلك، ثمّ يتوجَّه نحو بغداد فيدخلها عفواً. ثمّ يلتجئ الناس إلي الكوفة، ولا يكون بلد من الكوفة إلاَّ تشوّش له الأمر. ثمّ يخرج هو والذي أدخله بغداد نحو قبري لينبشه فيتلقاهما السفياني فيهزمهما ثمّ يقتلهما. ويتوجَّه جيش نحو الكوفة فيستعبد بعض أهلها. ويجيء رجل من أهل الكوفة فيلجئهم إلي سور في من لجأ إليها أمن. ويدخل جيش السفياني إلي الكوفة فلا يدعون أحداً إلاَّ قتلوه، وإنَّ الرجل منهم ليمرّ بالدرّة المطروحة العظيمة فلا يتعرَّض لها ويري الصبي الصغير فيلحقه فيقتله. فعند ذلك يا حبّاب يتوقَّع بعدها، هيهاتَ هيهاتَ، وأمور عظام وفتن كقطع الليل المظلم، فاحفظ عنّي ما أقول لك يا حبّاب)(1).

10 صفر الخير

سنة (1384ه-): التاريخ السندي لنقل المرجع الكبير السيّد محمود الشاهرودي رحمه الله لتفسير أمير المؤمنين عليه السلام لتوقيع السمري رضي الله عنه في تكذيب المشاهدة في المنام:

قال النمازي رحمه الله في مستدرك سفينة البحار: نقل لي العلاَّمة المرجع الديني السيّد محمود الشاهرودي(2) في (10/ صفر/ 1384ه-): كان العالم الجليل

******

(1) اليقين لابن طاووس: 421 - 423.

(2) هو محمود بن علي بن عبد الله الحسيني الشاهرودي النجفي، كان فقيهاً إمامياً كبيراً، من مراجع التقليد والفتيا، ولد في إحدي قري شاهرود سنة (1301ه-). حضر الأبحاث العالية علي المجتهدين الشهيرين محمّد حسين النائيني، وضياء الدين العراقي، وكتب تقريراتهما، وألَّف كتباً ورسائل، منها: جامع المقاصد، حاشية علي العروة الوثقي، حاشية علي الرسائل...، توفّي في النجف سنة (1394ه-). (راجع: موسوعة طبقات الفقهاء 14: 814 و815/ الرقم 4912).

ص: 37

والثقة النبيل الشيخ أسد الله من تلاميذ العلم الكامل الحاجّ ميرزا حبيب الله الرشتي في النجف شاكّاً في الحديث المشهور: كان أمير المؤمنين عليه السلام في أماكن متعدّدة في ليلة واحدة. فرأي أمير المؤمنين عليه السلام في المنام وسأله عن هذا الحديث، فقال: (إنَّك لا تعقل ذلك، فانظر إلي أطرافك). قال: فنظرت، فإذا في كلّ الأطراف يري أمير المؤمنين عليه السلام، فارتفع الشكّ عنّي. ثمّ سأله عن الحديث المعروف: من ادَّعي الرؤية في زمن الغيبة فكذّبوه، وما نقل من الحكايات في رؤيته. فقال: (كلّ ذلك صحيح، لأنَّ الأوّل محمول علي الرؤية والمشاهدة مع العرفان، وفي الحكايات لم يعرفوه حين المشاهدة وبعده عرفوه، وعليه شواهد من الروايات الاُخر). ثمّ قال له: (أنت رأيته مرَّتين أو مرَّات، منها في حرمي في طرف زاوية الرجلين حين رأيت أمامك سيّداً جليلاً يقرأ ويُصلّي ويدعو، فرأيته في أحسن حالات، فنويت أن تعطيه جينة _ فلوس زمانه _ ثمّ بعده نويت أن تعطيه جينتين، ثمّ نويت ثلاثة لما رأيت من حسن قراءته ودعائه، فلمَّا أردت أن تخرجها ولم يكن لك غيرها، توجَّه إليك فقال: أنت أحوج، ولم يقل لك شيئاً آخر)، قال الشيخ المذكور: وقع ذلك ونسيته(1).

بعد 13 صفر الخير

سنة (37ه-): لقاء أمير المؤمنين عليه السلام مع نصراني _ بعد انتهائه من معركة صفّين _ وأخبره النصراني بوجود كتب وآثار من عيسي عليه السلام عنده تحكي وتبشّر برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والأئمّة الاثني عشر عليهم السلام من بعده ونزول عيسي عليه السلام آخر الزمان وصلاته خلف الثاني عشر:

روي سليم بن قيس الهلالي الكوفي رحمه الله في كتابه، قال: أقبلنا من

******

(1) مستدرك سفينة البحار 4: 18.

ص: 38

صفّين مع أمير المؤمنين عليه السلام، فنزل العسكر قريباً من دير نصراني. فخرج إلينا من الدير شيخ كبير جميل حسن الوجه حسن الهيئة والسمت ومعه كتاب في يده، حتَّي أتي أمير المؤمنين عليه السلام فسلَّم عليه بالخلافة. فقال له علي عليه السلام: (مرحباً يا أخي شمعون بن حمّون، كيف حالك رحمك الله؟)، فقال: بخير يا أمير المؤمنين وسيّد المسلمين ووصيّ رسول ربّ العالمين. إنّي من نسل رجل من حواري أخيك عيسي بن مريم عليه السلام، وأنا من نسل شمعون بن يوحنّا وصيّ عيسي بن مريم. وكان من أفضل حواري عيسي بن مريم عليه السلام الاثني عشر وأحبّهم إليه وآثرهم عنده وإليه أوصي عيسي بن مريم عليه السلام وإليه دفع كتبه وعلمه وحكمته، فلم يزل أهل بيته علي دينه متمسّكين بملَّته فلم يكفروا ولم يبدّلوا ولم يغيّروا. وتلك الكتب عندي إملاء عيسي بن مريم وخطّ أبينا بيده، وفيها كلّ شيء يفعل الناس من بعده ملك ملك، وكم يملك وما يكون في زمان كلّ ملك منهم، حتَّي يبعث الله رجلاً من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن من أرض تُدعي (تهامة) من قرية يقال لها: (مكّة) يقال له: (أحمد)، الأنجل العينين، المقرون الحاجبين، صاحب الناقة والحمار والقضيب والتاج _ يعني العمامة _، له اثنا عشر اسماً. ثمّ ذكر مبعثه ومولده وهجرته ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه وكم يعيش وما تلقي أمَّته من بعده من الفرقة والاختلاف، وفيه تسمية كلّ إمام هدي وإمام ضلالة إلي أن ينزل الله عيسي بن مريم من السماء. فذكر في الكتاب ثلاثة عشر رجلاً من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، هم خير من خلق الله وأحبّ من خلق الله إلي الله. وأنَّ الله وليّ من والاهم وعدوّ من عاداهم، من أطاعهم اهتدي ومن عصاهم ضلَّ،

ص: 39

طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم لله معصية، مكتوبة فيه أسمائهم وأنسابهم ونعتهم وكم يعيش كلّ رجل منهم واحداً بعد واحد، وكم رجل منهم يستسر بدينه ويكتمه من قومه، ومن يظهر منهم ومن يملك وينقاد له الناس حتَّي ينزل الله عيسي بن مريم عليه السلام علي آخرهم، فيُصلّي عيسي خلفه ويقول: (إنَّكم أئمّة لا ينبغي لأحد أن يتقدَّمكم)، فيتقدَّم فيُصلّي بالناس وعيسي خلفه في الصفّ الأوّل. أوّلهم أفضلهم، وآخرهم له مثل أجورهم وأجور من أطاعهم واهتدي بهداهم...)(1).

ورواه النعماني رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة ومحمّد بن همّام بن سهيل وعبد العزيز وعبد الواحد ابنا عبد الله بن يونس الموصلي، عن رجالهم، عن عبد الرزاق بن همّام، قال: حدَّثنا معمّر بن راشد، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلالي(2).

23 صفر الخير

سنة (260ه-): إرسال أبي الأديان من قبل الإمام العسكري عليه السلام في مهمّة وإخباره بوفاته عليه السلام وبثلاث علامات لمعرفة خليفته الإمام المهدي عليه السلام بعد رجوع أبي الأديان من السفر:

روي الصدوق رحمه الله عن أبي الأديان، قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وأحمل كتبه إلي الأمصار، فدخلت

******

(1) كتاب سليم بن قيس: 252 و 253/ ح 16.

(2) الغيبة للنعماني: 78 - 80/ باب 4/ ح 9.

ص: 40

عليه في علَّته التي توفّي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال: (امض بها إلي المدائن، فإنَّك ستغيب خمسة عشر يوماً، وتدخل إلي سُرَّ من رأي يوم الخامس عشر، وتسمع الواعية في داري، وتجدني علي المغتسل)، قال أبو الأديان: فقلت: يا سيّدي، فإذا كان ذلك فمن؟ قال: (من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي)، فقلت: زدني، فقال: (من يُصلّي عليَّ فهو القائم بعدي)، فقلت: زدني، فقال: (من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي)، ثمّ منعتني هيبته أن أسأله عمَّا في الهميان. وخرجت بالكتب إلي المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سُرَّ من رأي يوم الخامس عشر كما ذكر لي عليه السلام فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به علي المغتسل، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزّونه ويهنّونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة، لأنّي كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدَّمت فعزَّيت وهنَّيت فلم يسألني عن شيء. ثمّ خرج عقيد فقال: يا سيّدي قد كُفّن أخوك فقم وصلّ عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمّان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسَلَمة، فلمَّا صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه علي نعشه مكفّناً، فتقدَّم جعفر بن علي ليُصلّي علي أخيه، فلمَّا همَّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن علي وقال: (تأخَّر يا عمّ، فأنا أحقُّ بالصلاة علي أبي)، فتأخَّر جعفر، وقد أربد وجهه واصفرَّ، فتقدَّم الصبي وصلّي عليه، ودُفن إلي جانب قبر أبيه عليهما السلام. ثمّ قال: (يا بصري هات جوابات الكتب التي معك)، فدفعتها إليه،

ص: 41

فقلت في نفسي: هذه بيّنتان، بقي الهميان. ثمّ خرجت إلي جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشّاء: يا سيّدي من الصبي؟ لنقيم الحجّة عليه، فقال: والله ما رأيته قطّ ولا أعرفه. فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي عليهما السلام فعرفوا موته فقالوا: فمن (نعزّي)؟ فأشار الناس إلي جعفر بن علي، فسلَّموا عليه وعزّوه وهنّوه وقالوا: إنَّ معنا كتباً ومالاً، فتقول ممَّن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منّا أن نعلم الغيب. قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان (وفلان)، وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجَّه بك لأخذ ذلك هو الإمام، فدخل جعفر بن علي علي المعتمد وكشف له ذلك، فوجَّه المعتمد بخدمه فقبضوا علي صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته وادَّعت حبلاً بها لتغطّي حال الصبي، فسلّمت إلي ابن أبي الشوارب القاضي(1)، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيي بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة(2)،

******

(1) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 13/ ص 412 و413/ الرقم 200): علي بن محمّد بن عبد الملك ابن أبي الشوارب الحافظ، الإمام، قاضي القضاة، أبو الحسن الأموي البصري...، مات في شوّال سنة ثلاث وثمانين ومائتين.

(2) قال الزركلي في الأعلام (ج 4/ ص 324): علي بن محمّد الورزنيني العلوي، الملقَّب بصاحب الزنج: من كبار أصحاب الفتن في العهد العبّاسي. وفتنته معروفة بفتنة الزنج لأنَّ أكثر أنصاره منهم. ولد ونشأ في (ورزنين) إحدي قري الري. وظهر في أيّام المهتدي بالله العبّاسي سنة (255ه-)...، والتف حوله سودان أهل البصرة ورعاعها، فامتلكها واستولي علي الأبلة، وتتابعت لقتاله الجيوش، فكان يظهر عليها ويشتّتها، ونزل البطائح، وامتلك الأهواز، وأغار علي واسط، وجعل مقامه في قصر اتَّخذه بالمختار. وعجز عن قتاله الخلفاء، حتَّي ظفر به (الموفَّق بالله) في أيّام المعتمد، فقتله وبعث برأسه إلي بغداد سنة (270ه-).=

ص: 42

فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله ربّ العالمين(1).

26 _ 28 صفر الخير

سنة (11ه-): إخبار رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام وهو في مرضه الذي توفّي فيه بأنَّ المهدي من ولدها:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال:

******

= قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج 8/ ص 126 و127): فأمَّا صاحب الزنج هذا فإنَّه ظهر في فرات البصرة في سنة خمس وخمسين ومائتين، رجل زعم أنَّه علي بن محمّد بن أحمد بن عيسي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فتبعه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ في البصرة. وأكثر الناس يقدحون في نسبه وخصوصاً الطالبيين. وجمهور النسّابين اتَّفقوا علي أنَّه من عبد القيس، وأنَّه علي بن محمّد بن عبد الرحيم، واُمّه سدية من أسد بن خزيمة، جدّها محمّد بن حكيم الأسدي، من أهل الكوفة، أحد الخارجين مع زيد بن علي بن الحسين عليه السلام علي هشام بن عبد الملك، فلمَّا قُتل زيد، هرب فلحق بالريّ وجاء إلي القرية التي يقال لها: ورزنين، فأقام بها مدَّة، وبهذه القرية وُلد علي بن محمّد صاحب الزنج، وبها منشؤه، وكان أبو أبيه المسمّي عبد الرحيم رجلاً من عبد القيس، كان مولده بالطالقان، فقدم العراق، واشتري جارية سندية، فأولدها محمّداً أباه.

وقال المسعودي في مروج الذهب (ج 4/ ص 108): كان خروج صاحب الزنج بالبصرة في خلافة المهتدي، وذلك في سنة خمس وخمسين ومائتين، وكان يزعم أنَّه علي بن محمّد بن أحمد بن عيسي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأكثر الناس يقول: إنَّه دعيُّ آل أبي طالب ينكرونه، وكان من أهل قرية من أعمال الريّ يقال لها: ورزنين، وظهر من فعله ما دلَّ علي تصديق ما رُمي به من أنَّه كان يري رأي الأزارقة من الخوارج، لأنَّ أفعاله في قتل النساء والأطفال وغيرهم من الشيخ الفاني وغيره ممَّن لا يستحقّ القتل يشهد بذلك عليه.

(1) كمال الدين: 475 و476/ باب 43/ ذيل الحديث 25؛ الثاقب في المناقب: 607 و608/ ح (554/2)؛ الخرائج والجرائح 3: 1101 - 1104/ ح 23.

ص: 43

حدَّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسي، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عيّاش، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول: كنت جالساً بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في مرضته التي قُبض فيها، فدخلت فاطمة عليها السلام، فلمَّا رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتَّي جرت دموعها علي خدّيها، فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (ما يبكيك يا فاطمة؟)، قالت: (يا رسول الله، أخشي علي نفسي وولدي الضيعة بعدك)، فاغرورقت عينا رسول الله بالبكاء، ثمّ قال: (يا فاطمة، أمَا علمت أنّا أهل بيت اختار الله عز وجل لنا الآخرة علي الدنيا وأنَّه حتم الفناء علي جميع خلقه، وأنَّ الله تبارك وتعالي أطلع إلي الأرض إطلاعة فاختارني من خلقه فجعلني نبيّاً، ثم أطلع إلي الأرض إطلاعة ثانية فاختار منها زوجك وأوحي إليَّ أن اُزوّجك إيّاه وأتَّخذه وليّاً ووزيراً، وأن أجعله خليفتي في أمَّتي، فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء، وأنت أوّل من يلحق بي من أهلي، ثمّ أطلع إلي الأرض إطلاعة ثالثة فاختارك وولديك، فأنت سيّدة نساء أهل الجنَّة، وابناك حسن وحسين سيّدا شباب أهل الجنَّة، وأبناء بعلك أوصيائي إلي يوم القيامة، كلّهم هادون مهديون، وأوّل الأوصياء بعدي أخي علي، ثمّ حسن، ثمّ حسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين في درجتي، وليس في الجنَّة درجة أقرب إلي الله من درجتي ودرجة أبي إبراهيم، أمَا تعلمين يا بنيَّة أنَّ من كرامة الله إيّاك أن زوَّجك خير أمَّتي، وخير أهل بيتي، أقدمهم سلماً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً)، فاستبشرت فاطمة عليها السلام وفرحت بما قال لها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ثمّ قال: (يا بنيَّة إنَّ لبعلك مناقب: إيمانه بالله ورسوله قبل كلّ أحد، فلم يسبقه إلي ذلك أحد من أمَّتي، وعلمه بكتاب الله عز وجل وسُنَّتي وليس أحداً من أمَّتي يعلم جميع علمي غير

ص: 44

علي عليه السلام، وإنَّ الله عز وجل علَّمني علماً لا يعلمه غيري وعلَّم ملائكته ورسله علماً، فكلَّما علَّمه ملائكته ورسله فأنا أعلمه وأمرني الله أن اُعلّمه إيّاه ففعلت، فليس أحد من أمَّتي يعلم جميع علمي وفهمي وحكمتي غيره، وإنَّك يا بنيَّة زوجته، وابناه سبطاي حسن وحسين وهما سبطا أمَّتي، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فإنَّ الله جلَّ وعزَّ آتاه الحكمة وفصل الخطاب، ويا بنيَّة إنّا أهل بيت أعطانا الله عز وجل ستّ خصال لم يعطها أحداً من الأوّلين كان قبلكم، ولم يعطها أحداً من الآخرين غيرنا، نبيّنا سيّد الأنبياء والمرسلين وهو أبوك، ووصيّنا سيّد الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا سيّد الشهداء وهو حمزة بن عبد المطَّلب عمّ أبيك)، قالت: (يا رسول الله، هو سيّد الشهداء الذين قتلوا معه؟)، قال: (لا، بل سيّد شهداء الأوّلين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيّار في الجنَّة مع الملائكة، وابناك حسن وحسين سبطا أمَّتي وسيّدا شباب أهل الجنَّة، ومنّا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمَّة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً...)(1).

* وروي الطوسي رحمه الله عن الشيخ المفيد رحمه الله، قال: حدَّثنا أبو أحمد إسماعيل بن يحيي العبسي، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، قال: حدَّثنا محمّد بن إسماعيل الضراري، قال: حدَّثني عبد السلام بن صالح الهروي، قال: حدَّثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: حدَّثنا قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي الأسدي، عن أبي أيّوب الأنصاري، قال: مرض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مرضة، فأتته فاطمةعليها السلام تعوده، فلمَّا رأت ما برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من المرض والجهد

******

(1) كمال الدين: 262 - 264/ باب 24/ ح 10.

ص: 45

استعبرت وبكت حتَّي سالت دموعها علي خدّيها، فقال لها النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (يا فاطمة، إنّي لكرامة الله إيّاك زوَّجتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً، إنَّ الله (تعالي) أطلع إلي أهل الأرض إطلاعة فاختارني منها فبعثني نبيّاً، وأطلع إليها ثانية فاختار بعلك فجعله وصيّاً). فسرَّت فاطمة عليها السلام فاستبشرت، فأراد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يزيدها مزيد الخير، فقال: (يا فاطمة، إنّا أهل بيت اُعطينا سبعاً لم يعطها أحد قبلنا ولا يعطاها أحد بعدنا: نبيّنا أفضل الأنبياء وهو أبوك، ووصيّنا أفضل الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا أفضل الشهداء وهو عمّك، ومنّا من جعل الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة وهو ابن عمّك، ومنّا سبطا هذه الأمَّة وهما ابناك، والذي نفسي بيده لا بدَّ لهذه الأمّة من مهدي، وهو والله من ولدك)(1).

* وروي الطبراني عن محمّد بن رزيق بن جامع المصري، قال: ثنا الهيثم بن حبيب، ثنا سفيان بن عيينة، عن علي بن علي المكّي الهلالي، عن أبيه، قال: دخلت علي رسول الله (صلي الله عليه وسلم) في شكاته التي قُبض فيها، فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه، قال: فبكت حتَّي ارتفع صوتها، فرفع رسول الله (صلي الله عليه وسلم) طرفه إليها فقال: (حبيبتي فاطمة، ما الذي يبكيك؟)، فقالت: (أخشي الضيعة من بعدك)، فقال: (يا حبيبتي، أمَا علمت أنَّ الله عز وجل أطلع إلي الأرض إطلاعة فاختار منها أباك عروبة برسالته، ثمّ أطلع إطلاعة فاختار منها بعلك، وأوحي إليَّ أن اُنكحك إيّاه. يا فاطمة، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم يعط أحد قبلنا ولا يعطي أحد بعدنا: أنا خاتم النبيّين وأكرم النبيّين علي الله وأحبُّ المخلوقين إلي الله عز وجل وأنا أبوك، ووصيّي خير الأوصياء وأحبّهم إلي الله وهو بعلك، وشهيدنا خير

******

(1) أمالي الطوسي: 154 و155/ ح (256/8).

ص: 46

الشهداء وأحبّهم إلي الله وهو عمّك حمزة بن عبد المطَّلب وهو عمّ أبيك وعمّ بعلك، ومنّا من له جناحان أخضران يطير في الجنَّة مع الملائكة حيث يشاء وهو ابن عمّ أبيك وأخو بعلك، ومنّا سبطا هذه الأمَّة وهما ابناك الحسن والحسين، وهما سيّدا شباب أهل الجنَّة وأبوهما والذي بعثني بالحقّ خير منهما. يا فاطمة، والذي بعثني بالحقّ إنَّ منهما مهدي هذه الأمَّة، إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطَّعت السبل، وأغار بعضهم علي بعض، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً، فيبعث الله عز وجل عند ذلك منهما من يفتتح حصون الضلالة، وقلوباً غلفاً يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أوّل الزمان ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً. يا فاطمة، لا تحزني ولا تبكي فإنَّ الله عز وجل أرحم بك وأرأف عليك منّي وذلك لمكانك منّي وموضعك من قلبي، وزوَّجك الله زوجك وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً وأرحمهم بالرعيّة وأعدلهم بالسويّة وأبصرهم بالقضيّة، وقد سألت ربّي عز وجل أن تكوني أوّل من يلحقني من أهل بيتي)، قال علي رضي الله عنه: (فلمَّا قبض النبيّ (صلي الله عليه وسلم) لم تبقَ فاطمة رضي الله عنها بعده إلاَّ خمسة وسبعين يوماً حتَّي ألحقها الله به (صلي الله عليه وسلم))(1).

28 صفر الخير

سنة (260ه-): خروج الإمام المهدي عليه السلام من سامراء قبل شهادة أبيه عليه السلام بعشرة أيّام علي رواية:

روي الكليني رحمه الله عن علي بن محمّد، عن أبي محمّد الوجناني أنَّه

******

(1) المعجم الكبير للطبراني 3: 57 و58/ ح 2675.

ص: 47

أخبرني عمَّن رآه أنَّه خرج من الدار قبل الحادث بعشرة أيّام وهو يقول: (اللّهمّ إنَّك تعلم أنَّها من أحبّ البقاع لولا الطرد)، أو كلام هذا نحوه(1).

قال المجلسي رحمه الله: (لعلَّ المراد بالحادث وفاة أبي محمّد عليه السلام، والضمير في (أنَّها) راجع إلي سامراء)(2).

* * *

أحداث هذا الشهر بدون ذكر اليوم

1 _ سنة (274ه-): التاريخ السندي لحديث علي بن الحسن التيملي عن الإمام الباقر عليه السلام في تمنّي نبيّ الله موسي عليه السلام أن يكون هو قائم آل محمّد:

روي النعماني رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدَّثنا علي بن الحسن التيملي في صفر سنة أربع وسبعين ومائتين، قال: حدَّثني محمّد بن علي، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس بن بزرج، عن حمزة بن حمران، عن سالم الأشل، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام يقول: (نظر موسي بن عمران في السفر الأوّل إلي ما يعطي قائم آل محمّد من التمكين والفضل، فقال موسي: ربّ اجعلني قائم آل محمّد. فقيل له: إنَّ ذاك من ذرّية أحمد. ثمّ نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك، فقال مثله، فقيل له مثل ذلك، ثمّ نظر في السفر الثالث فرأي مثله، فقال مثله، فقيل له مثله)(3).

******

(1) الكافي 1: 331/ باب في تسمية من رآه عليه السلام/ ح 10.

(2) بحار الأنوار: 52: 66/ ذيل الحديث 52.

(3) الغيبة للنعماني: 246 و247/ باب 13/ ح 34؛ الصراط المستقيم 2: 257.

ص: 48

2 _ سنة (274ه-): التاريخ السندي لحديث علي بن الحسن التيملي عن الإمام الصادق عليه السلام يحكي مدَّة تسلّط السفياني وهي تسعة أشهر:

روي النعماني رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدَّثنا علي بن الحسن التيملي من كتابه في صفر سنة أربع وسبعين ومائتين، قال: حدَّثنا العبّاس بن عامر بن رباح الثقفي، قال: حدَّثنا محمّد بن الربيع الأقرع، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام أنَّه قال: (إذا استولي السفياني علي الكور الخمس فعدّوا له تسعة أشهر)، وزعم هشام أنَّ الكور الخمس: دمشق وفلسطين والأردن وحمص وحلب(1).

3 _ سنة (274ه-): التاريخ السندي لحديث علي بن الحسن التيملي عن الإمام الباقر عليه السلام يحكي فيه حال المرجئة في زمن الإمام المهدي عليه السلام:

روي النعماني رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدَّثنا علي بن الحسين التيملي من كتابه في صفر سنة أربع وسبعين ومائتين، قال: حدَّثنا العبّاس بن عامر بن رباح الثقفي، عن موسي بن بكر، عن بشير النبّال. قال: وأخبرنا علي بن أحمد البندنيجي، عن عبيد الله بن موسي العلوي، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيي، عن بشير بن أبي أراكة النبّال، ولفظ الحديث علي رواية ابن عقدة، قال: لمَّا قدمت المدينة انتهيت إلي منزل أبي جعفر الباقر عليه السلام فإذا أنا ببغلته مسرجة بالباب، فجلست حيال الدار، فخرج فسلَّمت عليه، فنزل عن البغلة وأقبل نحوي، فقال لي: (ممَّن الرجل؟)، فقلت: من أهل العراق، فقال: (من أيّها؟)، قلت: من أهل الكوفة، فقال: (من صحبك في هذا الطريق؟)، قلت: قوم

******

(1) الغيبة للنعماني: 316/ باب 18/ ح 13.

ص: 49

من المحدثة، فقال: (وما المحدثة؟)، قلت: المرجئة(1)، فقال: (ويح هذه المرجئة إلي من يلجؤون غداً إذا قام قائمنا؟)، قلت: إنَّهم يقولون: لو قد كان ذلك كنّا نحن وأنتم في العدل سواء، فقال: (من تاب تاب الله عليه، ومن أسرَّ نفاقاً فلا يبعد الله غيره، ومن أظهر شيئاً أهرق الله دمه)، ثمّ قال: (يذبحهم والذي نفسي بيده كما يذبح القصّاب شاته _ وأومأ بيده إلي حلقه _)، قلت: إنَّهم يقولون: إنَّه إذا كان ذلك استقامت له الأمور، فلا يهريق محجمة دم، فقال: (كلاَّ والذي نفسي بيده، حتَّي نمسح وأنتم العرق والعلق _ وأومأ بيده إلي جبهته _)(2).

4 _ سنة (274ه-): التاريخ السندي لحديث علي بن الحسن التيملي عن الإمام الباقر عليه السلام في شرح حال المؤمن وكرامته عند الله والإخبار عن بعض تحرّكات السفياني ومدَّة حكمه:

روي النعماني رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدَّثنا علي بن الحسن التيملي في صفر سنة أربع وسبعين ومائتين، قال: حدَّثنا الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: (اتَّقوا الله واستعينوا علي ما أنتم

******

(1) قد اختلف في المرجئة فقيل: هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنَّه لا يضرُّ مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، سمّوا مرجئة لاعتقادهم أنَّ الله تعالي أرجأ تعذيبهم عن المعاصي، أي أخَّره عنهم. وعن ابن قتيبة أنَّه قال: (هم الذين يقولون الإيمان قولاً بلا عمل، لأنَّهم يقدّمون القول ويؤخّرون العمل). وقال بعض أهل المعرفة بالملل: (إنَّ المرجئة هم الفرقة الجبرية الذين يقولون: إنَّ العبد لا فعل له، وإضافة الفعل إليه بمنزلة إضافته إلي المجازات، كجري النهر ودارت الرحا، وإنَّما سُمّيت المجبرة مرجئة لأنَّهم يؤخّرون أمر الله ويرتكبون الكبائر). وفي المغرب (للجواليقي اللغوي) نقلاً عنه: (سمّوا بذلك لإرجائهم حكم أهل الكبائر إلي يوم القيامة). (مجمع البحرين 2: 144 و145).

(2) الغيبة للنعماني: 293 و294/ باب 15/ ح 1.

ص: 50

عليه بالورع والاجتهاد في طاعة الله، فإنَّ أشدّ ما يكون أحدكم اغتباطاً بما هو فيه من الدين لو قد صار في حدّ الآخرة وانقطعت الدنيا عنه، فإذا صار في ذلك الحدّ عرف أنَّه قد استقبل النعيم والكرامة من الله والبشري بالجنّة، وأمن ممَّا كان يخاف، وأيقن أنَّ الذي كان عليه هو الحقّ، وإنَّ من خالف دينه علي باطل، وإنَّه هالك، فأبشروا ثمّ أبشروا بالذي تريدونه، ألستم ترون أعداءكم يقتتلون في معاصي الله، ويقتل بعضهم بعضاً علي الدنيا دونكم وأنتم في بيوتكم آمنون في عزلة عنهم، وكفي بالسفياني نقمة لكم من عدوّكم، وهو من العلامات لكم مع أنَّ الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم بأس حتَّي يقتل خلقاً كثيراً دونكم). فقال له بعض أصحابه: فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك؟ قال: (يتغيَّب الرجل منكم عنه، فإنَّ حنقه وشرهه فإنَّما هي علي شيعتنا، وأمَّا النساء فليس عليهنَّ بأس إن شاء الله تعالي). قيل: فإلي أين يخرج الرجال ويهربون منه؟ فقال: (من أراد منهم أن يخرج يخرج إلي المدينة أو إلي مكّة أو إلي بعض البلدان)، ثمّ قال: (ما تصنعون بالمدينة، وإنَّما يقصد جيش الفاسق إليها، ولكن عليكم بمكّة فإنَّها مجمعكم، وإنَّما فتنته حمل امرأة تسعة أشهر، ولا يجوزها إن شاء الله)(1).

5 _ سنة (381ه-): التاريخ السندي لحديث هارون بن موسي عن زيد بن علي عليه السلام وفيه بشارة أنَّ المهدي عليه السلام من آل محمّد عليهم السلام:

سيأتي في (رجب/ سنة 120ه-) تحت عنوان: (خروج زيد بن علي عليه السلام إلي العراق وبشارته بأنَّ المهدي عليه السلام من آل محمّد عليهم السلام).

******

(1) الغيبة للنعماني: 311 و312/ باب 18/ ح 3.

ص: 51

6 _ سنة (410ه-): وصول الرسالة الأولي للشيخ المفيد رحمه الله من قبل الإمام المهدي عليه السلام في أيّام بقيت من شهر صفر يؤكّد فيها علي اهتمامه بشيعته بقوله: (إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء):

قال الطبرسي رحمه الله في الاحتجاج: ذكر كتاب ورد من الناحية المقدَّسة حرسها الله ورعاها في أيّام بقيت من صفر، سنة عشر وأربعمائة علي الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان قدَّس الله روحه ونوَّر ضريحه، ذكر موصله أنَّه يحمله من ناحية متَّصلة بالحجاز، نسخته: (للأخ السديد، والوليّ الرشيد، الشيخ المفيد، أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ علي العباد، بسم الله الرحمن الرحيم، أمَّا بعد: سلام عليك أيّها الوليّ المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلاَّ هو، ونسأله الصلاة علي سيّدنا ومولانا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين، ونعلمك أدام الله توفيقك لنصرة الحقّ، وأجزل مثوبتك علي نطقك عنّا بالصدق أنَّه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤدّيه عنّا إلي موالينا قبلك، أعزَّهم الله بطاعته، وكفاهم المهمّ برعايته لهم وحراسته، فقف أيَّدك الله بعونه علي أعدائه المارقين من دينه علي ما أذكره، واعمل في تأديته إلي من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله. نحن وإن كنّا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أراناه الله تعالي لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنّا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا

ص: 52

بالذلّ الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلي ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنَّهم لا يعلمون. إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء، فاتَّقوا الله جل جلاله وظاهرونا علي انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حمَّ أجله، ويحمي عنها من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا، والله متمّ نوره ولو كره المشركون. اعتصموا بالتقيّة من شب نار الجاهلية، يحشّشها عصب أموية، يهول بها فرقة مهدية، أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن، وسلك في الطعن منها السبل المرضية، إذا حلَّ جمادي الأولي من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه، ستظهر لكم من السماء آية جلية، ومن الأرض مثلها بالسوية، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد علي العراق طوائف عن الإسلام مراق، تضيق بسوء فعالهم علي أهله الأرزاق، ثمّ تنفرج الغمّة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار، ثمّ يستر بهلاكه المتَّقون الأخيار، ويتَّفق لمريدي الحجّ من الآفاق ما يؤمّلونه منه علي توفير عليه منهم واتّفاق، ولنا في تيسير حجّهم علي الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر علي نظام واتّساق. فليعمل كلّ امرء منكم بما يقرب به من محبّتنا، ويتجنَّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإنَّ أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم علي حوبة. والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته).

نسخة التوقيع باليد العليا علي صاحبها السلام: (هذا كتابنا إليك أيّها

ص: 53

الأخ الوليّ، والمخلص في ودّنا الصفي، والناصر لنا الوفي، حرسك الله بعينه التي لا تنام، فاحتفظ به، ولا تظهر علي خطّنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحداً، وأدَّ ما فيه إلي من تسكن إليه، وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله، وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين)(1).

7 _ سنة (759ه-): شفاء ابن الشيخ نجم الدين الزهدري من الفالج _ بعد عرضه علي أطبّاء كثر _ ببركة الإمام المهدي عليه السلام في مقامه بالحلَّة:

روي المجلسي رحمه الله عن كتاب (السلطان المفرّج عن أهل الإيمان) للسيّد علي بن عبد الحميد عند ذكر من رآي القائم عليه السلام: ومن ذلك بتاريخ صفر لسنة سبعمائة وتسع وخمسين حكي لي المولي الأجلّ الأمجد، العالم الفاضل، القدوة الكامل، المحقّق المدقّق، مجمع الفضائل، ومرجع الأفاضل، افتخار العلماء في العالمين، كمال الملَّة والدين، عبد الرحمن ابن العماني، وكتب بخطّه الكريم عندي ما صورته، قال العبد الفقير إلي رحمة الله تعالي عبد الرحمن بن إبراهيم القبائقي: إنّي كنت أسمع في الحلَّة السيفية حماها الله تعالي أنَّ المولي الكبير المعظَّم جمال الدين ابن الشيخ الأجلّ الأوحد الفقيه القارئ نجم الدين جعفر بن الزهدري كان به فالج، فعالجته جدَّته لأبيه بعد موت أبيه بكلّ علاج للفالج، فلم يبرأ. فأشار عليها بعض الأطبّاء ببغداد فأحضرتهم فعالجوه زماناً طويلاً، فلم يبرأ. وقيل لها: ألا تبيّتينه تحت القبَّة الشريفة بالحلَّة المعروفة بمقام صاحب الزمان عليه السلام(2) لعلَّ الله تعالي يعافيه ويبرئه. ففعلت وبيَّتته تحتها، وإنَّ صاحب

******

(1) الاحتجاج 2: 318 - 324.

(2) يقع هذا المقام المبارك في مركز مدينة الحلّة بالعراق، في منطقةٍ تُدعي (السَّنيّة) في سوق الصفّارين علي يمين الداخل إلي هذا السوق، أو علي يسار الداخل إلي السوق الكبير، وخلف جامع الحلّة الكبير. وهو مشهورٌ عند أهل الحلّة ب- (مقام الغيبة) نسبةً إلي الإمام الغائب عليه السلام.=

ص: 54

الزمان عليه السلام أقامه وأزال عنه الفالج. ثمّ بعد ذلك حصل بيني وبينه صحبة حتَّي كنّا لم نكد نفترق، وكان له دار المعشرة، يجتمع فيها وجوه أهل الحلَّة وشبابهم وأولاد الأماثل منهم، فاستحكيته عن هذه الحكاية، فقال لي: إنّي كنت مفلوجاً وعجز الأطبّاء عنّي، وحكي لي ما كنت أسمعه مستفاضاً في الحلَّة من قضيَّته، وأنَّ الحجّة صاحب الزمان عليه السلام قال لي وقد أباتتني جدَّتي تحت القبَّة: (قم)، فقلت: يا سيّدي لا أقدر علي القيام منذ سنتي، فقال: (قم بإذن الله تعالي)، وأعانني علي القيام، فقمت وزال عنّي الفالج، وانطبق عليَّ الناس حتَّي كادوا يقتلونني، وأخذوا ما كان عليَّ من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبرَّكون فيها، وكساني الناس من ثيابهم، ورحت إلي البيت، وليس بي أثر الفالج، وبعثت إلي الناس ثيابهم، وكنت أسمعه يحكي ذلك للناس ولمن يستحكيه مراراً حتَّي مات رحمه الله(1).

* * *

******

=جاء ذكر هذا المقام في مخطوطة الشيخ ابن هيكل المتوفّي سنة (636ه-)، فيقتضي وجود المقام قبل هذا التاريخ بسنوات عديدة.

(1) بحار الأنوار 52: 73.

ص: 55

ص: 56

3- ربيع الأوّل

اشارة

ص: 57

ص: 58

5 ربيع الأوّل

سنة (260ه-): مكاتبة الإمام العسكري عليه السلام إلي محمّد بن علي بن بلال يخبره بالخلف من بعده:

روي الكليني رحمه الله عن علي بن محمّد، عن محمّد بن علي بن بلال، قال: خرج إليَّ من أبي محمّد قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثمّ خرج إليَّ من قبل مضيه بثلاثة أيّام يخبرني بالخلف من بعده(1).

* وروي الصدوق رحمه الله عن أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل الكندي، قال: قال لي أبو طاهر البلالي: التوقيع الذي خرج إليَّ من أبي محمّد عليه السلام فعلّقوه في الخلف بعده وديعة في بيتك، فقلت له: اُحبّ أن تنسخ لي من لفظ التوقيع ما فيه، فأخبر أبا طاهر بمقالتي فقال له: جئني به حتَّي يسقط الإسناد بيني وبينه، فخرج إليَّ من أبي محمّد عليه السلام قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثمّ خرج إليَّ بعد(2) مضيه بثلاثة أيّام يخبرني بذلك، فلعن الله من جحد أولياء الله حقوقهم، وحمل الناس علي أكتافهم، والحمد لله كثيرا.(3)

******

(1) الكافي 1: 328/ باب الإشارة والنصّ إلي صاحب الدار عليه السلام/ ح 1.

(2) هكذا في المصدر، والصحيح: (قبل).

(3) كمال الدين: 499/ باب 45/ ح 24.

ص: 59

1 _ 8 ربيع الأوّل

سنة (260ه-): الإمام العسكري عليه السلام يعرض ولده الحجّة علي أربعين رجلاً من أصحابه قبل أيّام من شهادته:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، قال: حدَّثني جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري، قال: حدَّثني معاوية بن حكيم ومحمّد بن أيّوب بن نوح ومحمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه، قالوا: عرض علينا أبو محمّد الحسن بن علي عليهما السلام ونحن في منزله وكنّا أربعين رجلاً، فقال: (هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرَّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أمَا إنَّكم لا ترونه بعد يومكم هذا)، قالوا: فخرجنا من عنده، فما مضت إلاَّ أيّام قلائل حتَّي مضي أبو محمّد عليه السلام(1).

* وروي الطوسي رحمه الله عن أحمد بن علي بن نوح أبو العبّاس السيرافي، قال: وقال جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري البزّاز، عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال وأحمد بن هلال ومحمّد بن معاوية بن حكيم والحسن بن أيّوب بن نوح في خبر طويل مشهور قالوا جميعاً: اجتمعنا إلي أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام نسأله عن الحجّة من بعده، وفي مجلسه عليه السلام أربعون رجلاً، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له: يا ابن رسول الله، اُريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به منّي. فقال له: (اجلس يا عثمان)، فقام مغضبا (2) ليخرج، فقال: (لا

******

(1) كمال الدين: 435/ باب 43/ ح 2.

(2) من البعيد جدّاً أنَّ مثل عثمان وهو صاحب المقام السامي والنائب الأوّل يغضب من سيّده ومولاه لأجل كلمة أو أمر صدر منه، فالظاهر أنَّ الراوي تصوَّر محاولة خروج عثمان إنَّما هو لأجل غضبه وامتعاضه، وهو تصوّر خاطئ من قِبَله.

ص: 60

يخرجنَّ أحد)، فلم يخرج منّا أحد إلي (أن) كان بعد ساعة، فصاح عليه السلام بعثمان، فقام علي قدميه، فقال: (أخبركم بما جئتم؟)، قالوا : نعم، يا ابن رسول الله، قال: (جئتم تسألوني عن الحجّة من بعدي؟)، قالوا: نعم، فإذا غلام كأنَّه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمّد عليه السلام، فقال: (هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرَّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنَّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتَّي يتمَّ له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلي أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه...) في حديث طويل(1).

8 ربيع الأوّل

1 _ سنة (260ه-): شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام في صباح يوم الجمعة، وعمره (29) سنة، ودُفن في سامراء وانتقال الإمامة إلي صاحب العصر والزمان عليه السلام:

قال الصدوق رحمه الله في كمال الدين: وجدت مثبتاً في بعض الكتب المصنَّفة في التواريخ ولم أسمعه إلاَّ عن محمّد بن الحسين بن عباد أنَّه قال: مات أبو محمّد الحسن بن علي عليهما السلام يوم جمعة مع صلاة الغداة، وكان في تلك الليلة قد كتب بيده كتباً كثيرة إلي المدينة، وذلك في شهر ربيع الأوّل لثمان خلون منه سنة ستّين ومائتين من الهجرة، ولم يحضره في ذلك الوقت إلاَّ صقيل الجارية، وعقيد الخادم، ومن علم الله عز وجل غيرهما، قال عقيد: فدعا بماء قد أغلي بالمصطكي فجئنا به إليه فقال: (أبدء بالصلاة، هيّئوني)، فجئنا به وبسطنا في حجره المنديل فأخذ من صقيل الماء فغسل به وجهه وذراعيه مرَّة مرَّة ومسح

******

(1) الغيبة للطوسي: 357/ ح 319.

ص: 61

علي رأسه وقدميه مسحاً، وصلّي صلاة الصبح علي فراشه وأخذ القدح ليشرب فأقبل القدح يضرب ثناياه ويده ترتعد فأخذت صقيل القدح من يده. ومضي من ساعته صلوات الله عليه، ودُفن في داره بسُرَّ من رأي إلي جانب أبيه صلوات الله عليهما، فصار إلي كرامة الله جل جلاله وقد كمل عمره تسعاً وعشرين سنة(1).

2 _ سنة (260ه-): افتراق الشيعة بعد شهادة الإمام العسكري عليه السلام، وقد تنبَّأ بذلك قبل وفاته:

روي الصدوق رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار رضي الله عنه، قال: حدَّثني أبي، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري، قال: حدَّثني محمّد بن أحمد المدائني، عن أبي غانم، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي عليهما السلام يقول: (في سنة مائتين وستّين تفترق شيعتي)، ففيها قُبض أبو محمّد عليه السلام وتفرَّقت الشيعة وأنصاره، فمنهم من انتمي إلي جعفر، ومنهم من تاه، و(منهم من) شكّ، ومنهم من وقف علي تحيّره، ومنهم من ثبت علي دينه بتوفيق الله عز وجل(2).

3 _ سنة (260ه-): حضور الإمام المهدي عليه السلام في ساعة احتضار الإمام العسكري عليه السلام وإعانته في وضوءه وصلاته:

روي الطوسي رحمه الله عن إسماعيل بن علي، قال: دخلت علي أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام في المرضة التي مات فيها وأنا عنده، إذ قال لخادمه عقيد _ وكان الخادم أسود نوبياً قد خدم من قبله علي بن محمّد وهو ربي الحسن عليه السلام_، فقال (له): (يا عقيد، اغل لي ماء بمصطكي(3))، فأغلي له ثمّ

******

(1) كمال الدين: 473 و474/ باب 43/ ذيل الحديث 25.

(2) كمال الدين: 408/ باب 38/ ح 6.

(3) المصطكي والمصطكاء: علك رومي، أبيضه نافع للمعدة والمقعدة والأمعاء والكبد والسعال المزمن... (القاموس المحيط 3: 319).

ص: 62

جاءت به صقيل الجارية اُمّ الخلف عليه السلام. فلمَّا صار القدح في يديه وهمَّ بشربه فجعلت يده ترتعد حتَّي ضرب القدح ثنايا الحسن عليه السلام، فتركه من يده، وقال لعقيد: (اُدخل البيت فإنَّك تري صبيّاً ساجداً، فأتني به). قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت أتحرّي فإذا أنا بصبي ساجد رافع سبّابته نحو السماء، فسلَّمت عليه فأوجز في صلاته فقلت: إنَّ سيّدي يأمرك بالخروج إليه، إذا جاءت اُمّه صقيل فأخذت بيده وأخرجته إلي أبيه الحسن عليه السلام. قال أبو سهل: فلمَّا مثل الصبي بين يديه سلَّم وإذا هو درّي اللون، وفي شعر رأسه قطط، مفلج الأسنان، فلمَّا رآه الحسن عليه السلام بكي وقال: (يا سيّد أهل بيته، اسقني الماء، فإنّي ذاهب إلي ربّي)، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده ثمّ حرَّك شفتيه ثمّ سقاه، فلمَّا شربه قال: (هيّئوني للصلاة)، فطرح في حجره منديل فوضَّأه الصبي واحدة واحدة ومسح علي رأسه وقدميه. فقال له أبو محمّد عليه السلام: (ابشر يا بني فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجّة الله علي أرضه، وأنت ولدي ووصيّي وأنا ولدتك وأنت محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. ولدك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وأنت خاتم (الأوصياء) الأئمّة الطاهرين، وبشَّر بك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وسمّاك وكنّاك، بذلك عهد إليَّ أبي عن آبائك الطاهرين صلّي الله علي أهل البيت، ربّنا إنَّه حميد مجيد)، ومات الحسن بن علي من وقته صلوات الله عليهم أجمعين(1).

4 _ سنة (260ه-): ظهور الإمام المهدي عليه السلام أمام (39) شخصاً، وصلاته علي جنازة أبيه جماعة:

روي الطوسي رحمه الله عن أحمد بن علي الرازي، عن محمّد بن علي،

******

(1) الغيبة للطوسي: 271 - 273/ ح 237.

ص: 63

عن محمّد بن عبد ربّه الأنصاري الهمداني، عن أحمد بن عبد الله الهاشمي من ولد العبّاس، قال: حضرت دار أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام بسُرَّ من رأي يوم توفّي، وأخرجت جنازته ووضعت، ونحن تسعة وثلاثون رجلاً قعود ننتظر، حتَّي خرج إلينا غلام عشاري حافٍ عليه رداء قد تقنَّع به. فلمَّا أن خرج قمنا هيبةً له من غير أن نعرفه، فتقدَّم وقام الناس فاصطفّوا خلفه، فصلّي عليه ومشي، فدخل بيتاً غير الذي خرج منه. قال أبو عبد الله الهمداني: فلقيت بالمراغة رجلاً من أهل تبريز يعرف بإبراهيم بن محمّد التبريزي، فحدَّثني بمثل حديث الهاشمي لم يخرم منه شيء، قال: فسألت الهمداني فقلت: غلام عشاري القد أو عشاري السنّ، لأنَّه روي أنَّ الولادة كانت سنة ستّ وخمسين ومائتين وكانت غيبة أبي محمّد عليه السلام سنة ستّة(1) ومائتين بعد الولادة بأربع سنين. فقال: لا أدري هكذا سمعت، فقال لي شيخ معه حسن الفهم من أهل بلده له رواية وعلم: عشاري القد(2).

5 _ سنة (260ه-): إنباء الإمام الصادق عليه السلام للمفضَّل بن عمر بشهادة الإمام العسكري وغيبة الإمام المهدي عليهما السلام:

جاء في حديث المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: ... قال المفضَّل: يا سيّدي، ففي أيّ بقعة يظهر المهدي؟ قال عليه السلام: (لا تراه عين في وقت ظهوره إلاَّ رأته كلّ عين، فمن قال لكم غير هذا فكذّبوه). قال المفضَّل: يا سيّدي، ولا يري وقت ولادته؟ قال: (بلي والله، ليري من ساعة ولادته إلي ساعة

******

(1) هكذا في المصدر، والصحيح: (ستّين).

(2) الغيبة للطوسي: 258 و259/ ح 226.

ص: 64

وفاة أبيه سنتين وتسعة أشهر، أوّل ولادته وقت الفجر من ليلة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين إلي يوم الجمعة لثمان ليال خلون من ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين وهو يوم وفاة أبيه بالمدينة التي بشاطئ دجلة، يبنيها المتكبّر الجبّار المسمّي باسم جعفر، الضالّ الملقَّب بالمتوكّل وهو المتآكل لعنه الله تعالي، وهي مدينة تدعي بسُرَّ من رأي(1) وهي ساء من رأي يري شخصه المؤمن المحق سنة ستّين ومائتين ولا يراه المشكّك المرتاب، وينفذ فيها أمره ونهيه ويغيب عنها فيظهر في القصر بصابر بجانب المدينة في حرم جدّه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيلقاه هناك من يسعده الله بالنظر إليه، ثمّ يغيب في آخر يوم من سنة ستّ وستّين ومائتين(2) فلا تراه عين أحد حتَّي يراه كلّ أحد وكلّ عين)(3).

6 _ سنة (260ه-): وصول وفد قم يوم شهادة الإمام العسكري عليه السلام ورفضهم إعطاء المال لجعفر وتشرّفهم بمشاهدة صاحب العصر والزمان وإخباره إيّاهم بما يحملون:

روي الصدوق رحمه الله عن أبي العبّاس أحمد بن الحسين بن عبد الله

******

(1) من المدن العراقية المقدَّسة يعود اكتشافها إلي عصور قديمة، فقد ذكرها المؤرّخ الروماني أميانس مرقلينس المتوفّي سنة (390م) بصيغة (سومرا)، كلّ ذلك قبل أن يجدّد بناءها الحاكم العبّاسي المعتصم في سنة (221ه-)، تقع المدينة علي الضفة الشرقية لنهر دجلة، وتبعد نحو (118) كيلومتراً إلي الشمال من العاصمة بغداد. وفيها مرقد الإمامين العسكريين والسيّدة نرجس اُمّ الإمام المهدي والسيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد عليهم السلام.

(2) هكذا في المصادر، ويحتمل أن يكون هنالك تحريف من قِبَل النسّاخ في هذا التاريخ، إذ من المعلوم أنَّ بداية الغيبة الصغري كانت بشهادة الإمام العسكري عليه السلام، أي سنة (260ه-)، كما أنَّ بداية الغيبة الكبري كان في (15/ شعبان/ 329ه-)، وهو تاريخ وفاة النائب الرابع علي بن محمّد السمري.

(3) مختصر بصائر الدرجات: 181 و182.

ص: 65

بن محمّد بن مهران الآبي العروضي رضي الله عنه بمرو، قال: حدَّثنا (أبو) الحسين (بن) زيد بن عبد الله البغدادي، قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن سنان الموصلي، قال: حدَّثني أبي، قال: لمَّا قُبض سيّدنا أبو محمّد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما وفد من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل علي الرسم والعادة، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن عليه السلام، فلمَّا أن وصلوا إلي سُرَّ من رأي سألوا عن سيّدنا الحسن بن علي عليهما السلام، فقيل لهم: إنَّه قد فُقد، فقالوا: ومن وارثه؟ قالوا: أخوه جعفر بن علي، فسألوا عنه، فقيل لهم: إنَّه قد خرج متنزّها وركب زورقاً في الدجلة يشرب ومعه المغنّون، قال: فتشاور القوم فقالوا: هذه ليست من صفة الإمام، وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتَّي نردّ هذه الأموال علي أصحابها. فقال أبو العبّاس محمّد بن جعفر الحميري القمّي: قفوا بنا حتَّي ينصرف هذا الرجل ونختبر أمره بالصحَّة. قال: فلمَّا انصرف دخلوا عليه فسلَّموا عليه وقالوا: يا سيّدنا نحن من أهل قم ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها وكنّا نحمل إلي سيّدنا أبي محمّد الحسن بن علي الأموال، فقال: وأين هي؟ قالوا: معنا، قال: احملوها إليَّ، قالوا: لا، إنَّ لهذه الأموال خبراً طريفاً، فقال: وما هو؟ قالوا: إنَّ هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامّة الشيعة الدينار والديناران، ثمّ يجعلونها في كيس ويختمون عليه، وكنّا إذا وردنا بالمال علي سيّدنا أبي محمّد عليه السلام يقول: جملة المال كذا وكذا ديناراً، من عند فلان كذا ومن عند فلان كذا، حتَّي يأتي علي أسماء الناس كلّهم، ويقول ما علي الخواتيم من نقش، فقال جعفر: كذبتم، تقولون علي أخي ما لا يفعله، هذا علم الغيب ولا يعلمه إلاَّ الله.

ص: 66

قال: فلمَّا سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلي بعض فقال لهم: احملوا هذا المال إليَّ، قالوا: إنّا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب المال ولا نسلّم المال إلاَّ بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيّدنا الحسن بن علي عليهما السلام فإن كنت الإمام فبرهن لنا وإلاَّ رددناها إلي أصحابها، يرون فيها رأيهم. قال: فدخل جعفر علي الخليفة(1) _ وكان بسُرَّ من رأي _ فاستعدي عليهم، فلمَّا اُحضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلي جعفر، قالوا: أصلح الله أمير المؤمنين إنّا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب هذه الأموال وهي وداعة لجماعة وأمرونا بأن لا نسلّمها إلاَّ بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام. فقال الخليفة: فما كانت العلامة التي كانت مع أبي محمّد. قال القوم: كان يصف لنا الدنانير وأصحابها والأموال وكم هي، فإذا فعل ذلك سلَّمناها إليه، وقد وفدنا إليه مراراً فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا، وقد مات، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، وإلاَّ رددناها إلي أصحابها. فقال جعفر: يا أمير المؤمنين إنَّ هؤلاء قوم كذّابون يكذبون علي أخي، وهذا علم الغيب. فقال الخليفة: القوم رسل وما علي الرسول إلاَّ البلاغ المبين، قال: فبهت جعفر ولم يردّ جواباً، فقال القوم: يتطوَّل أمير المؤمنين بإخراج أمره إلي من يبدرقنا(2) حتَّي نخرج من هذه البلدة، قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها، فلمَّا أن خرجوا من البلد خرج إليهم

******

(1) المراد المعتمد العبّاسي.

(2) من البدرقة وهي الجماعة التي تتقدَّم القافلة وتكون معها، تحرسها وتمنعها من العدوّ. (مجمع البحرين 5: 137/ مادّة بدرق).

ص: 67

غلام أحسن الناس وجهاً، كأنَّه خادم، فنادي: يا فلان بن فلان، ويا فلان ابن فلان، أجيبوا مولاكم، قال: فقالوا: أنت مولانا؟ قال: معاذ الله، أنا عبد مولاكم، فسيروا إليه، قالوا: فسرنا معه حتَّي دخلنا دار مولانا الحسن بن علي عليهما السلام، فإذا ولده القائم سيّدنا عليه السلام قاعد علي سرير كأنَّه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلَّمنا عليه، فردَّ علينا السلام، ثمّ قال: جملة المال كذا وكذا ديناراً، حمل فلان كذا، (وحمل) فلان كذا، ولم يزل يصف حتَّي وصف الجميع. ثمّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدواب، فخررنا سُجّداً لله عز وجل شكراً لما عرَّفنا، وقبَّلنا الأرض بين يديه، وسألناه عمَّا أردنا فأجاب، فحملنا إليه الأموال، وأمرنا القائم عليه السلام أن لا نحمل إلي سُرَّ من رأي بعدها شيئاً من المال، فإنَّه ينصب لنا ببغداد رجلاً يحمل إليه الأموال ويخرج من عنده التوقيعات، قالوا: فانصرفنا من عنده ودفع إلي أبي العبّاس محمّد بن جعفر القمّي الحميري شيئاً من الحنوط والكفن فقال له: (أعظم الله أجرك في نفسك)، قال: فما بلغ أبو العبّاس عقبة همدان حتَّي توفّي رحمه الله. وكنّا بعد ذلك نحمل الأموال إلي بغداد إلي النوّاب المنصوبين بها ويخرج من عندهم التوقيعات(1).

وراجع حديث أبي الأديان المذكور في (23/ صفر/ 260ه-) تحت عنوان: (إرسال أبي الأديان من قبل الإمام العسكري عليه السلام في مهمّة...).

7 _ سنة (260ه-): في الثامن من ربيع الأوّل ابتداء الغيبة الصغري وانتهاؤها بوفاة النائب الرابع السمري في (15/ شعبان/ 328 أو 329ه-):

قال المجلسي رحمه الله بعد نقل كلام الطبرسي رحمه الله في إعلام الوري من أنَّ

******

(1) كمال الدين: 476 - 479/ باب 43/ ح 26.

ص: 68

مدَّة الغيبة الصغري كانت أربعاً وسبعين سنة: (الظاهر أنَّ مدَّة زمان الغيبة من ابتداء إمامته عليه السلام إلي وفاة السمري وهي أقلُّ من سبعين سنة، لأنَّ ابتداء إمامته عليه السلام علي المشهور لثمان خلون من ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين، ووفاة السمري في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وعلي ما ذكره في وفاة السمري تنقص سنة أيضاً حيث قال: توفّي في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، ولعلَّه جعل ابتداء الغيبة ولادته عليه السلام وذكر الولادة في سنة خمس وخمسين ومائتين فيستقيم علي ما ذكره الشيخ من وفاة السمري، وعلي ما ذكره ينقص سنة أيضاً، ولعلَّ ما ذكره من تاريخ السمري سهو من قلمه)(1).

8 _ سنة (260ه-): تأويل آية: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) ببداية غيبة الإمام المهدي عليه السلام من قبل الإمام الباقر عليه السلام:

روي الكليني رحمه الله عن علي بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن موسي بن جعفر البغدادي، عن وهب بن شاذان، عن الحسن بن أبي الربيع، عن محمّد بن إسحاق، عن أسيد بن ثعلبه، عن اُمّ هانئ، قالت: سألت أبا جعفر محمّد بن علي عليهما السلام، عن قول الله تعالي: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ 15 الْجَوارِ الْكُنَّسِ) (التكوير: 15 و16)، قالت: فقال: (إمام يخنس سنة ستّين ومائتين، ثمّ يظهر كالشهاب يتوقَّد في الليلة الظلماء، فإن أدركت زمانه قرَّت عينك).

ورواه عن عدَّة من أصحابنا، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسن، عن عمر بن يزيد، عن الحسن بن الربيع الهمداني، عن محمّد بن إسحاق، عن أسيد بن ثعلبة، عن اُمّ هانئ(2).

******

(1) بحار الأنوار 51: 366.

(2) الكافي 1: 341/ باب في الغيبة/ ح 22 و23؛ الإمامة والتبصرة: 119/ ح 113؛ كمال الدين: 324 و325/ باب 32/ ح 1؛ الغيبة للنعماني: 152/ باب 10/ ح 7؛ الغيبة للطوسي: 159/ ح 116.

ص: 69

ورواه النعماني رحمه الله عن سلامة بن محمّد، عن علي بن داود، عن أحمد بن الحسن، عن عمران بن الحجّاج، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمّد بن أبي عمير، عن محمّد بن إسحاق، عن أسيد بن ثعلبة، عن اُمّ هانئ(1).

9 ربيع الأوّل

سنة (23ه-): محاججة ابن عبّاس بعد وفاة عمر بن الخطّاب(2) في يوم الشوري السداسية في أحقّية علي عليه السلام وذكره الأئمّة بأسمائهم وإخباره بغيبة الثاني عشر:

قال علي بن يونس العاملي رحمه الله في الصراط المستقيم: أسند الحاجب برجاله إلي ابن عبّاس أنَّه قال يوم الشوري(3): كم تمنعون حقّنا، وربّ البيت إنَّ علياً هو الإمام والخليفة، وليملكنَّ من ولده أئمّة إحدي

******

(1) الغيبة للنعماني: 151/ باب 10/ ح 6.

(2) هناك رأيان في تاريخ وفاة عمر بن الخطّاب، الأوّل: أنَّه توفّي في (9/ ربيع الأوّل)، والثاني: أنَّه توفّي في (26/ ذي الحجّة). والأوّل هو المشهور، قال المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار (ج 31/ ص 118 - 120) بعد نقله لما قاله المخالفون في تاريخ وفاة عمر: (المشهور بين الشيعة في الأمصار والأقطار في زماننا هذا هو أنَّه اليوم التاسع من ربيع الأوّل...، ومستندهم في الأصل ما رواه خلف السيّد النبيل علي بن طاووس رحمة الله عليهما في كتاب زوائد الفوائد، والشيخ حسن بن سليمان في كتاب المحتضر).

(3) أولي عمر بن الخطّاب قبيل موته أمر الخلافة إلي الشوري، وعيَّن أسماء أعضاء هذه الشوري وهم: (علي عليه السلام، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرحمن بن عوف)، والطريقة التي أمر بها عمر أن تُتَّبع في الشوري لاختيار خليفة منهم تدلُّ علي أنَّها شوري ظاهرية ولكنَّها بالنتيجة تصير إلي عثمان بن عفّان.

ص: 70

عشر، يقضون بالحقّ، أوّلهم الحسن بوصيّة أبيه إليه، ثمّ الحسين بوصيّة أخيه إليه، ثمّ ابنه علي بوصيّة أبيه إليه، ثمّ ابنه محمّد بوصيّة أبيه إليه، ثمّ ابنه جعفر بوصيّة أبيه إليه، ثمّ ابنه موسي بوصيّة أبيه إليه، ثمّ ابنه علي بوصيّة أبيه إليه، ثمّ ابنه محمّد بوصيّة أبيه إليه، ثمّ ابنه علي بوصيّة أبيه إليه، ثمّ ابنه الحسن بوصيّة أبيه إليه، فإذا مضي فالمنتظر صاحب الغيبة. قال عليم لابن عبّاس: من أين لك هذا؟ قال: وإنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علَّم علياً ألف باب فتح له من كلّ باب ألف باب، وإنَّ هذا من ثَمَّ(1).

10 ربيع الأوّل

سنة (961ه-): تشرّف الشهيد الثاني قدس سره بلقاء الإمام المهدي عليه السلام قبل شهادته بخمس سنوات:

قال النوري رحمه الله في جنَّة المأوي(2): جاء في بغية المريد في الكشف عن أحوال الشهيد(3) للشيخ الفاضل الأجلّ تلميذه محمّد بن علي بن الحسن

******

(1) الصراط المستقيم 2: 151 و152.

(2) طبع الكتاب من قبل مركز الدراسات بشكل مستقلّ تحت رقم (37) في (شعبان/ 1427ه-).

(3) هو زين الدين بن علي بن أحمد بن جمال الدين الجبعي العاملي، المعروف بالشهيد الثاني، أحد أعيان الإمامية وكبار مجتهديهم. ولد في جبع ب- (لبنان) في شهر شوّال سنة إحدي عشرة وتسعمائة. أحاط إحاطة واسعة بمختلف المذاهب الإسلاميّة في الفقه والحديث والتفسير...، واستقرَّ في جبع، وعكف علي التدريس والتأليف، والحكم بين المتخاصمين، واشتهرت فتاواه وآراؤه الفقهية. صنَّف كتباً ورسائل كثيرة، وشرح بعض الكتب شرحاً مزجياً لم يسبقه إلي ذلك أحد من علماء الإمامية، له تآليف كثيرة منها: الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، المقاصد العلية في شرح الرسالة الألفية، مسالك الأفهام إلي تنقيح شرائع الإسلام، وغيرها.=

ص: 71

العودي(1)، قال في ضمن وقائع سفر الشهيد رحمه الله من دمشق إلي مصر ما لفظه: (واتّفق له في الطريق ألطاف إلهية، وكرامات جلية حكي لنا بعضها، منها ما أخبرني به ليلة الأربعاء عاشر ربيع الأوّل سنة ستّين وتسعمائة أنَّه في الرملة مضي إلي مسجدها المعروف بالجامع الأبيض(2) لزيارة الأنبياء والذين في الغار وحده، فوجد الباب مقفولاً وليس في المسجد أحد، فوضع يده علي القفل وجذبه فانفتح فنزل إلي الغار، واشتغل بالصلاة والدعاء، وحصل له إقبال علي الله بحيث ذهل عن انتقال القافلة، فوجدها قد ارتحلت، ولم يبقَ منها أحد، فبقي متحيّراً في أمره مفكّراً في اللحاق مع عجزه عن المشي وأخذ أسبابه ومخافته، وأخذ يمشي

******

= قُتل المترجم شهيداً سنة ستّ وستّين وتسعمائة، وكان قد أمضي السنوات العشر الأخيرة من عمره في خوف وترقّب، فقد نشط أعداؤه وحسّاده في مراقبته ورصد تحرّكاته بسبب المكانة المرموقة التي كان يحتلَّها الشهيد في أوساط الأمّة ودوره المتميّز في توعيتها وتعريفها بمذهب أهل البيت عليهم السلام، فكتب قاضي صيدا إلي سلطان الروم أنَّه وجد ببلاد الشام مبدع خارج عن المذاهب الأربعة، فأرسل السلطان رجلاً يطلبه، فوجده في طريق الحجّ، وبعد أداء الحجّ أخذه إلي الروم ولكنَّه بعد الوصول إلي ساحل البحر قتله، وأخذ برأسه إلي السلطان، فأنكر عليه ذلك وقتل القاتل. (راجع: موسوعة طبقات الفقهاء 10: 104 - 108/ الرقم 3145).

(1) هو بهاء الملَّة والدين محمّد بن علي بن الحسن العودي الجزيني تلميذ الشهيد الثاني الذي حاز علي حظّ وافر من خدمته وتشرَّف مدَّة مديدة بملازمته، وكان وروده إلي خدمته في سنة (945ه-) وانفصاله عنه بالسفر إلي خراسان في سنة (962ه-) وكتب رسالة في أحوال شيخه الشهيد من حين ولادته إلي انقضاء عمره تأدية لبعض شكره سمّاها بغية المريد في الكشف عن أحوال الشيخ زين الدين الشهيد... (الكني والألقاب 1: 368).

(2) الجامع الأبيض في الرملة أو المسجد الكبير مسجد أثري يعود بناؤه للعهد الأموي في فلسطين، يقع في البلدة القديمة لمدينة الرملة الفلسطينية، أمر ببناءه عمر بن عبد العزيز عام (720م) بعد فتح فلسطين وبلاد الشام كلّها، وبعد أن أصبحت الرملة أحد المراكز المهمّة للجيوش المسلمة الفاتحة والمتَّجهة إلي مصر. اُعيد بناء المسجد مرَّة أخري في عهد المماليك، ولم يبقَ اليوم من المسجد سوي المئذنة الكبيرة.

ص: 72

علي أثرها وحده فمشي حتَّي أعياه التعب، فلم يلحقها، ولم يَرَها من البعد، فبينما هو في هذا المضيق إذ أقبل عليه رجل لاحق به وهو راكب بغلاً، فلمَّا وصل إليه قال له: (اركب خلفي)، فردفه ومضي كالبرق، فما كان إلاَّ قليلاً حتَّي لحق به القافلة وأنزله وقال له: اذهب إلي رفقتك، ودخل هو في القافلة، قال: فتحرَّيته مدَّة الطريق أنّي أراه ثانياً فما رأيته أصلاً ولا قبل ذلك(1).

25 ربيع الأوّل

سنة (41ه-): صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية لعنه الله، وفيه ذكر علَّة غيبة الإمام المهدي عليه السلام:

روي الصدوق رحمه الله عن المظفَّر بن جعفر بن المظفَّر العلوي السمرقندي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، قال: حدَّثنا جبرئيل بن أحمد، عن موسي بن جعفر البغدادي، قال: حدَّثني الحسن بن محمّد الصيرفي، عن حنان بن سدير، عن أبيه سدير بن حكيم، عن أبيه، عن أبي سعيد عقيصا، قال: لمَّا صالح(2) الحسن بن علي عليهما السلام معاوية بن أبي سفيان دخل عليه

******

(1) جنَّة المأوي: 32/ الحكاية التاسعة والأربعون.

(2) كتب معاوية إلي الإمام الحسن عليه السلام في الهدنة والصلح، وأنفذ إليه بكتب أصحابه التي ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه، واشترط له علي نفسه في إجابته إلي صلحه شروطاً كثيرة، وعقد له عقوداً كان في الوفاء بها مصالح شاملة، فلم يثق به الحسن عليه السلام وعلم احتياله بذلك واغتياله، غير أنَّه لم يجد بُدَّاً من إجابته إلي ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة، لما كان عليه أصحابه من ضعف البصائر في حقّه والفساد عليه والخلف منهم له، وما انطوي كثير منهم عليه في استحلال دمه وتسليمه إلي خصمه، وما كان في خذلان ابن عمّه له ومصيره إلي عدوّه، وميل الجمهور منهم إلي العاجلة وزهدهم في الآجلة...؛ واشترط عليه:

1 _ أن يعمل بكتاب الله وسُنّة نبيّه...=

ص: 73

الناس فلامه بعضهم علي بيعته، فقال عليه السلام: (ويحكم ما تدرون ما عملت، والله الذي عملت خير لشيعتي ممَّا طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون أنَّني إمامكم مفترض الطاعة عليكم، وأحد سيّدي شباب أهل الجنَّة بنصّ من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عليَّ؟)، قالوا: بلي، قال: (أمَا علمتم أنَّ الخضر عليه السلام لمَّا خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطاً لموسي بن عمران إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالي ذكره حكمة وصواباً؟ أمَا علمتم أنَّه ما منّا أحد إلاَّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاَّ القائم الذي يُصلّي روح الله عيسي بن مريم عليه السلام خلفه؟ فإنَّ الله عز وجل يخفي ولادته، ويغيب شخصه، لئلاَّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيّدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أنَّ الله علي كلّ شيء قدير)(1).

* * *

******

= 2 _ ترك سبّ أمير المؤمنين عليه السلام والعدول عن القنوت عليه في الصلاة.

3 _ أن يؤمن شيعته ولا يتعرَّض لأحد منهم، وأن يوصل إلي كلّ ذي حقّ منهم حقّه.

4 _ ليس لمعاوية أن يعهد إلي أحد من بعده.

5 _ أن لا يبغي معاوية للحسن ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم غائلة سرّاً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.

فأجابه معاوية إلي ذلك وعاهد عليه وحلف بالوفاء به، فلمَّا استتمَّت الهدنة علي ذلك سار معاوية حتَّي نزل بالنخيلة، وكان ذلك يوم جمعة، فصلّي بالناس ضحي النهار، فخطبهم وقال في خطبته: (إنّي والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا، إنَّكم لتفعلون ذلك، ولكنّي قاتلتكم لأتأمَّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون. ألا وإنّي كنت منَّيت الحسن وأعطيته أشياء، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له).

(1) كمال الدين: 315 و316/ باب 29/ ح 2.

ص: 74

أحداث هذا الشهر بدون ذكر اليوم

1 _ سنة (260ه-): ورود كتاب من الناحية المقدَّسة لمنع إجراء المال علي الجنيد إشارةً إلي وفاته:

روي الكليني رحمه الله عن الحسين بن محمّد الأشعري، قال: كان يرد كتاب أبي محمّد عليه السلام في الإجراء علي الجنيد قاتل فارس(1) وأبي الحسن وآخر، فلمَّا مضي أبو محمّد عليه السلام ورد استيناف من الصاحب لإجراء أبي الحسن وصاحبه ولم يرد في أمر الجنيد بشيء، قال: فاغتممت لذلك، فورد نعي الجنيد بعد ذلك(2).

2 _ سنة (302ه-): التاريخ السندي لحديث خلفاء أمّتي اثنا عشر عن ابن مسعود:

روي الصدوق رحمه الله عن أحمد بن الحسن القطّان، قال: حدَّثنا أبو يزيد محمّد بن يحيي بن خالد بن يزيد المروزي بالري في شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وثلاثمائة، قال: حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في سنة ثمان وثلاثين ومائتين وهو المعروف بإسحاق بن راهويه، قال: حدَّثنا يحيي بن يحيي، قال: حدَّثنا هشام، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه، إذ يقول له فتي شاب: هل عهد إليكم نبيّكم كم يكون من بعده خليفة؟ قال: إنَّك لحدث السنّ، وإنَّ هذا الشيء ما سألني عنه أحد قبلك، نعم عهد إلينا نبيّنا صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه يكون بعده اثنا عشر خليفة، بعدَّة نقباء بني إسرائيل(3).

******

(1) هو فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني نزيل العسكر، من أصحاب الرضا عليه السلام، غال ملعون، أهدر أبو الحسن العسكري عليه السلام دمه وضمن لمن قتله الجنّة، فقتله الجنيد.

(2) الكافي 1: 524/ باب مولد الصاحب عليه السلام/ ح 24؛ الإرشاد 2: 365 و366.

(3) أمالي الصدوق: 385 و386/ ح (495/4).

ص: 75

3 _ سنة (304 أو 305ه-): علم النائب الثاني بوقت وفاته وقد حفر لنفسه قبراً قبل شهرين من وفاته:

روي الصدوق رحمه الله عن أبي جعفر محمّد بن علي الأسود رضي الله عنه أنَّ أبا جعفر العمري حفر لنفسه قبراً وسوّاه بالساج، فسألته عن ذلك، فقال: للناس أسباب، ثمّ سألته بعد ذلك، فقال: قد اُمرت أن أجمع أمري. فمات بعد ذلك بشهرين رضي الله عنه(1).

* وروي الطوسي رحمه الله عن ابن نوح، قال: أخبرني أبو نصر هبة الله بن محمّد، قال: حدَّثني (أبو) علي بن أبي جيد القمّي رحمه الله، قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن أحمد الدلاَّل القمّي، قال: دخلت علي أبي جعفر محمّد بن عثمان رضي الله عنه يوماً لاُسلّم عليه، فوجدته وبين يديه ساجة ونقّاش ينقش عليها ويكتب آياً من القرآن وأسماء الأئمّة عليهم السلام علي حواشيها. فقلت له: يا سيّدي، ما هذه الساجة؟ فقال لي: هذه لقبري تكون فيه اُوضع عليها _ أو قال: اُسند إليها _ وقد عرفت منه، وأنا في كلّ يوم أنزل فيه فأقرأ جزءاً من القرآن (فيه) فأصعد، وأظنّه قال: فأخذ بيدي وأرانيه، فإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا صرت إلي الله عز وجل ودفنت فيه وهذه الساجة (معي). فلمَّا خرجت من عنده أثبت ما ذكره ولم أزل مترقّباً به ذلك فما تأخَّر الأمر حتَّي اعتلَّ أبو جعفر، فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها، ودفن فيه. قال أبو نصر هبة الله: وقد سمعت هذا الحديث من غير (أبي) علي، وحدَّثتني به أيضاً اُمّ كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله تعالي عنهما.(2)

******

(1) كمال الدين: 502/ باب 45/ ح 29؛ الغيبة للطوسي: 365 و366/ ح 333، وذلك أنَّ وفاته كانت في (30/ جمادي الأولي/ 304 أو 305ه-).

(2) الغيبة للطوسي: 364 و365/ ح 332.

ص: 76

4 _ سنة (378ه-): التاريخ السندي لحديث الحسين بن علي بن بابويه رحمه الله لحديث الوصيّة إلي أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه:

سيأتي في (30/ جمادي الأولي/ 304 أو 305ه-) تحت عنوان: (وفاة النائب الثاني أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري...)، عن جعفر بن محمّد بن متيل.

5 _ سنة (573ه-): التاريخ السندي لابن المشهدي صاحب كتاب المزار لزيارة آل ياسين:

جاء في كتاب المزار لابن المشهدي رحمه الله: زيارة مولانا الخلف الصالح صاحب الزمان عليه وعلي آبائه السلام: حدَّثنا الشيخ الأجلّ الفقيه العالم أبو محمّد عربي بن مسافر العبادي رضي الله عنه قراءةً عليه بداره بالحلَّة السيفية في شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وحدّثني الشيخ العفيف أبو البقاء هبة الله بن نماء بن علي بن حمدون رحمه الله قراءةً عليه أيضاً بالحلَّة السيفية، قالا جميعاً: حدَّثنا الشيخ الأمين أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمّد بن علي بن طحال المقدادي رحمه الله بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في الطرز الكبير الذي عند رأس الإمام عليه السلام في العشر الأواخر من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، قال: حدَّثنا الشيخ الأجلّ السيّد المفيد أبو علي الحسن بن محمّد الطوسي رضي الله عنه بالمشهد المذكور في العشر الأواخر من ذي العقدة سنة تسع وخمسمائة، قال: حدَّثنا السيّد السعيد الوالد أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن أشناس البزّاز، قال: أخبرنا أبو الحسين محمّد بن أحمد بن يحيي القمّي، قال: حدَّثنا محمّد بن علي بن زنجويه القمّي، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن عبد الله بن جعفر

ص: 77

الحميري، قال: قال أبو علي الحسن بن أشناس. وأخبرنا أبو المفضَّل محمّد بن عبد الله الشيباني أنَّ أبا جعفر محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري أخبره وأجاز له جميع ما رواه، أنَّه خرج إليه من الناحية حرسها الله بعد المسائل والصلاة والتوجّه، أوّله: (ب-ِسْم اللهِ الرَّحْمن الرَّحِيم، لاَ لأمْر اللهِ تَعْقِلُونَ، وَلاَ مِنْ أوْلِيَائِهِ تَقْبَلُونَ، (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ) (القمر: 5)، عَنْ قَوْم لا يُؤْمِنُونَ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَي عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، فَإذَا أرَدْتُمُ التَّوَجُّهَ ب-ِنَا إِلَي اللهِ تَعَالَي وَإِلَيْنَا، فَقُولُوا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَي: (سَلامٌ عَلي إِلْ ياسِينَ) (الصافات: 130)، ذلك هو الفضل المبين، والله ذو الفضل العظيم، لمن يهديه صراطه المستقيم. التوجّه: قد آتاكم الله يا آل يس خلافته وعلم مجاري أمره، فيما قضاه ودبَّره، وأراده في ملكوته، وكشف لكم الغطاء، وأنتم خزنته وشهداؤه، وعلماؤه واُمناؤه، وساسة العباد وأركان البلاد، وقضاة الأحكام، وأبواب الإيمان. ومن تقديره منائح العطاء بكم إنفاذه محتوماً مقروناً، فما شيء منه إلاَّ وأنتم له السبب وإليه السبيل، خياره لوليّكم نعمة، وانتقامه من عدوّكم سخطة، فلا نجاة ولا مفزع إلاَّ أنتم، ولا مذهب عنكم، يا أعين الله الناظرة، وحملة معرفته، ومساكن توحيده في أرضه وسمائه. وأنت يا حجّة الله وبقيَّته، كمال نعمته، ووارث أنبيائه وخلفائه ما بلغناه من دهرنا، وصاحب الرجعة لوعد ربّنا التي فيها دولة الحقّ وفرجنا، ونصر الله لنا وعزّنا. السلام عليك أيّها العلم المنصوب، والعلم المصبوب، والغوث والرحمة الواسعة، وعداً غير مكذوب، السلام عليك يا صاحب المرأي والمسمع الذي بعين الله مواثيقه، وبيد الله عهوده، وبقدرة الله سلطانه. أنت الحكيم الذي لا تعجله العصبية، والكريم الذي لا تبخله الحفيظة، والعالم الذي لا تجهله الحميّة، مجاهدتك في الله ذات مشية الله، ومقارعتك في الله ذات انتقام الله، وصبرك في

ص: 78

الله ذو أناة الله، وشكرك لله ذو مزيد الله ورحمته. السلام عليك يا محفوظاً بالله، الله نور أمامه وورائه، ويمينه وشماله، وفوقه وتحته، السلام عليك يا مخزوناً في قدرة الله، الله نور سمعه وبصره، السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه، وَيَا مِيثَاقَ اللهِ الَّذِي أخَذَهُ وَوَكَّدَهُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا دَاعِيَ اللهِ وَرَبَّان-ِيَّ آيَاتِهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بَابَ اللهِ وَدَيَّانَ دِينهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ اللهِ وَنَاصِرَ حَقّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللهِ وَدَلِيلَ إِرَادَتِهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا تَالِيَ كِتَابِ اللهِ وَتَرْجُمَانَهُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَأطْرَافِ نَهَاركَ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللهِ فِي أرْضِهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تَقُومُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْعُدُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْرَأ وَتُبَيَّنُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تُصَلّي وَتَقْنُتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تعوذ وتسبّح، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تُهَلّلُ وَتُكَبَّرُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تحمد وتستغفر، السلام عليك حين تمجّد وتمدح، السلام عليك حين تُمْسِي وَتُصْبِحُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ فِي اللَّيْل إِذا يَغْشي وَالنَّهار إِذا تَجَلَّي، السلام عليك في الآخرة والأولي، السلام عليكم يا حجج الله ورعاتنا، وقادتنا وأئمّتنا، وسادتنا وموالينا، السلام عليكم أنتم نورنا، وأنتم جاهنا، أوقات صلواتنا، وعصمتنا لدعائنا وصلاتنا، وصيامنا واستغفارنا، وسائر أعمالنا. السَّلاَمُ عَلَيْكَ أيُّهَا الإمَامُ الْمَأمُولُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ ب-ِجَوَامِع السَّلاَم، اُشْهِدُكَ يَا مَوْلاَيَ أنّي أشْهَدُ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، لاَ حَب-ِيبَ إِلاَّ هُوَ وَأهْلُهُ، وَأنَّ أمِيرَ الْمُؤْمِنينَ حُجَّتُهُ، وَأنَّ الْحَسَنَ حُجَّتُهُ، وَأنَّ الْحُسَيْنَ حُجَّتُهُ، وَأنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْن حُجَّتُهُ، وَأنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيًّ حُجَّتُهُ، وَأنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ، وَأنَّ مُوسَي بْنَ جَعْفَرٍ حُجَّتُهُ، وَأنَّ عَلِيَّ بْنَ مُوسَي حُجَّتُهُ، وَأنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيًّ حُجَّتُهُ، وَأنَّ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ، وَأنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيًّ حُجَّتُهُ، وَأنْتَ حُجَّتُهُ، وأنَّ الأنبياء دعاة وهداة

ص: 79

رشدكم، أنْتُمُ الأوَّلُ وَالآخِرُ وخاتمته، وَأنَّ رَجْعَتَكُمْ حَقٌّ لاَ شَكَّ فِيهَا، يَوْمَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً، وَأنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ، وَأنَّ منكراً وَنَكِيراً حَقٌّ، وَالْبَعْثَ حَقٌّ، وَأنَّ الصّرَاطَ وَالْمِرْصَادَ حَقٌّ، وَأنَّ الْمِيزَانَ حَقٌّ وَالْحِسَابَ حَقٌّ، وَأنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ، والجزاء بهما لِلْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ حَقٌّ، وأنَّكم للشفاعة حقّ، لا تردون، ولا تسبقون بمشية الله، وبأمره تعملون. ولله الرحمة والكلمة العليا، وبيده الحسني، وحجّة الله النعمي، خلق الجنّ والإنس لعبادته، أراد من عباده عبادته، فشقي وسعيد، قَدْ شَقِيَ مَنْ خَالَفَكُمْ، وَسَعِدَ مَنْ أطَاعَكُمْ، وَأنْتَ يَا مولاي فَاشْهَدْ ب-ِمَا أشْهَدْتُكَ عَلَيْهِ، تخزنه وتحفظه لي عندك، أموت عليه، واُنشر عليه، وأقف به وليّاً لك، بريئاً من عدوّك، ماقتاً لمن أبغضكم، وادّاً لمن أحبَّكم، فَالْحَقُّ مَا رَضِيتُمُوهُ، وَالْبَاطِلُ مَا أسَخَطْتُمُوهُ، وَالْمَعْرُوفُ مَا أمَرْتُمْ ب-ِهِ، وَالْمُنْكَرُ مَا نَهَيْتُمْ عَنْهُ، والقضاء المثبت ما استأثرت به مشيتكم، والمحو ما لا استأثرت به سُنَّتكم. فَلاَ إله إلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، ومحمّد عبده ورسوله، علي أمير المؤمنين حجَّته، الحسن حجَّته، الحسين حجَّته، علي حجَّته، محمّد حجَّته، جعفر حجَّته، موسي حجَّته، علي حجَّته، محمّد حجَّته، علي حجَّته، الحسن حجَّته، وأنت حجَّته، وأنتم حججه وبراهينه. أنا يا مولاي مستبشر بالبيعة التي أخذ الله عليَّ، شرطه قتالاً في سبيله، اشتري به أنفس المؤمنين، فنفسي مؤمنة بالله وبكم يا مولاي، أوّلكم وآخركم، ونصرتي لكم معدَّة، ومودَّتي خالصة لكم، وبراءتي من أعدائكم، أهل الحردة والجدال ثابتة لثاركم، أنا وليّ وحيد والله إله الحقّ يجعلني كذلك، آمين آمين، من لي إلاَّ أنت فيما دنت، واعتصمت بك فيه، تحرسني فيما تقرَّبت به إليك، يا وقاية الله وستره وبركته، أغثني أدركني، صلني بك ولا تقطعني. اللّهمّ إليك بهم توسّلي وتقرّبي،

ص: 80

اللّهمّ صلّ علي محمّد وآله وصلني بهم ولا تقطعني، اللّهمّ بحجَّتك اعصمني، وسلامك علي آل يس مولاي، أنت الجاه عند الله ربّك وربّي). الدعاء بعقب القول: (اللّهمّ إنّي أسألك باسمك الذي خلقته من كلّك، فاستقرَّ فيك فلا يخرج منك إلي شيء أبداً، أيا كينون أيا مكون، أيا متعال أيا متقدّس، أيا مترحّم أيا مترائف، أيا متحنّن. أسألك كما خلقته غضّاً أن تُصلّي علي محمّد نبيّ رحمتك، وكلمة نورك، ووالد هداة رحمتك، واملأ قلبي نور اليقين، وصدري نور الإيمان، وفكري نور الثبات، وعزمي نور التوفيق، وذكائي نور العلم، وقوَّتي نور العمل، ولساني نور الصدق، وديني نور البصائر من عندك، وبصري نور الضياء، وسمعي نور وعي الحكمة، ومودَّتي نور الموالاة لمحمّد وآله عليهم السلام، ونفسي نور قوَّة البراءة من أعداء آل محمّد. حتَّي ألقاك وقد وفيت بعهدك وميثاقك، فلتسعني رحمتك يا وليّ يا حميد، بمرآك ومسمعك يا حجّة الله دعائي، فوفّني منجزات إجابتي، اعتصم بك، معك معك سمعي ورضاي(1).

* * *

******

(1) المزار لابن المشهدي: 566 - 573؛ الاحتجاج 2: 315 - 318 بتفاوت.

ص: 81

ص: 82

4- ربيع الثاني

اشارة

ص: 83

ص: 84

أحداث هذا الشهر بدون ذكر اليوم

1 _ سنة (312ه-) وفاة محمّد بن جعفر الأسدي رحمه الله علي رواية الشيخ الطوسي رحمه الله:

سيأتي في (10/ جمادي الأولي/ 312ه-) تحت عنوان: (وفاة محمّد بن جعفر الأسدي أحد وكلاء الإمام المهدي عليه السلام).

2 _ سنة (671ه-): التاريخ السندي لحديث دخول يهودي علي الإمام علي عليه السلام:

سيأتي في (27/ جمادي الآخرة/ 13ه-) تحت عنوان: (ذكري وفاة أبي بكر ودخول يهودي علي الإمام علي عليه السلام وسؤاله عن سبع مسائل منها أوصياء النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وعددهم)(1).

* * *

******

(1) لم نعثر خلال تتبّعنا الكثير لمصادر علمائنا رضوان الله عليهم علي أحداث ومناسبات مهدوية في هذا الشهر الكريم، ولعلَّ الله يمنُّ علينا في المستقبل بذلك.

ص: 85

ص: 86

5- جمادي الأولي

اشارة

ص: 87

ص: 88

1 _ 10 جمادي الأولي

سنة الظهور: خروج الدجّال من أصفهان علي رواية إلزام الناصب:

قال اليزدي رحمه الله في إلزام الناصب: ... وفي العشر الاُوَل منه _ أي جمادي الأولي _ أيضاً يخرج الدجّال من أصفهان(1).

10 جمادي الأولي

1 _ سنة (36ه-): معركة الجمل وفيها نشر علي عليه السلام راية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولا ينشرها بعده إلاَّ القائم عليه السلام:

روي النعماني رحمه الله عن محمّد بن همّام، قال: حدَّثنا أحمد بن مابنداذ، قال: حدَّثنا أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لمَّا التقي أمير المؤمنين عليه السلام وأهل البصرة نشر الراية راية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فزلزلت أقدامهم، فما اصفرَّت الشمس حتَّي قالوا: آمنّا يا بن أبي طالب، فعند ذلك قال: لا تقتلوا الأسري، ولا تجهزوا علي الجرحي، ولا تتَّبعوا مولّياً، ومن ألقي سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ولمَّا كان يوم صفّين سألوه نشر الراية فأبي عليهم فتحمَّلوا عليه بالحسن والحسين عليهما السلام وعمّار بن ياسر رضي الله عنه، فقال للحسن: يا بني، إنَّ للقوم مدَّة يبلغونها، وإنَّ هذه راية لا ينشرها بعدي إلاَّ القائم صلوات الله عليه)(2).

******

(1) إلزام الناصب 2: 144.

(2) الغيبة للنعماني: 319/ باب 19/ ح 1.

ص: 89

2 _ سنة (312ه-): وفاة محمّد بن جعفر الأسدي أحد وكلاء الإمام المهدي عليه السلام:

محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، يكنّي أبا الحسين الكوفي من وكلاء الناحية المقدَّسة في زمن الغيبة الصغري, كان يسكن في الري(1).

قال العلاَّمة الحلّي رحمه الله: محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، أبو الحسين الكوفي، سكن الري، يقال له: محمّد بن أبي عبد الله(2).

عدَّه الصدوق رحمه الله من وكلاء الناحية، فقال: عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفي, أنَّه ذكر عدد من انتهي إليه ممَّن وقف علي معجزات صاحب الزمان عليه السلام ورآه من الوكلاء... ومن أهل الري: البسامي، والأسدي _ يعني نفسه _(3).

وقال الطوسي رحمه الله: محمّد بن جعفر الأسدي، يكنّي أبا الحسين الرازي، كان أحد الأبواب(4).

ولقَّبه الإمام الحجّة عليه السلام بالعربي, فقد روي الطوسي رحمه الله عن أبي الحسين بن أبي جيد القمّي, عن محمّد بن الحسن بن الوليد, عن محمّد بن يحيي العطّار, عن محمّد بن أحمد بن يحيي, عن صالح بن أبي صالح، قال: سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين قبض شيء، فامتنعت من ذلك وكتبت _ يعني إلي الإمام المهدي عليه السلام _ أستطلع الرأي, فأتاني الجواب: (بالري محمّد بن جعفر العربي فليدفع إليه فإنَّه من ثقاتنا)(5).

******

(1) أنظر: رجال النجاشي: 373/ الرقم 1020.

(2) خلاصة الأقوال: 265/ الرقم 145.

(3) كمال الدين: 442/ باب 43/ ح 16.

(4) رجال الطوسي: 439/ الرقم (6278/28).

(5) الغيبة للطوسي: 415/ ح 391.

ص: 90

وورد توثيقه في عدَّة روايات، منها ما رواه الطوسي رحمه الله عن أبي جعفر محمّد بن علي بن نوبخت، قال: عزمت علي الحجّ وتأهَّبت, فورد عليَّ: (نحن لذلك كارهون), فضاق صدري واغتممت, وكتبت: أنا مقيم بالسمع والطاعة غير أنّي مغتمٌّ بتخلّفي عن الحجّ, فوقَّع: (لا يضيقنَّ صدرك، فإنَّك تحجُّ من قابل, فلمَّا كان من قابل استأذنت, فورد الجواب، فكتبت: إنّي عادلت محمّد بن العبّاس وأنا واثق بديانته وصيانته, فورد الجواب: (الأسدي نعم العديل, فإن قدم فلا تختر عليه), قال: فقدم الأسدي فعادلته(1).

وعدَّه الطوسي رحمه الله من الأقوام الثقات التي كانت ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل فقال: منهم أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي رحمه الله(2).

ومدحه العلاَّمة الحلّي رحمه الله وقال: جعفر بن محمّد بن عون الأسدي وجه...(3).

وقال النجاشي رحمه الله: مات أبو الحسين محمّد بن جعفر ليلة الخميس لعشر خلون من جمادي الأولي سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة(4).

وقال الطوسي رحمه الله: مات الأسدي علي ظاهر العدالة, لم يتغيَّر ولم يُطعن عليه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة(5). أي إنَّه توفّي في أثناء سفارة الشيخ الحسين بن روح النوبختي التي امتدَّت من سنة (305ه-) إلي (326ه-).

******

(1) الغيبة للطوسي: 416/ ح 393.

(2) الغيبة للطوسي: 415.

(3) خلاصة الأقوال: 92/ الرقم 25.

(4) رجال النجاشي: 373/ الرقم 1020.

(5) الغيبة للطوسي: 417.

ص: 91

15 جمادي الأولي

سنة (36ه-): انتهت حرب الجمل في البصرة وفيها خطب علي عليه السلام خطبة ذكر فيها ما يجري عليها من الأحداث في آخر الزمان:

قال المجلسي رحمه الله في البحار: روي كمال الدين ابن ميثم البحراني مرسلاً أنَّه لمَّا فرغ أمير المؤمنين من أمر الحرب لأهل الجمل أمر منادياً ينادي في أهل البصرة أنَّ الصلاة الجامعة لثلاثة أيّام من غد إن شاء الله، ولا عذر لمن تخلَّف إلاَّ من حجَّة أو علَّة، فلا تجعلوا علي أنفسكم سبيلاً. فلمَّا كان اليوم الذي اجتمعوا فيه خرج عليه السلام فصلّي بالناس الغداة في المسجد الجامع، فلمَّا قضي صلاته قام فأسند ظهره إلي حائط القبلة عن يمين المصلّي، فخطب الناس فحمد الله وأثني عليه بما هو أهله، وصلّي علي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، ثمّ قال: (يا أهل البصرة...، كأنّي أنظر إلي قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتَّي ما يري منها إلاَّ شرف المسجد كأنَّه جؤجؤ طير في لجَّة بحر)، فقام إليه الأحنف بن قيس فقال له: يا أمير المؤمنين، ومتي يكون ذلك؟ قال: (يا أبا بحر، إنَّك لن تدرك ذلك الزمان، وإنَّ بينك وبينه لقروناً، ولكن ليبلّغ الشاهد منكم الغائب عنكم، لكي يبلّغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولَّت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً، فالهرب الهرب فإنَّه لا بصيرة لكم يومئذٍ). ثمّ التفت عن يمينه فقال: (كم بينكم وبين الأبلة؟)، فقال له المنذر بن الجارود: فداك أبي واُمّي أربعة فراسخ، قال له: (صدقت، فوَالذي بعث محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم وأكرمه بالنبوَّة وخصَّه بالرسالة وعجَّل بروحه إلي الجنَّة لقد سمعت منه كما تسمعون منّي أن قال لي: يا علي، هل علمت أنَّ بين التي تسمّي البصرة والتي

ص: 92

تسمّي الأبلة أربعة فراسخ، وسيكون التي تسمّي الأبلة موضع أصحاب العشور، ويقتل في ذلك الموضع من أمّتي سبعون ألفاً، شهيدهم يومئذٍ بمنزلة شهداء بدر). فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين، ومن يقتلهم فداك أبي واُمّي؟ قال: (يقتلهم إخوان الجنّ، وهم جيل كأنَّهم الشياطين، سود ألوانهم، منتنة أرواحهم، شديد كلبهم، قليل سلبهم، طوبي لمن قتلهم وطوبي لمن قتلوه، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلَّة عند المتكبّرين من أهل الزمان، مجهولون في الأرض معروفون في السماء، تبكي السماء عليهم وسكّانها والأرض وسكّانها). ثمّ هملت عيناه بالبكاء، ثمّ قال: (ويحك يا بصرة، ويلك يا بصرة من جيش لا رهج له ولا حسّ)، فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين، وما الذي يصيبهم من قبل الغرق ممَّا ذكرت؟ وما الويح؟ وما الويل؟ فقال: (هما بابان، فالويح باب الرحمة، والويل باب العذاب، يا ابن الجارود نعم تارات عظيمة منها عصبة تقتل بعضها بعضاً، ومنها فتنة تكون بها أخراب منازل وخراب ديار وانتهاك أموال وقتل رجال وسباء نساء يذبحن ذبحاً، يا ويل أمرهنَّ حديث عجيب. ومنها أن يستحلّ بها الدجّال الأكبر الأعور الممسوخ العين اليمني والأخري كأنَّها ممزوجة بالدم لكأنَّها في الحمرة علقة ناتئ الحدقة كهيئة حبَّة العنب الطافية علي الماء فيتبعه من أهلها عدَّة من قتل بالأبلة من الشهداء أناجيلهم في صدورهم يقتل من يقتل ويهرب من يهرب. ثمّ رجف ثمّ قذف ثمّ خسف ثمّ مسخ ثمّ الجوع الأغبر ثمّ الموت الأحمر وهو الغرق. يا منذر، إنَّ للبصرة ثلاثة أسماء سوي البصرة في الزبر الأوّل لا يعلمها إلاَّ العلماء، منها الخريبة، ومنها تدمر، ومنها المؤتفكة. يا منذر، والذي فلق الحبَّة وبرء النسمة لو أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات عرصة عرصة متي تخرب ومتي تعمر بعد خرابها إلي يوم القيامة، وإنَّ عندي من ذلك

ص: 93

علماً جمّاً، وإن تسألوني تجدوني به عالماً لا أخطئ منه علماً ولا دافئاً، ولقد استودعت علم القرون الاُوَل وما هو كائن إلي يوم القيامة...)(1).

20 جمادي الأولي

سنة الظهور: بداية هطول الأمطار الغزيرة والتي تستمرّ أربعين يوماً علي رواية إلزام الناصب:

قال اليزدي رحمه الله في إلزام الناصب: ... فإذا كان العشرون من جمادي الأولي وقع مطر شديد لا يوجد مثله منذ هبط آدم إلي الأرض متَّصل إلي أوّل شهر رجب تنبت لحوم من يريد الله أن يرجع إلي الدنيا من الأموات(2).

وراجع ما سيأتي في (1/ جمادي الآخرة/ سنة الظهور) تحت عنوان: (ابتداء المطر بشكل غزير واستمراره أربعين يوماً حتَّي تنبت لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم)، وهو الأشهر.

30 جمادي الأولي

1 _ سنة (304 أو 305ه-): وفاة النائب الثاني أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه:

هو محمّد بن عثمان بن سعيد العمري الأسدي، أبو جعفر العسكري، ثاني السفراء الأربعة، كان هو وأبوه سفيرين للإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وكان لهما منزلة جليلة عند الطائفة. تولّي السفارة زمناً طويلاً.

******

(1) بحار الأنوار 32: 253 - 258/ ح 199.

(2) إلزام الناصب 2: 144.

ص: 94

عدَّه الصدوق رحمه الله فيمن رآه عليه السلام، فقال: حدَّثنا محمّد بن موسي بن المتوكّل رضي الله عنه، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه، فقلت له: أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو يقول: (اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني)، وفي رواية أخري: رأيته صلوات الله عليه متعلّقاً بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول: (اللّهمّ انتقم لي من أعدائي)(1).

وقد تضافرت الروايات الدالّة علي جلالة شأنه وعظم مقامه، منها ما رواه الكليني رحمه الله عن أبي محمّد عليه السلام، قال: (العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنَّهما الثقتان المأمونان)(2).

ومنها ما رواه الطوسي رحمه الله عن عبد الله بن جعفر الحميري، خرج التوقيع إلي الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري قدَّس الله روحه في التعزية بأبيه رضي الله تعالي عنه، وفي فصل من الكتاب: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون تسليماً لأمره ورضيً بقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم السلام، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقرّبه إلي الله عز وجل وإليهم، نضَّر الله وجهه وأقاله عثرته)، وفي فصل آخر: (أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزئت ورزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرَّه الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالي ولداً مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحَّم عليه، وأقول: الحمد لله، فإنَّ الأنفس طيّبة بمكانك وما

******

(1) كمال الدين: 440/ باب 43/ ح 9 و10.

(2) الكافي 1: 330/ باب في تسمية من رآه عليه السلام/ ح 1.

ص: 95

جعله الله عز وجل فيك وعندك، أعانك الله وقوّاك وعضدك ووفَّقك، وكان لك وليّاً وحافظاً وراعياً وكافياً)(1).

وكان له كتب مصنَّفة في الفقه، فقد روي الطوسي رحمه الله عن ابن نوح، قال: أخبرني أبو نصر هبة الله ابن بنت اُمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمري، قال: كان لأبي جعفر محمّد بن عثمان العمري كتب مصنَّفة في الفقه ممَّا سمعها من أبي محمّد الحسن عليه السلام، ومن الصاحب عليه السلام، ومن أبيه عثمان بن سعيد، عن أبي محمّد وعن أبيه علي بن محمّد عليهما السلام(2).

وأوصي محمّد بن عثمان العمري بالسفارة إلي الحسين بن روح، فقد روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن علي بن متيل، عن عمّه جعفر بن محمّد بن متيل، قال: لمَّا حضرت أبا جعفر محمّد بن عثمان العمري السمّان رضي الله عنه الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسأله واُحدّثه، وأبو القاسم الحسين بن روح (عند رجليه)(3)، فالتفت إليَّ ثمّ قال لي: أمرت أن اُوصي إلي أبي القاسم الحسين بن روح. قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحوَّلت عند رجليه(4).

ورواه الطوسي رحمه الله عن جماعة، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن محمّد بن علي بن الحسين، عن علي بن محمّد بن متيل، عن عمّه جعفر بن أحمد بن متيل، وقال بعده: (قال ابن نوح: وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن علي بن بابويه القمّي قدم علينا البصرة

******

(1) الغيبة للطوسي: 361/ ح 323.

(2) الغيبة للطوسي: 363/ ح 328.

(3) ما بين المعقوفتين أثبتناه من الغيبة للطوسي.

(4) كمال الدين: 503/ باب 45/ ح 33؛ الخرائج والجرائح 3: 1120 و1121/ ح 37.

ص: 96

في شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، قال: سمعت علوية الصفّار والحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنهما يذكران هذا الحديث، وذكرا أنَّهما حضرا بغداد في ذلك الوقت وشاهدا ذلك)(1).

توفّي رضي الله عنه في آخر جمادي الأولي سنة خمس وثلاثمائة، فقد روي الطوسي رحمه الله عن أبي نصر هبة الله، قال: وجدت بخطّ أبي غالب الزراري رحمه الله وغفر له أنَّ أبا جعفر محمّد بن عثمان العمري رحمه الله مات في آخر جمادي الأولي سنة خمس وثلاثمائة(2).

وقال الطوسي رحمه الله أيضاً: ذكر أبو نصر هبة الله (بن) محمّد بن أحمد أنَّ أبا جعفر العمري رحمه الله مات في سنة أربع وثلاثمائة، وأنَّه كان يتولّي هذا الأمر نحواً من خمسين سنة، يحمل الناس إليه أموالهم، ويخرج إليهم التوقيعات بالخطّ الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام إليهم بالمهمّات في أمر الدين والدنيا وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة رضي الله عنه وأرضاه. قال أبو نصر هبة الله: إنَّ قبر أبي جعفر محمّد بن عثمان عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله (فيه)، وهو الآن في وسط الصحراء(3)(4).

2 _ سنة (305ه-): شراء الشيخ الحسين بن روح ودائع الشيخ محمّد بن عثمان من ورثته، وفيها أدعية وقنوتات الأئمّة، ومنها قنوتات الإمام المهدي عليه السلام:

******

(1) الغيبة للطوسي: 370 و371/ ح 339 و340.

(2) الغيبة للطوسي: 366/ ح 334.

(3) الغيبة للطوسي: 366/ ح 334.

(4) قبره الشريف الآن في المسجد الخلاني ببغداد بالقرب من سوق السنك وجامع عبد القادر الكيلاني ومسجد العيدروسي، وبجانبه مقبرة الفيل التي تسمّي اليوم بمقبرة الخلاني.

ص: 97

قال السيّد ابن طاووس رحمه الله في مهج الدعوات: وجدت في الأصل الذي نقلت منه هذه القنوتات، ما هذا لفظه: ممَّا يأتي ذكره بغير إسناد، ثمّ وجدت بعد سطر هذه القنوتات إسنادها في كتاب عمل رجب وشعبان وشهر رمضان، تأليف أحمد بن عبد الله ابن عبّاس(1) رحمه الله، فقال: حدَّثني أبو الطيّب الحسن بن أحمد بن محمّد بن عمر بن عبد الله بن الصباح القزويني وأبو الصباح محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن البغدادي الكاتبان، قالا: جري بحضرة شيخنا فقيه العصابة ذكر مولانا أبي محمّد الحسن ابن أمير المؤمنين عليه السلام، فقال رجل من الطالبيين: إنَّما ينقم منه الناس تسليم هذا الأمر إلي ابن أبي سفيان، فقال شيخنا: رأيت أيضاً مولانا أبا محمّد عليه السلام أعظم شأناً وأعلي مكاناً وأوضح برهاناً من أن يقدح في فعل له اعتبار المعتبرين، أو يعترضه شكّ الشاكّين وارتياب المرتابين.

ثمّ أنشأ يُحدّث فقال: لمَّا مضي سيّدنا الشيخ أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه وأرضاه، وزاده علوّاً فيما أولاه، ففُرغ من أمره، جلس الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر زاد الله توفيقه للناس في بقيّة نهار يومه في دار الماضي رضي الله عنه، فأخرج إليه ذكاء الخادم الأبيض مدرجاً وعكّازاً وحقّة خشب مدهونة، فأخذ العكّاز فجعلها في حجره علي فخذيه، وأخذ المدرج بيمينه، والحقّة بشماله، فقال الورثة: في هذا المدرج ذكر ودايع فنشره، فإذا هي أدعية وقنوت موالينا الأئمّة من آل محمّد عليهم السلام، فأضربوا عنها، وقالوا: ففي الحقّة

******

(1) في البحار: (ابن عيّاش).

ص: 98

جوهر لا محالة، قال لهم: تبيعونها؟ فقالوا: بكم؟ قال: يا أبا الحسن _ يعني ابن شبيب الكوثاري _، ادفع إليهم عشرة دنانير! فامتنعوا فلم يزل يزيدهم ويمتنعون إلي أن بلغ مائة دينار، فقال لهم: إن بعتم، وإلاَّ ندمتم، فاستجابوا البيع، وقبضوا المائة الدينار، واستثني عليهم المدرج والعكّاز.

فلمَّا انفصل الأمر قال: هذه عكّاز مولانا أبي محمّد الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرضا عليه السلام التي كانت في يده يوم توكيله سيّدنا الشيخ عثمان بن سعيد العمري رحمه الله ووصيَّته إليه وغيبته إلي يومنا هذا، وهذه الحقّة فيها خواتيم الأئمّة، فأخرجها فكانت كما ذكر من جواهرها ونقوشها وعددها. وكان في المدرج قنوت موالينا الأئمّة عليهم السلام وفيه قنوت مولانا أبي محمّد الحسن بن أمير المؤمنين عليه السلام وأملاها علينا من حفظه، فكتبناها علي ما سطر في هذه المدرجة، وقال: احتفظوا بها كما تحتفظون بمهمّات الدين، وعزمات ربّ العالمين جلَّ وعزَّ، وفيها بلاغ إلي حين...

إلي أن قال: قنوت مولانا الحجّة بن الحسن عليهما السلام: (اللّهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد، وأكرم أولياءك بإنجاز وعدك، وبلّغهم درك ما يأملونه من نصرك، واكفف عنهم بأس من نصب الخلاف عليك، وتمرَّد بمنعك علي ركوب مخالفتك، واستعان برفدك علي فلّ حدّك، وقصد لكيدك بأيدك، ووسعته حلماً لتأخذه علي جهرة وتستأصله علي عزَّة(1)، فإنَّك اللّهمّ قلت وقولك الحقّ: (حَتَّي إِذا أَخَذَتِ الْأَرضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْأَياتِ لِقَوْمٍ

******

(1) في البحار: (غرَّة).

ص: 99

يَتَفَكَّرُونَ) (يونس: 24)، وقلت: (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) (الزخرف: 55)، وإنَّ الغاية عندنا قد تناهت، وإنّا لغضبك غاضبون، وإنّا علي نصر الحقّ متعاصبون، وإلي ورود أمرك مشتاقون، ولإنجاز وعدك مرتقبون، ولحلول وعيدك بأعدائك متوقّعون. اللّهمّ فأذن بذلك، وافتح طرقاته، وسهّل خروجه، ووطّئ مسالكه، واشرع شرائعه، وأيّد جنوده وأعوانه، وبادر بأسك القوم الظالمين، وابسط سيف نقمتك علي أعدائك المعاندين، وخذ بالثأر، إنَّك جواد مكّار).

ودعا في قنوته بهذا الدعاء: (اللّهمّ مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممَّن تشاء، وتعزُّ من تشاء، وتذلُّ من تشاء، بيدك الخير إنَّك علي كلّ شيء قدير، يا ماجد يا جواد، يا ذا الجلال والإكرام، يا بطّاش، يا ذا البطش الشديد، يا فعّالاً لما يريد، يا ذا القوَّة المتين، يا رؤوف يا رحيم، يا لطيف يا حيّ حين لا حيّ، أسألك باسمك المخزون المكنون الحيّ القيوم الذي استأثرت به في علم الغيب عندك، ولم يطَّلع عليه أحد من خلقك، وأسألك باسمك الذي تصوّر به خلقك في الأرحام كيف تشاء، وبه تسوق إليهم أرزاقهم في أطباق الظلمات، من بين العروق والعظام، وأسألك باسمك الذي ألَّفت به بين قلوب أوليائك، وألَّفت بين الثلج والنار لا هذا يُذيب هذا ولا هذا يُطفئ هذا. وأسألك باسمك الذي كوَّنت به طعم المياه، وأسألك باسمك الذي أجريت به الماء في عروق النبات بين أطباق الثري، وسقت الماء إلي عروق الأشجار بين الصخرة الصمّاء، وأسألك باسمك الذي كوَّنت به طعم الثمار وألوانها، وأسألك باسمك الذي به تُبدئ وتُعيد، وأسألك باسمك

ص: 100

الفرد الواحد المتفرّد بالوحدانية المتوحّد بالصمدانية، وأسألك باسمك الذي فجَّرت به الماء من الصخرة الصمّاء، وسقته من حيث شئت، وأسألك باسمك الذي خلقت به خلقك ورزقتهم كيف شئت وكيف شاؤوا، يا من لا يغيّره الأيّام والليالي أدعوك بما دعاك به نوح حين ناداك فأنجيته ومن معه وأهلكت قومه، وأدعوك بما دعاك إبراهيم خليلك حين ناداك فأنجيته وجعلت النار عليه برداً وسلاماً، وأدعوك بما دعاك به موسي كليمك حين ناداك ففلقت له البحر فأنجيته وبني إسرائيل وأغرقت فرعون وقومه في اليم، وأدعوك بما دعاك به عيسي روحك حين ناداك فنجَّيته من أعدائه وإليك رفعته، وأدعوك بما دعاك حبيبك وصفيّك ونبيّك محمّد صلّي الله عليه وآله فاستجبت له ومن الأحزاب نجَّيته وعلي أعدائك نصرته، وأسألك باسمك الذي إذا دعيت به أجبت، يا من له الخلق والأمر، يا من أحاط بكلّ شيء علماً، يا من أحصي كلّ شيء عدداً، يا من لا تغيّره الأيّام والليالي، ولا تتشابه عليه الأصوات، ولا تخفي عليه اللغات، ولا يبرمه إلحاح الملحّين، أسألك أن تُصلّي علي محمّد وآل محمّد خيرتك من خلقك، فصلّ عليهم بأفضل صلواتك وصلّ علي جميع النبيّين والمرسلين الذين بلَّغوا عنك الهدي وأعقدوا لك المواثيق بالطاعة، وصلّ علي عبادك الصالحين، يا من لا يخلف الميعاد أنجز لي ما وعدتني واجمع لي أصحابي وصبّرهم، وانصرني علي أعدائك وأعداء رسولك، ولا تخيب دعوتي فإنّي عبدك ابن عبدك وابن أمَتك أسير بين يديك، سيّدي أنت الذي مننت عليَّ بهذا المقام وتفضَّلت به عليَّ دون كثير من خلقك، أسألك أن تُصلّي علي

ص: 101

محمّد وآل محمّد وأن تنجز لي ما وعدتني إنَّك أنت الصادق ولا تخلف الميعاد وأنت علي كلّ شيء قدير)(1).

* * *

أحداث هذا الشهر بدون ذكر اليوم

1 _ سنة (410ه-): إخبار الإمام المهدي عليه السلام في رسالته للشيخ المفيد رحمه الله بحدوث آية جليّة في جمادي الأولي:

راجع ما ذُكر في (صفر/ 410ه-) تحت عنوان: (وصول الرسالة الأولي للشيخ المفيد رحمه الله من قبل الإمام المهدي عليه السلام...).

2 _ سنة (1299ه-): ورود الحاجّ محمّد مهدي التاجر إلي العراق لغرض الاستشفاء بزيارة الأئمّة عليهم السلام:

سيأتي ذكر تمام قصَّته في (10/ جمادي الآخرة/ 1299ه-) تحت عنوان (شفاء أحد المؤمنين من الخرس في سامراء ببركة الإمام المهدي عليه السلام).

* * *

******

(1) أنظر: مهج الدعوات: 45 - 69.

ص: 102

6-جمادي الآخرة

اشارة

ص: 103

ص: 104

1 جمادي الآخرة

سنة الظهور: ابتداء المطر بشكل غزير واستمراره أربعين يوماً حتَّي تنبت لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم:

روي المفيد رحمه الله عن عبد الكريم الخثعمي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كم يملك القائم عليه السلام؟ قال: (سبع سنين، تطول له الأيّام والليالي حتَّي تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم، فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه، وإذا آن قيامه مطر الناس جمادي الآخرة وعشرة أيّام من رجب مطراً لم يرَ الخلائق مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، فكأنّي أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب)(1).

* وروي المفيد رحمه الله أيضاً عن عبد الله بن بكير، عن عبد الملك بن إسماعيل، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، قال: إنَّ السنة التي يقوم فيها المهدي عليه السلام تمطر الأرض أربعاً وعشرين مطرة، تري آثارها وبركاتها(2).

ورواه الطوسي رحمه الله عن أحمد بن علي الرازي، عن المقانعي، عن بكار بن أحمد، عن حسن بن حسين، عن عبد الله بن بكير، عن عبد الملك بن إسماعيل الأسدي، عن أبيه، عن سعيد بن جبير(3).

******

(1) الإرشاد 2: 381.

(2) الإرشاد 2: 373.

(3) الغيبة للطوسي: 443/ ح 435.

ص: 105

10 جمادي الآخرة

سنة (1299ه-): شفاء أحد المؤمنين من الخرس في سامراء ببركة الإمام المهدي عليه السلام:

ورد الكاظمين في شهر جمادي الأولي من سنة ألف ومائتين وتسعة وتسعين آقا محمّد مهدي التاجر، الشيرازي الأصل، وكان مولده ومنشؤه في ميناء (ملومين) من ممالك (ماجين)، بقصد الاستشفاء بزيارة أئمّة العراق عليهم السلام، علي بعض التجّار المعروفين من أقربائه وبقي هناك عشرين يوماً، فعندما كان وقت حركة مركب الدخّان إلي سُرَّ من رأي جاء به أقرباؤه إلي المركب، وسلَّموه إلي راكبيه من أهل بغداد وكربلاء لصممه وعجزه عن التفهيم لما يريده وما يحتاجه، وكتبوا إلي بعض المجاورين في سُرَّ من رأي رسائل في ذلك.

وبعد أن وصل هناك في يوم الجمعة العاشر من جمادي الآخرة ذهب إلي السرداب المقدَّس في جماعة من الثقات وخادم ليقرأ له الزيارة، إلي أن أتي إلي الصُفَّة التي في السرداب، فوقف فوق البئر مدَّة يبكي ويتضرَّع ويكتب بالقلم علي حائط السرداب يطلب من الحاضرين الدعاء لشفائه. فما تمَّ ابتهاله وتضرّعه حتَّي فتح الله تعالي لسانه، وخرج من الناحية المقدَّسة بلسان فصيح، وبيان مليح!

وقد أحضره مرافقوه يوم السبت إلي مجلس تدريس جناب سيّد الفقهاء العظام الأستاذ الأكبر حجّة الإسلام الميرزا محمّد حسن الشيرازي متَّعنا الله ببقائه، وبعد الحديث المناسب لذلك المقام قرأ عنده تبرّكاً سورة الحمد المباركة، وكانت القراءة جيّدة جدّاً بنحو أذعن الحاضرون بصحَّتها وحسنها.

ص: 106

قصيدة الشاعر عبّاس الصفّار بالمناسبة:

وفي ليلتي الأحد والاثنين اجتمع العلماء والفضلاء في الصحن الشريف فرحين مسرورين، وأضاؤا فضاءه من المصابيح والقناديل، ونظموا القصَّة ونشروها في البلاد، وكان معه في المركب مادح أهل البيت عليهم السلام الفاضل اللبيب الحاجّ ملاَّ عبّاس الصفّار الزنوزي البغدادي فقال _ وهو من قصيدة طويلة ورآه مريضاً وصحيحاً _:

وفي عامها جئتُ والزائرين***إلي بلدة سُرَّ من قد رآها

رأيت من الصين فيها فتي***وكان سميّ إمام هداها

يشير إذا ما أراد الكلام***وللنفس منه... كذا براها

وقد قيد السقم منه الكلام***وأطلق من مقلتيه دماها

فوافا إلي باب سرداب من***به الناس طرّاً ينال مناها

يروم بغير لسان يزور***وللنفس منه دهت بعناها

وقد صار يكتب فوق الجدار***ما فيه للروح منه شفاها

أروم الزيارة بعد الدعاء***ممَّن رأي أسطري وتلاها

لعلَّ لساني يعود الفصيح***وعلّي أزور وأدعو الإلها

إذا هو في رجل مقبل***تراه وري البعض من أتقياها

تأبَّط خير كتاب له***وقد جاء من حيث غاب ابن طه

فأومي إليه ادع ما قد كتب***وجاء فلمَّا تلاه دعاها

وأوصي به سيّداً جالساً***أن ادعوا له بالشفاء شفاها

فقام وأدخله غيبة الإ***مام المغيّب من أوصياها

ص: 107

وجاء إلي حفرة الصُفَّة***التي هي للعين نور ضياها

وأسرج آخر فيها السراج***وأدناه من فمه ليراها

هناك دعا الله مستغفراً***وعيناه مشغولةً ببكاها

ومذ عاد منها يريد الصلاة***قد عاود النفس منه شفاها

وقد أطلق الله منه اللسان***وتلك الصلاة أتمّ أداها

قصيدة السيّد حيدر الحلّي بالمناسبة:

ولمَّا بلغ الخبر إلي خرّيت صناعة الشعر السيّد المؤيّد الأديب اللبيب فخر الطالبيين، وناموس العلويين، السيّد حيدر بن السيّد سليمان الحلّي أيَّده الله تعالي بعث إلي سُرَّ من رأي كتاباً صورته:

بسم الله الرحمن الرحيم

لمَّا هبَّت من الناحية المقدَّسة نسمات كرم الإمامة فنشرت نفحات عبير هاتيك الكرامة، فأطلقت لسان زائرها من اعتقاله، عندما قام عندها في تضرّعه وابتهاله، أحببت أن أنتظم في سلك من خدم تلك الحضرة، في نظم قصيدة تتضمَّن بيان هذا المعجز العظيم ونشره، وأن اُهنّئ علاَّمة الزمن وغرَّة وجهه الحسن، فرع الأراكة المحمّدية، ومنار الملَّة الأحمدية، علم الشريعة، وإمام الشيعة، لأجمع بين العبادتين في خدمة هاتين الحضرتين، فنظمت هذه القصيدة الغرّاء، وأهديتها إلي دار إقامته وهي سامراء، راجياً أن تقع موقع القبول، فقلت ومن الله بلوغ المأمول:

كذا يظهر المعجز الباهر***ويشهده البرّ والفاجر

وتروي الكرامة مأثورة***يبلّغها الغائبَ الحاضر

ص: 108

يقرُّ لقوم بها ناظر***ويقذي لقوم بها ناظر

فقلب لها ترحاً واقع***وقلب بها فرحاً طائر

أجل طرف فكرك يا مستدلّ***وأنجد بطرفك يا غائر

تصفَّح مآثر آل الرسول***وحسبك ما نشر الناشر

ودونكه نبأ صادقاً***لقلب العدوّ هو الباقر

فمن صاحب الأمر أمس استبان***لنا معجز أمره باهر

بموضع غيبته مذ ألمَّ***أخو علَّة داؤها ظاهر

رمي فمه باعتقال اللسان***رام هو الزمن الغادر

فأقبل ملتمساً للشفاء***لدي من هو الغائب الحاضر

ولقَّنه القولَ مستأجر***عن القصد في أمره جائر

فبيناه في تعب ناصب***ومن ضَجَرٍ فِكْرُه حائر

إذ انحلَّ من ذلك الاعتقال***وبارحه ذلك الضائر

فراح لمولاه في الحامدين***وهو لآلائه ذاكر

لعمري لقد مسحت داءه***يد كلّ خلق لها شاكر

يد لم تزل رحمة للعباد***لذلك أنشأها الفاطر

تحدر وإن كرهت أنفس***يضيق شجيً صدرُها الواغر

وقل إنَّ قائم آل النبيّ***له النهي وهو هو الآمر

أيمنع زائره الاعتقال***ممَّا به ينطق الزائر

ص: 109

ويدعوه صدقاً إلي حلّه***ويقضي علي أنَّه القادر

ويكبو مرجيه دون الغياث***وهو يقال به العاثر

فحاشاه بل هو نعم المغيث***إذا نضنض الحارث الفاغر

فهذي الكرامة لا ما غدا***يلفقه الفاسق الفاجر

أدم ذكرها يا لسان الزمان***وفي نشرها فمك العاطر

وَهَنَّ بها سُرَّ من را ومن***به ربعها آهل عامر

هو السيّد الحسن المجتبي***خضم الندي غيثه الهامر

وقل يا تقدَّستِ من بقعة***بها يهب الزلَّة الغافر

كلا اسميك في الناس بادٍ له***بأوجههم أثر ظاهر

فأنت لبعضهم سُرَّ من***رأي وهو نعت لهم ظاهر

وأنت لبعضهم ساء من***رأي وبه يوصف الخاسر

لقد أطلق الحَسَنُ المكرمات***مهياك فهو بهي سافر(1)

فأنت حديقة زهو به***وأخلاقه روضك الناضر

عليم تربّي بحجر الهدي***ونسج التقي برده الطاهر

إلي أن قال سلَّمه الله تعالي:

كذا فلتكن عترة المرسلين***وإلاَّ فما الفخر يا فاخر(2)

******

(1) في ديوان السيّد حيدر: (محياك وهو بها سافر).

(2) أنظر: جنَّة المأوي: 96 - 100/ الحكاية الثانية والثلاثون؛ ديوان السيّد حيدر الحلّي 1: 24.

ص: 110

17 جمادي الآخرة

سنة (641ه-): تشرّف ابن طاووس بزيارة أمير المؤمنين عليه السلام وحصوله علي مكاشفات عظيمة ولقاؤه برسول الإمام المهدي عليه السلام:

قال السيّد الجليل صاحب المقامات الباهرة والكرامات الظاهرة رضي الدين علي بن طاووس رحمه الله في رسالة المواسعة والمضايقة: يقول علي بن موسي بن جعفر بن طاووس: كنت قد توجَّهت أنا وأخي الصالح محمّد بن محمّد بن محمّد القاضي الآوي(1) ضاعف الله سعادته، وشرَّف خاتمته من الحلَّة إلي مشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر جُمادي الاُخري سنة إحدي وأربعين وستمائة، فاختار الله لنا المبيت بالقرية التي تسمّي دورة بن سنجار، وبات أصحابنا ودوابّنا في القرية.

وتوجَّهنا منها أوائل نهار يوم الأربعاء ثامن عشر الشهر المذكور، فوصلنا إلي مشهد مولانا علي صلوات الله وسلامه عليه قبل ظهر يوم

******

(1) هو محمّد بن محمّد بن محمّد بن زيد بن الداعي بن زيد بن علي بن الحسين بن الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن علي بن الحسن الأفطس بن علي بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي أمير المؤمنين، العالم الإمامي، السيّد رضي الدين الحسيني الأفطسي، الآوي، المجاور بالمشهد المقدس الغروي، قال عنه صاحب رياض العلماء: فاضل، جليل، فقيه، روي عن أبيه بسنده إلي جدّ أبيه الداعي بن زيد جميع مصنّفات الفقهاء...، روي عنه السيّد علي ابن طاوس الحسني الحلّي وكان صديقه وعبَّر عنه في كتبه بأخي، ووصفه بالقاضي، وروي عنه أيضاً سديد الدين يوسف بن المطهَّر والد العلاَّمة الحلّي، ومحمّد بن أحمد بن صالح القُسِّيني، وكان زاهداً، عابداً، صاحب كرامات، توفّي سنة أربع وخمسين وستمائة. (راجع: موسوعة طبقات الفقهاء 7: 249 و250/ الرقم 2592).

ص: 111

الأربعاء المذكور، فزرنا وجاء الليل في ليلة الخميس تاسع عشر جُمادي الاُخري المذكورة، فوجدت من نفسي إقبالاً علي الله، وحضوراً وخيراً كثيراً فشاهدت ما يدلُّ علي القبول والعناية والرأفة وبلوغ المأمول والضيافة، فحدَّثني أخي الصالح محمّد بن محمّد الآوي ضاعف الله سعادته أنَّه رأي في تلك الليلة في منامه كأنَّ في يدي لقمة وأنا أقول له: هذه من فم مولانا المهدي عليه السلام وقد أعطيته بعضها.

فلمَّا كان سحر تلك الليلة، كنت علي ما تفضَّل الله به من نافلة الليل فلمَّا أصبحنا به من نهار الخميس المذكور، دخلت الحضرة حضرة مولانا علي صلوات الله عليه علي عادتي، فورد عليَّ من فضل الله وإقباله والمكاشفة ما كدت أسقط علي الأرض، ورجفت أعضائي وأقدامي، وارتعدت رعدة هائلة، علي عوائد فضله عندي وعنايته لي، وما أراني من برّه لي ورفدي، وأشرفت علي الفناء ومفارقة دار الفناء والانتقال إلي دار البقاء، حتَّي حضر الجمّال محمّد بن كنيلة، وأنا في تلك الحال فسلَّم عليَّ فعجزت عن مشاهدته، وعن النظر إليه، وإلي غيره، وما تحقَّقته بل سألت عنه بعد ذلك، فعرَّفوني به تحقيقاً، وتجدَّدت في تلك الزيارة مكاشفات جليلة، وبشارات جميلة.

وحدَّثني أخي الصالح محمّد بن محمّد بن محمّد الآوي ضاعف الله سعادته، بعدَّة بشارات رواها لي منها أنَّه رأي كأنَّ شخصاً يقصُّ عليه في المنام مناماً، ويقول له: قد رأيت كأنَّ فلاناً _ يعني عنّي _ وكأنَّني _ كنت حاضراً لمَّا كان المنام يقصُّ عليه _ راكب فرساً وأنت _ يعني الأخ الصالح الآوي _ وفارسان آخران قد صعدتم جميعاً إلي السماء،

ص: 112

قال: فقلت له: أنت تدري أحد الفارسين من هو؟ فقال صاحب المنام في حال النوم: لا أدري، فقلت: أنت _ يعني عنّي _ ذلك مولانا المهدي صلوات الله وسلامه عليه.

وتوجَّهنا من هناك لزيارة أوّل رجب بالحلَّة، فوصلنا ليلة الجمعة، سابع عشر جُمادي الآخرة بحسب الاستخارة، فعرَّفني حسن بن البقلي يوم الجمعة المذكورة أنَّ شخصاً فيه صلاح يقال له: عبد المحسن، من أهل السواد قد حضر بالحلَّة وذكر أنَّه قد لقيه مولانا المهدي صلوات الله عليه ظاهراً في اليقظة، وقد أرسله إلي عندي برسالة، فنفذت قاصداً وهو محفوظ بن قرا فحضرا ليلة السبت ثامن عشر من جمادي الآخرة المقدَّم ذكرها.

فخلوت بهذا الشيخ عبد المحسن، فعرفته هو رجل صالح، لا يشكُّ النفس في حديثه، ومستغن عنّا، وسألته فذكر أنَّ أصله من حصن بشر وأنَّه انتقل إلي الدولاب الذي بإزاء المحلَّة المعروفة بالمجاهدية، ويعرف الدولاب بابن أبي الحسن، وأنَّه مقيم هناك، وليس له عمل بالدولاب ولا زرع، ولكنَّه تاجر في شراء غليلات وغيرها، وأنَّه كان قد ابتاع غلَّة من ديوان السرائر وجاء ليقبضها، وبات عند المعيدية في المواضع المعروفة بالمحبر.

فلمَّا كان وقت السحر كره استعمال ماء المعيدية، فخرج فقصد النهر، والنهر في جهة المشرق، فما أحسَّ بنفسه إلاَّ وهو في تلّ السلام في طريق مشهد الحسين عليه السلام في جهة المغرب، وكان ذلك ليلة الخميس تاسع عشر شهر جمادي الآخرة من سنة إحدي وأربعين وستمائة التي تقدَّم شرح بعض ما تفضَّل الله عليَّ فيها وفي نهارها في خدمة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.

ص: 113

فجلست اُريق ماءً وإذا فارس عندي ما سمعت له حسّاً ولا وجدت لفرسه حركةً ولا صوتاً، وكان القمر طالعاً، ولكن كان الضباب كثيراً.

فسألته عن الفارس وفرسه، فقال: كان لون فرسه صدء، وعليه ثياب بيض وهو متحنّك بعمامة ومتقلّد بسيف.

فقال الفارس لهذا الشيخ عبد المحسن: (كيف وقت الناس؟)، قال عبد المحسن: فظننت أنَّه يسأل عن ذلك الوقت، قال: فقلت الدنيا عليه ضباب وغبرة، فقال: (ما سألتك عن هذا، أنا سألتك عن حال الناس)، قال: فقلت: الناس طيّبين مرخَّصين آمنين في أوطانهم وعلي أموالهم.

فقال: (تمضي إلي ابن طاووس، وتقول له كذا وكذا)، وذكر لي ما قال صلوات الله عليه، ثمّ قال عنه عليه السلام: (فالوقت قد دنا، فالوقت قد دنا)، قال عبد المحسن فوقع في قلبي وعرفت نفسي أنَّه مولانا صاحب الزمان عليه السلام، فوقعت علي وجهي وبقيت كذلك مغشيّاً عليَّ إلي أن طلع الصبح، قلت له: فمن أين عرفت أنَّه قصد ابن طاووس عنّي؟ قال: ما أعرف من بني طاووس إلاَّ أنت، وما في قلبي إلاَّ أنَّه قصد بالرسالة إليك، قلت: أيّ شيء فهمت بقوله عليه السلام: (فالوقت قد دنا، فالوقت قد دنا)؟ هل قصد وفاتي قد دنا أم قد دنا وقت ظهوره صلوات الله وسلامه عليه؟ فقال: بل قد دنا وقت ظهوره صلوات الله عليه.

قال: فتوجَّهت ذلك الوقت إلي مشهد الحسين عليه السلام وعزمت أنَّني ألزم بيتي مدَّة حياتي أعبد الله تعالي، وندمت كيف ما سألته صلوات الله عليه عن أشياء كنت أشتهي أسأله فيها.

قلت له: هل عرَّفت بذلك أحداً؟ قال: نعم، عرَّفت بعض من كان عرف بخروجي من المعيدية، وتوهَّموا أنّي قد ضللت وهلكت بتأخيري عنهم،

ص: 114

واشتغالي بالغشية التي وجدتها، ولأنَّهم كانوا يروني طول ذلك النهار يوم الخميس في أثر الغشية التي لقيتها من خوفي منه عليه السلام فوصَّيته أن لا يقول ذلك لأحد أبداً، وعرضت عليه شيئاً، فقال: أنا مستغن عن الناس وبخير كثير.

فقمت أنا وهو فلمَّا قام عنّي نفذت له غطاءً وبات عندنا في المجلس علي باب الدار التي هي مسكني الآن بالحلَّة، فقمت وكنت أنا وهو في الروشن في خلوة، فنزلت لأنام فسألت الله زيادة كشف في المنام في تلك الليلة أراه أنا.

فرأيت كأنَّ مولانا الصادق عليه السلام قد جاءني بهدية عظيمة، وهي عندي وكأنَّني ما أعرف قدرها، فاستيقظت وحمدت الله، وصعدت الروشن لصلاة نافلة الليل، وهي ليلة السبت ثامن عشر جمادي الآخرة فأصعد فتح الإبريق إلي عندي فمددت يدي فلزمت عروته لأفرغ علي كفّي فأمسك ماسك فم الإبريق وأداره عنّي ومنعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة، فقلت: لعلَّ الماء نجس فأراد الله أن يصونني عنه، فإنَّ لله عز وجل عليَّ عوائد كثيرة أحدها مثل هذا وأعرفها.

فناديت إلي فتح، وقلت: من أين ملأت الإبريق؟ فقال: من المصبّة، فقلت: هذا لعلَّه نجس فاقلبه وطهّره واملأه من الشطّ، فمضي وقلبه وأنا أسمع صوت الإبريق وشطفه وملأه من الشطّ، وجاء به فلزمت عروته وشرعت أقلب منه علي كفّي فأمسك ماسك فم الإبريق وأداره عنّي ومنعني منه.

فعدت وصبرت، ودعوت بدعوات، وعاودت الإبريق وجري مثل ذلك، فعرفت أنَّ هذا منع لي من صلاة الليل تلك الليلة، وقلت في خاطري لعلَّ الله يريد أن يجري عليَّ حكماً وابتلاءاً غداً ولا يريد أن أدعو الليلة في السلامة من ذلك، وجلست لا يخطر بقلبي غير ذلك.

فنمت وأنا جالس، وإذا برجل يقول لي _ يعني عبد المحسن الذي جاء بالرسالة _: كان ينبغي أن تمشي بين يديه، فاستيقظت ووقع

ص: 115

في خاطري أنَّني قد قصرت في احترامه وإكرامه، فتبت إلي الله جل جلاله، واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك، وشرعت في الطهارة فلم يمسك أبداً (فم) الإبريق وتركت علي عادتي فتطهَّرت وصلَّيت ركعتين فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل، وفهمت أنَّني ما قمت بحقّ هذه الرسالة.

فنزلت إلي الشيخ عبد المحسن، وتلقَّيته وأكرمته، وأخذت له من خاصَّتي ستّة دنانير، ومن غير خاصَّتي خمسة عشر ديناراً ممَّا كنت أحكم فيه كمالي وخلوت به في الروشن، وعرضت ذلك عليه، واعتذرت إليه، فامتنع من قبول شيء أصلاً، وقال: إنَّ معي نحو مائة دينار وما آخذ شيئاً، أعطه لمن هو فقير، وامتنع غاية الامتناع.

فقلت: إنَّ رسول مثله عليه الصلاة والسلام، يُعطي لأجل الإكرام لمن أرسله لا لأجل فقره وغناه، فامتنع، فقلت له: (مبارك) أمَّا الخمسة عشر، فهي من غير خاصَّتي، فلا اُكرهك علي قبولها، وأمَّا هذه الستّة دنانير فهي من خاصَّتي فلا بدَّ أن تقبلها منّي، فكاد أن يؤيسني من قبولها، فألزمته فأخذها، وعاد تركها، فألزمته فأخذها، وتغدَّيت أنا وهو، ومشيت بين يديه كما اُمرت في المنام إلي ظاهر الدار وأوصيته بالكتمان، والحمد لله وصلّي الله علي سيّد المرسلين محمّد وآله الطاهرين.

ومن عجيب زيادة بيان هذا الحال: أنّي توجهت في ذلك الأسبوع يوم الاثنين الثالث من جمادي الآخرة سنة إحدي وأربعين وستمائة إلي مشهد الحسين عليه السلام لزيارة أوّل رجب، أنا وأخي الصالح محمّد بن محمّد بن محمّد ضاعف الله سعادته.

فحضر عندي سحر ليلة الثالث أوّل رجب المبارك سنة إحدي وأربعين وستمائة المقرئ محمّد بن سويد في بغداد، وذكر ابتداءاً من

ص: 116

نفسه أنّه رأي ليلة السبت ثامن عشر من جمادي الآخرة المتقدّم ذكرها كأنَّني في داري وقد جائني رسول اليك، وقالوا هو من عند الصاحب.

قال محمّد بن سويد: فظنَّ بعض الجماعة أنَّه من عند أستاد الدار قد جاء إليك برسالة.

قال محمَد بن سويد: وأنا عرفت أنَّه من عند صاحب الزمان عليه السلام.

قال: فغسل محمّد بن سويد يديه وطهَّرهما، وقام إلي رسول مولانا المهدي عليه السلام، فوجده قد أحضر معه كتاباً من مولانا المهدي صلوات الله عليه إلي عندي، وعلي الكتاب المذكور ثلاثة ختوم.

قال المقرئ محمّد بن سويد: فتسلَّمت الكتاب من رسول مولانا المهدي عليه السلام بيدي المشطوفة، قال: وسلّمه إليك يعني عنّي.

قال: وكان أخي الصالح محمّد بن محمّد الآوي ضاعف الله سعادته حاضراً فقال: ما هذا؟ فقلت: هو يقول لك.

قال علي بن موسي بن طاووس: فتعجَّبت من أنَّ هذا محمّد بن سويد قد رأي المنام في الليلة التي حضر عندي فيها الرسول المذكور، وما كان عنده خبر من هذه الأمور، والحمد لله(1).

27 جمادي الآخرة

1 _ سنة (13ه-): ذكري وفاة أبي بكر ودخول يهودي علي الإمام علي عليه السلام وسؤاله عن سبع مسائل منها أوصياء النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وعددهم:

قال الحمويني في (فرائد السمطين): أخبرني الشيخ الإمام العلاَّمة

******

(1) جنَّة المأوي: 24 - 30/ الحكاية الثانية.

ص: 117

نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيي بن سعيد الحلّي _ كتابة في شهر ربيع شهور سنة إحدي وسبعين وستّمأة _ وأبيه، عن السيّد النسّابة فخار بن معد بن فخار الموسوي، عن شاذان بن جبرئيل، عن جعفر بن محمّد الدوري، عن أبيه، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين، قال: حدَّثني محمّد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: نبَّأنا محمّد بن أبي القاسم، عن حبّان السرّاج، عن داود بن سليمان الكسائي، عن أبي الطفيل، قال: شهدت جنازة أبي بكر يوم مات وشهدت عمر حين بويع وعلي جالس ناحية إذ أقبل غلام يهودي عليه ثياب حسان وهو من ولد هارون حتَّي قام علي رأس عمر، فقال: يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الأمّة بكتابهم وأمر نبيّهم؟ قال: فطأطأ رأسه فقال: إيّاك أعني، وأعاد عليه القول، فقال له عمر: ما ذاك؟ قال: إنّي جئتك مرتاداً لنفسي شاكّاً في ديني، فقال: دونك هذا الشاب، قال: ومن هذا الشاب؟ قال: هذا علي بن أبي طالب، ابن عمّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وهو أبو الحسن والحسين عليهما السلام ابني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وهذا زوج فاطمة بنت رسول الله، فأقبل اليهودي علي علي عليه السلام قال: كذلك أنت؟ قال: (نعم). قال: إنّي اُريد أن أسألك عن ثلاث، وثلاث، وواحدة، قال: فتبسَّم علي عليه السلام ثمّ قال: (يا هاروني، ما منعك أن تقول سبعاً؟)، فقال: أسألك عن ثلاث فإن علمتهنَّ سألت عمَّا بعدهنَّ، وإن لم تعلمهنَّ علمت أنَّه ليس فيكم علم، قال علي: (فإنَّني أسألك بالإله الذي تعبد لئن أجبتك في كلّ ما تريد لتدعنَّ دينك ولتدخلنَّ في ديني؟)، قال: ما جئت إلاَّ لذاك، قال: (فاسأل)، قال: فأخبرني عن أوّل قطرة دم قطرت علي وجه الأرض أيّ قطرة هي؟ وأوّل

ص: 118

عين فاضت علي وجه الأرض أيّ عين هي؟ وأوّل شيء اهتزَّ علي وجه الأرض أيّ شيء هو؟ فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام، قال: فأخبر عن الثلاث الأخر، أخبرني عن محمّد صلي الله عليه وآله وسلم كم بعده من إمام عدل؟ وفي أيّ جنّة يكون؟ ومن يساكنه معه في جنَّته؟ فقال: (يا هاروني، إنَّ لمحمّد صلي الله عليه وآله وسلم من الخلفاء اثنا عشر إماماً عدلاً لا يضرُّهم من خذلهم، ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم، وأنَّهم أرسب في الدين من الجبال الرواسي في الأرض، ومسكن محمّد في جنَّته مع أولئك الاثني عشر إماماً العدل)، قال: صدقت، والله الذي لا إله إلاَّ هو إنّي لأجدها في كتب أبي هارون كتبه بيده وإملاء موسي عليه السلام، قال: فأخبرني عن الواحدة، أخبرني عن وصيّ محمّد كم يعيش من بعده؟ وهل يموت أو يُقتل؟ قال: (يا هاروني، يعيش بعده ثلاثين سنة لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً، ثمّ يُضرب ضربة هنا يعني قرنه فتخضب هذه من هذا)، قال: فصاح الهاروني وقطع تسبيحه وهو يقول: أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله، وأنَّك وصيّه، ينبغي تفوق ولا تفاق، وأن تُعظَّم ولا تُستضعف، ثمّ مضي به علي عليه السلام إلي منزله فعلَّمه معالم الدين(1).

ورواه الكليني رحمه الله عن عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم، عن حنّان بن السرّاج، عن داود بن سليمان الكسائي، عن أبي الطفيل(2).

وروي النعماني رحمه الله قريباً منها عن أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد

******

(1) أنظر: شرح إحقاق الحقّ 8 : شرح صفحة 215 و216، عن فرائد السمطين.

(2) الكافي 1: 529 و530/ باب فيما جاء في الاثني عشر.../ ح 5.

ص: 119

بن عقدة الكوفي، قال: حدَّثنا محمّد بن المفضَّل بن إبراهيم بن قيس بن رمّانة الأشعري من كتابه، قال: حدَّثنا إبراهيم بن مهزم، قال: حدَّثنا خاقان بن سليمان الخزّاز، عن إبراهيم بن أبي يحيي المدني، عن أبي هارون العبدي، عن عمر بن أبي سَلَمة ربيب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة(1).

وروي الصدوق رحمه الله أربع روايات بهذا المضمون في (كمال الدين): الأولي عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله ومحمّد بن يحيي العطّار وأحمد بن إدريس جميعاً، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ويعقوب بن يزيد وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن ابن فضال، عن أيمن بن محرز الحضرمي، عن محمّد بن سماعة الكندي، عن إبراهيم بن يحيي المديني، عن أبي عبد الله عليه السلام.

والثانية عن محمّد بن علي ماجيلويه، عن محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم، عن حيّان السرّاج، عن داود بن سليمان الغسّاني، عن أبي الطفيل.

والثالثة عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمّد بن عيسي، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي يحيي المديني، عن أبي عبد الله عليه السلام.

والرابعة عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحكم بن مسكين الثقفي، عن صالح بن عقبة، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام(2).

2 _ سنة (13ه-): امتناع الإمام علي عليه السلام من إعطاء القرآن الذي جمعه إلي عمر وظهوره علي يد مهدي آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم:

روي الطبرسي رحمه الله أنَّه لمَّا استخلف عمر سأل علياً عليه السلام أن يدفع

******

(1) الغيبة للنعماني: 97 - 100/ باب 4/ ح 29.

(2) كمال الدين: 296 - 302/ باب 26/ ح 5 - 8 .

ص: 120

إليهم القرآن فيحرّفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلي أبي بكر حتَّي نجتمع عليه، فقال عليه السلام: (هيهاتَ ليس إلي ذلك سبيل، إنَّما جئت به إلي أبي بكر لتقوم الحجَّة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة: (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) (الأعراف: 172)، أو تقولوا: ما جئتنا به، إنَّ القرآن الذي عندي لا يمسّه إلاَّ المطهَّرون والأوصياء من ولدي)، قال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم. فقال عليه السلام: (نعم، إذا قام القائم من ولدي، يظهره ويجمل الناس عليه، فتجري السُنَّة به صلوات الله عليه)(1).

* * *

أحداث هذا الشهر بدون ذكر اليوم

سنة (36ه-): خطبة علي عليه السلام قبل خروجه من البصرة، وفيها ذكر المهدي عليه السلام والعلامات قبله:

قال السيّد ابن طاووس في الملاحم والفتن: الباب (58): فيما نذكره من خطبة مولانا علي عليه السلام المعروفة باللؤلؤة، ذكر السليلي أنَّه خطب بها قبل خروجه من البصرة بخمسة عشر يوماً يذكر فيها ملوك بني العبّاس وما بعدهم، نقتصر منها علي ما بعدهم، وفيه ذكر المهدي. فقال فيها بعد تسمية ملوك بني العبّاس: (وثمَّت الفتنة الغبراء، والقلادة الحمراء، وفي عنقها قائم الحقّ، ثمّ أسفر عن وجه بين أجنحة الأقاليم كالقمر المضيء بين الكواكب الدراري، ألا وإنَّ لخروجه علامات

******

(1) الاحتجاج 1: 225 - 228.

ص: 121

عشرة، فأوّلهنَّ طلوع الكوكب المذنب، ويقارب من المحاذي، وأيّ قرب، ويتبع به هرج وشغب، فتلك أوّل علامات المغيب، ومن العلامة إلي العلامة عجب، فإذا انقضت العلامات العشر ظهر فيها القمر الأزهر، وتمَّت كلمة الإخلاص علي التوحيد بالله ربّ العالمين)(1).

* * *

******

(1) الملاحم والفتن: 270/ ح 392.

ص: 122

7- رجب المرجَّب

اشارة

ص: 123

ص: 124

1 رجب المرجَّب

1 _ سنة (641ه-): زيارة السيّد ابن طاووس رحمه الله للإمام الحسين عليه السلام في أوّل رجب:

راجع ما ذُكر في (17/ جمادي الآخرة/ 641ه-) تحت عنوان: (تشرّف ابن طاووس بزيارة أمير المؤمنين عليه السلام وحصوله علي مكاشفات عظيمة ولقاؤه برسول الإمام المهدي عليه السلام).

2 _ سنة الظهور: انتهاء هطول الأمطار في أوّل شهر رجب:

راجع ما ذُكر في (20/ جمادي الأولي/ سنة الظهور) تحت عنوان: (بداية هطول الأمطار الغزيرة والتي تستمرّ أربعين يوماً علي رواية إلزام الناصب).

10 رجب المرجَّب

سنة الظهور: انتهاء مطر السماء في اليوم العاشر من رجب:

راجع ما ذُكر في (جمادي الآخرة/ سنة الظهور) تحت عنوان: (ابتداء المطر بشكل غزير واستمراره أربعين يوماً حتَّي تنبت لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم).

13 رجب المرجَّب

وصول توقيع الإمام عليه السلام لوكيله القاسم بن العلاء يخبره بوفاته بعد أربعين يوماً من وصول التوقيع، وفي القصَّة عبر ومواعظ كثيرة:

ص: 125

روي الطوسي رحمه الله عن محمّد بن محمّد بن النعمان والحسين بن عبيد الله، عن محمّد بن أحمد الصفواني رحمه الله، قال: رأيت القاسم بن العلاء(1) وقد عمَّر مائة سنة وسبع عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينين، لقي مولانا أبا الحسن وأبا محمّد العسكريين عليهما السلام. وحجب بعد الثمانين، ورُدَّت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيّام. وذلك أنّي كنت مقيماً عنده بمدينة الران من أرض آذربايجان، وكان لا تنقطع توقيعات مولانا صاحب الزمان عليه السلام علي يد أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري وبعده علي (يد) أبي القاسم (الحسين) بن روح قدَّس الله روحهما، فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين، فقلق رحمه الله لذلك.

فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل البوّاب مستبشراً، فقال له: فيج العراق، لا يسمّي بغيره، فاستبشر القاسم وحوَّل وجهه إلي القبلة فسجد، ودخل كهل قصير يري أثر الفيوج عليه، وعليه جُبَّة مصرية، وفي رجله نعل محاملي، وعلي كتفه مخلاة، فقام القاسم فعانقه ووضع المخلاة عن عنقه، ودعا بطشت وماء فغسل يده وأجلسه إلي جانبه، فأكلنا وغسلنا أيدينا، فقام الرجل فأخرج كتاباً أفضل من النصف(2) المدرج، فناوله القاسم، فأخذه وقبَّله ودفعه إلي كاتب له يقال له: ابن أبي سَلَمة، فأخذه أبو عبد الله ففضَّه وقرأه حتَّي أحسَّ القاسم بنكاية. فقال: يا أبا

******

(1) هو القاسم بن العلاء الهمداني من أهالي مدينة أذربيجان، لم يرد تاريخ حياته في المصادر إلاَّ أنَّه يستفاد من الروايات أنَّه عاصر الإمام الرضا عليه السلام وكان حيّاً إلي أيّام سفارة السفير الثالث حسين بن روح. عدَّه الصدوق رحمه الله من جملة وكلاء الإمام المهدي عليه السلام وقال: (ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء). (كمال الدين: 442/ باب 43/ ح 16).

(2) قال المجلسي رحمه الله: قوله: (أفضل من النصف): يصف كبره، أي كان أكبر من نصف ورق مدرج، أي مطوي. (بحار الأنوار 51: 316/ ذيل الحديث 37).

ص: 126

عبد الله خير؟ فقال: خير، فقال: ويحك خرج فيَّ شيء؟ فقال أبو عبد الله: ما تكره فلا، قال القاسم: فما هو؟ قال: نعي الشيخ إلي نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً، وقد حمل إليه سبعة أثواب، فقال القاسم: في سلامة من ديني؟ فقال: في سلامة من دينك، فضحك رحمه الله فقال: ما اُؤمّل بعد هذا العمر.

فقال الرجل الوارد: فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر وحبرة يمانية حمراء وعمامة وثوبين ومنديلاً فأخذه القاسم، وكان عنده قميص خلعه عليه مولانا الرضا أبو الحسن عليه السلام، وكان له صديق يقال له: عبد الرحمن بن محمّد البدري(1)، وكان شديد النصب، وكان بينه وبين القاسم نضَّر الله وجهه مودَّة في أمور الدنيا شديدة، وكان القاسم يودّه، و(قد) كان عبد الرحمن وافي إلي الدار لإصلاح بين أبي جعفر بن حمدون الهمداني وبين ختنه ابن القاسم.

فقال القاسم لشيخين من مشايخنا المقيمين معه أحدهما يقال له: أبو حامد عمران بن المفلس، والآخر أبو علي بن جحدر: أن اقرئا هذا الكتاب عبد الرحمن بن محمّد فإنّي اُحبّ هدايته وأرجو (أن) يهديه الله بقراءة هذا الكتاب، فقالا له: الله الله الله، فإنَّ هذا الكتاب لا يحتمل ما فيه خلق من الشيعة فكيف عبد الرحمن بن محمّد؟ فقال: أنا أعلم أنّي مفش لسرّ لا يجوز لي إعلانه، لكن من محبَّتي لعبد الرحمن بن محمّد وشهوتي أن يهديه الله عز وجل لهذا الأمر هو ذا، اقرأه الكتاب.

فلمَّا مرَّ (في) ذلك اليوم _ وكان يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من رجب _ دخل عبد الرحمن بن محمّد وسلَّم عليه، فأخرج القاسم

******

(1) هو عبد الرحمن بن محمّد السنيزي، قال النمازي في مستدرك علم الرجال (ج 4/ ص 419/ الرقم 7773): لم يذكروه، كان شديد النصب، فحسنت عاقبته ببركة توقيع وليّ العصر عليه السلام.

ص: 127

الكتاب فقال له: اقرأ هذا الكتاب وانظر لنفسك، فقرأ عبد الرحمن الكتاب فلمَّا بلغ إلي موضع النعي رمي الكتاب عن يده وقال للقاسم: يا با محمّد اتَّق الله فإنَّك رجل فاضل في دينك، متمكّن من عقلك، والله عز وجل يقول: (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) (لقمان: 34)، وقال: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً)، فضحك القاسم وقال له: أتمّ الآية: (إِلَّا مَنِ ارْتَض-ي مِنْ رَسُولٍ) (الجنّ: 26 و27)، ومولاي عليه السلام هو الرضا من الرسول، وقال: قد علمت أنَّك تقول هذا، ولكن أرّخ اليوم، فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرَّخ في هذا الكتاب فاعلم أنّي لست علي شيء، وإن أنا متُّ فانظر لنفسك، فورَّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا.

وحمَّ القاسم يوم السابع من ورود الكتاب، واشتدَّت به في ذلك اليوم العلَّة، واستند في فراشه إلي الحائط، وكان ابنه الحسن بن القاسم مدمناً علي شرب الخمر، وكان متزوّجاً إلي أبي عبد الله بن حمدون الهمداني، وكان جالساً ورداؤه مستور علي وجهه في ناحية من الدار، وأبو حامد في ناحية، وأبو علي بن جحدر وأنا وجماعة من أهل البلد نبكي، إذ اتّكي القاسم علي يديه إلي خلف وجعل يقول: يا محمّد، يا علي، يا حسن، يا حسين، يا موالي كونوا شفعائي إلي الله عز وجل، وقالها الثانية، وقالها الثالثة. فلمَّا بلغ في الثالثة: يا موسي، يا علي، تفرقعت أجفان عينيه كما يفرقع الصبيان شقائق النعمان، وانتفخت حدقته، وجعل يمسح بكمّه عينيه، وخرج من عينيه شبيه بماء اللحم مدَّ طرفه إلي ابنه، فقال: يا حسن إليَّ، يا با حامد (إليَّ)، يا با علي (إليَّ)، فاجتمعنا حوله ونظرنا إلي

ص: 128

الحدقتين صحيحتين، فقال له أبو حامد: تراني؟ وجعل يده علي كلّ واحد منّا، وشاع الخبر في الناس والعامّة، و(انتابه) الناس من العوامّ ينظرون إليه.

وركب القاضي إليه وهو أبو السائب عتبة بن عبيد الله المسعودي وهو قاضي القضاة ببغداد(1)، فدخل عليه فقال له: يا با محمّد ما هذا الذي بيدي؟ وأراه خاتماً فصّه فيروزج، فقرَّبه منه فقال: عليه ثلاثة أسطر فتناوله القاسم رحمه الله فلم يمكنه قراءته، وخرج الناس متعجّبين يتحدَّثون بخبره، والتفت القاسم إلي ابنه الحسن فقال له: إنَّ الله منزّلك منزلة ومرتّبك مرتبة فاقبلها بشكر، فقال له الحسن: يا أبه قد قبلتها، قال القاسم: علي ماذا؟ قال: علي ما تأمرني به يا أبه، قال: علي أن ترجع عمَّا أنت عليه من شرب الخمر، قال الحسن: يا أبه وحقّ من أنت في ذكره لأرجعنَّ عن شرب الخمر، ومع الخمر أشياء لا تعرفها، فرفع القاسم يده إلي السماء وقال: اللّهمّ ألهم الحسن طاعتك، وجنّبه معصيتك ثلاث مرّات، ثمّ دعا بدرج فكتب وصيَّته بيده رحمه الله وكانت الضياع التي في يده لمولانا وقف وقفه (أبوه). وكان فيما أوصي الحسن أن قال: يا بني، إن اُهّلت لهذا الأمر _ يعني الوكالة لمولانا _ فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرجيذه، وسائرها ملك لمولاي، وإن لم تُؤهَّل له فاطلب خيرك من حيث يتقبَّل الله، وقبل الحسن وصيَّته علي ذلك.

******

(1) هو عتبة بن عبيد الله بن موسي الهمذاني الشافعي أبو السائب، تولّي القضاء في مراغة وأذربيجان وهمذان، ثمّ قدم بغداد فكان أوّل شافعي ولي قضاء بغداد، عاش ستّاً وثمانين سنة، وتوفّي في ربيع الآخر سنة خمسين أو إحدي وخمسين وثلاثمائة. (راجع: سير أعلام النبلاء 16: 47/ الرقم 32؛ تاريخ بغداد 12: 316 - 318/ الرقم 6765).

ص: 129

فلمَّا كان في يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم رحمه الله، فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً وهو يصيح: وا سيّداه، فاستعظم الناس ذلك منه وجعل الناس يقولون: ما الذي تفعل بنفسك؟ فقال: اسكتوا فقد رأيت ما لم تروه، وتشيَّع ورجع عمَّا كان عليه، ووقف الكثير من ضياعه.

وتولّي أبو علي بن جحدر غسل القاسم وأبو حامد يصبُّ عليه الماء، وكُفّن في ثمانية أثواب علي بدنه قميص مولاه أبي الحسن وما يليه السبعة الأثواب التي جاءته من العراق. فلمَّا كان بعد مدَّة يسيرة ورد كتاب تعزية علي الحسن من مولانا عليه السلام في آخره دعاء: (ألهمك الله طاعته وجنَّبك معصيته)، وهو الدعاء الذي كان دعا به أبوه، وكان آخره: (قد جعلنا أباك إماماً لك وفعاله لك مثالاً)(1).

ليلة 16 رجب

سنة (256ه-): علم الإمام العسكري عليه السلام وهو في الحبس بقتل المهتدي العبّاسي وإخباره عليه السلام لشخص بأنَّه سيولد له الإمام المهدي عليه السلام(2):

روي الطوسي رحمه الله عن سعد بن عبد الله، عن أبي هاشم الجعفري،

******

(1) الغيبة للطوسي: 310 - 315/ ح 263؛ الثاقب في المناقب: 590 - 593/ ح (536/2)؛ منتخب الأنوار المضيئة: 239 - 244.

(2) هذا التأريخ وهو سنة (256ه-) يتعارض مع ما تضافرت عليه الروايات من أنَّ ولادة الإمام المهدي عليه السلام كانت سنة (255ه-)، نعم يعتبر هذا التاريخ مؤيّداً لبعض الروايات التي ذكرها الأعلام والتي تنصّ علي أنَّ ولادة الإمام المهدي عليه السلام كانت في سنة (256ه-) في شهر شعبان، فلا تعارض من هذه الجهة.

ص: 130

قال: كنت محبوساً مع أبي محمّد عليه السلام في حبس المهتدي(1) بن الواثق، فقال لي: (يابا هاشم إنَّ هذا الطاغي أراد أن يعبث بالله في هذه الليلة وقد بتر الله عمره وجعله للقائم من بعده، ولم يكن لي ولد، وساُرزق ولداً. قال أبو هاشم: فلمَّا أصبحنا شغب الأتراك علي المهتدي فقتلوه وولي المعتمد(2) مكانه، وسلَّمنا الله تعالي(3).

20 رجب المرجَّب

عودة بصر الوكيل القاسم بن العلاء بعد فقدانه (37) سنة:

راجع ما ذُكر في (13/ رجب) تحت عنوان: (وصول توقيع الإمام عليه السلام

******

(1) هو محمّد بن هارون الواثق بن محمّد المعتصم بن هارون الرشيد، أبو عبد الله، المهتدي بالله العبّاسي، من خلفاء الدولة العبّاسية، ولد في القاطول (بسامرا) وبويع له بعد خلع المعتزّ (سنة 255ه-) ولم يلبث أن انتفض عليه الترك ببغداد، فخرج لقتالهم ونشبت الحرب فتفرَّق عنه من كان معه من جنده - وهم من الترك أيضاً - وانضمّوا إلي صفوف أصحابهم، فبقي المهتدي في جماعة يسيرة من أنصاره فانهزم...، واُصيب بطعنة مات علي أثرها...، مدَّة خلافته أحد عشر شهراً وأيّام. (الأعلام للزركلي 7: 128).

(2) هو أحمد بن المتوكّل علي الله جعفر بن المعتصم، أبو العبّاس، المعتمد علي الله، خليفة عبّاسي، ولد بسامراء، وولي الخلافة سنة (256ه-) بعد مقتل المهتدي بالله بيومين، وطالت أيّام ملكه، وكانت مضطربة كثيرة العزل والتولية، بتدبير الموالي وغلبتهم عليه، فقام وليّ عهده أخوه الموفَّق بالله (طلحة) فضبط الأمور، وصلحت الدولة وانكفت يد المعتمد عن كلّ عمل حتَّي أنَّه احتاج يوماً إلي ثلاث مئة دينار فلم ينلها...، وكان مقام الخلفاء قبله في سامراء فانتقل المعتمد منها إلي بغداد، فلم يعد إليها أحد منهم بعده، ومات أخوه (الموفَّق) سنة (278ه-) فأهمل أمر الرعيّة، ومات مسموماً، وقيل: رمي في رصاص مذاب، وكان موته ببغداد، وحمل إلي سامراء فدفن فيها. (الأعلام للزركلي 1: 106 و107).

(3) الغيبة للطوسي: 205/ ح 173؛ الخرائج والجرائح 1: 431/ ح 9؛ مناقب آل أبي طالب 3: 530.

ص: 131

لوكيله القاسم بن العلاء يخبره بوفاته بعد أربعين يوماً من وصول التوقيع، وفي القصَّة عبر ومواعظ كثيرة).

26 رجب المرجَّب

1 _ سنة (5 للبعثة): ليلة المعراج وفيها رأي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ظلّ القائم عليه السلام بعد أن أخبره الله بما يجري علي ابنته وبعلها وولديها من البلاء والقتل، ووعد الله له صلي الله عليه وآله وسلم بأن ينصره بالقائم عليه السلام:

روي ابن قولويه رحمه الله عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لمَّا اُسري بالنبيّ صلي الله عليه وآله وسلم إلي السماء(1) قيل له: إنَّ الله تبارك وتعالي يختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك، قال: أسلم لأمرك يا ربّ ولا قوَّة لي علي الصبر إلاَّ بك، فما هنَّ؟ قيل له: أوّلهنَّ الجوع والإثرة علي نفسك وعلي أهلك لأهل الحاجة، قال: قبلت

******

(1) تعتقد الإمامية بمعراج النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم إلي السماء السابعة، ومنها إلي سدرة المنتهي، ومنها إلي حجب النور، وبمناجاة الله عز وجل إيّاه، وأنَّه عُرج به صلي الله عليه وآله وسلم بجسمه وروحه علي الصحَّة والحقيقة لا علي الرؤيا والمنام، وعن ابن عبّاس أنَّ المعراج كان مرَّتين: مرَّة من المسجد الحرام، ومرَّة من بيت اُمّ هانئ ليلة الاثنين في شهر ربيع الأوّل بعد النبوَّة بسنتين. (راجع: جواهر التاريخ 3: 417 - 437/ ملحق رقم 2)؛ وروي الصدوق رحمه الله في الخصال (ص 601/ ح 3) عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (عرج النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم مائة وعشرين مرَّة، ما من مرَّة إلاَّ وقد أوصي الله عز وجل فيها النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بالولاية لعلي والأئمّة عليهم السلام أكثر ممَّا أوصاه بالفرائض.

ص: 132

يا ربّ ورضيت وسلَّمت ومنك التوفيق والصبر. وأمَّا الثانية فالتكذيب والخوف الشديد وبذلك مهجتك في محاربة أهل الكفر بمالك ونفسك، والصبر علي ما يصيبك منهم من الأذي ومن أهل النفاق والألم في الحرب والجراح، قال: قبلت يا ربّ ورضيت وسلَّمت ومنك التوفيق والصبر. وأمَّا الثالثة فما يلقي أهل بيتك من بعدك من القتل، أمَّا أخوك علي فيلقي من أمَّتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجحد والظلم وآخر ذلك القتل، فقال: يا ربّ قبلت ورضيت ومنك التوفيق والصبر. وأمَّا ابنتك فتُظلم وتُحرم ويُؤخذ حقّها غصباً الذي تجعله لها، وتُضرب وهي حامل، ويدخل عليها وعلي حريمها ومنزلها بغير إذن، ثمّ يمسّها هوان وذلّ، ثمّ لا تجد مانعاً، وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب. قلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، قبلت يا ربّ وسلَّمت ومنك التوفيق للصبر. ويكون لها من أخيك ابنان، يُقتل أحدهما غدراً ويُسلب ويُطعن تفعل به ذلك أمّتك، قلت: يا ربّ قبلت وسلَّمت، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ومنك التوفيق للصبر. وأمَّا ابنها الآخر فتدعوه أمّتك للجهاد ثمّ يقتلونه صبراً ويقتلون ولده ومن معه من أهل بيته ثمّ يسلبون حرمه، فيستعين بي وقد مضي القضاء منّي فيه بالشهادة له ولمن معه، ويكون قتله حجَّة علي من بين قطريها، فيبكيه أهل السماوات وأهل الأرضين جزعاً عليه، وتبكيه ملائكة لم يدركوا نصرته، ثمّ اُخرج من صلبه ذكراً به أنصرك، وإنَّ شبحه عندي تحت العرش، يملأ الأرض بالعدل ويطبّقها بالقسط، يسير معه الرعب، يقتل حتَّي يُشكَّ فيه، قلت: إنّا لله. فقيل: ارفع رأسك، فنظرت إلي رجل أحسن الناس صورةً وأطيبهم ريحاً، والنور يسطع من بين عينيه ومن فوقه ومن تحته، فدعوته فأقبل إليَّ، وعليه ثياب

ص: 133

النور وسيما كلّ خير، حتَّي قبَّل بين عيني، ونظرت إلي الملائكة قد حفّوا به لا يحصيهم إلاَّ الله عز وجل...)(1).

2 _ سنة (5 للبعثة): رؤية النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في المعراج تمثال القائم عليه السلام وهو كالكوكب الدرّي بين سائر الأئمّة عليهم السلام:

روي النعماني رحمه الله عن أبي الحارث عبد الله بن عبد الملك بن سهل الطبراني، قال: حدَّثنا محمّد بن المثنّي البغدادي، قال: حدَّثنا محمّد بن إسماعيل الرقّي، قال: حدَّثنا موسي بن عيسي بن عبد الرحمن، قال: حدَّثنا هشام بن عبد الله الدستوائي، قال: حدَّثنا علي بن محمّد، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن محمّد بن علي الباقر عليهما السلام، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطّاب، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إنَّ الله عز وجل أوحي إليَّ ليلة اُسري بي: يا محمّد، من خلَّفت في الأرض في أمّتك _ وهو أعلم بذلك _؟ قلت: يا ربّ، أخي. قال: يا محمّد، علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم، يا ربّ. قال: يا محمّد، إنّي اطَّلعت إلي الأرض اطلاعة فاخترتك منها، فلا اُذكر حتَّي تُذكر معي، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ إنّي اطَّلعت إلي الأرض اطلاعة أخري فاخترت منها علي بن أبي طالب فجعلته وصيّك، فأنت سيّد الأنبياء وعلي سيّد الأوصياء، ثمّ شققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلي وهو علي. يا محمّد، إنّي خلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من نور واحد، ثمّ عرضت ولايتهم علي الملائكة، فمن قبلها كان من المقرَّبين، ومن جحدها كان من الكافرين. يا محمّد، لو أنَّ عبداً من عبادي عبدني

******

(1) كامل الزيارات: 547 - 551/ باب 108/ ح (840/12).

ص: 134

حتَّي ينقطع ثمّ لقيني جاحداً لولايتهم أدخلته ناري. ثمّ قال: يا محمّد، أتحبّ أن تراهم؟ فقلت: نعم. فقال: تقدَّم أمامك، فتقدَّمت أمامي فإذا علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسي بن جعفر، وعلي بن موسي، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، والحجّة القائم كأنَّه الكوكب الدرّي في وسطهم، فقلت: يا ربّ، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمّة، وهذا القائم، محلّل حلالي، ومحرّم حرامي، وينتقم من أعدائي. يا محمّد، أحببه فإنّي اُحبّه واُحبّ من يُحبّه)(1).

3 _ سنة (5 للبعثة): رؤية النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في المعراج لأنوار الأئمّة عليهم السلام عن يمين العرش مع الإمام المهدي عليه السلام في ضحضاح من نور:

روي الجوهري رحمه الله في مقتضب الأثر حديثاً طويلاً جاء فيه: ... فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (يا جارود، ليلة اُسري بي إلي السماء أوحي الله عز وجل إليَّ أن سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا علي ما بعثوا؟ فقلت: علي ما بعثتم؟ فقالوا: علي نبوَّتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمّة منكما، ثمّ أوحي إليَّ أن التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا علي والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد وموسي بن جعفر، وعلي بن موسي، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، والمهدي في ضحضاح من نور يُصلّون، فقال لي الربّ تعالي: هؤلاء الحجج لأوليائي، هذا المنتقم من أعدائي)(2).

******

(1) الغيبة للنعماني: 94 و95/ باب 4/ ح 24؛ مقتضب الأثر: 23 و24.

(2) مقتضب الأثر: 38؛ كنز الفوائد للكراجكي: 258؛ المحتضر: 266/ ح 352.

ص: 135

4 _ سنة (5 للبعثة): رؤية النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في المعراج مكتوب علي ساق العرش اسم الإمام المهدي عليه السلام يتلألأ من بين أسماء الأئمّة عليهم السلام:

روي الخزّاز رحمه الله عن محمّد بن عبد الله الشيباني رحمه الله، قال: حدَّثنا رجا ابن يحيي العراني الكاتب، قال: حدَّثنا يعقوب بن إسحاق، عن محمّد بن بشّار، قال: حدَّثنا محمّد بن جعفر، قال: حدَّثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لمَّا عُرج بي إلي السماء رأيت علي ساق العرش مكتوباً: لا إله إلاَّ الله، محمّد رسول الله، أيَّدته بعلي ونصرته، ورأيت اثني عشر اسماً مكتوباً بالنور فيهم علي بن أبي طالب وسبطي وبعدهما تسعة أسماء علياً علياً ثلاث مرّات، ومحمّد ومحمّد مرَّتين، وجعفر وموسي والحسن والحجَّة يتلألأ من بينهم، فقلت: يا ربّ أسامي من هؤلاء؟ فناداني ربّي جل جلاله: هم الأوصياء من ذرّيتك، بهم اُثيب واُعاقب)(1).

5 _ سنة (5 للبعثة): إخبار الله تعالي لنبيّه في المعراج عن خروج المهدي من ولده وذكر علامات ذلك:

روي الصدوق رحمه الله عن الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أبي قال: حدَّثنا أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي الرازي، قال: حدَّثنا محمّد بن آدم الشيباني، عن أبيه آدم بن أبي إياس، قال: حدَّثنا المبارك بن فضالة، عن وهب بن منبه، رفعه عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لمَّا عُرج بي إلي ربّي جل جلاله أتاني النداء: يا محمّد...، وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهدياً كلّهم من ذرّيتك من البكر البتول، وآخر رجل منهم يُصلّي خلفه عيسي بن مريم، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت منهم ظلماً وجوراً، اُنجي به من الهلكة، وأهدي به من الضلالة، واُبرئ به من العمي، وأشفي به المريض، فقلت: إلهي وسيّدي متي

******

(1) كفاية الأثر: 74 و75.

ص: 136

يكون ذلك؟ فأوحي الله عز وجل: يكون ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل، وكثر القرّاء، وقلَّ العمل، وكثر القتل، وقلَّ الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة والخونة، وكثر الشعراء، واتَّخذ أمَّتك قبورهم مساجد، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وكثر الجور والفساد، وظهر المنكر وأمر أمَّتك به ونهوا عن المعروف، و اكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وصارت الأمراء كفرة، وأولياؤهم فجرة وأعوانهم ظلمة، وذوي الرأي منهم فسقة، وعند ذلك ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وخراب البصرة علي يد رجل من ذرّيتك يتبعه الزنوج، وخروج رجل من ولد الحسين بن علي، وظهور الدجّال يخرج بالمشرق من سجستان، وظهور السفياني، فقلت: إلهي ومتي يكون بعدي من الفتن؟ فأوحي الله إليَّ وأخبرني ببلاء بني أميّة وفتنة ولد عمّي، وما يكون وما هو كائن إلي يوم القيامة، فأوصيت بذلك ابن عمّي حين هبطت إلي الأرض وأدَّيت الرسالة، ولله الحمد علي ذلك كما حمده النبيّون، وكما حمده كلّ شيء قبلي وما هو خالقه إلي يوم القيامة)(1).

6 _ سنة (5 للبعثة): سماع النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في المعراج حين وصوله إلي حجب النور بعد سدرة المنتهي نداء الله وإخباره بالمهدي من ولده يعمر به الأرض بالعدل:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن موسي بن المتوكّل رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسي بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن أبي حمزة الثمالي، عن سعد الخفّاف، عن الأصبغ بن نباتة، عن عبد الله بن عبّاس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (لمَّا عُرج بي إلي السماء السابعة ومنها إلي

******

(1) كمال الدين: 250 - 252/ باب 23/ ح 1.

ص: 137

سدرة المنتهي، ومن السدرة إلي حجب النور، ناداني ربّي جل جلاله: يا محمّد، أنت عبدي وأنا ربّك، فلي فاخضع، وإيّاي فاعبد، وعليَّ فتوكَّل، وبي فثق، فإنّي قد رضيت بك عبداً وحبيباً ورسولاً ونبيّاً، وبأخيك علي خليفةً وباباً، فهو حجَّتي علي عبادي، وإمام لخلقي، به يعرف أوليائي من أعدائي، وبه يُميَّز حزب الشيطان من حزبي، وبه يُقام ديني، وتُحفظ حدودي، وتُنفذ أحكامي، وبك وبه وبالأئمّة من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم اُعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه اُطهّر الأرض من أعدائي واُورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلي وكلمتي العليا، وبه اُحيي عبادي وبلادي بعلمي، وله أظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي، وإيّاه أظهر علي الأسرار والضمائر بإرادتي، وأمدّه بملائكتي لتؤيّده علي إنفاذ أمري وإعلان ديني، ذلك وليّي حقّاً، ومهدي عبادي صدقاً)(1).

29 رجب المرجَّب

سنة (635ه-): إخبار الرشيد بن ميمون الواسطي أحدَ المؤمنين باستجابة دعائه وتوسله لخدمة المولي صاحب العصر والزمان:

روي المجلسي رحمه الله عن كتاب النجوم للسيّد ابن طاووس رحمه الله، قال: ... ومن ذلك ما عرفته ممَّن تحقَّقت صدقه فيما ذكره، قال: كنت قد سألت مولانا المهدي صلوات الله عليه أن يأذن لي في أن أكون ممَّن يشرف بصحبته وخدمته، في وقت غيبته، أسوةً بمن يخدمه من عبيده وخاصَّته، ولم أطلع علي هذا المراد أحداً من العباد، فحضر عندي الرشيد

******

(1) أمالي الصدوق: 731/ ح (1002/4)؛ مشارق أنوار اليقين: 90.

ص: 138

أبو العبّاس الواسطي(1) يوم الخميس تاسع عشرين رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة، وقال لي ابتداء من نفسه: قد قالوا لك: (ما قصدنا إلاَّ الشفقة عليك، فإن كنت توطّن نفسك علي الصبر حصل المراد)، فقلت له: عمَّن تقول هذا؟ فقال: عن مولانا المهدي صلوات الله عليه(2).

* * *

أحداث هذا الشهر بدون ذكر اليوم

1 _ سنة (120ه-): خروج زيد بن علي عليه السلام إلي العراق وبشارته بأنَّ المهدي عليه السلام من آل محمّد عليهم السلام(3):

روي الخزّاز رحمه الله عن علي بن الحسن بن محمّد، قال: حدَّثنا هارون بن موسي ببغداد في صفر سنة إحدي وثمانين وثلاثمائة، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد المقري مولي بني هاشم في سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. قال أبو محمّد: وحدَّثنا أبو حفص عمر بن الفضل الطبري، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الفرغاني، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمّد بن عمرو البلوي. قال أبو محمّد: وحدَّثنا عبد الله بن الفضل بن هلال الطائي بمصر، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمّد بن عمر بن محفوظ البلوي، قال: حدَّثني إبراهيم بن عبد الله بن العلا، قال: حدَّثني محمّد بن بكير، قال: دخلت علي زيد بن علي عليه السلام وعنده صالح بن بشر، فسلَّمت عليه وهو

******

(1) بحار الأنوار 52: 53 و54/ ح 38.

(2) بحار الأنوار 52: 53 و54/ ضمن الحديث 38.

(3) ذكر السيّد البراقي في تاريخ الكوفة (ص 384) أنَّ زيد بن علي عليه السلام دخل الكوفة في شوّال سنة (120ه-)، وقبل ذلك كان في البصرة لمدَّة شهرين، فيكون خروجه إلي العراق في شهر رجب.

ص: 139

يريد الخروج إلي العراق، فقلت له: يا ابن رسول الله، حدّثني بشيء سمعته من أبيك عليه السلام. فقال: نعم، حدَّثني أبي عن جدّه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (من أنعم الله عليه بنعمة فليحمد الله عز وجل، ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله، ومن حزنه أمر فليقل: لا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله).

فقلت: زدني يا ابن رسول الله. قال: نعم، حدَّثني أبي، عن جدّه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة: المكرم لذرّيتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم إليه، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه).

قال: فقلت: زدني يا ابن رسول الله من فضل ما أنعم الله عز وجل عليكم. قال: نعم، حدَّثني أبي، عن جدّه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (من أحبَّنا أهل البيت في الله حشر معنا وأدخلناه معنا الجنَّة)، يا ابن بكير من تمسَّك بنا فهو معنا في الدرجات العلي، يا ابن بكير إنَّ الله تبارك وتعالي اصطفي محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم واختارنا له ذرّية، فلولانا لم يخلق الله تعالي الدنيا والآخرة، يا ابن بكير بنا عرف الله وبنا عبد الله ونحن السبيل إلي الله ومنّا المصطفي والمرتضي، ومنّا يكون المهدي قائم هذه الأمّة.

قلت: يا ابن رسول الله، هل عهد إليكم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم متي يقوم قائمكم؟ قال: يا ابن بكير إنَّك لن تلحقه، وإنَّ هذا الأمر يليه ستّة من الأوصياء بعد هذا _ أي الإمام الصادق عليه السلام _، ثمّ يجعل خروج قائمنا فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. فقلت: يا ابن رسول الله، ألست صاحب هذا الأمر؟ فقال: أنا من العترة، فعدت فعاد إليَّ، فقلت: هذا الذي تقوله عنك أو عن رسول الله. فقال: (لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ

ص: 140

لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) (الأعراف: 188)، لا ولكن عهد عهده إلينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ثمّ أنشأ يقول:

نحن سادات قريش***وقوام الحقّ فينا

نحن أنوار التي من***قبل كون الخلق كنّا

نحن منّا المصطفي المختار***والمهدي منّا

فينا قد عرف الله***وبالحقّ أقمنا

سوف يصلاه سعيراً***من تولّي اليوم عنّا

قال علي بن الحسين: وحدَّثنا محمّد بن الحسين البزوفري بهذا الحديث في مشهد مولانا الحسين بن علي عليهما السلام، قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار. وعن سلمة بن الخطّاب، عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعاً، عن علقمة بن محمّد الحضرمي، عن صالح، قال: كنت عند زيد بن علي عليه السلام فدخل عليه محمّد بن بكير... وذكر الحديث(1).

2 _ سنة (265ه-): التاريخ السندي لحديث الصادق عليه السلام عن ظهور السفياني في رجب:

روي النعماني رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدَّثني محمّد بن المفضَّل بن إبراهيم بن قيس بن رمّانة من كتابه في رجب سنة خمس وستّين ومائتين، قال: حدَّثنا الحسن بن علي بن فضال، قال: حدَّثنا ثعلبة بن ميمون أبو إسحاق، عن عيسي بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: (السفياني من المحتوم، وخروجه في رجب، ومن أوّل

******

(1) كفاية الأثر: 298 - 301.

ص: 141

خروجه إلي آخره خمسة عشر شهراً، ستّة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر، ولم يزد عليها يوماً)(1).

3 _ سنة (277ه-): التاريخ السندي لحديث علي بن الحسن التيملي عن الإمام الصادق عليه السلام حول النداء السماوي للإمام المهدي عليه السلام:

روي النعماني رحمه الله عن أحمد، قال: حدَّثنا علي بن الحسن التيملي من كتابه في رجب سنة سبع وسبعين ومائتين، قال: حدَّثنا محمّد بن عمر بن يزيد بيّاع السابري ومحمّد بن الوليد بن خالد الخزّاز جميعاً، عن حماد بن عثمان، عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّه ينادي باسم صاحب هذا الأمر منادٍ من السماء: ألا إنَّ الأمر لفلان بن فلان، ففيم القتال؟)(2).

4 _ سنة (788ه-): حكاية محمود الناصبي وكيفية استبصاره ببركة مولانا صاحب العصر والزمان:

قال النوري رحمه الله في جنَّة المأوي: حدَّث السيّد الجليل والعالم النبيل بهاء الدين علي بن عبد الحميد الحسيني النجفي النيلي المعاصر للشيخ الشهيد الأوّل رحمه الله في كتاب الغيبة: عن الشيخ العالم الكامل القدوة المقرئ الحافظ المحمود الحاجّ المعتمر شمس الحقّ والدين محمّد بن قارون، قال: دعيت إلي امرأة فأتيتها وأنا أعلم أنَّها مؤمنة من أهل الخير والصلاح فزوَّجها أهلها من محمود الفارسي المعروف بأخي بكر، ويقال له ولأقاربه: بنو بكر، وأهل فارس مشهورون بشدَّة التسنّن والنصب والعداوة لأهل الإيمان وكان محمود هذا أشدّهم في الباب، وقد وفَّقه الله تعالي للتشيّع دون أصحابه.

******

(1) الغيبة للنعماني: قدس سره/ باب 18/ ح 1.

(2) الغيبة للنعماني: 274 و275/ باب 14/ ح 33.

ص: 142

فقلت لها: وا عجباه، كيف سمح أبوك بك؟ وجعلك مع هؤلاء النواصب؟ وكيف اتَّفق لزوجك مخالفة أهله حتَّي ترفّضهم؟

فقالت: يا أيّها المقرئ، إنَّ له حكاية عجيبة إذا سمعها أهل الأدب حكموا أنَّها من العجب، قلت: وما هي؟ قالت: سله عنها سيخبرك.

قال الشيخ: فلمَّا حضرنا عنده قلت له: يا محمود، ما الذي أخرجك عن ملَّة أهلك، وأدخلك مع الشيعة؟

فقال: يا شيخ، لمَّا اتَّضح لي الحقّ تبعته، اعلم أنَّه قد جرت عادة أهل الفرس أنَّهم إذا سمعوا بورود القوافل عليهم، خرجوا يتلقّونهم، فاتَّفق إنّا سمعنا بورود قافلة كبيرة، فخرجت ومعي صبيان كثيرون وأنا إذ ذاك صبي مراهق، فاجتهدنا في طلب القافلة، بجهلنا، ولم نفكّر في عاقبة الأمر، وصرنا كلَّما انقطع منّا صبي من التعب خلوه إلي الضعف، فضللنا عن الطريق، ووقعنا في وادٍ لم نكن نعرفه، وفيه شوك، وشجر ودغل، لم نرَ مثله قطّ، فأخذنا في السير حتَّي عجزنا وتدلَّت ألسنتنا علي صدورنا من العطش، فأيقنّا بالموت، وسقطنا لوجوهنا.

فبينما نحن كذلك إذا بفارس علي فرس أبيض، قد نزل قريباً منّا، وطرح مفرشاً لطيفاً لم نرَ مثله تفوح منه رائحة طيّبة، فالتفتنا إليه وإذا بفارس آخر علي فرس أحمر عليه ثياب بيض، وعلي رأسه عمامة لها ذؤابتان، فنزل علي ذلك المفرش ثمّ قام فصلّي بصاحبه، ثمّ جلس للتعقيب.

فالتفت إليَّ وقال: (يا محمود)، فقلت بصوت ضعيف: لبّيك يا سيّدي، قال: (ادنُ منّي)، فقلت: لا استطيع لما بي من العطش والتعب، قال: (لا بأس عليك).

فلمَّا قالها حسبت كأن قد حدث في نفسي روح متجدّدة، فسعيت إليه

ص: 143

حبواً فمرَّ يده علي وجهي وصدري ورفعها إلي حنكي فردَّه حتَّي لصق بالحنك الأعلي ودخل لساني في فمي، وذهب ما بي، وعدت كما كنت أوّلاً.

فقال: (قم وائتني بحنظلة من هذا الحنظل)، وكان في الوادي حنظل كثير فأتيته بحنظلة كبيرة فقسَّمها نصفين، وناولنيها، وقال: (كُلْ منها)، فأخذتها منه، ولم أقدم علي مخالفته وعندي أمرني أن آكل الصُبَّر لما أعهد من مرارة الحنظل، فلمَّا ذقتها فإذا هي أحلي من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب ريحاً من المسك شبعت ورويت.

ثمّ قال لي: (ادعُ صاحبك)، فدعوته، فقال بلسان مكسور ضعيف: لا أقدر علي الحركة، فقال له: (قم لا بأس عليك)، فأقبل إليه حبواً، وفعل معه كما فعل معي، ثمّ نهض ليركب، فقلنا: بالله عليك يا سيّدنا إلاَّ ما أتممت علينا نعمتك، وأوصلتنا إلي أهلنا، فقال: (لا تعجلوا)، وخطَّ حولنا برمحه خطّة، وذهب هو وصاحبه، فقلت لصاحبي: قم بنا حتَّي نقف بإزاء الجبل ونقع علي الطريق، فقمنا وسرنا وإذا بحائط في وجوهنا فأخذنا في غير تلك الجهة فإذا بحائط آخر، وهكذا من أربع جوانبنا.

فجلسنا وجعلنا نبكي علي أنفسنا، ثمّ قلت لصاحبي: ائتنا من هذا الحنظل لنأكله، فأتي به فإذا هو أمرُّ من كلّ شيء، وأقبح، فرمينا به، ثمّ لبثنا هنيئة وإذا قد استدار من الوحش ما لا يعلم إلاَّ الله عدده، وكلَّما أرادوا القرب منّا منعهم ذلك الحائط، فإذا ذهبوا زال الحائط، وإذا عادوا عاد.

قال: فبتنا تلك الليلة آمنين حتَّي أصبحنا، وطلعت الشمس واشتدَّ الحرّ وأخذنا العطش فجزعنا أشدّ الجزع، وإذا بالفارسين قد أقبلا وفعلا كما فعلا بالأمس، فلمَّا أرادا مفارقتنا قلنا له: بالله عليك إلاَّ أوصلتنا إلي أهلنا، فقال: (أبشرا فسيأتيكما من يوصلكما إلي أهليكما)، ثمّ غابا.

ص: 144

فلمَّا كان آخر النهار إذا برجل من فراسنا، ومعه ثلاث أحمرة، قد أقبل ليحتطب فلمَّا رآنا ارتاع منّا وانهزم، وترك حميره فصحنا إليه باسمه، وتسمَّينا له فرجع وقال: يا ويلكما، إنَّ أهاليكما قد أقاموا عزاءكما، قوما لا حاجة لي في الحطب، فقمنا وركبنا تلك الأحمرة، فلمَّا قربنا من البلد، دخل أمامنا، وأخبر أهلنا ففرحوا فرحاً شديداً وأكرموه وأخلعوا عليه، فلمَّا دخلنا إلي أهلنا سألوا عن حالنا، فحكينا لهم بما شاهدناه، فكذَّبونا وقالوا: هو تخييل لكم من العطش.

قال محمود: ثمّ أنساني الدهر حتَّي كأن لم يكن، ولم يبقَ علي خاطري شيء منه حتَّي بلغت عشرين سنة، وتزوَّجت وصرت أخرج في المكاراة ولم يكن في أهلي أشدُّ منّي نصباً لأهل الإيمان، سيّما زوّار الأئمّة عليهم السلام بسُرَّ من رأي، فكنت أكريهم الدواب بالقصد لأذيَّتهم بكلّ ما أقدر عليه من السرقة وغيرها، وأعتقد أنَّ ذلك ممَّا يقرّبني إلي الله تعالي.

فاتَّفق أنّي كريت دوابي مرَّة لقوم من أهل الحلَّة، وكانوا قادمين إلي الزيارة منهم ابن السهيلي، وابن عرفة، وابن حارب، وابن الزهدري، وغيرهم من أهل الصلاح، ومضيت إلي بغداد وهم يعرفون ما أنا عليه من العناد، فلمَّا خلوا بي من الطريق وقد امتلأوا عليَّ غيظاً وحنقاً لم يتركوا شيئاً من القبيح إلاَّ فعلوه بي وأنا ساكت لا أقدر عليهم لكثرتهم، فلمَّا دخلنا بغداد ذهبوا إلي الجانب الغربي فنزلوا هناك، وقد امتلأ فؤادي حنقاً.

فلمَّا جاء أصحابي قمت إليهم، ولطمت علي وجهي وبكيت، فقالوا: ما لك؟ وما دهاك؟ فحكيت لهم ما جري عليَّ من أولئك القوم، فأخذوا في سبّهم ولعنهم، وقالوا: طب نفساً فإنّا نجتمع معهم في الطريق إذا خرجوا، ونصنع بهم أعظم ممَّا صنعوا.

ص: 145

فلمَّا جنَّ الليل، أدركتني السعادة، فقلت في نفسي: إنَّ هؤلاء الرفضة لا يرجعون عن دينهم، بل غيرهم إذا زهد يرجع إليهم، فما ذلك إلاَّ لأنَّ الحقّ معهم، فبقيت مفكّراً في ذلك، وسألت ربّي بنبيّه محمّد صلي الله عليه وآله وسلم أن يريني في ليلتي علامة استدلُّ بها علي الحقّ الذي فرضه الله تعالي علي عباده.

فأخذني النوم فإذا أنا بالجنّة قد زخرفت، فإذا فيها أشجار عظيمة مختلفة الألوان والثمار ليست مثل اشجار الدنيا، لأنَّ أغصانها مدلاة، وعروقها إلي فوق، ورأيت أربعة أنهار: من خمر، ولبن، وعسل، وماء، وهي تجري وليس لها جرف، بحيث لو أرادت النملة أن تشرب منها لشربت، ورأيت نساء حسنة الأشكال، ورأيت قوماً يأكلون من تلك الثمار، ويشربون من تلك الأنهار، وأنا لا أقدر علي ذلك، فكلَّما أردت أن أتناول من الثمار، تصعد إلي فوق، وكلَّما هممت أن أشرب من تلك الأنهار تغور إلي تحت، فقلت للقوم: ما بالكم تأكلون وتشربون وأنا لا أطيق ذلك؟ فقالوا: إنَّك لا تأتي إلينا بعد.

فبينا أنا كذلك وإذا بفوج عظيم، فقلت: ما الخبر؟ فقالوا: سيّدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام قد أقبلت، فنظرت فإذا بأفواج من الملائكة علي أحسن هيئة، ينزلون من الهواء إلي الأرض وهم حافّون بها، فلمَّا دنت وإذا بالفارس الذي قد خلَّصنا من العطش بإطعامه لنا الحنظل قائماً بين يدي فاطمة عليها السلام فلمَّا رأيته عرفته، وذكرت تلك الحكاية، وسمعت القوم يقولون: هذا (م ح م د) بن الحسن القائم المنتظر، فقام الناس وسلَّموا علي فاطمة عليها السلام.

فقمت أنا وقلت: السلام عليك يا بنت رسول الله، فقالت: وعليك السلام يا محمود! أنت الذي خلَّصك ولدي هذا من العطش؟ فقلت: نعم يا سيّدتي! فقالت: إن دخلت مع شيعتنا أفلحت، فقلت: أنا داخل في دينك ودين شيعتك، مقرٌّ بإمامة من مضي من بنيك، ومن بقي منهم، فقالت: أبشر فقد فزت.

ص: 146

قال محمود: فانتبهت وأنا أبكي، وقد ذهل عقلي ممَّا رأيت فانزعج أصحابي لبكائي، وظنّوا أنَّه ممَّا حكيت لهم، فقالوا: طب نفساً فوَالله لننتقمنَّ من الرفضة، فسكتُّ عنهم حتَّي سكتوا، وسمعت المؤذّن يعلن بالأذان، فقمت إلي الجانب الغربي ودخلت منزل أولئك الزوّار، فسلَّمت عليهم، فقالوا: لا أهلاً ولا سهلاً، اُخرج عنّا لا بارك الله فيك، فقلت: إنّي قد عدت معكم، ودخلت عليكم لتعلّموني معالم ديني، فبهتوا من كلامي، وقال بعضهم: كذب، وقال آخرون: جاز أن يصدق.

فسألوني عن سبب ذلك، فحكيت لهم ما رأيت، فقالوا: إن صدقت فإنّا ذاهبون إلي مشهد الإمام موسي بن جعفر عليها السلام، فامض معنا حتَّي نشيّعك هناك، فقلت: سمعاً وطاعةً، وجعلت اُقبّل أيديهم وأقدامهم، وحملت أخراجهم وأنا أدعو لهم حتَّي وصلنا إلي الحضرة الشريفة، فاستقبلنا الخدّام، ومعهم رجل علوي كان أكبرهم، فسلَّموا علي الزوّار فقالوا له: افتح لنا الباب حتَّي نزور سيّدنا ومولانا، فقال: حبّاً وكرامةً، ولكن معكم شخص يريد أن يتشيَّع، ورأيته في منامي واقفاً بين يدي سيّدتي فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، فقالت لي: يأتيك غداً رجل يريد أن يتشيَّع فافتح له الباب قبل كلّ أحد، ولو رأيته الآن لعرفته.

فنظر القوم بعضهم إلي بعض متعجّبين، فقالوا: فشرع ينظر إلي واحد واحد، فقال: الله أكبر، هذا والله هو الرجل الذي رأيته، ثمّ أخذ بيدي فقال القوم: صدقت يا سيّد وبررت، وصدق هذا الرجل بما حكاه، واستبشروا بأجمعهم وحمدوا الله تعالي، ثمّ إنَّه أدخلني الحضرة الشريفة، وشيَّعني وتولَّيت وتبرَّيت.

فلمَّا تمَّ أمري قال العلوي: وسيّدتك فاطمة تقول لك: سيلحقك بعض حطام الدنيا فلا تحفل به، وسيخلفه الله عليك، وستحصل في

ص: 147

مضايق فاستغث بنا تنجُ، فقلت: السمع والطاعة، وكان لي فرس قيمتها مائتا دينار فماتت وخلف الله عليَّ مثلها وأضعافها، وأصابني مضايق فندبتهم ونجوت وفرَّج الله عنّي بهم، وأنا اليوم اُوالي من والاهم، واُعادي من عاداهم، وأرجو بهم حسن العاقبة.

ثمّ إنّي سعيت إلي رجل من الشيعة فزوَّجني هذه المرأة، وتركت أهلي فما قبلت أتزوَّج منهم، وهذا ما حكي لي في تاريخ شهر رجب سنة ثمان وثمانين وسبعمائة هجريّة، والحمد لله ربّ العالمين والصلاة علي محمّد وآله(1).

5 _ سنة (1093ه-): دعاء لدفع الشدائد علَّمه الإمام المهدي عليه السلام للشيخ علي المكّي:

قال النوري رحمه الله في جنَّة المأوي: في كتاب الكلم الطيّب والغيث الصيّب للسيّد الأيد المتبحّر السيّد علي خان شارح الصحيفة ما لفظه: رأيت بخطّ بعض أصحابي من السادات الأجلاَّء الصلحاء الثقات ما صورته: سمعت في رجب سنة ثلاث وتسعين وألف، الأخ العالم العامل، جامع الكمالات الإنسية، والصفات القدسية، الأمير إسماعيل بن حسين بيك بن علي بن سليمان الحائري الأنصاري أنار الله تعالي برهانه يقول: سمعت الشيخ الصالح التقي المتورّع الشيخ الحاجّ علياً المكّي قال: إنّي ابتليت بضيق وشدَّة ومناقضة خصوم، حتَّي خفت علي نفسي القتل والهلاك، فوجدت الدعاء المسطور بعد في جيبي من غير أن يعطينيه أحد، فتعجَّبت من ذلك، وكنت متحيّراً فرأيت في المنام أنَّ قائلاً في زيّ الصلحاء والزهّاد يقول لي: إنّا أعطيناك الدعاء الفلاني فادع به تنج من الضيق والشدَّة، ولم

******

(1) جنَّة المأوي: 17 - 24/ الحكاية الأولي.

ص: 148

يتبيَّن لي من القائل، فزاد تعجّبي فرأيت مرَّة أخري الحجّة المنتظر عليه السلام فقال: ادع بالدعاء الذي أعطيتكه، وعلّم من أردت. قال: وقد جرَّبته مراراً عديدة، فرأيت فرجاً قريباً، وبعد مدَّة ضاع منّي الدعاء برهةً من الزمان، وكنت متأسّفاً علي فواته، مستغفراً من سوء العمل، فجاءني شخص وقال لي: إنَّ هذا الدعاء قد سقط منك في المكان الفلاني، وما كان في بالي أن رحت إلي ذلك المكان، فأخذت الدعاء، وسجدت لله شكراً وهو: (بسم الله الرحمن الرحيم، ربّ أسألك مدداً روحانياً تقوي به قواي الكلّية والجزئية، حتَّي أقهر بمبادئ نفسي كلّ نفس قاهرة، فتنقبض لي إشارة رقائقها انقباضاً تسقط به قواها حتَّي لا يبقي في الكون ذو روح إلاَّ ونار قهري قد أحرقت ظهوره، يا شديد يا شديد، يا ذا البطش الشديد، يا قهّار، أسألك بما أودعته عزرائيل من أسمائك القهرية، فانفعلت له النفوس بالقهر، أن تودعني هذا السرّ في هذه الساعة حتَّي اُلين به كلّ صعب، واُذلّل به كلّ منيع، بقوَّتك يا ذا القوَّة المتين)، تقرأ ذلك سحراً ثلاثاً إن أمكن، وفي الصبح ثلاثاً وفي المساء ثلاثاً، فإذا اشتدَّت الأمر علي من يقرأه يقول بعد قراءته ثلاثين مرَّة: (يا رحمن يا رحيم، يا أرحم الراحمين، أسألك اللطف بما جرت به المقادير)(1).

6 _ سنة (1301ه-): تشرف الحاجّ علي البغدادي بملاقاة الإمام المهدي عليه السلام في قصَّة رائعة:

ذكر النوري رحمه الله في النجم الثاقب: قضيّة الصالح الصفي التقي الحاجّ علي البغدادي الموجود حالياً في وقت تأليف هذا الكتاب وفَّقه الله...، ولو لم يكن في هذا الكتاب الشريف إلاَّ هذه الحكاية المتقنة

******

(1) جنَّة المأوي: 49 و50/ الحكاية الخامسة.

ص: 149

الصحيحة التي فيها فوائد كثيرة، وقد حدثت في وقت قريب، لكفت في شرفه ونفاسته، وتفصيلها كما يلي:

في شهر رجب السنة الماضية كنت مشغولاً بتأليف رسالة جنَّة المأوي فعزمت علي السفر إلي النجف الأشرف لزيارة المبعث، فجئت الكاظمين ووصلت بخدمة جناب العالم العامل والفقيه الكامل السيّد السند والحبر المعتمد الآقا السيّد محمّد ابن العالم الأوحد السيّد أحمد ابن العالم الجليل والدوحة النبيل السيّد حيدر الكاظميني(1) أيَّده الله وهو من تلامذة خاتم المجتهدين وفخر الإسلام والمسلمين الأستاذ الأعظم الشيخ مرتضي أعلي الله تعالي مقامه، ومن أتقياء علماء تلك البلدة الشريفة، ومن صلحاء أئمّة جماعة الصحن والحرم الشريف، وكان ملاذاً للطلاَّب والغرباء والزوّار، وأبوه وجدّه من العلماء المعروفين، وما زالت تصانيف جدّه سيّد حيدر في الأصول والفقه وغيرهما موجودة.

فسألته إذا كان رأي أو سمع حكاية صحيحة في هذا الباب أن

******

(1) هو حيدر بن إبراهيم بن محمّد بن علي بن سيف الدين الحسني البغدادي الكاظمي، ابن أخي الفقيه الشاعر السيّد أحمد العطّار وصهره علي ابنته، وجدّ الأسرة المعروفة ب- (آل السيّد حيدر) أو (الحيدري). كان فقيهاً إمامياً محدّثاً مناظراً، من مراجع الدين في عصره. ولد في الكاظمية سنة خمس ومائتين وألف. ويمَّم وجهه شطر الحوزة العلمية في النجف الأشرف، فأقام مدَّة طويلة متتلمذاً علي أعلامها وكبار المدرّسين بها. ثمّ عاد إلي الكاظمية، ودأب علي البحث والتأليف والإرشاد، وقصده ذوي الحاجات والمهمّات، ورجع إليه في التقليد أهالي الكاظمية وسائر مناطق بغداد وأطرافها، ولم يزل قائماً بوظائفه إلي أن قضي نحبه في سنة خمس وستّين ومائتين وألف، فقام مقامه ابنه الفقيه أحمد. وقد ترك المترجم عدَّة مؤلّفات، منها: المجالس الحيدرية في المراثي الحسينية، عمدة الزائر وعدَّة المسافر، البوارق الحيدرية في الردّ علي الكشفية. (أنظر: موسوعة طبقات الفقهاء 13: 249 و250/ الرقم 4087).

ص: 150

ينقلها، فنقل هذه القضيّة، وكنت قد سبقتها سابقاً ولكنّي لم أضبط أصلها وسندها فطلبت منه أن يكتبها بخطّ يده.

فقال: سمعتها من مدَّة وأخاف أن أزيد فيها أو أنقص، فعليَّ أن ألتقي به وأسأله ومن ثَمَّ أكتبها، ولكن اللقاء به والأخذ منه صعب فإنَّه من حين وقوع هذه القضيّة قلَّ اُنسه بالناس وسكناه في بغداد وعندما يأتي للتشرّف بالزيارة فإنَّه لا يذهب إلي مكان ويرجع بعد أن يقضي وطراً من الزيارة، فيتَّفق أن لا أراه في السنة إلاَّ مرَّة أو مرَّتين في الطريق، وعلي ذلك فإنَّ مبناه علي الكتمان إلاَّ علي بعض الخواصّ ممَّن يأمن منه الإفشاء والإذاعة خوف استهزاء المخالفين المجاورين المنكرين ولادة المهدي عليه السلام وغيبته، وخوفاً من أن ينسبه العوامّ إلي الفخر وتنزيه النفس.

قلت: إنّي أطلب منك أن تراه مهما كان وتسأله عن هذه القضيّة إلي حين رجوعي من النجف، فالحاجة كبيرة والوقت ضيّق.

ففارقته لساعتين أو ثلاث ثمّ رجع إليَّ وقال: من أعجب القضايا أنّي عندما ذهبت إلي منزلي جائني شخص مباشرةً وقال: جاؤوا بجنازة من بغداد ووضعوها في الصحن الشريف وينتظرونك للصلاة عليها.

فقمت وذهبت وصلَّيت فرأيت الحاجّ المذكور بين المشيّعين فأخذته جانباً، وبعد امتناعه سمعت هذه القضيّة، فشكرت الله علي هذه النعمة السنية، فكتبت القصَّة بكاملها وثبَّتها في جنَّة المأوي.

وقد تشرَّفت بعد مدَّة مع جماعة من العلماء الكرام والسادات العظام بزيارة الكاظمين عليهما السلام وذهبت من هناك إلي بغداد لزيارة النوّاب الأربعة رضوان الله عليهم فبعد أداء الزيارة وصلت بخدمة جناب العالم العامل والسيّد الفاضل الآقا سيّد حسين الكاظميني، وهو أخ جناب الآقا

ص: 151

السيّد محمّد المذكور، وكان يسكن في بغداد وعليه مدار الأمور الشرعية لشيعة بغداد أيَّدهم الله، وطلبت منه أن يحضر الحاجّ علي المذكور، وبعد أن حضر، طلبت منه أن ينقل القضيّة في ذلك المجلس، فأبي، وبعد الإصرار رضي أن ينقلها ولكن في غير ذلك المجلس، وذلك بسبب حضور جماعة من أهل بغداد، فذهبنا إلي مكان خال ونقل القضيّة، وكان الاختلاف في الجملة في موضعين أو ثلاثة وقد اعتذر عن ذلك بسبب طول المدَّة.

وكانت تظهر من سيمائه آثار الصدق والصلاح بنحو واضح، بحيث ظهر لجميع الحاضرين مع كثرة تدقيقهم في الأمور الدينية والدنيوية القطع بصدق الواقعة.

نقل الحاجّ المذكور أيَّده الله: اجتمع في ذمَّتي ثمانون توماناً من مال الإمام عليه السلام فذهبت إلي النجف الأشرف فأعطيت عشرين توماناً منه لجناب علم الهدي والتقي الشيخ مرتضي أعلي الله مقامه، وعشرين توماناً إلي جناب الشيخ محمّد حسين المجتهد الكاظميني، وعشرين توماناً لجناب الشيخ محمّد حسن الشروقي، وبقي في ذمَّتي عشرون توماناً، كان في قصدي أن أعطيها إلي جناب الشيخ محمّد حسن الكاظميني آل ياسيني أيَّده الله عند رجوعي. فعندما رجعت إلي بغداد كنت راغباً في التعجيل بأداء ما بقي في ذمَّتي، فتشرَّفت في يوم الخميس بزيارة الإمامين الهمامين الكاظمين عليهما السلام وبعد ذلك ذهبت إلي خدمة جناب الشيخ سلَّمه الله وأعطيته مقداراً من العشرين توماناً وواعدته بأنّي سوف أعطي الباقي بعد ما أبيع بعض الأشياء تدريجياً، وأن يجيزني أن أوصله إلي أهله، وعزمت علي الرجوع إلي بغداد في عصر ذلك اليوم، وطلب جناب

ص: 152

الشيخ منّي أن أتأخَّر فاعتذرت بأنَّ عليَّ أن اُوفي عمّال النسيج أجورهم، فإنَّه كان من المرسوم أن اُسلّم أجرة الأسبوع عصر الخميس، فرجعت وبعد أن قطعت ثلث الطريق تقريباً رأيت سيّداً جليلاً قادماً من بغداد من أمامي، فعندما قرب منّي سلَّم عليَّ وأخذ بيدي مصافحاً ومعانقاً وقال: أهلاً وسهلاً، وضمَّني إلي صدره وعانقني وقبَّلني وقبَّلته، وكانت علي رأسه عمامة خضراء مضيئة مزهرة، وفي خدّه المبارك خال أسود كبير، فوقف وقال: حاجّ علي علي خير، علي خير، أين تذهب؟ قلت: زرت الكاظمين عليهما السلام وأرجع إلي بغداد. قال: هذه الليلة ليلة الجمعة فارجع. قلت: يا سيّدي لا أتمكَّن. فقال: في وسعك ذلك، فارجع حتَّي أشهد لك بأنَّك من موالي جدّي أمير المؤمنين عليه السلام ومن موالينا، ويشهد لك الشيخ كذلك، فقد قال تعالي: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) (البقرة: 282).

وكان ذلك منه إشارة إلي مطلب كان في ذهني أن ألتمس من جناب الشيخ أن يكتب لي شهادة بأنّي من موالي أهل البيت عليهم السلام لأضعها في كفني. فقلت: أيّ شيء تعرفه، وكيف تشهد لي؟ قال: من يوصل حقّه إليه، كيف لا يعرف من أوصله؟ قلت: أيُّ حقّ؟ قال: ذلك الذي أوصلته إلي وكيلي. قلت: من هو وكيلك. قال: الشيخ محمّد حسن. قلت: وكيلك؟ قال: وكيلي. وكان قد قال لجناب الآقا السيّد محمّد، وكان قد خطر في ذهني أنَّ هذا السيّد الجليل يدعوني باسمي مع أنّي لا أعرفه، فقلت في نفسي: لعلَّه يعرفني وأنا نسيته. ثمّ قلت في نفسي أيضاً: إنَّ هذا السيّد يريد منّي شيئاً من حقّ السادة، وأحببت أن اُوصل إليه شيئاً من مال الإمام عليه السلام الذي عندي. فقلت: يا سيّد، بقي عندي شيءٌ من حقّكم فرجعت في أمره إلي جناب الشيخ محمّد حسن لاُؤدّي حقّكم

ص: 153

يعني السادات بإذنه. فتبسَّم في وجهي وقال: نعم قد أوصلت بعضاً من حقّنا إلي وكلائنا في النجف الأشرف. فقلت: هل قبل ذلك الذي أدَّيته؟ فقال: نعم.

خطر في ذهني أنَّ هذا السيّد يقول بالنسبة إلي العلماء الأعلام: (وكلائنا) فاستعظمت ذلك، فقلت: العلماء وكلاء في قبض حقوق السادات وغفلت. ثمّ قال: ارجع زُر جدّي. فرجعت وكانت يده اليمني بيدي اليسري فعندما سرنا رأيت في جانبنا الأيمن نهراً ماؤه أبيض صاف جار، وأشجار الليمون والنارنج والرمّان والعنب وغيرها كلّها مثمرة في وقت واحد مع أنَّه لم يكن موسمها، وقد تدلَّت فوق رؤوسنا. قلت: ما هذا النهر؟ وما هذه الأشجار؟ قال: إنَّها تكون مع كلّ من يزورنا ويزور جدّنا من موالينا. فقلت: اُريد أن أسألك؟ قال: اسأل. قلت: كان الشيخ المرحوم عبد الرزّاق رجلاً مدرّساً فذهبت عنده يوماً فسمعته يقول: لو أنَّ أحداً كان عمره كلّه صائماً نهاره قائماً ليله وحجَّ أربعين حجّة وأربعين عمرة ومات بين الصفا والمروة ولم يكن من موالي أمير المؤمنين عليه السلام، فليس له شيء؟ قال: نعم، والله ليس له شيء. فسألته عن بعض أقربائي هل هو من موالي أمير المؤمنين عليه السلام؟ قال: نعم، هو وكلّ من يرتبط بك. فقلت: سيّدنا، لي مسألة. قال: اسأل. قلت: يقرأ قرّاء تعزية الحسين عليه السلام أنَّ سليمان الأعمش جاء عند شخص وسأله عن زيارة سيّد الشهداء عليه السلام فقال: بدعة. فرأي في المنام هودجاً بين الأرض والسماء، فسأل مَنْ في الهودج؟ فقيل له: فاطمة الزهراء وخديجة الكبري عليهما السلام. فقال: إلي أين تذهبان؟ فقيل: إلي زيارة الحسين عليه السلام في هذه الليلة فهي

ص: 154

ليلة الجمعة، ورأي رقاعاً تتساقط من الهودج مكتوب فيها: (أمان من النار لزوّار الحسين عليه السلام في ليلة الجمعة أمان من النار يوم القيامة)، فهل هذا الحديث صحيح؟ قال: نعم، صحيح وتامّ.

قلت: سيّدنا يقولون: من زار الحسين عليه السلام ليلة الجمعة فهي له أمان. قال: نعم والله _ وجرت الدموع من عينيه المباركتين وبكي _. قلت: سيّدنا مسألة. قال: اسأل. قلت: زرنا الإمام الرضا عليه السلام سنة تسع وستّين ومائتين وألف والتقينا بأحد الأعراب الشروقيين من سكّان البادية في الجهة الشرقية من النجف الأشرف في درود، واستضفناه وسألناه كيف هي ولاية الرضا عليه السلام؟ قال: الجنّة. ولي خمسة عشر يوماً آكل من مال مولاي الإمام الرضا عليه السلام فكيف يجرؤ منكر ونكير أن يدنيا منّي في قبري وقد نبت لحمي ودمي من طعامه عليه السلام في مضيفه؟! فهل هذا صحيح أنَّ علي بن موسي الرضا عليه السلام يأتي ويخلّصه من منكر ونكير؟ فقال: نعم والله، إنَّ جدّي هو الضامن. قلت: سيّدنا اُريد أن أسألك مسألة صغيرة. قال: اسأل. قلت: وهل زيارتي للإمام الرضا عليه السلام مقبولة؟ قال: مقبولة إن شاء الله.

قلت: سيّدنا مسألة؟ قال: بسم الله. قلت: إنَّ الحاجّ محمّد حسين القزّاز (بزّاز باشي) ابن المرحوم الحاجّ أحمد القزّاز (بزّاز باشي) هل زيارته مقبولة أم لا؟ _ وقد كان رفيقنا في السفر وشريكنا في الصرف في طريق مشهد الرضا عليه السلام _. قال: العبد الصالح زيارته مقبولة.

قلت: سيّدنا مسألة؟ قال: بسم الله. قلت: إنَّ فلاناً من أهل بغداد _ وكان رفيقنا في السفر _ هل زيارته مقبولة؟ فسكت.

قلت: سيّدنا مسألة؟ قال: بسم الله. قلت: هل سمعت هذه الكلمة أم لا؟ فهل إنَّ زيارته مقبولة أم لا؟ فلم يجبني.

ونقل الحاج المذكور أنَّه كان ذلك الشخص وعدَّة نفر من أهل

ص: 155

بغداد المترفين قد انشغلوا في السفر باللهو واللعب، وكان ذلك الشخص قد قتل اُمّه.

فوصلنا في الطريق إلي مكان واسع علي طرفيه بساتين مقابل بلدة الكاظمين الشريفة، وكان موضع من ذلك الطريق متَّصلاً ببساتين من جهته اليمني لمن يأتي من بغداد وهو ملك لبعض الأيتام السادة وقد أدخلته الحكومة ظلماً في الطريق، وكان أهل التقوي والورع من سكنة هاتين البلدتين يجتنبون دائماً المرور من تلك القطعة من الأرض. ورأيته عليه السلام يمشي في تلك القطعة فقلت: يا سيّدي، هذا الموضع ملك لبعض الأيتام السادة ولا ينبغي التصرّف فيه. قال: هذا الموضع ملك جدّنا أمير المؤمنين عليه السلام وذرّيته وأولادنا ويحلُّ لموالينا التصرُّف فيه.

وكان في القرب من ذلك المكان علي الجهة اليسري بستان ملك لشخص يقال له: الحاجّ الميرزا هادي، وهو من أغنياء العجم المعروفين، وكان يسكن في بغداد، قلت: سيّدنا، هل صحيح ما يقال بأنَّ أرض بستان الحاجّ ميرزا هادي ملك الإمام موسي بن جعفر عليه السلام؟ قال: ما شأنك بهذا؟ وأعرض عن الجواب.

فوصلنا إلي ساقية ماء فُرِّعت من شطّ دجلة للمزارع والبساتين في تلك المنطقة، وهي تمرُّ في ذلك الطريق، وعندها يتشعَّب الطريق إلي فرعين باتّجاه البلدة، أحد الطريقين سلطاني، والآخر طريق السادة، فاختار عليه السلام طريق السادة. فقلت: تعال نذهب من هذا الطريق، يعني الطريق السلطاني. قال: لا، نذهب من طريقنا. فما خطونا إلاَّ عدَّة خطوات فوجدنا أنفسنا في الصحن المقدَّس عند موضع خلع الأحذية (كفش داري) من دون أن نمرّ بزقاق ولا سوق، فدخلنا الإيوان من جهة باب

ص: 156

المراد التي هي الجهة الشرقية ممَّا يلي الرجل، ولم يمكث عليه السلام في الرواق المطهَّر، ولم يقرأ إذن الدخول، ودخل، ووقف علي باب الحرم، فقال: زُر. قلت: إنّي لا أعرف القراءة. قال: أقرأ لك؟ قلت: نعم. فقال: أأدخل يا الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، وهكذا سلَّم علي كلّ إمام من الأئمّة عليهم السلام حتَّي بلغ في السلام إلي الإمام العسكري عليه السلام وقال: السلام عليك يا أبا محمّد الحسن العسكري، ثمّ قال: تعرف إمام زمانك؟ قلت: وكيف لا أعرفه؟ قال: سلّم علي إمام زمانك. فقلت: السلام عليك يا حجّة الله يا صاحب الزمان يا ابن الحسن، فتبسَّم، وقال: عليك السلام ورحمة الله وبركاته، فدخلنا في الحرم المطهَّر وانكببنا علي الضريح المقدَّس، وقبَّلناه، فقال لي: زُر. قلت: لا أعرف القراءة. قال: أقرأ لك الزيارة؟ قلت: نعم. قال: أيّ زيارة تريد؟ قلت: زوّرني بأفضل الزيارات. قال: زيارة أمين الله هي الأفضل، ثمّ أخذ بالقراءة وقال: (السلام عليكما يا أميني الله في أرضه وحجَّتيه علي عباده...) الخ.

واُضيئت في هذه الأثناء مصابيح الحرم فرأيت الشموع مضاءة ولكن الحرم مضاء ومنوَّر بنور آخر مثل نور الشمس والشموع تضيء مثل المصباح في النهار في الشمس. وكنت قد أخذتني الغفلة بحيث لم انتبه إلي هذه الآيات. فعندما انتهي من الزيارة جاء إلي الجهة التي تلي الرجل فوقف في الجانب الشرقي خلف الرأس، وقال: هل تزور جدّي الحسين عليه السلام؟ قلت: نعم، أزوره فهذه ليلة الجمعة. فقرأ زيارة وارث، وقد فرغ المؤذّنون من أذان المغرب، فقال لي: صلِّ والتحق بالجماعة، فجاء إلي المسجد الذي يقع خلف الحرم المطهَّر وكانت الجماعة قد

ص: 157

انعقدت هناك، ووقف هو منفرداً في الجانب الأيمن لإمام الجماعة محاذياً له، ودخلت أنا في الصفّ الأوّل حيث وجدت مكاناً لي هناك.

فعندما انتهيت لم أجده، فخرجت من المسجد وفتَّشت في الحرم فلم أرَه، وكان قصدي أن اُلاقيه وأعطيه عدَّة قرانات وأستضيفه في تلك الليلة، ثمّ جاء بذهني: من يكون هذا السيّد؟! وانتبهت للآيات والمعجزات المتقدّمة ومن انقيادي لأمره في الرجوع مع ما كان لي من الشغل المهمّ في بغداد، وتَسْمِيَتُهُ لي باسمي، مع أنّي لم أكن قد رأيته من قبل، وقوله: (موالينا) وأنّي أشهد، ورؤية النهر الجاري والأشجار المثمرة في غير الموسم، وغير ذلك ممَّا تقدَّم ممَّا كان سبباً ليقيني بأنَّه الإمام المهدي عليه السلام، وبالخصوص في فقرة إذن الدخول وسؤاله لي بعد السلام علي الإمام العسكري عليه السلام، هل تعرف إمام زمانك؟ فعندما قلت: أعرفه، قال: سلّم، فعندما سلَّمت، تبسَّم وردَّ السلام.

فجئت عند حافظ الأحذية وسألت عنه، فقال: خرج، وسألني: هل كان هذا السيّد رفيقك؟ قلت: نعم. فجئت إلي بيت مضيفي وقضيت الليلة، فعندما صار الصباح، ذهبت إلي جناب الشيخ محمّد حسن ونقلت له كلَّما رأيت. فوضع يده علي فمي ونهاني عن إظهار هذه القصَّة وإفشاء هذا السرّ، وقال: وفَّقك الله تعالي.

فأخفيت ذلك ولم أظهره لأحد إلي أن مضي شهر من هذه القضيّة، فكنت يوماً في الحرم المطهَّر، فرأيت سيّداً جليلاً قد اقترب منّي وسألني: ماذا رأيت؟ وأشار إلي قصَّة ذلك اليوم! قلت: لم أرَ شيئاً. فأعاد عليَّ ذلك الكلام، وأنكرت بشدَّة. فاختفي عن نظري ولم أرَهُ بعد ذلك(1).

******

(1) النجم الثاقب: 150 - 160/ الحكاية الحادية والثلاثون.

ص: 158

7 _ لقاء محمّد بن أبي الرواد الرواسي بالإمام المهدي عليه السلام في مسجد صعصعة وسماعه دعاء الحجّة عليه السلام في رجب: (اللّهمّ يا ذا المنن السابقة...):

قال ابن طاووس رحمه الله في الإقبال: ومن الدعوات كلّ يوم من رجب ما رويناه بإسنادنا إلي جدّي أبي جعفر الطوسي رحمه الله، وهو ممَّا ذكره في المصباح بغير إسناد، ووجدته في أواخر كتاب معالم الدين مروياً عن مولانا الإمام الحجَّة المهدي صلوات الله وسلامه عليه وعلي آبائه الطاهرين، وفي هذه الرواية زيادة واختلاف في كلمات، فقال ما هذا لفظه: ذكر محمّد بن أبي الرواد الرواسي أنَّه خرج مع محمّد (بن) جعفر الدهّان إلي مسجد السهلة في يوم من أيّام رجب، فقال: قال: مل بنا إلي مسجد صعصعة(1) فهو مسجد مبارك وقد صلّي به أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله ووطئه الحجج بأقدامهم، فملنا إليه، فبينا نحن نُصلّي إذا برجل قد نزل عن ناقته وعقلها بالظلال، ثمّ دخل وصلّي

******

(1) من المساجد الشريفة التي شوهد فيها الإمام المهدي عليه السلام، يقع بالقرب من مسجد الكوفة، وهو منسوب إلي صعصعة بن صوحان العبدي من قبيلة عبد قيس، من خواصّ أمير المؤمنين علي عليه السلام ومن شيعته المقرَّبين، وقد شهد مع الإمام علي عليه السلام حروبه كلّها، كان سيّداً مطاعاً، وإماماً مقدّماً في قومه، وكانت له مواقف مشرَّفة وشجاعة في الذود عن الحقّ وأهله، وعرف بالفصاحة والرجاحة، فقد وصفه أمير المؤمنين عليه السلام بالخطيب الشحشح، وقال عنه الصادق عليه السلام: (ما كان مع أمير المؤمنين عليه السلام من يعرف حقّه إلاَّ صعصعة وأصحابه)، وكان ممَّن شيَّع جثمان أمير المؤمنين عليه السلام من الكوفة إلي النجف، وكان ضمن الرجال الذين أخذ الإمام الحسن عليه السلام الأمان لهم عند معاوية حين قدومه الكوفة، أمر معاوية واليه بالكوفة المغيرة بن شعبة بإبعاده عن الكوفة ونفيه إلي جزيرة أوال (البحرين الحالية)، وتوفّي رحمه الله هناك عام (60ه-) في قرية تسمّي (عسكر).

ص: 159

ركعتين أطال فيهما، ثمّ مدَّ يديه فقال: وذكر الدعاء الذي يأتي ذكره، ثمّ قام إلي راحلته وركبها. فقال لي أبو جعفر الدهّان: ألا نقوم إليه فنسأله من هو؟ فقمنا إليه فقلنا له: ناشدناك الله من أنت؟ فقال: (ناشدتكما الله من ترياني؟)، قال ابن جعفر الدهّان: نظنّك الخضر، فقال: (وأنت أيضاً؟)، فقلت: أظنّك إيّاه، فقال: (والله إنّي لمن الخضر مفتقر إلي رؤيته، انصرفا فأنا إمام زمانكما)، وهذا لفظ دعائه عليه السلام: (اللّهُمَّ يا ذا المِنَن السَّاب-ِغَةِ وَالآلاءِ الوازِعَةِ وَالرَّحْمَةِ الواسِعَةِ وَالقُدْرَةِ الجامِعَةِ وَالنّعَم الجَسِيمَةِ وَالمَواهِبِ العَظِيمَةِ وَالأيادِي الجَمِيلَةِ وَالعَطايا الجَزيلَةِ، يا مَنْ لا يُنْعَتُ ب-ِتَمْثِيلٍ وَلا يُمَثَّلُ ب-ِنَظِيرٍ وَلا يُغْلَبُ ب-ِظَهِيرٍ، يا مَنْ خَلَقَ فَرَزَقَ، وَألْهَمَ فَأنْطَقَ، وَابْتَدَعَ فَشَرَعَ، وَعَلا فَارْتَفَعَ، وَقَدَّرَ فَأحْسَنَ، وَصَوَّرَ فَأتْقَنَ، وَاحْتَجَّ فَأبْلَغَ، وَأنْعَمَ فَأسْبَغَ، وَأعْطي فَأجْزَلَ، وَمَنَح فَأفْضَلَ، يا مَنْ سَما فِي العِزّ فَفاتَ نَواظِرَ الأبْصارِ، وَدَنا فِي اللُّطْفِ فَجازَ هَواجِسَ الأفْكارِ، يا مَنْ تَوَحَّدَ ب-ِالمُلْكِ فَلا ن-ِدَّ لَهُ فِي مَلَكُوتِ سُلْطان-ِهِ، وَتَفَرَّدَ ب-ِالآلاِء وَالكِبْرياءِ فَلا ضِدَّ لَهُ فِي جَبَرُوتِ شَأن-ِهِ، يا مَنْ حارَتْ فِي كِبْرياءِ هَيْبَتِهِ دقائِقُ لَطائِفِ الأوْهام، وَانْحَسَرَتْ دُونَ إدْراكِ عَظَمَتِهِ خَطائِفُ أبْصارِ الأنام، يا مَنْ عَنَتِ الوُجُوهُ لِهَيْبَتِهِ، وَخَضَعَتِ الرَّقابُ لِعَظَمَتِهِ، وَوَجِلَتِ القُلُوبُ مِنْ خِيفَتِهِ، أسْألُكَ ب-ِهذِهِ المِدْحَةِ الَّتِي لا تَنْبَغِي إِلاَّ لَكَ، وَب-ِما وَأيْتَ ب-ِهِ عَلي نَفْسِكَ لِداعِيكَ مِنَ المُؤْمِن-ِينَ، وَب-ِما ضَمِنْتَ الإِجابَةَ فِيهِ عَلي نَفْسِكَ لِلدَّاعِينَ، يا أسْمَعَ السَّامِعِينَ، وَيا أبْصَرَ الْمُبْصِرينَ، وَيا أنْظَرَ النَّاِظرينَ، وَيا أسْرَعَ الْحاسِب-ِينَ، وَيا أحْكَمَ الْحاكِمينَ صَلّ عَلي مُحَمَّدٍ خاتَم النَّب-ِيَّينَ وَعَلي أهْل بَيْتِهِ الطَّاهِرينَ الأخيار، وَأنْ تَقْسِمَ لِي فِي شَهْرنا هذا خَيْرَ ما قَسَمْتَ،

ص: 160

وَأنْ تَحْتِمَ لِي فِي قَضائِكَ خَيْرَ ما حَتَمْتَ، وَتَخْتِمَ لِي ب-ِالسَّعادَةِ فِيمَنْ خَتَمْتَ، وَأحْيِن-ِي ما أحْيَيْتَن-ِي مَوْفوراً، وَأمِتْن-ِي مَسْرُوراً وَمَغْفوراً، وَتَوَلَّ أنْتَ نَجاتِي مِنْ مُسألَةِ البَرْزَخ، وَادْرأ عَنّي مُنْكَراً وَنَكِيراً، وَأرِ عَيْن-ِي مُبَشّراً وَبَشِيراً، وَاجْعَلْ لِي إِلي رِضْوانِكَ وَجِنان-ِكَ مَصِيراً وَعَيْشاً قَريراً وَمُلْكاً كَب-ِيراً، وَصَلِّ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ بُكْرَةً وأصيلاً، يا أرْحَمَ الرَّاحِمينَ). ثمّ تقول من غير تلك الرواية: (اللّهمّ إنّي أسألك بعقد عزّك علي أركان عرشك، ومنتهي رحمتك من كتابك، واسمك الأعظم، وذكرك الأعلي الأعلي، وكلماتك التامّات كلّها أن تُصلّي علي محمّد وآله، وأسألك ما كان أوفي بعهدك، وأقضي لحقّك وأرضي لنفسك، وخيراً لي في المعاد عندك، والمعاد إليك، أن تعطيني جميع ما اُحبّ وتصرف عنّي جميع ما أكره، إنَّك علي كلّ شيء قدير، برحمتك يا أرحم الراحمين)(1).

8 _ سنة الظهور: إخبار النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام عن ولده المهدي وأنَّه شبيه موسي بن عمران، عليه جلابيب النور، وسماع ثلاثة أصوات في رجب وبها يأتي الفرج:

روي الخزّاز رحمه الله عن أبي عبد الله أحمد بن (أبي عبد الله أحمد بن) محمّد بن عبيد الله، قال: حدَّثنا أبو طالب عبيد بن أحمد بن يعقوب بن نصر الأنباري، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن مسروق، قال: حدَّثنا عبد الله بن شبيب، قال: حدَّثنا محمّد بن زياد الهاشمي، قال: حدَّثنا سفيان بن عتبة، (قال: حدَّثنا عمران بن داود)، قال: حدَّثنا محمّد بن الحنفية، قال أمير المؤمنين عليه السلام: (سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: ... وسيكون بعدي فتنة صمّاء صيلم يسقط فيها كلّ وليجة

******

(1) إقبال الأعمال 3: 212 - 214.

ص: 161

وبطانة، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء، فكم مؤمن ومؤمنة متأسّف متلهّف حيران عند فقده. ثمّ أطرق ملياً، ثمّ رفع رأسه وقال : بأبي واُمّي سميّ وشبيهي وشبيه موسي بن عمران، عليه جبوب النور _ أو قال: جلابيب النور _ يتوقَّد من شعاع القدس، كأنّي بهم آيس من كانوا، ثمّ نودي بنداء يسمعه من البعد كما يسمعه من القرب يكون رحمة علي المؤمنين وعذاباً علي المنافقين. قلت: وما ذلك النداء؟ قال: ثلاثة أصوات في رجب: أوّلها: (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَي الظَّالِمِينَ) (هود: 18)، الثاني: (أَزِفَتِ الْأَزِفَةُ) (النجم: 57)، والثالث ترون بدرياً بارزاً مع قرن الشمس ينادي: الآن الله قد بعث فلان بن فلان _ حتَّي ينسبه إلي علي _، فيه هلاك الظالمين، فعند ذلك يأتي الفرج ويشفي الله صدورهم ويذهب غيظ قلوبهم. قلت: يا رسول الله، فكم يكون بعدي من الأئمّة؟ قال: بعد الحسين تسعة والتاسع قائمهم)(1).

ورواه الصدوق رحمه الله عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر بن جامع الحميري، عن أحمد بن هلال العبرتائي، عن الحسن بن المحبوب. ورواه الطوسي رحمه الله عن سعد بن عبد الله، عن الحسن بن علي الزيتوني وعبد الله بن جعفر الحميري معاً، عن أحمد بن هلال العبرتائي، عن الحسن بن المحبوب. ورواه الطبري الشيعي عن أبي المفضَّل محمّد بن عبد الله، عن محمّد بن همّام، عن أحمد بن مابنداز والحميري، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن المحبوب(2).

وروي النعماني رحمه الله عن محمّد بن همّام، قال: حدَّثنا أحمد بن

******

(1) كفاية الأثر: 156 - 159.

(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 9 و10/ ح 14؛ كمال الدين: 371/ باب 35/ ح 3؛ الغيبة للطوسي: 439 و440/ ح 431؛ دلائل الإمامة: 460 و461/ ح (441/45)؛ الخرائج والجرائح 3: 1168 و1169/ ح 65؛ مختصر البصائر: 157 و158/ ح 8 .

ص: 162

مابنداذ وعبد الله بن جعفر الحميري، قالا: حدَّثنا أحمد بن هلال، قال: حدَّثنا الحسن بن محبوب الزرّاد، عن الرضا عليه السلام قريب منه(1).

9 _ سنة الظهور: مدَّة حكم السفياني وخروجه في رجب:

روي نعيم بن حماد المروزي عن سعيد أبو عثمان، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: (يملك السفياني حمل امرأة)(2).

* وروي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيي، عن عيسي بن أعين، عن المعلّي بن خنيس، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّ أمر السفياني من الأمر المحتوم، وخروجه في رجب)(3).

* وروي النعماني رحمه الله عن محمّد بن همّام، قال: حدَّثني جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدَّثني عباد بن يعقوب، قال: حدَّثنا خلاَّد الصائغ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: (السفياني لا بدَّ منه، ولا يخرج إلاَّ في رجب). فقال له رجل: يا أبا عبد الله، إذا خرج فما حالنا؟ قال: (إن كان ذلك فإلينا)(4).

وعن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدَّثنا القاسم بن محمّد بن الحسن بن حازم، قال: حدَّثنا عبيس بن هشام، عن عبد الله بن جبلة، عن محمّد بن سليمان، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام أنَّه قال: (السفياني والقائم في سنة واحدة)(5).

******

(1) الغيبة للنعماني: 186/ باب 10/ ح 28.

(2) كتاب الفتن للمروزي: 165.

(3) كمال الدين: 650/ باب 57/ ح 5.

(4) الغيبة للنعماني: 313/ باب 18/ ح 7.

(5) الغيبة للنعماني: 275/ باب 14/ ح 36.

ص: 163

وعن علي بن أحمد، عن عبيد الله بن موسي العلوي، عن عبد الله بن محمّد، قال: حدَّثنا محمّد بن خالد، عن الحسن بن المبارك، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الحارث الهمداني، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: (المهدي أقبل، جعد، بخدّه خال، يكون من قبل المشرق، وإذا كان ذلك خرج السفياني، فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر، يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام إلاَّ طوائف من المقيمين علي الحقّ، يعصمهم الله من الخروج معه، ويأتي المدينة بجيش جرّار حتَّي إذا انتهي إلي بيداء المدينة خسف الله به، وذلك قول الله عز وجل في كتابه: (وَلَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (سبأ: 51))(1).

* وروي المفيد رحمه الله عن سيف بن عميرة، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (خروج الثلاثة: السفياني والخراساني واليماني، في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، وليس فيها راية أهدي من راية اليماني، لأنَّه يدعو إلي الحقّ)(2).

وراجع ما ذُكر في (رجب/ 265ه-) تحت عنوان: (التاريخ السندي لحديث الصادق عليه السلام عن ظهور السفياني في رجب)، وكذلك ما سيأتي في (ذي الحجّة/ سنة الظهور) تحت عنوان: (استحواذ السفياني علي تمام الكور الخمس).

10 _ سنة الظهور: من علامات الظهور آية في رجب وجه يطلع في القمر ويد بارزة:

روي النعماني رحمه الله عن محمّد بن همّام، قال: حدَّثني جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري، قال: حدَّثني موسي بن جعفر بن وهب، قال:

******

(1) الغيبة للنعماني: 316/ باب 18/ ح 14.

(2) الإرشاد 2: 375؛ إعلام الوري 2: 284؛ كشف الغمّة 3: 259.

ص: 164

حدَّثني الحسن بن علي الوشّاء، عن عبّاس بن عبد الله، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: (العام الذي فيه الصيحة قبله الآية في رجب). قلت : وما هي؟ قال: (وجه يطلع في القمر، ويد بارزة)(1).

11 _ زيارة المشاهد الشريفة في رجب عن النائب الثالث الحسين بن روح رضي الله عنه:

روي الطوسي رحمه الله عن ابن عيّاش، قال: حدَّثني خير بن عبد الله، عن مولاه يعني أبا القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه، قال: زر أيّ المشاهد كنت بحضرتها في رجب، تقول إذا دخلت: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي أشْهَدَنا مَشْهَدَ أوْلِيائِهِ فِي رَجَبٍ، وَأوْجَبَ عَلَيْنا مِنْ حَقّهِمْ ما قَدْ وَجَبَ، وَصَلَّي اللهُ عَلي مُحَمَّدٍ المُنْتَجَبِ وَعَلي أوْصِيائِهِ الحُجُبِ، اللّهُمَّ فَكَما أشْهَدْتَنا مَشْهَدَهُمْ فَانْجِزْ لَنا مَوْعِدَهُمْ وَأوْرِدْنا مَوْرِدَهُمْ غَيْرَ مُحَلَّئِينَ عَنْ وِردٍ فِي دارِ المُقامَةِ وَالخُلْدِ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ إِنِّي قَصْدُتُكْم وَاعْتَمَدْتُكُمْ بَمَسْألَتِي وَحاجَتِي وَهِيَ فَكاكُ رَقَبَتِي مِنَ النَّار وَالمَقَرُّ مَعَكُمْ فِي دارِ القَرارِ مَعَ شِيعَتِكُمْ الأبْرارِ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ ب-ِما صَبَرْتُمْ فن-ِعْمَ عُقْبي الدَّارِ، أنا سائِلُكُمْ وَآمِلُكُمْ فِيما إِلَيْكُمْ التَّفْويضُ وَعَلَيْكُمْ التَّعْويضُ، فَب-ِكُمْ يُجْبَرُ المَهيضُ وَيُشْفي المَريضُ، وَما تَزْدادُ الأرْحامُ وَماتَغِيضُ. إِنّي ب-ِسِرَّكُمْ مُؤْمِنٌ، وَلِقَوْلِكُمْ مُسَلّمٌ، وَعَلي الله ب-ِكُمْ مُقْسِمٌ فِي رَجْعِي ب-ِحَوائِجِي وَقَضائِها وَإِمْضائِها وَإِنْجاحِها وَإِبْراحِها، وَب-ِشُؤُون-ِي لَدَيْكُمْ وَصَلاحِها، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ سَلامَ مُوَدَّع وَلَكُمْ حَوَائِجَهُ مُودِعٌ، يَسْألُ الله إِلَيْكُمْ المَرْجِعَ وَسَعْيَهُ إِلَيْكُمْ غَيْرَ مُنْقَطِع، وَأنْ يَرْجِعَن-ِي مِنْ حَضْرَتِكُمْ خَيْرَ مَرْجِع إِلي جَنابٍ مُمْرع وَخَفْض مُوَسَّع وَدَعَةٍ وَمَهَلٍ إِلي حِين الأجَل وَخَيْر مَصِيرٍ وَمَحَلّ فِي النَّعِيم الأزَلِ وَالعَيْش المُقْتَبَل وَدَوام

******

(1) الغيبة للنعماني: 261/ باب 14/ ح 10.

ص: 165

الاُكُل وَشُرْبِ الرَّحِيقِ وَالسَّلْسَل وَعَلّ وَنَهلٍ، لا سَأمَ مِنْهُ وَلا مَلَلَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ وَتَحِيَّاتُهُ عَلَيْكُمْ، حَتَّي العَوْدِ إِلي حَضْرَتِكُمْ وَالفَوْزِ فِي كَرَّتِكُمْ وَالحَشْر فِي زُمْرَتِكُمْ، وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ وَصَلَواتُهُ وَتَحِيَّاتُهُ، وَهُوَ حَسْبُنا وَن-ِعْمَ الوَكِيلُ)(1).

12 _ دعاء في كلّ يوم من رجب عن طريق النائب الثاني محمّد بن عثمان رضي الله عنه عن الإمام المهدي عليه السلام:

روي الطوسي رحمه الله عن جماعة، عن ابن عيّاش، قال: ممَّا خرج علي يد الشيخ الكبير أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد رضي الله عنه، من الناحية المقدَّسة ما حدَّثني به جبير بن عبد الله، قال: كتبته من التوقيع الخارج إليه: (بسم الله الرحمن الرحيم، ادع في كلّ يوم من أيّام رجب: اللّهُمَّ إِنّي أسْألُكَ ب-ِمَعان-ِي جَمِيع ما يَدْعُوكَ ب-ِهِ وُلاةَ أمْركَ، المَأمُونُونَ عَلي سِرَّكَ، المُسْتَبْشِرُونَ ب-ِأمْركَ، الواصِفُونَ لِقُدْرَتِكَ، المُعْلِنُونَ لِعَظَمَتِكَ، أسْألُكَ ب-ِما نَطَقَ فِيهِمْ مِنْ مَشِيَّتِكَ، فَجَعَلْتَهُمْ مَعادِنَ لِكَلِماتِكَ، وَأرْكاناً لِتَوْحِيدِكَ، وَآياتِكَ وَمَقاماتِكَ الَّتِي لا تَعْطِيلَ لَها فِي كُلّ مَكانٍ، يَعْرفُكَ ب-ِها مَنْ عَرَفَكَ، لا فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَها إِلاَّ أنَّهُمْ عِبادُكَ وَخَلْقُكَ فَتْقُها وَرَتْقُها ب-ِيَدِكَ، بَدْؤُها مِنْكَ وَعَوْدُها إِلَيْكَ، أعْضادٌ وَأشْهادٌ وَمُناةٌ وَأذْوادٌ وَحَفَظَةٌ وَرُوَّادٌ، فَب-ِهِمْ مَلأتَ سَمائَكَ وَأرْضَكَ حَتّي ظَهَرَ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، فَب-ِذلِكَ أسْألُكَ وَب-ِمَواقِع العِزّ مِنْ رَحْمَتِكَ وَب-ِمَقاماتِكَ وَعَلاماتِكَ أنْ تُصَلّيَ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأنْ تَزيدَنِي إِيْماناً وَتَثْب-ِيتاً، يا باطِناً فِي ظُهُورِهِ وَظاهِراً فِي بُطُون-ِهِ وَمَكْنُون-ِهِ، يا مُفَرَّقاً بَيْنَ النُّورِ وَالدَّيْجُورِ، يا مَوْصُوفاً ب-ِغَيْر كُنْهٍ وَمَعْرُوفاً ب-ِغَيْر شِبْهٍ، حادَّ كُلّ مَحْدُودٍ وَشاهِدَ كُلّ مَشْهُودٍ وَمُوجِدَ كُلّ

******

(1) مصباح المتهجّد: 821 و822/ ح (885/28).

ص: 166

مَوْجُودٍ وَمُحْصِيَ كُلّ مَعْدُودٍ وَفاقِدَ كُلّ مَفْقُودٍ لَيْسَ دُونَكَ مِنْ مَعْبُودٍ، أهْلَ الكِبْرياءِ وَالجُودِ، يا مَنْ لا يُكَيَّفُ ب-ِكَيْفٍ وَلا يُؤَيَّنُ ب-ِأيْنٍ، يا مُحْتَجِباً عَنْ كُلّ عَيْنٍ، يا دَيْمُومُ يا قَيُّومُ وَعالِمَ كُلّ مَعْلُوم، صَلّ عَلَي عِبادِكَ المُنْتَجَب-ِينَ وَبَشَركَ المُحْتَجِب-ِينَ وَمَلائِكَتِكَ المُقَرَّب-ِينَ وَالبُهْم الصَّافّينَ الحافّينَ، وَبارِكْ لَنا فِي شَهْرنا هذا المُرَجَّبِ المُكَرَّم وَما بَعْدَهُ مِنَ الأشْهُر الحُرُم وَأسْب-ِغْ عَلَيْنا فِيهِ النّعَمَ وَأجْزلْ لَنا فِيهِ القِسَمَ وَأبْرزْ لَنا فِيهِ القَسَمَ، ب-ِاسْمِكَ الأعْظَم الأعْظَم الأجَلّ الأكْرَم الَّذِي وَضَعْتَهُ عَلي النَّهارِ فَأضاءَ وَعَلي اللَّيْل فَأظْلَمَ، وَاغْفِرْ لَنا ما تَعْلَمُ مِنَّا وَما لا نَعْلَمُ وَاعْصِمْنا مِنَ الذُّنُوب خَيْرَ العِصَم واكْفِنا كَوافِيَ قَدَرِكَ وَامْنُنْ عَلَيْنا ب-ِحُسْن نَظَركَ وَلا تَكِلْنا إِلي غَيْركَ وَلا تَمْنَعْنا مِنْ خَيْركَ وَبارِكْ لَنا فِيما كَتَبْتَهُ لَنا مِنْ أعْمارِنا وَأصْلِحْ لَنا خَب-ِيئَةَ أسْرارِنا وَأعْطِنا مِنْكَ الأمانَ وَاسْتَعْمِلْنا ب-ِحُسْن الإيمانِ وَبَلّغْنا شَهْرَ الصّيام وَما بَعْدَهُ مِنَ الأيَّام وَالأعْوام يا ذا الجَلالِ وَالإكْرام)(1).

13 _ دعاء آخر في رجب صدر عن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح والتوسّل بالإمامين الجواد والهادي عليهما السلام:

روي الطوسي رحمه الله عن ابن عيّاش، قال: وخرج إلي أهلي علي يد الشيخ الكبير أبي القاسم رضي الله عنه في مقامه عندهم هذا الدعاء في أيّام رجب: (اللّهُمَّ إِنّي أسْألُكَ ب-ِالمَولُودِينَ فِي رَجَبٍ مُحَمَّدِ بْن عَلِيّ الثَّان-ِي وَابْن-ِهِ عَلِيّ بْن مُحَمَّدٍ المُنْتَجَبِ، وَأتَقَرَّبُ ب-ِهما إِلَيْكَ خَيْرَ القُرَبِ، يا مَنْ إِلَيْهِ المَعْرُوفُ طُلِبَ وَفِيما لَدَيْهِ رُغِبَ، أسْألُكَ سُؤالَ مُقْتَرفٍ مُذْن-ِبٍ قَدْ أوْبَقَتْهُ ذُنُوبُهُ وَأوْثَقَتْهُ عُيُوبُهُ فَطَالَ عَلي الخَطايا دُؤُوبُهُ وَمِنَ الرَّزَايا خُطُوبُهُ، يَسْألُكَ التَّوْبَةَ وَحُسْنَ الأوْبَةِ وَالنُّزُوعَ عَنْ الحَوْبَةِ وَ مِنَ النَّارِ فَكاكَ رَقَبَتِهِ

******

(1) مصباح المتهجّد: 803 و804// ح (866/9).

ص: 167

وَالعَفْوَ عَمَّا فِي رِبْقَتِهِ، فَأنْتَ مَوْلايَ أعْظَمُ أمَلِهِ وَثِقَتِهِ. اللّهُمَّ وَأسْألُكَ ب-ِمَسائِلِكَ الشَّريفَةِ وَوَسائِلكَ المُن-ِيفَةِ أنْ تَتَغَمَّدَن-ِي فِي هذا الشَّهْر ب-ِرَحْمَةٍ مِنْكَ وَاسِعَةٍ وَن-ِعْمَةٍ وَازِعَهٍ وَنَفْسٍ ب-ِما رَزَقْتَها قان-ِعَةٍ إِلي نُزُولِ الحافِرَةِ وَمَحَلّ الآخرةِ وَما هِيَ إِلَيْهِ صائِرَةٌ)(1).

* * *

******

(1) مصباح المتهجّد: 804 و805/ ح (867/10).

ص: 168

8- شعبان المعظَّم

اشارة

ص: 169

ص: 170

3 شعبان المعظَّم

1 _ سنة (4ه-): دخول جابر الأنصاري علي الزهراء عليها السلام لتهنئتها بولادة الحسين عليه السلام ومشاهدته اللوح الأخضر بيدها وفيه أسماء الأئمّة والإمام المهدي عليهم السلام:

روي الصدوق رحمه الله عن أبيه ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً، عن أبي الخير صالح بن أبي حماد والحسن بن ظريف جميعاً، عن بكر بن صالح. وحدَّثنا أبي ومحمّد بن موسي بن المتوكّل ومحمّد بن علي ماجيلويه وأحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم والحسين بن إبراهيم بن تاتانه وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنهم، قالوا: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (قال أبي عليه السلام لجابر بن عبد الله الأنصاري: إنَّ لي إليك حاجة فمتي يخفُّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ قال له جابر: في أيّ الأوقات شئت. فخلا به أبي عليه السلام فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد اُمّي فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وما أخبرتك به اُمّي أنَّ في ذلك اللوح مكتوباً.

ص: 171

قال جابر: أشهد بالله أنّي دخلت علي اُمّك فاطمة في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لاُهنّئها بولادة الحسين عليه السلام(1)، فرأيت في يدها لوحاً أخضر ظننت أنَّه زمرّد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه نور الشمس، فقلت: بأبي أنت واُمّي يا بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا اللوح أهداه الله عز وجل إلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني وأسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي عليه السلام ليسرّني بذلك.

قال جابر: فأعطتنيه اُمّك فاطمة فقرأته وانتسخته، فقال أبي عليه السلام: فهل لك يا جابر أن تعرضه عليَّ؟ قال: نعم، فمشي معه أبي عليه السلام حتَّي انتهي إلي منزل جابر، فأخرج أبي عليه السلام صحيفة من رقّ.

قال جابر: فأشهد بالله أنّي هكذا رأيته في اللوح مكتوباً: بسم الله الرحمن

******

(1) قال المجلسي رحمه الله في البحار (ج 44/ ص 201 و202): الأشهر في ولادته صلوات الله عليه أنَّه ولد لثلاث خلون من شعبان، لما رواه الشيخ في المصباح أنَّه خرج إلي القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمّد عليه السلام أنَّ مولانا الحسين عليه السلام ولد يوم الخميس، لثلاث خلون من شعبان فصم وادع فيه بهذا الدعاء وذكر الدعاء. ثمّ قال رحمه الله بعد الدعاء الثاني المروي عن الحسين: قال ابن عيّاش: سمعت الحسين بن علي بن سفيان البزوفري يقول: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يدعو به في هذا اليوم، وقال: هو من أدعية اليوم الثالث من شعبان وهو مولد الحسين عليه السلام. وقيل: إنَّه عليه السلام ولد لخمس ليال خلون من شعبان، لما رواه الشيخ أيضاً في المصباح عن الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنَّه قال: (ولد الحسين بن علي عليهما السلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع خلون من الهجرة). وقال رحمه الله في التهذيب: ولد عليه السلام آخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث من الهجرة. وقال الكليني قدَّس الله روحه: ولد عليه السلام سنة ثلاث. وقال الشهيد رحمه الله في الدروس: ولد عليه السلام بالمدينة آخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث من الهجرة، وقيل: يوم الخميس ثلاث عشر شهر رمضان. وقال المفيد: لخمس خلون من شعبان سنة أربع. وقال الشيخ ابن نما في مثير الأحزان: ولد عليه السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، وقيل: الثالث منه، وقيل: أواخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث، وقيل: لخمس خلون من جمادي الأولي سنة أربع من الهجرة.

ص: 172

الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمّد نوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين، عظّم يا محمّد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إنّي أنا الله لا إله إلاَّ أنا، قاصم الجبّارين، ومذلُّ الظالمين، وديّان الدين، أنا الله لا إله إلاَّ أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عذابي عذَّبته عذاباً لا اُعذّب أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبد وعليَّ فتوكَّل، إنّي لم أبعث نبيّاً فأكملت أيّامه وانقضت مدَّته إلاَّ جعلت له وصيّاً، وإنّي فضَّلتك علي الأنبياء، وفضَّلت وصيّك علي الأوصياء، وأكرمتك بشبليك بعده وبسبطيك الحسن والحسين، فجعلت حسناً معدن علمي انقضاء مدَّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة عندي، وجعلت كلمتي التامّة معه والحجّة البالغة عنده، بعترته اُثيب واُعاقب.

أوّلهم علي سيّد العابدين وزين أوليائي الماضين، وابنه شبيه جدّه المحمود محمّد الباقر لعلمي والمعدن لحكمي، سيهلك المرتابون في جعفر، الرادّ عليه كالرادّ عليَّ، حقّ القول منّي لاُكرمنَّ مثوي جعفر ولاُسرنَّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، انتجبت بعده موسي وانتحبت(1) بعده فتنة عمياء حندس لأنَّ خيط فرضي لا ينقطع وحجَّتي لا تخفي، وإنَّ أوليائي لا يشقون، ألا ومن جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غيَّر آية من كتابي فقد افتري عليَّ، وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدَّة عبدي موسي وحبيبي وخيرتي، إنَّ المكذّب بالثامن مكذّب بكلّ أوليائي، وعلي وليّي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوّة وأمنحه بالاضطلاع، يقتله عفريت مستكبر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلي جنب شرّ خلقي، حقّ القول منّي لأقرنَّ عينيه بمحمّد ابنه وخليفته من بعده، فهو

******

(1) هكذا في المصدر، والظاهر أنَّها تصحيف: (اُتيحت).

ص: 173

وارث علمي ومعدن حكمي، وموضع سرّي، وحجَّتي علي خلقي، جعلت الجنّة مثواه، وشفَّعته في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابنه علي وليّي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني علي وحيي، اُخرج منه الداعي (إلي) سبيلي، والخازن لعلمي الحسن، ثمّ أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال موسي وبهاء عيسي وصبر أيّوب، سيذلُّ في زمانه أوليائي وتتهادون رؤوسهم كما تتهادي رؤوس الترك والديلم، فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشو الويل والرنين في نسائهم، أولئك أوليائي حقّاً، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل وأرفع الأصار والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون)(1).

ورواه الطوسي رحمه الله عن جماعة، عن أبي جعفر محمّد بن سفيان البزوفري، عن أبي علي أحمد بن إدريس وعبد الله بن جعفر الحميري، عن أبي الخير صالح بن أبي حماد الرازي والحسن بن ظريف جميعاً، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام(2).

2 _ سنة (4ه-): قصَّة الملك دردائيل وتوسّله بالحسين عليه السلام يوم ولادته، وإخبار رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام بشهادته وأنَّ الأئمّة عليهم السلام من ولده آخرهم الحجّة القائم عليه السلام:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدَّثني عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، قال: حدَّثني محمّد بن

******

(1) عيون أخبار الرضا 2: 48 - 50/ ح 2؛ الهداية الكبري: 364 - 366؛ الاحتجاج 1: 84 - 86؛ مناقب آل أبي طالب 1: 255 و256.

(2) الغيبة للطوسي: 143 - 146/ ح 108.

ص: 174

علي القرشي، قال: حدَّثني أبو الربيع الزهراني، قال: حدَّثنا جرير، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، قال: قال ابن عبّاس: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (إنَّ لله تبارك وتعالي ملكاً يقال له: دردائيل، كان له ستّة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلي الجناح هواء، والهواء كما بين السماء إلي الأرض، فجعل يوماً يقول في نفسه: أفوق ربّنا جل جلاله شيء؟ فعلم الله تبارك وتعالي ما قال، فزاده أجنحة مثلها، فصار له اثنان وثلاثون ألف جناح، ثمّ أوحي الله عز وجل إليه أن طر، فطار مقدار خمسين عاماً فلم ينل رأس قائمة من قوام العرش، فلمَّا علم الله عز وجل إتعابه أوحي إليه: أيّها الملك عد إلي مكانك، فأنا عظيم فوق كلّ عظيم، وليس فوقي شيء، ولا اُوصف بمكان، فسلبه الله أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة، فلمَّا ولد الحسين بن علي عليهما السلام وكان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة أوحي الله عز وجل إلي مالك خازن النار أن أخمد النيران علي أهلها لكرامة مولود ولد لمحمّد، وأوحي إلي رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان وطيّبها لكرامة مولود ولد لمحمّد في دار الدنيا، وأوحي الله تبارك وتعالي إلي حور العين (أن) تزينَّ وتزاورن لكرامة مولود ولد لمحمّد في دار الدنيا، وأوحي الله عز وجل إلي الملائكة أن قوموا صفوفاً بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير لكرامة مولود ولد لمحمّد في دار الدنيا، وأوحي الله تبارك وتعالي إلي جبرئيل عليه السلام أن اهبط إلي نبيّي محمّد في ألف قبيل والقبيل ألف ألف من الملائكة علي خيول بلق، مسرجة ملجمة، عليها قباب الدرّ والياقوت، ومعهم ملائكة يقال لهم: الروحانيون، بأيديهم أطباق من نور أن هنّئوا محمّداً بمولود، وأخبره يا جبرئيل أنّي قد سمَّيته الحسين، وهنّئه وعزّه وقل له: يا محمّد يقتله شرار أمّتك علي شرار الدواب، فويل للقاتل، وويل للسائق، وويل للقائد. قاتل الحسين أنا منه بريء وهو منّي بريء لأنَّه لا يأتي يوم

ص: 175

القيامة أحد إلاَّ وقاتل الحسين عليه السلام أعظم جرماً منه، قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أنَّ مع الله إلهاً آخر، والنار أشوق إلي قاتل الحسين ممَّن أطاع الله إلي الجنّة). قال: (فبينا جبرئيل عليه السلام يهبط من السماء إلي الأرض إذ مرَّ بدردائيل فقال له دردائيل: يا جبرئيل ما هذه الليلة في السماء؟ هل قامت القيامة علي أهل الدنيا؟ قال: لا، ولكن ولد لمحمّد مولود في دار الدنيا، وقد بعثني الله عز وجل إليه لاُهنّئه بمولوده، فقال الملك: يا جبرئيل بالذي خلقك وخلقني إذا هبطت إلي محمّد فاقرأه منّي السلام، وقل له: بحقّ هذا المولود عليك إلاَّ ما سألت ربّك أن يرضي عنّي فيردّ عليَّ أجنحتي ومقامي من صفوف الملائكة)، فهبط جبرئيل عليه السلام علي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فهنَّأه كما أمره الله عز وجل وعزّاه فقال له النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (تقتله أمّتي؟)، فقال له: نعم يا محمّد، فقال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (ما هؤلاء بأمّتي أنا بريء منهم، والله عز وجل بريء منهم)، قال جبرئيل: وأنا بريء منهم يا محمّد، فدخل النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم علي فاطمة عليها السلام فهنَّأها وعزّاها فبكت فاطمة عليها السلام، وقالت: (يا ليتني لم ألده، قاتل الحسين في النار)، فقال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (وأنا أشهد بذلك يا فاطمة، ولكنَّه لا يقتل حتَّي يكون منه إمام يكون منه الأئمّة الهادية بعده)، ثمّ قال عليه السلام: (والأئمّة بعدي الهادي علي، والمهتدي الحسن، والناصر الحسين، والمنصور علي بن الحسين، والشافع محمّد بن علي، والنفّاع جعفر بن محمّد، والأمين موسي بن جعفر، والرضا علي بن موسي، والفعّال محمّد بن علي، والمؤتمن علي بن محمّد، والعلاَّم الحسن بن علي، ومن يُصلّي خلفه عيسي بن مريم عليه السلام القائم عليه السلام). فسكتت فاطمة عليها السلام من البكاء. أخبر جبرئيل عليه السلام النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بقصَّة الملك وما اُصيب به، قال ابن عبّاس: فأخذ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم الحسين عليه السلام وهو ملفوف في خرق من صوف فأشار به إلي السماء،

ص: 176

ثمّ قال: (اللّهمّ بحقّ هذا المولود عليك، لا بل بحقّك عليه وعلي جدّه محمّد وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، إن كان للحسين بن علي بن فاطمة عندك قدر فارض عن دردائيل ورُد عليه أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة)، فاستجاب الله دعاءه وغفر للملك (وردَّ عليه أجنحته وردَّه إلي صفوف الملائكة)، فالملك لا يعرف في الجنّة إلاَّ بأن يقال: هذا مولي الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم(1).

3 _ سنة (4ه-): حين ولادة الحسين عليه السلام أخبر النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام بأنَّه أبو تسعة أئمّة تاسعهم قائمهم:

روي الخزّاز رحمه الله عن أبي المفضَّل رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أبو بكر محمّد بن مسعود النبلي، قال: حدَّثنا الحسين بن عقيل الأنصاري، قال: حدَّثني أبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد، قال: حدَّثنا عبد الله بن موسي، عن أبي خالد عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، (عن أبيه علي) بن الحسين، عن عمَّته زينب بنت علي عليه السلام، عن فاطمة عليها السلام، قالت: (كان دخل إليَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عند ولادتي الحسين عليه السلام، فناولته إيّاه في خرقة صفراء، فرمي بها وأخذ خرقة بيضاء ولفّه فيها ثمّ قال: خذيه يا فاطمة فإنَّه إمام ابن إمام أبو الأئمّة التسعة، من صلبه أئمّة أبرار والتاسع قائمهم)(2).

* وروي عن علي بن الحسن، عن محمّد، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثني علي بن قابوس القمّي بقمّ، قال: حدَّثني محمّد بن الحسن، عن يونس بن ظبيان، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين، قال: (قالت لي اُمّي فاطمة: لمَّا ولدتك

******

(1) كمال الدين: 282 - 284/ باب 24/ ح 36.

(2) كفاية الأثر: 44 و45.

ص: 177

دخل إليَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فناولتك إيّاه في خرقة صفراء فرمي بها وأخذ خرقة بيضاء لفك فيها وأذن في أذنك الأيمن وأقام في اُذنك الأيسر ثمّ قال: يا فاطمة، خذيه فإنَّه أبو الأئمّة، تسعة من ولده أئمّة أبرار والتاسع مهديهم)(1).

4 _ الدعاء في اليوم الثالث من شهر شعبان الذي صدر من الناحية للوكيل القاسم بن العلاء:(2)

قال الطوسي رحمه الله في المصباح: خرج إلي القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمّد عليه السلام: (أنَّ مولانا الحسين عليه السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان فصمه. وادع فيه بهذا الدعاء: اللّهُمَّ إِنّي أسْألُكَ ب-ِحَقَّ المَوْلُودِ فِي هذا اليَوْم، الْمُوعودِ ب-ِشَهادَتِهِ قَبْلَ اسْتِهْلالِهِ وَوِلادَتِهِ، بَكَتْهُ السَّماء وَمَنْ فِيها وَالأرْضُ وَمَنْ عَلَيْها، وَلَمَّا يَطَأ لابَيَتْها، قَتِيل العَبْرَةِ وَسَيَّدِ الاُسْرَةِ، المَمْدُودِ ب-ِالنُّصْرَةِ فِي يَوْم الكَرَّةِ، المُعَوَّض مِنْ قَتْلِهِ أنَّ الأئِمَّةَ مِنْ نَسْلِهِ، وَالشّفاءَ فِي تُرْبَتِهِ، وَالفَوْزَ مَعَهُ فِي أوْبَتِهِ، وَالأوْصِياء مِنْ عُتْرَتِهِ بَعْدَ قائِمِهِمْ وَغَيْبَتِهِ، حَتَّي يُدْرِكُوا الأوْتارَ، وَيَثْأرُوا الثَّأرَ، وَيُرْضُوا الجَبَّارَ، وَيَكُونُوا خَيْرَ أنْصارٍ، صَلَّي الله عَلَيْهِمْ مَعَ اخْتِلافِ الليْل وَالنَّهارِ. اللّهُمَّ فَب-ِحَقّهِمْ إِلَيْكَ أتَوَسَّلُ وَأسْألُ سُؤالَ مُقْتَرفٍ مُعتَرفٍ مُسِيءٍ إِلي نَفْسِهِ مِمَّا فَرَّطَ فِي يَوْمِهِ وَأمْسِهِ، يَسْألُكَ العِصْمَةَ إِلي مَحَلّ رَمْسِهِ. اللّهُمَّ فَصَلّ عَلي مُحَمَّدٍ وَعِتْرَتِهِ وَاحْشُرْنا فِي زُمْرَتِهِ، وَبَوَّئْنا مَعَهُ دارَ

******

(1) كفاية الأثر: 196 و197.

(2) يحتمل أن يكون المقصود من الناحية الإمام المهدي عليه السلام، لأنَّ القاسم بن العلاء كان وكيلاً عنه عليه السلام أيضاً، إلاَّ أن الأرجح أنَّ المقصود هو الإمام العسكري عليه السلام، لإطلاق لفظ الناحية عليه عليه السلام أيضاً، مضافاً إلي وجود القرينة وهي نصّهم في الدعاء علي أنَّ القاسم بن العلاء وكيل أبي محمَّد عليه السلام.

ص: 178

الكَرامَةِ وَمَحَلَّ الإقامَةِ. اللّهُمَّ وَكَما كَرَّمْتَنا ب-ِمَعْرفَتِهِ فَأكْرمْنا ب-ِزُلْفَتِهِ، وَارْزُقْنا مُرافَقَتَهُ وَساب-ِقَتَهُ، وَاجْعَلْنا مِمَّنْ يُسَلّمُ لأمْرهِ، وَيُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرهِ وَعَلي جَمِيع أوْصِيائِهِ وَأهْل أصْفِيائِهِ المَمْدُودِينَ مِنْكَ ب-ِالعَدَدِ الاِثْنَي عَشَرَ، النُّجُوم الزُّهَر، وَالحُجَج عَلي جَميع البَشَر. اللّهُمَّ وَهَبْ لَنا فِي هذا اليَوْم خَيْرَ مَوْهِبَةٍ، وَانْجِحْ لَنا فِيهِ كُلَّ طَلِبَةٍ كَما وَهَبْتَ الحُسَيْنَ لِمُحَمَّدٍ جَدّهِ، وَعاذَ فُطْرُسُ ب-ِمَهْدِهِ(1)، فَنَحْنُ عائِذُونَ ب-ِقَبْرهِ مِنْ بَعْدِهِ، نَشْهَدُ تُرْبَتَهُ وَنَنْتَظِرُ أوْبَتَهُ، آمِينَ رَبَّ العالَمِينَ)(2).

******

(1) روي ابن قولويه رحمه الله عن محمّد بن جعفر القرشي الرزّاز الكوفي، قال: حدَّثني خالي محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، قال: حدَّثني موسي بن سعدان الحنّاط، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي، عن إبراهيم بن شعيب الميثمي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ الحسين بن علي عليهما السلام لمَّا ولد أمر الله عز وجل جبرئيل عليه السلام أن يهبط في ألف من الملائكة فيهنّئ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من الله ومن جبرئيل عليه السلام)، قال: (وكان مهبط جبرئيل عليه السلام علي جزيرة في البحر فيها ملك يقال له: فطرس، كان من الحملة، فبعث في شيء فأبطا فيه، فكُسر جناحه واُلقي في تلك الجزيرة يعبد الله فيها ستمائة عام حتَّي ولد الحسين عليه السلام، فقال الملك لجبرئيل عليه السلام: أين تريد؟ قال: إنَّ الله تعالي أنعم علي محمّد صلي الله عليه وآله وسلم بنعمة فبُعثتُ اُهنّيه من الله ومنّي، فقال: يا جبرئيل احملني معك لعلَّ محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم يدعو الله لي). قال: (فحمله، فلمَّا دخل جبرئيل علي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وهنَّأه من الله وهنَّأه منه وأخبره بحال فطرس، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: يا جبرئيل أدخله. فلمَّا أدخله أخبر فطرس النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بحاله، فدعا له النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وقال له: تمسَّح بهذا المولود وعد إلي مكانك). قال: (فتمسَّح فطرس بالحسين عليه السلام وارتفع، وقال: يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أمَا إنَّ اُمّتك ستقتله وله عليَّ مكافاة أن لا يزوره زائر إلاَّ بلَّغته عنه، ولا يُسلّم عليه مسلّم إلاَّ بلَّغته سلامه، ولا يُصلّي عليه مصلّ إلاَّ بلَّغته عليه صلاته)، قال: (ثمّ ارتفع). (كامل الزيارات: 140 و141/ ح 165/1).

(2) مصباح المتهجّد: 826 و827؛ المزار لابن المشهدي: 397 - 399؛ إقبال الأعمال 3: 303 - 304؛ مختصر البصائر: 150 - 152/ ح 3؛ المصباح للكفعمي: 543 و544.

ص: 179

8 شعبان المعظَّم

1 _ سنة (257ه-): ذكر رواية عن حكيمة(1) في ولادة الإمام المهدي عليه السلام في مثل هذا اليوم:

روي الخصيبي رحمه الله في الهداية الكبري، قال: قال أبو محمّد عليه السلام: (إنّي أدخلت عمّاتي في داري فرأيت جارية من جواريهنَّ قد زيّنت تسمّي نرجس، فنظرت إليها نظراً أطلته، فقالت عمَّتي حكيمة: أراك يا سيّدي تنظر إلي هذه الجارية نظراً شديداً، فقلت: يا عمَّة، ما نظري إليها إلاَّ أتعجب ممَّا لله فيها من إرادته وخيرته، فقالت: يا سيّدي، أحسبك تريدها، قلت: بلي، فأمرتها تستأذن لي أبي علي بن محمّد عليهما السلام في تسليمها إليَّ، ففعلت فأمرها عليه السلام بذلك، فجاءتني بها). قال الحسين بن حمدان: حدَّثني من زاد في أسماء من حدَّثني من هؤلاء الرجال الذين اُسمّيهم وهم: غيلان الكلابي، وموسي بن محمّد الرازي، وأحمد بن جعفر الطوسي، عن حكيمة ابنة محمّد بن علي الرضا عليه السلام، قال: كانت تدخل علي أبي محمّد عليه السلام فتدعو له أن يرزقه الله ولداً، وأنَّها قالت: دخلت عليه فقلت له كما كنت أقول، ودعوت له كما كنت أدعو، فقال: (يا عمَّة، أمَّا

******

(1) هي حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام، قال المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار (ج 99/ ص 79): (اعلم أنَّ في القبَّة الشريفة - يعني قبَّة العسكريين عليهما السلام - قبراً منسوباً إلي النجيبة الكريمة العالمة الفاضلة التقيّة الرضية حكيمة بنت أبي جعفر الجواد عليه السلام، وما أدري لِمَ لم يتعرَّضوا لزيارتها مع ظهور فضلها وجلالتها وأنَّها كانت مخصوصة بالأئمّة عليهم السلام ومودعة أسرارهم، وكانت اُمّ القائم عليه السلام عندها، وكانت حاضرة عند ولادته، وكانت تراه حيناً بعد حين في حياة أبي محمّد العسكري عليه السلام، وكانت من السفراء والأبواب بعد وفاته، فينبغي زيارتها بما أجري الله علي اللسان ممَّا يناسب فضلها وشأنها)، قيل: إنَّها توفّيت في سنة (274ه-).

ص: 180

الذي تدعين إلي الله أن يرزقنيه يولد في هذه الليلة) وكانت ليلة الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين من الهجرة...(1).

2 _ سنة (257ه-): تهنئة (70) رجلاً للإمام العسكري عليه السلام بولادة المهدي عليه السلام وبيان فضل الشيعة:

روي الخصيبي رحمه الله في الهداية الكبري عن الحسن بن محمّد بن يحيي الخرقي، عن عيسي بن مهدي الجوهري، قال: خرجت أنا والحسن بن مسعود والحسين بن إبراهيم وعتاب وطالب ابنا حاتم ومحمّد بن سعيد وأحمد بن الخصيب وأحمد بن جنان من جنبلا إلي سامرا في سنة سبع وخمسين ومائتين فعدلنا من المدائن إلي كربلاء فرأينا أثر سيّدنا أبي عبد الله الحسين عليه السلام ليلة النصف من شعبان، فلقينا إخواننا المجاورين بسامرا لمولانا أبي محمّد الحسن عليه السلام لنهنّئه بمولد مولانا المهدي عليه السلام، فبشَّرنا إخواننا أنَّ المولود كان طلوع الفجر من يوم الجمعة لثمان ليلاً خلت من شعبان وهو ذلك الشهر، فقضينا زيارتنا ببغداد فزرنا أبا الحسن موسي بن جعفر وأبا محمّد جعفر، ومحمّد بن علي عليهم السلام وصعدنا إلي سامرا، فلمَّا دخلنا علي سيّدنا أبي محمّد الحسن عليه السلام بدأنا بالبكاء قبل التهنئة فجهرنا بالبكاء بين يديه ونحن ما ينيف عن سبعين رجلاً من أهل السواد، فقال: (إنَّ البكاء من السرور بنعم الله مثل الشكر لها فطيبوا نفساً وقرّواً عيناً، فوَالله إنَّكم علي دين الله الذي جاءت به ملائكته وكتبه ورسله، وإنَّكم كما قال جدّي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: إيّاكم أن تزهدوا في الشيعة، فإنَّ فقيرهم الممتحن المتَّقي عند الله يوم القيامة له شفاعة عند الله يدخل فيها مثل ربيعة ومضر، فإذا كان هذا لكم من فضل الله عليكم وعلينا فيكم، فأيّ شيء بقي

******

(1) الهداية الكبري: 354 - 357.

ص: 181

لكم؟)، فقلنا بأجمعنا: الحمد لله، والشكر له، ولكم يا ساداتنا، فبكم بلغنا هذه المنزلة، فقال: (بلغتموها بالله وبطاعتكم إيّاه، واجتهادكم بطاعته وعبادته وموالاتكم لأوليائه ومعاداتكم لأعدائه)، قال عيسي بن مهدي الجوهري: فأردنا الكلام والمسألة فأجابنا قبل السؤال: (أمَّا فيكم من أظهر مسألتي عن ولدي المهدي)، فقلنا: وأين هو؟ فقال: (قد استودعته لله كما استودعت اُمّ موسي ابنها حيث ألقته في اليمّ إلي أن ردَّه الله إليها)، فقالت طائفة منّا: إي والله لقد كانت هذه المسألة في أنفسنا...(1).

3 _ سنة (256ه-): رواية الصدوق بسنده إلي غياث بن أسيد في ولادة الإمام المهدي عليه السلام في اليوم الثامن من شعبان:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدَّثنا الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن خليلان، قال: حدَّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن غياث بن أسيد، قال: ولد الخلف المهدي عليه السلام يوم الجمعة، واُمّه ريحانة، ويقال لها: نرجس، ويقال: صقيل، ويقال: سوسن، إلاَّ أنَّه قيل لسبب الحمل: صقيل، وكان مولده عليه السلام لثمان ليال خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين، ووكيله عثمان بن سعيد، فلمَّا مات عثمان أوصي إلي ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصي أبو جعفر إلي أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصي أبو القاسم إلي أبي الحسن علي بن محمّد السمري رضي الله عنهم، قال: فلمَّا حضرت السمري الوفاة سُئل أن يوصّي فقال: لله أمر هو بالغه، فالغيبة التامّة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه(2).

******

(1) الهداية الكبري: 344 و345.

(2) كمال الدين: 432 و433/ باب 42/ ح 12.

ص: 182

4 _ سنة (257ه-): ولادة الإمام المهدي عليه السلام علي رواية المفضَّل:

راجع ما ذُكر في (8/ ربيع الأوّل/ 260ه-) تحت عنوان: (إنباء الإمام الصادق عليه السلام للمفضَّل بن عمر بشهادة الإمام العسكري وغيبة الإمام المهدي عليهما السلام).

9 شعبان المعظَّم

1 _ سنة (329ه-): خروج توقيع للإمام المهدي عليه السلام لسفيره الرابع يخبره فيه بموته بعد ستّة أيّام وانقطاع السفارة الخاصّة وحصول الغيبة الكبري:

روي الصدوق رحمه الله عن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتَّب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفّي فيها الشيخ علي بن محمّد السمري قدَّس الله روحه، فحضرته قبل وفاته بأيّام فأخرج إلي الناس توقيعاً نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنَّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام فاجمع أمرك ولا توص إلي أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلاَّ بعد إذن الله عز وجل وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألا فمن ادَّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم). قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمَّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال: (لله أمر هو بالغه)، ومضي رضي الله عنه، فهذا آخر كلام سمع منه(1).

******

(1) كمال الدين: 516/ باب 45/ ح 44؛ الغيبة للطوسي: 395/ ح 365.

ص: 183

قال المجلسي رحمه الله: (لعلَّه محمول علي من يدَّعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه عليه السلام إلي الشيعة، علي مثال السفراء لئلاَّ ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه عليه السلام، والله يعلم)(1).

2 _ سنة (329ه-): آخر توقيع صدر من الإمام المهدي عليه السلام وهو دعاء الاستخارة لنائبه الرابع:

قال ابن طاووس رحمه الله في فتح الأبواب: دعاء مولانا المهدي صلوات الله عليه وعلي آبائه الطاهرين في الاستخارات، وهو آخر ما خرج من مقدَّس حضرته أيّام الوكالات: روي محمّد بن علي بن محمّد في كتاب جامع له، ما هذا لفظه: استخارة الأسماء التي عليها العمل، ويدعو بها في صلاة الحاجة وغيرها، ذكر أبو دلف محمّد بن المظفَّر رحمة الله عليه أنَّها آخر ما خرج: (بسم الله الرحمن الرحيم، اللّهمّ إنّي أسألك باسمك الذي عزمت به علي السماوات والأرض، فقلت لهما: ائتيا طوعاً أو كرهاً، قالتا: أتينا طائعين، وباسمك الذي عزمت به علي عصا موسي فإذا هي تلقف ما يأفكون، وأسألك باسمك الذي صرفت به قلوب السحرة إليك حتَّي قالوا: آمنا بربّ العالمين ربّ موسي وهارون،

******

(1) بحار الأنوار 52: 151/ ذيل الحديث 1؛ وهناك احتمالات اُخر أشار إليها العلاَّمة النوري رحمه الله، منها: أنَّه عليه السلام إنَّما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته وغيرهم من فراعنة بني العبّاس، حتَّي أنَّ الشيعة يمنع بعضها بعضاً عن التحدّث بذكره، وفي هذا الزمان تطاولت المدَّة وأيس منه الأعداء وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعنائهم. ومنها: أنَّ المشاهدة المنفية أن يشاهد الإمام ويعلم أنَّه الحجّة عليه السلام حال مشاهدته له، ولم يعلم من المبلّغ ادّعاؤه لذلك. ومنها: أنَّ المخفي والمستور عن الأنام إنَّما هو مكانه ومستقرّه عليه السلام، فلا طريق لأحد إليه ولا يصل إليه بشر، ولا يعرفه أحد حتَّي خواصّه، فلا ينافي لقائه ومشاهدته عليه السلام في أماكن ومقامات اُخر. (راجع: النجم الثاقب 2: 404 - 415).

ص: 184

أنت الله ربّ العالمين، وأسألك بالقدرة التي تبلي بها كلّ جديد، وتجدّد بها كلّ بال، وأسألك بحقّ كلّ حقّ هو لك، وبكلّ حقّ جعلته عليك، إن كان هذا الأمر خيراً لي في ديني ودنياي وآخرتي أن تُصلّي علي محمّد وآل محمّد، وتسلّم عليهم تسليماً، وتهيّئه لي وتسهّله عليَّ، وتلطف لي فيه برحمتك يا أرحم الراحمين، وإن كان شرّاً لي في ديني ودنياي وآخرتي، أن تُصلّي علي محمّد وآل محمّد، وتسلّم عليهم تسليماً، وأن تصرفه عنّي بما شئت، وكيف شئت، (وحيث شئت)، وترضيني بقضائك، وتبارك لي في قدرك، حتَّي لا اُحبّ تعجيل شيء أخَّرته، ولا تأخير شيء عجَّلته، فإنَّه لا حول ولا قوَّة إلاَّ بك، يا علي يا عظيم يا ذا الجلال والإكرام)(1).

11 شعبان المعظَّم

سنة (278ه-): تذاكر عظمة مقام الإمام الحسن العسكري والاعتراف بوجود ولد له عليه السلام في مجلس الناصبي أحمد بن عبيد الله بن يحيي بن خاقان عامل السلطان علي الخراج في قم:

روي الصدوق رحمه الله عن أبيه ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا من حضر موت الحسن بن علي بن محمّد العسكري عليهم السلام ودفنه ممَّن لا يوقف علي إحصاء عددهم ولا يجوز علي مثلهم التواطؤ بالكذب: وبعد فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان وسبعين ومائتين وذلك بعد مضي أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام بثمانية عشرة سنة أو

******

(1) فتح الأبواب: 205 و206.

ص: 185

أكثر مجلس أحمد بن عبيد الله بن يحيي بن خاقان وهو عامل السلطان يومئذٍ علي الخراج والضياع بكورة قم، وكان من أنصب خلق الله وأشدّهم عداوةً لهم، فجري ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسُرَّ من رأي ومذاهبهم وصلاحهم وأقدارهم عند السلطان، فقال أحمد بن عبيد الله: ما رأيت ولا عرفت بسُرَّ من رأي رجلاً من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرضا عليهم السلام، ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وجميع بني هاشم، وتقديمهم إيّاه علي ذوي السنّ منهم والخطر، وكذلك القوّاد والوزراء والكتّاب وعوام الناس، فإنّي كنت قائماً ذات يوم علي رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل عليه حجّابه فقالوا له: إنَّ ابن الرضا علي الباب، فقال بصوت عال: ائذنوا له، فدخل رجل أسمر أعين، حسن القامة، جميل الوجه، جيّد البدن، حدث السنّ، له جلالة وهيبة، فلمَّا نظر إليه أبي قام فمشي إليه خطي ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هشام ولا بالقوّاد ولا بأولياء العهد، فلمَّا دنا منه عانقه وقبَّل وجهه ومنكبيه وأخذ بيده فأجلسه علي مصلاَّه الذي كان عليه، وجلس إلي جنبه، مقبلاً عليه بوجهه، وجعل يكلّمه ويكنّيه، ويفديه بنفسه وبأبويه، وأنا متعجّب ممَّا أري منه إذ دخل عليه الحجّاب فقالوا: الموفَّق(1) قد جاء، وكان الموفَّق إذا جاء ودخل علي أبي تقدَّم حجّابه وخاصَّة قوّاده، فقاموا

******

(1) قال الزركلي في الأعلام (ج 3/ ص 229/ الرقم 652): طلحة (الموفَّق بالله) بن جعفر (المتوكّل علي الله) ابن المعتصم، العبّاسي، أبو أحمد، أمير، من رجال السياسة والإدارة والحزم، لم يل الخلافة اسماً، ولكنَّه تولاَّها فعلاً. ولد ومات في بغداد. ابتدأت حياته العملية بتولّي أخيه (المعتمد علي الله) الخلافة (سنة 256ه-) وآلت إليه ولاية العهد. وظهر ضعف المعتمد عن القيام بأعباء الدولة، فنهض بها الموفَّق، وصدَّ عنه غارات الطامعين بالملك، ثمّ حجر عليه، حتَّي كان المعتمد يتمنّي الشيء اليسير فلا يحصل عليه... توفّي في أيّام أخيه المعتمد.

ص: 186

بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلي أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلاً عليه يحدّثه حتَّي نظر إلي غلمان الخاصَّة فقال حينئذٍ: إذا شئت فقم جعلني الله فداك يا أبا محمّد، ثمّ قال لغلمانه: خذوا به خلف السماطين كيلا يراه الأمير _ يعني الموفَّق _، فقام وقام أبي فعانقه وقبَّل وجهه ومضي، فقلت لحجّاب أبي وغلمانه: ويلكم من هذا الذي فعل به أبي هذا الذي فعل؟ فقالوا: هذا رجل من العلوية يقال له: الحسن بن علي يعرف بابن الرضا، فازددت تعجّباً، فلم أزل يومي ذلك قلقاً متفكّراً في أمره وأمر أبي وما رأيت منه حتَّي كان الليل وكانت عادته أن يُصلّي العتمة، ثمّ يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه إلي السلطان، فلمَّا صلّي وجلس جئت فجلست بين يديه، فقال: يا أحمد، ألك حاجة؟ فقلت: نعم يا أبة، إن أذنت سألتك عنها؟ فقال: قد أذنت لك يا بني فقل ما أحببت، فقلت له: يا أبة، من كان الرجل الذي أتاك بالغداة وفعلت به ما فعلت من الإجلال والإكرام والتبجيل، وفديته بنفسك وبأبويك؟ فقال: يا بني ذاك إمام الرافضة، ذاك ابن الرضا، فسكت ساعة فقال: يا بني لو زالت الخلافة عن خلفاء بني العبّاس ما استحقّها أحد من بني هاشم غير هذا، فإنَّ هذا يستحقّها في فضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه، ولو رأيت أباه لرأيت رجلاً جليلاً نبيلاً خيّراً فاضلاً، فازددت قلقاً وتفكّراً وغيظاً علي أبي ممَّا سمعت منه فيه، ولم يكن لي همَّة بعد ذلك إلاَّ السؤال عن خبره، والبحث عن أمره، فما سألت عنه أحداً من بني هاشم ومن القوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلاَّ وجدته عندهم في غاية الإجلال والإعظام والمحلّ الرفيع والقول الجميل والتقديم له علي جميع أهل بيته ومشايخه وغيرهم وكلّ يقول: هو إمام الرافضة، فعظم قدره عندي إذ لم أرَ له وليّاً ولا عدوّاً إلاَّ وهو

ص: 187

يحسن القول فيه والثناء عليه. فقال له بعض أهل المجلس من الأشعريين: يا أبا بكر، فما خبر أخيه جعفر؟ فقال: ومن جعفر فيسأل عن خبره أو يقرن به، إنَّ جعفراً معلن بالفسق، ماجن، شرّيب للخمور، وأقلّ من رأيته من الرجال وأهتكهم لستره، فَدْم(1)، خمّار، قليل في نفسه، خفيف، والله لقد ورد علي السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي عليهما السلام ما تعجَّبت منه وما ظننت أنَّه يكون، وذلك أنَّه لمَّا اعتلَّ بعث إلي أبي أنَّ ابن الرضا قد اعتلّ، فركب من ساعته مبادراً إلي دار الخلافة، ثمّ رجع مستعجلاً ومعه خمسة نفر من خدّام أمير المؤمنين كلّهم من ثقاته وخاصَّته فمنهم نحرير(2)، وأمرهم بلزوم دار الحسن بن علي عليهما السلام وتعرّف خبره وحاله، وبعث إلي نفر من المتطبّبين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساءً، فلمَّا كان بعد ذلك بيومين جاءه من أخبره أنَّه قد ضعف، فركب حتَّي بكَّر إليه، ثمّ أمر المتطبّبين بلزومه وبعث إلي قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممَّن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فأحضرهم فبعث بهم إلي دار الحسن عليه السلام وأمرهم بلزوم داره ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هناك حتَّي توفّي عليه السلام لأيّام مضت من شهر ربيع الأوّل من سنة ستّين ومائتين، فصارت سُرَّ من رأي ضجَّة واحدة: مات ابن الرضا، وبعث السلطان إلي داره من يفتّشها ويفتّش حجرها، وختم علي جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده وجاؤوا بنساء يعرفن بالحبل، فدخلن علي جواريه فنظرن إليهنَّ فذكر بعضهنَّ أنَّ هناك جارية بها حمل فأمر بها فجعلت في حجرة ووكّل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ثمّ أخذوا بعد ذلك في تهيئته، وعُطّلت الأسواق

******

(1) الفَدْم: الأحمق الجافي، (راجع: لسان العرب 12: 450).

(2) من خواصّ خدم بني العبّاس، وحفظة أسرارهم، وكان شقياً من الأشقياء.

ص: 188

وركب أبي وبنو هاشم والقوّاد والكتّاب وسائر الناس إلي جنازته عليه السلام، فكانت سُرَّ من رأي يومئذٍ شبيهاً بالقيامة، فلمَّا فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلي أبي عيسي بن المتوكّل فأمره بالصلاة عليه، فلمَّا وضعت الجنازة للصلاة دنا أبو عيسي منها فكشف عن وجهه فعرضه علي بني هاشم من العلوية والعبّاسية والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء والمعدّلين، وقال: هذا الحسن بن علي بن محمّد، ابن الرضا مات حتف أنفه علي فراشه، حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان، ومن المتطبّبين فلان وفلان، ومن القضاة فلان وفلان، ثمّ غطّي وجهه وقام فصلّي عليه وكبَّر عليه خمساً وأمر بحمله فحمل من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه عليه السلام. فلمَّا دفن وتفرَّق الناس اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقَّفوا علي قسمة ميراثه، ولم يزل الذين وكّلوا بحفظ الجارية التي توهَّموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين وأكثر حتَّي تبيَّن لهم بطلان الحبل، فقسّم ميراثه بين اُمّه وأخيه جعفر وادَّعت اُمّه وصيَّته، وثبت ذلك عند القاضي. والسلطان علي ذلك يطلب أثر ولده، فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلي أبي، وقال له: اجعل لي مرتبة أبي وأخي وأوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار مسلّمة، فزبره أبي وأسمعه وقال له: يا أحمق، إنَّ السلطان أعزَّه الله جرَّد سيفه وسوطه في الذين زعموا أنَّ أباك وأخاك أئمّة ليردّهم عن ذلك فلم يقدر عليه ولم يتهيَّأ له صرفهم عن هذا القول فيهما، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيَّأ له ذلك، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلي السلطان يرتبك مراتبهم ولا غير السلطان، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا، واستقلَّه (أبي) عند ذلك واستضعفه وأمر أن يحجب عنه، فلم يأذن له بالدخول عليه حتَّي مات أبي

ص: 189

وخرجنا والأمر علي تلك الحال، والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي عليهما السلام حتَّي اليوم)(1).

قال الطوسي رحمه الله: أحمد بن عبيد الله بين يحيي بن خاقان، له مجلس يصف فيه أبا محمّد الحسن بن علي عليهما السلام، أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حضرت وحضر جماعة من آل سعد بن مالك وآل طلحة وجماعة من التجّار في شعبان لإحدي عشرة ليلة مضت منه سنة ثمان وسبعين ومائتين مجلس أحمد بن عبيد الله بكورة قم، فجري ذكر من كان بسُرَّ من رأي من العلوية وآل أبي طالب، فقال أحمد بن عبيد الله: ما كان بسُرَّ من رأي رجل من العلوية مثل رجل رأيته يوماً عند أبي عبيد الله بن يحيي، يقال له: الحسن بن علي عليهما السلام...، ثمّ وصفه وساق الحديث(2).

فجر 15 شعبان

1 _ سنة (255ه-): مولد الإمام المهدي عليه السلام في ليلة (15) شعبان علي رأي مشهور الطائفة:

قال المفيد رحمه الله في الإرشاد: (كان مولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين. واُمّه اُمّ ولد يقال لها: نرجس. وكان سنّه عند وفاة أبي محمّد خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب، وجعله آية للعالمين،

******

(1) كمال الدين: 40 - 44؛ الكافي 1: 503 - 506/ باب مولد أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام/ ح1؛ الإرشاد 2: 321 - 325.

(2) الفهرست للطوسي: 82/ الرقم 40.

ص: 190

وآتاه الحكمة كما آتاها يحيي صبياً، وجعله إماماً في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسي بن مريم عليه السلام في المهد نبيّاً. وقد سبق النصّ عليه في ملَّة الإسلام من نبيّ الهدي عليه السلام ثمّ من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام، ونصَّ عليه الأئمّة عليهم السلام واحداً بعد واحد إلي أبيه الحسن عليه السلام، ونصَّ أبوه عليه عند ثقاته وخاصَّة شيعته. وكان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده، وبدولته مستفيضاً قبل غيبته، وهو صاحب السيف من أئمّة الهدي عليهم السلام، والقائم بالحقّ، المنتظر لدولة الإيمان، وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الأخري، كما جاءت بذلك الأخبار، فأمَّا القصري منهما فمنذ وقت مولده إلي انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة. وأمَّا الطولي فهي بعد الأولي وفي آخرها يقوم بالسيف)(1).

وقال الشهيد رحمه الله في الدروس: (الإمام المهدي الحجَّة صاحب الزمان أبو القاسم محمّد بن الإمام أبي محمّد بن الحسن العسكري عجَّل الله فرجه، وُلد بسُرَّ من رأي يوم الجمعة ليلاً، وقيل: ضحي خامس عشر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، اُمّه صقيل، وقيل: نرجس، وقيل: مريم بنت زيد العلوية)(2).

وقال ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة: (ولد أبو القاسم محمّد الحجّة ابن الحسن الخالص بسُرَّ من رأي ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة)(3).

وقال الكليني رحمه الله في الكافي: (باب مولد الصاحب عليه السلام: وُلد عليه السلام للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين)(4).

******

(1) الإرشاد 2: 339 و340.

(2) الدروس الشرعية 2: 16.

(3) الفصول المهمّة 2: 1102.

(4) الكافي 1: 514/ باب مولد الصاحب عليه السلام.

ص: 191

* وروي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن الحسن بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، قال: حدَّثنا أبو عبد الله الحسين بن رزق الله، قال: حدَّثني موسي بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حدَّثتني حكيمة بنت محمّد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قالت: بعث إليَّ أبو محمّد الحسن بن علي عليهما السلام فقال: (يا عمّة، اجعلي إفطارك (هذه) الليلة عندنا فإنَّها ليلة النصف من شعبان، فإنَّ الله تبارك وتعالي سيظهر في هذه الليلة الحجة وهو حجَّته في أرضه)، قالت: فقلت له: ومن اُمّه؟ قال لي: (نرجس)، قلت له: جعلني الله فداك ما بها أثر، فقال: (هو ما أقول لك)، قالت: فجئت، فلمَّا سلَّمت وجلست جاءت تنزع خفّي وقالت لي: يا سيّدتي (وسيّدة أهلي)، كيف أمسيت؟ فقلت: (بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي)، قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمّة؟ قالت: فقلت لها: يا بنيّة، إنَّ الله تعالي سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة، قالت: فخجلت واستحيت. فلمَّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت، فلمَّا أن كان في جوف الليل قمت إلي الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث، ثمّ جلست معقّبة، ثمّ اضطجعت ثمّ انتبهت فزعة وهي راقدة، ثمّ قامت فصلَّت ونامت. قالت حكيمة: وخرجت أتفقَّد الفجر فإذا أنا بالفجر الأوّل كذنب السرحان وهي نائمة فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام من المجلس فقال: (لا تعجلي يا عمّة فهاك الأمر قد قرب)، قالت:

ص: 192

فجلست وقرأت ألم السجدة ويس، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبت إليها، فقلت: اسم الله عليك، ثمّ قلت لها: أتحسّين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمّة، فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك، قالت: فأخذتني فترة وأخذتها فترة، فانتبهت بحسّ سيّدي فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به عليه السلام ساجداً يتلقّي الأرض بمساجده فضممته إليَّ فإذا أنا به نظيف متنظّف، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام: (هلمّي إليَّ ابني يا عمّة)، فجئت به إليه فوضع يديه تحت أليتيه وظهره ووضع قدميه علي صدره ثمّ أدلي لسانه في فيه وأمرَّ يده علي عينيه وسمعه ومفاصله، ثمّ قال: (تكلّم يا بني)، فقال: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم)، ثمّ صلّي علي أمير المؤمنين وعلي الأئمّة عليهم السلام إلي أن وقف علي أبيه، ثمّ أحجم. ثمّ قال أبو محمّد عليه السلام: (يا عمّة، اذهبي به إلي اُمّه ليسلّم عليها وائتني به)، فذهبت به فسلَّم عليها ورددته فوضعته في المجلس، ثمّ قال: (يا عمّة، إذا كان يوم السابع فأتينا)، قالت حكيمة: فلمَّا أصبحت جئت لاُسلّم علي أبي محمّد عليه السلام وكشفت الستر لأتفقَّد سيّدي عليه السلام فلم أرَه، فقلت: جُعلت فداك، ما فعل سيّدي؟ فقال: (يا عمّة، استودعناه الذي استودعته اُم موسي موسي عليه السلام). قالت حكيمة: فلمَّا كان في اليوم السابع جئت فسلَّمت وجلست فقال: هلمّي إلي ابني، فجئت بسيّدي عليه السلام وهو في الخرقة ففعل به كفعلته الأولي، ثمّ أدلي لسانه في فيه كأنَّه يغذّيه لبناً أو عسلاً، ثمّ قال: (تكلَّم يا بني، فقال: (أشهد أن لا إلاَّ إله الله)، وثني بالصلاة علي محمّد وعلي أمير المؤمنين وعلي الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين حتَّي وقف

ص: 193

علي أبيه عليه السلام، ثمّ تلا هذه الآية: بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ 5 وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص: 5 و6)، قال موسي: فسألت عقبة الخادم عن هذه، فقال: صدقت حكيمة(1).

* وروي الصدوق رحمه الله أيضاً عن الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا محمّد بن إسماعيل، قال: حدَّثني محمّد بن إبراهيم الكوفي، قال: حدَّثنا محمّد بن عبد الله الطهوي، قال: قصدت حكيمة بنت محمّد عليه السلام بعد مضي أبو محمّد عليه السلام أسألها عن الحجَّة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها، فقالت لي: اجلس، فجلست، ثمّ قالت: يا محمّد، إنَّ الله تبارك وتعالي لا يخلي الأرض من حجَّة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام تفضيلاً للحسن والحسين وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلهما، إلاَّ أنَّ الله تبارك وتعالي خصَّ ولد الحسين بالفضل علي ولد الحسن عليهما السلام كما خصَّ ولد هارون علي ولد موسي عليه السلام وإن كان موسي حجَّة علي هارون، والفضل لولده إلي يوم القيامة، ولا بدَّ للأمَّة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقّون، كيلا يكون للخلق علي الله حجَّة، وإنَّ الحيرة لا بدَّ واقعة بعد مضي أبي محمّد الحسن عليه السلام.

فقلت: يا مولاتي، هل كان للحسن عليه السلام ولد؟ فتبسَّمت ثمّ قالت: إذا لم يكن للحسن عليه السلام عقب فمن الحجَّة من بعده وقد أخبرتك أنَّه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام.

******

(1) كمال الدين: 424 - 426/ باب 42/ ح 1.

ص: 194

فقلت: يا سيّدتي، حدّثيني بولادة مولاي وغيبته عليه السلام، قالت: نعم، كانت لي جارية يقال لها: نرجس، فزارني ابن أخي فأقبل يحدق النظر إليها، فقلت له: يا سيّدي، لعلَّك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال لها: (لا يا عمّة، ولكنّي أتعجَّب منها)، فقلت: وما أعجبك (منها)؟ فقال عليه السلام: (سيخرج منها ولد كريم علي اللهعز وجل الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً)، فقلت: فأرسلها إليك يا سيّدي؟ فقال: (استأذني في ذلك أبي عليه السلام)، قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن عليه السلام فسلَّمت وجلست فبدأني عليه السلام وقال: (يا حكيمة ابعثي نرجس إلي ابني أبي محمّد)، قالت: فقلت: يا سيّدي، علي هذا قصدتك علي أن أستأذنك في ذلك، فقال لي: (يا مباركة، إنَّ الله تبارك وتعالي أحبَّ أن يشركك الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً)، قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلي منزلي وزيَّنتها ووهبتها لأبي محمّد عليه السلام وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أيّاماً، ثمّ مضي إلي والده عليهما السلام ووجَّهت بها معه. قالت حكيمة: فمضي أبو الحسن عليه السلام وجلس أبو محمّد عليه السلام مكان والده، وكنت أزوره كما كنت أزور والده، فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفّي، فقالت: يا مولاتي ناوليني خفّك، فقلت: بل أنت سيّدتي ومولاتي، والله لا أدفع إليك خفّي لتخلعيه ولا لتخدميني، بل أنا أخدمك علي بصري، فسمع أبو محمّد عليه السلام ذلك فقال: (جزاك الله يا عمّة خيراً)، فجلست عنده إلي وقت غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لأنصرف فقال عليه السلام: (لا يا عمّتا بيتي الليلة عندنا فإنَّه سيولد الليلة المولود الكريم علي الله عز وجل الذي يحيي الله عز وجل به الأرض بعد موتها)، فقلت: ممَّن يا سيّدي؟ ولست أري بنرجس شيئاً من أثر الحبل، فقال: (من نرجس لا من غيرها)، قالت: فوثبت إليها فقلَّبتها ظهراً لبطن فلم أرَ بها أثر حبل، فعدّت

ص: 195

إليه عليه السلام فأخبرته بما فعلت فتبسَّم ثمّ قال لي: (إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل، لأنَّ مثلها مثل اُمّ موسي عليه السلام لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلي وقت ولادتها، لأنَّ فرعون كان يشقّ بطون الحبالي في طلب موسي عليه السلام، وهذا نظير موسي عليه السلام). قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها فقالت: يا مولاتي ما أري بي شيئاً من هذا، قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلي وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلّب جنباً إلي جنب حتَّي إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة فضممتها إلي صدري وسمَّيت عليها فصاح (إليَّ) أبو محمّد عليه السلام وقال: (اقرئي عليها: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر: 1))، فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر (بي) الأمر الذي أخبرك به مولاي، فأقبلت أقرأ كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ وسلَّم عليَّ. قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام: (لا تعجبي من أمر الله عز وجل، إنَّ الله تبارك وتعالي ينطقنا بالحكمة صغاراً ويجعلنا حجَّة في أرضه كباراً)، فلم يستتمّ الكلام حتَّي غُيّبت عنّي نرجس فلم أرَها كأنَّه ضُرب بيني وبينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمّد عليه السلام وأنا صارخة، فقال لي: (ارجعي يا عمّة فإنَّك ستجديها في مكانها). قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشي بصري وإذا أنا بالصبي عليه السلام ساجداً لوجهه، جاثياً علي ركبتيه، رافعاً سبّابتيه، وهو يقول: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله، (وحده لا شريك له)، وأنَّ جدّي محمّداً رسول الله، وأنَّ أبي أمير المؤمنين)، ثمّ عدَّ إماماً إماماً إلي أن بلغ إلي نفسه. ثمّ قال: (اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني، وأتمم لي أمري، وثبّت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً...).

ص: 196

* وروي الطوسي رحمه الله عن ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن الصفّار محمّد بن الحسن القمّي، عن أبي عبد الله المطهّري، عن حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا، قالت: بعث إليَّ أبو محمّد عليه السلام سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان وقال: (يا عمّة، اجعلي الليلة إفطارك عندي فإنَّ الله عز وجل سيسرّك بوليّه وحجَّته علي خلقه، خليفتي من بعدي). قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد، وأخذت ثيابي عليَّ وخرجت من ساعتي حتَّي انتهيت إلي أبي محمّد عليه السلام، وهو جالس في صحن داره، وجواريه حوله، فقلت: جُعلت فداك يا سيّدي، الخلف ممَّن هو؟ قال: (من سوسن)، فأدرت طرفي فيهنَّ فلم أرَ جارية عليها أثر غير سوسن. قالت حكيمة: فلمَّا أن صلَّيت المغرب والعشاء الآخرة أتيت بالمائدة، فأفطرت أنا وسوسن وبايتها في بيت واحد، فغفوت غفوة ثمّ استيقظت، فلم أزل مفكّرة فيما وعدني أبو محمّد عليه السلام من أمر وليّ الله عليه السلام، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كلّ ليلة للصلاة، فصلَّيت صلاة الليل حتَّي بلغت إلي الوتر، فوثبت سوسن فزعة وخرجت (فزعة) (وخرجت)، وأسبغت الوضوء ثمّ عادت فصلَّت صلاة الليل وبلغت إلي الوتر، فوقع في قلبي أنَّ الفجر (قد) قرب، فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأوّل قد طلع، فتداخل قلبي الشكّ من وعد أبي محمّد عليه السلام، فناداني من حجرته: (لا تشكّي وكأنَّك بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء الله تعالي). قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمّد عليه السلام وممَّا وقع في قلبي، ورجعت إلي البيت وأنا خجلة فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة فلقيتها علي باب البيت فقلت: بأبي أنت (واُمّي)،

ص: 197

هل تحسّين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمّة، إنّي لأجد أمراً شديداً، قلت: لا خوف عليك إن شاء الله تعالي، وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت، وأجلستها عليها وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة، فقبضت علي كفّي وغمزت غمزة شديدة ثمّ أنَّت أنَّة وتشهَّدت ونظرت تحتها، فإذا أنا بوليّ الله صلوات الله عليه متلقّياً الأرض بمساجده. فأخذت بكتفيه فأجلسته في حجري، فإذا هو نظيف مفروغ منه، فناداني أبو محمّد عليه السلام: (يا عمّة، هلمّي فأتيني بابني)، فأتيته به، فتناوله وأخرج لسانه فمسحه علي عينيه ففتحها، ثمّ أدخله في فيه فحنَّكه ثمّ (أدخله) في اُذنيه وأجلسه في راحته اليسري، فاستوي وليّ الله جالساً، فمسح يده علي رأسه وقال له: (يا بني اُنطق بقدرة الله)، فاستعاذ وليّ الله عليه السلام من الشيطان الرجيم واستفتح: (بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ 5 وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص: 5 و6))، وصلّي علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعلي أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام واحداً واحداً حتَّي انتهي إلي أبيه، فناولنيه أبو محمّد عليه السلام وقال: (يا عمّة ردّيه إلي اُمّه حتَّي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أنَّ وعد الله حقّ ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، فرددته إلي اُمّه وقد انفجر الفجر الثاني، فصلَّيت الفريضة وعقَّبت إلي أن طلعت الشمس، ثمّ ودعت أبا محمّد عليه السلام وانصرفت إلي منزلي. فلمَّا كان بعد ثلاث اشتقت إلي وليّ الله، فصرت إليهم فبدأت بالحجرة التي كانت سوسن فيها، فلم أرَ أثراً ولا سمعت ذكراً فكرهت أن أسأل، فدخلت علي أبي

ص: 198

محمّد عليه السلام فاستحييت أن أبدأه بالسؤال، فبدأني فقال: ((هو) يا عمّة في كنف الله وحرزه وستره وغيبه حتَّي يأذن الله له، فإذا غيَّب الله شخصي وتوفّاني ورأيت شيعتي قد اختلفوا فأخبري الثقات منهم، وليكن عندك وعندهم مكتوماً، فإنَّ وليّ الله يغيّبه الله عن خلقه ويحجبه عن عباده فلا يراه أحد حتَّي يقدّم له جبرئيل عليه السلام فرسه (لِيَقْضِ-يَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) (الأنفال: 42))(1).

2 _ سنة (255ه-): حكاية القابلة التي تولَّت ولادة الإمام المهدي عليه السلام:

روي الطوسي رحمه الله عن أحمد بن علي الرازي، عن محمّد بن علي، عن حنظلة بن زكريا، قال: حدَّثني أحمد بن بلال بن داود الكاتب، وكان عامّياً بمحلّ من النصب لأهل البيت عليهم السلام يظهر ذلك ولا يكتمه، وكان صديقاً لي يظهر مودَّة بما فيه من طبع أهل العراق، فيقول _ كلَّما لقيني _: لك عندي خبر تفرح به ولا اُخبرك به، فأتغافل عنه إلي أن جمعني وإيّاه موضع خلوة، فاستقصيت عنه وسألته أن يخبرني به، فقال: كانت دورنا بسُرَّ من رأي مقابل دار ابن الرضا _ يعني أبا محمّد الحسن بن علي عليهما السلام _، فغبت عنها دهراً طويلاً إلي قزوين وغيرها، ثمّ قضي لي الرجوع إليها، فلمَّا وافيتها وقد كنت فقدت جميع من خلفته من أهلي وقراباتي إلاَّ عجوزاً كانت ربَّتني ولها بنت معها وكانت من طبع الأوّل مستورة صائنة لا تحسن الكذب وكذلك مواليات لنا بقين في الدار، فأقمت عندهنَّ أيّاماً ثمّ عزمت الخروج، فقالت العجوزة: كيف تستعجل الانصراف وقد غبت زماناً؟ فأقم عندنا لنفرح بمكانك، فقلت لها علي جهة الهزء:

******

(1) الغيبة للطوسي: 234/ رقم 204.

ص: 199

اُريد أن أصير إلي كربلاء، وكان الناس للخروج في النصف من شعبان أو ليوم عرفة، فقالت: يا بني اُعيذك بالله أن تستهين ما ذكرت أو تقوله علي وجه الهزء فإنّي اُحدّثك بما رأيته يعني بعد خروجك من عندنا بسنتين. كنت في هذا البيت نائمة بالقرب من الدهليز ومعي ابنتي وأنا بين النائمة واليقظانة، إذ دخل رجل حسن الوجه نظيف الثياب طيّب الرائحة، فقال: يا فلانة، يجيئك الساعة من يدعوك في الجيران، فلا تمتنعي من الذهاب معه ولا تخافي، ففزعت فناديت ابنتي، وقلت لها: هل شعرت بأحد دخل البيت؟ فقالت: لا، فذكرت الله وقرأت ونمت، فجاء الرجل بعينه وقال لي مثل قوله، ففزعت وصحت بابنتي، فقالت: لم يدخل البيت (أحد)، فاذكري الله ولا تفزعي فقرأت ونمت. فلمَّا كان في الثالثة جاء الرجل وقال: يا فلانة، قد جاءك من يدعوك ويقرع الباب فاذهبي معه، وسمعت دقّ الباب فقمت وراء الباب وقلت: من هذا؟ فقال: افتحي ولا تخافي، فعرفت كلامه وفتحت الباب فإذا خادم معه إزار، فقال: يحتاج إليك بعض الجيران لحاجة مهمّة، فادخلي ولفَّ رأسي بالملاءة وأدخلني الدار وأنا أعرفها، فإذا بشقاق مشدودة وسط الدار ورجل قاعد بجنب الشقاق، فرفع الخادم طرفه فدخلت وإذا امرأة قد أخذها الطلق وامرأة قاعدة خلفها كأنَّها تقبّلها. فقالت المرأة: تعيننا فيما نحن فيه، فعالجتها بما يعالج به مثلها فما كان إلاَّ قليلاً حتَّي سقط غلام فأخذته علي كفّي وصحت غلام غلام، وأخرجت رأسي من طرف الشقاق أبشر الرجل القاعد، فقيل لي: لا تصيحي، فلمَّا رددت وجهي إلي الغلام قد كنت فقدته من كفّي، فقالت لي المرأة القاعدة: لا تصيحي، وأخذ الخادم بيدي ولفَّ رأسي بالملاءة وأخرجني من الدار وردَّني إلي داري وناولني صُرَّة، وقال (لي): لا تخبري بما رأيت أحداً. فدخلت الدار ورجعت إلي فراشي في هذا

ص: 200

البيت وابنتي نائمة (بعد)، فأنبهتها وسألتها: هل علمت بخروجي ورجوعي؟ فقالت: لا، وفتحت الصُرَّة في ذلك الوقت وإذا فيها عشرة دنانير عدداً، وما أخبرت بهذا أحداً إلاَّ في هذا الوقت لمَّا تكلَّمت بهذا الكلام علي حدّ الهزء، فحدَّثتك إشفاقاً عليك، فإنَّ لهؤلاء القوم عند الله عز وجل شأناً ومنزلةً، وكلّ ما يدعونه حقّ، قال: فعجبت من قولها وصرفته إلي السخرية والهزء ولم أسألها عن الوقت غير أنّي أعلم يقيناً أنّي غبت عنهم في سنة نيف وخمسين ومائتين ورجعت إلي سُرَّ من رأي في وقت أخبرتني العجوزة بهذا الخبر في سنة إحدي وثمانين ومائتين في وزارة عبيد الله بن سليمان لمَّا قصدته. قال حنظلة: فدعوت بأبي الفرج المظفَّر بن أحمد حتَّي سمع معي (منه) هذا الخبر(1).

وراجع كلام المجلسي رحمه الله المذكور في (8/ ربيع الأوّل/ 260ه-)، تحت عنوان: (في الثامن من ربيع الأوّل ابتداء الغيبة الصغري وانتهاؤها بوفاة النائب الرابع السمري...).

3 _ سنة (255ه-): حمل الملائكة للإمام المهدي عليه السلام حين ولادته إلي سرادق العرش:

روي الخصيبي رحمه الله في الهداية الكبري: عن موسي بن أحمد، عن أبي محمّد جعفر بن محمّد بن إسماعيل الحسني، عن أبي محمّد عليه السلام، قال: (لمَّا وهب لي ربّي مهدي هذه الأمّة أرسل ملكين فحملاه إلي سرادق العرش حتَّي وقف بين يدي الله فقال له: مرحباً بعبدي المختار لنصرة ديني وإظهار أمري ومهدي خلقي، آليت أنّي بك آخذ وبك اُعطي وبك أغفر وبك اُعذّب، أردداه أيّها الملكان علي أبيه ردّاً رفيقاً،

******

(1) الغيبة للطوسي: 240 - 242/ ح 208.

ص: 201

وبلّغاه أنَّه في ضماني وكنفي وبعيني إلي أن أحقَّ به الحقّ وأزهق الباطل ويكون الدين لي واصباً)(1).

4 _ سنة (255ه-): تسمية الإمام الحسن عليه السلام للمهدي ب- (المؤمَّل):

روي الطوسي رحمه الله عن محمّد بن يعقوب الكليني رفعه، قال: قال أبو محمّد عليه السلام حين وُلد الحجّة عليه السلام: (زعم الظلمة أنَّهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل، فكيف رأوا قدرة الله؟)، وسمّاه المؤمَّل(2).

5 _ سنة (255ه-): تكلّم الإمام المهدي عليه السلام بعد عطاسه:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن علي ماجيلويه وأحمد بن محمّد بن يحيي العطّار رضي الله عنهما، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، قال: حدَّثنا الحسين بن علي النيسابوري، عن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسي بن جعفر عليهما السلام، عن السياري، قال: حدثتني نسيم ومارية قالتا: إنَّه لمَّا سقط صاحب الزمان عليه السلام من بطن اُمّه جاثياً علي ركبتيه، رافعاً سبّابتيه إلي السماء، ثمّ عطس فقال: (الحمد لله ربّ العالمين، وصلّي الله علي محمّد و آله، زعمت الظلمة أنَّ حجَّة الله داحضة، لو اُذن لنا في الكلام لزال الشكّ)(3).

ورواه الخصيبي رحمه الله عن موسي بن أحمد، عن غيلان الكلابي، عن محمّد بن يحيي، عن الحسين بن علي النيسابوري الدقّاق، عن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسي بن جعفر عليه السلام(4).

******

(1) الهداية الكبري: 357.

(2) الغيبة للطوسي: 223/ ح 186.

(3) كمال الدين: 430/ باب 42/ ح 5

(4) الهداية الكبري: 357 و358 بتفاوت.

ص: 202

ورواه الطوسي رحمه الله عن علاَّن الكليني، عن محمّد بن يحيي، عن الحسين بن علي النيسابوري الدقّاق، عن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسي بن جعفر عليهما السلام، عن السياري(1).

6 _ سنة (255ه-): تغسيل الملك رضوان خازن الجنان للإمام المهدي عليه السلام حين ولادته بماء الكوثر والسلسبيل:

روي النوري رحمه الله عن كتاب الغيبة لأبي محمّد بن شاذان رحمه الله، قال حدَّثنا محمّد بن حمزة بن الحسن بن عبد الله بن العبّاس بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، قال: سمعت أبا محمّد عليه السلام يقول: (قد ولد وليّ الله وحجَّته علي عباده وخليفتي من بعدي، مختوناً ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر، وكان أوّل من غسَّله رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائكة المقرَّبين بماء الكوثر والسلسبيل، ثمّ غسَّلته عمّتي حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا عليهما السلام)، ثمّ سأله الراوي عن اُمّ صاحب الأمر عليه السلام، قال: (اُمّه مليكة التي يقال لها بعض الأيّام: سوسن، وفي بعضها: ريحانة، وكان صقيل ونرجس أيضاً من أسمائها)(2).

7 _ سنة (255ه-): سطوع النور من فوق رأس الإمام المهدي عليه السلام إلي عنان السماء حين ولادته:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدَّثنا الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن خليلان، قال: حدَّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن غياث بن أسيد، قال: شهدت

******

(1) الغيبة للطوسي: 244 و245/ ح 211 بتفاوت.

(2) النجم الثاقب 1: 135.

ص: 203

محمّد بن عثمان العمري قدَّس الله روحه يقول: لمَّا ولد الخلف المهدي عليه السلام سطع نور من فوق رأسه إلي أعنان السماء، ثمّ سقط لوجهه ساجداً لربّه تعالي ذكره ثمّ رفع رأسه وهو يقول: ((شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 18 إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْأَسْلامُ) (آل عمران: 18 و19))، قال: وكان مولده يوم الجمعة(1).

8 _ دعاء ليلة النصف من شعبان والتوسّل إلي الله بحقّ الإمام المهدي عليه السلام:

روي الطوسي رحمه الله أنَّه يستحبّ أن يُدعي في ليلة النصف من شعبان بهذا الدعاء: (اللّهُمَّ ب-ِحَقَّ لَيْلَتِنا وَمَوْلُودِها وَحُجَّتِكَ وَمَوْعُودِها الَّتِي قَرَنْتَ إِلي فَضْلِها فَضْلاً فَتَمَّتْ كَلِمَتُكَ صِدْقاً وَعَدْلاً، لا مُبَدَّلَ لِكَلِماتِكَ وَلا مُعَقّبَ لآياتِكَ، نُورُكَ المُتَألّقُ، وَضِياؤُكَ المُشْرقُ، وَالعَلَمُ النُّورُ فِي طَخْياء الدَيْجُورِ، الغائِبُ المَسْتُورُ جَلَّ مَوْلِدُهُ وَكَرُمَ مَحْتِدُهُ وَالمَلائِكَةُ شُهَّدُهُ وَالله ناصِرُهُ وَمُؤَيَّدُهُ إذا آنَ مِيعادُهُ وَالمَلائِكَةُ أمْدادُهُ، سَيْفُ الله الَّذِي لا يَنْبُو، وَنُورُهُ الَّذِي لا يَخْبُو، وَذُو الحِلْم الَّذِي لا يَصْبُو، مَدارُ الدَّهْر وَنَوامِيسُ العَصْر، وَوُلاةُ الأمْر، وَالمُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ ما يَتَنَزَّلُ فِي لَيْلَةَ القَدْرِ وَأصْحابُ الحَشْر وَالنَشْر، تَراجِمَةُ وَحْيِهِ وَوُلاةُ أمْرهِ وَنَهْي-ِهِ. اللّهُمَّ فَصَلّ عَلي خاتِمِهِمْ وَقائِمِهِمْ المَسْتُورِ عَنْ عَوالِمِهِمْ، وَادْرِكْ ب-ِنا أيَّامَهُ وَظُهُورَهُ وَقِيامَهُ وَاجْعَلْنا مِنْ انْصارِهِ وَاقْرنْ ثَأرَنا ب-ِثَأرِهِ وَاكْتُبْنا فِي أعْوان-ِهِ وَخُلَصائِهِ وَأحْي-ِنا فِي دَوْلَتِهِ ناعِمِينَ وَب-ِصُحْبَتِهِ غان-ِمِينَ وَب-ِحَقّهِ قائِمِينَ وَمِنَ السُّوءِ سالِمِينَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبَّ العالَمِينَ، وَصَلّي اللهُ عَلَي

******

(1) كمال الدين: 433/ باب 42/ ح 13.

ص: 204

خاتَم النَّب-ِيَّنَ وَالمُرْسَلِينَ، وَعَلي أهْل بَيْتِهِ الصَّادِقِينَ وَعِتْرَتِهِ النَّاطِقِينَ، وَالعَنْ جَمِيعَ الظَّالِمِينَ، وَاحْكُمْ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ يا أحْكَمَ الحاكِمِينَ)(1).

9 _ دفاع الإمام المهدي عليه السلام عن زوّار جدّه الحسين عليه السلام:

روي النوري رحمه الله في جنَّة المأوي، قال: قال صالح بن (محمّد) مهدي القزويني(2) أيَّده الله: وحدَّثني الوالد أعلي الله مقامه، قال: خرجت يوم الرابع عشر من شهر شعبان من الحلَّة اُريد زيارة الحسين عليه السلام ليلة النصف منه، فلمَّا وصلت إلي شطّ الهندية، وعبرت إلي الجانب الغربي منه، وجدت الزوّار الذاهبين من الحلَّة وأطرافها، والواردين من النجف

******

(1) مصباح المتهجّد: 842 و843/ ح (908/23)؛ المزار لابن المشهدي: 410 و411؛ إقبال الأعمال 3: 330 و331؛ المصباح للكفعمي: 545 و546.

(2) هو صالح بن محمّد مهدي بن حسن بن أحمد الحسيني، القزويني الأصل، الحلّي، النجفي. كان فقيهاً إمامياً، شاعراً، ناثراً، من الشخصيات البارزة في عصره. ولد في الحلَّة سنة سبع وخمسين ومائتين وألف. ودرس المبادئ من العربية وغيرها علي حسن الفلوجي الحلّي وغيره. وقصد النجف الأشرف، فحضر علي الفقيهين الكبيرين: مرتضي بن محمّد أمين الأنصاري، وخاله مهدي بن علي بن جعفر كاشف الغطاء. وبعد أن استقرَّ والده الفقيه السيّد محمّد مهدي (المتوفّي 1300ه-) بالنجف، تلقّي أكثر الدروس عليه، واُجيز منه ومن الميرزا علي الخليلي بالاجتهاد. وتصدّي للبحث والتدريس بعد والده، فحضر عليه جمع من الطلاَّب. وقرَّض الشعر، وطارح به شعراء عصره، وساهم في بعث الحركة الأدبية ودعمها، حتَّي عُدَّ أحد أركان النهضة الأدبية في العراق في الشطر الأخير من القرن الثالث عشر. وللمترجم تآليف، منها: مقتل أمير المؤمنين عليه السلام، ورسالة فتوائية في العبادات ألَّفها نزولا عند رغبة جماعة رجعوا إليه في التقليد بعد وفاة والده. وعني بإتمام ما كان ناقصاً من مؤلَّفات والده، ولكن الأجل لم يمهله، حيث أدركه وهو في النجف سنة أربع وثلاثمائة وألف. (أنظر: موسوعة طبقات الفقهاء 14: 280 و281/ الرقم 4583).

ص: 205

ونواحيه، جميعاً محاصرين في بيوت عشيرة بني طرف من عشائر الهندية، ولا طريق لهم إلي كربلاء لأنَّ عشيرة عنزة قد نزلوا علي الطريق، وقطعوه عن المارّة، ولا يدعون أحداً يخرج من كربلاء ولا أحداً يلج إلاَّ انتهبوه.

قال: فنزلت علي رجل من العرب وصلَّيت صلاة الظهر والعصر، وجلست أنتظر ما يكون من أمر الزوّار، وقد تغيَّمت السماء ومطرت مطراً يسيراً. فبينما نحن جلوس إذ خرجت الزوّار بأسرها من البيوت متوجّهين نحو طريق كربلاء، فقلت لبعض من معي: اخرج واسأل ما الخبر؟ فخرج ورجع إليَّ وقال لي: إنَّ عشيرة بني طرف قد خرجوا بالأسلحة النارية، وتجمَّعوا لإيصال الزوّار إلي كربلاء، ولو آل الأمر إلي المحاربة مع عنزة. فلمَّا سمعت قلت لمن معي: هذا الكلام لا أصل له، لأنَّ بني طرف لا قابلية لهم علي مقابلة عنزة في البرّ، وأظنّ هذه مكيدة منهم لإخراج الزوّار عن بيوتهم لأنَّهم استثقلوا بقاءهم عندهم، وفي ضيافتهم. فبينما نحن كذلك إذ رجعت الزوّار إلي البيوت، فتبيَّن الحال كما قلت، فلم تدخل الزوّار إلي البيوت وجلسوا في ظلالها والسماء متغيّمة، فأخذتني لهم رقَّة شديدة، وأصابني انكسار عظيم، وتوجَّهت إلي الله بالدعاء والتوسّل بالنبيّ وآله، وطلبت إغاثة الزوّار ممَّا هم فيه. فبينما أنا علي هذا الحال إذ أقبل فارس علي فرس رابع كريم لم أرَ مثله وبيده رمح طويل وهو مشمر عن ذراعيه، فأقبل يخب به جواده حتَّي وقف علي البيت الذي أنا فيه، وكان بيتاً من شعر مرفوع الجوانب، فسلَّم فرددنا عليه السلام، ثمّ قال: (يا مولانا _ يسمّيني باسمي _ بعثني من يسلّم عليك، وهم كنج محمّد آغا وصفر آغا _ وكانا من قوّاد العساكر العثمانية _، يقولان: فليأتِ بالزوّار، فإنّا قد طردنا عنزة عن الطريق، ونحن ننتظره

ص: 206

مع عسكرنا في عرقوب السليمانية علي الجادّة). فقلت له: وأنت معنا إلي عرقوب السليمانية؟ قال: (نعم).

فأخرجت الساعة وإذا قد بقي من النهار ساعتان ونصف تقريباً فأمرت بخيلنا، فقدمت إلينا. فتعلَّق بي ذلك البدوي الذي نحن عنده وقال: يا مولاي لا تخاطر بنفسك وبالزوّار وأقم الليلة حتَّي يتَّضح الأمر. فقلت له: لا بدَّ من الركوب لإدراك الزيارة المخصوصة. فلمَّا رأتنا الزوّار قد ركبنا، تبعوا أثرنا بين ماش وراكب فسرنا والفارس المذكور بين أيدينا كأنَّه الأسد الخادر، ونحن خلفه، حتَّي وصلنا إلي عرقوب السليمانية فصعد عليه وتبعناه في الصعود، ثمّ نزل وارتقينا علي أعلي العرقوب فنظرنا ولم نرَ له عيناً ولا أثراً، فكأنَّما صعد في السماء أو نزل في الأرض ولم نرَ قائداً ولا عسكراً. فقلت لمن معي: أبقي شكّ في أنَّه صاحب الأمر؟ فقالوا: لا والله. وكنت وهو بين أيدينا أطيل النظر إليه كأنّي رأيته قبل ذلك، لكنَّني لا أذكر أين رأيته، فلمَّا فارقنا تذكرت أنَّه هو الشخص الذي زارني بالحلَّة، وأخبرني بواقعة السليمانية.

وأمَّا عشيرة عنزة، فلم نرَ لهم أثراً في منازلهم، ولم نرَ أحداً نسأله عنهم سوي أنّا رأينا غبرة شديدة مرتفعة في كبد البرّ، فوردنا كربلاء تخب بنا خيولنا فوصلنا إلي باب البلاد، وإذا بعسكر علي سور البلد فنادوا: من أين جئتم؟ وكيف وصلتم؟ ثمّ نظروا إلي سواد الزوّار ثمّ قالوا: سبحان الله هذه البرية قد امتلأت من الزوّار أجل أين صارت عنزة؟ فقلت لهم: اجلسوا في البلد وخذوا أرزاقكم ولمكّة ربٌّ يرعاها.

ثمّ دخلنا البلد فإذا أنا بكنج محمّد آغا جالساً علي تخت قريب من الباب فسلَّمت عليه فقام في وجهي فقلت له: يكفيك فخراً أنَّك ذكرت باللسان، فقال:

ص: 207

ما الخبر؟ فأخبرته بالقصَّة، فقال لي: يا مولاي، من أين لي علم بأنَّك زائر حتَّي أرسل لك رسولاً وأنا وعسكري منذ خمسة عشر يوماً محاصرين في البلد لا نستطيع أن نخرج خوفاً من عنزة. ثمّ قال: فأين صارت عنزة؟ قلت: لا علم لي سوي أنّي رأيت غبرة شديدة في كبد البرّ كأنَّها غبرة الظعائن، ثمّ أخرجت الساعة وإذا قد بقي من النهار ساعة ونصف، فكان مسيرنا كلّه في ساعة وبين منازل بني طرف وكربلاء ثلاث ساعات ثمّ بتنا تلك الليلة في كربلاء. فلمَّا أصبحنا سألنا عن خبر عنزة فأخبر بعض الفلاَّحين الذين في بساتين كربلاء قال: بينما عنزة جلوس في أنديتهم وبيوتهم إذا بفارس قد طلع عليهم علي فرس مطهم، وبيده رمح طويل، فصرخ فيهم بأعلي صوته: (يا معاشر عنزة، قد جاء الموت الزؤام، عساكر الدولة العثمانية تجبَّهت عليكم بخيلها ورجلها، وها هم علي أثري مقبلون فارحلوا وما أظنّكم تنجون منهم).

فألقي الله عليهم الخوف والذلّ حتَّي أنَّ الرجل يترك بعض متاع بيته استعجالاً بالرحيل، فلم تمض ساعة حتَّي ارتحلوا بأجمعهم وتوجَّهوا نحو البرّ، فقلت له: صف لي الفارس، فوصف لي وإذا هو صاحبنا بعينه، وهو الفارس الذي جاءنا، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة علي محمّد وآله الطاهرين(1).

15 شعبان المعظَّم

1 _ سنة (255ه-): كتابة التوقيع من قبل الإمام الحسن العسكري عليه السلام إلي أحمد بن إسحاق بولادة الإمام المهدي عليه السلام:

روي الصدوق رحمه الله عن أبي العبّاس أحمد بن الحسين بن عبد الله

******

(1) جنَّة المأوي: 122 - 125/ الحكاية السادسة والأربعون.

ص: 208

بن مهران الآبي الأزدي العروضي بمرو، قال: حدَّثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق القمّي، قال: لمَّا ولد الخلف الصالح عليه السلام ورد عن مولانا أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام إلي جدّي أحمد بن إسحاق كتاب فإذا فيه مكتوب بخطّ يده عليه السلام الذي كان ترد به التوقيعات عليه، وفيه: (ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً، فإنّا لم نظهر عليه إلاَّ الأقرب لقرابته والوليّ لولايته، أحببنا إعلامك ليسرّك الله به مثل ما سرَّنا به، والسلام)(1).

2 _ سنة (255ه-): مشاهدة جارية الإمام الحسن العسكري عليه السلام لسطوع النور من الإمام المهدي عليه السلام عند ولادته وبلوغه أفق السماء:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، قال: حدَّثني أبو علي الخيزراني، عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد عليه السلام فلمَّا أغار جعفر الكذّاب(2) علي الدار جاءته فارّة من جعفر، فتزوَّج بها. قال أبو علي: فحدَّثتني أنَّها حضرت ولادة السيّد عليه السلام، وأنَّ اسم اُمّ السيّد صقيل، وأنَّ أبا محمّد عليه السلام حدَّثها بما يجري علي عياله، فسألته أن يدعو الله عز وجل لها أن يجعل منيتها قبله، فماتت في حياة أبي محمّد عليه السلام، وعلي قبرها لوح مكتوب عليه: هذا

******

(1) كمال الدين: 433 و434/ باب 42/ ح 16.

(2) هو جعفر بن علي بن محمّد بن علي بن موسي بن جعفر الصادق، ادَّعي الإمامة بعد أخيه الحسن بن علي عليهما السلام كذباً وزوراً ولهذا سمّي الكذّاب، كان يكيد لأخيه الحسن عليه السلام ويدسّ عليه وعلي شيعته الدسائس، وقد لحق بالموالين الأذي والحبس والتشريد من وشايته وافتراءاته، وجرائمه أكثر من أن تُحصي، وورد فيه ذموم كثيرة عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام لا يسع المقام لذكرها، توفّي سنة (281ه-).

ص: 209

قبر اُمّ محمّد. قال أبو علي: وسمعت هذه الجارية تذكر أنَّه لمَّا وُلد السيّد عليه السلام رأت لها نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها علي رأسه ووجهه وسائر جسده، ثمّ تطير، فأخبرنا أبا محمّد عليه السلام بذلك فضحك، ثمّ قال: (تلك ملائكة، نزلت للتبرّك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج)(1).

3 _ سنة (256ه-): خروج توقيع العسكري عليه السلام بعد قتل الزبيري بولادة الإمام المهدي عليه السلام:

روي الكليني رحمه الله عن الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّي بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، قال: خرج عن أبي محمّد عليه السلام حين قتل الزبيري(2): (هذا جزاء من افتري علي الله في أوليائه، زعم أنَّه يقتلني وليس لي عقب فكيف رأي قدرة الله؟)، وولد له ولد سمّاه (م ح م د) سنة ستّ وخمسين ومائتين(3).

ورواه الصدوق رحمه الله عن جعفر بن محمّد بن مسرور، عن الحسين بن محمّد بن عامر، عن معلّي بن محمّد البصري(4).

4 _ سنة (256ه-): ولادة الإمام المهدي عليه السلام علي رواية إسماعيل بن علي النوبختي:

روي الطوسي رحمه الله عن أحمد بن علي الرازي، عن محمّد بن علي،

******

(1) كمال الدين: 431/ باب 42/ ح 7.

(2) قال المجلسي رحمه الله في مرآة العقول (ج 4/ شرح صفحة 3): الزبيري كان لقب بعض الأشقياء من ولد الزبير كان في زمانه عليه السلام فهدَّده، وقتله الله علي يد الخليفة أو غيره، وصحَّف بعضهم وقرأ بفتح الزاء وكسر الباء من الزَب-ِير بمعني الداهية كناية عن المهتدي العبّاسي حيث قتله الموالي.

(3) الكافي 1: 514/ باب مولد الصاحب عليه السلام/ ح 1؛ الغيبة للطوسي: 231/ ح 198.

(4) كمال الدين: 430/ باب 42/ ح 3.

ص: 210

عن عبد الله بن محمّد بن خاقان الدهقان، عن أبي سليمان داود بن غسّان البحراني، قال: قرأت علي أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي، (قال): مولد محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرضا بن موسي بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين: ولد عليه السلام بسامراء سنة ستّ وخمسين ومائتين، اُمّه صقيل ويكنّي أبا القاسم(1).

* وروي عن علاَّن بإسناده أنَّ السيّد عليه السلام وُلد في سنة ستّ وخمسين ومائتين من الهجرة بعد مضي أبي الحسن عليه السلام بسنتين(2).

وراجع ما ذُكر في (8/ ربيع الأوّل/ 260ه-) تحت عنوان: (ظهور الإمام المهدي عليه السلام أمام 39 شخصاً، وصلاته علي جنازة أبيه جماعة)، وكذلك راجع ما ذُكر في (16/ رجب/ 256ه-) تحت عنوان: (علم الإمام العسكري عليه السلام وهو في الحبس بقتل المهتدي العبّاسي وإخباره عليه السلام لشخص بأنَّه سيولد له الإمام المهدي عليه السلام).

5 _ سنة (328 أو 329ه-): وفاة علي بن محمّد السمري رضي الله عنه النائب الرابع للإمام المهدي عليه السلام:

هو علي بن محمّد السمري الفقيه، أبو الحسن البغدادي، كان آخر السفراء والنوّاب الأربعة للإمام المهدي المنتظر عليه السلام، كان من الأجلاء والعظماء الذين وثَّقهم الأئمّة عليهم السلام، وأمروا بالرجوع إليهم. وبموته وقعت الغيبة الكبري، وانسدَّ باب السفارة الخاصّة.

قال الصدوق رحمه الله في كمال الدين: حدَّثنا أبو الحسين صالح بن

******

(1) الغيبة للطوسي: 271 و272/ ح 237.

(2) الغيبة للطوسي: 245/ ح 212.

ص: 211

شعيب الطالقاني رضي الله عنه في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، قال: حدَّثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن مخلَّد، قال: حضرت بغداد عند المشايخ رضي الله عنهم، فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمّد السمري قدَّس الله روحه ابتداء منه: (رحم الله علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي)، قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم فورد الخبر أنَّه توفّي ذلك اليوم، ومضي أبو الحسن السمري رضي الله عنه بعد ذلك في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة(1).

* وروي الطوسي رحمه الله عن الحسين بن إبراهيم، عن أبي العبّاس بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمّد الكاتب أنَّ قبر أبي الحسن السمري رضي الله عنه في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع باب المحوّل قريب من شاطئ نهر أبي عتاب، وذكر أنَّه مات رضي الله عنه في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة(2).

والمشهور وفاته في (329ه-)، قال الشيخ عبّاس القمّي رحمه الله في الكني والألقاب: (الشيخ المعظَّم الجليل أبو الحسن علي بن محمّد السمري رضي الله تعالي عنه، قام بأمر النيابة بعد أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله ومضي في النصف من شهر شعبان سنة (329ه-)، وأخرج إلي الناس توقيعاً قبل وفاته بأيّام: (بسم الله الرحم الرحيم، يا علي بن محمّد السمري عظَّم الله أجر إخوانك فيك فإنَّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلي أحد...) الخ، فلمَّا كان اليوم السادس دخلوا

******

(1) كمال الدين: 503/ باب 45/ ح 32؛ الخرائج والجرائح 2: 1128/ ح 45.

(2) الغيبة للطوسي: 396/ ح 367.

ص: 212

عليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه، وقضي رحمه الله، قبره ببغداد بقرب الشيخ الكليني رحمه الله)(1).

وراجع كلام المجلسي رحمه الله المذكور في (8/ ربيع الأوّل/ 260ه-)، تحت عنوان: (في الثامن من ربيع الأوّل ابتداء الغيبة الصغري وانتهاؤها بوفاة النائب الرابع السمري في 15/ شعبان/ 328 أو 329ه-).

وهكذا ما ذُكر في (9/ شعبان/ 329ه-)، تحت عنوان: (خروج توقيع للإمام المهدي عليه السلام لسفيره الرابع يخبره فيه بموته بعد ستّة أيّام وانقطاع السفارة الخاصّة وحصول الغيبة الكبري).

6 _ زيارة الحليسي للإمام الحسين عليه السلام في (15) شعبان وإكرامه من قبل الناحية المقدَّسة:

روي الصدوق رحمه الله عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، قال: حدَّثني أبو القاسم ابن أبي حليس(2)، قال: كنت أزور الحسين عليه السلام في النصف من شعبان، فلمَّا كان سنة من السنين وردت العسكر قبل شعبان وهممت أن لا أزور في شعبان، فلمَّا دخل شعبان قلت: لا أدع زيارة كنت أزورها، فخرجت زائراً وكنت إذا وردت العسكر أعلمتهم برقعة أو برسالة، فلمَّا كان في هذه الدفعة قلت لأبي القاسم الحسن بن أحمد الوكيل: لا تعلمهم بقدومي فإنّي اُريد أن أجعلها زورة خالصة، قال: فجاءني أبو القاسم وهو يتبسَّم وقال: بعث إليَّ بهذين الدينارين وقيل لي: (ادفعهما إلي الحليسي، وقل له: من كان في حاجة الله عز وجل كان الله في حاجته)(3).

******

(1) الكني والألقاب 3: 268.

(2) عدَّه الصدوق رحمه الله ممَّن رأي الحجّة من غير الوكلاء، راجع: كمال الدين: 442/ باب 43/ ح 16.

(3) كمال الدين: 493/ باب 45/ ح 18.

ص: 213

16 شعبان المعظَّم

1 _ سنة (255ه-): تسميت الإمام المهدي عليه السلام لنسيم حين عطاسها بعد مولده بليلة:

روي الصدوق رحمه الله عن أبي طالب المظفَّر بن جعفر بن المظفَّر بن جعفر بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، قال: حدَّثنا أبو النضر محمّد بن مسعود، قال: حدَّثنا آدم بن محمّد البلخي، قال: حدَّثنا علي بن الحسن الدقّاق، قال: حدَّثني إبراهيم بن محمّد العلوي، قال: حدَّثتني نسيم خادمة أبي محمّد عليه السلام، قالت: دخلت علي صاحب هذا الأمر عليه السلام بعد مولده بليلة فعطست عنده، قال لي: (يرحمكِ الله)، قالت نسيم: ففرحت (بذلك)، فقال لي عليه السلام: (ألا اُبشّركِ في العطاس؟)، قلت: بلي، قال: (هو أمان من الموت ثلاثة أيّام)(1).

ورواه أيضاً عن محمّد بن علي ماجيلويه وأحمد بن يحيي العطّار، عن محمّد بن يحيي العطّار، عن الحسين بن علي النيسابوري، عن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسي بن جعفر عليهما السلام، عن نسيم(2).

2 _ سنة (255ه-): كرامة الإمام الحسن العسكري عليه السلام وبركة كحل الإمام المهدي عليه السلام:

روي الصدوق رحمه الله عن أبي جعفر محمّد بن علي بن أحمد البزرجي، قال: رأيت بسُرَّ من رأي رجلاً شاباً في المسجد المعروف

******

(1) كمال الدين: 441/ باب 43/ ح 11.

(2) كمال الدين: 430/ باب 42/ ذيل الحديث 5.

ص: 214

بمسجد زبيدة في شارع السوق وذكر أنَّه هاشمي من ولد موسي بن عيسي(1) لم يذكر أبو جعفر اسمه وكنت اُصلّي فلمَّا سلَّمت قال لي: أنت قمّي أو رازي؟ فقلت: أنا قمّي مجاور بالكوفة في مسجد أمير

******

(1) خبيث ناصب، روي الطوسي رحمه الله في أماليه (ص 320 و321/ ح 649/96) عن أبي موسي بن عبد العزيز، قال: لقيني يوحنّا بن سراقيون النصراني المتطبّب في شارع أبي أحمد فاستوقفني، وقال لي: بحقّ نبيّك ودينك، من هذا الذي يزور قبره قوم منكم بناحية قصر ابن هبيرة، من هو من أصحاب نبيّكم؟ قلت: ليس هو من أصحابه هو ابن بنته، فما دعاك إلي المسألة عنه؟ فقال: له عندي حديث طريف. فقلت: حدّثني به.

فقال: وجَّه إليَّ سابور الكبير الخادم الرشيدي في الليل، فصرت إليه، فقال لي: تعال معي، فمضي وأنا معه حتَّي دخلنا علي موسي بن عيسي الهاشمي، فوجدناه زائل العقل متّكئاً علي وسادة، وإذا بين يديه طست فيها حشو جوفه، وكان الرشيد استحضره من الكوفة، فأقبل سابور علي خادم كان من خاصّة موسي، فقال له: ويحك ما خبره؟ فقال له: أخبرك أنَّه كان من ساعة جالساً وحوله ندماؤه، وهو من أصحّ الناس جسماً وأطيبهم نفساً، إذ جري ذكر الحسين بن علي عليه السلام، قال يوحنّا: هذا الذي سألتك عنه. فقال موسي: إنَّ الرافضة لتغلو فيه حتَّي إنَّهم فيما عرفت يجعلون تربته دواء يتداوون به. فقال له رجل من بني هاشم كان حاضراً: قد كانت بي علَّة غليظة فتعالجت لها بكلّ علاج، فما نفعني، حتَّي وصف لي كاتبي أن آخذ من هذه التربة، فأخذتها فنفعني الله بها، وزال عنّي ما كنت أجده. قال: فبقي عندك منها شيء؟ قال: نعم. فوجَّه فجاءوه منها بقطعة فناولها موسي بن عيسي، فأخذها موسي فاستدخلها دبره استهزاءً بمن تداوي بها واحتقاراً وتصغيراً لهذا الرجل الذي هذه تربته - يعني الحسين عليه السلام -، فما هو إلاَّ أن استدخلها دبره حتَّي صاح: النار النار، الطست الطست، فجئناه بالطست فأخرج فيها ما تري، فانصرف الندماء وصار المجلس مأتماً، فأقبل علي سابور فقال: أنظر هل لك فيه حيلة؟ فدعوت بشمعة، فنظرت فإذا كبده وطحاله ورئته وفؤاده خرج منه في الطست، فنظرت إلي أمر عظيم، فقلت: ما لأحد في هذا صنع إلاَّ أن يكون لعيسي الذي كان يحيي الموتي. فقال لي سابور: صدقت، ولكن كن هاهنا في الدار إلي أن يتبيَّن ما يكون من أمره، فبتُّ عندهم وهو بتلك الحال ما رفع رأسه، فمات وقت السحر.

ص: 215

المؤمنين عليه السلام، فقال لي: أتعرف دار موسي بن عيسي التي بالكوفة؟ فقلت: نعم، فقال: أنا من ولده، قال: كان لي أب وله أخوان وكان أكبر الأخوين ذا مال ولم يكن للصغير مال، فدخل علي أخيه الكبير فسرق منه ستمائة دينار، فقال الأخ الكبير: أدخل علي الحسن بن علي بن محمّد بن الرضا عليهم السلام وأسأله أن يلطف للصغير لعلَّه يرد مالي فإنَّه حلو الكلام، فلمَّا كان وقت السحر بدا لي في الدخول علي الحسن بن علي بن محمّد بن الرضا عليهم السلام، قلت: أدخل علي أشناس التركي صاحب السلطان فأشكو إليه، قال: فدخلت علي أشناس التركي وبين يديه نرد يلعب به، فجلست أنتظر فراغه، فجاءني رسول الحسن بن علي عليهما السلام فقال لي: أجب، فقمت معه فلمَّا دخلت علي الحسن بن علي عليهما السلام قال لي: (كان لك إلينا أوّل الليل حاجة، ثمّ بدا لك عنها وقت السحر، اذهب فإنَّ الكيس الذي أخذ من مالك قد رُدَّ ولا تشك أخاك وأحسن إليه وأعطه فإن لم تفعل فابعثه إلينا لنعطيه)، فلمَّا خرج تلقّاه غلامه يخبره بوجود الكيس. قال أبو جعفر البزرجي: فلمَّا كان من الغد حملني الهاشمي إلي منزله وأضافني ثمّ صاح بجارية وقال: يا غزال _ أو يا زلال _، فإذا أنا بجارية مسنّة فقال لها: يا جارية حدّثي مولاك بحديث الميل والمولود، فقالت: كان لنا طفل وجع، فقالت لي مولاتي: امضي إلي دار الحسن بن علي عليهما السلام فقولي لحكيمة: تعطينا شيئاً نستشفي به لمولودنا هذا، فلمَّا مضيت وقلت كما قال لي مولاي قالت حكيمة: ايتوني بالميل الذي كُحّل به المولود الذي ولد البارحة _ تعني ابن الحسن بن علي عليهما السلام _، فأتيت بميل فدفعته إليَّ وحملته إلي مولاتي فكحَّلت به المولود فعوفي،

ص: 216

وبقي عندنا وكنّا نستشفي به ثمّ فقدناه. قال أبو جعفر البزرجي: فلقيت في مسجد الكوفة أبا الحسن بن برهون البرسي فحدَّثته بهذا الحديث عن هذا الهاشمي فقال: قد حدَّثني هذا الهاشمي بهذه الحكاية كما ذكرتها حذو النعل بالنعل سواء من غير زيادة ولا نقصان(1).

17 شعبان المعظَّم

سنة (255ه-): عرض الإمام الحسن العسكري عليه السلام ولده المهدي عليه السلام علي أصحابه في اليوم الثالث من ولادته:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن موسي بن المتوكّل رضي الله عنه، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثنا محمّد بن أحمد العلوي، عن أبي غانم الخادم، قال: وُلد لأبي محمّد عليه السلام ولد فسمّاه محمّداً، فعرضه علي أصحابه يوم الثالث، وقال: (هذا صاحبكم من بعدي، وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتدُّ إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً)(2).

18 شعبان المعظَّم

سنة (326ه-): وفاة النائب الثالث للإمام المهدي عليه السلام الحسين بن روح رضي الله عنه:

هو الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، أبو القاسم البغدادي،

******

(1) كمال الدين: 517 و518/ باب 45/ ح 46.

(2) كمال الدين: 431/ باب 42/ ح 8 .

ص: 217

شيخ الإمامية، وثالث السفراء الأربعة للإمام المهدي المنتظر عليه السلام. كان فقيهاً، مفتياً، بليغاً، فصيحاً، وافر الحرمة، كثير الجلالة، ذا عقل وكياسة، تولّي السفارة بعد وفاة أبي جعفر العمري سنة خمس وثلاثمائة، فقد روي الطوسي رحمه الله في الغيبة أنَّ أبا جعفر العمري لمَّا اشتدَّت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة...، فدخلوا علي أبي جعفر رضي الله عنه، فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر والوكيل له والثقة الأمين فارجعوا إليه في أموركم وعوّلوا عليه في مهمّاتكم فبذلك اُمرت وقد بلَّغت(1).

كان له احترام وهيبة وإجلال عند كبار رجال الدولة، ابتداءً من الخليفة إلي عامّة الناس، حتَّي كان قاضي القضاة يزوره في بيته كغيره من الوزراء، فقد روي الذهبي في سير أعلام النبلاء عن علي بن محمّد الأيادي، عن أبيه، قال: شاهدته يوماً، وقد دخل عليه أبو عمر القاضي، فقال له أبو القاسم: صواب الرأي عند المشفق عبرة عند المتورّط، فلا يفعل القاضي ما عزم عليه، فرأيت أبا عمر قد نظر إليه، ثمّ قال: من أين لك هذا؟ فقال: إن كنت قلت لك ما عرفته، فمسألتي من أين لك فضول، وإن كنت لم تعرفه، فقد ظفرت بي. قال: فقبض أبو عمر علي يديه، وقال: لا، بل والله اُؤخّرك ليومي أو لغدي. فلمَّا خرج قال أبو القاسم: ما رأيت محجوجاً قطّ يلقي البرهان بنفاق مثل هذا. كاشفته بما لم اُكاشف به غيره(2).

وروي الصفدي في الوافي بالوفيات: (ولم يزل أبو القاسم علي

******

(1) الغيبة للطوسي: 371 و372/ ح 342.

(2) سير أعلام النبلاء 15: 223.

ص: 218

مثل هذه الحال حتَّي ولي حامد بن العبّاس الوزارة، فجري له معه أمور وخطوب يطول شرحها، وقبض عليه وسجن خمسة أعوام، واُطلق من الحبس لمَّا خلع المقتدر، فلمَّا اُعيد إلي الخلافة شاوروه فيه، قال: دعوه فبخطيئته جري علينا ما جري)(1)، وهذا يدلُّ علي أنَّ المقتدر كان يعتقد بأنَّ الحسين بن روح رضي الله عنه رجل صالح، وأنَّ الثورة عليه وخلعه كانا عقوبةً له لأنَّه سجن وليّاً من أولياء الله.

أمَّا لماذا سُجن الحسين بن روح رضي الله عنه، وما كانت تلك الأمور والخطوب مع حامد بن العبّاس، فلم نجد في المصادر ما يدلُّ عليه، قال الكوراني: (والسبب الذي توصَّلتُ إليه أنَّ المقتدر لم يكن يتبني سياسة المتوكّل في النصب لأهل البيت عليهم السلام والعداء لشيعتهم...، وكان يحترم الحسين بن روح احتراماً خاصّاً، لكن مجسّمة الحنابلة استطاعوا أن يحدثوا موجة مضادّة للشيعة في بغداد ويؤثّروا علي المقتدر ويفرضوا عليه حامد بن العبّاس...، وكان حامد بن العبّاس فارسياً يتبنّي أفكار المتوكّل ومجسّمة الحنابلة، وهو الذي سجن الحسين بن روح رضي الله عنه)(2).

توفّي رحمه الله في شعّبان سنة ستّ وعشرين وثلاثمائة، فقد روي الطوسي رحمه الله عن الحسين بن إبراهيم، عن أبي العبّاس أحمد بن علي بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمّد الكاتب ابن بنت اُمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه أنَّ قبر أبي القاسم الحسين بن روح في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلي التل وإلي

******

(1) الوافي بالوفيات 12: 227.

(2) المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام: 1035 و1036.

ص: 219

الدرب الآخر وإلي قنطرة الشوك رضي الله عنه. قال: وقال لي أبو نصر: مات أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في شعبان سنة ستّ وعشرين وثلاثمائة(1).

قال السيّد محمّد صادق بحر العلوم رحمه الله(2) في مقدّمة علل الشرائع: أبو القاسم الحسين بن روح ابن أبي بحر النوبختي رحمه الله، تشرَّف بالنيابة من سنة (305) إلي أن توفّي سنة (326ه-) في (18/ شعبان)، وقبره ببغداد في الجانب الشرقي في سوق العطّارين يزار ويتبرّك به، وهو معروف(3).

21 شعبان المعظَّم

1 _ سنة (255ه-): توزيع الإمام الحسن العسكري عليه السلام العقيقة في اليوم السابع لولادة الإمام المهدي عليه السلام:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن موسي بن المتوكّل رضي الله عنه، قال: حدَّثني عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثني محمّد بن إبراهيم الكوفي: إنَّ أبا محمّد عليه السلام بعث إلي بعض من سمّاه لي بشاة مذبوحة، وقال: (هذه من عقيقة ابني محمّد)(4).

******

(1) الغيبة للطوسي: 386 و387/ ح 350.

(2) هو السيّد محمّد صادق بن السيّد حسن بحر العلوم الطباطبائي النجفي من علماء النجف البارزين في حقول الأدب والعلم وتحقيق التراث، وهو أقدم المحقّقين عملاً، حيث أخرج العديد من ذخائر التراث الشيعي بأجود ما تيسَّر في عصره من أدوات وأساليب، مع المقدّمات الضافية عن مؤلّفيها وموضوعاتها، مضافاً إلي مؤلّفاته الكثيرة، وأشهرها (دليل القضاء الشرعي) في ستّة مجلّد. وألَّف مجاميع بلغت (14) ضمَّنها ما اختاره من شعر ونثر ورسائل وتحف ونوادر، وله شعر كثير رائع في المناسبات والأحداث، توفّي رحمه الله في (21/ رجب) سنة (1399ه-) ودفن في النجف.

(3) علل الشرائع 1: هامش صفحة 5/ كلمة المقدّمة.

(4) كمال الدين: 432/ باب 42/ ح 10.

ص: 220

* وروي أيضاً عن محمّد بن علي ماجيلويه ومحمّد بن موسي بن المتوكّل وأحمد بن محمّد بن يحيي العطّار رضي الله عنهم، قالوا: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، قال: حدَّثني إسحاق بن رياح البصري، عن أبي جعفر العمري، قال: لمَّا ولد السيّد عليه السلام قال أبو محمّد عليه السلام: (ابعثوا إلي أبي عمرو)، فبعث إليه فصار إليه فقال له: (اشتر عشرة آلاف رطل خبز، وعشرة آلاف رطل لحم وفرّقه _ أحسبه قال: علي بني هاشم _، وعق عنه بكذا وكذا شاة)(1).

* وروي الطوسي رحمه الله عن محمّد بن علي الشلمغاني، قال: حدَّثني الثقة، عن إبراهيم بن إدريس، قال: وجَّه إليَّ مولاي أبو محمّد عليه السلام بكبش وقال: (عقه عن ابني فلان وكُلْ وأطعم أهلك)، ففعلت، ثمّ لقيته بعد ذلك فقال لي: (المولود الذي وُلد لي مات)، ثمّ وجَّه إليَّ بكبشين وكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم، عق هذين الكبشين عن مولاك وكُلْ هنَّأك الله وأطعم إخوانك)، ففعلت ولقيته بعد ذلك فما ذكر لي شيئا.(2)

* وروي الخصيبي رحمه الله في الهداية الكبري عن موسي بن محمّد، عن الحسن بن محمّد بن جمهور، عن البشّار بن إبراهيم بن إدريس صاحب ثقة أبي محمّد عليه السلام، قال: وجَّه إليَّ مولاي أبو محمّد كبشين وقال: (اعقرهما عن أبي الحسن عليه السلام وكُلْ وأطعم إخوانك)، ففعلت. ثمّ لقيته بعد ذلك فقال: (المولود الذي ولد لي مات)، ثمّ وجَّه لي بأربع أكبشة وكتب إليَّ: (بسم الله الرحمن الرحيم، اعقر هذه الأربعة أكبشة عن مولاك وكُلْ هنَّاك الله)، ففعلت...(3).

******

(1) كمال الدين: 430 و431/ باب 42/ ح 6.

(2) الغيبة للطوسي: 245 و246/ ح 214.

(3) الهداية الكبري: 358.

ص: 221

2 _ سنة (255ه-): رؤية السيّدة حكيمة للإمام المهدي عليه السلام في اليوم السابع من ولادته عليه السلام:

راجع ما ذُكر في (فجر 15 شعبان/ 255ه-)، تحت عنوان: (مولد الإمام المهدي عليه السلام في ليلة (15) شعبان علي رأي مشهور الطائفة).

23 شعبان المعظَّم

وفاة وكيل الإمام المهدي عليه السلام القاسم بن العلاء:

راجع ما ذُكر في (13/ رجب) تحت عنوان: (وصول توقيع الإمام عليه السلام لوكيله القاسم بن العلاء يخبره بوفاته بعد أربعين يوماً من وصول التوقيع، وفي القصَّة عبر ومواعظ كثيرة).

25 شعبان المعظَّم

سنة (255ه-): تسميت الإمام المهدي عليه السلام لنسيم الخادم حين عطست بعد ولادته بعشرة أيّام:

روي الطوسي رحمه الله عن محمّد بن يعقوب رفعه، عن نسيم الخادم، قال: دخلت علي صاحب الزمان عليه السلام بعد مولده بعشر ليال فعطست عنده، فقال: (يرحمك الله)، ففرحت بذلك، فقال: (ألا اُبشّرك في العطاس؟ هو أمان من الموت ثلاثة أيّام)(1).

* * *

******

(1) الغيبة للطوسي: 232/ ح 200.

ص: 222

أحداث هذا الشهر بدون ذكر اليوم

1 _ سنة (273ه-): التاريخ السندي لحديث الإمام الصادق عليه السلام ضرورة معرفة الأئمّة بأسمائهم وخصائصهم:

روي النعماني رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدَّثنا يحيي بن زكريا بن شيبان في شعبان سنة ثلاث وسبعين ومائتين، قال: حدَّثنا علي بن سيف بن عميرة، عن أبيه، عن حمران بن أعين، أنَّه قال: وصفت لأبي عبد الله عليه السلام رجلاً يتوالي أمير المؤمنين عليه السلام، ويتبرَّأ من عدوّه، ويقول كلّ شيء يقول، إلاَّ أنَّه يقول: إنَّهم اختلفوا فيما بينهم وهم الأئمّة القادة ولست أدري أيّهم الإمام، وإذا اجتمعوا علي رجل واحد أخذنا بقوله، وقد عرفت أنَّ الأمر فيهم رحمهم الله جميعاً. فقال: (إن مات هذا مات ميتة جاهلية)(1).

2 _ سنة (329ه-): إخبار النائب الرابع علي بن محمّد السمري رضي الله عنه بوفاة علي بن بابويه القمّي رحمه الله:

قال الطوسي رحمه الله في الغيبة: أخبرني جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن بابويه القمّي، قال: حدَّثني جماعة من أهل قم منهم علي بن أحمد بن عمران الصفّار وقريبه علوية الصفّار والحسين بن أحمد بن إدريس رحمهم الله، قالوا: حضرنا بغداد في السنة التي توفّي فيها أبي (علي بن الحسين بن موسي بن بابويه)، وكان أبو الحسن علي بن محمّد السمري قدس سره يسألنا كلّ قريب عن خبر علي بن الحسين رحمه الله، فنقول: قد ورد الكتاب باستقلاله حتَّي كان اليوم الذي قبض فيه، فسألنا عنه فذكرنا له مثل ذلك. فقال (لنا): آجركم الله في علي بن

******

(1) الغيبة للنعماني: 134/ باب 7/ ح 19.

ص: 223

الحسين(1) فقد قبض في هذه الساعة. قالوا: فأثبتنا تأريخ الساعة واليوم والشهر، فلمَّا كان بعد سبعة عشر يوماً أو ثمانية عشر يوماً ورد الخبر أنَّه قبض في تلك الساعة التي ذكرها الشيخ أبو الحسن قدس سره(2).

3 _ سنة (859ه-): التاريخ السندي لمشاهدة المعمّر ابن غوث السنبسي لولادة الإمام المهدي عليه السلام:

قال النوري رحمه الله في جنَّة المأوي: في مجموعة نفيسة عندي كلّها بخطّ العالم الجليل شمس الدين محمّد بن علي بن الحسن الجباعي جدّ شيخنا البهائي وهو الذي ينتهي نسخ الصحيفة الكاملة إلي الصحيفة التي كانت بخطّه، وكتبها من نسخة الشهيد الأوّل رحمه الله، وقد نقل عنه عن تلك المجموعة وغيرها العلاَّمة المجلسي كثيراً في البحار، وربَّما عبَّر هو وغيره كالسيّد نعمة الله الجزائري في أوّل شرح الصحيفة عنه بصاحب الكرامات، ما لفظه: قال السيّد تاج الدين محمّد بن معيّة الحسني أحسن الله إليه: حدَّثني والدي القاسم بن الحسن بن معيّة الحسني تجاوز الله عن سيّئاته أنَّ المعمّر بن غوث السنبسي(3) ورد إلي الحلَّة مرَّتين إحداهما قديمة لا اُحقّق تاريخها والأخري قبل فتح بغداد بسنتين، قال والدي: وكنت حينئذٍ ابن ثمان

******

(1) هو علي بن الحسين بن موسي بن بابويه، والد الشيخ الصدوق رحمه الله، يكنّي أبا الحسن، شيخ القمّيين في عصره ومتقدّمهم، وفقيههم، وثقتهم، له تصانيف كثيرة، منها: الإمامة والتبصرة، توفّي رحمه الله سنة (329ه-). (راجع: معجم رجال الحديث 12: 398 - 400/ الرقم 8076).

(2) الغيبة للطوسي: 395 و396/ ح 366.

(3) من المعمّرين من غلمان أبي محمّد العسكري عليه السلام، شاهد ولادة القائم عليه السلام، ورد الحلَّة مرَّتين إحداهما قبل فتح بغداد بسنتين، وأخبر بزوال ملك بني العبّاس قبل سنتين. (أنظر: مستدركات علم رجال الحديث 7: 466/ ح 15104).

ص: 224

سنوات، ونزل علي الفقيه مفيد الدين ابن جهم، وتردَّد إليه الناس، وزاره خالي السعيد تاج الدين بن معيّة، وأنا معه طفل ابن ثمان سنوات، ورأيته وكان شخصاً طوالاً من الرجال، يعدُّ في الكهول وكان ذراعه كأنَّه الخشبة المجلَّدة، ويركب الخيل العتاق، وأقام أيّاماً بالحلَّة وكان يحكي أنَّه كان أحد غلمان الإمام أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام وأنَّه شاهد ولادة القائم عليه السلام.

قال والدي رحمه الله: وسمعت الشيخ مفيد الدين بن جهم يحكي بعد مفارقته وسفره عن الحلَّة أنَّه قال: أخبرنا بسرّ لا يمكننا الآن إشاعته، وكانوا يقولون: إنَّه أخبره بزوال ملك بني العبّاس، فلمَّا مضي لذلك سنتان أو ما يقاربهما اُخذت بغداد وقتل المستعصم(1)، وانقرض ملك بني العبّاس، فسبحان من له الدوام والبقاء. وكتب ذلك محمّد بن علي الجباعي من خطّ السيّد تاج الدين يوم الثلاثاء في شعبان سنة تسع وخمسين وثمانمائة(2).

* * *

******

(1) قال الزركلي في الأعلام (ج 4/ ص 140): عبد الله (المستعصم) بن منصور (المستنصر) بن محمّد (الظاهر) بن أحمد (الناصر) من سلالة هارون الرشيد العبّاسي، وكنيته أبو أحمد، آخر خلفاء الدولة العبّاسية في العراق. ولد ببغداد، وولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة (640ه-) والدولة في شيخوختها، لم يبقَ منها للخلفاء غير دار الملك ببغداد، فألقي زمام الأمور إلي الأمراء والقوّاد. واعتمد علي وزيره مؤيّد الدين ابن العلقمي. وكان المغول قد استفحل أمرهم في أيّام سلفه المستنصر، فكاتب ابن العلقمي قائدهم هولاكو (حفيد جنكيزخان) يشير عليه باحتلال بغداد، ويعده بالإعانة علي الخليفة، فزحف هولاكو سنة (645ه-)، وخرجت إليه عساكر المستعصم فلم تثبت طويلاً، ودخل هولاكو بغداد، فجمع له ابن العلقمي ساداتها ومدرّسيها وعلماءها فقتلهم عن آخرهم، وأبقي الخليفة حيّاً إلي أن دلَّ علي مواضع الأموال والدفائن، ثمّ قتله. ومدَّة خلافته (15) سنة و(8) أشهر وأيّام. وبموته انقرضت دولة بني العبّاس في العراق. وعدَّة خلفائها (37) ملكوا مدَّة (524) سنة.

(2) جنَّة المأوي: 81 - 83/ الحكاية الثالثة والعشرون.

ص: 225

ص: 226

9- رمضان المبارك

اشارة

ص: 227

ص: 228

1 رمضان المبارك

1 _ سنة (9ه-): نداء إبليس في ليلة العقبة هو نفس ندائه بعد ظهور الإمام المهدي عليه السلام:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي الله عنه، قال: حدَّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيي الحلبي، عن الحارث بن المغيرة البصري، عن ميمون البان، قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام في فسطاطه فرفع جانب الفسطاط فقال: (إنَّ أمرنا قد كان أبين من هذه الشمس)، ثمّ قال: (ينادي منادٍ من السماء فلان بن فلان هو الإمام باسمه، وينادي إبليس لعنه الله من الأرض كما نادي برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة(1))(2).

2 _ سنة (145ه-): أمر الإمام الصادق عليه السلام لشيعته بعدم النهوض حتَّي قيام القائم وذلك في السنة التي خرج فيها إبراهيم بن عبد الله:

روي الصدوق رحمه الله عن أبيه، قال: حدَّثنا أحمد بن إدريس، قال: حدَّثنا سهل بن زياد، قال: حدَّثني علي بن الريّان، قال: حدَّثنا عبيد الله بن عبد الله

******

(1) روي أنَّه لمَّا بايع الأنصار السبعون ليلة العقبة، سمع من العقبة صوت عال في جوف الليل: يا أهل مكّة هذا مذمم والصباة معه قد أجمعوا علي حربكم، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم للأنصار: (ألا تسمعون ما يقول هذا أزب العقبة) يعني شيطانها، ثمّ التفت إليه فقال: أتسمع يا عدوّ الله؟ أمَا والله لأفرغنَّ لك) (بحار الأنوار 18: 224؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13: 209).

(2) كمال الدين: 650/ باب 57/ ح 4.

ص: 229

الدهقان الواسطي، عن الحسين بن خالد الكوفي، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: قلت: جُعلت فداك، حديث كان يرويه عبد الله بن بكير، عن عبيد بن زرارة. قال: فقال لي: (وما هو؟)، قال: قلت: روي عن عبيد بن زرارة أنَّه لقي أبا عبد الله عليه السلام في السنة التي خرج فيها إبراهيم بن عبد الله بن الحسن(1)، فقال له: جُعلت فداك، إنَّ هذا قد ألف الكلام وسارع الناس إليه فما الذي تأمر به؟ قال: فقال: (اتَّقوا الله واسكنوا ما سكنت السماء والأرض). قال: وكان عبد الله بن بكير يقول: والله لئن كان عبيد بن زرارة صادقاً فما من خروج وما من قائم. قال: فقال لي أبو الحسن عليه السلام: (الحديث علي ما رواه عبيد وليس علي ما تأوَّله عبد الله بن بكير، إنَّما عني أبو عبد الله عليه السلام بقوله: (ما سكنت السماء) من النداء باسم صاحبك، و(ما سكنت الأرض) من الخسف بالجيش)(2).

3 _ سنة (254ه-): ولادة الإمام المهدي عليه السلام علي رواية عقيد الخادم:

روي الصدوق رحمه الله عن أبي الحسن علي بن محمّد بن حبّاب، قال: حدَّثني أبو الأديان، قال: قال عقيد الخادم، وقال أبو محمّد بن خيرويه التستري، وقال حاجز الوشّاء كلّهم حكوا عن عقيد الخادم. وقال أبو سهل بن نوبخت: قال عقيد الخادم: ولد وليّ الله الحجّة بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم

******

(1) هو إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، أخو محمّد بن الحسن الملقَّب ب- (النفس الزكية)، خرج بعد أخيه وقُتل ب- (باخمري) علي مسافة سبعة عشر فرسخاً من الكوفة، وذلك سنة (145ه-) لخمس بقين من ذي القعدة. (راجع: معجم رجال الحديث 1: 226/ الرقم 199).

(2) معاني الأخبار: 266 و267/ ح 1.

ص: 230

أجمعين ليلة الجمعة غرَّة شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين من الهجرة، ويكنّي أبا القاسم ويقال: أبو جعفر، ولقبه المهدي وهو حجَّة الله عز وجل في أرضه علي جميع خلقه، واُمّه صقيل الجارية، ومولده بسُرَّ من رأي في درب الراضة وقد اختلف الناس في ولادته، فمنهم من أظهر، ومنهم من كتم، ومنهم من نهي عن ذكر خبره، ومنهم من أبدي ذكره، والله أعلم به(1).

3 رمضان المبارك

سنة (413ه-): وفاة الشيخ المفيد رحمه الله وكتابة أبيات في رثائه بخطّ صاحب الزمان عليه السلام:

قال الشهيد الثالث القاضي نور الله الشوشتري رحمه الله(2) في مجالس

******

(1) كمال الدين: 474 و475/ باب 43/ ضمن الحديث 25.

(2) هو نور الله بن شريف الدين بن نور الدين بن محمّد شاه بن مبارز الدين مندة بن الحسين المرعشي الحسيني، التستري، القاضي ببلاد الهند، والشهيد بها، كان فقيهاً إمامياً مجتهداً، محدّثاً، متكلّماً، مناظراً، عارفاً بفقه المذاهب الأربعة، ذا تصانيف كثيرة ولد في تستر سنة ستّ وخمسين وتسعمائة وأخذ بها عن والده السيّد شريف الدين، وعن غيره وانتقل في سنة (979ه-) إلي المشهد المقدس الرضوي بخراسان، فأكمل به دراسته، وقرأ علي عبد الواحد بن علي التستري ثمّ المشهدي، ولازمه مدَّة طويلة وأخذ عنه في الفقه وأصوله، والحديث والتفسير وغيرها، وأكبَّ هناك علي الاستفادة والإفادة، حتَّي برع وفاق ثمّ عزم بعد أن امتلأ وطابه علي الارتحال إلي بلاد الهند، لنشر المذهب الإمامي، فورد بلدة لاهور سنة (993ه-)، واشتهر بها بين العلماء لسعة اطّلاعه وتبحّره في جلّ العلوم، فلمَّا نُمي خبره إلي السلطان جلال الدين أكبر شاه التيموري، استدعاه وقرَّبه إليه وأدناه، ثم قلَّده القضاء والإفتاء، فكان يقضي بما يوافق اجتهاده، ويرجّح من أقوال المذاهب الأربعة القولَ المطابق لمذهب الإمامية، واستمرَّ علي ذلك إلي أن مات السلطان المذكور وخلفه من بعده ابنه جهانگير شاه، فسُعي إليه بالمترجم، فقُتل تحت السياط لأجل تشيّعه سنة تسع عشرة وألف، ودُفن في أكبرآباد، وقبره بها مشهور مزور.

تلمَّذ علي المترجم جماعة، منهم: ابناه شريف الدين ومحمّد يوسف، ومحمّد الهروي الخراساني، وغيرهم. وصنَّف كتباً ورسائل كثيرة، جنَّد نفسه من خلال طائفة منها لتبيان المذهب والتعريف برجاله والردّ علي الشبهات المثارة حوله، ومن هذه المؤلَّفات: إحقاق الحقّ، الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة، تذهيب الأكمام في شرح تهذيب الأحكام، وغيرها. (راجع: موسوعة طبقات الفقهاء 11: 366 - 368/ الرقم 3564).

ص: 231

المؤمنين ما معناه: إنَّه وجد هذه الأبيات بخطّ صاحب الأمر عليه السلام مكتوباً علي قبر الشيخ المفيد رحمه الله(1):

******

(1) هو محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام الحارثي، أبو عبد الله العكبري البغدادي، المعروف بابن المعلَّم، ثمّ اشتهر بالمفيد. ولد في سنة (336)، وقيل: (338ه-)، في قرية (سويقة ابن البصري)، التابعة لعكبرا علي مقربة من بغداد، ثمّ انتقل به أبوه وهو صبي إلي بغداد للتحصيل، فاشتغل بالقراءة علي أبي عبد الله الحسين بن علي المعروف بالجُعَل، ثمّ علي أبي ياسر غلام أبي الجيش، الذي اقترح عليه أن يحضر درس المتكلّم الشهير علي بن عيسي الرّماني المعتزلي ففعل، وكان شيخ الفقهاء والمحدّثين في عصره، مقدَّماً في علم الكلام، ماهراً في المناظرة والجدل، عارفاً بالأخبار والآثار، كثير الرواية والتصنيف. وكان له مجلس بداره بدرب رباح يحضره خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف، فتخرَّج به جماعة وبرع في المقالة الإمامية حتَّي كان يقال: له علي كلّ إمامي مِنَّة، وقد برز المفيد من بين أعلام عصره بفنّ (المناظرة) التي تعتمد الموضوعية والمنهج والدليل المتَّفق عليه سبيلاً للاقناع، ووضوح النتائج، فخاض ميادين المناظرة في الإلهيات والمسائل الفقهية، إلاَّ أنَّ مناظراته كانت تنصبُّ في الدرجة الأولي في المسائل الاعتقادية للإمامية، فكان له الدور البارز في الذبَّ عنها وترويجها، ولهذا نال منه بعض المنساقين وراء عواطفهم مع إذعانهم لقدراته وقابلياته الفكرية والعلمية. ويعدُّ المفيد أوَّل مَن ألَّف من الإمامية في أصول الفقه بشكل موسَّع، وصنَّف كتباً كثيرة، منها: المقنعة في الفقه، الإرشاد، العيون والمحاسن، إيمان أبي طالب. وقد جمع المفيد بالإضافة إلي علمه الجمّ، فضائل نفسية رفيعة، فكان قويّ النفس، كثير البِرّ، عظيم الخشوع عند الصلاة والصوم، ما كان ينام من الليل إلاَّ هجعة، ثمّ يقوم يُصلّي أو يُطالع أو يدرس أو يتلو القرآن. توفّي ببغداد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً، ودفن في داره، ثمّ نقل إلي الكاظمية، فدفن بمقابر قريش، بالقرب من رجلي الإمام الجواد عليه السلام. (راجع: موسوعة طبقات الفقهاء 5: 334 - 337/ الرقم 2012).

ص: 232

لا صوّت الناعي بفقدك إنَّه***يوم علي آل الرسول عظيمُ

إن كنت قد غُيّبت في جدث الثري***فالعدل والتوحيد فيك مقيمُ

والقائم المهدي يفرح كلَّما***تليت عليك من الدروس علومُ(1)

5 رمضان المبارك

1 _ سنة الظهور: كسوف الشمس في الخامس من رمضان:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن موسي بن المتوكّل رضي الله عنه، قال: حدَّثنا علي بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (تنكسف الشمس لخمس مضين من شهر رمضان قبل قيام القائم عليه السلام)(2).

2 _ سنة الظهور: حصول الخسوف والكسوف في رمضان علي خلاف العادة:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن الحسن رضي الله عنه، قال: حدَّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيي الحلبي، عن الحكم الحنّاط، عن محمّد بن همّام، عن ورد، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (اثنان بين يدي هذا الأمر: خسوف القمر لخمس، وكسوف الشمس لخمس عشرة ولم يكن ذلك منذ هبط آدم عليه السلام إلي الأرض، وعند ذلك يسقط حساب المنجّمين)(3).

******

(1) جنَّة المأوي: 84/ الحكاية الخامسة والعشرون.

(2) كمال الدين: 655/ باب 57/ ح 28.

(3) كمال الدين: 655/ باب 57/ ح 25.

ص: 233

13 رمضان المبارك

دعاء الإمام السجّاد عليه السلام في اليوم الثالث عشر من شهر رمضان وفيه يدعو إلي قائم آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم:

جاء في دعاء الإمام السجّاد عليه السلام في اليوم الثالث عشر من شهر رمضان المبارك: (... اللّهمّ إنّي اُدينك يا ربّ بطاعتك وولايتك وولاية محمّد رسولك صلّي الله عليه وعلي أهل بيته، وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وولاية الحسن والحسين سبطي نبيّك وولدي رسولك عليهما السلام، وولاية الطاهرين المعصومين من ذرّية الحسين: علي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسي بن جعفر، وعلي بن موسي، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، سلام الله وبركاته عليهم أجمعين، وولاية القائم السابق منهم بالخيرات المفترض الطاعة صاحب الزمان سلام الله عليه)(1).

15 رمضان المبارك

سنة الظهور: كسوف الشمس في الخامس عشر من شهر رمضان:

راجع ما ذُكر في (5/ رمضان/ سنة الظهور)، تحت عنوان (حصول الخسوف والكسوف في رمضان علي خلاف العادة).

******

(1) الصحيفة السجّادية: 243 - 248.

ص: 234

17 رمضان المبارك

سنة (373ه-): حكاية بناء مسجد جمكران في قم بأمر الإمام المهدي عليه السلام:

قال النوري رحمه الله في جنَّة المأوي: جاء في تاريخ قم تأليف الشيخ الفاضل الحسن بن محمّد بن الحسن القمّي من كتاب مونس الحزين في معرفة الحقّ واليقين(1)، من مصنّفات أبي جعفر محمّد بن بابويه القمّي الصدوق رحمه الله ما لفظه بالعربية:

باب ذكر بناء مسجد جمكران بأمر الإمام المهدي عليه صلوات الله الرحمن وعلي آبائه المغفرة، سبب بناء المسجد المقدَّس في جمكران بأمر الإمام عليه السلام علي ما أخبر به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني، قال: كنت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وتسعين(2) وثلاثمائة نائماً في بيتي، فلمَّا مضي نصف من الليل فإذا بجماعة من الناس علي باب بيتي فأيقظوني، وقالوا: قم

******

(1) مفقود، ذكره الشيخ الطهراني في الذريعة (ج 23/ ص 282/ الرقم 8986)، قائلاً: (مونس الحزين في معرفة الحقّ واليقين للشيخ أبي جعفر محمّد بن بابويه القمّي، كما ينقل عنه الشيخ حسن بن محمّد بن الحسن القمّي في كتابه تاريخ قم ناسباً إلي الصدوق قضيّة بناء مسجد جمكران).

(2) هكذا في المصدر، والصحيح: (وسبعين)، قال الشيخ النوري رحمه الله: (ولا يخفي أنَّ كلمة (التسعين) الواقعة في صدر الخبر بالمثناة فوق ثمّ السين المهملة، كانت في الأصل سبعين مقدّم المهملة علي الموحّدة واشتبه علي الناسخ، لأنَّ وفاة الشيخ الصدوق كانت قبل التسعين، ولذا نري جمعاً من العلماء يكتبون في لفظ السبع أو السبعين بتقديم السين أو التاء حذراً عن التصحيف والتحريف، والله تعالي هو العالم).

ص: 235

وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان فإنَّه يدعوك. قال: فقمت وتعبَّأت وتهيَّأت، فقلت: دعوني حتَّي ألبس قميصي، فإذا بنداء من جانب الباب: (هو ما كان قميصك) فتركته وأخذت سراويلي، فنودي: (ليس ذلك منك، فخذ سراويلك)، فألقيته وأخذت سراويلي ولبسته، فقمت إلي مفتاح الباب أطلبه فنودي: (الباب مفتوح). فلمَّا جئت إلي الباب، رأيت قوماً من الأكابر، فسلَّمت عليهم، فردّوا ورحَّبوا بي، وذهبوا بي إلي موضع هو المسجد الآن، فلمَّا أمعنت النظر رأيت أريكة فرشت عليها فراش حسان، وعليها وسائد حسان، ورأيت فتي في زيّ ابن ثلاثين متّكئاً عليها، وبين يديه شيخ، وبيده كتاب يقرؤه عليه، وحوله أكثر من ستّين رجلاً يصلّون في تلك البقعة، وعلي بعضهم ثياب بيض، وعلي بعضهم ثياب خضر. وكان ذلك الشيخ هو الخضر فأجلسني ذلك الشيخ ودعاني الإمام عليه السلام باسمي، وقال: (اذهب إلي حسن بن مسلم، وقل له: إنَّك تعمر هذه الأرض منذ سنين وتزرعها، ونحن نخربها، زرعت خمس سنين، والعام أيضاً أنت علي حالك من الزراعة والعمارة، ولا رخصة لك في العود إليها وعليك ردّ ما انتفعت به من غلاَّت هذه الأرض ليبني فيها مسجد، وقل لحسن بن مسلم: إنَّ هذه أرض شريفة قد اختارها الله تعالي من غيرها من الأراضي وشرَّفها، وأنت قد أضفتها إلي أرضك. وقد جزاك الله بموت ولدين لك شابين، فلم تنتبه من غفلتك، فإن لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة الله من حيث لا تشعر).

قال حسن بن مثلة: (قلت): يا سيّدي، لا بدَّ لي في ذلك من علامة، فإنَّ القوم لا يقبلون ما لا علامة ولا حجَّة عليه، ولا يصدّقون قولي. قال: (إنّا سنعلم هناك فاذهب وبلّغ رسالتنا، واذهب إلي السيّد أبي الحسن وقل

ص: 236

له: يجيء ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين، ويعطيه الناس حتَّي يبنوا المسجد، ويتمّ ما نقص منه من غلَّة رهق ملكنا بناحية أردهال(1) ويتمّ المسجد، وقد وقفنا نصف رهق علي هذا المسجد، ليجلب غلَّته كلّ عام، ويصرف إلي عمارته. وقل للناس: ليرغبوا إلي هذا الموضع ويعزّزوه ويصلّوا هنا أربع ركعات للتحيّة في كلّ ركعة يقرأ سورة الحمد مرَّة، وسورة الإخلاص سبع مرّات ويسبّح في الركوع والسجود سبع مرّات، وركعتان للإمام صاحب الزمان عليه السلام هكذا: يقرأ الفاتحة فإذا وصل إلي: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة: 5) كرَّره مائة مرَّة، ثمّ يقرؤها إلي آخرها وهكذا يصنع في الركعة الثانية، ويسبّح في الركوع والسجود سبع مرّات، فإذا أتمَّ الصلاة يهلّل ويسبّح تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام، فإذا فرغ من التسبيح يسجد ويُصلّي علي النبيّ وآله مائة مرَّة)، ثمّ قال عليه السلام ما هذه حكاية لفظه: فمن صلاَّها فكأنَّما في البيت العتيق.

قال حسن بن مثلة: قلت في نفسي: كأنَّ هذا موضع أنت تزعم أنَّما هذا المسجد للإمام صاحب الزمان مشيراً إلي ذلك الفتي المتّكئ علي الوسائد فأشار ذلك الفتي إلي أن اذهب. فرجعت فلمَّا سرت بعض الطريق دعاني ثانية، وقال: (إنَّ في قطيع جعفر الكاشاني الراعي معزاً يجب أن تشتريه فإن أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه وإلاَّ فتعطي من مالك، وتجيء به إلي هذا الموضع، وتذبحه الليلة الآتية، ثمّ تنفق يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم ذلك المعز علي

******

(1) مدينة قرب كاشان تبعد عنها (42) كيلومتراً، يقع فيها مشهد أبي الحسن علي بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

ص: 237

المرضي، ومن به علَّة شديدة، فإنَّ الله يشفي جميعهم، وذلك المعز أبلق، كثير الشعر، وعليه سبع علامات سود وبيض ثلاث علي جانب وأربع علي جانب، سود وبيض كالدراهم)، فذهبت فأرجعوني ثالثة، وقال عليه السلام: (تقيم بهذا المكان سبعين يوماً أو سبعاً فإن حملت علي السبع انطبق علي ليلة القدر، وهو الثالث والعشرون وإن حملت علي السبعين انطبق علي الخامس والعشرين من ذي القعدة، وكلاهما يوم مبارك).

قال حسن بن مثلة: فعدتُّ حتَّي وصلت إلي داري ولم أزل الليل متفكّراً حتَّي أسفر الصبح، فأدَّيت الفريضة، وجئت إلي علي بن المنذر، فقصصت عليه الحال، فجاء معي حتَّي بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة، فقال: والله إنَّ العلامة التي قال لي الإمام واحد منها أنَّ هذه السلاسل والأوتاد هاهنا. فذهبنا إلي السيّد الشريف أبي الحسن الرضا فلمَّا وصلنا إلي باب داره رأينا خدّامه وغلمانه يقولون: إنَّ السيّد أبا الحسن الرضا ينتظرك من سحر، أنت من جمكران؟ قلت: نعم، فدخلت عليه الساعة، وسلَّمت عليه وخضعت فأحسن في الجواب وأكرمني ومكَّن لي في مجلسه، وسبقني قبل أن اُحدّثه وقال: يا حسن بن مثلة، إنّي كنت نائماً فرأيت شخصاً يقول لي: إنَّ رجلاً من جمكران يقال له: حسن بن مثلة يأتيك بالغدو، ولتصدقنَّ ما يقول، واعتمد علي قوله، فإنَّ قوله قولنا، فلا تردَّنَّ عليه قوله، فانتبهت من رقدتي، وكنت أنتظرك الآن. فقصَّ عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحاً فأمر بالخيول لتسرج، وتخرَّجوا فركبوا فلمَّا قربوا من القرية رأوا جعفر الراعي وله قطيع علي جانب الطريق فدخل حسن بن مثلة بين القطيع، وكان ذلك المعز خلف

ص: 238

القطيع فأقبل المعز عادياً إلي الحسن بن مثلة فأخذه الحسن ليعطي ثمنه الراعي ويأتي به فأقسم جعفر الراعي أنّي ما رأيت هذا المعز قطّ، ولم يكن في قطيعي إلاَّ أنّي رأيته وكلَّما اُريد أن آخذه لا يمكنني، والآن جاء إليكم، فأتوا بالمعز كما أمر به السيّد إلي ذلك الموضع وذبحوه.

وجاء السيّد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه إلي ذلك الموضع، وأحضروا الحسن بن مسلم واستردّوا منه الغلاَّت وجاؤا بغلاَّت رهق، وسقَّفوا المسجد بالجزوع وذهب السيّد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه بالسلاسل والأوتاد وأودعها في بيته فكان يأتي المرضي والأعلاء ويمسّون أبدانهم بالسلاسل فيشفيهم الله تعالي عاجلاً ويصحون.

قال أبو الحسن محمّد بن حيدر: سمعت بالاستفاضة أنَّ السيّد أبا الحسن الرضا في المحلَّة المدعوّة بموسويان من بلدة قم، فمرض بعد وفاته ولد له، فدخل بيته وفتح الصندوق الذي فيه السلاسل والأوتاد، فلم يجدها.(1)

23 رمضان المبارك

1 _ سنة (258ه-): ولادة الإمام المهدي عليه السلام علي قول ابن طلحة الشافعي:

قال ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول: (فأمَّا مولده _ أي الإمام المهدي عليه السلام _: فبسُرَّ من رأي في ثالث وعشرين رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة)(2).

******

(1) جنَّة المأوي: 54 - 58/ الحكاية الثامنة.

(2) مطالب السؤول: 480.

ص: 239

2 _ سنة الظهور: نداء جبرئيل باسم الإمام المهدي عليه السلام في ليلة (23) رمضان:

روي النعماني رحمه الله عن علي بن الحسين، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيي العطّار، قال: حدَّثنا محمّد بن حسّان الرازي، قال: حدَّثنا محمّد بن علي الكوفي، قال: حدَّثنا عبد الله بن جبلة، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: جُعلت فداك، متي خروج القائم عليه السلام؟ فقال: (يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نوقّت، وقد قال محمّد صلي الله عليه وآله وسلم: كذب الوقّاتون. يا أبا محمّد، إنَّ قدّام هذا الأمر خمس علامات: أولاهنَّ النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء). ثمّ قال: (يا أبا محمّد، إنَّه لا بدَّ أن يكون قدّام ذلك الطاعونان: الطاعون الأبيض، والطاعون الأحمر). قلت: جُعلت فداك، وأيّ شيء هما؟ فقال: (أمَّا الطاعون الأبيض فالموت الجارف، وأمَّا الطاعون الأحمر فالسيف، ولا يخرج القائم حتَّي ينادي باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان ليلة جمعة). قلت: ب-ِمَ ينادي؟ قال: (باسمه واسم أبيه: ألا إنَّ فلان بن فلان قائم آل محمّد فاسمعوا له وأطيعوه، فلا يبقي شيء من خلق الله فيه الروح إلاَّ يسمع الصيحة، فتوقظ النائم ويخرج إلي صحن داره، وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم ممَّا يسمع، وهي صيحة جبرئيل عليه السلام)(1).

* وروي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسي، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي أيّوب، عن الحارث بن

******

(1) الغيبة للنعماني: 301 و302/ باب 16/ ح 6.

ص: 240

المغيرة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان)(1).

وراجع ما ذُكر في (10/ محرَّم الحرام/ سنة الظهور) تحت عنوان: (نداء جبرئيل بين يدي الإمام المهدي عليه السلام...)، وتحت عنوان: (ينادي المنادي من السماء: ألا إنَّ صفوة الله من خلقه فلان...).

3 _ ليلة القدر: نزول الملائكة بأمر الله تعالي علي الإمام المهدي عليه السلام:

روي الكليني رحمه الله عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد بن عيسي ومحمّد بن أبي عبد الله ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد جميعاً، عن الحسن بن العبّاس بن الجريش، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لابن عبّاس: (إنَّ ليلة القدر في كلّ سنة، وإنَّه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال ابن عبّاس: من هم؟ قال: (أنا وأحد عشر من صلبي أئمّة محدّثون)(2).

* وبهذا الإسناد، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأصحابه: (آمنوا بليلة القدر، إنَّها تكون لعلي بن أبي طالب ولولده الأحد عشر من بعدي)(3).

* وروي ابن شهر آشوب رحمه الله عن محمّد بن علي الباقر عليه السلام، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (آمنوا بليلة القدر، فإنَّه ينزل فيها أمر السنة، وإنَّ لذلك الأمر ولاة من بعدي، علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده)(4).

******

(1) كمال الدين: 650/ باب 57/ ح 6.

(2) الكافي 1: 532 و533/ باب فيما جاء في الاثني عشر.../ ح 11.

(3) الكافي 1: 533/ باب فيما جاء في الاثني عشر.../ ح 12.

(4) مناقب آل أبي طالب 1: 257.

ص: 241

25 رمضان المبارك

سنة (255ه-): مشاهدة السيّدة حكيمة للإمام المهدي عليه السلام بعد مرور أربعين يوماً علي ولادته عليه السلام:

راجع ما ذُكر في (فجر 15 شعبان/ 255ه-)، تحت عنوان: (مولد الإمام المهدي عليه السلام في ليلة (15) شعبان علي رأي مشهور الطائفة).

* * *

أحداث هذا الشهر بدون ذكر اليوم

1 _ سنة (229ه-): التاريخ السندي لحديث الإمام الصادق عليه السلام حول تكذيب الموقّتين للظهور:

روي النعماني رحمه الله عن أبي سليمان أحمد بن هوذة، قال: حدَّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي بنهاوند سنة ثلاث وستّين ومائتين، قال: حدَّثنا عبد الله بن حماد الأنصاري في شهر رمضان سنة تسع وعشرين ومائتين، قال: حدَّثنا عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام أنَّه قال: (أبي الله إلاَّ أن يخلف وقت الموقّتين)(1).

2 _ سنة (229ه-): التاريخ السندي لحديث عبد الله بن حماد الأنصاري عن الإمام الصادق عليه السلام حول النداء في السماء باسم المهدي عليه السلام:

روي المجلسي رحمه الله عن كتاب الغيبة للنعماني، عن أبي سليمان أحمد بن هوذة الباهلي، عن إبراهيم بن إسحاق بنهاوند سنة ثلاث

******

(1) الغيبة للنعماني: 300/ باب 16/ ح 4.

ص: 242

وسبعين ومائتين، عن عبد الله بن حماد الأنصاري في شهر رمضان سنة تسع وعشرين ومائتين، عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (لا يكون هذا الأمر الذي تمدّون أعينكم إليه، حتَّي ينادي منادٍ من السماء: ألا إنَّ فلاناً صاحب الأمر فعلام القتال؟)(1).

وراجع ما ذُكر في (رجب/ سنة 277ه-) تحت عنوان: (التاريخ السندي لحديث علي بن الحسن التيملي عن الإمام الصادق عليه السلام حول النداء السماوي للإمام المهدي عليه السلام).

3 _ سنة (327ه-): التاريخ السندي لحديث أمير المؤمنين عليه السلام عن ملك بني العبّاس والإشارة إلي ظهور القائم:

روي النعماني رحمه الله، قال: حدَّثنا محمّد بن همّام في منزله ببغداد في شهر رمضان في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، قال: حدَّثني أحمد بن مابنداذ سنة سبع وثمانين ومائتين، قال: حدَّثنا أحمد بن هلال، قال: حدَّثني الحسن بن علي بن فضال، قال: حدَّثنا سفيان بن إبراهيم الجريري، عن أبيه، عن أبي صادق، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: (ملك بني العبّاس يسر لا عسر فيه، لو اجتمع عليهم الترك والديلم والسند والهند والبربر والطيلسان لن يزيلوه، ولا يزالون في غضارة من ملكهم حتَّي يشذّ عنهم مواليهم وأصحاب ألويتهم، ويسلّط الله عليهم علجاً يخرج من حيث بدأ ملكهم، لا يمرُّ بمدينة إلاَّ فتحها، ولا ترفع له راية إلاَّ هدَّها، ولا نعمة إلاَّ أزالها، الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتَّي يظفر ويدفع بظفره إلي رجل من عترتي، يقول بالحقّ ويعمل به)(2).

******

(1) بحار الأنوار 52: 296/ ح 52، ولم نجده في المصدر المطبوع.

(2) الغيبة للنعماني: 257 و258/ باب 14/ ح 4.

ص: 243

4 _ وفاة الحسن بن النضر وكرامة الإمام المهدي عليه السلام عليه:

روي الكليني رحمه الله عن علي بن محمّد، عن سعيد بن عبد الله، قال: إنَّ الحسن بن النضر(1) وأبا صدام وجماعة تكلَّموا بعد مضي أبي محمّد عليه السلام فيما في أيدي الوكلاء وأرادوا الفحص، فجاء الحسن بن النضر إلي أبي الصدام فقال: إنّي اُريد الحجّ، فقال له أبو صدام: أخّره هذه السنة، فقال له الحسن (بن النضر): إنّي أفزع في المنام، ولا بدَّ من الخروج، وأوصي إلي أحمد بن يعلي بن حماد، وأوصي للناحية بمال، وأمره أن لا يخرج شيئاً إلاَّ من يده إلي يده بعد ظهوره، قال: فقال الحسن: لمَّا وافيت بغداد اكتريت داراً فنزلتها فجاءني بعض الوكلاء بثياب ودنانير وخلفها عندي، فقلت له: ما هذا؟ قال: هو ما تري، ثمّ جاءني آخر بمثلها وآخر حتَّي كبسوا الدار، ثمّ جاءني أحمد بن إسحاق بجميع ما كان معه فتعجَّبت وبقيت متفكّراً فوردت عليَّ رقعة الرجل عليه السلام: (إذا مضي من النهار كذا وكذا فاحمل ما معك)، فرحلت وحملت ما معي وفي الطريق صعلوك يقطع الطريق في ستّين رجلاً فاجتزت عليه وسلَّمني الله منه فوافيت العسكر ونزلت، فوردت عليَّ رقعة أن (احمل ما معك)، فعبَّيته في صنان الحمّالين، فلمَّا بلغت الدهليز إذا فيه أسود قائم فقال: أنت الحسن بن النضر؟ قلت: نعم، قال: ادخل، فدخلت الدار ودخلت بيتاً وفرَّغت صنان الحمّالين، وإذا في زاوية البيت خبز

******

(1) قال الكشّي رحمه الله في رجاله (ج 2/ ص 815/ الرقم 1019): إنَّه من أجلَّة إخواننا، وعدَّه الصدوق رحمه الله في كمال الدين (ص 443/ باب 43/ ح 16) ممَّن وقف علي معجزات صاحب العصر والزمان عليه السلام.

ص: 244

كثير فأعطي كلّ واحد من الحمّالين رغيفين واُخرجوا، وإذا بيت عليه ستر فنوديت منه: (يا حسن بن النضر، احمد الله علي ما منَّ به عليك ولا تشكنَّ، فودَّ الشيطان أنَّك شككت)، وأخرج إليَّ ثوبين وقيل: (خذها فستحتاج إليهما)، فأخذتهما وخرجت. قال سعد: فانصرف الحسن بن النضر ومات في شهر رمضان وكُفّن في الثوبين(1).

5 _ سنة ما بعد الظهور: قتل السفياني في شهر رمضان علي يد الإمام المهدي عليه السلام:

راجع ما ذُكر في (رجب/ سنة 265ه-) تحت عنوان: (التاريخ السندي لحديث الصادق عليه السلام عن ظهور السفياني في رجب).

6 _ دعاء الافتتاح يُقرأ في كلّ ليلة من هذا الشهر بسند النائب الأوّل عثمان بن سعيد رضي الله عنه:

قال السيّد ابن طاووس رحمه الله في إقبال الأعمال: فصل فيما نذكره من دعاء الافتتاح وغيره من الدعوات التي تتكرَّر كلّ ليلة إلي آخر شهر الفلاح، فمن ذلك الدعاء الذي ذكره محمّد بن أبي قرة بإسناده، فقال: حدَّثني أبو الغنائم محمّد بن محمّد بن محمّد بن عبد الله الحسني، قال: أخبرنا أبو عمرو محمّد بن محمّد بن نصر السكوني رضي الله عنه، قال: سألت أبا بكر أحمد بن محمّد بن عثمان البغدادي رحمه الله أن يخرج إليَّ أدعية شهر رمضان التي كان عمّه أبو جعفر محمّد بن عثمان بن السعيد العمري رضي الله عنه وأرضاه يدعو بها، فأخرج إليَّ دفتراً مجلَّداً بأحمر، فنسخت منه أدعية كثيرة وكان من جملتها: وتدعو بهذا الدعاء في كلّ

******

(1) الكافي 1: 517 و518/ باب مولد الصاحب عليه السلام/ ح 4.

ص: 245

ليلة من شهر رمضان، فإنَّ الدعاء في هذا الشهر تسمعه الملائكة وتستغفر لصاحبه، وهو:

(اللّهُمَّ إِنّي أفْتَتِحُ الثَّناءَ ب-ِحَمْدِكَ وَأنْتَ مُسَدَّدٌ لِلصَّوابِ ب-ِمَنّكَ، وَأيْقَنْتُ أنَّكَ أنْتَ أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِع العَفْو وَالرَّحْمَةِ، وَأشَدُّ المُعاقِب-ِينَ فِي مَوْضِع النّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَأعْظَمُ المُتَجَبَّرينَ فِي مَوْضِع الكِبْرياءِ وَالعَظَمَةِ. اللّهُمَّ أذِنْتَ لِي فِي دُعائِكَ وَمَسْألَتِكَ فاسْمَعْ يا سَمِيعُ مِدْحَتِي، وَأجِبْ يا رَحِيمُ دَعْوَتِي، وَأقِلْ يا غَفُورُ عَثْرَتِي، فَكَمْ يا إِلهِي مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ فَرَّجْتَها، وَهُمُوم قَدْ كَشَفْتَها، وَعَثْرَةٍ قَدْ أقَلْتَها، وَرَحْمَةٍ قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاءٍ قَدْ فَكَكْتَها. الحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌ مِنَ الذُّلِ وَكَبَّرْهُ تَكْب-ِيراً، الحَمْدُ للهِ ب-ِجَمِي-ِع مَحامِدِهِ كُلّها عَلي جَمِيع ن-ِعَمِهِ كُلّها، الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا مُضادَّ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَلا مُنازِعَ لَهُ فِي أمْرهِ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا شَريكَ لَهُ فِي خَلْقِهِ وَلا شَب-ِيهَ لَهُ فِي عَظَمَتِهِ، الحَمْدُ للهِ الفاشِي فِي الخَلْقِ أمْرُهُ وَحَمْدُهُ، الظاهِر بالكَرَم مَجْدُهُ، الباسِطِ بالجُودِ يَدَهُ، الَّذِي لا تَنْقُصُ خَزائِنُهُ، وَلا تَزيدُهُ كَثرَةُ العَطاءِ إِلاَّ جُوداً وَكَرَماً إِنَّهُ هُوَ العَزيزُ الوَهَّابُ. اللّهُمَّ إِنّي أسْألُكَ قَلِيلاً مِنْ كَثِيرٍ، مَعَ حَاجَةٍ ب-ِي إِلَيْهِ عَظِيمَةٍ، وِغِناكَ عَنْهُ قَدْيمٌ، وَهُوَ عِنْدِي كَثِيرٌ، وَهُوَ عَلَيْكَ سَهْلٌ يَسِيرٌ. اللّهُمَّ إِنَّ عَفْوَكَ عَنْ ذَنْب-ِي وَتَجاوُزَكَ عَنْ خَطِيئَتِي وَصَفْحَكَ عَنْ ظُلْمِي وَسِتْرَكَ عَلَي قَب-ِيح عَمَلِي وَحِلْمَكَ عَنْ كَثِير جُرْمِي، عِنْدَما كانَ مِنْ خَطَأي وَعَمْدِي، أطْمَعَن-ِي فِي أنْ أسْألُكَ ما لا اسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ الَّذِي رَزَقْتَن-ِي مِنْ رَحْمَتِكَ وَأرَيْتَن-ِي مِنْ قُدْرَتِكَ وَعَرَّفْتَن-ِي مِنْ إِجابَتِكَ، فَصِرْتُ أدْعُوكَ آمِناً وَأسْألُكَ مُسْتَأن-ِساً، لا خائِفاً وَلا وَجِلاً، مُدِلاً عَلَيْكَ فِيما قَصَدْتُ فِيهِ إِلَيْكَ، فَإنْ أبْطاءَ عَنّي عَتِبْتُ ب-ِجَهْلِي عَلَيْكَ، وَلَعَلَّ الَّذِي أبْطَاءَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لِي لِعِلْمِكَ ب-ِعاقِبَةِ الاُمُورِ. فَلَمْ أرَ مَوْليً كَريماً أصْبَرَ عَلي

ص: 246

عبْدٍ لَئِيم مِنْكَ عَلَيَّ يا رَبَّ. إِنَّكَ تَدْعُون-ِي فَاُوَلّي عَنْكَ، وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأتَبَغَّضُ إِلَيْكَ، وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلا أقْبَلُ مِنْكَ، كَأنَّ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لِي وَالإِحْسانِ إِلَيَّ وَالتَّفَضُّل عَلَيَّ ب-ِجُودِكَ وَكَرَمِكَ، فَارْحَمْ عَبْدَكَ الجاهِلَ وَجُدْ عَلَيْهِ ب-ِفَضْل إِحْسان-ِكَ، إِنَّكَ جَوادٌ كَريمٌ. الحَمْدُ للهِ مالِكِ المُلْكِ، مُجْري الفُلْكِ، مُسَخّر الرَّياح، فالِقِ الإِصْباح، دَيّانِ الدَّين، رَبَّ العالَمِينَ. الحَمْدُ للهِ عَلي حِلْمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَالحَمْدُ للهِ عَلي عَفْوهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ، وَالحَمْدُ للهِ عَلي طُولِ أناتِهِ فِي غَضَب-ِهِ وَهُوَ قادِرٌ عَلي ما يُريدُ. الحَمْدُ للهِ خالِقِ الخَلْقِ، باسِطِ الرَّزْقِ، فالِقِ الإِصْباح، ذِي الجَلالِ وَالإِكْرام، وَالفَضْل وَالإِنْعام، الَّذِي بَعُدَ فَلا يُري، وَقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوي، تَبارَكَ وَتَعالي. الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُنازِعٌ يُعادِلُهُ، وَلا شَب-ِيهٌ يُشاكِلُهُ، وَلا ظَهِيرٌ يُعاضِدُهُ، قَهَرَ ب-ِعِزَّتِهِ الأعِزَّاءَ، وَتَواضَعَ لِعَظَمَتِهِ العُظَماءُ، فَبَلَغَ ب-ِقُدْرَتِهِ ما يَشاءُ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُجِيبُن-ِي حِينَ اُنادِيهِ، وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ وأنا أعْصِيهِ، وَيُعَظّمُ النّعْمَةَ عَلَيَّ فَلا اُجازِيهِ، فَكَمْ مِنْ مَوْهِبَةٍ هَن-ِيئَةٍ قَدْ أعْطان-ِي، وَعَظِيمَةٍ مَخُوفَةٍ قَدْ كَفان-ِي، وَبَهْجَةٍ مون-ِقَةٍ قَدْ أران-ِي، فاُثْن-ِي عَلَيْهِ حامِداً وَأذْكُرُهُ مُسَبَّحاً. الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا يُهْتَكُ حِجابُهُ وَلا يُغْلَقُ بابُهُ، وَلا يُرَدُّ سائِلُهُ وَلا يُخَيَّبُ آمِلُهُ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُؤْمِنُ الخائِفِينَ، وَيُنَجَّي الصَّالِحِينَ، وَيَرْفَعُ المُسْتَضْعَفِينَ، وَيَضَعُ المُسْتَكْب-ِرينَ، وَيُهْلِكُ مُلُوكاً وَيَسْتَخْلِفُ آخَرينَ. الحَمْدُ للهِ قاصِم الجَبَّارينَ، مُب-ِير الظَّالِمِينَ، مُدْرِكِ الهارِب-ِينَ، نَكالِ الظَّالِمِينَ، صَريخ المُسْتصرخِينَ، مَوْضِع حاجاتِ الطَّالِب-ِينَ، مُعْتَمَدِ المُؤْمِن-ِينَ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي مِنْ خَشْيَتِهِ تَرْعَدُ السَّماء وَسُكَّانُها، وَتَرْجُفُ الأرْضُ وَعُمَّارُها، وَتَمُوجُ الب-ِحارُ وَمَنْ يَسْبَحُ فِي غَمَراتِها. الحَمْدُ للهِ الَّذِي يَخْلُقُ وَلَمْ يُخْلَقْ، وَيَرْزُقُ وَلا يُرْزَقُ، وَيُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ، وَيُمِيتُ الأحْياءَ وَيُحْييَ المَوْتي وَهُوَ حَيٌ لا يَمُوتُ ب-ِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلي كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

ص: 247

اللّهُمَّ صَلّ عَلي مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَأمِي-نِكَ وَصَفِيَّكَ، وَحَب-ِي-بِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَحافِظِ سِرَّكَ وَمُبَلّغ رِسالاتِكِ، أفْضَلَ وَأحْسَنَ وَأجْمَلَ وَأكْمَلَ وَأزْكي وَأنْمي وَأطْيَبَ وَأطْهَرَ وَأسْني وَأكْثَرَ ما صَلَّيْتَ وَبارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ عَلي أحَدٍ مِنْ عِبادِكَ وَأنْب-ِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَصَفْوَتِكَ وَأهْل الكَرامَةِ عَلَيْكَ مِنْ خَلْقِكَ. اللّهُمَّ وَصَلّ عَلي عَلِيًّ أمِيرَ المُؤْمِن-ِينَ، وَوَصِيَّ رَسُولِ رَبَّ العالَمِينَ، (عَبْدِكَ وَوَلِيّكَ وَأخِي رَسُولِكَ وَحُجَّتِكَ عَلي خَلْقِكَ وَآيَتِكَ الكُبْري وَالنَّبَأ العَظِيم)، وَصَلّ عَلي الصّدَّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيَّدَةِ ن-ِساءِ العالَمِينَ، وَصَلّ عَلي سِبْطَي الرَّحْمَةِ وَإِمامَي الهُدي الحَسَن وَالحُسَيْن سَيَّدَيْ شَبابِ أهْل الجَنَّةِ، وَصَلّ عَلي أئِمَّةِ المُسْلِمِينَ عَلِيَّ بْن الحُسَيْن وَمُحَمَّدٍ بْن عَلِيًّ وَجَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ وَمُوسي بْن جَعْفَرٍ وَعَلِيَّ بْن مُوسي وَمُحَمَّدِ بْن عَلِيًّ وعليَّ بْن مُحَمَّدٍ وَالحَسَن بْن عَلِيًّ وَالخَلَفِ الهادِي المَهْدِي، حُجَجِكَ عَلي عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ فِي ب-ِلادِكِ صَلاةً كَثِيرَةً دائِمَةً. اللّهُمَّ وَصَلّ عَلي وَلِيَّ أمْركِ القائِم المُؤَمَّل وَالعَدْلِ المُنْتَظَر، وَحُفَّهُ ب-ِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّب-ِينَ، وَأيَّدْهُ ب-ِرُوح القُدُس يا رَبَّ العالَمِينَ. اللّهُمَّ اجْعَلْهُ الدَّاعِيَ إِلي كِتاب-ِكَ وَالقائِمَ ب-ِدِين-ِكَ، اسْتَخْلِفْهُ فِي الأرْض كَما اسْتَخْلَفْتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِ، مَكّنْ لَهُ دِينَهُ الَّذِي ارْتَضَيْتَهُ لَهُ، أبْدِلْهُ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِ أمْناً يَعْبُدُكَ لا يُشْركُ ب-ِكَ شَيْئاً. اللّهُمَّ أعِزَّهُ وَأعْززْ ب-ِهِ، وَانْصُرْهُ وَانْتَصِرْ ب-ِهِ، وَانْصُرْهُ نَصْراً عَزيزاً. اللّهُمَّ أظْهِرْ ب-ِهِ دِينَكَ وَسُنَّةَ نَب-ِيَّكَ، حَتَّي لا يَسْتَخْفِي ب-ِشَيْءٍ مِنَ الحَقَّ مَخافَةَ أحَدٍ مِنَ الخَلْقِ. اللّهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَريمَةٍ تُعِزُّ ب-ِها الإِسْلامَ وَأهْلَهُ وَتُذِلُّ ب-ِها النّفاقَ وَأهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فِيها مِنَ الدُّعاةِ إِلي طاعَتِكَ وَالقادَةِ إِلي سَب-ِيلِكَ، وَتَرْزُقُنا ب-ِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ. اللّهُمَّ ما عَرَّفْتَنا مِنَ الحَقَّ فَحَمَّلْناهُ وَما قَصُرْنا عَنْهُ فَبَلّغْناهُ. اللّهُمَّ ألْمُمْ ب-ِهِ شَعْثَنا، وَاشْعَبْ ب-ِهِ صَدْعَنا، وَارْتِقْ ب-ِهِ فَتْقَنا، وَكَثّرْ ب-ِهِ قِلَّتَنا، وَأعْززْ ب-ِهِ ذِلَّتَنا، وَاغْن ب-ِهِ

ص: 248

عائِلَنا، وَاقْض ب-ِهِ عَنْ مُغْرَمِنا، وَاجْبُرْ ب-ِهِ فَقْرَنا، وَسُدَّ ب-ِهِ خَلَّتَنا، وَيَسَّرْ ب-ِهِ عُسْرَنا، وَبَيَّضْ ب-ِهِ وُجُوهَنا، وَفُكَّ ب-ِهِ أسْرَنا، وَانْجِحْ ب-ِهِ طَلَبَتِنَا، وَأنْجِزْ ب-ِهِ مَواعِيدَنا، وَاسْتَجِبْ ب-ِهِ دَعْوَتَنا، وَاعْطِنا ب-ِهِ آمَالَنَا، وَاعْطِنا ب-ِهِ فَوْقَ رَغْبَتِنا. يا خَيْرَ المَسْؤُولِينَ وَأوْسَعَ المُعْطِينَ، اشْفِ ب-ِهِ صُدُورَنا، وَأذْهِبْ ب-ِهِ غَيْظَ قُلُوب-ِنا، وَاهْدِنا ب-ِهِ لِما اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقَّ ب-ِإذْن-ِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ إِلي صِراطٍ مُسْتَقِيم، وَانْصُرْنا بِهِ عَلي عَدُوَّكَ وَعَدُوَّنا إِلهَ الحَقَّ آمِينَ. اللّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَب-ِيَّنا صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَغَيْبَةَ وَلِيَّنا، وَكَثْرَةَ عَدُوَّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا، وَشِدَّةَ الفِتَن ب-ِنا، وَتَظاهُرَ الزَّمانِ عَلَيْنا، فَصَلّ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأعِنّا عَلي ذلِكَ ب-ِفَتْح مِنْكَ تُعَجَّلُهُ، وَب-ِضُرٍ تَكْشِفُهُ، وَنَصْرٍ تُعِزُّهُ، وَسُلْطانِ حَقَّ تُظْهِرُهُ، وَرَحْمَةٍ مِنْكَ تُجَلّلُناها، وَعافِيَةٍ مِنْكَ تُلْب-ِسُناها، ب-ِرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ)(1).

7 _ دعاء آخر يُقرأ في كلّ يوم وليلة من هذا الشهر، وهو دعاء الإمام الصادق عليه السلام لدولة صاحب العصر والزمان: (اللّهمّ إنّا نرغب إليك في دولة كريمة...):

روي السيّد ابن طاووس رحمه الله أيضاً بإسناده إلي أبي محمّد هارون بن موسي التلعكبري بإسناده إلي أبي عبد الله عليه السلام قال: (... اللّهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَريمَةٍ تُعِزُّ ب-ِها الإِسْلامَ وَأهْلَهُ وَتُذِلُّ ب-ِها النّفاقَ وَأهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فِيها مِنَ الدُّعاةِ إِلي طاعَتِكَ وَالقادَةِ إِلي سَب-ِيلِكَ، وَتَرْزُقُنا ب-ِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَب-ِيَّنا عَنَّا، وَكَثْرَةَ عَدُوَّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا، وَشِدَّةَ الفِتَن ب-ِنا، وَتَظاهُرَ الزَّمانِ عَلَيْنا، فَصَلّ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأعِنّا

******

(1) إقبال الأعمال 1: 138 - 143.

ص: 249

عَلي ذلِكَ ب-ِفَتْح مِنْكَ تُعَجَّلُهُ، وَنَصْرٍ تُعِزُّهُ، وَسُلْطانِ حَقَّ تُظْهِرُهُ، وَرَحْمَةٍ مِنْكَ تُجَلّلُناها، وَعافِيَتِكَ فَألْب-ِسْناها، ب-ِرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ...) الدعاء بطوله(1).

* * *

******

(1) إقبال الأعمال 1: 127.

ص: 250

10- شوّال المكرَّم

اشارة

ص: 251

ص: 252

1 شوّال المكرَّم

1 _ سنة (412ه-): تاريخ كتابة رسالة الإمام المهدي عليه السلام الثانية للشيخ المفيد رحمه الله:

سيأتي في (23/ ذي الحجّة/ 412ه-) تحت عنوان: (تاريخ وصول رسالة الإمام المهدي عليه السلام الثانية إلي الشيخ المفيد رحمه الله).

2 _ الدعاء في اليوم الأوّل من شهر شوّال الوارد عن النائب الثاني محمّد بن عثمان رضي الله عنه:

قال السيّد ابن طاووس رحمه الله في الإقبال: ويدعو أيضاً فيقول ما رواه محمّد بن أبي قرة في كتابه بإسناده إلي أبي عمرو محمّد بن محمّد بن نصر السكونيرضي الله عنه، قال: سألت أبا بكر أحمد بن محمّد بن عثمان البغدادي رحمه الله أن يخرج إليَّ دعاء شهر رمضان الذي كان عمّه الشيخ أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه وأرضاه يدعو به، فأخرج إليَّ دفتراً مجلَّداً بأحمر فيه أدعية شهر رمضان، من جملتها الدعاء بعد صلاة الفجر يوم الفطر: (اللّهمّ إنّي توجَّهت إليك بمحمّد صلّي الله عليه وآله أمامي، وعلي من خلفي وعن يميني، وأئمّتي عن يساري، أستتر بهم من عذابك، وأتقرَّب إليك زلفي، لا أجد أحداً أقرب إليك منهم، فهم أئمّتي، فآمن بهم خوفي من عقابك وسخطك، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين. أصبحت بالله مؤمناً مخلصاً علي دين محمّد صلّي الله عليه وآله وسُنَّته، وعلي دين علي وسُنَّته، وعلي دين الأوصياء وسُنَّتهم. آمنت

ص: 253

بسرّهم وعلانيَّتهم، وأرغب إلي الله تعالي فيما رغب فيه محمّد وعلي والأوصياء، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله، ولا عزَّة ولا منعة ولا سلطان إلاَّ لله الواحد القهّار، العزيز الجبّار، توكَّلت علي الله، ومن يتوكَّل علي الله فهو حسبه، إنَّ الله بالغ أمره. اللّهمّ إنّي اُريدك فأردني، وأطلب ما عندك فيسّره لي، واقض لي حوائجي، فإنَّك قلت في كتابك وقولك الحقّ: (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُديً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدي وَالْفُرْقانِ) (البقرة: 185). فعظَّمت حرمة شهر رمضان بما أنزلت فيه من القرآن، وخصصته وعظَّمته بتصييرك فيه ليلة القدر، فقلت: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ 3 تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ 4 سَلامٌ هِيَ حَتَّي مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر: 3 _ 5). اللّهمّ وهذه أيّام شهر رمضان قد انقضت، ولياليه قد تصرَّمت، وقد صرت منه يا إلهي إلي ما أنت أعلم به منّي، وأحصي لعدده من عددي. فأسألك يا إلهي بما سألك به عبادك الصالحون أن تُصلّي علي محمّد وأهل بيت محمّد وأن تتقبَّل منّي ما تقرَّبت به إليك، وتتفضَّل عليَّ بتضعيف عملي، وقبول تقرّبي وقرباتي، واستجابة دعائي، وهب لي منك عتق رقبتي من النار، ومُنَّ عليَّ بالفوز بالجنَّة، والأمن يوم الخوف، من كلّ فزع ومن كلّ هول، أعددته ليوم القيامة. أعوذ بحرمة وجهك الكريم، وبحرمة نبيّك، وحرمة الصالحين أن ينصرم هذا اليوم، ولك قِبَلي تبعة تريد أن تؤاخذني بها، أو ذنب تريد أن تقايسني به، ويشقيني وتفضحني به، أو خطيئة تريد أن تقايسني بها وتقتصّها منّي لم تغفرها لي. وأسألك بحرمة وجهك الكريم الفعّال لما تريد، الذي يقول للشيء: كن فيكون، لا إله إلاَّ هو. اللّهمّ إنّي أسألك بلا إله إلاَّ أنت، إن كنت رضيت عنّي في هذا الشهر أن تزيدني فيما بقي من عمري رضي، وإن كنت لم ترضَ عنّي في هذا الشهر فمن الآن فارض عنّي،

ص: 254

الساعة الساعة الساعة، واجعلني في هذه الساعة وفي هذا المجلس من عتقائك من النار، وطلقائك من جهنَّم، وسعداء خلقك، بمغفرتك ورحمتك، يا أرحم الراحمين. اللّهمّ إنّي أسألك بحرمة وجهك الكريم، أن تجعل شهري هذا خير شهر رمضان عبدتك فيه، وصمته لك، وتقرَّبت به إليك، منذ أسكنتني فيه، أعظمه أجراً، وأتمّه نعمةً، وأعمّه عافيةً، وأوسعه رزقاً، وأفضله عتقاً من النار، وأوجبه رحمةً، وأعظمه مغفرةً، وأكمله رضواناً، وأقربه إلي ما تحبّ وترضي. اللّهمّ لا تجعله آخر شهر رمضان صمته لك، وارزقني العود ثمّ العود، حتَّي ترضي وبعد الرضا، وحتَّي تخرجني من الدنيا سالماً، وأنت عنّي راضٍ وأنا لك مرضي. اللّهمّ اجعل فيما تقضي وتُقدّر من الأمر المحتوم الذي لا يرد ولا يبدَّل أن تكتبني من حجّاج بيتك الحرام في هذا العام وفي كلّ عام، المبرور حجّهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنوبهم، المتقبَّل عنهم مناسكهم، المعافين في أسفارهم، المقبلين علي نسكهم، المحفوظين في أنفسهم وأموالهم وذراريهم وكلّ ما أنعمت به عليهم. اللّهمّ اقلبني من مجلسي هذا، في شهري هذا، في يومي هذا، في ساعتي هذه، مفلحاً منجحاً مستجاباً لي، مغفوراً ذنبي، معافاً من النار، ومعتقاً منها، عتقاً لا رقَّ بعده أبداً ولا رهبةً، يا ربّ الأرباب. اللّهمّ إنّي أسألك أن تجعل فيما شئت وأردت، وقضيت وقدرت، وحتمت وأنفذت، أن تطيل عمري، وأن تنسأني في أجلي، وأن تقوي ضعفي، وأن تغني فقري، وأن تجبر فاقتي، وأن ترحم مسكنتي، وأن تعزّ ذلّي، وأن ترفع ضعتي، وأن تغني عائلتي، وأن تؤنس وحشتي، وأن تكثر قلَّتي، وأن تدر رزقي، في عافية ويسر وخفض، وأن تكفيني ما أهمَّني من أمر دنياي وآخرتي. ولا تكلني إلي نفسي فأعجز عنها، ولا إلي الناس فيرفضوني، وأن تعافيني في ديني وبدني، وجسدي وروحي، وولدي

ص: 255

وأهلي، وأهل مودَّتي، وإخواني وجيراني، من المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، وأن تمُنَّ عليَّ بالأمن والإيمان ما أبقيتني. فإنَّك وليّي ومولاي، وثقتي ورجائي، ومعدن مسألتي، وموضع شكواي، ومنتهي رغبتي، فلا تخيبني رجائي يا سيّدي ومولاي، ولا تبطل طمعي ورجائي. فقد توجَّهت إليك بمحمّد وآل محمّد، وقدَّمتهم إليك أمامي وأمام حاجتي وطلبتي، وتضرّعي ومسألتي، فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرَّبين، فإنَّك مننت عليَّ بمعرفتهم، فاختم لي بهم السعادة، إنَّك علي كلّ شيء قدير)(1).

6 شوّال المكرَّم

سنة (305ه-): أوّل كتاب صدر من السفير الثالث عن الإمام المهدي عليه السلام وفيه توثيقه:

روي الشيخ الطوسي رحمه الله عن جماعة، عن أبي العبّاس بن نوح، قال: وجدت بخطّ محمّد بن نفيس فيما كتبه بالأهواز: أوّل كتاب ورد من أبي القاسم رضي الله عنه: (نعرفه عرَّفه الله الخير كلّه ورضوانه وأسعده بالتوفيق، وقفنا علي كتابه وثقتنا بما هو عليه وأنَّه عندنا بالمنزلة والمحلّ اللذين يسرّانه، زاد الله في إحسانه إليه إنَّه وليّ قدير، والحمد لله لا شريك له، وصلّي الله علي رسوله محمّد وآله وسلَّم تسليماً كثيراً). وردت هذه الرقعة يوم الأحد لستّ ليال خلون من شوّال سنة خمس وثلاثمائة(2).

******

(1) إقبال الأعمال 1: 468 - 472.

(2) الغيبة للطوسي: 372/ رقم 344.

ص: 256

15 شوّال المكرَّم

سنة (3ه-): إخبار رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعمّار وهو في معركة اُحُد عن فضل علي عليه السلام والإمام المهدي عليه السلام:

روي الخزّاز رحمه الله عن محمّد بن عبد الله بن المطَّلب الشيباني، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسين بن حفص الخثعمي الكوفي، قال: حدَّثنا عبّاد بن يعقوب، قال: حدَّثنا علي بن هاشم، عن محمّد بن عبد الله، عن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار، عن أبيه، عن جدّه عمّار، قال: كنت مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في بعض غزواته(1)، وقتل علي عليه السلام أصحاب الألوية وفرَّق

******

(1) المراد غزوة اُحُد. اتَّفق المؤرّخون علي أنَّها كانت في شوّال من السنة الثالثة للهجرة، واختلفوا في اليوم الذي وقعت فيه، وأشهر الأقوال أنَّه السبت للنصف من شوّال. وكان سبب وقوعها أنَّ قريشاً لمَّا رجعت من بدر إلي مكّة وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر، قال أبو سفيان: يا معشر قريش لا تدعو النساء تبكي علي قتلاكم، فإنَّ البكاء والدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمّد ويشمت بنا أصحاب محمّد. فجمعت قريش ثلاثة آلاف مقاتل، ومائتا فارس، وسبعمائة دارع، وأخرجوا معهم النساء يذكّرنَّهم ويحثنَّهم علي حرب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فلمَّا بلغ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ذلك جمع أصحابه وأخبرهم أنَّ قريشاً تجمَّعت تريد المدينة، وحثَّ أصحابه علي الجهاد والخروج. وعبَّأ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أصحابه وكانوا سبعمائة رجل ووضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة علي باب الشعب، وأشفق أن يأتي كمينهم من ذلك المكان، وأمرهم بعدم مفارقة مراكزهم مهما حدث.

ودفع الراية إلي أمير المؤمنين عليه السلام، وحمل الأنصار علي مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة، فنظر أصحاب عبد الله بن جبير إلي أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ينتهبون سواد القوم، فتركوا مراكزهم، فانحطَّ خالد بن الوليد علي عبد الله بن جبير وقد فرَّ أصحابه وبقي في نفر قليل، فقتلهم علي باب الشعب، ثمّ أتي المسلمين من أدبارهم، وانهزم أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هزيمة عظيمة، وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كلّ وجه.=

ص: 257

جمعهم، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحمي، وقتل شيبة بن نافع، أتيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقلت له: يا رسول الله صلّي الله عليك، إنَّ علياً قد جاهد في الله حقّ جهاده. فقال: (لأنَّه منّي وأنا منه، وارث علمي، وقاضي ديني، ومنجز وعدي، والخليفة بعدي، ولولاه لم يعرف المؤمن المحض، حربه حربي وحربي حرب الله، وسلمه سلمي وسلمي سلم الله، ألا إنَّه أبو سبطي والأئمّة من صلبه يخرج الله تعالي الأئمّة الراشدين، ومنهم مهدي هذه الأمّة). فقلت: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله، ما هذا المهدي؟ قال: (يا عمّار، إنَّ الله تبارك وتعالي عهد إليَّ أنَّه يخرج من صلب الحسين تسعة، والتاسع من ولده يغيب عنهم، وذلك قوله عز وجل: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) (الملك: 30)، يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون، فإذا كان في آخر الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ويقاتل علي التأويل كما قاتلت علي التنزيل، وهو سميّي وأشبه الناس بي. يا عمّار ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فاتَّبع علياً وحزبه، فإنَّه مع الحقّ والحقّ معه. يا عمّار إنَّك ستقاتل بعدي مع علي صنفين: الناكثين والقاسطين، ثمّ تقتلك الفئة

******

=وكان حمزة يحمل علي القوم، فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد، وكانت هند بنت عتبة عليها اللعنة قد أعطت وحشياً عهداً: لئن قتلت محمّداً أو علياً أو حمزة لأعطينَّك رضاك، وكان وحشي عبداً لجبير بن مطعم، فقال وحشي: أمَّا محمّد فلا أقدر عليه، وأمَّا علي فرأيته رجلاً حذراً كثير الالتفات فلم أطمع فيه، فكمنت لحمزة فرأيته يهدّ الناس هدّاً، فمرَّ بي فوطئ علي جرف نهر، فسقط فأخذت حربتي فهززتها ورميته فوقعت في خاصرته، فأتيته فشققت بطنه، فأخذت كبده، وجئت بها إلي هند، فأخذتها في فمها فلاكتها، فجعلها الله في فيها مثل الداغصة، فلفظتها ورمت بها، فبعث الله ملكاً فحمله فردَّه إلي بدنه. وانجلت المعركة عن سبعين شهيداً من المسلمين، واثنين وعشرين قتيلاً من المشركين. (راجع: تفسير القمّي 1: 110؛ تاريخ الطبري 2: 187).

ص: 258

الباغية). قلت: يا رسول الله، أليس ذلك علي رضا الله ورضاك؟ قال: (نعم علي رضا الله ورضاي، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه...)(1).

* * *

أحداث هذا الشهر بدون ذكر اليوم

1 _ سنة (271ه-): التاريخ السندي لحديث الإمام الصادق عليه السلام في حتمية السفياني:

روي النعماني رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدَّثنا محمّد بن سالم بن عبد الرحمن الأزدي من كتابه في شوّال سنة إحدي وسبعين ومائتين، قال: حدَّثني عثمان بن سعيد الطويل، عن أحمد بن سليم، عن موسي بن بكر، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّ من الأمور أموراً موقوفة وأموراً محتومة، وإنَّ السفياني من المحتوم الذي لا بدَّ منه)(2).

* وروي عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدَّثنا محمّد بن سالم بن عبد الرحمن الأزدي من كتابه في شوّال سنة إحدي وسبعين ومائتين، قال: حدَّثنا عثمان بن سعيد الطويل، عن أحمد بن سليمان، عن موسي بن بكر الواسطي، عن بشير النبّال، قال: قدمت المدينة، وذكر مثل الحديث المتقدّم، إلاَّ أنَّه قال: لمَّا قدمت المدينة قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنَّهم يقولون: إنَّ المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفواً، ولا يهريق محجمة دم، فقال: (كلاَّ، والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حين اُدميت رباعيته، وشُجَّ في

******

(1) كفاية الأثر: 120 - 122.

(2) الغيبة للنعماني: 313/ باب 18/ ح 6.

ص: 259

وجهه، كلاَّ والذي نفسي بيده حتَّي نمسح نحن وأنتم العرق والعلق) ثمّ مسح جبهته(1).

2 _ سنة (322ه-): القاء القبض علي الشلمغاني لعنه الله من قِبَل الوزير ابن مقلة:

قال ابن الأثير في الكامل في ذكر حوادث سنة (322ه-): ذكر قتل الشلمغاني وحكاية مذهبه: وفي هذه السنة قُتل أبو جعفر محمّد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي القراقر(2)، وشلمغان التي ينسب إليها قرية بنواحي واسط. وسبب ذلك أنَّه قد أحدث مذهباً غالياً في التشيّع والتناسخ وحلول الإلهية فيه إلي غير ذلك ممَّا يحكيه، وأظهر ذلك من فعله أبو القاسم الحسين بن روح الذي تسمّيه الإمامية الباب متداول وزارة حامد بن العبّاس(3)، ثمّ اتَّصل أبو جعفر الشلمغاني بالمحسن بن أبي الحسن بن الفرات في وزارة أبيه الثالثة(4)، ثمّ إنَّه

******

(1) الغيبة للنعماني: 294 و295/ باب 15/ ح 2.

(2) هكذا في المصدر، والصحيح: (ابن أبي العزاقر).

(3) هو حامد بن العبّاس، أبو الفضل الخراساني ثمّ العراقي، وزر للمقتدر سنة (306ه-)، ولمَّا بانت قلَّة خبرته ضمَّ إليه علي بن عيسي ليدبّره، ثمّ عزله المقتدر وأعاد الوزير ابن الفرات، وسلَّم إليه حامداً فقتله سرّاً سنة (311ه-).

(4) هو ابن الوزير ابن الفرات المشهور، قال الزركلي في الأعلام (ج 4/ ص 324): علي بن محمّد بن موسي، أبو الحسن، ابن الفرات: وزير، من الدهاة الفصحاء الأدباء الأجواد. وهو ممهّد الدولة للمقتدر العبّاسي. ولد في النهروان الأعلي (بين بغداد وواسط) واتَّصل بالمعتضد بالله فولاَّه ديوان السواد. ثمّ بلغ رتبة الوزارة في أوائل أيّام المقتدر، فتولاَّها ثلاث مرَّات، الأولي سنة (296 - 299ه-) انتهت بقبض (المقتدر) عليه وسجنه خمس سنين. واُخرج من السجن إلي الوزارة سنة وخمسة أشهر، ونكب سنة (306ه-) وسجن في قصر الخلافة نحو سنين، واُخرج سنة (311ه-) فخُلع عليه واُعيد إلي الوزارة، فبطش بخصومه والكائدين له، واتّسق له الأمر عشرة أشهر و(18) يوماً، وقُبض عليه سنة (312ه-) فسجن (33) يوماً وضُرب عنقه وطرحت جثته في دجلة.

ص: 260

طلب في وزارة الخاقاني(1) فاستتر وهرب إلي الموصل فبقي سنين عند ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان(2) في حياة أبيه عبد الله بن حمدان(3)، ثمّ انحدر إلي بغداد واستتر وظهر عنده ببغداد أنَّه يدَّعي لنفسه الربوبية، وقيل: إنَّه اتَّبعه علي ذلك الحسين بن القاسم بن عبد الله بن سليمان بن وهب الذي وزر للمقتدر بالله(4)، وأبو جعفر وأبو علي ابنا بسطام، وإبراهيم بن محمّد بن أبي

******

(1) قال الزركلي في الأعلام (ج 4/ ص 119): عبد الله بن محمّد بن عبيد الله بن يحيي بن خاقان، أبو القاسم: وزير من بيت وزارة...، استوزره المقتدر العبّاسي سنة (312ه-)، واستمرَّ نحو (18) شهراً، وقبض عليه المقتدر وصادر أملاكه، ثمّ أطلقه فاعتلَّ ومات.

(2) قال الزركلي في الأعلام (ج 2/ ص 195): ناصر الدولة الحمداني، الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان التغلبي، من ملوك الدولة الحمدانية. كان صاحب الموصل وما يليها. ولقَّبه المتَّقي العبّاسي بناصر الدولة، وخلع عليه، وجعله أمير الأمراء. وهو أخو سيف الدولة، وأكبر منه...، ولمَّا توفّي أخوه سنة (356ه-) اُصيب بالسويداء، فحجر عليه بنوه، وسيَّره ابنه فضل الله (الغضنفر) من الموصل إلي قلعة أردمشت مرفّهاً فتوفّي فيها، ونقل إلي الموصل. وكانت إمارته اثنتين وثلاثين سنة. وكان يداري بني بويه.

(3) قال الزركلي في الأعلام (ج 4/ ص 83): أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي العدوي، أمير، من القادة المقدّمين في العصر العبّاسي. ولاَّه المكتفي بالله الموصل وأعمالها سنة (293ه-)، فأقام إلي أن عزله المقتدر سنة (301ه-)، فقدم بغداد، فخلع عليه المقتدر وأعاده. ثمّ قبض عليه سنة (303ه-) مع أخيه الحسين. وأطلقه سنة (305ه-). وقلَّده طريق خراسان والدينور سنة (308ه-) فكان يتولّي ذلك وهو بغداد. وضمن أعمال الخراج والضياع بالموصل والبلاد المجاورة لها سنة (315ه-) ثمّ قتله أحد رجال المقتدر، في فتنة خلعه والبيعة للقاهر.

(4) هو أبو علي الجمّال، وزر للمقتدر سنة (319ه-)، ولقَّبوه عميد الدولة، وعزل بعد سبعة أشهر، وسُجن وعقد له مجلس في كائنة الشلمغاني، ونوظر، فظهرت رقاعه يخاطب الشلمغاني فيها بالإلهية، وأنَّه يحييه ويميته، ويسأله أن يغفر له ذنوبه. فأخرجت تلك الرقاع، وشهد جماعة أنَّه خطّه، فضربت عنقه، وطيف برأسه في ذي الحجّة سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة، وعاش ثمانياً وسبعين سنة. (أنظر: سير أعلام النبلاء 14: 569).

ص: 261

عون(1)، وابن شبيب الزيّات، وأحمد بن محمّد بن عبدوس كانوا يعتقدون ذلك فيه، وظهر ذلك عنهم وطلبوا أيّام وزارة ابن مقلة(2) للمقتدر بالله فلم يوجدوا. فلمَّا كان في شوّال سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ظهر الشلمغاني فقبض عليه الوزير ابن مقلة وسجنه وكبس داره فوجد فيها رقاعاً وكتباً ممَّن يدَّعي عليه أنَّه علي مذهبه يخاطبونه بما لا يخاطب به البشر بعضهم بعضاً، وفيها خطّ الحسين بن القاسم فعرضت الخطوط فعرفها الناس وعرضت علي الشلمغاني فأقرَّ أنَّها خطوطهم وأنكر مذهبه وأظهر الإسلام وتبرَّأ ممَّا يقال فيه، واُخذ ابن أبي عون وابن عبدوس معه واُحضرا معه عند الخليفة وأمر بصفعه فامتنعا فلمَّا اُكرها مدَّ ابن عبدوس يده وصفعه وأمَّا ابن أبي عون فإنَّه مدَّ يده إلي لحيته ورأسه فارتعدت

******

(1) قال الزركلي في الأعلام (ج 1/ ص 60): إبراهيم بن محمّد بن أبي عون أحمد بن المنجم، أبو إسحاق، أديب، من أشياع الشلمغاني وثقاته ببغداد، له كتاب (النواحي) في أخبار البلدان...، قتله الراضي العبّاسي صلباً مع الشلمغاني، بعد أن عرض عليه أن يتبرَّأ من الشلمغاني ولم يفعل.

(2) قال الزركلي في الأعلام (ج 6/ ص 273): محمّد بن علي بن الحسين بن مقلة، أبو علي، وزير، من الشعراء الأدباء، يضرب بحسن خطّه المثل. ولد في بغداد، وولي جباية الخراج في بعض أعمال فارس. ثمّ استوزره المقتدر العبّاسي سنة (316ه-)، ولم يلبث أن غضب عليه فصادره ونفاه إلي فارس سنة (318ه-)، واستوزره القاهر بالله سنة (320ه-) فجيء به من بلاد فارس، فلم يكد يتولّي الأعمال حتَّي اتَّهمه القاهر بالمؤامرة علي قتله، فاختبأ سنة (321ه-)، واستوزره الراضي بالله سنة (322ه-)، ثمّ نقم عليه سنة (324ه-) فسجنه مدَّة، وأخلي سبيله. ثمّ علم أنَّه كتب إلي أحد الخارجين عليه يطمعه بدخول بغداد، فقبض عليه وقطع يده اليمني، فكان يشدُّ القلم علي ساعده ويكتب به، فقطع لسانه سنة (326ه-) وسجنه، فلحقه في حبسه شقاء شديد حتَّي كان يستقي الماء بيده اليسري ويمسك الحبل بفمه، ومات في سجنه. قال الثعالبي: من عجائبه أنَّه تقلَّد الوزارة ثلاث دفعات، لثلاثة من الخلفاء، وسافر في عمره ثلاث سفرات اثنتان في النفي إلي شيراز والثالثة إلي الموصل، ودفن بعد موته ثلاث مرَّات.

ص: 262

يده فقبَّل لحية الشلمغاني ورأسه، ثمّ قال: إلهي وسيّدي ورازقي، فقال له الراضي: قد زعمت أنَّك لا تدَّعي الإلهية، فما هذا؟ فقال: وما عليَّ من قول ابن أبي عون، والله يعلم إنَّني لا قلت له إنَّني إله قطّ! فقال ابن عبدوس: إنَّه لم يدَّع الإلهية وإنَّما ادَّعي أنَّه الباب إلي الإمام المنتظر مكان ابن روح، وكنت أظنّ أنَّه يقول ذلك تقيّة، ثمّ احضروا عدَّة مرَّات ومعهم الفقهاء والقضاة والكتّاب والقوّاد، وفي آخر الأيّام أفتي الفقهاء بإباحة دمه فصلب ابن الشلمغاني وابن أبي عون في ذي القعدة واُحرقا بالنار(1).

* وروي الطوسي رحمه الله عن الحسين بن عبيد الله، عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داود القمّي رحمه الله، عن أبي علي بن همّام، قال: أنفذ محمّد بن علي الشلمغاني العزاقري إلي الشيخ الحسين بن روح يسأله أن يباهله، وقال: أنا صاحب الرجل وقد اُمرت بإظهار العلم، وقد أظهرته باطناً وظاهراً، فباهلني. فأنفذ إليه الشيخ رضي الله عنه في جواب ذلك: أيّنا تقدَّم صاحبه فهو المخصوم، فتقدَّم العزاقري فقُتل وصُلب واُخذ معه ابن أبي عون، وذلك في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة(2).

* وقال النجاشي رحمه الله: (محمّد بن علي الشلمغاني، أبو جعفر المعروف بابن أبي العزاقر، كان متقدّماً في أصحابنا، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح علي ترك المذهب، والدخول في المذاهب الرديئة حتَّي خرجت فيه التوقيعات، فأخذه السلطان، وقتله وصلبه)(3).

وسيأتي توقيع الإمام عليه السلام في لعنه في (ذي الحجّة/ 312ه-) تحت

******

(1) الكامل في التاريخ 8 : 290 - 292.

(2) الغيبة للطوسي: 307/ ح 258.

(3) رجال النجاشي: 378/ الرقم 1029.

ص: 263

عنوان: (خروج توقيع لإمام المهدي عليه السلام بلعن ابن أبي العزاقر علي يد الشيخ الحسين بن روح).

3 _ سنة الظهور: حصول مهمهة في شهر شوّال:

راجع ما ذُكر في (10/ محرَّم الحرام/ سنة الظهور) تحت عنوان: (ينادي المنادي من السماء: ألا إنَّ صفوة الله من خلقه فلان...).

* * *

ص: 264

11- ذي القعدة

اشارة

ص: 265

ص: 266

5 ذي القعدة

سنة (356ه-): ذكر حديث لأبي غالب الزراري من القطيعة مع زوجته وأهلها ورجوع الصفاء والودّ بينهما ببركة الإمام المهدي عليه السلام بتوسّط النائب الحسين بن روح رضي الله عنه:

روي الطوسي رحمه الله عن جماعة، عن أبي غالب أحمد بن محمّد بن سليمان الزراري رحمه الله إجازة، وكتب عنه ببغداد أبو الفرج محمّد بن المظفَّر في منزله بسويقة غالب في يوم الأحد لخمس خلون من ذي القعدة سنة ستّ وخمسين وثلاثمائة، قال: كنت تزوَّجت باُمّ ولدي وهي أوّل امرأة تزوَّجتها، وأنا حينئذٍ حدث السنّ وسنّي إذ ذاك دون العشرين سنة، فدخلت بها في منزل أبيها، فأقامت في منزل أبيها سنين وأنا أجتهد بهم في أن يحوّلوها إلي منزلي وهم لا يجيبوني إلي ذلك، فحملت منّي في هذه المدَّة وولدت بنتاً فعاشت مدَّة ثمّ ماتت ولم أحضر في ولادتها ولا في موتها ولم أرَها منذ ولدت إلي أن توفّيت للشرور التي كانت بيني وبينهم. ثمّ اصطلحنا علي أنَّهم يحملونها إلي منزلي، فدخلت إليهم في منزلهم ودافعوني في نقل المرأة إليَّ وقُدّر أن حملت المرأة مع هذه الحال، ثمّ طالبتهم بنقلها إلي منزلي علي ما اتّفقنا عليه، فامتنعوا من ذلك، فعاد الشرّ بيننا وانتقلت عنهم، وولدت وأنا غائب عنها بنتاً وبقينا علي حال الشرّ والمضارمة سنين لا آخذها. ثمّ دخلت بغداد وكان الصاحب

ص: 267

بالكوفة في ذلك الوقت أبو جعفر محمّد بن أحمد الزجوزجي رحمه الله، وكان لي كالعمّ أو الوالد، فنزلت عنده ببغداد وشكوت إليه ما أنا فيه من الشرور الواقعة بيني وبين الزوجة وبين الأحماء، فقال لي: تكتب رقعة وتسأل الدعاء فيها. فكتبت رقعة (و)ذكرت فيها حالي وما أنا فيه من خصومة القوم لي وامتناعهم من حمل المرأة إلي منزلي، ومضيت بها أنا وأبو جعفر رحمه الله إلي محمّد بن علي، وكان في ذلك الواسطة بيننا وبين الحسين بن روح رضي الله عنه وهو إذ ذاك الوكيل، فدفعناها إليه وسألناه إنفاذها، فأخذها منّي وتأخَّر الجواب عنّي أيّاماً، فلقيته فقلت له: قد ساءني تأخّر الجواب عنّي، فقال (لي) لا يسؤوك (هذا) فإنَّه أحبّ (لي ولك، وأومأ) إليَّ أنَّ الجواب إن قرب كان من جهة الحسين بن روحرضي الله عنه، وإن تأخَّر كان من جهة الصاحب عليه السلام، فانصرفت. فلمَّا كان بعد ذلك _ ولا أحفظ المدَّة إلاَّ أنَّها كانت قريبة _ فوجه إليَّ أبو جعفر الزجوزجي رحمه الله يوماً من الأيّام، فصرت إليه، فأخرج لي فصلاً من رقعة وقال لي: هذا جواب رقعتك فإن شئت أن تنسخه فانسخه وردّه فقرأته فإذا فيه والزوج والزوجة فأصلح الله ذات بينهما، ونسخت اللفظ ورددت عليه الفصل، ودخلنا الكوفة فسهَّل الله لي نقل المرأة بأيسر كلفة، وأقامت معي سنين كثيرة ورزقت منّي أولاداً وأسأت إليها إساءات واستعملت معها كلّ ما لا تصبر النساء عليه، فما وقعت بيني وبينها لفظة شرّ ولا بين أحد من أهلها إلي أن فرَّق الزمان بيننا. قالوا: قال أبو غالبرحمه الله: وكنت قديماً قبل هذه الحال قد كتبت رقعة أسأل فيها أن يقبل ضيعتي، ولم يكن اعتقادي في ذلك الوقت التقرّب إلي الله عز وجل

ص: 268

بهذه الحال، وإنَّما كان شهوة منّي للاختلاط بالنوبختيين(1) والدخول معهم فيما كانوا (فيه) من الدنيا، فلم أجب إلي ذلك وألححت في ذلك، فكتب إليَّ: (أن اختر من تثق به فاكتب الضيعة باسمه فإنَّك تحتاج إليها)، فكتبتها باسم أبي القاسم موسي بن الحسن الزجوزجي ابن أخي أبي جعفر رحمه الله لثقتي به وموضعه من الديانة والنعمة. فلم تمض الأيّام حتَّي أسروني الأعراب ونهبوا الضيعة التي كنت أملكها، وذهب منّي فيها من غلاَّتي ودوابي وآلتي نحو من ألف دينار، وأقمت في أسرهم مدَّة إلي أن اشتريت نفسي بمائة دينار وألف وخمسمائة درهم، (و) لزمني في أجرة الرسل نحو من خمسمائة درهم، فخرجت واحتجت إلي الضيعة فبعتها(2).

10 ذي القعدة

سنة (263ه-): وفاة ابن خاقان والذي بسبب موته اُفرج عن اُمّ الإمام المهدي عليه السلام:

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 13/ ص 9/ الرقم 5): ابن خاقان، الوزير الكبير، أبو الحسن عبيد الله بن يحيي بن خاقان التركي ثمّ

******

(1) بنو نوبخت بيت معروف من الشيعة منسوبون إلي نوبخت الفارسي المنجّم، نبغ منهم كثير من أهل العلم والمعرفة بالكلام والفقه والأخبار والآداب، واشتهر منهم بعلم الكلام جماعة أشهرهم أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي وأبو محمّد الحسن بن موسي النوبختي، وكان لهم إلمام بالفلسفة وسائر علوم الأوائل ونظر في الأصول واطّلاع علي الكتب الفلسفية المترجمة إلي العربية في عهد الدولة العبّاسية.

(2) الغيبة للطوسي: 304 - 307/ ح 257.

ص: 269

البغدادي، وزر للمتوكّل وللمعتمد، وجرت له أمور، وقد نفاه المستعين إلي برقة، ثمّ قدم بغداد بعد خمس سنين، ثمّ وزر سنة ستّ وخمسين...

وقال ابن النجّار البغدادي في ذيل تاريخ بغداد (ج 2/ ص 115): ... دخل إلي الميدان في داره يوم الجمعة لعشر خلون من ذي القعدة سنة ثلاث وستّين ومائتين يضرب بالصوالجة، فصدمه علي ثلاث ساعات من النهار خادمه رشيق فسقط من دابته وبادره غلمانه فحملوه، فما نطق بحرف حتَّي مات بعد ثلاث ساعات من صدمته والناس في صلاة الجمعة.

قال الصدوق رحمه الله في كمال الدين: قال محمّد بن الحسين بن عبّاد: وقال لي عبّاد في هذا الحديث: قدمت اُمّ أبي محمّد عليه السلام من المدينة واسمها (حُديْث)(1) حين اتَّصل بها الخبر إلي سُرَّ من رأي، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر ومطالبته إيّاها بميراثه وسعايته بها إلي السلطان وكشفه ما أمر الله عز وجل بستره، فادَّعت عند ذلك صقيل أنَّها حامل فحملت إلي دار المعتمد فجعل نساء المعتمد وخدمه، ونساء

******

(1) قال الشيخ عبّاس القمّي رحمه الله: (اسم والدته الماجدة - أي الإمام العسكري عليه السلام - حُديْث، وعلي قول: سليل، ويقال لها: الجدّة، وكانت في غاية الصلاح والورع والتقوي، وفي جنّات الخلود (ص 38): كانت في بلدها من الأشراف في مصاف الملوك، ويكفي في فضلها أنَّها كانت مفزعاً وملجأ للشيعة بعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام. قال المسعودي في إثبات الوصيّة (ص 207): وروي عن العالم عليه السلام أنَّه قال: لمَّا اُدخلت سليل اُمّ أبي محمّد عليه السلام علي أبي الحسن عليه السلام، قال: (سليل مسلولة من الآفات والعاهات والأرجاس والأنجاس)، ثمّ قال لها: (سيهب الله حجَّته علي خلقه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً)). (منتهي الآمال: 745 و746/ ط 2/ 1427ه-/ منشورات دليل ما/ تلخيص وتعريب هاشم الميلاني).

ص: 270

الموفّق وخدمه، ونساء القاضي ابن أبي الشوارب يتعاهدن أمرها في كلّ وقت ويراعون إلي أن دهمهم أمر الصفّار(1) وموت عبيد الله بن يحيي بن خاقان بغتة، وخروجهم من سُرَّ من رأي وأمر صاحب الزنج بالبصرة وغير ذلك فشغلهم ذلك عنها(2).

وراجع ما ذُكر في (23/ صفر/ 260ه-) تحت عنوان: (إرسال أبي الأديان من قبل الإمام العسكري عليه السلام في مهمّة...).

13 ذي القعدة

سنة (638ه-): سماع السيّد ابن طاووس دعاء الإمام المهدي عليه السلام لشيعته في سامراء عند السحر:

قال السيّد ابن طاووس رحمه الله في مهج الدعوات: كنت أنا بسُرَّ من رأي فسمعت سحراً دعاءه عليه السلام، فحفظت منه عليه السلام من الدعاء لمن ذكره من الأحياء والأموات: (وَأبْقِهِمْ _ أو قال: وَأحْيِهِمْ _ فِي عِزّنَا

******

(1) هو يعقوب بن ليث الصفّار المؤسّس الحقيقي للدولة الصفّارية، كان والياً وقائداً للخليفة العبّاسي، احتلَّ هرات وفارس وشيراز عام (254ه-)، ثمّ ضمَّ إليه بلخ وطخارستان، وفي سنة (259ه-) استولي علي دولة الطاهريين في خراسان والذي كان يحكمها آنذاك الحسن بن زيد. ثمّ عظم أمر يعقوب حتَّي استولي علي شيراز والأهواز، وسار إلي بغداد مهدّداً قصر الخليفة، إلاَّ أنَّه مات في الطريق وخلف أخاه عمر بن ليث، إذ دخل في طاعة الخليفة، واستقرَّ الذي كان بيده من الأماكن، حيث أقرَّه الخليفة العبّاسي عليها، وضمَّ إليه فارس وأصفهان وسجستان وكرمان والهند، إلاَّ أنَّ نفوذ عمرو بن ليث كان يقلق بال الخليفة، ممَّا جهَّز إليه جيشا ليجتثّ جذره وليبعد ثمّ يقتل وتنتهي الدولة الصفّارية في عام (296ه-).

(2) كمال الدين: 474/ باب 43/ ضمن الحديث 25.

ص: 271

(وَ)مُلْكِنَا وَسُلْطَان-ِنَا وَدَوْلَتِنَا)، وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستّمائة(1).

23 ذي القعدة

سنة (309ه-): ضرب المدَّعي الحلاَّج الحسين بن منصور ألف سوط، وتقطيع أوصاله وأطراف جسده في عصر المقتدر:

روي الخطيب البغدادي في تاريخه عن إبراهيم بن مخلد، أنبأنا إسماعيل بن علي الخطبي في تاريخه، قال: وظهر أمر رجل يعرف بالحلاَّج(2) يقال له: الحسين بن منصور، وكان في حبس السلطان بسعاية وقعت به في وزارة علي بن عيسي الأولي، وذكر عنه ضروب من الزندقة، ووضع الحيل علي تضليل الناس من جهات تشبه الشعوذة والسحر، وادّعاء النبوَّة، فكشفه علي بن عيسي عند قبضه عليه، وأنهي خبره إلي السلطان _ يعني المقتدر بالله(3) _ فلم يقرّ بما رمي

******

(1) مهج الدعوات: 296.

(2) هو أبو معتب الحسين بن منصور البيضاوي، نشأ بواسط أو بتستر وقدم بغداد فخالط الصوفية وصحب من مشيختهم الجنيد بن محمّد وأبا الحسين النوري وعمرو المكّي، ذكره الشيخ رحمه الله من المذمومين الذين ادّعوا النيابة لعنهم الله.

(3) قال الزركلي في الأعلام (ج 2/ ص 121): جعفر بن أحمد بن طلحة، أبو الفضل، المقتدر بالله ابن المعتضد ابن الموفَّق، خليفة عباسي. ولد في بغداد وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه المكتفي سنة (295ه-) فاستصغره الناس، فخلعوه سنة (296ه-) ونصبوا عبد الله بن المعتزّ، ثمّ قتلوا ابن المعتزّ واُعيد المقتدر بعد يومين، فطالت أيّامه، وكثرت فيها الفتن. وعصاه خادم له اسمه مؤنس - كان يستعين به في أكثر شؤونه - فاسترضاه المقتدر، فعاد إلي الطاعة، ثمّ لم يلبث أن جمع أنصاراً له ودخل بهم دار المقتدر فأخرجوه وأخرجوا معه اُمّه وأولاده وخواصّ جواريه واعتقلوهم في دار مؤنس سنة (317ه-) وبايعوا القاهر بالله أخا المقتدر فأقام يومين، وثارت فرقة من الجيش تدعي الرجّالة، فقتلت بعض رؤساء الغلمان وأعادت المقتدر إلي الملك.

وخرج مؤنس من بغداد في جمع من عصاة الجند والغلمان فقصد الموصل فاحتلّها ثمّ عاد فهاجم بغداد، فبرز له المقتدر بعسكره، فانهزم أصحاب المقتدر وبقي منفرداً، فرآه جماعة من المغاربة فقتلوه. وكان ضعيفاً مبذّراً استولي علي الملك في عهده خدمه ونساؤه وخاصَّته. وفي أيّامه قتل الحلاَّج، وقوي أبو طاهر القرمطي، قال ابن دحية: قتل القرمطي الخلق العظيم بالعراق والجزيرة والشام إلي أن عاد إلي الأحساء وملكها، ووزراء الخليفة في ذلك كلّه يتنافسون في صيد الدرّاج وينثرون علي راميها المال الجزل ويدخلون في الشريعة اللعب والهزل.

ص: 272

به من ذلك، وعاقبه وصلبه حيّاً أيّاماً متوالية في رحبة الجسر في كلّ يوم غدوة، وينادي عليه بما ذكر عنه، ثمّ ينزل به ثمّ يحبس، فأقام في الحبس سنين كثيرة، ينقل من حبس إلي حبس حتَّي حبس بأخرة في دار السلطان فاستغوي جماعة من غلمان السلطان وموَّه عليهم واستمالهم بضروب من حيله حتَّي صاروا يحمونه، ويدفعون عنه، ويرفّهونه، ثمّ راسل جماعة من الكتّاب وغيرهم ببغداد وغيرها، فاستجابوا له، وتراقي به الأمر حتَّي ذُكر أنَّه ادَّعي الربوبية، وسعي بجماعة من أصحابه إلي السلطان فقبض عليهم ووجد عند بعضهم كتباً له تدلُّ علي تصديق ما ذُكر عنه، وأقرَّ بعضهم بلسانه بذلك، وانتشر خبره، وتكلَّم الناس في قتله، فأمر أمير المؤمنين بتسليمه إلي حامد بن العبّاس، وأمر أن يكشفه بحضرة القضاة، ويجمع بينه وبين أصحابه، فجري في ذلك خطوب طوال ثمّ استيقن السلطان أمره، ووقف علي ما ذكر له عنه، فأمر بقتله وإحراقه بالنار. فاُحضر مجلس الشرطة بالجانب الغربي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة، فضرب بالسياط نحواً من ألف سوط، وقُطّعت يداه ورجلاه، وضُربت عنقه، وحُرقت جثَّته بالنار، ونُصب رأسه للناس علي سور السجن الجديد، وعُلّقت يداه ورجلاه إلي جانب رأسه(1).

* وروي الطوسي رحمه الله عن أبي نصر هبة الله بن محمّد الكاتب ابن

******

(1) تاريخ بغداد 8 : 124؛ سير أعلام النبلاء 14: 335 و336؛ البداية والنهاية 11: 158.

ص: 273

بنت اُمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمري، قال: لمَّا أراد الله تعالي أن يكشف أمر الحلاَّج ويظهر فضيحته ويخزيه، وقع له أنَّ أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي رضي الله عنه ممَّن تجوز عليه مخرقته وتتمُّ عليه حيلته، فوجَّه إليه يستدعيه، وظنَّ أنَّ أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله، وقدر أن يستجرّه إليه فيتمخرق (به) ويتسوَّف بانقياده علي غيره، فيستتبّ له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة علي الضعفة، لقدر أبي سهل في أنفس الناس ومحلّه من العلم والأدب أيضاً عندهم، ويقول له في مراسلته إيّاه: إنّي وكيل صاحب الزمان عليه السلام _ وبهذا أوّلاً كان يستجرّ الجهال ثمّ يعلو منه إلي غيره _ وقد اُمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوي نفسك، ولا ترتاب بهذا الأمر. فأرسل إليه أبو سهلرضي الله عنه يقول له: إنّي أسألك أمراً يسيراً يخفُّ مثله عليك في جنب ما ظهر علي يديك من الدلائل والبراهين، وهو أنّي رجل اُحبّ الجواري وأصبو إليهنَّ، ولي منهنَّ عدَّة أتحظاهنَّ والشيب يبعدني عنهنَّ ويبغّضني إليهنَّ، وأحتاج أن أخضبه في كلّ جمعة، وأتحمَّل منه مشقّة شديدة لأستر عنهنَّ ذلك، وإلاَّ انكشف أمري عندهنَّ، فصار القرب بعداً والوصال هجراً، واُريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته، وتجعل لحيتي سوداء، فإنّي طوع يديك، وصائر إليك، وقائل بقولك، وداع إلي مذهبك، مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة. فلمَّا سمع ذلك الحلاَّج من قوله وجوابه علم أنَّه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه، وأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً، ولم يرسل إليه رسولاً، وصيَّره أبو سهل رضي الله عنه أحدوثة وضحكة ويطنز به عند كلّ أحد، وشهر

ص: 274

أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه(1).

ليلة 25 ذي القعدة

سنة الظهور: يوم دحو الأرض وفيها قيام القائم علي رواية السيّد ابن طاووس رحمه الله:

قال السيّد ابن طاووس رحمه الله في الإقبال: ومن كتاب ثواب الأعمال، فقال: روي الحسن بن الوشّاء، قال: كنت مع أبي وأنا غلام، فتعشّينا عند الرضا عليه السلام ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة، فقال له: (ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة وُلد فيه إبراهيم عليه السلام، ووُلد فيها عيسي بن مريم، وفيها دُحيت الأرض من تحت الكعبة، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستّين شهراً)، وفي روايته من كتاب ثواب الأعمال الذي نسخة عندنا الآن: (إنَّ فيه يقوم القائم عليه السلام)(2).

* * *

أحداث هذا الشهر بدون ذكر اليوم

1 _ سنة (254ه-): انعقاد النطفة الطاهرة المطهَّرة للإمام المهدي عليه السلام، وبداية حمل اُمّه نرجس به عليه السلام:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن محمّد بن عصام رضي الله عنه، قال:

******

(1) الغيبة للطوسي: 401 و402/ ح 376.

(2) إقبال الأعمال 2: 24.

ص: 275

حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثني علاَّن الرازي، قال: أخبرني بعض أصحابنا أنَّه لمَّا حملت جارية أبي محمّد عليه السلام، قال: (ستحملين ذكراً، واسمه محمّد، وهو القائم من بعدي)(1).

ورواه الخزّاز رحمه الله عن محمّد بن عبد الله الشيباني، عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن علاَّن الرازي، عن بعض أصحابنا(2).

2 _ سنة (322 أو 323ه-): قتل المدَّعي الشلمغاني بعد أن أفتي الفقهاء بإباحة دمه في عصر المقتدر العبّاسي:

راجع ما ذُكر في (شوّال/ 322ه-) تحت عنوان: (القاء القبض علي الشلمغاني من قبل الوزير ابن مقلة).

3 _ سنة (339ه-): التاريخ السندي لحديث أبي الحسين صالح بن شعيب الطالقاني حول إخبار النائب الرابع بوفاة علي بن بابويه رحمه الله:

راجع ما ذُكر في (15/ شعبان/ 328 أو 329ه-) تحت عنوان: (وفاة علي بن محمّد السمري رضي الله عنه النائب الرابع للإمام المهدي عليه السلام).

4 _ سنة (509ه-): التاريخ السندي لحديث الشيخ الأجلّ السيّد المفيد أبو علي الحسن بن محمّد الطوسي رضي الله عنه لزيارة آل ياسين:

راجع ما ذُكر في (ربيع الأوّل/ 573ه-) تحت عنوان: (التاريخ السندي لابن المشهدي صاحب كتاب المزار لزيارة آل ياسين).

5 _ سنة الظهور: أحداث وقلاقل في ذي القعدة:

روي الحاكم في المستدرك عن محمّد بن المؤمَّل، قال: ثنا الفضل بن محمّد، ثنا نعيم بن حماد، ثنا أبو يوسف المقدسي، عن عبد

******

(1) كمال الدين: 408/ باب 38/ ح 4.

(2) كفاية الأثر: 293 و294.

ص: 276

الملك بن أبي سليمان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (في ذي القعدة تجاذب القبائل وتغادر فينهب الحاجّ فتكون ملحمة بمني يكثر فيها القتلي ويسيل فيها الدماء حتَّي تسيل دماؤهم علي عقبة الجمرة وحتَّي يهرب صاحبهم فيأتي بين الركن والمقام فيبايع وهو كاره، يقال له: إن أبيت ضربنا عنقك(1)، يبايعه مثل عدَّة أهل بدر، يرضي عنهم ساكن السماء وساكن الأرض)(2).

6 _ سنة الظهور: في ذي القعدة تحازب القبائل:

راجع ما ذُكر في (10/ محرَّم الحرام/ سنة الظهور) تحت عنوان: (ينادي المنادي من السماء: ألا إنَّ صفوة الله من خلقه فلان...).

* * *

******

(1) نحتمل قريباً جدَّاً وجود تحريف من الراوي أو الناسخ، وربَّما الأصل: (ضُربت عنقك)، أي من قبل أعداء الإمام عليه السلام، ولا يمكن تصوّر صدور التهديد بالقتل في حقّ أصحابه الذين وصلوا القمَّة في القرب والعشق المهدوي.

(2) مستدرك الحاكم 4: 503.

ص: 277

ص: 278

12- ذي الحجّة

اشارة

ص: 279

ص: 280

6 ذي الحجّة

سنة (293ه-): مشاهدة نعيم الأنصاري مع ثلاثين رجلاً الإمام المهدي عليه السلام في مكّة عند المستجار وتعليمه لهم دعاء الإلحاح لجدّه الحسين عليه السلام وغيره من الأدعية:

روي الصدوق رحمه الله عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدَّثنا أبو القاسم جعفر بن أحمد العلوي الرقّي العريضي، قال: حدَّثني أبو الحسن علي بن أحمد العقيقي، قال: حدَّثني أبو نعيم الأنصاري الزيدي، قال: كنت بمكّة عند المستجار وجماعة من المقصّرة(1) وفيهم المحمودي وعلاَّن الكليني وأبو الهيثم الديناري وأبو جعفر الأحول الهمداني، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً، ولم يكن منهم مخلص علمته غير محمّد بن القاسم العلوي العقيقي، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين ومائتين من الهجرة إذ خرج علينا شاب من الطواف عليه إزاران محرم (بهما)، وفي يده نعلان، فلمَّا رأيناه قمنا

******

(1) سُئل زين العابدين عليه السلام عن المقصّرة، فقال: (الذين يقصرون عن معرفة الأئمّة وعن معرفة ما فوّض إليهم من روحه) (الهداية الكبري: 230). وعن الصادق عليه السلام أنَّه قال: (المقصّرة هم الذين هداهم الله إلي فضل علمنا وأفضي إليهم سرّنا، فشكّوا فينا وأنكروا فضلنا، وقالوا: لم يكن الله ليعطيهم سلطانه ومعرفته) (الهداية الكبري: 431). أمَّا ما جاء في الرواية عن علاَّن الكليني وأنَّه من المقصّرة فنرجّح أن يكون ذلك اشتباهاً في التشخيص من قِبَل الراوي، إذ أنَّ علاَّن هو علي بن محمّد خال الشيخ الكليني رحمه الله، قال عنه النجاشي رحمه الله في رجاله (ص 260/ الرقم 682): علي بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف بعلاَّن، يكنّي أبا الحسن، ثقة، عين.

ص: 281

جميعاً هيبةً له، فلم يبقَ منّا أحد إلاَّ قام وسلَّم عليه، ثمّ قعد والتفت يميناً وشمالاً، ثمّ قال: (أتدرون ما كان أبو عبد الله عليه السلام يقول في دعاء الإلحاح؟).

قلنا: وما كان يقول؟ قال: (كان يقول: اللّهُمَّ إِنّي أسْألُكَ ب-ِاسْمِكَ الَّذِي ب-ِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ، وَب-ِهِ تَقُومُ الأرْضُ، وَب-ِهِ تُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَقَّ وَالْبَاطِل، وَب-ِهِ تَجْمَعُ بَيْنَ الْمُتَفَرَّقِ، وَب-ِهِ تُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُجْتَمِع، وَب-ِهِ أحْصَيْتَ عَدَدَ الرَّمَال، وَزنَةَ الْجِبَال، وَكَيْلَ الْب-ِحَار، أنْ تُصَلّيَ عَلَي مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَأنْ تَجْعَلَ لِي مِنْ أمْري فَرَجاً وَمَخْرَجَاً). ثمّ نهض فدخل الطواف، فقمنا لقيامه حين انصرف، وأنسينا أن نقول له: من هو؟ فلمَّا كان من الغد في ذلك الوقت خرج علينا من الطواف فقمنا كقيامنا الأوّل بالأمس، ثمّ جلس في مجلسه متوسّطاً، ثمّ نظر يميناً وشمالاً، قال: (أتدرون ما كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول بعد صلاة الفريضة؟).

قلنا: وما كان يقول؟ قال: (كان يقول: إِلَيْكَ رُفِعَتِ الأصْوَاتُ، (وَدُعِيَتِ الدَّعَوَاتُ)، وَلَكَ عَنَتِ الْوُجُوهُ، وَلَكَ خَضَعَتِ الرَّقَابُ، وَإِلَيْكَ التَّحَاكُمُ فِي الأعْمَال، يَا خَيْرَ مَسْؤولٍ وَخَيْرَ مَنْ أعْطَي، يَا صَادِقُ يَا بَارئُ، يَا مَنْ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ، يَا مَنْ أمَرَ ب-ِالدُّعَاءِ وتَكَفَّلَ ب-ِالإجَابَةِ، يَا مَنْ قَالَ: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، يَا مَنْ قَالَ: (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وَيَا مَنْ قَالَ: (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلي أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)). ثمّ نظر يميناً وشمالاً بعد هذا الدعاء فقال: (أتدرون ما كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول في سجدة الشكر؟).

قلنا: وما كان يقول؟ قال: (كان يقول: يَا مَنْ لاَ يَزيدُهُ إلْحَاحُ الْمُلِحّيِنَ إلاَّ جُودَاً وَكَرَماً، يَا مَنْ لَهُ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْض، يَا مَنْ لَهُ

ص: 282

خَزَائِنُ مَا دَقَّ وَجَلَّ، لاَ تَمْنَعْكَ إِسَاءَتِي مِنْ إِحْسَانِكَ إليَّ، إنّي أسْألُكَ أنْ تَفْعَلُ ب-ِيَ مَا أنْتَ أهْلُهُ، وَأنْتَ أهْلُ الْجُودِ وَالْكَرَم وَالْعَفْو، يَا رَبّاهُ، يَا اللهُ افْعَلْ ب-ِيَ مَا أنْتَ أهْلُهُ فَأنْتَ قَادِرٌ عَلَي الْعُقُوبَةِ وَقَدِ اسْتَحْقَقْتُهَا، لاَ حُجَّةَ لِي وَلاَ عُذْرَ لِي عِنْدَكَ، أبُوءُ لَكَ ب-ِذُنُوبي كُلّهَا، وَأعْتَرفُ ب-ِهَا كَيْ تَعْفُوَ عَنّي وَأنْتَ أعْلَمُ ب-ِهَا مِنّي، بُؤتُ إِلَيْكَ ب-ِكُلّ ذَنْبٍ أذْنَبْتُهُ، وَب-ِكُلّ خَطِيئَةٍ أخْطَئتُهَا، وَب-ِكُلّ سَيَّئَةٍ عَمَلْتُهَا، يَا رَبَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أنْتَ الأعَزُّ الأكْرَمُ)، وقام فدخل الطواف، فقمنا لقيامه، وعاد من غد في ذلك الوقت، فقمنا لاستقباله كفعلنا فيما مضي، فجلس متوسّطاً ونظر يميناً وشمالاً فقال: (كان علي بن الحسين سيّد العابدين عليه السلام يقول في سجوده في هذا الموضع _ وأشار بيده إلي الحجر نحو الميزاب _: عُبَيْدُكَ ب-ِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ ب-ِبَاب-ِكَ، أسْألُكَ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلِيْه سِوَاكَ).

ثمّ نظر يميناً وشمالاً، ونظر إلي محمّد بن القاسم العلوي فقال: (يا محمّد بن القاسم، أنت علي خير إن شاء الله)، وقام فدخل الطواف، فما بقي أحد منّا إلاَّ وقد تعلَّم ما ذكر من الدعاء و(أ)نسينا أن نتذاكر أمره إلاَّ في آخر يوم، فقال لنا المحمودي: يا قوم، أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا والله صاحب الزمان عليه السلام، فقلنا: وكيف ذاك يا أبا علي؟ فذكر أنَّه مكث يدعو ربّه عز وجل ويسأله أن يريه صاحب الأمر سبع سنين، قال: فبينا أنا يوماً في عشيّة عرفة فإذا بهذا الرجل بعينه، فدعا بدعاء وعيته فسألته ممَّن هو؟ فقال: (من الناس)، فقلت: من أيّ الناس؟ من عربها أو مواليها؟ فقال: (من عربها)، فقلت: من أيّ عربها؟ فقال: (من أشرفها وأشمخها)، فقلت: ومن هم؟ فقال: (بنو هاشم)، فقلت: من أيّ بني هاشم؟ فقال: (من أعلاها ذروة وأسناها رفعة)، فقلت: وممَّن هم؟ فقال: (ممَّن فلق الهام،

ص: 283

وأطعم الطعام، وصلّي بالليل والناس نيام)، فقلت: إنَّه علوي فأحببته علي العلوية، ثمّ افتقدته من بين يدي، فلم أدر كيف مضي في السماء أم في الأرض، فسألت القوم الذين كانوا حوله: أتعرفون هذا العلوي؟ فقالوا: نعم، يحجّ معنا كلّ سنة ماشياً، فقلت: سبحان الله، والله ما أري به أثر مشي، ثمّ انصرفت إلي المزدلفة كئيباً حزيناً علي فراقه، وبتُّ في ليلتي تلك فإذا أنا برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمّد، رأيت طلبتك؟ فقلت: ومن ذاك يا سيّدي؟ فقال: الذي رأيته في عشيّتك فهو صاحب زمانكم. فلمَّا سمعنا ذلك منه عاتبناه علي ألا يكون أعلمنا ذلك، فذكر أنَّه كان ناسياً أمره إلي وقت ما حدَّثنا.

قال الصدوق رحمه الله: وحدَّثنا بهذا الحديث عمّار بن الحسين بن إسحاق الأسروشني رضي الله عنه بجبل بوتك من أرض فرغانة، قال: حدَّثني أبو العبّاس أحمد بن الخضر، قال: حدَّثني أبو الحسين محمّد بن عبد الله الإسكافي، قال: حدَّثني سليم، عن أبي نعيم الأنصاري، قال: كنت بالمستجار بمكّة أنا وجماعة من المقصّرة فيهم المحمودي وعلاَّن الكليني، وذكر الحديث مثله سواء.

وحدَّثنا أبو بكر محمّد بن محمّد بن علي بن محمّد بن حاتم، قال: حدَّثنا أبو الحسين عبيد الله بن محمّد بن جعفر القصباني البغدادي، قال: حدَّثني أبو محمّد علي بن محمّد بن أحمد بن الحسين الماذرائي، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن علي المنقذي الحسني بمكّة، قال: كنت جالساً بالمستجار وجماعة من المقصّرة وفيهم المحمودي وأبو الهيثم الديناري وأبو جعفر الأحول، وعلاَّن الكليني، والحسن بن وجناء، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً، وذكر الحديث مثله سواء(1).

******

(1) كمال الدين: 470 - 473/ باب 43/ ح 24.

ص: 284

ورواه الطوسي رحمه الله عن أحمد بن علي الرازي، عن علي بن عائذ الرازي، عن الحسن بن وجناء النصيبي، عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري. ورواه بسند آخر عن جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسي التلعكبري، عن أبي علي محمّد بن همّام، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن محمّد بن جعفر بن عبد الله، عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري(1).

ورواه الطبري الشيعي رحمه الله عن أبي الحسين محمّد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمّد بن همّام، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري الكوفي، عن محمّد بن جعفر بن عبد الله، عن إبراهيم بن محمّد بن أحمد الأنصاري(2).

7 ذي الحجّة

سنة (114ه-): مجيء جابر الأنصاري عند احتضار الإمام الباقر عليه السلام ونقله لحديث الصحيفة الفاطمية وفيها أسماء الأئمّة مع اُمّهاتهم وخاتمهم الإمام المهدي واُمّه سيّدة الإماء:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدَّثنا الحسن بن إسماعيل، قال: حدَّثنا أبو عمرو سعيد بن محمّد بن نصر القطّان، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمّد السلمي، قال: حدَّثنا محمّد بن عبد الرحمن، قال: حدَّثنا محمّد بن سعيد بن محمّد، قال: حدَّثنا العبّاس بن أبي عمرو، عن صدقة بن أبي موسي، عن أبي نضرة قال: لمَّا احتضر أبو جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السلام عند الوفاة دعا بابنه الصادق عليه السلام، فعهد إليه عهداً، فقال له

******

(1) الغيبة للطوسي: 259 - 263/ ح 227.

(2) دلائل الإمامة: 542 - 545/ ح (523/127).

ص: 285

أخوه زيد بن علي بن الحسين(1): لو امتثلت في تمثال الحسن والحسين عليهما السلام لرجوت أن لا تكون أتيت منكرا(2)، فقال: (يا أبا الحسن، إنَّ الأمانات ليست بالتمثال، ولا العهود بالرسوم، وإنَّما هي أمور سابقة عن حجج الله تبارك وتعالي)، ثمّ دعا بجابر بن عبد الله فقال له: (يا جابر، حدّثنا بما عاينت في الصحيفة)، فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر، دخلت علي مولاتي فاطمة عليها السلام لاُهنّئها بمولود الحسن عليه السلام فإذا هي بصحيفة بيدها من درّة بيضاء، فقلت: يا سيّدة النسوان، ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟ قالت: (فيها أسماء الأئمّة من ولدي)، فقلت لها: ناوليني لأنظر فيها، قالت: (يا جابر، لولا النهي أفعل لكنَّه نُهي أن يمسّها إلاَّ نبيّ أو وصيّ نبيّ أو أهل بيت نبيّ، ولكنَّه مأذون لك أن تنظر إلي باطنها من ظاهرها). قال جابر: فقرأت فإذا فيها:

(أبو القاسم محمّد بن عبد الله المصطفي، اُمّه آمنة بنت وهب. أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضي، اُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن

******

(1) هو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد (ج 2/ ص 171): (كان زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخيّاً شجاعاً، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويطالب بثارات الحسين عليه السلام).

(2) من المستبعد جدّاً صدور مثل هذا الكلام من زيد الشهيد مع ما صدر في حقّه من المدح والثناء علي لسان أئمّة الهدي عليهم السلام، منها ما رواه الكشّي رحمه الله (ج 2/ ص 570/ ح 505): عن فضيل الرسان، قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام بعد ما قتل زيد بن علي رحمة الله عليه، فاُدخلت بيتاً جوف بيت، فقال لي: (يا فضيل، قُتل عمّي زيد؟)، قلت: نعم، جُعلت فداك. قال: (رحمه الله، إنَّه كان مؤمناً وكان عارفاً وكان عالماً وكان صادقاً، أمَا إنَّه لو ظفر لوفي، أمَا إنَّه لو ملك لعرف كيف يضعها...)، إلاَّ أن يكون من باب تعريف الأمّة بعدم انتقال الإمامة إلي الأخ إلاَّ في الحسنين عليهما السلام.

ص: 286

عبد مناف. أبو محمّد الحسن بن علي البرّ. أبو عبد الله الحسين بن علي التقي، اُمّهما فاطمة بنت محمّد صلي الله عليه وآله وسلم. أبو محمّد علي بن الحسين العدل، اُمّه شهربانويه بنت يزدجرد ابن شاهنشاه. أبو جعفر محمّد بن علي الباقر، اُمّه اُمّ عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق، اُمّه اُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر. أبو إبراهيم موسي بن جعفر الثقة، اُمّه جارية اسمها حميدة. أبو الحسن علي بن موسي الرضا، اُمّه جارية اسمها نجمة. أبو جعفر محمّد بن علي الزكي، اُمّه جارية اسمها خيزران. أبو الحسن علي بن محمّد الأمين، اُمّه جارية اسمها سوسن. أبو محمّد الحسن بن علي الرفيق، اُمّه جارية اسمها سمانة وتكنّي باُمّ الحسن. أبو القاسم محمّد بن الحسن، هو حجَّة الله تعالي علي خلقه القائم، اُمّه جارية اسمها نرجس صلوات الله عليهم أجمعين)(1).

9 ذي الحجّة

1 _ سنة (10ه-): خطبة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في حجّة الوداع، وفيها ذكر لحديث الاثني عشر خليفة كلّهم من قريش:

روي أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله، قال: حدَّثني أبي، ثنا يونس بن محمّد، ثنا حماد يعني ابن زيد، ثنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة، قال: خطبنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم) بعرفات، فقال: (لا يزال هذا الأمر عزيزاً منيعاً ظاهراً علي من ناواه حتَّي يملك اثنا عشر كلّهم)، قال:

******

(1) كمال الدين: 306 و307/ باب 27/ ح 1.

ص: 287

فلم أفهم ما بعد قال، فقلت لأبي: ما قال بعدما قال كلّهم؟ قال: (كلّهم من قريش)(1).

* وروي عن عبد الله، قال: حدَّثني خلف بن هشام البزّار المقرّي، ثنا حماد بن زيد، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة، قال: خطبنا رسول الله(صلي الله عليه وسلم) بعرفة فقال: (لن يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً ظاهراً علي من ناواه، لا يضرّه من فارقه أو خالفه، حتَّي يملك اثنا عشر كلّهم من قريش _ أو كما قال _)(2).

* وقال النعماني رحمه الله في الغيبة: ومن حديث خلف بن هشام البزّار، قال: حدَّثنا حماد بن زيد، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة السوائي، قال: خطب بنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعرفة، فقال: (لا يزال هذا الدين قويّاً عزيزاً ظاهراً علي من ناواه، لا يضرّه من فارقه أو خالفه حتَّي يملك اثنا عشر)، قال: وتكلَّم الناس فلم أفهم، فقلت لأبي: يا أبت، أرأيت قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كلّهم، ما هو؟ قال: (كلّهم من قريش)(3).

2 _ رؤية أبي سورة الزيدي للإمام المهدي عليه السلام في يوم عرفة عند الحائر الحسيني:

روي الطوسي رحمه الله عن جماعة، عن أبي غالب أحمد بن محمّد الزراري، قال: حدَّثني أبو عبد الله محمّد بن زيد بن مروان، قال: حدَّثني أبو عيسي محمّد بن علي الجعفري وأبو الحسين محمّد بن علي بن

******

(1) مسند أحمد 5: 93.

(2) مسند أحمد 5: 96.

(3) مسند أحمد 5: 93.

ص: 288

الرقام، قالا: حدَّثنا أبو سورة(1) _ قال أبو غالب: وقد رأيت ابناً لأبي سورة، وكان أبو سورة أحد مشايخ الزيدية المذكورين _. قال أبو سورة: خرجت إلي قبر أبي عبد الله عليه السلام اُريد يوم عرفة فعرَّفت يوم عرفة، فلمَّا كان وقت عشاء الآخرة صلَّيت وقمت فابتدأت أقرأ من الحمد، وإذا شاب حسن الوجه عليه جبّة سيفي، فابتدأ أيضاً من الحمد وختم قبلي أو ختمت قبله، فلمَّا كان الغداة خرجنا جميعاً من باب الحائر، فلمَّا صرنا إلي شاطئ الفرات قال لي الشاب: (أنت تريد الكوفة فامض)، فمضيت طريق الفرات، وأخذ الشاب طريق البرّ. قال أبو سورة: ثمّ أسفت علي فراقه فاتَّبعته فقال لي: (تعال)، فجئنا جميعاً إلي أصل حصن المسناة فنمنا جميعاً وانتبهنا فإذا نحن علي العوفي علي جبل الخندق(2)، فقال لي: (أنت مضيَّق وعليك عيال، فامض إلي أبي طاهر الزراري(3) فيخرج إليك من منزله وفي يده الدم من الأضحية فقل له: شاب من صفته كذا يقول: لك صُرَّة فيها عشرون ديناراً جاءك بها بعض إخوانك فخذها منه). قال أبو سورة: فصرت إلي أبي طاهر الزراري كما

******

(1) هو محمّد بن الحسن بن عبد الله التيمي، كان زيدياً يكنّي بأبي سورة. (راجع: مستدركات علم رجال الحديث 7: 34/ الرقم 13046).

(2) المقصود به خندق (كري سعده) حسب التسمية المتداولة الآن، وهو خندق سابور القديم، وهو قريب من مسجد السهلة وتلاله الحالية تشرف علي المسجد.

(3) قال النجاشي رحمه الله في رجاله (ص 347/ الرقم 937): محمّد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين، أبو طاهر الزراري، حسن الطريقة، ثقة، عين، وله إلي مولانا أبي محمّد عليه السلام مسائل والجوابات. له كتب، منها: كتاب الآداب والمواعظ، كتاب الدعاء...، مات محمّد بن سليمان في سنة إحدي وثلاثمائة، وكان مولده سنة سبع وثلاثين ومائتين.

ص: 289

قال الشاب ووصفته له فقال: الحمد لله، ورأيته؟ فدخل وأخرج إليَّ الصُرَّة الدنانير فدفعها إليَّ وانصرفت(1).

3 _ سنة (1365ه-): قراءة توقيع الإمام المهدي عليه السلام للمرجع الديني السيّد أبي الحسن الأصبهاني رحمه الله من قبل الشيخ الحلبي في يوم وفاة المرجع:

جاء في كتاب موسوعة توقيعات الإمام المهدي عليه السلام: عن خادم الحجّة عليه السلام الحاجّ الشيخ محمود الحلبي الخراساني (أدام الله ظلَّه)(2)، نقل لنا حيث قال: بعدما انتهيت من أداء فريضة الحجّ وذلك في سنة الستّين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية، وبعد زيارة روضة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وقبور الأئمّة بالبقيع عليهم السلام وفي طريق العودة إلي إيران قصدت العراق لزيارة العتبات المقدَّسة. وكان آنذاك المرجع أبو الحسن الأصبهاني رضوان الله عليه(3) الذي كان متوطّناً في النجف الأشرف،

******

(1) الغيبة للطوسي: 299 و300/ ح 255.

(2) الشيخ محمود ذاكر زاده التولائي يعرف بالشيخ محمود الحلبي، ولد في (1318ه-)، شارك في الأمور السياسية من سنة (1328ه-) إلي (1332ه-) وكان من ذوي الخطابات النارية في إثارة الشعب والدفاع عن آية الله الكاشاني قدس سره أيّام حركة تأميم شركة النفط الوطنية في إيران، ولكنَّه وبسبب بروز الخلافات بين قادة هذه الحركة اعتزل السياسة وأسَّس جمعية مكافحة البهائية التي سُمّيت فيما بعد بفرقة الحجَّتية، تتلمذ علي أساتذة كبار ميرزا عبد الجواد النيشابوري وميرزا محمّد باقر المدرس الرضوي وميرزا جعفر الشهرستاني والشيخ محمّد النهاوندي وميرزا محمّد الكفائي ابن آخوند الخراساني وآية الله العظمي حسين القمّي الطباطبائي، والشيخ آغا بزرك الطهراني وميرزا محمّد مهدي الأصفهاني وحسنعلي النخودكي الأصفهاني. توّفي في رمضان (1418ه-) ودفن عند مرقد الشيخ الصدوق رحمه الله في مدينة ريّ.

(3) هو أبو الحسن بن محمّد بن عبد الحميد بن محمّد الموسوي، الأصفهاني، النجفي. كان من أعلام فقهاء الإمامية، ومن أشهر مراجع التقليد.

ولد سنة أربع وثمانين ومائتين وألف في إحدي قري أصفهان، وتعلَّم بها. وانتقل في شبابه الباكر إلي أصفهان، فدرس بها وأخذ عن محمّد الكاشي، وغيره. وارتحل إلي الحوزة العلمية الكبري في النجف الأشرف سنة (1308ه-)، فحضر علي الميرزا حبيب الله الرشتي المتوفّي (1312ه-). ثمّ حضر بحث محمّد كاظم الخراساني النجفي في الفقه والأصول، واختصَّ به، ولازمه إلي أن توفّي الخراساني سنة (1329ه-). واستقلَّ بالبحث والتدريس، فحضر عليه كثيرون...، ونال حظّاً من الرئاسة الدينية بعد وفاة أحمد كاشف الغطاء، وأخذ يشتهر في الأوساط شيئاً فشيئاً حتَّي انحصرت به المرجعية التقليدية بعد وفاة الميرزا محمّد حسين النائيني سنة (1355ه-)، وطبقت شهرته الآفاق، وأصبح مفتي الشيعة في سائر الأقطار الإسلاميّة...، توفّي بالكاظمية في شهر ذي الحجة سنة خمس وستّين وثلاثمائة وألف، وترك من المؤلَّفات: رسالة فتوائية سمّاها وسيلة النجاة (مطبوعة)، حاشية علي العروة الوثقي في الفقه للسيّد محمّد كاظم اليزدي (مطبوعة)، وشرح علي الكفاية في أصول الفقه لأستاذه الخراساني. (موسوعة طبقات الفقهاء 14: 31 - 33/ الرقم 4420).

ص: 290

زارني سماحته وطلب منّي بإلحاح أن اُقيم ضيفاً عنده حتَّي مغادرتي النجف الأشرف ودعاني لإيراد الخطابة والوعظ في النجف أربعة عشر ليلة. رفضت الطلب أوّلاً ولكن بعد الإصرار والتأكيد وتكرار طلب سماحته منّي لبَّيت له الطلب ولكن لمدَّة ستّة أيّام.

وفي إحدي تلك الليالي الستّ اجتمعت بسماحته في داره وكان الاجتماع مغلقاً وفي تلك الخلوة التي رفض سماحته حضور أيّ شخص في الجلسة حتَّي طلب من نجله أن يخرج من الغرفة ومنعه من الدخول. كنّا نتحدَّث طوال ساعات ودار الحديث حول موضوعات مختلفة حتَّي وصلنا إلي ذكر مولانا الحجّة أرواحنا فداه، والحديث حول وضع الشيعة، ونقلت له مشاهداتي من ضعف الشيعة في مكّة والمدينة والعراق وعدم وجود مبلّغين يبلّغونهم الاعتقادات الدينية في طريق إحياء مكتب أهل البيت عليهم السلام، وبيَّنت لسماحته مدي حزني في هذا الشأن، وفي شدَّة الحزن قلت له: أنتم تعلمون أحسن منّي أنَّ الشيعة يعتقدون

ص: 291

ويحبّون إمام زمانهم ومولاهم وكلّ ما هو لدينا ولديكم من خير وبركة هي من بركات صاحب الزمان وبيمن وجوده عجَّل الله تعالي فرجه إذ أنَّ الناس حينما يقبّلون أيديكم ليس إلاَّ لأنَّكم نائب الإمام عليه السلام وإذا يقدّمون لكم الأموال ليس إلاَّ بسبب انتسابكم بصاحب العصر والزمان عجَّل الله تعالي فرجه، وإذا كان لكم الاحترام بالدنيا والآخرة ليس إلاَّ بسبب أنَّكم وكيله عليه السلام، وأخيراً كلّ ما كان علينا ويكون وكلّ شيء كان لكم ويكون كلّه بيمن وجوده عليه السلام، فلماذا لا تقومون لإعلاء كلمته وإحياء اسمه الشريف؟ وذلك لا يكون إلاَّ بعد دراسة وضع الشيعة والقيام بنشاطات مفيدة، وليست هذه موجودة في الحال. ما هو السبب الذي جعل مجتمعنا في جهل اتّجاه وجود إمام العصر عليه السلام؟ وما هو السبب في عدم تعزيز مواقف الشيعة في الحجاز (مكّة والمدينة)، وكذلك في العراق (وخاصّة سامراء)؟ ألا ترون أنَّ في سامراء حتَّي البيت الذي هو ملك الإمام الحجّة عليه السلام قد اغتصب والشيعة التي تشكّل الأقلّية في كثب واضطهاد.

في طوال هذه المدَّة التي كنت اُحدّث ذلك المرجع الديني كان سماحته ناصتاً بدقَّة إلي الحديث، وعندما انتهيت من الحديث بدء متحدّثاً وقال: هذه الأمور التي ذكرتموها هي من الواجبات ونحن نهتمُّ بها في المستقبل أكثر ممَّا كنّا نهتمّ بها في الماضي إن شاء الله، ونحن نفكّر في طريق تنفيذها، ولكن لا بدَّ أن نذكّركم أنَّنا كنّا ملفتين النظر في هذه الأمور إلي حدّ ما وكنّا تحت رعاية شيء من لطفه عليه السلام.

عندما وصل سماحته في الحديث إلي هنا قام من مكانه وفتح باب جارور كان يحتوي كثيراً من الرسائل والأوراق والمستندات، وبدأ بالتفتيش بين الرسائل التي كانت مع ظرفها حتَّي أخرج ظرفاً منها وكان الظرف مغبرّاً، وعندما نظَّف الظرف من الغبار قبَّل ذلك الظرف ووضعه

ص: 292

علي رأسه، ثمّ أقبل إليَّ قائلاً: هذه الرسالة سند وإشارة من لطف بقيّة الله روحي له الفداء لنا، وأنا عملت ونفَّذت أمره عليه السلام في حدّ الإمكان.

أخذت ذلك الظرف من سماحته، رأيت مكتوباً علي ظهره: فرمانه عليه السلام، فتحت الظرف ورأيت فيه رسالة مرسلة بواسطة ثقة الإسلام والمسلمين زين العلماء الصالحين الحاجّ الشيخ محمّد شريعة التستري، وهذه الرسالة كانت مرسلة من قبله عليه السلام، رأيت في تلك الرسالة مكتوباً: (قل له: ارخص نفسك، واجعل مجلسك في الدهليز، واقض حوائج الناس، نحن ننصرك).

وبعد ذلك أدام قائلاً (ذلك النائب العظيم): وعلي أساس هذا الأمر اتّصال الناس بي أمر سهل، وأنا جالس في دهليز بيتي وأقضي حوائج الشيعة في حدّ الإمكان، وهو عليه السلام مراقبنا وكذلك مساعدنا في الماضي.

طلبت الإذن منه لاستنساخ الرسالة، أجاز لي ولكن طلب منّي وقال: لن أسمح ما دمتُ حيّاً أن يعلم أحد بوجود هذه الرسالة. كتبت نسخة من تلك الرسالة وبعد فترة رجعت إلي إيران. وفي اليوم الثالث عشر من شهر آبان سنة ألف وثلاثمائة وخمسة وعشرين الشمسية وكان مطابقاً لليوم التاسع من ذي الحجة سنة ألف وثلاثمائة وخمسة وستّين قمرية من الهجرة النبوية وصل خبر وفات ذلك المرجع الديني إلي إيران وعقدت حفلات ومجالس تأبينية. وفي جامع (گوهرشاد) في مدينة مشهد عقد مجلس تأبين بهذه المناسبة، وكنت أنا خطيب ذلك المجلس، ولأوّل مرَّة قرأت نصَّ هذا التوقيع الشريف الذي كان لبقيّة الله عليه السلام مخاطباً نائبه العامّ آية الله العظمي السيّد أبو الحسن الأصبهاني في ذلك المجلس.

ص: 293

4 _ دعاء الإمام السجّاد عليه السلام يوم عرفة لحفظ الإمام المهدي عليه السلام ونصره:

جاء في دعائه عليه السلام في يوم عرفة: (اللّهمّ إنَّك أيَّدت دينك في كلّ أوان بإمام أقمته علماً لعبادك، ومناراً في بلادك بعد أن وصلت حبله بحبلك، وجعلته الذريعة إلي رضوانك، وافترضت طاعته، وحذَّرت معصيته، وأمرت بامتثال أمره، والانتهاء عند نهيه، وألاَّ يتقدّمه متقدّم، ولا يتأخَّر عنه متأخّر فهو عصمة اللائذين، وكهف المؤمنين، وعروة المتمسّكين، وبهاء العالمين. اللّهمّ فأوزع لوليّك شكر ما أنعمت به عليه وأوزعنا مثله فيه، وآته من لدنك سلطاناً نصيراً، وافتح له فتحاً يسيراً، وأعنه بركنك الأعزّ، واشدد أزره، وقوّ عضده، وراعه بعينك، واحمه بحفظك، وانصره بملائكتك، وامدده بجندك الأغلب، وأقم به كتابك وحدودك وشرائعك وسنن رسولك صلواتك اللّهمّ عليه وآله، وأحي به ما أماته الظالمون من معالم دينك، وأجل به صدأ الجور عن طريقتك، وأبن به الضرّاء من سبيلك، وأزل به الناكبين عن صراطك، وامحق به بغاة قصدك عوجاً، وألن جانبه لأوليائك وابسط يده علي أعدائك، وهب لنا رأفته ورحمته وتعطّفه وتحنّنه، واجعلنا له سامعين مطيعين، وفي رضاه ساعين، وإلي نصرته والمدافعة عنه مكنفين، وإليك وإلي رسولك صلواتك اللّهمّ عليه وآله بذلك متقرّبين...) الدعاء.

10 ذي الحجّة

سنة الظهور: أحداث وقلاقل في ذي الحجّة:

قال الحاكم في المستدرك: قال أبو يوسف: فحدَّثني محمّد بن عبد الله، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال:

ص: 294

(يحجّ الناس معاً ويعرّفون معاً علي غير إمام، فبينما هم نزول بمني إذ أخذهم كالكلب فثارت القبائل بعضها إلي بعض واقتتلوا حتَّي تسيل العقبة دماً، فيفزعون إلي خيرهم فيأتونه وهو ملصق وجهه إلي الكعبة يبكي كأنّي أنظر إلي دموعه، فيقولون: هلمَّ فلنبايعك، فيقول: ويحكم كم عهد قد نقضتموه؟ وكم دم قد سفكتموه؟ فيبايع كرهاً، فإذا أدركتموه فبايعوه فإنَّه المهدي في الأرض والمهدي في السماء)(1).

12 ذي الحجّة

سنة (10ه-): خطبة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في الكعبة المشرَّفة، وفيها ذكر حوادث آخر الزمان:

روي المجلسي رحمه الله عن جامع الأخبار، قال: روي جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: حججت مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حجّة الوداع، فلمَّا قضي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ما افترض عليه من الحجّ أتي مودع الكعبة فلزم حلقة الباب، ونادي برفيع صوته: (أيّها الناس)، فاجتمع أهل المسجد وأهل السوق، فقال: (اسمعوا، إنّي قائل ما هو بعدي كائن فليبلّغ شاهدكم غائبكم)، ثمّ بكي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتَّي بكي لبكائه الناس أجمعين، فلمَّا سكت من بكائه قال: (اعلموا رحمكم الله أنَّ مثلكم في هذا اليوم كمثل ورق لا شوك فيه إلي أربعين ومائة سنة، ثمّ يأتي من بعد ذلك شوك وورق إلي مائتي سنة، ثمّ يأتي من بعد ذلك شوك لا ورق فيه حتَّي لا يري فيه إلاَّ سلطان جائر، أو غني بخيل، أو عالم مراغب في المال، أو فقير كذّاب،

******

(1) مستدرك الحاكم 4: 503 و504.

ص: 295

أو شيخ فاجر، أو صبي وقح، أو امرأة رعناء)، ثمّ بكي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقام إليه سلمان الفارسي وقال: يا رسول الله، أخبرنا متي يكون ذلك؟ فقال صلي الله عليه وآله وسلم: (يا سلمان، إذا قلَّت علماؤكم، وذهبت قُرّاؤكم، وقطعتم زكاتكم، وأظهرتم منكراتكم، وعلت أصواتكم في مساجدكم، وجعلتم الدنيا فوق رؤوسكم والعلم تحت أقدامكم، والكذب حديثكم، والغيبة فاكهتكم، والحرام غنيمتكم، ولا يرحم كبيركم صغيركم، ولا يوقّر صغيركم كبيركم. فعند ذلك تنزل اللعنة عليكم، ويجعل بأسكم بينكم، وبقي الدين بينكم لفظاً بألسنتكم. فإذا اُوتيتم هذه الخصال توقَّعوا الريح الحمراء أو مسخاً أو قذفاً بالحجارة، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلي أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَ-رِّفُ الْأَياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (الأنعام: 65)).

فقام إليه جماعة من الصحابة، فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا متي يكون ذلك؟ فقال صلي الله عليه وآله وسلم: (عند تأخير الصلوات، واتّباع الشهوات، وشرب القهوات، وشتم الآباء والاُمهات. حتَّي ترون الحرام مغنماً، والزكاة مغرماً، وأطاع الرجل زوجته، وجفا جاره، وقطع رحمه، وذهبت رحمة الأكابر، وقلَّ حياء الأصاغر، وشيَّدوا البنيان، وظلموا العبيد والإماء، وشهدوا بالهوي، وحكموا بالجور، ويسبُّ الرجل أباه، ويحسد الرجل أخاه، ويعامل الشركاء بالخيانة، وقلَّ الوفاء، وشاع الزنا، وتزيَّن الرجال بثياب النساء، وسلب عنهنَّ قناع الحياء، ودبَّ الكبر في القلوب كدبيب السمّ في الأبدان، وقلَّ المعروف، وظهرت الجرائم، وهوّنت العظائم، وطلبوا المدح بالمال، وأنفقوا المال للغناء، وشغلوا بالدنيا عن الآخرة،

ص: 296

وقلَّ الورع، وكثر الطمع والهرج والمرج، وأصبح المؤمن ذليلاً، والمنافق عزيزاً، مساجدهم معمورة بالأذان، وقلوبهم خالية من الإيمان، واستخفّوا بالقرآن، وبلغ المؤمن عنهم كلّ هوان. فعند ذلك تري وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين، كلامهم أحلي من العسل، وقلوبهم أمرّ من الحنظل، فهم ذئاب وعليهم ثياب، ما من يوم إلاَّ يقول الله تبارك وتعالي: أفبي تغترّون؟ أم عليَّ تجترؤون؟، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (الحجّ: 115)، فوَعزَّتي وجلالي، لولا من يعبدني مخلصاً ما أمهلت من يعصيني طرفة عين، ولولا ورع الورعين من عبادي لما أنزلت من السماء قطرة، ولا أنبتُّ ورقة خضراء، فوا عجباه لقوم آلهتهم أموالهم، وطالت آمالهم، وقصرت آجالهم، وهم يطمعون في مجاورة مولاهم، ولا يصلون إلي ذلك إلاَّ بالعمل، ولا يتمُّ العمل إلاَّ بالعقل)(1).

* وروي القمّي رحمه الله في تفسيره عن أبيه، عن سليمان بن مسلم الخشّاب، عن عبد الله بن جريح المكّي، عن عطا بن أبي رياح، عن عبد الله بن عبّاس، قال: حججنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حجّة الوداع، فأخذ بحلقة باب الكعبة ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال: (ألا اُخبركم بأشراط الساعة؟)، وكان أدني الناس منه يومئذٍ سلمان رحمة الله عليه، فقال: بلي يا رسول الله، فقال صلي الله عليه وآله وسلم: (إنَّ من أشراط القيامة: إضاعة الصلوات، واتّباع الشهوات، والميل إلي الأهواء، وتعظيم أصحاب المال، وبيع الدين بالدنيا، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح في الماء ممَّا يري من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره)، قال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إنَّ عندها يليهم أمراء جورة، ووزراء

******

(1) بحار الأنوار 52: 262 - 264/ ح 148.

ص: 297

فسقة، وعرفاء ظلمة، وأمناء خونة)، فقال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال صلي الله عليه وآله وسلم: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إنَّ عندها يكون المنكر معروفاً والمعروف منكراً، ويؤتمن الخائن ويخون الأمين، ويُصدَّق الكاذب ويُكذَّب الصادق)، قال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال صلي الله عليه وآله وسلم: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، فعندها تكون إمارة النساء، ومشاورة الإماء، وقعود الصبيان علي المنابر، ويكون الكذب طرفاً، والزكاة مغرماً، والفيء مغنماً، ويجفو الرجل والديه ويبرّ صديقه، ويطلع الكوكب المذنب)، قال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة، ويكون المطر قيظاً، ويغيظ الكرام غيظاً، ويحتقر الرجل المعسر، فعندها تقارب الأسواق إذ قال هذا: لم أبع شيئاً، وقال هذا: لم أربح شيئاً، فلا تري إلاَّ ذامّاً لله)، قال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، فعندها يليهم أقوام إن تكلَّموا قتلوهم وإن سكتوا استباحوا حقّهم ليستأثرون أنفسهم بفيئهم وليطؤن حرمتهم وليسفكنَّ دماءهم وليملأنَّ قلوبهم دغلاً ورعباً، فلا تراهم إلاَّ وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين)، قال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إنَّ عندها يؤتي بشيء من المشرق وشيء من المغرب يلون أمّتي، فالويل لضعفاء أمّتي منهم والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيراً ولا يوقّرون كبيراً ولا يتجاوزون من مسيء، جثَّتهم جثَّة الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين)، قال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ويغار علي الغلمان كما يغار علي الجارية في بيت أهلها، وتشبَّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، ولتركبنَّ ذوات الفروج

ص: 298

السروج فعليهنَّ من أمّتي لعنة الله)، قال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ فقال: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إنَّ عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس، وتحلّي المصاحف، وتطول المنارات، وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة وألسن مختلفة)، قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: (إي والذي نفسي بيده وعندها تحلّي ذكور أمّتي بالذهب، ويلبسون الحرير والديباج، ويتَّخذون جلود النمور صفافاً)، قال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها يظهر الربا، ويتعاملون بالعينة والرشي، ويوضع الدين وترفع الدنيا)، قال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها يكثر الطلاق، فلا يقام لله حدّ ولن يضرّوا الله شيئاً)، قال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها تظهر القينات والعازف ويليهم أشرار أمّتي)، قال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال صلي الله عليه وآله وسلم: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها تحجّ أغنياء أمّتي للنزهة، وتحجّ أوساطها للتجارة، وتحجّ فقراؤهم للرياء والسمعة، فعندها يكون أقوام يتَّعلمون القرآن لغير الله ويتَّخذونه مزامير، ويكون أقوام يتفقَّهون لغير الله، وتكثر أولاد الزنا، ويتغنّون بالقرآن، ويتهافتون بالدنيا)، قال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال صلي الله عليه وآله وسلم: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، ذاك إذا انتهكت المحارم، واكتسبت المآثم، وتسلَّط الأشرار علي الأخيار، ويفشو الكذب، وتظهر اللجاجة، وتغشو الفاقة، ويتباهون في اللباس، ويمطرون في غير أوان المطر، ويستحسنون الكوبة والمعازف، وينكرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتَّي يكون المؤمن في ذلك الزمان أذلّ من الأمَة، ويظهر قرّاؤهم وعبّادهم فيما بينهم التلاوم، فأولئك يدعون في ملكوت السماوات:

ص: 299

الأرجاس والأنجاس)، قال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال صلي الله عليه وآله وسلم: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، فعندها لا يخشي الغني علي الفقير حتَّي أنَّ السائل يسأل فيما بين الجمعتين لا يصيب أحداً يضع في كفّه شيئاً)، قال سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال صلي الله عليه وآله وسلم: (إي والذي نفسي بيده يا سلمان، عندها يتكلَّم الرويبضة)، فقال: وما الرويبضة يا رسول الله فداك أبي واُمّي؟ قال صلي الله عليه وآله وسلم: (يتكلَّم في أمر العامّة من لم يكن يتكلَّم، فلم يلبثوا إلاَّ قليلاً حتَّي تخور الأرض خورة، فلا يظنّ كلّ قوم إلاَّ أنَّها خارت في ناحيتهم، فيمكثون ما شاء الله، ثم ينكتون في مكثهم فتلقي لهم الأرض أفلاذ كبدها ذهباً وفضَّةً _ ثمّ أومأ بيده إلي الأساطين فقال _ مثل هذا، فيومئذٍ لا ينفع ذهب ولا فضَّة، فهذا معني قوله: (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) (محمّد: 18))(1).

18 ذي الحجّة

سنة (10ه-): خطبة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم يوم غدير خمّ في حجّة الوداع وبشارته بالإمام المهدي عليه السلام:

روي الطوسي رحمه الله في أماليه عن الحفّار، قال: حدَّثنا أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي الحافظ، قال: حدَّثني أبو الحسن علي بن موسي الخزّاز من كتابه، قال: حدَّثنا الحسن بن علي الهاشمي، قال: حدَّثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدَّثنا أبو مريم، عن ثوير بن أبي فاختة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، قال: قال أبي: دفع النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم الراية يوم خيبر إلي

******

(1) تفسير القمّي 2: 303 - 307.

ص: 300

علي بن أبي طالب عليه السلام، ففتح الله عليه، وأوقفه يوم غدير خُمّ، فأعلم الناس أنَّه مولي كلّ مؤمن ومؤمنة... إلي أن قال: ثمّ بكي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، فقيل: مِمَّ بكاؤك، يا رسول الله؟ قال: (أخبرني جبرئيل عليه السلام أنَّهم يظلمونه ويمنعونه حقّه، ويقاتلونه ويقتلون ولده، ويظلمونهم بعده، وأخبرني جبرئيل عليه السلام عن الله عز وجل أنَّ ذلك يزول إذا قام قائمهم، وعلت كلمتهم، واجتمعت الأمّة علي محبَّتهم، وكان الشانئ لهم قليلاً، والكاره لهم ذليلاً، وكثر المادح لهم، وذلك حين تغيّر البلاد، وضعف العباد، والإياس من الفرج، وعند ذلك يظهر القائم منهم). فقيل له: ما اسمه؟ قال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: (اسمه كاسمي، واسم أبيه كاسم أبي(1)، هو من ولد ابنتي،

******

(1) قال محمّد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول (ص 487 - 489): إن قال المعترض: ... إنَّ من جملة الصفات المجعولة علامة ودلالة أن يكون اسم أبيه مواطئاً لاسم أب النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، هكذا صرَّح به الحديث النبوي علي ما أوردوه، وهذه الصفة لم توجد فيه...، فالجواب: لا بدَّ قبل الشروع في تفصيل الجواب من بيان أمرين يبتني عليهما الغرض: (الأمر) الأوّل: إنَّه شائع في لسان العرب إطلاق لفظة الأب علي الجد الأعلي وقد نطق القرآن الكريم بذلك فقال تعالي: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) (الحجّ: 78)، وقال تعالي حكاية يوسف عليه السلام: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) (يوسف: 38)، ونطق بذلك النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في حديث الإسراء أنَّه قال: (قلت: من هذا؟ قال: أبوك إبراهيم). فعلم أنَّ لفظة الأب تطلق علي الجدّ وإن علا، فهذا أحد الأمرين.

الأمر الثاني: إنَّ لفظة الاسم تطلق علي الكنية وعلي الصفة وقد استعملها الفصحاء ودارت بها ألسنتهم ووردت في الأحاديث حتَّي ذكرها الإمامان البخاري ومسلم رضي الله عنهما كلّ منهما يرفعه إلي سهل بن سعد الساعدي، أنَّه قال عن علي عليه السلام: إنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سمّاه بأبي تراب ولم يكن له اسم أحبّ إليه منه. فأطلق لفظة الاسم علي الكنية، ومثل ذلك قال الشاعر:

أجل قدرك أن تسمّي مؤبَّنة

ومن كنّاك فقد سمّاك للعرب

ويروي: (من يصفك)، فأطلق التسمية علي الكناية أو الصفة، وهذا شائع ذائع في لسان العرب.=

ص: 301

يظهر الله الحقّ بهم، ويخمد الباطل بأسيافهم، ويتَّبعهم الناس بين راغب إليهم وخائف منهم). قال: وسكن البكاء عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقال: (معاشر المؤمنين، أبشروا بالفرج، فإنَّ وعد الله لا يخلف، وقضاءه لا يُرد، وهو الحكيم الخبير، فإنَّ فتح الله قريب. اللّهمّ إنَّهم أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، اللّهمّ اكلأهم وارعهم وكن لهم، وانصرهم وأعنهم، وأعزهم ولا تذلهم، واخلفني فيهم، إنَّك علي كلّ شيء قدير)(1).

23 ذي الحجّة

سنة (412ه-): تاريخ وصول رسالة الإمام المهدي عليه السلام الثانية إلي الشيخ المفيد رحمه الله:

جاء في الاحتجاج للشيخ الطبرسي رحمه الله: ورد علي الشيخ المفيد رحمه الله كتاب آخر من قبل الإمام المهدي صلوات الله عليه، يوم الخميس الثالث والعشرين من

******

=فإذا وضح ما ذكرناه من الأمرين فاعلم أيَّدك الله بتوفيقه أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم كان له سبطان: أبو محمّد الحسن وأبو عبد الله الحسين، ولمَّا كان الحجّة الخلف الصالح محمّد عليه السلام من ولد أبي عبد الله الحسين، ولم يكن من ولد أبي محمّد الحسن، وكانت كنية الحسين أبا عبد الله فأطلق النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم علي الكنية لفظ الاسم لأجل المقابلة بالاسم في حقّ أبيه، وأطلق علي الجدّ لفظة الأب فكأنَّه قال: يواطئ اسمه اسمي، فهو محمّد وأنا محمّد وكنية جدّه اسم أبي، إذ هو أبو عبد الله وأبي عبد الله لتكون تلك الألفاظ المختصرة جامعة لتعريف صفاته وإعلام أنَّه من ولد أبي عبد الله الحسين بطريق جامع موجز، وحينئذٍ تنتظم الصفات وتوجد بأسرها مجتمعة للحجّة الخلف الصالح محمّد عليه السلام، وهذا بيان شافٍ كافٍ في إزالة ذلك الإشكال، فافهمه.

(1) أمالي الطوسي: 351 و352/ ح (726/66).

ص: 302

ذي الحجّة، سنة اثني عشر وأربعمائة، نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم سلام الله عليك أيّها الناصر للحقّ، الداعي إليه بكلمة الصدق، فإنّا نحمد الله إليك الذي لا إله إلاَّ هو، إلهنا وإله آبائنا الأوّلين، ونسأله الصلاة علي سيّدنا ومولانا محمّد خاتم النبيّين، وعلي أهل بيته الطاهرين. وبعد: فقد كنّا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائه، وحرسك به من كيد أعدائه، وشفعنا ذلك الآن من مستقرّ لنا ينصب في شمراخ، من بهماء صرنا إليه آنفاً من غماليل ألجأنا إليه السباريت من الإيمان، ويوشك أن يكون هبوطنا إلي صحصح من غير بعد من الدهر ولا تطاول من الزمان ويأتيك نبأ منّا بما يتجدَّد لنا من حال، فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال، والله موفّقك لذلك برحمته، فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام أن تقابل لذلك فتنة تسبل نفوس قوم حرثت باطلاً لاسترهاب المبطلين، يبتهج لذمارها المؤمنون، ويحزن لذلك المجرمون، وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالجرم المعظم من رجس منافق مذمم، مستحلّ للدم المحرَّم، يعمد بكيده أهل الإيمان ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان، لأنَّنا من وراء حفظهم بالدعاء الذي الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء، فليطمئنّ بذلك من أوليائنا القلوب، وليثقوا بالكفاية منه، وإن راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب. ونحن نعهد إليك أيّها الوليّ المخلص المجاهد فينا الظالمين أيَّدك الله بنصره الذي أيَّد به السلف من أوليائنا الصالحين، أنَّه من اتَّقي ربّه من إخوانك في الدين وأخرج ممَّا عليه إلي مستحقّيه، كان آمناً من الفتنة المبطلة، ومحنها المظلمة المظلّة ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته علي من أمره بصلته، فإنَّه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته، ولو أنَّ أشياعاً وفَّقهم الله لطاعته علي اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخَّر عنهم اليمن بلقائنا،

ص: 303

ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا علي حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلاَّ ما يتَّصل بنا ممَّا نكرهه ولا نؤثره منهم، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلاته علي سيّدنا البشير النذير محمّد وآله الطاهرين وسلَّم).

كتب في غرَّة شوّال من سنة اثني عشر وأربعمائة: نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله علي صاحبها: (هذا كتابنا إليك أيّها الوليّ الملهم للحقّ العلي، بإملائنا وخطّ ثقتنا، فاخفه عن كلّ أحد، واطوه واجعل له نسخة يطلع عليها من تسكن إلي أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله، الحمد لله والصلاة علي سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين)(1).

25 ذي الحجّة

سنة الظهور: يوم (25) ذي الحجّة من سنة الظهور يقتل النفس الزكية:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن العبّاس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن عبد الله بن محمّد الحجّال، عن ثعلبة

******

(1) الاحتجاج 2: 324 و325؛ قال السيّد بحر العلوم في الفوائد الرجالية (ج 3/ ص 320): (وقد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبري، مع جهالة المبلّغ ودعواه المشاهدة المنافية بعد الغيبة الصغري، ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضي القرائن، واشتمال التوقيع علي الملاحم والإخبار عن الغيب الذي لا يطَّلع عليه إلاَّ الله وأولياؤه بإظهاره لهم، وأنَّ المشاهدة المنفية أن يشاهد الإمام ويعلم أنَّه الحجّة عليه السلام حال مشاهدته له، ولم يعلم من المبلّغ ادّعاؤه لذلك، وقد يمنع أيضاً امتناعها في شأن الخواصّ، وأنَّ اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار ودلالة بعض الآثار).

ص: 304

بن ميمون، عن شعيب الحذّاء، عن صالح مولي بني العذراء، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: (ليس بين قيام قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزكية إلاَّ خمسة عشر ليلة)(1)(2).

* وروي المجلسي رحمه الله في البحار عن السيّد علي بن عبد الحميد بإسناده يرفعه إلي أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل إلي أن قال: (يقول القائم عليه السلام لأصحابه: يا قوم إنَّ أهل مكّة لا يريدونني، ولكنّي مرسل إليهم لأحتجّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجَّ عليهم. فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: امض إلي أهل مكّة فقل: يا أهل مكّة أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم: إنّا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرّية محمّد وسلالة النبيّين، وإنّا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا وابتزَّ منّا حقّنا منذ قبض نبيّنا إلي يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا. فإذا تكلَّم هذا الفتي بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية، فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: ألا أخبرتكم أنَّ أهل مكّة لا يريدوننا؟ فلا يدعونه حتَّي يخرج فيهبط من عقبة طوي(3) في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدَّة أهل بدر حتَّي يأتي المسجد الحرام، فيُصلّي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ويسند ظهره إلي الحجر الأسود، ثمّ يحمد الله ويثني عليه، ويذكر

******

(1) كمال الدين: 649/ باب 57/ ح 2؛ الإرشاد 2: 374؛ الغيبة للطوسي: 445/ ح 440؛ الخرائج والجرائح 3: 1162؛ الصراط المستقيم 2: 249؛ كشف الغمّة 3: 259.

(2) قد مرَّ سابقاً في (ص 22) أنَّ الظهور المقدَّس للإمام المهدي عليه السلام يكون في اليوم العاشر من المحرَّم.

(3) موضع قرب مكّة، (أنظر: مجمع البحرين 1: 279).

ص: 305

النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ويُصلّي عليه، ويتكلَّم بكلام لم يتكلَّم به أحد من الناس. فيكون أوّل من يضرب علي يده ويبايعه جبرئيل وميكائيل، ويقوم معهما رسول الله وأمير المؤمنين فيدفعان إليه كتاباً جديداً هو علي العرب شديد بخاتم رطب، فيقولون له: اعمل بما فيه، ويبايعه الثلاثمائة وقليل من أهل مكّة. ثمّ يخرج من مكّة حتَّي يكون في مثل الحلقة)، قلت: وما الحلقة؟ قال: (عشرة آلاف رجل، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، ثمّ يهزّ الراية الجليّة وينشرها وهي راية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم السحابة ودرع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم السابغة، ويتقلَّد بسيف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ذي الفقار)(1).

30 ذي الحجّة

سنة (266ه-): حدوث الغيبة التامّة للإمام المهدي عليه السلام علي رواية المفضَّل بن عمر:

راجع ما ذُكر في (8/ ربيع الأوّل/ 260ه-) تحت عنوان: (إنباء الإمام الصادق عليه السلام للمفضَّل بن عمر بشهادة الإمام العسكري...).

* * *

أحداث هذا الشهر بدون ذكر اليوم

1 _ سنة (147ه-): إخبار الإمام الصادق عليه السلام لعبّاد البصري بظهور الإمام المهدي عليه السلام في آخر الزمان:

روي السيّد ابن طاووس رحمه الله عن جدّه أبي جعفر الطوسي، عن

******

(1) بحار الأنوار 52: 307/ ح 81 .

ص: 306

جماعة، عن هارون بن موسي التلعكبري، عن ابن همام، عن جميل، عن القاسم بن إسماعيل، عن أحمد بن رياح، عن أبي الفرج أبان بن محمّد المعروف بالسندي نقلناه من أصله، قال: كان أبو عبد الله عليه السلام في الحجّ _ في السنة التي قدم فيها أبو عبد الله عليه السلام _ تحت الميزاب وهو يدعو، وعن يمينه عبد الله بن الحسن، وعن يساره حسن بن حسن، وخلفه جعفر بن حسن، قال: فجائه عبّاد بن كثير البصري، قال: فقال له: يا أبا عبد الله، قال: فسكت عنه حتَّي قالها ثلاثاً، قال: ثمّ قال له: يا جعفر، قال: فقال له: (قل ما تشاء يا أبا كثير)، قال: إنّي وجدت في كتاب لي علم هذه البنية رجل ينقضها حجراً حجراً. قال: فقال له: (كذب كتابك يا أبا كثير، ولكن كأنّي والله بأصفر القدمين، خمش الساقين، ضخم البطن، رقيق العنق، ضخم الرأس علي هذا الركن _ وأشار بيده إلي الركن اليماني _ يمنع الناس من الطواف حتَّي يتذعَّروا منه)، قال: (ثمّ يبعث الله له رجلاً منّي _ وأشار بيده إلي صدره _، فيقتله قتل عاد وثمود وفرعون ذي الأوتاد)، قال: فقال له عند ذلك عبد الله بن الحسن: صدق والله أبو عبد الله عليه السلام، حتَّي صدَّقوه كلّهم جميعا.(1)

2 _ سنة (147ه-): استشهاد الإمام الصادق عليه السلام بآية الاستخلاف علي الإمام المهدي عليه السلام:

قال المجلسي رحمه الله في البحار: وجدت بخطّ الشيخ محمّد بن علي الجباعي رحمه الله، قال: وجدت بخطّ الشهيد نوَّر الله ضريحه: روي الصفواني في كتابه عن صفوان أنَّه لمَّا طلب المنصور أبا عبد الله عليه السلام توضَّأ

******

(1) إقبال الأعمال 3: 87 و88 .

ص: 307

وصلّي ركعتين، ثمّ سجد سجدة الشكر، وقال: (اللّهُمَّ إِنَّكَ وَعَدْتَنَا عَلَي لِسَان نَبِيَّكَ مُحَمَّدٍ صلّي الله عليه وآله وَوَعْدُكَ الْحَقُّ أنَّكَ تُبَدَّلُنَا مِنْ بَعْدِ خَوْفِنَا أمْناً، اللّهُمَّ فَأنْجِزْ لَنَا مَا وَعَدْتَنَا إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ)، قال: قلت له: يا سيّدي فأين وعد الله لكم؟ فقال عليه السلام: (قول الله عز وجل: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ...) الآية (النور: 55))(1).

3 _ سنة (193ه-): تصحيح الإمام الرضا عليه السلام لحديث روي عن الإمام الصادق عليه السلام في حقّ الإمام المهدي عليه السلام:

روي الكشّي رحمه الله عن علي بن محمّد بن قتيبة، قال: حدَّثني الفضل بن شاذان، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الواسطي ومحمّد بن يونس، قالا: حدَّثنا الحسن بن قياما الصيرفي(2)، قال: حججت في سنة ثلاث وتسعين ومائة، وسألت أبا الحسن الرضا عليه السلام، فقلت: جُعلت فداك، ما فعل أبوك؟ قال: (مضي كما مضي آباؤه).

قلت: فكيف أصنع بحديث حدَّثني به يعقوب بن شعيب، عن أبي بصير أنَّ أبا عبد الله عليه السلام قال: (إن جاءكم من يخبركم أنَّ ابني هذا مات وكُفّن ولُبن وقُبر ونفضوا أيديهم من تراب قبره فلا تصدّقوا به)؟

******

(1) بحار الأنوار 51: 64.

(2) الظاهر أنَّ (الحسن) تصحيف (الحسين)، وهو الحسين بن قياما الصيرفي، عدَّه الطوسي رحمه الله في رجاله (ص 336/ الرقم 4997/28) من أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام، فقال: (الحسين بن قياما واقفي)، بل ورد في عيون أخبار الرضا عليه السلام (ج 2/ ص 226/ ح 13) أنَّه كان من رؤساء الواقفة. وقد دعا عليه الإمام الكاظم عليه السلام مرَّتين، وبقي علي وقفه إلي أن مات. (راجع: تهذيب المقال 2: 436 - 438).

ص: 308

فقال: (كذب أبو بصير(1)، ليس هكذا حدَّثه، إنَّما قال: إن جاءكم عن صاحب هذا الأمر)(2).

4 _ سنة (259ه-): أوّل حجّة للإمام المهدي عليه السلام مع جدَّته اُمّ الحسن العسكري عليه السلام وعمره (4) سنوات:

روي النوري رحمه الله نقلاً عن علي بن الحسين المسعودي في كتابه إثبات الوصيّة، عن الحميري، عن أحمد بن إسحاق، قال: دخلت علي أبي محمّد عليه السلام فقال لي: (يا أحمد، ما كان حالكم فيما كان الناس فيه من الشكّ والارتياب؟)، قلت: يا سيّدي، لمَّا ورد الكتاب بخبر سيّدنا ومولده، لم يبقَ منّا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلاَّ قال بالحقّ، فقال: (أمَا علمتم أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة الله). ثمّ أمر أبو محمّد عليه السلام والدته بالحجّ في سنة تسع وخمسين ومائتين، وعرَّفها ما يناله في سنة ستّين، وأحضر الصاحب عليه السلام فأوصي إليه وسلَّم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إليه، وخرجت اُمّ أبي محمّد عليه السلام مع الصاحب عليه السلام جميعاً إلي مكّة، وكان أحمد بن محمّد بن مطهَّر أبو علي المتولّي لما يحتاج إليه الوكيل، فلمَّا بلغوا بعض المنازل من طريق مكّة،

******

(1) قال السيّد الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث (ج 21/ ص 86): (هذه الرواية ضعيفة السند، ولا أقلّ من جهة الحسن بن قياما الصيرفي، علي أنَّها معارضة بعدَّة روايات، منها: ما رواه الصفّار، قال: حدَّثنا أبو طالب بن عثمان بن عيسي، قال: كنت أنا وأبو بصير ومحمّد بن عمران مولي أبي جعفر في منزله بمكّة، قال: فقال محمّد بن عمران: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (نحن اثنا عشر محدّثاً)، قال له أبو بصير: والله لسمعت من أبي عبد الله عليه السلام، قال: فحلَّفه مرَّة واثنتين أنَّه سمعت، قال: فقال أبو بصير: كذا سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول).

(2) اختيار معرفة الرجال 2: 773/ ح 902.

ص: 309

تلقّي الأعراب القوافل، فأخبروهم بشدَّة الخوف، وقلَّة الماء، فرجع أكثر الناس إلاَّ من كان في الناحية، فإنَّهم نفذوا وسلموا، وروي أنَّه ورد عليهم الأمر بالنفوذ(1).

5 _ سنة (281ه-): سفر يعقوب بن يوسف للحجّ وسكنه في دار الرضا عليه السلام في مكّة وملاقاته عجوزاً تلتقي بالإمام المهدي عليه السلام وإعطائها له نسخة من توقيع يحوي دعاءً طويلاً:

نقل الطبري الشيعي رحمه الله عن أصل بخطّ شيخنا أبي عبد الله الحسين الغضائري رحمه الله، قال: حدَّثني أبو الحسن علي بن عبد الله القاساني، قال: حدَّثنا الحسين بن محمّد سنة ثمان وثمانين ومائتين بقاسان بعد منصرفه من أصبهان، قال: حدَّثني يعقوب بن يوسف بأصبهان، قال: حججت سنة إحدي وثمانين ومائتين، وكنت مع قوم مخالفين، فلمَّا دخلنا مكّة تقدَّم بعضهم فاكتري لنا داراً في زقاق من سوق الليل في دار خديجة تسمّي دار الرضا عليه السلام، وفيها عجوز سمراء، فسألتها لمَّا وقفت علي أنَّها دار الرضا عليه السلام: ما تكونين من أصحاب هذه الدار، ولِمَ سُمّيت دار الرضا؟ فقال: أنا من مواليهم، وهذه دار الرضا علي بن موسي عليهما السلام، وأسكننيها الحسن بن علي عليهما السلام، فإنّي كنت خادمة له. فلمَّا سمعت بذلك أنست بها، وأسررت الأمر عن رفقائي، وكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل أنام مع رفقائي في رواق الدار ونغلق الباب، ونرمي خلف الباب حجراً كبيراً، فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنّا فيه شبيهاً بضوء المشعل، ورأيت الباب قد فتح، ولم أرَ أحداً فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلاً ربعة، أسمر، يميل إلي الصفرة، في وجهه سجّادة، عليه قميصان وإزار رقيق قد

******

(1) خاتمة المستدرك 4: 55 و56.

ص: 310

تقنَّع به، وفي رجله نعل طاق _ وخبَّرني أنَّه رآه في غير صورة واحدة _، فصعد إلي الغرفة التي في الدار حيث كانت العجوز تسكن، وكانت تقول لنا: إنَّ لها في الغرفة بنتاً، ولا تدع أحداً يصعد إلي الغرفة. فكنت أري الضوء الذي رأيته قبل في الزقاق علي الدرجة عند صعود الرجل في الغرفة التي يصعدها من غير أن أري السراج بعينه، وكان الذين معي يرون مثل ما أري، فتوهَّموا أن يكون هذا الرجل يختلف إلي بنت هذه العجوز، وأن يكون قد تمتَّع بها، فقالوا: هؤلاء علوية، يرون هذا وهو حرام لا يحلّ. وكنّا نراه يدخل ويخرج ونجيء إلي الباب وإذا الحجر علي حالته التي تركناه عليها، وكنّا نتعهَّد الباب خوفاً علي متاعنا، وكنّا لا نري أحداً يفتحه ولا يغلقه، والرجل يدخل ويخرج والحجر خلف الباب إلي أن حان وقت خروجنا. فلمَّا رأيت هذه الأسباب ضرب علي قلبي، ووقعت الهيبة فيه، فتلطَّفت للمرأة، وقلت أحبّ أن أقف علي خبر الرجل. فقلت لها: يا فلانة، إنّي أحبّ أن أسألك واُفاوضك من غير حضور هؤلاء الذين معي، فلا أقدر عليه، فأنا أحبّ إذا رأيتني وحدي في الدار أن تنزلي لأسألك عن شيء. فقالت لي مسرعة: وأنا أردت أن أسرّ إليك شيئاً، فلم يتهيَّأ ذلك من أجل أصحابك. فقلت: ما أردت أن تقولي؟ فقالت: يقول لك _ ولم تذكر أحداً _: (لا تخاشن أصحابك وشركاءك ولا تلاحهم فإنَّهم أعداؤك، ودارهم). فقلت لها: من يقول؟ فقالت: أنا أقول. فلم أجسر لما كان دخل قلبي من الهيبة أن اُراجعها، فقلت: أيّ الأصحاب؟ وظننتها تعني رفقائي الذين كانوا حجّاجاً معي. فقالت: لا، ولكن شركاؤك الذين في بلدك، وفي الدار معك. وكان قد جري بيني وبين الذين عنتهم أشياء في الدين فشنعوا عليَّ حتَّي هربت واستترت بذلك السبب، فوقفت علي أنَّها إنَّما عنت أولئك. فقلت لها: ما تكونين من الرضا عليه السلام؟ فقالت:

ص: 311

كنت خادمة للحسن بن علي عليهما السلام. فلمَّا قالت ذلك قلت: لأسألنَّها عن الغائب عليه السلام، فقلت: بالله عليك رأيته بعينك؟ فقالت: يا أخي، لم أرَه بعيني، فإنّي خرجت وأختي حبلي وأنا خالية، وبشَّرني الحسن عليه السلام بأنّي سوف أراه آخر عمري، وقال: (تكونين له كما أنت لي). وأنا اليوم منذ كذا وكذا سنة بمصر، وإنَّما قدمت الآن بكتابه ونفقة وجَّه بها إليَّ علي يد رجل من أهل خراسان، لا يفصح بالعربية، وهي ثلاثون دينار، وأمرني أن أحجّ سنتي هذه، فخرجت رغبة في أن أراه. فوقع في قلبي أنَّ الرجل الذي كنت أراه يدخل ويخرج هو هو، فأخذت عشرة دراهم رضوية، وكنت حملتها علي أن ألقيها في مقام إبراهيم عليه السلام فقد كنت نذرت ذلك ونويته، فدفعتها إليها، وقلت في نفسي: أدفعها إلي قوم من ولد فاطمةعليها السلام أفضل ممَّا ألقيها في المقام وأعظم ثواباً، وقلت لها: ادفعي هذه الدراهم إلي من يستحقّها من ولد فاطمة عليها السلام، وكان في نيَّتي أنَّ الرجل الذي رأيته هو، وإنَّما تدفعها إليه، فأخذت الدراهم وصعدت وبقيت ساعة ثمّ نزلت، وقالت: يقول لك: (ليس لنا فيها حقّ، فاجعلها في الموضع الذي نويت، ولكن هذه الرضوية خذ منها بدلها وألقها في الموضع الذي نويت)، ففعلت ما أمرت به عن الرجل. ثمّ كانت معي نسخة توقيع خرج إلي القاسم بن العلاء بآذربيجان، فقلت لها: تعرضين هذه النسخة علي إنسان قد رأي توقيعات الغائب ويعرفها. فقالت: ناولني فإنّي أعرفها. فأريتها النسخة، وظننت أنَّ المرأة تحسن أن تقرأ، فقالت: لا يمكن أن أقرأ في هذا المكان. فصعدت به إلي السطح، ثمّ أنزلته فقالت: صحيح. وفي التوقيع: (إنّي اُبشّركم ما سررت به وغيره). ثمّ قالت: يقول لك: (إذا صلَّيت علي نبيّك عليه السلام، فكيف تصلّي عليه؟)، فقلت: أقول: (اللّهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد،

ص: 312

وبارك علي محمّد وآل محمّد، وارحم محمّداً وآل محمّد، كأفضل ما صلَّيت وباركت وترحَّمت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد). فقالت: لا، إذا صلَّيت عليهم فصلّ عليهم كلّهم وسمّهم. فقلت: نعم. فلمَّا كان من الغد نزلت ومعها دفتر صغير قد نسخناه، فقالت: يقول لك: (إذا صلَّيت علي نبيّك فصلّ عليه وعلي أوصيائه علي هذه النسخة). فأخذتها وكنت أعمل بها. ورأيته عدَّة ليال قد نزل من الغرفة وضوء السراج قائم وخرج، فكنت أفتح الباب وأخرج علي أثر الضوء وأنا أراه _ أعني الضوء _ ولا أري أحداً حتَّي يدخل المسجد، وأري جماعة من الرجال من بلدان كثيرة يأتون باب هذه الدار، قوم عليهم ثياب رثّة يدفعون إلي العجوز رقاعاً معهم، ورأيت العجوز تدفع إليهم كذلك الرقاع وتكلّمهم ويكلّمونها ولا أفهم عنهم، ورأيت منهم جماعة في طريقنا حتَّي قدمنا بغداد.

نسخة الدعاء: (اللّهُمَّ صَلّ عَلَي مُحَمَّدٍ سَيَّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَم النَّب-ِيَّينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، الْمُنْتَخَبِ فِي الْمِيثَاقِ، الْمُصْطَفَي فِي الظّلالِ، الْمُطَهَّر مِنْ كُلّ آفَةٍ، الْبَريءِ مِنْ كُلّ عَيْبٍ، الْمُؤَمَّل لِلنَّجَاةِ، الْمُرْتَجَي لِلشَّفَاعَةِ، الْمُفَوَّض إِلَيْهِ دِينُ اللهِ. اللَهُمَّ شَرَّفْ بُنْيَانَهُ، وَعَظّمْ بُرْهَانَهُ، وَأفْلِجْ حُجَّتَهُ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ، وضوّء نُورَهُ، وَبَيَّضْ وَجْهَهُ، وَأعْطِهِ الْفَضْلَ وَالْفَضِيلَةَ وَالْوَسِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً، يَغْب-ِطُهُ ب-ِهِ الأوَّلُونَ وَالآخِرُونَ. وَصَلّ عَلَي أمِير الْمُؤْمِن-ِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ،

ص: 313

وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَقَائِدِ الْغُرَّ الْمُحَجَّلِينَ، وَسَيَّدِ الْمُؤْمِن-ِينَ. وَصَلّ عَلَي الْحَسَن بْن عَلِيَّ، إِمَام الْمُؤْمِن-ِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَصَلّ عَلَي الْحُسَيْن بْن عَلِيَّ، إِمَام الْمُؤْمِن-ِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَصَلّ عَلَي عَلِيَّ بْن الْحُسَيْن، إِمَام الْمُؤْمِن-ِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَصَلّ عَلَي مُحَمَّدِ بْن عَلِيَّ، إِمَام الْمُؤْمِن-ِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَصَلّ عَلَي جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ، إِمَام الْمُؤْمِن-ِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَصَلّ عَلَي مُوسَي بْن جَعْفَرٍ، إِمَام الْمُؤْمِن-ِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَصَلّ عَلَي عَلِيَّ بْن مُوسَي، إِمَام الْمُؤْمِن-ِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَي مُحَمَّدِ بْن عَلِيَّ، إِمَام الْمُؤْمِن-ِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَصَلّ عَلَي عَلِيَّ بْن مُحَمَّدٍ، إِمَام الْمُؤْمِن-ِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَصَلّ عَلَي الْحَسَن بْن عَلِيَّ، إِمَام الْمُؤْمِن-ِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَصَلّ عَلَي الْخَلَفِ الْهَادِي الْمَهْدِيَّ، إِمَام الْمُؤْمِن-ِينَ، وَوَارِثِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبَّ الْعَالَمِينَ. اللّهُمَّ صَلّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَعَلَي أهْل بَيْتِهِ الْهَادِينَ، الأئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّادِقِينَ، الأوْصِيَاءِ الْمَرْضِيينَ، دَعَائِم دِينكَ، وَأرْكَانِ تَوْحِيدِكَ، وَتَرَاجِمَةِ وَحْيِكَ، وَحُجَجِكَ عَلَي خَلْقِكَ، وَخُلَفَائِكَ فِي أرْضِكَ، الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَاصْطَفَيْتَهُمْ عَلَي عِب-ِيدِكَ، وَارْتَضَيْتَهُمْ لِدِينكَ، وَخَصَصْتَهُمْ ب-ِمَعْرفَتِكَ، وَجَلَّلْتَهُمْ ب-ِكَرَامَتِكَ، وَغَشَّيْتَهُمْ ب-ِرَحْمَتِكَ، وَغَذَّيْتَهُمْ ب-ِحِكْمَتِكَ، وَألْبَسْتَهُمْ مِنْ نُورَكَ، وَرَبَّيْتَهُمْ ب-ِن-ِعْمَتِكَ، وَرَفَعْتَهُمْ فِي مَلَكُوتِكَ، وَحَفَفْتَهُمْ ب-ِمَلائِكَتِكَ، وَشَرَّفْتَهُمْ ب-ِنَبِيَّكَ. اللّهُمَّ صَلّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِمْ صَلاةً كَثِيرَةً دَائِمَةً طَيَّبَةً، لا يُحِيطُ ب-ِهَا إِلاَّ أنْتَ، وَلا يَسَعُهَا إِلاَّ عِلْمُكَ، وَلا يُحْصِيهَا أحَدٌ غَيْرُكَ. اللّهُمَّ وَصَلّ عَلَي وَلِيَّكَ الْمُحْيِي سُنَّتَكَ، الْقَائِم بأمْركَ، الدَّاعِي إِلَيْكَ، الدَّلِيل عَلَيْكَ، حُجَّتِكَ عَلَي خَلْقِكَ، وَخَلِيفَتِكَ فِي أرْضِكَ، وَشَاهِدِكَ عَلَي عِبَادِكَ. اللهُمَّ أعزز نَصْرَهُ، وَمُدَّ فِي عُمْرهِ، وَزَيَّن الأرْضَ ب-ِطُولِ بَقَائِهِ. اللّهُمَّ اكْفِهِ بَغْيَ الْحَاسِدِينَ، وَأعِذْهُ مِنْ شَرَّ الْكَائِدِينَ، وَادْحَرْ عَنْهُ إِرَادَةَ الظَّالِمِينَ، وَخَلّصْهُ مِنْ أيْدِي الْجَبَّارِينَ. اللّهُمَّ أرهِ فِي ذُرَّيَّتِهِ وَشِيعَتِهِ وَرَعِيَّتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَعَامَّتِهِ وَعَدُوَّهِ وَجَمِيع أهْل الدُّنْيَا مَا تُقِرُّ ب-ِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ،

ص: 314

وَبَلّغْهُ أفْضَلَ مَا أمَّلَهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِنَّكَ عَلَي كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللّهُمَّ جَدَّدْ ب-ِهِ مَا مُحِيَ مِنْ دِينكَ، وَأحْي ب-ِهِ مَا بُدَّلَ مِنْ كِتَاب-ِكَ، وَأظْهِرْ ب-ِهِ مَا غُيَّرَ مِنْ حُكْمِكَ، حَتَّي يَعُودَ دِينُكَ ب-ِهِ وَعَلَي يَدَيْهِ غَضّاً جَدِيداً خَالِصاً مَحْضَاً لا شَكَّ فِيهِ، وَلا شُبْهَةَ مَعَهُ، وَلا بَاطِلَ عِنْدَهُ، وَلا ب-ِدْعَةَ لَدَيْهِ. اللهُمَّ نَوَّرْ ب-ِنُورِهِ كُلَّ ظُلْمَةٍ، وَهُدَّ ب-ِرُكْن-ِهِ كُلَّ ب-ِدْعَةٍ، وَاهْدِمْ ب-ِقُوَّتِهِ كُلَّ ضَلال، وَاقْصِمْ ب-ِهِ كُلَّ جَبَّارٍ، وَأخْمِدْ ب-ِسَيْفِهِ كُلَّ نَارٍ، وَأهْلِكْ ب-ِعَدْلِهِ كُلّ جَائِرٍ، وَأجْر حُكْمَهُ عَلَي كُلّ حُكْم، وَأذِلَّ ب-ِسُلْطَانِهِ كُلَّ سُلْطَانٍ. اللّهُمَّ أذِلَّ مَنْ نَاوَاهُ، وَأهْلِكْ كُلَّ مَنْ عَادَاهُ، وَامْكُرْ ب-ِمَنْ كَادَهُ، وَاسْتَأصِلْ مَنْ جَحَدَ حَقَّهُ وَاسْتَهَانَ ب-ِأمْرهِ، وَسَعَي فِي إِطْفَاءِ نُورِهِ، وَأرَادَ إِخْمَادَ ذِكْرهِ. اللّهُمَّ صَلّ عَلَي مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَي، وَعَلِيًّ الْمُرْتَضَي، وَفَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، وَعَلَي الْحَسَن الرَّضِي، وَالْحُسَيْن الصَّفِي، وَعَلَي جَمِيع الأوْصِيَاءِ، مَصَاب-ِيح الدُّجَي، وَأعْلام الْهُدَي، وَمَنَارِ التُّقَي، وَالْعُرْوَةِ الْوُثْقَي، وَالْحَبْل الْمَتِين، وَالصّرَاطِ الْمُسْتَقِيم، وَصَلّ عَلَي وَلِيَّكَ وَوُلاةِ عَهْدِكَ، وَالأئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ الْقَائِمِينَ ب-ِأمْرهِ، وَمُدَّ فِي أعْمَارِهِمْ، وَزِدْ فِي آجَالِهِمْ وَبَلَّغْهُمْ أفْضَلَ آمَالِهِمْ)(1).

ورواه الطوسي رحمه الله عن أحمد بن علي الرازي، عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي، عن الحسين بن محمّد بن عامر الأشعري القمّي، عن يعقوب بن يوسف الضرّاب الغسّاني(2).

6 _ سنة (312ه-): خروج توقيع للإمام المهدي عليه السلام بلعن ابن أبي العزاقر علي يد الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه:

قال الطوسي رحمه الله في الغيبة: أخبرنا جماعة، عن أبي محمّد هارون

******

(1) دلائل الإمامة: 545 - 551/ ح (524/128).

(2) الغيبة للطوسي: 273 - 280/ ح 238؛ جمال الأسبوع: 301 - 306.

ص: 315

بن موسي، قال: حدَّثنا محمّد بن همّام، قال: خرج علي يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة في (لعن) ابن أبي العزاقر والمداد رطب لم يجف.

وأخبرنا جماعة، عن ابن داود، قال: خرج التوقيع من الحسين بن روح في الشلمغاني، وأنفذ نسخته إلي أبي علي بن همّام في ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.

قال ابن نوح: وحدَّثنا أبو الفتح أحمد بن ذكا مولي علي بن محمّد بن الفرات رحمه الله، قال: أخبرنا أبو علي بن همّام بن سهيل بتوقيع خرج في ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.

قال محمّد بن الحسن بن جعفر بن (إسماعيل بن) صالح الصيمري: أنفذ الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه من محبسه في دار المقتدر إلي شيخنا أبي علي بن همّام في ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة، وأملاه أبو علي (عليَّ) وعرَّفني أنَّ أبا القاسم رضي الله عنه راجع في ترك إظهاره، فإنَّه في يد القوم وحبسهم، فأمر بإظهاره وأن لا يخشي ويأمن، فتخلَّص وخرج من الحبس بعد ذلك بمدَّة يسيرة والحمد لله.

التوقيع: (عرّف _ قال الصيمري: عرَّفك الله الخير أطال الله بقاءك وعرَّفك الخير كلّه وختم به عملك _ من تثق بدينه وتسكن إلي نيَّته من إخواننا أسعدكم الله _ وقال ابن داود: أدام الله سعادتكم من تسكن إلي دينه وتثق بنيَّته _ جميعاً بأنَّ محمّد بن علي المعروف بالشلمغاني _ زاد بن داود: وهو ممَّن عجَّل الله له النقمة ولا أمهله _ قد ارتدَّ عن الإسلام وفارقه _ اتَّفقوا _ وألحد في دين الله وادَّعي ما كفر معه بالخالق _ قال هارون: فيه بالخالق _ جلَّ وتعالي، وافتري كذباً وزوراً، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً _ قال هارون: وأمراً عظيماً _، كذب

ص: 316

العادلون بالله وضلّوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً، وإنَّنا قد برئنا إلي الله تعالي وإلي رسوله وآله صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليهم بمنّه، ولعنّاه عليه لعائن الله _ اتفقوا، زاد ابن داود: تتري _ في الظاهر منّا والباطن، في السرّ والجهر، وفي كلّ وقت وعلي كلّ حال، وعلي من شايعه وتابعه أو بلغه هذا القول منّا وأقام علي تولّيه بعده وأعلمهم _ قال الصيمري: تولاَّكم الله. قال ابن ذكا: أعزَّكم الله _ أنّا من التوقّي _ وقال ابن داود: اعلم أنَّنا من التوقّي له. قال هارون: وأعلمهم أنَّنا في التوقّي. والمحاذرة منه. قال ابن داود وهارون: علي مثل (ما كان) من تقدّمنا لنظرائه، قال الصيمري: علي ما كنّا عليه ممَّن تقدَّمه من نظرائه. وقال ابن ذكا: علي ما كان عليه من تقدّمنا لنظرائه. اتَّفقوا _ من الشريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم وعادة الله _ قال ابن داود وهارون: جلَّ ثناؤه. واتَّفقوا _ مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة، وبه نثق، وإيّاه نستعين، وهو حسبنا في كلّ أمورنا ونعم الوكيل). قال هارون: وأخذ أبو علي هذا التوقيع ولم يدع أحداً من الشيوخ إلاَّ وأقرأه إيّاه، وكوتب من بعد منهم بنسخته في ساير الأمصار، فاشتهر ذلك في الطائفة فاجتمعت علي لعنه والبراءة منه. وقتل محمّد بن علي الشلمغاني في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة(1).

وراجع تاريخ قتل الشلمغاني في (شوّال/ 322ه-) تحت عنوان: (القاء القبض علي الشلمغاني من قبل الوزير ابن مقلة).

7 _ سنة (312ه-): خروج الحسين بن روح رضي الله عنه من السجن:

راجع ما ذُكر في (ذي الحجّة/ 312ه-) تحت عنوان: (خروج توقيع للإمام المهدي عليه السلام بلعن ابن أبي العزاقر علي يد الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه).

******

(1) الغيبة للطوسي: 409 - 412/ ح 384.

ص: 317

8 _ سنة (339ه-): إرجاع الإمام المهدي عليه السلام الحجر الأسود في مكانه وإخباره ابن همام بوفاة ابن قولويه بعد ثلاثين عاماً:

روي عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، قال: فلمَّا وصلت بغداد في سنة تسع وثلاثين (وثلاثمائة) للحجّ، وهي السنة التي ردَّ القرامطة(1) فيها الحجر إلي مكانه من البيت(2)، كان أكبر همّي الظفر بمن ينصب الحجر، لأنَّه يمضي في أثناء الكتب قصَّة أخذه وأنَّه ينصبه في مكانه الحجّة في الزمان، كما في زمان الحجّاج وضعه زين العابدين عليه السلام

******

(1) القرامطة: فرقة من الكيار إحدي عشائر الباب ومنبج، من أقضية محافظة حلب، وهم فرقة من الشيعة الإسماعيلية المباركية، وإنَّما سمّوا بهذا برئيس لهم من أهل السواد من الأنباط كان يلقَّب (قرمطويه)، وقالوا بإمامة محمّد بن إسماعيل جعفر الصادق عليه السلام ظاهراً، وبالإلحاد وإبطال الشريعة باطناً لأنَّهم يحلّلون أكثر المحرَّمات، ويعدّون الصلاة عبارة عن طاعة الإمام، والزكاة عبارة عن أداء الخمس إلي الإمام، والصوم عبارة عن إخفاء الأسرار، والزنا عبارة عن إفشائها، أنشؤوا دولتهم في البحرين ثمّ توسَّعوا غرباً حتَّي وصلوا بلاد الشام.

(2) قال ابن كثير في البداية والنهاية (ج 11/ ص 252): ثمّ دخلت سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، في هذه السنة المباركة في ذي القعدة منها رُدَّ الحجر الأسود المكّي إلي مكانه في البيت، وقد كان القرامطة أخذوه في سنة سبع عشرة وثلاثمائة كما تقدَّم، وكان ملكهم إذ ذاك أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الحسين الجنابي، ولمَّا وقع هذا أعظم المسلمون ذلك، وقد بذل لهم الأمير بجكم التركي خمسين ألف دينار علي أن يردّوه إلي موضعه فلم يفعلوا، وقالوا: نحن أخذناه بأمر فلا نردّه إلاَّ بأمر من أخذناه بأمره. فلمَّا كان في هذا العام حملوه إلي الكوفة وعلَّقوه علي الأسطوانة السابعة من جامعها ليراه الناس، وكتب أخو أبي طاهر كتاباً فيه: إنّا أخذنا هذا الحجر بأمر وقد رددناه بأمر من أمرنا بأخذه ليتمّ حجّ الناس ومناسكهم. ثمّ أرسلوه إلي مكّة بغير شيء علي قعود، فوصل في ذي القعدة من هذه السنة ولله الحمد والمنَّة، وكان مدَّة مغايبته عنده ثنتين وعشرين سنة، ففرح المسلمون لذلك فرحاً شديداً. وقد ذكر غير واحد أنَّ القرامطة لمَّا أخذوه حملوه علي عدَّة جمال فعطبت تحته واعتري أسنمتها القرح، ولمَّا ردّوه حمله قعود واحد ولم يصبه أذي.

ص: 318

في مكانه فاستقرَّ(1). فاعتللت علَّة صعبة خفت منها علي نفسي، ولم يتهيَّأ لي ما قصدت له، فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعة مختومة، أسأل فيها عن مدَّة عمري، وهل تكون المنيّة في هذه العلَّة أم لا؟ وقلت: همّي إيصال هذه الرقعة إلي واضع الحجر في مكانه، وأخذ جوابه، وإنَّما أندبك لهذا.

قال: فقال المعروف بابن هشام: لمَّا حصلت بمكّة وعزم علي

******

(1) روي الكليني رحمه الله في الكافي (ج 4/ ص 222/ ح 8): عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن أبي علي صاحب الأنماط، عن أبان بن تغلب، قال: لمَّا هدم الحجّاج الكعبة فرَّق الناس ترابها، فلمَّا صاروا إلي بنائها فأرادوا أن يبنوها خرجت عليهم حيّة فمنعت الناس البناء حتَّي هربوا، فأتوا الحجّاج فأخبروه فخاف أن يكون قد منع بناءها، فصعد المنبر ثمّ نشد الناس وقال: أنشد الله عبداً عنده ممَّا ابتلينا به علم لما أخبرنا به، قال: فقام إليه شيخ فقال: إن يكن عند أحد علم فعند رجل رأيته جاء إلي الكعبة فأخذ مقدارها ثمّ مضي، فقال الحجّاج: من هو؟ قال: علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: معدن ذلك، فبعث إلي علي بن الحسين صلوات الله عليهما فأتاه فأخبره ما كان من منع الله إيّاه البناء، فقال له علي بن الحسين عليهما السلام: (يا حجّاج، عمدت إلي بناء إبراهيم وإسماعيل فألقيته في الطريق وانتهبته كأنَّك تري أنَّه تراث لك، اصعد المنبر وأنشد الناس أن لا يبقي أحد منهم أخذ منه شيئاً إلاَّ ردَّه)، قال: ففعل فأنشد الناس أن لا يبقي منهم أحد عنده شيء إلاَّ ردَّه، قال: فردّوه، فلمَّا رأي جمع التراب أتي علي بن الحسين صلوات الله عليهما فوضع الأساس وأمرهم أن يحفروا، قال: فتغيبَّت عنهم الحيّة وحفروا حتَّي انتهوا إلي موضع القواعد، قال لهم علي بن الحسين عليهما السلام: (تنحّوا)، فتنحّوا، فدنا منها فغطّاها بثوبه، ثمّ بكي، ثمّ غطّاها بالتراب بيد نفسه، ثم دعا الفعلة، فقال: (ضعوا بناءكم)، فوضعوا البناء فلمَّا ارتفعت حيطانها أمر بالتراب فقلب فألقي في جوفه، فلذلك صار البيت مرتفعاً يصعد إليه بالدرج.

وقال الراوندي رحمه الله في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 268/ ح 11): إنَّ الحجّاج بن يوسف لمَّا خرب الكعبة بسبب مقاتلة عبد الله بن الزبير، ثمّ عمّروها، فلمَّا اُعيد البيت وأرادوا أن ينصبوا الحجر الأسود، فكلَّما نصبه عالم من علمائهم، أو قاض من قضاتهم، أو زاهد من زهّادهم يتزلزل ويقع ويضطرب، ولا يستقرّ الحجر في مكانه. فجاءه علي بن الحسين عليهما السلام وأخذه من أيديهم، وسمّي الله، ثمّ نصبه، فاستقرَّ في مكانه، وكبَّر الناس.

ص: 319

إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكَّنت معها من الكون بحيث أري واضع الحجر في مكانه، وأقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام الناس، فكلَّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنَّه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات، وانصرف خارجاً من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عنّي يميناً وشمالاً، حتَّي ظُنَّ بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه، حتَّي انقطع عن الناس، فكنت أسرع السير خلفه، وهو يمشي علي تؤدة ولا أدركه.

فلمَّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إليَّ فقال: (هات ما معك)، فناولته الرقعة. فقال من غير أن ينظر فيها: (قل له: لا خوف عليك في هذه العلَّة، ويكون ما لا بدَّ منه بعد ثلاثين سنة). قال: فوقع عليَّ الزمع حتَّي لم أطق حراكاً، وتركني وانصرف. قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة.

فلمَّا كان سنة تسع وستّين اعتلَّ أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره، وتحصيل جهازه إلي قبره، وكتب وصيَّته، واستعمل الجِدَّ في ذلك. فقيل له: ما هذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضَّل الله تعالي بالسلامة، فما عليك مخوفة. فقال: هذه السنة التي خوّفت فيها، فمات في علَّته(1).

******

(1) الخرائج والجرائح 1: 475 - 478/ باب 13/ ح 18؛ وهناك رأيان في تاريخ وفاة ابن قولويه رحمه الله، الأوّل: أنَّه توفّي في سنة (368ه-)، قاله الطوسي رحمه الله في رجاله (418/ الرقم 6038/3)، وتبعه علي ذلك ابن حجر في لسان الميزان (ج 2/ ص 125/ الرقم 536)، الثاني: أنَّه توفّي في سنة (369ه-)، قاله العلاَّمة في خلاصة الأقوال (88 و89/ باب 1/ الرقم 6)، والرواية المذكورة في المتن تدلُّ علي ذلك.

ص: 320

9 _ سنة (369ه-): وفاة جعفر بن محمّد بن قولويه كما أخبر الإمام المهدي عليه السلام بذلك قبل ثلاثين عاماً:

راجع الرواية السابقة.

10 _ سنة الظهور: استحواذ السفياني علي تمام الكور الخمس:

روي النعماني رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدَّثني محمّد بن المفضَّل بن إبراهيم بن قيس بن رمّانة من كتابه في رجب سنة خمس وستّين ومائتين، قال: حدَّثنا الحسن بن علي بن فضال، قال: حدَّثنا ثعلبة بن ميمون أبو إسحاق، عن عيسي بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: (السفياني من المحتوم، وخروجه في رجب، ومن أوّل خروجه إلي آخره خمسة عشر شهراً، ستّة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر، ولم يزد عليها يوماً)(1).

* وروي ابن بابويه رحمه الله عن محمّد بن أبي القاسم ماجيلويه، عن محمّد بن علي الكوفي، قال: حدَّثنا الحسين بن سفيان، عن قتيبة بن محمّد، عن عبد الله بن أبي منصور البجلي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اسم السفياني، فقال: (وما تصنع باسمه؟ إذا ملك كور الشام الخمس: دمشق، وحمص، وفلسطين، والأردن، وقنسرين، فتوقَّعوا عند ذلك الفرج)، قلت: يملك تسعة أشهر؟ قال: (لا، ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوماً)(2).

ورواه الصدوق عن أبيه، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن أبي القاسم ماجيلويه...(3).

******

(1) الغيبة للنعماني: قدس سره/ باب 18/ ح 1.

(2) الإمامة والتبصرة: 130/ ح 134؛ إعلام الوري 2: 282؛ منتخب الأنوار المضيئة: 310 و311.

(3) كمال الدين: 651 و652/ باب 57/ ح 11.

ص: 321

11 _ سنة الظهور: حصول الغارة علي الحجّاج ونهبهم في ذي الحجّة:

راجع ما ذُكر في (10/ محرَّم/ سنة الظهور) تحت عنوان: (ينادي المنادي من السماء: ألا إنَّ صفوة الله من خلقه فلان...).

* * *

ص: 322

الفصل الثاني: وفيه ذكر المناسبات والأحداث المهدوية بحسب السنين الهجرية

ص: 323

ص: 324

1 _ سنة (70ه-): التوقيت الإلهي للدولة العالمية علي يد أهل البيت عليهم السلام وحصول البداء(1) منه تعالي بعد مقتل الحسين عليه السلام:

روي الطوسي رحمه الله عن الفضل بن شاذان، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنَّ علياً عليه السلام كان يقول: (إلي السبعين بلاء)، وكان يقول: (بعد البلاء رخاء)، وقد مضت

******

(1) قال الشيخ المظفَّر رحمه الله في عقائد الإمامية (ص 45 و46): البداء في الإنسان أن يبدو له رأي في الشيء لم يكن له ذلك الرأي سابقاً، بأن يتبدَّل عزمه في العمل الذي كان يريد أن يصنعه، إذ يحدث عنده ما يغيّر رأيه وعلمه به، فيبدو له تركه بعد أن كان يريد فعله، وذلك عن جهل بالمصالح وندامة علي ما سبق منه. والبداء بهذا المعني يستحيل علي الله تعالي لأنَّه من الجهل والنقص وذلك محال عليه تعالي ولا تقول به الإمامية. قال الصادق عليه السلام: (من زعم أنَّ الله تعالي بدا له في شيء بداء ندامة، فهو عندنا كافر بالله العظيم)، وقال أيضاً: (من زعم أنَّ الله بدا له في شيء (اليوم) ولم يعلمه أمس فأبرؤوا منه). غير أنَّه وردت عن أئمّتنا الأطهار عليهم السلام روايات توهم القول بصحَّة البداء بالمعني المتقدّم، كما ورد عن الصادق عليه السلام: (ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني)، ولذلك نسب بعض المؤلّفين في الفِرَق الإسلاميّة إلي الطائفة الإمامية القول بالبداء طعناً في المذهب وطريق آل البيت، وجعلوا ذلك من جملة التشنيعات علي الشيعة. والصحيح في ذلك أن نقول كما قال الله تعالي في محكم كتابه المجيد: (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (الرعد: 39). ومعني ذلك أنَّه تعالي قد يظهر شيئاً علي لسان نبيّه أو وليّه أو في ظاهر الحال لمصلحة تقتضي ذلك الإظهار، ثمّ يمحوه فيكون غير ما قد ظهر أوّلاً، مع سبق علمه تعالي بذلك، كما في قصَّة إسماعيل لمَّا رأي أبوه إبراهيم أنَّه يذبحه. فيكون معني قول الإمام عليه السلام أنَّه ما ظهر لله سبحانه أمر في شيء كما ظهر له في إسماعيل ولده إذ اخترمه قبله ليعلم الناس أنَّه ليس بإمام، وقد كان ظاهر الحال أنَّه الإمام بعده لأنَّه أكبر ولده.

ص: 325

السبعون ولم نرَ رخاء. فقال أبو جعفر عليه السلام: (يا ثابت، إنَّ الله تعالي كان وقَّت هذا الأمر في السبعين، فلمَّا قُتل الحسين عليه السلام اشتدَّ غضب الله علي أهل الأرض، فأخَّره إلي أربعين ومائة سنة، فحدَّثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع السرّ، فأخَّره الله ولم يجعل له بعد ذلك عندنا وقتاً، و(يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (الرعد: 39)). قال أبو حمزة: وقلت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال: (قد كان ذاك)(1).

2 _ سنة (102ه-): نفي الإمام الباقر عليه السلام أن يكون هو الذي يظهر دين الله تعالي وذلك لبلوغه (45) عاما:(2)

روي الكليني رحمه الله عن عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن علي بن الحكم، عن زيد أبي الحسن، عن الحكم بن أبي نعيم، قال: أتيت أبا جعفر عليه السلام وهو بالمدينة، فقلت له: عليَّ نذر بين الركن والمقام إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتَّي أعلم أنَّك قائم آل محمّد أم لا، فلم يجبني بشيء، فأقمت ثلاثين يوماً، ثمّ استقبلني في طريق فقال: (يا حكم، وإنَّك لههنا بعد)، فقلت: نعم، إنّي أخبرتك بما جعلت لله عليَّ، فلم تأمرني ولم تنهني عن شيء ولم تجبني بشيء، فقال: (بكّر عليَّ غدوة المنزل)، فغدوت عليه فقال عليه السلام: (سل عن حاجتك، فقلت: إنّي جعلت لله عليَّ نذراً وصياماً وصدقة بين الركن والمقام إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتَّي أعلم أنَّك قائم آل محمّد أم لا ، فإن كنت أنت رابطتك وإن لم تكن أنت سرت في الأرض فطلبت المعاش، فقال: (يا حكم، كلّنا قائم بأمر الله)، قلت: فأنت المهدي؟ قال: (كلّنا نهدي إلي الله)، قلت:

******

(1) الغيبة للطوسي: 428/ ح 417؛ الخرائج والجرائح 1: 178 و179/ ح 11.

(2) ولد عليه السلام في سنة (57ه-)، ومن خلال تعيين سنة ولادته عليه السلام يتَّضح أنَّ بلوغه (45) سنة كان في سنة (102ه-)، وهي سنة هذه الرواية.

ص: 326

فأنت صاحب السيف؟ قال: كلّنا صاحب السيف ووارث السيف)، قلت: فأنت الذي تقتل أعداء الله ويعزُّ بك أولياء الله ويظهر بك دين الله؟ فقال: (يا حكم، كيف أكون أنا وقد بلغت خمساً وأربعين (سنة)؟ وإنَّ صاحب هذا الأمر أقرب عهداً باللبن(1) منّي وأخفُّ علي ظهر الدابّة)(2).

3 _ سنة (133ه-): وفاة إسماعيل ابن الإمام الصادق عليه السلام وتفسير الصدوق رحمه الله لمعني ظهور البداء في إمامته وغيبته ونفيها:

قال الصدوق رحمه الله في كمال الدين: اعتراض آخر للزيدية(3): قالت الزيدية: وممَّا تُكذَّب به دعوي الإمامية أنَّهم زعموا أنَّ جعفر بن

******

(1) قال المجلسي رحمه الله في البحار (ج 51/ ص 141/ ذيل الحديث 14): أقرب عهداً باللبن: أي بحسب المرآي والمنظر، أي يحسبه الناس شاباً لكمال قوَّته وعدم ظهور أثر الكهولة والشيخوخة فيه، وقيل: أي عند إمامته، فذكر الخمس والأربعين لبيان أنَّه كان عند الإمامة أسنّ، لعلم السائل أنَّه لم يمض من إمامته حينئذٍ إلاَّ سبع سنين، فسنّه عندها كانت ثماناً وثلاثين، والأوّل أوفق بما سيأتي من الأخبار، فتفطَّن.

(2) الكافي 1: 536/ باب أنَّ الأئمّة عليهم السلام كلّهم قائمون بأمر الله.../ ح 1.

(3) الزيدية هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة عليها السلام ولم يجوّزا ثبوت الإمامة في غيرهم، إلاَّ أنَّهم جوَّزوا أن يكون كلّ فاطمي عالم شجاع سخي خرج بالإمامة أن يكون إماماً واجب الطاعة سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين عليهما السلام، وعن هذا جوَّز قوم منهم إمامة محمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن اللذين خرجا في أيّام المنصور وقتلا علي ذلك، وجوَّزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال ويكون كلّ واحد منهما واجب الطاعة، وتنقسم الزيدية إلي ثلاثة فِرَق: الجارودية، والسليمانية، والبترية. أمَّا الجارودية فهم المنسوبون إلي زياد بن المنذر بن الجارود الهمداني، وهم القائلون بالنصّ علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وكفر من أنكره، وكلّ من خرج من أولاد فاطمة عليها السلام وكان شجاعاً فهو الإمام بالحقّ. وأمَّا السليمانية فهم المنسوبون إلي سليمان بن جرير، القائلون بإمامة الشيخين وكفر عثمان. وأمَّا البترية فهم المنسوبون إلي كثير النوّاء، وهم كالسليمانية اعتقاداً إلاَّ في كفر عثمان.

ص: 327

محمّد عليهما السلام نصَّ لهم علي إسماعيل وأشار إليه في حياته، ثمّ إنَّ إسماعيل مات في حياته(1) فقال: (ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني)، فإن كان الخبر الاثنا عشر صحيحاً فكان لا أقلّ من أن يعرفه جعفر بن محمّد عليهما السلام ويعرف خواصّ شيعته لئلاَّ يغلط هو وهم هذا الغلط العظيم. فقلنا لهم: ب-ِمَ قلتم: إنَّ جعفر بن محمّد عليهما السلام نصَّ علي إسماعيل بالأمّة؟ وما ذلك الخبر؟ ومن رواه؟ ومن تلقّاه بالقبول؟ فلم يجدوا إلي ذلك سبيلاً، وإنَّما هذه حكاية ولدها قوم قالوا بإمامة إسماعيل، ليس لها أصل لأنَّ الخبر بذكر الأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام قد رواه الخاصّ والعامّ، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام، وقد أخرجت ما روي عنهم في ذلك في هذا الكتاب(2). فأمَّا قوله: (ما بدا لله في شيء كما بدا

******

(1) قال النمازي رحمه الله في مستدركات علم رجال الحديث (ج 1/ ص 629 و630/ الرقم 279/2021): إسماعيل بن جعفر بن محمّد الصادق صلوات الله عليهما أكبر إخوته، وكان أبوه شديد المحبَّة له والبرّ والإشفاق عليه. مات في حياة أبيه سنة (133ه-) بالعريض، فحمل علي رقاب الرجال إلي المدينة، ودفن بالبقيع، وكتب الصادق عليه السلام علي كفنه: (إسماعيل يشهد أن لا إله إلاَّ الله). وروي الصدوق بسند صحيح أنَّ الصادق عليه السلام قبَّل جبهته وذقنه ونحره مراراً قبل الغسل وبعده، وعوَّذه بالقرآن...، اُمّه فاطمة بنت الحسين الأثرم بن مولانا الحسن بن علي عليه السلام. وروي الكشّي في ترجمة عبد الله بن شريك العامري، بسند صحيح عن أبي خديجة الجمّال، قال: سمعت أبا عبد الله صلوات الله عليه يقول: (إنّي سألت الله تعالي في إسماعيل أن يبقيه بعدي فأبي، ولكنَّه قد أعطاني فيه منزلة أخري، إنَّه يكون أوّل منشور في عشرة من أصحابه، ومنهم عبد الله بن شريك، وهو صاحب لوائه).

وقال السيّد الأمين رحمه الله في أعيان الشيعة (ج 3/ ص 315): قبره الآن خارج عن البقيع، بينهما الطريق بجانب سور المدينة المنوَّرة، ولعلَّه كان داخلاً فيه قبل جعل هذا الطريق، وهو مشيَّد معظَّم عليه قبَّة عظيمة هدمها الوهّابيون في هذا العصر بعد استيلائهم علي الحجاز.

(2) أخرج الصدوق رحمه الله (6) أحاديث في أنَّ الأئمّة عليهم السلام اثنا عشر كلّهم من قريش، فراجع: (كمال الدين: 256 - 279/ باب 24 ما روي عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في النصّ علي القائم عليه السلام...).

ص: 328

له في إسماعيل ابني)، فإنَّه يقول: ما ظهر لله أمر كما ظهر له في إسماعيل ابني إذ اخترمه في حياتي ليعلم بذلك أنَّه ليس بإمام بعدي. وعندنا من زعم أنَّ الله عز وجل يبدو له اليوم في شيء لم يعلمه أمس فهو كافر والبراءة منه واجبة، كما روي عن الصادق عليه السلام(1).

4 _ سنة (140ه-): التوقيت الإلهي للدولة العالمية لأهل البيت عليهم السلام علي يد الإمام الصادق عليه السلام وحصول البداء بسبب الإذاعة وعدم الكتمان:

روي النعماني رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدَّثنا محمّد بن المفضَّل بن إبراهيم بن قيس بن رمّانة الأشعري وسعدان بن إسحاق بن سعيد وأحمد بن الحسين بن عبد الملك ومحمّد بن أحمد بن الحسن القطواني، قالوا جميعاً: حدَّثنا الحسن بن محبوب الزرّاد، عن إسحاق بن عمّار الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (قد كان لهذا الأمر وقت وكان في سنة أربعين ومائة، فحدَّثتم به وأذعتموه فأخَّره الله عز وجل)(2).

وراجع ما ذُكر في سنة (70ه-) تحت عنوان: (التوقيت الإلهي للدولة العالمية علي يد أهل البيت عليهم السلام وحصول البداء منه تعالي بعد مقتل الحسين عليه السلام).

5 _ سنة (195 إلي 200ه-): تنبّؤ الإمام الصادق عليه السلام بكثير من الأحداث والأمور العظام التي تحدث في هذه الأعوام:

قال الحميري رحمه الله في قرب الإسناد: سألت الرضا عليه السلام عن قرب هذا الأمر، فقال: (قال أبو عبد الله عليه السلام، حكاه عن أبي جعفر عليه السلام، قال: أوّل علامات الفرج سنة خمس وتسعين ومائة، وفي سنة ستّ وتسعين ومائة تخلع العرب

******

(1) كمال الدين: 69.

(2) الغيبة للنعماني: 303/ باب 16/ ح 8 .

ص: 329

أعنَّتها، وفي سنة سبع وتسعين ومائة يكون الفناء، وفي سنة ثمان وتسعين ومائة يكون الجلاء). فقال: (أمَا تري بني هاشم قد انقلعوا بأهليهم وأولادهم؟)، فقلت: فهم الجلاء؟ قال: (وغيرهم، وفي سنة تسع وتسعين ومائة يكشف الله البلاء إن شاء الله، وفي سنة مائتين يفعل الله ما يشاء). فقلنا له: جُعلنا فداك، أخبرنا بما يكون في سنة المائتين، قال: (لو أخبرت أحداً لأخبرتكم، ولقد خُبّرت بمكانكم، ما كان هذا من رأيي أن يظهر هذا منّي إليكم، ولكن إذا أراد الله تبارك وتعالي إظهار شيء من الحقّ لم يقدر العباد علي ستره)، فقلت له: جُعلت فداك، إنَّك قلت لي في عامنا الأوّل _ حكيت عن أبيك _: (إنَّ انقضاء ملك آل فلان علي رأس فلان وفلان، ليس لبني فلان سلطان بعدهما). قال: (قد قلت ذاك لك)، فقلت: أصلحك الله، إذا انقضي ملكهم، يملك أحد من قريش يستقيم عليه الأمر؟ قال: (لا)، قلت: يكون ماذا؟ قال: (يكون الذي تقول أنت وأصحابك)، قلت: تعني خروج السفياني؟ فقال: (لا)، فقلت: قيام القائم؟ قال: (يفعل الله ما يشاء)، قلت: فأنت هو؟ قال: (لا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله)، وقال: (إنَّ قدّام هذا الأمر علامات، حدث يكون بين الحرمين)، قلت: ما الحدث؟ قال: (عصبة تكون، ويقتل فلان من آل فلان خمسة عشر رجلاً)(1).

6 _ سنة (200ه-): التاريخ السندي لخطبة أمير المؤمنين عليه السلام المسمّاة بالمخزون، وفيها يذكر عليه السلام الكثير من الملاحم والفتن وخروج الأموات من القبور، وبعض صفات القائم عليه السلام ومقاماته:

قال الحسن بن سليمان الحلّي رحمه الله في مختصر بصائر الدرجات: وقفت علي كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وعليه خطّ السيّد رضي الدين علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن طاووس، ما صورته: هذا الكتاب ذكر كاتبه

******

(1) قرب الإسناد: 370 - 372/ ح 1326.

ص: 330

رجلين بعد الصادق صلوات الله عليه، فيمكن أن يكون تاريخ كتابته بعد المائتين من الهجرة، لأنَّه عليه السلام انتقل بعد سنة مائة وأربعين من الهجرة، وقد روي بعض ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد عليه السلام، وبعض ما فيه عن غيرهما، ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام تسمّي المخزون، وهي: (... يَا عَجَباً كُلَّ الْعَجَبِ بَيْنَ جُمَادَي وَرَجَبٍ)، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ شُرْطَةِ الْخَمِيس: مَا هَذَا الْعَجَبُ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنينَ؟ قَالَ: (وَمَا لِيَ لاَ أعْجَبُ وَقَدْ سَبَقَ الْقَضَاءُ فِيكُمْ وَمَا تَفْقَهُونَ الْحَدِيثَ، إِلاَّ صَوْتَاتٍ بَيْنَهُنَّ مَوْتَاتٌ، حَصْدُ نَبَاتٍ وَنَشْرُ أمْوَاتٍ، يَا عَجَبَا كُلَّ الْعَجَبِ بَيْنَ جُمَادَي وَرَجَبٍ)، قَالَ أيْضاً رَجُلٌ: يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنينَ مَا هَذَا الْعَجَبُ الَّذِي لاَ تَزَالُ تَعْجَبُ مِنْهُ؟ قَالَ: (ثَكِلَتِ الآخَرَةُ اُمُّهُ، وَأيُّ عَجَبٍ يَكُونُ أعْجَبَ مِنْ أمْوَاتٌ يَضْربُونَ هَامَ الأحْيَاءِ)، قَالَ: أنَّي يَكُونُ ذَلِكَ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنينَ؟ قَالَ: (وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأ النَّسَمَةَ، كَأنّي أنْظُرُ قَدْ تَخَلَّلُوا سِكَكَ الْكُوفَةِ وَقَدْ شَهَرُوا سُيُوفَهُمْ عَلَي مَنَاكِبهِمْ، يَضْربُونَ كُلَّ عَدُوًّ للهِ وَلِرَسُولِهِ صلي الله عليه وآله وسلم وَلِلْمُؤْمِنينَ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَي: (يا أَي-ُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) (الممتحنة: 13)، أيُّهَا النَّاسُ سَلُوني قَبْلَ أنْ تَفْقِدُوني لأنَا ب-ِطُرُقِ السَّمَاءِ أعْلَمُ مِنَ الْعَالِم ب-ِطُرُقِ الأرْض، أنَا يَعْسُوبُ الْمُؤْمِن-ِينَ، وَغَايَةُ السَّابِقِينَ، وَلِسَانُ الْمُتَّقِينَ، وَخَاتَمُ الْوَصِيَّينَ، وَوَارثُ النَّبِيَّينَ، وَخَلِيفَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أنَا قَسِيمُ النَّار، وَخَازِنُ الْجِنَان، وَصَاحِبُ الْحَوْض، وَصَاحِبُ الأعْرَافِ، فَلَيْسَ مِنَّا أهْلَ الْبَيْتِ إِمَامٌ إِلاَّ وَهُوَ عَارفٌ ب-ِجَمِيع أهْل وَلاَيَتِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَي: (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (الرعد: 7)، ألاَ يَا أيُّهَا النَّاسُ سَلُوني قَبْلَ أنْ تَشْرَعَ ب-ِرجْلِهَا فِتْنَةٌ شَرْقِيَّةٌ وَتَطَأ فِي خِطَامِهَا بَعْدَ مَوْتٍ وَحَيَاةٍ أوْ

ص: 331

تَشبَّ نَارٌ ب-ِالْحَطَبِ الْجَزْل غَرْبيَّ الأرْض ورَافِعَةً ذَيْلَهَا تَدْعُو يَا وَيْلَهَا ب-ِذَحْلَةٍ أوْ مِثْلِهَا، فَإذَا اسْتَدَارَ الْفَلَكُ، قُلْتُ: مَاتَ أوْ هَلَكَ، ب-ِأيَّ وَادٍ سَلَكَ؟ فَيَوْمَئِذٍ تَأوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ: (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) (الإسراء: 6)، وَلِذَلِكَ آيَاتٌ وَعَلاَمَاتٌ، أوَّلُهُنَّ إِحْصَارُ الْكُوفَةِ ب-ِالرَّصَدِ وَالْخَنْدَقِ، وَتَحْريقُ الزَّوَايَا فِي سِكَكِ الْكُوفَةِ وَتَعْطِيلُ الْمَسَاجِدِ أرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَتَخْفِقُ رَايَاتٌ ثَلاَثٌ حَوْلَ الْمَسْجِدِ الأكْبَر، يُشْبِهْنَ ب-ِالْهَدَي، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّار، وَقَتْلٌ كَثِيرٌ وَمَوْتٌ ذَريعٌ، وَقَتْلُ النَّفْس الزَّكِيَّةِ ب-ِظَهْر الْكُوفَةِ فِي سَبْعِينَ، وَالْمَذْبُوحُ بَيْنَ الرُّكْن وَالْمَقَام وَقَتْلُ الأسْبَغ الْمُظَفَّر صَبْراً فِي بَيْعَةِ الأصْنَام، مَعَ كَثِيرٍ مِنْ شَيَاطِين الإنْس، وَخُرُوجُ السُّفْيَانِيَّ ب-ِرَايَةٍ خَضْرَاءَ، وَصَلِيبٍ مِنْ ذَهَبٍ، أمِيرُهَا رَجُلٌ مِنْ كَلْبٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ ألْفَ عِنَان مِنْ خِيْل يَحْمِلُ السُّفْيَانِيَّ مُتَوَجَّهاً إِلَي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، أمِيرُهَا أحَدٌ مِنْ بَن-ِي اُمَيَّةَ يُقَالُ لَهُ: خُزَيْمَةُ، أطْمَسُ الْعَيْن الشمَال عَلَي عَيْنهِ طَرْفَةٌ، يَمِيلُ ب-ِالدُّنْيَا فَلاَ تُرَدُّ لَهُ رَايَةٌ حَتَّي يَنْزلَ الْمَدِينَةَ فَيَجْمَعَ رجَالاً وَنسَاءً مِنْ آل مُحَمَّدٍ صلي الله عليه وآله وسلم فَيَحْبِسَهُمْ فِي دَارٍ ب-ِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا: دَارُ أبِي الْحَسَن الاُمَويَّ، وَيَبْعَثُ خَيْلاً فِي طَلَبِ رَجُلٍ مِنْ آل مُحَمَّدٍ صلي الله عليه وآله وسلم قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ رجَالٌ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ ب-ِمَكَّةَ أمِيرُهُمْ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ، حَتَّي إِذَا تَوَسَّطُوا الصَّفَائِحَ الْب-ِيض ب-ِالْبَيْدَاءِ، يُخْسَفُ ب-ِهِمْ، فَلاَ يَنْجُو مِنْهُمْ أحَدٌ إِلاَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ يُحَوَّلُ اللهُ وَجْهَهُ فِي قَفَاهُ لِيُنْذِرَهُمْ، وَلِيَكُونَ آيَةً لِمَنْ خَلْفَهُ، فَيَوْمَئِذٍ تَأوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ: (وَلَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (سبأ: 51)، وَيَبْعَثُ السُّفْيَانِيُّ مِائَةً وَثَلاَثِينَ ألْفاً إِلَي الْكُوفَةِ فَيَنْزلُونَ ب-ِالرَّوْحَاءِ وَالْفَارُوقِ، وَمَوْضِع مَرْيَمَ وَعِيسَي عليهما السلام ب-ِالْقَادِسِيَّةِ، وَيَسِيرُ مِنْهُمْ ثَمَانُونَ ألْفاً حَتَّي يَنْزلُوا الْكُوفَةَ، مَوْضِعَ قَبْر هُودٍ عليه السلام ب-ِالنُّخَيْلَةِ، فَيَهْجُمُوا عَلَيْهِ يَوْمَ زِينَةٍ وَأمِيرُ النَّاس جَبَّارٌ عَنِيدٌ يُقَالُ لَهُ:

ص: 332

الْكَاهِنُ السَّاحِرُ، فَيَخْرُجُ مِنْ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهُ: الزَّوْرَاءُ فِي خَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ الْكَهَنَةِ، وَيَقْتُلُ عَلَي جِسْرهَا سَبْعِينَ ألْفاً حَتَّي يَحْتَمِيَ النَّاسُ الْفُرَاتَ ثَلاَثَةَ أيَّام مِنَ الدَّمَاءِ، وَنَتْن الأجْسَام، وَيَسْب-ِي مِنَ الْكُوفَةِ أبْكَاراً لاَ يُكْشَفُ عَنْهَا كَفٌّ وَلاَ قِنَاعٌ، حَتَّي يُوضَعْنَ فِي الْمَحَامِل يُزْلِفُ ب-ِهِنَّ الثُّوَيَّةَ وَهِيَ الْغَريَّيْن، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ الْكُوفَةِ مِائَةُ ألْفٍ بَيْنَ مُشْركٍ وَمُنَافِقٍ، حَتَّي يَضْربُوا دِمَشْقَ لاَ يَصُدُّهُمْ عَنْهَا صَادٌّ، وَهِيَ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ، وَتُقْبِلُ رَايَاتُ شَرْقِيَّ الأرْض لَيْسَتْ ب-ِقُطْنٍ وَلاَ كَتَّانٍ وَلاَ حَريرٍ، مُخَتَّمَةً فِي رُءُوس الْقَنَا ب-ِخَاتَم السَّيَّدِ الأكْبَر، يَسُوقُهَا رَجُلٌ مِنْ آل مُحَمَّدٍ صلي الله عليه وآله وسلم يَوْمَ تُطَيَّرُ ب-ِالْمَشْرقِ يُوجَدُ ريحُهَا ب-ِالْمَغْربِ، كَالْمِسْكِ الأذْفَر، يَسِيرُ الرُّعْبُ أمَامَهَا شَهْراً، وَيَخْلُفُ أبْنَاءُ سَعْدٍ السَّقَّاءِ ب-ِالْكُوفَةِ طَالِب-ِينَ بِدِمَاءِ آبَائِهِمْ، وَهُمْ أبْنَاءُ الْفَسَقَةِ حَتَّي تَهْجُمَ عَلَيْهِمْ خَيْلُ الْحُسَيْن عليه السلام يَسْتَب-ِقَان كَأنَّهُمَا فَرَسَا رهَانٍ، شُعْثٌ غُبْرٌ أصْحَابُ بَوَاكِي وَقَوَارحَ إِذْ يَضْربُ أحَدُهُمْ ب-ِرجْلِهِ بَاكِيَةً، يَقُولُ: لاَ خَيْرَ فِي مَجْلِسٍ بَعْدَ يَوْمِنَا هَذَا، اللّهُمَّ فَإنَّا التَّائِبُونَ الْخَاشعُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ، فَهُمُ الأبْدَالُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللهُ عز وجل: (يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: 222)، وَالْمُطَهَّرُونَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ آل مُحَمَّدٍ صلي الله عليه وآله وسلم، وَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أهْل نَجْرَانَ رَاهِبٌ مُسْتَجِيبُ لِلإمَامَ، فَيَكُونُ أوَّلَ النَّصَارَي إِجَابَةً، وَيَهْدِمُ صَوْمَعَتَهُ وَيَدُقُّ صَلِيبَهَا، وَيَخْرُجُ ب-ِالْمَوَالِي وَضُعَفَاءِ النَّاس وَالْخَيْل فَيَسِيرُونَ إِلَي النُّخَيْلَةِ ب-ِأعْلاَم هُدًي، فَيَكُونُ مَجْمَعُ النَّاس جَمِيعاً مِنَ الأرْض كُلِّهَا ب-ِالْفَارُوقِ وَهِيَ مَحَجَّةُ أمِير الْمُؤْمِنينَ عليه السلام وَهِيَ مَا بَيْنَ الْبُرْس وَالْفُرَاتِ، فَيُقْتَلُ يَوْمَئِذٍ فِيمَا بَيْنَ الْمَشْرقِ وَالْمَغْربِ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَي، يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، فَيَوْمَئِذٍ تَأوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ: (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّي جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) (الأنبياء: 15) بِالسَّيْفِ وَتَحْتَ ظِلّ السَّيْفِ، وَيَخْلُفُ مِنْ بَن-ِي الأشْهَبَ الزَّاجِرُ

ص: 333

اللَّحْظِ فِي اُنَاسٍ مِنْ غَيْر أب-ِيهِ هُرَّاباً حَتَّي يَأتُونَ سِبَطْرَي عُوَّذاً ب-ِالشَّجَر، فَيَوْمَئِذٍ تَأوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ 12 لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلي ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) (الأنبياء: 12 و13)، وَمَسَاكِنُهُمُ الْكُنُوزُ الَّتِي غَلَبُوا عَلِيْهَا مِنْ أمْوَال الْمُسْلِمِينَ، وَيَأتِيهِمْ يَوْمَئِذٍ الْخَسْفُ وَالْقَذْفُ وَالْمَسْخُ، فَيَوْمَئِذٍ تَأوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ: (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (هود: 83)، وَيُنَادِي مُنَادٍ فِي شَهْر رَمَضَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرقِ عِنْدَمَا تَطْلَع الشَّمْس: يَا أهْلَ الْهُدَي اجْتَمِعُوا، وَيُنَادِي مِنْ نَاحِيَةِ الْمَغْربِ بَعْدَمَا تَغِيبُ الشَّمْسُ: يَا أهْلَ الضَّلاَلَةَ اجْتَمِعُوا، وَمِنَ الْغَدِ عِنْدَ الظُّهْر تَكَوُّر الشَّمْس، فَتَكُونُ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً، وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَقَّ وَالْبَاطِل ب-ِخُرُوج دَابَّةِ الأرْض، وَتُقْب-ِلُ الرُّومُ إِلَي قَرْيَةٍ بِسَاحِل الْبَحْر، عِنْدَ كَهْفِ الْفِتْيَةِ، وَيَبْعَثُ اللهُ الْفِتْيَةَ مِنْ كَهْفِهِمْ إِلَيْهِمْ (مِنْهُمْ) رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مَلِيخَا وَالآخَرُ كمسلمينا، وَهُمَا الشَّاهِدَان الْمُسْلِمَان لِلْقَائِم، فَيَبْعَثُ أحَدَ الْفِتْيَةِ إِلَي الرُّوم، فَيَرْجِعُ ب-ِغَيْر حَاجَةٍ، وَيَبْعَثُ ب-ِالآخَر، فَيَرْجِعُ ب-ِالْفَتْح فَيَوْمَئِذٍ تَأوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) (آل عمران: 83)، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ مِنْ كُل اُمَّةٍ فَوْجاً لِيُريَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ، فَيَوْمَئِذٍ تَأوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ: (وَيَوْمَ نَحْشُ-رُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ) (النمل: 83)، وَالْوَزَعُ خَفَقَانُ أفْئِدَتِهِمْ، وَيَسِيرُ الصّدَّيقُ الأكْبَرُ ب-ِرَايَةِ الْهُدَي، وَالسَّيْفِ ذُو الْفَقَار وَالْمِخْصَرَةِ حَتَّي يَنْزلَ أرْضَ الْهِجْرَةِ مَرَّتَيْن وَهِيَ الْكُوفَةُ، فَيَهْدِمُ مَسْجِدَهَا وَيَبْن-ِيهِ عَلَي ب-ِنَائِهِ الأوَّل، وَيَهْدِمُ مَا دُونَهُ مِنْ دُور الْجَبَابِرَةِ، وَيَسِيرُ إِلَي الْبَصْرَةِ حَتَّي يُشْرفَ عَلَي بَحْرهَا، وَمَعَهُ التَّابُوتُ، وَعَصَا مُوسَي، فَيَعْزمُ عَلَيْهِ فَيَزْفَرُ فِي الْبَصْرَةِ زَفْرَةً فَتَصِيرُ بَحْراً لُجَّيّاً فَيُغْرقَها لاَ يَبْقَي فِيهَا غَيْرُ مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤ السَّفِينَةِ عَلَي ظَهْر الْمَاءِ، ثُمَّ يَسِيرُ إِلَي حَرُورَا حَتَّي يُحْرقَهَا وَيَسِيرَ مِنْ

ص: 334

بَابِ بَن-ِي أسَدٍ حَتَّي يَزْفِرَ زَفْرَةً فِي ثَقِيفٍ، وَهُمْ زَرْعُ فِرْعَوْنَ، ثُمَّ يَسِيرُ إِلَي مِصْرَ فَيَعْلُو مِنْبَرَهُ، وَيَخْطُبُ النَّاسَ فَتَسْتَبْشرُ الأرْضُ ب-ِالْعَدْل، وَتُعْطِي السَّمَاءُ قَطْرَهَا، وَالشَّجَرُ ثَمَرَهَا، وَالأرْضُ نَبَاتَهَا، وَتَتَزَيَّنُ لأهْلِهَا، وَتَأمَنُ الْوُحُوشُ حَتَّي تَرْتَعِيَ فِي طُرُقِ الأرْض كَأنْعَامِهِمْ، وَيُقْذَفُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنينَ الْعِلْمُ فَلاَ يَحْتَاجُ مُؤْمِنٌ إِلَي مَا عِنْدَ أخِيهِ مِنْ عِلْم، فَيَوْمَئِذٍ تَأوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ: (يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ) (النساء: 130)، وَتُخْرجُ لَهُمُ الأرْضُ كُنُوزَهَا، وَيَقُولُ الْقَائِمُ عليه السلام: كُلُوا هَن-ِيئاً ب-ِمَا أسْلَفْتُمْ فِي الأيَّام الْخالِيَةِ، فَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ أهْلُ صَوَابٍ لِلدَّين، اُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلاَم، فَيَوْمَئِذٍ تَأوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ: (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (الفجر: 22)، فَلاَ يَقْبَلُ اللهُ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ دِينَهُ الْحَقَّ ألا للهِ الدَّينُ الْخالِصُ، فَيَوْمَئِذٍ تَأوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَي الْأَرضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِ-رُونَ 27 وَيَقُولُونَ مَتي هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ 28 قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ 29 فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) (السجدة: 27 _ 30)، فَيَمْكُثُ فِيمَا بَيْنَ خُرُوجِهِ إِلَي يَوْم مَوْتِهِ ثَلاَثَمِائَةِ سَنَةٍ وَنَيَّفاً، وَعِدَّةُ أصْحَابِهِ ثَلاَثُمِائَةٍ وَثَلاَثَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ مِنْ بَن-ِي إِسْرَائِيلَ وَسَبْعُونَ مِنَ الْجِنَّ وَمِائَتَان وَأرْبَعَةٌ وَثَلاَثُونَ فِيهِم سَبْعُونَ الَّذِينَ غَضِبُوا لِلنَّبِيَّ صلي الله عليه وآله وسلم إِذْ هَجَمَتْهُ مُشْركُو قُرَيْشٍ فَطَلَبُوا إِلَي نَب-ِيَّ اللهِ صلي الله عليه وآله وسلم أنْ يَأذَنَ لَهُمْ فِي إِجَابَتِهِمْ فَأذِنَ لَهُمْ حَيْثُ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَص-َرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء: 227)، وَعِشْرُونَ مِنْ أهْل الْيَمَن مِنْهُمُ الْمِقْدَادُ بْنُ الأسْوَدِ وَمِائَتَان وَأرْبَعَةَ عَشَرَ الَّذِينَ كَانُوا ب-ِسَاحِل الْبَحْر مِمَّا يَلِي عَدَنَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ نَب-ِيُّ اللهِ ب-ِرسَالَةٍ فَأتُوا مُسْلِمِينَ، وَتِسْعَةٌ مِنْ بَن-ِي إِسْرَائيلَ، وَمِنْ أفْنَاءِ النَّاس ألْفَان

ص: 335

وَثَمَانُمِائَةٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ، وَمِنَ الْمَلاَئِكَةِ أرْبَعُونَ ألْفاً، مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْمُسَوَّمِينَ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ، وَمِنَ الْمُرْدِفِينَ خَمْسَةُ آلاَفٍ، فَجَمِيعُ أصْحَاب-ِهِ عليه السلام سَبْعَةٌ وَأرْبَعُونَ ألْفاً وَمِائَةٌ وَثَلاَثُونَ مِنْ ذَلِكَ تِسْعَةُ رُءُوسٍ مَعَ كُلّ رَأسٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ أرْبَعَةُ آلاَفٍ مِنَ الْجِنَّ وَالإنْس، عِدَّةَ يَوْم بَدْرٍ، فَب-ِهِمْ يُقَاتِلُ وَإِيَّاهُمْ يَنْصُرُ اللهُ، وَب-ِهِمْ يَنْتَصِرُ وَب-ِهِمْ يُقَدَّمُ النَّصْرُ وَمِنْهُمْ نَضْرَةُ الأرْض)(1).

7 _ سنة (204ه-): التاريخ السندي لحديث الصادق عليه السلام في فضل أهل البيت عليهم السلام وفضل قائمهم:

روي النعماني رحمه الله عن محمّد بن همّام، قال: حدَّثنا أبي وعبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثنا أحمد بن هلال، قال: حدَّثنا محمّد بن أبي عمير سنة أربع ومائتين، قال: حدَّثني سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إنَّ الله عز وجل اختار من كلّ شيء شيئاً، اختار من الأرض مكّة، واختار من مكّة المسجد، واختار من المسجد الموضع الذي فيه الكعبة، واختار من الأنعام إناثها، ومن الغنم الضأن، واختار من الأيّام يوم الجمعة، واختار من الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختار من الناس بني هاشم، واختارني وعلياً من بني هاشم، واختار منّي ومن علي الحسن والحسين، وتكملة اثني عشر إماماً من ولد الحسين تاسعهم باطنهم، وهو ظاهرهم، وهو أفضلهم، وهو قائمهم). قال عبد الله بن جعفر في حديثه: (ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)(2).

******

(1) مختصر بصائر الدرجات: 195 - 202.

(2) الغيبة للنعماني: 73/ باب 4/ ح 7.

ص: 336

ورواه الطبري الشيعي رحمه الله عن أبي الحسن علي بن هبة الله، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسي القمّي، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير(1).

8 _ سنة (224ه-): وفاة الحسن بن محبوب الزرّاد صاحب كتاب المشيخة حيث ذكر فيه أخبار الغيبة قبل وقوعها بأكثر من مائة عام:

قال الطبرسي رحمه الله في إعلام الوري: (... ومن جملة ثقات المحدّثين والمصنّفين من الشيعة: الحسن بن محبوب الزرّاد، وقد صنَّف كتاب المشيخة الذي هو في أصول الشيعة أشهر من كتاب المزني وأمثاله قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة، فذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة، فوافق الخبر المخبَر، وحصل كلّ ما تضمَّنه الخبر بلا اختلاف)(2).

9 _ سنة (238ه-): التاريخ السندي لحديث إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حول أنَّ الخلفاء اثنا عشر:

راجع ما ذُكر في (ربيع الأوّل/ 302ه-) تحت عنوان: (التاريخ السندي لحديث خلفاء أمّتي اثنا عشر عن ابن مسعود).

10 _ سنة (243ه-): جلب المتوكّل العبّاسي للإمام الهادي عليه السلام إلي سامراء وحبسه فيها، وإخباره عليه السلام للكرخي باختصاص يوم الجمعة بالإمام المهدي عليه السلام:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن موسي بن المتوكّل رضي الله عنه، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدَّثنا عبد الله بن أحمد الموصلي،

******

(1) دلائل الإمامة: 453 و454/ ح (432/36).

(2) إعلام الوري 2: 258.

ص: 337

عن الصقر بن أبي دلف الكرخي، قال: لمَّا حمل المتوكّل سيّدنا أبا الحسن العسكري عليه السلام جئت أسأل عن خبره، قال: فنظر إليَّ الرازقي وكان حاجباً للمتوكّل فأمر أن أدخل إليه فاُدخلت إليه، فقال: يا صقر، ما شأنك؟ فقلت: خير أيّها الأستاذ، فقال: اقعد، فأخذني ما تقدَّم وما تأخَّر، وقلت: أخطأت في المجيء، قال: فوحي الناس عنه ثمّ قال لي: ما شأنك، وفيم جئت؟ قلت: لخير ما، فقال: لعلَّك تسأل عن خبر مولاك، فقلت له: ومن مولاي؟ مولاي أمير المؤمنين، فقال: اُسكت، مولاك هو الحقّ، فلا تحتشمني فإنّي علي مذهبك، فقلت: الحمد لله، قال: أتحبّ أن تراه؟ قلت: نعم، قال: اجلس حتَّي يخرج صاحب البريد من عنده، قال: فجلست فلمَّا خرج، قال لغلام له: خذ بيد الصقر وأدخله إلي الحجرة التي فيها العلوي المحبوس وخلّ بينه وبينه، قال: فأدخلني إلي الحجرة (التي فيه العلوي) فأومأ إلي بيت فدخلت فإذا عليه السلام جالس علي صدر حصير وبحذاه قبر محفور، قال: فسلَّمت فردَّ، ثمّ أمرني بالجلوس، ثمّ قال لي: (يا صقر، ما أتي بك؟)، قلت: يا سيّدي، جئت أتعرَّف خبرك، قال: ثمّ نظرت إلي القبر فبكيت، فنظر إليَّ فقال: (يا صقر، لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء الآن)، فقلت: الحمد لله، ثمّ قلت: يا سيّدي، حديث يروي عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لا أعرف معناه، قال: (وما هو؟)، فقلت: قوله: (لا تعادوا الأيّام فتعاديكم) ما معناه؟ فقال: (نعم، الأيّام نحن ما قامت السماوات والأرض، فالسبت اسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والأحد كناية عن أمير المؤمنين عليه السلام، والاثنين الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد، والأربعاء موسي بن جعفر وعلي بن موسي ومحمّد بن

ص: 338

علي وأنا، والخميس ابني الحسن بن علي، والجمعة ابن ابني، وإليه تجتمع عصابة الحقّ، وهو الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فهذا معني الأيّام فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة)، ثمّ قال عليه السلام: (ودّع واخرج فلا آمن عليك)(1).

ورواه الخزّاز رحمه الله عن علي بن محمّد بن منويه، عن أحمد بن زياد الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن عبد الله بن أحمد الموصلي، عن الصقر بن أبي دلف(2).

11 _ سنة (255ه-): تعليم الإمام العسكري عليه السلام لعبد الله بن محمّد العابد كيفية الصلاة علي الإمام الحجّة عليه السلام:

روي الطوسي رحمه الله عن جماعة من أصحابنا، عن أبي المفضَّل الشيباني، قال: حدَّثنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد العابد بالدالية لفظاً، قال: سألت مولاي أبا محمّد الحسن بن علي عليهما السلام في منزله بسُرَّ من رأي سنة خمس وخمسين ومائتين أن يملئ عليَّ من الصلاة علي النبيّ وأوصيائه عليه وعليهم السلام، وأحضرت معي قرطاساً كثيراً فأملي عليَّ لفظاً من غير كتاب: (... الصلاة علي وليّ الأمر المنتظر عليه السلام: اللّهمّ صلّ علي وليّك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم وأوجبت حقّهم وأذهبت عنهم الرجس وطهَّرتهم تطهيراً. اللّهمّ انتصر به لدينك، وانصر به أولياءك وأولياءه وشيعته وأنصاره واجعلنا منهم. اللّهمّ أعذه من شرّ كلّ باغ وطاغ، ومن شرّ جميع خلقك، واحفظه من بين يديه، ومن خلفه، وعن

******

(1) الخصال: 394 - 396/ ح 102؛ كمال الدين: 382 و383/ باب 37/ ح 9؛ معاني الأخبار: 123 و124/ ح 1؛ جمال الأسبوع: 35 و36؛ إعلام الوري 2: 245 - 247.

(2) كفاية الأثر: 289 - 292.

ص: 339

يمينه، وعن شماله، واحرسه وامنعه أن يوصل إليه بسوء، واحفظ فيه رسولك وآل رسولك، وأظهر به العدل، وأيّده بالنصر، وانصر ناصريه واخذل خاذليه، واقصم به جبابرة الكفر، واقتل به الكفّار والمنافقين وجميع الملحدين حيث كانوا وأين كانوا من مشارق الأرض ومغاربها وبرّها وبحرها واملأ به الأرض عدلاً، وأظهر به دين نبيّك عليه وآله السلام، واجعلني اللّهمّ من أنصاره وأعوانه وأتباعه وشيعته وأرني في آل محمّد ما يأملون وفي عدوّهم ما يحذرون، إله الحقّ آمين)(1).

12 _ سنة (257ه-): مشاهدة رجل من أهل فارس للإمام المهدي عليه السلام وعمره سنتان:

روي الصدوق رحمه الله عن علي بن أحمد الدقّاق ومحمّد بن محمّد بن عصام الكليني وعلي بن عبد الله الورّاق رضي الله عنهم، قالوا: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثني علي بن محمّد، قال: حدَّثني محمّد والحسن ابنا علي بن إبراهيم في سنة تسع وسبعين ومائتين، قالا: حدَّثنا محمّد بن علي بن عبد الرحمن العبدي _ من عبد قيس _، عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سمّاه، قال: أتيت سُرَّ من رأي فلزمت باب أبي محمّد عليه السلام فدعاني من غير أن أستأذن، فلمَّا دخلت وسلَّمت، قال لي: (يا أبا فلان، كيف حالك؟)، ثمّ قال لي: (اقعد يا فلان)، ثمّ سألني عن رجال ونساء من أهلي، ثمّ قال لي: (ما الذي أقدمك عليَّ؟)، قلت: رغبةً في خدمتك، قال: فقال لي: (ألزم الدار)، قال: فكنت في الدار مع الخدم، ثمّ صرت أشتري لهم الحوائج من السوق، وكنت أدخل عليه من غير إذن إذا كان في دار الرجال، فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت

******

(1) مصباح المتهجّد: 405/ ح (533/143).

ص: 340

فناداني: (مكانك لا تبرح)، فلم أجسر أخرج ولا أدخل، فخرجت عليَّ جارية ومعها شيء مغطّي، ثمّ ناداني: (اُدخل)، فدخلت ونادي الجارية فرجعت فقال لها: (اكشفي عمَّا معك)، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، وكشفت عن بطنه فإذا شعر نابت من لبَّته إلي سرَّته، أخضر ليس بأسود، فقال: (هذا صاحبكم)، ثمّ أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك حتَّي مضي أبو محمّد عليه السلام، قال ضوء بن علي: فقلت للفارسي: كم كنت تُقدّر له من السنين؟ فقال: سنتين، قال العبدي: فقلت لضوء: كم تُقدّر له الآن في وقتنا؟ قال: أربعة عشر سنة، قال أبو علي وأبو عبد الله: ونحن نُقدّر له الآن إحدي وعشرين سنة(1).

ورواه الكليني رحمه الله عن علي بن محمّد، عن محمّد والحسن ابنا علي بن إبراهيم، عن محمّد بن علي بن عبد الرحمن العبدي، عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس(2).

13 _ حدود سنة (256 إلي 258ه-): مشاهدة سعد بن عبد الله القمّي مع أحمد بن إسحاق للإمام المهدي عليه السلام وهو في حجر أبيه، وأخذه جواب مسائله منه عليه السلام:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن علي بن محمّد بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني، قال: حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسي الوشّاء البغدادي، قال: حدَّثنا أحمد بن طاهر القمّي، قال: حدَّثنا محمّد بن بحر بن سهل الشيباني، قال: حدَّثنا أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبد الله القمّي، قال: ... ثمّ قام مولانا الحسن بن علي الهادي عليه السلام للصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما وطلبت أثر

******

(1) كمال الدين: 435 و436/ باب 43/ ح 4.

(2) الكافي 1: 514/ باب مولد الصاحب عليه السلام/ ح 2؛ الغيبة للطوسي: 233 و234/ ح 202.

ص: 341

أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكياً فقلت: ما أبطأك وأبكاك؟ قال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره، قلت: لا عليك فأخبره، فدخل عليه مسرعاً وانصرف من عنده متبسّماً وهو يُصلّي علي محمّد وآل محمّد، فقلت: ما الخبر؟ قال: وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولانا يُصلّي عليه. قال سعد: فحمدنا الله تعالي علي ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلي منزل مولانا أيّاماً، فلا نري الغلام بين يديه، فلمَّا كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائماً وقال: يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة واشتدَّ المحنة، فنحن نسأل الله تعالي أن يُصلّي علي المصطفي جدّك وعلي المرتضي أبيك وعلي سيّدة النساء اُمّك وعلي سيّدي شباب أهل الجنَّة عمّك و أبيك وعلي الأئمّة الطاهرين من بعدهما آبائك، وأن يُصلّي عليك وعلي ولدك ونرغب إلي الله أن يعلي كعبك ويكبت عدوّك، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك. قال: فلمَّا قال هذه الكلمات استعبر مولانا حتَّي استهلَّت دموعه وتقاطرت عبراته، ثمّ قال: (يا ابن إسحاق، لا تكلّف في دعائك شططاً فإنَّك ملاق الله تعالي في صدرك هذا)، فخرَّ أحمد مغشيّاً عليه، فلمَّا أفاق قال: سألتك بالله وبحرمة جدّك إلاَّ شرَّفتني بخرقة أجعلها كفناً، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً فقال: (خذها ولا تنفق علي نفسك غيرها، فإنَّك لن تعدم ما سألت، وإنَّ الله تبارك وتعالي لن يضيع أجر من أحسن عملاً)، قال سعد: فلمَّا انصرفنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حلوان علي ثلاثة فراسخ حمَّ أحمد بن إسحاق وثارت به علَّة صعبة أيس من حياته فيها، فلمَّا وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطناً بها، ثمّ قال: تفرَّقوا عنّي هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه

ص: 342

ورجع كلّ واحد منّا إلي مرقده. قال سعد: فلمَّا حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم _ خادم مولانا أبي محمّد عليه السلام _ وهو يقول: أحسن الله بالخير عزاكم، وجبر بالمحبوب رزيَّتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه، فقوموا لدفنه فإنَّه من أكرمكم محلاً عند سيّدكم، ثمّ غاب عن أعيننا، فاجتمعنا علي رأسه بالبكاء والعويل حتَّي قضينا حقّه، وفرغنا من أمره رحمه الله(1)(2).

******

(1) قال السيّد الخوئي رحمه الله في المعجم (ج 2/ ص 52 - 55/ الرقم 435): هو أحمد بن إسحاق بن سعد بن عبد الله بن الأحوص الأشعري شيخ القمّيين ووافدهم, يكنّي أبا علي القمّي, عاصر الأئمّة المعصومين الجواد والهادي عليهما السلام، وكان من خواصّ أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام, له قصص مع أئمّة أهل البيت عليهم السلام تثبت علوّ منزلته وجلالة قدره, لم يعرف تاريخ ولادته ولم يضبط تاريخ وفاته. وهناك رأيان في تاريخ وفاته، الأوّل: أنَّه توفّي في حياة الإمام العسكري عليه السلام، والرواية المذكورة أعلاه تدلُّ عليه. والثاني وهو الأرجح: أنَّه توفّي بعد وفاة الإمام العسكري عليه السلام، وتدلُّ علي ذلك روايات كثيرة، منها ما رواه الكشّي رحمه الله في رجاله (ج 2/ ص 831/ ح 1052) عن جعفر بن معروف الكشّي، قال: كتب أبو عبد الله البلخي إليَّ يذكر عن الحسين بن روح القمّي أنَّ أحمد بن إسحاق كتب إليه يستأذنه في الحجّ، فأذن له، وبعث إليه بثوب، فقال أحمد بن إسحاق: نعي إليَّ نفسي، فانصرف من الحجّ فمات بحلوان. والحسين بن روح كانت وكالته للإمام المهدي عليه السلام من (305ه-) إلي (326ه-). ومنها ما ورد عن الإمام المهدي عليه السلام في توثيقه، روي الطوسي رحمه الله في الغيبة (ص 417/ ح 395) عن أبي محمّد الرازي، قال: كنت وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر، فورد علينا رسول من قبل الرجل، فقال: (أحمد بن إسحاق الأشعري، وإبراهيم بن محمّد الهمداني، وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات).

(2) كمال الدين: 454 - 465/ باب 43/ ح 21؛ الاحتجاج 2: 268 - 277؛ الثاقب في المناقب: 585 - 589/ ح (534/1) مختصراً.

قال المجلسي رحمه الله بعد نقله لهذه الرواية: أقول: قال النجاشي بعد توثيق سعد والحكم بجلالته: لقي مولانا أبا محمد عليه السلام ورأيت بعض أصحابنا يضعّفون لقاءه لأبي محمد عليه السلام ويقولون: هذه حكاية موضوعة عليه. [رجال النجاشي: 177/ رقم 467].=

ص: 343

14 _ سنة (258ه-): مشاهدة أحمد بن إسحاق والأشعري للإمام المهدي عليه السلام وعمره ثلاث سنوات والحديث معه:

روي الصدوق رحمه الله عن علي بن عبد الله الورّاق، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال: دخلت علي أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام وأنا اُريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: (يا أحمد بن إسحاق، إنَّ الله تبارك وتعالي لم يخل الأرض منذ خلق آدم عليه السلام ولا يخليها إلي أن تقوم الساعة من حجَّة لله علي خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزّل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض). قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض عليه السلام مسرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلي عاتقه غلام كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال: (يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك علي الله عز وجل وعلي حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنَّه سميّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكنيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأمّة مثل الخضر عليه السلام، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبنَّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلاَّ من ثبَّته الله عز وجل علي القول بإمامته ووفَّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه). فقال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي، فهل من علامة يطمئنُّ إليها قلبي؟ فنطق الغلام عليه السلام بلسان عربي فصيح،

******

=أقول: الصدوق أعرف بصدق الأخبار والوثوق عليها من ذلك البعض الذي لا يعرف حاله، وردّ الأخبار التي تشهد متونها بصحَّتها بمحض الظنّ والوهم مع إدراك سعد زمانه عليه السلام وإمكان ملاقاة سعد له عليه السلام إذ كان وفاته بعد وفاته عليه السلام بأربعين سنة تقريباً، ليس للإزراء بالأخبار وعدم الوثوق بالأخيار والتقصير في معرفة شأن الأئمّة الأطهار، إذ وجدنا أنَّ الأخبار المشتملة علي المعجزات الغريبة إذا وصل إليهم، فهم إمَّا يقدحون فيها أو في راويها، بل ليس جرم أكثر المقدوحين من أصحاب الرجل إلاَّ نقل مثل تلك الأخبار. (بحار الأنوار 52: 88 و89).

ص: 344

فقال: (أنا بقيّة الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق)، فقال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً، فلمَّا كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا ابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت به عليَّ، فما السُنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: (طول الغيبة يا أحمد)، قلت: يا ابن رسول الله، وإنَّ غيبته لتطول؟ قال: (إي وربّي حتَّي يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، ولا يبقي إلاَّ من أخذ الله عز وجل عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه. يا أحمد بن إسحاق، هذا أمر من أمر الله، وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غداً في علّيين). قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: (لم أسمع بهذا الحديث إلاَّ من علي بن عبد الله الورّاق وجدت بخطّه مثبتاً، فسألته عنه فرواه لي عن سعد بن عبد الله، عن أحمد ابن إسحاق رضي الله عنه كما ذكرته)(1).

15 _ سنة (259ه-): مشاهدة كامل بن إبراهيم المدني للإمام المهدي عليه السلام وعمره أربع سنوات وردّه عليه السلام علي المفوّضة:

روي الطوسي رحمه الله عن جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدَّثني محمّد بن جعفر بن عبد الله، عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري، قال: وجَّه قوم من المفوّضة(2) والمقصّرة(3) كامل بن إبراهيم المدني(4)

******

(1) كمال الدين: 384 و385/ باب 38/ ح 1.

(2) المفوّضة هم القائلون بأنَّ الله خلق محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم، ثمّ فوَّض إليه أمر العالم، فهو الخلاق للدنيا وما فيها، وقيل: فوَّض ذلك إلي علي عليه السلام، وربَّما يقولون بالتفويض إلي سائر الأئمّة عليهم السلام. (راجع: منتهي المقال 7: 444/ الرقم 4424).

(3) سبق تعريف المقصّرة في (ص 281).

(4) ممَّن رأي صاحب الزمان عليه السلام، وروي عنه أخباراً بالمغيّبات، وشاهد منه المعجزات، وسمع منه النصّ عليه من أبيه عليه السلام. (راجع: معجم رجال الحديث 15: 105/ الرقم 9708).

ص: 345

إلي أبي محمّد عليه السلام، قال كامل: فقلت في نفسي: أسأله لا يدخل الجنَّة إلاَّ من عرف معرفتي وقال بمقالتي.

قال: فلمَّا دخلت علي سيّدي أبي محمّد عليه السلام نظرت إلي ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: وليّ الله وحجَّته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان وينهانا عن لبس مثله. فقال متبسّماً: (يا كامل)، وحسر عن ذراعيه فإذا مسح أسود خشن علي جلده، فقال: (هذا لله وهذا لكم)، فسلَّمت وجلست إلي باب عليه ستر مرخي، فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتي كأنَّه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها. فقال لي: (يا كامل بن إبراهيم)، فاقشعررت من ذلك واُلهمت أن قلت: لبّيك يا سيّدي، فقال: (جئت إلي وليّ الله وحجَّته وبابه تسأله هل يدخل الجنَّة إلاَّ من عرف معرفتك وقال بمقالتك؟)، فقلت: إي والله، قال: (إذن والله يقلُّ داخلها، والله إنَّه ليدخلها قوم يقال لهم: الحقّية)، قلت: يا سيّدي، ومن هم؟ قال: (قوم من حبّهم لعلي يحلفون بحقّه ولا يدرون ما حقّه وفضله). ثمّ سكت صلوات الله عليه عنّي ساعة، ثمّ قال: (وجئت تسأله عن مقالة المفوّضة، كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشيّة الله، فإذا شاء شئنا، والله يقول: (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الإنسان: 30))، ثمّ رجع الستر إلي حالته فلم أستطع كشفه، فنظر إليَّ أبو محمّد عليه السلام متبّسماً فقال: (يا كامل، ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك الحجَّة من بعدي؟)، فقمت وخرجت ولم اُعاينه بعد ذلك.

قال أبو نعيم: فلقيت كاملاً فسألته عن هذا الحديث فحدَّثني به. وروي هذا الخبر أحمد بن علي الرازي، عن محمّد بن علي، عن علي بن

ص: 346

عبد الله بن عائذ الرازي، عن الحسن بن وجناء النصيبي، قال: سمعت أبا نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري، وذكر مثله(1).

ورواه الطبري الشيعي رحمه الله عن أبي الحسين محمّد بن هارون بن موسي بن أحمد، عن أبيه، عن محمّد بن همّام، عن جعفر بن محمّد، عن محمّد بن جعفر، عن أبي نعيم(2).

16 _ سنة (257 إلي 260ه-) تقريباً: إخبار الإمام المهدي عليه السلام _ وهو غلام _ إبراهيم بن محمّد النسابوري بهلاك الوالي عمرو بن عوف:

روي النوري رحمه الله في النجم الثاقب نقلاً عن كتاب الغيبة للفضل بن شاذان، قال: حدَّثنا إبراهيم بن محمّد بن فارس النيسابوري، قال: لمَّا هَمَّ الوالي عمرو بن عوف بقتلي وهو رجل شديد النصب، وكان مولعاً بقتل الشيعة، فاُخبرت بذلك، وغلب عليَّ خوف عظيم، فودَّعت أهلي وأحبّائي، وتوجَّهت إلي دار أبي محمّد عليه السلام لاُودّعه وكنت أردت الهرب، فلمَّا دخلت عليه رأيت غلاماً جالساً في جنبه، وكان وجهه مضيئاً كالقمر ليلة البدر، فتحيَّرت من نوره وضيائه وكاد أن ينسيني ما كنت فيه من الخوف والهرب، فقال: (يا إبراهيم، لا تهرب فإنَّ الله تبارك وتعالي سيكفيك شرّه)، فازداد تحيّري، فقلت لأبي محمّد عليه السلام: يا سيّدي، جعلني الله فداك من هو فقد أخبرني عمَّا كان في ضميري؟ فقال: (هو ابني وخليفتي من بعدي، وهو الذي يغيب غيبة طويلة، ويظهر بعد امتلاء الأرض جوراً وظلماً فيملؤها عدلاً وقسطاً)، فسألته عن اسمه، قال: (هو سميّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكنيّه، ولا يحلُّ لأحد أن يسمّيه باسمه ويكنّيه

******

(1) الغيبة للطوسي: 246 - 248/ ح 216.

(2) دلائل الإمامة: 505 و506/ ح (491/95).

ص: 347

بكنيته، إلي أن يُظهر الله دولته وسلطنته، فاكتم يا إبراهيم ما رأيت وسمعت منّا اليوم إلاَّ عن أهله)، فصلَّيت عليهما وآبائهما وخرجت مستظهراً بفضل الله تعالي، واثقاً بما سمعته من الصاحب عليه السلام، فبشَّرني علي بن فارس بأنَّ المعتمد قد أرسل أبا أحمد أخاه وأمره بقتل عمرو بن عوف، فأخذه أبو أحمد في ذلك اليوم وقطَّعه عضواً عضواً، والحمد لله ربّ العالمين(1).

17 _ سنة (260ه-): خروج التوقيع بتوثيق حاجز الوشّا وإرجاع الأموال إليه:

روي الخصيبي رحمه الله في الهداية الكبري عن موسي بن محمّد، عن محمّد بن الحسن بن عبد الحميد القطّاني، قال: شكَّ الحسن بن عبد الحميد في أمر حاجز الوشّا(2) فجمع مالاً وخرج إليه الأمر في سنة ستّين(3): (ليس فينا شكّ ولا في من يقوم بأمرنا، فاردد ما معك إلي حاجز بن يزيد)(4).

ورواه الكليني رحمه الله عن علي بن محمّد، عن الحسن بن عبد الحميد(5).

18 _ سنة (261ه-): إغارة جعفر الكذّاب علي بيت الإمام العسكري عليه السلام ونهب ما فيه ونجاة الإمام المهدي عليه السلام منهم وعمره (6) سنوات:

روي الصدوق رحمه الله عن أبي الحسن علي بن الحسن بن (علي بن)

******

(1) النجم الثاقب 1: 516 و517/ ح 27.

(2) هو حاجز بن يزيد الوشّاء، عدَّه الصدوق رحمه الله في كمال الدين (ص 442/ باب 43/ ح 16) ممَّن وقف علي معجزات صاحب الزمان عليه السلام ورآه من الوكلاء.

(3) أي بعد المائتين.

(4) الهداية الكبري: 369.

(5) الكافي 1: 521/ باب مولد الصاحب عليه السلام/ ح 14 بدون ذكر التاريخ؛ الإرشاد 2: 361 و362؛ الصراط المستقيم 2: 247/ ح 8؛ كشف الغمّة 3: 252.

ص: 348

محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: سمعت أبا الحسين الحسن بن وجناء يقول: حدَّثنا أبي، عن جدّه أنَّه كان في دار الحسن بن علي عليهما السلام فكبستنا الخيل وفيهم جعفر بن علي الكذّاب واشتغلوا بالنهب والغارة، وكانت همَّتي في مولاي القائم عليه السلام. قال: فإذا (أنا) به عليه السلام قد أقبل وخرج عليهم من الباب وأنا أنظر إليه وهو عليه السلام ابن ستّ سنين، فلم يرَه أحد حتَّي غاب(1).

وراجع ما ذُكر في (15/ شعبان/ 255ه-) تحت عنوان: (مشاهدة جارية الإمام الحسن عليه السلام لسطوع النور من الإمام المهدي عليه السلام وبلوغه أفق السماء).

19 _ سنة (261 أو 262ه-): قصَّة أحمد الدينوري وبحثه عن نائب الإمام عليه السلام لتسليمه أموال الشيعة وظهور المعجزات والكرامات من الإمام عليه السلام:

روي الطبري الشيعي رحمه الله عن أبي المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن جعفر بن محمّد المقرئ، قال: حدَّثنا أبو العبّاس محمّد بن سابور، قال: حدَّثني الحسن بن محمّد بن حيوان(2) السرّاج القاسم، قال: حدَّثني أحمد بن (محمّد) الدينوري(3) السرّاج المكنّي بأبي العبّاس، الملقَّب بآستاره، قال: انصرفت من أردبيل إلي الدينور اُريد الحجّ، وذلك بعد مضيّ أبي محمّد الحسن بن علي عليه السلام بسنة أو سنتين، وكان الناس في حيرة، فاستبشروا أهل الدينور بموافاتي، واجتمع الشيعة

******

(1) كمال الدين: 473/ باب 43/ ح 25.

(2) في مدينة المعاجز: (جيران).

(3) عدَّه الطوسي رحمه الله في رجاله (ص 407/ الرقم (5922/3) فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام، فقال: (أحمد بن محمّد الدينوري، يكنّي أبا العبّاس، يلقَّب باستونه).

ص: 349

عندي، فقالوا: قد اجتمع عندنا ستّة عشر ألف دينار من مال الموالي، ونحتاج أن تحملها معك، وتسلّمها بحيث يجب تسليمها. قال: فقلت: يا قوم، هذه حيرة، ولا نعرف الباب في هذا الوقت. قال: فقالوا: إنَّما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك، فاحمله علي ألا تخرجه من يديك إلاَّ بحجَّة.

قال: فحُمل إليَّ ذلك المال في صرر باسم رجل رجل، فحملت ذلك المال وخرجت، فلمَّا وافيت قرميسين(1)، وكان أحمد بن الحسن مقيماً بها، فصرت إليه مسلّماً، فلمَّا لقيني استبشر بي، ثمّ أعطاني ألف دينار في كيس، وتخوت ثياب من ألوان معتمة، لم أعرف ما فيها، ثمّ قال لي أحمد: احمل هذا معك، ولا تخرجه عن يدك إلاَّ بحجَّة.

قال: فقبضت منه المال والتخوت بما فيها من الثياب. فلمَّا وردت بغداد لم يكن لي همَّة غير البحث عمَّن اُشير إليه بالنيابة، فقيل لي: إنَّ هاهنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدَّعي بالنيابة، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدَّعي بالنيابة، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدَّعي بالنيابة.

قال: فبدأت بالباقطاني، فصرت إليه، فوجدته شيخاً بهيّاً، له مروءة ظاهرة، وفرس عربي، وغلمان كثير، ويجتمع عنده الناس يتناظرون. قال: فدخلت إليه، وسلَّمت عليه، فرحَّب وقرَّب، وبرَّ وسرَّ. قال: فأطلت القعود إلي أن خرج أكثر الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فعرَّفته أنّي رجل من

******

(1) هي كرمانشاه الحالية، قال الحموي في معجم البلدان (ج 4/ ص 330): (قرميسين: بالفتح ثمّ السكون، وكسر الميم، وياء مثنّاة من تحت، وسين مهملة مكسورة، وياء أخري ساكنة، ونون، وهو تعريب كرمان شاهان بلد معروف بينه وبين همذان ثلاثون فرسخاً قرب الدينور وهي بين همذان وحلوان علي جادّة الحاجّ.

ص: 350

أهل الدينور، ومعي شيء من المال، أحتاج أن اُسلّمه. قال: فقال لي: احمله. قال: فقلت: اُريد حجَّة. قال: تعود إليَّ في غد. قال: فعدت إليه من الغد، فلم يأتِ بحجَّة، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأتِ بحجَّة.

قال: فصرت إلي إسحاق الأحمر، فوجدته شابّاً نظيفاً، منزله أكبر من منزل الباقطاني، وفرسه ولباسه ومروءته أسري، وغلمانه أكثر من غلمانه، ويجتمع عنده من الناس أكثر ممَّا يجتمعون عند الباقطاني. قال: فدخلت وسلَّمت، فرحَّب وقرَّب، قال: فصبرت إلي أن خفَّ الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فقلت له كما قلت للباقطاني، وعدت إليه بعد ثلاثة أيّام، فلم يأتِ بحجَّة.

قال: فصرت إلي أبي جعفر العمري، فوجدته شيخاً متواضعاً، عليه مبطنة بيضاء، قاعد علي لبد، في بيت صغير، ليس له غلمان، ولا له من المروَّة والفرس ما وجدت لغيره. قال: فسلَّمت، فردَّ جوابي، وأدناني، وبسط منّي، ثمّ سألني عن حالي، فعرَّفته أنّي وافيت من الجبل، وحملت مالاً. قال: فقال: إن أحببت أن تصل هذا الشيء إلي من يجب أن يصل إليه يجب أن تخرج إلي سُرَّ من رأي، وتسأل دار ابن الرضا، وعن فلان بن فلان الوكيل _ وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها _، فإنَّك تجد هناك ما تريد.

قال: فخرجت من عنده، ومضيت نحو سُرَّ من رأي، وصرت إلي دار ابن الرضا، وسألت عن الوكيل، فذكر البوّاب أنَّه مشتغل في الدار، وأنَّه يخرج آنفاً، فقعدت علي الباب أنتظر خروجه، فخرج بعد ساعة، فقمت وسلَّمت عليه، وأخذ بيدي إلي بيت كان له، وسألني عن حالي، وعمَّا وردت له، فعرَّفته أنّي حملت شيئاً من المال من ناحية الجبل،

ص: 351

وأحتاج أن اُسلّمه بحجَّة. قال: فقال: نعم. ثمّ قدَّم إليَّ طعاماً، وقال لي: تغدّي بهذا واسترح، فإنَّك تعب، وإنَّ بيننا وبين صلاة الأولي ساعة، فإنّي أحمل إليك ما تريد. قال: فأكلت ونمت، فلمَّا كان وقت الصلاة نهضت وصلَّيت، وذهبت إلي المشرعة، فاغتسلت وانصرفت إلي بيت الرجل، ومكثت إلي أن مضي من الليل ربعة، فجاءني ومعه درج، فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، وافي أحمد بن محمّد الدينوري، وحمل ستّة عشر ألف دينار، وفي كذا وكذا صُرَّة، فيها صُرَّة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً، وصُرَّة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً _ إلي أن عدَّ الصرر كلّها _ وصُرَّة فلان بن فلان الذراع ستّة عشر ديناراً). قال: فوسوس لي الشيطان أنَّ سيّدي أعلم بهذا منّي، فما زلت أقرأ ذكر صُرَّة صُرَّة وذكر صاحبها، حتَّي أتيت عليها عند آخرها، ثم ذكر: (قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصوّاف كيساً فيه ألف دينار وكذا وكذا تختاً ثياباً، منها ثوب فلاني، وثوب لونه كذا) حتَّي نسب الثياب إلي آخرها بأنسابها وألوانها. قال: فحمدت الله وشكرته علي ما منَّ به عليَّ من إزالة الشكّ عن قلبي، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلي حيث ما يأمرني أبو جعفر العمري.

قال: فانصرفت إلي بغداد وصرت إلي أبي جعفر العمري. قال: وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيّام. قال: فلمَّا بصر بي أبو جعفر العمري قال لي: لِمَ لم تخرج؟ فقلت: يا سيّدي، من سُرَّ من رأي انصرفت. قال: فأنا اُحدّث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة علي أبي جعفر العمري من مولانا (صلوات الله عليه)، ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي، فيه ذكر المال والثياب، وأمر أن يسلّم جميع

ص: 352

ذلك إلي أبي جعفر محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان القمّي(1)، فلبس أبو جعفر العمري ثيابه، وقال لي: احمل ما معك إلي منزل محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان القمّي. قال: فحملت المال والثياب إلي منزل محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان، وسلَّمتها، وخرجت إلي الحجّ. فلمَّا انصرفت إلي الدينور اجتمع عندي الناس، فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا (صلوات الله عليه) إليَّ، وقرأته علي القوم، فلمَّا سمع ذكر الصُرَّة باسم الذرّاع سقط مغشيّاً عليه، فما زلنا نعلّله حتَّي أفاق، فلمَّا أفاق سجد شكراً لله عز وجل، وقال: الحمد لله الذي منَّ علينا بالهداية، الآن علمت أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة، هذه الصُرَّة دفعها _ والله _ إليَّ هذا الذرّاع، ولم يقف علي ذلك إلاَّ الله عز وجل.

قال: فخرجت ولقيت بعد ذلك بدهر أبا الحسن المادرائي، وعرَّفته الخبر، وقرأت عليه الدرج، قال: يا سبحان الله، ما شككت في شيء، فلا تشكّنَّ في أنَّ الله عز وجل لا يخلي أرضه من حجَّة. اعلم أنَّه لمَّا غزا أذكوتكين(2) يزيد بن عبد الله بسهرورد وظفر ببلاده، واحتوي علي خزانته صار إليَّ رجل، وذكر أنَّ يزيد بن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا عليه السلام. قال: فجعلت أنقل خزائن يزيد بن عبد الله إلي أذكوتكين أوّلاً فأوّلاً، وكنت أدافع بالفرس

******

(1) هو محمّد بن أحمد بن جعفر القمّي العطّار أو القطّان، روي الكشّي رحمه الله في رجاله (ج 2/ ص 815/ الرقم 1019) عن أحمد بن إبراهيم المراغي، قال: كتب أبو جعفر محمّد بن أحمد بن جعفر القمّي العطّار، وليس له ثالث في الأرض في القرب من الأصل، يصفنا لصاحب الناحية عليه السلام...؛ وعدَّه الطوسي رحمه الله في رجاله (ص 402/ الرقم 5899/17) من أصحاب العسكري عليه السلام، قائلاً: محمّد بن أحمد بن جعفر القمّي، وكيله عليه السلام، أدرك أبا الحسن عليه السلام.

(2) أذكوتكين بن أساتكين من أكابر قوّاد الترك في زمن المعتمد العبّاسي، كان والياً علي الريّ. (راجع: الكامل في التاريخ 7: 269).

ص: 353

والسيف، إلي أن لم يبقَ شيء غيرهما، وكنت أرجو أن اُخلّص ذلك لمولانا عليه السلام، فلمَّا اشتدَّ مطالبة أذكوتكين إيّاي ولم يمكنني مدافعته، جعلت في السيف والفرس في نفسي ألف دينار ووزنتها ودفعتها إلي الخازن، وقلت له: ادفع هذه الدنانير في أوثق مكان، ولا تخرجنَّ إليَّ في حال من الأحوال ولو اشتدَّت الحاجة إليها، وسلَّمت الفرس والنصل. قال: فأنا قاعد في مجلسي بالري أبرم الأمور، وأوفي القصص، وآمر وأنهي، إذ دخل أبو الحسن الأسدي(1)، وكان يتعاهدني الوقت بعد الوقت، وكنت أقضي حوائجه، فلمَّا طال جلوسه وعليَّ بؤس كثير قلت له: ما حاجتك؟ قال: أحتاج منك إلي خلوة. فأمرت الخازن أن يهيّئ لنا مكاناً من الخزانة، فدخلنا الخزانة، فأخرج إليَّ رقعة صغيرة من مولانا عليه السلام، فيها: (يا أحمد بن الحسن، الألف دينار التي لنا عندك ثمن النصل والفرس سلّمها إلي أبي الحسن الأسدي). قال: فخررت لله عز وجل ساجداً شاكراً لما منَّ به عليَّ، وعرفت أنَّه خليفة الله حقّاً، لأنَّه لم يقف علي هذا أحد غيري، فأضفت إلي ذلك المال ثلاثة آلاف دينار أخري سروراً بما منَّ الله عليَّ بهذا الأمر)(2).

20 _ سنة (262ه-): إخبار حكيمة أخت الإمام الهادي أمام أحمد بن إبراهيم بولادة المهدي عليه السلام وإمامته ووصيَّته الظاهرية للجدَّة اُمّ الإمام العسكري عليه السلام:

روي الصدوق رحمه الله عن علي بن الحسين بن شاذويه المؤدّب رضي الله عنه،

******

(1) تقدَّمت ترجمته في (ص 90)، تحت عنوان: (وفاة محمّد بن جعفر الأسدي أحد وكلاء الإمام المهدي عليه السلام).

(2) دلائل الإمامة: 519 - 524/ ح (493/97).

ص: 354

قال: حدَّثنا محمّد بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثني محمّد بن جعفر، قال: حدَّثني أحمد بن إبراهيم(1)، قال: دخلت علي حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا، أخت أبي الحسن صاحب العسكر عليهم السلام في سنه اثنتين وستّين ومائتين فكلَّمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمَّت لي من تأتمّ بهم، ثمّ قالت: والحجَّة ابن الحسن بن علي فسمَّته، فقلت لها: جعلني الله فداك، معاينةً أو خبراً؟ فقالت: خبراً عن أبي محمّد عليه السلام كتب به إلي اُمّه، فقلت لها: فأين الولد؟ فقالت: مستور، فقلت: إلي من تفزع الشيعة؟ فقالت (لي): إلي الجدّة اُمّ أبي محمّد عليه السلام، فقلت لها: أقتدي بمن وصيَّته إلي امرأة؟ فقالت: اقتداء بالحسين بن علي عليهما السلام، فإنَّ الحسين بن علي عليهما السلام أوصي إلي أخته زينب بنت علي في الظاهر، فكان ما يخرج عن علي بن الحسين عليهما السلام من علم ينسب إلي زينب ستراً علي علي بن الحسين عليهما السلام، ثمّ قالت: إنَّكم قوم أصحاب أخبار، أمَا رويتم أنَّ التاسع من ولد الحسين بن عليعليهما السلام يقسَّم ميراثه وهو في الحياة(2)؟

ورواه أيضاً عن علي بن أحمد بن مهزيار، عن أبي الحسين محمّد

******

(1) هو أحمد بن إبراهيم أبو حامد المراغي، قال ابن داود رحمه الله في رجاله (ص 36/ الرقم 55): ممدوح عظيم الشأن. وروي الكشّي رحمه الله في رجاله (ج 2/ ص 815/ الرقم 1019) عن علي بن محمّد بن قتيبة، قال: حدَّثني أبو حامد أحمد بن إبراهيم المراغي، قال: كتب أبو جعفر محمّد بن أحمد بن جعفر القمّي العطّار، وليس له ثالث في الأرض في القرب من الأصل، يصفنا لصاحب الناحية عليه السلام، فخرج: (وقفت علي ما وصفت به أبا حامد أعزَّه الله بطاعته، وفهمت ما هو عليه تمَّم الله ذلك له بأحسنه، ولا أخلاه من تفضّله عليه، وكان الله وليّه، أكثر السلام وأخصّه...).

(2) كمال الدين: 507/ باب 45/ ح 36؛ الهداية الكبري: 366 و367؛

ص: 355

بن جعفر الأسدي، عن أحمد بن إبراهيم، إلاَّ أنَّ فيه: (دخلت علي حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا أخت أبي الحسن العسكري عليهم السلام في سنة اثنين وثمانين بالمدينة...)(1).

ورواه الطوسي رحمه الله عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن محمّد بن جعفر الأسدي، عن أحمد بن إبراهيم. وعن التلعكبري، عن الحسن بن محمّد النهاوندي، عن الحسن بن جعفر بن مسلم الحنفي، عن أبي حامد المراغي، مثله(2).

21 _ سنة (263ه-): بحث أبي رجاء المصري عن الإمام المهدي عليه السلام لثلاث سنوات وسماعه هاتفاً يزيل عنه الشكّ:

روي الصدوق رحمه الله، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن علاَّن الكليني، عن الأعلم المصري، عن أبي رجاء المصري، قال: خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمّد عليه السلام بسنتين لم أقف فيهما علي شيء، فلمَّا كان في الثالثة كنت بالمدينة في طلب ولد لأبي محمّد عليه السلام بصرياء، وقد سألني أبو غانم أن أتعشّي عنده، وأنا قاعد مفكّر في نفسي وأقول: لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين، فإذا هاتف أسمع صوته ولا أري شخصه وهو يقول: (يا نصر بن عبد ربّه قل لأهل مصر: آمنتم برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حيث رأيتموه؟)، قال نصر: ولم أكن أعرف اسم أبي، وذلك أنّي ولدت بالمدائن فحملني النوفلي وقد مات أبي، فنشأت بها، فلمَّا سمعت الصوت قمت مبادراً ولم أنصرف إلي أبي غانم وأخذت طريق مصر(3).

******

(1) كمال الدين: 501/ باب 45/ ح 27.

(2) الغيبة للطوسي: 230/ ح 196.

(3) كمال الدين: 491 و492/ باب 45/ ح 15؛ الخرائج والجرائح 2: 698 و699/ ح 16.

ص: 356

22 _ حدود سنة (265ه-): صدور التوقيع الشريف من الناحية المقدَّسة للنائب الثاني يعزيه فيها بوفاة أبيه عثمان بن سعيد:

هو عثمان بن سعيد العَمْري الأسدي، أبو عمرو السمّان العسكري، أوّل السفراء الأربعة، أدرك الامام أبا الحسن الهادي عليه السلام، قال الطوسي رحمه الله: خدَمَهُ عليه السلام وله إحدي عشرة سنة(1)، ثمّ لقي بعده الإمام أبا محمّد العسكري عليه السلام، وسمع منهما الحديث، وتوكَّل لهما، وكان ذا منزلة رفيعة عندهما، وكذا أدرك الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وتولّي السفارة له زمناً قصيراً، وكان جليلاً، عظيم الشأن، وردت روايات متضافرة في مدحه والثناء عليه، منها ما رواه الطوسي رحمه الله بسند صحيح عن أحمد بن إسحاق بن سعد القمّي، قال: دخلت علي أبي الحسن علي بن محمّد صلوات الله عليه في يوم من الأيّام، فقلت: يا سيّدي، أنا أغيب وأشهد ولا يتهيَّأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كلّ وقت، فقول من نقبل؟ وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: (هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه، فلمَّا مضي أبو الحسن عليه السلام، وصلت إلي أبي محمّد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم، فقلت له عليه السلام مثل قولي لأبيه، فقال لي: (هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّي إليكم فعنّي يؤدّيه)(2).

ومنها ما رواه الكليني رحمه الله بسند صحيح عن أبي علي أحمد بن إسحاق،

******

(1) رجال الطوسي: 389/ الرقم (5741/36).

(2) الغيبة للطوسي: 354 و355/ ح 315.

ص: 357

عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته، وقلت: من اُعامل أو عمَّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال له: (العمري ثقتي، فما أدّي إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنَّه الثقة المأمون)(1).

روي الصدوق رحمه الله عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: خرج التوقيع إلي الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري في التعزية بأبيهرضي الله عنهما، في فصل من الكتاب: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون تسليماً لأمره ورضاءً بقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم السلام، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقرّبه إلي الله عز وجل وإليهم، نضَّر الله وجهه وأقاله عثرته). وفي فصل آخر: (أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزئت ورزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرَّه الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله عز وجل ولداً مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحَّم عليه، وأقول: الحمد لله، فإنَّ الأنفس طيّبة بمكانك وما جعله الله عز وجل فيك وعندك، أعانك الله وقوّاك وعضدك ووفَّقك، وكان الله لك وليّاً وحافظاً وراعياً وكافياً ومعيناً)(2).

توفّي في حدود سنة خمس وستّين ومائتين، ودُفن في الجانب الغربي من مدينة بغداد، وقبره هناك إلي الآن.

23 _ سنة (265ه-): التاريخ السندي لحديث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حول الأئمّة عليهم السلام والإمام المهدي عليه السلام:

روي النعماني رحمه الله عن محمّد بن همام، قال: حدَّثنا أبو علي الحسن بن

******

(1) الكافي 1: 330/ باب في تسمية من رآه عليه السلام/ ح 1.

(2) كمال الدين: 510/ باب 45/ ح 41؛ الغيبة للطوسي: 361/ ح 323؛ الاحتجاج 2: 300 و301؛ الخرائج والجرائح 3: 1112/ ح 28 بعضه.

ص: 358

علي بن عيسي القوهستاني، قال: حدَّثنا بدر بن إسحاق بن بدر الأنماطي في سوق الليل بمكّة وكان شيخاً نفيساً من إخواننا الفاضلين، وكان من أهل قزوين في سنة خمس وستّين ومائتين، قال: حدَّثني _ أبي _ إسحاق بن بدر، قال: حدَّثنا جدّي بدر بن عيسي، قال: سألت _ أبي _ عيسي بن موسي وكان رجلاً مهيباً فقلت له: من أدركت من التابعين؟ فقال: ما أدري ما تقول لي، ولكنّي كنت بالكوفة فسمعت شيخاً في جامعها يتحدَّث عن عبد خير، قال: سمعت أمير (المؤمنين) علي بن أبي طالب صلوات الله عليه يقول: قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (يا علي، الأئمّة الراشدون المهتدون المعصومون من ولدك أحد عشر إماماً، وأنت أوّلهم، آخرهم اسمه اسمي يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يأتيه الرجل والمال كدس، فيقول: يا مهدي أعطني. فيقول: خذ)(1).

24 _ سنة (267ه-): وفاة المدَّعي للنيابة ابن هلال العبرتائي:

روي الكشّي رحمه الله عن علي بن محمّد بن قتيبة، قال: حدَّثني أبو حامد أحمد بن إبراهيم المراغي، قال: ورد علي القاسم بن العلاء نسخة ما خرج من لعن ابن هلال(2) وكان ابتداء ذلك أن كتب عليه السلام إلي قوامه بالعراق: (احذروا الصوفي المتصنّع)، قال: وكان من شأن أحمد بن هلال أنَّه قد كان حجَّ أربعاً وخمسين حجّة، عشرون منها علي قدميه. قال: وكان رواة أصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا منه، وأنكروا ما ورد في مذمَّته، فحملوا القاسم بن العلاء علي أن يراجع في أمره. فخرج إليه: (قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنّع ابن هلال لا رحمه الله، بما قد علمت لم يزل، لا غفر الله له ذنبه ولا أقاله عثرته، يداخل في أمرنا بلا إذن

******

(1) الغيبة للنعماني: 93 و94/ باب 4/ ح 23.

(2) هو أبو جعفر أحمد بن هلال العبرتائي، كان غالياً متّهما في دينه، ولد سنة ثمانين ومائة، ومات سنة سبع وستّين ومائتين.

ص: 359

منّا ولا رضي يستبدّ برأيه، فيتحامي من ديوننا، لا يمضي من أمرنا إلاَّ بما يهواه ويريد، أراده الله بذلك في نار جهنَّم، فصبرنا عليه حتَّي بتر الله بدعوتنا عمره. وكنّا قد عرفنا خبره قوماً من موالينا في أيّامه لا رحمه الله، وأمرناهم بإلقاء ذلك إلي الخاصّ من موالينا، ونحن نبرأ إلي الله من ابن هلال لا رحمه الله، وممَّن لا يبرء منه. واعلم الإسحاقي سلَّمه الله وأهل بيته ممَّا أعلمناك من حال هذا الفاجر، وجميع من كان سألك ويسألك عنه من أهل بلده والخارجين، ومن كان يستحقّ أن يطَّلع علي ذلك، فإنَّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يؤدّيه عنّا ثقاتنا، قد عرفوا بأنَّنا نفاوضهم سرّنا، ونحمله إيّاه إليهم وعرفنا ما يكون من ذلك إن شاء الله تعالي). وقال أبو حامد: فثبت قوم علي إنكار ما خرج فيه، فعاودوه فيه فخرج: (لا شكر الله قدره، لم يدع المرء ربّه بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه وأن يجعل ما منَّ به عليه مستقرّاً ولا يجعله مستودعاً. وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان عليه لعنة الله وخدمته وطول صحبته، فأبدله الله بالإيمان كفراً حين فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة ولا يمهله، والحمد الله لا شريك له، وصلّي الله علي محمّد وآله وسلَّم)(1).

* وروي الصدوق رحمه الله عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الصالح، قال: ... ولمَّا ورد نعي ابن هلال لعنه الله جاءني الشيخ فقال لي: أخرج الكيس الذي عندك، فأخرجته إليه فاخرج إليَّ رقعة فيها: (وأمَّا ما ذكرت من أمر الصوفي المتصنّع _ يعني الهلالي _ فبتر الله عمره)، ثمّ خرج من بعد موته: (فقد قصدنا فصبرنا عليه فبتر الله تعالي عمره بدعوتنا)(2).

******

(1) اختيار معرفة الرجال 2: 816 و817/ ح 1020.

(2) كمال الدين: 489/ باب 45/ ذيل الحديث/ 12.

ص: 360

25 _ سنة (268ه-): التاريخ السندي لحديث الإمام الباقر عليه السلام حول التمحيص والغربلة لشيعته قبل الظهور المبارك:

روي النعماني رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدَّثنا أبو عبد الله جعفر بن عبد الله المحمّدي من كتابه في سنة ثمان وستّين ومائتين، قال: حدَّثنا محمّد بن منصور الصيقل، عن أبيه، قال: دخلت علي أبي جعفر الباقر عليه السلام وعنده جماعة، فبينا نحن نتحدّث وهو علي بعض أصحابه مقبل إذ التفت إلينا وقال: (في أيّ شيء أنتم؟ هيهاتَ هيهاتَ لا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتَّي تُمحَّصوا، هيهاتَ ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتَّي تُميَّزوا، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتَّي تُغربلوا، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم إلاَّ بعد إياس، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتَّي يشقي من شقي، ويسعد من سعد)(1).

ورواه الطوسي رحمه الله عن الحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر محمّد بن سفيان البزوفري، عن أحمد بن إدريس، عن علي بن محمّد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان النيشابوري، عن ابن أبي نجران، عن محمّد بن منصور، عن أبيه، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام(2).

26 _ سنة (268ه-): لقاء عيسي بن مهدي الجوهري بالإمام المهدي عليه السلام وأكله من طعامه:

روي الخصيبي رحمه الله في الهداية الكبري عن موسي بن محمّد، عن أبي محمّد عيسي بن مهدي الجوهري، قال: خرجت في سنة ثمانية

******

(1) الغيبة للنعماني: 216 و217/ باب 12/ ح 16.

(2) الغيبة للطوسي: 335 و336/ ح 281.

ص: 361

وستّين ومائتين إلي الحجّ وكان قصدي المدينة وصاريا(1) حتَّي صحَّ عندنا أنَّ صاحب الزمان عليه السلام رحل من العراق إلي المدينة، فجلست بالقصر بصاريا في ظلَّة أبي محمّد عليه السلام، ودخل عليه قوم من خاصَّة شيعته فخرجت _ بعد أن حجّيت ثلاثين حجّة _ في تلك السنة حاجّاً مشتاقاً إلي لقائه عليه السلام بصاريا فاعتللت وقد خرجنا من فيد(2)، فتعلَّقت نفسي بشهوة السمك واللبن والتمر، فلمَّا وردت المدينة الملاية وافيت فيها إخواننا فبشَّروني بظهوره عليه السلام بصاريا، فلمَّا أشرفت علي الوادي رأيت عنيزات عجافاً تدخل القصر، فوقفت أرتقب الأمر إلي أن صلَّيت العشاءين وأنا أدعو وأتضرَّع وأسأل وإذا ببدر الخادم يصيح بي: يا عيسي بن مهدي الجوهري الجنبلاني اُدخل، فكبَّرت وهلَّلت وأكثرت من حمد الله عز وجل والثناء عليه، فلمَّا صرت في صحن دار القصر فرأيت مائدة منصوبة فمرَّ بي الخادم وأجلسني عليها وقال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت بعلَّتك وأنت خارج من فيد، فقلت في نفسي: حسبي بهذا برهاناً، فكيف آكل ولم أرَ سيّدي ومولاي، فصاح: (يا عيسي، كُلْ من طعامي فإنَّك تراني)، فجلست علي المائدة ونظرت فإذا عليها سمك حار يفور وتمر إلي جانبه أشبه التمر بتمرنا بجنبلا، وجانب التمر لبن ولي، فقلت في نفسي: عليل وسمك ولبن وتمر، فصاح: (يا عيسي، لا تشكّ في أمرنا، أنت أعلم بما ينفعك ويضرّك؟)، فبكيت واستغفرت الله وأكلت

******

(1) لعلَّ المراد صريا، قال ابن شهر آشوب في المناقب (ج 3/ ص 489): هي قرية أسَّسها موسي بن جعفر عليه السلام علي ثلاثة أميال من المدينة.

(2) فيد: منزل بطريق مكّة. (أنظر: معجم البلدان 4: 282).

ص: 362

من الجميع، وكلَّما رفعت يدي لم يبن فيه موضع، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا، فأكلت منه كثيراً حتَّي استحييت، فصاح: (يا عيسي، لا تستحي فإنَّه من طعام الجنَّة لم تصنعه يد مخلوق)، فأكلت فرأيت نفسي لا تشتهي من أكله، فقلت: يا مولاي حسبي، فصاح بي: (أقبل إليَّ)، فقلت في نفسي: ألقي مولاي ولم أغسل يدي؟ فصاح بي: (يا عيسي، وهل لما أكلت غمر؟)، فشممت يدي فإذا هي أعطر من المسك والكافور، فدنوت منه عليه السلام فبدا لي شخص أغشي بصري ورهبت حتَّي ظننت أنَّ عقلي قد اختلط، فقال لي: (يا عيسي، ما كان لكم أن تروني، ولولا الملأ تقول: أين هو كان؟ متي يكون؟ وأين وُلد؟ ومن رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأيّ شيء أنبأكم؟ وأيّ معجزة أراكم؟ أمَا والله لقد دفعوا أمير المؤمنين عمَّا أراده وقدموا عليه وكادوه وقتلوه، وكذلك فعلوا بآبائي عليهم السلام، ولم يصدّقوهم ونسبوهم إلي السحر والكهانة وخدمة الجنّ، لما رأيتني يا عيسي. أخبر أولياءنا بما رأيت وإيّاك أن تخبر عدوّاً لنا فتسلبه)، فقلت: يا مولاي، ادع لنا بالثبات. فقال لي: (لو لم يثبّتك الله لما رأيتني، فامض لحجّك راشداً)، فخرجت من أكثر الناس حمداً وشكرا.(1)

27 _ سنة (273ه-): خروج التوقيع الشريف إلي محمّد بن عبّاس القصيري، وفيه الجواب علي مسائله الثلاث:

روي الخصيبي رحمه الله في الهداية الكبري عن موسي بن محمّد، عن محمّد بن عبّاس القصيري، قال: كتبت في سنة ثلاثة وسبعين إلي الناحية

******

(1) الهداية الكبري: 373 و374.

ص: 363

أسأل الدعاء بالحجّ ولم يكن عندي ما يحملني، وأن اُرزق السلامة، وأن اُكفي أمر بناتي، فوقَّع تحت المسألة: (سألت بالدعاء عليها)، فرزقت الحجّ والسلامة، ومات لي ثلاث بنات من الستّة(1).

28 _ سنة (273ه-): التاريخ السندي لحديث الإمام الباقر عليه السلام حول دوران الفلك ويأس الناس من ظهور المهدي عليه السلام:

روي النعماني رحمه الله عن أبي سليمان أحمد بن هوذة الباهلي، قال: حدَّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي سنة ثلاث وسبعين ومائتين، قال: حدَّثنا عبد الله بن حماد الأنصاري سنة تسع وعشرين ومائتين، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال لي: (يا أبا الجارود، إذا دار الفلك وقالوا: مات أو هلك، وبأيّ وادٍ سلك؟ وقال الطالب له: أنّي يكون ذلك وقد بليت عظامه، فعند ذلك فارتجوه، وإذا سمعتم به فأتوه ولو حبواً علي الثلج)(2).

29 _ سنة (273ه-): التاريخ السندي لحديث الإمام الباقر عليه السلام حول من لم يعرف الإمام يموت ميتة جاهلية:

روي النعماني رحمه الله عن أحمد بن نصر بن هوذة الباهلي، قال: حدَّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي بنهاوند سنة ثلاث وسبعين ومائتين، قال: حدَّثنا عبد الله بن حماد الأنصاري سنة تسع وعشرين ومائتين، قال: حدَّثنا يحيي بن عبد الله، قال: قال لي أبو عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام: (يا يحيي بن عبد الله، من بات ليلة لا يعرف فيها إمامه مات ميتة جاهلية)(3).

******

(1) الهداية الكبري: 371.

(2) الغيبة للنعماني: 156/ باب 10/ ح 12.

(3) الغيبة للنعماني: 126/ باب 7/ ح 1.

ص: 364

30 _ سنة (273ه-): التاريخ السندي لحديث الإمام الباقر عليه السلام حول خروج الشيصباني في الكوفة قبل السفياني:

روي النعماني رحمه الله عن أبي سليمان أحمد بن هوذة الباهلي، قال: حدَّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي بنهاوند سنة ثلاث وسبعين ومائتين، قال: حدَّثنا أبو محمّد عبد الله بن حماد الأنصاري سنة تسع وعشرين ومائتين، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام عن السفياني، فقال: (وأنّي لكم بالسفياني حتَّي يخرج قبله الشيصباني، يخرج من أرض كوفان، ينبع كما ينبع الماء، فيقتل وفدكم، فتوقَّعوا بعد ذلك السفياني، وخروج القائم عليه السلام)(1).

31 _ سنة (273ه-): التاريخ السندي لحديث الإمام الباقر عليه السلام حول اجتماع أصحاب المهدي عليه السلام في مكّة المكرَّمة:

روي النعماني رحمه الله عن أبي سليمان أحمد بن هوذة الباهلي، قال: حدَّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي بنهاوند سنة ثلاث وسبعين ومائتين، قال: حدَّثنا عبد الله بن حماد الأنصاري سنة تسع وعشرين ومائتين، عن عبد الله بن بكير، عن أبان بن تغلب، قال: كنت مع جعفر بن محمّد عليه السلام في مسجد بمكّة وهو آخذ بيدي، فقال: (يا أبان، سيأتي الله بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً في مسجدكم هذا، يعلم أهل مكّة أنَّه لم يخلق آباءهم ولا أجدادهم بعد، عليهم السيوف مكتوب علي كلّ سيف اسم الرجل واسم أبيه وحليته ونسبه، ثمّ يأمر منادياً فينادي: هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان، لا يسأل علي ذلك بيّنة)(2).

******

(1) الغيبة للنعماني: 313 و314/ باب 18/ ح 8 .

(2) الغيبة للنعماني: 327 و328/ باب 20/ ح 7.

ص: 365

32 _ سنة (273ه-): التاريخ السندي لحديث الصادق عليه السلام حول مدَّة ملك المهدي عليه السلام وهي تسعة عشر سنة وأشهراً:

روي النعماني رحمه الله عن أبي سليمان أحمد بن هوذة الباهلي، قال: حدَّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي سنة ثلاث وسبعين ومائتين، قال: حدَّثنا أبو محمّد عبد الله بن حماد الأنصاري سنة تسع وعشرين ومائتين، قال: حدَّثني عبد الله بن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (ملك القائم منّا تسع عشرة سنة وأشهراً)(1).

33 _ سنة (276ه-): غيبة الإمام المهدي عليه السلام كما جاء في الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي:

قال ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة: صفته _ أي المهدي _ عليه السلام: شاب مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، يسيل شعره علي منكبيه، أقني الأنف، أجلي الجبهة، بابه: محمّد بن عثمان، معاصره: المعتمد، قيل: إنَّه غاب في السرداب والحرس عليه، وكان ذلك في سنة ستّ وسبعين ومائتين للهجرة(2).

34 _ سنة (279ه-): التاريخ السندي لحديث محمّد والحسن ابني علي بن إبراهيم حول مشاهدة الإمام المهدي عليه السلام:

راجع ما ذُكر في سنة (257ه-) تحت عنوان: (مشاهدة رجل من أهل فارس للإمام المهدي عليه السلام وعمره سنتان).

35 _ سنة (280ه-): التاريخ السندي لحديث ابن مهزيار عن خروج التوقيع الشريف بفضل محمّد بن عثمان بعد وفاة أبيه:

روي الطوسي رحمه الله عن جماعة، عن هارون بن موسي، عن محمّد

******

(1) الغيبة للنعماني: 353 و354/ باب 26/ ح 2.

(2) الفصول المهمّة 2: 1105 و1106.

ص: 366

بن همّام، قال: حدَّثني محمّد بن حمويه بن عبد العزيز الرازي في سنة ثمانين ومائتين، قال: حدَّثنا محمّد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي أنَّه خرج إليه بعد وفاة أبي عمرو: (والابن وقاه الله لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضي الله عنه وأرضاه ونضَّر وجهه، يجري عندنا مجراه، ويسدّ مسدَّه، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل، تولاَّه الله، فانته إلي قوله، وعرّف معاملينا ذلك)(1).

36 _ سنة (280ه-): التاريخ السندي لحديث الإمام علي عليه السلام حول لقاء جيش السفياني مع الرايات السود فتكون ملحمة عظيمة:

روي نعيم بن حماد المروزي عن أبي بكر محمّد بن عبد الله بن أحمد بن ريذة، أنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، أنا أبو زيد عبد الرحمن بن حاتم المرادي بمصر سنة ثمانين ومائتين، ثنا نعيم بن حماد، ثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي رضي الله عنه، قال: (يلتقي السفياني والرايات السود فيهم شاب من بني هاشم في كفّه اليسري خال وعلي مقدمته رجل من بني تميم يقال له: شعيب بن صالح بباب إصطخر فتكون بينهم ملحمة عظيمة فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني فعند ذلك يتمنّي الناس المهدي ويطلبونه)(2).

37 _ سنة (280 أو 281ه-): وفاة علي بن زياد الصيمري بعد أن أخبره الإمام المهدي عليه السلام بوفاته في تلك السنة:

روي الكليني رحمه الله عن علي بن محمّد، عن أبي عقيل عيسي بن

******

(1) الغيبة للطوسي: 362/ ح 325.

(2) كتاب الفتن للمروزي: 197.

ص: 367

نصر، قال: كتب علي بن زياد الصيمري(1) يسأل كفناً، فكتب إليه: (إنَّك تحتاج إليه في سنة ثمانين)، فمات في سنة ثمانين(2) وبعث إليه بالكفن قبل موته بأيّام(3).

* وروي الطوسي رحمه الله عن جماعة، عن أبي محمّد الحسن بن حمزة بن علي بن عبد الله بن محمّد بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حدَّثنا علي بن محمّد الكليني، قال: كتب محمّد بن زياد الصيمري يسأل صاحب الزمان عجَّل الله فرجه كفناً يتيمَّن بما يكون من عنده، فورد: (إنَّك تحتاج إليه سنة إحدي وثمانين)، فمات رحمه الله في هذا الوقت الذي حدَّه، وبُعث إليه بالكفن قبل موته بشهر(4).

* وقال الصدوق رحمه الله في كمال الدين: كتب علي بن محمّد

******

(1) قال النمازي رحمه الله في مستدركات علم الرجال (ج 5/ ص 448/ الرقم 10382): علي بن محمّد بن زياد الصيمري عدّوه من أصحاب الهادي والعسكري عليهما السلام، خدمهما وكاتباه ووقَّعا إليه توقيعات كثيرة، وكان رجلاً من وجوه الشيعة وثقاتهم ومقدَّماً في الكتابة والعلم والأدب، وله كتاب الأوصياء. (انتهي كلام السيّد ابن طاووس). وبالجملة هو ثقة معتمد بالاتّفاق، وروي عنه السيّد في كتبه. وهو صهر جعفر بن محمود الوزير علي ابنته اُمّ أحمد. وفي إثبات الوصية للمسعودي (ص 209) قال في حقّه: كان رجلاً من وجوه الشيعة وثقاتهم ومقدَّماً في الكتابة والعلم والأدب والمعرفة.

(2) قال المجلسي رحمه الله في البحار (ج 51/ ص 312): (في سنة ثمانين أي من عمره أو المراد سنة ثمانين بعد المائتين).

(3) الكافي 1: 524/ باب مولد الصاحب عليه السلام/ ح 27؛ الإرشاد 2: 366؛ الغيبة للطوسي: 283 و284/ ح 243؛ الثاقب في المناقب: 590/ ح (535/1)؛ الخرائج والجرائح 1: 463 و464/ ح 8؛ إعلام الوري 2: 266؛ كشف الغمّة 3: 254.

(4) الغيبة للطوسي: 297 و298/ ح 253؛ دلائل الإمامة: 524/ ح (494/98) بتفاوت يسير.

ص: 368

الصيمري رضي الله عنه يسأل كفناً، فورد: (إنَّه يحتاج إليه سنة ثمانين أو إحدي وثمانين)، فمات رحمه الله في الوقت الذي حدَّه، وبُعث إليه بالكفن قبل موته بشهر(1).

38 _ سنة (281ه-): التاريخ السندي لرواية أحمد بن بلال بن داود الكاتب ومشاهدته للقابلة التي تولَّت ولادة الإمام المهدي عليه السلام:

راجع ما ذُكر في (15/ شعبان/ 255ه-) تحت عنوان: (حكاية القابلة التي تولَّت ولادة الإمام المهدي عليه السلام).

39 _ سنة (285ه-): التاريخ السندي لحديث الإمام علي عليه السلام حول الحسن والحسين عليهما السلام إذ كان ينادي الحسين بأبي يا أبا ابن خيرة الإماء:

قال أحمد بن عيّاش الجوهري في مقتضب الأثر: وممَّا حدَّثني به هذا الشيخ الثقة أبو الحسين عبد الصمد بن علي وأخرجه إليَّ من أصل كتابه وتاريخه في سنة خمس وثمانين ومأتين سماعه من عبيد بن كثير أبي سعد العامري، قال: حدَّثني نوح بن درّاج، عن يحيي بن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن ابن أبي جحيفة السوائي _ من سواءة بن عامر _، والحرث بن عبد الله الجارثي الهمداني، والحرث بن شرب، كلّ حدَّثنا: إنَّهم كانوا عند علي بن أبي طالب عليه السلام فكان إذا أقبل ابنه الحسن عليه السلام يقول: (مرحباً يا ابن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم)، وإذا أقبل الحسين يقول: (بأبي أنت واُمّي يا أبا ابن خير الإماء)، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ما بالك تقول هذا للحسن وتقول هذا للحسين؟ ومن ابن خيرة الإماء؟ فقال: (ذلك الفقيد الطريد الشريد محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن

******

(1) كمال الدين: 501/ باب 45/ ح 26.

ص: 369

موسي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين عليهم السلام هذا _ ووضع يده علي رأس الحسين _)(1).

40 _ سنة (286ه-): قصَّة السيّدة نرجس اُمّ الإمام المهدي عليه السلام وما جري عليها من محاولة زواجها إلي أسرها وبيعها ومن ثَمَّ زواجها بالإمام الحسن العسكري عليه السلام يرويها بشر بن سليمان النخّاس إلي محمّد بن بحر الشيباني في مقابر قريش:

روي الصدوق رحمه الله عن محمّد بن علي بن حاتم النوفلي، قال: حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسي الوشّاء البغدادي، قال: حدَّثنا أحمد بن طاهر القمّي، قال: حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن بحر الشيباني، قال: وردت كربلا سنة ستّ وثمانين ومائتين، قال: وزرت قبر غريب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثمّ انكفأت إلي مدينة السلام متوجّهاً إلي مقابر قريش في وقت قد تضرَّمت الهواجر وتوقَّدت السمائم، فلمَّا وصلت منها إلي مشهد الكاظم عليه السلام واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة، المحفوفة بحدائق الغفران، أكببت عليها بعبرات متقاطرة، وزفرات متتابعة، وقد حجب الدمع طرفي عن النظر، فلمَّا رقأت العبرة وانقطع النحيب فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحني صلبه، وتقوَّس منكباه، وثفنت جبهته وراحتاه، وهو يقول لآخر معه عند القبر: يا ابن أخي، لقد نال عمّك شرفاً بما حمله السيّدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم التي لم يحمل مثلها إلاَّ سلمان، وقد أشرف عمّك علي استكمال المدَّة و انقضاء العمر، وليس يجد في أهل الولاية رجلاً يفضي إليه بسرّه، قلت: يا نفس، لا يزال العناء والمشقّة ينالان منك بإتعابي الخفّ والحافر في طلب العلم، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ

******

(1) مقتضب الأثر: 31.

ص: 370

يدلُّ علي علم جسيم وأثر عظيم، فقلت: أيّها الشيخ، ومن السيّدان؟ قال: النجمان المغيَّبان في الثري بسُرَّ من رأي، فقلت: إنّي أقسم بالموالاة وشرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة والوراثة إنّي خاطب علمهما، وطالب آثارهما، وباذل من نفسي الأيمان المؤكَّدة علي حفظ أسرارهما، قال: إن كنت صادقاً فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم، فلمَّا فتَّش الكتب وتصفَّح الروايات منها قال: صدقت، أنا بشر بن سليمان النخّاس من ولد أبي أيّوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد عليهما السلام وجارهما بسُرَّ من رأي، قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما، قال: كان مولانا أبو الحسن علي بن محمّد العسكري عليهما السلام فقَّهني في أمر الرقيق، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلاَّ بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتَّي كملت معرفتي فيه فأحسنت الفرق (فيما) بين الحلال والحرام. فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسُرَّ من رآي وقد مضي هوي من الليل إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعاً فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمّد عليهما السلام يدعوني إليه، فلبست ثيابي ودخلت عليه فرأيته يحدّث ابنه أبا محمّد وأخته حكيمة من وراء الستر، فلمَّا جلست قال: (يا بشر، إنَّك من ولد الأنصار، وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها شأو الشيعة في الموالاة بها بسرّ اُطلعك عليه واُنفذك في ابتياع أمَة)، فكتب كتاباً ملصقاً بخطّ رومي ولغة رومية، وطبع عليه بخاتمه، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: (خذها وتوجَّه بها إلي بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة كذا، فإذا وصلت إلي جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري منها فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس وشراذم من فتيان العراق، فإذا

ص: 371

رأيت ذلك فأشرف من البعد علي المسمّي عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلي أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرتين صفيقتين، تمتنع من السفور ولمس المعترض، والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخّاس فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنَّها تقول: وا هتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين: عليَّ بثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربية: لو برزت في زيّ سليمان وعلي مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق علي مالك، فيقول النخّاس: فما الحيلة ولا بدَّ من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة؟ ولا بدَّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي (إليه و)إلي أمانته وديانته، فعند ذلك قم إلي عمر بن يزيد النخّاس وقل له: إنَّ معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخطّ رومي، ووصف فيه كرمه ووفاه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمَّل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيته، فأنا وكيله في ابتياعها منك). قال بشر بن سليمان النخّاس: فامتثلت جميع ما حدَّه لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية، فلمَّا نظرت في الكتاب بكت بكاءً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة المغلّظة إنَّه متي امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحّه في ثمنها حتَّي استقرَّ الأمر فيه علي مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه منّي وتسلَّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلي حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد فما أخذها القرار حتَّي أخرجت كتاب مولاها عليه السلام من جيبها وهي تلثمه وتضعه علي خدّها وتطبقه علي جفنها وتمسحه علي بدنها، فقلت تعجباً منها: أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟ قالت: أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء أعرني سمعك

ص: 372

وفرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، واُمّي من ولد الحواريين تنسب إلي وصيّ المسيح شمعون، اُنبئك العجب العجيب، إنَّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهو ملكه عرشاً مسوغاً من أصناف الجواهر إلي صحن القصر، فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلمَّا صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكفاً ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوَّضت الأعمدة فانهارت إلي القرار، وخرَّ الصاعد من العرش مغشيّاً عليه، فتغيَّرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة علي زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطيَّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لاُزوّج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلمَّا فعلوا ذلك حدث علي الثاني ما حدث علي الأوّل، وتفرَّق الناس وقام جدّي قيصر مغتمّاً ودخل قصره وأرخيت الستور. فأريت في تلك الليلة كأنَّ المسيح والشمعون وعدَّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علوّاً وارتفاعاً في الموضع الذي كان جدّي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمّداً صلي الله عليه وآله وسلم مع فتية وعدَّة من بنيه، فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول: يا روح الله، إنّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلي أبي محمّد صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلي شمعون فقال

ص: 373

له: قد أتاك الشرف، فصل رحمك برحم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر وخطب محمّد صلي الله عليه وآله وسلم وزوَّجني وشهد المسيح عليه السلام وشهد بنوا محمّدصلي الله عليه وآله وسلم والحواريون، فلمَّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصَّ هذه الرؤيا علي أبي وجدّي مخافة القتل، فكنت أسرّها في نفسي ولا أبديها لهم، وضرب صدري بمحبَّة أبي محمّد حتَّي امتنعت من الطعام والشراب وضعفت نفسي ودقَّ شخصي ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلاَّ أحضره جدّي وسأله عن دوائي، فلمَّا برح به اليأس قال: يا قرَّة عيني، فهل تخطر ببالك شهوة فاُزوّدكها في هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدّي، أري أبواب الفرج عليَّ مغلقة فلو كشفت العذاب عمَّن في سجنك من اُساري المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدَّقت عليهم ومننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح واُمّه لي عافية وشفاء، فلمَّا فعل ذلك جدّي تجلَّدت في إظهار الصحَّة في بدني وتناولت يسيراً من الطعام، فسرَّ بذلك جدّي وأقبل علي إكرام الاُساري وإعزازهم، فرأيت أيضاً بعد أربع ليال كأنَّ سيّدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيّدة النساء اُم زوجك أبي محمّد عليه السلام، فأتعلَّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد من زيارتي، فقالت لي سيّدة النساء عليها السلام: إنَّ ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلي مذهب النصاري، وهذه أختي مريم تبرأ إلي تعالي من دينك، فإن ملت إلي رضا الله عز وجل ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمد أيّاك فتقولي: أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأشهد أنَّ _ أبي _ محمّداً رسول الله، فلمَّا تكلَّمت بهذه الكلمة ضمَّتني سيّدة النساء إلي صدرها فطيَّبت لي نفسي، وقالت: الآن توقَّعي زيارة أبي محمّد إيّاك فإنّي منفذه إليك، فانتبهت وأنا أقول: وا شوقاه إلي لقاء

ص: 374

أبي محمّد، فلمَّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمّد عليه السلام في منامي فرأيته كأنّي أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك، قال: ما كان تأخيري عنك إلاَّ لشركك، وإذ قد أسلمت فإنّي زائرك في كلّ ليلة إلي أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلي هذه الغاية. قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأسر؟ فقالت: أخبرني أبو محمّد ليلة من الليالي أنَّ جدّك سيسرّب جيوشاً إلي قتال المسلمين يوم كذا، ثمّ يتبعهم فعليك باللحاق بهم متنكّرة في زيّ الخدم مع عدَّة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتَّي كان من أمري ما رأيت وما شاهدت، وما شعر أحد بأنّي ابنة ملك الروم إلي هذه الغاية سواك، وذلك باطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري، فقلت: العجب إنَّك رومية ولسانك عربي؟ قالت: بلغ من ولوع جدّي وحمله إيّاي علي تعلّم الآداب أن أوعز إلي امرأة ترجمان له في الاختلاف إليَّ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربية حتَّي استمرَّ عليها لساني واستقام. قال بشر: فلمَّا انكفأت بها إلي سُرَّ من رأي دخلت علي مولانا أبي الحسن العسكري عليه السلام فقال لها: (كيف أراك الله عزّ الإسلام وذلّ النصرانية، وشرف أهل بيت محمّد صلي الله عليه وآله وسلم؟)، قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي؟ قال: (فإنّي اُريد أن اُكرمك، فأيّما أحبُّ إليك عشرة آلاف درهم، أم بشري لك فيها شرف الأبد؟)، قالت: بل البشري، قال عليه السلام: (فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)، قالت: ممَّن؟ قال عليه السلام: (ممَّن خطبك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية)، قالت: من المسيح ووصيّه؟ قال: (فممَّن

ص: 375

زوَّجك المسيح ووصيّه)، قالت: من ابنك أبي محمّد، قال: (فهل تعرفينه؟)، قالت: وهل خلوت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة التي أسلمت فيها علي يد سيّدة النساء اُمّه. فقال أبو الحسن عليه السلام: (يا كافور، ادع لي أختي حكيمة)، فلمَّا دخلت عليه قال عليه السلام لها: (هاهيه)، فاعتنقتها طويلاً وسرَّت بها كثيراً، فقال لها مولانا: (يا بنت رسول الله، أخرجيها إلي منزلك وعلّميها الفرائض والسنن فإنَّها زوجة أبي محمّد واُمّ القائم عليه السلام)(1).

ورواه الطوسي رحمه الله عن جماعة، عن أبي المفضَّل الشيباني، عن أبي الحسين محمّد بن بحر بن سهل الشيباني الرهني، عن بشر بن سليمان النخّاس(2).

41 _ سنة (288ه-): التاريخ السندي لحديث الحسين بن محمّد لرواية يعقوب بن يوسف وملاقاته مع العجوز:

راجع ما ذُكر في سنة (281ه-) تحت عنوان: (سفر يعقوب بن يوسف للحجّ وسكنه في دار الرضا عليه السلام في مكّة وملاقاته عجوزاً تلتقي بالإمام المهدي عليه السلام وإعطائها له نسخة من توقيع يحوي دعاءً طويلاً).

42 _ سنة (290ه-): خروج التوقيع الشريف بتوثيق وتوكيل محمّد بن جعفر العربي بالريّ باستلام الأموال:

روي الطوسي رحمه الله عن أبي الحسين بن أبي جيد القمّي، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن يحيي العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيي، عن صالح بن أبي صالح، قال: سألني بعض الناس في سنة

******

(1) كمال الدين: 417 - 423/ باب 41/ ح 1؛ دلائل الإمامة: 489 - 496/ ح (488/92)؛ روضة الواعظين: 252 - 255؛ مناقب آل أبي طالب 3: 538 - 540.

(2) الغيبة للطوسي: 208 - 214/ ح 178.

ص: 376

تسعين ومائتين قبض شيء، فامتنعت من ذلك وكتبت أستطلع الرأي، فأتاني الجواب: (بالري محمّد بن جعفر العربي(1) فليدفع إليه، فإنَّه من ثقاتنا)(2).

43 _ سنة (293ه-): سياحة محمّد بن عبد الله القمّي في الأرض طلباً للحقّ وتشرّفه باللقاء في مكّة المكرَّمة:

روي الطوسي رحمه الله عن جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسي التلعكبري، عن أحمد بن علي الرازي، قال: حدَّثني محمّد بن علي، عن محمّد بن أحمد بن خلف، قال: نزلنا مسجداً في المنزل المعروف بالعبّاسية _ علي مرحلتين من فسطاط مصر _، وتفرَّق غلماني في النزول وبقي معي في المسجد غلام أعجمي، فرأيت في زاويته شيخاً كثير التسبيح، فلمَّا زالت الشمس ركعت وسجدت وصلَّيت الظهر في أوّل وقتها، ودعوت بالطعام، وسألت الشيخ أن يأكل معي فأجابني. فلمَّا طعمنا سألت عن اسمه واسم أبيه وعن بلده وحرفته ومقصده، فذكر أنَّ اسمه محمّد بن عبد الله، وأنَّه من أهل قم، وذكر أنَّه يسيح منذ ثلاثين سنة في طلب الحقّ ويتنقل في البلدان والسواحل، وأنَّه أوطن مكّة والمدينة نحو عشرين سنة يبحث عن الأخبار ويتبع الآثار. فلمَّا كان في سنة ثلاث وتسعين ومائتين طاف بالبيت ثمّ صار إلي مقام إبراهيم عليه السلام فركع فيه وغلبته عينه فأنبهه صوت دعاء لم يجر في سمعه مثله، قال: فتأمَّلت الداعي فإذا هو شاب أسمر لم أرَ قطّ في حسن صورته واعتدال قامته، ثمّ صلّي فخرج وسعي، فاتَّبعته وأوقع اللهعز وجل في نفسي أنَّه صاحب الزمان عليه السلام. فلمَّا فرغ من سعيه قصد بعض الشعاب

******

(1) مرَّت ترجمته في (ص 90).

(2) الغيبة للطوسي: 415/ ح 391.

ص: 377

فقصدت أثره فلمَّا قربت منه إذ أنا بأسود مثل الفنيق قد اعترضني فصاح بي بصوت لم أسمع أهول منه: ما تريد عافاك الله؟ فأرعدت ووقفت، وزال الشخص عن بصري وبقيت متحيّراً. فلمَّا طال بي الوقوف والحيرة انصرفت ألوم نفسي وأعذلها بانصرافي بزجرة الأسود، فخلوت بربّي عز وجل أدعوه وأسأله بحقّ رسوله وآله عليهم السلام أن لا يخيّب سعيي وأن يظهر لي ما يثبت به قلبي ويزيد في بصري. فلمَّا كان بعد سنين زرت قبر المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم فبينا أنا اُصلّي في الروضة التي بين القبر والمنبر إذ غلبتني عيني فإذا محرّك يحرّكني فاستيقظت فإذا أنا بالأسود، فقال: ما خبرك؟ وكيف كنت؟ فقلت: الحمد الله وأذمّك، فقال: لا تفعل، فإنّي اُمرت بما خاطبتك به، وقد أدركت خيراً كثيراً، فطب نفساً وازدد من الشكر للهعز وجل ما أدركت وعاينت، ما فعل فلان؟ وسمّي بعض إخواني المستبصرين، فقلت: ببرقة، فقال: صدقت، ففلان؟ وسمّي رفيقاً لي مجتهداً في العبادة، مستبصراً في الديانة، فقلت: بالإسكندرية، حتَّي سمّي لي عدَّة من إخواني. ثمّ ذكر اسماً غريباً فقال: ما فعل نقفور؟ قلت: لا أعرفه، فقال: كيف تعرفه وهو رومي؟ فيهديه الله فيخرج ناصراً من قسطنطينية، ثمّ سألني عن رجل آخر فقلت: لا أعرفه، فقال: هذا رجل من أهل هيت من أنصار مولاي عليه السلام، امض إلي أصحابك فقل لهم: نرجو أن يكون قد أذن الله في الانتصار للمستضعفين وفي الانتقام من الظالمين، ولقد لقيت جماعة من أصحابي وأدَّيت إليهم وأبلغتهم ما حملت وأنا منصرف واُشير عليك أن لا تتلبَّس بما يثقل به ظهرك، ويتعب به جسمك وأن تحبس نفسك علي طاعة ربّك، فإنَّ الأمر قريب إن شاء الله تعالي. فأمرت خازني فأحضر لي خمسين ديناراً وسألته قبولها، فقال: يا أخي قد حرَّم الله عليَّ أن آخذ منك ما أنا مستغن عنه، كما أحلَّ لي أن آخذ منك الشيء إذا

ص: 378

احتجت إليه، فقلت له: هل سمع هذا الكلام منك أحد غيري من أصحاب السلطان؟ فقال: نعم أخوك أحمد بن الحسين الهمداني المدفوع عن نعمته بآذربيجان، وقد استأذن للحجّ تأميلاً أن يلقي من لقيت، فحجَّ أحمد بن الحسين الهمداني رحمه الله في تلك السنة فقتله ذكرويه بن مهرويه(1)، وافترقنا وانصرفت إلي الثغر. ثمّ حججت فلقيت بالمدينة رجلاً اسمه طاهر من ولد الحسين الأصغر، يقال: إنَّه يعلم من هذا الأمر شيئاً، فثابرت عليه حتَّي أنس بي، وسكن لي، ووقف علي صحَّة عقيدتي، فقلت له: يا ابن رسول الله، بحقّ آبائك الطاهرين عليهم السلام لمَّا جعلتني مثلك في العلم بهذا الأمر، فقد شهد عندي من توثقه بقصد القاسم بن عبد الله بن سليمان بن وهب إيّاي لمذهبي واعتقادي وأنَّه أغري بدمي مراراً فسلَّمني الله منه. فقال: يا أخي، اكتم ما تسمع منّي الخبر في هذه الجبال، وإنَّما يري العجائب الذين يحملون الزاد في الليل ويقصدون به مواضع يعرفونها، وقد نهينا عن الفحص والتفتيش، فودَّعته وانصرفت عنه(2).

******

(1) قال الزركلي في الأعلام (ج 3/ ص 45): زكوريه بن مهرويه القرمطي من زعماء القرامطة ومتألّهيهم، من أهل القطيف، اختفي أربع سنين في أيّام المعتضد العبّاسي فلم يظفر به، ولمَّا مات المعتضد أظهر نفسه، واستهوي طوائف من أهل بادية العراق وبثَّ الدعاة، وكان أتباعه يسجدون له، ويسمّونه (السيّد) و(المولي)، ولم يكن يظهر لعسكره، بل يسير وهو محجوب، ويتولّي أموره أحد ثقاته، وأرسل إلي الشام قائداً اسمه (عبد الله بن سعيد) فظفر به المكتفي العبّاسي وقتله، وأغار زكرويه علي حجّاج خراسان وكانوا نحو عشرين ألفاً فأفني أكثرهم، وانتشرت جموعه بين زبالة وفيد، وأوقع بقافلة أخري كبيرة من الحجّاج، وتنقَّل بين فيد والنباج وحفير أبي موسي، وانتدب المكتفي الجيوش لقتاله، فاُصيب في معركة بين القادسية وخفان، فمات بعد أيّام، وحملت جثَّته إلي بغداد فاُحرقت، واُرسل رأسه إلي خراسان لئلاَّ ينقطع أهلها عن الحجّ.

(2) الغيبة للطوسي: 254 - 257/ ح 224.

ص: 379

44 _ سنة (298ه-): حكاية العقيقي مع الوزير علي بن عيسي بن الجرّاح، وكرامات الإمام المهدي عليه السلام عليه علي يد الحسين بن روح:

روي الصدوق رحمه الله عن أبي محمّد الحسن بن محمّد بن يحيي العلوي ابن أخي طاهر ببغداد طرف سوق القطن في داره، قال: قدم أبو الحسن علي بن أحمد بن علي العقيقي(1) ببغداد في سنة ثمان وتسعين ومائتين إلي علي بن عيسي بن الجرّاح(2) وهو يومئذٍ وزير(3) في أمر

******

(1) علي بن أحمد بن علي بن محمّد بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، الشريف أبو الحسن العلوي العقيقي، كان حيّاً إلي سنة (305ه-)، وكان من فقهاء الإمامية ومصنّفيهم، عارفاً بالرجال. روي عن أبي هاشم داود الجعفري، وأبي نعيم الأنصاري. وروي عنه الشريف أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيي المعروف بابن أخي طاهر، المتوفّي سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. وقد أكثر العلاَّمة الحلّي من النقل عن كتابه في الرجال، واعتمد عليه. له كتب منها: المدينة، المسجد، ما بين المسجدين، النسب، والرجال. (راجع: موسوعة طبقات الفقهاء 4: 272 و273/ الرقم 1478).

(2) قال الزركلي في الأعلام (ج 4/ ص 317): علي بن عيسي بن داود بن الجرّاح، أبو الحسن البغدادي الحسني وزير المقتدر العبّاسي والقاهر. وأحد العلماء الرؤساء من أهل بغداد، فارسي الأصل. نشأ كاتباً كأبيه، وولي مكّة، واستقدمه المقتدر إلي بغداد سنة (300ه-)، فولاَّه الوزارة، فأصلح الأحوال وأحسن الإدارة وحمدت سيرته، ثمّ عزله المقتدر سنة (304ه-) وحبسه ونفاه إلي مكّة سنة (311ه-) ومنها إلي صنعاء، وأذن له بالعودة إلي مكّة سنة (312ه-) فعاد. وولي فيها الاطّلاع علي أعمال مصر والشام، فكان يتردَّد إليهما. وأعاده المقتدر إلي الوزارة فرجع إلي بغداد سنة (314ه-) ونقم عليه سنة (316ه-) فعزله وقبض عليه، ثمّ جعل له النظر في الدواوين سنة (318ه-) فعزله وقبض عليه، ثمّ جعل له النظر في الدواوين سنة (318ه-)، وهكذا كانت حياته ملؤها الاضطراب، وتوفّي ببغداد. له كتب منها: ديوان رسائل، ومعاني القرآن أعانه عليه ابن مجاهد المقري، وجامع الدعاء، وكتاب الكتاب وسياسة المملكة وسيرة الخلفاء.

(3) قد يتعارض تاريخ هذه الرواية وهي سنة (298ه-) مع ما مرَّ في الهامش السابق من ترجمة علي بن عيسي وأنَّه وزر للمقتدر سنة (300ه-)، فتأمَّل.

ص: 380

ضيعة له، فسأله، فقال له: إنَّ أهل بيتك في هذا البلد كثير فإن ذهبنا نعطي كلَّما سألونا طال ذلك _ أو كما قال _، فقال له العقيقي: فإنّي أسأل من في يده قضاء حاجتي، فقال له علي بن عيسي: من هو؟ فقال: الله عز وجل، وخرج مغضباً، قال: فخرجت وأنا أقول: في الله عزاء من كلّ هالك، ودرك من كلّ مصيبة. قال: فانصرفت فجاءني الرسول من عند الحسين بن روح رضي الله عنه وأرضاه فشكوت إليه فذهب من عندي فأبلغه فجاءني الرسول بمائة درهم عدداً ووزناً ومنديل وشيء من حنوط وأكفان، وقال لي: مولاك يقرئك السلام ويقول لك: (إذا أهمَّك أمر أو غمّ فامسح بهذا المنديل وجهك، فإنَّ هذا منديل مولاك عليه السلام، وخذ هذه الدراهم وهذا الحنوط وهذه الأكفان وستقضي حاجتك في ليلتك هذه، وإذا قدمت إلي مصر يموت محمّد بن إسماعيل من قبلك بعشرة أيّام، ثمّ تموت بعده فيكون هذا كفنك وهذا حنوطك وهذا جهازك). قال: فأخذت ذلك وحفظته وانصرف الرسول وإذا أنا بالمشاعل علي بابي والباب يدقّ، فقلت لغلامي خير: يا خير، اُنظر أيّ شيء هو ذا؟ فقال خير: هذا غلام حميد بن محمّد الكاتب ابن عمّ الوزير(1)، فأدخله إليَّ، فقال لي: قد طلبك الوزير ويقول لك مولاي حميد: اركب إليَّ، قال: فركبت

******

(1) هو ابن محمّد بن داود بن الجرّاح عمّ الوزير علي بن عيسي بن داود الجرّاح، قال الزركلي في الأعلام (ج 6/ ص 120): محمّد بن داود بن الجرّاح، أبو عبد الله، أديب، من علماء الكتّاب، من أهل بغداد. كان صديقاً لعبد الله بن المعتزّ، ووزر له يوم خلافته، فلمَّا قامت الفتنة اختفي، ثمّ ظهر، فأشار أبو الحسن ابن الفرات، بقتله، فقُتل ببغداد. له كتب، منها الورقة في أخبار الشعراء، والشعر والشعراء، وكتاب الوزراء، وكتاب من سمّي عمراً من الشعراء في الجاهلية والإسلام.

ص: 381

وفتحت الشوارع والدروب وجئت إلي شارع الرزّازين فإذا بحميد قاعد ينتظرني، فلما رآني أخذ بيدي وركبنا فدخلنا علي الوزير، فقال لي الوزير: يا شيخ، قد قضي الله حاجتك، واعتذر إليَّ ودفع إليَّ الكتب مكتوبة مختومة قد فرغ منها، قال: فأخذت ذلك وخرجت. قال أبو محمّد الحسن بن محمّد، فحدَّثنا أبو الحسن علي بن أحمد العقيقي رحمه الله بنصيبين بهذا وقال لي: ما خرج هذا الحنوط إلاَّ لعمَّتي فلانة لم يسمّها، وقد نعيت إليَّ نفسي ولقد قال لي الحسين بن روح رضي الله عنه: إنّي أملك الضيعة وقد كتب لي بالذي أردت، فقمت إليه وقبَّلت رأسه وعينيه، وقلت: يا سيّدي، أرني الأكفان والحنوط والدراهم، قال: فأخرج إليَّ الأكفان وإذا فيها برد حبرة مسهم من نسيج اليمن وثلاثة أثواب مروي وعمامة، وإذا الحنوط في خريطة، وأخرج إليَّ الدراهم فعددتها مائة درهم (و)وزنها مائة درهم، فقلت: يا سيّدي، هب لي منها درهماً أصوغه خاتماً، قال: وكيف يكون ذلك؟ خذ من عندي ما شئت، فقلت: اُريد من هذه وألححت عليه، وقبَّلت رأسه وعينيه، فأعطاني درهماً فشددته في منديل وجعلته في كمّي، فلمَّا صرت إلي الخان فتحت زنفيلجة معي وجعلت المنديل في الزنفيلجة وقيد الدرهم مشدود وجعلت كتبي ودفاتري فوقه، وأقمت أيّاماً، ثمّ جئت أطلب الدرهم فإذا الصُرَّة مصرورة بحالها ولا شيء فيها، فأخذني شبه الوسواس فصرت إلي باب العقيقي فقلت لغلامه خير: اُريد الدخول إلي الشيخ، فأدخلني إليه فقال لي: ما لك؟ فقلت: يا سيّدي، الدرهم الذي أعطيتني إيّاه ما أصبته في الصُرَّة، فدعا بالزنفيلجة وأخرج الدراهم فإذا هي مائة درهم عدداً ووزناً،

ص: 382

ولم يكن معي أحد أتَّهمته. فسألته في ردّه إليَّ فأبي، ثمّ خرج إلي مصر وأخذ الضيعة، ثمّ مات قبله محمّد بن إسماعيل بعشرة أيّام (كما قيل)، ثمّ توفّي رضي الله عنه وكُفّن في الأكفان الذي دفعت إليه(1).

45 _ حدود سنة (300ه-): التاريخ السندي لحديث أحمد بن علي الرازي حول تحوّل الحصي إلي ذهب بيد الأودي ببركة الإمام المهدي عليه السلام في مكّة المكرَّمة:

روي الطوسي رحمه الله عن جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسي التلعكبري، عن أحمد بن علي الرازي، قال: حدَّثني شيخ ورد الري علي أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي، فروي له حديثين في صاحب الزمان عليه السلام وسمعتهما منه كما سمع، وأظنّ ذلك قبل سنة ثلاثمائة أو قريباً منها، قال: حدَّثني علي بن إبراهيم الفدكي، قال: قال الأودي(2): بينا أنا في الطواف قد طفت ستّة واُريد أن أطوف السابعة فإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشاب حسن الوجه، طيّب الرائحة، هيوب، ومع هيبته متقرّب إلي الناس، فتكلَّم فلم أرَ أحسن من كلامه، ولا أعذب من منطقه في حسن جلوسه، فذهبت اُكلّمه فزبرني الناس، فسألت بعضهم: من هذا؟ فقال: ابن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، يظهر للناس في كلّ سنة يوماً لخواصّه، فيحدّثهم ويحدّثونه، فقلت: مسترشد أتاك فأرشدني هداك الله. قال: فناولني حصاة، فحوَّلت وجهي، فقال لي بعض جلسائه: ما الذي دفع

******

(1) كمال الدين: 505 و506/ باب 45/ ح 36؛ الغيبة للطوسي: 317 - 319/ ح 265.

(2) هو أبو جعفر أحمد بن الحسين بن عبد الملك الأزدي الأودي، قال عنه النجاشي رحمه الله في رجاله (ص 80/ الرقم 193): كوفي، ثقة، مرجوع إليه، لا يعرف له مصنَّف، غير أنَّه جمع كتاب المشيخة وبوَّبه علي أسماء الشيوخ.

ص: 383

إليك ابن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ فقلت: حصاة فكشفت عن يدي، فإذا أنا بسبيكة من ذهب، وإذا أنا به قد لحقني فقال: (ثبتت عليك الحجَّة، وظهر لك الحقّ، وذهب عنك العمي، أتعرفني؟)، فقلت: اللّهمّ لا. فقال: (أنا المهدي، أنا قائم الزمان، أنا الذي أملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، إنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة ولا يبقي الناس في فترة أكثر من تيه بني إسرائيل، وقد ظهر أيّام خروجي، فهذه أمانة في رقبتك، فحدّث بها إخوانك من أهل الحقّ)(1).

ورواه الصدوق رحمه الله عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، عن أبي القاسم علي بن أحمد الخديجي الكوفي، عن الأزدي(2).

46 _ سنة (302 أو 303ه-): تنصيب محمّد بن عثمان للحسين بن روح للسفارة واستلام الأموال قبل موت محمّد بن عثمان بسنتين:

روي الصدوق رحمه الله عن أبي جعفر محمّد بن علي الأسود رضي الله عنه، قال: كنت أحمل الأموال التي تجعل في باب الوقف إلي أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه فيقبضها منّي، فحملت إليه يوماً شيئاً من الأموال في آخر أيّامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين، فأمرني بتسليمه إلي أبي القاسم الروحي رضي الله عنه، وكنت اُطالبه بالقبوض فشكا ذلك إلي أبي جعفر العمري رضي الله عنه، فأمرني أن لا اُطالبه بالقبض، وقال: كلَّما وصل إلي أبي القاسم وصل إليَّ، قال: فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا اُطالبه بالقبوض(3).

******

(1) الغيبة للطوسي: 253 و254/ ح 223؛ الخرائج والجرائح 2: 784 و785/ ح 110؛ الثاقب في المناقب: 613 و614/ ح (559/7)؛ فرج المهموم: 258؛

(2) كمال الدين: 444 و445/ باب 43/ ح 18 بتفاوت يسير.

(3) كمال الدين: 501 و502/ باب 45/ ح 28؛ الغيبة للطوسي: 370/ ح 338.

ص: 384

47 _ حدود سنة (306ه-): ولادة الشيخ الصدوق بدعاء الإمام المهدي عليه السلام:

محمّد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه، شيخ المشايخ، ورئيس المحدّثين أبو جعفر القمّي، نزيل الريّ، المعروف بالصدوق، مصنّف كتاب (مَنْ لا يحضره الفقيه) أحد الأصول الأربعة التي يرجع إليها علماء الشيعة. وُلد هو وأخوه بدعوة الإمام المهدي عليه السلام علي يد السفير الحسين بن روح رضي الله عنه، فقد روي الصدوق رحمه الله عن أبي جعفر محمّد بن علي الأسود رضي الله عنه، قال: سألني علي بن الحسين بن موسي بن بابويه رضي الله عنه بعد موت محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه السلام أن يدعو الله عز وجل أن يرزقه ولداً ذكراً، قال: فسألته فأنهي ذلك، ثمّ أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيّام أنَّه قد دعا لعلي بن الحسين وأنَّه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به وبعده أولاد. قال أبو جعفر محمّد بن علي الأسود رضي الله عنه: وسألته في أمر نفسي أن يدعو الله لي أن يرزقني ولداً ذكراً فلم يجبني إليه، وقال: ليس إلي هذا سبيل، قال: فولد لعلي بن الحسين رضي الله عنه محمّد بن علي وبعده أولاد، ولم يولد لي شيء(1).

وأحبَّ العلم من الصبا وطلب الحديث، فنشأ برعاية والده وتتلمذ عليه وعلي شيوخ بلدته، ثمّ انتقل إلي الريّ وأقام بها، ثمّ قام برحلة واسعة، وقطع المسافات البعيدة في سبيل خدمة الدين وإعلاء كلمته، وذاع صيته، وعظم شأنه، وعقد المجالس وصنَّف التصانيف الكثيرة.

******

(1) كمال الدين: 502 و503/ باب 45/ ح 31؛ الغيبة للطوسي: 320/ ح 266؛ الثاقب في المناقب: 614/ ح (560/8)؛ الخرائج والجرائح 3: 1124/ ح 43؛ إعلام الوري 2: 268.

ص: 385

سمع بقم من: أبيه وكان شيخ القمّيين في عصره وفقيههم، ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، وأحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي، وأحمد بن محمّد بن يحيي العطّار الأشعري، وغيرهم. وبالريّ من: محمّد بن أحمد بن علي الأسدي المعروف بابن جرادة البروعي، ومن أحمد بن محمّد بن الصقر الصائغ العدل، وأحمد بن محمّد بن الحسن القطّان، وآخرين. وبنيسابور من: الحسين بن أحمد البيهقي، وأحمد بن إبراهيم بن بكر الخوزي، وغيرهما. وببلخ من: الحسين بن محمّد الأشناني الرازي، ومحمّد بن سعيد بن عزيز السمرقندي. وببغداد من: علي بن ثابت الدواليبي، والحسن بن محمّد بن يحيي العلوي المعروف بابن أبي طاهر، وغيرهما. وبالكوفة من: محمّد بن بكران النقّاش، وأحمد بن إبراهيم بن هارون الفامي، والحسين بن محمّد بن الحسن بن إسماعيل السكوني، وآخرين. وبإيلاق من: الحسن بن محمّد بن عمرو البصري، ومحمّد بن الحسن بن إبراهيم الكرخي الكاتب، وبكر بن علي بن محمّد بن الفضل الحنفي الشاشي الحاكم. وفي إيلاق كانت فكرة تصنيفه (من لا يحضره الفقيه) وذلك بطلب من محمّد بن الحسن العلوي المعروف ب- (نعمة) الذي اقترح عليه تصنيف هذا الكتاب علي نسق كتاب (من لا يحضره الطبيب) للرازي. وسمع أيضاً بسمرقند وفرغانة وسرخس وفَيْد، وقد بلغ عدد مشايخه ممَّن ظفر بهم في كتبه المطبوعة (252) شيخاً.

حدَّث عنه: أخوه الحسين بن علي بن موسي، وابن أخيه الحسن بن الحسين بن علي، وعلي بن أحمد بن العبّاس والد النجاشي، وأبو القاسم علي بن محمّد بن علي الخزّاز، والحسين بن عبيد الله الغضائري،

ص: 386

والمفيد محمّد بن محمّد بن النعمان، وهارون بن موسي التلعكبري، ومحمّد بن طلحة النعالي البغدادي من شيوخ الخطيب البغدادي، وأبو بكر محمّد بن أحمد بن علي، وآخرون.

وكان من كبار الفقهاء والمحدّثين، متكلّماً، مؤرّخاً، جليل القدر، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم يُرَ في القمّيين مثله في حفظه وكثرة علمه.

ورد بغداد سنة (352ه-) وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السنّ، ثمّ زار الكوفة سنة (354ه-)، ثمّ حجَّ إلي مكّة، ثمّ جاء همدان، ثمّ رحل إلي ما وراء النهر.

وكان مكرَّماً مبجّلاً عند ركن الدولة البويهي، وقد جرت له مجالس ومناظرات بحضوره. وكان له في كلّ أسبوع مجلسان، يُملي فيهما أحاديث في مواضيع مختلفة، وكتابه (الأمالي) فيه (97) مجلساً، أوّله في رجب سنة (367ه-)، وآخره في شعبان (368ه-).

وكان يرجع إليه كثير من البلدان في أخذ الأحكام، كأهل الكوفة والبصرة وبغداد وواسط، وأهل مصر، وأهل قم ونيسابور وقزوين.

وصنَّف نحواً من ثلاثمائة مصنَّف منها: المقنع في الفقه، علل الشرائع، صفات الشيعة، معاني الأخبار، عيون أخبار الرضا، الخصال، التوحيد، إكمال الدين وإتمام النعمة، الهداية في الأصول والفقه، كتاب الاعتقادات.

توفّي سنة إحدي وثمانين وثلاثمائة، ودفن بالقرب من مرقد عبد العظيم الحسني في الريّ، وقبره معروف يقصده الناس للزيارة والتبرّك(1).

******

(1) راجع: موسوعة طبقات الفقهاء 4: 432 - 435/ الرقم 1616.

ص: 387

48 _ سنة (307ه-): ظهور كرامة للنائب الثالث الحسين بن روح لمحمّد بن الفضل الموصلي بعد أن كان لا يؤمن بسفارته للإمام المهدي عليه السلام:

روي الطوسي رحمه الله عن محمّد بن محمّد بن النعمان والحسين بن عبيد الله، عن الصفواني، قال: وافي الحسن بن علي الوجناء النصيبي سنة سبع وثلاثمائة ومعه محمّد بن الفضل الموصلي، وكان رجلاً شيعياً غير أنَّه ينكر وكالة أبي القاسم بن روح رضي الله عنه ويقول: إنَّ هذه الأموال تخرج في غير حقوقها. فقال الحسن بن علي الوجناء لمحمّد بن الفضل: يا ذا الرجل، اتَّق الله فإنَّ صحَّة وكالة أبي القاسم كصحَّة وكالة أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري، وقد كانا نزلا ببغداد علي الزاهر، وكنّا حضرنا للسلام عليهما، وكان قد حضر هناك شيخ لنا يقال له: أبو الحسن بن ظفر وأبو القاسم بن الأزهر، فطال الخطاب بين محمّد بن الفضل وبين الحسن بن علي، فقال محمّد بن الفضل للحسن: من لي بصحَّة ما تقول وتثبت وكالة الحسين بن روح؟ فقال الحسن بن علي الوجناء: اُبيّن لك ذلك بدليل يثبت في نفسك، وكان مع محمّد بن الفضل دفتر كبير فيه ورق طلحي مجلَّد بأسود فيه حسباناته، فتناول الدفتر الحسن وقطع منه نصف ورقة كان فيه بياض، وقال لمحمّد بن الفضل: أبروا لي قلماً، فبري قلماً واتَّفقا علي شيء بينهما لم أقف أنا عليه واطَّلع عليه أبا الحسن بن ظفر وتناول الحسن بن علي الوجناء القلم، وجعل يكتب ما اتّفقا عليه في تلك الورقة بذلك القلم المبري بلا مداد، ولا يؤثّر فيه حتَّي ملا الورقة. ثمّ ختمه وأعطاه لشيخ كان مع محمّد بن الفضل أسود يخدمه، وأنفذ بها إلي أبي القاسم الحسين بن روح ومعنا ابن الوجناء لم يبرح، وحضرت

ص: 388

صلاة الظهر فصلَّينا هناك، ورجع الرسول فقال: قال لي: امض فإنَّ الجواب يجيء، وقُدّمت المائدة فنحن في الأكل إذ ورد الجواب في تلك الورقة مكتوب بمداد عن فصل فصل، فلطم محمّد بن الفضل وجهه ولم يتهنَّأ بطعامه، وقال لابن الوجناء: قم معي، فقام معه حتَّي دخل علي أبي القاسم بن روح رضي الله عنه وبقي يبكي ويقول: يا سيّدي، أقلني أقالك الله، فقال أبو القاسم: يغفر الله لنا ولك إن شاء الله(1).

49 _ سنة (307ه-): وصول التوقيع الشريف إلي محمّد بن عبد الله الحميري جواباً علي مسائله:

قال الطبرسي رحمه الله في الاحتجاج: في كتاب آخر لمحمّد بن عبد الله الحميري(2) إلي صاحب الزمان عليه السلام من جواب مسائله التي سأله عنها، في سنة سبع وثلاثمائة، سأل عن المُحْرم: يجوز أن يشدّ الميزر من خلفه علي عقبه بالطول، ويرفع طرفيه إلي حقويه، ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما إلي خاصرته، ويشدّ طرفيه إلي وركيه، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك، فإنَّ الميزر الأوّل كنّا نتَّزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك، وهذا ستر؟ فأجاب عليه السلام: (جاز أن يتَّزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في الميزر حدثاً بمقراظ ولا إبرة يخرجه به عن حدّ

******

(1) الغيبة للطوسي: 315 و316/ ح 264.

(2) هو أبو جعفر القمّي محمّد بن عبد الله بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالك الحميري، قال عنه النجاشي رحمه الله في رجاله (ص 354 و355/ الرقم 949): كان ثقة، وجهاً، كاتب صاحب الأمر عليه السلام، وسأله مسائل في أبواب الشريعة...، ولمحمّد كتب، منها: كتاب الحقوق، كتاب الأوائل، كتاب السماء، كتاب الأرض، كتاب المساحة والبلدان، كتاب إبليس وجنوده، كتاب الاحتجاج.

ص: 389

الميزر، وغزره غزراً ولم يعقده، ولم يشدّ بعضه ببعض، وإذا غطّي سُرَّته وركبتيه كلاهما فإنَّ السُنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السُرَّة والركبتين، والأحبُّ إلينا والأفضل لكلّ أحد شدّه علي السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعاً إن شاء الله). وسأل: هل يجوز أن يشدّ عليه مكان العقد تكَّة؟ فأجاب: (لا يجوز شدّ الميزر بشيء سواه من تكَّة ولا غيرها). وسأل عن التوجّه للصلاة أن يقول: علي ملَّة إبراهيم ودين محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، فإنَّ بعض أصحابنا ذكر أنَّه إذا قال: علي دين محمّد فقد أبدع، لأنّا لم نجده في شيء من كتب الصلاة خلا حديثاً في كتاب القاسم بن محمّد، عن جدّه، عن الحسن بن راشد أنَّ الصادق عليه السلام قال للحسن: (كيف تتوجَّه؟)، فقال: أقول: لبّيك وسعديك. فقال له الصادق عليه السلام: (ليس عن هذا أسألك، كيف تقول: وجَّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً؟)، قال الحسن: أقول، فقال الصادق عليه السلام: (إذا قلت ذلك فقل: علي ملَّة إبراهيم، ودين محمّد، ومنهاج علي بن أبي طالب، والائتمام بآل محمّد، حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين). فأجاب عليه السلام: (التوجّه كلّه ليس بفريضة، والسُنّة المؤكَّدة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه: وجَّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفاً مسلماً علي ملَّة إبراهيم ودين محمّد وهدي أمير المؤمنين، وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك اُمرت وأنا من المسلمين. اللّهمّ اجعلني من المسلمين، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثمّ اقرأ الحمد. قال الفقيه الذي لا يشكّ في علمه: إنَّ الدين لمحمّد والهداية لعلي أمير المؤمنين، لأنَّها له صلي الله عليه وآله وسلم وفي عقبه باقية إلي يوم القيامة، فمن كان كذلك فهو من المهتدين، ومن شكَّ فلا دين له، ونعوذ بالله من الضلالة بعد

ص: 390

الهدي). وسأله: عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه، يجوز أن يرد يديه علي وجهه وصدره للحديث الذي روي: (إنَّ الله عز وجل أجلّ من أن يردّ يدي عبده صفراً بل يملأها من رحمته) أم لا يجوز؟ فإنَّ بعض أصحابنا ذكر أنَّه عمل في الصلاة. فأجاب عليه السلام: (ردّ اليدين من القنوت علي الرأس والوجه غير جائز في الفرائض، والذي عليه العمل فيه إذا رجع يده في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء أن يرد بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه علي تمهّل، ويكبّر ويركع، والخبر صحيح وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض، والعمل به فيها أفضل). وسأل: عن سجدة الشكر بعد الفريضة، فإنَّ بعض أصحابنا ذكر أنَّها بدعة، فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة؟ وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب عليه السلام: (سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها، ولم يقل: إنَّ هذه السجدة بدعة إلاَّ من أراد أن يحدث بدعة في دين الله. فأمَّا الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في أنَّها بعد الثلاث أو بعد الأربع فإنَّ فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض علي الدعاء بعقيب النوافل كفضل الفرائض علي النوافل، والسجدة دعاء وتسبيح فالأفضل أن تكون بعد الفرض، فإن جعلت بعد النوافل أيضاً جاز). وسأل: إنَّ لبعض إخواننا من نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب، للسلطان فيها حصَّة وأكرته ربَّما زرعوا حدودها وتوذيهم عمّال السلطان ويتعرَّضون في الكلّ من غلاَّت ضيعته، وليس لها قيمة لخرابها وإنَّما هي بائرة منذ عشرين سنة، وهو يتحرَّج من شرائها لأنَّه يقال: إنَّ هذه الحصَّة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقف قديماً للسلطان، فإن جاز شراؤها من السلطان وكان ذلك صلاحاً له وعمارة لضيعته، وأنَّه يزرع هذه الحصَّة من القرية البائرة لفضل ماء ضيعته العامرة، وينحسم عنه طمع أولياء

ص: 391

السلطان، وإن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء الله تعالي. فأجاب: (الضيعة لا يجوز ابتياعها إلاَّ من مالكها أو بأمره أو رضاء منه)، وسأل: عن رجل استحلَّ امرأة خارجة من حجابها، وكان يحترز من أن يقع ولد فجاءت بابن، فتحرَّج الرجل ألاَّ يقبله فقبله وهو شاكّ فيه، وجعل يجري النفقة علي اُمّه وعليه حتَّي ماتت الاُمّ، وهو ذا يجري عليه غير أنَّه شاكّ فيه ليس يخلطه بنفسه، فإن كان ممَّن يجب أن يخلط بنفسه ويجعله كسائر ولده فعل ذلك وإن جاز أن يجعل له شيئاً من ماله دون حقّه فعل. فأجاب عليه السلام: (الاستحلال بالمرأة يقع علي وجوه، والجواب يختلف فيها فليذكر الوجه الذي وقع الاستحلال به مشروحاً ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء الله). وسأله الدعاء له. فخرج الجواب: (جاد الله عليه بما هو جلَّ وتعالي أهله، إيجابنا لحقّه، ورعايتنا لأبيه رحمه الله وقربه منّا، وقد رضينا بما علمناه من جميل نيَّته، ووقفنا عليه من مخاطبته، المقرّ له من الله التي يرضي الله عز وجل ورسوله وأولياؤه عليهم السلام والرحمة بما بدأنا، نسأل الله بمسألته ما أمَّله من كلّ خير عاجل وآجل، وأن يصلح له من أمر دينه ودنياه ما يجب صلاحه، إنَّه وليّ قدير)(1).

50 _ سنة (308ه-): خروج التوقيع الشريف الثاني إلي محمّد بن عبد الله الحميري جواباً علي مسائله:

قال الطبرسي رحمه الله في الاحتجاج: كتب الحميري إلي الإمام المهدي صلوات الله عليه أيضاً في سنة ثمان وثلاثمائة كتاباً سأله فيه عن مسائل أخري، كتب:

بسم الله الرحمن الرحيم، أطال الله بقاك وأدام عزّك وكرامتك وسعادتك

******

(1) الاحتجاج 2: 306 - 309.

ص: 392

وسلامتك، وأتمَّ نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك، وجميل مواهبه لديك، وفضله عليك، وجزيل قسمه لك، وجعلني من السوء كلّه فداك، وقدَّمني قبلك. إنَّ قبلنا مشايخ وعجايز يصومون رجباً منذ ثلاثين سنة وأكثر، ويصلون بشعبان وشهر رمضان. وروي لهم بعض أصحابنا: أنَّ صومه معصية. فأجاب عليه السلام: (قال الفقيه: يصوم منه أيّاماً إلي خمسة عشر يوماً، إلاَّ أن يصومه عن الثلاثة الأيّام الفائتة، للحديث: إنَّ نعم شهر القضاء رجب). وسأل: عن رجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة رجل، فيتخوَّف إن نزل الغوص فيه، وربَّما يسقط الثلج وهو علي تلك الحال ولا يستوي له أن يلبد شيئاً منه لكثرته وتهافته، هل يجوز أن يُصلّي في المحمل الفريضة؟ فقد فعلنا ذلك أيّاماً، فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟ فأجاب: (لا بأس به عند الضرورة والشدَّة). وسأل: عن الرجل يلحق الإمام وهو راكع فيركع معه ويحتسب تلك الركعة. فإنَّ بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتدَّ بتلك الركعة. فأجاب: (إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدَّ بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الركوع). وسأل: عن رجل صلّي الظهر ودخل في صلاة العصر، فلمَّا إن صلّي من صلاة العصر ركعتين استيقن أنَّه صلّي الظهر ركعتين، كيف يصنع؟ فأجاب: (إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين، وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الآخرتين تتمَّة لصلاة الظهر، وصلّي العصر بعد ذلك). وسأل: عن أهل الجنَّة هل يتوالدون إذا دخلوها أم لا؟ فأجاب: (إنَّ الجنَّة لا حمل فيها للنساء ولا ولادة، ولا طمث ولا نفاس، ولا شقاء بالطفولية. وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، كما قال سبحانه، فإذا اشتهي المؤمن ولداً خلقه الله بغير حمل ولا ولادة علي الصورة التي يريد كما خلق آدم عبرة). وسأل: عن

ص: 393

رجل تزوَّج امرأة بشيء معلوم إلي وقت معلوم، وبقي له عليها وقت، فجعلها في حلّ ممَّا بقي له عليها وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حلّ من أيّامها بثلاثة أيّام، أيجوز أن يتزوَّجها رجل معلوم إلي وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة أو يستقبل بها حيضة أخري؟ فأجاب: (يستقبل حيضة غير تلك الحيضة، لأنَّ أقلّ تلك العدَّة حيضة وطهرة تامّة). وسأل: عن الأبرص والمجذوم وصاحب الفالج هل يجوز شهادتهم، فقد روي لنا: أنَّهم لا يأمّون الأصحّاء. فأجاب: (إن كان ما بهم حادثاً جازت شهادتم، وإن كان ولادةً لم يجز). وسأل: هل يجوز للرجل أن يتزوَّج ابنة امرأته؟ فأجاب: (إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز، وإن لم تكن ربيت في حجره وكانت اُمّها في غير عياله فقد روي: أنَّه جائز). وسأل: هل يجوز أن يتزوَّج بنت ابنة امرأة ثمّ يتزوَّج جدَّتها بعد ذلك؟ فأجاب: (قد نُهي عن ذلك). وسأل: عن رجل ادَّعي علي رجل ألف درهم وأقام به البيّنة العادلة، وادَّعي عليه أيضاً خمسمائة درهم في صك آخر، وله بذلك بيّنة عادلة، وادَّعي عليه أيضاً ثلاثمائة درهم في صك آخر، ومائتي درهم في صك آخر، وله بذلك كلّه بيّنة عادلة، ويزعم المدَّعي عليه أنَّ هذه الصكاك كلّها قد دخلت في الصك الذي بألف درهم، والمدَّعي منكر أن يكون كما زعم، فهل يجب الألف الدرهم مرَّة واحدة أو يجب عليه كلَّما يقيم البيّنة به؟ وليس في الصكاك استثناء إنَّما هي صكاك علي وجهها. فأجاب: (يؤخذ من المدَّعي عليه ألف درهم مرَّة وهي التي لا شبهة فيها، ويردّ اليمين في الألف الباقي علي المدَّعي فإن نكل فلا حقَّ له). وسأل: عن طين القبر يوضع مع الميّت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب: (يوضع مع الميت في قبره، ويخلط بخيوطه إن شاء الله). وسأل فقال: روي لنا عن الصادق عليه السلام: أنَّه كتب علي إزار ابنه: (إسماعيل يشهد أن لا إله إلاَّ

ص: 394

الله)، فهل يجوز أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟ فأجاب: (يجوز ذلك). وسأل: هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر؟ وهل فيه فضل؟ فأجاب: (يسبّح الرجل به فما من شيء من السبح أفضل منه، ومن فضله أنَّ الرجل ينسي التسبيح ويدير السبحة فيكتب له التسبيح). وسأل: عن السجدة علي لوح من طين القبر، وهل فيه فضل؟ فأجاب: (يجوز ذلك، وفيه الفضل). وسأل: عن الرجل يزور قبور الأئمّة عليهم السلام، هل يجوز أن يسجد علي القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلّي عند بعض قبورهم عليهم السلام أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة، ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدَّم القبر ويُصلّي ويجعل القبر خلفه أم لا؟ فأجاب: (أمَّا السجود علي القبر، فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة، والذي عليه العمل: أن يضع خدّه الأيمن علي القبر. وأمَّا الصلاة فإنَّها خلفه، ويجعل القبر أمامه، ولا يجوز أن يُصلّي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره، لأنَّ الإمام صلي الله عليه وآله وسلم لا يُتقدَّم ولا يساوي). وسأل فقال: يجوز للرجل إذا صلّي الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديرها وهو في الصلاة؟ فأجاب: (يجوز ذلك إذا خاف السهو والغلط). وسأل: هل يجوز أن يدير السبحة بيده اليسار إذا سبَّح أو لا يجوز؟ فأجاب: (يجوز ذلك، والحمد لله ربّ العالمين). وسأل فقال: روي عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور: إذا كان الوقف علي قوم بأعيانهم وأعقباهم، فاجتمع أهل الوقف علي بيعه وكان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه، فهل يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم علي البيع أم لا يجوز إلاَّ أن يجتمعوا كلّهم علي ذلك؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه. فأجاب: (إذا كان الوقف علي إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، وإن كان علي قوم من المسلمين فليبع كلّ قوم ما يقدرون علي بيعه مجتمعين ومتفرّقين إن شاء الله). وسأل: هل يجوز للمحرم أن

ص: 395

يصير علي إبطه المرتك والتوتيا لريح العرق أم لا يجوز؟ فأجاب: (يجوز ذلك، وبالله التوفيق). وسأل: عن الضرير إذا شهد في حال صحَّته علي شهادة، ثمّ كفّ بصره ولا يري خطّه فيعرفه، هل يجوز شهادته أم لا؟ وإن ذكر هذا الضرير الشهادة، هل يجوز أن يشهد علي شهادته أم لا يجوز؟ فأجاب: (إذا حفظ الشهادة وحفظ الوقت، جازت شهادته). وسأل: عن الرجل يوقف ضيعة أو دابّة ويشهد علي نفسه باسم بعض وكلاء الوقف، ثمّ يموت هذا الوكيل أو يتغيَّر أمره ويتولّي غيره، هل يجوز أن يشهد الشاهد لهذا الذي اُقيم مقامه إذا كان أصل الوقف لرجل واحد أم لا يجوز ذلك؟ فأجاب: (لا يجوز ذلك، لأنَّ الشهادة لم تقم للوكيل وإنَّما قامت للمالك، وقد قال الله: (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلهِ) (الطلاق: 2)). وسأل: عن الركعتين الأخراوين قد كثرت فيها الروايات فبعض يروي: أنَّ قراءة الحمد وحدها أفضل، وبعض يروي: أنَّ التسبيح فيهما أفضل، فالفضل لأيّهما لنستعمله؟ فأجاب: (قد نسخت قراءة اُمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، والذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السلام: كلّ صلاة لا قراءة فيها فهو خداج إلاَّ للعليل، أو يكثر عليه السهو فيتخوَّف بطلان الصلاة عليه). وسأل فقال: يُتَّخذ عندنا ربّ الجوز لوجع الحلق والبحبحة، يُؤخذ الجوز الرطب من قبل أن ينعقد ويُدقّ دقّاً ناعماً، ويُعصر ماؤه ويُصفّي ويُطبخ علي النصف ويُترك يوماً وليلة ثمّ يُنصب علي النار، ويُلقي علي كلّ ستّة أرطال منه رطل عسل ويُغلي رغوته، ويُستحق من النوشادر والشب اليماني من كلّ واحد نصف مثقال ويُداف بذلك الماء، ويُلقي فيه درهم زعفران المسحوق، ويُغلي ويُؤخذ رغوته حتَّي يصير مثل العسل ثخيناً، ثمّ يُنزل عن النار ويُبرَّد ويُشرب منه، فهل يجوز شربه أم لا؟ فأجاب: (إذا كان كثيره يُسكر أو يغيّر، فقليله وكثيره حرام، وإن كان لا يُسكر

ص: 396

فهو حلال). وسأل: عن الرجل يعرض له الحاجة ممَّا لا يدري أن يفعلها أم لا، فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما: (نعم افعل) وفي الآخر: (لا تفعل) فيستخير الله مراراً، ثمّ يري فيهما، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل يجوز ذلك أم لا؟ والعامل به والتارك له أهو مثل الاستخارة أم هو سوي ذلك؟ فأجاب: (الذي سنَّه العالم عليه السلام في هذه الاستخارة بالرقاع والصلاة). وسأل: عن صلاة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في أيّ أوقاتها أفضل أن تُصلّي فيه، وهل فيها قنوت؟ وإن كان ففي أيّ ركعة منها؟ فأجاب: (أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة، ثمّ في أيّ الأيّام شئت، وأيّ وقت صلَّيتها من ليل أو نهار فهو جائز، والقنوت فيها مرَّتان: في الثانية قبل الركوع، وفي الرابعة بعد الركوع). وسأل: عن الرجل ينوي إخراج شيء من ماله وأن يدفعه إلي رجل من إخوانه ثمّ يجد في أقربائه محتاجاً، أيصرف ذلك عمَّن نواه له أو إلي قرابته؟ فأجاب: (يصرفه إلي أدناهما وأقربهما من مذهبه، فإن ذهب إلي قول العالم عليه السلام: لا يقبل الله الصدقة وذو رحم محتاج. فليقسّم بين القرابة وبين الذي نوي حتَّي يكون قد أخذ بالفضل كلّه). وسأل فقال: اختلفت أصحابنا في مهر المرأة. فقال بعضهم: إذا دخل بها سقط المهر ولا شيء لها. وقال بعضهم: هو لازم في الدنيا والآخرة، فكيف ذلك؟ وما الذي يجب فيه؟ فأجاب: (إن كان عليه بالمهر كتاب فيه ذكر دين فهو لازم له في الدنيا والآخرة، وإن كان عليه كتاب فيه ذكر الصداق سقط إذا دخل بها، وإن لم يكن عليه كتاب، فإذا دخل بها سقط باقي الصداق). وسأل فقال: روي لنا عن صاحب العسكر عليه السلام أنَّه سُئل عن الصلاة في الخزّ الذي يُغَشُّ بوبر الأرانب فوقَّع: (يجوز)، وروي عنه أيضاً: أنَّه لا يجوز. فأيّ الخبرين يُعمل به؟ فأجاب: (إنَّما حرّم في هذه الأوبار والجلود، فأمَّا الأوبار وحدها فكلّ حلال. وقد سأل

ص: 397

بعض العلماء عن معني قول الصادق عليه السلام: لا يُصلّي في الثعلب ولا في الأرنب، ولا في الثوب الذي يليه، فقال: إنَّما عني الجلود دون غيرها). وسأل فقال: يُتَّخذ بأصفهان ثياب عتابية علي عمل الوشا من قزّ أو إبريسم، هل يجوز الصلاة فيها أم لا؟ فأجاب: (لا يجوز الصلاة إلاَّ في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان). وسأل: عن المسح علي الرجلين وبأيّهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعاً معاً؟ فأجاب عليه السلام: (يمسح عليهما معاً فإن بدأ بإحداهما قبل الأخري فلا يبتدئ إلاَّ باليمين). وسأل: عن صلاة جعفر في السفر هل يجوز أن يُصلّي أم لا؟ فأجاب عليه السلام: (يجوز ذلك). وسأل: عن تسبيح فاطمة عليها السلام: من سهي فجاز التكبير أكثر من أربع وثلاثين هل يرجع إلي أربع وثلاثين أو يستأنف؟ وإذا سبَّح تمام سبعة وستّين هل يرجع إلي ستّة وستّين أو يستأنف؟ وما الذي يجب في ذلك؟ فأجاب: (إذا سهي في التكبير حتَّي يجوز أربعة وثلاثين عاد إلي ثلاثة وثلاثين وبني عليها، وإذا سهي في التسبيح فتجاوز سبعاً وستّين تسبيحة عاد إلي ستّة وستّين وبني عليها، فإذا جاوز التحميد مائة فلا شيء عليه)(1).

51 _ سنة (309ه-): إظهار المعجزة من قبل الإمام المهدي عليه السلام إلي يوسف بن أحمد الجعفري:

روي الطوسي رحمه الله عن أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر، عن أبي الحسن محمّد بن علي الشجاعي الكاتب، عن أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم النعماني، عن يوسف بن أحمد الجعفري، قال: حججت سنة ستّ وثلاثمائة، وجاورت بمكّة تلك السنة وما بعدها إلي سنة تسع وثلاثمائة، ثمّ خرجت عنها منصرفاً إلي الشام، فبينا أنا في بعض الطريق،

******

(1) الاحتجاج 2: 309 - 315.

ص: 398

وقد فاتتني صلاة الفجر، فنزلت من المحمل وتهيَّأت للصلاة، فرأيت أربعة نفر في محمل، فوقفت أعجب منهم، فقال أحدهم: مِمَ تعجب؟ تركت صلاتك وخالفت مذهبك. فقلت للذي يخاطبني: وما علمك بمذهبي؟ فقال: تحبّ أن تري صاحب زمانك؟ قلت: نعم، فأومأ إلي أحد الأربعة، فقلت له: إنَّ له دلائل وعلامات، فقال: أيّما أحبُّ إليك أن تري: الجمل وما عليه صاعداً إلي السماء، أو تري المحمل صاعداً إلي السماء؟ فقلت: أيّهما كان فهي دلالة، فرأيت الجمل وما عليه يرتفع إلي السماء، وكان الرجل أومأ إلي رجل به سمرة، وكان لونه الذهب، بين عينيه سجّادة)(1).

52 _ سنة (318ه-): التاريخ السندي لحديث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن الأوصياء وغيبة الإمام المهدي الثاني عشر منهم عليهم السلام:

روي الخزّاز رحمه الله عن علي بن الحسين بن محمّد، قال: حدَّثنا هارون بن موسي رحمه الله، قال: حدَّثنا أبو ذر أحمد بن محمّد بن سليمان الباغندي، قال: حدَّثنا محمّد بن حميد، قال: حدَّثنا إبراهيم بن المختار، عن نصر بن حميد، عن أبي إسحاق، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي عليه السلام.

قال هارون: وحدَّثنا أحمد بن موسي العبّاس بن مجاهد في سنة ثمان عشر وثلاثمائة، قال: حدَّثني أبو عبد الله محمّد بن زيد، قال: حدَّثنا إسماعيل بن يونس الخزاعي البصري في داره، قال: حدَّثني هيثم بن بشر الواسطي قراءةً عليه من أصل كتابه، عن أبي المقدام شريح بن هاني بن شريح الصائغ المكّي، عن علي عليه السلام.

******

(1) الغيبة للطوسي: 257 و258/ ح 225؛ الثاقب في المناقب: 614 و615/ ح (562/10)؛ الخرائج والجرائح 1: 466 و467/ ح 13.

ص: 399

وأخبرنا أحمد بن محمّد بن عبد الله الجوهري، قال: حدَّثنا محمّد بن عمر القاضي الجعابي، قال: حدَّثني محمّد بن عبد الله أبو جعفر، قال: حدَّثني محمّد بن حبيب الجند نيسابوري، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، قال: قال علي عليه السلام: (كنت عند النبي صلي الله عليه وآله وسلم في بيت أم سلمة إذ دخل علينا جماعة من أصحابه منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعبد الرحمن بن عوف، فقال سلمان: يا رسول الله، إنَّ لكلّ نبيّ وصيّاً وسبطين، فمن وصيّك وسبطيك؟ فأطرق ساعة ثمّ قال: يا سلمان، إنَّ الله بعث أربعة ألف نبيّ وكان لهم أربعة ألف وصيّ وثمانية ألف سبط، فوَالذي نفسي بيده لأنا خير الأنبياء، ووصيّي خير الأوصياء، وسبطاي خير الأسباط. ثمّ قال: يا سلمان، أتعرف من كان وصيّ آدم؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فقال صلي الله عليه وآله وسلم: إنّي أعرفك يابا عبد الله وأنت منّا أهل البيت، إنَّ آدم أوصي إلي ابنه ثيث، وأوصي ثيث إلي ابنه شبان، وأوصي شبان إلي مخلب، وأوصي مخلب إلي نحوق، وأوصي نحوق إلي عثمثا، وأوصي عثمثا إلي أخنوخ وهو إدريس النبيّ عليه السلام، وأوصي إدريس إلي ناخورا، وأوصي ناخورا إلي نوح عليه السلام، وأوصي نوح إلي سام، وأوصي سام إلي عثام، وأوصي عثام إلي ترعشاثا وأوصي ترعشاثا إلي يافث، وأوصي يافث إلي برة، وأوصي برة إلي خفسية، وأوصي خفسية إلي عمران، وأوصي عمران إلي إبراهيم، وأوصي إبراهيم إلي ابنه إسماعيل، وأوصي إسماعيل إلي إسحاق، وأوصي إسحاق إلي يعقوب، وأوصي يعقوب إلي يوسف، وأوصي يوسف إلي برثيا، وأوصي برثيا إلي شعيب، وأوصي شعيب إلي موسي، وأوصي موسي إلي يوشع بن نون، وأوصي يوشع إلي داود، وأوصي داود إلي سليمان، وأوصي سليمان إلي آصف بن برخيا، وأوصي آصف إلي زكريا، وأوصي زكريا إلي

ص: 400

عيسي بن مريم، وأوصي عيسي بن مريم إلي شمعون بن حمون الصفا، وأوصي شمعون إلي يحيي بن زكريا، وأوصي يحيي إلي منذر، وأوصي منذر إلي سلمة، وأوصي سلمة إلي بردة، وأوصي بردة إليَّ، وأنا أدفعها إلي علي. فقال: يا رسول الله، فهل بينهم أنبياء وأوصياء أخر؟ قال: نعم، أكثر من أن تحصي. ثمّ قال عليه السلام: وأنا أدفعها إليك يا علي، وأنت تدفعها إلي ابنك الحسن، والحسن يدفعها إلي أخيه الحسين، والحسين يدفعها إلي ابنه علي، وعلي يدفعها إلي ابنه محمّد، ومحمّد يدفعها إلي ابنه جعفر، وجعفر يدفعها إلي ابنه موسي، وموسي يدفعها إلي ابنه علي، وعلي يدفعها إلي ابنه محمّد، ومحمّد يدفعها إلي ابنه علي، وعلي يدفعها إلي ابنه الحسن، والحسن يدفع إلي ابنه القائم، ثمّ يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله، ويكون له غيبتان أحدهما أطول من الأخري. ثمّ التفت إلينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال رافعاً صوته: الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي).

قال علي: (فقلت: يا رسول الله، فما تكون هذه الغيبة؟ قال: أصبت حتَّي يأذن الله له بالخروج، فيخرج من اليمن من قرية يقال لها: أكرعة، علي رأسه عمامة متدرّع بدرعي، متقلّد بسيفي ذي الفقار، ومنادي ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتَّبعوه، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وذلك عندما يصير الدنيا هرجاً ومرجاً، ويغار بعضهم علي بعض، فلا الكبير يرحم الصغير ولا القوي يرحم الضعيف، فحينئذٍ يأذن الله له بالخروج)(1).

53 _ سنة (329ه-): سلامة علي بن بابويه القمّي من قتل القرامطة ببركة الإمام المهدي عليه السلام:

روي الطوسي رحمه الله عن جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن

******

(1) كفاية الأثر: 146 - 151.

ص: 401

الحسين بن موسي بن بابويه، قال: حدَّثني جماعة من أهل بلدنا القمّيين كانوا ببغداد في السنة التي خرجت القرامطة علي الحاجّ، وهي سنة (تناثر) الكواكب(1) أنَّ والدي رضي الله عنه كتب إلي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه يستأذن في الخروج إلي الحجّ. فخرج في الجواب: (لا تخرج في هذه السنة)، فأعاد فقال: هو نذر واجب، أفيجوز لي القعود عنه؟ فخرج الجواب: (إن كان لا بدَّ فكن في القافلة الأخيرة)، فكان في القافلة الأخيرة فسلم بنفسه وقتل من تقدَّمه في القوافل الأخر(2).

54 _ سنة (352ه-)(3): زيارة الشيخ الصدوق رحمه الله لمرقد الإمام الرضا عليه السلام، ثمّ رؤيته للإمام المهدي عليه السلام في المنام وأمره عليه السلام له بكتابة كتاب كمال الدين:

قال الصدوق رحمه الله في كمال الدين: إنَّ الذي دعاني إلي تأليف كتابي هذا: أنّي لمَّا قضيت وطري من زيارة علي بن موسي الرضا صلوات الله عليه رجعت إلي نيسابور وأقمت بها، فوجدت أكثر المختلفين إليَّ من الشيعة قد حيَّرتهم الغيبة، ودخلت عليهم في أمر القائم عليه السلام الشبهة، وعدلوا عن طريق التسليم إلي الآراء والمقائيس، فجعلت أبذل مجهودي في إرشادهم إلي الحقّ وردّهم إلي الصواب بالأخبار الواردة في ذلك عن النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم، حتَّي

******

(1) المشهور بين المؤرّخين أنَّ تناثر النجوم أو الكواكب كان في سنة (329ه-)، وقد توفّي فيها جملة من العلماء منهم: علي بن بابويه، ومحمّد بن يعقوب الكليني، وعلي بن محمّد السمري رضي الله عنهم، وهذا يخالف ما جاء في الرواية المذكورة في المتن.

(2) الغيبة للطوسي: 322/ ح 270.

(3) إنَّ للشيخ الصدوق رحمه الله ثلاث زيارات للإمام الرضا عليه السلام، وذلك في سنة (352ه-) و(367ه-) و(368ه-)، كما ذكر ذلك الأعلام في ترجمته رحمه الله، ونحتمل كثيراً أن تكون هذه الواقعة حدثت في الزيارة الأولي له رحمه الله.

ص: 402

ورد إلينا من بخارا شيخ من أهل الفضل والعلم والنباهة ببلد قم، طال ما تمنَّيت لقاءه واشتقت إلي مشاهدته لدينه وسديد رأيه واستقامة طريقته، وهو الشيخ نجم الدين أبو سعيد محمّد بن الحسن بن محمّد بن أحمد بن علي بن الصلت القمّي أدام الله توفيقه، وكان أبي يروي عن جدّه محمّد بن أحمد بن علي بن الصلت قدَّس الله روحه ويصف علمه وعمله وزهده وفضله وعبادته، وكان أحمد بن محمّد بن عيسي في فضله وجلالته يروي عن أبي طالب عبد الله ابن الصلت القمّي رضي الله عنه وبقي حتَّي لقيه محمّد بن الحسن الصفّار وروي عنه، فلمَّا أظفرني الله تعالي ذكره بهذا الشيخ الذي هو من أهل هذا البيت الرفيع شكرت الله تعالي ذكره علي ما يسَّر لي من لقائه وأكرمني به من إخائه وحباني به من ودّه وصفائه، فبينا هو يحدّثني ذات يوم إذ ذكر لي عن رجل قد لقيه ببخارا من كبار الفلاسفة والمنطقيين كلاماً في القائم عليه السلام قد حيَّره وشكَّكه في أمره لطول غيبته وانقطاع أخباره، فذكرت له فصولاً في إثبات كونه عليه السلام ورويت له أخباراً في غيبته عن النبيّ والأئمّة عليهم السلام سكنت إليها نفسه، وزال بها عن قلبه ما كان دخل عليه من الشكّ والارتياب والشبهة، وتلقّي ما سمعه من الآثار الصحيحة بالسمع والطاعة والقبول والتسليم، وسألني أن اُصنّف له في هذا المعني كتاباً، فأجبته إلي ملتمسه ووعدته جمع ما ابتغي إذا سهَّل الله لي العود إلي مستقرّي ووطني بالري. فبينا أنا ذات ليلة اُفكّر فيما خلَّفت ورائي من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبني النوم فرأيت كأنّي بمكّة أطوف حول بيت الله الحرام وأنا في الشوط السابع عند الحجر الأسود أستلمه واُقبّله، وأقول: أمانتي أدَّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، فأري مولانا القائم صاحب الزمان صلوات الله عليه واقفاً بباب الكعبة، فأدنو منه علي شغل قلب وتقسّم فكر، فعلم عليه السلام ما في نفسي بتفرّسه في وجهي، فسلَّمت عليه فردَّ عليَّ السلام، ثمّ قال لي: (لِمَ لا تصنّف كتاباً في الغيبة حتَّي

ص: 403

تكفي ما قد همَّك؟)، فقلت له: يا ابن رسول الله قد صنَّفت في الغيبة أشياء، فقال عليه السلام: (ليس علي ذلك السبيل، آمرك أن تصنّف، ولكن صنّف الآن كتاباً في الغيبة واذكر فيه غيبات الأنبياء عليهم السلام). ثمّ مضي صلوات الله عليه، فانتبهت فزعاً إلي الدعاء والبكاء والبثّ والشكوي إلي وقت طلوع الفجر، فلمَّا أصبحت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلاً لأمر وليّ الله وحجَّته، مستعيناً بالله ومتوكّلاً عليه ومستغفراً من التقصير، وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكَّلت وإليه اُنيب(1).

55 _ سنة (404ه-): التاريخ السندي لرواية محمّد بن علي بن بابويه حول الصلاة ودعاء الاستغاثة بصاحب العصر والزمان عليه السلام:

قال المجلسي رحمه الله في البحار نقلاً عن قبس المصباح: استغاثة أخري لصاحب الزمان عليه السلام: سمعت الشيخ أبا عبد الله الحسين بن الحسن بن بابويهرضي الله عنه بالري سنة أربع وأربعمائة يروي عن عمّه أبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه رحمه الله، قال: حدَّثني بعض مشايخي القمّيين، قال: كربني أمر ضقت به ذرعاً ولم يسهل في نفسي أن اُفشيه لأحد من أهلي وإخواني، فنمت وأنا به مغموم فرأيت في النوم رجلاً جميل الوجه، حسن اللباس، طيّب الرائحة، خلته بعض مشايخنا القمّيين الذين كنت أقرأ عليهم، فقلت في نفسي: إلي متي اُكابد همّي وغمّي ولا اُفشيه لأحد من إخواني، وهذا شيخ من مشايخنا العلماء، أذكر له ذلك فلعلّي أجد لي عنده فرجاً. فابتدأني من قبل أن أبتدئه وقال لي: (ارجع فيما أنت بسبيله إلي الله تعالي واستعن بصاحب الزمان عليه السلام، واتَّخذه لك مفزعاً فإنَّه نعم المعين، وهو عصمة أوليائه المؤمنين)، ثمّ أخذ بيدي اليمني ومسحها بكفّه اليمني، وقال: (زره وسلّم عليه واسأله أن يشفع لك إلي الله تعالي في

******

(1) كمال الدين: 2 - 4.

ص: 404

حاجتك)، فقلت له: علّمني كيف أقول؟ فقد أنساني ما أهمَّني بما أنا فيه كلّ زيارة ودعاء، فتنفَّس الصعداء وقال: (لا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله)، ومسح صدري بيده، وقال: (حسبك الله لا بأس عليك، تطهَّر وصلّ ركعتين ثمّ قم وأنت مستقبل القبلة تحت السماء وقل: سَلامُ الله الكامِلُ التَّامُّ الشَّامِلُ العامُّ، وَصَلَواتُهُ الدَّائِمَةُ وَبَرَكاتُهُ القائِمَةُ عَلي حُجَّةِ الله، وَوَلِيَّهِ فِي أرْضِهِ وَب-ِلادِهِ، وَخَلِيفَتِهِ عَلي خَلْقِهِ وَعِبادِهِ، سُلالَةِ النُّبوَّةِ وَبَقِيَّةِ العِتْرَةِ وَالصَّفْوَةِ، صاحِبِ الزَّمانِ، وَمُظْهِر الإيْمانِ، ومُعْلِن أحْكام القُرْآنِ، مُطَهَّر الأرْض، وَناشِر العَدْلِ فِي الطُّولِ وَالعَرْض، الحُجَّةِ القائِم المَهْدِيَّ، وَالإمام المُنْتَظَر المَرْضِيَّ الطَّاهِر، ابْن الأئِمَّةِ الطَّاهِرينَ، الوَصِيَّ أوْلاَدِ الأوْصِياء المَرْضِيَّينَ، الهادِي المَعْصُوم ابْن الهُداةِ المَعْصُومِينَ. السَّلامُ عَلَيْكَ يا إمَامَ المُسْلِمينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَارِثَ عِلْم النَّب-ِيَّين، وَمُسْتَوْدَع حِكْمَةِ الْوَصِيَّين، السَّلامُ عَلَيْكَ يا عِصْمَةَ الدَّين، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُعِزَّ المُؤْمِن-ِينَ المُسْتَضْعَفينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُذِلَّ الكافِرينَ المُتَكَبَّرينَ الظَّالِمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا صاحِبَ الزَّمانِ يا ابْنَ أمِير الْمُؤْمِن-ِينَ وَابْنَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ سَيَّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا ابْنَ الأئِمَّةَ الحُجَج عَلي الخَلْقِ أجْمَعِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ سَلامَ مُخْلِصٍ لَكَ فِي الوَلاءِ، أشْهَدُ أنَّكَ الإمامُ المَهْدِيُّ قَوْلاً وَفِعْلاً، وَأنَّكَ الَّذِي تَمْلأ الأرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً، فَعَجَّلَ الله فَرَجَكَ، وَسَهَّلَ مَخْرَجَكَ، وَقَرَّبَ زَمانَكَ، وَأكْثَرَ أنْصارَكَ وَأعْوانَكَ، وَأنْجَزَ لَكَ مَوْعِدَكَ، وَهُوَ أصْدَقُ القائِلِينَ: (نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (القصص: 5)، يا مَوْلايَ حاجَتِي كَذا وَكَذا فَاشْفَعْ لِي فِي نَجاحِها)، وتدعو بما أحببت). قال: فانتبهت وأنا موقن بالروح والفرج، وكان عليَّ بقيّة من ليلي واسعة فقمت فبادرت فكتبت ما علَّمنيه خوفاً أن أنساه، ثمّ تطهَّرت وبرزت تحت السماء

ص: 405

وصلَّيت ركعتين قرأت في الأولي بعد الحمد كما عيَّن لي: (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)، وفي الثانية بعد الحمد: (إِذا جاءَ نَصْ-رُ اللهِ وَالْفَتْحُ)، وأحسنت صلاتهما، فلمَّا سلَّمت قمت وأنا مستقبل القبلة وزرت ثمّ دعوت بحاجتي واستغثت بمولاي صاحب الزمان صلوات الله عليه ثمّ سجدت سجدة الشكر، وأطلت فيها الدعاء حتَّي خفت فوات صلاة الليل، ثمّ قمت وصلَّيت وعقَّبت بعد صلاة الفجر بفريضة الغداة وجلست في محرابي أدعو، فلا والله ما طلعت الشمس حتَّي جائني الفرج ممَّا كنت فيه، ولم يعد إليَّ مثل ذلك بقيّة عمري، ولم يعلم أحد من الناس ما كان ذلك الأمر الذي أهمَّني وإلي يومي هذا، والمنَّة لله وله الحمد كثيرا.(1)

56 _ سنة (447ه-): وصف الشيخ الطوسي رحمه الله لضريح ومرقد النائب الأوّل عثمان بن سعيد حينما زاره رضي الله عنه:

روي الطوسي رحمه الله عن هبة الله بن محمّد، قال: قبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام، في شارع الميدان، في أوّل الموضع المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب يمنة الداخل إليه، والقبر في نفس قبلة المسجد رحمه الله. قال محمّد بن الحسن مصنّف هذا الكتاب: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره وكان بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد، وإلي جنبه باب يدخل إلي موضع القبر في بيت ضيّق مظلم، فكنّا ندخل إليه ونزوره مشاهرة، وكذلك من وقت دخولي إلي بغداد، وهي سنة ثمان وأربعمائة إلي سنة نيف وثلاثين وأربعمائة. ثمّ نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمّد بن الفرج وأبرز القبر إلي برا

******

(1) بحار الأنوار 91: 31 و32/ ضمن الحديث 21.

ص: 406

وعمل عليه صندوقاً وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره، ويتبرَّك جيران المحلَّة بزيارته ويقولون: هو رجل صالح، وربَّما قالوا: هو ابن داية الحسين عليه السلام ولا يعرفون حقيقة الحال فيه، وهو إلي يومنا هذا _ وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة _ علي ما هو عليه(1).

57 _ سنة (635ه-): إيصال رقعة من الشيخ ورّام إلي سامراء علي يد الرشيد ابن ميمون الواسطي في قضاء حاجته:

روي المجلسي رحمه الله عن كتاب النجوم للسيّد ابن طاووس رحمه الله، قال: ... حدَّثني الرشيد أبو العبّاس بن ميمون الواسطي ونحن مصعدون إلي سامراء، قال: لمَّا توجَّه الشيخ يعني جدّي ورّام بن أبي فراس قدَّس الله روحه(2) من الحلَّة متألّماً من المغازي وأقام بالمشهد المقدَّس بمقابر قريش شهرين إلاَّ سبعة أيّام، قال: فتوجَّهت من واسط إلي سُرَّ من رأي وكان البرد شديداً، فاجتمعت مع الشيخ بالمشهد الكاظمي وعرَّفته عزمي علي الزيارة، فقال لي: اُريد أنفذ إليك رقعة تشدها في تكّة لباسك _ فشددتها أنا في لباسي _ فإذا وصلت إلي القبَّة الشريفة، ويكون دخولك في أوّل الليل ولم يبقَ عندك أحد، وكنت آخر من يخرج فاجعل الرقعة عند القبَّة، فإذا جئت بكرة ولم تجد الرقعة فلا تقل لأحد شيئاً. قال: ففعلت ما أمرني وجئت بكرة فلم أجد الرقعة وانحدرت إلي أهلي،

******

(1) الغيبة للطوسي: 358/ ح 320.

(2) هو الأمير الزاهد العالم الفقيه المحدّث الجليل أبو الحسين ورّام بن أبي فراس عيسي بن أبي النجم بن ورّام بن حمدان بن خولان بن إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي صاحب أمير المؤمنين عليه السلام، وكان رحمه الله جدّاً للسيّد رضي الدين علي بن طاووس لاُمّه، وقد أثني عليه جمع من العلماء، توفّي رحمه الله بالحلَّة في ثاني محرَّم الحرام سنة (605ه-). (راجع: مجموعة ورّام: 4 و5/ مقدّمة الناشر).

ص: 407

وكان الشيخ قد سبقني إلي أهله علي اختياره، فلمَّا جئت في أوان الزيارة ولقيته في منزله بالحلَّة قال لي: تلك الحاجة انقضت. قال أبو العبّاس: ولم اُحدّث بهذا الحديث قبلك أحداً منذ توفّي الشيخ إلي الآن، وكان له منذ مات ثلاثون سنة تقريبا.(1)

58 _ سنة (720ه-): شفاء حسين المدلّل من مرض الفالج ببركة صاحب العصر والزمان:

روي المجلسي رحمه الله عن السيّد علي بن عبد الحميد في كتاب السلطان المفرّج عن أهل الإيمان(2)، قال: أخبرني من أثق به وهو خبر مشهور عند أكثر أهل المشهد الشريف الغرويّ سلَّم الله تعالي علي مشرّفه، ما صورته: إنَّ الدّار التي _ هي الآن سنة سبعمائة وتسع وثمانين _ أنا ساكنها كانت لرجل من أهل الخير والصّلاح يُدعي حسين المدلّل، وبه يعرف ساباط المدلّل ملاصقة جدران الحضرة الشريفة، وهو مشهور بالمشهد الشريف الغروي عليه السلام، وكان الرجل له عيال وأطفال، فأصابه فالج، فمكث مدَّة لا يقدر علي القيام وإنَّما يرفعه عياله عند حاجته وضروراته، ومكث علي ذلك مدَّة مديدة، فدخل علي عياله وأهله بذلك شدَّة شديدة واحتاجوا إلي الناس واشتدَّ عليهم الناس. فلمَّا كان سنة عشرين وسبع مائة هجرية في ليلة من لياليها بعد ربع الليل أنبه عياله، فانتبهوا في الدّار، فإذا الدّار والسطح قد امتلأ نوراً يأخذ بالأبصار، فقالوا: ما الخبر؟ فقال: إنَّ الإمام عليه السلام جاءَني وقال لي: (قم يا حسين)، فقلت: يا سيّدي، أتراني أقدر علي القيام؟ فأخذ بيدي وأقامني، فذهب ما بي وها أنا صحيح علي أتمّ ما ينبغي، وقال لي: (هذا الساباط دربي إلي زيارة جدّي عليه السلام فأغلقه في كلّ ليلة)، فقلت: سمعاً

******

(1) بحار الأنوار 52: 54/ ضمن الحديث 38.

(2) طبع الكتاب من قبل مركز الدراسات مستقلاً في (جمادي الأولي/ 1427ه-).

ص: 408

وطاعةً لله ولك يا مولاي. فقام الرجل وخرج إلي الحضرة الشريفة الغرويّة وزار الإمام عليه السلام وحمد الله تعالي علي ما حصل له من الإنعام، وصار هذا الساباط المذكور إلي الآن ينذر له عند الضرورات فلا يكاد يخيب ناذره من المراد ببركات الإمام القائم عليه السلام(1).

59 _ سنة (744ه-): استبصار رجل يُدعي عثمان مع اُمّه في الحلَّة ببركة صاحب العصر بعد أن أذهب عن الاُمّ عماها:

روي المجلسي رحمه الله عن السيّد علي بن عبد الحميد في كتاب السلطان المفرّج عن أهل الإيمان، قال: حدَّثني الشيخ المحترم العالم الفاضل الحاجّ القارئ شمس الدين محمّد بن قارون المذكور(2)، قال: كان رجل من أصحاب السلطان المعمّر بن شمس يسمّي مذوَّر يَضمن القرية المعروفة ببرس(3) ووقف العلويّين وكان له نائب يقال له: ابن

******

(1) بحار الأنوار 52: 73 و74.

(2) قال السيّد بهاء الدين علي بن عبد الحميد: إنَّهُ من الأعيان ومن أهل الصدق الأفاضل، ووصفهُ بالشيخ الزاهد العابد المحققّ شمس الدين. وفي موضع آخر: بالمحترم العامل الفاضل. وبموضع آخر من كتبه: بالعالم الكامل القدوة المقرئ الحافظ المحمود المعتمد شمس الدين محمّد بن قارون السيبي، نسبة إلي (السيب) بكسر أوّله وسكون ثانيه، هو نهر في ذنابة الفرات بقرب الحلَّة، وعليه بلد يسمّي باسمه، وهو من مشايخ السيد علي بن عبد الحميد بالرواية، كان حيّاً سنة (744ه-)، فهو يُعَدُّ من طبقة الشهيد الأوّل المتوفّي (786ه-)، وهو غير الشيخ الفقيه الصالح شمس الدين محمّد بن أحمد بن صالح السيبي القسيني، تلميذ السيّد فخار بن معد الموسوي المجاز منه سنة (630ه-)، وهي سنة وفاة السيّد فخار، فإنَّ هذا الشيخ متقدّم علي الشيخ شمس الدين محمّد بن قارون السيبي.

(3) بُرْسْ - بضمّ الباء وسكون الراء والسين المهملة -: ناحية بأرض بابل وهي بحضرة صرح نمرود بن كنعان. (أنظر: معجم البلدان 1: 103).

ص: 409

الخطيب، وغلام يتولّي نفقاته يُدعي عثمان، وكان ابن الخطيب من أهل الصلاح والإيمان... بالضدِّ من عثمان وكانا دائماً يتجادلان، فاتَّفق أنّهما حضرا في مقام إبراهيم الخليل(1) بمحضر جماعة من الرعيّة والقُوّام، فقال ابن الخطيب لعثمان: الآن اتَّضح الحقّ واستبان، أنا أكتب علي يدي من أتولاّه، وهم عليٌّ والحسن والحسين عليهم السلام، واكتب أنت من تتولاّه أبو بكر وعمر وعثمان، ثمّ تشدُّ يدي ويدك بشدّ، وتوقد ناراً شديدة وتدخل يدي ويدك فأيّهما احترقت يداه بالنار كان علي باطل، ومن سلمت يده كان علي الحقِّ، فنكل عثمان، وأبي أن يفعل، فأخذ الحاضرون في العياط عليه وكانت اُمُّ عثمان مشرفة عليهم تسمع حديثهم فلمَّا رأت ذلك لعنتهم وشتمتهم وتهدَّدتهم وبالغت في ذلك فعميت في الحال، فلمَّا أحسَّت بذلك نادت إلي رفيقاتها فصعدن إليها فإذا هي صحيحة العين لكن لا تري بهما شيئاً فقادوها وأنزلوها ومضوا بها إلي الحلَّة، وشاع خبرها بين أصحابها وأقاربها وأترابها فأحضروا لها الأطبّاء من بغداد والحلَّة، فلم يقدروا لها علي شيء، فقالت لها نسوة مؤمنات كُنَّ أخدانها: إنَّ الذي أعماكِ هو القائم عليه السلام وإن تشيَّعتِ وتوليتِ وتبرَّأتِ ضمنّا لك العافية علي الله تعالي وبدون هذا لا يمكن الخلاص، فأذعنت لذلك ورضيت به، فلمَّا كانت ليلة الجمعة جيء بها حتَّي أدخلنها القبَّة الشريفة في مقام الإمام صاحب الزمان عليه السلام وبتن بأجمعهنَّ في باب القبَّة. فلمَّا كان ربع من الليل فإذا هي قد خرجت عليهنَّ وقد

******

(1) مقام إبراهيم الخليل عليه السلام المذكور في الحكاية موجود إلي زماننا هذا ويقع بالحلَّة في قرية بُرس.

ص: 410

ذهب العمي عن بصرها وهي تقعدهنَّ واحدة بعد واحدة وتصف ثيابهنَّ وحليَّهنَّ، فسررن بذلك، وحمدن الله علي حسن العافية، وقلن لها: كيف كان ذلك؟ فقالت: لمَّا جعلتننَّي في القبَّة وخرجتنَّ عنّي أحسست بيد قد وضعت علي وجهي وقائل يقول: (اُخرجي فقد عافاك الله)، فانكشف العمي عنّي ورأيت القبَّة قد امتلأت نوراً ورأيت رجلاً فقلت له: من أنت يا سيّدي؟ فقال: (محمّد بن الحسن عليه السلام)، ثمَّ غاب عنّي، فقمنَ وخَرجنَ إلي بيوتهنَّ وتشيَّع ولدها عثمان وحَسُن اعتقاده واعتقاد اُمّه المذكورة واشتهرت القصَّة بين أولئك الأقوام ومن سمع هذا الكلام واعتقد وجود الإمام القائم عليه السلام وكان ذلك في سنة أربع وأربعين وسبعمائة، وصلّي الله علي محمّد وآله وسلَّم(1).

60 _ سنة (789ه-): التاريخ السندي لرواية السيّد علي بن عبد الحميد في كتاب السلطان المفرّج عن أهل الإيمان حول شفاء حسين المدلّل:

راجع ما ذُكر في سنة (720ه-) تحت عنوان: (شفاء حسين المدلّل من مرض الفالج ببركة صاحب العصر والزمان).

61 _ قبل سنة (1011ه-)(2): قصَّة وزير البحرين والرمّانة ونجاة شيعة البحرين من كيده ببركة الإمام المهدي عليه السلام:

روي المجلسي رحمه الله عن بعض الأفاضل الكرام، والثقات الأعلام، قال: أخبرني بعض من أثق به، يرويه عمَّن يثق به ويطريه، أنَّه قال: لمَّا

******

(1) بحار الأنوار 52: 71 - 73.

(2) جعلنا هذه السنة تقريبية لأنَّ انتهاء الاحتلال البرتغالي للبحرين كان في سنة (1011ه-)، والقصَّة كما جاء في المتن حدثت أثناء الاحتلال البرتغالي لها.

ص: 411

كان بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج، جعلوا واليها رجلاً من المسلمين، ليكون أدعي إلي تعميرها وأصلح بحال أهلها، وكان هذا الوالي من النواصب وله وزير أشدُّ نصباً منه يظهر العداوة لأهل البحرين لحبّهم لأهل البيت عليهم السلام ويحتال في إهلاكهم وإضرارهم بكلّ حيلة.

فلمَّا كان في بعض الأيّام دخل الوزير علي الوالي وبيده رمّانة فأعطاها الوالي فإذا كان مكتوباً عليها: (لا إله إلاَّ الله، محمَّد رسول الله، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلفاء رسول الله)، فتأمَّل الوالي فرأي الكتابة من أصل الرمّانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون من صناعة بشر، فتعجَّب من ذلك وقال للوزير: هذه آية بيّنة، وحجّة قويّة، علي إبطال مذهب الرافضة، فما رأيك في أهل البحرين؟ فقال له: أصلحك الله إنَّ هؤلاء جماعة متعصّبون، ينكرون البراهين، وينبغي لك أن تحضرهم وتريهم هذه الرمّانة، فإن قبلوا ورجعوا إلي مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك، وإن أبوا إلاَّ المقام علي ضلالتهم فخيّرهم بين ثلاث: إمَّا أن يؤدّوا الجزية وهم صاغرون، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البينة التي لا محيص لهم عنها، أو تقتل رجالهم وتسبي نساءهم وأولادهم، وتأخذ بالغنيمة أموالهم.

فاستحسن الوالي رأيه، وأرسل إلي العلماء والأفاضل الأخيار، والنجباء والسادة الأبرار، من أهل البحرين وأحضرهم وأراهم الرمّانة، وأخبرهم بما رأي فيهم إن لم يأتوا بجواب شافٍ: من القتل والأسر وأخذ الأموال أو أخذ الجزية علي وجه الصغار كالكفّار، فتحيَّروا في أمرها، ولم يقدروا علي جواب، وتغيَّرت وجوههم وارتعدت فرائصهم.

فقال كبراؤهم: أمهلنا أيّها الأمير ثلاثة أيّام لعلَّنا نأتيك بجواب

ص: 412

ترتضيه وإلاَّ فاحكم فينا ما شئت، فأمهلهم، فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين متحيّرين.

فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك، فاتَّفق رأيهم علي أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهّادهم عشرة، ففعلوا، ثُمَّ اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لأحدهم: اُخرج الليلة إلي الصحراء واعبد الله فيها، واستغث بإمام زماننا، وحجّة الله علينا، لعلَّه يبيّن لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء.

فخرج وبات طول ليلته متعبّداً خاشعاً داعياً باكياً يدعو الله، ويستغيث بالإمام عليه السلام، حتَّي أصبح ولم يرَ شيئاً، فأتاهم وأخبرهم فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم، فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخبر، فازداد قلقهم وجزعهم.

فأحضروا الثالث وكان تقيّاً فاضلاً اسمه محمّد بن عيسي(1)، فخرج الليلة الثالثة حافياً حاسر الرأس إلي الصحراء وكانت ليلة مظلمة فدعا وبكي، وتوسَّل إلي الله تعالي في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البلية عنهم واستغاث بصاحب الزمان.

فلمَّا كان آخر الليل، إذا هو برجل يخاطبه ويقول: (يا محمّد بن عيسي ما لي أراك علي هذه الحالة، ولماذا خرجت إلي هذه البرية؟)،

******

(1) هو الشيخ العابد الزاهد محمّد بن عيسي البحراني، والمعروف بأبي رمّانة نسبة إلي قصَّته المذكورة في المتن، عرف بين أهل البحرين بالورع والتقوي وقوَّة الإيمان بالله، وعُدَّ من الأولياء الصالحين، عاش أيّام الاحتلال البرتغالي لجزيرة البحرين قبل هزيمتهم علي يد الصفويين سنة (1011ه-)، يقع قبره الشريف في مسجد أبو الرمّانة الواقع في قرية دمستان الواقعة في جنوب جزيرة البحرين علي بعد (14) كيلومتراً عن المنامة العاصمة، توفّي رحمه الله سنة (1031ه-).

ص: 413

فقال له: أيّها الرجل دعني فإنّي خرجت لأمر عظيم وخطب جسيم، لا أذكره إلاَّ لإمامي ولا أشكوه إلاَّ إلي من يقدر علي كشفه عنّي.

فقال: (يا محمّد بن عيسي! أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك)، فقال: إن كنت هو فأنت تعلم قصَّتي ولا تحتاج إلي أن أشرحها لك، فقال له: (نعم، خرجت لما دهمكم من أمر الرمّانة، وما كتب عليها وما أوعدكم الأمير به)، قال: فلمَّا سمعت ذلك توجَّهت إليه وقلت له: نعم يا مولاي، قد تعلم ما أصابنا، وأنت إمامنا وملاذنا والقادر علي كشفه عنّا.

فقال صلوات الله عليه: (يا محمّد بن عيسي إنَّ الوزير لعنه الله في داره شجرة رمّان فلمَّا حملت تلك الشجرة صنع شيئاً من الطين علي هيئة الرمّانة، وجعلها نصفين وكتب في داخل كلّ نصف بعض تلك الكتابة ثُمَّ وضعهما علي الرمّانة، وشدَّهما عليها وهي صغيرة فأثَّر فيها، وصارت هكذا.

فإذا مضيتم غداً إلي الوالي، فقل له: جئتك بالجواب ولكنّي لا اُبديه إلاَّ في دار الوزير فإذا مضيتم إلي داره فانظر عن يمينك، تري فيها غرفة، فقل للوالي: لا اُجيبك إلاَّ في تلك الغرفة، وسيأبي الوزير عن ذلك، وأنت بالغ في ذلك ولا ترض إلاَّ بصعودها فإذا صعد فاصعد معه، ولا تتركه وحده يتقدَّم عليك، فإذا دخلت الغرفة رأيت كوة فيها كيس أبيض، فانهض إليه وخذه فتري فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة، ثُمَّ ضعها أمام الوالي وضع الرمّانة فيها لينكشف له جليّة الحال.

وأيضاً يا محمّد بن عيسي قل للوالي: إنَّ لنا معجزة اُخري وهي أنَّ هذه الرمّانة ليس فيها إلاَّ الرماد والدخان وإن أردت صحَّة ذلك فاءمر الوزير بكسرها، فإذا كسرها طار الرماد والدخان علي وجهه ولحيته).

ص: 414

فلمَّا سمع محمّد بن عيسي ذلك من الإمام، فرح فرحاً شديداً وقبَّل بين يدي الإمام صلوات الله عليه، وانصرف إلي أهله بالبشارة والسرور.

فلمَّا أصبحوا مضوا إلي الوالي ففعل محمّد بن عيسي كلّ ما أمره الإمام وظهر كلّ ما أخبره، فالتفت الوالي إلي محمّد بن عيسي وقال له: من أخبرك بهذا؟ فقال: إمام زماننا، وحجّة الله علينا، فقال: ومن إمامكم؟ فأخبره بالأئمّة واحداً بعد واحد إلي أن انتهي إلي صاحب الأمر صلوات الله عليهم.

فقال الوالي: مُدْ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمّداً عبده ورسوله وأنَّ الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي عليه السلام ثُمَّ أقرَّ بالأئمّة إلي آخرهم عليهم السلام وحسن إيمانه، وأمر بقتل الوزير واعتذر إلي أهل البحرين وأحسن إليهم وأكرمهم.

قال: وهذه القصَّة مشهورة عند أهل البحرين وقبر محمّد بن عيسي عندهم معروف يزوره الناس(1).

62 _ سنة (1049ه-): نقل الشيخ الحرّ العاملي عن أحد أصدقائه واسمه محمّد أنَّه رأي الإمام المهدي عليه السلام في المنام وشافاه من المرض وأخبره أنَّه يعيش بعد هذا (26) سنة أخري:

قال النوري رحمه الله في جنَّة المأوي: روي الحرّ العاملي رحمه الله في إثبات الهداة، قال: قد أخبرني جماعة من ثقات الأصحاب أنَّهم رأوا صاحب الأمر عليه السلام في اليقظة، وشاهدوا منه معجزات متعدّدات، وأخبرهم بعدَّة مغيَّبات، ودعا لهم بدعوات مستجابات، وأنجاهم من أخطار مهلكات. قال رحمه الله: كنّا جالسين في بلادنا في قرية مشغرا (2) في يوم عيد، ونحن

******

(1) بحار الأنوار 52: 178 - 180.

(2) قرية علي سفح جبل لبنان. (معجم البلدان 5: 134).

ص: 415

جماعة من أهل العلم والصلحاء، فقلت لهم: ليت شعري في العيد المقبل من يكون من هؤلاء حيّاً ومن يكون قد مات؟ فقال لي رجل كان اسمه: الشيخ محمّد، وكان شريكنا في الدروس: أنا أعلم أنّي أكون في عيد آخر حيّاً وفي عيد آخر حيّاً وعيد آخر إلي ستّة وعشرين سنة، وظهر منه أنَّه جازم بذلك من غير مزاح، فقلت له: أنت تعلم الغيب؟ قال: لا، ولكنّي رأيت المهدي عليه السلام في النوم وأنا مريض شديد المرض، فقلت له: أنا مريض وأخاف أن أموت، وليس لي عمل صالح ألقي الله به، فقال: (لا تخف فإنَّ الله تعالي يشفيك من هذا المرض، ولا تموت فيه بل تعيش ستّاً وعشرين سنة)، ثمّ ناولني كأساً كان في يده فشربت منه وزال عنّي المرض وحصل لي الشفاء، وأنا أعلم أنَّ هذا ليس من الشيطان. فلمَّا سمعت كلام الرجل كتبت التاريخ، وكان سنة ألف وتسعة وأربعين ومضت لذلك مدَّة طويلة وانتقلت إلي المشهد المقدَّس سنة ألف واثنين وسبعين، فلمَّا كانت السنة الأخيرة وقع في قلبي أنَّ المدَّة قد انقضت، فرجعت إلي ذلك التاريخ وحسبته فرأيته قد مضي منه ستّ وعشرون سنة، فقلت: ينبغي أن يكون الرجل مات. فما مضت إلاَّ مدَّة نحو شهر أو شهرين حتَّي جاءتني كتابة من أخي _ وكان في البلاد _ يخبرني أنَّ الرجل المذكور مات(1).

63 _ سنة (1269ه-): سؤال الحاجّ علي البغدادي للإمام المهدي عليه السلام عن قبول زيارته مع جماعة للإمام الرضا عليه السلام:

راجع ما ذُكر في (رجب/ 1301ه-) تحت عنوان: (تشرف الحاجّ علي البغدادي بملاقاة الإمام المهدي عليه السلام في قصَّة رائعة).

******

(1) جنَّة المأوي: 146 - 150/ الحكاية الثامنة والخمسون.

ص: 416

64 _ سنة (1275ه-): قصَّة البقّال ولقاؤه مع الإمام المهدي عليه السلام بعد عم الاستجارة والدعاء بنيّة اللقاء في مسجد السهلة مدَّة أربعين ثلاثاء:

قال النوري رحمه الله في جنَّة المأوي: حدَّثني جماعة من الأتقياء الأبرار، منهم السيّد السند، والحبر المعتمد، العالم العامل والفقيه النبيه، الكامل المؤيّد المسدّد السيّد محمّد، ابن العالم الأوحد السيّد أحمد، ابن العالم الجليل، والحبر المتوحّد النبيل، السيّد حيدر الكاظمي أيَّده الله تعالي، وهو من أجلاَّء تلامذة المحقّق الأستاذ الأعظم الأنصاري طاب ثراه، وأحد أعيان أتقياء بلد الكاظمين عليهما السلام، وملاذ الطلاَّب والزوّار والمجاورين، وهو وإخوته وآباؤه أهل بيت جليل، معروفون في العراق بالصلاح والسداد، والعلم والفضل والتقوي، يعرفون ببيت السيّد حيّدر جدّه سلَّمه الله تعالي.

قال فيما كتبه إليَّ وحدَّثني به شفاهاً أيضاً: قال محمّد بن أحمد بن حيدر الحسني الحسيني: لمَّا كنت مجاوراً في النجف الأشرف لأجل تحصيل العلوم الدينية وذلك في حدود السنة الخامسة والسبعين بعد المائتين والألف من الهجرة النبوية كنت أسمع جماعة من أهل العلم وغيرهم من أهل الديانة، يصفون رجلاً يبيع البقل وشبهه أنَّه رأي مولانا الإمام المنتظر سلام الله عليه، فطلبت معرفة شخصه حتَّي عرفته، فوجدته رجلاً صالحاً متديّناً وكنت أحبّ الاجتماع معه، في مكان خال لأستفهم منه كيفية رؤيته مولانا الحجّة روحي فداه، فصرت كثيراً ما اُسلّم عليه وأشتري منه ممَّا يتعاطي ببيعه، حتَّي صار بيني وبينه نوع مودَّة، كلّ ذلك مقدّمة لتعرّف خبره المرغوب في سماعه عندي، حتَّي اتَّفق لي أنّي توجَّهت إلي مسجد السهلة للاستجارة فيه، والصلاة والدعاء في مقاماته

ص: 417

الشريفة ليلة الأربعاء. فلمَّا وصلت إلي باب المسجد رأيت الرجل المذكور علي الباب، فاغتنمت الفرصة وكلَّفته المقام معي تلك الليلة، فأقام معي حتَّي فرغنا من العمل الموظَّف في مسجد سهيل وتوجَّهنا إلي المسجد الأعظم مسجد الكوفة علي القاعدة المتعارفة في ذلك الزمان، حيث لم يكن في مسجد السهلة معظم الإضافات الجديدة من الخدّام والمساكن. فلمَّا وصلنا إلي المسجد الشريف، واستقرَّ بنا المقام، وعملنا بعض الأعمال الموظَّفة فيه، سألته عن خبره والتمست منه أن يُحدّثني بالقصَّة تفصيلاً، فقال ما معناه:

إنّي كنت كثيراً ما أسمع من أهل المعرفة والديانة أنَّ من لازم عمل الاستجارة في مسجد السهلة أربعين ليلة أربعاء متوالية، بنيّة رؤية الإمام المنتظر عليه السلام وُفّق لرؤيته، وأنَّ ذلك قد جرّبت مراراً فاشتاقت نفسي إلي ذلك، ونويت ملازمة عمل الاستجارة في كلّ ليلة أربعاء، ولم يمنعني من ذلك شدَّة حرّ ولا برد، ولا مطر ولا غير ذلك، حتَّي مضي لي ما يقرب من مدَّة سنة، وأنا ملازم لعمل الاستجارة وأبات في مسجد الكوفة علي القاعدة المتعارفة.

ثمّ إنّي خرجت عشية يوم الثلثاء ماشياً علي عادتي وكان الزمان شتاء، وكانت تلك العشية مظلمة جدّاً لتراكم الغيوم مع قليل مطر، فتوجَّهت إلي المسجد وأنا مطمئن بمجيء الناس علي العادة المستمرّة، حتَّي وصلت إلي المسجد، وقد غربت الشمس واشتدَّ الظلام وكثر الرعد والبرق، فاشتدَّ بي الخوف وأخذني الرعب من الوحدة لأنّي لم اُصادف في المسجد الشريف أحداً أصلاً، حتَّي أنَّ الخادم المقرَّر للمجيء ليلة الأربعاء لم يجئ تلك الليلة.

ص: 418

فاستوحشت لذلك للغاية ثمّ قلت في نفسي: ينبغي أن اُصلّي المغرب وأعمل عمل الاستجارة عجالة، وأمضي إلي مسجد الكوفة، فصبَّرت نفسي وقمت إلي صلاة المغرب فصلَّيتها، ثمّ توجَّهت لعمل الاستجارة، وصلاتها ودعائها، وكنت أحفظه.

فبينما أنا في صلاة الاستجارة إذ حانت منّي التفاتة إلي المقام الشريف المعروف بمقام صاحب الزمان عليه السلام، وهو في قبلة مكان مصلاي، فرأيت فيه ضياءً كاملاً وسمعت فيه قراءة مصلّ فطابت نفسي، وحصل كمال الأمن والاطمينان، وظننت أنَّ في المقام الشريف بعض الزوّار، وأنا لم أطَّلع عليهم وقت قدومي إلي المسجد، فأكملت عمل الاستجارة، وأنا مطمئن القلب، ثمّ توجهت نحو المقام الشريف ودخلته، فرأيت فيه ضياءً عظيماً لكنّي لم أرَ بعيني سراجاً ولكنّي في غفلة عن التفكّر في ذلك، ورأيت فيه سيّداً جليلاً مهاباً بصورة أهل العلم، وهو قائم يُصلّي فارتاحت نفسي إليه، وأنا أظنّ أنَّه من الزوّار الغرباء لأنّي تأمَّلته في الجملة فعلمت أنَّه ليس من سكنة النجف الأشرف.

فشرعت في زيارة مولانا الحجّة سلام الله عليه عملاً بوظيفة المقام، وصلَّيت صلاة الزيارة، فلمَّا فرغت أردت اُكلّمه في المضي إلي مسجد الكوفة، فهبته وأكبرته، وأنا أنظر إلي خارج المقام، فأري شدَّة الظلام، وأسمع صوت الرعد والمطر، فالتفت إليَّ بوجهه الكريم برأفة وابتسام، وقال لي: (تحبّ أن تمضي إلي مسجد الكوفة؟)، فقلت: نعم يا سيّدنا، عادتنا أهل النجف إذا تشرَّفنا بعمل هذا المسجد نمضي إلي مسجد الكوفة، ونبات فيه، لأنَّ فيه سكّاناً وخدّاماً وماءً. فقام، وقال: (قم

ص: 419

بنا نمضي إلي مسجد الكوفة)، فخرجت معه وأنا مسرور به وبحسن صحبته، فمشينا في ضياء وحسن هواء وأرض يابسة لا تعلق بالرجل وأنا غافل عن حال المطر والظلام الذي كنت أراه، حتَّي وصلنا إلي باب المسجد وهو روحي فداه معي وأنا في غاية السرور والأمن بصحبته، ولم أرَ ظلاماً ولا مطراً، فطرقت باب الخارجة عن المسجد، وكانت مغلقة فأجابني الخادم من الطارق؟ فقلت: افتح الباب. فقال: من أين أقبلت في هذه الظلمة والمطر الشديد؟ فقلت: من مسجد السهلة. فلمَّا فتح الخادم الباب التفتُ إلي ذلك السيّد الجليل فلم أرَه وإذا بالدنيا مظلمة للغاية، وأصابني المطر فجعلت اُنادي: يا سيّدنا، يا مولانا تفضَّل فقد فتحت الباب. ورجعت إلي ورائي أتفحَّص عنه واُنادي فلم أرَ أحداً أصلاً، وأضرَّ بي الهواء والمطر والبرد في ذلك الزمان القليل. فدخلت المسجد وانتبهت من غفلتي وكأنّي كنت نائماً فاستيقظت وجعلت ألوم نفسي علي عدم التنبّه لما كنت أري من الآيات الباهرة، وأتذكَّر ما شاهدته وأنا غافل من كراماته من الضياء العظيم في المقام الشريف مع أنّي لم أرَ سراجاً ولو كان في ذلك المقام عشرون سراجاً لما وفي بذلك الضياء، وذكرت أنَّ ذلك السيّد الجليل سمّاني باسمي مع أنّي لم أعرفه ولم أرَه قبل ذلك، وتذكَّرت أنّي لمَّا كنت في المقام كنت أنظر إلي فضاء المسجد، فأري الظلام الشديد، وأسمع صوت المطر والرعد، وإنّي لمَّا خرجت من المقام مصاحباً له سلام الله عليه كنت أمشي في ضياء بحيث أري موضع قدمي، والأرض يابسة والهواء عذب، حتَّي وصلنا إلي باب المسجد، ومنذ فارقني شاهدت الظلمة والمطر وصعوبة الهواء، إلي غير

ص: 420

ذلك من الأمور العجيبة، التي أفادتني اليقين بأنَّه الحجّة صاحب الزمان عليه السلام الذي كنت أتمنّي من فضل الله التشرّف برؤيته، وتحمَّلت مشاق عمل الاستجارة عند قوَّة الحرّ والبرد لمطالعة حضرته سلام الله عليه، فشكرت الله تعالي شأنه، والحمد لله(1).

65 _ سنة (1280ه-): تشرّف السيّد أحمد الرشتي بلقاء الحجّة عليه السلام أثناء سفره لحجّ بيت الله بعد افتراقه عن القافلة:

قال النوري رحمه الله في النجم الثاقب: قد تشرَّف بزيارة النجف الأشرف جناب المستطاب التقي الصالح السيّد أحمد بن السيّد هاشم بن السيّد حسن الرشتي ساكن رشت أيَّده الله، قبل سبعة عشر سنة تقريباً، وقد جائني إلي المنزل مع العالم الرّباني والفاضل الصمداني الشيخ علي الرشتي طاب ثراه...، فلمَّا نهضنا للخروج نبَّهني الشيخ إلي أنَّ السيّد أحمد من الصلحاء المسدَّدين ولمَّح إليَّ أنَّ له قصَّة عجيبة ولم يسمح المجال حينها في بيانها، وبعد عدَّة أيّام من اللقاء قال لي الشيخ: إنَّ السيّد قد ذهب، ثمّ نقل لي جملة من حالات وأحوال السيّد مع قصَّته، فتأسَّفت لذلك كثيراً لعدم سماعي القصَّة منه شخصاً، ولو أنَّ مقام الشيخ رحمه الله أجلّ من أن ينقل شيئاً خلاف ما نقل له. وبقي هذا الموضوع في ذهني من تلك السنة وحتَّي جُمادي الآخرة من هذه السنة حيث كنت راجعاً من النجف الأشرف إلي الكاظمين فالتقيت بالسيّد الصالح المذكور وهو راجع من سامراء وكان عازماً علي السفر إلي بلاد العجم، فسألته عن ما سمعته من أحواله ومن جملتها القصَّة المعهودة، فنقل كلّ ذلك ما طابق النقل للأوّل، والقضيّة بما يلي; قال:

******

(1) جنَّة المأوي: 145 - 149/ الحكاية الثامنة والخمسون.

ص: 421

عزمت علي الحجّ في سنة ألف ومائتين وثمانين فجئت من حدود رشت إلي تبريز ونزلت في بيت الحاجّ صفر علي التاجر التبريزي المعروف، ولعدم وجود قافلة فقد بقيت متحيّراً إلي أن جهَّز الحاجّ جبّار جلودار السدهي الأصفهاني قافلة إلي (طربوزن)، فاكتريت منه مركباً لوحدي وسافرت، وعندما وصلت إلي أوّل منزل التحق بي _ وبترغيب الحاجّ صفر علي _ ثلاثةُ أشخاص آخرين، أحدهم الحاجّ الملاَّ باقر التبريزي الذي كان يحجّ بالنيابة وكان معروفاً لدي العلماء، والحاجّ السيّد حسين التاجر التبريزي، ورجل يسمّي الحاجّ علي وكان يشتغل بالخدمة. ثم ترافقنا بالسفر إلي أن وصلنا إلي (أرض الروم)، وكنّا عازمين علي الذهاب من هناك إلي (طربزون)، وفي أحد تلك المنازل التي تقع بين هاتين المدينتين جائني الحاجّ جبّار جلودار وقال بأنَّ هذا المنزل الذي قدّامنا مخيف فعجّلوا حتَّي تكونوا مع القافلة دائماً، وذلك لأنَّنا كنّا غالباً ما نتخلَّف عن القافلة بفاصلة في سائر المنازل، فتحرَّكنا سويّةً بساعتين ونصف، أو ثلاث ساعات بقيت إلي الصبح _ علي التخمين _ وابتعدنا عن المنزل الذي كنّا فيه مقدار نصف أو ثلاثة أرباع الفرسخ فإذا بالهواء قد تغيَّر واظلمت الدنيا وابتدأ الوفر بالتساقط، فحينئذٍ غطّي كلّ واحد منّا من الرفقاء رأسه وأسرع بالسير. وقد فعلت أنا كذلك لألتحق بهم ولكنّي لم أتمكَّن علي ذلك فذهبوا وبقيت وحدي. ثمّ نزلت بعد ذلك من فرسي وجلست علي جانب الطريق، وقد اضطربت اضطراباً شديداً لأنَّه كان معي قرابة ستمائة تومان لنفقة الطريق.

وبعد أن فكَّرت وتأمَّلت بأمري قرَّرت أن أبقي في هذا الموضع

ص: 422

إلي أن يطلع الفجر، ثمّ أرجع إلي الموضع الذي جئت منه، وآخذ معي من ذلك الموضع عدَّة أشخاص من الحرس فألتحق بالقافلة مرَّة ثانية. وبهذه الأثناء رأيت بستاناً أمامي، وفي ذلك البستان فلاَّح بيده مسحاة يضرب بها الأشجار فيتساقط الوفر منها، فتقدَّم إليَّ بحيث بقيت فاصلة قليلة بينه وبيني، ثمّ قال: (من أنت؟)، قلت: ذهب أصدقائي وبقيت وحدي ولا أعرف الطريق فتهت. فقال باللغة الفارسية: (نافله بخوان تا راه پيدا كني) _ أي صلّي النافلة والمقصود منها صلاة الليل لتعرف الطريق _. فاشتغلت بصلاة النافلة وبعدما فرغت من التهجّد، عاد إليَّ مرَّة اُخري وقال: (ألم تذهب بعد؟!)، قلت: والله لا أعرف الطريق. قال: (اقرأ الجامعة). ولم أكن أحفظ الجامعة وما زلت غير حافظ لها مع أنّي قد تشرَّفت بزيارة العتبات المقدَّسة مراراً.. ولكنّي وقفت مكاني وقرأت الجامعة كاملةً عن ظهر الغيب، ثمّ جاء وقال: (ألم تذهب بعد؟!)، فأخذتني العبرة بلا إرادة وبكيت وقلت: ما زلت موجوداً ولا أعرف الطريق. قال: (اقرأ عاشوراء). وكذلك أنّي لم أكن أحفظ زيارة عاشوراء وما زلت غير حافظ لها، فقمت من مكاني واشتغلت بزيارة عاشوراء، من الحافظة عن ظهر غيب إلي أن قرأتها جميعاً وحتَّي اللعن والسلام ودعاء علقمة، فرأيته عاد إليَّ مرَّة اُخري وقال: (ألم تذهب؟ بعدك؟!)، فقلت: لا، فإنّي موجود وحتَّي الصباح. قال: (أنا اُوصلك إلي القافلة الآن)، ثمّ ذهب وركب علي حمار ووضع مسحاته علي عاتقه وجاء فقال: (اصعد خلفي علي حماري)، فركبت وأخذت بعنان فرسي فلم يطاوعني ولم يتحرَّك، فقال: (ناولني لجام الفرس)، فناولته، فوضع المسحاة علي عاتقه الأيسر وأخذ الفرس بيده اليمني وأخذ بالسير، فطاوعه الفرس بشكل

ص: 423

عجيب وتبعه. ثمّ وضع يده علي ركبتي وقال: (لماذا لا تصلّون النافلة؟ النافلة.. النافلة.. النافلة _ قالها ثلاث مرَّات _)، ثمّ قال: (لماذا لا تقرأون عاشوراء؟ عاشوراء.. عاشوراء.. عاشوراء.. _ ثلاث مرَّات _)، ثمّ قال: (لماذا لا تقرأون الجامعة؟ الجامعة.. الجامعة.. الجامعة..)، وعندما كان يطوي المسافة كان يمشي بشكل مستدير، وفجأة رجع وقال: (هؤلاء أصحابك)، وكانوا قد نزلوا علي حافّة نهر فيه ماء يتوضَّؤون لصلاة الصبح. فنزلت من الحمار لأركب فرسي فلم أتمكَّن فنزل هو وضرب المسحاة في الوفر وأركبني وحوَّل رأس فرسي إلي جهة أصحابي وبهذه الأثناء وقع في نفسي: من يكون هذا الإنسان الذي يتكلَّم باللغة الفارسية، علماً أنَّ أهل هذه المنطقة لا يتكلَّمون إلاَّ باللغة التركية، ولا يوجد بينهم غالباً إلاَّ أصحاب المذهب العيسوي (المسيحيون)، وكيف أوصلني إلي أصحابي بهذه السرعة؟! فنظرت ورائي فلم أرَ أحداً ولم يظهر لي أثر منه، فالتحقت برفقائي(1).

66 _ سنة الظهور: خروج جيش السفياني من الكوفة لمحاربة الإمام المهدي عليه السلام بعد وصوله إلي النجف الأشرف:

روي المجلسي رحمه الله عن كتاب الفضل بن شاذان بإسناده رفعه إلي أبي عبد الله عليه السلام، قال: (يقدم القائم عليه السلام حتَّي يأتي النجف فيخرج إليه من الكوفة جيش السفياني وأصحابه، والناس معه، وذلك يوم الأربعاء فيدعوهم ويناشدهم حقّه ويخبرهم أنَّه مظلوم مقهور ويقول: من حاجّني في الله فأنا أولي الناس بالله...، فيقولون: ارجع من حيث شئت لا حاجة لنا

******

(1) النجم الثاقب 2: 273 - 277/ الحكاية السبعون.

ص: 424

فيك، قد خبَّرناكم واختبرناكم، فيتفرَّقون من غير قتال. فإذا كان يوم الجمعة يعاود فيجيء سهم فيصيب رجلاً من المسلمين فيقتله، فيقال: إنَّ فلاناً قد قُتل فعند ذلك ينشر راية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فإذا نشرها انحطَّت عليه ملائكة بدر فإذا زالت الشمس هبت الريح له فيحمل عليهم هو وأصحابه فيمنحهم الله أكتافهم ويولّون، فيقتلهم حتَّي يدخلهم أبيات الكوفة، وينادي مناديه: ألا لا تتَّبعوا مولّياً ولا تجهزوا علي جريح، ويسير بهم كما سار علي عليه السلام يوم البصرة)(1).

67 _ (يوم النيروز): هو يوم ظهور الإمام المهدي عليه السلام علي رواية المعلّي بن خنيس عن الإمام الصادق عليه السلام:

روي ابن فهد الحلّي عن المولي السيّد المرتضي العلاَّمة بهاء الدين علي بن عبد الحميد النسّابة دامت فضائله، ما رواه بإسناده إلي المعلّي بن خنيس، عن الصادق عليه السلام: (إنَّ يوم النوروز هو اليوم الذي أخذ فيه النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام العهد بغدير خُمّ، فأقرّوا له بالولاية، فطوبي لمن ثبت عليها والويل لمن نكثها، وهو اليوم الذي وجَّه فيه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام إلي وادي الجنّ، فأخذ عليهم العهود والمواثيق. وهو اليوم الذي ظفر فيه بأهل النهروان، وقتل ذا الثدية. وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة الأمر ويظفره الله تعالي بالدجّال، فيصلبه علي كناسة الكوفة. وما من يوم نوروز إلاَّ ونحن نتوقَّع فيه الفرج، لأنَّه من أيّامنا حفظه الفرس وضيَّعتموه. ثمّ إنَّ نبيّاً من أنبياء بني إسرائيل سأل ربَّه أن يحيي القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم

******

(1) بحار الأنوار 52: 387 و388/ ح 205.

ص: 425

ألوف حذر الموت فأماتهم الله تعالي، فأوحي إليه أن صبّ عليهم الماء في مضاجعهم، فصبَّ عليهم الماء في هذا اليوم، فعاشوا وهم ثلاثون ألفاً، فصار صبّ الماء في يوم النيروز سُنَّة ماضية لا يعرف سببها إلاَّ الراسخون في العلم. وهو أوّل يوم من سنة الفرس). قال المعلّي: وأملي عليَّ ذلك، فكتبته من إملائه(1).

******

(1) المهذَّب البارع 1: شرح الصفحة 194 و195.

ص: 426

مصادر التأليف والتحقيق

القرآن الكريم.

الاحتجاج: الطبرسي/ ت محمّد باقر الخرسان/ دار النعمان/ 1386ه- .

اختيار معرفة الرجال: الشيخ الطوسي/ مؤسّسة آل البيت/ 1404ه-/ قم.

الإرشاد: الشيخ المفيد/ ت مؤسّسة آل البيت/ ط 2/ 1414ه-/ دار المفيد/ بيروت.

إعلام الوري: الطبرسي/ ط1/ 1417ه-/ مط ستارة/ مؤسّسة آل البيت/ قم.

الأعلام: خير الدين الزركلي/ ط5/ 1980م/ دار العلم للملايين/ بيروت.

أعيان الشيعة: السيّد محسن الأمين/ ت حسن الأمين/ دار التعارف/ بيروت.

إقبال الأعمال: ابن طاووس/ ط1/ 1414ه-/ مكتب الإعلام الإسلامي.

إقبال الأعمال: ابن طاووس/ ط1/ 1414ه-/ مكتب الإعلام الإسلامي.

إلزام الناصب: الشيخ علي اليزدي الحائري/ ت السيّد علي عاشور.

الأمالي: الشيخ الصدوق/ ت قسم الدراسات/ ط1/ 1417ه-/ مؤسسة البعثة.

الأمالي: الشيخ الطوسي/ ت مؤسّسة البعثة/ ط1/ 1414ه-/ دار الثقافة/ قم.

الإمامة والتبصرة: ابن بابويه/ ط1/ 1404ه-/ مدرسة الإمام الهادي/ قم.

بحار الأنوار: العلاَّمة المجلسي/ ط2 المصحَّحة/ 1403ه-/ مؤسسة الوفاء/ بيروت.

البداية والنهاية: ابن كثير/ ط1/ 1408ه-/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.

التاريخ الصغير: البخاري/ ط1/ 1406ه-/ دار المعرفة/ بيروت.

تاريخ الطبري: الطبري/ ط4/ 1403ه-/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.

تاريخ الكوفة: السيّد البراقي/ ط1/ 1424ه-/ المكتبة الحيدرية.

ص: 427

تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي/ ط1/ 1417ه-/ دار الكتب العلمية/ بيروت.

تفسير القمي: علي بن إبراهيم القمي/ ط3/ 1404ه-/ مؤسسة دار الكتاب/ قم.

تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي/ ط3/ 1364ش/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.

تهذيب المقال: محمّد علي الأبطحي/ ط2/ 1417ه-/ مط نكارش/ قم.

الثاقب في المناقب: ابن حمزة الطوسي/ ط2/ 1412ه-/ مؤسّسة أنصاريان/ قم.

جمال الأسبوع: ابن طاووس/ ت جواد القيّومي/ ط1/ 1371ش/ مؤسّسة الآفاق.

جنَّة المأوي: النوري/ مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام.

جواهر التاريخ: علي الكوراني/ ط1/ 1425ه-/ مط ظهور/ دار الهدي.

حياة الإمام المهدي: الشيخ باقر القرشي/ ط1/ 1417ه-/ مط أمير.

خاتمة المستدرك: النوري/ ط1/ 1415ه-/ مط ستارة/ مؤسّسة آل البيت/ قم.

الخرائج والجرائح: الراوندي/ ط1/ 1409ه-/ مؤسّسة الإمام المهدي/ قم.

الخصال: الشيخ الصدوق/ 1403ه-/ جماعة المدرّسين/ قم.

خلاصة الأقوال: العلاَّمة الحلّي/ ط1/ 1417ه-/ مؤسّسة نشر الفقاهة.

الدروس الشرعية: الشهيد الأوّل/ ط2/ 1417ه-/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.

دلائل الإمامة: الطبري (الشيعي)/ ط1/ 1413ه-/ مؤسّسة البعثة/ قم.

الذريعة: آقا بزرك الطهراني/ ط3/ 1403ه-/ دار الأضواء/ بيروت.

رجال ابن داود: ابن داود الحلّي/ 1392ه-/ منشورات المطبعة الحيدرية.

رجال الطوسي: الشيخ الطوسي/ ط1/ 1415ه-/ مؤسّسة النشر الإسلامي.

رجال النجاشي: النجاشي/ ط5/ 1416ه-/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.

روضة الواعظين: الفتال النيسابوري/ منشورات الشريف الرضي/ قم.

سرّ السلسلة العلوية: أبي نصر البخاري/ ط1/ 1413ه-/ انتشارات شريف الرضي.

سير أعلام النبلاء: الذهبي/ ط9/ 1413ه-/ مؤسّسة الرسالة/ بيروت.

ص: 428

شرح إحقاق الحقّ: السيّد المرعشي/ مكتبة المرعشي/ قم.

شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد/ ط1/ 1378ه-/ دار إحياء الكتب العربية.

الصحيفة السجّادية: أبطحي/ ط1/ 1411ه-/ مؤسّسة الإمام المهدي/ قم.

الصراط المستقيم: العاملي/ ط1/ 1384ه-/ المكتبة المرتضوية.

عقائد الإمامية: محمّد رضا المظفّر/ انتشارات أنصاريان/ قم.

علل الشرائع: الشيخ الصدوق/ 1385ه-/ منشورات المكتبة الحيدرية.

عيون أخبار الرضا: الشيخ الصدوق/ 1404ه-/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.

الغيبة: الشيخ الطوسي/ ط1/ 1411ه-/ مط بهمن/ مؤسّسة المعارف الإسلاميّة/ قم.

الغيبة: النعماني/ ت فارس حسّون كريم/ ط1/ 1422ه-/ مط مهر/ أنوار الهدي.

فتح الأبواب: ابن طاووس/ ط1/ 1409ه-/ مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث.

الفتن: نعيم بن حماد المروزي/ ت سهيل زكار/ 1414ه-/ دار الفكر/ بيروت.

فرج المهموم: ابن طاووس/ 1363ش/ مط أمير/ منشورات الشريف الرضي/ قم.

الفصول المهمّة: ابن الصبّاغ/ ط1/ 1422ه-/ مط سرور/ دار الحديث.

الفهرست: الشيخ الطوسي/ ط1/ 1417ه-/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.

الفوائد الرجالية: بحر العلوم/ ط1/ 1363ش/ مكتبة الصادق/ طهران.

قرب الإسناد: الحميري القمي/ ط1/ 1413ه-/ مط مهر/ مؤسّسة آل البيت/ قم.

الكافي: الشيخ الكليني/ ط5/ 1363ش/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.

كامل الزيارات: ابن قولويه/ ط1/ 1417ه-/ مؤسّسة نشر الثقافة.

الكامل في التاريخ: ابن الأثير/ 1386ه-/ دار الصادر/ بيروت.

كتاب سليم بن قيس: سليم بن قيس الهلالي/ ت محمّد باقر الأنصاري.

كشف الغمّة: ابن أبي الفتح الأربلي/ ط2/ 1405ه-/ دار الأضواء/ بيروت.

كفاية الأثر: الخزّاز القمي/ 1401ه-/ مط الخيام/ انتشارات بيدار.

ص: 429

كمال الدين: الشيخ الصدوق/ 1405ه-/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.

كنز الفوائد: الكراجكي/ ط2/ 1369ش/ مط غدير/ مكتبة المصطفوي/ قم.

الكني والألقاب: الشيخ عبّاس القمي/ مكتبة الصدر/ طهران.

لسان العرب: ابن منظور/ 1405ه-/ نشر أدب الحوزة/ قم.

لسان الميزان: ابن حجر/ ط2/ 1390ه-/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.

اللهوف في قتلي الطفوف: ابن طاووس/ ط1/ 1417ه-/ أنوار الهدي/ قم.

مجمع البحرين: الشيخ الطريحي/ ط2/ 1408ه-/ مكتب نشر الثقافة الإسلاميّة.

مجموعة ورّام: ورّام بن أبي فراس/ ط2/ 1368ش/ دار الكتب الإسلاميّة.

المحتضر: الحسن بن سليمان الحلّي/ 1424ه-/ انتشارات مكتبة الحيدرية.

مختصر البصائر: الحسن بن سليمان الحلّي/ ت مشتاق المظفّر.

مختصر بصائر الدرجات: الحلّي/ ط1/ 1370ه-/ منشورات المطبعة الحيدرية.

مرآة العقول: العلاَّمة المجلسي/ ط2/ 1404ه-/ دار الكتب الإسلاميّة.

مروج الذهب: المسعودي/ ط2/ 1404ه-/ منشورات دار الهجرة/ قم.

المزار: ابن المشهدي/ ط1/ 1419ه-/ نشر القيّوم/ قم.

مستدرك سفينة البحار: علي النمازي/ 1418ه-/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.

مستدرك علم رجال الحديث: علي النمازي/ ط1/ 1412ه-/ مط شفق/ طهران.

المستدرك: الحاكم النيسابوري/ إشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي.

مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ دار الصادر/ بيروت.

مشارق أنوار اليقين: البرسي/ ط1/ 1419ه-/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.

مصباح المتهجّد: الشيخ الطوسي/ ط1/ 1411ه-/ مؤسّسة فقه الشيعة/ بيروت.

المصباح: الكفعمي/ ط3/ 1403ه-/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.

المصنّف: ابن أبي شيبة/ ت سعيد اللحّام/ ط1/ 1409ه-/ دار الفكر/ بيروت.

ص: 430

مطالب السؤول: ابن طلحة الشافعي/ ت ماجد بن أحمد العطية.

معاني الأخبار: الشيخ الصدوق/ 1379ه-/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.

معجم أحاديث الإمام المهدي: الشيخ علي الكوراني/ ط1/ 1411ه-/ مؤسسة المعارف الإسلاميّة/ قم.

معجم البلدان: الحموي/ 1399ه-/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.

المعجم الكبير: الطبراني/ ط2 مزيَّدة ومنقَّحة/ دار إحياء التراث العربي.

المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي: علي الكوراني/ ط1/ 1426ه- .

معجم رجال الحديث: السيّد الخوئي/ ط5/ 1413ه- .

مقتضب الأثر: ابن عيّاش الجوهري/ مط العلمية/ مكتبة الطباطبائي/ قم.

الملاحم والفتن: ابن طاووس/ ط1/ 1416/ مؤسّسة صاحب الأمر/ أصفهان.

مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب/ 1376ه-/ المكتبة الحيدرية/ النجف.

منتخب الأنوار المضيئة: بهاء الدين النجفي/ ط1/ 1420ه-/ مؤسّسة الإمام الهادي.

منتهي الآمال: الشيخ عبّاس القمّي/ ط 2/ 1427ه-/ منشورات دليل ما.

منتهي المقال: الشيخ المازندراني/ ط1/ 1416ه-/ مؤسّسة آل البيت/ قم.

مهج الدعوات ومنهج العبادات: ابن طاووس/ كتابخانه سنائي.

المهذَّب البارع: ابن فهد الحلّي/ 1407ه-/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.

موسوعة طبقات الفقهاء: اللجنة العلمية في مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام/ ط1/ 1418ه-/ مط اعتماد/ قم.

النجم الثاقب: النوري/ ط1/ 1415ه-/ أنوار الهدي/ مط مهر/ قم.

الهداية الكبري: الخصيبي/ ط4/ 1411ه-/ مؤسّسة البلاغ/ بيروت.

الوافي بالوفيات: الصفدي/ 1420ه-/ دار إحياء التراث/ بيروت.

وفيات الأعيان: ابن خلّكان/ ت إحسان عبّاس/ دار الثقافة/ بيروت.

ص: 431

الوفيات: أحمد بن حسن الخطيب/ ط2/ 1978م/ دار الإقامة الجديدة/ بيروت.

وقعة صفّين: ابن مزاحم المنقري/ ط2/ 1382ه-/ مط المدني/ مصر.

* * *

ص: 432

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.