سرشناسه:رباني، محمدحسن، 1343-
عنوان و نام پديدآور:مناهج الفقهاء في علم الرجال و دورها في الفقه: دراسه في مباني منهج الوثوق الصدوري والسندي عندالفقهاء/ تاليف محمدحسن الرباني.
مشخصات نشر:مشهد: مجمع البحوث الاسلاميه، 1439ق.= 1396 -
مشخصات ظاهري:2 ج.
شابك:370000 ريال: ج.1 978-600-06-0219-2 : ؛ ج.2 978-600-06-0220-8 :
وضعيت فهرست نويسي:فاپا
يادداشت:عربي.
يادداشت:ج.1 چاپ سوم: 1442 ق= 1399 (فيپا).
يادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1400 ) (فيپا) .
يادداشت:كتابنامه.
عنوان ديگر:دراسه في مباني منهج الوثوق الصدوري والسندي عندالفقهاء.
موضوع:حديث -- علم الرجال
Hadith -- *Ilm al-Rijal
شناسه افزوده:بنياد پژوهشهاي اسلامي
شناسه افزوده:Islamic Research foundation
رده بندي كنگره:BP114/ر2م8 1396
رده بندي ديويي:297/264
شماره كتابشناسي ملي:5068596
اطلاعات ركورد كتابشناسي:فاپا
ص: 1
ص: 2
عن عبد السّلام الهرويّ، عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام، قال: «رحم اللّه عبدا أحيا أمرنا»، فقلت له: و كيف يحيي أمركم؟ قال: «يتعلّم علومنا و يعلّمها النّاس، فإنّ النّاس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا»(1).
نحمد اللّه العظيم العليم، حمدا لا حصرله و لاحدّ، إذ جعل غاية خلق الإنسان معرفة صفاته، و عبادة ذاته، فقال جلّ و عزّ: وَ ما خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ (2)، و نصلّي علي الأنبياء أجمعين، و لا سيّما خاتم الأنبياء و المرسلين محمّد المصطفي صلّي اللّه عليه و آله، إذ مهّدوا الطريق لهذا الهدف السّامي بالتزكيّة و تعليم الكتاب و الحكمة، و نسلّم علي الأئمّة المعصومين، و نخصّ بالسّلام منهم عالم آل محمّد صلّي اللّه عليه و آله، الإمام عليّ بن موسي الرّضا عليه السّلام، كوكب سماء المعرفة و العبوديّة السّاطعة، و دليل الخلق إلي صراط العلم و العبوديّة المستقيمة، و نحيّي العلماء و الباحثين الّذين عكفوا علي إحياء أمر إمامة المسلمين و ولاية أمير المؤمنين من خلال نشر العلوم و المعارف الإسلامية طول التّاريخ، و أطلعوا النّاس علي محاسن
ص: 3
ثقافة أهل البيت الأصيلة.
لقد تأسّس مجمع البحوث الإسلاميّة التّابع للعتبة الرّضويّة المقدّسة سنة 1363 ه - ش (1984 م) حسب الأمر الصادر عن السّادن الأعظم للعتبة و أمينها، و استلهاما ممّا كان ينشده قائد الثّورة الإسلاميّة الكبير سماحة الإمام الخمينيّ قدّس سرّه، و استمدادا من النّظرة الحكيمة لخلفه الصّالح، مرشد الثّورة الإسلاميّة سماحة آية اللّه العظمي السّيّد الخامنئيّ مدّ ظلّه الوارف، و استأنف المجمع عمله في التّحقيق و نشر العلوم الإسلاميّة و المعارف النّبويّة و سيرة أهل البيت عليهم السّلام في مجال تأمين ما يحتاج إليه المجتمع و النّظام الإسلاميّ و جيل الشّباب و زائر و الرّحاب الشّريف للإمام الرضا عليه السّلام، بعد تكوين أقسام تحقيقيّة و استثمار كفاءة أساتذة الحوزات العلميّة و الجامعات الإسلاميّة، فحاز - و الحمد للّه - نجاها باهرا في هذا الميدان.
انّ هذا الكتاب هو من تأليف أحد أساتذة و فضلاء حوزة مشهد العلميّة، سماحة حجّة الاسلام و المسلمين محمّد حسن الربّاني.
فقد قام المؤلّف بتقديم دراسة مفصّلة عن المناهج الرجاليّة للفقهاء، منطلقا بدراسته من المنهجين: الصدوريّ و السنديّ. راجين العليّ القدير أن ينتفع بهذا الكتاب القيّم طلاّب العلم و المعرفة.
مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للعتبة الرضوية المقدّسة
ص: 4
بِسْمِ اَللّهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
الحمد للّه الّذي تواترت نعماؤه و تسلسلت و استفاضت آلاؤه و الصلاة و السلام علي خاتم رسله و المعصومين الاطايب من عترته.
اما بعد:
فقد استجاز منّي العلاّمة الحجة محمد حسن الرباني البيرجندي - دامت بركاته -.
فاجزته ان يروي عنّي ما صحت لي روايته عن مشايخي العظام من الشيعة و السنة، و لكثرتها و تشتّتها نقتصر بذكر طريق واحد و هو من اعالي الاسانيد و اقواها و اقدمها:
اروي عن شيخي و ملاذي الشيخ آغا بزرگ الطهراني (1293-1389 ه) و هو يروي عن شيخه العلاّمة الحاج الميرزا حسين النوري المتوفي (1320 ه) و هو يروي عن العلاّمة المرتضي الأنصاري التستري المدفون بباب القبلة من الصحن الغروي في (1281 ه)، و هو يروي عن أجلّ مشايخه آية اللّه السيّد محمّد مهدي بحر العلوم الطباطباني البروجردي النجفي المسكن و المدفن، في مقبرته الخاصّة الشهيرة في (1212 ه)، و هو يروي عن الشيخ الفقيه المحدّث الشيخ يوسف صاحب الحدائق المتوفّي و المدفون بالحائر الشريف الحسيني (1186 ه)، و هو يروي عن العلاّمة المدرّس المعمّر البالغ إلي مائة سنة المجاور للمشهد الرضوي حيّا و ميّتا توفّي بها (بعد سنة 1150 ه) أعني المولي محمّد رفيع بن فرج الجيلاني، و هو يروي عن شيخه العلاّمة المجلسي مؤلّف بحار الأنوار مولانا محمّد باقر المتوفّي في (1111 ه)، و هو يروي عن والده العلاّمة المولي محمّد تقي المجلسي المتوفّي في (1070 ه)، و هو يروي عن شيخه و شيخ الإسلام الشيخ بهاء الدين محمّد العاملي الاصفهاني المدفون بالمشهد الرضوي في (1030 ه)، و هو يروي عن والده الشيخ عزّ الدين الحسين بن عبد الصمد الحارثي الجبعي المتوفّي في البحرين في (984 ه)، و هو يروي عن الشيخ السعيد زين الدين العاملي الشهيد في (966 ه)، و هو يروي عن الشيخ الفقيه علي بن عبد العالي الميسي المجاز من سميّه: الكركي، و هو يروي عن الشيخ محمّد بن محمّد بن محمّد بن داود المؤذّن الجزيني - ابن عمّ الشهيد - و هو يروي عن الشيخ ضياء الدين علي بن الشيخ الشهيد قدّس سرّه و هو يروي عن والده الشيخ شمس الدين محمّد بن مكي
ص: 5
العاملي الجزيني الشهيد ظلما في (786 ه)، و هو يروي عن فخر المحقّقين الشيخ أبي طالب محمد بن الحسن الحلّي المتوفّي (771 ه)، و هو يروي عن والده آية اللّه العلاّمة الحلّي الشيخ جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر المتوفّي (726 ه)، و هو يروي عن خاله و أستاذه الشيخ أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيي بن سعيد الحلّي المتوفّي (676 ه)، و هو يروي عن الشيخ تاج الدين الحسن بن علي الدربي، و هو يروي عن الشيخ رشيد الدين محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المتوفّي عن ما يقرب مائة سنة (558 ه)، و هو يروي عن السيّد عماد الدين أبي الصمصام ذي الفقار بن محمّد بن معبد الحسيني، و هو يروي عن السيّد الشريف المرتضي علم الهدي المتوفّي (436 ه) و عن شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي المتوفيّ (460 ه) و عن الشيخ أبي العباس المتوفّي (450 ه)، و كلّهم يروون عن الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمّي المتوفّي (368 ه)، و هو يروي عن الشيخ ثقة الإسلام الكليني محمّد بن يعقوب المتوفّي (328 ه) أو (329 ه)، و هو يروي كثيرا في كتابه الكافي عن الشيخ الجليل علي بن إبراهيم ابن هاشم القمّي المتوفّي بعد سنة (307 ه) كما يظهر من إجازته لجمع ممّن يروون عنه غير الكليني في هذا التاريخ، و أكثر روايات علي بن إبراهيم عن والده إبراهيم بن هاشم القمّي، و بقية الإسناد إلي الأئمّة المعصومين عليهم السّلام مذكورة في الكتب الأربعة.
فليرو دامت بركاته عنّي بهذا الإسناد لمن شاء و أحبّ، و الرجاء من مكارمه أن يذكرني بالدعاء في خلواته و أعقاب صلواته، و أن يلازم الإحتياط في سائر الحالات فإنّه طريق النجاة.
جعفر السبحاني مؤسسة الإمام الصادق قم المقدسة
9 /ربيع الأوّل من شهور سنة 1439 ه
ص: 6
الحمد للّه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لا تنقضي عجائبه، ولا تنقص خزائنه، ولا تنفد نوائله، والصلاة والسلام علي خيرته في خلقه، وحافظ سرّه، ومبلّغ رسالاته، وخاتم أنبيائه ورسله أبي القاسم المصطفي محمّد، وعلي أهل بيته الطاهرين المعصومين، مصابيح الدجي، وسادة الوري، وأُسوة الورع والتقوي، سيّما بقيّته الثاني عشر، الموعود المنتظر.
بداية أقول: قد نشأ بعد الغيبة الصغري للإمام المنتظر (عجّل اللّه فرجه) منهجان لتوثيق الروايات؛ هما: المنهج الصدوري «وهو الاطمئنان لِصدور الرواية» والمنهج السندي «وهو الاطمئنان لِصحّة السند» والأوّلُ يهتمّ بالقرائن، والثاني بالسند.
وتصدّي المنهج الصدوري إلي غربلة الروايات، فكان من آثاره: وسائل الشيعة العامليّة، وجامع الأحاديث البروجرديّة، وآثار الثاني: التضعيفات الغضائريّة، ومنتقي الجمان العامليّة، وتهذيب الكافي، والجوامع الاُخري البهبوديّة، ولكي نخلص إلي نتائج ذات فائدة؛ يمكن الاعتماد عليها؛ علينا أن نقوّم بادئَ ذي بدء قواعد وأُصول المنهج الصدوري، لأنّا بذلك نطمئنّ إلي طرفي الإثبات والنفي وذلك كوننا ندّعي أنّ المنهج السندي ينفع في الفقه لكثرة رواياته، ولا ينفع في غيره مِن المواضيع، بل ربّما يضرّ.
ص: 7
إنّ أتباع منهج الوثوق الصدوري، وهم أكثر أتباع الفقه الذين رشفوا من عين صافية، وهو مسلك أكابر فقهاء الإماميّة، فالرجوع إلي أحوال الرجال هو خير سبيل لمعرفة صدور الحديث عن المعصوم عليه السلام، ويُعدُّ علم الرجال والكتب الرجاليّة أحد المصادر التي ذُكرت فيها القرائن، فكم من نصّ رجاليّ، وبإزائه قرائن أُخري هي ليست من النصوص الرجاليّة ولكن تعتبر من القرائن التي استخرجها الفقهاء من كتب الرجال.
لا شكّ أنّا إذا تشدّدنا في توثيق الرواة علي منهج أصحاب السند من الفقهاء كالشهيد الثاني، فسوف نضطَرُّ إلي حذف أصل ظريف بن ناصح(1) لأنّ في طريقه محمّد بن قيس وهو مشترك بين الثقة والضعيف، ثمّ إنّ الشهيد في دراساته المتقدّمة يردّ روايات محمّد بن قيس البجلي مطلقاً(2)، ولكنّه لمّا كتب فوائد القواعد ترَدَّدَ فيه، وبعد ذلك كتب الرعاية و كان يقول بوثاقة محمّد بن قيس البجلي إن كان راويه عاصم بن حميد أو ابن مسكان، كما صرّح بذلك أبو العبّاس أحمد النجاشي في فهارسه الرجاليّة، فالشهيد عِندما كتب مسالك الأفهام والروضة البهيّة تشدّد فيهما في محمّد بن قيس، وردّ جميع رواياته، ومنها: أصل ظريف بن ناصح المنقول بعشرة طرق في الجوامع الروائيّة الأربعة، وبطرقه الأُخري في الفهرست، وغيره التي تصل إلي عشرة طرق.
وناقشها الشهيد أيضاً لوجود عليّ بن الحسن بن فضّال فيها، وكان واقفيّاً، فهذه هي ثمرة جهود الشهيد الثاني، غير أنّ أصحاب منهج الوثوق الصدوري قد7.
ص: 8
وضعوا العراقيل أمام هذا الأمر، إلّاأنّ الشهيد الثاني، في أواخر حياته قد أوجد له حلّاً وهذه هي الصحيفة السجاديّة، والجامع المعروف بأمين اللّه، إذا ناقشنا في رواتهما ففيهما رواة مهملون، أمّا نحن فنستنبط من قرائن أُخري بصدور هذين المصدرَيْن عن أحَد الأئمّة المعصومين عليهم السلام ومنها: إتقان متنهما وقُوّة بلاغتهما.
ونحن إذا أصغينا إلي آرائهم؛ أي المتشدّدين من الرجاليّين، كابن الغضائري، والشيخ عبدالنبيّ الجزائري، والشيخ البهبودي وغيرهم، ينبغي أن نردّ حديث سلسلة الذهب المروي عن الرضا عليه السلام لأنّه روي بطرق فيها أبناء السنّة(1)، وتوجد هناك أمثلة اُخري علي ذلك، فإذن مع إعمال القواعد الرجاليّة الصعبة في الحديث ينتج ما كتبه البهبودي في كتابه: الصحيح من الكافي وغيره، والبرقعي من المقتفين لآثارهم، وإن كان القياس بينهما باطل، حيث أمثال الدكتور محمّد الصادقي صاحب تفسير الفرقان(2)، والشيخ محمّد باقر البهبودي، والشيخ آصف المحسني لا يقاسون بالبرقعي، فهو وأتباعه من المخالفين لضرورات مذهب الإماميّة، أمّا هؤلاء الثلاثة فهم من المعاصرين المشهورين عند علماء الإماميّة، إلّاأنّ منهجهم صعب لا يقاس بمنهج الفقهاء، ولا يبني عليه الفقه.
وأمّا أتباع المنهج السندي والذين اتّخذوا منهجاً خاصّاً، فلا تعتبر عندهم الرواية إلّاإذا كانت ذات سندٍ معتبر، وعندهم القرائن وإن كثرت فلا تُفيد إفادة السند، ولا تضفي علي الرواية اعتباراً وبدون السند مهما بلغت تلك الرواية،ة.
ص: 9
وسيأتي كلام آية اللّه الخوئي في ذلك في بحث الاجتهاد والتقليد في مبحث مبادئ الاجتهاد.
وبات من الواضح أنّ ما يتوقّف عليه الاجتهاد بعد معرفة اللغة العربيّة وقواعدها عِلمان، أحدهما: علم الأُصول، والثاني: علم الرجال.
وفي الختام أتقدّم بخالص الشكر والتقدير إلي مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للعتبة الرضويّة المقدّسة لِسعيه الحثيث وجهوده المخلصة في طبع عددٍ من مؤلّفاتي، فأنا لفضله شاكر، ولطول بقائه داعٍ.
واُواصل شكري وامتناني إلي الاُستاذ عبدالحسين الأنصاريّ علي تقويمه وتصحيحه وتنقيحه العلمي والأدبي لجميع نصوص الكتاب وإظهاره بلغة مفهمة تنسجم مع موضوعه وهدفه.
وكذا الشكر موصول إلي الأخ علاء بصيري مهر علي مراجعاته الدقيقة والقيِّمة؛ متناً وهامشاً، والتي كان لها دور كبير في تتبّع الأخطاء وإصلاحها، ورفع النواقص، وإزالة الإبهام عن نصوص الكتاب، كما أُعبّر عن جزيل شكري لسماحة الشيخ مجتبي الإلهي الخراساني علي ملاحظاته في تبويب الكتاب، وخطّة البحث، وكذلك من دافع عرفان الجميل، أن أشكر جهود فضيلة الدكتور أمير سلماني رحيمي لما قام به من انتقاء لنصوص منقولة عَنِ العلماء والرجاليّين، وأقول أخيراً: إنّ بضاعتي هذه مُزجاة، وعلي اللّه التكلان والعاقبة للمتّقين.
المؤلّف
شعبان المعظّم، سنة 1435 ق.
ص: 10
المصدر الأمّ للأحكام هو القرآن الكريم، والآيات الواردة فيه حَول الأحكام خمسمائة آية(1) كما اشتهر ذلك بين الإماميّة. وقد ألّف الشيخ المحقّق عبداللّه المتوج البحراني(2) المعاصر للفاضل السيوري كتاباً في تفسير آيات الأحكام سمّاه: النهاية في تفسير الخمسمائة آية.
وذكر المحقّق الفاضل المقداد السيوري في بداية آيات الأحكام أنّه: اشتهر بين القوم أنّ الآيات المبحوث عنها نحو من خمسمائة آية وذلك إنّما هو بالمتكرّر والمتداخل وإلّا فهي لا تبلغ ذلك، فلا يظنّ من يقف علي كتابنا هذا - ويضبط عدد ما فيه - إنّا تركنا شيئاً من الآيات فيسيء الظنّ به، ولم يعلم أنّ المعيار عند ذوي البصائر والأبصار إنّما هو التحقيق والاعتبار لا الكثرة والاشتهار(3).
وعلماء مدرسة الصحابة ذكروا عددَ الآيات في الأحكام أكثر من ذلك،
ص: 11
وفسّروا القرآن من أوّله إلي آخره، وقالوا بأنّه في كلّ آية أحكام، ادّعوا استنباطها منها، وبُنِيَ علي هذا الرأي أحكام القرآن للجصّاص الحنفي، وابن العربي المالكي والكياهراسي الشافعي، فليس كلّ حكم بيِّن في القرآن نحتاج إلي السنّة في تفسيره. أمّا السُنَّة عند الإماميّة فتشمل سنّة الرسول والأئمّة عليهم السلام. وهي ما تحكي عن قولهم، وفعلهم، وتقريرهم عليهم السلام(1). فالسنّة في مدرسة الإمامية أكثرها منقولة بخبر الواحد وأقلّها بالخبر المتواتر، فلذلك نحتاج إلي علم يبتّ لنا بخبر الواحد ووثاقته، لا من حيث الحجّيّة، بل من حيث إحراز صدوره، وهذا هو علم الرجال عند بعض علماء الأصول. وهناك فئة أخري من الفقهاء وهم الأخباريّون القُدامي والمتأخّرون منهم، وقلّة من الاُصوليّين، قالوا: لا نحتاج إلي علم الرجال ونحن في غِنًي عنه، ومن المعاصرين من هؤلاء: الفقيه آقا رضا الهمداني(2)، والشيخ حسين الحلّي(3)، المعاصر لآية اللّه الخوئي استاذ أساتذتنا، فشعاره: وأمّا علم الرجال فلا حاجة إليه. وإذا سأله تلميذ عن راوٍ، أو سند، أو بحث رجالي قال، إنّا لا نحتاج إلي الرجال ولا نبحثه، ومن أراد ذلك فليطلبه من مسجد الطوسي؛ ومراده مِدرس آية اللّه الخوئي.
وقال تلميذه السيّد محمّد حسين الحسيني الطهراني في كتابه: ولاية الفقيه في حكومة الإسلام: وأمّا علم الرجال؛ فلا جدوي فيه في زماننا هذا، لأنّه بعد كون المدار في حجّيّة الروايات هو الوثوق بالرواية؛ قلّت فائدة الإحاطة-.
ص: 12
بالأسانيد، وذلك لأنّا إذا رأينا أنّ المشهورين قد عملوا علي طبق رواية وضبطوها في كتبهم، واستشهدوا بها في مقام الاستدلال، يحصل لنا الوثوق بصحّتها، وكونها مرويّة عن الإمام عليه السلام، وإذا أعرضوا عن رواية فأهملوها لا نثق بها؛ وإن كان سندها صحيحاً، نعم في سالف الزمان لمّا كانت الروايات متشتّتة غير مضبوطة في الكتب، لم يكن سبيل لتمييز الصحيح عن السقيم، إلّامراجعة أحوال الرواة.
وأمّا بعد الكتب الأربعة وسائر الجوامع الروائيّة، وملاحظة الكتب الفقهيّة فلا مجال لادّعاء الاحتياج إلي الأسانيد، وهذا واضح علي ما بنينا عليه، ولابدّ أن يبني عليه في حجيّة خبر الواحد؛ من حجيّة الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة وعدم حجيّة الخبر الصحيح المُعرض عنه الأصحاب ولذلك تري أنّه لا يُمكِن لأحدٍ ردّ مقبولة عمر بن حنظلة، ولم يستشكل عليها أحد في السند، مع أنّ عمر ابن حنظلة(1) لم يوثّق في كتب الأصحاب، ومن ادّعي عدم حجيّة المقبولة وما ضاهاها من روايات كتبها المشايخ الثلاث أو بعضهم، فلابدّ وأن يخرج من زمرة أهل العلم، لعدم شمّه من الفقه والفقاهة شيئاً(2).
هذا ما عند مدرسة المستغنين عن علم الرجال الذين نسمّيهم: أصحاب منهج الوثوق الصدوري الذين اعتمدوا علي الكتب المشهورة وعلي رأسهم رئيس المحدّثين الشيخ أبو جعفر الصدوق ابن بابويه القمي فإنّه قال في مقدّمة-.
ص: 13
كتابه: من لا يحضره الفقيه - بعد ذكره سبب تأليف للكتاب وهو إجابة لطلب السيّد نعمة اللّه: - فأجبته أدام اللّه توفيقه إلي ذلك، لأنّي وجدته أهلاً له، وصنّفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلّا يكثر طرقه وإن كثرت فوائده، ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه بل قصدت إلي إيراد ما اُفتي به، وأحْكُم بصحّته؛ أي بصحّة صدوره عن المعصوم سواء كان السند صحيحاً أو لا.
وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي تقدّس ذكره وتعالت قدرته، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع مثل كتاب: حريز بن عبد اللّه السجستاني، وكتاب: عبيد اللّه بن علي الحلبي، وكتب:
عليّ بن مهزيار الأهوازي، وكتب: الحسين بن سعيد، ونوادر: أحمد بن محمّد ابن عيسي، وكتاب: نوادر الحكمة تصنيف محمّد بن أحمد بن يحيي بن عمران الأشعري، وكتاب: الرحمة لسعد بن عبداللّه، وجامع شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد رضي الله عنه، ونوادر محمّد بن أبي عمير، وكتاب: المحاسن لأحمد ابن أبي عبداللّه البرقي، ورسالة أبي رضي الله عنه إليّ وغيرها من الأصول والمصنّفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رَوَيتها عن مشايخي وأسلافي رضي اللّه عنهم، وبالغت في ذلك جُهدي، مستعيناً باللّه(1).
فمسلك الصدوق المولود بدعاء صاحب الأمر عليه السلام(2) هو الاطمئنان إلي صدور الرواية عن المعصوم، وأحد أبرز مصاديق صدور الرواية عن المعصوم هو وجودها في الكتب المشهورة الواصلة إلي الصدوق بالطرق المعتبرة عنده،6.
ص: 14
فلذلك اعتقد أنّ ما فيه حجّة بينه وبين اللّه حكم بصحّته، وأفتي به.
وهذا هو مراد آية اللّه البروجردي حيث قال: إنّ عدم ذكر الصدوق الطرق في آخر كتابه لم يكن عن نسيان وغفلة، بل كان متعمّداً.
قال الأستاذ السبحاني عن أُستاذه آية اللّه البروجردي: والذي عند سيّد المحقّقين البروجردي قدّس اللّه سرّه من الإجابة عن هذا السؤال هو أنّ الكتب التي نقل عنها الصدوق في هذا الكتاب كانت كتباً مشهورة، وكان الأصحاب يعوّلون عليها ويرجعون إليها ولم يكن ذكر الطريق إلي هذه الكتب إلّاتبرّعاً وتبرّكاً، أي لإخراج الكتب عن صورة المرسل إلي صورة المسند، وإن كان جميعها مسانيد لشهرة انتساب هذه الكتب إلي مؤلّفيها، وبذلك كانت تستغني عن ذكر الطريق. والذي يدلّ علي ذلك قوله في ديباجة الكتاب: وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع، مثل كتاب: حريز بن عبداللّه السجستاني وكتاب: عبيد اللّه بن عليّ الحلبي، وكتب عليّ بن مهزيار الأهوازي... إلي آخر كلامه(1).
وهذا هو المعيار عند الفقيه الهمداني فإنّ القرائن عنده أعظم شأناً من التصريح الرجالي، وهو المصرّح به عند السيّد البروجردي.
قال الفقيه الهمداني بعد مناقشة رواية عبدالواحد بن عبدوس، وعليّ بن محمّد القتيبي واعتبار روايتهما مع أنّهما من مشايخ الإجازة وإن لم يرد فيهما أيّ توثيق ونصّ رجالي: ولا شبهة في أنّ قول بعض المزكّين بأنّ فلاناً ثقة أو غير ذلك من الألفاظ التي اكتفوا بها في تعديل الرواة لا يؤثّر في الوثوق أزيد ممّا1.
ص: 15
يحصل من أخبارهم بكونه من مشايخ الإجازة، ولأجل ما تقدّمت الإشارة إليه جرت سيرتي علي ترك الفحص عن حال الرجال، والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحّة كونها موصوفة بها في ألسنة مشايخنا المتقدّمين الذين تفحّصوا عن حالهم(1).
وقال نظيره أيضاً آية اللّه البروجردي في ذيل مناقشة رواية أحمد بن محمّد ابن الحسن بن الوليد وهو الأستاذ، وشيخ إجازة الشيخ المفيد: إنّ التوثيق الحاصل من تجميع القرائن لا يقصر عن نصّ رجاليّ (2).
وأمّا آية اللّه الخوئي وهو أحد أتباع منهج الوثوق السندي فقد سار علي نهج المحقّق الحلّي، والسيّد ابن طاووس، والشهيد الثاني وأتباعهم، وهو القائل في مبادي الاجتهاد: والعمدة فيما يتوقّف عليه الاجتهاد بعد معرفة اللغة العربيّة وقواعدها علمان أحدهما علم الأُصول....
إلي أن قال: وثانيهما: علم الرجال، وذلك أنّ عدداً من الأحكام الشرعيّة وإن كانت تستفاد من الكتاب إلّاأنّه أقلّ قليل، وغالبها يستفاد من الأخبار المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام، وعلي ذلك فإن قلنا: إنّ الأخبار المدوّنة في الكتب الأربعة مقطوعة الصدور، أو إنّها ممّا نطمئنّ بصدورها لأنّ الأصحاب عملوا بِها ولم يناقشوا في أسنادها وهذا يفيد الاطمئنان بالصدور؛ فقد تَخلَّصنا من علم الرجال لعدم مساس الحاجة إلي معرفة أحوال الرواة، كما سلك ذلك المحقّق الهمداني قدس سره حيث قال:2.
ص: 16
ليس المدار عندنا في جواز العمل بالرواية علي اتّصافها بالصحّة المطلوبة، وإلّا فلا يكاد توجد رواية يمكننا إثبات عدالة رواتها علي سبيل التحقيق لولا البناء علي المسامحة في طريقها، والعمل بظنون غير ثابتة الحجيّة. بل المدار علي وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية، وإن كان بواسطة القرائن الخارجيّة التي عمدتها كونها مدوّنة في الكتب الأربعة، أو مأخوذة من الاُصول المعتبرة مع اعتناء الأصحاب بها وعدم إعراضهم عنها، إلي أن قال: ولأجل ما تقدّمت الإشارة إليه جرت سيرتي علي ترك الفحص عن حالهم، انتهي.
وإنّما اللازم حينئذٍ مراجعة أنّ الرواية هل هي معمول بها عندهم، لتكون حجّة، أو أنّها معرض عنها لتسقط عن الاعتبار. ومعه، لا تمسّ الحاجة إلي علم الرجال إلّافي بعض الموارد، كما إذا لم يظهر لنا عمل الأصحاب علي طبق الرواية، أو إعراضهم عنها.
وأمّا إذا بنينا علي ما هو الصحيح عندنا، من أنّ عمل الأصحاب والمشايخ (قدّس اللّه أسرارهم) علي طبق رواية، لا يكون جابراً مُستدركاً لضعف دلالتها، إذ المتبّع حسب سيرة العقلاء هو الظهور، ومن الظاهر أنّ عملهم علي طبق رواية لا يجعلها ظاهرة في المعني المراد كما لا ينجبر بعملهم ضعف سندها، فإنّ السيرة العقلائيّة التي هي العمدة في حجيّة الخبر، وكذا الأخبار التي ادّعينا تواترها إجمالاً، وبعض الآيات المذكورة في محلّها إنّما تدلّ علي اعتبار الخبر الموثوق أو الممدوح رواته، أو الرواية التي يطمأن إلي صدورها عنهم - لو اتّفق في مورد - وأمّا الخبر الضعيف فلم يدلّنا دليل علي اعتباره؛ إذا عمل المشهور علي طبقه. فلا محالة تزداد الحاجة إلي علم الرجال، فإنّ به يعرف الثقة عن
ص: 17
الضعيف، وبه يتميّز الغثّ من السمين، ومعه لا مناص من الرجوع إليه للتفتيش عن أحوال الرواة الواقعين في سلسلة السند واحداً بعد واحد، ليظهر أنّه موثوق به ليؤخذ بخبره، أو أنّه ضعيف لئلّا يعتمد علي إخباره؛ حتّي الرواة الواقعين في السند بعد ابن أبي عمير وزرارة وأضرابهما ممّن ادّعوا الاجماع علي تصحيح ما يصحّ عنهم في الرجال، وذلك لأنّ هذا الإجماع ليس بأزيد من الإجماعات المنقولة التي لا نعتمد عليها في الأحكام، علي أنّه غير معلوم المراد، وهل اُريد به أنّ السند إذا كان معتبراً إلي تلك الجماعة لم ينظر إلي من وقع بعدهم في سلسلة السند من الرواة، بل يحكم باعتبارها ولو كان الراوي الواقع بعدهم غير معلوم الحال عندنا ليكون ذلك توثيقاً إجمالياً لهؤلاء الرواة، أو أنّ المراد به توثيق أصحاب الإجماع في أنفسهم ليكون معناه أنّ الجماعة المذكورين ثقات أو عدول؛ وإن كان بعضهم واقفيّاً، أو فطحيّاً أو غيرهما من الفرق، ولم يرد توثيق لبعضهم مع قطع النظر عن هذا الإجماع، فالسند إذا تمّ من غير ناحيتهم فهو تامّ من جهتهم أيضاً لأنّهم ثقات أو عدول، وأمّا من وقع في السند بعدهم فلا يكاد يستفاد توثيقه من الإجماع بوجه. وبما أنّ كُلّاً من الأمرين محتمل الإرادة في نفسه، فيصبح معقد الإجماع مجملاً، ولا يمكننا الاعتماد عليه إلّافي المقدار المتيقّن منه وهو الأخير.
والمتحصّل: أنّ علم الرجال من أهمّ ما يتوقّف عليه رحي الاستنباط والاجتهاد. وأمّا غير ما ذكرناه من العلوم فهو فضل لا توقّف للاجتهاد عليه(1).5.
ص: 18
إنّ الذين ينظرون إلي الروايات من منظر الوثوق الصدوري، يتابعون ويترصّدون لِيظفروا بقرينة معتبرة تزيد من اعتبار الرواية عندهم، ولا يخفي من أنّ بعض القرائن لم تُكتشف عند القدماء وكشف عن نقابها المتأخّرون، ثمّ إنّ هناك قرائن تختصّ بعصر الأئمّة عليهم السلام ولا فائدة منها في عصرنا، فلو نظرنا إلي القرائن بل القواعد التوثيقيّة نجد أنّ لكلّ منها دوراً عند الفقهاء فإذا أخذ بها فقيه تبعه علي ذلك غيره من الفقهاء، ومثل ذلك قاعدة شيخوخة الإجازة والتي تدلّ علي الوثاقة، فأوّل من طرحها هو الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي الجزيني الذي استشهد بتوثيق عددٍ من الرواة بأنّه من شيوخ الإجازة، وشيخ الإجازة لا يحتاج إلي التوثيق بل هو أعظم شأناً من التوثيق، ثمّ من بعده اعتني بها الفقهاء حتّي صار في عصر الشهيد الثاني والمحقّق الأردبيلي أن يقال: إنّ مشايخ الإجازة لا يحتاجون إلي التوثيق. ومستغنون عن التوثيق(1).
فمنذ عصر الشهيد الأوّل إلي زماننا هذا استشهد به الفقهاء(2)، فهذا هو أحمد
ص: 19
ابن محمّد بن الحسن بن الوليد، لم يوثّقه الرجاليّون، بل أهملوه، ولكن هو شيخ المفيد، وأستاذه ومن أجاز تلاميذه في التوثيق، والتضعيف، والجرح والتعديل بل ونقل الحديث، فبما أنّه راوٍ غير موثّق في كتب الرجال، ومهمل عندهم فهو غير موثّق ضعيف، وقد طرح روايته آية اللّه الخوئي.
ولكونه شيخ الإجازة، وهو أعلي من التوثيق الرجالي فهو موثّق وحديثه صحيح، وإنّ المتقدّمين من العلماء والمتأخّرين كالعلّامة عدّوا حديثه صحيحاً لهذا الأمر فالعلّامة وغيره يتّكلون علي هذه القرائن ولم يصرّحوا بذلك علناً(1).
فعن السيد الخوئي بهذا الصدد: أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد أبوالحسن: من مشايخ الشيخ المفيد، وقد صحّح العلّامة كثيراً من الروايات التي هو في طريقها، وكذلك الشيخ حسن صاحب المعالم، فيما حكي عنه، بل وثّقه الشهيد الثاني في الدراية، والشيخ البهائي في حاشية الحبل المتين.
وقال الميرزا في الوسيط: ولم أر إلي الآن، ولم أسمع من أحد يتأمّل في توثيقه إلّاأنّه مع ذلك لا يمكننا الحكم بوثاقته. أمّا تصحيح العلّامة، أو غيره للطريق، فهو اجتهاد منه، ولعلّه من جهة أصالة العدالة، كما استظهرنا البناء عليها من العلّامة ممّا ذكره في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة، أو من جهة كونه من مشايخ المفيد، ولذا قال الفاضل المجلسي في الوجيزة: يعدّ حديثه صحيحاً7.
ص: 20
لكونه من مشايخ الإجازة(1). لكنّا قد ذكرنا في المدخل: أنّ الشيخوخة للإجازة لا يلزمها الوثاقة، ولا الحسن. وأمّا توثيق الشهيد الثاني(2) والشيخ البهائي فهو أيضاً مبنيّ علي الاجتهاد والحدس، إذ لا يحتمل أن يكون مثل هذا التوثيق منتهياً إلي الحسّ والسماع من الثقات، كما هو الحال في توثيق غيرهما من المتأخّرين لمن يكون الفصل بينه وبينهم مئات من السنين، ولا سيّما أنّه لا يوجد لأحمد هذا ذكر في كتب الرجال، حتّي إنّ العلّامة قدس سره أيضاً أغفل ذكره.
ومن هنا قال الفاضل التفريشي، قال الشهيد الثاني في درايته: إنّه من الثقات ولا أعرف مأخذه، فتحصّل أنّه لم تثبت وثاقة الرجل بوجه، وكيف كان فلا ينقضي تعجبي من عدم تعرّض الشيخ لحاله في رجاله، مع أنّه من المعاريف وكثير الرواية، وقد وقع في طريقه محمّد بن الحسن بن الوليد وغيره(3).
ومِن هنا يلاحظ علي التفريشي والسيّد الخوئي وغيرهما أنّ وجه التوثيق في أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد واضح، وهو لِكونه من مشايخ الإجازة، وهذا عند أتباع المنهج الصدوري أعلي منزلة من قول النجاشي: إنّه ثقة.
وأمّا عدم تعرّضهم له فلأنّه ليس صاحب تصنيف وتأليف، ولسبب ذاته لم يتعرّض النجاشي والشيخ له، والعلّامة إذ صحّح حديثه فَعلي هذا المبني، فمن كان هو أستاذ المفيد في الحديث فهو أرفع شأناً من الراوي الذي لقي الصادق عليه السلام في حجّه مرّة واحدة، فانظر إلي رجلين من أصحاب الأئمّة عليهم السلام أحدهما شيخ، والآخر راوٍ، وإن كان صاحب كتاب؛ فهل مقامهما ومنزلتهما6.
ص: 21
واحدة؟
فهذا أستاذ، وذاك راوٍ، فهل لا يوجد فرق بين الراوي والأستاذ؟! والعجب من موقف أتباع المنهج السندي، وهو أنّ الراوي ثقة، لأنّه قال النجاشي: ثقة.
وأستاذُ المفيد وغيره ضعيف لأنّ النجاشي والشيخ أهملاه، فكما أنّ آية اللّه البروجردي صرّح بأنّه لم يكن المؤلّفون في علم الرجال بصدد تأليف موسوعة رجاليّة شاملة لتمام الرواة، بل كلّ يعمل علي حسب قدرته وإمكانيّاته.
فالنجاشي بصدد فهرسته للمصنّفات والشيخ بصدد فهرسته للطرق(1)، فتوثيق الشهيد والشيخ الحرّ العاملي له رغم أنّهما أكثر تقيّداً من آية اللّه الخوئي، إلّا أنّهما وثّقاه، ودليل التوثيق عندهم هو كونه من مشايخ الإجازة، واُستاذ المفيد، وليس البناء عند العلّامة توثيق كلّ مجهول علي أنّه أصل العدالة؛ وإن ادّعاه بعض، بل في مواضع.
إنّ أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، وعبد اللّه بن بكير، وأمثالهما، موثّقون لِقرينة تامّة، فهذا العلّامة الحلّي أوّل من تعرّض بعد الشيخ الطوسي لقاعدة الإجماع(2)، رغم أنّ الشيخ لم يصرّح بأنّ هذه هي قاعدة الإجماع، فهذا التعبير لأوّل مرّة تعرّض له العلّامة الحلّي فذكره كثيراً في سند رواية عبداللّه بن بكير فيقول عنه: وهو فطحيّ، ولكنّه لا إشكال فيه، لأنّه من أصحاب الإجماع، والإجماع منقول، وهو حجّة، فالمتعرّض الأوّل لدلالة القاعدة المسمّاة بالإجماع هو العلّامة الحلّي، فالقاعدة عنده تدلّ علي وثاقة أصحاب الإجماع6.
ص: 22
أنفسهم، ثمّ بعد العلّامة فإنّ أوّل من تطرّق لها علي أنّ نقل أصحاب الإجماع عن راوٍ مهمل ومجهول تدلّ علي وثاقته؛ فهو تلميذ العلّامة بواسطة واحدة، فقد تتلمذ الشهيد الأوّل علي فخر الدين الحلّي ولد العلّامة، وكان تلميذ العلّامة.
قال الشهيد الأوّل فإنّ في نقل الحسن بن محبوب عن أبي الربيع دليل علي توثيقه(1)، فهذا أوّل خبر نجده في كتب الفقه معتمداً هذه القاعدة في معناها الواسع، فقاعدة الإجماع هذه كما أنّها تدلّ علي وثاقة أصحاب الإجماع فهي تدلّ أيضاً علي توثيق الرواة الذين يروي عنهم أصحاب الإجماع.
إنَّ الذي نحن بصدد بيانه هو أنّ أصحاب المنهج الصدوري في سعة إذا أرادوا أن يتفحّصوا ويبحثوا عن قرائن جديدة ليعملوها في توثيق الحديث وتصحيحه وهذه هي قاعدة بني فضّال، والشيخ الأنصاري هو أوّل من تطرّق لهذه القاعدة في مكاسبه في مبحث الاحتكار، ثمّ في الصلاة والطهارة(2) وبعد أن عثر علي هذه القرينة، استشهد بها أكثر العلماء من بعده، فنري في كلّ فترة يُعثر علي قاعدة وقرينة كاملة دالّة علي توثيق الرواة.
وعلي هذا فكيف يمكننا القول: إنّ الراوي إن لم يُصرّح به في كتب الرجال فهو ضعيف، ثمّ إنّه أوّل من اعتبر مراسيل المشايخ الثلاث(3) والذين هم: محمّد5.
ص: 23
ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيي، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، وهذا الشيخ الطوسي، قد قال في: العدّة في أصول الفقه: إنّ أصحابنا سوّوا بين مراسيلهم ومسانيد غيرهم، لأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة(1).
وعلي أثره اقتفي العلماء والفقهاء فأخذ به جيل بعد جيل، وفقيه بعد فقيه، وإلي زماننا هذا، فنحن أتباع مدرسة المنهج الوثوق الصدوري في كلّ عصر قادرون علي اكتشاف قاعدة جديدة، حيث علم الرجال كالفقه، بابه مفتوح غير مسدود.
ومثال آخر علي معني القاعدة المسمّاة، بالإجماع، فلو فسّرناها بأنّها تدلّ علي توثيق من روي عنهم أصحاب الإجماع أو علي المراسيل، والمرافيع المنقولة عنهم، فهذا المعني فقد وجدنا أوّل أثر له، في كلام الشهيد الأوّل(2)، ثمّ بعد ذلك فإنّ أوّل من فسّره وأوضحه وشرحه هو الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين العاملي ومعاصره العلّامة السيّد محمّد باقر الإسترآبادي فهما قاما بتوضيح القاعدة في آثارهم كالحبل المتين، ومشرق الشمسين، والرواشح خاصّة(3)، وتبعهما علي ذلك سائر العلماء في القرون الأربعة الأخيرة.
إنّ من القواعد التي أوضحها العلّامة السيّد مهدي بحر العلوم(4)؛ قاعدة توثيق مشايخ النجاشي فإنّه قام بنقل عمّا يقرب من أربعين مِن شيوخ الرواية، وقد عبّر6.
ص: 24
عنهم بألفاظ متعدّدة، منها: شيخنا الثقة، مشايخنا الثقات، وصرّح أحياناً بالقول:
إنّا لم نأخذ عن فلان الحديث لأنّه لم يكن عندنا بثقة، وهذا هو دليل علي أنّ مشايخه ثقات، إلّاأنّ الذي قام بتوضيحها والتمهيد لها هو العلّامة السيّد مهدي بحر العلوم في كتابه: الفوائد الرجاليّة، وتبعه علي ذلك آية اللّه الخوئي وتبعه غيره، فهذه القاعدة ظهرت في القرن الثالث عشر، ومن القواعد التي أبان عنها الشيخ الحرّ العامليّ هي توثيق الرواة في تفسير عليّ بن إبراهيم القميّ، فهو وإن تطرّق لها في كتابه: خاتمة وسائل الشيعة بقوله: إنّ تفسير القميّ كتاب فيه رواة ادّعي القميّ أنّهم ثقات، إلّاأنّ آية اللّه الخوئي، والمحدّث النوري وغيرهما قاموا بإيضاح ذلك.
وعلي ضوء ما تقدّم فهل يحقّ لنا أن نقول: إنّ الوثاقة والانحراف عن الإمامة نقيضان لا يجتمعان؟ كما قال ذلك العلّامة الحلّي في جواب فخر الدين الحلّي حين سأل أباه عن عبداللّه بن بكير، فقال: وأيّ ذنب أعظم من انحرافه عن الإمامة! وصرّح به أيضاً الشهيد الثاني في الطلاق في كتاب: الروضة(1).
وعليه فكيف نقول: إنّ أحمد بن الحسين بن عبيد الضبيّ غير ثقة لأنّه ناصبيّ كما صرّح به آية اللّه الخوئي في معجم رجاله، وهذا التصريح نقض لقاعدة رجاليّة تقول: إنّ مشايخ الصدوق ثقات، وقال كيف نقول: إنّهم ثقات مع أنّ في مشايخه من هو ناصبي كما صرّح بذلك الشيخ أبو جعفر الصدوق في أماليه، فإنّه بعد نقل حديث سلسلة الذهب عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: ما لقيت أحداً أنصب منه، ومع هذا، لو تأمّلنا في حديث سلسلة الذهب، المنقول عن0.
ص: 25
الرضا عليه السلام في نيسابور، فمَن هُم رواة هذا الحديث؟ فَهَل يوجَد أحد غير إسحاق بن راهويه، وأبي زرعة الرازي، فهما قالا للرضا عليه السلام يابن رسول اللّه، أترحَلُ عَنّا ولا تُحَدِّثنا بحديث! ونقله الصدوق عن رواة نيسابور في العيون والتوحيد(1).
فَفي العيون:
1 - حدّثنا أبو سعيد محمّد بن الفضل بن محمّد بن إسحاق المذكِّر النيسابوري بنيسابور، قال حدّثني أبو عليّ الحسن بن عليّ الخزرجي الأنصاري السعدي(2)، قال: حدّثنا عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، قال: كنت مع عليّ بن موسي الرضا عليه السلام حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء فإذا محمّد بن رافع، وأحمد بن الحارث، ويحيي بن يحيي، وإسحاق بن راهويه، وعدّة من أهل العلم قد تعلّقوا بلجام بغلته في المَرْبَعَة، فقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك، فأخرج رأسه من العمّاريَّة وعليه مِطْرف(3) خزٍّ ذو وجهين، وقال: حدّثنا أبي، العبد الصالح موسي بن جعفر قال:
حدّثني أبي الصادق جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي أبو جعفر بن عليّ باقر علوم الأنبياء قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين سيّد العابدين، قال: حدّثني أبي سيّد شباب أهل الجنّة الحسين، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال:
سمعت النبيّ صلي الله عليه و آله، يقول: سمعت جبرئيل يقول: قال اللّه جلّ جلاله: «إنّي أنا اللّهم.
ص: 26
لا إله إلّاأنا فاعبدوني، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلّااللّه بالإخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي».
2 - حدّثنا أبو الحسين محمّد بن عليّ بن الشاه الفقيه المرورودي، في منزله بمرورود قال: حدّثنا أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن العامر الطائي بالبصرة، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عليّ بن موسي الرضا عليه السلام، قال: حدّثني أبي موسي بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: يقول اللّه عزّ وجلّ: «لا إله إلّااللّه حصني، فمن دخله أمن من عذابي».
3 - حدّثنا أبو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد الضبّي، قال: حدّثنا أبو القاسم محمّد بن عبيد اللّه بن بابويه الرجل الصالح، قال: حدّثنا أبو محمّد أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن هاشم قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر أبو السيّد المحجوب إمام عصره بمكّة، قال: حدّثني أبي عليّ بن محمّد النقي قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ التقي، قال: حدّثني أبي عليّ بن موسي الرضا قال: حدّثني أبي موسي بن جعفر الكاظم، قال:
حدّثني أبي جعفر بن محمّد الصادق قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ الباقر، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين السجّاد زين العابدين، قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ سيّد شباب أهل الجنّة، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب سيّد الأوصياء قال: حدّثني محمّد بن عبداللّه سيّد الأنبياء صلي الله عليه و آله قال: حدّثني جبرئيل سيّد الملائكة، قال: قال اللّه سيّد السادات عزّ وجلّ: «إنّي أنا اللّه لا إله إلّا
ص: 27
أنا، فمن أقرّ لي بالتوحيد دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي».
4 - حدّثنا محمّد بن موسي بن المتوكّل رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد ابن جعفر الأسدي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الصولي، قال: حدّثنا يوسف ابن عقيل عن إسحاق بن راهويه، قال: لمّا وافي أبو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور وأراد أن يخرج منها إلي المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا له: يابن رسول اللّه، ترحل عنّا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك؟ - وكان قد قعد في العمّاريّة فأطلع رأسه وقال -: سمعت أبي موسي بن جعفر، يقول: سمعت أبي جعفر بن محمّد، يقول: سمعت أبي محمّد بن عليّ، يقول: سمعت أبي عليّ ابن الحسين، يقول: سمعت أبي الحسين بن عليّ، يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السلام يقول: سمعت النبيّ صلي الله عليه و آله يقول: سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول: «لا إله إلّااللّه حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي»، قال:
فلمّا مرّت الراحلة نادانا: «بشروطها وأنا من شروطها».
قال مصنّف هذا الكتاب رحمه الله: من شروطها الإقرار للرضا عليه السلام بأنّه إمام من قِبل اللّه عزّ وجلّ علي العباد، مفترض الطاعة عليهم ويقال: إنّ الرضا عليه السلام لمّا دخل نيسابور نزل في محلّة يقال لها: القزويني، فيها حمام وهو الحمام المعروف [اليوم] بحمّام الرضا عليه السلام، وكانت هناك عين قد قلّ ماؤها، فأقام عليها من أخرج ماءها حتّي توفّر وكثر واتّخذ من خارج الدرب حوضاً ينزل إليه بالمراقي(1) إلي هذه العين، فدخله الرضا عليه السلام واغتسل فيه، ثمّ خرج منه وصلّي علي ظهره، والناس يتناوبون ذلك الحوض ويغتسلون فيه ويشربون منه التماساً للبركة،ة.
ص: 28
ويصلّون علي ظهره، ويدعون اللّه عزّ وجلّ في حوائجهم فتقضي لهم، وهي العين المعروفة بعين كهلان يقصدها الناس إلي يومنا هذا.
وفي التوحيد:
21 - حدّثنا أبو الحسين محمّد بن عليّ بن الشاه الفقيه بمرو الروذ، قال:
حدّثنا أبوبكر محمّد بن عبداللّه النيسابوري، قال: حدّثنا أبو القاسم عبداللّه بن أحمد بن عبّاس الطائي بالبصرة، قال: حدّثني أبي في سنة ستّين ومائتين، قال:
حدّثني عليّ بن موسي الرضا عليه السلام سنة أربع وتسعين ومائة قال: حدّثني أبي موسي بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ، قال: حدّثني أبي علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: يقول اللّه جلّ جلاله: «لا إله إلّااللّه حصني، فمن دخله أمن من عذابي».
22 - حدّثنا أبو سعيد محمّد بن الفضل بن محمّد بن إسحاق المذكّر النيسابوري بنيسابور، قال: حدّثني أبو عليّ الحسن بن علي الخزرجي الأنصاري السعدي قال: حدّثنا عبدالسلام بن صالح أبوالصلت الهروي، قال:
كنت مع عليّ بن موسي الرضا عليه السلام حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء، فإذا محمّد بن رافع، وأحمد بن حرب، ويحيي بن يحيي، وإسحاق بن راهويه، وعدّة من أهل العلم قد تعلّقوا بلجام بغلته في المَرْبَعة فقالوا: بحقّ آبائك المطهّرين، حدّثنا بحديث قد سمعته من أبيك، فأخرج رأسه من العمّاريّة وعليه مِطرف خزّ ذو وجهين، وقال: حدّثني أبي العبد الصالح موسي ابن جعفر، قال: حدّثني أبي الصادق جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي أبو
ص: 29
جعفر محمّد بن عليّ باقر علم الأنبياء، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين سيّد العابدين، قال: حدّثني أبي سيّد شباب أهل الجنّة الحسين، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: سمعت النبيّ صلي الله عليه و آله يقول: قال اللّه جلّ جلاله: «إنّي أنا اللّه لا إله إلّاأنا فاعبدوني، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلّااللّه بالإخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي».
23 - حدّثنا محمّد بن موسي بن المتوكّل رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد ابن جعفر الأسدي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الصوفي، قال: حدّثنا يوسف ابن عقيل، عن إسحاق بن راهويه، قال: لمّا وافي أبو الحسن الرضا عليه السلام بنيسابور وأراد أن يخرج منها إلي المأمون اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا له: يابن رسول اللّه، ترحل عنّا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك؟ وكان قد قعد في العمّاريّة، فأطلع رأسه وقال: سمعت أبي موسي بن جعفر، يقول: سمعت أبي جعفر بن محمّد، يقول: سمعت أبي محمّد بن عليّ، يقول: سمعت أبي عليّ ابن الحسين، يقول: سمعت أبي الحسين بن عليّ بن أبي طالب، يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب يقول: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله، يقول:
سمعت جبرئيل يقول: سمعت اللّه جلّ جلاله يقول: «لا إله إلّااللّه حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي»،
قال: فلمّا مرّت الراحلة نادانا: «بشروطها وأنا من شروطها».
قال مصنّف هذا الكتاب: من شروطها الإقرار للرضا عليه السلام بأنّه إمام من قِبَلِ اللّه عزّ وجلّ علي العباد، مفترض الطاعة عليهم.
وهذا الحديث الشريف لم يروه ثقة الإسلام الكليني في الكافي، لأنّه لم
ص: 30
يسافر إلي خراسان ونيسابور، ولم يروه الشيخ الطوسي في كتابيه لأنّه لم يكن في موضوع كتابه وهو الفقه، ولكن رواه الصدوق بثلاثة طرق مشتركة في التوحيد وعيون أخبار الرضا، ورواه بسند آخر في العيون، فهذا الحديث مرويّ في العيون بأربعة أسانيد، وفي التوحيد بثلاثة أسانيد، وعليه فهو مرويّ في الكتابين بأربعة أسانيد(1).
وفي طريق أحدهما أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد بن الضبّي وهو ناصبيّ (2)، ومع ذلك ففي هذا الإسناد صفات للأئمّة لم توجد في غيره، كصفة السجّاد لزين العابدين، وسيّدي شباب أهل الجنّة للحسن والحسين عليهما السلام، فنستنبط من الأسانيد أنّ هذه الصفات صرّح بها الإمام عليه السلام، أو هناك قلّة من الرواة مَن أضاف ذلك، ومع ذلك فقد رواها هذا الناصبي، وبناء علي هذا كيف ندين بما دان به المنهج الوثوق السندي والصدوري؛ وهو أنّ الإيمان شرط في العمل برواية الراوي، وهذه أحاديث الغدير، وفضائل أهل البيت عليهم السلام كلّها منقولة عن الذين لم يعتقدوا بالإمامة؛ سواء كانوا من الصحابة أو غيرهم، وثمّ إنّ الفضائل والمناقب المعتبرة قد نقلت عنهم.
وممّا له صلة بهذه النقولات فقد صرّح آية اللّه البروجردي قائلاً: إنّ الأصل الأساسي والأوّلي في الفضائل والمناقب وفضائل البلدان هو البطلان، فقيل له:
فكيف تروون الفضائل والمناقب للأئمّة عليهم السلام؟ فقال: إنّا نرويها من مخالفينا ونقلهم لها دليل علي أنّ صدورها من الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله قطعيّ، وهذه تعتبر2.
ص: 31
قرينة علي صدور الرواية مع أنّ رواتها لم يكونوا مؤمنين بالمعني المتعارف، هذا إضافة إلي أنّه كيف نفرّق بين روايات الفروع والأصول والمناقب والفضائل، ألا سمعت قول الخليل بن أحمد الفراهيدي اللغوي العروضي يقول: عجبت من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فإنّ أحبّاءه يكتمون فضائله خوفاً من أعدائه، وأعداءه يكتمون فضائله حقداً وحسداً له، ومع ذلك ملأ اللّه الخافِقَين من مناقبه.
نعرف ممّا تقدّم أنّ المناط في اعتبار الرواية ليس إيمان الراوي وحدَهُ، بل هو وثاقة الراوي، وبهذا يستقيم لنا أن تكون أحاديث الفضائل والمناقب وغيرها معتبرة، فنحن مثلاً نعتمد علي رواية، وإن كان رواتها، غير متّصفين بالإيمان، لأنّ نقل الرواية بأسانيد متعدّدة، وفي كتب متعدّدة يكون قرينة علي اعتبار الرواية كما صرّح بذلك الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين العاملي في مشرق الشمسين، وعدّه من القرائن عند القدماء، ويعدّ الحديث المتعدّد الأسناد حديثاً مشهوراً معروفاً إزاءَ الشاذّ، وقد أُمرنا الأخذ بالمشهور للقول: خذ بما اشتهر، ودع الشاذّ النادر(1).
والمروي في حديث مقبولة عمر بن حنظلة، وفسّره الشيخ الأنصاري في فرائده: والمراد بالشاذّ ما لا يعرفه إلّاالقليل(2). وأضف إلي ذلك: فإنّا نواجه الأحاديث الكثيرة المرسلة ولكن الإرسال وقع بلفظ: «عن غير واحدٍ» أو: «عن5.
ص: 32
عدّة نفر» فهذا هو آية اللّه الخوئي رفضه في موضع وقَبِلَه في موضع آخر، ومثال ذلك: رواية عبداللّه بن المغيرة، وقد وردت بسند الصدوق التامّ عن عبداللّه بن المغيرة، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما: الدرهمان لي، وقال الآخر: هما بيني وبينك، فقال: أمّا الذي قال: هما بيني وبينك فقد أقرّ بأنّ أحد الدرهمين ليس له، وأنّه لصاحبه ويقسّم الآخر بينهما.
ورواه الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن عبداللّه ابن المغيرة، عن بعض أصحابنا. وروي نحو الحديث أيضاً عن محمّد بن أبي حمزة - بسند تامّ - عمّن ذكره، عن أبي عبداللّه عليه السلام، والسند الأوّل والثاني وإن كانا ساقطين بالإرسال ولكن بالإمكان تتميم السند الأوّل بأن يقال: إنّ التعبير ب (غير واحد من أصحابنا) الذي قد يؤدّي معني ما يزيد علي الاثنين - علي الأقلّ - حينما صدر من مثل عبداللّه بن المغيرة الذي قيل عنه: «أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه» يورث الاطمئنان بحساب الاحتمالات بأنّ أحدهم - علي الأقلّ - كان ثقة أو أن نقلهم جميعاً لعبد اللّه بن المغيرة كان يوجب الاطمئنان بالصدور(1).
وقال الشيخ البهائي في مقدّمة مشرق الشمسين: إنّ الشهيد قد صحّح حديث الردّة مع أنّه مرسل، ولكن نحن إن راجعنا مسالك الأفهام إلي تنقيح شرائع الإسلام نَعرِف أنّ رواية الردّة هي مرسلة عن غير واحدٍ، وعلي هذا لعلّ أحد هذه الرواة كان ثقة.4.
ص: 33
وعبّر آية اللّه الخوئي عن مثل هذه الرواية بالصحيحة، وقال في مبحث خمس الكنز: ونحوها صحيحة ابن أبي عمير، عن غير واحدٍ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: الخمس علي خمسة أشياء: علي الكنوز، والمعادن(1).
وهذه الرواية معتبرة، فإنّ أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني هو شيخ الصدوق، وقد وثّقه صريحاً، فقال: ثقد فاضل ديّن، وإن لم يتعرّض له في كتب الرجال(2).
وقال بعض تلامذة الشهيد الصدر وقد أخذه عن بعض أبحاثه، ومنها:
صحيح ابن أبي عمير عن غير واحد، عن أبي عبداللّه عليه السلام، الخمس علي خمسة أشياء: علي الكنوز، والمعادن(3) وهي تامّة سنداً، لأنّ الصدوق ينقلها في الخصال عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، وهو شيخ الصدوق، ثقة، كما أنّ إرسال ابن أبي عمير لا يضرّ بالسند لأنّه يرسله عن غير واحد، الظاهر في الجمع الذي أقلّه ثلاثة وقد تقدّم غير مرّة أنّ احتمال كونهم جميعاً غير ثقات، احتمال ضعيف بدرجة يطمئنّ إلي خلافه علي قانون الاحتمالات، لأنّ مجموع مشايخ ابن أبي عمير حوالي أربعمائة راوٍ، ومن هو ثابت الضعف منهم بدليل معتبر لا يزيدون علي خمسة، فيكون احتمال أن يكون المرسل عنه إن كان واحداً مِن الخمسة 1/80 وإن كانوا ثلاثة 1/52000 وهذا احتمال ضعيف جدّاً إزاء القطع أو الاطمئنان كما أفاده الأستاذ في بعض أبحاثه هذه، مضافاً إلي إمكان دعوي ظهور نفس التعبير بقوله: عن غير واحدٍ في كون الرواية مقطوعة الصدور2.
ص: 34
عنده عن المعصوم فتكون شهادته بصدورها حجّة، فالرواية تامّة السند(1).
وهذه الصورة في سند الروايات كثيرة، نظيرها في كتاب الحدود، روي الشيخ الحرّ العاملي عن الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي بإسناده عن الحسن ابن محبوب، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي جعفر، وأبي عبداللّه عليهما السلام في حديث: والمرأة إذا ارتدّت عن الإسلام استتيبت، فإن تابت ورجعت وإلّا خلّدت في السجن، وضيّق عليها في حبسها(2).
فإنّ هذا الحديث صحّحه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام وتبعه علي ذلك المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان(3)، مع أنّهما قد تشدّدا في ردّ الرواية المرسلة وإن كانت عن ابن أبي عمير أو أحد أصحاب الإجماع. وهنا كلام يجب أن نذكره وهو إنّا إن بحثنا وجدنا أنّ الأردبيلي في أوائل كتابه قد شدّد علي عدم اعتبار الروايات المرسلة، فراجع مجمع الفائدة والبرهان ج 1 ص 124، تجد ما نحن بصدده، ولكن في المجلّدات الأخيرة من كتابه فقد عمل بمرسلات أصحاب الإجماع كابن أبي عمير والحسن بن محبوب وغيرهما.
ومن الذين تبع الشهيد الثاني علي هذا السيّد صاحب المدارك، فإنّه قال في كتاب نهاية المرام: وقد روي ابن بابويه في الصحيح عن ابن أبي عمير عن غير واحدٍ، عن محمّد بن مسلم قال: قلتُ: الرجل تكون عنده المرأة يتزوّج اُخري، أله أن يفصلها؟ قال: نعم، إن كانت بكراً سبعة أيّام، وإن كانت ثيّباً فثلاثة أيّام(4).1.
ص: 35
وهذا الإسناد معتبر لأنّ ابن أبي عمير قد رواها عن غير واحد؛ عن محمّد بن مسلم، وربّما كان ذلك أقوي من الرواية عن ثقةٍ فيتّجهُ العمل بها(1).
وسار علي هذا آية اللّه الخوئي وهو أحد أتباع منهج الوثوق السندي، فقال في ذيل فتوي صاحب العروة الوثقي، السيّد كاظم الطباطبائي اليزدي: لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم والكافر علي الأقوي. أمّا بالنسبة إلي حرمة النظر إلي عورة الكافر ففيه كلام وخلاف، وقد ورد جوازه في روايتين - وإن كان يحتمل اتّحادهما - إحداهما حسنة ابن أبي عمير عن غير واحدٍ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «النظر إلي عورة مَن ليس بمسلم مثل نظرك إلي عورة الحمار»(2).
وثانيتهما مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّما كره النظر إلي عورة المسلم، فأمّا النظر إلي عورة مَن ليس بمسلم كالنظر إلي عورة الحمار»(3). وهما صريحتان في الجواز كما رأيت، ولعلّ الوجه فيه أنّ غير المسلم قد أُنزلَ عن الإنسانيّة مرتبةً فسقطت حرمته، فحاله حال الحيوان، لأنّه كالأنعام بل هو أضلّ، وهذا، أعني القول بالجواز هو المحكي عن جماعة وهو ظاهر الوسائل بل الصدوق أيضاً(4)، لأنّ ورود الرواية في كتابه يكشف عن عمله بها.
وما ذهبوا إليه لا يخلو عن قوّة، لصراحة الحسنة في الجواز، واعتبارها بحسب السند هذا، وقد يناقش في الاستدلال بها من وجهَينِ:3.
ص: 36
أحدهما: أنّها ضعيفة الإسناد بالإرسال، لأنّ ابن أبي عمير قد نقلها عن غير واحد، عن أبي عبداللّه عليه السلام وفي الحدائق وصفها بالإرسال وإن كان قد عمل بها.
وهذه المناقشة ساقطة، لا لأنّ مراسيل ابن أبي عمير كمسانيد، - وقد مرّ أكثر من مرّة من أنّ المراسيل ساقطة عن الحجيّة مطلقاً سواء كان مرسلها ابن أبي عمير ونظراءه أم غيرهم - بل لأنّ قوله: عن غير واحد، معناه أنّ الرواية وصلت إليه عن جماعة من الرواة، وهذا غير فيما إن رواها واحد أو اثنان، مع أنّ تلك الجماعة نطمئنّ إلي وثاقة بعضهم علي الأقلّ، لأنّه من البعيد أن يكون كلّهم غير موثّقين.
ثانيهما: أنّ الرواية مهجورة لإعراض الأصحاب عن العمل بها، كما يظهر من إطلاق كلماتهم في حرمة النظر إلي عورة الغير.
وللردّ علي هذه المناقشة نقول:
أوّلاً: إنّ إعراضهم عن الرواية لم يثبت بوجه، لأنّه من المحتمل أن يستندوا في الحكم بحرمة النظر مطلقاً إلي ترجيح الأدلّة المعارضة وتقديمها علي رواية الجواز، وربّما يظهر ذلك من كلام شيخنا الأنصاري قدس سره(1) فترك العمل بها لمخالفة الرواية لإطلاق الآية والروايات، والإعراض عن الرواية إنّما يسقطها عن الحجيّة فيما إذا كشف عن ضعفها، دونما كان مستنداً إلي علّة أُخري كما في المقام. ثمّ إنّ أمثال الشيخ الصدوق وغيره ممّن ذهبوا إلي الجواز قد عملوا بها فصغري الإعراض غير ثابتة.
ثانياً: إنّ كبري سقوط الرواية عن الحجيّة بإعراضهم عنها لا يمكن الالتزام بها2.
ص: 37
بوجه، كما قدّمناه في محلّه(1) وعلي ذلك لا إشكال في الرواية إسناداً، كما لا كلام في دلالتها علي الجواز(2).
وقد صحّح آية اللّه الخوئي مراراً حديث الخمس المروي عن ابن أبي عمير، وقد أشرنا إليه سابقاً(3).
وذكر في كتاب الطهارة في مبحث عمّا ورد في عدم ناقضيّة المذي الذي خرج بشهوة، وذلك كصحيحة ابن أبي عمير، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «ليس في المذي من الشهوة، ولا من الإنعاظ، ولا من القبلة، ولا من مسّ الفرج، ولا من المضاجعة وضوء، ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد»(4).
والوجه في عدم إلحاقها بالمراسيل، ما ذكرناه غير مرّة من أنّ التعبير بغير واحدٍ إنّما يصحّ فيما إن كانت الواسطة جماعة من الرواة، ولا نحتمل أن يكون الجميع غير موثّقين، بل لابُدَّ من أن يوجد فيهم ثقات لو لم يكن جلّهم كذلك بل التعبير بذلك ظاهر في كون الرواية مسلّمة عنده، ومن هنا أرسلها إرسال المسلّمات، وهذا هو الحال في تعبيراتنا اليوم(5).
وكلام السيّد الخوئي مأخوذ عن كلام السيّد السند في المدارك، مجيباً عن3.
ص: 38
فتوي ابن الجنيد حول الناقض للوضوء في المذي والودي، وأُجيب عنه بأنّها معارضة بما رواه ابن أبي عمير في الصحيح، عن غير واحد من أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «ليس في المذي من شهوة، ولا من الإنعاظ، ولا من القبلة، ولا من مسّ الفرج، ولا من المضاجعة وضوء»(1).
ولا يضرّ إرسالها لأنّ في قوله عن غير واحد من أصحابه إشعاراً باستفاضة ذلك عنده(2).
ولا يخفي أنّ الاعتبار عندهم في روايات ابن أبي عمير عن غير واحدٍ هو وجود القرينة، فعلي ضوء اعتبار هذه المراسيل والقرينة تكون هذه الروايات مستفيضة، كما صرّح بذلك السيّد السند، فضلاً عن كونها منقولة عن أفراد مختلفين يستبعد أن ينعدم فيهم الثقات، كما صرّح به السيّد.
ثمّ إنّه قد اجتمعت فيها قرائن أُخري؛ كنقل الصدوق مثلاً بلفظ: قال، وإسناده القطعي إلي المعصوم عليه السلام في بعضها، كما صرّح بذلك الشيخ مرتضي الحائري في كتابه: الخلل، وهذا ما أفتي به الصدوق في مقدّمة كتابه، وصرّح السيّد الخوئي به أيضاً(3). وتعدّ هذه كلّها قرائن لحصول الاطمئنان علي صدور الرواية عن المعصوم عليه السلام.
نعم قد ردّ أحد تلامذة السيّد الخوئي في قم علي أُستاذه حول رواية زرارة عن غير واحدٍ، وفيها قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام في المسح علي الخفّين تقيّة؟ قال: «لا يُتّقي في ثلاث، - قلنا وما هنّ؟ قال -: شرب الخمر - أو قال: شرب-.
ص: 39
المسكر - والمسح علي الخفّين، ومتعة الحج»(1).
فقال بردّه: وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال، فإنّ النقل عن غير واحد لا يخرج الحديث عن كونه حديثاً واحداً مرسلاً، ولا يدخله في المتواتر، فإنّ عنوان غير واحدٍ يصدق علي ثلاثة أشخاص مثلاً(2).
ومن القواعد الجديدة التي اكتشفها السيّد محمّد باقر الصدر والتي تعتبر دليلاً علي توثيق كثير من الرواة، وذلك إذا وضّحناها وقبلناها، وتعرف هذه القاعدة بقاعدة تعويض السند، وقد عدّها إلي المعاهد العلميّة المحقّق الشهيد السيّد محمّد الصدر الذي استشهِدَ علي يد صنيعة الاستكبار (صدّام حسين) في العراق عام 1400 ه ق، وها نحن ننقلها بخطّ تلميذه الأستاذ السيّد كاظم الحائري، أحد المفكّرين المعاصرين الناشرين لآراء السيّد الصدر.1.
ص: 40
أمّا من حيث السند: فعهد الإمام إلي مالك الأشتر قد ذكر له سند(1) غير تامّ عن طريق النجاشيّ رحمه الله ولا نبحثه، وسند آخر عن طريق الشيخ قدس سره وهو الجدير بالبحث، وهو ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن، عن الحميري، عن هارون ابن مسلم والحسن بن طريف جميعاً عن الحسين بن علوان الكلبي، عن سعد ابن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
والإشكال في هذا السند يقع من عدّة وجوه:
الوجه الأوّل - عدم ورود توثيق لابن أبي جيد، وابن أبي جيد ثقة عند السيّد الخوئي باعتباره من مشايخ النجاشي، ولكنّنا لا نقبل بهذا المبني، إذن هو غير ثابت الوثاقة عندنا، ولكن يمكن التخلّص عنه في المقام علي أساس نظريّة التعويض في السند، باعتبار أنّ الشيخ له سند تامّ إلي محمّد بن الحسن بن الوليد، وكذلك إلي عبداللّه بن جعفر الحميري الواقعين في هذا الإسناد قبل ابن أبي جيد.
ص: 41
وبما أنّ نظريّة التعويض تنفعنا في كثير من الموارد ممّا يمكن رفع نقص السند بها، لا بأس ببيانها في المقام، وأصلها من أُستاذنا الشهيد رحمه الله(1).
فنقول: إنّ تعويض السند الضعيف بسند تامّ يمكن أن يتمّ علي عدّة أشكال:
الشكل الأوّل للتعويض: هو الاعتماد علي مثل ما جاء كثيراً في كلام الشيخ الطوسي رحمه الله في ترجمته للرجال في فهرسته من عبارة: (أخبرني بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان).
فإذا وجدنا عن الشيخ رحمه الله رواية وكان في سندها رجل ضعيف، أو غير ثابت التوثيق، وكان قبل ذاك الرجل من الطرف الذي يقرب مِن الإمام ثقة، وكان الشيخ قد ذكر في فهرسته بشأن ذاك الثقة عبارة: (أخبرني بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان)، وكان السند الوارد في هذه العبارة تامّاً، فمن حقّنا أن نبدّل القطعة الأُولي من السند الواقعة بين الشيخ وذاك الثقة والتي فيها ذاك الإنسان غير ثابت التوثيق بالسند الذي ذكره الشيخ في تلك العبارة في الفهرست.
ومدي تماميّة هذا الذي ذكرناه أو عدمها يرتبط بما نفهمه من معني قوله:
«أخبرنا بجميع كتبه ورواياته» ففي ذاك عدّة احتمالات:
الأوّل - أن يكون المقصود بذلك كلّ ما لذاك الثقة من كتب وروايات في علم اللّه، وعندئذٍ يتمّ هذا الوجه الذي شرحناه للتعويض؛ إذ لو لم يكن قد وصل هذا
ص: 42
الحديث إلي الشيخ عن الطريق الذي ذكره في الفهرست بقوله: «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان» لكان يعلم الشيخ بكذب هذا الحديث؛ إذ لو كان صادراً عنه حقّاً لكان قد وصله بهذا الطريق، حسب ما تدلّ عليه تلك العبارة، ولو كان يعلم الشيخ بكذبه لما رواه.
إلّاأنّ هذا الاحتمال في ذاته واضح البطلان؛ إذ لا سبيل للشيخ عادةً إلي الإحاطة بكلّ روايات هذا الشخص، بنحو يقطع بأنّه لا رواية له غير هذه الروايات التي وصلته عن طريق هذا السند.
الثاني - أن يكون المقصود بذلك كلّ ما نُسبت إلي ذاك الثقة من كتب وروايات، وهذا أيضاً في البطلان كالأوّل، فلا سبيل للشيخ عادةً إلي الإحاطة بكلّ ما نسبت إلي ذاك الثقة من كتب وروايات بحيث ينفي أن يكون قد نسبت إليه رواية عن غير ذاك الطريق.
ولو تمّ هذا الوجه ثبت المقصود؛ لأنّ الرواية التي نحن بصدد تصحيح سندها قد نسبت إليه قطعاً، فهي داخلة في هذا العموم.
الثالث - أن يكون المقصود بذلك جميع ما رواه الشيخ عنه من كتب وروايات، وهذا احتمال معقول، وبناءً علي هذا الاحتمال يثبت المقصود أيضاً؛ لأنّ هذه الرواية ممّا رواها الشيخ حسب الفرض.
الرابع - أن يكون المقصود بذلك جميع ما وصل إلي الشيخ عنه من كتب وروايات، وهذا الاحتمال كسابقه في المعقوليّة، وفي ثبوت المقصود بناءً عليه؛ لأنّ هذه الرواية قد وصلت إلي الشيخ حسب الفرض؛ إلّاأنّه يختلف عن سابقه في أنّنا لو وجدنا كتاباً في مكتبة الشيخ لهذا الثقة بحيث عرّفنا أنّه واصل إلي
ص: 43
الشيخ، ولكن لم نعرف أنّه رواه عنه، أمكن تصحيح سند هذا الكتاب بهذا الوجه، بخلافه علي الاحتمال الثالث. وعلي أيّ حال، فهذه الثمرة في زماننا غير متحقّقة علي أيّ حال، فالاحتمالان عملاً متساويان في النتيجة.
الخامس - أن يكون المقصود بذلك جميع ما اعتقد الشيخ وجداناً أو تعبّداً، أنّه صادر عن هذا الثقة من كتاب أو رواية، وبناءً علي هذا الاحتمال، لا يثبت المقصود في المقام؛ إذ اعتقاد الشيخ وجداناً أو تعبّداً بأنّ الرواية المبحوث عنها صادرة عنه أوّل الكلام، فيصبح التمسّك بقوله: «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته...» تمسّكاً بالعام في الشبهة المصداقيّة.
إلّاأنّ هذا الاحتمال في ذاته خلاف الظاهر، كما ذكره أُستاذنا الشهيد رحمه الله؛ لأنّ ظاهر قوله: «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته...» هو أنّه يتكلّم بما هو راوٍ ومتحدّث لا بما هو مجتهد في الأحاديث، يحكم بثبوت هذا الحديث عنه وجداناً أو تعبّداً، ولأنّ كان هدف الشيخ رحمه الله من هذه العبارة تزويدنا بسند إلي تلك الكتب والروايات، بينما لو كان المقصود هو أنّ هذا سند لكلّ ما يعتقد هو أنّه لفلان ففي الحقيقة لم يزوّدنا بسند إطلاقاً؛ إذ ما يدرينا أنّ الرواية الفلانيّة، داخلة في ما يعتقد الشيخ بصدوره عن فلان أوْ لا؟!
وأُستاذنا الشهيد رحمه الله لم يتعرّض للاحتمال الثالث، وباستبعاد الاحتمال الخامس عيّن الاحتمال الرابع. وعلي أيّ حال فقد عرفت أنّه لا ثمرة عمليّة فعلاً بين الاحتمال الثالث والرابع، وما دمنا قد استبعدنا الاحتمال الخامس، فالمقصود ثابت علي أيّ حال.
يبقي الكلام في أنّ الشيخ ينقل كثيراً ما ينقل في كتابيه روايةً عن كتاب مُسقطاً
ص: 44
ما لديه من سند إلي صاحب ذاك الكتاب، وتعرّض في آخر الكتابين إلي ذكر السند لغالب ما حذف أسانيده إليه، وحينئذٍ قد يفترض أنّ الرجل غير ثابت التوثيق، وقع ضمن ذاك السند، والرجل ثابت التوثيق - الذي كان للشيخ في فهرسته سند تامّ إلي جميع كتبه ورواياته - عبارة عن نفس صاحب الكتاب أو عن شخص آخر أقرب إلي الشيخ من صاحب الكتاب، وهنا لا إشكال في التعويض، وأُخري يفترض أنّ الرجل الثقة - الذي كان للشيخ سند تامّ إلي جميع كتبه ورواياته - وقع قبل صاحب الكتاب - أي كان أقرب إلي الإمام سواء كان الشخص غير ثابت التوثيق، قبل صاحب الكتاب أو بعده - فهنا هل نطبّق عليه نظريّة التعويض أوْ لا؟ قد يقال بعدم الفرق بين الفرضيّتين تمسّكاً بإطلاق قوله:
«أخبرنا بكتبه ورواياته».
ولكنّ الظاهر عندي هو التفصيل بين الفرضيّتين، فنحن إنّما نقبل نظرية التعويض هذه، حينما يكون ذاك الثقة - الذي كان للشيخ إلي جميع رواياته سند تامّ - عبارة عن نفس صاحب الكتاب الذي روي الشيخ الحديث عن كتابه، أو من كان واقعاً في السند الذي يصل الشيخ بذلك الكتاب. أمّا إن كان بين الإمام وصاحب الكتاب فلا نطبّق عليه هذا القانون، وهذا الكلام ينشأ من فهمنا لكلمة (رواياته) في قوله: «أخبرنا بكتبه ورواياته»، أو قوله: «أخبرنا برواياته».
توضيح ذلك: أنّه يحتمل في كلمة (رواياته) أمران:
الأوّل - أن يشمل الروايات الشفهيّة، فكأنّه حينما قال: «أخبرنا بكتبه ورواياته» قصد بذلك أنّه أخبرنا بما رواه في كتبه، وبما رواه في كتب وكتابات الآخرين وبما رواه من روايات شفهيّة، فلان عن فلان، وبناءً علي هذا الاحتمال
ص: 45
يتمّ ما مضي من بطلان الاحتمال الأوّل من الاحتمالات الخمسة، وهو إرادة واقع الكتب والروايات؛ لما قلنا من أنّه لا سبيل للشيخ إلي الإحاطة بكلّ رواياته بنحو يقطع أنّه لم يروِ أيّ رواية أُخري إلي غير ذاك السند، ويتمّ أيضاً ما ذكرناه من التمسّك بإطلاق جملة (أخبرنا بكتبه ورواياته)، أو جملة (أخبرنا برواياته) لإثبات عدم الفرق بين ما لو وقع الثقة - الذي للشيخ إليه سند تامّ - بين الشيخ وصاحب الكتاب، أو بين الإمام وصاحب الكتاب. إلّاأنّ هذا الاحتمال بعيد غاية البعد، فإنّ الشيخ رحمه الله قد تكرّرت منه كثيراً هذه الجملة، وبشأن كثيرين ممّن يكون الفاصل بينه وبين الشيخ متعدداً، ورواياته الشفهيّة كثيرة ومتناثرة وواصلة إلي الشيخ ضمن كتب المتأخّرين عنه، وعادةً لا يمكن للشيخ الشهادة بوصول كلّ رواياته - الواقعيّة أو الواصلة إلي الشيخ، أو التي يرويها الشيخ - بالسند الذي يذكره، وإنّما الشيء المعقول هو الاحتمال الثاني.
الثاني - أن يكون المقصود بروايته، رواياته لكُتب وكتابات الآخرين، أو لكتبه هو والآخرين دون رواياته(1) الشفهيّة، وهذا ممّا يمكن الإحاطة به، فكان من المتعارف وقتئذٍ إخبار شيخ الإجازة لمن يروي عنه بجميع ما يرويه من كتب مؤلّفة لنفسه أو لغيره، قراءةً عليه، أو سماع منه، أو إجازة.
وبناءً علي هذا الاحتمال قد يبطل ما ذكرناه في إبطال الاحتمال الأوّل من الاحتمالات الخمسة، من أنّ الشيخ لا يستطيع أن يحصر كلّ روايات هذا الثقة، في علم اللّه فيما وصله بهذا السند؛ إذ هذا الحصر بالنسبة للكتب والمؤلّفاتة.
ص: 46
المرويّة أمر معقول، إلّاأنّ الصحيح مع ذلك أنّ التتبّع في فهرست الشيخ ورجال النجاشي، يشرف المتتبّع علي القطع ببطلان الاحتمال الأوّل؛ إذ كثيراً ما يذكر أحدهما راوياً ذا كتب كثيرة، ويعدّد منها ما هو أقلّ من عدد الكتب ممّا يوحي أنّه لم يصله بما لديه من سند كلّ الكتب، ومع ذلك يقول بالأخير: «أخبرنا بكتبه - أو بجميع كتبه - فلان عن فلان»، وتوجد أحياناً بعض القرائن الواضحة علي عدم وصول كلّ الكتب إليه، كقول النجاشي في عليّ بن الحسن بن فضّال: «وقد صنّف كتباً كثيرة منها ما وقع إلينا: كتاب الوضوء، كتاب الحيض...»، وكقول الشيخ بشأن يونس بن عبدالرحمن: «له كتب كثيرة أكثر من ثلاثين كتاباً، وقيل:
إنّها مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة» ثمّ يعدّد بعضها ثمّ يقول: «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته...»، ومن الواضح أنّه لو كان وصله كلّ الكتب لما قال:
«قيل: إنّها مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة»، وكقول الشيخ بشأن علي بن الحسن بن فضّال: «قيل: إنّها - يعني كتبه - ثلاثون كتاباً: منها كتاب الطبّ، كتاب فضل الكوفة...».
وعلي أيّة حال، فبناءً علي هذا الاحتمال - وهو الذي نستظهره - يتّضح الفصل بين ما لو كان ذاك الثقة - الذي كان للشيخ إلي كتبه ورواياته سند تامّ - واقعاً بين الشيخ والكتاب الذي روي الحديث عنه، أو بين الكتاب والإمام، ففي الأوّل يمكن تطبيق نظريّة التعويض، وفي الثاني لا يمكن ذلك، إذ لم يثبت لنا أنّ هذا الحديث وارد في كتاب من الكتب التي يرويها هذا الثقة، فلعلّه كانت رواية شفهيّة.
هذا، ولا أقلّ من الإجمال، وهو يكفينا لعدم تسرية قاعدة التعويض إلي ما إذا
ص: 47
كان ذاك الثقة بين الكتاب والإمام، ولا إلي ما إن كان الخبر بكلّ تسلسله شفهيّاً.
ومن هنا يظهر أنّ تطبيق هذه النظريّة علي عهد الإمام إلي مالك الأشتر، في ما لو فرضنا أو احتملنا أنّ الرواة الواقعين في سند الشيخ من ابن أبي جيد إلي الحميري، إنّما تناقلوه شفةً عن شفة غير صحيح، نعم بناءً علي دعوي الاطمئنان بأنّ العهد كان مكتوباً وموروثاً علي شكل الكتاب وكان فيما نقله - من الكتب والكتابات - الحميري إلي ابن الوليد، أو ابن الوليد إلي ابن أبي جيد، صحّ التعويض في المقام.
وقبل أن ننتقل إلي الشكل الثاني من أشكال التعويض ينبغي أن نذكر أمرين:
أحدهما - أنّ الشيخ رحمه الله عبّر عن بعض الرواة بقوله: «أخبرني بكتبه ورواياته فلان عن فلان»، وبشأن بعض الرواة بقوله: «أخبرني برواياته فلان عن فلان» كما هو الحال في ما نحن فيه علي بعض النسخ، حيث عبّر فيه بشأن ابن الوليد بالتعبير الثاني، وكذلك بشأن الحميري في نسخة القهبائي، وبشأن بعض الرواة بقوله: «أخبرني بكتبه» من دون عطف كلمة (رواياته)، ولا إشكال في صحّة تطبيق نظريّة التعويض في التعبير الأوّل والثاني، ولكن قد يناقش في التعبير الثالث، باحتمال كون المقصود من الإخبار بكتبه، الإخبار بعناوين الكتب وأسمائها مثلاً، لا بواقعها. نعم لو كان قد عطف كلمة (رواياته) علي كلمة (كتبه) لأمكن أن يقال بمقتضي وحدة السياق: إنّ الكتب بالمعني الذي يعطف عليه الروايات، إنّما هو واقع الكتب لا عناوينها، ولكن المفروض عدم العطف. إلّاأنّ الرجوع إلي فهرست الشيخ وتتبّع مواضع استعمال الشيخ رحمه الله لهذه الجملة، لاتدع مجالاً للشكّ في أنّ مقصود الشيخ رحمه الله من الكتب هو واقع الكتب، وأنّ
ص: 48
هدفه هو تقديم سند للكتب، لا مجرّد تثبيت الأسماء والعناوين. هذا مضافاً إلي أنّ تحويل الشيخ في المشيختين علي فهارس الأصحاب، وفي إحداهما علي فهرسته هو - علي ما سيأتي - دليل علي أنّهم في الفهارس كانوا يقصدون ذكر السند دون تعديد الكتب فحسب، وإذن فلا بأس بتطبيق نظريّة التعويض في المورد، نعم لا يمكن عندئذٍ تطبيق النظريّة إلّاحينما يكون سند الشيخ في فهرسته إلي نفس الكتاب الذي روي عنه الرواية. أمّا لو كان إسناده إلي ثقة آخر، بين الضعيف وصاحب الكتاب مثلاً فلا يمكن التعويض؛ لأنّ المفروض أنّ سند الشيخ في فهرسته إنّما هو سند إلي كتبه فقط لا إلي كتبه ورواياته، والمفروض أنّ هذه الرواية غير مأخوذة من كتاب هذا الثقة.
الثاني - أنّ هذا الشكل من التعويض كما يمكن تطبيقه علي القطعة الأُولي من السند، من زمن الشيخ - كما شرحناه - يمكن تطبيقه علي القطعة الثانية من السند، وذلك في ما لو وقع بعد ذاك الضعيف - أي أقرب إلي الشيخ مثلاً - ثقة، وفرض أنّ ذاك الثقة كان له كتاب فيه فهرس لمشايخه وإجازاته، ويكون له طريق إلي جميع كتب وروايات ثقة، وقع بعد ذاك الضعيف، أو إلي الإمام رأساً؛ بأن يكون له طريق صحيح لجميع ما وصل إليه من الإمام مثلاً. وهذه فرضيّة ذكرها أُستاذنا الشهيد رحمه الله في المقام، وهي صحيحة بحدّ ذاتها وإن كان المظنون، عدم العثور علي مورد له معروفٍ لدينا.
الشكل الثاني للتعويض - هو عبارة عن تعويض سند الشيخ مثلاً إلي صاحب كتاب، في رواية ينقلها عن ذاك الكتاب، بسند النجاشي مثلاً إلي ذاك الكتاب، ضمن شروط ثلاثة. ونوضّح ذلك عبر مثال، فنقول:
ص: 49
مثاله: أنّنا نفترض أنّ الشيخ روي حديثاً عن عليّ بن الحسن بن فضّال، وسند الشيخ إلي عليّ بن الحسن بن فضّال فيه ضعف، وللنجاشي سند تامّ إلي عليّ بن الحسن بن فضّال، فنعوّض سند الشيخ بسند النجاشي ضمن شروط:
الشرط الأوّل - أن يكون الراوي المباشر للشيخ، ثقة.
والشرط الثاني - أن يكون النجاشي مالكاً أيضاً لنفس السند الذي ملكه الشيخ وهو السند الضعيف، ويمتلك إضافة إلي ذلك سنداً صحيحاً.
والشرط الثالث - أن يكون النجاشي والشيخ لم يكتفيا بالقول، بنحو الإجمال: «أخبرنا بجميع كتبه فلان عن فلان»، بل صرّحا باسم الكتب، ورأينا أنّ الكتب التي سمّاها الشيخ، قد سمّاها النجاشي أيضاً. فعند استكمال هذه الشروط يصحّ الاستبدال، وذلك لأنّ ظاهر كلام النجاشي الذي ذكر طريقين إلي كتب عليّ بن الحسن بن فضّال، أنّ تلك الكتب نقلت له بالطريقين بنقلين متماثلين في النسخة، وإنّما الفرق بينهما في السند لا في المتن، ولا يحتمل عقلائيّاً أنّ النسخة التي نقلت له بالطريق الضعيف تختلف عن النسخة التي وصلت إلي الشيخ بعين ذاك الطريق، فإنّ المفروض، أنّ من وقع بعد الشيخ مباشرةً ثقة، فلا يحتمل أنّه أعطي نسخة إلي أحدهما وأعطي كذباً نسخة أُخري إلي الآخر، كما لا يحتمل عقلائيّاً أنّ ذاك الثقة كانت لديه نسختان مختلفتان من ذلك الكتاب، لا يدري أيّهما صحيح، وغفل ولم ينبّه الشيخ ولا النجاشي إلي اختلاف النسختين، أو لم ينتبه هو إلي ذلك رغم ما كان متعارفاً عندهم من التدقيق في متون الأخبار.
هذا، والشرط الثاني من الشروط الثلاثة قد يمكن التنازل عنه والاكتفاء بأن
ص: 50
يكون للنجاشي إضافة إلي السند التامّ سند آخر يبتدئ بذلك الثقة المباشر للشيخ، أو أن يكون الشخص المباشر للنجاشي في سنده التامّ هو نفس الثقة المباشر للشيخ بلا حاجة أصلاً إلي أن يكون للنجاشي سندان، وذلك علي أساس استبعاد عدم إشارة هذا الثقة - علي أيّ حال - إلي وجود نسختين مختلفتين لو كان.
وهذا الفرض الأخير - أعني وجود سند صحيح للنجاشي يبتدئ بالثقة المباشر للشيخ - يرجع أيضاً إلي ما ذكرناه أخيراً في الشكل الأوّل للتعويض من تطبيقه علي القطعة الثانية من السند.
ثمّ المثال الذي ذكرناه هو مثال واقعي إلي حدّ، وليس مثالاً خياليّاً بحتاً، فإنّ سند الشيخ رحمه الله إلي عليّ بن الحسن بن فضّال ضعيف لوقوع ابن الزبير، فإنّ سنده إليه عبارة عن: أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزبير، عن عليّ بن الحسن بن فضّال. وللنجاشي إليه إضافةً إلي هذا السند، سند آخر وهو: (محمّد ابن جعفر في آخرين عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن عليّ بن الحسن).
ومحمّد بن جعفر، وإن لم يكن ثابت التوثيق إلّابناءً علي وثاقة كلّ مشايخ النجاشي ولا نقول به، ولكن لا يبعد أن يقال: إنّ كونه شيخاً للنجاشي منضماً إلي أنّه ليس الناقل الوحيد، بل نقل في آخرين - علي حدّ تعبير النجاشي - يكفي في إيجاد الوثوق والاطمئنان، فإنّ الراوي في الحقيقة عبارة عن عدّة من مشايخ النجاشي، ولا نحتمل عادة كذبهم جميعاً.
نعم قد توجد عدّة نقاط ضعف في هذا المثال:
الأُولي - تخلّف الشرط الثالث في كتاب واحد، فإنّ الكتب التي ذكرها
ص: 51
الشيخ رحمه الله ذكرها جميعاً النجاشي ولو بفرقٍ ما، نادراً في الاسم، كتعبير الشيخ باسم (كتاب أخبار بني إسرائيل)، وتعبير النجاشي باسم (كتاب عجائب بني إسرائيل) ما عدا كتاب واحد وهو: (كتاب صفات النبيّ صلي الله عليه و آله)، حيث لم يأتِ هذا الاسم في الكتب التي عدّها النجاشي، ولكن النجاشي عدّ كتباً عديدة ممّا لم يعدّه الشيخ رحمه الله، ومنها: (كتاب وفاة النبيّ صلي الله عليه و آله)، فيأتي احتمال، أنّ هذا هو عين كتاب (صفات النبيّ صلي الله عليه و آله)، وإنّما وقع خطأ عند أحدهما، فبدّلت كلمة الوفاة بكلمة الصفات، أو بالعكس، واحتمال أنّ ذاك الكتاب مشتمل علي صفات النبيّ صلي الله عليه و آله ووفاته معاً فسمّي هنا باسم (وفاة النبيّ صلي الله عليه و آله)، وهناك باسم صفات النبيّ صلي الله عليه و آله، وعلي أيّ حال فيمكن التغاضي عن هذه النقطة من الضعف في المقام، لأنّ الشرط لم يتخلّف إلّافي كتاب واحد من كتب كثيرة، والتخلّف أيضاً احتمالي، وليس جزميّاً كما عرفت، وعندئذٍ يصبح احتمال كون الحديث الذي نريد تصحيح سنده، قد أخذه الشيخ من كتاب غير مشمول لسند النجاشي، ضعيفاً إلي حدّ يطمأنّ بعدمه، خاصّة حينما لا تكون الرواية واردة بشأن صفات النبيّ صلي الله عليه و آله.
الثانية - أنّ النجاشي ذكر سندَيْه إلي كتب عليّ بن الحسن بن فضّال بهذا التعبير:
«قرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة، والزكاة، ومناسك الحجّ، والصيام، والطلاق، والنكاح، والزهد، والجنائز، والمواعظ، والوصايا، والفرائض، والمتعة، والرجال علي أحمد بن عبدالواحد في مدّة سمعتها معه، وقرأت أنا كتاب الصيام عليه في مشهد العقيقة عن ابن الزبير، عن عليّ بن الحسن.
ص: 52
وأخبرنا بسائر كتب ابن فضّال بهذا الطريق.
وأخبرنا محمّد بن جعفر في آخرين عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن عليّ بن الحسن بكتبه».
ويحتمل في قوله: «أخبرنا بسائر كتب ابن فضّال...» احتمالان:
أحدهما - كون هذا إجازة في النقل، وذلك في مقابل عدد من الكتب التي ينقلها قراءةً علي الشيخ، أو سماعاً لقراءة أحمد بن الحسين علي الشيخ.
والثاني - كون هذا بمعني الإخبار بمجرّد أسماء الكتب في مقابل عدد من الكتب التي لم يكن وصولها إليه بمعني مجرّد وصول الأسماء. وقد يدّعي مدّعٍ علي أثر التتبّع في كتاب النجاشي أنّ هدفه من مثل هذه العبارة إعطاء السند لا مجرّد سرد أسماء الكتب، كما ادّعينا ذلك بالنسبة لفهرست الشيخ، إلّاأنّ هذه الدعوي بالنسبة لفهرست الشيخ أوضح صحّة منها بالنسبة لرجال النجاشي كما يظهر للمتتبّع فيها.
وعلي أيّ حال، فما أشرنا إليه من إرجاع الشيخ في المشيختين إلي فهارس الأصحاب يؤيّد أيضاً كون مقصود النجاشي ذكر السند لا مجرّد سرد أسماء الكتب، فإنّ كتاب النجاشي داخل في عنوان الفهرست، بل ذكر الشيخ اليوسفي حفظه اللّه، في ما كتبه كمقدّمة لنسخة من رجال النجاشي طبعت أخيراً ما مفاده:
أنّ النجاشي سمّي كتابه في ظهر النسخة بالفهرست حيث كتب علي ظهر النسخة: (الجزء الأوّل من كتاب فهرست أسماء مصنّفي الشيعة وما أدركنا من مصنّفاتهم...)، وكذلك كتب علي ظهر الجزء الثاني أيضاً.
الثالثة - أنّ النجاشي ذكر في ما ذكر في المقام قوله: «ورأيت جماعة يذكرون
ص: 53
الكتاب المنسوب إلي عليّ بن الحسن بن فضّال المعروف بأصفياء أمير المؤمنين عليه السلام، ويقولون: إنّه موضوع عليه لا أصل له واللّه أعلم، قالوا:
وهذا الكتاب ألصق روايةً إلي أبي العبّاس ابن عقدة وابن الزبير، ولم نر أحداً ممّن روي عن هذين الرجلين، يقول: قرأته علي الشيخ غير أنّه يضاف إلي كلّ رجل منهما بالإجازة حسب»(1).
فإن كان جماعة من الأصحاب يشهدون بوضع كتاب الأصفياء أفلا تسقط هذه الشهادة خبر المخبر بهذا الكتاب علي أساس التعارض؟! وإن سقط ذلك أفلا نحتمل بنحو الإجمال في أيّة رواية يرويها الشيخ عن عليّ بن الحسن بن فضّال (أن تكون مأخوذة من هذا الكتاب، واسم هذا الكتاب موجود في القائمة التي عدّدها الشيخ رحمه الله إلّاأن يدّعي في الرواية التي نراها في التهذيب أو الاستبصار - وهي واردة في الأحكام لا في شأن أصفياء أمير المؤمنين عليه السلام الاطمئنان بأنّها ليست مأخوذة من كتاب أصفياء أمير المؤمنين عليه السلام.
الرابعة - أنّ الشرط الأوّل منتفٍ في المقام؛ لأنّ الراوي المباشر للشيخ هو أحمد بن عبدون ولم يرد توثيق بشأنه.
وهذا الإشكال يمكن تذليله علي مبني السيّد الخوئي الذي قال بوثاقة مشايخ النجاشي(2)، ولكنّنا لا نقول بهذا المبني.).
ص: 54
الشكل الثالث للتعويض - وهو أوسع مشرباً من الوجوه الماضية، وحاصله:
أنّنا إذا وجدنا طريقاً ضعيفاً للشيخ إلي أحمد بن محمّد بن عيسي مثلاً، ولكن كان طريق الصدوق رحمه الله إليه في مشيخة الفقيه صحيحاً، حكمنا بصحّة ذاك الحديث سواء كان الصدوق داخلاً في طريق الشيخ أو لا، وذلك باعتبار أنّ طريق الشيخ إلي الصدوق صحيح، فيتلفّق من طريق الشيخ إلي الصدوق، والصدوق إلي أحمد بن محمّد بن عيسي، طريق صحيح.
ويرد بدواً إلي الذهن الإشكال بأنّ المفروض، أنّ هذه الرواية غير موجودة في الفقيه، وإلّا لتمسّكنا بها ابتداءً، ومشيخة الفقيه طريق للروايات التي أوردها في الفقيه، فكيف نصحّح بذلك رواية واردة في التهذيب أو الاستبصار؟!
ويمكن الجواب علي هذا الإشكال بالتمسّك بما ذكره الشيخ الطوسي رحمه الله من الحوالة في آخر المشيختين علي فهارس الشيوخ، فقد قال في آخر مشيخته في التهذيب: (قد أوردت جملاً من الطرق إلي هذه المصنّفات والأُصول، ولتفصيل ذلك شرح يطول، وهو مذكور في الفهارس المصنّفة في هذا الباب للشيوخ رحمهم الله من أراده أخذه من هناك إن شاء اللّه، وقد ذكرنا نحن مستوفًي في كتاب: فهرست الشيعة).
وقال في آخر مشيخته في الاستبصار: (قد أوردت جملاً من الطرق إلي هذه المصنّفات والأُصول، ولتفصيل ذلك شرح يطول، هو مذكور في الفهارس للشيوخ، فمن أراده وقف عليه من هناك إن شاء اللّه تعالي).
والاستدلال بهذا التعبير الوارد عن الشيخ في المشيختين يتوقّف علي افتراض أنّ مقصود الشيخ ليس هو الحوالة علي خصوص فهارس الشيوخ التي
ص: 55
يذكر فيها طرقهم إلي أصحاب الكتب والأُصول، بل هو إشارة بنحو القضيّة الخارجيّة إلي ما يكون من أجلي مصاديقه مشيخة الصدوق، وإن كانت بحسب مدلولها اللفظي مشيخة في خصوص الروايات المذكورة في الفقيه، فإطلاق كلام الشيخ شامل لذلك.
وتقريب ذلك: أنّه لم تكن لدي الأصحاب فهارس موسّعة كي يكون كلام الشيخ إشارة إليها فحسب، ويشهد لذلك أنّ الشيخ أشار في أوّل فهرسته في مقام بيان ما دعاه إلي وضع فهرسته إلي: (عدم سعة فهارس الأصحاب عدا فهرستين لابن الغضائري الحسين بن عبيداللّه: أحدهما فهرست للمصنّفات، والآخر فهرست للاُصول، ولكنّهما تعرّضا للتلف)(1). وأمّا (رجال النجاشي) الذي هو فِهْرِسْت من فهارس الأصحاب فهو متأخّر في التأليف عن التهذيب والاستبصار بدليل أنّه ذكرهما في كتابه عند ترجمة الشيخ؛ إذن في ظرف من هذا القبيل تعتبر مشيخة الصدوق المفصّلة نسبيّاً من أجلي مصاديق ما يمكن أن تشير إليه إحالة الشيخ في المشيختين إلي فهارس الأصحاب رغم أنّ مشيخة الصدوق ليست فهرستاً بالمعني المصطلح، فإن لم نجزم بظهور من هذا القبيل لم يتمّ هذا الوجه. والإنصاف أنّ الجزم بهذا الظهور في غير محلّه.
وقد يقال: إنّ هذا الإطلاق حتّي لو تمّ فهو معارض بقوله: «وقد ذكرنا نحن مستوفًي في كتاب فهرست الشيعة»، فإنّ ظاهر هذا التعبير أنّه ذكر جميع طرقه في فهرسته، فالحديث الضعيف في مشيخته، إن وجدنا سنداً صحيحاً له في فهرسته، فلا حاجة إلي مراجعة مشيخة الصدوق، وإلّا فمقتضي إخباره باستيفاء3.
ص: 56
طرقه في الفهرست أنّه لا يملك طريقاً صحيحاً إليه.
قلت: أوّلاً - إنّ هذا الظهور لكلمة (مستوفًي) غير معلوم، ولعلّه يعني بذلك:
أنّنا ذكرنا ذلك مفصّلاً في الفهرست من دون أن يعطي معني الاستيعاب الكامل.
وثانياً - لو فرض تعارض من هذا القبيل في داخل كلامه في مشيخة التهذيب، فهذا يوجب إجمال العبارة في تلك المشيخة، ونرجع إلي عبارته في مشيخة الاستبصار، لأنّها غير مشتملة علي مقطع من هذا القبيل، فلا إجمال فيها.
وثالثاً - إنّ الشيخ ذكر في فهرسته طريقه إلي الصدوق، وهذا كافٍ لرفع التهافت بين الظهورين، فإنّ ذلك ذكر إجماليّ لجميع طرق الصدوق الموجودة في مشيخته، بعد حملها - بقرينة تحويل الشيخ إليها بالإطلاق - علي أنّها طرق إلي جميع كتب الرواة المذكورين في الفقيه، وإن كان كلامه في مشيخته لا يدلّ - من باب ضيق التعبير - علي أزيد من كونها طرقاً إلي خصوص الروايات المذكورة في الفقيه.
وعلي أيّ حال فالإنصاف أنّ هذا الشكل الأخير من التعويض غير صحيح؛ لما قلنا من أنّ مشيخة الفقيه ليست فهرستاً، ولا معني لفرض شمول إطلاق إرجاع الشيخ إلي الفهارس لها. هذا تمام الكلام في نظريّة التعويض.
الوجه الثاني - من وجوه الإشكال في سند عهد الإمام عليّ عليه السلام إلي مالك الأشتر: هو وقوع الحسين بن علوان الكلبي في هذا السند، ولا دليل علي وثاقته عدا ما ورد عن النجاشي من قوله: الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفيّ عامّي، وأخوه الحسن يكنّي أبا محمّد ثقة رَويا عن أبي عبداللّه عليه السلام، وليس
ص: 57
للحسن كتاب، والحسن أخصّ بنا وأولي....
فبناءً علي ما قد يتبادر إلي الذهن بدواً من أنّ قوله: (ثقة) يرجع إلي الحسن لا يبقي لدينا دليل علي وثاقة الحسين. أمّا لو استظهرنا رجوع هذه الكلمة إلي الحسين، إمّا بقرينة ورود العبارة في ترجمة الحسين، أو بقرينة أنّه بيّن حال الحسن بعد ذلك بقوله: (أخصّ بنا وأولي) ارتفع الإشكال، وإلّا فلا.
الوجه الثالث - سعد بن طريف(1) أو سعد بن ظريف: حيث اختلف تقييم الشيخ له عن تقييم النجاشي، فذكر الشيخ عنه أنّه صحيح الحديث، وذكر النجاشي عنه أنّه يُعرف وينكر. ومع التعارض لا يبقي دليل علي وثاقته، إلّاإذا تبنّينا تفسير السيّد الخوئي لعبارة النجاشي من أنّ المقصود أنّ حديثه أحياناً يأتي حديثاً معروفاً، وأُخري يأتي حديثاً غريباً أي لا تقبله العقول العادية المتعارفة، وهذا لا ينافي الوثاقة. إلّاأنّ هذا التفسير محلّ للتأمّل، وبالإمكان أيضاً أن يفسّر ذلك بتفسير آخر وهو أنّ هذا الإنسان يعرفه البعض بالوثاقة ومجهول عند البعض الآخر. وعلي أيّ حال، فلو فرض إجمال في كلام النجاشي أو شكّ في معناه بقيت شهادة الشيخ بصحّة حديثه حجّة.
الوجه الرابع - كون الراوي للعهد هو الأصبغ بن نباتة: حيث لم يرد التصريح بوثاقته(2)، ووروده في كامل الزيارات يفيد علي مبني السيّد الخوئي، وليس علي مبنانا، ورواية الشيخ الحرّ في الفائدة السابعة من خاتمة الوسائل (ص 89)2.
ص: 58
توثيقه عن أمير المؤمنين عليه السلام لا تفيد، لعدم تماميّة سند الرواية. نعم الظاهر أنّ قولهم: إنّ الأصبغ من خاصّة أمير المؤمنين عليه السلام كافٍ لوثاقته.
الوجه الخامس - أنّ الشيخ لم ينقل لنا نصّ عهد الإمام إلي مالك الأشتر، فلا يفيدنا ما ذكره من السند، فإنّ هذا السند لن يثبت لمتن أخذناه من نهج البلاغة - مثلاً - إلّاأن يقال: إنّ قول الشيخ: «أخبرنا بالعهد فلان عن فلان...» إشارة إلي نفس هذا العهد الذي لم يعرف إلّابالنسخ المألوفة، فيثبت ما اتّفقت عليه النسخ(1).4.
ص: 59
ص: 60
ذكرنا أنّ نشأة علم الرجال كانت في عصر الأئمّة عليهم السلام، سيّما علم الجرح والتعديل فقد كانت نشأتها من المسلّمات في زمانهم، والجرح والتعديل في الرواة كان شائعاً في مدرسة الكوفة لا في مدرسة قم والريّ، فإنّ الكوفة كانت مركزاً للأحاديث الموضوعة، وميداناً للوضّاعين، فلذلك كان أهل الحديث في الكوفة بحاجة إلي الجرح والتعديل، أمّا هذه الضرورة لم تكن في قم والريّ لعدم وجود أرضيّة للوضع والجعل.
إنّ قدماءَنا اعتمدوا لا محالة علي القرائن في معرفة الأحاديث الصحاح من الضعاف، وكان الحديث عندهم ثنائيّاً، فإنّهم قسّموا الحديث إلي صحيح وضعيف، والصحيح عندهم ما كان محفوفاً بالقرائن، والضعيف ما لم يكن محفوفاً بها، والإسناد عندهم أحد القرائن، وليس بمفرده طريقاً لإحراز الصحّة.
وهذا المنهج يظهر من شيخ الطائفة في مقدّمة كتاب الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، فقد صرّح بأنّ الروايات الإماميّة إمّا متواترة أو خبر آحاد، والخبر الواحد إمّا محفوف بالقرينة أو غير محفوف، والقرائن إمّا القرآن، أو السنّة، أو
ص: 61
العقل، أو الإجماع. وهكذا قال في كتابه العدّة في علم الأُصول، ثمّ سار علي إثره أتباعه من الفقهاء، وهم الذين يُعرفون بالمقلّدة.
فقد قال سديد الدين الحمصي: لم يظهر من الإماميّة بعد الشيخ إلّاعدّة من المقلّدة، حتّي وصل علم الرجال إلي القرن الثامن، وهذا قرن قُسّم علم الرجال فيه، فالعلّامة الحلّي تبع أُستاذه السيّد ابن طاووس (أحمد بن طاووس الحلّي)(1) فقسّم علم الرجال اجتهاداً منه إلي المُعتَمَدين وغير المُعتَمَدين.
وفي ذلك العصر، صارت الحلّة مدرسة للفقه الإماميّ، وظهر فيها فقهاء كبار لم يَرَ الدهر مثلهم، وعلي رأسهم محمّد بن إدريس الحلّي المنتقد للشيخ الطوسي في آرائه الفقهيّة، وبعده ظهر أبوالقاسم نجم الدين جعفر بن سعيد الحلّي الهُذلي المعروف عند فقهاء الإماميّة بالمحقّق (علي الإطلاق) أو المحقّق الأوّل، وهو الذي تبنّي في الفقه خطّة تعتمد علي قواعد خاصّة في الرجال وعلي رأس قواعدها، الاعتماد والاعتناء بالسند لا غير، والسند عنده هو ملاك اعتبار الرواية، ولا قرينة تعادله، فالرواية إن كانت معتبرة سنداً فهي مقبولة، ويجدر الإفتاء بها، وأمّا إذا كان سندها ضعيفاً فلا يمكن إصلاحه وجبرانه، فما اشتهر من أنّه يمكن جبرانه بالشهرة فلا خير فيه، ولا أصل ولا أساس له.
فالمحقّق الحلّي اعتمد علي السند، فلذلك نراه يقف في قبال الشيخ الطوسي، شيخ الطائفة الحقّة المحقة، فالشيخ كان من أعلام القرن الخامس وقد أرسي دعائم منهج الوثوق الصدوري بعد أن كان موجوداً منذ عصر الأئمّة عليهم السلام).
ص: 62
وقد أخذ به كوفيّهم، وبغداديّهم، وقمّيهم؛ فمدرسة الكوفة وبغداد وقم اهتمّوا بالقرائن، وجعلوها مقوّمة ومصحّحة للروايات.
في النصف الثاني من القرن السابع ظهر المحقق الحلّي في الحلّة، وهو علي رأس فقهاء مدرسة الحلّة وكذا نظيره أحمد بن طاووس الحلّي فهما معاً أسّسا المنهج السندي وتشدّدا علي أصحاب القرائن، وأنكرا عليهم الاعتماد علي الوجوه الخارجة عن السند، وادّعا أنّ المعتبر في الروايات هو السند لا غير، وفي قبالهما الشيخ الطوسي حيث يعتمد علي أصحاب الإجماع، ويصرّح في كتابه العدّة في أصول الفقه بالعمل بروايات المشايخ الثلاثة، مراسيلهم ومسانيدهم، بل ونقلهم عن الرواة المهملين ويعتبرها قرينة علي أنّهم ثقات، وأنّه يعمل بروايات الرواة الغير إماميّة. فهو من أركان المنهج الصدوري ويعمل أتباعه بروايات إسماعيل بن أبي زياد، وبني فضّال، وعبداللّه بن بكير، وأبّان بن عثمان وغيرهم، كما أنّه يعمل بروايات الرواة المشتركين لمحمّد بن قيس، وابن سنان، ويعمل كذلك بالروايات المرسلة المؤيَّدة بالشهرة العمليّة عند الإماميّة، وأيضاً يعمل بما رواه مشايخ الإجازة وإن لم يوثّقوا اصطلاحاً فيعمل بروايات أستاذ الإجازة للمفيد؛ يعني أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد مع أنّه لم يرد فيه أيّ نصّ من التوثيق والجرح، فهو عنده ثقة بل أوثق من الغير، لأنّه من مشايخ الإجازة، وبيده الوثاقة.
هذا بعض ما ذكر كقرينة للاعتماد علي الرواة عند أتباع المنهج الصدوري وعلي رأسهم الشيخ الطوسي. وأمّا مؤسّس المنهج السندي وهو المحقق الحلّي
ص: 63
وقرينه أحمد بن طاووس الحلّي المتشدّدان في سند روايات الرواة حيث لمنهجهما أُسس تتباين تبايناً كليّاً مع المنهج الصدوري، فهما وأتباعهما كالشهيد الثاني وأولاده وأسباطه لا يعملون بالقاعدة المسمّاة الإجماعيّة، بل لا يعدّونها قرينة علي التوثيق واعتبار الرواة، ولا علي اعتبار الرواية.
فالمحقّق الثاني لا يشير أصلاً إلي قاعدة الإجماع، وقد ردّه الشهيد الثاني في الروضة والمسالك. فقال في الروضة:
وقد قال بعض الأصحاب وهو عبداللّه بن بكير: (إنّ هذا الطلاق لا يحتاج إلي محلّل بعد الثلاث)، بل استيفاء العدّة الثالثة يهدم التحريم استناداً إلي رواية أسندها إلي زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «الطلاق الذي يحبّه اللّه تعالي والذي يطلِّق الفقيه وهو العدل بين المرأة والرجل أن يطلقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين وإرادة من القلب، ثمّ يتركها حتّي تمضي ثلاثة قروء، فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالثة وهو آخر القرء - لأنّ الأقراء هي الأطهار - فقد بانت منه، وهي أملك بنفسها، فإن شاءت تزوّجته وحلّت له، فإن فعل هذا بها مائة مرّة هَدَم ما قبله وحلّت بلا زوج» الحديث.
وإنّما كان ذلك قول عبداللّه، لأنّه قال حين سئل عنه: هذا ممّا رزق اللّه من الرأي. ومع ذلك رواه بسند صحيح، وقد قال الشيخ: إنّ العصابة أجمعت علي تصحيح ما يصحّ عن عبداللّه بن بكير، وأقرّوا له بالفقه والثقة.
وفيه نظر، لأنّه فطحيّ المذهب، ولو كان ما رواه حقّاً لما جعله رأياً له، ومع ذلك فقد اختلف سند الرواية عنه فتارة أسندها إلي رفاعة، وأُخري إلي زرارة، ومع ذلك نسبه إلي نفسه. والعجب من الشيخ - مع دعواه الإجماع المذكور - أنّه
ص: 64
قال: إنّ إسناده إلي زرارة وقع نصرة لمذهبه الذي أفتي به لما رأي أنّ أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه. قال: وقد وقع منه من العُدول عن اعتقاد مذهب الحقّ إلي الفطحيّة ما هو معروف. والغلط في ذلك أعظم من الغلط في إسناد فُتياً يعتقد صحّتها لشبهة دخلت عليه إلي بعض أصحاب الأئمّة عليهم السلام.
وقال في المسالك بعد ذكر الرواية:
وهذه الرواية - مع شذوذها - رواها عبداللّه بن بكير، وهو فطحيّ المذهب لا يعتمد علي روايته، خصوصاً مع مخالفتها لغيرها(1) بل للقرآن الكريم(2). ومع ذلك ففيها قادح آخر، وهو أنّ عبداللّه كان يفتي بمضمونها وحين سئل عن هذه المسألة قال: هذا ممّا رزق اللّه من الرأي. قال الشيخ: ومن هذه صورته فيجوز أن يكون أسند ذلك إلي رواية زرارة نصرة لمذهبه الذي كان أفتي به، وأنّه لمّا أن رأي أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه أسنده إلي من رواه عن أبي جعفر عليه السلام، وليس عبداللّه بن بكير معصوماً لا يجوز عليه هذا، بل وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحقّ إلي اعتقاد مذهب الفطحيّة ما هو معروف من مذهبه، والغلط في ذلك أعظم من الغلط في إسناد فتيا يعتقد صحّتها لشبهة إلي بعض أصحاب الأئمّة. وإذا كان الأمر علي ما قلناه لم تعترض هذه الرواية ما قدّمناه(3).
والعجب مع هذا القدح العظيم من الشيخ في عبداللّه بن بكير أنّه قال في كتاب الرجال: إنّ العصابة أجمعت علي تصحيح ما يصحّ عنه، وأقرّوا له بالفقه7.
ص: 65
والثقة(1)، وذكره غيره(2) من علماء الرجال كذلك. وهذا الخبر ممّا صحّ عن عبداللّه بن بكير، لأنّ الشيخ في التهذيب(3) رواه عن محمّد بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عنه، عن زرارة، والجميع ثقات.
وكيف كان فهو بالإعراض عنه حقيق، لما ذكرناه من شذوذه ومخالفته للقرآن بل لسائر علماء الإسلام.
وهكذا سائر الأمور، أمّا المحقّق الحلّي وعلي إثره الشهيد الثاني لا يعملان بمراسيل المشايخ الثلاثة كابن أبي عمير وغيره، وسار علي نهج الشهيد الأردبيلي وتلميذه السيّد محمّد العاملي في مجمع الفائدة والبرهان، ومدارك الأحكام(4).
فالمحقّق يردّ علي مرسلة محمّد بن أبي عمير في الوضوء، والشهيد الثاني في حق المارّ في الروضة والمسالك، وهم لا يعملون بروايات رواتها غير إماميّة؛ لأيّ كان، فإنّ العدول عن الولاية عندهم أكبر نقص وعيب للراوي ومعه لا يمكن الوثاقة فيه.
والشهيد الثاني يردّ أصل ظريف بن ناصح في كتاب الديات، لما كان في إسناده، حسن بن علي بن فضّال، وهو من الواقفيّة، كما أنّهم لا يعملون مطلقاً بروايات العنوان المشترك، كما سمعته مفصّلاً، ولا يعتنون بالشهرة فإنّ الشهرة عندهم ليست بشيء.
والحديث المنجبر بالشهرة سواسيّة مع غيره، وأنّهم لا يأبون علي ردّ4.
ص: 66
المشايخ الكبار ولو كانوا مشايخ إجازة إذا لم يرد في حقّهم التوثيق الاصطلاحي فإنّ أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد شيخ الإجازة للمفيد ولكنّه ضعيف عند آية اللّه الخوئي، وهو من أتباع المنهج السندي، بل علي نهج المحقق الحلّي، وثمّ إنّ الشهيد والمحقق الحلّي لا يعملان بالمضمرات ولو كان المضمر ثقة معروفاً ووجهاً من وجوه أصحابنا حيث إنّ أصحاب المنهج الصدوري لا يعدّون الإضمار عاملاً للتضعيف، هذا بعض ما عندنا ممّا قوّمه الشيخ الطوسي وتبعه علي ذلك أكثر الفقهاء.
إنّ ما قام به المحقّق الحلّي وتبعه علي ذلك الشهيد وأبناؤه كان خطوة رائدة لدعم المنهج السندي، وحينما ظهر الشهيد الثاني يعني زين الدين الجُبعي العاملي فقد أسّس منهجاً خاصّاً في الرجال، بل أسّس مدرسة خاصّة في الرجال، حيث شدّد علي الفقهاء وأرسي دعائم علم الرجال، وأخذ بقاعدة اعتماد الفقه علي الرجال بشكل أساسي، وأسّس منهجه علي مقدّمات:
الأُولي: وجوب الاهتمام بالروايات بالاعتماد علي أسانيدها.
الثانية: وجوب الاهتمام بالروايات الصحيحة المعتمدة لدي المتأخّرين.
الثالثة: عدم حجّيّة الروايات الحسنة أو الموثّقة - وتمّ التشديد علي الروايات الواقع في طريقها إبراهيم بن هاشم، ولم يعدّها صحيحة -(1).
الرابعة: يستدلّ علي وثاقة الراوي من خلال نصوص رجاليّة لا غير، وإذا لم يكن مذكوراً عند الرجاليّين فهو ضعيف قطعاً، وإن أُقيمت قرائن علي وثاقته.
ص: 67
الخامسة: لا يعدّ كلّ لفظ ونصّ رجاليّينِ أنّهما مفيدانِ للتوثيق، بل التوثيق كما ذكره في الرعاية يُفهم إذا ورد للراوي ألفاظ هي: «ثقة، حجّة، ثبت، عين، صحيح» لا غير.
ونظراً لهذه المقدّمات فقد ادّعي الشهيد الثاني إنّنا بحاجة إلي علم الرجال ونصّ رجالي، وإنّنا بحاجة إلي نصّ خاصّ لا إلي كلّ نصّ، ولا تفيدنا القرائن علماً ولا ظنّاً، فهذه هي أُسس المنهج الرجالي عند المحقق الأوّل والشهيد الثاني، والمنهج الرجالي الذي أسّسه الشهيد وانتهجه أتباعه من أُسرته وغيرها؛ فمن أُسرته، ابنه الشيخ حسن العاملي صاحب المعالم، فإنّه تبع والده ونقد الأحاديث وبحثها بحثاً دقيقاً حتّي ألّف مُنتقي الجُمان في الأحاديث الصحاح والحسان، وتبعه سبطه السيّد محمّد الموسوي صاحب المدارك ونهاية المرام، وقد تشدّدا في سند الرواية وقالا باعتبار الصحيح الأعلي، وادّعيا أنّ التوثيق الرجالي حجّة من باب الشهادة، ولذا يلزم أن يوثّق كلّ راوٍ من قِبل الرجاليّين، ولا يكفي توثيق الرجالي الواحد، فهما عملا بالصحيح الأعلي.
وألّف الشيخ حسن، منتقي الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان، وذكر فيه الأحاديث الصحيحة العُليا، ورمز لها بقوله: «صحي»، والأحاديث الصحيحة ورمز لها بقوله: «صحر»، والأحاديث الحسنة. ثمّ اقتفي أثرهما وأثر جدّه الشيخ محمّد العاملي سبط الشهيد الثاني، وولده الشيخ حسن العاملي المعروف بفخر الدين الثاني فإنّه شرح كتاب الاستبصار بعنوان استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، وأعمل فيه ما صوّبه جدّه وأبوه وخاله؛ فراجع تصدِّق.
وهكذا أبناؤهم، وأُسرة الشهيد الثاني تضمّ ستّ طبقات من العلماء
ص: 68
المشهورين، ويعدّ أجداده منهم، وهذا المنهج الرصين القويم أهمله الفقهاء وأخذوا بالمنهج الآخر، وهو منهج القدماء، الذي يعتمد علي القرائن.
وممّن أخذ بالمنهج الرجالي المدوّن والمعدّ من قبل الشهيد، السيّد أبوالقاسم الخوئي الفقيه الرجالي والأُصولي المعاصر، فقد أخذ بالمنهج الرجالي، وقام بإحياء علم الرجال في النصف الثاني من القرن الرابع عشر، فإنّه وإن كان في بداية نبوغه العلمي أخذ بالمنهج المتعارف عند الفقهاء واعتمد القرائن، فيقول مثلاً عند البحث في قاعدة لا ضرر: إنّا كنّا سابقاً نقول باعتبار مراسيل الصدوق في من لا يحضره الفقيه، ولكن الآن لا نقول باعتبارها، وعدلنا عمّا كنّا عليه فيما سبق.
وهنا كلام هو: ما هو الداعي وما هو الدافع لتراجع آية اللّه الخوئي عن منهج العلماء والفقهاء السابقين وقبول منهج الشهيد وأتباعه؟ هاهنا كلام كثير، فكلّ يدّعي شيئاً.
وفي هذا الموضوع صرّح آية اللّه الشيخ جعفر السبحاني في مقال نقلته إذاعة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بمناسبة الذكري السنويّة لوفاة السيّد الخوئي: إنّا كنّا عدداً من فضلاء قم ذهبنا إلي النجف الأشرف وحَضَرنا دروسها، ومنها درس السيّد آية اللّه الخوئي، وكان بحثه في الفقه حول مرسلة، وأراد إتقان سندها بجبران ضعفها بالشهرة والقرائن التي أقامها في الدرس، وحصيلة البحث أنّ السيّد الخوئي قد أتعب نفسه في إثبات الحكم علي مبني مرسلة ضعيفة.
وعند انتهاء الدرس ذهبنا إليه، وقلنا: ما الداعي علي إتعاب نفسك لإثبات
ص: 69
رواية ضعيفة مرسلة لغرض إتقان سندها ليترتّب الحكم والفتوي عليها؛ ونحن في قم نعتمد منهج الأستاذ آية اللّه السيّد البروجردي، فإنّه قد اهتمّ بعلم الرجال، فإذا لم يوجد الراوي في علم الرجال موثّقاً نردّ علي الرواية، وكلّ إسناد فيه راوٍ مهمل أو مجهول فالرواية ضعيفة وإن كان لها سند، فضلاً عمّا إذا لم يكن للرواية أيّ سند وكانت الرواية مرسلة كهذه الرواية المبحوث عنها.
فَفَكَّر السيّد الخوئي في المسألة وما أجابنا بشيءٍ، ثمّ أعرض بعد ذلك عمّا كان سابقاً عليه وأخذ يعتمد علي السند والرواة. هذا ما نقله العلّامة الشيخ جعفر السبحاني.
وأمّا ما سمعناه عن بعض أساتذتنا الذين هم كانوا من طلّاب السيّد آية اللّه السيستاني دام عزّه، فإنّه قال: إنّ هذا التحوّل من آية اللّه الخوئي في منهجه الرجالي نشأ بعد مناقشات واستدلالات وأُطروحات استغرقت وقتاً طويلاً مع السيّد السيستاني الذي ناقش الأستاذ مراراً في إسناد الروايات قائلاً له: ما الدليل علي إصراركم بإنقاذ الروايات الضعيفة، مع أنّ الرواة تمّ تدوينهم في كتب الرجال، وعلي مدي سنوات من البحث والنقاش توصّل السيّد الخوئي إلي هذا المنهج وأعرض عن المنهج المشهور المتداول بعد الشهيد الثاني وابنه وسبطيه أعني الشيخ حسن العاملي والسيّد محمّد الموسوي العاملي والشيخ محمّد العاملي، وولده الشيخ حسن صاحب الاستقصاء، ولم يكن هناك فقيه في أربع قرون تمنهج علي هذا المنهج، ولمّا أعرب السيّد الخوئي عن صحّة هذا المنهج، أقبل الفضلاء علي درسه، في الفقه خاصة لأنّه انتهج منهجاً جديداً في الفقه كان أحد أركانه الرجال، بعد أن ظلّ منسيّاً سيّما في المدارس الفقهيّة، كما
ص: 70
صرّح بذلك الشيخ محمّد طه نجف تلميذ الشيخ الأعظم الأنصاري في خاتمة إتقان المقال، فقال:
فلعمري هو أولي ممّا ابتلي به أبناء العصر من بذل العمر في تطويل غريب في الأُصول عارٍ عن المحصول وإطناب زائد علي مقدار الحاجة، طويل لا يثمر سوي التعطيل(1).
ولكنّي أيقنت بعد مطالعتي لآثار السيّد الخوئي أنّه كان حريصاً علي مطالعة مدارك الأحكام للسيّد محمّد الموسوي العاملي سبط الشهيد، وأحد أتباعه، وعلي مدي الزمان تأثّر بفقه السيّد العاملي، وأخذ بمنهجه، وعدل عن منهج الفقهاء المعروفين، فلذا بني فقهه علي دعامتين: الأولي: الأخذ بعلم الرجال، والثانية: عدم الأخذ بالشهرة وعدم اعتبارها.
ثمّ بعد إعلان هذا المنهج من قبل السيّد الخوئي، تبعه علي ذلك عدد مِن تلاميذه وخاصّة الذين تتلمذوا في الآونة الأخيرة علي يده، كالسيّد نقي القمّي شارح منهاج الصالحين باسم مباني منهاج الصالحين، حيث إنّ من مبانيه ردّ المراسيل ولو كانت عن غير واحدٍ.
وممّن سار علي هذا المنهج الرجالي المحكم والمتقن المحقّق الأردبيلي، مولي أحمد، أُستاذ الشيخ حسن العاملي والسيّد محمّد الموسوي العاملي، صاحب مجمع الفائدة والبرهان، فإنّه أخذ بما قال الشهيد الثاني وطرح ما ادّعاه المشهور، فلذلك تشدّد علي العلماء، وتفرّد في فتاوي كثيرة، وطرح الشهرة،
ص: 71
وأخذ بالروايات الصحيحة إسناداً، وإن كان مطروحاً عند المشهور، فراجع مجمع الفائدة والبرهان في مسألة كفاية الأغسال عن الوضوء فإنّه قد أخذ بصحيحة محمّد بن مسلم وحكم بن حكيم وإن كانا مطروحين لدي المشهور، وطرح مرسلة محمّد بن أبي عمير «في كلّ غسل وضوء إلّاغسل الجنابة» المحكم عليها بالصحيح عند المشهور، - وحيث مراسيله عندهم مسانيد - إضافة إلي الشهرة العمليّة عليها، غير أنّ الأردبيلي رغم ذلك صرّح بأنّها مرسلة ولا تنجبر بالشهرة(1).
وممّن تبع الشهيد في القرن الحادي عشر المولي حسين التستري العالم الرجالي الذي جمع آراء ابن الغضائري، وكلّ من الأساتذة القهبائي والتفرشي صاحبَي مجمع الرجال ونقد الرجال.
وتبعه كذلك الشيخ عبدالنبيّ الجزائري صاحب الحاوي، الذي ألّف رجاله علي مبني تنويع الحديث، ويقول في مقدّمة كتابه: الصحيح: ويراد به في الأكثر متّصل الإسناد إلي المعصوم بنقل العدل الإمامي عن مثله في جميع الطبقات، وما اعتراه شذوذ.
الحَسَن: ويراد به في الأكثر أيضاً متّصل الإسناد إلي المعصوم بإمامِيٍّ ممدوح من غير نصّ علي عدالته مع وجود ذلك في جميع مراتبه أو في بعضٍ مع كون الباقين بصفة رجال الصحيح.
الموثّق: ويراد به في الأكثر ما دخل في طريقه مَن ليس بإماميّ لكنّه منصوص علي توثيقه بين الأصحاب، ولم يشتمل باقي الطريق علي ضعف من جهة4.
ص: 72
أُخري، ويسمّي القويّ أيضاً.
الضعيف: وهو ما لم يحتج فيه شروط أحد الثلاثة بأن يشتمل طريقه علي مجروح بغير فساد المذهب أو مجهول. هذا الاصطلاح هو المستعمل عند جميع أرباب الحديث والأُصول من المتأخّرين، وقد ذكرنا أنّه لم يكن مذكوراً عند أصحابنا المتقدّمين وأنّ الصحيح عندهم ما وجب العمل بمضمونه(1).
ولا يخفي فإنّ الشيخ عبدالنبيّ الجزائري في المتأخّرين كابن الغضائري في المتقدّمين، فقد اعتني بكلماته وتشدّد علي الرواة؛ فكلّ راوٍ لم يكن عند ابن الغضائري والجزائري من المجروحين فهو من أوثق الثقات، ولذلك ذكر المحقّق ميرداماد بأنّ ابن الغضائري لو لم يجرح راوياً كانت قرينة تعيننا في إثبات وثاقته.
وعن الشيخ أحمد البحراني في كتابه: زاد المجتهدين في شرح بلغة المحدّثين: من جملة أدلّه وثاقة إبراهيم بن يوسف الطحّان الكندي هو أنّه لم يرد فيه قدح من ناحية ابن الغضائري، كما أنّه لم يجرحه، ولم يقدح فيه الشيخ عبدالنبيّ الجزائري في الحاوي مع أنّ سيرته في المتأخّرين كحسين بن عبيداللّه الغضائري في المتقدّمين(2).
وتناول أبو عليّ الحائري لمرّات في منتهي المقال الجزائري، وذكر كتابه بقوله: وقد قسّم كتابه إلي أربعة أقسام: للثقات، والموثّقين، والحسان، والضعاف، ولم يذكر المجاهيل، وهو كتاب جليل يشتمل علي نوادر جمّة إلّا1.
ص: 73
أنّه أدرج كثيراً من الحسان في قسم الضعاف. والعلماء يعبّرون عنه في كلماتهم ب «سلطان المحققين والمدققين»(1).
ونقل السيّد محمّد تقي المدرّسي في كتابه (مقدّمة في فقه الشيعة الإماميّة) أنّ الفقهاء الإماميّة في القرن الحادي عشر ادّعوا أنّه لم يظهر بعد العلّامة الحلّي فقيه ومجتهد للإماميّة، بل كلّهم حاكون ومقلّدون للعلّامة.
وهو منهج قدمائنا، فإنّهم لا يعتمدون علي السند وحده، واعتبار الأحاديث عندهم منوط بالقرائن الداخليّة والخارجيّة، السنديّة وغيرها، وأخذوا بكلّ ما يستعين الفقيه علي اعتبار الرواية كقدمائنا، وأوّل من انتهج هذا المنهج بعد الشيخ الطوسي وأحياه، الفقيه الأُصولي الرجالي الشيخ محمّد بن الحسين بن عبدالصمد العاملي صاحب مشرق الشمسين، فقد كتب مقدّمة لهذا الكتاب ونقد وبحث الآراء الرجاليّة للشيخ حسن العاملي معاصره وابن بلده، وتناول فيها دراسة جدّيّة وهي أنّ الروايات معتبرة إذا كانت معها قرائن، ثمّ شرع في عدّ القرائن، وقال: لا يمكن أن نكتفي بالروايات المعتبرة سنداً، فإنّ هذا إسقاط لجمّ كثير من الروايات.
والقرائن إمّا في السند، أو في النصّ، أو غيرهما؛ مقاليّة أو حاليّة، فلذلك قال باعتبار مراسيل محمّد بن أبي عمير، ومراسيل المشايخ الثلاثة، ومراسيل أصحاب الإجماع.
وكتب في مقدّمة الحبل المتين إنّ الروايات المرسلة في من لا يحضره الفقيه
ص: 74
لا تقصر عن مراسيل محمّد بن أبي عمير(1).
وكتب أيضاً: أنّ كلّاً من ابن أبي عمير، أو المشايخ الثلاثة بل الأصحاب المسمّين بأصحاب الإجماع إذا رووا عن راوٍ مهمل، أو مجهول فهو يكشف عن كونه ثقة عندهم.
وبهذا فقد اعتبر الشيخ البهائي بأنّ هناك عدّة من القرائن التي تقوّينا بها علي إحراز صدور الرواية(2).
وقد أخذ بمنهجه العلّامة والأديب الفيلسوف المعاصر له السيّد محمّد باقر الإسترآبادي الميرداماد، وكذا الرجالي الخبير الميرزا محمّد عليّ الإسترآبادي صاحب الكتب الثلاثة في الرجال، فإنّهم من مشاهير مدرسة الاهتمام بالقرائن، وهم أعلام المنهج الذي نسمّيه الوثوق الصدوري، مقابل المنهج الأوّل الذي نسمّيه الوثوق السندي.
وتبعهم علي ضرورة الاهتمام بالقرائن، الشيخ الحرّ العاملي في خاتمة وسائل الشيعة، فعقد باباً للقرائن التي تدلّ علي صدور الروايات(3)، والشيخ الفقيه المحدّث البحراني وقد عقد مقدّمة مفصّلة في مقدّمة كتابه الحدائق الناضرة(4)، ثمّ تبعهم علي ذلك الفقهاء من بعدهم وفي مقدّمتهم العلّامة محمّد باقر الوحيد البهبهاني المعاصر للبحراني، والمفنّد للحركة الأخباريّة، فإنّه كتب تعليقة علي منهج المقال للإسترآبادي معتمداً علي جمع القرائن في اعتبار4.
ص: 75
الرواة وتوثيقهم، وانتهج المنهج نفسه في تعليقته علي مجمع الفائدة والبرهان، وكثيراً ما ناقش المحقّق الأردبيلي، والسيّد محمّد الموسوي العاملي في تعليقته علي مدارك الأحكام، فهو عَلَمٌ ومنار في جمع القرائن.
وقد قام بجمع القرائن في توثيق الرواة في تعليقته علي منهج المقال (الرجال الكبير) للميرزا محمّد الإسترآبادي وتبعه علي ذلك تلاميذه كالميرزا أبي القاسم القمّي في غنائم الأيّام، والسيّد عليّ الطباطبائي في رياض المسائل، والمحقّق ملّا أحمد النراقي في مستند الشيعة، ثمّ جاء بعدهم الفقيه المعروف الشيخ محمّد حسن النجفي في الجواهر، وتلميذه الشيخ الأعظم مرتضي الأنصاري في الآثار الفقهيّة، وسار علي أثرهم الفقيه النجفي الحاج آقا رضا الهمداني في مصباح الفقيه(1)، ثمّ بعد هؤلاء من المعاصرين السيّد حسين البروجردي والإمام الخميني.
وممّا يمكن أن يقال: إنّ المقتفين والمنتهجين لهذا المنهج، هم كبار الفقهاء من المتقدّمين والمتأخّرين والمعاصرين.
وقد تقدّم أنّ منهج الوثوق بالسند أسّسه المحقق الحلّي والشهيد الثاني وتبعهما عدّة من العلماء منهم السيّد الخوئي وهو من المعاصرين.
إنّ الفرق الأساسي من بين بقيّة الفروق بين المدرستين والمنهجين هو اعتماد القرائن في توثيق الرواة، وعدم الاكتفاء بالنصوص الرجاليّة، والمدار في اعتبار الرواية يدور علي إحراز صدورها من المعصوم لا الاكتفاء بالسند، فإن أحرز صدورها فهي معتبرة وإن لم يكن لها سند.2.
ص: 76
ولنذكر هنا كلاماً للسيّد المحقّق البروجردي حول الغاية من تأليف هذه الكتب الأربعة، وأنّها ليست هي موسوعة رجاليّة مشتملة علي جميع الرواة، بحيث إذا لم يذكر الراوي فيها فنحكم بأنّه ضعيف، بل من الممكن أن يكون الراوي ثقة؛ لا من جهة النصّ الرجالي بل من جهة وجود القرائن المجتمعة عند الفقيه، وتعرّض السيّد البروجردي لصحيحة عبداللّه بن أبي يعفور الواردة في الإمامة فقال: والكلام في هذا الخبر يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في سنده، وقد حكي عن العلّامة الطباطبائي(1) أنّه حكم بصحّة هذه الرواية حيث قال في محكيّ ما صنّفه في مناسك الحجّ: الصحيح عندنا في الكبائر أنّها المعاصي التي أوجب اللّه تعالي سبحانه عليها النار، وقد ورد تفسيرها بذلك في كثير من الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار عليهم صلوات اللّه أجمعين، نحو صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور الواردة في صفة العدل....
أمّا في مفتاح الكرامة بعد نقل هذه العبارة قال: قلت: الظاهر أنّ الخبر غير صحيح لا في التهذيب ولا في الفقيه(2)، انتهي.
والظاهر أنّ منشأ الإشكال في الصحّة هو اشتمال الإسناد علي أحمد بن محمّد بن يحيي حيث لم يرد عنه في كتب الرجال حتّي يعدّل أو يجرّح، مع أنّ التحقيق يقتضي عدم الاحتياج إليه. توضيح ذلك: إنّ الكتب الموضوعة في هذا
ص: 77
الباب لا تتجاوز عن عدّة لكتاب رجال الشيخ، وفهرسته، ورجال الكشّيّ، وفهرست النجاشي، وعدم التعرّض فيها لراوٍ لا يوجب عدم الاعتناء بروايته لأنّ كتاب رجال الشيخ لا يكون مشتملاً علي جميع الرواة، لأنّ الظاهر أنّه كان بصورة المسوّدة، وكان غرض الشيخ الرجوع إليه ثانياً لتنظيمه وترتيبه وتوضيح حال المذكورين فيه، كما يشهد لذلك الاقتصار في بعض الرواة علي ذكر مجرّد اسمه واسم أبيه من دون تعرّض لبيان حاله من حيث الوثاقة وغيرها، وكذا ذكر بعض الرواة مكرّراً كما يتّفق فيه كثيراً علي ما تتبّعنا، هذا وأمثاله ممّا يوجب الظنّ الغالب بكون الكتاب لم يبلغ إلي حدّ النظم والترتيب والخروج بصورة نهائيّة، وذلك يستند إلي كثرة اشتغال الشيخ بالتأليف والتصنيف في الفنون المختلفة الإسلاميّة من الفقه والأُصول، وجمع الأحاديث والتفسير والكلام، وغير ذلك من العلوم بحيث لو قسّمت مدّة حياته علي تأليفاته لما اتّسع لكتابه هذا إلّاساعات معيّنة محدودة.
فعدم الذكر (للراوي) في رجال الشيخ لا يدلّ علي عدم الوثاقة.
وأمّا رجال الكشّيّ: فالظاهر كما يظهر لمن راجعه أنّ غرضه منها جمع أسماء الذين وردت في حقّهم رواية أو روايات، مدحاً أو قدحاً أو غيرهما.
وأمّا كتاب النجاشي: فغرضه فيه إيراد المصنّفين، ومن برز منه تأليف أو تصنيف، وهكذا فهرست الشيخ، فعدم تعرّضه لبعض من الرواة، - باعتبار عدم كونه مصنّفاً - لا يدلّ علي عدم كونه ثقة عنده، كما يظهر من بعض المتأخّرين في مشتركاته(1)، حيث حكم بعدم وثاقة الراوي لمجرّد عدم كونه مذكوراً في5.
ص: 78
تلك الكتب، الظاهر أنّه يمكن استكشاف وثاقة الراوي من تلاميذه الذي أخذوا الحديث عنه، فإذا كان الآخذ مثل الشيخ أو المفيد أو الصدوق أو غيرهم من الأعلام - خصوصاً مع كثرة الرواية عنه - لا يبقي ارتياب في وثاقته أصلاً، وحينئذٍ ينقدح صحّة ما أفاده العلّامة الطباطبائي من الحكم بصحّة هذه الرواية وإن كان أحمد بن محمّد بن يحيي الواقع في ابتداء سند الرواية لم يرد عنه في تلك الكتب ذكر ولا تعرّض، لأنّ وثاقته تستفاد من رواية الصدوق والشيخ عنه خصوصاً مع كثرة رواياته حيث إنّه كان رواية كتب أبيه بإجازة منه وإن لم يكن له كتاب، ولأجله لم يذكر في شيء من تلك الكتب، فالإنصاف أنّه لا مجال للمناقشة في مثل هذا السند أصلاً(1).
فعلي هذا المبني الذي ذكره السيّد البروجردي، فعدم ذكر الراوي في الكتب المتداولة الرجاليّة لا يكون دليلاً علي عدم توثيقه، ولا يمكننا أن نحكم علي محض عدم ذكر الراوي في النجاشي أو الشيخ أو الكشّيّ بضعفه، فلعلّ هذا الراوي الذي نعدّه مهملاً، يستكشف الفقيه وثاقته من ناحية أُخري غير النصوص الرجاليّة، والناحية الأُخري هي القرائن التي يتتبّعهما الفقيه من مظانّها، وهذا المبني والمنهج الرجالي مخالف للمنهج الرجالي الثابت عند الشهيد الثاني وأتباعه، فإنّهم قد حكموا بضعف الراوي إذا لم يذكر الراوي في الكتب الرجاليّة، أو لم يذكر له ألفاظ التوثيق، فلذلك قالوا بضعف كثير من الرواة المهملين أو المجهولين.8.
ص: 79
وعلي ضوء هذا ادّعي محمّد بن إسماعيل الحائري المازندراني صاحب منتهي المقال أنّه لم يحرز ضرورة إلي ذكر الرواة المهملين والمجهولين، فلذلك لم يذكرهم في كتابه منتهي المقال(1)، وردّه المحقّقون قائلين بضرورة ذكرهم، وذلك أنّ الفقيه الآخر ربّما حصل علي قرائن تدلّ علي وثاقة الراوي فأخرجه من المهملين إلي الموثّقين.
قال العلّامة السيّد محسن الأمين العاملي في كتابه أعيان الشيعة عند ترجمته لِمحمّد إسماعيل الحائري: فإنّ النكتة المهمّة أنّ المؤلّف رحمه الله قد أهمل ذكر المجهولين في كتابه معلِّلاً ذلك بقوله: ولم أذكر المجاهيل لعدم تعقّل فائدة في ذكرهم، بينما نري أنّ الكتب المؤلّفة قبله وبعده جُلّها قد ذكرت جميع الرواة بما فيهم المجاهيل، ولم يسبقه في ذلك أحد إلّاالمحقّق عبدالنبيّ الجزائري في كتابه: حاوي الأقوال فقد أهمل ذكر المجاهيل، وكذلك المولي خداوردي أفشار(2).
وليتهم لم يسقطوهم لأنّهم لم ينصّ عليهم بالجهالة من قِبَل علماء الرجال مع أنّ الفوائد في تناولهم كثيرة، ولذلك أوردهم علماء الرجال منذ أوّل يوم أُلّفت فيه كتب الرجال إلي عصره، وكذا بعده وإلي هذا اليوم، فمن فوائد ذكرهم:
أوّلاً: أنّه ربّما تظهر للمتتبّع أمارة الوثوق بالمجهول فيعمل بخبره، فلو
ص: 80
لم يذكر هذا تنتفي الفائدة والبحث عنه غالباً.
ثانياً: أنّه ربّما كان الاسم مشتركاً بين المجهول وغيره، فمع عدم ذكره لا يعلم الاشتراك.
ثالثاً: أنّ الفائدة من ذكرهم هي نفس الفائدة في ذكر الموثّق والممدوح والمقدوح وغيرهم، فلو لم يذكروا لم يعلم حالهم لمن يريد البحث عن إسناد الرواية كما أنّه لا تعلم صفة غيره لو لم يذكرا(1)، ولكن المنهج السديد ما أشار إليه المحقّق الداماد في الرواشح، في الراشحة الثالثة عشرة حيث قال: المجهول اصطلاحيّ وهو من حكم أئمّة الرجال عليه بالجهالة كإسماعيل بن قتيبة من أصحاب الرضا عليه السلام، وبشير المستنير الجعفي من أصحاب الباقر عليه السلام(2).
ولغويّ وهو ليس بمعلوم الحال، لكونه غير مذكور في كتب الرجال ولا من المعهود أمره المعروف حاله من حال من يروي عنه من دون حاجة إلي ذكره، والأوّل متعيّن بأنّه يحكم بحسبه ومن جهته علي الحديث بالضعف، ولا يعلّق الأمر علي الاجتهاد فيه واستبانة حاله، علي خلاف الأمر في الثاني إذ ليس يصحّ ولا يجوز بحسبه ومن جهته أن يحكم علي الرواية بالضعف ولا بالصحّة ولا بشيء من مقابلاتهما أصلاً ما لم يستبن حاله ولم يتّضح سبيل الاجتهاد في شأنه. أليس للصحيح والحسن والموثّق والقوي أقسام معيّنة لا تتصحّح إلّا بألفاظ مخصوصة معيّنة من تلقاء أئمّة الحديث والرجال؟
ثمّ قال: وبالجملة، جهالة الرجال علي معني عدم تعرّف حاله من حيث عدم8.
ص: 81
الظفر بذكره أو بمدحه وذمّه في الكتب الرجاليّة ليس ممّا يسوّغ الحكم بضعف السند أو الطعن فيه كما ليس يسوّغ تصحيحه أو تحسينه وتوثيقه، إنّما تكون الجهالة والإهمال من أسباب الطعن، بمعني حكم أئمّة الرجال علي الرجل بأنّه مجهول أو مهمل، فمهما وجد شيء من ألفاظ الجرح انصرم التكليف بالفحص والتفتيش وساغ الطعن في الطريق.
فأمّا المجهول والمهمل لا بالمعني المصطلح عليه عند أرباب هذا الفنّ بالعرف العاميّ أعني المسكوت عن ذكره رأساً، أو عن مدحه وذمّه؛ فعلي المجتهد أن يتتبّع مظانّ استعلام حاله من طبقات الأسانيد والمشيخات والإجازات والأحاديث والسيَر والتواريخ وكتب الأنساب وما يجري مجراها، فإن وقع إليه ما يصلح للتعويل عليه فذاك، وإلّا وجب تسريح الأمر إلي بقعة التوقّف، وتسريح القول فيه إلي موقف السكوت عنه... إلي آخر كلامه(1).
فعلي هذا ففي ذكر المهمل والمجهول أيضاً فوائد، ويمكن للفقيه المتضلّع أن يظفر بوثاقتهما.
1. العلّامة الحلّي وهو رائد التقسيم الرباعي للحديث، وأوّل من قسّم الحديث إلي الرباعي، ولكن مع ذلك اعتني بالقرائن، فإذا أحرز صدور رواية
ص: 82
عمل بها ولو كانت ضعيفة سنداً، فقال في مسألة التسليم في الصلاة: اختلف أصحابنا في وجوبه في الصلاة، فقال علم الهدي وابن أبي عقيل وأبو الصلاح(1)إنّه واجب تبطل الصلاة بالإخلال به عمداً لا سهواً - إلي أن قال: - ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ وابن بابويه وعلم الهدي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال:
قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»(2).
لا يقال: إنّه خبر مرسل من طرقكم فلا يعمل به.
لأنّا نقول: لا نسلّم أنّه مرسل فإنّ الأُمّة تلقّته بالقبول، ونقله الخاصّ والعامّ، ومثل هذا الحديث البالغ في الشهرة قد تحذف رواته اعتماداً علي شهرته، علي أنّ الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني رواه مسنداً عن عليّ بن محمّد بن عبداللّه، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن القدّاح، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله... الحديث، إلّاأنّه قال: مفتاح الصلاة الوضوء(3).
ولو سلّم فهؤلاء الثلاثة هم العمدة في ضبط الأحاديث ولولا علمهم بصحّته لما أرسلوه وحكموا بأنّه من قوله عليه السلام(4).
2. قال الميرزا أبوالقاسم القمّي في كتابيه مناهج الأحكام وغنائم الأيّام:0.
ص: 83
الدليل الثالث الدالّ علي وجوب التسليم ما رواه المشايخ الثلاثة - الصدوق والشيخ مرسلاً والكليني مسنداً - عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: مفتاح الصلاة الطهور، تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم». ولا وجه للقدح في السند بالإرسال سيّما مع وروده في الفقيه والكافي، بل في الإرسال إشارة إلي كمال الاعتماد علي الصحّة مع أنّ السيّد المرتضي ينقل هذه الرواية معتمداً عليها وهو لا يعمل بخبر الواحد، إلي غير ذلك من المؤيّدات(1).
1. قال الشهيد الثاني في روض الجنان: وأمّا حديث: تحليلها التسليم، فقد أُجيب عنه بأنّ الأصحاب لم يرووه مسنداً وإن كان من المشاهير، فإنّ المراسيل لا تنهض دليلاً، وبمعارضته بما هو أقوي سنداً ودلالة(2).
2. قال السيّد محمّد الموسوي العاملي في مدارك الأحكام: الثالث: ما رواه الشيخ والمرتضي وابن بابويه مرسلاً عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: مفتاح الصلاة الطهور، تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم». وقد رواه الكليني مسنداً عن عليّ بن محمّد بن عبداللّه، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن القدّاح، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله...
الحديث.
وجه الاستدلال: لأنّ التسليم وقع خبراً عن التحليل فيكون مساوياً أو أعمّ
ص: 84
من المبتدإ، فلو وقع التحليل بغيره كان المبتدأ أعمّ من الخبر.
ولأنّ الظاهر إرادة حصر التحليل فيه لأنّه مصدر مضاف إلي الصلاة فيتناول كلّ تحليل يضاف إليها.
ولأنّ الخبر إذا كان مفرداً كان هو المبتدأ بمعني أنّ الذي صدق عليه أنّه تحليل للصلاة صدق عليه التسليم، كذا قرّره في المعتبر(1).
وجوابه: أوّلاً: بضعف هذا الحديث، وما قيل مِن أنّ هؤلاء الثلاثة هم العمدة في ضبط الأحاديث ولولا علمهم بصحّته لما أرسلوه(2) فظاهر الفساد(3).
وثانياً: إنّ ما قرّر في إفادة الحصر غير تامّ، لأنّ مبناه علي دعوي كون الإضافة للعموم، وهو ممنوع فإنّ الإضافة كما تكون للاستغراق تكون للجنس والعهد الذهني والخارجي.
المثال الثاني يرجع إلي مرسلة محمّد بن أبي عمير في كفاية الأغسال عن الوضوء.
1. قال الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: وأمّا دليل وجوبه في سائر الأغسال فهو أنّ الإنسان مأخوذ عليه أن لا يدخل في الصلاة إلّابالوضوء لظاهر الآية والإجماع أيضاً، وخرج غسل الجنابة لما مرّ، فبقي الباقي. وقوله عليه السلام فيما رواه ابن أبي عمير صحيحاً عن رجل عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «كلّ غسل قبله وضوء إلّاغسل الجنابة»، وما رواه أيضاً في الصحيح ابن أبي عمير عن حمّاد أو
ص: 85
غيره عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «في كلّ غسل وضوء إلّاالجنابة»(1)... والروايتان مرسلتان مع الاشتراك في محمّد بن أحمد، ومحمّد بن يحيي في الأُولي، وإن قيل بالصحّة لكونه هو محمّد بن أحمد بن يحيي الأشعري ومحمّد بن يحيي هو العطّار وإنّهما ثقتان، ولكن غيرهما من الأخبار التي ليست في طريقها الاشتراك أولي منهما.
وأيضاً في قبول المرسل بحث كما ذكر في محلّه. نعم لو علم أنّه لم يرسل إلّا عن عدل، وعلم ذلك العدل فهو مقبول.
واعتُرض عليه بأنّه خارج عن الإرسال ولا يضرّ ذلك، لأنّ الكلام فيما هو مرسل بحسب الظاهر، ولو علم أنّه عدل لا بعينه ففي قبول مثله بحث في كتب أُصول الحديث فإنّهم قالوا: لم يقبل قوله لو صرّح وقال: أروي عن عدل ولم يسمّه لأنّه قد يكون عدلاً عنده فاسقاً عندنا، فلو أظهر اسمه لجرحناه، وهذا مذكور في الكتب من غير ردّ، فحينئذٍ لا يزيد حال مرسلة ابن أبي عمير عن قوله «أروي هذا الخبر عن عدلٍ» مع أنّ الظاهر ليس كذلك، بل الذي يفهم أنّهم أخذوا بالتتبّع وببعض القرائن، لهذا أري أنّهم يقولون: أظنّه حمّاداً أو غيره، ويقولون: إنّ كتب ابن أبي عمير حرقت فكان يروي عن حفظه، وكان يعرف أنّ المروي عنه عدل ولكن نسي اسمه، علي أنّ قوله عن رجل مرّة، وعن حمّاد أو غيره أُخري يدلّ علي اضطراب، بزعم الشيخ، وأيضاً في نقله تارة قبله وتارة «في كلّ غسل» اضطراب.
وبالجملة، أن ليس هنا دليل يصلح إلّارواية واحدة عن ابن أبي عمير إلّاأنّ 5.
ص: 86
الطريق إليه اثنان، وكون الإرسال أيضاً عنه غير ظاهر، بل يحتمل أنّه أسنده وأرسل الراوي عنه لنسيانه السند إليه، وعلي تقدير التسليم فمقبولته مرسلة وإن قاله الأصحاب غيرظاهر، لما علمت من الاحتمال وإن كان مقبولاً عندهم لعلمهم بذلك من غير اشتباه، فليس لنا العمل به مع الاشتباه في مثل هذه المسألة(1).
2. وقال تلميذه السيّد محمّد الموسوي العاملي في مدارك الأحكام: أجمع علماؤنا علي أنّ غسل الجنابة يجزئ عن الوضوء، واختلف في غيره من الأغسال، فالمشهور أنّه لا يكفي، بل يجب معه للصلاة سواء كان فرضاً أو سنّة... احتجّ للأوّل بما رواه ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبداللّه عليه السلام قال:
«كلّ غسل قبله وضوء إلّاغسل الجنابة»(2). والموجود في التهذيب رواية ابن أبي عمير بطريقين: أحدهما عن رجل، والآخر عن حمّاد بن عثمان أو غيره، فهي في الحقيقة رواية واحدة مرسلة فلا ينبغي عدّها روايتين، ولا جعل الثانية من الحسن(3). وأُجيب عنه بأنّ الرواية قاصرة السند بالإرسال وإن كان المرسل لها ابن أبي عمير كما صرّح المصنّف في المعتبر، وجدّي قدس سره في الدراية(4).
3. مثال في موانع الإرث، وهو أنّ القاتل لا يرث المقتول مطلقاً؛ سواء قتله عمداً أو خطأً، وأمّا عمده فمجمع عليه، وأمّا خطأه ففيه طائفتان من الروايات، وهناك فقهاء قدّموا روايات المنع؛ ويدلّ عليه رواية العلاء بن الفضيل.
ص: 87
فعن السيّد محمّد جواد العاملي في مفتاح الكرامة: قال الأردبيلي في خاتمة جامع الرواة: وإلي يونس بن عبدالرحمن مجهول، وإليه طريق آخر حسن كالصحيح، وطريق آخر فيه أبوالمفضّل، عن محمّد بن جعفر الرزّاز في مشيخة الاستبصار، وكذا في مشيخة التهذيب(1)، فهذا الشيخ وثقة الإسلام رويا عن العلاء بن الفضيل بن يسار عن أبي عبداللّه عليه السلام: أنّ الرجل لا يرث إذا قتله وإن كان خطأً بطرق معتبرة، أمّا ثقة الإسلام(2) فقد رواه عن عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسي، عن يونس، عن محمّد بن سنان، عن العلاء بن الفضيل، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّ الرجل... الحديث، وإنّه لصحيح لأنّ العبيدي وثّقه النجاشي(3)، ونقل عن الأصحاب إنكار ما رواه به أبو جعفر بن بابويه وأنّهم يقولون: مَن مثل العبيدي.
وأمّا محمّد بن سنان فإنّه ثقة علي الصحيح، وإنّه من أصحاب الأسرار، كما لا يخفي علي من اطّلع علي حاله من كتب الرجال(4). وأمّا الشيخ فقد رواه بإسناده عن يونس(5).
ومن المعلوم أن له إلي يونس ثلاث طرق(6) فيها: الصحيح، وهو ما كان فيه الحسن بن حمزة العلوي لأنه ورد فيه من المدح ما يزيد علي التوثيق بمراتب ، سلمنا ولكنه شيخ أجازه كأحمد بن يحيي العطار. وفيها: الحسن بإسماعيل بن
ص: 88
مرار وصالح بن السندي المتعاطفين، وإسماعيل ورد فيه مدح إضافةً إلي كثرة روايته وعدم استثنائه من كتاب النوادر وقبوله عند أهل قم، ومثله صالح بن السندي، فكانت هذه الرواية مرويّة عن الفضيل وابنه بطرق عديدة(1) في كتابي أخبار الكافي والتهذيب(2). والثالث هو: أنّ مرسل يونس دليل علي قول الحسن بن أبي عقيل العماني، أنّه قال بالمنع بالإرث مطلقاً، سواء كان القتل خطأ أو عمداً؛ وحديث العلاء بن الفضيل رواه في الكافي مرّتين، وفي التهذيب أيضاً مرّتين؛ مع أنّ للشيخ إلي يونس ثلاث طرق(3)، فلذلك قال الموسوي العاملي بتقوية إسناده وهو صحيح في بعض الطرق، حسن في بعض الطرق، ومع ضعفه أيضاً له شهرة روائيّةً وإن قيل بضعفه(4).7.
ص: 89
ص: 90
إنّ المناط والقاعدة عند أصحاب المنهج الصدوري، إحراز صدور الرواية متناً، وإن كان إسنادها ضعيفاً، بل ولو كان في سندها رواة متّهمون بالوضع والجعل، فإنّ الاعتبار هو إحراز صدور الرواية، ويبقي السند أحد المناطات، فإذا أحرزنا صدور الرواية من غير إسناد، أو كان السند مشتملاً علي عدّة من الوضّاعين فإنّ الرواية معتبرة، حيث المناط الأوّل والقاعدة الأوّليّة عند فقهاء هذا المنهج هو إحراز الصدور وعدمه، فإذا أُحرز الصدور دون الأخذ بنظر الاعتبار أنّ الراوي من الوضّاعين أو الجعّالين أو المدلّسين فهي معتبرة، أمّا إذا كان صدورها غير محرزٍ بل كان متنها مخالفاً للقواعد العامّة من القرآن والسيرة النبويّة والعقل والإجماع وغيرها من الأدلّة العامّة، فهي غير معتبرة ولو كانت صحيحة سنداً.
فلذلك عبّر علماء الرجال عن الراوي بأنّه متقن، فالإتقان صفة للرواية لا للراوي، وبما أنّ الراوي يروي روايات متقنة، فعلي ضوء هذا ظهر أنّ من إتقان الراوي لرواياته أنّه ثقة، وهذا ما نقل عن الوحيد البهبهاني والعلّامة بحر العلوم
ص: 91
في إسماعيل بن أبي زياد السكوني، فإنّه وإن كان عاميّاً ضعّفه كثيرٌ من الفقهاء المتأخّرين إلي عصر الشيخ البهائي وهؤلاء جميعاً اتّبعوا في ذلك المحقّق الحلّي في المعتبر ونكت النهاية، فإنّه ردّ رواياته، وتبعه علي ذلك كلّ من العلّامة وابنه فخر الدين، والشهيدان الأوّل والثاني، والفاضل المقداد السيوري، وأحمد بن فهد الحلّي، والكركي، والأردبيلي، والعامليّان صاحب المعالم والمدارك في كتبهم الفقهيّة أمثال: مختلف الشيعة، وإيضاح الفوائد، وغاية المراد، ومسالك الأفهام، وجامع المقاصد، ومجمع الفائدة والبرهان، ومعالم الدين، ومدارك الأحكام، غير أنّ الفقهاء في عصر الشيخ البهائي قالوا باعتبار رواياته، وكذلك الشيخ أبو جعفر الطوسي في: العدّة في أُصول الفقه.
فالسكوني وإن كان قاضياً للعامّة في الموصل، ولم يرد فيه أيّ توثيق، إلّارأي الفقيهين المشار إليهما هو فيه أنّ رواياته متقنة متناً، فإذا ثبت عندهما أنّ الرواية صادرة عن المعصوم كان كافياً ولا حاجة إلي أكثر من ذلك مع أنّه عند أهل الجرح والتعديل ليس كذلك(1).
والنموذج الأوّل لهذا البحث، روايات أحمد بن هلال، المرميّ بالغلوّ والنصب وغيرهما من التُّهم.
قال الشيخ الأعظم الأنصاري: والماء المستعمل في الغسل المقصود به رفع الحدث الأكبر طاهر إجماعاً وإن لم يستقلّ بالرفع، بناء علي أنّ الحدث الأكبر فيما عدا الجنابة يرتفع بمجموع الغسل والوضوء، وهل يرفع به الحدث
ص: 92
المستعمل فيه باستعماله في موضع صبّ لغسل غيره؟ فيه تردّد... فإنّ صريح المقنعة والمبسوط... العدم، لرواية عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال:
«لا بأس بالوضوء بالماء المستعمل»، وقال: «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضّا منه وأشباهه، والماء الذي يتوضّأ به الرجل فيغسل به وجهه ويده في إناء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضّا به». وليس في سند الرواية إلّاأحمد بن هلال المرميّ بالغلوّ تارة وبالنصب أُخري(1)، وبُعد ما بين المذهبين لعلّه يشهد بأنّه لم يكن له مذهب رأساً، لكن التأمّل في القرائن يكاد يلحق الرواية بالصحاح:
منها: أنّ الراوي عنه الحسن بن فضّال، وبنو فضّال ممّن ورد في شأنهم في الحسن - كالصحيح - عن العسكري عليه السلام «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا» مع أنّ هذه الحسنة ممّا يمكن أن يستدلّ بها علي جواز العمل بروايات مثل ابن هلال ممّا روي حال الاستقامة، ولذا استدلّ بها الشيخ الجليل أبوالقاسم بن روح قدس سره حين أفتي أصحابه بجواز العمل بكتب الشلمغاني، فقال بعد السؤال عن كتبه، أقول فيها ما قاله العسكري، لمّا سُئل عن كتب بني فضّال «خذوا ما رووا...
الخ»(2).
ومنها: أنّ الراوي عن ابن فضّال - هنا - سعد بن عبداللّه الأشعري، وهو ممّن طعن علي ابن هلال حتّي قال: ما سمعنا بمتشيّع يرجع من التشيّع إلي النصب9.
ص: 93
إلّا أحمد بن هلال(1) وهو في شدّة اهتمامه بترك روايات المخالفين بحيث حكي عنه أنّه قال: لقي إبر اهيم بن عبدالحميد أبا الحسن الرضا عليه السلام فلم يرو عنه فتركت روايته لأجل ذلك(2). وكيفَ أن يُسمع من ابن فضّال الفطحي ما يرويه عن ابن هلال الناصبي، إلّاأن تكون الرواية في كتاب معتبر مقطوع الانتساب إلي مصنّفه بحيث لا يحتاج إلي ملاحظة حال الواسطة، أو محفوفة بقرائن موجبة للوثوق بها.
ومنها: أنّ ابن هلال روي هذه الرواية عن ابن محبوب، والظاهر قراءته عليه في كتاب ابن محبوب المسمّي بالمشيخة الذي هو أحد الأُصول الموصوفة في أوّل الفقيه(3) بالصحّة واعتماد الطائفة إليها، وحكي عن ابن الغضائري الطاعن كثيراً في من لا يطعن فيه غيره أنّ الأصحاب لم يعتمدوا علي روايات ابن هلال إلّا ما يرويه عن مشيخة ابن محبوب، ونوادر ابن أبي عمير. وحكي عن السيّد الداماد إلحاق ما يرويه ابن هلال عن الكتابين بالصحاح(4).
ومنها: اعتماد القمّيّين علي الرواية كالصدوقين وابن الوليد وسعد بن عبداللّه، وقد عدّوا ذلك من أمارات صحّة الرواية باصطلاح القدماء، فالإنصاف أنّ الوثوق الحاصل من تزكية الراوي خصوصاً من واحد، ليس زيد ممّا يفيده هذه القرائن، فالطعن فيها بضعف السند كما في المعتبر(5) والمنتهي مع عدم0.
ص: 94
دورانهم مدار تزكية الراوي محلّ نظر(1).
وممّن تبع الشيخ الأعظم علي هذا المسلك والمدّعي، آية اللّه السيّد محسن الطباطبائي الحكيم في مستمسكه حيث قال بعد الاستشهاد بالحديث: والطعن في السند باشتماله علي أحمد بن هلال العبرتائي الذي رجع عن التشيّع إلي النصب - كما عن سعد بن عبداللّه الأشعري - والملعون المذموم - كما عن الكشّيّ - والغالي المتّهم في دينه - كما عن الفهرست - والذي لا يعمل بما يختصّ بروايته - كما عن التهذيب - وروايته غير مقبولة - كما عن الخلاصة - مدفوع: بأنّ اعتماد المشايخ الثلاثة وغيرهم علي روايته كافٍ في جبر ضعفه ولاسيّما بملاحظة أنّ الراوي عنه بواسطة الحسن بن عليّ، سعد بن عبداللّه، وهو أحد الطاعنين عليه، وأنّ رواية أحمد للخبر كانت عن الحسن بن محبوب والظاهر أنّها عن كتابه، وعن ابن الغضائري: أنّه لم يتوقّف في روايته عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب، لأنّه سمع كتابيهما جلّ أصحاب الحديث، واعتمدوه فيهما(2).
ومثل هذا عن السيّد البروجردي أيضاً، فإنّه صرّح في مبحث لباس المصلّي عند ذكر أحمد بن هلال، فقال: والمناقشة في سند رواية الحلبي باعتبار اشتماله علي أحمد بن هلال، الذي ورد في مذمّته التوقيع عن العسكري عليه السلام المتضمّن
ص: 95
لقوله «احذروا الصوفيّ المتصنّع» علي ما رواه الكشيّ؛ مندفعة بما حكي عن ابن الغضائري - مع كونه مسارعاً في التضعيف - مِن أنّه لم يتوقّف في حديثه عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب لأنّه قد سمع كتابيهما جُلّ أصحاب الحديث واعتمدوه فيهما(1). هذا ولا يخفي أنّ ما حكي عن ابن الغضائري لا يفيد - بالنسبة إلينا - حيث لا يحضرنا كتاباهما، فالمناقشة لا تندفع بهذا الوجه بل إنّما هي مندفعة مضافاً إلي عدم حجيّة ما نقله الكشّيّ في مذمّته بعد كونه ذا روايات كثيرة في أبواب الفقه خصوصاً بعد نقل الأجلّاء من أصحاب الحديث عنه كموسي بن الحسن الذي نقل عنه في هذه الرواية - باعتماد الطرفين عليها - لأنّ القائل بالمنع يرجّح دليله عليها، لا أن يقول بعدم حجيّتها. وبعبارةٍ أُخري: لا تكون حجّة عنده في مقام المعارضة لا بدونهما. هذا مضافاً إلي انجبار ضعفها علي تقديره بشهرة القول بالجواز بين القدماء كالمفيد والشيخ وغيرهما؛ فالمناقشة في الرواية من حيث السند غير مقبولة(2).
والنموذج الثاني. ما عن الشيخ البهائي في مفتاح الفلاح: فصلٌ: روي ثقة الإسلام في الكافي ورئيس المحدّثين في الفقيه وشيخ الطائفة في التهذيب عن عبدالرحمن بن كثير الهاشمي عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «بينا أميرالمؤمنين عليه السلام ذات يوم جالس مع ولده محمّد بن الحنفيّة رضي الله عنه إذ قال له: يا محمّد، ائتني بإناء من ماء أتوضّا للصلاة، فأتاه محمّد بالماء فأكفأه بيده اليمني علي يده اليسري ثمّ قال... الحديث»(3) قال المحقّق الرجالي العلّامة محمّد إسماعيل الخواجوي4.
ص: 96
المازندراني في تعليقته علي مفتاح الفلاح: قوله: «عن عبدالرحمن بن كثير الهاشمي»(1) عبدالرحمن هذا ضعيف، كان يضع الحديث. وعن الشيخ في الأربعين بهامشه: هذه الرواية وإن كان في طريقها عبدالرحمن بن كثير وهو ضعيف إلّاأنّ ضعفها منجبر بالشهرة بين الأصحاب، وممّن قال بشهرتها شيخنا الشهيد في الذكري، علي أنّها واردة في المستحبّات؛ فالضعف لا يمنع من العمل بها(2).
وفيه: أنّا نمنع من كون الشهرة مؤثّرة في جبر الضعف، فإنّ هذا إنّما يتمّ لو كانت الشهرة متحقّقة قبل زمن الشيخ الطوسي والأمر ليس كذلك، فإنّ من قبله كانوا بين مانع من خبر الواحد مطلقاً كالمرتضي والأكثر علي ما نقله جماعة، وبين جامع للأحاديث من غير التفات إلي تصحيح ما يصحّ وردّ ما يردّ، فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمن الشيخ علي وجه يجبر ضعفه غير بمتحقّق.
ولمّا عمل الشيخ في كتبه الفقهيّة، جاء من بعده من العلماء واتّبعه منهم عليها الأكثر تقليداً له إلّامن شذّ منهم، فجاء المتأخّرون بعد ذلك ووجدوا الشيخ ومن تبعه قد عملوا بمضمون ذلك الخبر الضعيف لأمر ما رأوه في ذلك، لعلّ اللّه يعذرهم فيه، فحسبوا العمل به مشهوراً، وجعلوا هذه الشهرة جابرة لضعفه، ومثل هذه الشهرة لا تكفي في جبر الخبر الضعيف(3)... كما صرّح به عددٌ مِن المحقّقين. نعم، جوّز العمل به في المستحبّات لتساهلهم في أدلّه السنن، ولما ورد عنه صلي الله عليه و آله أنّه قال: «من بلغه عن اللّه فضلة فأخذها وعمل بها إيماناً باللّه3.
ص: 97
ورجاء ثوابه أعطاه اللّه ذلك وإن لم يكن كذلك»(1)، وله نظائر، وهو حسن حيث لا يبلغ الضعف حدّ الوضع.
وقد عرفت أنّ أصحابنا قد صرّحوا بأنّ هذا الهاشمي كان يضع الحديث، وأنّ ابن أخيه عليّ بن حسّان الراوي عنه ضعيف غال كذّاب واقفيّ، فاحتمال كون هذا الحديث موضوعاً قويّ، لأنّ له طريقين وهو بطريقيه ينتهي إلي هذا الهاشمي الواضع(2).
هذا ما عند الذين يعتمدون علي السند، ولا يكتفون بالقرائن، ومحمّد بن إسماعيل الخواجوي هو أحد الرجاليّين المتشدّدين في سند الروايات، قال:
لا يمكن أن نأخذ بالرواية حتّي في المستحبّات إذا كان في سندها راوٍ وضّاع جعّال مدلّس، مع أنّ الفقهاء من أصحاب المنهج الصدوري قالوا باعتبار الرواية إذا كانت منجبرة بالشهرة خصوصاً إذا كانت في المستحبّات، فيكتفي فيها بأخبار من بلغ، واستند إليه السيّد العاملي في المدارك ورواه عن الصدوق(3).
إنّ من المشهور بين الفقهاء أنّ الشهرة العمليّة والإعراض عن الرواية متلازمان؛ يعني كما أنّ بالشهرة ينجبر ضعف الرواية، هكذا إعراض الأصحاب عن الرواية موجب لضعفها ووهنها، بل اشتهر علي ألسنة الفقهاء أنّ الرواية كلّما ازدادت صحّة، ازدادت بإعراض المشهور وهناً، فالرواية ولو كانت صحيحة
ص: 98
فإن أعرض عنها الأصحاب فهي غير معتبرة، وليست بحجّة. والرواية، وإن كانت ضعيفة سنداً ولكن لو حظيت بالشهرة، فهي حجّة ومعتبرة؛ فعمل المشهور بالخبر كاشفاً عن إحاطته بقرائن قد اطّلعوا عليها ممّا توجب الوثوق به، كما أنّ إعراضهم عن الخبر الصحيح يوجب وهنه وسقوطه، ومن هنا اشتهر أنّ الخبر كلّما ازداد صحّة ازداد بإعراض المشهور وهناً.
إنّ الشهرة بشكل خاصّ إذا كانت من القدماء وكذلك الإعراض عن خبر توجب بشكل واضح كون الخبر معتبراً عندهم أو غير معتبر، وممّن اعتني بهذه القاعدة - يعني الشهرة عند القدماء خاصّةً وعدم إعراض الأصحاب عن رواية - السيّد البروجردي قدس سره فإنّه رحمه الله كان مُصرّاً علي الاعتناء بشهرة القدماء من أصحابنا في المسائل الأصليّة المتلقّاة عن الأئمّة عليهم السلام يداً بيد قِبال المسائل الفرعيّة المستنبطة عنها بالاجتهاد، وكان يقول:
إنّ بناء الأصحاب كان علي أخذ الفقه من الفحول والأساتذة يداً بيدٍ، وإنّ سلسلة فقهنا لم تنقطع في عصر من الأعصار، بل كان أصحاب الأئمّة معتنين بفتاوي الأئمّة عليهم السلام، مهتمّين بها، ناقلين إيّاها لتلاميذهم، وكان الخلف يأخذها عن السلف إلي عصر الصدوقين والمفيد والمرتضي والشيخ وأقرانه، وكانوا يذكرونها في كتبهم بألفاظها حتّي اتّهمهم العامّة بأنّهم يقلّدون الأوائل وليسوا من أهل الاجتهاد والاستنباط، كما ذكر ذلك الشيخ في أوّل المبسوط، وكانت الشيعة في عصر الأئمّة عليهم السلام يعتنون عملاً بفتاوي بطانة الأئمّة عليهم السلام، وبما اشتهر بينهم، ويأخذون بها في العمل، حتّي إنّهم ربّما تركوا ما سمعوا من شخص الإمام بعد إشارة البطانة إلي خلافه، وهذا يكشف عن شدّة اعتمادهم علي
ص: 99
فتاوي البطانة، فراجع خبر عبداللّه بن محرز في باب الميراث(1).
ومخالفة ابن الجنيد والعمّاني في أغلب المسائل ناشئة من عدم كونهما في المعاهد العلميّة ولم يتلقّيا الفقه من الأساتذة بل من الكتب التي كانت عندهما.
وكان السيّد البروجردي يقول أيضاً: إنّ من تتبّع كتب الأخبار ووقف علي اختلاف راوِيَين - مثلاً - في نقل مضمون واحدٍ عن إمام واحدٍ، أو اختلاف المصنّفين في ألفاظ رواية واحدة، بل مصنّف واحد في موضعين من كتابه، واختلاف نسخ كثيرة يظهر له أنّ الاعتماد علي رواية واحدة - مثلاً - في مقام الإفتاء مشكل، وإن فرض كون جميع رواته ثقات إلّاإذا أفتي بمضمونها الأعلام. بل لو فرض وجود روايات مستفيضة في مسألة يظهر لنا بذلك صدور المضمون المشترك بينهما عن الأئمّة عليهم السلام إجمالاً، ولكنّ الحكم بخصوصيّات كلّ واحدة مشكل.
وبالجملة، فهو قدس سره كان يقسّم المسائل الفقهيّة إلي قسمين: مسائل أصليّة مأثورة متلقّاة عن الأئمّة المعصومين، ومسائل تفريعيّة استنبطها الفقهاء من المسائل الأصليّة، وكان يقول: إنّ كتب القدماء من أصحابنا كالمقنع والهداية للصدوق، والمقنعة للمفيد، والنهاية للشيخ، والمراسم لسلّار، والكافي لأبي الصلاح الحلبي، والمهذّب لابن البرّاج وأمثالها كانت تحتوي علي مسائل أصليّة فقط، والشيخ ألّف المبسوط لذكر التفريعات، وكان الحدّ الفاصل بين الصنفين محفوظاً إلي عصر المحقّق، فهو في الشرائع يذكر في كلّ باب أوّلاً
ص: 100
المسائل الأصليّة المأثورة ثمّ يعقّبها بالتفريعات بعنوان «مسائل» أو «فروع»، وإنّما وقع التخليط بين الصنفين في عصر الشهيدين ومن بعدهما، ففي الصنف الأوّل من المسائل تكون الشهرة حجّة فضلاً عن الإجماع، وفي الصنف الثاني لا يفيد الإجماع أيضاً فضلاً عن الشهرة، لأنّ وزانها وزان المسائل العقليّة التي لا مجال للتمسّك بالإجماع والشهرة(1).
وأمّا ما ذكره الأُستاذ قدس سره فلأنّ الشهرة بين القدماء، إن أوجبت الوثوق والاطمئنان إلي تلقّيهم المسألة عن الأئمّة عليهم السلام يداً بيدٍ، أو اطّلاعهم علي ما لو وصلت إلينا، كانت حجّة قطعاً - كما هو المدّعي - صحّ الاعتماد عليها، ومن المحتمل كونها في أكثر المسائل علي أساس الروايات الموجودة بين أيدينا بل هو المظنون غالباً، ومجرّد الاحتمال كافٍ في منع الاعتماد عليها نظير الإجماعات المبتنية - ولو احتمالاً - علي الأخبار والمدارك الموجودة عندنا، فليسا دليلين مستقلّين.
ألا تري أنّ اشتهار تنجّس البئر في كتب القدماء من أصحابنا شهرة قاطعة كيف انهدم أساسها بسبب صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع الحاكية بأنّ ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلّاأن يتغيّر ريحه أو طعمه(2)، والأُستاذ أيضاً أفتي بعدم تنجّسها علي عذر أنّ القول بالتنجّس كان مستنداً إلي الأخبار بأيدينا، فنحملها علي التنزيه. نعم لو فرض اشتهار الفتوي بين القدماء من أصحابنا في مسألة من دون أن يكون له دليل ظاهر فيما بأيدينا من الأخبار، ولم يساعده5.
ص: 101
أيضاً إطلاق دليل أو اعتبار عقليّ، كشفت الشهرة - لا محالة - عن تلقّي المسألة عن الأئمّة عليهم السلام يداً بيدٍ، أو وصول دليل معتبر إليهم، غير واصل إلينا نظير الإفتاء بإتمام الصلاة، وإفطار الصيام في سفر الصيد للتجارة وازدياد المال مع عدم وجود رواية فيما بأيدينا، وإنّ مقتضي القواعد والإطلاقات هو التلازم بين الصلاة والصيام في القصر والإتمام.
كما أنّ الإنصاف أنّ إعراض المشهور من القدماء عن الروايات الصحيحة مع ظهورها وعدم تطرّق التأويل إليها يوجب وهنها، وعدم الوثوق بإرادة ظواهرها فيشكل الإفتاء بها، فتُطرَح أو يُحتاط في المسألة(1).
وممّن اعتني بالقرائن واكتفي بإحراز صدور الرواية عن المعصوم واعتبار الشهرة وعدم إعراض الأصحاب، الفقيه الحاج آقا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه، فإنّه صرّح بأنّا في غنًي عن تتبّع الأسناد واكتفي بما فعله قدماؤنا فإنّهم تفحّصوا عن الأخبار وأوردوا روايات معتبرة في كتبهم المتداولة.
وعنه في مصباح الفقيه: وأمّا الوتيرة، فذهب الأكثر إلي سقوطها أيضاً، ونقل فيه ابن إدريس الإجماع، وقال الشيخ في النهاية: يجوز فعلها، وربّما كان مستنده، ما رواه ابن بابويه عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما صارت العشاء مقصورة وليس تُترك ركعتاها لأنّها زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بها بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع»(2)، وقوّاه في0.
ص: 102
الذكري(1)، قال: لأنّه خاصّ معلّل وما تقدّم خالٍ منهما، إلّاأن ينعقد الإجماع علي خلافه، وهو جيّد لو صحّ السند، لكن في الطريق عبدالواحد بن عبدوس، وعليّ بن محمّد القتيبي(2) ولم يثبت توثيقهما(3)؛ فالتمسّك بعموم الأخبار(4)المستفيضة الدالّة علي السقوط أولي، انتهي.
واعترضه بعض(5) بأنّهما من مشايخ الإجازة وعدم توثيق المشايخ غير قادح في السند(6)؛ لأنّ اعتماد المشايخ المتقدّمين علي النقل عنهم، وأخذ الأخبار عنهم، والتلمّذ عليهم يزيد علي قولهم في كتب الرجال: فلان ثقة. وكيف كان فالرواية بحسب الظاهر من الروايات المعتبرة التي لا يجوز ردّها من غير معارض مكافئ، إذ ليس المدار عندنا في جواز العمل بالرواية علي اتّصافها بالصحّة المصطلح عليها؛ وإلّا فلا يكاد يوجد خبر يمكننا إثبات عدالة رواته علي سبيل التحقيق، لولا البناء علي المسامحة في طريقه، والعمل بظنون غير ثابتة الحجيّة، بل المدار علي وثاقة الراوي، أو الوثوق بصدور الرواية، وإن كان بواسطة القرائن الخارجيّة التي عمدتها كونها: مدوّنة في الكتب الأربعة، أو مأخوذة من الأُصول المعتبرة مع اعتناء الأصحاب بها، وعدم إعراضهم عنها.7.
ص: 103
ولا شبهة في أنّ قول بعض المزكّين: بأنّ فلاناً ثقة أو غير ذلك من الألفاظ التي اكتفوا بها في تعديل الرواة، لا يؤثّر في الوثوق أزيد ممّا يحصل من إخبارهم بكونه من مشايخ الإجازة، ولأجل ما تقدّمت الإشارة إليه جرت سيرتي علي ترك الفحص عن حال الرجال والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحّة كونها موصوفة بها في ألسنة مشايخنا المتقدّمين الذين تفحّصوا عن حالهم.
والحاصل أنّ الرواية بحسب الظاهر، لا تقصر من حيث الاعتبار عن بعض الروايات المتّصفة بالصحّة، لكنّ إعراض الأصحاب عنها(1) مع وضوح دلالتها وحكومتها علي سائر الأخبار أوهنها، إلّاأنّ عمل الشيخ بها، وتقوية الشهيد إيّاها، واعتماد جملة من المتأخّرين عليها يعصمها عن السقوط عن درجة الاعتبار خصوصاً مع اعتضادها بمفهوم القيد في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة(2).
وممّن اعتمد أيضاً علي القرائن، وهو أفقه الفقهاء بل زعيمهم في العصر الأخير، الشيخ محمّد حسن النجفي صاحب الجواهر، فقد تعرّض لبحث مرسلة حمّاد الطويلة في مبحثَي الخمس والزكاة، وهذه المرسلة هي المصدر الوحيد لبعض أحكام الخمس، ومنها خاصّةً مسألة شرط الانتساب إلي عبدالمطّلب بالأُبوّة، حيث لا يكفي الانتساب بالأُمومة خاصّة، فإنّهم لا يُعطَوا1.
ص: 104
شيئاً من الخمس، وفي مقابل هذه المسألة فقد صرّح الفقهاء في كتاب الزكاة إنّه يجوز للمنتسبين للأُمّ، أخذ الزكاة، وهذه المرسلة مثار للبحث في كتابَيِ الزكاة والخمس، وهذان الفرعان لم يذكرا في أيّ مصدر غيرها.
قد أفتي مشهور الفقهاء - ومنهم صاحب الجواهر - باعتبار المرسل، من اشتراط الانتساب بالأُبوّة إلي عبدالمطّلب، ولا يكفي انتساب الأُمّ وحده، وإذا نوقش في سندها قيل في مقام الدفاع عنها: إنّ المرسل(1) معتبر بالقرائن.
وجاء عن صاحب الجواهر في كتاب الخمس: لكن قد عرفت أنّهم هنا لم ينسبوا الخلاف إلّاللمرتضي وكأنّه لأنّ مبناه في المقام ليس صدق اسم الولد حقيقة وعدمه، حتّي إنّه يلزم مدّعي الصدق في غيره، موافقة المرتضي هنا كما استفاده هذا المحدّث (البحراني) وجعل مدار المسألة ذلك وجوداً وعدماً، حتّي إنّه نسبه لبعض من عرفت من هذه الجهة، بل هو صريح المرسل الطويل عن العبد الصالح المروي في كتب المحمّدين الثلاثة، الّذي يكفي اتّفاقهم علي روايته جبراً لإرساله فضلاً عن شهادة النظر في متنه والتأمّل فيه، وفيما اشتمل عليه من الأحكام المخالفة لمن جعل اللّه الرشد في خلافهم وعن عمل كافّة الأصحاب عداه به، وإن ذكره في بعض الكتب مستنداً غيره الذين فيهم من لا يعمل إلّابالقطعيّات، وعن اعتضاده بموافقة الاحتياط الذي جعله اللّه طريق السلامة خصوصاً فيما اشتغلت الذمّة به بيقين(2).1.
ص: 105
ذكر المحقّق المعاصر الشيخ مرتضي الحائري وهو ابن المؤسّس للحوزة العلميّة بقم، فضيلة الشيخ عبدالكريم الحائري في كتابه الخمس بعد ما تناول قول صاحب الجواهر، أقول: ومنها: أنّ الناقل من أصحاب الإجماع، وله خصوصيّه مرّ شرحها. ومنها: اتّصافه المرويّ عنه بأنّه من أصحابنا. ومنها: أنّ الواسطة واحد يروي عنه حمّاد من دون واسطة شخص آخر، ومنها إسناد عبارة الرواية في التذكرة بنحو الجزم إلي الكاظم عليه السلام(1).
وعن الشيخ الأنصاري تلميذ صاحب الجواهر بعد الاستدلال بالمرسل: ولا يضرّها الإرسال بعد الانجبار بما عرفت، وكون المرسل من أصحاب الإجماع(2).
قال المحقّق الميرزا أبوالقاسم القمّي، في غنائم الأيّام - المطلب الرابع - المشهور أنّ الإمام عليه السلام يقسّم الخمس علي الأصناف، علي قدر كفايتهم، مقتصداً، فإن أعوز أتمّه من نصيبه، وإن فضل كان له، بل تظهر من المعتبر دعوي الاجماع عليه، وتدلّ عليه مرسلة حمّاد، ورواية أحمد بن محمّد، ولا وجه للقدح في سندهما، لأنّ الأوّل حَسَن لإبراهيم بن هاشم إلي حمّاد؛ وهو ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه، مع ورودها في الكافي والتهذيب، واشتمالها علي أحكام كثيرة إجماعيّة ومشهورة، وتلقّي الأصحاب
ص: 106
إيّاهما والعمل بهما يجبر ضعفهما لو كان(1).
وقال أيضاً في مبحث آخر: - المقام السابع - إذا اختلط الحلال بالحرام، ولم يتميّز مقدار أحدهما من الآخر ولامستحقّه فالمشهور بين الأصحاب، سيّما المتأخّرين وجوب إخراج الخمس(2).
إلي أن قال: حجّة المشهور ما رواه الشيخ عن الحسن بن زياد، عن أبي عبداللّه عليه السلام: أنّ رجلاً أتي أميرالمؤمنين عليه السلام فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه. فقال عليه السلام له: «أخرج الخمس من ذلك المال، فإنّ اللّه عزّ وجلّ قد رضي من المال بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه يعلم»(3).
وبمعناه روي الكليني عن السكوني في الكافي عن أبي عبداللّه عليه السلام(4).
وأيضاً رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه مرسلاً(5)، فلهذه الروايات الثلاث قصّة واحدة. قال الميرزا أبوالقاسم القمّي في ذيلها: ولا ينبغي القدح في سندها مع ورودها في الأُصول المعتمدة سيّما الكافي والفقيه، وعمل بها كثير من الأصحاب بل أكثرهم، مع الإجماع المنقول(6).
وعن صاحب الجواهر: ولا ريب في أنّه أحوط إن لم يكن أقوي لمرسل ابن أبي عمير عن سفيان بن السمط عن الصادق عليه السلام «تسجد سجدتي السهو في كلّ 9.
ص: 107
زيادة تدخل عليك أو نقصان»، وهو وإن كان مرسلاً إلّاأنّ المرسل ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، فهو صحيح بناء علي إرادة عدم قدح جهالة من بعده من هذه العبارة، وأيضاً مراسيل ابن أبي عمير بحكم المسانيد، لأنّه ممّن لا يروي إلّاعن الثقة، فسفيان بن السمط حينئذ ثقة عنده وعند غيره من العصابة وإن كان مجهولاً عندنا الآن(1).
كان هذا ما جاء عن أتباع المنهج الصدوري، ونلاحظ الآن كلمات المحقّقين من أتباع المنهج السندي:
رأي آية اللّه الخوئي - ذيل الحديث المرسل في كتاب الزكاة: الأمر الثاني -:
المعروف المتسالم عليه بينهم أنّ المناط في صدق عنوان الهاشمي هو الانتساب إلي هاشم من ناحية الأب دون الأُمّ... ويؤيّده ما رواه الكليني عن العبد عليه السلام - في حديث طويل - قال: «ومن كانت أُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له، وليس له من الخمس شيء فإنّ اللّه يقول: «اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ»»(2) فإنّها صريحة الدلالة غير أنّ سندها ضعيف بالإرسال، فلا تصلح للاستدلال(3).
ومن أتباع هذه المدرسة المولي أحمد الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان، فقد قال: الرواية غير صحيحة بل ضعيفة من وجوه(4). ولم يبيّن لنا وجوه ضعفها، نعم؛ يظهر لنا أنّ الإرسال عنده دليل ضعفٍ.9.
ص: 108
وعن المحقّق المصحّح العراقي في هامش العبارة: لعلّ نظره في تضعيف السند من وجوه ما هو بطريق الشيخ في التهذيب وإلّا فطريقها في الكافي ليس كذلك، فإنّ سندها في الكافي هكذا: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسي، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح عليه السلام، فإنّ السند ليس فيه نقص إلّا كونه مرسلاً، وهو غير قادح لكون حمّاد بن عيسي من أصحاب الإجماع(1).
ونحن نقول: - علماً أنّا قد عرفنا منهج الأردبيلي في الرجال، وسمّيناه في كتابنا: منهج الأردبيلي في الفقه - إنّ فيها الإرسال أوّلاً، وكون الإمام عليه السلام غير مذكور ثانياً، والرواية عن إبراهيم بن هاشم - وهو ممدوح وحديثه حسن - ثالثاً، ويعدّ من وجوه الضعف عنده، كان هذا ما لدي المنهج السندي.
ذكر الشهيد الأوّل في غاية المراد - بعد نقل رواية عن أبي الربيع الشامي في مبحث البيع، مع أنّ أبا الربيع غير مذكور بجرح ولا تعديل، والرجاليّون ساكتون عنه فهو مهمل علي اصطلاحهم -: فإنّ في نقل الحسن بن محبوب عن أبي الربيع الشامي توثيقاً ما لأبي الربيع(2).
هذا أوّل ما رأيناه في التمسّك بقاعدة الإجماع علي معناه الشمولي، يعني إذا نقل أصحاب الإجماع عن راوٍ، فهو دليل علي أنّه ثقة، لأنّهم لا يروون إلّاعن ثقة، ولم يكن هذا المعني قبل الشهيد، بل أخذ العلّامة الحلّي بقاعدة الإجماع علي توثيق أصحاب الإجماع أنفُسهم كعبداللّه بن بكير، وأبان بن عثمان.
ص: 109
وعن آية اللّه الخوئي في معجم رجال الحديث - بعد نقل نصّ النجاشي الساكت عن توثيقه وجرحه - أقول: الرجل لم يرد فيه قدح ولا مدح في كتب الرجال ولكنّه مع ذلك ذهب جماعة منهم صاحب الوسائل في أمل الآمل (79) إلي حسنه بل وثاقته، حيث قال: خليد بن أوفي أبو الربيع العاملي الشامي من أصحاب الصادق عليه السلام مذكور في كتب الرجال، خالٍ من الذمّ، بل هو ممدوح كثير الرواية والحديث، له كتب، وذكره الصدوق في آخر الفقيه وذكر طريقه إليه، وروي عنه كثيراً واعتمد عليه، وهو مدح له، لما علم من أوّل كتابه. وروي عنه سائر علمائنا ومحدّثينا واحتجّوا برواياته وعملوا بها.
وذكر الشيخ والنجاشي أنّ له كتاباً وذكرا طريقهما إليه، وهو نوع مدح حيث إنّه ظهر أنّه من مؤلفي الشيعة، وذكره الشيخ في أصحاب الباقر عليه السلام وقد استدلّ الشهيد في شرح الإرشاد علي صحّة رواياته برواية الحسن بن محبوب عنه كثيراً مع الإجماع علي تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب، وروي عنه ابن مسكان أيضاً، وهو من أصحاب الإجماع وجملة منهم رووا عنه كثيراً.
وذكر النجاشي أنّه روي عن أبي عبداللّه عليه السلام ولو قيل بتوثيقه وتوثيق أصحاب الصادق عليه السلام، إلّامن ثبت ضعفه لم يكن بعيداً لأنّ المفيد في الإرشاد وابن شهرآشوب في معالم العلماء والطبرسي في إعلام الوري قد وثّقوا أربعة آلاف من أصحاب الصادق عليه السلام.
ويأتي في عبدالرحيم القصير عن المشيخة والبرقي، ورجال الشيخ كلام، وهو مثال ثانٍ للبحث فإنّ الوحيد استدلّ علي اعتبار عبدالرحيم بن روح بوجوه:
ص: 110
الأوّل، أنّه حسّنه المجلسي، لأنّ للصدوق إليه طريقاً! والجواب عنه تقدّم غير مرّة، أنّ الصدوق التزم بأن يروي عن الكتب المعتبرة، ولا يلزم أن يكون من له طريق إليه صاحب كتاب حتّي يلتزم باعتبار كتابه.
الثاني، أنّ الإمام عليه السلام ترحّم عليه كما في روايتين في الكافي وهو دليل علي الحسن.
والجواب عنه أولاً، أنّ إحدي الروايتين في عبدالرحيم بن عتيك. والثانية، بعنوان عبدالرحيم القصير، والمظنون أنّه ابن عتيك أيضاً كما يأتي.
وثانياً: أنّ الراوي لذلك هو عبدالرحيم نفسه فلا يعتدّ به.
وثالثاً: أنّ الترحّم لا يلازم الحسن؛ فكيف وقد ترحّم الإمام عليه السلام علي كلّ من زار الحسين عليه السلام.
الثالث: أنّ الإمام عليه السلام قال له ولسدير: أصبتما الرخصة، واتّبعتما السنّة بعد ما تعرّض لأبي حمزة الثمالي حين أحرم من الربذة(1).
والجواب عنه ظاهر: فإنّ أصابته من جهة إحرامه من المواقيت. وهذا لا يدلّ علي شيء من الوثاقة أو الحسن، علي أنّه لا تصريح في الرواية بأنّ المراد بعبد الرحيم القصير هو ابن روح.
الرابع: كثرة رواياته ورواية حمّاد عنه والجواب عنه ظاهر.
والمتحصّل: أنّه لم تثبت وثاقة عبدالرحيم بن روح ولا حسنه.
هذه هي خطّة البحث في توثيق الرواة عند أصحاب منهج الوثوق الصدوري، فإنّهم يعتمدون أوّلاً علي القرائن في توثيق الرواة، والمرحلة الثانية8.
ص: 111
توثيق الرواة أنفسهم، وعن هذا الطريق يثبت لهم صدور الرواية عن المعصوم، فيحرزون صدورها عنه، فالفقيه عليه أن يبحث ويتفحّص عن كلّ ما يمكن أن يكون قرينة لتوثيق الراوي، والقرينة قد توجد في الكتب الرجاليّة، وقد توجد في الكتب الفقهيّة، كَفِعل الفقهاء بروايته، وقد توجد في كتب الحديث كإتقان رواياته، وكثرة أحاديثه، وعظمة مشايخه وتلاميذه، وقد توجد في الكتب التاريخيّة، كنقل بعض الوقائع التاريخيّة التي أظهرت عظمته وكشفت عن منزلته عند الأئمّة عليهم السلام، وإلي غير ذلك من القرائن، ولبعض الفقهاء دور مهمّ وممارسة متواصلة في كشف القرائن من المآخذ المتنوّعة، ومن هؤلاء: الفاضل السبزواري في كتابه الفقهي ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، والمولي المحقّق المجدّد الوحيد البهبهاني في تعليقته علي منهج المقال، وتعليقاته علي مجمع الفائدة والبرهان ومدارك الأحكام، فالوحيد رحمه الله قد انتهج في هذه الكتب الثلاثة منهج إحراز صدور الرواية عن المعصوم، وإحراز توثيق الرواة من القرائن، وهذا دأب أكثر علماء الرجال خاصّةً المامقاني في تنقيح المقال.
فإنّ مثل إبراهيم بن هاشم لم يوثّق بالتصريح عند علماء الرجال؛ وقد كان جفاء في حقّه، فهو مع أنّه ينقل حديث الكوفيّين إلي قم، وناشر أحاديث أهل البيت عليهم السلام وأكثر روايات الكافي المرويّة عن عليّ بن إبراهيم عنه، فمع ذلك لا يوجد له توثيق صريح عند النجاشي والشيخ، مع أنّ هناك بعض الرواة نقلوا روايات معدودة إلّاأنّهم ذكروا في الثقات، وصرّح النجاشي والشيخ بتوثيقهم وهذا رغم القرائن الكثيرة علي توثيق إبراهيم بن هاشم، حتّي عند آية اللّه الخوئي، وهو قطب التحقيق في المنهج السندي حيث يقول: إنّ العلّامة في
ص: 112
الخلاصة قال: ولم أقف لأحد من أصحابنا علي قول في القدح فيه، ولا علي تعديل بالتنصيص، والروايات عنه كثيرة والأرجح قبول روايته. أقول: لا ينبغي الشكّ في وثاقة إبراهيم بن هاشم ويدلّ علي ذلك أُمور:
1. أنّه روي عنه ابنه عليّ في تفسيره كثيراً، وقد التزم في أوّل كتابه بأن ما يذكره فيه، قد انتهي إليه بواسطة الثقات.
2. إنّ السيّد ابن طاووس ادّعي الاتّفاق علي وثاقته، حيث قال - عند ذكره رواية عن أمالي الصدوق في سندها إبراهيم بن هاشم -: ورواة الحديث ثقات بالاتّفاق(1).
3. أنّه أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم، والقمّيّون قد اعتمدوا علي رواياته وفيهم من هو شديد في أمر الحديث، فلو كان فيه شائبة الغمز لم يكن يتسالم علي أخذ الرواية عنه، وقبول قوله.
4. أنّه قد وقع في إسناد كامل الزيارات وقد مرّت شهادة ابن قولويه بوثاقة جميع من وقع في إسناد كتابه المنتهية روايتهم إلي المعصوم عليه السلام(2).
وقال المحقّق التستري في قاموس الرجال: إنّ المصنّف (المامقاني) قد لفّق في توثيقه أُموراً أحسنها قول ابنه (عليّ بن إبراهيم القمّي) في أوّل تفسيره المعروف: ونحن ذاكرون ومخبرون بما انتهي إلينا، ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض اللّه طاعتهم(3).3.
ص: 113
إنّ أتباع المكتب السندي لم يعتبروا الشهرة، فإنّ الشهرة العمليّة بين الفقهاء لرواية لا يصير دليلاً علي اعتبارها، كما أنّ إعراضهم عن الرواية ليس موجباً لوهنها، فشعارهم أنّ عمل مجتهد ليس حجّة علي مجتهد آخر، كما أنّ شعارهم الآخر: نحن أبناء الدليل حيث كان، كنّا.
إنّ من أسّس وأكّد علي هذا المسلك والمبني هو الشهيد الثاني وهو صاحب المنهج السندي، فإنّه تناول ذلك في الرعاية بقوله تحت عنوان: الحقل الرابع:
في العمل بالخبر الضعيف: وأمّا الضعيف فذهب الأكثر إلي منع العمل به مطلقاً، للأمر بالتثبّت عند إخبار الفاسق الموجب لردّه، وأجازه آخرون - وهم جماعة كثيرة منهم من ذكرناه - مع اعتضاده بالشهرة روايةً، بأن يكثر تدوينها وروايتها بلفظ واحدٍ، وألفاظ متغايرة متقاربة المعني، أو فتوي بمضمونها في كتب الفقه، لقوّة الظنّ بصدق الراوي في جانبها؛ أي جانب الشهرة وإن ضعُف الطريق، فإنّ الطريق الضعيف قد يثبت به الخبر مع اشتهار مضمونه كما تعلم مذاهب الفرق الإسلاميّة كقول أبي حنيفة والشافعيّ ومالك وأحمد بإخبار أهلها - مع الحكم بضعفهم عندنا - وإن لم يبلغوا حدّ التواتر، وبهذا اعتذر للشيخ رحمه الله في عمله بالخبر الضعيف، وهذه حجّة من عمل بالموثّق أيضاً بطريق أولي، وفيه نظر يخرج تحريره عن وضع الرسالة فإنّها مبنيّة علي الاختصار.
ووجهه علي وجه الإيجاز: إنّا نمنع من كون هذه الشهرة التي ادّعوها مؤثّرة في جبر الخبر الضعيف، فإنّ هذا إنّما يتمّ لو كانت الشهرة متحقّقة قبل زمن الشيخ رحمه الله، والأمر ليس كذلك، فإنّ من كان قبله من العلماء كانوا بين مانع من
ص: 114
خبر الواحد مطلقاً كالمرتضي، والأكثر علي ما نقله جماعة، وبين جامع للأحاديث من غير التفات إلي تصحيح ما يصحّ وردّ ما يردّ، وكان البحث عن الفتوي مجرّدة - لغير الفريقين - قليلاً جدّاً كما لا يخفي علي من اطّلع علي حالهم.
فالعمل بمضمون الخبر الضعيف، قبل زمن الشيخ، علي وجه يجبر ضعفه ليس بمتحقّق، ولمّا عمل الشيخ بمضمونه في كتبه الفقهيّة جاء من بعده من الفقهاء، من اتّبعه منهم عليها الأكثر تقليداً له إلّامن شذّ منهم، ولم يكن فيهم من يسبر الأحاديث ويُنقّب عن الأدلّة بنفسه، سوي الشيخ المحقّق ابن إدريس، وقد كان لا يجيز العمل بخبر الواحد مطلقاً، فجاء المتأخّرون بعد ذلك فوجدوا الشيخ ومن تبعه قد عملوا بمضمون ذلك الخبر الضعيف، لأمرٍ مّا رأوه في ذلك، لعلّ اللّه تعالي يعذرهم فيه، فحسبوا العمل به مشهوراً، وجعلوا هذه الشهرة جابرة لضعفه، ولو تأمّل المنصف وحرّر المنقّب لوجد مرجع ذلك كلّه إلي الشيخ، ومثل هذه الشهرة لا تكفي في جبر الخبر الضعيف.
ومن هذا يظهر الفرق بينه وبين فتوي المخالفين بأخبار أصحابهم، فإنّهم كانوا منتشرين في أقطار الأرض من أوّل زمانهم، ولم يزالوا في ازديادٍ.
وممّن اطّلع علي أصل هذه القاعدة التي بيّنتها وتحقّقتها من غير تقليد:
الشيخ الفاضل المحقّق، سديد الدين محمود الحمصي(1)، والسيّد رضي الدين ابن طاووس(2)، وجماعة.2.
ص: 115
قال السيّد رحمه الله في كتابه البهجة لثمرة المهجة: أخبرني جدّي الصالح ورّام بن أبي فراس قدّس اللّه سرّه(1) أنّ الحمصيّ حدّثه أنّه لم يبق للإماميّة مفتٍ علي التحقيق بل كلّهم حاكٍ. وقال السيّد عقيبه: والآن فقد ظهر أنّ الذي يفتي به ويجاب عنه، علي سبيل ما حفظ من كلام العلماء المتقدّمين، وقد كشف لك بذلك بعض الحال، وبقي الحال في الخيال، وإنّما يتنبّه لهذا المقال من عرف الرجال بالحقّ، وينكره من عرف الحقّ بالرجال(2).
وممّن أنكر الشهرة العمليّة من المعاصرين وقال بشكل مكرّر: إنّا قلنا إنّ الشهرة ليست حجّة؛ لا صغري ولا كبري، هو آية اللّه الخوئي في آثاره الفقهيّة.
نعم، تبع الشهيدَ المحقّقُ الأردبيلي وتلميذاه أعني السيّد محمّد الموسوي العاملي، والشيخ حسن العاملي، وقد بحث العلّامة محمّد باقر الوحيد البهبهاني في كتابه الفوائد الحائريّة(3) فائدة 31 (حجيّة خبر الواحد الضعيف)، وهكذا ناقش الأُستاذ العلّامة محمّد تقي الفقيه(4) في قاعدة 18 و 19.
إنّ إعراض الأصحاب دليل علي عدم إحراز صدوره عن المعصوم، أو صدوره لجهة، غير العمل؛ مثل التقيّة، وهنا نذكر كلاماً للوحيد البهبهاني في حجيّة الخبر المشهور، وهكذا نواصل البحث عن المقصود، فإنّه قال: اتّفق المتقدّمون والمتأخّرون من القائلين بحجيّة خبر الواحد علي أنّ الخبر الضعيف
ص: 116
المنجبر بالشهرة وأمثالها حجّة، بل استنادهم إلي الضعاف أضعاف استنادهم إلي الصحاح، بل الضعيف المنجبر صحيح عند القدماء، من دون تفاوت بينه وبين الصحيح، ولا مشاحّة في الاصطلاح، إلّاأنّ اصطلاح المتأخّرين أكثر فائدة، إذ يظهر من ثماره قواعد:
وهي أنّ كلّ خبر العدل حجّة إلّاأن يمنع مانع، وخبر غير العدول بخلافه وعكسه، وخبر الموثّقين عند من يقول بأنّه الصحاح مثل الصحاح، وعند من يقول بأنّه الضعاف مثل الضعاف، وكذا الحال في الحسان، ولكنّهم اتّفقوا علي كون المنجبر حجّة، بل معظم الفقه من الأخبار الغير الصحيحة بلا شبهة، بل الطريقة فيه أنّه عند معارضة الضعيف المنجبر مع الصحيح الغير المنجبر، يرجّح الضعيف علي ذلك الصحيح، والمحقّق في المعتبر بالغ التشنيع علي من اقتصر علي الصحيح، والعلّامة في الخلاصة بني علي حجيّة الخبر الغير الصحيح، وبني خلاصته علي القسمين في القسم الأوّل من أوّله إلي آخره، وكلّ ما ألّفه جميع الفقهاء، مبنيّة علي ذلك، بل ضعافهم أضعاف الصحاح إلّاالنادر من المتأخّرين، بل النادر أيضاً في كثير من المواضع، عمل بالمنجبر مصرّحاً بأنّه وإن كان ضعيفاً إلّاأنّه عمل به الأصحاب مثل حكم من أدرك ركعة من وقت الصلاة وغيره.
والحاصل أنّ معاصري الأئمّة عليهم السلام وقريبي العهد منهم كان عملهم علي أخبار الثقات مطلقاً وغيرهم بالقرائن، وكانوا يردّون بعض الأخبار أيضاً لما ثَبَتَت بالتواتر من أنّ الكذّابة كانوا يكذبون عليهم....
وظهر ممّا ذكر فساد ما ذكره صاحب المدارك من أنّ الشهرة، إن بلغت حدّ
ص: 117
الإجماع فهو الحجّة لا الخبر، وإلّا فأيّ فائدة فيها؟....
وممّا ذكر، ظهر أيضاً أنّه إذا وقع التعارض بين الضعيف المنجبر بالشهرة، والصحيح الغير المنجبر، يكون الضعيف مقدّماً عليه كما هو منهج القدماء وأكثر المتأخّرين(1). هذا في أحد طرفي القضيّة وهو العمل بالخبر المشهور أوّلاً، ثمّ ترجيحه علي الخبر الصحيح ثانياً.
وأمّا البحث والكلام في الطرف الآخر من القضيّة وهو إعراض الأصحاب عن الخبر الصحيح وهو أيضاً يوجب وهن الخبر.
فعن السيّد محمّد تقي الفقيه، وهو أحد تلامذة آية اللّه الخوئي يقول في كتابه قواعد الفقيه: لا ينبغي الريب في وهن الخبر الصحيح الصريح إن كان مهجوراً عند جمهور الأصحاب، هو المعروف عند عظماء المحقّقين، والمراد بالأصحاب ما يقابل الواحد والاثنين والثلاثة من القدماء والمتأخّرين، وأمّا متأخّرو المتأخّرين فلا عبرة بموافقتهم ولا بمخالفتهم، ولا أعرف في ذلك متردّداً إلّاصاحب المدارك وشيخه الأردبيلي(2) وتلميذه السبزواري، وأظنّ أنّه كان يظهر ذلك من الشهيد في المسالك، وجزم المعاصر السيّد الخوئي بحجيّته وأفتي بمضمونه جازماً بذلك، ثمّ أصبح في طبعات رسائل يعدل إلي الاحتياط تارة ويحاول موافقة المشهور أُخري. أمّا الأردبيلي وتابعيه فالذي يظهر لي من تواتر المحكي عنهم في مسائل كثيرة أنّهم عند ابتلائهم به يتورّعون عن-.
ص: 118
مخالفته، لا لأنّهم يجزمون بالعمل به بل لأنّهم يقولون في تلك المواضع بعد ذكر مضمونه (وهو الأقوي أو الأوجه أو المتعيّن): لولا إعراض الأصحاب عنه، أو إن لم ينعقد إجماع علي خلافه.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما ذهب إليه المشهور هو مقتضي الأُصول والقواعد لأنّ أخبار الآحاد كلّها ظنيّة والظنّ عندنا حجّة بالضرورة، خرج منها ما عمل به معظم الأصحاب لقيام الدليل القطعيّ علي حجيّته، وبقي ما عداه من الأخبار، ومنها الأخبار الصحيحة السند، الظاهرة الدلالة، المهجورة عندهم لعدم قيام دليل علي حجيّتها بالخصوص، ولقصور الأدلّة علي حجيّة الأخبار المعمول بها عن شمول هذا الصنف(1).
وقال في مبحث آخر: واعلم أنّنا لو ألّفنا كتاباً في الفقه والفتيا بمضمون كلّ خبر صحيح وإن أعرض عنه المشهور، كان هذا الكتاب أشبه بفقه جديد بالنسبة لما بين أيدينا من فتاوي علمائنا العظماء، وبشاعة هذا لا تقلّ عن بشاعة فقه المخالفين بالنسبة لفقهنا(2).
وإيضاح لما قاله العَلَمان المذكوران: إنّ هذا المبني وهو العمل بالخبر الضعيف والاعتناء بالشهرة بين الأصحاب وبإزائه عدم الإفتاء بما أعرض عنه المشهور، هذا المبني هو المشهور عند فقهائنا، حتّي قال الإمام الخميني: إنّ المشهور حجّة في قبال الغير المشهور، وهو ليس بحجّة أصلاً. يعني إذا تعارض الخبران وأحدهما مشهور والآخر غير مشهور، ولو كان الأوّل ضعيفاً5.
ص: 119
والثاني صحيحاً، فإنّ المشهور في الحقيقة هو الحجّة، والمعرض عنه ليس بحجّة.
نعم، هناك عدّة من الفقهاء لم يقبلوا هذا المبني وفي مقدّمتهم الشهيد الثاني، الذي رأيته كيف هدم الشهرة، واستأصلها، وأفتي بمضمون الخبر الصحيح وإن كان الأصحاب معرضين عنه. نعم، إذا كان الإجماع علي مطابقة خبر ضعيف، فهو في الحقيقة عمل بالإجماع بالخبر. وممّن تبعه علي ذلك الفقيه المحقّق مولي أحمد الأردبيلي في كتابه مجمع الفائدة والبرهان، وتلميذاه؛ صاحبا المعالم والمدارك، ولقد تبع الأردبيلي من متأخّري المتأخّرين الفقيه باقر السبزواري والفيض الكاشاني صاحب كفاية الأحكام ومفاتيح الشرائع(1)، وإنّ هؤلاء الفقهاء من أمثال: الأردبيلي والسبزواري والكاشاني انفردوا بفتاوي كثيرة، وعلّة ذلك هو العدول عن طريقة السلف، والقصور علي الأدلّة الصحيحة علي ما يزعمون(2).
قال العلّامة السيّد محمّد باقر الخوانساري في كتابه روضات الجنّات في العلماء والسادات: إنّ الفاضل السبزواري في المتأخّرين كالعمّاني من القدماء(3)، فإنّ القديمَين العمّاني وابن جنيد الإسكافي كانا يخالفانِ المشهور، وتعود أسباب مخالفتهم إلي: الابتعاد عن المراكز العلميّة، وعدم أخذهم الفقه
ص: 120
عن الأساتذة والفقهاء، ومن أفواه الرجال، واكتفائهم بالكتب، وكان نتيجة هذا هو الأخذ بالقياس، وإنّ ابن إدريس في القدماء نفي خبر الواحد نفياً قاطعاً فلذلك تفرّد بالفتاوي.
ومن المتأخّرين الذين ذكرناهم، وعلّة تفرّدهم في الفتوي هو نفي الشهرة، والأخذ بالروايات الصحيحة، ولو كان مُعرَض عنها من قِبَل الأصحاب، وقد أُقيم مهرجان للفاضل الأردبيلي ثمّ للفاضل الكاشاني، وقد أُلّفت رسالات مختلفة في البحث عن فتاواهم النادرة، فالكاشاني والسبزواري يفتيان بحليّة الغناء مطلقاً، وبحرمة ما يحيط به من اختلاط الرجال والنساء. وقال الفيض بطهارة الجلد المدبوغ من الميتة، فإنّه وإن وردت روايات صحيحة عن الرسول الأعظم وأولاده في طهارة الجلد المدبوغ (فإنّ طهارته دباغه) وأعرض الأصحاب عنها إعراضاً تامّاً(1)، فإنّ المثلّث الفقهي الأردبيلي والسبزواري(2)والكاشاني، مشهور في مخالفة المشهور.
وممّن سار علي أثرهم ولكن بأدني مستوي، هو آية اللّه الخوئي، وإن كان يختلف عنهم من ناحية أُخري فهو تبعهم في مخالفة المشهور والعمل بالحديث الصحيح المعرض عنه الأصحاب، وهذا علي مستوي البحث في المدرسة والدرس، أمّا علي مستوي الفتوي فإنّه يوافق المشهور.
قد ذكر أحد تلامذته وهو الشيخ محمّد هادي معرفت صاحب الفتاوي-.
ص: 121
النادرة أيضاً: إنّ أُستاذنا السيّد الخوئي يخالف في الدرس المشهور ولكن مع ذلك يفتي بما يوافق المشهور، وكثيراً ما نقول له علي هذا فيقول: نعم نغيّر في الرسالة، ولكن مات ولم يغيّر ما في الرسالة، وبقي علي ما وافق المشهور.
ونقل عنه أيضاً تلميذه الآخر آية اللّه الدكتور الصادقي مؤلف الفرقان في تفسير القرآن بقوله: إنّ آية اللّه الخوئي قال بطهارة الخمر، ولكن لم يظهره للناس، ووافق المشهور في الفتوي.
ومثاله في الفقه، هو بحث كفاية غسل الجنابة عن الوضوء، فإنّ القول المشهور هو كفاية غسل الجنابة عن الوضوء لا غيره من الأغسال المستحبّة، ودليلهم، مرسلة محمّد بن أبي عمير: في كلّ غسل وضوء إلّاغسل الجنابة(1)، وهذا الحديث معتبر لأمرين: إمّا مرسل ضعيف ولكن تقوّيه الشهرة وينجبر ضعفه بها، وإمّا مرسل كالصحيح؛ لأنّ مراسيل محمّد بن أبي عمير كمسانيده، ومراسيله معتبرة، وفي قبال المشهور، قال الأردبيلي: إنّ الحديث مرسل، فيجب أن نعمل بصحيح محمّد بن مسلم، وحكم بن حكيم وإن أعرض المشهور عنهما؛ لأنّهما صحيحان معتبران، وفيها قال الإمام عليه السلام: (وأيّ وضوء أنقي من الغسل) هذا هو المثال الأوّل(2).
وأمّا المثال الثاني فجواز حقّ المارّ، فالمشهور قال بجوازه، لِمرسل محمّد ابن أبي عمير، ولكنّ الشهيد قال: هذا الحديث مرسل يجب أن نعمل بالقواعد العامّة، وهو عدم جواز أكل مال المسلم إلّابرضاه، ونظيره في الفقه كثير.6.
ص: 122
وفي مسالك الأفهام: الأصل في هذه المسألة ما رواه ابن أبي عمير في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يمرّ بالنخل والسنبل والثمر فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال: (لا بأس(1)...).
وبذلك عمل أكثر الأصحاب، ونقل الخلاف فيه الإجماع لكن قد ورد ما يخالف ذلك وهو صحيحة الحسن بن يقطين(2)....
وبه أخذ جماعة من المتأخّرين لاعتضادها بالقرآن الكريم المتضمّن للنهي عن أكل المال بغير تراض(3)، ولقبح التصرّف في مال الغير، وباشتمالها علي الحظر وهو مقدّم علي ما تضمّن الإباحة عند التعارض، لأنّ دفع الضرر أولي من جلب النفع(4).
وعن الروضة البهيّة: أمّا أصل الجواز فعليه الأكثر، ورواه ابن أبي عمير مرسلاً عن الصادق عليه السلام ورواه غيره،... وتركه بالكليّة أولي للخلاف فيه، ولما روي من المنع منه مع اعتضاده بنصّ الكتاب الدالّ علي النهي عن أكل أموال الناس بالباطل وبغير تراض، ولقبح التصرّف في مال الغير، وباشتمال أخبار النهي علي الحظر؛ وهو مقدّم علي ما تضمّن الإباحة والرخصة، ولمنع كثير من العمل بخبر الواحد فيما وافق الأصل فكيف فيما خالفه(5).3.
ص: 123
هذا ما عند الشهيد الثاني المخطّط للمنهج السندي، والمحقّق الأردبيلي تبع الشهيد الثاني أيضاً فقال في كتاب الصيد وما تبعه في أحكام المحرّمات: الرابع أكل المارّ علي ثمرة أو زرع ممّا يمرّ عليه علي رأي المصنّف هنا وجماعة، وفي المسألة خلاف، سببه اختلاف الروايات، ونشير بالإجمال إلي الروايات، فأمّا رواية الحلّ فهي رواية محمّد بن مروان...(1).
وفيها أبو داود، محمّد بن مروان، والإرسال فإنّ أبا داود نقل عن بعض أصحابنا عن محمّد بن مروان، ومرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام...(2).
هذه مرسلة إلّاأنّها مرسلة أبي عمير هي عندهم بمنزلة الصحيح، وقد عرفت ما فيه خصوصاً إذا كانت مخالفة للقوانين، وظاهر الكتاب، والسنّة، والإجماع، وخصوص بعض الأخبار؛ وإن كانت مؤيّدة بفتوي الأكثر(3).
هذا كلّه عند أتباع المنهج السندي، وأمّا المنهج الصدوري، فعن العلّامة الوحيد البهبهاني في تعليقته علي كتاب مجمع الفائدة والبرهان بعد نقل رواية صحيحة عن المحاسن والتي رواها أيضاً الكليني بسنده عن إسماعيل بن مرّار، (سند البرقي: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن يونس بن عبدالرحمن، عن عبداللّه بن سنان، عن الصادق عليه السلام...(4).
وسند الكليني: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس6.
ص: 124
ابن عبدالرحمن، عن عبداللّه بن سنان، عن الصادق عليه السلام... الحديث)(1).
وواضح اتّحاد الروايتين مع أنّ الكليني قال في أوّل كتابه ما قال. مع أنّ إسماعيل بن مرّار مقبول الحديث عند القمّيّين(2) ومع أنّهم كانوا يُخرجون من قم من روي عن غير العادل، ولذا أخرجوا البرقي المذكور لأنّه ربّما يروي في المحاسن عن غير العادل عندهم أيضاً، والسيّد الداماد قد حَكَمَ بعدالة إسماعيل المذكور من الجهة المذكورة(3).
وربّما كان غيره أيضاً، ومنهم الميرزا(4) مع أنّ الظاهر من القدماء اتّفاقهم علي روايته وكونها صحيحة عندهم. وأيضاً نقل في وسائل الشيعة شيخنا الحرّ عن كتاب علي بن جعفر، عن أخيه موسي عليه السلام عن رجل يمرّ علي ثمرة فيأكل منها؟ قال: نعم، قد نهي رسول اللّه صلي الله عليه و آله أن تستر الحيطان - أي البساتين -(5) ومعلوم أنّ علي بن جعفر في غاية الوثاقة والجلالة، وكتابه معروف مقبول، فالحديث في غاية الصحّة وعلوّ الإسناد، وأيّ حديث صحيح يكون مثله؟!
وأمّا مرسلة ابن أبي عمير فهي صحيحة البتة، وهو ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنهم(6)، ومع ذلك فهو ممّن صرّح الشيخ في العدّة بأنّه لا يروي إلّاعن الثقة(7)، ومع جميع ما ذكر، اتّفق أهل الرجال علي أنّ مراسيله4.
ص: 125
مقبولة في حكم المسانيد(1). وذكروا وجهه، وهو في غاية الجلالة والعظم والزهد والتقوي، سيّما في ضبط الحديث كما لا يخفي علي المطّلع، ومع جميع ما ذكر انجبرت بالشهرة بين الأصحاب، والخبر المنجبر وإن كان ضعيفاً كما هو الحقّ المحقّق في محلّه، والمسلّم عند الفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين إلّا نادر من متأخّري المتأخّرين لشبهة ضعيفة، ولهذا تري الفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين في المسائل الفقهيّة بنوا علي ذلك(2)، مثل: حدّ السعي لطلب الماء في التيمّم عملوا برواية السكوني(3)، وتركوا ما في صحيحة زرارة «فليطلب مادام في الوقت»(4) إلي غير ذلك من الأحكام الفقهيّة، بل قلّ ما يكون مستنده حديثاً صحيحاً، لا سيّما الصحيح السالم عن المعارض، ولعلّه لا يكاد يوجد علي الصحيح المذكور فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون في موت الفقه، ألا تري أنّ الشارح لا تكاد توجد مسألة فقهيّة خالية عن الاضطراب عنده. والحاصل أنّ المرسلة مع انجبارها بالجوابر الكثيرة منجبرة أيضاً بأخبار قويّة كثيرة في غاية الكثرة، بل ربّما وصلت التواتر(5).5.
ص: 126
نقول: إنّ أتباع المنهج السندي يخالفون القرائن ويركنون إلي السند، وكلّ قرينة تقوّي الحديث وتقرّبنا مِن إحراز الصدور، فهي مردودة عندهم، فلا يكفي عندهم كون المرسل من ابن أبي عمير أو أصحاب الإجماع، أو محفوفاً بالقرائن، كما أنّ الشهرة لا تعتبر عندهم، وفي مقدّمتهم في هذا العصر، آية اللّه الخوئي.
ومثال نقد القرائن عند القائلين بمكتب الوثوق السندي ما تناوله آية اللّه الخوئي في مبحث الطهارة بقوله: إنّما الكلام في صحّة الغسل أو الوضوء ثانياً من الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الأكبر وأنّه هل يتحمّل القذارة المعنويّة بحيث لا يصلح لرفع الحدث ثانياً، أو أنّه باقٍ علي نظافته؟ وقد وقع هذا محلّاً للخلاف بين الأعلام، والمشهور جواز استعماله في رفع الحدث ثانياً وثالثاً، وعن الصدوقين والمفيد والشيخ الطوسي وغيرهم عدم الجواز، وقد استدلّ عليه بعدّة روايات أظهرها رواية عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: (لا بأس بأن يتوضّأ بالماء المستعمل، فقال: الماء الذي يغسل به الثوب، أو
ص: 127
يغتسل به الرجل عن الجنابة لا يجوز أن يُتوضّا منه وأشباهه، وأمّا [الماء] الذي يتوضّأ الرجل به فيغسل به وجهه ويده في شيء نظيف، فلا بأس أن يأخذ غيره ويتوضّأ به)(1). وهي قد دلّت علي عدم جواز الوضوء والغسل بالماء المستعمل في رفع الحدث مطلقاً؛ كان الحدث جنابة أو حيضاً أو غيرهما بناء علي أنّ قوله «وأشباهه» معطوف علي الضمير المجرور، ولذا ذكرنا أنّها أظهر من غيرها، فإنّ غيرها من الروايات علي تقدير تماميّتها تختصّ بالمستعمل في غسل الجنابة.
والكلام في هذه الروايات يقع في موضعين:
أحدهما: في سندها.
والثاني: في دلالتها.
أمّا الموضع الأوّل: فقد نوقش فيه بضعف الرواية لأنّ في سندها أحمد بن هلال العبرتائي(2) وقد طعن فيه من ليس من دأبه الخدشة في السند، حيث إنّ الرجل نسب إلي الغلوّ تارة، وإلي النصب أُخري. وقال شيخنا الأنصاري: وبُعد ما بين المذهبين، لعلّه يشهد بأنّه لم يكن له مذهب رأساً. وقد صدر عن العسكري عليه السلام اللعن في حقّه(3) فهو ملعون زنديق؛ فالرواية ساقطة عن الاعتبار.9.
ص: 128
هذا وقد تصدّي شيخنا الأنصاري قدس سره لإبداء القرائن علي أنّ الرواية موثّقة؛ وإن كان أحمد بن هلال ملعوناً لا مذهب له:
القرينة الأُولي: إنّ الراوي عن أحمد بن هلال هو الحسن بن عليّ وهو من بني فضّال، وقد ورد عن العسكري عليه السلام الأمر بأخذ رواياتهم فيجب الأخذ برواية حسن بن عليّ الواردة في باب توقيت الصلاة الدالّة علي اختصاص أوّل الوقت بالظهر وآخره بالعصر، حيث وثّقها بأنّ الرواية وإن كانت ضعيفة في نفسها إلّاأنّ أحد رواتها من بني فضّال وقد أُمرنا بالأخذ برواياتهم.
هذا ثمّ أضاف علي ما ذكره في المقام، أنّه يمكن أن يوثّق الرواية بوجه آخر، وهو أنّ حسين بن روح قد استدلّ علي اعتبار كتب الشلمغاني بما ورد عن العسكري عليه السلام في حقّ بني فضّال، فقال: أقول في حقّ الشلمغاني ما قاله العسكري عليه السلام في بني فضّال من قوله: «خذوا ما رووه وذروا ما رأوه»(1) فكما أنّه طبّق كلامه عليه السلام علي الشلمغاني مع أنّه خارج عن مورد النصّ، فكذلك نحن لا بأس بنا بأن نطبّق كلامه عليه السلام علي أحمد بن هلال؛ فإنّ تعدّي حسين بن روح عن مورد النصّ يكشف عن عدم خصوصيّة في ذلك لبني فضّال. وعلي الجملة، أنّ الرجل ممّن ينطبق عليه كلام العسكري عليه السلام كما كان ينطبق علي الشلمغاني. وللمناقشة في ما أفاده مجال واسع وذلك:
أمّا أوّلاً: فلأنّ الحسن بن عليّ الواقع في سند الرواية لم يُعلم أنّه من بني2.
ص: 129
فضّال، بل ربّما يستظهر عدم كونه منهم لاختلاف الطبقة؛ فراجع.
وأمّا ثانياً: فلأجل أنّ المستفاد ممّا ذكره عليه السلام في بني فضّال، أنّ الخروج علي الاستقامة إلي الاعوجاج غير قادح في صحّة الرواية، إذا كانت روايته حال الاستقامة، فحالهم فيما رووه حال سائر الرواة الموثّقين كزرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهما ممّن تقبل رواياتهم، إذاً فلا يدلّ ذلك إلّاعلي وثاقتهم في أنفسهم لأنّهم لا يروون إلّاعن الثقات، فكما أنّ زرارة ومحمّد بن مسلم وأمثالهما إذا رووا عن غير الثقة لا يعتمد علي رواياتهم، فكذلك بنو فضّال، وليس معني ما صدر عنه عليه السلام أنّ الخروج عن الاستقامة والدين إلي الانحراف والزندقة يزيدان في الأهميّة والاعتبار، ويستلزمان قبول روايته ولو كانت عن ضعيف ليكون بنو فضّال وأضرابهم أشرف وأوثق من زرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهما، وحيث إنّ الحسن بن عليّ روي هذه الرواية عن أحمد بن هلال وهو فاسد العقيدة كما مرّ؛ فلا يعتمد علي روايته ولا تتّصف بالحجيّة والاعتبار.
وأمّا ثالثاً: فلأنّ أحمد بن هلال لم تثبت وثاقته في زمان حتّي يكون انحرافه بعد استقامته، ومعه كيف يحكم بقبول رواياته بمناط قبول روايات بني فضّال؛ فهذه القرينة ساقطة.
القرينة الثانية: أنّ سعد بن عبداللّه الأشعري روي هذه الرواية عن الحسن بن عليّ، عن أحمد بن هلال، وهو الذي طعن في الرجل بالنصب قائلاً: إنّي لم أر من رجع من التشيّع إلي النصب إلّاهذا الرجل، وهو لا يروي عن غير الشيعة حسب تعهّده، ومن هنا لم يرو عمّن لقي الإمام ولم يرو عنه - كما حكي - وعلي هذا، فروايته عن الرجل في المقام يكشف عن أنّ الرواية إنّما كانت في كتاب
ص: 130
معتبر مقطوع الانتساب إلي مصنّفه بحيث لا يحتاج إلي ملاحظة حال الواسطة أو أنّها كانت محفوفة بقرائن موجبة للوثوق بها، إذن فتكون معتبرة لا محالة.
ويدفعه أمران: أحدهما: أنّ عدم روايته عن غير الشيعة ولو مرّة، طيلة حياته أمر لم يثبت، فإنّ غاية ما هناك أنّا لم نجدها ولم نقف عليها في سبيل لنا إلي نفي وجودها رأساً.
وثانيهما: هب أنّه لا يروي عن غير الشيعة، لشدّة تعصّبه في حقّهم عليهم السلام إلّاأنّ غاية ذلك أن يثبت أنّ أحمد بن هلال كان شيعيّاً حينذاك. ومن الظاهر أنّ مجرّد كون الرجل شيعيّاً لا يلازم وثاقته ليعتمد علي روايته، فرواية سعد عن الرجل لا تكون قرينة علي اعتبار روايته.
القرينة الثالثة: أنّ أحمد بن هلال إنّما نقل الرواية عن ابن محبوب والظاهر أنّه نقلها قراءة عليه عن كتابه الموسوم بالمشيخة، وهو كتاب معتبر عند الأصحاب وقد ذكر الغضائري - وهو الذي يقدح في السند كثيراً - أنّ روايات أحمد بن هلال ساقطة عن الاعتبار إلّاما رواه عن كتاب المشيخة لابن محبوب ونوادر ابن أبي عمير، فإنّه معتمد عليه عندهم(1)، وعن السيّد الداماد قدس سره أنّ ما نقله أحمد عن المشيخة وابن أبي عمير معتمد عليه عند الأصحاب، وملحق بالصحاح(2).
والجواب عن ذلك: أنّا لو سلّمنا أنّ اعتماد الأصحاب علي رواية ضعيفة يوجب الانجبار، وأنّ ما رواه أحمد عن كتاب المشيخة معتمد عليه عندهم،9.
ص: 131
فإثبات صغري ذلك في المقام في نهاية الإعضال، إذ لا علم لنا أنّ أحمد روي هذه الرواية بالقرائن عن كتاب المشيخة، ولعلّه رواها عنه بنفسه لا من كتابه المسمّي بالمشيخة، إذن يتوقّف اعتبارها علي وثاقة الرواة وقد فرضنا عدمها، واستظهار أنّه رواها عن كتاب المشيخة بالقراءة كما في كلام شيخنا الأنصاري قدس سره(1) ممّا لم يظهر وجهه.
القرينة الرابعة: أنّ المشايخ الثلاثة اعتمدوا علي رواية أحمد، ونقلوها في الكافي والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه، وكذا القمّيّون كالصدوقين(2) وابن الوليد، وسعد بن عبداللّه الأشعري وغيرهم يعتمدون علي روايته، ومن الظاهر أنّ اعتماد علي نقل أحد لا يقصر عن توثيق أهل الرجال، ومن هنا عدّوا عمل هؤلاء الأكابر علي أيّة رواية، من أمارات الصحّة حسب اصطلاح الأقدمين، وبذلك تكون الرواية معتبرة.
والجواب عن ذلك أوّلاً: فالمراد باعتماد المشايخ والقميّين، إن كان هو نقلهم للرواية في كتبهم، فمن الظاهر، أنّ مجرّد نقل رواية لا يوجب الاعتماد عليها، ومن هنا لا نعتمد علي جميع ما نقلوه في كتبهم من الأخبار، لأنّها ليست بأجمعها صحاحاً وموثّقات، بل فيها من الضعاف ما لا يحصي، فلا يستكشف من مجرّد نقل هؤلاء اعتمادهم علي الرواية. وإن أُريد بالاعتماد عمل القميّين والمشايخ علي طبقها، فالمقدار الثابت إنّما هو عمل الصدوقين والشيخين بها، ولم يثبت عمل غيرهم بالرواية حتّي إنّ سعد بن عبداللّه راوي هذا الحديث، لم0.
ص: 132
يظهر منه العمل بها وإنّما اكتفي بنقلها، وعمل هؤلاء الأربعة لا يوجب الانجبار في قبال غيرهم من الأصحاب من قدمائهم ومتأخّريهم، حيث إنّهم ذهبوا إلي خلافها. ونسب العلّامة قدس سره إلي مشهور المتقدّمين والمتأخّرين القول بجواز الاغتسال من الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر(1) وفيهم السيّد المرتضي(2)، والشهيدان(3)، والمحقّق(4)، والعلّامة نفسه(5) وغيرهم من أجلّاء الأصحاب ومحقّقيهم، فماذا يفيد عمل أربعة من الأصحاب إزاء عمل هؤلاء الأكابر؟ وفي الجملة، أنّ المقام ليس من صغريات كبري انجبار ضعف الرواية بعمل المشهور، علي تقدير صحّة الكبري في نفسها.
وثانياً: فلأنّه لم يعلم أنّ عمل الصدوقين بالرواية لأجل توثيقهما لأحمد بن هلال، لأنّا نحتمل لو لم نظنّ، أن يكون ذلك ناشئاً من بنائهما علي حجيّة كلّ رواية رواها إماميّ لم يظهر منه فسق، أعني العمل بأصالة العدالة في كلّ مسلم إماميّ وقد اعتقدا أنّ الرجل إماميّ، لأنّ سعد بن عبداللّه لا يروي عن غير الإمامي، وهذا هو الذي احتملناه فيما ذكره الصدوق قدس سره في صدر كتابه من لا يحضره الفقيه، من: أنّي إنّما أُورد في هذا الكتاب ما هو حجّة بيني وبين ربّي(6).
وفسّرناه بأنّه التزم أن يورد في كتابه ما رواه كلّ إماميّ لم يظهر منه فسق، لأنّه الحجّة علي عقيدته. والمتحصّل أن الرواية ضعيفة جدّاً ولم يمكن أن يعتمد3.
ص: 133
عليها بوجه؛ هذا كلّه في الموضع الأوّل.
وها نحن علي ضوء المنهجين، نذكر مثالاً آخر يكشف عمّا نحن بصدده، وهو حديث الأربعمائة، المروي عن أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام، وقد استند إليه الفقهاء والأصوليّون، في كتبهم، فعن الشيخ الأعظم الأنصاري في فرائده في بحث حجيّة الاستصحاب، ومنها: ما عن الخصال بسنده عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال أميرالمؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه: (من كان علي يقين فشكّ فليمض علي يقينه، فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين)(1).
وعنه قال: هذا، لكنّ سند الرواية ضعيف ب «القاسم بن يحيي» لتضعيف العلّامة له في الخلاصة، وإن ضعّف ذلك بعض باستناده إلي تضعيف ابن الغضائري - المعروف عدم قدحه - فتأمّل(2).
وأشار في هامش الفرائد بالقول: هو الوحيد البهبهاني في الحاشية علي منهج المقال ص 264(3). وعن آية اللّه الخوئي زعيم السنديّين، بعد الاستشهاد بالرواية والمناقشة في مفادها قوله: ولكنّ الذي يسهّل الأمر أنّ الرواية ضعيفة غير قابلة للاستدلال بها لكون قاسم بن يحيي في سندها، وعدم توثيق الرجاليين إيّاه، بل ضعّفه العلّامة، ورواية الثقات عنه لا تدلّ علي التوثيق، علي ما هو مذكور في محلّه(4).
هذا ما في تقريراته التي كتبها السيّد سرور البهبودي، ولكن في تقريراته7.
ص: 134
الاُخري التي كتبها الشيخ حسن الصافي الإصفهاني هكذا: «فلا إشكال في دلالتهما أيضاً علي المطلوب إلّاأنّهما ليستا بصحيحتين ولا بموثّقتين، إذ في سندهما قاسم بن يحيي، وقد ضعّفه العلّامة(1) وابن الغضائري(2) وإن كان تضعيف ابن الغضائري لا اعتبار به، لكونه كثير التشكيك، وإنّما المعتني به مدحه. ورواية الموثّقين عنه لا تجعله موثقاً ما لم يعلم أنّهم ممّن لا يروي إلّاعن ثقة، كابن أبي عمير، أو لم يعلم أنّهم من مشايخ الإجازة، كعبدالواحد بن عبدوس راوي نافلة العشاء، فإنّه من مشايخ إجازة الصدوق(3)، وقريب ممّا في مصباح الأصول هو ما في دراسات في الأصول(4) ولكنّ السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث بحث في يحيي بن القاسم وأثبت وثاقته(5).
وحديث الأربعمائة، نقل لأوّل مرّة في تحف العقول لابن شعبة الحرّاني، المعاصر لوالد الصدوق، ولكنّه نقله بلا سند، كما صرّح في مقدّمة كتابه، حيث قال: حذفت الإسناد للاختصار، ثمّ بعد ذلك أورده الصدوق في رسالة مستقلّة أوّلاً، ثمّ في الخصال ثانياً. والرسالة المستقلّة طبعت في مجموعة ميراث ماندگار - باللغة الفارسيّة -، بإشراف الدكتور السيّد محمود المرعشي النجفي(6)فجاء السند في الرسالة هكذا: حدّثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه بن أبي-.
ص: 135
الخلف قال: حدّثني أحمد بن أبي عبداللّه البرقي ومحمّد بن عيسي اليقطيني، عن القاسم بن يحيي.
وحدّث أيضاً عن أبيه ومحمّد الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن أبي عبداللّه البرقي، عن القاسم بن يحيي بن الحسن بن راشد، عن جدّه، عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه وأبي جعفر عليهما السلام قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه عليهم السلام: أنّ أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه وآله، علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه.
وأمّا سنده في الخصال كالتالي، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا سعد بن عبداللّه، قال: حدّثني محمّد بن عيسي بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيي، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام، والسندان نقيّان، لا غبار عليهما إلّاأنّه كما رأيت نوقش في محمّد ابن عيسي العبيدي، والقاسم بن يحيي.
والأوّل ضعّفه ابن الوليد استاذ الصدوق، واستثناه مع عدّة تبلغ 27 نفراً من رجال كتاب «محمّد بن أحمد بن يحيي الأشعري» ولكن ردّ عليه من جاء بعده فقد ذكر النجاشي في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيي عن شيخه أبي العبّاس ابن نوح قوله: وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه، وتبعه أبو جعفر بن بابويه علي ذلك إلّافي محمّد بن عيسي بن عبيد فلا أدري ما رأيه فيه لأنّه كان علي ظاهر العدالة والثقة(1).8.
ص: 136
وقال النجاشي في حقّه: جليل في أصحابنا، ثقة، عين(1).
وقال الحرّ العاملي في خاتمة الوسائل، ونقل الكشّي عن الفضل أنّه كان يحبّ العبيدي، ويثني عليه، ويميل إليه ويقول: ليس في أقرانه مثله، وهذا فوق التوثيق، وهو يبطل نسبة الغلوّ إليه. والعلّامة نقل الجميع ثمّ قال: والأقوي عندي قبول روايته(2).
وقد أشار السيّد الخوئي إلي وثاقة الرجل عن النجاشي، والكشّي، والفضل ابن شاذان حيث ذكر في ترجمة الأخير عن قول بُورق: خرجت حاجّاً فأتيت محمّد بن عيسي العبيدي، فرأيته شيخاً فاضلاً. وفي ترجمة محمّد بن سنان من قول الكشّي وقد روي عنه الفضل وأبوه، ويونس، ومحمّد بن عيسي العبيدي...
وغيرهم من العدول، والثقات، وأهل العلم، وقد أشار السيّد الخوئي إلي مسألة مهمّة، ردّ بها علي تضعيف الشيخ الطوسي إيّاه وخلاصتها: والوجه في ذلك أنّ تضعيف الشيخ كما هو صريح كلامه هنا (الاستبصار ذيل الحديث 568 - باب أنّه لا يجوز العقد علي امرأة عقد بها الأب والابن - وفي فهرسته) مبنيّ علي استثناء الصدوق وابن الوليد إيّاه، من جملة الرجال الذين روي عنهم صاحب نوادر الحكمة، والذي ظهر لنا من كلامهما أنّهما لم يناقشا في محمّد بن عيسي ابن عبيد نفسه، فإنّما ناقشا في قسمين من رواياته وهما: فيما يروي صاحب نوادر الحكمة عنه بإسناد منقطع... أو فيما ينفرد بروايته محمّد بن عيسي عن يونس، وأمّا في غير ذلك فلم يظهر من ابن الوليد ولا من الصدوق ترك العمل1.
ص: 137
برواياته.
والذي يكشف عن ذلك أنّ الصدوق تبع شيخه ابن الوليد في الاستثناء المزبور، فلم يرو في الفقيه ولا رواية واحدة عن محمّد عن عيسي، عن يونس وقد روي فيه عن محمّد بن عيسي، عن غير يونس، في الكتاب نفسه في المشيخة في نيّف وثلاثين موضعاً غير ما ذكره في طريقه إليه، وهذا أقوي شاهد علي أنّ الاستثناء غير مبتن علي تضعيف محمّد بن عيسي بن عبيد نفسه، وإنّما هو لأمر يختصّ برواياته عن يونس، وهذا الوجه مبنيّ علي اجتهاد ابن الوليد ورأيه، ووجهه عندنا غير ظاهر... وقد روي ابن الوليد نفسه عن الصفار، عن محمّد بن عيسي بن عبيد، عن غير يونس... إلّاأنّ الشيخ قد غفل عن خصوصيّة كلام ابن الوليد، وتخيّل أنّ ترك ابن الوليد رواية ما يرويه محمّد بن عيسي بن عبيد، عن يونس بإسناد منقطع، أو ما ينفرد بروايته عنه مبتن علي ضعف محمّد بن عيسي، فحكم بضعفه تبعاً له، ولكنّ الأمر ليس كما تخيّل.
وأمّا الصدوق فقد صرّح بأنّه يتبع شيخه فلا يروي عمّن ترك شيخه الرواية عنه، فقد قال في ذيل الحديث 241 من الجزء 2 في باب صوم التطوّع من الفقيه: وأمّا خبر صلاة يوم غدير خمّ والثواب المذكور فيه لمن صامه فإنّ شيخنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه كان لا يصحّحه، وكلّ ما لم يصحّحه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحّته من الأخبار، فهو عندنا متروك غير صحيح. فالمتلخّص: أنّ ابن الوليد، والصدوق لم يضعّفا الرجل، وأمّا الشيخ فلا يرجح تضعيفه إيّاه إلي أساس صحيح، فلا معارض للتوثيقات المذكورة(1).-.
ص: 138
وأمّا قاسم بن يحيي، فضعّفه ابن الغضائري، وقد ردّ عليه البهبهاني قائلاً:
ولا وثوق بتضعيفه وروايات الأجلّة عنه مثل: أحمد بن محمّد بن عيسي تشير إلي الاعتماد عليه، بل الوثاقة وكثرة رواياته والإفتاء بمضمونها يؤيّده، ويؤيّد فساد كلام ابن الغضائري في المقام عدم تضعيف شيخ من المشايخ العظام الماهرين بأحوال الرجال، وعدم طعن أحد ممّن ذكره في ترجمته وترجمة جدّه وغيرهما(1).
وعن آية اللّه الخوئي: أنّه لا يبعد القول بوثاقة القاسم بن يحيي لحكم الصدوق بصحّة ما رواه في زيارة الحسين عليه السلام عن الحسن بن راشد، وفي طريقه إليه القاسم بن يحيي، بل ذكر أنّ هذه الزيارة أصحّ الزيارات عنده رواية(2). ولا يعارضه تضعيف ابن الغضائري لما عرفت من عدم ثبوت نسبة الكتاب إليه.
وعنه أيضاً في كامل الزيارات: الباب 1، في ثواب زيارة رسول اللّه صلي الله عليه و آله الحديث 1: وطريق الصدوق إليه: أبوه، ومحمّد بن الحسن... عن القاسم بن يحيي، كطريق الشيخ إليه صحيح. فهذا سند الرواية المرويّة في التحف والخصال والنسخة، فحصيلة البحث أنّ سند الحديث لا غبار عليه، ورجاله كلّهم ثقات علي الأقوي، وأمّا الدلالة فالحديث تعلو منه آثار الصدوق وقد ورد هذا الحديث في أبواب متفرّقة من الكافي، وذكر أكثر أجزائه.
قال العلّامة المجلسي بعد نقل الحديث: اعلم أنّ هذا الخبر في غاية الوثاقة6.
ص: 139
والاعتبار علي طريقة القدماء، واعتمد عليه الكليني وذكر أكثر اجزائه متفرّقة في أبواب الكافي، وكذا غيره من أكابر المحدّثين(1).
هناك سؤال نطرحه ثمّ نجيب عنه: هل الذين يقولون بوثوق السند، لهم مبنًي واحد ومناط واحد في اعتبار الرواية، أو يختلف هذا عندهم؟
نقول: إنّ جميع هؤلاء؛ من المحقّق الحلّي والشهيد الثاني وأتباعهما وكذلك آية اللّه الخوئي يتّفقون علي شيء، ويختلفون في أشياء؛ فأمّا الشيء الذي يتّفق عليه هؤلاء؛ هو أنّهم يتكلّمون علي السند ولا يعتمدون علي الرواية صدوراً، أي يأخذون بصدور الرواية إذا اطمأنّوا إلي أنّ الرواية معتمدة علي السند، وسندها صحيح معتبر.
وأمّا ما اختلفوا فيه فهو وجه اعتبار السند، أي: الرواة؛ فإنّ المحقّق الحلّي والشهيد الثاني وأتباعهما قالوا باعتبار الرواة من جهة عدالتهم وإيمانهم فلذلك اشترط الشهيد في الراوي أن يكون مؤمناً، أي عادلاً يعني: قائلاً بإمامة الأئمّة الاثني عشر، وأمّا غيرهم من الذين وقفوا علي ولد الإمام زين العابدين كالزيديّة وفرقهم من الكيسانيّة، أو الذين وقفوا علي ولد الصادق عليه السلام كالفطحيّة الذين قالوا بإمامة عبداللّه الأفطح، أو الذين وقفوا علي إمامة موسي بن جعفر، وهم المعروفون عند الرجاليّين بالواقفة أو الواقفيّة، وغيرهم من المذاهب الأُخري كالناووسيّة وغيرهم، فالشهيد الثاني وأتباعه يقولون بأنّ هؤلاء فاسدو المذهب،
ص: 140
وأيّ ذنب وأيّ خطأ أعظم من العدول عن الإمامة، وبهذا فإنّهم اكتفوا في الراوي بعدالته يعني القول بالإمامة(1).
فعن الشهيد الثاني في الرعاية في شرائط الراوي: والرابع وهو المشهور بين أصحابنا، اشتراط إيمانه مع ذلك المذكور من الشروط، بمعني كونه إماميّاً، قطعوا به في كتب الأُصول الفقهيّة وغيرها لأنّ من عداه عندهم فاسق، وإن تأوّل كما تقدّم فيتناوله الدليل، هذا مع علمهم بأخبار ضعيفة بسبب فساد عقيدة الراوي، أو موثّقة، مع فساد عقيدته أيضاً في كثير من أبواب الفقه، معتذرين عن ذلك العمل المخالف لما أفتوا به في أُصولهم: من عدم قبول رواية المخالف بانجبار الضعف الحاصل للراوي، بفساد عقيدته ونحوه بالشهرة، أي شهرة الخبر والعمل بمضمونه بين الأصحاب، فيمكن إثبات المذهب به، وإن ضعف طريقه كما يثبت مذهب أهل الخلاف بالطريق الضعيف من أصحابهم، ونحوها - أي الشهرة - من الأسباب الباعثة لهم علي قبول رواية المخالف في بعض الأبواب، كقبول ما دلّت القرائن علي صحّته مع ذلك علي ما ذهب إليه المحقّق في المعتبر(2)، وكيف كان فإطلاق اشتراط الإيمان مع استثناء من ذكر ليس بجيّد.
ذكر الشيخ حسن العاملي في معالم الأُصول: الثالث: الإيمان واشتراطه هو المشهور بين الأصحاب، وحجّتهم قوله تعالي: «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا»(3) ، وحكي المحقّق عن الشيخ: أنّه أجاز العمل بخبر الفطحيّة ومن
ص: 141
ضارعهم؛ بشرط أن لا يكون متّهماً بالكذب، محتجّاً بأنّ الطائفة قد عملت بخبر عبداللّه بن بكير، وسماعة، وعليّ بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسي، وبما رواه بنو فضّال والطاطريّون(1). وأجاب المحقّق رضي الله عنه: بأنّا لم نعلم إلي الآن بأنّ الطائفة عملت بأخبار هؤلاء، والعلّامة مع تصريحه بالاشتراط في التهذيب أكثر في الخلاصة من ترجيح قبول روايات فاسدي المذاهب، وحكي والدي في فوائده علي الخلاصة، عن فخر المحقّقين أنّه قال: سألت والدي عن أبان بن عثمان؟ فقال: الأقرب عندي عدم قبول روايته لقوله تعالي: «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا»(2) الآية، ولا فسق أعظم من عدم الإيمان، وأشار بذلك إلي ما رواه الكشّيّ من أنّ أباناً كان من الناووسيّة؛ هذا والاعتماد عندي علي المشهور(3).
فعلي هذا، ظهر ممّا صرّح به الشهيد الثاني وابنه وغيرهما أنّ المناط عندهم هو إيمان الراوي أي كونه إماميّاً، ولم يكف أنّه كان ثقة. هذا ما عند المحقّق الأوّل والشهيد الثاني وأتباعهما، فلذلك ردّ روايات الفطحيّة والواقفيّة وغيرهم، ومثاله في الفقه ما عن الشهيد بعد نقل رواية عبداللّه بن بكير: وهذه الرواية - مع شذوذها - رواها عبداللّه بن بكير، وهو فطحيّ المذهب، لا يُعتَمَد علي روايته، خصوصاً مع مخالفتها لغيرها بل للقرآن الكريم، ومع ذلك ففيها قادح آخر، وهو أنّ عبداللّه كان يفتي بمضمونها وروجع في أمرها فقال: هذا ممّا رزق اللّه من الرأي. قال الشيخ: ومَن هذه حالته يجوز أن يكون أسند ذلك إلي زرارة، نصرة لمذهبه الذي كان أفتي به، وإنّه لمّا رأي أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه، أسنده0.
ص: 142
إلي من رواه عن أبي جعفر عليه السلام، وليس عبداللّه بن بكير معصوماً لا يجوز عليه هذا، بل وقع منه من العدول، عن اعتقاد مذهب الحقّ إلي اعتقاد مذهب الفطحيّة، ما هو معروف من مذهبه، والغلط في ذلك أعظم من إسناد فتيا يعتقد صحّتها، لشبهة كانت عند بعض أصحاب الأئمّة، وإذا كان الأمر علي ما قلناه ولم يعترض بهذه الرواية، ما ذكر في غيرها(1).
والعجب مع هذا القدح العظيم من الشيخ في عبداللّه بن بكير أنّه قال في كتاب الرجال: إنّ العصابة أجمعت علي تصحيح ما يصحّ عنه، وأقرّوا له بالفقه والثقة(2). وذكره غيره(3) من علماء الرجال كذلك، وهذا الخبر ممّا صحّ من عبداللّه بن بكير، لأنّ الشيخ في التهذيب(4) رواه عن محمّد بن محبوب، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب، عنه، عن زرارة، والجميع ثقات، وكيف كان فهو بالإعراض عنه حقيق(5).
فعلي هذا، ظهر أنّ المناط عند المحقّق الأوّل والشهيد الثاني وولده الشيخ حسن العاملي، وسبطه السيّد محمّد الموسوي العاملي، وولد ولده، الشيخ محمّد العاملي صاحب استقصاء الاعتبار، هو إن كان الراوي من الإماميّة، وصرّح الرجاليّون بأنّه ثقة، فرواية هذا الراوي معتبرة، مع أنّ الشيخ حسن اعتبر التوثيق والتعديل من باب الشهادة، فلذلك اعتبر توثيق الرجاليّين للراوي، ولم9.
ص: 143
يكف عنده توثيق الواحد، فالشهيد وابنه وسبطه يعتمدون السند، وكلاهما صرّحا بشرطيّة توثيق الراوي كونه إماميّاً، ثمّ اختلفا في كون التوثيق من باب الشهادة كما قال الشيخ حسن وسبط الشهيد، أو من باب إخبار الثقة. وعن الشهيد: فيكفي علي الثاني بإخبار الرجاليّ الواحد، هذا ما عندهم.
هناك رأي آخر من أتباع المنهج السندي وهو مع أنّه يعتقد باعتبار الرواية، من جهة السند، أما إنّه لم يعتقد في الرواة كونهم إماميّين، ولم يعتقد تعديلهم بهذا المعني، بل يعتقد أنّ الوثاقة في الراوي كافية، ولا نحتاج إلي أكثر من هذا، وعليه، فإذا ثبتت وثاقة الراوي فالرواية معتبرة.
والأمر هكذا؛ فعلي ضوء منهج المحقّق الأوّل والشهيد الثاني وأتباعهما، إن كان الراوي ثقة غير إماميّ فهو ضعيف، وأمّا علي منهج السيّد الخوئي إن كان الراوي ثقة وإن كان غير إماميّ فروايته معتبرة، وهذا هو مبني الشيخ الطوسي، فإنّه صرّح في كتاب العدّة في الأُصول بأنّ الأصحاب يعملون بروايات بني فضّال، والفطحيّة، والواقفيّة، إذ كانوا ثقات(1)، وتبنّي هذا المبني أتباع الشيخ، إلي أن ظهر الفقيه الفذّ، والعلم البارع لدي الإماميّة يعني: نجم الدين جعفر بن سعيد الحلّي صاحب الشرائع والمعتبر، فإنّه ضعّف روايات الغير الإمامي من الرواة(2)، وتبعه علي هذا العلّامة الحلّي إلّافي عبداللّه بن بكير، وأبان بن عثمان لأنّهما من أصحاب الإجماع، وإجماع المنقول عنده حجّة كما صرّح به مراراً،
ص: 144
وأمّا غيرهما فضعفهم يأتي كونهم من الواقفيّة والفطحيّة وغيرهم، كما صرّح به في المنتهي والمختلف وتبعهما ولد العلّامة فخر الدين في إيضاح الفوائد وتلميذه محمّد بن مكّي العاملي (الشهيد الأوّل) في غاية المراد، ثمّ ظهر المحقّق الكركي وقد تبع العلّامة (الماتن) في شرحه علي القواعد، وكلّ هؤلاء من أتباع مدرسة العلّامة، ثمّ هناك فقيهان آخران وهما: الفاضل المقداد وأحمد ابن فهد الحلّي وهما أيضاً قد تبعا العلّامة، وضعّفا الروايات الموثّقات، أمّا إذا وصل الأمر إلي الشهيد، فإنّه ينهج منهجاً خاصّاً ويصرّح بمنهجه وقواعده، وتبعه علي ذلك أمثال: الأردبيلي وأولاد الشهيد. وكلّ هؤلاء في مدرسة الحلّة وأتباعهم قاموا بردّ روايات موثّقات.
وآية اللّه الخوئي مع أنّه نهج منهج المحقّق الأول والشهيد الثاني، حيث قال في بحث حجيّة خبر الواحد من مصباح الأُصول: إنّا نقول بحجيّة الأقسام الثلاثة من الصحيح والحسن والموثّق، وذلك لأنّه يشملها كلّها أدلّة الحجيّة لخبر الواحد(1).
فلذلك صرّح قائلاً: نحن نقول بسواسية الأقسام الثلاثة في الحجيّة؛ وعند التعارض، قد يقدّم الخبر الموثّق علي الصحيح.
مثال آخر للعمل بالقرائن: وهو فرع فقهيّ قد أصبح ميداناً لمجاولة الآراء، ويدور حول نجاسة العصير العنبي، فقد اختلف الفقهاء في طهارته؛ وأمّا حرمته قبل ذهاب الثلثين وبعد الغليان فمشهور بل إجماعيّ، وحكم العصير العنبي في
ص: 145
كتاب الأطعمة والأشربة، محرّم بالإجماع.
ويشكّل البحث في طهارته ونجاسته في كتاب الطهارة صراعاً للآراء، ثمّ إنّ كتاب الحدود متوقّف علي كتاب الطهارة.
وقد ذكر الإمام الخميني في كتاب الحدود: لا إشكال في حرمة العصير العنبي سواءً غلا بنفسه أو بالبخار أو بالشمس إلّاإذا ذهب ثلثاه أو ينقلب خلّاً، ولكنّه لم يثبت إسكاره، وفي إلحاقه بالمسكر في ثبوت الحدّ ولو لم يكن مسكراً إشكال، بل منع سيّما إذا غلي بالنار أو بالشمس، والعصير الزبيبي والتمري لا يلحق بالمسكر حرمةً ولا حدّاً؛ هذا في كتاب الحدود.
وفي كتاب الطهارة والنجاسة فمصدره الوحيد للبحث والنقد، هو رواية زيد النرسي، رواها عن معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبداللّه عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج ويقول: طبخ علي الثلث، وأنا أعلم أنّه يشربه علي النصف، فأشربه بقوله، وهو يشربه علي النصف؟ فقال عليه السلام: (لا تشربه).
قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه، يشربه علي الثلث ولا يستحلّه علي النصف، يخبرنا أنّ عنده بختجاً علي الثلث قد ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه، نشرب منه؟ قال: (نعم)(1).
هذه رواية قد وقعت محل خلاف ونزاع بين الفقهاء؛ فطائفة استندوا إليها وقالوا باعتبار سندها أوّلاً، ودلالتها ثانياً(2) كالعلّامة الطباطبائي صاحب المصابيح، وردّ الآخرون وهم أتباع منهج الوثوق السندي وقالوا بضعف السند0.
ص: 146
أوّلاً، وضعف دلالتها ثانياً، لاختلافها في النسخ؛ ففي نسخة التهذيب «خمر لا تشربه»، ونسخة الكليني في الكافي «لا تشربه»، أي بلا لفظ «خمر».
وأمّا دلالتها فليست هي محلّ البحث عندنا، وإنّما بحثنا عن سندها علي ضوء المنهجين، فالعلّامة الطباطبائي ادّعي أنّ سندها معتبر لأنّه منقول عن أصل زيد النرسي، وهو ثقة، فعلي هذا ثبت نجاسته أوّلاً، ثمّ حرمته ثانياً، ثمّ ثبوت الحدّ ثالثاً. ولهذا وردّاً علي أتباعه، ردّ بعض الفقهاء من أتباع المنهج السندي، وبل بعض من أتباع المنهج الصدوري، وناقشوا العلّامة الطباطبائي في القرائن، وحكموا بالنتيجة بضعف الرواية، وقبل ذلك العلّامة الطباطبائي، أمّا العلّامة الوحيد البهبهاني في حاشية مجمع الفائدة في توثيق زيد النرسي وأصله، ولعلّ بحر العلوم أخذ ما قالَه من الوحيد.
وقال الوحيد البهبهاني - في تعليقة مجمع الفائدة، للأردبيلي الذي هو من أعلام أتباع المنهج السندي، وردّ الحديث من زيد النرسي وضعّفه، وقال بضعف الحديث، بطهارة العصير العنبي، إذا غلا وإن لم يذهب ثلثاه:
والاعتراض علي رواية النرسي بأنّ أصله لم يروه الصدوق وابن الوليد وكان يقول: وضعها محمّد بن موسي، ومن ثمّ لم يذكر هذه الرواية في الكتب الأربعة، ولا أُسند إليها في كتب الاستدلال، انتهي(1). فيه: أنّ أصل ترك الرواية من ابن الوليد والصدوق قلّده لحسن ظنّه به، علي ما صرّح به في الفقيه(2)، وقد حقّقنا في تعليقتنا علي رجال الميرزا، ضعف تضعيفات القمّيّين(3) فإنّهم كانوا8.
ص: 147
يعتقدون - بسبب اجتهادهم - اعتقادات؛ مَن تعدّي عنها نسبوه إلي الغلوّ، مثل نفي السهو عن النبيّ صلي الله عليه و آله أو إلي التفويض، مثل تفويض بعض الأحكام إليه أو إلي عدم المبالاة في الرواية والوضع، وبأدني شيء كانوا يتّهمون - كما نري الآن من كثير من الفضلاء والمتديّنين - وربّما يخرجونه من قم ويؤذونه...(1) وغير ذلك. وأمّا غيرهم فكانوا يعملون بأحاديث هؤلاء ولا يلتفتون إلي قول القمّيّين أصلاً، كالكليني والشيخ وغيرهما من المشايخ، فإنّهم رووا عن سهل بن زياد والبرقي وأمثالهما ما لا يحصي عدداً، واعتمدوا عليها، وأفتوا بها، ومنها حديث غدير خمّ (2)، فقد قال الصدوق ما قال، وبعده إلي الآن لم يتأمّل أحدٌ فيه.
علي أنّهم رووا عن زيد النرسي أكثر من أن يحصي، معتمدين عليها كما لا يخفي، مضافاً إلي ما ذكروه بالنسبة إلي الأُصول الأربعمائة، ممّا لا يخفي علي المطّلع، ولا تأمّل في أنّ كتاب زيد من جملة الأُصول، وصرّحوا به(3).
ومع ذلك، ابن الغضائري - مع إفراطه في القدح، حتّي بالنسبة إلي الأعاظم - ما قدح عليه، بل بعد ما نقل عن الصدوق أنّ كتابه وكتاب الزرّاد موضوعان، قال: وغلط أبو جعفر في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من ابن أبي عمير(4)، وناهيك بهذا تخطئة له، واعتماداً علي كتبهما.
مضافاً إلي أنّ الشيخ في «الفهرست» - بعد ما نقل عن ابن الوليد عدم الرواية3.
ص: 148
والوضع - قال: وكتاب زيد النرسي رواه ابن أبي عمير عنه(1)، وفيه - بعد التخطئة وإظهار الاعتماد - إشارة منه إلي توثيق زيد؛ لأنّه ذكر في «عدّته» أنّ ابن أبي عمير لا يروي إلّاعن ثقة(2).
ويؤيّد الاعتماد، بل والتوثيق أيضاً، ما ذكر في ترجمته الذاتية وكتبه ونوادره، بل ومرسلاته وأنّه ممّن أجمعت العصابة(3)، ويستفاد من كلام الشيخ وغيره أنّ عدم الرواية من خصائص ابن الوليد والصدوق، فلا يصحّ ما ذكره أنّه: مِن ثمّ لم يذكر هذه الرواية في الكتب الأربعة.
وأمّا النجاشي، فلم يتعرّض لذكر عدم روايتهما وحكمهما بالوضع، ولم يعيّن بذلك أصلاً، بل قال: النرسي روي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن عليهما السلام، له كتاب يرويه عنه جماعة، أخبرنا - إلي أن قال: - ابن أبي عمير عنه بكتابه(4).
وفيه - إضافةً إلي ما ذكرنا - شهادة واضحة علي شهرة كتابه وشهرته، وأنّ جماعة من الأصحاب رووا كتابه هذا، من دون اختصاص بابن أبي عمير، والاتّفاق واقع من المحقّقين علي أنّ النجاشي أضبط وأعرف من الكلّ في الرجال، سيّما ووافقه الشيخ والغضائري، إضافةً إلي ما ذكرنا.
وما ذكر من عدم الذكر في الأربعة، فيه أنّه كم من خبر ذكر في غيرها وعُمِلوا به، بل وحكموا بصحّته. ولا دليل علي وجوب كون الخبر في الأربعة، وأنّه لو لم يكن، لم يكن حجّة؛ إذ أدلّة الحجيّة عامّة والمخصّص غير موجود قطعاً، بل4.
ص: 149
المدار علي ظنّ المجتهد واعتماده.
وبعد ما أشرنا إليه، لم يبق للمتأمّل مجال في الظنّ والاعتماد، وقد حقّقنا في التعليقة عدم اشتراط أكثر من هذا(1)، بل لم نجد أحداً اقتصر علي أخبار من نصّ علي توثيقه ولم يتعدّ، مع أنّا قد أشرنا إلي إفادة توثيق زيد.
علي أنّا نقول: ما ورد في الأربعة شاهد لهذا الخبر، بحسب السند، وهو شاهد له بحسب الدلالة، ويكفي هذا القدر من القرينة، إذ لا يجب أن تكون قطعيّة، ولا أن تكون بحيث يدلّ علي اعتبارها إجماع أو سنّة أو كتاب، ومنشأُ عدم الذكر في كتب الاستدلال، عدم العثور؛ إذ لا شكّ في أنّه خير من القياس الذي حرمته من ضروريّات المذهب، بل وهو فاسد، والعمل بمثله حرام عند أهل السنّة أيضاً.
وكم من روايات في الأربعة تركوها في مقام الاستدلال، بل وربّما كانت صحيحة في اصطلاحهم، ذكرت قدراً منها في حواشينا علي المدارك، والذخيرة وغيرهما(2).
هذا ما قاله الوحيد البهبهاني في تعليقته علي مجمع الفائدة والبرهان، وصرّح بأنّ القرائن دلّت علي وثاقة زيد النرسي، وفي النهاية اعتبر الحديث وأفتي بنجاسة العصير العنبي خلافاً للأردبيلي وأتباعه.ر.
ص: 150
وأمّا العلّامة الطباطبائي فقد قال في الفوائد الرجاليّة: زيد النرسي أحد أصحاب الأُصول، كوفيّ، صحيح المذهب، وقال الشيخ النجاشي: إنّ زيد النرسي من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام، له كتاب يرويه عنه جماعة، أخبرنا أحمد بن عليّ بن نوح السيرافي، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد الصفواني، قال:
حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي بكتابه، وقد نصّ شيخ الطائفة في الفهرست علي رواية ابن أبي عمير كتاب زيد النرسي كما ذكره النجاشي.
وقال الطباطبائي أيضاً: وإنّما أوردنا هذه الطرق تنبيهاً علي اشتهار الأصل المذكور فيما بين الأصحاب واعتباره عندهم كغيره من الأُصول المعتمدة المعوّل عليها، فإنّ بعضاً حاول إسقاط اعتبار هذا الأصل، والطعن فيمن رواه، واعترض أوّلاً: بجهالة زيد النرسي، إذ لم ينصّ عليه علماء الرجال بمدح ولا قدح.
وثانياً: بأنّ الكتاب المنسوب إليه مطعون فيه، فإنّ الشيخ حكي في الفهرست عن ابن بابويه أنّه لم يرو أصل زيد النرسي ولا أصل زيد الزرّاد، وأنّه حكي في فهرسته عن شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد: أنّه لم يرو هذين الأصلين بل كان يقول: هما موضوعان، وكذلك كتاب خالد بن عبداللّه بن سدير، وإنّ واضع هذه الأُصول محمّد بن موسي الهمداني المعروف بالسمّان.
والجواب عن ذلك: إنّ رواية ابن أبي عمير لهذا الأصل تدلّ علي صحّته واعتباره، والوثوق بمن رواه، فإنّ المستفاد من تتبّع الحديث وكتب الرجال، بلوغ الغاية في الثقة، والعدالة، والورع، والضبط، والتحرّز عن التخليط،
ص: 151
والرواية عن الضعفاء والمجاهيل، ولذا تري أنّ الأصحاب يسكنون إلي روايته، ويعتمدون علي مراسيله، وقد ذكر الشيخ في العدّة: أنّه لا يروي، ولا يرسل إلّا عمّن يوثق به(1)، وهذا توثيق عامّ لمن روي عنه، ولا معارض له هاهنا، وحكي الكشّيّ في رجاله إجماع العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، والإقرار له بالفقه والعلم،(2) ومقتضي ذلك صحّة الأصل المذكور، لكونه ممّا قد صحّ عنه، بل توثيق راويه أيضاً لكونه العلّة في التصحيح غالباً، والاستناد إلي القرائن وإن كان ممكناً إلّاأنّه بعيد في جميع روايات الأصل، وعدّ النرسي من أصحاب الأُصول، وتسمية كتابه أصلاً، ممّا يشهد بحسن حاله واعتبار كتابه، فإنّ الأصل في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعني الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر، وليس بمعني مطلق الكتاب، فإنّه قد يجعل مقابلاً له فيقال: له كتاب، وله أصل.
وقد ذكر ابن شهر آشوب في معالم العلماء نقلاً عن المفيد، طاب ثراه أنّ الإماميّة صنّفت من عهد أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه إلي عهد أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري عليه السلام أربعمائة كتاب تُسمّي: الأُصول، قال: وهذا معني قولهم «له أصل»(3).
ومن الواضح أنّ مصنّفات الإماميّة فيما ذكر من المدّة تزيد علي ذلك بكثير6.
ص: 152
كما يشهد به تتبّع كتب الرجال، فالأصل إذاً أخصّ من الكتاب، ولا يكفي فيه مجرّد عدم انتزاعه من كتاب آخر، وإن لم يكن معتمداً، فإنّه يؤخذ في كلام الأصحاب مدحاً لصاحبه، ووجهاً للاعتماد علي ما تضمّنه، وربّما ضعّفوا الرواية لعدم وجدان متنها في الأُصول، كما اتّفق للمفيد والشيخ وغيرهما؛ فالاعتماد مأخوذ في الأصل بمعني كون ذلك هو الأصل فيه إلي أن يظهر خلافه، والوصف به في قولهم: له أصل معتمد للإيضاح والبيان، أو لبيان الزيادة علي مطلق الاعتماد المشترك فيما بين الأُصول، فلا ينافي ما ذكرناه، علي أنّ تصنيف الحديث - أصلاً كان المصنّف أم كتاباً - لا ينفكّ غالباً عن كثرة الرواية، والدلالة علي شدّة الانقطاع إلي الأئمّة عليهم السلام وقد قالوا: «اعرفوا منازل الرجال بقدر روايتهم عنّا»(1)، وورد عنهم عليهم السلام في شأن الرواية للحديث ما ورد.
وأمّا الطعن علي هذا الأصل والقدح فيه بما ذكر، فإنّما الأصل فيه محمّد بن الحسن بن الوليد القمّي وتبعه علي ذلك ابن بابويه علي ما هو دأبه في الجرح والتعديل، والتضعيف، والتصحيح، ولا موافق لهما فيما أعلم، وفي الاعتماد علي تضعيف القميّين وقدحهم في الأُصول والرجال كلام معروف، فإنّ طريقتهم في الانتقاد تخالف ما عليه جماهير النقّاد، وتسرّعهم إلي الطعن بلا سبب ظاهر، ممّا يريب اللبيب الماهر، ولم يلتفت أحد من أئمّة الحديث والرجال إلي ما قاله الشيخان المذكوران في هذا المجال، بل المستفاد من تصريحاتهم وتلويحاتهم تخطئتهما في ذلك المقال.
قال الشيخ ابن الغضائري: زيد الزرّاد وزيد النرسي رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام.3.
ص: 153
قال أبو جعفر بن بابويه: إنّ كتابهما موضوع، وضعه محمّد بن موسي السمّان.
وغلط أبو جعفر في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة عن محمّد بن أبي عمير(1).
وناهيك بهذه المجاهرة في الردّ من هذا الشيخ، الذي بلغ الغاية في تضعيف الروايات، والطعن في الرواة، حتّي قيل: إنّ السالم من رجال الحديث من سلم منه، وإنّ الاعتماد علي كتابه في الجرح، طرح لما سواه من الكتب. ولولا أنّ هذا الأصل من الأُصول المعتمدة المتلقّاة بالقبول بين الطائفة، لما سلم من طعنه وغمزه، علي ما جرت به عادته في كتابه الموضوع لهذا الغرض، فإنّه قد ضعّف فيه كثيراً من أجلّاء الأصحاب المعروفين بالتوثيق، نحو: إبراهيم بن سليمان بن حيّان، وإبراهيم بن عمر اليماني، وإدريس بن زياد، وإسماعيل بن مهران، وحذيفة بن منصور، وأبي بصير ليث المرادي، وغيرهم من أعاظم الرواة وأصحاب الحديث، واعتمد في الطعن عليهم غالباً بأُمور لا توجب قدحاً فيهم، بل في رواياتهم، كاعتماد المراسيل، والرواية عن المجاهيل، والخلط بين الصحيح والسقيم، وعدم المبالاة في أخذ الروايات، وكون رواياتهم ممّا تعرّف تارة وتنكّر أُخري وما يقرب من ذلك.
هذا كلامه في مثل هؤلاء المشاهير الأجلّة، وأمّا إذا وجد في أحد ضعفاً بيّناً أو طعناً ظاهراً - وخاصّةً إذا تعلّق بصدق الحديث - فإنّه يقيم عليه النوائح، ويبلغ منه كلّ مبلغ، ويمزّقه كلّ ممزّق، فسكوت مثل هذا الشيخ عن حال زيد النرسي، ومدافعته عن أصله بما سمعت من قوله، أعدل شاهد علي أنّه لم يجد2.
ص: 154
فيه مغمزاً ولا للقول في أصله سبيلاً.
وقال الشيخ في الفهرست: زيد النرسي وزيد الزرّاد لهما أصلان، لم يروهما محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه. وقال في فهرسته: لم يروهما محمّد بن الحسن بن الوليد، وكان يقول: هما موضوعان، وكذلك كتاب خالد بن عبداللّه ابن سدير، وكان يقول: وضع هذه الأُصول محمّد بن موسي الهمداني، قال الشيخ: وكتاب زيد النرسي رواه ابن أبي عمير عنه(1).
وفي هذا الكلام تخطئة ظاهرة للصدوق وشيخه في حكمهما بأنّ أصل زيد النرسي من موضوعات محمّد بن موسي الهمداني، فإنّه متي صحّت رواية ابن أبي عمير إيّاه عن صاحبه، امتنع إسناد وضعه إلي الهمداني المتأخّر العصر عن زمن الراوي والمروي عنه.
وأمّا النجاشي - وهو أبو عذرة(2) هذا الأمر وسابق حلبته كما يعلم من كتابه الذي لا نظير له في فنّ الرجال - فقد عرفت ممّا نقلناه عنه روايته لهذا الأصل - في الحسن كالصحيح، بل الصحيح علي الأصحّ - عن ابن أبي عمير عن صاحب الأصل.
وقد روي أصل زيد الزرّاد عن المفيد، عن ابن قولويه، عن أبيه وعليّ بن بابويه، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسي بن عبيد، عن ابن أبي عمير، عن زيد الزرّاد(3) ورجال هذا الطريق وجوه الأصحاب ومشايخهم، وليس فيهن.
ص: 155
من توقّف في شأنه سوي العبيدي، والصحيح توثيقه(1).
وقد اكتفي النجاشي بذكر هذين الطريقين، ولم يتعرّض لحكاية الوضع في شيء من الأصلين، بل أعرض عنها صفحاً، وطوي عنها كشحاً، تنبيهاً علي غاية فسادها، مع دلالة الإسناد الصحيح المتّصل علي بطلانها.
وفي كلامه السابق دلالة علي أنّ أصل زيد النرسي من جملة الأُصول المشهورة، المتلقّاة بالقبول بين الطائفة، حيث أسند روايته عنه أوّلاً إلي جماعة من الأصحاب، ولم يخصّه بابن أبي عمير، ثمّ عدّه في طريقه إليه من مرويّات المشايخ الأجلّة، وهم: أحمد بن عليّ بن نوح السيرافي، ومحمّد بن أحمد بن عبداللّه الصفواني، وعليّ بن إبراهيم القمّي، وأبوه إبراهيم بن هاشم(2) وقد قال في السيرافي: إنّه كان ثقة في حديثه، متقناً لما يرويه، فقيهاً بصيراً بالحديث والرواية. وفي الصفواني: إنّه شيخ، ثقة، فقيه، فاضل. وفي القمّي: إنّه ثقة في الحديث، ثبت، معتمد. وفي أبيه: إنّه أوّل من نشر أحاديث الكوفيّين بقم.
ولا ريب أنّ رواية مثل هؤلاء الفضلاء الأجلّاء يقتضي اشتهار الأصل في زمانهم، وانتشار أخباره فيما بينهم، وقد علم ممّا سبق أنّه من مرويّات الشيخ المفيد وشيخه أبي القاسم جعفر بن قولويه، والشيخ الجليل الذي انتهت إليهن.
ص: 156
رواية جميع الأُصول والمصنّفات، أبي محمّد هارون بن موسي التلّعكبري، وأبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة الحافظ المشهور، وأبي عبداللّه جعفر بن عبداللّه رأس المذري الذي قالوا فيه: إنّه أوثق الناس في حديثه.
وهؤلاء هم مشايخ الطائفة، ونقدة الأحاديث، وأساطين الجرح والتعديل، وكلّهم ثقات أثبات، ومنهم المعاصر لابن الوليد، والمتقدّم عليه، والمتأخّر عنه الواقف علي دعواه، فلو كان الأصل المذكور موضوعاً معروف الواضع - كما ادّعاه - لما خفي علي هؤلاء الجهابذة النقّاد، بمقتضي العادة في مثل ذلك.
وقد أخرج ثقة الإسلام الكليني لزيد النرسي في جامعه الكافي، الذي ذكر أنّه قد جمع فيه الآثار الصحيحة عن الصادقين عليهما السلام روايتين: إحداهما في باب التقبيل من كتاب الإيمان والكفر: عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن عليّ بن مزيد صاحب السابري، قال: دخلت علي أبي عبداللّه عليه السلام فتناولت يده فقبّلتها، فقال: «أما إنّها لا تصلح إلّالنبيّ أو وصيّ نبيّ»(1). والثانية في كتاب الصوم، في صوم عاشوراء: عن الحسن بن عليّ الهاشميّ، عن محمّد بن عيسي، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عمير، عن زيد النرسي، قال: سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبداللّه عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: «من صامه كان حظّه من صيام ذلك اليوم حظّ ابن مرجانة وابن زياد - قلت: وما حظّهم من ذلك اليوم؟ قال -: النار»(2).
والشيخ في كتاب الأخبار أورد هذه الرواية بإسناده عن محمّد بن يعقوب(3)7.
ص: 157
وأخرج لزيد النرسي في كتاب الوصايا من التهذيب في باب وصيّة الإنسان لعبده - حديثاً آخر: عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن معاوية بن حكيم ويعقوب الكاتب، عن ابن أبي عمير عنه.
هذا كلام العلّامة الطباطبائي في إثبات وثاقة زيد النرسي علي ضوء القرائن، وقد أشار في خاتمة كلامه - كما أنّ هذا المضمون كان في كلام الوحيد البهبهاني -: أنّ القميّين كانوا في الجرح والتضعيف أشخاصاً مُسرعين في التضعيف، فبمحض الاطّلاع علي الراوي، والتدقيق في آرائه، والكشف بأنّه كان مخالفاً لعقائدهم، ردّوه واتّهموه بالوضع والجرح والضعف؛ فهؤلاء قاموا بردّ روايات أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، بل أخرجوه من قم إلي برقرود - من توابع قم - كما ذكره النجاشي، واتّهموا الرواة بالتساهل في نقل الحديث، أمّا إذا بحثنا وتقصّينا الرواة الذين اتّهموهم، فهمنا أنّ ملاك الضعف عندهم هو القول بعدم سهو النبيّ وآله، فإنّ من قال بعدم السهو، وقال بعصمة الرسول وآل بيته عليهم السلام فهم عند الصدوق وأُستاذه ابن الوليد غلاة، وفي الدين متساهلون.
وصرّح العلّامة الوحيد البهبهاني تنبيهاً علي هذا: أنّ الصدوق تابع في الجرح والتعديل، لأُستاذه محمّد بن الحسن بن الوليد، والصدوق يتبع أُستاذه فيهما.
وقال: قد حقّقنا في تعليقتنا علي رجال الميرزا تضعيفات القمّيّين، فإنّهم كانوا يرون بحسب اجتهادهم - اعتقادات من تعدّي عنها، نسبوه إلي الغلوّ، مثل نفي السهو عن النبيّ صلي الله عليه و آله أو إلي التفويض، مثل تفويض بعض الأحكام إليه، أو إلي عدم المبالاة في الرواية والوضع، وبأدني شيء كانوا يتّهمون - كما نري الآن من
ص: 158
كثير من الفضلاء والمتديّنين - وربّما يخرجونه من قم ويؤذونه وغير ذلك(1).
ثمّ إنّ بحر العلوم كان يصرّح بأنّ ابن الغضائري قال: زيد الزرّاد وزيد النرسي رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام. قال أبو جعفر بن بابويه: إنّ كتابهما موضوع، وضعه محمّد بن موسي السمّان، وغلط أبو جعفر في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة عن ابن أبي عمير(2).
ونضيف إلي كلام الطباطبائي: أنّ الصدوق بل جميع القمّيّين لم يكن لهم رأي حسن وإيجابيّ في رواة الكوفة وبغداد، بل ولم يكن لهم حسن ظنّ بهم، لأنّهم كانوا يعتقدون بنفي السهو عن النبيّ وآله، وهو أوّل مراتب الغلوّ عند الصدوق، فكيف يمكن أن يوثّقهم أو يعتمدهم. فالصدوق هذا، هو رئيس المحدّثين في قم، وقد هاجر بدعوة رئيس البويهيّين ووزيرهم - صاحب بن عبّاد - إلي الريّ وأقام فيها، وسافر من الريّ إلي مناطق مختلفة لأخذ الحديث، وكان الصدوق في حماية الوزير البويهي، يعني صاحب بن عبّاد، وهو الذي هيّأ له أسباب السفر آنذاك، حتّي سافر إلي إسترآباد وإيلاق وبلخ ونيسابور، والمدينة ومكّة وبغداد والكوفة، فهو يتحرّك تحت راية صاحب بن عبّاد، وألّف كتابين وأهداهما إليه وهما: عيون أخبار الرضا عليه السلام وإكمال الدين.
والصدوق هو أحد العلماء الفطاحل في الريّ، وقبله في الريّ، كان الشيخ الكليني الذي صنّف الكافي في عشرين سنة، واشتهر بثقة الإسلام الكليني، واشتهر عند المتأخّرين من الفقهاء بأنّه أضبط المحمّدين الثلاثة، واشتهر كتابه8.
ص: 159
بأنّه أضبط الأُصول(1)، ومع هذا فإنّ الصدوق يُعتبر من أهالي قم والكليني من أهالي الريّ، مع أنّه لم يرو الصدوق عن الكليني في كتابه: من لا يحضره الفقيه إلّا ستّة روايات، ولم يعتقد بها بل رواها وقام بتضعيفها، وعبّر عن الكليني مع عظمته ورفعة مقامه: روي محمّد بن يعقوب الكليني. وأظنّ أنّ الصدوق لم يكن حسن الرأي في الكليني، لأنّ الكليني وإن كان مقيماً في الريّ إلّاأنّه في الحديث يعدّ من مدرسة الكوفة وبغداد، ولذلك روي الأحاديث معنعنة، وروي عن الرواة في الكوفة وبغداد وعلي رأسهم أُستاذه عليّ بن إبراهيم القمّي صاحب التفسير المعروف، وهو يروي أكثر روايات الكافي عن أبيه - أي إبراهيم ابن هاشم -. وقال النجاشي في حقّه: «أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقمّ هو»(2)هذا منهج الكليني ودأبه في الحديث.
فالصدوق وبما أنّه لم يكن له هذا المشرب والمنهج الثقافي في الحديث؛ فلم يعتمد علي الكليني، كما اعتمد علي أُستاذه محمّد بن الحسن بن الوليد، فهو تبعه وقلّده لمّا ردّ حديث صوم الغدير، حيث الحديث رواه الكوفيّون وأفتي به البغداديّون، وهو مشهور إلي الحدّ الذي دفع المفيد إلي تناوله في8.
ص: 160
المقنعة، فالمفيد من الفقهاء الذين أفتوا علي الرأي المشهور، ولم يكن له فتوي تخالف ما رواه الأصحاب مشهوراً، فهو يأخذ في كلّ فتاواه بما اشتهر بين أصحابه وأعرض عن الشاذّ النادر وتركه، فإنّه أخذ برواية عمر بن حنظلة، والقاعدة المستفادة منه وهي: خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر(1).
مع أنّ تلميذه السيّد المرتضي علم الهدي أفتي بفتاوي نادرة وشاذّة خلافاً للمشهور، وأشدّ منه الصدوق في قم، فإنّه لم يأخذ بنظر الاعتبار المشهور من الفتاوي في الفقه ولذلك نراه وقع في مواضع كثيرة بمخالفة المشهور رغم كونه ولد بدعاء الإمام صاحب العصر والزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف(2)، وأفتي فتاوي لو أفتاها مراجعنا في عصرنا هذا، لكفّروهم وأخرجوهم من قم، بل ومن إيران.
فإنّه قد يفتي بجواز صحّة الوضوء بالجُلّاب - ماء الورد - في أوائل صفحات من لا يحضره الفقيه(3)، وهو كتاب أُلّف لفتاوي عامّة الناس، كما صرّح به في مقدّمته جواباً للسيّد نعمة اللّه(4)، ولا يكون من لا يحضره الفقيه كتاباً للمدرسة والمكتبات والأساتذة بل هو كتاب لعموم الناس فضلاً عن العلماء، وهو الذي أصرّ علي أنّ الشهادة الثالثة - يعني أشهد أنّ عليّاً وليّ اللّه - ليس من الأذان، ومن يقول برفعها الآن فيُتّهم بالوهابيّة عند الإماميّة كما اتّهموا العلّامة آية اللّه السيّد3.
ص: 161
محمّد حسين كاشف الغطاء في باكستان، لمّا حذّر المؤذّن من تطويل الأذان وإيراد الكلمات والجملات الزائدة بين فصول الأذان خصوصاً بعد: «أشهد أنّ عليّاً وليّ اللّه».
ونقل هذا الخبر الأستاذ السيّد عبّاس الصالحي عن المرجع النجفي الشيخ بشير النجفي الباكستاني وذلك لمّا ورد كاشف الغطاء أوان شبابه إلي باكستان للتقريب بين المذاهب الاسلاميّة.
كما أنّ الصدوق يفتي بأنّ الصلوات لم تكن جزءاً من التشهّد، فلو اطّلع الأخباريّون اليوم الذين تمسّكوا بمنهج الصدوق لكفّروه، ولأخرجوه من قم إلي برقرود، بل إلي خارج ايران.
وله فتاوي نادرة لم يفتِ ولو بواحدة منها أيّ فقيه من فقهائنا(1)، فلذلك كلّه نقول: إنّ الصدوق لم يكن يمتلك نظراً إيجابيّاً تجاه الكليني، لأنّه كان محدّثاً علي مدرسة الكوفة وبغداد ولهذا ذهب إلي بغداد وعرض كتابه الكافي علي العلماء في بغداد لا في قم، وكان من أثر هذا أن روي الصدوق في من لا يحضره الفقيه ستّ روايات عن الكليني، وعبّر عنه بقوله: محمّد بن يعقوب، والروايات المنقولة عنه مردودة عنده. ولعلّ هذا كان هو الداعي والسرّ في أنّ العلماء المحقّقين في القرن الحادي عشر كالمولي حسين التستري، والشيخ عبدالنبيّ الجزائري صاحب الحاوي وغيرهم شكّكوا في توثيق الصدوق وتشدّدوا في أمره(2). وهذا كلّه يعود لهذه المباني المتشدّدة من قبل الصدوق وغيره منة.
ص: 162
القمّيّين في الروايات التي لم يأخذ بها ابن الغضائري والشيخ عبدالنبيّ الجزائري مع أنّ الخوانساري في الروضات يصرّح بأنّ الشيخ عبدالنبيّ الجزائري في المتأخّرين كابن الغضائري في المتقدّمين.
وكان هذا هو السرّ والدافع الأساس عند الوحيد البهبهاني وتلميذه بحر العلوم في عدم الاكتراث بتضعيفات القمّيّين.
قال بحر العلوم: ويشهد لذلك أيضاً - يعني عدم اعتبار تضعيف الصدوق وأُستاذه - أنّ محمّد بن موسي الهمداني وهو الذي ادّعي عليه وضع هذه الأُصول لم يتّضح ضعفه بعد، فضلاً عن كونه وضّاعاً للحديث، فإنّه من رجال نوادر الحكمة، والرواية عنه في كتب الأحاديث متكرّرة، ومن جملة رواياته الحديث الذي انفرد بنقله في صلاة عيد الغدير(1) وهو حديث مشهور، أشار إليه المفيد في المقنعة وفي مسارّ الشيعة، ورواه الشيخ في التهذيب، وأفتي به الأصحاب وعوّلوا عليه، ولا رادّ له سوي الصدوق وابن الوليد علي أصلهما فيه، والنجاشي ذكر هذا الرجل في كتابه ولم يضعّفه، بل نسب إلي القمّيّين تضعيفه بالغلوّ، ثمّ ذكر له كتباً منها كتاب: الردّ علي الغلاة، وذكر طريقه إلي تلك الكتب.
ثمّ قال بحر العلوم في آخر كلامه: فعلي هذا، لا يمكن الحكم بتضعيف محمّد بن موسي الهمداني.
فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ الطباطبائي رحمه الله قال بتوثيق زيد النرسي، ونسب الأصل إليه بالاعتماد علي القرائن، وفي النهاية فهو يفتي بنجاسة العصير العنبي وحرمته
ص: 163
وثبوت الحدّ. أمّا غيره كالإمام الخميني، ففي كتابه الطهارة قد بحث عن هذا الموضوع بالتفصيل وصنّف رسالة مختصرة في معني الأصل، وقاعدة الإجماع(1) وردّ الأُمور الأربعة المدّعاة من الطباطبائي ولم يثبت عنده الأصل للنرسي، ولا توثيقه، فَلم يُفتِ بنجاسة العصير العنبي، وتبعه علي ذلك تلميذه آية اللّه محمّد الفاضل اللنكراني في كتابه: تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة فإنّه رحمه الله بحث الموضوع في كتاب الطهارة والحدود مرّتين، وهكذا تناول كلّ من طرح موضوع العصير العنبي وحكمها كشارحي العروة الوثقي منهم: السيّد محمّد باقر الصدر في كتابه: بحوث في العروة(2)، والشيخ محمّد تقي الآملي في شرحه الآخر علي العروة وهو مصباح الهدي، والإمام الخميني في كتاب الطهارة هذا فضلاً عن بحثه في تفصيل الشريعة - الطهارة والحدود - وقد انقسم هؤلاء إلي طائفتين: فمنهم من ردّ علي القرائن كآية اللّه الخوئي، والإمام، وتلميذه، ومنهم من قَبِلَها.
فعن الفاضل اللنكراني: أمّا وثاقة زيد النرسي(3) فالظاهر أنّه لم يرد في شيء من الكتب الرجاليّة والتراجم بالإضافة إليه مدح ولا قدح، ومن أجله ربّما يقال بعدم وثاقته، لأنّ الموثّق عبارة عمّن كان له توثيق في شيء من تلك الكتب مضافاً إلي أنّ الصدوق وشيخه ابن الوليد لم ينقلا عنه أصلاً، بل ضعّفا كتابه وقالا: إنّه موضوع، وضعه محمّد بن موسي الهمداني.3.
ص: 164
ولكنّه قد حاول العلّامة الطباطبائي قدس سره تصحيح سندها، استناداً إلي أنّ الشيخ قال في حقّه: له أصل. وقال النجاشي: له كتاب. قال: إنّ تسمية كتابه أصلاً ممّا يشهد بحسن حاله واعتبار كتابه، فإنّ الأصل في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعني الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر، وليس بمعني مطلق الكتاب، ولهذا نقل عن المفيد قدس سره أنّه قال: صنّفت الإماميّة من عهد أميرالمؤمنين عليه السلام إلي عهد أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام أربعمائة كتاب تُسمّي «الأُصول»(1)، ومعلوم أنّ مصنّفات الإماميّة فيما ذكر من المدّة تزيد علي ذلك بكثير، كما يشهد به تتبّع كتب الرجال، فالأصل أخصّ من الكتاب، ولا يكفي فيه مجرّد عدم انتزاعه من كتاب آخر، بل لابدّ أن يكون معتمداً.
وقال أيضاً: إنّ «الأصل» يؤخذ في كلمات الأصحاب مدحاً لصاحبه ووجهاً للاعتماد علي ما تضمّنه، وربّما يضعّفون بعض الروايات لعدم وجدان متنها في شيء من الأُصول - إلي أن قال: - إنّ سكوت ابن الغضائري عن الطعن فيه مع طعنه في جملة من المشايخ يدلّ علي وثاقته، حتّي قيل: السالم من رجال الحديث من سلم من طعنه. ومع ذلك لم يطعن فيه بل قال: إنّ زيد النرسي وزيد الزرّاد قد رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام. وقال أبو جعفر بن بابويه: إنّ كتابهما موضوع، وضعه محمّد بن موسي السمّان، وغلط أبو جعفر في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة عن محمّد بن أبي عمير، انتهي.
ويؤيّده أنّ ابن أبي عمير قد روي عنه وعن كتابه، وهو لا يروي ولا يرسل إلّا2.
ص: 165
عن ثقة، مع أنّه من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنهم، مُضافاً إلي وقوعه في سند رواية كامل الزيارات الذي ذكر في ديباجته: أنّه لا يروي فيه إلّاعن ثقات الأصحاب، وإلي أنّ الصدوق مع تضعيفه كتابه وإنكاره كونه له كما عرفت، قد روي في الفقيه رواية عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي مع التزامه في ديباجته أن لا يورد فيه إلّاما كان حجّة بينه وبين اللّه تعالي.
وهذا ممّا يوجب الشكّ في نسبة التضعيف والإنكار عليه، خصوصاً مع ملاحظة أنّ من جملة الأشخاص الذين وَقعوا في سند رواية كامل الزيارات المنتهية إلي زيد النرسي، هو عليّ بن بابويه والد الصدوق، وشيخ القمّيّين الذي خاطبه الإمام العسكري عليه السلام في توقيعه بقوله: يا شيخي ومعتمدي، فإنّه كيف يمكن الجمع بين رواية الوالد عنه، وبين اعتقاد الولد كونه موضوعاً.
ويمكن المناقشة في جميع ما ذكر، فإنّ ثبوت الأصل له لا يستفاد منه الوثاقة بوجه، لعدم ظهور هذا العنوان في المعني المذكور، ويحتمل قويّاً - تبعاً للماتن دام ظلّه - أن يكون الأصل قسماً من الكتاب وقسيماً للمصنّف، نظراً إلي أنّ الأصل عبارة عن الكتاب الموضوع لنقل الحديث، سواء كان مسموعاً عن الإمام عليه السلام بلا واسطة أو معها، وسواء كان مأخوذاً من كتاب وأصل آخر أم لا، وسواء كان معتمداً أم لا(1)، وأمّا المصنّف فهو عبارة عن كتاب موضوع لغير نقل الحديث كالتاريخ والتفسير والرجال والكلام وغيرها، والشاهد عليه مقابلةي.
ص: 166
المصنّف بالأُصول في كثير من العبارات وجعل كليهما قسمين من الكتاب في بعضها، وقول بعضهم في عدّة من الموارد: له أصل معتمد، وبالجملة لم يظهر كون المراد بالأصل ما ذكر.
بما أنّ ابن أبي عمير من أصحاب الإجماع فلابدّ من بيان المراد من معقد هذا الإجماع المعروف فنقول: الأصل في دعوي الإجماع هو الكشّيّ في رجاله حيث قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام: أجمعت العصابة علي تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة، ومعروف بن خرّبوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائي، قالوا:
وأفقه الستّة زرارة، وقال بعضهم بدل أبي بصير الأسدي، أبا بصير المرادي وهو ليث بن البختري(1).
وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام: أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه، من دون أُولئك الستّة الذين عدّدناهم وسمّيناهم، ستّة نفر: جميل بن درّاج، وعبداللّه بن مسكان، وعبداللّه بن بكير، وحمّاد بن عثمان، وحمّاد بن عيسي، وأبان بن عثمان، قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون: أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج، وهم أحداث أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام(2).
ص: 167
وقال فيه أيضاً من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما السلام: «أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم وهم ستّة نفر أُخر، دون الستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، منهم: يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيي بيّاع السابري، ومحمّد بن أبي عمير، وعبداللّه بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. وقال بعضهم، مكان الحسن بن محبوب، الحسن بن عليّ بن فضّال، وفضالة بن أيّوب، وقال بعضهم، مكان فضالة بن أيّوب عثمان بن عيسي، وأفقه هؤلاء يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيي»(1).
وقد استفاد جماعة من هذه العبارات صحّة كلّ حديث رواه أحد هؤلاء، إن صحّ الإسناد إليه، حتّي إذا كانت روايته عمّن هو معروف بالفسق، فضلاً عمّا إذا كانت روايته عن مجهول أو مهمل، أو كانت الرواية مرسلة، ومن هذه الجماعة صاحب الوسائل، في الفائدة السابعة من خاتمة كتابه، قال: وناهيك بهذا الإجماع الشريف الذي قد ثبت نقله وسنده قرينة قطعيّة علي ثبوت كلّ حديث رواه واحد من المذكورين مرسلاً أو مسنداً، عن ثقة، أو ضعيف، أو مجهول لإطلاق النصّ والإجماع كما تري.
هذا والظاهر أنّه لا مجال لهذه الاستفادة، لأنّ مفاد العبارة الأُولي مجرّد إجماع العصابة علي تصديق الستّة المذكورين أوّلاً، والانقياد لهم بالفقه والتصديق لا يلازم الإغماض عمّن روي عنه، من جهة الفسق والجهالة والإرسال، لأنّ 0.
ص: 168
مرجعه إلي عدم كون الستّة متّهمين بالكذب في نقلهم وروايتهم، وأين هذا من صحّة الرواية التي رووها، وإن كان الواسطة بينهم وبين المعصوم غير واجد لشرط الاعتماد والحجيّة.
وأمّا العبارتان الأخيرتان المشتملتان علي تصحيح ما يصحّ عنهم، فالظاهر عدم كون المراد بهما أمراً زائداً علي ما هو مفاد العبارة الأُولي، بحيث كان مرجعهما ظاهراً في ثبوت مزيّة زائدة لغير الستّة الأوّلين، مع تصريحه بوقوعهم في الدرجة العليا والمرتبة الأُولي، بل المراد منهما ما هو مفاد الأُولي خصوصاً مع إضافة التصديق بعدهما، ولا مجال للتنزّل في مقام المدح والمزيّة بذكر عدم الاتّهام بالكذب بالإضافة إلي أنفسهم، بعد الحكم بتصديق من رووا عنه أيضاً، كما لا يخفي، والإنصاف أنّه لا يستفاد من عبارة معقد الإجماع إلّامجرّد كونهم صادقين في النقل غير متّهمين بالكذب، والغرض من نقل الإجماع، ثبوت الامتياز لهم بكونهم مورداً للاتّفاق علي الوثاقة والاعتماد.
هذا ولو فرض كون معقد الإجماع صحّة ما يصحّ عنهم مطلقاً، ولو كانت الواسطة فاقدة لبعض الخصوصيّات المعتبرة، فنقول هذا من مصاديق الإجماع المنقول بخبر الواحد، وقد قرّر في الأُصول عدم حجيّته، فلا يمكن لنا الاستفادة من هذا الإجماع بوجه. هذا كلّه فيما يتعلّق بمحمّد بن أبي عمير من جهة كونه من أصحاب الإجماع.
وأمّا من جهة أنّه لا يروي ولا يرسل إلّاعن ثقة فنقول: الأصل في ذلك ما ذكره الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب العدّة في البحث عن حجيّة خبر الواحد(1)،4.
ص: 169
قال: وإذا كان أحد الراويين مُسنِداً والآخر مُرسِلاً نظر في حال المرسل، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلّاعن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره علي خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيي وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعمّن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم(1).
وفصّل آية اللّه الإمام الخميني قدس سره في كتابه الطهارة لمّا تعرّض إلي نقد هذه القرائن، وهما - يعني الأُستاذ وتلميذه - ممّن اهتمّا بالقرائن، إلّاأنّهما لم يعدّا القرائن المذكورة معتبرة، بل نقداها. كما أنّ آية اللّه الخوئي وهو من أتباع المنهج السندي كان ممّن لا يري اعتبارها.
وقد قام بنقد بحر العلوم، كما قام نقد القرائن الأربع للأخذ بالحديث آية اللّه الإمام الخميني وتلميذه الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني.
وكان كلام آية اللّه الخوئي بالإجمال: وكيف كان، فقد استدلّ بها علي حرمة العصير الزبيبي عند غليانه قبل أن يذهب ثلثاه، والصحيح أنّ الرواية غير صالحة للاستدلال بها علي هذا المدّعي، ولا لأن يؤتي بها مؤيّدة للتفصيل المتقدّم نقله وذلك لضعف سندها، فإنّ زيداً النرسي لم يوثّقه أرباب الرجال، ولم ينصّوا في حقّه بقدح ولا بمدح، علي أنّا لو أغمضنا عن ذلك وبنينا علي جواز الاعتماد علي روايته، نظراً إلي أنّ الراوي عن زيد النرسي هو ابن أبي عمير وهو ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، فأيضاً لا يمكننا الاعتماد علي روايته هذه، إذ لم تثبت صحّة أصله وكتابه الذي أسندوا الرواية إليه، لأنّ 4.
ص: 170
الصدوق وشيخه - محمّد بن الحسن بن الوليد - قد ضعّفا هذا الكتاب وقالا: إنّه موضوع وضعه محمّد بن موسي الهمداني(1).
ومن الرواة الموثوق بهم (الموثّقين) علي أساس القرائن، عمر بن حنظلة، فإنّه لم يرد له توثيق خاصّ في كتب الرجال، فهو علي طرفي نقيض بين التوثيق والتضعيف، فوثّقه بعض وضعّفه بعض، ولم يذكره النجاشي في رجاله أبداً، وذكره الشيخ ولم يوثّقه، وعدّه في رجاله تارة في أصحاب الباقر عليه السلام قائلاً: عمر يكنّي أبا صخر، وعليّ ابنا حنظلة كوفيّان عجليّان، وأُخري في أصحاب الصادق عليه السلام عمر بن حنظلة العجلي البكري الكوفي.
وعدّه البرقي أيضاً تارة من أصحاب الباقر عليه السلام قائلاً: عمر بن حنظلة، وأُخري من أصحاب الصادق عليه السلام قائلاً: عمر وعلي ابنا حنظلة العجليّان، عربيّان كوفيّان، وكنية عمر أبو صخر(2).
هذا ما ورد في كتاب الرجال للشيخ الطوسي، ولم يردّ عليه العلّامة وابن داود من المتأخّرين، فهو عند القدماء من المجاهيل والمهملين.
وأوّل من تكلّم في عمر بن حنظلة في كتب الرجال هو الشهيد الثاني رحمة اللّه عليه صاحب المنهج السندي، والمشدّد في توثيق الرجاليّين، فقال في كتاب الدراية: والمقبول كحديث عمر بن حنظلة في حال المتخاصمين من أصحابنا، وأمرهما بالرجوع إلي رجل قد روي حديثهم، وعرف أحكامهم(3). وإنّما
ص: 171
وسموه بالقبول لأنّ في طريقه محمّد بن عيسي وداود بن الحصين وهما ضعيفان، وعمر بن حنظلة لم ينصّ الأصحاب فيه بجرح ولا تعديل، لكن أمره عندي سهل لأنّي حقّقت توثيقه من محلّ آخر وإن كانوا قد أهملوه، ومع ما تري في هذا الإسناد قد قبل الأصحاب نصّه وعملوا بمضمونه، بل جعلوه عمدة التفقّه واستنبطوا منه شروطه كلّها وسمّوه مقبولاً، ومثله في تضاعيف الفقه كثير(1).
وقال الحسن ابن المصنّف رحمهما الله في منتقي الجمان: ومن عجيب ما اتّفق لوالدي رحمه الله في هذا الباب أنّه قال في شرح بداية الدراية: إنّ عمر بن حنظلة لم ينصّ الأصحاب عليه بتعديل ولا جرح، ولكن حقّق توثيقه من محلّ آخر، ووجدت بخطّه رحمه الله في بعض مفردات فوائده ما صورته: عمر بن حنظلة غير مذكور بجرح ولا تعديل ولكن الأقوي عندي أنّه ثقة لقول الصادق عليه السلام في حديث الوقت: «إذاً لا يكذب علينا» والحال أنّ الحديث الذي أشار إليه ضعيف الطريق، فتعلّقه به في هذا الحكم مع ما علم من انفراده به غريب، ولولا الوقوف علي الكلام الأخير لم يخطر ببالي أنّ الاعتماد في ذلك علي هذه الحجّة(2).
وكلّ من اعتمد علي القرائن فقد صرّح بوثاقة عمر بن حنظلة، منهم: الشيخ عبداللّه المامقاني، والوحيد البهبهاني، والميرزا محمّد علي الإسترآبادي في الرجال الكبير وتعليقته، والمولي علي العلياري، ومن الفقهاء: الشهيد الثاني كما4.
ص: 172
ذكرنا سابقاً، والمولي أحمد الأردبيلي(1).
ومن الفقهاء المعاصرين الذين تعرّضوا لتوثيقه، هو آية اللّه السيّد محمّد باقر الصدر، الذي استُشهد سنة 1400 ق، فقد قال ذيل المقبولة: وأمّا المقبولة فقد يقال بسقوط سندها عن الحجيّة أيضاً باعتبار عدم ورود توثيق بشأن عمر بن حنظلة، وإن كان الأصحاب قد عملوا بمفادها، فسمّيت بالمقبولة غير أنّ الصحيح - بناءً علي القاعدة المختارة لنا في الرجال من توثيق من ينقل عنه أحد الثلاثة - صحّة سندها، وذلك باعتبار ما ورد في رواية ليزيد بن خليفة أنّه قال للإمام عليه السلام: جاءنا عمر بن حنظلة بوقت عنك، فأجاب عليه السلام: «إذاً لا يكذب علينا». والظاهر أنّ عمر بن حنظلة كان ثقة بطبعه عند الإمام عليه السلام إلّاأنّ يزيد بن الخليفة هو ممّن لا توجد له شهادة بتوثيقه، وإنّما يمكن توثيقه بالقاعدة المذكورة حيث قد روي عنه صفوان بن يحيي - وهو أحد الثلاثة - بسند معتبر في باب كفّارة الصوم من الكافي(2)؛ فثبت بذلك وثاقته، وبروايته نثبت وثاقة عمر بن حنظلة أيضاً، فالمقبولة صحيحة سنداً(3).
هذا هو المنحي الرجاليّ عند الشهيد الصدر القائم علي عدم اعتبار قاعدة الإجماع، بل انتهج منهج الشيخ الطوسي في عدّة الرجال حيث قال: ومن ثمّ سوّوا بين مراسيلهم ومسانيد غيرهم، لأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة(4).
والمراد منهم المشايخ الثلاثة، أي: محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيي،4.
ص: 173
وأحمد بن أبي نصر البزنطي، فإنّهم علي هذا إن أرسلوا عن رجل؛ فالمرسل عندهم بمنزلة المسند المعتبر، وهذه القاعدة من قِبَل الشيخ الطوسي معتبرة عند الفقهاء بعده وجماعة الرجاليّين، إلّامن اعتقد بالمنهج السندي كالشهيد الثاني وابنيه: الشيخ حسن العاملي، والشيخ محمّد العاملي في استقصاء الاعتبار، ومن المعاصرين آية اللّه الخوئي، كما سنذكره قريباً إن شاء اللّه.
إنّ آية اللّه الصدر وآية اللّه السيّد عليّ السيستاني وهما من المراجع المعاصرين، قد صرّحا بأنّ القاعدة تدلّ علي اعتبار مراسيلهم وتوثيق مشايخهم(1)، فكلّ شيخ يذكر في الأسناد وكتب الرجال فهو موثّق عندنا، لأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة؛ فمشايخ محمّد بن أبي عمير ثقات، ومشايخ صفوان أيضاً ثقات، ومشايخ أحمد بن أبي نصر البزنطي ثقات، كما عدّهم من الثقات المحقّق الرجاليّ غلام رضا عرفانيّان في كتابه: مشايخ الثقات.
والمحقّقان المعاصران الصدر والسيستاني لم يقولا بمضمون قاعدة أصحاب الإجماع، المنقولة عن الكشّيّ، ولكن قالا بمضمون قاعدة المشايخ الثلاثة ودلالتها علي توثيق الرواة.
فعلي هذا كلّه، أنّ عمر بن حنظلة لم يرد فيه توثيق خاصّ من الرجاليّين ولكن وردت الرواية في توثيقه، وهذا هو دليل توثيقه عند الرجاليّين، والكلام عن عمر بن حنظلة عند الفقهاء في ذيل مقبولته المرويّة في الكافي في الأُصول
ص: 174
والفروع(1).
ورواها الشيخ الطوسي أيضاً في التهذيب في موضعين(2).
ورواها الصدوق رئيس المحدّثين أيضاً في من لا يحضره الفقيه، والسند في الكافي بالعنعنة: عن محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسي، عن صفوان بن يحيي، عن رجلين من أصحابنا، إلي آخر الرواية.
ورواها الشيخ الطوسي بالتعليق فقال في موضع: محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن محمّد بن عيسي، عن صفوان بن يحيي، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة....
وفي الآخر: محمّد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد بن عيسي، عن صفوان ابن يحيي، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة....
فهذه الرواية مرويّة عن عمر بن حنظلة في الجوامع الثلاثة بالأسانيد الخمسة، وقد تلقّي الأصحاب الرواية بالقبول حتّي اشتهرت بالمقبولة، وصفوان بن يحيي من أصحاب الإجماع، وعن الشيخ في العدّة: أنّه لا يروي إلّا عن ثقة(3).
ومن تعليقات أحد المعاصرين في ذيل المقبولة: وبالجملة الظاهر أنّه لا بأس بالخبر من جهة السند وإن وقع بعض المناقشات في محمّد بن عيسي، وداود ابن الحصين، وعمر بن حنظلة، أمّا محمّد بن عيسي اليقطيني ففي تنقيح المقال أنّ فيه قولين: الأوّل: أنّه ضعيف، صرّح به جماعة منهم الشيخ في فهرسته،4.
ص: 175
وفي موضعين من رجاله. قال في الفهرست: محمّد بن عيسي بن عبيد اليقطيني ضعيف، واستثناه أبو جعفر بن بابويه من رجال نوادر الحكمة وقال: لا أروي ما يختصّ بروايته، وقيل: إنّه يذهب مذهب الغلاة. الثاني: إنّه ثقة، صرّح به النجاشي فقال: إنّه جليل في أصحابنا ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف، روي عن أبي جعفر الثاني مكاتبة ومشافهة. وقال الكشّيّ: قال القتيبي: كان الفضل بن شاذان يحبّ العبيدي، ويثني عليه، ويمدحه، ويميل إليه ويقول: ليس في أقرانه مثله(1).
أقول: أمّا استثناء ابن بابويه فالمستثني عنده هو ما رواه محمّد بن عيسي عن يونس، فلعلّه لم يكن هذا لاعتقاد ضعف فيه، بل للإشكال في سنّه ودركه زمنَ يونس، وأمّا الرمي بالغلوّ فلا يخفي أنّه كان شائعاً في تلك الأعصار، ورمي بعض الأصحاب الأجلّاء أيضاً بالغلوّ، لاعتقادهم بثبوت المقامات العالية للأئمّة عليهم السلام مثل ما تري في أعصارنا من رمي بعض العرفاء والفلاسفة بالكفر والزندقة، فلعلّ المقام كان من هذا القبيل؛ فتأمّل(2).
وأمّا داود بن الحصين الأسدي (بضمّ الحاء) ففي تنقيح المقال: أنّ الشيخ عدّه في رجاله من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام وقال: إنّه واقفيّ، وقالن.
ص: 176
النجاشيّ: إنّه كوفيّ، ثقة، روي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن عليهما السلام، كان يصحب أبا العبّاس البقباق، له كتاب(1).
هذا ولا يخفي عدم التهافت بين الكلامين لإمكان كونه واقفيّاً ثقة.
وأمّا عمر بن حنظلة ففي تنقيح المقال: عدّه الشيخ تارة من أصحاب الباقر وأُخري من أصحاب الصادق عليهما السلام، وترجمته أنّه لم ينصّ علي الرجل في كتب الرجال بشيء، ولكن روي في الكافي(2) في باب وقت الصلاة عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسي، عن يونس، عن يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبداللّه عليه السلام: إذاً لا يكذب علينا.
وفي التهذيب، في باب العمل في ليلة الجمعة ويومها عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، عن إسماعيل الجعفي، عن عمر بن حنظلة قال:
قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: القنوت يوم الجمعة؟ فقال: أنت رسولي إليهم في هذا إذا صلّيتم في جماعة... الحديث. ويفهم من هذين الحديثين توثيقه(3).
أقول: ويرد علي التمسّك بالخبرين أنّ في سند الأوّل يزيد بن خليفة وهو واقفيّ، علي ما صرّح به الشيخ، ولم يثبت وثاقته، والخبر الثاني، راويه عمر بن حنظلة نفسه فكيف يثبت به وثاقته؟ نعم، يمكن أن يجعل كثرة روايته عن الأئمّة عليهم السلام نحو شاهد علي وثاقته، كما قيل. وكيف كان، فالأصحاب تلقّوا الخبر2.
ص: 177
بالقبول حتّي أطلقوا عليه مقبولة ابن حنظلة(1).
فإلي هنا، ظهر أنّ القائلين بتوثيق عمر بن حنظلة تمسّكوا بروايات، أوّلها حديث الوقت، وثانيها، حديث رواه عمر بن حنظلة نفسه، والثالثة رواية عنه كذلك، والدليل الرابع علي توثيقه، قاعدة كثرة نقل الرواة عنه، وإن لم تكن قاعدة فهي قرينة علي توثيق الراوي، كما صرّح به الوحيد تبعاً للمحقّق الحلّي في ترجمة إسماعيل بن أبي زياد السكوني، والحديث في كثرة نقل الرواة كما في الكافي واختيار معرفة الرجال: «اعرفوا منازل الرجال علي قدر روايتهم عنّا»(2). والكشّي روي الروايتين، فتكون ثلاث روايات دلّت علي كثرة رواية الرجل عنهم عليهم السلام وأظهرت قربه منهم ومنزلته عندهم، وكونه باحثاً في أحكام دينه؛ ممّا يدلّ علي قوّة عقيدته(3).
كان هذا ما عند الباحثين والمعتمدين علي القرائن، حيث وثّقوا عمر بن حنظلة لكونه من مشايخ صفوان، وكثير الرواية، ومصدّقاً عند الإمام عليه السلام بشكل خاصّ، وهناك من ردّ أصحاب منهج الوثوق السندي المعتمدين علي نصوص الرجاليّين، منهم: آية اللّه الخوئي في معجم رجال الحديث؛ فقد قال: إنّ الرجل لم ينصّ علي توثيقه، ومع ذلك ذهب جماعة منهم الشهيد الثاني إلي وثاقته واستدلّ علي ذلك بوجوه:
الأوّل: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسي، عن يونس، عن يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ عمر بن8.
ص: 178
حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «إذاً لا يكذب علينا»(1).
والجواب: أنّ الرواية ضعيفة السند، فإنّ يزيد بن خليفة واقفيّ لم يوثّق فلا يصحّ الاستدلال بها علي شيء.
الثاني: ما رواه الصفّار، عن الحسن بن عليّ بن عبداللّه، عن الحسين بن عليّ ابن فضّال، عن داود بن أبي يزيد، عن بعض أصحابنا، عن عمر بن حنظلة فقال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّي أظنّ أنّ لي عندك منزلة، قال: «أجل».
والجواب عنه ظاهر، فإنّ الرواية عن نفس عمر بن حنظلة، علي أنّها ضعيفة ولا أقلّ من جهة الإرسال، مضافاً إلي أنّها لا تدلّ علي الوثاقة.
الثالث: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «يا عمر، لا تحملوا علي شيعتنا، وارفقوا بهم، فإنّ الناس لا يحتملون ما تحملون».
والجواب: أنّ ذلك شهادة من عمر بن حنظلة لنفسه، وهي غير مسموعة.
الرابع: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن سنان، عن محمّد بن مروان العجلي، عن عليّ بن حنظلة قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «اعرفوا منازل الناس علي قدر روايتهم عنّا»(2). فالرواية تدلّ علي أنّ كثرة رواية شخص عن المعصومين عليهم السلام تدلّ علي عظمة مكانته، ومن الظاهر أنّ عمر بن حنظلة كان كثير الرواية.
والجواب: أنّ الرواية ضعيفة بسهل بن زياد وبابن سنان، فإنّه محمّد بن سنان3.
ص: 179
بقرينة رواية سهل بن زياد عنه. ومحمّد بن مروان العجلي مجهول، هذا مع أنّ كثرة الرواية إذا لم يعلم صدق الراوي لا تكشف عن عظمة الشخص بالضرورة.
الخامس: أنّ المشهور عملوا برواياته، ومن هنا سمّوا روايته في الترجيح عند تعارض الخبرين بالمقبولة.
والجواب أنّ الصغري غير متحقّقة، وتسمية رواية واحدة من رواياته بالمقبولة لا تكشف عن صحّة جميع رواياته، وعلي تقدير تسليم الصغري فالكبري غير مسلّمة، فإنّ عمل المشهور لا يكشف عن وثاقة الراوي، فلعلّه من جهة البناء علي أصالة العدالة من جمع وتبعهم الآخرون.
السادس: أنّ الأجلّاء كزرارة وعبداللّه بن مسكان، وصفوان بن يحيي وأضرابهم قد رووا عنه.
والجواب عن ذلك: أنّ رواية الأجلّاء لا تدلّ علي الوثاقة كما أوضحنا ذلك فيما تقدّم(1).
وهذا حاصل ما ذكرنا من المنهجين: الوثوق الصدوري والسندي، ومنهج القرينة ومنهج النقد، فإنّ عمر بن حنظلة في كتب الرجال مجهول، وأوّل من صرّح بوثاقته هو الشهيد الثاني، ثمّ بعد ذلك أخذ بعض يضعّفه وبعض يوثّقه، وهم الأكثر فيما إذا اعتمدنا علي القرائن والرواية.
وممّا جاء عن آية اللّه البروجردي: أنّ التوثيق الحاصل من القرائن أعلي من التوثيق الحاصل من النصّ الرجالي.9.
ص: 180
1. حجيّة خبر الثقة
2. الأمر بالرجوع إلي صفات الراوي في الأخبار العلاجيّة
3. وجود الوضّاعين والمدلّسين في الرواة
4. وجود العامّي في أسانيد الروايات
5. إجماع العلماء
1. القول بحجّيّة روايات الكتب الأربعة
2. عمل المشهور جابر لضعف السند
3. لا طريق إلي إثبات عدالة الرواة
4. الخلاف في معني العدالة والفسق
5. تفضيح الناس بهذا العلم
6. وجوب اعتماد الحسّ لا الحدس في قول الرجالي
ص: 181
7. التوثيق الإجمالي
8. شهادة المشايخ
لمّا كان علم الرجال متعلّقاً بالإسناد، وأسانيد الروايات هي مناط الاعتماد عليها، اهتمّ المحدّثون بنقل الروايات مع أسانيدها، تمسّكاً بما قاله أميرالمؤمنين عليه السلام: «إذا حدّثتم فأسندوه إلي قائله»(1). ولضرورة معرفة الأسانيد، أسّس المسلمون علم معرفة الإسناد وهو علم الرجال، الذي يهتمّ بالرواة؛ من دون استقصاء ومتابعة لحياة الراوي، من حيث مولده وولادته ومسكنه، ومعاصريه وتأليفاته، ومهنته. أمّا ما يسمّي بعلم التراجم، فهو علم سبق علم الرجال، ولم يكن مقتصراً علي المسلمين بل يشمل الجميع فيتناول أعلامهم العلميّة والفنيّة، وعلم الرجال يختصّ بالمسلمين، ويهتمّ بجوانب خاصّة للرواة، لا ترجمتهم مطلقاً.
ولذلك عرّفوا علم الرجال بتعاريف خاصّة، منها: أنّه علم وُضِعَ لتشخيص رواة الحديث ذاتاً ووصفاً، ومدحاً وقدحاً، بل قيل: إنّه علم يبحث عن أحوال الرواة من حيث اتّصافهم بشروط قبول أخبارهم وعدمه(2). والمطلوب من علم الرجال هو التعرّف علي أحوال الرواة من حيث كونهم عدولاً أو غير عدول، موثّقين أو غير موثّقين، ممدوحين أو مذمومين، مهملين أو مجهولين، وهذا ممّا يعين الفقيه علي معرفة صنف ودرجة اعتبار الحديث لِكَي يفتي علي
ص: 182
ضوئه، فلذلك اعتُبر علم الرجال من مقدّمات الاجتهاد، واهتمّ به الفقهاء العظام جيلاً بعد جيلٍ (1).
ومع ذلك كلّه نري من الفقهاء كالأخباريّين وعدد من الأُصوليّين كالشيخ حسين الحلّي والفقيه حاج آقا رضا الهمداني في موسوعته مصباح الفقيه قد صرّحا بأنّا في غنًي عن علم الرجال، ولا نحتاج إليه في سبيل الاستنباط؛ لأنّ الأحاديث التي نحتاج إليها، عمل بها المشهور، وإذا كان المشهور عاملاً بالحديث فلسنا في حاجة لعلم الرجال وتضييع العمر في معرفة إسناد الروايات(2).
والمشهور بين الفقهاء من القديم، هو الاهتمام بعلم الرجال، فإنّ مشاهير الفقهاء كشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي والعلّامة الحلّي والشهيد الثاني وغيرهم، وإلي زماننا هذا كانوا من أساطين المؤلّفين في علم الرجال، ونهجوا منهجين في علم الرجال؛ فمنهم من سلك منهج الوثوق الصدوري وهم الأكثر، فهؤلاء يقولون: نحن نكتفي بإحراز صدور الرواية عن المعصوم، وهذا يحصل إمّا بالسند أو بغيره من القرائن، فإذا أحرزنا صدور الرواية من المعصوم، وصلنا إلي المقصود؛ وهناك الكثير من الفقهاء كالشهيد الثاني، وولده الشيخ حسن العاملي صاحب المعالم، وسبطه السيّد محمّد الموسوي العاملي، وابنه الشيخ محمّد العاملي المعروف بفخر الدين الثاني صاحب استقصاء الاعتبار، ومن المعاصرين السيّد أبوالقاسم الخوئي قد-.
ص: 183
سلكوا منهجاً آخر غير منهج السلف، وهو منهج الوثوق السندي، أي أنّ معيار وثاقة الحديث هو اعتبار السند لا غير، فقالوا: إنّ القرائن لا عبرة بها في اعتبار الرواية، كما ادّعوا أنّ توثيق الرواة يحصل بنصّ من الرجاليّ الواحد أو الاثنين، علي ما هو في اعتبار شهادة الشهود، كما صرّح به الشيخ حسن العاملي في مُنتقي الجمان، هذا هو منهج الفقهاء في علم الرجال، وقد اتّفقوا علي فحص وتدقيق سند الروايات إلّاالقليل منهم.
ص: 184
وموجوداً في الحضارات التي سبقت الإسلام.
الفرق بين علمي الرجال والدراية، مع أنّهما يتّحدان في الهدف والغاية، وهو الخدمة للحديث سنداً ونصّاً، غير أنّ الرجال يبحث عن سند الحديث، والدراية عن متنها، أو قل: إنّ موضوع الأوّل، هو المحدّث، وغايته التعرّف علي وثاقته وضعفه ومدي ضبطه، وموضوع الثاني، هو الحديث، وغايته التعرّف علي أقسامها(1).
بيان أدلّة مثبتي الحاجة إلي علم الرجال(2) استدلّ العلماء علي الحاجة إلي علم الرجال بوجوه أهمّها:
لا شكّ أنّ الأدلّة الأربعة التي دلّت علي حرمة العمل بغير العلم، منها: قوله تعالي: «إِنَّ اَلظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ اَلْحَقِّ شَيْئاً»(3) .
والروايات المتواترة (راجع كتاب القضاء من وسائل الشيعة). نعم بعض الظنون كالظواهر وخبر الواحد مستثناة أثبتها الأُصوليّون في كتبهم.
والعقل والإجماع. وهما واضحان.
وليس مطلق الخبر حجّة بل هو:
ص: 185
أ: إمّا خصوص خبر العدل.
ب: أو خبر الثقة. ومن المعلوم أنّ إحراز الصغري أعني كون الراوي عدلاً أو ثقة يحتاج إلي الرجوع إلي علم الرجال المتكفّل ببيان أحوال الرواة من الوثاقة والعدالة.
ج: إنّ الخبر الخارج عن تحت الظنون المنهيّة، وهو الخبر الموثوق بصدوره وإن لم تحرز وثاقة الراوي، ومن المعلوم أنّ إحراز الوصف للخبر يتوقّف علي جمع أمارات وقرائن تثبت كون الخبر ممّا يوثق بصدوره، ومنها العلم بأحوال الرواة الواقعة في أسناد الأخبار.
د: الخبر عن تحت الظنون المنهيّة، وهو قول الثقة المفيد للاطمئنان المعتمد عند العقلاء في أُمورهم ومعايشهم، ولا شبهة أنّ إحراز هذين الوصفين (وثاقة الراوي، وإفادة الخبر للاطمئنان) لا يحصل إلّابملاحظة أُمورٍ، منها: الوقوف علي أحوال الرواة الواقعة في طريق الخبر، ولأجل ذلك يمكن أن يقال: إنّه لا منتدح لأيّ فقيه بصير، من الرجوع إلي علم الرجال والوقوف علي أحوال الرواة وخصوصيّاتهم، إلي غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع في ذلك العلم، وإنّما ذهب هذا القائل إلي الجمع بين الوصفين في الراوي والمروي (أي وثاقة الراوي وكون المروي مفيداً للاطمئنان).
ولا يتحقّق إلّاإذا كان الراوي ضابطاً للحديث، ناقلاً إيّاه حسب ما ألقاه الإمام وهذا لا يعرف إلّابالمراجعة إلي أحوال الراوي، ومن المعلوم أنّ عدم ضابطيّة بعض الرواة مع كونهم ثقات أوجد اضطراباً في الأحاديث وتعارضاً في الروايات، حيث حذفوا بعض الكلم والجمل الدخيلة في فهم الحديث، أو
ص: 186
نقلوه بالمعني، من غير أن يكون اللفظ كافياً في إفادة مراد الإمام عليه السلام وبذلك يعلم بطلان دليل نافي الحاجة إلي الرجال، حيث قال: إنّ مصير الأكثر إلي اعتبار الموثّق، بل الحسن، بل الضعيف المنجبر، ينفي الحاجة إلي علم الرجال؛ لأنّ عملهم يكشف عن عدم الحاجة إلي التعديل.
وفيه: أنّ ما ذكره إنّما يرد علي القول بانحصار الحجّيّة في خبر العدل، وأنّ الرجوع إلي كتب الرجال لأجل إحراز الوثاقة بمعني العدالة، وأمّا علي القول بحجيّة الأعم، من خبر العدل، وقول الثقة، أو الخبر الموثوق بصدوره أو المجتمع منهما، فالرجوع إلي الرجال لأجل تحصيل الوثوق بالصدق أو وثاقة الراوي.
ثمّ إنّ المحقّق التستري استظهر أنّ مسلك ابن داود ومسلك القدماء هو العمل بالممدوحين والمهملين الذين لم يرد فيهم تضعيف من الأصحاب، ولأجل ذلك خصّ ابن داود القسم الأوّل من كتابه بالممدوحين، ومن لم يضعّفهم الأصحاب بخلاف العلّامة، فإنّه خصّ القسم الأوّل من كتابه بالممدوحين، ثمّ قال: وهو الحقّ الحقيق بالاتّباع وعليه عمل الأصحاب، فتري القدماء كما يعملون بالخبر الذي رواته ممدوحون، يعملون بالخبر الذي رواته غير مجروحين، وإنّما يردّون المطعونين، فاستثني ابن الوليد وابن بابويه من كتاب نوادر الحكمة عدّة أشخاص، واستثني المفيد من شرائع عليّ بن إبراهيم حديثاً واحداً في تحريم لحم البعير، وهذا ممّا يدلّ علي أنّ الكتب التي لم يطعنوا في طرقها ولم يستثنوا منها شيئاً كانت معتبرة عندهم ورواتها مقبولو الرواية، إن لم يكونوا مطعونين من أئمّة الرجال ولا قرينة، وإلّا فلا تقبل مع
ص: 187
الطعن.
وعلي فرض صحّة ما استنتج، فالحاجة إلي علم الرجال في معرفة الممدوحين والمهملين والمطعونين قائمة بحالها.
ونجد الشيخ الأعظم الأنصاري يقول في المكاسب، في مبحث خيار الحيوان: وعن سيّدنا المرتضي وابن طاووس، ثبوته للبائع أيضاً. وحكي عن الانتصار دعوي الإجماع عليه(1)، لإصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس، ولصحيحة محمّد بن مسلم: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان وفيما سوي ذلك من بيع حتّي يفترقا»(2) وهي أرجح بحسب السند من صحيحة ابن رئاب المحكيّة عن قرب الإسناد. وقد صرّحوا بترجيح رواية مثل محمّد بن مسلم وزرارة وأضرابهما علي غيرهم من الثقات مضافاً إلي ورودها في الكتب الأربعة المرجّحة علي مثل قرب الإسناد من الكتب التي لم يلتفت إليها أكثر أصحابنا مع بعد غفلتهم عنها أو عن مراجعتها(3).
وأمّا الصحاح الأُخر المكافئة سنداً لصحيحة ابن مسلم، فالإنصاف أنّ دلالتها بالمفهوم لا تبلغ في الظهور مرتبة منطوق الصحيحة(4).
فكما تري الشيخ الأنصاري يرجّح حديث محمّد بن مسلم لكونه أوثق وأعدل وأعلم من ابن رئاب - علي بن رئاب - الذي لم يوثّقه النجاشي، في حين أنّ الشيخ الطوسي قال: عليّ بن رئاب له أصل كبير، وهو ثقة جليل القدر. فمن1.
ص: 188
أين نفهم أن محمّد بن مسلم الذي هو أعلم وأوثق وأورع وأحفظ وأضبط من ابن رئاب، وأنّ الأوّل موثّق بنصّ المعصوم والرجاليّين، والثاني موثق بنصّ الرجاليّ الواحد وهو الشيخ الطوسي في الفهرست، هذا هو الذي نفهمه من علم الرجال، في ترجيح الأخبار عند التعارض.
إنّ الأخبار العلاجيّة تأمر بالرجوع إلي صفات الراوي؛ من الأعدليّة والأفقهيّة، حتّي يرتفع التعارض بين الخبرين بترجيح أحدهما علي الآخر في ضوء هذه الصفات، ومن المعلوم أنّ هذه الصفات في الرواة لا يحصل إلّابالمراجعة إلي علم الرجال. قال أبو عبداللّه عليه السلام في الجواب عن سؤال عمر بن حنظلة عن اختلاف القضاة في الحكم مع استناد اختلافهما إلي الاختلاف في الحديث:
«الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما» فإنّ الحديث(1) وإن كان وارداً في صفات القاضي، غير أنّ القضاة في ذلك الوقت كانوا رواة أيضاً، وبما أنّ الاجتهاد كان في ذلك الزمن قليل المؤونة، بسيط الحقيقة، لم يكن هناك فرق بين الاستنباط ونقل الحديث إلّاقليلاً، ولأجل ذلك تعدّي الفقهاء من صفات القاضي إلي صفات الراوي، أضف إلي ذلك أنّ الروايات العلاجيّة غير منحصرة بمقبولة عمر بن حنظلة الواردة في القُضاة.
وبعد هذا نستخلص أنّ معرفة الثقة لا طريق إليها إلّاالمصنّفات الرجاليّة وقول الرجاليّين، ونذكر لهذا مثالاً، ففي موضوع نصب الغنم: أنّ النصب كونها
ص: 189
خمسة وخامسها الأربعمائة فيؤخذ فيها من كلّ مائة، شاة، كما عليه الأكثر، أو أربعة ورابعها الثلاثمائة وواحدة، ويؤخذ فيها من كلّ مائة، شاة، كما عليه جماعة كثيرة(1) قولان... وكيف كان؟ فمنشأ القولين اختلاف الروايتين الدالّة إحداهما علي المشهور، كحسنة الفضلاء بل صحيحة الفضلاء الخمسة عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام...(2).
واُخراهما الدالّة علي القول الآخر، وهو خبر محمّد بن قيس، واُجيب عنه تارة بضعف السند، لكون محمّد بن قيس الراوي مشتركاً بين جماعة بعضهم، ضعيف، فيحتمل كونه هو الضعيف(3) وردّ بأنّ المشترك بين الثقة والضعيف هو الذي يروي عن الباقر عليه السلام، وأمّا الراوي عن الصادق عليه السلام فهو غير محتمل للضعيف، نعم يحتمل كونه ممدوحاً خاصّة وموثقاً فيحتمل الخبر من جهته كونه من الحسن أو من الصحيح هكذا نقل عن ثاني الشهيدين في فوائد القواعد، والسرّ في الاحتمالين كون الراوي عن الصادق عليه السلام مشتركاً بين محمّد ابن قيس الأسدي، ومحمّد بن قيس البجلي، والأوّل ممدوح، والثاني ثقة.
وفي المدارك وأقول: إنّ المستفاد من كلام النجاشي وغيره: أنّ محمّد بن قيس هذا هو البجلي الثقة، بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه، فتكون الرواية صحيحة. وقد ذكر نحوه صاحب الذخيرة إلّاأنّه جعل القرينة رواية عبدالرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عنه(4) فكما تري، أنّ 5.
ص: 190
صحيحة الفضلاء تقدّم علي رواية محمّد بن قيس، ورواية محمّد بن قيس هي أيضاً مشهورة لدي علم الرجال، وبذلك يقدر الفقيه علي معرفة الروايات ومحلّها.
عن الصادق عليه السلام: «أنّ المغيرة بن سعيد دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي؛ فاتّقوا اللّه ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا وسنّة نبيّنا محمّد صلي الله عليه و آله».
وعن الرضا عليه السلام: «أنّ أبا الخطّاب كذب علي أبي عبداللّه عليه السلام، لعن اللّه أبا الخطّاب، وكذلك أصحاب أبي الخطّاب يدسّون هذه الأحاديث إلي يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن»(1).
إنّ الاستدلال بها يتمّ وإن لم يثبت تواترها أو استفاضتها، بل يكفي كونها أخبار آحاد مردّدة بين كونها صحيحة أو مكذوبة، فلو كانت صحيحة لصارت حجّة علي المقصود وهو موجود، والروايات مفتعلة علي لسان النبيّ الأعظم وآله الأكرمين، وإن كانت مكذوبة وباطلة، فيثبت المدّعي أيضاً بنفس وجود تلك الروايات الموضوعة، في الكتب الروائيّة، ولأجل هذا التخليط من المدلّسين أمر الأئمّة عليهم السلام بعرض الأحاديث علي الكتاب والسنّة، وأنّ كلّ حديث لا يوافق كتاب اللّه ولا سنّة نبيّه يضرب به عرض الجدار، وقد تواترت الروايات في ترجيح ما وافق الكتاب والسنّة، وقد صرّح أبو جعفر الطوسي
ص: 191
بوجود مدلّسين في الرواة، ومع وجود وضّاعين ومدلّسين وكذّابين فكيف يمكن أن نقول بحجيّة كلّ ما كان في الكتب الأربعة؟!
وما قد يقال: إنّهم جمعوها من الأُصول والجوامع الأوليّة بعد تهذيبها عن هؤلاء الأشخاص، فهذا، صحيح أمّا قصاري جهدهم قد انصبّت علي الظفر بالقرائن التي توجب الاطمئنان بصدور الروايات من الأئمّة عليهم السلام، إلّاأنّه من أين نعرف أنّ القرائن هي عندنا معتبرة وموجبة للاطمئنان.
إضافة إلي ذلك أنّهم رووا ما يقطع ببطلانه، وأنّ الاطمئنان والوثوق بصدور عامّة الروايات حتّي المتعارضة منها أمر لا يقبله الذوق السليم.
فعن الشيخ الأعظم الأنصاري في الطهارة، في بحث مستثنيات الميتة: وأمّا اللبن فالأقوي أيضاً طهارته، وفاقاً للمحكي عن الكليني والصدوق والشيخين(1) و... ويدلّ عليه صحيحة زرارة المرويّة عن الفقيه والتهذيب....
ونحوهما مرسلة الفقيه المسندة في الخصال إلي ابن أبي عمير المرفوعة منه إلي الصادق عليه السلام(2).
خلافاً للمحكيّ عن سلّار والحلّي والمحقّق والمصنّف في كثير من كتبه، وأبي العبّاس والفاضل المقداد... ولهم علي ذلك(3) مضافاً إلي القاعدة المجمع عليها: رواية وهب بن وهب، أنّ عليّاً عليه السلام سُئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن؟3.
ص: 192
فقال عليه السلام «ذلك حرام محضاً» والرواية وإن كانت ضعيفة السند بمن هو من أكذب البريّة، موافقة لمذهب العامّة، كما عن الشيخ إلّاأنّها منجبرة بالقاعدة، كما أنّ روايات الطهارة وإن كانت صحيحة، إلّاأنّها مخالفة للقاعدة وطرح الأخبار الصحيحة المخالفة لأصول المذهب غير عزيز، إلّاأن تعضد بفتوي الأصحاب كما في الإنفحة، أو بشهرة عظيمة توجب شذوذ المخالف وما نحن فيه كذلك(1).
وقال الفقيه المحقّق الحاج آقا رضا الهمداني في مصباح الفقيه: وربّما يستدلّ لهم (أي المانعين) أيضاً بخبر وهب بن وهب، عن جعفر عليه السلام، عن أبيه أنّ عليّاً عليه السلام سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن، فقال: «ذلك الحرام محضاً»(2).
لكنّ الرواية ضعيفة السند حتّي قيل في وهب: إنّه من أكذب البريّة(3) فلا يلتفت إلي روايته، وأمّا القاعدة فهي لا تصلح معارضة للأخبار المعتبرة المعمول بها، فإنّها ليست من القواعد العقليّة الغير القابلة للتخصيص، وقد تخصّصت في ماء الاستنجاء بل في مطلق الغسالة علي قول، فالقول بالنجاسة ضعيف(4).
وله كلام جيّد في تقدّم الحديث علي القواعد فراجع، هذا هو المدلّس والكذّاب في الرواة، فكيف نعرفهم، ومن أين نميّزهم.
إنّ من سبر روايات الكتب الأربعة وغيرها يقف علي وجود العامّي في
ص: 193
أسانيد الروايات، وكثير منهم وقعوا في ذيل السند، وكان الأئمّة يفتون لهم بما هو معروف بين أئمّتهم، وقد روي أئمّة الحديث تلك الأسئلة والأجوبة ولم يُشيروا إلي كون الراوي عامّيّاً، وأنّ الفتوي صدرت عن الإمام تقيّة؛ وعندئذٍ فالرجوع إلي أحوال الرواة يوجب تمييز الخبر الصادر تقيّة عن غيره.
إعلم أنّا في القرن الخامس عشر، من الهجرة النبويّة، ونحن أكثر حاجةً من السلف إلي معرفة الرواة المخالفين لأهل البيت عليهم السلام وهذه المعرفة تمثّل فقه الحديث، والجانب الرجالي والمباني الفقهيّة، أمّا الأوّل فذلك كما أشرنا، أنّ العامّيّ إذا حضر لدي الأئمّة عليهم السلام، أو روي عنهم عليهم السلام فلعلّ الإمام عليه السلام يري ما لا نراه، ويضطرّ ربّما إلي أن يحكم بما يوافق فتاوي فقهائهم والإفتاء بما يفتون، حيث إنّهم كثيراً ما كانوا يحرجون الأئمّة، بل شيعتهم، والتقيّة لم تكن لحفظ أنفسهم فقط، بل لحفظ شيعتهم أيضاً، وهذا أحد الأسباب التي تدفعنا إلي معرفة الرواة حتّي ننظر من خلالها إلي أسلوب وكيفيّة تكلّم المعصوم عليه السلام، وهذا لا يختصّ بالراوي العامّيّ، فإنّ معرفة الرواة المخالفين والغلاة وغيرهم لها دور مهمّ في فهم معني الروايات. فالعلامة المجلسي قدس سره ينقل في بحار الأنوار عن المتأخّرين إلي القرن الحادي عشر، وهم لم يعملوا برواية العامّيّ ولا الواقفي ولا غيرهم، ويعدّونهم من أتباع العقيدة الفاسدة، ثمّ نحن إذا بحثنا عن مبانيهم الفقهيّة والرجاليّة والأصوليّة؛ علينا أن نعرف رواة العامّة أو الواقفيّة كي نقف علي مدي دلالة ومبني فتاويهم. وهذا بحث يتكفّله الرجال حيث يعيننا علي معرفة مباني العلماء والفقهاء، وهذا هو السبب الثاني الذي يدفعنا إلي معرفة الرواة.
ص: 194
وأمّا السبب الثالث لمعرفة الرواة المخالفين، سواء كانوا من العامّة أو الواقفيّة أو الفطحيّة أو غيرهم، هو أنّ كثيراً من الفقهاء خاصّة بعد الشيخ الطوسي لم يعملوا برواية الموثّق، فنجد فخر الدين الحلّي يسأل أباه عن العمل برواية عبداللّه بن بكير، وهو يجيب: أيّ ذنب أعظم من انحرافه عن الأئمّة عليهم السلام فهو فاسق، والقرآن يمنع العمل برواية الفاسق أشدّ المنع، وهذا الموضوع جاء في المعالم(1).
وكان هذا منهج العلّامة الحلّي وخطّه في معرفة الرواة، وقاعدة في العمل بالروايات، وقد تبعه علي ذلك الفقهاء جيلاً بعد جيل إلي أن ظهر الشيخ البهائي والسيّد المحقّق الميرداماد وهما علمان أثبتا صحّة العمل برواية الموثّق، كما عملا برواية الصحيح، وقالا: إنّ الحديث في الحجيّة سواء، صحيحاً كان، أو حسناً، أو موثّقاً، وبعد ذلك انقلبت المعايير وعمل الفقهاء قاطبة برواية الموثّق، فها نحن، والفقهاء من عصر العلّامة الحلّي وهو علي رأس المتأخّرين في القرن الثامن، وهم يعملون بروايات عبداللّه بن بكير، وأبان بن عثمان علي أنّهما من أصحاب الإجماع؛ وإن كانا فاسدي العقيدة، أمّا العلّامة فلم يعمل بروايات الرواة الموثّقين تبعاً لشيخه واستاذه المحقّق الحلّي وهو خاتمة المتأخّرين، فإنّه قد ردّ كثيراً روايات الرواة الموثّقين، من العامّة والفطحيّة والواقفيّة الذين قد عمل برواياتهم الشيخ الطوسي ومن تبعه بعد الشيخ، كما صرّح به في كتاب العدّة في أصول الفقه(2).4.
ص: 195
ثمّ تبع المحقّق الحلّي كلّ من جاء بعده أمثال: العلّامة، وولده فخر الدين الحلّي، والشهيد الأوّل، والشهيد الثاني، وأحمد بن فهد الحلّي صاحب المهذّب البارع، والفاضل المقداد السيوري صاحب التنقيح الرائع، وسار علي نهجهم بعد ذلك المحقّق الكركي، والمحقّق الأردبيلي صاحب مجمع الفائدة والبرهان، وتلميذه الشيخ حسن العاملي صاحب المعالم، والسيّد محمّد الموسوي العاملي صاحب المدارك، وابن الشيخ حسن؛ أي الشيخ محمّد العاملي صاحب استقصاء الاعتبار المعروف بفخر الدين الثاني.
وبمراجعة مقدّمة استقصاء الاعتبار تجد ما فيه من منهجه وأقواله، بعد اُسلوبه الحادّ في نقد روايات الموثّقين، فقد أحيا الشيخ العاملي والميرداماد مسلكاً جديداً ومنهجاً متقناً للعمل بروايات الموثّقين وادّعيا أنّ الأدلّة لحجيّة خبر الواحد تشمل الأقسام الثلاثة للخبر من الصحيح، والحسن والموثّق، وقد سار الخلف علي إثرهم ومنهجهم جيل بعد جيل وإلي زماننا هذا، ونحن إذا أردنا أن نبحث في منهج كلّ من الفقهاء المتأخّرين من المحقّق الحلّي إلي الشيخ البهائي فينبغي أن نبحث عن مسلكهم ومنهجهم في نقد الروايات وعلّة جنوحهم إلي ردّ الروايات الموثّقة، ولا يخفي أنّ معرفة الرواة الموثّقين، لا مرجع له إلّاعلم الرجال.
أجمع علماء الإماميّة، بل علماء الإسلام علي العناية بتأليف هذا العلم وتدوينه من عصر الأئمّة عليهم السلام إلي يومنا هذا، فالحاصل أنّ التزام الفقهاء والمجتهدين والمحدّثين في عامّة العصور، بنقل أسانيد الروايات والبحث عن
ص: 196
أوصاف الرواة من حيث العدالة والوثاقة، والدقّة والضبط، يدلّ علي أنّ معرفة رجال الروايات من دعائم الاجتهاد.
أدلّة نفاة الحاجة إلي علم الرجال(1)
ذهبت الأخباريّة إلي القول بقطعيّة روايات الكتب الأربعة، وأنّ أحاديثها مقطوعة الصدور عن المعصومين، فالبحث عن حال الراوي من حيث الوثاقة وعدمها لأجل الاطمئنان بالصدور، والمفروض أنّها مقطوعة الصدور(2).
وهذه دعوي بلا دليل إذ كيف ادّعاء القطعيّة؛ مع أنّ مؤلّفيها لم يدّعوا ذلك، وأقصي ما يمكن أن يُنسَب إليهم صحّة الأخبار المودعة في كتبهم، وهي غير كونها متواترة أو قطعيّة، والمراد من الصحّة، اقترانها بقرائن تفيد الاطمئنان بصدورها عن المعصوم هذا أوّلاً. وثانياً: أنّ الأحكام الشرعيّة لا تختصّ بالكتب الأربعة، ولأجل ذلك يجب البحث عن أحوال الرواة، فلأجل ذلك قام المحدّث النوري بتأليف مستدرك الوسائل وفيه من الأحاديث ما لا غني عنها للمستنبط.
ذهب بعضهم بل بعض الأُصوليّين إلي أنّ كلّ خبر عَمِل به المشهور فهو حجّة، سواء كان الراوي ثقة أو لا. وكلّ خبر لم يعمل به المشهور ليس بحجّة وإن كان رواته ثقاتاً.
ص: 197
وهذا الدليل وما قبله لا يختصّ بالأخباريّين فحسب بل هناك من الأُصوليّين رجالٌ وفقهاء كبار يقولون إنّا في غنًي عن علم الرجال، ومن معاصريهم هو آية اللّه الشيخ حسين الحلّي كما نقلنا كلامه سابقاً(1).
وفيه: أنّ معرفة المشهور في كلّ المسائل أمر مشكل لأنّ بعض المسائل غير معنونة في كتبهم، وجملة أُخري منها لا شهرة فيها، وقسم منها يعدّ من الأشهر والمشهور، ولأجل ذلك لا مناص من القول بحجيّة قول الثقات وحده وإن لم يكن مشهوراً(2).
إنّ عدالة الرواة لا طريق إليها إلّابالرجوع إلي كتب أهل الرجال الذين أخذوا عدالة الراوي من كتب غيرهم، وغيرهم عن غيرهم، ولا يثبت بذلك، التعديل المعتبر؛ لعدم عبرة القرطاس.
وفيه: أنّ الاعتماد علي الكتب الرجاليّة لأجل ثبوت نسبتها إلي مؤلّفيها لقراءتهم علي تلاميذهم، وقراءة هؤلاء علي غيرهم، أو بقراءة التلاميذ عليهم، أو بإجازة من المؤلّف، علي نقل ما في الكتاب وعلي ذلك يكون الكتاب مسموعاً علي المستنبط أو ثابتة نسبته إلي المؤلّف والحاصل؛ أنّ الكتب إذا ثبتت نسبتها إلي كاتبها عن طريق التواتر أو الاستفاضة، أو الاطمئنان العقلاني؛ الذي يعدّ علماً عرفيّاً أو الحجّة الشرعيّة؛ يصحّ الاعتماد عليه، ولأجل ذلك تقبل الأقارير والوصايا المرقومة بخطوط المقرّ والموصي، أو بخطّ غيرهم إذا دلّت
ص: 198
القرائن صحّتها، ومن يرفض الكتابة فإنّما يرفضها في المشكوك، لا في المعلوم والمطمئنّ منها.
أضف إلي ذلك أنّ تشريع اعتبار العدالة في الراوي، يجب أن يكون علي وجه يسهل تحصيلها، ولو كان متعسّراً أو متعذّراً يكون الاعتبار لغواً والتشريع بلا فائدة، وعلي هذا فلو كانت العدالة المعتبرة في رواة الأحاديث ممكنة التحصيل بالطريق الميسور وهو قول الرجاليّين، فهو، وإلّا فلو لم يكن قولهم حجّة، يكون اعتبارها فيهم أمراً لغواً لتعسّر تحصيلها بغير هذا الطريق.
وللعلّامة المامقاني جواب آخر، وهو: أنّ التزكية ليست شهادة حتّي يعتبر فيها ما يعتبر في ذلك، من الأصالة والمشافهة وغيرها، وإلّا لما جاز أخذ الأخبار من الأُصول مع أنّها مأخوذة الأصول الأربعمائة، بل المقصود من الرجوع إلي علم الرجال هو التثبّت وتحصيل الظنّ الاطمئناني.
إنّ الخلاف العظيم في معني العدالة والفسق يمنع من الأخذ بتعديل علماء الرجال بعد عدم معلوميّة مختار المعدِّل في معني العدالة ومخالفته معنا في المبني، فإنّ مختار الشيخ فيها ظهور الإسلام، بل ظاهره دعوي كونه مشهوراً، فكيف يعتمد علي تعديله من يقول بكون العدالة هي الملكة.
وأجاب عنه العلّامة المامقاني بقوله: إنّ عدالة مثل الشيخ والتفاته إلي الخلاف في معني العدالة تقتضيان إرادته بالعدالة فيمن أثبت عدالته من الرواة، العدالة المتّفق عليها، فإنّ التأليف والتصنيف إذا كان لغيره خصوصاً للعمل به مدي الدهر... فلا يبني علي مذهب خاصّ إلّابالتنبيه عليه. وتوضيحه؛ أنّ
ص: 199
المؤلّف لو صرّح بمذهبه في مجال الجرح والتعديل يؤخذ به، وإن ترك التصريح به، فالظاهر أنّه يقتفي أثر المشهور في ذاك المجال، وطرق ثبوتهما وغير ذلك ممّا يتعلّق بهما، إذ لو كان له مذهب خاصّ، وراء مذهب المشهور لوجب عليه أن ينبّه به، حتّي لا يكون غارّاً... فلابدّ أن يكون متّفق الاصطلاح مع المشهور، وإلّا وجب التصريح بالخلاف.
ويقول المحقّق القمّي في هذا الصدد: والظاهر أنّ المصنّف لمثل هذه الكتب لا يريد اختصاص مجتهدي عصر، حتّي يقال إنّه صنّفه للعارفين بطريقته...
فعمدة مقاصدهم في تأليف هذه الكتب بقاؤها أبد الدهر، وانتفاع من سيجيء بعدهم منهم، فإذا لوحظ هذا المعني... يظهر أنّهم أرادوا بما ذكروا من العدالة المعني الذي هو مسلّم الكلّ حتّي ينتفع الكلّ.
قال المامقاني: إنّ هناك قرائن علي أنّهم أرادوا بالعدالة معني الملكة، وهو أنّا وجدنا علماء الرجال قد ذكروا في جملة من الرواة ما يزيد علي ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق، بل علي حسن الظاهر بمراتب ومع ذلك لم يصرّحوا فيهم بالتعديل والتوثيق. ألاتري أنّهم ذكروا في إبراهيم بن هاشم أنّه أوّل من نشر أحاديث الكوفيّين بقم. ذكر النجاشي فيه: أنّه أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم، وهذا يدلّ علي أنّه أقوي من حسن الظاهر، لأنّ أهل قم لا يعتنون بمن يروي عن الضعفاء ولذلك أخرجوا أحمد بن محمّد بن خالد البرقي من قم لأنّه يروي عن الضعفاء ويعتمد علي المراسيل ولا يبالي بمن أخذ، فكيف يمكن الاعتماد علي من كان فاسقاً(1).4.
ص: 200
إنّ علم الرجال منهيّ عنه لأنّ فيه تفضيحاً للناس وقد نُهِينا عن التجسّس عن معايبهم.
وفيه: أوّلاً: ننقضه بباب المرافعات حيث إنّ للمنكر جرح شاهد المدّعي وتكذيبه، وبالأمر بذكر المعايب في مورد الاستشارة.
وثانياً: إنّ الأحكام الإلهيّة أولي بالتحفّظ من الحقوق التي أشير إليها.
وثالثاً: لو كان التفحّص عن الرواة أمراً مرغوباً عنه فلماذا أمر اللّه تعالي بالتثبّت والتبيّن عند سماع الخبر، إذ قال سبحانه «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا»(1) وإن كان صدرها في الفاسق ولكن ذيلها قاعدة عامّة تشمل المجهول، فهو تعليل، والعلّة تعمّم، «أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ»(2) .
لو قلنا باعتبار قول الرجالي من باب الشهادة يجب ان يجتمع شرائطها فيه، ومنها الاعتماد إلي الحسّ، ومن المعلوم عدم تحقّق هذا الشرط، لعدم تعاصر المعدِّل والمعدَّل.
والجواب: أنّه يشترط في الشهادة أن يكون المشهود به أمراً حسيّاً، أو يكون مبادئه قريبة من الحسّ؛ وإن لم يكن بنفسه حسيّاً، فالعدالة والشجاعة ليستا حسيّتين، ولكن مبادئهما حسيّة من قبيل الالتزام بالفرائض والنوافل، والاجتناب عن اقتراف الكبائر في العدالة، وقرع الأبطال في ميادين الحرب
ص: 201
والإقدام بالأُمور الخطيرة بلا تريّث واكتراث في الشجاعة. وعلي ذلك فكما يمكن إحراز عدالة المعاصرين بالمعاشرة وقيام القرائن فكذلك يمكن إحراز عدالة غير المعاصر بالقرائن أو شهرته وشياعه بين الناس، والقرائن المنقولة متواترة عصراً بعد عصر، المفيدة للاطمئنان، ولا شكّ في أنّ المشايخ الثلاثة لمدارستهم المحدّثين والعلماء كانوا واقفين علي أحوال الرواة وخصوصيّاتهم.
فلأجل تلك القرائن الواصلة إليهم من مشايخهم إلي أن تنتهي إلي عصر الرواة شهدوا بوثاقتهم أو فسقهم(1).
وبعبارةٍ أُخري: إنّ شهادتهم في حقّ الرواة لم تكن ارتجاليّةً بل كانت مستندة إلي القرائن المتواترة، والشواهد القطعيّة، والسماع من شيوخهم، ثمّ إنّهم راجعوا الكتب المؤلّفة في العصور المتقدّمة عليهم فإنّ قسماً مهمّاً من مضامين الأُصول الخمسة الرجاليّة وليدة تلك الكتب، فتبيّن أنّ تصريحاتهم بالوثاقة والفسق مبنيّة علي الحسّ دون الحدس لوجوه ثلاثة: 1. الكتب المعتبرة عندهم.
2. السماع من كابر عن كابر. 3. الاعتماد علي الاستفاضة والاشتهار بين الأصحاب، وهذا من أحسن الطرق وأمتنها. وما يدلّ علي استنادهم إلي الحسّ في التوثيق. ما عن الشيخ: من إنّا وجدنا... والوجدان هو الحسّ. تأييداً لما ذكرنا أنّ توثيقات القدماء كان حسيّاً، نذكر في المقام أسامي ثُلّة من القدماء قد ألّفوا في هذا المضمار منهم:
1. الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي له كتاب.
2. الشيخ أبو عبداللّه أحمد بن عبدالواحد البزّاز «ابن عُبْدون» كما في8.
ص: 202
رجال النجاشي و «ابن الحاشر» كما في رجال الشيخ (211)، له كتاب «الفهرس» وهو من مشايخ الطوسي والنجاشي.
3. الشيخ أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد (ابن عُقدة) له كتاب «الرجال» جمع فيه أسماء من روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، وله كتاب آخر في أسماء الرواة عمّن تقدّم علي الإمام الصادق عليه السلام من الأئمّة عليهم السلام.
4. أحمد بن عليّ العلويّ العقيقي له «تاريخ الرجال».
5. أحمد بن محمّد الجوهري ومن تصانيفه «الاشتمال في معرفة الرجال».
6. الشيخ أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن نوح، له كتاب «الرجال الذين رووا عن أبي عبداللّه عليه السلام».
7. أحمد بن محمّد القمّي له كتاب «الطبقات».
8. أحمد بن محمّد الكوفي، له كتاب «الممدوحين والمذمومين».
9. الحسن بن محبوب السرّاد أو الزرّاد له كتاب «المشيخة» وكتاب «معرفة رواة الأخبار».
10. الفضل بن شاذان، وهو من أئمّة علم الرجال له كتب في الرجال كما صرّح به العلّامة في ترجمة محمّد بن سنان. إلي غير ذلك، فراجع تفصيلها في «مصفّي المقال في مصنّفي علم الرجال» للشيخ آغا بزرگ الطهراني صاحب «الذريعة إلي تصانيف الشيعة»(1).
والحاصل أنّ التتبّع في أحوال العلماء المتقدّمين يشرف الإنسان علي الإذعان واليقين بأنّ التوثيقات والتضعيفات الواردة في كتب الأعلام الخمسة).
ص: 203
وغيرها كانت عن حسّ، ووجدان في الكتاب الثابت نسبته إلي مؤلّفه.
إنّ الغاية المتوخّاة من علم الرجال، تمييز الثقة عن غيره، فتوثيق مؤلّفي الكتب الأربعة لرجال أحاديثهم، توثيق إجماليّ.
ويقول المحقّق الكاشاني: إنّ أرباب الكتب الأربعة قد شهدوا علي صحّة الروايات الواردة فيها، وعبارة الصدوق أوضحها(1).
والجواب: أنّ هذه التصريحات أجنبيّة عمّا نحن بصدده أعني وثاقة رواة الكتب الأربعة فإنّهم قد شهدوا بصحّة رواياتهم لوثاقة رواتهم.
وتصحيح الروايات يمكن أن يكون مستنداً إلي قرائن وأمارات أُخري كما صرّح الكاشاني والبهائي(2)، فإنّ تنويع الحديث انتشر بعد العلّامة ولم يكن القدماء يعتمدون عليه، بل المتعارف بينهم هو إطلاق الصحيح علي كلّ حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه واقترن بما يوجب الوثوق به:
1. وجوده في كثير من الأُصول الأربعمائة.
2. تكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة.
3. وجوده في أصل معروف الانتساب إلي أحد الجماعة الذين أجمعوا علي تصديقهم، أو علي تصحيح ما يصحّ عنهم، أو العمل برواياتهم.
ص: 204
4. اندراجه في أحد الكتب التي عرضت علي أحد الأئمّة عليهم السلام فأثنوا علي مؤلّفيها.
5. أخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها؛ من الإماميّة أو غير الإماميّة.
سلّمنا أنّ منشأ حكمهم بصحّتها هو الحكم بوثاقة رواتها، لكن من أين نعلم أنّهم استندوا في توثيقهم إلي الحسّ، بل من المحتمل قويّاً أنّهم استندوا إلي القرائن التي يستنبط وثاقتهم منها، ولو نفترض كونهم مستندين في توثيق الرواة إلي الحسّ، ولكن الأخذ بقولهم إنّما يصحّ لو لم تظهر كثرة أخطائهم فإنّ كثرتها تسقط قول المخبر عن الحجيّة في الإخبار عن حسّ أيضاً فكيف في الإخبار عن حدس، فإنّ النجاشي والشيخ ضعّفا رجالاً من الكافي، والشيخ ضعّف رجالاً من التهذيبين، فكيف يمكن أن يعتمد علي ذلك التصحيح؟
فظهر أنّه لا مناص عن القول بالحاجة إلي علم الرجال وملاحظة أسناد الروايات، وأنّ مثل هذه الشهادات لا تقوم مقام توثيق رواة تلك الكتب(1).
إذا شهد المشايخ الثلاثة علي صحّة روايات كتبهم، وأنّها صادرة عن الأئمّة بالقرائن التي أشار إليها المحقّق الفيض، فهل يمكن الاعتماد في هذا المورد علي خبر العدل أم لا؟
الجواب: أنّ خبر العدل وشهادته إنّما يكون حجّة إذا أخبر عن الشيء عن
ص: 205
حسّ لا عن حدس، والإخبار عنه بالحدس لا يكون حجّة إلّاعلي نفس المخبر.
توضيح ذلك؛ أنّ احتمال الخلاف والوهم في كلام العادل ينشأ من أحد أمرين:
الأوّل: التعمّد في الكذب وهو مرتفع بعدالته.
الثاني: احتمال الخطإ والاشتباه وهو مرتفع بالأصل العقلاني، وهو مختصّ بماذا أخبر بالشيء عن حسّ. واحتمال الخطإ في الأبصار والسمع مرتفع بالأصل، وأمّا احتمال الخطإ في الحدس فلا أصل يرفعه، ولأجل ذلك لا يكون قول المحدس حجّة إلّالنفسه، والمقام من هذا القبيل، فإنّ مشايخ الكتب الأربعة لم يروا بأعينهم ولم يسمعوا بآذانهم صدور روايات كتبهم عن الأئمّة وإنّما اعتمدوا علي قرائن وشواهد جرّتهم إلي الاطمئنان بالصدور، وهو إخبار عن الشيء بالحدس، ولا يكون حجّة في حقّ الغير.
وإن شئت قلت: ليس الانتقال من تلك القرائن إلي صحّة الروايات وصدورها أمراً يشترك فيه الجميع، بل هو أمر تختلف فيه الآراء بكثير، فربّ إنسان تورثه تلك القرائن اطمئناناً ولا تورث الآخر إلّاالظنّ الضعيف بالصحة والصدور فإذن كيف يمكن حصول الاطمئنان لأغلب الناس بصدور جميع روايات الكتب الأربعة التي يناهز عددها ثلاثين ألفاً.
فإن قلت: فلو كان إخبارهم عن صحّة كتبهم حجّة لأنفسهم دون غيرهم، فما هو الوجه في ذكر هذه الشهادات في ديباجتها؟
قلت: إنّ الفائدة لا تنحصر في العمل بها، بل يكفي فيها كون هذا الإخبار باعثاً وحافزاً إلي تحريك الغير لتحصيل القرائن والشواهد، لعلّه يقف أيضاً علي مثل
ص: 206
ما وقف عليه المؤلّف، ويشهد بذلك أنّهم مع ذلك التصديق نقلوا الروايات بأسانيدها حتّي يتدبّر الآخرون فيما ينقلونه ويعملوا بما صحّ لديهم، ولو كانت شهادتهم حجّة علي الكلّ لما كان وجه لتحمّل ذاك العبأ الثقيل، أعني نقل الروايات بأسانيدها، كلّ ذلك يعرب عن أنّ المرمي الوحيد في نقل تلك التصحيحات، هو إقناع أنفسهم وإلفات الغير إليها(1).6.
ص: 207
ص: 208
وهو منهج الفهرست
1. الكشّي ومنهجه في اختيار معرفة الرجال.
2. النجاشي ومنهجه في فهرسته.
3. الشيخ الطوسي ومنهجه في كتابيه.
4. ابن الغضائري ومنهجه الرجالي.
الأُصول الرجاليّة المتقدّمة(1)
اهتمّ علماء الشيعة بعلم الرجال من عصر التابعين وإلي يومنا هذا، وأوّل تأليف ظهر لهم هو كتاب عبيداللّه بن أبي رافع كاتب أميرالمؤمنين عليه السلام، حيث دوّن أسماء الصحابة الذين شايعوا عليّاً عليه السلام وحضروا حروبه وقاتلوا معه، وهو مع ذلك كتاب تاريخ ووقائع أيضاً.
وألّف عبداللّه بن جبلة الكناني، وحسن بن عليّ بن فضّال، وحسن بن محبوب في القرن الثاني، والموجود عندنا اليوم ويعد من أُصول الكتب الرجاليّة ما دوّن في القرن الرابع والخامس.
ص: 209
رجال الكشّي: تأليف محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الكشّي(1)، والكَشّ بلد معروف قرب سمرقند، والنجاشي ضبط الكاف بالضمّ، ولكن المهندس البيرجندي في كتاب مساحة الأرض والبلدان والأقاليم ضبطها بالفتح(2).
قال النجاشي: أبو عمرو، كان ثقة عيناً، روي كثيراً عن الضعفاء، وصحب العيّاشي وأخذ عنه وتخرّج عليه، له كتاب الرجال، كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة(3).
وقال الشيخ في رجاله: ثقة، بصير بالرجال والأخبار، مستقيم المذهب... له كتب تتجاوز علي مائتين(4)، وسمّي الكشّي كتابه معرفة الرجال، أو أسماه:
معرفة الناقلين عن الأئمّة الصادقين، أو معرفة الناقلين، وكان هذا الكتاب موجوداً عند أحمد بن طاووس الحلّي لأنّه تصدّي بترتيب هذا الكتاب وتبويبه وضمّه إلي كتب اُخري من الكتب الرجاليّة، وأسماه: حلّ الإشكال في معرفة الرجال وكان موجوداً عند الشهيد الثاني، والموجود منه الآن هو الذي اختصره الشيخ مُسقِطاً منه الزوائد، وأسماه اختيار الرجال، وطبعه الأُستاذ حسن المصطفوي مُحَقّقاً مُفهرساً.
ص: 210
قال القهبائي: إنّ الأصل كان في رجال العامّة والخاصّة فاختار منه الشيخ الخاصّة، والظاهر عدم تماميّته لأنّه ذكر فيه جمعاً من العامّة رووا عن أئمّتنا، والظاهر أنّ تنقيحه كان بصورة تجريده عن الهفوات والاشتباهات التي يظهر من النجاشي وجودها فيه، والخصوصيّة التي تُميِّز هذا الكتاب هو التركيز علي نقل الروايات التي يقدر القارئ بالإمعان فيها علي تمييز الثقة عن الضعيف، وقد رتّبه مبتدئاً بأصحاب الرسول إلي أن يصل إلي الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام.
1. الاعتماد علي الروايات في التوثيق والتضعيف، نعم، كان قلّما يتعرّض للتحسين والتجريح الرجاليّ من أئمّة الجرح والتعديل، كتناوله للفضل بن شاذان.
2. كان غالباً ما يذكر الروايات مع أسانيدها.
3. من منهجه في ترجمة الراوي تناول كلّ الروايات الواردة في الراوي مدحاً وذمّاً، قدحاً وجرحاً، فهو ينقل الروايات وكثيراً ما ينقل في الراوي طائفتين من الروايات؛ في التحسين والتجريح، فهو مثل ابن داود في المتأخّرين، فكم حصل أن يذكر الراوي في القسمين؛ الأوّل والثاني من كتابه، يعني يذكر الراوي في المعتمدين ويذكره أيضاً في غير المعتمدين، وهذا دليل علي أنّه ورد في الراوي طائفتان من الروايات طائفة في المدح والأخري في الذمّ. وكذا الكشّي كان قد نهج هذا النهج.
4. إنّه لم يكن مجتهداً في الجرح والتعديل، فلذلك كان ينقل الطائفتين من
ص: 211
الروايات؛ المادحة والجارحة، ولم يتعرّض لمدلولهما أو سندهما، أو غيرهما من جهات التصريح، فهو مثل ابن داود لا مثل العلّامة.
5. إنّه لم يكن مستقصياً في سرد الروايات، حيث توجد روايات مادحة أو ذامّة في الراوي في المصادر الأُخري، نعم، إنّ الكشّي بالنسبة إلي أحوال رواة أصحاب الأئمّة عليهم السلام هو مصدر معتمد لا يستغني عنه، وبما أنّ هناك روايات دالّة علي مدح الرواة أو ذمّهم فقد استقصاها المامقاني في تنقيح المقال، والمامقاني عالم محقّق متتبّع في هذا الفنّ فإنّه يذكر كلّ قرينة تدلّ علي وثاقة الراوي، وعن النجاشي: الكشّيّ أبو عمرو كان ثقة عيناً وروي عن الضعفاء كثيراً، وصحب العيّاشي وأخذ عنه وتخرّج عليه في داره التي كان مرتعاً للشيعة وأهل العلم، له كتاب الرجال، كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة(1).
6. هو متّهم عند علماء الفنّ كونه يعتمد الروايات الضعاف، وينقل عن رواة ضعاف، وأوّل من بحث عن الكشّيّ هو أبو العبّاس أحمد بن عليّ النجاشي، الخرّيت في الرجال فقال فيه: محمّد بن عمر بن عبدالعزيز صاحب الفهرست:
ثقة بصير بالأخبار والرجال، حسن الاعتقاد، له كتاب الرجال، ونسبه إلي الرواية عن الضعفاء كثير(2).
7. كان من غلمان العيّاشي، واصطلاح «غلمان» في الرجال يعني من تلاميذه ومصاحبيه، ومخالطيه، وكثيراً ما ينقل الروايات عن العيّاشي أُستاذِه وشيخه في الروايات، والجرح والتعديل.4.
ص: 212
فعن النجاشي في العيّاشي: وأمّا أُستاذه أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلمي السمرقندي المعروف بالعيّاشي، فهو ثقة، صدوق، عين من عيون هذه الطائفة... قال لنا أبو جعفر الزاهد: أنفق أبو النضر علي العلم والحديث تركة أبيه وسائرها وكانت ثلاثمائة ألف دينار، و كانت داره كالمسجد بين ناسخ أو مقابل، أو قارئٍ أو معلِّق، مملوءة من الناس(1).
8. إنّ آية اللّه الخوئي أورد روايات الكشّي كلّها في موسوعته الرجاليّة، معجم رجال الحديث، وتناولها سنداً ودلالة، فهي أوّل موسوعة ومصدر علميّ لهذه الروايات، يبحث فيها من جهتين، ويدقّق في دلالتها وسندها، فيقول: أوّلاً أنّ الرواية تكون دليلاً علي توثيق الراوي بل (توثيق الإمام كونه إمام التوثيق)، وهنا كلام في غاية الروعة عن الشيخ عبّاس القمّي صاحب سفينة البحار، حيث يقول: فإنّ الإمام إذا وثّق رجلاً أو ضعّفه فهما أعلا مراتب التوثيق والجرح.
9. وثانياً: يستفاد من كلمات الإمام الخوئي في المعجم أنّ الرواية تكون دليلاً علي التوثيق أو الجرح، إذا كانت الرواية صحيحة سنداً وصريحة دلالة، وثالثاً: لم تصدر في مقام التقيّة، كما صدرت الروايات الذامّة لزرارة، وهو إخبار الإمام الصادق عليه السلام للحسين بن زرارة من أنّ ما صدر عن الإمام في ذمّ زرارة إنّما حفاظاً علي زرارة من الخلفاء وأتباعهم، وكونه تقيّة، وإسقاطاً لزرارة في أعين المخالفين(2).
ورابعاً: أنّ الرواية لم يكن لها معارض، فإذا تعارض الجرح والتعديل كما6.
ص: 213
تعارض في كثير من الرواة كزرارة ومفضّل بن عمر وغيرهما، فهنا مقام إعمال المرجّحات وحلّ التعارض.
وخامساً: لم ينقل الراوي الرواية نفسه، فإنّه إن نقل راوٍ رواية في مدح نفسه و توثيقها فسوف يتّهم.
قال الإمام الخميني قدس سره: إذا كان ناقل الوثاقة هو نفس الراوي فإنّ ذلك يثير سوء الظنّ به، حيث قام بنقل مدائحه وفضائله في الملإ الإسلامي(1).
10. إنّ المحقّق والعلّامة الشيخ عبداللّه المامقاني قام أيضاً بجمع الروايات المادحة والذامّة في كتابه تنقيح المقال، إلّاأنّه لم يحرّرها ولم يقوّمها فجمع الآثار دون أن ينقدها.
11. إنّ كتاب الكشّي المعروف باسم معرفة الناقلين، قد ذكر فيه رواة من الخاصة والعامّة، فهو ليس كتاباً خاصّاً برواة إماميّين كما قاله المولي عناية اللّه القهبائي.
12. إنّ قاعدة الإجماع التي اشتهرت بهذا الاسم، في القرون الأخيرة عن الكشّي، علي لسان العلّامة الحلّي في خلاصة الرجال ومختلف الشيعة، فإنّ أوّل من قال بها وبحث فيها هو الكشّي في كتابه معرفة الناقلين وقال النوري وغيره إنّ كلام الشيخ الطوسي في العُدّة في أُصول الفقه(2) ناظر إلي قول الكشّي.
13. شَرَحَ اختيار معرفة الرجال العلّامة المعلّم الثالث، السيّد محمّد باقر الإسترآبادي (الميرداماد) وطبع في مجلّدين.4.
ص: 214
عَن الكشّي في عليّ بن مهزيار(1)
(1038). محمّد بن مسعود قال: حدّثني أبو يعقوب يوسف بن السخت البصريّ، قال: كان عليّ بن مهزيار نصرانيّاً فهداه اللّه، وكان من أهل هند، وكان في قرية(2) من قري فارس، ثمّ سكن الأهواز فأقام بها، قال: كان إذا طلعت الشمس سجد، وكان لا يرفع رأسه حتّي يدعو لألف من إخوانه بمثل ما دعا لنفسه، وكان علي جبهته سجّادة مثل ركبة البعير.
قال حمدويه بن نصير: لمّا مات عبداللّه بن جندب قام عليّ بن مهزيار مقامه، ولعليّ بن مهزيار مصنّفات كثيرة، تزيد علي ثلاثين كتاباً.
(1039). محمّد بن مسعود قال: حدّثني عليّ بن محمّد، قال: حدّثني أحمد ابن محمّد، عن عليّ بن مهزيار، قال: بينا أنا بالقرعاء، سنة ستّ وعشرين ومائتين، منصرفي عن الكوفة وقد خرجت في آخر الليل أتوضّأ أنا وأستاك، وقد انفردت من رحلي ومن الناس، فإذا أنا بنار في أسفل مسواكي، يلتهب لها شعاع مثل شعاع الشمس أو غير ذلك، فلم أفزع منها وبقيت أتعجّب، ومسستها فلم أجد لها حرارة، فقلت: «اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ اَلشَّجَرِ اَلْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ
ص: 215
تُوقِدُونَ»(1) فبقيت أتفكّر في مثل هذا، وأطالت النار المكث(2) طويلاً، حتّي رجعت إلي أهلي، وقد كانت السماء رشّت(3) وكان غلماني يطلبون ناراً، و معي رجل بصريّ في الرحل.
فلمّا أقبلت قال الغلمان: قد جاء أبوالحسن ومعه نار، وقال البصريّ مثل ذلك، حتّي دنوت، فلمس البصري النار فلم يجد لها حرارة ولا غلماني، ثمّ طفيت بعد طول، ثمّ التهبت فلبثت قليلاً ثمّ طفيت، ثمّ التهبت ثمّ طفيت الثالثة فلم تعد، فنظرنا إلي السواك فإذا ليس فيه أثر نار ولا حرّ ولا شعث(4) ولا سواد ولا شيء يدلّ علي أنّه حرق، فأخذت السواك فخبّأته(5)، وعُدت به إلي الهادي عليه السلام قابلاً(6)، وكشفت له أسفله وباقيه مغطّي وحدّثته بالحديث، فأخذ السواك من يدي وكشفه كلّه وتأمّله ونظر إليه. ثمّ قال: هذا نور، فقلت له: نور جعلت فداك؟ فقال: بميلك إلي أهل هذا البيت، وبطاعتك لي ولأبي ولآبائي، أو بطاعتك لي ولآبائي أراكه اللّه.
(1040). عليّ قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسي، عن عليّ بن مهزيار، مثله.
وفي كتاب لأبي جعفر عليه السلام إليه ببغداد: قد وصل إليّ كتابك، وقد فهمت ما ذكرت فيه، وملأتني سروراً، فسرّك اللّه، وأنا أرجو من الكافي الدافع أن يكفيم)
ص: 216
كيد كلّ كائد إن شاء اللّه تعالي.
وفي كتاب آخر: وقد فهمت ما ذكرت من أمر القمّيّين، خلّصهم اللّه وفرّج عنهم! وسررتني بما ذكرت من ذلك، ولم تزل تفعل، سرّك اللّه بالجنّة ورضي عنك برضائي عنك! وأنا أرجو اللّه حسن العون والرأفة! وأقول حسبنا اللّه ونعم الوكيل.
وفي كتاب آخر بالمدينة: فأشخص إلي منزلك، صيّرك اللّه إلي خير منزل في دنياك وآخرتك.
وفي كتاب آخر: وأسأل اللّه أن يحفظك من بين يديك، ومن خلفك، وفي كلّ حالاتك، فأبشر فإنّي أرجو أن يدفع اللّه عنك، وأسأل اللّه أن يجعل لك الخيرة فيما عزم لك به عليه من الشخوص في يوم الأحد، فأخّر ذلك إلي يوم الإثنين إن شاء اللّه، صحبك اللّه في سفرك، وخلفك في أهلك، وأدّي غيبتك، وسلّمت بقدرته.
وكتبت إليه أسأله التوسّع علَيّ والتحليل لما في يدي، فكتب: وسّع اللّه عليك، ولمن سألت به التوسعة في أهلك، ولأهل بيتك، ولك يا عليّ عندي من أكثر التوسعة، وأنا أسأل أن يصحبك بالعافية، ويقدمك علي العافية، ويسترك بالعافية، إنّه سميع الدعاء.
وسألته الدعاء، فكتب إليّ: وأمّا سألت من الدعاء فإنّك بعد لست تدري كيف جعلك اللّه عندي، وربّما سمّيتك باسمك ونسبك، مع كثرة عنايتي بك ومحبّتي لك ومعرفتي بما أنت إليه، فأدام اللّه أفضل ما رزقك من ذلك، ورضي عنك برضائي عنك، وبلّغك أفضل نيّتك، وأنزلك الفردوس الأعلي برحمته،
ص: 217
إنّه سميع الدعاء، حفظك اللّه وتولّاك ودفع الشرّ عنك برحمته، وكتبت بخطّي(1).
في الحسن والحسين الأهوازيّين(2)
(1041). الحسن والحسين ابنا سعيد بن حمّاد، موالي(3) عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما، وكان الحسن بن سعيد هو الذي أوصل إسحاق بن إبراهيم الحضينيّ وعليّ بن الريّان بعد إسحاق إلي الرضا عليه السلام، وكان سبب معرفتهم لهذا الأمر، ومنه سمعوا الحديث وبه عرفوا، وكذلك فعل بعبداللّه بن محمّد الحضينيّ، وغيرهم، حتّي جرت الخدمة علي أيديهم، وصنّفا الكتب الكثيرة، ويقال: إنّ الحسن صنّف خمسين تصنيفاً. وسعيد كان يعرف بدندان.
(1042). قال محمّد بن مسعود: سألت عليّ بن الحسن بن فضّال، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، فقال: كذّاب ملعون، رويت عنه
ص: 218
أحاديث كثيرة، وكتبت عنه تفسير القرآن كلّه من أوّله إلي آخره، إلّاأنّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً واحداً.
وحكي لي أبوالحسن حمدويه بن نصير عن بعض أشياخه أنّه قال: الحسن ابن عليّ بن أبي حمزة رجل سوء(1).
2. النجاشي ومنهجه في فهرسته(2)
ألّفه الشيخ أبو العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد النجاشي. وجدّه، عبداللّه الذي ولي الأهواز وكتب إليه أبو عبداللّه الصادق عليه السلام رسالة معروفة، ولم يُرَ لأبي عبداللّه عليه السلام مصنّف غيره(3).
قال في مقدّمة كتابه إلي السبب الذي دعاه للتأليف والغاية التي يرومها من وراء ذلك بقوله: إنّي وقفت علي ما ذكره السيّد الشريف - ومراده علم الهدي السيد المرتضي - أطال اللّه بقاءه وأدام توفيقه؛ من تعيير قوم من مخالفينا أنّه لا سلف لكم ولا مصنّف، وهذا قول من لا علم له بالناس، ولا وقف علي أخبارهم، ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم، ولا لقي أحداً فيعرف منه، ولا حجّة علينا لمن لم يعلم ولا عرف، وقد جمعت من ذلك ما استطعته ولم أبلغ غايته لعدم أكثر الكتب، وإنّما ذكرت عذراً إلي من وقع إليه كتاب لم أذكره... علي أنّ لأصحابنا رحمهم الله في بعض هذا الفنّ كتباً ليست مستغرقة لجميع ما رسم، وأرجو أن يأتي في ذلك علي ما رسم وحدّ إن شاء اللّه، وذكرت لكلّ رجل طريقاً واحداً حتّي لا تكثر الطرق فيخرج علي الغرض.
ص: 219
وقد اعتمد عليه العلّامة فقال: ثقة معتمد عليه.
وقال المحقّق الحلّي: ابن جمهور ضعيف، ذكره النجاشي، فهو أبو عُذرة هذا الفنّ.
ولكتابه هذا امتيازات نشير إليها:
1. اختصاصه برجال الشيعة ولا يذكر من غير الشيعي إلّاإذا كان عامّيّاً روي عنّا، أو صنّف لنا فيذكره مع التنبيه عليه، كالمدائني والطبري، وكذا في شيعيّ غير إماميّ فيصرّح كثيراً، وقد يسكت.
2. تعرّضه لجرح الرواة وتعديلهم غالباً، استقلالاً أو استطراداً؛ وربّ رجل وثّقه في ضمن ترجمة الغير، وسكت عن توثيق وجرح بعضهم، وربّما يقال:
كلّ من أهمل فيه القول فذلك آية أنّ الرجل عنده سالم عن كلّ مغمز ومطعن ولكنّه غير ثابت، لأنّ كتابه فهرس للمصنّفين من الشيعة دون الممدوحين والمذمومين، فسكوته ليس دليلاً علي المدح ولا علي كونه شيعيّاً إماميّاً، وفي الأخير تأمّل لأنّ الكتاب وضعه لبيان تأليف الأصحاب ومصنّفاتهم.
3. تثبّته في مقالاته وتأمّله في إفاداته. والمعروف أنّه أثبت علماء الرجال وأضبطهم وأضبط من الشيخ والعلّامة؛ لأنّ البناء علي كثرة التأليف يقتضي قلّة التأمّل.
4. سعة معرفته بهذا الفنّ، وكثرة اطّلاعه بالأشخاص، وما يتعلّق بهم من الأوصاف والأنساب، ومن تتبّع كلامه عند ذكر الأشخاص يقف علي نهاية معرفته بأحوال الرجال وشدّة إحاطته بما يتعلّق بهذا المجال من جهة معاصرته ومعاشرته لغير واحد منهم، وقد حصل له ذاك الاطّلاع الواسع بصحبته كثيراً من
ص: 220
العارفين بالرجال كأحمد بن الحسين الغضائري، وأحمد بن عليّ بن عبّاس بن نوح السيرافي، وأحمد بن محمّد - ابن الجندي -، وأبي الفرج محمّد بن عليّ ابن يعقوب بن إسحاق بن أبي قرّة الكاتب.
5. أنّه ألّف فهرسه بعد فهرس الشيخ الطوسي وكان قد رأي فهرس الشيخ، وكان المحقّق البروجردي يعتقد أنّ فهرس النجاشي كالذيل لفهرس الشيخ.
ثمّ إنّ النجاشي قد ترجم عدّة من الرواة ووثّقهم في غير تراجمهم، فراجع الأرقام التالية تجد توثيقاً استطراديّاً: 3132، 1099، 503، 1340، 133، 93، 151، 414، 30، 131، 483، 8832، 116، 572، 280، 758، 1131، 2802، 447، 348، 7202، 6122، 2452، 62، 8852، 955، 371، 565، 635، 927، 93، 780، 779، 46، 151، 62، 772، 447، 512.
من أهمّ ما تميّز به وتناوله النجاشي في فهرسته في أحوال الراوي، هو:
1. الاسم والنسب، بذكر آبائه وأجداده.
2. محلّ الولادة، بلده وقريته.
3. مسكنه وموطنه الأصلي؛ كالكوفة والمدينة وغيرهما، وكون بلد الراوي له تأثير تامّ في فهم الأحاديث، فإنّ الراوي قد يؤثّر في كلام الإمام، يعني إنّ الإمام عليه السلام يلقي كلامه وفق معايير وظروف ومواقف خاصّة، فإنّه قد كلّم رواة كوفيّين وعراقيّين بشكل، وكلّم راوياً مدنياً بشكل آخر، فهذا هو المقصود في فهرست النجاشي، في تراجم الرواة، حين يقول: كوفيّ، مدنيّ، عراقيّ.
وهذا ما تناوله الشيخ الفقيه الميرزا أبوالقاسم القمّي حين قال: الثاني في تحديد الكرّ؛ أمّا بالوزن، فهو ألف ومائتا رطل بلا خلاف ظاهر بيننا. قال في
ص: 221
المعتبر بعد نقل الرواية الدالّة عليه وادّعي عليه في الجملة الإجماع في الانتصار وكذلك جعله الصدوق في الأمالي من دين الإماميّة ولكنّهما فسّراه بالمدنيّ والأكثرون بالعراقيّ، وهو ثلثا المدني ونصف المكّي وهو أقوي، والأصل في هذا التحديد هو صحيحة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام حيث قال: «الكرّ من الماء الذي لا ينجّسه شيء ألف ومائتا رطل»(1).
وخير دليل علي صحيحة محمّد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام قال: «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء، والكرّ ستّمائة رطل»(2).
فإنّه لا يجوز حمل الرطل هاهنا إلّاعلي المكّي وهو ضعف العراقي، فينطبق علي المدّعي. واحتجّ من فسّره بالمدنيّ بأنّهم عليهم السلام من أصل المدينة، فينبغي الحمل علي عرفهم. وفيه: أنّهم عارفون بكلّ الاصطلاحات والنِسَب والمقادير، وذلك لِملاحظة حال المخاطب، ولعلّه كان عراقيّاً، بل الظاهر أنّه عراقيّ لأنّ المرسل هو ابن أبي عمير، وقيل: إنّ مشايخه كانوا عراقيّين(3). وقال بمعناه المحقّق الخوئي.
4. بيان صلة الراوي بالمعروفين والمشهورين من الأعلام، فعلي سبيل المثال، جاء في ترجمة الكشّي أنّه من غلمان العيّاشي، والغلام في كتب الرجال تستعمل في التلميذ، والذي له صلة وثيقة متواصلة بالأُستاذ، ومعاشرة.
5. التطرّق إلي تأثّر رجال الحديث آنذاك صلة بالمراكز العلميّة والثقافيّة في العراق والمدينة وغيرهما، فإنّ الرواة الذين يسكنون في العراق والكوفة لهم3.
ص: 222
شمّ فكريّ في تنقيح الروايات، وأمّا الذين سكنوا قمّ والريّ فلهم رغبة بقبول الروايات، فإنّ أجواء العراق أجواء جعل ودسّ في الحديث، وهذا ممّا كان له دور مهمّ في دسّ الأحاديث، والقمّيّون لهم نظرة خالية من الجعل والتزوير، فإنّ البرقي جاء بروايات مرسلة ومرويّة عن الضعفاء والتي لا يعرف لها وجه؛ فأخرجه الأشعريّ القمّي من قم وأبعده إلي برقرود من نواحي قم.
6. التطرّق - إضافة إلي ترجمة الأعلام - إلي أقربائه وارتباطهم بالمراكز العلميّة والمجامع الثقافيّة.
7. الإشارة إلي معتقداته المذهبيّة كثبوته علي الولاية أو توقّفه أو اضطرابه أو غلوّه ولذلك كان يقول في رواةٍ: ليس بمتحقّق عندنا.
8. الإشارة إلي مستويات الأفراد العلمية وتألّقها في فنّ أو عدّة فنون، وتبحّرها في علم أو علوم مختلفة.
9. بيان دوره في نقل الإرث المكتوب، وتعليم الطلاب.
10. بيان مكانة الراوي عند الآخرين.
11. ذكر أسماء الكتب والمؤلّفات ومصنّفيها، ولهذا سمّي كتابه الفهرست في أسماء مصنّفي الإماميّة، وذكر لبعض المؤلّفين كمحمّد بن عليّ بن بابويه القمّي، ومحمّد بن أبي عمير، والفضل بن شاذان، ومحمّد بن خالد البرقي، والمفيد وغيرهم من المؤلّفين ما يقرب من مائتي كتابٍ، مع أنّ توثيقه لهم كان بنصف خطّ أو كلمة.
12. تسميته لكتابه أو كتبه وبيان موضوعها وميزاتها.
13. ذكر الألقاب والعناوين التي عرّف الراوي بها.
ص: 223
14. إقبال الأصحاب علي كتابه.
15. بيان كون الراوي من أصحاب إمام واحد أو أكثر، فيذكر هذا بقوله «روي عن أبي عبداللّه عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام» ولهذا دور مهمّ في بيان طبقة الراوي، وبيان الإرسال الخفي في الروايات.
16. بيان التُّهَم الموجّهة إلي الراوي في عصره.
17. ذكر الآراء المختلفة حول الراوي، يبيّنها بقوله: ذكر فلان أنّه كذا، و....
18. بيان دور المشايخ في نقل الرواية، وانتفاؤها عن آخرين لأنّهم كانوا متّهمين، أو لم يكونوا في عُمر تعتبر روايتهم.
19. تطرّقه إلي مكانة الراوي، وموقع هذه المكانة العائليّة عند الأصحاب.
فقال - مثلاً - في ترجمة بكر بن محمّد بن عبدالرحمن أبي محمّد: وجدّه في هذه الطائفة من بيت جليل بالكوفة من آل الغامديّين، عمومته شديدة.
وعبدالسلام وابن عمّه موسي بن عبدالسلام وهم بيت كبير، وعمّته غنيمة، روت عن الصادق والكاظم عليهما السلام(1).
وقال في ترجمة محمّد بن إسماعيل بن بزيع: ثقة ثقة... وولد بزيع بيت.
وقال في ترجمة محمّد بن أبي شعبة الحلبي: وآل أبي شعبة بيت كبير في الكوفة.
وقال في ترجمة إسحاق بن عمّار: شيخ من أصحابنا، ثقة، وإخوته يونس ويوسف وقيس وإسماعيل، وهو بيت كبير من الشيعة، وابنا أخيه عليّ بن6.
ص: 224
إسماعيل وبشير بن إسماعيل كانا من وجوه من روي الحديث(1).
20. الاهتمام ببيان مرتبة الكتب أكثر من بيان مرتبة الرواة، فيتعرّض لاختلاف نسخ الكتاب بالاعتماد علي تعدّد الروايات، كما يفهم منه أنّ الكتاب الواحد قد ينقل بواسطة عدّة رواة.
21. إظهار مكانة الراوي عند الأئمّة عليهم السلام، وهذا يعدّ من وجوه التوثيق.
22. ذكر الرواة الذين هم في طبقة واحدة مع العنوان، ومن خلال هذا يعرف الطبقة التي فيها الراوي.
23. التطرّق أحياناً إلي زمن السماع للكتب وطرقها، أو مكانها، أي في أيّ يوم، وفي أيّ بلد.
24. إبداء الآراء في الروايات الموضوعة عند تناول الفهرست وذكر مصنّفات الأصحاب.
25. تقويم الحديث من حيث الإملاء والسماع، والقراءة وغيرها.
26. بيان صلة الراوي بطبقة من الرواة، كما جاء في ترجمة ابن فضّال وصلته بالفضل بن شاذان، وابن أبي عمير.
27. بيان الطعون، والمنازعات بين الأصحاب وتعرّضهم البعض للبعض الآخر كما حصل للبرقي من قبل القميّين، فإنّهم قد أوقعوه في مشاكل وصعوبات.
28. الإشارة إلي القوّة أو الضعف في كتابه.
29. رواية أو عدم رواية الكتب التي لها طريق.1.
ص: 225
30. ذكر عوامل الضعف أو الذمّ، وكذلك عوامل التوثيق.
31. مدي تأثير بعض الأشخاص علي الرواة واستبصارهم.
32. بيان الطرق للكتب أو الرواة، كما جاء في ترجمة الأصبغ بن نُباتة.
33. التصريح بالأخذ عن مشايخه طبقات الرواة، وهذه هي القاعدة عند البعض كالسيّد مهدي بحر العلوم، والسيّد آية اللّه الخوئي في توثيق مشايخ النجاشي كلّهم.
34. وجود بعض العبارات المبهمة، أو ما يحتاج إلي الإيضاح منها:
1 - قوله عن ابن الغضائري في ترجمة الحسن بن عليّ. قال النجاشي:
الحسن بن عليّ بن أبي حمزة - واسمه سالم - البطائني، ورأيت شيوخنا رحمهم الله يذكرون أنّه كان من وجوه الواقفة، وقال ابن الغضائري: مولي الأنصار، أبو محمّد، واقف ابن واقف، ضعيف في نفسه، وأبوه أوثق منه(1).
فإنّ الرجل إن كان ضعيفاً فكيف يكون أبوه أوثق منه؟! فإنّ لفظ الأوثق اسم تفضيل يقتضي المشاركة في أصل الوثاقة.
2 - قوله في ترجمة عددٍ من الرواة؛ كعليّ بن ريّان بن الصلت الأشعري وغيره: له عن أبي الحسن الثالث نسخة(2). والمراد بالنسخة، هو الكتاب.
3 - قوله في ترجمة الحسن بن أبي عقيل العمّاني: وقرأت كتابه المسمّي:
الكرّ والفرّ علي شيخنا أبي عبداللّه، وهو كتاب في الإمامة، مليح الوضع؛ مسألة وقلبها وعكسها(3).2.
ص: 226
4 - تعبيره في فهرسته بكلمة: «عمّر»، فإنّ النجاشي والطوسي قالا في الأصبغ بن نُباتة: من خاصّة أميرالمؤمنين عليه السلام، وعمّر بعده. وقال في حنان بن سَدير: عمّر طويلاً(1). ورأيت في كلمات آية اللّه الخوئي أنّه قال: عمّر: أي زاد عمره علي المائة.
5 - عبارة: «أمره مُظلم» يعبّر بها عن بعض الرواة، والمراد بها أي لا نعرف هل كان إماميّاً أو غير إماميّ، ويعبّر بإزائه: «عامّيّ» أي كان من أتباع أهل السنّة والجماعة، أو كان يعبّر في ترجمة بعض الرواة: «مستقيم المذهب» يعني كان إماميّاً، وممّن كان أمره مبهماً، أحمد بن هلال العبرتائي، فهو يميل مع كلّ ريح ويسمع إلي كلّ ناعق.
6 - عبارة: «مختلط الأمر في الحديث» وقد تناول آية اللّه الخوئي هذا اللفظ في كتابه معجم رجال الحديث ودروس فقهه، فقال: يعني يخلط بين الحديث الصحيح والضعيف، فهو لا يعرف الصحيح من السقيم.
7 - عبارة: «تخليط كلّه». يعني كتابه فيه تخليط بين الصحيح والسقيم.
8 - عبارة: «ليس بالمتحقّق بنا» يعني لم يكن من أصحابنا، ولا يثبت أنّه منّا.
9 - عبارة: «قارئاً». هذا اللفظ ليس معناه أنّه معلّم الصبيان ويعلّمهم القرآن، بل إنّ القارئ في الكتب الرجاليّة يعني كان مفسّراً، صاحب آراء في التفسير.
10 - عبارة: «متهوّم»: من باب التفعّل من مادّة «هوم»: أي متساهل في نقل الروايات.
11 - عبارة: «مجفوّ الرواية»: اسم مفعول من مادّة جفا، يعني رواياته ليست2.
ص: 227
صحيحة، فهو يجفو علي الروايات بإدخال الصحيح والسقيم في أصله.
12 - عبارة: «منتحل الحديث».
13 - عبارة: «الإسناد إليه مدخول» يعني هذا الكتاب سنده غير سليم، أو رواة هذا الطريق غير ثقة.
قال الشهيد الثاني في الروضة والمسالك في كتاب الأطعمة: «والطريق إليه مدخول» أي في طريق الرواية ضعف.
14 - عبارة: «مضطرب الحديث والمذهب». فعند الشهيد يدلّ علي ضعف الراوي، وقال آية اللّه الخوئي: يعني أنّ رواياته مختلفة، مشكلة الأخذ بمضمونها، فالاضطراب هو في النقل والحكاية فلا ينافي وثاقة الراوي.
15 - عبارة: «يروي عن الضعفاء لا يبالي عمّن أخذه، يعتمد المراسيل»، قالها في ترجمة أحمد بن محمّد بن خالد البرقي.
قال الشهيد الثاني في الرعاية: تدلّ علي ضعف الراوي، فلذلك ضعّف حديث البرقي في نكاح المتعة. ولكنّ الفقهاء قالوا: إنّ هذا اللفظ لا ينافي وثاقة الراوي، لأنّه ورد في أحمد بن خالد البرقي: «ثقة في نفسه» فهو ثقة، فلذلك قال السيّد محمّد الموسوي العاملي في مدارك الأحكام: إنّ هذه الألفاظ لا تنافي وثاقة الراوي(1). وكما صرّح بحر العلوم في الفوائد الرجاليّة: أنّ وثاقة الراوي شيء، ونقله عن الضعاف شيء آخر، لا صلة لأحدهما بالآخر.
16 - عبارة: «غالٍ، في مذهبه ارتفاع، مرتفع القول، كان من الطيّارة».
عدّ الشهيد وأتباعه هذه الألفاظ من ألفاظ الجرح، والفقهاء قالوا: إنّ هذه9.
ص: 228
الألفاظ لا تدلّ علي ضعف الراوي، خاصّةً إذا وجدت في ألفاظ ابن الغضائري، فإنّه يتّهم كلّ من ينقل فضيلة من فضائل الأئمّة عليهم السلام بالغلوّ(1).
وقد توجد في رجال النجاشي عبارات فيها تهافت ولغز وبل إيهام، فإنّه لا يفهم صريحاً ما المراد من كلمته التي استعملها، فمنها ما في ترجمة محمّد بن عبدالحميد وأبيه عبدالحميد.
قال آية اللّه الخوئي: عبد الحميد بن سالم العطّار روي عن أبي الحسن موسي عليه السلام وكان ثقة. ذكره النجاشي في ترجمة ابنه محمّد بن عبدالحميد، حيث قال: محمّد بن عبدالحميد بن سالم العطّار أبو جعفر، روي عبدالحميد عن أبي الحسن موسي عليه السلام وكان ثقة، من أصحابنا الكوفيّين، له كتاب النوادر، إلي آخر ما ذكره.
وتوهّم البعض رجوع التوثيق إلي محمّد عبدالحميد بن سالم، ولكنّه وهم فإنّه لا يلتئم مع العطف بالواو، إذ لم يذكر جملة تامّة قبل ذلك إلّاجملة: روي عبدالحميد عن أبي الحسن موسي عليه السلام فلا بدّ وأن تكون تلك الجملة المعطوف عليه تلك الجملة(2).
وقال في ترجمة ولده محمّد: بقي هنا اُمور، الأوّل: إنّ من المتأخّرين قد وثّقوا محمّد بن عبدالحميد، نظراً إلي أنّ التوثيق في كلام النجاشي يرجع إليه لا إلي أبيه عبدالحميد، ولكنّا ذكرنا في ترجمة عبدالحميد أنّ التوثيق راجع إليه لا إلي ابنه محمّد. وعليه فالعمدة في الحكم بتوثيق الرجل إنّما هو وقوعه في إسناد4.
ص: 229
كامل الزيارات وإلّا فلا طريق إلي توثيقه.
وقد يقال: يكفي في وثاقته ما ذكره النجاشي، في ترجمة سهل بن زياد الآدمي من أنّه كاتب أبا محمّد العسكري عليه السلام علي محمّد بن عبدالحميد العطّار، فإنّه يدلّ علي وكالته وسفارته فيكون ثقة لا محالة، وهذا واضح الفساد، فإنّه لا دلالة في هذا الكلام علي الوكالة، فضلاً عن السفارة بل المستفاد منه أنّ محمّد ابن عبدالحميد كان واسطة في إيصال الكتاب وحده، وأين هذا من الوكالة، علي أنّا قد بيّنا غير مرّة أنّ الوكالة لا تستلزم العدالة ولا الوثاقة(1).
وهذا البحث سري إلي الفقه وصار مصدراً لنزاع الفقهاء، فرواية محمّد بن عبدالحميد هذه صارت معتركاً للآراء عند الفقهاء، وهي المسند في كفاية القراءة بالحمد في الصلوات المكتوبة.
وعن المحدّث البحراني في الحدائق الناضرة: وأمّا الأدلّة التي استدلّوا بها علي الوجوب، فمنها الآية أعني قوله عزّ وجلّ: «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ اَلْقُرْآنِ» فإنّ الأمر حقيقة في الوجوب، ومنها صحيحة منصور بن حازم قال، قال أبو عبداللّه عليه السلام: «لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ولا بأكثر»(2).
وأجاب في المدارك عن الآية بقوله: فلا دلالة لها علي المدّعي بوجه، لأنّ موردها التهجّد ليلاً، كما يدلّ عليه السياق، ولأنّ الظاهر أنّ «ما» ليست اسماً موصولاً بل نكرة تامّة، فلا تفيد العموم، بل يكون حاصل المعني: اقرؤوا مقدار ما أردتم وأحببتم. وأمّا الرواية فلا تخلو من ضعف في السند أو قصور في9.
ص: 230
الدلالة لأنّ في طريقها محمّد بن عبدالحميد، وهو غير موثّق، مع أنّ النهي فيها وقع عن قراءة الأقلّ من سورة والأكثر، وهو في الأكثر محمول علي الكراهة علي ما سنبيّنه، فيكون في الأقلّ كذلك حذراً من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه. انتهي(1).
أقول: إنّ ما ذكره من معنًي للآية وإن كان قابلاً للنقاش بما يطول به الكلام، إلّا أنّ الظاهر أنّها لا تصلح هنا للاستدلال، لما هي عليه من التشابه والاحتمال.
وأمّا ما ذكره من جواب عن صحيحة منصور من الطعن في السند والدلالة فهو مردود، أمّا الطعن من جهة السند ففيه أنّ منعه من توثيق محمّد بن عبدالحميد ممنوع، والظاهر أنّه اعتمد في ذلك علي العلّامة في الخلاصة وما كتبه جدّه (قدّس اللّه أرواحهم) في حواشيها، حيث قال العلّامة في الخلاصة:
محمّد بن عبدالحميد بن سالم العطّار أبو جعفر، روي عبدالحميد عن أبي الحسن موسي عليه السلام وكان ثقة من أصحابنا الكوفيّين. انتهي. فكتب شيخنا الشهيد الثاني في الحاشية: هذه عبارة النجاشي، وظاهرها أنّ الموثّق الأب لا الابن، انتهي(2).
وأنت تعلم أنّ ما ذكره في المدارك، وإن يمكن حملُه علي عبارة العلّامة في الخلاصة إلّاأنّه لا يتمّ في عبارة النجاشي التي أخذ منها العلّامة هذه العبارة، فإنّ هذه العبارة بعينها في كتاب النجاشي وبعدها بلا فصل: له كتاب النوادر... إلي آخره. وحينئذ فمرجع ضمير «له»، هو مرجع ضمير «كان»، كما لا يخفي علي العارف بأُسلوب الكلام من الأعيان، ولا معني لِعَود الضمير الأوّل إلي الأب7.
ص: 231
والثاني إلي الابن، لاستلزام التفكيك في الضمائر، وهو معيب في كلام الفصحاء بل من قبيل التعمية والألغاز. ويؤيّده أيضاً أنّ محمّد صاحب الترجمة؛ فجميع ما يذكر فيها يرجع إليه إلّامع قرينة خلافه، ولهذا عدّ العلّامة في الخلاصة طريق الصدوق إلي منصور بن حازم من الصحيح، مع كون محمّد المشار إليه في الطريق، وجزم بتوثيقه كثير من علمائنا الأعلام، منهم الميرزا محمّد صاحب كتاب الرجال، وشيخنا المجلسي في الوجيزة، وشيخنا أبوالحسن في البلغة وغيرهم.
ومن مواضع الخطإ في مثل ذلك، ما ذكره النجاشي في ترجمة الحسن بن عليّ بن النعمان، حيث قال: الحسن بن عليّ بن النعمان، مولي بني هاشم، أبوه عليّ بن النعمان ثقة ثبت، له كتاب نوادر، صحيح الحديث، كثير الفوائد... الخ.
والسيّد السند صاحب المدارك كتب في حواشيه علي الخلاصة في هذا الموضع، حيث نقل العلّامة فيها هذه العبارة، ما صورته: استفاد منه بعض مشايخنا توثيقه، وعندي في ذلك توقف والمصنّف قدس سره جعل حديثه في الصحيح في المنتهي، في بحث التخيير في المواضع الأربعة وكأنّه ظهر توثيقه له ولا يبعد استفادته من هذه العبارة، انتهي.
أقول: والذي وقفت عليه في كلام أصحابنا (رضوان اللّه عليهم) من علماء الرجال وغيرهم، هو توثيق الحسن بن عليّ بن النعمان المذكور، ولم يتوقّف أحد منهم في ذلك، وهو بناء منهم علي أنّه إذا كانت الترجمة لرجل فجميع ما يذكر فيها إنّما يعود إليه كما هو في كتب الرجال المعوّل عليها، إلّامع قرينة لِخلافه، كما أشرنا إليه آنفاً، وحينئذ فما توهّمه (قدّس سرّه) في هذا المقام،
ص: 232
ظاهر الفساد عند علمائنا الأعلام(1).
أ - كتاب الرجال ومنهجه فيه: ألّف محمّد بن الحسن الطوسي كتاب الرجال وجمع فيه أصحاب النبيّ والأئمّة عليهم السلام، كلّ حسب عصره.
فعن المحقّق التستري: أراد الشيخ في رجاله استقصاء أصحابهم ومن روي عنهم؛ مؤمناً كان أو منافقاً، إماميّاً كان أو عاميّاً، فعدّ الخلفاء ومعاوية وعمرو بن العاص، وعدّ زياد بن أبيه وابنه عبيداللّه بن زياد، وعدّ منصوراً الدوانيقي من أصحاب الصادق عليه السلام، فالاستناد إليه، ما لم يحرز إماميّة رجل، غير جائز حتّي في أصحاب غير النبيّ وأميرالمؤمنين، فكيف في أصحابهما.
وعن السيّد البروجردي: أنّ كتاب الرجال كانت مذكّرات له، ولم يوفّق لإكماله ولأجل ذلك فإنّه يذكر عدّة أسماء ولا يقول فيهم شيئاً من الوثاقة والضعف، انتهي.
نعم إنّ الكتاب أُلِّف للتعريف برواة الأئمّة، فالظاهر كون الراوي إماميّاً، ما لم يصرّح بخلافه.
والشيخ الطوسي(2) صنّف الكتاب علي طريقة الطبقات، وهو كما ذكره المحقّق البروجردي، مسوّداته التي كان بصدد إكمالها، ولكن أعمالُه الكثيرة حالت بينه وبين إكماله، والشيخ صنّف الكتاب في عصره، وكان بين رسول اللّه صلي الله عليه و آله وبينه اثنتا عشرة طبقة، علي ما ذكره المحقّق البروجردي، ثمّ بينه وبين
ص: 233
آية اللّه البروجردي ستّ وثلاثون طبقة، والتي سنتطرّق إليها أخذناها من مقدّمة ترتيب أسانيد الكافي وغيرها، وأشرنا إليها في نهاية كتابنا: سبك شناسي دانش رجال الحديث(1).
الطبقة الأُولي: سلمان، وأبوذرّ، والمقداد.
الطبقة الثانية: أبو الطفيل عامر بن وائلة، سهل بن حنيف، محمّد بن أبي بكر، الأصبغ بن نُباتة، كميل بن زياد، وعلي رأسهم أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
الطبقة الثالثة: أبو حمزة الثمالي، زرّ بن حبيش، سلمة بن كهيل، سعيد بن المسيّب، قاسم بن محمّد بن أبي بكر، أبو خالد الكابلي.
الطبقة الرابعة: زرارة بن أعين، محمّد بن مسلم الطائفي، أبو بصير، بريد بن معاوية العجلي، الفضيل بن يسار، معروف بن خرّبوذ، أبو بصير الأسدي، أبو بصير المرادي، أبان بن تغلب، عبداللّه بن أبي يعفور؛ وهم من أصحاب الإمامين الهُمامين الباقر والصادق عليهما السلام، فمنهم معروف بالفقه والعلم، ومنهم يعدّ من أصحاب الإجماع.
الطبقة الخامسة: جميل بن درّاج، عبداللّه بن مسكان، عبداللّه بن بكير، أبان ابن عثمان، حمّاد بن عثمان، حمّاد بن عيسي، معاوية بن عمّار، إسحاق بن عمّار، حريز بن عبداللّه السجستاني، سماعة بن مهران، عبداللّه بن سنان، صفوان الجمّال، حفص بن غياث، منصور بن حازم، هشام بن الحكم، هشام
ص: 234
ابن سالم؛ وبعض هؤلاء من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام.
الطبقة السادسة: يونس بن عبدالرحمن، الحسن بن محبوب، محمّد بن أبي عمير، صفوان بن يحيي، أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي صاحب الجامع، عبداللّه بن المغيرة، الحسن بن عليّ بن فضّال، فضالة بن أيّوب، الحسن بن عليّ الوشّاء، الحسن بن الجهم، الحسين بن يزيد النوفلي، زكريّا بن آدم، محمّد بن سنان، محمّد بن يحيي الخزّاز، النضر بن سويد، إبراهيم بن هلال الثقفي صاحب الغارات.
الطبقة السابعة: عبدالعظيم الحسني، الفضل بن شاذان، إبراهيم بن هاشم، أيّوب بن نوح، سهل بن زياد، عليّ بن الحسن الطاطري، عليّ بن مهزيار الأهوازي، أحمد بن إسحاق القمّي، أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال، أحمد ابن محمّد بن خالد البرقي. «بنو فضّال وبنو البرقي اُسر عريقة في الكوفة وقم»، وأحمد بن محمّد بن عيسي القمّي.
الطبقة الثامنة: عليّ بن إبراهيم القمّي، أُستاذ (الشيخ) الكليني، محمّد بن يحيي العطّار القمّي، أحمد بن إدريس الأشعري، سعد بن عبداللّه الأشعري، محمّد بن الحسن الصفّار صاحب بصائر الدرجات، عبداللّه بن جعفر الحميري صاحب قرب الإسناد. وأكثر هذه الطبقة من مشاهير المحدّثين في مدرسة قم.
الطبقة التاسعة: الحسين بن روح النوبختي، عليّ بن محمّد السمري، محمّد ابن يعقوب الكليني، أحمد بن عليّ بن إبراهيم القمّي، أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، الحسين بن أحمد بن إدريس، عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (أبو الصدوق)، محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، محمّد بن عمرو الكشّي (صاحب الرجال)، محمّد بن مسعود العيّاشي صاحب التفسير، الحسن بن أبي
ص: 235
عقيل العمّاني، أحد القدماء في تعبير الفقهاء.
الطبقة العاشرة: محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق المتوفّي سنة 381 ق)، جعفر بن محمّد بن قولويه صاحب كامل الزيارات، محمّد بن إبراهيم النعماني صاحب الغيبة، محمّد بن أحمد بن جنيد الإسكافي، ابن النديم صاحب الفهرست.
الطبقة الحادية عشرة: محمّد بن محمّد بن النعمان (الشيخ المفيد المتوفّي سنة 413 ق)، محمّد بن الحسين الموسوي السيّد الرضي، صاحب نهج البلاغة، أخوه عليّ بن الحسين الموسوي علم الهدي السيّد المرتضي، الحسين ابن عبيداللّه الغضائري صاحب الرجال.
الطبقة الثانية عشرة: محمّد بن الحسن الطوسي، أحمد بن عليّ النجاشي صاحب الرجال، أبوالفتح محمّد بن عليّ الكراجكي صاحب كنز الفوائد، سلّار ابن عبدالعزيز الديلمي، أبو الصلاح الحلبي صاحب الكافي في الفقه.
الطبقة الثالثة عشرة: الشيخ أبو علي، ابن الطوسي المعروف بالمفيد الثاني، عبدالعزيز بن البرّاج صاحب المهذّب، محمّد بن الحسن الفتّال النيشابوري صاحب روضة الواعظين.
الطبقة الرابعة عشرة: قطب الدين الراوندي صاحب فقه القرآن، السيّد فضل اللّه الراوندي، أبو المكارم السيّد ابن زهرة الحلبي صاحب غنية النزوع، محمّد ابن عليّ الطوسي ابن حمزة صاحب الوسيلة، عماد الدين الطبري صاحب بشارة المصطفي، الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب مجمع البيان، عليّ بن شهر آشوب المازندراني صاحب المناقب.
ص: 236
الطبقة الخامسة عشرة: محمّد بن إدريس الحلّي، يحيي بن الحسن الحلّي (ابن بطريق)، سديد الدين الحِمْصي صاحب المصادر، الحسن بن الفضل بن حسن الطبرسي صاحب مكارم الأخلاق، ورّام بن أبي فراس الهمداني صاحب تنبيه الخواطر، محمّد بن جعفر المشهدي صاحب المزار، الشيخ منتجب الدين الرازي صاحب الفهرست.
الطبقة السادسة عشرة: نجيب الدين محمّد بن جعفر بن نما الحلّي.
الطبقه السابعة عشرة: أبوالقاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الحلّي (المحقّق الحلّي المتوفّي سنة 675 ق)، يحيي بن سعيد الحلّي صاحب الجامع للشرائع، يوسف بن مطهّر الحلّي (أبو العلّامة)، زين الدين اليوسفي الآبي (الفاضل الآبي) صاحب كشف الرموز المعروف بكاشف الرموز، رضي الدين السيّد عليّ بن طاووس الحلّي صاحب الإقبال، جمال الدين أحمد بن طاووس الحلّي صاحب الرجال، كمال الدين بن ميثم البحراني صاحب شرح نهج البلاغة، عليّ ابن عيسي الإربليّ صاحب كشف الغمّة.
الطبقة الثامنة عشرة: جمال الدين الحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي (العلّامة الحلّي المتوفّي سنة 726 ق)، الحسن بن داود الحلّي صاحب الرجال (وكان حيّاً سنة 707 ق).
الطبقة التاسعة عشرة: ابن العلّامة فخر الدين محمّد بن الحسن الحلّي صاحب إيضاح الفوائد.
الطبقة العشرون: شمس الدين محمّد بن جمال الدين المكّي الجزيني (الشهيد الأوّل).
ص: 237
الطبقة الحادية والعشرون: المقداد بن عبداللّه السيوري (الفاضل المقداد المتوفّي سنة 826 ق)، الحسن بن محمّد الديلمي صاحب إرشاد القلوب.
الطبقة الثانية والعشرون: أحمد بن فهد الحلّي صاحب المهذّب البارع.
الطبقة الثالثة والعشرون: الشيخ عليّ بن عبدالعالي الكركي (المحقّق الثاني) صاحب جامع المقاصد، أحمد بن أبي جمهور الإحسائي صاحب عوالي اللآلئ.
الطبقة الرابعة والعشرون: الشيخ عليّ بن عبد العالي الميسي صاحب الميسيّة، الشيخ عليّ المنشار، والشيخ عبد النبيّ الجزائري صاحب الحاوي.
الطبقة الخامسة والعشرون: زين الدين بن عليّ العاملي الجبعي (الشهيد الثاني).
الطبقة السادسة والعشرون: الحسين بن عبدالصمد العاملي صاحب العقد الطهماسبي، والد الشيخ البهائي، الملّا أحمد الأردبيلي المعروف بالمقدّس الأردبيلي صاحب مجمع الفائدة والبرهان.
الطبقة السابعة والعشرون: الشيخ حسن بن زين الدين العاملي صاحب المعالم، السيّد محمّد الموسوي العاملي صاحب المدارك، الملّا عبداللّه التستري صاحب جامع الفوائد، الملّا عناية اللّه القهبائي صاحب مجمع الرجال، الشيخ محمّد العاملي سبط الشهيد الثاني صاحب استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار المعروف بفخر الدين الثاني، الميرزا محمّد الإسترآبادي صاحب الرجال الثلاثة: منهج المقال، وملخّص المقال، والرجال الوجيز، الملّا محمّد أمين الإسترآبادي صاحب الفوائد المدنيّة، محمّد بن الحسين
ص: 238
العاملي (الشيخ البهائي المتوفّي سنة 1030 ق)، محمّد باقر الإسترآبادي الميرداماد، جواد بن سعيد الكاظمي المعروف بالفاضل الجواد (كان حيّاً سنة 1040 ق).
الطبقة الثامنة والعشرون: محمّد تقي المجلسي، المولي محسن الفيض الكاشاني صاحب الوافي، الشيخ حسين بن شهاب الدين الكركي الأخباري المتعصّب الرادّ علي السبزواري، صاحب هداية الأبرار، المولي محمّد باقر السبزواري (المحقّق السبزواري) صاحب ذخيرة المعاد، الحاج آغا حسين الخوانساري (أُستاذ الأساتذة المتوفّي سنة 1098 ق)، الملّا عبد اللّه التوني صاحب الوافية، السيّد نور الموسوي العاملي صاحب الشواهد المكّيّة، أخو صاحب المدارك، السيّد حسين بن رفيع الدين المرعشي المازندراني (سلطان العلماء) صاحب الحاشية علي المعالم، الميرزا محمّد الشيرواني صاحب هداية المسترشدين، فخر الدين الطريحي صاحب مجمع البحرين، المولي صالح المازندراني صاحب شرح الكافي، عبدالعلي بن جمعة العروسي الحويزي صاحب نور الثقلين.
الطبعة التاسعة والعشرون: المولي محمّد باقر المجلسي، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، السيّد هاشم البحراني صاحب البرهان، السيّد نعمة اللّه الجزائري، الآغا جمال الخوانساري.
الطبقة الثلاثون: الآغا محمّد الأكمل الأصفهاني والد الوحيد البهبهاني، بهاء الدين محمّد بن الحسن الأصبهاني، الفاضل الهندي كاشف اللثام صاحب كشف اللثام، عبداللّه بن صالح البحراني السماهيجي الأخباري، الميرزا عبداللّه
ص: 239
الأفندي صاحب رياض العلماء، المولي عبداللّه البحراني صاحب العوالم، السيّد محمّد حسين الخاتون آبادي، المولي إسماعيل الخواجويّ المازندراني الأصبهاني.
الطبقة الحادية والثلاثون: محمّد باقر الوحيد البهبهاني، الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق، المولي مهدي النراقي، السيّد محمّد مهدي بحر العلوم، أبو علي محمّد بن إسماعيل الحائري صاحب منتهي المقال.
الطبقة الثانية والثلاثون: الميرزا أبوالقاسم القمّي صاحب القوانين، الشيخ جعفر النجفي كاشف الغطاء صاحب كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء، السيّد عليّ الطباطبائي، السيّد محسن كاظم الأعرجي صاحب المحصول، السيّد محمّد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة، أسد اللّه التستري صاحب المقابيس.
الطبقة الثالثة والثلاثون: المولي أحمد النراقي صاحب مستند الشيعة، الشيخ محمّد حسن النجفي صاحب الجواهر، السيّد محمّد الطباطبائي المجاهد، محمّد شريف المازندراني شريف العلماء، السيّد عبداللّه شبّر، الشيخ محمّد حسين الأصبهاني صاحب هداية المسترشدين، المولي محمّد تقي البرغاني (الشهيد الثالث)، المولي محمّد صالح البرغاني صاحب غنيمة المعاد، السيّد محمّد باقر الشفتي (حجّة الإسلام المتوفّي سنة 1260 ق)، محمّد إبراهيم الكلباسي.
الطبقة الرابعة والثلاثون: الشيخ مرتضي الأنصاري، الشيخ جعفر التستري.
الطبقة الخامسة والثلاثون: الميرزا محمّد حسن الشيرازي، الميرزا حبيب اللّه
ص: 240
الرشتي، الميرزا حسن الطهراني (النجم آبادي)، الميرزا محمّد حسن الآشتياني، الميرزا أبوالقاسم كلانتر الطهراني.
الطبقة السادسة والثلاثون: محمّد كاظم الخراساني صاحب الكفاية، السيّد كاظم الطباطبائي اليزدي، السيّد محمّد الفشاركي، الحاج آقا رضا الهمداني، الميرزا محمّد تقي الشيرازي، الشيخ محمّد حسن المامقاني، الميرزا حسين النوري، صاحب مستدرك الوسائل. إلي هنا ما ذكره السيد البروجردي.
الطبقة السابعة والثلاثون: الشيخ عبدالكريم الحائري، السيّد أبوالحسن أصفهاني، الحاج آقا حسين القمّي، الميرزا محمّد حسين النائيني، الشيخ آغا ضياء العراقي، الشيخ محمّد حسين الغروي الأصفهاني، الشيخ عبداللّه المامقاني، الشيخ عبّاس قمّي، الشيخ محمّد محسن الطهراني، الشيخ محمّد باقر الآيتي الجازاري، السيّد حسن الصدر، صاحب تأسيس الشيعة.
الطبقة الثامنة والثلاثون: السيّد حسين البروجردي، السيّد محمود الشاهرودي، السيّد محسن الطباطبائي الحكيم، الميرزا محمّد حسن البجنوردي، الشيخ حسين الحلّي، السيّد محمّد هادي الميلاني، الشيخ مرتضي الحائري، السيّد عبدالأعلي السبزواري، السيّد أبوالقاسم الخوئي، الإمام الخميني، السيّد شهاب الدين المرعشي، السيّد محمّد رضا الگلپايگاني، من أعاظم المراجع المعاصرين رحمهم الله.
ص: 241
4. الفهرست للشيخ ومنهجه فيه(1)
قد ذكر فيه أسماء الذين لهم أصل أو تصنيف، والفهرس وُضع لذكر الأُصول والمصنّفات، وذكر الطريق إليها، وهو مفيد من جهتين:
الأُولي: أنّه يبيّن الطرق إلي نفس هذه الأُصول والمصنّفات.
الثانية: أنّ الشيخ نقل في التهذيبين أعني تهذيب الأحكام والاستبصار، روايات عن هذه الأُصول والمصنّفات، ولم يذكر طريقه إلي تلك الأُصول والمصنّفات، لا فيهما ولا في خاتمتهما، إلّاأنّه ذكره في الفهرست. وربّما كان طريق الشيخ في التهذيبين ضعيفاً ولكنّه صحيح في الفهرست، فيصحّ وصفه بالصحّة للطريق الموجودة في الفهرست. وعلي كلّ فالفهرست وُضع للتعريف بِمؤلّفي الشيعة إماميّاً كان أو غير إمامي.
وعدّ الشيخ في مقدّمته أنّه ذكر كلّ واحد من المصنّفين وأصحاب الأُصول وجرحه وتعديله، والاعتماد علي روايته، وموافقته للحقّ، لكنّه لم يف بما وعد لأنّه لم يذكر فساد مذهب البعض.
وهو من أُمّهات كتب الرجال إلّاأنّه من الضعفاء، لذا ينبغي الوقوف علي أُمور منها:
قال النجاشي: الحسين بن عبيداللّه الغضائري،
ص: 242
شيخنا رحمه الله. له أربعة عشر كتاباً، أجازنا في جميعها، وروايته عن شيوخه، ولم يذكر له رجالاً. وذكر مثله الشيخ، ويكفي في وثاقته شيخوخته لهما، فإنّ مشايخ النجاشي كلّهم ثقات(1).
ذكره الشيخ في مقدّمة الفهرست أنّ له كتابين في الأُصول والمصنّفات، غير أنّ هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم هو رحمه الله، وعمِد بعض ورثته إلي إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب، وقد اشترك كلّ من النجاشي وابن الغضائري في الأخذ عن الغضائري، ومن العجيب أنّ النجاشي لم يتناوله بشكل مستقلّ.
الحلّي فأدرجه في حلّ الإشكال في معرفة الرجال (المؤلَّف سنة 644 ق)، وجمع فيه عبارات الكتب الخمسة الرجاليّة، وقال في أوّله: ولي بالجميع روايات متّصلة سوي كتاب الغضائري؛ فوجده منسوباً إليه ولم يجد كتاباً آخر للممدوحين حتّي أدرجه. ثمّ تبعه تلميذه العلّامة الحلّي وابن داود فأدرجاه في كتابيهما، والمتأخّرون عنهما ينقلون عنهما، ولولا ما أدرجه السيّد لما بقي من كتاب الغضائري أثر، وكان عند الشهيد الثاني كتاب حلّ الإشكال وابنه الشيخ حسن العاملي فاستخرج منه التحرير الطاووسي وكان عند المولي حسين التستري فاستخرج من حلّ الإشكال عبارات الضعفاء مرتّبةً علي حروف المعجم، ثمّ أورده تلميذه عناية اللّه القهبائي في كتابه مجمع الرجال وصرّح بهذا في مقدّمته.
ص: 243
د - هل الغضائري مؤلّف الكتاب أم ابنه؟(1)
هناك قولان: الأوّل: قد ذهب الشهيد إلي أنّه للأوّل، واعتمد علي الخلاصة في ترجمة سهل بن زياد الآدمي: وقد كاتب أبا محمّد العسكري عليه السلام وذكر ذلك أحمد بن عليّ بن نوح وأحمد بن الحسين. وقال ابن الغضائري: إنّه كان ضعيفاً. فالعطف يدلّ علي المغايرة.
ولا يخفي أنّ العبارة الأُولي للنجاشي، والجملة الأخيرة لابن الغضائري، لفّقهما العلّامة فحصل الخطأ للشهيد.
وقد شكّ آية اللّه الخوئي صاحب معجم رجال الحديث، حيث استدلّ علي عدم ثبوت الكتاب للأوّل من أنّ النجاشي لم يتعرّض له، مع أنّه كان بصدد بيان الكتب التي صنّفها الإماميّة، حتّي إنّه يذكر ما لم يره من الكتب، وإنّما سمعه من غيره أو رآه في كتابه، فكيف لا يذكر كتاب شيخه الحسين بن عبيداللّه أو ابنه، وقد تعرض لترجمة الحسين بن عبيداللّه وذكر كتبه ولم يذكر فيها كتاب الرجال، انتهي.
والنجاشي ينقل عنه كثيراً، وعن البرقي: أنّ له كتاب التاريخ ولعلّه هو الرجال.
الثاني: أنّه من تأليف ابن الغضائري (أحمد)، ويدلّ علي ذلك أُمور عدّة، منها:
أ - ذكر الشيخ في مقدّمة الفهرست أنّه كان لأحمد بن الحسين كتابان في
ص: 244
الأُصول والمصنّفات، ولم يذكر للوالد كتاباً في الرجال.
ب - أوّل من وقف عليه السيّد أحمد بن طاووس الحلّي وهو ينسبه إلي أحمد لا إلي والده.
ج - من يتابع الخلاصة يتيقّن أنّ العلّامة يراه لأحمد.
د - ما ينقله النجاشي في الفهرست عن أحمد بن الحسين، فهو يوافق ما في الكتاب، ثمّ هناك قرائن أُخري جمعها الكلباسي.
ه: إنّ كتاب الضعفاء رابع كتبه. فابن الغضائري ألّف كتاب الضعفاء وهو رابع كتبه، وقد أشار الشيخ إلي الأوّل والثاني في مقدّمة الفهرست، والثالث هو كتاب الممدوحين ينقل عنه العلّامة في الخلاصة، والرابع هو كتاب الضعفاء.
ويستفاد من خلاصة الرجال أنّه كان لأحمد بن الحسين كتابان: الضعفاء والمذمومين، والآخر الممدوحين والموثّقين، وهما غير ما ذكره الشيخ في أوّل الفهرست.
كتاب الضعفاء ومنزلته العلميّة عند العلماء(1)
وهنا ينبغي الإشارة إلي ملاحظات، منها:
أ) إنّ الكتاب وضعه المعاندون للشيعة، أرادوا به الوقيعة في أكابرهم وهو ما أصرّ عليه الطهراني في ذريعته، ويمكن تأييد ذلك بأنّ النجاشي والشيخ وأحمد كانوا يدرسون عند أبيه، فكيف لم يطّلعا علي أسرار صديقهما والنجاشي ينقل عنه في بضعة وعشرين موضعاً؟!
ص: 245
ب) يُعلم مِن كلام الشيخ أنّ مؤلّفات ابن الغضائري قد ضاعت بعد اخترامه.
ج) إنّ لفظ «اخترم» ظاهر في أنّه مات قبل الأربعين، وفي تلك السنين كانوا زملاء في الدراسة، ومن المستبعد أن يصل الكتاب إلي النجاشي ولم يصل إلي الشيخ، مع أنّهما كانا زميلين وتلميذين لأساتذة معروفين؛ والنجاشي توفّي سنة 450 وتوفّي الشيخ سنة 460.
وأبعد ما يمكن أن يقال: إنّ ما بقي عن ابن الغضائري مسوّداته، ثمّ زاد عليه المعاندون أشياء بالدسّ والتزوير، والسيّد الداماد قال: قلّ أن يسلم رجل من جرحه، أو ينجو ثقة من قدحه.
ولا يخفي ضعف هذا الرأي لأسباب منها:
أوّلاً: أنّه يكفي في صحّة انتساب الكتاب إلي ابن الغضائري موافقة ما نقله النجاشي مع الموجود منه.
ثانياً: أنّ كتاب الضعفاء غير الذي ذكره الشيخ أنّه من تأليفيه، وهما موضوعان دون الضعفاء.
ثالثاً: لعلّ الشيخ لم يطّلع علي بقيّة كتب ابن الغضائري لأنّه كان منفتحاً وباحثاً في أكثر العلوم الإسلاميّة والاجتماعيّة، وهذا غير النجاشي الذي كان زميلاً ومشاركاً لدروس أبيه، والغفلة من مثله بعيدة ولا تصحّ، وما ذكره صاحب معجم رجال الحديث من نفي نسبة الكتاب إلي مؤلّفه غير تامّ، لأنّ هذه القرائن تكفي في إثبات ذلك.
د) إنّ الظاهر من قول العلّامة، هو ثبوت نسبة الكتاب إلي ابن الغضائري ثبوتاً قطعيّاً، ولأجل ذلك توقّف في كثير من الرواة لأجل تضعيف الغضائري لهم،
ص: 246
وإنّما خالف في موارد بسبب توثيق النجاشي والشيخ، وترجيح توثيقهما.
ه) لم يُرَ مثل هذا الكتاب في الدقّة، وحسبنا اعتماد النجاشي عليه، وهو أدقّ أهل الرجال ومع ذلك فهذا إفراط، فلو كان هذا الكتاب يحتلّ هذه المنزلة فَلِمَ لم يستند النجاشي في عموم المواضع وأنّه قد ضعّف كثيراً من المشايخ التي وثاقتهم عندنا كالشمس في رائعة النهار، فعدم العبرة بطعونه، لا لأجل تسرّعه إلي الجرح بل لأنّه لم يستند إلي الحسّ، بل إلي اجتهادات شخصيّة.
و) إنّ تضعيفاته لم تكن مستندةً إلي الحسّ، وفي هذا الجانب قال الوحيد البهبهاني: إنّ القميّين والغضائري كانوا يعتقدون أنّ للأئمّة منزلة خاصّة من العصمة، ويعدّون التعدّي علوّاً وغلوّاً، وجعلوا نفي السهو عنهم غلوّاً، واعتبروا المبالغة في معجزاتهم، وتصرّفهم بأحوال السماء والأرض غلوّاً حيث إنّ الغلاة كانوا مندسّين في الشيعة، متعايشين معهم، مدلّسين، وكان هناك من القبيح عند بعضهم كفراً، أو غلوّاً، أو تفويضاً، أو جبراً، أو تشبيهاً، وربّما كان مبرّر جرحهم بالأُمور المذكورة هو وجود الرواية الظاهرة فيها عندهم، فعلي هذا يأتي التأمّل في جرحهم، وأحمد بن محمّد بن عيسي والغضائري ربّما ينسبان الراوي إلي الكذب و وضع الحديث بعد ما نسباه إلي الغلوّ، وكأنّه لروايته ما يدلّ عليه.
وأجاب التستري عن هذه الرأي فقال: كثيراً ما يرد علي المتأخّرين طعن القدماء في رجل بالغلوّ بأنّهم رموه لنقله معجزاتهم، وهو غير صحيح، فإنّ كونهم ذوي معجزات من ضروريّات مذهب الإماميّة، وهل معجزاتهم وصلت إلينا إلّابنقلهم؟ فقد روي أحمد بن الحسين الغضائري عن الحسن بن محمّد ابن بندار قال: سمعت مشايخي يقولون: إنّ محمّد بن أُورمة لمّا طُعِنَ عليه
ص: 247
بالغلوّ بعث إليه الأشاعرة ليقتلوه، فوجدوه يصلّي الليل من أوّله إلي آخره ليالٍ عدّة؛ فتوقّفوا عن اعتقادهم(1).
أقول: إنّ ما ذكره من الغلاة بأنّهم كانوا يُمتحنون في أوقات الصلاة فهو صحيح في الجملة، ويدلّ عليه إضافةً إلي ما ذكر روايات، ومع هذا الاعتراف، فإنّ هذه الروايات لا تؤيّد ما قالَه؛ وهو أنّ الغلوّ كان له معنًي واحد في جميع العصور ولازمه ترك الفرائض، ومع أنّ ذلك المعني كان مقبولاً عند الكلّ، من عصر الإمام الصادق عليه السلام إلي عصر الغضائري إلّاأنّ فيه:
أوّلاً: أنّ محمّد بن بشير كان مِن أكابر الغلاة وأتباعه كانوا يؤدّون بعض الفرائض ويتركون البعض؛ كالزكاة والحجّ وغيرهما، وعلي هذا فامتحان الغلاة في وقت الصلاة يرجع إلي فئةٍ خاصّة.
وثانياً: أنّ الظاهر من القدماء عدم الاتّفاق علي معني الغلوّ؛ فعن المفيد: قال ابن الوليد: أوّل درجة في الغلوّ، نفي السهو عن النبيّ صلي الله عليه و آله، وقد وجدنا جماعة من قمّ يقصّرون تقصيراً ظاهراً، يُنزِلون الأئمّة عن مراتبهم، ويزعمون أنّهم لا يعرفون كثيراً من الأحكام الدينيّة، انتهي.
فإذا كان هذا حالهم فإنّهم إذا وجدوا رواية علي خلاف معتقدهم، وصفوها بالضعف وقالوا في راويها بالدسّ، فعلي هذا لا يبعد أن تكون تضعيفات ابن الغضائري راجعة إلي هذا، أي أنّهم إذا وجدوا رواية لا توافق معتقدهم وصفوها بالجعل والتزوير، والظاهر أنّ ابن الغضائري كان له مشرب خاصّ، فقد جعل إتقان الرواية دليلاً علي وثاقة الراوي، فلذلك صحّح عدّة روايات من القميّين0.
ص: 248
ممّن ضعّفهم غيره، كما أنّه جعل ضعف الراوي دليلاً علي ضعف الرواية، ويشهد علي ما ذكرنا أنّ الشيخ والنجاشي ضعّفا محمّد بن أُورمة، لأنّه كان مطعوناً فيه بالغلوّ، وما انفرد به لا يُعمَل به، وقد وثّقه ابن الغضائري لمّا نظر في كتابه فوجده سالماً، إلّافي أوراق أُلصقت علي الكتاب وهي موضوعة، وهذا يظهر أنّ منطلق حكمه هو التتبّع والتدقيق في كتب الراوي.
وما جاء عن الكلباسي: أنّ دعوي التسارع غير بعيد، نظراً إلي أُمور:
الأوّل: أنّ الظاهر من كمال الاستقراء في أرجاء عبائره، أنّه كان يري نقل بعض غرائب الأمور من الأئمّة من الغلوّ علي حسب مذاق القميّين، فكان إذا رأي من أحدهم، ذكر شيءٍ غير موافق لاعتقاده... فيعتقد بكذبه.
الثاني: أنّ الظاهر أنّه كان غيوراً في دينه، فكان إذا رأي مكروهاً اشتدّت عنده بشاعته، مكثراً علي مقترفه من الطعن، ويشهد عليه أمران: أحدهما: سياق عباراته، فأنت تري أنّ غيره في مقام التضعيف يقتصر بما فيه بيان الضعف، بخلافه، فإنّه يرخي عنان القلم في الميدان، بلعان وخبث، وتهالك. وثانيهما:
اختلاف سلوكه مع غيره في مقام التضعيف... فيقول: كذّاب، وضّاع للحديث، لا يلتفت إلي حديثه، ولا يُعبأ به. الثالث: كثرة تضعيفه للأجلّاء والموثّقين، ومنه تضعيفه لأحمد بن مهران، ولأجل ذلك لا يمكن الاعتقاد علي تضعيفاته فضلاً عن معارضته بتوثيق النجاشي، وقد عرفت من المحقّق الداماد أنّه قلّ من يسلم عن جرحه.
ز) ربّما يقال بعدم اعتبار تضعيفات ابن الغضائري لأنّه كان جرّاحاً، كثير الردّ علي الرواة وقليل التعديل، وهذا خرقٌ للعادة، فيقبل تعديله لا تضعيفه.
ص: 249
وفيه: أنّ كتاب الممدوحين لم يصل إلينا ولعلّهم أكثر من الضعفاء، ولأجل ذلك نجد أنّ النسبة بين ما ضعّفه الشيخ والنجاشي أو وثّقاه، وما ضعّفه ابن الغضائري أو وثّقه؛ عموم من وجه؛ فربّ ضعيف عندهما كان ثقة عنده وبالعكس، وعلي ذلك فلا يصحّ ردّ تضعيفاته بحجّة أنّه كان جرّاحاً للرواة خارجاً عن الحدّ المتعارف، في محالّ الجرح، بل الحقّ في عدم قبوله من أنّ توثيقاته وتضعيفاته لم تكن مستندة إلي الحسّ والشهود والسماع عن المشايخ والثقات(1).6.
ص: 250
منهج المتأخّرين في علم الرجال هو منهج التقسيم والاجتهاد
رجال ابن داود(1)
من تأليف تقيّ الدين الحسن بن عليّ بن داود الحلّي تلميذ السيّد جمال الدين أحمد بن طاووس الحلّي (صاحب البُشري والملاذ في الفقه)(2)، قال فيه: أكثر فوائد هذا الكتاب من إشاراته وتحقيقاته، ربّاني وعلَّمني وأحسن إليّ. كما قرأ علي الإمام نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيي الحلّي وقال فيه مثل ما قال في ابن طاووس(3).
1. إنّه سلك فيه مسلكاً لم يسبقه أحدٌ، رتّبه علي الحروف، الأوّل فالأوّل، من الأسماء وأسماء الآباء والأجداد، وجمع ما وصل إليه من كتب الرجال، فنقل
ص: 251
ما في فهرس الشيخ، والنجاشي، ورجال الكشّي، والشيخ، وابن الغضائري، والبرقي، والعقيقي، وابن عقدة، والفضل بن شاذان، وابن عبدون.
2. قد جعل لكلّ كتاب علامة، واعتبر نفسه رائد هذا الفنّ، وتبعه علي هذا المنحي كثير من علماء الرجال، الذين جاؤوا بعده، سيّما في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، فممّن تبعه علي العلامات: المولي عناية اللّه القهبائي في مجمع الرجال، والسيّد مصطفي التفرشي في نقد الرجال، والشيخ عبدالنبيّ الجزائري في حاوي الأقوال، والميرزا محمّد علي الإسترآبادي في كتبه الرجاليّة الثلاثة، والعلّامة محمّد بن علي الأردبيلي في جامع الرواة، وأبي عليّ محمّد ابن إسماعيل الحائري في منتهي المقال.
وقد صرّح العلماء بأنّ هذه العلامات قد توقع في الخطإ فالأولي تركها، وأوّل من صرّح بوجود الخطأ في هذا المنهج هو المولي أحمد الأردبيلي(1) في كتابه الفقهي مجمع الفائدة والبرهان.
3. قسّم كتابه إلي جزءَين: الأوّل يختصّ بذكر الموثّقين والمهملين، والثاني بالمجروحين والمجهولين.
4. ذكر في آخر القسم الأوّل تحت عنوان خاصّ: جماعة وصفهم النجاشي بقوله: «ثقة، ثقة» وهم أربعة وثلاثون رجلاً، مرتّبين علي حروف الهجاء، ثمّ أضاف بأنّ الغضائري جاء في كتابه خمسة رجال زيادة علي ما ذكره النجاشي.-.
ص: 252
الجزء الأوّل من الكتاب في ذكر الممدوحين، ومن لم يُضعّفهم الأصحاب فيما علمته.
(باب الهمزة)
1. آدم بن إسحاق بن آدم بن عبداللّه الأشعري - لم [جش] قمّيّ ثقة.
2. آدم بن الحسين النخّاس(1) ق [جش، جخ] كوفيّ ثقةٌ. روي عنه(2)إسماعيل بن مهران. ومن أصحابنا مَن(3) أثبته في كتاب له «النجاشيّ» وهو غلط.
3. آدم بن المتوكّل أبو الحسين بيّاع اللؤلؤ ق [جش] كوفيّ مهملٌ.
4. أبان بن تَغْلِب، بنقطتين فوق فمعجمة(4)، ابن رباح، بنقطةٍ تحت الباء، أبو سعيد البكريّ الجُريري، بالجيم المضمومة والمهملتين، مولي بني جُرَيْر، ين، قر، ق [كش(5)] ثقة جليل القدر، سيّدُ عصره وفقيهُه وعمدة الأئمّة، روي(6) عن الصادق عليه السلام ثلاثين ألف حديثٍ.
قال له أبو جعفر عليه السلام: «اجلس في مسجد الكوفة وأفت الناس، إنّي أُحبّ أن يُري في شيعتي مثلك».
وكان إذا دخل علي أبي عبداللّه عليه السلام ثنّي له الوسادة وصافحه، وكان إذا قدم
ص: 253
المدينة تفوّضت إليه الحلق(1) وأُخلِيت له سارية(2) النبيّ صلي الله عليه و آله.
قال أبو عبداللّه عليه السلام لسُلَيم(3) بن أبي حبّة لمّا ودّعه: «ائت أبانَ بن تَغْلِب فإنّه سمع منّي حديثاً كثيراً، فما روي لك عنّي فاروه عنّي».
مات سنة إحدي وأربعين ومائة، وترحّم عليه أبو عبداللّه عليه السلام وقال:
«لقد أوجع قلبي موتُ أبان» وكان قد أخبره بموته مُوقّتاً(4).
5. أبان بن عبدالملك ق [كش(5)] شيخٌ من أصحابنا.
6. أبان بن عثمان الأحمر لم(6) [كش(7)] من الستّة الذين أجمعت(8) العصابة علي تصديقهم، وهم: جميل بن درّاج، عبداللّه بن مسكان، عبداللّه بن بُكير، حمّاد بن عيسي، حمّاد بن عثمان، أبان بن عثمان، وجميل بن درّاج أفقههم(9)وقد ذكر أصحابنا أنّه كان ناووسيّاً(10) فهو بالضعفاء أجدر، لكن ذكرتُه هنا(11) لثناء الكشّيّ (12) [عليه] وإحالته علي الإجماع المذكور.م.
ص: 254
7. أبان [بن] المحاربي [جخ(1)] روي حديثاً واحداً علي قول البغويّ.
8. أبان بن عُمَر الأسديّ، خَتَنُ آل ميثم بن يحيي التمّار لم(2) [جش] شيخٌ من أصحابنا ثِقةٌ، لم يرو عنه إلّاعبيس بن هشام الناشري.
9. إبراهيم بن أبي البِلاد، بالباء المفردة تحت ق، م، ضا [جخ] كوفيّ ثِقةٌ، ويكنّي أبو البلاد أبا إسماعيل. واسم أبي البِلاد يحيي بن سليم.
10. إبراهيم بن أبي حفص الكاتب، أبو إسحاق كر [ست(3)] ثقةٌ وجيه.
11. إبراهيم بن أبي الكَرّام الجعفريّ ضا، ذكره بعض أصحابنا(4) أنّه كان خيّراً.
12. إبراهيم أبو رافع ل، ي [جخ] عتيق رسول اللّه صلي الله عليه و آله صاحب أمير المؤمنين عليه السلام بعده، ثِقة.
13. إبراهيم بن أبي محمود الخراسانيّ ضا [جخ] ثِقةٌ.
14. إبراهيم الحارثي ق [كش(5)] ممدوح.
15. إبراهيم بن الحكم بن ظُهَيْر [بالضمّ] الفزاريّ، أبو إسحاق، صاحب التفسير عن السدّي(6)، لم [جخ] يصنّف كتباً.
16. إبراهيم بن حمّاد [ست(7)] له كتابٌ.0.
ص: 255
17. إبراهيم بن خالد العطّار [ست(1)] له كتاب.
18. إبراهيم بن رجا الجَحْدريّ، بالجيم المفتوحة والحاء والدال المهملتين لم [جخ] ثِقةٌ بصريٌّ، له مجلسٌ كان يصف(2) فيه أبا محمّد العسكري عليه السلام.
19. إبراهيم بن زياد أبو أيّوب الخرّاز، بالخاء المعجمة والراء المهملة والزاي، وقيل: بن عيسي وقيل(3): بن عثمان ق، م [كش(4)، جش] ثقةٌ ممدوح.
20. إبراهيم بن سلام ضا [جخ] نيشابوريّ وكيل [الرضا(5)]، ومن أصحابنا من ذكر أنّه سلامة(6).
رجال ابن داود، القسم الثاني
(باب الخاء)
165. خالد الخواتيمي [كش(7)] غال.
166. خالد بن طهَمان أبو العلاء الخفّاف السلولي [جش] عامّيّ.
167. خالد بن عبداللّه بن سدير [ست(8)] له كتاب، ذكر أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه، عن محمّد بن الحسن بن الوليد أنّه قال: لا أرويه لأنّه موضوع،».
ص: 256
وضعه محمّد بن موسي الهمداني.
168. خلف بن خلف م [جخ] مجهول(1).
169. خيبري(2) بن عليّ الطحّان [جش] كوفيّ ضعيف في مذهبه، يقال في مذهبه ارتفاع، روي عنه محمّد بن إسماعيل بن بزيع.
(باب الدال المهملة)
170. دارم بن قبيصة - بفتح القاف والباء المفردة والياء المثنّاة تحت والصاد المهملة - بن نهشل أبو الحسن السائح ضا [غض] لا يؤنس بحديثه ولا يوثق به(3).
171. داود بن الحُصين ق، م [جخ] واقفي [جش] ثقة(4).
172. داود بن عطاء أبو سليمان المدني [قد] ليس بشيء.
173. داود بن كثير الرقّي ق، م [غض] فاسد المذهب [جخ] ثقة [جش] ضعيف جدّاً، والغلاة تروي عنه. قال أحمد بن عبدالواحد: قلَّما رأيت له حديثاً سديداً(5).
174. درست، بالضمّتين، بن أبي منصور ق، م [كش(6)، جخ] واقفيّ.4.
ص: 257
* الدهقان [كش(1)] ملعون.
(باب الراء)
175. ربيع(2) بن زكريّا الورّاق كوفيّ [جش] طعن عليه بالغلوّ، له كتاب فيه تخليط، ذكره أبو العبّاس بن نوح [غض] ضعيف.
176. ربيعة بن عبدالرحمن المعروف بربيعة الرأي المدنيّ الفقيه قر [جخ] عامّيّ.
177، 178. رزين الأبزاري ورزين الأنماطيّ قر [جخ] مجهولان.
(باب الزاي المعجمة)
179. زافر بن عبداللّه الأنباريّ (3)، ق عامّيّ.
180. زُرعة بن محمّد الحضرميّ ق، م [جخ، ست(4)] واقفيّ.
181. زفر بن الهذيل [أبو الهذيل] التميميّ العنبريّ الكوفيّ ق، م [قي(5)] عامّيّ.
182. زكريّا بن محمّد أبو عبداللّه المؤمن ق، م [كش(6)] لقي الرضا وحكي عنه ما يدلّ علي الوقف، مختلط الأمر في حديثه.
183. زكريّا أبو يحيي كوكب الدم [غض] ضعيف وقد وثّقه الكشّيّ (7)ه.
ص: 258
وغيره.
184. زياد بن الأسود النجّار قر [جخ] مجهول.
185. زياد بن مروان القندي، بالقاف والنون، أبو الفضل ق، م [جخ] واقفيّ.
186. زياد بن(1) المنذر أبو الجارود الهمدانيّ - بالمهملة - الكوفيّ الحوفي - بالحاء المهملة والفاء - ومن أصحابنا من أثبته «الخارقيّ» بالخاء المعجمة والراء والقاف [ومنهم من قال: الحرقيّ بالحاء المهملة والراء والقاف] والأوّل المعتمد وهو خيرة الشيخ أبي جعفر رحمه الله، تابعيّ قر، ق [جخ] زيديّ أعمي.
2. منهج العلّامة(2) في رجاله
واسم كتابه: «خلاصة الأقوال في علم الرجال»، ويتكوّن من قسمين: القسم الأوّل، فيمن اعتمد عليه، والقسم الثاني، يختصّ بالضعفاء ويحتوي كلّ قسم علي سبعة وعشرين فصلاً، ولها خاتمة تشمل فوائد.
وكتابه هذا هو خلاصة لما في فهرس الشيخ والنجاشي. وعنه قال المحقّق التستري: إنّ المتّفقات من الخلاصة مع مصادرها لا يفيد، مع ذكر المصادر، وإنّما يفيد فيما لم نقف علي مستند، كما ينقل عن العقيقي، وابن عقدة، وثقات ابن الغضائري والمذمومين عنده، وفيما ينقله عن النجاشي، فيما لم يكن في نسختنا فإنّ نسخته كانت أكمل.
ص: 259
ورجال العلّامة وابن داود متماثلان في كيفيّة التأليف، وبما أنّهما من تلامذة أحمد بن طاووس الحلّي فلا يبعد أنّهما اقتفيا ما خطّه أُستاذهما. لأنّهما جعلا كتابيهما في قسمين وفي بابين: الباب الأوّل، فيمن اعتمدا عليه والباب الثاني فيمن لا يعتمدان عليه.
وأمّا الفروق بينهما فهي:
1. إنّ العلّامة ذكر في القسم الأوّل من يُعمل بروايته، ولذلك كان يذكر في الأوّل الممدوح للعمل بروايته، وكذلك فاسد المذهب، إن عمل بروايته، كابني بكير وفضّال، والموثّقين، وأمّا الذين ليسوا كذلك فتناولهم في القسم الثاني، لعدم العمل بروايتهم.
أمّا الجزء الأوّل من رجال ابن داود فكان فيمن ورد فيه أدني مدح وإن جاء فيه ذمّ كثير ولم يعمل بروايته، والجزء الثاني فيمن ورد فيه أدني ذمّ وإن كان من أوثق الثقات وعمل بخبره، ولذلك جري ذكر بريد العجلي وهشام بن الحكم في البابين.
2. إنّ العلّامة لا يُعَنْوِن المُخْتَلف فيه في القسمين، بل إن رجّح المدح يذكره في الأوّل، وإن رجح الذمّ أو توقّف، يذكره في الثاني. وأمّا ابن داود فيذكر المُخْتَلف فيه في الأوّل باعتبار مدحه، وفي الثاني باعتبار جرحه.
3. كلّما أخذ العلّامة عن المصادر الخمسة، لا يذكر المرجع، بل يذكر قولهم، نعم إذا نقل عن الغيبة، أو ابن عقدة، أو العقيقي، صرّح بالسند، كما إذا كان أصحاب الرجال الخمسة مختلفين في رجل، فإنّه يصرّح بأسمائهم، فإن قال شيئاً وسكت عن سنده، فيظهر منه أنّه مذكور في الكتب الخمسة، ولو لم
ص: 260
نقف عليه في نسختنا، وأمّا ابن داود فيلتزم بذكر جميع مَن أخذ عنه، فلو لم يذكر السند، علم أنّه سقط من نسختنا رمزه، إلّاما كان مشتبهاً عنده فلا يرمز له.
4. إنّ العلّامة اقتصر في القسم الأوّل علي الممدوحين، أمّا ابن داود فقد ذكر المهملين إلي جانبهم، وهم الذين لم يضعّفهم الأصحاب. والمجهول في اصطلاح العلّامة وابن داود هو من صرّحوا بمجهوليّته (مجهول)، والمهمل من لم يذكروا فيه شيئاً إلّاأنّ المتأخّرين كالشهيد، والمجلسي، والمامقاني استعملوا المجهول في الأعمّ.
وفي الختام نقول: إنّ العلّامة الحلّي هو عالم مجتهد في علم الرجال، علميّ التناول، ناقد، جرّاح، معدِّل بعلميّة. وابن داود رجل ناقل، ينقل أقوال العلماء في علم الرجال، ويترك الحكم للقارئ، أي أنّه ما كان مجتهداً في علم الرجال، ومعدِّلاً جرّاحاً، والشاهد علي هذا هو أنّ الرواة الذين اختلف المصنّفون والرجاليّون فيهم، فبعضهم جرّح، وبعضهم عدّل، أو الرجال الذين ورد فيهم المدح والذمّ كمفضّل بن عمر، ومحمّد بن سنان وغيرهم، الذين وردت فيهم روايات مادحة وروايات تذمّهم، فالعلّامة الحلّي كان يختار من الجرح والتعديل ما قام عليه الدليل، فهو يتّبع الدليل، سواء كان جرحاً أو تعديلاً، فإن قام الدليل علي الجرح فيقدّم الجرح، وإن قام علي التعديل فيقدّم التعديل، فيذكر الراوي معدّلاً في القسم الأوّل، ويذكر الراوي مجروحاً في القسم الثاني.
وأمّا ابن داود فهو قد نظر إلي الروايات والأدلّة والأقوال الواردة في الجرح والتعديل، فإن كان معدّلاً بأدلّة التعديل يذكره في القسم الأوّل من كتابه، وإن كان مجروحاً بأدلّة الجرح، يذكره في القسم الثاني من كتابه، ولم يرجّح أحداً من الصنفين، وهذا هو السرّ الجوهري في الفرق بين رجال العلّامة ورجال ابن
ص: 261
داود، مع أنّ كليهما تأثّرا بأُستاذهما وهو السيّد ابن طاووس الحلّي (أحمد بن طاووس الحلّي المتوفّي سنة 673 ق) الخرّيت الرجاليّ.
القسم الأوّل:
19. إسماعيل بن عليّ العمي - بالعين غير المعجمة المفتوحة والميم المخفّفة(1) - أبو عليّ البصريّ أحد شيوخنا البصريّين. ثقة(2). (ثق)
20. إسماعيل بن عمّار أخو إسحاق.
روي الكشّيّ حديثاً في طريقه ضعف أنّ الصادق عليه السلام كان إذا رآهما قال:
«وقد يجمعهما (إليه)(3) لأقوام» - يعني الدنيا والآخرة(4) -.
وقد ذكرنا سند الحديث في الكتاب الكبير، والأقوي عندي التوقّف في روايته حتّي تثبت عدالته. (ضع)
21. إسماعيل بن عمر بن أبان الكلبيّ: واقفيّ، روي أبوه عن أبي عبداللّه، وأبي الحسن عليهما السلام، وروي هو عن أبيه(5). (ضع)
22. إسماعيل بن الفضل بن يعقوب بن الفضل بن عبداللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب: من أصحاب أبي جعفر الباقر عليه السلام ثقة، من أهل البصرة(6). روي: أنّ الصادق عليه السلام قال: «هو كهلٌ من كهولنا، وسيّد من
ص: 262
ساداتنا»(1) وكفاه بهذا شرفاً مع صحّة الرواية. (ثق)
23. إسماعيل بن قتيبة - بضمّ القاف وفتح التاء بعده المنقّطة فوقها نقطتين، ثمّ الياء المنقّطة تحتها نقطتين الساكنتين، ثمّ الباء المنقّطة تحتها نقطة واحدة المفتوحة(2) - مجهول من أصحاب الرضا عليه السلام(3). (ضع)
24. إسماعيل القصير بن إبراهيم بن بزّة(4): كوفيّ، ثقة(5). (ثق)
25. إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين عليه السلام، ثقة، روي عن جدّه إسحاق بن جعفر، وعن عمّ أبيه عليّ بن جعفر(6). (ثق)
26. إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل بن هلال المخزومي، أبو محمّد، وجه أصحابنا المكّيّين، كان ثقة فيما يرويه، قدم العراق وسمع أصحابنا منه، مثل:
أيّوب بن نوح، والحسن بن معاوية، ومحمّد بن الحسين، وعليّ بن الحسن بن فضّال(7). (ثق)
27. إسماعيل بن محمّد الحميري(8) - بالحاء المهملة المكسورة والميم الساكنة والياء المنقّطة تحتها نقطتين بعدها راء(9) - ثقة، جليل القدر، عظيم الشأن5.
ص: 263
والمنزلة رحمه اللّه تعالي. (ثق)
28. إسماعيل بن مهران - بكسر الميم وسكون الهاء بعدها راء، ثمّ ألف، ثمّ نون(1) - (بن محمّد)(2) بن أبي نصر(3) السكوني، واسم أبي نصر زيد، مولي، كوفيّ، يكنّي أبا يعقوب، ثقة، معتمد عليه(4). وروي عن جماعة من أصحابنا عن أبي عبداللّه عليه السلام، ذكره أبو عمرو(5) في أصحاب الرضا عليه السلام(6).
القسم الثاني من الخلاصة
الباب الأوّل: هارون
وفيه تسمية رجالٍ وهم:
1. هارون الجبليّ (7)، من أصحاب الباقر عليه السلام، مجهول(8). (ضع)
2. هارون بن الجهم بن ثوير(9) بن أبي فاختة سعيد بن جهمان، مولي أُمّ هاني بنت أبي طالب، وأبو الجهم(10) روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، كوفيّ ثقة(11).
(ثق)8.
ص: 264
3. هارون بن الحسن بن محبوب بن وهب بن جعفر بن وهب البجليّ، مولي حارث(1) بن عبداللّه، ثقة، صدوق، روي عن أبيه، وعن الرجال(2). (ثق)
4. هارون بن حمزة الغنوي - بالغين المعجمة والنون - الصيرفي، كوفيّ، ثقة، عين، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام(3). (ثق)
5. هارون بن خارجة - بالخاء المعجمة أوّلاً، والجيم بعد الراء - كوفيّ، ثقة(4). (ثق)
6. هارون بن سعد، زيديّ (5). (ضع)
7. هارون بن عبدالعزيز، أبو عليّ الأراجنيّ (6) الكاتب، مصريّ، كان وجهاً في زمانه، مدحه المتنبّي، وله ابن اسمه عليّ، وكان حسن التخصيص بمذهبنا(7). (ثق)
8. هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب، السرّمن رآئي، كان ينزلها، وأصله الأنبار(8)، يكنّي أبا القاسم، ثقة، وجه، وكان له مذهب في الجبر والتشبيه، لقي أبا محمّد وأبا الحسن عليهما السلام(9). (ثق)8.
ص: 265
9. هارون بن موسي بن أحمد بن سعيد (بن سعيد)(1) من بني شيبان التّلّعكبريّ (2)، يكنّي أبا محمّد، جليل القدر، عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النظير(3) (ثقة)(4) وجه أصحابنا، معتمد عليه، لا يطعن عليه في شيء، مات سنة خمس وثمانين وثلاثمائة رحمه الله(5). (ثق)
10. هاشم بن أبي هاشم، مجهولٌ؛ قاله الشيخ رحمه الله(6).
وروي الكشّي عن محمّد بن قولويه والحسين بن الحسن بن بندار قالا:
حدّثنا سعد بن عبداللّه، قال: حدّثني إبراهيم بن مهزيار ومحمّد بن عيسي بن عبيد، عن عليّ بن مهزيار، عن أبي جعفر عليه السلام(7): إنّ هاشم بن أبي هاشم ملعون(8)، وهذا طريق واضح يدلّ علي ضعف المشار إليه. (ضع)
واسم كتابه «مجمع الرجال»، والمؤلّف - أي عناية اللّه القهبائي - من تلاميذ الأردبيلي والمولي حسين التستري والشيخ البهائي(9).
وقد جمع المؤلّف في كتابه جميع ما في الأُصول الأربعة، وما في رجال ابن
ص: 266
الغضائري، فرتّب أوّلاً الرواة علي ترتيب حروف الهجاء من الألف إلي الياء، ثمّ قام بتذييل عنوان كلّ راوٍ حسب ما ذكره الكشّيّ، ثمّ النجاشي، ثمّ ما ذكره الشيخ في الفهرست والرجال، والأُصول الأربعة، ثمّ ابن الغضائري.
وثانياً: تناول ما جمعه أُستاذه المولي حسين التستري من كلمات ابن الغضائري. وهو أوّل من جمع كلمات الغضائري بعد ضياعها في عصر أحمد ابن طاووس الحلّي، فكتاب ابن الغضائري كان بلا شكّ موجوداً في ذلك الزمان، لأنّ العلّامة وأُستاذه أحمد بن طاووس ينقلان عنه، ولكن حلّ الإشكال تأليف الحلّي (أحمد بن طاووس) ليس بين أيدينا الآن، بل ما وجد منه هو التحرير الطاووسي، الذي حرّره الشيخ حسن العاملي صاحب المعالم.
وثالثاً: اجتنب أن يورد في المواضيع الرجاليّة نفياً أو إثباتاً، نقداً أو إيراداً، بل اقتصر علي ما ذكره القدماء دون أيّ نقاشٍ ونقدٍ.
ورابعاً: تطرّق في الحواشي إلي ما يفيد أنّه رجاليّ بحت، فيذكر مثلاً في هامش ترجمته لإسحاق الصيرفي والساباطي، هل هما شخص واحد أو اثنان، هل هما عنوان لمعنون واحد أو لمعنونين، فهو يري أنّ الصيرفي غير الساباطي، وآية اللّه الخوئي يري أنّهما شخص واحد.
(كش) في حريز بن عبداللّه السجستاني.
حمدويه ومحمّد قالا: حدّثنا محمّد بن عيسي، عن صفوان، عن عبدالرحمن بن الحجّاج قال: استأذن فضل البقباق لحريز علي أبي عبداللّه عليه السلام فلم يأذن له، فعاوده فلم يأذن له، فقال له: أيّ شيء للرجل أن يبلغ من عقوبة
ص: 267
غلامه؟ فقال: «علي قدر جريرته». فقال: قد عاقبت واللّه حريزاً بأعظم ممّا صنع! فقال: «ويحك! أنّي فعلت ذلك؟ إنّ حريزاً جرّد السيف». قال: ثمّ قال:
«لو كان حذيفة ما عاودني فيه بعد أن قلت له: لا».
محمّد بن نصير قال: حدّثني محمّد بن عيسي، قال: حدّثني يونس بن عبدالرحمن قال: قلت لحريز يوماً: يا أبا عبداللّه، كم يجزيك أن تمسح من شعر رأسك في وضوء الصلاة؟ قال: بقدر ثلاث أصابع - وأومأ بالسبّابة والوسطي والثالثة - وكان يونس يذكر عنه فقهاً كثيراً.
محمّد بن مسعود قال: حدّثني جعفر بن أحمد بن أيّوب، قال: حدّثني العمركي، قال: حدّثني أحمد بن شيبة، عن يحيي بن المثنّي، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن حريز قال: دخلت علي أبي حنيفة وعنده كتب كادت تحول فيما بيننا وبينه، فقال لي: هذه الكتب كلّها في الطلاق، و أنتم ما عندكم؟ - وأقبل يقلّب بيده -. قال: قلت: نحن نجمع هذا كلّه في حرف. قال: وما هو؟ قلت: قوله تعالي: «يا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ اَلنِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا اَلْعِدَّةَ»(1) .
فقال لي: وأنت لا تعلم شيئاً إلّابرواية؟ قلت: أجل. فقال لي: ما تقول في مكاتب كانت مكاتبته ألف درهم، فأدّي تسعمائة وتسعة وتسعين درهماً ثمّ أحدث - يعني الزنا - كيف نحدّه؟ فقلت: عندي بعينها حديث: حدّثني محمّد ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنّ عليّاً عليه السلام كان يضرب بالسوط، ويثلّثه، وينصّفه ويبعّضه بقدر أدائه.1.
ص: 268
فقال لي: أمّا إنّي أسألك عن مسألة لا يكون فيها شيء، فما تقول في جمل أُخرج من البحر؟ فقلت: إن شاء فليكن جملاً وإن شاء فليكن بقرة؛ إن كان عليه فلوس أكلناه وإلّا فلا.
حمدويه وإبراهيم قالا: حدّثنا محمّد بن عيسي، عن يونس قال: قلت لحريز يوماً: يا أبا عبداللّه، كم يجزيك أن تمسح علي شعر رأسك في وضوء الصلاة؟ قال: بقدر ثلاث أصابع - وأومأ بالسبابة والوسطي والثالثة - وزعم حريز أنّ ذلك برواية، وكان يونس يذكر عنه فقهاً كثيراً.
حريز بن عبداللّه الأزري عربيّ، كوفيّ، انتقل إلي سجستان فقُتِل بها رحمه الله، وتقدّم في حذيفة بن منصور، وسيذكر إن شاء اللّه تعالي في زرارة وفي عبداللّه ابن مسكان.
ق - حريز بن عبداللّه السجستاني مولي الأزد، وسيذكر إن شاء اللّه تعالي عن (لم) في عليّ بن داود الحدّاد.
ست - حريز بن عبداللّه السجستاني، ثقة، كوفيّ، سكن سجستان، له كتب منها كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب النوادر، تعدّ كلّها في الأُصول. أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان، عن جعفر بن محمّد بن قولويه، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد العلوي الموسوي، عن ابن نهيك، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز.
وأخبرنا عدّةٌ من أصحابنا، عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه وعبداللّه بن جعفر، ومحمّد بن يحيي، وأحمد بن إدريس وعليّ ابن موسي بن جعفر كلّهم، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، وعليّ
ص: 269
ابن حديد، وعبدالرحمن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسي الجهني، عن حريز.
وأخبرنا الحسين بن عبيداللّه، عن أبي محمّد الحسن بن حمزة العلوي، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن حريز.
جش - حريز بن عبداللّه السجستاني، أبو محمّد الأزدي، من أهل الكوفة أكثر السفر والتجارة إلي سجستان فعرف بها، وكانت تجارته في السمن والزيت.
قيل: روي عن أبي عبداللّه عليه السلام. وقال يونس: لم يسمع من أبي عبداللّه عليه السلام إلّا حديثين. وقيل: روي عن أبي الحسن موسي عليه السلام ولم يثبت ذلك، وكان ممّن شهر السيف في قتال الخوارج بسجستان في حياة أبي عبداللّه، وروي أنّه جفاه، وحجبه عنه. له كتاب الصلاة كبير، وآخر ألطف منه، وله كتاب النوادر؛ فأمّا الكبير فقرأناه علي القاضي أبي الحسين محمّد بن عثمان قال: قرأته علي أبي القاسم جعفر بن محمّد بن عبيداللّه الموسوي، قال: قرأت علي مؤدّبي أبي العبّاس عبيداللّه بن أحمد بن نهيك، قال: قرأت علي ابن أبي عمير، قال: قرأت علي حمّاد بن عيسي، قال: قرأت علي حريز.
وأخبرنا الحسين بن عبيداللّه قال: حدّثنا أبوالحسين محمّد بن الفضل بن تمّام من كتابه وأصله، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن يحيي الأنصاري المعروف بابن أخي رواد، من كتابه في جمادي الأُولي سنة تسع وثلثمائة، قال: حدّثنا عليّ بن مهزيار أبوالحسن في المحرّم سنة تسع وعشرين ومأتين وكان نازلاً في خان عمرو، عن حمّاد، عن حريز بالنوادر، وسيذكر إن شاء اللّه تعالي في حمّاد بن عيسي.
ص: 270
منهج المقال هو من تأليف الميرزا محمّد علي الإسترآبادي، وإسترآباد هي التي اشتهرت بجرجان (گرگان)، وله رجال وسيط وهو ملخّص المقال، ورجال وجيز، كما أنّ الأوّل معروف بالرجال الكبير(1). والإسترآبادي هو أوّل من أسّس مبدأ توثيق الرواة اعتماداً علي القرائن، فلذلك اهتمّ في كتابه هذا بجمع القرائن من الكتب الرجاليّة والحديثيّة والفقهيّة والتاريخيّة وغيرها. وهناك طرق لتوثيق الرواة، منها: نصّ الإمام عليه السلام وهو أعلي مراتب التوثيق، وتوثيق الإمام - كونه إمام التوثيق - ونصّ الرجاليّ من المتقدّمين أو المتأخّرين أو كليهما، والقرائن.
وعن هذا يقول آية اللّه البروجردي: إنّ التوثيق الحاصل من القرائن أعلي من النصّ الرجالي؛ فهذا إبراهيم بن هاشم القمّي ذُكر في الكتب الرجاليّة ولم يوثّقوه، وقال النجاشي: أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم هو، وقال الشهيد
ص: 271
الثاني: هو ممدوح، فلذلك عُدَّ حديثه حسناً، وانتقد من قِبل العلّامة الحلّي والشهيد الأوّل اللَّذَين عَدّا حديثه من الصحيح(1)، وأمّا عدّ حديثه صحيحاً بملاحظة أنّه لم يوثّق اصطلاحاً، ولم ترد فيه ألفاظ التوثيق (ثقة، حجّة، صحيح، ثبت، ونظيرها).
وأمّا من قال إنّه ثقة وعدّ حديثه صحيحاً فقد اعتمد علي القرائن. فعن النجاشي فيه: إبراهيم بن هاشم أبو إسحاق القمّي، أصله كوفيّ، انتقل إلي قم، قال أبو عمرو الكشّي: تلميذ يونس بن عبدالرحمن، من أصحاب الرضا عليه السلام، وقول الكشّي، هذا فيه نظر، وأصحابنا يقولون: أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم هو. وذكر نظيره الشيخ الطوسي في الفهرست. وذكر العلّامة الحلّي في خلاصة الرجال: لم أقف لأحد من أصحابنا علي قول في القدح فيه، ولا علي تعديل بالتنصيص، والروايات عنه كثيرة، والأرجح قبول روايته، ولكن لا ينبغي الشكّ في وثاقة إبراهيم بن هاشم، ويدلّ علي ذلك أُمور:
1. أنّه روي عنه ابنه عليّ في تفسيره كثيراً، وقد التزم في أوّل كتابه بأنّ ما يذكره فيه قد انتهي إليه بواسطة الثقات(2).
2. أنّ السيّد ابن طاووس وهو عليّ بن طاووس الحلّي خرّيت الحديث، ادّعي الاتفاق علي وثاقته حيث قال عند ذكره رواية عن أمالي الصدوق في سندها إبراهيم بن هاشم: ورواة الحديث ثقات بالاتّفاق. قال هذا في ذيل رواية3.
ص: 272
في فلاح السائل(1).
3. إنّه أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم(2)، والقميّون قد اعتمدوا علي رواياته، وفيهم من هو مستصعب في أمر الحديث، فلو كان فيه شائبة الغمز لم يكن يتسالم عن أخذ الرواية عنه، وقبول قوله.
4. إنّه وقع في أسناد كامل الزيارات، وقد شهد أبوالقاسم جعفر بن محمّد ابن قولويه بوثاقة جميع من وقع في سند كتابه المنتهية روايتهم إلي المعصوم عليه السلام(3).
5. إنّه قد عَدّ حديثه العلّامة الحلّي والشهيد الأوّل صحيحاً، وعدّا الطرق التي وقع فيها صحيحة.
6. إنّه كثير الرواية، فقد روي ابنه عليّ بن إبراهيم القمّي عنه روايات تبلغ 6214 حديثاً في الكافي، وروي عنه الكليني بواسطة ابنه، فهو أكثر رواية في الكافي. قال آية اللّه الخوئي: وقع إبراهيم بن هاشم في إسناد كثير من الروايات، تبلغ ستّة آلاف وأربعمائة وأربعة عشر حديثاً، ولا يوجد مثله في كثرة الرواية، فإنّ من الرجاليّين استندوا إلي هذه القرينة برواية رُويت عن الصادق عليه السلام «اعرفوا منازل الرواة عندنا علي قدر روايتهم عنّا»(4)، وبل اعتمد بعض الرجاليّين علي هذا بعنوان القاعدة للتوثيق(5).6.
ص: 273
وهذا عمر بن حنظلة، لم يرد فيه أيّ توثيق؛ وهو مجهول عند القدماء، وصرّح الشهيد الثاني في كتابه الدراية: أنّي فهمت توثيقه واستشكل عليه ابنه الشيخ حسن العاملي في مقدّمة منتقي الجُمان بقوله: لا أدري من أيّ وجه استدلّ أبي علي توثيقه وكيف كان. وقد استدلّ علي توثيقه بوجوه:
الأوّل: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسي، عن يونس، عن يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت. فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «إذاً لا يكذب علينا»(1).
الثاني: ما رواه الصفّار عن الحسن بن عليّ بن عبداللّه، عن الحسين بن عليّ ابن فضّال، عن داود بن أبي يزيد، عن بعض أصحابنا، عن عمر بن حنظلة قال:
قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّي أظنّ أنّ لي عندك منزلة، قال: «أجل»(2).
الثالث: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «يا عمر، لا تحمِّلوا علي شيعتنا وارفقوا بهم؛ فإنّ الناس لا يحتملون ما تحملون»(3).
الرابع: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن سنان، عن محمّد بن مروان العجلي، عن عليّ بن حنظلة قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «اعرفوا منازل الناس علي قدر روايتهم عنّا»(4).3.
ص: 274
دلّت الرواية علي أنّ كثرة رواية شخص عن المعصومين عليهم السلام تدلّ علي عظمة مكانته، ومن الظاهر أنّ عمر بن حنظلة كثير الرواية.
الخامس: أنّ المشهور عملوا برواياته، ومِن هُنا سمّوا روايته في الترجيح عند تعارض الخبرين بالمقبولة.
السادس: أنّ الأجلّاء كزرارة، وعبداللّه بن مسكان، وصفوان بن يحيي وأضرابهم قد رووا عنه.
هذه بعض الوجوه التي استدلّوا بها علي توثيق عمر بن حنظلة، وقد أجاب عنها السيّد الخوئي:
فالأوّل: أنّ الرواية ضعيفة السند؛ فإنّ يزيد بن خليفة واقفيّ لم يوثَّق، فلا يصحّ الاستدلال بها علي شيء.
والثاني: والجواب عنه ظاهر؛ فإنّ الرواية عن نفس عمر بن حنظلة، علي أنّها ضعيفة، ولا أقلّ من جهة الإرسال، مضافاً إلي أنّها لا تدلّ علي الوثاقة.
والثالث: والجواب أنّ ذلك شهادة عن عمر بن حنظلة لنفسه، وهي غير مسموعة.
والرابع: والجواب أنّ الرواية ضعيفة بسهل بن زياد وبابن سنان؛ فإنّه محمّد ابن سنان بقرينة سهل بن زياد عنه، ومحمّد بن مروان العجلي مجهول، هذا، مع أنّ كثرة الرواية، إذا لم يعلم صدق الراوي لا تكشف عن عظمة الشخص بالضرورة.
والخامس: والجواب أنّ الصغري غير متحقّقة، وتسمية واحدة من رواياته بالمقبولة لا تكشف عن قبول جميع رواياته، وعلي تقدير تسليم الصغري
ص: 275
فالكبري غير مسلّمة؛ فإنّ عمل المشهور لا يكشف عن وثاقة الراوي، فلعلّه من جهة البناء علي أصالة العدالة من جمع وتبعهم الآخرون.
والجواب عن السادس - أنّ الأجلّاء كزرارة، وعبداللّه بن مسكان، وصفوان ابن يحيي وأضرابهم قد رووا عنه -: أنّ رواية الأجلّاء لا تدلّ علي الوثاقة(1).
هذه هي ملاحظات السيّد الخوئي علي الأدلّة، وأصحاب القرائن يقولون: إنّ هذه الأُمور، وإن لم تدلّ كلّ منها علي توثيقه، ولكن يحصل من جميعها التوثيق فهي قرائن، ولا يعتبر كلّ منها قاعدة، إضافة إلي أنّ هذه الأُمور عند أصحاب القرائن مقبولة، فإنّ نقل الأجلّة عن الراوي، قاعدة مهمّة عندهم، وهكذا عمل الأصحاب بروايته، فإنّ السيّد الخوئي قال في الأُصول (مصباح الأُصول): إنّه لم يرد علي توثيقه دليل، ولكنّهم عملوا بروايته المقبولة قديماً وحديثاً.
وقال العلّامة المولي أحمد الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: فيها فروع أفتي الفقهاء بها، ولم يرد في أيّ رواية، فهي مصدر وحيد للفتاوي.
وعن هذا قال السيّد محمّد باقر الصدر - أحد تلامذة السيّد الخوئي - في ذيل البحث عن المقبولة: أمّا المقبولة فقد يقال بسقوط سندها عن الحجيّة أيضاً، باعتبار عدم ورود توثيق بشأن عمر بن حنظلة، وإن كان الأصحاب قد عملوا بمفادها فسُمّيت بالمقبولة؛ غير أنّ الصحيح - بناء علي القاعدة المختارة لنا في الرجال من توثيق من ينقل عنه أحد الثلاثة - صحّة سندها، وذلك باعتبار ما ورد في رواية ليزيد بن خليفة أنّه قال للإمام عليه السلام: «جاءنا عمر بن حنظلة بوقت7.
ص: 276
عنك»، فأجاب عليه السلام: «إذاً لا يكذب علينا»(1) وهو ظاهر في أنّ عمر بن حنظلة كان ثقة عند الإمام عليه السلام، إلّاأنّ يزيد بن الخليفة هذا ممّن لا توجد شهادة بتوثيقه وإنّما يمكن توثيقه بالقاعدة المذكورة، حيث قد روي عنه صفوان بن يحيي - وهو أحد الثلاثة - بسند معتبر في باب كفّارة الصوم من الكافي(2).
فثبت بذلك وثاقته، وبروايته تثبت وثاقة عمر بن حنظلة أيضاً؛ فالمقبولة صحيحة سنداً.
يعدّ تنقيح المقال أكبر موسوعة رجاليّة لدي الشيعة الإماميّة، حيث جمع فيه المصنّف العلّامة الرجالي الشيخ عبداللّه المامقاني(3) كلّ ما ورد في الرواة، وتميّز كتابه هذا بخصائص، منها:
1. إنّه ضبط أسماء الأعلام الرجاليّة، وهو من بين كتب الإماميّة التي لا نجد لها نظير من حيث ضبط إعراب حروف الرجال، نعم، قد ضبط العلّامة الحلّي بعض الأسماء في إيضاح الاشتباه.
وهذا جزء من البحث الذي يتناوله علم الدراية، والمعروف بالمؤتلف والمختلف، فعن العلّامة شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني في شرح النخبة: وإن اتّفقت الأسماء خطّاً واختلفت نطقاً؛ سواء كان مرجع الاختلاف النَقْط أو الشَكْل فهو المؤتلف والمختلف، ومعرفته من مهمّات هذا الفنّ، حتّي قال عليّ بن المديني: أشدّ التصحيف ما يقع في الأسماء، ووجّهه بعضهم بأنّه
ص: 277
شيء لا يدخله القياس، ولا قبله شيء يدلّ عليه ولا بعده.
وقد صنّف فيه أبو أحمد العسكري وأضافه إلي كتاب التصحيف له، ثمّ أفرده بالتأليف عبد الغني بن سعيد فجمع فيه كتابين: كتاب في مُشْتَبِه الأسماء، وكتاب في مشتَبِه النسبة.
وجمع شيخه الدارقطني في ذلك كتاباً حافلاً، ثمّ جمع الخطيب ذيلاً، ثمّ جمع الجميع أبو نصر بن ماكولا في كتابه الإكمال، واستدرك عليهم في كتاب آخر فجمع فيه أوهامهم وبيّنها، وكتابه من أجمع ما جُمع في ذلك وهو عمدة كلّ محدّث بعده، وقد استدرك عليه أبوبكر بن نقطة ما فاته، أو تجدد بعده في مجلّد ضخم ثمّ ذيّل عليه منصور بن سَليم - بفتح السين - في مجلّد لطيف، وكذلك أبو حامد ابن الصابوني، وجمع الذهبي في ذلك كتاباً مختصراً جدّاً اعتمد فيه علي الضبط بالقلم، فكَثُر فيه الغلط والتصحيف المباين لموضوع الكتاب، وقد يسّر اللّه تعالي بتوضيحه بكتاب سمّيته ب «تبصير المُنْتَبه بتحرير المشتبه» وهو مجلّد واحد وضبطته بالحروف علي الطريقة المرضيّة، وزدت عليه شيئاً كثيراً مهمّاً أهمله، أو لم يقف عليه، وللّه الحمد علي ذلك(1).
أقول: ما قاله ابن حجر مطبوع عندنا، فالكتاب هذا تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، طُبع في أربعة أجزاء في مصر. بتحقيق محمّد علي النجّار، وعليّ محمّد البجاوي، ولكتاب الذهبي شرح آخر موجود عندنا وهو توضيح المشتبه، ألّفه الحافظ شمس الدين أبوعبداللّه محمّد بن عبداللّه بن محمّد بن أحمد بن مجاهد القيسي الدمشقي الشافعي، المعروف بابن ناصر الدين،0.
ص: 278
المتوفّي سنة 842 ه وطبع في ثلاثة مجلّدات.
وأمّا الإكمال لابن ماكولا، فاسمه الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف، فهذا الكتاب ليس بصدد التوثيق والتضعيف بل هو بصدد ضبط الأسماء، طبع في سبع مجلّدات، وله تكملة طبعت باسم «تكملة الإكمال» للحافظ أبي بكر محمّد بن عبد الغني البغدادي الحنبلي المعروف بابن نقطة وطبع في ستّ مجلّدات، وعن الشهيد الثاني في الرعاية مع الأمثلة:
[6] (وإن اتّفقت الأسماء خَطّاً واختلفت نطقاً) سواءٌ كان مَرجِعُ الاختلاف إلي النُقَطِ أم الشكل (فهو) النوع الذي يقال له: (المُؤتلف والمُختلف).
ومعرفتُه من مهمّات هذا الفنّ، بما أنّ أشدَّ التصحيف ما يقع في الأسماء؛ لأنّه شيء لا يدخله القياس، ولا قبلَه شيءٌ يدلّ عليه ولا بعدَه، بخلاف التصحيف الواقع في النصّ.
وهذا النوعُ شائع جدّاً، لا يضبط تفصيلاً إلّابالحفظ.
مثاله: جَرير، وحَريز، الأوّل بالجيم والراء، والثاني بالحاء والزاي.
فالأوّل جَرير بن عبداللّه البجلي صحابيّ. والثاني: حريز بن عبداللّه السجستاني، يروي عن الصادق عليه السلام. فاسم أبويهما واحد، واسمَيهما مؤتلف، والمائز بينهما الطبقة، كما ذكرناه.
ومثل: بُرَيْد، ويَزيد. الأوّل بالباء والراء. والثاني بالياء المثنّاة والزاي. وكلٌّ منهما يُطلق علي جماعةٍ.
والمائز قد يكون من جهة الآباء؛ فإنّ «بُريد» بالباء الموحّدة ابن معاوية العجلي، وهو يروي عن الباقر والصادق عليهما السلام، وأكثر الإطلاقات محمولةٌ عليه.
ص: 279
و «بُريد» أيضاً بالباء، الأسلمي، صحابي، فيتميّز عن الأوّل بالطبقة.
وأمّا «يَزيد» بالمثناة تحته، فمنه يزيد بن إسحاق شَعر، وما رأيتَه مطلقاً فالأب واللقب مميّزان. ويزيد أبو خالد القمّاط يتميّز بالكنية وإن شارك الأوّل في الرواية عن الصادق عليه السلام. وهؤلاء كلُّهم ثقاتٌ.
وليس لنا «بُريد» بالموحّدة في باب الضعفاء، ولنا فيه «يزيد» متعدّداً، ولكن يتميّز بالطبقة والأب وغيرهما مثل: يزيد بن خليفة، ويزيد بن سليط، وكلاهما من أصحاب الكاظم عليه السلام.
ومثل: بُنان وبَيان. الأوّل بالنون بعد الباء، والثاني بالياء المثنّاة بعدها.
فالأوّلُ: غيرُ منسوبٍ، ولكنّه بضمّ الباء ضعيفٌ، لعنه الصادق عليه السلام.
والثاني بفتحها: الجزري كان خيّراً فاضلاً. فبالاشتباه توقف الرواية.
ومثل: حَنَان وحيّان. الأوّل بالنون، والثاني بالياء.
فالأوّل: حنّان بن سدير، من أصحاب الكاظم عليه السلام، واقفيّ.
والثاني: حيّان السرّاج، كيساني، غيرُ منسوب إلي أبٍ، وحيّان العنزي، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، ثقةٌ.
ومثل: بَشّار، ويَسَار. بالباء الموحّدة والشين المعجمة المشدّدة، أو بالياء المثنّاة من تحت والسين المهملة المخفّفة.
الأوّل: بَشّار بن يَسار الضُبيعي، أخو سعيد بن يسار. والثاني: أبوهما.
ومثل: خُثَيْم وخَيْثَم. كلاهما بالخاء المعجمة، إلّاأنّ أحدَهما بضمّها وتقديم الثاء المثلّثة ثمّ الياء المثنّاة من تحتٍ، والآخر بفتحها ثمّ المثنّاة ثمّ المثلّثة.
فالأوّل: أبو الربيع بن خُثيم، أحدُ الزهّاد الثمانية. والثاني: أبو سعيد بن خيثم
ص: 280
الهلالي التابعي، وهو ضعيف.
ومثل: أحمد بن ميثم، بالياء المثنّاة، ثمّ الثاء المثلّثة، أو التاء المثنّاة.
الأوّل: ابن الفضيل بن دُكَين. والثاني مطلق. ذكره العلّامة في الإيضاح.
وأمثال ذلك كثيرةٌ.
وقد يحصل الائتلاف والاختلاف في النسبة والصنعة وغيرهما، كالهَمْداني، والهَمَذاني. الأوّل بسكون الميم والدال المهملة: نسبةٌ إلي هَمْدان، وهَمْدان قبيلةٌ. والثاني بفتح الميم والذال المعجمة: اسمُ بلد.
فمن الأوّل: محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، ومحمّد بن الأصبغ، وسندي بن عيسي، ومحفوظ بن نصر، وخلقٌ كثيرٌ؛ بل هم أكثر المنسوبين من الرواة إلي هذا الاسم، لأنّها قبيلةٌ صالحة تختصّ بنا من عهد أميرالمؤمنين عليه السلام، ومنها الحارث الهَمْداني صاحبُه.
ومن الثاني: محمّد بن عليّ الهَمَذاني، ومحمّد بن موسي، ومحمّد بن عليّ ابن إبراهيم، وكيل الناحية، وابنه القاسم، وأبو عليّ، وجدّه إبراهيم، وإبراهيم بن محمّد، وعليّ بن المسيّب، وعليّ بن الحسين الهَمَذاني، كلّهم بالذال المعجمة.
ومثل: الخرّاز والخزّاز. الأوّل براء مهملة وزاي، والثاني بزايين معجمتين.
فالأوّل لجماعة: منهم: إبراهيم بن عيسي أبو أيّوب، وإبراهيم بن زياد علي ما ذكره ابن داود.
ومن الثاني: محمّد بن يحيي، ومحمّد بن الوليد، وعليّ بن فَضَيْل وإبراهيم ابن سليمان، وأحمد بن النضر، وعمرو بن عثمان، وعبدالكريم بن هليل الجعفي.
ص: 281
ومثل: الحنّاط والخَيّاط. الأوّل بالحاء المهملة والنون، والثاني بالمعجمة والياء المثنّاة من تحت.
والأوّل يُطلق علي جماعةٍ، منهم: أبو وَلّاد الثقة الجليل، ومحمّدُ بنُ مروان، والحسنُ بن عطيّة، وعمرُ بن خالدٍ.
ومن الثاني: عليّ بن أبي صالح بُزُرْج - بالباء الموحّدة المضمونة والزاي المضمومة والراء الساكنة والجيم - علي ما ذكره بعضُهم. والأصحّ أنّه بالحاء والنون كالأوّل.
2. إنّه جمع جميع المرويّات والنصوص الرجاليّة من المتقدّمين والمتأخّرين، وكلّ ما وجد في النصوص الرجاليّة.
3. كان منطلقه توثيق الرواة، ولذلك وظّف جهوده لجمع القرائن من الروايات الضعيفة، وعمل الأصحاب بها، وكلمات الفقهاء وغيرها، فلو كانت هناك قرينة لها دخل في توثيق الراوي كان يذكرها.
4. إنّه لم يطرق باب النقد والبحث، فقد اقتصر علي جمع المطالب المختلفة عن الراوي، ولهذا قام ولده العلّامة محيي الدين المامقاني بتصحيح الكتاب والتعليق عليه، وذكر في تعليقه، نتائج البحث ورأيه في الراوي، هل هو ثقة أم لا.
5. إنّه لم يكتف بنصوص الإماميّة من القدماء والمتأخّرين، بل ذكر كلمات علماء أهل السنّة في الراوي.
6. قد ذكر فضلاً عن رواة الإماميّة، الصحابة أيضاً، فهذه الموسوعة من هذه الجهة هي الوحيدة في ذكر الصحابة، فهو يذكر كلام ابن عبدالبرّ في الاستيعاب،
ص: 282
وكلام شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني في كتبه الرجاليّة الإصابة في تمييز الصحابة وغيرها، وكلام ابن الأثير الجزري في اُسْد الغابة المصنّفات الثلاثة في الصحابة، وغيرها من الكتب المصنّفة عند العامّة.
3. منهج الحائري في منتهي المقال(1)
يمثّل منتهي المقال موسوعة معجميّة في التعريف برجال الإماميّة، لمؤلّفه أبي عليّ محمّد بن إسماعيل الحائري من تلامذة الوحيد البهبهاني، والعلّامة محمّد مهدي بحر العلوم.
ومن خصائص هذا الكتاب:
1. التلفيق لموضوعاته من كتابَي: منهج المقال - للميرزا محمّد الإسترآبادي وهو المعروف بالرجال الكبير - وتعليقة منهج المقال - للمولي الوحيد البهبهاني - فهو تلخيص للكتابين وتحرير جديد، وقد أضاف في مواضع، وهذّب بعضاً آخر.
2. إنّه أهمل ذكر المجهولين في كتابه، معلّلاً ذلك بقوله: ولم أذكر المجاهيل لعدم تعقّل فائدة في ذكرهم، بينما نري أنّ الكتب المؤلّفة قبله وبعده جُلّها قد ذكرت جميع الرواة؛ بما فيهم المجاهيل، ولم يسبقه في ذلك إلّاالمحقّق عبدالنبيّ الجزائري في كتابه: حاوي الأقوال، فإنّه قد أهمل ذكر المجاهيل(2).
ص: 283
وليتهم لم يسقطوهم؛ لأنّهم غير منصوصين بالجهالة من علماء الرجال، بِما في ذكرهم من فوائد كثيرة ولذلك ذكرهم علماء الرجال من أوّل يوم أُلّفت فيه كتب الرجال وإلي عصره وكذا بعد زمانه وإلي هذا اليوم، فمن فوائد ذكرهم:
أوّلاً: أنّه ربّما تظهر للناظر أمارة الوثوق بالمجهول فيعمل بخبره، فلو لم يذكر تنتفي الفائدة والفحص عنه غالباً.
ثانياً: أنّه ربّما كان الأمر مشتركاً بين المجهول وغيره، فمِن عدم الذكر لا يعلم الاشتراك.
ثالثاً: أنّ الفائدة من ذكرهم هي الفائدة في ذكر الموثّق والممدوح والمقدوح وغيرهم، فلو لم يذكر لم تعلم حاله، لمن يريد البحث عن سند الرواية، كما أنّه لا تعلم صفة غيره لو لم يذكر(1).
وكما قالوا: إنّ المنهج السداد، ما أشار إليه المحقّق الداماد في الرواشح السماويّة، في الراشحة الثالثة عشرة حيث قال: المجهول اصطلاحيّ: وهو من حكم أئمّة الرجال عليه بالجهالة؛ كإسماعيل بن قتيبة من أصحاب الرضا عليه السلام، وبشير المستنير الجعفي من أصحاب الباقر عليه السلام.
ولغويٌّ: وهو ليس بمعلوم الحال، لكونه غير مذكور في كتب الرجال، ولا هو من المعهود أمره، المعروف حاله من حال من يروي عنه، من دون حاجة إلي ذكره؛ والأُولي متعيّن بأنّه يحكم بحسبه ومن جهته علي الحديث بالضعف ولا يعلّق الأمر علي الاجتهاد فيه واستبانة حاله علي خلاف الأمر في الثاني؛ إذ ليس يصحّ ولا يجوز بحسبه ومن جهته أن يحكم علي الرواية بالضعف ولا4.
ص: 284
بالصحّة ولا بشيء من مقابلاتها أصلاً ما لم يستبن حاله ولم يتّضح سبيل الاجتهاد في شأنه.
وبالجملة: جهالة الرجل علي معني عدم تعرّف حاله من حيث عدم الظفر بذكره أو بمدحه وذمّه في الكتب الرجاليّة، ليس ممّا يسوغ الحكم بضعف السند أو الطعن فيه، كما ليس يسوغ تصحيحه أو تحسينه وتوثيقه، إنّما تكون الجهالة والإهمال من أسباب الطعن، بمعني حكم أئمّة الرجال علي الرجل بأنّه مجهول أو مهمل، فمهما وجد شيء من ألفاظ الجرح انصرم التكليف بالفحص والتفتيش، وساغ الطعن في الطريق.
فأمّا المجهول والمهمل، لا بالمعني المصطلح عليه عند أرباب هذا الفنّ بالعرف العامي - أعني المسكوت عن ذكره رأساً، أو عن عدم مدحه وذمّه - فعلي المجتهد أن يتتبّع مظانّ استعلام حاله من الطبقات والأسانيد والمشيخات والإجازات والأحاديث والتواريخ وكتب الأنساب وما يجري مجراها، فإن وقع إليه ما يصحّ التعويل عليه فذاك، وإلّا وجب تسريح الأمر إلي بقعة التوقّف(1).
3. أنّه حذف بعض نصوص النجاشي والشيخ من فهرستيهما، ثمّ إنّه أهمل ذكر مؤلّفات الأصحاب والرواة من الأُصول والكتب والنوادر وغيرها، والدافع الأساس في ذلك هو الاختصار، ومراعاة الإيجاز، كما أنّه سلك هذا المسلك كثيرٌ من المصنّفين في علم الرجال، وليعلم أنّ أساس فهرست النجاشي علي ذكر المصنّفات والأُصول، ومنها يمكن متابعة شخصيّة الراوي وعظمته.
4. قد اشتمل علي تعليقة أُستاذه الوحيد البهبهاني كاملة، وبها صار معروفاً0.
ص: 285
عند العلماء، لولا ذلك النقصان.
5. اشتمل علي بحوث دقيقة في تحقيق الرواة، وحلّ التعارض عند الجرح والتعديل، وذكر بعض القرائن علي توثيق الرواة؛ وهذه من الميزات الثلاث في هذا الكتاب(1).
6. رتّب علي طريقة الرمز، وتبع فيه معاصريه والسابقين، بل ابن داود رائد هذا الفنّ، وفي منتهي المقال طبعة مؤسّسة آل البيت عليهم السلام تمّ استخراج المصادر وإيرادها في التعليقات.
7. إنّه ضمّ فوائد تتعلّق بالرجال، ذكر فيها مسائل مفيدة يحتاج كلّ رجاليّ إليها، كمعرفة أسباب التوثيق، وهي في الحقيقة، مقدّمة أُستاذه الوحيد البهبهاني علي تعليقة منهج المقال، والمعروف بالفوائد، وهذه هي المقدّمة الخامسة من الكتاب، وتعدّ المقدّمات، والمقدّمات الأُخري ذُكِرَت بعضها في خاتمة جامع الرواة أيضاً.
8. تمّت فيه الإشارة إلي طبقة الراوي؛ أي مشايخه وتلامذته من كتاب هداية المحدّثين، وهذا الفنّ له دور في معرفة الراوي المشترك.
كما أنّ للكتاب كمالات وميزات أُخري.
والعاص بن سعيد قتله عليّ عليه السلام ببدر، ل(2).
وفي تعق: في المجالس: إنّه وأخويه خالداً وعمراً أبوا بيعة أبي بكر، وتابعوا
ص: 286
أهل البيت عليهم السلام، (وقالوا لهم: إنّكم لطوال الشجر، طيّبوا الثمر، ونحن تبع لكم)(1) وبعدما بايع أهل البيت كُرهاً(2)، بايعوا(3).
13 - أبان بن عبدالرحمن: أبو عبداللّه البصري، أسند عنه، ق (ره).
14 - أبان بن عبدالملك الثقفي: شيخ من أصحابنا، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام كتاب الحجّ، جشن(4).
15 - أبان بن عبدالملك الثقفي: الكوفي، أسند عنه، ق(5).
وربّما يحتمل أن يكون هذا والثقفي واحداً.
16 - أبان بن عثمان الأحمر: البجلي، أبو عبداللّه، مولاهم، أصله الكوفة، وكان يسكنها تارة والبصرة أُخري، وقد أخذ عنه أهلها: أبو عبيدة معمّر بن المثنّي، وأبو عبداللّه محمّد بن سلام، وأكثروا الحكاية عنه في أخبار الشعراء، والنسب، والأيّام.
وروي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن(6) عليهما السلام، ست(7)، جشن، إلّاالكنية(8).
وزاد الأوّل: أخبرنا الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن النعمان رضي الله عنه والحسين بن عبيداللّه، عن محمّد بن عمر بن يحيي العلوي الحسيني، قال: حدّثنا أحمد بن3.
ص: 287
محمّد بن سعيد قراءة عليه.
وأخبرنا أحمد بن محمّد بن موسي، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضّال، قال: حدّثنا محمّد بن عبداللّه بن زرارة، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان.
وفي صه: قال الكشّي: قال محمّد بن مسعود: حدّثني عليّ بن الحسن بن فضّال، قال: كان أبان بن عثمان من الناووسيّة.
ثمّ قال أبو عمرو الكشّي: إنّ العصابة أجمعت علي تصحيح ما يصحّ عن أبان ابن عثمان، والإقرار له بالفقه؛ والأقرب عندي قبول روايته - وإن كان فاسد المذهب - للإجماع المذكور(1).
وفي الكشّي ما ذكره(2).
ولا يخفي أنّ كونه من الناووسيّة، لا يثبت بمجرّد قول عليّ بن الحسن بن فضّال الفطحي، سيّما وقد عارضه الإجماع المنقول بقول الكشّي الثقة، ويؤيّده كونه من أصحاب الكاظم عليه السلام، وكثرة روايته عنه عليه السلام، وأنّه لم يفرّق أحدٌ بينها وبين روايته عن الصادق عليه السلام.
وفي تعق: ترحّم عليه في موضعين من «ست»، وهو يُعطي عدم كونه ناووسيّاً عنده(3)، كما هو الصواب، ويؤيّده روايته أنّ الأئمّة اثنا عشر(4)، وكثرة روايته عن الكاظم عليه السلام.8.
ص: 288
وعن المقدّس الأردبيلي رحمه الله في كتاب: الكفالة من شرح الإرشاد: غير واضح كونه ناووسيّاً، بل قيل: كان ناووسيّاً. وفي «كش» الذي عندي: قيل: كان قادسيّاً أي: من القادسيّة، فكأنّه تصحيف(1)، انتهي.
وفي حاشية الوسيط من المصنّف في بعض النسخ: أنّه من القادسيّة، فلعلّ من قال بكونه ناووسيّاً، رأي كلمة: قادسيّاً، فظنّ: ناووسيّاً، أو كانت في نسخته محرّفة.
وفي المعالم: ما جرح به لم يثبت، لأنّ الأصل فيه عليّ بن الحسن بن فضّال، المتقرّر في كلام الأصحاب أنّه من الفطحيّة، فلو قبل طعنه في أبان لم يتّجه المنع من قبول رواية أبان، إذ الجرح ليس إلّالفساد المذهب، وهو مشترك بين الجارح والمجروح، انتهي.
وفي المعراج: قول عليّ بن الحسن بن فضّال لا يوجب جرحه لمثل هذا الثقة الجليل(2)، انتهي.
قلت: إلي الآن لم أطّلع علي توثيقه، وحكاية إجماع العصابة، ليست التوثيق ولا مستلزمة له، وهو رحمه الله معترف به، نعم يمكن استفادة التوثيق بالمعني الأعمّ، كما مرّ في الفوائد، فلا خلاف بينه وبين كلام عليّ بن الحسن بن فضّال، وسنشير إلي ما يشير إلي التوثيق بالمعني الأخصّ أيضاً.
قال(3): روي الصدوق في المجلس الثاني من أماليه، في الصحيح عن ابن أبي عمير، قال: حدّثني جماعة من مشايخنا، منهم أبان بن عثمان، وهشام بن».
ص: 289
سالم، ومحمّد بن حمران(1)؛ فتدبّر.
وأكثر ابن أبي عمير من الرواية عنه، واعتمد علي روايته الأجلّة.
وصحّح في الخلاصة طريق الصدوق إلي العلاء بن سَيَابة(2)؛ وهو فيه؛ وكذا إلي أبي مريم الأنصاري(3)، وهو فيه، لكنّه قال فيه: إنّه فطحيّ، وهو سهو من قلمه رحمه الله.
وعن المنتهي: أنّه واقفيّ (ره) وهو كسابقه، وإن صحّ إطلاق الواقفيّ علي من يقف علي الصادق عليه السلام، ولكن لم يُعْهَد.
وقال شيخنا البهائي رحمه الله: قد يطلق المتأخّرون - كالعلّامة - علي خبر أبان ونحوه، اسم الصحيح، ولا بأس به(4)، انتهي.
ومنه يظهر الجواب عمّا اعترض علي خَالَي العلّامة رحمه الله بأنّه يُعدّ حديثه صحيحاً، بناءً علي الإجماع المذكور، مع قوله فيه بأنّه موثّق(5).
مع أنّ اختلاف رأي المجتهد، فبابه مفتوح، وتصحيح حديثه غير معلوم كونه في زمان حكمه بالموثّقيّة.
هذا، ويروي عنه: ابن أبي نصر، وجعفر بن بشير، والأوّل لا يروي إلّاعن ثقة، والثاني روي عن ثقات، ورووا عنه. ويروي عنه أيضاً: الوشّاء كثيراً، وكذا فضالة.0.
ص: 290
وفي كلّ ذلك شهادة علي صحّة الإجماع المُدّعي، لا سيّما بعد ملاحظة الإكثار من الرواية عنه، وكون كثير من رواياته مُفتي بها، وإنّ كثيراً منها ظهر أو علم صدقه من الخارج.
وفي ترجمة الحسن بن عليّ بن زياد، ما يظهر منه قوّة كتابه، وصحّته(1).(2)
أقول: ذكره الفاضل الشيخ عبدالنبيّ الجزائريّ في قسم الثقات، ثمّ في قسم الموثّقين، مع إدراجه كثيراً من الممدوحين، بل والموثّقين في قسم الضعاف.
وقال عند ذكره أوّلاً: وممّا يرجع الاعتماد عليه أيضاً: إجازة الصادق عليه السلام له الرواية عنه بواسطة أبان بن تغلب، كما في عبارة الفقيه(3).
ثمّ قال: وبالجملة، روايته لا تقصر عن الصحيح(4).
وقال عند ذكره في القسم الآخر: وذكرناه هنا، لما قيل: إنّه ناووسيّ، كما اعتمده جماعة من المتأخّرين رحمهم الله، انتهي.
ويظهر منه أنّ من سوي جماعة من المتأخّرين يقول بوثاقته، وعدم ناووسيّته، كما صرّح به قُبَيل كلامه هذا حيث قال - بعد نقل ما اشتهر نقله من سؤال فخر المحقّقين والده العلّامة، أجزل اللّه إكرامه وإكرامه عن أبان، وقوله:2.
ص: 291
الأقرب عدم قبول روايته، لقوله تعالي «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ»(1) الآية، ولا فسق أعظم من عدم الإيمان - ما لفظه:
الظاهر أنّ حكمه بعدم إيمانه لقول ابن فضّال، وأنت خبير بحال ابن فضّال هذا، فلا يعارض قوله الإجماع المذكور الثابت بنقل الكشّيّ، علي أنّ مَن قَبِل كلام ابن فضّال، يلزمه قبول قول أبان، لاشتراكهما في عدم الإيمان، وتصريح الأصحاب بتوثيقهما(2)، انتهي.
وما سبق في «تعق» من قوله: حكاية إجماع العصابة إلي آخره، ومن العجيب بعد ذكره آنفاً في معني هذا الإجماع عن بعض: الإجماع علي توثيق الجماعة، وهو الذي اختاره جماعة، فيكون أبان ثقة عند كلّ مَن فسّر العبارة المذكورة بالمعني المذكور، بل وعند من فسّرها بالمعني المشهور أيضاً، لما سيعترف به دام فضله في ترجمة السكوني مِن أنّ الأصحاب رحمهم الله لا يجمعون علي العمل برواية غير الثقة، وأنّ من ادّعي الإجماع علي العمل بروايته، ثقة عند أهل الإجماع؛ فتدبّر.
وفي «مشكا»: ابن عثمان الناووسي المجمع علي تصحيح ما يصحّ عنه، عنه:
عبّاس بن عامر، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، وسنديّ بن محمّد البزّاز، وبكر ابن محمّد الأزدي، ومحمّد بن سعيد بن أبي نصر، والحجّال، وجعفر بن بشير، وأيّوب بن الحرّ - لم أجد روايته عنه - لكن شيخنا ذكرها، وهي تحتمل، لأنّهما في طبقة واحدة لرواية ابن الحُرّ(3)، ومحسن بن محمّد(4)، والحسن بن عليّ ي.
ص: 292
الوشّاء عنه، وعنه فضالة بن أيّوب، والقاسم بن محمّد الجوهري، وعليّ بن الحكم الكوفي، وظريف بن ناصح، وصفوان بن يحيي، وعبداللّه بن المغيرة، ومحمّد بن أبي عمير، وعبيس بن هشام.
وفي التهذيب، رواية أحمد بن حمزة والقاسم بن محمّد، عن أبان بن عثمان(1).
وهو سهو؛ لأنّ المعهود المتكرّر توسّط فضالة بن أيّوب بينهما.
ووقع فيهما رواية موسي بن القاسم، عن أبان بن عثمان رحمه الله أيضاً في مواضع.
وهو سهو أيضاً.
ويظهر بالتصفّح أنّ الواسطة المحذوفة بينهما: عبّاس بن عامر، فإنّه واقع بينهما كثيراً.
وفي التهذيب في كتاب الحجّ، سند هذه صورته: محمّد بن القاسم، عن أبان، عن عبدالرحمن، عن الصادق عليه السلام(2).
قال في المنتقي: ومحلّ التصحيف فيه هو قوله(3): محمّد بن القاسم، فإنّ كونه تصحيفاً لموسي بن القاسم، ممّا لا ريب فيه. وفي الطريق خلل آخر مرّت له نظائر وهو ترك الواسطة بين موسي وأبان، والممارسة تقضي بثبوتها، وقد بينّا فيما سلف أنّ المستفاد من القرائن الكثيرة في مثله كون الواسطة بينهما: عبّاسه.
ص: 293
ابن عامر(1)، انتهي.
ويعرف أيضاً بروايته عن أبي بصير - كأبان بن تغلب - وعن أبي مريم عبدالغفّار، وعن الحارث بن المغيرة، وبريد بن معاوية بن عمّار(2)، ومحمّد الحلبي، وزرارة، وإسماعيل بن الفضل، وعبدالرحمن بن أبي عبداللّه، والفضيل ابن يسار، وأبي العبّاس الفضل بن عبدالملك، وعن ميسر(3)، انتهي(4).
4. منهج العلياري(5) في بهجة الآمال
تأليف المولي عليّ العلياري، ألّفه في خمسة مجلّدات كبار (بسبعة أجزاء)، ثلاثة منها شرح بسيط لزبدة المقال، واثنان شرح لمنتهي المقال، وهي منظومة للشارح تَتِمّ بها منظومة البروجردي، والكتاب مشتمل علي مقدّمة، ويضمّ أحد عشر فصلاً، والفصل الحادي عشر في أصحاب الإجماع.
وأمّا منهجه فهو منهج الإسترآبادي والوحيد، ولم يزد عليهما في منهجه شيئاً.
فمن خصائص كتابه والملاحظات عليه:
1. إعتماده علي نصوص الأئمّة عليهم السلام في التوثيق والتضعيف، ثمّ علي نصوص الرجاليّين كالنجاشي والطوسي والعلّامة.
2. إعتبار توثيقات المتقدّمين والمتأخّرين.
ص: 294
3. إنّه قام بتجميع القرائن، واستخراج الموثوق منها.
4. إنّه مملوء بالرموز.
5. قد استعان مؤلّفه بجميع المؤلّفات الرجاليّة، من القدماء إلي المتأخّرين، فهو بهذا موسوعة رجاليّة.
6. لم يكتف مؤلّفه بذكر الأقوال وحدها بل اجتهد ببيان آرائه في الرجال، فمن جملة ما قام و صرّح وبتّ به:
الف: تعيين الأقوي من الأقوال عند تعارض الجرح والتعديل.
ب: تعيين الراوي المشترك من القرائن كالإسناد، والمشايخ، والطبقات ومتون الروايات.
ج: بيان وشرح كلّ عبارة مشكلة مغلقة في كتب الرجال.
د: السعي والاجتهاد في إخراج المهملين والمجهولين من حالة الإهمال والجهالة إلي حالة التوثيق، كما هو إنجاز المحقّق الرجالي، وبهذا فهو مخالف لما قام به الحائري في كتابه من عدم ذكر المجهولين والمهملين، فهو لم يكتف بذكر أسمائهم فقط، بل قام بذكر أسباب التوثيق والتعديل لهم، بقدر المستطاع.
7. ضبط الأسماء من الرجال والبلاد وغيرها بالحركات، وتوضيح إذا كان هناك من اللغات وأسماء البلاد يحتاج إلي توضيح.
8. الإشارة إلي اختلاف النسخ، وبيان الأصحّ فيها، وخروج العبارات من الغموض والإبهام.
9. الاعتماد في جمع القرائن علي الكتب الحديثيّة والفقهيّة والرجاليّة والتأريخيّة، وتناول كلّ ما يساعد علي الوصول إلي المقصود.
ص: 295
الفصل المتمّم للعشرين: في حمّاد، وفيه سبعة رجال.
ابن أبي طلحة حمّاد ثقة ثمّ الكشّي مدح السمندي حقّقه
حمّاد بن أبي طلحة بيّاع السابريّ، كوفيّ، ثقة، له كتاب يروي عنه جماعة منهم: أحمد بن أبي بشر، أخبرنا أحمد بن محمّد بن هارون، قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا محمّد بن سالم بن عبدالرحمن، قال: حدّثنا أحمد بن أبي بشر، عن حمّاد «جش»(1).
وفي «صه»: حمّاد بن أبي طلحة بيّاع السابري، كوفيّ، ثقة، انتهي(2).
وفي «ق»: حمّاد بن أبي طلحة بيّاع السابري.
وفي «د»: حمّاد بن أبي طلحة بيّاع السابري، كوفيّ، ثقة ثقة، انتهي(3).
وفي الوجيزة: حمّاد بن أبي طلحة، ثقة(4).
وفي «مشكا»: ابن أبي طلحة الثقة، عنه أحمد بن أبي بشر، وهو عن زرارة.
وفي «تعق»: لا يبعد اتّحاد كثير ممّن سمّي بالحمّاد بالآخر ممّا نقل عن «جخ» لما مرّ في آدم بن المتوكّل وإبراهيم بن صالح وغيرهما، انتهي.
حمّاد السمندي: قال الشيخ في الرجال: حمّاد بن عبدالعزيز السمندي الكوفيّ «ق».
وقال النجاشي عند ذكر الفضل بن أبي قرّة: إنّ السمند بلد في آذربايجان.
ص: 296
وفي «صه»: حمّاد السمندي (بالسين غير المعجمة والنون بعد الميم والدال المهملة): روي الكشّيّ حديثاً عن الصادق عليه السلام في طريقه شريف بن سابق التفليسي وقد ضعّفه ابن الغضائري أنّه كان يذكر أمر أهل البيت عليهم السلام ببلاد الشرك ولا يذكر ببلاد الإسلام، حشر أُمّة وحده، وسعي نوره بين يديه، وهذا الحديث من المرجّحات لأنّه من الدلائل علي التعديل، انتهي(1).
وعليها بخطّ الشهيد الثاني في كتاب شيخ السمندلي، وسمّاه أبا عبدالعزيز، انتهي.
وفي الوسيط: كان كوفيّاً، وكان متجره بسمند الخزر.
وفي «د»: حمّاد السمندري «ق، كش» ممدوح، ولم أر في رجال الصادق عليه السلام إلّاحمّاد بن عبدالعزيز السمندلي (باللّام) بخطّ الشيخ رحمه الله، انتهي(2).
وفي «كش»: حدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثني محمّد بن أحمد بن النهدي الكوفي، عن معاوية بن حكيم الدهني، عن شريف بن سابق التفليسي، عن حمّاد السمندري قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّي أدخل إلي بلاد الشرك وأنّ مَن عندنا يقولون: إن مِتَّ ثمّ حشرت معهم. فقال لي: يا حمّاد، إذا كنت ثمّ تذكر أمرنا وتدعو إليه؟ قلت: بلي. قال: فإذا كنت في هذه المدن مدن الإسلام تذكر أمرنا وتدعو إليه؟ قلت: لا، قال فقال لي: إنّك إن مُتّ ثمّ حشرت أُمّة وحدك، وسعي نورك بين يديك، انتهي(3).3.
ص: 297
وفي منتهي المقال: أقول: في نسختين عندي من «جخ»: السمندلي، إلّاأنّ في الاختيار: السمندري، وكذا في «طس».
وفي الوجيزة: وابن عبدالعزيز السمندي(1) بلا راء ولام، وكيف كان فهما واحد كما يفهم من: د، و: ز، أي من زين الدين، فإنّه كتب علي «صه» بخطّه رحمه الله، كما سبق، انتهي. فهو يذكر نصوص الرجاليّين أوّلاً، ويضبط اسم الراوي ثانياً ووثاقته ثالثاً؛ اعتماداً علي النصوص، ويستقصي الأقوال رابعاً، ويبحث عن العناوين المختلفة، واتّحاد معنوناتها خامساً، وبهذا فهو موسوعة في آراء العلماء في الراوي.
وابن شعيب بن نمير صدّقه أمّا ابن ضخمة ففي «جخ» وثّقه
حمّاد بن شعيب أبو شعيب الحمّاني الكوفي أسند عنه «ق، جخ».
وفي «صه»: حمّاد بن شعيب أبو شعيب الحمّاني (بالحاء المهملة والميم المشدّدة والنون بعد الألف) الكوفي، قال ابن عقدة عن محمّد بن عبداللّه بن أبي حكيمة، عن ابن نمير، إنّه صدوق، وهذه الرواية من المرجّحات أيضاً، انتهي(2).
وفي «تعق» فيه ما مرّ من الفائدة الثالثة، وفي «دق، جخ» ممدوح، انتهي.
وكان المدح ليس من المنقول عمّا دلّ عليه العلّامة، كذا في منهج المقال.
حمّاد بن ضخمة الكوفي، روي عنه وهب بن حفص وكان ثقة «ق».
وفي «صه»: حمّاد بن ضخمة (بالضاد المعجمة المفتوحة، والخاء المعجمةن.
ص: 298
ثمّ الميم) الكوفي، روي عنه وهيب بن حفص، وكان ثقة، انتهي(1).
وفي «د»: ابن صمحة (بالمهملة وتسكين الميم والحاء المهملة) الكوفي، كذا رأيته بخطّ بعض مشايخنا، وبعض أصحابنا ضبطه بالمعجمتين «ق، جخ».
وعلي «صه» بخطّ الشهيد الثاني: لم يذكر المصنّف وهيب بن حفص في الكتاب، وقد ذكره النجاشي وقال: إنّه روي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن عليهما السلام ووقف عليه وكان ثقة، وكيف كان، فذكر المصنّف هنا رواية وهيب بن حفص عن حمّاد، لا يظهر له فائدة بجهالة حال المذكور أو ضعفه بالوقف، انتهي.
ولا يخفي أنّ ذلك عبارة الشيخ في كتاب الرجال، والظاهر أنّه نقله كما هو لاحتمال أن يكون المراد توثيق وهيب بن حفص لا حمّاد؛ فتأمّل. علي أنّه ربّما يظهر له فائدة فإنّه يصلح قرينة علي التعيين في بعض الأوقات.
وفي «تعق» قوله: «لاحتمال أن يكون إلخ» لا يقال، فما الوجه في ذكره في القسم الأوّل؛ لأنّ الظاهر، كونه توثيق حمّاد لذكره في عنوانه، وهو يكفي لما مرّ في الفائدة الأُولي، انتهي.
وفي «مشكا»: ابن ضخمة الثقة، عنه وهيب بن حفص.
وفي الوجيزة: وابن ضخمة ثقة(2). فإنّه قد ذكر أوّلاً أنّ حمّاد بن شعيب ممدوح لا موثّق، فحديثه حسن، لا صحيح، ثمّ ذكر ثانياً أنّ لقبه الحمّاني وذكر ضبطه، وثالثاً ظهر من خلال تطوّر كتب علم الرجال أنّه غير مذكور في جوامع المتقدّمين إلّارجال الشيخ، ورابعاً أنّه قد ذكر في كتب المتأخّرين، ومدحهة.
ص: 299
منقول عن ابن عقدة لا عن اجتهاد العلّامة.
ثمّ ابن عثمان حمّاد «ق و ضا» «جش» سبط عمرو ثقة ومرتضي
وفي بعض النسخ بدل البيت هكذا:
أمّا ابن ضخمة ففي «جخ» وثقه ظم ضا ابن عثمان بن عمرو جش ثقه
سبط زياد وهو بالناب اشتهر «جش» ثقة، كش ست وطق صح معتبر
وفي بعض النسخ بدل البيت هكذا:
سبط زياد كش ست الناب ثقه قد أجمعوا صحّة طق محقّقه
حمّاد بن عثمان الناب، ثقة جليل القدر، له كتاب، أخبرنا به عدّة من أصحابنا، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه، والحميري عن محمّد بن الوليد الخزّاز، عن حمّاد بن عثمان. وأخبرنا ابن ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، والحسن بن عليّ بن فضّال، عن حمّاد بن عثمان.
وفي «صه»: حمّاد بن عثمان الناب، ثقة، جليل القدر، من أصحاب الرضا، ومن أصحاب الكاظم عليهما السلام، والحسين أخوه وجعفر أولاد عثمان بن زياد الرواسي فاضلون، خيار، ثقات، قاله الكشّيّ عن حمدويه عن أشياخه، قال:
وحمّاد ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، والإقرار له بالفقه،
ص: 300
انتهي(1).
وفي «ق»: حمّاد بن عثمان ذوالناب، مولي غني، كوفيّ.
وفي «ظم»: ابن عثمان لقبه الناب، مولي الأزد كوفيّ، له كتاب.
وفي «ضا»: ابن عثمان من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، انتهي.
وفي «كش»: حمدويه قال: سمعت أشياخي يذكرون أنّ حمّاداً وجعفراً والحسين بن عثمان بن زياد الرواسي، وحمّاد يُلقَّب بالناب، كلّهم ثقات خيار فاضلون، حمّاد بن عثمان مولي غني، مات سنة تسعين ومائة بالكوفة، انتهي.
وأمّا عبارته في نقل الإجماع فقد سبقت في جميل وأبان.
وفي «د»: حمّاد بن عثمان الناب «ق، ظم، ضا، جخ، ست» يعرف بالناب، كان يسكن عرزم، يُنسب إليها، هو وأخوه عبداللّه ثقتان، رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام، واختصّ حمّاد بروايته عن «ظم و ضا»، مات سنة تسعين ومائة بالكوفة، وحسين أخوه خيّر فاضل، وحمّاد ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، انتهي.
وفي الوجيزة: وابن عثمان الناب ثقة أجمعت العصابة.
وفي «تعق»: حمّاد بن عثمان الناب، وفي «كش» إلي قوله: حمّاد بن عثمان مولي غني إلخ. الظاهر من العبارة كونه غير الناب، ولا يبعد كونه الفزاري بقرينة موته في الكوفة في السنة المذكورة في كليهما. وفي حاشية التحرير بخطّه:
وفي نسخة معتبرة للكشّيّ عليها خطّ للسيّد جعل حمّاد الثاني يعني مولي غني بصورة العنوان علي وجه يقتضي المغايرة بينه وبين الأوّل، انتهي. وعبارة السيّدب.
ص: 301
المذكورة في التحرير أظهر من عبارة «كش» في التعدّد، انتهي.
حمّاد بن عثمان بن عمرو (بفتح العين) بن خالد الفزاري العرزمي (بفتح العين المهملة وإسكان الراء وفتح الزاي) كان يسكن عند عرزم فنسب إليها، كذا في إيضاح الاشتباه.
وفي «جش»: حمّاد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري مولاهم، كوفيّ، كان يسكن عرزم فنسب إليها، هو وأخوه عبداللّه ثقتان رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام، وروي حمّاد عن أبي الحسن والرضا عليهما السلام، ومات حمّاد بالكوفة سنة تسعين بعد المائة، ذكرهما أبو العبّاس في كتابه، وروي عنه جماعة منهم أبو جعفر بن الوليد بن خالد الخزّاز البجلي، أخبرنا أبوالحسن أحمد بن محمّد الجندي، قال:
حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همام، قال: حدّثنا عبداللّه بن جعفر، قال: حدّثنا محمّد ابن الوليد بكتاب حمّاد بن عثمان، انتهي.
وعن شيخنا البهائي رحمه الله في حاشية «جش»: الظاهر أنّ حمّاد هو حمّاد الناب وأنّ ما ظنّه العلّامة في الخلاصة من تعدّدهما وَهْم، كما يظهر من تتبّع كتب الرجال، وقد تبع ابن داود العلّامة في أنّهما اثنان، انتهي.
وفي «صه»: حمّاد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري مولاهم، كوفيّ، كان يسكن عرزم فنُسب إليها، وأخوه عبداللّه ثقتان، رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام وروي حمّاد عن أبي الحسن والرضا عليهما السلام ومات حمّاد بالكوفة رحمه اللّه تعالي سنة تسعين بعد المائة، ذكرهما أبوالعبّاس في كتابه، انتهي.
وفي الوجيزة: وابن عثمان الفزاريّ ثقة.
وفي «تعق» قوله «ذكرهما أبوالعبّاس» يحتمل إرادة نفس ذكرهما، وكون
ص: 302
باقي ما ذكره منه نفسه، ويحتمل إرادة الجميع، ربّما يتأمّل في ثبوت التوثيق بمثل هذا الاحتمال كون أبي العبّاس بن عقدة، ومرّ الجواب عنه في ترجمة حفص بن البختري وغيره. وقال جدّي: والذي يظهر أنّه واحد، يعني اتّحاد ابن عثمان بن عمرو مع الناب الآتي. ثمّ قال: لتاريخ الموت ولعدم ذكر «جش» والشيخ إلّاواحداً.
أقول: الظهور لعلّه محلّ تأمّل، بل ربّما يظهر التعدّد كما هو عند أصحاب الرجال، واعترف هو لمغايرة الجدّ فيها، وكذا اللقب والنسبة والأخ، فإنّ الظاهر من «جش» أنّ عبداللّه هو أخوه المشهور الثقة، فكيف لم يتعرّض له «كش»، والظاهر منه انحصار الأخ المشهور المعتدّ به في جعفر والحسين ولم يتعرّض لواحد منهما «جش» ولم يُعلم اتّحاد مولي الغني مع الناب، وإن كان هذا هو الظاهر من «ق» لأنّ الظاهر من «كش» تغايرهما وكذا من السيّد، كما سنشير إليه، ويحتمل أن يكون التوهّم من الشيخ، أو كان ذلك تأييداً للمحتمل في بداية الأمر، كما أشرنا إليه في إبراهيم بن صالح علي أنّه علي تقدير اتّحادهما فالحكم بالاتّحاد هو حاصل، ذلك بعد ملاحظة ما ذكرنا، لعلّه لا يخلو عن شيء؛ فتدبّر.
نعم، لا يبعد اتحاده مع مولي غني بقرينة الموت في الكوفة في السنة المذكورة في كليهما، إلي آخر ما مرّ؛ فتأمّل.
وذكر «جش» والشيخ الوحيد من التعدّد وعدم تعرّضهما لما تعرّض له الآخر من الكثرة بمكان؛ فتأمّل.
ولعلّ الفائدة تظهر من حكاية التوثيق وكيفيّته عند من يتأمّل في مثل المقام كما أشرنا إليه، وكذا في حكاية إجماع العصابة؛ فتأمّل، انتهي.
ص: 303
وفي منتهي المقال: أقول: في نسختي من الاختيار: حمّاد الثاني مكتوب بالحمرة وكذا في «طس»، ويؤيّد اتّحاد مولي غني مع الفزاري أنّ غني حيّ من غطفان، وفزارة أبو قبيلة من غطفان، صرّح بهما في القاموس.
وفي «مشكا»: ابن حمّاد الناب الثقة عنه ابن أبي عمير، والحسن بن عليّ الوشّاء، وابن عليّ بن فضّال، والحجّال، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، وروت جماعة كثيرة غير هؤلاء المذكورين عنهما كفضالة بن أيّوب، وجعفر بن بشير، وثعلبة بن ميمون، وجعفر بن محمّد بن يونس؛ تركتهم لعدم الحاجة إلي ذكرهم؛ فتدبّر، ويروي عن الصادق والرضا عليهما السلام أيضاً لأنّه معدود من رواتهم، ويفرق بينه وبين السابق بالقرينة.
وكرّر في الكافي: إبراهيم بن هاشم عن حمّاد بن عثمان، وصوابه: ابن أبي عمير عن حمّاد كما هو الشائع المعهود، وفيه في باب النفر من مني: معاوية بن عمّار، عن حمّاد، عن الحلبي، وفي المنتقي: صوابه: وعن حمّاد.
وبالجملة؛ الطريق علي ما قاله الناظم رحمه الله إلي حمّاد بن عثمان، وحمّاد بن عمرو، صحيح، ولا يخفي علي المتأمّل أنّ الطريق إلي حمّاد بن عمرو في وصيّة النبيّ صلي الله عليه و آله لعليّ عليه السلام ضعيف.
وخلاصة ما ذكره المؤلّف أوّلاً: أنّه استقصي أقوال الرجاليّين في حمّاد من القدماء إلي المتأخّرين، وهذا موضوع لم يوجد حتّي في مثل تنقيح المقال، فقد بحث المؤلّف أكثر ممّا يتوقّع من رجاليّ، وكأنّه عزم علي ذكر الأقوال مستقصياً من الأوائل إلي الأواخر.
ص: 304
ثانياً: أشار إلي اختلاف نسخ المتن عند الشارح.
ثالثاً: أشار إلي الاختلاف في كلمات الرجاليّين.
رابعاً: أشار إلي طبقة الراوي وكونه من أصحاب أيّ إمام عليه السلام.
خامساً: ذكر أقوال الرجاليّين ممّن كان قريب من عصره كأبي علي الحائري (1216 ه ق) في منتهي المقال.
سادساً: استعان بكتب الرجال في اختلاف نسخ جوامع المتقدّمين.
سابعاً: استعان من بحوثهم في شرح بعض عبارات المتقدّمين كشرح اللغات والأحياء.
ثامناً: صرّح بأنّ بعض طرق الحديث فيها إرسال خفيّ لمّا أشار إلي طبقة الراوي، والاهتمام بطبقة الراوي يُعين الفقيه علي معرفة الإرسال الخفيّ.
تاسعاً: قام بتصحيح الطرق وتضعيفها.
حمّاد الوجه ابن عيسي وثقا قد أجمعوا «كش» بدعا ظم رزقا
وفي بعض النسخ، بدل البيت هكذا:
ثمّ حمّاد ابن عيسي وثقا في «جش» و «ست، كش» بدعا ظم رزقا
طق صحّ للشيخ عليه أجمعوا فصحّحوا جميع ما قد سمعوا
حمّاد بن عيسي الجهني، غريق الجحفة رحمه الله ثقة، له كتاب النوادر، وله كتاب الزكاة، وكتاب الصلاة.
أخبرنا بها عدّة من أصحابنا عن أبي المفضّل، عن ابن بطّة، عن أحمد بن أبي
ص: 305
عبداللّه، عن أبيه، عن حمّاد، ورواه ابن بطّة عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن عبدالرحمن بن أبي نجران وعليّ بن حديد بن عيسي.
وأخبرنا بها ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن محمّد بن أبي الصهبان، عن أبي القاسم الكوفي، عن إسماعيل بن سهل، عن حمّاد «ست».
وفي «جش»: حمّاد بن عيسي أبو محمّد الجهني مولي، وقيل: عربيّ أصله من الكوفة وسكن البصرة، وقيل: إنّه روي عن أبي عبداللّه عليه السلام عشرين حديثاً وعن أبي الحسن الرضا عليهما السلام ومات في حياة أبي جعفر الثاني عليه السلام، ولم يحفظ عنه رواية عن الرضا عليه السلام ولا عن أبي جعفر عليه السلام، وكان ثقة في حديثه صدوقاً، قال: سمعت عن أبي عبداللّه عليه السلام سبعين حديثاً فلم أزل أُدخل الشكّ علي نفسي حتّي اقتصرت علي هذه العشرين، وله حديث مع أبي الحسن موسي عليه السلام في دعائه بالحجّ. وبلغ من صدقه، أنّه روي عن جعفر بن محمّد، وروي عن عبداللّه ابن المغيرة وعبداللّه بن سنان، وعبداللّه بن المغيرة عن أبي عبداللّه عليه السلام، له كتاب الزكاة أكثره عن حريز وبشير عن الرجال، أخبرنا به الحسين بن عبيداللّه، قال:
حدّثنا أحمد بن جعفر بن سفيان، قال: حدّثنا حميد بن زياد، قال: حدّثنا محمّد ابن عبداللّه بن غالب، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الزعفراني، عن حمّاد به.
وكتاب الصلاة له، أخبرنا محمّد بن جعفر، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال:
حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضّال، قال: حدّثنا عبداللّه بن محمّد بن ناجية، قال الحسن بن فضّال - ورجل يقرأ عليه كتاب حمّاد في الصلاة -: قال أحمد بن الحسين رحمه الله: رأيت كتاباً فيه عبر ومواعظ وتنبيهات علي منافع الأعضاء من الإنسان والحيوان، وفصول من الكلام في التوحيد، وترجمته: مسائل التلميذ
ص: 306
وتصنيفه، عن جعفر بن محمّد بن عليّ، وتحت الترجمة بخطّ الحسين بن أحمد بن شيبان القزويني، تلميذ حمّاد بن عيسي، وهذا الكتاب له، وهذه المسائل مسائل سأل عنها جعفراً عليه السلام وأجاب عنه.
وذكر ابن شيبان أنّ عليّ بن حاتم أخبره بذلك عن أحمد بن إدريس، قال:
حدّثنا محمّد بن عبدالجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الطائي رفعه إلي حمّاد، وهذا القول ليس بثبت، والأوّل من سماعة من جعفر أثبت، ومات حمّاد ابن عيسي غريقاً بوادي قناة وهو واد يسيل من الشجرة إلي المدينة، وهو غريق الجحفة في سنة تسع ومائتين، وقيل: سنة ثمان ومائتين، وله نيّف وتسعون سنة رحمه الله، انتهي.
وفي «صه»: حمّاد بن عيسي أبو محمّد الجهني البصري، مولي، وقيل:
عربيّ، أصله من الكوفة، سكن البصرة، كان متحرّزاً في الحديث، روي عن أبي عبداللّه عشرين حديثاً، وعن أبي الحسن الرضا عليهما السلام، ومات في حياة أبي جعفر الثاني، ولم يحفظ عنه رواية عن الرضا عليه السلام، ولا عن أبي جعفر عليه السلام، وكان ثقة في حديثه صدوقاً، قال: سمعت عن أبي عبداللّه عليه السلام سبعين حديثاً فلم أزل أُدخل الشكّ علي نفسي حتّي اقتصرت علي هذه العشرين، دعا له أبو عبداللّه عليه السلام بأن يحجّ خمسين حجّة فحجّها وغرق بعد ذلك وهو في سنة تسع ومائتين، وكان من جهينة، ومات بوادي قناة بالمدينة، وهو واد يسيل من الشجرة إلي المدينة، وهو غريق الجحفة، وله نيّف وتسعون سنة رحمه الله. قال الكشّيّ: أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، وأقرّوا له بالفقه في الآخرين، انتهي.
ص: 307
وفي «د»: حمّاد بن عيسي أبو محمّد الجهني «ق، ظم، ضا»، أصله كوفيّ، بقي إلي زمن الرضا عليه السلام، ذهب السيل به في طريق مكّة بالجحفة، ثقة مولي، وقيل: عربيّ «جش»، لم يحفظ عنه رواية عن الرضا عليه السلام ولا عن أبي جعفر عليه السلام، دعا له أبو الحسن الأوّل بالدار والزوجة والولد والخادم والحجّ خمسين سنة فبلغ ذلك، فلمّا حجّ في الحادية والخمسين غرق في الوادي، حيث أراد غسل الإحرام، عاش نيّفاً وتسعين سنة، ومات سنة تسع ومائتين بوادي قناة بالمدينة وهو وادٍ يسيل من الشجرة إلي المدينة، انتهي.
وبالجملة له كتاب روي عنه محمّد بن إسماعيل الزعفراني، وعبداللّه بن محمّد بن ناجية، وروي هو عن جعفر بن محمّد، وعبداللّه بن سنان، وعبداللّه ابن المغيرة عن «ق، جش»، وعن «جخ»، بقي إلي زمان الرضا عليه السلام، ذهب به السيل في طريق مكّة بالجحفة، بصريّ، ثقة «ق، ظم».
وعن حمدويه، عن العبيدي، عن حمّاد بن عيسي قال: دخلت علي أبي الحسن الأوّل - يعني الكاظم عليه السلام - فقلت له: جعلت فداك، اُدع اللّه لي أن يرزقني داراً وزوجة وولداً وخادماً والحجّ في كلّ سنة. فقال: اللهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد وارزقه داراً وولداً وزوجة وخادماً والحجّ خمسين سنة. قال حمّاد: فلمّا شرط خمسين سنة علمت أنّي لا أحجّ أكثر من خمسين سنة، قد رُزِقت كلّ ذلك وحججت ثمان وأربعين سنة، وهذه داري قد رزقتها، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي، وهذا ابني، وهذا خادمي قد رزقت كلّ ذلك، فحجّ بعد هذا الكلام حجّتين تمام الخمسين، ثمّ خرج بعد الخمسين حاجّاً فزامل(1) أباس.
ص: 308
العبّاس النوفلي القصير، فلمّا صار في موضع الإحرام دخل ليغتسل فجاء الوادي فحمله فغرّقه الماء قبل أن يحجّ زيادة علي الخمسين رحمه الله، «كش».
وروي عنه الحسين بن سعيد وإبراهيم بن هاشم، وروي عن معاوية بن عمّار كما يظهر من التهذيب وغيره.
وفي «تعق»: في كشف الغمّة عن أُميّه بن عليّ القيسي قال: دخلت أنا وحمّاد ابن عيسي علي أبي جعفر عليه السلام بالمدينة لنودّعه، فقال لنا: لا تخرجا اليوم وأقيما إلي غد. فلمّا خرجنا من عنده، قال لي حمّاد: أنا أخرج فقد خرج ثقلي (لأنّهم لم يفهموا منه الوجوب بل كونه لمصلحة لهم). فقلت: أمّا أنا فأُقيم، فخرج حمّاد فجري الوادي تلك الليلة فغرق فيه وقبره بسيالة، انتهي.
وأشرنا في الحسين بن خالد، عدم ضرر أمثال ذلك بالنسبة إلي الثقات وغيرهم، ويظهر ممّا ذكرنا هنا أنّه غريق بالمدينة، كما هو المشهور والمذكور عن الكشّيّ، انتهي كلام «تعق».
أقول: لعلّ الظاهر بدل «كش»، «جخ» كما هو الظاهر.
وفي القاموس: سيالة كسحالة، موضع بقرب المدينة علي مرحلة.
وفي «مشكا»: ابن عيسي عنه محمّد بن إسماعيل الزعفراني، والحسين بن سعيد، وإبراهيم بن هاشم، وعبدالرحمن بن أبي نجران، وعليّ بن حديد.
وفي «يب» في الأذان إبدال عبدالرحمن بعبداللّه ولا ريب أنّه سهو، وعنه إسماعيل بن سهل، ومحمّد بن عيسي، وعليّ بن السندي وهو عن حريز وربعي بن عبداللّه، وأحمد بن محمّد بن عيسي، ويونس بن عبدالرحمن، ومعاوية بن عمّار.
ص: 309
الرضا عليه السلام ليس في محلّه.
ومنها: ما صدر عن العلّامة رحمه اللّه تعالي حيث قال في «صه» دعا له أبو عبداللّه عليه السلام أن يحجّ خمسين حجّة، ووافقه السيّد ابن طاووس أيضاً، وقد عرفت من «كش» و «جش» أنّ الدعاء المذكور هو من مولانا أبي الحسن الأوّل عليه السلام.
ومنها: ما صدر عن ابن داود فإنّه قال: حمّاد بن عيسي أبو محمّد الجهني «ق، م، ضا» أصله كوفيّ، بقي إلي زمن الرضا عليه السلام، ذهب السيل به في طريق مكّة بالجحفة، مولي، وقيل عربيّ «جش» لم يحفظ عنه رواية عن الرضا عليه السلام ولا عن أبي جعفر عليه السلام «كش» حيث غرّاني إلي «كش» ما في «جش» وبالعكس.
وثانيهما: توضيح ما ذكره «كش» في ترجمة حمّاد، فنقول: إنّه قال بعد ما مرّ نقله: وله حديث مع أبي الحسن عليه السلام في دعائه بالحجّ وبلغ من صدقه أنّه روي عن جعفر بن محمّد، وروي عن عبداللّه بن المغيرة، وعبداللّه بن سنان، وعبداللّه ابن المغيرة، عن أبي عبداللّه عليه السلام كتاب الزكاة أكثره عن حريز وبشير عن الرجال أخبرنا به عبيداللّه قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن سفيان، قال: حدّثنا حميد بن زياد، قال: حدّثنا محمّد بن عبداللّه بن غالب، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الزعفراني، عن حمّاد به.
وكتاب الصلاة له: أخبرنا محمّد بن جعفر، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضّال، قال: حدّثنا عبداللّه بن محمّد بن ناجية، قال الحسن بن فضّال ورجل يقرأ عليه كتاب حمّاد في الصلاة، قال أحمد بن الحسين رحمه الله: رأيت كتاباً فيه عبر ومواعظ وتنبيهات علي منافع الأعضاء من
ص: 310
الإنسان والحيوان، وفصول من الكلام في التوحيد، وترجمته: مسائل التلميذ، وتصنيفه عن جعفر بن محمّد بن عليّ، وتحت الترجمة بخطّ الحسين بن أحمد ابن سفيان القزويني تلميذ حمّاد بن عيسي، وهذا الكتاب له، وهذه المسائل مسائل سأل عنها جعفراً عليه السلام وأجاب عنه.
وذكر ابن شيبان أنّ عليّ بن حاتم أخبره بذلك عن أحمد بن إدريس، قال:
حدّثنا محمّد بن الحسين الطائي رفعه إلي حمّاد، وهذا القول ليس بثبت، والأوّل من سماعة من جعفر أثبت، انتهي.
ونحن نتصدّي أوّلاً لتوضيح قوله: «له كتاب الزكاة إلخ» ثمّ نعود إلي قوله «وبلغ إلخ» فنقول: لفظة «بشير» في بعض النسخ (بالباء الموحّدة والشين المعجمة ثمّ المثنّاة التحتانيّة) وهو غير صحيح ولا معني له، والظاهر أنّه «يسير» - بالمثنّاة التحتانيّة والسين المهملة ثمّ المثنّاة التحتانيّة - بمعني قليل، ويكون عطفاً علي أكثره، أي: روي أكثر كتاب الزكاة عن حريز، وأقلّه عن غيره من الرجال.
وقوله: «كتاب الصلاة» كما كان له كتاب الزكاة وإنّ له إليه طريقاً مشتمل علي خمس ولم يحضرني الآن حال الأوّل منهم، ويظهر من «جش» تعويله عليه والثاني هو المعروف بابن عقدة، والثالث وثّقه «كش» و «جش» والشيخ وغيرهم إلّا أنّهم حكموا بفطحيّته، والرابع وهو عبداللّه بن ناجية لم يحضرني حاله أيضاً، ومقصوده أنّ عليّ بن الحسن أنّه حكي عن عبداللّه أنّه حكي عن الحسن بن عليّ بن فضّال ورجل يقرأ عليه أنّهما أشارا إلي كتاب فقالا: إنّه كتاب حمّاد في الصلاة، فقوله: «ورجل» عطف علي الحسن.
وقوله: «كتاب حمّاد»، خبر مبتدأ محذوف وظاهر «جش» أنّه لم يعثر علي
ص: 311
هذا الكتاب بخلاف كتاب الزكاة حيث قال في الأوّل: أخبرنا به، وقال عن حمّاد به بخلاف الثاني.
وقوله: «قال أحمد بن الحسين» هو ابن الغضائري، وقد استقصينا حاله في المجلّد الثالث من مطالع الأنوار عند البحث عن درك المأموم الركعة فيما إذا أدرك الإمام راكعاً.
وقوله: «فيه عبر (بالعين المكسورة والباء الموحّدة المفتوحة)» جمع العبرة بمعني التعجّب، والمعني أنّ الكتاب المذكور مشتمل علي أُمور غريبة ومواعظ.
وقوله: «وفصول الظاهر» أنّه بالصاد المهملة، والمراد أنّ عدّة فصول من ذلك الكتاب في التوحيد، والضمير في قوله «ترجمته» عائد إلي ذلك الكتاب، وفي تصنيفه إلي التلميذ، والظاهر أنّ المراد من الترجمة ما يكتب في أوّل الكتاب أو آخره من اسم الكتاب ومصنّفه، فالمراد أنّ المكتوب في أوّل ذلك الكتاب أو آخره هذا المسائل التلميذ وتصنيفه أخذها عن جعفر بن محمّد عليهما السلام.
ثمّ أشار إلي أنّ التلميذ من هو، وإلي أنّ هذه المسائل سأل عنها جعفراً عليه السلام هو بقوله «وتحت الترجمة إلخ».
وقوله: «وذكر ابن شيبان»، بيان طريق العلم لابن شيبان في هذه الأخبار، وهذا القول ليس بثبت من كلام «جش» وغرضه أنّ كون هذا الكتاب المشتمل علي عبر ومواعظ وغيرها من حمّاد علي النحو المسطور بأن سأل تلك المسائل بأسرها عن مولانا الصادق عليه السلام وكونه من تلميذه عليه السلام غير ثابت، وإنّما الثابت كونه راوياً عنه عليه السلام، وأشار بقوله: «والأوّل من سماعه إلخ» فعليه كلمة «من» بيان للأوّل والضمير لحمّاد.
ص: 312
والحاصل أنّ ما حكي أوّلاً عن حمّاد من قوله: «حفظت عن أبي عبداللّه عليه السلام سبعين حديثاً فلم أزل إلخ» اقتضي حصر سماعه عنه عليه السلام، في العشرين، وهو يناقض كون الكتاب المذكور بأسره من مسموعه.
وإذا علمت ذلك فلنشر إلي قوله: «وبلغ من صدقه إلخ» فنقول: إنّه يحتمل وجوهاً:
الأوّل: أن يكون «إنّه» اسماً مضافاً إلي ضمير الحجّ، ويكون قوله: «روي» منفصلاً عمّا قبله ويكون «من»، في «من صدقه» التعليل، والمعني: له حديث مع أبي الحسن عليه السلام في دعائه بالحجّ، وبلغ إلي الحجّ في وقته لصدقه في إخباره بأنّه عليه السلام دعا له؛ فالبلوغ إلي الحجّ في أوّل ذلك العام وهكذا إلي الخمسين متوالياً، دليل علي صدقه في إخباره المذكور.
والثاني: أن يكون «إنّه» من الأحرف المشبّهة بالفعل ومنفصلاً عمّا قبله، وكلمة «من» كما مرّ، والمعني: وبلغ إلي الحجّ خمسين سنة لصدقه. قال ابن داود: دعا له أبوالحسن الأوّل عليه السلام بالدار والزوجة والولد والخادم والحجّ خمسين سنة فبلغ ذلك.
والثالث: أن يكون بلغ بمعني بالغ، وإنّه روي فاعلاً له، و «من» بمعني «في» والمعني: بالغ في صدقه روايته عنه عليه السلام أنّه سمع سبعين حديثاً وما زال يشكّك حتّي اقتصر علي العشرين، وهذا يدلّ علي كمال صدقه واحتياطه.
والرابع: أن يكون بلغ ماضياً من التبليغ وإنّه روي فاعلاً أيضاً، و «من» بمعني «إلي» والمعني: بلغ وأوصل إلي صدقه روايته عن جعفر بن محمّد عليه السلام لما علمت، وقوله: «وروي عن عبداللّه بن المغيرة إلخ» لعلّ المقصود منه التنبيه علي
ص: 313
أنّ رواية حمّاد عن الصادق عليه السلام تكون بلا واسطة وبواسطتين وبواسطة واحدة، أشار إلي الأوّل بقوله: روي عن جعفر بن محمّد، وإلي الثاني بقوله: روي عن عبداللّه بن المغيرة وعبداللّه بن سنان، أي: عن عبداللّه بن سنان، وإلي الثالث بقوله: وعبداللّه بن المغيرة إلخ. وعليه: فقول «عن أبي عبداللّه» قبلهما، ولعلّ الداعي لاختيار عبداللّه بن المغيرة في المقام توهّم بعد رواية حمّاد عنه، لكون حمّاد علي ما ذكره «كش» من الطبقة الثانية من أصحاب الإجماع، وعبداللّه بن المغيرة من الطبقة الثالثة.
وأمّا الداعي لاختيار عبداللّه بن سنان في الواسطة الثانية، في جملة الرواة التي كانت كذلك فلعلّه اجتماعه مع عبداللّه بن المغيرة في الأسانيد، كما في كتاب الحجّ من التهذيب في شرح، وأمّا عقد الإحرام بعد الصلاة، وفي باب عدد النساء من طلاق التهذيب، وفي باب تحريم المدينة وفضلها من مزاره، وفي باب القضايا من دياته، وفي باب الذبح من حجّه، فإنّ فيها جميعاً عن حمّاد، عن عبداللّه بن المغيرة، عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام.
لا يقال: إنّ عبداللّه بن المغيرة علي ما ذكر، يكون من أصحاب مولانا الصادق عليه السلام أيضاً ولم يعدّ من ذلك.
لأنّا نقول: إنّ الشيخ رحمه الله وإن لم يعدّه من أصحابه عليه السلام إلّاأنّ تصريح «جش» في قوله «وعبداللّه بن المغيرة عن أبي عبداللّه عليه السلام» كافٍ لذلك إضافةً إلي ثبوت روايته عنه.
ففي الفقيه، في أواخر كتاب الصلاة في رواية عبداللّه بن المغيرة عن الصادق عليه السلام قال: اقرأ في صلاة جعفر، الحديث. وحمل العبارة علي المعني
ص: 314
المذكور متينٌ، ولا استبعادَ فيه إلّاأنّ المناسب تبديل الواو ب «عن» بأن يقال:
روي عبداللّه بن المغيرة، عن عبداللّه بن سنان.
ويمكن حمل الواو علي ظاهره بأن يكون المراد رواية حمّاد عن عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه عليه السلام كما في باب اشتراك الأحرار والعبيد والنساء في القتل من زيادات التهذيب.
وفي باب المرأة تكون زوجة العبد من نكاح الكافي، ويتوجّه حينئذٍ أنّ التكرار في عبداللّه بن المغيرة، لم يظهر له وجه لاختصاص عبداللّه بن سنان بين الأشخاص الذين روي عنهم حمّاد بخلافه، فيما إذا جعل الواو بمعني «عن».
وهنا أمران ينبغي التنبيه عليهما أيضاً:
الأوّل: قد علمت أنّ رواية حمّاد عن مولانا الصادق عليه السلام علي ثلاثة أقسام:
الأوّل: الرواية بلا واسطة، وأنّها كانت سبعين، وباعتبار التشكيك اقتصر علي عشرين، وأنا أُورد ما حضرني من ذلك:
(فمنها) ما في باب فرض الصلاة من الكافي، قال: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسي، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: للصلاة أربعة آلاف حدّ.
أقول: قد استوفي رحمه الله عشرين موضعاً من هذا القبيل ثمّ قال رحمه الله: وجدنا في كتب الأخبار غير ما ذكر أيضاً، وذكر جملة أُخري من ذلك القبيل أيضاً، ومن المواضع العشرين التي ذكرناها، موضع ينبغي لنا ذكره وذكر ما أفاده رحمه الله فيه، فنقول: قال ملخّصه:
(ومنها) ما في باب الذبح من حجّ التهذيب قال: وعنه - أي عن موسي بن القاسم - عن صفوان، وابن أبي عمير، وجميل بن درّاج، وحمّاد بن عيسي،
ص: 315
وجماعة ممّن روينا عنهم من أصحابنا عن أبي جعفر، وعن أبي عبداللّه عليهما السلام أنّهما قالا: إنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله... الحديث.
ولا يخفي أنّ هذا الإسناد يشتمل علي خلاف ما هو المعهود من وجوه، منها:
رواية حمّاد عن مولانا الباقر عليه السلام وما اعتُبر من أصحابه.
ورواية جميل عنه عليه السلام وقد عدّه «كش» في الطبقة الثانية من أصحاب الإجماع، والشيخ في «ق» و «ظم».
ورواية صفوان عن مولانا الصادق عليه السلام، بل عن الباقر عليه السلام، مع أنّ الظاهر من الإسناد المتقدّم علي الإسناد المذكور، أنّ صفوان فيه؛ هو صفوان بن يحيي، وقد عدّه الشيخ في «ظم» و «ضا» و «د».
ورواية ابن أبي عمير عنهما عليهما السلام مع أنّ الشيخ قال في «ست» في ترجمته، إنّه أدرك من الأئمّة عليهم السلام ثلاثة: أبا إبراهيم عليه السلام ولم يرو عنه، وروي عن أبي الحسن الرضا، وعن الجواد عليهما السلام.
وهذا الكلام وإن يفيد عدم روايته عن مولانا الصادق عليه السلام، لكنّا وجدنا روايته عنه عليه السلام في مواضع منها:
ما عرفت.
وما في باب وقت صلاة الجمعة من الكافي.
وما في صلاة النوافل منه.
وما في باب تطهير الثياب وغيرها من «ب».
وما في أواخر كتاب الحجّ عنه.
ص: 316
وما في أواخر باب ديات الأعضاء، ولا استبعاد في روايته عنه عليه السلام؛ لأنّ وفاة مولانا الصادق عليه السلام - علي ما في الكافي وغيره - كان في سنة ثمان وأربعين ومائة، وقد صرّح «جش» أنّ ابن أبي عمير مات سنة سبع عشرة ومأتين، فما بين هذينِ الزمنينِ تسع وستّون سنة، فلو فرض أن يكون عمره أربعاً وثمانين سنة يكون عمره حين وفاته عليه السلام خمس عشرة سنة.
والحاصل أنّ روايته عنه عليه السلام موجودة ولا داعي لحملها علي الغلط، وهناك في الأسانيد المذكورة ما ينبغي التنبيه عليه وهو أنّه روي في بعضها حمّاد بن عثمان عن ابن أبي عمير، وفي بعضها القاسم بن عروة عن ابن أبي عمير، وفي بعضها عبداللّه بن مسكان عنه، مع أنّه وجد رواية ابن أبي عمير عمّن كان من الثلاثة.
وأمّا روايته عن حمّاد بن عثمان فكثيرة، كما في نكاح الكافي، وفي طلاق التهذيب، وفي باب كيفيّة الصلاة من زيادات التهذيب.
وأمّا روايته عن القاسم بن عروة، فكما في باب الرجل يحلّ جاريته لأخيه من نكاح الكافي.
وأمّا روايته عن عبداللّه بن مسكان، فكما في باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان من زيادات التهذيب.
وإنّ «كش» جعل ابن أبي عمير من الطبقة الثالثة من أصحاب الإجماع وكلّاً من عبداللّه بن مسكان، وحمّاد بن عثمان من الطبقة الثانية أيضاً، فرواية أصحاب الإمام السابق من أصحاب الإمام المتأخّر؛ ولا يخفي لِما فيها.
ويمكن الجواب عن الأوّل: بأنّه لا استحالة في رواية المشاركين في الطبقة،
ص: 317
كلّ منهم عن الآخر، كما هو ظاهر.
وعن الثاني: بأنّ ذلك إنّما هو علي ما قاله «كش» ولا يلزم أن يطابق الواقع علي أنّه يمكن أن يكون ذلك باعتبار الأكثريّة، ومن أراد انكشاف الحال فعليه ممّا أبرزناه في تحقيق أصحاب الإجماع.
الثاني: روايته عنه عليه السلام بواسطة واحدة كما في أواخر باب التجارات من متاجر «يب» وفي موضع آخر منه أيضاً، وفي باب التسليم علي النساء من نكاح الكافي.
الثالث: روايته عنه بواسطتين وهي كثيرة:
ومنها: ما في الباب المذكور من تجارة «يب».
ومنها: ما في باب الرجل يشتري الجارية ولها زوج حرّ أو عبد من نكاح الكافي.
ومنها: ما في باب السهو في السجود من صلاة الكافي.
وهاهنا قسم رابع وهو روايته عنه عليه السلام بثلاث وسائط، والذي يحضرني الآن في باب التطوّع في يوم الجمعة من صلاة «في»، ففيه عن حمّاد بن عيسي، عن الحسين بن المختار، عن عليّ بن عبدالعزيز، عن مراد بن خارجة قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام.
الثاني: أنّ المستفاد ممّا ذكر من علماء الرجال أنّ حمّاداً توفّي سنة تسع ومائتين وأنّه عاش نيّفاً وتسعين سنة، وأنّه عاش بعد أن دعا له مولانا الكاظم عليه السلام خمسين سنة، وما روي عن حمّاد في الصحيحة المشهورة المرويّة في الكافي الشاملة علي أمر الصادق عليه السلام له بالصلاة، ثمّ قوله عليه السلام له بعد أن صلّي بين يديه:
ص: 318
«ما أقبح الرجل منكم يأتي عليه ستّون سنة أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة» ثمّ تعليمه عليه السلام الصلاة له ينافي ذلك إذ كان وفاة مولانا الصادق عليه السلام سنة ثمان وأربعين ومائة، وبينه وبين وفاة حمّاد - أي تسع ومائتين - إحدي وستّون سنة، فلو فرض كون التعليم المذكور في آخر أيّام إمامته عليه السلام ويكون عمر حمّاد في ذلك الوقت ستّين سنة، لزم أن يكون عمره مائة وإحدي وعشرين سنة، مع ما سمعت من أنّه عاش نيّفاً وتسعين.
وعندئذٍ فلا بدّ من المصير إلي وقوع الخطأ إمّا في تاريخ وفاته، أو في مدّة عمره بأن يقال: كان عمره مائة وإحدي وعشرين سنة، أو حمل الستّين والسبعين في كلامه علي التمثيل وهو الأولي، ويؤيّده ذكر العددين، ولو أُريد خصوص حمّاد لاقتصر علي واحد منها، فعلي هذا يكون عمر حمّاد في ذلك الوقت نيّفاً وثلاثين سنة، فإلي ما بين الوفاتين - أي إحدي وستّين - يبلغ نيّفاً وتسعين.
ويؤيّده أنّه لو كان عمر حمّاد في آخر أيّام إمامة مولانا الصادق عليه السلام ستّين، وقد أدرك أيّام مولانا الباقر عليه السلام، أو زمن إمامة مولانا الصادق عليه السلام أربعاً وثلاثون سنة، فعندما انتقلت الإمامة إليه عليه السلام يكون عمره أكثر من ستّ وعشرين سنة، ويكون قد روي عن مولانا الباقر عليه السلام؛ فتأمّل.
أقول: لا يخفي أنّه لا حاجة إلي لفظة أكثر. ثمّ في الأصل بعد قوله رحمه الله «أكثر من ستّ وعشرين» هكذا: فلو كان الأمر كذلك لا يصحّ الحكم بأن يكون عمره نيّفاً وتسعين سنة، ويكون قد روي إلخ. ولم أعرف له وجهاً مباشراً في بادئ ذي بدئ فتركته.
ص: 319
وفي «مشكا» في باب حمّاد: فهو يتراوح بين الثقة وغيره، ويمكن أن يُعلم أنّه ابن أبي طلحة ثقة برواية وهب بن حفص، وأنّه ابن عيسي، ثقة برواية محمّد ابن إسماعيل الزعفراني عنه، والحسين بن سعيد عنه، وأحمد بن محمّد بن عيسي وإبراهيم بن هاشم عنه، ورواية عبدالرحمن بن أبي نجران عنه، وعليّ ابن الحديد عنه، ورواية إسماعيل بن سهل عنه، ورواية محمّد بن عيسي بن عبيد عنه، وعليّ بن السندي ويونس بن عبدالرحمن عنه، وبرواية عليّ بن أبي راشد، وموسي بن القاسم، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، ومختار بن يزيد، ومحمّد بن خالد البرقي، والعبّاس بن معروف، وعليّ بن مهزيار، والحسن بن ظريف، وعليّ بن إسماعيل، ومحمّد بن عيسي، والفضل بن شاذان، ويعقوب ابن يزيد، وبروايته هو عن حريز، وربعي بن عبداللّه بن الجارود، ومعاوية بن عمّار.
وأورد المحقّق في المعتبر في باب نجاسة البئر بالملاقاة، رواية حمّاد، عن معاوية عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: والجواب: أنّ الراوي عن معاوية المذكور لا نعرفه، ولعلّه غير ثقة، وفي الرواة عدّة بهذا الاسم منهم ثقة ومنهم غير ثقة، انتهي؛ فتدبّر.
ويُعرَف حمّاد بروايته عن عبداللّه بن المغيرة، وعبداللّه بن عبدالرحمن بن أبي عبداللّه، وقد تري رواية سعد بن عبداللّه، عن حمّاد بن عيسي، أو عن جميل، والظاهر الإرسال؛ لأنّ المعهود رواية سعد عن حمّاد، وجميل بالواسطة.
واعلم أنّه وقع في التهذيب رواية عليّ بن الحديد وعبدالرحمن بن أبي
ص: 320
نجران، عن حريز، وهو سهو؛ لأنّهما لا يرويان عنه بواسطة حمّاد بن عيسي ووقع في الكافي والتهذيب رواية إبراهيم بن هاشم، عن حمّاد بن عثمان، وهو سهو أيضاً؛ لأنّه لم يلق ابن عثمان علي ما ذكره أصحابنا في الرجال.
ووقع في التهذيب إسناد صورته هذه: عن عليّ بن إبراهيم، عن حريز، وهو من الأغلاط الواضحة.
وفي الكافي في باب صوم الصبيان.
وفي كتاب الحجّ أيضاً إسناد صورته هذه: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن الحلبي وهذا من الأغلاط الواضحة؛ لأنّ الراوي عن الحلبي، حمّاد ابن عثمان، والحلبي هو عبيداللّه بن عليّ، والصواب فيه «عن ابن أبي عمير عن حمّاد» كما هو الشائع.
ووقع أيضاً فيه إسناد صورته هذه: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عيسي، وهو سهو أيضاً؛ لأنّ إبراهيم روي عن حمّاد بن عيسي بغير واسطة. ف «عن» وقعت موضع الواو، وإبدال الواو ب «عن» وعكسه وقع كثيراً في الأسانيد خصوصاً في كتابي الشيخ رحمه الله.
وفي الاستبصار، في كتاب الحجّ إسناد هذه صورته: عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن الحلبي قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام إلخ. وهو خلاف الظاهر؛ لأنّ حمّاداً، إن كان ابن عثمان فالحسين لا يروي عنه بغير واسطة قطعاً، وإن كان ابن عيسي فهو لا يروي عن عبيداللّه الحلبي عند إطلاق لفظ الحلبي أن يكون هو، وإن أُطلق علي محمّد بقلّة، والحال في رواية ابن عيسي كما في عبيداللّه، انتهي
ص: 321
كلام «مشكا»(1).
أقول: وإذا نظرنا إلي ما كتبه العلّامة العلياري حول حمّاد بن عيسي سنجد أوّلاً: تناول شخصيّة المؤلّف لأهميّتها من جوانب عدّة وبالتفصيل. ثانياً: ضبط بعض الأسماء، ولم يكن إلي عصر العلياري رجاليّ ضبط الأسماء، نعم نري بعده العلّامة المامقاني قام بضبط الأسماء كلّها، وهذا هو علم المؤتلف والمختلف. ثالثاً: دقّق وبحث في أبعاد الروايات في حمّاد عن عيسي ومدي دلالتها علي الوثاقة. رابعاً: عمد إلي عبارات العلماء كالنجاشي، وبحث في غموضها وجمودها. خامساً: تتبّع الإسناد، وأظهر الإرسال الخفيّ في بعض الأسانيد. سادساً: استقصي ما في كتب الرجال وبيّن خطأها، فالمؤلّف لم يكن ناقلاً فحسب، بل هو يبحث عن جوانب شتّي. سابعاً: اهتمّ كثيراً في الطبقات، وأظهر الخلل في بعض الإسناد من التصحيف، والتحريف، والتقديم والتأخير، لكونه كثيراً في تهذيب الأحكام، وفي الختام نقول: إنّ كثيراً من مباحث كتاب معجم رجال الحديث لمؤلّفه المعاصر آية اللّه الخوئي أُخذ من كتاب بهجة الآمال، ونهج المحقّق الخوئي منهجه.8.
ص: 322
1. التفرشي ونقد الرجال(1)
كتاب نقد الرجال للرجاليّ المحقّق السيّد مصطفي بن الحسين التفرشي من أعلام القرن الحادي عشر. كان التفرشي من تلامذة المولي عبداللّه التستري الفقيه والرجاليّ المعروف، أشار في ترجمة أُستاذه إلي أنّ كلّ ما كان في هذا الكتاب من دقّة فهو ممّا أفاده أُستاذه.
والقرن الحادي عشر، قرن أعلامُ النقد في الفقه والحديث والرجال، فمنهم المولي عبداللّه التستري، وقد كان فقيهاً رجاليّاً ناقداً للعلوم؛ وكان من أعلام العصر الحاضر، وأيضاً الشيخ عبدالنبيّ الجزائريّ، مؤلّف كتاب الحاوي، فالتستري وتلميذه التفرشي والشيخ عبدالنبيّ الجزائري كانوا من أعلام المحقّقين ونقّاد العلوم، والذي علي رأس هؤلاء ويعدّ أُستاذ الجميع المولي أحمد الأردبيلي مؤلّف كتاب مجمع الفائدة والبرهان، والذي لم يكتب سطر
ص: 323
منه إلّاوفيه قاعدة رجاليّة، فهؤلاء قاموا بانتقاد الفقهاء الذين سبقوهم علي أنّهم من أتباع العلّامة الحلّي، وقالوا: لم يظهر بعد العلّامة الحلّي مجتهد، وكان كلّ من ظهر بعد العلّامة مقلّداً له، وهذا الكلام مثل ما رواه الشهيد الثاني في الرعاية عن جدّه، ورّام بن أبي فراس الهمداني، أنّه روي عن شيخه سديد الدين الحمصي أنّه قال: لم يظهر بعد الشيخ الطوسي إلّاعدّة من المقلّدة(1).
فالقرن الحادي عشر هو قرن الاجتهاد والاستقصاء والبحث في العلوم الإسلاميّة كلّها، ومنها الرجال، فإنّ المولي عبداللّه التستري وعبدالنبيّ الحائري التفرشي كانا من أعلام النقد، ولقد أنهي كتابه علي فوائد ستّة: في بيان كني الأئمّة وتاريخ وفاتهم وغيرها، وذكر عدّة الكليني وبعض الطرق، ومصادر الطوسي وذكر طرقه إلي المشايخ. وأهمّ ما يمتاز به الطريق الذي نهجه المؤلّف فهو:
1. عدم اكتراثه بذكر توثيق الرجاليّين وتضعيفاتهم وبما قالوه، بل تعدّي إلي الاستناد والاستشهاد بتوثيقات الفقهاء في كُتبهم الفقهيّة وتضعيفاتهم بحثاً عن النتيجة المطلوبة، فهو لم يكتف بالنصوص الرجاليّة بل اهتمّ بالقرائن.
2. ذكره لتلامذة الراوي ومشايخه لدوره في معرفة الإرسال الخفيّ في الأسانيد.
3. الدقّة المتناهية في اختلاف نسخ الأُصول الرجاليّة وضبط مفرداتها.
4. مقابلته لنسخ الأُصول الموجودة عنده مع ما ينقل عنها بواسطة العلّامة وابن داود وغيرهم.2.
ص: 324
5. عدم التقليد لآراء العلّامة وابن داود والاقتصار عليها، بل أخذ بالمناقشة والبحث في آرائه التي يطرحها، وقام بالتنبيه علي الأغلاط الموجودة في خلاصة الرجال للعلّامة.
6. إبداء آرائه الخاصّة حول اتّحاد بعض المفردات والمشتركات أو تعدّدها.
7. شمول كتابه علي نصوص للكشّيّ، والأُصول الرجاليّة الأُخري، غير الموجودة ما بأيدينا الآن.
8. تنبيهه علي تراجم لمفردات الأُصول الرجاليّة ترجمت تحت عناوين أُخري، وذلك لغرض ذكرها تباعاً أو إرفاقاً معها.
9. تنبيهه علي تعدّد الغضائري الابن مع الأب مع ترجيحه إلي أنّ صاحب التوثيقات والطعون هو الابن، مع أنّه نقل عن رجال الغضائري نصوصاً ليست متوفّرة في الخلاصة ورجال ابن داود.
10. اقتصارهُ علي ذكر عبارة عن النجاشي والشيخ، ولم يتعرض لذكر كلّ ما قالاه، وقال في التعريف بكتابه: نظرت في كتب الرجال فرأيت بعضها لم يرتّب ترتيباً يسهل فهم المراد، ومع هذا لا يخلو من تكرار وسهو، وإن كان حسن الترتيب، إلّاأنّ فيه أغلاطاً كثيرة، مع أنّ كلّ واحد منها لا يشتمل علي جميع أسماء الرجال، فأردت أن أكتب كتاباً يخلو من تكرار وغلط، وينطوي علي حسن ترتيب، ويحتوي علي جميع أقوال القوم قدّس اللّه أرواحهم من المدح والذمّ، إلّاشاذّاً شديد الشذوذ... ورتّبته علي ترتيب الحروف في الأسماء في الأوائل والثواني وكذا الآباء، وضمّنته رموزاً تُغني عن التطويل والتكثير، كما جعل بعض المصنّفين وفرغ من كتابه في سنة (م 1015 ق).
ص: 325
17/1876. داود بن الزبرقان البصري(1).
من أصحاب الصادق عليه السلام، رجال الشيخ(2).
18/1877. داود بن زيد الهمداني.
الكوفيّ، من أصحاب الباقر عليه السلام، رجال الشيخ(3).
19/1878. داود بن سرحان العطّار.
كوفيّ (4)، ثقة، روي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن عليهما السلام، ذكره ابن نوح، روي عنه هذا الكتاب جماعات من أصحابنا رحمهم الله، روي عنه: محمّد بن أبي حمزة، رجال النجاشي(5).
له كتاب(6)، روي عنه: أحمد بن محمّد بن أبي نصر وابن أبي نجران وابن نهيك، الفهرست(7).
20/1879. داود بن سعيد.
أبو عبداللّه الكوفيّ، الأبزاريّ (8)، من أصحاب الصادق عليه السلام، رجال الشيخ(9).
ص: 326
21/1880. داود بن سليمان.
أبو سليمان الحمّار، كوفيّ (1) ثقة، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، ذكره ابن نوح. له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا، منهم: الحسن بن محبوب، رجال النجاشي(2).
له كتاب روي عنه أحمد بن ميثم، الفهرست(3).
22/1881. داود بن سليمان.
أبو عمارة البكريّ، الكوفيّ، من أصحاب الصادق عليه السلام، رجال الشيخ(4).
23/1882. داود بن سليمان بن جعفر.
أبو أحمد(5) القزويني، ذكره ابن نوح في رجاله. له كتاب عن الرضا عليه السلام روي(6) عنه: أبو حمزة بن سليمان، رجال النجاشي(7).
ويحتمل أن يكون هذا هو الذي ذكره المفيد رحمه الله في إرشاده، حيث قال: داود ابن سليمان، من خاصّة الكاظم عليه السلام وثقاته، ومن أهل الورع والعلم والفقه من شيعته، وممّن روي النصّ علي الرضا عليه السلام(8). وفي رجال ابن داود: داود بن سليمان، أبو(9) جعفر أبو أحمد ولم أجده في كتب الرجال، خاصّة في رجالخ.
ص: 327
الشيخ(1).
13/1872. داود بن حصين(2) الأسدي.
مولاهم، كوفيّ، ثقة، روي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن عليهما السلام، وهو زوج خالة عليّ بن الحسن بن فضّال. له كتاب(3)، روي عنه: العبّاس بن عامر، رجال النجاشي(4).
واقفيّ، من أصحاب الصادق(5) والكاظم(6) عليهما السلام، رجال الشيخ.
وذكره ابن داود في البابين(7).(8)
14/1873. داود بن دينار.
ذكرنا بعنوان: داود بن أبي هند(9).
15/1874. داود بن راشد الكوفي.4.
ص: 328
الأبزاري، من أصحاب الصادق عليه السلام، رجال الشيخ(1).(2)
16/1875. داود بن زربي.
أبو سليمان، الخندقي البندار، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، ذكره ابن عقدة. له كتاب، روي عنه عليّ بن خالد العاقولي، رجال النجاشي(3).
له أصل(4)، روي عنه ابن أبي عمير، الفهرست(5).
من أصحاب الصادق(6) والكاظم(7) عليهما السلام، رجال الشيخ.
وقال المفيد رحمه الله في إرشاده: إنّه من خاصّة الكاظم عليه السلام وثقاته، ومن أهل الورع والعلم والفقه من شيعته، وممّن روي النصّ علي الرضا عليه السلام(8).
وذكر الكشّيّ ما يشهد بسلامة عقيدته(9).
ونقل العامّة وابن داود توثيقه من النجاشي(10)، ولم أجد توثيقه فيه وأربع نسخ منه عندي(11).2.
ص: 329
مؤلّف هذا الكتاب، هو العلّامة محمّد تقي التستري(1) صاحب التأليفات القيّمة، منها شرحه علي نهج البلاغة الذي طبع باسم بهج الصباغة. وأمّا كتابه قاموس الرجال فهو يمتاز بخصائص منها:
أوّلاً: أنّه تعليقة نقديّة علي كتاب تنقيح المقال للعلّامة المامقاني، فكلّما قال:
«المصنّف» عني به المامقاني، كقوله في إبراهيم بن هاشم: «ولفّق المصنّف أُموراً في توثيقه أقواها وقوعه في تفسير ابنه عليّ بن إبراهيم القمّي»(2).
ثانياً: أنّه كتاب نقدٍ، عكس ما في تنقيح المقال، حيث نجده كتاباً جامعاً للقرائن.
ثالثاً: بما أنّ المصنّف كان قد اطّلع علي مصادر تاريخيّة وأدبيّة وغيرها، ممّا لم يرو عنها غيره، فقد استطاع أن يناقش بعض آراء المامقاني.
رابعاً: فيه تصريح من قبل المؤلّف: وإن وثق القدماء كالنجاشي والطوسي راوياً، فلا ضرورة في ذكر توثيقات المتأخّرين ونقل آرائهم وأقوالهم.
خامساً: أنّ التستري انتقد فيه المامقاني وقال: إنّ جميع الكلمات والأسماء لا تحتاج إلي ضبط حروفها كإبراهيم، نعم هناك أعلام تحتاج إلي الضبط كسمرة.
سادساً: أعلن المؤلّف أنّ المامقاني لم يفرّق بين رجال النجاشي وابن النديم، مع أنّ ابن النديم ليس رجاليّاً معدّلاً جارحاً، بل كان ورّاقاً.
سابعاً: سجّل المؤلّف علي المامقاني بأنّه قد خلط بين الإهمال والجرح،
ص: 330
وخلط في ضبط الأعلام والكلمات كقوله في ابن الأثير. وبهذا فإنّ التستري عَلَم في التحقيق والبحث، فهو محقّق حقّاً، مع أنّ المامقاني مصنّف جامع، وله في مقدّمة كتابه تعريف بالكتب الرجاليّة. والمقدّمة هذه صارت قسماً لكتاب كليّات في علم الرجال للعلّامة السبحاني كما أنّه أخذ القسم الثاني من كتابه من مقدّمة معجم رجال الحديث لآية اللّه الخوئي.
عبداللّه بن القاسم.
قال: عنونه النجاشي قائلاً: «الحارثيّ، ضعيف غالٍ، كان صحب معاوية بن عمّار ثمّ خلط وفارقه - إلي أن قال - عن محمّد بن خالد البرقي عنه به».
والشيخ في الفهرست قائلاً: «صاحب معاوية بن عمّار الدهني».
وابن الغضائري قائلاً: «البَطل، الحارثيّ، كذّاب، والكذب بيّن في وجه حديثه».
أقول: ما نسبه إلي ابن الغضائري من قوله: «والكذب بيّن في وجه حديثه» خلط من المصنّف، وابن الغضائري لم يذكره في هذا بل في عمارة بن زيد الذي عنونه قبل هذا، وإنّما قال في هذا: بصريّ كذّاب غالٍ، ضعيف متروك الحديث، معدول عن ذكره.
قال: قال الوحيد: رواية جمع كتابه تشهد بالاعتماد عليه.
قلت: هو غلط، فليس طريق الفهرست والنجاشي إليه إلّامحمّد البرقي الذي طعنوا فيه بروايته عن الضعفاء؛ مع أنّ أصله شطط، فصرّحوا في كثير من الضعفاء برواية جمع كتبهم - كما عرفت في المقدّمة - ومنها الآتي.
ص: 331
عبداللّه بن القاسم الحضرمي.
قال: عدّه الشيخ في رجاله في أصحاب الكاظم عليه السلام قائلاً: «واقفيّ».
وعنونه ابن الغضائري، قائلاً: «كوفيّ ضعيف، أيضاً غالٍ متهافت، لا ارتفاع به».
والنجاشي قائلاً: «المعروف بالبطل، كذّاب غالٍ، يروي عن الغلاة، لا خير فيه، ولا يعتدّ بروايته، له كتاب يرويه عنه جماعة - إلي أن قال - محمّد بن الحسن بن شمّون قال: حدّثنا عبداللّه بن عبدالرحمن عنه بكتابه».
ويقول الشيخ في الفهرست: له كتاب، أخبرنا به ابن أبي جيد، عن أبي الوليد، عن الصفّار، عن محمّد بن الحسن، عنه.
جعل ابن الغضائري «البطل» وصف الحارثي، وجعله النجاشي وصف الحضرمي هذا، ويبعّد الاتّحاد ذكر الفهرست والنجاشي وابن الغضائري لكلّ منهما.
أقول: بل التحقيق اتّحادهما واتّحاد المطلق الذي في الكشّي، لأنّ رجال الشيخ المبنيّ علي الاستقصاء لم يذكر غير واحد، وكذا المشيخة لم يذكر غير واحد وأطلقه، وطريقه إليه: «عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن خشنام الأصبهاني» وفي نسخة: «عبداللّه بن أحمد، عن محمّد»، ولإطلاقه في كثير من الأخبار، كما في صدق الكافي وأداء أمانته(1)، وأئمّته عليهم السلام ورثوا علمه صلي الله عليه و آله، وخلفائه(2)، وأنواره(3)، وما فرض5.
ص: 332
اللّه من الكون معهم(1)، وترتيل قرآنه(2)، ونسبة إسلامه(3)، وغيبته(4)، ووقت صلاة سفره(5)، ومولد أميرالمؤمنين عليه السلام(6)، ومولد صادقه عليه السلام وولادة التهذيب(7)، وديونه(8)، وصلاة غريقه(9)، وصلاة تسبيحه(10)، ونوادر آخر الفقيه(11)، وطريق الفهرست إلي سليمان بن صالح.
ولم يقيّد بالحارثي في خبر، وإنّما روي الاختصاص خبراً عن عبداللّه بن القاسم بن الحارث(12)، وقُيِّد بالبطل في الكافي، في الأئمّة عليهم السلام يعلمون متي يموتون(13) وبعد حديث قوم صالح الروضة(14)، وهو واحد بالضبط، لما عرفت من اختلاف ابن الغضائري والنجاشي في موصوفه. وقيّد بالحضرمي في خبر رواه صاحب الغيبة(15) ومضمونه «لأيّ شيء سمّي القاسم؟ لأنّه يقوم بعد ما يموت» ولعلّ الطعن فيه لروايته مثل هذا الخبر، وكذا قُيِّد به في أخبار أربعة0.
ص: 333
رواها صاحب الاختصاص(1) ولأنّه لا تنافي بين كونه صاحب معاوية بن عمّار كما عنونه الفهرست، وبين الحارثي، لجمع النجاشي بينهما.
ويشهد للاتّحاد أيضاً اتّفاق الكشّيّ وابن الغضائري والنجاشي علي ذكر الغلوّ في المطلق، وفي الحارثي، وفي الحضرمي.
هذا، ولم يذكروا ما يفيد التناقض بين أقوال الثلاثة بالغلوّ، وقول الشيخ في الرجال بالوقف، والوقف وإن كان