البرهان علي وجود صاحب الزمان قصيدة و شرحها في جواب قصيدة وردت من بغداد في شأن الإمام المهدي عليه السلام

اشارة

البرهان علي وجود صاحب الزمان قصيدة و شرحها في جواب قصيدة وردت من بغداد في شأن الإمام المهدي عليه السلام

تأليف: السيد محسن الأمين الحسيني العاملي قدس سره

تقديم و تحقيق : مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

رقم الإصدار : 48

ص: 1

اشارة

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة

فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

النجف الأشرف - شارع الرسول صلي الله عليه و آله - محلة الحويش

رقم الزقاق 54 - رقم الدار 2

هاتف: 332811 و 332813

ص.ب 588

www.m-mahdi.com

info@m-mahdi.com

***

البرهان علي وجود صاحب الزمان عليه السلام

السيد محسن الأمين الحسيني العاملي قدس سره

تقديم و تحقيق

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة

فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

الطبعة الأولي : شعبان 1427 ه

رقم الإصدار : 48

النجف الأشرف

جميع الحقوق محفوظة للمركز

عدد النسخ: 3000

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

اَللَّهُمَّ أَرِنِي اَلطَّلْعَةَ اَلرَّشِيدَةَ، وَ اَلْغُرَّةَ اَلْحَمِيدَةَ، وَ اُكْحُلْ نَاظِرِي بِنَظِرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ، وَ عَجِّلْ فَرَجَهُ، وَ سَهِّلْ مَخْرَجَهُ، وَ أَوْسِعْ مَنْهَجَهُ، وَ اُسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ، وَ أَنْفِذْ أَمْرَهُ، وَ اُشْدُدْ أَزْرَهُ، وَ اُعْمُرِ اَللَّهُمَّ بِهِ بِلاَدَكَ، وَ أَحْيِ بِهِ عِبَادَكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ اَلرَّاحِمِينَ.

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز

الحمد لله ربّ العالمين، وصلي الله علي سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

الإعتقاد بالمهدي المنتظر عليه السلام من الأمور المجمع عليها بين المسلمين، بل من الضروريّات التي لا يشوبها شك.(1)

وقد جاءت الأخبار الصحيحة المتواترة عن الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم أنّ الله تعالي سيبعث في آخر الزمان رجلاً من أهل البيت عليهم السلام يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، وجاء أنّ ظهوره من المحتوم الذي لا يتخلّف، حتّي لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله عز وجل ذلك اليوم حتّي يظهر.

وكيف وأنّي يتخلّف وعد الله عز وجل في إظهار دينه علي الدين كلّه ولو كره المشركون؟ وكيف لا يحقّق تعالي وعده للمستضعفين المؤمنين باستخلافهم في الأرض، وبتمكين دينهم الذي ارتضي لهم، وإبدالهم من بعد خوفهم أمناً، ليعبدوه تعالي لا يُشركون به شيئاً.

وقد أجمع المسلمون علي أنّ المهديّ المنتظر عليه السلام من أهل البيت عليهم السلام، وأنّه من ولد فاطمة عليها السلام. وأجمع الإماميّة _ ومعهم عدد من علماء السنة _ أنّه عليه السلام من ولد الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، فأثبتوا اسمه ونعته وهويّته الكاملة.

هكذا فقد إعتقد الإمامية _ ومعهم بعض علماء السنّة _ أنّ المهدي

ص: 5


1- روي عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنّه قال: من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أُنزل علي محمد. انظر عقد الدرر: 230؛ عرف المهدي 2: 83؛ الفتاوي الحديثيّة: 27؛ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 175، ف 12.

المنتظر قد وُلد فعلاً، وأنّه حيّ يُرزق، لكنّه غائب مستور. وماذا تنكر هذه الأمّة أن يستر الله عز وجل حجّته في وقت من الأوقات؟ وماذا تنكر أن يفعل الله تعالي بحجّته كما فعل بيوسف عليه السلام: أن يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه، حتّي يأذن الله عز وجل له أن يعرّفهم بنفسه كما أذن ليوسف (قالُوا أَإِنَّكَ لأََنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وهذا أَخِي).(1)

أو لم يخلّف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في أمّته الثقلين: كتاب الله وعترته، وأخبر بأنّهما لن يفترقا حتّي يردا عليه الحوض؟ أو لم يخبر صلي الله عليه وآله وسلم أن سيكون بعده إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، وأنّ عدد خلفائه عدد نقباء موسي عليه السلام ؟ وإذا كان الله تعالي لم يترك جوارح الإنسان حتّي أقام لها القلب إماماً لتردّ عليه ما شكّت فيه، فيقرّ به اليقين ويبطل الشكّ، فكيف يترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يُقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم؟(2) وحقّاً (لا تَعْمَي الأَْبْصارُ ولكِنْ تَعْمَي الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).(3)

ولا ريب أنّ للعقيدة الشيعيّة في المهدي المنتظر عليه السلام _ وهي عقيدة قائمة علي الأدلّة القويمة العقليّة _ رجحاناً كبيراً علي عقيدة من يري أنّ المهدي المنتظر لم يولد بعد، يقرّ بذلك كلّ من ألقي السمع وهو شهيد إلي قول الصادق المصدّق عليه السلام: من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتةً جاهليّة.(4)2.

ص: 6


1- يوسف: 9، والاستدلال منتزع من الكافي 1: 337.
2- انظر محاججة مؤمن الطاق مع عمرو بن عبيد. كمال الدين 1: 207 - 209/ ح23.
3- الحجّ: 46.
4- حديث مشهور تناقله علماء الطرفين في مجاميعهم الحديثية بتعابير تتّّفق في مضمونها. انظر علي سبيل المثال مسند أحمد 3: 446 و4: 96؛ المعجم الكبير للطبراني 12: 337، و19: 335 و338، و20: 86؛ طبقات ابن سعد 5: 144؛ مصنّف ابن أبي شيبة 8: 598/ ح42. وانظر الفردوس للديلمي 5: 528/ ح 8982.

ناهيك عن أنّ من معطيات الاعتقاد بالإمام الحيّ أنّها تمنح المذهب غناءً وحيويّة لا تخفي علي من له تأمّل وبصيرة.(1)

ولا ريب أنّ إحساس الفرد المؤمن أنّ إمامه معه يعاني كما يعاني،وينتظر الفرج كما ينتظر، سيمنحه ثباتاً وصلابة مضاعفة، ويستدعي منه الجهد الدائب في تزكية نفسه وتهيئتها ودعوتها إلي الصبر والمصابرة والمرابطة، ليكون في عداد المنتظرين الحقيقيّين لظهور مهديّ آل محمد عليه وعليهم السلام. خاصّة وأنّه يعلم أنّ اليُمن بلقاء الإمام لن يتأخّر عن شيعته لو أنّ قلوبهم اجتمعت علي الوفاء بالعهد، وأنّه لا يحبسهم عن إمامهم إلاّ ما يتّصل به ممّا يكرهه ولا يؤثره منهم.(2)

ولا يُماري أحد في فضل الإمام المستور الغائب _ غيبة العنوان لا غيبة المعنون _ في تثبيت شيعته وقواعده الشعبية المؤمنة وحراستها، كما لا يماري في فائدة الشمس وضرورتها وإن سترها السحاب. كيف، ولولا مراعاته ودعائه عليه السلام لاصطلمها الأعداء ونزل بها اللأواء، ولا يشكّ أحد من الشيعة أنّ إمامه أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء.(3)

وقد وردت روايات متكاثرة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام تنصبّ في مجال ربط الشيعة بإمامهم المنتظر عليه السلام ، وجاء في بعضها أنّه عليه السلام يحضر الموسم فيري الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه،(4) وأنّه عليه السلام يدخل عليهم2.

ص: 7


1- انظر كلام المستشرق الفرنسي الفيلسوف هنري كاربون في مناقشاته مع العلامة الطباطبائي في كتاب الشمس الساطعة.
2- انظر: الاحتجاج للطبرسي 2: 325؛ بحار الأنوار 53: 177.
3- قال صلي الله عليه وآله وسلم: النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض. انظر علل الشرايع 1: 123؛ كمال الدين 1: 205/ ح 17 - 19.
4- وسائل الشيعة 11: 135؛ بحار الأنوار 52: 152.

ويطأ بُسطهم،(1) كما وردت روايات جمّة في فضل الانتظار، وفي فضل إكثار الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ فيه فرج الشيعة.

وقد عني مركز الدراسات التخصّصيّة في الإمام المهديّ عجل الله فرجه بالاهتمام بكلّ ما يرتبط بهذا الإمام الهمام عليه السلام ، سواءً بطباعة ونشر الكتب المختصّة به عليه السلام ، أو إقامة الندوات العلميّة التخصصيّة في الإمام عجل الله فرجه ونشرها في كتيبات أو من خلال شبكة الإنترنيت، ومن جملة نشاطات هذا المركز نشر سلسلة التراث المهدويّ، ويتضمّن تحقيق ونشر الكتب المؤلّفة في الإمام المهديّ عجل الله فرجه ، من أجل إغناء الثقافة المهدويّة، ورفداً للمكتبة الإسلاميّة الشيعيّة، نسأله _ عزّ من مسؤول _ أن يأخذ بأيدينا، وأن يُبارك في جهودنا ومساعينا، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، والحمد لله رب العالمين.

والكتاب الماثل بين يديك عزيزي القارئ لمؤلفه الحبر العلامة السيد محسن الأمين قدس سره أجاب فيه علي الكثير من التساؤلات والاشكاليات في قضية الإمام المهدي باجابة علمية وافية رداً علي قصيدة وردت من بغداد كما يذكر في مقدمته.

شكر وتقدير:

والمركز إذ يقدم للمكتبة الإسلامية وللإخوة القرّآء هذا السفر القيم يتقدم بالشكر الجزيل إلي لجنة التحقيق وبالأخص سماحة الشيخ علاء عبد النبي حفظه الله، كما يتقدم بالشكر إلي قسم الكمبيوتر، ونخص بالذكر الأخ الفاضل مسؤول قسم الكمبيوتر والتنضيد ياسر الصالحي.

السيد محمّد القبانچي

مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام

النجف الأشرف

ص: 8


1- الكافي للكليني 1: 337/ ح 4.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لا يغيب عنه بَرّ ولا بحر، ولا يخلو له من حجة عصر، وصلي الله علي سيدنا محمّد وآله معادن الشرف والفخر، وشفعاء يوم الحشر والنشر وسلّم تسليما.

أما بعد: فقد وردت إلي النجف الأشرف علي ساكنه السلام أيام مجاورتنا به قصيدة من بغداد لم يسمَّ ناظمها، وهي في شأن الإمام المهدي القائم المنتظر عجل الله فرجه ، أشار قائلها إلي الخلاف الواقع في أنه عليه السلام ولد أو سيولد، واختار هو الثاني، مستدلاً عليه بأمور ذكرها في قصيدته، فأشار جمع من الأصحاب بأن نعارضها بقصيدة تكون جواباً لها أسوةً بمن انتدب لذلك من شعراء النجف الأشرف وأدبائه وغيرهم، فاستخرت الله تعالي ونظمت في جوابها قصيدة علي وزن أبياتها وقافيتها، وضمنتها بعض ما يثبت إمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ووجود قائمهم وغيبته من العقل والنقل القطعيين، والأحاديث المجمع عليها عند علماء الفريقين، وأوضحنا عدم دلالة ما ذكره ناظم القصيدة علي امتناع غيبته، وأشرنا إلي أسماء بعض من وافقنا علي ذلك من علماء أهل السنة وأسماء كتبهم، فجاءت بحمد الله تعالي وافية بالمأمول، وصادفت عند أهل عصرنا أتم القبول، ثمّ علقنا علي القصيدتين شروحا لطيفة ضمّناها فوائد كثيرة، وأوردنا ذلك كله في هذا المجموع المسمي ب- (البرهان علي وجود صاحب الزمان)، وعلي الله نتوكل وبه نستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل.

* * *

ص: 9

ص: 10

وقصيدة الناظم هي هذه:

أيا علماء العصر يا من لهم خبر *** بكل دقيق حار في مثله الفكر

لقد حار مني الفكر في القائم الذي *** تنازع فيه الناس والتبس الأمر

فمن قائلٍ(1) في القشر لبُ وجوده *** ومن قائلٍ قد ذب(2) عن لبّه القشر

وأول(3) هذين الذين تقررا *** به العقل يقضي والعيان ولا نكر

وكيف وهذا الوقت داعٍ لمثله *** ففيه توالي الظلم وانتشر الشر

وما هو إلا ناشرُ العدل والهدي *** فلو كان موجوداً لما وجد الجور

وإن قيل من خوف الطغات قد اختفي *** فذاك لعمري لا يجوّزه الحجر(4)

ولا النقل كلا إذ تيقن أنّه *** إلي وقت عيسي يستطيل له العمر

وأن ليس بين الناس من هو قادر *** علي قتله وهو المؤيده النصر

وأن جميع الأرض ترجع ملكه *** ويملؤها قسطاً ويرتفع المكر

وإن قيل من خوف الأذاة قد اختفي *** فذلك قول عن معائب يفتر

فهلاّ بدا بين الوري متحملا *** مشقة نصح الخلق من دأبه الصبر

ومن عيب هذا القول لا شك أنّه *** يؤول إلي جبن الإمام وينجر

وحاشاه عن جبن ولكن هو الذي *** غدا يختشيه من حوي البر والبحر

ويرهب منه الباسلون جميعهم *** وتعنو له حتّي المثقفة السمر

علي أن هذا القول غير مسلّم *** ولا يرتضيه العبد كلا ولا الحر

ففي الهند أبدي المهدوية كاذب *** وما ناله قتل ولا ناله ضر

ص: 11

وإن قيل أن الاختفاء بأمر من *** له الأمر في الأكوان والحمد والشكر

فذلك أدهي الداهيات ولم يقل *** به أحدٌ إلاّ أخو السفه الغمر

أيعجز رب الخلق عن نصر حزبه *** علي غيرهم حاشا فهذا هو الكفر

فحتي م هذا الإختفاء وقد مضي *** من الدهر آلاف وذاك له ذكر

وما أسعد السرداب في سر من رأي *** له الفضل عن أم القري وله الفخر

فيا للأعاجيب التي من عجيبها *** أن اتخذ السرداب برجاً له البدر

فيا علماء المسلمين فجاوبوا *** بحقٍ ومن رب الوري لكم الأجر

وغوصوا لنيل الدر أبحر علمكم *** فمنها لنا لا زال يستخرج الدر

* * *

ص: 12

القصيدة الجوابية للسيد قدس سره:

نأوا وبقلبي من فراقهم جمر *** وفي الخد من دمعي لبينهم غمر

ولست أري ماء المدامع مطفئاً *** لهيب الحشا منّي ولو أنه نهر

وأورثني بُعد الأحبّة لوعة *** تؤزّ الحشا منها كما أزّت القدر(5)

ولولا تسلّي القلب منهم بأوبة *** لطار ولم تغن الجوانح والصدر

بذلت لهم أغلي الذي ملكت يدي *** وأصبح حظي منهم الصدّ والهجر

ويحلو لقلبي كلما مرّ ذكرهم *** بنفسي أفدي من حلوا كلما مرّوا

أرقت وهاجتني الهموم كأنما *** علي مضجعي مد القتاد أو السدر

وما أرقي من فقد اُلف تحملت *** به الضامرات القود إذ قومه سفر

ولا شاقني ربع بأكناف رامة *** ولا هيّمت قلبي جآذره العفر

ولا أنا ممن يملك الحب قلبه *** لغانية من خلقها التيه والنفر

تعير الظباء العين جيداً ومقلة *** ويفضح خوط البانة القد والخصر

فوجنتها ورد وقامتها قنا *** ومبسمها برق وريقتها خمر

وطلعتها شمس وصبحٌ جبينها *** وطرتها ليل وغرتها بدر

لها بشر مثل الحرير ومنطق *** رخيم ولكن قُدّ من قلبها الصخر

ولكن وعي سمعي مقالة سائل *** تحيّر منه اللب واضطرب الفكر

أتي سائلاً عن مولد القائم الذي *** تنازع فيه الناس والتبس الأمر

فمن قائل في القشر لب وجوده *** ومن قائل قد نض عن لبه القشر

ص: 13

وما منهم إلا مقرّ بأنه *** غدا يمتلي من عدله البر والبحر

فقمت مجيباً قائلاً قول منصف *** وقد بان لي من أمره الحلو والمر

سقطت علي ذي خبرة وتجارب *** وليس أخو جهل كمن عنده خبر

إليك عقوداً راح ينظمها الفكر *** هي الدر لا ما قلّد الجيد والنحر

وسحر بيان من لساني قد محا *** بمتّضح البرهان ما موّه السحر

أبنتُ به نهج الصواب لمن وعي *** ومنه لذي عينين قد وضح الفجر

الجواب عن قوله: وكيف وهذا الوقت داع لمثله الخ... والبيت الذي بعده:

زعمت بمحض القول(6) قبح اختفائه *** وقد فشيا في العالم الظلم والغدر

إذا جاز عند الظلم تأخير خلقه *** فقد جاز بعد الخلق في حقه الستر

وهل كان قبل الأربعين محمّد *** لدعوته يخفي وقد ظهر الكفر

وكيف أسرّ الرسل من قبل دينهم *** زماناً وهل لله في كتمهم سر

وقد غاب من قد غاب منهم لخوفه *** وشُرّد حتّي ناله الجهد والضر

عود إلي الجواب عن قوله: وكيف وهذا الوقت الخ... والبيت الذي بعده:

وقلت توالي الظلم والجور في الوري *** فليس له في كتم أحكامه عذر

فإن قلت ما للمسلمين جميعهم *** إمام غدا في كفه الأمر والزجر

وكلّهم بالظلم والجور حاكم *** فلو ظهر المهدي ضمّهم القبر

فكيف وهذا الدين أبلج واضح *** بسيف بني عثمان أيامه غر

وسلطاننا(7) السامي المقام سما به *** منار الهدي لم يخل من عدله قطر

مليك له تعنو الملوك وصارم *** به تدفع الجلي ويُستنزل النصر

ص: 14

أتعزي له ظلما وتعلم أنه *** إطاعته فرض وعصيانه وزر

وإن قلت دين المسلمين مؤيّد *** بسلطانهم لم يعره الخوف والذعر

فلم يك هذا الوقت وقت ظهوره *** ولم يمتلئ ظلماً بها السهل والوعر

الجواب عن قوله: وإن قيل من خوف الطغاة الخ... والأبيات الثلاثة التي بعده:

وأنكرت أن يخشي الردي بعدما دري *** يقينا بعيسي أن سيجمعه الدهر

فقل لي موسي كيف تؤمر أمه *** بإدخاله التابوت يقذفه الغمر(8)

وقد كان يدري الله أن ابنها غدا *** سيغلب فرعونا وتصفو له مصر

وكيف اختفي في ليلة الغار أحمد *** وفي غيرها خوف الردي وله الفخر

وقد كان يدري أن سيظهر دينه *** علي كل دين لا يخالطه نكر

وإن قلت لا يدري النبي وما سوي ال- *** مهيمن بالآجال شخص له خبر

فقل مثل هذا في الإمام فلا يري *** سبيلا إلي إنكاره من له حجر

نعم باختفاه قد دري ولأجله *** دري أنه حتما يطول له العمر

الجواب عن قوله: وإن قيل من خوف الأذاة الخ... والأبيات الستة التي بعده:

وأنكرت أن يخشي الأذي وقد انتهي *** إليه من الله الشجاعة والصبر

ونزّه عن جبن فحاشا لمثله *** من الجبن أما ضمه العسكر المجر

فهل كان جبنا حين فرّ محمّد *** إلي الغار مع صدّيقه أو له عذر

وهل كان يوم الشعب جبنا سكوته *** سنين وما للدين في كلها ذكر

ومن قبل هذا كان يعبد ربه *** مسراً فلا يفشو له في الوري سر

ص: 15

وكم من نبي فرّ من خيفة العدي *** فما ضره خوف ولا عابه فر

وكلّهم يمضون عن أمر ربهم *** فإن شاء هم فرّوا وإن شاءهم كرّوا

الجواب عن قوله: وإن قيل أن الاختفاء بأمر من الخ... والبيتين اللذين بعده:

وأنكرت أن يخفي بأمر من الذي *** قد استويا في علمه السر والجهر

وقلت إذن رب البرية عاجز *** عن النصر كلا ليس يعجزه النصر

فقل لي يوم الشعب والغار عن رضي *** من الله ستر المصطفي أم به قهر

وقل لي كم لاقي النبيون من أذي *** وكم قد فشا قدما بها القتل والأسر

أكان إلهُ العرش إذ ذاك عاجزا *** عن النصر والتأييد هذا هو الكفر

إذا كان يمحو كل ما هو قادر *** عليه من المكروه لم يوجد الشر

ولم لا يكون الله شاء اختفاءه *** ولا قبح فيه عند من دينه الجبر(9)

تدين بأن الله ليست منوطة *** بمصلحة أفعاله إذ هو الفقر

وتسأله عن أمره لوليه *** لعمر أبي هذا التناقض والهجر

ومن ذا الذي أمسي بكل مصالح ال- *** أمور محيطا غير رب له الأمر(10)

ولا يُسأل الرحمن عن فعله ولا *** يحيط بما في علمهِ أبداً فكر

* * *

وقلت بدا في الهند ذو مهدوية *** وما ناله قتل ولا ناله ضر

فكم مدّع للمهدوية غيره *** قد انتهبت أحشاءه البيض والسمر

وأنكرتم طول الحياة وقلتم *** إلي مثل هذالا يطول به العمر(11)

ص: 16

في المعمّرين:

وعمر نوح(12) بعد شيث(13) وآدم(14) *** وعاش ابن عاد(19) عمر سبعة أنسرٍ

وعمّر في الماضين عمرو بن عامر(20) *** كذلك مهلائيل(21) ثم بدا له

وذا ابن مُضاض حارث(22) عاش نصفها *** وعمّر صيفيّ(23) كما عمّر ابنه(24)

وعاش عبيد(25) فاغتدت من لدّاته *** وعمّر عمرو(26) وهو جدّ خزاعةٍ

وقد عمّر المستوغِر(27) بن ربيعة *** وعيسي(15) وإلياس(16) وإدريس(17) والخضرُ(18)

ثمانون عاما ما يعمره النسر *** ثمان مئين نابها العسر واليسر

علي الأمن من طرف الردي نظر شزر *** فمُدّت إليه للردي أعين خزر

ليوم علي الباري به وقع الأجر *** تُعَدّ بنات النعش والأنجم الزهر

وأوّل من يُعزي له الوصل والبحر *** فكان بصدر الموت من عمره وغر

ص: 17

وعاش زهير(28) مع رُبيع(29) وطيء(30) *** وحارثة الكلبي(31) وابن بُقَيلة(32)

وست مئين عاش قُس(34) مع الوري *** ومثلهما أمسي سطِيح(36) معمراً

وعمّر عوف(38) مع عدي(39) وعامر(40) *** وسيف ابن وهب(41) مع شرية(42) ثم ذو

وثعلبة الأوسي(44) وابن شريّة *** كذلك كعب(46) وابن كعب(47) وجعفر(48)

وقد كان عبّاد(51) علي ما رَووا لنا *** وسام(52) وتيم(53) نصف ألفٍ وبعدها

طويلاً فنالتهم مناياهم الحُمر *** وكعب هو الدوسي أو فاسمه عمرو(33)

كذا هُبَل(35) ثم استقل به القبر *** ومات ولم تُغن الكهانة والزجر(37)

ثلاث مئين لا يخالطها كسر *** جَدَان(43) وللأذقان من بعدها خرّوا

عبيد(45) فمن بالدهر من بعد يغتر *** وذو إصبع(49) فاغتال عمرهم البتر(50)

ثلاث مئين باقيا مثل من مرّوا *** علي الرغم قد واراهما المنزل القفر

ص: 18

وزادهما عشرين في العمر عامر(54) *** وست مئين عاش عوج(55) وقبلها

وعمّر ذو القرنين(56) ألفاً ونصفها *** وقد عمّر الضّحاك(57) ألفاً وبعدها

وتسع مئين عاش قَينان(58) في الوري *** وسبع مئين كان في الناس باقياً

وعاش سليمان بن داود(60) مثلها *** وعاش دُوَيد(61) ما علمت وعمّرت

وكان له من بعدها في الثري حفر *** ثلاثة آلاف فغيّبه العفر

وللموت فيه بعدها انتشب الظفر *** لداعي الردي قد راح يقتاده الأسر

وقد كان منه خير من ولدت فِهر *** نفيل(59) ولم يدفع منيّته الحذر

وزاد ولم يخلده ملك ولا وفر *** طويلا رجال لا يحيط بها الحصر

* * *

ص: 19

الجواب عن قوله: فحتام هذا الاختفاء الخ...:

وقلت فحتام الخفاء وقد مضي *** من الدهر آلاف وذاك له ذكر

أأنكرت من رب البرية قدرةً *** علي مثل هذا إنّ هذا هو الهجر

وقد جاء في الدّجال(62) والخضر مثله *** وأثبتهُ النص الصحيح ولا حجر

وقد بقيا من عهد موسي(63) وأحمد *** إلي زمن يعطي لمهدّيه النصر

إذا عمّر الدجال(64) وهو معاند *** مضل ففي المهدي قد سهل الأمر

وقصة أهل الكهف أعجب والذي *** علي قرية قد مرّ أمرهما(65) إمر(66)

فلم يتسنه بعد قرن طعامه *** كذاك شراب نابه الحر والقُر(67)

فقد صحّ مما مرّ أن وجوده *** خفيّا عن الأبصار ليس به حظر

ويثبت بالنص الجلي وجوده *** وبالعقل لا يعروه شك ولا نكر

الدليل علي وجوده بالفعل وغيبته بعد الفراغ من إثبات إمكانه:

ففي الثقلين(68) قد أتتنا رواية(69) *** تحقّ بها الدعوي ويندفع الأصر

يقول نبيّ الله إني تارك *** لكم هاديا يبقي وإن فني الدهر

تركت كتاب الله فيكم وعترتي *** هم أهل بيتي السادة القادة الغر

هما مرجع للخلق لن يتفرقا *** إلي أن يكون النشر للناس والحشر

فما ضل من كانا له متمسكا *** ولا خاب من آل النبي له دخر

فأثبت هذا القول للآل عصمة *** وقدراً تسامي أن يدانيه قدر

أيأمرهم حاشاه أن يتمسكوا *** بعاص ويلقيهم بما منه قد فروا

ومن كان للقرآن ليس مفارقا *** فعصمته حتم كما عصم الذّكر

ص: 20

وحيث ورود الحوض أصبح غاية *** فليس بخال منهما أبدا عصر

ونفي السوي الإجماع منا ومنكم ق- *** تضي وبما قلناه قد ثبت الحصر

* * *

وباللطف(70) يقضي العقل حتما فربنا *** لطيف وفي كل الأمور له خبر

يقربنا من كل نفع وطاعة *** ويبعدنا عن كل ذنب به الضَّر

ومن لطفه أمسي مثيبا معاقبا *** ومن لطفه أن ترسل الرسل والنذر

تبين لنا طرق الضلالة والهدي *** جميعا وما في حكمه أبدا قسر

لئلا يري للناس من بعد حجة *** علي الله أو يبدو لهم في غدٍ عذر

ويحيي الذي يحيي ويهلك هالك *** وقد جاءه التبيان ما دونه ستر

فأرسل فينا أنبياء تنزهوا *** عن الذنب لا يُعصي له فيهم أمر

ولو جاز أن يعصوه ما كان أمرهم *** مطاعا وخيف الكذب منهم أو المكر

ومن بعدهم اُبقوا رعاة لدينهم *** يحوطونه من أن يحيق به الكفر

هم الأوصياء الراشدون وكلهم *** بحور علوم لا يُخاض لها غمر

وكل دليل بالنبوة قد قضي *** فمنه بإثبات الإمام قضي الفكر

وكل دليل مثبت عصمة لهم *** به عصمة في الأوصيا أثبت الحجر

فهذا أتي بالشرع من عند ربه *** وهذا به للشرعة الحفظ والنصر

وليس بمعصوم سوي آل أحمد *** بإجماع كل المسلمين ولا نكر

فإن أصبح البرهان يثبت عصمة *** فما حازها إلا هم واشتفي الصدر

وما نُصبوا إلاّ بأمر مدبّر *** حكيم تساوي عنده السر والجهر

ص: 21

وليس لأهل الأرض في ذاك خيرة *** وكلهم فيما يحاول مضطر

وكيف يكُون الأمر طبق اختيارهم *** وطبعهم إلا أقلّهم الشر

ولكن رباً بالعواقب عالما *** حكيما إلي ما اختاره ينتهي الأمر

وهم فُلْك نوح قد نجا كل راكب *** بها وهوي من حاد عنها به الكبر(71)

وهم كالنجوم الزهر ما غاب واحد *** عن الناس إلاّ اطلعت أنجم زهر(72)

وهم في وصاة المصطفي باب حطة *** لداخله من ربه الأمن والبشر(73)

وهم أمن أهل الأرض كالأنجم التي *** بها آمنت أهل السما وبها قروا (74)

وربهم قد أذهب الرجس عنهم *** أجل ولهم منه النزاهة والطهر(75)

فهل بعد هذا القول(76) يُنكر عصمة *** لهم ظهرت إلاّ أخو السفه الغمر

وخير الوري قال الأئمّة كلهم *** علي ما رويتم في قريش لهم حصر(77)

وقال يلي ذا الأمر عشر خلائفٍ *** مع اثنين(78) كل في قريش له نجر(79)

وفي بعضها من هاشمٍ ولعلة *** بها من رسول الله لم يكن الجهر(80)

ومن مات لم يعرف إمام زمانه *** فقد مات موتا جاهلياً هو الخسر(81)

ففي كل عصر من قريش خليفة *** من العدد الميمون(82) إنكاره وزر

وينفي بإجماع الفريقين غير من *** نقول وذاك اثنان يقفوهما عشر(83)

فهذي روايات ثلاث بضمها *** إلي واضح الإجماع يبدو لك السر(84)

علي أن في ثاني الأحاديث مقنعا *** لمن كان للإنصاف في قلبه بذر

فإنّ قريشاً من تخلّف منهم *** يزيدون عن هذا (85) وهم عدد كثر

وبعضهم لا يستحق خلافة *** لما فيه من ظلمٍ به انتفخ السحر(86)

ص: 22

كمن من بني العباس أو من أميّة *** بحلم إله العرش عنهم قد اغتروا

ومن كان منهم(87) ذا صلاح فإنه *** قليل وهم من ذلك العدد(88) الشطر

علي أن في تلك الروايات أنهم *** سيبقون حتّي يجمع الأمة النشر

وأن لا يزال الدين والحق قائما *** بهم ولهم في الأمّة النهي والأمر(89)

ومن قد ذكرنا من قريش فإنهم *** قد انقرضوا طراً وأفناهم الدهر

إذاً فهم لا شك آل محمّد *** وهم حيدر وابناه والتسعة الغر

فهم من أقرّ المسلمون بفضلهم *** وهم من زُكوا بين الأنام ومن برّوا

وفي الثقلين ما أتي عاضد وما *** مضي غيره أو ما يجيء له الذكر

وفيما رواه جابر(90) عن نبينا *** بلاغ لمن لم يعر مسمعه وقر

وما قد رواه أخطب الخطباء(91) وال- *** جويني(92) ما في مثله شبهة تعرو

وغيرهما مما روته ثقاتكم *** به شحن القرطاس وامتلأ السفر

تفيض ينابيع المودة للوري *** به في مضامين يضيق بها الشعر

وفي بعضها سمّي الأئمّة كلهم *** بأسمائهم ما شذّ زوج ولا وتر(93)

وأحمد والغر الميامين أخبروا *** بغيبة مهديّ به ختم العصر

روته لنا فوق التواتر عنهم *** وعنه رجال لا يحيط بها الحصر

القائلون بوجود المهدي من علماء أهل السنة:

وقد قال منكم عدّة بوجوده *** ثقاة لديكم ما عديدهم نزر

فهذا الفقيه الشافعي ابن طلحة(94) ال- *** ذي لا توازي علمه الأبحر الغزر

يقول بما قلنا به في مطالب الس- *** ؤول(95) ببرهان به يشرح الصدر

ص: 23

كذاك الفقيه الشافعي ابن يوسف *** محمّد الكنجي(96) من علمه البحر

كفايته(97) تكفي وهذا بيانه(98) *** لقد بان منه الحق واتضح الأمر

كذا المالكي الحبر نجل محمّد *** عليّ بن صباغ(99) هو الثقة البر

يقول بهذا في فصول مهمة(100) *** له وعلي فصل الربيع لها الفخر

وذا السبط للجوزي(101) قال بقولنا *** بتذكرة خصت وعمّ لها الذكر

وكم من كنوز بالفتوحات(102) فتّحت *** ومنها غدا يُستخرج الدر والتبر

كذا الفاضل الجامي(103) منه شواهد الن- *** بوة أزكي شاهد ضمّه الدهر

وفي روضة الأحباب(104) أي حدائق *** تفتح فيها من أكمته الزهر

وكم قد جلا فصل الخطاب(105) مقالة *** هي الفصل حقا لا الخطابة والشعر

ومرآة أسرار(106) الإله بدت لنا *** ولادته منها كما بزغ البدر

ومما يقول المولوي(107) معلقاً *** علي نفحات الأنس قد نفح النشر

وهذا ابن شمس الدين(108) كالشمس أصبحت *** هدايته حتي اهتدين بها الزهر

وقد قال عبد الحق(109) والحق قوله *** بذلك والأقوال من مثله كُثر

وقد قال سعد الدين(110) أيضاً بمثله *** خليفة نجم الدين والعارف الصدر

كذلك شعرانيكم(111) من كتابه ال- *** يواقيت تختار اليواقيت والدر

وهذا الإمام البيهقي(112) إمامكم *** روي ذاك عن جمع لهم كُشف الستر

وقال بهذا غير من مرَّ عصبة(113) *** يطول بهم ذيل الكلام فينجر

وكم عارف منكم وقطب قد ادعي *** له رؤيةً يعطي بها الخير والبر

كما قد روي في كتبه الطبقات وال- *** يواقيت(114) شعرانيكم ذلك الحبر

ص: 24

عن الحسن الشيخ العراقي أنّه *** رآه يقينا مثلما طلع الفجر

وسبعةَ أيام أقام مشاهداً *** لطلعته الغرا يباشره البشر

ولقنه ذكراً وادمان ورده *** فيوم به صوم ويوم به الفطر

وأسند في أنواره(115) بيعةً له *** بجلق$في معجم البلدان 2: 154: جلق بكسرتين وتشديد اللام وقاف.. وهو اسم لكورة الغوطة كلها، وقيل: بل هي دمشق نفسها، وقيل: جلق موضع بقرية من قري دمشق.$ عن جمع برؤيته استرّوا

ووافقه في ذكر مدة عمره *** عليّ هو الخواص(116) ما عنده نكر

وعنه روي بعض المسلسلة البلا *** ذري(117) شفاها وهي فيكم لها ذكر

ومنّا رآه عصبُة لا يعدّهم *** حساب ولا يحويهم أبداً حصر

إذا أخبر الأبدال منا ومنكم *** به فأخو التكذيب مسلكه وعر

وقد صح في الأخبار مما رويتم *** وفي حصره تفني الدفاتر والحبر

ظهور إمام لا محالة قائم *** بنصر الهدي في كفه الخير واليسر

ويملأها عدلاً وقسطاً كما امتلت *** من الجور لا يخلو بها أبداً شبر

وإنّ اسمه كاسم النبي وجده *** عليّ وإن الأم فاطمة الطهر

وقد أوضحتْ تلك الروايات نعته *** وحليته كي يفهم الجاهل الغر

كما كان موسي موضحا نعت أحمد *** كذلك عيسي حين جاءهما الأمر

وما عيّنت وقت الولادة لا ولا *** نفت قولنا بل إنها منهما صفر

فإن وردت أخبارنا بوجوده *** وغيبته يبدي تواترها السبر

وذكر اسمه مع نعته وصفاته *** توافقت الأخبار واندفع الإصر

ص: 25

ولما مضي بعد النبي محمّد *** ثلاثون عاما(118) لا يزيد بها شهر

اُصيرت إلي الملك العضوض خلافة *** تناوبها بين الوري الكسر والجبر

يقلّدها في الناس برّ وفاجر *** ففاجرها يشقي ويحظي بها البر

وكم قد مضي دهر علي الناس لم يكن *** عليهم سوي من دأبه اللهو والخمر

كمثل يزيد والوليد(119) ومن مشي *** ضلالا علي نهجيهما وهم كثر

فأولهم بالكفر أعلن بعدما *** أباح دماءً للنبي بها وتر

وحكّم في أبناء فاطمة بني *** زياد وفي ابن المصطفي حاكم شمر

فباتت علي وجه الصعيد جسومهم *** ثلاثاً ومادت بالرؤوس القنا السمر

وسيقت ذراريه نساء وصبية *** أساري محا ألوانها البرد والحر والقر(120)

يطاف بها البلدان حتي كأنها *** من الروم سبي راح يقتاده الأسر

وطيبة دار المصطفي قد أباحها *** ثلاثا فلم تسلم حصان ولا بكر

وبايع أهليها بأنهم له *** عبيد فساد العبد واستعبد الحر(121)

وهذا كتاب الله أمسي ممزقا *** بسهم وليد(122) لا يصان له قدر

وكم قد سعي بسر بن أرطاة(123) مفسدا *** وطفل صغير حزّ أوداجه بسر

وكم شتموا فوق المنابر جهرة *** علياً لثارات دهتهم بها بدر

وما فعل نمرود وفرعون بعده *** كما فعل الحجاج لا ناله الغفر

وكم سخروا من صنو أحمد في الملا *** فكان عليهم ذلك الهزؤ أو السخر

وكم حرثوا قبر ابن بنت محمّد *** وأجروا عليه الماء كي يطمس الذكر(124)

وكم منهم أمّت له الناس غادة *** علي غير طهر هزّ أعطافها السكر(125)

ص: 26

وكم حكم النسوان(126) في الناس لم يكن *** ينازعها في الأمر زيد ولا عمرو

وكم من زمان كان للقرد(127) منزل *** رفيع غدا من دونه العبد والحر

وكم مدّع حق الخلافة غاشم *** كأن الوري سرب القطا وهو الصقر(128)

وكانوا هم للمسلمين أئمّة *** هداة وفي أيديهم الطي والنشر

فمن ذا الذي يرضي إمامة مثلهم *** علي نفسه أم من إمام خلا العصر

ومن كان لم يعرف إمام زمانه *** ففي حقّه بالنص قد ثبت الكفر(129)

وهل ترك الرحمن هذا الوري سدي *** بلا حاكم عدل به يجبر الكسر

أيخلق للحيوان في كل فرقة *** رئيس مطاع مانع دافع بر

فللنحل يعسوب وللنمل قائد *** وفي حمر الوحش الرئيس له ذكر

وفي بدن الإنسان قلب مدبر *** جوارحه والناس أمرهم هدر

أيوكلهم وهو الحكيم لما اشتهوا *** وعادتهم ظلم وطبعهم الغدر

ولو أن مخلوقاً يخلف ضيعة *** بلا قيّم قالوا أخوسفه غمر

فإن قلت إن الله ناظم أمرهم *** جميعاً فما فيهم إلي قيّم فقر

فذاك الذي ما قاله قط عاقل *** ويقضي بأن لا ترسل الرسل والنذر

وأن لا يكون الأمر بالعرف واجبا *** ولا النهي عن نكر ولا الوعظ والزجر

ولكنه أجري الأمور جميعها *** بأسبابها ما في مشيته قهر

ولولاه ما تمت من الله حجة *** علي خلقه كلا ولا انقطع العذر

فهذا صريح العقل والنقل منكم *** ومنّا بأن لم يخل من حجة عصر

غدت كلها من هاشم أو قريشها *** وما هي غير اثنين بعدهما عشر(130)

ص: 27

وليس بهذا العدّ والوصف غير من *** نقول فلله المحامد والشكر

فأولهم صنو النبي وصهره *** فهل مثله صنو وهل مثله صهر

كهارون من موسي غدا من محمّد *** وما منهما إلاّ وشدّ به الأزر

أخوه الصفي المجتبي وابن عمه *** وناصره الكرار إن أعوز الكر

وأوّل من صلي وصام ملبّيا *** لدعوته والناس عمّهم الكفر

وتحت الكسا ثانيه واحد خمسة *** هم خير من غذّاه في مهده الدر

أحب عباد الله بعد نبيه *** إلي الله لم يغرره ملك ولا دثر(131)

وللطائر الميمون في ذاك قصة *** فبورك من طير به قد نبا الوكر

وواقيه يوم الغار منه بنفسه *** من الموت لا يثنيه خوف ولا ذعر

فبات ركين القلب فوق فراشه *** وللموت أمسي نحوه نظر شزر

ومن طلّق الدنيا ثلاثا ولم يمل *** إليها ولا ألوت به البيض والصفر

وفارس اُحد والنضير وخيبر *** ويوم حنين قد مضي قبله بدر

وشاد بيوم الخندق الدين إذ(132) ثوي *** بضربته العظمي إلي جنبه عمرو

وأفني بيوم البصرة الجمع سيفه *** فعاد ووجه الأرض بالدم محمر

وفي يوم صفين أباد جموعهم *** وقد ذهلت فيه عن الولد الظئر

ولا تنس يوم النهروان وقد محا *** جموعهم فيه وما عُبر الجسر

مدينة علم الله طه وبابها *** عليّ ومن أبوابه يدخل المصر

هو البحر بحر العلم والجود والندي *** ولكن له مد وليس له جزر

وخصص في يوم الغدير ببيعة *** بها ابيضّ وجه الدين وابتسم الثغر

ص: 28

وقام رسول الله فيهم بخطبة *** يحقر في(133) ألفاظها الدر والتبر

يقول وقد أصغوا جميعا لقوله *** وللأرض من حر الهجير بها سعر

ألست الذي أولي بكم من نفوسكم *** فقالوا بلي أولي بها ولهم جأر(134)

فقال ألا من كنت مولاه منكم *** فهذا عليّ فهو مولاه والذخر

وفي هل أتي(135) ماذا أتي وبإنما *** وليكم ما ليس يبلغه الحزر

وفي قل تعالوا (136) أيّ كنز من الهدي *** وأيّ مقام عنه قد أفصح الذكر

وفي آية التطهير(137) أي فضيلة *** بها عاد وجه الحق أبلج يفتر

وكان إمام العلم يقضي به ومن *** سواه إمام السيف فانتظم الأمر

وكم رجعوا في معضلات أمورهم *** إليه فلم يقعد به الحي والحصر

وكم أعلن الفاروق لولا وجوده *** هلكْتُ ولولا حكمه انقصم الظهر

إلي أن مضي من قبله فتجمعا *** له العلم والسلطان ما عنهما حجر

وقام بنوه الأطيبون مقامه *** حماة هداة سادة قادة غرّ

وما عثر الأعداء منهم بزلّة *** ولا فيهم للقدح عين ولا أثر

ولا سُئلوا عن مشكل فتوقفوا *** ولا حار منهم عند معضلة فكر

ولا وُجدوا يوما بحلقة مرشد *** يلقّنهم من علمه عالم حبر

وكانوا جميعاً خير أهل زمانهم *** بهم في سنين الجدب يُستنزل القطر

وكم جهد الأعداء في طي فضلهم *** ويزداد مع طول الزمان له النشر

وأعدي بني الدنا ملوك زمانهم *** لهم ما استطاعوا أن يمات لهم ذكر

ولا قدروا أن يلحقوا وصمة بهم *** وذكرهم يزداد طيباً به النشر

ص: 29

وأعطي الرضا المأمون منه الرضا لما *** دري أنه في علمه الواحد الوتر

وقلّده عهد الخلافة بعده *** وقد كلمته دونها البيض والسمر

فأخبره أن لا تمام لأمره *** وأنبأ عن غيب به نطق الجفر

وما برحوا للسيف والسم طعمة *** يدانيهم قطر وينأي بهم قطر

إلي أن أتي مهديّهم فتألبت *** علي قتله الأعداء يقتادها المكر

وكم رصدت فيه الحوامل برهة *** واُخفي عنهم مثل موسي فلم يدروا

وغُيّب عن لحظ العيون لموعد *** به ليس يعرو الشاة من ذئبها نفر

وكان كيحيي اُعطي الحكم في الصبا *** وذلك فضل الله ليس له حصر

فما أسعد السرداب في سر من رأي *** وأسعد منه البيت والركن والحجر

وما شُرّف السرداب إلاّ لأنه *** بدار تناهي عندها العز والفخر(138)

تشرف مغناها بسكني ثلاثة(139) *** من الآل يُستسقي بذكرهم القطر

وقد أذن الباري تعالي برفعها *** وذكر اسمه فيها فطاب لها الذكر

وقد كان في السرداب أعظم آية *** من الحجة المهدي حار لها الفكر

أرادوا به سوءاً فخُيّب سعيهم *** وعاقبة البغي الندامة والثبر(140)

رأوا دونهم بحراً من الماء مغرقا *** لمن خاضه منهم وكانوا ولا بحر(141)

وقد جاء للمهدي فيه زيارة *** عن السادة الأطهار يُعطي بها الأجر

وكم عبد الرحمن آل محمّد *** به ولهم من خوفه أوجه صفر

ففي شرف السرداب هذا الذي أتي *** وفي نسبة السرداب هذا هو السر

وما غاب في السرداب قط وإنما *** تواري عن الأبصار إذ ناله الضر

ص: 30

ولا اتخذ السرداب برجاً ومن يكن *** لنا ناسبا هذا فقولته هذر

بلي أمست الدنيا به مستنيرة *** ومنه علي أقطارها يعبق النشر

فكان كمثل الشمس بالسحب حجبت *** ومن نفعها لم يحرم البحر والبر

وإنْ زهر السرداب(142) بالبدر برهة *** ففي البيت من أم القري يطلع البدر

يُبايَع ما بين المقام وركنه *** ويعنو له بالطاعة العبد والحر

فيا للأعاجيب التي من عجيبها *** مقالة إخوان لنا لهم قدر

لنا نسبوا شيئا ولسنا نقوله *** وعابوا بما لم يجر منّا له ذكر

بأن غاب في السرداب صاحب عصرنا *** وأمسي مقيماً فيه ما بقي الدهر

ويخرج منه حين يأذن ربه *** بذلك لا يعروه خوف ولا ذعر

أبينوا لنا من قال منا بهذه *** وهل ضمّ هذا القول من كتبنا سفر

وإلاّ فأنتم ظالمون لنا ب-ما *** نسبتم وإن تأبوا فموعدنا الحشر

فدونكها من هاشمي خريدة *** مضامينها نور وألفاظها در

وسمعاً إمام العصر مني قصيدة *** كغانيةٍ حسناء أبرزها الخدرُ

لحضرتك العلياء عفوا زففتها *** وليس لها غير القبول لها مهر

بمدحكم ازدانت وحلّي جيدها *** ومن ذكركم قد راح يحسدها العطر

* * *

ص: 31

ص: 32

شرح القصيدة

(الاتفاق علي خروج الإمام عليه السلام)

(1) قوله: فمن قائل الخ.

إعلم أنه قد اتفق جميع علماء الإسلام وتواتر النقل عن سيد الأنام عليه وعلي آله أفضل الصلوة والسلام علي أنه سيخرج في آخر الزمان رجل من ذرية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من ولد عليّ وفاطمة عليهما السلام يملؤ الله به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وأنه سمي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وصاحب كنيته.(1)

واختلفوا فمن قائل: أنه لم يولد بعد وسيولد في وقت غير معلوم وهو آخر الزمان وهم أكثر علماء أهل السنة ومنهم صاحب القصيدة.

ومن قائل وهم الإمامية الاثنا عشرية وجماعة من علماء أهل السنة: أنه ولد ثم غاب عن الأبصار بقدرة العزيز الجبار خوفا من الأشرار، وربما ظهر لمن يعرفه أو لا يعرفه من أوليائه وغيرهم، وأن اسمه كاسم النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، وأبوه الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي

ص: 33


1- أنظر ما رواه جماعة من أعلام القوم، منهم: السبط ابن الجوزي في (التذكرة): 204؛ وابن تيمية في (منهاج السنة) 4: 211؛ وأبو نعيم في (الأربعين حديثاً في ذكر المهدي)/ ح 19؛ وابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة): 274؛ والسيوطي في (الحاوي للفتاوي) 2: 69؛ وابن حجر في (الفتاوي الحديثية): 27؛ وأبو داود السجستاني في سننه 4: 151؛ والترمذي في صحيحه 3: 343؛ وابن كثير في (البداية والنهاية) 1: 37؛ والقندوزي الحنفي في (ينابيع المودة) 3: 89؛ والصبان في (اسعاف الراغبين) المطبوع علي هامش (نور الأبصار): 148؛ والكنجي الشافعي في (البيان في أخبار صاحب الزمان): 308؛... وغيرهم، وللمزيد راجع الجزء 13: 87 من شرح إحقاق الحق للمرعشي النجفي.

طالب عليهم السلام وأن مولده الشريف علي المشهور بينهم كما دلّت عليه بعض الروايات للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين من الهجرة. وقيل سنة ست وخمسين ومأتين لثمان ليال خلون من شعبان.(1)

وقال محمّد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول:(2) إنه ولد سنة ثمان وخمسين ومأتين وفي بعض الروايات أنه ولد سنة ست وخمسين ومأتين وفي بعضها أنه يوم الجمعة، وربما حمل اختلاف الروايات علي التفاوت بين السنة الشمسية والقمرية، وأنه يطول عمره إلي أن يظهر في آخر الزمان كما طال عمر الخضر والدجال وغابا عن الأبصار وكما طال عمر المسيح ورفع إلي السماء كما اعترف بذلك كله جميع علماء الإسلام _ إلا من شذ _ ونطقت به الأحاديث الشريفة عند الفريقين، كما اعترفوا جميعا ونطقت أخبارهم أيضا بأن عيسي بن مريم عليهما السلام ينزل من السماء حين ظهوره ويصلي خلفه.

(2) الصواب إبداله ب- (نض) لأن الذب في اللغة الدفع والمنع لا الطرح كما يستعمله أهل العراق اليوم.9.

ص: 34


1- أجمع أعلامنا من الإمامية رضي الله عنهم علي ولادته وغيبته عليه السلام، وأنه ولد للنصف من شعبان سنة 255ه- ، ووافقهم علي ذلك جماعة من علماء أهل السنة، وإن اختلف بعضهم معنا في تاريخ ولادته، كقولهم أنه عليه السلام ولد سنة 256 لثمان ليال خلون من شعبان، أو في 23 شهر رضمان سنة 258ه- ، أو 19 ربيع الأوّل سنة 258ه- ... أنظر ما رواه أعلام القوم، منهم: ابن طولون الدمشقي الحنفي في (الشذورات الذهبية): 117؛ وابن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول): 89؛ وابن خلكان في (وفيات الأعيان 1: 571؛ والسبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص): 204؛ وابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة): 274؛ وابن حجر في (الصواعق): 124؛... وغيرهم، وللمزيد راجع الجزء 13: 87 - 97 من شرح إحقاق الحق للمرعشي النجفي.
2- مطالب السؤول: 89.

(3) قوله: وأوّل هذين الخ، حاصل ما اعترض به الناظم أنه لو كان موجودا لظهر ولكان اختفاؤه قبيحا، إذ المقتضي لظهوره وهو كثرة الظلم موجود والمانع منه مفقود، لأنه إن كان المانع من ظهوره خوف القتل فهو باطل لأنه يعلم بعدم قدرة أحد علي قتله، وأنه لا بدّ أن يبقي إلي وقت نزول عيسي عليه السلام من السماء في آخر الزمان، وأنه لا بدّ أن يملك جميع الأرض ويملأها قسطاً وعدلاً، وإن كان المانع من ظهوره خوفه من الأذي الذي لا يبلغ إلي حد القتل فهو باطل، لأنه ينافي الصبر ويؤدي إلي الجبن والإمام منزه عن ذلك، مع أنه قد ظهر مدّع للمهدوية في الهند وهو كاذب فلم يقتل ولا أوذي، وإن كان المانع له من الظهور أمر الله تعالي له بالاختفاء فهو باطل، لأن الله تعالي ليس عاجزاً عن نصره فيكون أمره له بالاختفاء قبيحا، وسيأتي الجواب عن ذلك كله مفصلا.

(4) قوله: الحجر هو بالكسر، فالسكون: العقل، قال الله تعالي: (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ).(1)

(5) أزت القدر: إشتد غليانها.

(6) أي بغير دليل.

(7) قد كان نظم هذه القصيدة في عهد السلطان عبد الحميد الذي خلع وجلس بعده علي سرير الخلافة الإسلامية والسلطنة العثمانية أخوه السلطان محمّد رشاد الملقب بالسلطان محمّد خان الخامس أعز الله نصره، فكان من مقتضيات ذلك الزمان أن تكون هذه الأبيات الثلاثة _ أعني هذا البيت والبيتين الذين بعده _ بهذه الصفة.

(8) هذا البيت وما بعده إلي قوله: نعم قد دري... إلخ، جواب نقضي، وقوله: نعم قد دري... إلخ، جواب حلي.5.

ص: 35


1- الفجر: 5.

(ردّ إشكال الاختفاء علي مذهب المجبرة):

(9) هذا البيت والبيتان اللذان بعده جواب آخر إقناعي عن قوله: وإن قيل أن الاختفاء بأمر من... إلخ، وحاصله أن هذا الاعتراض لو تم فإنما يتم علي مذهب العدلية المثبتين للحسن والقبح العقليين والقائلين بأن أفعال الله تعالي معللة بالعلل والأغراض، أما علي مذهب المجبرة المنكرين للحسن والقبح العقليين والقائلين بأن أفعاله تعالي غير معللة بالعلل والأغراض وإلاّ لكان محتاجاً إلي العلة ومنهم الناظم فلا يتم هذا الاعتراض كما هو واضح.

(لا مانع من كون اختفاءه عليه السلام بأمر الله):

(10) هذا البيت والذي بعده جواب آخر عن قوله: وإن قيل أن الاختفاء بأمر... إلخ، وحاصله أنه لا مانع من أن يكون الاختفاء بأمر من الله تعالي، وإذا لم يظهر لنا وجه المصلحة في ذلك فليس لنا أن نحكم بعدمه لجواز وجود مصلحة خفيت علينا إذ لا يحيط علما بالمصالح إلا علام الغيوب، وليس لنا أن نسأل الله تعالي لم أمر وليّه بالاختفاء فإنه تعالي (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ).(1)

(رفع الاستبعاد عن بقاء المهدي):

(11) اعلم أن استبعاد الخصم لأمر المهدي عليه السلام يقع إما (من)(2) جهة طول العمر كل هذه المدة وإما من جهة الغيبة عن الأبصار وإما من جهة عدم الفائدة في وجود إمام مستور، أما رفع الاستبعاد من الوجه الأوّل فبالإمكان طول العمر ووقوعه في البشر كثيرا، وتصريح القرآن الكريم به بالنسبة إلي نوح عليه السلام وأما رفعه من الوجه الثاني فبالإمكان وقدرة الله تعالي عليه أيضاً، ووقوع مثله في حق بعض الأنبياء وفي

ص: 36


1- الأنبياء: 23.
2- سقطت من النسخة المطبوعة، واضفناها لاقتضاء السياق.

حق الخضر والدجال وفيما خلق الله تعالي وأظهر من عجائب مقدوراته ما هو أعظم من ذلك، وقد ضرب بعض العلماء لذلك مثلا: وهو أنه لو حضر رجل إلي بغداد وقال أنا أمشي علي الماء، فإنه يجتمع لمشاهدته جميع أهل بغداد، فإذا مشي علي الماء ونظروا إليه تعجبوا كثيرا، فإذا جاء آخر قبل أن يتفرقوا وقال أنا أمشي علي الماء أيضاً، فإن التعجب منه يكون أقل وربما تفرق كثير من الحاضرين قبل أن ينظروا إليه، فإذا جاء ثالث وقال أنا أمشي علي الماء أيضاً فربما لا يقف للنظر إليه إلاّ القليل، فإذا مشي علي الماء سقط التعجب من ذلك، فإذا جاء رابع وذكر أنه يمشي علي الماء فربما لا يبقي أحد ينظر إليه ولا يتعجب منه.

أقول: بل يصير حاله حال السفينة التي تمشي علي وجه الماء ولا يتعجب منها أحد.

قال: وهذه حال المهدي عليه السلام ، فقد رويتم أن إدريس عليه السلام حيٌّ موجود في السماء منذ زمانه إلي الآن، ورأيتم(1) أن الخضر حي موجود منذ زمان موسي عليه السلام أو قبله إلي الآن، ورويتم أن عيسي عليه السلام حي موجود في السماء وأنه يرجع إلي الأرض مع المهدي عليه السلام ، فهذه ثلاثة نفر من البشر قد طالت أعمارهم، وسقط التعجب من طول أعمارهم، فهلا كان لمحمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله وسلم أسوة بواحد منهم أن يكون من عترته آية لله جل جلاله في أمته بطول عمر واحد من ذريته إلي آخر ما قال.(2)

أقول: ولو خبّرنا أن رجلا يغوص في الماء ويبقي مدة طويلة تحت الماء لعجبنا منه ولكنا لا نعجب من السمك الذي لا يعيش إلاّ في الماء، ولو اُخبِرنا بأن رجلا يطير في الهواء لما صدقنا مع أننا نري الطيور دائما تطير في الهواء ولا نعجب منها، ولما كنا5.

ص: 37


1- كذا.
2- هو السيد ابن طاووس الحسني، أنظر: كشف المحجة: 55.

نسمع أن آلة تطير في الهواء ويركب فيها الرجال وتقطع المسافات الطويلة بمدة قليلة لا نكاد نصدق بذلك، ولما جاءت أوّل طيّارة عثمانية إلي الشام في زماننا لم يبق أحد إلاّ وخرج للنظر إليها، فلما جاءت مرة ثانية لم يخرج للنظر إليها إلا القليل، ومتي تكرر وجودها يصير حالها حال الطيور التي في الهواء لا يعجب منها ولا ينظر إليها أحد كما هي كذلك الآن في بلاد الأفرنج. ولما اُخبرنا أن قطارات كالجبال تسير علي وجه الأرض بغير شيء يجرها سوي البخار عجبنا كثيرا، فلما تكرر نظرنا إليها صار حالها عندنا حال العجلات التي تجرها الدواب، ولما سمعنا بأن قطارا عظيما يركب فيه الناس ويمشي بهم علي وجه الأرض بغير شيء يجره ولا بخار يحركه سوي حديدة موصولة به تتصل بحديد ممدود فوقه كدنا أن لا نصدق، فلما تكرر نظرنا إليه صار حاله عندنا حال بقية الأمور المتعارفة، ولما قيل لنا بوجود آلات يحصل بها التخاطب من الأماكن البعيدة بدون اتصال بينها كدنا نقطع بكذب ذلك حتّي تكرر واشتهر وصار كسائر الأمور العادية.

وأما رفع الاستبعاد أو الامتناع من الوجه الثالث فبأنه:

أوّلاً: من أين نقطع بعدم الفائدة في وجوده وهو مستور؟ وأنّي لنا بالعلم بأنه لا يتصرف بما فيه المصلحة والمنفعة للخلق وهم لا يعلمونه بشخصه؟ وقد ورد في الحديث (أهل بيتي أمان لأهل الأرض أو لأمتي) كما سيأتي إنشاء الله تعالي. وقد ورد عن آبائه عليه وعليهم السلام أن مثله في غيبته مثل الشمس يحجبها الغمام.(1)

وثانياً: لو سلمنا ذلك أو قلنا بفوات الفائدة الكاملة بسبب غيبته، نقول لا مانع من ذلك ولا قبح فيه إذا كان سبب الغيبة من العباد، كما أن الرسل والأنبياء عليهم السلام إذا كُذّبوا ولم يؤمن بهم أحد وقتلوا حين7.

ص: 38


1- أنظر: كمال الدين: 207/ ح 22؛ غيبة الطوسي: 292/ ح 247.

إظهار الدعوة أو بقوا، أو أخفوا أنفسهم خوفا زمانا طويلاً أو قصيراً لم يكن لنا أن نقول: ما الفائدة في إرسالهم؟ فعلي الله تعالي أن يقيم الحجة ويقطع المعذرة بإرسال الأنبياء ونصب الأوصياء، فإذا لم يُقبل منهم أو حال بعض العباد بين الناس وبين الانتفاع بهم لم يكن في ذلك قبح ولا إخلال بالمصلحة.

* * *

ص: 39

ص: 40

(في ذكر المعمرين)

(نوح عليه السلام):

(12) في الكشاف أنه كان عمره ألفا وخمسين سنة، بُعث علي رأس أربعين ولبث في قومه تسعمائة وخمسين وعاش بعد الطوفان ستين، وعن وهب أنه عاش ألفاً وأربعمائة سنة انتهي.

وفي كتاب المعمرين لأبي حاتم سهل بن محمّد بن عثمان السجستاني: أنه عاش ألفا وأربعمائة وخمسين سنة، قال: ذكر ذلك إسماعيل بن أبي زياد عن ابن أبي عياش العبدي عن أنس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لما بعث الله نوحاً إلي قومه بعثه وهو ابن خمسين ومأتي سنة، فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وبقي بعد الطوفان خمسين سنة ومأتي سنة،.. الحديث.(1)

وفي تفسير الطبري وتاريخه بسنده عن عون بن أبي شداد: أن الله أرسل نوحا إلي قومه وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة، فيكون عمره ألفاً وستمائة وخمسين سنة.(2)

وفي تاريخه أيضاً بسنده عن ابن عباس قال: بعث الله نوحا وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة، ثم دعاهم في نبوته مائة وعشرين سنة، وركب السفينة وهو ابن ستمائة سنة، ثم مكث بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين سنة.(3)

ص: 41


1- أنظر: تاريخ دمشق 62: 281.
2- جامع البيان 20: 165؛ تاريخ الطبري 1: 123.
3- تاريخ الطبري 1: 123.

وفي كمال الدين بسنده عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام قال: عاش نوح عليه السلام ألفي سنة وخمسمائة، منها ثمانمائة وخمسون قبل أن يبعث، وألف سنة إلاّ خمسين عاما وهو في قومه يدعوهم، وسبعمائة عام بعد ما نزل من السفينة،... الحديث.(1)

وفيه أيضاً بسنده عن محمّد بن جعفر عن أبيه عن جده عليّ عليهم السلام عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه عاش ألفين وأربعمائة وخمسين سنة.(2)

(شيث عليه السلام):

(13) في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير: أنه عاش تسعمائة سنة وإثنتي عشرة سنة.(3)

(آدم عليه السلام):

(14) في كمال الدين بالسند المتقدم عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه عاش سبعمائة (تسعمائة ظ) وثلاثين سنة.(4)

وفي تاريخ الطبري وكامل ابن الأثير: عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنه عاش ألف سنة.(5)

وقال المسعودي في مروج الذهب: أنه عاش تسعمائة وثلاثين سنة،(6) وحكاه

ص: 42


1- كمال الدين: 523/ باب 46/ ح 1.
2- كمال الدين: 523/ باب 46/ ح 3.
3- تاريخ الطبري 1: 110.
4- كمال الدين: 523/ باب 46/ ح 3.
5- تاريخ الطبري 1: 104.
6- مروج الذهب 1: 17.

ابن الأثير في الكامل والطبري في تاريخه عن أهل التوراة(1) وحكيا عن ابن عباس أنه عاش تسعمائة وستاً وثلاثين سنة.(2)

(عيسي عليه السلام):

(15) فقد رفعه الله إليه وهو حي، ويبقي إلي ظهور المهدي عليهما السلام فينزل من السماء ويصلي خلف المهدي، وقد اتفق علي ذلك كله جميع علماء الإسلام، وجاءت به النصوص المستفيضة عن سيد الأنام عليه وعلي آله أفضل الصلاة والسلام.

(إلياس عليه السلام):

(16) قيل أن ملك زمانه طلبه ليقتله، فاستخلف اليسع علي بني إسرائيل، ورفعه الله تعالي من بين أظهرهم وقطع عنه لذة الطعام والشراب وكساه الريش وألبسه النور فصار أنسياً ملكيا أرضيا سماويا، رواه الطبري في تفسيره عن محمّد بن إسحاق،(3) والنيسابوري في تفسيره عن الثعلبي وغيره، قال النيسابوري: وقيل الياس موكل بالفيافي كما وكل الخضر بالبحار وهما آخر من يموت من بني آدم انتهي.

وقيل أن إلياس صاحب البراري والخضر صاحب الجزائر ويجتمعان في كل يوم عرفة بعرفات كما سيأتي إن شاء الله تعالي عند ذكر الخضر، وقيل أن الياس هو إدريس عليهما السلام.

ص: 43


1- تاريخ الطبري 1: 116؛ الكامل في التاريخ 1: 21.
2- تاريخ الطبري 1: 107؛ الكامل في التاريخ 1: 21.
3- جامع البيان 23: 112.

(إدريس عليه السلام):

(17) فقد رفعه الله تعالي إلي السماء كما دل عليه بقوله تعالي: (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا).(1)

وفي الكشاف: عن أنس بن مالك يرفعه أنه رفع إلي السماء الرابعة، وعن ابن عباس إلي السماء السادسة، وعن الحسن إلي الجنة انتهي.

وفي مجمع البيان: قيل أنه رفع إلي السماء الرابعة عن أنس وأبي سعيد الخدري وكعب ومجاهد، وقيل إلي السماء السادسة عن ابن عباس والضحاك، قال مجاهد: رفع إدريس كما رفع عيسي عليه السلام وهو حي لم يمت انتهي.(2) وقيل: أريد رفعة القدر والرتبة وقيل: قبض بين السماء الرابعة والخامسة، وروي ذلك عن أبي جعفر عليه السلام.(3)

(الخضر عليه السلام):

(18) قال أبو حاتم سهل بن محمّد بن عثمان السجستاني في كتاب المعمرين، ذكر أبو عبيدة وأبو اليقظان ومحمّد بن سلام الجمحي وغيرهم أن أطول بني آدم عمرا الخضر عليه السلام واسمه خضرون بن قابيل بن آدم عليه السلام انتهي.(4)

وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: أن جماعة طالت أعمارهم كالخضر وإلياس، فإنه لا يدري كم لهما من السنين، وأنهما يجتمعان في كل سنة فيأخذ هذا من شعر هذا وهذا من شعر هذا، انتهي.(5)

ص: 44


1- مريم: 57.
2- تفسير مجمع البيان 6: 430.
3- السابق.
4- أنظر: تاريخ دمشق 16: 400؛ البداية والنهاية 1: 380.
5- تذكرة الخواص: 204.

وفي حاشية قرأ (1) خليل علي حاشية الخيالي علي شرح التفتازاني للعقائد النسفية: قد ذهب العظماء من العلماء إلي أن أربعة من الأنبياء في زمرة الأحياء: الخضر والياس في الأرض، وعيسي وإدريس في السماء، انتهي.(2)

وفي المبحث الخامس والأربعين من كتاب اليواقيت والجواهر للشعراني حكاية عن الباب الثالث والسبعين من الفتوحات المكية للشيخ محي الدين ابن العربي: أن العالم لا يخلو زماناً واحداً من قطب يكون فيه كما في الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولذلك أبقي الله تعالي من الرسل الأحياء بأجسادهم في الدنيا أربعة: ثلاثة مشرعون، وهم: إدريس وإلياس وعيسي، وواحد حامل العلم اللدني وهو الخضر عليه السلام ، إلي أن قال: فإدريس في السماء الرابعة، وعيسي في السماء الثانية، وإلياس والخضر في الأرض انتهي.(3)

وفي الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: لم أر من ذكره _ أي الخضر _ في الصحابة من القدماء، مع ذهاب الأكثر إلي الأخذ بما ورد من أخباره في تعميره وبقائه وفيه أيضاً عن الثعلبي أنه قال: هو نبي علي جميع الأقوال معمر محجوب عن الأبصار وفيه عنه أيضاً أنه قال: يقال أن الخضر لا يموت إلا في آخر الزمان عند رفع القرآن وفيه أيضاً عن وهب بن منبه: أن الخضر ساح في الأرض مع الوحش، وأخر الله عمره إلي ما شاء، فهو الذي يراه الناس وفيه عن الدار قطني بسنده عن ابن عباس قال: نسئ للخضر في أجله حتّي يكذب الدجال وفيه عن تاريخ ابن عساكر بسنده عن أبي جعفر5.

ص: 45


1- كذا.
2- لم نعثر علي الحاشية، إلاّ أن الزمخشري قال في ربيع الأبرار 1: 397: إن المسلمين متفقون علي حياة أربعة من الأنبياء، إثنان منهم في السماء وهما: إدريس وعيسي، وإثنان في الأرض: إلياس والخضر...
3- اليواقيت والجواهر: المبحث 45، عن الفتوحات المكية 2: 5.

عن أبيه وذكر خبر ذي القرنين وطلبه لعين الحياة التي من شرب منها لم يمت أبداً وظفر الخضر بها وشربه منها وفيه وفي كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني عن ابن إسحاق عن أصحابه وذكر خبر وفاة آدم عليه السلام ، وقوله لبنيه أن الله تعالي منزل علي أهل الأرض عذابا، وإيصائه لهم أن يكون جسده معهم في المغارة حتّي يدفنوه بأرض الشام، وأن نوحا عليه السلام قال لبنيه لما جاء الطوفان: إن آدم دعا لمن يتولي دفنه بطول العمر إلي يوم القيامة، فتولي دفنه الخضر وأنجز الله له ما وعده فهو يحيي إلي ما شاء الله أن يحيي.

أقول: ولا منافاة بين هذا وبين ما جاء أن سبب بقائه شربه من عين الحياة لجواز أن يكون الله تعالي وفقه للشرب من عين الحياة إجابة لدعوة آدم عليه السلام.

وفيه عن أبي مخنف لوط بن يحيي في أوّل كتاب المعمرين له: أنه أجمع أهل العلم بالأحاديث والجمع لها أنّ الخضر أطول آدمي عمراً وأنه خضرون بن قابيل بن آدم عليه السلام وفيه عن الحسن البصري: وكّل إلياس بالفيافي، ووكل الخضر بالبحور، وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلي الصيحة الأولي، ويجتمعان في موسم كل عام وفيه بسنده عن الحسن البصري، وذكر أنه تخاصم رجلان وتراضيا بحكم أوّل من يطلع عليهما فطلع أعرابي وحكم بينهما، قال الحسن: ذلك الخضر وفيه عن الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسنده عن أنس قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إن الخضر في البحر واليسع في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين، ويحجان ويعتمران كل عام، ويشربان من زمزمكم شربة تكفيهما إلي قابل. وأورد فيه أيضاً عدة روايات في أن الخضر وإلياس يجتمعان في بيت المقدس في شهر رمضان ويحجان في كل سنة يطول الكلام بنقلها.(1)5.

ص: 46


1- الإصابة 2: 246 - 282/ رقم 2275.

وفي تاريخ الطبري بسنده عن عبد الله بن شوذب قال: الخضر من ولد فارس وإلياس من بني إسرائيل يلتقيان في كل عام بالموسم.(1)

وفي الإصابة بسنده عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: يلتقي الخضر وإلياس في كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويفترقان... الحديث.

وبطريق آخر: يجتمع البري والبحري إلياس والخضر كل عام بمكة، قال ابن عباس: بلغنا أنه يحلق أحدهما رأس صاحبه الحديث.

وفيه بسنده عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده عن عليّ عليه السلام قال: يجتمع في كل يوم عرفة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل والخضر الحديث.(2)

وفيه مسنداً عن كعب قال: الخضر علي منبر من نور بين البحر الأعلي والبحر الأسفل، وقد اُمرت دواب البحر أن تسمع له وتطيع، وتُعرض عليه الأرواح غدوة وعشية.

وفيه روي ابن شاهين بسند ضعيف إلي خصيف قال: أربعة من الأنبياء أحياء: إثنان في السماء عيسي وإدريس، وإثنان في الأرض الخضر وإلياس، فأما الخضر فإنه في البحر، وأما صاحبه فإنه في البر.(3)

وفيه عن النووي في تهذيبه: قال الأكثرون من العلماء هو (أي الخضر) حي موجود بين أظهرنا، وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة، وحكايتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصي وأشهر من2.

ص: 47


1- تاريخ الطبري 1: 256.
2- الإصابة 2: 260.
3- الإصابة 2: 252.

أن تذكر، وقال أبو عمر بن الصلاح في فتاواه: هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة منهم، قال: وإنما شذّ بإنكاره بعض المحدثين، انتهت الإصابة عن النووي.(1)

وفيه عن السهيلي في كتاب التعريف والإعلام: أن الخضر وجد عين الحياة وشرب منها، فهو حي إلي أن يخرج الدجال فإنه الرجل الذي يقتله الدجال، ثمّ يحييه، وقيل أنه لم يدرك زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهذا لا يصح، وأما اجتماعه مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم وتعزيته لأهل البيت وهم مجتمعون لغسله فروي من طرق صحاح، منها ما ذكره ابن عبد البر في التمهيد وكان إمام أهل الحديث في وقته، فذكر الحديث في تعزيتهم بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم يسمعون القول ولا يرون القائل، فقال لهم عليّ: هو الخضر. وذكر ابن أبي الدنيا من طريق مكحول عن أنس اجتماع إلياس بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم ، وإذا جاز بقاء إلياس إلي العهد النبوي جاز بقاء الخضر، انتهت الإصابة عن السهيلي.(2)

وأورد في الإصابة أيضاً أحاديث كثيرة دالة علي وجود الخضر في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ثم بعده إلي الآن. وذكر روايات كثيرة جدا فيمن رآه بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم وكلّمه، وذكر حديث تعزيته لأهل البيت عليهم السلام بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعدة طرق غير ما تقدم. واستنبط من بعضها أنهم كانوا جازمين بوجود الخضر في ذلك الوقت. ثم نقل عن أبي حيان أنه قال: كان بعض شيوخنا في الحديث وهو عبد الواحد العباسي الحنبلي يعتقد أصحابه فيه أنه يجتمع بالخضر.

ثم قال في الإصابة: وذكر لي الحافظ أبو الفضل العراقي شيخنا أن الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي كان يعتقد أن الخضر حي، قال: فذكرت له ما نقل عن البخاري والحربي وغيرهما من إنكار ذلك فغضب، إلخ.3.

ص: 48


1- السابق.
2- أنظر: الإصابة 2: 252 و253.

ثم قال في الإصابة: وأدركنا بعض من كان يدعي أنه يجتمع بالخضر، منهم القاضي علم الدين البساطي الذي ولي قضاء المالكية في زمن الظاهر برقوق انتهي.(1)

أقول: فلو ادعي مدع بعد هذا كله أن بقاء الخضر متواتر لم يبعد من الصواب. وتضعيف ابن حجر وغيره لسند بعض ما ورد فيه إن تم لا يضر، لأنه يشترط في التواتر الوثاقة، وقول بعض الصوفية أن لكل زمان خضراً لا يلتفت إليه لمخالفته للروايات وأكثر الحكايات الدالة علي بقاء الخضر هو صاحب موسي عليه السلام.

وأنكر بعضهم بقاء الخضر وادعي أنه مات، وقال بعض أهل العصر في حاشية كتاب المعمرين للسجستاني ما حاصله:

أن عامة متأخري المتصوفة قالوا بحياة الخضر، ويذكرون عن اجتماعهم به حكايات أمالوا بها قلوب العامة إليهم، حتّي لا تري مدينة من مدن الإسلام إلا وفيها مسجد منسوب إليه وينذرون له النذور ويتبركون به، ووافقهم بعض ضعفاء العلم استنادا إلي أحاديث لا تبلغ مع اختلاف طرقها إلي درجة الضعيف، وقال ابن الجوزي والمجد الشيرازي في آخر سفر السعادة أنها موضوعة، وقال السيوطي في كراسة له أورد فيها الأبواب التي عامة ما فيها موضوع باب في تعمير الخضر وإلياس: سئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر؟ فقال: من أجاب علي غائب لا ينتصف منه، وما ألقي هذا بين الناس إلا الشيطان. وسئل البخاري عن الخضر وإلياس هل هما في الأحياء؟ فقال: كيف يكون هذا وقد قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا يبقي علي رأس مائة سنة ممن هو علي ظهر الأرض أحد، قال ابن الجوزي وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، انتهي كلام المعاصر.

ونقل بعضهم عن الحسن البصري أنه مات، واستدل بعضهم بأنه لو كان حيا2.

ص: 49


1- أنظر: الإصابة 2: 258 - 282.

لزمه المجيء إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم والإيمان به وإتباعه كما قال صلي الله عليه وآله وسلم: (لو كان موسي حياً ما وسعه إلاّ اتباعي)، وعن ابن الجوزي أنه احتج لموته بقوله صلي الله عليه وآله وسلم يوم بدر: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض) فلو كان الخضر موجودا لورد علي هذا العموم، وعن غيره الاستدلال بقوله صلي الله عليه وآله وسلم: (لا نبي بعدي).(1)

أقول: أما دعوي أن القائلين بحياة الخضر هم المتأخرون من الصوفية فينافيها ما مرّ من نسبة قرأ (2) خليل له إلي العظماء من العلماء، ونسبة الحافظ ابن حجر له إلي أكثر العلماء والقدماء، ونسبة النووي له إلي الأكثرين من العلماء، وقوله هو الصحيح كما يأتي في أخبار الدجال، ونسبة أبي مخنف له إلي إجماع أهل العلم بالأحاديث، ونسبة ابن الصلاح له إلي جماهير العلماء، وقول مثل أبي عبيدة وأبي اليقظان والجمحي وسبط ابن الجوزي والثعلبي والسهيلي والحسن البصري وغيرهم، ونسبة بعضهم القول بموته إلي الحسن تنافيها نسبة غير واحد إليه القول بالبقاء.

وأما دعوي الوضع أو الأضعف في تلك الأحاديث فيعارضها قول السهيلي عن جملة منها: أنها رويت من طرق صحاح، مع أنك عرفت أن كثرتها يمكن معها دعوي التواتر، وذلك يغني عن تصحيح سندها. وكلام الحربي معارض بكلام غيره ممن عرفت مما هو أقوي منه، مع أنه مجرد دعوي لم تستند إلي برهان.

وأما الحديث الذي أشار إليه البخاري فمع معارضته بهذه الأحاديث يمكن قريباً أن يكون إشارة إلي الظاهر المعروف من الناس، أو يكون عاما مخصصا بمثل الخضر وغيره. قال النووي في شرح صحيح مسلم: الجمهور علي حياته، ويتأولون هذه الأحاديث علي أنه كان علي البحر لا علي الأرض، أو أنها عام مخصوص اه- .(3) أيده0.

ص: 50


1- أنظر: الإصابة 2: 257 و258.
2- كذا، وقد مرّ سابقاً.
3- شرح صحيح مسلم: 16/ 90.

أن البخاري نفسه ذكر عين الحياة في صحيحه، وذكرها الترمذي في جامعه، كما حكاه عنهما ابن حجر في الإصابة في أخبار الخضر.

وأما الاستدلال بالآية الشريفة ففيه أنها قابلة للتخصيص كما خصصت بعيسي اتفاقاً، وقابلة لإرادة عدم الموت أصلاً من الخلد، وأما أنه لو كان حيا لجاء إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وآمن به فمع تسليمه من أين لنا أن نعلم أنه لم يجيء إليه ولم يؤمن به صلي الله عليه وآله وسلم؟

وأما الإحتجاج بحديث بدر ففيه أنه جار علي الظاهر، أي لا تعبد من هذه الخلائق المعروفة، أو علي عدم الاعتداد بالنادر.

وأما الاستدلال بلا نبي بعدي ففيه أن المراد نفي حدوث النبوة لا دوامها وإلا لانتقض بعيسي، قال ابن حجر في الإصابة:(1) وهو معترض بعيسي، فإنه نبي قطعاً، وثبت أنه ينزل إلي الأرض في آخر الزمان ويحكم بشريعة النبي صلي الله عليه وآله وسلم.

(لقمان العادي الكبير):

(19) هو لقمان العادي الكبير، وهو غير لقمان الحكيم، قال أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين: قالوا: وكان أطول الناس عمراً بعد الخضر عاش خمسمائة سنة وستين سنة عمر سبعة أنسر، عاش كل نسر منها ثمانين عاما وكان من بقية عاد الأولي، روي ذلك أبو حاتم عن أبي الجنيد الضرير عن الحسين بن خالد عن سلام عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وعن محمّد بن إسحاق وغيره، قال: فأما غير الحسين فذكر أنه عاش ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، والله أعلم أي ذلك كان، وكان أعطي عمر سبعة أنسر فجعل يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل الذي هو في أصله فإذا مات أخذ آخر فرباه حتّي كان آخرها لبدا وكان أطولها عمراً فقيل فيه طال الأبد علي لبد، قال: وأعطي من السمع والبصر علي قدر ذلك انتهي، وأمره

ص: 51


1- الإصابة 2: 258.

مشهور.(1) وذكره الصدوق أيضاً في كمال الدين(2) وغيره في غيره، وقد قيل في لبد ولقمان أشعار كثيرة، قال النابغة الذبياني:

أضحت(3) خلاء وأضحي(4) أهلها احتملوا *** أخني عليها الذي أخني علي لبد(5)

وقال سالم بن عونة الضبي من أبيات:

أو لم تري لقمان أهلكه *** ما اقتات من سنة ومن شهر

وبقاء نسر كلما انقرضت *** أيامه عادت إلي نسر

ما طال من أمد علي لبد *** رجعت محارته إلي قصر(6)

وقال لبيد بن ربيعة الجعفري من بني كلاب:

ولقد جري لبد فأدرك جريه *** ريب الزمان وكان غير مثقل(7)

وقال لبيد أيضاً:

لما رأي لبد النسور تطايرت *** رفع القوادم كالفقير(8) الأعزل

من تحته لقمان يرجو نهضة *** ولقد رأي لقمان أن لا يأتلي(9)4.

ص: 52


1- أنظر: كتاب المعمرين: 4 و5.
2- كمال الدين: 559.
3- أمست خ ل. (المؤلف).
4- أمسي خ ل. (المؤلف).
5- أخبار الزمان: 106؛ لسان العرب 3: 385.
6- شرح نهج البلاغة: 16/ 56.
7- معجم البلدان 4: 194.
8- في بعض المصادر: كالعقير.
9- معجم البلدان 4: 194.

وقال الأعشي:

لنفسك إذ تختار سبعة أنسر *** إذا ما مضي نسر خلوت(1) إلي نسر

فعمّر حتّي خال أنّ نسوره *** خلود وهل تبقي النفوس علي الدهر

وقال لأدناهن إذ حل ريشه *** هلكت وأهلكت ابن عاد وما تدري(2)

وقال بعض العرب:

تراه يطوّف الآفاق حرصا *** ليأكل رأس لقمان بن عاد(3)

(عمرو بن عامر):

(20) واسم عامر ماء السماء، سمّوه بذلك لكرمه ونفعه، ويسمي عمرو مرتقيا أيضاً لأنه عاش ثمانمائة سنة أربعمائة سوقة وأربعمائة ملكا، وكان يلبس في كل يوم حلّتين ثم يأمر بهما فيمزقان حتّي لا يلبسهما غيره، كذا في كمال الدين.(4)

(مهلائيل بن قينان):

(21) بميم مكسورة ولام بعدها همزة، فياء مثناة من تحت، فلام، وهو مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام ، وهو جد إدريس النبي عليه السلام وإليه ينتهي نسب النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص أنه عاش ثمانمائة سنة.(5)

ص: 53


1- في بعض المصادر: خلدت.
2- غيبة الطوسي: 114.
3- لسان العرب 12: 547.
4- كمال الدين: 560.
5- تذكرة الخواص: 560.

(الحارث بن مضاض):

(22) هو الحارث بن مُضاض الجرهمي، قال أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: أنه عاش أربعمائة سنة، وهو القائل:

كأن لم يكن بين الحجون إلي الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

بلي نحن كنّا أهلها فابادنا

صروف الليالي والجدود العواثر(1)

(صيفي بن رياح):

(23) هو صيفي بن رياح بن أكثم أحد بني أسد بن عمرو بن تميم، عاش مائتين وسبعين سنة كما في كمال الدين.(2)

(أكثم بن صيفي):

(24) هو أكثم بن صيفي المذكور، عاش ثلاثمائة سنة وستين سنة، وقيل مائة وتسعين سنة كما في كمال الدين أيضاً.(3)

وفي كتب المعمرين لأبي حاتم السجستاني أنه عاش فيما رواه أهل الأخبار ثلاثمائة وثلاثين سنة، ثم قال: وقالوا: بل عاش مائة وتسعين سنة، انتهي.(4) وهو حكيم العرب المشهور، وأدرك الإسلام واختلف في إسلامه، ومنهم من يقول أنه أقبل ليسلم فمات عطشا قبل وصوله فنزلت فيه هذه الآية: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَي اللَّهِ وَرَسُولِهِ

ص: 54


1- كتاب المعمرين: 42؛ تذكرة الخواص: 365.
2- كمال الدين: 570.
3- السابق.
4- كتاب المعمرين: 10.

ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَي اللَّهِ)(1) وإلي ذلك أشرت بقولي: ليوم علي الباري به وقع الأجر.

(عبيد بن الأبرص):

(25) هو عبيد بن الأبرص، عاش ثلاثمائة سنة فقال:

فنيت وأفناني الزمان وأصبحت *** لداتي بنو نعش وزهر الفراقد

ثم قتله النعمان يوم بؤسه، كذا في كمال الدين(2) وفي كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني: قالوا: عاش مائتي سنة وعشرين سنة، ويقال بل ثلثمائة سنة، وقال في ذلك من أبيات:

مأتي زمان كامل ونضية *** عشرين عشت معمراً محمودا

أدركت أوّل ملك نصر ناشئا *** وبناء شداد وكان أبيدا

وطلبت ذا القرنين حتّي فاتني *** ركضاً وكدت بأن أري داودا

ما يبتغي من بعد هذا عيشةً *** إلا الخلود ولن ينال خلودا

(عمرو بن ربيعة):

(26) في كتاب المعمرين(3) لأبي حاتم السجستاني قالوا: وعاش عمرو بن ربيعة وهو لُحَي بن حارثة وساق نسبه ثلثمائة سنة وأربعين سنة، فكثر ماله وولده حتّي بلغنا والله أعلم أنه كان يقاتل معه من ولده ألف مقاتل، وقال أيضاً إن عمروا هذا أبو خزاعة، وبلغنا أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: (أوّل من بحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمي الحامي وغير دين أبيه إسماعيل عليه السلام عمرو بن لحي) الحديث.(4)

ص: 55


1- النساء: 100.
2- كمال الدين: 570.
3- كتاب المعمرين: 35.
4- بحار الأنوار 61: 145.

(المستوغر بن ربيعة):

(27) هو المستوغر بن ربيعة بن كعب عاش ثلاثمائة وثلاثين سنة كما في كمال الدين(1) وكتاب المعمرين(2) لأبي حاتم السجستاني، وقيل: عاش ثلثمائة وعشرين سنة، وقال في ذلك:

ولقد سئمت من الحياة وطولها *** وعمرت من عدد السنين مئينا

مائة حدتها بعدها مائتان لي *** وعمرت من عدد الشهور سنينا

(زهير بن جناب القضاعي):

(28) المراد به زهير بن جناب (عتاب خ ل) بن هبل القضاعي، عاش أربعمائة سنة وعشرين سنة، وأوقع مائتي وقعة كما في كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني(3) وفي كمال الدين(4) أنه عاش ثلثمائة سنة، ولما مضت له مائتا سنة قال من أبيات:

لقد عمّرت حتّي ما اُبالي *** أحتفي في صباحي أو مسائي

وحق لمن أتت مائتان عاماً *** عليه أن يملّ من الثوآء

(ربيع بن ضبع الفزاري):

(29) هو ربيع بن ضبع الفزاري، وفي حواشي كتاب المعمرين ربيع بالتصغير هكذا المعروف، وقيل ربيع كأمير، وحكي بعضهم ربيع بن ضبيع

ص: 56


1- كمال الدين: 561.
2- كتاب المعمرين: 12 - 14.
3- كتاب المعمرين: 24.
4- كمال الدين: 560.

بتصغيرهما اه- ، وفي كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني: قالوا: وكان من أطول من كان قبل الإسلام عمرا عاش أربعين وثلثمائة سنة،(1) وفي كمال الدين عاش مائتي وأربعين سنة اها (2) ولما بلغ مائتين سنة قال من أبيات:

إذا جاء الشتاء فادفئوني *** فإن الشيخ يهدمه الشتاء

إذا عاش الفتي مأتين عاماً *** فقد أودي المسرة والفتاء

(طي بن أدد):

(30) هو طيء بن أدد وفي كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني: قالوا عاش خمسمائة سنة، وذكر هشام أنه سمع أشياخا من طيء يذكرون ذلك.(3)

(حارثة بن عبيد الكلبي):

(31) هو حارثة بن عبيد الكلبي، قال أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين: قال هشام: وقال لي شملة بن مغيث رجل من ولده، قال: عاش خمسمائة سنة، قال: وأنشدني شملة له:

ألا يا ليتني أنضيت عمري *** وهل يجدي عليّ اليوم(4) ليتي

حنتني حانيات الدهر حتّي *** بقيت رديمة(5) في قعر بيتي

ص: 57


1- كتاب المعمرين: 10.
2- كمال الدين: 561.
3- كتاب المعمرين: 74.
4- ويروي: الدهر.
5- في النسخة المطبوعة: رذية، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

تأذي بي الأقارب إذ رأوني *** بقيت وأين مني اليوم موتي(1)

انتهي.

وهو غير حارثة بن مرة الكلبي الذي ذكره أبو حاتم في كتاب المعمرين أيضاً وقال إنه عاش خمسين ومائة سنة.

(عبد المسيح بن عمرو الغساني):

(32) في كتاب المعمرين لأبي حاتم: قالوا: وعاش عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيّان بن بُقيلة الغساني ثلثمائة سنة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام فلم يسلم، وكان منزله الحيرة، وكان شريفاً في الجاهلية، وقال:

لقد بنيت للحدثان بيتا (2) *** لو أن المرء تنفعه الحصون

رفيع الرأس أحوي مشمخراً *** لأنواع الرياح به حنين

وفي الحاشية: قال خالد بن الوليد لأهل الحيرة: أخرجوا لي رجلا من عقلائكم، فأخرجوا إليه عبد المسيح المذكور وهو يومئذ ابن خمسين وثلثمائة سنة.(3)

(ابن حممة الدوسي):

(33) في كتاب المعمرين لأبي حاتم: قالوا: وعاش ابن حُممة الدوسي واسمه كعب أو عمرو أربعمائة سنة غير عشر سنين، فقال:

كبرت وطال العمر حتّي كأنني *** سليم أفاع ليلَه غير مودع

ص: 58


1- أنظر: الإصابة 2: 139، نقلاً عن كتاب المعمرين.
2- بنيت لطارق الحدثان حصنا خ ل. (المؤلف).
3- كتاب المعمرين: 37.

فما الموت أفناني ولكن تتابعت *** عليّ سنون من مصيف ومربع

ثلاث مئين قد مررن كواملاً *** وها أنا هذا أرتجي مرَّ أربع

وأصبحت مثل النسر طارت فراخه *** إذ رام تطياراً يقلن له قع

أخبّر أخبار القرون التي مضت *** ولا بدّ يوما أن يطار بمصرعي(1)

(قس بن ساعدة الأيادي):

(34) هو قس بن ساعدة الأيادي، عاش ستمائة سنة كما في كمال الدين(2) وفي كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني أنه عاش ثلثمائة وثمانين سنة.(3)

(هبل بن عبد الله الكلبي):

(35) بضم الهاء وفتح الباء ولام واحدة، وهو هبل بن عبد الله بن كنانة الكلبي، عاش ستمائة سنة ولكن في كمال الدين(4) سماه أبا هبل وهو وَهَم وفيه يقول حاطب بن مالك النهشلي من أبيات:

كأنك ترجو أن تعيش ابن مالك

كعيش هُبل لقد سفهت علي عمد

(سطيح الكاهن):

(36) هو الكاهن المشهور، عاش ستمائة سنة كما في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي، وكان سطيحا كاسمه، وكان يطوي طي الحصير.

ص: 59


1- كتاب المعمرين: 22.
2- كمال الدين: 560.
3- المعمرين: 69، عنه: الإصابة 5: 412.
4- في النسخة المطبوعة من كمال الدين: 560: (هبل) ولم نجد ما ذكره المؤلف.

وفي كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني: قالوا: وكان سطيح من بعد لقمان بن عاد ولد في زمن السيل العرم وعاش إلي ملك ذي نُواس وذلك نحو من ثلاثين قرناً انتهي.(1) وقد اختلف في القرن، فقيل: كل أمة هلكت فلم يبق منها أحد، وقيل: مائة سنة، واختاره في القاموس لقوله صلي الله عليه وآله وسلم لغلام: عش قرنا فعاش مائة سنة، وقيل: مائة وعشرون، وقيل: ثمانون، وقيل: سبعون، وقيل: ستون، وقيل: خمسون، وقيل: أربعون، وقيل: ثلاثون، وقيل: عشرون، وقيل: عشر.(2)

(37) الكهانة: الإخبار بالمغيبات مما يسمعه الكاهن من الشياطين المسترقة للسمع، والزجر زجر الطير وهو معروف، وذكر لمناسبة الكهانة وإلا فسطيح كان مشهورا بالكهانة لا الزجر.

(عوف بن كنانة):

(38) هو عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد بن ثور بن كلب، عاش ثلثمائة سنة كما في كمال الدين، وأوصي بنيه بوصية طويلة مذكورة في كمال الدين، ثم قال:

وما كل ذي لب بمؤتيك *** وما كل مؤتٍ نصحه بلبيب

ولكن إذا ما استجمعا عند واحدٍ *** فحق له من طاعة بنصيب(3)

(عدي بن وداع):

(39) هو عدي بن وداع بن العقي الحارث بن مالك بن فهم بن غَنم بن دَوس

ص: 60


1- المعمرين: 4.
2- أنظر: القاموس المحيط 4: 257.
3- كمال الدين: 568 - 570.

بن عبد الله من الأزد، قال أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين: قالوا: عاش ثلثمائة سنة فأدرك الإسلام وأسلم وغزا، وقال في ذلك:

لا عيش إلا الجنة المخضرّه *** من يدخل النار ملاقٍ ضرّه(1)

(عامر بن الظرب):

(40) هو عامر بن الظرب العدواني عاش ثلثمائة سنة كما في كمال الدين.(2)

وفي كتاب المعمرين لأبي حاتم: قالوا: عاش مائتي سنة، وقالوا ثلثمائة سنة ذكروا ذلك عن مجالد (مجاهد ظ) عن الشعبي اها (3) وفي تذكرة الخواص أنه عاش خمسمائة سنة.

(سيف بن وهب):

(41) هو سيف بن وهب بن جذيمة بن عمرو بن ثعلبة بن حيان بن ثعلبة، وهو جرم لحاضنة كانت له تسمي جرما، قال ابن الكلبي: عاش ثلثمائة سنة، وقيل مائتي سنة، ذكر ذلك أبو حاتم في كتاب المعمرين.

(شرية بن عبد الله الجعفي):

(42) هو شرية بن عبد الله الجعفي، عاش ثلثمائة سنة كما في كمال الدين(4) وكتاب المعمرين،(5) فقدم علي عمر بن الخطاب المدينة فقال: لقد رأيت هذا الوادي الذي أنتم به وما به قطرة ولا قصبة ولا شجرة، ولقد

ص: 61


1- كتاب المعمرين: 38؛ عنه: الإصابة 4: 396.
2- كمال الدين: 567.
3- كتاب المعمرين: 146.
4- كمال الدين: 561.
5- كتاب المعمرين: 39.

أدركت أخريات قومي يشهدون بمثل شهادتكم يعني قول لا إله إلا الله ومعه ابن له يتهادي قد خرف، فقيل له: يا شرية هذا ابنك قد خرف وبك بقية، فقال: والله ما تزوجت أمه حتّي أتت عليّ سبعون سنة، ولكنني تزوجتها عفيفة ستيرة، إن رضيت رأيت ما تقر به عيني، وإن سخطت أتتني حتّي أرضي، وإن ابني هذا تزوج امرأة بذيّة فاحشة، إن رأي ما تقر به عينه تعرضت له حتّي تسخطه، وإن سخط تلغّبته حتّي يهلك اه- .

(ذو جَدان الحميري):

(43) في كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني: قالوا: وعاش ذو جَدان الحميري الملك ثلثمائة سنة اه- .(1)

(ثعلبة بن كعب الأوسي):

(44) في كتاب المعمرين لأبي حاتم: قالوا: وعاش ثعلبة بن كعب بن زيد بن عبد الأشهل الأوسي فيما ذكر ابن الكلبي عن عبد الحميد بن أبي عبس الأنصاري من أشياخ قومه ثلثمائة سنة، وقال غيرهم: مائتي سنة، وقال ثعلبة:

لقد صاحبت أقواما فأضحوا *** خفاتاً ما يجاب لهم دعاء

وقوما بعدهم قد نادموني *** فأضحي مقفراً منهم قُباء

مضوا قصد السبيل وخلفوني *** فطال عليّ بعدهم الثواء

فأصبحت الغداة رهين بيتي *** وأخلفني من الموت الرجاءُ(2)

ص: 62


1- كتاب المعمرين: 33.
2- كتاب المعمرين: 72

(عبيد بن شرية الجرهمي):

(45) في كتاب المعمرين لأبي حاتم قالوا وعاش عبيد بن شرية الجرهمي ثلثمائة سنة، وقال بعضهم: مائتين وعشرين سنة اه- .(1)

(كعب بن رداة النخعي):

(46) في كتاب المعمرين لأبي حاتم: قالوا: وعاش كعب بن رداة النخعي فيما ذكر ابن الكلبي عن بعض النخعيين ثلثمائة سنة، وقال:

لقد ملّني الأدني وأبغض رؤيتي *** وأنبأني أن لا يحل كلامي

علي الراحتين مرة وعلي العصا *** أنوء ثلاثا بعدهن قيامي

فياليتني قد سخت في الأرض قامةً *** وليت طعامي كان فيه حمامي(2)

(وداد بن كعب):

(47) في كمال الدين: وعاش وداد (رداءة خ ل) بن كعب بن ذهل بن قيس النخعي ثلثمائة سنة، فقال:

لم يبق يا خذلة من لداتي *** أبو بنين لا ولا بنات

ولا عقيم غير ذي سبات *** الا يعد اليوم في الأموات

هل مشتر أبيعه حياتي(3)

(جعفر بن قرط العامري):

(48) في كمال الدين: عاش جعفر بن قبط(4) ثلثمائة سنة وأدرك

ص: 63


1- كتاب المعمرين: 39.
2- كتاب المعمرين: 73.
3- كمال الدين: 556.
4- كذا، والصواب: (قرط).

الإسلام اه- .(1) وفي كتاب المعمرين: قالوا: وعاش جعفر بن قرط العامري ثلثمائة سنة وأدرك الإسلام، وقال:

لم يبق يا خذلة من لداتي *** أبو بنين لا ولا بنات

من مسقط الشمس إلي الفرات *** إلا يعد اليوم في الأموات

هل مشتر أبيعه حياتي اها (2)

وقد تقدم عن كمال الدين نسبتها عدا شطر منها إلي وداد بن كعب، والله أعلم.

(ذو الأصبع العدواني):

(49) في كمال الدين: عاش ذو الأصبع العدواني وهو حُرثان بن محرث من عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان ثلاثمائة سنة،(3) وقال:

أصبحت شيخاً أري الشخصين *** والشخص شخصين لما مسني

لا أسمع الصوت حتّي أستدير له *** ليلاً وإن هو ناغاني به القمر(4)

وإنما قال ليلاً لأن الأصوات هادئة، فإذا لم يسمع بالليل والأصوات ساكنة كان من أن يسمع بالنهار مع ضجة الناس ولغطهم أبعد، إه- .

(50) البتر: القطع.

(عباد بن سعيد):

(51) في كتاب المعمرين لأبي حاتم: قالوا: وعاش عباد بن سعيد أو

ص: 64


1- كمال الدين: 567.
2- كتاب المعمرين: 42؛ عنه الإصابة 1: 636.
3- كمال الدين: 567.
4- ينسب هذا الشعر أيضاً لقردة بن نفاثة السلولي، وهو من المعمرين أيضاً، أنظر: أسد الغابة 4: 201؛ والإصابة 5: 327.

سعيد بن أحمر بن ثور بن خداش بن السكسك بن أشرس بن كندة ثلاثمائة سنة فيما زعم ابن الكلبي عن فروة بن سعيد الكندي، وقال:

بليت وأفنتني السنون وأصبحت *** لداتي نجوم الليل والقَمر والبدرُ

ثلاث مئين قد مررن كواملا *** فيا ليتني ثور لما صنع الدهر(1)

(سام بن نوح):

(52) هو سام بن نوح عليه السلام عاش خمسمائة سنة كما في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي.

(تيم الله بن ثعلبة):

(53) هو تيم الله بن ثعلبة، عاش خمسمائة سنة أيضاً كما في تذكرة الخواص وفي كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني: إن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة وساق نسبه إلي نزار بن معد عاش خمسمائة سنة حتّي أخلق أربعة لجم حديد اها (2) ولكن في كمال الدين إن تيم بن ثعلبة بن عكاثة(3) عاش مائتي سنة.(4)

(طابخة بن تغلب):

(54) في كتاب المعمرين لأبي حاتم: قالوا: وعاش عامر وهو طابخة بن تغلب ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة خمسمائة سنة وعشرين سنة، وهو معروف بطول العمر إه- .(5)

ص: 65


1- كتاب المعمرين: 78.
2- كتاب المعمرين: 31.
3- كذا، والصواب هو: عكاية، وعليه أغلب المصادر.
4- كمال الدين: 561.
5- كتاب المعمرين: 57.

(عوج بن عناق):

(55) هو عوج بن عناق، قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ما لفظه: وقال محمّد بن إسحاق: عاش عوج بن عناق ثلاثة آلاف سنة وستمائة سنة ولد في حجر آدم، وعناق أمه، وقتله موسي بن عمران، وأبوه سيحان، اه- .(1)

(ذو القرنين):

(56) في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ما لفظه: وفي التوراة أن ذا القرنين عاش ثلاثة آلاف سنة، والمسلمون يقولون ألفا وخمسمائة، انتهي.(2)

(الضحاك):

(57) في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: وعاش الضحاك _ وهو بيورسب _ ألف سنة اه- .(3)

(قينان بن أنوس):

(58) قينان _ بالقاف والياء المثناة من تحت والنونين بينهما ألف _ بن أنوس بن شيث بن آدم عليهم السلام ، وإليه ينتهي نسب النبي صلي الله عليه وآله وسلم كما تقدم، قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: أنه عاش تسعمائة سنة.(4)

ص: 66


1- تذكرة الخواص: 204.
2- السابق.
3- السابق.
4- السابق.

(نفيل بن عبد الله):

(59) هو نفيل بن عبد الله، عاش سبعمائة سنة كما في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي.(1)

(سليمان بن داود):

(60) في كمال الدين بسنده عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حديث قال: عاش سليمان بن داود سبعمائة واثني عشرة سنة انتهي.(2)

(دويد بن زيد):

(61) دويد بالدال المهملة المضمومة والواو المفتوحة كما يفهم من القاموس، وفي كمال الدين: دريد بالدال فالراء المهملتين. وهو دويد بن زيد بن نهد عاش أربعمائة وخمسين سنة كما في كمال الدين والقاموس،(3) وفي كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني أنه عاش أربعمائة وستاً وخمسين سنة.(4)

(الدجال):

(62) بفتح الدال وتشديد الجيم، من صيغ المبالغة من دجل دجلا إذا كذب وبالغ في كذبه، أو دجّل تدجيلا إذا غطي أو طلي بالذهب لتغطيته الحق بالباطل وتمويهه علي الناس، وقد اتفق علماء الإسلام إلا من شذ علي خروج شخص كافر في آخر الزمان يسمي الدجال، وجاءت بذلك الروايات والأخبار الكثيرة، وهو من أشراط الساعة.

ص: 67


1- السابق.
2- كمال الدين: 524/ ح 4 من الباب 46.
3- كمال الدين: 561؛ القاموس 1: 292.
4- كتاب المعمرين: 20.

قال القاضي عيّاض فيما حكاه عنه النووي في شرح صحيح مسلم: إن ذلك مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار، ثمّ حكي القاضي إنكاره عن الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة. وحكي أيضاً عن الجبائي من المعتزلة وموافقيه من الجهمية وغيرهم أنه صحيح الوجود ولكن ما يدعيه مخارق وخيالات لا حقيقة لها.(1)

وروي مسلم في صحيحه أخباراً كثيرة في صفته وفعله وكيفية خروجه، مثل أنه أعور العين اليمني، وفي رواية اليسري، أو ممسوح العين، وفي رواية ممسوح العين عليها ظفرة (بفتح الظاء أي جلدة) غليظة، وفي رواية كأن عينه عنبة طافئة، وأنه مكتوب بين عينيه (ك ف ر) أي كافر يقرؤه كل مؤمن كاتباً أو غير كاتب، وأن معه نهرين، نهر ماء ونهراً يتأجج نارا، فالذي يراه الناس ناراً هو نهر ماء بارد عذب، والذي يرونه ماء هو نار، وفي رواية معه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار، وفي رواية بعد السؤال عن أن معه الطعام والأنهار وجبالاً من خبز قال صلي الله عليه وآله وسلم: (هو أهون علي الله من ذلك). وأنه يأمر السماء فتمطر علي من يؤمن به ويخصبون، والذين لا يؤمنون به يصيبهم المحل. وأنه محرم عليه دخول مكة والمدينة. وأنه يصل إلي قرب المدينة فيخرج إليه رجل من خير الناس فيقول: أشهد أنك الدّجال الذي حدّثنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حديثه، وأن الدجال يقتله ثم يحييه ثم لا يقدر علي قتله. قال أبو إسحاق يقال إن هذا الرجل هو الخضر.(2)

قال النووي: أبو إسحاق هذا هو إبراهيم بن سفيان راوي الكتاب عن مسلم، وكذا قال معمّر في جامعه في أثر هذا الحديث9.

ص: 68


1- شرح صحيح مسلم 18: 58.
2- أنظر: صحيح مسلم 8: 194 - 199.

كما ذكره ابن سفيان، وهذا تصريح منه بحياة الخضر عليه السلام وهو الصحيح انتهي النووي.(1)

وإنه يلبث أربعين يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، والباقي كالأيام المتعارفة،... فينزل عيسي عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق فيطلبه حتّي يدركه بباب لدّ فيقتله.(2)

وروي البخاري في صحيحه(3) أيضاً أخباراً كثيرة في الدجال بنحو ما مرّ عن صحيح مسلم. وفي بعض الأخبار كما في إرشاد الساري وعينه اليسري كأنها كوكب دري. وفي بعضها إحدي عينيه كأنها زجاجة خضراء.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم: قال القاضي: هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة مذهب أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخص بعينه ابتلي الله به عباده وأقدره علي أشياء من مقدورات الله تعالي من احياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وجنته وناره، ونهريه، واتّباع الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله ومشيئته، ثم يعجزه الله ويقتله عيسي عليه السلام انتهي.(4)

وذكر نحواً من ذلك القسطلاني في شرح صحيح البخاري.

هذا ما جاء في أمر الدجال من غير تعرض لكونه موجودا باقياً وعدمه، وأما ما جاء في أنه كان موجوداً في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ويبقي إلي آخر الزمان فسيأتي قريبا إن شاء الله تعالي.8.

ص: 69


1- شرح صحيح مسلم 18: 72.
2- صحيح مسلم 8: 197.
3- أنظر: صحيح الباخري 2: 148، 223 و4: 33، 105، 111، 141 - 143، و7: 59، و8: 103.
4- شرح صحيح مسلم 18: 58.

(63) المفهوم من الأخبار أن الخضر عليه السلام كان قبل موسي وأنه كان علي مقدمة ذي القرنين الأكبر الذي كان أيام إبراهيم الخليل عليه السلام ، وهو الذي رجحه الطبري في تاريخه،(1) ويدل عليه بعض ما مرّ من أنه خضرون بن قابيل بن آدم وحواء، فالمراد بالبيت أنه كان علي عهد موسي لا أنه لم يكن قبله.

(ابن صياد):

(64) اعلم أنه قد روي في صحيح مسلم(2) أخبار كثيرة أنه كان في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم شخص يقال له ابن صياد أو ابن صائد واسمه صاف، وكان يقال فيه أنه الدجال، وإن ذلك كان مشهورا عنه بين الناس، وفي جملة من تلك الأخبار إيماء إلي أنه هو الدجال الذي يخرج في آخر الزمان، وفي بعضها دلالة صريحة عليه، وأن جماعة من الصحابة كانوا يعتقدون ذلك ويحلفون عليه ولا يشكون فيه وهم عمر وجابر وابن عمر مثل ما رواه مسلم من أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم رآه مع الصبيان ففروا وبقي ابن صياد، فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: تربت يداك أتشهد أني رسول الله؟ فقال: لا، بل تشهد أني رسول الله.

وأنه أتاه مرة وقد قارب الحلم فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم مثل ذلك، فقال: أشهد أنك رسول الأميين، ثم قال للنبي صلي الله عليه وآله وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال: آمنت بالله وبرسله، أو آمنت بالله وملائكته وكتبه، وأن عمراً كان يقول للنبي صلي الله عليه وآله وسلم كل مرة: دعني أقتله، فيقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: إن يكن الذي تري فلن تستطيع قتله، أو إن يكنه فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله، وأنه صلي الله عليه وآله وسلم انطلق مرة إلي النخل التي هو فيها وجعل يستتر بالجذوع ليسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه، فرأت أمه النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقالت له: يا صاف

ص: 70


1- تاريخ الطبري 1: 256.
2- صحيح مسلم 8: 189 - 192.

هذا محمّد، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: لو تركته بيّن، أي بيّن أمره كما فسره بعضهم، فقام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فخطب الناس وأنذرهم الدجال وحذرهم منه.

ومثل أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال له: قد خبأت لك خبأ، فقال دخ أو هو الدخ(1) فقال: اخسأ فلن تعدو قدرك. وقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم له ما تري؟ قال: أري عرشاً عَلَي الماء، فقال صلي الله عليه وآله وسلم تري عرش إبليس علي البحر، وما تري؟ قال: أري صادقين وكاذبا، أو كاذبين وصادقا، فقال صلي الله عليه وآله وسلم: لبس عليه، دعوه وفي رواية ما تري؟ قال: يأتيني صادق وكاذب، فقال له صلي الله عليه وآله وسلم: خلط عليك الأمر. وأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال له: ما تربة الجنة؟ قال: درمكة(2) بيضاء مسك يا أبا القاسم، قال: صدقت. وفي رواية أنه هو الذي سأل النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن تربة الجنة، فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: درمكة بيضاء مسك خالص.

(قصة الجسّاسة):

وروي مسلم في صحيحه(3) أيضاً بعدة أسانيد قصة الجساسة وهي طويلة، وفيها: أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم خطب الناس وقال لهم: إن تميما الداري كان نصرانياً فأسلم، وحدثني

ص: 71


1- بضم الدال وتشديد الخاء لغة في الدخان. قيل أنه صلي الله عليه وآله وسلم أضمر له آية الدخان يوم تأتي السماء بدخان مبين. وقيل كانت سورة الدخان، وقيل الآية مكتوبة في يده وقال الخطابي الدخ نبت يوجد بين النخل والبساتين حكي ذلك كله النووي في شرح صحيح مسلم. (شرح صحيح مسلم 18: 48 - 52) وقيل: إن الدجال يقتله عيسي بجبل الدخان، فيمكن أن يكون إشارة إلي ذلك. قال النووي: قال القاضي: أصح الأقوال أنه لم يهتد من الآية التي أضمرها النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلاّ لهذا اللفظ الناقص علي مادة الكهان، يلقي إليهم الشيطان ما يخطف قبل أن يدركه الشهاب، وإليه الإشارة بقوله صلي الله عليه وآله وسلم: لن تعدو قدرك، انتهي ملخصا. (المؤلف).
2- في القاموس الدرمك كجعفر دقيق الحواري بضم الحاء وتشديد الواو وفتح الراء الدقيق الأبيض وهو لباب الدقيق. (المؤلف).
3- صحيح مسلم 8: 203 - 205.

عن الدجال المسيح بمثل ما كنت حدثتكم به، وذكر حديث تميم الداري، ومضمونه: أنه ركب البحر مع جماعة فساقتهم الريح إلي جزيرة، فلقيتهم دابة كثيرة الشعر، فقالوا لها: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، ثم أتت بهم إلي دير فرأوا رجلا عظيم الخلق مكبلا بالحديد، فسألهم عن نخل بيسان وبحيرة طبرية وعين زغر(1) وعن النبي صلي الله عليه وآله وسلم فأجابوه، ثم أخبرهم أنه المسيح الدجال.

وروي مسلم في صحيحه(2) أيضاً عدة روايات عن أبي سعيد الخدري أنه صحب ابن صائد إلي مكة، فشكا إليه زعم الناس أنه الدجال، وأنه احتج علي أنه ليس الدجال بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال عن الدجال إنه كافر أو يهودي وهو مسلم، وأنه لا يولد له وقد ولد له، وأنه لا يدخل المدينة ولا مكة وقد أقبل من المدينة يريد مكّة، وفي بعضها أنه لما تفرق الناس عنهما استوحش منه الخدري وحشة شديدة مما يقول فيه، وإنه امتنع عن الشرب من اللبن الذي جاء به كراهة أن يأخذ من يده واعتذر بالحر، وإن ابن صائد قال له: لقد هممت أن آخذ حبلا فأعلقه بشجرة ثم اختنق مما يقول لي الناس، فكاد الخدري أن يعذره، ثم قال له ابن صائد: والله إني لأعرفه (أي الدجال) وأعرف مولده وأين هو الآن وأعرف أباه وأمه، فقال له الخدري: تبا لك سائر اليوم، وفي بعضها: فلبسني. قال النووي:(3) أي جعلني التبس في أمره وأشك فيه.0.

ص: 72


1- بزاي معجمة مضمومة وغين معجمة مفتوحة وراء بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشام. (المؤلف).
2- صحيح مسلم 8: 190 و191.
3- شرح صحيح مسلم 18: 50.

وروي مسلم في صحيحه(1) أيضاً بسنده أن ابن عمر قال لبعضهم: هل تحدثون أنه هو؟ _ أي ابن صياد هو الدجال _ قال: لا والله، قال: كذبتني والله، لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت حتّي يكون أكثركم مالا وولداً فكذلك هو زعموا اليوم.

وأنه لقي ابن صياد في بعض طرق المدينة، فقال له قولا أغضبه فانتفخ حتّي ملأ السكة، وأنه لقيه أيضاً وقد نفرت عينه فسأله عنها، فقال: لا أدري، فقال: لا تدري وهي في رأسك، وإنه نخر كأشد نخير حمار، وأن بعض أصحاب ابن عمر أخبره أنه ضربه بعصي كانت معه حتّي تكسرت وقال هو أنه لم يشعر بذلك، وأن حفصة لامته علي ذلك في مقامين وقالت له: أما علمت أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال إنما يخرج من غضبة يغضبها أو أوّل ما يبعثه علي الناس غضب يغضبه.

وروي مسلم أيضاً في صحيحه(2) بسنده عن ابن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صائد الدجال، فقلت: أتحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف علي ذلك عند النبي صلي الله عليه وآله وسلم فلم ينكره.

وقال النووي في الشرح:(3) روي أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول: والله ما أشك أن ابن صياد هو المسيح الدجال. وحكي النووي في الشرح أيضاً عن الخطابي أنه قال: كان ابن عمر وجابر فيما روي عنهما يحلفان أن ابن صياد هو الدجال لا يشكان فيه، فقيل لجابر: أنه أسلم، فقال: وإن أسلم، فقيل له: أنه دخل مكة وكان في المدينة، فقال: وإن دخل.

وقد قال جماعة من علماء أهل السنة بمثل ما كان يقوله جابر وعمر وابنه من أنه هو الدجال، وبعضهم أنكر ذلك. حكي النووي في شرح صحيح7.

ص: 73


1- صحيح مسلم 8: 194.
2- صحيح مسلم 8: 192.
3- شرح صحيح مسلم 18: 47.

مسلم عن الخطابي أن السلف اختلفوا في أمر ابن صياد بعد كبره، فروي عنه أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتّي رآه الناس وقيل لهم أشهدوا.

وقال النووي أيضاً: روي أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن جابر أنه قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة انتهي، فهذا يعارض ما قيل إنه مات بالمدينة، حيث قال فقدنا ولم يقل مات.

قال النووي: لا شك أنه دجال من الدجاجلة، لقوله للنبي صلي الله عليه وآله وسلم: تشهد أني رسول الله، ودعواه أنه يأتيه صادق وكاذب، وأنه يري عرشا فوق الماء، وأنه لا يكره أن يكون الدجال، وأنه يعرفه ويعرف موضعه وأباه وأمه، وانتفاخه حتّي ملأ السكة. وأما إظهاره الإسلام وحجه وجهاده وإظهاره التوبة فليس بصريح أنه غير الدجال.

أقول: والأمر كما قال ولذلك قال جابر _ كما مر _ وإن أسلم ودخل المدينة.

قال النووي: وأما احتجاجه في حديث الخدري بأنه مسلم قد ولد له ودخل المدينة ومكة فلا دلالة له فيه، لأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه انتهي، وهو جيد. ويدل عليه ما مر عن ابن عمر أنه لن يموت حتّي يكون أكثركم مالاً وولداً.

وحكي النووي عن العلماء أن ظاهر الأحاديث أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره، وكان فيه قرائن محتملة، فلذلك كان صلي الله عليه وآله وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره كما يدل عليه جوابه لعمر.

أقول: يجوز أن يكون صلي الله عليه وآله وسلم أخفي أمره لحكمة يعلمها مع علمه بأنه الدجال.

وحكي النووي عن البيهقي أنه أجاب عن عدم قتل النبي صلي الله عليه وآله وسلم له مع دعواه النبوة بحضرته تارة بأنه كان غير بالغ، وأخري بأنه كان من اليهود

ص: 74

أو دخيلا فيهم، وكان بينهم وبين النبي صلي الله عليه وآله وسلم كتاب صلح أن لا يهاجوا ويتركوا، انتهي. ويمكن أن يكون النبي صلي الله عليه وآله وسلم منهيا عن قتله بناء علي أنه الدجال ليجري قدر الله تعالي وامتحانه للعباد ببقائه، واحتج بعضهم علي أنه ليس ابن صياد بقصة الجساسة المتقدمة، لأن ابن صياد كان بالمدينة في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، بل وبعده علي الظاهر، ولكن خبر الجساسة بالأقاصيص أشبه منه بالأحاديث. فظهر أن ما دلّ علي كونه هو الدجال مما تقدم من الأخبار أكثر وأقوي، هذا وقد أورد الصدوق في كتاب كمال الدين عدة أحاديث في شأن الدجال:

منها: ما ذكره بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل، وفيه: أن الاصبغ بن نباتة قال له: من الدجال؟ فقال: صائد بن الصيد، يخرج من بلدة يقال لها إصبهان من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمني ممسوحة والأخري في جبهته تضيء كأنها كوكب الصباح فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب كافر يقرؤه كل كاتب وأمي، يخوض البحار، وتسير معه الشمس، بين يديه جبل من دخان، وخلفه جبل أبيض يري الناس أنه طعام، يخرج في قحط شديد، تحته حمار أقمر(1) خطوة حماره ميل، تطوي له الأرض منهلا منهلا، لا يمر بماء إلا غار إلي يوم القيامة، ينادي بأعلي صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين: إليّ أوليائي، أنا الذي خلق فسوي وقدر فهدي، أنا ربكم الأعلي، وكذب عدو الله... إلي أن قال: وأكثر أشياعه أولاد الزنا وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله الله عز وجل بالشام علي عقبة تعرف بعقبة أفيق(2) لثلاث ساعات من يوم الجمعة علي يدي من يصلي المسيح عيسي بن مريم خلفه.(3)1.

ص: 75


1- القمرة لون إلي الخضرة، أو بياض فيه كدرة. (المؤلف).
2- في القاموس (القاموس المحيط 3: 209) أفيق كامير بلد بين دمشق وطبرية ولعقبته ذكر في أخبار الملاحم، ولا تقل فيق كالعامة اه- . (المؤلف).
3- كمال الدين: 525/ باب 47/ ح 1.

ومنها: ما ذكره بسنده عن ابن عمر، والظاهر أنه من طرق أهل السنة، وفيه: أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعد ما صلي الفجر بأصحابه قام معهم فأتي باب دار بالمدينة، فخرجت إليه امرأة، فقال: يا أم عبد الله استأذني لي علي عبد الله، فقالت: وما تصنع به، والله إنه لمجهود في عقله يحدث في ثوبه، وأنه ليراودني علي الأمر العظيم(1) فقال: استأذني عليه، فقالت: أعلي ذمتك؟ قال: نعم، فدخل فرآه في قطيفة له يهمهم، وأنه أتاه في اليوم الثاني فإذا هو في نخلة يغرد، وأتاه في اليوم الثالث فإذا هو في غنم له ينعق بها، وكل يوم تقول له أمه: أسكت فهذا محمّد قد أتاك، فيقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو، وأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال له في اليوم الأوّل: ما تري؟ قال: أري حقاً وباطلاً، وأري عرشاً علي الماء، فقال: اشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله، فقال: بل تشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله، فما جعلك الله بذلك أحق مني. وإنها كانت قد نزلت في اليوم الثالث سورة الدخان، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: قد خبأت لك خبأ فما هو؟ قال: الدخ الدخ، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: اخسأ فإنك لن تعدو أجلك ولن تبلغ أملك ولن تنال إلاّ ما قدر لك، ثم قال لأصحابه ما بعث الله نبياً إلاّ وقد أنذر قومه الدجال، وإن الله عز وجل قد أخّره إلي يومكم هذا، فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربكم ليس بأعور، إنه يخرج علي حمار عرض ما بين أذنيه ميل، يخرج ومعه جنة ونار وجبل من خبز ونهر من ماء، أكثر اتباعه اليهود والنساء والأعراب، يدخل آفاق الأرض كلها إلا مكّة ولابتيها والمدينة ولابتيها.(2)

(65) هو والقرية.

(66) إمر: إمر بالكسر فالسكون منكر عجيب.2.

ص: 76


1- في البحار: (بحار الأنوار 52: 197) كأن مراودته إياها كان لإظهار دعوي الألوهية أو النبوة، أهو يحتمل غير ذلك. (المؤلف).
2- كمال الدين: 528/ باب 47/ ح 2.

(67) القر: البرد.

إذا علمت ما ذكرناه في أمر الدجال والخضر وغيرهما ظهر لك أن عيب من عاب الشيعة علي قولهم ببقاء المهدي ونسبهم إلي الجهل حتّي قال بعضهم: إنهم عار علي بني آدم،(1) وقال آخر: ان الوصية لأجهل الناس تصرف إلي من ينتظر المهدي،(2) مع تصديقه بهذه الأحاديث خارج عن حد الإنصاف، فإذا جاز بقاء شخص كافر كالدجال وغيبته وطول حياته ليخرج في آخر الزمان ويدعي الألوهية ويضل الناس فأولي أن يجوز بقاء شخص من عترة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وغيبته وطول حياته ليخرج في آخر الزمان ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وإذا جاز بقاء الخضر وعيسي عليهما السلام وغيرهما وثبت تعمير نوح عليه السلام جاز بقاء المهدي، سيما مع ما صح عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: كلما كان في الأمم السالفة يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.(3)

وكيف يجوز أن ينسب إلي الجهل والعار علي بني آدم من يعتقد في حق المهدي نظير ما كان يعتقده أو يظنه أو يحتمله النبي صلي الله عليه وآله وسلم فخر بني آدم في حق الدجال، فإن الروايات التي مر ذكرها في ابن صياد لا أقل من دلالتها علي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان يحتمل أنه الدجال، فهل يجوز أن يحتمل النبي صلي الله عليه وآله وسلم ما يكون اعتقاد مثله جهلا أشد الجهل ويسكت عمن يحلف عليه بحضرته؟

وكيف يكون جهلا ما يحلف علي نظيره من هم من أجلاء الصحابة كما مر، ويدوّن نظيره في كتابه من هو من أئمة أهل الحديث كمسلم وغيره؟ وكتابه أحد الصحاح الستة التي عليها المعول وإليها المرجع، ويشتهر بين8.

ص: 77


1- أنظر: المجالس السنية 5: 737.
2- أنظر: روضة الطالبين للنووي 5: 157.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 218.

الناس كما تدل عليه الأخبار المتقدمة سيما أخبار الخدري. ويختلف فيه السلف والعلماء كما مرّ عن القاضي عياض، بل كان الواجب أن يقطعوا كلهم ببطلانه، وهكذا القول بالنسبة إلي الخضر عليه السلام.

(قصة أهل الكهف):

وكيف يكون جهلا وأشد الجهل ما نطق القرآن العظيم بأعظم منه وأعجب وأغرب في حق أهل الكهف الذين كانوا من عباد الله الصالحين وهربوا خوفا من سلطان زمانهم فلبثوا نياما في كهفهم ومعهم كلبهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا؟ فإذا ورد أن شخصا من عترة خير البشر خاف من سلطان زمانه وجري له دون ما جري لهم في الغرابة نسبنا معتقده إلي أنه أجهل الناس وعار علي بني آدم.

(قصة عزير النبي):

وكذلك ما جاء في القرآن الكريم في حق (الَّذِي مَرَّ عَلي قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلي عُرُوشِها قالَ أَنَّي يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)(1) لأنه مات ضحي وبعث قبل غيبوبة الشمس (قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلي طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) أي لم يتغير، روي أن طعامه كان تينا وعنبا وشرابه عصيرا ولبنا، فوجد التين والعنب كما جنيا والشراب علي حاله، ذكر ذلك في الكشاف(2) وغيره (وَانْظُرْ إِلي حِمارِكَ) قال في الكشاف: يجوز أن يراد وانظر إليه سالماً في مكانه كما ربطته، وذلك من أعظم الآيات أن يعيشه مائة عام من غير علف ولا ماء كما حفظ طعامه وشرابه من التغير.

ص: 78


1- البقرة: 259.
2- الكشاف 1: 307.

وحكي الرازي في تفسيره عن جماعة من المفسرين أنه كان يري حماره واقفا كما ربطه حين كان حيا لم يأكل ولم يشرب مائة عام انتهي.

فهل بقاء التين والعنب كما جنيا والشراب علي حاله مائة سنة أعجب وأغرب، أم ما نقوله في المهدي. وهل يكون أجهل الناس من يعتقد في بعض عترة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ما ثبت أعظم منه في حق الجمادات والحيوانات الصامتة.

* * *

ص: 79

ص: 80

(الدليل علي وجوده عليه السلام بالفعل وغيبته بعد الفراغ من اثبات امكانه)

(حديث الثقلين):

(68) في القاموس: الثقل بالتحريك كل شيء نفيس مصون ومنه الحديث: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي)(1) انتهي.

(69) في غاية المرام(2) أن خبر الثقلين روي من طرق أهل السنة بتسعة وثلاثين طريقا. ومن طرق الشيعة باثنين وثمانين طريقاً، فمن الأولي: ما نقله من مسند أحمد بن حنبل عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: إني قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين وأحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا إنهما لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض. وفي رواية: انظروا كيف تخلفوني فيهما.

وما نقله منه أيضاً: إني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتّي يردا عليّ الحوض.

وما نقله من صحيح مسلم في الجزء الرابع منه من أجزاء ستة في آخر الكراسة الثانية من أوله:(3) بسنده عن زيد بن أرقم من خطبة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم

ص: 81


1- القاموس المحيط 3: 342.
2- غاية المرام 2: 304 - 367/ الباب 28 و29.
3- في النسخة المطبوعة بمصر مع شرح النووي علي هامش إرشاد الساري في الجزء التاسع صحيفة 303 - 306. (المؤلف).

بخم: أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدي والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث علي كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، فقال حصين بن سبرة: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده(1) قال: ومن هم؟ قال: هم آل عليّ وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.

وفي رواية بعد والنور: من استمسك به وأخذ به كان علي الهدي ومن أخطأه ضل.

وفي رواية أخري بعد ثقلين: أحدهما كتاب الله هو حبل والله من اتبعه كان علي الهدي ومن تركه كان علي ضلالة وفيها فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلي أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.

أقول: قول زيد نساؤه من أهل بيته مراد به الإنكار، واقتران أهل البيت بالكتاب في هذه الرواية ظاهر في وجوب التمسك بهم أيضاً سيما مع كون الصدر دالاً علي أن مراده صلي الله عليه وآله وسلم أن يبين لهم ما يرجعون إليه بعد موته، وملاحظة الأخبار الأخر والتعميم الذي فهمه زيد ينافيه الأمر بوجوب التمسك وعدم مفارقة الكتاب الذي هو خاص ببعض أهل البيت لعدم عصمة الكل اتفاقا.

وما نقله من تفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالي في سورة آل عمران (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)(2) بسنده عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: أيها الناس إني3.

ص: 82


1- نقله في غاية المرام إلي هنا فقط. (المؤلف).
2- آل عمران: 103.

تركت فيكم الثقلين، خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض، فانظروا ماذا تخلفوني فيهما.

وما نقله منه أيضاً في خطبة غدير الجحفة: يوشك أن تردوا عليّ الحوض فأسألكم عن الثقلين كيف خلفتموني فيهما، فسأله رجل من المهاجرين: ما الثقلان؟ قال: الأكبر منهما كتاب الله سبب بيد الله تعالي وطرف بأيديكم، فتمسكوا به ولا تولوا ولا تضلّوا، والأصغر منهما عترتي من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي، فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم، فإني سألت الله اللطيف الخبير فأعطاني أن يردا علي الحوض كهاتين _ وأشار بالمسبحة _، ولو شئت قلت: كهاتين بالسبابة والوسطي، ناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليهما لي ولي، وعدوهما لي عدو، ثم أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فرفعها، فقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، قالها ثلاثا.

وما نقله من الجمع بين الصحاح الستة من الجزء الثالث من أجزاء أربعة من صحيح أبي داود السجستاني وهو كتاب السنن، ومن صحيح الترمذي عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني في عترتي.

وما نقله من كتاب فضائل عليّ أمير المؤمنين عليه السلام لصدر الأئمّة موفق بن أحمد من أعيان علماء أهل السنة عن زيد بن أرقم: لما رجع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ونزل بغدير خم أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأني قد دعيت فأجبت، إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب

ص: 83

الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض، ثم أخذ بيد عليّ وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، فقال: أنت سمعت من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هذا؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا وقد رآه بعينه وسمعه بأذنه.

وما نقله عن الحمويني من أعيان علماء أهل السنة بتسعة طرق: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض، وفي بعضها بعد أهل بيتي إلا وهما الخليفتان من بعدي وفي بعضها عن أبي سعيد الخدري: إني تارك فيكم أمرين أحدهما أطول من الآخر، وفي رواية: أكبر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض طرف بيد الله وعترتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض، فقلت لأبي سعيد: من عترته؟ قال: أهل بيته، وفي بعضها: أذكركم الله في أهل بيتي ثلاث مرات.

وما نقله عن كتاب فضائل الصحابة للسمعاني: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض.

وما نقله عن كتاب سير الصحابة وفي الأخير بعد ذكر العترة: فلا تتقدموهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، وفي رواية: لا تسابقوهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فهم أعلم منكم.

وما نقله عن أفراد مسلم للحميدي وغيره مما يطول الكلام بنقله، وفيما اختصرنا كفاية.

(70) اللطف: ما يقرب العبد من الطاعة ويبعده عن المعصية بحيث لا يؤدي إلي الإلجاء.

ص: 84

(تشبيه أهل البيت عليهم السلام بسفينة نوح عليه السلام):

(71) إشارة إلي مضمون رواية رواها علماء الإسلام بعشرين طريقا مذكورة في غاية المرام(1) نصفها من طرق أهل السنة(2) ونصفها من طرق الشيعة.

فمن الأولي: ما عن كتاب المناقب للفقيه أبي الحسن ابن المغازلي الشافعي بخمسة طرق وفيها: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها أو من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها هلك أو غرق، وما عن إبراهيم بن محمّد الحمويني بخمسة طرق: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها أو من دخلها نجا ومن تخلف عنها غرق أو هلك، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له وما عن الفصول المهمة لعليّ بن الصباغ المالكي: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها زج في النار.

(72) إشارة إلي ما عن الحمويني في فرائد السمطين(3) بسنده عن ابن عباس، ورواه ابن شاذان(4) أيضاً بسنده عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حديث: يا عليّ أنا مدينة العلم وأنت بابها... إلي أن قال: مثلك ومثل الأئمّة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثلكم كمثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلي يوم القيامة.

(73) إشارة إلي مضمون حديث تقدم في شرح قولنا: وهم فلك نوح... الخ.

ص: 85


1- غاية المرام 3: 13 - 24/ باب 32 و33.
2- الذي في غاية المرام أن أحد عشر طريقا منها من طرق أهل السنة وتسعة من طرق الشيعة، ولكن عد من الأولي حديثا رواه الحمويني عن رجال الشيعة والفضل ابن شاذان عن أهل السنة، ومثله لا يصح أن يقال أنه من طرق أهل السنة كما لا يخفي. (المؤلف).
3- فرائد السمطين 2: 423/ ح 517؛ عنه القندوزي في ينابيع المودة 1: 95.
4- مائة منقبة: 41/ المنقبة 18؛ عنه غاية المرام 3: 15.

(تشبيه أهل البيت عليهم السلام بالنجوم):

(74) إشارة إلي مضمون حديث اتفق علي روايته أهل السنة والشيعة (فمن) طريق أهل السنة: ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده(1) عن عليّ عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: النجوم أمان لأهل السماء إذا ذهبت النجوم ذهبوا، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض، وما عن إبراهيم بن محمّد الحمويني(2) بسنده أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي، وما أخرجه الحاكم في المستدرك(3) وصححه وقال صحيح الإسناد بإسناده عن ابن عباس قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب الشيطان.

وأخرج أبو عمر مسدد وابن أبي شيبة وأبو يعلي في مسانيدهم والطبراني(4) بإسنادهم عن أياس بن سلمة عن أبيه قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض.

(75) إشارة إلي قوله تعالي: (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(5) وسيأتي ذكر الأحاديث الدالة علي أن المراد بالآية عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام في شرح قولنا: وفي آية التطهير... الخ.

(76) أي المشار إليه بقولنا: وهم فلك إلي قولنا: وربهم.

ص: 86


1- فضائل الصحابة 2: 671/ ح 1145؛ عنه غاية المرام 3: 137/ باب 36؛ والعمدة: 308/ ح 510.
2- فرائد السمطين 2: 241/ باب 47/ ح 515؛ عنه غاية المرام 3: 137.
3- المستدرك علي الصحيحين 3: 149، وفيه بدل كلمة الشيطان: (إبليس).
4- أنظر: إحياء الميت للسيوطي: 12 (ط: الحلبي/ مصر).
5- الأحزاب: 33.

(حديث الأئمّة من قريش):

(77) إشارة إلي قوله صلي الله عليه وآله وسلم: (الأئمّة من قريش) قال المحقق سعد الدين التفتازاني في شرح العقائد النسفية لنجم الدين عمر النسفي: وهذا وإن كان خبر واحد لكن لما رواه أبو بكر رضي الله عنه محتجا به علي الأنصار ولم ينكره أحد، فصار مجمعاً عليه لم يخالف فيه إلا الخوارج وبعض المعتزلة، انتهي.

أقول: ويعضده الأخبار الآتية في شرح البيتين الذين بعده الدالة علي أن الخلفاء بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. ودلالة هذا الحديث علي الحصر واضحة، لأن الجمع المحلي باللام يفيد العموم.

وروي مسلم في صحيحه بسنده قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان.(1)

وروي البخاري أيضاً في صحيحه في البابين المذكورين بسنده عن معاوية: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله علي وجهه ما أقاموا الدين.(2)

(78) تأنيث عشر باعتبار اللفظ، وتذكير اثنين باعتبار المعني.

(79) النجر الأصل.

(الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش):

روي مسلم في صحيحه(3) بتسعة طرق عن جابر بن سمرة. وفي بعضها: دخلت

ص: 87


1- في الجزء الثامن من النسخة المطبوعة بمصر علي هامش إرشاد الساري صحيفة 4 (ب) في الجزء السادس من إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري المطبوع بمصر وعلي هامشه صحيح مسلم وشرحه للنووي صحيفة 6 (ج) في الجزء العاشر من إرشاد الساري المار ذكره صحيفة 208 (د) في الجزء الثامن المطبوع بمصر علي هامش إرشاد الساري صحيفة 4 - 9. (المؤلف).
2- صحيح البخاري 4: 155.
3- صحيح مسلم 6: 3.

مع أبي علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتّي يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، قال: ثم تكلم بكلام خفي عليّ، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش. وفي بعضها لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم إثنا عشر رجلاً، ثم تكلم بكلمة خفيت عليّ، فسألت أبي: ماذا قال؟ فقال: كلهم من قريش. وفي بعضها لا يزال الإسلام عزيزاً إلي إثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش. وفي بعضها لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعا إلي إثني عشر خليفة، فقال كلمة صمنيها الناس، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش.(1)

وروي البخاري في صحيحه في الجزء الأخير منه قبل باب إخراج الخصوم(2) بسنده عن سمرة بن جابر سمعت النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: يكون إثنا عشر أميرا، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال كلهم من قريش.

وفي إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني بعد ذكر الحديث ما لفظه: وعند أبي داود من طريق الشعبي عن جابر بن سمرة: لا يزال هذا الدين عزيزاً إلي إثني عشر خليفة، قال: فكبر الناس وضجوا، فلعل هذا هو سبب خفاء الكلمة المذكورة علي جابر.

وعند أبي داود أيضاً من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن جابر بن سمرة: لا يزال هذا الدين قائماً حتّي يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليهم الأمة، انتهي.(3)

وفي الينابيع وغيرها ذكر يحيي بن الحسن في كتاب العمدة من عشرين طريقا9.

ص: 88


1- صحيح البخاري 8: 127.
2- في الجزء العاشر من إرشاد الساري المطبوع بمصر وعلي هامشه صحيح مسلم وشرحه للنووي صحيفة 262. (المؤلف).
3- سنن أبي داود 2: 309/ ح 4279.

في أن الخلفاء بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، في البخاري من ثلاثة طرق، وفي مسلم من تسعة طرق، وفي أبي داود من ثلاثة طرق، وفي الترمذي من طريق واحد، وفي الحميدي من ثلاثة طرق، انتهي.(1)

وما تضمنته هذه الأحاديث من التعبير بإلي وحتي ونحوهما لا يدل علي أن هؤلاء الخلفاء الإثني عشر لا يبقون طول الدهر، بل يدل علي أن الخلافة أو عزة الدين أو نحو ذلك باق طول مدتهم، فإذا دلّت الروايات الأخر التي رواها البخاري ومسلم علي أن هذا الأمر يبقي فيهم ما بقي في الناس اثنان عُلم أن مدتهم باقية طول الدهر، ويعضد ذلك خبر الثقلين وغيره، وأن الصالحين من خلفاء قريش لا يبلغون هذا المقدار كما ستعرف، مضافاً إلي ما يأتي أيضاً في شرح قولنا: علي ان في تلك الروايات... الخ.

وأما اجتماع الأمة عليهم كما تضمنته رواية أبي داود المتقدمة فقال بعض العلماء مراده صلي الله عليه وآله وسلم أن الأمة تجتمع علي الإقرار بإمامة كلهم وقت ظهور قائمهم المهدي انتهي.(2)

ويجوز أن يراد اجتماع الأمة علي الإقرار بفضلهم إلاّ من شذ.

(80) في الينابيع عن كتاب مودة القربي بسنده عن جابر بن سمرة قال: كنت مع أبي عند النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، فسمعته يقول: بعدي إثنا عشر خليفة، ثم أخفي صوته، فقلت لأبي: ما الذي أخفي صوته؟ قال: قال كلهم من بني هاشم.(3) وإلي هذا أشرت بقولي: ولعلة بها من رسول الله... الخ. وقوله صلي الله عليه وآله وسلم كلهم من بني هاشم لا ينافي قوله كلهم من قريش، لأن بني هاشم من قريش فيحمل المطلق علي المقيد.0.

ص: 89


1- ينابيع المودة 3: 289.
2- أنظر: ينابيع المودة 3: 293.
3- ينابيع المودة 3: 290.

وفي الينابيع عن بعض المحققين أنه قال: وإخفاء صوته صلي الله عليه وآله وسلم في هذا القول يرجح هذه الرواية، لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم، انتهي.(1)

(حديث ميتة الجاهلية):

(81) أخرج الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.(2) وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: من مات وليس عليه إمام فإن موتته موتة جاهلية.(3)

أقول: وهذا من باب المبالغة للاتفاق علي أن جهل الإمام لا يوجب الكفر.

وعن الدر المنثور للسيوطي قال: أخرج ابن مردويه عن عليّ عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في قوله الله تعالي: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ)(4) قال: يدعي كل قوم بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم.(5) ورواه الثعلبي في تفسيره مسندا عنه عليه السلام مثله.(6)

(82) وهو عدد الاثني عشر.

(83) تذكير إثنان باعتبار المعني، وتأنيث عشر باعتبار لفظ الخلائف كما مر نظيره.

ص: 90


1- ينابيع المودة 3: 292.
2- عنه: شرح إحقاق الحق 2: 306.
3- مستدرك الحاكم 1: 117.
4- الإسراء: 71.
5- الدر المنثور 4: 194.
6- عنه: غاية المرام 3: 130.

(تحليل في أحاديث حصر الأئمّة باثني عشر):

(84) فالأولي من الروايات الثلاث ما دل علي حصر الأئمّة في قريش ووجودهم في كل زمان، وهو قوله عليه السلام: الأئمّة من قريش. ولا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم أو من الناس إثنان.

والثانية منها ما دل علي أن الأئمّة من قريش أو من بني هاشم وإنهم إثنا عشر بلا زيادة ولا نقصان.

والثالثة منها ما دل علي أن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فيدل علي أن في كل زمان إماماً وإلا لكان التكليف بمعرفة إمام الزمان تكليفا بما لا يطاق، فيستفاد من مجموع الأخبار أن الأئمّة اثنا عشر، مستمرا وجودهم إلي آخر الدهر، وكلهم من قريش، ولم يدّع أحد من المسلمين إمامة هذا العدد من قريش مستمرا إلي آخر الدهر غير الأئمّة الإثني عشر عند الإمامية واحتمال أن يراد بإمام الزمان القرآن غلط، لأن معني عدم معرفة القرآن عدم معرفة الله والرسول صلي الله عليه وآله وسلم ، فمعني الحديث علي هذا من مات غير معترف بالله ورسوله وكتابه فقد مات كافرا كأهل الجاهلية، وهو في قوة قولنا من مات كافراً فقد مات كافراً، مع أن هذا الاحتمال لا يُتصور في قوله في الحديث الثاني المتقدم: من مات وليس عليه إمام.

(85) أي عن اثني عشر.

(86) السحر بالفتح ويضم ويحرك: الرئة، وانتفخ سحره: عدا طوره وجاوز قدره.

(87) أي ممن تخلف من قريش.

(88) أي الإثني عشر.

ص: 91

(89) أشرت بذلك إلي ما رواه مسلم في صحيحه(1)(2) بسنده عن عامر بن سعد بن أبي وقاص بطريقين قال: كتبت إلي جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، فكتب إليّ: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول: لا يزال الدين قائما حتّي تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. هكذا في نسختي من صحيح مسلم بلفظ: أو يكون. وفي غاية المرام(3) وغيره ويكون بالواو، فإن صحت نسخة أو فهي بمعني إلي، وقد عرفت أنها لا تنافي الاستمرار سيما هنا لقوله: حتّي تقوم الساعة الناص علي الاستمرار.

(90) في الينابيع(4) نقلا من المودة العاشرة من كتاب مودة القربي للمير سيد عليّ ابن شهاب الهمداني عن عباية بن ربعي عن جابر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أنا سيد النبيين وعليّ سيد الوصيين، وإن أوصيائي بعدي إثنا عشر، أولهم عليّ وآخرهم القائم المهدي، انتهي.

(91) هو أبو المؤيد موفق بن أحمد الحنفي أخطب خطباء خوارزم، له كتاب في فضائل أهل البيت عليهم السلام.

(92) هو الشيخ محمّد بن إبراهيم الجويني الحمويني الشافعي الخراساني صاحب فرائد السمطين في فضائل المرتضي والزهراء والسبطين، في الينابيع(5) نقلا من المودة العاشرة من كتاب مودة القربي للسيد عليّ الهمداني عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: دخلت علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فإذا الحسين علي فخذه وهو يقبل خديه ويلثم فاه ويقول:9.

ص: 92


1- في الجزء الثامن من النسخة المطبوعة بمصر علي هامش إرشاد الساري صحيفة 8 و9. (المؤلف).
2- صحيح مسلم 6: 4.
3- غاية المرام 2: 252.
4- ينابيع المودة 2: 291/ ح 7.
5- ينابيع المودة 3: 291/ ح 8 و9.

أنت سيد ابن سيد أخو سيد، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام، وأنت حجة ابن حجة أخو حجة أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم المهدي، قال أيضاً أخرجه الحمويني وموفق ابن أحمد الخوارزمي وفيه أيضاً عن الكتاب المذكور عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون، قال أيضاً أخرجه الحمويني، انتهي.

(93) في الينابيع(1) عن فرائد السمطين للحمويني الشافعي بسنده عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث طويل قال: قدم يهودي يقال له نعثل، فقال: يا محمّد أسألك عن أشياء تلجلج في صدري،... إلي أن قال: فأخبرني عن وصيّك من هو؟ فما من نبي إلا وله وصي، وإن نبينا موسي بن عمران أوصي إلي يوشع بن نون، فقال: إن وصيي عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمّة من صلب الحسين، قال: يا محمّد فسمّهم لي، قال: إذا مضي الحسين فابنه عليّ، فإذا مضي عليّ فابنه محمّد، فإذا مضي محمّد فابنه جعفر، فإذا مضي جعفر فابنه موسي، فإذا مضي موسي فابنه عليّ، فإذا مضي عليّ فابنه محمّد، فإذا مضي محمّد فابنه عليّ، فإذا مضي عليّ فابنه الحسن، فإذا مضي الحسن فابنه الحجة محمّد المهدي، فهؤلاء إثنا عشر، الحديث إلي غير ذلك.

* * *6.

ص: 93


1- ينابيع المودة 3: 281/ باب 76.

ص: 94

(القائلون بوجود المهدي عليه السلام من علماء السنة)

(كمال الدين بن طلحة الشافعي):

(94) هو أبو سالم كمال الدين محمّد بن طلحة بن محمّد بن الحسن القرشي النصيبي الشافعي، ذكره تقي الدين أبو بكر أحمد بن قاضي شهيد المعروف بابن جماعة الدمشقي الأسدي في طبقات فقهاء الشافعية فيما نقل عنه، وقال: إنه كان أحد الصدور والرؤساء المعظمين، ولد سنة خمسمائة واثنين وثمانين، وتفقه وشارك في العلوم، وكان فقيها بارعا عارفا بالمذهب والأصول والخلاف، ترسل عن الملك وساد وتقدم وسمع الحديث... الخ (ومدحه) أبو عبد الله بن أسعد اليمني المعروف باليافعي في مرآة الجنان في حوادث سنة ستمائة وخمسين فيما حكي عنه، وقال عبد الغفار بن إبراهيم العكي الشافعي فيما نقل عنه: أنه أحد العلماء المشهورين، وكذا ذكره وبالغ في مدحه جمال الدين عبد الرحيم حسن (كذا) ابن عليّ الاسنوي الشافعي في طبقات الشافعية علي ما حكي عنه.(1)

ص: 95


1- بعد كتابة ما تقدم طبعه عثرنا علي كلام لشيخ الإسلام تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبري المطبوعة بمصر في الجزء الخامس في حق محمّد بن طلحة الشافعي المتقدم ذكره فأثبتناه هنا مضافا إلي ما تقدم في حقه من كلام العلماء في صفحة 47 تتميماً للفائدة. قال ما لفظه: محمّد بن طلحة بن محمّد بن الحسن الشيخ كمال الدين أبو سالم القريشي العدوي النصيبي مصنف كتاب العقد الفريد، ولد سنة 582، تفقه وبرع في المذهب وسمع الحديث بنيسابور من المؤيد الطوسي وزينب الشعرية، وحدث بحلب ودمشق، وروي عنه الحافظ الدمياطي ومجد الدين بن العديم، وكان من صدور الناس، ولي الوزارة بدمشق يومين وتركها وخرج عما يملك من ملبوس ومملوك وغيره وتزهد، وتوفي ابن طلحة في سابع رجب سنة 652 (انتهت الطبقات). (المؤلف). أنظر: طبقات الشافعية 8: 63.

(95) هو كتاب مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، وهو كتاب مشهور معروف، وكونه من تأليف محمّد بن طلحة مشهور معلوم أيضاً، حتّي أن ابن تيمية اعترف بأنه له في كتابه منهاج السنة علي ما حكي عنه مع إنكاره جملة من الأحاديث المستفيضة.

قال في مطالب السؤول(1) الباب الثاني عشر في أبي القاسم محمّد بن الحسن الخالص بن عليّ المتوكل بن محمّد القانع ابن عليّ الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين الزكي بن عليّ المرتضي أمير المؤمنين ابن أبي طالب المهدي الحجة الخلف الصالح المنتظر عليهم السلام ورحمة الله وبركاته:

شعر:

فهذا الخلف الحجة قد أيده الله *** (هداه منهج الحق وآتاه سجاياه)(2)

إلي أن قال:

وقد قال رسول الله قولا قد رويناه *** وذو العلم بما قال إذا أدرك معناه

تري الأخبار في المهدي جاءت *** وقد أبداه بالنسبة والوصف وسماه

إلي أن قال: فإن قالوا هو المهدي ما مانوا بما فاهوا.

إلي أن قال فاما مولده فبسر من رأي في ثالث وعشرين كذا سنة 258 ثمان وخمسين ومأتين للهجرة وأما نسبه أباً وأماً فأبوه الحسن الخالص الخ ما تقدم، وأمه أم ولد تسمي صقيل، وقيل حكيمة، وقيل غير ذلك ثمّ أورد عدة أخبار واردة في المهدي من طريق أبي داود والترمذي والبغوي ومسلمر.

ص: 96


1- مطالب السؤول 2: 152 - 160؛ عنه كشف الغمة 3: 233 - 241.
2- أثبتناه من المصادر.

والبخاري والثعلبي، ثمّ اعترض بأن هذه الأحاديث وإن دلّت علي أن المهدي من ذرية الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ومن ولد فاطمة عليها السلام، واسمه محمّد، لكنها لا تدل علي أنه محمّد بن الحسن العسكري المذكور.

وأجاب بأن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لما وصفه بعدة صفات وذكر اسمه ونسبه ووجدنا تلك الصفات والعلامات موجودة في محمّد بن الحسن العسكري علمنا أنه هو المهدي، ثمّ اعترض بأن هذه الصفات والعلامات وإن كانت لم توجد في غيره من زمن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم إلي زمن ولادته لكن يجوز أن يولد من فيه هذه الصفات بعد ذلك.

وأجاب بأنه متي وجدت العلامات في شخص كفي في الحكم بأنه المهدي، ولا يلتفت إلي احتمال تجدد ما يعارض ذلك، فإن دلالة الدليل راجحة واحتمال تجدد المعارض مرجوح ولا يترك الراجح بالمرجوح، ثم استشهد بما رواه مسلم في صحيحه من أن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قال لعمر بن الخطاب أنه يأتيه مع إمداد أهل اليمن أويس بن عامر من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرئ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بَرٌ بها لو أقسم علي الله لأبره، فإن استطعت أن يغفر لك فافعل، فلم يزل عمر يسأل عنه حتّي أخبر بمن صفته ذلك، فسأله الاستغفار ولم يلتفت إلي احتمال أن يكون الموصوف شخصا غيره سيولد في تلك القبيلة.

قال: وكذلك الخوارج لما وصفهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام جزم بأنهم أهل حروراء والنهروان ولم يلتفت إلي احتمال أن يكون المراد غيرهم، وكذلك لما أنزل الله تعالي صفة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في التوراة علي موسي عليه السلام صار بنو إسرائيل ينتظرون ويهددون المشركين بظهوره، فلما ظهر أنكرته اليهود وقالوا صاحب هذه الصفات سيظهر بعد فاستحقوا اللوم والعقاب.

ص: 97

ثمّ اعترض بأن من جملة الصفات أنه يواطئ اسم أبيه اسم أبي النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، وأجاب بأن اطلاق الأب علي الجد شائع في لسان العرب وبه نطق القرآن العظيم كقوله تعالي: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ)(1) وقوله تعالي حكاية عن يوسف واتبعت (مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ)(2) وقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم ليلة الإسراء: قلت من هذا قال أبوك إبراهيم، قال وكذا إطلاق الاسم علي الكنية والصفة شائع كما ورد في الحديث عن عليّ عليه السلام أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم سماه بأبي تراب ولم يكن له اسم أحب منه، وقال الشاعر:

أجل قدرك أن تسمي مؤنثة *** ومن كناك فقد أسماك للعرب

ويروي ومن يصفك إذا علم ذلك فيكون المراد يواطئ اسمه اسمي فاسمي محمّد واسمه محمّد، واسم أبيه أي كنية جده الحسين عليه السلام لأنه يكني بأبي عبد الله اسم أبي لأن اسمه عبد الله، فأطلق علي الكنية لفظ الاسم لأجل المقابلة بالاسم في حق أبيه، وأطلق علي الجد لفظ الأب لتكون الألفاظ المختصرة جامعة لتعريف صفاته وإعلام أنه من ولد أبي عبد الله الحسين بطريق جامع موجز انتهي ملخصاً.

ويمكن الجمع بوجه آخر، وهو أن يكون قوله صلي الله عليه وآله وسلم: يواطئ اسم أبيه اسم أبي أصله ابني يعني الحسن السبط، فغير ابني بأبي من النساخ للإتحاد في الحروف سوي النون، ومثل هذا يقع كثيرا وحصوله قريب جدا خصوصا في الخطوط القديمة الخالية غالبا من النقط.

(محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي):

(96) هو أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي،

ص: 98


1- الحج: 78.
2- يوسف: 38.

الذي يعبّر عنه ابن صباغ المالكي في الفصول المهمة بالإمام الحافظ، واحتج بروايته ابن حجر العسقلاني في فتح الباري في شرح صحيح البخاري علي ما حكاه الفاضل النوري في كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار.(1)

(97) هو كتاب كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب. قال في كشف الظنون: كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب للشيخ الحافظ أبي عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي... الخ.(2)

أوّله: أما بعد حمد الله الذي هو فاتحة كل كتاب وخاتمة كل خطاب، والصلاة علي رسوله التي هي جالبة كل ثواب ورافعة كل عقاب... الخ، انتهي.

قال في الباب الثامن من الأبواب التي ألحقها بأبواب الفضائل من كتاب كفاية الطالب بعد ذكر الأئمّة من ولد أمير المؤمنين عليه السلام كما في كشف الأستار نقلا عن نسخة عتيقة ما لفظه: وخلف يعني عليا الهادي عليه السلام من الولد أبا محمّد الحسن ابنه، ثم ذكر تاريخ ولادته ووفاته، ثم قال ابنه وهو الإمام المنتظر ونختم الكلام بذكره مفردا، انتهي.(3)

(98) هو كتاب البيان في أخبار صاحب الزمان. قال في كشف الظنون: البيان في أخبار صاحب الزمان للشيخ أبي عبد الله محمّد بن يوسف الكنجي المتوفي سنة 658 ثمان وخمسين وستمائة انتهي.(4)

وفي كشف الأستار:(5) هو كتاب مشهور يشتمل علي أربعة وعشرين بابا، والباب الرابع والعشرون منه في الدلالة علي جواز بقاء المهدي منذ غيبته.3.

ص: 99


1- كشف الأستار: 42.
2- كشف الظنون 2: 1497.
3- أنظر: كفاية الطالب: 312/ الباب الثامن (ط: الغري)، عنه كشف الأستار: 43.
4- كشف الظنون 1: 263.
5- كشف الأستار: 43.

وقال الشيخ مؤمن بن حسن الشبلنجي المصري في كتابه نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار(1) ما لفظه: قال الشيخ أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان: من الأدلة علي كون المهدي حيا باقيا بعد غيبته وإلي الآن وأنه لا امتناع في بقائه بقاء عيسي بن مريم والخضر والياس من أولياء الله تعالي وبقاء الأعور الدجال وإبليس اللعين من أعداء الله تعالي، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة، أما عيسي عليه السلام فالدليل علي بقائه قوله تعالي: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)(2) ولم يؤمن به منذ نزول هذه الآية إلي يومنا هذا أحد فلا بدّ أن يكون في آخر الزمان، ومن السنة ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن سمعان في حديث طويل في قصة الدجال قال:

فينزل عيسي بن مريم عليه الصلاة والسلام عند المنارة البيضاء بين مهرودتين(3) واضعاً كفيه علي أجنحة ملكين، وأما الخضر والياس فقد قال ابن جرير الطبري: الخضر والياس باقيان يسيران في الأرض، وأما الدجال فقد روي مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: حدّثنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حديثا طويلا عن الدجال، فكان فيما حدّثنا أن قال: يأتي وهو محرم عليه أن يدخل عتبات المدينة فينتهي إلي بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه رجل هو خير الناس أو من خير الناس، فيقول الدجال: إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول حين يحييه: والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن، قال: فيريد الدجال أن يقتله فلن يسلط عليه.).

ص: 100


1- نور الأبصار: 153.
2- النساء: 59.
3- أي حلتين مصبوغتين بالهرد بالضم، وهو الكركم أو طين أحمر يصبغ به أو عروق صفر يصبغ بها، وقيل: المهرود الثوب الذي يصبغ بالورس ثم بالزعفران. (المؤلف).

قال إبراهيم بن سعيد: يقال أن هذا الرجل هو الخضر وهذا لفظ صحيح مسلم.

وأما الدليل علي بقاء اللعين إبليس فالكتاب، وهو قوله تعالي: (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ)(1) وأما بقاء المهدي فقد جاء في تفسير الكتاب العزيز عن سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالي (لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (2) قال: هو المهدي من ولد فاطمة عليها السلام.

وأما من قال أنه عيسي فلا منافاة بين القولين إذ هو مساعد للمهدي. وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسرين في تفسير قوله تعالي: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)(3) قال: هو المهدي يكون في آخر الزمان، وبعد خروجه تكون إمارات الساعة وقيامها، إنتهي المنقول عن البيان في نور الأبصار.

(عليّ بن محمّد بن الصباغ المالكي):

(99) هو نور الدين عليّ بن محمّد بن الصباغ المالكي. قال في كشف الأستار:(4) أنهم ذكروه في التراجم بكل وصف جميل، فقال شمس الدين محمّد بن عبد الرحمن السخاوي المصري تلميذ الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه الضوء اللامع في أحوال القرن التاسع: عليّ بن محمّد بن أحمد بن عبد الله نور الدين الأسغاتي الغزي الأصل المكي المالكي، ويعرف بابن الصباغ، ولد في العشر الأول من ذي الحجة سنة أربع وثمانين وسبعمائة بمكة ونشأ بها، فحفظ القرآن والرسالة في الفقه وألفية ابن مالك وعرضهما علي الشريف عبد الرحمن الفارسي وعبد الوهاب بن عفيف اليافعي والجمال ابن ظهيرة وقرينه أبي السعود وسعد النوري وعليّ بن محمّد

ص: 101


1- الأعراف: 15.
2- التوبة: 33.
3- الزخرف: 61.
4- كشف الأستار: 43.

بن أبي بكر الشيبي ومحمّد بن أبي بكر بن سليمان البكري، وأجازوا له، وأخذ الفقه عن أولهم، والنحو عن الجلال عبد الواحد المرشدي، وسمع علي الزين المراغي سداسيات الرازي، وله مؤلفات منها: الفصول المهمة لمعرفة الأئمّة وهم اثنا عشر، والعبر فيمن سفه النظر. أجاز لي ومات في سابع ذي القعدة سنة خمس وخمسين وثمانمائة ودفن بالمعلاة سامحه الله وإيّانا. وذكره أيضاً معظما أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي في ذخيرة المآل في مسألة الخنثي، انتهي كشف الأستار.

(100) هو كتاب الفصول المهمة في معرفة الأئمّة الذي ذكره السخاوي كما نقلناه في الحاشية السابقة، قال في كشف الأستار:(1) نقل عن كتابه المذكور معتمدين عليه جماعة من الأعلام، مثل عبد الله بن محمّد المطيري المدني الشافعي النقشبندي في كتاب رياض الزاهرة. ونور الدين عليّ السمهودي في جواهر العقدين، وبرهان الدين عليّ الحلبي الشافعي في سيرته المعروفة. وعبد الرحمن الصفوري في زينة المجالس وغيرهم، انتهي.

قال في خطبة الفصول المهمة: فعنّ لي أن أذكر في هذا الكتاب فصولا مهمة في معرفة الأئمّة الإثني عشر الذين أولهم أمير المؤمنين عليّ المرتضي وآخرهم المهدي المنتظر، تتضمن شيئا من ذكر مناقبهم الشريفة ومرتبتهم العالية المنيفة... إلخ.

وقال في الفصول المهمة أيضاً: الفصل الثاني عشر في ذكر أبي القاسم الحجة الخلف الصالح ابن أبي محمّد الحسن الخالص، وهو الإمام الثاني عشر، وتاريخ ولادته ودلائل إمامته، وذكر طرف من أخباره وغيبته ومدة قيام دولته، وذكر لقبه وكنيته وغير ذلك مما يتصل به، ثم ذكر بعض الأخبار الواردة في ذلك. ثم ذكر أنه ولد بسر من رأي ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة، ثم قال: وأما نسبه أباً وأماً فهو أبو القاسم محمّد الحجة بن الحسن الخالص بن عليّ الهادي4.

ص: 102


1- كشف الأستار: 44.

بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين الشهيد بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأما أمه فأم ولد يقال لها نرجس خير أمة، وقيل اسمها غير ذلك. ثم ذكر أنه غاب سنة ست وسبعين ومائتين من الهجرة. ثم قال: وهذا طرف يسير مما جاءت به النصوص عليه الدالة علي الإمام الثاني عشر عن الأئمّة الثقات، والروايات في ذلك كثيرة والأخبار شهيرة، وقد دوّنها أصحاب الحديث في كتبهم واعتنوا بجمعها ولم يتركوا منها شيئا، ثم ذكر جملة من تلك الأخبار.

ثم قال: قال الشيخ أبو عبد الله محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان: من الدلالة علي كون المهدي حيا باقيا منذ غيبته إلي الآن وأنه لا امتناع في بقائه كبقاء عيسي عليه السلام والخضر وإلياس من أولياء الله تعالي، وبقاء الأعور الدجال، إلي آخر ما في الفصل الرابع والعشرين من البيان، وقد تقدم نقله في شرح البيتين السابقين.

وقال في الفصول المهمة أيضاً في ذيل ترجمة والده عليهما السلام ما لفظه: وخلف أبو محمّد الحسن رضي الله عنه من الولد ابنه الحجة القائم المنتظر لدولة الحق، وكان قد اخفي مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وخوف السلطان أن يطلبه من الشيعة وحبسهم والقبض عليهم، انتهي.(1)

(سبط بن الجوزي):

(101) هو الفقيه الواعظ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزغلي _ بضم القاف والزاي وسكون الغين المعجمة وكسر اللام وبعدها ياء مثناة من تحت، أصله قِزْ اُوغلي بكسر القاف، وهو لفظ تركي معناه ابن للبنت المسمي بالعربية سبطاً وبالفارسية:

ص: 103


1- أنظر: الفصول المهمة: 270 - 274/ (ط: الغري).

دختر زاده _ بن عبد الله البغدادي الحنفي، سبط العالم الواعظ جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن التيمي البكري البغدادي الحنبلي المعروف بابن الجوزي.

في كشف الأستار وغيره(1) عن ابن خلكان(2) أنه قال في أثناء ترجمة أحوال جده المذكور: وكان سبطه شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزغلي الواعظ المشهور حنفي المذهب وله صيت وسمعة في مجالس وعظه وقبوله عند الملوك وغيرهم، وصنف تفسير القرآن الكريم وتاريخا كبيرا رأيته بخطه في أربعين مجلدا سماه مرآة الزمان، وتوفي ليلة الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة أربع وخمسين وستمائة بدمشق بجبل قاسيون ودفن هناك... إلي أن قال: وكان أبوه عتيق الوزير عون الدين بن هبيرة، فزوجه الحافظ الجوزي ابنته فولدت شمس الدين المذكور، فلهذا ينسب إلي جده لا إلي أبيه رحمه الله انتهي.

وعن محمّد بن سليمان الكفوي في أعلام الأخيار بعد ذكر نسبه وولادته وتفقه وبرع وسمع من جده لأمه، وكان حنبليا فتحنبل في صغره لتربية جده، ثم دخل إلي الموصل، ثم رحل إلي دمشق وهو ابن نيف وعشرين سنة وسمع بها وتفقه بها علي جمال الدين الحصيري، وتحول حنفيا لما بلغه أن قزغلي بن عبد الله كان علي مذهب الحنفية، وكان إماما عالما فقيها جيدا نبيها يلتقط الدرر من كلمه ويتناثر الجوهر من حكمه، وبالغ في مدائحه وفضائله في كلام طويل.(3)1.

ص: 104


1- أنظر: كشف الأستار: 45؛ خلاصة عبقات الأنوار 9: 203؛ نفحات الأزهار 9: 200؛ عن وفيات الأعيان 3: 142.
2- لم أجد ذلك في النسخة المطبوعة من تاريخ ابن خلكان ولعله كان ملحقا ببعض النسخ التي لم تقع عليها يد الطابع والله أعلم. (المؤلف).
3- أعلام الأخيار (مخطوط) عنه: نفحات الأزهار 9: 201.

وذكره اليافعي في المرآة(1) وابن الشحنة في روضة المناظر وتاج الدين في كفاية المتطلع وغيرهم كما حكي عنهم.(2)

قال سبط ابن الجوزي المذكور في كتابه المسمي بتذكرة خواص الأمة بعد ترجمة الحسن العسكري عليه السلام ما لفظه: ذكر أولاده منهم محمّد الإمام فصل هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي الرضا بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة وصاحب الزمان والقائم المنتظر والتالي، وهو آخر الأئمّة. أنبأ عبد العزيز بن محمود بن البزاز عن ابن عمر: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا فذلك هو المهدي)، وهذا حديث مشهور. وقد أخرج أبو داود والزهري عن عليّ بمعناه وفيه: (لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم واحد لبعث الله من أهل بيتي من يملأ الأرض عدلا) وذكره في روايات كثيرة، ويقال له ذو الاسمين محمّد وأبو القاسم، قالوا أمه أم ولد يقال لها صقيل، ثم حكي عن السدي اجتماعه مع عيسي بن مريم وتقديم عيسي له في الصلاة، وعلل هو ذلك بوجهين:

الأوّل: أنه يخرج عن الإمامة بصلاته مأموما فيصير تبعا.

والثاني: لئلا يتدنس وجه لا نبي بعدي بغبار الشبهة، إلي آخر ما ذكره، وختم كلامه بذكر جماعة طالت أعمارهم كما نقلناه عنه سابقا عند الإشارة إلي المعمرين.(3)3.

ص: 105


1- مرآة الجنان: 654، عنه خلاصة عبقات الأنوار 9: 204.
2- كشف الأستار: 45.
3- تذكرة الخواص: 363.

(بن عربي في كتابه الفتوحات):

(102) هي الفتوحات المكية، كتاب مشهور للشيخ الأكبر محيي الدين أبي عبد الله محمّد بن عليّ بن محمّد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي المشهور، المدفون بصالحية الشام وقبره بها معروف مزور وعليه قبة مشيدة، وحسبك ما قاله الفيروزآبادي صاحب القاموس في حقه وحق كتابه المذكور علي ما حكاه عنه الشعراني في اليواقيت والجواهر قال: وقال الفيروزآبادي قد كان الشيخ محيي الدين بحراً لا ساحل له، ولما جاور بمكة شرفها الله تعالي كان البلد إذ ذاك مجمع العلماء والمحدثين، وكان الشيخ هو المشار إليه بينهم في كل علم تكلموا فيه، وكانوا كلهم يتسارعون إلي مجلسه ويتبركون بالحضور بين يديه ويقرأون عليه تصانيفه، قال: ومصنفاته بخزائن مكة إلي الآن أصدق شاهد علي ما قلناه، وكان أكثر اشتغاله بمكة بسماع الحديث وإسماعه، وصنف فيها الفتوحات المكية كتبها عن ظهر قلب جواباً لسؤال سأله عنه تلميذه بدر الحبشي، ولما فرغ منها وضعها في سطح الكعبة المعظمة فأقامت فيه سنة ثم أنزلها فوجدها كما وضعها لم تبتل منها ورقة ولا لعبت بها الرياح مع كثرة أمطار مكة ورياحها، وما أذن للناس في كتابتها وقراءتها إلا بعد ذلك، انتهي ما حكي عن الفيروزآبادي في اليواقيت.

وقال الشعراني في لواقح الأخبار في حق الشيخ محيي الدين علي ما حكي عنه: هو الشيخ الإمام المحقق، رأس أجلاء العارفين والمقربين، صاحب الإشارات الملكوتية والنفحات القدسية والأنفاس الروحانية والفتح الموفق والكشف المشرق والبصائر الخارقة والحقائق الزاهرة، له المقام الأرفع من مقام القرب في منازل الأنس والمورد العذب من مناهل الوصل والطول الأعلي من مدارج الدنو والقدم الراسخ في التمكين من أحوال النهاية والباع الطويل في التعرف في أحكام الولاية، وهو أحد أركان هذه الطائفة... الخ.

ص: 106

وكان الشيخ محيي الدين الفيروزآبادي صاحب القاموس علي ما حكاه عنه الشعراني في أوائل اليواقيت والجواهر يقول: لم يبلغنا عن أحد من القوم أنه بلغ في علم الشريعة والحقيقة ما بلغ الشيخ محيي الدين أبدا. إلي أن قال الفيروزآبادي: والذي أقوله وأتحققه وأدين الله تعالي به أن الشيخ محيي الدين كان شيخ الطريقة حالا وعلما وإمام التحقيق حقيقة ورسما ومحيي علوم العارفين فعلا واسما، إذا تغلغل فكر المرء في طرف من مجده عزقت فيه خواطره لأنه بحر لا تكدره الدلاء وسحاب لا يتقاصي عليه الأنواء، وكانت دعواته تخرق السبع الطباق وتغترف بركاته فتملأ الآفاق، وهو يقينا فوق ما وصفته وناطق بما كتبته، وغالب ظني أني ما أنصفته:

وما عليّ إذا ما قلت معتقدي *** دع الجهول يظن الجهل عدوانا

والله والله والله العظيم ومن *** أقامه حجةً للدين برهانا

إن الذي قلت بعض من مناقبه *** ما زدت إلا لعليّ زدت نقصانا

قال الفيروزآبادي: وأما كتبه رضي الله عنه فهي البحار الزواخر التي ما وضع الواضعون مثلها، ومن خصائصها ما واظب أحد علي مطالعتها إلاّ وتصدر لحل المشكلات في الدين ومعضلات مسائله، وهذا الشأن لا يوجد في كتب غيره أبدا... إلي أن قال: فمطالعة كتب الشيخ قربة إلي الله تعالي... إلي أن قال: فلقد كان الشيخ والله في زمانه صاحب الولاية العظمي والصديقية الكبري فيما نعتقده وندين الله تعالي به، إنتهي ما أردنا نقله من كلام الفيروزبادي المحكي في اليواقيت.

وقال في اليواقيت أيضاً: وممن أثني عليه الشيخ كمال الدين الزملكاني رحمه الله وكان من أجل علماء الشام، وكذلك الشيخ قطب الدين الحموي، وقيل له لما رجع من الشام إلي بلاده: كيف وجدت الشيخ محيي الدين؟ فقال: وجدته في العلم والمعارف بحراً زاخراً لا ساحل له. قال: وممن أثني عليه الشيخ صلاح الدين الصفدي في تاريخ

ص: 107

علماء مصر وقال: من أراد أن ينظر إلي كلام أهل العلوم اللدنية فلينظر في كتب الشيخ محيي الدين ابن العربي رحمه الله. قال: وممن أثني عليه الشيخ قطب الدين الشيرازي، وكان يقول: إن الشيخ محيي الدين كان كاملا في العلوم الشرعية والحقيقة ولا يقدح فيه إلا من لم يفهم كلامه ولم يؤمن به كما لا يقدح في كمال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نسبتهم إلي الجنون والسحر علي لسان من لم يؤمن بهم.

قال الشعراني: وكان الشيخ مؤيد الدين الخجندي يقول: ما سمعت بأحد من أهل الطريق أطلع علي ما اطلع عليه الشيخ محيي الدين، وكذلك وكان يقول الشيخ شهاب الدين السهروردي والشيخ كمال الدين الكاشي، وقال فيه انه الكامل المحقق صاحب الكمالات والكرامات. قال: وممن أثني عليه أيضاً الشيخ فخر الدين الرازي. وقال: وكان الشيخ محيي الدين ولياً عظيما. قال: وممن أثني عليه أيضاً الإمام ابن أسعد اليافعي وصرح بولايته العظمي. كما نقل ذلك عن شيخ الاسلام زكريا في شرحه للروض. قال: وممن أثني عليه أيضاً من مشائخنا محمّد المغربي الشاذلي شيخ الجلال السيوطي، وترجمه بأنه مربي العارفين كما أن الجنيد مربي المريدين، وقال: إن الشيخ محيي الدين روح التنزلات والأمداد وألف الوجود وعين الشهود وهاء المشهود الناهج منهاج النبي العربي قدس الله سره وأعلي في الوجود ذكره، إلي أن قال الشعراني ص 58: فمن جملة ما ترجمه به الإمام السبكي: كان الشيخ محيي الدين آية من آيات الله تعالي، وأن الفضل في زمانه رمي بمقاليده إليه، وقال: لا أعرف إلا أياه، إنتهي ما أردنا نقله من كلمات العلماء في حقه المنقولة في اليواقيت وتركنا جملة منها طلبا للإختصار.

ثم أنه في اليواقيت نقل كلام جماعة من الأعيان في حق من قدح فيه وتخطئتهم للقادح وقولهم إن ذلك ناشئ عن عدم فهم مقاصده، وأن جملة منهم رجعوا عن ذلك واستغفروا، وأما عبارة الفتوحات المصرحة بالمطلوب

ص: 108

فهي ما نقله عنها الشعراني في أوائل المبحث الخامس والستين من كتاب اليواقيت والجواهر بما هذا لفظه:

وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين وثلثمائة من الفتوحات: واعلموا أنه لا بدّ من خروج المهدي عليه السلام ، لكن لا يخرج حتي تمتلئ الأرض جورا وظلما فيملأها قسطا وعدلا، ولو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد طوّل الله تعالي ذلك اليوم حتي يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، من ولد فاطمة رضي الله عنها، جده الحسين بن عليّ بن أبي طالب، والده حسن العسكري ابن الإمام عليّ النقي بالنون ابن محمّد التقي بالتاء ابن الإمام عليّ الرضا ابن الإمام موسي الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمّد الباقر ابن الإمام زين العابدين عليّ ابن الإمام الحسين ابن الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، يواطئ اسمه اسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، يبايعه المسلمون ما بين الركن والمقام، يشبه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الخلق بفتح الخاء وينزل عنه في الخلق بضمها إذ لا يكون أحد مثل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في أخلاقه والله تعالي يقول: (وَإِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ)(1) هو أجلي الجبهة، أقني الأنف، أسعد الناس به أهل الكوفة، يقسم المال بالسوية، ويعدل في الرعية، يأتيه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني وبين يديه المال، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمل، يخرج علي فترة من الدين، يزع الله به ما لا يزع بالقرآن، يمسي الرجل جاهلا وجبانا وبخيلا فيصبح عالما شجاعا كريما، يمشي النصر بين يديه، يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا، يقفو أثر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، لا يخطي، له ملك يسدده من حيث لا يراه، يحمل الكل، ويعين الضعيف، ويساعد علي نوائب الحق، يفعل ما يقول،4.

ص: 109


1- القلم: 4.

ويقول ما يفعل، ويعلم ما يشهد، يصلحه الله في ليلة، يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفا من المسلمين من ولد إسحاق، يشهد الملحمة العظمي مأدبة الله بمرج عكا، يبيد الظلم وأهله، ويقيم الدين وأهله، وينفخ الروح في الإسلام، يعز الله الإسلام بعد ذله ويحييه بعد موته، يضع الجزية، ويدعو إلي الله بالسيف فمن أبي قتل ومن نازعه خذل، يظهر من الدين ما هو عليه في نفسه حتي لو كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حيا لحكم به فلا يبقي في زمانه إلا الدين الخالص عن الرأي، يخالف في غالب أحكامه مذاهب العلماء فينقبضون منه لذلك لظنهم أن الله تعالي لا يحدث بعد أئمتهم مجتهداً.

قال الشعراني: وأطال _ يعني الشيخ محيي الدين _ في ذكر وقائعه معهم، ثم قال _ يعني الشيخ محيي الدين _ واعلم أن المهدي إذا خرج يفرح به عموم المسلمين خاصتهم وعامتهم، وله رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه، هم الوزراء له يتحملون أثقال المملكة ويعينونه علي ما قلده الله تعالي، ينزل عليه عيسي بن مريم عليه السلام بالمنارة البيضاء شرقي دمشق متكئا علي ملكين ملك عن يمينه وملك عن يساره والناس في صلاة العصر، فيتنحي له الإمام عن مكانه فيتقدم فيصلي بالناس يأمر الناس بسنة محمّد صلي الله عليه وآله وسلم ، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويقبض الله المهدي إليه طاهرا مطهرا، وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق ويخسف بجيشه في البيداء فمن كان مجبورا من ذلك الجيش مكرها يحشر علي نيته، وقد جاءكم زمانه وأظلكم أوانه، وقد ظهر في القرن الرابع اللاحق بالقرون الثلاثة الماضية قرن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو قرن الصحابة ثم الذي يليه ثم الذي يلي الثاني، ثم جاء بينهما فترات وحدثت أمور وانتشرت أهواء وسفكت دماء فاختفي إلي أن يجيء الوقت الموعود، فشهداؤه خير الشهداء، وأمناؤه أفضل الأمناء.

ص: 110

قال الشيخ محيي الدين: وقد استوزر الله تعالي طائفة خبأهم الله تعالي له في مكنون غيبه، إلي أن قال: وهم من الأعاجم ليس فيهم عربي لكن لا يتكلمون إلا بالعربية، لهم حافظ من غير جنسهم ما عصي الله قط هو أخص الوزراء... إلي أن قال: يفتحون مدينة الروم بالتكبير فيكبرون التكبيرة الأولي فيسقط ثلثها، ويكبرون الثانية فيسقط الثلث الثاني من السور، ويكبرون الثالثة فيسقط الثالث فيفتحونها من غير سيف،... إلي أن قال: ويقتلون كلهم إلا واحداً منهم في مرج عكا في المأدبة الإلهية التي جعلها الله تعالي مائدة للسباع والطيور والهوام، إنتهي ما أردنا نقله من كلام الشيخ محيي الدين في الفتوحات المنقول في اليواقيت والجواهر.(1)

(عبد الرحمن الدشتي الجامي الحنفي):

(103) هو نور الدين عبد الرحمن بن أحمد بن قوام الدين الدشتي الجامي الحنفي صاحب شرح كافية ابن الحاجب المشهور، فإنه صرح في كتابه شواهد النبوة علي ما حكي عنه بأن الحجة ابن الحسن هو الإمام الثاني عشر، وذكر غرائب حالات ولادته وبعض معجزاته وأنه الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا.(2)

قال صاحب الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية بعد ذكر طريقة النقشبندية وذكر جملة من مشائخها ما لفظه: ومنهم الشيخ العارف بالله عبد الرحمن بن أحمد الجامي، ثم ذكر أنه اشتغل أوّلاً بالعلم الشريف وصار من أفاضل عصره في العلم، ثم صحب مشائخ الصوفية وتلقن كلمة التوحيد من الشيخ العارف بالله تعالي سعد الدين الكاشغري، وصحب الخواجة عبيد الله

ص: 111


1- أنظر أوائل اليواقيت والجواهر، وكذلك الجزء 2/ المبحث 65 منه، وأيضاً: الفتوحات المكية 3: 332/ باب 366.
2- شواهد النبوة: 21/ (ط: بغداد).

السمرقندي وانتسب إليه أتم الانتساب... إلي أن قال: وكان مشتهراً بالعلم والفضل، وبلغ صيت فضله إلي الآفاق حتي دعاه السلطان بايزيد خان إلي مملكته وأرسل إليه جوائز سنية... إلي أن قال: وحكي المولي الأعظم سيدي محيي الدين الفناري عن والده المولي عليّ الفناري أنه قال والده وكان هو قاضيا بالعسكر المنصور للسلطان محمود خان: إن السلطان قال لي يوماً: إن الباحثين عن علوم الحقيقة المتكلمون والصوفية والحكماء، ولا بدّ من المحاكمة بين هؤلاء الطوائف، قال: قال والدي: قلت للسلطان محمّد خان: لا يقدر علي المحاكمة بين هؤلاء إلا المولي عبد الرحمن الجامي، فأرسل السلطان محمّد خان إليه رسولا مع جوائز سنية والتمس منه المحاكمة المذكورة، فكتب رسالة حكم فيها بين هؤلاء الطوائف في مسائل ست منها مسألة الوجود وأرسلها إلي السلطان محمّد خان، ثم عد مصنفاته وذكر منها شرح الكافية، ثم قال: وله كتاب شواهد النبوة بالفارسية، وله كتاب نفحات الأنس بالفارسية أيضاً، وكتاب سلسلة الذهب، وقد طعن فيها علي طوائف الرافضية، إلي أن قال: وكل تصانيفه مقبولة عند العلماء الفضلاء، انتهي ما أردنا نقله من الشقائق النعمانية، وستعرف أن له شرح كلمات خواجة بارسا.

وقال في حقه أيضاً محمود بن سليمان الكفوي في أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار علي ماحكي عنه ما لفظه: الشيخ العارف بالله، والمتوجه بالكلية إلي الله، دليل الطريقة، ترجمان الحقيقة، المنسلخ عن الهياكل الناسوتية، والمتوسل إلي السبحات اللاهوتية، شمس سماء التحقيق، بدر فلك التدقيق معدن عوارف المعارف، مستجمع الفضائل، جامع اللطائف المولي جامي نور الدين عبد الرحمن... الخ، وله من المؤلفات كتاب شواهد النبوة، وهو كتاب جليل معروف معتمد، إنتهي.(1)3.

ص: 112


1- أعلام الأخيار (مخطوط) عنه: كشف الأستار: 53.

وعن كشف الظنون للفاضل الحلبي: شواهد النبوة فارسي لمولانا نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي أوله: الحمد لله الذي أرسل رسلا مبشرين ومنذرين إلخ، وهو علي مقدمة وسبعة أركان، وترجمه محمود بن عثمان المتخلص بالامعي المتوفي سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة، ثم ترجمه أيضاً المولي عبد الحليم بن محمّد الشهير بأخي زاده من صدور الروم المتوفي سنة ثلاثة عشر وألف وهو أحسن من ترجمة اللامعي عبارة وأداء.(1)

وعن القاضي حسين الدياربكري أنه قال في أوّل كتابه تاريخ الخميس: هذه مجموعة من سيرة سيد المرسلين وشمائل خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم وأصحابه أجمعين انتخبتها من الكتب المعتبرة وعدّ منها شواهد النبوة.

ثمّ إنه روي في شواهد النبوة علي ما حكي عنه أخباراً في ولادته وبعض معجزاته هذا ملخص ترجمتها: فروي عن حكيمة عمة أبي محمّد الزكي عليه السلام أنها قالت: كنت يوما عند أبي محمّد عليه السلام فقال: يا عمة باتي الليلة عندنا فإن الله تعالي يعطينا خلفا، فقلت: يا ولدي ممن؟ فإني لا أدري في نرجس أثر حمل أبداً، فقال: يا عمة مثل نرجس مثل أم موسي لا يظهر حملها إلا في وقت الولادة، فبت عنده فلما انتصف الليل قمت فتهجدت وقامت نرجس وتهجدت، وقلت في نفسي: قرب الفجر ولم يظهر ما قاله أبو محمّد عليه السلام ، فناداني أبو محمّد عليه السلام من مقامه: لا تعجلي يا عمة، فرجعت إلي بيت كانت فيه نرجس، فرأيتها وهي ترتعد، فضممتها إلي صدري وقرأت عليها (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وإنا أنزلناه وآية الكرسي، فسمعت صوتا من بطنها يقرأ ما قرأت، ثم أضاء البيت فرأيت الولد علي الأرض ساجدا فأخذته، فناداني أبو محمّد من حجرته: يا عمة ائتني بولدي، فأتيته به فأجلسه في حجره ووضع6.

ص: 113


1- كشف الظنون 2: 1066.

لسانه في فمه وقال: تكلم يا ولدي بإذن الله تعالي، فقال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)(1) ثمّ رأيت طيوراً خضراً أحاطت به، فدعا أبو محمّد عليه السلام واحدا منها وقال: خذه واحفظه حتي يأذن الله تعالي فيه فإن الله بالغ أمره، فسألت أبا محمّد عليه السلام ما هذا الطير وما هذه الطيور؟ فقال: هذا جبرئيل وهؤلاء ملائكة الرحمة، ثم قال: يا عمة ردّيه إلي أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون، فرددته إلي أمه، ولما ولد كان مقطوع السرة مختونا مكتوبا علي ذراعه الأيمن: (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً).(2)

قال: وروي غيرها أنه لما ولد جثا علي ركبته ورفع سبابته إلي السماء وعطس وقال: الحمد لله رب العالمين. وروي عن آخر قال: دخلت علي أبي محمّد عليه السلام فقلت: يا ابن رسول الله من الخلف والإمام بعدك؟ فدخل الدار ثم خرج وقد حمل طفلا كأنه البدر في ليلة تمامه في سن ثلاث سنين، فقال: يا فلان لولا كرامتك عليّ لما أريتك هذا الولد، اسمه اسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، وكنيته كنيته، هو الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جوراً وظلما.

وروي عن آخر قال: دخلت يوما علي أبي محمّد عليه السلام فرأيت عن يمينه بيتا أسبل عليه ستر، فقلت: يا سيدي من صاحب هذا الأمر بعدك؟ فقال: ارفع الستر، فرفعته فخرج صبي في غاية النظافة علي خده الأيمن خال وله ذوائب، فجلس في حجر أبي محمّد عليه السلام ، فقال أبو محمّد: هذا صاحبكم، ثم قام من حجره، فقال أبو محمّد عليه السلام: يا بني أدخل إلي الوقت المعلوم، فدخل1.

ص: 114


1- القصص: 5.
2- الإسراء: 81.

البيت وأنا أنظر إليه، ثم قال لي أبو محمّد عليه السلام: قم وانظر من في البيت، فدخلت البيت فلم أر فيه أحدا.

وروي عن آخر قال: بعثني المعتضد مع رجلين وقال: إن الحسن بن عليّ عليهما السلام توفي في سر من رأي فأسرعوا في المسير واهجموا علي داره فكل من رأيتم فيها فأتوني برأسه، فذهبنا ودخلنا داره فرأينا داراً نظرة طيبة كأنّ البنّاء فرغ من عمارتها الساعة ورأينا فيها ستراً، فرفعناه فرأينا سردابا فدخلنا فيه فرأينا بحراً في أقصاه حصير مفروش علي وجه الماء ورجلاً في أحسن صورة عليه وهو يصلي ولم يلتفت إلينا، فسبقني أحد الرجلين فدخل الماء فغرق واضطرب، فأخذت بيده وخلصته، فأراد الآخر أن يتقدم إليه فغرق فخلصته، فتحيرت فقلت: يا صاحب البيت المعذرة إلي الله وإليك فإني والله ما علمت الحال ولا علمت إلي أين جئنا وقد تبت إلي الله مما فعلت، فلم يلتفت إلينا أبدا، فرجعنا وقصصنا عليه القصة، فقال: اكتموا هذا الأمر وإلا أمرت بضرب أعناقكم، انتهي ما أورد الجامي في شواهد النبوة.(1)

وليس مثل هذا بمستبعد ولا مستغرب من قدرة الله تعالي وكرامة أوليائه عليه، وقد أنطق الله تعالي عيسي عليه السلام في المهد، وكتب مشائخ الصوفية مشحونة بأمثال ذلك في حق أقطابهم وأعيانهم كالشيخ عبد القادر الكيلاني والشيخ محيي الدين بن العربي والشعراني وغيرهم.

وقد قال الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي في الفتوحات المكية كما حكاه عنه الشعراني في الكبريت الأحمر(2) الذي انتخبه من مختصرها، وبرهان الدين الحلبي في إنسان العيون(3) علي ما حكي عنه: قلت لابنتي زينب مرة وهي في سن الرضاعة6.

ص: 115


1- شواهد النبوة: 21/ (ط: بغداد).
2- الكبريت الأحمر (مخطوط) عنه: كشف الأستار: 56.
3- إنسان العيون (مخطوط) عنه: كشف الأستار: 56.

قريبا عمرها من سنة: ما تقولين في الرجل يجامع حليلته ولم ينزل؟ فقالت يجب عليه الغسل، فتعجب الحاضرون من ذلك، ثم إني فارقت تلك البنت وغبت عنها سنة في مكة، وكنت أذنت لوالدتها في الحج فجاءت مع الحج الشامي، فلما خرجت لملاقاتها رأتني من فوق الجمل وهي ترضع، فقالت بصوت فصيح قبل أن تراني أمها: هذا أبي، وضحكت ورمت بنفسها إليّ، وقد رأيت أي علمت من أجاب أمه بالتسميت وهو في بطنها حين عطست وكان اسمه الشيخ عبد القادر بدمشق وسمع الحاضرون كلهم صوته من جوفها، شهد عندي الثقات بذلك، انتهي ما حكي عن الفتوحات.(1)

وذكر بعضهم أن الذين تكلموا في المهد ثلاثة: عيسي عليه السلام ، والولد الذي شهد ببراءة يوسف، وبنت الشيخ محيي الدين ابن العربي.

وكنت في مجلس بدمشق، فقال رجل معمم اسمه الشيخ أحمد رمضان: إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لما عرج به إلي السماء أراد الوقوف في مكان فزلقت رجله، فوضع الشيخ عبد القادر الجيلاني يده تحت رجله لئلا يسقط، فقلت له: إن الشيخ عبد القادر لم يكن موجودا في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وزمانه متأخر عن زمانه، فقال: كان موجودا في عالم غير هذا العالم.

فما بال إخواننا أهل السنة يصدقون بأمثال هذه الكرامات ولا يعيبون علي من يعتقدها، وإذا ذكر ذاكر كرامة لأهل البيت عليهم السلام قابلوها بالإنكار أو الاستبعاد ونسبوا معتقدها إلي المغالاة؟

(السيد جمال الدين عطاء الله في كتابه روضة الأحباب):

(104) روضة الأحباب كتاب فارسي للسيد جمال الدين عطاء الله بن السيد غياث الدين فضل الله بن السيد عبد الرحمن المحدث المعروف، وعن القاضي حسين

ص: 116


1- الفتوحات المكية 4: 117.

الديار بكري أنه عده في أوّل كتابه تاريخ الخميس من الكتب المعتمدة، وعن كشف الظنون(1) أنه قال: روضة الأحباب في سيرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم والآل والأصحاب فارسي لجلال الدين عطاء الله بن فضل الله الشيرازي النيسابوري المتوفي سنة 1000، اُلف في مجلدين بالتماس الوزير مير عليّ شير بعد الاستشارة مع أستاذه وابن عمه السيد أصيل الدين عبد الله، وهو علي ثلاثة مقاصد... إلخ، انتهي.

قال في روضة الأحباب علي ما حكي عنه(2) مع ترجمته مني بالعربية:

كلام در بيان إمام دوازدهم محمّد بن الحسن عليهما السلام:

تولد همايون آن در درج ولايت وجوهر معدن هدايت بقول أكثر أهل روايت در منتصف شعبان سنة دويست وبنجاه وبنج در سامراء اتفاق افتاد، وكفته شده در بيست وسيم از شهر رمضان سنة دويست وبنجاه وهشت وماد آن عالي كهر ام ولد بود ومسماة بصيقل يا سوسن وقيل نرجس وقيل حكيمة، وآن إمام ذو الإحترام در كنيه ونام با حضرة خير الأنام عليه وآله تحف الصلاة والسلام موافقة دارد ومهدي ومنتظر والخلف الصلاح وصاحب الزمان در ألقاب أو منتظم است، در وقت فوت پدر بزركوار خود بروايت كه بصحت اقرب است پنج ساله بود، وبقول ثاني دو ساله، وحضرت واهب العطايا آن شكوفة كلزار مانند يحيي بن زكريا سلام الله عليهما در حال طفوليت حكمت وكرامت فرموده ودر وقت صبا بمرتبه بلند امامت رسانيده، وصاحب الزمان يعني مهدي دوران در زمان معتمد خليفه در سنة دويس وشصت وپنج يا شصت وشش علي اختلاف القولين در سردابئي سر من رأي از نظر فرق برايا غائب شد.

ص: 117


1- كشف الظنون 1: 922.
2- إلزام الناصب 1: 295؛ شرح إحقاق الحق 29: 114.

وهذه ترجمته بالعربية:

الكلام في بيان الإمام الثاني عشر محمّد بن الحسن عليهما السلام:

وقع الميلاد السعيد لذلك الذي هو درّ صدف الولاية وجوهر معدن الهداية علي قول أكثر أهل الرواية في منتصف شعبان سنة مائتين وخمس وخمسين في سامره، وقيل: في الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة مأتين وثمان وخمسين. كانت أم تلك الدرة العالية أم ولد تسمي بصيقل أو سوسن وقيل نرجس وقيل حكيمة. وذلك الإمام ذو الاحترام موافق في الاسم والكنية لحضرة خير الأنام عليه وآله تحف الصلاة والسلام، ومن ألقابه المهدي المنتظر والخلف الصالح وصاحب الزمان، وكان عمره عند وفاة أبيه الأعظم علي الرواية التي هي أقرب إلي الصحة خمس سنين وعلي قول ثان سنتين، وأعطي حضرة واهب العطايا ذلك الذي هو زهرة حديقة الأوراد الحكمة والكرامة في حال الطفولية مثل يحيي بن زكريا سلام الله عليهما وأوصله في زمن الصبا إلي مرتبة الإمامة العالية. وغاب صاحب الزمان يعني مهدي الدوران عن نظر فرق البرايا في سرداب سر من رأي في زمان الخليفة المعتمد سنة مائتين وخمس وستين أو ست وستين علي اختلاف القولين.

ثم ذكر عدة كلمات في شأن الاختلاف في حق المهدي عليه السلام ، ونقل بعض الروايات الصريحة في أن المهدي الموعود به هو الحجة ابن الحسن العسكري عليهما السلام ، إلي آخر ما ذكره.

وختم كلامه بأبيات فارسية في خطاب المهدي وطلب ظهوره.

(الحافظ محمّد بن محمّد البخاري في كتابه فصل الخطاب):

(105) فصل الخطاب كتاب معروف مشهور للحافظ محمّد بن محمّد بن محمود البخاري المعروف بخواجة پارسا من أعيان علماء الحنفية وأكابر مشائخ النقشبندية.

ص: 118

ووصفه في ينابيع المودة بالسيد الشيخ العالم العامل خواجة محمّد بارسا أسبق خلفاء بهاء الدين محمّد الملقب بشاه نقشبند قدس الله سرهما وأفاض علينا فتوحهما وبركاتهما، انتهي.(1)

وعن كشف الظنون: فصل الخطاب في المحاضرات للحافظ الزاهد محمّد بن محمّد الحافظي من أولاد عبيد الله نقشبندي المتوفي بالمدينة المنورة سنة 822 اثنين وعشرين وثمانمائة ودفن بها، أوّله: الحمد لله الدال لخلقه علي وحدانيته، وترجمته لأبي الفضل موسي ابن الحاج حسين الأزنيقي بإشارة محمّد البخاري نزيل مكة، فرغ منه في رجب سنة 987 سبع وثمانين وتسعمائة، انتهي.(2)

وعن الكفوي في أعلام الأخيار أنه قال في حقه: قرأ العلوم علي علماء عصره، وكان مقدماً علي أقرانه في دهره، وحصل الفروع والأصول وبرع في المعقول والمنقول، وكان شابا قد أخذ الفقه عن قدوة بقية أعلام الهدي الشيخ الإمام العارف الرباني أبي طاهر محمّد بن عليّ بن الحسن الطاهري، ثم ذكر سلسلة مشائخه في الفقه وأنه أخذ من صدر الشريعة وأنهاها إلي الإمام الأعظم أبي حنيفة. قال: وهو أعز خلفاء الشيخ الكبير خواجة بهاء الدين نقشبند، إلخ.(3)

وقال صاحب الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية بعد ذكر الطريقة النقشبندية وإنها تنتهي إلي الشيخ العارف بالله الشيخ خواجة بهاء الدين النقشبندي وذكر جملة من مناقبه ومحاسن طريقته ما لفظه: ومن جملة مشائخ هذه الطريقة الشيخ العارف بالله تعالي خواجة محمّد بارسا البخاري، وهو من جملة أصحاب خواجة بهاء الدين المذكور. وقال شيخه له بمحضر من أصحابه: الأمانة التي وصلت إليّ من مشائخ7.

ص: 119


1- ينابيع المودة 3: 304.
2- كشف الظنون 2: 1260.
3- أعلام الأخيار (مخطوط) عنه: كشف الأستار: 57.

طريقتنا هذه وجميع ما اكتسبته في هذه الطريقة سلمت كلها إليك، فقبل خواجة محمّد بارسا. وقال شيخه في آخر حياته في غيبته: المقصود من ظهوري وجوده وربيته بطريق الجذبة والسلوك فلو اشتغل بذلك لتنور منه العالم. ووهب له شيخه صفة الروح في وقت وقصته مشهورة، ووهب له أيضاً في وقت آخر بركة النفس، وكان مظهرا لمضمون قوله عليه السلام: (إن من عباد الله تعالي من لو أقسم علي الله لأبره) ولقنه الذكر الخفي وأذن له في تعليم آداب الطريقة للطالبين، ثم قال: إنه مَّر في طريقه للحج بصغانيان وترمذ وبلخ وهراة وزار المزارات كلها وأكرمه علماء تلك البلاد ومشائخها وعظموه غاية التعظيم ورأوا مشاهدته وخدمته غنيمة عظيمة، ثم ذكر أنه توفي بالمدينة المنورة وصلي عليه كثير من الناس، منهم المولي شمس الدين الفناري، ودفن بجوار قبر عباس رضي الله عنه ، انتهي.

قيل: ومن مؤلفات عبد الرحمن الجامي المقدم ذكره شرح كلمات خواجة بارسا.

قال في فصل الخطاب علي ما حكي عنه ما لفظه: ولما زعم أبو عبد الله جعفر بن أبي الحسن عليّ الهادي رضي الله عنه أنه لا ولد لأخيه أبي محمّد الحسن العسكري رضي الله عنه وادعي أن أخاه الحسن العسكري رضي الله عنه جعل الإمامة فيه سمي الكذاب وهو معروف بذلك، والعقب من ولد جعفر بن عليّ هذا في عليّ بن جعفر وعقب عليّ هذا في ثلاثة عبد الله وجعفر وإسماعيل، وأبو محمّد الحسن العسكري ولده محمّد رضي الله عنهما معلوم عند خاصة (خواص خ ل) أصحابه وثقاة أهله، ويروي ان حكيمة بنت أبي جعفر محمّد الجواد (محمّد النقي خ ل ينابيع) رضي الله عنه عمة أبي محمّد الحسن العسكري كانت تحبه وتدعو له وتتضرع (إلي الله تعالي (خ) ينابيع) ان تري له ولدا، وكان أبو محمّد الحسن العسكري اصطفي جارية يقال لها نرجس، فلما كان ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين دخلت حكيمة فدعت لأبي محمّد

ص: 120

الحسن العسكري عليه السلام (دخلت حكيمة عند الحسن العسكري خ ل ينابيع) فقال لها: يا عمة كوني الليلة عندنا لأمر، فأقامت كما رسم، فلما كان وقت الفجر اضطربت نرجس، فقامت إليها حكيمة (فوضعت نرجس المولود المبارك، فلما رأته حكيمة (ينابيع) فلما رأت المولود أتت به أبا محمّد الحسن العسكري رضي الله عنه وهو مختون مفروغ منه، فأخذه وأمرَّ يده علي ظهره وعينيه وأدخل لسانه في فمه وأذّن في أذنه اليمني وأقام في الأخري، ثم قال: يا عمّة اذهبي به إلي أمه، فذهبت به وردته إلي أمه، قالت حكيمة: فجئت (ثم جئت من بيتي خ ل) إلي أبي محمّد الحسن العسكري رضي الله عنه فإذا المولود بين يديه في ثياب صفر وعليه من البهاء والنور ما أخذ بمجامع قلبي، فقلت: سيدي هل عندك من علم في هذا المولد المبارك فتلقيه إليّ؟ فقال: أي عمة هذا المنتظر هذا الذي بشرنا به، قالت حكيمة: فخررت لله تعالي ساجدة شكرا علي ذلك، قالت: ثم كنت أتردد إلي أبي محمّد الحسن العسكري رضي الله عنه فلم أره (فلا أري المولود خ ل ينابيع) فقلت له يوما: يا مولاي ما فعلت بسيدنا ومنتظرنا؟ (ما فعل سيدنا ومنتظرنا خ ل ينابيع) قال: استودعناه الذي استودعته أم موسي عليه السلام ابنها، انتهي.

وعنه أنه ذكر في حاشية الكتاب كلاماً طويلاً في تضاعيف ما نقله في المتن من حديث ابن مسعود من أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال في حق المهدي: يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي مستوفي. وذكر حكاية المعتضد العباسي التي تقدم نقلها عن الجامي في شواهد النبوة، وذكر بعض علامات قيام المهدي عليه السلام... إلي أن قال: والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصي، ومناقب المهدي رضي الله عنه صاحب الزمان الغائب عن الأعيان الموجود في كل زمان كثيرة، وقد تظاهرت الأخبار علي ظهوره وإشراق نوره، يجدد الشريعة المحمدية ويجاهد في الله حق جهاده ويطهر من الأدناس أقطار بلاده، زمانه زمان المتقين

ص: 121

وأصحابه خلصوا من الريب وسلموا من الصيب وأخذوا بهديه وطريقه واهتدوا من الحق إلي تحقيقه، به ختمت الخلافة والإمامة، وهو الإمام من لدن مات أبوه إلي يوم القيامة، وعيسي عليه السلام يصلي خلفه ويصدقه علي دعواه ويدعو إلي ملته التي هو عليها والنبي صلي الله عليه وآله وسلم صاحب الملة، انتهي.

والذي حكاه في ينابيع المودة عن كتاب فصل الخطاب المذكور أنه قال: ومن أئمة أهل البيت الطيبين أبو محمّد الحسن العسكري، ولد سنة إحدي وثلاثين ومأتين يوم الجمعة السادس من ربيع الأوّل، ودفن بجنب أبيه، وكانت مدة بقاء الحسن العسكري بعد أبيه رضي الله عنهما ست سنين ولم يخلف ولداً غير أبي القاسم محمّد المنتظر المسمي بالقائم والحجة والمهدي وصاحب الزمان وخاتم الأئمّة الإثني عشر عند الإمامية، وكان مولد المنتظر ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين، أمه أم ولد يقال لها نرجس، توفي أبوه وهو ابن خمس سنين فاختفي إلي الآن. وأبو محمّد الحسن العسكري ولده محمّد المنتظر المهدي رضي الله عنهما معلوم عند خاصة أصحابه وثقاة أهله، ويروي أن حكيمة وذكر ما تقدم نقله مع تفاوت يسير، ثمّ قال: وقالوا: آتاه الله تبارك وتعالي الحكمة وفصل الخطاب في طفولته وجعله آية للعالمين كما قال تعالي (يا يَحْيي خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(1) وقال تعالي: (قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)(2) وطول الله تبارك وتعالي عمره كما طول عمر الخضر عليه السلام ، انتهي ما نقل عن فصل الخطاب.(3)

وكلامه المتقدم المنقول عن غير الينابيع واف بالمطلوب، أما المنقول عن الينابيع فهو وإن قال فيه: وخاتم الأئمّة الاثني عشر عند الإمامية، وقال أيضاً: وقالوا: آتاهب.

ص: 122


1- مريم: 12.
2- مريم: 29.
3- أنظر: ينابيع المودة 3: 304، نقلاً عن فصل الخطاب.

الله تبارك وتعالي الحكمة... إلخ، إلا أنه قال بعده: فاختفي إلي الآن، وقال إنه معلوم عند خاصة أصحابه وثقاة أهله، وذكر الرواية عن حكيمة، وسماه المنتظر، ولم يسند شيئا من ذلك إلي أحد فيدل علي أنه معتقده.

(العارف عبد الرحمن في كتابه مرآة الأسرار):

(106) مرآة الأسرار كتاب للعارف عبد الرحمن من مشائخ الصوفية، وهو الذي ينقل عنه الشاه ولي الله الهندي الدهلوي والد الشاه صاحب عبد العزيز صاحب التحفة الأثني عشرية وكتاب الانتباه في سلاسل أولياء الله وأسانيد وارثي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي ما قيل.

قال في كتاب مرآة الأسرار علي ما حكي(1) مع ترجمته مني بالعربية سائلا من الناظر فيه إغماض النظر عن خلل في الترجمة إن وقع لعدم مهارتي في الفارسية وإن لم يفتني شيء من حاصل المعني:

ذكر آن آفتاب دين ودولت، آن هادي جميع ملت ودولت، آن قائم مقام پاك أحمدي، إمام بر حق أبو القاسم محمّد بن الحسن المهدي رضي الله عنه، وي إمام دوازدهم است از أئمة أهل بيت، مادرش أم ولد بود نرجس نام داشت، ولادتش شب جمعة پانزدهم ماه شعبان سنة خمسة وخمسين ومائتين، وبرواية شواهد النبوة بتاريخ ثلث وعشرين شهر رمضان سنة ثماني وخمسين در سر من رأي عرف سامره واقع شد، وامام دوازدهم در كنية ونام حضرت رسالت بناهي عليه السلام موافقت دارد، القاب شريفش مهدي وحجة وقائم ومنتظر وصاحب الزمان وخاتم اثني عشر، وصاحب الزمان در وقت وفات پدر خود إمام حسن عكسري عليه السلام پنجساله بود بر مسند امامت نشست چناچه حق

ص: 123


1- إلزام الناصب 1: 301، نقلاً عن: مرآة الأسرار.

تعالي حضرت يحيي بن زكريا عليهما السلام را در حال طفوليت حكمت وكرامت فرمود وعيسي بن مريم عليهما السلام را وقت صبا بمرتبه بلند رسانيد، وهمپنين أو را در صغر سن إمام كردانيد وخوارق عادات أو نه چندانست در اين مختصر كنجايش دارد، ملا عبد الرحمن جامي از حكيمة خاهر إمام عليّ النقي كه عمه إمام حسن عسكري عليهما السلام باشد روايت ميكند تا آخر آنجه كذشت.

وقال أيضاً: وحضرة شيخ محيي الدين بن عربي در باب سيصد وشصت وهشتم از كتاب فتوحات مكي ميفرمايد: أي مسلمانان كه چاره نيست از خروج مهدي كه والد أو حسن عسكريست ابن إمام عليّ تقي ابن إمام محمّد نقي إلي آخره، بس سعادتمند ترين مردم باو أهل كوفة خواهند بود، أو دعوت ميكند مردم را بسوي حق تعالي بشمشير، پس هر كه أبا ميكند ميكشد أو را، وكسيكه منازعت ميكند بار مخذول ميشود، چناچه در اين محل تمام أحوال إمام مهدي عليه السلام در كتاب مذكور مفصل بيان نموده است هر كه خواهد در آنجا مطالعة نمايد، وحضرت مولانا عبد الرحمن جامي مرد صوفي كارها ديده وشافعي مذهب بوده تمام أحوال وكمالات وحقيقت متولد شدن ومخفي كشتن إمام محمّد بن حسن عسكري عليهما السلام مفصل در كتاب شواهد النبوة تصنيف خود بوجه احسن از ائمه أهل بيت عترت وارباب سيرت روايت كرده است، وصاحب كتاب مقصد اقصي مينويسد كه حضرت شيخ سعد الدين حموي خليفه حضرة نجم الدين در حق إمام مهدي يك كتاب تصنيف كرده است، وديكر جيزها بسيار همراه أو نمود است كه ديكر هيج آفريده را آن أقوال وتصرفات ممكن نيست، جون أو ظاهر ولايت مطلقه آشكارا كردد واختلاف مذاهب وظلم وبد خوئي برخيزد، جنانكه اوصاف حميده أو در احاديث نبوي وارد شده است كه مهدي در آخر زمان آشكارا كردد وتمام ربع مسكونرا از جور وظلم پاك سازد ويك مذهب پديد آيد، مجملا هر كاه دجال بد كردار پيدا شده بود وزنده ومخفي هست وحضرت عيسي عليه السلام كه بوجود آمده بود ومخفي از خلق است پس

ص: 124

اكر فرزند رسول خدا صلي الله عليه وآله وسلم إمام محمّد مهدي بن حسن عسكري عليهما السلام از نظر عوام بوشيده شد وبقوت خود مثل عيسي عليه السلام ودجال موافق تقدير الهي آشكارا كردد جاي تعجب نيست، از أقوال چندين بزركان واز فرموده أئمة أهل بيت رسول خدا صلي الله عليه وآله وسلم انكار نمودن از راه تعصب جندان ضرر نيست.

وهذه ترجمته بالعربية:

ذكر من هو شمس الدين والدولة، من هو هادي جميع الملة والدولة، من هو قائم في المقام المطهر الأحمدي الإمام بالحق أبو القاسم محمّد بن الحسن المهدي رضي الله عنه ، وهو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، أمه كانت أم ولد اسمها نرجس، ولادته ليلة الجمعة خامس عشر شهر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وعلي رواية شواهد النبوة أنها بتاريخ ثلاث وعشرين من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين في سر من رأي المعروفة بسامره، وهذا الإمام الثاني عشر موافق في الكنية والاسم لحضرة ملجأ الرسالة عليه السلام ، ألقابه الشريفة: المهدي والحجة والقائم والمنتظر وصاحب الزمان وخاتم الإثني عشر، وصاحب الزمان في وقت وفاة والده الإمام حسن العسكري عليه السلام كان عمره خمس سنين وجلس علي مسند الإمامة، وكما أعطي الحق تعالي حضرة يحيي بن زكريا عليهما السلام في حال الطفولية الحكمة والكرامة وأوصل عيسي بن مريم عليهما السلام في زمن الصبا إلي المرتبة العالية كذلك هو في صغر السن جعله الله إماما، وخوارق العادات الظاهرة له ليست قليلة بحيث يسعها هذا المختصر.

وروي ملا عبد الرحمن الجامي عن حكيمة أخت الإمام عليّ النقي التي هي عمة الإمام الحسن العسكري إلي آخر ما تقدم عن شواهد النبوة.

وحضرة الشيخ محيي الدين بن عربي في الباب الثلثمائة وثمانية وستين من كتاب الفتوحات المكية يقول: إعلموا أيها المسلمون أنه لا بدّ من خروج المهدي الذي والده الحسن العسكري ابن الإمام عليّ التقي ابن الإمام محمّد النقي... إلخ،

ص: 125

وسيكون أسعد الناس به أهل الكوفة، يدعو الناس إلي الحق تعالي بالسيف فكل من أبي يقتله ومن ينازعه يصير مخذولا، كما أنه في هذا المحل بين تمام أحوال الإمام المهدي عليه السلام في الكتاب المذكور مفصلة، فكل من أرادها فليطالعها هناك، وحضرة مولانا عبد الرحمن الجامي الرجل الصوفي المشرب والشافعي المذهب روي تمام أحوال وكمالات وكيفية ولادة وإختفاء الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليهما السلام مفصلة في كتاب شواهد النبوة من تصنيفه علي الوجه الأكمل عن أئمّة أهل بيت العترة وأرباب السيرة وصاحب كتاب المقصد الأقصي يذكر فيه: أن حضرة الشيخ سعد الدين الحموي خليفة حضرة نجم الدين صنف كتابا في حق الإمام المهدي وذكر أشياء كثيرة في حقه بحيث لا يمكن لأحد من المخلوقين الإتيان بمثل ما أتي به من الأقوال والتصرفات، وحيث يظهر المهدي يجعل الولاية المطلقة ظاهرة بلا خفاء، ويرفع اختلاف المذاهب والظلم وسوء الأخلاق، حيث أن أوصافه الحميدة في الأحاديث النبوية وردت بأن المهدي في آخر الزمان يظهر ظهورا تاما ويطهر تمام الربع المسكون من الجور والظلم ويظهر مذهب واحد.

وبوجه الإجمال إذا كان الدجال القبيح الأفعال قد وجد وظهر وبقي حياً مخفياً، وكذلك حضرة عيسي عليه السلام وجد واختفي عن الخلق، فإذا كان ابن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الإمام محمّد المهدي بن الحسن العسكري عليهما السلام اختفي عن نظر العوام ويظهر جهارا في وقته المعين له الموافق للتقدير الإلهي مثل عيسي عليه السلام والدجال فليس ذلك بعجيب من أقوال جماعة من الأكابر ومن أقوال وأوامر أئمة أهل بيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، فإنكار ذلك من باب التعصب ليس مضراً كثير ضرر.

(المولوي عليّ أكبر الموؤدي في كتابه المكاشفات):

(107) هو المولوي عليّ أكبر بن أسد الله الموؤدي من متأخري علماء الهند، فإنه قال علي ما حكي عنه في كتاب المكاشفات الذي جعله كالحواشي علي كتاب نفحات الأنس للمولي عبد الرحمن الجامي في حاشية ترجمة عليّ بن سهل بن الأزهر

ص: 126

الأصبهاني ما حاصله: أنهم قالوا إن عدم الخطأ مخصوص بالأنبياء، وأن الشيخ محيي الدين بن عربي كما نقله عنه صاحب اليواقيت يخالفهم في ذلك لحديث (المهدي يقفوُ أثري لا يخطئ) ثم نقل عن صاحب اليواقيت ما حاصله: أن الأنبياء معصومون لدوام عكوفهم في حضرة الله تعالي الخاصة وإنها تسمي حضرة الإحسان، ومنها عصم الأنبياء وحفظ الأولياء، وأن الأولياء يخرجون منها ويدخلون والأنبياء مقيمون فيها. قال: ومن أقام فيها من الأولياء كسهيل بن عبد الله التستري وسيدي إبراهيم المبتولي فبحكم الإرث والتبعية للأنبياء لا بحكم الاستقلال إلخ.

ثم قال صاحب المكاشفات ما لفظه: ثم قال _ يعني الشعراني _ في المبحث الخامس والأربعين _ أي من اليواقيت: قد ذكر الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه للقطب خمس عشرة علامة: أن يمدد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش، ويكشف له عن حقيقة الذات واحاطة الصفات... إلخ. فبهذا صح مذهب من ذهب إلي كون غير النبي صلي الله عليه وآله وسلم معصوما، ومن قيّد العصمة في زمرة معدودة ونفاها عن غير تلك الزمرة فقد سلك مسلكا آخر، وله أيضاً وجه يعلمه من علمه، فإن الحكم بكون المهدي الموعود رضي الله عنه موجودا وهو كان قطبا بعد أبيه الحسن العسكري عليهما السلام كما كان هو قطبا بعد أبيه إلي الإمام عليّ بن أبي طالب كرمنا الله بوجوههم، يشير إلي صحة تلك الرتبة في وجوداتهم من حين كان القطبية في وجود جده عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلي أن تتم فيه لا قبل ذلك، فكل قطب فرد يكون علي تلك الرتبة نيابة عنه لغيبوبته عن أعين العوام والخواص، لا عن عين أخص الخواص وقد ذكر ذلك عن الشيخ صاحب اليواقيت وعن غيره أيضاً رضي الله عنه وعنهم، فلا بدّ أن يكون لكل إمام من الأئمّة الاثني عشر عصمة. خذ هذه الفائدة: قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في المبحث الخامس والستين:

ص: 127

قال الشيخ تقي الدين ابن أبي المنصور في عقيدته بعد ذكر تعيين السنين للقيامة: فهناك يترقب خروج المهدي عليه السلام وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، وساق كما مر إلي قوله: يواطئ اسمه اسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، وقال: ثم عدّ رضي الله عنه نبذة من شيم المهدي وأخلاقه النبوية التي تكون فيه، ونحن نذكره في أحوال عارف الجندي إن شاء تعالي، انتهي المنقول عن المكاشفات.(1)

ولا يخفي أن آخر كلام الشعراني المنقول عن المبحث الخامس والأربعين من اليواقيت هو قوله: وإحاطة الصفات... الخ، والذي بعده هو كلام صاحب المكاشفات من قوله: فبهذا صح... إلخ، وهو ظاهر الدلالة علي المطلوب.

(القاضي شهاب الدين في كتابه هداية السعداء):

(108) هو القاضي شهاب الدين بن شمس الدين بن عمر الهندي المعروف بملك العلماء، صاحب التفسير المسمي بالبحر المواج، وقد أثني عليه صاحب سبحة المرجان وهو السيد غلامغلي آزاد بن السيد نوح الحسيني نسباً الواسطي حسبا البلكراني مولدا ومنشأ والحنفي مذهبا الجشي طريقةً الملقب بحسان الهند، كذا ترجمه الصديق حسن خان في أبجد العلوم علي ما حكي عنه، وذكر كلاما طويلا في ترجمته إلي أن قال: وله مصنفات جليلة ممتعة مقبولة، منها: ضوء الدراري شرح صحيح البخاري، وعد منها سبحة المرجان في آثار هندوستان ومآثر الكرام تاريخ بلكرام،... إلخ.

قال في سبحة المرجان علي ما حكي عنه ما لفظه: مولانا القاضي

ص: 128


1- استقصاء الافحام: 98، نقلاً عن المكاشفات، ويراجع أيضاً كتاب: الإمام الثاني عشر للسيد محمّد سعيد الموسوي صاحب العبقات: 45 (تحقيق السيد الميلاني).

شهاب الدين بن شمس الدين بن عمر الزاولي الدولة آبادي ولد القاضي بدولة آباد دهلي وتلمذ علي القاضي عبد المقتدر الدهلوي ومولانا خواجكي الدهلوي ففاق أقرانه وسبق إخوانه، وكان القاضي عبد المقتدر يقول في حقه: يأتيني من الطلبة من جلده علم، ولحمه علم وعظمه علم إلي أن ذكر هجرته إلي جونغور قال: ولقبه سلطانه بملك العلماء، فزين القاضي مسند الإفادة، وفاز البرجيس في إفاضة السعادة، وألف كتباً سارت بها ركبان العرب والعجم، وأذكي سرجاً أهدي من النار الموقدة علي العلم، منها: البحر المواج تفسير القرآن العظيم بالفارسية، إلي أن قال: ومناقب السادات بتلك العبارة _ أي بالفارسية _، قال: وتوفي سنة 894، انتهي.(1)

وكتاب المناقب المذكور موسوم بهداية السعداء قال فيه علي ما حكي عنه: ويقول أهل السنة: إن خلافة الخلفاء الأربعة ثابتة بالنص، كذا في عقيدة الحافظية، قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة) وقد تمت بعليّ عليه السلام ، وكذلك خلافة الأئمّة الإثني عشر، أولهم: الإمام عليّ كرم الله وجهه وفي خلافته ورد الحديث (الخلافة ثلاثون سنة) والثاني: الإمام الشاه حسن رضي الله عنه ، قال صلي الله عليه وآله وسلم: (هذا ابني سيد سيصلح بين المسلمين)، الثالث: الشاه حسين رضي الله عنه ، قال صلي الله عليه وآله وسلم: (يكون بعد الحسين بن عليّ تسعة أئمة آخرهم القائم عليهم السلام).

وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: دخلت علي فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وبين يديها ألواح وفيها أسماء الأئمّة من ولدها، فعددت أحد عشر اسما آخرهم القائم عليه السلام ، ثم أورد علي نفسه سؤالا بأنه لم يدَّع زين العابدين عليه السلام الخلافة، فأجاب بجواب طويل حاصله: أنه رأي ما فعل بجده أمير المؤمنين عليه السلام وابنه عليه السلام من الخروج عليه والقتل والظلم، وسمع أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم رأي في منامه كلاباً تصعد علي9.

ص: 129


1- سبحة المرجان: 39؛ عنه السيد الميلاني في: نفحات الأزهار 5: 103، 8: 339.

منبره وتعوي فحزن لذلك فنزل عليه جبرائيل بالآية: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)(1) وهي مدة ملك بني أمية، فخاف وسكت إلي أن يظهر المهدي من ولده فيرفع ألوية الحق ويخرج بالسيف فيملأ الأرض عدلا وقسطا. إلي أن قال: وأولهم الإمام زين العابدين، والثاني الإمام محمّد الباقر، والثالث الإمام جعفر الصادق ابنه، والرابع الإمام موسي الكاظم ابنه، والخامس الإمام عليّ الرضا ابنه، والسادس الإمام محمّد التقي ابنه، والسابع الإمام عليّ النقي ابنه، والثامن الإمام الحسن العسكري ابنه، والتاسع الإمام حجة الله القائم الإمام المهدي ابنه، وهو غائب وله عمر طويل كما عمر من المؤمنين عيسي وإلياس والخضر، ومن الكفار الدجال والسامري، انتهي المنقول من كلامه.(2)

(الفقيه أبو المجد عبد الحق الدهلوي البخاري):

(109) هو أبو المجد عبد الحق الدهلوي البخاري، العارف المحدث الفقيه، صاحب التصانيف الشائعة الكثيرة، وقد ذكر أحواله ومؤلفاته جماعة كثيرة في فهارسهم، منهم الصديق حسن خان الهندي من علماء عصرنا، أو ما قاربه الذي وضعه السيد نعمان أفندي الألوسي نقيب حضرة الإمام أبي حنيفة في بعض كتاباته المطبوعة مع كتاب جلاء العينين علي ما حكي عنه بقوله: عالم الملوك وملك العلماء، ومرجع الغني والصعلوك، ومستند الفضلاء، وارث علوم السلف الصالح وناشر لواء الحق من كل قول راجح، كاشف غوامض التأويل وسالك جادة التفويض في معالم التنزيل، البحر العذب للواردين، والدر المنثور للقاصدين المولي الأفخم والأمير المكرم والنواب المفخم حسن القول وصديق الفعل والأسم وطود الوقار والصلاح والعلم... إلخ.

ص: 130


1- القدر: 2.
2- أنظر: إلزام الناصب 1: 297، نقلاً عن: هداية السعداء.

قال الصديق حسن خان المذكور في كتابه الموسوم بأبجد العلوم المطبوع سنة 1295 فيما حكي عنه ما لفظه: الشيخ عبد الحق الدهلوي، وهو المتضلع من الكمال الصوري والمعنوي، رزق من الشهرة قسطا جزيلا، وأثبت المؤرخون ذكره إجمالا وتفصيلا، حفظ القرآن وجلس علي مسند الإفادة وهو ابن اثنتين وعشرين سنة، ورحل إلي الحرمين الشريفين، وصحب الشيخ عبد الوهاب المتقي خليفة الشيخ عليّ المتقي، واكتسب علم الحديث وعاد إلي الوطن واستقر به إثنتين وخمسين سنة بجمعية الظاهر والباطن، ونشر العلوم وترجم كتاب المشكاة بالفارسي، وكتب شرحا علي سفر السعادة، وبلغت تصانيفه مائة مجلد، ولد في المحرم سنة 958 وتوفي سنة 1052، وأخذ الخرقة القادرية من الشيخ موسي القادري من نسل الشيخ عبد القادر الجيلاني، وكان له اليد الطولي في الفقه الحنفي... الخ.

وذكره الشيخ عبد القادر البيدابوتي المعاصر له في منتخب التواريخ علي ما حكي عنه وبالغ في مدحه وذكر فضائله، وكذا مؤلف منتخب اللباب المطبوع في كلكته علي ما حكي عنه، وكذا السيد غلامغلي أزاد البلكرامي المعروف بحسان الهند في كتابه مآثر الكرام في بلكرام في كلام طويل، وبالغ في إطرائه أيضاً في كتابه سبحة المرجان علي ما حكي عنهما، وقد تقدم ذكر حال الكتابين المذكورين ومؤلفهما في شرح البيت الذي قبل هذا، ومن مؤلفات عبد الحق كتاب جذب القلوب إلي ديار المحبوب وهو تاريخ المدينة المنورة طبع مرارا علي ما قيل.

قال عبد الحق المذكور في رسالة له في المناقب وأحوال الأئمّة الأطهار عليهم السلام علي ما حكي ما لفظه: وأبو محمّد الحسن العسكري ولده محمّد رضي الله عنهما معلوم عند خواص أصحابه وثقاته، ثم نقل قصة الولادة بالفارسية علي طبق ما مرّ عن كتاب فصل الخطاب، وهذه الرسالة مذكورة في فهرست مؤلفاته علي ما قيل وأشار إليها في كتابه

ص: 131

تحصيل الكمال علي ما نقل عنه حيث قال: ولقد تشرفنا بذكرهم جميعا في رسالة مفردة يعني أهل البيت عليهم السلام.(1)

(سعد الدين الحموي):

(110) هو الشيخ سعد الدين محمّد بن المؤيد بن أبي الحسين بن محمّد بن حمويه المعروف بالشيخ سعد الدين الحموي خليفة نجم الدين الكبري (البكري ظ).

وعن السيد عليّ الهمداني الصوفي في شرح القصيدة الميمية لابن الفارض أنه قال: المعروف أن الشيخ سعد الدين الحموي والشيخ سيف الدين الباخرزي والشيخ شهاب الدين السهروردي والشيخ نجم الدين الرازي المعروف بآدابه والشيخ محيي الدين بن العربي وابن الفارض كلهم كانوا متعاصرين ومن أكابر سادة علماء الصوفية، إنتهي.

وصرح فخر الدين الناكتي في تاريخه علي ما حكي عنه بأن السلطان غازان محمود خان أخا السلطان محمّد والجايتوخان أسلم علي يد ولده صدر الدين إبراهيم بسعي الأمير نوروز الذي كان من أمراء السلطان المذكور في رابع شعبان سنة أربع وتسعين وستمائة عند باب قصر ذلك السلطان الذي فيه مقر سرير سلطنة السلطان ارغان خان بمقام لاردماوند، وعقد مجلسا عظيما فاغتسل في ذلك اليوم ثم لبس لباس الشيخ سعد الدين الحموي والد الشيخ صدر الدين المذكور، وأسلم بإسلامه خلق كثير من الأتراك ولذلك تسمي تلك الطائفة تركمان، انتهي.

وقد صنف الشيخ سعد الدين المذكور كتابا مفردا في أحوال صاحب

ص: 132


1- أنظر: كشف الأستار: 63.

الزمان وافق فيه الإمامية كما نقله عبد الرحمن الجامي في مرآة الأسرار عن صاحب المقصد الأقصي، وبالغ في جودة ما ذكره في ذلك الكتاب كما تقدم نقله في شرح قولنا: ومرآة أسرار الإله الخ.

وعن المولي عزيز الدين عمر بن محمّد بن أحمد النسفي المعروف صاحب العقائد النسفية المشهورة في رسالته في تحقيق النبوة والولاية أنه حكي عن الشيخ سعد الدين الحموي ما حاصله: أن الولي لم يكن قبل الإسلام وإن كان في كل دين صاحب شريعة ودعاة إلي دينه، لكن الدعاة يسمون أنبياء لا أولياء، فلما بلغت النوبة إلي نبينا صلي الله عليه وآله وسلم قال: لا نبي بعدي يدعو إلي ديني، والذين يأتون بعدي يسمون بالأولياء، والله تعالي جعل إثني عشر نفسا في دين محمّد صلي الله عليه وآله وسلم نوابه، والعلماء ورثة الأنبياء قاله عليه السلام في حقهم، وكذا قوله: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل قاله في حقهم، وعند الشيخ _ يعني الشيخ سعد الدين _ الولي في أمة محمّد صلي الله عليه وآله وسلم ليس أزيد من هؤلاء الإثني عشر، وآخر الأولياء وهو الثاني عشر هو المهدي صاحب الزمان عليه السلام ، انتهي.(1)

ونقل في ينابيع المودة(2) هذا الكلام بعينه عن النسفي عن الشيخ سعد الدين الحموي بالفارسية، وزاد بعد قوله: إن الأولياء في العالم لا يزيدون عن إثني عشر، وأما الثلاثمائة وست وخمسين الذين هم رجال الغيب فلا يقال لهم أولياء بل يقال لهم أبدال.

(الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه اليواقيت):

(111) هو الشيخ عبد الوهاب بن أحمد بن عليّ الشعراني العارف المشهور صاحب الميزان في المذاهب الأربعة في الفقه، ولواقح الأنوار القدسية الذي اختصره من الفتوحات المكية، والكبريت الأحمر في علوم الشيخ الأكبر منتخب منه،

ص: 133


1- أنظر: كشف الأستار: 85.
2- ينابيع المودة 3: 353.

واليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر وهو شرح لما أغلق من الفتوحات المكية، وقد طبع هذا الكتاب عدة مرات في مصر المحمية وهو مشهور كمؤلفه غاية الاشتهار، وآخر طبعة رأيناها منه ما طبع بالمطبعة الأزهرية سنة 1321 وعليها كغيرها ما صورته وجد بخط مؤلفه: يقول مؤلفه عفا الله عنه:

قد كتب علي مسودة هذا الكتاب جماعة من مشائخ الإسلام بمصر وأجازوه ومدحوه، ومن جملة ما كتبه الشيخ شهاب الدين ابن الشلبي الحنفي في مدح مؤلفه: قد اجتمعنا علي خلق كثير من أهل الطريق فلم نر أحداً منهم حام حول معاني هذا المؤلف إلخ.

ومن جملة ما كتبه شيخ الإسلام الفتوحي الحنبلي رضي الله عنه: لا يقدح في معاني هذا الكتاب إلا معاند مرتاب أو جاحد كذاب، كما لا يسعي في تخطئة مؤلفه إلاّ كل عار عن علم الكتاب حائد عن طريق الصواب، وكما لا ينكر فضل مؤلفه إلا كل غبي حسود أو جاهل معاند جحود أو زائغ عن السنة مارق ولإجماع أئمتها خارق. ومن جملة ما قاله شيخنا الشيخ شهاب الدين الرملي الشافعي رضي الله عنه بعد كلام طويل: وبالجملة فهو كتاب لا ينكر فضله، ولا يختلف اثنان بأنه ما صنف مثله. ومن جملة ما قاله الشيخ شهاب الدين عميره الشافعي رضي الله عنه بعد مدح الكتاب: وما كنا نظن أن الله تعالي يبرز في هذا الزمان مثل هذا المؤلف العظيم الشأن، فجزاه الله عن الملة المحمدية خيرا ونفعنا ببركاته وحشرنا في زمرته. ومن جملة ما قاله الشيخ محمّد البرهمتوشي ونقلته من خطه علي نسخة المؤلف: وبعد، فقد وقف العبد الفقير إلي الله تعالي محمّد بن محمّد البرهمتوشي الحنفي علي اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر لسيدنا ومولانا الإمام العالم العامل العلامة المحقق المدقق الفهّامة خاتمة المحققين وارث علوم الأنبياء والمرسلين شيخ الحقيقة والشريعة معدن

ص: 134

السلوك والطريقة من توّجه الله تاج العرفان ورفعة علي أهل هذه الأزمان مولانا الشيخ عبد الوهاب أدام الله النفع به للأنام وأبقاه تعالي لنفع العباد مدي الأيام وحرسه بعينه التي لا تنام، فإذا هو كتاب جل مقداره ولمعت أسراره وسحت من سحب الفضل أمطاره وفاحت في رياض التحقيق أزهاره ولاحت في سماء التدقيق شموسه وأقماره وتناغت في غياض الإرشاد بلغات الحق أطياره فأشرقت علي صفحات القلوب باليقين أنواره، فأسئل الله الكريم أن يمنّ علي العباد بطول حياته، والمسؤول من فضله وإحسانه وصدقاته أن لا يخلي العبد من نظره ودعواته، وأن يمتعنا بطول بقائه وحياته آمين، انتهي.

قال الشعراني في الجزء الثاني من كتاب اليواقيت والجواهر ما لفظه: المبحث الخامس والستون في بيان أن جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حق لا بدّ أن تقع كلها قبل قيام الساعة، وذلك كخروج المهدي ثم الدجال ثم نزول عيسي وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها ورفع القرآن وفتح سد يأجوج ومأجوج حتي لو لم يبق من الدنيا إلاّ مقدار يوم لوقع ذلك كله. قال الشيخ تقي الدين بن أبي المنصور في عقيدته: وكل هذه الآيات تقع في المائة الأخيرة من اليوم الذي وعد به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أمته بقوله: إن صلحت أمتي فلها يوم، وإن فسدت فلها نصف يوم _ يعني من أيام الرب المشار إليها بقوله تعالي: (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(1) وقال بعض العارفين: وأوّل الألف محسوب من وفاة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه آخر الخلفاء، فإن تلك المدة كانت من جملة أيام نبوة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ورسالته، فمهّد _ الله تعالي _ بالخلفاء الأربعة البلاد، ومراده رضي الله عنه أن بالألف قوة سلطان شريعته إلي انتهاء الألف، ثم يأخذ في إبتداء الإضمحلال إلي أن يصير الدين غريباً كما بدأ، وذلك الاضمحلال7.

ص: 135


1- الحج: 47.

يكون بدايته من مضي ثلاثين سنة في القرن الحادي عشر، فهناك يترقب خروج المهدي عليه السلام وهو من أولاد الإمام حسن العسكري ومولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمسة وخمسين ومائتين، وهو باق إلي أن يجتمع بعيسي بن مريم عليه السلام فيكون عمره إلي وقتنا هذا وهي سنة ثمان وخمسين وتسعمائة سبعمائة سنة وست سنين، هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل علي بركة الرطلي بمصر المحروسة عن الإمام المهدي حين اجتمع به، ووافقه علي ذلك شيخنا سيدي عليّ الخواص رحمهما الله وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين إلخ ما تقدم عن الفتوحات، انتهي ما أردنا نقله من كلام الشعراني في اليواقيت والجواهر.(1)

(الإمام أبو بكر أحمد البيهقي الشافعي):

(112) هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ بن عبد الله بن موسي البيهقي الفقيه الشافعي الحافظ الكبير المشهور، كذا ترجمه ابن خلكان، ثم قال: واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله بن البيع في الحديث ثم الزائد عليه في أنواع العلوم، إلي أن قال: وشرع في التصنيف فصنف فيه كثيراً حتي قيل تبلغ تصانيفه ألف جزء، وهو أوّل من جمع نصوص الإمام الشافعي رضي الله عنه في عشر مجلدات، ومن مشهور مصنفاته: السنن الكبير والسنن الصغير ودلائل النبوة والسنن والآثار وشعب الإيمان ومناقب الشافعي ومناقب أحمد بن حنبل. وقال إمام الحرمين: ما من شافعي المذهب إلاّ وللشافعي عليه منّة إلا أحمد البيهقي فإن له علي الشافعي

ص: 136


1- اليواقيت والجواهر 2: 145/ (ط: القاهرة)/ المبحث الخامس وستون؛ عنه إلزام الناصب 1: 293؛ شرح إحقاق الحق 3: 213.

منّة، وكان من أكثر الناس نصراً لمذهب الشافعي، إلي أن قال: وتوفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، انتهي ما أردنا نقله من كلام ابن خلكان.(1)

قال البيهقي في كتاب شعب الإيمان علي ما حكي عنه وهو معدود من مؤلفاته في كلام ابن خلكان: كما سمعت اختلف الناس في أمر المهدي فتوقف جماعة وأحالوا العلم إلي عالمه واعتقدوا أنه واحد من أولاد فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يخلقه الله متي شاء يبعثه نصرة لدينه، وطائفة يقولون أن المهدي الموعود ولد يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو الإمام الملقب بالحجة القائم المنتظر محمّد بن الحسن العسكري، وأنه دخل السرداب بسر من رأي وهو مختف عن أعين الناس منتظر خروجه وسيظهر ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، ولا إمتناع في طول عمره وإمتداد أيامه كعيسي بن مريم والخضر عليهما السلام وهؤلاء الشيعة خصوصا الإمامية ووافقهم عليه جماعة من أهل الكشف، انتهي.(2)

ومراده من جماعة من أهل الكشف غير الشيخ محيي الدين والشعراني والشيخ حسن العراقي وعليّ الخواص وغيرهم ممن تقدم ويأتي لتقدمه عليهم بسنين كثيرة، فإن البيهقي توفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة كما سمعته عن ابن خلكان، والشيخ محيي الدين توفي سنة ثمان وثلاثين وستمائة كما صرح به الشعراني في أوائل الفصل الأوّل من اليواقيت والشعراني كان بعد عصر التسعمائة يدل عليه قوله في آخر الكبريت الأحمر أنه فرغ منه سنة إثنين وأربعين وتسعمائة وفي آخر اليواقيت، أنه فرغ منه سنة خمس وخمسين وتسعمائة، والعراقي والخواص كانا معاصرين للشعراني، وكذا غيرهم ممن3.

ص: 137


1- وفيات الأعيان 1: 24.
2- شعب الإيمان علي ما في: شرح إحقاق الحق 29: 633.

تقدم متأخر عن البيهقي بكثير كما قيل، والذي في طبقته علي ما قيل مثل الحلاج والجنيد وأبو الحسن الوراق والشبلي وسهل بن عبد الله التستري وغيرهم.

(قول جماعة أخري من علماء السنة بوجود المهدي عليه السلام):

(113) منهم القطب المدار الذي كتب عبد الرحمن الصوفي كتاب مرآة الأسرار لأجله، ومنهم السيد عليّ بن شهاب الدين الهمداني الذي ذكروا في ترجمته علي ما قيل أنه وصل إلي خدمة أربعمائة من الأولياء وبالغ في مدحه عبد الرحمن الجامي في نفحات الأنس، ومحمّد بن سليمان الكفوي في إعلام الأخيار، وحسين بن معين الدين الميبدي في الفواتح، وغيرهم علي ما حكي عنهم، صرح بذلك في المودة العاشرة من كتابه الموسوم بالمودة في القربي علي ما حكي عنه.(1)

ومنهم الشيخ صلاح الدين الصفدي، قال في ينابيع المودة: وقال الشيخ الكبير الكامل العارف بأسرار الحروف صلاح الدين الصفدي في شرح الدائرة: إن المهدي الموعود هو الإمام الثاني عشر من الأئمّة، أولهم سيدنا عليّ وآخرهم المهدي عليه السلام ونفعنا الله بهم. ومنهم بعض مشائخ مصر، قال في ينابيع المودة: قال لي الشيخ عبد اللطيف الحلبي سنة ألف ومائتين وثلاث وسبعين: إن أبي الشيخ إبراهيم رحمه الله قال: سمعت بعض مشائخي من مشائخ مصر يقول: بايعنا الإمام المهدي انتهي، وكان الشيخ إبراهيم في طريقة القادرية ومن كبار مشائخ حلب الشهباء المحروسة، نفعنا الله تعالي من فيضه، انتهي كلام الينابيع.(2)

ص: 138


1- أنظر: ينابيع المودة 3: 290، نقلاً عن: مودة القربي: 29/ (المودة العاشرة).
2- ينابيع المودة 3: 34 - 347.

(من رأي المهدي عليه السلام من أهل السنة):

(114) أما ما رواه في اليواقيت عن الشيخ حسن العراقي فهو ما تقدم من قوله: هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي... إلي قوله: حين اجتمع به. وأما ما ذكره في الطبقات الكبري المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار في الجزء الثاني منه كما عن النسخة المطبوعة بمصر سنة ألف وثلثمائة وخمس فهو قوله:

ومنهم الشيخ العارف بالله تعالي سيدي حسن العراقي رحمه الله المدفون بالكوم خارج باب الشعرية رضي الله عنه بالقرب من بركة الرطلي وجامع البشري، وعن بعض نسخه العتيقة: ومنهم الشيخ الصالح العابد الزاهد ذو الكشف الصحيح والحال العظيم الشيخ حسن العراقي المدفون فوق الكوم المطل علي بركة الرطلي، كان رضي الله عنه قد عمر نحو مائة سنة وثلاثين سنة، وعلي النسخة المطبوعة:

ترددت إليه مع سيدي أبي العباس الحريثي وقال أريد أن أحكي لك حكايتي من مبتدأ أمري إلي وقتي هذا كأنك كنت رفيقي من الصغر، فقلت له: نعم، فقال: كنت شاباً من دمشق، وكنت صانعا، وكنا نجتمع يوما في الجمعة علي اللهو واللعب والخمر، فجاء لي التنبيه من الله تعالي يوما: ألهذا خلقت؟ فتركت ما هم فيه وهربت منهم، فتبعوا ورائي فلم يدركوني، فدخلت جامع بني أمية فوجدت شخصا يتكلم علي الكرسي في شأن المهدي عليه السلام ، فاشتقت إلي لقائه، فصرت لا أسجد سجدة إلاّ وسألت الله تعالي أن يجمعني إليه، فبينما أنا ليلةً بعد صلوة المغرب أصلي صلوة السنة إذا بشخص جلس خلفي وحس علي كتفي وقال لي: قد استجاب الله دعاءك، يا ولدي مالك؟ أنا المهدي، فقلت: تذهب معي إلي الدار؟ فقال: نعم، وذهب معي، فقال لي: إخل لي مكانا أتفرد فيه، فأخليت له مكاناً، فأقام عندي سبعة أيام بلياليها، ولقنني الذكر، وقال: أعلمك وردي تدوم عليه إن شاء الله تعالي، تصوم يوما وتفطر يوما، وتصلي كل ليلة خمسمائة

ص: 139

ركعة، فقلت: نعم فكنت أصلي خلفه كل ليلة خمسمائة ركعة، وكنت شابا أمرد حسن الصورة، فكان يقول لا تجلس قط إلا ورائي، فكنت أفعل، وكانت عمامته كعمامة العجم، وعليه جبة من وبر الجمال، فلما انقضت السبعة أيام خرج فودعته، وقال لي: يا حسن ما وقع لي قط مع أحد ما وقع معك، فدم علي وردك حتي تعجز فإنك ستعمر عمراً طويلا.

وعن النسخة الأخري العتيقة بعد قوله خمسمائة ركعة في كل ليلة: وأن لا أضع جنبي علي الأرض للنوم إلا غلبه، ثم طلب الخروج وقال لي: يا حسن لا تجتمع بأحد بعدي ويكفيك ما حصل لك مني فما ثم إلا دون ما وصل إليك مني، فلا تتحمل منّة أحد بلا فائدة، فقلت: سمعا وطاعة، وخرجت أودعه فأوقفني عند عتبة باب الدار وقال: من هنا، فأقمت علي ذلك سنين عديدة... الخ.(1)

(115) في ينابيع المودة ما لفظه: يقول مؤلف هذا الكتاب: إن الشيخ عبد الوهاب الشعراني قدس سره قال في كتابه الأنوار القدسية: إن بعض مشائخنا قال: نحن بايعنا المهدي عليه السلام بدمشق الشام، وكنّا عنده سبعة أيام، انتهي.(2)

(116) أي وافق عليّ الخواص الشيخ حسن العراقي في مدة عمر المهدي، وقد تقدم في أواخر شرح قولنا: كذلك شعرانيكم... الخ نقل موافقته له في ذلك عن الشعراني، وقال الشعراني أيضاً في الطبقات المسمي باللواقح علي ما حكي عنه بعد ذكر سياحة حسن العراقي أنه قال: وسألت المهدي عن عمره؟ فقال: يا ولدي عمري الآن ستمائة سنة وعشرون سنة، ولي عنه الآن مائة سنة. قال الشعراني: فقلت ذلك لسيدي عليّ الخواص فوافقه علي عمر المهدي رضي الله عنهما انتهي.(3)

والخوّاص بتشديد الواو كتمّار ولبّان صانع الخوص، وقد بالغ الشعراني).

ص: 140


1- لواقح الأنوار 2: 139/ (ط: مصر).
2- ينابيع المودة 3: 346.
3- لواقح الأنوار 2: 139/ (ط: مصر/ سنة 1373ه-).

في مدحه في طبقاته المسمي باللواقح علي ما حكي عنه حيث قال: ومنهم شيخي وأستاذي سيدي عليّ الخواص البراسي رضي الله عنه ورحمه، كان أمياً لا يكتب ولا يقرأ، وكان رضي الله عنه يتكلم علي معاني القرآن العظيم والسنة المشرفة كلاما نفيسا تحير فيه العلماء، وكان محل كشفه اللوح المحفوظ عن المحو والإثبات فكان إذا قال قولا لا بدّ أن يقع علي الصفة التي قال، وكنت أرسل له الناس يشاورونه عن أحوالهم فما كان قط يحوجهم إلي كلام، بل كان يخبر الشخص بواقعته التي أتي لأجلها قبل أن يتكلم فيقول طلق مثلا أو شارك أو فارق أو اصبر أو سافر أو لا تسافر، فيتحير الشخص فيقول: من أعلم هذا بأمري، وكان له طب غريب يداوي به أهل الاستسقاء والجذام والفالج والأمراض المزمنة، فكل شيء أشار باستعماله يكون الشفاء فيه، وسمعت سيدي محمّد بن عنان رضي الله عنه يقول: الشيخ عليّ البراسي أعطي التصرف في ثلاثة أرباع مصر وقراها، وسمعته مرة أخري يقول: لا يقدر أحد من أرباب الأحوال أن يدخل مصر إلا بإذن الشيخ عليّ الخواص رضي الله عنه ، وكان رضي الله عنه يعرف أصحاب النوبة في سائر أقطار الأرض ويعرف من تولي منهم ساعة ولايته ومن غول ساعة غوله ولم أر مثل هذا القدم لأحد غيره من مشائخ مصر إلي وقتي هذا، ثم ذكر كلاما طويلاً في كرامته ومقاماته وحالاته.(1)

تنبيه: يقول المؤلف عفا الله عنه: إنّا وإن كنّا لا نعلم صحة جميع ما ادعي من مشاهدة بعض مشائخ الصوفية ممن مرَّ ويأتي لصاحب الزمان عليه السلام ، بل نعلم أن بعض ما ادعوه من ذلك هو من جملة خرافاتهم وتمويهاتهم، إلا أنّا أوردنا ذلك حجة علي من يستنكر ويستبعد وجود صاحب الزمان عليه السلام وغيبته، بل ينسب الإمامية في اعتقادهم ذلك إلي الحمق حتّي قال بعضهم: أنهم عارٌ علي بني آدم، وقال آخر: أن من0.

ص: 141


1- لواقح الأنوار 2: 150.

أوصي بشيء إلي أحمق الناس صرف إلي من يقول بغيبة المهدي، ومع ذلك لا يستنكر ولا يستعظم أن يكون الشيخ عليّ الخواص وهو أمي ينكشف له اللوح المحفوظ عن المحو والإثبات، والشيخ محيي الدين بن العربي يجتمع بالأنبياء والمرسلين في مكة المكرمة ويخاطبهم ويخاطبونه، ويطوف بالكعبة وتطوف به حقيقة، وتتكلم ابنته في المهد كما حكي ذلك كله الشعراني في اليواقيت والجواهر عن الفتوحات، ويعتقد لأمثال هؤلاء أعظم الكرامات ومع ذلك فهو ينسب الإمامية إلي الحمق باعتقاد ما يعتقده هؤلاء ويخبرون به عن أنفسهم من وجود صاحب الزمان والاجتماع به، فهل هذا انصاف؟

(رواية البلاذري بعض المسلسلات عن المهدي عليه السلام):

(117) البلاذري بالباء الموحدة واللام والألف والذال المعجمة والراء المهملة والياء المشددة نسبة إلي بلاذر، وعن السمعاني في الأنساب الكبير أنه قال: والمشهور بهذا الانتساب أبو محمّد أحمد بن إبراهيم بن هاشم الطوسي البلاذري الحافظ من أهل طوس، كان حافظا فهيما عارفا بالحديث، سمع بطوس إبراهيم بن إسماعيل العنبري وتليم(1) كذا بن محمّد الطوسي، وبنيسابور عبد الله بن شيرويه وجعفر بن أحمد الحافظ، وبالري محمّد بن أيوب والحسن بن أحمد بن الليث، وببغداد يوسف بن يعقوب القاضي، وبالكوفة محمّد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي وأقرانهم، سمع منه الحاكم أبو عبد الله الحافظ وأبو محمّد البلاذري الواعظ الطوسي المذكور، كان واحد عصره في الحفظ والوعظ ومن أحسن الناس عشرة وأكثرهم فائدة، وكان يكثر المقام بنيسابور يكون له في كل أسبوع مجلسان عند شيخي البلد أبي الحسين المحمي وأبي نصر العبدي، وكان أبو عليّ الحافظ ومشائخنا يحضرون مجالسه ويفرحون بما يذكره علي الملأ من الأسانيد، ولم أرهم غمزوه قط في أسناد أو اسم أو حديث،

ص: 142


1- في المصدر: تميم.

وكتب بمكة عن إمام أهل البيت عليهم السلام أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي الرضا عليهم السلام ، وذكر أبو الوليد الفقيه قال: كان أبو محمّد البلاذري يسمع كتاب الجهاد من محمّد بن إسحاق وأمه عليلة بطوس، إلي أن قال: قال الحاكم: استشهد بالطاران سنة 339.(1)

وأما الحديث المشار إليه في البيت الذي رواه البلاذري مشافهة عن المهدي عليه السلام من جملة الأحاديث المسلسلة والمسلسل هو ما تتابع فيه رجال الأسناد علي صفة أو حالة واحدة فهو ما ذكره علامة عصره الشاه ولي الله الدهلوي والد عبد العزيز المعروف بشاه صاحب صاحب التحفة الإثني عشرية في الرد علي الإمامية الذي وصفه ولده المذكور علي ما حكي عنه بقوله: خاتم العارفين وقاصم المخالفين سيد المحدثين سند المتكلمين المشهور بالفضل المبين حجة الله علي العالمين إلخ، قال الشاه ولي المذكور في كتاب النزهة علي ما حكي عنه: أن الوالد روي في كتاب المسلسلات:

قلت: شافهني ابن عقلة بإجازة جميع ما يجوز له روايته ووجدت في مسلسلاته حديثا مسلسلا بانفراد كل راو من رواته بصفة عظيمة تفرد بها، قال رحمه الله: أخبرني فريد عصره الشيخ حسن بن عليّ العجمي، انا حافظ عصره جمال الدين الباهلي، أنا مسند وقته محمّد الحجازي الواعظ، أنا صوفي زمانه الشيخ عبد الوهاب الشعراني، أنا مجتهد عصره الجلال السيوطي، أنا حافظ عصره أبو نعيم رضوان العقبي، أنا مقري زمانه الشمس محمّد بن الجزري، أنا الإمام جمال الدين محمّد بن محمّد الجمال زاهد عصره، أنا الإمام محمّد بن مسعود محدث بلاد فارس في زمانه، أنا شيخنا إسماعيل بن مظفر الشيرازي عالم وقته، أنا عبد السلام بن أبي الربيع الحنفي محدث زمانه، أنا أبو بكر ثنا عبد الله بن محمّد بن شابور القلانسي شيخ عصره، أنا عبد العزيز ثنا محمّد3.

ص: 143


1- الأنساب 1: 423.

الأدمي إمام أوانه، أنا سليمان بن إبراهيم بن محمّد بن سليمان نادرة عصره، ثنا أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذري حافظ زمانه، ثنا محمّد بن الحسن بن عليّ المحجوب إمام عصره ثنا الحسن بن عليّ عن أبيه عن جده عن أبي جده عليّ بن موسي الرضا عليه السلام ، ثنا موسي الكاظم، قال: ثنا أبي جعفر الصادق، ثنا أبي محمّد الباقر بن عليّ، ثنا أبي عليّ بن الحسين زين العابدين السجاد، ثنا أبي الحسين سيد الشهداء، ثنا أبي عليّ بن أبي طالب عليهم السلام سيد الأولياء، قال: أخبرنا سيد الأنبياء محمّد بن عبد الله صلي الله عليه وآله وسلم ، قال: أخبرني جبرئيل سيد الملائكة قال: قال الله تعالي سيد السادات: إنّي أنا الله لا إله إلا أنا، من أقرّ لي بالتوحيد دخل حصني، ومن دخل حصني أمن عذابي. قال شمس ابن الجزري: كذا وقع هذا الحديث من المسلسلات السعيدة والعهدة فيه علي البلاذري.(1)

وعن الشاه ولي الله المذكور أيضاً في رسالته النوادر من حديث سيد الأوائل والأواخر ما لفظه: حديث محمّد بن الحسن الذي يعتقد الشيعة أنه المهدي عن آبائه الكرام وجد في مسلسلات الشيخ محمّد بن عقلة المكي عن الحسن العجمي ح أخبرنا أبو طاهر أقوي أهل عصره سندا إجازة لجميع ما تصلح له روايته قال: أخبرني فريد عصره الشيخ حسن بن عليّ العجمي، إلي آخر ما تقدم باختلاف يسير في تقديم بعض الألقاب وتأخيره عن الأسامي.

وفي عجائب الآثار للشيخ عبد الرحمن الجبرتي الحنفي المطبوع بمصر علي هامش كامل ابن الأثير سنة 1301 في حوادث شهر ذي الحجة سنة 1215: وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات الإمام الفاضل الصالح العلامة الشيخ عبد العليم بن محمّد بن محمّد بن عثمان المالكي الأزهري الضرير، حضر دروس الشيخ عليّ الصعيدي رواية ودراية، فسمع عليه جملة من الصحيح والموطأ والشمائل والجامعي.

ص: 144


1- أنظر: كتاب الإمام الثاني عشر للسيد محمّد سعيد الموسوي آل صاحب العبقات: 68، عن كتاب النزهة للشاه ولي الله الدهلوي.

الصغير ومسلسلات ابن عقلة، وروي عن كل من الملوي والجوهري والبليدي والسقاط والمنير والدردير والتاودي ابن سودة حين حج، ودرس وأفاد، وكان من البكّائين عند ذكر الله، سريع الدمعة، كثير الخشية إلخ.

وعن السيوطي في رسالة التدريب أنه قال: وذكر في شرح النخبة أن المسلسل بالحافظ مما يفيد العلم القطعي انتهي وح. فلا وجه لقول ابن الجزري كما تقدم والعهدة فيه علي البلاذري هذا مع ما سمعت عن السمعاني في حق البلاذري سيما قوله: ولم أرهم غمزوه قط، إلخ.(1)

* * *8.

ص: 145


1- أنظر: كشف الأستار: 65 - 68.

ص: 146

(بعض الأدلة علي وجود المهدي عليه السلام)

(118) إشارة إلي ما روي من طريق أهل السنة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملك عضوض) وهو حديث مشهور عندهم،(1) قال في النهاية الأثيرية في تفسير الحديث (ثم يكون ملك عضوض) أي: يصيب الرعية فيه عسف وظلم كأنهم يعضون فيه عضا، والعضوض من أبنية المبالغة، وفي رواية: (ثم يكون ملك عضوض) أي بضم العين وهو جمع عض بالكسر وهو الخبيث الشرس، انتهي كلام النهاية.(2)

وفي أعلام النبوة للماوردي الشافعي في باب معجزات أقواله صلي الله عليه وآله وسلم: وقال (الخلافة بعدي ثلاثون وما بعد ذلك ملك) انتهي.

(119) المراد بالأوّل يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي قاتل الحسين عليه السلام ، وبالثاني الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي أحد ملوك بني أمية.

(كفر يزيد):

وهو يزيد بن معاوية فإنه لمّا حمل إليه رأس الحسين عليه السلام وعيالاته ومن تخلف من أهل بيته تمثل بأبيات ابن الزبعري وهي قوله علي اختلاف الروايات في عدد الأبيات:

ص: 147


1- أخرجه أبو داود في سننه 4: 211/ ح 4646 - 4647؛ والترمذي في سننه 4: 503؛ وأحمد في المسند 5: 220؛ و...
2- النهاية 3: 253.

ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل

فأهلوا واستهلوا فرحاً *** ثم قالوا يا يزيد لا تشل

(لأهلوا واستهلوا خ ل) *** (ولقالوا خ ل)

قد قتلنا القرم من ساداتهم *** وعدلناه ببدر فاعتدل

وفي رواية بدل هذا البيت:

فجزيناهم ببدر مثلها *** وأقمنا ميل(1) بدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم *** من بني أحمد ما كان فعل

وفي رواية: لست من عتبة، وخندف كزبرج: امرأة إلياس بن مضر ونسب أولاد إلياس إليها وهي أمهم.

وفي رواية أنه أنشدها حين سمع غراباً ينعب علي شرفات قصره بعد حمل السبايا والرؤوس إليه، فقال:

يا غراب البين ما شئت فقل *** إنما تندب أمراً قد فعل

ليت أشياخي... إلخ، وكون هذا الشعر مما أنشده يزيد متفق عليه بين أهل الأخبار وإن ترك بعضهم بعض الأبيات السابقة، والأكثرون علي أنه أنشده حين حمل إليه رأس الحسين عليه السلام كما ذكرنا، وفي العقد الفريد لابن عبد ربه المالكي: أن مسلم بن عقبة لما أرسل برؤوس أهل المدينة يوم الحرة إلي يزيد واُلقيت بين يديه جعل يتمثل بقول ابن الزبعري يوم أحد:ظ.

ص: 148


1- مثل ظ.

ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحا *** ولقالوا ليزيد لا تشل

فقال له رجل من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ارتددت عن الإسلام يا أمير المؤمنين، فقال: بل نستغفر الله، قال: والله لا ساكنتك أرضا أبدا، وخرج عنه انتهي.

وقوله بل نستغفر الله ليس علي حقيقته، بل ظاهره إرضاء وباطنه سخرية ولذلك لم يقبله منه الصحابي، ويجوز أن يكون يزيد تمثل بذلك في الوقعتين، والظاهر أن الأبيات التي تمثل بها يزيد ليست كلها لابن الزبعري وإنما يزيد زاد فيها أو غيّر منها بدليل قوله: ثم قالوا يا يزيد، أو ولقالوا ليزيد لا تشل. وابن الزبعري اسمه عبد الله، وقوله لست من عتبة علي الرواية الثانية فإن المراد به أبو جدته هند وهو عتبة بن ربيعة المقتول يوم بدر، أما قوله: ليت أشياخي... إلخ فهو لابن الزبعري، وقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة.(1) عدة أبيات من قصيدة ابن الزبعري التي قالها بعد وقعة أحد ومنها البيت المذكور. وقوله:

فقتلنا النصف من ساداتهم... وعدلنا ميل بدر فاعتدل.

وكأن يزيد قد غيره إلي قوله: قد قتلنا القرم إلخ، ولم يذكر فيها بقية الأبيات السابقة فكأنها من قول يزيد أو إنها من جملة ما لم يذكره من القصيدة، وكيف كان فإنشاده لهذه الأبيات دال علي كفره سواء كانت من نظمه أو تمثل بها، فإنه ما تمثل بها إلاّ وهو يريد معناها، وكذا كل من يتمثل بكلام الغير ويجعله جزء كلامهم فهو مريد لمعناه حتي كأنه من قوله وإنشائه وهذا ظاهر، وما اتفقت عليه الروايات منها كان في الدلالة علي كفره بل البيت الأوّل كاف في ذلك.

(120) خ. ل.8.

ص: 149


1- شرح نهج البلاغة 15: 178.

(وقعة الحرة):

(121) وذلك في وقعة الحرة _ بفتح الحاء وتشديد الراء _ موضع بظاهر المدينة المنورة كانت فيه الوقعة، ويقال له حرة واقم بوزن قائم وهو أطم أي حصن بالمدينة، وأصل الحرة الأرض ذات الحجارة السود النخرة والجمع حرار بالكسر، والمواضع المسماة بالحرة كثيرة سيما في المدينة، وسبب الوقعة أن أهل المدينة لما رأوا ظلم يزيد وعماله وفسقه وقتله للحسين عليه السلام وتجاهره بالمنكرات عزموا علي محاربته، وأخرجوا عنهم عامله عثمان بن محمّد بن أبي سفيان الثقفي وجميع بني أمية بعد أن حصروهم بالمدينة، ثم أذنوا لهم في الخروج وأخذوا عليهم العهود أن لا يحاربوهم ولا يدلوا علي عوراتهم وأن يردوا عنهم أهل الشام إن قدروا، وطلب مروان بن الحكم من جماعة منهم عبد الله بن عمر أن يجعل نساءه مع نسائهم فلم يقبل واحد منهم وقالوا نخاف علي نسائنا وقبلهن عليّ بن الحسين عليهما السلام وجعلهن مع نسائه، وكان قد جاء عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة الأنصاري من عند يزيد بعد أن أعطاه مائة ألف ولأولاده وكانوا ثمانية كل واحد عشرة آلاف، فقال لأهل المدينة أتيتكم من عند رجل والله لو لم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته بهم وما قبلت منه ما أعطاني إلا لأتقوّي به عليه، وسمي أبوه حنظلة غسيل الملائكة لأنه لما استشهد رأي النبي صلي الله عليه وآله وسلم الملائكة تغسله فسأل زوجته فأخبرت أنه خرج وهو جنب، فقدمت الأنصار عبد الله بن حنظلة المذكور علي أنفسهم، وقدمت قريش عبد الله بن مطيع العدوي، فبعث إليهم يزيد مسلم بن عقبة المرّي وهو مريض في إثني عشر ألف مقاتل من أهل الشام وجهزهم أحسن جهاز وبعث معه عشرة آلاف بعير تحمل الزاد وهو الذي سمي بعد تلك الوقعة مسرفاً أو مجرماً، وقال له يزيد إن حدث بك حدث

ص: 150

فاستعمل الحصين بن نمير السكوني، وأوصاه إذا ظهر علي أهل المدينة أن يبيحها ثلاثا فكل ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند، وجعل أهل المدينة في كل منهل بينهم وبين الشام زقّاً من قطران، فأرسل الله المطر فلم يستقوا بدلو حتّي وردوا المدينة، فلما التقي بنو أمية بأهل الشام رجع بعضهم معهم إلي المدينة ومضي بعضهم إلي الشام، وفيمن رجع معهم مروان بن الحكم وابنه عبد الملك، ودلهم مروان وابنه علي عورات أهل المدينة، فكانت الغلبة لأهل الشام بسبب خيانة أهل المدينة، وقتل عبد الله بن الغسيل وأولاده وفر عبد الله بن مطيع إلي مكة فقتل مع ابن الزبير، وقتل في تلك الوقعة من أهل المدينة خلق كثير.(1)

قال المسعودي: قتل من سائر قريش غير من قتل من بني هاشم بضع وتسعون رجلا ومثلهم من الأنصار وأربعة آلاف من سائر الناس ممن أدركه الإحصاء دون من لم يعرف.(2)

وقال في العقد الفريد: كان جميع من قتل يوم الحرة من قريش والأنصار ثلاثمائة رجل وستة رجال، ومن الموالي وغيرهم أضعاف هؤلاء.(3)

وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: بلغ عدة قتلي الحرة من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الناس ألف وسبعمائة ومن سائر الناس عشرة آلاف سوي النساء والصبيان. وقال في موضع آخر منه: أنه قتل يوم الحرة من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم ثمانون رجلا ولم يبق بدري بعد ذلك، ومن قريش والأنصار سبعمائة ومن سائر الناس من الموالي والعرب والتابعين عشرة0.

ص: 151


1- أنظر: تاريخ الطبري 4: 366 - 381؛ البداية والنهاية 8: 238 - 243.
2- مروج الذهب 3: 85.
3- العقد الفريد 4: 390.

آلاف، ثم نقل نحواً من ذلك عن الزهري، ثم قال: قال أبو معشر: حدثنا محمّد بن عمرو بن حزم قال: قتل بضعة وسبعون رجلا من قريش وبضعة وسبعون رجلا من الأنصار وقتل من الناس نحو من أربعة آلاف، انتهي.(1)

وأباح مسرف المدينة ثلاثا للجيش كما أمره يزيد يقتلون وينهبون، وسماها نتنة وقد سماها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم طيبه.

قال ابن قتيبة: فما ترك في المنازل من أثاث ولا حلي ولا فراش لا نفض صوفه حتي الحمام والدجاج كانوا يذبحونها، وقال: إنهم دخلوا علي أبي سعيد الخدري صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقالوا: أخرج إلينا ما عندك، فقال: والله ما عندي مال، فنتفوا لحيته وضربوه ضربات ثم أخذوا كل ما وجدوه في بيته حتي الصوف وحتي زوج حمام كان له، وحكي ابن قتيبة أيضاً عن أبي معشر أن رجلا من أهل الشام دخل علي امرأة نفساء من نساء الأنصار فحلفت له أنهم لم يتركوا لها شيئا، فتهددها بقتلها أو قتل ولدها إن لم تخرج له شيئا، فذكرت له أنه ابن أبي كبشة الأنصاري صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأنها بايعت معه بيعة الشجرة، ثم قالت لابنها: لو كان عندي شيء لأفتديتك به، فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها فضرب به الحائط فانتشر دماغه، فلم يخرج حتي اسود نصف وجهه.(2)

وولد في المدينة بعد تلك الوقعة ألف مولود لا يعرف لهم أب، وكان الرجل من أهل المدينة إذ أراد تزويج ابنته بعد وقعة الحرة لا يضمن بكارتها يقول لعلها أصابها شيء يوم الحرة،(3) وأمر مسرف بقتل جماعة من الأسري صبراً، وبايع أهل المدينة علي أنهم عبيد خول ليزيد بن معاوية يحكم في6.

ص: 152


1- الإمامة والسياسة 1: 237 - 243.
2- الإمامة والسياسة 1: 235 - 238.
3- تاريخ الفخري: 86.

دمائهم وأموالهم وأهليهم، وكل من امتنع عن ذلك قتل ولو قبل بعد ذلك، ولم يستثن غير عليّ بن الحسين عليهما السلام فإنه بايعه علي أنه أخوه وابن عمه،(1) وعليّ بن عبد الله بن العباس وكانت أمه من كندة، فقال الحصين بن نمير: لا يبايع ابن اُختنا إلاّ كبيعة عليّ بن الحسين وقامت معه كندة فتركه مسلم،(2) وبعث بالرؤوس إلي يزيد بالشام.

(فعل الوليد):

(122) هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم.

قال ابن الأثير: ومما اشتهر عنه _ يعني عن الوليد _ أنه فتح المصحف فخرج: (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)(3) فألقاه ورماه بالسهام وقال:

تهددني بجبار عنيد *** فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر *** فقل يا رب مزقني الوليد

فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتي قتل، انتهي. وقال ابن الأثير أيضاً: أنه لما ولي الحج حمل معه كلابا في صناديق وعمل قبة علي قدر الكعبة ليضعها علي الكعبة، وحمل معه الخمر وأراد أن ينصب القبة علي الكعبة ويشرب فيها الخمر فخوفه أصحابه من الناس فلم يفعل. وقال ابن الأثير أيضاً: أن الوليد أفرط في الشراب وطلب اللذات، فقال له هشام يعني ابن عبد الملك: والله ما أدري علي الإسلام أنت أم لا؟ ما تدع شيئا من المنكر إلاّ أتيته غير متحاش، فكتب إليه الوليد:

يا أيها السائل عن ديننا *** نحن علي دين أبي شاكر

ص: 153


1- شرح نهج البلاغة 15: 242.
2- شرح نهج البلاغة 3: 259.
3- إبراهيم: 15.

نشربها صرفا وممزوجة *** بالسخن أحيانا وبالفاتر

وأبو شاكر هو مسلمة بن هشام.(1)

وذكر صاحب العقد الفريد أنه لما كثر القول في الوليد قال:

خذوا ملككم لا ثبّت الله ملككم *** ثباتا يساوي ما حييت عقالا

دعوا لي سليمي مع طلاء وقينة *** وكأس ألا حسبي بذلك مالا

وذكر المسعودي عن المبرد أن الوليد ألحد في شعر له ذكر فيه النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، فمنه قوله:

تلعّب بالخلافة هاشمي *** بلا وحي أتاه ولا كتاب

فقل لله يمنعني طعامي *** وقل لله يمنعني شرابي(2)

(ما فعله بسر بن أرطاة):

(123) بسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة ابن أرطاة ويقال ابن أبي أرطاة، أرسله معاوية بجيش عدده ألفان وستمائة مقاتل إلي مكة والمدينة واليمن، فأخرج عنها عمال أمير المؤمنين عليه السلام وهم: أبو أيوب الأنصاري عامل المدينة وعبد الله وقثم ابنا العباس، وأخاف الناس وتهددهم وشتمهم، وقتل كل من لم يبايع لمعاوية وكل من ظفر به من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام حتي قتل في وجهه ذلك ثلاثين ألفا، وحرق قوما بالنار وأحرق دورا كثيرة، وممن قتله غلامان صغيران لعبيد الله بن العباس عامل اليمن اسمهما سليمان وداود كانا بمكة فهربا مع أهل مكة فأضلوهما وهجم عليهما

ص: 154


1- الكامل في التاريخ 5: 289 و290.
2- مروج الذهب 3: 228.

بسر فأخذهما وذبحهما، وقيل بل قتلهما باليمن علي درج صنعاء، فقالت اُمهما ترثيهما:

ها من أحس بابني اللذين هما *** كالدرتين تشظي عنهما الصدف

ها من أحس بابني اللذين هما*** سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختلف

ها من أحس بابني اللذين هما *** مخ العظام فمخي اليوم مزدهف

نبئت بسراً وما صدقت ما زعموا *** من قتلهم ومن الأفك الذي اقترفوا

أنحي علي ودجي ابنّي مرهفة *** مشحوذة وكذاك الإثم يقترف

من دلَّ والدةً حسري مسلبةً *** علي صبيين ضلاّ إذ مضي السلف(1)

(ما فعله المتوكل العبّاسي):

(124) ذكر ابن الأثير في تاريخه المعروف بالكامل في حوادث سنة ست وثلاثين ومائتين ما نصه: في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن عليّ عليه السلام وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يبذر ويسقي موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه، فنادي بالناس في تلك الناحية من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق، فهرب الناس وتركوا زيارته وخرب وزرع، وكان المتوكل شديد البغض لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ولأهل بيته، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولي عليّاً وأهله بأخذ المال والدم، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث وكان يشد علي بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهو أصلع ويرقص بين يدي المتوكل والمغنون يغنون:

قد أقبل الأصلع البطين *** خليفة المسلمين

ص: 155


1- أنظر: شرح نهج البلاغة 2: 9 - 14؛ أمالي المفيد: 306؛ بحار الأنوار 44: 128.

والمتوكل يشرب ويضحك، ففعل ذلك يوما والمنتصر حاضر فأومأ إلي عبادة يتهدده فسكت خوفا منه، فقال المتوكل: ما حالك؟ فقام وأخبره، فقال المنتصر: يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمك وشيخ أهل بيتك وبه فخرك فكل أنت لحمه إذا شئت ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه، فقال المتوكل للمغنين غنوا جميعا:

غار الفتي لابن عمه *** رأس الفتي في حرامه

فكان هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل، انتهي.(1)

(125) في العقد الفريد: قال إسحاق بن محمّد الأزرق: دخلت علي منصور بن جمهور الأزدي بعد قتل الوليد بن يزيد وعنده جاريتان من جواري الوليد، إلي أن قال: قالت إحداهما: كنّا أعزّ جواريه عنده فنكح هذه، فجاء المؤذنون يؤذنونه بالصلاة، فأخرجها وهي سكري جنبة متلثمة فصلت بالناس.(2)

(ولاية النساء في خلافة بني العبّاس):

(126) وذلك في خلافة بني العباس كما أشار إليه أبو فراس الحمداني بقوله:

بنو عليّ رعايا في ديارهم *** والأمر تملكه النسوان والخدم(3)

فمنهن الخيزران زوجة المهدي بن المنصور وأم موسي الهادي، قال ابن الأثير في وفاة موسي الهادي: قيل أنها كانت من قِبَل جوار لأمه الخيزران كانت أمرتهن بقتله، وكان سبب أمرها بذلك أنه لما ولي الخلافة كانت تستبد بالأمور دونه وتسلك به مسلك المهدي حتي مضي أربعة أشهر، فانثال الناس إلي بابها، وكانت المواكب تغدو

ص: 156


1- الكامل في التاريخ 7: 55.
2- العقد الفريد 5: 205.
3- أبو فراس الحمداني ذكره الشيخ الأميني في جملة شعراء القرن الرابع مع القصيدة المذكورة في كتابه الغدير 3: 399 - 402.

وتروح إلي بابها، ثم ذكر أنها سألته حاجة لرجل فلم يجد إلي إجابتها سبيلا فغضبت... إلي آخر ما ذكر، وكانت عدّة من أمهات خلفاء بني العباس لهن بيوت أموال كالخلفاء، قال ابن الأثير في ذكر البيعة للمعتز ما لفظه: وفي بيت مال أم المستعين قيمة ألف ألف دينار، انتهي.

ولهن في الحكم علي الخلفاء والاستبداد بالأمور دونهم قضايا كثيرة يطول شرحها.

(قرد يزيد بن معاوية):

(127) قال المسعودي: كان ليزيد بن معاوية قرد يكني بأبي قيس يحضره مجلس منادمته ويطرح له متكأ، وكان قردا خبيثا، وكان يحمله علي أتان وحشية قد ريضت وذللت بسرج ولجام ويسابق بها الخيل يوم الحلبة، فجاء في بعض الأيام سابقا فتناول القصبة ودخل الحجرة قبل الخيل وعلي أبي قيس قباء من الحرير الأحمر والأصفر مشهر وعلي رأسه قلنسوة من الحرير ذات ألوان بشقائق وعلي الأتان سرج من الحرير الأحمر منقوش ملمع بأنواع من ألوان، فقال في ذلك بعض شعراء الشام في ذلك اليوم:

تمسك أبا قيس بفضل عنانها *** فليس عليها إن سقطت ضمان

ألا من رأي القرد الذي سبقت به *** جياد أمير المؤمنين أتان

انتهي،(1) ورأيت أن بعض نساء الخلفاء من بني العباس كان لها قرد وكانت تلبسه الملابس الفاخرة وله خدم وحشم، وقد غاب عني الآن الموضع الذي رأيت ذلك فيه، فإن اتفق عثوري عليه اثبته إن شاء الله، وهو الذي يقول فيه أبو فراس الحمداني رحمه الله.

ص: 157


1- مروج الذهب 3: 67 و68.

(128) وهم كثيرون في بني أمية وبني العباس يطول الكلام بذكرهم وذكر سيرهم، وكتب الآثار كافلة بمعرفتهم.

(129) الواو في قوله: ومن كان حالية.

(130) تذكير إثنين باعتبار المعني وتأنيث عشر باعتبار لفظ حجة كما مر نظيره.

(131) الدثر بفتح الدال: المال الكثير.

(132) مذ خ ل.

(133) مع خ ل.

(134) الجأر بفتح الجيم رفع الصوت.

* * *

ص: 158

(مناقب أمير المؤمنين عليه السلام)

(سورة هل أتي):

(135) في الكشاف في تفسير سورة (هَلْ أَتي عَلَي الإِْنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)(1) ما لفظه: عن ابن عباس رضي الله عنه أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت علي ولدك، فنذر عليّ وفاطمة وفضة جارية لهما إن برءا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص علي عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فلما أصبحوا أخذ عليّ رضي الله عنه بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال: ما أشد ما يسؤني ما أري بكم، وقال: فانطلق معهم فرأي فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها فسآءه ذلك، فنزل جبرئيل وقال: خذها يا محمّد هنأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة، انتهي.(2)

وقال السيوطي في لباب النقول في أسباب النزول ما لفظه: أخرج الطبراني في

ص: 159


1- الإنسان: 1.
2- الكشاف 2: 531.

الأوسط بسند فيه مجاهيل عن عمار بن ياسر قال: وقف علي عليّ بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فنزلت: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)(1) الآية. وله شاهد، قال عبد الرزاق: حدثنا عبد الوهاب عن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) الآية. قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب. وروي ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس مثله، وأخرج أيضاً عن عليّ مثله، وأخرج ابن جرير عن مجاهد وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل مثله، فهذه شواهد يقوي بعضها بعضا، انتهي.(2)

(آية المباهلة):

(136) وهي قوله تعالي في سورة آل عمران: (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَي الْكاذِبِينَ)(3) نزلت في نصاري نجران حين دعاهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي المباهلة في شأن عيسي عليه السلام ، ففي تفسير الجلالين: وقد خرج ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعليّ وقال لهم: إذا دعوت فأمنوا، فأبوا أن يلاعنوا وصالحوه علي الجزية، رواه أبو نعيم، انتهي.(4)

وفي الكشاف: فأتوا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمنوا، فقال أسقف نجران: يا معشر النصاري إني لأري وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقي علي وجه الأرض

ص: 160


1- المائدة: 55.
2- لباب النقول: 81.
3- آل عمران: 61.
4- تفسير الجلالين: 74.

نصراني إلي يوم القيامة،... إلي أن قال: وفيه دليل لا شيء أقوي منه علي فضل أصحاب الكساء عليهم السلام ، انتهي.(1)

أقول: وفي هذه الآية دلالة علي أن عليا عليه السلام أفضل الأمة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لقوله: وأنفسنا، فإن المراد به عليا عليه السلام لأنه غير داخل في الأبناء ولا في النساء مع أنه من المدعوين بالاتفاق، ولأن دعاء الإنسان نفسه غير معقول، أو المراد به النبي صلي الله عليه وآله وسلم مع عليّ بناء علي صحة إضافة الدعوة إلي النفس بنوع من المجاز، وكيف كان فقد أطلق علي عليّ عليه السلام في هذه الآية أنه نفس رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مع أنه غيره يقينا، فلا بدّ أن يكون المراد مساواته له في جميع الصفات مجازا خرج من ذلك النبوة والفضل للاتفاق علي أن عليا عليه السلام لم يكن نبيا وكان النبي صلي الله عليه وآله وسلم أفضل منه، وغيرهما مما علم عدم المشاركة فيه، فبقي ما عداه داخلا في العموم ومن جملته النبي صلي الله عليه وآله وسلم أفضل من جميع أمته فتكون هذه الصفة ثابتة لعليّ عليه السلام.

وحكي الفخر الرازي في تفسير هذه الآية عن الشيعة الاستدلال علي تفضيل عليّ عليه السلام علي سائر الصحابة بنحو ما مر، وحكي هو أيضاً عن معاصره سديد الدين محمود الحمصي الرازي من أجلاء علماء الإمامية الأثني عشرية الاستدلال بها علي فضيلته عليه السلام علي سائر الأنبياء غير النبي صلي الله عليه وآله وسلم بالتقريب المتقدم، قال الرازي: ثم قال _ يعني الحمصي: ويؤيد الاستدلال بهذه الآية الحديث المقبول عند الموافق والمخالف وهو قوله عليه السلام: (من أراد أن يري آدم في علمه، ونوحا في طاعته، وإبراهيم في خلته، وموسي في هيبته، وعيسي في صفوته فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ) فالحديث دل علي أنه اجتمع فيه ما كان متفرقا فيهم اه- .(2)3.

ص: 161


1- الكشاف 1: 282 و283؛ عنه بحار الأنوار 21: 282.
2- تفسير الرازي 8: 86؛ عنه بحار الأنوار 21: 282 و283.

ولم يكن عند الرازي ما يرد له هذا الاستدلال غير الإجماع، وأني له بإثباته في موضع النزاع؟

(آية التطهير وحديث الكساء):

(137) وهي قوله تعالي في سورة الأحزاب: (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1) في الكشاف في تفسير سورة آل عمران (ما لفظه): عن عائشة أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خرج وعليه مرط مرحل(2) من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم عليّ، ثم قال: (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) انتهي.(3)

وفي غاية المرام عن مسند أحمد بن حنبل بسنده عن واثلة بن الأسفع في حديث: جاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أي إلي بيت فاطمة فجلس ومعه عليّ وحسن وحسين آخذا كل واحد منهما بيده حتي دخل، فأدني عليّاً وفاطمة فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما علي فخذه، ثم لف عليهم ثوبه، أو قال: كساء، ثم تلا هذه الآية: (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق (كذا).(4)(5)

ص: 162


1- الأحزاب: 33.
2- المرط بالكسر فالسكون كساء من صوف وخز والمرحل، ذكره في النهاية الأثيرية بالحاء المهملة فقط هكذا: خرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل، المرحل الذي قد نقش فيه تصاوير الرحال، انتهي، وبعضهم يرويه بالجيم، أي الذي نقش فيه تصاوير الرجال لا المراجل لأن ذلك الممرجل بميمين. (المؤلف).
3- الكشاف 1: 282؛ عنه بحار الأنوار 21: 281.
4- لعل الصواب أو أهل بيتي حقاً كما في بعض الأخبار غيره فليراجع. (المؤلف).
5- غاية المرام 3: 177 - 180؛ عن مسند أحمد 4: 107 و6: 323.

وفي رواية قال واثلة: وأنا من أهلك يا رسول الله؟ قال: وأنت من أهلي، وسيأتي الجواب عنه.

وفيه عن مسند أحمد بن حنبل أيضاً في حديث: أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان في بيت أم سلمة ومعه فاطمة وعليّ وحسن وحسين، فنزلت هذه الآية: (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ) إلخ. ومع النبي صلي الله عليه وآله وسلم كساء خيبري، فأخذ فضل الكساء وكساهم به، ثم أخرج يده فألوي بها إلي السماء وقال: هؤلاء أهل بيتي وخاصتي اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: إنك إلي خير، إنك إلي خير.

وفي رواية فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي، فقال: إنك إلي خير.

وعن سنن الترمذي بسنده عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: نزلت هذه الآية (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ) الخ. في بيت أم سلمة، فدعا النبي صلي الله عليه وآله وسلم عليّاً وفاطمة وحسنا وحسينا، فجللهم بكساء وعليّ خلف ظهره، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت علي مكانك وأنت إلي خير.(1)

وعن سنن الترمذي أيضاً عن أم سلمة أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم جلل علي الحسن والحسين وعليّ وفاطمة كساء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: قفي في مكانك إنك علي خير، هذا حديث حسن صحيح وهو أحسن شيء روي في هذا الباب، انتهي.(2) وأخرج البيهقي والحاكم نحوه وصححه فيما حكي عنهما.(3)2.

ص: 163


1- سنن الترمذي 5: 31.
2- سنن الترمذي 5: 361.
3- أنظر: مستدرك الحاكم 2: 416، 3: 147؛ سنن البيهقي 2: 152.

وفي غاية المرام عن موفق بن أحمد في كتابه بسنده: قالت أم سلمة: في بيتي نزلت (إِنَّما يُرِيدُ) إلخ. فأرسل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي عليّ وفاطمة والحسن والحسين فقال: هؤلاء أهلي، فقلت: يا رسول الله ما أنا من أهل البيت؟ فقال: بلي إن شاء الله.(1) وفي رواية قلت: يا رسول الله ألست من أهلك؟ قال: بلي، فأدخلني في الكساء بعد ما قضي دعاءه لهم.(2)

أقول: ما في الحديثين الأخيرين ينافيه ما سبق من جذبه الكساء من يدها ومن اقتصاره علي قول إنك علي خير الدال علي أن هذه المنزلة ليست لها ولا لغيرها، وقوله: أنت علي مكانك وأنت إلي خير، أو قفي في مكانك إنك إلي خير، كما يدل عليه أيضاً ما مر في أخبار الثقلين من خروج نسائه عن أهل بيته واختصاصهم عن حرم الصدقة بعده، وبه يعارض ما مرّ من أنه قال لواثلة: أنت من أهلي، أو يحمل كونه هو وأم سلمة من أهله، أو من أهل البيت علي معني آخر غير ما ثبت لأهل البيت عليهم السلام من كونهما ناجيين كما ورد: (سلمان منا أهل البيت) لا علي المساواة، ويحمل في أم سلمة علي تعدد الواقعة كما سيأتي إن شاء الله، هذا إن لم يكن ذلك من الزيادات التي يراد بها إبطال كل حديث ورد في فضل أهل البيت وتوهينه كزيادة الحائط والسقف في حديث مدينة العلم، وزيادة كهول أهل الجنة في حديث سيدي شباب أهل الجنة مع أنه ليس في الجنة كهول وغير ذلك، ومما مر من الأحاديث المستفيضة المفسرة لأهل البيت ظهر بطلان ما يتشبث به البعض من حمل أهل البيت علي نساء النبي بقرينة السياق مع أن ضمير عنكم ويطهركم الخاص بالمذكر يأبي الحمل علي إرادة النساء.

وفي صحيح مسلم(3) عن عائشة: خرج النبي صلي الله عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط).

ص: 164


1- غاية المرام 3: 186؛ عن المناقب للخوارزمي: 61/ ح 30.
2- الطرائف: 30؛ عنه بحار الأنوار 45: 199؛ وغاية المرام 3: 179؛ عن مسند أحمد 6: 298.
3- صفحة 320 و321/ ج 9 بهامش إرشاد الساري/ طبع مصر. (المؤلف).

مرحل أو مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله، ثم قال: (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ) الآية.

وفي غاية المرام من تفسير الثعلبي: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نزلت هذه الآية في خمسة: فيّ وفي عليّ وفي حسن وحسين وفاطمة (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

وفيه من تفسير الثعلبي أيضاً عن أبي الحمراء: أقمت بالمدينة تسعة أشهر وكان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يجيء كل غداة فيقوم علي باب عليّ وفاطمة عليهما السلام فيقول: الصلاة (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ) الآية.

وفيه من كتاب موفق بن أحمد: لما نزل قوله تعالي: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يأتي باب فاطمة وعليّ عليهما السلام تسعة أشهر كل صلاة فيقول: يرحمكم الله (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ) الآية.

وفيه عن سنن أبي داود وموطأ مالك عن أنس أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يأتي باب فاطمة إذا خرج إلي صلاة الفجر حين نزلت هذه الآية قريبا من ستة أشهر يقول: الصلاة يا أهل البيت (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ) الآية.

وفيه من كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لموفق بن أحمد صدر الأئمّة أخطب الخطباء: أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جاء إلي باب فاطمة علي أربعين صباحا بعد ما دخل علي فاطمة فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الصلاة يرحمكم الله (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

وفيه عن الجمع بين الصحاح الستة وكتاب الحمويني والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي عن جامع الترمذي وغيرها بهذه المضامين ما يطول

ص: 165

الكلام بنقله، ومجموعه أحد وأربعون حديثا من طرق أهل السنة، وروي فيه من طرق الشيعة أربعة وثلاثين حديثا.(1)

وفي ينابيع المودة أخرج الطبراني وابن جرير وابن المنذر عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فجاءت فاطمة ببرمة فيها ثريد، فقال صلي الله عليه وآله وسلم لها: إدعي زوجك وحسنا وحسينا فدعتهم، فبيناهم يأكلون إذ نزلت هذه الآية، فغشاهم بكساء خيبري كان عليه فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ثلاث مرات.

وفيه عن الحافظ جمال الدين الزرندي عن الحافظ ابن مردويه عن أم سلمة قالت: كان جبرئيل في الكساء معهم وفيه من المحب الطبري أن هذا الفعل صدر منه مكررا، مرة في بيت أم سلمة ومرة في بيت فاطمة وفيه قال الشريف السمهودي: كلمة إنما للحصر تدل علي أن إرادته تعالي منحصرة علي تطهيرهم، وتأكيده بالمفعول المطلق دليل علي أن طهارتهم طهارة كاملة في أعلي مراتب الطهارة، انتهي.(2)

ثم إن في ذيل بعض الأخبار المتقدمة عن واثلة، قلت لواثلة: ما الرجس؟ قال: الشك في الله.

وفي شرح صحيح مسلم للنووي: قيل هو الشك، وقيل العذاب، وقيل الإثم. وقال الأزهري الرجس اسم لكل مستقذر من عمل، انتهي النووي،(3) والظاهر منه أنه كل شيء مستقبح قولا وعملا وصفة وخلقا وغيرها في الدين5.

ص: 166


1- أنظر: غاية المرام 3: 177 - 192.
2- ينابيع المودة 1: 320 - 323.
3- شرح صحيح مسلم 15: 195.

والدنيا كما يشير إليه تفسير الأزهري، لأنه في اللغة القذر، وليس المراد القذرة الظاهرية، بل هو كناية عن القذارة المعنوية، وهو معرف باللام فيفيد العموم سيما مع تأكيده بقوله ويطهركم تطهيرا المفيد للعموم أيضاً بحذف المتعلق، وأما تفسير واثلة له بالشك فلا يكاد يصح، فإن ذلك ليس خاصا بهم عليهم السلام ولا يوجب لهم صفة يمتازون بها عن غيرهم وتقتضي كل هذا الاهتمام كما تقتضيه تلك الأخبار ويقتضيه هذا التعبير المشتمل علي الحصر وزيادة التأكيد، فالآية مع ما ورد فيها من أوضح الأدلة علي عصمة أهل الكساء عليهم السلام.

* * *

ص: 167

ص: 168

(سرداب الغيبة)

(138) هذا البيت وما بعده إشارة إلي دفع ما يتوهم من أن الشيعة تقول بأن المهدي غاب في السرداب وأنه موجود مقيم فيه ومنه يكون خروجه كما توهمه صاحب القصيدة وأشار إليه بقوله: فما أسعد السرداب... إلخ، وقوله: فيا للأعاجيب... إلخ، بل ربما سري هذا الوهم إلي بعض الشيعة، وقد شنع عليهم السنة بذلك مع أنه من المشهورات التي لا أصل لها كما ستعرف، وفي بعض كتب أهل السنة أن الشيعة كانوا يأتون بفرس مسرج كل جمعة إلي باب السرداب وبأيديهم السيوف وينادون أخرج إلينا يا مولانا، وفي بعضها أن ذلك في بغداد مع أن السرداب ليس ببغداد، وافتري علي الشيعة أنهم يفعلون ذلك ببغداد أو من فعل بعض الجهال من الشيعة، وقد نسب إلي الشيعة أمور كثيرة هم بريئون منها ليس هذا مقام ذكرها، والسبب في النسبة أحد الأمور المذكورة، وحقيقة الأمر أنه قد ورد في أخبار أهل البيت عليهم السلام بعض الأعمال والصلاة عند زيارة السرداب الذي كان في دار العسكريين عليهما السلام التي فيها قبرهما عليهما السلام ، ووردت زيارة للمهدي عليه السلام في ذلك السرداب، ورويت معجزة له عليه السلام تقدم ذكرها عند ذكر الفاضل الجامي أحد المعترفين بولادته من أهل السنة وستأتي إشارة إليها، وكل ذلك مما يدل علي تعظيمه مع أنه كان مسكنا لثلاثة من أهل البيت عليهم السلام ومحلاً لعبادتهم فكان من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه فلذلك كانت الشيعة تعظمه، وفي كتب المزارات ورد تسميته بسرداب الغيبة فتوهم من ذلك أنهم يعتقدون بوجود

ص: 169

صاحب الزمان فيه وأنه محل غيبته مع إنه لم يرد خبر ولا وجد في كتاب من كتب الشيعة أن المهدي عليه السلام غاب في السرداب ولا أنه موجود فيه ولا أنه عند ظهوره يخرج منه، بل يكون خروجه بمكة ويبايع بين الركن والمقام.

وأما تسمية السرداب بسرداب الغيبة فلعل وجهه ما ذكر في حديث الجامي المشار إليه آنفا وغيره من وجوده في السرداب عند حصول سبب الغيبة، وقد نقل مثل ذلك الحديث عن خرائج الراوندي(1) في بعض النسخ، وعن بعضها: ثم بعثوا عسكرا أكثر، فلما دخلوا الدار سمعوا من السرداب قراءة قرآن فاجتمعوا علي بابه وحفظه حتي لا يصعد ولا يخرج، وأميرهم قائم حتي يصل العسكر كلهم، فخرج من السكة التي علي باب السرداب ومر عليهم، فلما غاب قال الأمير انزلوا عليه، فقالوا: أليس هو قد مر عليك؟ فقال: ما رأيت، وقال: ولم تركتموه؟ قالوا: حسبنا أنك تراه.(2)

(139) وهم عليّ الهادي وابنه الحسن العسكري وابنه صاحب الزمان عليهم السلام.

(140) الثبر بالفتح: اللعن والطرد.

(قصة عبد الرحمن الجامي):

(141) إشارة إلي ما تقدم ذكره في كلام عبد الرحمن الجامي أحد المعترفين بولادته من علماء السنة، قال الفاضل المعاصر النوري رحمه الله في كشف الأستار وهي أي قصة المعتضد التي نقلها الجامي موجودة في كتبهم _ يعني كتب أهل السنة _ بأسانيدهم، ولكنهم ساقوا المتن هكذا: عن رشيق صاحب المادراي: قال بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر، إلي أن قال: فوافينا سامره فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود وفي يده تكة ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها؟ فقال: صاحبها،

ص: 170


1- الخرائج والجرائح 1: 460.
2- الخرائج والجرائح 2: 942.

فو الله ما التفت إلينا وقلّ اكتراثه بنا، فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا داراً سرية ومقابل الدار ستر ما نظرت قط أنبل منه كأن الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت، ولم يكن في الدار أحد، فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأن بحراً فيه وفي أقصي البيت حصير قد علمنا أنه علي الماء وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي فلم يلتفت إلينا ولا إلي شيء عن أسبابنا، فسبق أحمد بن عبيد الله ليتخطي البيت فغرق في الماء إلي آخر ما ذكر مما يقرب ما في خبر الجامي وليس فيه ذكر للسرداب أصلا، انتهي.(1)

(142) قوله: وإن زهر السرداب... إلخ أي بسكناه فيه في حياته.

* * *

والحمد لله الذي وفق لإتمام هذه القصيدة مع ما علقناه عليها من الشرح، وكان أوّلاً بصفة الحاشية ثم جعلناها ممزوجة مع الأبيات، وطبعنا منه أوّلاً عدة كراريس بصفة الحاشية لنسياننا النسخة المشروحة، ثم عثرنا عليها فطبعنا الباقي علي طريقة المزج، وكان الفراغ من تبييضها بعد ظهر يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر ربيع الثاني سنة 1328 ثمان وعشرين بعد الألف وثلثمائة من الهجرة النبوية بدمشق المحروسة بعد أن فرغنا من تسويدها في النجف الأشرف الغروي قبل ذلك التاريخ بما يزيد من عشر سنين، وكانت نحوا من مائة وخمسين بيتا فزدنا عليها ونقصنا منها حتي بلغت الآن ثلثمائة بيتا وتسعة أبيات علي يد ناظمها وشارحها العبد الفقير إلي عفو ربه الغني محسن بن المرحوم السيد عبد الكريم بن عليّ بن محمّد الأمين ابن أبي الحسن موسي بن حيدر بن أحمد الحسيني العاملي نزيل دمشق الشام حامداً مصلياً مسلماً.

* * *

ص: 171


1- كشف الأستار: 212.

ص: 172

مصادر التأليف والتحقيق

القرآن الكريم.

أبجد العلوم: الصديق حسن خان.

إرشاد الساري: أحمد بن محمّد الشافعي القسطلاني.

أسباب النزول: أبي الحسن عليّ النيسابوري.

الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر العسقلاني.

أعلام الأخيار: محمود الكفوي.

إعلام النبوة: الماوردي الشافعي.

الإمامة والسياسة: ابن قتيبة الدينوري.

إنسان العيون: برهان الدين الحلبي.

البيان في أخبار صاحب الزمان: محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي.

تاريخ الأمم والملوك: أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري.

تاريخ الخميس: حسين الدياربكي.

تاريخ علماء مصر: صلاح الدين الصفدي.

تاريخ فخر الدين الناكيني: الناكيني.

تاريخ مدينة دمشق: الحافظ أبي القاسم عليّ الشافعي (ابن عساكر).

تذكرة خواص الأمّة في معرفة الأئمّة: أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي.

التعريف والإعلام فيما أبهم من القرآن: أبي القاسم عبد الرحمن السهيلي.

تفسير الجلالين: جلال الدين السيوطي.

ص: 173

التفسير الكبير: الفخر الرازي.

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: ابن عبد البر الأندلسي.

التهذيب: الإمام النووي.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن: أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري.

الجامع الصحيح: الحافظ محمّد بن عيسي الترمذي.

الجامع الصحيح: الإمام مسلم النيسابوري.

الجمع بين الصحيحين: الحافظ أبي عبد الله محمّد الحميدي.

الجواهر الحسان في تفسير القرآن: عبد الرحمن بن محمّد الثعالبي المالكي.

الدر المنثور: جلال الدين السيوطي.

روضة الأحباب: جلال الدين الشيرازي.

سفر السعادة: مجد الدين الفيروز آبادي.

السنن: أبي داود السجستاني.

سير الصحابة: عبد الله سلام بن محمّد الخوارزمي.

شرح صحيح مسلم: الإمام النووي.

شرح العقائد النسفية: سعد الدين التفتازاني.

شعب الإيمان: البيهقي.

الشقائق النعمانية: أحمد طاشكبري زاده.

صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري.

طبقات الشافعية الكبري: عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي.

عجائب الآثار: عبد الرحمان الحنفي.

العقد الفريد: ابن عبد ربه المالكي.

غاية المرام في حجة الخصام: السيد هاشم البحراني.

ص: 174

فتح الباري في شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني.

الفتوحات المكية: محي الدين ابن العربي.

فرائد السمطين: إبراهيم بن محمّد الحمويني.

الفصول المهمة في معرفة الأئمّة: عليّ ابن الصباغ المالكي.

فضائل عليّ أمير المؤمنين: موفق بن أحمد (أخطب خوارزم).

الفواتح: معين الدين الميبدي.

الكامل في التأريخ: عز الدين المشهور بابن الأثير.

الكبريت الأحمر: الشعراني.

الكشاف في تفسير القرآن: أبو القاسم محمود الزمخشري.

كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار: الميرزا حسين النوري.

كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: حاجي خليفة.

كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه (الصدوق).

لواقح الأخبار: الشعراني.

مجمع البيان في تفسير القرآن: أمين الإسلام أبي عليّ الفضل الطبرسي.

مروج الذهب: أبي الحسن بن عليّ المسعودي.

مسند أحمد: الإمام أحمد بن حنبل.

مطالب السؤول في مناقب آل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: محمّد ابن طلحة الشافعي.

المعمرين من العرب: أبو حاتم سهل بن محمّد بن عثمان السجستاني.

المكاشفات: علاء الدولة السمناني.

المناقب: أبي الحسن ابن المغازلي الشافعي.

منهاج السنة: أحمد ابن تيمية.

مودة القربي: سيد عليّ بن شهاب الهمداني.

ص: 175

نفحات الأنس: عبد الرحمن الجامي.

نور الأبصار في مناقب آل البيت الأطهار: مؤمن بن حسن الشبلنجي المصري.

النهاية الأثيرية في تفسير الحديث: لابن أثير.

ينابيع المودة لذوي القربي: سليمان القندوزي.

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر: عبد الوهاب الشعراني.

* * *

ص: 176

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.