وسائل الوصول إلي شمائل الرسول صلّي الله عليه و آله و سلّم

اشارة

وسائل الوصول إلي شمائل الرسول صلّي الله عليه و آله و سلّم

نويسنده: يوسف بن اسماعيل نبهاني

ناشر: دارالمنهاج - بيروت لبنان

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

وسائل الوصول إلي شمائل الرسول صلّي الله عليه و آله و سلّم

نويسنده: يوسف بن اسماعيل نبهاني

ناشر: دارالمنهاج - بيروت لبنان

ص: 4

وسائل الوصول إلي شمائل الرسول صلّي الله عليه و آله و سلّم

ص: 5

ص: 6

تمهيد

بقلم الدكتور محمّد عبد الرحمن شميلة الأهدل (1)

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين،و الصلاة و السلام علي سيدنا محمد و علي آله و صحبه أجمعين،و بعد:

لقد حظي تاريخ العظماء بالاهتمام البالغ علي امتداد تاريخ الأمم الإنسانيّة،فدوّنت سيرهم و أخبارهم،و رصدت في جبين التّاريخ حياتهم و شمائلهم،و أضاءت في سماء المعالي أخلاقهم،و ارتوي التّابعون من مناهلهم الرّويّة،و رأوا أنّ ذلك هو المنهج الأقوم،و السّبيل الّذي لا اعوجاج فيه.

و لا مراء أنّ أعظم عظماء الإنسانيّة علي الإطلاق،و أفضل المصطفين..هو منقذ البشريّة من الضّلالة و العمي؛من جعله اللّه تعالي الرّحمة المهداة،و ختم به الرّسالات السّماويّة:أبو القاسم محمّد بن عبد اللّه،النّبيّ الأوّاه صلّي اللّه عليه و سلّم.

فهو أولي أن تدوّن شمائله،و أن تقرع الأسماع صفاته الخلقيّة و الخلقيّة،و سمته و هديه،و أمره و نهيه.

ص: 7

(2)

لذلك دأب أولو العلم علي تقييد ذلك كلّه،و عنوا منذ فجر تاريخ الدّعوة الإسلاميّة بكلّ ما يتّصل به صلّي اللّه عليه و سلّم من الأمور الشّرعيّة، أو الشّئون العاديّة،و كان ذلك بطريقة استيعابيّة،و أسلوب استقصائيّ، بحيث إنّ هذه المعارف الوفيرة جلّت لنا تلك الشّخصية الفريدة،بكلّ خصائصها و سماتها،فكانت هذه العلوم منارا تتراءي في ضيائه الشّخصية المحمّديّة تزهو في حلل الكمال و الجمال،و ينبعث من تلك الذّات أريج الجلال و الهيبة و العظمة،و كيف لا تكون كذلك،و قد حلّي التّنزيل الحكيم جيده بعقود المدح و التّكريم،فقال له: وَ إِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ .

(3)

و لأنّ الرّعيل الأول من الصّحب الكرام هم الجيل المثاليّ؛لأنّهم خرّيجو مدرسة النّبوّة،الّذين تلقّفوا الفرقان غضّا طريّا من في رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و إنّهم كانوا أشدّ الخلق هيبة له،و أكثرهم أدبا معه،و أعظمهم إجلالا له و توقيرا..من أجل ذلك لم يكونوا يرفعون أبصارهم إلي محيّاه هيبة و إجلالا،و إعظاما و إكبارا.

و إذا تأمّلنا معظم أحاديث الشّمائل التي تحكي صفات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم الخلقيّة..نجد أن رواتها من الصّحابة أحد اثنين:

ص: 8

إمّا من الصّحابة صغار الأسنان ممّن لم يكونوا يدركون تماما العظمة النبويّة،و ما يجب له من الحقوق،فيدفعهم ذلك إلي الحملقة في الذّات المحمّديّة علي وجه يمكّنهم من وصفها الوصف الدّقيق.

و إمّا أن يكون من أولئك الّذين هم قريبو عهد بالإسلام،أو من الأعراب الّذين لم يفقهوا بعد آداب الإسلام،و ما يجب عليهم تجاه الشخصيّة النّبويّة.

(4)

و لا مراء أنّ الصّحابة الكرام ما تركوا شيئا من أخبار المصطفي صلّي اللّه عليه و سلّم..إلا و قيدوه،و لا شيئا عن هيئته و سمته و لبسه و طعامه و شرابه و غير ذلك..إلا و رووه،و لا صفة تكسب المحبة و الاتّباع..إلا و أذاعوها،ذلك لأنّ محبّته عليه الصّلاة و السّلام..عبادة،و التّأسّي به..علامة علي تلك المحبّة.و قديما قيل:

تعصي الحبيب و أنت تزعم حبّه إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع

و لقد حملت المحبة الأكيدة الصّادقة أنس بن مالك اتّباع المحبوب فيما كان شرعا أو عادة،بل و فيما أملته الطبيعة البشريّة.

ففي«الصّحيح»و غيره قال أنس:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يتتبع الدّبّاء في القصعة فما زلت أحبّ الدّبّاء من يومئذ.

و إذا كان هذا حالهم في شئون العادات،فكيف يكون حالهم في أمور الشّرع و العبادات؟

ص: 9

لا شكّ أنّهم كانوا أشدّ تمسّكا بالهدي النّبويّ،و تطبيقه بحذافيره و كذلك كان الأمر.

و هذا أبو أيّوب الأنصاريّ لما رأي رد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم الطّعام الّذي فيه الثّوم،كره هذه الشّجرة و عاداها حتّي الممات،و ما هذا إلاّ لما أشرب قلبه من حبّ الصّادق المصدوق صلّي اللّه عليه و سلّم، فتولّد عن ذلك التّأسّي به في كلّ صغيرة و كبيرة.

(5)

و بناء علي ذلك:فإنّ من لازم المحبّة..الاتّباع الكامل،و الاقتفاء الشّامل لمن جاءنا بالشّرع المطهّر،و التأسّي بشخصيّته في شئون الحياة جميعها،هذا هو الاتّباع.

أمّا من يزعم محبّته و يدّعي ذلك،و هو مخالف لسيرته،متراخ عن أمره،واقع في نهيه..فهذا الصّنيع علامة علي زيف دعواه،و دليل صريح علي تخبّطه في ظلام العصيان،فالسفينة لا تجري علي أرض يابسة.

ترجو النّجاة و لم تسلك مسالكها إنّ السّفينة لا تجري علي اليبس

(6)

و إذا كنّا في عصرنا الحاضر المتموّج بالغرائب و العجائب نشاهد كثيرا من المعنيّين بالتّراث يعرضون شمائل شخصيّات لا خلاق لها،و ليس لها في ميزان الفضائل مثقال حبّة من خير،و يعظّمون آثارهم الّتي تركوها،

ص: 10

و يذيعون ذلك في الرّائي و غيره،و يثيرون الضّجيج الإعلاميّ حول هذه الشّخصيات؛مع أنها ليس لها وزن،و لا قيمة أخلاقيّة،و قد تكون شخصيّة ملحدة،لا تؤمن بخالقها،و ليس عندها ذرّة من إيمان..ألا يجدر بنا معشر الأمّة الإسلاميّة أن نستعرض شمائل المصطفي صلّي اللّه عليه و سلّم،و نكرّر ذكرها كلّما عنّت فرصة أو سنح وقت؟!فإنّ ذلك ادعي إلي حسن الاقتداء،و باعث علي جميل الاقتفاء.

و إذا كان المولي تقدست أسماؤه قد قال لرسوله صلّي اللّه عليه و سلّم علي إثر ذكر سير المصطفين الأخيار: وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ،فما أحرانا و نحن الخطّاءون أن نستعرض شمائل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و سمته،و هديه؛فإنّ في ذلك تثبيتا لأفئدتنا،و ازديادا لإيماننا،و تقوية لمحبّتنا،و إنارة لأفكارنا.

لذلك كلّه..فإنّ فنّ(الشّمائل المحمّديّة)الّذي يرسل الضّوء علي صفاته البهيّة،و محاسنه العليّة،و أخلاقه الزّكية..من الفنون المباركة العظيمة،و العلوم الشريفة الثّمينة؛لأنّه وسيلة من وسائل ازدياد الإيمان،و طريق مؤدّ إلي امتلاء القلب بتعظيمه و محبّته،و اقتفاء هديه و سنّته،و تعظيم شعائر ملّته،و في ذلك السّعادة في الدّارين.

هذا و إنّ من أجمع ما ألّف في الشّمائل،و أوسع ما وصلنا في هذا الباب كتاب:(وسائل الوصول إلي شمائل الرّسول صلّي اللّه عليه و سلّم)..إذ هو سفر عظيم المقدار،كثير النّفع،متّسم بالاستيعاب، مشتمل علي ما يصبو إليه الأحباب.

ص: 11

أشرقت من سطوره أنوار التّحقيق،و سالت من صفحاته أعذب الصّفات لسيّد السّادات صلّي اللّه عليه و سلّم.

كيف لا،و مؤلّفه صاحب القلم السّيّال،و السّحر الحلال:

أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل النّبهانيّ،الّذي طارت بمؤلّفاته الرّكبان،و وقف نشاطه علي خدمة السّيرة المحمّديّة و السنّة الغرّاء،و فاز بالشّرف المؤبّد،و الأجر الّذي لا ينفد.

و بعد:فإليكم أحبّاءنا الأكارم الشّمائل المحمّديّة،تتبختر في حللها القشيبة،و تشعّ منها الأنوار المحمّديّة،و تجلّي لنا أحاديثه الشّخصيّة الّتي اختارها اللّه تعالي لتكون أعظم هديّة إلي الإنسانيّة جمعاء،إنّها تكشف لنا عن سمات و هيئة صاحب اللّواء المحمود،و الحوض المورود، و الشّفاعة و الجود،صلّي اللّه و سلّم عليه و علي آله و صحبه ما ارتفع إلي السّماء أذان،و ما لهج بكلمة التّوحيد مسلم.

و قد دأبت دار المنهاج علي إخراج التّراث الإسلاميّ سليما محقّقا، و حملت علي عاتقها أمانة نشر العلم النّافع،و رفع لوائه؛تبصيرا للنّاس،و مساهمة في نشر الدّعوة،و تقريبا للعلوم الشّرعية.و اللّه تعالي من وراء القصد.

د.محمّد عبد الرحمن شميلة الأهدل

ص: 12

ترجمة الشيخ يوسف بن إسماعيل بن النبهاني رحمه اللّه تعالي

هو الأديب الشّاعر المفلق،العلاّمة المتقن الورع،الحجّة التّقي العابد،المحبّ الصّادق،المتفاني في حبّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم،المكثر من مدائحه؛تأليفا و نقلا و رواية و إنشاء و تدوينا.

ناصر الدّين،أبو الفتوح و أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل بن يوسف إسماعيل بن محمّد بن ناصر الدّين النّبهاني؛نسبة لبني نبهان (1).

و كانت ولادته في قرية(اجزم)يوم الخميس سنة(1265 ه).

حفظ القرآن علي والده،و كان شيخا معمّرا بلغ الثمانين،و كان والده مرآة للقدوة الصالحة،فقد كان يختم كل ثلاثة أيام ختمة،مع محافظة علي ضروب الطاعات،و استغراق الأوقات في القربات،مما كان له أبلغ الأثر في تكوين هذا الناشئ الذي تغذي بلبان الهدي و التقي بين يدي والده الصالح،في تلك البيئة النقية الطاهرة.

ص: 13


1- قوم من عرب البادية،نزلوا بقرية(اجزم)بصيغة فعل الأمر،و هي قرية واقعة في الجانب الشمالي من أرض فلسطين؛تابعة لقضاء(حيفا)من أعمال(عكا).

و لمّا أتمّ حفظ القرآن الكريم و حفظ بعض المتون..أرسله والده إلي مصر-و كان عمره إذ ذاك سبع عشرة سنة-فالتحق بالأزهر الشريف في غرّة محرم الحرام سنة(1283 ه)،و جاور في رواق الشوام،و دأب علي الدرس و التحصيل،و تلقّي العلم من كبار الأئمة و جهابذة علماء الأمة، و كان موفقا حسن الاختيار و الاهتداء إلي الراسخين في العلم المحققين في المعقول و المنقول،الذين لا يشق لهم غبار أمثال:

الشيخ إبراهيم السقا الشافعي(ت 1298 ه).

و الشيخ محمد الدمنهوري الشافعي(ت 1286 ه).

و الشيخ إبراهيم الزرو الخليلي الشافعي(ت 1287 ه).

و الشيخ أحمد الأجهوري الضرير الشافعي(ت 1293 ه).

و الشيخ عبد الهادي نجا الأبياري الشافعي(ت 1305 ه).

و الشيخ أحمد راضي الشرقاوي الشافعي.

و الشيخ مصطفي الإشراقي الشافعي.

و الشيخ صالح أجباوي الشافعي.

و الشيخ محمد العشماوي الشافعي.

و الشيخ محمد شمس الدين الأنبابي الشافعي(شيخ الجامع الأزهر).

و الشيخ عبد الرحمن الشربيني الشافعي.

و الشيخ أحمد البابي الحلبي الشافعي.

ص: 14

-و الشيخ شريف الحلبي الحنفي.

و الشيخ فخر الدين اليانيه وي الحنفي.

و الشيخ عبد القادر الرافعي الطرابلسي الحنفي(شيخ رواق الشوام).

و الشيخ حسن العدوي المالكي(ت 1298 ه).

و الشيخ محمد رؤبة المالكي.

و الشيخ حسن الطويل المالكي.

و الشيخ محمد البسيوني المالكي.

و الشيخ يوسف البرقاوي الحنبلي(شيخ رواق الحنابلة).

رحمهم اللّه تعالي و جزاهم عن الأمة المحمدية أحسن الجزاء.

ثم بدا لصاحب الترجمة أن يسافر من مصر ليساهم في خدمة الإسلام،و قد علا كعبه،و بزغ نجمه و رسخ في علمي المعقول و المنقول في أسلوب عال،هو السحر الحلال..يخاله الناظر فيه سهلا و هو بعيد المنال..فرجع في رجب سنة(1289 ه)،و أقام في مدينة عكا ينشر العلم،فأفاد المسلمين،و أعلي منار الدين.

ثم في سنة(1292 ه)رحل إلي الشام و اجتمع علي جماعة من العلماء؛من أجلهم الإمام الفقيه المحدث البارع مفتي الشام السيد محمود أفندي الحمزاوي،فأجازه بإجازة مطولة بجميع مروياته بعد أن قرأ عليه في منزله بحضور جملة من طلبة العلم الشريف.

ص: 15

و جال في بلاد الشرق العربي ثم دخل الآستانة و الموصل و حلب و ديار بكر و شهرزور و بغداد و سامرّاء و بيت المقدس و الحجاز.

و تقلد القضاء في ولايات الشام،حتي صار رئيسا في محكمة الحقوق العليا ببيروت و ذلك سنة(1305 ه).

و حج عام ألف و ثلاثمائة و عشرة،ثم دخل الحجاز بعد ذلك و أقام بالمدينة المنورة مدة.

و ألف المؤلفات النافعة التي سارت بها الركبان و انتشرت في سائر البلدان،و قد فاقت علي الستين كتابا في مختلف الفنون و العلوم..و قد عظم ذكره بما صنف و ابتكر،و نظم و نثر،و طبع و نشر،خصوصا في الجانب المحمدي الأعظم؛فقد خدم السيرة المحمدية و الجناب النبوي أرفع الخدمات و وقف حياته علي ذلك،فنشر و كتب ما لم يتيسر لغيره في عصرنا هذا و لا عشر معشاره..و ذلك لإخلاصه رحمه اللّه تعالي..

و لما أحيل إلي المعاش..شدّ أزره و شمر عن ساعد الجد،و أقبل علي العبادة بهمة عالية و عزيمة صادقة،و قلب دائب علي الذكر و تلاوة القرآن و كثرة الصلاة علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم،فأحيا ليله و نهاره بإقامة الفرائض و نوافل الطاعات،لا يفتر و لا يسأم،حتي عدّ ما يقوم به من خوارق العادات.

و كانت أنوار العبادة و تعظيم السنة و العمل بها ظاهرة علي وجهه المبارك..و لم يزل علي الحال المرضي حتي دعاه مولاه..فأجابه و لباه..

ص: 16

و كانت وفاته في بيروت في أوائل شهر رمضان الكريم سنة (1350 ه)عن عمر يناهز الخمس و الثمانين،و هو قوي البدن،تام الصحة،مستوف لقراءة أوراده،و ما اعتاده من الطاعات و أعمال الخير.

أجزل اللّه ثوابه،و ألحقنا به علي الإيمان الكامل في غير ضراء مضرة،و لا فتنة مضلة،بفضله و رحمته..امين.

ص: 17

ص: 18

توطئة

لقد توافرت الدواعي لخدمة هذا الكتاب المبارك،لكونه من أجلّ ما ألف في شمائل سيد الأنام محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم،إلا أنه ينبغي لنا أن ننبه علي ما يلي:

1-لقد أضربنا عن تخريج الأحاديث النبوية و الأخبار و الآثار المروية في هذا الكتاب..و ذلك لأمرين:

أولهما:أن ذلك سيقطع متعة القراءة المركزة المتواصلة علي القارئ،فالتخريج موضوع متخصص له رجاله و أهله.

الأمر الثاني:إحالة القارئ الكريم إلي كتاب«منتهي السئول»للشيخ عبد اللّه اللّحجي الذي شرح فيه هذا الكتاب«وسائل الوصول»أيما شرح،و في أربعة مجلّدات ضخام؛و يكفي أن نعلم أن اللحجي رحمه اللّه تعالي قد استغرق في تأليفه(25 سنة)،فضبط عباراته،و شرح كلماته،و خرج أحاديثه،بتفصيل و بسط،مع إضافة فوائد،و تقييد شوارد،و كذلك بإتمام مباحثه،و توسيع دائرته.

2-و لأننا نريد أن يستفيد الجميع من هذا الكتاب بحول اللّه و قوته..

ضبطنا الكتاب بالشكل الكامل،مع وضع علامات الترقيم المناسبة، و كذلك شرحنا العبارات الغريبة أو الغامضة حتي يستوعب المعني، و يتضح المبني.

ص: 19

هذا كله..بالإضافة إلي أناقة الطبع،و حسن الإخراج.

و عليه:فإن البداية لمن أراد التحليق عاليا في شمائل الرسول صلي اللّه عليه و آله و سلم..في كتابنا هذا«وسائل الوصول»،و النهاية في «منتهي السئول»للشيخ عبد اللّه بن سعيد اللحجي،و هو أيضا من منشورات دار المنهاج.

و في الختام:اللّه تعالي نسأل و هو صاحب الإحسان أن يتمم لنا الإحسان،و أن يشملنا بالغفران،و أن يصلح لنا كل شأن.

و صلي اللّه علي سيدنا محمد و آله و صحبه و من تبعهم بإحسان.

الناشر في ربيع الأنور(1423 ه)

ص: 20

صورة عن المخطوط المستعان به في إخراج الكتاب

ص: 21

ص: 22

راموز الورقة الأولي لمخطوطة مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة

ص: 23

راموز الورقة الأخيرة لمخطوطة مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة

ص: 24

وسائل الوصول إلي شمائل الرّسول صلي اللّه عليه و سلم تأليف الشّيخ العالم العلاّمة المحدّث يوسف بن إسماعيل النّبهانيّ رحمه اللّه تعالي 1265 ه-1350 ه

ص: 25

ص: 26

مقدمة المؤلف

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ربّ العالمين،حمدا يوافي نعمه،و يكافئ مزيده، و يضاهي كرمه.

و أشهد ألا إله إلاّ اللّه الملك الحقّ المبين،و أشهد أنّ سيّدنا محمّدا عبده و رسوله سيّد الخلق أجمعين.

اللّهمّ؛صلّ أفضل صلاة و أكملها،و أدومها،و أشملها،علي سيّدنا محمّد عبدك الّذي خصّصته بالسّيادة العامّة،فهو سيّد العالمين علي الإطلاق،و رسولك الّذي بعثته بأحسن الشّمائل و أوضح الدّلائل؛ليتمّم مكارم الأخلاق.

صلاة تناسب ما بينك و بينه من القرب الّذي ما فاز به أحد،و تشاكل ما لديكما من الحبّ الّذي انفرد به في الأزل و الأبد.

صلاة لا يعدّها و لا يحدّها قلم و لا لسان،و لا يصفها و لا يعرفها ملك و لا إنسان.

صلاة تسود كافّة الصّلوات كسيادته علي كافّة المخلوقات.صلاة يشملني نورها من جميع جهاتي في جميع أوقاتي،و يلازم ذرّاتي في حياتي و بعد مماتي.

و علي آله الأطهار،و أصحابه الأخيار،و سلّم تسليما كثيرا.

ص: 27

أمّا بعد:

فقد خطر لي أن أجمع كتابا أجعله وسيلة لبلوغي من رضا اللّه تعالي و رسوله المرام،و ذريعة للانتظام في سلك (1)خدّامه عليه الصّلاة و السّلام.

ثمّ نظرت إلي قلّة علمي،و ضعف فهمي،و كثرة ذنوبي،و وفرة عيوبي..فأحجمت (2)إحجام من عرف حدّه فوقف عنده،ثمّ تخطّرت (3)سعة الكرم،و كوني من أمّة هذا النّبيّ الكريم..فأقدمت إقدام الطّفل علي الأب الشّفيق الحليم،بعد أن سمعت قول اللّه تعالي: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

فكم من أعرابيّ فدم (4)،لا أدب له و لا فهم،و لا عقل له و لا علم، و لا كرم و لا حلم..قابل جنابه الشّريف بما غضب له المكان و الزّمان، و خاطبه بما عبس له وجه السّيف و احتدّ له لسان السّنان (5)فكان جوابه الإغضاء (6)،و العفو عمّن أساء،بل أدناه و قرّبه،و ما لامه و ما أنّبه،بلة.

ص: 28


1- أصل معناه:الخيط،و مقصوده بذلك التقرب إليه صلي اللّه عليه و سلّم حتي يكون معدودا من جملة خدامه.
2- أي:كففت عن ذلك و توقفت.
3- أي:تذكرت.
4- أي:عييّ عن الكلام في ثقل و رخاوة و قلّة فهم.
5- هو نصل الرّمح.
6- أي:الإمساك و عدم المؤاخذة.

أفرغته أخلاقه المحمّديّة في قالب كيمياء بأيادي الإحسان (1)، حتّي اضمحلّت حدّة ذلك الوحش و انقلبت حديدته جوهرة إنسان،فتبدّل بغضه بالحبّ،و بعده بالقرب،و حربه بالسّلم،و جهله بالعلم.

و استحال إنسانا بعد أن كان ثعبانا،و صار حبيبا بعد أن كان ذيبا.

فهذا و أمثاله من شواهد مكارم أخلاقه صلّي اللّه عليه و سلّم..

أطمعني بإمكان قبولي في جملة خدمه،و دخولي في عداد حشمه،و لا يبعد عن سعة كرم اللّه تعالي أن يهب لي إكراما لرسوله فوق ما أمّلته من الرّضا و القبول.

و ها أنا قد توكّلت عليه سبحانه،و قبضت قبضة من أثر الرّسول، فجمعت هذا الكتاب من آثاره في شمائله الشّريفة صلّي اللّه عليه و سلّم، و أدخلت فيه جميع الشّمائل الّتي رواها الإمام الحافظ أبو عيسي محمّد بن عيسي التّرمذيّ رضي اللّه تعالي عنه بعد حذف مكرّرها و أسانيدها،و لم أتقيّد بترتيبه و تبويبه،بل سلكت أسلوبا غير أسلوبه،و أضفت إليها من كتب الأئمّة الآتي ذكرهم أكثر منها بكثير،و ألحقت بغريب الألفاظ ما تدعو إليه الحاجة من ضبط أو تفسير.فجاء كتابا حافلا ليس له في بابه نظير.

و سمّيته:

«وسائل الوصول إلي شمائل الرسول»ل.

ص: 29


1- المراد بذلك:تهذيب النفس باجتناب الرذائل و اكتساب الفضائل.

و هذا بيان الكتب الّتي نقلته منها،و رويته عنها:

1-«كتاب الشّمائل»للإمام التّرمذيّ.

2-«المصابيح»للإمام البغويّ.

3-«الإحياء»للإمام الغزاليّ.

4-«الشّفا»للقاضي عياض.

5-«التهذيب»للإمام النّوويّ.

6-«الهدي النّبويّ» (1)للإمام محمّد ابن أبي بكر الشّهير بابن قيّم الجوزيّة.

7-«الجامع الصّغير»للإمام السّيوطيّ.

8-و«شرحه»للإمام العزيزيّ (2).

9-«المواهب»للإمام القسطلانيّ (3).

10-«كشف الغمّة»للإمام الشّعرانيّ.

11-«طبقات الأولياء» (4).

12-و«كنوز الحقائق»للإمام المناويّ.ي.

ص: 30


1- المسمّي:«زاد المعاد في هدي خير العباد».
2- المسمّي:«السراج المنير شرح الجامع الصغير».
3- المسمّي:«المواهب اللدنية بالمنح المحمدية».
4- المسمّي:«الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية»؛و هو للإمام المناوي رحمه اللّه تعالي.

13-«حاشية الشّمائل» (1)لشيخ مشايخي،أستاذ الأستاذين،خاتمة العلماء العاملين:الشّيخ إبراهيم الباجوريّ رضي اللّه تعالي عنهم أجمعين.

فهذه أصوله،لم يخرج عنها شيء منه.اللّهمّ إلاّ أن يكون ذلك في تفسير الغريب،فإنّي راجعت فيما لم أجده فيها كتب اللّغة،و ذلك نزر يسير.

و قد ذكرت في بعض«الشّمائل»اسم الصّحابيّ راوي الحديث و الإمام المخرّج له،و في بعضها اسم الصّحابيّ فقط،و لم أذكر في بعضها غير متن الحديث تابعا في جميع ذلك الأصول المذكورة.

و قد رتّبته علي مقدّمة (2)،و ثمانية أبواب،و خاتمة.

المقدّمة تشتمل علي تنبيهين:

التّنبيه الأوّل:في معني لفظ الشّمائل.

و التّنبيه الثّاني:في الفوائد المقصودة من جمع شمائله صلّي اللّه عليه و سلّم.ا.

ص: 31


1- المسمّاة:«المواهب اللدنية علي الشمائل المحمدية».
2- بفتح الدال و كسرها معا.

الباب الأوّل:في نسب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و أسمائه الشّريفة،و فيه فصلان:

الفصل الأوّل:في نسبه الشّريف صلّي اللّه عليه و سلّم.

الفصل الثّاني:في أسمائه الشّريفة صلّي اللّه عليه و سلّم.

الباب الثّاني:في صفة خلقة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و ما يناسبها من أوصافه الشّريفة،و فيه عشرة فصول:

الفصل الأوّل:في جمال صورته صلّي اللّه عليه و سلّم، و ما شاكلها.

الفصل الثّاني:في صفة بصره صلّي اللّه عليه و سلّم و اكتحاله.

الفصل الثّالث:في صفة شعره صلّي اللّه عليه و سلّم و شيبه و خضابه،و ما يتعلّق بذلك.

الفصل الرّابع:في صفة عرقه صلّي اللّه عليه و سلّم و رائحته الطّبيعيّة (1).

الفصل الخامس:في صفة طيبه صلّي اللّه عليه و سلّم و تطيّبه.

الفصل السادس:في صفة صوته صلّي اللّه عليه و سلّم.

الفصل السّابع:في صفة غضبه صلّي اللّه عليه و سلّم و سروره.م.

ص: 32


1- يعني:من غير أن يمسّ طيبا صلّي اللّه عليه و سلّم.

-الفصل الثّامن:في صفة ضحكه صلّي اللّه عليه و سلّم و بكائه و عطاسه.

الفصل التّاسع:في صفة كلامه صلّي اللّه عليه و سلّم و سكوته.

الفصل العاشر:في صفة قوّته صلّي اللّه عليه و سلّم.

الباب الثّالث:في صفة لباس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و فراشه و سلاحه،و فيه ستّة فصول:

الفصل الأوّل:في صفة لباسه صلّي اللّه عليه و سلّم؛من قميص و إزار و رداء و قلنسوة (1)و عمامة و نحوها.

الفصل الثّاني:في صفة فراشه صلّي اللّه عليه و سلّم و ما يناسبه.

الفصل الثّالث:في صفة خاتمه صلّي اللّه عليه و سلّم.

الفصل الرّابع:في صفة نعله صلّي اللّه عليه و سلّم و خفّه.

الفصل الخامس:في صفة سلاحه صلّي اللّه عليه و سلّم.

الفصل السّادس:كان من خلقه صلّي اللّه عليه و سلّم أن يسمّي سلاحه و دوابّه و متاعه.

الباب الرّابع:في صفة أكل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و شربه و نومه،و فيه ستّة فصول:).

ص: 33


1- غشاء مبطن يستر الرأس،يقال لها في عرفنا:(طاقيّة أو كوفيّة).

-الفصل الأوّل:في صفة عيشه صلّي اللّه عليه و سلّم و خبزه.

الفصل الثّاني:في صفة أكله صلّي اللّه عليه و سلّم و إدامه (1).

الفصل الثّالث:فيما كان يقوله صلّي اللّه عليه و سلّم قبل الطّعام و بعده.

الفصل الرّابع:في صفة فاكهته صلّي اللّه عليه و سلّم.

الفصل الخامس:في صفة شرابه صلّي اللّه عليه و سلّم و قدحه.

الفصل السّادس:في صفة نومه صلّي اللّه عليه و سلّم.

الباب الخامس:في صفة خلق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و حلمه،و عشرته مع نسائه،و أمانته و صدقه،و حيائه و مزاحه، و تواضعه و جلوسه،و كرمه و شجاعته،و فيه ستّة فصول:

الفصل الأوّل:في صفة خلقه صلّي اللّه عليه و سلّم و حلمه.

الفصل الثّاني:في صفة عشرته صلّي اللّه عليه و سلّم مع نسائه رضي اللّه تعالي عنهنّ.

الفصل الثّالث:في صفة أمانته صلّي اللّه عليه و سلّم و صدقه.

الفصل الرّابع:في صفة حيائه صلّي اللّه عليه و سلّم و مزاحه.

الفصل الخامس:في صفة تواضعه صلّي اللّه عليه و سلّم و جلوسه.ا.

ص: 34


1- ما يساغ به الخبز و يصلح به الطعام جامدا كان أو سائلا.

-الفصل السّادس:في صفة كرمه صلّي اللّه عليه و سلّم و شجاعته.

الباب السّادس:في صفة عبادة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و صلاته.و صومه،و قراءته،و فيه ثلاثة فصول.

الفصل الأوّل:في صفة عبادته صلّي اللّه عليه و سلّم و صلاته.

الفصل الثّاني:في صفة صومه صلّي اللّه عليه و سلّم.

الفصل الثّالث:في صفة قراءته صلّي اللّه عليه و سلّم.

الباب السّابع:في أخبار شتّي من أحوال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و بعض أذكار و أدعية كان يقولها في أوقات مخصوصة،و ثلاث مائة و ثلاثة عشر حديثا من جوامع كلمه صلّي اللّه عليه و سلّم،و فيه ثلاثة فصول:

الفصل الأوّل:في أخبار شتّي من أحواله صلّي اللّه عليه و سلّم.

الفصل الثّاني:في بعض أذكار و أدعية كان يقولها صلّي اللّه عليه و سلّم في أوقات مخصوصة.

الفصل الثّالث:في ثلاث مائة و ثلاثة عشر حديثا من جوامع كلمه صلّي اللّه عليه و سلّم.

ص: 35

الباب الثّامن:في طبّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و سنّه و وفاته،و رؤيته في المنام،و فيه ثلاثة فصول:

الفصل الأوّل:في طبّه صلّي اللّه عليه و سلّم.

الفصل الثّاني:في سنّه صلّي اللّه عليه و سلّم و وفاته.

الفصل الثّالث:في رؤيته صلّي اللّه عليه و سلّم في المنام.

الخاتمة:تشتمل علي خمسين حديثا،أكثرها صحاح و حسان من أدعيته صلّي اللّه عليه و سلّم (1).

و أسأل اللّه العظيم ربّ العرش الكريم أن يجعل هذا الكتاب من أفضل الحسنات الجاري نفعها في الحياة و بعد الممات،بجاه نبيّه سيّد الرّسل الكرام،عليه و عليهم الصّلاة و السّلام.ة.

ص: 36


1- و هذه الأدعية منقسمة إلي قسمين:استعاذات،و دعوات،معتبرا فيها أول الحديث،فما كان استعاذة جعل في القسم الأول؛و ما كان دعاء جعل في القسم الثاني.و أفتتحها بالدعوات القرآنيّة.

مقدّمة الكتاب

اشارة

و هي تشتمل علي تنبيهين

ص: 37

ص: 38

التنبيه الأوّل: في معني لفظ الشمائل

هي في الأصل:الأخلاق و الطّبائع.

قال في«القاموس»:(الشّمال:الطّبع،و الجمع:شمائل)ا ه و قال في«لسان العرب»:(مفردها:شمال؛بكسر الشّين.

قال جرير:

.............. و ما لومي أخي من شماليا (1)

و قال صخر أخو الخنساء:

أبا الشّتم إنّي قد أصابوا كريمتي و أن ليس إهداء الخنا من شماليا (2)

و قال اخر (3):

هم قومي و قد أنكرت منهم شمائل بدّلوها من شمالي

أي:أنكرت أخلاقهم).

ص: 39


1- و البيت بتمامه: أ لم تعلما أنّ الملامة نفعها قليل و ما لومي أخي من شماليا
2- الخنا:فاحش الكلام.
3- أي:لبيد بن ربيعة العامري.

ثمّ قال في مادّتها أيضا:(و الشّمال:خليقة الرّجل (1)،و جمعها:

شمائل.و إنّها لحسنة الشّمائل،و رجل كريم الشّمائل؛أي:في أخلاقه و مخالطته)ا ه

و قد استعمل علماء الحديث الشّمائل في أخلاقه الشّريفة صلّي اللّه عليه و سلّم علي أصلها،و في أوصاف صورته الظّاهرة أيضا علي سبيل المجاز فاعلم ذلك.ه.

ص: 40


1- أي:طبيعته و سجيّته.

التنبيه الثاني: في الفوائد المقصودة من جمع شمائله صلّي اللّه عليه و سلّم

ليس المقصود من جمع شمائله صلّي اللّه عليه و سلّم مجرّد معرفة علم تاريخيّ تميل إليه النّفوس،و تجنح إليه القلوب،و يتحدّث به في المجالس،و يستشهد به علي المقاصد،و نحو ذلك من الفوائد.

و إنّما المقصود من جمع شمائله صلّي اللّه عليه و سلّم فوائد أخري مهمّة في الدّين.

منها:التّلذّذ بصفاته العليّة و شمائله الرّضيّة صلّي اللّه عليه و سلّم.

و منها:التّقرّب إليه صلّي اللّه عليه و سلّم،و استجلاب محبّته و رضاه بذكر أوصافه الكاملة و أخلاقه الفاضلة،كما يتقرّب الشّاعر إلي الكريم بذكر أوصافه الجميلة،و خصاله النّبيلة.

و لا شكّ أنّ جمع شمائله صلّي اللّه عليه و سلّم و نشرها..هو أفضل و أكمل من مدحه بالقصائد،و قد رضي عمّن مدحه بها ك:حسّان، و عبد اللّه بن رواحة،و كعب بن زهير رضي اللّه تعالي عنهم،و كافأهم علي ذلك.

ص: 41

فلا شكّ أنّه يرضي عمّن يعتني بجمع شمائله و نشرها صلّي اللّه عليه و سلّم.

و منها:تعرّضنا لمكافأته صلّي اللّه عليه و سلّم علي إحسانه إلينا، و إنقاذه إيّانا من ظلمات الضّلال إلي أنوار الهدي،و من الشّقاوة الأبديّة إلي السّعادة السّرمديّة،و هذه نعمة كبري لا تمكن مقابلتها بشيء،و لا يقدر علي مكافأته عليها إلاّ اللّه تعالي.

فجزاه اللّه تعالي عنّا أفضل ما جزي به مرسلا عمّن أرسل إليه،فإنّه أنقذنا به من الهلكة (1)،و جعلنا من خير أمّة أخرجت للنّاس،دائنين بدينه الّذي ارتضي و اصطفي به ملائكته،و من أنعم عليه من خلقه،فلم تمس بنا نعمة ظهرت و لا بطنت نلنا بها حظّا في دين و دنيا،أو رفع بها عنّا مكروه فيهما،أو في أحد منهما..إلاّ و محمّد صلّي اللّه عليه و سلّم سببها القائد إلي خيرها،و الهادي إلي رشدها.

و هذه العبارة من قوله:(..فجزاه اللّه...إلي اخرها)عبارة إمامنا الشّافعيّ رضي اللّه تعالي عنه نقلتها من«رسالته» (2)الّتي رواها عنه صاحبه الرّبيع بن سليمان رحمه اللّه تعالي.

و منها:أنّ معرفة شمائله الشّريفة تستدعي محبّته صلّي اللّه عليه و سلّم؛لأنّ الإنسان مجبول علي حبّ الصّفات الجميلة و من اتّصف بها،و لا أجمل و لا أكمل من صفاته صلّي اللّه عليه و سلّم.ه.

ص: 42


1- أي:الهلاك،و هو ظلمة الكفر.
2- المسماة ب«الرسالة»و هي في أصول الفقه.

فلا شكّ أنّ من يطّلع عليها و لم يكن مطبوعا علي قلبه بطابع الضّلال..يحبّ صاحبها صلّي اللّه عليه و سلّم بيقين،و بمقدار زيادة محبّته و نقصها تكون زيادة الإيمان و نقصه،بل رضا اللّه تعالي و السّعادة الأبديّة،و نعيم أهل الجنّة و درجاتهم فيها،جميع ذلك يكون بمقدار محبّة العبد له صلّي اللّه عليه و سلّم زيادة و نقصا،كما أنّ سخط اللّه تعالي،و الشّقاوة الأبديّة و عذاب أهل النّار و دركاتهم فيها..يكون بمقدار بغضه صلّي اللّه عليه و سلّم،زيادة و نقصا.

و منها:اتّباعه و الاقتداء به لمن وفّقه اللّه تعالي فيما يمكن به الاقتداء؛كسخائه و حلمه،و تواضعه،و زهده،و عبادته،و غيرها من مكارم أخلاقه،و شرائف أحواله صلّي اللّه عليه و سلّم،و ذلك مستوجب لمحبّة اللّه تعالي الّتي فيها سعادة الدّارين.

قال تعالي: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ [آل عمران:31].

جعلنا اللّه تعالي من المتّبعين له صلّي اللّه عليه و سلّم في شرعه القويم، و صراطه المستقيم،و حشرنا تحت لوائه،في زمرة أهل محبّته،عليه و عليهم الصّلاة و التّسليم.

ص: 43

ص: 44

الباب الأوّل: في نسب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و أسمائه الشّريفة و فيه فصلان

اشارة

ص: 45

ص: 46

الفصل الأوّل: في نسبه الشريف صلّي اللّه عليه و سلّم

هو سيّدنا محمّد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ابن عبد اللّه بن عبد المطّلب (1)بن هاشم (2)بن عبد مناف (3)بن قصيّ (4)بن كلاب (5)بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر (6)بن مالك بن النّضر (7)بن كنانة بن

ص: 47


1- و اسمه:شيبة الحمد،و كنيته:أبو الحارث،سمي ب«عبد المطلب»لأن عمه المطلب جاء به إلي مكة رديفه،و هو بهيئة رثة،فكان يسأل عنه فيقول:(هو عبدي)؛حياء من أن يقول ابن أخي،فلما أدخل مكة و أصلح من حاله..أظهر أنه ابن أخيه؛فلذلك قيل له:«عبد المطلب»..
2- و اسمه:عمرو،و إنما قيل له:«هاشم»؛لأنه كان يهشم الثريد لقوته في الجدب.
3- و اسمه:المغيرة،لقب بذلك لأن أمه حبّي أخدمته صنما عظيما لهم يسمي: «مناة»،ثم نظر أبوه فرآه يوافق عبد مناة بن كنانة،فحوله«عبد مناف».
4- و اسمه:مجمّع،و لقب بذلك لأنه بعد عن عشيرته في بلاد قضاعة حيث احتملته أمه فاطمة بنت سعد العذري في قصة طويلة.
5- و اسمه:حكيم،و لقب ب«كلاب»لمحبته كلاب الصيد،فكان يجمعها.
6- و اسمه:قريش،و إليه تنسب قبائل قريش.
7- و اسمه:قيس،و لقب ب«النضر»لنضارة وجهه و إشراقه و جماله.

خزيمة بن مدركة (1)بن إلياس بن مضر بن نزار (2)بن معدّ بن عدنان.

إلي هنا إجماع الأمّة،و ما بعده إلي آدم لا يصحّ فيه شيء يعتمد (3).

و قد كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا انتسب..لم يجاوز في نسبته معدّ بن عدنان بن أدد،ثمّ يمسك و يقول:«كذب النّسّابون»؛ قال اللّه تعالي وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً [الفرقان:38].

و هذا النّسب أشرف الأنساب علي الإطلاق.

فعن العبّاس رضي اللّه تعالي عنه أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:

«إنّ اللّه خلق الخلق فجعلني من خيرهم،ثمّ تخيّر القبائل فجعلني من خير قبيلة،ثمّ تخيّر البيوت فجعلني من خير بيوتهم،فأنا خيرهم نفسا و خيرهم بيتا».

و عن واثلة بن الأسقع رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«إنّ اللّه اصطفي من ولد إبراهيم إسماعيل،ت.

ص: 48


1- و اسمه:عمرو،و لقب ب«مدركة»لإدراكه كل عز و فخر كان في آبائه.
2- و اسمه:خلدان،و لقب ب«نزار»لأنه لما ولد و نظر أبوه إلي نور محمد صلّي اللّه عليه و سلّم بين عينيه..فرح فرحا شديدا و نحر و أطعم،و قال:إن هذا كله نزر أي قليل-لحقّ هذا المولود.فسمي:(نزارا)لذلك.
3- و قد اختلف فيما بين عدنان و إسماعيل اختلافا كثيرا،و من إسماعيل إلي آدم متفق علي أكثره،و فيه خلف يسير في عدد آبائه و كذلك في ضبط بعض الأسماء. و قد جمع السيد العلامة عمر بن علوي ابن أبي بكر الكاف،أسماء آبائه صلّي اللّه عليه و سلّم من عدنان إلي آدم مع نبذة يسيرة عنهم في كتاب أسماه«الصرح الممرد و الفخر المؤبد لآباء سيدنا محمد»،و قد صدر عن دار الحاوي-بيروت.

و اصطفي من ولد إسماعيل بني كنانة،و اصطفي من بني كنانة قريشا، و اصطفي من قريش بني هاشم،و اصطفاني من بني هاشم».

و عن ابن عمر رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«إنّ اللّه اختار خلقه؛فاختار منهم بني آدم،ثمّ اختار بني آدم فاختار منهم العرب،ثمّ اختار العرب فاختار منهم قريشا،ثمّ اختار قريشا فاختار منهم بني هاشم،ثمّ اختار بني هاشم فاختارني،فلم أزل خيارا من خيار،ألا من أحبّ العرب فبحبّي أحبّهم،و من أبغض العرب فببغضي أبغضهم».

ص: 49

الفصل الثّاني: في أسمائه الشريفة صلّي اللّه عليه و سلّم

اعلم..أنّ لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أسماء كثيرة.

قال الإمام النّووي في«التّهذيب»:(قال الإمام الحافظ القاضي أبو بكر ابن العربيّ المالكيّ في كتابه«عارضة الأحوذيّ في شرح التّرمذيّ»:قال بعض الصّوفيّة:للّه عزّ و جلّ ألف اسم،و للنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم ألف اسم)ا ه

و عن جبير بن مطعم بن عديّ رضي اللّه تعالي عنه؛قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«إنّ لي أسماء،أنا محمّد،و أنا أحمد،و أنا الماحي الّذي يمحو اللّه بي الكفر،و أنا الحاشر الّذي يحشر النّاس علي قدميّ (1)،و أنا العاقب الّذي ليس بعده نبيّ».

و عن حذيفة رضي اللّه تعالي عنه قال:لقيت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم في بعض طرق المدينة؛فقال:«أنا محمّد،و أنا أحمد،و أنا نبيّ

ص: 50


1- هكذا بتشديد الياء مع فتح الميم علي التثنية،أو(قدمي)بكسر الميم و بتخفيف الياء علي الإفراد،روايتان.

الرّحمة،و نبيّ التّوبة،و أنا المقفّي (1)،و أنا الحاشر،و نبيّ الملاحم».

و معني(المقفّي):المتّبع من قبله من الرّسل،و كان اخرهم و خاتمهم.

و(الملاحم)هي:الحروب.

ففي تسميته صلّي اللّه عليه و سلّم نبيّ الملاحم إشارة إلي ما بعث به من القتال بالسّيف.

و لم يجاهد نبيّ و أمّته قطّ ما جاهد صلّي اللّه عليه و سلّم و أمّته.

و الملاحم الّتي وقعت و تقع بين أمّته و بين الكفّار..لم يعهد مثلها قبله؛فإنّ أمّته يقاتلون الكفّار في أقطار الأرض علي تعاقب الأعصار إلي أن يقاتلوا الأعور الدّجّال.

و في«التّهذيب»:(سمّاه اللّه عزّ و جلّ في القرآن رسولا،نبيّا، أمّيّا،شاهدا،مبشّرا،نذيرا،داعيا إلي اللّه بإذنه،و سراجا منيرا، و رءوفا رحيما،و مذكّرا،و جعله رحمة و نعمة و هاديا صلّي اللّه عليه و سلّم.

قال:و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«اسمي في القرآن:محمّد،و في الإنجيل:ل.

ص: 51


1- بكسر الفاء علي أنه اسم فاعل،أو(المقفّي)بفتحها علي أنه اسم مفعول.

أحمد،و في التّوراة:أحيد (1)،و إنّما سمّيت أحيد لأنّي أحيد أمّتي عن نار جهنّم».

و زاد نقلا عن ابن عساكر:الفاتح،و طه،و ياسين،و عبد اللّه، و خاتم الأنبياء.

و قال القسطلانيّ في«المواهب»،و الباجوريّ في«حاشية الشّمائل»:ذكر صاحب كتاب«شوق العروس و أنس النّفوس»،و هو حسين بن محمّد الدّامغانيّ نقلا عن كعب الأحبار أنّه قال:اسم النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم عند أهل الجنّة:عبد الكريم،و عند أهل النّار:

عبد الجبّار،و عند أهل العرش:عبد الحميد،و عند سائر الملائكة:

عبد المجيد،و عند الأنبياء:عبد الوهّاب،و عند الشّياطين:

عبد القهّار،و عند الجنّ:عبد الرّحيم،و في الجبال:عبد الخالق، و في البراري:عبد القادر،و في البحار:عبد المهيمن،و عند الحيتان:عبد القدّوس،و عند الهوامّ:عبد الغياث،و عند الوحوش:

عبد الرّزّاق،و عند السّباع:عبد السّلام،و عند البهائم:عبد المؤمن، و عند الطّيور:عبد الغفّار،و في التّوراة:مؤذ مؤذ،و في الإنجيل:ي.

ص: 52


1- بهمزة مضمومة ثم حاء مكسورة فمثناة تحتية ساكنة ثم دال مهملة،هكذا ضبطه بعضهم علي وزن الفعل،فهو عربي. و المشهور ضبطه:(أحيد)بفتح الهمزة و سكون الحاء المهملة و فتح المثناة التحتية،علي وزن اسم التفضيل،و به ضبطه البرهان في«المقتفي».قال الشّمنّيّ:و هو المحفوظ و هو غير عربي.

طاب طاب،و في الصّحف:عاقب،و في الزّبور:فاروق،و عند اللّه:

طه،و ياسين،و عند المؤمنين:محمّد صلّي اللّه عليه و سلّم.

و كنيته:أبو القاسم؛لأنّه يقسم الجنّة بين أهلها.

قوله:(مؤذ مؤذ):نقل في«المواهب»عن السّهيليّ:أنّه بضمّ الميم،و إشمام الهمزة ضمّا بين الواو و الألف،ممدودا.و قال:نقلته عن رجل أسلم من علماء بني إسرائيل،و قال معناه:طيّب طيّب)ا ه فيكون بمعني الاسم الآخر و هو:(طاب..طاب).

و أمّا الفاروق:فهو الّذي يفرّق بين الحقّ و الباطل،و هو معني اسم ( البارقليط) (1)المذكور في«إنجيل يوحنّا».

و قد ألّف خاتمة الحفّاظ جلال الدّين السّيوطيّ رسالة سمّاها:

«البهجة السّنيّة في الأسماء النّبويّة»جمع فيها نحو الخمس مائة.

و نقل في«المواهب»عن كتاب«أحكام القرآن»لأبي بكر ابن العربيّ:أنّ للّه تعالي ألف اسم،و للنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم ألف اسم.

قال القسطلانيّ:(و المراد:الأوصاف،فكلّ الأسماء الّتي وردت أوصاف مدح،و إذا كان كذلك..فله صلّي اللّه عليه و سلّم من كلّ وصف اسم.).

ص: 53


1- البارقليط،و البارقليط،و البارقليط،و البارقليط،و يروي أيضا بالفاء دون الباء؛ و هو:الذي يفرّق بين الحق و الباطل.و قال التقي الشمني:و أكثر أهل الإنجيل علي أن معناه:(المخلّص).

ثمّ إنّ منها ما هو مختصّ به،أو الغالب عليه،و منها ما هو مشترك.

و كلّ ذلك بيّن بالمشاهدة لا يخفي.

و إذا جعلنا له من كلّ وصف من أوصافه اسما..بلغت أسماؤه ما ذكر،بل أكثر.

قال:و الّذي رأيته في كلام شيخنا-يعني الحافظ السّخاويّ-في «القول البديع»،و القاضي عياض في«الشّفا»،و ابن العربيّ في «القبس»و«الأحكام»،و ابن سيّد النّاس و غيرهم..يزيد علي الأربع مائة،ثمّ سردها مرتّبة علي حروف المعجم).

و ذكر منها الإمام الجزوليّ في«دلائل الخيرات»مائتين و واحدا.

و قال في«التّهذيب»:(و كنيته صلّي اللّه عليه و سلّم المشهورة:أبو القاسم،و كنّاه جبريل صلّي اللّه عليه و سلّم:أبا إبراهيم).

و أفضل أسمائه صلّي اللّه عليه و سلّم:محمّد.

قال القسطلانيّ:(و قد سمّاه اللّه تعالي بهذا الاسم قبل الخلق بألفي عام،كما ورد في حديث أنس رضي اللّه عنه.

و روي ابن عساكر عن كعب الأحبار:أنّ آدم أوصي ابنه شيثا فقال:

أي بنيّ؛أنت خليفتي من بعدي،فخذها بعمارة التّقوي و العروة الوثقي،و كلّما ذكرت اللّه فاذكر إلي جنبه اسم محمّد،فإنّي رأيت اسمه مكتوبا علي ساق العرش،ثمّ طفت السّماوات فلم أر فيها موضعا إلاّ

ص: 54

و رأيت اسم محمّد مكتوبا عليه،و إنّ ربّي أسكنني الجنّة،فلم أر فيها قصرا و لا غرفة إلاّ وجدت اسم محمّد مكتوبا عليه،و لقد رأيت اسم محمّد مكتوبا علي نحور الحور العين،و علي ورق قصب اجام الجنّة (1)، و علي ورق شجرة طوبي (2)،و علي ورق سدرة المنتهي،و علي أطراف الحجب (3)،و بين أعين الملائكة،فأكثر ذكره؛فإنّ الملائكة تذكره في كلّ ساعاتها.

قال حسّان بن ثابت رضي اللّه تعالي عنه:

أغرّ عليه للنّبوّة خاتم من اللّه من نور يلوح و يشهد

و ضمّ الإله اسم النّبيّ إلي اسمه إذا قال في الخمس المؤذّن:أشهد

و شقّ له من اسمه ليجلّه فذو العرش محمود و هذا محمّد

و أمّا اسم أحمد:فقد قال الباجوريّ في«حاشيته»:

هو في الأصل أفعل تفضيل،و سمّي بذلك لأنّه أحمد الحامدين لربّه؛ففي«الصّحيح»:أنّه يفتح عليه يوم القيامة بمحامد لم يفتح بها علي أحد قبله،و كذلك يعقد له لواء الحمد،و يخصّ بالمقام المحمود.

و بالجملة:فهو أكثر النّاس حامديّة و محموديّة،فلذلك سمّي أحمد و محمّدا.و لهذين الاسمين الشّريفين مزيّة علي سائر الأسماء،فينبغيا.

ص: 55


1- جمع أجمة:الشجر الملتفّ؛أي:علي أغصان شجر الجنّة.
2- تأنيث الأطيب،شجرة في الجنّة.
3- الأستار التي في الجنة،أو المحلات التي لا يتجاوزها الرائي إلي ما وراءها.

تحرّي التّسمية بهما،فقد ورد في الحديث القدسيّ:«إنّي آليت علي نفسي ألا أدخل النّار من اسمه أحمد،و لا محمّد».

و رواه الدّيلميّ عن عليّ رضي اللّه تعالي عنه:ما من مائدة وضعت فحضر عليها من اسمه محمّد أو أحمد..إلاّ قدّس اللّه ذلك المنزل في كلّ يوم مرّتين)ا ه

ص: 56

الباب الثّاني: في صفة خلقة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و ما يناسبها من أوصافه الشّريفة

اشارة

و فيه عشرة فصول

ص: 57

ص: 58

الفصل الأوّل: في جمال صورته صلّي اللّه عليه و سلّم،و ما شاكلها

قال في«المواهب»:(اعلم أنّ من تمام الإيمان به صلّي اللّه عليه و سلّم..الإيمان بأنّ اللّه تعالي جعل خلق بدنه الشّريف علي وجه لم يظهر قبله و لا بعده خلق آدميّ مثله.

و للّه درّ الأبوصيريّ (1)حيث قال:

فهو الّذي تمّ معناه و صورته ثمّ اصطفاه حبيبا بارئ النّسم

منزّه عن شريك في محاسنه فجوهر الحسن فيه غير منقسم

و قد حكي القرطبيّ رحمه اللّه تعالي في(كتاب الصّلاة)،أنّه قال:

لم يظهر لنا تمام حسنه صلّي اللّه عليه و سلّم؛لأنّه لو ظهر لنا تمام حسنه..لما طاقت أعيننا رؤيته صلّي اللّه عليه و سلّم)ا ه

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم حسن الجسم.رواه غير واحد.

و روي التّرمذيّ عن أنس رضي اللّه تعالي عنه،قال:كان رسول اللّه

ص: 59


1- هو محمد بن سعيد الصنهاجي صاحب نظم«البردة»المشهور نشأ في قرية «البوصير»و إليها ينسب فيقال:(البوصيري)؛و لذا فإنّ قوله:(الأبوصيري) منتقد.و اللّه أعلم.

صلّي اللّه عليه و سلّم ليس بالطّويل البائن،و لا بالقصير،و لا بالأبيض الأمهق،و لا بالادم،و لا بالجعد القطط و لا بالسّبط.

و معني(البائن):الظّاهر طوله.

و(الأمهق):الشّديد البياض،الخالي عن الحمرة.

و(الأدم):الأسمر.

و(الجعد):من في شعره التواء.

و(القطط):شديد الجعودة.

و(السّبط):مسترسل الشّعر.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم رجلا مربوعا (1)،بعيد ما بين المنكبين،عظيم الجمّة إلي شحمة أذنيه.

و معني(الرّجل) (2):من في شعره تكسّر قليل.

و(الجمّة):مجتمع شعر الرّأس؛و هي أكثر من الوفرة و اللّمّة (3).

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم شثن الكفّين و القدمين،ضخم الرّأس،ضخم الكراديس،طويل المسربة،إذا مشي تكفّأ تكفّؤا؛كأنّما ينحطّ من صبب.

و معني(شثن):غليظ.ا.

ص: 60


1- و هو المتوسط بين الطويل و القصير.
2- الرّجل بفتح الراء و كسر الجيم،و قد يضم،و قد يفتح،و قد يسكّن.
3- الوفرة:ما بلغت شحمة الأذن،و الجمّة:ما وصلت المنكب،و اللّمة:ما بينهما.

و(الكراديس)-جمع كردوس-و هو:مجمع العظام كالرّكبة و المنكب.

و(المسربة):الشّعر الدّقيق الّذي كأنّه قضيب من الصّدر إلي السّرّة.

و(التّكفّؤ):الميل إلي سنن (1)المشي،و هو:ما بين يديه كالسّفينة في جريها.

و(الصّبب):المكان المنحدر من الأرض.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم جعدا رجلا (2)،و لم يكن بالمطهّم؛و لا بالمكلثم،و كان في وجهه تدوير،أبيض مشرّب (3)، أدعج العينين،أهدب الأشفار،جليل المشاش و الكتد،أجرد،ذا مسربة،شثن الكفّين و القدمين،إذا مشي..تقلّع كأنّما ينحطّ من صبب،و إذا التفت..التفت معا،بين كتفيه خاتم النّبوّة.

و هو خاتم النّبيّين،أجود النّاس صدرا،و أصدق النّاس لهجة، و ألينهم عريكة،و أكرمهم عشرة،من راه بديهة..هابه،و من خالطه معرفة..أحبّه،يقول ناعته:لم أر قبله و لا بعده مثله.ب.

ص: 61


1- مثلث السين و بضمتين؛سنن و سنن و سنن و سنن.
2- الجعد:هو الشعر المتجعد و المتثني..
3- مشرب بتخفيف الراء من الإشراب،و هو خلط لون بلون كأنه سقي به،أو (مشرّب)بالتشديد من التشريب،و هو مبالغة في الإشراب.

و معني(المطهّم):البادن الكثير اللّحم (1).

و(المكلثم):المدوّر الوجه.

و(أدعج العينين):شديد سوادهما.

و(أهدب الأشفار):طويل شعر الأجفان.

و(المشاش):رءوس العظام.

و(الكتد):مجتمع الكتفين.

و(أجرد):غير أشعر.

و(تقلّع):مشي بقوّة.

و(اللّهجة):الكلام.

و(العريكة):الطّبيعة.

و(البديهة):المفاجأة.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم سهل الخدّين (2)،ضليع الفم، سواء البطن و الصّدر،أشعر المنكبين و الذّراعين و أعالي الصّدر،طويل الزّندين،رحب الرّاحة،أشكل العينين،أحمر الماقي،منهوس العقبين.

و معني(ضليع الفم):واسعه،و هو ممدوح لدلالته علي الفصاحة.

و(أشكل العينين):في بياضهما حمرة.ن.

ص: 62


1- أي:عظيم البدن بكثرة لحمه.
2- أي:غير مرتفع الوجنتين.

و(منهوس العقبين):قليل لحمهما.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم عظيم العينين،أهدب الأشفار،مشرّب العين بحمرة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أبلج الحاجبين (1)،كأنّ ما بينهما الفضّة المخلّصة.و كانت عيناه نجلاوين (2)،أدعجهما (3)،و كان في عينيه تمزّج من حمرة،و كان أهدب الأشفار حتّي تكاد تلتبس من كثرتها.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم ضخم الرّأس و اليدين و القدمين.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم سهل الخدّين صلتهما (4)،ليس بالطّويل الوجه،و لا المكلثم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أحسن النّاس صفة و أجملها،كان ربعة إلي الطّول ما هو (5)،بعيد ما بين المنكبين،أسيل الخدّين،شديد سواد الشّعر،أكحل العينين،أهدب الأشفار،إذا وطئ بقدمه..وطئ بكلّها،ليس له أخمص (6)،إذا وضع رداءه عن منكبيه..فكأنّه سبيكة فضّة،و إذا ضحك..يتلألأ.ض.

ص: 63


1- أي:كان بين حاجبيه فرجة بيضاء دقيقة لا تتبيّن إلا لمتأمّل.
2- أي:واسعتين.
3- أي:شديد سواد حدقتهما.
4- أي:سائلهما من غير ارتفاع وجنتيه.
5- أي:هو يميل إلي الطول ميلا قليلا.
6- الأخمص:ما يتجافي من باطن القدم عن الأرض.

و معني(أسيل الخدّين):ليس فيهما ارتفاع.

و(الأكحل):أسود أجفان العين خلقة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم شبح الذّراعين،بعيد ما بين المنكبين، أهدب أشفار العينين.

و معني(شبح الذّراعين):عريضهما ممتدّهما.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم عبل العضدين و الذّراعين (1)، و ما تحت الإزار من الفخذين و السّاق،طويل الزّندين،رحب الرّاحتين،سائل الأطراف،كأنّ أصابعه قضبان الفضّة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم معتدل الخلق في السّمن،فبدن في اخر عمره،و كان مع ذلك لحمه متماسكا،يكاد يكون علي الخلق الأوّل، لم يضرّه السّنّ.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أحسن النّاس وجها،و أحسنهم خلقا، ليس بالطّويل البائن،و لا بالقصير،بل كان ينسب إلي الرّبعة (2)إذا مشي واحده،و مع ذلك فلم يكن يماشيه أحد من النّاس و هو ينسب إلي الطّول..إلاّ طاله رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و لربّما اكتنفه الرّجلان الطّويلان فيطولهما،فإذا فارقاه..نسبا إلي الطّول؛و نسب هو صلّي اللّه عليه و سلّم إلي الرّبعة.ا.

ص: 64


1- أي:ضخمهما.
2- الرّبعة:توسط القامة و اعتدالها.

و يقول صلّي اللّه عليه و سلّم:«جعل الخير كلّه في الرّبعة».

و زاد ابن سبع في«الخصائص»:أنّه كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا جلس..يكون كتفه أعلي من جميع الجالسين.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم فخما مفخّما،يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر،أطول من المربوع،و أقصر من المشذّب،عظيم الهامة (1)، رجل الشّعر،إن انفرقت عقيقته..فرقها،و إلاّ..فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره.

أزهر اللّون،واسع الجبين،أزجّ الحواجب؛سوابغ في غير قرن (2)،بينهما عرق يدرّه الغضب،أقني العرنين،له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمّله أشمّ،كثّ اللّحية،سهل الخدّين،ضليع الفم، أشنب،مفلّج الأسنان،دقيق المسربة،كأنّ عنقه جيد دمية في صفاء الفضّة،معتدل الخلق.

بادن متماسك،سواء البطن و الصّدر (3)،عريض الصّدر،بعيد ما بين المنكبين،ضخم الكراديس،أنور المتجرّد (4)،موصول ما بين اللّبّة و السّرّة بشعر يجري كالخطّ،عاري الثّديين و البطن ما سوي ذلك (5)،

ص: 65


1- أي:عظيم الرأس.
2- و المراد:أن حاجبيه قد سبغا حتي كادا يلتقيان و لم يلتقيا.و القرن غير محمود عند العرب و يستحبون البلج و هو الصحيح في صفته صلّي اللّه عليه و سلّم.
3- في بعض النسخ:سواء البطن و الصدر.
4- و المعني:أنه نير العضو المتجرّد عن الشعر أو عن الثوب.
5- و في رواية:(ممّا سوي ذلك)،و هي أنسب و أقرب؛أي:سوي محل الشعرالمذكور،أما هو:ففيه الشعر الذي هو المسربة.و المعني:لم يكن علي ثدييه و بطنه صلّي اللّه عليه و سلّم شعر غير مسربته.

أشعر الذّراعين و المنكبين و أعالي الصّدر،طويل الزّندين.

رحب الرّاحة،شثن الكفّين و القدمين،سائل الأطراف،خمصان (1)الأخمصين،مسيح القدمين ينبو عنهما الماء؛إذا زال..زال قلعا (2)، يخطو تكفّيا و يمشي هونا،ذريع المشية،إذا مشي..كأنّما ينحطّ من صبب،و إذا التفت..التفت جميعا،خافض الطّرف،نظره إلي الأرض أطول من نظره إلي السّماء،جلّ نظره الملاحظة،يسوق أصحابه، و يبدر من لقيه بالسّلام.

و معني(الفخم):العظيم في نفسه.

و(المفخّم):المعظّم عند غيره.

و(المشذّب):الظّاهر الطّول مع نحافة.

و(رجل الشّعر):مسترسله.

و(العقيقة):شعر الرّأس.

و(وفره):جعله وفرة،و هي الشّعر النّازل عن شحمة الأذن إذا لم يصل إلي المنكبين.

و(أزهر):مشرق اللّون،نيّره.

و(أزجّ الحواجب):مقوّسها مع طول.ه.

ص: 66


1- بضم الخاء و سكون الميم كعثمان،و بضمتين،فسكون.
2- بفتح أوله مع تثليث ثانيه،و ضم أوله مع سكون ثانيه و فتحه.

و(السّوابغ):الكاملات.

و(أقني العرنين):طويل الأنف مع دقّة أرنبته (1)،في وسطه بعض ارتفاع.

و(الأشمّ):مرتفع قصبة الأنف.

و(الأشنب):أبيض الأسنان مع بريق و تحديد فيها.

و(المفلّج):منفرج الثّنايا.

و(الدّمية):صورة من رخام و نحوه.

و(البادن):السّمين سمنا معتدلا.

و(المتجرّد):العضو العاري عن الشّعر.

و(اللّبّة):النّقرة الّتي فوق الصّدر.

و(الرّحب):الواسع.

و(سائل الأطراف):طويلها طولا معتدلا.

و(خمصان الأخمصين):متجافيهما عن الأرض.

و(الأخمص):الموضع الّذي لا يمسّ الأرض عند الوطء من وسط القدم.

و(المسيح):الأملس.

و(ينبو):يتباعد.ف.

ص: 67


1- أي:طرف الأنف.

و(إذا زال..زال قلعا):إذا مشي..رفع رجليه بقوّة.

و(ذريع المشية):واسع الخطو خلقة لا تكلّفا.

و(الملاحظة):النّظر باللّحاظ؛و هو:شقّ العين ممّا يلي الصّدغ.

و(يسوق أصحابه):يقدّمهم بين يديه.

و(يبدر):يبتدئ.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أفلج الثّنيّتين،إذا تكلّم ريء (1)كالنّور يخرج من بين ثناياه.و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أحسن البشر قدما.

و عن ميمونة بنت كردم؛قالت:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فما نسيت طول إصبع قدمه السّبّابة علي سائر أصابعه.رواه الإمام أحمد و غيره.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم في ساقيه حموشة.

و معني(الحموشة):الدّقّة،و هي محمودة في السّاقين.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يمشي كأنّما يتقلّع من صخر، و ينحدر من صبب،يخطو تكفّيا،و يمشي الهوينا بغير تبختر.

و معني(الهوينا):تقارب الخطا.ي.

ص: 68


1- علي الأفصح،و يقال أيضا:رئي.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا مشي..مشي مجتمعا؛أي:قويّ الأعضاء،غير مسترخ في المشي.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا مشي..مشي أصحابه أمامه،و تركوا ظهره للملائكة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا مشي..لم يلتفت.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يلتفت وراءه إذا مشي،و كان ربّما تعلّق رداؤه بالشّجر فلا يلتفت حتّي يرفعوه عليه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا مشي..كأنّما يتوكّأ (1).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يمشي مشيا يعرف فيه أنّه ليس بعاجز و لا كسلان.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يطأ عقبه رجلان قطّ،إن كانوا ثلاثة..

مشي بينهم،و إن كانوا جماعة..قدّم بعضهم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا لبس نعليه..بدأ باليمني،و إذا خلع..

خلع اليسري.

و كان إذا دخل المسجد..أدخل رجله اليمني.

و كان يحبّ التّيمّن في كلّ شيء أخذا و عطاء.

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه قال:ما رأيت شيئا أحسن من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،كأنّ الشّمس تجري في وجهه،ا.

ص: 69


1- و المراد:سعي سعيا شديدا.

و لا رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،كأنّما الأرض تطوي له،إنّا لنجهد أنفسنا،و إنّه لغير مكترث.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم نورا،فكان إذا مشي في الشّمس و القمر..لا يظهر له ظلّ.

و كان وجهه صلّي اللّه عليه و سلّم مثل الشّمس (1)و القمر،و كان مستديرا.

و عن البراء بن عازب رضي اللّه تعالي عنهما قال:ما رأيت من ذي لمّة في حلّة حمراء..أحسن من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم.

و قال أبو هريرة رضي اللّه تعالي عنه:ما رأيت شيئا أحسن من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،كأنّ الشّمس تجري في وجهه،و إذا ضحك..يتلألأ في الجدر.

و قالت أمّ معبد في بعض ما وصفته به رضي اللّه تعالي عنها:أجمل النّاس من بعيد،و أحلاه و أحسنه من قريب.

و عن جابر بن سمرة رضي اللّه تعالي عنهما قال:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في ليلة إضحيان؛و عليه حلّة حمراء،فجعلت أنظر إليه و إلي القمر،فلهو عندي أحسن من القمر.

و معني(إضحيان):مقمرة.ه.

ص: 70


1- في مزيد الإضاءة و الإشراق،لكنه ليس مثلها في كونه لا يستطاع النظر إليه.

و سأل رجل البراء بن عازب رضي اللّه تعالي عنهما:أ كان وجه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم مثل السيف؟قال:لا،بل مثل القمر.

و كان لونه صلّي اللّه عليه و سلّم أزهر،و لم يكن بالأسمر،و لا بالشّديد البياض.

و نعته عمّه أبو طالب فقال:

و أبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامي عصمة للأرامل

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أزهر اللّون،كأنّ عرقه اللّؤلؤ،إذا مشي..تكفّأ.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أحسن النّاس وجها و أنورهم، لم يصفه واصف إلاّ شبّهه بالقمر ليلة البدر.

و كانوا يقولون:هو كما وصفه صاحبه أبو بكر الصّدّيق رضي اللّه تعالي عنه حيث يقول:

أمين مصطفي للخير يدعو كضوء البدر زايله الغمام

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أبيض كأنّما صيغ من فضّة،رجل الشّعر.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أبيض مليحا مقصّدا.

و معني(المقصّد):المتوسّط بين الطّول و القصر.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أبيض مشربا بياضه بحمرة، و كان أسود الحدقة،أهدب الأشفار.

ص: 71

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أبيض مشربا بحمرة،ضخم الهامة،أغرّ أبلج،أهدب الأشفار.

و معني(الأغرّ):الصّبيح.

و(الأبلج):الحسن المشرق المضيء.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أحسن عباد اللّه عنقا،لا ينسب إلي الطّول و لا إلي القصر،ما ظهر من عنقه للشّمس و الرّياح فكأنّه إبريق فضّة مشرّب ذهبا،يتلألأ في بياض الفضّة و في حمرة الذّهب.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم من أحسن عباد اللّه شفتين و ألطفهم ختم فم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم عريض الصّدر لا يعدو لحم بعض بدنه بعضا؛كالمرآة في استوائها،و كالقمر في بياضه.

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم ثلاث عكن يغطّي الإزار منها واحدة.

و عن أمّ هانئ رضي اللّه تعالي عنها قالت:ما رأيت بطن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إلاّ ذكرت القراطيس المثنّية بعضها علي بعض.

و عن محرّش الكعبيّ رضي اللّه تعالي عنه قال:اعتمر النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم من الجعرانة ليلا فنظرت إلي ظهره كأنّه سبيكة فضّة.

و في«المواهب»:عن مقاتل بن حيّان:قال:أوحي اللّه تعالي إلي عيسي عليه السّلام:«اسمع و أطع،يا ابن الطّاهرة البكر البتول،إنّي خلقتك من غير فحل فجعلتك آية للعالمين،فإيّاي فاعبد،و عليّ

ص: 72

فتوكّل،فسّر لأهل سوران (1)إنّي أنا اللّه الحيّ القيّوم الّذي لا أزول، صدّقوا النّبيّ الأمّيّ صاحب الجمل و المدرعة،و العمامة و النّعلين و الهراوة،الجعد الرأس،الصّلت الجبين،المقرون الحاجبين، الأهدب الأشفار،الأدعج العينين،الأقني الأنف،الواضح الخدّين، الكثّ اللّحية،عرقه في وجهه كاللّؤلؤ،و ريح المسك ينفح منه،كأنّ عنقه إبريق فضّة».

قوله:(صلت الجبين):واضحه.

و(أدعج العينين):شديد سواد العين.

و(أقني الأنف):طويله مع دقّة أرنبته،في وسطه بعض ارتفاع.

قال ابن الأثير:و الصّحيح في صفة حواجبه صلّي اللّه عليه و سلّم أنّها سوابغ من غير قرن.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا نظر وجهه في المرأة..قال:

«الحمد للّه الّذي سوّي خلقي فعدّله،و كرّم صورة وجهي فحسّنها، و جعلني من المسلمين».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا نظر في المرأة..قال:«الحمد للّه الّذي حسّن خلقي و خلقي،و زان منّي ما شان من غيري».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يقول:«أنا أشبه النّاس بآدم صلّي اللّه عليهك.

ص: 73


1- بالسريانية:بلّغ من بين يديك.

و سلّم،و كان أبي إبراهيم صلّي اللّه عليه و سلّم أشبه النّاس بي خلقا و خلقا».

و عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه تعالي عنهما:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«عرض عليّ الأنبياء،فإذا موسي عليه السّلام ضرب من الرّجال كأنّه من رجال شنوءة.

و رأيت عيسي ابن مريم[عليه السّلام]،فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود.

و رأيت إبراهيم عليه السّلام،فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم؛ يعني نفسه.

و رأيت جبريل عليه السّلام،فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية».

و معني(ضرب):نوع.

و(شنوءة):قبيلة من اليمن رجالها متوسّطون.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم واسع الظّهر،ما بين كتفيه خاتم النّبوّة،و هو ممّا يلي منكبه الأيمن،فيه شامة سوداء تضرب إلي الصّفرة،حولها شعرات متواليات كأنّها من عرف فرس.

و كان خاتمه صلّي اللّه عليه و سلّم غدّة حمراء مثل بيضة الحمامة.

و عن بريدة بن الحصيب رضي اللّه تعالي عنه قال:جاء سلمان الفارسيّ رضي اللّه تعالي عنه إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب،فوضعت بين يدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه

ص: 74

و سلّم؛فقال:«يا سلمان..ما هذا؟».فقال:صدقة عليك و علي أصحابك.فقال:«ارفعها؛فإنّا لا نأكل الصّدقة».قال:فرفعها.

فجاء الغد بمثله فوضعه بين يدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم.فقال:

«ما هذا يا سلمان؟».فقال:هديّة لك.فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لأصحابه:«أبسطوا» (1).ثمّ نظر إلي الخاتم علي ظهر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؛فآمن به.

و كان لليهود (2)،فاشتراه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم بكذا و كذا درهما علي أن يغرس لهم نخلا فيعمل سلمان فيه حتّي يطعم،فغرس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم النّخيل إلاّ نخلة واحدة غرسها عمر، فحملت النّخل من عامها،و لم تحمل النّخلة،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«ما شأن هذه النّخلة؟».فقال عمر:يا رسول اللّه؛أنا غرستها،فنزعها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فغرسها،فحملت من عامها.د.

ص: 75


1- و في رواية:انشطوا،أي:ميلوا للأكل معي،و في أخري:انشقّوا،أي: انفرجوا ليتسع المجلس.
2- يعني:أن سيدنا سلمان رضي اللّه تعالي عنه كان رقيقا لليهود.

الفصل الثّاني: في صفة بصره صلّي اللّه عليه و سلّم و اكتحاله

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يري باللّيل في الظّلمة كما يري بالنّهار في الضّوء.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يري من خلفه من الصّفوف كما يري من بين يديه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يري في الثّريّا (1)أحد عشر نجما.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يقعد في بيت مظلم حتّي يضاء له بالسّراج.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يعجبه النّظر إلي الخضرة و الماء الجاري.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يعجبه النّظر إلي الأترجّ.

و كان يعجبه النّظر إلي الحمام الأحمر(2).

ص: 76


1- الثريا-مصغّر ثروة-:منزل من منازل القمر فيه نجوم مجتمعة جعلت علامة، و حكي:أن الثريا اثنا عشر نجما لم يحقّق الناس منها غير ستة أو سبعة،و لم ير جميعها غير النبي صلّي اللّه عليه و سلّم؛لقوة جعلها اللّه تعالي في بصره.
2- الحمام:التفّاح،و هو من باب الاستعارة،و لم يقل أحد من الشراح إن المراد به الطير المعروف.فلينتبه.

و أمّا اكتحال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:فقد كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اكتحل..جعل في عين اثنتين و واحدة بينهما؛أي:جعل في كلّ عين مرودين،و واحد يقسم بينهما،فالمجموع وتر،و هو خمسة مراود.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اكتحل..اكتحل وترا،و إذا استجمر (1)..استجمر وترا.

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم مكحلة يكتحل منها كلّ ليلة،ثلاثة في هذه،و ثلاثة في هذه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يفارقه في الحضر،و لا في السفر خمس:المرأة،و المكحلة،و المشط،و السّواك،و المدري.

و(المدري):شيء يعمل من حديد أو خشب،علي شكل سنّ من أسنان المشط و أطول منه،يسرّح به الشّعر المتلبّد،و يستعمله من لا مشط له.

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما:أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«اكتحلوا بالإثمد،فإنّه يجلو البصر،و ينبت الشّعر».

قال الباجوريّ:المخاطب بذلك الأصحّاء،أمّا العين المريضة فقدر.

ص: 77


1- أي:تبخر بنحو عود،و سمي التبحّر(استجمارا)؛لأن نحو العود يوضع علي الجمر.

يضرّها الإثمد؛و هو:حجر الكحل المعدنيّ المعروف،و معدنه بالمشرق،و هو أسود يضرب إلي حمرة.

و قال بعد قوله(يجلو البصر):و هذا إذا اكتحل به من اعتاده،فإن اكتحل به من لم يعتده..رمدت عينه.

ص: 78

الفصل الثّالث: في صفة شعره صلّي اللّه عليه و سلّم

و شيبه،و خضابه،و ما يتعلق بذلك

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم رجل الشّعر حسنه،ليس بالسّبط و لا الجعد القطط (1)،و كان إذا مشطه بالمشط..يأتي كأنّه حبك الرّمل، و ربّما جعله غدائر أربعا؛يخرج كلّ أذن من بين غديرتين،و ربّما جعل شعره علي أذنيه؛فتبدو سوالفه تتلألأ (2).

و معني(الغدائر):الذّوائب،واحدتها غديرة.

و(الحبك)-جمع حباك-ككتاب،و هي:الطريقة في الرّمل و نحوه.

و كان شعر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم دون الجمّة،و فوق الوفرة.

و كان شعره صلّي اللّه عليه و سلّم يضرب إلي منكبيه،و كثيرا ما يكون إلي شحمة أذنيه.

ص: 79


1- أي:أن شعره صلّي اللّه عليه و سلّم ليس نهاية في الجعودة؛و هو:تكسّره الشديد؛ كشعر الحبش و الزنوج،و لا نهاية في السبوطة؛و هو عدم تكسّره أصلا؛كشعر الهنود و الجاوة،بل وسطا بينهما،و«خير الأمور أوساطها».
2- سوالفه-جمع سالفة-و هي:صفحة العنق.و تتلألأ:تضيء و تتنوّر من وبيص الطّيب.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم حسن الجسم،بعيد ما بين المنكبين،له شعر إلي منكبيه،و في وقت إلي شحمتي أذنيه،و في وقت إلي نصف أذنيه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يسدل شعره،و كان المشركون يفرقون رءوسهم،و كان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم،و كان يحبّ موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء،ثمّ فرق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم رأسه.

و معني(سدل الشّعر):إرساله.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم حسن السّبلة.

و معني(السّبلة):مقدّم اللّحية،و ما انحدر منها علي الصّدر.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كثّ اللّحية،و كان يعفي لحيته و يأخذ من شاربه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأخذ من لحيته الشّريفة،من عرضها و طولها.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يكثر تسريح لحيته.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يفارقه سواكه و لا مشطه،و كان ينظر في المرأة إذا سرّح لحيته.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اهتمّ..أكثر من مسّ لحيته.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اغتمّ..أخذ لحيته بيده ينظر فيها.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا توضّأ..خلّل لحيته بالماء.

ص: 80

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يكثر دهن رأسه و تسريح لحيته،و يكثر اتّخاذ القناع.

و(القناع):خرقة توضع علي الرّأس حين استعمال الدّهن لتقي العمامة و الثّياب.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا ادّهن..صبّ في راحته اليسري،فبدأ بحاجبيه،ثمّ عينيه،ثمّ رأسه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ التّيامن في طهوره إذا تطهّر،و في ترجّله إذا ترجّل،و في انتعاله إذا انتعل،و في شأنه كلّه.

و كانت يده اليسري لخلائه،و ما كان من أذي.

و إذا نام و اضطجع..اضطجع علي جنبه الأيمن مستقبل القبلة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يجعل يمينه لأكله و شربه و وضوئه و ثيابه و أخذه و عطائه،و شماله لما سوي ذلك.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:كنت أرجّل (1)رأس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و أنا حائض.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يترجّل غبّا؛أي:حينا بعد حين.

و كان شيبه صلّي اللّه عليه و سلّم في الرّأس و اللّحية شيئا قليلا،نحو سبع عشرة شعرة.

و قال أبو بكر رضي اللّه عنه:يا رسول اللّه؛قد شبت؟!قال:ن.

ص: 81


1- أي:أسرح و أحسّن.

«شيّبتني هود،و الواقعة،و المرسلات،و عمّ يتساءلون،و إذا الشّمس كوّرت»؛لاشتمال هذه السّور علي بيان أحوال القيامة ممّا يوجب خوفه علي أمّته صلّي اللّه عليه و سلّم.

و سئل أبو هريرة رضي اللّه تعالي عنه:هل خضب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؟قال:نعم.

و عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيل قال:رأيت شعر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم عند أنس بن مالك مخضوبا.

و في«الصّحيحين»من طرق كثيرة:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم لم يخضب،و لم يبلغ شيبه أوان الخضاب،و إنّما خضب من كان عنده شيء من شعره بعد وفاته صلّي اللّه عليه و سلّم ليكون أبقي له.

و في«الصّحيحين»أيضا و«سنن أبي داود»:عن ابن عمر رضي اللّه تعالي عنهما:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يصفّر لحيته بالورس و الزّعفران.

و عن قتادة قال:قلت لأنس بن مالك:هل خضب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؟قال:لم يبلغ ذلك،إنّما كان شيئا في صدغيه، و لكن أبو بكر رضي اللّه تعالي عنه خضب بالحنّاء و الكتم.

و(الكتم):نبت فيه حمرة.

و قال النّوويّ:المختار أنّه صبغه في وقت،و تركه في معظم الأوقات،فأخبر كلّ بما رأي،و هو صادق.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يأمر بتغيير الشّعر مخالفة للأعاجم.

ص: 82

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يتنوّر (1)في كلّ شهر،و يقلّم أظفاره في كلّ خمسة عشر يوما.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اطّلي بالنّورة..ولي عانته و فرجه بيده.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اطّلي..بدأ بعورته فطلاها بالنّورة، و سائر جسده أهله.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يقلّم أظفاره و يقصّ شاربه يوم الجمعة، قبل أن يروح إلي الصّلاة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأمر بدفن الشّعر و الأظفار.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان:

الشّعر،و الظّفر،و الدّم،و الحيضة (2)،و السّنّ،و العلقة، و المشيمة.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه قال:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و الحلاّق يحلقه،و أطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلاّ في يد رجل.ض.

ص: 83


1- أي:يستعمل النّورة لإزالة الشعر،و هي من أملاح الكالسيوم و الباريون.
2- خرقة الحيض.

الفصل الرّابع: في صفة عرقه صلّي اللّه عليه و سلّم و رائحته الطبيعية

روي مسلم عن أنس رضي اللّه تعالي عنه أنّه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كثير العرق.

و كان عرقه صلّي اللّه عليه و سلّم في وجهه كاللّؤلؤ،و أطيب من المسك الأذفر (1).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا نزل عليه الوحي..ثقل لذلك،و تحدّر جبينه عرقا كأنّه جمان (2)،و إن كان في البرد.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأتي أمّ سليم فيقيل عندها،فتبسط له نطعا (3)فيقيل عليه،و كان كثير العرق،فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطّيب،فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«يا أمّ سليم؛ما هذا؟».

قالت:عرقك نجعله في طيبنا،و هو من أطيب الطّيب.

ص: 84


1- الأذفر:شديد الرائحة.
2- أي:لؤلؤ.
3- النطع:-بفتح النون و كسرها مع فتح الطاء و سكونها،أربع لغات-و هو:بساط من أديم معروف.

و في رواية قالت:يا رسول اللّه؛نرجو بركته لصبياننا.قال:

«أصبت».

و كان كفّه صلّي اللّه عليه و سلّم ألين من الحرير،و كانت رائحته كرائحة كفّ العطّار،مسّها صلّي اللّه عليه و سلّم بطيب أم لم يمسّها، و كان يصافح الرّجل فيظلّ يومه يجد ريحها،و يضع يده علي رأس الصّبيّ فيعرف من بين الصّبيان بريحها علي رأسه.

و قال أنس:ما مسست ديباجا و لا حريرا ألين من كفّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم.

و عن جابر بن سمرة رضي اللّه تعالي عنهما:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم مسح خدّه،قال:فوجدت ليده بردا و ريحا؛كأنّما أخرجها من جؤنة (1)عطّار.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يعرف منه ريح الطّيب إذا أقبل.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يسلك طريقا فيتبعه أحد..إلاّ عرف أنّه قد سلكه من طيب عرفه (2).

و ذكر إسحاق بن راهويه:أنّ تلك كانت رائحته بلا طيب صلّي اللّه عليه و سلّم.

و عن أمّ عاصم امرأة عتبة بن فرقد السّلميّ قالت:كنّا عند عتبة أربعب.

ص: 85


1- الجؤنة:شبه صندوق صغير مغشي بجلد،يضع العطار فيها عطره.
2- العرف:رائحة الطّيب.

نسوة،فما منّا امرأة إلاّ و هي تجتهد في الطّيب؛لتكون أطيب من صاحبتها،و ما يمسّ عتبة الطّيب إلاّ أن يمسّ دهنا يمسح به لحيته،و لهو أطيب ريحا منّا،و كان إذا خرج إلي النّاس..قالوا:ما شممنا ريحا أطيب من ريح عتبة،فقلت له يوما:إنّا لنجتهد في الطّيب،و لأنت أطيب ريحا منّا!فممّ ذلك؟!فقال:أخذني الشّري (1)علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فأتيته،فشكوت ذلك إليه،فأمرني أن أتجرّد،فتجرّدت عن ثوبي،و قعدت بين يديه،و ألقيت ثوبي علي فرجي،فنفث في يده،ثمّ مسح ظهري و بطني بيده،فعبق بي هذا الطّيب من يومئذ.رواه الطّبرانيّ في«معجمه الصّغير».

و روي أبو يعلي و الطّبرانيّ قصّة الّذي استعان بالنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم علي تجهيز ابنته،فلم يكن عنده شيء،فاستدعاه بقارورة فسلت (2)له فيها من عرقه،و قال:«مرها فلتطيّب به»،فكانت إذا تطيّبات به شمّ أهل المدينة ذلك الطّيب،فسمّوا«بيت المطيّبين».ه.

ص: 86


1- الشّري:بثور صغار حمر حكّاكة مكربة.
2- أي:مسح بإصبعه.

الفصل الخامس: في صفة طيبه صلّي اللّه عليه و سلّم و تطيّبه

عن أنس بن مالك رضي اللّه تعالي عنه:كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم سكّة يتطيّب منها.

و معني(السّكّة):طيب مجموع من أخلاط،و يحتمل أن يكون وعاء.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يأخذ المسك فيمسح به رأسه و لحيته.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يضمّخ رأسه بالمسك.

و كان أنس لا يردّ الطّيب؛و قال:إنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كان لا يردّ الطّيب.

و عن أبي عثمان النّهديّ رضي اللّه تعالي عنه؛قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«إذا أعطي أحدكم الرّيحان..فلا يردّه؛فإنّه خرج من الجنّة».

و عن أنس رضي اللّه عنه:كان أحبّ الرّياحين إليه صلّي اللّه عليه و سلّم الفاغية.

ص: 87

و(الفاغية):زهر الحنّاء.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يعجبه الرّيح الطّيّبة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ الطّيب و الرّائحة الحسنة، و يستعملهما كثيرا،و يحضّ عليهما،و يقول:«حبّب إليّ من دنياكم:

النّساء،و الطّيب،و جعلت قرّة عيني في الصّلاة».

و رواية:«حبّب إليّ من دنياكم ثلاث»..لا أصل لها،ففي «المواهب»:قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر:

إنّ لفظ«ثلاث»لم يقع في شيء من طرقه،و زيادته تفسد المعني، و كذلك قاله الوليّ العراقيّ في«أماليه»،و عبارته:(ليست هذه اللّفظة:و هي(ثلاث)في شيء من كتب الحديث و هي مفسدة للمعني؛ فإنّ الصّلاة ليست من أمور الدّنيا،و كذا صرّح به الزّركشيّ و غيره،كما حكاه شيخنا-يعني الحافظ السّخاويّ في«المقاصد الحسنة»-و أقرّه)ا ه و أنكره أيضا ابن القيّم.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ الطّيب و يكره الرّائحة الرّديئة.

ص: 88

الفصل السادس: في صفة صوته صلّي اللّه عليه و سلّم

عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:ما بعث اللّه نبيّا إلاّ حسن الوجه، حسن الصّوت،و كان نبيّكم أحسنهم وجها،و أحسنهم صوتا.

و كان صوت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يبلغ حيث لا يبلغه صوت غيره.

فعن البراء قال:خطبنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم حتّي أسمع العواتق (1)في خدورهنّ.

و قالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:جلس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يوم الجمعة علي المنبر،فقال للنّاس:«اجلسوا»،فسمعه عبد اللّه بن رواحة و هو في بني غنم،فجلس في مكانه.

و قال عبد الرّحمن بن معاذ التّيميّ رضي اللّه تعالي عنه:خطبنا

ص: 89


1- جمع عاتق؛و هي:الشابة أول ما تدرك،و قيل:التي لم تبن من والديها،و لم تتزوج،و قد أدركت و شبّت.و خصّهنّ بالذكر لبعدهنّ و احتجابهنّ في البيوت، فسماعهنّ آية علوّ صوته زيادة علي غيره.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم بمني،ففتح اللّه أسماعنا،حتّي إن كنّا لنسمع ما يقول و نحن في منازلنا.

و عن أمّ هانئ رضي اللّه تعالي عنها قالت:كنّا نسمع قراءة النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم في جوف اللّيل عند الكعبة،و أنا علي عريشي.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا خطب..اشتدّ غضبه و علا صوته،كأنّه منذر جيش يقول:صبّحكم و مسّاكم.

ص: 90

الفصل السّابع: في صفة غضبه صلّي اللّه عليه و سلّم و سروره

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا غضب..يري رضاه و غضبه في وجهه لصفاء بشرته.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا غضب..احمرّت وجنتاه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا غضب و هو قائم..جلس،و إذا غضب و هو جالس..اضطجع،فيذهب غضبه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا غضب..لم يجترئ عليه أحد إلاّ عليّ.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أبعد الناس غضبا،و أسرعهم رضا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يغضب لربّه عزّ و جلّ،و لا يغضب لنفسه.

و كان ينفّذ الحقّ و إن عاد ذلك بالضّرر عليه و علي أصحابه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا كره شيئا..عرف ذلك في وجهه.

و أمّا سرور رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

ص: 91

فقد كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا سرّ..استنار وجهه كأنّه القمر.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا سرّ..فكأنّ وجهه المرأة،و كأنّ الجدر يري شخصها فيه.

ص: 92

الفصل الثّامن: في صفة ضحكه صلّي اللّه عليه و سلّم و بكائه و عطاسه

ضحك رسول اللّه صلي الله عليه و آله

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا افترّ (1)ضاحكا..افترّ عن مثل سنا البرق إذا تلألأ،و عن مثل حبّ الغمام.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم جلّ ضحكه التّبسّم.

و عن عبد اللّه بن الحارث رضي اللّه تعالي عنه قال:ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم.

و عن عائشة رضي اللّه[تعالي]عنها أنّها قالت:ما رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قطّ مستجمعا ضاحكا حتّي أري منه لهواته (2).

و عن عبد اللّه بن الحارث أيضا قال:ما ضحك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إلاّ تبسّما.

ص: 93


1- افترّ:أبدي أسنانه حالة كونه ضاحكا.
2- جمع لهاة؛و هي:اللّحمة المشرفة علي الحلق.و المعني:ما رأيته مستجمعا من جهة الضحك،أي:مطمئنا قاصدا للضحك الذي يغلب وقوعه للناس،بحيث يضحك ضحكا تاما،مقبلا بكليته علي الضحك،إنما كان يبتسم،و التبسم أقل الضحك و أحسنه.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا يحدّث حديثا إلاّ تبسّم.

و كان ضحك أصحابه صلّي اللّه عليه و سلّم عنده التبسّم من غير صوت،اقتداء به،و توقيرا له،و كانوا إذا جلسوا عنده..كأنّما علي رءوسهم الطّير.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا جري به الضّحك..وضع يده علي فيه (1).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم من أضحك النّاس،و أطيبهم نفسا.

و ورد في أحاديث أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم ضحك حتّي بدت نواجذه-أي:أضراسه-و إن كان الغالب من أحواله صلّي اللّه عليه و سلّم التبسّم

فعن أبي ذرّ رضي اللّه[تعالي]عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«إنّي لأعلم أوّل رجل يدخل الجنّة،و اخر رجل يخرج من النّار،يؤتي بالرّجل يوم القيامة فيقال:اعرضوا عليه صغار ذنوبه، و يخبأ عنه كبارها،فيقال له:عملت يوم كذا..كذا و كذا،و هو مقرّ لا ينكر،و هو مشفق من كبارها،فيقال:أعطوه مكان كلّ سيّئة عملها حسنة،فيقول:إنّ لي ذنوبا لا أراها هاهنا».

قال أبو ذرّ:فلقد رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ضحك حتّي بدت نواجذه.ا.

ص: 94


1- حتي لا يبدو شيء من باطن فمه،و لئلا يقهقه،و هذا كان نادرا.

و عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«إنّي لأعرف اخر أهل النّار خروجا،رجل يخرج منها زحفا،فيقال له:انطلق فادخل الجنّة.

قال:فيذهب ليدخل فيجد الناس قد أخذوا المنازل،فيرجع فيقول:ربّ؛قد أخذ النّاس المنازل،فيقال له:أتذكر الزّمان الّذي كنت فيه؟فيقول:نعم،فيقال له:تمنّ.

قال:فيتمنّي،فيقال له:فإنّ لك الّذي تمنّيته و عشرة أضعاف الدّنيا.

قال:فيقول:أ تسخر بي و أنت الملك».

قال:فلقد رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ضحك حتّي بدت نواجذه.

و عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص قال:قال سعد رضي اللّه تعالي عنه:لقد رأيت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم ضحك يوم الخندق حتّي بدت نواجذه.

قال:قلت:كيف كان ضحكه؟

قال:كان رجل معه ترس،و كان سعد راميا،و كان الرّجل يقول كذا و كذا بالتّرس يغطّي جبهته (1)،فنزع له سعد بسهم،فلمّا رفع رأسه..ل.

ص: 95


1- أي:يفعل كذا و كذا بالترس،أي:يشير به يمينا و شمالا،و المراد بالقول هنا الفعل.

رماه فلم يخطئ هذه منه-يعني:جبهته-و انقلب الرّجل و شال برجله (1)،فضحك النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم حتّي بدت نواجذه.قال:

قلت:من أيّ شيء ضحك (2)؟

قال:من فعله بالرّجل (3).

و عن عليّ بن ربيعة قال:شهدت عليّا رضي اللّه تعالي عنه أتي بدابّة ليركبها،فلمّا وضع رجله في الرّكاب..قال:باسم اللّه.فلمّا استوي علي ظهرها..قال:الحمد للّه،ثمّ قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَ إِنّا إِلي رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ [الزخرف:13-14].

ثمّ قال:الحمد للّه(ثلاثا)،و اللّه أكبر(ثلاثا)،سبحانك إنّي ظلمات نفسي فاغفر لي؛فإنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت.ثمّ ضحك.

فقلت:من أيّ شيء ضحكت يا أمير المؤمنين؟

قال:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم صنع كما صنعت ثمّ ضحك.

فقلت:من أيّ شيء ضحكت يا رسول اللّه؟ك.

ص: 96


1- أي:صار أعلاه أسفله،و سقط علي استه.و شال برجله:رفعها،و الباء هنا للتعدية أو زائدة.
2- أي:من أجل أي سبب ضحك النبي صلّي اللّه عليه و سلّم؛هل من رمي سعد للرجل و إصابته؟أو من رفعه لرجله و افتضاحه بكشف عورته؟و لأجل هذا الاحتمال استفسر الراوي-و هو عامر-سعدا عن سبب ضحكه صلّي اللّه عليه و سلّم.
3- أي:ضحك صلّي اللّه عليه و سلّم من أجل رميه الرجل و إصابته؛لا من رفعه لرجله و افتضاحه بكشف عورته،لأنه لا يليق بالنبي صلّي اللّه عليه و سلّم،و لا ينبغي أن يضحك لهذا؛بل لذاك.

قال:«إنّ ربّك ليعجب من عبده إذا قال:ربّ اغفر لي ذنوبي، يعلم أنّه لا يغفر الذّنوب أحد غيره».

بكاء رسول اللّه صلي الله عليه و آله

و أمّا بكاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

فكان من جنس ضحكه،لم يكن بشهيق و رفع صوت،كما لم يكن ضحكه بقهقهة،و لكن تدمع عيناه حتّي تهملان (1)،و يسمع لصدره أزيز،يبكي:رحمة لميّت،و:خوفا علي أمّته و شفقة،و:من خشية اللّه تعالي،و:عند سماع القرآن،و:أحيانا في صلاة اللّيل.

فعن عبد اللّه بن الشّخّير رضي اللّه تعالي عنه قال:أتيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و هو يصلّي،و لجوفه أزيز كأزيز المرجل (2)من البكاء.

و عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه تعالي عنه قال:قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«اقرأ عليّ»،فقلت:يا رسول اللّه؛أقرأ عليك و عليك أنزل؟!قال:«إنّي أحبّ أن أسمعه من غيري».فقرأت سورة النّساء حتّي بلغت: وَ جِئْنا بِكَ عَلي هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء:41].قال:

فرأيت عيني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم تهملان.

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما قال:أخذ رسول اللّه صلّي اللّه

ص: 97


1- تسيل دمعها.
2- المرجل:قدر من النحاس،و قيل:كل قدر يطبخ فيه،و سمي بذلك لأنه إذا نصب فكأنه أقيم علي رجلين.

عليه و سلّم ابنة له صغيرة (1)تقضي (2)،فاحتضنها فوضعها بين يديه، فماتت و هي بين يديه (3)و صاحت أمّ أيمن،فقال:-يعني:النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم-:«أ تبكين عند رسول اللّه؟!».أي:بكاء محظورا مقترنا بالصّياح دالاّ علي الجزع.فقالت:أ لست أراك تبكي؟

قال:«إنّي لست أبكي،إنّما هي رحمة،إنّ المؤمن بكلّ خير علي كلّ حال،إنّ نفسه تنزع من بين جنبيه؛و هو يحمد اللّه عزّ و جلّ».

و عن أنس بن مالك رضي اللّه تعالي عنه قال:شهدنا ابنة (4)لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و رسول اللّه جالس علي القبر،فرأيت عينيه تدمعان.

و عن عائشة رضي اللّه عنها:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قبّل عثمان بن مظعون،و هو ميّت،و هو يبكي.

هو أخوه من الرّضاعة (5).

و كانت عيناه صلّي اللّه عليه و سلّم كثيرة الدّموع و الهملان.

و كسفت الشّمس مرّة،فجعل صلّي اللّه عليه و سلّم يبكي في الصّلاةه.

ص: 98


1- و هي:بنت بنته زينب،و اسمها:أمامة.
2- تشرف علي الموت.
3- أشرفت علي الموت،و لم تمت حينئذ،بل عاشت بعده صلّي اللّه عليه و سلّم حتي تزوجها علي بن أبي طالب،و مات-رضي اللّه عنه-عنها.
4- و هي:أم كلثوم رضي اللّه عنها.
5- و هذه الجملة من قول المصنف رحمه اللّه.

و ينفخ،و يقول:«يا ربّ؛أ لم تعدني ألا تعذّبهم و أنا فيهم،و هم يستغفرونك؟و نحن نستغفرك يا ربّ».

عطاس رسول اللّه صلي الله عليه و آله

و أمّا عطاس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

فقد كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا عطس..وضع يده أو ثوبه علي فيه، و خفض بها صوته.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا عطس..حمد اللّه،فيقال له:

يرحمك اللّه،فيقول:«يهداكم اللّه و يصلح بالكم».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يكره العطسة الشّديدة في المسجد.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يكره رفع الصّوت بالعطاس.

أمّا التّثاؤب:فقد كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يكرهه من غيره،و قد حفظه اللّه تعالي منه،و ما تثاءب نبيّ قطّ.

ص: 99

الفصل التّاسع: في صفة كلامه صلّي اللّه عليه و سلّم و سكوته

عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:ما كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يسرد كسردكم هذا،و لكن كان يتكلّم بكلام بيّن فصل، يحفظه من جلس إليه.

و كان في كلامه صلّي اللّه عليه و سلّم ترتيل.

و كان كلامه صلّي اللّه عليه و سلّم يحفظه كلّ من سمعه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا تكلّم بكلمة..أعادها ثلاثا حتّي تفهم عنه،و إذا أتي علي قوم فسلّم عليهم..سلّم عليهم ثلاثا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا جلس يتحدّث..يكثر أن يرفع طرفه إلي السّماء.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحدّث حديثا،لو عدّه العادّ..لأحصاه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم طويل الصّمت.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم كثير السّكوت،لا يتكلّم في غير حاجة، و يعرض عمّن تكلّم بغير جميل.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يخزن لسانه إلاّ فيما يعنيه.

ص: 100

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم نزر الكلام،سمح المقالة،يعيد الكلام مرّتين ليفهم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم كلامه كخرزات النّظم.

و كان يعرض عن كلّ كلام قبيح،و يكني عن الأمور المستقبحة في العرف إذا اضطرّه الكلام إلي ذكرها.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يذكر اللّه تعالي بين كلّ خطوتين.

ص: 101

الفصل العاشر: في صفة قوّته صلّي اللّه عليه و سلّم

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم شديد البطش.

و عن ابن إسحاق و غيره:أنّه كان بمكّة رجل شديد القوّة يحسن الصّراع،و كان النّاس يأتونه من البلاد للمصارعة فيصرعهم،فبينما هو ذات يوم في شعب من شعاب مكّة إذ لقيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فقال له:«يا ركانة؛ألا تتّقي اللّه و تقبل ما أدعوك إليه؟».

فقال له:يا محمّد؛هل من شاهد يدلّ علي صدقك؟

فقال:«أ رأيتك إن صرعتك،أ تؤمن باللّه و رسوله؟».

قال:نعم يا محمّد.

فقال له:«تهيّأ للمصارعة».

فقال:تهيّأت.

فدنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فأخذه،ثمّ صرعه.

قال:فتعجّب ركانة من ذلك،ثمّ سأله الإقالة و العود،ففعل به ثانيا و ثالثا،فوقف ركانة متعجّبا،و قال:إنّ شأنك لعجيب.

و قد صارع النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم جماعة غير ركانة،منهم أبو

ص: 102

الأسود الجمحيّ،و كان شديدا،بلغ من شدّته أنّه كان يقف علي جلد البقرة،و يتجاذب أطرافه عشرة لينزعوه من تحت قدميه،فيتفرّي الجلد (1)،و لم يتزحزح عنه،فدعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إلي المصارعة،و قال:إن صرعتني..آمنت بك،فصرعه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فلم يؤمن.

و أمّا قوّة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم علي الجماع:

فقد قال أنس رضي اللّه تعالي عنه:إنّه كان صلّي اللّه عليه و سلّم يدور علي نسائه في السّاعة الواحدة من اللّيل و النّهار؛و هنّ إحدي عشرة.

و أخرج ابن منيع:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يطوف علي تسع نسوة في ضحوة.

و عن صفوان بن سليم مرفوعا:«أتاني جبريل بقدر فأكلت منها، فأعطيت قوّة أربعين رجلا في الجماع».

و عن طاوس و مجاهد:أعطي صلّي اللّه عليه و سلّم قوّة أربعين رجلا في الجماع.

و في رواية عن مجاهد:قوّة بضع و أربعين رجلا من أهل الجنّة.

و عن زيد بن أرقم رفعه:«إنّ الرّجل من أهل الجنّة ليعطي قوّة مائة في الأكل و الشّرب و الجماع و الشّهوة».ع.

ص: 103


1- يتفرّي:ينشقّ و يتقطّع.

ص: 104

الباب الثّالث: في صفة لباس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و فراشه و سلاحه

اشارة

و فيه ستّة فصول

ص: 105

ص: 106

الفصل الأوّل: في صفة لباسه صلّي اللّه عليه و سلّم

اشارة

من قميص و إزار و رداء و قلنسوة و عمامة و نحوها قال القاضي عياض رحمه اللّه تعالي في«الشّفا»:(انظر سيرة نبيّنا محمّد صلّي اللّه عليه و سلّم و خلقه في المال..تجده قد أوتي خزائن الأرض و مفاتيح البلاد،و أحلّت له الغنائم؛و لم تحلّ لنبيّ قبله،و فتح عليه في حياته صلّي اللّه عليه و سلّم بلاد الحجاز و اليمن و جميع جزيرة العرب و ما داني ذلك من الشّام و العراق،و جلب إليه من أخماسها و جزيتها و صدقاتها ما لا يجبي للملوك إلاّ بعضه،و هادنه جماعة من ملوك الأقاليم فما استأثر بشيء منه،و لا أمسك منه درهما،بل صرفه في مصارفه،و أغني به غيره،و قوّي به المسلمين،و قال:«ما يسرّني أنّ لي أحدا ذهبا يبيت عندي منه دينار ،إلاّ دينارا أرصده لدين».

و أتته دنانير مرّة،فقسمها،و بقيت منها بقيّة،فدفعها لبعض نسائه، فلم يأخذه نوم حتّي قام و قسمها،و قال:«الآن استرحت».

و مات و درعه مرهونة في نفقة عياله،و اقتصر من نفقته و ملبسه

ص: 107

و مسكنه علي ما تدعوه إليه ضرورته،و زهد فيما سواه.

فكان يلبس ما وجده،فيلبس في الغالب الشّملة،و الكساء الخشن، و البرد الغليظ،و يقسم علي من حضره أقبية (1)الدّيباج المخوّصة (2)بالذّهب،و يرفع لمن لم يحضر؛إذ المباهاة في الملابس و التّزيّن بها..

ليست من خصال الشّرف و الجلالة،و هي من سمات النّساء.و المحمود منها نقاوة الثّوب،و التّوسّط في جنسه،و كونه لبس مثله..غير مسقط لمروءة جنسه.

و في«المواهب»:إنّ الجمال في الصّورة و اللّباس و الهيئة ثلاثة أنواع:منه ما يحمد،و منه ما يذمّ،و منه ما لا يتعلّق به مدح و لا ذمّ:

فالمحمود منه:ما كان للّه،و أعان علي طاعة اللّه تعالي،و تنفيذ أوامره،و الاستجابة له؛كما كان صلّي اللّه عليه و سلّم يتجمّل للوفود، و هذا نظير لباس آلة الحرب للقتال،و لباس الحرير في الحرب، و الخيلاء فيه؛فإنّ ذلك محمود إذا تضمّن إعلاء كلمة اللّه تعالي،و نصر دينه،و غيظ عدوّه.

و المذموم منه:ما كان للدّنيا،و الرّئاسة،و الفخر و الخيلاء،و أن يكون هو غاية العبد و أقصي مطلبه.

و أمّا ما لا يحمد و لا يذمّ:فهو ما خلا عن هذين القصدين،و تجرّد عن الوصفين،و قد كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم لا يضيّق بالاقتصارة.

ص: 108


1- الأقبية-جمع قباء-و هو:المخيط من اللّباس.
2- المخوصة:المزيّنة.

علي صنف من اللّباس بعينه،و لا يطلب النّفيس الغالي،بل يستعمل ما تيسّر.

ثمّ قال (1):روي أبو نعيم في«الحلية»عن ابن عمر مرفوعا:«إنّ من كرامة المؤمن علي اللّه عزّ و جلّ..نقاء ثوبه،و رضاه باليسير».

و له من حديث جابر:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم رأي رجلا وسخة ثيابه فقال:«أما وجد هذا شيئا ينقّي به ثيابه؟».

قال (2):و كانت سيرته صلّي اللّه عليه و سلّم في ملبسه أتمّ و أنفع للبدن و أخفّ عليه؛فإنّه لم تكن عمامته بالكبيرة الّتي يؤذي حملها و يضعفه و يجعله عرضة للافات،و لا بالصّغيرة الّتي تقصر عن وقاية الرّأس من الحرّ و البرد،و كذلك الأردية و الأزر أخفّ علي البدن من غيرها،و لم يكن صلّي اللّه عليه و سلّم يطوّل أكمامه و يوسّعها)ا ه

و كان أحبّ الثّياب إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يلبسه..

القميص.

و(القميص):اسم لما يلبس من المخيط الّذي له كمّان و جيب، يلبس تحت الثّياب،و لا يكون من صوف.كذا في«القاموس».

و لم يكن له صلّي اللّه عليه و سلّم سوي قميص واحد؛فقد ورد عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها أنّها قالت:ما رفع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم غداء لعشاء،و لا عشاء لغداء،و لا اتّخذ من شيء زوجين،و لا».

ص: 109


1- أي:القسطلاني في«المواهب».
2- أيضا في«المواهب».

قميصين و لا رداءين و لا إزارين،و لا زوجين من النّعال.

و كان كمّ قميص رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إلي الرّسغ.

و(الرّسغ):مفصل ما بين الكفّ و السّاعد من الإنسان.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كمّه مع الأصابع.

و كان قميصه صلّي اللّه عليه و سلّم فوق الكعبين،و كان كمّه مع الأصابع.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا لبس قميصا..بدأ بميامنه.

و عن قرّة بن إياس رضي اللّه تعالي عنه قال:أتيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في رهط من مزينة لنبايعه،و إنّ زرّ قميصه مطلق،قال:

فأدخلت يدي في جيب قميصه،فمسست الخاتم (1).

و كان أحبّ الثّياب إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم الحبرة-بوزن عنبة-برد يمانيّ محبّر؛أي:مزيّن محسّن.

و كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم بردان أخضران،فيهما خطوط خضر لا بحتا (2).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يعجبه الثّياب الخضر.

و عن أبي جحيفة رضي اللّه تعالي عنه قال:رأيت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم و عليه حلّة حمراء كأنّي أنظر إلي بريق ساقيه.

و(الحلّة)بالضّمّ:إزار و رداء،و لا تكون حلّة إلاّ من ثوبين،أوا.

ص: 110


1- أي:خاتم النبوة.
2- أي:لم يكن أخضر خالصا.

ثوب له بطانة.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يكسو بناته خمر القزّ و الإبريسم (1).

و(الخمر)-ك«كتب»،جمع خمار-و هو:ما تغطّي به المرأة رأسها.

و كان يتّبع الحرير من الثّياب..فينزعه.

و كان قيمة ثوبه صلّي اللّه عليه و سلّم عشرة دراهم.

و عن قيلة بنت مخرمة رضي اللّه تعالي عنها قالت:رأيت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم و عليه أسمال (2)مليّتين.

و قوله(مليّتين)-تصغير ملاءة-و هي:كلّ ثوب لم يضمّ بعضه إلي بعض بخيط،بل كلّه نسج واحد.

و عن أنس بن مالك رضي اللّه تعالي عنه:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم خرج و هو يتوكّأ علي أسامة رضي اللّه تعالي عنه،و عليه ثوب قطريّ قد توشّح به..فصلّي بهم.

و(قطريّ):نسبة إلي القطر؛و هو:نوع من البرود اليمانيّة تتّخذ من قطن،و فيه حمرة و أعلام مع خشونة.ق.

ص: 111


1- القزّ:هو ما يعمل منه الإبريسم،و لهذا قال بعضهم:القزّ و الإبريسم مثل الحنطة و الدقيق؛فالإبريسم ما يؤخذ من القزّ كأخذ الدقيق من الحنطة.
2- الأسمال-جمع سمل-و هو:الثوب الخلق.

و(توشّح به)أي:وضعه فوق عاتقيه،أو خالف بين طرفيه و ربطهما بعنقه.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ذات غداة و عليه مرط من شعر أسود.

و(المرط):كساء طويل واسع.

و عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه تعالي عنه:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم لبس جبّة روميّة ضيّقة الكمّين.

و(الجبّة):ثوبان بينهما حشو،و قد تقال لما لا حشو له إذا كانت ظهارته (1)من صوف.

و كان كمّه صلّي اللّه عليه و سلّم إلي الرّسغ،و لبس القباء (2)و الفرجيّة،و لبس جبّة ضيّقة الكمّين في سفره.

و عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللّه تعالي عنهما:أنّها أخرجت جبّة طيالسة (3)كسروانيّة،لها لبنة ديباج،و فرجاها مكفوفان (4)بالدّيباج، قالت:هذه جبّة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،كانت عند عائشة رضي اللّه تعالي عنها،فلمّا قبضت..قبضتها،و كان النّبيّ صلّي اللّه عليهم.

ص: 112


1- ظهارته:ما يظهر للعين،بخلاف البطانة.
2- القباء:الثوب المشقوق من أمام؛كالجبّة المعهودة.
3- طيالسة:نوع من الثياب لها علم.
4- و في رواية:و فرجيها مكفوفين،و في رواية:و فروجا مكفوفة.و(الفرج في الثوب):الشق في أسفله من خلف و أمام.

و سلّم يلبسها،فنحن نغسلها للمرضي نستشفي بها.

و معني(اللّبنة):رقعة في جيب القميص.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يلبس ما وجد؛فمرّة شملة، و مرّة برد حبرة يمانيّة،و مرّة جبّة صوف،ما وجد من المباح لبس.

و(الشّملة):كساء صغير يؤتزر به.

و عن أبي موسي الأشعري رضي اللّه تعالي عنه قال:أخرجت إلينا عائشة رضي اللّه تعالي عنها كساء ملبّدا و إزارا غليظا؛فقالت:قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في هذين.

و(الكساء):ما يستر أعلي البدن.

و(الملبّد):المرقّع.

و(الإزار):ما يستر أسفل البدن.

و(غلظه):خشونته.

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم كساء ملبّد يلبسه و يقول:«إنّما أنا عبد،ألبس كما يلبس العبد».

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم كساء أسود،فوهبه،فقالت له أمّ سلمة:بأبي أنت و أمّي ما فعل ذلك الكساء الأسود؟فقال:«كسوته»، فقالت:ما رأيت شيئا قطّ أحسن من بياضك علي سواده.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يتقنّع بردائه تارة و يتركه أخري،و هو (1)م.

ص: 113


1- أي:رداؤه صلّي اللّه عليه و سلّم.

الّذي يسمّي في العرف:الطّيلسان.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم غالب ما يلبس هو و أصحابه ما نسج من القطن،و ربّما لبسوا ما نسج من الصّوف و الكتّان.

و لبس صلّي اللّه عليه و سلّم الشّعر الأسود.و لبس مرّة بردة من الصّوف..فوجد ريح الضّأن فطرحها.

و كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم سراويل،و لبس النّعل الّتي تسمّي:التّاسومة (1).

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم ملاءة مصبوغة بالزّعفران،تنقل معه إلي بيوت أزواجه،فترسلها من كان نائما عندها إلي صاحبة النّوبة،فترشّها بالماء،فتظهر رائحة الزّعفران،فينام معها فيها.

و كانت له صلّي اللّه عليه و سلّم ملحفة مصبوغة بالزّعفران،و ربّما صلّي بالنّاس فيها واحدها،و ربّما لبس الكساء واحده و ما عليه غيره.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم ربّما صلّي باللّيل في الإزار،و ارتدي ببعضه ممّا يلي هدبه،و ألقي البقيّة علي بعض نسائه،فيصلّي كذلك.

و كانت ثيابه صلّي اللّه عليه و سلّم كلّها مشمّرة فوق الكعبين،و كان إزاره فوق ذلك إلي نصف السّاق،و كان قميصه مشدود الأزرار،و ربّما حلّ الأزرار في الصّلاة و غيرها.ة.

ص: 114


1- التاسومة:ما له سير يستر بعض الأصابع مما يلي أصولها،و بعض ظهر القدم من تلك الجهة.

و عن عبيد بن خالد رضي اللّه تعالي عنه قال:بينا أنا أمشي بالمدينة إذا إنسان خلفي يقول:«ارفع إزارك فإنّه أتقي و أبقي»،فإذا هو رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فقلت:يا رسول اللّه؛إنّما هي بردة ملحاء،قال:

«أ ما لك فيّ أسوة؟!»،فنظرت فإذا إزاره إلي نصف ساقيه.

و معني(ملحاء):سوداء فيها خطوط بيض يلبسها الأعراب،ليست من الثّياب الفاخرة.

و(الأسوة):القدوة.

و عن سلمة بن الأكوع رضي اللّه تعالي عنه قال:كان عثمان بن عفّان رضي اللّه تعالي عنه يأتزر إلي أنصاف ساقيه،و قال:هكذا كانت إزرة (1)صاحبي؛يعني النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم.

و عن حذيفة بن اليمان رضي اللّه[تعالي]عنهما قال:أخذ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم بعضلة ساقي فقال:«هذا موضع الإزار،فإن أبيت..فأسفل،فإن أبيت..فلا حقّ للإزار في الكعبين».

و عن ابن عمر رضي اللّه تعالي عنهما قال:رآني النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم أسبلت إزاري فقال:«يا ابن عمر؛كلّ شيء لمس الأرض من الثّياب في النّار».

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه،عن النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«ما أسفل من الكعبين من الإزار..في النّار»،و هو محمولر.

ص: 115


1- الإزرة:اسم لهيئة الاتّزار.

علي ما ورد من قيد الخيلاء،فهو الّذي ورد فيه الوعيد.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يرخي إزاره من بين يديه، و يرفعه من ورائه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا استجدّ ثوبا..سمّاه باسمه؛قميصا، أو عمامة،أو رداء،ثمّ يقول:«اللّهمّ؛لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك من خيره و خير ما صنع له،و أعوذ بك من شرّه و شرّ ما صنع له».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا لبس ثوبا جديدا..حمد اللّه تعالي، و صلّي ركعتين،و كسا الخلق (1).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا استجدّ ثوبا..لبسه يوم الجمعة.

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم برد يلبسه في العيدين و الجمعة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يلبس بردة حمراء في كلّ عيد.

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم برد حبرة يلبسه في كلّ عيد.

و مرّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالي عنه مع النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم بالسّوق فرأي حلّة من سندس..فقال:يا رسول اللّه؛لو اتّخذت هذه للعيد،فقال:«إنّما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة».

و كانت الصّحابة رضي اللّه تعالي عنهم يلبسون ذكورهم الصّغار يوم العيد أحسن ما يقدرون عليه من الحليّ،و المصبّغات من الثّياب.

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم ثوبان لجمعته خاصّة سوي ثيابه في غيره.

ص: 116


1- الخلق:الثوب البالي،و المعني:أنه يتصدق به.

الجمعة،و ربّما لبس الإزار الواحد ليس عليه غيره؛يعقد طرفيه بين كتفيه،و ربّما أمّ به النّاس علي الجنائز،و ربّما صلّي في بيته في الإزار الواحد ملتحفا به مخالفا بين طرفيه،و يكون ذلك الإزار هو الّذي جامع فيه يومئذ.

و كان إذا قدم عليه الوفد..لبس أحسن ثيابه،و أمر علية أصحابه بذلك.

و كان رداؤه صلّي اللّه عليه و سلّم طوله ستّة أذرع،في ثلاثة و شبر.

و كان إزاره أربعة و شبرا،في عرض ذراعين و شبر.

و لبس صلّي اللّه عليه و سلّم الأبراد الّتي فيها خطوط حمر.

و كان ينهي أصحابه عن لبس الأحمر الخالص.

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«عليكم بالبياض من الثّياب؛ليلبسها أحياؤكم،و كفّنوا فيها موتاكم؛فإنّها من خير ثيابكم».

و في«المواهب»:

عن عروة:أنّ طول رداء النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم أربعة أذرع، و عرضة ذراعان و شبر.

و فيها:

لطيفة:

قيل:لمّا كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا يبدو منه إلاّ طيب..كان آية ذلك في بدنه الشّريف أنّه لا يتّسخ له ثوب.قيل:و لم يقمل ثوبه.

ص: 117

و قال ابن سبع في«الشّفا»،و السّبتيّ في«أعذب الموارد و أطيب الموالد»:لم يكن القمل يؤذيه تعظيما له و تكريما صلّي اللّه عليه و سلّم.

ثمّ قال:

و نقل الفخر الرّازيّ:إنّ الذّباب لا يقع علي ثيابه قطّ،و إنّه لا يمتصّ دمه البعوض.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يلبس قلنسوة بيضاء.

و(القلنسوة):غشاء مبطّن يستر الرّأس.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يلبس القلانس تحت العمائم و بغير العمائم،و يلبس العمائم بغير القلانس،و كان يلبس القلانس اليمانيّة؛ و هنّ البيض المضرّبة (1)،و يلبس القلانس ذوات الآذان في الحرب.

و كان ربّما نزع قلنسوته،فجعلها سترة بين يديه و هو يصلّي،و ربّما لم تكن العمامة،فيشدّ العصابة علي رأسه و علي جبهته.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اعتمّ..سدل عمامته بين كتفيه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يدير العمامة علي رأسه و يغرزها من ورائه،و يرسل لها ذؤابة بين كتفيه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اعتمّ..سدل عمامته بين كتفيه،و في أوقات كان يضمّها و يرشقها،و أوقات لا يرخيها جملة.ة.

ص: 118


1- المضربة:المحشوّة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم كثيرا ما يلتحي بالعمامة من تحت الحنك كطريق المغاربة.

و كانت له صلّي اللّه عليه و سلّم عمامة تسمّي(السّحاب)،فوهبها لعليّ رضي اللّه تعالي عنه،فربّما طلع عليّ فيها فيقول صلّي اللّه عليه و سلّم:«أتاكم عليّ في السّحاب».

و عن عليّ رضي اللّه تعالي عنه قال:عمّمني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم بعمامة سدل طرفها علي منكبي،و قال:«إنّ اللّه أمدّني يوم بدر و يوم حنين بملائكة معمّمين هذه العمّة».

و قال:«إنّ العمامة حاجز بين المسلمين و المشركين».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يولّي واليا حتّي يعمّمه،و يرخي لها عذبة من جانب الأيمن نحو الأذن.

و عن جابر رضي اللّه تعالي عنه قال:دخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم مكّة يوم الفتح و عليه عمامة سوداء.

و قال ابن حجر المكّيّ:اعلم أنّه لم يتحرّر-كما قاله بعض الحفّاظ- في طول عمامته صلّي اللّه عليه و سلّم و عرضها شيء.

و كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم خرقة،إذا توضّأ..تمسّح بها.

و كان منديله صلّي اللّه عليه و سلّم باطن قدميه.

ص: 119

الفصل الثّاني: في صفة فراشه صلّي اللّه عليه و سلّم و ما يناسبه

كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فراش من أدم،حشوه ليف، طوله ذراعان أو نحوهما،و عرضه ذراع و شبر أو نحوه.

و كان متقلّلا من أمتعة الدّنيا كلّها،و قد أعطاه اللّه تعالي مفاتيح خزائن الأرض كلّها..فأبي أن يأخذها،و اختار الآخرة عليها.

و سئلت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:ما كان فراش رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في بيتك؟قالت:من أدم،حشوه ليف.

و(الأدم)-جمع أديم علي غير القياس-و هو:الجلد المدبوغ، و يجمع علي:أدم.

و عنها رضي اللّه تعالي عنها قالت:دخلت عليّ امرأة من الأنصار، فرأت فراش رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قطيفة مثنيّة،فبعثت إليّ بفراش حشوه الصّوف،فدخل عليّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فقال:«ما هذا يا عائشة؟!»،قلت:يا رسول اللّه؛فلانة الأنصاريّة دخلت فرأت فراشك فبعثت إليّ بهذا،فقال:«ردّيه يا عائشة،فو اللّه لو شئت لأجري اللّه تعالي معي جبال الذّهب و الفضّة».

ص: 120

و(القطيفة):دثار له خمل (1).

و سئلت حفصة رضي اللّه تعالي عنها:ما كان فراش رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في بيتك؟قالت:مسحا نثنيه ثنيتين فينام عليه، فلمّا كان ذات ليلة..قلت:لو ثنيته أربع ثنيات لكان أوطأ له،فثنيناه له بأربع ثنيات،فلمّا أصبح..قال:«ما فرشتموا لي اللّيلة؟».

قالت:قلنا:هو فراشك،إلاّ أنّا ثنيناه بأربع ثنيات،قلنا:هو أوطأ لك،قال:«ردّوه لحالته الأولي؛فإنّه منعتني وطأته صلاتي اللّيلة».

و(المسح):كساء خشن من صوف يعدّ للفراش.

و معني(أوطأ):ألين؛من وطؤ الفراش فهو وطئ،كقرب فهو قريب.

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم عباءة تفرش له حيثما انتقل،تثني طاقين تحته.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم كثيرا ما ينام علي الحصير واحده،ليس تحته شيء غيره.

و عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه تعالي عنه قال:دخلت علي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم و هو في غرفة كأنّها بيت حمّام،و هو نائم علي حصير قد أثّر بجنبه،فبكيت،فقال:«ما يبكيك يا عبد اللّه؟»،قلت:يا رسول اللّه؛كسري و قيصر يطئون علي الخزّ و الدّيباج و الحرير؛و أنتب.

ص: 121


1- الخمل:الهدب.

نائم علي هذا الحصير،قد أثّر بجنبك.فقال:«فلا تبك يا عبد اللّه، فإنّ لهم الدّنيا و لنا الآخرة».

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما قال:حدّثني عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالي عنه قال:

دخلت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و هو علي حصير،قال:

فجلست فإذا عليه إزاره و ليس عليه غيره،و إذا الحصير قد أثّر في جنبه، و إذا أنا بقبضة من شعير نحو الصّاع،و إذا إهاب معلّق،فابتدرت عيناي،فقال:«ما يبكيك يا ابن الخطّاب؟».فقلت:يا نبيّ اللّه؛و ما لي لا أبكي و هذا الحصير قد أثّر في جنبيك،و هذه خزائنك لا أري فيها إلاّ ما أري،و ذاك كسري و قيصر في الثّمار و الأنهار،و أنت نبيّ اللّه و صفوته و هذه خزائنك؟!قال:«يا ابن الخطّاب؛أ ما ترضي أن تكون لنا الآخرة و لهم الدّنيا؟!أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الدّنيا،و هي و شيكة الانقطاع،و إنّا قوم أخّرت لنا طيّباتنا في آخرتنا».

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم سرير مرمّل بالبرديّ،و عليه كساء أسود،و قد حشوناه بالبرديّ،فدخل أبو بكر و عمر رضي اللّه تعالي عنهما عليه،فإذا النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم نائم عليه،فلمّا رآهما..استوي جالسا،فنظرا، فإذا أثر السّرير في جنب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فقالا:

يا رسول اللّه؛ما يؤذيك خشونة ما نري من فراشك و سريرك؛و هذا كسري و قيصر علي فرش الدّيباج و الحرير؟!فقال عليه الصّلاة و السّلام:

ص: 122

«لا تقولا هذا؛فإنّ فراش كسري و قيصر في النّار،و إنّ فراشي و سريري هذا عاقبته إلي الجنّة».

و ما عاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم مضجعا قطّ،إن فرش له..

اضطجع،و إلاّ..اضطجع علي الأرض.

و معني(مرمّل):منسوج.

و(البرديّ):نبات.

و تغطّي صلّي اللّه عليه و سلّم باللّحاف،قال عليه الصّلاة و السّلام:

«ما أتاني جبريل و أنا في لحاف امرأة منكنّ..غير عائشة».

و كان و ساده الّذي يتّكئ عليه من أدم،حشوه ليف.

و عن جابر بن سمرة رضي اللّه تعالي عنه قال:رأيت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم متّكئا علي و سادة علي يساره.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يصلّي علي الحصير.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يصلّي علي بساط.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يستحبّ أن تكون له فروة مدبوغة يصلّي عليها.

ص: 123

الفصل الثّالث: في صفة خاتمه صلّي اللّه عليه و سلّم

كان خاتم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم من ورق،و كان فصّه حبشيّا.

و(الورق):الفضّة.

و(الفصّ):ما يكتب عليه اسم صاحبه.

و(الحبشيّ):منسوب إلي الحبش،فإنّه كان من جزع؛و هو:

خرز فيه بياض و سواد،أو من عقيق،و معدنهما بالحبشة.

و لم يرد عنه صلّي اللّه عليه و سلّم أنّه لبس خاتما كلّه عقيقا.

و كان خاتمه صلّي اللّه عليه و سلّم من فضّة فصّه منه.

و عن ابن عمر رضي اللّه تعالي عنهما:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم اتّخذ خاتما من فضّة،فكان يختم به و لا يلبسه.

و كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يلبس خاتمه في يمينه.

و التّختّم في اليسار ليس مكروها،و لا خلاف الأولي،بل هو سنّة لوروده في أحاديث صحيحة،لكن التّختّم في اليمين أفضل؛لأنّ أحاديثه أصحّ.قاله الباجوريّ.

ص: 124

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يتختّم في يساره.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يجعل فصّ خاتمه ممّا يلي كفّه.

و كان نقش خاتم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:(محمّد)سطر، و(رسول)سطر،و(اللّه)سطر.

و عن أنس بن مالك رضي اللّه تعالي عنه قال:لمّا أراد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أن يكتب إلي العجم..قيل له:إنّ العجم لا يقبلون إلاّ كتابا عليه خاتم.فاصطنع خاتما،فكأنّي أنظر إلي بياضه في كفّه.

و عن أنس أيضا:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كتب إلي كسري، و قيصر،و النّجاشيّ،فقيل له:إنّهم لا يقبلون كتابا إلاّ بخاتم،فصاغ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم خاتما حلقته فضّة،و نقش فيه:(محمّد رسول اللّه).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يختم الكتب و يقول:«الخاتم علي الكتاب خير من التّهمة».

و عن ابن عمر رضي اللّه تعالي عنهما قال:اتّخذ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم خاتما من ذهب،فكان يلبسه في يمينه،فاتّخذ النّاس خواتيم من ذهب،فطرحه،و قال:«لا ألبسه أبدا»،فطرح النّاس خواتيمهم.

و عن ابن عمر أيضا:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم اتّخذ خاتما من فضّة،و جعل فصّه ممّا يلي كفّه،و نقش فيه محمّد رسول اللّه،و نهي أن ينقش أحد عليه.

ص: 125

و هو الّذي سقط من معيقيب في بئر أريس.

و(معيقيب):هو من أهل بدر،و كان يلي خاتم المصطفي صلّي اللّه عليه و سلّم،و الخلفاء من بعده.

و عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه تعالي عنهما قال:اتّخذ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم خاتما من ورق،فكان في يده،ثمّ كان في يد أبي بكر،و في يد عمر،ثمّ كان في يد عثمان حتّي وقع في بئر أريس، نقشه:محمّد رسول اللّه.

قال الباجوريّ:(و في وقوعه إشارة إلي أنّ أمر الخلافة كان منوطا به،فقد تواصلت الفتن،و تفرّقت الكلمة،و حصل الهرج (1)،و لذلك قال بعضهم:كان في خاتمه صلّي اللّه عليه و سلّم ما في خاتم سليمان من الأسرار؛لأنّ خاتم سليمان لمّا فقد..ذهب ملكه،و خاتمه صلّي اللّه عليه و سلّم لمّا فقد من عثمان..انتقض عليه الأمر،و حصلت الفتن الّتي أفضت إلي قتله،و اتّصلت إلي اخر الزّمان)ا ه.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أشفق من الحاجة ينساها..

ربط في خنصره،أو في خاتمه الخيط.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كان إذا دخل الخلاء..نزع خاتمه.ن.

ص: 126


1- الهرج:القتل بين الفريقين.

و جاء رجل و عليه خاتم من شبه (1).

و في رواية:من صفر؛و هو:نوع من النّحاس كانت الأصنام تتّخذ منه،فقال:«ما لي أجد منك ريح الأصنام؟!»،فطرحه،ثمّ جاء و عليه خاتم من حديد؛فقال:«ما لي أري عليك حلية أهل النّار؟!»، فطرحه،و قال:يا رسول اللّه؛من أيّ شيء أتّخذه؟قال:«من ورق و لا تتمّه مثقالا» (2).ا.

ص: 127


1- شبه و شبه-لغتان-:ضرب من النحاس كانت الأصنام تتخذ منه،و سمي بذلك لشبهه بالذهب لونا.
2- المثقال:هو زنة الدينار الإسلامي،و يساوي:(231,4)غراما،أو: (46,4)غراما.

الفصل الرّابع: في صفة نعله صلّي اللّه عليه و سلّم و خفّه

كان لنعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قبالان مثنّي شراكهما.

و(القبال):هو زمام يوضع بين الأصبع الوسطي و الّتي تليها، و يسمّي شسعا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يضع أحد القبالين بين الإبهام و الّتي تليها، و الآخر بين الوسطي و الّتي تليها.

و(الشّراك):السّير.

و عن ابن عمر رضي اللّه تعالي عنهما:أنّه كان يلبس النّعال السّبتيّة؛ و هي الّتي لا شعر عليها،و قال:إنّي رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يلبس النّعال الّتي ليس فيها شعر،و يتوضّأ فيها،فأنا أحبّ أن ألبسها.

و عن عمرو بن حريث رضي اللّه تعالي عنه أنّه قال:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يصلّي في نعلين مخصوفتين-أي:مخروزتين-ضمّ فيهما طاق إلي طاق.

و عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه تعالي عنهما:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه

ص: 128

و سلّم نهي أن يأكل-يعني الرّجل-بشماله،أو يمشي في نعل واحدة.

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«إذا انتعل أحدكم..فليبدأ باليمين،و إذا نزع..فليبدأ بالشّمال، فلتكن اليمين أوّلهما تنعل و آخرهما تنزع.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا جلس يتحدّث..يخلع نعليه.

قال الباجوريّ:(كانت نعله صلّي اللّه عليه و سلّم مخصّرة،معقّبة، ملسّنة،كما رواه ابن سعد في«الطّبقات»).

و(المخصّرة):هي الّتي لها خصر دقيق.

و(المعقّبة):هي الّتي لها عقب،أي:سير من جلد في مؤخّر النّعل يمسك به عقب القدم.

و(الملسّنة):هي التي في مقدّمها طول علي هيئة اللّسان.

قال الحافظ الكبير زين الدّين العراقيّ رحمه اللّه تعالي في«ألفيّة السّيرة النّبويّة»علي صاحبها أفضل الصّلاة و السّلام:

و نعله الكريمة المصونه طوبي لمن مسّ بها جبينه

لها قبالان بسير و هما سبتيّتان سبتوا شعرهما

و طولها شبر و إصبعان و عرضها ممّا يلي الكعبان

سبع أصابع و بطن القدم خمس،و فوق ذا فستّ فاعلم

و رأسها محدّد و عرض ما بين القبالين اصبعان اضبطهما

و هذه مثال تلك النّعل و دورها أكرم بها من نعل

ص: 129

فائدة:

قال في«المواهب»:ذكر ابن عساكر تمثال نعله صلّي اللّه عليه و سلّم في جزء مفرد،و أفرده بالتّأليف أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن خلف السّلميّ الأندلسيّ،و كذا غيرهما.

قال:و لم أثبتها اتّكالا علي شهرتها،و لصعوبة ضبط تسطيرها إلاّ علي حاذق.

و من بعض ما ذكر من فضلها،و جرّب من نفعها و بركتها أنّ أبا جعفر أحمد بن عبد المجيد-و كان شيخا صالحا-أعطي مثالها لبعض الطّلبة، فجاءه و قال له:رأيت البارحة من بركة هذا النّعل عجبا؛أصاب زوجتي وجع شديد كاد يهلكها فجعلت النّعل علي موضع الوجع،و قلت:اللّهمّ أرني بركة صاحب هذا النّعل..فشفاها اللّه تعالي للحين.

و قال أبو إسحاق:قال أبو القاسم بن محمّد:و ممّا جرّب من بركته:

أنّ من أمسكه عنده متبرّكا به..كان له أمانا من بغي البغاة،و غلبة العداة،و حرزا من كلّ شيطان مارد،و عين كلّ حاسد،و إن أمسكته الحامل بيمينها و قد اشتدّ عليها الطّلق..تيسّر أمرها بحول اللّه تعالي و قوّته.

و ما أحسن قول أبي بكر القرطبيّ رحمه اللّه تعالي:

و نعل خضعنا هيبة لبهائها و إنّا متي نخضع لها أبدا نعلو

فضعها علي أعلي المفارق إنّها حقيقتها تاج و صورتها نعل

ص: 130

بأخمص خير الخلق حازت مزيّة علي التّاج حتّي باهت المفرق الرّجل

شفاء لذي سقم،رجاء لبائس أمان لذي خوف،كذا يحسب الفضل

و عن بريدة رضي اللّه تعالي عنه:أنّ النّجاشيّ أهدي للنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم خفّين أسودين ساذجين،فلبسهما،ثمّ توضّأ و مسح عليهما.

و معني(ساذجين):لم يخالط سوادهما شيء اخر (1).

و عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه تعالي عنه قال:أهدي دحية للنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم خفّين،فلبسهما.

و روي الطّبرانيّ في«الأوسط»عن الحبر (2):قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أراد الحاجة..أبعد المشي،فانطلق ذات يوم لحاجته،ثمّ توضّأ و لبس خفّه،فجاء طائر أخضر فأخذ الخفّ الآخر فارتفع به،ثمّ ألقاه،فخرج منه أسود سالخ-أي:حيّة-فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«هذه كرامة أكرمني اللّه بها.اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من شرّ من يمشي علي بطنه،و من شرّ من يمشي علي رجليه،و من شرّ من يمشي علي أربع».ا.

ص: 131


1- أو:غير منقوشين،أو:لا شعر عليهما.
2- الحبر:أي العالم،و هو الصحابي الجليل عبد اللّه بن عباس بن عبد المطلب رضي اللّه تعالي عنهما.و سمي بذلك:لأنه يحبر في عبارته؛أي يحسنها.

الفصل الخامس: في صفة سلاحه صلّي اللّه عليه و سلّم

عن ابن سيرين قال:صنعت سيفي علي سيف سمرة بن جندب، و زعم سمرة أنّه صنع سيفه علي سيف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، و كان حنفيّا؛نسبة لبني حنيفة؛لأنّهم معروفون بحسن صنعة السّيوف.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه قال:كانت قبيعة سيف (1)رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم من فضّة.

و(القبيعة)-بوزن الطّبيعة-:ما علي طرف مقبض السّيف،يعتمد الكفّ عليها لئلاّ يزلق.

و عن جعفر بن محمّد عن أبيه:كان نعل سيف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم-أي:أسفله-و حلقته و قبيعته..من فضّة.

و قد كان له صلّي اللّه عليه و سلّم سيوف متعدّدة؛فقد كان له:

سيف يقال له:(المأثور)؛و هو أوّل سيف ملكه عن أبيه.

و له سيف يقال له:(القضيب).

ص: 132


1- المراد بالسّيف هنا:(ذو الفقار).

و له سيف يقال له:(القلعي)-نسبة إلي قلع-موضع بالبادية.

و له سيف يقال له:(البتّار).

و سيف يدعي:(الحتف).

و سيف يدعي:(المخذم) (1)،بكسر الميم.

و سيف يدعي:(الرّسوب) (2).

و سيف يقال له:(الصّمصامة) (3).

و سيف يقال له:(اللّحيف).

و سيف يقال له:(ذو الفقار) (4).

و(الفقر):الحفر.ار

ص: 133


1- المخذم:القاطع.
2- الرسوب:الذي يمضي في المضروب فيه و يغوص فيه.
3- الصمصامة:السيف الصارم الذي لا ينثني.
4- ذو الفقار:سمي كذلك؛لأنه كان في وسطه حفر صغار،أو في وسطه مثل فقرات الظهر.و هو من أشهر أسيافه صلّي اللّه عليه و سلّم،و كان لا يكاد يفارقه و دخل به مكة يوم الفتح و هو الذي رأي فيه الرؤيا يوم أحد،و هو سيف سليمان بن داود عليهما الصلاة و السلام،أهدته بلقيس مع ستة أسياف،ثم وصل إلي العاص بن منبه بن الحجاج المقتول كافرا ببدر،قتله علي ابن أبي طالب رضي اللّه عنه،و أخذ سيفه منه،ثم صار إلي النبي صلّي اللّه عليه و سلّم يوم بدر من الغنيمة،و كان هذا السيف لا يفارقه في حروبه كافة. و يقال:إنه صار لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب-كرم اللّه وجهه-في الجنة، و لعله:كان يأخذه منه في الحروب،أو أنه أعطاه له عند موته،و فيه قيل: لا فتي إلا علي و لا سيف إلا ذو الفقار

و قد ذكروا في معجزاته:أنّه صلّي اللّه عليه و سلّم دفع لعكّاشة (1)جذل (2)حطب؛حين انكسر سيفه يوم بدر،و قال:«اضرب به»، فعاد في يده سيفا صارما طويلا أبيض شديد المتن،فقاتل به،ثمّ لم يزل عنده يشهد به المشاهد إلي أن استشهد.

و دفع صلّي اللّه عليه و سلّم لعبد اللّه بن جحش يوم أحد-و قد ذهب سيفه-عسيب نخل (3)،فرجع في يده سيفا.

و كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم حربة يمشي بها بين يديه؛فإذا صلّي..ركزها بين يديه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم رايته سوداء،و لواؤه أبيض (4).

و عن الزّبير بن العوّام رضي اللّه تعالي عنه قال:كان علي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يوم أحد درعان،فنهض إلي الصّخرة؛فلم يستطع،فأقعد طلحة تحته،و صعد النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم حتّي استوي علي الصّخرة،قال:سمعت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يقول:

«أوجب طلحة»-أي:فعل فعلا أوجب لنفسه بسببه الجنّة.

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم سبعة أدرع؛فقد كان له:ر.

ص: 134


1- بالتخفيف و التشديد وجهان.
2- جذل:أصل.
3- أي:عرجون نخلة.
4- الراية:العلم الكبير.و اللّواء:العلم الصغير.فالراية:هي التي يتولاها صاحب الحرب و يقاتل عليها،و اللّواء:علامة يتخذها الأمير تدور معه حيث دار.

درع تسمي:(ذات الفضول)؛سمّيت بذلك لطولها.

و درع تسمي:(ذات الوشاح).

و درع تسمي:(ذات الحواشي).

و درع تسمي:(فضّة).

و درع تسمي:(السّغديّة) (1)؛قيل:هي درع سيّدنا داود الّتي لبسها لقتال جالوت.

و درع تسمي:(البتراء) (2).

و درع تسمي:(الخرنق).

و عن أنس بن مالك رضي اللّه تعالي عنه:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم دخل مكّة و عليه مغفر.

و(المغفر)-بوزن منبر-زرد من حديد ينسج بقدر الرّأس يلبس تحت القلنسوة.ا.

ص: 135


1- السّغديّة:-و يقال:السّعدية،نسبة إلي السعد-:جبال معروفة.
2- سميت بذلك لقصرها.

الفصل السّادس: كان من خلقه صلّي اللّه عليه و سلّم

أن يسمّي سلاحه و دوابّه و متاعه

كان اسم رايته:(العقاب)،و كانت سوداء،و مرّة كان يجعلها صفراء،و مرّة بيضاء فيها خطوط سود.

و كان اسم خيمته:(الكنّ).و قضيبه (1):(الممشوق).

و اسم قدحه:(الرّيّان).

و ركوته:(الصّادر).

و سرجه:(الرّاجّ).

و مقراضه:(الجامع).

و سيفه الّذي كان يشهد به الحروب:(ذو الفقار).

و كانت له أسياف أخر.

و كانت له منطقة (2)من أدم (3)،فيها ثلاث حلق من فضّة.

ص: 136


1- غصن مقطوع من شجر جبال السّراة تتخذ منه القسي.
2- أي:حزام.
3- أي:من جلد.

و كان اسم جعبته (1):(الكافور).

و اسم ناقته:(القصواء)؛و هي الّتي يقال لها:(العضباء) (2).

و كان اسم بغلته:(دلدل).

و اسم حماره:(يعفورا) (3).

و اسم شاته الّتي كان يشرب لبنها:(غيثة) (4).

و في حديث اخر:كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم سيف محلّي، قائمته من فضّة،و نعله من فضّة،و فيه حلق من فضّة،و كان يسمي:

(ذا الفقار).

و كان له قوس تسمي:(ذا السّداد).

و كانت له كنانة تسمي:(ذا الجمع).

و كان له درع موشّحة بنحاس تسمي:(ذات الفضول).

و كان له حربة تسمي:(النّبعاء).

و كان له مجنّ (5)يسمي:(الذّفن) (6).

و كان له فرس أشقر يسمي:(المرتجز).ء.

ص: 137


1- الجعبة:الكنانة يجمع فيها نبله.
2- العضباء:المقطوعة الآذان أو المشقوقتها.
3- يعفور:اسم ولد الظبي؛كأنه سمي بذلك لسرعته،أو تشبيها به في عدوه.
4- غيثة:و قيل غوثة،بواو بدل الياء.
5- أي:الترس.
6- و في بعض النسخ بالقاف بدل الفاء.

و كان له فرس أدهم يسمي:(السّكب).

و كان له سرج يسمي:(الرّاجّ).

و كان له بغلة شهباء تسمي:(الدّلدل).

و كان له ناقة تسمي:(القصواء).

و كان له حمار يسمي:(يعفورا).

و كان له بساط يسمي:(الكزّ).

و كان له عنزة تسمي:(النّمر).

و كان له ركوة تسمي:(الصّادر).

و كان له مرآة تسمي:(المدلّة).

و كان له مقراض يسمي:(الجامع).

و كان له قضيب شوحط (1)يسمي:(الممشوق).

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم ربعة (2)يجعل فيها المرأة و المشط و المقراضين و السّواك.

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم فرس يقال له:(اللّحيف) (3).ة.

ص: 138


1- الشوحط:ضرب من شجر جبال السّراة تتخذ منه القسيّ.
2- ربعة:حقيبة يجعل فيها الأمتعة المذكورة و هي جلد كجؤنة العطار التي يجعل فيها الطيب.
3- و قيل:اللّحيف،و قيل:بالخاء،و قيل:بالجيم،و هو عند ابن الجوزي بالنون بدل اللام من النحافة.

و فرس يقال له:(الظّرب) (1).

و فرس يقال له:(اللّزاز) (2).

و كان له قصعة يقال لها:(الغرّاء)؛يحملها أربعة رجال.

و كان له جارية تسمي:(خضرة) (3).د.

ص: 139


1- و قيل:الظّرب.
2- اللّزاز:سمي به لشدة تلززه أو اجتماع خلقه،و الملزّز:المجتمع.و لزّ به الشيء: لزق به،كأنه يلتزق بالمطلوب لسرعته.
3- و قال المناوي و تبعه الحفني:الخضرة؛بكسر الضاد.

ص: 140

الباب الرّابع: في صفة أكل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و شربه،و نومه

اشارة

و فيه ستّة فصول

ص: 141

ص: 142

الفصل الأوّل: في صفة عيشه صلّي اللّه عليه و سلّم و خبزه

اشارة

عن سماك بن حرب[رحمه اللّه تعالي]قال:سمعت النّعمان بن بشير رضي اللّه تعالي عنهما يقول:أ لستم في طعام و شراب ما شئتم؟لقد رأيت نبيّكم صلّي اللّه عليه و سلّم و ما يجد من الدّقل ما يملأ بطنه.

و(الدّقل):رديء التّمر.

و كان أكثر طعام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:التّمر و الماء.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:كنّا آل محمّد نمكث شهرا ما نستوقد بنار،إن هو إلاّ التّمر و الماء.

و في رواية البخاريّ و مسلم:كانت عائشة رضي اللّه تعالي عنها تقول لعروة:و اللّه يا ابن أختي؛إن كنّا لننظر إلي الهلال ثمّ الهلال ثمّ الهلال؛ ثلاثة أهلّة في شهرين و ما أوقد في أبيات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم نار.

قال:قلت يا خالة؛فما كان يعيّشكم؟

قالت:الأسودان؛التّمر و الماء،إلاّ أنّه كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم جيران من الأنصار،و كانت لهم منائح (1)،فكانوا يرسلون إلي

ص: 143


1- منائح-جمع منيحة-و هي:العطيّة لفظا و معني..و أصلها عطية الناقة أو الشاة.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم من ألبانها،فيسقيناه.

و عن أبي طلحة رضي اللّه تعالي عنه قال:شكونا إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم الجوع،و رفعنا عن بطوننا عن حجر حجر،فرفع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم عن بطنه عن حجرين.

و قال الإمام التّرمذيّ:و معني قوله(و رفعنا عن بطوننا عن حجر حجر):و كان أحدهم يشدّ في بطنه الحجر من الجهد و الضّعف الّذي به من الجوع.

و في كتاب«المواهب»:عن ابن بجير[رضي اللّه تعالي عنه]قال:

أصاب النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم جوع يوما،فعمد إلي حجر،فوضعه علي بطنه،ثمّ قال:«ألا ربّ نفس طاعمة ناعمة في الدّنيا..جائعة عارية يوم القيامة،ألا ربّ مكرم لنفسه..و هو لها مهين،ألا ربّ مهين لنفسه..و هو لها مكرم».

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه قال:خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في ساعة لا يخرج فيها و لا يلقاه فيها أحد،فأتاه أبو بكر، فقال:«ما جاء بك يا أبا بكر؟»،قال:خرجت ألقي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و أنظر في وجهه،و التّسليم عليه،فلم يلبث أن جاء عمر فقال:«ما جاء بك يا عمر؟»،قال:الجوع يا رسول اللّه،قال صلّي اللّه عليه و سلّم:«و أنا قد وجدت بعض ذلك».

فانطلقوا إلي منزل أبي الهيثم بن التّيّهان الأنصاريّ[رضي اللّه تعالي عنه]-و كان رجلا كثير النّخل و الشّاء،و لم يكن له خدم-فلم يجدوه،

ص: 144

فقالوا لامرأته:«أين صاحبك؟»،فقالت:انطلق يستعذب لنا الماء.

فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها-أي:يملؤها-فوضعها،ثمّ جاء يلتزم النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم و يفدّيه بأبيه و أمّه.

ثمّ انطلق بهم إلي حديقته،فبسط لهم بساطا،ثمّ انطلق إلي نخلة فجاء بقنو (1)فوضعه،فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«أ فلا تنقّيت لنا من رطبه؟!»،فقال:يا رسول اللّه؛إنّي أردت أن تختاروا من رطبه و بسره.

فأكلوا و شربوا من ذلك الماء.

فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«هذا-و الّذي نفسي بيده-من النّعيم الّذي تسألون عنه يوم القيامة؛ظلّ بارد،و رطب طيّب،و ماء بارد».

فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما،فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«لا تذبحنّ لنا ذات درّ»،فذبح لهم عناقا (2)؛أو جديا (3)، فأتاهم بها فأكلوا.

فقال صلّي اللّه عليه و سلّم:«هل لك خادم؟».

قال:لا.

قال:«فإذا أتانا سبي..فأتنا».ة.

ص: 145


1- الغصن من النخلة المسمّي بالعرجون.
2- و هي:أنثي المعز لها أربعة أشهر.
3- و هو:ذكر المعز ما لم يبلغ سنة.

فأتي صلّي اللّه عليه و سلّم برأسين (1)ليس معهما ثالث،فأتاه أبو الهيثم،فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«اختر منهما».

قال:يا رسول اللّه؛اختر لي.

فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«إنّ المستشار مؤتمن،خذ هذا فإنّي رأيته يصلّي،و استوص به معروفا».

فانطلق أبو الهيثم إلي امرأته فأخبرها بقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؛فقالت امرأته:ما أنت ببالغ حقّ ما قال فيه النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم..إلاّ أن تعتقه.

قال:فهو عتيق.

فقال صلّي اللّه عليه و سلّم:«إنّ اللّه لم يبعث نبيّا و لا خليفة..إلاّ و له بطانتان:بطانة تأمره بالمعروف و تنهاه عن المنكر،و بطانة لا تألوه خبالا (2)،و من يوق بطانة السّوء فقد وقي،و المعصوم من عصمه اللّه تعالي».

و عن عتبة بن غزوان رضي اللّه تعالي عنه قال:لقد رأيتني و إنّي لسابع سبعة مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،ما لنا طعام إلاّ ورق الشّجر، حتّي تقرّحت أشداقنا (3)،فالتقطت بردة فقسمتها بيني و بين سعد بنه.

ص: 146


1- يعني:أسيرين اثنين.
2- خبالا:فسادا.و في هذا التعبير تنبيه علي أن بطانة السوء يكفي فيها السكوت علي الشر،و عدم النّهي عن الفساد.
3- أي:ظهر في جوانب أفواهنا قروح من خشونة ذلك الورق و حرارته.

مالك؛فاتزرت بنصفها و أتزر سعد بنصفها،فما منّا من أولئك السّبعة أحد..إلاّ و هو أمير مصر من الأمصار،و ستجرّبون الأمراء بعدنا.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«لقد أخفت في اللّه و ما يخاف أحد،و لقد أوذيت في اللّه و ما يؤذي أحد،و لقد أتت عليّ ثلاثون من بين ليلة و يوم ما لي و لبلال طعام يأكله ذو كبد إلاّ شيء يواريه إبط بلال».

قال المصنّف في«جامعه» (1):معني هذا الحديث:أنّه إنّما كان مع بلال حين خرج النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم من مكّة هاربا؛و مع بلال من الطّعام ما يواريه تحت إبطه.

و عن أنس أيضا:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم لم يجتمع عنده غداء و لا عشاء من خبز و لحم إلاّ علي ضفف.

و(الضّفف):كثرة أيدي الأضياف.

فكان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يجتمع عنده الخبز و اللّحم في الغداء و العشاء؛إلاّ إذا كان عنده الأضياف فيجمعهما لأجلهم.

و عن نوفل بن إياس الهذليّ[رحمه اللّه تعالي]قال:كان عبد الرّحمن ابن عوف رضي اللّه تعالي عنه لنا جليسا،و كان نعم الجليس،و إنّه انقلب بنا ذات يوم حتّي إذا دخلنا بيته..دخل فاغتسل،ثمّ خرج و أتينا بصحفة (2)فيها خبز و لحم،فلمّا وضعت..بكي عبد الرّحمن.ة.

ص: 147


1- أي:الترمذي في«الجامع الصحيح».
2- هي إناء كالقصعة،و قيل:إناء مبسوط كالصحيفة.

فقلت:يا أبا محمّد؛ما يبكيك؟.

فقال:توفّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و لم يشبع هو و أهل بيته من خبز الشّعير،فلا أرانا أخّرنا لما هو خير لنا.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:أنّه أتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم بتمر؛فرأيته يأكل و هو مقع من الجوع.

و معني(الإقعاء):التّساند إلي وراء.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا يأخذ ممّا اتاه اللّه تعالي إلاّ قوت عامه فقط،من أيسر ما يجد من التّمر و الشّعير،و يضع سائر ذلك في سبيل اللّه عزّ و جلّ.

و روي البخاريّ و مسلم:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يعزل نفقة أهله سنة.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:ما رفع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم غداء لعشاء،و لا عشاء لغداء.

و روي التّرمذيّ عن أنس[رضي اللّه تعالي عنه]:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان لا يدّخر شيئا لغد.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا تغدّي..لم يتعشّ،و إذا تعشّي..لم يتغدّ.

قال القسطلانيّ في«المواهب اللّدنّيّة»:(قد استشكل كونه عليه الصّلاة و السّلام و أصحابه كانوا يطوون الأيّام جوعا؛مع ما ثبت:

ص: 148

أنّه كان يرفع لأهله قوت سنة.

و أنّه قسم بين أربعة أنفس من أصحابه ألف بعير ممّا أفاء اللّه عليه.

و أنّه ساق في عمرته مائة بدنة؛فنحرها و أطعمها المساكين.

و أنّه أمر لأعرابيّ بقطيع من الغنم..و غير ذلك.

مع من كان معه من أصحاب الأموال؛كأبي بكر و عمر و عثمان و طلحة و غيرهم،مع بذلهم أنفسهم و أموالهم بين يديه.

و قد أمر بالصّدقة فجاء أبو بكر بجميع ماله،و عمر بنصفه.

و حثّ علي تجهيز جيش العسرة؛فجهّزهم عثمان بألف بعير...إلي غير ذلك؟.

و أجاب عنه الطّبريّ-كما حكاه في«فتح الباري»-:بأنّ ذلك كان منهم في حالة دون حالة؛لا لعوز و ضيق،بل تارة للإيثار،و تارة لكراهة الشّبع و كثرة الأكل.

قال الحافظ ابن حجر:و الحقّ أنّ الكثير منهم كانوا في حال ضيق قبل الهجرة حيث كانوا بمكّة،ثمّ لمّا هاجروا إلي المدينة كان أكثرهم كذلك،فواساهم الأنصار بالمنازل و المنائح،فلمّا فتحت لهم النّضير و ما بعدها..ردّوا عليهم منائحهم.

نعم..كان صلّي اللّه عليه و سلّم يختار ذلك مع إمكان حصول التّوسّع و التّبسّط في الدّنيا له؛كما أخرج التّرمذيّ من حديث أبي أمامة:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء مكّة

ص: 149

ذهبا،فقلت:لا يا ربّ،و لكن أشبع يوما و أجوع يوما،فإذا جعت..

تضرّعت إليك و ذكرتك،و إذا شبعت..شكرتك و حمدتك».

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ذات يوم و جبريل علي الصّفا،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«يا جبريل؛و الّذي بعثك بالحقّ ما أمسي لآل محمّد سفّة (1)من دقيق،و لا كفّ من سويق (2)».

فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هدّة من السّماء أفزعته،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«أمر اللّه القيامة أن تقوم؟».

قال:لا،و لكن أمر إسرافيل فنزل إليك حين سمع كلامك.

فأتاه إسرافيل،فقال:إنّ اللّه تعالي قد سمع ما ذكرت فبعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض،و أمرني أن أعرض عليك:إن أردت أن أسيّر معك جبال تهامة زمرّدا و ياقوتا،و ذهبا و فضة..فعلت،فإن شئت:نبيّا ملكا،و إن شئت نبيّا عبدا؟

فأومأ إليه جبريل أن تواضع.

فقال:«بل نبيّا عبدا»(ثلاثا).رواه الطّبرانيّ بإسناد حسن.

و للّه درّ الأبوصيريّ حيث قال:

و راودته الجبال الشّمّ من ذهب عن نفسه فأراها أيّما شمم)ر.

ص: 150


1- قبضة.
2- دقيق الشعير المقلو،و يكون من القمح،و الأكثر جعله من الشعير.

و أمّا خبز رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

فعن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يبيت اللّيالي المتتابعة طاويا (1)هو و أهله؛لا يجدون عشاء، و كان أكثر خبزهم خبز الشّعير.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:ما شبع آل محمّد صلّي اللّه عليه و سلّم من خبز الشّعير يومين متتابعين حتّي قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم.

و عن سليم بن عامر[رحمه اللّه تعالي]قال:سمعت أبا أمامة [الباهليّ]رضي اللّه تعالي عنه يقول:ما كان يفضل (2)عن أهل بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم خبز الشّعير.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها:ما رفع عن مائدته صلّي اللّه عليه و سلّم كسرة خبز حتّي قبض.

و قد ورد عنها أيضا[رضي اللّه تعالي عنها]أنّها قالت:توفّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و ليس عندي شيء يأكله ذو كبد إلاّ شطر شعير في رفّ لي-أي:نصف وسق-فأكلت منه حتّي طال عليّ فكلته ففني (3).

ص: 151


1- طاويا:خالي البطن جائعا.
2- أي:ما كان يزيد عن كفايتهم،بل كان ما يجدونه لا يشبعهم في الأكثر.
3- زادت في رواية:(فيا ليتني لم أكله).و البركة تكون في كيل الطعام عند البيع و الشراء،أما عند الإنفاق فإن الكيل سبب لذهاب البركة،و في هذا الأمر أسرار للبركة غفل عنها المسلمون اليوم..و اللّه المستعان.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل خبز الشّعير غير منخول، و ربّما وقف في حلقه فلا يسيغه إلاّ بجرعة من ماء.

و عن سهل بن سعد رضي اللّه تعالي عنهما أنّه قيل له:أكل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم النّقيّ (1)يعني:الحوّاري؟ (2)

فقال سهل:ما رأي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم النّقيّ حتّي لقي اللّه عزّ و جلّ.

فقيل له:هل كانت لكم مناخل علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؟

قال:ما كانت لنا مناخل.

قيل:كيف كنتم تصنعون بالشّعير؟

قال:كنّا ننفخه فيطير منه ما طار،ثمّ نعجنه.

و في رواية له:هل كانت لكم في عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم مناخل؟

فقال:ما رأي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم منخلا من حين ابتعثه اللّه تعالي حتّي قبضه اللّه تعالي.

و قال أنس رضي اللّه تعالي عنه:ما أعلم أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم رأي رغيفا مرقّقا حتّي لحق باللّه،و لا رأي شاة سميطا بعينه حتّي لحق باللّه.رواه البخاريّ.ي.

ص: 152


1- الخبز المنقّي من النخالة؛أي:المنخول دقيقه.
2- هو ما حوّر من الدقيق بنخله مرارا،و هذه الزيادة التفسيرية من كلام الراوي.

و(الشّاة السّميط):هي الّتي أزيل شعرها بالماء المسخّن،و شويت بجلدها،و هو من فعل المترفّهين.

و عن قتادة[رحمه اللّه تعالي]،عن أنس رضي اللّه تعالي عنه قال:ما أكل نبيّ اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم علي خوان،و لا في سكرّجة،و لا خبز له مرقّق.

قال قتادة[رحمه اللّه تعالي]:كانوا يأكلون علي هذه السّفر.

و(الخوان):هو مرتفع يهيّأ ليؤكل الطّعام عليه.

و(السّكرّجة):إناء صغير يوضع فيه الشيء القليل المشهّي للطّعام؛ كالسّلطة.

و(السّفر)-جمع سفرة-و هي:ما يتّخذ من جلد مستدير ليؤكل عليه الطّعام.

و عن مسروق[رحمه اللّه تعالي]قال:دخلت علي عائشة رضي اللّه تعالي عنها،فدعت لي بطعام،و قالت:ما أشبع من طعام فأشاء أن أبكي إلاّ بكيت.

قال:قلت:لم؟

قالت:أذكر الحال الّتي فارق عليها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم الدّنيا،و اللّه ما شبع من خبز و لا لحم مرّتين في يوم.

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه قال:ما شبع آل محمّد صلّي اللّه عليه و سلّم من طعام ثلاثة أيّام تباعا حتّي قبض.رواه البخاريّ و مسلم.

ص: 153

و روي مسلم:ما شبع آل محمّد يومين من خبز البرّ إلاّ و أحدهما تمر.

و روي مسلم أيضا:عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:لقد مات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و ما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرّتين.

و عنها رضي اللّه تعالي عنها قالت:ما شبع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم من خبز الشّعير يومين متتابعين حتّي قبض.

و في رواية عنها[رضي اللّه تعالي عنها]أيضا:ما شبع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم من خبز شعير يومين متواليين،و لو شاء..

لأعطاه اللّه عزّ و جلّ ما لا يخطر ببال.

قال القسطلانيّ في«المواهب»:(و قد تتبّعت هل كانت أقراص خبزه صلّي اللّه عليه و سلّم صغارا أم كبارا؟فلم أجد في ذلك شيئا بعد التّفتيش.

نعم..روي أمره بتصغيرها في حديث عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها،رفعته بلفظ:«صغّروا الخبز،و أكثروا عدده..يبارك لكم فيه».

و كان شيخي العارف الرّبّانيّ إبراهيم المتبوليّ يصغّر أرغفة سماطه، كالشّيخ أبي العبّاس أحمد البدويّ و السّادات بني الوفاء.أعاد اللّه تعالي علينا من بركاتهم).

ص: 154

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:خرج-تعني النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم-من الدّنيا و لم يملأ بطنه في يوم من طعامين،كان إذا شبع من التّمر..لم يشبع من الشّعير،و إذا شبع من الشّعير..لم يشبع من التّمر.

قال القسطلانيّ:(و اعلم أنّ الشّبع بدعة ظهرت بعد القرن الأوّل.

و قد روي النّسائيّ و ابن ماجه و صحّحه الحاكم من حديث المقدام بن معدي كرب:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«ما ملأ ابن آدم وعاء شرّا من بطنه،حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه،فإن غلبت الآدميّ نفسه..فثلث للطّعام،و ثلث للشّراب،و ثلث للنّفس».

قال القرطبيّ:لو سمع بقراط هذه القسمة لعجب من هذه الحكمة).

و عن الحسن رضي اللّه تعالي عنه قال:خطب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فقال:«و اللّه ما أمسي في آل محمّد صاع من طعام،و إنّها لتسعة أبيات».

و اللّه ما قالها استقلالا لرزق اللّه سبحانه و تعالي،و لكن أراد أن تتأسّي به أمّته.

و في«الشّفا»للقاضي عياض رحمه اللّه تعالي:عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:لم يمتلئ جوف النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم شبعا قطّ، و لم يبثّ شكوي إلي أحد،و كانت الفاقة أحبّ إليه من الغني،و إن كان ليظلّ جائعا يلتوي طول ليلته من الجوع فلا يمنعه صيام يومه،و لو شاء..

سأل ربّه جميع كنوز الأرض و ثمارها،و رغد عيشها،و لقد كنت

ص: 155

أبكي رحمة له ممّا أري به و أمسح بيدي علي بطنه ممّا به من الجوع، و أقول:نفسي لك الفداء؛لو تبلّغت من الدّنيا بما يقوتك؟فيقول:«يا عائشة؛ما لي و للدّنيا؟!إخواني من أولي العزم من الرّسل صبروا علي ما هو أشدّ من هذا،فمضوا علي حالهم،فقدموا علي ربّهم،فأكرم مآبهم،و أجزل ثوابهم،فأجدني أستحيي إن ترفّهت في معيشتي أن يقصّر بي غدا دونهم،و ما من شيء هو أحبّ إليّ من اللّحوق بإخواني و أخلاّئي».

قالت:فما أقام بعد شهرا حتي توفّي صلوات اللّه و سلامه عليه.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالي بعد ثلاث و رقات:كان داود عليه الصّلاة و السّلام يلبس الصّوف،و يفترش الشّعر،و يأكل خبز الشّعير بالملح و الرّماد،و يمزج شرابه بالدّموع.

و قيل لعيسي عليه الصّلاة و السّلام:لو اتّخذت حمارا؟

فقال:أنا أكرم علي اللّه من أن يشغلني بحمار.

و كان يلبس الشّعر و يأكل الشّجر؛و لم يكن له بيت،أينما أدركه النّوم..نام.و كان أحبّ الأسامي إليه أن يقال له:(يا مسكين).

و قيل:إنّ موسي[عليه الصّلاة و السّلام]لمّا ورد ماء مدين كانت تري خضرة البقل في بطنه من الهزال.

و قال صلّي اللّه عليه و سلّم:«لقد كان الأنبياء قبلي يبتلي أحدهم بالفقر و القمل،و كان ذلك أحبّ إليهم من العطاء إليكم».

ص: 156

و قال مجاهد:كان طعام يحيي:العشب،و كان يبكي من خشية اللّه تعالي عزّ و جلّ،حتّي اتّخذ الدّمع مجري في خدّه.

و حكي الطّبريّ عن وهب:أنّ موسي عليه الصّلاة و السّلام كان يستظلّ بعريش،و يأكل في نقرة (1)من حجر،و يكرع فيها إذا أراد أن يشرب كما تكرع الدّابّة؛تواضعا للّه تعالي بما أكرمه من كلامه)ا هة.

ص: 157


1- أي:حفرة.

الفصل الثّاني: في صفة أكله صلّي اللّه عليه و سلّم و إدامه

اشارة

عن كعب بن عجرة رضي اللّه تعالي عنه قال:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل بأصابعه الثّلاث؛بالإبهام،و الّتي تليها، و الوسطي.ثمّ رأيته يلعق أصابعه الثّلاث قبل أن يمسحها؛الوسطي،ثمّ الّتي تليها،ثمّ الإبهام.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يكره أن يأكل الطّعام الحارّ حتّي تذهب فورة دخانه (1).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يأكل الطّعام الحارّ،و يقول:«إنّه غير ذي بركة،فأبردوه؛فإنّ اللّه لم يطعمنا نارا».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل بأصابعه الثّلاث،و ربّما استعان بالرّابعة،و لم يكن يأكل قطّ بإصبعين،و يخبر أنّ ذلك من فعل الشّيطان.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يلعق الصّحفة بأصابعه،و يقول:«اخر الطّعام أكثر بركة».

ص: 158


1- أي:حدته و غليانه.

و كان[صلّي اللّه عليه و سلّم]يلعق أصابعه من الطّعام حتّي تحمرّ.

و كان[صلّي اللّه عليه و سلّم]لا يمسح يده بالمنديل حتّي يلعق أصابعه واحدة واحدة،و يقول:«إنّه لا يدري في أيّ الطّعام البركة».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أكل الخبز و اللّحم خاصّة..غسل يديه غسلا جيّدا،ثمّ يمسح بفضل الماء علي وجهه.

و عن ابن عمر رضي اللّه تعالي عنهما قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«من أكل من هذه اللّحوم شيئا..فليغسل يده من ريح وضره (1)،و لا يؤذي من حذاءه».

و كان أكثر جلوسه صلّي اللّه عليه و سلّم للأكل أن يجمع بين ركبتيه و بين قدميه؛كما يجلس المصلّي،إلاّ أنّ الرّكبة تكون فوق الرّكبة، و القدم فوق القدم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يقول:«إنّما أنا عبد اكل كما يأكل العبد، و أجلس كما يجلس العبد».

و عن أبي جحيفة رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«أمّا أنا فلا اكل متّكئا».

و روي ابن ماجه:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم نهي أن يأكل الرّجل و هو منبطح علي وجهه.ن.

ص: 159


1- الوضر:وسخ الدسم و اللبن.

و أخرج ابن عديّ:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم زجر أن يعتمد الرّجل علي يده اليسري عند الأكل.

و أمّا إدام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

فقد كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يتورّع عن مطعم حلال؛إن وجد تمرا دون خبز..أكله،و إن وجد لحما مشويّا..أكله،و إن وجد خبز برّ..

أكله،أو شعيرا..أكله،و إن وجد حلوي،أو عسلا..أكله،و إن وجد لبنا دون خبز..أكله و اكتفي به،و إن وجد بطّيخا،أو رطبا..

أكله.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل ما حضر،و لا يردّ ما وجد.

و عن زهدم الجرميّ[رحمه اللّه تعالي]قال:كنّا عند أبي موسي الأشعريّ رضي اللّه تعالي عنه،فأتي بلحم دجاج،فتنحّي رجل من القوم،فقال:ما لك؟فقال:إنّي رأيتها تأكل شيئا،فحلفت أن لا اكلها.قال:ادن،فإنّي رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل لحم الدّجاج.

و عن إبراهيم بن عمر بن سفينة،عن أبيه[رحمهما اللّه تعالي]،عن جدّه سفينة[رضي اللّه تعالي عنه]مولي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، قال:أكلت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لحم حباري.

و(الحباري):طائر طويل العنق،في منقاره طول،رماديّ اللّون،شديد الطيران.

ص: 160

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل لحم الدّجاج و الطّير الّذي يصاد، و كان لا يشتريه و لا يصيده،و يحبّ أن يصاد له،فيؤتي به فيأكله.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقول لعائشة رضي اللّه تعالي عنها:«إذا طبختم قدرا..فأكثروا فيها من الدّبّاء؛فإنّها تشدّ قلب الحزين».

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل الثّريد باللّحم و القرع.

و كان[صلّي اللّه عليه و سلّم]يحبّ القرع،و يقول:«إنّها شجرة أخي يونس».

و عن جابر بن طارق رضي اللّه تعالي عنه قال:دخلت علي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم فرأيت عنده دبّاء يقطّع،فقلت:ما هذا؟فقال:

«نكثّر به طعامنا».

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه قال:إنّ خيّاطا دعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لطعام صنعه.

قال أنس:فذهبت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إلي ذلك الطّعام،فقرّب إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم خبزا من شعير،و مرقا فيه دبّاء،و قديد (1).

قال أنس:فرأيت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يتتبّع الدّبّاء حوالي القصعة،فلم أزل أحبّ الدّبّاء من يومئذ.س.

ص: 161


1- أي:لحم مملوح مجفف في الشمس.

قال النّوويّ:(فيه أنّه يستحبّ أن يحبّ المرء الدّبّاء،و كذلك كلّ شيء كان يحبّه صلّي اللّه عليه و سلّم).

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ الحلواء و العسل.

و كان أحبّ الشّراب إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم..العسل.

و كان أحبّ الشّراب إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم..اللّبن.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا شرب اللّبن..قال:«إنّ له دسما».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يشرب اللّبن خالصا تارة،و تارة مشوبا بالماء البارد.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أتي بلبن..قال:«بركة».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يتمجّع التّمر باللّبن (1)،و يسمّيهما:

«الأطيبين».

و أكل صلّي اللّه عليه و سلّم التّمر بالزّبد (2)،و كان يحبّه.

و في«الإحياء»:أنّه جاء عثمان بن عفّان رضي اللّه تعالي عنه بفالوذج،فأكل منه،و قال:«ما هذا يا أبا عبد اللّه؟».).

ص: 162


1- يأكلهما معا،أو يأكل التمر و يشرب عليه اللّبن.
2- و هو ما يستخرج بالخض من لبن البقر و الغنم.أما المستخرج من لبن الإبل فلا يسمي زبدا،بل يسمي:(حبابا).

قال:بأبي أنت و أمّي،نجعل السّمن و العسل في البرمة (1)،و نضعها علي النّار،حتّي نغليه،ثمّ نأخذ مخّ الحنطة إذا طحنت،فنلقيه علي السّمن و العسل في البرمة،ثمّ نسوطه (2)حتّي ينضج؛فيأتي كما تري.

فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«إنّ هذا الطّعام طيّب».

و ذكر هذه القصّة في«المواهب»عن عبد اللّه بن سلام بوجه اخر، مع تسمية هذا الطّعام:الخبيص.

و كان أحبّ الطّعام إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم اللّحم، و يقول:«إنّه يزيد في السّمع،و هو سيّد الطّعام في الدّنيا و الآخرة،و لو سألت ربّي أن يطعمنيه كلّ يوم..لفعل».

و عن عطاء بن يسار:أنّ أمّ سلمة رضي اللّه تعالي عنها أخبرته أنّها قرّبت إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم جنبا مشويّا فأكل منه.

و عن عبد اللّه بن الحارث قال:أكلنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم شواء في المسجد.

و عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه تعالي عنه قال:ضفت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ذات ليلة،فأتي بجنب مشويّ،ثمّ أخذ الشّفرة (3)؛ فجعل يحزّ،فحزّ لي بها منه.م.

ص: 163


1- البرمة:قدر من فخار.
2- أي:نحركه بالسوط.
3- الشفرة:السكين العريض العظيم.

قال:فجاء بلال يؤذنه بالصّلاة،فألقي الشّفرة،فقال:«ما له؟! تربت يداه» (1).

قال:و كان شاربه قد وفا (2)،فقال له (3):«أقصّه لك علي سواك؟ أو:قصّه علي سواك».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل من الكبد إذا شويت.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ من الشّاة الذّراع و الكتف.

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه قال:أتي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم بلحم،فرفع إليه الذّراع-و كانت تعجبه-فنهس منها (4).

و عن ابن مسعود رضي اللّه تعالي عنه قال:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يعجبه الذّراع،و سمّ في الذّراع،و كان يري أنّ اليهود سمّوه.

و عن أبي عبيدة رضي اللّه تعالي عنه قال:طبخت للنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قدرا (5)،و كان يعجبه الذّراع،فناولته الذّراع،ثمّ قال:«ناولنير.

ص: 164


1- و المقصود منه:الزجر عن ذلك،لا حقيقة الدعاء بذلك،فإنه كره صلّي اللّه عليه و سلّم من سيدنا بلال رضي اللّه عنه إعلامه بالصلاة بحضرة الطعام،و الصلاة بحضرة طعام تتوق إليه النفس..مكروهة،مع ما في ذلك من إيذاء المضيف و كسر خاطره.مع ملاحظة أن وجوب الصلاة في أول الوقت وجوب موسع.
2- أي:كان شارب سيدنا بلال رضي اللّه عنه قد طال و أشرف علي فمه.
3- أي:النبي صلّي اللّه عليه و سلّم.
4- أي:تناوله بأطراف أسنانه.
5- أي:شاة في قدر.

الذّراع»،فناولته،ثمّ قال:«ناولني الذّراع»،فقلت:يا رسول اللّه؛ و كم للشّاة من ذراع؟!فقال:«و الذي نفسي بيده؛لو سكتّ..لناولتني الذّراع ما دعوت».

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:ما كانت الذّراع أحبّ اللّحم إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و لكنّه كان لا يجد اللّحم إلاّ غبّا (1)،و كان يعجل إليها؛لأنّها أعجلها نضجا.

و كان أحبّ الشّاة إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم مقدّمها.

و عن عبد اللّه بن جعفر رضي اللّه تعالي عنهما قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقول:«إنّ أطيب اللّحم لحم الظّهر».

و عن ضباعة بنت الزّبير رضي اللّه تعالي عنها:أنّها ذبحت في بيتها شاة،فأرسل إليهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«أن أطعمينا من شاتكم».فقالت:ما بقي عندنا إلاّ الرّقبة،و إنّي لأستحي أن أرسل إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم،فرجع الرّسول،فأخبره بقولها.فقال:

«ارجع إليها،فقل لها:أرسلي بها،فإنّها هادية الشّاة،و أقرب الشّاة إلي الخير،و أبعدها عن الأذي».

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أكل اللّحم..لم يطأطئ رأسه إليه،بل يرفعه إلي فيه،ثمّ ينهسه انتهاسا (2).ا.

ص: 165


1- أي:وقتا دون وقت.
2- و يجوز بالشين:ينهشه انتهاشا.

و أكل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم القديد؛كما في حديث «السّنن»عن رجل قال:ذبحت لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم شاة و نحن مسافرون،فقال:«أصلح لحمها»،فلم أزل أطعمه منه إلي المدينة.

و أكل صلّي اللّه عليه و سلّم لحم حمار الوحش.

و أكل صلّي اللّه عليه و سلّم لحم الضّأن،و أكل صلّي اللّه عليه و سلّم لحم الجمال سفرا و حضرا.

و أكل صلّي اللّه عليه و سلّم لحم الأرنب.

و أكل صلّي اللّه عليه و سلّم من دوابّ البحر.

و أكل صلّي اللّه عليه و سلّم الثّريد؛و هو أن يثرد الخبز بمرق اللّحم، و قد يكون معه لحم.

و من أمثالهم:(الثّريد أحد اللّحمين).

و أكل صلّي اللّه عليه و سلّم الخبز بالزّيت.

و عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«كلوا الزّيت و ادّهنوا به،فإنّه من شجرة مباركة».

و أكل صلّي اللّه عليه و سلّم السّلق (1)مطبوخا.ر.

ص: 166


1- السّلق:بقلة؛و هو نبت له ورق طوال،يقال له:السّلك-بالكاف بدل القاف- و قوله:(مطبوخا)أي:بالشعير.

و أكل صلّي اللّه عليه و سلّم الخزيرة؛و هي:ما يتّخذ من الدّقيق علي هيئة العصيدة،لكنّه أرقّ منها (1).

و أكل صلّي اللّه عليه و سلّم الأقط (2)؛و هو:جبن اللّبن المستخرج زبده،و هو أشبه شيء بالكشك.

و أكل صلّي اللّه عليه و سلّم الرّطب و التّمر و البسر (3).

و أكل صلّي اللّه عليه و سلّم الكباث؛و هو:ثمر الأراك.

و أكل صلّي اللّه عليه و سلّم الجبن.

عن ابن عمر رضي اللّه تعالي عنهما قال:أتي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم بجبنة في تبوك،فدعا بسكّين فسمّي و قطع.

و أمّا البصل:فروي أبو داود في«سننه»:عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها أنّها سئلت عن البصل فقالت:إنّ اخر طعام أكله رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فيه بصل.

و الظّاهر أنّ هذا البصل كان مطبوخا،حتّي لم يبق له رائحة كريهة.

و يدلّ علي هذا قولها:(إنّ اخر طعام أكله فيه بصل)،و لم تقل أكل البصل.ّ.

ص: 167


1- الخزيرة:أن يؤخذ اللحم فيقطع قطعا صغارا و يصبّ عليه ماء كثير،فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق.فإن لم يكن فيها لحم فهي:عصيدة.
2- بتثليث الهمزة مع سكون القاف،و يحرّك.و ككتف،و رجل،و إبل.
3- البسر:هو البلح الطريّ.

و كان أحبّ الصّباغ إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم الخلّ.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«نعم الإدام الخلّ».

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما قال:دخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يوم فتح مكّة علي أمّ هانئ رضي اللّه تعالي عنها و كان جائعا، فقال لها:«أ عندكم طعام اكله؟»،فقالت:إنّ عندي لكسرا يابسة، و إنّي لأستحيي أن أقدّمها إليك.فقال:«هلمّيها»،فكسّرها في ماء، و جاءته بملح،فقال:«ما من إدام؟»،فقالت:ما عندي إلاّ شيء من خلّ،فقال:«هلمّيه».

فلمّا جاءته به..صبّه علي طعامه؛فأكل منه،ثمّ حمد اللّه عزّ و جلّ،و أثني عليه،ثمّ قال:«نعم الإدام الخلّ،يا أمّ هانئ؛لا يقفر بيت فيه خلّ».

و عن أمّ سعد رضي اللّه تعالي عنها قالت:دخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم علي عائشة و أنا عندها،فقال:«هل من غداء؟»،فقالت:

عندنا خبز و تمر و خلّ،فقال:«نعم الإدام الخلّ،اللّهمّ؛بارك في الخلّ؛فإنّه كان إدام الأنبياء قبلي،و لم يقفر بيت فيه خلّ».

و هذا مدح للخلّ بحسب الوقت-كما قاله ابن القيّم-لا لتفضيله علي غيره،بل هو جبر لقلب من قدّمه له صلّي اللّه عليه و سلّم،و تطييبا لنفسه،لا تفضيلا له علي غيره؛إذ لو حضر نحو لحم أو عسل أو لبن..

لكان أحقّ بالمدح.

ص: 168

و بهذا علم أنّه لا تنافي بين هذا و بين قوله:«بئس الإدام الخلّ».

و عن أبي موسي الأشعريّ رضي اللّه تعالي عنه،عن النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«فضل عائشة علي النّساء..كفضل الثّريد علي سائر الطّعام».

و عن أنس بن مالك رضي اللّه تعالي عنه قال:أ و لم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم علي صفيّة بتمر و سويق؛و هو:ما يعمل من الحنطة،أو الشّعير.

و عن سلمي زوج أبي رافع-مولي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم-:أنّ الحسن بن عليّ،و ابن عبّاس و ابن جعفر رضي اللّه تعالي عنهم..

أتوها،فقالوا:اصنعي لنا طعاما ممّا كان يعجب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و يحسن أكله.

فقالت:يا بنيّ؛لا تشتهيه اليوم.

قال:بلي،اصنعيه لنا.

قال:فقامت،فأخذت شيئا من شعير،فطحنته،ثمّ جعلته في قدر،و صبّت عليه شيئا من زيت،و دقّت الفلفل و التّوابل،فقرّبته إليهم.

فقالت:هذا ممّا كان يعجب النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم و يحسن أكله.

قوله(التّوابل):هي أدوية حارّة يؤتي بها من الهند،و قيل:إنّها مركّبة من الكزبرة و الزّنجبيل و الكمّون.

ص: 169

و يؤخذ من هذا:أنّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يحبّ تطييب الطّعام بما تيسّر و سهل،و أنّ ذلك لا ينافي الزّهد.

و عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه تعالي عنهما قال في غزوة الخندق:

انكفيت-أي:انطلقت إلي امرأتي-فقلت:هل عندك شيء؟فإنّي رأيت بالنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم جوعا شديدا.

فأخرجت جرابا فيه صاع من شعير و لنا بهيمة داجن،فذبحتها، و طحنت الشّعير حتّي جعلنا اللّحم في البرمة،ثمّ جئته صلّي اللّه عليه و سلّم،و أخبرته الخبر سرّا،و قلت له:تعال أنت و نفر معك.

فصاح:«يا أهل الخندق؛إنّ جابرا صنع سورا (1)فحيّ هلا بكم»، و قال:«لا تنزلنّ برمتكم،و لا تخبزنّ عجينتكم حتّي أجيء».

فلمّا جاء..أخرجت له العجين؛فبصق فيه،و بارك،ثمّ عمد إلي برمتنا،فبصق،و بارك،ثمّ قال:«ادعي خابزة فلتخبز معك،و اغرفي من برمتكم،و لا تنزلوها».

و القوم ألف،فأقسم باللّه لقد أكلوا حتّي تركوه،و انصرفوا،و إنّ برمتنا لتغطّ-أي:تغلي-كما هي،و إنّ عجيننا ليخبز كما هو.رواه البخاريّ و مسلم.

و عن جابر أيضا قال:خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و أنا معه، فدخل علي امرأة من الأنصار،فذبحت له شاة؛فأكل منها،و أتته بقناع-ا.

ص: 170


1- أي:طعاما يدعو الناس إليها،أو:هو الطعام مطلقا.

أي:طبق من رطب-فأكل منه،ثمّ توضّأ للظّهر،و صلّي،ثمّ انصرف،فأتته بعلالة من علالة الشّاة (1)،فأكل،ثمّ صلّي العصر،و لم يتوضّأ.

و عن أمّ المنذر رضي اللّه تعالي عنها قالت:دخل عليّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و معه عليّ و لنا دوال (2)معلّقة.

قالت:فجعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل،و عليّ معه يأكل.فقال صلّي اللّه عليه و سلّم لعليّ:«مه يا عليّ،فإنّك ناقه (3)».

قالت:فجلس عليّ و النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل.

قالت:فجعلت لهم سلقا و شعيرا.

فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم لعليّ:«من هذا فأصب؛فإنّ هذا أوفق لك».

و عن عبد اللّه بن سلام رضي اللّه تعالي عنه قال:رأيت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم أخذ كسرة من خبز،فوضع عليها تمرة و قال:«هذه إدام هذه».

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يعجبه الثّفل.ض.

ص: 171


1- العلالة:بقية الشيء.
2- و هي كالعناقيد من بسر النخل تعلّق،كلّما أرطبت..أكل منها علي التدريج.
3- أي:قريب برء من المرض.

و(الثّفل):ما بقي من الطّعام في أسافل القدر و القصعة و الصّحفة و نحوها.

و كان أحبّ الطّعام إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم الثّريد من الخبز،و الثّريد من الحيس.

و(الحيس):التّمر مع السّمن و الأقط،و قد يجعل عوض الأقط الدّقيق أو الفتيت،فيدلك الجميع حتّي يختلط.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ من الشّاة الذّراع و الكتف، و من القدر (1)الدّبّاء،و من التّمر العجوة.و دعا في العجوة بالبركة، و كان يقول:«إنّها من الجنّة و هي شفاء من السّمّ و السّحر».

و كان أحبّ التّمر إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم العجوة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ الزّبد و التّمر.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ من البقول الهندباء،و الشّمر (2)، و الرّجلة (3).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ القثّاء.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ الجذب.ء.

ص: 172


1- أي:المطبوخ في القدر.
2- بقلة،منه نوع حلو يزرع و يؤكل ورقه و سوقه نيئا،و نوع اخر سكريّ يؤكل مطبوخا.
3- البقلة الحمقاء؛التي تنبت علي الطريق و في مسيل الماء.

و(الجذب):الجمّار؛و هو:شحم النّخل،واحدته:جذبه.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يكره أكل الكليتين؛لمكانهما من البول.

و كان لا يأكل من الشّاة سبعا:الذّكر،و الأنثيين،و الحيا-و هو الفرج-و الدّم،و المثانة،و المرارة،و الغدد.و يكره لغيره أكلها.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يأكل الجراد،و لا الكليتين.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يعاف الضّبّ،و الطّحال،و لا يحرّمهما.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يأكل الثّوم و لا البصل،و لا الكرّاث؛ من أجل أنّ الملائكة تأتيه،و أنّه يكلّم جبريل.

و ما ذمّ صلّي اللّه عليه و سلّم طعاما قطّ؛إن اشتهاه..أكله،و إلاّ..

تركه.

و عن عائشة أمّ المؤمنين رضي اللّه تعالي عنها قالت:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يأتيني فيقول:«أ عندك غداء»،فأقول:لا، فيقول:«إنّي صائم»،قالت:فأتاني يوما؛فقلت:يا رسول اللّه؛إنّه أهديت لنا هديّة،قال:«و ما هي؟»،قلت:حيس.قال:«أما إنّي أصبحت صائما»،قالت:ثمّ أكل.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أتي بطعام..سأل عنه:

«أ هديّة أم صدقة؟»،فإن قيل صدقة..قال لأصحابه:«كلوا»،و لم يأكل.و إن قيل هديّة..ضرب بيده فأكل معهم.

ص: 173

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يأكل من هديّة حتّي يأمر صاحبها أن يأكل منها؛للشّاة الّتي أهديت له (1).

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم لقاح (2)و غنم يتقوّت من ألبانها هو و أهله،و كان لا يحبّ أن تزيد علي مائة،و إن زادت..ذبح الزّائد.

و كان له[صلّي اللّه عليه و سلّم]جيران لهم منائح،يرسلون له من ألبانها فيأكل منها و يشرب،و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم سبعة أعنز منائح ترعاهنّ أمّ أيمن حاضنته صلّي اللّه عليه و سلّم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يخرج كثيرا إلي بساتين أصحابه،فيأكل منها و يحتطب.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يجيب دعوة الحرّ و العبد،و يقبل الهديّة؛ و لو أنّها جرعة لبن،أو فخذ أرنب،و يكافئ عليها و يأكلها؛و لا يأكل الصّدقة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دعي لطعام و تبعه أحد..أعلم به ربّ المنزل؛فيقول:«إنّ هذا تبعنا،فإن شئت..رجع».

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا يأكل واحده.

و كان أحبّ الطّعام إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ما كثرت عليه الأيدي.ر.

ص: 174


1- أي:لأجل قصة الشاة المسمومة التي أهديت له يوم خيبر.
2- الناقة القريبة العهد بالولادة إلي ثلاثة أشهر.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يكرّر علي أضيافه،و يعرض عليهم الأكل مرارا.

و قالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها و عن والديها:لم يمتلئ جوف النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم شبعا قطّ،و إنّه كان في أهله لا يسألهم طعاما و لا يتشهّاه،إن أطعموه..أكل،و ما أطعموه..[قبله]،و ما سقوه..

شرب.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم ربّما قام فأخذ ما يأكل بنفسه،أو يشرب.

و عن سلمان رضي اللّه تعالي عنه قال:قرأت في«التّوراة»:إنّ بركة الطّعام الوضوء بعده،فذكرت ذلك للنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم و أخبرته بما قرأت في التّوراة،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«بركة الطّعام الوضوء قبله و الوضوء بعده».

و المراد بالوضوء هنا المعني اللّغويّ؛و هو:غسل الكفّين.

ص: 175

الفصل الثّالث: في ما كان يقوله صلّي اللّه عليه و سلّم قبل الطعام و بعده

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا وضعت المائدة..قال:

«باسم اللّه،اللّهمّ؛اجعلها نعمة مشكورة تصل بها نعمة الجنّة».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا قرّب إليه طعام..يقول:

«باسم اللّه»،فإذا فرغ..قال:«اللّهم؛أطعمت و سقيت،و أغنيت و أقنيت (1)،و هديت و اجتبيت،فلك الحمد علي ما أعطيت».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا رفعت مائدته..قال:«الحمد للّه حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه،الحمد للّه الّذي كفانا و آوانا،غير مكفيّ و لا مكفور و لا مودّع و لا مستغني عنه ربّنا».

و كان[صلّي اللّه عليه و سلّم]إذا فرغ من طعامه..قال:«اللّهمّ؛ لك الحمد،أطعمت و سقيت،و أشبعت و أرويت،فلك الحمد غير مكفور و لا مودّع و لا مستغني عنك».

و عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه تعالي عنه قال:كان رسول اللّه

ص: 176


1- أقني:أرضي.

صلّي اللّه عليه و سلّم إذا فرغ من طعامه..قال:«الحمد للّه الّذي أطعمنا و سقانا و جعلنا مسلمين».

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أكل أو شرب..قال:

«الحمد للّه الّذي أطعم و سقي،و سوّغه و جعل له مخرجا».

و عن أبي أيّوب الأنصاريّ رضي اللّه تعالي عنه قال:كنّا عند النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يوما فقرّب طعام،فلم أر طعاما أعظم بركة منه أوّل ما أكلنا،و لا أقلّ بركة في آخره.فقلنا:يا رسول اللّه؛كيف هذا؟ قال:«إنّا ذكرنا اسم اللّه تعالي حين أكلنا،ثمّ قعد من أكل؛و لم يسمّ اللّه تعالي،فأكل معه الشّيطان».

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل الطّعام في ستّة من أصحابه،فجاء أعرابيّ فأكله بلقمتين، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«لو سمّي..لكفاكم».

و عنها رضي اللّه تعالي عنها قالت:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«إذا أكل أحدكم فنسي أن يذكر اللّه تعالي علي طعامه..فليقل:

باسم اللّه أوّله و آخره».

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أكل عند قوم..لم يخرج حتّي يدعو لهم،فكان يقول:«اللّهمّ؛بارك لهم و ارحمهم»،و كان يقول:«أفطر عندكم الصّائمون،و أكل طعامكم الأبرار،و صلّت عليكم الملائكة».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أكل مع قوم..كان اخرهم أكلا.

ص: 177

و روي عنه صلّي اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«إذا وضعت المائدة..فلا يقوم الرّجل و إن شبع حتّي يفرغ[القوم]؛فإنّ ذلك يخجل جليسه، و عسي أن يكون له في الطّعام حاجة».

و عن عمر بن أبي سلمة-ربيب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم-أنّه دخل علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و عنده طعام؛فقال:«ادن يا بنيّ.،فسمّ اللّه تعالي،[و كل بيمينك]،و كل ممّا يليك».

[و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت]:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أتي بطعام..أكل ممّا يليه،و إذا أتي بالتّمر..جالت يده [فيه].

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«إنّ اللّه ليرضي عن العبد أن يأكل الأكلة..فيحمده عليها،أو يشرب الشّربة..فيحمده عليها».

ص: 178

الفصل الرّابع: في صفة فاكهته صلّي اللّه عليه و سلّم

اشارة

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يأخذ الرّطب بيمينه،و البطّيخ بيساره؛و يأكل الرّطب بالبطّيخ،و كان أحبّ الفاكهة إليه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل الرّطب،و يلقي النّوي علي الطّبق.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل البطّيخ بالرّطب،و يقول:«يكسر حرّ هذا ببرد هذا،و برد هذا بحرّ هذا».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل البطّيخ بالخبز و بالسّكر،و ربّما أكله بالرّطب،و يستعين باليدين جميعا.

و أكل[صلّي اللّه عليه و سلّم]يوما الرّطب في يمينه،و كان يحفظ النّوي في يساره،فمرّت شاة،فأشار إليها بالنّوي،فجعلت تأكل من كفّه اليسري و هو يأكل بيمينه حتّي فرغ،و انصرفت الشّاة.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يجمع بين الخربز و الرّطب.

و(الخربز):البطّيخ الأصفر.

ص: 179

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل القثّاء بالرّطب.

قالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:أرادت أمّي معالجتي للسّمنة لتدخلني علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؛فما استقام لها ذلك حتّي أكلت الرّطب بالقثّاء،فسمنت عليه كأحسن سمنة.أخرجه ابن ماجه، و رواه النّسائيّ:بإبدال(التّمر)مكان(الرّطب).

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل القثّاء بالرّطب و بالملح.

و كان أحبّ الفواكه الرّطبة إليه[صلّي اللّه عليه و سلّم]:الرّطب و العنب.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل العنب خرطا؛يري رؤاله علي لحيته كخرز اللّؤلؤ.

و رؤاله:ماؤه الّذي يتقطّر منه.

و عن الرّبيع بنت معوّذ ابن عفراء رضي اللّه تعالي عنها قالت:بعثني معاذ بقناع (1)من رطب،و عليه أجر من قثّاء زغب (2).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ القثّاء،فأتيته به و عنده حلية قد قدمت عليه من البحرين،فملأ يده منها،فأعطانيه.ر.

ص: 180


1- أي:بطبق يهدي عليه.
2- صغار الريش أول ما يطلع نبته،و وصف به القثاء تشبيها لما عليه بالرّيش الصغير.

قوله(أجر)-[جمع جرو]-و هو:الصّغير من كلّ شيء.و هنا:

الصّغير من القثّاء.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أتي بباكورة الثّمرة..وضعها علي عينيه،ثمّ علي شفتيه،و قال:«اللّهمّ؛كما أريتنا أوّله..فأرنا آخره»،ثمّ يعطيه من يكون عنده من الصّبيان.

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه قال:كان النّاس إذا رأوا أوّل الثّمر..جاءوا به إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فإذا أخذه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم..قال:«اللّهمّ؛بارك لنا في ثمارنا، [و بارك لنا في مدينتنا]،و بارك لنا في صاعنا،و في مدّنا.اللّهمّ؛إنّ إبراهيم عبدك،و خليلك،و نبيّك،و إنّي عبدك،و نبيّك،و إنّه دعاك لمكّة،و إنّي أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكّة و مثله معه».

قال:ثمّ يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثّمر.

قال العلماء:و قد استجيبت دعوة الخليل لمكّة،و الحبيب للمدينة، فصار يجبي إليهما من مشارق الأرض و مغاربها ثمرات كلّ شيء.

و كان عليه الصّلاة و السّلام يأكل من فاكهة بلده عند مجيئها،و لا يحتمي عنها.

فائدة:

قال القسطلانيّ:و هذا من أكبر أسباب الصّحّة،فإنّ اللّه سبحانه و تعالي بحكمته جعل في كلّ بلد من الفاكهة ما ينتفع به أهلها في وقته،

ص: 181

فيكون تناوله من أسباب صحّتهم و عافيتهم،و يغني عن كثير من الأدوية، و قلّ من احتمي عن فاكهة بلده خشية السّقم؛إلاّ و هو من أسقم النّاس جسما،و أبعدهم عن الصّحّة و القوّة.

فمن أكل منها ما ينبغي،في الوقت الّذي ينبغي،علي الوجه الّذي ينبغي..كان له دواء نافعا.

ص: 182

الفصل الخامس: في صفة شرابه صلّي اللّه عليه و سلّم و قدحه

اشارة

عن عائشة أمّ المؤمنين رضي اللّه تعالي عنها قالت:كان أحبّ الشّراب إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم الحلو البارد.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يشرب العسل الممزوج بالماء البارد.

و عن جابر:أنّه صلّي اللّه عليه و سلّم دخل علي رجل من الأنصار- و معه صاحب له-فسلّم،فردّ الرّجل و هو يحوّل الماء في حائطه،فقال صلّي اللّه عليه و سلّم:«إن كان عندك ماء بات في شنّة،و إلاّ..

كراعنا»،فقال:عندي ماء بات في شنّ،فانطلق إلي العريش فسكب في قدح ماء،ثمّ حلب عليه من داجن[له]؛فشرب عليه الصّلاة و السّلام.

و(الشّنّ):الجلد البالي.

و(الدّاجن):ما يألف البيوت من الشّياه و نحوها.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا استنّ (1)..أعطي السّواك

ص: 183


1- من الاستنان،و هو:تنظيف الأسنان بدلكها بالسّواك.

الأكبر،و إذا شرب..أعطي الّذي عن يمينه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يمصّ الماء مصّا،و لا يعبّ عبّا.و كان [صلّي اللّه عليه و سلّم]يدفع فضل سؤره إلي من علي يمينه،فإن كان من علي يساره أجلّ رتبة..قال للّذي علي يمينه:«السّنّة أن تعطي،فإن أحببت..اثرتهم».

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما قال:دخلت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أنا و خالد بن الوليد علي ميمونة،فجاءتنا بإناء من لبن،فشرب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و أنا علي يمينه،و خالد عن شماله.

فقال لي:«الشّربة لك،فإن شئت اثرت بها خالدا».

فقلت:ما كنت لأوثر علي سؤرك أحدا.

ثمّ قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«من أطعمه اللّه طعاما..

فليقل:(اللّهمّ؛بارك لنا فيه،و أطعمنا خيرا منه)،و من سقاه اللّه لبنا..فليقل:(اللّهمّ؛بارك لنا فيه،و زدنا منه).

ثمّ قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«ليس شيء يجزئ مكان الطّعام و الشّراب غير اللّبن».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يشرب قاعدا،و كان ذلك عادته.رواه مسلم.

و في رواية له أيضا:أنّه[صلّي اللّه عليه و سلّم]نهي عن الشّرب قائما.

ص: 184

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم شرب من زمزم و هو قائم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أراد أن يتحف الرّجل بتحفة..سقاه من ماء زمزم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحمل ماء زمزم.

و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاصي (1)رضي اللّه تعالي عنهما قال:

رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يشرب قائما و قاعدا.

و عن النّزّال بن سبرة قال:أتي عليّ بكوز من ماء و هو في الرّحبة (2)، فأخذ منه كفّا فغسل يديه،و مضمض،و استنشق،و مسح وجهه و ذراعيه و رأسه،ثمّ شرب و هو قائم،ثمّ قال:هذا وضوء من لم يحدث، هكذا رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فعل.

و عن كبشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:دخل عليّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم،فشرب من في قربة معلّقة قائما،فقمت إلي فيها فقطعته-أي:

قطعت فم القربة للتّبرّك و الاستشفاء.

و وقع مثل ذلك لأمّ سليم رضي اللّه تعالي عنها.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا ينفخ في طعام و لا شراب، و لا يتنفّس في الإناء.ظ.

ص: 185


1- الجمهور علي كتابته بالياء،و هو الفصيح عند أهل العربية،و يقع في كثير من كتب الحديث و الفقه أو أكثرها بحذف الياء؛و هي لغة.
2- المكان المتّسع؛و هو هنا:رحبة الكوفة،و كان يجلس فيها للحكم أو للوعظ.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا شرب..تنفّس ثلاثا،و يقول:«هو أهنأ،و أمرأ،و أبرأ».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا شرب..تنفّس مرّتين،و ربّما كان يشرب بنفس واحد حتّي يفرغ.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يشرب في ثلاثة أنفاس،و إذا أدني الإناء إلي فيه..سمّي اللّه تعالي،و إذا أخّره..حمد اللّه تعالي.(يفعل ذلك ثلاثا).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يتنفّس في الإناء،بل ينحرف عنه.

و أتوه مرّة بإناء فيه عسل و لبن،فأبي أن يشربه،و قال:«شربتان في شربة،و إدامان في إناء واحد؟!»،ثمّ قال صلّي اللّه عليه و سلّم:«لا أحرّمه،و لكنّي أكره الفخر و الحساب بفضول الدّنيا[غدا]،و أحبّ التّواضع[لربّي عزّ و جلّ]؛فإنّ من تواضع للّه..رفعه[اللّه]».

و كان يستعذب له صلّي اللّه عليه و سلّم الماء من بيوت السّقيا.

و في لفظ:يستسقي له الماء العذب من بئر السّقيا.

قال ابن القيّم رحمه اللّه تعالي:و لم يكن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يشرب علي طعامه؛لئلاّ يفسده،و لا سيّما إن كان الماء حارّا،أو باردا،فإنّه رديء جدّا.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا شرب الماء..قال:

«الحمد للّه الّذي سقانا عذبا فراتا برحمته،و لم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا».

ص: 186

و أمّا قدح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

فقد روي عن ثابت قال:أخرج إلينا أنس بن مالك قدح خشب غليظا مضبّبا بحديد،فقال:يا ثابت؛هذا قدح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،لقد سقيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم بهذا القدح الشّراب كلّه:الماء و النّبيذ،و العسل و اللّبن.

قال الباجوريّ:(قوله:(النّبيذ)-أي:المنبوذ فيه-و هو:ماء حلو يجعل فيه تمرات ليحلو.

و كان ينبذ له صلّي اللّه عليه و سلّم أوّل اللّيل،و يشرب منه إذا أصبح يومه ذلك و ليلته الّتي يجيء،و الغد إلي العصر،فإن بقي منه شيء..

سقاه الخادم إن لم يخف منه إسكارا،و إلاّ..أمر بصبّه،و هو له نفع عظيم في زيادة القوّة)ا ه.

و عند البخاريّ:من حديث عاصم الأحول قال:رأيت قدح النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم عند أنس بن مالك-و كان قد انصدع-فسلسله بفضّة؛قال:و هو قدح جيّد عريض من نضار.

قال أنس:لقد سقيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في هذا القدح أكثر من كذا و كذا.

[قال]:و قال ابن سيرين:إنّه كان فيه حلقة من حديد،فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضّة..فقال أبو طلحة:لا تغيّرنّ شيئا صنعه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فتركه.

و معني(النّضار):الخالص من العود،و من كلّ شيء،و يقال:

ص: 187

أصل ذلك القدح من شجر النّبع،و قيل:من الأثل.و لونه يميل إلي الصّفرة.

و كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قدح قوارير يشرب فيه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يعجبه أن يتوضّأ من مخضب من صفر.

و(المخضب):إناء.

و(الصّفر):النّحاس الأصفر.

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم قدح من عيدان (1)تحت سريره يبول فيه باللّيل.

و كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم مطهرة من فخّار يتوضّأ و يشرب منها،و كان النّاس يرسلون أولادهم الصّغار الّذين عقلوا فيدخلون عليه صلّي اللّه عليه و سلّم فلا يدفعون،فإذا وجدوا في المطهرة ماء شربوا منه،و مسحوا علي وجوههم،و أجسامهم،يبتغون بذلك البركة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا صلّي الغداة..[جاءه]خدم أهل المدينة بآنيتهم فيها الماء،فما يؤتي بإناء..إلاّ غمس يده فيه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يبعث إلي المطاهر فيؤتي بالماء فيشربه، يرجو بركة أيدي المسلمين.ة.

ص: 188


1- و هي:الطوال من النخل،و الواحدة:عيدانة.

الفصل السّادس: في صفة نومه صلّي اللّه عليه و سلّم

قال في«المواهب»:(كان عليه الصّلاة و السّلام ينام أوّل اللّيل، و يستيقظ في أوّل النّصف الثاني،فيقوم فيستاك،فيتوضّأ،و لم يكن يأخذ من النّوم فوق القدر المحتاج إليه منه،و لا يمنع نفسه من القدر المحتاج منه،و كان ينام علي جنبه الأيمن؛ذاكرا اللّه تعالي حتّي تغلبه عيناه،غير ممتلئ البطن من الطّعام و الشّراب.

قال:و كان عليه الصّلاة و السّلام ينام علي الفراش تارة،و علي النّطع تارة،و علي الحصير تارة،و علي الأرض تارة.

و كان فراشه[صلّي اللّه عليه و سلّم]أدما؛حشوه ليف،و كان له مسح (1)ينام عليه)ا ه

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم ينام أوّل اللّيل و يحيي آخره.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا ينام حتّي يستنّ.

ص: 189


1- المسح:فراش خشن غليظ.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يرقد من ليل و لا نهار فيستيقظ..إلاّ تسوّك.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا ينام..إلاّ و السّواك عند رأسه،فإذا استيقظ..بدأ بالسّواك.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يستاك في اللّيل مرارا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أراد أن يرقد..وضع يده اليمني تحت خدّه،ثمّ يقول:«اللّهمّ؛قني عذابك يوم تبعث عبادك»(ثلاث مرّات).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أخذ مضجعه من اللّيل..وضع يده تحت خدّه،ثمّ يقول:«باسمك اللّهمّ أحيا،و باسمك أموت».

و إذا استيقظ..قال:«الحمد للّه الّذي أحيانا بعد ما أماتنا و إليه النّشور».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أخذ مضجعه من اللّيل..قال:

«باسم اللّه وضعت جنبي،اللّهمّ؛اغفر لي ذنبي،و أخسئ شيطاني، و فكّ رهاني،و ثقّل ميزاني،و اجعلني في النّديّ (1)الأعلي».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أخذ مضجعه..قرأ (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) حتي يختمها.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليهس.

ص: 190


1- النديّ:هم القوم المجتمعون في مجلس.

و سلّم إذا أوي إلي فراشه كلّ ليلة..جمع كفّيه فنفث (1)فيهما و قرأ فيهما (قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) ،و: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ،و: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ) ،ثمّ مسح بهما ما استطاع من جسده،يبدأ بهما رأسه و وجهه و ما أقبل من جسده؛يصنع ذلك ثلاث مرّات.

و كان[صلّي اللّه عليه و سلّم]لا ينام حتّي يقرأ:(بني إسرائيل) (2)و:(الزّمر).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا ينام حتّي يقرأ:(أ لم تنزيل)السّجدة، و: (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) .

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأمر نساءه إذا أرادت إحداهنّ أن تنام..أن تحمد ثلاثا و ثلاثين،و تسبّح ثلاثا و ثلاثين،و تسبّح ثلاثا و ثلاثين،و تكبّر ثلاثا و ثلاثين.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان إذا أوي إلي فراشه..قال:«الحمد للّه الّذي أطعمنا و سقانا و كفانا و آوانا،فكم ممّن لا كافي له و لا مؤوي له».

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا تضوّر من اللّيل..قال:«لا إله إلاّ اللّه الواحد القهّار،ربّ السّماوات و الأرض و ما بينهما العزيز الغفّار».

و معني(تضوّر):تلوّي و تقلّب في فراشه.ء.

ص: 191


1- نفخ نفخا لطيفا بلا ريق.
2- و يقال لها:سورة الإسراء.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا تعارّ من اللّيل..قال:«ربّ اغفر و ارحم،و اهد للسّبيل الأقوم».

و معني(تعارّ):هبّ من نومه و استيقظ.

و عن أبي قتادة رضي اللّه تعالي عنه:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كان إذا عرّس بليل..اضطجع علي شقّه الأيمن،و إذا عرّس قبيل الصّبح..نصب ذراعه،و وضع رأسه علي كفّه.

و معني(التّعريس):نزول القوم في السّفر اخر اللّيل.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أراد أن ينام و هو جنب..

توضّأ وضوءه للصّلاة،و إذا أراد أن يأكل أو يشرب و هو جنب..غسل يديه ثمّ يأكل و يشرب.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أراد أن ينام و هو جنب..غسل فرجه و توضّأ.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم تنام عيناه و لا ينام قلبه.

و لذلك كان صلّي اللّه عليه و سلّم ينام حتّي ينفخ (1)،ثمّ يقوم فيصلّي.ه.

ص: 192


1- و هو:إرسال الهواء من الفم بقوة؛و المراد هنا:ما يخرج من النائم حين استغراقه في نومه.

الباب الخامس: في صفة خلق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و حلمه،و عشرته مع نسائه،و أمانته، و صدقه،و حيائه،و مزاحه،و تواضعه، و جلوسه،و كرمه،و شجاعته

اشارة

صلّي اللّه عليه و سلّم و حلمه،و عشرته مع نسائه،و أمانته، و صدقه،و حيائه،و مزاحه،و تواضعه، و جلوسه،و كرمه،و شجاعته

و فيه ستّة فصول

ص: 193

ص: 194

الفصل الأوّل: في صفة خلقه صلّي اللّه عليه و سلّم و حلمه

صفة خلق رسول اللّه صلي الله عليه و آله

قال القاضي عياض في«الشّفا»:(قال وهب بن منبّه:قرأت في أحد و سبعين كتابا،فوجدت في جميعها:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم أرجح النّاس عقلا،و أفضلهم رأيا.

و في رواية أخري:فوجدت في جميعها:أنّ اللّه تعالي لم يعط جميع النّاس من بدء الدّنيا إلي انقضائها من العقل في جنب عقله صلّي اللّه عليه و سلّم إلاّ كحبّة رمل من بين رمال الدّنيا).

و ذكر القسطلانيّ في«المواهب»،عن«عوارف المعارف»:

(اللّبّ و العقل مائة جزء؛تسعة و تسعون في النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم، و جزء في سائر المؤمنين.

قال:و من تأمّل حسن تدبيره للعرب الّذين هم كالوحش الشّارد،مع الطّبع المتنافر المتباعد،و كيف ساسهم و احتمل جفاهم،و صبر علي أذاهم إلي أن انقادوا إليه،و اجتمعوا عليه،و قاتلوا دونه أهليهم و آباءهم و أبناءهم،و اختاروه علي أنفسهم،و هجروا في رضاه أوطانهم و أحبّاءهم،من غير ممارسة سبقت له،و لا مطالعة كتب يتعلّم منها سير

ص: 195

الماضين..تحقّق له أنّه أعقل العالمين.

و لمّا كان عقله عليه الصّلاة و السّلام أوسع العقول..لا جرم اتّسعت أخلاق نفسه الكريمة اتّساعا،لا يضيق عن شيء).

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم خلقه القرآن.

قال الإمام الغزاليّ في«الإحياء»:(قال سعد بن هشام:دخلت علي عائشة رضي اللّه تعالي عنها و عن أبيها،فسألتها عن أخلاق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؟

فقالت:أ ما تقرأ القرآن؟!

قلت:بلي.

قالت:كان خلق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم القرآن.

و إنّما أدّبه القرآن بمثل قوله تعالي: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [الأعراف:199].

و قوله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبي وَ يَنْهي عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ [النحل:90].

و قوله: وَ اصْبِرْ عَلي ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان:17].

و قوله: وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشوري:43].

و قوله: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة:13].

و قوله: اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12]).

ص: 196

و أمثال هذه التّأديبات في القرآن لا تنحصر.

و هو صلّي اللّه عليه و سلّم المقصود الأوّل بالتّأديب و التّهذيب،ثمّ منه يشرق النّور علي كافّة الخلق؛فإنّه أدّب بالقرآن فتأدّب به،و أدّب الخلق به؛و لذلك قال صلّي اللّه عليه و سلّم:«بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق».

ثمّ لمّا أكمل اللّه تعالي خلقه..أثني عليه فقال تعالي: وَ إِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

ثمّ قال الغزاليّ:(و عن معاذ بن جبل،عن النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«إنّ اللّه حفّ الإسلام بمكارم الأخلاق و محاسن الأعمال».

و من ذلك:حسن المعاشرة،و كرم الصّنيعة،و لين الجانب،و بذل المعروف،و إطعام الطّعام،و إفشاء السّلام،و عيادة المريض المسلم؛ برّا كان أو فاجرا،و تشييع جنازة المسلم،و حسن الجوار لمن جاورت؛ مسلما كان أو كافرا،و توقير ذي الشّيبة المسلم،و إجابة دعوة الطّعام، و الدّعاء عليه،و العفو،و الإصلاح بين النّاس،و الجود،و الكرم، و السّماحة،و الابتداء بالسّلام،و كظم الغيظ،و العفو عن النّاس، و اجتناب ما حرّمه الإسلام من اللّهو،و الباطل،و الغناء،و المعازف كلّها،و كلّ ذي وتر،و كلّ ذي ذحل،و الغيبة،و الكذب،و البخل، و الشّحّ،و الجفاء،و المكر،و الخديعة،و النّميمة،و سوء ذات البين،و قطيعة الأرحام،و سوء الخلق و التّكبّر،و الفخر،و الاختيال، و الاستطالة،و البذخ،و الفحش،و التّفحّش،و الحقد،و الحسد، و الطّيرة،و البغي،و العدوان،و الظّلم.

ص: 197

قوله وتر:(الوتر):الثّأر.

و(الذّحل):الحقد و العداوة،و الثأر أيضا.

قال أنس رضي اللّه عنه:فلم يدع نصيحة جميلة إلاّ و قد دعانا إليها و أمرنا بها،و لم يدع غشّا-أو قال:عيبا،أو قال:شيئا-إلاّ حذّرناه و نهانا عنه،و يكفي من ذلك كلّه هذه الآية: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبي وَ يَنْهي عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90].

و قال معاذ:أوصاني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فقال:«يا معاذ؛أوصيك باتّقاء اللّه،و صدق الحديث،و الوفاء بالعهد،و أداء الأمانة،و ترك الخيانة،و حفظ الجار،و رحمة اليتيم،و لين الكلام، و بذل السّلام،و حسن العمل،و قصر الأمل،و لزوم الإيمان،و التّفقّه في القرآن،و حبّ الآخرة،و الجزع من الحساب،و خفض الجناح، و أنهاك أن تسبّ حكيما،أو تكذّب صادقا،أو تطيع اثما،أو تعصي إماما عادلا،أو تفسد أرضا..

و أوصيك باتّقاء اللّه تعالي عند كلّ حجر و شجر و مدر،و أن تحدث لكلّ ذنب توبة؛السّرّ بالسّرّ،و العلانية بالعلانية»).

فهكذا أدّب[صلّي اللّه عليه و سلّم]عباد اللّه،و دعاهم إلي مكارم الأخلاق و محاسن الآداب.

و عن الحسن بن عليّ رضي اللّه تعالي عنه قال:سألت خالي هند بن

ص: 198

أبي هالة (1)-و كان وصّافا-عن حلية رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم-و أنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا-فقال:

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فخما،مفخّما،يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر...فذكر الحديث بطوله.

قال الحسن:فكتمتها الحسين زمانا،ثمّ حدّثته فوجدته قد سبقني إليه،فسأله عمّا سألته عنه،و وجدته قد سأل أباه عن مدخله و مخرجه و شكله،فلم يدع منه شيئا.

قال الحسين:فسألت أبي عن دخول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم.

فقال:كان إذا أوي إلي منزله..جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء؛جزأ للّه، و جزأ لأهله،و جزأ لنفسه.

ثمّ جزّأ جزأه بينه و بين النّاس،فيردّ بالخاصّة علي العامّة،و لا يدّخر عنهم شيئا.

و كان من سيرته في جزء الأمّة إيثار أهل الفضل بإذنه،و قسمه علي قدر فضلهم في الدّين،فمنهم ذو الحاجة،و منهم ذو الحاجتين،و منهم ذو الحوائج؛فيتشاغل بهم و يشغلهم في ما يصلحهم و الأمّة،من مسألتهم عنه،و إخبارهم بالّذي ينبغي لهم،و يقول:«ليبلّغ الشّاهد منكم الغائب،و أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها،فإنّه من أبلغا.

ص: 199


1- و هو أخو السيدة فاطمة الزهراء من أمها خديجة رضي اللّه تعالي عنهما.

سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها..ثبّت اللّه قدميه يوم القيامة»؛لا يذكر عنده إلاّ ذلك،و لا يقبل من أحد غيره.

يدخلون روّادا-أي:طلاّبا-و لا يفترقون إلاّ عن ذواق (1)، و يخرجون أدلّة؛يعني:علي الخير.

قال:فسألته عن مخرجه:كيف كان يصنع فيه؟

قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يخزن لسانه إلاّ فيما يعنيه، و يؤلّفهم و لا ينفّرهم،و يكرم كريم كلّ قوم و يولّيه عليهم،و يحذر النّاس و يحترس منهم؛من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره و لا خلقه،و يتفقّد أصحابه،و يسأل النّاس عمّا في النّاس،و يحسّن الحسن و يقوّيه،و يقبّح القبيح و يوهّيه،معتدل الأمر غير مختلف،لا يغافل مخافة أن يغافلوا أو يميلوا،لكلّ حال عنده عتاد-أي:شيء معدّ و مهيّأ-لا يقصّر عن الحقّ و لا يجاوزه،الّذين يلونه من النّاس خيارهم،أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة،و أعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة و مؤازرة.

قال:فسألته عن مجلسه.

فقال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا يقوم و لا يجلس إلاّ علي ذكر،و إذا انتهي إلي قوم..جلس حيث ينتهي به المجلس،و يأمر بذلك، يعطي كلّ جلسائه بنصيبه،لا يحسب جليسه أنّ أحدا أكرم عليه منه.

من جالسه أو فاوضه في حاجة..صابره حتّي يكون هو المنصرفر.

ص: 200


1- ذواق-من الذوق-و هو:إما حسي للأجساد كالطعام و الشراب،أو معنوي للأرواح كالأدب و العلم و الخير.

عنه،و من سأله حاجة..لم يردّه إلاّ بها أو بميسور من القول.

قد وسع النّاس بسطه و خلقه،فصار لهم أبا و صاروا عنده في الحقّ سواء.

مجلسه مجلس حلم و حياء،و صبر و أمانة،لا ترفع فيه الأصوات، و لا تؤبن فيه الحرم و لا تنثي فلتاته (1).متعادلين،بل كانوا يتفاضلون فيه بالتّقوي،متواضعين،يوقّرون فيه الكبير،و يرحمون فيه الصّغير، و يؤثرون ذا الحاجة،و يحفظون الغريب.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا يمضي له وقت في غير عمل للّه عزّ و جلّ،أو فيما لا بدّ له من صلاح نفسه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أحسن النّاس خلقا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم دائم البشر،سهل الخلق.

و عرّفوا(حسن الخلق)بأنّه:مخالطة النّاس بالجميل،و البشر، و اللّطافة،و تحمّل الأذي،و الإشفاق عليهم،و الحلم،و الصّبر، و ترك التّرفّع و الاستطالة عليهم،و تجنّب الغلظة و الغضب و المؤاخذة.

و عن عليّ كرّم اللّه وجهه:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أجود النّاس كفّا،و أوسع النّاس صدرا،و أصدق النّاس لهجة،و أوفاهم ذمّة،و ألينهم عريكة،و أكرمهم عشرة.من راه بديهة..هابه،و من خالطه معرفة..

أحبّه،يقول ناعته:لم أر قبله و لا بعده مثله[صلّي اللّه عليه و سلّم].ن.

ص: 201


1- أي:لا تشاع و لا تذاع.هذا في ظاهر اللفظ:و الأولي جعل النفي منصبّا علي الفلتات نفسها،لا وصفها..فالمعني:لا فلتات فيه أصلا.و هو من نفي الشيء بإيجابه،و هو من مستطرفات علم البيان.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أعلم النّاس،و أورع النّاس،و أزهد النّاس،و أكرم النّاس،و أعدل النّاس،و أحلم النّاس،و أعفّ النّاس،لم تمسّ يده يد امرأة لا يملك رقّها،أو عصمة نكاحها،أو تكون ذات محرم منه صلّي اللّه عليه و سلّم.

و عن أنس أيضا:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أحسن النّاس، و أجود النّاس،و أشجع النّاس.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أرأف النّاس بالنّاس،و أنفع النّاس للنّاس،و خير النّاس للنّاس.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أصبر النّاس علي أقذار النّاس.

و عن خارجة بن زيد بن ثابت قال:دخل نفر علي زيد بن ثابت رضي اللّه تعالي عنه فقالوا له:حدّثنا أحاديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم.

قال:ما ذا أحدّثكم؟كنت جاره،فكان إذا نزل عليه الوحي..بعث إليّ فكتبته له،فكنّا إذا ذكرنا الدّنيا..ذكرها معنا،و إذا ذكرنا الآخرة..

ذكرها معنا،و إذا ذكرنا الطّعام..ذكره معنا،فكلّ هذا أحدّثكم عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؟!.

و كان أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يتناشدون الشّعر بين يديه أحيانا،و يذكرون أشياء من أمر الجاهليّة،و يضحكون،فيتبسّم هو إذا ضحكوا،و لا يزجرهم إلاّ عن حرام.

ص: 202

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أكثر النّاس تبسّما و ضحكا في وجوه أصحابه،و تعجّبا ممّا تحدّثوا به،و خلطا لنفسه بهم.و لربّما ضحك حتّي تبدو نواجذه.

و كان ضحك أصحابه عنده التّبسّم؛اقتداء به،و توقيرا له.

قالوا:و قد جاءه أعرابيّ يوما؛و هو صلّي اللّه عليه و سلّم متغيّر اللّون ينكره أصحابه،فأراد أن يسأله،فقالوا:لا تفعل يا أعرابيّ،فإنّا ننكر لونه.

فقال:دعوني،فو الّذي بعثه بالحقّ نبيّا؛لا أدعه حتّي يتبسّم.

فقال:يا رسول اللّه؛بلغنا أنّ المسيح-يعني:الدّجّال-يأتي النّاس بالثّريد و قد هلكوا جوعا..أ فتري لي-بأبي أنت و أمّي-أن أكفّ عن ثريده تعفّفا و تنزّها حتّي أهلك هزالا،أم أضرب في ثريده حتّي إذا تضلّعت شبعا..آمنت باللّه و كفرت به؟!

قالوا:فضحك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم حتّي بدت نواجذه.

ثمّ قال:«لا،بل يغنيك اللّه بما أغني به المؤمنين».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يتلطّف بخواطر أصحابه،و يتفقّد من انقطع منهم عن مجلسه،و كثيرا ما يقول لأحدهم:«لعلّك يا أخي وجدت منّي،أو من إخواننا شيئا».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا فقد الرّجل من إخوانه ثلاثة أيّام..سأل عنه،فإن كان غائبا..دعا له،و إن كان شاهدا..زاره،و إن كان مريضا..عاده.

ص: 203

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يقبل علي أصحابه بالمباسطة؛حتّي يظنّ كلّ منهم أنّه أعزّ عليه من جميع أصحابه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يعطي كلّ من جلس إليه نصيبه من البشاشة؛حتّي يظنّ أنّه أكرم النّاس عليه.

و عن عمرو بن العاصي رضي اللّه تعالي عنه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقبل بوجهه و حديثه علي أشرّ القوم يتألّفهم بذلك، فكان يقبل بوجهه و حديثه عليّ حتّي ظننت أنّي خير القوم.فقلت:

يا رسول اللّه؛أنا خير،أو أبو بكر؟

فقال:«أبو بكر».

فقلت:يا رسول اللّه؛أنا خير،أم عمر؟!

فقال:«عمر».

فقلت:يا رسول اللّه؛أنا خير،أم عثمان؟

فقال:«عثمان».

فلمّا سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فصدقني..فلوددت أنّي لم أكن سألته.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يعطي كلّ من جلس إليه نصيبه من وجهه،حتّي كأنّ مجلسه و سمعه و حديثه و لطيف محاسنه و توجّهه للجالس إليه.

و مجلسه مع ذلك مجلس حياء و تواضع و أمانة.

ص: 204

قال تعالي: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يواجه أحدا في وجهه بشيء يكرهه.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه،عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

أنّه كان عنده رجل به أثر صفرة.قال:و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا يكاد يواجه أحدا بشيء يكرهه،فلمّا قام..قال للقوم:«لو قلتم له يدع هذه الصّفرة».

قال الباجوريّ:(و المراد أنّه لا يكاد يواجه أحدا بمكروه غالبا،فلا ينافي ما ثبت عن عبد اللّه بن عمرو بن العاصي أنّه قال:رأي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم عليّ ثوبين معصفرين فقال:«إنّ هذين من ثياب الكفّار،فلا تلبسهما».

و في رواية:قلت:أغسلهما؟قال:«بل أحرقهما».

و لعلّ الأمر بالإحراق محمول علي الزّجر.

و هذا يدلّ علي ما عليه بعض العلماء من تحريم المعصفر، و الجمهور علي كراهته)ا ه

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا يواجه أحدا بمكروه،و لا يتعرّض في وعظه لأحد معيّن،بل يتكلّم خطابا عامّا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا بلغه عن الرّجل الشّيء..لم يقل:«ما

ص: 205

بال فلان يقول؟!.و لكن يقول:«ما بال أقوام يقولون..كذا و كذا؟!».

و كانت معاتبته صلّي اللّه عليه و سلّم تعريضا:«ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب اللّه تعالي..؟!»و نحو ذلك.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا رأي إنسانا يفعل ما لا يليق..لم يدع أحدا يبادر إلي الإنكار عليه حتّي يتثبّت في أمره،و يعلّمه الأدب برفق.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يأخذ بالقرف،و لا يقبل قول أحد علي أحد.

و(القرف):التّهمة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم كثيرا ما يقول:«لا تبلّغوني عن أصحابي إلاّ خيرا،فإنّي أحبّ أن أخرج إليكم و أنا سليم الصّدر».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره..

قال:«بشّروا و لا تنفّروا،و يسّروا و لا تعسّروا».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا لقي أصحابه..لم يصافحهم حتّي يسلّم عليهم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا لقي أحدا من أصحابه..صافحه،ثمّ أخذ بيده فشابكه،ثمّ شدّ قبضته عليها.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا لقيه أحد من أصحابه..صافحه،ثمّ أخذ بيده فشابكه،ثمّ شدّ قبضته عليها.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا لقيه أحد من أصحابه فقام معه..قام معه،و لم ينصرف حتّي يكون الرّجل هو الّذي ينصرف عنه،و إذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده..ناوله إيّاها،فلم ينزع يده منه حتّي يكون

ص: 206

الرّجل هو الّذي ينزع يده منه،و إذا لقي أحدا من أصحابه فتناول أذنه- أي:ليكلّمه سرّا-..ناوله إيّاها؛ثمّ لم ينزعها عنه حتّي يكون الرّجل هو الّذي ينزعها عنه؛أي:لا ينحّي أذنه عن فمه حتّي يفرغ الرّجل من حديثه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا لقيه الرّجل من أصحابه..مسحه و دعا له.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يدعوه أحد من أصحابه،أو غيرهم..

إلاّ قال صلّي اللّه عليه و سلّم:«لبّيك».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يكنّي أصحابه و يدعوهم بالكني،و بأحبّ أسمائهم؛إكراما لهم،و استمالة لقلوبهم،و يكنّي من لم تكن له كنية، و يكنّي النّساء اللاّتي لهنّ الأولاد،و اللاّتي لم يلدن؛يبتدئ لهنّ الكني،و يكنّي الصّبيان،فيستلين به قلوبهم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا مرّ علي الصّبيان..سلّم عليهم،ثمّ باسطهم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا قدم من سفر..تلقّي بصبيان أهل بيته.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أرحم النّاس بالصّبيان و العيال.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يؤتي بالصّبيان فيبرّك عليهم،و يحنّكهم، و يدعو لهم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يزور الأنصار،و يسلّم علي صبيانهم، و يمسح رءوسهم.

ص: 207

و عن يوسف بن عبد اللّه بن سلام رضي اللّه تعالي عنهما قال:سمّاني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم«يوسف»،و أقعدني في حجره،و مسح علي رأسي.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يلاعب زينب بنت أمّ سلمة،و يقول:«يا زوينب؛يا زوينب»(مرارا).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يركب الحسن و الحسين علي ظهره، و يمشي علي يديه و رجليه،و يقول:«نعم الجمل جملكما،و نعم العدلان أنتما»،و ربّما فعل ذلك بينهما،و هما علي الأرض.

و دخل الحسن-و هو صلّي اللّه عليه و سلّم قد سجد-فركب علي ظهره،فأبطأ في سجوده حتّي نزل الحسن،فلمّا فرغ..قال له بعض أصحابه:يا رسول اللّه؛قد أطلت سجودك؟

قال:«إنّ ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله»؛أي:جعلني كالرّاحلة،فركب علي ظهري.

و عن ابن مسعود رضي اللّه تعالي عنه:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يصلّي و الحسن و الحسين يلعبان و يقعدان علي ظهره.

و كان أبو هريرة رضي اللّه تعالي عنه يقول:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و قد أخذ بيد الحسن بن عليّ،و وضع رجليه علي ركبتيه و هو يقول:«ترقّ..ترقّ،عين بقّه...حزقّة حزقّه».

قال في«لسان العرب»:(و في الحديث أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه

ص: 208

و سلّم كان يرقّص الحسن أو الحسين؛و يقول:«حزقّة..حزقّة،ترقّ عين بقّه».

(الحزقّة):الضّعيف الّذي يقارب خطوه من ضعف،فكان يرقي حتّي يضع قدميه علي صدر النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم.

قال ابن الأثير:ذكرها له علي سبيل المداعبة و التّأنيس له.

و(ترقّ)بمعني:اصعد.

و(عين بقّة):كناية عن صغر العين)ا ه

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يكرم أهل الفضل في أخلاقهم، و يتألّف أهل الشّرف بالإحسان إليهم،و كان يكرم ذوي رحمه،و يصلهم من غير أن يؤثرهم علي من هو أفضل منهم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يكرم بني هاشم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم من أشدّ النّاس لطفا بالعبّاس.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يجلّ العبّاس إجلال الولد للوالد.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يبدأ من لقيه بالسّلام،و إذا أخذ بيده..

سايره حتّي يكون ذلك هو المنصرف.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا ودّع رجلا..أخذ بيده،فلا ينزعها حتّي يكون الرّجل هو الّذي يدع يده،و يقول:«أستودع اللّه دينك، و أمانتك،و خواتيم عملك».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يجلس إليه أحد و هو يصلّي..إلاّ خفّف

ص: 209

صلاته و أقبل عليه فقال:«أ لك حاجة؟»،فإذا فرغ..عاد إلي صلاته.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يكرم كلّ داخل عليه،حتّي ربّما بسط ثوبه لمن ليست بينه و بينه قرابة و لا رضاع،يجلسه عليه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يؤثر الدّاخل عليه بالوسادة التي تكون تحته فإن أبي أن يقبلها..عزم عليه حتّي يقبل.

و عن أنس بن مالك رضي اللّه تعالي عنه قال:خدمت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم عشر سنين،فما قال لي:«أفّ»قطّ،و ما قال لشيء صنعته:«لم صنعته؟»،و لا لشيء تركته:«لم تركته؟».

و عنه أيضا[رضي اللّه تعالي عنه]قال:خدمت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و أنا ابن ثمان سنين-خدمته عشر سنين-فما لامني علي شيء قطّ،فإن لامني لائم من أهله..قال:«دعوه،فإنّه لو قضي شيء..

كان».

و في«المصابيح»:عن أنس[رضي اللّه تعالي عنه]أيضا:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم من أحسن النّاس خلقا،فأرسلني يوما لحاجة؛فقلت:و اللّه لا أذهب-و في نفسي أن أذهب لما أمرني به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم-فخرجت حتّي أمرّ علي صبيان و هم يلعبون في السّوق؛فإذا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قد قبض بقفاي من ورائي.قال:فنظرت إليه و هو يضحك،فقال:«يا أنيس؛أذهبت حيث أمرتك؟»،قلت:نعم،أنا أذهب يا رسول اللّه.

و عن أنس[رضي اللّه تعالي عنه]أيضا قال:كنت أمشي مع النّبيّ

ص: 210

صلّي اللّه عليه و سلّم و عليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية،فأدركه أعرابيّ فجبذه بردائه جبذة شديدة رجع نبيّ اللّه في نحر الأعرابيّ،حتّي نظرت إلي صفحة عاتق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قد أثّرت فيه حاشية البرد من شدّة جبذته.

ثمّ قال:يا محمّد؛مر لي من مال اللّه الّذي عندك،فالتفت إليه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،ثمّ ضحك،ثمّ أمر له بعطاء.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم هينا لينا،ليس بفظّ و لا غليظ.

و عن عائشة أمّ المؤمنين رضي اللّه تعالي عنها أنّها قالت:لم يكن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فاحشا،و لا متفحّشا،و لا صخّابا في الأسواق،و لا يجزي بالسّيّئة السّيّئة،و لكن يعفو و يصفح.

و(الصّخب):شدّة الصّوت.

و في«الإحياء»:قد وصفه اللّه تعالي في«التّوراة»قبل أن يبعثه فقال:(محمّد رسول اللّه عبدي المختار؛لا فظّ،و لا غليظ،و لا صخّاب في الأسواق،و لا يجزي بالسّيّئة السّيّئة،و لكن يعفو و يصفح، مولده بمكّة،و هجرته بطابة،و ملكه بالشّام،يأتزر علي وسطه،هو و من معه دعاة للقران و العلم،يتوضّأ علي أطرافه).

و كذلك نعته في«الإنجيل».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يجفو علي أحد،و لو فعل معه ما يوجب الجفاء.

ص: 211

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يقبل معذرة المعتذر إليه،و لو فعل ما فعل.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اذاه أحد..يعرض عنه،و يقول:

«رحم اللّه أخي موسي،قد أوذي بأكثر من هذا فصبر».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يري اللّعب المباح فلا ينكره،و ترفع عليه الأصوات بالكلام الجافي،فيحتمله و لا يؤاخذ.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا سئل أن يدعو علي أحد..عدل عن الدّعاء عليه و دعا له.

و ما ضرب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم بيده امرأة و لا خادما قطّ و لا غيرهما؛إلاّ أن يكون في الجهاد.

قال أنس رضي اللّه تعالي عنه:كان الخادم إذا أغضبه..يقول صلّي اللّه عليه و سلّم:«لو لا خشية القصاص يوم القيامة..لأوجعتك بهذا السّواك».

و لمّا كسرت رباعيته (1)صلّي اللّه عليه و سلّم و شجّ وجهه يوم أحد..

شقّ ذلك علي أصحابه شديدا،و قالوا:لو دعوت عليهم،فقال:«إنّي لم أبعث لعّانا؛و لكن بعثت داعيا و رحمة،اللّهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون».

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:ما رأيت رسول اللّه صلّي اللّهب.

ص: 212


1- هي:السّنّ التي بين الثنية و النّاب.

عليه و سلّم منتصرا من مظلمة ظلمها قطّ ما لم ينتهك من محارم اللّه شيء،فإذا انتهك من محارم اللّه شيء..كان من أشدّهم في ذلك غضبا.و ما خيّر بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما؛ما لم يكن إثما،فإن كان إثما..كان أبعد النّاس منه.و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يغضب لنفسه،و لا ينتقم لها،و إنّما يغضب إذا انتهكت حرمات اللّه عزّ و جلّ؛ فحينئذ يغضب،و لا يقوم لغضبه شيء حتّي ينتصر للحقّ،و إذا غضب..

أعرض و أشاح.

و القريب و البعيد و القويّ و الضّعيف..عنده في الحقّ سواء.

قوله(أشاح)أي:أعرض بوجهه.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:استأذن رجل علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و أنا عنده،فقال:«بئس ابن العشيرة»،أو«أخو العشيرة».

ثمّ أذن له،فلمّا دخل..ألان له القول.

فلمّا خرج..قلت:يا رسول اللّه؛قلت ما قلت،ثمّ ألنت له القول؟

فقال:«يا عائشة؛إنّ من شرّ النّاس من تركه النّاس،أو ودعه النّاس اتّقاء فحشه».

قال في«المواهب»:(هذا الرّجل هو عيينة بن حصن الفزاريّ، و كان يقال له:(الأحمق المطاع).

و قد كانت منه في حياة النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم و بعده أمور تدلّ علي

ص: 213

ضعف إيمانه،فيكون ما وصفه به عليه الصّلاة و السّلام من علامات النّبوّة.

و أمّا إلانة القول بعد أن دخل..فعلي سبيل الائتلاف و المداراة.

و هي مباحة،و ربّما استحسنت بخلاف المداهنة.

و الفرق بينهما أنّ المداراة:بذل الدّنيا لصلاح الدّنيا أو الدّين،أو هما معا.

و المداهنة:بذل الدّين لصلاح الدّنيا.

و النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم إنّما بذل له من دنياه حسن عشرته و الرّفق في مكالمته،و مع ذلك فلم يمدحه بقول،فلم يناقض قوله فيه فعله، فإنّ قوله فيه حقّ،و فعله معه حسن عشرة،و قد ارتدّ عيينة في زمن الصّدّيق و حارب،ثمّ رجع و أسلم،و حضر بعض الفتوح في عهد عمر رضي اللّه تعالي عنه)ا ه

و قال ابن الأثير في كتابه«أسد الغابة»،في اخر ترجمة مخرمة بن نوفل رضي اللّه تعالي عنه:(روي النّضر بن شميل قال:حدّثنا أبو عامر الخزّاز،عن أبي يزيد المدنيّ،عن عائشة قالت:جاء مخرمة بن نوفل، فلمّا سمع النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم صوته..قال:«بئس أخو العشيرة».فلمّا جاء..أدناه،فقلت:يا رسول اللّه؛قلت له ما قلت (1)،ثمّ ألنت له القول؟ي.

ص: 214


1- أي:لأجله و في شأنه،لا أنه خاطبه مباشرة؛لفساد المعني.

فقال:«يا عائشة؛إنّ من شرّ النّاس من تركه النّاس اتّقاء فحشه».

أخرجه الثّلاثة.

قال:و كان مخرمة هذا من المؤلّفة قلوبهم،و كان في لسانه فظاظة،و كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يتّقي لسانه)ا ه

و الظّاهر أنّ ما ذكره ابن الأثير من أنّ صاحب هذه القصّة هو مخرمة بن نوفل هو الصّحيح،أو:تكرّرت.

و عن الحسن بن عليّ[رضي اللّه تعالي عنه]قال:قال الحسين:

سألت أبي عن سيرة النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم في جلسائه..فقال:

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم دائم البشر،سهل الخلق،ليّن الجانب،ليس بفظّ و لا غليظ،و لا صخّاب و لا فحّاش،و لا عيّاب، و لا مشاحّ،يتغافل عمّا لا يشتهي؛و لا يؤيس منه،و لا يجيب فيه،قد ترك نفسه من ثلاث:المراء،و الإكثار،و ما لا يعنيه،و ترك النّاس من ثلاث:كان لا يذمّ أحدا،و لا يعيبه؛و لا يطلب عورته،و لا يتكلّم إلاّ فيما رجا ثوابه،و إذا تكلّم..أطرق جلساؤه كأنّما علي رءوسهم الطّير، فإذا سكت..تكلّموا،لا يتنازعون عنده الحديث،و من تكلّم عنده..

أنصتوا له حتّي يفرغ،حديثهم عنده حديث أوّلهم،يضحك ممّا يضحكون منه،و يتعجّب ممّا يتعجّبون منه،و يصبر للغريب علي الجفوة في منطقه و مسألته حتّي أن كان أصحابه ليستجلبونهم،و يقول:«إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها..فارفدوه» (1).ا.

ص: 215


1- ارفدوه:أعينوه علي حاجته و ساعدوه حتي يصل إليها.

و لا يقبل الثّناء إلاّ من مكافئ،و لا يقطع علي أحد حديثه حتّي يجوز (1)فيقطعه بنهي،أو قيام.

حلم رسول اللّه صلي الله عليه و آله

و أمّا حلم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

فقد كان صلّي اللّه عليه و سلّم أحلم النّاس،و أرغبهم في العفو مع القدرة،حتّي أتي بقلائد من ذهب أو فضّة،فقسمها بين أصحابه،فقال أعرابيّ:ما أراك تعدل،قال:«ويحك فمن يعدل عليك بعدي؟!»، فلمّا ولي..قال:«ردّوه عليّ رويدا».

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقبض للنّاس يوم[حنين] (2)، من فضّة في ثوب بلال،فقال له رجل:يا رسول اللّه؛اعدل.

فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«ويحك؛فمن يعدل إذا لم أعدل؟!فقد خبت إذا و خسرت إن كنت لا أعدل».

فقام عمر فقال:ألا أضرب عنقه؟فإنّه منافق.

فقال:«معاذ اللّه أن يتحدّث النّاس أنّي أقتل أصحابي».

و قسم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قسمة،فقال رجل من الأنصار:هذه قسمة ما أريد بها وجه اللّه تعالي.

فذكر ذلك للنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم..فاحمرّ وجهه و قال:

«رحم اللّه أخي موسي،قد أوذي بأكثر من هذا فصبر».

ص: 216


1- أي:يتجاوز الحد أو الحق.
2- في نسخة:خيبر.

و بال أعرابيّ في المسجد بحضرته،فهمّ به أصحابه،فقال صلّي اللّه عليه و سلّم:«لا تزرموه»؛أي:لا تقطعوا عليه البول.

ثمّ قال له:«إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر و البول و الخلاء».

و في رواية:«قرّبوا و لا تنفّروا».

و جاء أعرابيّ يطلب منه شيئا،فأعطاه صلّي اللّه عليه و سلّم،ثمّ قال له:«احسنت إليك؟».

قال الأعرابيّ:لا،و لا أجملت.

فغضب المسلمون،و قاموا إليه.فأشار إليهم أن كفّوا.

ثمّ قام و دخل منزله،و أرسل إلي الأعرابيّ و زاده شيئا،ثمّ قال له:

«احسنت إليك؟».

قال:نعم،فجزاك اللّه من أهل و عشيرة خيرا.

فقال له النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«إنّك قلت ما قلت و في نفس أصحابي شيء من ذلك،فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يديّ حتّي يذهب من صدورهم ما فيها عليك».

قال:نعم.

فلمّا كان الغد أو العشيّ..جاء فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«إنّ هذا الأعرابيّ قال ما قال،فزدناه فزعم أنّه رضي ذلك،أ كذلك؟».

قال:نعم،فجزاك اللّه من أهل و عشيرة خيرا.

ص: 217

فقال صلّي اللّه عليه و سلّم:«إنّ مثلي و مثل هذا الأعرابيّ كمثل رجل كانت له ناقة شردت عليه فاتّبعها النّاس؛فلم يزيدوها إلاّ نفورا فناداهم صاحب النّاقة:خلّوا بيني و بين ناقتي،فإنّي أرفق بها و أعلم، فتوجّه لها صاحب النّاقة بين يديها،فأخذ لها من قمام الأرض فردّها هونا هونا حتّي جاءت و استناخت و شدّ عليها رحلها و استوي عليها،و إنّي لو تركتكم حيث قال الرّجل ما قال فقتلتموه دخل النّار».

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه قال:كنت مع النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم و عليه برد غليظ الحاشية،فجذبه أعرابيّ بردائه جبذة شديدة حتّي أثّرت حاشية البرد علي صفحة عاتقه،ثمّ قال:يا محمّد؛أحمل لي علي بعيريّ هذين من مال اللّه الّذي عندك،فإنّك لا تحمل لي من مالك و لا من مال أبيك.

فسكت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم ثمّ قال:«المال مال اللّه،و أنا عبده»،ثمّ قال:«و يقاد منك يا أعرابيّ (1)ما فعلت بي».قال:

لا.قال:«لم؟»،قال:لأنّك لا تكافئ بالسّيّئة السّيّئة.

فضحك النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم،ثمّ أمر أن يحمل له علي بعير شعير و علي الآخر تمر.

و روي الطّبرانيّ و ابن حبّان و الحاكم و البيهقيّ عن زيد بن سعنة-و هو كما قال النّوويّ رحمه اللّه تعالي:أجلّ أحبار اليهود الّذين أسلموا-أنّهك.

ص: 218


1- أي:أ تجازي علي ترك أدبك.

قال:لم يبق من علامات النّبوّة شيء إلاّ و قد عرفته في وجه محمّد صلّي اللّه عليه و سلّم حين نظرت إليه،إلاّ اثنتين لم أخبرهما (1)منه:

1-يسبق حلمه جهله،2-و لا تزيده شدّة الجهل عليه إلاّ حلما.

فكنت أتلطّف له لأن أخالطه فأعرف حلمه و جهله،فابتعت منه تمرا إلي أجل،فأعطيته الثّمن،فلمّا كان قبل محلّ (2)الأجل بيومين أو ثلاثة..أتيته فأخذت بمجامع قميصه و ردائه[علي عنقه]،و نظرت إليه بوجه غليظ،ثمّ قلت:ألا تقضيني يا محمّد حقّي؟![فو اللّه]إنّكم يا بني عبد المطّلب مطل.

فقال عمر:أي عدوّ اللّه؛أ تقول لرسول اللّه ما أسمع،فو اللّه لو لا ما أحاذر[فوته] (3)..لضربت بسيفي رأسك.

و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ينظر إلي عمر بسكون و تؤدة، و تبسّم.

ثمّ قال:«أنا و هو كنّا أحوج إلي غير هذا منك يا عمر؛أن تأمرني بحسن[الأداء]،و أن تأمره بحسن[التّباعة]،اذهب به يا عمر؛فاقضه حقّه و زده عشرين صاعا مكان ما روّعته».ففعل.

فقلت:يا عمر؛كلّ علامات النّبوّة قد عرفتها في وجه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم حينما نظرت إليه،إلاّ اثنتين لم أختبرهما:يسبقه.

ص: 219


1- في نسخة:لم أجدهما.
2- أي:وقت.
3- و هو:بقاء الصلح بين المسلمين و بين قومه.

حلمه جهله،و لا يزيده شدّة الجهل[عليه]إلاّ حلما،فقد اختبرتهما، فأشهدك أنّي قد رضيت باللّه ربّا؛و بالإسلام دينا،و بمحمّد صلّي اللّه عليه و سلّم نبيّا.

قال القاضي عياض في«الشّفا»:(و حسبك ما ذكرناه ممّا في «الصّحيح»و المصنّفات الثّابتة،ممّا بلغ متواترا مبلغ اليقين:من صبره علي مقاساة قريش،و أذي الجاهليّة،و مصابرة الشّدائد الصّعبة معهم، إلي أن أظفره اللّه تعالي عليهم-يعني:بفتح مكّة-و حكّمه فيهم و هم لا يشكّون في استئصال شأفتهم (1)،و إبادة خضرائهم-أي:إهلاك جماعتهم-فما زاد علي أن عفا و صفح،و قال:«ما تقولون أنّي فاعل بكم؟»،قالوا:خيرا؛أخ كريم،و ابن أخ كريم،فقال:«اذهبوا؛ فأنتم الطّلقاء».

و قال أنس رضي اللّه تعالي عنه:هبط ثمانون رجلا من التّنعيم صلاة الصّبح ليقتلوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فأخذوا،فأعتقهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فأنزل اللّه تعالي: وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً [الفتح:24].

و قال[صلّي اللّه عليه و سلّم]لأبي سفيان-و قد سبق إليه بعد أن جلب عليه الأحزاب،و قتل عمّه و أصحابه و مثّل بهم،فعفا عنه،و لاطفه في القول-و قال:«ويحك يا أبا سفيان!أ لم يأن لك أن تعلم ألا إلهم.

ص: 220


1- أي:إزالتهم من أصلهم.

إلاّ اللّه؟!»،فقال:بأبي أنت و أمّي،ما أحلمك،و أوصلك، و أكرمك).

و قال الإمام النّوويّ في«التهذيب»:(قد جمع اللّه سبحانه و تعالي له صلّي اللّه عليه و سلّم كمال الأخلاق،و محاسن الشّيم،و اتاه علم الأوّلين و الآخرين،و ما فيه النّجاة و الفوز؛و هو أمّيّ لا يقرأ و لا يكتب، و لا معلّم له من البشر،و اتاه ما لم يؤت أحدا من العالمين،و اختاره علي جميع الأوّلين و الآخرين،و أعطاه مفاتيح خزائن الأرض كلّها؛فأبي أن يأخذها،و اختار الآخرة عليها،و كان كما وصفه اللّه تعالي: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]ا ه

ص: 221

الفصل الثّاني: في صفة عشرته صلّي اللّه عليه و سلّم مع نسائه رضي اللّه تعالي عنهن

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا خلا بنسائه..ألين النّاس، و أكرم النّاس،ضحّاكا بسّاما.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم من أفكه النّاس.

قال المناويّ:(أي:من أمزحهم إذا خلا بنحو أهله).

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:حدّث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ذات ليلة نساءه حديثا،فقالت امرأة منهنّ:كأنّ الحديث حديث خرافة.

فقال:«أ تدرون ما خرافة؟إنّ خرافة كان رجلا من عذرة،أسرته الجنّ في الجاهليّة،فمكث فيهم دهرا،ثمّ ردّوه إلي الإنس،فكان يحدّث النّاس بما رأي من الأعاجيب،فقال النّاس:(حديث خرافة)».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم كثيرا ما يقبّل عرف ابنته فاطمة الزّهراء،

ص: 222

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم كثيرا ما يقبّلها في فمها أيضا.

و(العرف):أعلي الرأس،و يطلق علي الرّقبة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم مع أصحابه و أزواجه كواحد منهم،و كان حسن المعاشرة.

و كانت عائشة رضي اللّه تعالي عنها تقول:كنت إذا هويت شيئا..

تابعني صلّي اللّه عليه و سلّم عليه.و كنت إذا شربت من الإناء..أخذه فوضع فمه علي موضع فمي و شرب،و كان ينهش فضلتي من اللّحم الّذي علي العظم،و كان يتّكئ في حجري و يقرأ القرآن.

و حدّثت عائشة رضي اللّه تعالي عنها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم بحديث أمّ زرع؛و هو:أنّ إحدي عشرة امرأة تعاهدن و تعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا،فوصفت كلّ واحدة زوجها،فكانت أحسنهنّ وصفا لزوجها و أكثرهنّ تعدادا لنعمه عليها:زوجة أبي زرع.

قالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:فقال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يسرّب (1)إلي عائشة رضي اللّه تعالي عنها بنات الأنصار يلعبن معها.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يريها الحبشة؛و هم يلعبون في المسجد، و هي متّكئة علي منكبه.ل.

ص: 223


1- يسرّب:يرسل.

و روي:أنّه صلّي اللّه عليه و سلّم سابقها،فسبقته،ثمّ سابقها بعد ذلك،فسبقها و قال:«هذه بتلك».

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:أنّهم كانوا يوما عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في بيت عائشة رضي اللّه تعالي عنها،إذ أتي بصحفة خبز و لحم من بيت أمّ سلمة،فوضعت بين يدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فقال:«ضعوا أيديكم»،فوضع نبيّ اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم [يده]،و وضعنا أيدينا،فأكلنا و عائشة تصنع طعاما عجّلته،و قد رأت الصّحفة الّتي أتي بها،فلمّا فرغت من طعامها..جاءت به فوضعته، و رفعت صحفة أمّ سلمة فكسرتها،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

«كلوا باسم اللّه؛غارت أمّكم».ثمّ أعطي صحفتها أمّ سلمة؛فقال:

«طعام مكان طعام،و إناء مكان إناء».رواه الطّبرانيّ في«الصّغير».

و هو عند البخاريّ بلفظ:كان صلّي اللّه عليه و سلّم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدي أمّهات المؤمنين بصحفة فيها طعام،فضربت الّتي[النّبيّ] في بيتها يد الخادم،فسقطت الصّحفة فانفلقت،فجمع صلّي اللّه عليه و سلّم فلق الصّحفة،ثمّ جعل يجمع فيها الطّعام الّذي كان في الصّحفة و يقول:«غارت أمّكم»،ثمّ حبس الخادم،حتّي أتي بصحفة من عند الّتي هو في بيتها،فدفع الصّحفة إلي الّتي كسرت صحفتها،و أمسك المكسورة في بيت الّتي كسرت.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها:أتيت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم بخزيرة طبختها له،و قلت لسودة و النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم بيني

ص: 224

و بينها؛فقلت لها:كلي،فأبت،فقلت لها:كلي،فأبت،فقلت لها:لتأكلين،أو لألطّخنّ بها وجهك،فأبت،فوضعت يدي في الخزيرة فلطخت بها وجهها،فضحك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم.

و(الخزيرة):لحم يقطع قطعا صغارا،و يصبّ عليه ماء كثير،فإذا نضج ذرّ عليه الدّقيق.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا غضبت عائشة..عرك بأنفها و قال:

«يا عويش؛قولي:اللّهمّ ربّ محمّد اغفر لي ذنبي،و أذهب غيظ قلبي،و أجرني من مضلاّت الفتن».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أتي بهديّة قال:«اذهبوا بها إلي بيت فلانة،فإنّها كانت صديقة لخديجة-رضي اللّه تعالي عنها-إنّها كانت تحبّ خديجة».

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:ما غرت علي امرأة ما غرت علي خديجة رضي اللّه تعالي عنها لما كنت أسمعه يذكرها،و إن كان ليذبح الشّاة فيهديها إلي خلائلها،و استأذنت عليه أختها فارتاح لها، و دخلت عليه امرأة فهشّ لها و أحسن السّؤال عنها،فلمّا خرجت قال:

«إنّها كانت تأتينا أيّام خديجة،و إنّ حسن العهد من الإيمان».

قال القسطلانيّ:(و هكذا كانت أحواله عليه الصّلاة و السّلام مع أزواجه،لا يأخذ عليهنّ و يعذرهنّ،و إن أقام عليهنّ قسطاس عدل أقامه من غير قلق،و لا غضب.

و بالجملة:فمن تأمّل سيرته عليه الصّلاة و السّلام مع أهله و أصحابه

ص: 225

و غيرهم من الفقراء،و الأيتام،و الأرامل،و الأضياف،و المساكين..

علم أنّه قد بلغ من رقّة القلب و لينه الغاية الّتي لا مرمي وراءها لمخلوق، و إنّه كان يشدّد في حدود اللّه و حقوقه و دينه؛حتّي قطع يد السّارق...

إلي غير ذلك).

ص: 226

الفصل الثّالث: في صفة أمانته صلّي اللّه عليه و سلّم و صدقه

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أمن النّاس،و أصدقهم لهجة منذ كان.

قال تعالي: مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير:21].

أكثر المفسّرين علي أنّه محمّد صلّي اللّه عليه و سلّم.

و كانت تسمّيه قريش قبل نبوّته:(الأمين).

و لمّا اختلفوا عند بناء الكعبة فيمن يضع الحجر..حكّموا أوّل داخل عليهم،فإذا بالنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم داخل،و ذلك قبل نبوّته، فقالوا:(هذا محمّد الأمين..قد رضينا به).

و قال صلّي اللّه عليه و سلّم:«و اللّه إنّي لأمين في السّماء،أمين في الأرض».

و ورد أنّ أبا جهل قال للنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:إنّا لا نكذّبك،و ما أنت فينا بمكذّب،و لكن نكذّب بما جئت به.فأنزل اللّه فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33].

ص: 227

و قيل:إنّ الأخنس بن شريق لقي أبا جهل يوم بدر فقال له:يا أبا الحكم؛ليس هنا غيري و غيرك يسمع كلامنا،تخبرني عن محمّد:

صادق،أم كاذب؟فقال أبو جهل:و اللّه إنّ محمّدا لصادق،و ما كذب محمّد قطّ.

و سأل هرقل عنه صلّي اللّه عليه و سلّم أبا سفيان فقال:هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟قال:لا.

و قال النّضر بن الحارث لقريش:قد كان محمّد فيكم غلاما حدثا؛ أرضاكم فيكم (1)،و أصدقكم حديثا،و أعظمكم أمانة،حتّي إذا رأيتم في صدغيه الشّيب و جاءكم بما جاءكم به..قلتم ساحر؟!لا و اللّه ما هو بساحر.

و في حديث عليّ رضي اللّه عنه-في وصفه عليه الصّلاة و السّلام-:

أصدق النّاس لهجة.ه.

ص: 228


1- أي:ترضون أفعاله و أحواله.

الفصل الرّابع: في صفة حيائه صلّي اللّه عليه و سلّم و مزاحه

حياء رسول اللّه صلي الله عليه و آله

عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه تعالي عنه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أشدّ حياء من العذراء في خدرها.

و كان إذا كره شيئا..عرف في وجهه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أشدّ النّاس حياء،لا يثبّت بصره في وجه أحد.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يكنّي عمّا اضطرّه الكلام إليه ممّا يكره.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أراد الحاجة..أبعد.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أراد الحاجة..لم يرفع ثوبه حتّي يدنو من الأرض.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دخل المرفق..لبس حذاءه و غطّي رأسه.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:ما رأيت فرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قطّ.

ص: 229

مزاح رسول اللّه صلي الله عليه و آله

و أمّا مزاح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

فقد كان صلّي اللّه عليه و سلّم يمزح مع النّساء و الصّبيان و غيرهم،و لا يقول إلاّ حقّا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم من أفكه النّاس مع صبيّ.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا مزح..غضّ بصره.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم فيه دعابة قليلة.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال له:«يا ذا الأذنين»؛يعني:يمازحه (1).

و عن أنس[رضي اللّه تعالي عنه]أيضا قال:إن كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ليخالطنا حتّي يقول لأخ لي:«يا أبا عمير؛ما فعل النّغير؟».

قال أبو عيسي التّرمذيّ:وفقه هذا الحديث:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كان يمازح.

و فيه:أنّه كنّي غلاما صغيرا فقال له:«يا أبا عمير».

و فيه:أنّه لا بأس أن يعطي الصّبيّ الطّير ليلعب به-أي:لعبا لا عذاب فيه-و إلاّ..حرم تمكينه منه؛للنّهي عن تعذيب الحيوان.

و إنّما قال له النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«يا أبا عمير؛ما فعل

ص: 230


1- أي:يا صاحب الأذنين السميعتين الواعيتين الضابطتين لما سمعتا.

النّغير»..لأنّه كان له نغير يلعب به،فمات،فحزن الغلام عليه، فمازحه النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم فقال:«يا أبا عمير؛ما فعل النّغير».

و(النّغير):طائر كالعصفور،أحمر المنقار.

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه قال:قالوا:يا رسول اللّه؛إنّك تداعبنا،فقال:«نعم،غير أنّي لا أقول إلاّ حقّا».

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:أنّ رجلا استحمل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فقال:«إنّي حاملك علي ولد ناقة»،فقال:يا رسول اللّه؛ما أصنع بولد النّاقة؟!فقال:«و هل تلد الإبل إلاّ النّوق؟!» (1).

و عن أنس أيضا رضي اللّه تعالي عنه:أنّ رجلا من أهل البادية-و كان اسمه زاهرا (2)-و كان يهدي إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم هديّة من البادية،فيجهّزه النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أراد أن يخرج،فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«إنّ زاهرا باديتنا؛و نحن حاضرته»،و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّه،و كان رجلا دميما،فأتاه النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يوما،و هو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه و هو لا يبصره،فقال من هذا؟أرسلني،فالتفت فعرف النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم،فجعل لا يألوي.

ص: 231


1- المقصود أنه صلّي اللّه عليه و سلّم أراد أن يحمله علي راحلة كبيرة،و هي بالأصل ولد الناقة فلو تدبر الرجل اللفظ لما قال ذلك.
2- ابن حرام الأشجعي.

ما ألصق ظهره بصدر النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم حين عرفه،فجعل النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يقول:«من يشتري هذا العبد؟»،فقال:يا رسول اللّه؛إذن و اللّه تجدني كاسدا،فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:

«لكن عند اللّه لست بكاسد»،أو قال:«أنت عند اللّه غال».

و(الدّميم):قبيح الوجه.

و عن زيد بن أسلم رضي اللّه تعالي عنه:أنّ رجلا (1)كان يهدي للنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم العكّة (2)من السّمن و العسل،فإذا جاء صاحبه يتقاضاه..جاء به إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم،فقال:أعط هذا حقّ متاعه،فما يزيد النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم علي أن يتبسّم،و يأمر به فيعطي.

و في رواية:كان لا يدخل المدينة طرفة (3)إلاّ اشتري منها،ثمّ جاء فقال:يا رسول اللّه؛هذا هديّة لك،فإذا جاء صاحبه يطلب ثمنه..

جاء به،فيقول:أعط هذا الثّمن،فيقول:«أ لم تهده لي؟!»، فيقول:ليس عندي،فيضحك و يأمر لصاحبه بثمنه.

و عن الحسن رضي اللّه تعالي عنه قال:أتت عجوز (4)النّبيّ صلّي اللّها.

ص: 232


1- هو عبد اللّه الملقب ب(حمار)بلفظ الحيوان المعروف.
2- انية السمن أصغر من القربة.
3- أي:ما يستملح و يعجب.
4- قيل:إنها صفية بنت عبد المطلب،أم الزبير بن العوام رضي اللّه عنهما.

عليه و سلّم فقالت:يا رسول اللّه؛ادع اللّه أن يدخلني الجنّة،فقال:

«يا أمّ فلان؛إنّ الجنّة لا يدخلها عجوز».قال:فولّت تبكي،فقال:

«أخبروها أنّها لا تدخلها و هي عجوز؛إنّ اللّه تعالي يقول: إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً. فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً. عُرُباً أَتْراباً »[الواقعة:35-37].

ص: 233

الفصل الخامس: في صفة تواضعه صلّي اللّه عليه و سلّم و جلوسه و اتكائه

تواضع رسول اللّه صلي الله عليه و آله

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أشدّ النّاس تواضعا،و أسكنهم من غير كبر،و أبلغهم من غير تطويل،و أحسنهم بشرا،لا يهوله شيء من أمر الدّنيا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم متواضعا في غير مذلّة.

و عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«لا تطروني كما أطرت النّصاري ابن مريم،إنّما أنا عبد فقولوا:(عبد اللّه و رسوله)».

و(الإطراء):هو مجاوزة الحدّ في المدح.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يدفع عنه النّاس،و لا يضربوا عنه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يأتيه أحد من حرّ و لا عبد،و لا أمة و لا مسكين..إلاّ قام معه في حاجته.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يستكبر عن إجابة الأمة و المسكين.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يكثر الذّكر و يقلّ اللّغو،و يطيل الصّلاة

ص: 234

و يقصر الخطبة،و كان لا يأنف و لا يستكبر أن يمشي مع الأرملة و المسكين و العبد حتّي يقضي له حاجته.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فتنطلق به حيث شاءت.

و عن أنس أيضا رضي اللّه تعالي عنه:أنّ امرأة جاءت إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم فقالت له:إنّ لي إليك حاجة،فقال:«اجلسي في أيّ طرق المدينة شئت أجلس إليك».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا صلّي بالنّاس الغداة أقبل عليهم بوجهه فقال:«هل فيكم مريض أعوده؟»،فإن قالوا:لا..قال:«فهل فيكم جنازة أتبعها؟»،فإن قالوا:لا..قال:«من رأي منكم رؤيا يقصّها علينا».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يجلس علي الأرض،و يأكل علي الأرض،و يعتقل الشّاة،و يجيب دعوة المملوك علي خبز الشّعير.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يعود مرضي المساكين الّذين لا يؤبه لهم، و يخدمهم بنفسه صلّي اللّه عليه و سلّم،و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يجيب من دعاه؛من غنيّ أو فقير أو شريف،و لا يحتقر أحدا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يجيب إلي الوليمة،و يشهد الجنائز.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأتي ضعفاء المسلمين و يزورهم،و يعود مرضاهم،و يشهد جنائزهم.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه

ص: 235

و سلّم يعود المرضي،و يشهد الجنائز و يركب الحمار،و يجيب دعوة العبد.

و كان يوم نبي قريظة علي حمار مخطوم بحبل من ليف و عليه إكاف.

و(الخطام):الزّمام.

و(الإكاف):البرذعة (1).

و عن أنس أيضا رضي اللّه تعالي عنه:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يدعي إلي خبز الشّعير و الإهالة السّنخة،فيجيب،و لقد كان له درع عند يهوديّ فما وجد ما يفكّها حتّي مات.

و(الإهالة السّنخة)و في رواية:الزّنخة؛هي:الدّهن المتغيّر الرّيح من طول المكث.

و عن أنس أيضا رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«لو أهدي إليّ كراع..لقبلت،و لو دعيت عليه..

لأجبت».

و عنه أيضا[رضي اللّه تعالي عنه]قال:حجّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم علي رحل رثّ،و عليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم،فقال:

«اللّهمّ؛اجعله حجّا لا رياء فيه و لا سمعة».

و(القطيفة):كساء له خمل.

هذا..و قد فتحت عليه الأرض،و أهدي في حجّه ذلك مائة بدنة.س.

ص: 236


1- أي:ما يوضع علي الحمار ليركب عليه،كالسرج للفرس.

و لمّا فتحت عليه مكّة و دخلها بجيوش المسلمين..طأطأ علي رحله رأسه حتّي كاد يمسّ قادمته (1)؛تواضعا للّه تعالي.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يركب ما يمكنه،فمرّة فرسا،و مرّة بعيرا،و مرّة بغلة،و مرّة حمارا،و مرّة يمشي راجلا حافيا،بلا رداء و لا قلنسوة،ليعود المرضي في أقصي المدينة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يركب الحمار عريا،ليس عليه شيء.

و ركب صلّي اللّه عليه و سلّم الفرس مسرجة تارة،و عريانة أخري، و كان يجري بها في بعض الأحيان.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يخرج إلي العيد ماشيا،و يرجع ماشيا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يتوكّأ إذا مشي.

و عن جابر رضي اللّه تعالي عنه قال:جاءني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ليس براكب بغل و لا برذون (2).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يردف خلفه عبده أو غيره،و تارة يردف خلفه و قدّامه،و هو في الوسط.

و لمّا قدم صلّي اللّه عليه و سلّم مكّة استقبله أغيلمة بني عبد المطّلب، فحمل واحدا بين يديه،و اخر خلفه.

و عن قيس بن سعد بن عبادة رضي اللّه تعالي عنهما قال:زارناي.

ص: 237


1- أي:مقدمة رحله.
2- البرذون:الفرس الأعجمي.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فلمّا أراد الانصراف..قرّب له سعد حمارا وطّأ عليه بقطيفة،فركب صلّي اللّه عليه و سلّم،ثمّ قال سعد:يا قيس؛اصحب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،قال قيس:فقال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«اركب»،فأبيت،فقال:«إمّا أن تركب،و إمّا أن تنصرف»،فانصرفت.و في رواية أخري:«اركب أمامي؛فصاحب الدّابّة أولي بمقدّمها».

و في«المواهب»:(عن المحبّ الطّبريّ:أنّه صلّي اللّه عليه و سلّم ركب حمارا عريا إلي قباء (1)،و أبو هريرة معه،قال:«يا أبا هريرة؛ أ أحملك؟»،قال:ما شئت يا رسول اللّه،قال:«اركب»،فوثب أبو هريرة ليركب فلم يقدر،فاستمسك برسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، فوقعا[جميعا]،ثمّ ركب صلّي اللّه عليه و سلّم،ثمّ قال:«يا أبا هريرة؛أ أحملك؟»،قال:ما شئت يا رسول اللّه،فقال:«اركب»، فلم يقدر أبو هريرة علي ذلك،فتعلّق برسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، فوقعا جميعا،فقال:«يا أبا هريرة؛أ أحملك؟»،فقال:لا،و الّذي بعثك بالحقّ لا رميتك ثالثا.

و ذكر الطّبريّ أيضا:أنّه عليه الصّلاة و السّلام كان في سفر و أمر أصحابه بإصلاح شاة،فقال رجل:يا رسول اللّه؛عليّ ذبحها،و قال اخر:يا رسول اللّه؛عليّ سلخها،و قال اخر:يا رسول اللّه؛عليّّ.

ص: 238


1- يؤنث و يذكر،و يمدّ و يقصر،و يصرف و يمنع،و الأفصح:التذكير و الصرف مع المدّ.

طبخها،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«عليّ جمع الحطب»، فقالوا:يا رسول اللّه؛نكفيك العمل،فقال:«قد علمت أنّكم تكفوني،و لكن أكره أن أتميّز عليكم،فإنّ اللّه سبحانه و تعالي يكره من عبده أن يراه متميّزا بين أصحابه»).

و قال في«الشّفا»:(عن أبي قتادة رضي اللّه تعالي عنه[قال]:وفد وفد النّجاشيّ،فقام النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يخدمهم،فقال له أصحابه:نكفيك،قال:«إنّهم كانوا لأصحابنا مكرمين،و أنا أحبّ أن أكافئهم».

و لمّا جيء بأخته من الرّضاعة الشّيماء في سبايا هوازن،و تعرّفت له..بسط لها رداءه،و قال لها:«إن أحببت أقمت عندي مكرمة محبّة،أو متّعتك و رجعت إلي قومك»،فاختارت قومها،فمتّعها (1).

و قال أبو الطّفيل رضي اللّه تعالي عنه (2):رأيت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم و أنا غلام،إذ أقبلت امرأة حتّي دنت منه،فبسط لها رداءه، فجلست عليه،فقلت:من هذه؟قالوا:أمّه الّتي أرضعته.

و عن عمرو بن السّائب:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان جالسا يوما،فأقبل أبوه من الرّضاعة (3)،فوضع له بعض ثوبه،فقعده.

ص: 239


1- أي:أعطاها زادا و مالا.
2- عامر بن واثلة الكناني.
3- و هو:الحارث بن عبد العزي رضي اللّه عنه.

عليه.ثمّ أقبلت أمّه (1)،فوضع لها شقّ ثوبه من جانبه الآخر،فجلست عليه.ثمّ أقبل أخوه من الرّضاعة (2)،فقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فأجلسه بين يديه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يبعث إلي ثوبية-مولاة أبي لهب-مرضعته بصلة و كسوة،فلمّا ماتت..سأل:«من بقي من قرابتها؟»،فقيل:لا أحد).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يستفتح و يستنصر بصعاليك المسلمين (3).

و كان له صلّي اللّه عليه و سلّم عبيد و إماء،و كان لا يرتفع عليهم في مأكل و لا ملبس.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأكل مع خدمه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يجلس مع الفقراء.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يؤاكل الفقراء و المساكين،و يفلي ثيابهم (4).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يخيط ثوبه،و يخصف نعله (5)،و يعمل ما يعمل الرّجال في بيوتهم (6).ر.

ص: 240


1- أي:حليمة السعدية رضي اللّه عنها.
2- و هو:عبد اللّه بن الحارث بن عبد العزي رضي اللّه عنهما.
3- أي:بدعاء فقرائهم لقربه من الإجابة.
4- أي:يزيل ما فيها من القمل.
5- أي:يخرز طاقا علي طاق.
6- من الاشتغال بمهنة الأهل و النفس؛إرشادا للتواضع و ترك التكبّر.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها:أنّه قيل لها:ما ذا كان يعمل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في بيته؟قالت:كان بشرا من البشر، يفلي ثوبه،و يحلب شاته،و يخدم نفسه.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أوسع النّاس خلقا،و كان إذا دخل بيته يكون أكثر عمله فيه الخياطة،و كان يصنع كما يصنع احاد النّاس،يشيل هذا،و يحطّ هذا،و يقمّ البيت،و يقطّع اللّحم،و يعين الخادم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يركب الحمار،و يخصف النّعل،و يرقع القميص،و يلبس الصّوف،و يقول:«من رغب عن سنّتي..فليس منّي».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يعقل البعير،و يعلف ناضحه،و يأكل مع الخادم،و يعجن معها،و يحمل بضاعته من السّوق.

و(النّاضح):البعير يستقي عليه،ثمّ استعمل في كلّ بعير.

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه:دخلت السّوق مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فاشتري سراويل و أخذه،فذهبت لأحمله، فقال:«صاحب الشّيء أحقّ بشيئه أن يحمله».

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه قال:لم يكن شخص أحبّ إليهم من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،قال:و كانوا إذا رأوه..لم يقوموا؛ لما يعلمون من كراهته لذلك.

ص: 241

جلوس رسول اللّه صلي الله عليه و آله

و أمّا جلوس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

فعن خارجة بن زيد رضي اللّه[تعالي]عنه قال:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم أوقر النّاس في مجلسه؛لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه (1).

و كان مجلسه صلّي اللّه عليه و سلّم مجلس حلم و حياء،و أمانة و صيانة،و صبر و سكينة،لا ترفع فيه الأصوات،و لا تؤبن فيه الحرم، يتعاطفون فيه بالتّقوي،و يتواضعون،و يوقّر الكبار،و يرحم الصّغار، و يؤثرون المحتاج،و يحفظون الغريب،و يخرجون أدلّة علي الخير.

قوله:(لا تؤبن فيه الحرم)أي:لا تذكر فيه النّساء بقبيح،و يصان مجلسه عن الرّفث،و ما يقبح ذكره.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يجلس بين أصحابه كأنّه أحدهم،فيأتي الغريب فلا يدري أيّهم هو حتّي يسأل عنه.فطلب أصحابه منه أن يجلس مجلسا رفيعا ليعرفه الغريب فقال:«افعلوا ما بدا لكم»،فبنوا له دكّانا من طين،فكان يجلس عليها.

و(الدّكّان)-كالدّكّة-:المكان المرتفع يجلس عليه،و هو المسطبة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا جلس..جلس إليه أصحابه حلقا حلقا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يتنخّم نخامة إلاّ وقعت في كفّ رجل من

ص: 242


1- أي:أطراف بدنه؛كرجليه.

أصحابه،فيدلك بها وجهه و جلده.و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا توضّأ..كادوا يقتتلون علي وضوئه؛أي:الماء الّذي يتوضّأ به.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا تكلّموا عنده..يخفضون أصواتهم، و إذا نظروا إليه..لا يحدّون النّظر؛تعظيما له صلّي اللّه عليه و سلّم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يتخوّل (1)أصحابه بالموعظة.

و عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه تعالي عنه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا جلس في المسجد..احتبي بيديه.

قوله:(احتبي)الاحتباء:أن يجلس علي ألييه و يضمّ رجليه إلي بطنه بنحو عمامة يشدّها عليهما و علي ظهره.

و(اليدان)بدل عمّا يحتبي به؛من نحو عمامة.

و كان أكثر جلوسه:أن ينصب ساقيه جميعا،و يمسك بيديه عليهما شبه الحبوة.

و كان لا يعرف مجلسه صلّي اللّه عليه و سلّم من مجالس أصحابه؛لأنّه كان حيث انتهي به المجلس جلس.

و ما رئي صلّي اللّه عليه و سلّم قطّ مادّا رجليه يضيّق بهما علي أصحابه؛إلاّ أن يكون المكان واسعا.

و كان أكثر جلوسه صلّي اللّه عليه و سلّم إلي القبلة.

و عن قيلة بنت مخرمة رضي اللّه تعالي عنها:أنّها رأت رسول اللّهم.

ص: 243


1- أي:يتعهد أصحابه بالنصائح المفيدة؛حينا بعد حين؛مخافة السامة عليهم.

صلّي اللّه عليه و سلّم في المسجد،و هو قاعد القرفصاء،قالت:فلمّا رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم المتخشّع في الجلسة..أرعدت من الفرق.

قوله:(القرفصاء)هي:أن يجلس علي ألييه،و يلصق فخذيه ببطنه،و يضع يديه علي ساقيه،و هي:جلسة المحتبي.و قيل:أن يجلس علي ركبتيه منكبّا،و يلصق بطنه بفخذيه،و يتأبّط كفّيه.

و(الفرق):الخوف.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:أتي صلّي اللّه عليه و سلّم برجل فأرعد من هيبته صلّي اللّه عليه و سلّم،فقال له صلّي اللّه عليه و سلّم:«هوّن عليك،فلست بملك،إنّما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد»،فنطق الرّجل بحاجته،فقام صلّي اللّه عليه و سلّم فقال:«يا أيّها النّاس؛إنّي أوحي إليّ أن تواضعوا،ألا فتواضعوا حتّي لا يبغي أحد علي أحد،و لا يفخر أحد علي أحد،و كونوا عباد اللّه إخوانا».

و عن عبد اللّه بن زيد رضي اللّه تعالي عنهما:أنّه رأي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم مستلقيا في المسجد،واضعا إحدي رجليه علي الأخري.

و روي أبو داود بسند صحيح:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان إذا صلّي الفجر..تربّع في مجلسه حتّي تطلع الشّمس حسناء؛أي:

بيضاء نقيّة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يقوم من مجلس إلاّ قال:«سبحانك اللّهمّ و بحمدك،لا إله إلاّ أنت،أستغفرك و أتوب إليك»،و قال:

ص: 244

«لا يقولهنّ أحد حيث يقوم من مجلسه..إلاّ غفر له ما كان منه في ذلك المجلس».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا جلس مجلسا،فأراد أن يقوم..استغفر عشرا إلي خمس عشرة،و روي ابن السّنّيّ:عشرين مرّة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا انصرف..انحرف بجانبه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا قام..اتّكأ علي إحدي يديه.

اتّكاء رسول اللّه صلي الله عليه و آله

و أمّا اتّكاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

فعن جابر بن سمرة رضي اللّه تعالي عنه قال:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم متّكئا علي وسادة علي يساره.

و عن أبي بكره رضي اللّه تعالي عنه و أرضاه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«ألا أحدّثكم بأكبر الكبائر؟»،قالوا:بلي يا رسول اللّه،قال:«الإشراك باللّه،و عقوق الوالدين»،قال:و جلس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم-و كان متّكئا-قال:«و شهادة الزّور»؛ أو:«قول الزّور».قال:فما زال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقولها حتّي قلنا:ليته سكت.

ص: 245

الفصل السّادس: في صفة كرمه صلّي اللّه عليه و سلّم و شجاعته

كرم رسول الله صلي الله عليه و آله

عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه تعالي عنهما أنّه قال:ما سئل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم شيئا قطّ فقال:(لا).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يسأل شيئا إلاّ أعطاه،ثمّ يعود علي قوت عامه فيؤثر منه،حتّي لربّما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يكاد يسأل شيئا إلاّ فعله.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يكاد يقول لشيء:(لا)،فإذا هو سئل فأراد أن يفعل..قال:(نعم).و إن لم يرد أن يفعل..سكت.

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أجود النّاس بالخير،و كان أجود ما يكون في شهر رمضان حتّي ينسلخ فيأتيه جبريل فيعرض عليه القرآن،فإذا لقيه جبريل..كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أجود بالخير من الرّيح المرسلة.

و عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالي عنه:أنّ رجلا جاء إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم فسأله أن يعطيه،فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:

«ما عندي شيء،و لكن ابتع عليّ؛فإذا جاءني شيء..قضيته».فقال

ص: 246

عمر:يا رسول اللّه؛[قد أعطيته]،فما كلّفك اللّه ما لا تقدر عليه.فكره صلّي اللّه عليه و سلّم قول عمر.

فقال رجل من الأنصار:يا رسول اللّه؛أنفق و لا تخف من ذي العرش إقلالا.

فتبسّم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و عرف في وجهه البشر لقول الأنصاريّ،ثمّ قال:«بهذا أمرت».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا جاءه مال..لم يبيّته،و لم يقيّله؛ أي:إذا جاءه اخر النّهار..لم يمسكه إلي اللّيل،أو أوّل النّهار..لم يمسكه إلي وقت القيلولة،بل يعجّل قسمته.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أسخي النّاس،لا يبيت عنده دينار و لا درهم،و إن فضل شيء و لم يجد من يعطيه له،و فجأه اللّيل..لم يأو إلي منزله حتّي يبرأ منه إلي من يحتاج إليه.

و أتاه صلّي اللّه عليه و سلّم رجل فسأله،فأعطاه غنما سدّت ما بين جبلين،فرجع إلي قومه و قال:أسلموا،فإنّ محمّدا يعطي عطاء من لا يخشي الفقر.

و أعطي[صلّي اللّه عليه و سلّم]غير واحد مائة من الإبل.

و أعطي[صلّي اللّه عليه و سلّم]صفوان مائة ثمّ مائة ثمّ مائة.

و هذه كانت حاله صلّي اللّه عليه و سلّم قبل أن يبعث،و قد قال له ورقة بن نوفل:إنّك تحمل الكلّ و تكسب المعدوم،و قالت له خديجة

ص: 247

رضي اللّه تعالي عنها:أبشر؛فو اللّه لا يخزيك اللّه أبدا،إنّك لتصل الرّحم،و تحمل الكلّ،و تكسب المعدوم،و تقري الضّيف،و تعين علي نوائب الحقّ.

و(الكلّ)هنا:الثّقل من كلّ ما يتكلّف؛كما في«لسان العرب».

و أعطي[صلّي اللّه عليه و سلّم]العبّاس رضي اللّه تعالي عنه ما لم يطق حمله.

و حمل إليه[صلّي اللّه عليه و سلّم]تسعون ألف درهم،فوضعت علي حصير،ثمّ قام إليها يقسمها،فما ردّ سائلا حتّي فرغ منها.

و لمّا قفل[صلّي اللّه عليه و سلّم]من حنين و جاءت الأعراب يسألونه حتّي اضطرّوه إلي شجرة فخطفت رداءه،فوقف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و قال:«أعطوني ردائي؛لو كان لي عدد هذه العضاه نعما..

لقسمته بينكم،ثمّ لا تجدوني بخيلا،و لا كذّابا،و لا جبانا».

و(العضاه):شجر له شوك،واحدها:عضاهة.

و ردّ[صلّي اللّه عليه و سلّم]علي هوازن سباياها،و كانوا ستّة آلاف.

و في«المواهب»:(ذكر ابن فارس في كتابه في«أسماء النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم» (1):أنّه في يوم حنين جاءته امرأة؛فأنشدت شعرا تذكّره أيّام رضاعته في هوازن،فردّ عليهم ما أخذ و أعطاهم عطاء كثيرا حتّي قوّم ما أعطاهم ذلك اليوم،فكان خمس مائة ألف ألف.م.

ص: 248


1- أي:كتابه المؤلّف في ذكر أسماء النبي صلّي اللّه عليه و سلّم.

قال ابن دحية:و هذا نهاية الجود الّذي لم يسمع بمثله في الوجود).

و عن عائشة رضي اللّه[تعالي]عنها:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كان يقبل الهديّة و يثيب عليها.

و أتته صلّي اللّه عليه و سلّم امرأة ببردة،فقالت:يا رسول اللّه؛ أكسوك هذه؟فأخذها صلّي اللّه عليه و سلّم محتاجا إليها،فلبسها،فراها عليه رجل من الصّحابة فقال:يا رسول اللّه؛ما أحسن هذه!فاكسنيها، فقال:«نعم»،فلمّا قام عليه الصّلاة و السّلام..لامه أصحابه، و قالوا:ما أحسنت حين رأيت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم أخذها محتاجا إليها،ثمّ سألته إيّاها،و قد عرفت أنّه لا يسأل شيئا فيمنعه.رواه البخاريّ.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم رحيما،و كان لا يأتيه أحد إلاّ وعده و أنجز له؛إن كان عنده.

شجاعة رسول اللّه صلي الله عليه و آله

و أمّا شجاعة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

فقد كان صلّي اللّه عليه و سلّم أنجد النّاس و أشجعهم.

قال عليّ رضي اللّه تعالي عنه:لقد رأيتني يوم بدر و نحن نلوذ بالنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم،و هو[أقرب]إلي العدوّ.و كان من أشدّ النّاس يومئذ بأسا.

و قال أيضا[رضي اللّه تعالي عنه]:كنّا إذا حمي (1)البأس و لقي القوم

ص: 249


1- في نسخة:احمرّ.

القوم..اتّقينا برسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فما يكون أحد أقرب إلي العدوّ منه.

و قيل:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قليل الكلام،قليل الحديث،فإذا أمر النّاس بالقتال..تشمّر.

و كان[صلّي اللّه عليه و سلّم]من أشدّ النّاس بأسا،و كان الشّجاع هو الّذي يقرب منه في الحرب؛لقربه من العدوّ.

و قال عمران بن حصين رضي اللّه تعالي عنهما:ما لقي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كتيبة إلاّ كان أوّل من يضرب.

و قالوا:و كان قويّ البطش.و لمّا غشيه المشركون..نزل عن بغلته،فجعل يقول:«أنا النّبيّ لا كذب،أنا ابن عبد المطّلب»،فما رئي يومئذ أحد أشدّ منه.

و سأل رجل البراء رضي اللّه تعالي عنه:أ فررتم يوم حنين عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؟!قال:نعم،لكنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لم يفرّ،كان هوازن رماة،و إنّا لمّا حملنا عليهم انكشفوا؛ فأكببنا علي الغنائم،فاستقبلتنا بالسّهام.

ثمّ قال:و لقد رأيته علي بغلته البيضاء-و أبو سفيان بن الحارث اخذ بلجامها-و هو يقول:«أنا النّبيّ لا كذب،أنا ابن عبد المطّلب»،فما رئي يومئذ أحد كان أشدّ منه.

و عن العبّاس رضي اللّه تعالي عنه قال:لمّا التقي المسلمون و الكفّار..ولي المسلمون مدبرين،فطفق رسول اللّه صلّي اللّه عليه

ص: 250

و سلّم يركض بغلته نحو الكفّار،و أنا اخذ بلجامها أكفّها إرادة أن لا تسرع،و أبو سفيان اخذ بركابه.

و قد كان أبيّ بن خلف يقول للنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم حين افتدي يوم بدر:عندي فرس أعلفها كلّ يوم فرقا من ذرة أقتلك عليها،فقال له النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«أنا أقتلك إن شاء اللّه تعالي».فلمّا راه يوم أحد شدّ أبيّ علي فرسه علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فاعترضه رجال من المسلمين،فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم هكذا؛أي:خلّوا طريقه،و تناول الحربة من الحارث بن الصّمّة[رضي اللّه تعالي عنه]؛ فانتفض بها انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشّعراء عن ظهر البعير إذا انتفض.

ثمّ استقبله النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا-و قيل:بل كسر ضلعا من أضلاعه-فرجع إلي قريش يقول:

قتلني محمّد.و هم يقولون:لا بأس بك.

فقال:لو كان ما بي بجميع النّاس لقتلهم،أ ليس قد قال:«أنا أقتلك»؟!و اللّه لو بصق عليّ..لقتلني.فمات بسرف في قفولهم إلي مكّة.

و(الفرق):مكيال يسع[ستّة عشر]رطلا؛كلّ رطل مائة و ثلاثون درهما (1).

و(الشّعراء):ذباب أحمر-و قيل:أزرق-يقع علي الإبل فيؤذيها أذي شديدا.ا.

ص: 251


1- أي أن الفرق يعادل(6500)غراما.أما الدرهم فيعادل(125،3)غراما.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه قال:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم أحسن النّاس،و أجود النّاس،و أشجع النّاس.و لقد فزع أهل المدينة ذات ليلة،فانطلق النّاس قبل الصّوت،فاستقبلهم النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قد سبق النّاس إلي الصّوت،و هو يقول:«لن تراعوا..لن تراعوا»،و هو علي فرس لأبي طلحة عري،ما عليه سرج،و السّيف في عنقه،فقال:«لقد وجدته بحرا».

و هذا الفرس اسمه:(المندوب).

و في رواية للبخاريّ:إنّ أهل المدينة فزعوا مرّة،فركب النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم فرسا لأبي طلحة كان يقطف،فلمّا رجع..قال:

«وجدنا فرسكم هذا بحرا»،فكان بعد لا يجاري.

قوله(بحرا)البحر:الفرس الجواد الواسع الجري.

و(يقطف):يقال قطف الفرس في مشيه:إذا تضايق خطوه.

و(القطوف من الدّوابّ و غيرها):البطيء.

ص: 252

الباب السّادس: في صفة عبادة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و صلاته،و صومه،و قراءته

اشارة

و فيه ثلاثة فصول

ص: 253

ص: 254

الفصل الأوّل: في صفة عبادته صلّي اللّه عليه و سلّم و صلاته

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«أنا أتقاكم للّه تعالي،و أشدّكم له خشية».

و في«صحيح البخاريّ»:«إنّي لأعلمكم باللّه،و أشدّكم له خشية».

و فيه:عن أبي هريرة رضي اللّه[تعالي]عنه:«لو تعلمون ما أعلم..

لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا».

و في«صحيح مسلم»:عن أنس رضي اللّه[تعالي]عنه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«و الّذي نفس محمّد بيده،لو رأيتم ما رأيت..لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا».قالوا:و ما رأيت يا رسول اللّه؟قال:«رأيت الجنّة و النّار».

و عن المغيرة بن شعبة و أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنهما قالا:صلّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم حتّي انتفخت قدماه،فقيل له:أ تتكلّف هذا و قد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر؟!قال:«أ فلا أكون عبدا شكورا؟!».

ص: 255

قال الباجوريّ:(و استشكل هذا قديما و حديثا..بأنّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا ذنب عليه؛لكونه معصوما.

و أحسن ما قيل فيه:أنّه من باب(حسنات الأبرار..سيّئات المقرّبين)،إذ الإنسان لا يخلو عن تقصير،من حيث ضعف العبوديّة مع عظمة الرّبوبيّة،و إن كان صلّي اللّه عليه و سلّم في أعلي المقامات و أرفع الدّرجات في عباداته و طاعاته.

و قد قال صلّي اللّه عليه و سلّم:«سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك، لا أحصي ثناء عليك،أنت كما أثنيت علي نفسك».

و لذلك قيل:المغفرة قسمان:

مغفرة للعوامّ،و هي:مسامحتهم من الذّنوب.

و مغفرة للخواصّ،و هي:مسامحتهم من التّقصير)ا ه

و عن الأسود بن يزيد[رحمه اللّه تعالي]قال:سألت عائشة رضي اللّه تعالي عنها عن صلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم باللّيل فقالت:كان ينام أوّل اللّيل،ثمّ يقوم،فإذا كان من السّحر..أوتر،ثمّ أتي فراشه، فإذا كان له حاجة..أ لمّ بأهله،فإذا سمع الأذان..وثب،فإن كان جنبا..أفاض عليه من الماء،و إلاّ..توضّأ و خرج إلي الصّلاة.

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما:أنّه بات عند ميمونة أمّ المؤمنين و هي خالته رضي اللّه تعالي عنها قال:فاضطجعت في عرض الوسادة،و اضطجع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في طولها،فنام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،حتّي إذا انتصف اللّيل،أو قبله بقليل،

ص: 256

أو بعده بقليل..فاستيقظ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فجعل يمسح النّوم عن وجهه،ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة(آل عمران)؛ أي:الّتي أوّلها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إلي اخر السّورة ثمّ قام إلي شنّ معلّق فتوضّأ منها،فأحسن الوضوء،ثمّ قام يصلّي.

قال عبد اللّه بن عبّاس:فقمت إلي جنبه،فوضع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يده اليمني علي رأسي،ثمّ أخذ بأذني اليمني ففتلها-و في رواية:فأخذ بأذني؛فأدارني عن يمينه-فصلّي ركعتين،ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين،ثمّ ركعتين،ثمّ ركعتين،ثمّ ركعتين(ستّ مرّات)،ثمّ أوتر،ثمّ اضطجع حتّي جاءه المؤذّن،فقام فصلّي ركعتين خفيفتين،ثمّ خرج فصلّي الصّبح.

و في«الصحيح»:عن أنس[رضي اللّه تعالي عنه]:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يتوضّأ عند كلّ صلاة.

و عن ابن عبّاس أيضا (1)[رضي اللّه تعالي عنه]؛قال:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يصلّي من اللّيل ثلاث عشرة ركعة.

و عن عائشة رضي اللّه عنها:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كان إذا لم يصلّ باللّيل؛منعه من ذلك النّوم،أو غلبته عيناه..صلّي من النّهار ثنتي عشرة ركعة.ا.

ص: 257


1- غير مناسب الإتيان به هنا بعد حديث أنس،إذ يوهم أن حديث أنس من حديث ابن عباس،و محل الحديث-و اللّه أعلم-بعد حديث بيتوتته صلّي اللّه عليه و سلّم عند ميمونة رضي اللّه تعالي عنها.

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه،عن النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«إذا قام أحدكم من اللّيل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين».

و عن زيد بن خالد الجهنيّ رضي اللّه تعالي عنه أنّه قال:لأرمقنّ صلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فتوسّدت عتبته،أو فسطاطه،فصلّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ركعتين خفيفتين،ثمّ صلّي ركعتين طويلتين..طويلتين..طويلتين.

ذكر لفظ«طويلتين»ثلاث مرّات؛للتّأكيد مبالغة في طولهما.

ثمّ صلّي ركعتين و هما دون اللّتين قبلهما،ثمّ صلّي ركعتين؛و هما دون اللّتين قبلهما،ثمّ صلّي ركعتين؛و هما دون اللّتين قبلهما،ثمّ صلّي ركعتين؛و هما دون اللتين قبلهما،ثمّ أوتر،فذلك ثلاث عشرة ركعة.

و عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن-رحمه اللّه تعالي-أنّه سأل عائشة رضي اللّه تعالي عنها:كيف كانت صلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في رمضان؟

فقالت:ما كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ليزيد في رمضان، و لا في غيره علي إحدي عشرة ركعة؛يصلّي أربعا لا تسأل عن حسنهنّ و طولهنّ،ثمّ يصلّي أربعا لا تسأل عن حسنهنّ و طولهنّ،ثمّ يصلّي ثلاثا.

قالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:قلت:يا رسول اللّه؛أ تنام قبل أن توتر؟فقال:«يا عائشة؛إنّ عينيّ تنامان،و لا ينام قلبي».

ص: 258

و عن عائشة أيضا رضي اللّه تعالي عنها:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يصلّي من اللّيل إحدي عشرة ركعة يوتر منها بواحدة،فإذا فرغ منها..اضطجع علي شقّه الأيمن.

و عن عائشة أيضا[رضي اللّه تعالي عنها]قالت:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يصلّي من اللّيل تسع ركعات.أي:في بعض الأوقات.

و عن حذيفة بن اليمان رضي اللّه تعالي عنهما:أنّه صلّي مع النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم من اللّيل،قال:فلمّا دخل في الصّلاة..قال:

«اللّه أكبر ذو الملكوت و الجبروت و الكبرياء و العظمة».

قال:ثمّ قرأ(البقرة)،ثمّ ركع؛فكان ركوعه نحوا من قيامه، و كان يقول:«سبحان ربّي العظيم،سبحان ربّي العظيم»،ثمّ رفع رأسه؛فكان قيامه نحوا من ركوعه،و كان يقول:«لربّي الحمد،لربّي الحمد»،ثمّ سجد؛فكان سجوده نحوا من قيامه،و كان يقول:

«سبحان ربّي الأعلي،سبحان ربّي الأعلي»،ثمّ رفع رأسه فكان ما بين السّجدتين نحوا من السّجود،و كان يقول:«ربّ اغفر لي،ربّ اغفر لي»حتّي قرأ(البقرة)، (آل عمران)،و(النّساء)،و(المائدة)، أو(الأنعام)؛أي:أنّه صلّي أربع ركعات قرأ في الأولي:(البقرة)، و في الثّانية:(آل عمران)،و في الثّالثة:(النّساء)،و في الرّابعة:

(المائدة)أو(الأنعام).و الشّكّ فيهما من شعبة راوي هذا الحديث.

ص: 259

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:قام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم باية من القرآن ليلة.

و عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه تعالي عنه قال:صلّيت ليلة مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فلم يزل قائما حتّي هممت بأمر سوء.قيل له:و ما هممت به؟قال:هممت أن أقعد و أدع النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كان يصلّي جالسا فيقرأ و هو جالس،فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين- أو أربعين-آية..قام فقرأ و هو قائم،ثمّ ركع و سجد،ثمّ صنع في الرّكعة الثّانية مثل ذلك.

و عن عبد اللّه بن شقيق[رحمه اللّه تعالي]قال:سألت عائشة رضي اللّه تعالي عنها عن صلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في تطوّعه؟فقالت:

كان يصلّي ليلا طويلا قائما،و ليلا طويلا قاعدا،فإذا قرأ و هو قائم..ركع و سجد و هو قائم،و إذا قرأ و هو جالس..ركع و سجد و هو جالس.

و عن حفصة[رضي اللّه تعالي عنها]زوج النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قالت:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يصلّي في سبحته-أي:نافلته قاعدا،و يقرأ بالسّورة و يرتّلها حتّي تكون أطول من أطول منها (1).

و عن أمّ سلمة رضي اللّه تعالي عنها أنّها قالت:و الّذي نفسي بيده،ة.

ص: 260


1- أي حتي يصير وقت قراءة السورة القصيرة-كالأنفال مثلا-لاشتمالها علي الترتيل و الوقوف عند معاني الآيات أطول من الوقت الذي تقرأ فيه السورة الطويلة كالأعراف-في الأحوال العادية.

ما مات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم حتّي كان أكثر صلاته قاعدا،إلاّ المكتوبة.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا يدع قيام اللّيل،و كان إذا مرض أو كسل..صلّي قاعدا.

و عن ابن عمر رضي اللّه تعالي عنهما قال:صلّيت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ركعتين قبل الظّهر،و ركعتين بعده،و ركعتين بعد المغرب في بيته،و ركعتين بعد العشاء في بيته.

و عن حفصة رضي اللّه تعالي عنها:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يصلّي ركعتين خفيفتين حين يطلع الفجر.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا يدع ركعتي الفجر في السّفر و لا في الحضر،و لا في الصّحّة و لا في السّقم.

و عن ابن عمر رضي اللّه تعالي عنهما قال:حفظت من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ثماني ركعات:ركعتين قبل الظّهر،و ركعتين بعده،و ركعتين بعد المغرب،و ركعتين بعد العشاء.

قال ابن عمر:و حدّثتني حفصة بركعتي الغداة،و لم أكن أراهما من النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم.

و عن معاذة[رحمها اللّه تعالي]قالت:قلت لعائشة رضي اللّه تعالي عنها:أ كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يصلّي الضّحي؟قالت:نعم..

أربع ركعات،و يزيد ما شاء اللّه عزّ و جلّ.

ص: 261

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كان يصلّي الضّحي ستّ ركعات.

و عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه تعالي عنه قال:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يصلّي الضّحي حتّي نقول لا يدعها،و يدعها حتّي نقول لا يصلّيها.

و عن أبي أيّوب الأنصاريّ رضي اللّه تعالي عنه:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كان يدمن أربع ركعات عند زوال الشّمس،فقلت:يا رسول اللّه؛إنّك تدمن هذه الأربع ركعات عند زوال الشّمس؟فقال:

«إنّ أبواب السّماء تفتح عند زوال الشّمس،فلا ترتج حتّي يصلّي الظّهر، فأحبّ أن يصعد لي في تلك السّاعة خير»؛قلت:أ في كلّهنّ قراءة؟ قال:«نعم»،قلت:هل فيهنّ تسليم فاصل؟قال:«لا».

و معني(لا ترتج):لا تغلق.

و عن أمّ هانئ رضي اللّه تعالي عنها:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم دخل بيتها يوم فتح مكّة فاغتسل،فسبّح-أي:صلّي ثمان ركعات ما رأيته صلّي اللّه عليه و سلّم صلّي صلاة قطّ أخفّ منها،غير أنّه كان يتمّ الرّكوع و السّجود.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أخفّ النّاس صلاة في تمام.

و عن أبي واقد اللّيثيّ رضي اللّه تعالي عنه:كان رسول اللّه صلّي اللّه

ص: 262

عليه و سلّم أخفّ النّاس صلاة علي النّاس،و أطول النّاس صلاة لنفسه.

و عن عبد اللّه بن سعد رضي اللّه تعالي عنه قال:سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم عن الصّلاة في بيتي،و الصّلاة في المسجد؟قال:

«قد تري ما أقرب بيتي من المسجد،فلأن أصلّي في بيتي أحبّ إليّ من أن أصلّي في المسجد؛إلاّ أن تكون صلاة مكتوبة»؛أي:لتحصل البركة للبيت و أهله،و تنزل الملائكة،و ليذهب عنه الشّيطان.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اشتدّ البرد..بكّر بالصّلاة،و إذا اشتدّ الحرّ..أبرد بالصّلاة.

و عن ابن مسعود رضي اللّه تعالي عنه:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا يكون في المصلّين إلاّ كان أكثرهم صلاة،و لا يكون في الذّاكرين إلاّ كان أكثرهم ذكرا.

و عن حذيفة رضي اللّه تعالي عنه:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا حزبه-و في رواية:حزنه-أمر..صلّي؛أي:إذا نزل به همّ، و أصابه غمّ.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا نزل منزلا..لم يرتحل منه حتّي يصلّي فيه ركعتين.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ أن يليه المهاجرون و الأنصار في الصّلاة؛ليحافظوا عنه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يفارق مصلاّه سواكه و مشطه.

ص: 263

و روي الإمام أحمد،و مسلم،و أبو داود،و التّرمذيّ، و النّسائيّ،و ابن ماجه:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان إذا انصرف من صلاته..استغفر(ثلاثا)،ثمّ قال:«اللّهمّ؛أنت السّلام،و منك السّلام،تباركت يا ذا الجلال و الإكرام».

ص: 264

الفصل الثّاني: في صفة صومه صلّي اللّه عليه و سلّم

عن عبد اللّه بن شقيق[رحمه اللّه تعالي]قال:سألت عائشة رضي اللّه تعالي عنها عن صيام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؟قالت:كان يصوم حتّي نقول قد صام-أي:داوم الصّوم-فلا يفطر،و يفطر حتّي نقول قد أفطر-أي:داوم الإفطار-فلا يصوم.

قالت:و ما صام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم شهرا كاملا منذ قدم المدينة..إلاّ رمضان.

و سئل أنس رضي اللّه تعالي عنه عن صوم النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم فقال:كان يصوم من الشّهر حتّي نري ألا يريد أن يفطر منه،و يفطر حتّي نري ألا يريد أن يصوم منه شيئا،و كنت لا تشاء أن تراه من اللّيل مصلّيا إلاّ رأيته مصلّيا،و لا نائما إلاّ رأيته نائما.

و عن أمّ سلمة رضي اللّه تعالي عنها قالت:ما رأيت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يصوم شهرين متتابعين إلاّ شعبان و رمضان.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:لم أر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يصوم في شهر أكثر من صيامه في شعبان،كان يصوم شعبان إلاّ قليلا،بل كان يصومه كلّه.

ص: 265

و عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه تعالي عنه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يصوم من غرّة كلّ شهر ثلاثة أيّام،و قلّما كان يفطر يوم الجمعة (1).

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يتحرّي صوم الاثنين و الخميس.

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«تعرض الأعمال يوم الاثنين و الخميس،فأحبّ أن يعرض عملي و أنا صائم».

و عن أبي هريرة[رضي اللّه تعالي عنه]أيضا قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أكثر ما يصوم الاثنين و الخميس،فقيل له..فقال:

«الأعمال تعرض كلّ اثنين و خميس؛فيغفر لكلّ مسلم..إلاّ المتهاجرين (2)،فيقول:أخّروهما[حتّي يصطلحا]».

و عن أمّ سلمة رضي اللّه تعالي عنها:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أكثر صومه السّبت و الأحد (3)،و يقول:«هما يوما عيد المشركين فأحبّ أن أخالفهم».

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:كان النّبيّ صلّي اللّه عليهه.

ص: 266


1- لكنه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يضمه إلي الخميس أو السبت؛فلا يخالف هذا حديث النهي عن إفراده بالصوم.
2- أي:المسلمين المتقاطعين.
3- أي:معا؛لأنّ إفرادهما كيوم الجمعة مكروه.

و سلّم يصوم من الشّهر السّبت و الأحد و الاثنين،و من الشّهر الآخر الثّلاثاء و الأربعاء و الخميس.

و عن معاذة[رحمها اللّه تعالي]قالت:قلت لعائشة:أ كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يصوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر؟قالت:نعم،قلت:

من أيّها كان يصوم؛أي:من أيّ أيّامه؟قالت:كان لا يبالي من أيّها صام؛أي:من أوّله،و من وسطه،و من آخره.

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا يدع صوم أيّام البيض في سفر و لا حضر.

و(أيّام البيض):اليوم الثّالث عشر من الشّهر،و الرّابع عشر، و الخامس عشر.و سمّيت بيضا؛لأنّ القمر يطلع فيها من أوّلها إلي اخرها.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:كان عاشوراء (1)يوما تصومه قريش في الجاهليّة،و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يصومه،فلمّا قدم المدينة..صامه و أمر بصيامه،فلمّا افترض رمضان..كان رمضان هو الفريضة،و ترك عاشوراء،فمن شاء..صامه،و من شاء..تركه.

و عن عليّ رضي اللّه[تعالي]عنه:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يصوم يوم عاشوراء،و يأمر به.

و عن حفصة رضي اللّه تعالي عنها:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليهم.

ص: 267


1- هو اليوم العاشر من المحرّم.

و سلّم يصوم تسع ذي الحجّة و يوم عاشوراء،و ثلاثة أيّام من كلّ شهر:

أوّل اثنين من الشّهر،و الخميس،و الاثنين من الجمعة الأخري.

و عن جابر رضي اللّه تعالي عنه:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يعجبه أن يفطر علي الرّطب ما دام الرّطب،و علي التّمر إذا لم يكن رطب،و يختم بهنّ،و يجعلهنّ وترا؛ثلاثا،أو خمسا،أو سبعا.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ أن يفطر علي ثلاث تمرات،أو شيء لم تصبه النّار.

و عن أنس[رضي اللّه تعالي عنه]أيضا:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يفطر علي رطبات قبل أن يصلّي،فإن لم يكن رطبات..فتمرات، فإن لم يكن تمرات..حسا حسوات من ماء.

و عن أنس[رضي اللّه تعالي عنه]أيضا قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أفطر عند قوم..قال:«أفطر عندكم الصّائمون،و أكل طعامكم الأبرار،و تنزّلت عليكم الملائكة».

و عن ابن الزّبير رضي اللّه تعالي عنه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أفطر عند قوم..قال:«أفطر عندكم الصّائمون،و صلّت عليكم الملائكة».

و عن ابن عمر رضي اللّه تعالي عنهما:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أفطر..قال:«ذهب الظّمأ،و ابتلّت العروق،و ثبت الأجر إن شاء اللّه تعالي».

ص: 268

و عن معاذ بن زهرة[رحمه اللّه تعالي]:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أفطر..قال:«اللّهمّ؛لك صمت،و علي رزقك أفطرت».

و عن معاذ رضي اللّه تعالي عنه (1)قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أفطر..قال:«الحمد للّه الّذي أعانني فصمت،و رزقني فأفطرت».

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أفطر..قال:«اللّهمّ؛لك صمت،و علي رزقك أفطرت،فتقبّل منّي إنّك أنت السّميع العليم».

و عن علقمة[رحمه اللّه تعالي]قال:سألت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:أ كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يخصّ من الأيّام شيئا؟

قالت:كان عمله ديمة (2)،و أيّكم يطيق ما كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يطيق؟

و عن عائشة أيضا رضي اللّه تعالي عنها قالت:دخل عليّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و عندي امرأة،فقال:«من هذه؟»،قلت:

فلانة؛لا تنام اللّيل.فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«عليكم من الأعمال ما تطيقون؛فو اللّه لا يملّ[اللّه]حتّي تملّوا»،و كان أحبّ ذلك إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم الّذي يدوم عليه صاحبه.ا.

ص: 269


1- و هو معاذ بن زهرة التابعي المعروف،و كان ينبغي هنا الترحم لا الترضي،كما هي عادة المؤلف-رحمه اللّه تعالي-في الترضي علي الصحابة و الترحم علي من بعدهم.
2- أي:دائما.

و عن أبي صالح[رحمه اللّه تعالي] (1)قال:سألت عائشة و أمّ سلمة رضي اللّه[تعالي]عنهما:أيّ العمل كان أحبّ إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؟قالتا:ما ديم عليه،و إن قلّ.

و روي البخاريّ:عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها:أنّه كان أحبّ الدّين إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ما داوم عليه صاحبه.ت.

ص: 270


1- و اسمه:ذكوان السمان و الزيات.

الفصل الثّالث: في صفة قراءته صلّي اللّه عليه و سلّم

عن عوف بن مالك رضي اللّه تعالي عنه قال:كنت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ليلة،فاستاك،ثمّ توضّأ،ثمّ قام يصلّي،فقمت معه،فبدأ فاستفتح(البقرة)،فلا يمرّ باية رحمة..إلاّ وقف فسأل، و لا يمرّ باية عذاب..إلاّ وقف فتعوّذ،ثمّ ركع فمكث راكعا بقدر قيامه، و يقول في ركوعه:«سبحان ذي الجبروت و الملكوت،و الكبرياء و العظمة»،ثمّ سجد بقدر ركوعه،و يقول في سجوده:«سبحان ذي الجبروت و الملكوت،و الكبرياء و العظمة»،ثمّ قرأ(آل عمران)،ثمّ سورة سورة.يفعل مثل ذلك في كلّ ركعة.

و عن حذيفة رضي اللّه تعالي عنه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا مرّ باية خوف..تعوّذ،و إذا مرّ باية رحمة..سأل،و إذا مرّ باية فيها تنزيه اللّه..سبّح.

و عن أبي ليلي رضي اللّه تعالي عنه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا مرّ باية فيها ذكر النّار..قال:«ويل لأهل النّار،أعوذ باللّه من النّار».

ص: 271

و عن يعلي بن مملك[رحمه اللّه تعالي]:أنّه سأل أمّ سلمة رضي اللّه تعالي عنها:عن قراءة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فإذا هي تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا.

و عن قتادة[رحمه اللّه تعالي]قال:قلت لأنس بن مالك رضي اللّه تعالي عنه:كيف كانت قراءة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؟قال:

مدّا.

و عن أمّ سلمة رضي اللّه تعالي عنها قالت:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يقطّع قراءته؛يقول:« اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ »،ثمّ يقف،ثمّ يقول:« اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ »،ثمّ يقف،و كان يقرأ:

« مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » (1).

و عن عبد اللّه بن قيس[رحمه اللّه تعالي]قال:سألت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:عن قراءة النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:أ كان يسرّ بالقراءة أم يجهر؟قالت:كلّ ذلك قد كان يفعل؛قد كان ربّما أسرّ،و ربّما جهر.

فقلت:الحمد للّه الّذي جعل في الأمر سعة.

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا قرأ من اللّيل..رفع طورا،و خفض طورا.

و عن أمّ هانئ رضي اللّه تعالي عنها قالت:كنت أسمع قراءة النّبيّا.

ص: 272


1- أي بالألف؛أحيانا،و هي قراءة متواترة مشهورة،كما أنّ قراءة(ملك)بدون ألف متواترة أيضا.

صلّي اللّه عليه و سلّم باللّيل،و أنا علي عريشي.

و عن معاوية بن قرّة[رحمه اللّه تعالي]قال:سمعت عبد اللّه بن مغفّل رضي اللّه تعالي عنه يقول:رأيت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم علي ناقته يوم الفتح و هو يقرأ: إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ [الفتح:1-2].

قال:فقرأ و رجّع (1).

قال:و قال معاوية بن قرّة:لو لا أن يجتمع النّاس عليّ..لأخذت لكم في ذلك الصّوت،أو قال:اللّحن.

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما قال:كان قراءة النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم ربّما سمعها من في الحجرة،و هو في البيت؛أيّ:كان إذا قرأ في بيته..ربّما يسمع قراءته من في حجرة البيت من أهله،و لا يتجاوز صوته إلي ما وراء الحجرات.

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا قرأ: أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلي أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتي ..قال:«بلي»، و إذا قرأ: أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ ..قال:«بلي».

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا قرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي ..قال:«سبحان ربّي الأعلي».

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليهة.

ص: 273


1- أي:ردّد صوته بالقراءة.

و سلّم إذا تلا: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ ..قال:«امين»؛ حتّي يسمع من يليه من الصّفّ الأوّل.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لا يقرأ القرآن في أقلّ من ثلاث (1).

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا ختم..جمع أهله و دعا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا ختم..يقرأ من أوّل القرآن خمس آيات.ه.

ص: 274


1- أي:لا يقرؤه كاملا في أقل من ثلاثة أيام؛لأنها أقل مدة يمكن فيها تدبره و ترتيله، هذا كله في تفهم معانيه. أما الثواب علي قراءته:فحاصل لمن قرأه سواء فهمه أم لا،للتعبّد بلفظه بخلاف غيره من الأذكار..فلا ثواب فيه إلا إن فهمه و لو بوجه.

الباب السّابع: في أخبار شتّي من أحوال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم

اشارة

و بعض أذكار و أدعية كان يقولها في أوقات مخصوصة و ثلاث مائة و ثلاثة عشر حديثا من جوامع كلمه صلّي اللّه عليه و سلّم و فيه ثلاثة فصول

ص: 275

ص: 276

الفصل الأوّل: في أخبار شتي من أحواله صلّي اللّه عليه و سلّم

اشارة

في«الشّفا»للقاضي عياض رحمه اللّه تعالي:(ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم مختونا،مقطوع السّرّة.

و قد روي عن أمّه آمنة أنّها قالت:ولدته نظيفا ما به قذر.

و في حديث عكرمة،عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما:أنّه صلّي اللّه عليه و سلّم نام حتّي سمع له غطيط (1)،فقام فصلّي،و لم يتوضّأ.قال عكرمة:لأنّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان محفوظا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أراد أن يتغوّط..انشقّت الأرض فابتلعت غائطه و بوله،و فاحت لذلك رائحة طيّبة.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها أنّها قالت للنّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:إنّك تأتي الخلاء فلا نري منك شيئا من الأذي؟!فقال لها:«يا عائشة؛أو ما علمت أنّ الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء،فلا يري منه شيء».

و قال قوم من أهل العلم بطهارة هذين الحدثين منه صلّي اللّه عليه

ص: 277


1- و هو صوت يخرج مع نفس النائم.

و سلّم،و شاهد هذا أنّه صلّي اللّه عليه و سلّم لم يكن منه شيء يكره،و لا غير طيّب.

و من هذا حديث عليّ رضي اللّه[تعالي]عنه:غسّلت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم فذهبت أنظر ما يكون من الميت،فلم أجد شيئا،فقلت:

طبت حيّا و ميتا.و سطعت منه ريح طيّبة لم يجدوا مثلها قطّ.

و مثله قال أبو بكر حين قبّل النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم بعد موته.

و منه شرب مالك بن سنان دمه يوم أحد،و مصّه إيّاه،و تسويغه صلّي اللّه عليه و سلّم ذلك له،و قوله:«لن تصيبه النّار».

و مثله شرب عبد اللّه بن الزّبير دم حجامته،و قال له عليه الصّلاة و السّلام:«ويل لك من النّاس،و ويل لهم منك»،و لم ينكره.

و قد روي نحو من هذا عنه صلّي اللّه عليه و سلّم في امرأة شربت بوله،فقال لها:«لن تشتكي وجع بطنك أبدا».

و لم يأمر واحدا منهم بغسل فم،و لا نهاه عن عوده)ا ه ملخّصا.

و أمّا ريقه الشّريف صلّي اللّه عليه و سلّم:

فقد بصق في بئر دار أنس،فلم يكن في المدينة بئر أعذب منها.

و أتي بدلو من ماء فشرب من الدّلو،ثمّ صبّ في البئر،ففاح منها مثل رائحة المسك.رواه أحمد و ابن ماجه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يوم عاشوراء يدعو برضعائه و رضعاء ابنته

ص: 278

فاطمة فيتفل في أفواههم؛و يقول للأمّهات:«لا ترضعنهنّ إلي اللّيل»،فكان ريقه يجزيهم.رواه البيهقيّ.

و دخلت عليه عميرة بنت مسعود هي و أخواتها يبايعنه-و هنّ خمس- فوجدنه يأكل قديدا،فمضغ لهنّ قديدة فمضغنها،كلّ واحدة قطعة، فلقين اللّه و ما وجد لأفواههنّ خلوف.رواه الطّبرانيّ.

و(الخلوف):تغيّر رائحة فم الصّائم.

و مسح صلّي اللّه عليه و سلّم بيده الشّريفة بعد أن نفث فيها من ريقه علي ظهر عتبة-و كان به شري-فما كان يشمّ أطيب منه رائحة.رواه الطّبرانيّ.

و أعطي الحسن لسانه؛و كان قد اشتدّ ظمؤه،فمصّه حتّي روي.

و روي القاضي عياض في«الشّفا»بسنده إلي عبد اللّه بن أبي الحمساء:(قال:بايعت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم ببيع قبل أن يبعث، و بقيت له بقيّة،فوعدته أن آتيه بها في مكانه،فنسيت،ثمّ ذكرت بعد ثلاث،فجئت،فإذا هو في مكانه.فقال:«يا فتي؛لقد شققت عليّ،أنا هنا منذ ثلاث أنتظرك».

و عن عائشة أمّ المؤمنين رضي اللّه تعالي عنها،قالت:كان أبغض الأشياء إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم الكذب.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اطّلع علي أحد من أهل بيته كذب كذبة..لم يزل معرضا عنه حتّي يحدث توبة.

ص: 279

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أتي باب قوم..لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه،و لكن من ركنه الأيمن أو الأيسر،و يقول:«السّلام عليكم..السّلام عليكم».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أتاه الفيء (1)..قسمه في يومه،فأعطي الاهل حظّين،و أعطي العزب حظّا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أتي بالسّبي..أعطي أهل البيت جميعا؛كراهية أن يفرّق بينهم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أتاه رجل فرأي في وجهه بشرا..أخذ بيده.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا سمع بالاسم القبيح..حوّله إلي ما هو أحسن منه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يتفاءل و لا يتطيّر.و كان يحبّ الاسم الحسن.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا وجد الرّجل راقدا علي وجهه ليس علي عجزه شيء..ركضه برجله،و قال:«هي أبغض الرّقدة إلي اللّه تعالي».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأمر بالباه،و ينهي عن التّبتّل نهيا شديدا؛ أي:يأمر بالتّزوّج و ينهي عن تركه.ل.

ص: 280


1- المراد به هنا:ما يشمل خراج الأرض،و ما أخذ من الكفار بلا قتال.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأمر من أسلم أن يختتن،و إن كان ابن ثمانين سنة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يضمّر الخيل (1).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يكره الشّكال من الخيل.

قال العزيزيّ:فسّره في بعض طرق الحديث عند مسلم:بأن يكون في رجله اليمني و في يده اليسري بياض،أو في يده اليمني و رجله اليسري.

و كرّهه لكونه كالمشكول،لا يستطيع المشي.و قيل:يحتمل أن يكون جرّب ذلك الجنس فلم يكن فيه نجابة.

و قال بعض العلماء:إذا كان مع ذلك أغرّ..زالت الكراهة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا صعد المنبر..سلّم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا خطب..قال:«أمّا بعد».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا خطب..يعتمد علي عنزة؛أو عصا.

و(العنزة):العصا الصّغيرة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يعود مريضا إلاّ بعد ثلاث.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يضيف الخصم إلاّ و خصمه معه.ي.

ص: 281


1- هو أن يعلف الفرس حتي يسمن،ثم يردّه إلي القلّة ليشتد لحمه،و قيل:هو أن يقلّل علف الفرس مدة و يدخل بيتا مغلقا و يجلّل ليعرق و يجف عرقه فيجفّ لحمه، فيقوي علي الجري.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأمر بالهديّة؛صلة بين النّاس.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يأمر بقطع المراجيح (1).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ هذه السّورة: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي) .

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحثّ علي الصّدقة،و ينهي عن المسألة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يسمر عند أبي بكر اللّيلة في الأمر من أمور المسلمين.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يعجبه الرّؤيا الحسنة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يقول:«اشتدّي أزمة تنفرجي».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يبيع و يشتري،و لكن كان شراؤه أكثر.

و اجر نفسه قبل النّبوّة في رعاية الغنم،و لخديجة في سفر التّجارة.

و استدان برهن،و بغير رهن،و استعار،و ضمن،و وقف أرضا كانت له.

و حلف في أكثر من ثمانين موضعا،و أمره اللّه تعالي بالحلف في ثلاثة مواضع،في قوله تعالي: قُلْ إِي وَ رَبِّي ،و قوله تعالي: قُلْ بَلي وَ رَبِّي ،و قوله: قُلْ بَلي وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ .ك.

ص: 282


1- يعني:الأراجيح،و الترجّح:التذبذب بين شيئين،و علي هذا فالأرجوحة:آلة معروفة يلهو بها العجم أيام النيروز تلهّيا عن الغموم التي تراكمت علي قلوبهم من رين الذنوب و كره لهم أن يتزيّوا بزيّ من اشتري الحياة الدنيا بالآخرة،فلا خلاق له هناك.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يستثني في يمينه تارة،و يكفّرها تارة، و يمضي فيها تارة أخري.

و مدحه بعض الشّعراء فأثاب عليه،و منع الثّواب في حقّ غيره،و أمر أن يحثي في وجوه المدّاحين التّراب.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا حلف..قال:«و الّذي نفس محمّد بيده».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أكثر أيمانه:«لا و مصرّف القلوب».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اجتهد في اليمين..قال:«لا و الذي نفس أبي القاسم بيده».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحلف:«لا و مقلّب القلوب».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا حلف علي يمين..لا يحنث؛حتّي نزلت كفّارة اليمين.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا استراث الخبر؛أي:استبطأه..تمثّل ببيت طرفة:

........... و يأتيك بالأخبار من لم تزوّد (1)

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يتمثّل بهذا البيت:..

ص: 283


1- و صدر البيت: ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا .........

كفي بالإسلام و الشّيب للمرء ناهيا ..........

و أصل هذا الشّطر (1):

كفي الشّيب و الإسلام للمرء ناهيا ........

و لكنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم تمثّل به علي الوجه المذكور.

قال تعالي: وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ صلّي اللّه عليه و سلّم.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ أن يسافر يوم الخميس.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أراد سفرا..أقرع بين نسائه،فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها معه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يتخلّف في المسير،فيزجي الضّعيف و يردف،و يدعو لهم.

و معني(يزجي الضّعيف):يسوقه سوقا رفيقا.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا قدم من سفر..بدأ بالمسجد،فصلّي فيه ركعتين،ثمّ يثنّي بفاطمة،ثمّ يأتي أزواجه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يطرق أهله ليلا (2).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحبّ أن يخرج إذا غزا يوم الخميس.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أراد أن يودّع الجيش..قال:

«أستودع اللّه دينكم،و أمانتكم،و خواتيم أعمالكم».ة.

ص: 284


1- يعني:موزونا.
2- أي:لا يقدم عليهم من سفر و لا غيره في الليل علي غفلة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا بعث سريّة أو جيشا..بعثهم من أوّل النّهار.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا بعث أميرا قال:«أقصر الخطبة،و أقلّ الكلام،فإنّ من البيان لسحرا» (1).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أراد غزوة..ورّي بغيرها.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يعجبه أن يلقي العدوّ عند الزّوال (2).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يكره رفع الصّوت عند القتال.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا خرج يوم العيد في طريق..رجع في غيره.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا نزل عليه الوحي..نكّس رأسه، و نكّس أصحابه رءوسهم،فإذا أقلع عنه..رفع رأسه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دخل رمضان..أطلق كلّ أسير، و أعطي كلّ سائل.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دخل[شهر]رمضان شدّ مئزره،ثمّ لم يأت فراشه حتّي ينسلخ.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دخل رمضان..تغيّر لونه،و كثرت).

ص: 285


1- في نسخة:(فإنّ من الكلام سحرا).
2- في نسخة:(عند زوال الشمس).

صلاته،و ابتهل في الدّعاء،و أشفق لونه؛أي:تغيّر و صار كلون الشّفق.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دخل العشر الأخير من رمضان..شدّ مئزره،و أحيا ليله،و أيقظ أهله.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا كان مقيما..اعتكف العشر الأواخر من رمضان،و إذا سافر..اعتكف من العام المقبل عشرين.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا كانت ليلة الجمعة..قال:«هذه ليلة غرّاء،و يوم أزهر».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا جاء الشّتاء..دخل البيت ليلة الجمعة،و إذا جاء الصّيف..خرج ليلة الجمعة.

قال العزيزيّ:الظّاهر أنّ المراد ما اعتاده النّاس من دخولهم البيوت في الشّتاء،و الخروج منها في الصّيف.

ص: 286

الفصل الثّاني: في بعض أذكار و أدعية كان يقولها صلّي اللّه عليه و سلّم في أوقات مخصوصة

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا سأل اللّه تعالي..جعل باطن كفّيه إليه،و إذا استعاذ..جعل ظاهرهما إليه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أصابته شدّة فدعا..رفع يديه حتّي يري بياض إبطيه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا رفع يديه في الدّعاء..لم يحطّهما حتّي يمسح بهما وجهه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا ذكر أحدا فدعا له..بدأ بنفسه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دعا لرجل..أصابته الدّعوة،و ولده و ولد ولده.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أكثر دعائه:«يا مقلّب القلوب؛ثبّت قلبي علي دينك»،فقيل له في ذلك؟قال:«إنّه ليس آدميّ إلاّ و قلبه بين إصبعين من أصابع اللّه؛فمن شاء..أقام،و من شاء..أزاغ».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم أكثر دعوة يدعو بها:«ربّنا؛آتنا في الدّنيا

ص: 287

حسنة،و في الآخرة حسنة،و قنا عذاب النّار».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يتعوّذ من جهد البلاء،و درك الشّقاء، و سوء القضاء،و شماتة الأعداء.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يتعوّذ من خمس:من الجبن،و البخل، و سوء العمر،و فتنة الصّدر،و عذاب القبر.

و كان[صلّي اللّه عليه و سلّم]يتعوّذ من الجانّ،و عين الإنسان..حتّي نزلت المعوّذتان،فأخذ بهما و ترك ما سواهما.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يتعوّذ من موت الفجاءة،و كان يعجبه أن يمرض قبل أن يموت.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أصبح و إذا أمسي..يدعو بهذه الدّعوات:«(اللّهمّ؛إنّي أسألك من فجاءة الخير،و أعوذ بك من فجاءة الشّرّ)؛فإنّ العبد لا يدري ما يفجؤه إذا أصبح و إذا أمسي».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أصبح و إذا أمسي..قال:«أصبحنا علي فطرة الإسلام و كلمة الإخلاص و دين نبيّنا محمّد صلّي اللّه عليه و سلّم،و ملّة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما و ما كان من المشركين».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أصابه غمّ أو كرب..يقول:«حسبي الرّبّ من العباد،حسبي الخالق من المخلوقين،حسبي الرّازق من المرزوقين،حسبي الّذي هو حسبي،حسبي اللّه و نعم الوكيل، حسبي اللّه لا إله إلاّ هو عليه توكّلت و هو ربّ العرش العظيم».

ص: 288

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أهمّه الأمر..رفع رأسه إلي السّماء و قال:«سبحان اللّه العظيم»،و إذا اجتهد في الدّعاء..قال:«يا حيّ يا قيّوم».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا نزل به همّ أو غمّ..قال:«يا حيّ يا قيّوم؛برحمتك أستغيث».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يدعو عند الكرب:«لا إله إلاّ اللّه العظيم الحليم،لا إله إلاّ اللّه ربّ العرش العظيم،لا إله إلاّ اللّه ربّ السّماوات السّبع و ربّ الأرض و ربّ العرش الكريم».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا راعه شيء..قال:«اللّه..اللّه ربّي لا شريك له».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أراد أمرا..قال:«اللّهمّ؛خر لي و اختر لي».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا نزل به أمر..فوّض الأمر فيه إلي اللّه عزّ و جلّ،و تبرّأ من الحول و القوّة،و سأله الهدي و اتّباعه،و سأله البعد عن الضّلالة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا جاءه أمر يسرّ به..خرّ ساجدا شكرا للّه تعالي.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا خرج من بيته..قال:«باسم اللّه، التّكلان علي اللّه،لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه».رواه أبو هريرة رضي اللّه تعالي عنه.

ص: 289

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا خرج من بيته..قال:«باسم اللّه، توكّلت علي اللّه،اللّهمّ؛إنّا نعوذ بك من أن نزلّ أو نضلّ،أو نظلم أو نظلم،أو نجهل أو يجهل علينا».روته أمّ سلمة رضي اللّه تعالي عنها.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دخل المسجد..قال:«أعوذ باللّه العظيم،و بوجهه الكريم،و سلطانه القديم؛من الشّيطان الرّجيم».

و قال:«إذا قال ذلك..حفظ منه سائر اليوم».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دخل المسجد..يقول:«باسم اللّه، و السّلام علي رسول اللّه،اللّهمّ؛اغفر لي ذنوبي،و افتح لي أبواب رحمتك».

و إذا خرج..قال:«باسم اللّه،و السّلام علي رسول اللّه،اللّهمّ؛ اغفر لي ذنوبي،و افتح لي أبواب فضلك».روته فاطمة الزّهراء رضي اللّه تعالي عنها.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دخل المسجد..قال:«باسم اللّه، اللّهمّ؛صلّ علي محمّد،و أزواج محمّد».رواه أنس رضي اللّه تعالي عنه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دخل السّوق..قال:«باسم اللّه، اللّهمّ؛إنّي أسألك من خير هذه السّوق و خير ما فيها،و أعوذ بك من شرّها و شرّ ما فيها،اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك أن أصيب يمينا فاجرة،أو صفقة خاسرة».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دخل الخلاء..قال:«اللّهمّ؛إنّي

ص: 290

أعوذ بك من الرّجس النّجس،الخبيث المخبث،الشّيطان الرّجيم».

و إذا خرج..قال:«الحمد للّه الّذي أذاقني لذّته،و أبقي فيّ قوّته، و أذهب عنّي أذاه».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دخل الجبّانة (1)..يقول:«السّلام عليكم أيّتها الأرواح الفانية،و الأبدان البالية،و العظام النّخرة الّتي خرجت من الدّنيا و هي باللّه مؤمنة،اللّهمّ؛أدخل عليهم روحا منك و سلاما منّا».

قوله:(الأرواح الفانية)أي:الفانية أجسادها.

و(الرّوح):السّعة.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا مرّ بالمقابر..قال:«السّلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين و المؤمنات،و المسلمين و المسلمات، و الصّالحين و الصّالحات،و إنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا فرغ من دفن الميت..وقف عليه فقال:«استغفروا لأخيكم،و سلوا له التّثبيت؛فإنّه الآن يسأل».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا شيّع جنازة..علا كربه،و أقلّ الكلام،و أكثر حديث نفسه.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم ينهي النّساء عن اتّباع الجنائز.ه.

ص: 291


1- محل الدفن؛سمي به لأنه يجبن و يفزع عند رؤيته.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا عزّي..قال:«يرحمه اللّه و يؤجركم».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا هنّأ..قال:«بارك اللّه لكم،و بارك عليكم».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دخل علي مريض يعوده..قال:«لا بأس،طهور إن شاء اللّه تعالي».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أتاه قوم بصدقتهم..قال:«اللّهمّ؛ صلّ علي ال فلان».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أراد سفرا..قال:«اللّهمّ؛بك أصول،و بك أحول،و بك أسير».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا غزا..قال:«اللّهمّ؛أنت عضدي، و أنت نصيري،بك أحول،و بك أصول،و بك أقاتل».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا قفل من غزو،أو حجّ،أو عمرة..

يكبّر علي كلّ شرف من الأرض ثلاث تكبيرات،ثمّ يقول:«لا إله إلاّ اللّه واحده لا شريك له،له الملك و له الحمد؛و هو علي كلّ شيء قدير،آئبون (1)،تائبون،عابدون،ساجدون،لربّنا حامدون، صدق اللّه وعده،و نصر عبده،و هزم الأحزاب واحده».ن.

ص: 292


1- أي:راجعون.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا دخل رجب..قال:«اللّهمّ؛بارك لنا في رجب و شعبان،و بلّغنا رمضان».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا سمع المؤذّن..قال مثل ما يقول؛ حتّي إذا بلغ(حيّ علي الصّلاة..حيّ علي الفلاح)..قال:«لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا سمع المؤذّن يتشهّد..قال:«و أنا..

و أنا».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا سمع المؤذّن قال:(حيّ علي الفلاح)..قال:«اللّهمّ؛اجعلنا مفلحين».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا نظر إلي البيت..قال:«اللّهمّ؛زد بيتك هذا تشريفا و تعظيما و تكريما و برّا و مهابة».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا رأي ما يحبّ..قال:«الحمد للّه الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات»،و إذا رأي ما يكره..قال:«الحمد للّه علي كلّ حال،ربّ أعوذ بك من حال أهل النّار».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا سمع صوت الرّعد و الصّواعق..قال:

«اللّهمّ؛لا تقتلنا بغضبك،و لا تهلكنا بعذابك،و عافنا قبل ذلك».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا سمع الرّعد..قال:«سبحان الّذي يسبّح الرّعد بحمده».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا رأي المطر..قال:«اللّهم؛صيّبا نافعا».

ص: 293

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا سال السّيل..قال:«اخرجوا بنا إلي هذا الوادي الّذي جعله اللّه طهورا،فنتطهّر منه،و نحمد اللّه عليه».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اشتدّ الرّيح الشّمال (1)..قال:

«اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من شرّ ما أرسلت بها» (2).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اشتدت الرّيح..قال:«اللّهمّ؛ اجعلها لقحا لا عقيما»؛أي:حاملا للماء كاللّقحة من الإبل (3).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا عصفت الرّيح..قال:«اللّهمّ؛إنّي أسألك خيرها و خير ما فيها؛و خير ما أرسلت به،و أعوذ بك من شرّها و شرّ ما فيها،و شرّ ما أرسلت به».روته عائشة رضي اللّه تعالي عنها.

و روي ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا هاجت ريح..استقبلها بوجهه،و جثا علي ركبتيه،و مدّ يديه،و قال:«اللّهمّ؛إنّي أسألك خير هذه الرّيح و خير ما أرسلت به، و أعوذ بك من شرّها و شرّ ما أرسلت به،اللّهمّ؛اجعلها رحمة، و لا تجعلها عذابا،اللّهمّ؛اجعلها رياحا،و لا تجعلها ريحا» (4).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا رأي الهلال..قال:«هلال خيرب.

ص: 294


1- الشمأل:مقابل الجنوب.
2- في نسخة:(فيها).
3- أي:الناقة من الإبل القريبة العهد بالنتاج.
4- لأنّ الرياح معتدلة،و تأتي بالخير،أما الريح فهي شديدة،و تأتي بالعذاب.

و رشد،آمنت بالّذي خلقك»(ثلاثا).ثمّ يقول:«الحمد للّه الّذي ذهب بشهر كذا و جاء بشهر كذا».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا رأي الهلال..قال:«اللّهمّ؛أهلّه علينا باليمن و الإيمان و السّلامة و الإسلام،ربّي و ربّك اللّه».و في رواية:«بالأمن»بدل«اليمن».

و كان اخر كلامه صلّي اللّه عليه و سلّم:«الصّلاة...الصّلاة، اتّقوا اللّه فيما ملكت أيمانكم».

و كان اخر ما تكلّم به صلّي اللّه عليه و سلّم أن قال:«قاتل اللّه اليهود و النّصاري؛اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد،لا يبقينّ دينان بأرض العرب».

و كان اخر ما تكلّم به صلّي اللّه عليه و سلّم:«جلال ربّي الرّفيع،فقد بلّغت»،ثمّ قضي.

ص: 295

الفصل الثّالث: في ثلاث مائة و ثلاثة عشر حديثا من جوامع كلمه صلّي اللّه عليه و سلّم

اشارة

و هي علي عدد الرّسل الكرام،و أهل بدر شموس الإسلام.

اخترتها من«الشّفا»للقاضي عياض،و:«المواهب اللّدنّيّة» للعلاّمة القسطلانيّ،و:«الجامع الصغير»و:«الدّرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة»كلاهما للحافظ السّيوطيّ،و:«كنوز الحقائق» و:«طبقات الأولياء»كلاهما للعلاّمة المناويّ.

و من المعلوم عند النّاس كافّة،موافقين و مخالفين،مسلمين و غير مسلمين..أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أفصح النّاس علي الإطلاق،و لم يخالف في ذلك أحد.

و هاكها مرتّبة علي الحروف (1):

ص: 296


1- من أراد الوقوف علي تخريج الأحاديث فإنّا نحيله إلي كتاب«منتهي السّول علي وسائل الوصول»للشيخ عبد اللّه بن سعيد اللّحجي رحمه اللّه تعالي،و يقع في أربعة مجلدات ضخام و هو من منشورات دارنا دار المنهاج. فإن فيه الغنية إن شاء اللّه تعالي.

حرف الهمزة

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

1-«أوتيت جوامع الكلم».

2-«اتّق اللّه فيما تعلم».

3-«اتّق اللّه في عسرك و يسرك».

4-«اتّقوا مواضع التّهم».

5-«أتمّكم عقلا..أشدّكم للّه خوفا».

6-«اجتنبوا الخمر؛فإنّها مفتاح كلّ شرّ».

7-«الأجر علي قدر النّصب» (1).

8-«أجملوا في طلب الدّنيا؛فإنّ كلاّ ميسّر لما خلق له» (2).

9-«الإحسان:أن تعبد اللّه كأنّك تراه،فإن لم تكن تراه..فإنّه يراك».

10-«اختلاف أمّتي رحمة».

11-«اخزن لسانك إلاّ من خير».

12-أخلص العمل..يجزك منه القليل».

ص: 297


1- يعني:علي قدر المشقّة.
2- في نسخة:(فإنّ كلا ميسّر لما كتب له منها).

13-«أدّ الأمانة إلي من ائتمنك،و لا تخن من خانك».

14-«أدّبني ربّي فأحسن تأديبي».

15-«إذا أراد اللّه بعبد خيرا..فقّهه في الدّين،و زهّده في الدّنيا، و بصّره بعيوب نفسه» (1).

16-«إذا أسأت..فأحسن» (2).

17-«إذا لم تستح..فاصنع ما شئت» (3).

18-«إذا نزل القضاء..عمي البصر» (4).

19-«ارحموا ترحموا».

20-«ازهد في الدّنيا..يحبّك اللّه،و ازهد فيما في أيدي النّاس..

يحبّك النّاس».

21-«استعينوا علي الحاجات بالكتمان؛فإنّ كلّ ذي نعمة محسود».

22-«استعينوا علي كلّ صنعة بأهلها».

23-«استفت قلبك و إن أفتاك النّاس و أفتوك».

24-«أسلم..تسلم».ا.

ص: 298


1- في نسخة:(و بصّره عيوبه).
2- كما قال صلّي اللّه عليه و سلّم:«أتبع السّيّئة الحسنة تمحها».
3- الأمر للتهديد و التوبيخ.
4- أي:غطّي عنه نور العقل حتي لا يري بنوره المنافع فيطلبها،و لا المضارّ فيجتنبها.

25-«اسمح..يسمح لك».

26-«أصحابي كالنّجوم (1)؛فبأيّهم اقتديتم اهتديتم».

27-«أعجل الأشياء عقوبة..البغي».

28-«أعدي عدوّك..نفسك الّتي بين جنبيك».

29-«أعظم النّاس خطايا..أكثرهم خوضا في الباطل».

30-«أعظم النّاس خطايا (2)..اللّسان الكذوب».

31-«أعمي العمي..الضّلالة بعد الهدي».

32-«اعمل بوجه (3)واحد..يكفك الوجوه كلّها».

33-«أفضل الأعمال (4)..سرور تدخله علي مسلم».

34-«أفضل الأعمال..العلم باللّه تعالي».

35-«أفضل الجهاد..أن تجاهد نفسك و هواك».

36-«افتضحوا فاصطلحوا» (5).

37-«أفضل الدّين..الورع».

38-«أفضل الصّدقة..جهد المقلّ،و ابدأ بمن تعول».).

ص: 299


1- أي:في الهداية؛لأنّ كلا منهما يهتدي به.
2- في نسخة:(أعظم الخطايا).
3- في نسخة:(اعمل لوجه).
4- أي:بعد الفرائض.
5- من الأمثال السائرة التي في معناها:(تعالوا نقتبح ساعة و نصطلح).

39-«أفضل النّاس..أتقاهم للّه،و أوصلهم للرّحم».

40-«أفلح من رزق لبّا».

41-«الاقتصاد في النّفقة (1)..نصف المعيشة،و التّودّد إلي النّاس نصف العقل،و حسن السّؤال نصف العلم».

42-«اللّه في عون العبد..ما دام العبد في عون أخيه المسلم».

43-«أمت أمر الجاهليّة إلاّ ما حسّنه الإسلام».

44-«أمرنا أن نكلّم النّاس علي قدر عقولهم».

45-«إنّ اللّه تعالي بعثني رحمة مهداة،بعثت برفع أقوام و خفض آخرين».

46-«إنّ اللّه تجاوز لأمّتي عن النّسيان،و ما أكرهوا عليه».

47-«إنّ اللّه جعل الحقّ علي لسان عمر و قلبه».

48-«إنّ اللّه لا ينظر إلي أجسامكم و لا إلي صوركم،و لكن ينظر إلي قلوبكم».

49-«إنّ اللّه يحبّ معالي الأمور،و يكره سفسافها».

50-«إنّ اللّه يحبّ الرّفق في الأمر كلّه».

51-«إنّ اللّه ينزل الرّزق علي قدر المئونة» (2).ه.

ص: 300


1- أي:التوسط في الإنفاق.
2- و هو من المشهور علي الألسنة؛و معناه:أنّ اللّه يعين الإنسان علي قدر ما يحتاج إليه من المئونة،بحسب حاله و ما يناسبه.

52-«إنّ أخسر النّاس صفقة..من أذهب آخرته بدنيا غيره».

53-«إنّ الدّين يسر،و لن يشادّ الدّين أحد إلاّ غلبه».

54-«إنّ الصّبر عند الصّدمة الأولي» (1).

55-«إنّك لن تدع للّه شيئا..إلاّ عوّضك اللّه خيرا منه».

56-«إنّكم لن تسعوا النّاس بأموالكم..فسعوهم بأخلاقكم».

57-«إنّ لصاحب الحقّ مقالا».

58-«إنّما الأعمال بالنّيّات».

59-«إنّما البيع عن تراض».

60-«إنّما العلم بالتّعلّم،و إنّما الحلم بالتّحلّم» (2).

61-«إنّما المرء بخليله،فلينظر المرء من يخالل».

62-«إنّ من البيان لسحرا».

63-«أنا مدينة العلم،و عليّ بابها».

64-«أنت و مالك لأبيك».

65-«أن تفعل الخير خير لك».

66-«أنزلوا النّاس منازلهم».ه.

ص: 301


1- أي:إنّ الصّبر الكامل المحبوب..عند زمن ابتداء المصيبة و شدتها،بخلاف زمن اخرها؛فإنه و إن كان فيه ثواب إلا أنه دون الأول؛لأنّ اخر المصيبة يهون الأمر شيئا فشيئا،فيحصل له التسلّي.
2- أي:بحمل النّفس عليه.

67-«انظري أين أنت منه،فإنّما هو جنّتك و نارك»؛يعني:الزّوج.

68-«أنهاكم عن قيل،و قال،و كثرة السّؤال».

69-«ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».

70-«الإسلام حسن الخلق».

71-«الإسلام يجبّ ما قبله،و الهجرة تجبّ ما قبلها».

72-«الإسلام يعلو و لا يعلي».

73-«إيّاك و دعوة المظلوم».

74-«إيّاك و قرين السّوء،فإنّك به تعرف».

75-«إيّاك و الخيانة،فإنّها بئست البطانة» (1).

76-«إيّاك و ما يسوء الأذن» (2).

77-«إيّاكم و خضراء الدّمن؛المرأة الحسناء في المنبت السّوء».

78-«الإيمان نصفان؛فنصف في الشّكر،و نصف في الصّبر».

حرف الباء

79-«البرّ حسن الخلق،و الإثم ما حاك في صدرك و كرهت أن يطّلع عليه النّاس».

ص: 302


1- أي:بئس الشيء الذي يستبطنه من أمره،و يجعله صفة لازمة له.
2- و هو نهي عن الغيبة.

80-«برّوا آباءكم..تبرّكم أبناؤكم،و عفّوا..تعفّ نساؤكم».

81-«بعثت بمداراة النّاس» (1).

82-«البلاء موكّل بالمنطق» (2).

83-«البيّنة علي المدّعي،و اليمين علي من أنكر».

حرف التّاء

84-«ترك الشّرّ صدقة».

85-«تعرّف إلي اللّه في الرّخاء..يعرفك في الشّدّة،و اعلم أنّ ما أخطأك..لم يكن ليصيبك،و ما أصابك..لم يكن ليخطئك،و اعلم أنّ النّصر مع الصّبر،و أنّ الفرج مع الكرب،و أنّ مع العسر يسرا».

86-«تعس عبد الزّوجة».

ص: 303


1- كلين الكلام،و خفض الجناح،و ترك الإغلاظ عليهم،و القيام لمن يحصل له حقد إذا لم يقم له،و ذلك من أسباب الألفة و اجتماع الكلمة،و انتظام الأمر،و لهذا قيل:من لانت كلمته..وجبت محبته،و حسنت أحدوثته،و ظمئت القلوب إلي لقائه،و تنافست في مودته.و المداراة غير المداهنة؛فالمداراة بذل الدنيا لسلامة الدين،و المداهنة بذل الدين لسلامة الدنيا.
2- يعني:أنّ العبد في سلامة ما سكت،فإذا تكلّم..عرف ما عنده بمحنة النطق، فيتعرّض للخطر أو للظفر؛و لذا قال صلّي اللّه عليه و سلّم لسيّدنا معاذ رضي اللّه تعالي عنه:«أنت في سلامة ما سكتّ،فإذا تكلّمت..فلك أو عليك».

87-«تمسّكوا بالعروة الوثقي؛قول:(لا إله إلاّ اللّه)».

88-«تهادوا تحابّوا».

حرف الثّاء

89-«ثلاث من كنّ فيه..وجد حلاوة الإيمان (1):1-أن يكون اللّه و رسوله أحبّ إليه ممّا سواهما،2-و أن يحبّ المرء لا يحبّه إلاّ للّه، 3-و أن يكره أن يعود في الكفر-بعد إذ أنقذه اللّه منه-كما يكره أن يلقي في النّار».

90-«ثلاث من كنّ فيه حاسبه اللّه حسابا يسيرا،و أدخله الجنّة برحمته:1-تعطي من حرمك،2-و تعفو عمّن ظلمك،3-و تصل من قطعك».

91-«ثلاث منجيات:1-خشية اللّه تعالي في السّرّ و العلانية، 2-و العدل في الرّضا و الغضب،3-و القصد (2)في الفقر و الغني.و ثلاث مهلكات:1-هوي متّبع،2-و شحّ مطاع،3-و إعجاب المرء بنفسه».

ص: 304


1- أي:التلذّذ بالطاعة؛و تحمّل المشقّة في سبيل رضا اللّه عزّ و جلّ و رسوله صلّي اللّه عليه و سلّم،و إيثار ذلك علي عرض الدنيا.
2- أي:التوسط في الإنفاق.

حرف الجيم

92-«الجار قبل الدّار،و الرّفيق قبل الطّريق».

93-«الجماعة رحمة،و الفرقة عذاب» (1).

94-«جفّ القلم بما أنت لاق» (2).

95-«الجنّة تحت أقدام الأمّهات» (3).

96-«الجنّة تحت ظلال السّيوف» (4).

حرف الحاء

97-«حبّ الدّنيا..رأس كلّ خطيئة».

98-«الحبّ في اللّه و البغض في اللّه من أفضل الأعمال».

99-«حبّك الشّيء يعمي و يصمّ».

100-«الحرب خدعة».

ص: 305


1- أي:لزوم جماعة المسلمين موصل إلي الرحمة أو سبب لها،و الفرقة عن جماعة المسلمين؛بأن لا ينصرهم ببدنه أو اعتقاده..سبب للعذاب.
2- أي:نفذ المقدور بما كتب في اللوح المحفوظ،فبقي القلم الذي كتب به جافّا لا مداد فيه؛لفراغ ما كتب به.
3- يعني:أنّ برّ الأم سبب لدخول الجنة.
4- يعني:أنّ الجهاد سبب لدخول الجنة.

101-«الحسب..المال،و الكرم..التّقوي».

102-«حسبك بالصّحّة و السّلامة داء قاتلا لابن آدم» (1).

103-«حفّت الجنّة بالمكاره،و حفّت النّار بالشّهوات».

104-«الحكمة ضالّة المؤمن» (2).

105-«الحلال بيّن و الحرام بيّن».

حرف الخاء

106-«خذ الحكمة،و لا يضرّك من أيّ وعاء خرجت».

107-«خصلتان لا يجتمعان إلاّ في مؤمن:السّخاء،و حسن الخلق».

108-«خصلتان لا يجتمعان في مؤمن:البخل،و سوء الخلق».

109-«الخلق كلّهم عيال اللّه،و أحبّهم إلي اللّه أنفعهم لعياله».

110-«خير الأمور..أوساطها».

ص: 306


1- لأنّ ذلك يدعوه إلي الغرور و ارتكاب الشرور،و يورثه البطر و العجب،و ينسيه الآخرة،و يحبب إليه الدنيا،و(حب الدنيا رأس كلّ خطيئة)،و إذا أحبّ اللّه عبدا..ابتلاه ليسمع تضرّعه.و هذا لا ينافي طلب العافية المأمور به في كثير من الأحاديث الشريفة؛لأنّ المطلوب العافية السليمة العاقبة ممّا ذكر.
2- فإذا وجدها..فهو أحقّ بها.

111-«خير الرّزق..ما لا يطغيك و لا يلهيك».

112-«خير العمل..أن تفارق الدّنيا و لسانك رطب من ذكر اللّه».

113-«خيركم..خيركم لأهله،و أنا خيركم لأهلي».

114-«خيركم..خيركم لأهلي من بعدي».

115-«خير النّاس..أنفعهم للنّاس».

حرف الدّال

116-«الدّالّ علي الخير..كفاعله،و الدّالّ علي الشّرّ..

كفاعله» (1).

117-«الدّعاء..مخّ العبادة».

118-«دع ما يريبك إلي ما لا يريبك،فإنّ الصّدق..طمأنينة،و إنّ الكذب..ريبة».

119-«الدّنيا..سجن المؤمن (2)و جنّة الكافر (3)».

120-«الدّنيا..عرض حاضر،يأكل منها البرّ و الفاجر، و الآخرة..وعد صادق،يحكم فيها ملك عادل،يحقّ الحقّ و يبطل

ص: 307


1- يعني:في حصول الثواب أو العقاب.
2- بالنسبة لما أعدّ له في الآخرة من النعيم المقيم.
3- بالنسبة لما أمامه من عذاب الجحيم.

الباطل،فكونوا أبناء الآخرة،و لا تكونوا أبناء الدّنيا،فإنّ كلّ أمّ يتبعها ولدها».

121-«الدّنيا..كلّها متاع (1)،و خير متاعها:المرأة الصّالحة».

122-«الدّنيا..مزرعة الآخرة».

123-«دوروا مع كتاب اللّه حيثما دار».

124-«الدّين..النّصيحة».

125-«دين المرء..عقله،و من لا عقل له لا دين له» (2).

حرف الذّال

126-«ذكر اللّه..شفاء القلوب».

127-«الذّنب لا ينسي،و البرّ لا يبلي (3)،و الدّيّان لا يموت..

فكن كما شئت» (4).

ص: 308


1- أي:شيء يتمتع به.أي:ينتفع به أمدا قليلا.
2- لأنّ العقل هو الكاشف عن مقادير العبوديّة،و محبوب اللّه و مكروهه،و هو الدليل علي الرّشد،و النّاهي عن الغيّ؛فالعاقل من عقل عن اللّه عزّ و جلّ أمره و نهيه فأطاعه بما أمر،و انزجر عمّا نهاه؛فتلك علامة العقل.
3- يعني:أنّ الخير و الفضل لا ينقطع ثوابه و لا يضيع.
4- و في رواية:اعمل ما شئت كما تدين تدان.

128-«ذهب حسن الخلق بخير الدّنيا و الآخرة» (1).

129-«ذو الوجهين (2)لا يكون عند اللّه وجيها».

حرف الرّاء

130-«رأس الحكمة..مخافة اللّه».

131-«رأس الدّين..الورع».

132-«رأس العقل بعد الإيمان باللّه تعالي..التّودّد إلي النّاس».

133-«رحم اللّه عبدا قال خيرا..فغنم،أو سكت..فسلم».

134-«رضيت لأمّتي ما رضي اللّه لها» (3).

135-«رياض الجنّة..المساجد».

حرف الزّاي

136-«زر غبّا (4)..تزدد حبّا».

ص: 309


1- و ذلك لعظيم فضله.
2- هو الذي يأتي كلّ قوم بما يرضيهم،خيرا كان أو شرّا.
3- في نسخة:(رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أمّ عبد).
4- أي:وقتا بعد وقت،بغير دوام.

حرف السّين

137-«السّعيد..من وعظ بغيره».

138-«السّفر..قطعة من العذاب».

139-«سيّد القوم..خادمهم».

140-«السّيوف..مفاتيح الجنّة».

حرف الشّين

141-«الشّاهد..يري ما لا يري الغائب».

حرف الصّاد

142-«الصّبر..خير مركب».

143-«الصّبر..مفتاح الفرج،و الزّهد..غني الأبد».

144-«الصّلاة..عماد الدّين».

145-«الصّلاة..مفتاح كلّ خير،و النّبيذ..مفتاح كلّ شرّ».

146-«صوموا..تصحّوا».

ص: 310

حرف الضّاد

147-«ضالّة المؤمن..العلم».

حرف الطّاء

148-«طاعة المرأة..ندامة».

149-«طوبي لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس».

150-«طوبي لمن طال عمره و حسن عمله».

حرف الظّاء

151-«ظهر المؤمن..حمي؛إلاّ بحقّه» (1).

حرف العين

152-«العدة..دين» (2).

ص: 311


1- أي:محميّ،معصوم من الإيذاء.
2- روي بلفظ:«العدة دين،ويل لمن وعد ثمّ أخلف،ويل ثمّ ويل له».

153-«العزلة..سلامة».

154-«العرق..دسّاس» (1).

155-«عفو الملوك..أبقي للملك».

156-«علي اليد ما أخذت حتّي تؤدّيه» (2).

157-«العين..حقّ» (3).

حرف الغين

168-«الغني..غني النّفس،و الفقر..فقر النّفس».

حرف الفاء

159-«الفتنة..نائمة،لعن اللّه من أيقظها».

160-«فعل المعروف..يقي مصارع السّوء».

161-«في كلّ ذات كبد حرّي..أجر» (4).

ص: 312


1- أي:دخّال؛لأنه ينزع في خفاء و لطف.
2- أي:علي صاحبها ضمان.
3- يعني:الضرر الحاصل عنها ثابت وجوديّ مقضيّ به في الوضع الإلهيّ،لا شبهة في تأثيره في النفوس و الأموال.
4- حرّي:من الحرّ،و المراد:حرارة الحياة،و في رواية:«كلّ كبد رطبة»-أي: حيّة-يعني:رطوبة الحياة.و المعني:إنّ في سقي كلّ ذي كبد حرّي أجرا عاما، مخصوص بحيوان محترم،و هو ما لم يؤمر بقتله.

حرف القاف

162-«القريب..من قرّبته المودّة،و إن بعد نسبه».

163-«قل:آمنت باللّه..ثمّ استقم».

164-«قلّة العيال..أحد اليسارين».

165-«قل الحقّ،و إن كان مرّا».

166-«قليل تؤدّي شكره..خير من كثير لا تطيقه».

167-«القناعة..كنز لا يفني».

168-«قيّد..و توكّل».

حرف الكاف

169-«كفي بالمرء إثما..أن يضيّع من يقوت» (1).

170-«كفي بك إثما..ألا تزال مخاصما».

171-«كفي بالدّهر واعظا،و بالموت مفرّقا».

172-«كلّ آت..قريب».

ص: 313


1- أي:من يلزمه قوته و نفقته،و لا سيما الزوجة.

173-«كلّ الصّيد في جوف الفراء» (1).

174-«كلّكم..راع،و كلّكم مسئول عن رعيّته».

175-«كلّ المسلم..علي المسلم حرام؛دمه،و ماله، و عرضه».

176-«كلّ معروف..صدقة».

177-«كلّ مؤذ..في النّار».

178-«كلّ..ميسّر لما خلق له».

179-«كلّموا النّاس..بما يعرفون،و دعوا ما ينكرون».

180-«كما تدين..تدان».

181-«كما تكونوا..يولّي عليكم».

182-«كن في الدّنيا كأنّك غريب،أو عابر سبيل،و عدّ نفسك من أهل القبور».».

ص: 314


1- الفراء:حمار الوحش،و هذا في الأصل مثل عربي قديم،قاله أحد العرب لمّا تأخّر صيده عن صيد رفقائه،ثم اصطاد حمار وحش فكان أكبر من صيد رفقائه، فكأنه يقول:إنّ الحمار الوحشي من أعظم ما يصاد و كل صيد دونه.و سبب قول النبي الكريم صلّي اللّه عليه و سلّم هذا المثل ما ورد أنّه صلّي اللّه عليه و سلّم أذن لقرشيّ و أخّر أبا سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب رضي اللّه عنه.ثم أذن له فقال: ما كدت أن تأذن لي حتي كدت أن تأذن لحجارة الجلهمتين قبلي،و بكي.فقال له صلّي اللّه عليه و سلّم:«و ما أنت و ذاك يا أبا سفيان؟!إنّما أنت كما قال الأوّل:كلّ الصّيد في جوف الفراء».

183-«الكيّس..من دان نفسه و عمل لما بعد الموت،و العاجز..

من أتبع نفسه هواها،و تمنّي علي اللّه الأمانيّ».

حرف اللاّم

184-«لدوا (1)للموت،و ابنوا للخراب (2)».

185-«لست من الباطل،و لا الباطل منّي».

186-«ليس الخبر..كالمعاينة» (3).

حرف الميم

187-«ماء زمزم..لما شرب له».

188-«ما آمن بالقرآن..من استحلّ محارمه».

189-«ما أعطي عبد شيئا..شرّا من طلاقة في لسانه».

190-«ما تشاور قوم..إلاّ هدوا».

191-«ما جمع شيء إلي شيء..أحسن من حلم إلي علم».

ص: 315


1- أي:توالدوا.
2- و اللام هنا لام العاقبة،فهو تسمية للشيء باسم عاقبته،و نبّه بذلك علي أنه لا ينبغي للمرء أن يا بني من المساكن إلا ما تقتضيه الضرورة.
3- و في رواية كالعيان،و كلاهما بمعني المشاهدة.

192-«ما خاب..من استخار،و لا ندم..من استشار،و لا عال..من اقتصد» (1).

193-«ما راه المسلمون حسنا..فهو حسن عند اللّه».

194-«ما ضاق مجلس بمتحابّين».

195-«ما قلّ و كفي..خير ممّا كثر و ألهي».

196-«ما كان الرّفق في شيء..إلاّ زانه».

197-«ما كان الفحش في شيء..إلاّ شانه».

198-«ما هلك امرؤ..عرف قدره» (2).

199-«ما هو بمؤمن..من لا يأمن جاره بوائقه».

200-«مت مسلما و لا تبال».

201-«المجالس..بالأمانة» (3).

202-«محرّم الحلال..كمحلّ الحرام» (4).

203-«المرء..كثير بأخيه».م.

ص: 316


1- أي:ما افتقر من توسط في النفقة علي عياله.
2- يعني:أن من عرف مقدار نفسه و نزّلها منزلتها..نجا في الدنيا و الآخرة من الهلاك، و من تعدي طوره فتكبّر،و رفع نفسه فوق حدّه..هلك.
3- أي:يجب حفظ ما يقع في المجالس من قول أو فعل؛فلا يشيع أحد حديث جليسه.
4- يعني:في الإثم.

204-«مداراة النّاس..صدقة» (1).

205-«المرء..مع من أحبّ».

206-«المستشار..مؤتمن».

207-«المسلم..أخو المسلم،لا يظلمه و لا يسلمه».

208-«المسلم..من سلم المسلمون من لسانه و يده،و المهاجر..

من هجر ما حرّم اللّه».

209-«مع كلّ فرحة..ترحة» (2).

210-«مفتاح الجنّة..لا إله إلاّ اللّه».

211-«ملاك الدّين..الورع».

212-«المكر و الخديعة..في النّار».

213-«من أبطأ به عمله..لم يسرع به نسبه».

214-«من اتّقي اللّه..كلّ لسانه،و لم يشف غيظه».

215-«من اتّقي اللّه..وقاه كلّ شيء».

216-«من أحبّ أن يعلم منزلته عند اللّه..فلينظر منزلة اللّه عنده».

217-«من أحبّ دنياه..أضرّ بآخرته،و من أحبّ آخرته..أضرّ بدنياه؛فآثروا ما يبقي علي ما يفني».ا.

ص: 317


1- يعني:لين الجانب لهم،و التلطف في معاشرتهم.
2- أي:جرت عادة اللّه بأنّ كلّ سرور يعقبه حزن؛لئلا تسكن نفوس العقلاء إلي نعيمها.

218-«من أحبّ شيئا..أكثر من ذكره».

219-«من أحبّ قوما..حشره اللّه في زمرتهم».

220-«من أحبّ لقاء اللّه..أحبّ اللّه لقاءه».

221-«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه (1)..فهو ردّ».

222-«من أرضي النّاس بسخط اللّه..و كله اللّه إلي النّاس».

223-«من أطاع اللّه..فاز».

224-«من أعان ظالما..سلّطه اللّه عليه».

225-«من بثّ (2)..لم يصبر».

226-«من بورك له في شيء..فليلزمه».

227-«من تأنّي..أصاب أو كاد،و من عجل..أخطأ أو كاد».

228-«من تشبّه بقوم..فهو منهم».

229-«من تعلّق بشيء..و كل إليه».

230-«من حسن إسلام المرء..تركه ما لا يعنيه».

231-«من رتع حول الحمي..يوشك أن يواقعه».

232-«من رضي بقسمة اللّه..استغني».

233-«من رضي عن اللّه..رضي اللّه عنه».س.

ص: 318


1- في نسخة:(منه).
2- أي:من أذاع و نشر و شكا مصيبته للنّاس.

234-«من سرّته حسنته و ساءته سيّئته..فهو مؤمن».

235-«من صمت..نجا» (1).

236-«من ضمن لي ما بين لحييه (2)،و ما بين رجليه (3)ضمنت له علي اللّه الجنّة».

237-«من عمل بما علم..ورّثه اللّه علم ما لم يعلم».

238-«من غشّنا..فليس منّا».

239-«من فارق الجماعة شبرا..فقد خلع ربقة الإسلام».

240-«من كثّر سواد قوم..فهو منهم».

241-«من كنت مولاه..فعليّ مولاه».

242-«من لا يرحم..لا يرحم».

243-«من لم يكن ذئبا..أكلته الذّئاب» (4).

244-«من مزح..استخفّ به».

245-«من نوقش الحساب..عذّب».

246-«منهومان لا يشبعان:طالب علم،و طالب دنيا».ر.

ص: 319


1- أي:من سكت عن النطق بما لا ثواب فيه..نجا من العقاب و العتاب يوم المآب.
2- المراد:اللسان،و ما يتأتي به النطق.
3- المراد:الفرج،و ترك صلّي اللّه عليه و سلّم التصريح به استهجانا و استحياء؛لأنه صلّي اللّه عليه و سلّم أشدّ حياء من العذراء في خدرها.
4- الحديث مقيد بآخر الزمان،حيث يغلب الشر و يقل الخير و أهله،فعلي المؤمن حينئذ الحذر من أن يصيبه الضرر.

247-«المؤمن..مرآة المؤمن».

248-«المؤمن..من أمنه النّاس علي أنفسهم و أموالهم».

249-«المؤمن..يسير المئونة».

250-«المؤمنون كرجل واحد».

251-«من كان اخر كلامه(لا إله إلاّ اللّه)..دخل الجنّة».

حرف النّون

252-«النّاس بزمانهم..أشبه منهم بآبائهم» (1).

253-«النّاس..كأسنان المشط».

254-«النّاس..معادن في الخير و الشّرّ».

255-«نحن..أهل بيت لا يقاس بنا أحد».

256-«نحن..بنو عبد المطّلب سادات أهل الجنّة».

257-«النّدم..توبة».

258-«النّساء..حبائل الشّيطان» (2).

ص: 320


1- من قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه و قال ملا علي القاري رحمه اللّه تعالي: الأظهر و الأشهر أنه من قول سيدنا علي ابن أبي طالب رضي اللّه عنه.
2- أي:مصائده،و المراد:أنهنّ آلات للشيطان يتوصّل بهنّ إلي إغواء الفسقة، و لا سيما المتبرجات منهنّ.

259-«نعم الصّهر..القبر» (1).

260-«نيّة المؤمن..خير من عمله».

حرف الهاء

261-«الهديّة..تعور عين الحكيم» (2).

262-«هما..جنّتك و نارك»يعني:الوالدين.

263-«الهمّ..نصف الهرم» (3).

حرف الواو

264-«وجدت النّاس..اخبر تقله»؛يعني:جرّب تكره.

265-«الواحدة..خير من جليس السّوء».

266-«الودّ و العداوة..يتوارثان».

267-«الورع..سيّد العمل».

ص: 321


1- لأنه ستر للعورة،و كفاية للمئونة.
2- أي:تصيره أعور لا يبصر إلا بعين الرّضا فقط،و تعمي عين السّخط،و لهذا كان دعاء السّلف رحمهم اللّه تعالي:اللّهمّ لا تجعل لفاجر عندي نعمة،يرعاه بها قلبي.
3- أي:لأنّ الهمّ يورث الضعف و الأسقام.

268-«الولد..ثمرة القلب».

269-«الولد..مبخلة،مجبنة،محزنة» (1).

270-«الولد..للفراش (2)،و للعاهر..الحجر» (3).

271-«ويل للشّاكّين في اللّه».

حرف اللاّم ألف

272-«(لا إله إلاّ اللّه)..كنز من كنوز الجنّة».

273-«لا إيمان..لمن لا أمانة له».

274-«لا تجتمع أمّتي..علي ضلالة».

275-«لا تختلفوا..فتختلف قلوبكم» (4).

276-«لا تسبّوا الدّنيا..فإنّها مطيّة المؤمن».

277-«لا تصحب..إلاّ مؤمنا،و لا يأكل طعامك..إلاّ تقيّ».

278-«لا خير..في صحبة من لا يري لك مثل ما تري له».

279-«لا ضرر..و لا ضرار».

ص: 322


1- أي:يحمل والديه علي ذلك خشية عليه.
2- أي:لصاحب الفراش؛زوجا كان أو سيّدا،ما لم ينفه بلعان.
3- أي:لا حظ للزاني من ذلك إلا الحدّ.
4- أي:لا يتقدم بعضكم علي بعض في الصّلاة؛لأنّ تقدم البعض علي البعض مظنّة للكبر المفسد للقلوب.

280-«لا طاعة لمخلوق..في معصية الخالق».

281-«لا عقل كالتّدبير،و لا ورع كالكفّ،و لا حسب..كحسن الخلق».

282-«لا فقر..أشدّ من الجهل،و لا مال..أعزّ من العقل،و لا وحشة..أشدّ من العجب».

283-«لا يجني علي المرء..إلاّ يده» (1).

284-«لا يحلّ لمسلم..أن يروّع مسلما».

285-«لا يزال الرّجال بخير..ما لم يطيعوا النّساء».

286-«لا يشكر اللّه..من لا يشكر النّاس».

287-«لا يغني حذر..من قدر».

288-«لا يلدغ المؤمن..من جحر مرّتين».

289-«لا يكون الرّجل من المتّقين..حتّي يدع ما لا بأس فيه، حذرا ممّا به بأس».

290-«لا يؤمن أحدكم..حتّي يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه».

291-«لا يؤمن أحدكم..حتّي يكون هواه تبعا لما جئت به».

292-«لا يؤمن عبد..حتّي يكون قلبه و لسانه سواء».ا.

ص: 323


1- لأنه يذنب،فيعاقب من اللّه تعالي.فكأنه المعاقب لنفسه؛لتسببه في إيصال العقاب لها.

حرف الياء

293-«يا ابن آدم؛ارض من الدّنيا..بالقوت؛فإنّ القوت لمن يموت كثير».

294-«يا أبا بكر؛ما ظنّك باثنين اللّه ثالثهما».قاله له في الغار.

295-«يا أبا ذرّ؛جدّد السّفينة،فإنّ البحر عميق» (1).

296-«يا أنس؛أطب كسبك..تستجب دعوتك».

297-«يا حرملة؛ائت المعروف و اجتنب المنكر».

298-«يا حبّذا كلّ ناطق عالم،و كلّ مستمع واع».

299-«يا حذيفة؛عليك بكتاب اللّه».

300-«يا عبادة؛اسمع و أطع في عسرك و يسرك».

301-«يا عقبة؛صل من قطعك،و أعط من حرمك».

302-«يا عليّ؛لا ترج إلاّ ربّك،و لا تخف إلاّ ذنبك».

303-«يا عمرو؛نعمّا بالمال الصّالح للرّجل الصّالح».

304-«يا عمّ رسول اللّه؛أكثر من الدّعاء بالعافية»،قاله للعبّاس.

ص: 324


1- شبّه الأعمال الصّالحة بالسفينة،و شبّه يوم القيامة بالبحر العميق؛لما فيه من أهوال،بحيث لا ينجيه منه إلاّ السفينة السليمة المتينة،أمّا غيرها..فيخشي عليه الهلاك،و هذا من أبدع الكلام و أحسن الاستعارة.

305-«يا فاطمة؛كوني له أمة..يكن لك عبدا» (1).

306-«يبصر أحدكم القذي في عين أخيه..و ينسي الجذع في عينه» (2).

307-«يسّروا و لا تعسّروا،و بشّروا و لا تنفّروا».

308-«اليمين الفاجرة تدع الدّيار بلاقع» (3).

309-«اليوم..الرّهان،و غدا..السّباق،و الغاية..الجنّة، و الهالك..من دخل النّار».

310-«يا أيّها النّاس؛ألا تستحيون؟!تجمعون ما لا تأكلون، و تبنون ما لا تسكنون».

311-«يا أيّها النّاس؛أفشوا السّلام،و أطعموا الطّعام،وصلوا الأرحام،و صلّوا و النّاس نيام..تدخلوا الجنّة بسلام».

312-«يا معاذ»،قال:لبّيك يا رسول اللّه و سعديك.قال:ه.

ص: 325


1- أي:كوني لزوجك مطيعة؛كطاعة الأمة لسيّدها..يكن لك موافقا منقادا كانقياد العبد لسيّده.
2- القذاة:ما يقع في العين و الماء و الشراب من نحو تراب و تبن و وسخ،و هذا مثل ضرب لمن يري الصغير من عيوب الناس و يعيرهم به،و فيه من العيوب ما نسبته إليه كنسبة الجذع إلي القذاة،و ذلك من أقبح القبائح،فرحم اللّه من حفظ قلبه و لسانه و لزم شأنه،و كفّ عن عرض أخيه،و أعرض عما لا يعنيه.
3- البلاقع-جمع بلقع-و هي:الأرض القفراء التي لا شيء فيها،و المراد:أن الحالف كاذبا يفتقر،و يذهب ما في بيته من الرزق،و قيل:هو أن يفرق اللّه شمله، و يغير عليه ما أولاه من نعمه.

«يا معاذ»،قال:لبّيك يا رسول اللّه و سعديك،قال:«يا معاذ»، قال:لبّيك يا رسول اللّه و سعديك،(ثلاثا)،قال:«ما من عبد يشهد ألا إله إلاّ اللّه،و أنّ محمّدا عبده و رسوله صدقا من قلبه..إلاّ حرّمه اللّه علي النّار».قال:يا رسول اللّه؛أ فلا أخبر بها النّاس فيستبشروا؟قال:«إذا يتّكلوا».فأخبر بها معاذ-عند موته-تأثّما.

رواه الشّيخان:البخاريّ و مسلم.

قوله:(تأثّما)أي:خوفا من الإثم في كتم هذا العلم.

ص: 326

الباب الثّامن: في طبّه صلّي اللّه عليه و سلّم و سنّه،و وفاته،و رؤيته في المنام

اشارة

و فيه ثلاثة فصول

ص: 327

ص: 328

الفصل الأوّل: في طبه صلّي اللّه عليه و سلّم

اشارة

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اشتكي..نفث علي نفسه بالمعوّذات،و مسح عنه بيده.

قوله:(المعوّذات)يعني:المعوّذتين،و الإخلاص (1).

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اشتكي..رقاه جبريل؛قال:باسم اللّه يبريك،من كلّ داء يشفيك،و من شرّ حاسد إذا حسد،و شرّ كلّ ذي عين.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اشتكي..اقتمح كفّا من شونيز، و شرب عليه ماء و عسلا.

و معني(اقتمح)أي:استفّ.و(الشّونيز):الحبّة السّوداء.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يشرب العسل بالماء علي الرّيق.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أصابه رمد،أو أحدا من أصحابه..

دعا بهؤلاء الكلمات:«اللّهمّ؛متّعني ببصري،و اجعله الوارث منّي،

ص: 329


1- فهو من باب التغليب.

و أرني في العدوّ ثأري،و انصرني علي من ظلمني».

قال في«لسان العرب»:(و في الحديث في دعاء النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«اللّهمّ؛أمتعني (1)بسمعي و بصري،و اجعلهما الوارث منّي».

قال ابن شميل:أي أبقهما معي صحيحين سليمين حتّي أموت.

و قيل:أراد بقاءهما و قوّتهما عند الكبر و انحلال القوي النّفسانيّة، فيكون السّمع و البصر وارثي سائر القوي،و الباقيين بعدها.

ثمّ قال:و في رواية:«و اجعله الوارث منّي»،فردّ الهاء إلي الإمتاع،فلذلك وحّده)ا ه

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا حمّ..دعا بقربة من ماء، فأفرغها علي قرنه،فاغتسل.و(القرن):الرّأس.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم لا يصيبه قرحة (2)و لا شوكة..إلاّ وضع عليها الحنّاء.

و في«الصّحيحين»:عن أبي حازم:أنّه سمع سهل بن سعد يسأل عمّا دووي به جرح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يوم أحد؟فقال:جرح وجهه،و كسرت رباعيته،و هشّمت البيضة (3)علي رأسه،و كانت فاطمة بنت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم تغسل الدّم،و كان عليّ ابن أبي طالبة.

ص: 330


1- و في رواية:متّعني.
2- خراج في البدن.
3- أي:الخوذة.

رضي اللّه تعالي عنه يسكب عليها بالمجنّ (1)،فلمّا رأت فاطمة الدّم لا يزيد إلاّ كثرة..أخذت قطعة[من]حصير فأحرقتها،حتّي إذا صارت رمادا ألصقتها بالجرح،فاستمسك الدّم.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يحتجم علي هامته،و بين كتفيه،و يقول:«من أهراق (2)من هذه الدّماء..فلا يضرّه أن لا يتداوي بشيء لشيء».

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحتجم في رأسه،و يسمّيها (3):أمّ مغيث.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يحتجم في الأخدعين و الكاهل (4)،و كان يحتجم لسبع عشرة،و تسع عشرة،و إحدي و عشرين.

و(الأخدعان):عرقان في جانبي العنق.

و كان صلّي اللّه عليه و سلّم يكتحل كلّ ليلة،و يحتجم كلّ شهر، و يشرب الدّواء كلّ سنة.

و في«الصّحيحين»:عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم احتجم و أعطي الحجّام أجره.ن.

ص: 331


1- المجنّ:الترس.
2- أي:أراق.
3- أي:الحجامة.
4- الكاهل:هو مقدّم أعلي الظهر مما يلي العنق،و هو الثلث الأعلي،و فيه ستّ فقرات،و قيل:ما بين الكتفين.

و في«الصّحيحين»أيضا:عن أنس رضي اللّه تعالي عنه:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم حجمه أبو طيبة؛فأمر له بصاعين من طعام،و كلّم مواليه،فخفّفوا عنه من ضريبته (1)،و قال:«خير ما تداويتم به..الحجامة».

و روي ابن ماجه في«سننه»:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كان إذا صدّع..غلّف رأسه بالحنّاء،و يقول:«إنّه نافع بإذن اللّه تعالي من الصّداع».

و ذكر أبو داود في«سننه»:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم استعط (2).

استطراد:

قد خطر لي أن أذكر هنا جملة أحاديث من طبّه صلّي اللّه عليه و سلّم الّذي وصفه لغيره؛لتتمّ بذلك الفائدة.و جلّها من«الهدي النّبويّ» للعلاّمة ابن القيّم:

روي مسلم في«صحيحه»:عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه تعالي عنهما:عن النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«لكلّ داء..دواء،فإذا أصيب دواء الدّاء..برأ بإذن اللّه عزّ و جلّ».

ص: 332


1- و هي:الخراج المضروب عليه.
2- أي:استعمل السّعوط؛بأن استلقي علي ظهره و قطر في أنفه ما تداوي به ليصل إلي دماغه،ليخرج ما فيه من الداء بالعطاس.

و في«الصّحيحين»:عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«ما أنزل اللّه من داء..إلاّ أنزل له شفاء».

و في«مسند الإمام أحمد»:عن أسامة بن شريك رضي اللّه تعالي عنه قال:كنت عند النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم و جاءت الأعراب،فقالوا:يا رسول اللّه؛أ نتداوي؟قال:«نعم؛يا عباد اللّه،تداووا،فإنّ اللّه عزّ و جلّ لم يضع داء..إلاّ وضع له شفاء،غير داء واحد»،قالوا:و ما هو؟ قال:«الهرم».

و في لفظ:«إنّ اللّه تعالي لم ينزل داء..إلاّ أنزل له شفاء؛علمه من علمه،و جهله من جهله».

و في«المسند»و«السّنن»:عن أبي خزامة قال:قلت:

يا رسول اللّه؛أ رأيت رقي نسترقيها،و دواء نتداوي به،و تقاة نتّقيها..

هل تردّ من قدر اللّه شيئا؟قال:«هي من قدر اللّه».

و ذكر البخاريّ في«صحيحه»:عن ابن مسعود رضي اللّه تعالي عنه:إنّ اللّه تعالي لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم.

و في«السّنن»:عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه قال:نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم عن الدّواء الخبيث.

و في«صحيح مسلم»:عن طارق بن سويد الجعفيّ رضي اللّه تعالي عنه:أنّه سأل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم عن الخمر؟فنهاه،أو كره

ص: 333

أن يصنعها،فقال:إنّما أصنعها للدّواء،فقال:«إنّ ذاك ليس بدواء؛ و لكنّه داء».

و في«السّنن»:أنّه صلّي اللّه عليه و سلّم سئل عن الخمر تجعل في الدّواء؟فقال:«إنّها داء،و ليست بالدّواء».

و يذكر عنه صلّي اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«من تداوي بالخمر..فلا شفاه اللّه تعالي».

و روي البخاريّ:عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها:أنّه كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أتي مريضا،أو أتي به..قال:«أذهب الباس ربّ النّاس،اشف و أنت الشّافي،لا شفاء إلاّ شفاؤك،شفاء لا يغادر سقما».

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها أيضا قالت:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا أخذ أهله الوعك..أمر بالحساء فصنع،ثمّ أمرهم فحسوا.و كان يقول:«إنّه ليرتو فؤاد الحزين،و يسرو عن فؤاد السّقيم،كما تسرو إحداكنّ الوسخ بالماء عن وجهها».

و قوله:(الوعك):هو الحمّي،أو ألمها.

و(الحساء)-بالفتح و المدّ-:طبيخ يتّخذ من دقيق و ماء و دهن.

و(يرتو):يشدّ و يقوّي.

و(يسرو):يكشف الألم و يزيله.

و في«السّنن»عنها[رضي اللّه تعالي عنها]أيضا:«عليكم بالبغيض

ص: 334

النّافع:التّلبين».قالت:و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اشتكي أحد من أهله..لم تزل البرمة علي النّار حتّي ينتهي أحد طرفيه- يعني:يبرأ-أو يموت.

و عنها[رضي اللّه تعالي عنها]أيضا:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا قيل له:إنّ فلانا وجع..لا يطعم الطّعام،قال:«عليكم بالتّلبينة،فأحسوه إيّاها»،و يقول:«و الّذي نفسي بيده؛إنّها تغسل بطن أحدكم كما تغسل إحداكنّ وجهها من الوسخ».

و(التّلبين و التّلبينة):الحساء الرّقيق الّذي هو في قوام اللّبن.

قال الهرويّ:سمّيت تلبينة؛لشبهها باللّبن لبياضها و رقّتها،و هذا هو الغذاء النّافع للعليل،و هو الرّقيق النّضيج،لا الغليظ النّيئ،و إذا شئت أن تعرف فضل التّلبينة..فاعرف فضل ماء الشّعير،فإنّها حساء يتّخذ من دقيق الشّعير.

و في«الصّحيحين»:عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:

سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقول:«التّلبينة:مجمّة (1)لفؤاد المريض؛تذهب ببعض الحزن».

و روي التّرمذيّ و ابن ماجه:عن عقبة بن عامر الجهنيّ رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«لا تكرهوا مرضاكم علي الطّعام و الشّراب؛فإنّ اللّه عزّ و جلّ يطعمهم و يسقيهم».ة.

ص: 335


1- مجمّة أو مجمّة لفؤاد المريض؛أي:مريحة.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا مرض أحد من أهل بيته..

نفث عليه بالمعوّذات.

و في«الصّحيحين»:عن ابن عمر رضي اللّه تعالي عنهما:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«إنّ الحمّي-أو شدّة الحمّي-من فيح جهنّم، فابردوها بالماء».

و قد ذكر أبو نعيم و غيره:من حديث أنس رضي اللّه تعالي عنه،يرفعه إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«إذا حمّ أحدكم..فليرشّ عليه الماء البارد ثلاث ليال من السّحر».

و في«السّنن»لابن ماجه:عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه، يرفعه إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«الحمّي كير (1)من كير جهنّم، فنحّوها عنكم بالماء البارد».

و في«المسند»و غيره:عن سمرة رضي اللّه تعالي عنه،يرفعه إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«الحمّي قطعة من النّار،فأبردوها عنكم بالماء البارد».

و في«السّنن»:من حديث أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه قال:

ذكرت الحمّي عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فسبّها رجل،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«لا تسبّها؛فإنّها تنفي الذّنوب،كما تنفي النّار خبث الحديد».ا.

ص: 336


1- الكير:جهاز من جلد أو نحوه يستخدمه الحداد و غيره للنفخ في النار لإذكائها.

و روي التّرمذيّ في«جامعه»:من حديث ثوبان رضي اللّه تعالي عنه،عن النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«إذا أصاب أحدكم الحمّي؛ فإنّ الحمّي قطعة من النّار،فليطفئها عنه بالماء،فليستقبل (1)نهرا جاريا ليستقبل جرية الماء،فيقول:(باسم اللّه،اللّهمّ؛اشف عبدك، و صدّق رسولك)بعد صلاة الصّبح قبل طلوع الشّمس،فليغتمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيّام،فإن لم يبرأ في ثلاث..فخمس،فإن لم يبرأ في خمس..فسبع،فإن لم يبرأ في سبع..فتسع؛فإنّها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن اللّه تعالي».

و في«الصحيحين»:عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه تعالي عنه:

أنّ رجلا أتي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم فقال:إنّ أخي يشتكي بطنه-و في رواية:استطلق بطنه-فقال:«اسقه عسلا»،فذهب،ثمّ رجع، فقال:قد سقيته عسلا؛فلم يغن عنه شيئا؟و في لفظ:فلم يزده إلاّ استطلاقا(مرّتين أو ثلاثا)-كلّ ذلك يقول له:«اسقه عسلا»،فقال له في الثّالثة أو الرّابعة:«صدق اللّه،و كذب بطن أخيك»،ثمّ سقاه، فبرأ بإذن اللّه تعالي.

و في«سنن ابن ماجه»:عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه مرفوعا:

«من لعق العسل ثلاث غدوات كلّ شهر..لم يصبه عظيم من البلاء».

و في أثر اخر:«عليكم بالشّفاءين:العسل،و القرآن».).

ص: 337


1- في نسخة:(فليستنقع).

و عن أسامة بن زيد رضي اللّه تعالي عنهما قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«الطّاعون رجز أرسل علي طائفة من بني إسرائيل،و علي من كان قبلكم،فإذا سمعتم به بأرض..فلا تدخلوا عليه،و إذا وقع بأرض و أنتم بها..فلا تخرجوا منها فرارا منه».

و روي هذا الحديث عن عبد الرّحمن بن عوف أيضا رضي اللّه تعالي عنه.

و في«سنن أبي داود»مرفوعا:«إنّ من القرف التّلف».

قال ابن قتيبة:(القرف)مداناة الوباء،و مداناة المرضي.

و في«صحيح البخاريّ»:عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما:

عن النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«الشّفاء في ثلاث:شربة عسل، و شرطة محجم،و كيّة نار.و أنهي أمّتي عن الكيّ».

و في«سنن ابن ماجه»:عن أنس رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«ما مررت ليلة أسري بي بملإ..إلاّ قالوا:يا محمّد؛مر أمّتك بالحجامة».و رواه التّرمذيّ:عن ابن عبّاس بلفظ:«عليك بالحجامة يا محمّد».

و قد روي عن النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«خير ما تداويتم به..الحجامة و الفصد».

و في حديث:«خير الدّواء..الحجامة و الفصد».

و روي التّرمذيّ في«جامعه»:عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما

ص: 338

يرفعه:«إنّ خير ما تحتجمون فيه يوم سابع عشرة،أو تاسع عشرة، و يوم إحدي و عشرين».

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه مرفوعا:«من احتجم يوم الأربعاء،أو يوم السّبت؛فأصابه بياض،أو برص..فلا يلومنّ إلاّ نفسه».

و روي الدّار قطنيّ من حديث نافع[رحمه اللّه تعالي]قال:قال لي عبد اللّه بن عمر:تبيّغ بي الدّم (1)،فأبغني حجّاما،و لا يكن صبيّا،و لا شيخا كبيرا،فإنّي سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقول:

«الحجامة..تزيد الحافظ حفظا،و العاقل عقلا،فاحتجموا علي اسم اللّه،و لا تحتجموا يوم الخميس،و الجمعة،و السّبت،و الأحد.

و احتجموا يوم الاثنين،و ما كان من جذام و لا برص إلاّ نزل يوم الأربعاء».

و قد روي أبو داود في«سننه»:من حديث أبي بكرة رضي اللّه تعالي عنه:أنّه كان يكره الحجامة يوم الثلاثاء.و قال:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«يوم الثّلاثاء..يوم الدّم،و فيه ساعة لا يرقأ».

و روي التّرمذيّ في«جامعه»و ابن ماجه في«سننه»:عن أسماء بنت عميس رضي اللّه تعالي عنها قالت:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«بما ذا كنت تستمشين؟»،قالت:بالشّبرم،قال:«حارّ..ن.

ص: 339


1- أي:هاج بي الدم و غلب،و ذلك حين تظهر حمرته في البدن.

حارّ»،ثمّ قالت:استمشيت بالسّنا.فقال:«لو كان شيء يشفي من الموت..كان السّني».

و(الشّبرم):قشر عرق شجرة.

و في«سنن ابن ماجه»:عن عبد اللّه بن أمّ حرام[رضي اللّه تعالي عنه]-و كان ممّن صلّي مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم القبلتين-قال:

سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقول:«عليكم بالسّنا و السّنّوت،فإنّ فيهما شفاء من كلّ داء،إلاّ السّام»،قيل:يا رسول اللّه؛و ما السّام؟قال:«الموت».

و(السّني):نبت حجازيّ،أفضله المكّيّ.

و اختلف في معني(السّنّوت)علي أقوال (1)،و أقربها إلي الصّواب:

أنّه العسل الّذي يكون في زقاق السّمن.

و روي التّرمذيّ:عن زيد بن أرقم رضي اللّه تعالي عنه:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«تداووا من ذات الجنب بالقسط البحريّ و الزّيت».

و(ذات الجنب):ورم حارّ يحدث في الغشاء المستبطن للأضلاع، و أ لم يشبهه يعرض في نواحي الجنب.ر.

ص: 340


1- قيل:إنه الزبد،و قيل:الجبن،و قيل:الطلاء الخاثر مع الزنجبيل،و قيل: عصارة التمر المطبوخ و ما يطبخ في التمر و العنب،و قيل:حب يشبه الكمون، و قيل:الكمون الكرماني،و قيل الرازيانج،و هو الشمار أو الشمر.

و(القسط البحريّ)هو:العود الهنديّ (1).

و في«الصّحيحين»:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«خير ما تداويتم به:الحجامة،و القسط البحريّ،و لا تعذّبوا صبيانكم بالغمز من العذرة» (2).

و في«السّنن و المسند»عن جابر بن عبد اللّه[رضي اللّه تعالي عنهما] قال:دخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم علي عائشة رضي اللّه تعالي عنها-و عندها صبيّ يسيل منخراه دما-فقال:«ما هذا؟»،قالوا:به العذرة،أو:وجع في رأسه،فقال:«ويلكنّ؛لا تقتلن أولادكنّ، أيّما امرأة أصاب ولدها عذرة،أو وجع في رأسه..فلتأخذ قسطا هنديّا، فتحكّه بماء،ثمّ تسعطه إيّاه»،فأمرت عائشة رضي اللّه تعالي عنها فصنع ذلك للصّبيّ فبرأ.

و(العذرة):تهيّج في الحلق من الدّم.

و قيل:قرحة تخرج فيما بين الأذن و الحلق،و تعرض للصّبيان غالبا.

و(القسط البحريّ):هو العود الهنديّ،و هو الأبيض منه،و فيه منافع عديدة،و كانوا يعالجون أولادهم بغمز اللّهاة (3)،و بالعلاق؛و هوق.

ص: 341


1- و هو العود الذي يتبخّر به،و يجلب من الهند.
2- العذرة:وجع في الحلق يصيب اللوزتين بالالتهاب.و الغمز:أن يدخل نحو الأصبع في حلق المريض و يضغط محل الوجع،فينفجر منه دم أسود.
3- اللحمة التي في أقصي الحلق.

شيء يعلّقونه علي الصّبيان،فنهاهم صلّي اللّه عليه و سلّم عن ذلك، و أرشدهم إلي ما هو أنفع للأطفال و أسهل عليهم.

و(السّعوط):ما يصبّ في أنف الإنسان و هو مستلق علي ظهره، و بين كتفيه ما يرفعهما؛لينخفض رأسه فيتمكّن السّعوط من الوصول إلي دماغه،و يستخرج ما فيه من الدّاء بالعطاس.

و قد مدح النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم التّداوي بالسّعوط فيما يحتاج إليه فيه.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يأمر أن يسترقي من العين.

و روي مسلم في«صحيحه»:عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«العين حقّ،و لو كان شيء سابق القدر..لسبقته العين».

و في«سنن أبي داود»:عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:

كان يؤمر العائن فيتوضّأ،ثمّ يغتسل منه المعين.

قال الزّهريّ:يؤمر الرّجل العائن بقدح،فيدخل كفّه فيه، فيتمضمض،ثمّ يمجّه في القدح،ثمّ يغسل وجهه في القدح،ثمّ يدخل يده اليسري،فيصبّ علي كفّه اليمني في القدح،ثمّ يدخل يده اليمني، فيصبّ علي كفّه اليسري،ثمّ يدخل يده اليسري،فيصبّ علي مرفقه الأيمن،ثمّ يدخل يده اليمني،فيصبّ علي مرفقه الأيسر،ثمّ يدخل يده اليسري،فيصبّ علي قدمه اليمني،ثمّ يدخل يده اليمني،فيصبّ علي قدمه اليسري ثمّ يدخل يده اليسري،فيصبّ علي ركبته اليمني،ثمّ

ص: 342

يدخل يده اليمني،فيصبّ علي ركبته اليسري،ثمّ يغسل داخلة إزاره (1)،و لا يوضع القدح في الأرض،ثمّ يصبّ علي رأس الرّجل الّذي تصيبه العين من خلفه صبّة واحدة.

و ممّا يدفع إصابة العين:

قول:(اللّهمّ بارك عليه).

و قول:(ما شاء اللّه لا قوّة إلاّ باللّه).ر.

ص: 343


1- أي الطرف المتدلّي الذي يلي حقوه الأيمن،و قيل:إنّ المراد ما يلي جسده من الإزار.

الفصل الثّاني: في سنّه صلّي اللّه عليه و سلّم و وفاته

سن رسول الله صلي الله عليه و آله

عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما قال:مكث النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم بمكّة ثلاث عشرة سنة يوحي إليه،و بالمدينة عشرا،و توفّي و هو ابن ثلاث و ستّين.

و في رواية عنه[رضي اللّه تعالي عنه]:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم توفّي و هو ابن خمس و ستّين.

و عن أنس بن مالك رضي اللّه تعالي عنه:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم توفّاه اللّه تعالي علي رأس ستّين سنة.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم مات و هو ابن ثلاث و ستّين سنة.

و عن جرير بن حازم الأسديّ[رحمه اللّه تعالي]عن معاوية رضي اللّه تعالي عنه:أنّه سمعه يخطب،قال:مات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و هو ابن ثلاث و ستّين،و أبو بكر و عمر،و أنا ابن ثلاث و ستّين سنة.

قوله:(أنا ابن ثلاث و ستّين)المراد:أنّه كان كذلك وقت تحديثه بهذا الحديث،و لم يمت فيه،بل عاش حتّي بلغ نحو ثمانين سنة.

ص: 344

وفاة رسول اللّه صلي الله عليه و آله

و أمّا وفاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

فعن أنس بن مالك رضي اللّه تعالي عنه قال:اخر نظرة نظرتها إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كشف السّتارة يوم الاثنين،فنظرت إلي وجهه كأنّه ورقة مصحف (1)،و النّاس خلف أبي بكر،فكاد النّاس أن يضطربوا،فأشار إلي النّاس:أن اثبتوا و أبو بكر يؤمّهم،و ألقي السّجف،و توفّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم من اخر ذلك اليوم.

و(السّجف):السّتارة.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:كنت مسندة النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم إلي صدري-أو قالت:إلي حجري-فدعا بطست؛ليبول فيه (2)،ثمّ بال،فمات صلّي اللّه عليه و سلّم.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها أيضا أنّها قالت:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و هو بالموت،و عنده قدح فيه ماء،و هو يدخل يده في القدح،ثمّ يمسح وجهه بالماء،ثمّ يقول:«اللّهمّ؛أعنّي علي سكرات الموت».

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها أيضا قالت:لا أغبط أحدا بهون موت بعد الّذي رأيت من شدّة موت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها أيضا قالت:لمّا قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم..اختلفوا في دفنه،فقال أبو بكر:سمعت من

ص: 345


1- و هو كناية عن الجمال البارع و حسن البشرة،و صفاء الوجه و استنارته.
2- إناء من نحاس مستدير،يغسل فيه.معرب(تشت).

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم شيئا ما نسيته؛قال:«ما قبض اللّه نبيّا إلاّ في الموضع الّذي يحبّ أن يدفن فيه،ادفنوه في موضع فراشه».

و عن عائشة أيضا و ابن عبّاس[رضي اللّه تعالي عنهم]:أنّ أبا بكر قبّل النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم بعد ما مات.

و عن عائشة أيضا رضي اللّه تعالي عنها:أنّ أبا بكر دخل علي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم بعد وفاته،فوضع فمه بين عينيه،و وضع يديه علي ساعديه،و قال:وا نبيّاه،وا صفيّاه،وا خليلاه.

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه قال:لمّا كان اليوم الّذي دخل فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم المدينة..أضاء منها كلّ شيء،فلمّا كان اليوم الّذي مات فيه..أظلم منها كلّ شيء،و ما نفضنا أيدينا من التّراب، و إنّا لفي دفنه حتّي أنكرنا قلوبنا.

و عن عائشة رضي اللّه تعالي عنها قالت:توفّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يوم الاثنين.

و عن محمّد الباقر رضي اللّه تعالي عنه-و هو من التّابعين-قال:قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يوم الاثنين،فمكث ذلك اليوم،و ليلة الثّلاثاء،و دفن من اللّيل.

و عن سالم بن عبيد رضي اللّه تعالي عنه-و كانت له صحبة-قال:

أغمي علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في مرضه،فأفاق،فقال:

«حضرت الصّلاة؟»،فقالوا:نعم،فقال:«مروا بلالا فليؤذّن، و مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس».

ص: 346

قال:ثمّ أغمي عليه،فأفاق،فقال:«حضرت الصّلاة؟»، فقالوا:نعم،فقال:«مروا بلالا فليؤذّن،و مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس».

فقالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:إنّ أبي رجل أسيف-أي:حزين- إذا قام ذلك المقام..بكي،فلا يستطيع،فلو أمرت غيره.

قال:ثمّ أغمي عليه،فأفاق،فقال:«مروا بلالا فليؤذّن،و مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس،فإنّكنّ صواحب-أو صواحبات-يوسف»؛ أي:مثلهنّ في إظهار خلاف ما يبطنّ.

قال:فأمر بلال فأذّن،و أمر أبو بكر فصلّي بالنّاس،ثمّ إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم وجد خفّة فقال:«انظروا لي من أتّكيء عليه»، فجاءت بريرة و رجل اخر؛فاتّكأ عليهما،فلمّا راه أبو بكر ذهب لينكص؛فأومأ إليه أن يثبت مكانه حتّي قضي أبو بكر صلاته.

ثمّ إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قبض،فقال عمر:و اللّه؛لا أسمع أحدا يذكر أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قبض إلاّ ضربته بسيفي هذا.قال:و كان النّاس أمّيّين؛لم يكن فيهم نبيّ قبله،فأمسك النّاس.

فقالوا:يا سالم؛انطلق إلي صاحب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فادعه،فأتيت أبا بكر رضي اللّه تعالي عنه-و هو في المسجد-فأتيته أبكي دهشا؟فلمّا رآني..قال لي:أقبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، قلت:إنّ عمر يقول:لا أسمع أحدا يذكر أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه

ص: 347

و سلّم قبض..إلاّ ضربته بسيفي هذا،فقال لي:انطلق،فانطلقت معه،فجاء هو و النّاس قد دخلوا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، فقال:يا أيّها النّاس؛أفرجوا لي،فأفرجوا له،فجاء حتّي أكبّ عليه و مسّه فقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30].

ثمّ قالوا:يا صاحب رسول اللّه؛أقبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؟قال:نعم،فعلموا أن قد صدق.

قالوا:يا صاحب رسول اللّه؛أ يصلّي علي رسول اللّه؟قال:نعم، قالوا:و كيف؟قال:يدخل قوم،فيكبّرون و يصلّون،و يدعون،ثمّ يخرجون،ثمّ يدخل قوم،فيكبّرون و يصلّون،و يدعون،ثمّ يخرجون،حتّي يدخل النّاس.

قالوا:يا صاحب رسول اللّه؛أ يدفن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؟

قال:نعم،قالوا:أين؟قال:في المكان الّذي قبض اللّه فيه روحه، فإنّ اللّه لم يقبض روحه إلاّ في مكان طيّب،فعلموا أن قد صدق.

ثمّ أمرهم أن يغسّله بنو أبيه.

و اجتمع المهاجرون يتشاورون،فقالوا:انطلق بنا إلي إخواننا من الأنصار ندخلهم معنا في هذا الأمر،فقالت الأنصار:منّا أمير،و منكم أمير،فقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالي عنه:من له مثل هذه الثّلاثة؟

ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا [التوبة:40]من هما؟.

ص: 348

قال:ثمّ بسط يده فبايعه،و بايعه النّاس،بيعة حسنة جميلة.

قال الباجوريّ:

(الفضيلة الأولي:كونه أحد الاثنين في قوله تعالي: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ [التوبة:40].

الفضيلة الثّانية:إثبات الصّحبة في قوله تعالي: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ [التوبة:40].

فسمّاه اللّه(صاحبه)،فمن أنكر صحبته..كفر؛لمعارضته القرآن.

الفضيلة الثّالثة:إثبات المعيّة في قوله تعالي: إِنَّ اللّهَ مَعَنا [التوبة:40].

فثبوت هذه الفضائل له..يؤذن بأحقّيّته بالخلافة).

و عن أنس بن مالك رضي اللّه تعالي عنه قال:لمّا وجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم من كرب الموت ما وجد..قالت فاطمة رضي اللّه [تعالي]عنها:وا كرباه،فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«لا كرب علي أبيك بعد اليوم؛إنّه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحدا، الموافاة يوم القيامة».

قال الإمام الغزاليّ في«الإحياء»:(قال ابن مسعود رضي اللّه تعالي عنه:دخلنا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في بيت أمّنا عائشة رضي اللّه تعالي عنها حين دنا الفراق،فنظر إلينا،فدمعت عيناه صلّي اللّه

ص: 349

عليه و سلّم،ثمّ قال:«مرحبا بكم،حيّاكم اللّه،آواكم اللّه، نصركم اللّه،و أوصيكم بتقوي اللّه،و أوصي بكم اللّه،إنّي لكم منه نذير مبين؛ألا تعلوا علي اللّه في بلاده و عباده،و قد دنا الأجل،و المنقلب إلي اللّه،و إلي سدرة المنتهي،و إلي جنّة المأوي،و إلي الكأس الأوفي،فاقرءوا علي أنفسكم و علي من دخل في دينكم بعدي منّي السّلام و رحمة اللّه».

و روي:أنّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال لجبريل عليه السّلام عند موته:

«من لأمّتي من بعدي؟»،فأوحي اللّه تعالي إلي جبريل:أن بشّر حبيبي أنّي لا أخذله في أمّته،و بشّره أنّه أسرع النّاس خروجا من الأرض إذا بعثوا،و سيّدهم إذا جمعوا،و أنّ الجنّة محرّمة علي الأمم،حتّي تدخلها أمّته،فقال[صلّي اللّه عليه و سلّم]:«الآن قرّت عيني».

و قالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:أمرنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أن نغسّله بسبع قرب من سبعة آبار،ففعلنا ذلك،فوجد راحة، فخرج،فصلّي بالنّاس،و استغفر لأهل أحد،و دعا لهم،و أوصي بالأنصار،فقال:«أمّا بعد:يا معشر المهاجرين؛فإنّكم تزيدون، و أصبحت الأنصار لا تزيد علي هيئتها الّتي هي عليها اليوم،و إنّ الأنصار عيبتي الّتي أويت إليها (1)،فأكرموا كريمهم-يعني:محسنهم-و تجاوزوا عن مسيئهم».

ثمّ قال[صلّي اللّه عليه و سلّم]:«إنّ عبدا خيّر بين الدّنيا و بين ماي.

ص: 350


1- أي:موضع سرّي.

عند اللّه..فاختار ما عند اللّه»،فبكي أبو بكر رضي اللّه تعالي عنه، و ظنّ أنّه يريد نفسه.

فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«علي رسلك يا أبا بكر،سدّوا هذه الأبواب الشّوارع في المسجد،إلاّ باب أبي بكر؛فإنّي لا أعلم امرأ أفضل عندي في الصحبة من أبي بكر».

قالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:فقبض صلّي اللّه عليه و سلّم في بيتي،و في يومي،و بين سحري و نحري (1)،و جمع اللّه بين ريقي و ريقه عند الموت،فدخل عليّ أخي عبد الرّحمن و بيده سواك،فجعل ينظر إليه،فعرفت أنّه يعجبه ذلك،فقلت له:اخذه لك؟فأومأ برأسه-أي:

نعم-فناولته إيّاه،فأدخله في فيه،فاشتدّ عليه،فقلت:أليّنه لك؟

فأومأ برأسه-أي:نعم-فليّنته،و كان بين يديه ركوة ماء،فجعل يدخل فيها يده و يقول:«لا إله إلاّ اللّه،إنّ للموت لسكرات»،ثمّ نصب يده يقول:«الرّفيق الأعلي..الرّفيق الأعلي».

فقلت:إذا-و اللّه-لا يختارنا.

و روي سعيد بن عبد اللّه،عن أبيه[رحمهما اللّه تعالي]قال:لمّا رأت الأنصار أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يزداد ثقلا..أطافوا بالمسجد،فدخل العبّاس رضي اللّه تعالي عنه علي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم فأعلمه بمكانهم و إشفاقهم.ر.

ص: 351


1- السّحر:الصدر.و النّحر:موضع القلادة من الصدر.

ثمّ دخل عليه الفضل[رضي اللّه تعالي عنه]فأعلمه بمثل ذلك.

ثمّ دخل عليه عليّ رضي اللّه تعالي عنه فأعلمه بمثله،فمدّ يده، و قال:«ها»فتناولوه،فقال:«ما يقولون؟»،قالوا:يقولون:

نخشي أن تموت.

و تصايح نساؤهم لاجتماع رجالهم إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم، فثار رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؛فخرج متوكّئا علي عليّ و الفضل، و العبّاس أمامه،و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم معصوب الرّأس يخطّ برجليه،حتّي جلس علي أسفل مرقاة من المنبر،و ثاب النّاس إليه، فحمد اللّه،و أثني عليه،و قال:

«أيّها النّاس؛إنّه بلغني أنّكم تخافون عليّ الموت،كأنّه استنكار منكم للموت؟!و ما تنكرون من موت نبيّكم؟أ لم أنع إليكم،و تنعي إليكم أنفسكم؟!

هل خلّد نبيّ قبلي فيمن بعث..فأخلّد فيكم؟

ألا و إنّي لاحق بربّي،ألا و إنّكم لاحقون به.

و إنّي أوصيكم بالمهاجرين الأوّلين خيرا،و أوصي المهاجرين فيما بينهم؛فإنّ اللّه عزّ و جلّ قال: وَ الْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا [العصر:1-3]...إلي اخرها.

و إنّ الأمور تجري بإذن اللّه،فلا يحملنّكم استبطاء أمر علي استعجاله،فإنّ اللّه عزّ و جلّ لا يعجل لعجلة أحد،و من غالب اللّه..

غلبه،و من خادع اللّه..خدعه

ص: 352

فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ [محمد:22].

و أوصيكم بالأنصار خيرا،فإنّهم الّذين تبوّءوا الدّار و الإيمان من قبلكم؛أن تحسنوا إليهم،أ لم يشاطروكم في الثّمار؟!أ لم يوسّعوا عليكم (1)في الدّيار؟!أ لم يؤثروكم علي أنفسهم و بهم الخصاصة؟!.

ألا..فمن ولي أن يحكم بين رجلين..فليقبل من محسنهم، و ليتجاوز عن مسيئهم.

ألا..و لا تستأثروا عليهم.

ألا..و إنّي فرط (2)لكم،و أنتم لاحقون بي.

ألا..و إنّ موعدكم الحوض،حوضي أعرض ممّا بين بصري الشّام و صنعاء اليمن،يصبّ فيه ميزاب الكوثر ماء،أشدّ بياضا من اللّبن، و ألين من الزّبد،و أحلي من الشّهد (3)،من شرب منه..لم يظمأ أبدا، حصباؤه اللّؤلؤ،و بطحاؤه المسك،من حرمه في الموقف غدا..حرم الخير كلّه.

ألا..فمن أحبّ أن يرده عليّ غدا..فليكفف لسانه و يده إلاّ مما (4)ينبغي.

فقال العبّاس:يا نبيّ اللّه؛أوص بقريش.).

ص: 353


1- في نسخة:(لكم).
2- أي:سابق.
3- الشهد:العسل في شمعه.
4- في نسخة:(فيما).

فقال:«إنّما أوصي بهذا الأمر قريشا؛و النّاس تبع لقريش،برّهم لبرّهم،و فاجرهم لفاجرهم (1)،فاستوصوا-ال قريش-بالنّاس خيرا.

يا أيّها النّاس؛إنّ الذّنوب تغيّر النّعم و تبدّل القسم،فإذا برّ النّاس..

برّهم أئمّتهم،و إذا فجر النّاس (2)..عقّوهم.

قال اللّه تعالي: وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ » [الأنعام:129].

و روي ابن مسعود رضي اللّه تعالي عنه:أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال لأبي بكر رضي اللّه تعالي عنه:«سل يا أبا بكر».

فقال:يا رسول اللّه؛دنا الأجل؟فقال:«قد دنا الأجل، و تدلّي».

فقال:ليهنك يا نبيّ اللّه ما عند اللّه،فليت شعري عن منقلبنا؟فقال:

«إلي اللّه،و إلي سدرة المنتهي،ثمّ إلي جنّة المأوي،و الفردوس الأعلي،و الكأس الأوفي،و الرّفيق الأعلي،و الحظّ و العيش المهنّا».

فقال:يا نبيّ اللّه؛من يلي غسلك؟قال:«رجال من أهل بيتي؛ الأدني فالأدني».

قال (3):يا رسول اللّه؛فيم نكفّنك؟قال:«في ثيابي هذه،و في حلّة يمانية،و في بياض مصر».).

ص: 354


1- في نسخة:(برّهم تبع لبرّهم،و فاجرهم تبع لفاجرهم).
2- في نسخة:(و إذا فجروا).
3- في نسخة:(قلنا).

فقال:كيف الصّلاة عليك منّا؟و بكينا،و بكي...ثمّ قال:«مهلا غفر اللّه لكم،و جزاكم عن نبيّكم خيرا.

إذا غسّلتموني و كفّنتموني..فضعوني علي سريري هذا،في بيتي هذا علي شفير قبري،ثم اخرجوا عنّي ساعة-فإنّ أوّل من يصلّي عليّ اللّه عزّ و جلّ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ [الأحزاب:43].

ثمّ يأذن للملائكة في الصّلاة عليّ،فأوّل من يدخل عليّ من خلق اللّه و يصلّي عليّ..جبريل،ثمّ ميكائيل،ثمّ إسرافيل،ثمّ ملك الموت مع جنود كثيرة،ثمّ الملائكة بأجمعها صلّي اللّه عليهم أجمعين،ثمّ أنتم؛ فادخلوا عليّ أفواجا،فصلّوا عليّ أفواجا؛زمرة زمرة،و سلّموا تسليما،و لا تؤذوني (1)بتزكية و لا صيحة و لا رنّة،و ليبدأ منكم الإمام، و أهل بيتي الأدني..فالأدني،ثمّ زمرة النّساء،ثمّ زمرة الصّبيان.

قال:فمن يدخلك القبر؟قال:«زمر من أهل بيتي...الأدني فالأدني مع ملائكة كثيرة لا ترونهم؛و هم يرونكم،قوموا فأدّوا عنّي إلي من بعدي».

و قال عبد اللّه بن زمعة[رضي اللّه تعالي عنه]:جاء بلال[رضي اللّه تعالي عنه]في أوّل شهر ربيع الأوّل،فأذّن بالصّلاة،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«مروا أبا بكر يصلّي بالنّاس».

فخرجت فلم أر بحضرة الباب إلاّ عمر في رجال ليس فيهم أبو بكر،).

ص: 355


1- في نسخة:(و لا تؤذنوا).

فقلت:قم يا عمر فصلّ بالنّاس،فقام عمر،فلمّا كبّر-و كان رجلا صيّتا سمع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم صوته بالتّكبير..فقال:«أين أبو بكر؟يأبي اللّه ذلك،و المسلمون»قالها ثلاث مرّات:«مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس»،فقالت عائشة رضي اللّه[تعالي]عنها:يا رسول اللّه؛ إنّ أبا بكر رجل رقيق،إذا قام في مقامك غلبه البكاء.

فقال:«إنّكنّ صويحبات يوسف،مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس».

قال:فصلّي أبو بكر بعد الصّلاة الّتي صلّي عمر.

فكان عمر يقول لعبد اللّه بن زمعة بعد ذلك:ويحك،ما ذا صنعت بي؟و اللّه لو لا أنّي ظننت أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أمرك..ما فعلت،فيقول عبد اللّه:إنّي لم أر أحدا أولي بذلك منك.

قالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:و ما قلت ذلك و لا صرفته عن أبي بكر إلاّ رغبة به عن الدّنيا،و لما في الولاية من المخاطرة و الهلكة إلاّ من سلّم اللّه،و خشيت أيضا ألا يكون النّاس يحبّون رجلا صلّي في مقام النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم و هو حيّ أبدا-إلاّ أن يشاء اللّه-فيحسدونه، و يبغون عليه،و يتشاءمون به،فإذا الأمر أمر اللّه،و القضاء قضاء اللّه تعالي،و عصمه اللّه تعالي من كلّ ما تخوّفت عليه من أمر الدّنيا و الدّين.

و قالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:فلمّا كان اليوم الّذي مات فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم..رأوا منه خفّة في أوّل النّهار؛فتفرّق عنه الرّجال إلي منازلهم و حوائجهم مستبشرين،و أخلوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم بالنّساء،فبينا نحن علي ذلك-لم نكن علي مثل

ص: 356

حالنا في الرّجاء و الفرح قبل ذلك-قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:

«اخرجن عنّي؛هذا الملك يستأذن عليّ».

فخرج من في البيت غيري،و رأسه في حجري،فجلس،و تنحّيت في جانب البيت،فناجي الملك طويلا،ثمّ إنّه دعاني؛فأعاد رأسه في حجري،و قال للنّسوة:«ادخلن»،فقلت:ما هذا بحسّ جبريل عليه السّلام؟فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«أجل يا عائشة؛هذا ملك الموت،جاءني فقال:إنّ اللّه عزّ و جلّ أرسلني،و أمرني أن لا أدخل عليك إلاّ بإذن،فإن لم تأذن لي..أرجع،و إن أذنت لي..

دخلت،و أمرني ألا أقبضك حتّي تأمرني،فما ذا أمرك؟فقلت:

«اكفف عنّي،حتّي يأتيني جبريل عليه السّلام،فهذه ساعة جبريل».

قالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:فاستقبلنا بأمر لم يكن له عندنا جواب؛و لا رأي،فوجمنا و كأنّما ضربنا بصاخّة-أي:بصيحة-ما نحير إليه شيئا،و ما يتكلّم أحد من أهل البيت؛إعظاما لذلك الأمر،و هيبة ملأت أجوافنا.

قالت:و جاء جبريل في ساعته فسلّم،فعرفت حسّه،و خرج أهل البيت،فدخل فقال:إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرأ عليك السّلام،و يقول:كيف تجدك؟و هو أعلم بالّذي تجد منك،و لكن أراد أن يزيدك كرامة و شرفا،و أن يتمّ كرامتك و شرفك علي الخلق،و أن تكون سنّة في أمّتك،فقال:«أجدني وجعا».

فقال:أبشر،فإنّ اللّه تعالي أراد أن يبلّغك ما أعدّ لك،فقال:

ص: 357

«يا جبريل؛إنّ ملك الموت استأذن عليّ..»و أخبره الخبر.

فقال جبريل:يا محمّد؛إنّ ربّك إليك مشتاق،أ لم يعلمك الّذي يريد بك؟!لا و اللّه ما استأذن ملك الموت علي أحد قطّ و لا يستأذن عليه أبدا،ألا إنّ ربّك متمّ شرفك،و هو إليك مشتاق.

قال:«فلا تبرح إذا حتّي يجيء».

و أذن للنّساء،فقال:«يا فاطمة؛أدني»،فأكبّت عليه،فناجاها، فرفعت رأسها و عيناها تدمع (1)؛و ما تطيق الكلام،ثمّ قال:«أدني منّي رأسك»،فأكبّت عليه،فناجاها،فرفعت رأسها؛و هي تضحك و ما تطيق الكلام،و كان الّذي رأينا منها عجبا،فسألتها بعد ذلك..فقالت:

أخبرني،و قال:«إنّي ميّت اليوم»،فبكيت،ثمّ قال:«إنّي دعوت اللّه أن يلحقك بي في أوّل أهلي،و أن يجعلك معي»فضحكت.

و أدنت ابنيها منه فشمّهما (2).

قالت:و جاء ملك الموت،و استأذن؛فأذن له،فقال الملك:ما تأمرنا يا محمّد؟قال:«ألحقني بربّي الآن»،فقال:بلي؛من يومك هذا،أما إنّ ربّك إليك مشتاق،و لم يتردّد عن أحد تردّده عنك،و لم ينهني عن الدّخول علي أحد إلاّ بإذن غيرك،و لكنّ ساعتك أمامك.

و خرج.

قالت:و جاء جبريل فقال:السّلام عليك يا رسول اللّه؛هذا اخر ما).

ص: 358


1- في نسخة:(تذرفان).
2- في نسخة:(و أدنت ابنتها منه فشمّها).

أنزل فيه إلي الأرض أبدا،طوي الوحي و طويت الدّنيا،و ما كان لي في الأرض حاجة غيرك،و ما لي فيها حاجة إلاّ حضورك،ثمّ لزوم موقفي.

لا و الّذي بعث محمّدا بالحقّ؛ما في البيت أحد يستطيع أن يحير إليه في ذلك كلمة (1)،و لا يبعث إلي أحد من رجاله لعظم ما يسمع من حديثه،و وجدنا و إشفاقنا.

قالت:فقمت إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم حتّي أضع رأسه بين ثدييّ،و أمسكت بصدره،و جعل يغمي عليه حتّي يغلب،و جبهته ترشح رشحا ما رأيته من إنسان قطّ،فجعلت أسلت ذلك العرق (2)،و ما وجدت رائحة شيء أطيب منه،فكنت أقول له إذا أفاق:بأبي أنت و أمّي،و نفسي و أهلي؛ما تلقي جبهتك من الرّشح؟فقال:«يا عائشة؛ إنّ نفس المؤمن تخرج بالرّشح،و نفس الكافر تخرج من شدقيه (3)كنفس الحمار».

فعند ذلك ارتعنا،و بعثنا إلي أهلنا،فكان أوّل رجل جاءنا-و لم يشهده-أخي،بعثه إليّ أبي،فمات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قبل أن يجيء أحد،و إنّما صدّهم اللّه عنه؛لأنّه ولاّه جبريل و ميكائيل، و جعل إذا أغمي عليه..قال:«بل الرّفيق الأعلي»،كأنّ الخيرة تعاد عليه،فإذا أطاق الكلام..قال:«الصّلاة..الصّلاة؛إنّكم لا تزالون).

ص: 359


1- أي:يعيدها.
2- أي:أزيله و أمسحه.
3- في نسخة:(شدقه).

متماسكين ما صلّيتم جميعا،الصّلاة..الصّلاة»،كان يوصي بها حتّي مات؛و هو يقول:«الصّلاة..الصّلاة».

قالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:مات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم بين ارتفاع الضّحي،و انتصاف النّهار يوم الاثنين.

قالت فاطمة رضي اللّه تعالي عنها:ما لقيت من يوم الاثنين،و اللّه لا تزال الأمّة تصاب فيه بعظيمة.

و قالت أمّ كلثوم[رضي اللّه تعالي عنها]-يوم أصيب عليّ كرّم اللّه وجهه بالكوفة-مثلها:ما لقيت من يوم الاثنين،مات فيه جدّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و فيه قتل عمر،و فيه قتل أبي،فما لقيت من يوم الاثنين.

و قالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:لمّا مات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم..اقتحم النّاس حين ارتفعت الرّنّة (1)و سجّي (2)رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم بثوبي؛فاختلفوا،فكذّب بعضهم بموته،و أخرس بعضهم،فما تكلّم إلاّ بعد البعد،و خلّط آخرون؛فلاثوا الكلام بغير بيان،و بقي آخرون معهم عقولهم،و أقعد آخرون؛فكان عمر بن الخطّاب فيمن كذّب بموته،و عليّ فيمن أقعد،و عثمان فيمن أخرس، فخرج عمر علي النّاس؛و قال:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم لم يمت،و ليرجعنّه اللّه عزّ و جلّ،و ليقطّعنّ أيدي و أرجل رجال مني.

ص: 360


1- أي:صوت البكاء.
2- أي:غطّي.

المنافقين يتمنّون لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم الموت،إنّما واعده اللّه عزّ و جلّ كما واعد موسي؛و هو آتيكم.

و في رواية أنّه قال:يا أيّها النّاس؛كفّوا ألسنتكم عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؛فإنّه لم يمت،و اللّه لا أسمع أحدا يذكر أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قد مات..إلاّ علوته بسيفي هذا.

و أمّا عليّ:فإنّه أقعد فلم يبرح في البيت.

و أمّا عثمان:فجعل لا يكلّم أحدا؛يؤخذ بيده فيجاء به،و يذهب به.

و لم يكن أحد من المسلمين في مثل حال أبي بكر و العبّاس،فإنّ اللّه عزّ و جلّ أيّدهما بالتّوفيق و السّداد،و إن كان النّاس لم يرعووا إلاّ بقول أبي بكر،حتّي جاء العبّاس فقال:و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو؛لقد ذاق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم الموت،و لقد قال اللّه له و هو بين أظهركم: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:30-31].

و بلغ أبا بكر الخبر-و هو في بني الحارث بن الخزرج-فجاء،و دخل علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فنظر إليه،ثمّ أكبّ عليه،فقبّله،ثمّ قال:بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه؛ما كان اللّه ليذيقك الموت مرّتين، فقد-و اللّه-توفّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم.

ثمّ خرج إلي النّاس فقال:أيّها النّاس؛من كان يعبد محمّدا فإنّ محمّدا قد مات،و من كان يعبد ربّ محمّد فإنّه حيّ لا يموت.قال اللّه

ص: 361

تعالي: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلي أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ [آل عمران:144].

فكأنّ النّاس لم يسمعوا هذه الآية إلاّ يومئذ.

و في رواية:أنّ أبا بكر رضي اللّه تعالي عنه لمّا بلغه الخبر..دخل بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و هو يصلّي علي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم و عيناه تهملان،و غصصه ترتفع كقصع الجرّة.

و(الجرّة-بالكسر-):ما تخرجه الإبل من كروشها،فتجترّه.

و(قصعها):إخراجها مستقيمة من غير تقطيع و شدّة مضغ.

و هو في ذلك (1)جلد الفعل و المقال،فأكبّ عليه،فكشف عن وجهه،و قبّل جبينه و خدّيه،و مسح وجهه و جعل يبكي و يقول:

بأبي أنت و أمّي و نفسي و أهلي،طبت حيّا و ميتا،انقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء،فعظمت عن الصّفة،و جللت عن البكاء، و خصّصت حتّي صرت مسلاة (2)،و عمّمت حتّي صرنا فيك سواء،و لو لا أنّ موتك كان اختيارا منك؛لجدنا لحزنك بالنّفوس،و لو لا أنّك نهيت عن البكاء؛لأنفدنا عليك ماء العيون (3).

فأمّا ما لا نستطيع نفيه عنّا..فكمد و ادّكار محالفان لا يبرحان،اللّهمّي.

ص: 362


1- في نسخة:(و هو مع ذلك).
2- أي:بحيث يتسلّون بك أي:يروّحون بك عن نفوسهم.
3- في نسخة:(ماء الشّئون)؛و كلاهما بمعني.

فأبلغه عنّا،اذكرنا يا محمّد-صلّي اللّه عليه و سلّم-عند ربّك،و لنكن من بالك،فلولا ما خلّفت من السّكينة..لم يقم أحد لما خلّفت من الوحشة،اللّهمّ أبلغ نبيّك عنّا،و احفظه فينا.

و عن ابن عمر[رضي اللّه تعالي عنهما]أنّه لمّا دخل أبو بكر رضي اللّه تعالي عنه البيت و صلّي و أثني..عجّ أهل البيت عجيجا سمعه أهل المصلّي؛كلّما ذكر شيئا..ازدادوا،فما سكّن عجيجهم إلاّ تسليم رجل علي الباب صيّت جلد؛قال:السّلام عليكم يا أهل البيت كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].

إنّ في اللّه خلفا من كلّ أحد،و دركا لكلّ رغبة،و نجدة من كلّ مخافة،فاللّه فارجوا،و به فثقوا،فاستمعوا له و أنكروه،و قطعوا البكاء،فلمّا انقطع البكاء..فقد صوته؛فاطّلع أحدهم فلم ير أحدا، ثمّ عادوا فبكوا،فناداهم مناد اخر،لا يعرفون صوته:يا أهل البيت؛ اذكروا اللّه،و احمدوه علي كلّ حال..تكونوا من المخلصين،إنّ في اللّه عزاء من كلّ مصيبة،و عوضا من كلّ رغيبة،فاللّه فأطيعوا، و بأمره فاعملوا.

فقال أبو بكر:هذا الخضر و اليسع عليهما السّلام؛قد حضرا النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم.

و استوفي القعقاع بن عمرو[رضي اللّه تعالي عنه]حكاية خطبة أبي بكر رضي اللّه تعالي عنه فقال:قام أبو بكر في النّاس خطيبا حيث قضي النّاس

ص: 363

عبراتهم بخطبة جلّها الصّلاة علي النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم،فحمد اللّه، و أثني عليه علي كلّ حال،و قال:

أشهد ألا إله إلاّ اللّه واحده،صدق وعده،و نصر عبده،و غلب الأحزاب واحده،فللّه الحمد واحده.

و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،و خاتم أنبيائه،و أشهد أنّ الكتاب كما نزل،و أنّ الدّين كما شرع،و أنّ الحديث كما حدّث،و أنّ القول كما قال،و أنّ اللّه هو الحقّ المبين.

اللّهمّ؛فصلّ علي محمّد عبدك،و رسولك،و نبيّك،و حبيبك، و أمينك و خيرتك،و صفوتك..بأفضل ما صلّيت به علي أحد من خلقك.

اللّهمّ؛و اجعل صلاتك،و معافاتك،و رحمتك،و بركاتك..

علي سيّد المرسلين،و خاتم النّبيّين و إمام المتّقين،محمّد قائد الخير، و إمام الخير،و رسول الرّحمة.

اللّهمّ؛قرّب زلفته،و عظّم برهانه،و كرّم مقامه،و ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأوّلون و الآخرون،و انفعنا بمقامه المحمود يوم القيامة،و اخلفه فينا في الدّنيا و الآخرة،و بلّغه الدّرجة و الوسيلة في الجنّة.

اللّهمّ؛صلّ علي محمّد،و علي آل محمّد،و بارك علي محمّد، و علي آل محمّد،كما صلّيت و باركت علي إبراهيم؛إنّك حميد مجيد.

يا أيّها النّاس؛إنّه من كان يعبد محمّدا..فإنّ محمّدا قد مات،و من

ص: 364

كان يعبد اللّه..فإنّ اللّه حيّ لم يمت،و إنّ اللّه قد تقدّم إليكم في أمره فلا تدعوه جزعا؛فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد اختار لنبيّه صلّي اللّه عليه و سلّم ما عنده علي ما عندكم،و قبضه إلي ثوابه،و خلّف فيكم كتابه و سنّة نبيّه صلّي اللّه عليه و سلّم،فمن أخذ بهما..عرف،و من فرّق بينهما..أنكر.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ [النساء:135].

و لا يشغلنّكم الشّيطان بموت نبيّكم،و لا يفتننّكم عن دينكم، و عاجلوا الشّيطان بالخير تعجزوه،و لا تستنظروه فيلحق بكم و يفتنكم.

و قال ابن عبّاس:لمّا فرغ أبو بكر من خطبته..قال:

يا عمر؛أنت الّذي بلغني أنّك تقول:(ما مات نبيّ اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؟!)أ ما تري أنّ نبيّ اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال يوم كذا:كذا و كذا،و يوم كذا:كذا و كذا،و قال اللّه تعالي في كتابه: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30].

فقال:و اللّه؛لكأنّي لم أسمع بها في كتاب اللّه قبل الآن لما نزل بنا، أشهد أنّ الكتاب كما نزل،و أنّ الحديث كما حدّث،و أنّ اللّه حيّ لا يموت،إنّا للّه و إنّا إليه راجعون،و صلوات اللّه علي رسوله،و عند اللّه نحتسب رسوله صلّي اللّه عليه و سلّم.

ثمّ جلس إلي أبي بكر.

و قالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:لمّا اجتمعوا لغسله..قالوا:و اللّه ما ندري كيف نغسّل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؛ه دّرجنأ عن ثيابه كما نصنع بموتانا،أم نغسّله في ثيابه؟

ص: 365

قالت:فأرسل اللّه عليهم النّوم حتّي ما بقي منهم رجل إلاّ واضع لحيته علي صدره نائما،ثمّ قال قائل لا يدري من هو:غسّلوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و عليه ثيابه؛فانتبهوا،ففعلوا ذلك،فغسّل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في قميصه؛حتّي إذا فرغوا من غسله..

كفّن.

و قال عليّ كرّم اللّه وجهه:أردنا خلع قميصه فنودينا:لا تخلعوا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ثيابه،فأقررناه،فغسّلناه في قميصه كما نغسّل موتانا مستلقيا،ما نشاء أن يقلب لنا منه عضو لم يبالغ فيه..إلاّ قلب لنا حتّي نفرغ منه،و إنّ معنا لحفيفا في البيت كالرّيح الرّخاء، و يصوّت بنا:ارفقوا برسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم؛فإنّكم ستكفون.

فهكذا كانت وفاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و لم يترك سبدا و لا لبدا (1)إلاّ دفن معه.

قال أبو جعفر:فرش لحده بمفرشه و قطيفته،و فرشت ثيابه الّتي كان يلبس يقظان علي القطيفة و المفرش،ثمّ وضع عليها في أكفانه.

فلم يترك بعد وفاته مالا،و لا بني في حياته لبنة علي لبنة،و لا وضع قصبة علي قصبة؛ففي وفاته عبرة تامّة،و للمسلمين أسوة حسنة)ا ه

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالي عنهما:أنّه سمع رسول اللّه صلّي اللّها.

ص: 366


1- السّبد:القليل من الشعر.و اللّبد:الصّوف.و المراد:أنه صلّي اللّه عليه و سلّم لم يترك من المال قليلا و لا كثيرا.

عليه و سلّم يقول:«من كان له فرطان من أمّتي..أدخله اللّه تعالي بهما الجنّة»،فقالت عائشة رضي اللّه تعالي عنها:فمن كان له فرط من أمّتك؟قال:«و من كان له فرط يا موفّقة»،قالت:فمن لم يكن له فرط من أمّتك؟قال:«فأنا فرط لأمّتي،لن يصابوا بمثلي».

و(الفرط-في الأصل-):السّابق من القوم المسافرين ليهيّئ لهم الماء و الكلأ و ما يحتاجونه،و المراد به هنا:الصّغير الّذي يموت قبل أحد أبويه؛فإنّه يشبهه في تهيئة ما يحتاج إليه يوم القيامة من المصالح.

و عن عمرو بن الحارث-أخي جويرية أمّ المؤمنين رضي اللّه تعالي عنهما-قال:ما ترك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إلاّ سلاحه و بغلته و أرضا جعلها صدقة.

و روي كثير من الصّحابة رضي اللّه تعالي عنهم قول النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم:«نحن معاشر الأنبياء لا نورث؛ما تركناه صدقة».

ص: 367

الفصل الثّالث: في رؤيته صلّي اللّه عليه و سلّم في المنام

عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه تعالي عنهما:عن النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:«من رآني في المنام..فقد رآني،فإنّ الشّيطان لا يتمثّل بي».

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«من رآني في المنام..فقد رآني،فإنّ الشّيطان لا يتصوّر-أو قال لا يتشبّه-بي».

و عن يزيد الفارسيّ[رحمه اللّه تعالي]-و كان يكتب المصاحف- قال:رأيت النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم في المنام زمن ابن عبّاس،فقلت لابن عبّاس:إنّي رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في النّوم،فقال ابن عبّاس:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يقول:«إنّ الشّيطان لا يستطيع أن يتشبّه بي،فمن رآني في النّوم..فقد رآني»،هل تستطيع أن تنعت هذا الرّجل الّذي رأيته في النّوم؟

قال:نعم،أنعت لك رجلا بين الرّجلين؛جسمه و لحمه أسمر إلي البياض،أكحل العينين،حسن الضّحك،جميل دوائر الوجه،قد ملأت لحيته ما بين هذه إلي هذه؛قد ملأت نحره.

فقال ابن عبّاس:لو رأيته في اليقظة..ما استطعت أن تنعته فوق هذا.

ص: 368

و عن أبي قتادة رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«من رآني-يعني في النّوم-فقد رأي الحقّ».

و عن أنس رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«من رآني في المنام..فقد رآني،فإنّ الشّيطان لا يتخيّل بي».

قال:«و رؤيا المؤمن جزء من ستّة و أربعين جزءا من النّبوّة».

و قوله[صلّي اللّه عليه و سلّم]:(من رآني في المنام فقد رآني)قال الباجوريّ:أي:من رآني في حال النّوم..فقد رآني حقّا،أو..فكأنّما رآني في اليقظة.

فهو علي التّشبيه و التّمثيل؛و ليس المراد رؤية جسمه الشّريف و شخصه المنيف،بل مثاله علي التّحقيق.

و قوله[صلّي اللّه عليه و سلّم]:(فإنّ الشّيطان لا يتمثّل بي)أي:لا يستطيع ذلك؛لأنّه سبحانه و تعالي جعله صلّي اللّه عليه و سلّم محفوظا من الشّيطان في الخارج،فكذلك في المنام،سواء راه علي صفته المعروفة أو غيرها علي المنقول المقبول عند ذوي العقول،و إنّما ذلك يختلف باختلاف حال الرّائي،كالمرآة الصّقيلة ينطبع فيها ما يقابلها؛فقد راه (1)جمع بأوصاف مختلفة،و مثله في ذلك جميع الأنبياء و الملائكة.كما جزم به البغويّ في«شرح السّنّة».

و كذلك حكم القمرين و النّجوم و السّحاب الّذي ينزل فيه الغيث،فلا يتمثّل الشّيطان بشيء منها.ه.

ص: 369


1- في نسخة:و قد يراه.

و نقل ابن علاّن:إنّ الشّيطان لا يتمثّل باللّه تعالي كما لا يتمثّل بالأنبياء،و هذا هو قول الجمهور.

و قال بعضهم:يتمثّل باللّه،فإن قيل:كيف لا يتمثّل بالنّبيّ و يتمثّل باللّه علي هذا القول؟

أجيب:بأنّ النّبيّ بشر،فلو تمثّل به لالتبس الأمر،و الباري جلّ و علا منزّه عن الجسميّة و العرضيّة؛فلا يلتبس الأمر بتمثّله به؛كما في «درّة الفنون في رؤية قرّة العيون» (1).

و لا تختصّ رؤية النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم بالصّالحين،بل تكون لهم و لغيرهم.

و حكي عن بعض العارفين-كالشّيخ الشّاذليّ و سيّدي عليّ وفي-:أنّهم رأوه صلّي اللّه عليه و سلّم يقظة،و لا مانع من ذلك،فيكشف لهم عنه صلّي اللّه عليه و سلّم في قبره،فيروه بعين البصيرة،و لا أثر للقرب؛و لا للبعد في ذلك،فمن كرامات الأولياء:خرق الحجب لهم،فلا مانع عقلا و لا شرعا أنّ اللّه تعالي يكرم وليّه؛بأن لا يجعل بينه و بين الذّات الشّريفة ساترا و لا حاجبا)ا ه

و قد بسطت الكلام علي رؤية النّبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم في كتابي «أفضل الصّلوات علي سيّد السّادات»فمن شاء الزّيادة فليرجع إليه.).

ص: 370


1- كتاب مختصر في الرؤية؛للشيخ العلامة المؤرخ عبد الرحمن بن علي البسطامي الحنفي المتوفي سنة(858 ه).

الخاتمة

ص: 371

ص: 372

الخاتمة تشتمل علي سبعين حديثا،أكثرها صحاح و حسان من أدعيته صلّي اللّه عليه و سلّم.

و قد ذكرت في الخطبة أنّها خمسون،و ظهرت لي الزّيادة بعد فزدتها،و ذكرت أسماء مخرّجيها برمز«الجامع الصّغير»؛لأنّ أكثرها موجودة فيه،و في«كتاب المصابيح».

و قد قسمتها قسمين:

الأوّل:استعاذات.و الثّاني:دعوات.معتبرا أوّل الحديث:

إن كان استعاذة..جعلته في القسم الأوّل،و إن كان دعاء..جعلته في القسم الثّاني،و افتتحتها بالدّعوات القرآنيّة؛لأنّها كلام اللّه تعالي.

و تقدّم أنّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان خلقه القرآن،و هي خارجة عن العدد المذكور.

رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:127].

رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ [البقرة:201].

رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَي الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [البقرة:250].

ص: 373

سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285].

رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَ اعْفُ عَنّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَي الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [البقرة:286].

رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ [آل عمران:8].

رَبَّنا إِنَّنا آمَنّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ قِنا عَذابَ النّارِ [آل عمران:16].

رَبَّنا آمَنّا بِما أَنْزَلْتَ وَ اتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ [آل عمران:53].

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ إِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَي الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [آل عمران:147].

رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ [آل عمران:191].

رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ كَفِّرْ عَنّا سَيِّئاتِنا وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ [آل عمران:193].

رَبَّنا وَ آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلي رُسُلِكَ وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ [آل عمران:194].

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الأعراف:

23].

رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ [الأعراف:89].

ص: 374

رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ تَوَفَّنا مُسْلِمِينَ [الأعراف:126].

رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ. وَ نَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [يونس:85-86].

رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَ إِلاّ تَغْفِرْ لِي وَ تَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ [هود:47].

فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ [يوسف:101].

رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ. رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ [إبراهيم:40-41].

رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ [نوح:28].و رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً [الإسراء:24].

رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً [الإسراء:80].

رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً [الكهف:10].

قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي [طه:25-26].

رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114].

أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ [الأنبياء:83].

لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ [الأنبياء:87].

رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ [الأنبياء:89].

ص: 375

رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلي ما تَصِفُونَ [الأنبياء:112].

رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ [المؤمنون:29].

رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظّالِمِينَ [المؤمنون:94].

وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ. وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون:97-98].

رَبَّنا آمَنّا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ [المؤمنون:109].

رَبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ أَنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ [المؤمنون:118].

رَبَّنَا اصْرِفْ عَنّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً. إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً [الفرقان:65-66].

رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً [الفرقان:74].

رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ. وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء:83-85].

وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ. يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ. إِلاّ مَنْ أَتَي اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:87-89].

رَبِّ نَجِّنِي وَ أَهْلِي مِمّا يَعْمَلُونَ [الشعراء:169].

رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلي والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ [النمل:19].

رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص:16].

ص: 376

رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24].

رَبِّ انْصُرْنِي عَلَي الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ [العنكبوت:30].

رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ [الصافات:100].

رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلي والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَ إِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف:15].

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].

رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَ إِلَيْكَ أَنَبْنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ. رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ اغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الممتحنة:4-5].

رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَ اغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8].

رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ [نوح:

28].

1-«اللّهمّ؛إنّي أعوذ بوجهك الكريم و اسمك العظيم؛من الكفر و الفقر»(طب؛عن عبد الرّحمن ابن أبي بكر[رضي اللّه تعالي عنهما]).

2-«اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من العجز و الكسل،و الجبن و البخل و الهرم،و القسوة و الغافلة و العيلة،و الذّلّة و المسكنة،و أعوذ بك من الفقر و الكفر،و الفسوق و الشّقاق،و النّفاق و السّمعة و الرّياء،و أعوذ بك من الصّمم و البكم و الجنون و الجذام،و البرص و سيّئ الأسقام».

(ك،هق؛عن أنس[رضي اللّه تعالي عنه]).

ص: 377

3-«اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع،و قلب لا يخشع،و دعاء لا يسمع،و نفس لا تشبع،و من الجوع فإنّه بئس الضّجيع،و من الخيانة فإنّها بئست البطانة،و من الكسل و البخل و الجبن،و من الهرم،و أن أردّ إلي أرذل العمر،و من فتنة الدّجّال و عذاب القبر،و من فتنة المحيا و الممات.

اللّهمّ؛إنّا نسألك قلوبا أوّاهة مخبتة منيبة في سبيلك.

اللّهمّ؛إنّا نسألك عزائم مغفرتك و منجيات أمرك،و السّلامة من كلّ إثم،و الغنيمة من كلّ برّ،و الفوز بالجنّة،و النّجاة من النّار».(ك؛ عن ابن مسعود[رضي اللّه تعالي عنه]).

4-«اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من الكسل و الهرم،و المأثم و المغرم، و من فتنة القبر و عذاب القبر،و من فتنة النّار و عذاب النّار،و من شرّ فتنة الغني،و أعوذ بك من فتنة الفقر،و من فتنة المسيح الدّجّال.

اللّهمّ؛اغسل عنّي خطاياي بالماء و الثّلج و البرد،و نقّ قلبي من الخطايا كما ينقّي الثّوب الأبيض من الدّنس،و باعد بيني و بين خطاياي؛ كما باعدت بين المشرق و المغرب»(ق،ت،ن،ه؛عن عائشة [رضي اللّه تعالي عنها]).

5-اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من التّردّي و الهدم،و الغرق و الحرق، و أعوذ بك أن يتخبّطني الشّيطان عند الموت،و أعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا،و أعوذ بك أن أموت لديغا».(ن،ك؛عن أبي اليسر [رضي اللّه تعالي عنه]).

ص: 378

6-«اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك و تحوّل عافيتك،و فجاءة نقمتك و جميع سخطك».(م،د،ت؛عن ابن عمر[رضي اللّه تعالي عنهما]).

7-«اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من منكرات الأخلاق و الأعمال و الأهواء و الأدواء».(ت،طب؛ك؛عن عمّ زياد بن علاقة[رضي اللّه تعالي عنه]).

8-«اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من شرّ سمعي،و من شرّ بصري،و من شرّ لساني،و من شرّ قلبي،و من شرّ منيّي».(د،ك؛عن شكل [رضي اللّه تعالي عنه]).

9-«اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من يوم السّوء،و من ليلة السّوء،و من ساعة السّوء،و من صاحب السّوء،و من جار السّوء في دار المقامة».

(طب؛عن عقبة بن عامر[رضي اللّه تعالي عنه]).

10-«اللّهمّ؛إنّي أعوذ برضاك من سخطك،و بمعافاتك من عقوبتك،و أعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك،أنت كما أثنيت علي نفسك».(م،4؛عن عائشة[رضي اللّه تعالي عنها]).

11-«اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من شرّ ما عملت؛و من شرّ ما لم أعمل».(م،د،ن،ه؛عن عائشة[رضي اللّه تعالي عنها]).

12-«اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من الفقر و القلّة و الذّلّة،و أعوذ بك من أن أظلم،أو أظلم».(د،ن،ه،ك؛عن أبي هريرة[رضي اللّه تعالي عنه]).

ص: 379

13-«اللّهمّ؛ربّنا و ربّ كلّ شيء..أنا شهيد أنّك أنت الرّبّ وحدك لا شريك لك.

اللّهمّ؛ربّنا و ربّ كلّ شيء..أنا شهيد أنّ محمّدا صلّي اللّه عليه و سلّم عبدك و رسولك.

اللّهمّ؛ربّنا و ربّ كلّ شيء..أنا شهيد أنّ العباد كلّهم إخوة.

اللّهمّ؛ربّنا و ربّ كلّ شيء..اجعلني مخلصا لك و أهلي في كلّ ساعة في الدّنيا و الآخرة،يا ذا الجلال و الإكرام».(ن،حب؛عن أبي أمامة[رضي اللّه تعالي عنه]).

14-«اللّهمّ؛أنت ربّي لا إله إلاّ أنت،خلقتني و أنا عبدك،و أنا علي عهدك و وعدك ما استطعت،أعوذ بك من شرّ ما صنعت،أبوء لك بنعمتك عليّ،و أبوء بذنبي؛فاغفر لي،فإنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت».(خ؛عن شدّاد بن أوس[رضي اللّه تعالي عنه]).

15-«اللّهمّ؛إنّي ظلمات نفسي ظلما كثيرا و لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت..فاغفر لي مغفرة من عندك،و ارحمني إنّك أنت الغفور الرّحيم».(ق،حم،4؛عن أبي بكر الصّدّيق[رضي اللّه تعالي عنه]).

16-«اللّهمّ؛اغفر لي ذنبي كلّه،دقّه و جلّه،و أوّله و آخره، و علانيته و سرّه».(م،د؛عن أبي هريرة[رضي اللّه تعالي عنه]).

17-«اللّهمّ؛إنّي أسألك العفّة و العافية في دنياي و ديني،و أهلي و مالي.

ص: 380

اللّهمّ؛استر عورتي و أمّن روعتي،و احفظني من بين يديّ و من خلفي،و عن يميني،و عن شمالي،و من فوقي؛و أعوذ بك أن أغتال من تحتي».(البزّار؛عن ابن عبّاس[رضي اللّه تعالي عنهما]).

18-«اللّهمّ؛ربّ جبريل و ميكائيل و إسرافيل و محمّد صلّي اللّه عليه و سلّم..نعوذ بك من النّار».(طب،ك؛عن والد أبي المليح [رضي اللّه تعالي عنه]).

19-«اللّهمّ؛إنّك لست بإله استحدثناه،و لا بربّ ابتدعناه،و لا كان لنا قبلك من إله نلجأ إليه و نذرك،و لا أعانك علي خلقنا أحد فنشركه فيك؛تباركت و تعاليت».(طب؛عن صهيب[رضي اللّه تعالي عنه]).

20-«اللّهمّ؛إنّك تسمع كلامي،و تري مكاني،و تعلم سرّي و علانيتي،لا يخفي عليك شيء من أمري،و أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير،الوجل المشفق،المقرّ المعترف بذنبه،أسألك مسألة المسكين،و أبتهل إليك ابتهال المذنب الذّليل،و أدعوك دعاء الخائف الضّرير؛من خضعت لك رقبته،و فاضت لك عبرته،و ذلّ لك جسمه،و رغم لك أنفه.

اللّهمّ؛لا تجعلني بدعائك شقيّا،و كن بي رءوفا رحيما؛يا خير المسئولين،و يا خير المعطين».(طب؛عن ابن عبّاس[رضي اللّه تعالي عنهما]).

21-«اللّهمّ؛إليك أشكو ضعف قوّتي،و قلّة حيلتي،و هواني علي النّاس،يا أرحم الرّاحمين.

ص: 381

إلي من تكلني؟إلي عدوّ يتجهّمني؟!أم إلي قريب ملّكته أمري؟!

إن لم تكن ساخطا عليّ فلا أبالي،غير أنّ عافيتك أوسع لي،أعوذ بنور وجهك الكريم الّذي أضاءت له السّماوات و الأرض،و أشرقت له الظّلمات،و صلح عليه أمر الدّنيا و الآخرة..أن تحلّ عليّ غضبك،أو تنزل عليّ سخطك،و لك العتبي حتّي ترضي،و لا حول و لا قوّة إلاّ بك».(طب؛عن عبد اللّه بن جعفر[رضي اللّه تعالي عنهما]).

22-«اللّهمّ؛إنّي أسألك من الخير كلّه عاجله و اجله؛ما علمت منه و ما لم أعلم،و أعوذ بك من الشّرّ كلّه عاجله و اجله؛ما علمت منه و ما لم أعلم.

اللّهمّ؛إنّي أسألك من خير ما سألك به عبدك و نبيّك،و أعوذ بك من شرّ ما عاذ به عبدك و نبيّك.

اللّهمّ؛إنّي أسألك الجنّة و ما قرّب إليها من قول أو عمل،و أعوذ بك من النّار و ما قرّب إليها من قول أو عمل،و أسألك أن تجعل كلّ قضاء قضيته لي خيرا».(ه؛عن عائشة[رضي اللّه تعالي عنها]).

23-«اللّهمّ؛إنّي أسألك باسمك الطّاهر الطّيّب،المبارك الأحبّ إليك،الّذي إذا دعيت به..أجبت،و إذا سئلت به..أعطيت،و إذا استرحمت به..رحمت،و إذا استفرجت به..فرّجت».(ه؛عن عائشة[رضي اللّه تعالي عنها]).

24-«اللّهمّ؛لك الحمد كالّذي نقول و خيرا ممّا نقول،اللّهمّ؛لك صلاتي و نسكي،و محياي و مماتي،و إليك مآبي،و لك ربّ تراثي.

ص: 382

اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من عذاب القبر،و وسوسة الصّدر،و شتات الأمر.

اللّهمّ؛إنّي أسألك من خير ما تجيء به الرّياح،و أعوذ بك من شرّ ما تجيء به الرّيح».(ت،هب؛عن عليّ[رضي اللّه تعالي عنه]).

25-«اللّهمّ..إنّي أسألك الثّبات في الأمر،و أسألك عزيمة الرّشد، و أسألك شكر نعمتك،و حسن عبادتك،و أسألك لسانا صادقا،و قلبا سليما،و أعوذ بك من شرّ ما تعلم،و أسألك من خير ما تعلم، و أستغفرك ممّا تعلم،إنّك أنت علاّم الغيوب».(ت،ن؛عن شدّاد ابن أوس[رضي اللّه تعالي عنه]).

26-«اللّهمّ؛لك أسلمت،و بك آمنت،و عليك توكّلت،و إليك أنبت،و بك خاصمت.

اللّهمّ؛إنّي أعوذ بعزّتك لا إله إلاّ أنت أن تضلّني،أنت الحيّ القيّوم الّذي لا يموت،و الجنّ و الإنس يموتون».(م؛عن ابن عبّاس [رضي اللّه تعالي عنهما]).

27-«اللّهمّ؛عافني في بدني.

اللّهمّ؛عافني في سمعي.

اللّهمّ؛عافني في بصري.

اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من الكفر و الفقر.

اللّهمّ؛إنّي أعوذ بك من عذاب القبر،لا إله إلاّ أنت».(د،ك؛

ص: 383

عن أبي بكرة[رضي اللّه تعالي عنه]).

28-«اللّهمّ؛اجعلني من الّذين إذا أحسنوا..استبشروا،و إذا أساءوا..استغفروا».(ه،هب؛عن عائشة[رضي اللّه تعالي عنها]).

29-«اللّهمّ؛ارزقني حبّك،و حبّ من ينفعني حبّه عندك.

اللّهمّ؛ما رزقتني ممّا أحبّ..فاجعله قوّة لي فيما تحبّ،و ما زويت عنّي ممّا أحبّ..فاجعله فراغا لي فيما تحبّ».(ت؛عن عبد اللّه بن يزيد الخطميّ[رضي اللّه تعالي عنه]).

30-«اللّهمّ؛اغفر لي ذنبي،و وسّع لي في داري،و بارك لي في رزقي».(ت؛عن أبي هريرة[رضي اللّه تعالي عنه]).

31-«اللّهمّ؛إنّي أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي،و تجمع بها أمري،و تلمّ بها شعثي،و تصلح بها غائبي،و ترفع بها شاهدي، و تزكّي بها عملي،و تلهمني بها رشدي،و تردّ بها ألفتي،و تعصمني بها من كلّ سوء.

اللّهمّ؛أعطني إيمانا و يقينا ليس بعده كفر،و رحمة أنال بها شرف كرامتك في الدّنيا و الآخرة.

اللّهمّ؛إنّي أسألك الفوز في القضاء،و نزل الشّهداء،و عيش السّعداء،و النّصر علي الأعداء.

اللّهمّ؛إنّي أنزل بك حاجتي،فإن قصّر رأيي،و ضعف عملي..

افتقرت إلي رحمتك،فأسألك يا قاضي الأمور،و يا شافي الصّدور؛

ص: 384

كما تجير بين البحور..أن تجيرني من عذاب السّعير،و من دعوة الثّبور،و من فتنة القبور.

اللّهمّ؛ما قصر عنه رأيي،و لم تبلغه نيّتي،و لم تبلغه مسألتي من خير وعدته أحدا من خلقك،أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك..فإنّي أرغب إليك فيه،و أسألكه برحمتك يا ربّ العالمين.

اللّهمّ؛يا ذا الحبل الشّديد،و الأمر الرّشيد..أسألك الأمن يوم الوعيد،و الجنّة يوم الخلود،مع المقرّبين الشّهود،و الرّكّع السّجود، الموفين بالعهود،إنّك رحيم ودود،و إنّك تفعل ما تريد.

اللّهمّ؛اجعلنا هادين مهتدين،غير ضالّين و لا مضلّين،سلما لأوليائك و عدوّا لأعدائك،نحبّ بحبّك من أحبّك،و نعادي بعداوتك من خالفك.

اللّهمّ؛هذا الدّعاء و عليك الإجابة،و هذا الجهد و عليك التّكلان.

اللّهمّ..اجعل لي نورا في قلبي،و نورا في قبري،و نورا بين يديّ، و نورا من خلفي،و نورا عن يميني،و نورا عن شمالي،و نورا من فوقي،و نورا من تحتي،و نورا في سمعي،و نورا في بصري،و نورا في شعري،و نورا في بشري،و نورا في لحمي،و نورا في دمي،و نورا في عظامي.

اللّهمّ؛أعظم لي نورا،و أعطني نورا،و اجعل لي نورا.

سبحان الّذي تعطّف بالعزّ و قال به،سبحان الّذي لبس المجد و تكرّم به،سبحان الّذي لا ينبغي التّسبيح إلاّ له،سبحان ذي الفضل و النّعم،

ص: 385

سبحان ذي المجد و الكرم،سبحان ذي الجلال و الإكرام».(ت، طب،هق؛عن ابن عبّاس[رضي اللّه تعالي عنهما]).

32-«اللّهمّ؛لا تكلني إلي نفسي طرفة عين،و لا تنزع منّي صالح ما أعطيتني».(البزّار؛عن ابن عمر[رضي اللّه تعالي عنهما]).

33-«اللّهمّ؛اجعلني شكورا،و اجعلني صبورا،و اجعلني في عيني صغيرا،و في أعين النّاس كبيرا».(البزّار؛عن بريدة[رضي اللّه تعالي عنه]).

34-«اللّهمّ؛احفظني بالإسلام قائما،و احفظني بالإسلام قاعدا، و احفظني بالإسلام راقدا،و لا تشمت بي عدوّا،و لا حاسدا.

اللّهمّ؛إنّي أسألك من كلّ خير خزائنه بيدك،و أعوذ بك من كلّ شرّ خزائنه بيدك».(ك؛عن ابن مسعود[رضي اللّه تعالي عنه]).

35-«اللّهمّ؛انفعني بما علّمتني،و علّمني ما ينفعني،و زدني علما.

الحمد للّه علي كلّ حال،و أعوذ باللّه من حال أهل النّار».(ت، ه،[ك]؛عن أبي هريرة[رضي اللّه تعالي عنه]).

36-«يا حيّ يا قيّوم؛برحمتك أستغيث».(ت؛عن أنس [رضي اللّه تعالي عنه]).

37-«اللّهمّ؛افتح مسامع قلبي لذكرك،و ارزقني طاعتك،و طاعة رسولك،و عملا بكتابك».(طس؛عن عليّ[رضي اللّه تعالي عنه]).

ص: 386

38-«اللّهمّ؛اجعلني أخشاك حتّي كأنّي أراك،و أسعدني بتقواك، و لا تشقني بمعصيتك،و خر لي في قضائك،و بارك لي في قدرك،حتّي لا أحبّ تعجيل ما أخّرت؛و لا تأخير ما عجّلت.

و اجعل غناي في نفسي،و أمتعني بسمعي و بصري،و اجعلهما الوارث منّي،و انصرني علي من ظلمني،و أرني فيه ثأري،و أقرّ بذلك عيني».(طس؛عن أبي هريرة[رضي اللّه تعالي عنه]).

39-«اللّهمّ؛اكفني بحلالك عن حرامك،و أغنني بفضلك عمّن سواك».(ت؛عن عليّ[رضي اللّه تعالي عنه]).

40-«اللّهمّ؛اجعل أوسع رزقك عليّ عند كبر سنّي و انقطاع عمري».(ك؛عن عائشة[رضي اللّه تعالي عنها]).

41-«اللّهمّ؛إنّي أسألك إيمانا يباشر قلبي؛حتّي أعلم أنّه لا يصيا بني إلاّ ما كتبت لي،و أرضني من المعيشة بما قسمت لي».(البزّار؛عن ابن عمر[رضي اللّه تعالي عنهما]).

42-«اللّهمّ؛إنّي أسألك عيشة نقيّة،و ميتة سويّة،و مردّا غير مخزيّ (1)و لا فاضح».(طب،ك،البزّار،عن ابن عمر[رضي اللّه تعالي عنهما]).

43-«اللّهمّ؛أصلح لي ديني الّذي هو عصمة أمري،و أصلح لي دنياي الّتي فيها معاشي،و أصلح لي آخرتي الّتي فيها معادي،و اجعلء.

ص: 387


1- أي:غير مذلّ،و لا موقع في بلاء.

الحياة زيادة لي في كلّ خير،و اجعل الموت راحة لي من كلّ شرّ».

(م؛عن أبي هريرة[رضي اللّه تعالي عنه]).

44-«اللّهمّ؛إنّي أسألك الهدي و التّقي،و العفاف و الغني».

(م،ت،ه؛عن ابن مسعود[رضي اللّه تعالي عنه]).

45-«اللّهمّ؛اجعل حبّك أحبّ الأشياء إليّ،و اجعل خشيتك أخوف الأشياء عندي،و اقطع عنّي حاجات الدّنيا بالشّوق إلي لقائك، و إذا أقررت أعين أهل الدّنيا من دنياهم..فأقرر عيني من عبادتك».

(حل؛عن الهيثم بن مالك الطّائيّ[رضي اللّه تعالي عنه]).

46-«اللّهمّ؛إنّي أسألك الصّحّة،و العفّة،و الأمانة،و حسن الخلق،و الرّضا بالقدر».(طب؛عن ابن عمرو[رضي اللّه تعالي عنهما]).

47-«اللّهمّ؛إنّي أسألك التّوفيق لمحابّك من الأعمال،و صدق التّوكّل عليك،و حسن الظّنّ بك».(حل؛عن الأوزاعيّ و الحكيم؛ عن أبي هريرة[رضي اللّه تعالي عنه]).

48-«اللّهمّ؛إنّي أسألك صحّة في إيمان،و إيمانا في حسن خلق، و نجاحا يتبعه فلاح،و رحمة منك و عافية،و مغفرة منك و رضوانا».

(طس،ك؛عن أبي هريرة[رضي اللّه تعالي عنه]).

49-«اللّهمّ؛الطف بي في تيسير كلّ عسير،فإنّ تيسير كلّ عسير عليك يسير،و أسألك اليسر و المعافاة في الدّنيا و الآخرة».(طس؛ عن أبي هريرة[رضي اللّه تعالي عنه]).

ص: 388

50-«اللّهمّ؛اعف عنّي؛فإنّك عفوّ كريم».(طس؛عن أبي سعيد[رضي اللّه تعالي عنه]).

51-«اللّهمّ؛إنّي عبدك،و ابن عبدك،و ابن أمتك،في قبضتك، ناصيتي بيدك،ماض فيّ حكمك،عدل فيّ قضاؤك،أسألك بكلّ اسم هو لك سمّيت به نفسك،أو أنزلته في كتابك،أو علّمته أحدا من خلقك،أو استأثرت به في علم الغيب عندك،أن تجعل القرآن العظيم نور صدري،و ربيع قلبي،و جلاء حزني،و ذهاب همّي».(ابن السّنّيّ؛عن أبي موسي الأشعريّ[رضي اللّه تعالي عنه]).

52-«اللّهمّ؛احرسني بعينك الّتي لا تنام،و اكنفني بكنفك الّذي لا يرام،و ارحمني بقدرتك عليّ؛فلا أهلك و أنت رجائي،فكم من نعمة أنعمت بها عليّ قلّ لك بها شكري،و كم من بليّة ابتليتني قلّ لك بها صبري،فيا من قلّ عند نعمته شكري؛فلم يحرمني،و يا من قلّ عند بلائه (1)صبري؛فلم يخذلني،و يا من رآني علي الخطايا؛فلم يفضحني،يا ذا المعروف الّذي لا ينقضي أبدا،و يا ذا النّعمة الّتي لا تحصي عددا..أسألك أن تصلّي علي محمّد و علي آل محمّد،و بك أدرأ في نحور الأعداء و الجبّارين.

اللّهمّ؛أعنّي علي ديني بالدّنيا،و علي آخرتي بالتّقوي،و احفظني فيما غبت عنه،و لا تكلني إلي نفسي فيما حضرته.).

ص: 389


1- في نسخة:(بليّته).

يا من لا تضرّه الذّنوب،و لا ينقصه العفو..هب لي ما لا ينقصك، و اغفر لي ما لا يضرّك؛إنّك أنت الوهّاب.

أسألك فرجا قريبا،و صبرا جميلا،و رزقا واسعا،و العافية من البلايا،و أسألك تمام العافية،و أسألك دوام العافية،و أسألك الشّكر علي العافية،و أسألك الغني عن النّاس،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم».(الدّيلميّ؛عن جعفر الصّادق؛عن أبيه؛عن جدّه) [رضي اللّه تعالي عنهم]).

53-«اللّهمّ؛طهّر قلبي من النّفاق،و عملي من الرّياء،و لساني من الكذب،و عيني (1)من الخيانة؛فإنّك تعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصّدور».(الحكيم،خط؛عن أمّ معبد الخزاعيّة[رضي اللّه تعالي عنها]).

54-«ربّ؛أعنّي و لا تعن عليّ،و انصرني و لا تنصر عليّ،و امكر لي و لا تمكر عليّ،و اهدني،و يسّر الهدي لي،و انصرني علي من بغي عليّ.

ربّ؛اجعلني لك شاكرا،لك ذاكرا،لك راهبا،لك مطواعا،لك مخبتا،إليك أوّاها منيبا.

ربّ؛تقبّل توبتي،و اغسل حوبتي،و أجب دعوتي،و ثبّت حجّتي،و اهد قلبي،و سدّد لساني،و اسلل سخيمة صدري» (2).

(ت،د،ه؛عن ابن عبّاس[رضي اللّه تعالي عنهما]).ة.

ص: 390


1- تصح بالتثنية و الإفراد.
2- أي:أخرج ما في صدري من الحسد و الكبر و غيرهما من الأخلاق الرديئة.

55-«اللّهمّ؛أغنني بالعلم،و زيّنّي بالحلم،و أكرمني بالتّقوي، و جمّلني بالعافية».(ابن النّجّار؛عن ابن عمر[رضي اللّه تعالي عنهما]).

56-«اللّهمّ؛اغفر لي ذنوبي و خطاياي كلّها.

اللّهمّ؛أنعشني،و اجبرني،و اهدني لصالح الأعمال و الأخلاق؛ فإنّه لا يهدي لصالحها،و لا يصرف سيّئها إلاّ أنت».(طب؛عن أبي أمامة[رضي اللّه تعالي عنه]).

57-«اللّهمّ؛إنّي أسألك علما نافعا،و رزقا طيّبا،و عملا متقبّلا».(حم،ه؛عن أمّ سلمة[رضي اللّه تعالي عنها]).

58-«اللّهمّ؛بعلمك الغيب و قدرتك علي الخلق..أحيني ما علمت الحياة خيرا لي،و توفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي.

اللّهمّ؛و أسألك خشيتك في الغيب و الشّهادة،و أسألك كلمة الإخلاص في الرّضا و الغضب،و أسألك القصد في الفقر و الغني، و أسألك نعيما لا ينفد،و أسألك قرّة عين لا تنقطع،و أسألك الرّضا بالقضاء،و أسألك برد العيش بعد الموت،و أسألك لذّة النّظر إلي وجهك،و الشّوق إلي لقائك،في غير ضرّاء مضرّة،و لا فتنة مضلّة.

اللّهمّ؛زيّنّا بزينة الإيمان،و اجعلنا هداة مهتدين».(ن،ك؛عن عمّار بن ياسر[رضي اللّه تعالي عنهما]).

59-«اللّهمّ؛أنت خلقت نفسي،و أنت توفّاها،لك مماتها

ص: 391

و محياها،إن أحييتها..فاحفظها،و إن أمتّها..فاغفر لها.

اللّهمّ؛إنّي أسألك العافية».(م؛عن ابن عمر[رضي اللّه تعالي عنهما]).

60-«اللّهمّ؛اغفر لي خطيئتي و جهلي،و إسرافي في أمري،و ما أنت أعلم به منّي.

اللّهمّ؛اغفر لي خطيئتي (1)و عمدي،و هزلي و جدّي،و كلّ ذلك عندي.

اللّهمّ؛اغفر لي ما قدّمت و ما أخّرت،و ما أسررت و ما أعلنت،أنت المقدّم و أنت المؤخّر،و أنت علي كلّ شيء قدير».(ق؛عن أبي موسي[رضي اللّه تعالي عنه]).

61-«اللّهمّ؛اهدني فيمن هديت،و عافني فيمن عافيت،و تولّني فيمن تولّيت،و بارك لي فيما أعطيت،و قني شرّ ما قضيت،فإنّك تقضي و لا يقضي عليك،و إنّه لا يذلّ من واليت،تباركت ربّنا و تعاليت».

(4،هق؛عن الحسن بن عليّ[رضي اللّه تعالي عنهما]).

62-«اللّهمّ؛إنّك سألتنا من أنفسنا ما لا نملكه إلاّ بك.

اللّهمّ؛فأعطنا منها ما يرضيك عنّا».(ابن عساكر؛عن أبي هريرة [رضي اللّه تعالي عنه]).

63-«اللّهمّ؛زدنا و لا تنقصنا،و أكرمنا و لا تهنّا،و أعطنا و لا).

ص: 392


1- في نسخة:(خطئي).

تحرمنا،و اثرنا و لا تؤثر علينا،و أرضنا و أرض عنّا».(ت،ك؛عن عمر[رضي اللّه تعالي عنه]).

64-«اللّهمّ؛أصلح ذات بيننا،و ألّف بين قلوبنا،و اهدنا سبل السّلام،و نجّنا من الظّلمات إلي النّور،و جنّبنا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن.

اللّهمّ؛بارك لنا في أسماعنا و أبصارنا و قلوبنا،و أزواجنا و ذرّيّاتنا، و تب علينا؛إنّك أنت التّوّاب الرّحيم،و اجعلنا شاكرين لنعمك،مثنين بها (1)،قابلين لها،و أتمّها علينا».(طب،ك؛عن ابن مسعود [رضي اللّه تعالي عنه]).

56-«اللّهمّ؛إنّا نسألك موجبات رحمتك،و عزائم مغفرتك، و السّلامة من كلّ إثم،و الغنيمة من كلّ برّ،و الفوز بالجنّة،و النّجاة من النّار».(ك؛عن ابن مسعود[رضي اللّه تعالي عنه]).

66-«اللّهمّ؛اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا و بين معاصيك، و من طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك،و من اليقين ما تهوّن به علينا مصائب الدّنيا،و متّعنا بأسماعنا و أبصارنا و قوّتنا ما أحييتنا،و اجعله الوارث منّا،و اجعل ثأرنا علي من ظلمنا،و انصرنا علي من عادانا،و لا تجعل مصيبتنا في ديننا،و لا تجعل الدّنيا أكبر همّنا،و لا مبلغ علمنا،و لا تسلّط علينا من لا يرحمنا».(ت،ك؛عن ابن عمر[رضي اللّه تعالي عنهما]).ا.

ص: 393


1- أي:عليها.

67-«اللّهمّ؛أحسن عاقبتنا في الأمور كلّها،و أجرنا من خزي الدّنيا و عذاب الآخرة».(حم،حب،ك؛عن بسر بن أرطاة[رضي اللّه تعالي عنه]).

68-«يا وليّ الإسلام و أهله..ثبّتني به حتّي ألقاك».(طب؛عن أنس[رضي اللّه تعالي عنه]).

69-«اللّهمّ؛إنّي أسألك خير المسألة؛و خير الدّعاء،و خير النّجاح،و خير العمل،و خير الثّواب،و خير الحياة،و خير الممات، و ثبّتني و ثقّل موازيني،و حقّق إيماني،و ارفع درجتي،و تقبّل صلاتي، و اغفر خطيئتي،و أسألك الدّرجات العلي من الجنّة.امين.

اللّهمّ؛إنّي أسألك فواتح الخير،و خواتمه و جوامعه،و أوّله و آخره،و ظاهره و باطنه،و الدّرجات العلي من الجنّة.امين.

اللّهمّ؛إنّي أسألك خير ما اتي،و خير ما أفعل،و خير ما أعمل، و خير ما بطن،و خير ما ظهر،و الدّرجات العلي من الجنّة.امين.

اللّهمّ؛إنّي أسألك أن ترفع ذكري،و تضع وزري،و تصلح أمري، و تطهّر قلبي،و تحصّن فرجي،و تنوّر قلبي،و تغفر لي ذنبي،و أسألك الدّرجات العلي من الجنّة.امين.

اللّهمّ؛إنّي أسألك أن تبارك لي في سمعي،و في بصري،و في روحي،و في خلقي،و في خلقي،و في أهلي،و في محياي،و في مماتي،و في عملي،و تقبّل حسناتي،و أسألك الدّرجات العلي من الجنّة.امين».(ك،طب؛عن أمّ سلمة[رضي اللّه تعالي عنها]).

ص: 394

70-«يا من لا تراه العيون،و لا تخالطه الظّنون،و لا يصفه الواصفون،و لا تغيّره الحوادث،و لا يخشي الدّوائر،يعلم مثاقيل الجبال،و مكاييل البحار،و عدد قطر الأمطار،و عدد ورق الأشجار، و عدد ما أظلم عليه اللّيل و أشرق عليه النّهار،و لا تواري منه سماء سماء،و لا أرض أرضا،و لا بحر ما في قعره،و لا جبل ما في وعره..

اجعل خير عمري آخره،و خير عملي خواتمه،و خير أيّامي يوم ألقاك فيه».(طب؛عن أنس[رضي اللّه تعالي عنه]).

الثّلاثة الأخيرة من«الحصن الحصين».

و صلّي اللّه علي نبيّنا محمّد..كلّما ذكره الذّاكرون،و غفل عن ذكره الغافلون.

و صلّي عليه في الأوّلين و الآخرين..أفضل و أكثر و أزكي ما صلّي علي أحد من خلقه.

و زكّانا بالصّلاة عليه..أفضل ما زكّي أحدا من أمّته بصلاته عليه.

و السّلام عليه و رحمة اللّه و بركاته،و جزاه اللّه عنّا..أفضل ما جزي مرسلا عمّن أرسل إليه.

و الحمد للّه ربّ العالمين علي جميع نعمه،ما علمت منها و ما لم أعلم،و لا سيّما نعمة الإيمان و الإسلام،و توفيقه لجمع هذا الكتاب.

و أسأله سبحانه أن ينفعني به و كلّ من نظر فيه من المسلمين نفعا

ص: 395

عظيما،يصاحبنا في الدّنيا،و يلازمنا في البرزخ،و لا يفارقنا يوم الدّين؛بجاه خير الوسائل إليه،و أقرب المقرّبين لديه،حبيبه الأكرم، و رسوله الأعظم:سيّدنا محمّد سيّد المرسلين صلّي اللّه عليه و عليهم، و علي الهم و أصحابهم الكرام.

و نجز ذلك في شهر رجب من السّنة التّاسعة بعد الثّلاث مائة (1)و ألف من هجرته عليه الصّلاة و السّلام.أ.

ص: 396


1- في الأصل:مائتين،و هو خطأ.

محتوي الكتاب

تمهيد بقلم الدكتور محمد عبد الرحمن الأهدل 7

ترجمة النبهاني رحمه اللّه 13

توطئة 19

وسائل الوصول إلي شمائل الرسول مقدمة المؤلف 27

مقدمة الكتاب و هي تشتمل علي تنبيهين 37

التنبيه الأول:في معني لفظ الشمائل 39

التنبيه الثاني:في الفوائد المقصودة من جمع شمائله صلي اللّه عليه و سلم 41

الباب الأوّل:في نسب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و أسمائه

الشّريفة،و فيه فصلان 45

الفصل الأوّل:في نسبه الشّريف صلّي اللّه عليه و سلّم 47

الفصل الثّاني:في أسمائه الشّريفة صلّي اللّه عليه و سلّم 50

الباب الثّاني:في صفة خلقة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و ما يناسبها من أوصافه الشّريفة،و فيه عشرة فصول 57

الفصل الأوّل:في جمال صورته صلّي اللّه عليه و سلّم،و ما شاكلها 59

الفصل الثّاني:في صفة بصره صلّي اللّه عليه و سلّم و اكتحاله 76

الفصل الثّالث:في صفة شعره صلّي اللّه عليه و سلّم،و شيبه، و خضابه،و ما يتعلّق بذلك 79

الفصل الرّابع:في صفة عرقه صلّي اللّه عليه و سلّم و رائحته الطّبيعيّة 84

ص: 397

-الفصل الخامس:في صفة طيبه صلّي اللّه عليه و سلّم و تطيّبه 87

الفصل السّادس:في صفة صوته صلّي اللّه عليه و سلّم 89

الفصل السّابع:في صفة غضبه صلّي اللّه عليه و سلّم و سروره 91

الفصل الثّامن:في صفة ضحكه صلّي اللّه عليه و سلّم و بكائه و عطاسه 93

الفصل التّاسع:في صفة كلامه صلّي اللّه عليه و سلّم و سكوته 100

الفصل العاشر:في صفة قوّته صلّي اللّه عليه و سلّم 102

الباب الثّالث:في صفة لباس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و فراشه و سلاحه،و فيه ستّة فصول 105

الفصل الأوّل:في صفة لباسه صلّي اللّه عليه و سلّم؛من قميص و إزار و رداء و قلنسوة و عمامة و نحوها 107

الفصل الثّاني:في صفة فراشه صلّي اللّه عليه و سلّم،و ما يناسبه 120

الفصل الثّالث:في صفة خاتمه صلّي اللّه عليه و سلّم 124

الفصل الرّابع:في صفة نعله صلّي اللّه عليه و سلّم و خفّه 128

الفصل الخامس:في صفة سلاحه صلّي اللّه عليه و سلّم 132

الفصل السادس:كان من خلقه صلّي اللّه عليه و سلّم أن يسمّي سلاحه و دوابّه و متاعه 136

الباب الرّابع:في صفة أكل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و شربه، و نومه.و فيه ستّة فصول 141

الفصل الأوّل:في صفة عيشه صلّي اللّه عليه و سلّم و خبزه 143

الفصل الثّاني:في صفة أكله صلّي اللّه عليه و سلّم و إدامه 158

الفصل الثّالث:في ما كان يقوله صلّي اللّه عليه و سلّم قبل الطّعام و بعده 176

الفصل الرّابع:في صفة فاكهته صلّي اللّه عليه و سلّم 179

الفصل الخامس:في صفة شرابه صلّي اللّه عليه و سلّم و قدحه 183

الفصل السّادس:في صفة نومه صلّي اللّه عليه و سلّم 189

ص: 398

الباب الخامس:في صفة خلق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، و حلمه،و عشرته مع نسائه،و أمانته،و صدقه،و حيائه، و مزاحه،و تواضعه،و جلوسه،و كرمه و شجاعته.و فيه ستّة فصول 193

الفصل الأوّل:في صفة خلقه صلّي اللّه عليه و سلّم و حلمه 195

الفصل الثّاني:في صفة عشرته صلّي اللّه عليه و سلّم مع نسائه رضي اللّه تعالي عنهنّ 222

الفصل الثّالث:في صفة أمانته صلّي اللّه عليه و سلّم و صدقه 227

الفصل الرّابع:في صفة حيائه صلّي اللّه عليه و سلّم و مزاحه 229

الفصل الخامس:في صفة تواضعه صلّي اللّه عليه و سلّم و جلوسه 234

الفصل السّادس:في صفة كرمه صلّي اللّه عليه و سلّم و شجاعته 246

الباب السّادس:في صفة عبادة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و صلاته،و صومه،و قراءته.و فيه ثلاثة فصول 253

الفصل الأوّل:في صفة عبادته صلّي اللّه عليه و سلّم و صلاته 255

الفصل الثّاني:في صفة صومه صلّي اللّه عليه و سلّم 265

الفصل الثّالث:في صفة قراءته صلّي اللّه عليه و سلّم 271

الباب السّابع:في أخبار شتّي من أحوال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و بعض أذكار و أدعية كان يقولها في أوقات مخصوصة، و ثلاث مائة و ثلاثة عشر حديثا من جوامع كلمه صلّي اللّه عليه و سلّم.و فيه ثلاثة فصول 275

الفصل الأوّل:في أخبار شتّي من أحواله صلّي اللّه عليه و سلّم 277

الفصل الثّاني:في بعض أذكار و أدعية كان يقولها صلّي اللّه عليه و سلّم في أوقات مخصوصة 287

الفصل الثّالث:في ثلاث مائة و ثلاثة عشر حديثا من جوامع كلمه صلّي اللّه عليه و سلّم 296

ص: 399

الباب الثّامن:في طبّه صلّي اللّه عليه و سلّم،و سنّه و وفاته،و رؤيته في المنام.و فيه ثلاثة فصول 327

الفصل الأوّل:في طبّه صلّي اللّه عليه و سلّم 329

الفصل الثّاني:في سنّه صلّي اللّه عليه و سلّم و وفاته 344

الفصل الثّالث:في رؤيته صلّي اللّه عليه و سلّم في المنام 368

الخاتمة:تشتمل علي خمسين حديثا،أكثرها صحاح و حسان من أدعيته صلّي اللّه عليه و سلّم 373

الفهرس

ص: 400

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.