محمد رسول الله صلي الله عليه و سلم في الكتب المقدسة

اشارة

محمد رسول الله صلي الله عليه و سلم في الكتب المقدسة

نويسنده: شامس عامري

ناشر: مركز التنوير الاسلامي (قاهره - مصر)

تعداد صفحات: 483 ص

ص: 1

التصدير

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم قال صلي اللّه عليه و سلم:

"و الذي نفس محمد بيده،لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، و لا نصراني،ثم يموت و لم يؤمن بالذي أرسلت به،إلا كان من أصحاب النار"(صحيح مسلم)

قال الإمام ابن القيم:

"لو لم يظهر محمد بن عبد اللّه-صلي اللّه عليه و سلم-لبطلت نبوة سائر الأنبياء،فظهور نبوته تصديق لنبواتهم و شهادة لها بالصدق، فإرساله من آيات الأنبياء قبله،و قد أشار سبحانه إلي هذا المعني بعينه في قوله:"بل جاء بالحق و صدق المرسلين"."

ص: 1

الإهداء

إلي الإمام الغائب،الشاهد..

شيخ الإسلام..مفتي الأنام بلسم السنة..

ناصر الملّة في زمن الذلّة..

ابن تيميّة..

رحمه اللّه رحمة واسعة، و أبقي ذكره الطيّب في العالمين!

ص: 2

توطئة

إنّ الحمد للّه،نحمده و نستعينه و نستغفره،و نعوذ باللّه من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا.من يهده اللّه فلا مضل له،و من يضلل فلا هادي له.و نشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له,القائل: "فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ. وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ" (الروم 15-16)..

و الصلاة و السلام علي حبيبي و قرّة عيني،و معلّمي الخير و دليلي إلي الفلاح:محمد بن عبد اللّه صلي اللّه عليه و سلم حجة اللّه علي الناس أجمعين,و المبشّر به علي لسان الأنبياء الأوّلين.

صلّي عليه إلهه و خليله ما دامت الغبراء و الخضراء

فهو الذي فاق الأنام كرامة و استبشرت بقدومه الأنباء

أما بعد،فإن أمتنا تعيش في معترك حام,تحت سماء حمراء متوهجة,و فوق أرض صخرية متأججة,تملؤها سنابك خيل الدعاة البغاة المعجّجة,و تتخطفها الأيادي الآثمة ,و تنخر أرضها الطاهرة تمددات سرطانية عابثة.

و لا شكّ أنّ هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الإنسانية تستحث المسلم لنثل سهام من كنانة الحق رغبة في إخماد وساوس الباطل و شقاشقه..

و لا شكّ أنّ حماية بيضة الدين و صيانة حوزة التوحيد هي أهم المهمات في زمن الملمات.

و مما لا يستريب فيه عاقل أنّ مرحلة التيه التي تتخبّط فيها طوائف مليونية و تحترق في أتونها يوميا،تستدعي من حاملي مشاعل النور أن يخرجوا إلي الذين قد سكنهم

ص: 3

الضياع ليرشدوهم إلي معالم طريق الهدي و ليأخذوا بأيديهم إلي أبواب السكينة.

لأجل كل ذلك يتحدث إليكم اليوم،أحد المسلمين عن البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلم في الكتب المقدسة عند النصاري و اليهود و الهندوس و البوذيين و الصابئة و المجوس..

و ليس علينا إلا أن نبسط القول في كشف دلائل الحق،و تسليط الأنوار عليها، و قمع الظلام الذي يريد طمس روعة الهدي و إطفاء جذوته الحارة..فإنّ أصرّ البغاة علي أنفسهم و أشاحوا بالوجه عمّا جاءهم من الحقّ و غلّقوا العيون و سدّوا الآذان،قال قائلنا:

هذا بلاغي لكم و البعث موعدنا و عند ذي العرش يدري الناس ما الخبر

و حديثنا المتواضع،يأتي بعد سلسلة من الكتب التي ألفها دعاة إلي اللّه في محاولة حثيثة إلي استقطاب النصاري و اليهود و المجوس و البوذيين و الهندوس إلي الإسلام.و قد جمعت تلك النخبة من الكتب الحجة القاطعة إلي الأسلوب الرائق دون تحريف الواقع أو التزييف الباقع..

و قد كان ردّ فعل الأقوام المدعية إلي جنة عرضها السماوات و الأرض متباينا:

فمن مهرول إلي الحق راكع في محرابه..و متأنّ في مشيّه بطيء في حركته..و متلعثم متعثر قبل تخطي عتبة الباب..و رافض مشتط في الغواية نصب سيف الحرب علي الوحي ليستعلن بباطله المنتفش انتفاشه الزبد الرابي سريع الزوال!!

و المتابع لردود فعل أهل الديانات الأربع السابقة،منذ القرون الأولي،من إعلان النبي الخاتم صلي اللّه عليه و سلم بعثته المباركة،يلحظ بكلّ يسر أنّ أكثر ديانة وقفت بعقائدها ضد قرآن الإسلام في القرون الهجرية الأولي هي الديانة المجوسية التي بلغت درجة"متقدمة"من منطقة أصولها و الدفاع عنها،و يظهر من كتاب"الفهرست"لابن النديم الوراق(؟-ت 385 هجري)أنّ الردود الإسلامية علي المجوسية المتمثلة في كتب

ص: 4

و ردود مؤلفة في القرون الهجرية الأولي أكبر بكثير من الكتب التي ألفت في تلك الفترة في الحديث عن النصرانية و في إبطالها،فقد تناول ابن النديم في المقالة التاسعة، الديانات الفارسية و الهندية فيما يزيد عن خمسين صحيفة(من ص 441-493)،في حين أنه خصص للفرق النصرانية صحيفة واحدة(ص ص 33-36).و كانت هذه العاصفة الإسلامية علي المجوسية التي عاشت لفترة هامة تحت حماية امبراطورية مترامية الأطراف و في ظلّ تأييدها،سببا في اندثار المجوسية باعتناق أهلها الإسلام و انسلاخهم من دين الثنوية.

استمر دين الصابئة محصورا في فئة قليلة,و كان لظهور الإسلام علي جميع الأديان في بلاد الشام و العراق و الحجاز سدا قطع شرايين هذا الدين و آماله في الانتشار و التوسّع.

أما النصرانية و اليهودية و البوذية و الهندوسية فقد تقلّص حجم تمددها الأرضي و البشري لصالح الإسلام و إن لم تندثر عقائدها..

و قد كان لصدق دين الإسلام و وضوحه و كماله و سعته و الجلد الذي أظهره من اعتنقوه،أثر غير مسبوق في انتشاره في قلوب الناس و تمكّنه من الصدور..

و قد شهد كبار الباحثين الغربيين لمعجزة سرعة انتشار الإسلام علي حساب بقية العقائد و الأديان،معربين عن عظيم دهشتهم من السرعة الفائقة التي اكتسح بها الإسلام الأراضي و النفوس.

فقال المؤرخ الهولندي دوزي:"إنّ هذه الظاهرة تبدو لأول وهلة لغزا غريبا، لا سيما متي علمنا أنّ الدين الجديد لم يفرض فرضا علي أحد".

و قال ماركس مايرهوف في مؤلفه"العالم الإسلامي":"و يكاد يكون مستحيلا أن نفهم كيف أنّ أعرابا منقسمين إلي عشائر ليست عندهم العدد و العدة اللازمة يهزمون

ص: 5

في مثل هذا الوقت القصير جيوش الرومان و الفرس الذين كانوا أكثر منهم مرارا في الأعداد و العتاد و كانوا يقاتلونهم و هم كتائب منظمة".

و قال لورد ستروب:"فكلما زدنا استقصاء،باحثين عن سر تقدم الإسلام زادنا ذلك العجب العجاب بهرا فارتددنا عنه بطرف كسير..عرفنا أنّ سائر الأديان العظمي إنما نشأت تسير في سبيلها سيرا بطيئا متلافية كل صعب،حتي قيّض اللّه لكل دين من أراده من ملك ناصر و سلطان قاهر انتحل ذلك الدين ثم أخذ في تأييده و الذب عنه حتي رسخت أركانه و ضمت جوانبه.إنما ليس الأمر كذلك في الإسلام..الإسلام الذي نشأ في بلاد صحراوية"...

و قد رجّت هذه الحركة التوسعية السريعة الوثّابة معاقل كثير من الأديان الوافرة الأتباع و جعلتها تتقلّب في مواقفها و تتلجلج في ردود أفعالها..فقد بدأت في أوّل أمرها بالطعن الشديد و الافتراء الفجّ و الكذب السمج-و اقرأ لزاما كتاب د.عبد الرحمن" دفاع عن القرآن ضد منتقديه"لتري العجب العجاب و ما يضحك الثكلي التي فقدت الأولاد،من الأباطيل السخيفة المدعاة علي القرآن-.و صار أقطابها اليوم يعلنون اعترافهم ب"ثورة"موج الإسلام و أنّه رقم صعب في معادلة العقائد..لكنهم لم يقبلوا الهدي و لم يعبروا المدي,و إنّما غيّروا"التكتيك"في التعامل مع دين اللّه الحقّ ..فطفت علي الساحة آراء جديدة و مناهج طريفة في الصدّ عن الضدّ بأسلوب لبق خفي,من ذلك إبطال الكنيسة الكاثوليكية في النصف الثاني من القرن العشرين ما سبق أن أعلنه أحد الرؤساء السابقين في نهاية القرن الحادي عشر،من اعتبار المسلمين كفارا(!؟)،فهم لا كفار و لا مؤمنين-منزلة بين منزلتين-!!،و ذلك في بحوثها التي عرضت في المجمع الثاني للفاتيكان،و الذي عقد في فترة 1963-1965.

ص: 6

فقد جاء في تلك الوثيقة:"إنّ كنيسة المسيح تعترف بأنّ مبادئ عقيدتها قد بنيت لدي الرسل و الأنبياء طبقا لسر الخلاص الإلهي.فهي تعترف فعلا بأنّ جميع المؤمنين و هم أبناء إبراهيم-حسب العقيدة-داخلون في رسالة ذلك النبي.

و بدافع المحبة نحو إخواننا فلننظر بعين الاعتبار إلي الآراء و المذاهب،التي و إن تباينت كثيرا عن آرائنا و مذهبنا،فإنها تضم نواة من تلك الحقيقة التي تنير قلب كل إنسان يولد في هذا العالم..

و لنعانق أولا المسلمين الذين يعبدون إلها واحدا،و الذين هم أقرب إلينا في المعني الديني و في علاقات ثقافية إنسانية واسعة".

و لنا نحن أن نعلن أنّه علي الكنيسة الكاثوليكية أن تسير إلي الأمام خطوات أكبر ,لتعلن بكل جرأة أنّ الحق كلّه هو في الإسلام فقط,أما بقية الأديان السماوية فهي لا تحمل غير"نواة من تلك الحقيقة"!!

إنّ ما أعلنته الكنيسة الكاثوليكية هو أحد علامات إحساس القوم بالزحف الإسلامي الحثيث إلي أرض النواقيس...حتي بلغ الأمر بالصحف الشهيرة في الغرب أن صرّحت أنّ الإسلام يشرق علي العالم من جديد و لكنه يشرق هذه المرة من الغرب..

بل ها هي صحيفة"إيل جورنالي"الإيطالية تصرّح أنها تتوقع أن تتخذ المجتمعات الأوروبية الإسلام دينا لها بعد 200 سنة،و أنّ الإسلام قد نفذ اليوم إلي قلب أوروبا.

و قد أعلن الكثير من الباحثين و مراكز الإحصاء أنّ الإسلام هو أكثر الأديان انتشارا في العالم.جاء هذا الاعتراف في أحد دراسات مركز"رصد العقائد"في مدينة "برن"بسويسرا..و قالت الباحثة الكهنوتية كارول أنوي:"الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا في أمريكا الشمالية"،و أعلن الدكتور هستون سميث أنّ:"الإسلام في هذا العصر كما في العصور السابقة أسرع الأديان إلي كسب الأتباع المصدّقين"!!

ص: 7

إنّ الإسلام يعود إلي البروز من جديد..و لكن لا تزال طبائع النفوس الحائدة عن الحق كما كانت،ما بين نفس متعطّشة للهداية في مسلاخ عامي جاهل..و نفس رجل مترددة بين الظلمة و النور و الظل و الحرور..و أخري قد غلفها السواد و استوطنها الفساد فركبت الهوي،و من ركب الهوي هوي،و من رضي الهوان هان!

و لا زالت أصوات الدعاة إلي الحق تتردد في أجواء الكون أن أقبلوا علي اللّه..أن فرّوا إلي اللّه..و أن لا ملجأ من اللّه إلا إلي اللّه..و لكن عبّاد الآباء لا يكفون عن الإفتاءات علي الدين الحق,و التمسّك بآثار الأوّلين و لو كانوا من عمّار السعير و حصب الجحيم.

و لا يزال النهج العملي الواقعي(لا الرسمي النظري)لرسل الكنائس في مكاتباتهم و محاضراتهم هو السبّ و التجديع و رشّ السهام و التعنيف,و هو و لا شك,نهج الذين يعتزون إلي ما لا يحسنون ممن فاق ما أخطئوا فيه ما يحسنون.و غاية أمرهم التلبيس و التدليس,ممّا لا يخفي عمّن خبر مواقفهم من الإسلام.فقد جاء مثلا في مؤتمر كولورادو-1978 م-لتنصير المسلمين,تصريح المجتمعين أنّ الإسلام "هو الدين الوحيد الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية,و النظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعيا و سياسيا..و نحن بحاجة إلي مئات المراكز, لفهم الإسلام,و لاخترقه في صدق و دهاء."!!!

و علي الضفة الأخري,علي ذري المجد,و في بؤرة النور,تنطلق في أجواء الكون صيحات عقلاء مبصرين,محّصوا العقائد الرائجة بين الخلق,فاختاروا منها ما وافق العقل و لامس شغاف الفطرة.صيحات تنادي أن أقبلوا علي جنان الدنيا و الآخرة..علي سعادة الدارين.

إنها دعوة من مسلم واع بما أوتيه من حقّ,إلي غيره من بني البشر من الذين لم ترشد عقولهم,و من الذين ران الغبش علي بصائرهم,أنّ هذا هو الدواء لعلّتكم و أنّ هذا هو الطريق إلي سعادتكم.

ص: 8

إنها دعوة إلي الاصغاء لنبضات القلب و همساته..لصرخاته المكبوتة في الصدر عند لحظة الميلاد.(1)

إنّها دعوة إلي مراجعة ما في القلب و التثبّت في ما انطبع عليه من ذكر"اللّه" سبحانه.(2)

ص: 9


1- (1) إنّ نبضات القلب تبدأ بعد بداية الشهر الرابع،و يمكن سماعها،و تكون واضحة في الشهر الخامس، و القلب في أول نبضاته ينطق باسم الخالق العظيم كما هو مصرّح به في كتاب اللّه و سنة نبيّه الكريم محمد صلي اللّه عليه و سلّم:"اللّه"،هذا ما ذكرته الدكتورة"فلك الجعفري عن أحد الأساتذة المصريين حين أراد تسجيل أول دقّة لقلب الجنين.(عن الشيخ خالد عبد الرحمن العك غاية حياة الإنسان ص 107)!!
2- (2) نقل الشيخ العك في كتابه السابق في نفس الصفحة أنّ أحد الدكاترة،و اسمه خلوق نورياني،و هو متخصص في القلب قوله:"في أحد الأيام و أنا أتصفح كتابا علميا أخذتني الدهشة لمّا رأيت في صورة القلب اسم"اللّه"مكتوبا في وسطه.اعتقدت أنني تخيّلت ذلك.و اقتربت من الصورة أكثر فتبين لي أنّ اسم"اللّه" مكتوب و كأنه خطّ بأنامل فنان ماهر،أسرعت إلي الطبق المعلّق علي حائط الغرفة المكتوب وسطه"اللّه" و قارنته مع ما وجدته مكتوبا علي القلب،فتبين لي أنه لم يكن مصادفة و إنما اسم"اللّه"كان مكتوبا علي القلب دون نقصان!! و بدأت أبحث لسنوات...ما آمنت به من أنّ اسم"اللّه"الموجود في قلب الإنسان قد وجدته أيضا في أطلس طيي وضعه العلماء الغربيون بشكل دقيق و واضح،و بقيت أدقق في الأطلس لأجد جوابا علي ما يدور في ذهني:هل يكون هذا الاسم الأعظم موجودا في هذه الصورة فقط؟أم مكتوبا علي كلّ قلب؟لكن الجواب كان نعم حين التشريح!!و تأكد لي ذلك في عمليات التشريح،إذ أنّ قلب الإنسان عند الجميع مكتوب عليه اسم الخالق بلا استثناء بوضوح تام!! كما أنّ مكان اسم"اللّه"مدهش مما يوحي بالدقة الفائقة،لأنّ نسيج القلب من ألياف العضلات المنسوجة كالشيك،إلاّ أنّ مكان اسم"اللّه"لا يوجد فيه نسيج عضلي،كأنّ هذه المنطقة خلقت هكذا ليكون وضع الاسم الأعظم فوقها واضحا!!و كأنّ هذه المنطقة المسماة طبيا"أوريكولا"المؤلفة من عضوين لم تتوضح حتي الآن المعلومات حولها،و ربما كان كذلك حفاظا علي السرية في هذه الناحية من القلب."

و ها هو موضوع البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلم في الكتب المقدسة لأشهر الأمم السابقة بين يديك,نعرضه في سياق سجالي,بعيدا عن النهج التلقيني أو العرض التمويهي,و إنما نسوق أمامك ما نراه حقيقة و نردّ علي اعتراضات المخالفين و شبهات المكابرين,و بالذات النصاري,سواء أ كانت اعتراضات عامة علي فكرة وجود البشارة ذاتها في تلك الأسفار,أو كانت اعتراضات تفصيلية علي بشارات بعينها..و طريقتنا هي:استنطاق النصوص في ضوء ما يكشفه لفظها, و الاستعانة بما نستنتجه من التراجم الحديثة و التعاليق التي جاءت في هوامشها و ما انبثق من حقائق توصّل إليها غيرنا من الباحثين الذين لا نتحرّج من نقل الكثير من استنباطاتهم.علما أنّنا قد نشتد في العبارة و نظهر التصريح لا الإشارة,لا رغبة في التشفّي,و لكن حتي لا يقع الغرّ في الجبّ.

و قد أردنا لكتابنا,بعون اللّه و فضله,أن يكون أشبه بالدليل العملي للدعوة و المناظرة.و نرجوا أن نكون قد أضفنا لبنة جديدة صلبة في هذا الباب.

و هذا الكتاب هو أيضا يد نمدّها إلي الكنائس في بلاد العرب,رعاة و رعايا,أن تعالوا إلي ما يدفع الفتن عن بلاد المسلمين التي نسكن كلّنا أرضها,و أقبلوا لتدفع عنكم و عن أبنائكم كربات يوم القيامة و حسراته القاتلة فتلك و اللّه الحالقة..فالبدار البدار إلي صراط الجنان!!

و ندعوا اللّه أن يكون الجهد المتواضع الذي بذلناه,خالصا لوجهه الكريم,و أن يغفر لنا حظ النفس فيه,و أن يهبه القبول في الدنيا بين من ينشدون الحق و يرغبون في النجاة في يوم لا يفلح فيه من فوّت علي نفسه قارب النجاة إلي مرسي الجنّات:شهادة أن"لا إله إلاّ اللّه,محمد رسول اللّه".

و اللّه الموفق و هو الهادي إلي سواء السبيل..

ربّ اشرح لي صدري,و يسّر لي أمري,و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي!

ص: 10

محمّد صلي اللّه عليه و سلّم في أسفار النصاري و اليهود

اشارة

ص: 11

مقدمة:

هي إجابة علي سؤالين:

*هل لا بدّ,للإقرار بنبوة محمد صلي اللّه عليه و سلّم,أن تخبر به الكتب السابقة؟

*هل القرائن و الأخبار العامة،بعيدا عن البحث التفصيلي في نصوص الأسفار المقدسة للنصاري و اليهود تشهد لتنبئ هذه الكتب بخروج محمد صلي اللّه عليه و سلم نبي الإسلام؟

يجيب علي السؤال الأول شيخ الإسلام،بحر العلوم،ابن تيمية،نوّر اللّه قبره،في كتابه"الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح":

"و النصاري لهم سؤال مشهور بينهم،و هو أن فيهم من يقول محمد:"لم تبشر به النبوات،بخلاف المسيح فإنه بشرت به النبوات".

و زعموا أن من لم تبشر به فليس بنبي.

و هذا السؤال يورد علي وجهين:

أحدهما: أنه لا يكون نبيا حتي تبشر به.

و الثاني: أن من بشرت به أفضل أو أكمل،ممن لم تبشر به،أو أن هذا طريق يعرف به نبوة المسيح،اختص به.

و أنتم قد قلتم:ما من طريق تثبت به نبوة نبي إلا و محمد تثبت نبوته بمثل تلك الطريق و أفضل.

فأما هذا الثاني،فيستحق الجواب و أما الأول نجيبهم عنه أيضا لكن هل تجب الإجابة عنه؟فيه قولان بناء علي أصل و هو أنه هل من شرط النسخ الإشعار بالمنسوخ

ص: 12

و لنظّار المسلمين فيه قولان:

أحدهما: أنه لا بد إذا شرع حكما يريد أن ينسخه فلا بد أن يشعر المخاطبين بأنه سينسخه لئلا يظنوا دوامه فيكون ذلك تجهيلا لهم.

و الثاني: لا يشترط ذلك.

و أيضا،فمن بعث بعد موسي بشريعة،هل يجب أن يكون مبشرا به؟فيه قولان.

و بكل حال،فلا ريب عند علماء المسلمين أن المسيح عليه السلام بشّر بمحمد كما قال تعالي "وَ إِذْ قالَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" (سورة الصف 6).

قال تعالي: "اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ" (الأعراف 157).

و قال تعالي: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَي الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوي عَلي سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً" (سورة الفتح 29)

و قال تعالي: "اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ" (البقرة 146)و(الأنعام 20)(...)

و قال تعالي: "وَ لَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَي الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَي الْكافِرِينَ " (سورة البقرة 89)

ص: 13

و قال تعالي: "أَ فَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ" (سورة الأنعام 114)(...)

و إذا كان كذلك،فيقال:معلوم باتفاق أهل الملل،أنه ليس من شرط نبوة كل نبي أن يبشر به من قبله،إذ النبوة ثابتة بدون ذلك،لا سيما و نوح و إبراهيم و غيرهما لم يعلم أنه بشر بهما من قبلهما،و كذا عامة الأنبياء الذين قاموا في بني إسرائيل لم تتقدم بهم بشارات إذ كانوا لم يبعثوا بشريعة ناسخة كداود و أشعيا و غيرهما.

و إنما قد يدعي هذا فيمن جاء بنسخ شرع من قبله،كما جاء المسيح بنسخ بعض أحكام التوراة و كذلك محمد صلي اللّه عليه و سلم،ففي مثل هذا يتنازع المتنازعون من علماء المسلمين و غيرهم:هل يشترط أن يكون قد أخبر بذلك قبل النسخ؟علي قولين.

و حينئذ فالمسلمون يقولون:شريعة التوراة و الإنجيل،لم تشرع شرعا مطلقا،بل مقيدا،إلي أن يأتي محمد.و هذا مثل الحكم المؤقت بغاية لا يعلم متي يكون،كقوله تعالي: "فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتّي يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ" و قوله تعالي: "فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّي يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً" و مثل هذا جائز باتفاق أهل الملل.

و هل يسمي هذا نسخا؟فيه قولان .

قيل لا يسمي نسخا،كالغاية المعلومة.كقوله تعالي: "وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَي اللَّيْلِ" فإن ارتفاع وجوب الصيام بمجيء الليل،لا يسمي نسخا باتفاق الناس.

فقيل إن الغاية المجهولة،كالمعلومة.

و قيل:بل هذا يسمي نسخا،و لكن هذا النسخ جائز باتفاق أهل الملل،اليهود و غيرهم.

ص: 14

و علي هذا،فثبوت نبوة المسيح و محمد صلوات اللّه و سلامه عليهما،لا تتوقف علي جواز النسخ المتنازع فيه،فإن ذلك إنما يكون في الحكم المطلق،و الشرائع المتقدمة لم تشرع مطلقا.و سواء قيل:إن الإشعار بالناسخ واجب،أو قيل:إنه غير واجب، فعلي القولين قد أشعر أهل الشرع الأول،بأنه سينسخ(...).

و إذا كان هذا هو الواقع،فنبوة المسيح محمد صلي اللّه عليهما و سلم،لا تتوقف علي ثبوت النسخ المتنازع فيه.

و حينئذ فنقول:العلم بنبوة محمد و نبوة المسيح،لا تتوقف علي العلم بأن من قبلهما بشر بهما،بل طرق العلم بالنبوة متعددة.

فإذا عرفت نبوته بطريق من الطرق،ثبتت نبوته عند من علم ذلك،و إن لم يعلم أن من قبله بشّر به.

لكن يقال:إذا كان الواجب أو الواقع أنه لا بد من إخبار من قبله بمجيئه،و أن الإشعار بنسخ شريعة من قبله واجب،أو واقع،صار ذلك شرطا في النبوة.و من علم نبوته علم أن هذا قد وقع و إن لم ينقل إليه.

فإذا قال المعارض:عدم إخبار من قبله به يقدح في نبوته،و أنه إذا قدر أنه لم يخبر به من قبله،و الإخبار شرط في النبوة،كان ذلك قدحا.

قيل:الجواب هنا من طريقين:

أحدهما: أن يقال:إذا علمت نبوته بما قام عليها من أعلام النبوة،فإما أن يكون تبشير من قبله لازما لنبوته واجبا،أو واقعا،و إما أن لا يكون لازما.

فإن لم يكن لازما لم يجب وقوعه،و إن كان لازما علم أنه قد وقع،و إن كان ذلك لم ينقل إلينا،إذ ليس كل ما قالته الأنبياء المتقدمون علمناه و وصل إلينا.و ليس كل ما أخبر به المسيح و من قبله من الأنبياء وصل إلينا،و هذا مما يعلم بالاضطرار.

ص: 15

و لو قدّر أن هذا ليس في الكتب الموجودة،لم يلزم أن المسيح و من قبله لم يذكروه،بل يمكن أنهم ذكروه و ما نقل،و يمكن أنه كان في كتب غير هذه،و يمكن أنه كان في نسخ غير هذه النسخ فأزيل من بعضها و نسخت هذه مما أزيل منه،و تكون تلك النسخ التي هو موجود فيها غير هذه،فكل هذا ممكن في العادة لا يمكن الجزم بنفيه.

فلو قدر أنه ليس في هذه الكتب الموجودة اليوم بأيدي أهل الكتاب،لم يقطع بأن الأنبياء لم يبشروا به،فإذا لم يمكن لليهود أن يقطعوا بأن المسيح لم يبشر به الأنبياء،و لا يمكن أهل الكتاب أن يقطعوا بأن محمدا لم يبشر به الأنبياء،لم يكن معهم علم بعدم ذلك،بل غاية ما يكون عند أحدهم ظن لكونه طلب ذلك فلم يجده.

و دلائل نبوة المسيح و محمد قطعية يقينية لا يمكن القدح فيها بظن فإن الظن لا يدفع اليقين،لا سيما مع الآثار الكثيرة المخبرة بأن محمدا كان مكتوبا باسمه الصريح فيما هو منقول عن الأنبياء،كما في صحيح البخاري أنه قيل لعبد اللّه بن عمرو،أخبرنا ببعض صفة رسول اللّه في التوراة،فقال إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : "يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً و حرزا للأميين.أنت عبدي و رسولي.سميتك المتوكل.لست بفظ و لا غليظ و لا صخاب بالأسواق،و لا تجزي بالسيئة السيئة، و لكن تجزي بالسيئة الحسنة،و تعفو و تغفر.و لكن أقبضه حتي أقيم به الملة العوجاء،فأفتح به أعينا عميا،و آذانا صما،و قلوبا غلفا،بأن يقولوا لا إله إلا اللّه".

و لفظ التوراة و الإنجيل و القرآن و الزبور قد يراد به الكتب المعينة،و يراد به الجنس،فيعبر بلفظ القرآن عن الزبور و غيره،كما في الحديث الصحيح عن النبي، خفف علي داود القرآن،فكان ما بين أن تسرج دابته إلي أن يركبها يقرأ القرآن.

و المراد به قرآنه،و هو الزبور،ليس المراد به القرآن الذي لم ينزل إلا علي محمد.

ص: 16

و كذلك ما جاء في صفة أمة محمد،أناجيلهم في صدورهم،فسمي الكتب التي يقرءونها و هي القرآن،أناجيل.

و كذلك في التوراة،إني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من اخوتهم،أنزل عليه توراة مثل توراة موسي،فسمي الكتاب الثاني توراة.

فقوله أخبرني بصفة رسول اللّه في التوراة،قد يراد بها نفس الكتب المتقدمة كلها، و كلها تسمي توراة،و يكون هذا في بعضها.

و قد يراد به التوراة المعينة،و علي هذا فيكون هذا في نسخة لم ينسخ منها هذه النسخ،فإن النسخ الموجودة بالتوراة التي وقفنا عليها ليس فيها هذا.

لكن هذا عندهم في نبوة أشعيا،قال فيها:"عبدي الذي سرت به نفسي، أنزل عليه وحيي،فيظهر في الأمم عدلي،و يوصيهم بالوصايا.

لا يضحك،و لا يسمع صوته في الأسواق.يفتح العيون العور، و الآذان الصم،و يحيي القلوب الغلف.و ما أعطيه لا أعطي أحدا.يحمد اللّه حمدا جديدا.يأتي من أقصي الأرض،و تفرح البرية و سكانها.يهللون اللّه علي كل شرف،و يكبرونه علي كل رابية.لا يضعف،و لا يغلب،و لا يميل إلي الهوي،مشقح.و لا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة،بل يقوي الصديقين،و هو ركن المتواضعين،و هو نور اللّه الذي لا يطفي، أثر سلطانه علي كتفيه".

و هذه صفات منطبقة علي محمد صلي اللّه عليه و سلم و أمته،و هي من أجل بشارات الأنبياء المتقدمين به.

و لفظ التوراة،قد عرف أنه يراد به جنس الكتب التي يقرّ بها أهل الكتاب، فيدخل في ذلك الزبور،و نبوة أشعيا،و سائر النبوات غير الإنجيل.

ص: 17

فإن كان المراد بلفظ التوراة و الإنجيل في القرآن هذا المعني،فلا ريب أنّ ذكر النبي صلي اللّه عليه و سلّم في التوراة بهذا الاعتبار،كثير متعدد(...).

الطريق الثاني من الجواب: أن نبين أن الأنبياء قبله،بشروا به.و هذا هو دليل مستقل علي نبوته و علم عظيم من أعلام رسالته.و هذا أيضا يدل علي نبوة ذلك النبي،إذ أخبر بأنباء من الغيب مع دعوي النبوة.و يدل علي نبوة محمد لإخبار من تثبت نبوته بنبوته،هذا إذا وجد الخبر ممن لا نعلم نحن نبوته و لم يذكر في كتابنا.

و أما من ثبتت نبوته بطرق أخري،كموسي و المسيح،فهذا مما تظاهر فيه الأدلة علي المدلول الواحد،و هو أيضا يتضمن أن كل ما ثبتت به نبوة غيره،فإنه تثبت به نبوته،و هو جواب ثان،لمن يجعل ذلك شرطا لازما لنبوته."

يجيب عن السؤال الثاني الإمام المجدد،شيخ الإسلام ابن القيم في كتابه الموسوم ب "هداية الحياري في أجوبة اليهود و النصاري"بقوله،تحت عنوان"اثنا عشر وجها تدلّ علي أنه(محمد صلي اللّه عليه و سلم)مذكور في الكتب المنزلة:"

العلم بأنه صلي اللّه عليه و سلم مذكور في الكتب المتقدمة يعرف من وجوه متعددة:

أحدها: أخبار من قد ثبتت نبوته قطعا بأنه مذكور عندهم في كتبهم فقد أخبر به من قام الدليل القطعي علي صدقه فيجب تصديقه فيه إذ تكذيبه و الحالة هذه ممتنع لذاته هذا لو لم يعلم ذلك إلا من مجرد خبرة فكيف إذا تطابقت الأدلة علي صحة ما أخبر به.

الثاني: أنه جعل الإخبار به من أعظم أدلة صدقه و صحة نبوته و هذا يستحيل أن يصدر إلا من واثق كل الوثوق بذلك و أنه علي يقين جازم به.

ص: 18

الثالث: أن المؤمنين به من الأحبار و الرهبان الذين آثروا الحق علي الباطل صدقوه في ذلك و شهدوا له بما قال.

الرابع: أن المكذبين و الجاحدين لنبوته لم يمكنهم إنكار البشارة و الأخبار بنبوة نبي عظيم الشأن صفته كذا و كذا و صفة أمته و مخرجه و شأنه لكن جحدوا أن يكون هو الذي وقعت به البشارة و أنه نبي آخر غيره و علموا هم و المؤمنون به من قومهم أنهم ركبوا متن المكابرة و امتطوا غارب البهت.

الخامس: أن كثيرا منهم صرح لخاصته و بطانته بأنه هو هو بعينه و أنه عازم علي عداوته ما بقي كما تقدم.

السادس: أن إخبار النبي صلي اللّه عليه و سلم بأنه مذكور في كتبهم هو فرد من أفراد اخباراته بما عندهم في كتبهم من شأن أنبيائهم و قومهم و ما جري لهم و قصص الأنبياء المتقدمين و أممهم و شأن المبدأ و المعاد و غير ذلك مما أخبرت به الأنبياء و كل ذلك مما يعلمون صدقه فيه و مطابقته لما عندهم و تلك الاخبارات أكثر من أن تحصي و لم يكذبوه يوما واحدا في شيء منها و كانوا أحرص شيء علي أن يظفروا منه بكذبة واحدة أو غلطة أو سهو فينادون بها عليه و يجدون بها السبيل إلي تنفير الناس عنه فلم يقل أحد منهم يوما من الدهر انه أخبر بكذا و كذا في كتبنا و هو كاذب فيه بل كانوا يصدقونه في ذلك و هم مصرون علي عدم اتباعه و هذا من أعظم الأدلة علي صدقه فيما أخبر به لو لم يعلم إلا بمجرد خبره.

السابع: أنه أخبر بهذا لأعدائه من المشركين الذين لا كتاب عندهم و أخبر به لأعدائه من أهل الكتاب و أخبر به لأتباعه فلو كان هذا باطلا لا صحة له لكان ذلك تسليطا للمشركين أن يسألوا أهل الكتاب فينكرون ذلك و تسليطا لأهل الكتاب علي الإنكار و تسليطا لأتباعه علي الرجوع عنه و التكذيب له بعد تصديقه و ذلك ينقض الغرض المقصود بإخباره من كل وجه و هو بمنزلة رجل يخبر بما يشهد بكذبه و يجعل

ص: 19

أخباره دليلا علي صدقه و هذا لا يصدر من عاقل و لا مجنون فهذه الوجوه يعلم بها صدق ما أخبر به و إن لم يعلم وجوده من غير جهة أخباره فكيف و قد علم وجود ما أخبر به.

الثامن: أنه لو قدر أنهم لم يعلموا بشارة الأنبياء به و أخبارهم بنعته و صفته لم يلزم أن لا يكونوا ذكروه و أخبروا به و بشروا بنبوته إذ ليس كل ما قاله الأنبياء المتقدمون وصل إلي المتأخرين و أحاطوا به علما و هذا مما يعلم بالاضطرار فكم من قول قد قاله موسي و عيسي و لا علم لليهود و النصاري به فإذا أخبر به من قام الدليل القطعي علي صدقه لم يكن جهلهم به موجبا لرده و تكذيبه.

التاسع: أنه يمكن أن يكون في نسخ غير هذه النسخ التي بأيديهم فأزيل من بعضها و نسخت هذه مما أزيل منه(...).

العاشر: أنه استشهد علي صحة نبوته بعلماء أهل الكتاب و قد شهد له عدو لهم فلا يقدح جحد الكفرة الكاذبين المعاندين بعد ذلك قال تعالي: "وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفي بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ" .و قال تعالي:

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلي مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ" .و قال تعالي: "ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَ رُهْباناً وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَي الرَّسُولِ تَري أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ" ,و قال تعالي: "اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَ إِذا يُتْلي عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ. أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ" .و إذا شهد واحد من هؤلاء لم يوزن به ملء الأرض من الكفرة و لا تعارض شهادته بجحود ملء الأرض من الكفار كيف و الشاهد له من علماء أهل الكتاب أضعاف أضعاف المكذبين له منهم و ليس كل من

ص: 20

قال من أشباه الحمير من عباد الصليب و أمة الغضب أنه من علمائهم فهو كذلك و إذا كان أكثر من من يظن عوام المسلمين انه من علمائهم ليس كذلك فما الظن بغيرهم و علماء أهل الكتاب إن لم يدخل فيهم من لم يعمل بعلمه فليس علماؤهم إلا من آمن به و صدقه و إن دخل فيهم من علم و لم يعمل كعلماء السوء لم يكن إنكارهم لنبوته قادحا في شهادة العلماء العاملين بعلمهم.

الحادي عشر: أنه لو قدر أنه لا ذكر لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بنعته و لا صفته و لا علامته في الكتب التي بأيدي أهل الكتاب اليوم لم يلزم من ذلك أن لا يكون مذكورا في الكتب التي كانت بأيدي أسلافهم وقت مبعثه و لا تكون اتصلت علي وجهها إلي هؤلاء بل حرفها أولئك و بدلوا و كتموا و تواصوا و كتبوا ما أرادوا و قالوا هذا من عند اللّه ثم اشتهرت تلك الكتب و تناقلها خلفهم عن سلفهم فصارت المغيرة المبدلة هي المشهورة و الصحيحة بينهم خفية جدا و لا سبيل إلي العلم باستحالة ذلك بل هو في غاية الامكان فهؤلاء السامرة غيروا مواضع من التوراة ثم اشتهرت النسخ المغيرة عند جميعهم فلا يعرفون سواها و هجرت بينهم النسخ الصحيحة بالكلية و كذلك التوراة التي بأيدي النصاري و هكذا تبدل الأديان و الكتب و لو لا أن اللّه سبحانه تولي حفظ القرآن بنفسه و ضمن للأمة أن لا تجتمع علي ضلالة لأصابه ما أصاب الكتب قبله قال تعالي "إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ" .

الثاني عشر: إنه من الممتنع أن تخلو الكتب المتقدمة عن الأخبار بهذا الأمر العظيم الذي لم يطرق العالم من حين خلق إلي قيام الساعة أمر أعظم منه و لا شأن أكبر منه فإنه قلب العالم و طبق مشارق الأرض و مغاربها و استمر علي العالم علي تعاقب القرون و إلي أن يرث اللّه الأرض و من عليها و مثل هذا النبأ العظيم لا بدّ أن تتطابق الرسل علي الإخبار به و إذا كان الدجال رجل كاذب يخرج في آخر الزمان و بقاؤه في الأرض أربعين يوما قد تطابقت الرسل علي الإخبار به و أنذر به كل نبي قومه من نوح إلي خاتم

ص: 21

الرسل فكيف تتطابق الكتب الإلهية من أولها إلي آخرها علي السكوت عن الإخبار بهذا الأمر العظيم الذي لم يطرق العالم أمر أعظم منه و لا يطرقه أبدا هذا ما لا يسوغه عقل عاقل و تأباه حكمة أحكم الحاكمين بل الأمر بضد ذلك و ما بعث اللّه سبحانه نبيا إلا أخذ عليه الميثاق بالإيمان بمحمد و تصديقه كما قال تعالي:": "وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلي ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ" .قال ابن عباس ما بعث اللّه من نبي إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد و هو حي ليؤمنن به و لينصرنه و أمره أن يأخذ الميثاق علي أمته لئن بعث محمد و هم أحياء ليؤمنن به و ليتابعنه"

ص: 22

لما ذا يبحث المسلم في موضوع البشارة بمحمد صلّي اللّه عليه و سلم؟

يندفع المسلم إلي دراسة موضوع البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلم في كتب السابقين بتحفيز مما جاء في وحي اللّه المنزّل علي عبده محمد صلي اللّه عليه و سلّم في القرآن و السنة..و قد تواترت النصوص و استفاضت معانيها المتدفقة من عيونها العذبة تخبر عن ولادة النور من قلب جزيرة العرب,و هي لم تلق معارضة تذكر من اليهود و النصاري في زمن تنزّلها,مما يقطع عند أهل العقول أنها صادقة لم تفتر علي اللّه الكذب و أنها تصف حقيقة لا يستريب فيها مبصر و لا يرتاب في أمرها منصف..

من هذه الآيات قول الحق سبحانه: "اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (الأعراف 157).

يقول الإمام ابن كثير:"و هذه صفة محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في كتب الأنبياء بشّروا أممهم ببعثه و أمروهم بمتابعته و لم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم و أحبارهم.كما روي الإمام أحمد حدّثنا إسماعيل عن الجريريّ عن أبي صخر العقيلي حدّثني رجل من الأعراب قال جلبت حلوبة إلي المدينة في حياة رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم فلمّا فرغت من بيعي قلت لألقينّ هذا الرّجل فلاسمعنّ منه قال فتلقّاني بين أبي بكر و عمر يمشون فتبعتهم حتّي أتوا علي رجل من اليهود ناشر التّوراة يقرؤها يعزّي بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان و أحسنها فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم"أنشدك بالّذي أنزل التّوراة هل

ص: 23

تجد في كتابك هذا صفتي و مخرجي؟"فقال برأسه هكذا أي لا فقال ابنه إي و الّذي أنزل التّوراة إنّا لنجد في كتابنا صفتك و مخرجك و إنّي أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّك رسول اللّه فقال"أقيموا اليهوديّ عن أخيكم"ثمّ تولّي كفنه و الصّلاة عليه",هذا حديث جيّد قويّ له شاهد في الصّحيح عن أنس".

و جاء في سورة البقرة الآية 101: "وَ لَمّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ" يقول الإمام الطبري في تفسيره:" يعني جل ثناؤه بقوله:"و لمّا جاءهم"أحبار اليهود و علماءها من بني إسرائيل.

"رسول"يعني بالرّسول محمّدا صلي اللّه عليه و سلم.(...).

أمّا قوله:"مصدق لما معهم".إنّه يعني به أنّ محمّدا صلي اللّه عليه و سلم يصدّق التّوراة،و التّوراة تصدّقه في أنّه للّه نبيّ مبعوث إلي خلقه.

و أمّا تأويل قوله: "لَمّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ" فإنّه للّذي هو مع اليهود،و هو التّوراة.فأخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّ اليهود لمّا جاءهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من اللّه بتصديق ما في أيديهم من التّوراة أنّ محمّدا صلي اللّه عليه و سلم نبيّ اللّه.

"نبذ فريق"،يعني بذلك أنّهم جحدوه و رفضوه بعد أن كانوا به مقرّين حسدا منهم له و بغيا عليه.

و قوله:"من الّذين أوتوا الكتاب"و هم علماء اليهود الّذين أعطاهم اللّه العلم بالتّوراة و ما فيها.

و يعني بقوله:"كتاب اللّه"التّوراة

ص: 24

و قوله:"نبذوه وراء ظهورهم"حملوه وراء ظهورهم;و هذا مثل يقال لكلّ رافض أمرا كان منه علي بال:قد جعل فلان هذا الأمر منه بظهر و جعله وراء ظهره، يعني به أعرض عنه و صدّ و انصرف..."

و قال اللّه سبحانه: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَي الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوي عَلي سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً" (سورة الفتح 29)

قال سيد قطب في تفسيره:"إنها صورة عجيبة يرسمها القرآن الكريم بأسلوبه البديع.

صورة مؤلفة من عدة لقطات لأبرز حالات هذه الجماعة المختارة،حالاتها الظاهرة و المضمرة.فلقطة تصور حالتهم مع الكفار و مع أنفسهم:"أشدّاء علي الكفّار رحماء بينهم"و لقطة تصور هيئتهم في عبادتهم:"تراهم ركعا سجدا".و لقطة تصور قلوبهم و ما يشغلها و يجيش بها:"يبتغون فضلا من اللّه و رضوانا".و لقطة تصور أثر العبادة و التوجه إلي اللّه في سمتهم و سحنتهم و سماتهم:"سيماهم في وجوههم من أثر السجود".."ذلك مثلهم في التوراة".و هذه صفتهم فيها..و لقطات متتابعة تصورهم كما هم في الإنجيل..

"كزرع أخرج شطأه""فآزره".."فاستغلظ""فاستوي علي سوقه"."يعجب الزراع".."ليغيظ بهم الكفار".

و جاء في سورة البقرة الآية 146: "اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ" .

و نقرأ في تفسير الجلالين-للإمامين جلال الدين المحلّي و جلال الدين السيوطي- :"الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه أي محمدا كما يعرفون أبناءهم بنعته في كتبهم قال

ص: 25

ابن سلام:لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني و معرفتي لمحمد صلي اللّه عليه و سلم أشد و إن فريقا منهم ليكتمون الحق(نعته)و هم يعلمون هذا الذي أنت عليه."

الآيات القرآنية كثيرة نقتصر منها علي ما ذكرنا،و فيما يتعلق بالأحاديث الواردة عن الرسول صلي اللّه عليه و سلم و الآثار عن الصحابة فنكتفي منها بما رواه أحمد في مسنده و ابن حبان في صحيحه من أنّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قال:«إنّي عند اللّه لخاتم النبيين،و إن آدم لمنجدل في طينته،و سأنبئكم بتأويل ذلك،دعوة أبي إبراهيم و بشارة عيسي قومه، و رؤيا أمي التي رأت حين وضعتني و قد خرج منها نور ساطع أضاءت منه قصور الشام".

و يزداد المسلم إمعانا في الحرص علي دراسة موضوع البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم و تشوّفا لتلمّس ملامحه عند ما يطّلع علي ما كشفه الباحثون من المحققين من بشارات صريحة و ضمنية عن مقدم"البشير النذير"صلي اللّه عليه و سلم..و قد كتب في شأن هذه البشارات جمع كبير من أهل العلم،و أفضل من فصّل الحديث فيها طائفة من رجال الذين النصاري لبّوا دعوة التوحيد لمّا بزغ نور الهداية في الظلام الدامس الذي ران علي قلوبهم،فكتب عبد الأحد داود(دافيد كلداني،سابقا)كتابه"محمد في الكتاب المقدس"،و كتب القسيس المدرّس في كليّة اللاهوت إبراهيم خليل أحمد- رحمه اللّه-"محمد صلي اللّه عليه و سلم في التوراة و الإنجيل و القرآن"و قد توفي منذ فترة قصيرة،و كتب القسيس دوراني:"محمد النبوءة الكتابية"..و غيرهم..

و يعلم النصاري و غيرهم حقيقة خبر محمد في أسفارهم لكنهم يزعمون غير ذلك" وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" (النمل 14)..و هذا الأمر معلوم مشهور تشهد له وقائع عديدة لا تستوعبها الأسفار الثقال,و لك منّي بعضها:

قال إسحاق هلال مسيحة،رئيس لجنة التنصير بإفريقيا و آسيا،بعد اهتدائه إلي الإسلام،و هو يروي قصة إسلامه:"...ثم عيّنت رئيسا لكنيسة المثال المسيحي بسوهاج,و رئيسا فخريا لجمعيات خلاص النفوس المصرية(و هي جمعية تنصيرية قوية

ص: 26

جدا و لها جذور في كثير من البلدان العربية و بالأخص دول الخليج).و كان البابا يغدق عليّ الأموال حتي لا أعود لمناقشة مثل تلك الأفكار,لكني مع هذا كنت حريصا علي معرفة حقيقة الإسلام,و لم يخبو النور الإسلامي الذي أنار قلبي فرحا بمنصبي الجديد بل زاد،و بدأت علاقتي مع بعض المسلمين سرا.و بدأت أدرس و أقرأ عن الإسلام.و طلب منّي إعداد رسالة ماجستير حول مقارنة الأديان و أشرف علي الرسالة أسقف البحث العلمي في مصر سنة 1975،و استغرقت في إعدادها أربع سنوات.و كان المشرف يعترض علي ما جاء في الرسالة حول صدق نبوّة محمد صلي اللّه عليه و سلم و أميته و تبشير المسيح بمجيئه.و أخيرا تمّت مناقشة الرسالة في الكنيسة الإنكليكية بالقاهرة و استغرقت المناقشة تسع ساعات و تركّزت حول قضية النبوّة و النبي صلي اللّه عليه و سلم علما بأنّ الآيات صريحة في الإشارة إلي نبوّته و ختم النبوّة به.

و في النهاية قرّر البابا سحب الرسالة منّي و عدم الاعتراف بها..."!!!

أمّا الواقعة الثانية فقد كان بطلها الدكتور أحمد حجازي السقا,الباحث المعروف في النصرانية،بل أغزر الباحثين المسلمين العرب تأليفا,و تحقيقا للكتب القديمة حول النصرانية.

قال الدكتور في كتابه(أطروحته)"البشارة بنبيّ الإسلام في التوراة و الإنجيل" ص 45-46:"كنت أعدّ رسالة الدكتوراه في كليّة أصول الدين-جامعة الأزهر في موضوع"مجلّة الأزهر و أثرها في الدعوة الإسلامية"في سنّة 1973 م و ذات يوم التقيت ب"قمص"نصراني ظنّ أنّي نصراني مثله,لأنّي كنت أقرأ في الكتاب المقدس و أحمل منه نسخة أخري,لصديق لي.

فسألني قائلا:"أ تعرف أنّ الإصحاح الثامن من سفر دانيال النبيّ يشير إلي معركة سنة 1967 م التي حدثت بين المسلمين و بين اليهود في أرض فلسطين؟".

قلت:"قد قرأت ذلك في كتاب"إظهار الحق"و لكنّي لم أدرس جيّدا!".

قال:"أحبّ أن أطّلع عليه!".

و نزلنا من القطار إلي منزل الشيخ حامد عبد الحميد إبراهيم قلبه,في محطة المطرية بمصر.

ص: 27

و في الطريق سألته:"أ محمد نبيّ المسلمين لا يشير إليه الكتاب المقدّس؟".

قال:"يشير إليه في آيات كثيرة."

ثم سرد لي كثيرا من هذه الآيات.

و في منزل هذا الشيخ الذي كنت نازلا عليه ضيفا,قرأ ما أراد.ثم انصرف مندهشا لما عرف أنّي مسلم فيما بعد.

و كان بين الشيخ و بين أستاذنا صاحب الفضيلة الدكتور"الشيخ محمد بن محمد أبو شهبة"موعد آخر النهار,فاصطحبني معه.و قصصنا عليه ما حدث فتبسّم ضاحكا و قال:"يعرفونه كما يعرفون أبناءهم"و كررها كثيرا.ثم قال:"وددت لو يكتب أحد رسالة في موضوع:"البشارة بنبيّ الإسلام في التوراة و الإنجيل"فشرح اللّه صدري للذي قال,و تنازلت عن الموضوع الأول.و أشرف هو عليه و ساعدني فيه كثيرا.

و من عجيب المصادفات أنّني التقيت بهذا القمص,و اسمه"جرجس سلمون فيلمون"وكيل الدير المحرق في القوصية بأسيوط,في مسجد الجامع الأزهر بعد سنتين من الزمان في حجرة الأساتذة و ذكر لي نصوصا أخري."

و قد تمّ نشر رسالة الدكتوراه تلك و نشر بعدها الدكتور السقا عدة أبحاث في موضوع البشارة وحده حتي أصبح المجال الأول لكتاباته.

و خذ ثالثة من يهودي..

ذكر الباحث قيس الكلبي في كتابه:"محمد خاتم الرسل في التوراة و الإنجيل" "Prophet Muhammad the Last Messenger in the Bible" ص 37 الطبعة السابعة,أنه بينما كان يعدّ كتابه الطويل المليء بالوثائق،و الذي أسلم بعد قراءته أكثر من 360 شخص،التقي بأحد مشاهير أحبار اليهود في أمريكا و اسمه يعقوب، و ناقشه في كلّ أعداد التوراة باللغة العبرية فيما يتعلّق بالبشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم.و في أثناء النقاش,انبثقت شرارة الصدق من اصطلام نار النور في صدر الحبر

ص: 28

فبكي و ذرف الدمع الشحيح,و أقرّ أنه لا شكّ أنّ محمدا صلي اللّه عليه و سلّم هو كموسي عليهما الصلاة و السلام نبي من عند اللّه..

و لكنّ الرجل لم يسلم!!؟؟

و بعد ذكر هذه الوقائع يحسن بنا أن نقدّم نموذجا آخر لثبوت علم أهل الكتاب ببشارة"الكتاب المقدس"ببعثة محمد صلي اللّه عليه و سلم,و هو اعتراف صدر من أبي الفتح بن أبي الحسن السامري الذي لم يسلم,بأنّ سلفه من اليهود السامريين(1) كانوا يعلمون أنّ محمدا صلي اللّه عليه و سلم هو حقا رسول اللّه,فقد قال في كتابه"التاريخ مما تقدّم عن الآباء"ص 172 إنّ ثلاثة رجال,أحدهم من اليهود السامريين في نابلس و يسمّي صرماصة,و ثانيهم من اليهود العبرانيين في أورشليم و يلقّب بكعب

الأحبار,و ثالثهم نصراني راهب و يسمّي عبد السلام.هؤلاء الثلاثة اجتمعوا معا و انطلقوا إلي مقابلة النبي صلي اللّه عليه و سلّم.يقول ما نصّه(و ترجمته العربية ركيكة):"و جاءوا حتي وصلوا إلي المدينة التي هو فيها.و قالوا لبعضهم البعض:من يتقدم أولا؟فقال كعب الأحبار:أنا.فتقدم إليه و سلّم عليه.فردّ عليه السلام.

و قال له:من أنت من أولاد اليهود؟فقال له:أنا رجل من مقدمي اليهود,وجدت في توراتي أن يقوم ملك من نسل إسماعيل و يملك الدنيا و لا يقف بين يديه أحد.فتقدّم عبد السلام بعده و قال:هكذا وجدت في الإنجيل.و تقدم إليه صرماصة.و قال له :أنت تدين بدين وسيعة و تملك رقاب العالم".

ثم يقول بعد ذلك ما نصّه:"و محمد ما أساء إلي أحد من أصحاب الشرائع, و سمعت من لفظ الحكيم و هو نقل عن كاتبه المنقول منه العلامة فاضل الوجود الشيخ نفيس الدين أبو الفرج بن كثار أنّه جاء في نقل السلف عن محمد و هو...الخ".

ص: 29


1- اليهود فرق عدّة من أشهرها فرقة اليهود السامريين,و هم يعيشون في أيامنا في نابلس في فلسطين.أهمّ مخالفاتهم لبقية اليهود هي أنهم يرفضون الاعتراف بقدسية ما عدا أسفار موسي الخمسة(لمزيد من التفصيل انظر د. عبد الجليل شلبي اليهود و اليهودية ص ص 132-133).

ثم نقل النص باللغة العبرية السامرية التي كانت شائعة قبل تغيير العبرانيين للخط العبري..

و قد نسخ هذا الاعتراف الدكتور السقا في كتابه"المسيّا المنتظر نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلم"ص 168 و في غيره.

ص: 30

لما ذا علي غير المسلم أن يبحث في موضوع البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم؟

إذا كان المسلم يحمل تلك الحوافز التي تستحثّه علي تقليب الصفحات و نفض الغبار عن الآثار و استخراج الدرّ من ركام الحقائق المطمورة في قاع سحيق من المعارف المستكنّة في بطون الأسفار القديمة..فإنّ الكتابيّ هو أيضا معني بدراسة هذا الموضوع لأسباب عديدة و دواع خطيرة,من أهمها أنه لم يأت نص في التوراة أو الأناجيل يقرّر ختم النبوّة في عهد المسيح أو قبله.فالباب مفتوح لا يغلق إلا بعد عبور النبي الخاتم..

و ما لم يأت هذا النبي,فإنّ البحث عنه و عن أوصافه و شخصه واجب علي كلّ نصراني و يهودي..لم يقبر عقله و لم يئد فكره و لم يرض لأنفاس الصدر أن تتبخّر تحت حرّ الغفلة.

و قد كان قوم المسيح عليه السلام يوم بعثته ينتظرون ظهور"نبي آخر الزمان"..

فقد جاء في إنجيل يوحنا 7:40-41:"...و لما سمع الحاضرون هذا الكلام قال بعضهم:"هذا هو النبي حقا".و قال آخرون:"هذا هو المسيح".

و إنجيل يوحنا 19:1-21:"و هذه شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم بعض الكهنة و اللاويين يسألونه:"من أنت؟" فاعترف و لم ينكر،بل أكّد قائلا:"لست أنا المسيح".

فسألوه:"ما ذا إذن؟هل أنت إيليّا؟"قال:"لست إيّاه!"،"أو أنت النبي؟"فأجاب"لا!".

لقد كان النصاري ينتظرون كلا من"المسيح"..و"النبي"-بالألف و اللام-أي نبي خاص،هو الأعظم بين الأنبياء و الأكثر تألقا و الأكثر تألقا و إشراقا..و"المسيح"هو غير "ال..نبي"..و لقد بعث المسيح في القرن الأول ميلادي,و ما بعث حتي ذاك الزمان

ص: 31

"ال..نبي"الذي ستشرق أرجاء الأرض بنور دعوته البهيّة التي لا تذر بيت و بر أو مدر إلا و تنثر فيه عبقها و تزهر فيه الأمل و تنشر فيه السكينة.

إنّ المسيح عليه السلام كان يعلّم تلاميذه و من سيتبعهم و يقتفي آثارهم و يلزم غرزهم من الأجيال اللاحقة,السبيل إلي اكتشاف شخصية هذا النبي،قائلا:" احذروا الأنبياء الدجالين الذين يأتون إليكم لابسين ثياب الحملان،و لكنهم من الداخل ذئاب خاطفة!من ثمارهم تعرفونهم.هل يجني من الشوك عنب،أو من العليق تبن؟"(متي 7:

15-16).

المعيار لمعرفة هذا النبي الآتيّ هو آثار دعوته في خاتمة رحلته..و لا ينكر عاقل منصف الأثر العظيم و الجني الطيب و الحصاد الحلو لدعوة محمد صلي اللّه عليه و سلّم..

و صدق الشاعر عند ما قال مخاطبا محمدا صلي اللّه عليه و سلم:

أخوك عيسي دعا ميتا فقام له و أنت أحييت أجيالا من الرمم

و قد جاء في الكتب التي تناولت تاريخ النصاري ذكر خبر علم القوم بأنّ محمدا صلي اللّه عليه و سلم هو من بشّر به الإنجيل,من ذلك ما نقله محمد فؤاد الهاشمي, النصراني المهتدي إلي الإسلام,في كتابه"سرّ إيماني"نقلا عن الجزء الأول من كتاب "المسيح الصريح"،، Clear Cris ،،ص 173 للمؤرخ الألماني "Lodfing" .

و نصّه:"ذهب وفد من نصاري العرب الذين كانوا يسكنون يثرب إلي نبي العرب محمد,و كان الوفد مكونا من ثلاثة أشخاص أولهم يسمي"عبد المسيح"و كان أمير قومه,و الثاني يسمي"آثيوس"و كان أسقفا وسط قومه يشار إليه بالبنان.

و كان ميتاءوس متعجرفا ظهرت صورة عجرفته في امتطائه ظهر بغلته و هو يحدث النبي،و في جوار بغلته وقف أخوه"ايكوزناس"الذي اهتزّ غضبا لظهور معجزة لهذا النبي بأن غاصت أرجل بغلة ميتاءوس في الرمال مما جعله يوجه ألفاظا نابية

ص: 32

إلي محمد،مما جعل ميتاءوس يعنّف أخاه ايكوزناس،و يقول له:"إنّ الكتب التي لدينا تقول:"إنّ هذا نبيّ،و لو لا شرفنا في قومنا و خوفنا من ضياع هيبتنا بين الرومان الذين يعينوننا بالأموال لاتّبعناه و بشّرنا به بين قومنا"(سرّ إيماني ص ص 110-111).

فكتب التاريخ عند النصاري تشهد لبشارة الأناجيل بنبيّ الإسلام و حادي المسلمين...و لكنّ الهوي قد صاغ من طوب الجهل و الغفلة,سورا للتيه و الضلالة, ليحجب عن البصائر رونق الهداية البديعة و شمسها المتوهّجة..فقل الحق,أخي, ,و اجهر بالصدق..فستتفتح بصائر و تشرئبّ إليك أعناق..أمّا من استمسكوا بالباطل و عضّوا عليه بالنواجذ,فقل لهم..

عليّ تحت القوافي من مكامنها و لا ذنب لي إن لم تفهم البقر

ص: 33

شبهات المنصّرين حول البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلم في"الكتاب المقدس"

"أقول له زيدا،فيسمع خالدا و يكتبه عمرا،و يقرؤه بشرا!؟"

ص: 34

إنّ النصاري و علي رأسهم المنصّرين منهم يعمدون إلي محاولة إحراج المسلمين و التشغيب علي اقوالهم,إذا ما حدّثوا عن البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلم في الكتاب المقدس.و المتأمل في اعتراضاتهم و مدافعاتهم يلحظ بيسر أنّ القوم لا يبالون بإحقاق الحقّ و إبطال الباطل و كشف معالم الهدي و نشر النور بعد حلكة الدجي,و إنما الغاية كلّ الغاية هي التشويش علي الحقائق التي يذكرها المسلم بل و إيهامه,خاصة إن كان عاميا,أنها لا تؤدّي إلي ما يريد أو أنّها مفتعلة منبتة عن أرض الواقع.

و ها نحن نضع بين يديك شبهاتهم الكسيحة و اعتراضاتهم الخلقة و"طنطناتهم" المختنقة.و قد بذلنا ما في الوسع لجمعها سواء بالنقل عن القوم أو بملاحظة مؤدّي أقوالهم و لوازم اعتراضاتهم.و لنا بعد ذلك أن نستحثّ أقطاب النصاري العرب أن يبرزوا لمقارعة دعاة الإسلام في هذا المبحث العلمي العقدي الخطير بدل تخدير النصاري بكتاباتهم الباردة التي تتعمّد بتر الكلام و تشويه حجج المسلمين و محاولة تقزيم براهينهم و التعتيم علي شمس دينهم...فليفعلوا..و إلا قلنا:

إذا ما خلا الجبان بأرض قوم طلب الطعن وحده و النزالا

ص: 35

شبهة:يقول عابد الأجداد:البابوات و الكرادلة،هم أعلم الناس بما في الأسفار المقدسة، و هم ينكرون ذكر محمد(صلي اللّه عليه و سلم)في التوراة و الإنجيل،و هم الذين قرءوا "النصوص المقدسة"مستنيرين بهداية الروح القدس حتي أشربت قلوبهم فهمها, فكيف أترك قولهم السديد,إلي قول المسلمين المعاندين المتعصّبين إلي أوهامهم!؟!"

الردّ:إنّ البابوات و الكرادلة و الأساقفة..يعلمون أنهم إن جاهروا بالاعتراف ببشارة الكتاب المقدس بمحمد صلي اللّه عليه و سلم،فإنهم سيسلبون مناصبهم و سينسلّ من بين أيديهم ذاك الضرع الذي يدرّ سيول الذهب و الفضة..فلا يلتفت,و كالأمر كما تري,إلي مذاهبهم و أقوالهم،فالحق أحق أن يتبع..

و الرجال يعرفون بالحق و لا يعرف الحق بالرجال,فاعرف الحقّ تعرف أهله..

و ثقل القول في حجّته لا في من احتج به..

إنّ الكثير من رجال الدين النصاري،كما ينقلون هم عن بعضهم البعض، يتخذون الدين غرضا و مغنما..و هم يتمرغون في أموال رعايا الكنيسة..و قد أشربت قلوبهم العطايا..و استرقّهم نزقهم الثمل بسكرة المتعة الجامحة..!!

و يعرّي الإمام ابن القيّم أحد هؤلاء،في كتابه"هداية الحياري في أجوبة اليهود و النصاري"..فيقول رحمه اللّه و أنعم اللّه علينا و عليه بالجنان:"و لقد ناظرت بعض علماء النصاري معظم يوم فلمّا تبيّن له الحق بهت،فقلت له و أنا و هو خاليين:ما يمنعك الآن من اتباع الحق؟

فقال لي:

إذا قدمت علي هؤلاء الحمير-هكذا لفظه-فرشوا لنا الشقاق تحت حوافر دابتي و حكّموني في أموالهم و نسائهم و لم يعصوني في ما آمرهم به،و أنا لا أعرف صنعة و لا أحفظ قرآنا و لا نحوا و لا فقها،فلو أسلمت لدرت في الأسواق أتكفف الناس، فمن الذي يطيب نفسا بهذا؟!

ص: 36

فقلت له:

هذا لا يكون،و كيف تظنّ باللّه أنّك إذا آثرت رضاه علي هواك يخزيك و يضلّك و يحوجك؟!و لو فرضنا أنّ ذلك أصابك فما ظفرت به من الحق و النجاة من النار و من سخط اللّه و غضبه،فيه أتمّ العوض عمّا فاتك.

فقال:

حتي يأذن اللّه.

فقلت:

القدر لا يحتج به!و لو كان القدر حجة لكان حجة لليهود علي تكذيب المسيح و حجة للمشركين علي تكذيب الرسل،و لا سيما أنتم تكذبون بالقدر فكيف تحتجّ؟!!

فقال:

دعنا الآن من هذا.و أمسك."

لاحظ أيها العاقل كيف ناظر الإمام ابن القيّم هذا"العالم"النصراني المقدّم عند قومه الجالس علي عرش سرابي زائل،فأقام عليه الحجة،و أحمد وساوسه،و أبطل شبهاته،و مما لا شكّ فيه أنه قد أثبت له بشارة الكتاب المقدس ببعثة محمد صلي اللّه عليه و سلم لركنية هذا الموضوع في مثل ذلك النقاش،و لكنّ عند ما تنقاد النفس الطمّاعة لشهوة النفس و تسير في ركابها فإنّها تتأبّي عندها علي الخضوع و الذلّ علي بابه تصديقا و التزاما!

و لنا أن نسأل هذا النصراني المعترض:إنّكم و من تتبعون,تكررون دائما أنّ التوراة(العهد القديم)مختمة بالبشارات بالمسيح عيسي بن مريم عليهما السلام,بل لا تكاد تخلو صفحة من صفحاتها من التصريح أو التلميح بمقدم ابن العذراء!!فهل تنكرون علينا أن قلنا إنّ أحبار اليهود أرسخ منكم قدما و أطول باعا في تفسير التوراة(العهد القديم)و تأويلها,و بالتالي فتكذيبهم لقولكم السابق لا يخلو من وجاهة..

و هو المقدم علي زعمكم لأنّ التوراة نزلت فيهم!

ص: 37

طبعا..اعتراض باعتراض!!

ثمّ..هل المراجع المزعومة للكنيسة التي تنوء أسماؤها و كناها بألفاظ القداسة و الطهارة,هي في حقيقة أمرها علي هذه الدرجة من الأهلية ليكون بأيديها وحدها حقّ البتّ و القطع في هذه القضايا؟!!

ملامح الإجابة تظهر في ما جاء في"قاموس الكتاب المقدس"(الذي نشرته كنائس عربية ضمن البرنامج الإلكتروني"البشارة:الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية")تحت اسم"هرماس"حيث نقرأ:"اسم يوناني(...)ورد كاسم لأحد سكان روما المسيحيين.أرسل إليه الرسول سلامه في خاتمة رسالته إلي روما(رو 16:

14).و قد نسب إليه خطأ الآباء الأولون(لفظة"الآباء"وردت هكذا مطلقة دون تقييد أو حصر!!!)في الكنيسة المسيحية كتابة السفر المعروف براعي هرماس, الذي يحتوي علي رؤي و أمثال و وصايا روحية و خلقية."...و قد جاء في كتاب" عيسي ليس أسطورة" "Jesus Not a Myth" ص 120 ل أ.د.هوّل سميث A.D.Howell Smith أنّ هذا السفر كان مضمّنا في المخطوطة السينائية (و التي هي أقدم مخطوطة معتمدة للكتاب المقدس)أيّ أنّ النصاري قبل القرن الرابع ميلادي كان يرون إلهامية هذا السفر,قبل أن"يهتدي"المتأخرون من أرباب الكنائس بعد قرون عددا إلي أنّ رسالة الراعي هرماس ليست من عند اللّه...!!

و نقول:إنّ الذي يخطئ في قضية خطيرة جدا كنسبة سفر بأكمله إلي الوحي أو الإلهام,هو أقرب إلي أن يخطئ في فهم بعض البشارات القليلة الكلمات!!

و كيف يفرض علينا النصراني المخالف أنّ نجعل أئمة الكنيسة مراجعا لنا في فهم بشارات الكتاب المقدّس و نحن نقرأ ما جاء في"كتابات العهد الجديد"،، The Writings of the New Testament (النسخة المراجعة,سنة 1999 م )للوك تيموثي جونسن Luke Timothy johnson ص 159 من أنه:"لم

ص: 38

يظهر أيّ تعليق علي إنجيل مرقس حتي القرن السادس ميلادي,و لم يظهر تعليق تال له حتي القرن التاسع".فقوم يتركون أحد أناجيلهم القليلة دون تعليق هذه المدة الطويلة,من المحال أن يقدّموا تفسيرا شاملا سليما للنصوص المقدّسة المتنازع في فهم معناها و مؤداها..فكيف يعتبرون"مراجعا"..و"فاقد الشيء لا يعطيه!!!"

و إن أصرّ المعاند علي وجوب الاستئسار لمذاهب أئمة الكنيسة و حرمة مخالفة قولهم أو مجانبة فهمهم,فليخبرنا عن موقفه مما نشره موقع BBC العربي بتاريخ 27-12-1999 عن أحد استطلاعات الرأي في بريطانيا:"أظهر استطلاع للرأي في بريطانيا أن غالبية الشخصيات البارزة في المجتمع البريطاني بمن فيهم كبار رجال الدين المسيحي لا يؤمنون بأن اللّه سبحانه و تعالي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام.

و قد أعرب ثلاثة فقط من بين 103 من رجال الدين المسيحي شملهم الاستطلاع عن اعتقادهم في صحة رواية خلق العالم التي وردت في التوراة و الإنجيل."!!

فها هي غالبية الآباء,تتنكّر للكتاب المقدّس رأسا,فهل تراك تقول بقولهم و تنهج نهجهم و تحذو حذوهم..أم أنّك"سترتد"إلي إعمال عقلك و تقليب فكرك في ما تقرأ و تسمع؟!!

ثم نضيف..بأنّ البابا ألكسندر بابا الكنيسة كان يؤمن بنبوّة محمد صلي اللّه عليه و سلّم و ذاك ظاهر من قوله-في ما نقله عنه الشيخ رحمة اللّه الهندي في"إظهار الحق" في كتابه"بدنيد"طبعة لندن لسنة 1806 الصفحة 303:"يا محمّد إنّ الحمامة عند أذنك"..و معلوم أنّ"الحمامة"يقصد بها هنا:أمين الوحي جبريل عليه السلام،كما هو ظاهر من قصة تعميد يوحنا المعمدان للمسيح عليه السلام(متّي 3:16،مرقس 1:10،لوقا 3:22).

ص: 39

كما جاء في المؤتمر التنصيري الثالث لطائفة الإنجليكانين الذي انعقد في كندا سنة 1963،في ما قاله"كانون وارن"سكرتير جمعية التبشير الكنيسة،في بحثه المقدّم إلي هذا المؤتمر:"لقد تجلّي اللّه بطرق مختلفة،و من الواجب أن تكون لدينا الشجاعة الكافية لنصر علي القول بأنّ اللّه كان يتكلّم في ذلك الغار الذي يقع في تلك التلال خارج مكة"(عن Frontier Fission an Account of the Toronto Congress p.18 Peter Whiteley )

و هذا الملك النصراني القح"أوفّا "King Offa of the Mercians (757 م-796 م)الذي حكم وسط إنجلترا,بعد قرن من وفاة رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في بلاد العرب,و الذي جاء في"الموسوعة البريطانية الجديدة" "The New Encyclopedia Britanica" (1974) في وصفه أنّه:"كان واحدا من أقوي الملوك في الزمن الأول لإنجلترا الانجلوسكسيونية ".و الذي كان علي علاقة جيّدة بالبابا أدريان الأول(772 م-795 م),هذا الملك قد كتب علي عملته الذهبية شهادة الإسلام"لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له"باللغة العربية علي وجه,و باللغة الإنجليزية علي الوجه الآخر.و قد اكتشفت هذه العملة سنة 1841 م,و هي معروضة في المتحف البريطاني.

أ فليس هذا الملك من أكابر النصاري..و قد أسلم في بلد لم تطأه أقدام المسلمين ,و أكاد أجزم أنّ بشارات الكتاب المقدّس هي التي قادته إلي دين الإسلام و ما كان الأمر عن سخط علي الكنيسة,لأنّه ما أعلن الهجوم عليها!

ص: 40

..بل اقرأ هذا الخبر,ثم ابحث لنفسك عن جواب من قساوستك و أساقفتك:

ذكر البحّاثة جودفري هجتر Godfrey Higgins في كتابه" Anacalypsis" ص ص 691-694 أنّ الكنيسة الكاثوليكية التي تزعم أنّ باباواتها هم خلفاء بطرس"زعيم الحواريين",و أنّ بطرس هو أوّل بابا عرفته الكنيسة

ص: 41

,كانت تمجّد كرسيا ينسب إلي بطرس,و استمرت في عرضه علي العامة في مشهد مهيب كلّ ثامن عشر من الشهر الأول لكلّ سنة حتي سنة 1662 م حيث قيل إنّه قد وجدت عليه,بعد تنظيفه,رموز وثنية.

و لمّا استولت فرنسا في زمن نابوليون بونابرت علي روما سنة 1795 م,تمّ فحص الكرسي,و كانت المفاجأة,أن وجدت عليه مع تلك الرموز الوثنية,شهادة التوحيد الإسلامية باللغة العربية:"لا إله إلا اللّه,محمد رسول اللّه".

و قد جاء أمر هذه القصة أيضا في ملحق كتاب "Ancient Symbol Worship" ل ه.م.و ستروب H.M.Westroop و س.س.ويك Wake.S.C الطبعة الثانية(1972)هامش 97,و هامش ص 25,المجلد الثاني من كتاب "Isis Unveiled" ل ه.ب.بلافتسكي H.P.

Blavatsky .

و السؤال هو:كيف وصلت شهادة التوحيد الإسلامية إلي قلب الفاتيكان ..و بقيت هناك سنينا طوالا؟!

و أخيرا..يا أيّها النصراني..كن عصاميا,تنشد الحق لنفسك بنفسك..و لا تكن عظاميا تعتزي إلي عظام الأجداد البالية..و لا ترخ عنان السمع لما يقول الأهل و الأصحاب,و لا القساوسة الذين تشبّعوا زورا بالأمجاد و الألقاب..فجدّ لنفسك..قبل أن يبزّك الإفلاس..و إلا..ولات حين مندم..و لات حين مناص..

و تجمّل بحبّ النجاة و استمسك بحبلها المتين تصل إلي سماء الحقيقة..و لا تجذبنّك نوازع العادة و الإلف,فتبقي دهرك تدبّ ذاك الدبّ اللزج بين حشرات الأرض!

ص: 42

شبهة:قد يصرّ النصراني علي أن يلزم قوله البذاذة,فيظهر الفجاجة,و يغرق في اللجاجة,مرسلا أقوالا لا خطام لها و لا زمام,قائلا معترضا,ساخطا ممتعضا:

كيف تزعمون أنّ التوراة و الإنجيل قد أنبئا ببعثة محمد(صلي اللّه عليه و سلّم)..

و مع ذلك ها نحن نقرأ هذه الأسفار الكثيرة الصفحات فلا نري أي ذكر صريح لنبيّكم؟!!

الرد:ردنا علي هذا المكابر الذي لم يجعل الحقّ بغيته،و إنما جعل الحفاظ علي الموروث من آبائه و أجداده مسلكه و ديدنه،و لو كان هذا الموروث مكشوف السوأة ظاهر الفساد،أنّ ما ادّعاه حجة عليه و علي طائفته الثالوثية،إذ أنّه و هي يزعمان أنّ العهد القديم فيه مئات،بل آلاف النبوءات المبشرة بالمسيح ابن مريم عليهما السلام،و مع ذلك لا نجد بين هذه النبوءات المزعومة"نبوءة"واحدة جاء فيها أنّ اسم المسيح الآتي هو"يسوع"أو"عيسي".

و إذا تجوّزنا,في المقابل,القول بأنّ التوراة الحالية لم تصرّح باسم نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم,فليس في ذلك ضير و لم يعدم المسلمون الخير,إذ أنّ هذه التوراة المتداولة لم تكتب بالعبرية المعروفة في زمن موسي عليه السّلام, و إنما كتبت بهذه الصيغة بعد قرون من وفاة كليم اللّه عليه السلام,في زمن عزرا الذي جمع الروايات الشفوية و وضعها في الأسفار الحالية,و بسبب هذا الأمر فقد ضاعت أو اختلطت علي النساخ و النقاد الكثير من اسماء الأعلام الأصلية, و لا يبعد,من باب التنزّل,أن يحرّف الاسم الشريف أو يصحّف,مع بقاء أثارة من بشارات الأنبياء الأول تخبر عن الصفات و العلامات الخاصة بنبي آخر الزمان صلي اللّه عليه و سلّم.

و نضيف,انّ القول بأنّ التوراة و الإنجيل لم يخبرا باسم نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلم لا يعدو كونه دعوي بل حجة..و علي كلّ حال فإننا نقول لهذا النصراني:إنّ

ص: 43

عدم العلم لا يستلزم العلم بالعدم..و إذا سأل العييّ عن شفاء دائه فسيجاب بأنه قد جاء ذكر اسم نبي الإسلام في أكثر من موضع في العهد القديم و في العهد الجديد.أمّا إن كابر و استغشي بثيابه و سدّ علي نفسه منافذ النور..فلنا أن نقول:

ما ضرّ شمس الضحي و الشمس طالعة أن لا يري ضوأها من ليس ذا بصر

ص: 44

اسم نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم في التوراة(العهد القديم)

افتح,فضلا,سفر"نشيد الإنشاد"5:9-16،و اقرأ:"يم يفوق حبيبك المحبّين أيّتها الجميلة بين النساء؟يم يفوق حبيبك المحبّين حتّي تستخلفينا هكذا؟حبيبي متألق و أحمر،علم بين عشرة آلاف رأسه ذهب خالص و غدائره متموّجة حالكة السّواد كلون الغراب.عيناه حمامتان عند مجاري المياه، مغسولتان مستقرتان في موضعهما.خدّاه كخميلة طيب تفوحان عطرا،و شفتاه كالسّوسن تقطران مرّا شذيا.يداه حلقتان من ذهب مدوّرتان و مرصّعتان بالزبرجد،و حسمه عاج مصقول مغشي بالياقوت الأزرق.ساقاه عمودا رخام قائمتان علي قاعدتين من ذهب نقي،طلعته كلبنان،كأبهي أشجار الأرز.فمه عذب،و كله مشتهيات.هذا هو حبيبي و هذا هو خليلي يا بنات أورشليم!"

ما جاء في سفر نشيد الإنشاد هو تلخيص لتجارب الأمم من الخروج إلي مجيء النبي الخاتم كما هو مذكور عن كبار أحبار اليهود كسعديّا بن يوسف و رشّي و ابن عزرا...

النصّ المقتبس من سفر نشيد الإنشاد 5:16 في أصله العبري:

"هكّو ممتكّيم و-كهلّو محمدّيم زه دودي و-زه رعي بنوث-يوروشلايم"

،، Hikko mamtaqqim we-khullo Mahamaddim zeh dodi we-zeh re'I benoth-yerushalayi ''

لا بدّ أنّك لاحظت وجود كلمة"محمديم"..و هي تشير كما هو ظاهر إلي اسم نبي الإسلام,و فيما يتعلّق بزيادة"يم"" "في هذه الكلمة,يقول المختصون في اللغة العبرية أنها للتفخيم و التعظيم.و يقدّم لنا الباحث شبلي زمان Shibli Zaman عالم اللغات الشرقية الكبير-في بحث له خاص بهذه النبوءة,مثالين من العهد القديم

ص: 45

علي معني هذه الزيادة و هما كلمة"أفرايم"من سفر التكوين 41:52 و"شحرايم"من سفر أخبار الأيام الأول 8:8.و جاء في"الموسوعة اليهودية" "Jewish Encyclopedia" أنّ كلمة"ألوهيم"" "جاءت فيها,أيضا,الياء و الميم للتعظيم و التفخيم.

كلمة"محمّد"لها نفس المعني في كلّ من اللغة العربية و اللغة العبريّة،و هي صيغة التفضيل من الرجل المحمود.

المقابل العربي الصحيح للعدد 16 من الفصل 5 من سفر نشيد الإنشاد:"كلامه أحسن الكلام,إنّه محمّد العظيم.هذا هو حبيبي,و هذا هو صديقي(أو خليلي),يا بنات أورشليم."

الشرح اللغوي:

"هكّو ممتكيم":

كلمة"هكّو"هي من الجذر"هكه"أو"هنكه".و معني هذين الجذرين هو:

داخل الفم

حنك

سقف الحلق

حاسة التذوق

لسان أو لغة

هذا من الناحية اللغوية,أمّا من الناحية الاصطلاحية في الكتاب المقدس فإنّ الفم و الحنك و اللغة كلّها تعني الكلام المنطوق,من ذلك:

ص: 46

"كلمات الجاهل مهلكة له"(سفر الأمثال 18:7).

"أدعو خادمي فلا يجيب,مع أنّي توسلت إليه"(سفر أيوب 1:19)

"جدّفوا علي السماء بأفواههم,و لوثوا الأرض بخبث ألسنتهم."(المزمور 73:9).

"جعل فمي كسيف قاطع.."(سفر إشعياء 49:2).

التراجم الانجليزية تستعمل كلمة"فم"في كل النصوص السابقة بمعني"كلام".

كلمة"ممتكيم",مشتقة من الأصل العبري"مثق "mathaq" و تعني:

أكل شيء حلو.

حلو أو عسل.

و قد جاء في سفر العدد 33:28 ذكر كلمة"مثقة",و هي مكان و نبع ماء في البلاد العربية حيث توقف بنو إسرائيل أثناء خروجهم من مصر.

الياء و الميم في"ممتكيم"هما للتفخيم و التعظيم,و هو ما يظهر من التراجم الانجليزية نفسها.

معني المقطع الأول إذن هو:"كلامه أحسن الكلام".

"و-كهلو محمديم":

ص: 47

كلمة"محمديم"هي من الجذر العبري"حمد"كما في المعاجم العبرية"الاشتهاء" ,و تستعمل هذه الكلمة أيضا بمعني الحمد و التبجيل.فالاسم"محمد"و الشخصية "مشتهاة"أيّ جذّابة تستحق كلّ الحب و التبجيل و الإكبار.

"زه دودي":

تعني"زه":"هذا",أما"دودي"فمعناها في اللغة العبرية"صديقي"أو"محبوبي" ,و هي تستعمل بصفة خاصة بمعني العم,و قد جاء في معجم: "A Hebrew and "English Lexicon" لويليام جزنيوس William Gesenius و فرنسيس براون Francis Brown:" صديق,و خاصة أخو الأب,عم من جهة الأب."

استعمال كلمة"دودي"يدلّ علي أنّ ال"محمد"سيكون من جهة عمومة النبي سليمان المتحدّث,و محمد صلي اللّه عليه و سلم من أبناء إسماعيل الذي هو أخ لاسحاق الذي جاء منه سليمان صاحب البشارة.و ليس للنصراني أن يزعم أنّ يسوع هو موضوع البشارة لأنّه كسليمان من أبناء إسحاق.

"و-زه رعي":

معني"و-زه":"و هذا".و معني"رعي":جار,صديق,فرع آخر.

و محمد صلي اللّه عليه و سلم صديق لسليمان عليه السلام لمحبة الأنبياء لبعضهم البعض,و هو جار له إذ أنّ الشام التي سكنها سليمان عليه السلام تقع بجوار بلاد العرب التي ظهر فيها نبيّ الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم.و هو من الفرع الآخر:من نسل إسماعيل.

"بنوث-يوروشلايم":

ص: 48

تعني كلمة"بنوث"حرفيا"بنات",و هي في اللهجة اليهودية تعني"سكان".

و قد جاء في معجم اللغة العبرية:سكان مدينة أو بلاد,رجالا و نساء.

"كلمة"يوروشلايم"تشير عادة إلي مدينة القدس.و قد اختلف أهل اللغة في أصلها,فذهب بعض أهل اللغة العبرية إلي أنّ جذرها هو:"ييروش-شالوم"أي "ملكية السلام "Thepropertyofpeace" ,و يري فديارتي في كتابه"محمد في الأسفر المقدسة" "Muhammad in World Scriptures" أنّ هذا القول خطأ.بعض الباحثين الآخرين يرون أنّ الجذر هو"ياروه".أي"أصل"" Foundation" ليكون معني"أورشليم"أصل السلام".و علي كلّ حال فأصل الكلمة هو"يارو"أي ناس,أو بيت.و يكون معني المقطع الأخير إذن:"يا سكان بيت السلام".و لا تشير عبارة"بيت السلام"إلي هيكل القدس لأنّ هذا الهيكل ما عرف السلم و الأمن بل تعرّض للكثير من النوائب,كما أنّ المسيح قد تأفّف من الظلم الذي سيطر علي أورشليم,فقال:"يا أورشليم,يا أورشليم,يا قاتلة الأنبياء و راحمة المرسلين إليها"(إنجيل متّي 23:37...),أمّا كعبة إبراهيم عليه السلام فقد حفّها الأمن و الأمان طوال قرون عديدة كما دفع اللّه سبحانه عنها شرّ أبرهة الذي جاء من الحبشة لهدمها.ثم إنّ القرآن قد قال:"و من دخله كان آمنا"(آل عمران 97),فهي حقا بيت السلام و الأمان.

جاءت كلمة"يوروشلايم"في صيغة المثني,و هي تشير إلي أورشليم القدس حيث أولاد سارة و أورشليم العرب حيث أولاد هاجر.و مما يدلّ علي وجود أورشليمين قول بولس في رسالته إلي غلاطية 4:24-26:"و هذه الحقيقة لها معني رمزي,فهاتان المرأتان ترمزان إلي عهدين :الأول مصدره جبل سيناء,يجعل المولودين تحته في حال

ص: 49

العبودية,و رمزه هاجر.و لفظة هاجر تطلق علي جبل سيناء,في بلاد العرب,و تمثل أورشليم الحالية,فإنّها مع بنيها في العبودية.أمّا الثاني,فرمزه الحرّة التي تمثل أورشليم السماوية التي هي أمّنا.",و خطاب سليمان عليه السلام كان لنسل إبراهيم أبي الأنبياء من زوجتيه سارة و هاجر:بني إسرائيل و بني العرب.و المقصود ببيت الأمان كعبة إبراهيم التي نبع منها الوحي و الخير لمّا كان الشرك و الوثنية يسيطران علي القدس.

و تفصيل ما جاء في أعداد الفصل الخامس من هذا السفر يؤكد حقيقة"المحمديّة" الذي عرفنا شخصيته من خلال اسمه"محمد"صلي اللّه عليه و سلّم..فهو:

"متألّق":

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن سلمة في وصف وجه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أنه قال:"..بل مثل الشمس و القمر مستديرا".

و أخرج الإمامان البخاري و مسلم عن البراء قال:"كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أحسن الناس وجها..."

و أخرج الدارمي و البيهقي و الطبراني أبو نعيم عن أبي عبيدة قال:قلت للربيع بنت معوّذ:صفي لي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم،قال:"لو رأيته قلت الشمس طالعة".

الشمس من حسّاده و النصر من قرنائه و الحمد من أسمائه

أين الثلاثة من ثلاث خلاله من حسنه و إبائه و مضائه

مضت الدهور و ما أتين بمثله و لقد أتي فعجزن عن نظرائه

ص: 50

لا يمكن للنصاري أن يحاجونا بكلمة"متألق"للزعم أنّ المسيح هو المقصود بها،لأنّ أئمتهم يقرّرون أنّ المسيح كان قبيح المنظر..فقد قال مثلا كلمنت الاسكندري عن المسيح:"إنّ جماله كان في روحه و في أعماله،و أمّا منظره فكان حقيرا"،و قال ترتليان:"أمّا شكله فكان عديم الحسن الجسماني،و بالحري كان بعيدا عن أي مجد جسدي."

قلت:ثبت لدي المسلمين كون المسيح جميل المنظر،كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي اللّه عنه في وصف المسيح أنه:"ربعة أحمر،كأنما خرج من ديماس"أي الحمام!- "أحمر":

أخرج الإمام البخاري عن أنس أنه قال في وصف رسول اللّه:"..أزهر اللون..."

و قال الإمام ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري في"فتح الباري..":

"أي أبيض مشرب بحمرة،و قد وقع ذلك صريحا في حديث أنس من وجه آخر عند مسلم،و عند سعيد بن منصور و الطيالسي و الترمذي و الحاكم من حديث علي قال:"كان النبي صلي اللّه عليه و سلم أبيض مشربا بياضه بحمرة" و هو عند ابن سعد أيضا عن علي،و عن جابر،و عند البيهقي من طرق عن علي،و في الشمائل..من حديث هند بن أبي هالة أنه أزهر اللون."

"علم بين عشرة آلاف":

إشارة إلي فتح مكّة علي يد نبيّ الإسلام(العلم)مع عشرة آلاف مؤمن.

و قد جاء في صحيح البخاري عن ابن عبّاس أنّ النبي صلي اللّه عليه و سلم خرج في رمضان من المدينة و معه عشرة آلاف مؤمن لفتح مكّة.

ص: 51

- "رأسه ذهب خالص و غدائره متموّجة حالكة السواد كلون الغراب":

أخرج مسلم عن أنس أنه قال في وصف شعر النبي صلي اللّه عليه و سلم:"كان شعرا رحلا ليس بالجعد و السبط بين أذنيه و عاتقه".

و أخرج أيضا عن أنس قوله لما سئل هل خضب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم،إنه لم يكن رأي من الشيب إلا.قال ابن إدريس كأنه يقلّله...

كما أخرج عن ابن سيرين قال سألت أنس بن مالك هل كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم خضب فقال لم يبلغ الخضاب كان في لحيته شعرات بيض.و مما قاله الإمام النووي في شرحه لهذا الأثر:"...كما قال في الرواية الأخري:لم يشتد الشيب أي لم يكثر،و لم يخرج شعره عن سواده و حسنه."

"عيناه حمامتان عند مجاري المياه.مغسولتان مستقرتان في موضعهما":

أخرج الإمام مسلم عن جابر بن سمرة أنه قال أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم كان "أشكل العينين".و فسّر الإمام النووي كلمة"أشكل"بقوله إنّ العلماء قد اتفقوا علي أنّ الشكلة حمرة في بياض العينين.

لا شكّ أنّ ما ذكره جابر بن سمرة هو عين ما جاء في سفر نشيد الإنشاد من الحديث عن عين الحمامة.

و للحمامة و عيناها دلالات بارزة في الكتاب المقدس:يقول البابا شنودة في مقال له في جريدة وطني(لم يذكر رقم العدد)نشره في موقعه علي الإنترنت،في تفسيره لنشيد الإنشاد 1:15:"..العين البسيطة التي كالحمامة.تمثل البراءة.و لهذا يقول السيد المسيح:"إن كانت عينك بسيطة،فجسدك كله يكون نيرا(...) "عيناك حمامتان"أي تمثلان الوداعة و اللطف و الطيبة و الود.تمثلان النفس

ص: 52

الجميلة الهادئة البسيطة الروحية الحرّة.محال أن يكون أحد فيكم قد رأي حمامة عابسة متجهمة.الحمام أيضا يهدل دائما،فيرمز إلي حياة التسبيح الدائمة..."...و معلوم لمن قرأ صفحات من سيرة نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم مبلغ وداعته و لين جانبه و تسبيحه الدائم:

أخرج مسلم عن أنس رضي اللّه عنه:"كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم في بعض أسفاره،و غلام أسود يقال له:أنجشة،يحدو.فقال له رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم:"يا أنجشة!رويدك،سوقك بالقوارير".(البخاري)

و أخرج مسلم عن أم المؤمنين رضي اللّه عنها أنها قالت:"ما خيّر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم بين أمرين،أحدهما أيسر من الآخر،إلا اختار أيسرهما.ما لم يكن إثما.

فإن كان إثما،كان أبعد الناس منه".

و أخرج ابن حبان في"صحيحه"عن الأغر المزني أنّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قال:"إنه ليغان علي قلبي،و إني لأستغفر اللّه كلّ يوم مائة مرة".

"خدّاه كخميلة طيب تفوحان عطرا،و شفتاه كالسوسن تقطران مرّا شذيّا" أخرج الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقّاص قال:"اشتكيت بمكة فدخل عليّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم يعودني،فوضع يده علي جبهتي فمسح وجهي و صدري و بطني،فما زلت يخيل إليّ أني أجد يده علي كبدي حتّي الساعة".

و أخرج الإمام مسلم عن جابر بن سمرة قال:"مسح رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم خدّي فوجدت ليده بردا و ريحانا كأنما أخرجها من جونة عطار"

ص: 53

و أخرج الشيخان عن أنس قال:"ما مسست حريرا و لا ديباجا ألين من كفّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم و لا شممت مسكا و لا عنبرا أطيب من ريح رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم".

"يداه حلقتان من ذهب مدوّرتان و مرصّعتان بالزبرجد،و جسمه عاج مصقول مغشي بالياقوت الأزرق.ساقاه عمودا رخام قائمتان علي قاعدتين من ذهب نقي":

جاء في وصف هند بن أبي هالة للرسول صلي اللّه عليه و سلم:"كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فخما مفخما(...)عظيم الهامة(...) معتدل الخلق،بادن متماسك سواء البطن و الصدر،عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين(...)طويل الزندين،رحب الراحة(...)سابل الأطراف(أي طويل الأصابع)...".

"طلعته كلبنان،كأشهي أشجار الأرز":

أخرج الترمذي عن عبد اللّه بن سلام قال:"لما قدم النبي صلي اللّه عليه و سلّم المدينة جئت لأنظر إليه فلمّا استبنت وجهه عرفت أنّ وجهه ليس بوجه كذاب"

و عن أبي رمثة التميمي قال:"أتيت النبي صلي اللّه عليه و سلّم و معي ابن لي فأريته فلما رأيته قلت هذا نبي اللّه" و قال عبد اللّه بن رواحة في وصفه:

لو لم تكن فيه آيات مبيّنة لكان منظره ينبيك بالخبر

و قيل:

كأنّ الثّريا علّقت بجبينه و في جيده الشّعري و في وجهه القمر

عليه جلال المجد لو أن وجهه أضاء بليل هلّل البدو و الحضر

ص: 54

-"فمه عذب":أو"كلامه أحسن الكلام" ..

خذ هذه الشهادة من مستشرق غير مسلم:

قال الدكتور ماردريس المستشرق الفرنسي عند ما كلّفته وزارتا الخارجية و المعارف الفرنسية بترجمة 62 سورة من السور الطوال التي لا تكرار فيها،ففعل و قال في مقدمة ترجمته الصادرة سنة 1962:"أما أسلوب القرآن فهو أسلوب الخالق جلّ و علا.فإنّ الأسلوب الذي ينطوي علي كنه الكائن الذي صدر عنه هذا الأسلوب لا يكون إلا إلهيا.و الحق الواقع أنّ أكثر الكتّاب شكا و ارتيابا قد خضعوا لسلطان تأثيره.

(...)ذلك أنّ هذا الأسلوب الذي طرق في أول عهده آذان البدو كان نثرا جد طريف،يفيض جزالة في اتساق نسق،متجانسا مسجعا،لفعله أثر عميق في نفس كلّ سامع يفقه العربية.لذلك كان من الجهد الضائع غير المثمر أن يحاول الإنسان أداء تأثير هذا النثر البديع"الذي لم يسمع بمثله"بلغة أخري.و خاصة الفرنسية القاسية الضيقة"التي لا تتسع للتعبير عن الشعور"..و زد علي ذلك أنّ اللغة الفرنسية و مثلها جميع اللغات العصرية ليست لغة دينية.و ما استعملت قط للتعبير عن الألوهية."

و خذ شهادة من أفضل من كتب بلغة الضاد من النصاري العرب لتكون شوكة في حلوق أهل العجمة من مكابري الكنيسة..فقد قال أمير البيان مصطفي صادق الرافعي رحمه اللّه و طيّب ثراه في كتابه"وحي القلم":"و صرّح لنا بذلك(بإعجاز القرآن)أديب هذه الملّة و بليغها الشيخ إبراهيم اليازجي الشهير.و هو أبلغ كاتب أخرجته المسيحية.و قد أشار إلي رأيه ذاك في مقدّمة كتابه"نجعة الرائد",و كذلك سألنا شاعر التاريخ المسيحي الأستاذ خليل مطران,و لا نعرف من شعراء القوم من يجاريه فأقرّ لنا بمثل ما أقرّ به أستاذه اليازجي."

و قال الأديب الشاعر المعاصر نقولا حنا عن إسلامه:"قرأت القرآن فأذهلني, و تعمّقت به ففتنني,ثم أعدت القراءة فآمنت..آمنت بالقرآن الإلهي العظيم,

ص: 55

و بالرسول من حمله..النبي العربي الكريم,أمّا اللّه فمن نصرانيتي ورثت إيماني به, و بالفرقان عظم هذا الإيمان..

و كيف لا أومن و معجزة القرآن بين يديّ أنظرها و أحسّها كلّ حين..هي معجزة لا كبقية المعجزت..معجزة إلهية خالدة تدلّ بنفسها عن نفسها,و ليست بحاجة لمن يحدّث عنها أو يبشر بها."

و من اليهود,قال السموأل بن يحي المغربي(570 ه)العالم بالتوراة و الهندسة و الرياضيات و الهيئة و الطب و التاريخ..في كتابه:"إفحام اليهود.."ص 54 متحدّثا عن سبب إسلامه:"..فإني كنت لكثرة شغفي بأخبار الوزراء و الكتاب قد اكتسبت ,بكثرة مطالعتي لحكاياتهم و أخبارهم و كلامهم,قوة في البلاغة,و معرفة بالفصاحة, و كان لي في ذلك ما حمده الفصحاء,و تعجب به البلغاء(...)فشاهدت المعجزة التي لا تباريها الفصاحة الآدمية في القرآن فعلمت صحة إعجازه."

أضف إلي الإعجاز البلاغي للقرآن..جزالة الحديث النبوي الشريف..و قل عن محمد صلي اللّه عليه و سلّم:"كلامه أحسن الكلام!"و قل مع الشاعر:

قطف الرجال القول قبل نباته و قطفت أنت القول لما نورا

فهو المشيع بالمسامع إن مضي و هو المضاعف حسنه إن كرّرا

إذن،الأمر بيّن لا التباس فيه و لا خفاء..إنها بشارة عظيمة بخاتم النبيين صلي اللّه عليه و سلّم..!!

اعتراضات النصاري علي بشارة سليمان النبي بمحمد عليهما الصلاة و السلام لاتخرج عمّا يأتي:

1-نصّ بشارة سليمان خاص بيسوع المسيح لا بمحمد(صلي اللّه عليه و سلم).

ص: 56

2-النصّ السابق ليس بشارة و إنما هو حديث شعري عن علاقة الربّ ببني إسرائيل!

3-كلمة"محمديم"قد وردت في أكثر من موضع في الكتاب المقدس ,و هي لا تشير في هذه المواضع إلي نبي الإسلام باعتراف المسلمين,بل هي تعني "الشيء المحبوب"كما هو الأمر في سفر حزقيال 24:16 و سفر الملوك الأول 20:6.

4-كلمة"محمديم"الواردة في نشيد الإنشاد,هي صفة لا اسم علم!

5-الياء و الميم في"محمديم"ليست للتعظيم و إنما للكثرة.

6-كلمة"محمديم"إذا حذفنا منها الياء و الميم لا تنطق"محمّد"كما هو اسم نبي الإسلام(صلّي اللّه عليه و سلم),و إنما تنطق"محمود".

الردّ علي الاعتراض الأول:

بالإضافة إلي ما سبقت الإشارة إليه نقول:

أ-ليس لدينا وثيقة تاريخية تفصّل التكوين الجسدي للمسيح ابن مريم,مما يمنع ربط المسيح بنص نشيد الإنشاد.

ب-ليس بإمكان الكنيسة أن تربط يسوع ب"العشرة آلاف"المذكورين في البشارة.

ت-كيف من الممكن وصف كلام المسيح بأنّه"عذب"أو"أحسن الكلام" رغم أنّه كلام ثانوي في الكتاب المقدس لا يمكن أن يصل إلي 1%من مجموع كلمات الكتاب المقدّس.و قد تفوّق عليه بولس بصورة واضحة.ثم إنّ يسوع

ص: 57

الإنجيلي أيضا هو ذاك الذي كان دأبه استعمال كلام غامض عجز التلاميذ عن فهمه, حتي قال المنصّر بنيامين بنكرتن في تعليقه علي إنجيل متّي 13:34-35:"قد سبق الوحي و ذكر أن الرب كان يكلم الجموع بأمثال(عدد 10-15)قصاصا لهم علي غلاظة قلوبهم.و هنا يذكر أيضا أنه لم يكن يكلمهم إلا بأمثال."

ث-النصّ صريح في التنصيص علي اسم نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلم,فلم نصرفه إلي مسيح الكنيسة"يسوع"الذي لم يذكر البتة في أيّ من أسفار العهد القديم باسمه.

ج-تزعم الكنيسة أنّ يسوع هو"الربّ"..فكيف يقول الربّ عن نفسه:" هذا هو حبيبي و هذا هو خليلي يا بنات أورشليم!"!!أربّ الكنيسة يعاني حالة انفصام الشخصية؟؟أم هو أنانيّ مغرم بنفسه!!!هذا هو لازم زعم الكنيسة الأول!!و هو الذي يفرض علينا مثل هذا التأويل الذي نري أنّه علي الكنيسة أن تتبرأ منه!

الردّ علي الاعتراض الثاني:

قال النصراني:إنّ النصّ المذكور في سفر نشيد الإنشاد ليس نبوءة من الأصل!

و نحن نسأل هذا المذبذب:"..فلم نقرأ في تعليقات علمائكم علي هذا النص أنّ الحديث فيه هو نبوءة عن المسيح و عن كلامه العذب(الإنجيل)..و من هذه التعليقات تعليق متي بهنام علي هذا السفر,و المسمي"خمائل الطيب"و هو من نشر "الكنائس المجتمعة إلي اسم الربّ",و من التعليقات الأخري المتداولة بين النصاري المتديّنين أنفسهم:

ص: 58

The New john Gill's Exposition of the Entire Bible Matthew Henry Complete Commentary on the Whole Bible The Treasury of Scripture Knowledge..

بل هذا البابا شنودة في تفسيره لسفر نشيد الإنشاد في محاضراته في السبعينات من القرن العشرين و في مقالاته في صحيفة"وطني"عدد 2108 و ما بعده,قرّر أنّ المسيح هو موضوع الحديث المجازي في هذا السفر.

إنّ القول انّ نص نشيد الإنشاد هو بشارة بيسوع المسيح,هو في حقيقة الأمر قول آباء الكنيسة الذين هم المراجع الأولي للنصاري لفهم النصوص المقدّسة,و قد جاء ذكر هذه الحقيقة في مقدمة سفر نشيد الإنشاد في ترجمة الكتاب المقدس الإنجليزية "الكتاب المقدس الأمريكي الجديد" "The New American Bible" ص 673:"..في التراث المسيحي,فسّر النشيد علي أنّه يعني الوحدة بين المسيح و الكنيسة,و الوحدة,كما يبرز ذلك بصورة خاصة عند القديس برنارد,بين المسيح و النفس الفرديّة".

الردّ علي الاعتراض الثالث:

كلمة"محمديم"لم ترد في غير نص نشيد الإنشاد الذي هو موضع البحث,كما شهد بذلك فديارتي و شبلي زمان العالمين باللغة العبرية,و إنما جاء لفظ"محمد"بفتح الميمين و تسكين الحاء و الدال.

الردّ علي الاعتراض الرابع:

ص: 59

القول إنّ ال"محمديم"صفة لا اسم,لا يستقيم مع ربط الكنيسة هذا اللفظ بشخص بعينه(يسوع),كما لا يستقيم مع تطابق الصفات المذكورة في هذه النبوءة مع الصفات المنقولة عن نبيّ الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم.ثم إنّ السياق يظهر أنّ اللفظ السابق قد استعمل للدلالة علي الحمد المشتق منه اسم محمد صلي اللّه عليه و سلم.و يضاف إلي ذلك أنّ وجود الياء و الميم يمنعان ترجمة المعني و يفرضان إبقاءه كاسم علم.

الردّ علي الاعتراض الخامس:

سبق الردّ علي هذه الشبهة,و نضيف أنّ من الأسماء الأخري التي استعمل فيها التفخيم و التعظيم:أديثايم و أدورايم و إجلايم و كيليزايم و ميزرايم و جدروثايم.كما أنّ مترجمي نص نشيد الإنشاد إلي اللغة الإنجليزية و الفرنسية و العربية قد ترجموا "يورشلايم"إلي"أورشليم"معتبرين الياء و الميم المضافان إلي كلمة"أورشليم" دالتين علي التعظيم لا الكثرة..فلم الكيل بمكيالين؟!!!

الردّ علي الاعتراض السادس:

القول أنّ"محمديم"بعد حذف أداة التفخيم منها تصبح"محمود"لا"محمد"لا قيمة له لأسباب منها:

أولا:هو اختلاف طفيف,إن صح جدلا,قد ينتج عن عدم حفظ النصّ الأول و معلوم تخبط اليهود و النصاري حول نطق اسم الربّ:هل هو"يهوه"؟أم" جيهوفاه"؟أم..؟؟و لا أحد من أهل الكتاب بإمكانه أن يقطع بالصورة الأولي لهذا الاسم المقدس.و الأمر بالمثل فيما يتعلق باسم النبي"داود",هل هو"داود" بضم الواو؟أم بكسرها؟أم هو باستبدال فاء بالواو؟؟؟

ص: 60

ثانيا:و هو الأهم أنّ تشكيل الحروف في اللغة العبرية لم يعرف إلا في القرن الثامن ميلادي أي بعد قرن من ظهور الإسلام.و لاحظ أنّ الخلاف مصدره الحركات الطارئة علي اللغة العبرية:

محمد محمّد إنّها,إذن,بشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم و إن رغمت أنوف..إنّه محمد صلي اللّه عليه و سلّم العظيم,و الجميل,و الذي أوتي جوامع الكلم..!

و صدق القائل:

الحق شمس و العيون نواظر لكنها تخفي علي العميان

ص: 61

اسم نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم في الإنجيل(العهد الجديد)

فيما يتعلّق بذكر اسم نبي الإسلام في"الإنجيل"(أي الأناجيل الحالية)فإننا نحيل كلّ نصراني إلي ما جاء في هذه النصوص:

يوحنا 14:15-17:"إن كنتم تحبونني فاعملوا بوصاياي.

و سوف أطلب من الأب أن يعطيكم معينا آخر يبقي معكم إلي الأبد.و هو روح الحق،الذي لا يقدر العالم أن يتقبّله لأنه لا يراه و لا يعرفه.و أما أنتم فتعرفونه لأنه في وسطكم، و سيكون في داخلكم"

ترجمة العهد الجديد الصادرة عن"دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط"لنفس النص السابق:"إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي.و أنا أطلب من الأب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلي الأبد.روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه و لا يعرفه.

و أما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم."

يوحنا 14:26:"و أما الروح القدس،المعين الذي سيرسله الأب باسمي،فإنّه يعلّمكم كلّ شيء،و يذكّركم بكلّ ما قلته لكم"

يوحنا 15:26:"و عند ما يأتي المعين،الذي سأرسله لكم من عند الأب،روح الحق الذي ينبثق(التراجم العربية:الإنجليزية، الفرنسية...تقول"يأتي"لا"ينبثق"!)من الأب،فهو يشهد لي"

يوحنا 16:7-16:"صدقوني،من الخبر لكم أن أذهب،فإن كنت لا أذهب لا يجيئكم المعزي.أمّا إذا ذهبت فأرسله إليكم.

و متي جاء وبّخ العالم علي الخطيئة و البر و الدّينونة:أما علي الخطيئة فلأنّهم لا يؤمنون بي،و أما علي البر فلأني

ص: 62

ذاهب إلي الأب و لن تروني،و أما علي الدّينونة فلأنّ سيّد هذا العالم أدين و حكم عليه.عندي كلام كثير أقوله لكم بعد،و لكنّكم لا تقدرون الآن أن تحتملوه.فمتي جاء روح الحق أرشدكم إلي الحق كلّه،لأنّه لا يتكلّم بشيء من عنده،بل يتكلّم بما يسمع و يخبركم بما سيحدث.سيمجّدني لأنّه يأخذ كلامي و يقوله لكم.و كلّ ما للأب هو لي،لذلك قلت لكم:يأخذ كلامي و يقوله لكم.بعد قليل لا ترونني،ثم بعد قليل ترونني."

كلمة"المعين"هنا ترجمة لأصل مفقود،لكن البحث و التنقيب عن المعاني الخفية كشفا لنا الحقيقة التي كادت توأد علي أيدي الكتبة و الرهبان.

لقد سارت التراجم العربية في القرون الأخيرة علي اعتماد كلمة"المعزّي"مقابل الأصل اليوناني المتأخر المتاح"باراكليتوس".و هذه الكلمة في النصّ العربي في ترجمتنا هي "المعين".

جلّ التراجم العربية الأخري,و التراجم الإنجليزية و الفرنسية تفضّل كلمة "المعزّي"علي غيرها من الكلمات.و قد كانت النصوص العربية في القرون السابقة تذكر في نصّ إنجيل يوحنا كلمة"فارقليط"بدل كلمة"معزّي"أو"معين"-عندنا- أو"محامي"أو"مدافع",دون تعريبها,كطبعات الكتاب المقدس لسنة 1591 م( رومية),و سنة 1671 م(طبعة البروباغندا),و سنة 1776 م(طبعة دير يوحنا الصابغ),و سنة 1821 م,و سنة 1823 م,و سنة 1831 م,و سنة 1844 م و ترجمة الخوري يوسف عون,و هو ما يشعر أنّ هذه الكلمة اسم علم لا صفة لشخص,إذ حوفظ علي اللفظ الأجنبي دون تعريبه,و لو أنّه كان صفة لعرّب بصورة آلية,علما بأنّ أوّل طبعة عربية ذكر فيه لفظ"المعزّي"بدل"الفارقليط"هي طبعة 1825 م و 1826 م!!!!

ص: 63

إنّ الدلائل اللغوية و الحقائق التاريخية كلّها تؤكد أنّ"الفارقليط"هو"أحمد" صلي اللّه عليه و سلم,نبي الإسلام المنتظر..أمّا"المعزّي"فمخرج من ورطة..

و حفرة,لرأس النعامة الفزعة..و قد صرّح الدكتور القس أ..ب.سمبسون بقوله :"الاسم المعزّي:ليست الترجمة مدققة جدا"(الروح القدس أو قوة من الأعالي ص 206 ج 2-نقله إلي العربية يوسف اسطفان).

اعترف بحقيقة البشارة غير واحد من النصاري،و من هؤلاء:

المستشرق الدكتور كارلونلينو في النقاش الذي كان بينه و بين الشيخ عبد الوهاب النجار الذي نقل وقائعه في كتابه"قصص الأنبياء"ص ص 397-398 و قد قال للشيخ أنّ كلمة"بيركليتوس"تعني"الذي له حمد كثير".

ذكر"جودفري هيجتر" "Godfrey Higgins" (1773 م- 1833 م)-و هو أركيولوجي.و قد أنفق 20 سنة من حياته في البحث في الأشياء العتيقة المتعلقة بالديانات,و له عدد من الكتب السياسية.و كان قد رشّح ليكون في البرلمان في زمانه,و يصرّح أنّه نصراني-في كتابه "Anacalypsis" الذي جمع فيه آثار الأمم..في الصفحة 679 أنّ المطران مارش Marsh قال إنّ كلمة Paraclete" باراكليت"(التي هي الكلمة الأصل)لا بدّ أن تكون من الأصل السرياني أو العربي "Prqlit ب ر ق ل إ ط( Peryclyte )المترجمة إلي اللغة اليونانية.ثم أضاف هجتر أنه إذا كانت كلمة "Prqlit" هي الكلمة التي نطق بها عيسي و أنها تعني:محمد,فإنه من الخطئي ترجمة هذه الكلمة إلي كلمة "Comforter" "المعزّي".

ص: 64

-اعترف المستشرق جورج سيل في كتابه: "Preliminary Discourse to the Quran" أنّ كلمة "Peryclyte" "بيريكليت" تعني"محمد"باللغة العربية.

جاء في كتاب"تاريخ الكنيسة المسيحية" "A History of the "Christian Church ل الارس ب.كوالبن ص 145:"أرسل اللّه أنبياء كآدم و إبراهيم و موسي و عيسي.لكن أكبرهم هو محمد,الباراقليط الموعود من طرف عيسي".

ذكر الباحث جعفر السبحاني أنه قد جاء في دائرة المعارف الفرنسية الكبري ج 23 ص 4174"محمد مؤسس دين الإسلام،و رسول اللّه و خاتم النبيين"كلمة" محمد"بمعني محمود بكثرة،و مصدرها"حمد"التي تعني التمجيد و التجليل و العجيب و علي وجه الصدفة إن اسما آخر يترادف مع لفظ محمد ينتمي إلي نفس المصدر"حمد" و هو"أحمد"الّذي يحتمل احتمالا قويا بأنه هو المستخدم من قبل العيسويين الذين كانوا يقطنون شبه الجزيرة العربية و الذين كانوا يبحثون عنه لتعيين"فارقليط"، فأحمد تعني محمودا جدا و جليلا جدا و هو ترجمة للفظ"باراكليتوس"و التي تقرأ خطأ "بريكليتوس"و لقد طرق سمعنا هذا الترتيب للكتاب المسلمين مرار حيث قالوا إن المراد من هذا اللفظ هي البشارة علي ظهور رسول الإسلام و قد أشار القرآن المجيد أيضا و بشكل علني إلي هذه الآية العجيبة في سورة الصف.(نقلا عن كتاب"بشارة أحمد في الإنجيل"إعداد محمد الحسيني الريس).

قال المنصّر الحاقد علي الإسلام ويليام موير في كتابه"حياة محمد"طبعة لندن 1871 م,ص 5 إنّ بعض الترجمات العربية للعهد الجديد استعملت كلمة"أحمد" كمقابل لكلمة"باراكليتوس"!

ص: 65

-الباحث النصراني ويليام سنت كلير تسدل ST.Clair William Tisdall ,و قد كان منصرا في إيران,ترجم إنجيل يوحنا إلي اللغة الفارسية,و قد كتب في هامش إنجيل يوحنا حول كلمة"باركليت"أنّه من الخطأ ترجمتها إلي"أحمد" لأنه لا يوجد معجم يوناني يترجم هذه الكلمة إلي ذاك الاسم,و أضاف أنّه توجد كلمة يونانية أخري هي التي تعني"أحمد"و هي"باريكليتوس",لكنّ هذا المنصّر نفسه ألّف كتابا آخر,ضد الإسلام,ترجمه إلي الإنجليزية ويليام موير تحت عنوان"مصادر الإسلام" "The Sources of Islam" ص 190 و قال فيه إنّ نبيّ الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم قد خدع عن طريق جاهل مرتد عن النصرانية خلط بين الكلمة التي جاءت في إنجيل يوحنا و بين كلمة يونانية أخري تعني"أحمد"باللغة العربية!!!

الأنبا إثناسيوس أسقف بني سويف لما ضاقت أمامه الحيل قال في تفسيره لإنجيل يوحنا في كتاب"دراسات في الكتاب المقدس"ص 119:"إنّ لفظ بارقليط إذا حرّف نطقه قليلا يصير بيركليت و معناه الحمد أو الشكر و هو قريب من لفظ أحمد ".!!

الدكتور أدوين جونس اعترف في كتابه"نشأة الديانة المسيحية"أنّ تلك الكلمة تعني"محمّد",لكنه ليمنع نفسه من الاقرار بصدق هذا البشارة في انطباقها علي نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلم قال إنّ النصاري أدخلوا هذا الاسم في إنجيل يوحنا جهلا منهم بعد ظهور الإسلام و تأثرهم بالثقافة الدينية للمسلمين!!؟

جاء في تفسير محمد جمال الدين القاسمي"محاسن التأويل"في تفسير قول المسيح عليه السلام في سورة الصف الآية 6: "...وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ" :

ص: 66

"و ذكرت جريدة المؤيد عدد 3284 صفحة 2 تحت عنوان"لا يعدم الإسلام منصفا":

و قال مسيو مارسيه من"مدرسة اللغات الشرقية"ما يأتي:

إنّ محمدا هو مؤسس الدين الإسلامي,و اسم محمد جاء من مادة حمد.و من غريب الاتفاق أنّ نصاري العرب كانوا يستعملون اسما من نفس المادة يقرب في المعني من محمد,و هو أحمد,لتسمية البراكلية به.و معني أحمد صاحب الحمد,و هذا ما دعا علماء الدين الإسلامي أن يثبتوا بأنّ كتب المسيحيين قد بشرت بمجيء النبي محمد .و قد أشار القرآن نفسه إلي هذا بقوله عن المسيح:"و مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد".

و قد قال اسبرانجيه:إنّ هذه الآية تشير إشارة خاصة إلي عبارة إنجيل يوحنا حيث وعد المسيح تلامذته ببعثة صاحب هذا الاسم.انتهي بالحرف."

من آخر الاعترافات بكون هذه الكلمة تعني"أحمد"ما جاء في موقع "مؤسسة الكتاب المقدس الآرامي" "Aramiac Bible Society" (الآرامية كما سبق ذكره هي لغة أهل فلسطين في القرن الأول ميلادي)علي الشبكة العنكبوتية..و هو موقع غير إسلامي!!و النص بالإنجليزية بتمامه في الملحق.

و من أفضل ما يكشف حقيقة البشارة في إنجيل يوحنا باسم نبيّ الإسلام صلي اللّه عليه و سلم،هذه القصة التي ينقلها لنا القسيس الإسباني المهتدي انسلم تورميدا في كتابه "تحفة الأريب في الردّ علي الصليب"ص ص 33-34 و ص ص 37-39 في سبب إسلامه و ذهابه إلي تونس زمن أبي العباس أحمد بن المستنصر الحفصي الذي حكم بين عامي 772 ه-769 ه،و هو تحققه من معني كلمة"البارقليط"في النص العربي لإنجيل يوحنا(الباريكليتوس)في زمانه.

ص: 67

تلقي انسلم دراسة الكتاب المقدس منذ نعومة أظفاره،ثم انقطع لطلب العلم فترة طويلة استطاع أن يصحب فيها أساطين العلم بالديانة النصرانية أمثال نقلاد مارتيل الذي كانت له منزلة في العلم و الدين رفيعة جدا.و قد قرأ هذا الرجل علم أصول الدين النصراني و أحكامه،و لم يزل يتقرّب إليه بخدمته حتي صار أخصّ خواصه و مكث علي ذلك عشر سنين.ثم أصاب القس الكبير مرض،فتخلف عن مجلسه العلمي.

و تذاكر أهل المجلس في مسائل إلي أن أفضي بهم الكلام إلي قول عيسي عليه السلام:" يأتي من بعدي البارقليط""فبحثوا في تعيين هذا النبي،و قال كلّ منهم بحسب علمه و فهمه.

يقول انسلم:"فأتيت مسكن صاحب الدرس،فأخبرته باختلاف القوم.

فقال:إنّ تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلا الراسخون في العلم،و أنتم لم يحصل لكم من العلم إلا القليل.

فبادرت إلي قدميه أقبلهما،و قلت له:يا سيدي قد علمت أني ارتحلت إليك من بلد بعيد،و لي في خدمتك عشر سنين،حصّلت عنك فيها من العلوم جملة لا أحصيها،فلعلّ من جميل إحسانكم أن تكمل علمي بمعرفة هذا الاسم الشريف.

فبكي و قال:ولدي،و اللّه إنّك لتعزّ عليّ كثيرا من أجل خدمتك لي و انقطاعك إليّ، و إنّ في معرفة هذا الاسم فائدة عظيمة،لكن أخاف أن يظهر ذلك عليك،فتقتلك النصاري.

فقلت له:و اللّه العظيم،و حقّ الإنجيل و من جاء به،لا أتكلّم بشيء مما تسرّه لي إلا عن امرك.

فقال:اعلم يا ولدي أنّ البارقليط اسم من اسماء نبي الإسلام محمد صلي اللّه عليه و سلم،و عليه أنزل الكتاب الرابع المذكور علي لسان دانيال،فقد أخبر أنه سينزل هذا الكتاب عليه،و أنّ دينه دين الحقّ،و ملّته هي الملّة البيضاء المذكورة في الإنجيل.

قلت:يا سيدي،و ما تقول في دين النصاري؟

ص: 68

قال:لو أنّ النصاري أقاموا علي دين عيسي الأول لكانوا علي دين اللّه،لأنّ عيسي و جميع الأنبياء دينهم دين اللّه تعالي.".

لقد كانت التراجم القديمة واضحة في تنصيصها علي هذا الاسم،و اقرأ إن شئت ما ذكره الإمام ابن القيم في كتابه"هداية الحياري"عن ترجمات الإنجيل في زمانه،فقد قال مثلا أنّ المسيح قال للحواريين:"من أبغضني فقد أبغض الربّ.و لو لا أنّي صنعت لهم صنائع لم يصنعها أحد لم يكن لهم ذنب.و لكن من الآن بطروا.فلا بدّ أن تتمّ الكلمة في الناموس،لأنّهم أبغضوني مجانا.فلو قد جاء"المنحمنا"هو الذي يرسله اللّه إليكم من عند الربّ،روح القسط،فهو شهيد عليّ،و أنتم أيضا،لأنّكم قديما كنتم معي.هذا قولي لكم لكي لا تشكّوا إذا جاء."

علّق الإمام ابن القيّم في كتابه"هداية الحياري"علي هذا النصّ الذي أورده:" و المنحمنا هو الحامد أو المحمود باللغة السريانيّة".

ثمّ نقل قول ابن قتيبة:"الفارقليط من ألفاظ الحمد،إما أحمد أو محمد أو محمود نحو ذلك.و هو في الإنجيل الحبشي"برنقطيس."

و قال الباحث"عودة مهاوش الأردني"في كتابه"الكتاب المقدس تحت المجهر"(الطبعة الأولي،1412،دار أنصاريان):"عند مراجعتي لأحد الأناجيل الأسكندنافية المتداولة اليوم،و التي طبعت قبل حقبة من الزمن بالنرويجية،وجدت أنّ كلمة أحمد لا زالت موجودة بالشكل التالي"أمات" "amat" و هذا الاسم لا زال يستعمل إلي يومنا هذا من قبل الأمريكيين نرويجيي الأصل،و يكتب بالشكل التالي: "amodt" في نفس الإصحاح".

ص: 69

اعتراضات المنصّرين علي انطباق هذه البشارة علي محمد صلي اللّه عليه و سلّم

شبهة:

زعم النصاري أنّ الكلمة التي جاءت في إنجيل يوحنا,إنما تعني"المعزّي"لا "أحمد"و لذلك فإنّ التراجم العربية تنصّ علي كلمة"معزّي"!

الردّ:

جاء في"معجم الكتاب المقدس" "Dictionary of the Bible" لجيمس هاستنج James Hasting ,م 3,ص 668,تحت كلمة"بارقليط " "Paraclete" :"بارقليط.ربما من الأفضل نقل(هذه)الكلمة بصورة حرفية, كما كان الأمر في العديد من التراجم,بما في ذلك الأقدم,و كما فعلت جميع التراجم الإنجليزية ب"كرايست" "Christ" (أي مسيح),"رسول"" Apostle ,"شمّاس" "Deacon" و كلمات أخري."

و لو كانت كلمة المعزّي هي الترجمة البديهية للكلمة اليونانية لما تردد أمثال هستنج في استعمالها و تبنّيها.

ذكر القسيس المهتدي عبد الأحد داود المتقن للغة اليونانية أنّ المقابل اليوناني لكلمة"معزي"هو"باراكلون"و"باريجوريتس"لا"باراكليتوس".

النص اليوناني استعمل كلمة"أونوما"و هي تعني"اسمه"و لكن النصاري عرّبوا نصّها في الأناجيل الحالية:"يرسله الأب باسمي"في حين أنّ الترجمة الصحيحة:"

ص: 70

و أما النبي الحق الذي سيبعثه اللّه اسمه أحمد"و علي هذه الصورة فلا معني للزعم بأنّ الكلمة موضوع البحث تعني"معزّي"!

ذكر فديارتي في كتابه"محمد في الأسفار المقدسة العالمية"ص 411(الطبعة الأمريكية المنقحة)أنّه قد جاء التصريح باسم نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلم في الكتب الهندوسية في أثارفا فيدا,كندا 20,سوكت 127,منترا 8,حيث الاسم في اللغة السنسكريتية:"باركشيت "parikshit" .و هذه الكلمة موافقة للكلمة الواردة في إنجيل يوحنا من ناحية المعني.و بيّن أنّ المختصين في مقارنة اللغات القديمة و النحو يعلمون أنّ"كشيء"السنسكريتية(لغة الهند)تتحول إلي"كلي"في اللغة اليونانية(انظر كتاب البروفسور بوب Bopp's Comparative Grammar في النحو في كثير من اللغات العالمية كالسنسكريتية و اليونانية و الزندية و الاسكندنافية و الألمانية القديمة,و هو في ثلاثة مجلدات كبيرة).و هذا المسمّي ب" باركشيت"موصوف بأنّه"ملك علي كلّ البشر,مقدّس و طاهر بين الناس,قائد البشر,باركشيت,اسمعوا لتحميده",و بيّن فديارتي أنّ هذا الباركشيت لم يظهر قبل محمد صلي اللّه عليه و سلّم,و أنّ صفاته تنطبق علي نبيّ الإسلام صلّي اللّه عليه و سلّم.

أو ليس من المثير أن نري توافق كتب النصاري و الهندوس حول ذكر اسم نبي الإسلام"أحمد"بصورة صريحة و بنفس الشكل؟!!

شبهة:

يزعم النصاري(و منهم جوش مكدويل Josh McDowell و دون ستيوارت Don Stewart في كتابيهما الشهير Answers to Tough..." "questions" "إجابات علي أسئلة صعبة..."الذي تتبّعا فيه بزعمهما(!)جميع الأعداد التي يقول"المخالفون"أنّها تثبت أنّ الكتاب المقدّس ليس وحيا من عند اللّه

ص: 71

سبحانه,و هو"الصورة الإنجليزية الأصلية"لأشهر كتاب للاعتذاريين العرب في الدفاع عن الأسفار النصرانية المقدسة"شبهات وهمية حول الكتاب المقدّس"قبل التهذيب!؟)أنّه لا توجد مخطوطة واحدة تؤيده زعم المسلمين أنّ الكلمة التي جاءت في إنجيل يوحنا هي"باريكليتوس",التي لا شكّ أنها تعني"أحمد",لا"باراكليتوس" لتؤيد اعتراضهم.

الردّ:

المخطوطات المتاحة التي تعود إلي ما قبل بعثة نبي الإسلام قليلة جدا,فكيف يزعم النصاري أنّ المخطوطات القديمة كلها قد استعملت كلمة"باراكليتوس"رغم ندرتها؟!!!

لا بدّ من تقديم أسماء المخطوطات و تاريخ تأليفها..لا مجرد دعاوي منتفخة لا يسندها برهان و لا يعضدها بيان.

لقد جربنا عليكم الكذب مرارا,و قد كان أئمتكم منذ الزمان القديم يؤيدون الكذب لنشر النصرانية و ردّ المخالفين,و منهم كليمنت كما هو ظاهر من الرسالة التي اكتشفها البروفسور مورتون سميث سنة 1958 م في دير قرب القدس,و التي حذّر فيها كليمنت أصحابه من فرقة الكربوكراتيين بقوله:"..فحتي لو قالوا شيئا صحيحا فإنّ محبّ الحقيقة يجب ألا يقرهم حتي و لو كان متفقا مع قولهم.."..فلا بدّ لنا أن نطالبكم بالبيّنة علي أنّ جميع المخطوطات المتاحة تؤيد زعمكم...و هو ما لا تملكونه!

الخطأ في كتابة الاسماء كثير جدا في مخطوطات الكتاب المقدس كما بيّنه غير واحد من النقّاد..و التشابه في كتابة الكلمتين منفذ إلي التحريف غير القصدي.

ص: 72

مما يدل علي أنّ الكلمة الأصلية هي اسم نبي الإسلام:أن حروف المد- و هي:الألف و الياء و الواو-لم تكن قبل القرن الخامس الميلادي.ف"باراكليتوس" ترسم بغير حروف المد كما ترسم الكلمة التي تعني"أحمد"و الخلاف لم يطرأ إلا مع ظهور هذه الحروف..فلا حجة اذن في المخطوطات المحفوظة اليوم عند النصاري!

ترجمة الكلمة المتأخرة الواردة في إنجيل يوحنا إلي اليونانية عند النصاري:

"باراكليتوس"..و إضافة الواو و السين للكلمة التي يري النصاري أنها الأصل "باراكليت"دليل علي أنها اسم علم إذ لا يدخل هذان الحرفان إلا علي اسماء الأعلام ..و علي هذه الحال فلا يمكن الزعم أنّ المقصود هو"معزّ"إذ التعزية صفة, و الواو و السين لا يدخلان علي الصفات!

ص: 73

-جاء في تعليق بيك علي الكتاب المقدس Peake's Commentary on the Bible (الطبعة الجديدة,1962 م)ص 861,قسم 752 أ:"إنّه من غير المؤكد معرفة كيف تترجم(كلمة باراكليت),و لذلك يوجد الكثير مما يقال حول نطق( transliterating )هذه الكلمة كباراكليت."

جاء في معجم جودفري هجتر Godfrey Higgin's dictionary النقل عن القديس موريس Moriss قوله إنّ كلمة"باراكليت" "paraclete" ليست كلمة يونانية و إنما هي كلمة سريانية.

أشار أبو الأعلي المودودي في تفسيره لكتاب اللّه سبحانه,م 14 ص 216 و ما بعدها(الترجمة الانجليزية "The Meaning of the Quran" )تحت سورة الصف الآية 6 إلي أنّ المسيح قد أشار إلي"الباراكليتوس"..و لمعرفة الكلمة الأصلية التي فاه بها ابن مريم عليهما السلام فإنه علينا أن نعرف اللغة التي تكلمها عليه السلام..و أضاف أنّ الدلائل التاريخية تذكر أنّ المسيح كان يتكلم السريانية(قلت :السريانية هي أحد اللهجات الآرامية الشرقية...و مما يؤكد أنّ المسيح كان يتكلّم السريانية,الألفاظ السريانية التي نقلها أصحاب الأناجيل عنه باللغة الأصلية:مرقس 15:34:"إلوي,إلوي,لما شبقتني",متّي 5:22:"رقا",مرقس 7:34 :"إفّاثا")بل كانت هذه اللغة هي لغة أهل فلسطين حتي القرن التاسع ميلادي ..و بيّن أنّه قد جاء في كتاب السيرة المعروف"سيرة ابن هشام",لابن هشام الذي اعتمد فيه علي روايات ابن إسحاق-رحمهما اللّه-,النقل عن إنجيل يوحنا 15:

23-27 و 16:1 من ترجمة زمانه,قال:"قال ابن إسحاق:"و قد كان,فيما بلغني عمّا كان وضع عيسي بن مريم فيما جاءه من اللّه في الإنجيل لأهل الإنجيل من صفة رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم,مما أثبته يحنس(يقصد يوحنا)الحواري لهم, حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسي بن مريم عليه السلام في رسول صلي اللّه عليه

ص: 74

و سلم إليهم أنه قال:من أبغضني فقد أبغض الربّ,و لو لا أنّي صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي,ما كانت لهم خطيئة,و لكن من الآن بطروا و ظنوا أنهم يعزّونني,و أيضا للربّ,و لكن لا بدّ من أن تتمّ الكلمة التي في الناموس:أنهم أبغضوني مجانا,أي باطلا.فلو قد جاء المنحمنّا هذا الذي يرسله اللّه إليكم من عند الربّ,(و)روح القدس,هذا الذي من عند الرب خرج,فهو شهيد عليّ و أنتم أيضا,لأنكم قديما كنتم معي.في هذا قلت لكم:لكيما لا تشكوا."

و نقل مرزا ماسوم بج في كتابه "The Gospel of Barnabas" إنجيل برنابا"ص 17 أنّ وستنفلز Westenfels (و هو باحث نصراني بارز بالإضافة إلي أنّه نحوي)قد بيّن أنّ الكلمة التي اعتمدها المسيح هي"محمنا"الآرامية باللغة التي كان عليه السلام يتحدثها و هي تعني"محمد".

و قد ذكرنا سابقا ما نقله الإمام ابن القيم بخصوص هذه الكلمة باللغة السريانية ..علما بأنّ ابن هشام قد عاش في القرن 9 ميلادي أما ابن إسحاق فقد عاش في القرن 8 ميلادي أي أنهما قد عاصرا الزمن الذي كان فيه نصاري فلسطين يقرءون الأناجيل بلغة المسيح.

قال الباحث المعروف في الآثار جودفري هجتر في كتابه:"اعتذار إلي محمد" Apology to Mohamed" ص 718:":"حجّة المحمّديين(يقصد المسلمين )في أنّ ترجمة الكلمة إلي اليونانية هي"باريكليتوس"بدل"باراكليتوس",تجد سندا قويا من الأسلوب الذي تبناه القديس جيروم في ترجمة(الكتاب المقدس) الفولجات اللاتينية في ترجمته الكلمة إلي اللاتينية"باراكليتوس" "Paraclitus" بدل"باراكلوتوس" "paracletus" .و هذا يظهر أنّ النسخة التي ترجم منها

ص: 75

القديس جيروم لا بدّ أنها تحتوي علي كلمة"بيريكلوتس" "periklutos" "لا" باراكليتوس" "paraklytos" .

فما أعظم هذه الشهادة التي يقدّمها أحد آباء الكنيسة بل و صاحب أشهر ترجمة نصرانية للكتاب المقدس أعدّها(في القرن الرابع ميلادي)بعد جمعه لأهم المخطوطات,و أوثقها,و أقربها إلي زمن تأليف الأسفار المقدّسة!!

شبهة:

يزعم النصاري أنّ المبشر به هو روح,و هذا الأمر يمنع صدق ادعاء المسلمين أنّ محمدا,صلي اللّه عليه و سلّم,هو هذا المبشّر به..إنّ المبشّر به هو"الروح القدس" الأقنوم الثالث!

الردّ:

لقد روّج النصاري للقول بأنّ"البارقليط"هو الروح القدس بالاعتماد خاصة علي ما جاء في إنجيل يوحنا 14:26:"و أما الروح القدس المعين الذي سيرسله الأب باسمي،فإنّه يعلّمكم كل شيء,و يذكركم بكل ما قلته لكم."...و هذا النص هو الوحيد الذي جاء فيه وصف"البارقليط"بأنه "روح القدس"أما في غير هذا الموضع فقد وصف المبشّر به بأنه فقط"روح",لكن هذا الزعم قد انكشف أمره و انجلي عنه غبار التحريف,فقد اكتشفت أجنس س.لويس مخطوطة سريانية مشهورة تسمّي اليوم ب: "Codex Syriacus" سنة 1811 م في دير سيناء,تعود إلي قرابة القرن الخامس ميلادي-فهي إذن من أقدم المخطوطات-و هي تقول"البارقليط,الروح"لا"البارقليط,الروح القدس "..

من المعلوم أنّ العهد الجديد يستعمل كلمة"الروح"للحديث عن الأنبياء-

ص: 76

انظر مثلا رسالة يوحنا الأولي 4:1:"أيها الأحباء,لا تصدّقوا كلّ روح,بل امتحنوا الأرواح لتعرفوا ما إذا كانت من عند اللّه أم لا,لأنّ عددا كبيرا من الأنبياء الدجّالين قد انتشر في العالم."(انظر أيضا إلي الرسالة الأولي ليوحنا 4:6),أو انسانا ملهما:انظر مثلا الرسالة الأولي إلي كورنثوس 10:2 و الرسالة الأولي لتسالونيكي 2:2...

و في نبوءة حزقيال 37:21 في العهد القديم أنّ روح الحق هو النبي الحق و روح الضلال هو المسيح الدجال و من علي شاكلته.

جاء في سفر أعمال الرسل 4:36:"و من هؤلاء يوسف،الّذي دعاه الرّسل برنابا أي ابن التّشجيع،و هو من سبط لاوي، و يحمل الجنسيّة القبرصيّة."

الكلمة اليونانية التي عرّبت"تشجيع"هي"باراكليزس" "Paraklesis" و هي فعل أن يكون"باراكليت",لكن كما يقول عبد الحق فديارتي في كتابه" محمد في الأسفار العالمية"(الطبعة الأمريكية)ص 399 إنّ كلمة"برنابا"" Barnabas باللغة الآرامية يمكن أن تعني أيضا"ابن نبيّ",و هو ما يظهر أنّ كلمة "باراكليت"يمكن أن تعني"نبيّ"إذ أنّ كلمة"برنابا"قد ترجمت في العهد الجديد اليوناني إلي"ابن باراكليزس".

و جاء في كتاب"إنجيل يوحنا" "The Gpspel of john" لرودلف بولتمان Rudolf Bultmann ص 567 أنّ كلمة"باراكليت"تعني"رسول" "Messenger" .

ثار عدد من كبار النقاد في الغرب علي الزعم التقليدي الكنسي لمعني ما جاء في إنجيل يوحنا..و من هؤلاء سبيتا Spitta ،و دلفوس Delafosse ،و وندش

ص: 77

Windisch ،وساس Sasse ،و بولتمان Bultmann ،و بوتز Betz ، و غيرهم...مقرّرين أنّ البارقليط شخص بشري تمّ بصورة متأخرة الادعاء أنّه الروح القدس(انظر التفسير الشهير للكتاب المقدس "Anchor Bible" طبعة 1970 المجلّد 29 أ,ص 1135)!!)

شبهة:

يزعم النصاري أنّ قول المسيح"ماكث معكم"(يوحنا 14:17)دليل علي أنّ المبشّر به هو الروح القدس,الأقنوم الثالث في الثالوث المقدس!

الردّ:

قال الشيخ رحمة اللّه الهندي في كتابه"إظهار الحق"ص ص 455-456":

أقول:إن هذا القول في التراجم الأخري هكذا:ترجمة عربية سنة 1816 م، و سنة 1825 م:"لأنه مستقر معكم،و سيكون فيكم".

و التراجم الفارسية المطبوعة سنة 1816 م،و سنة 1828 م،و سنة 1841 م.

و ترجمة أردو المطبوعة سنة 1814 م،و سنة 1839 م،كلها مطابقة لهاتين الترجمتين.

و في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860 م هكذا:"ماكث معكم و يكون فيكم".

فظهر أن المراد بقوله ثابت فيكم الثبوت الاستقبالي يقينا،فلا اعتراض به لوجه من الوجوه،و بقي قوله مقيم عندكم فأقول:لا يصح حمل هذا القول علي معني"هو مقيم عندكم الآن"،لأنه ينافي قوله:"أنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر"،و قوله:"قد قلت لكم قبل أن يكون،حتي إذا كان تؤمنون"،و قوله:"إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط"،و إذا

ص: 78

أول نقول أنه بمعني الاستقبال،كما أن القول الذي بعده بمعني الاستقبال،و معناه يكون مقيما عندكم في الاستقبال،فلا خدشة في صدقة أيضا علي محمد صلي اللّه عليه و سلم.و التعبير عن الاستقبال بالحال بل بالماضي في الأمور المتيقنة كثير في العهدين،أ لا تري أن حزقيال عليه السلام أخبر أولا عن خروج يأجوج و مأجوج،في الزمان المستقبل،و إهلاكهم حين وصولهم إلي جبال إسرائيل.

ثم قال في الآية الثامنة من الباب التاسع و الثلاثين من كتابه هكذا:"ها هو جاء و صار يقول الرب الإله هذا هو اليوم الذي قلت عنه"

فانظروا إلي قوله ها هو"جاء و صار"،و هذا القول في الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1839 م هكذا:"ابنك رسيد و بوقوع يبوست"فعبر عن الحال المستقبل بالماضي لكونه يقينا لا شك فيه و قد مضت مدة أزيد من ألفين و أربعمائة و خمسين سنة و لم يظهر خروجهم.

و في الآية الخامسة و العشرين من الباب الخامس من إنجيل يوحنا هكذا:"الحق الحق أقول لكم أنه تأتي ساعة و هي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن اللّه و السامعون يحيون"فانظروا إلي قوله و هي الآن و قد مضت مدة أزيد من ألف و ثمانمائة و لم تجيء هذه الساعة و إلي الآن أيضا مجهولة لا يعرف أحد متي تجيء".

شبهة:

يزعم النصاري أنّ الحواريين,الذين لا يكذّبهم المسلمون و يعتقدون أنهم ثقاة لا يكذبون,كانوا ينتظرون ظهور"الباراكليتوس"في زمانهم!

الرد:

من أوجه بطلان هذا الاعتراض:

ص: 79

-لا دليل علي أنّ ما في الأناجيل هو نقل صادق عن الحواريين بل الشواهد كثيرة علي عكس ذلك.

تزعم أناجيل الكنيسة أنّ الحواريين لم يفهموا الكثير من أحاديث المسيح.فلم الإصرار في هذا المقام علي تنزيه الحواريين عن الخطإ في فهم هذه النبوءة الخاصة بنبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلم؟!!

جاء في إنجيل متّي 26:64:"أقول لكم أيضا إنكم منذ الآن سوف ترون ابن الإنسان جالسا عن يمين القدرة ثم آتيا علي سحب السماء!"..فهل رأي صحابة المسيح,معلّمهم,في حياتهم,آتيا علي سحب السماء,إلا أن يكون الأمر إخبارا عن أمر يحدث في المستقبل؟!!!

شبهة:

يزعم النصاري أن"الباراكليتوس"قد جاء قبل نبي الإسلام بأكثر من خمسة قرون,في القرن الأول ميلادي,بعد رفع المسيح,في عيد الخمسين Pentecost و نزل علي التلاميذ فتكلّموا بلغات عديدة ما كانوا يعرفونها من قبل(أعمال الرسل 2:4).

الرد:

بعد مراجعة النبوءات السابقة الواردة في حق الفارقليط يتبيّن لنا أنّ ما زعم حدوثه يوم الخمسين(في عيد العنصرة)لا يمكن أن يكون تحقيقا لنبوءة المسيح في إنجيل يوحنا,لعدة أسباب:

الروح القدس الذي نزل علي التلاميذ يوم الخمسين,لم يبق مع النصاري, بل كان نزوله سريعا و انقضي في لمح البصر.

ص: 80

-روح القدس نزل علي التلاميذ,و نزل قبل ذلك علي الأنبياء الأوّلين.

نزل الروح القدس علي الحواريين قبل يوم الخمسين,كما هو مذكور في إنجيل يوحنا 20:22:"..قال هذا و نفخ فيهم و قال لهم:"اقبلوا الروح القدس..".

اتصال الروح القدس بالمؤمنين لم يكن رهين ذهاب المسيح.

لم يأت الروح القدس بتعزية أو خلاص للتلاميذ أو الرسل.فقد وقع التلاميذ و أتباعهم تحت سوط العذاب من طرف السلطة الرومانية من جهة و اليهود من جهة أخري.

الروح القدس لم يهد النصاري و لم ينر لهم طريق معرفة اللّه سبحانه,بل لقد دبّ الخلاف الشديد بين الأتباع و ظهرت فرق عقدية كثيرة جدا,كلّ منها يدّعي أنّه علي طريق المسيح,و يزعم أنّ مخالفيه هراطقة ضالين.

إذا قلنا أنّ الروح القدس هو موضوع بشارة المسيح,فكيف من الممكن أن نفهم قول المسيح أنّ هذا الآتي يوبّخ العالم؟!!!

ذكر المسيح أنّ التلاميذ ليس بإمكانهم إطاقة تلقّي الكثير من الحقائق دينية في تلك الأيام:"عندي كلام كثير أقوله لكم بعد،و لكنّكم لا تقدرون الآن أن تحتملوه.فمتي جاء روح الحق أرشدكم إلي الحق كلّه .."..فكيف امتلك التلاميذ هذه القدرة بعد عشرة أيام فقط من رفع المسيح,مع أنّ ظاهر كلام المسيح أنّ جيل الحواريين بأكمله عاجز عن فهم الكلام و تحمّله!!!

ما هو"الحق كلّه"الذي ناله التلاميذ يوم السبعين؟..لا إجابة!!

ص: 81

-إذا كان التلاميذ لم يعرفوا الحقّ إلا بعد رفع المسيح بأيام بعد أن كانوا جاهلين به تمام الجهل..فلما ذا كان المسيح يكثر من الوعظ و الخطابة و المعجزات إذن؟؟لما ذا لم يؤجّل البيان إلا ما بعد قيامته من الموت و رفعه إلي السماء..؟!أ ليس الأحري القول أنّ الحق الكامل هو الدين الأوسع و الأشمل الذي يكون في آخر الزمان!!

إذا كان الأب و الابن و روح القدس,ثلاثة في واحد..فلم لم يقل المسيح "الابن",إنّني سأرجع بعد قيامتي بعشرة أيام لأكمل المهمة؟!!!أم أنّ أقنوم الروح القدس أكمل من الابن؟!!!

جاء في لوقا 11:13:"فإن كنتم,أنتم الأشرار,تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيّدة,فكم بالأحري الأب,الذي في السماء يهب الروح القدس لمن يسألونه؟".يعني هذا القول انّ هبة الروح القدس رهينة طلب العبد و ليست هي مقرونة بزمن معين,كما أنّها ليست مشروطة بذهاب المسيح,مما يخالف ما جاء عن"الفارقليط"سابقا.

إذا كان الثالوث الالهي النصراني واحدا,فكيف بإمكاننا أن نفهم نصّ لوقا السابق؟؟أي كيف من الممكن أن يعطي الأب,الروح القدس..و هما واحد..؟!! كيف من الممكن أن يكون المعطي هو نفسه المعطي؟!!!

إذا كانت الآلهة النصرانية المثلثة واحدة,فهل يصحّ القول إنّ الذي نزل علي التلاميذ يوم الخمسين هو الأب؟؟و هل يصحّ القول أنّه روح المسيح؟؟طبعا النصاري يجيبون بالنفي..و يقعون مرة أخري في التناقض!

كيف من الممكن فهم قول المسيح"لا يتكلّم بشيء من عنده،بل يتكلّم بما يسمع و يخبركم بما سيحدث."في دائرة اعتقاد النصاري أنّ الأب و الابن و الروح القدس هم ثلاثة أقانيم متوحدة!

ص: 82

-تظهر التراجم الإنجليزية أنّ المسيح قد استعمل ضمير العاقل "He" لا "It" التي تكون لغير العاقل,في الحديث عن"الفارقليط"..في حين أنّنا نقرأ في رسالة بولس الأولي إلي كورنثوس ذكر الروح القدس دون تأنيث و لا تذكير( neuter gender ).

نصوص الأناجيل و كتابات رموز النصرانية في القرون الأولي تظهر اضطرابا كبيرا حول تحديد طبيعة"الروح القدس"..هل هو ذات..أم هو شيء معنوي..أم هو غير ذلك!!و الناظر في نصوص الأناجيل يفهم من الكثير منها أنّ"الروح القدس" ليس ذاتا و إنما هو حالة أو طاقة!!!

شبهة:

يزعم النصاري أنّه لم يدّع أحد طوال التاريخ النصراني أنّ"الباراكليتوس"هو غير الروح القدس؟

الردّ:

قال الأب متّي المسكين في كتاب"الباراكليت الروح القدس في حياة الناس "ص ص 12-13:"توجد وثيقة في كنيسة فيينا ليوسابيوس القيصري وردت فيها كلمة الباراكليت كصفة أطلقت علي شخص تبني مسئولية الدفاع عن المسيحيين المتهمين بمسيحيتهم.و هي مقالة ممتعة فيها ينعت المسيحيون علي هذا الشخص و اسمه:

فيتوس.ايب.أجاتوس.بالبراكليتي لأنه حامي عنهم,و تشفع لهم جهارا معرضا حياته للهلاك و هذه الوثيقة تصور كلمة الباراكليت تصويرا واقعيا حيا.إنما علي مستوي بشري."

قال الفونسوس ماريا دي ليكوري:مونتياس ولد كما أخبر أورسي(مجلد

ص: 83

2 ك 4 عدد 17)في اردابا,و كان يقول هو و ابنتيه"إنهم قبلوا بالتمام الباراقليط الذي وعد به يسوع المسيح."

و قال عن رجل آخر اسمه ماني:"ماني كان أبا المانيين,و دعي كذلك لأنه نسب إلي ذاته لقب الباراقليط كما فعل مونتانوس".

تحدث زكي شنودة في"تاريخ الأقباط"ج 1 ص 149 عن المشابهة التامة بين شخصية المسيح و بين الباراكليت فقال عن ماني:"أشاع بين الناس منذ سنة 268 ميلادية أنّ المسيح ترك عمل الخلاص ناقصا,و أنه هو الذي سيتمه لأنه هو "الباراقليط"و تشبّه بالمسيح فاتخذ لنفسه اثني عشر تلميذا,و اثنين و سبعين اسقفا و أرسلهم علي بلاد الشرق حتي الهند و الصين ليذيعوا تعاليمه."

كان لفظ"المعزي"ضمن أبحاث المؤتمر اليهودي النصراني مع البابا بانوا الثاني عشر سنة 1400 م,علي أنه اسم من اسماء"المسيّا"أي المسيح.

جاء في"موسوعة الدين و الآداب "The Encyclopaedia of" "Religion and Ethics ل ج.هاستنج J.Hasting م 11 ص 795 تحت كلمة"روح(قدس),روح اللّه"أنّ القول بأنّ"البارقليط,روح الحق,شخص أو غير ذلك,كان محلّ جدل حام.".أي أنّ النصاري اختلفوا اختلافا جديا حول طبيعة الباراكليتوس:هل هو شخص(بشر)أم هو أقنوم إلهي!!فهو خلاف واقعي تاريخي..لا مجرّد تأملات في مكان قصيّ عن أرض النصاري أو في ضحاضح الأحلام!

شبهة:

يزعم النصاري أنّ الصفات التي جاءت في وصف"الباراكليتوس"لا يمكن أن تنطبق علي محمد صلي اللّه عليه و سلم؟

ص: 84

الردّ:

بل ما جاء في الأناجيل يؤكد أنّ المبشّر به هو نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلم, لا الروح القدس,و نكتفي بهذه الأدلة:

1-جاء في إنجيل يوحنا 16:13:"..و لكن,عند ما يأتيكم روح الحق يرشدكم إلي الحق كلّه,لأنه لا يقول شيئا من عنده, بل يخبركم بما يسمعه,و يطلعكم علي ما سوف يحدث."

فما هو الحق الذي أرشد الروح القدس الحواريين إليه؟

و ما الذي قاله الروح القدس للحواريين؟!

و ما الذي أخبر به؟!

و ما الذي سمعه ليخبر به؟!

و ما هي هذه النبوءات؟!!!

لا شيء!

أما محمد صلي اللّه عليه و سلم فقد أرشد الصحابة و البشرية إلي دين التوحيد و شريعة الصلاح,و هو الذي أخبر بما أوحاه اللّه إليه,و هو صاحب النبوءات المعروفة من بعثته إلي يوم القيامة!

2-"يتكلّم بما يسمع":الكلمة اليونانية المقابلة ل"يسمع"هي"أكووا" و الكلمة اليونانية المقابلة ل"يتكلم"هي"لليهو".هاتان الكلمتان تحملان مفهوما ماديا لا يصدق علي روح و إنما يصدق علي بشر(مادي),نبي.

ص: 85

3-"و لكني أقول لكم الحق:من الأفضل لكم أن أذهب, لأني إن كنت لا أذهب,لا يأتيكم"الباراكليتوس".

يفهم من هذا النص أنّ"الباراكليتوس"لا يأتي إلا بعد رفع المسيح,و"الروح القدس"قد أتي قبل"تجسّد"المسيح و أثناء حياته علي الأرض..اقرأ مثلا:

سفر صموئيل الأول 10:10:"و عند ما وصل حبعة قابلته مجموعة من الأنبياء،فحلّ عليه روح اللّه و تنبّأ في وسطهم."

سفر صموئيل الأول 11:6:"فحلّ عليه روح اللّه عند ما سمع الخبر و ثار غضبه"

سفر إشعياء 63:11:"ثمّ تذكّروا الأيّام القديمة،أيّام موسي عبده و تساءلوا:أين من أصعدنا من البحر مع راعي قطيعه؟أين من أقام روحه القدّوس في وسطنا؟"

لوقا 1:15:"و سوف يكون عظيما أمام الربّ،و لا يشرب خمرا و لا مسكرا،و يمتلئ بالرّوح القدس و هو بعد في بطن أمّه"

لوقا 1:41:"و لمّا سمعت أليصابات سلام مريم،قفز الجنين داخل بطنها.و امتلأت أليصابات من الرّوح القدس"

لوقا 1:67:"و امتلأ زكريّا أبوه من الرّوح القدس.."

لوقا 2:25:"و كان في أورشليم رجل اسمه سمعان،و هو رجل بار تقيّ ينتظر العزاء لإسرائيل و كان الرّوح القدس عليه"

ص: 86

يوحنا 20:21-22:"فقال لهم يسوع:«سلام لكم.كما أنّ الأب أرسلني،أرسلكم أنا"

قال هذا و نفخ فيهم و قال لهم:«اقبلوا الرّوح القدس"..

4-"ما زال عندي أمور كثيرة أقولها لكم,و لكنكم الآن تعجزون عن احتمالها.و لكن,عند ما يأتيكم روح الحق يرشدكم إلي الحق كلّه,لأنه لا يقول شيئا من عنده,بل يخبركم بما يسمعه,و يطلعكم علي ما سوف يحدث."(يوحنا 16:

12-13)

في هذا النص ما يدلّ علي أنّ ما في رسالة الوحي ما لم يحن أوانه ليعرض أمام الناس حتي يفهموه.

جاء في الأناجيل و صم الحواريين بقلة الفهم أو عدمه!

متّي 8:26:"فقال لهم:«لما ذا أنتم خائفون،يا قليلي الإيمان؟»ثمّ نهض و زجر الرّيح و البحر،فساد هدوء تام".

متّي 14:31:"فمد يسوع يده في الحال و أمسكه و قال له:«يا قليل الإيمان،لما ذا شككت؟".

متّي 16:8:"و علم يسوع بذلك،فقال لهم:«يا قليلي الإيمان،لما ذا تحاجّون بعضكم بعضا لأنّكم لم تتزوّدوا خبزا؟".

ص: 87

لوقا 8:25:"ثمّ قال لهم:«أين إيمانكم؟»و إذ خافوا، ذهلوا،و قال أحدهم للآخر:«من هو هذا إذن حتّي إنّه يأمر الرّياح و الماء فتطيعه؟".

متّي 15:16:"و قال له بطرس:"فسّر لنا ذاك المثل!".

فأجاب:"و هل أنتم أيضا بلا فهم؟".

و نحن نلزم النصاري بهذه النصوص التي لا نعتقد صدقها,أنّ الحواريين ليسوا هم من سيستقبل الرسالة!!

5-جاء في يوحنا 16:14 أنّ"الباراكليتوس"سيمجّد المسيح,فهل مجّد أحد المسيح أكثر مما مجّده محمد صلي اللّه عليه و سلّم!!!

إنّ من يقرأ سورة"مريم"فقط,يدرك المقام العالي و المنزل السامي لعيسي عليه السلام في الإسلام..

و قد جاء تمجيد المسيح أيضا في الحديث النبوي,من ذلك ما أخرجه الحاكم و غيره عن النبي صلي اللّه عليه و سلّم:"الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة,إلا ابني الخالة عيسي بن مريم و يحي بن زكريا"(قال الألباني:سنده صحيح)..و هل هناك تمجيد للمسيح أبلغ من أن يكون سيد شباب أهل الجنة!!

و أخرج البخاري و غيره عن أبي هريرة أنّ النبي صلي اللّه عليه و سلّم قال:"كلّ بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد,غير عيسي ابن مريم,ذهب يطعن فطعن في الحجاب."

ص: 88

و أخرج الشيخان عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم:"رأي عيسي ابن مريم رجلا يسرق.فقال له:أ سرقت؟قال:كلاّ, و اللّه!الذي لا إله إلا هو.فقال عيسي:آمنت باللّه و كذبت عيني".

و قد جاء هذا التكريم للمسيح في الإسلام,بعد أن امتلأ التلمود اليهودي بذمّ المسيح و تحقيره,و قد قام الباحث النصراني الاعتذاري المعروف"جوش مكدويل" في كتابه"برهان يتطلّب قرارا" "Evidence that Demands Verdicts" ص ص 75-87 بالإشارة إلي الكثير من الشتائم التلمودية لابن مريم عليهما السلام ..و جمع قبله جون كريستوف فجتريل في كتابه "Tela Ignea Satanae" العديد من النصوص و الكتابات اليهودية التي تحقّر المسيح و النصرانية..بل لقد ظهر كتاب يهودي في القرن الثاني أو الثالث يحكي قصة المسيح اسمه"سفر حياة يشوع" و قد ترجمه مارتن لوثر إلي الألمانية.و هذا الكتاب يمثّل خلاصة الحقد اليهودي علي المسيح بما فيه من أوصاف شديدة البشاعة رمي بها الطاهر ابن الطاهرة عليهما السلام!!..و من الكتب العربية التي عنت بكشف صورة المسيح في التلمود,كتاب "تلفيق صورة الآخر في التلمود"لزياد متّي,و من الكتب الانجليزية"التلمود دون قناع" "The Talmud Unmasked" للأب الكاثوليكي إ.ب.برانيتس I.B.Pranaitis (عن أصل لاتيني).

من الافتراءات التلمودية علي المسيح و أمّه:

*يسوع الناصري,هو ابن زنا ولدته أمّه من علاقة مع الجندي الروماني "بندورا"(انظر:كلّه 1 ب(18 ب),سنهدرين 67 أ).

*ولدته أمّه و هي في فترة الحيض(انظر:تولداث جاثو).

ص: 89

*"الناصري هو الذي يتّبع تعاليم كاذبة,يبتدعها رجل يدعو إلي العبادة في اليوم الأول التالي للسبت."(انظر:أبهوداه زراه 6 أ).

*"لقد ضلّل يسوع,و أفسد إسرائيل و هدمها"(انظر:سنهدرين 107 ب).

*كان ساحرا(انظر شاباث).

*"قالوا(شيوخ اليهود)له(للعيزر):"كان مجنونا,و لا أحد يعير انتباها إلي المجانين".(انظر:شاباث 104 ب).

*"إنّ تعاليم يسوع كفر,و تلميذه يعقوب كافر,و إنّ الأناجيل كتب الكافرين"

*تعلّم يسوع ما كان يقوله للناس علي يد"يوشيا بن برخيا".و لمّا علم يوشيا بما يقوله يسوع حرمه,و ألقاه بين قرون 400 كبش.

*تقمّصته روح"إيسو"الشيطان.

*اسم يسوع الأصلي قلما يظهر في الكتب التلمودية.و هو يختصر دائما باسم "جيشوا"الذي اقتبس-بحقد-في الواقع من تركيب الأحرف الأولي للكلمات الثلاث:«إيماش شيمو فيزيكرو Immach Schemo Vezikro أي ليمح اسمه و ذكره.

*دفن في جهنّم.

*قال إسرائيل شاحاك في كتابه الخطير:"الديانة اليهودية و موقفها من غير اليهود"(تعريب حسن خضر)ص 28:"ينبغي الاقرار من البداية ان التلمود و الادب التلمودي يحتوي علي مقاطع معادية جدا و وصايا موجهة أساسا ضد المسيحية

ص: 90

علي سبيل المثال,إضافة للاتهامات الجنسية البذيئة ضد يسوع,ينص التلمود أن عقوبة يسوع في الجحيم هي إغراقه في غائط يغلي"!!

*أمّه امرأة ساقطة,و كانت مصفقة لشعور النساء(انظر:شيغاغاه 4 ب).

*كانت بغيا متجوّلة في الأسواق.(قال تعالي في تبرئتها:"..و قولهم علي مريم بهتانا عظيما"(سورة النساء 156).

و لم يقتصر أمر تلويث سمعة المسيح و أمّه,علي اليهود بل قد أنكر عذرية مريم الكثير من النقاد النصاري و منهم,في أمريكا,الأسقف المعروف ج.س.سبونج J.S.Spong في كتابه"ولد من امرأة" "Born of a Woman" حيث زعم أنّ الميلاد العذري لعيسي عليه السلام لا يعدو أن يكون خرافة.

و ها هي أحد كنائس النصاري في العالم تتجرّأ علي إعلان هذا الكذب..فقد نشرت صحيفة الديلي نيوز بتاريخ 22-5-1990 م أنّ كنيسة استكتلندا قد حذفت"عذرية مريم"من منشوراتها بسبب انقسام القساوسة حول هذا الأمر!

ص: 91

جريدة ديلي نيوز-دربان الثلاثاء 22 مايو 1990 الولادة من عذراء تحذف بواسطة كنيسة اسكتلاندا.

قلت:و لا عجب أن يشكّك أقطاب النصرانية في الولادة العذرية للمسيح, فقد قالت"الأم تيريزا"أشهر منصرة عرفها العالم في القرون الأخيرة,بل في تاريخ

ص: 92

النصرانية,ما هو أعظم من ذلك,فقد كتبت معترفة أنها تشكّ في وجود اللّه سبحانه ,كما هو منقول عنها في كتاب"أسرار الأم تيريزا" "Il Segreto di Madre "Teresa حيث نقل قولها:"الملعونون يعانون عذابا أبديا لأنهم جرّبوا خسارة اللّه.

أشعر في داخل نفسي بألم حاد لهذه الخسارة.أشعر انّ اللّه لا يريدني,انّ اللّه ليس اللّه (!؟),انّ اللّه لا يوجد(!!!!)".(أعوذ باللّه من هذا الكفر الزعاف!)

و كتب البابا شنوده قصيدته"ترنيمة تائه في غربة"سنة 1961 م و هي طافحة بالفلسفة العدمية المتّشحة بسوداوية"سارتر",و التي تختصر معالمها في انّ الحياة مزبلة و انّ وجودنا هو مجرّد رحلة تائهة عبر أنفاق العبث القاتل و مسارب القدر اللاهي..

و مما قال فيها:

يا صديقي لست أدري من أنا أو تدري أنت ما أنت هنا

أنت مثلي تائه في غربة و جميع الناس أيضا مثلنا

نحن ضيفان نقضي فترة ثم نمضي حين يأتي يومنا(!!!)

و أضاف في نفس القصيدة:

لست أدري كيف نمضي أو متي كلّ ما أدريه إنا سوف نمضي

في طريق الموت نجري كلنا في سباق بعضنا في إثر بعض

ص: 93

كبخار مضمحل عمرنا مثل برق سوف يمضي مثل ومض"(!!!؟)

(و لا حول و لا قوّة إلا باللّه!).

و قال رأس التنصير في العالم اليوم,و أشدّهم تحريضا علي الإسلام,المدعو"أنيس شرّوش"في لقاء علي"البالتوك"واصفا"يسوع"إلهه و معبوده أنّه كان"مهرّجا"..

نعم"مهرّج"!!!..و العجيب أنّ هذا الشريط قد نزّله المنصّرون علي الانترنت لدعوة المسلمين إلي"الحقّ"..فهل يريد منّا شرّوش أن نعبد إلها"مهرّجا"؟؟!!!النصّ بالحرف كما قاله شرّوش في الدقيقة 45 من الشريط كما هو علي الانترنت,و هو بين يديّ الآن صوتيا و قد طفح بالبذاءة,و منه أنقل:"..أنا مهرّج,لأنّ يسوع كان مهرّج في بعض الأوقات".قلت:صدقتنا و أنت كذوب..إنك قطعا"مهرج", ..و خذ هذا البيت في وصف"محاسنك"و تمجيد"مناقبك",و هو أقلّ ما يقال في شخصك:

جنونك مجنون و لست بواجد طبيبا يداوي من جنون جنون!؟-

و في المقابل قال الأب د.ماكسويل:"قرأت في كتابات المسلمين تعابير رقيقة عن الاحترام و التبجيل لعيسي لدرجة أنه غاب عن ذهني أنّي لم أكن أقرأ كلمات كاتب مسيحي.إنّه لمن المحزن حقا أن نقول اليوم كم كان الفرق بين ما كتبه المسيحيون و قالوه عن محمد.دعونا نرجع ذلك إلي سببه الحقيقي,الجهل".

و قال الفيلسوف برنارد شو:"إنّ أتباع محمد أوفر أدبا في كلامهم عن المسيح."

و أظهر المفسر المعروف دومّلو Dummelow في تعليقه علي الكتاب المقدس" "Commentary on the holy Bible إعجابه بموقف نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلم من عيسي عليه السلام و رفضه للافتراءات اليهودية حول المسيح,فقال

ص: 94

في ص 668:"من المهم أن نلاحظ أنّ محمدا رفض بكل احتقار هذه الافتراءات اليهودية".

6-جاء في يوحنا 16:13:"عند ما يأتيكم روح الحق يرشدكم إلي الحق كلّه"و محمد صلي اللّه عليه و سلّم هو الذي أخبر الناس بالحق كلّه عقيدة مفصّلة و شريعة موسّعة,أمّا"روح القدس"النصراني ثالث الثلاثة,فإنه ما أنقذ الكنائس المتناحرة و المشرذمة,و المجامع المذبذبة,و الآباء الأوّلين المتصادمة أقوالهم و فلسفاتهم!!؟؟

7-مما يؤكّد أنّ المبشّر به في العهد الجديد هو محمد صلي اللّه عليه و سلّم,قول يوحنا المعمدان عن هذا الآتي:"...هو سيعمّدكم بالروح القدس و بالنار"(إنجيل متّي 3:11,إنجيل لوقا 3:16).و لفظ"التعميد"هو من الأصل اليوناني"ببتيزموس"الذي يعني"التغميس في الماء".و قد كان اليهود يمارسون التعميد بالانغماس وقوفا في ماء نقي بارد,و يفضلون أن يكون بخارا,أما النصاري فقد اختلفوا في طريقة التعميد,فذهب فريق إلي أنها تكون بالتغميس الكامل و ذهب فريق آخر إلي أنّ التعميد يكون بالرشّ,و ذهب البعض إلي أنّ التعميد يكون أساسا بماء نهر الأردن,و قالت طائفة أخري أنّ المياه سواء في التعميد..

و لم يشارك المسيح في تعميد أيّ أحد بيديه,و قد جاء في إنجيل يوحنا 4:2 أنّ المسيح لم يعمّد و إنّما الذي عمّد هم التلاميذ.و هذا الأمر مهم في إبعاد نبوءة المعمدان عن المسيح,إذ أنّ عيسي عليه السلام ما كان مهتما بتعميد الناس بل إنّ المسيح نفسه قد تعمّد علي يد يوحنا المعمدان..أمّا الآتي المنتظر ف"التعميد"هو ملخّص رسالته و لبّها,و عماد دينه الصلاة التي قال في أصلها اللغوي النحوي ابن فارس:"إنها من

ص: 95

صليت العود,إذا ليّنته,لأن المصلي يلين و يخشع"..فالصلاة أشبه ب"التعميد" بالنار الموعود بها من طرف النبي يوحنا.

و أخيرا قل للنصاري ما قال الشاعر الفطن بتلبيساتهم:

بيّنته توراتكم و الأناجي ل و هم في جحوده شركاء

من هو الفاراقليط و المنحمنا ء و بالحق تشهد الخصماء

أن يقولوا ما بينته فم ا زالت بها عن قلوبهم عشواء

ص: 96

شبهة: بعيدا عن الدندنة و الهينمة حول ذكر اسم نبي الإسلام في الكتاب المقدس،نحن نعلن أنه لا يمكن قبول القول ببشارة التوراة و الإنجيل ببعثة محمد(صلي اللّه عليه و سلّم)،لغموض المعاني التي يدعيها المسلمون من النصوص التي يقرّرون أنّها تتنبأ ببعثة نبيهم(صلي اللّه عليه و سلم)...فالخوض في تفسير النصوص المقدسة دون ضوابط محكمة و أصول متقنة هو بحق مزلة العقول و مدحضة الأفهام!

الرد: مصدر الشبهة في هذا الاعتراض هو الزعم أنّ البشارة بالنبيّ الآتي في الكتاب المقدّس لا بدّ أن تكون صريحة,محكمة,مفصّلة,لا تتنازع الأفهام تفسيرها و لا تتضارب في تأويلها,فلا يغشاها طارئ و هم و لا يقربها ظلّ شك..!

إنّ تبديد هذه الشبهة في غاية اليسر لو انّ المعترض تحلّي بالإخلاص و ولي وجهه شطر الحقّ و حطّ الرحل عند باب العدل!..و هاك البيان في هذه النقاط:

لقد جاء ذكر اسم نبي الإسلام صراحة في الكتاب المقدس,كما أسلفنا توضيحه,و ليس بعد ظهور الشمس في كبد السماء لمكابر أن يشكّ في إدبار الليل و إقبال النهار.

و ليس يصحّ في الأفهام شيء إذا احتاج النهار إلي دليل

إنّ الحقيقة التي يجب أن تستعلن هنا هي أنّ التفسير الصحيح و التأويل السليم و الفهم الصائب هو ما كان مجانبا للتكلّف,ملتزما لأصول فهم الخطاب الإلهي علي الوجه الوسطي القويم..و لا اعتبار لبلاغة المتحدّث أو رسوخ علمه باللغات القديمة إذا كان يعوز تفسيره للنصوص وضوح الحجّة و قوّتها,و نزاهة البحث, و الاستسلام للحقيقة المتجلّية أمام عينيه سافرة ناصعة.

ص: 97

-يزعم النصاري أنّ في العهد القديم بشارات يبلغ عددها المئات أو الآلاف تحدثت عن جميع تفاصيل حياة عيسي,و لكن إذا نظرنا إلي موقف بني إسرائيل- أصحاب التوراة-من المسيح عليه السلام,لاحظنا,كما تعترف بذلك الأناجيل, أنّ الإسرائيليين لم يؤمنوا بعيسي,و أنهم أنكروا كونه هو المسيح المنتظر,هذا رغم أنهم كانوا في ذاك الزمان في انتظار"المسيح"الذي سيخلّصهم,بزعم أسفارهم,من حال الذلّ و الصغار,ليقيم لهم مملكتهم الأثيلة المجد.و هذا المسيح نفسه يقول إنّه قد جاء إلي خاصته لكنّ خاصته لم تقبله(يوحنا 1:11).و الشاهد مما ذكرنا هو أنّ البشارة بهذا الآتي كانت موجودة لكن علماء اليهود و أحبارهم كانوا ما بين جاهل بها, و معاند لحقيقة انطباقها علي المسيح رغم علمه بأنّ الحقيقة في غير ما يقول..

و ما ذكرناه ينطبق أيضا علي موقف علماء اليهود و أحبارهم من بعثة يحي عليه السلام(يوحنا المعمدان),إذ جاء في إنجيل يوحنا 1:19-25:"و هذه شهادة يوحنّا حين أرسل اليهود من أورشليم بغض الكهنة و اللاّويّين يسألونه:«من أنت"" فاعترف و لم ينكر،بل أكّد قائلا:«لست أنا المسيح"فسألوه:

«ما ذا إذن؟هل أنت إيليّا؟»قال:«لست إيّاه!»؛«أ و أنت النّبيّ؟»فأجاب،"لا!"فقالوا:«فمن أنت،لنحمل الجواب إلي الّذين أرسلونا؟ما ذا تقول عن نفسك؟فقال«أنا صوت مناد في البريّة:اجعلوا الطّريق مستقيمة أمام الرّبّ،كما قال النّبيّ إشعياء!"و كان هؤلاء مرسلين من قبل الفريسيّين،فعادوا يسألونه:«إن لم تكن أنت المسيح،و لا إيليّا،و لا النّبيّ، فلما ذا تعمّد إذن؟"

كما ينطبق أيضا علي الحواريين الذين جهلوا هم أيضا انطباق النبوءات الخاصة ب"إيليا"علي يحي عليه السلام،فقد جاء في إنجيل متّي 17:9-13:"و فيما هم نازلون من الجبل،أوصاهم يسوع قائلا:«لا تخبروا أحدا بما

ص: 98

رأيتم حتّي يقوم ابن الإنسان من بين الأموات فسأله تلاميذه:

«لما ذا إذن يقول الكتبة إنّ إيليا لا بدّ أن يأتي قبلا؟" فأجابهم قائلا:«حقّا،إنّ إيليّا يأتي قبلا و يصلح كلّ شيء.علي أنّي أقول لكم:قد جاء إيليّا،و لم يعرفوه،بل فعلوا به كلّ ما شاءوا.كذلك ابن الإنسان أيضا علي وشك أن يتألّم علي أيديهم".عندئذ فهم التّلاميذ أنّه كلّمهم عن يوحنّا المعمدان."

بل ها هو نبي من أنبياء اللّه يعلن عدم معرفته بحقيقة النبوءات المتعلقة بالمسيح (!!؟).فقد جاء في إنجيل يوحنا 1:33 أن يوحنا المعمدان قال:"و لم أكن أعرفه، و لكنّ الّذي أرسلني لأعمد بالماء هو قال لي:الّذي تري الرّوح ينزل و يستقرّ عليه هو الّذي سيعمد بالرّوح القدس".

و نحن نقول:أ إذا عجز المعمدان عن فهم البشارات الخاصة بعيسي عليه السلام، فترة من الزمان(!!)،و لم يطعن ذلك في صدقها(نحن نظهر هذا القول من باب التنزّل في الحوار،و إلا فالحقيقة هي أنّ التوراة لم تتنبّأ ببعثة ابن مريم عليهما السلام إلا عرضا، و في مواطن قليلة)..فهل يطعن عدم فهم النصاري للنبوءات الخاصة بمقدم النبي الخاتم المنطبقة علي محمد انطباق القفاز علي اليد في فهم المسلمين لهذه النبوءات؟!

لا يشترط في نبوءات الكتاب المقدس الخاصة ببعثة الأنبياء أن تكون صريحة واضحة لا تحتمل الشك أو العناد كأن تذكر الاسم أو الكنية أو سنة الميلاد...و ذاك واضح من الشك الذي طرأ علي الذين تمّ ذكرهم في النقطة السابقة.

و ها هو يحي عليه السلام,الذي لم تلد النساء مثله كما هو مذكور في إنجيل متّي 11:11,تنبئ التوراة عن بعثته(علي زعم النصاري)في كلمات سائبة,فضفاضة تحتمله كونه هو المعني بها,كما تحتمل أنّ شخص غيره هو المقصد..فقد جاء في

ص: 99

سفر إشعياء 40:3:"صوت صارخ و يقول:"أعدوا في البريّة طريق الربّ,و أقيموا طريقا مستقيما لإلهنا...".

لقد خرج أكثر من نبي من البرية و لم يمنع ذاك النصاري من ربط هذه النبوءة المزعومة بالمعمدان..كما أنّ الجماعة القمرانية التي عاشت قبل المسيح بقرنين كانت تنسب نص إشعياء السابق إلي حالها كما هو مذكور في كتابها"قانون الجماعة"" Community Rule" !

خلاصة الردّ هو أنّه يصحّ الاعتماد علي هذه الشبهة ضد المخالف,و لكن ليس من النصاري ضد المسلمين,و إنما من المسلمين ضد النصاري في زعمهم تنبأ التوراة بنزول المسيح"ربّ العالمين!!!",لعدم ورود اسم المسيح:يسوع أو عيسي,و عدم ذكر سنة ميلاده,و رفعه,و هيأته,و دعوته..

و قد قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه"ميلاد المسيّا" "The Birth of the Messiah" هامش ص 96:" العبارة الألمانية "Reflexionszitate" و التي تظهر منذ تعليق ه.ج.هولتزمان H.J.Holtzman علي الأناجيل السينابتية(متي و مرقس و لوقا)بتاريخ 1889 م ,تؤكد أنّ الاقتباسات قد تمت إضافتها للمادة العامة للإنجيل كرؤي شخصية."

فهي اجتهادات فردية خاضعة للهوي و الخلفيات اللاهوتية الخاصة.

و أضاف في ص 99:"ذهب نقّاد ككيلباتريش Kilpatrich و سلتان Soltan و فاجاني Vaganay إلي أنّ تلك النبوءات المزعومة هي التي أنشأت قصة طفولة المسيح.فمنها تمّ اختراع أحداث وهمية لتلك الطفولة."

ص: 100

إنّ جميع البشارات و النبوءات التي يزعم أصحاب الأناجيل و الرسائل أنها قد جاءت في العهد القديم للتنبؤ بيسوع الناصري,ما هي إلا أوهام و اختلافات مكشوفة أمام كلّ ذي بصيرة,لا يكلّ العقل ليدرك أنّها زيوف ريشية الوزن,حتي قال عالم الانثروبولوجيا و الناقد الكتابي الدكتور رفائيل باتي في كتابه"نصّ مسيّاني"ص ص 1 2:"من الملاحظ أنّ كثيرا من النبوءات المسيّانية(أي المتعلقة ب"المسيّا"أي" المسيح")هي فقط مسيّانيّة من ناحية التأويلات المتأخرة.يبدو أن هذه النصوص كانت تحمل زمن تأليفها معان أخري".

قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه"ميلاد المسيّا" "The Birth of the Messiah" هامش ص 97:" عند ما تكون اقتباسات يوحنا من العهد القديم,فإنّها ليست دائما سهلة التحديد." ..أي يعسر العثور علي النص الذي اقتبسه مؤلف الإنجيل الرابع,عند مراجعة أسفار العهد القديم..فكيف يحقّ بعد ذلك للنصراني أن يحاجنا بالزعم أنّ بشارات"الكتاب المقدس"بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم,غير صريحة!

ص: 101

شبهة: يحتج النصاري علي المسلمين,لإنكار ما قرّره علماء الإسلام من أنّ أهل الكتاب قد حرّفوا أسفارهم في كثير من المواضع و منها ذكر بعثة نبي الإسلام,بقولهم :إنّ اعتراضكم بلا دليل لأنّكم لم تقدّموا حجة تعضد دعواكم.و أنتم أعجز من أن تجيبوا علي هذه الأسئلة:

من قام بهذا التحريف؟

متي تمّ هذا التحريف؟

كيف تمّ هذا التحريف؟

لم تمّ هذا التحريف؟

ثمّ,إنّ زعمكم أنّ"الكتاب المقدس"قد حرّف,هو زعم يرفضه العاقل و التاريخ:

فقد انتشرت أسفار الكتاب المقدس بين الناس في أنحاء واسعة من العالم مما يجعل القول بأنّ إرادة كلّ من ملكوا نسخة من نسخ هذه الأسفار قد اجتمعت علي حذف ذكر نبي الإسلام منها,باطل,خاصة مع معرفتنا بأنه من غير المعقول أن يتفق اليهود و النصاري,أو الفرق النصرانية المتنافرة علي هذا الأمر!

و يضيف النصاري في ختام هذا الاعتراض,قولهم إنّ جميع المحاولات التي سعت إلي إثبات تحريف الكتاب المقدس قد باءت بالفشل الذريع,و هي كما يقول ناشد حنا في كتابه"خمس حقائق عن الإيمان الحقيقي":"تهمة جزافية باطلة غير مقبولة شكلا أو موضوعا,لأنّها غير مدعّمة بأسانيد الاتهام الواجبة."!!!

الردّ: إنّ كشف هذا اللغو هيّن,ليس بمستعص علي المسلمين,فلا داعي إلي هذه"العنتريات الكرتونية"..و ها سيأتيك الردّ بشيء من الاستفاضة حتي تنتفي عن شهادتنا الظنون و تنجلي عنها الشبهات.

ص: 102

نقول:لم يزعم المسلمون أنّ جميع هذه البشارات قد حذفت من نص الكتاب المقدس,و إنما هم يقولون إنه قد تمّ حذف أصرحها,و مع ذلك فقد كشفنا في ما سبق, صراحة بعض ما هو موجود اليوم فيما يتعلّق بتحديد اسم نبي الإسلام و ما زال للحديث بقيّة.

و ها هو شيخ الإسلام ابن تيميّة(661 ه-728 ه),رحمه اللّه,يقول في كتابه"الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح"الجزء الثالث ص ص 50-51:

"و قد رأيت أنا من نسخ الزبور ما فيه تصريح بنبوة محمد باسمه و رأيت نسخة أخري بالزبور فلم أر ذلك فيها و حينئذ فلا يمتنع أن يكون في بعض النسخ من صفات النبي ما ليس في أخري."

و من يقرأ كتب علماء الإسلام القديمة,يري أنها ذكرت بشارات لا نجد اليوم لها أثرا في التراجم المتاحة في الأسواق.و لا يستطيع المخالف أن يتهم علماء الإسلام بالكذب لأنّ هؤلاء العلماء كانوا يصرّحون بوجود هذه البشارات في كتبهم التي يقرؤها المسلمون و أهل الكتاب علي السواء,و لو أنها كانت غير موجودة في النسخ المتاحة بين أيديهم لأنكر عليهم علماء أهل الكتاب ذلك و لشنعوا عليهم فعلهم..بل إنّ علماء الإسلام كانوا يناظرون النصاري في فهم هذه البشارات لا في ثبوتها في الأسفار المقدسة عندهم..هذا بالإضافة إلي أنّ رجال الدين اليهود و النصاري المهتدين إلي الإسلام كانوا يعددون هذه البشارات في كتبهم بعد انخلاعهم من أديانهم الباطلة و قبولهم الإسلام.

فيما يتعلّق بالسؤال عمّن حرّف الكتاب المقدس فإننا نقول إنّ المحرّفين هم الكتبة و المترجمون عموما,و فيهم من هو منخرط في سلك القساوسة.و قد تواتر القول عن

ص: 103

كبار النقاد في الغرب بنسبة هذا الفعل إليهم,و أقوالهم طويلة عريضة لا تكاد تحصر و لو في مجلدات ضخمة!!

فيما يتعلّق بالسؤال عن كيفية وقوع هذا التحريف,نقول إنّ هؤلاء الكتبة قد حذفوا مجموعة هامة من البشارات بنبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم...كما قاموا بتحريف تراجم الكتاب المقدس لطمس الشهادات المتكررة لهذا النبي.

من الأمثلة التي تظهر هذا الأمر قول الإمام ابن القيم تعليقا علي سفر إشعياء 42:1-4,في كتابه"هداية الحياري.."نقلا عن نسخة سفر إشعياء في زمانه:" هو ذا عبدي الذي أعضده,مختاري الذي ابتهجت به نفسي.وضعت روحي عليه ليسوس الأمم بالعدل.لا يصيح و لا يصرخ و لا يرفع صوته في الطريق.لا يقصر قصبة مرضوضة,و فتيلة مدخّنة لا يطفئ.إنما بأمانة يجري عدلا,لا يكلّ و لا تثبّط له همة حتي يرسّخ العدل في الأرض,و تنتظر الجزائر شريعته."

قال رحمه اللّه و طيّب ثراه:"..و قد ترجموه أيضا بترجمة أخري فيها بعض الزيادة:

عبدي و رسولي الذي سرّت به نفسي,أنزل عليه وحيي فيظهر في الأمم عدلي و يوصيهم بالوصايا,لا يضحك,و لا يسمع صوته في الأسواق,يفتح العيون العور ,و الآذان الصمّ و يحي القلوب الغلف,و ما أعطيه لا أعطيه أحدا,يحمد اللّه حمدا جديدا يأتي به من الأقطار,و تفرح البرية و سكانها,يهللون اللّه علي كلّ شرف, و يكبرونه علي كلّ رابية,لا يضعف,و لا يغلب,و لا يميل إلي الهوي مشفح,و لا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة,بل يقوي الصديقين و هو ركن المتواضعين,و هو نور اللّه الذي لا يطفي,أثر سلطانه علي كتفيه.

و قوله:مشفح بالشين المعجمة و الفاء المشددة بوزن مكرم,و هي لفظة عبرانية مطابقة لاسم محمد معني و لفظا مقاربا(...),و لا يمكن للعرب أن يتلفظوا بها بلفظ

ص: 104

العبرانية فإنها بين الحاء و الهاء,و فتحة الفاء بين الضمة و الفتحة,و لا يستريب عالم من علمائهم منصف أنها مطابقة لاسم محمد.

قال أبو محمد ابن قتيبة:مشفح محمد بغير شكّ,و اعتباره أنهم يقولون شفحلاها.

إذا أرادوا يقولوا الحمد للّه,و إذا كان الحمد شفحا,فمشفح محمد بغير شكّ,و قد قال لي و لغيري بعض من أسلم من علمائهم إنّ"مئذمئذ "(1)هو محمد,و هو بكسر الميم و الهمزة,و بعضهم يفتح الميم و يدنيها من الضمّة,و قال:لا يشكّ العلماء منهم بأنه محمد و إن سكتنا عن إيراد ذلك,و إذا ضربنا عن هذا صفحا فمن هذا الذي انطبقت عليه و علي أمته هذه الصفات سواه؟!و من هذا الذي أثر سلطانه و هو خاتم النبوة علي كتفيه رآه الناس عيانا مثل زر الحجلة".

و لا يبعد أيضا أن يخطئ النسّاخ,عن غير قصد,في نسخهم لأسفار الكتاب المقدس,فيقوموا بتصحيف اسم النبي,أو تحريفه بترجمته إلي غير معناه.

أمّا بالنسبة للنقطة الأولي فإنّ خطأ النساخ عند إعادة كتابتهم لما بين أيديهم من الأسفار المقدسة هو أمر ليس بحاجة إلي إثبات أو سرد شهادات العلماء و الباحثين المحققين..لاتفاق النصاري و مخالفيهم عليه!

من صور هذا الخطإ,و كما وضّح ذلك النقاد الغربيون الذين كتبوا في هذا الباب,إسقاط كلمة أو إسقاط فقرة أو دمج كلمتين في بعضهما أو كتابة الكلمة علي غير صورتها الأصلية كحذف حرف أو أكثر أو إضافة حرف أو أكثر..و تقع هذه الأخطاء عند النسخ أو عند الترجمة.

ص: 105


1- وردت هذه الكلمة في سفر التكوين 17:20 و هي في التراجم الحديثة"كثيرا جدا".

فيما يتعلّق بالنقطة الثانية,و هي تحريف اسم النبي بترجمة معناه,و هذه الترجمة طريق أول إلي طمسه,فالأمثلة من أسفار اليهود و النصاري التي تؤيد هذا الأمر بوضع معني الكلمة بدل أصلها كثيرة جدا في الكتاب المقدس نذكر منها:

سفر التكوين 16:14 الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 م و سنة 1831 م و سنة 1844 م:"لذلك دعت اسم تلك البير ببر الحي الناظرني" فترجموا اسم البئر من العبرانية إلي العربية.

سفر التكوين 22:14 الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م:"سمّي إبراهيم اسم الموضع مكان يرحم اللّه زائره".و في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 م:"دعا اسم ذلك الموضع الرب يري"فترجم المترجم الأول الاسم العبراني بمكان يرحم اللّه زائره,و المترجم الثاني بالرب يري.

سفر الخروج 3:14 في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 م و سنة 1844 م فقال اللّه لموسي"أهيه أشراهيه".و في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م :"قال له الأزلي الذي لا يزال"فلفظ"أهيه أشراهيه"كان بمنزلة اسم الذات,فترجم المترجم الثاني بالأزلي الذي لا يزال.

سفر الخروج 30:23 في الترجمة العربية لسنة 1625 م و سنة 1844 م :"من ميعة فائقة".و في الترجمة المطبوعة سنة 1811 م:"من المسك الخالص"و بين الميعة و المسك فرق بيّن,و قد قام أصحاب هذه التراجم بتفسير الاسم بما ترجّح عندهم.

سفر يوشع 10:13 في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 م:"أ ليس هذا مكتوبا في سفر أبرار".و في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م

ص: 106

:"أ ليس هو مكتوبا في سفر المستقيم".و في الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838 م لفظ"ياصار"مكان"الأبرار"أو"المستقيم",و في الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1835 م لفظ"ياشر"و في الترجمة الأردية المطبوعة سنة 1825 م لفظ "ياشا",و لعلّ ياصار أو ياشر أو ياشا اسم مصنف الكتاب,فترجم أصحاب الترجمة العربية هذا الاسم علي ما فهموه"الأبرار""الأبرار"...

سفر إشعياء 8:1-3 الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م:"و قال لي الربّ خذ لك مدرجا عظيما و اكتب فيه بكتابة إنسان انتهب مستعجلا أسلب سريعا.ادع اسمه أغنم بسرعة و انهب عاجلا.".

و في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م:"و قال لي الربّ خذ لك مدرجا صحيحا صحيفة جديدة كبيرة و اكتب فيها بكتابة إنسان حاد ليضع نهب الغنائم لأنه حضر.ادع اسمه اغنم بسرعة و انهبوا نجده".

فيما يتعلق بزمن وقوع التحريف,فالإجابة هي أنّ تحريف البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم قد تمّ علي أربع فترات:

الفترة الأولي: ما بين زمن نزول هذه الأسفار من السماء(لما كان وحيا في أصله),و بعثة نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم.و قد خفّت حدّة التحريف بعد القرن السادس قبل الميلاد أي ما بعد السبي البابلي الذي تمّت فيه إعادة كتابة العهد القديم و التوسع الفاحش في إضافة نصوص و أسفار لم يكتبها الأنبياء!!

و قد تمّ هذا التحريف في تلك الفترة التاريخية لعدّة أسباب منها:

فقدان أصول أسفار العهد القديم لضعف همّة اليهود في حفظ أسفارهم..و لما لحقهم من تشريد و لأسفارهم من تحريق.

ص: 107

-بثّ اليهود آمالهم و أشواقهم و أحزانهم في وعاء النصوص الدينية المقدّسة فخلطوا النبوءات الحقّة بأحلامهم و أمانيهم العنصرية.

غلط النساخ.

سهو النسّاخ.

الخطإ في الترجمة..-و ما أخطر الخطأ في الترجمة في إفساد معاني البشارات و النبوءات-و في هذا الشأن يقول الأب يوسف قوشاقجي في مقدمة كتابه"تعريب الأناجيل و أعمال الرسل":"عرّب الإنجيل و طبع مرارا منذ أن وجدت الطباعة و قد طالعنا تسع طبعات آية آية,فوجدناها في كل منها القليل أو الكثير من العبارات الجيدة,فحفظناها.و لكننا وجدنا أيضا أنّ الذين قاموا بها لم يحسنوا فهم المعني غير مرة,و خالفوا كثيرا من قواعد التعريب"

ثم يضيف:"أجمع الأدباء من مختلف اللغات في كلّ مكان و زمان علي أنّ الترجمة فنّ صعب,و الذين يجيدونها قلة من كثرة,و ذهب بعضهم إلي القول أنّ كلّ مترجم خائن,فليس من ترجمة مطابقة للأصل,مطابقة تامة.ذلك أنّ المعاني سمّيت بحق بنات فكر الإنسان,فهي كالإنسان روح و جسد.يولد روحها و جسدها معا كما يولد روح الإنسان و جسده معا.و يحاول المترجم أن يستل الروح من جسد اللغة, ليجعلها في جسد آخر.و كلا الأمرين عسير.فاللغات يشبه بعضها بعضا علي قدر ما يختلف بعضها عن بعض,كما تشبه الأمم و الأشخاص بعضها بعضا في أمور و تختلف في أخري.و مقياس نجاح المترجم في عمله أن تكون ترجمته أمينة علي الجوهر,و علي أقل ما يكون من الخيانة للعرض.

ص: 108

و يتكلم عن لغة عيسي عليه السلام التي تحدث بها فيقول:"السيد المسيح كلم الناس بالآرامية-أي العبرية الشائعة بين العامة-و قد تناقل المسيحيون الأوائل أقواله و رواية أعماله بتلك اللغة,ثم دوّنوا كثيرا منها بتلك اللغة نفسها,و ترجمت بعدئذ إلي اليونانية,و ضاع الأصل الأرامي".

و يشير إلي حيرة المترجم بين الآراء المتعارضة,فيقول:"إن كانت الصعوبة في ترجمة أكثر الكتب القديمة هي قلة ما يسهل للمترجم تفهّم المعني,فالصعوبة الكبري في الترجمة هي كثرة الأبحاث و تشعّب آراء أهل الاختصاص.فالمترجم يري نفسه تجاه آراء مختلفة من أناس متّصفين جميعا بالعلم الغزير هذا يؤيد رأيه بالحجج و البراهين, و ذلك يؤيد رأيه بما لا يقل قوة عن ذاك الرأي.فأنّي للمترجم و هو أقلّ علما من الاثنين أن يرجّح رأيا علي رأي,فهو يضطر أحيانا إلي إثبات الرأيين.أولهما في المتن ,و الآخر في ذيل الصفحة.و هذا ما شاهدناه في الترجمة الفرنسية للكتب المقدسة التي قام بنشرها الآباء الدومينكان في القدس,و الغريب أنّ المترجم الواحد يبدّل رأيه, فيختار ترجمة يثبتها في الطبعة الأولي و يتركها في الطبعة الثانية."

الفترة الثانية: ما بين بعثة نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم إلي القرن العاشر ميلادي,و فيها تمّ تحريف بشارة إطلالة الحق و إشراقة النور في جنبات الأرض المظلمة ,بصورة قصدية.و قد حصرنا هذه الفترة بين البعثة المباركة و القرن العاشر لكون أسفار الكتاب المقدس كانت محتكرة بين أيدي اليهود و النصاري و لم تكن الترجمة العربية لهذه الأسفار علي فرض وجودها.منتشرة بين الناس لحداثة عهدهم بها.

لم يقتصر التحريف في هذه الفترة علي موضوع البشارة ببعثة نبي الإسلام,و إنما امتد التحريف إلي مسائل عقدية,و تفاصيل تاريخية كثيرة.و بإمكاننا الكشف علي هذا الأمر من خلال المقارنة بين التراجم العربية الكلاسيكية و التي اعتمد منجزوها

ص: 109

علي مخطوطات تعود إلي ما بعد القرن العاشر ميلادي,و بين التراجم التي تعتمد علي مخطوطات تعود إلي القرنين الرابع و الخامس(الفاتيكانية,و السينائية...)و التي من بينها:

The New Revised Standard Version The New American Bible The New International Version الفترة الثالثة: من القرن العاشر إلي ظهور الطباعة.و التحريف في هذه الفترة في موضوع البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم كان باستبدال الكلمات الأصلية بأخري,و تمييع معاني النصوص باحداث تراجم غامضة لها.و يكشف هذا الأمر وجود تراجم مختلفة لنصوص البشارات في الكتاب المقدس في تلك الفترة.

امتد التحريف إلي زمن الطباعة التي سحبت البساط من تحت يد النسّاخ المبدّلين و المغيّرين للنصوص المقدسة..ليصبح الأمر,ظاهرا,في"الأيادي الأمينة"لآلات الطباعة.

الفترة الرابعة: منذ ظهور الطباعة إلي اليوم,حيث تأثّر تحريف البشارات بقراءة النصاري لمؤلفات علماء الإسلام التي كشفت المعني الحق لنصوص من الكتاب المقدس,فغيّر المترجمون الألفاظ و التراكيب محادة للحق الذي تبيّن من تحليل علماء الإسلام للتراجم السابقة.

يمكن تقسيم التحريف من زاوية الرؤية الكميّة إلي فترتين:

1-من زمن التأليف إلي السبي البابلي.

2-من بعد السبي البابلي(4 ق م)إلي أيامنا هذه-

ص: 110

و لا بدّ من الإشارة هنا إلي موضوع خطير و هو التحريف الأكبر الذي وقع في القرن الأول ميلادي بإخفاء"إنجيل المسيح",الذي نزل علي هذا النبي من السماء و ظهور أناجيل تنسب إلي أتباعه و أتباع أتباعه..و من الأدلة غير الإسلامية التي تؤكد وجود هذا الإنجيل,ما جاء في العهد الجديد نفسه من نسبة"إنجيل"إلي المسيح نفسه:

الرسالة إلي غلاطية 1:7:"..بل إنّما هنالك بعض(المعلّمين) الّذين يثيرون البلبلة بينكم،راغبين في تحوير انجيل المسيح".

الرسالة الأولي إلي كورنثوس 9:12:"إن كان لغيرنا هذا الحق عليكم،أ فلا نكون نحن أحقّ؟و لكنّنا لم نستعمل هذا الحق؟ بل نتحمّل كل شيء،مخافة أن نضع أيّ عائق أمام انجيل المسيح!"

الرسالة الثانية إلي تسالونيكي 1:8:"..غير المطيعين لإنجيل ربنا يسوع"

و شهد لهذا الإنجيل العديد من النقاد الألمان,كما ذكر ذلك رحمة اللّه الهندي في القرن التاسع عشر,و منهم اكهورن Eichhorn الذي قال:"إنه كان في ابتداء الملة المسيحية في بيان أحوال رسالة المسيح رسالة مختصرة يجوز أن يقال انها هي الإنجيل الأصلي،و الغالب أن هذا الإنجيل كان للمريدين الذين كانوا لم يسمعوا أقوال المسيح بآذانهم،و لم يروا أحواله بأعينهم،و كان هذا الإنجيل بمنزلة القلب".

ص: 111

أما لما ذا وقع التحريف.فالإجابة هي أنّ هذا التحريف قد تمّ لصرف الناس عن اتباع نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم و حجز المخدوعين عن الانسلاخ من دين التثليث.

هذا في ما يتعلّق بالتحريف القصدي,أما التحريف غير القصدي,فقد وقع فيه النسّاخ أو المترجمون نتيجة قصور في أفهامهم أو نتيجة غلط أو قلّة تركيز.

آخر هذا الاعتراض جاء فيه أنّ القول بأنّ الأسفار المقدّسة للنصاري من المحال تحريفها,من الناحية العقلية و من الناحية التاريخية..و أكّد هذا المجادل زعمه هذا بأنّ جميع"المحاولات"لإثبات وجود هذا التحريف قد باءت بالفشل.

قبل أن نهدم لبنات هذا الاعتراض و نجعله قاعا صفصفا,نحيل إلي كتابين أجادا في عرض هذا الموضوع و تحليله و تأكيده:الأول للباحث البارز ريتشارد إليوت فريدمان ,و هو متعلق بالعهد القديم,و هو تحت عنوان"من ألف الكتاب المقدس؟" "Who "Wrote the Bible? ,و الثاني متعلق بالعهد الجديد و عنوانه"نصّ العهد الجديد:تداوله و تحريفه و إصلاحه" "The Text of The New Testament:It s Transmission,Corruption and "Restoration .للباحث الشهير الذي يعتبر أحد رءوس النقد الكتابي المعاصر بروس متزغر..فعليك بهذين الكتابين إن كنت تريد التوسع في القراءة في موضوع تحريف الكتاب المقدس!

الردّ التفصيلي علي دعوي عصمة الكتاب المقدس من التحريف:

اشارة

يكرر النصاري,أنّ القول بتحريف العهد القديم و العهد الجديد,ما هو إلا افتراء إسلامي محض...و هذا القول النصراني هو الكذب بعينه,و هو الزور الباهت, لأنّ أي طويلب علم يقرأ في تاريخ الأسفار النصرانية المقدسة يعلم أنّ هناك آلاف

ص: 112

الباحثين في الغرب من كاثوليك و بروتستانت و أرثودكس و يهود و ملاحدة..ممن ألّفوا كتبا و مقالات طويلة و عريضة و معمّقة و مبسّطة في إثبات هذا التحريف و كشف تفاصيله و تقديم أمثلة عليه!!..بل يصحّ أن نقول أنه لا يكاد يوجد عالم متخصص في دراسة هذه الأسفار ينكر حقيقة هذا التحريف..و ما بقي من المدافعين عن عصمة أسفار النصاري سوي طائفة ضئيلة في عددها من رجال الدين الذين يتقاضون رواتبهم من الكنيسة-حتي قال الباحث الدكتور روبرت كيل تسلر في كتابه"حقيقة الكتاب المقدس":"و يتفق كل جاد من علماء الكتاب المقدس الذين يمثلون كل الطوائف (النصرانية)علي أنّ الكتاب المقدس يحتوي علي عدد كبير من التحريفات خصوصا العهد الجديد و هي تأتي نتيجة لحرص كل طائفة علي تدعيم نظريتها العقائدية بمثل هذه التحريفات الأمر الذي أدّي إلي إنشاء القواعد الإنجيلية لذلك."

و هاك الشهادات المنوّعة علي إثبات إثخان التحريف في صفحات أسفار النصاري:

شهادة الكتاب المقدس علي نفسه:قد يعجب النصراني من احتجاجنا بالكتاب المقدس لإثبات تحريفه,و لكنها هي الحقيقة التي لا بدّ أن تعلم."و الإقرار سيّد الأدلة" كما يقال.و من النصوص الدالة علي ظاهرة تحريف الكتب المقدّسة النصرانية:

-أنبياء يفترون علي اللّه الكذب(!؟):

سفر إرمياء 14:14:"فقال الربّ لي:"بالكذب يتنبأ الأنبياء باسمي,لم أرسلهم و لا أمرتهم و لا كلّمتهم.برؤيا كاذبة و عرافة و باطل و مكر قلوبهم هم يتنبّئون لكم."

ص: 113

سفر إرمياء 5:30-31:"صار في الأرض دهش و قشعريرة الأنبياء يتنبّئون بالكذب و الكهنة تحكم علي أيديهم و شعبي هكذا أحبّ."

سفر إرمياء 29:8-9:"لأنه هكذا قال ربّ الجنود إله إسرائيل:لا تغشكم أنبياؤكم الذين في وسطكم و عرّافوكم و لا تسمعوا لأحلامكم التي تتحلّمونها.لأنهم إنما يتنبئون لكم باسمي بالكذب.أنا لم أرسلهم يقول الربّ."

سفر حزقيال 13:6-9:"رأوا باطلا و عرافة كاذبة .القائلون:وحي الربّ و الربّ لم يرسلهم,و انتظروا إثبات لكلمة.أ لم تروا رؤيا باطلة,و تكلّمتم بعرافة كاذبة,قائلين:وحي الرب و أنا لم أتكلّم؟لذلك هكذا قال السيد الربّ:لأنّكم تكلمتم بالباطل و رأيتم الكذب, فلذلك ها أنا عليكم يقول السيد الربّ.و تكون يدي علي الأنبياء الذي يرون الباطل و الذين يعرفون بالكذب.في مجلس شعبي لا يكونون,و في كتاب بيت إسرائيل لا يكتبون,و إلي أرض إسرائيل لا يدخلون,فتعلمون أنّي أنا السيد الربّ ."

رسالة بطرس الثانية 1:2:"و لكن كان أيضا في الشعب أنبياء كذبة،كما سيكون فيكم أيضا معلّمون كذبة،الّذين يدسّون يدع هلاك.و إذ هم ينكرون الربّ الّذي اشتراهم،يجلبون علي أنفسهم هلاكا سريعا."

سفر إرمياء 23:13,15,16:"في أوساط أنبياء السّامرة شهدت أمورا كريهة،إذ تنبّئوا باسم البعل،و أضلّوا شعبي إسرائيل.و في أوساط أنبياء أورشليم رأيت أمورا مهولة:

ص: 114

يرتكبون الفسق،و يسلكون في الأكاذيب،يشددون أيدي فاعلي الإثم لئلا يتوب أحد عن شره(...)لأنّه من أنبياء أورشليم شاع الكفر في كل أرجاء الأرض."

-كتبة الوحي يحرفون كلام اللّه:

سفر إرمياء 8:8:"كيف تدّعون أنّكم حكماء و لديكم شريعة الربّ بينما حوّلها قلم الكتبة المخادع إلي أكذوبة؟".

سفر إرمياء 36:32:"فأخذ إرميا درجا آخر و دفعه لباروخ بن نيريّا الكاتب فكتب فيه عن فم إرميا كلّ كلام السفر الذي أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا بالنار و زيد عليه أيضا كلام كثير مثله."

إنجيل متّي 23:23-33:"ويل لكم أيّها الكتبة و الفريسيّون المراءون لأنّكم تعشرون النّعنع و الشبث و الكمّون و تركتم أثقل النّاموس:الحقّ و الرّحمة و الإيمان.كان ينبغي أن تعملوا هذه و لا تتركوا تلك.أيّها القادة العميان الّذين يصفون عن البعوضة و يبلعون الجمل!ويل لكم أيّها الكتبة و الفريسيّون المراءون لأنّكم تنقون خارج الكأس و الصّحفة و هما من داخل مملوءان اختطافا و دعارة!أيّها الفريسيّ الأعمي نق أوّلا داخل الكأس و الصّحفة لكي يكون خارجهما أيضا نقيّا.ويل لكم أيّها الكتبة و الفريسيّون المراءون لأنّكم تشبهون قبورا مبيّضة تظهر من خارج جميلة و هي من داخل مملوءة عظام أموات و كل نجاسة.هكذا أنتم أيضا:

من خارج تظهرون للنّاس أبرارا و لكنّكم من داخل مشحونون رياء و إثما!ويل لكم أيّها الكتبة و الفريسيّون المراءون لأنّكم تبنون قبور الأنبياء و تزيّنون مدافن الصّديقين

ص: 115

و تقولون:لو كنّا في أيّام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء!فأنتم تشهدون علي أنفسكم أنّكم أبناء قتلة الأنبياء.فاملئوا أنتم مكيال آبائكم.أيّها الحيّات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنّم؟"

-أمّة بني إسرائيل تحرّف الوحي:

سفر إشعياء 29:15-16:"ويل للذين يتعمّقون ليكتموا رأيهم عن الربّ فتصير أعمالهم في الظلمة و يقولون:"من يبصرنا و من يعرفنا؟"يا لتحريفكم!"

إرمياء 9:2-3:"فأترك شعبي و أنطلق من عندهم لأنهم جميعا زناة جماعة خائنين.يمدّون ألسنتهم كقسيّهم للكذب.لا للحق قووا في الأرض.لأنهم خرجوا من شرّ إلي شرّ و إيّاي لم يعرفوا يقول الربّ."

إنجيل متّي 15:7-9:"يا مراءون!حسنا تنبّأ عنكم إشعياء قائلا:يقترب إليّ هذا الشعب بفمه و يكرمني بشفتيه و أما قلبه فمبتعد عني بعيدا.و باطلا يعبدونني و هم يعلّمون تعاليم هي وصايا الناس(أي ليست من عند اللّه)."

مرقس 7:6-8:"فأجاب:"حسنا تنبّأ إشعياء عنكم أنتم المرائين كما هو مكتوب:هذا الشعب يكرمني بشفتيه و أمّا قلبه فمبتعد عنّي بعيدا و باطلا يعبدونني و هم يعلّمون تعاليم هي وصايا النّاس.لأنّكم تركتم وصيّة اللّه و تتمسّكون بتقليد النّاس:غسل الأباريق و الكئوس و أمورا أخر كثيرة مثل هذه تفعلون."

ص: 116

-الصالحون من بني إسرائيل يحبّون الكذب علي اللّه:

سفر إرمياء 8:10:"لأنهم من الصغير إلي الكبير كل واحد مولع بالربح من النبي إلي الكامن.كل واحد يعمل بالكذب."

-نقلة كلام الأنبياء يحرفون الوحي:

رسالة بطرس الثانية 3:16:"كما في الرسائل كلّها أيضا, متكلّما فيها عن هذه الأمور,التي فيها أشياء عسرة الفهم,يحرّفها غير العلماء و غير الثابتين كباقي الكتب أيضا,لهلاك أنفسهم."

أعداء الأنبياء يحرفون الوحي:

مزمور 56:5:"يحرّف أعدائي طوال اليوم كلامي.كلّ أفكارهم تتآمر بالشرّ عليّ."

-قصّاصون يخترعون وحيا مزعوما:

إنجيل لوقا 1:1-4:"إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصّة في الأمور المتيقّنة عندنا كما سلّمها إلينا الّذين كانوا منذ البدء معاينين و خداما للكلمة رأيت أنا أيضا إذ قد تتبّعت كلّ شيء من الأوّل بتدقيق أن اكتب علي التوالي إليك أيّها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحّة الكلام الّذي علمت به."

-ظهور أناجيل كثيرة بعد رفع المسيح:

ص: 117

رسالة بولس إلي غلاطية 1:6-8:"إنّي أتعجّب أنّكم تنتقلون هكذا سريعا عن الّذي دعاكم بنعمة المسيح إلي إنجيل آخر.ليس هو آخر،غير أنّه يوجد قوم يزعجونكم و يريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح.و لكن إن بشّرناكم نحن أو ملاك من السّماء يغير ما بشرناكم،فليكن«أناثيما»."

-مدح تحريف كلام اللّه(!):

رسالة بولس إلي روما 3:7:"فإنّه إن كان صدق اللّه قد ازداد يكذبي لمجده فلما ذا أدان أنا بعد كخاطئ".

رسالة بولس الأولي إلي كورنثوس 9:20-23:"فإنّي إذ كنت حرّا من الجميع استعبدت نفسي للجميع لأربح الأكثرين.فصرت لليهود كيهوديّ لأربح اليهود و للّذين تحت النّاموس كأنّي تحت النّاموس لأربح الّذين تحت النّاموس و للّذين بلا ناموس كأني بلا ناموس-مع أنّي لست بلا ناموس للّه بل تحت ناموس للمسيح-لأربح الّذين بلا ناموس.صرت للضّعفاء كضعيف لأربح الضعفاء.صرت للكلّ كلّ شيء لأخلص علي كلّ حال قوما.و هذا أنا أفعله لأجل الإنجيل لأكون شريكا فيه."

شهادة اقتباسات كتّاب أسفار العهد الجديد:

يزخر العهد الجديد باقتباسات كثيرة من العهد الجديدة لتأكيد قضايا لاهوتية أو لا دعاء وجود البشارة بالمسيح فيه.و قد لاحظ النقاد أنّ هذه الاقتباسات لم تتقيّد بالأخذ بالنص اليوناني السبعيني أو النص العبري القياسي(و هما يختلفان عن بعضهما في الكثير من المواضع),بل يراوح متّي,مثلا,بين الأول و الثاني,و إن كان اعتماده

ص: 118

علي النص اليوناني في الأغلب..و قد ذهب بعض النقاد إلي أنّ متّي يعتمد علي ترجمته الخاصة المختلفة الألفاظ علي ما هو معروف في التراجم التقليدية في زمانه!

كما قام أصحاب أسفار العهد الجديد بتحريف الكثير من نصوص العهد القديم لتوافق أغراضهم,حتي قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه"ميلاد المسيّا "The Birth of the Messiah" هامش ص 186,في حديثه عن اقتباس متّي 2:6 لسفر ميخا 5:1:"من بين ال 22 كلمة من الترجمة اليونانية السبعينية لميخا,8 فقط وجدت في النص اليوناني لمتّي ."!!..كما قال في ص 151 عن اقتباس متّي 1:23 لأشعياء 7:14,و الخلاف بين النصّ الأصلي و الصورة المقتبسة:"..ربما التفسير الأكثر قبولا هو أنّ متّي قد حرّف عن عمد النص السبعيني ليوافق روايته الخاصة."..أيّ أنّ مؤلف إنجيل متّي قد حرّف ,بل بالغ في تحريف العهد القديم!!!؟

و النصراني أمام هذه"الفاجعة"التي ليس لها من دون اللّه كاشفة,أمام حلّين, أحلاهما علقم في حلق الكنيسة,إما أن يقرّر أنّ أصحاب أسفار العهد الجديد قد حرّفوا نصوصا من العهد القديم,أو أن يقرّر أنّ العهد القديم الذي بين أيدينا و كذلك النسخ المعروفة في القرن الأول الميلادي هي المحرّفة..!!!

و لا مخرج غير الإقرار أنّ تحريف الكتاب المقدّس أمر لا ينازع فيه عاقل مبصر!

شهادة المخطوطات القديمة:جاء عن كبار الباحثين,نصاري و غير نصاري, القول باستحالة الوصول إلي النصّ الأوّل لفقدان النصوص الأصلية و لاختلاف المخطوطات و لكثرة التحريف.و في هذا الشأن يقول المدخل إلي العهد الجديد في ترجمة الكاثوليك:"المثال الأعلي الذي يهدف إليه علم نقد النصوص هو أن يمحّص هذه الوثائق المختلفة لكي يقيم نصا يكون أقرب ما يكون إلي الأصل الأول.

ص: 119

و لا يرجي بأيّ حال من الأحوال الوصول إلي الأصل نفسه..."!!!

و تكشف دراسة المخطوطات القديمة وجود عدد هائل من الاختلافات بين النصوص مما يجعل الوصول إلي النص الأصلي محالا.و هذا الباحث م.م.بارفيز ينقل لنا أنّ فحص,فقط,150 مخطوطة يونانية لإنجيل لوقا كشف وجود 30000 قراءة!!

و هذا الدكتور دوبن أحصي في صورة التحريف بالحذف-و هذه أحد صور التحريف-330 تحريف بالحذف في إنجيل متّي,و 365 في إنجيل مرقس,و 439 في إنجيل لوقا,و 337 في إنجيل يوحنا,و 384 في أعمال الرسل( Dublin 260.p,1859,University Magazine ).

و قال ج.ر.دوملو الأستاذ في جامعة كمبردج في تعليقه علي الكتاب المقدس" Commentary on the Holy Bible" ص 16:"كان الناسخ يعمد أحيانا لإدخال ما لم يكن في النصّ,إنّما ما يعتقده هو يجب أن يكون,أو ما يتناسب مع آراء الطائفة التي كان ينتمي إليها,فلقد كانت هناك 4000 نسخة أصلية يونانية للأناجيل فكان الاختلاف بينها كثيرا."

و قال جورج كيرد:"إن أول نص مطبوع من العهد الجديد كان الّذي قدمه أرازموس عام 1516 م,و قبل هذا التاريخ كان يحفظ النص في مخطوطات نسختها أيدي مجهدة لكتبة كثيرين,و يوجد اليوم من هذه المخطوطات 4700 ما بين قصاصات من ورق إلي مخطوطات كاملة علي رقائق من الجلد أو القماش,و أن نصوص جميع هذه المخطوطات تختلف اختلافا كبيرا و لا يمكننا الاعتقاد أن أيّا منها قد نجا من الخطأ،و مهما كان الناسخ حي الضمير فإنه ارتكب أخطاء،و هذه الأخطاء بقيت في كل النسخ التي نقلت من نسخته الأصلية،و أن أغلب النسخ الموجودة من

ص: 120

جميع الأحجام قد تعرضت لتغييرات أخري علي أيدي المصححين الّذي لم يكن عملهم دائما إعادة القراءة الصحيحة."

مخطوطات البحر الميّت لأسفار العهد القديم هي أقدم مخطوطات يملكها النصاري ,و هي تعود إلي قرن أو أكثر بقليل من ولادة المسيح.قال في شأنها القس الدكتور تشارلس فرنسيس بوتر في كتابه"السنون المفقودة من عيسي تكشف"(تعريب ع.

ع.راضي)ص 12:"من العسير العثور علي كتاب في العهد القديم لا يحتاج إلي تصحيحات تحت ضوء مخطوطات البحر الميّت".

قلت:الهوامش الكثيرة في الترجمة الانجليزية لمخطوطات البحر الميت حيث تذكر الاختلافات بين تلك المخطوطات و بين الترجمة السبعينية و النص الماسوري, تؤكد ما قرره الدكتور بوتر.-

و هذه الحقيقة تكشف ثبوت التحريف الفاحش في أسفار التوراة,و تضبط أحد أزمانه:من ما قبل ولادة المسيح إلي القرن الرابع زمن ظهور أقدم المخطوطات المعتمدة لإعداد التراجم الحديثة للكتاب المقدس.

و السؤال:و هل يستغرب عاقل,تبعا لما علمنا,أن تحرّف بشارات عددها محدود لا تتجاوز في حجمها في السفر الواحد,الصفحة الواحدة..؟!!

الاجابة معلومة...!!

شهادة أقدم المخطوطات:

تعتبر مخطوطات البحر الميّت(القمرانية)أقدم مخطوطات متاحة لأسفار العهد القديم إذ تعود إلي قرن أو قرنين قبل ميلاد المسيح.و رغم أنّ الذين حفظوها قد عاشوا في زمن واحد إلا أنّهم قد تركوا لنا مخطوطات متخالفة للسفر الوحد في أكثر

ص: 121

من موضع..فبمعالجة 37 مخطوطة للمزامير و 30 مخطوطة لسفر التثنية و 21 مخطوطة لسفر إشعياء...ظهر أنّ القمرانيين كانوا يعلمون أنّ التحريف قد لحق كتبهم ,و لذلك حفظوا تلك النصوص رغم ما بينها من اختلافات لأنّهم كانوا عاجزين عن رفع الخلاف بينها...

من أهم المخطوطات القمرانية التي يظهر الخلاف بينها,مخطوطات سفر إشعياء ..و هو ما جعل كتابة ترجمة إنجليزية قياسية لها أمرا لا يخلو من عسر(انظر The "Dead Sea Scrolls" لمارتن أبيج Martin Abegg و بيتر فلنت Peter Flint و أوجين أولرش Eugene ulrich ص ص 267-269)!

شهادة واقع حفظ مخطوطات الكتاب المقدس:

تعتبر المخطوطة السينائية التي اكتشفها تشيندورف,و التي تعود إلي القرن الرابع كما يقال,أفضل مخطوطة تملكها الكنيسة,و قد أصبح معدّو التراجم الحديثة للكتاب المقدّس يقدّمونها علي آلاف المخطوطات المتأخّرة زمنيا عنها..و لكن تشيندورف الذي عثر علي هذه المخطوطة في دير سانت كاترين سنة 1844 ذكر أنّها تحتوي علي الأقل علي 16000 تصحيح!!!!!(انظر Realenzyklop )ترجع علي الأقل إلي سبعة مصححين أو معالجين للنص،بل قد وجد أن بعض المواضع قد تم كشطها ثلاث مرات و كتب عليها للمرة الرابعة.(انظر "Synopse" لهوك ليتسمان "Huck- "Lutzmann صفحة 11 لسنة 1959)!!

و إذا كان هذا حال حفظ النصاري لهذه المخطوطة,فكيف بغيرها؟!!!!

شهادة التراجم القديمة المرجعية:يعتمد النصاري و اليهود علي أصول مختلفة لكتب العهد لقديم:

ص: 122

النص العبري:و هو المعتمد عند اليهود و جمهور البروتستانت و يضم 39 سفرا فقط.

النص اليوناني:و هو المعتمد عند النصاري الكاثوليك و الأرثودكس,و يسمي بالسبعينية ,و يزيد علي النص العبري سبعة أسفار!و يري الأرثودكس و الكاثوليك أنّ النص العبري محرّف.

النص السامري:و هو خاص بيهود السامرة,و يحتوي فقط علي أسفار موسي الخمسة(و قد يضمون إليه سفر يشوع)فقط.

و بالإضافة إلي الاختلاف في عدد الكتب بين هذه النصوص المرجعية,فإنّ الاختلافات بين هذه النصوص في الأسفار المتفق عليها,كثيرة جدا,حتي أنّ الموسوعة البريطانية نصت علي أنّ النص السامري يختلف عن النص اليوناني في الأسفار الخمسة بما يزيد علي أربعة آلاف اختلاف،و يختلف عن النص العبري القياسي بما يربو علي ستة آلاف اختلاف!!!

بل إنّ قائمة الكتب المقدسة في الترجمة السبعينية نفسها لها أكثر من صورة,إذ تضيف بعض النسخ أسفارا أخري كمزامير سليمان,و صلاة منسّي..!!!

شهادة تراجم الكتاب المقدس:

تضم المكتبات العالمية عددا ضخما جدا من تراجم الكتاب المقدس بكلّ اللغات المعروفة بل و في اللغة لواحدة,و المقارنة بين التراجم في اللغة الواحدة تكشف اختلافات فاحشة و متجددة,بل و تنصّ أغلفة و مقدمات عدد من هذه التراجم,و منها العربية,علي أنّها تراجم"منقّحة و معدّلة"..!؟؟؟

ص: 123

و قد قال دافيد دوي David Dewey في كتابه"دليل المستعمل إلي تراجم الكتاب المقدس" "A User's Guide to Bible Translations" و الذي تعرّض فيه إلي التعريف بأشهر تراجم الكتاب المقدس بأسلوب قشيب,في الفصل العاشر تحت عنوان:"وجوه قديمة في أشكال جديدة"ص 168:"منذ أواخر الثمانينات إلي الآن,قصة الترجمة الإنجليزية هي قصة مراجعة كما هي قصة(أمور) وافدة.من بين الستة عشر ترجمة المذكورة في هذا الفصل و الذي بعده,احدي عشر هي مراجعات أو بدائل( replacement ),خمس فقط هي جديدة."

من هذه التراجم:

*ترجمة "The Revised English Bible" الصادرة سنة 1989 م هي مراجعة لترجمة "The New English Bible" التي تمّ الانتهاء منها سنة 1970 م.

*ترجمة "The New Revised Standard Version" (1990) هي مراجعة,استفادت من مخطوطات البحر الميت,للترجمة الشهيرة "The Revisrd Standard Version" (1952 م)-من التعديلات,تغيير ما جاء في الرسالة إلي تيطس 1:5-6 من أنّ"الشيوخ"عليهم أن"يتزوجوا امرأة واحدة"إلي القول أنّ الشيوخ عليهم أن"يتزوجوا مرة واحدة"!!

*ترجمة "The New Testament and Psalms:An Inclusive Version" (1995),و هي مراجعة للترجمة السابقة "The new Revised Standard Version" و فيها شطحات غالية,من ذلك وضع عبارة"المسيح قريب من الربّ"مكان"علي يمين الأب"لأنّ المحافظة علي النص"العتيق"فيها جرح لمشاعر الجالسين علي الشمال,كما أنّ كلمة"الربّ"في هذه الترجمة قد تحوّلت إلي"أب-أم"!!

ص: 124

*ترجمة "The New American Standard Bible Update" ( 1995)هي مراجعة لترجمة "The New American Standard Bible" (1971).

*ترجمة "The New International Reader's Version" (1994 م-1998 م)هي مراجعة لترجمة "The New International "Version (1984 م).

*ترجمة "Today's New International Version (2005 م) هي مراجعة لترجمة "The New International Version (1984 م) ,و قد غيّرت 7%من النص كما هو مذكور في كتاب دافيد دوي ص 186!!

الترجمة الانجليزية الكلاسيكية الأشهر"ترجمة الملك جيمس "The King" "James Version (1611 م)روجعت أكثر من مرّة(علي خلاف اعتقاد العوام من النصاري الناطقين بالانجليزية)..بل لقد قال نيل لا يتفوت Neil Lightfoot في كتابه"كيف وصل إلينا الكتاب المقدس" "How We Got the Bible ص 59:"أكثر من 400 خطأ في الطبعة الأولي لترجمة الملك جيمس للكتاب المقدس أصلحت في الطبعة التالية بعد سنتين"!!

شهادة علماء اللغات:

جاء في مقدمة الترجمة الانجليزية المسماة بالترجمة الحديثة للكتاب المقدس:"..

بالرغم من هذه الثروة من النسخ,و حتي عند ما تثبت الصورة الحقيقية لأقدم النصوص المعروفة,فإنّه تبقي بعد ذلك أمور كثيرة غامضة في العهد القديم.إنّ الكلمات العبرية المعروفة اليوم قليلة,و نتيجة لذلك فإنّ معاني عدد هائل من الكلمات غير معروف أو غير يقيني."

ص: 125

قلت:فهي ترجمة احتمالية في الآلاف من الموضع..و لا شكّ أنّ التخمين لا يصدق في جميع الأحوال,بل هو يراوح بين الصواب و الخطأ..فالترجمات المعاصرة, إذن,قد حرفت النصّ العبري الأصلي في مواضع عديدة جدا!!

شهادة الكنائس ضد بعضها:

تزعم كل كنيسة أنّها وحدها من يملك"الكتاب المقدس"المكتمل الخالي من الإضافات التحريفية,و تتهم غيرها من الكنائس بالإضافة أو الحذف من كلام اللّه.و لذلك نري قوائم مختلفة لأسفار الكتاب المقدس عند الكنائس في العالم:

الكنيسة البروتستانتية:66 سفر.

الكنيسة الكاثوليكية:66 سفر+7 أسفار زائدة-73 سفر

الكنيسة الأرثودكسية:66 سفر+7 أسفار+4 أسفار زائدة-77 سفر.

علما بأنّ الكنائس الأرثودكسية نفسها قد ظهر فيها خلاف شديد حول عدد الأسفار المقدّسة,إذ أضافت الكنيسة الأرثودكسية الأثيوبية,مؤخرا(!!!؟)أسفارا جديدة إلي العهد الجديد!!!

شهادة المجامع الكنيسة:

من المعلوم أنّ العقائد و الأسفار المقدّسة في النصرانية لا تكتسب صفة المشروعية و الإلزام إلا بعد أن تحلّي بهاتين الصفتين عن طريق المجامع الكنيسة..و الناظر في تاريخ هذه المجامع يلاحظ أنّها كانت مضطربة في قبول الكثير من الأسفار أو رفضها,فهي قد ترفض السفر ثم تقبله ثم تعود فترفضه!

شهادة آباء الكنيسة:

قال الدكتور الباحث روبرت كيل تسلر في كتابه:"حقيقة الكتاب المقدس":كذلك كان يعتقد آباء الكنيسة في القرون الأولي للمسيحية أنّ النصوص الأصلية قد امتدت إليها يد التحريف في مواقع كثيرة عن عمد(انظر

ص: 126

هولتسمان ص 28),كما اتهم ممثلو الطوائف المختلفة بعضهم البعض بتحريفات "النص الأصلي".و هذا لا يعني إلا اتفاقهم علي أنّ النص الأصلي قد امتدت إليه يد التحريف و كذلك اختلافهم في تحديد(الشخص أو الهيئات)الذين قاموا بهذه التحريفات."و من لسانك أدينك!!!

و جاء في"الرسالة إلي القديس جيروم "29.3 Letters to ST Jerome 12 ص 11 قول أشهر آباء الكنيسة,أوغسطين,لجيروم,امتعاضا من الترجمة التي يقرؤها"إما أنها لم تصب في تحديد المعني,أو ببساطة أنا لا أفهمها"!!!

و قال الباحث روبرت كيل تسلر في كتابه:"حقيقة الكتاب المقدس":"و حتي أشهر آباء الكنيسة"أوغسطين"قد صرح بعدم الثقة في الكتاب المقدس لكثرة الأخطاء(التي تحتويها المخطوطات اليدوية)،حتي إذا ضمنت له(و هو هنا يعني نفسه أساسا)ذلك جهة أو مؤسسة لا تتبع الكنيسة."

و قال"القديس"جيروم,صاحب أحد أشهر تراجم الكتب المقدس,في مقدمة كتاب"أسئلة العبرانيين":"..سوف أجعل هدفي,إذن,أولا,الإشارة إلي أخطاء من يشكون في وجود أخطاء في الأسفار(أي التراجم)العبرية.و ثانيا,تصحيح الأخطاء التي يظهر أنها انتقلت إلي النسخ اليونانية و اللاتينية عن طريق المرجع الأصلي .و بالإضافة إلي ذلك سأوضح اشتقاق الأماكن و الأسماء و البلدان إن كانت غير واضحة في عبارات اللغة اللاتينية,بشرح باللهجة الدارجة.

و لكي يسهل علي الدارسين معرفة ما قمت به من تصحيحات,أقترح في البدء أن نحدد القراءة الصحيحة,و أنا قادر علي فعل ذلك الآن,ثم بعد ذلك نأتي بالقراءات المتأخرة ,لنحدد ما حذف أو زيد أو حرّف.و ليس هدفي من هذا كما يدعي علي الحساد أن أدين أخطاء الترجمة السبعينية أو أن انتقص ممّن أعدّوها.و لكن في واقع الأمر,

ص: 127

لأنّ عملهم كان تحت سلطة الملك بطليموس في الإسكندرية,فإنهم لم يختاروا كشف كلّ الأسرار التي تحتويها الكتابات المقدسة,و خاصة المتعلقة بتقديم الوعد بظهور المسيح(قلت:لم يبيح النصاري لأنفسهم القول بتحريف التوراة لاخفاء البشارة بالمسيح,و ينكرون علينا أن قلنا بتحريف التوراة لإخفاء البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم؟!!),خشية أن يظن الناس أنّ اليهود يعبدون إلها آخر لأن الناس كانوا يحترمون اليهود في توحيدهم للّه.بل إننا نجد أنّ أصحاب الأناجيل ,بل و ربنا و مخلّصنا,و كذلك الرسول بولس,يستشهدون بنصوص عدة علي أنها من العهد القديم,و هي ليست في نسخنا,و سوف أسهب في هذا الموضوع في المواضع المناسبة(...)كما أنّ يوسيفوس المؤرخ اليهودي الذي ذكر قصة السبعين مترجما,قد نقل أنهم ما ترجموا غير أسفار موسي الخمسة.و نحن نعترف أنّ ترجمة أسفار موسي هي أكثر تنساقا مع النص العبري من ترجمة بقية الأسفار..".

و قد أشارت الموسوعة الكاثوليكية Catholic Encyclopedia تحت اسم "القديس جيروم"أنّ جيروم كان يعتبر الترجمة السبعينية وحيا من اللّه حتي 391 م-392 م(و قد توفي سنة 420 م!!),"لكنّ تطوّر دراساته العبرانيّة و اتصاله بالأحبار جعلاه يتراجع عن هذه الفكرة."!!!

و جاء في موسوعة الكتاب المقدس The International Standard "Bible Encyclopedia (1915 م)أنّ جيروم قد بعث رسالة سنة 383 م إلي البابا دمسوس الذي طلب منه إعداد هذه الترجمة اللاتينية,و ذكر فيها صعوبة الاستفادة من التراجم المضمنة في المخطوطات,حتي أنّه قال إنّ عدد التراجم المتاحة في زمانه هو بعدد المخطوطات,أي أنه لا توجد ترجمتان متطابقتان في المخطوطات المتاحة في آخر القرن الرابع..نعم الرابع!!!؟

ص: 128

شهادة"الشواهد":

يقصد ب"الشواهد" "Wittnesses" عند النقّاد أساسا,اقتباسات آباء الكنيسة من نسخ الكتاب المقدس في أزمنتهم.

و قد جاء في الموسوعة البريطانية م 2 ص 941:"أنّ جميع نسخ الكتاب المقدس قبل عصر الطباعة تظهر اختلافات بين النصوص,و أنّ مقتبسات آباء الكنيسة من كتب العهد الجديد(...)تظهر أكثر من مائة و خمسين ألفا من الاختلافات بين النصوص."

و جاء في الموسوعة البريطانية لسنة 1768 م تحت مادة"المسيحية":"و مما يلاحظ أنّ كليمنت في روما سنة 97 م و بوليكارب سنة 112 م,و هما من أكبر المؤرخين القدامي كانا يقتبسان كلاما عن المسيح غير موجود في هذه الأناجيل الأربعة."

بل إنّ النصاري قد آل بهم ولعهم بالتحريف إلي التغيير حتي في كتابات آباء الكنيسة نفسها(التي لا شكّ أنها تصادم عقيدة النصاري و دعاويها),و في هذا الشأن قال ميخائيل مشاقة البرتستانتي في كتابه"أجوبة الإنجيليين علي أباطيل التقليديين":" و أما تحريفهم لأقوال الآباء القدماء فلا بدّ أن نقدّم دلائله لئلا نوقف أنفسنا في موقف مخالفينا بأن تكون دعاوينا مثلهم بلا برهان...".و قال المفسّر الشهير آدم كلارك Adam Clark في مقدمة تفسيره:"إنّ الكتب الكبيرة من تصنيفات أرجن Origen قد فقدت,و كثير من تفاسيره ما زالت موجودة,لكن يوجد فيها شرح تمثيلي و خيالي بصورة فاحشة.و هو ما يدل بصورة واضحة علي وقوع التحريف فيها بعد أرجن."

و إذا علمت هذه الحقيقة,فلا تتواني عن إعلان ازدرائك للإشهار الرخيص, رأس مال المفاليس,الذي مارسه ناشد حنا في كتابه"خمس حقائق عن الإيمان لمسيحي

ص: 129

"في قوله:"و قد بحث بعض العلماء الآيات الواردة في هذه الكتب فاتّضح لهم أنها موجودة في الكتاب المقدّس تماما.حتي قال بعض العلماء أنّه لو فقدت نسخة الكتاب المقدّس الحالية لأمكن جمع معظم آياتها من الكتب السابق ذكرها(أي كتب الآباء) "!!!

شهادة الكنيسة المعاصرة:

اعترفت الكنيسة الكاثوليكية بطروء التحريف في الكتاب المقدس و ذلك في النصّ الذي أقرّه المجمع الفاتيكاني الذي انعقد بين سنة 1962 م و سنة 1965 م.هذا النصّ الذي صوّت له 2344 مقابل 6 أصوات معارضة!

جاء في الوثيقة المسكونية الرابعة,فقرة عن التنزيل تختص بالعهد القديم(الفصل الرابع,ص 53):"تسمح أسفار العهد القديم للكلّ بمعرفة من هو اللّه و من هو الإنسان بما لا تقلّ عن معرفة الطريقة التي يتصرّف بها اللّه في عدله و رحمته مع الإنسان .غير أنّ هذه الكتب تحتوي علي نقائص و أباطيل,و مع ذلك ففيها شهادة عن تعليم إلهي".و لا شكّ أنّ هذه"النقائص"و الأباطيل هي تحريف بشري لا تنزيل إلهي!! و الاعتراف سيّد الأدلّة-كما يقال-!!

و جاء الاعتراف الرسمي من الكنيسة الكاثوليكية,أيضا,في إقرارها لنشر الترجمة الانجليزية الحديثة"الكتاب المقدس الأمريكي الجديد "The New American "Bible التي قدّم لها البابا بولس السادس سنة 1970 م في الثامن عشر من سبتمبر, بل و ثنائه علي هذه الترجمة و الموافقة علي صيغتها.

و ظاهر مما جاء هذه الترجمة أنه قد تمّ حذف الكثير من النصوص التي كانت موجودة في التراجم السابقة للكتاب المقدس و خاصة الترجمة التقليدية"ترجمة الملك جيمس".

ص: 130

كما طالعتنا وسائل الإعلام اليوم بهذا الخبر:"أصدرت الهيئة الكهنوتية في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وثيقة تعليمية تفيد أن بعض أجزاء الكتاب المقدس غير صحيحة.

و حذّر الأساقفة الكاثوليك في بريطانيا و ويلز و اسكتلندا أتباعهم البالغين 5 ملايين و كل من يقرأ و يدرس الكتاب المقدس أن"عليهم ألا يتوقعوا دقة كاملة في الكتاب المقدس."

و أوردت صحيفة"التايمز"البريطانية،في عددها الصادر الاربعاء 5-10- 2005،أن الأساقفة ذكروا في وثيقتهم المسماة"هبة الكتاب المقدس":"يجب علينا أ لا نتوقع العثور علي كلام علمي دقيق و إحكام تاريخي بالغ الدقة أو تام في الكتاب المقدس."

و يتزامن تقديم هذه الوثيقة مع النهوض المستمر لليمين المسيحي و خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.و يطلب بعض المسيحيين التأويل الحرفي لقصة الخلق في سفر التكوين الذي يتم تعليمها مع نظرية النشوء و التطور ل"داروين"،معتقدين أنها نظرية جديرة بالتصديق حول كيفية نشوء العالم.

و فصول سفر التكوين ال 11 التي تروي قصتين متناقضتين حول الخلق،هي من بين القصص التي يصر الأساقفة الكاثوليك علي أنها لا يمكن أن تكون"تاريخية." و تضيف الصحيفة أن الوثيقة تسرد موقف الكنيسة الكاثوليكية منذ القرن السابع عشر عند ما أدانت غاليليو و اعتبرته"مهرطقا"لسخريته من اعتقاد كان سائدا آنذاك حول الوحي الإلهي للكتاب المقدس،و ذلك بدفاعه عن وجهة نظر كوبرنيكوس حول النظام الشمسي.

ص: 131

و يري الأساقفة أن الاطلاع علي الكتاب المقدس يجب أن يكون في ضوء معرفة أنه-أي الكتاب المقدس-"كلمة اللّه التي تم التعبير عنها في لغة بشرية." و يقولون إن الكنيسة يجب أن تقدم الكتاب المقدس عبر طرق مناسبة للزمن المتغير و طرق ذكية و جذابة للناس الذين يعيشون في هذا العصر.

و يتابعون:"الكتاب المقدس فيه فقرات صحيحة تتحدث عن تخليص الإنسان..لكن يجب علينا ألا نتوقع دقة كاملة في الكتاب المقدس في مسائل دنيوية أخري." في جانب آخر،تذكر"التايمز"أيضا أن الوثيقة تدين الأصولية و ذلك"للتعصب المفرط"محذرة من مخاطر جدية تحملها هذه الأصولية.

و يذكر الأساقفة في وثيقتهم أن بعض الفقرات استخدمت كحجة لمناهضة السامية و معاملة اليهود بازدراء واصفين هذه الفقرات أنها مثال علي المبالغات المثيرة و التي أدت إلي نتائج مأساوية في التحريض علي الكراهية.

و في نفس السياق،يرفض الأساقفة في وثيقتهم نبوءات سفر الرؤيا،آخر كتاب في الإنجيل المسيحي،و الذي يصف كاتبه قيامة المسيح و موت البهيمة.و يعلق الأساقفة:

"إن هذه اللغة الرمزية يجب أن تحترم لما هي عليه و لكن ليس لكي يتم تأويلها بشكل حرفي،كما يجب ألا نتوقع اكتشاف تفاصيل في هذا الكتاب حول نهاية العالم." يذكر أن سفر الرؤيا هو السفر الأخير من أسفار العهد الجديد،و هو عبارة عن رؤيا منامية رآها يوحنا،حيث شاهد فيها حيوانات لها أجنحة و عيون من أمام،و عيون من وراء،و حيوانات لها قرون بداخل قرون،و شاهد فيها و حوشا تخرج من البحر لها 7 رءوس و 10 قرون.

و تختم صحيفة"التايمز"أن الأساقفة يذكرون في وثيقتهم أيضا أن الناس يتطلعون اليوم نحو الأشياء القابلة للتصديق و الصحيحة و التي تكون جديرة بالاهتمام."

ص: 132

قلت:تأكيد الكنيسة علي تحريف الكتاب المقدس,يفوق اليوم حماس المسلمين لإثبات هذا الأمر..فتأمّل!

شهادة البابا شنوده:

و هي ذات أهمية خاصة لأنها متعلقة بالكنيسة الأرثودكسية (العربية)المعروفة بتشددها في إنكار الحقائق التي يرددها أئمة الدراسات النقدية في الغرب و إن كانت مقرونة بالأرقام و التواريخ و الصور و الخرائط:

قال شنودة في شريط ذاع صيته في شبكة الانترنت,و قد سمعته بنفسي, و موضوعه:"الكتاب المقدس و تحديّات العصر",و هو باللهجة العامية:"...

أول مشكلة تقابلنا هي الترجمات الكثيرة للكتاب المقدس و هذه الترجمات بينها و بين بعضها البعض فروق عديدة.جائز تكون فروق في اللغة أو في الألفاظ,و لكن مع ذلك تثير شكا عند كثيرين.و ممكن ناس يقولوا لنا هو ده كلام ربنا,و كل يوم تقولوا كلام ثاني غير الأولاني.حكاية مش مضبوطة صدقوني لمابيجيني كتاب من اللي اسمه"كتاب الحياة"(قلت:هي أشهر ترجمة حديثة,و قد طبعت منها نسخ كثيرة جدا)ده و هو كتاب مقدس علشان أمضي عليه مبرضاش أمضي عليه مع أنه الكتاب المقدس لأني مش موافق علي الترجمة الموجودة.إحنا مش معناها كل لما تطلع ترجمة في لبنان ننشرها في مصر,مصر بلاد متحفظة.كنيسة متحفظة إلي أبعد الحدود.كل يوم ترجمة دي مبتعجبناش يا ريت تستقروا علي ترجمة و نمشي عليها(..)

و لكن أرجو من دار الكتاب و أرجو ملحا في الاهتمام بالملاحظة الآتية:

طلعتو طبعة جديدة للكتاب المقدس في أولها ملاحظات تقول دي مزيدة و دي ناقصة في بعض النسخ.طب ما الكلام ده يشكك يا جماعة,غير المسيحيين يقوله علينا إيه,إنتو بتزيدو في الكتاب و يتنقصوا,و دي مش موجودة في نسخ ودي موجودة في حاجة ثاني.

ص: 133

يا ريت يا ريت إن القائمين علي طبع الكتاب المقدس يفرقون تماما بين ما يقال في كليات اللاهوت و ما يعطي للمؤمن العادي ليقرأه.

المؤمن العادي يتعبه أنك تقوله أن دي مزيدة,و دي ناقصة,و دي موجودة,و مش موجودة في نسخ,الكتاب أيضا له شواهد فيه الحاجات دي ليس من نشأ المؤمنين أن يقال لهم هذا إنما هذا من نوع التشكيك.

لمابيجيني كتاب مقدس من هذا النوع بارفض أمضي عليه,إحنا بتعاون مع بعض في مسألة الكتاب المقدس و أكثر ناس بيخدوا منكم من دار الكتاب المقدس هم الكنيسة القبطية الارثوذكسية فيجب أن نراعي مشاعرها في هذه الطبعات,ما تلجؤناش إن إحنا نطبع الكتاب لوحدينا و ما نتعامل مع دار الكتاب,أنا آسف أقول ملاحظاتي.كان ممكن أبعتها لكم في جواب لكن الكتاب المقدس بيقول علي يد كاتبين او ثلاثة تقام كل كلمة,خصوصا ان هذه الترجمات أحيانا تكون خلاف في اللفظ و أحيانا تكون خطأ فعلا..."

قلت:في كلام شنودة حقائق خطيرة جدا:

1-وجود ترجمات كثيرة للكتاب المقدس باللغة العربية.

2-هذه الترجمات العربية بينها خلاف شديد.

3-المطابع العربية لم تتوقف عن إصدار ترجمات جديدة مخالفة للترجمات الأقدم.

4-حذفت ترجمات عربية نصوصا معينة,و دافعت علي فعلها بالأدلة العلمية.

5-الكنيسة القبطية الأرثودكسية التي يرأسها البابا شنودة,تشتري هذه الترجمات,التي تطعن في عصمة الكتاب المقدس,بصورة مكثّفة.

ص: 134

6-الكنيسة القبطية الأرثودكسية,لم تستطع أن تردّ علميا علي"الأخطاء" الذي وقعت فيها هذه التراجم.

7-الكنيسة القبطية الأرثودكسية,رغم إمكاناتها المالية الضخمة,لم تصدر إلي الآن ترجمة خالية من التحريف,و إنما اكتفي البابا شنودة بتهديد من يصدر التراجم المتداولة أنّه(شنودة)قد يصدر ترجمة خاصة بالكنيسة اعتراضا علي التراجم الموجودة.

8-النقطة السابقة تدلّ علي أنّ الكنيسة القبطية الأرثودكسية تعترف أنّ جميع التراجم الحالية قد أصابها التحريف.

9-أنكر البابا شنودة علي دور الترجمة و النشر,اطلاعهم العوام علي حقيقة عدم عصمة الكتاب المقدس,و رأي أن يقصر ذكر هذا الأمر علي طلبة العلم.

10-اعترف البابا شنودة أنّ القضية التي تشغله هي إخراج حقيقة تحريف الكتاب المقدس إلي العوام,لا أنّ الحذف و التغيير في التراجم الحديثة هو خطيئة.

11-الحرج الذي أصاب شنودة,أساسه خشيته من أن يحرجه غير النصاري, عند ملاحظتهم للحذف و الإضافة في"كلمة اللّه"!

12-اعترف البابا أنّ من التغييرات التي ظهرت في التراجم الحديثة,ما يغيّر المعني ,أي هو ليس مجرّد تغيير شكلي.

13-اتهم البابا مطابع لبنان,و فيها مراكز الطباعة الكبري,بأنّها مطابع تحادّ كلمة اللّه!

ص: 135

14-النقطة السابقة تمثّل طعنا صريحا في الكنائس العربية الأخري,و خاصة الكنيسة المارونية,لأنّها لم تعترض علي هذه التراجم و لأنّها تعتمدها بين رعاياها و في عباداتها.

15-البابا شنودة ترك رعاياه يقرءون نسخا محرفة للكتاب المقدّس,دون أن يتّخذ موقفا عمليا للقضاء علي هذا التحريف!

شهادة أئمة الدراسات الكتابية في الغرب:

تقرّر المصادر الموسوعية,التي تمثّل زبدة الفكر الغربي,أنّ وقوع التحريف أمر يقيني,و تفصّل في هذا الأمر..فتقول الموسوعة الأمريكية طبعة 1959 م المجلّد الثالث ص ص 615 و ما بعدها:"لم تصلنا أيّ نسخة بخطّ المؤلف الأصلي لكتب العهد القديم,أمّا النصوص التي بين أيدينا فقد نقلتها إلينا أجيال عديدة من الكتبة و النساخ.

و لدينا شواهد وفيرة تبين أنّ الكتبة قد غيّروا بقصد أو بدون قصد في الوثائق و الأسفار التي كان عملهم الرئيسي هو كتابتها أو نقلها.

و قد حدث التغيير بدون قصد حين أخطئوا في قراءة أو سماع بعض الكلمات, أو في هجائها,أو أخطئوا في التفريق بين ما يجب فصله من الكلمات و ما يجب أن يكون تركيبا واحدا.

كذلك فإنّهم كانوا ينسخون الكلمة أو السطر مرتين,و أحيانا ينسون كتابة كلمات بل فقرات بأكملها.

و أما تغييرهم في النص الأصلي عن قصد فقد مارسوه مع فقرات بأكملها حين كانوا يتصوّرون أنها مكتوبة خطأ في صورتها التي بين أيديهم.كما كانوا يحذفون بعض الكلمات أو الفقرات,أو يزيدون علي النصّ الأصلي فيضيفون فقرات توضيحية.

ص: 136

و هكذا لا يوجد سبب يدعو للافتراض بأنّ وثائق العهد القديم لم تتعرّض للأنواع العادية من الفساد النسخي,علي الأقل في الفترة التي سبقت اعتبارها أسفارا مقدّسة.

لقد كتبت أسفار العهد القديم علي طول الفترة من القرن 11 ق م إلي 1 ق م.

و أخذ(العهد القديم)صورته النهائية في القرن الأول ميلادي.

و علي مدي القرون الطويلة التي كتبت فيها أسفار العهد القديم نجد أنّ نصوصه قد نسخت مرارا و أعيدت كتابتها باليد.و لقد حدثت أخطاء في عملية النسخ,و كان يحدث أحيانا أنّ بعض المواد التي كتبت علي هامش النصّ تضاف إليه.

و لقد أكّد اكتشاف وثائق البحر الميت ضرورة إدخال بعض التغييرات علي النسخة العبرية الحديثة,في سفر إشعياء."

أما فيما يتعلّق بالعهد الجديد فقد جاء في الموسوعة البريطانية(الطبعة 12) المجلد الثالث ص 643 أنّه باستثناء الرسائل الأربع الكبري لبولس فإنّ بقيّة أسفار العهد الجديد قد تعرّضت للأخذ و الردّ و التحريف.

من صور التحريف: لقد عبثت أيادي النساخ و رجال اللاهوت بأسفار "الكتاب المقدس"حتي نالت قلب العقيدة النصرانية بالتبديل و التحريف..و كلنا يعلم ما أجمع عليه كبار النقاد من أنّ الحجة الوحيدة علي كتابية عقيدة التثليث,و هي التي جاءت في رسالة يوحنا الأولي 5:7:"فإن هناك ثلاثة شهود في السماء,الأب و الكلمة و الروح القدس,و هؤلاء الثلاثة هم واحد."هي زيادة تحريفية في النص و هي كما جاء في التعليق المعروف علي الكتاب المقدس "Peake s Commentary of the Bible" قد أدخلت في الرسالة الأولي ليوحنا في آخر القرن الرابع ميلادي.و قال المنصّر المعروف جون جلكرايست في ردّه علي الشيخ أحمد ديدات,في كتابه"نعم الكتاب المقدس كلام

ص: 137

اللّه":"و يظهر أنّ هذه الآية قد وضعت أولا كتعليق هامشي في إحدي الترجمات الأولي,ثم و بطريق الخطأ اعتبرها نسّاخ الإنجيل في وقت لاحق جزء من النص الأصلي.

و قد حذفت هذه الآية من جميع الترجمات الحديثة,لأنّ النصوص الأكثر قدما لا تورد هذه الآية."

و وباء التحريف لم يقتصر تمدده إلي العقيدة بل انساح علي جميع جوانب الدين النصراني,حتي الجانب العبادي فيها,و بالذات,الصلاة,التي يطالب النصاري بأدائها بصورة دورية و مكثّفة.إذ فضلا عن الاختلاف بين صورة الصلاة في إنجيل متّي 6:9 13 و مقابلها في إنجيل لوقا 11:2-4,فإنّ التراجم الحديثة قد كشفت أنّ هذه الصلاة قد تعرّضت هي أيضا للتحريف(!!)فقد حذف من الصلاة من إنجيل متّي 6:

9-13 في أهمّ التراجم الحديثة ك" "The New American Bible" " الكتاب المقدس الأمريكي الجديد":"لأنّ لك الملك و القوّة و المجد إلي الأبد.آمين" (العدد 13).و قد تمّ هذا الحذف لغياب هذه الجملة في شواهد هامة ك: I B D أما الصلاة في إنجيل لوقا 11:2-4,فقد حذفت أهم التراجم الحديثة كالترجمة السابقة:"الذي في السماوات"و"لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك علي الأرض"(العدد 2)و"لكن نجّنا من الشرير"(العدد 4).من التراجم الحديثة الأخري التي حذفت هذه النصوص:"الترجمة القياسية المراجعة "The Revised" "Standard Version ,و"الترجمة الإنجليزية الجديدة The New" " English Translation ,و"الترجمة العالمية الجديدة" "The New "International Version ...

و لا تغفل عما جاء في موسوعة الكتاب المقدس "Cheyne's Biblica Encyclopeadia ص 2818 من أنّه قد تمّ تحريف"الصلاة"في

ص: 138

إنجيل لوقا حتي توافق الصيغة الواردة في إنجيل متّي..لتعلم أنّها"تحريفات بعضها فوق بعض".

و لأنّ تحريف الصلوات صار"موضة"كنسية مباركة من الروح القدس(!), فقد نشرت في روما بتاريخ 31 آذار 1965 م,بموافقة البابا بولس السادس, تعديلات جديدة للصلوات الكاثوليكية أيام"الجمعة العظيم".و قد جاءت هذه التعديلات تنفيذا لروح وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح التي أقرّها المجمع في دورته الثالثة.فغيّرت عناوين عدد من الصلوات,فالصلاة التي كان عنوانها"صلاة لتنصير اليهود"أصبح عنوانها"صلاة اليهود",و حذفت من الصلاة عبارة"المذنبين" أو"المخطئين"عند إشارتها إلي غير النصاري,و كلمتا"الظلمة"و"العمي"اللتان ترمزان إلي حال اليهود(أنيس القاسم,نحن و الفاتيكان و إسرائيل,ص 65)..

و السؤال الذي نوجّهه الآن إلي كلّ نصراني لم يتكلّس عقله و لم يتلوّث قلبه و لم ينحر أشواق روحه إلي تنسّم فوائح الحقيقة..:أ يصحّ في الأذهان القول بأنه من المحال تحريف بشارة بنبيّ لم يحن زمانه أو ظهر بين الناس و خالف فكرهم و منهجهم..؟؟!

الإجابة هي في المزيد من الأدلة التفصيلية علي ثبوت التحريف الفاحش:

قال صاحب كتاب"خواطر مسلم.."-محمد جلال كشك-ص ص 150- 153:"و الإنجيل الحالي ليس فقط ثمرة عملية انتقاء,و بل و تعرض أيضا لعمليات تنقيح و تعديل و تبديل و مراجعة شاملة و مثيرة.فعلي سبيل المثال,اكتشف عام 1958 م البروفسير"مورتون سميث"من جامعة كولومبيا في دير قرب القدس, خطابا يحتوي علي فصل مفقود من إنجيل مرقس".و هذا الجزء المختفي لم يفقد بل, ألغي عمدا بإيعاز إن لم يكن بإلحاح الأسقف كليمنت أسقف الإسكندرية و أحد أبرز آباء الكنيسة الأوائل.و يبدو أنّ كليمنت هذا,تسلّم خطابا من شخص يدعي

ص: 139

تئودر,يشكو فيه جماعة غنوصية"الكربوكراتيين",الذي لم يفهموا من الخطاب أنهم فسروا بعض الفقرات من إنجيل مرقس في ضوء مبادئهم,التي لم تكن تتفق مع فهم كليمنت أو تئودر هذا,الذي كان يهاجمهم و أبلغ عنهم كليمنت و في الخطاب الذي عثر عليه البروفسور سمث ردّ عليه الأسقف بالتالي:قد فعلت خيرا بإخفاء تعاليمهم الخرساء(...)مثل هؤلاء يجب معارضتهم بكلّ الوسائل,فحتي لو قالوا شيئا صحيحا فإنّ محبّ الحقيقة يجب أن لا يقرّهم حتي و لو كان متفقا مع قولهم."(مع شيء من التصرف)

و قد جاء في رسالة كليمنت:"و عند ما مات مرقس ترك"مؤلفاته"لكنيسة الاسكندرية.حيث لا تزال تحت حراسة شديدة,تقرأ فقط من قبل هؤلاء الذين تأهّلوا لقبول و فهم الأسرار الكبري,و لكن بما أنّ الشياطين الخبيثة تهدف دائما إلي تدمير الجنس البشري لذلك فإنّ الكربوكراتيين بإيعاز من الشياطين,و مستخدمين الخداع,استطاعوا أن يستعبدوا أحد الكهنة في كنيسة الاسكندرية حصلوا منه علي نسخة من الإنجيل السرّي(؟!)ثم عمدوا إلي تفسيرها وفقا لمعتقداتهم الدنسة الكافرة ,بل و أيضا خلط الأكاذيب بلا حياء,بالكلمات المقدسة."

و يعلق المؤلفون المسيحيون(أصحاب الكتاب المثير"الدم المقدس و الوعاء المقدس"):"و هكذا يعترف كلمينت بكلّ صراحة بوجود إنجيل سرّي معترف به أو موثوق به لمرقس.ثم يعطي تعليماته لتيودور لإنكار هذا الإنجيل..".

قلت:إذن,الأمر لا يقتصر علي حذف أو إضافة بعض الألفاظ و الجمل..بل هو يصل إلي إخفاء أسفار بأكملها!

"من شبّ علي شيء شاب عليه": إنّ المتتبع لعلاقة النصاري بأسفارهم ليقسم بالأيمان المغلّظة أنّ التحريف عند هؤلاء ليس فعلا يبحث عنه في الدراسات التاريخية

ص: 140

القديمة,إنه ليس حدثا تاريخيا قد مضي و انقضي,و إنما هو"عادة"شبّ عليها النسّاخ و الكتّاب و المترجمون و رجال الكنيسة,و رجال اللاهوت..و"لكلّ فتي من دهره ما تعوّد".و قد باءت محاولات الكنيسة بالتطبّع بما ليس عندها بالفشل "و الطبع يغلب التطبع"!!

لقد عشّش فيروس التحريف في عقول الثالوثيين و في قلوبهم و في أطراف أصابعهم و استحكم أمره في ألياف أعصابهم...

إنّ ما نقرؤه هذه الأيام,و منذ أيام,بل منذ شهور,بل منذ سنين و عقود و قرون من تحريفات متجددة للكتب المقدسة عند النصاري ليكشف الحالة الوبائية المستعصية التي وصلت إليها الكنائس..و من هذه الأخبار:

جاء في أخبار الصحافة منذ فترة قصيرة أنّه"لتمثيل الحوار النصراني الكاثوليكي-اليهودي,و لنزع كل ما هو"معاد"لليهود,قام البابا بخطوة جريئة, و ذلك بزيارته المعبد اليهودي"سيفوغا"في العاصمة روما,و طالب بإعادة تفسير العلاقة النصرانية-اليهودية بدء من إعادة دراسة الكتاب المقدس و العهد القديم و الطقوس و الشعائر و الصلوات و التراتيل التي تمارس داخل الكنائس بقصد إعادة تأويلها بما يفيد تبرئة اليهود من"خطيئة قتل المسيح و صلبه"و إعادة صياغة التراث الكاثوليكي,و الكتاب المقدس بما يناسب النظر إلي اليهود نظرة جديدة"أكثر تفاهما و أكثر تسامحا"و التأكيد علي الأصول المشتركة بين الدينين.

و أعلن الفاتيكان"أن توبة النصاري تجاه اليهود يجب أن تكون فردية و جذرية و شاملة,و أنه لا تكفي التصريحات الصحافية و المراجعات النقدية لمحو خطايا الماضي التي أدّت إلي المحرقة النازية".

ص: 141

و صرّح أحد أعضاء لجنة الصياغة لهذه الوثيقة لصحيفة الفاتيكان الرسمية "المراقب الروماني"أنّ الفاتيكان سيراجع و يعدّل عدة نصوص دينية في العهد الجديد لتحاملها علي اليهود,كما سيتمّ تعديل في إنجيل متّي و قصة الحواريين برمّتها إرضاء لليهود!!!

قال سهيل التغلبي,النصراني,في كتابه"الصهيونية تحرّف الإنجيل"ص ص 50-80:"جرت في السنين الأخيرة محاولات كثيرة لتحريف الكتاب المقدّس, و كان أهمها مستوحي من الحركة الصهيونية(...).و من أعوام عقد في مدينة سبليبريج في سويسرا مؤتمر اشترك فيه بعض رجال البدع المسيحية الجديدة المتطرفة مع فريق من ممثلي الهيئات الدينية اليهودية,و قرّر المجتمعون مكافحة أعداء اليهود في العالم المسيحي,و قرّروا أيضا حذف الآيات و الفصول الواردة في الإنجيل بنوع أخصّ التي تصف اعتداء اليهود علي السيد المسيح و صلبه(...)"

و لقد صدرت هذه الطبعة المحرفة لأسفار العهد الجديد عن"دار النشر اليهودية" بالقدس في عام 1970 م.تقول مقدمة الترجمة المحرّفة لأسفار العهد الجديد:"إنّ هذه الترجمة اليهودية و المعتمدة للعهد الجديد يمكن وصفها بأنها:العهد الجديد خاليا من معاداة السامية."

لخّص سهيل التغلبي خطّة التحريف في هذه الترجمة,في هذه النقاط:

1-محو كلمة"اليهود"من أسفار العهد الجديد,و هي الكلمة التي تكرّر ذكرها 159 مرة.ثم استبدالها بكلمات مختلفة تساعد علي تمييع المسئولية التي تكون قد علقت باليهود من جرّاء قول أو فعل نسبته إليهم تلك الأسفار.لذلك نجد كلمة"اليهود"قد محيت ثم استبدلت بكلمات أخري مثل:مواطني ولاية اليهودية- و فيهم اليهود و غير اليهود-و هؤلاء قد أطلق عليهم"أهل اليهودية".كذلك

ص: 142

استبدلت كلمة كلمة"الرعاع"أو"المنعزلين"أو"العامة"محلّ كلمة"اليهود"- بل إنّ هذه الكلمة استبدلت بكلمة"الوثنيين".

2-محو ما يتعلّق بالشعب اليهودي باعتباره جماعة دينية ترتبط ب"الناموس" و"المجمع"يقوم عليها الشيوخ و"رؤساء الكهنة"و تعرف بينها طوائف"الفريسيين" و جماعة"اللاويين".

3-التخلّص من كلمة"الصليب"و ما يشتق منها و ذلك بتحريفها إلي كلمات أخري قد تقترب منها في المعني أو لا تقترب علي الاطلاق مثل وضع عبارة"خذه" أو"أبعده"أو"انفه"أو"اشنقه"مكان"اصلبه,صلبه".

4-تجنّب كلمة"القتل"و ما يشتقّ منها,و ذلك بوضع كلمات أخري أقلّ منها حدّة مكانها ك"يدين"أو"ينفي"أو"يأخذ"أو"يضايق"أو"ينكر" أو"يقاوم".

5-محو الكلمات التي تلقي مسئولية دم يسوع علي اليهود و أولادهم من بعدهم,و وضع مكانها فقرات أخري تحمّل المصلوب وزر دمه المرق.

تحميل الرومان مسئولية حادث الصلب بعد تخليص اليهود منه,و ذلك بتحريف الفقرات التي تلصق المسئولية باليهود,رغم صراحة الأناجيل في قولها إنّ بيلاطس أراد تخليص المسيح من مؤامرة اليهود,و انّه لمّا أصرّ اليهود علي موقفهم, غسل يديه,و قال:"إنّي بريء من دم هذا البار."

تحريف الفقرات التي خاطب بها تلاميذ المسيح اليهود مباشرة و أدانوهم فيها لمواقفهم الإجرامية من المسيح,و ذلك بتحويلها من صيغة ضمير المخاطب الحاضر إلي صيغة ضمير الغائب,من"أنتم"إلي"هم".

ص: 143

و كانت حصيلة التحريف كما يقول سهيل التغلبي:

إنجيل متّي:91 تحريف.

إنجيل مرقس:52 تحريف.

إنجيل لوقا:73 تحريف.

إنجيل يوحنا:135 تحريف.

أعمال الرسل:165 تحريف.

الرسالة إلي روما:62 تحريف.

الرسالة إلي كورنثوس:17 تحريف...

"أصدر المركز المسيحي القبطي في مصر طبعة جديدة من الكتاب المقدس أطلق عليها اسم"ترجمة تفسيرية"و قد وجدت فيها بعض التحريفات عن بقية الطبعات المعتمدة مثل طبعة الكتاب المقدس المعتمدة من قبل مطران بيروت للكاثوليك أغناطيوس زيادة و طبعة نسخة الملك جيمس باللغة الانجليزية المعتمدة لدي الكنيسة البروتستانتية و طبعة الكتاب المقدس التي أصدرها الآباء اليسوعيين باللغة العربية و هي الطبعة التقليدية و الشائعة الانتشار و المعتمدة لدي الكنائس الأرثوذكسية و الكاثوليكية و البروتستانتية في الشرق الأوسط.

و الغريب أن طبعة المركز القبطي حاولت تصحيح بعض الأخطاء و الأرقام الواردة في الكتاب المقدس و تركت أخطاء أخري دون تصحيح،فعلي سبيل المثال نجد أن العدد"أربعين"في سفر صموئيل الثاني(15:7)هو عدد مغلوط فيه لأنّ فترة حكم داود كلها كانت أربعين سنة كما في سفر الملوك الأول(2:11)فأبدلوا هذا العدد

ص: 144

و جعلوه في هذه الطبعة العدد"أربع"،و الخطأ الآخر هو ما ورد في سفر الملوك الأول 15:10 من أن اسم أم الملك أسا هو معكة بنت ابشالوم و الصحيح هو أنها جدته أم أبيه كما في الفصل نفسه العدد 2 فعمدوا إلي تبديل كلمة"أمه"بكلمة" جدته"".

قال الدكتور عبد الودود شلبي في كتابه"التزوير المقدس"ص 86:"تقوم مؤسسة"ريدرز دايجست"بإخراج طبعة جديدة من الكتاب المقدس تختصر منها خمسين في المائة من العهد الجديد و خمسة و عشرين في المائة من العهد القديم...!

و من أغرب الأخبار التي أذيعت حول هذه الطبعة المقترحة أنّ النساء في الولايات المتحدة يعترضن علي الصلاة المسيحية التي تقول:"أبانا الذي في السموات ..."إذ يرون في هذا النص تفرقة بين المرأة و الرجل..فلما ذا لا تبدأ الصلاة مثلا بيا.."أمنا"التي في السموات أيضا...؟!

و قد اتفق القائمون علي أمر هذه الطبعة أن تغير كلمة"أبانا"بكلمة"الخالق" حتي لا تثور المرأة...؟"

"ورد في صحيفة"واشنطن بوست"أنّ جمعية الكتاب المقدس الدولية أعلنت أنها سوف تصدر ترجمة جديدة للكتاب المقدس,تتسم ألفاظها بالحيادية في مخاطبة الرجل و المرأة-الجندر(النوع الاجتماعي)-,و يأتي ذلك بالرغم من الانتقادات السابقة لتلك الفكرة من قبل"المحافظين",و تجري هذه التعديلات اللغوية علي أكثر ترجمات الكتاب المقدس مبيعا في الأسواق الأمريكية و هي"الترجمة العالمية الجديدة" "The New International Version" و يشمل هذا التعديل استبدال الألفاظ التي تصلح لمخاطبة الجنسين,بالألفاظ التي تخاطب الذكور, و ستعرف الترجمة المعدلة ب"ترجمة اليوم العالمية الجديدة".

ص: 145

يذكر أنّ مبيعات الترجمة الأصلية التي ستجري عليها التعليقات فاقت 150 مليون نسخة في جميع أنحاء العالم منذ 1978 م,و ستظل مطروحة في الأسواق مع الترجمة الجديدة.و سوف تصدر الترجمة المعدلة للعهد الجديد فقط,في أبريل القادم, و من المتوقع أن يصدر الكتاب المقدس كاملا في 2005 م.

"تأتي الترجمة الحديثة لطبعة الكتاب المقدس لتلقي رواجا كبيرا في الولايات المتحدة,خالية من تحديد"الجنس اللفظي"بتجنب قصره دائما علي المذكر,و إن احتفظت دائما بصيغة المذكر في الإشارة للذات الإلهية.و لكنها برغم ذلك أثارت ضجة كبيرة بين النصاري الناطقين باللغة الانجليزية.

فالنسخة الجديدة تحول في العهد الجديد لفظ"الإخوة"إلي"الإخوة و الأخوات" ,و"أولاد اللّه"إلي"أبناء اللّه",بما يحتمل المذكر و المؤنث معا.و لكنها تبقي كل إشارة إلي اللّه و السيد المسيح في صيغة المذكر دائما.

و تنتقد مجموعات كنسية محافظة مثل"المجلس الكتابي للرجال و النساء"الترجمة الجديدة و تعتبرها معيبة و بمثابة تشويه لكلمة اللّه.

و يقول الناشرون أنهم يسعون إلي مخاطبة جمهور ينتمي إلي عصر مختلف!!!

كما تمّ تغيير كلمة"اليهود"إلي"زعماء اليهود"في المواضع التي لم يكن النص الأصلي يشير فيها إلي الشعب اليهودي ككل,بل لقادته-بزعمهم-!!

يشار إلي أنه قد استخدمت صيغ محايدة أخري من حيث التذكير و التأنيث بهذا المفهوم,للكتاب المقدس منذ سنوات عديدة,و منها"الطبعة الموحدة المراجعة الجديدة"سنة 1989 م و طبعة"الكتاب المقدس لأورشليم الجديدة"

ص: 146

الكاثوليكية اعتبارا من سنة 1985 م و النصوص التي يستخدمها اليهود المحدثون و الإصلاحيون!

قام مارتن لوثر بكتابة ترجمة ألمانية للكتاب المقدس,و طبعها أكثر من مرة في حياته.و قبل أن يتوفي,أوصي بألاّ يغيّر أحد في هذه الترجمة لعلمه بحال القوم.و قد سبق أن حذف لوثر منها النص الوحيد الذي يدلّ علي عقيدة التثليث في الكتاب المقدس:1 يوحنا 5:7,و لكن بعد وفاته حرّف من قاموا بإعادة طبع هذه الترجمة ما جاء في النسخة الأصلية,مرجعين هذا النص المحذوف إلي رسالة يوحنا و ذلك في طبعة 1574 م التي قام بها أهل فرنكفورت,و طبعتا 1596 م و 1599 م لأهل و تنيرك,و طبعة 1596 م لأهل هيميرك!!

قام المنصّرون سنة 1950 م بدعوة"الاسكيمو"إلي النصرانية,فلما قرأ الاسكيمو الأناجيل المتداولة"خبزنا كفانا"امتنعوا عن الطعام,حتي أهلكهم الإعياء,فتمّ سحب هذه الأناجيل,و جيء لهم بطبعة أحدث تحمل عبارات ذات مدلول أشمل من الخبز,حتي لا يموتوا جوعا!!

و نختم هذا الحديث بما قرّره الدكتور بروس متزغر في مواضع متعددة من كتابه" نص العهد الجديد..."في تفصيل أسباب التحريف,لخنق أنفاس الشك و فتح روزنة في جدار الإيمان العجائزي في عقل كلّ نصراني:

تغييرات قصدية:

1-بسبب خطأ في الرؤية أو عدم اهتمام كاف بالمخطوطات الأصلية:

تغيير الحروف و دمجها(مثال:الرسالة الثانية لبطرس 2:13,2:18).

حذف كلمات بين جمل مكررة(مثال:الرسالة الأولي ليوحنا 2:23).

ص: 147

إضافة حروف خطأ بسبب التكرار(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 2:7).

بسبب تشابه في النطق أو خطإ في النطق(مثال:متّي 11:16,الرؤيا 1:5, الرسالة إلي روما 1:5).

2-بسبب خطأ في التذكر أو التوقع:

وضع مترادفات(مثال:متّي 2:17,10:23)

وضع الكلمات في ترتيبها الكلاسيكي في الاستعمال رغم عدم ورود الكلمات في المخطوطة المنقول منها علي تلك الصورة(مثال:الرسالة إلي روما 1:1,متّي 15:

1).

تغيير موضع الحروف من الكلمة مما يغير شكل الكلمة و بالتالي مقابلها في لغتها و حتما في اللغات الأخري و هذا التحريف يشمل جميع أشكال التحريف السابقة و اللاحقة(مثال:مرقس 14:65).

إضافة كلمات من نصوص موازية(مثال:متّي 25:7 من العددين 21 و 33)

إضافة ضمائر,متوقعة(مثال:متّي 14:15 و هو أمر تكرر كثيرا)

3-إدخال نصوص من الهوامش إلي المتن بزعم التصحيح,خطأ:

إضافة هوامش مختصرة إلي المتن للتفسير(مثال:متّي 10:3).

إضافة عظات دينية(الرسالة إلي روما 8:1,11:6,متّي 27:35).

إضافة تعليقات لها دلالات دينية و تعبدية(مثال لوقا 7:31,متّي 6:31).

ص: 148

إضافة تعليقات تحيل إلي نصوص العهد القديم(مثال:لوقا 23:38 من يوحنا 19:20,الرسالة إلي العبرانيين 12:20 من سفر الخروج 19:13).

بسبب تأويلات باطلة لتصحيحات في الهامش(مثال:الرسالة إلي روما 6:

12).

تغييرات قصدية:

1-لجعل المعني أكثر وضوحا(متّي 12:35,6:4,6)

2-لمواءمة نصوص الأناجيل(مثال:متّي 19:17*مرقس 10:18)

3-إزالة صعوبات قد تحتاج إلي تفسير ممل(مثال:مرقس 1:2:تغيير"كما قال إشعياء"إلي"كما قال الأنبياء".,يوحنا 1:28:"بيت عنيا"غيّرت إلي"بيت بارا",متّي 24:36:حذف"و لا الابن").

4-التأكيد علي تعاليم مهمة,أو حمايتها:(مثال:لوقا 2:33 جعلت كلمة "يوسف"مكان"أبوه",لوقا 2:43:حلّت"يوسف و أمه"محلّ"أبواه")

5-لإظهار أو ترويج عادات رهبانية(مرقس 9:29:إضافة"الصوم"بعد "الصلاة").

ص: 149

شبهة: الحقيقة التي لا يجانبها منصف و لا يجتويها من من النار أعتق,هي أنّ عيسي هو ربّ للعالمين,و قد نزل ليخلّص الناس من خطيئة آدم,فنزوله هو إعلان لنهاية التاريخ و ختم الرسالات و نسخ النبوّات..فكيف يزعم رغم ذلك أنّ محمدا (صلّي اللّه عليه و سلّم)قد بعث بعد رفع المسيح إلي السماء(عليه السلام),و أنه قد أتي بشريعة ناسخة لما سبقها,إنّ"الكتاب المقدس"لا يمكن أن يناقض نفسه فيقرّر الشيء و ضدّه!!

إنّ القبول بالبشارة بمحمد(صلي اللّه عليه و سلّم)في"الكتاب المقدس"يعني إهدار كفارة الربّ المخلّص و التفريط في المنحة المجّانيّة التي حبانا بها!!

الردّ: إنّ هذه الشبهة مبنية علي مجموعة من المغالطات"المعلوم من العقل بالضرورة"أنها أباطيل,بل أساطير عتيقة حرقها وهج العلم حتي صارت شوهاء منبوذة من ذوي النهي,و هي لا يراد منها الإسفار عن وجه الحقيقة أو خرق حجب الأباطيل,و إنما غاية الأمر عند"الشبهاتيين"هي محاولة التلبيس علي الذين يريدون أن يردوا مورد الحقيقة لينالوا شربة لا ظمأ بعدها و لا أذي.

إنّ هذه الشبهة تقوم علي مقدمات يتصور النصاري,أو يزعمون,أنها حقائق لا يرقاها الشك و لا يملك لها نقبا..و هي أنّ:

1-عيسي عليه السلام إله ربّ للعالمين!

2-و أنه قد صلب!

3-و أنّه مخلّص!

4-و أنّه قد نسخ شريعة التوراة بعمله الكفاري علي الأرض!!

ص: 150

كما هو ملاحظ،فإنّ النصاري يبنون مقرراتهم علي أرض متحركة مرتجة لا يمكن أن يستقرّ عليها هدي أو يرتفع عليها بناء,و هو المنهج القديم المتجدد الذي يعتمد علي التلبيس و التمويه و خداع القارئ بإيهامه ببداهة المقدمات و وضوح الأصول و ثبات الأرضية,حتي أنّه ليقع في خلد العجل أنّ المسائل المذكورة هي محل يقين و إجماع بين النصاري و بين مخالفيهم!!

و هاك البيان..و علي اللّه التكلان:

1-المسيح إله!؟ لقد أصبح الزعم بألوهية المسيح أثرا بعد عين حتي في بلاد الغرب"النصراني"، بين المثقفين خاصة،بعد أن كان يستأثر بالأرض و الهواء بسطوة الحرمان الكنسي من الجنة و الإهمال البابوي للمهرطق في الجحيم،تحت تهديد النار و الحديد و الخازوق الأحد من النصل!،بل لقد لفظه كثير من رجال الكنيسة بعد أن أنفقوا بضع سنوات في الكليات اللاهوتية أين أخبروا أنّ ثقافة العامة المروّج لها في المواعظ الساخنة و الصاخبة،و في مدارس الأحد،ما هي إلا بضاعة كاسدة لا تروج إلا بين السوقة و العوام و لا مكان لها في منصات الدراسات الأكاديمية الجديّة.

لقد ولي المثقفون الغربيون بعيدا عن أسطورة ألوهية المسيح،بل و أضحي الخوض في موضوع صدق النصرانية بينهم علامة علي طفولية،إن لم تكن جنينية،عقل المتحدّث،فالنصرانية بهذه الربوبية اليسوعية المزعومة أدني من أن تكون مجال بحث بين أصحاب الشهادات و روّاد المكتبات!!

أمّا في ما يتعلّق برجال الدين النصاري،فالأخبار تتتالي مؤكدة كفر الكثير منهم باللاهوتية المزعومة للمسيح!!..خذ مثلا:

صدور كتاب بعنوان"أسطورة الإله المتجسّد"الذي أثار ضجّة كبيرة،و وضع الكنيسة في حرج شديد،إذ أنّ مؤلفيه السبعة هم من كبار رجال الكهنوت و علي

ص: 151

رأسهم القس موريس ويلز رئيس لجنة المعتقدات في كنيسة انجلترا،و أستاذ الإلهيات في جامعة أكسفورد.هؤلاء القساوسة أعلنوا في كتابهم ذاك،إنكارهم لأيّ قول في أسفار النصرانية يزعم أنّ عيسي قد أعلن أنه إله.

و قد جاء في مجلة"الأبسرفور"الانجليزية تعليقا علي هذا الكتاب الذي صدر سنة 1977 غ:"...هناك أيضا علماء يناصرون،و لو من بعيد،ما ورد في الكتاب،و من بينهم القس دافيد ادوارز من كنيسة وستمنستر".

ثم أصدر ثمانية من علماء اللاهوت في بريطانيا كتابا اسموه"المسيح ليس ابن اللّه"، أكدوا فيه ما جاء في الكتاب الأول،و قالوا:"إن إمكانية تحول الإنسان إلي إله لم تعد بالشيء المعقول و المصدق به هذه الأيام."

و من آخر ما كتب في هذا الباب ما خطته أنامل القسيس الأمريكي المتقاعد لنزو بريبل في كتابه الحديث:"اللاهوت مبسطا:اللّه،ابنه،و روحه": Theology Simplified "God,His Son,and His Spirit ،و قد جاء علي غلافه"لما ذا عقيدة التثليث غير معقولة و لا كتابية.إبطال كلّ حجج المثلثة."

جاء في صحيفة"التايمز"بتاريخ 24 مايو 1976 م:"غادرت 3500 راهبة أمريكية وظائفهن الدينية و في بعض الأحيان غادرن الكنيسة نفسها,و كذلك الأمر بالنسبة لألف قس,و فيهم أساقفة بارزين,في هجرة كبيرة.بعضهم فعل ذلك صراحة للتزوّج,و آخرون بسبب خيبة أمل أو فقد الإيمان,و فريق آخر لاعتقاد أفراده أنه بإمكانهم خدمة اللّه و البشرية بصورة أكثر فاعلية في العالم المدني."!!

جاء في مجلة"التايمز"عدد 27 فبراير 1978 م في مقال طويل بأحرف كبيرة تحت عنوان:"جدل جديد حول ألوهية عيسي" "New "Debate Over Jesus Divinity :

ص: 152

"ظهرت الكرستولوجيا(دراسة طبيعة المسيح)الجديدة في جامعة نجمجان,في هولندا,بين المفكّرين من الروم الكاثوليك,سنة 1966 م,عند ما أصدر الأغوسطيني المتأخر,أنسفريد هولسبوش,بيانا ضد مجمع الخلقديونية(الذي انعقد سنة 451 م).و قد كتب أنّ الكنيسة يجب"ألا تتحدث من اليوم فصاعدا عن اتحاد الطبيعتين البشرية و الإلهية في شخص له وجود قديم".واحد من قائدي التيار الألماني كان زميلا له في جامعة نجمجان,اليسوعي بييت شووننبرج.في كتابه الصادر سنة 1969 م,و الصادر باللغة الإنجليزية تحت عنوان:"المسيح"(دار هردر و هردر ,م 1971 م),أهمل مفهوم الطبيعتين,و تحدث بدلا عن ذلك عن"الوجود الكامل للّه في الشخص البشري عيسي المسيح".اللاهوتي الكندي برنارد.ج.ف.لونرجان ذكر بعد ذلك أنّ كتاب شوننبرج من الممكن أن يقود إلي النتيجة المنطقية أنّ عيسي كان"إنسانا لا غير".الباحث الألماني الليبرالي الآخر هو دومينيكان ادوارد شلوبيكس,الذي سينشر له سيبوري أول مجلّد حول الكرستولوجيا باللغة الإنجليزية في آخر هذه السنة.وصف الكتاب الإهليجي(بيضاوي),عيسي علي أنه كائن بشري ارتفع بصورة تدريجية إلي مرتبة قريبة من اللّه.

بعض الكتابات الحديثة في فرنسا تعتبر أكثر جرأة.الدومينيكاني في المؤسسة الكاثوليكية في باريس,جاك بوهييه,قال:"في الآخر,انّه من الحماقة القول إنّ اللّه قد جعل نفسه بشرا.ليس بإمكان اللّه أن يكون غير اللّه".الأب بيير مادي بوود من مركز الدراسات اللاهوتية في كائن يعتقد أنّ القادة الأول للكنيسة كان عليهم أن "يقتلوا أبوهم عيسي"ليصلوا إلي النضج,في حين كتب الأب ميشال بنشون, صاحب صحيفة"عيسي",حول تحرره من"العبادة الوثنية"لعيسي الذي"لم يقدّم نفسه كأزلي أو مطلق".

ص: 153

في إسبانيا,جوزي رامون جيريرو,مدير التعليم الكاثوليكي في المؤسسة الرسولية بمدريد و مؤلف الكتاب الذي صدر سنة 1976 م"عيسي الآخر",صرّح للتايمز أنّ عيسي هو"رجل مصطفي من اللّه و مرسل منه,و جعله اللّه ابنا له".في المدرسة اللاهوتية اليسوعية في برشلونا,أكّد جوزي إغناسيو جونزالوس فوس أنّ عيسي,في حياته الأرضية لم يكن منتبها إلي أنه إله(..).

نفس النقاط السابقة أثارها الباسكي الذي تعلّم في ألمانيا,جون سبرينو,الذي كتب أوسع دراسة حول طبيعة المسيح معتمدة علي"اللاهوت التحرري"في أمريكا اللاتينية و ستنشره مريكنول فاذرز أوربز بوكس باللغة الإنجليزية في جون بعنوان "الكريستولوجيا في مفترق الطرق".سوبرينو,هو يسوعي و أستاذ في جامعة جوزي سيمون كانس في السالفدور(...)يعتقد أنّ عيسي عليه أن يتحمّل ثقل"تحول" نظرته للّه".

نشرت جريدة"الديلي نيوز"بتاريخ 25-6-1984 الخبر التالي:"حسب تقرير نشر اليوم،فإنّ أكثر من نصف أساقفة بريطانيا يقولون إنّ المسيحيين ليسوا مضطرين إلي أن يؤمنوا بأنّ عيسي كان إلها.

لقد أظهر التصويت الذي جري اليوم و شمل 31 أسقفا من أصل 39،أنّ أكثرية الأساقفة يعتقدون أنّ معجزات المسيح و مولده العذري و القيامة(من الموت)قد لا تكون حدثت كما جاءت في الأناجيل.

الأساقفة الذي قالوا إنّه علي المسيحيين أن يعتبروا المسيح إلها و إنسانا،كانوا 11 أسقفا فقط،بينما 19 أسقفا قالوا يكفي اعتبار المسيح رسولا عظيما للّه،بينما رفض أسقف واحد أن يعطي رأيا محددا"!!!!؟

ص: 154

-التصريح العلني من أكبر الرموز النصرانية ببطلان دعوي ألوهية المسيح..ففي مقابلة تلفزيونية جرت في إبريل 1984 م في بريطانيا،ذكر الأسقف دافيد جنكتر و الذي يحتل المرتبة الرابعة بين تسعة و ثلاثين أسقفا يمثلون هرم الكنيسة الأنجليكانية،أن ألوهية المسيح ليست حقيقة مسلما بها!!!؟

البابا بندكت السادس عشر(جوزيف رتزنغر)كتب في المقدمة الحديثة بتاريخ أبريل سنة 2000 م لكتابه "Einfuhrung in das Christentum" "مقدمة للنصرانية"الذي ألّفه سنة 1968 م,ص ص 20-22 من الترجمة الانجليزية "Introduction to Christianity" :"العقيدة المسيحية تغيّرت بصورة راديكالية(متطرفة),خاصة في مقامين جوهريين في رسالتها الأساسية:

(1)شخصية المسيح قد أوّلت بطريقة جديدة تماما,لا فقط بالرجوع إلي العقيدة,بل أيضا بالرجوع,بالضبط,إلي الأناجيل.الإيمان بأنّ المسيح هو الابن الوحيد للّه,و أنّ اللّه يقيم بيننا حقا فيه كبشر,و أنّ الإنسان يسوع هو في اللّه للأبد,و أنه هو اللّه نفسه ,و بالتالي فهو,ليس شخصية ظهر فيها اللّه,و لكن بالحري الإله الفرد الذي لا يستبدل-بهذه الطريقة قد ألغي هذا الإيمان.بدل من أن يكون المسيح الرجل الذي هو اللّه,أصبح المسيح المرء الذي جرّب اللّه بطريقة ما.إنّه امرئ مستنير و بذلك ما عاد متميّزا بصورة أساسية عن بقية الأشخاص المستنيرين(...).

(2)مفهوم اللّه تغيّر بصورة راديكالية.السؤال حول ما إذا كان اللّه يجب أن يعتبر كذات أم لا(قلت:أي كمفهوم أو فكرة مجرّدة)يبدو اليوم و أنّه يحمل أهميّة ثانوية.

ما عاد بالإمكان ملاحظة خلاف جوهري بين الأشكال الدينية المؤمنة باللّه و تلك غير المؤمنة به...".

ص: 155

انّ خلاصة قول البابا يمكن إجمالها في أنّ النصرانية اليوم تتفتت و تتشظّي و تترف ذاتيها و تتكسر حدودها لتنساب الأصول اللاهوتية في مسارات جديدة و مسارب بعيدة,و لا يمكن التخمين بنهايتها,بل لا يمكن ضبط أصولها و منابعها!

كما يعتبر كتاب البابا السابق نفسه,علامة علي الحال البئيسة التي آلت إليها النصرانية,حيث كتب البابا مدخلا للنصرانية ضمّنه تفسيرا لعقيدة الإيمان النيقوي بأسلوب هلامي و نفس سفسطي يجعل القارئ يقطع أنّ هذا"المدخل"لم يكتب كمنفذ إلي النصرانية و إنما هو محاولة لمنطقة"المستحيل"بلا منطق,بل بأسلوب القفز المحموم الذي لا يمكن متابعته أو تعقّله..إنّه كتاب يكشف حقا,سقوط الإيمان النصراني,بما فيه ألوهية المسيح المزعومة!

ذكر الكاردينال دانييلو(الكاردينال مرتبة مباشرة بعد البابا)في بحث نشره في مجلة "دراسات"سنة 1967 م أنّ الجماعة المسيحية الأولي و المسماة في أيامنا ب "اليهودية-المسيحية",و التي كانت إلي سنة 70 م تمثّل غالبيّة أتباع المسيح,كانت تعتقد بشرية المسيح,و أنّ"بولس ظلّ معزولا".و كان يعقوب هو الرئيس و كان معه في البداية بطرس و يوحنا.

إنّ الأناجيل الكنيسيّة نفسها لا تقرّر ربوبية-ألوهية ابن مريم عليهما السلام، و يكفي أن نستشهد في هذا السياق بقول لأحد رءوس النصرانية فهو السيف الذي يمزّق ادعاءات المنصّرين:فقد قال يوحنا الدمشقي(676 م-749 م)-و هو يعدّ أوّل رءوس النصرانية الطاعنين في الإسلام حتي اعتبره الدكتور البدراوي زهران من رواد الاستشراق-و هو صاحب كتاب"محاورة مع مسلم"و كتاب"إرشادات النصاري في جدل المسلمين"،قال في ردّه علي طوائف من النصاري أنكروا وضع الأيقونات في الكنائس لعدم ذكر جواز هذا الأمر في"الكتاب المقدس"،إنّ ألوهية المسيح لا يوجد لها ذكر هي أيضا في"الكتاب المقدس".و مع ذلك فالنصاري يعتقدون وجود

ص: 156

هذه الألوهية و يجعلونها أسّ دينهم(و قد نقل قول يوحنا أصحاب كتاب"اسطورة الإله المتجسّد")!!

إنه لا توجد شهادة واحدة تثبت أنّ أيا من معاصري المسيح كان يعتقد أنّ عيسي قد نسب نفسه إلي الألوهية..

و قد جمع الفيلسوف السويسري بولس شميدل Paul Schmiedel مجموعة من النصوص في الأناجيل مما يراها أصلية،من الممكن أن تكون"اعمدة لتأسيس علم حقيقي لحياة عيسي"،و كانت كلّها تقدّم عيسي علي أنه بشر لا إله!

و كشف عن وثيقة نصرانية قديمة نشرت في جريدة"التايمز"في 15 يوليو 1966 م و تقول:إن مؤرخي الكنيسة يسلمون أن أكثر أتباع المسيح في السنوات التالية لوفاته اعتبروه مجرد نبي آخر لبني إسرائيل.

و تقول دائرة المعارف الأمريكية:"لقد بدأت عقيدة التوحيد كحركة لاهوتية بداية مبكرة جدا في التاريخ أو في حقيقة الأمر فإنها تسبق عقيدة التثليث بالكثير من عشرات السنين"!

و قد أنكر هذه الألوهية الموهومة عدد كبير من كبار النصاري ك:أريجن (185 م-254 م)و لوسيان(ت 312 م)و آريوس(250 م-336 م)و مايكل سرفتوس(1511 م-1553 م)و فرنسيس ديفيد(1510 م-1579 م)و ليليو فرنسيسكو سوزيني(1525 م-1562 م)و فوستوس باولو سوزيني(1539 م- 1604 م)و جون بيدل(1615 م-1662 م)

و ها هم اليهود الأوائل لا يذكرون هذه الألوهية المزعومة،فقد جاء في"موسوعة غرولير" "Grolier Encyclopdia" أنّ:"المصادر اليهودية المعتبرة تخبرنا أنه (أي عيسي)كان معلما يهوديا قد قتل بسبب الشعوذة و ادعاء النبوة باطلا"!!

ص: 157

و ذكر"هيام كوهن" "Haim Cohn" قاضي المحكمة العليا للكيان الصهيوني في كتابه"محاكمة عيسي و صلبه" "The Trial and Death of Jesus" الذي ألّفه في موضوع نقد القصة الإنجيلية للقبض علي المسيح و محاكمته و قتله في ضوء المعلومات المتاحة عن القوانين و الإجراءات اليهودية و الرومانية القديمة،ص 298 أنّ النص اليهودي التلمودي"باريثا",الذي ربّما قد ألّف في النصف الأول من القرن الثاني ميلادي,قد قرّر أنّ عيسي قد حوكم بسبب ممارسته السحر(المعجزات)و بسبب تضليله بني إسرائيل"،كما نقل هيام كوهي عن جستين المسمي"جستين الشهيد"(المولود كما جاء في الموسوعة الكاثوليكية قرابة سنة 100)قوله في محاورته ل"تريفون جديكوس" أنّ اليهود كانوا ينظرون إلي عيسي علي أنه ساحر.

فمن أين للنصاري الزعم بألوهية ابن مريم عليهما السلام؟!!!

لقد خالفهم جميع المعاصرين للمسيح عليه السلام سواء كانوا أتباعا له أم أعداء أم محايدين!!!

..و لكن..ما زال أئمة الكنيسة في زماننا يكررون الأسطوانة الممجوجة و الشنشنة الموقوذة..و التي يعبّر عنها أحد"الأقطاب الأبدال",جوش مكوديل Josh McDowell في كتابه المعروف"البرهان الجديد الذي يطلب قرارات" "The New Evidence That Demands Verdicts في قوله:"يحتاج جوابك علي سؤال"من هو المسيح؟"إلي ذهن قوي متيقظ.إنّك لا تقدر أن تقول ببساطة إنّه معلّم عظيم و كفي,فهذا غير ممكن.إمّا أن يكون مضللا أو مجنونا أو إلها.و يجب أن تختار."!!!!

بل و يقول هذا المسكين الذي يحتلب البسطاء في الغرب أموالهم,أثناء المناقشة و الردّ علي الاحتمالات الثلاثة السابقة:"و أخيرا فلا بدّ أنّه(المسيح) كان أحمقا أيضا,لأنّ ادّعاء الألوهية هو الذي أفضي به إلي الصلب."..لا علم و لا

ص: 158

أدب حتي أنّه يطرح احتمال:"الربّ يسوع,أ أحمق هو!"..بل دجل و"ثلاث ورقات"محترقة..لأنّ الحق الذي يريد ماكدويل الفرار منه و التعمية عليه هو أنّ عيسي عليه السلام,بكلّ بساطة,نبي كموسي و المعمدان و إبراهيم..عليهم السلام!

و لعلّ أطرف و أعسر ما قيل في إثبات ألوهية المسيح,ما ادعاه حليم حسب اللّه في كتابه:"المسيح بين المعرفة و الجهل"في ردّه علي استدلال المعارضين لدعوي ألوهية المسيح,بقول المسيح نفسه علي الصليب:"إلهي,إلهي,لما ذا تركتني!"(إنجيل متّي 27:46..).

فالعاقل يقول:"إنّ قول المسيح لغيره"إلهي"يعني أنّه هو بشر.."!!

لقد قال حسب اللّه معترضا:"لا يا عزيزي,إنه ابن اللّه في كل وقت حتي في ساعة الألم لأن علاقته بالأب.لم تنقطع لحظة واحدة(!!؟).و لكن النداء الذي كان يتفق مع موقفه كحامل الخطايا عن الإنسان علي الصليب هو«إلهي إلهي»و ليس أبي أبي,لأن الذي كان يتعامل معه في هذا الموقف هو اللّه القدوس الديان(؟؟!),و المسيح كان النائب عن البشر(؟؟!)الذي وضع اللّه عليه إثم جميعنا(إشعياء 53:6)(؟؟!).

مع ملاحظة أن الأب لم يترك ابنه علي الإطلاق بل بينما كان الابن يحتمل الآلام الكفارية علي الصليب كان في نفس الوقت في حضن الأب(؟؟؟؟؟!)أي موضوع محبته و سروره كما هو مكتوب«أمّا الرب فسر(قلت:آآآآآآه)بأن يسحقه بالحزن,إذ جعل نفسه ذبيحة إثم»(إشعياء 53:10).كما يجب أن نلاحظ أن هذه الصرخة التي صرخها«إلهي إلهي لما ذا تركتني» أعلنت أنه البار القدوس الطاهر(!!!!)و لكنه بسبب خطايا البشرية التي حملها في جسده بصفته النائب و البديل حجب اللّه وجهه(آآآآآآآآآآ هين)عنه لأنه قد صار

ص: 159

ذبيحة خطية.و ذبيحة إثم اقرأ(إشعياء 52:13-15,53:1-6 ,2 كورنثوس 5:21,رومية 3:21,26,1 بطرس 2:22-24)."

قلت:"خلطبيطة"..اللهم احفظ لنا عقولنا من حبوب الهلوسة و"الشخبطة"!!

2-المسيح قد صلب!؟ نقول ابتداء للذين يزعمون أنّ عيسي قد مات علي الصليب:أثبتوا العرش ثمّ انقشوا!!أثبتوا الأمانة التاريخية للأناجيل في روايتها لقصة المسيح..ثمّ تحدّثوا عن الصلب إن كان في الأناجيل حجة!!

إنّ الثوابت العلمية اليوم عند الدارسين للأناجيل,تصرّح أنّ هذه الكتب غير جديرة بأن تكون مصدرا تاريخيا موثوقا فيه لمعرفة حياة المسيح..بل إنّ كبار الباحثين الغربيين قد كشفوا زيف تاريخية يسوع الإنجيلي,و من هؤلاء ماركوس بورغ Marcus Borg في جلّ كتبه التي تفرّغ فيها لبحث تاريخية"يسوع الإنجيلي"،, و جون دومينيك كروسان John Dominic Crossan في كتبه عموما, و خاصة في كتابه"عيسي التاريخي" "The Historical Jesus" ،و أورل دهرتي Earl Doherty" في كتابه"لغز عيسي:هل بدأت المسيحية بمسيح أسطوري؟ "The Jesus Puzzle:Did Christianity Begin With?

A MyThical Christ?" ,و قبلهم أئمة النقد الحديث للكتاب المقدّس كآلبرت شفايتزر Albert Schweitzer ،و برنارد فايس Bernard Weiss ، و رودلف بولتمان Rudolf Bultmann ..

و قد قال الناقد الفرنسي البارز س.ج.كادو C.J.Cadoux ملخصا نتائج البحث عن"يسوع التاريخي في الأناجيل":"إنّ الأناجيل الأربعة مليئة بالشكوك و المستحيلات و الخرافات",و إنّ كل محاولة لفصل ما هو تاريخيا صحيح,عمّا هو

ص: 160

خرافة و أساطير فيها و إعادة كتابة رسالة المسيح الحقيقية,و نبذ ما هو مخالف لها,يعتبر اليوم أمرا مستحيلا."("حياة عيسي" "The Life of Jesus" ص ص 16- 17).

و قال الناقد و يرد Werde إنّ المسافة بين عيسي التاريخي و مسيح الكنيسة أصبحت عظيمة لدرجة أنّ أية وحدة بينهما أصبحت مستحيلة.

إنّ الادعاء بصلب المسيح قد ذوي و أصابه البلاء,إذ قد تكاثرت الدلائل التاريخية علي بطلانه,و من هذه الدلائل اكتشاف مخطوطات أناجيل في نجع حمادي في مصر بعد الحرب العالمية الثانية و هي ثلاثة و خمسين نصا تقع في 1153 صفحة, و من هذه النصوص ما تحدث عن نجاة المسيح,و أنه لم يصلب و لم يرد في هذه المخطوطات أي ذكر لمحاكمة المسيح و صلبه,بل جاء في إنجيل بطرس علي لسان بطرس:"رأيته يبدو كأنهم يمسكون به,و قلت:"ما هذا الذي أراه يا سيد؟هل هو أنت حقا من يأخذون؟..أم أنهم يدقون قدمي و يدي شخص آخر؟..قال لي المخلّص ..من يدخلون المسامير في يديه و قدميه هو البديل,فهم يضعون الذي بقي في شبهة في العار!انظر إليه,و انظر إليه.".و في مخطوطة أخري من هذه المخطوطات و هي كتاب"سيت الأكبر"جاء علي لسان المسيح:"كان شخص آخر,هو الذي شرب المرارة و الخل,لم أكن أنا..كان آخر الذي حمل الصليب فوق كتفيه,كان آخر هو الذي وضعوا تاج الشوك علي رأسه.و كنت أنا مبتهجا في العلي..أضحك لجهلهم."

و قال الناقد دنيس اريك نينهام D.E.Nineham ,أستاذ اللاهوت بجامعة لندن,و رئيس تحرير سلسلة"بليكان"لتفسير الإنجيل,في كتابه"القديس مرقس" "Saint Mark" ص 422:"في الوقت الذي كتب فيه الإنجيل الرابع(

ص: 161

100 م-125 م)(المقصود:إنجيل يوحنا)كان الادعاء بأنّ سمعان قد حلّ محلّ يسوع و صلب بدلا عنه,لا يزال ساريا في الدوائر الغنوصية التي كانت لها الشهرة فيما بعد."

و لا يخفي علي المطّلع علي الدراسات النصرانية الحديثة,هلامية تهمة الانتماء للتيار الغنوصي و ضبابية أصوله(إنجيل يوحنا نفسه مصنّف ضمن الأناجيل الغنوصية), و يكفي الباحث المعتدل القول أنّ قصة صلب سيمون محلّ المسيح قد تبنّاها الكثير من النصاري حتي بداية القرن الثاني ميلادي.

من الفرق النصرانية القديمة التي أنكرت صلب المسيح:الباسيليديون و الكورنثيون و الكاربوكرايتون و الساطرينوسية و الماركيونية و البارديسيانية و السيرنثيون و البارسكاليونية و البولسية و الماينسية،و التايتانيسيون و الدوسيتية و المارسيونية و الفلنطانيائية و الهرمسيون.و من أهم الفرق المنكرة لصلب المسيح الباسيليديون,الذين نقل عنهم كل من"سيوس"و المفسر"جورج سايل"القول بنجاة المسيح،و أن المصلوب هو سمعان القيرواني،و سماه بعضهم سيمون السيرناي.

و من الفرق التي قالت بصلب غير المسيح بدلا عنه:الكورنثيون و الكربوكراتيون و السيرنثيون.يقول جورج سايل:"السيرنثيين و الكربوكراتيين،و هما من أقدم فرق النصاري،قالا:إن المسيح نفسه لم يصلب و لم يقتل،و إنما صلب واحد من تلاميذه، يشبهه شبها تاما،و هناك الباسيليديون يعتقدون أن شخصا آخر صلب بدلا من المسيح."

3-المسيح هو المخلّص!؟

ص: 162

الادعاء أنّ المسيح هو المخلّص الذي طهّر بدمه الإلهي,البشرية من أدران الخطيئة الأصلية الموروثة و أسقط بذلك العمل بالشريعة،باطل من نصوص الأسفار النصرانية المقدّسة ذاتها.

فها هي التوراة تقرّر أنّ الشريعة الموسوية أبدية لا نهاية لها(و نحن هنا نبطل الزعم أنّ المسيح هو الذي نسخ بنزوله علي الأرض صلاحية الشريعة،و إن كنّا ننكر أبدية الشريعة الموسوية إذ أنّه قد نسختها الشريعة المحمدية،كما ننكر أبدية أسطورة الخلاص اليسوعي!!).فقد جاء ذكر أبدية شريعة التوراة في سفر الخروج 27:21، 43:28،29:28،30:21،31:17،و سفر اللاويين 6:18-22، 7:34،36،10:9،15،17:7..و سفر العدد 10:8، 15:15..و غيرها كثير!!!!

ثمّ..ها هو المسيح يقرّر أنّ الخلاص يوم القيامة لا يكون إلا بالتزام تطبيق أحكام اللّه التشريعية لمّا سأله أحد اليهود عن الطريق إلي نوال الحياة الأبدية فقال له:"...

إن أردت أن تدخل الحياة،فاحفظ الوصايا(متّي 17:19).

"ليس كل من يقول لي:يا ربّ،يا ربّ!يدخل ملكوت السّماوات،بل من يعمل بإرادة أبي الّذي في السّماوات" (متّي 7:21).

و ها هو العهد الجديد يقرّر أنّ كلّ إنسان يحاسب علي عمله و لا يحمل أحد وزر أحد:"إنّ اللّه يعاقب الذين ينغمسون في خطايا الدعارة و الزنا "(الرسالة إلي العبرانيين 13:4)

"إنّ كلّ كلمة باطلة يتكلّم بها الناس،سوف يؤدون عنها الحساب في يوم الدينونة"(متّي 12:36)...و غيرها!

ص: 163

و هو ما قرّره أيضا العهد القديم:"لا يقتل الآباء عوضا عن الأبناء، و لا يقتل الأبناء بدلا من الآباء،فكلّ إنسان يتحمّل وزر نفسه"(تثنية 24:16)

"يكافأ البار ببرّه و يجازي الشرير بشرّه"(حزقيال 18:20)

"و في تلك الأيّام لن يقول أحد:قد أكل الآباء الحصرم فضرست أسنان الأبناء،بل كلّ واحد يموت بإثمه،و من يأكل حصرما تضرس أسنانه"(سفر إرمياء 31:29-30).

لقد أعلن اللّه في العهد القديم أنه هو المخلّص لا غيره:

"لأني أنا هو الربّ إلهك،قدّوس إسرائيل مخلّصك،قد جعلت مصر فدية عنك و كوش و سبا عوضا عنك أنا هو الربّ، و لا مخلص غيري"(إشعياء 43:3،11)

و الربّ هو غافر الذنب في العهد القديم-و غفران الذنوب يعني فتح الباب علي مصراعيه للمغفور له-:

"أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي و خطاياك لا أذكرها"(إشعياء 43:3,11)

"و نادي الربّ:«الربّ إله رحيم و رءوف بطيء الغضب و كثير الإحسان و الوفاء.حافظ الإحسان إلي ألوف.غافر الإثم و المعصية و الخطيّة"(خروج 34:6-7)

"و أنت إله غفور و حنان و رحيم طويل الرّوح و كثير الرّحمة"(نحميا 9:17)

"طرحت وراء ظهرك كلّ خطاياي"(إشعياء 38:17).

"لأني أصفح عن إثمهم و لا أذكر خطيّتهم بعد"(إرمياء 31:

34).

ص: 164

و نضيف ردا علي الزعم بأنّ الإيمان بيسوع الإله المخلّص يقتضي إنكار كلّ رسالة تالية لخلاص البشرية..فنقول إنّ العهد الجديد نفسه يقرّر أنّ بعثة المسيح عليه السلام ليست هي نهاية النبوات،فقد جاء في متّي 7:15-17:"احذروا الأنبياء الدجّالين(...)من ثمارهم تعرفونهم،هل يجني من الشوك عنب،أو من العليق تين؟(...)كلّ شجرة جيّدة تثمر ثمرا جيدا،أمّا الثمرة الرديئة،فإنها تثمر ثمرا رديئا."و هنا يحدّد المسيح الطريق إلي معرفة النبيّ الحقّ و تمييزه من الأنبياء الكذبة،مما يعني أنّ باب النبوّة لم يقفل،إذ لو أقفل لبطل معني تحذير المسيح من الأنبياء الكذبة و تمييزه للنبي من الدجّال.

و ها هو الدكتور ميجيل ايرناندث،الذي قدّم بحثا في مؤتمر قرطبة الذي عقد في قرطبة بإسبانيا سنة 1977 بعنوان"الجذور الاجتماعية و السياسية للصورة المزيفة التي كوّنتها المسيحية عن النبي محمّد"..ها هو يقول في هذا البحث:"(...)إنه لم يحدث أن قال نبيّ بصورة بيّنة و قاطعة أنّ عالم النبوّة قد أغلق.و فيما يتعلّق بالشعب اليهودي، فإنّ عالم النبوّة ما يزال مفتوحا ما داموا ينتظرون المسيح المخلّص.أما فيما يتعلّق بالمسيحية فإنّه لا يوجد أيّ تأكيد قطعي يدلّ علي انتهاء عالم النبوّة.و أيّ قارئ لرسائل القديس بولس و آثار الحواريين و سفر الرؤيا يعلم ذلك جيدا.و فيما يتعلّق بي،فإنّ يقيني أنّ محمدا نبي لدرجة أنّي حاولت في دراسة لي،كتبت سنة 1968،أن أشرح أنّ محمدا كان نبيّا حقا من وجهة النظر الدينية المسيحية."

و هذا Hanz ،أحد أكبر النقاد في الكنيسة الكاثوليكية و هو ممن يحظون باحترام كبير عند القوم-يقول:"تحدّث اللّه إلي الإنسان,عبر الإنسان:

محمّد"(نقل هذه الشهادة المنصّر المهتدي إلي الإسلام غاري ميلر Gary miller في كتابه"القرآن المدهش "The Amazing Quran )".

ص: 165

ثمّ نقول,إنّه لو صحّت هذه الشبهة المفتراة فإنّه يصبح من اللغو القول أنّ يوحنا المعمدان(يحي عليه السلام)نبيّ مرسل من عند اللّه,و تصبح دعوته عليه السلام بلا معني و بلا هدف,فقد بعث المعمدان في نفس زمن بعثة المسيح عليه السلام.و قد بعث المعمدان داعيا إلي التوبة لمغفرة الخطايا.فهل غفل الإله الأب عن كونه قد بعث نبيا من أنبيائه داعيا إلي الخلاص عن طريق الكفّ عن مقارفة الآثام في نفس الوقت الذي "رمي"فيه ابنه علي الأرض ليخلّص البشر عن طريق الإيمان بصلبه الكفّاري دون توبة عن الآثام!!

بعثتان متصادمتان متضادتان من إله واحد..سبحانك هذا بهتان عظيم!!

4-نسخ المسيح للشريعة!؟ الادعاء أنّ المسيح قد نسخ بعمله الفدائي شريعة التوراة لا يستقيم لأسباب عديدة,أهمها أنّ الأناجيل قد نصّت علي أنّ المسيح ما بعث لينسخ شريعة موسي و إنما جاء ليتممها و ليحافظ عليها:

متّي 5:17-19:"لا تظنّوا أنّي جئت لألغي الشريعة أو الأنبياء.ما جئت لألغي،بل لأكمل فالحق أقول لكم:إلي أن تزول الأرض و السّماء،لن يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الشريعة،حتّي يتمّ كلّ شيء فأيّ من خالف واحدة من هذه الوصايا الصّغري،و علّم النّاس أن يفعلوا فعله،يدعي الأصغر في ملكوت السّماوات.و أمّا من عمل بها و علّمها، فيدعي عظيما في ملكوت السّماوات."

لوقا 10:25-28:و تصدّي له أحد علماء الشريعة ليجربه، فقال:«يا معلم،ما ذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة؟"»فقال له:«ما ذا كتب في الشريعة؟و كيف تقرأها؟"فأجاب:

«أحبّ الرّبّ إلهك بكلّ قلبك و كلّ نفسك و كل قدرتك و كل فكرك،

ص: 166

و أحبّ قريبك كنفسك"فقال له:«جوابك صحيح.فإن عملت بهذا،تحيا".

متّي 22:34-40:و لكن لمّا سمع الفريسيّون أن يسوع أفحم الصّدوقيّين،اجتمعوا معا،و سأله واحد منهم،و هو من علماء الشريعة،يحاول أن يستدرجه:«يا معلم،ما هي الوصيّة العظمي في الشريعة؟»فأجابه:«أحبّ الربّ إلهك بكل قلبك و كلّ نفسك و كلّ فكرك!هذه هي الوصيّة العظمي الأولي و الثانية مثلها:أحبّ قريبك كنفسك!بهاتين الوصيّتين تتعلّق الشريعة و كتب الأنبياء!"

متّي 23:23:"الويل لكم أيّها الكتبة و الفريسيّون المراءون!فإنّكم تؤدّون حتّي عشور النّعنع و الشبث و الكمّون،و قد أهملتم أهمّ ما في الشريعة:العدل و الرّحمة و الأمانة و كان يجب أن تفعلوا هذه و لا تغفلوا تلك."

لوقا 5:12-14:"و إذ كان يسوع في إحدي المدن،إذا إنسان يغطّي البرص حسمه،ما إن رأي يسوع حتي خرّ علي وجهه و توسّل إليه قائلا:«يا سيّد،إن شئت فأنت قادر أن تطهّرني".فمدّ يسوع يده و لمسه قائلا:«إنّي أريد، فاطهر!»و في الحال زال عنه البرص.فأوصاه:«لا تخبر أحدا،بل اذهب و اعرض نفسك علي الكاهن،و قدم لقاء تطهيرك ما أمر به موسي،فيكون ذلك شهادة لهم."

لوقا 6:1-5:"و ذات سبت مر يسوع بين الحقول،فأخذ تلاميذه يقطفون سنابل القمح و يفركونها بأيديهم ثمّ يأكلون و لكنّ بعض الفريسيّين قالوا لهم:«لما ذا تفعلون ما لا يحلّ فعله في السّبت؟"فردّ عليهم يسوع قائلا:«أ ما قرأتم ما فعله داود حينما جاع مع مرافقيه؟كيف دخل بيت اللّه و أخذ خبز التقدمة و أكل منه،و أعطي مرافقيه،مع

ص: 167

أن الأكل من هذا الخبز لا يحل إلاّ للكهنة وحدهم؟ثمّ قال لهم:«إنّ ابن الإنسان هو ربّ السّبت".

و قد كان تلاميذ المسيح أيضا يتابعون شريعة موسي عليه السلام:فهم كانوا في كلّ حين في الهيكل.يسبحون اللّه و يمجّدونه و يعلمون الناس،حتي بعد قيامته:

"و كانوا يذهبون دائما إلي الهيكل،حيث يسبّحون اللّه و يباركونه"(لوقا 24:53).

حتي بعد أن امتلئوا بالروح القدس:"و لمّا جاء اليوم الخمسون، كان الإخوة مجتمعين معا في مكان واحد،و فجأة حدث صوت من السّماء كأنّه دويّ ريح عاصفة،فملأ البيت الّذي كانوا جالسين فيه.ثمّ ظهرت لهم ألسنة كأنّها من نار،و قد توزّعت و حلّت علي كل واحد منهم،فامتلئوا جميعا من الرّوح القدس،و أخذوا يتكلّمون بلغات أخري،مثلما منحهم الرّوح أن ينطقوا"(أعمال الرسل 2:1-4).

و قد قرّر الباحث توم هاربر Tom Harpur في كتابه"من أجل المسيح" "For Christ's Sake ص 35 أنّ:"جلّ دعوة المسيح كانت في شمالي مقاطعة إسرائيل،و الجليل، و ظاهر أنّ المسيح كان يعتقد أنّ دعوته موجّهة إلي اليهود،لا إلي العالم أجمع"..و قد شارك الباحث الحجّة س.ج.كادو C.J.Cadoux فيما كتبه،و النقاد المنضوون تحت لواء"ندوة عيسي" "Jesus Seminar" في كتابهم"الأناجيل الخمسة.." "The Five Gospels.." ص ص 24-25،توم هاربر قوله..و غيرهم كثير.

و القول بقصر دعوة المسيح علي بني إسرائيل يمنع إثبات ادعاء النصاري أنّ المسيح نسخ الشرائع السابقة و منع ظهور شرائع جديدة،لأنّ دعوته غير عالمية و إنما هي منحصرة في طائفة بشرية صغيرة!!

ص: 168

شبهة:يقوم المسلمون،عنادا و استبدادا,في سبيل إثبات بشارة الكتاب المقدس بنبيّهم،بتحريف معاني نصوص العهد القديم،باترينها عن سباقها و لحاقها،مسقطين البشارات بعيسي(عليه السلام)علي محمد(صلي اللّه عليه و سلّم)زاعمين أنّ محمدا(صلي اللّه عليه و سلّم)هو المبشّر به في أسفار الأنبياء الأوائل!

الرد:

لك الخير,لم نفسا عليك ذنوبها ودع لوم نفس ما عليك تليم

و كيف تري في عين صاحبك القذي و يخفي قذي عينيك و هو عظيم

إنّ هذه الشبهة لو قلبت علي النصاري و رموا هم بدائها لاستقام قوام الاعتراض و لا تضح المبطل من المحق و السقيم من السليم:إنّ حقيقة الأمر هي أنّ النصاري هم الذين حرّفوا البشارات المتعلّقة بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم بحملها علي عيسي عليه السلام حتي لكأنّ رسالة المسيح هي غاية الغايات و منتهي الإرادات و مجمع الآمال و الرغبات!

و هاك الردّ مفصلا:أكثر أصحاب الأناجيل و الرسائل من الزعم أنّ العهد القديم قد تنبّأ ببعثة المسيح،و زاد رجال الكنيسة في تضخيم هذا الادعاء فقالوا إنّ في العهد القديم مئات بل آلاف البشارات بالبعثة المسيحانية الخلاصية!!..و المتتبع لما جاء ذكره في العهد الجديد عن هذه البشارات المزعومة،و التي بالغ صاحب"إنجيل متّي"في "توليدها"و"تفريخها"و"استنساخها"من العهد القديم،ليلاحظ أنّ الأمر لا يعدو أن يكون تقوّلا علي"العهد القديم"و افتراء ظاهرا علي نصوصه بإثقاله بمعان لا يمكن أن تصله بها صلة سياقية أو تاريخية،و هذا ما قطع به النقاد الغربيون و المسلمون علي السواء.

من النقاد الغربيين الذين تحدثوا في هذا الشأن رندل هاريس في كتابه"الشهادات"

ص: 169

(سنة 1916،1920).و قد بيّن أنّ شهادات العهد القديم التي ذكرت تصريحا أو تلميحا في أسفار العهد الجديد يمكن،حسب رأيه،تصنيفها كالآتي:

1)فقرات يستشهد بها أكثر من كاتب من كتاب العهد الجديد،و تختلف نصوصها المنقولة عمّا في الترجمة الإغريقية لأسفار العهد القديم التي تعرف بالسبعينية،ما تختلف عمّا في النسخة العبرية.و من النادر تحديد مصادر تلك الترجمة.

2)فقرات مركبة تظهر في أكثر من كتاب من كتب العهد الجديد و قد تكونت خليطا من فقرتين أو أكثر،و يرجح أنها عن مصدر خلطت فيه من قبل،و يبدو هذا واضحا من الأمثلة التي نجد فيها"أنّ الكاتب قد نقل خطأ فقرتين لمؤلفين مختلفين،ثم نسبهما لمؤلف واحد كما في إنجيل مرقس(1:2-5)الذي اقتبس فقرة مركبة و هي عبارة عن خليط من سفر ملاخي و إشعياء،ثم نسبها خطأ إلي إشعياء.

إنّ هذا الخطأ يمكن أن يحدث بسهولة عند ما ينقل الكاتب شهاداته من مقتطفات أدبية لمؤلف خلط النبوءتين معا،و لا يحدث ذلك الخطأ لو كان الكاتب قد نقل عن السفرين المشار إليهما".

3)فقرات ارتبطت بكلمة متميزة أو فكرة مثل الفقرات التي تتكلم عن حجر،و منها الحجر الذي رفضه البنّاءون-حجر الزاوية-حجر عثرة،و هذه نقلت إلي أسفار العهد الجديد بتأويلات مختلفة."

و قال الدكتور روبرت كيل تسلر في كتابه"حقيقة الكتاب المقدس تحت مجهر علماء اللاهوت":"من التناقضات الكثيرة أيضا التي يحتويها الكتاب المقدس و التي لا تتفق مع العقل الذي يقول إن اللّه هو مؤلفه هي استشهادات العهد الجديد بجمل من العهد القديم لا توجد فيه،و استشهاده بجمل أخري قيلت بصورة مغايرة تماما."

ص: 170

و جاء في كتاب التفسير الحديث للكتاب المقدس(إنجيل متي)صفحة 31:"و لا شك أن ثمة اقتباسات أخري كثيرة من العهد القديم،لكن هذه المجموعة تتميز بصيغتها الثابتة.و كلها،عدا واحدة فقط،لم ترد إلا في إنجيل متي.و إذا ما حذفنا الاقتباسات من كل هذه الحالات،لا تتأثر القصة علي أي نحو،و هذا ما يوحي بأنها تعليقات أضيفت إلي القصة الموجودة..و لقد أثير الكثير من الجدل بشأن مصدر صيغة الاقتباسات و أثرها.و معظم الدارسين حاليا يعتبرونها إسهاما خاصا من متي أكثر من كونها عناصر تقليدية في قصة السيد المسيح."

و قال جون فنتون في تعليقه علي إنجيل متي:"..لقد استخدم متّي في إنجيله عشر مرات، صيغة يقدم بها للاستشهاد من العهد القديم،و هذه الصيغة تقول:و هذا كان لكي يتمّ ما قيل من الربّ بالنبيّ القائل.(انظر متّي 1:22،2:15،17،23، 4:14،8:17،12:17،13:35،21:4،27:9)

إنّ هذه الشهادات التي قدّم لها متّي بتلك الصيغة،إنّما هي إضافات من عمل متّي لمصدره و نعني به إنجيل مرقس،و هي واحدة من أهمّ ما يتميّز به إنجيل متي.

و بجانب ذلك فإنه توجد مواضع كثيرة في هذا الإنجيل نستطيع أن نجزم فيها بأنّ متّي كان يكتب و في تفكيره إحدي فقرات العهد القديم،علي الرغم من أنّه لم يشر إليها بصراحة.

و علي سبيل المثال فإنّ قول متّي:"أعطوه خلا ممزوجا بمرارة"(27:

34)،يمكن مقارنته بما في المزمور الذي يقول:"يجعلون في طعامي علقما و في عطشي يسقونني خلا"(69:21).

و لو أنّ هذا يخالف نظيره في إنجيل مرقس:"و أعطوه خمرا ممزوجة بمرّ ليشرب"(15:23).

إنّ الدراسة الحديثة للعهد القديم لا تؤيد مفهوم متّي لما فيه،كما أنّها لا توافقه علي الفقرات التي استخرجها من أسفاره،عند ما كان يكتب إنجيله.

ص: 171

و قد أصبح واضحا الآن أنّ العهد القديم لم يكن تجميعا لتنبؤات أحداث المستقبل يمكن أن تفهم فقط بعد أن تمضي عدة قرون."

استعمل النصاري وسائل سخيفة و حيل مكشوفة لإيهام الناس أنّ العهد القديم قد أفاض في الحديث عن عيسي عليه السلام:مولده،صفاته،دعوته،صلبه،قيامته من الموت،رفعه إلي السماء،عودته إلي الأرض...فما ترك صغيرة و لا كبيرة من حياته إلا و أتي علي ذكرها حتي بلغ الأمر ب"عالم"نصراني بارز كالقس"هورن"،صاحب كتاب"مقدمة الدراسة النقدية و التعريف بالأسفار المقدسة"،أن ادعي أنّ الذين يشككون في الوجود التاريخي للمسيح ابن مريم في زمان هذا القس،حجّتهم داحضة لأنه بإمكان النصاري أن يثبتوا أنّ المسيح قد وجد و عاش علي الأرض،فقط بما جاء عن خبره مفصلا في العهد القديم!

من الوسائل التي استعملها القوم:

اختراع أحداث تاريخية تجعل نصّ العهد القديم ينطبق علي المسيح.

تحريف نصّ العهد القديم نفسه ليوافق ما عرف عن عيسي.

افتراض الطبيعة التنبئية في غير موضعها.

اختراع نص في العهد القديم.

تركيب نبوءة من نصوص متباعدة من أسفار مختلفة لتكون الولادة"قيصرية" قسرية...!!!

اختراع أحداث تاريخية:

جاء في متّي 2:16-18:"و عند ما أدرك هيرودس أن المجوس

ص: 172

سخروا منه،استولي عليه الغضب الشديد،فأرسل و قتل جميع الصّبيان في بيت لحم و جوارها،من ابن سنتين فما دون،بحسب زمن ظهور النّجم كما تحقّقه من المجوس.

عندئذ تمّ ما قيل بلسان النّبي إرميا القائل:"صراخ سمع من الرّامة:بكاء و نحيب شديد!راحيل تبكي علي أولادها،و تأبي أن تتعزّي،لأنّهم قد رحلوا."

لم يذكر أيّ من المؤرخين الذين عاشوا في القرن الأوّل ميلادي هذه المجزرة المزعومة..و هذا أهم مؤرخي القرن الأول ميلادي,و المرجع التاريخي الأول للباحثين في تلك الفترة الزمنية,و الذي يعترف له الباحثون النصاري بهذا المقام:

"يوسيفوس",و الذي فصّل الحديث عن فلسطين و تاريخها,بل و أطنب في الحديث عن هيرودس في أربعين فصلا,لم يذكر شيئا عن هذه القصة الدموية التي لا يعقل مهما كانت الأسباب أن يتجاهلها مؤرخو القرن الأول ميلادي,بل هي حدث لا بدّ أن تؤرخ به الأحداث و الوقائع السابقة و اللاحقة.و الأمر بالمثل مع المؤرخ كورنليوس تاسيتوس(110 م) Cornelius Tacitus ..و لكنّ القصة مفتراة!!!

من الاشكالات الأخري في هذه النبوءة المزعومة:

"النبوءة"المزعومة لا تطابق ألفاظها في سفر إرمياء 31:15,ألفاظ إنجيل متّي 2:18:

الترجمة السبعينية"للنبوءة"في سفر إرمياء 31:15:

ص: 173

نص"النبوءة"في إنجيل متّي 2:18(و الاختلاف بيّن):

أبرز اختلاف بين النصين:نصّ متّي يقول"تأبي أن تتعزّي"في حين يقول نصّ إرمياء يقول"تأبي أن تتوقف(عن البكاء)"!!

قصة راحيل قد وقعت قبل ولادة المسيح بستة أو سبعة قرون!

القصة المزعومة في إنجيل متّي,"وقعت"في بيت لحم لا الرامة المذكورة في سفر إرمياء.

كيف سمع صوت النحيب و البكاء من الرامة رغم أنها تبعد عن بيت لحم أميالا لا أمتارا!

لا يظهر من فعل راحيل,أو نص إرمياء,أنّ فعل راحيل له دلالة تنبئية!

نصّ إرمياء يتحدّث عن شعب بني إسرائيل المشرّد في السبي,لا المقتول!

تقع بيت لحم في أرض يهوذا(متّي 2:6)و ينسب أبناؤها إلي لينة الزوجة الأولي ليعقوب لا إلي راحيل الزوجة المفضلة عند يعقوب.

ص: 174

-شعر حرّاس الكنيسة بسذاجة الكذبة التي حاول مؤلف إنجيل متّي تمريرها, فاعتذروا باعتذارات باردة أشد بلادة,و"ربّ عذر أقبح من ذنب"...

إذا أنت لم تعص الهوي قادك الهوي إلي بعض ما فيه عليك مقال

فقال جوش مكدويل,مثلا,في كتابه:"البرهان الجديد الذي يطلب قرارات ":"يتكلم إرميا عن أحزان السبي في(إرميا 31:17 و 18)،فما صلة هذا بقتل هيرودس لأطفال بيت لحم؟تري هل أخطأ متّي فهم ما قصده إرميا(متي 2:17 و 18)،أم أن قتل الأطفال يشبه قتل أبرياء يهوذا و إسرائيل؟

يقول لايتش:كلا بكل يقين!إن الحديث في إرميا 30:20 إلي 33:26 حديث نبوي عن المسيا،و تتحدث الفصول الأربعة عن اقتراب خلاص الرب،و عن مجيء المسيا الذي سيقيم مملكة داود علي عهد جديد أساسه مغفرة الخطايا(31:31- 34).و في هذه المملكة ستجد كل نفس حزينة متعبة تعزيتها(أعداد 12-14 و 25).و كنموذج لهذا يعطي اللّه تعزية للأمهات اللاتي فقدن أطفالهن لأجل المسيح.

( 250,BCJ,Laetsch )."

إذن,إنجيل متّي كان يعرض نموذجا..داخل"فترينة"!!!

تحريف النص المقتبس

أ-جاء في متّي 13:33-35:"و ضرب لهم مثلا آخر،قال:

«يشبه ملكوت السّماوات بخميرة أخذتها امرأة و أخفتها في ثلاثة مقادير من الدّقيق،حتّي اختمر العجين كلّه".

هذه الأمور كلّها كلّم بها يسوع الجموع بأمثال.و يغير مثل لم يكن يكلّمهم،

ص: 175

ليتمّ ما قيل بلسان النّبيّ القائل:«سأفتح فمي بأمثال،و أكشف ما كان مخفيّا منذ إنشاء العالم."

زعم مؤلف إنجيل متّي أنّ ما جاء في المزمور 78:2 هو حديث عن عيسي عليه السلام..و لكن بعد تحريفه:

يقول المزمور 78:2:"أفتح فمي بمثل و أنطق بألغاز قديمة جدا"

كما تري,لقد حرّف مؤلف إنجيل متّي المزمور,فحوّل:

"مثل"إلي"أمثال"

"ألغاز قديمة جدا"إلي"ما كان مخفيا منذ إنشاء العالم"!!

جملة قصيرة جدا,حرّفت تحريفا فاحشا..علي المكشوف..و لكنّ عوام النصاري لا يقرءون!!!

من الاشكالات الأخري المطروحة في هذه"النبوءة"ما جاء في تفسير آدم كلارك Adam Clark من أنّ العديد من المخطوطات تذكر اسم إشعياء باعتباره صاحب البشارة بالمسيح في العهد القديم في هذا النص,و يضيف آدم كلارك أنّ هذا خطأ ظاهر(ذكر إشعياء),و نقل عن جيروم قوله ربما كان اسم آساف( صاحب المزمور 78!)مذكورا في النص الأصلي,و لمّا رأي ناسخ جاهل اسم آساف و ما عرفه,كتب اسم النبي إشعياء باعتباره صاحب"النبوءة",فوقع في خطإ لمّا أراد أن يتلافي خطأ متوهما(بزعم كلارك)!!

هذا التوجيه من آدم كلارك و جيروم,كما هو ظاهر,لا يستقيم.إذ أنّ ذكر "إشعياء"قد وقع في الكثير من المخطوطات,بالإضافة إلي أنّ ذلك قد كان في

ص: 176

القرون الأولي للنصرانية فقد ذكره جيروم الذي ولد في منتصف القرن الرابع ميلادي ..فمتي تمّ إقحام اسم"إشعياء"؟؟!

ب-جاء في إنجيل متّي 1:22-23:"و هذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل:"هوذا العذراء تحبل و تلد ابنا و يدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره اللّه معنا."

النص المقتبس من سفر إشعياء 7:14 كما هو في التراجم العربية الحالية:" و لكن يعطيكم السيد نفسه آية ما العذراء تحبل و تلد ابنا و تدعو اسمه عمانوئيل".

نصّ إشعياء يذكر الكلمة العبرية"علما"أي"شابة"..لكنّ نصّ إنجيل يوحنا حوّلها إلي"عذراء"بيثولا"ليوائم حال مريم أمّ المسيح عليهما السلام.

و قد استعملت التراجم اليونانية:أكيلا Aquila و سيماشوس Symachus و تيودوشين Theodotion ,العبارة اليونانية"نيانس" "neanis" و التي تعني فتاة شابة لا عذراء!

و قد أصلحت الكثير من التراجم الحديثة التحريف الذي لحق سفر إشعياء ليوائم التحريف المقصود الذي مارسه مؤلف إنجيل متّي,فعادت كلمة"شابة"مكان "عذراء"في:

التراجم الإنجليزية:

The Revised Standard Version The New Revised Standard Version The New English Translation

ص: 177

The New Life Translation التراجم الفرنسية:

La Bible De Semeur Louis Segond التراجم الإسبانية:

Nueva Version Internacional

و أنكر اليهود علي النصاري منذ القرن الثاني تحريفهم للنص,كما هو ظاهر من إنكار تريفو اليهودي علي جستين فيما نقله جستين نفسه في كتابه"المحاورة"!

لخّص الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه "ميلاد المسيّا" "The Birth of the Messiah" ص 147 اعتراضات النقّاد علي هذا الاقتباس في هذه النقاط:

بشارة إشعياء متعلّقة بخلاص مملكة الملك آحاز من أعدائها,و مضمونها من المفروض أنّه قد وقع في زمان هذا النبيّ.

الطفل المولود ليس هو المسيح,و ان اختلف النقاد في تحديده,و الراجح أنّه أمير داودي سيخلّص يهوذا من أعدائها.و قد نقل جستين(في حواره مع تريفو)عن اليهود في زمانه أنّ هذا الطفل هو حزقيا ابن الملك آحاز و خليفته.

اليهود ما زعموا أبدا أنّ نص إشعياء هو بشارة ب"المسيح المنتظر"..و لم تظهر الطبيعة المسيانية في ذاك النص إلا علي يد النصاري,رغم أنّ اليهود قد أسبغوا الصبغة المسيانية علي الكثير من نصوص التوراة الأخري!

كلمة"علما"تستعمل لوصف الفتة الشابة التي بلغت سنّ الزواج,و لا تعني حرفيا"عذراء"!

ص: 178

-وجود أداة التعريف"ال"في عبارة"الشابة",يدلّ علي أنّ هذه الفتاة كانت معلومة لدي إشعياء و آحاز,و ربما هي فتاة تزوجها آحاز حديثا.

و كخلاصة,يقول,ريموند براون:"فإنّ النص العبري لإشعياء 7:14 لا يشير إلي ميلاد عذري في المستقبل البعيد."

قلت..أيضا:

لا ذكر"للمسيح"في هذه القصة.

لم يسمّ المسيح من معاصريه ب"عمانوئيل",بل تقول الأناجيل إنّه سمّي "يسوع".

جاءت ترجمة إشعياء 7:14 في"الترجمة الإنجليزية الجديدة The New" "English Translation :

"you,young woman,you will name him" Immanuel"

:"..أنت,أيتها المرأة الشابة,ستسمّيه عمانويل."..و ما سمّت مريم يسوع ب"عمانويل"!

يزعم النصاري أنّ المسيح إله,في حين أنّ البشارة في سفر إشعياء تخبر عن ترقّي هذا الطفل المولود في معرفة الخير و الشرّ,و هو ما لا يتّسق مع صفات الإله.

ت-جاء في إنجيل متّي 2:3-6:"فلما سمع هيردوس الملك اضطرب و جميع أورشليم معه.

فجمع كل رؤساء الكهنة و كتبة الشعب و سألهم أين يولد المسيح.

ص: 179

فقالوا له في بيت لحم اليهودية لانه هكذا مكتوب بالنبي:

"و أنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغري بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج مدبر يرعي شعبي إسرائيل."

نص متّي يشير إلي سفر ميخا 5:2:"أما أنت يا بيت لحم أفراتة و أنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا علي اسرائيل و مخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل."

حذف مؤلف إنجيل متّي كلمة"أفراته".

حوّل"أنت صغيرة"إلي"لست صغيرة".

حوّل ألوف(يهوذا)إلي رؤساء(يهوذا).

و قد قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه"ميلاد المسيّا" "The Birth of The Messiah" ص 184 إنّ اقتباس متّي يتمثل في الجمع بين نصين:ميخا 5:1 و صموئيل الثاني 5:2("و في الأيام الغابرة عند ما كان شاول ملكا علينا كنت أنت قائدنا في المعارك,و قد قال الربّ لك:"أنت ترعي شعبي إسرائيل و تتولي حكمه"),و أضاف أنّ:"الاقتباس المدمج (أي ميخا 5:1 و صموئيل الثاني 5:2)لا يعكس بالضبط النصوص العبرية القياسية و لا اليونانية القياسية.".و نقل بعد ذلك النصوص:

نص متّي:

"And you,O Bethlehem(in the)land of Judah,

ص: 180

are by no means least among the rulers(hegemon)of Judah; for from you will come forth a ruler(hegoumenos) who will shepherd my people israel." "و أنت يا بيت لحم(في)أرض يهوذا, لست الصغري بين رؤساء(هجيمون)يهوذا, لأن منك يخرج حاكم(هيجومنوس) سيرعي شعبي إسرائيل".

النص اليوناني:

"And you,O Bethlehem,House of Ephrathah, Are too small to be among the thousands(chilias)of JudaH; From you there will come forth for me a leader(archon)of Israel" "you will shepherd my peopl Israel" .

"أما أنت,يا بيت لحم,بيت أفراتة, و أنت صغيرة أن تكوني بين ألوف(شيلياس)يهوذا, فمنك سيخرج لي الذي يكون قائدا(أركون) اسرائيل."

"أنت سترعي شعبي إسرائيل".

النص العبري:

"And you,O Bethlehem Ephrathah,

ص: 181

Small to be among the clans(Literally, "thousands ")of Judah; From you there will come forth for me one who is to be a ruler in Israel," "you will shepherd my people israel,"

"أما أنت,يا بيت لحم أفراتة, و أنت صغيرة أن تكوني بين عشائر(حرفيا و"ألوف") يهوذا, فمنك سيخرج لي الذي يكون قائدا في إسرائيل."

"أنت سترعي شعبي إسرائيل".

من الاشكالات الأخري في هذه البشارة المزعومة:

يتحدث ميخا في النص المقتبس عن شخص يظهر من سلالة أصلها من بيت لحم ينقذهم من الآشوريين الذين ما عاد لهم وجود في فلسطين زمن المسيح!

ميخا 5:6 يقول:"فبرعون أرض أشور بالسيف و أرض نمرود في أبوابها فينقذ من أشور إذا دخل أرضنا و إذا داس تخومنا ".و يسوع لم يحارب الآشوريين و لم يذد عن فلسطين بالسيف.

نص ميخا يتحدّث عن قبيلة أصلها من بيت لحم(و يظهر الأمر بوضوح في الترجمة السبعينية)لا عن منطقة اسمها بيت لحم كما هو فهم مؤلف إنجيل متّي.

القول إنّ"بيت لحم"في ميخا يقصد بها مدينة لا قبيلة,يجعلنا نسأل:" و هل يوجد في يهوذا ألوف المدن؟!!!"

ص: 182

-لو كان يسوع من بيت لحم لسمّي و لو مرة واحدة"يسوع البيتلحمي"..

علما بأنّ والد داود قد سمّي"البيتلحمي"كما هو في سفر صموئيل الأول 16:1.

نسب يسوع إلي الجليل لا إلي بيت لحم في أكثر من موضع في الأناجيل:متّي 26:69,21:11,لوقا 23:6...

نصّ ميخا لا يشير إلي الأزل و إنما يشير فقط إلي التاريخ القديم الذي له بداية, فلفظة"أولام" " "تعني أزمنة قديمة و لا تعني الأزل,و مما يؤكد هذه الحقيقة أنّ هذه الكلمة قد عرّبت في سفر التثنية 32:7 علي أنّها تعني"أيام القدم ":"أذكر أيام القدم و تأمّلوا سني دور فدور اسأل أباك فيخبرك و شيوخك فيقولوا لك."

و يسوع في المعتقد الكنسي إله أزلي لا كائن حادث!

افتراض الطبيعة التنبئية:

إنجيل متّي 2:15:"و كان هناك إلي وفاة هيرودس لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني."

نصّ إنجيل متّي يشير إلي سفر هوشع 11:1:"لما كان اسرائيل غلاما احببته و من مصر دعوت ابني."

نصّ هوشع يتحدّث صراحة عن بني إسرائيل,كما هو ظاهر من السياق و من الكلام التالي,لكنّ صاحب الإنجيل جعل الحديث:نبوءة,و ألصقه بالمسيح.و الغرض

ص: 183

من هذا الصنيع هو جعل عيسي عليه السلام مثل موسي،و ذلك لأن موسي خرج ببني إسرائيل من مصر قبل أن يبدأ أخطر مراحل دعوته،و كذلك يسوع فعل!

النصوص كما نقلها الأب الكاثوليكي ريموند براون Raymond Brown في كتابه"ميلاد المسيّا" "The Birth of The Messiah" ص 220:

متّي 2:15:

"Out of Egypt have I called(Kalein)my son(huios)" "من مصر ناديت(كلين)ابني"

النص اليوناني:

"Out of Egypt have I summoned(metakalein)his children(tekna).

"من مصر استدعيت(متكلين)ابناؤه(تكنا)."

النص العبري:

"From(or out of)Egypt have I called my son" "من(أو من خارج)مصر ناديت ابني."

لاحظ أنّ مؤلف إنجيل متّي قد ترك النص اليوناني السبعيني للعهد القديم الذي كان ينقل عنه في الأغلب,إلي النص العبري أو أحد تراجمه اليونانية,لأنّ النص اليوناني السبعيني لا يمكن أن يسخّر لهدفه!!!

ص: 184

و علي كلّ,و كما هو قول ريموند براون(ص ص 219-220)و غيره, فالسياق متعلّق باسرائيل لا بيسوع,و النص اليوناني السبعيني يؤكد أنّ اليهود لم يفهموه إلا علي هذه الصورة!

-اختراع نصّ في العهد القديم:

جاء في إنجيل متّي 2:23:"فوصل بلدة تسمّي«النّاصرة»و سكن فيها،ليتمّ ما قيل بلسان الأنبياء إنّه سيدعي ناصريّا."

اعترف كبار المفسرين النصاري بعدم ورود هذه النبوءة في العهد القديم ..و قال بعضهم أنّ هذه البشارة كانت موجودة في العهد القديم و قام اليهود بحذفها..

و ما يهمنا في هذا الادعاء هو اعترافه بعدم وجود هذه البشارة في العهد القديم اليوم!!

جاء هذا الاعتراف في كثير من المراجع النصرانية,و منها:

التعليق علي ترجمة"الكتاب المقدس الأمريكي الجديد "The New" "American Bible ص 1012:"مدينة الناصرة لم تذكر في العهد القديم,و لا توجد نبوءة كهذه فيه.العبارة الغامضة"بلسان الأنبياء"ربما تعود إلي اعتقاد متّي وجود صلة بين الناصرة و بعض النصوص التي فيها كلمات تشابه بصورة بعيدة اسم تلك المدينة..".

قال حليم حسب اللّه في كتابه:"المسيح بين المعرفة و الجهل":"إن الآية الواردة في(متي 2:23)نصها كالآتي:«و أتي و سكن في مدينة يقال لها ناصرة لكي يتم ما قيل بالأنبياء أنه سيدعي ناصريا»و مع أنه قيل لكي يتم ما قيل بالأنبياء لكننا بالبحث لا نجد بحصر اللفظ نبوة تقول إنه«سيدعي ناصريا»."

ص: 185

-قال المنصّر الأمريكي في الشرق الأوسط,بنيامين بنكرتن,في تعليقه علي إنجيل متّي:"مدينة الناصرة ليست مذكورة في التوراة."

جاء في هامش الترجمتين الألمانيتين "Zurcher Bible" طبعة 1982 و "Einheitsubersetzung" طبعة 1990:"إنّ مثل هذه النبوءة لا وجود لها في الكتاب المقدّس كلّه."

قال وليم باركلي في تفسيره لإنجيل متّي ص 37:"و هذه النبوة تواجه المفسرين بصعوبة كبيرة،ذلك لأنه لا توجد آية في العهد القديم بهذا المعني-و حتي مدينة الناصرة نفسها غير مذكورة علي الاطلاق في العهد القديم.و لم يوجد حل كاف لهذه المشكلة."

قال المعلقون علي ترجمة دار المشرق:"يصعب علينا أن نعرف بدقة ما هو النص الذي يستند إليه متّي."

ذكر جون فنتون عميد كليّة اللاهوت بليتشفيلد بإنجلترا في كتابه:"تفسير إنجيل متّي"ص 51 أنّ النقاد متفقون علي"أنّ مصدر هذه النبوءة غير معلوم"!!

قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه"ميلاد المسيّا" "The Birth of The Messiah" ص 223:"سيدعي ناصريا,هو أصعب اقتباس في الإنجيل,إذ أنّه ليس هناك خلاف أنّه غير مرتبط بنصّ معلوم."

و مع تلك الشهادات,نقول:إنّ الحقائق التاريخية كلّها تقف ضد تاريخية "ناصرة"القرن الأول ميلادي,من ذلك:

ص: 186

-جاء في موسوعة بورداس Bordas أنّه ما من نصّ يهودي قديم يذكر مدينة "الناصرة"قبل القرن الثاني ميلادي.و قول هذه الموسوعة"نص يهودي"يشمل العهد القديم و غيره من الكتب المقدسة و غير المقدسة..!!

سفر يشوع الذي يذكر أين استقر سبط زبولون,يذكر 12 مدينة و 6 قري, و لا يذكر"الناصرة"!

التلمود,رغم أنّه ذكر 63 مدينة جليلية,لم يشر إلي"الناصرة".

بولس,صاحب الجزء الأكبر من أسفار العهد الجديد,لم يذكر الناصرة!

يذكر أنه لم يشر أيّ مؤرخ أو جغرافي إلي"الناصرة"قبل القرن الرابع ميلادي!

رحلة الحج النصرانية التي تعود إلي القرن الرابع ميلادي,و التي تذكر المناطق التي يمرّ عبرها الحاج,علي مدي أميال كثيرة,مخلّدة ذكري أعمال المسيح و الأنبياء في فلسطين,لا تذكر الناصرة!!!.و هذه هي خريطة هذه الرحلة التعبديّة الطويلة:

ص: 187

و لعلّ أصل كلمة"الناصرة"هو من كلمة"الحقيقة".و لا علاقة ل"ناصرة" متّي بمنطقة تسمي بهذا الاسم,و مما يؤيد هذا القول ما جاء في إنجيل فيليب الذي ترفضه الكنيسة(الترجمة الإنجليزية ضمن كتاب"مكتبة نجع حمادي" "The Nag "Hammadi Library لجيمس م.روبنسون James M.

Robinson ص 147(الطبعة المراجعة):

"The apostles who were before us had these names for him:" Jesus,the Nazorean,missiah ,")...( "Nazara "is "the Truth" ." the Nazarene" , then,is "the Truth" "الرسل الذين كانوا قبلنا سمّوه بهذه الأسماء:"يسوع ,الناصري,مسيّا(...)"نصاري"هي"الحقيقة".

"ناصري"هي إذن"الحقيقة".

إنّه,إذن,خطأ اخترعت منه نبوءة مسيانية!!!!

ص: 188

-تركيب نص من طرف مؤلف الإنجيل:

أ-جاء في مرقس 1:2-3:"كما كتب في كتاب إشعياء:«ها أنا أرسل قدامك رسولي الّذي يعد لك الطّريق؛"صوت مناد في البريّة:أعدّوا طريق الربّ،و اجعلوا سبله مستقيمة."

تتكوّن هذه"النبوءة"من جزءين:"صوت مناد في البرية,أعدّوا طريق الربّ و اجعلوا سبله مستقيمة",و هذا الجزء من من سفر إشعياء 40:3.و"ها أنا أرسل قدّامك رسولي الذي يعدّ لك الطريق", و هو من سفر ملاخي 3:1..

و للعلم فإنّ الكثير من المخطوطات القديمة قد حذفت كلمة"إشعياء"من نصّ مرقس كما هو منقول في"الترجمة الإنجليزية الإنجليزية" "The New English "Translation (و من هذه المخطوطات: A E F G H P W S )للحرج الشديد الذي أحدثته هذه الكلمة للنصاري,إذ كشفت أنّ مؤلف إنجيل مرقس مزوّر محترف!!

إذن هي ليست نبوءة من عند إشعياء,و إنما هي نبوءة مركّبة من طرف مؤلف إنجيل مرقس.و قد ذكر آدم كلارك في تعليقه علي هذا النصّ أنّ أحد المخطوطات السريانية تذكر إشعياء و ملاخي!!

ب-جاء في إنجيل متّي 2:4-6:"فجمع إليه رؤساء كهنة اليهود و كتبتهم جميعا،و استفسر منهم أين يولد المسيح.

فأجابوه:«في بيت لحم باليهوديّة،فقد جاء في الكتاب علي لسان النّبيّ:

ص: 189

"و أنت يا بيت لحم بأرض يهوذا،لست صغيرة الشأن أبدا بين حكّام يهوذا،لأنّه منك يطلع الحاكم الّذي يرعي شعبي إسرائيل"

علّق جون فنتون في كتابه"القدّيس متّي"ص 46 علي هذا الاستنباط,بقوله :"إنّ النبوءة من سفر ميخا 5:2,لكنها ليست في الترجمة السبعينية الإغريقية,كما أنّها ليست ترجمة صادقة عن النص العبري(و يستطيع القارئ ملاحظة ذلك بسهولة) و من المحتمل أن يكون سفر صموئيل الثاني 5:2 قد ضمّ إلي نبوءة ميخا"!!!؟

و قال إدوارد شفايتزر في تفسيره لإنجيل متّي ص 17:"و بالنسبة لاستشهاده بميخا,فهو يشير في اليهودية إلي المسيا،و أقحم أيضا في التراجم إلي الأرامية،كما أنّه لا توجد كلمة"أرض يهوذا"في النص العبراني و لا في النص اليوناني،و يمكن أن يكون مصدرها هو متي نفسه.و كذلك أخطأ متّي في قراءة"لست الصّغري"،بينما هي في العهد القديم"الصّغري""!!!

و لمّا حاول المنصّر بنيامين بنكرتن في تعليقه علي إنجيل متّي الدفاع عن أصالة هذا الاقتباس,قال:"هذه النبوة واردة في(ميخا 5:2)و هي مقتبسة لا بحروفها بل بمعناها."!!؟

ت-جاء في إنجيل متّي 27:9-10:"حينئذ تمّ ما قيل بإرميا النّبيّ:"و أخذوا الثّلاثين من الفضّة ثمن المثمّن الّذي ثمّنوه من بني إسرائيل و أعطوها عن حقل الفخّاريّ كما أمرني الرّب."

بالإضافة إلي ما ذكره جميع النقاد من أنّ هذه النبوءة بهذه الصيغة لم ترد في سفر إرمياء,حتي قال المفسّر هورن في ص ص 385 و 386 من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1822 م إنّ في هذا النقل إشكال كبير؛لأنه لا يوجد في كتاب إرمياء

ص: 190

مثل هذا،و يوجد في زكريا 11:13 لكن لا تطابق هذه الفقرة الألفاظ التي وردت في متي،و أقر بعض المحققين علي أنه وقع الغلط في نسخة متي و كتب الكاتب"إرميا" بدلا من"زكريا"أو أن هذا اللفظ زائد..بالإضافة إلي ذلك قال الباحث الاعتذاري ر.جندري R.Gundry إن متّي رأي أنه قد تمت في هذه الحادثة نبوأتان منفصلتان،إحداهما رمزية(إرميا 19:1-13)و الثانية حرفية(زكريا 11:13)، و لكنه اكتفي بالإشارة إلي إرمياء!!(طبعا اعتذار يحتاج إلي اعتذار).

أمّا هامش الكتاب المقدس الألماني الكاثوليكي Einheitsubersetzung فقال بصراحة:"هذه العبارة لم تذكر في إرمياء،و لكنها ربط حر لمواضع من زكريا و إرمياء و الخروج."(ربط حرّ)..!!

و جاء في الكتاب المقدس Zurcher Bible :"إن الكلمات المستشهد بها هنا قد أخذت من زكريا 11:13،أما الكلام الّذي ذكر هنا عن الفخار فهذا خطأ كتابي أقحم في النص العبراني،أما إحالة النص إلي سفر إرمياء فيوضح لنا اعتماد الكاتب علي الذاكرة،حيث تكلم إرمياء 18:2 عن الفخار،و لكن ليس هذا هو الموضع المقصود من كلام متي."!!!!

الخلاصة:البشارات المزعومة في الأناجيل,عن ظهور يسوع المسيح,ما هي إلا دعاو باطلة من كيس الإنجيليين الذي وصل بهم حماسهم إلي الوقوع في أخطاء مضحكة ,حتي قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه"ميلاد المسيّا" "The Birth of The Messiah" هامش ص 97:" يوحنا 15:25(لكي تتمّ الكلمة المكتوبة في ناموسهم أنّهم أبغضوني بلا سبب)التي تحدثت عن تحقق الناموس ليست مستلة من الناموس,بل من المزمور 35:19 و 69 :46."!!!

ص: 191

أعمي يقود بصيرا لا أبا لكم قد ضلّ من كانت العميان تهديه

يعترف النصاري بأنّ العهد القديم يتنبّأ ببعثة من تسمّيه"النبيّ"و هو:نبيّ آخر الزمان,و لكنّهم يزعمون أنّه عيسي عليه السلام,و هذا من أعجب العجب و أبطل الباطل,إذ كيف يكون عيسي عليه السلام ربا للعالمين و في نفس الوقت نبيا مربوبا مبلغا عن خالقه!!

ثمّ,إنّ هذا"النبي"لم يبعث إلي زمن عيسي عليه السلام بشهادة أسفار النصاري ذاتها,إذ أنه و كما جاء في إنجيل يوحنا,فإنّ اليهود من مدينة القدس قد أرسلوا وفدا منهم إلي المعمدان(يحي عليه السلام)ليسألوه:"أو أنت النبيّ؟"(يوحنا 1:21)..

من أهم البشارات التي يدندن حولها النصاري زاعمين أنها مصرّحة بمقدم عيسي بن مريم عليهما السلام,لا بعثة محمد صلي اللّه عليه و سلّم كما يقول المسلمون, بشارة"العبد الصالح",و بشارة"ابن الإنسان",و بشارة"شيلون",و بشارة"الحجر الذي رفضه البنّاءون".

ص: 192

بشارة"العبد الصالح"

جاء في سفر إشعياء 42:1-17 قول الربّ:

"هوذا عبدي الّذي أعضده،مختاري الّذي ابتهجت به نفسي.وضعت روحي عليه ليسوس الأمم بالعدل.

لا يصيح و لا يصرخ و لا يرفع صوته في الطّريق.

لا يكسر قصبة مرضوضة،و فتيلة مدخنة لا يطفئ.إنّما بأمانة يجري عدلا.

لا يكلّ و لا تثبّط له همّة حتّي يرسّخ العدل في الأرض، و تنتظر الجزائر شريعته.

هذا ما يقوله اللّه،الرّبّ خالق السّماوات و باسطها، و ناشر الأرض و ما يستخرج منها.الواهب أهلها نسمة، و المنعم بالرّوح علي السّائرين عليها:

"أنا هو الربّ قد دعوتك بالبر.أمسكت بيدك و حافظت عليك و جعلتك عهدا للشعب و نورا للأمم.

لتفتح عيون العمي،و تطلق سراح المأسورين في السّجن، و تحرر الجالسين في ظلمة الحبس

أنا هو الربّ و هذا اسمي.لا أعطي مجدي لآخر،و لا حمدي للمنحوتات.

ها هي النّبوّات السّالفة تتحقق،و أخري جديدة أعلن عنها و أنبأ بها قبل أن تحدث."

غنوا للربّ أغنية جديدة،سبّحوه من أقاصي الأرض أيّها المسافرون في عباب البحر و كل ما فيه و يا سكان الجزائر

ص: 193

لتهتف الصّحراء و مدنها،و ديار قيدار المأهولة.

ليتغن يفرح أهل سالع و ليهتفوا من قمم الجبال

و ليمجّدوا الربّ و يذيعوا حمده في الجزائر

يبرز الربّ كجبّار،يستثير حميّته كما يستثيرها المحارب،و يطلق صرخة حرب داوية،يظهر جبروته أمام أعدائه(...)

أما المتوكّلون علي الأصنام القائلون للأوثان:"أنتم آلهتنا"فإنّهم يدبرون مجلّلين بالخزي."

النص الماسوري(نسبة إلي الماسورة أي النص العبري المشكول و المعتمد اليوم):

ص: 194

ص: 195

يدّعي النصاري أنّ هذه البشارة هي خاصة ب"يسوع الكنيسة",ناقلين ما جاء إنجيل متّي 12:17-22:"ليتمّ ما قيل(قلت:في يسوع) بلسان النّبيّ إشعياء القائل:"ها هو فتاي الّذي اخترته، حبيبي الّذي سرّت به نفسي!سأضع روحي عليه،فيعلن العدل للأمم لا يخاصم و لا يصرخ،و لا يسمع أحد صوته في الشوارع قصبة مرضوضة لا يكسر،و فتيلة مدخنة لا يطفئ،حتّي يقود العدل إلي النّصر،و علي اسمه تعلق الأمم رجاءها!"ثمّ أحضر إليه رجل أعمي و أخرس يسكنه شيطان،فشفاه حتّي أبصر و تكلّم."

هذه البشارة التي دندن حولها النصاري كثيرا لا تنطبق علي المسيح,خاصة في صورته الكنسية,بل هي تنطبق علي محمد صلي اللّه عليه و سلم بصورة دقيقة, و هذا هو فهم الصحابة لهذا النصّ منذ زمن النبوّة,فعن عطاء بن يسار قال:لقيت عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنه فقلت:أخبرني عن صفة رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في التوراة،فقال:"أجل،و اللّه إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن:"يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا و مبشّرا و نذيرا"و حرزا للأميين،أنت عبدي و رسولي، سميتك المتوكل،ليس بفظ و لا غليظ،و لا صخاب في الأسواق،و لا يدفع السيئة بالسيئة،و لكن يعفو و يصفح،و لكن يقبضه اللّه

ص: 196

حتي يقيم به الملة و العوجاء،بأن يقولوا:لا إله إلا اللّه، و يفتح به أعينا عميا،و آذانا صمّا،و قلوبا غلفا" (البخاري).

و قد قال كاهن كنيسة العذراء"عبد المسيح بسيط أبو الخير"في كتابه:"هل تنبّأ الكتاب المقدس عن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح؟"ص 117 تحت عنوان:"عبد الربّ, من هو؟و ما هي صفاته و أعماله؟"معاندا الفهم الحقّ:

"ورد في سفر إشعياء مجموعة من النبوّات في الإصحاحات(42 إلي 62)،عن شخص دعي ب"عبد الربّ"و لم تذكر له،هذه النبوّات،اسما محددا،و قد أجمع المفسّرون المسيحيّون علي أنّ هذا الشخص المذكور في هذه النبوّات هو الربّ يسوع المسيح،المسيّا الآتي و المنتظر.كما رأت الغالبية العظمي من الربيّين اليهود،خاصّة القدماء الذين كتبوا في فترة ما قبل المسيح و ما تلاها و حتي القرن الخامس عشر الميلادي،سواء في التلمود أو المشناة أو الجمارا أو المدارش،و كل كتب التقليد اليهوديّ بكافة أنواعها أن هذا العبد هو"المسيّا"،و علي سبيل المثال يقول ترجوم بسيدو يوناثان:"ها هو عبدي المسيا،سأقرّبه إليّ،مختاري الذي يتبارك به شعبي"(!!!)

قلت:لا أدري كيف من الممكن الجمع بين المسيح اليهودي البشري العنصري و بين المسيح النصراني المتألّه المثلث العالمي..!!؟..و لكن..

رأيت اللسان علي أهله إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا!

إنّ مسيح اليهود صورة أخري بعيدة تماما عن مسيح الكنيسة.إنّه لا يعدو أن يكون تشابها في الألقاب مع تغاير أو تقابل المضمون!!

ص: 197

و يكفي حتي نثبت أن مسيح الكنيسة ليس هو المعني بحديث نبي اللّه إشعياء,أن نذكر أنّ مؤلف إنجيل متّي قد اضطر إلي تحريف نص سفر إشعياء ليلبسه المسيح,و قد قال البحّاثة جون فنتون John Fenton ,عميد كلية اللاهوت بلتشفيلد بإنجلترا ,في تعليقه علي إنجيل متّي "Saint Matthew" ص 195:"من الواضح أنّ متّي لم يتّبع نصّ أيّ من النسختين العبرية أو الإغريقية,لكنه سار علي أخذ نصوص حسبما رآها تناسب رأيه من أنّ النبوءة تحققت في عيسي و في الكنيسة.

و لقد حذف متّي سطرين من إشعياء 42:1-4,و لكنّه أبقي علي السطر الأخير الذي رأي أنّه يحقّق هدفه."!!

قلت:"من حفر جبّا"لقارئه",نزلت بداره بوائقه"!!!-

و بعيدا عن حذلقات الكنيسة,لنناقش أهم معالم هذه البشارة:

"هذا هو عبدي":من المتفق عليه بين أهل الملل الأرضية و السماوية أنّ محمدا صلي اللّه عليه و سلم ما ادّعي أنه فوق مرتبة العبودية للّه سبحانه.أما يسوع الإنجيلي,فإنّ الكنيسة تنسبه إلي الألوهية و تسحبه من عرشه السماوي إلي خشبات الصليب الروماني ليكون إلها بشريا و بشرا مؤلها!!

"الذي أعضده":و محمد صلي اللّه عليه و سلم هو النبيّ المؤيد من اللّه سبحانه,الذي أفاض عليه بمعجزات هائلة نصره بها علي أعداء التوحيد.أما يسوع الإنجيلي فتقدّمه الكنيسة علي أنّه هو نفسه المعبود المستجار بسلطانه و الملتجأ إلي قدرته.

"مختاري":أي الذي اصطفاه اللّه من خلقه ليكون المبلّغ عنه و ليكون حجّته علي العالمين و ليختم به عقد النبوة البديع,و معلوم أنّ من اسماء نبي الإسلام

ص: 198

صلي اللّه عليه و سلّم:"المصطفي",و قد قال الإمام ابن حجر في شرحه لحديث جبير بن مطعم في صحيح البخاري:"..و من أسمائه المشهورة"المختار و المصطفي و الشفيع و المشفّع و الصادق و المصدوق."أمّا يسوع الإنجيلي,فهو طبق اعتقاد الكنيسة, المنوط به اصطفاء الأنبياء و الرسل و لا يصطفيه غيره فهو صاحب القول و الأمر.

"الذي ابتهجت به نفسي":أي الذي جعله اللّه سبحانه أعظم خلقه ,إذ قد بلغ ذري سنام العبادة و منتهي.أما يسوع فهو عند النصاري,المعبود..فهل ابتهجت نفس الربّ بنفسه ذاتها؟!

"وضعت روحي عليه":أيّ أيّدته بالروح القدس و من معه من الملائكة.

و قد كان ذلك لمحمد صلي اللّه عليه و سلم في معركة بدر و في معارك أخري له و لأمته من بعده.كما أنّ هذه العبارة تدلّ علي أنّ المتحدّث عنه نبيّ,فقد جاء مثلا في سفر أخبار الأيام الثاني 15:1:"و حلّ روح الربّ علي عزريا بن عوديد"و جاء في سفر العدد 11:29:"..ليت كلّ شعب الربّ يصبحون أنبياء يحلّ عليهم الربّ بروحه".و جاء في القرآن قوله تعالي: "وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا" .(سورة الشوري 52).أمّا يسوع الإنجيلي فقد صرخ علي الصليب بعد أن تمكّن منه أعداؤه:"إلهي!إلهي!لما ذا تركتني!"(متّي 27:46,مرقس 15:34).كما أنّه إله معبود لا نبيّ مربوب!

"ليسوس الأمم بالعدل":و محمد صلي اللّه عليه و سلم هو الذي أرسل رحمة للعالمين "وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ" (الأنبياء 107).أما يسوع فما تجاوزت رسالته بني إسرائيل:"لم أرسل إلا إلي خراف بيت إسرائيل الضالة"(متّي 15:14).

ص: 199

كما أنّ محمدا صلي اللّه عليه و سلّم كان حاكما أرضيا ساس الأمم من عرب و غيرها,أمّا يسوع فقد كانت مملكته سماوية لا أرضية!

"لا يصيح و لا يصرخ و لا يرفع صوته في الطريق":أي صاحب حجة و بيان,لا يستقطب الأتباع بالصراخ و التهديد و إنما بالدليل و البرهان.و مما يوضّح انطباق هذا الأمر علي محمد صلي اللّه عليه و سلم,قول الحق سبحانه له صلي اللّه عليه و سلّم: "اُدْعُ إِلي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (سورة النحل 125).أما يسوع الكنيسة فقد كان يبتعد عن المحاججة و المناظرة في غير ما موقف(متّي 22:21,مرقس 12:14-17,لوقا 20:22- 25).

"لا يكسر قصبة مرضوضة,و فتيلة مدخنة لا يطفئ"..

المقصود ب"القصبة المرضوضة":"مصر",ففيها ينبت النوع الجيد من القصب..

و قد جاء في سفر حزقيال 29:6-7:"فيدرك كلّ أهل مصر أنّي أنا الربّ,لأنهم كانوا عكّاز قصب هشة لشعب إسرائيل,ما إن اعتمدوا عليك بأكفّهم حتّي انكسرت و مزّقت أكفافهم ,و عند ما توكئوا عليك تحطّمت و قصفت كلّ متونهم."..و جاء في سفر إشعياء 36:6:"أنت تتكل علي عكّاز هذه القصبة المرضوضة مصر التي تثقب كفّ كلّ من يتوكّأ عليها..""..

و قد أوصي الرسول صلي اللّه عليه و سلم بمصر و أهلها خيرا فقال:"إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا,فإنّ لهم ذمة و رحما." (صححه الألباني).أما يسوع,فما كان صاحب سلطة زمنية أرضية و ما كان بالتالي متسلطا علي مصر,بل فرّ يوسف النجار به و بأمّه إلي مصر لما كان صغيرا كما هو مدّعي في إنجيل متّي 2:13-19.

ص: 200

و الإشارة إلي مصر في هذه النبوءة لها صلة بالعلاقة بين بني إسرائيل و مصر,إذ أنّ أهل مصر قد ساءت علاقتهم ببني إسرائيل و أنبيائهم,و كان من المنتظر أن يكون النبي الآتي منتقما من أهل مصر لا مكرّما لهم.فكان أن نبّه اللّه سبحانه بني إسرائيل و من بعدهم من الأمم أنّ هذا النبيّ لن يكون عدوا لمصر,بل سيكون رحمة بها و بأهلها.و قد كان..فقد بعث هذا النبي رحمة بأبناء هاجر,و كان الأبناء كنانة أمّة الإسلام علي مدي التاريخ.

"و فتيلة مدخنة لا يطفئ":المقصود بالفتيلة المدخنة,نور العلم و المعرفة.فهذا النبي لن يصدّ عن العلوم المفيدة و لن يهدر الخير الذي في الديانات السابقة و إن حرّفت,و هذا ينطبق بالحرف علي محمد صلي اللّه الذي قال:"طلب العلم فريضة علي كلّ مسلم"(مسند أبي يعلي..)و الذي قال أيضا:

"من يرد اللّه به خيرا يفقهه في الدين"(متفق عليه)كما أنّه هو من حافظ علي الخير الذي دعا إليه الأنبياء السابقون كالصلاة و الصوم و الحج و البر بالوالدين و صلة الرحم و أهم من ذلك توحيد المعبود سبحانه.أما يسوع الكنيسة فقد ألغي بموته علي الصليب العمل بالشرائع السابقة بل و دعا إلي عقيدة تثليثية لم يعرفها أيّ من الأنبياء السابقين.

"إنما بأمانة يجري عدلا":لقد كان محمد صلي اللّه عليه و سلم حاكما بين قومه و جاء بشريعة تسوس الأمم بالقسط و البر.أما يسوع الإنجيلي فما كان حاكما علي قومه كما أنّه لم يرسل إلي غير بني إسرائيل.

"لا يكلّ و لا تثبط له همة حتي يرسّخ العدل في الأرض".

و التاريخ شاهد أنّ محمدا صلي اللّه عليه و سلم قد جاهد باللسان و السنان و جمع بين المجادلة و المجالدة 23 سنة ليقيم شرع اللّه سبحانه علي الأرض.و محمد صلي اللّه عليه

ص: 201

و سلم هو الذي ختمت رسالته بقول اللّه تعالي: "اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً" (سورة المائدة 3).أما يسوع الإنجيلي فقد قال لأحد تلاميذه:"..إنّ الذين يلجئون إلي السيف,بالسيف يهلكون"(إنجيل متّي 26:52).

"و تنتظر الجزائر شريعته":لقد وصلت شريعة الإسلام إلي أقصي الجزائر.أما يسوع فلا شريعة له,إذ هو قد نسخ جميع الشرائع السابقة بدمه المهدور علي الصليب.و هو الذي قال في آخر وصاياه:"علي كرسي موسي جلس الكتبة و الفريسيون.فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه و افعلوه.و لكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنّهم يقولون و لا يفعلون."(إنجيل متّي 23:1).

"أمسكت بيدك و حافظت عليك و جعلتك عهدا للشعب و نورا للأمم".قال تعالي: "وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ" (المائدة 67)مبشرا رسوله محمدا صلي اللّه عليه و سلم أنّه لن يناله عدوه بالقتل.أما يسوع الإنجيلي فقد هلك علي الصليب الروماني بتحريض يهودي.

"غنوا للربّ أغنية جديدة,سبّحوه من أقاصي الأرض" .الأغنية الجديدة(و الحديث هنا علي المجاز)هي الأذان من الجبال و المنارات إعلانا لدخول وقت الصلاة..أما يسوع فلم يأت بأيّ نداء للصلاة أو التسبيح أو التنزيه.

"لتهتف الصحراء و مدنها,و ديار قيدار المأهولة.

ليتغنّ بفرح أهل سالع و ليهتف من قمم الجبال و ليمجّدوا الربّ و يذيعوا حمده في الجزائر."."الصحراء"في النص العبري هي "مدبار"و قد جاءت الإشارة في سفر إرمياء 3:2 إلي الصحراء العربية:"ارفعي

ص: 202

عينيك إلي الهضاب و تأملي,أ هناك مكان لم تضاجعي فيه؟.

قد جلست لهم علي قارعة الطريق كالأعرابي(العبارة في التراجم الإنجليزية و الفرنسية ك: The New American Standard Bible,The English Standard Version,Darby Translation,Louis Segond تذكر كلمة"عربي"مكان"أعرابي",علما بأنّ المقابل العبري لهذا النص يذكر الكلمة العبرية"عربي"(!!!)كما هي في اللغة العربية)في البادية(بعض التراجم الإنجليزية تذكر"صحراء"لا"بادية"!!)و دنست الأرض بزناك و عهارتك."و المقابل العبري للصحراء هنا أيضا"مدبار" ..و ديار قيدار بن إسماعيل(جزيرة العرب)لم تنتشر فيها النصرانية(و إن ظهر فيها بعض النصاري قبل ظهور الإسلام)بل هي معقل الإسلام و حصنه الحصين..و سالع رغم أنّ النصاري يزعمون أنّها تقع في وادي موسي فإنّ البحاثة فديارتي يذكر أنّ المؤرخ يوسفوس قد ذكر أنّ"بترا"التي يقرر كثير من النصاري أنّها"سالع"نفسها ,كانت عاصمة البلاد العربية.و هو أيضا ما ذهب إليه المؤرخ الإنجليزي ب.

جوفرسن.و ورد في"قاموس الكتاب المقدس"تحت كلمة"سالع":"..و يقول التقليد المسيحي أنّ بولس الرسول زار سالع هذه عند ما ذهب إلي البلاد العربية( غلاطية 1:17).و جاء في موسوعة الكتاب المقدس Encyclopaedia Biblica لشاين أنّ"بترا"هي مكان هجرة و سلام و تجارة,و من الملاحظ أيضا في هذا المقام أنّ"سلع"هو جبل في باب المدينة,كما في مراصد الاطلاع لياقوت, و القاموس و غيرهما من كتب الجغرافيا و اللغة..و الظاهر أنّ الألف حصلت من إشباع الفتحة في اللغة العبرانية..و هذه"الألف"غير موجود في هذه الكلمة باللغة الانجليزية و اللغة الفرنسية: "Sela" .

إنّها أرض محمد صلي اللّه عليه و سلّم لا أرض يسوع المسيح الإنجيلي.

ص: 203

-"يبرز الربّ كجبار,يستثير حميّته كما يستثيرها المحارب ,و يطلق صرخة حرب داوية,يظهر جبروته أمام أعدائه.".

و هذا النصّ يشير إلي الحروب التي يقودها نبيّ الملحمة.أما يسوع فهو كما يصوّره النصاري:"الحمل الوديع"الذي لم يرفع سيفا,بل كان يدعو إلي تقديم الخدود للصفع!!

"أما المتوكّلون علي الأصنام,القائلون للأوثان:

"أنتم آلهتنا"فإنهم يدبرون مجلّلين بالخزي".و محمد صلي اللّه عليه و سلم هو من عاداه الوثنيون و حاربوه عن يد واحدة,فانتقم منهم اللّه سبحانه و هدّ باطلهم و نصر عبده و مصطفاه و أعزّ جنده الكرام.أما يسوع فقد كان أعداؤه يهودا لا وثنيين,فهم الذين أرسل إليهم و هم الذين رفضوا قبول رسالته و هم الذين سعوا إلي قتله.كما أنّ يسوع الإنجيلي ما انتصر علي أعدائه بل هم هزموه و"جلّلوه" بالخزي!!

إنّها بشارة صريحة,فصيحة,تكاد تنطق باسم نبي الإسلام صلّي اللّه عليه و سلّم .و قد حقّ لمن يخشي علي النصاري لظي النيران و قرص الزمهرير أن يطلب من الكنيسة الكفّ عن عجن النصوص علي هواها و استحلاب سيل السراب من ضرع الخيال..و لكن..كما قال الشاعر:

و مكلّف الأيام ضدّ طباعها متطلّب في الماء جذوة نار

و إذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء علي شفير هاو

ص: 204

بشارة"ابن الإنسان"

جاء في سفر دانيال التبشير ببعثة من سمّي ب"ابن الإنسان"..و لنأخذ واحدة من هذه البشارات من هذا السفر و للنظر هل هي بشارة بيسوع الكنيسة أم بمحمد عليه الصلاة و السلام!

في السنة الثانية لحكم"بلشاصر بن نبوخذنصر "رأي دانيال رؤيا قريبة مما رآه "نبوخذنصر "و قد قصّ الرؤيا في سفره علي النحو التالي:

"قال دانيال:«شاهدت في رؤياي ليلا،و إذا بأربع رياح السّماء قد هجمت علي البحر الكبير،

و ما لبث أن صعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة يختلف بعضها عن بعض.

فكان الأوّل كالأسد بجناحين كجناحي النّسر.و بقيت أنظر إليه حتّي اقتلع جناحاه،و انتصب علي الأرض واقفا علي رجلين كإنسان،و أعطي عقل إنسان.

و رأيت حيوانا آخر شبيها بالدبّ،قائما علي جنب واحد،و في فمه بين أسنانه ثلاث أضلع و قيل له:"انهض و كل لحما كثيرا"

ثمّ رأيت بعد هذا حيوانا آخر مثل النّمر،له علي ظهره أربعة أجنحة كأجنحة الطائر،و كان لهذا الحيوان أربعة رءوس،و فوّضت إليه سلطات.

و شهدت بعد ذلك في رؤي اللّيل و إذا بحيوان رابع هائل و قوي و شديد جدّا،ذي أسنان ضخمة من حديد،افترس و سحق و داس ما تبقي برجليه.و كان يختلف عن سائر الحيوانات الّتي قبله و له عشرة قرون.

ص: 205

و فيما كنت أتأمّل القرون إذا يقرن آخر صغير نبت بينها،و اقتلعت ثلاثة قرون من أمامه،و كان في هذا القرن عيون كعيون الإنسان و فم ينطق بعظائم.

و فيما كنت أنظر،نصبت عروش و اعتلي الأزليّ كرسيّه و كانت ثيابه بيضاء كالثلج،و شعر رأسه كالصّوف النّقيّ، و عرشه لهيبا متوهّجا و عجلاته نارا متّقدة.

و من أمامه يتدفق و يجري نهر من نار،و تخدمه ألوف ألوف الملائكة،و يمثل في حضرته عشرات الألوف.فانعقد مجلس القضاء و فتحت الأسفار.

و بقيت أراقب القرن من جراء ما تفوّه به من عظائم، حتّي قتل الحيوان و تلف حسمه و طرح وقودا للنّار.

أمّا سائر الحيوانات فقد جردت من سلطانها،و لكنّها وهبت البقاء علي قيد الحياة لزمن ما.

و شاهدت أيضا في رؤي اللّيل و إذا يمثل ابن الإنسان مقبلا علي سحاب حتّي بلغ الأزليّ فقرّبوه منه.

فأنعم عليه بسلطان و مجد و ملكوت لتتعبّد له كلّ الشعوب و الأمم من كل لسان.سلطانه سلطان أبديّ لا يفني، و ملكه لا ينقرض."(سفر دانيال 7:2-14)

و يقول دانيال في تفسير هذه النبوءة:"أمّا أنا دانيال فقد ران الحزن علي روحي في داخلي و روّعتني رؤي رأسي.

فاقتربت من أحد الواقفين أستفسر منه حقيقة الأمر، فأطلعني علي معني الرّؤيا قائلا:

"هذه الحيوانات الأربعة العظيمة هي أربعة ملوك يظهرون

ص: 206

علي الأرض غير أن قديسي العليّ يستولون علي المملكة و يتملّكونها إلي أبد الآبدين.

حينئذ أردت أن أطّلع علي حقيقة الحيوان الرّابع الّذي كان يختلف عن سائر الحيوانات،إذ كان هائلا جدّا ذا أسنان من حديد و مخالب من نحاس،و قد افترس و سحق و داس ما تبقي برجليه.

و عن القرون العشرة النّامية في رأسه،و عن القرن الآخر الصّغير الّذي نبت،فاقتلعت أمامه ثلاثة قرون.هذا القرن ذو العيون النّاطق بالعظائم و منظره أشدّ هولا من رفاقه و قد شهدت هذا القرن يحارب القديسين و يغلبهم..

إلي أن جاء الأزليّ و انعقد مجلس القضاء الّذي فيه تبرّأت ساحة قديسي العليّ،و أزف الوقت الّذي فيه امتلكوا المملكة.

فأجاب:إنّ الحيوان الرّابع هو رمز للمملكة الرّابعة علي الأرض،و هي تختلف عن سائر الممالك لأنّها تستولي علي كلّ الأرض و تخضعها و تسحقها.

أمّا القرون العشرة من هذه المملكة فهي عشرة ملوك يتولّونها،ثمّ يقوم بعدهم ملك آخر يختلف عن الملوك السّالفين،و يخضع ثلاثة ملوك،

و يعيّر العليّ و ينكل بقديسيه،و يحاول أن يغيّر الأوقات و القوانين،فيذلّ القديسين ثلاث سنوات و نصف السّنة

و لكن ينعقد مجلس القضاء،فيجرّد من سلطانه فيدمّر و يفني إلي المنتهي و توهب المملكة و السّلطان و عظمة الممالك القائمة تحت كل السّماء إلي شعب قديسي العليّ، فيكون ملكوت العليّ ملكوتا أبديا،و تعبده جميع السّلاطين

ص: 207

و يطيعونه إلي هنا ختام الرّؤيا.أمّا أنا دانيال فقد روّعتني أفكاري كثيرا و تغيّرت هيئتي،و لكني كتمت الأمر في قلبي"(سفر دانيال 7:15-28).

وفقا للتفسير الذي قدّمه الملاك,فإنّ كلّ واحد من الوحوش الأربعة يمثل امبراطورية-و الحديث الآتي هو من كتاب"محمد في الكتاب المقدس"للقسيس المهتدي دافيد كلداني باختصار:

الوحش الذي علي شكل نسر مجنّح يمثّل الامبراطورية الكلدانية,التي كانت قوية نشطة,كالنسر المنقض علي عدوّه.

يمثّل"ماداي بارس"أو الامبراطورية المادية الفارسية التي امتدت غزواتها حتي البحر الأدرياتيكي و أثيوبيا,و هكذا تحمل بين أسنانها ضلعا من جسم كلّ من القارات الثلاث في نصف الكرة الشرقي.

أما الوحش الثالث,فبناء علي طبيعته النمرية الشرسة و ذات القفزات السريعة, فإنّه يرمز إلي زحوف الإسكندر الأكبر الظافرة,و الذي انقسمت إمبراطوريته بعد موته إلي أربع ممالك.

يعني الملاك أساسا ببيان تفاصيل الوحش الرابع,فيصفه بأنه وحش كبير و هائل و يرمز به إلي الإمبراطورية الرومانية في عنفوان قوتها و ازدهارها.

(قلت:قد اعترف بأنّ المملكة الرابعة هي المملكة الرومانية,الآباء اليسوعيون (الكاثوليك)في تعليقهم علي سفر دانيال)

أما القرون العشرة فيمثلون الأباطرة العشرة الأوائل الذين اضطهدوا شعوبهم و ما عليك إلا أن تقلّب صفحات أي تاريخ للكنيسة خلال القرون الثلاثة الأولي,و حتي

ص: 208

زمن ما يسمي باعتناق قسطنطين الكبير النصرانية,فلن تعثر علي شيء سوي أهوال الاضطهادات العشرة الشهيرة.

أما القرن الصغير الذي طلع بين القرون العشرة,فهو إمبراطور يظهر للوجود بعدهم,و ينافسه علي السلطة ثلاثة أباطرة,و هذا القرن الصغير هو الإمبراطور قسطنطين..و قد عاشت الإمبراطورية الرومانية في عهده صراعا مريعا بين أربعة متنافسين,و كان قسطنطين واحدا منهم,و كانوا كلّهم يتصارعون من أجل اللباس الأرجواني(الإمبراطوري),و مات الثلاثة الآخرون في المعركة,و بقي قسطنطين وحده حاكما علي الإمبراطورية الضخمة و ليس باستطاعة أحد اختراع أربعة متنافسين بعد الاضطهادات الأربعة للكنيسة إلا قسطنطين و أعدائه الذين تساقطوا أمامه كما تساقطت القرون الثلاثة أمام القرن الصغير.

و حتي تزداد وثوقا أنّ القرن الصغير مخالف للآخرين,فهو وحش مخيف و لكن له فم و عينان,أي يملك المنطق و القدرة علي الكلام:

هذا القرن له فم متكلّم بعظائم.

هذا القرن اضطهد قدّيسي العلي.

هذا القرن يظنّ أنّه يغيّر الأوقات و السنة.

هذا القرن أعلن الحرب علي أولياء اللّه لمدة(الزمن أو العصر و العصور و الأزمان و نصف الزمن)أي ثلاثة قرون و نصف قرن.

هذه الصفات الخمس تنطبق بصورة دقيقة علي قسطنطين,فقسطنطين هو الذي كان يملك المنطق و القدرة علي الكلام,بل و الكلام الذي غيّر مجري التاريخ.و هو الذي حرّف النصرانية و نقلها من الوحدانية إلي الشرك فكان بذلك متكلما بكلام

ص: 209

ضد اللّه العليّ.و قسطنطين هو الذي حارب أولياء اللّه المؤمنين"قدّيسي العلي",فقد قتل الموحدين و حرّق كتبهم..و هو أيضا الذي حاول تغيير"القانون و الزمان":فقد ألغي مرسوم قسطنطين,الوصيتين الأولتين من شريعة موسي حول وحدانية اللّه.

و خالف المنع الصارم لاتخاذ الصور و التماثيل,و هو الذي خرق الوصية الرابعة بتقديس يوم السبت,و هو الذي اضطهد الموحدين لفترة ثلاثة قرون و نصف.

و في آخر الرؤيا قال دانيال:"و توهب المملكة و السّلطان و عظمة الممالك القائمة تحت كل السّماء إلي شعب قديسي العليّ، فيكون ملكوت العليّ ملكوتا أبديّا،و تعبده جميع السّلاطين و يطيعونه."(سفر دانيال 7:27).

يعني دانيال بقوله قديسي العلي هنا عباد اللّه و أوليائه من المسلمين الذين تفضّل اللّه عليهم بالرسالة و الدين الكامل,فأقاموا مملكة اللّه الدائمة علي الأرض.

كما تري إذن..تنطبق هذه النبوءة علي محمد صلي اللّه عليه و سلّم الذي حطّم الإمبراطورية الرومانية,بصورة دقيقة..و لا يمكن,مهما توسّعنا في التأويل,الزعم أنّها تخصّ المسيح ابن مريم عليهما السلام,لأنّ المسيح قد عاش زمن عزّ الإمبراطورية الرومانية,و رفع إلي السماء و هي في أوجها,بل تزعم الأناجيل أنه دعا إلي طاعة قيصر و الخضوع لحكمه!!!

و إن كنت ما زلت تشكّ فتعال لنقرأ نبوءة أخري من سفر دانيال:

ألهم اللّه تعالي الملك"بختنصر"برؤيا منامية كشف له فيها عن الدول و الممالك التي ستعقب ملكه,و مصير كلّ دولة و مملكة إلي أن تظهر للوجود دولة يدوم ملكها و سلطانها إلي الأبد,و لم يشأ الملك الإفصاح عن رؤياه لئلا تفسّر علي حسب هواه,

ص: 210

فلا يظهر بحقيقتها,لذا أمر بإحضار الكهنة و المنجمين من أقاليم المملكة و سألهم عن الرؤيا و تأويلها.فقالوا له اذكرها لنا حتي نبين تأويلها,فأمر بقتلهم جميعا.

و كان دانيال من ضمن هؤلاء,فاستمهل الملك في أمرهم,و رغب إلي اللّه تعالي في اطلاعه علي الرؤيا و تأويلها,فأطلعه اللّه تعالي عليها فجاء إلي نبوخذنصر و قال له:

"رأيت أيّها الملك و إذا بتمثال عظيم ضخم كثير البهاء واقفا أمامك و كان منظره هائلا.

و كان رأس التمثال من ذهب نقي،و صدره و ذراعاه من فضّة،و بطنه و فخذاه من نحاس،و ساقاه من حديد،و قدماه خليط من حديد و من خزف.

و بينما أنت في الرّؤيا انقض حجر لم يقطع بيد إنسان، و ضرب التمثال علي قدميه المصنوعتين من خليط الحديد و الخزف فسحقهما،

فتخطم الحديد و الخزف و النّحاس و الفضة و الذهب معا، و انسحقت و صارت كعصافة البيدر في الصّيف،فحملتها الريح حتّي لم يبق لها أثر.أمّا الحجر الّذي ضرب التمثال فتحوّل إلي جبل كبير و ملأ الأرض كلّها.

هذا هو الحلم.أمّا تفسيره فهذا ما نخبر به الملك:

أنت أيّها الملك هو ملك الملوك،لأنّ إله السّماوات أنعم عليك بمملكة و قدرة و سلطان و مجد، و ولاّك و سلّطك علي كلّ ما يسكنه أبناء البشر و وحوش البر و طيور السّماء.فأنت الرأس الّذي من ذهب.

ص: 211

ثمّ لا تلبث أن تقوم من بعدك مملكة أخري أقلّ شأنا منك،و تليها مملكة ثالثة أخري ممثلة بالنّحاس فتسود علي كل الأرض.

ثمّ تعقبها مملكة رابعة صلبة كالحديد،فتحطم و تسحق كلّ تلك الممالك كالحديد الّذي يدق و يسحق كلّ شيء.

و كما رأيت أنّ القدمين و الأصابع هي خليط من خزف و حديد،فإنّ المملكة تكون منقسمة فيكون فيها من قوّة الحديد،بمقدار ما شاهدت فيها من الحديد مختلطا بالخزف.

و كما أنّ أصابع القدمين بعضها من حديد و البعض من خزف،فإن بعض المملكة يكون صلبا و البعض الآخر هشا

و كما رأيت الحديد مختلطا يخزف الطين،فإنّ هذه المملكة تعقد صلات زواج مع ممالك النّاس الأخري،إنّما لا يلتحمون معا،كما أنّ الحديد لا يختلط بالخزف.

و في عهد هؤلاء الملوك يقيم إله السّماوات مملكة لا تنقرض إلي الأبد،و لا يترك ملكها لشعب آخر،و تسحق و تبيد جميع هذه الممالك.أمّا هي فتخلد إلي الأبد.

لأنّك رأيت أن الحجر المنقض الّذي لم يقطع من الجبل بيدين،قد سحق الحديد و النّحاس و الخزف و الفضّة و الذهب.

إنّ اللّه العظيم قد أطلع الملك عمّا سيحدث في الأيّام الآتية؛فالحلم حقيقة و تفسيره صدق."(سفر دانيال 2:31-45)

من رؤيا نبوخذنصر و من تفسير دانيال لها,يتبيّن أنّ الممالك الأربعة هي

ص: 212

,كما يقول القس عبد المسيح بسيط أبو الخير في كتابه:"هل تنبّأ الكتاب المقدس عن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح"ص ص 133-135:

"الإمبراطوريّة الأولي(بابل 626-539 ق.م.).قال دانيال في تفسيره لنبوخذ نصر"أنت أيّها الملك ملك ملوك لأنّ إله السّماوات أعطاك مملكة و اقتدارا و سلطانا و فخرا.و حيثما يسكن بنو البشر و وحوش البر و طيور السّماء دفعها ليدك و سلطك عليها جميعها.فأنت هذا الرّأس من ذهب."(دانيال 37:2-38 )،و كما يقول دانيال النبي أنّ اللّه"يغيّر الأوقات و الأزمنة.يعزل ملوكا و ينصّب ملوكا"(دانيال 2:21).و كما يقول موسي النبي أيضا بالروح"حين قسم العليّ للأمم حين فرق بني آدم نصب تخوما لشعوب"(تثنية 32:8).يؤكّد الكتاب أيضا أنّ اللّه بحسب إرادته الإلهية و تدبيره الأزلي و علمه السابق هو الذي أعطي نبوخذنصر هذا السلطان."

"الإمبراطورية الثانية(مادي و فارس 539-331 ق م)."و بعدك تقوم مملكة أخري أصغر منك"(الآية 39)هذه المملكة،كما أجمع التقليد اليهودي و التقليد المسيحي هي مملكة"مادي و فارس".(..)يقول(السفر) لبيلشاصر ابن نبونيدس آخر ملوكها"قسمت مملكتك و أعطيت لمادي و فارس"(دانيال 5:28).و قد وصفت في رؤيا دانيال الثانية بكبش ذو قرنين قال له الملاك"أمّا الكبش الّذي رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادي و فارس"(دانيال 8:20).و هذا ما جاء بتفسيره كل من القديس جيروم و القديس هيبوايتوس و ما قاله المؤرّخ و الكاهن اليهودي يوسيفوس.و يصفها البعض بالمملكة الفارسية نظرا لسيادة الفرس،كما جاء في سفر الأخبار"إلي أن ملكت

ص: 213

مملكة فارس"(سفر الأخبار الثاني 36:20),و كما يقول القديس هيبوليتوس أيضا."

"الإمبراطورية الثالثة(اليونان 331-323 ق م):"و مملكة ثالثة أخري من نحاس فتتسلّط علي كل الأرض"(دانيال 2:39).

هذه المملكة أو الإمبراطورية الثالثة مذكورة بالاسم في سفر دانيال النبي و أنها ستخلف مادي و فارس"و التيس العافي"الذي هزم الكبش الذي يرمز إلي مادي و فارس" ملك اليونان"(دانيال 8:21)،و هذا ما قال به القديس هيبوليتوس،و القديس جيروم و غيره من المفسّرين."

الإمبراطورية الرابعة(روما 58 ق م-476 م):"و تكون مملكة رابعة صلبة كالحديد لأنّ الحديد يدق و يسحق كلّ شيء.

و كالحديد الّذي يكسّر تسحق و تكسّر كل هؤلاء"(دانيال 2:40)، و يشير الحديد إلي القوة الصلبة الجبارة التي لا تقهر،و هو يسحق و يفني كل ما عداه من معادن أخري،كما يشير إلي السيادة و التسلط.و قد رمز بالحديد هنا إلي المملكة الرومانية لقوتها الشديدة التي سحقت بها كل إمبراطوريات التي سبقتها.و قد قارن أحد الكتاب القدماء الإمبراطورية الرومانية بإمبراطوريات العالم العظيمة التي سبقتها،و قد برهن علي أنّ الإمبراطورية الرومانية كانت أكثر قوة و أكثر سيادة من كل الممالك التي سبقتها.فقد سحقت هذه الإمبراطورية بغزواتها الكثيفة في أوربا و آسيا و إفريقيا و كسرت كل الأمم التي كانت ما تزال محتفظة بعناصر السلالات الآشورية البابلية و المادية الفارسية و اليونانية الماضية.و قد عرفت الجيوش الرومانية بالجيوش الحديدية، و استخدم دانيال النبي كلمة"حديد"في وصف هذه الإمبراطورية 14 مرة.و من ثمّ اعتقدت الكنيسة منذ فجرها بأنّ هذه الإمبراطورية هي الإمبراطورية الرومانية،و كان هذا هو رأي أقدم الآباء الذين وصلتنا كتاباتهم عن سفر دانيال؛مثل القديس إيريناؤس

ص: 214

في القرن الثاني الميلادي و القديس هيبوليتوس في القرن الثالث و القديس جيروم في القرن الرابع و ذهبي الفم في القرن الرابع أيضا(347 م-403 م)،و يقول أحد المفسّرين و يدعي جوزيف ميدي "Joseph Mede اعتقدت الكنيسة اليهودية قبل زمن مخلصنا أنّض الإمبراطورية الرابعة في سفر دانيال هي الإمبراطورية الرومانية، و هذا المعتقد تسلّمه تلاميذ الرسل و كل الكنيسة المسيحية لمدة 300 سنة".

ثم رأي نبوخذنصر حجرا انقطع من جبل عظيم من غير قاطع,فضرب ذلك التمثال علي قدميه اللتين هما من حديد و خزف,و كانت الضربة من القوة حتي أنه قد تفتت التمثال كلّه بذهبه و فضّته و نحاسه و حديده و خزفه,و صار هشيما و رفاتا عصفت به الريح,فلم ير له أثرا,أما الحجر الذي هشّم التمثال فصار جبلا عظيما عاليا امتلأت منه الأرض كلّها.

و يرمز بالحجر هنا إلي دولة الإسلام التي اصطدمت في بداية توسعها بالدولة الرومانية التي بسطت سلطانها علي المملكة الإغريقية,و بالدولة الفارسية التي بسطت سلطانها علي مملكة بابل,و كانت ضربة الدولة الإسلامية لهما من القوّة حتي تلاشت الدولتان كعاصفة البيدر في الصيف.

و تتوسع الدولة الإسلامية علي حساب هاتين المملكتين حتي تعمّ الأرض المعمورة بهما..و تفسير دانيال للرؤيا صريح في أنّ الدولة الإسلامية هي التي سيقيمها اللّه تعالي محلّ هذه الممالك و الدول,و هي دولة باقية و دائمة إلي يوم القيامة و لا تدع لغيرها سلطانا علي الناس و الأرض,و لذلك ختمت الرسالات برسالة محمد صلي اللّه عليه و سلّم تنبيها علي قفل النبوّة,و إيذانا بأنه لا حكم إلا لشريعة الإسلام..و لا ملك إلا لدولته.

يدّعي النصاري أنّ هذه النبوءة هي خاصة بالمسيح..و ينكر عليهم شيخ الإسلام

ص: 215

ابن تيمية نوّر اللّه قبره زعمهم السقيم و رأيهم الفطير قائلا في"الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح":"فهذا نعت محمد لا نعت المسيح فهو الذي بعث بشريعة قوية و دق جميع ملوك الأرض و أممها حتي امتلأت الأرض منه و من أمته في مشارق الأرض و مغاربها و سلطانه دائم لم يقدر أحد أن يزيله كما زال ملك اليهود و زال ملك النصاري عن خيار الأرض و أوسطها."

و نقول أيضا:إنّ طبيعة دعوة المسيح لا تسمح بالتحريض علي تحطيم الامبراطورية الرومانية,فهي لم تدع إلي إقامة دولة أو إنشاء إمبراطورية,كما أنّ أناجيل النصاري لا تضمّ تصورا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا لدولة المسيح و شعبها ..بخلاف ما جاء في قرآن نبيي الإسلام صلي اللّه عليه و سلم و سنته من تفصيل لجميع نواحي الدولة التي تحكم بالوحي!

و لكن يصرّ القس"بسيط"علي أنّ ما جاء في سفر دانيال هو بشارة ب "يسوع المخلّص"الذي ولد أيام الإمبراطورية الرومانية,و الذي تبنّت هذه الإمبراطورية"ملّته"منذ القرن الرابع.

و أضاف قائلا:"و كانت الإمبراطورية الرومانية أكثر استمرارية من الإمبراطوريات التي سبقتها,فقد دامت و استمرّت 500 سنة كإمبراطورية موحّدة و غير منقسمة،سواء عند ما كانت وثنية أو بعد ما تحولت إلي المسيحية،و استمرت بقسميها الشرقي و الغربي إلي سنة 1453 م عند ما استولي الأتراك علي القسطنطينية، و استمر القسم الغربي المسيحي منها من خلال بقية دول أوربا حتي اليوم،و هذه الدول نقلت حضارتها و ديانتها المسيحية و جزء كبير من شعبها إلي الأمريكتين و استراليا بعد اكتشافها،حتي صاروا كجزء منها،بل و نقلوا حضارتهم و ديانتهم المسيحية إلي كل المسكونة.و لم تتوقف المسيحية عن الانتشار بظهور الإسلام حتي يمكن أن يقال أنه حل

ص: 216

محلها،بل العكس تماما(!!!)حيث ينضم إلي المسيحية في كل بلاد العالم،حاليا،مئات الألوف في اليوم الواحد،كما أن نسبة نمو المسيحية في العالم اليوم هي 9.6%،بما يعادل نسبة نمو السكان ثلاثة أضعاف."

قلت:

لا يكذب المرء إلا من مهانته أو عادة سوء أو من قلة أدب

لجيفة الكلب عندي خير رائحة من كذبة المرء في جد و في لعب

بعض أوجه الكذب في قول القس"بسيط":

بشارة النبي دانيال تشير إلي ملكوت جديد يحطم الممالك السابقة,و لا تذكر تحوّل الملكوت الرابع إلي ملكوت جديد,كما يزعم القس البسيط!

كيف تكون المملكة الأخيرة هي دولة الرومان,علي زعم القس,و هي "تسحق و تبيد جميع هذه الممالك",و مع ذلك يخبرنا"البسيط" في نفس الآن أنّ الأتراك(المسلمون)قد استولوا علي الجانب الشرقي من هذه الإمبراطورية..و"ليس للكذب أرجل",كما يقول العامة عندنا!

جاء في البشارة الدانيالية أنّ المملكة الأخيرة"تخلد إلي الأبد".و هذا يمنع وصل مملكة الرومان بها,لأنها مملكة قد اندثرت,و صارت أثرا بعد عين,و ما عاد أحد يطالب بإعادتها إلي الوجود.

زعم القس"البسيط"أنّ دول أوروبا و أمريكا و استراليا تمثّل دولة المسيح المخلّص..يخالفه تبرّؤ هذه الدول من أن تكون دولا دينية,كما أنّ تبنّيها للمذهب البراغماتي يصادم دعوي"مستر سنبلستي"..و ها هم رجال الدين في هذه البلاد ينعون علي دولهم تنكّرها لمبادئ المسيح!!

ص: 217

-أشار الأب الكاثوليكي ريموند براون Raymond Brown في كتابه:" وفاة المسيّا" "The death of Te Messiah" ص ص 507-508 إلي مجموعة اعتراضات تشكك في كون المسيح هو"ابن الإنسان":

*لم يسمّ أحد المسيح بهذا الاسم في الأناجيل.

*لم يفسّر المسيح عبارة:"ابن الإنسان"..قلت:لم ينسب المسيح نبوءة دانيال عن"ابن الإنسان"إلي نفسه..رغم ادعاء الأناجيل أنّه كان يطلق علي نفسه هذا الاسم!

*النصاري الأوائل لم يذكروا أنّ المسيح هو"ابن الانسان"في صلواتهم و عقائدهم.

*استهزئ بالمسيح و هو علي الصليب بأنّه يدّعي أنه سيهدم الهيكل و أنه المسيح و أنه ابن اللّه..و لم يستهزأ بادعائه أنّه"ابن الإنسان"الهادم للامبراطورية الرابعة!

المسيح نفسه قد ختم النزاع,و رفع مبرر الاختلاف بقوله:"ليست مملكتي من هذا العالم,و لو كانت مملكتي من هذا العالم,لكان حرّاسي يجاهدون لكي لا أسلّم إلي اليهود.."(يوحنا 18:36) و ليس بعد هذا البيان,للمراء مجال!

ذكر ريموند براون في كتابه السابق ص 513 أنّ بولتمان Bultmann و هاهن Hahn و تودت Todt و فولر Fuller (و هم من كبار النقاد)قد ذهبوا إلي أنّ المسيح قد تحدث عن"ابن الإنسان"علي أنّه شخصية تظهر بعده لتدين الناس.

ص: 218

-التغنّي بانتشار النصرانية,و محاولة إيهام القارئ أنّ النصرانية أسرع انتشارا من الإسلام,يؤكدان"بساطة"القس"بسيط"..و قد نقلنا في أوّل هذا الكتاب الشهادة,من غير المسلمين,لسرعة انتشار الإسلام التي لا نظير لها في عالمنا.و من الذين أكّدوا هذا الأمر البابا يوحنا بولس الثاني المتوفي في بداية هذا القرن و الذي سيلقي ربّا عادلا,في كتابه "Crossing The Threshold of Hope" "تخطّي عتبة الأمل"(و هو في الأصل لقاء صحفي مع البابا),في فصل"أقلية عند سنة 2000".إذ لم يملك هذا البابا"الذكي"أن ينكر ملاحظة الصحفي"المؤدب" من أنّ المسلمين,و لأوّل مرة في التاريخ,سيصبحون سنة 2000 م(اللقاء الصحفي كان قبلها بسنوات)أكثر من الكاثوليك,و إن كان قد عقّب علي هذه الحقيقة بقوله أنّ العبرة ب"الكيف"لا ب"الكم"(و لا أدري عن أيّ"كيف"يتحدّث و هو نفسه الذي صرّح في نفس الكتاب في فصل"محمّد"أنّ:"تديّن المسلمين يثير الاحترام.إنّه من المستحيل ألاّ تعجب بإخلاصهم للصلاة.إنّ صورة المؤمنين باللّه,و هم لا يبالون بالزمان أو المكان,و هم يركعون و يستغرقون بأنفسهم في الصلاة,يبقي نموذجا للمبتهلين إلي الإله الحق,خاصة لهؤلاء النصاري الذين,و قد هجروا كاتدرائيتهم البديعة,يصلّون نادرا أو لا يصلّون البتة. The religiosity of" " Muslims deserves respect.It is impossible not to admire , for example,their fidelity to prayer.The image of believers in Allah who,without caring about time or place,fall to their knees and immerse themselves in prayer remains a model for all those who invoke the true God,in particular for those Christians who,having deserted their magnificent cathedrals,pray only a little or not at all!")

ص: 219

الأدلة علي أنّ دولة"الملكوت الأخير"هي دولة الإسلام تؤكدها أيضا الكتب الدينية اليهودية القديمة التي لا تعترف بها الكنيسة اليوم,فقد جاء مثلا في كتاب ديني قديم اكتشف سنة 1861 م في مدينة ميلانو الإيطالية داخل مكتبة "Ambrosian Library" ,و تعود المخطوطة إلي القرن السادس ميلادي و هي باللغة اللاتينية عن أصل عبري أو آرامي و يرجح أنه تابع"للأسينيين" ,و اسمه"عهد موسي" "The Testament of Moses" و ترفض الكنيسة الاعتراف بقانونيته,أنّ موسي أعطي لتابعه يوشع بن نون"كتابا قبل موته ينبئ بما سيحدث لليهود في العصور اللاحقة".و جاء فيه الحديث عن"خراب أول لليهود نتيجة فساد علي يد ملك من الشرق حيث يحرق معبدهم العظيم و يسبيهم لبلاده.ثم يعيدهم اللّه للأرض الموعودة علي يد ملك يرأف بهم و يعاد بناء الهيكل و يمدهم اللّه بالبنين و النفير.لكنّ الإسرائيليين يعودون لمعصية اللّه فيبعث عليهم ملكا من المغرب فيخرب بيت المقدس خرابا ثانيا و يحرق جزء من الهيكل المقدس.و هذا الخراب الثاني أشدّ من الخراب الأول.ثم تمر بعض الأحداث,ثم يظهر النبي المنتظر و مملكته الإلهية بعد 250 أسبوعا من وفاة موسي عليه السلام."

يقول صاحب كتاب"محمد صلي اللّه عليه و سلم في الترجوم و التلمود و التوراة .."ص ص 32-37 إنّه بالرجوع إلي توراة اليهود,نفهم أنّ:

الخراب الأول الذي حدث علي يد ملك من الشرق لن يعدو خراب المملكة الإسرائيلية الشمالية علي يد الملك الآشوري شلمناسر(ملوك ثاني 17)أو خراب مملكة يهوذا لجنوبية علي يد نبوخذنصر البابلي(ملوك ثاني 21)كلا الملكين من الشرق(شرق فلسطين لكن المرجح جدا هو الملك البابلي لأنّ تلك الحادثة أعظم و أشهد و هي التي خرب فيها الهيكل كما ذكرت النبوءة

ص: 220

نصف قرن حاسم فيما يتعلق بالديانات (تأليف كيث و.ستامب) نحن نلقي الضوء علي أهم تطورات الأديان الكبري في العالم سنة 1934 م-1984 م

العدد عام 1984 (1)العدد عام 1934 (2)

ص: 221


1- المصدر:التقويم و الكتاب السنوي لمجلة«ريدرز دايجست»1983.
2- المصدر:التقويم العالمي و كتاب الحقائق 1935 مجلة الحق الواضح

الخراب الثاني هو الذي حدث علي يد قياصرة الروم سنة 70 م طيطس و سنة 135 م القيصر هدريان و هما من ملوك الغرب كما ذكرت النبوءة.

حدد كتاب"عهد موسي""الأسبوع"الذي يولد فيه النبي المنتظر,و هو بعد 250 أسبوعا من وفاة موسي.و الأسبوع في اصطلاح أهل الكتاب أنفسهم هو"7 سنين".

لا يعرف التاريخ الدقيق لموت موسي عليه السلام,لكنه,بعد حساب زمن موت رمسيس الثاني و زمن تيه بني إسرائيل,تكون وفاة موسي سنة 1183 ق م.

زمن ميلاد النبي المنتظر:1183 ق م(أي سنة 1183 سلبا)+250 أسبوع (1750 سنة)-1750-1183-567(م).و إذا أضفنا أسبوعا آخر (الأسبوع 251),7 سنوات,لنحصّل المدة التي يظهر خلالها النبيّ المنتظر,تكون النتيجة أنّ النبي المنتظر سيظهر بين سنة 567 م و سنة 567+7-574 م,و قد ولد محمد صلي اللّه عليه و سلم سنة 570 م!

أورد عبد الحق الإسلامي المغربي,و هو من أحبار اليهود الذين أسلموا,في كتابه"الحسام الممدود في الردّ علي اليهود"-المؤلف عاش في القرن الثامن هجري- النص العبري لرؤيا دانيال فقال:"و رأيت عند سحائب السماء كابن آدم طالع محمد هو,و وصل إلي الربّ الأزلي,و بين يديه تقرب".قال"..محمد هو..."!!!

ص: 222

بشارة"شيلون"

لما حضر يعقوب عليه السلام الموت،وصّي بنيه و باركهم,و تحدّث عن كلّ ولد ,و قال عن بنيه جميعا في شخص يهوذا:"لا يزول صولجان الملك من يهوذا و لا مشترع من صلبه حق يأتي شيلوه فتطيعه الشعوب" (سفر التكوين 49:10).

النص الماسوري:

النص السامري:

الترجمة اليونانية:

ص: 223

الترجمة السريانية الشرقية:

حيّرت هذه البشارة اللاهوتيين النصاري و اليهود علي السواء,حتي جاء في كتاب"قاموس الكتاب المقدس"-الذي أعده"نخبة من الأساتذة و اللاهوتيين" و الصادر عن مجمع الكنائس في الشرق الأدني,ط 2,بيروت 1971 م,ص 536 :"و قد حار العلماء في تفسير شيلون(و يكتبونه أيضا"شيلوه"),و فهم المقصود منها"..و هو ما وقع فيه أيضا الدكتور ج.ه.هرتز Hertz.H.J.Dr زعيم الربيّين اليهود,فقد كتب في الصفحة 407 من تعليقه علي التوراة أنّ تفسير هذه النبوءة,و خاصة المقطع العبري"عد كي يبو شيلوه"من الصعب فكّ معناه!..

أما معجم الكتاب المقدس "Zondervan s Compact Bible Dictionary" ص 547 فقد قال في التعليق علي هذه الكلمة:"...كلمة غامضة المعني يعتبرها كثير من اليهود و المسيحيين إشارة إلي المسيّا"!!!؟

الحبر المهتدي عبد السلام-أسلم في عهد السلطان بايزيد الثاني-كانت ترجمته للنص هكذا:"لا يزول الحاكم من يهوذا و لا راسم من بين رجليه,حتي يجيء الذي له,و إليه تجتمع الشعوب."

ص: 224

و قد قال في كتابه"الرسالة الهادية":"و في هذه الآية دلالة علي أن يجيء سيدنا محمد صلي اللّه عليه و سلم بعد تمام حكم موسي و عيسي,لأنّ المراد من"الحاكم" هو موسي,لأنه بعد يعقوب ما جاء صاحب شريعة إلي زمان موسي إلا موسي,و المراد ب"الراسم"هو عيسي لأنه بعد موسي إلي زمان عيسي ما جاء صاحب شريعة إلا محمد,فعلم أنّ المراد من قول يعقوب في آخر الأيام,هو نبينا محمد عليه السلام لأنه في آخر الزمان بعد مضي حكم"الحاكم"و"الراسم"ما جاء إلا سيدنا محمد صلي اللّه عليه و سلم.

و يدل عليه أيضا قوله"حتي يجيء الذي له"أي"الذي له الحكم"بدلالة مساق الآية و سياقها,و أما قوله"و إليه تجتمع الشعوب"فهي علامة صريحة و دلالة واضحة علي أنّ المراد منها هو سيدنا محمد صلي اللّه عليه و سلم لأنه ما اجتمعت الشعوب إلا إليه و إنما لم يذكر"الزبور"لأنه لا أحكام فيه و داود النبي تابع لموسي و المراد من يعقوب هو صاحب"الأحكام".

و قد سار بهذا الاتجاه في فهم النص أيضا البحاثة محمد رضا أحد علماء اليهود الإيرانيين الذي أسلم سنة 1237 ه في كتابه الذي يحمل اسم"منقول الرضائي" و قد كتبه بالعبرية ثم ترجمه إلي الفارسية علي بن حسين الحسيني الطهراني و سماه" إقامة الشهود في ردّ اليهود"و قد طبعت الترجمة طبعة حجرية و النص موضع البحث في الصفحة 132 منها-,و العلامة رحمة اللّه الكيرانوي..و كذلك البحاثة محمد صادق فخر الإسلام أحد علماء النصاري الإيرانيين الذي أسلم في بداية القرن 14 هجري في كتابه"أنيس الأعلام في نصرة الإسلام"بالفارسية ج 5:73-76 طبع سنة 1354 هجرية شمسية.

ص: 225

و أشار القسيس المهتدي عبد الأحد داود إلي أنّ الكلمة العبرية"شيلوه" (شيلون)لم تتكرّر في العهد القديم.و أثار ثلاثة احتمالات للحروف الأربعة التي تتألف منها كلمة شيلوه"ش.ي.ل.ه":

الاحتمال الأول:هو الاحتمال الذي تبناه مترجمو ال"بشيطتا"و هو ان الكلمة أصلها"شلو"و تعني"الذي تخصه""الذي تعود له"،و حسب ذلك فإن معني النبوءة سيظهر ببساطة و وضوح علي النحو التالي:"أنّ الطابع الملكي المتنبّئ لن ينقطع من يهوذا إلي أن يجيء الشخص الذي يخصه هذا الطابع،و يكون له خضوع الشعوب"

الاحتمال الثاني:و هو ان تقرأ"شلواه"التي تعني المسالم،الهادئ،الوديع، الموثوق.مشتقة من الفعل"شله".

الاحتمال الثالث:و هو أن يكون أحد الناسخين عن طريق السهو او الخطأ بانزلاق القلم قد فصل الجانب الايسر من الحرف الاخير"حاء"فتحول إلي الحرف "هاء"لان الحرفين متشابهان جدا مع فرق ضعيف في الجانب الايسر.

و اذا ما نقل خطأ كهذا إلي المخطوط العبري،سواء عمدا او سهوا-فالكلمة عندئذ تكون مشتقة من"شلح"بمعني"أرسل"و يكون اسم المفعول"شلوح"و تعني" المرسل،الرسول".

و بيّن بعد ذلك المصداق الواقعي لهذه النبوءة,بقوله:"و بالطبع لا جدال في أنّ كلا من اليهود و النصاري يؤمنون بأن هذه البركة احدي أبرز التنبؤات المسيحانية".

و يمكن طرح الحجة التالية لتأييد ان هذه النبوءة القديمة جدا قد تحققت حرفيا

ص: 226

و عمليا في"محمد صلي اللّه عليه و سلم فالتعابير المجازية مثل"الصولجان" و"المشرع"هناك إجماع بين المعلقين أو الشراح أن ذلك معناه السلطة الملكية و النبوة علي التوالي.

تطبيق الاحتمال الأول:و لنحاول اتباع الاحتمال الاول ل"شيلوه"كما جاء في ترجمة"البشيطتا"و هو:"الشخص الذي تخصه".و هذا يعني عمليا"صاحب الصولجان و الشريعة"او الذي يمتلك السلطة و حق التشريع و تخضع له الشعوب.

إذن من يكون هذا الامير القوي و المشرع العظيم

بالتأكيد ليس موسي،لانه كان اوّل منظّم لاسباط إسرائيل الاثني عشر،و لم يظهر قبله أي نبي أو ملك في سبط يهوذا؟

و حتما،ليس داود لأنه كان أول ملك نبي ينحدر من نسل يهوذا.و من الواضح أنه ليس عيسي المسيح،لانه هو نفسه رفض الفكرة القائلة ان المسيح الذي كانت تنتظره اسرائيل كان احد ابناء داود:إنجيل متي 22:44-45،و إنجيل مرقس 12:35-37،و إنجيل لوقا 20:41-44.و لم يترك قانونا مكتوبا،كذلك فإن عيسي لم ينقض شريعة موسي بل أعلن بوضوح انه قدم لتحقيقها.كما أنه لم يكن آخر الأنبياء،لأن بولس يتحدث بعده عن أنبياء عديدين في الكنيسة.

أما محمد صلي اللّه عليه و سلم فقد جاء بالقوة العسكرية،و حل القرآن محل الصولجان اليهودي القديم البالي و الشريعة القديمة غير العملية،التي تقوم علي الرهبنة الفاسدة.و نادي"محمد"بأنقي الاديان و هو توحيد الإله الحق،و وضع أفضل القواعد العملية و الضوابط الأخلاقية و السلوكية للبشر.

تطبيق الاحتمال الثاني:و الاحتمال الثاني:للكلمة أي أنها كانت"شلواه"أي" الهادئ المسالم،الأمين الوديع"فهو ذو أهمية مساوية لصالح محمد صلي اللّه عليه

ص: 227

و سلم.

و من الحقائق المعروفة جيدا في تاريخ نبي بلاد العرب أنه قبل دعوته إلي الرسالة كان كثير الهدوء و المسالمة و محلا للثقة.و كان أهل مكة يسمونه"محمد الأمين" و عند ما خلع عليه أهل مكة لقب الأمين هذا،لم تكن لديهم أدني فكرة عن"شلواه".

اما بالنسبة للاحتمال الثالث أي أن تكون محرفة عن"شلوح"أي"الرسول أو المبعوث"و في هذه الحالة فإنه يتطابق حتما مع اللقب العربي للنبي،و الذي يتكرر كثيرا في القرآن و هو"الرسول"و"شلوح الوهيم"بالعبرية هي بالضبط"رسول الله" و هذه العبارة ترتل خمس مرات كل يوم عند ما يؤذن المؤذنون للصلاة فوق جميع المآذن في العالم.

و الآن فمهما كانت وجهة النظر التي نحاول أن ندرس و نمحص فيها نبوءة يعقوب هذه،فإنا مضطرون بحكم تحققها في محمد صلي اللّه عليه و سلم أن نسلم بأن اليهود ينتظرون عبثا مجيء"شيلوه"آخر،و أن النصاري مصرون علي خطئهم في الاعتقاد ان عيسي كان هو المقصود ب"شيلوه".

و يحدثنا الإمام ابن حزم الأندلسي في كتابه الفذ"الفصل في الملل و الأهواء و النحل"أنه كان لليهود في الأندلس رئيس عليهم من نسل داود عليه السلام,و أنه لما قال ابن حزم لرأس الجالوت(رأس الجالوت:منصب يتعهد من تولاه بتنظيم شئون اليهود):إنّ الملك قد زال من اليهود,و بما أنه قد زال فإنّ النبي المنتظر قد جاء- لأنّ يعقوب عليه السلام تنبّأ عن مجيء"شيلون"إذ زال الملك من اليهود-قال رأس الجالوت:إنّ الملك إلي الآن لم يزل:

ص: 228

قال ابن حزم في قول يعقوب عليه السلام ليهوذا ابنه:"لا ينقطع من يهوذا المخصرة,و لا من نسله قائد,حتي يأتي المبعوث الذي هو رجاء الأمم"(سفر التكوين 49:10):"و قد قرّرت علي هذا الفصل أعلمهم و أجدلهم و هو شموئيل بن يوسف اللاوي,الكاتب المعروف بابن النغرالي في سنة أربع و أربعمائة(ابن حزم توفي عام 456 ه).فقال لي:لم تزل رءوس الجالوت ينتسلون من ولد داود و هم من بني يهوذا.و هي قيادة و ملك و رئاسة.فقلت:هذا خطأ,لأنّ رأس الجالوت لا ينفذ أمره علي أحد من اليهود و لا من غيرهم"..

زعم القس عبد المسيح بسيط أبو الخير في كتابه:"هل تنبّأ الكتاب المقدس عن نبي آخر يأتي بعد المسيح؟"ص 29-44 أن الأمر كان شديد الوضوح بالنسبة لليهود و لنصاري,من أنّ هذه البشارة هي خاصة بالمسيح المنتظر.و أنّ موضوع البشارة"شيلوه"هو عند النصاري منذ القديم,"يسوع".و أنّه قد ظهر علي الأرض مع زوال ملك اليهود سنة 6 م-7 م!

و نقول:

ما نقلناه في بداية الحديث عن هذه البشارة يكذّب زعم القس"البسيط"أنّ اليهود كانوا علي بيّنة لا يشوبها شك منها.

هذه النبوءة لا يمكن أن تتعلق بعيسي عليه السلام,و يكفي أن نذكر,كما نقل ذلك البحّاثة فديارتي في كتابه"محمد في الأسفار المقدسة العالمية "Muhammad in World Scriptures" هامش ص 161,أنّ المؤرخين النصاري الأوائل ما زعموا انطباق هذه النبوءة علي عيسي عليه السلام..و إنما ظهر هذا الزعم بين النصاري منذ سنة 1538..و قد دخل بعد ذلك في الكتاب المقدس

ص: 229

الألماني "Sebastian Munster's German Bible" الذي رفضه جلّ النقاد النصاري و منهم أسقف وستمنستر!!!؟

فالنبوءة عند النصاري تتلوّن"بتلوّن"الأمزجة,و تتغيّر بتغيّر الأزمنة,و تتبدّل بتبدّل الأقنعة!!

يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن و إن لاقيت معدّيا فعدناني

من المعلوم أنّ عيسي ما كانت له سلطة دنيوية في زمانه,فهو أبعد الأنبياء عن هذه النبوءة الشيلونية.

إنّ الأناجيل التي كرّرت في أكثر من مرّة,و دون داع,أنّ عيسي هو موعود التوراة,ما أشارت إلي كون"يسوع"هو"شيلون"..فكيف يدرك الأحفاد المتأخرون ما لم يدركه الأصحاب الذين وصلوا مباشرة بالروح القدس,و الذين نقلوا بأمانة(!!!)أخبار يسوع الكنيسة!!

هل غفل الروح القدس عن إعلام النصاري و علي رأسهم البابا المعصوم بالحقيقة المخفية لهذه البشارة الخلاصية في القرون الميلادية الأولي؟!!

من الكذب الصريح,الزعم أنّ اليهود قد فقدوا سلطانهم الأرضي(السياسي )في التاريخ الذي ادّعاه القس البسيط..لأنّ الرومان هم الذي كانوا يحكمون القدس في ذاك الزمان و إن منحوا اليهود بعض السلطات التي لا تخرجهم عن كونهم تابعين للرومان,و كذاك كان حالهم بين المسلمين.

ظاهر أنّ هذا"الشيلوه"سيكون صاحب سلطان مادي و صولجان أرضي مخضع لشعوب الأرض,و هو ما فهمه أيضا فريق من اليهود(و قد أفرط القس"البسيط"في الاستشهاد بتفسيراتهم!!؟)..فقد جاء مثلا في ترجوم Yerushalymi :"لن

ص: 230

يتوقف الملوك من بيت يهوذا...حتي مجيء الملك المسيّا...الذي ستخضع له كل سيادات الأرض".و هو ما لم ينله يسوع المسيح الكنسي صاحب الملكوت السماوي!

ص: 231

"الحجر الذي رفضه البنّاءون"

تحدّث عيسي عليه السلام عن انتقال"ملكوت اللّه"من بني إسرائيل إلي غيرهم من خلال ما جاء في سفر التكوين 21:13-18,فقال واصفا هذا"الغير" بما جاء في سفر التكوين بأنه"الحجر الذي رفضه البنّاءون"..قال في إنجيل متّي 21:33-46:

"اسمعوا مثلا آخر:غرس إنسان ربّ بيت كرما،و أقام حوله سياجا،و حفر فيه معصرة،و بني فيه برج حراسة.ثمّ سلّم الكرم إلي مزارعين و سافر.

و لمّا حان أوان القطاف،أرسل عبيده إلي المزارعين ليتسلم ثمر الكرم.

فقبض المزارعون علي العبيد،فضربوا أحدهم،و قتلوا غيره،و رجموا الآخر بالحجارة.

ثمّ أرسل ربّ البيت ثانية عبيدا آخرين أكثر عددا من الأوّلين.ففعل المزارعون بهؤلاء ما فعلوه بأولئك.

و أخيرا أرسل إليهم ابنه،قائلا:سيهابون ابني!

فما إن رأي المزارعون الابن حتّي قال بعضهم لبعض:

هذا هو الوريث!تعالوا نقتله فنستولي علي ميراثه.

ثمّ قبضوا عليه،و طرحوه خارج الكرم،و قتلوه!

فعند ما يعود ربّ الكرم،ما ذا يفعل بأولئك المزارعين؟"

أجابوه:«أولئك الأشرار،يهلكهم شرّ هلاك.ثمّ يسلم الكرم إلي مزارعين آخرين يؤدّون له الثمر في أوانه."

ص: 232

فقال لهم يسوع:«أ لم تقرءوا في الكتاب:الحجر الذي رفضه البناء،هو نفسه صار حجر الزاوية الأساسي.من الربّ كان هذا،و هو عجيب في أنظارنا

لذلك أقول لكم:إنّ ملكوت اللّه سينزع من أيديكم و يسلم إلي شعب يؤدي ثمره.

فأيّ من يقع علي هذا الحجر يتكسّر،و من يقع الحجر عليه يسحقه سحقا!"

و لمّا سمع رؤساء الكهنة و الفريسيّون المثلين اللّذين ضربهما يسوع،أدركوا أنّه كان يعنيهم هم.

"و مع أنّهم كانوا يسعون إلي القبض عليه،فقد كانوا خائفين من الجموع لأنّهم كانوا يعتبرونه نبيّا".

و قد ورد ذكر هذا"الحجر المرفوض"أيضا في:

مزمور 118:21-22:"أشكرك لأنّك استجبت لي و صرت لي مخلصا .الحجر الذي رفضه البنّاءون قد صار رأس الزاوية."

إشعياء 8:14:"فيكون لكم مقدسا.أمّا لبيتي إسرائيل، فيكون حجر صدمة و صخرة عثرة،و فخّا و شركا لساكني أورشليم."

يزعم النصاري أنّ"الحجر الذي رفضه البنّاءون"هو"يسوع الناصري", لكنّهم يتخبّطون للوصول إلي مرادهم من خلال هذا المثل,إذ يفسّرونه علي غير ما تقتضيه قواعد فهم النصوص,نازعين منه غاية معناه و هو البشارة بمحمد صلّي اللّه عليه و سلّم و أمته من ورائه.

ص: 233

إنّ رموز هذا المثل ناطقة بحقيقة المعني الصادق و لكنّ من استوطن قلبه التعصّب للمواريث النصرانية يتأبّي علي الفهم السليم و يستعصي علي إسلام روحه للدليل.

إنّ الرموز واضحة ناطقة بالحقيقة:

ربّ البيت:ربّ الأرض و السماء.

غرس الكرم:توضيح العقائد و إنزال الشرائع.

الكرّامون:بنو إسرائيل.

الثمر:العمل الصالح النابع من الاعتقاد السليم.

السياج و المعصرة و البرج:الأوامر و النواهي و رعاية اللّه لهذا الشعب.

العبيد:أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام.

سافر:تركهم فترة ليري مدي تمسّكهم بعقيدة التوحيد و التزامهم بشريعة اللّه.

يأخذ أثماره:طالبهم بالالتزام.

جلدوا بعضا و قتلوا بعضا و رجموا بها:أي فعلوا ذلك بالأنبياء.

عبيدا آخرين:أنبياء آخرين فعلوا بهم ما فعلوه بالأنبياء السابقين.

أرسل ابنه:كلمة"الابن"مدسوسة,و الدليل ورود نفس المثل في إنجيل برنابا الفصل 46 ص 72 ترجمة الدكتور خليل سعادة,دون ذكر كلمة"الابن".

و من الواضح أنّ المقصود بهذه الكلمة"عيسي بن مريم"عليهما السلام,و لن نناقش هنا كيف أدخلت كلمة"الابن"في الأناجيل.و الحمد للّه علي أنّ محرّف أقوال المسيح

ص: 234

لم يفرط في تغيير الصورة الأصلية لهذا المثل,فلم يفسد معناه,و بقيت البشارة فيه واضحة صريحة.

كرّامون آخرون:أمّة أخري غير أمّة بني إسرائيل.

يعطونه الأثمار:يلتزمون بعقيدة التوحيد و الشريعة الإلهية,و يحملون هذه الدعوة إلي جميع الناس.

الحجر المرفوض:رجل من نسل إسماعيل الذي لم يخرج من عقبه نبي(و قد خرج من نسل أخيه إسحاق عدد كبير جدا من الأنبياء و الرسل),و قد جاءت البشارة لإسماعيل بالمباركة في نسله في سفر التكوين 17:20,و معلوم أنّ هذه المباركة لا تكون بنسل(أمم)كافر و إنما بنسل ملتزم بدعوة اللّه سبحانه,و مما لا بدّ منه في هذه الصورة هو خروج نبي يهدي قومه-من نسل إسماعيل-إلي دين اللّه الحق:دين التوحيد,ملّة إبراهيم الخليل عليه السلام.

حجر الزاوية الأساسي:أهم لبنات البناء:أعظم الأنبياء.

ملكوت اللّه:الملك الأرضي الذي يحكم بما أنزل اللّه من شرع.

هو عجيب في أنظارنا:أهل الملكوت ما كانوا يتصوّرون انتقال الملكوت منهم إلي غيرهم.

الأصل اليوناني لكلمة"عجيب"هو"ثوماستوا" "Thaumastoa" و من معاني هذه الكلمة كما هو في معجم: "The KJV New Testament Greek Lexicon" :"مستحق الحمد"!!

من يقع علي هذا الحجر يتكسّر:يحاول أعداء النبي الموعود اغتياله لكنهم يفشلون,و تتهشّم محاولاتهم علي صخرة عصمة اللّه لدمه.

ص: 235

من يقع عليه الحجر يسحقه سحقا:إذا توجّه هذا النبي و أتباعه لغزو قوم,هزموهم و حطّموا دولتهم و سحقوا إفكهم.

هذه الرموز ناطقة بالحقيقة,مصرّحة بصورة ليس فيها التباس أنّ هذا المثل هو بشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم و بأمّته,و ما هو بحديث من عيسي عليه السلام عن نفسه.

أمّا أنّ هذا المثل ما هو إلا بشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم فإنّ شخوصه و أحداثه,تفاصيلها و تسلسلها,يكشفان أنّ الحديث هو عن خاتم النبيّين و أمّته,مما يجعل كلّ زعم مخالف لذلك مجرّد لغو و افتراء علي هذا المثل الإنجيلي.

الشرح الواقعي لمثل"المزارعين القتلة":

أرسل اللّه سبحانه(ربّ البيت)إلي بني إسرائيل(المزارعين)أنبياءه(عبيده) بالشرائع و العقائد و طالبهم بالالتزام بها(لأخذ أثماره),لكنّ بني إسرائيل(المزارعون..

القتلة)قبضوا علي هؤلاء الأنبياء(العبيد)فضربوا البعض و قتلوا البعض و رجموا البعض الآخر بالحجارة.ثم أرسل اللّه سبحانه(ربّ البيت)أنبياء آخرين(عبيدا آخرين)إلي بني إسرائيل(المزارعين)ففعل بهم بنو إسرائيل ما فعلوا بالسابقين.و أخيرا أرسل اللّه نبيّه الحبيب عيسي(ابنه!)و أيّده بالمعجزات الباهرة التي تؤكد صلته باللّه سبحانه مما من شأنه أن يكبح جماح الترعة الدموية عند بني إسرائيل(قائلا:سيهابون ابني)لكنّ بني إسرائيل لم يترددوا في استئناف إشباع نهمتهم المرضية لسفك دماء الأنبياء قائلين لبعضهم:هذا هو المسيح,و قد ظنوا بعد تحريفهم لصفات هذا المسيح أنه سيكون صاحب سلطة دنيوية تخضع له بسببها الشعوب(هذا هو الوريث)تآمروا فيما بينهم لقتله(تتناقض الأناجيل في هذه النقطة,ففي إنجيل متّي 21:39 و إنجيل لوقا 20:15 جاء أنّ المزارعين قد أخذوا الابن خارج"الكرم"ثم قتلوه,في حين

ص: 236

جاء في إنجيل مرقس 12:8 أنّ المزارعين قد قتلوا الابن ثمّ أخذوه خارج"الكرم"...

)و ظنوا أنهم قتلوه.

يزعم المثل قتل"الابن"..و هذا تحريف للصورة الأصلية لهذا المثل.و قد جاء ذكر هذا المثل في إنجيل توما و الذي هو أقدم تأليفا من جميع هذه الأناجيل الأربعة بصورة غير مطابقة لما جاء في إنجيل متّي,و هذا ما يرفع عصمة النقل الحرفي عن إنجيل متّي لهذا المثل-

بعد ذلك منح اللّه السلطة الدينية و الدنيوية(دولة تحكم بشرع اللّه)(ملكوت اللّه)لنبي يبعث من نسل إسماعيل(الحجر الذي رفضه البنّاءون)لينشر الحق في الأرض و من بعده تتولّي أمته تنفيذ هذه المهمة و أداء الرسالة(شعب يؤدي ثمره)و من يحاول أن يغتال نبي الإسلام يفشل في ذلك(من يقع علي هذا الحجر يتكسّر)و معلوم من دراسة سيرة الحبيب صلّي اللّه عليه و سلّم أنّه قد تعرض لمحاولات اغتيال كثيرة, و جاءته من اللّه طمأنة له أنّ أحدا لا يستطيع قتله في قوله سبحانه"و اللّه يعصمك من النّاس"(سورة المائدة 67)-و قد أخرج عبد بن حميد و الترمذي و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و الحاكم و ابن مردويه و أبو نعيم و البيهقي كلاهما في الدلائل عن عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يحرس حتي نزلت" و اللّه يعصمك من الناس"فأخرج رأسه من القبة فقال:أيها الناس انصرفوا فقد عصمني اللّه.قال الحاكم في المستدرك:صحيح الإسناد و لم يخرّجاه-و إذا أراد هذا النبي الكريم,و أمّته من بعده ما استقامت علي قرآنه و سنّته,سحق طائفة من أهل الباطل فهم قادرون علي ذلك,بإذن اللّه(و من يقع الحجر عليه يسحقه سحقا).

و للأمانة نقول أنّ العدد 44 من الفصل 21 من إنجيل متّي مضاف مزيّد في النص النصّ,لا أصل له في أقدم المخطوطات,و منها: it 33D و لذلك حذف من أهم

ص: 237

التراجم الحديثة للكتاب المقدّس كترجمة"ندوة عيسي""المسماة"ترجمة النقاد "Scholar's Version" و"الترجمة القياسية المراجعة" "The Revised Standard Version" .و جاء في هامش ترجمة"الكتاب المقدس الأمريكي الجديد "The New American Bible" :"جلّ الشواهد النصيّة أسقطت هذا النص,و هو ربما إضافة مبكّرة في إنجيل متّي من إنجيل لوقا 20:18.."..

و علي كلّ حال فهذا العدد"فأيّ من يقع علي هذا الحجر يتكسّر,و من يقع الحجر عليه يسحقه سحقا"موجود في إنجيل لوقا 20:18 في نفس المثل"مثل المزارعين القتلة":"من يقع علي هذا الحجر يتكسّر,و من يقع الحجر عليه يسحقه سحقا".فلا إشكال في الاستشهاد به لتفسير هذه النبوءة..

لكن,يزعم النصاري أنّ هذا المثل يشير في خاتمته إلي عيسي عليه السلام- أو يسوع علي حد تعبيرهم الباطل تاريخيا-إذ أنّ عيسي هو حجر الزاوية,الذي رفضه البنّاءون,من يقع عليه يتكسّر,و من يقع هو عليه يسحقه,سحقا معنويا بخسارة أرباحه الدنيوية و تجارته الدينية.

هذا الزعم الكنسي باطل,مخالف لمعني المثل,و نحن نرفضه لأسباب عدّة منها:

خاطب عيسي بني إسرائيل قائلا لهم:"إنّ ملكوت اللّه سينزع من أيديكم و يسلم إلي شعب يؤدي ثمره"..و معلوم أنّ عيسي إسرائيلي (من بني إسرائيل:متّي 15:24,يوحنا 4:9,متّي 10:5-7,متّي 15:

26)و خطابه لقومه(بني إسرائيل)يعني صراحة أنّ من سيسلّمون"ملكوت اللّه"هم أمّة أخري غير بني إسرائيل,و بالتالي يخرج هذا المثل في خاتمته عن أن يكون بشارة بعيسي عليه السلام لأن عيسي ليس"من غير بني إسرائيل",أي أنه ليس من الأمة الموعودة باستلام الملكوت.

ص: 238

-جليّ أنّ"الابن"الذي هو عيسي قد جاء قبل الشعب الأخير الذي"يعمل أثماره",و معلوم أنّ الشعب الأول الذي منه"الابن"هو"بني إسرائيل".فالبشارة إذن بأمة أخري غير بني إسرائيل و بنبي آخر يظهر بعد محاولة قتل"الابن".

يقول داود عليه السلام في المزمور 118:22-23:"الحجر الذي رفضه البنّاءون قد صار رأس الزاوية.من لدي الربّ كان هذا و هو مدهش في أعيننا".فلو كان"الحجر"رأس الزاوية"هو عيسي لما كان هذا الأمر مثيرا للدهشة المذكورة في المزمور إذ أن بني إسرائيل قوم بعثت إليهم أعداد كثيرة من الأنبياء,و إنما الدهشة تكون من نبي آخر الزمان الذي تقفل بعده النبوّات,و يكون من النسل"المنسيّ":من نسل إسماعيل!

"من يقع علي هذا الحجر يتكسّر,و من يقع الحجر عليه يسحقه سحقا!".وقوع الحجر كما هو ظاهر من التراجم الانجليزية للكتاب المقدس خاصة,يعني إعلان الحرب أو الصراع و ما يترتب علي ذلك من هزيمة و انكسار..انظر مثلا:سفر القضاة 15:12,سفر التكوين 43:18, سفر الخروج 5:3..

لا تصحّ نسبة هذا الأمر إلي عيسي الذي كاد اليهود و الرومان أن يقتلوه(و هو قد قتل عند النصاري الذين ألهوه!!؟)لو لا معجزة إلهية انتشلته من بين أيديهم.

و عيسي أيضا هو الذي قال في إنجيل يوحنا 12:47:"و إن سمع أحد كلامي و لم يؤمن فأنا لا أدينه,لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلّص العالم"..أما نبي الإسلام فقد حطّم صلوات اللّه عليه و سلّم و أمّته من بعده الامبراطورية الفارسية العريقة و حجّموا الامبراطورية الرومانية المترامية الأطراف.لقد كان مدّ الإسلام عاتيا انهدّت أمامه القلاع و تهاوت الجبال الرواسي مع أوّل قعقعاته.

ص: 239

إنّ النصاري يعتقدون أنّ اليهود قد وقعوا علي عيسي فحطّموه(قتلوه),فكيف ينسبون هذه البشارة إلي كونها حديثا عن انتصار المسيح علي أعدائه.

و أخيرا تأمل هذا الحديث النبوي الشريف من لسان الصادق المصدوق صلي اللّه عليه و سلّم:"مثلي و مثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتني بيوتا,فأحسنها و أجملها و أكملها إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها،فجعل الناس يطوفون و يعجبهم البنيان فيقولون:أ لا وضعت هاهنا لبنة،فيتم بنيانك ،فقال محمد صلي اللّه عليه و سلم:"فكنت أنا اللبنة"(أخرجه البخاري و مسلم).

أظنّ أننا قد وصلنا الآن إلي خاتمة الشبهات الكليّة(لا التفصيلية المتعلقة بكلّ بشارة علي حده و هو ما سنعرض له في ما سيأتي إن شاء اللّه!)و أخرسنا بحمد اللّه وساوس النصاري و شبهاتهم حول حقيقة البشارة بنبي الإسلام صلوات اللّه و سلامه عليه في ما يسمّي"الكتاب المقدس"و أصبح الأمر واضحا لكلّ ذي عينين..و ما للمحادين للنور إلا الكيد و المكر و إثارة غبار الشبهات و إذكاء نار الشهوات.

ما عندهم عند التناظر حجّة أنّي بها لمقلّد حيران

لا يفزعون إلي الدليل و إنما في العجز مفزعهم إلي"الشيطان"!

ص: 240

بشارات من"الكتاب المقدس"

ابن وجه قول الحقّ في صدر سامع

و دعه,فنور الحقّ يسري و يشرق

ص: 241

نعرض بين يديك باقة منتقاة و نخبة مجتباة من بشارات الأنبياء الأوائل عليهم السلام,ببعثة سيّد المرسلين صلوات اللّه و سلامه عليه,علما أنّنا لم نستوعب كلّ البشارات لكي لا نثقل علي القارئ:

ص: 242

"أحمد" جاء في سفر حجّي 2:7:"و يأتي مشتهي كلّ الأمم".

بعد قرنين من الزمان,و بعد أن سقطت مملكة إسرائيل الوثنية الجاحدة,و بعد أن تمّ نفي جميع الأهالي من القبائل العشرة إلي بلاد الآشوريين و قام الكلدانيون بتدمير القدس و تدمير هيكل سليمان تدميرا كاملا,و نجاة البقية المتبقية من أبناء يهوذا و بنيامين من الذبح فقد نقلوا إلي بلاد بابل,و بعد مدة سبعين سنّة من النفي,سمح لليهود بالعودة إلي بلادهم,مع منحهم الصلاحية الكاملة لإعادة بناء مدينتهم المحطمة و هيكلهم.و عند ما وضعت الأساسات لبناء بيت الربّ الجديد,قامت صيحات من الصخب و الفرح و التهليل بين المجتمعين من اليهود,بينما قام الكبار من الشيوخ و النساء الذين شاهدوا من قبل هيكل سليمان الراسخ,بالعويل و البكاء المرير, و خلال تلك الفرصة النادرة أرسل اللّه خادمه النبي"حجّي"ليسرّي عن هؤلاء المحزونين و معه هذه الرسالة الهامة:

"و لسوف أزلزل كلّ الأمم,و سوف يأتي"حمدا"لكل الأمم,و سوف أملأ هذا البيت بالمجد,كذلك قال ربّ الجنود ,و لي الفضة,و لي الذهب,هكذا يقول ربّ الجنود,و إنّ مجد ذلك البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول,هكذا يقول ربّ الجنود,و في هذا المكان أعطي السلام,هكذا يقول ربّ الجنود".

قبل أن نمضي في تفسير هذه النبوءة,لا بدّ أن نشير إلي اختلاف تراجم الكتاب المقدس في عبارة"و يأتي مشتهي كلّ الأمم"فقد جاء هذا المقطع علي هذه الصيغة في تراجم كثيرة:

ص: 243

"الترجمة العالمية الحديثة"

:The New International Version "and the desired of all nations will come" و الترجمة التقليدية"ترجمة الملك جيمس :The King James Version" "and the desire of all nations" و هو أيضا ما جاء في ترجمة"داربي

The Darby Translation "And the desire of all te nation shall come" و ترجمة"يونغ":

:Young's Translation the desire of all the nations]to[and they have come لكنّ تراجم انجليزية أخري ك"الترجمة القياسية و المراجعة" "The Revised standard version" ،و الترجمة الكاثوليكية"الكتاب المقدس الأمريكي الجديد" "The New American Bible" ,تقول تقريبا نفس ما جاء في الترجمة العربية للكتاب المقدس"كتاب الحياة"سفر حجي 2:7:"فتجلب نفائسها إلي نفس المكان".

كما تري,اضطرب مترجمو الكتاب المقدس إلي الإنجليزية في ضبط هذه العبارة

ص: 244

في لغة القوم.و مما لا شكّ فيه أنّ هذا الاضطراب و العجز يعودان إلي إهمال هؤلاء الباحثين ضبط النصّ علي وجهه السليم..و لو أنهم عقلوا و تدبّروا لما ساحوا في بيداء هذه المعاني التي يخترعونها كلّما أرادوا إصلاح ترجماتهم المحرّفة..زعموا إصلاحا و ما بلغوه لأنهم لم يسلكوا طريقه!

و الحق في هذه المسألة هو ما ذكره عبد الأحد داود في كتابه"محمد(صلي اللّه عليه و سلّم)في الكتاب المقدس"ص ص 51-54(بتصرف)..إذ يقول مؤكدا أنّ ما جاء في سفر حجّي ما هو إلا نبوءة عن مقدم نبي الإسلام صلّي اللّه عليه و سلّم" أحمد":

لنأخذ كلمة"حمدا"(و هي الأصل العبري لكلمة"مشتهي"الموجودة في النص الذي بين أيدينا),و لعلّي لست مخطئا,فإنها تقرأ باللغة العبرية الأصلية هكذا "في يافو حمداث كول هاجوييم"و التي تعني حرفيا:"و سوف يأتي حمدا لكل الأمم ".و الحرفان"ها"في اللغة العبرية يقابلهما في اللغة العربية"ال"للتعريف,أو"ل" عند ما تكون في حالة الجرّ,و الكلمة مأخوذة من اللغة العبرية القديمة أو لعلها الآرامية و في الأصل"حمد"بالحرف الساكن,و يلفظ بدون التسكين"حمد".و في اللغة العبرية"حمد"تستعمل عادة لتعني"الأمنية الكبيرة"أو"المشتهي"أو"الشهية"أو "الشائق".و قد جاء في الوصية التاسعة من الوصايا العشر"لو تاهمود إيش رايخا" و معناها"لا تشته زوجة جارك"و في اللغة العبرية يأتي الفاعل"حميدا"من نفس الحرف الساكن"حمد"و معناها"الحمد"و هكذا..

و هل هناك شيء أكثر من المدح أو حسن الأحدوثة يتوق إليه البشر و يشتهيه الإنسان أو يرغب فيه؟

و أيّا من المعنيين تختار,فإنّ الحقيقة الناصعة تبقي بأنّ كلمة"أحمد"هي الصيغة

ص: 245

العربية لكلمة"حمدا"و هذا التفسير هو تفسير قاطع لا مراء فيه و لا شكّ.

إنّ القرابة,و العلاقة و التشابه بين هذين التعبيرين"حمدا"و"أحمد"و كذلك التشابه في الأصل ل"ح م د"الذي اشتق الاسم منهما,لا يترك أدني جزء من الشك بأنّ المفهوم من الجملة"و سوف يأتي حمدا لكلّ الأمم"إنما هو"أحمد"أي "محمد"و لا توجد أدني صلة في أصل الألفاظ و لا في تعليلها بين كلمة"حمد"و بين الاسماء الأخري مثل"يسوع"أو المسيح أو المخلّص,حتي و لا في أيّة ناحية من توافق الأصوات أو التشابه بينها.

أما فيما يتعلّق بكلمة"شالوم"فإنّ أي عالم في السامية يعرف تماما أنّ "شالوم"و"إسلام"هما كلمتان مشتقتان من أصل واحد,و تعنيان نفس المعني,و هو السلام و الإذعان و الاستسلام.

إذا أخذنا هذه النبوءة بالصيغة التجريدية لكلمتي"حمدا"و"شالوم"علي أنهما "الأمنية"و"السلام",فحينئذ تصبح تلك النبوءة بلا معني."

قلت:ذكر جودفري هجيتر Godfrey Higgins في كتابه إلهام في الآثار "Anacalypsis"" ص 679 أنّ كلمة"حمد"هي بشارة صريحة باسم نبي الإسلام,و نقل عن باركهرست Parkhurst قوله:"مدّعي النبوّة "محمد"أخذ اسمه من هذه الكلمة".و هذا اعتراف صريح من رجل كافر بنبوّة محمد صلي اللّه عليه و سلّم بأنّ هذه الكلمة الواردة في سفر حجّي ما هي إلا اسم نبي الإسلام,و لا يلتفت قطعا إلي هذره في قوله إنّ نبي الإسلام قد"اقتبس"اسمه من هذه النبوءة!إذ لا حجّة له و إنما دفعه يقينه بحقيقة هذه البشارة إلي ردّها بهذا الاعتراض الأجوف,الذي ولد مخنوقا!!

ص: 246

يعترض النصاري علي هذه النبوءة,بزعمهم أنها تشير إلي الهيكل الذي سيتمجّد عند ظهور المسيح الذي سيدخله.و هذا الاعتراض باطل لا يصح,و هش لا يثبت, لعدم وجود الإشارة إلي المسيح في هذا النص,في حين أنّه قد جاء ذكر اسم نبي الإسلام فيه تصريحا لا تلميحا,فزعم النصاري إسقاط لوهم سابق علي نص حجّي النبي!

ص: 247

"محمّد" درج اليهود علي الكتابة بالأرقام,خاصة عند ما يريدون"تشفير"الأمور المهمة و التي يخشي من الأعداء أن يعلموها أو يبدوها..فكانوا يحوّلون الكلام إلي أرقام, و قد يقوم الكتّاب بعد ذلك بتحويل تلك الأرقام إلي كلام ثان يشترك مع الأوّل في مجموع محصّلة أرقام الحروف..و يعرف حساب هذه الأعداد بحساب الجمّل.

وصل الاهتمام بهذا الحساب إلي النصاري أيضا..من ذلك قول وليم أدي الأمريكي في تعليقه علي سفر الرؤيا 3:8:"ستمائة,و ستة,و ستون في الأصل اليوناني ثلاث أحرف معناها:ست مائة و ستة و ستون و ليست هذه الأحرف كلّها تفيد معني.بل كلّ منها يشير إلي عدد.فالحرف الأول من اليسار إلي اليمين يشير إلي ستمائة,و الحرف الثاني إلي ستيّن,و الحرف الثالث إلي ستة.و الثلاثة معا تشير إلي 666.و لا يخفي أنّ الأرقام الهندية المستعملة اليوم في الحساب هي من القرن الرابع عشر,و كان القدماء يكتبون الأعداد بألفاظ.أو يعبرون عنها بالأحرف الهجائية."

اعترف الكثير من الأحبار و الربّانيين من الذين أسلموا بأنّ اسم نبي الإسلام "محمد"صلي اللّه عليه و سلّم قد ورد في التوراة بحساب الجمّل في عبارة"بمادماد " و عبارة"لجوي جدول":

قال شموئيل بن يهوذا بن أيوب,المتوفّي عام 570-و هو من اليهود العبرانيين الذين أسلموا-ما نصّه:"الإشارة إلي اسمه صلي اللّه عليه و سلّم في التوراة :قال اللّه تعالي في الجزء الثالث من السفر الأول من التوراة مخاطبا إبراهيم عليه السلام:"و أما في إسماعيل فقد قبلت دعاءك.قد باركت فيه.و أثمره.و أكثره جدا جدا"ذلك قوله:"و ليشماعيل شمعتيخا هني بيراختي أوثو و هفريتي أوثو و هربيتي بمادماد "فهذه الكلمة"بمادماد "إذا عددنا حساب حروفها بالجمّل وجدناه اثنين

ص: 248

و تسعين.و ذلك عدد حروف"محمد"صلي اللّه عليه و سلّم,فإنّه أيضا اثنان و تسعون."(بذل المجهود في إفحام اليهود ص 34-35).

قال بنفس القول السابق الحبر المهتدي عبد السلام,الذي أسلم في زمن السلطان بايزيدخان ,و صنّف رسالة صغيرة سمّاها بالرسالة الهادية.و أضاف عن يهود عصره:"و اعترضوا علي هذا الدليل بأنّ الباء في"بمادماد "ليست من نفس الكلمة .بل هي أداة و حرف جيء به للصلة(حرف جرّ),فلو أخرج منه اسم محمد لاحتاج إلي باء ثانية و يقال"بمادماد "قلنا:من المشهور عندهم:إذا اجتمع الباءان أحدهما أداة و الآخر من نفس الكلمة تحذف الأداة و تبقي التي هي من نفس الكلمة.

و هذا شائع عندهم في مواضع غير معدودة فلا حاجة إلي إيرادها."

قال الإمام ابن القيم في كتابه:"جلاء الأفهام في فضل الصلاة علي محمد خير الأنام"ص ص 89-90:"و رأيت في بعض شروح التوراة ما حكايته بعد هذا المتن ,قال الشارح:هذان الحرفان في موضعين يتضمنان اسم السيد الرسول محمد صلي اللّه عليه و سلّم,لأنّك إذا اعتبرت حروف اسم محمد وجدتها في الحرفين المذكورين لأنّ ميمي محمد و هي الحاء و دالة بإزاء بقية الحرفين و هي الباء,و الألفان و الدال الثانية."

جاء في كتاب"ثورة الإسلام و بطل الأنبياء"لمحمد لطفي جمعة ص 319- 320:"في 21 أغسطس سنة 1933 م نشر العالم المحقق المرحوم أحمد زكي باشا المشهور بتدقيقه وسعة اطلاعه قبل وفاته بعام(4 يوليو سنة 1934 م)في جريدة البلاغ أنّه استطاع أن يصل إلي نسخة قديمة من التوراة ذكر فيها اسم محمد رسول اللّه,و روي أن شلبي السامري من طائفة"السمرة"(قلت:يقصد اليهود السامرين)عنده نسخة من التوراة منقولة عن أقدم نسخة من التوراة تحتفظ بها طائفة السامريين المتوطنة في مدينة نابلس, فاشتراها المرحوم نور الدين بك مصطفي,و أن زكي باشا ذهب إلي جبل جرزيم بنابلس في

ص: 249

سنة 1922 و اجتمع بشلبي سامري,و بكبير كهنة الطائفة اسحاق بن عمران,و هي التي أشار إليها أحمد باشا.و قد رآها شاهد عيان,و وصفها بأنّها مجلّد يحتوي 615 صفحة من قطع الورق الصغير,و أنّ اللّه أمر الناس بالعمل بها,و لم يبق من يعمل بها إلي اليوم سواهم و أنّهم وحدهم علي الحق,أما غيرهم فعلي خلاف ذلك,و هم في نظرهم أجناس و منبوذون.فالسامريون لا يتناولون منهم شيئا إلا الماء.

و في الصفحة الأخيرة من هذا المجلد ما يأتي:

"كان النجاز من كتابت(قلت:هكذا وردت دون تاء مربوطة)هذه التوراة المقدّسة في نهار الأحد الموافق إلي أربعة خلت من شهر صفر الخير من شهور سنة 1320 عربية الذي هو الشهر الثاني عندنا الموافق إلي خمسة عشر من الخماسين المفروض عددهم علي بني إسرائيل.علي يد عبده و ابن عبده:إسحاق ابن عمران بن سلامة بن غزال بن إسحاق بن إبراهيم هكهن(كاهن)هلوي بشكم(قلت:نابلس التي هي شكيم)عفي اللّه عنه,و غفر له,و لمن علمه.آمين,و سلام اللّه علي من هو سيد الأوّلين و الآخرين(قلت:

يقصد موسي عليه السلام).آمين آمين."

و كلّ صفحات الكتاب مكتوبة بلغة عربية,و قد تخللتها كتابات باللغة السامرية.

و من هذه العبارات جملة من الاصحاح السابع عشر,أي في الصفحة ال 39 من الكتاب.

و قد كتب الكاهن السامري الأعظم بخطّ يده علي هامشها عبارات رتّبها كما يأتي:

بمادماد أي محمد أي جدا جدا لجوي جدول 400 3 4 أي شعب عظيما

ص: 250

أي محمد

92 ثم وضع في ذيلها الجملة الآتية:

"انظر يا زكي.كيف أنّ اللّه في كلمة من كلامه تعالي فيها أسرار مدموجة,و آيات عظيمة؟حرره العبد الفقير إسحاق الكاهن السامري".

ص: 251

المقبل من"فاران"

قال موسي عليه السلام في آخر وصاياه حين موته:"أقبل الربّ من سيناء,و أشرق عليهم من سعير,و تألّق في جبل فاران.

جاء محاطا بعشرات الألوف من الملائكة و عن يمينه يومض برق عليهم"(سفر التثنية 33:2).

النصّ باللغة العبرية كما نقله الدكتور أحمد حجازي السقا في كتابه"المسيّا المنتظر"ص 67:"و يومر يهوه سينأئي به وزارح مسعير لامو هو فيع مهر باران و أنامر بيوث قورش ميمينو ايش و اث لامو"

و هو,كما نقله عبد الحق فديارتي في كتابه:"محمد في الأسفار العالمية الدينية" ص ص 199-200:"و يومر يهووه مسيناتي به و زارح مسعير لامو هو فيع مهرباران و أتامر ببوث قودش حيميفو أيش داف لامو".

الترجمة الحرفية لهذين النصّين:"و قال:إنّ الربّ جاء من سيناء ,و نهض من سعير لهم,و سطع من جبل فاران.و جاء مع عشرة آلاف قديس,و خرج من يمينه نار شريعة لهم."

و جاء في طبعة الكتاب المقدس الفرنسي لسنة 1860 ما تعريبه:"جاء الربّ من سيناء و أشرق لهم من سعير,و تلألأ من جبل فاران و خرج من بين العشرة آلاف من القدّيسين.و من يمينه خرجت نار الشريعة تجاههم."

و جاء في الترجمة الانجليزية لمخطوطات البحر الميت تثنية 33:2(ترجمة و تعليق

ص: 252

مارتن أبيج Martin Abegg و بيتر فلنت Peter Flint و أوجين أولريش Eugene Ulrich )ص 193:

]The Lord[came from Sinai,]and rose from Seir" upon them;he shone forth from Mount paran,and came[from the ten thousand]s of holy ones;at his right hand was a fiery law for them" و تعريبها:"جاء الربّ من سيناء,و أشرق عليهم من ساعير.و تلألأ من جبل فاران.و جاء من العشرة آلاف قدّيس,و بيمينه شرعة نارية لهم."

و جاء في ترجمة"ترجمة الملك جيمس" "King James Version" :

The Lord came from Sinai,and rose up form Seir" unto them,he shined forth from mount paran,and he came With ten thousands of saints:from his right hand Went a fiery law for them" و هي بنفس المعني السابق باستثناء كون هذا الآتي سيظهر"مع"عشرة آلاف قديس لا"من بينهم".

و جاء نفس المعني السابق لنص سفر التثنية 33:2 في ترجمة The Amplified Bible" .

و وردت عبارة"عشرة آلاف قدّيس"أيضا في ترجمة"الكتاب المقدس الأمريكي القياسي الجديد "The New American Standard Bible" "،و ترجمة "الترجمة الإنجليزية الحديثة "The New English Translation" .،

ص: 253

و جاءت عبارة"شريعة من نار"في ترجمة"دربي "Darby Translation" ...

جليّ من اختلاف التراجم التي نقلناها و التراجم الأخري لنفس النصّ,أنّ هناك يدا خفية تريد أن تطمس روعة هذه النبوءة,و لكنّ وضوح البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم لا يخفي علي كلّ ذي بصيرة.

اعتبر القسيس المهتدي إلي الإسلام"إبراهيم خليل"أنّ هذه النبوءة تتطابق مع قوله تعالي: "وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ وَ طُورِ سِينِينَ وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ" (التين 1-3)فاللّه قد أقسم بنفس الأماكن الثلاثة التي ذكرت في التوراة نظرا لأهميتها:

فالقسم بالتين و الزيتون:مجاز عن منابتهما في فلسطين,حيث سكن عيسي عليه السلام,و تقابل ساعير.

و القسم بطور سينين:قسم بالجبل الذي كلّم اللّه عليه موسي عليه السلام.

و القسم بالبلد الأمين:مكّة المكرمة و تقابل فاران.

لقد جاء الحديث عن التين كتشبيه لبني إسرائيل في الكثير من المواضع في الكتاب المقدس.

فقد قال النبيّ هوشع:"وجدت إسرائيل كعنب في البرية,و رأيت آباءهم كباكورة ثمر شجرة التين في أول موسمها"(هوشع 9:10 ).

ص: 254

و قال النبيّ إشعياء:"و تضحي زهرة جمالها المجيد التي تكلّل رأس الوادي الخصيب كباكورة التين قبل موسم الصيف التي يراها الناظر فيقتطفها و يبتلعها"(إشعياء 28:4).

و جاء الحديث عن التين كإشارة إلي بني إسرائيل في مواضع أخري(هوشع 2:

12,إرمياء 24:2,سفر الملوك الأول 4:25,إشعياء 52:8).

و جاء ذكر"الزيتون"كعلامة علي النمو و الارتقاء في بني إسرائيل:

فقد ورد في المزمور 52:8 أنّ داود قال:"أما أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت اللّه وثقت برحمة اللّه إلي الدهر و الأبد".

و قال النبيّ إرمياء:"قد دعاك الربّ مرّة زيتونة خضراء ذات ثمر بهيج المنظر..."(إرمياء 11:16,هوشع 14:6).

و موسي و عيسي عليهما السلام من بني إسرائيل,أمّا سيّد البلد الأمين فهو محمد "الفاراني"صلّي اللّه عليه و سلّم.

و قد ذهب فديارتي إلي أنّ الحديث عن ساعير في نصّ هذه النبوءة هو إشارة إلي الدعاء الذي دعا به النبي إسحاق لابنه عيسو و لنسله بالبركة(تكوين 27:39- 40)..و قد سكن أدوم بن عيسو و نسله من بعده في ساعير.

لا إشكال في أنّ سيناء مرتبطة بموسي عليه السلام,إذ أنّ التوراة قد أنزلت عليه في أرض سيناء في جبل الطور.كما لا إشكال في ربط ساعير بالمسيح فقد كان المسيح من سكان الشام,و قد جاء في قاموس الكتاب المقدس Dictionary of the Bible لجون ل.ماك John L.McKenzie ص 783 أنّ ساعير مرتبطة بسلسلة جبال شمال البحر الميت و غربه تمتد عبر القدس و بيت لحم و قد امتدت فيما

ص: 255

بعد حتي الجبال في الجهة الشرقية.و جاء في دائرة عارف البستاني(النصراني)طبعة 1887 ج 9 ص 623 ان سعير أو أرض سعير أو سير هي سلسلة جبال ممتدة في الجهة الشرقية من وادي عربة من البحر الميت إلي خليج العقبة و سميت كذلك نسبة إلي سعير الحوري.

الإشكال الوحيد,يتعلّق ب"فاران".و أهل الكتاب لم يجادلوا في تحديد مكان فاران إلا رغبة منهم في إبهام هذه النبوءة و طمس دلالاتها العظيمة.فهم يزعمون أنّ"فاران"لا تقع في بلد العرب و أنّ"فاران"و"سيناء"و"ساعير"هي مناطق متقاربة..و الردّ هو:

قال الإمام القرافي في كتابه"الأجوبة الفاخرة..."ص 165:"و فاران مكّة باتفاق أهل الكتاب".و قال شيخ الإسلام ابن تيمية في"الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح":"و ليس بين المسلمين و أهل الكتاب خلاف في أنّ فاران هي مكة"..

لقد كان الأمر محلّ اتفاق في الماضي لكن مع تقلّص المسافات بين الأمم,و ظهور الطباعة,و بروز كتابات إسلامية عن النصرانية بلغة أهل التثليث,ظهر المراء بالباطل عند الحديث عن"فاران"!!!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه:"...و علي هذا فيكون قد ذكر الجبال الثلاثة"حراء"الذي ليس حول مكّة أعلي منه,و فيه ابتدئ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم بنزول الوحي عليه و حوله جبال كثيرة و ذلك المكان يسمّي فاران إلي هذا اليوم".ففاران اسم كان معروفا في بلاد العرب حتي بضعة قرون سالفة.

نقل فديارتي في كتابه"محمد في الأسفار العالمية" "Muhammed in Scriptures Word" ص 70-71(الطبعة الأمريكية)عن الترجمة العربية للتوراة السامرية التي صدرت في سنة 1851,أنّ اسماعيل"سكن بريّة فاران

ص: 256

(الحجاز),و أخذت له أمّه امرأة من أرض مصر"-و قد حذف التعليق الوارد بين قوسين في الترجمة السامرية,في الطبعات التالية بعد أن اعتمده المسلمون لتوضيح البشارة!!!

نقل فديارتي ص 71 من كتابه السابق عن موسوعة الكتاب المقدس "Encyclopedia Biblica" ما أوردته عن اثنين من أشهر رموز الكنيسة في القرنين الرابع و الخامس:جيروم و أزوبيوس من"أنّ فاران بلد عند بلاد العرب علي مسيرة ثلاثة أيام إلي الشرق من أيلة".

قال الإمام ابن القيم في كتابه"إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان":"و هم يعلمون أنّ جبل سيعير هو جبل السراة الذي يسكنه بنو العيص الذين آمنوا بعيسي و يعلمون أنّ في هذا الجبل كان مقام المسيح و يعلمون أنّ سيناء هو جبل الطور.

و أما جبال فاران فهم يحملونها علي جبال الشام و هذا من بهتهم و تحريف التأويل, فإنّ جبال فاران هي جبال مكّة و فاران اسم من أسماء مكة و قد دلّ علي هذا نص التوراة:أنّ إسماعيل لمّا فارق أباه سكن بريّة فاران و هي جبال مكة و لفظ التوراة أنّ إسماعيل أقام في برية فاران و أنكحته أمه امرأة من أرض مصر."

جاء في سفر التكوين 25:12-18:"و هذا سجل مواليد إسماعيل بن إبراهيم الّذي أنجبته هاجر المصريّة جارية سارة لإبراهيم.و هذه أسماء أبناء إسماعيل مدوّنة حسب ترتيب ولادتهم:نبايوت يكر إسماعيل،و قيدار و أدبئيل و مبسام،و مشماع و دومة و مسّا،و حدار و تيما و يطور و نافيش و قدمة.هؤلاء هم بنو إسماعيل،و هذه هي أسماؤهم حسب ديارهم و حصونهم،و قد صاروا اثني عشر رئيسا لاثنتي عشرة قبيلة.و مات إسماعيل و له من العمر مائة و سبع و ثلاثون سنة،و لحق بقومه.أمّا ذريّته فقد انتشرت من خويلة إلي

ص: 257

شور المتاخمة لمصر في اتجاه أشور،و كانت علي عداء مع بقيّة إخوتها".

فأرض أبناء إسماعيل تقع بين حويلة و شور.

شور:تقع كما يظهر من النص السابق,في الجزيرة العربية مقابلة لمصر في الطريق بين مصر و آشور(العراق).

حويلة:هو اسم أحد أبناء يقطان(قحطان أبو اليمنيين:العرب البائدة)(سفر التكوين 10:29).

و قد جاء في سفر التكوين 10:26-30:

"و أنجب يقطان ألموداد و شالف و حضرموت و يارح،

و هدورام و أوزال و دقلة،

و عوبال و أبيمايل و شبا، و أوفير و حويلة و يوباب.و هؤلاء جميعهم أبناء يقطان و قد استوطنوا في الأراضي الواقعة بين ميشا و التّلال الشّرقيّة من جبل سفار"

الكلمات المعلّمة في النص السابق من المعلوم أنّها أسماء لأماكن تقع في بلاد اليمن في مواضع معروفة.و حويلة تقع في منطقة الخيمة الداخلية.

و قد جاء في معجم الكتاب المقدس "Wycliffe Bible Dictionary" أنّ معظم المراجع العلمية المعتبرة(أي كبار المختصين)تقرر أن حويلة Havilah تقع

ص: 258

وسط البلاد العربية شمال اليمن,و ذلك لارتباط ذكرها مع حضرموت و سبأ (سفر التكوين 10:26-29)و أجزاء من جنوب البلاد العربية.

إذن,استقر نسل إسماعيل في ما بين بلاد اليمن و جنوب الأردن,و هو المكان المعروف إلي اليوم ب"الحجاز"!

سفر العدد 10:12 من العهد القديم يفرّق بين برية سيناء و برية فاران (النصاري يزعمون أنّ"فاران"تقع في سيناء!)إذ جاء فيه أنّ بني إسرائيل ارتحلوا "من برية سيناء فحلّت السحابة في بريّة فاران"و لم يسكن أبناء إسماعيل قطّ في غرب سيناء فيقال إنّ جبل فاران واقع إلي غربها.

سفر التكوين 14:6 ميّز بين جبل ساعير و جبل فاران.

سفر العدد 12:16 أظهر أنّه للوصول إلي فاران تمّ العبور عبر حضيروت,و في طريق الرجوع إلي كنعان,تقع فاران قبل قادش التي يظهر,إذن,أنها تقع شمالي فاران.

يخبرنا سفر الملوك الأول 11:18 أنّ فاران تقع في الطريق إلي مديان و مصر.

و مديان هي أرض المديانيين الذي عرّفهم معجم "Easton's Bible aryDiction" أنّهم"قبيلة عربية من أبناء مديان.سكنوا أساسا في الصحراء, في المنطقة الشمالية من شبه الجزيرة العربية".

الفصل الثالث من سفر حبقوق ذكر أنّ"اللّه جاء من تيمان و القدوس من جبل فاران"فهو إذن إلي الجنوب حيث تقع تيمان بموضعها الذي تقع فيه اليمن مرادفتها باللغة العربية.

يربط الفصل الواحد و العشرين من سفر إشعياء بين بلاد العرب و قيدار بن إسماعيل مما يدلّ علي أنّ بلاد العرب هي موطن أبناء إسماعيل.

ص: 259

قال شارلز غور Charles Gore :"فاران هي الأرض التي سكنتها القبائل الإسماعيلية( "A New Commentary on Holy Scriptures "ص 53).

جاء في كتاب"محمد في الكتاب المقدس"لعطاء اللّه عليم أنّه قد ورد في كتاب "Geographishes Worterbusch" (1862 المجلد الثالث ,ص 834)أنّ فاران هي اسم مكة.

جاء في تعليق الترجمة اليسوعية علي الكتاب المقدس:"أحفاد إسماعيل هم عرب الصحراء و حياتهم حياة الترحال و الاستقلال.و هذا ما يذكرنا بالشعر الجاهلي."(هامش ص 91-ط 6).

قال القس عبد المسيح بسيط في كتابه:"هل تنبّأ الكتاب المقدّس عن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح":"تبيّن لنا الخرائط الجغرافية أنّ سيناء و سعير و فاران ثلاثة جبال متجاورة واقعة في شبه جزيرة سيناء و جنوب الأردن علي بعد مئات من الأميال من مكة".

و نقول:لو فتح الباب لنسبة هذه الأماكن إلي أرض واحدة لقلنا إنّ هذه المواقع توجد في الجزيرة العربية,و لاستدللنا بما جاء عن بولس في نسبته"سيناء"إلي بلاد العرب(رسالة بولس إلي غلاطية 4:24-26).و لكننا لا نقول بذلك..و إنما هي أماكن متباعدة,كما سبق بيانه!

ثم إنّه كيف تكون هذه الأماكن بقاعا متجاورة,و تكون فاران في نفس الوقت جزء من سيناء؟!!!

ص: 260

يضيف القس"البسيط"معترضا علي فهم المسلمين لنصّ البشارة علي أنّه متعلّق ببعثة أنبياء رغم أنّ الفعل فيه منسوب إلي اللّه سبحانه:"الذي جاء هو الرب(يهوه) و هو اسم اللّه و لا يطلق علي بشر"!!

و نقول:حديث هذا النصّ عن"إقبال"اللّه و"إشراقه"و"تألّقه"لا يعني أنّ اللّه هو نفسه سوف يتولي القيام بهذه الأفعال و إنما هو سبحانه سوف ينيب من يتولي عنه ذلك و لهذا الأمر شواهد في الكتاب المقدس مثل صموئيل الثاني 12:12...كما أنّ الترجمة التي تذكر أنه يأتي"من"العشرة آلاف قديس,تبيّن أنّه بشر قديس لا إله!

و قد نقل د.محمد علي البار في كتابه:"المدخل لدراسة التوراة و العهد القديم" ص 259 عن محاضرات الدكتور عمر الفاروق(أمريكي مسلم)لطلبة كليّة الآداب ,جامعة الملك عبد العزيز,جدة,قوله إنّ مخطوطات البحر الميت المكتشفة حديثا تظهر أنّ الجماعة التي كانت تملكها,و التي من الراجح أنها جماعة"الأسينيين",كانت تنتظر نبيّا يخرج من فاران.

فالتألّق إذن هو ظهور هذا النبي!

قال مستر"بسيط"منكرا علي المسلمين زاعما أنّهم مترددون في تحديد موقع فاران,هل هي أرض الحجاز أم هي جزء من أرض الحجاز!

"رمتني بدائها و انسلّت!".."البسيط"يعيب علي المسلمين ما هو به سقيم..

بل و يبالغ في التثريب و التقريع..و هو إمام في التدليس!

و عيّابة للشرب لو أنّ أمّه تبول نبيذا لم يزل يستبيلها!

لقد قلب علينا القس"البسيط"التهمة..رغم أنّه قد أورد في كتابه السابق ما يدينه,فقد قال:"و جاء في دائرة المعارف الكتابية(ج 6 ص ص 1-2)"

ص: 261

فاران"،و معناها"موضع المغاير"،و هي بريّة شاسعة في أقصي جنوبي فسطين،بالقرب من قادش برنيع.و يرجّح كثيرون من العلماء أنّها كانت تقع في الشمال الشرقي من شبه جزيرة سيناء.و يقول آخرون إنها هي"بريّة التيه"في وسط هضبة سيناء.و يقول "بينو روتنبرج" "Beno Rothenberg" في كتابه"بريّة اللّه"،إنّ"بريّة فاران "كان الاسم القديم لكلّ شبه جزيرة سيناء في العصور الكتابية".

و نضيف ما يزيد خرق"الراقع البسيط"اتساعا:

جاء في هامش حبقوق 3:3 في ترجمة"الكتاب المقدس الأمريكي الجديد" "The New American Bible" :"..مرتفع فاران:في أرض أدوم:أو الجزء الشمالي من صحراء سيناء..."(!!!).و يظهر هذا الاضطراب بصورة أجلي في موسوعة الكتاب المقدس "The International Standard Bible Encyclopedia" .

بل لقد صرّحت موسوعة الكتاب المقدس "Encyclopedia Biblica" بقولها:"إنّه من العسير فهم كلّ النصوص المتعلّقة بفاران في العهد القديم"!!

و هذه الموسوعة اليهودية "The Jewish Encyclopdia" (1925 م)م 9 ص 523 تذكر تحت كلمة"فاران"ثلاثة مواضع:

صحراء,توافق بادية التيه اليوم..(تكوين 21:21..)

منطقة بين إسرائيل و أدوم,توافق اليوم منطقة قلعة النحل(تثنية 1:1,ملوك الأول 1:1811).

جبل أو سلسلة جبال.و ذكرت الموسوعة عند هذه النقطة منطقة فاران المشار

ص: 262

إليها في سفر التثنية 33:2 و حبقوق 3:3.و أضافت:"هذا الجبل أو سلسلة الجبال قد تعرّف بأنّها الجبال التي تحيط بما يعرف اليوم بوادي عربه."

و لاحظ هنا أنّ هذه الموسوعة أنّها"قد قدت"عند محاولة تحديد مكان فاران المتعلق مباشرة بنبوأتنا,و هي"قدقدة"تكشف غياب الحجة القاطعة عند مؤلفي هذه الموسوعة ,و هم نخبة من الباحثين المختصين.و في المقابل نري قطعيات"مستر بسيط"الذي يحسب القرّاء هبلا لا يفهمون و عميا لا يبصرون!

كما يلاحظ أيضا أنّ الموسوعة اليهودية قد ميّزت فاران سفر التثنية عن بقية "فارانات"الكتاب المقدس مما يكشف أنّ نص سفر التثنية(و سفر حبقوق)لم يتحقق معناه في"فاراني"النصوص الأخري.و نحن نقرّر أنّ فاران"مكة"هي التي تحقق فيها تألّق الربّ.و الإثبات,كما يقول أهل التحقيق,مقدّم علي النفي لأنّ المثبت عنده زيادة علم.لقد جهلوا و علمنا و تحيّروا و قطعنا و ترددوا و ثبتنا!

تتحدّث هذه النبوءة عن عشرة آلاف قدّيس,و هم قطعا المؤمنون صحابة رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم,الذين كان عددهم"عشرة آلاف"مؤمن.و كما قال القسيس المهتدي عبد الأحد داود,فإنّ هذا العدد لم يذكر في تاريخ الجزيرة العربية إلا في حادثة فتح مكّة.

و قد جاء ذكر ال 000.10 قدّيس أيضا في رسالة يهوذا 14,في حديث عن قدوم الرب و الأمر بالمثل في سفر نشيد الإنشاد 5:10.

يعترض النصاري بقولهم:

"هذا النصّ يتحدّث عن"ملائكة"لا بشر,و لا يصحّ علي هذه الحال الزعم أنّ هذه الملائكة هي صحابة محمد(صلي اللّه عليه و سلّم)؟!..و يضيف القس البسيط

ص: 263

في الاحتداد علينا بقوله ردا علي د.منقذ السقار-حفظه اللّه و نفع به-"و من أين أتيت بالقول أن كلمة ملائكة تعني الأتباع؟!!"!!

الردّ:لنا مع هذا الاعتراض 3 وقفات"بسيطة":

الأولي:الكلمة العبرية المعرّبة في ترجمة الكتاب المقدس العربي المسمّي"كتاب الحياة":"الملائكة"هي"قوديش"(كما نقل ذلك البحاثة عبد الحق فديارتي ص 206)و تعريبها"قديسين",لا"ملائكة"كما هو ظهر من تشابه الألفاظ بين العربية و العبرية!!

و عبارة"ربوث قودش"تعني عشرة آلاف قديس..فمن"ربوث"اشتقت العبارات العبرية التي تعني هذا العدد في الكتاب المقدس(سفر أخبار الأيام الأول 29:7,عزرا 2:64,نحميا 7:7)..أما كلمة"قودش"فتعني"مقدّس"أي صالح أو طاهر,و تطلق علي كل رجل أو مكان طاهر..فمن العبارات العبرية التي تؤكد هذا الأمر"أداما قودش"أي أرض مقدّسة,و"مقوم قودش"أي مكان مقدّس,و"مقوم قوديش"أي رجال مقدّسون.

الثانية:التراجم الانجليزية المعتبرة ك"الترجمة القياسية المنقّحة" "The Revised Standard Version" ،و"الترجمة الإنجليزية الحديثة "The New English Translation" ،و غيرها من التراجم تذكر عبارة "Holy ones" أي"قدّيسين",و"القديس"في اصطلاح الكتاب المقدس يعني :الرجل أو المرأة الصالحة,انظر مثلا في العهد الجديد:أعمال الرسل 9:13,41, الرسالة إلي روما 1:7,12:13,15:25,26,16:15,الرسالة الأولي إلي كورنثوس 1:2,14:33,الرسالة الثانية إلي كورنثوس 2:1,8:4, الرسالة إلي إفسس 1:1,1:16,3:8 الرسالة إلي فليمون 4:22...الخ

ص: 264

الثالثة:ترجمة"كتاب الحياة"التي أنقل أغلب النصوص منها,طبعت في نسخة واحدة مع الترجمة الانجليزية الشهيرة "The New International Version" ,و لكن مع ذلك نقرأ في هذه الترجمة الإنجليزية كلمة" "Holy one s" في مقابل كلمة"ملائكة"في الترجمة العربية"العدد 2 من الفصل 33 من سفر التثنية, في حين أنّه لما ذكرت نفس الكلمة الانجليزية في العدد 3 من نفس الفصل و في نفس السياق,كان مقابلها في تلك الترجمة العربية"قدّيسين"..!!

أظنّ أنّك أدركت الآن أنّ المعرّبين قد استمرءوا العكوف علي تحريف أسفارهم.

و"القس"لا يترك أخلاقه حتي يواري في ثري رمسه

إذا ارعوي عاد إلي جهله كذي الضني عاد إلي نكثه

و بعيدا عن"هوايات"المترجمين و المعرّبين"البسطاء",نقول:لقد كان صحابة رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم قدّيسين طاهرين تواترت الأنباء عن عظيم مآثرهم و عجيب كراماتهم..و هاك واحدة من هذه الكرامات تكشف أمام عينيك مقام هؤلاء الرجال عند اللّه سبحانه.و لن نحيلك إلي كتاب ينقل عن قرون مضت,و إنما اقرأ هذا الخبر عن أمر وقع في أيامنا,ينقله رجلان معروفان لا يمكن أن يكذبا في أمر شهده عدد من الرجال الأحياء اليوم بيننا:

ذكر الدكتور طارق السويدان-داعية مشهور و هو مسلم من الكويت, حاصل علي دكتوراه في هندسة البترول من جامعة تلسا- أوكلاهوما-الولايات المتحدة الأمريكية-في سلسلة أشرطته الذائعة الصيت"قصة النهاية"نقلا مباشرا عن الشيخ محمود الصواف-و هو داعية إسلامي معروف-الحادثة العظيمة التي تشرف بها بعض العلماء في إعادة دفن بعض الصحابة من شهداء أحد(التي شارك فيها نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم)و كيف أنّ هؤلاء العلماء قد شاهدوا الصحابة

ص: 265

رضوان اللّه عليهم بعد مضي 1400 سنة من استشهادهم رضوان اللّه عليهم,و كيف أنّ أجسادهم باقية كما هي لم تتغير و لم تتعفن و لم تتحلل.

و قد قال في أحد أشرطة هذه السلسلة,عن هذه الحادثة بالحرف:"و قد حدثنا الشيخ محمود الصواف رحمه اللّه أنّه دعي في من دعي من كبار العلماء لإعادة دفن شهداء أحد من الصحابة رضي اللّه عنهم في مقبرة شهداء"أحد"مقبرة معروفة أصابها سيل فانكشفت الجثث فدعي مجموعة من كبار العلماء لإعادة دفن هؤلاء الصحابة و يحدثنا الشيخ محمود الصواف أنه حضر ذلك بنفسه فيقول ممن دفنت..

دفنت حمزة رضي اللّه عنه فيقول ضخم الجثة مقطوع الأنف و الأذنين بطنه مشقوق و قد وضع يده علي بطنه فيقول فلما حرّكناه و رفعنا يده سال الدم و يقول دفنته مع من دفنت من صحابة النبي صلي اللّه عليه و سلم من شهداء أحد.

و أضاف الدكتور طارق السويدان قائلا:"فهذا أمر ثابت بالتواتر و برؤية العين, بلغنا اللّه و إياكم مكانة الشهداء و قد حدثنا(أي الشيخ)عن ريح المسك التي فاحت لمّا سال الدم(أي من جسد حمزة رضي اللّه عنه)."

اللّه أكبر..اللّه أكبر...اللّه أكبر!!!-

محمد صلي اللّه عليه و سلّم هو الذي جاء بالشريعة النارية التي حرقت الشرائع السابقة:بتدمير الشرائع البشرية و نسخ الشرائع السماوية..أما عيسي عليه السلام فقد قال في إنجيل متّي 5:17:"لا تظنوا أني جئت لألغي الشريعة أو الأنبياء.ما جئت لألغي,بل لأكمل"فما جاء المسيح بشريعة جديدة ناسخة لما نزل سابقا بخلاف ابن خالته محمد عليهما الصلاة و السلام!

خروج الشريعة النارية من"اليمين"دليل علي أنّ ما في هذه الشريعة يحمل كلّ

ص: 266

خير و بركة و نعمة.و هذا معلوم في الإسلام بالضرورة من تكريم اليمين و أهل اليمين...و الأمر بالمثل في الأدب النصراني كما هو مذكور في"قاموس التراث الكتابي في الأدب الإنجليزي "A Dictionary of Biblical Tradition" in English Literature" للكتاب دافيد ليل جفري David Lyle Jeffrey ص 442.

و نسأل النصاري الآن:هل من الممكن أن تكون هذه البشارة خاصة بموسي عليه السلام؟

لا بدّ أن تكون إجابتكم:لا,لأنّ موسي لم يظهر في مكة بل تلقّي الوحي في "سيناء"كما لا تنطبق عليه الأوصاف السابقة!

هل هذه البشارة خاصة بعيسي عليه السلام؟

لا بدّ أن تكون الإجابة:لا,لأنّ عيسي لم يظهر في مكة,بل عاش و دعا الناس في"ساعير",و هو أيضا لا تنطبق عليه الصفات السابقة!

و أخيرا:هل ظهر نبي بعد موسي عليه السلام,تنطبق عليه هذه البشارة, في مكة,غير محمد صلي اللّه عليه و سلّم,نبي المسلمين؟

لا بدّ أن تكون الإجابة ما تعلم...!

و لكن..أهل المكابرة قد "وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا" (النمل 14)!!..فاحذر أن تكون منهم!

ص: 267

ابن قيدار الآتي من فاران

جاء في النبوءة الواردة في سفر حبقوق 3:3:"قد أقبل اللّه من أدوم( قلت:التراجم الإنجليزية ك:

The Revised Standard Version The New International Version The New American Bible The Amplified Bible The New American Standard Bible The King James Version تذكر كلها كلمة "Teman" "تيمان"و الأمر بالمثل مع مخطوطات البحر الميت",و هو ما جاء أيضا في الترجمتين الفرنسيتين "Louis Segond و "La Bible de Semeur" و الترجمتين الإيطاليتين: "La Nuova "Conferenza Episcopale Italiana" "Diodati و قد سارت التراجم العربية الأخري علي ذكر لفظ"تيمان"كترجمة الفانديك و الترجمة الكاثوليكية و الترجمة المشتركة,لكنّ ترجمة"كتاب الحياة"وضعت كلمة"أدوم"محلّ كلمة" تيمان"علما بأنّ"تيمان"هي مجرّد جزء من أرض أدوم!)و جاء القدوس من جبل فاران.غمر جلاله السماوات و امتلأت الأرض من تسبيحه."

النص الماسوري:

ص: 268

بالإضافة إلي هذه البشارة نقرأ في سفر إشعياء 42:11-12:"لتهتف الصحراء و مدنها و ديار قيدار المأهولة.ليتغنّ بفرح أهل سالع و ليهتفوا من قمم الجبال،و ليمجدوا الربّ و يذيعوا حمده في الجزائر."

النص الماسوري:

كما جاء أيضا في سفر إشعياء 21:13-17:"نبوءة بشأن شبه الجزيرة العربية:ستبيتين يا قبائل الددانيين فاحملوا يا أهل تيماء الماء للعطشان،و استقبلوا الهاربين بالخبز.

لأنهم قد فروا من السيف المسلول،و القوي المتوتر،و من و طيس المعركة،لأنّ هذا ما قاله لي الربّ:في غضون سنة مماثلة لسنة الأجير يفني كل مجد قيدار،و تكون بقية الرماة ،الأبطال من أبناء قيدار،قلة لأنه الربّ إله إسرائيل قد تكلّم".

النص الماسوري:

ص: 269

إذا جمعنا هذه النبوءات وجدنا أنها تشير بصورة واضحة إلي محمد صلي اللّه عليه و سلّم:

"بنو قيدار":هم العرب,و مما يستدلّ به لإثبات هذه الحقيقة:

قيدار هو ابن إسماعيل جدّ العرب,كما هو مذكور في الكتاب المقدس(سفر التكوين 25:13-15).

جاء في الترجمة الفرنسية للعهد القديم""الكتاب المقدس الأورشليمي" "La Bible de Jerusaleme" في تفسير كلمة "Onagre" في الهامش ص 45:"..أنّ سلالة إسماعيل هم عرب الصحراء..".

ذكر س.فورستر C.Forster في كتابه "The Historical "Geography of Arabia ص ص 244-265 أنّ بني قيدار قد سكنوا الحجاز,و عرّفهم بأنهم قريش.

ص: 270

-جاء في تعليق دمّيلو Dummelow علي الكتاب المقدس "Commentary on the Holy Bible" ص 441 أنّ عبارة"قيدار"تشير إلي القبائل العربية"(انظر أيضا "Peak's Commentary on the Bible ص 447).

تذكر موسوعة الكتاب المقدس "Encyclopedia Bibilca" ل ت.ك.شاين T.K.Cheyne تحت اسم"إسماعيل":"..في نقش لأسور-باني- بال,استعمل الاسم(أي اسم قيدار)كمرادف للبلاد العربية."

ورد في معجم سميث للكتاب المقدس Smith's bible Dictionary :"نعرف القليل عن حياة إسماعيل المتأخرة.لقد حضر مع أخيه إسحاق لدفن أبيهما إبراهيم.و مات و قد بلغ 137 عاما.و سكن أبناؤه شمال و جنوب شبه الجزيرة العربية مكنونين البذرة الأولي(العنصر الأساسي)للأمة العربية،قبائل البدو الرحل.إنهم الآن معظم أتباع محمد الذين ينظرون إلي إسماعيل أنه الأب الروحي لهم كما ينظر اليهود لأبيهم إبراهيم.و لغتهم التي انتشرت لتكون المجتمع العربي قد اعتمدت ببعض الاستثناءات البسيطة في الجزيرة العربية."

جاء في معجم العهد القديم Gesenius'Hebrew-Chaldee" Lexicon to the old Testament" ل ه.و.ف.جينيسيوس H.W.F Gesenius ص 724 أنّ قيدار هو ابن لإسماعيل,و منه ظهرت قبيلة عربية,و أنّ أحبار اليهود ينادون كلّ العرب في كلّ مكان بهذا الاسم "The ".Rabbins call all the Arabians universally by this name "سالع":إشارة إلي المدينة المنوّرة كما سبق بيانه من قبل.

محمد صلي اللّه عليه و سلّم هو الذي تلقّي الوحي,النبوة من جهة بلاد العرب.

ص: 271

"ديدان":هي أرض العرب في الحجاز كما تقول خرائط الكتاب المقدس ,أو هي أحد القبائل العربية كما هو مذكور في هامش الترجمة الفرنسية للكتاب المقدس "La Bible de Semeur" .

و جاء في هامش سفر إشعياء 21:13 ترجمة"الكتاب المقدس الأمريكي الجديد ": "The New American Bible" :"بلاد العرب:هي البلاد البدوية.

الددانيون:قبيلة عربية مرتبطة بأدوم و تيماء.و تقيم شرق البحر الميّت".

"أهل تيماء":جاء في موسوعة: The International" "Standard Bible Encyclopedia تحت كلمة تيماء:"اسم ابن إسماعيل (تكوين 24:15,أخبار الأيام الأول 1:30),لقبيلة من نسله(إرمياء 25:

23),و لمكان سكنت فيه هذه القبيلة(أيوب 6:19,إشعياء 21:14).

و هذه الأخيرة تقع في البلاد العربية."

و ورد في"قاموس الكتاب المقدس"(ضمن المجموعة الإلكترونية"البشارة") تحت اسم"تيما و تيماء":"اسم عبري ربما كان معناه"الجنوبي"و هي قبيلة إسماعيلية تسلسلت من تيما فكانت تقطن بلاد العرب(تكوين 25:15 و 1 أخبار 1:30) و تسمّي أيضا الجهة التي يسكنون فيها تيماء(اشعياء 21:14)و كانت القوافل معروفة جيدا في هذه البقعة(اي 6:19)و تيماء في بلاد العرب في منتصف الطريق بين دمشق و مكة و علي مسافة متساوية من بابل إلي مصر و قد ذكرت تيما مع سباء (اي 6:19)و مع ددان(اشعياء 21:13 و 14 وار 25:23)."

و جاء في قاموس الكتاب المقدس ل ج.هاستنج J.Hasting's Dictionary of the Bible أنّ تيماء هي واحة شمال المدينة.

ص: 272

"المدينة"هي التي خرج إليها محمد صلي اللّه عليه و سلّم"هاربا"بدعوته المستضعف أهلها من طرف أهل مكّة(بني قيدار)إلي قوم ذوي منعة آمنوا به و صدّقوا خبره(أهل تيماء),أعطوه صفقة أيديهم و ثمرة أفئدتهم و السمع و الطاعة المطلقتين في المنشط و المكره(خبزه)-الهروب هنا يقصد به الخروج سرا من بين أظهر الظالمين حذر طغيان الظالمين و التحاقا بطائفة الحقّ لقيادتها إلي خيري الدنيا و الآخرة لا الفرار جزعا و فرقا من بطش الجبارين للنجاة بالنفس!

محمد صلي اللّه عليه و سلّم هو الذي عاد بعد عام من"هجرته",و قد قابله "أبناء قيدار"في موقعة"بدر"و انهزموا أمامه و هم الذين كانوا يحملون الأقواس و قد فني مجدهم الجاهلي,ليبدأ مجد المسلمين بتعدد أجناسهم و أعراقهم.

جاء في سفر حبقوق 3:3 أنّ"اللّه"قد أقبل من"تيماء"المدينة,في حين جاء القول أنّ"القدّوس"أي الرجل الصالح,قد جاء من جبل مكة-جبل النور الذي فيه غار حراء-,و المغايرة هنا بين"اللّه"و"القدوس"سببها أنّ تترّل الرسالة علي"القدّوس"محمد صلي اللّه عليه و سلم كان في غار حراء و كانت تلك الفترة المكية التي استمرت 13 سنة,سنوات استضعاف و محاصرة من طوائف الكفر لدعوة الهداية للتوحيد,فما ظهرت آثار الرسالة في تلك الفترة علي الصورة المراد لها لتكاتف المبطلين علي التنكيل بضعاف مكة الذين آمنوا بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم,و ما أشرقت الرسالة علي أرجاء الأرض إلا في المدينة"تيماء"حيث ظهر أمر"اللّه"..فما أجمل هذه النبوءة الحبقوقية!!!

و لا يملك النصاري أن يظهروا اعتراضا علي هذه النبوءات المتلاحمة الظاهرة المعني لما في هذه النصوص من تحديد لأماكن لم يطأها المسيح عليه السلام و إنما عاش فيها محمد صلي اللّه عليه و سلّم!

ص: 273

المجد الساطع

قال القسيس المهتدي إبراهيم خليل في كتابه"محمد صلي اللّه عليه و سلّم في التوراة و الإنجيل و القرآن"ص ص 70-71:

"في سنة 701 ق م,و في أرض السبي,و في بابل تنبّأ النبي الإسرائيلي إشعياء بالإسلام دينا و دولة:

ففي إشعياء 60:1-7:"قومي استنيري،لأنه قد جاء نورك و مجد الربّ أشرق عليك،لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض و الظلام الدامس الأمم.أما عليك فيشرق الربّ،و مجده عليك يري،فتسير الأمم في نورك،و الملوك في ضياء إشراقك .ارفعي عينيك حواليك.و انظري،قد اجتمعوا كلهم، جاءوا إليك يأتي بنوك من بعيد،تحمل بناتك علي الأيدي .حينئذ تنظرين و تنيرين.يخفق قلبك و يتسع،لأنه تتحول إليك ثروة البحر،و يأتي إليك غني الأمم.تعطيك كثرة الجمال بكران مديان و عيفة كلها تأتي من شبا تحمل ذهبا و لبانا.و تبشر بتسابيح الربّ كل غنم قيدار تجتمع إليك .كباش نبايوت تخدمك.تصعد إليك مقبولة علي مذبحي و أزين بيت جمالي"

النص الماسوري:

ص: 274

و في إشعياء 42:10-13:"غنّوا للربّ أغنية جديدة.

تسبيحة من أقصي الأرض،أيها المنحدرون في البحر و مائه و الجزائر و سكانها،لترفع البرية و مدنها و صونها،الديار التي سكنها قيدار،لتترنم سالع،من رءوس الجبال ليهتفوا ،ليعطوا مجدا،و يخبروا بتسبيحه في الجزائر.الربّ كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته.يهتف و يصرخ و يقوي علي أعدائه".

النص الماسوري:

ص: 275

و هنا نتساءل:أين الرسول الكريم في تلكم الآيات التي وردت آنفا؟

و للإجابة عن هذا نجد صلة نسب الرسول الكريم من نبايوت بن إسماعيل بن إبراهيم عليهم أفضل الصلوات و السلام,و هذه السلسلة النبوية الكريمة يدونها موسي عليه السلام هكذا:"و هذه اسماء بني إسماعيل حسب نبايوت بكر إسماعيل،و قيدار...اثني عشر قبيلة".

و يزداد الأمر وضوحا و إشراقا بذكر رموز خاصة"كثرة الجمال","يأتي إليك غني الأمم","غنم قيدار","كباش نبايوت","تصعد مقبولة علي مذبحي",إشارة إلي يوم النحر بمني,و"جبل عرفات بمكة", و"الجزائر و سكانها","الديار التي سكنها قيدار","الربّ كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض".و لقد قال الغرب:إنّ الإسلام قام غازيا كجبّار,يهتف و يصرخ و يقوي علي أعدائه."

قلت:تأمّل في عبارة"غنّوا للربّ أغنية جديدة",إنها إشارة إلي الأذان المنطلق من رءوس الجبال و من السهول..و هل عرفت"أغنية"(و الحديث علي المجاز الشائع في أسفار أهل الكتاب)جديدة غير أذان المسلمين الصادر من نسل قيدار من سالع و الجزائر!

اعتراض النصاري:هاتان البشارتان متعلقتان بالمسيح عليه السلام,تتحدث

ص: 276

الأولي عن الهيكل في أورشليم عند ظهور المسيح,أما الثانية فتتحدث عن فرح اليهود و الأحبار بظهور المسيح.

هذان زعمان باطلان,إذ أنّ هيكل أورشليم لم يمجّد منذ بعثة المسيح,بل العكس هو الصحيح فقد تسلّط عليه الرومان بعد رفع المسيح,ثم انطوي ذكره مع فتح المسلمين لبلاد الشام,كما أنّ العطايا و البعوث ما عرفت بالسير زرافات و وحدانا إلي الهيكل من البلاد البعيدة و إنما صار هذا حال كعبة إبراهيم عليه السلام بعد ما كانت مهجورة,فقد أصبحت تأتيها الوفود من كلّ فجّ عميق...

ثم إنّ المسيح عليه السلام قد رفضه قومه و حاولوا صلبه,و لو لا عناية اللّه و رحمته لنالوا منه و لقتلوه,و المتأمل في تاريخ أثر دعوة المسيح يجد أنها لم تؤثّر إلا في قلة قليلة من الناس علي مدي بضعة قرون!!!

ص: 277

تاريخ فتح بيت المقدس

جاء في الفصل التاسع من سفر دانيال:"سبعون أسبوعا مقضية علي شعبك و علي مدينتك المقدّسة لتكميل المعصية و تتميم الخطايا و لكفارة الإثم و ليؤتي بالبرّ الأبدي و لختم الرؤيا و النبوّة و لمسح قدّوس القديسين.

فاعلم و افهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم و بنائها إلي المسيح الرئيس سبعة أسابيع و اثنان و ستون أسبوعا يعود و يبني سوق و خليج في ضيق الأزمنة،و بعد اثنين و ستين أسبوعا يقطع المسيح.و شعب رئيس آت يخرب المدينة و القدس و انتهاؤه بغمارة،و إلي النهاية حرب و خراب..

و علي جناح الأرجاس".

فسّر مؤلفا كتاب"فتح الملك العلام في بشائر دين الإسلام"(أحمد ترجمان و محمد حبيب)هذه النبوءة بعد ذكر ما جاء في سفر إشعياء حول هذه الخاتمة"علي يد شعب بعيد من أقصي الأرض"و ما جاء في سفر التثنية:"إنّ الربّ يجلب أمة من بعيد من أقصي الأرض..ثم يردّهم إلي مصر في سفن".

قالا:و قد تمّ ذلك حين استدعي الرومان حاكم بريطانيا الكبري و معه جيش نكّل باليهود و حمل طائفة منهم أسري إلي مصر و طائفة إلي روما من طريق البحر سنة 132 م.فلم تنته حرب الرومان سنة 70 م بل جاءت بعدها تلك الحروب التالية مصدّقة لنبوءة الدمار علي يد القادم من بعيد و نبوءة النقل علي السفن إلي الديار المصرية و ما وراءها.

ص: 278

إذا أخذنا بما أجمع عليه شرّاح الكتاب المقدس من أنّ اليوم من أسابيع دانيال سنة ,و إننا إذا أضفنا 490 سنة إلي 132 فتلك 622 سنة التي هاجر فيها محمد صلي اللّه عليه و سلّم إلي مدينة يثرب,و بعد 14 سنة دخل جيش الإسلام القدس الشريف و بني المسجد الأقصي في مكان الهيكل,و كان الفرس قد ملكوا فلسطين 14 سنة أباحوا فيها لليهود إقامة شعائرهم ثم عاد الرومان و تلاهم المسلمون.فكانت السنون التي مضت بعد الهجرة النبوية مقابلة لتلك السنين التي ارتفع فيها الحجر عن اليهود, علي عهد الدولة الفارسية.

اعتراض النصاري:هذا الحساب غير صحيح..و النبوءة هي بظهور المسيح عليه السلام منذ أكثر من عشرين قرنا من الآن!

الردّ:هذه دعوي دون بيّنة,بل و تاريخكم يكذّبها:

ذكر الشيخ رحمة اللّه الهندي في كتابه"إظهار الحق"أنّ واطسن في المجلد الثالث من كتابه نقل عن رسالة الدكتور جريب Grib تصريحه"أنّ اليهود حرّفوا هذا الخبر بزيادة الوقت تحريفا لا يمكن أن يصدّق علي عيسي."..و هذا اعتراف نصراني بعدم انطباق المدة المذكورة علي واقع ظهور المسيح,و إن كان قد عاد بالأئمة علي اليهود المحرّفين للوحي!!

جاء في كتاب تاريخ العرب المطول للدكتور فيليب حتي و آخرون ص 208 القسم الثاني ما نصّه:"و لما سلمت القدس جاءها"عمر"زائرا و أنفذ صلح أهلها و كتب لهم به,فاستقبلهم البطريرك"صفرونيوس"الملقب ب"حامي الكنيسة المعسول اللسان"و طاف به علي أنحاء البلدة و أراه الأماكن المقدسة.و كان لهيئة الخليفة البسيطة و لباسه الرثّ,أثر عظيم في نفس"صفرونيوس"فالتفت إلي أحد

ص: 279

مرافقيه و كلّمه باليونانية قائلا:حقا.هذا رجس الخراب الذي تكلّم عنه النبي دانيال و رآه قائما في المقدس"

و كتب أصحاب كتاب"تاريخ العرب المطول"في الهامش هذا المرجع:

Theophotes.P.933 Coustantione Porphyrogenitus.

"De administrando imperio "in I.P.Migne.Patrologia Watson Vol.ex 3(Paris,1981)col901.

ص: 280

"مكة"

جاء ذكر"مكّة"في المزامير في النسخ الإنجليزية المتداولة الآن,في هذا النصّ:

"طوبي لأناس أنت قوتهم.المتاهفون لأتباع طرقك المفضية إلي بيتك المقدس.و إذ يعبرون في وادي البكاء الجاف، يجعلونه ينابيع ماء،و يغمرهم المطر الخريفي بالبركات.

ينمون من قوة إلي قوة،إذ يمثل كل واحد أمام اللّه في صهيون.يا ربّ إله الجنود اسمع صلاتي،و اصغ إليّ يا إله يعقوب."(المزامير 84:6-8)،و الترجمة الكاثوليكية تقول:"يجتازون في وادي البكاء،فيجعلونه ينابيع ماء،لأنّ المشترع يغمرهم ببركاته،فينطلقون من قوة إلي قوة،إلي أن يتجلّي لهم إله الآلهة في صهيون"(7-8).

كلمة"البكاء"في النص السابق هي في الأصل العبري:"بكة" "Bacah" .

و كما هو ظاهر في التراجم الشهيرة كالترجمة الفرنسية"لويس سوجن" "Louis "Segond و الترجمة الإنجليزية"الترجمة العالمية الجديدة" "The New International Version" ..."فإنّ الحرف الأول قد كتب كبيرا Capital مما يدلّ علي أنّ هذه الكلمة هي اسم لمكان لا مجرّد معني للفظ.و نحن نعلم أنّ هذا الاسم هو أحد اسماء مكّة مكرّمة،و قد جاء هذا الاسم بهذا المعني في سورة آل عمران الآية 96: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُديً لِلْعالَمِينَ" .

الترجمة الانجليزية للعدد الخامس من الفصل 84 من نفس المزمور في"الترجمة العالمية الحديثة" "The New International Version" تذكر صراحة كلمة "Pilgrimage" "حج".و قد اعترف بتعلق النص بالحج المعلّقون علي

ص: 281

الترجمة الانجليزية"ترجمة الملك جيمس "King James Version Study" Bible" و غيرهم ممن علّق علي المزمور.

و في الحديث هنا عن الحج إشارة و دلالة لا تخطئهما العين علي بعثة نبي صاحب أهمية خاصة,و أنّ مكان بعثته سيكون قبلة للناس.علما و أنه كما يقول عبد الأحد داود في كتابه"محمد(صلي اللّه عليه و سلّم)في الكتاب المقدس"فإنّ كلمة"حج"العربية مرادفة تماما من حيث المعني و الأصل لنفس الكلمة في العبرية و اللغات السامية الأخري.فكلمة"حجاج" "Hagag" العبرية هي نفس كلمة "حجاج"العربية "Hajaj" و الفرق الوحيد لفظ الحرف الثالث من الأبجدية السامية و هو الجيم التي يلفظها العرب جيما.و شريعة موسي تستخدم هذه الكلمة بعينها و هي "Hagag" أو"حجاج" "haghagh" و ذلك عند ما تأمر بأداء طقوس الاحتفال.و تعني الكلمة الدوران حول بناء أو مذبح أو حجر,بخطوات مهرولة منتظمة و مدرّبة,تأدية لطقس أو عيد ديني يحتوي علي السرور و الإنشاد"!!

أمّا النبع فهو بئر زمزم,النبع الفياض,علما و أنّه قد جاء في هامش الترجمة الفرنسية "La Bible de Semeur" أنّ"العديد من المخطوطات العبرية و الترجمة اليونانية القديمة جاء فيها:"هو(اللّه)أنشأ واحة".و نسبة الفعل إلي اللّه تؤكد تمحور الحديث هنا عن زمزم الذي نبع بمعجزة إلهية.

أما حديث الترجمة الكاثوليكية عن"المشترع"ففيه إشارة بارزة إلي محمد صلي اللّه عليه و سلّم,إذ أنّ محمدا صلي اللّه عليه و سلّم هو صاحب شريعة جديدة أفاضت بركاتها علي المسلمين باعتراف مشاهير القانونيين في زماننا,حتي تحوّلوا من"قوة إلي قوة".

و يدلّل عبد الحق فديارتي علي هذا المعني الواضح لهذه البشارة بقوله إنّ:

ص: 282

1-بيت الربّ المذكور في هذا النص لا يمكن أن يكون غير الذي في مكة,لأنّ الهيكل المقدس لم يكن قد بني بعد في القدس,و ما كان هناك بيت آخر مقدس غير بيت إبراهيم في مكة أثناء كتابة هذا المزمور.

2-كان داود النبي عليه السلام ينتظر الأمر الإلهي بغزو فلسطين,و حتي ينال مراده من اللّه,ذهب إلي مكة حيث البيت الذي بناه إبراهيم الأب عليه السلام ليدعو اللّه هناك.

قلت:و قد جاء في مخطوطات معينة لفظ"صهيون"بعد"طرقك المفضية إلي بيتك المقدس"في العدد الخامس,و كما رأيت فإنّ هذه الكلمة غير موجودة في الترجمة الكاثوليكية,كما أنها غير موجودة في"النص العبري الساكن للنص الماسوري للعهد القديم"كما هو مذكور في هامش المزمور 68:5 في التعليق الشهير علي الكتاب المقدس "The Harper Collins Study Bible"

ثم إنّه قد جاء في هامش بحث للدكتور عبد المجيد الزنداني بعنوان"البشارات بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم في الكتب السماوية السابقة:"تعليقا علي الكلمة الانجليزية"صهيون":"المجتمع الديني الذي خلص لعبادة اللّه،أو المدينة الفاضلة كما جاء ذلك في قاموس: Webster s Seventh New Collegiate "Dictionary و قد ذكر معاني أخري لا تستقيم مع الموضع الجغرافي المذكور في النص.و عند الرجوع إلي أصل الكلمة( Zion )العبري تبين أنها مقتبسة من جذر يعني:جفاف،صحراوي،أجرد(أرض أو مكان)جاف،مكان مقفر،برية.

و هذا كله يشير إلي أن المكان المعبر عنه بكلمه Zion في النص الإنجليزي هو برية مكة الجرداء المقفرة الجافة،راجع كتاب The New Strong's"

ص: 283

Exhautive Concordance of the Bible" لجيمس سترنغ James Strong و المعجم العبري ص 99 فقره:رقم 6723."

و يقول فديارتي في كتابه:"محمد في الأسفار العالمية"ص ص 131-133 إنّ "صهيون"هي بالعبرية"سييون"و هي من الجذر العبري"سياه"الذي يعني "جاف"و تعني صهيون"جاف"و"أرض صحراوية".بالإضافة إلي ذلك يوجد صهيونان(أورشليم عتيقة و أورشليم جديدة).

و قد كتبت لفظة أورشليم في سفر نشيد الإنشاد 5:16 في النص العبري في صيغة المثنّي,و جاء في رسالة بولس إلي العبرانيين 12:22:"و لكنّكم قد اقتربتم إلي جبل صهيون،إلي مدينة اللّه الحيّ،أورشليم السّماويّة.بل تقدّمتم إلي حفلة يجتمع فيها عدد لا يحصي من الملائكة",و جاء في رسالة بولس إلي غلاطية 4:25:"و لفظة هاجر تطلق علي جبل سيناء،في بلاد العرب،و تمثل أورشليم الحاليّة،فإنّها مع بنيها في العبوديّة"..فهناك إذن أورشليمان ..و صهيونان.

و قد قال سهيل التغلبي,النصراني,في كتابه"الصهيونية تحرّف الإنجيل"هامش ص 6 بعد أن ذكر أنّ صهيون الأولي تقع في القدس:"نسخ السيد المسيح هذا المفهوم و أصبح"صهيون"يعني ملكوت السموات التي بشّر بها و بأورشليم الجديدة التي ستكون في اليوم الأخير مأوي للصالحين و الأبرار."..و هذا القول يظهر وجود أورشليمين,و إن كان قد ظهر خطؤه في معرفة أورشليم الثانية.

و مما يظهر أنّ صهيون المذكورة هي مكّة,ما جاء في سفر إشعياء 52:1-2:" استيقظي،استيقظي تسربلي بقوّتك يا صهيون،ارتدي ثياب بهائك يا أورشليم،المدينة المقدّسة،إذ لن يدخلك بعد

ص: 284

اليوم أغلف و لا نجس.انفضي عنك الغبار،و انهضي و اجلسي و فكي عن عنقك الأغلال يا أورشليم،أيّتها المسبيّة ابنة صهيون."

الأوصاف المذكورة في هذه النبوءة لا تنطبق إلا علي مكة:

ثياب البهاء التي تحلّت بها مكّة هي التحلّل من الأوثان و الأزلام,في حين أنّ القدس كانت معمورة بأوثان الرومان قبل المسيح و بعده بقرون.

مكّة هي التي لا يدخلها غير المختونين,أمّا القدس فقد عاش فيها أيام المسيح و إلي اليوم الكثير من الذين لا يختتنون كالنصاري و الوثنيين,و قد اضطر النصاري إلي الزعم أنّ كلمة"الأغلف"لها دلالة مجازية!

قال تعالي: "إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا" (سورة التوبة 28).أما القدس فأخلاط الناس يرتعون فيها,و قد فرّخ فيها الكثير من المارقين عن الحق,أديانهم الباطلة(شهود يهوه,القاديانية,البهائية ...).

كما تنطبق الصفات الواردة حول"صهيون"في سفر إشعياء 2:3 علي مكّة لا علي القدس:"و يحدث في آخر الأيّام،أنّ جبل هيكل الربّ يصبح أسمي من كلّ الجبال،و يعلو فوق كلّ التلال،فتتوافد إليه جميع الأمم.":

الحديث عن آخر الزمان,و ظهور أمر مكّة و اجتماع الناس حولها جاء بعد علو شأن القدس.

ص: 285

أمر مكّة هو الذي ازداد علوا و قدرا بتوسيع دائرة أرض الإسلام,في حين أنّ القدس قد انتقلت ملكيتها بين أمم عدّة علي مدي القرون التي بيننا و بين النبي إشعياء.

تحجّ شعوب كثيرة إلي مكّة كلّ سنة.و يعتبر الحج أحد خمس قواعد بني عليها الإسلام.أمّا القدس فلا"يحجّ"إليها إلا عدد قليل من النصاري.كما أنّ أمر الحجّ في النصرانية غير ذي بال عند القوم و لا يذكر أبدا في أصول الملّة عند الكنيسة.

من مكّة خرجت"شريعة الأمم".و ما خرجت من القدس شريعة يسوعية و إنما تمّ فيها,طبق اعتقاد الكنيسة,إلغاء الشريعة لأنها كما قال بولس"معيبة"!!!!

كلمة الربّ(القرآن و السنّة النبوية)قد أعلنت من مكة حيث نزلت الكثير من السور القرآنية و الأحاديث النبوية الشريفة.أما أناجيل النصاري و رسائل بولس ,فلم تكتب في القدس كما هو معلوم.

و جاء في سفر إشعياء 33:19-24:"لن تري الشعب الشرس فيما بعد،الّذي يتكلّم لغة أجنبيّة لا تفهمها.

التفت إلي صهيون مدينة أعيادنا،فتكتحل عيناك بمرأي أورشليم،المسكن المطمئنّ و الخيمة الثابتة الّتي لا تقلع أوتادها إلي الأبد و لا تنقطع حبالها

هناك يكون الربّ لنا بجلاله مكان أنهار و جداول واسعة لا يبحر فيها قارب ذو مجداف،و لا تمخر فيها سفينة عظيمة،

لأنّ الربّ هو قاضينا،الربّ هو مشترعنا،هو ملكنا و سيخلصنا

ص: 286

لقد استرخت حبال أشرعتك،فلا يمكنها شدّ قاعدة السّارية أو نشر الشراع،حينئذ نقسم الغنائم الوفيرة.

حتّي العرج ينهبون السّلب.

لن يقول مقيم في صهيون إنّه مريض،و ينزع الربّ إثم الشعب السّاكن فيها."

صهيون هنا أيضا هي مكة لا القدس,و من الأدلة علي ذلك:

بيت الربّ يقع في أرض قوم يتكلّمون لغة أجنبية,أي غير لغة بني إسرائيل.

و قد كان عرب مكة يتكلمون اللغة العربية,أما بيت المقدس فقد كانت أهم أماكن تواجد بني إسرائيل زمن المسيح ابن مريم عليهما السلام.

صهيون الموعودة ستكون مقرّ أمان إلي يوم القيامة,و معلوم بالاضطرار حرمة الحرب في مكة,كما أنّها لم تعرف الحروب عامة,في حين أنّ القدس قد حلّت بها الكثير من الحروب و المجازر.

ظهرت الشريعة الإلهية و الحكم و السلطان الأرضي لنبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلم في مكة,و ما عرفت القدس سلطة المسيح عليها.

ظهرت الغنائم الوفيرة لأهل مكة مع ظهور الإسلام,أما القدس فقد عرفت صلب المسيح كما هو معتقد النصاري.

و جاء في سفر إشعياء 40:9-11:"اصعدي إلي جبل شامخ يا حاملة البشارة إلي صهيون.ارفعي صوتك بقوّة يا مبشرة أورشليم.اهتفي و لا تجزعي.قولي لمدن يهوذا:ها إلهكم قادم

ص: 287

بقدرته و قوّته،و ذراعه تحكم له،و ها أجرته معه و مكافاته أمامه.

يرعي قطيعه كراع،و يجمع الحملان بذراعه،و في أحضانه يحملها و يقود المرضعات برفق".

و يظهر من هذه النبوءة أنّ المنتظر في صهيون:

سيكون قويا جلدا,لا ضعيفا مهينا.

سيكون صاحب ذراع قوي يقيم بها دولة.

سيري ثمرة جهادة في أيام حياته.

سيرعي بنفسه قومه و سيكون قائدهم الحقيقي.

سيكون رفيقا بالضعفاء,خافضا لجناح الرحمة لمن هم تحت أمره.

هذه الصفات دقيقة في وصف محمد صلي اللّه عليه و سلّم القائد الحاكم في أمة الإسلام الذي أقام دولة الإسلام في حياته...و لا تنطبق علي يسوع الكنيسة الذي عاش مستضعفا و مات مقتولا!!

و جاء في سفر إشعياء 60:1-7:"قومي استضيئي،فإنّ نورك قد جاء،و مجد الربّ أشرق عليك.

ها إنّ الظلمة تغمر الأرض،و اللّيل الدّامس يكتنف الشعوب،و لكنّ الربّ يشرق عليك،و يتجلّي مجده حولك،

فتقبل الأمم إلي نورك،و تتوافد الملوك إلي إشراق ضيائك.

ص: 288

تأمّلي حولك و انظري،فها هم جميعا قد اجتمعوا، و أتوا إليك.يجيء أبناؤك من مكان بعيد،و تحمل بناتك علي الأذرع.

عندئذ تنظرين و تتهلّلين،و تطغي الإثارة علي قلبك، و تمتلئين فرحا لأنّ ثروات البحر تتحوّل إليك و غني الأمم يتدفق عليك.

تكتظ أرضك بكثرة الإبل.من أرض مديان و عيفة تغشاك بكران،تتقاطر إليك من شبا محمّلة بالذهب و اللّبان و تذيع تسبيح الربّ.

جميع قطعان قيدار تجتمع إليك،و كباش نبايوت تخدمك، تقدم قرايين مقبولة علي مذبحي،و أمجد بيتي البهيّ."

إنّ دواب ابنا إسماعيل:قيدار,و نبايوت(البكر:سفر التكوين 25:13),لم تجتمع لغير بيت اللّه الكعبة.و ما اجتمعت قط لهيكل أورشليم.و لم تتدفق ثروات الأرض و خيرات الأمم البعيدة علي أرض غير أرض مكّة.أما أورشليم فقد انهكتها الغزوات و الحروب و انفض عنها أهلها,بالإضافة إلي أنّها"الأرض المقدسة لبني إسرائيل"لا"الأمم"!

و جاء في سفر إشعياء 60:10-22:"يعمّر الغرباء أسوارك، و يخدمك ملوكهم،لأنّي في غضبي عاقبتك،و في رضاي رحمتك.

تنفتح أبوابك دائما و لا توصد ليل نهار،ليحمل إليك النّاس ثروة الأمم،و في موكب يساق إليك ملوكهم،

لأنّ الأمّة و المملكة الّتي لا تخضع لك تهلك،و هذه الشعوب تتعرّض للخراب السّاحق.

ص: 289

يأتي إليك مجد لبنان بسروه و سنديانه و شريينه لتزيين موضع مقدسي،فاجعل موطئ قدميّ مجيدا.

و يقبل إليك أبناء مضايقيك خاضعين،و كلّ الّذين احتقروك ينحنون عند قدميك،و يدعونك مدينة الربّ،صهيون قدوس إسرائيل.

و بعد أن كنت مهجورة ممقوتة لا يعبر بك أحد،سأجعلك بهيّة إلي الأبد،و فرح كل الأجيال،

و تشربين لبن الأمم،و ترضعين ثدي الملوك،و تدركين أنّي أنا الربّ مخلصك و فاديك عزيز يعقوب.

و عوضا عن النّحاس أجلب لك الذهب،و بدل الحديد آتي لك بالفضة،و عوض الخشب نحاسا،و بدل الحجارة حديدا، و أجعل ولاتك مصدر سلام،و مسخريك يعاملونك بالعدل.

و لا يسمع بظلم في أرضك،و لا بدمار أو خراب داخل تخومك،و تدعين أسوارك خلاصا،و بوّاباتك تساييح.

و لا تعود الشمس نورا لك في النّهار و لا يشرق ضوء القمر عليك لأنّ الربّ يكون نورك الأبديّ،و إلهك يكون مجدك.

و لا تغرب شمسك من بعد،و لا يتضاءل قمرك،لأنّ الربّ يكون نورك الأبديّ،و تنقضي أيّام مناحتك.

و يكون شعبك جميعا أبرارا و يرثون الأرض إلي الأبد، فهم غصن غرسي و عمل يديّ لأتمجّد.

و يضحي أقلّهم ألفا،و أصغرهم أمّة قويّة،أنا الربّ أسرع في تحقيق ذلك في حينه."

ص: 290

إنها صفات متزاحمة متلاحمة,تؤكد أنّ البشارة المذكورة متعلقة بمكة كما يقول المسلمون,لا أورشليم القدس كما يزعم النصاري,إذ مكة هي التي فتحت أبوابها ليل نهار و لم توصد حتي أنّ الواحد ليس بإمكانه أن يطوف بالكعبة لوحده و لو كان في آخر الليل لكثرة الطائفين و لاستمرار هذه العبادة منذ قرون طويلة,أما القدس فقد تعرّضت إلي نكبات شديدة و توقفت العبادة في الهيكل مرات عديدة.

مكة(الكعبة)هي التي أقبلت إليها الشعوب حاملة الخيرات,و هي التي خضع لها الملوك و الجبابرة,و كان نور العدل و الخير ملازما لها و لأهلها.أما القدس فلم تتوجّه لها الأمم قبل ظهور النصرانية,و ما توجّه لها النصاري توجّه المسلمين إلي مكة,بل الحجّ عند القوم شعيرة مهملة و عبادة منسية.

و مكة(الكعبة)هي التي أشرق عليها نور التوحيد و امتنع علي ظلمة الشرك أن تقتحم حصونها إلي الأبد و أنزل اللّه سبحانه قوله: "وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً" (سورة الإسراء 81),أما القدس فقد عربد فيها المشركون قرونا طوالا قبل المسيح و بعده..

جاء في سفر إشعياء 65:8-10:"و لكن هذا ما يقوله الربّ:

كما أنّ(الكرام)لا يطرح العنقود الفاسد إذ يقال له إنّ في عنبه بعض الخمر الطيّب،كذلك لن أطرح من أمامي كلّ إسرائيل لئلاّ أقضي علي خدامي جميعا.

بل أخرج من صلب يعقوب ذريّة،و من يهوذا وارثا لجبالي،فيملكها مختاريّ،و يقيم فيها عبيدي،

و تصبح أرض شارون مرعي للقطعان،و وادي عخور مربض بقر لشعبي الّذي طلبني."

ص: 291

سفر إشعياء 65:14-15:"و يترنّمون في غبطة القلب و أنتم تعولون من أسي القلب،و تولولون من انكسار الرّوح، و تخلفون اسمكم لعنة علي شفاه مختاريّ،و يميتكم الربّ و يطلق علي عبيده اسما آخر."

سفر إشعياء 65:17-19:"لأنني ها أنا أخلق سماوات جديدة و أرضا جديدة،تمحو ذكر الأولي فلا تعود تخطر علي بال إنّما افرحوا و ابتهجوا إلي الأبد بما أنا خالقه، فها أنا أخلق أورشليم بهجة،و شعبها فرحا.و أبتهج بأورشليم و أغتبط بشعبي،و لا يعود يسمع فيها صوت بكاء أو نحيب."

يفهم من هذه النصوص أنّ من أبناء يعقوب و يهوذا من سيرثون"جبال اللّه"..

و قد كان,فقد أسلم طائفة من أبناء يعقوب و يهوذا,و ملكوا جبالا كثيرة ما ملكها من بقوا علي اليهودية من بني إسرائيل.

أما"شارون"فهي أرض خصبة في فلسطين معروفة بزهورها الحمراء,و قد ربطت شارون هذه ببلاد العرب في سفر إشعياء 33:9 حيث جاء النص العبري "ها شارون ك عربه"أي-كما يقول فديارتي-"شارون هي مثل البلاد العربية" و لكن حولت"البلاد العربية"إلي"البرية"في التراجم المتداولة.و قد أعطيت خصوبة شارون إلي البلاد العربية كما هو قول النبي إشعياء في سفره 35:1-2:

"ستفرح الصّحراء و القفر الأجرد،و تبتهج البريّة و تزهر كالورد.

تزدهر ازدهارا،و تبتهج أشدّ بهجة و يضفي عليها مجد

ص: 292

لبنان و جلال الكرمل و شارون و يشهدون مجد الربّ و بهاء إلهنا."

و قد اختلفت الآراء فيما يتعلّق ب"وادي عخور",لكنّ معناها الحرفي هو "أرض حزن و فقر"و هي ستصبح أرض طمأنينة و أمن,و كذلك كانت مكة و صارت مع ظهور نبي الإسلام.

من رفضوا الإسلام من بني إسرائيل بكوا من سويداء قلوبهم و ولولوا من انكسار أنفسهم,أمّا من قبلوا الإسلام منهم فقد ترنّموا في غبطة القلب.

السماء و الأرض الجديدتان:هما أمة و شريعة تظهران بعد خمول ذكر بني إسرائيل.الأمة:أمة الإسلام,و الشريعة هي شريعة الإسلام.

الوادي الذي اسمه"بكّه"هو في الأصل العبري "Bacah" بكة"و"الهاء" في آخر الكلمة دليل علي أنّ هذا المكان معروف بين الناس.

نازلوا هذا الوادي سيسبّحون ربهم دائما.و هذا يصحّ بالحرف علي سكان مكّة أهل التعبّد و التبتّل و كذلك الحجّاج و المعتمرون المتوافدون علي مكة للتعبّد و التبتّل.

الظهور أمام الربّ في صهيون دليل علي الحجّ السنوي في مكة.

و ليسمح لي معرّبو الكتاب المقدّس أن أسألهم أن"يتّقوا اللّه!!"و أن يسايروا التراجم الانجليزية الحديثة في ما ذهبت إليه من وضع كلمة"بكة"بدل"وادي البكاء!!!؟؟!".

إنّ مكة التي استفاض الخبر عن أنه سوف يخرج منها اللّه سبحانه,نبي آخر الزمان,و التي أصبحت قبلة آخر الأمم,و مركز المتعبدين في الأرض,و هي التي تهوي إليها الأفئدة...هي أيضا مركز العالم,و هذه حقيقة علمية تمّ اكتشافها أخيرا:

ص: 293

يروي العالم المصري الدكتور حسين كمال الدين قصة الاكتشاف الغريب فيذكر :"أنه بدأ البحث و كان هدفه مختلفا تماما,حيث كان يجري بحثا ليعدّ وسيلة تساعد كلّ شخص في أي مكان من العالم,علي معرفة و تحديد مكان القبلة,لأنه شعر في رحلاته العديدة للخارج أنّ هذه هي مشكلة كلّ مسلم عند ما يكون في مكان ليست فيه مساجد تحدد مكان القبلة,أو يكون في بلاد غريبة,كما يحدث لمئات الآلاف من طلاب البعثات في الخارج,لذلك فكّر حسين كمال الدين في عمل خريطة جديدة للكرة الأرضية لتحديد اتجاهات القبلة عليها.

و بعد أن وضع الخطوط الأولي في البحث التمهيدي لإعداد هذه الخريطة, و رسم عليها القارات الخمس,ظهر له فجأة هذا الاكتشاف الذي أثار دهشته..فقد وجد العالم المصري أنّ موقع مكة المكرمة في وسط العالم.و أمسك بيده"برجلا" وضع طرفه علي مدينة مكة,و مرّ بالطرف الآخر علي أطراف جميع القارات فتأكد له أنّ اليابسة علي سطح الكرة الأرضية موزعة حول مكة توزيعا منتظما..و وجد مكة-في هذه الحالة-هي مركز الأرض اليابسة."(محمد كامل عبد الصمد الإعجاز العلمي في الإسلام-السنة ص 143-144)

يذكر العلماء أنّ الأرض شأنها شأن أي كوكب أخر تتبادل مع الكواكب و النجوم قوة جذب تصدر من باطنها..و هذا الباطن يتركّز في مركز لها يصدر منه ما يمكن أن نسمّيه إشعاعا,و قد اكتشف عالم أمريكي في علم الطوبوغرافيا أنّ مركز تلاقي الإشعاعات الكونية هو مكّة و هو عالم غير مسلم!(المصدر السابق ص 145).

اعتراض النصاري:جاء الاعتراض في كتاب"ردّا علي د.جمال بدوي"محمد في الكتاب المقدس"": Answering Dr Jamal Badawi Muhammad in te Bible" للمنصّر المعروف و الذي يعدّ أوقح الطاعنين في

ص: 294

الإسلام في أمريكا,"سام شمعون" "Sam Shamoun" ص 13(من الترجمة العربية):

"يدّعي بدوي أنّ سفر المزامير 84:6 يشير إلي حجّ المسلمين إلي الكعبة في مكّة ,ذلك أنّ كلمة"البكا"هي اسم آخر لمكة في القرآن.

مرة أخري تظهر القراءة الدقيقة للنص الاعتقاد الخاطئ من وراء هذا التفكير .فالعهد القديم يذكر أنّ"البكا"لا تقع في الجزيرة العربية بل شمالي إسرائيل و هذا ما ذكر في النص:"يذهبون من قوة إلي قوة يرون قدام اللّه في صهيون."(المزامير 84:7).

كما أن كلمة"البكا"تعني بالغة العربية"الانتحاب"أو"شجر البلسم".

لذلك أمكن ترجمة"وادي البكا"علي أنّه وادي أشجر البلسم و نجد إشارة إلي هكذا مكان في وادي الرفائيّين و هي منطقة تبعد حوالي 3-4 أميال جنوبي غربي أورشليم:

"ثم عاد الفلسطينيون فصعدوا أيضا و انتشروا في وادي الرفائيّين.فسأل(الصواب"فسئل",خطأ من المعرّب)داود من الربّ فقال:"لا تصعد،بل در من ورائهم و هلمّ عليهم مقابل أشجار البكا"(سفر صموئيل الثاني 5:22-23).

و بما أنّ وادي البكا لا يبعد أكثر من خمس(الصواب"خمسة"و هذا خطأ من معرّب الكتاب!)أميال عن أورشليم,أمكن لكاتب المزامير أن يذكر حجاجا يجتازون وادي البكا للمثول أمام اللّه في صهيون(الأعداد 5-7).

ص: 295

و القارئ مدعوّ لمراجعة المسافة بين أورشليم و مكّة و من ثمّة استعمال المنطق ليستنتج احتمال دعوة كاتب المزامير للحجاج الإسرائيليين أن يعرّجوا علي مكة في طريقهم إلي موسم الحجّ السنوي في جبل صهيون."

الردّ من وجوه:

هيكل أورشليم لم يكن موجودا في زمن داود صاحب المزمور.

لم يرد في الكتاب المقدس أنّ وادي البكا يقع شمالي إسرائيل.

ذكرنا من قبل معني"صهيون".

لما ذا قام شمعون بترجمة كلمة"بكة"رغم أنّ المترجمين الأوائل لم يفعلوا ذلك !!!

كلمة"بكّة"دليل علي اسم المكان,و الحجة هي ورود أمر شبيه بهذه الصورة في الكتاب المقدس,فقد جاء ذكر Valley of Zared,Valley of Gerar Valley of Ajalon,Valley of Eshcol, ,و المقابل العربي لهذه الأسماء في تراجم الكتاب المقدس:وادي جرار،وادي زرد,وادي اشكول,وادي ايلون ..و كما تري لم تترجم أسماء هذه الأماكن..و لكن انقلب الأمر مع"بكة"التي تحوّلت علي أيدي أقطاب الكنيسة العربية إلي"بكاء"!!

هل أمر ضبط مكان"وادي البكا"عند النصاري,بهذه البساطة التي ذكرها "شمعون"؟!

اقرأ ما جاء في طائفة من أشهر التعليقات علي الكتاب المقدس حول المزمور السابق الذكر:

ص: 296

-جاء في كتاب "The Harper Collins Study Bible" (و هو تعليق علي الترجمة الشهيرة "Standard Version The New Revised" , و قد وصفه الباحث بيل مويرز بقوله:"ليس بإمكان أيّ أحد يبحث عن معني في الكتاب المقدس دون أن يكون هذا الكتاب بين يديه"),في الصفحة 879 تعليقا علي المزمور 84:6:"و إذ يعبرون في وادي البكاء الجاف":"وادي بكة"مجهول,لكن يظهر أنها منطقة قاحلة في الطريق إلي أورشليم."

جاء في كتاب "The New John Gill Exposition of the Entire Bible" أنّ بعض المعلّقين قالوا أنّ أرض"بكة"تقع في المكان المذكور في سفر صموئيل الثاني 5:22-23 و قال آخرون أنّها تقع في المكان المذكور في سفر القضاة 2:1-5(!!)..ثم أضاف هذا التعليق الموسّع أنّ هذا المكان هو كلّ منطقة يمرّ عبرها الحجاج إلي صهيون!!!

في التعليق المسمي "The International Bible Commentary "جاء عنوان هذا المزمور هكذا:"شهادة حاج"..و رغم أنّ المشرف علي هذا التعليق هو الاعتذاري الشهير ف.ف.بروس صاحب الجدليات الباطلة في الانتصار للكتاب المقدس فإننا لم نقرأ أيّ تعليق علي كلمة"بكة"!!..و لو أنّها كانت تعني ذاك المكان في فلسطين لما تردّد في ذكره!

ترجمة "The New American Bible" و هي الترجمة الانجليزية الرسمية للكنيسة الكاثوليكية.و قد طبعت معها دراسة مقتضبة هامة(مقدمات و شروح).جاء في التعليق في الهامش:"وادي بكة:عبرية غامضة,ربما هو وادي في الطريق إلي أورشليم".

ص: 297

-جاء في كتاب "C.H.Spurgeon's The Treasury of David" :"من الراجح أنّه توجد هنا إشارة إلي مكان,و هو مكان لن يفكّ (مبنيّ للمجهول)لغزه(أي:لن يعرف),لكنّ المعني العام واضح بصورة كافية.

هناك فرحة الحجاج..."

التعليق المسمي "The International Study Bible" (و هو تعليق علي أكثر التراجم الإنجليزية استعمالا في الولايات المتحدة(كما تدلّ علي ذلك الاحصائيات)...و قد لاقي هذا التعليق المرافق رواجا و نجاحا.جاء في الصفحة 868 تعليقا علي ورود كلمة"بكّة":"المكان مجهول و ربما هو رمزي"!!!!

خلاصة هذه النقطة:

*اعترفت هذه الشروح التي يشرف عليها أئمة الدراسات الكتابية في الغرب, علي اختلاف مشاربهم المعرفية و توجهاتهم,أنّ"بكّة"هي أرض لا يعلمون مكانها..

و لو أنّها كانت المكان الذي أشار إليه النصراني المعترض لقطعوا بذلك!

*غاية ما استطاعه المعلّقون هو الاجتهاد..الفضفاض..الذي يظهر أنّه لا حجّة لهم في اجتهادهم.

*أوردت جلّ التراجم الإنجليزية الحديثة هذه الكلمة علي صورتها الأولي دون ترجمتها.

*اعترفت الشروح السابقة بأنّ نص المزمور متعلق بالحج.

*لا يملك النصاري تفسيرا يقينيا لورود كلمة"بكة"في نص المزمور.

ص: 298

الحقائق الثلاث الأخيرة تقوي حجة المسلمين الذي يقررون أنّهم يعرفون أين تقع "بكّة"(دون حاجة إلي ترجمة معناها)..كما أنهم قادرون علي ربط هذا المكان بالحج و"النبع الفيّاض"(بئر زمزم).

جاء في معجم الكتاب المقدس: "The Treasury of Scripture Knowledge" حول عبارة"بكا"في هذا المزمور:"بكا:ربما هي شجيرة عريضة,ما زال العرب يسمّونها بهذا الاسم(انظر سفر صموئيل الثاني 5:23).."

و جاء في التعليق الكلاسيكي(في 10 مجلدات)علي العهد القديم ل س.ف.

كيل Keil.F.C و فرنز دليتزش Franz Delitzsch و المسمي:

"Commentary on the Old Testament" و الذي نشرت أول طبعاته سنة 1866 م و أظهر فيه مؤلفاه معرفة باللغة العربية بالإضافة إلي اتقانهما للغة العبرية, أنّ كلمة"بكا"هي اسم لشجرة معروفة في"مكة".و هي باللغة العربية شجرة" التوت".

و نقول:شجرة البكا كانت معروفة و مشهورة في مكة العربية..و هي اسم لواد في فلسطين لم يستطع أساطين الدراسات الكتابية في الغرب القطع بمكانه!!كلام يستعصي علي الائتلاف..بل الحق أنّ مكّة العربية كانت تسمي"بكة"بسبب كثرة شجر التوت فيها.و لا داعي للقفز من بلاد العرب إلي بلاد الشام فرارا من بشارة النبي داود عليه السلام بحج المسلمين إلي مكة!

أمر مكة و الكعبة قد جاء خبره أيضا في كتب دينية ظهرت قبل الإسلام,و إن كانت كنيسة اليوم لا تراها وحيا,من ذلك ما جاء في كتاب"آدم و حواء"قول آدم لابنه شيث:إنّ اللّه سوف يدلّ الناس الأمناء علي المكان الذي يبنون فيه بيته( بيت اللّه)(كتاب آدم و حواء 29:5-7).

ص: 299

و قد علّق البحاثة تشارلز-صاحب الكتاب الذي حوي الترجمة الإنجليزية لهذا السفر-علي هذا النص بقوله:عدم ذكر معبد أورشليم في الفصل 29(المذكور فيه بيت اللّه)يدلّ علي أنّ هذا الكتاب قد ألّف في مدينة غربية,و اكتفاء الكتاب بقوله:المكان الذي اعتاد الصلاة فيه هو الذي تعلم المسلمون أن يبنوا عليه احترامهم للكعبة.

و يظهر كما تري أنّ هذا الباحث غير المسلم قد أدرك هذا التشابه و التطابق بين كعبة المسلمين و بيت اللّه في سفر آدم و حواء!

مما يؤكد أنّ المكان الذي سيحجّ إليه الناس هو في غير فلسطين,ما جاء في أحد مخطوطات البحر الميت(174- q 4):"سأختار مكانا لشعبي إسرائيل و أزرعهم فيه فيقيمون فيه,فلا يزعجهم بعد ذلك أعداؤهم،و لن يؤذيهم مرة أخري أي أحد من أبناء الضلال ..إنّه هذا هو البيت الذي سيبنيه لهم في آخر الأيام( الزمان)كما هو مكتوب في كتاب موسي،في الحرم الذي أقامته أيديهم."( Dead Sea Scrolls in English,3rd edition,by G.vermes,P 392 ).

و هيكل سليمان ما بني في آخر الزمان,كما أنّ اليهود قد نالهم"أذي"شديد فيه!

زعم شمعون أنّ رحلة الحج إلي أورشليم غير معقولة لبعد المسافة..و الردّ هو أنّ سليمان بن داود عليهما السلام(و داود هو صاحب المزمور)كان عليه أن يمرّ علي مكّة لبلوغ أرض شيبا ليتزوج ملكتها..و قد حكم عليه السلام منطقة شيبا, و هذا يدلّ علي صلة قومه بمكة و العبور إليها و علي أنّ الرحلة ليست شاقة علي

ص: 300

الصورة التي يصورها شمعون,كما أنّ المشقة لا تمنع من أداء الفرائض و إظهار الإذعان لأمر اللّه..

ثم,إنّ داود نفسه قد انتقل إلي بلاد العرب(صحراء فاران)بعد موت صموئيل كما هو مذكور في سفر صموئيل الأول 25:2(كما هو في كثير من التراجم العربية و الإنجليزية..).

قال القس لبيب ميخائيل في كتابه"أعظم من جميع الأنبياء"معترضا علي المسلمين:

"و قالوا أن(قلت:الصواب:"إنّ")الكلمات المذكورة في المزمور الرابع و الثمانين و التي تقول"طوبي لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم.

عابرين في وادي البكاء يصيّرونه ينبوعا..يذهبون من قوة إلي قوة.يرون قدام اللّه في صهيون"(مزمور 84:5-7)هي نبوة عن محمد,لأن وادي البكاء ممكن أن ينطق وادي"بكة"،و"بكة"هي"مكة"، و محمد جاء من مكة،و لست أري نفسي بحاجة للتعليق علي هذا التفسير،لأنه يحمل في كلماته ما يخرجه عن أي قواعد للتفسير.."

قلت:هي عثرة ليس لها مقيل,مشعرة بخلو صاحبها من التحصيل,تثير في ذهني "ترنيمة"عاقل يقول فيها:

لقلع ضرس و ضرب حبس و نزع نفس و ردّ أمس

و قرّ برد و قود فرد و دبغ جلد بغير شمس

و أكل ضبّ و صيد دبّ و صرف حبّ بأرض خرس

و نفخ نار و حمل عار(!) و بيع دار بربع فلس

ص: 301

و بيع خفّ و عدم ألف و ضرب ألف بحبل قلس

"أهون من وقفة المرء ي رجو جوابا بباب قسّ!"

أيها القارئ..إنّ واقع الحال هو أنّ الأصل العبري يقول"بكة",لا أنّ "وادي البكاء"يمكن أن ينطق"بكة"بزعم المسلمين كما يدّعي هذا الفسل الفلس من حلية العلم و الأدب..فمن المحرّف؟!!..إنّ بقية النصاري يقرّرون أنّ"العبارة العبرية تنطق كما تنطق كلمة"بكة"..و يزعمون أنّ"بكاء"تفسير للكلمة العبريّة ..و القس"غير اللبيب"يجعل ترجمته العربية المحرّفة,الأصل المتحاكم إليه..و لكن..

تصدّر للتنصير كلّ مهوّس بليد تسمّي بالصليبي الألمعي

فحق لأهل الحق أن يتمثّلوا ببيت قديم شاع في كلّ مجلس

" لقد هزلت حتي بدا من هزالها كلاها,و حتي سامها كلّ مفلس"

مع الاعتذار للآمدي صاحب الأبيات الأصلية-

ص: 302

النبي الأمّي

من أشهر ما وصف به نبي الإسلام و عرف به,"أميّته"صلي اللّه عليه و سلّم.

و إذا كانت الأميّة في غيره نقيصة,فإنّها فيه حجّة مدعمة لنبوّته,فهو الذي أتي بالقرآن المعجز ببيانه و بلاغته,و إخباره بالمغيبات و بالشرائع المذهلة و الضوابط الأخلاقية المتقنة.و إذا كان العالم المتمرّس بالعلوم عاجزا عن يأتي بمثل هذا القرآن, فكيف برجل أمّي لا يقرأ و لا يكتب!

و قد وصف اللّه سبحانه نبيّه صلي اللّه عليه و سلم في أكثر من موضع من القرآن الكريم بالأميّة: "اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ" (الأعراف 157)، "فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ كَلِماتِهِ وَ اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (الأعراف 158)أي الذي لم يكن يكتب أو يقرأ.و هو صلي اللّه عليه و سلم لم يتعلّم هذا القرآن و لم يعلّمه،و قد وعده ربّه بأن يحفظ له كتابه هذا في صدره: "لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ" (سورة القيامة 16-17).

و تركيز القرآن علي صفة الأميّة في نبي الإسلام,و ذكره أنه قد جاء التنصيص علي هذه الصفة في أسفار النصاري يجعلنا نطمئنّ لوجود ما جاء ذكره في القرآن في ما بين أيدي هؤلاء.و لا نحتاج إلي كبير عناء للعثور علي مرادنا في الكتاب المقدّس,إذ ها هي أعداد سفر إشعياء تنبئنا بما نريد:"أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة و يقال له اقرأ هذا فيقول لا أعرف الكتابة." (سفر إشعياء 29:12)

ص: 303

قبل أن نضع هذا النص علي مشرحة البحث بين يدي العقل المنصف,علينا أن نلفت الانتباه إلي أنّ هذا النص في صورته العربية التي نقلناها,محرّف,و السبب أنّ أصحاب الترجمة العربية التي بين أيدينا يعلمون معني هذا النصّ,و لذلك شوّهوه, و المقارنة بين التراجم الإنجليزية و الفرنسية...و بين النصّ العربي السابق سيكشف لك الأمر:

The New International Version:

? Or if you give the scroll to someone who cannot

read,and say, " Read this,please, " he will answer, " I don't know how to read. "

The New American Standard Bible:

? Then the book will be given to the one who is

illiterate,saying , " Please read this. " And he will say, "I cannot read."

The New American Bible:

? When it is handed to one who can not who can not read,with the request:"read this ? ,he replies, "i can not read" .

Louis Segond:

ص: 304

? Ou comme un livre que I'on donne A un homme qui :Et qui repondne sait pas lire,en disant:Lis donc cela! .Je ne sais pas lire" و تعريب هذه النصوص,علي اختلاف طفيف بينها:"أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة،مع الرجاء:"اقرأ هذا"فيجيب:

"لا أعرف القراءة".

من أهم مواضع الخلاف بين هذه التراجم و بين النص العربي,إضافة عبارة"مع الرجاء",و هذه الزيادة لا تعنينا في هذا المقام..و إنما الذي يعنينا هو استعمال كلمة "القراءة"في هذه التراجم محلّ كلمة"الكتابة"في المقابل العربي..و ستري في ما سيأتي إن شاء اللّه,سبب تحريف هذا النص.

و يبدو أنّ آباء الكنيسة الأوّلين لم يجدوا لهذه الكلمات معني,فها هو القمص تادرس يعقوب ملطي في تفسيره لسفر إشعياء(نشر كنيسة مارجرجس باسبرتنج) و الذي جمع مادته من"نخبة ممتازة من تفسيرات آباء الكنيسة الأوّلين",قد فسّر الفصل 29 من سفر إشعياء بأكمله إلا العدد موضوع حديثنا,و لكنّ نصاري اليوم يعرفون معني هذا النص و لذلك حرفوا ترجمته العربية!!

حتي نفهم معني ما جاء في نبوءة إشعياء,علينا أن نعود بالذاكرة إلي الوراء,إلي ما قبل 14 قرن سلف:

أخرج الإمام أحمد عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:"أول ما بدئ به رسول اللّه- صلي اللّه عليه و سلم-من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم,فكان لا يري رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.ثم حبب إليه الخلاء.و كان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه-

ص: 305

و هو التعبد-الليالي ذوات العدد,قبل أن يترع إلي أهله,و يتزود إلي ذلك.ثم يرجع إلي خديجة فيتزود لمثلها حتي جاءه الحق و هو في غار حراء.فجاءه الملك.

فقال:اقرأ.

قال:ما أنا بقارئ.

قال:فأخذني فغطّني حتي بلغ مني الجهد.

ثم أرسلني

فقال:اقرأ.

فقلت:ما أنا بقارئ.

فأخذني فغطني الثانية حتي بلغ مني الجهد ثم أرسلني

فقال:اقرأ.

فقلت:ما أنا بقارئ.

فأخذني فغطني الثالثة

ثم قال: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اِقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ اَلَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ...الحديث"

إنّه من البيّن لكل ذي عينين,التطابق الواضح بين ما جاء في هذا الحديث الذي خرّجه أيضا الإمام البخاري و الإمام مسلم في صحيحيهما,و بين ما جاء في سفر اشعياء 29:12"لقد دفع كتاب الوحي إلي نبي الإسلام ليقرأه:"اقرأ"..فقال هذا النبي:

"ما أنا بقارئ"أي أنا أمّي لا أعرف القراءة.ملاحظة أخري لا بدّ من ذكرها و هي

ص: 306

أنّ الكلمة العبرية المستعملة في النص العبري هي"اقرأ",و هي نفس الكلمة الواردة في الحديث سابق الذكر..فتأمل!!!

لقد انتشر خبر"قرآن""النبي الخاتم"في أسفار الأوّلين لعظيم مقام هذا الكتاب المعجز و لعجائبه التي لا تنقضي..و هو حقا كتاب لا نظير له بين الكتب المقدسة..و اقرأ هذه الوقائع الثلاث لتزداد يقينا بهذا الأمر:

قال الشيخ أبو بكر جومي(عالم مسلم من نيجيريا)-الفائز بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام لسنة 1987 م-في محاضرة له ألقاها في دولة" السعودية",نشرت في كتاب بعنوان"محاضرات الموسم الثقافي لعامي 1406 ه 1407 ه(نشر مركز الملك فيصل للبحوث و الدراسات الإسلامية سلسلة النشاط الثقافي(2),و الكتاب يضم مقالات أخري للدكتور حسن ظاظا و باحثين آخرين..)ص 158:"..في السنة الماضية حصل شيء في نيجيريا يبين معجزة الإسلام.اجتمع رؤساء الكنيسة في ولاية جنجلة يتشاورون,و رأوا في تلك الولاية عربيا بيده مصحف مترجم باللغة الإنجليزية.

فسأله أحدهم:أي كتاب هذا؟

قال:القرآن.

قال:هاته.

فأخذه منه و أراد أن يبين أنّ القرآن ليس فيه شيء,فسكب عليه البنزين و أوقد عليه النار فاحترقت يده.بعد ذلك غاب الكتاب و لا يعرف أين ذهب اللّه به.

و هذا جعل جميع الأوروبيين هناك يخرجون من البلاد.و جميع القسيسين الذين

ص: 307

اجتمعوا هناك يعتنقون الإسلام.و نحن رأينا منهم من جاءنا بالأخبار و أخبرنا,و كلامه صحيح."

قال الدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي-رئيس قسم الدراسات القرآنية في كلية إعداد المعلمين بالرياض في كتابه"خصائص القرآن الكريم",في هامش ص 177:"نشرت الصحف أنّ نسخة القرآن الكريم التي كان يحملها الرئيس الباكستاني ضياء الحق ظلت علي حالها و لم يمسّها أي ضرر في حين احترق كلّ شيء عند انفجار طائرة الرئيس رحمه اللّه تعالي و قد كتب الأستاذ عبد الكريم طويان في جريدة الجزيرة العدد 5821 في 24-1-1409 ه ص 19 مقالا جيدا ذكر فيه عددا من الأحداث المماثلة و لا شكّ أنّ هذا من الآيات العجيبة."

نقل الشيخ محمد سيد محمود,عضو هيئة الإعجاز العلمي في القرآن و السنة برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة,في كتابه"علاج المسحور من الكتاب و المأثور"ص ص 59-60,هذه الواقعة عن الداعية المعروف أحمد القطان:"..

يقول الداعية الإسلامي الشهير الشيخ أحمد القطان,من التجارب الشخصية لي في هذا المجال من ناحية الحديث و الرؤية و المشاهدة,فقد اشتكي صاحب بيت بأنّه لمّا نزل في بيته الجديد أصبح هناك من ينغّص عليهم الحياة في هذا البيت,حيث أنّهم لمّا وضعوا طعامهم وجدوا حفنة من طين أو تراب فجأة تظهر وسط طبق الطعام,و لا يرون من يضعها..ذلك يتكرّر كلّ يوم ثلاث مرّات عند الإفطار و عند الغذاء و عند العشاء...فلمّا أصبحت بهذا الوضوح و التكرار أصبح الأولاد عند ما يضعون السفرة في خوف و رعب و عند ما يضعون الإناء ينظرون إليه جميعا و فجأة تظهر حفنة التراب فيفرون هذا إلي غرفته و هذا إلي المطبخ,يصرخون و يبكون,ممّا جعل صاحب الدار يأخذ زوجته و أولاده و يذهب بهم إلي بيت أهل الزوجة,و مكث هو و أمّه و عمّته في البيت..فكان كلّما جلست أمّه أو عمّته وجد من يحثو علي رأسها التراب,فلمّا

ص: 308

أخبرني بذلك ذهبت أنا و رجال أفاضل منهم مستشار في القضاء,و منهم إمام مسجد ,و منهم إمام و خطيب,و أخذنا نقرأ بعد أن توضّأنا سورة البقرة و أذكر أنّها في ليلة الاربعاء بعد العشاء,و هو اليوم الذي يشتدّ عليهم فيه,فلمّا وصلنا عند آية الكرسي و كانت العجوز تجلس في فناء الدار في فصل الصيف,فنادانا ولدها و قال:

تعالوا انظروا,فتركنا أخا يقرأ و خرجنا ننظر,و إذا المرأة تلبس عباءتها و هي جالسة في الفناء و التراب ينزل من رأسها و كأنّه يخرج من الرأس و ينزل علي عباءتها إلي الأرض,و لمّا أنهينا سورة البقرة انتهي التراب و اختفي و لم يعد مرة أخري."

و للّه الحمد!

اعتراض النصاري:جاء في هامش الترجمة الكاثولكية"الكتاب المقدس الأمريكي الجديد" "The New American Bible" أنّ نص إشعياء 29:

9-12 متعلق بالقدس(أورشليم),و هو يشير إلي رفض القدس(أهلها)تصديق أنّ اللّه سيخلّصها..

الردّ:أسطورة خلاص القدس علي يد المسيح(النصراني)لم تتحقق,بل قام القائد الروماني تيتوس سنة 66 م باحتلال القدس و تخريب المعبد,و قام الإمبراطور الروماني أدريانوس سنة 135 م بإزالة معالم القدس و الهيكل تماما,ثمّ أصبحت المدينة و ما جاورها قرونا طوالا في ملك المسلمين الموحدين,ثمّ ها هي اليوم مأسورة في قفص اليهود الذين وصفهم المسيح بأنهم"أولاد الأفاعي"..

إنّ حمل نصّ إشعياء علي محمد صلي اللّه عليه و سلم يحافظ علي المعني التنبئي الحرفي للنصّ,في حين أنّ حمله علي"القدس"و أهلها ينقله إلي المعني المجازي..البعيد ..و الأوّل أولي بل هو الحق!

ص: 309

راكب الجمل

جاء في سفر إشعياء 21:6-10:"لأنّه هكذا قال الربّ لي:

اذهب و أقم رقيبا ليعلن ما يراه.

و عند ما يشاهد راكبين فرسانا أزواجا أزواجا،أو راكبين علي حمير،و راكبين علي جمال،فليصغ إصغاء شديدا.

ثمّ هتف الرّقيب:ها أنا أقف علي برج المراقبة يوما بعد يوم أيّها الربّ،و أقوم علي المحرس طوال اللّيل.

فها ركب قادم،فرسان أزواج أزواج.فأجاب:سقطت سقطت بابل و تحطمت سائر أصنامها علي الأرض.

آه يا شعبي المطحون و المشتّت،لقد أنبأتكم بكل ما سمعته من الربّ القدير إله إسرائيل."

النص الماسوري:

ص: 310

تخبر هذه الأعداد عن قدوم طائفتين:أصحاب الراكب علي حمار,و أصحاب الراكب علي جمل.

لا يتردد أي نصراني في القول إنّ ما جاء في هذه الأعداد عن الراكب علي الحمار ما هو إلا نبوءة عن عيسي عليه السلام لما جاء في إنجيل يوحنا 12:14:" و وجد يسوع جحشا فركب عليه،كما قد كتب:"لا تخافي يا بنت صهيون،فإنّ ملك قادم إليك راكبا علي جحش أتان".و الإشارة في"قد كتب"إلي سفر إشعياء 40:9 و سفر زكريا 9:9 كما هو منصوص عليه في هامش"الترجمة الأمريكية الجديدة" "The New merican BibleA" .

فالبشارة بالمسيح في العهد القديم,كما يقول النصاري,هي بركوب الحمار.

أما الراكب علي الجمل فهو بلا ريب محمد صلي اللّه عليه و سلّم.فهو الراكب علي الجمل"القصواء".و هو صلوات اللّه عليه و سلّم الذي تحطمت سائر أصنام العراق (بابل)علي يدي أمّته المباركة,و لم تبلغها يد أمة أخري قبلها بإزالة أو إبادة..

فالبشارة إذن هي بنبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم و لا يمكن نسبتها إلي نبي آخر.

و قد فهم هذا النص علي هذه الصورة النجاشي النصراني,فقد قال الإمام ابن القيم في الجزء الثالث من"زاد المعاد":

"..و كتب إلي النجاشي:بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمد رسول اللّه إلي النجاشي ملك الحبشة أسلم أنت فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن و أشهد أن عيسي ابن مريم روح اللّه و كلمته ألقاها إلي مريم

ص: 311

البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسي فخلقه اللّه من روحه و نفخه كما خلق آدم بيده و إني أدعوك إلي اللّه وحده لا شريك له و الموالاة علي طاعته و أن تتبعني و تؤمن بالذي جاءني فإني رسول اللّه و إني أدعوك و جنودك إلي اللّه عز و جل و قد بلغت و نصحت فاقبلوا نصيحتي و السلام علي من اتبع الهدي.

و بعث بالكتاب مع عمرو بن أمية الضمري فقال ابن إسحاق:إن عمرا قال له يا أصحمة إن علي القول و عليك الاستماع إنك كأنك في الرقة علينا و كأنا في الثقة بك منك لأنا لم نظن بك خيرا قط إلا نلناه و لم نخفك علي شيء قط إلا أمناه و قد أخذنا الحجة عليك من فيك الإنجيل بيننا و بينك شاهد لا يرد و قاض لا يجور و في ذلك موقع الحز و إصابة المفصل و إلا فأنت في هذا النبي الأمي كاليهود في عيسي ابن مريم و قد فرق النبي صلي اللّه عليه و سلّم رسله إلي الناس فرجاك لما لم يرجهم له و أمنك علي ما خافهم عليه بخير سالف و أجر ينتظر.

فقال النجاشي:أشهد باللّه أنه النبي الأمي الذي ينتظره أهل الكتاب و أن بشارة موسي براكب الحمار كبشارة عيسي براكب الجمل و أن العيان ليس بأشفي من الخبر ثم كتب النجاشي جواب كتاب النبي صلي اللّه عليه و سلم" بسم اللّه الرحمن الرحيم إلي محمد رسول اللّه من النجاشي أصحمة سلام عليك يا نبي اللّه من اللّه و رحمة اللّه و بركاته اللّه الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول اللّه فيما ذكرت من أمر عيسي فو ربّ السماء و الأرض إن عيسي لا يزيد علي ما ذكرت ثفروقا إنه كما ذكرت و قد عرفنا ما بعثت به إلينا و قد قربنا ابن عمك و أصحابه فأشهد أنك رسول اللّه صادقا مصدقا و قد بايعتك و بايعت ابن عمك و أسلمت علي يديه للّه رب العالمين" .و الثفروق علاقة ما بين النواة و القشر."

و ستقرأ أنّ هذا الوصف لمحمد صلي اللّه عليه و سلّم موجود حتي في كتب المجوس

ص: 312

و كتب الهندوس(كتاب آثر فيدا:20:127 في حديثه عن ركوب"نارشنجزا "علي جمل).

ص: 313

الأمة العظيمة

جاء في سفر التكوين 21:13,18:

"و سأقيم من ابن الجارية(هاجر)أمّة أيضا لأنّه من ذريّتك(...)

قومي و احملي الصّبيّ،و تشبّثي به لأنّني سأجعله أمّة عظيمة."

النص الماسوري:

هذه بشارة صريحة من اللّه سبحانه أن يجعل من بين نسل إسماعيل أمّة عظيمة..

و نحن نسأل كلّ نصراني:"من هي الأمة العظيمة التي كانت من نسل إسماعيل..

انظر يمينا و انظر شمالا..ثم ارجع البصر كرّتين..افتح كتب التاريخ..قلّب صفحاتها ..إنك لن تجد غير أمة الإسلام بنبيها العربي الإسماعيلي!!".و قد قال دومّلو Dummelo في تعليقه علي الكتاب المقدس "Dummelo's Commentary of the Bible" ص 125:"الوعد لهاجر تمّ بالجنس العربي".

قال القس عبد المسيح البسيط أبو الخير في كتابه:"هل تنبّأ الكتاب المقدس عن نبي آخر يأتي بعد المسيح"ص ص 25-26 بكلّ"بساطة":"لم تتضمن وعوداته (وعود اللّه)لإبراهيم أي إشارة عن نبوة أو نبي يأتي من أبناء إسماعيل،بل علي

ص: 314

العكس ففي قول الملاك لهاجر تكثيرا أكثّر نسلك فلا يعدّ من الكثرة.و قال لها ملاك الربّ:ها أنت حبلي فتلدين ابنا و تدعين اسمه إسماعيل لأنّ الرّبّ قد سمع لمذلّتك.

و إنّه يكون إنسانا وحشيّا يده علي كلّ واحد و يد كلّ واحد عليه"لا يوجد ما يدلّ إلا علي العكس مما يدّعيه هؤلاء!!".

و قال في ص ص 26-27:"كما أن استشهادهم(يقصد المسلمين)بقوله "و ابن الجارية أيضا سأجعله أمّة لأنّه نسلك"(تكوين 21:13 )،لا يفهم إلا من خلال النص الكامل للحديث و الذي يقول"فقالت لإبراهيم:اطرد هذه الجارية و ابنها لأنّ ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق.فقبح الكلام جدّا في عيني إبراهيم لسبب ابنه.فقال اللّه لإبراهيم:لا يقبح في عينيك من أجل الغلام و من أجل جاريتك.في كلّ ما تقول لك سارة اسمع لقولها لأنّه بإسحاق يدّعي لك نسل.و ابن الجارية أيضا سأجعله أمّة لأنّه نسلك."(تكوين 21:10-13).

فالنسل الموعود الذي تتبارك من خلاله جميع الأمم هو إسحاق.أمّا إسماعيل فسيجعله اللّه أمّة كبيرة العدد.و هذا ما أكده اللّه تكرارا؛"ها أنا أباركه و أثمره و أكثره كثيرا جدا".و"اثني عشر رئيسا يلد و اجعله أمة كبيرة"و"سأجعله أمة لأنّه نسلك"و"سأجعله أمة عظيمة".و هذه الأقوال،جميعها،لا تشير لا إلي أفراد و لا إلي فرد بعينه بل إلي أمّة كثيرة العدد فقط،و لا توحي بأي شكل من الأشكال عن بركة نبوّة،كما أنّ قول الملاك لهاجر عن إسماعيل يكون إنسانا وحشيّا يده علي كلّ واحد و يد كلّ واحد عليه" لا يوجد ما يدلّ إلا علي العكس مما يدّعيه هؤلاء!!".

و نقول:إنّ وعد اللّه أن يجعل من بين نسل إسماعيل"أمة عظيمة"لا يمكن أن يحمل إلا علي أنّ اللّه سيخرج من هذا النسل نبيا عظيما تتبعه أمة كثيرة السواد,لأنّ

ص: 315

المقابل لهذا الفهم هو أنّ اللّه سبحانه سيخرج من نسل اسماعيل أمة كثيرة العدد لا تعبد اللّه و لا ترفع بالتوحيد رأسا,لا تنكر منكرا و لا تعرف معروفا,فقد حصرت النبوة و الوحي في نسل إسحاق و انحسر مدّ الهداية عند سواحلهم!!؟

إنّ معني البشارة هو الخبر السار و كيف يكون الخبر سارا بالإخبار عن ذرية كافرة ضالة.

و يؤيّد ما نقول القس"البسيط"نفسه,فقد قال في مفتتح الفصل الثاني في كتابه التالف(بالتاء)و الذي عقده للتشغيب علي التبشير بالنبي الإسماعيلي و لإهالة تراب الشكوك الذابلة و الأوهام الواهنة علي الحق المشرق:"بعد أن زاغت البشريّة و اتّجهت لعبادة الأصنام،سواء مع اللّه،أي أشركوا به،أو من دون اللّه،أي عبدوها كآلهة أو كما يقول الكتاب المقدّس"الّذين استبدلوا حقّ اللّه بالكذب و اتّقوا و عبدوا المخلوق دون الخالق الّذي هو مبارك إلي الأبد"(رومية 1:25).كان اللّه قد رتب،بحسب مشورته الإلهيّة و علمه السابق،أن يحفظ لنفسه شعبا مختارا يؤمن به و لا يحيد عن عبادته لكي يأتي منه،بحسب ما سبق أن عينت و رتبت مشورته الإلهيّة،نسل تتبارك به جمع القبائل و الأمم و الشعوب في وقت سبق أن عينه أسماه"ملء الزمان"(غلاطية 4:4)." ..فإذا كان الربّ,لمّا رأي أنّ أهل الأرض جميعا قد وقعوا في الكفر,قد اختار أن ينقذ أبناء يعقوب بن إسحاق فقط,ألا يكون بذلك,بزعم"البسيط",قد رضي إهلاك بني إسماعيل إلي يوم القيامة و إغراقهم في بحر الشرك بعد إقراره احتكار الإسرائيليين لنور الوحي..ليكون قد تناقض,و وعد فأخلف..و لا مخرج من التناقض و إخلاف الوعد غير إرسال نبي عظيم في بني إسماعيل للهداية و الرحمة في هذا النسل "المحروم"!

ص: 316

و مما يؤكد ظهور نبيّ من بني إسماعيل,ما جاء في سفر اشعياء 11:1-5:

"و يفرخ برعم من جذع يسّي،و ينبت غصن من جذوره،

و يستقر عليه روح الربّ،روح الحكمة و الفطنة،روح المشورة و القوّة،روح معرفة الربّ و مخافته

و تكون مسرّته في تقوي الربّ،و لا يقضي بحسب ما تشهد عيناه،و لا يحكم بمقتضي ما تسمع أذناه،

إنّما يقضي بعدل للمساكين،و يحكم بالإنصاف لبائسي الأرض،و يعاقب الأرض بقضيب فمه،و يميت المنافق بنفخة شفتيه،

لأنّه سيرتدي البر و يتمنطق بالأمانة."

تشير هذه النبوءة إلي نبيّ عظيم يخرج في آخر الزمان.و لا تخدعن بكلمة "يسّي"الذي هو والد داود النبي,إذ قد جاء في موسوعة الكتاب المقدس '' ''Encyclopaedia Biblica ل ت.ك.شاين T.K.Cheyne تحت اسم"يسّي" "Jesse" :"يسيّ:اختصار لكلمة إسماعيل".

و الاختصار بشهادة هذه الموسوعة معروف في الكتاب المقدس..و هو موجود في أيامنا في البلاد الانجلوسكسونية حيث تتغير صورة الكلمة بطريقة واضحة:مثال:

كلمة"بوب"هي اختصار لاسم"روبرت"و كلمة"ديك"هي اختصار لكلمة "ريتشارد"..

و قد يقول,و سيقول قطعا,النصاري,إنّ نصّ إشعياء 11:1 يذكر موعودا من نسل يسّي و لم يذكر إسماعيل صراحة..و نقول أنّ الاختصار بضاعة من الكتاب المقدس ذاته,و لو أنّ المعنيّ بهذه البشارة في عبارة"يسّي"كان والد داود لكان

ص: 317

الأولي أن يبدأ الفصل ب"و يفرخ برعم من جذع داود"لأنّ داود كما هو ظاهر من الكتاب المقدس أعظم من أبيه,و من نسله ظهر سليمان النبي و أنبياء آخرون كثر.

و النصاري يصرّون علي أنّ المعني ببشارة إشعياء 11 هو المسيح.و نقول بعد ما سبق,إنّ يسّي نفسه لم يحصر نسله في داود بل له من الأولاد الكثير,فقد جاء في سفر أخبار الأيام الأول 2:13-17 أنّ داود هو الابن السابع ليسّي,بل لداود أختين,احداهما اسمها أبيجايل,و قد تزوّجت يثر الإسماعيلي و أنجبت منه عماسا ..إذن,حتي علي فرض أنّ يسّي المذكور هو والد داود فإنّ النبوة تبقي مرتبطة بنبيّ الإسلام الذي تحققت فيه أيضا بقية علامات البشارة!

و في بشارة قريبة ممّا سبق قال شيخ الإسلام ابن تيمية في"الجواب الصحيح..":

"و من ذلك ما في التوراة التي بأيديهم في السفر الأول منها و هي خمسة أسفار في الفصل التاسع في قصة هاجر لما فارقت سارة و خاطبها الملك فقال يا هاجر من أين أقبلت و إلي أين تريدين فلما شرحت له الحال قال ارجعي فإني سأكثر ذريتك و زرعك حتي لا يحصون و ها أنت تحبلين و تلدين ابنا نسميه إسماعيل لأن اللّه قد سمع تذللك و خضوعك و ولدك يكون وحشي الناس و يكون يده فوق الجميع و يد الكل به و يكون علي تخوم جميع إخوته.

قال المستخرجون لهذه البشارة معلوم أن يد بني إسماعيل قبل مبعث محمد لم تكن فوق أيدي بني إسحاق بل كان في بني إسحاق النبوة و الكتاب و قد دخلوا مصر زمن يوسف مع يعقوب فلم يكن لبني إسماعيل فوقهم يد ثم خرجوا منها لما بعث موسي و كانوا مع موسي أعز أهل الأرض لم يكن لأحد عليهم يد ثم مع يوشع بعده إلي زمن داود و ملك سليمان الذي لم يؤت أحد مثله و سلط عليهم بعد ذلك بختنصر فلم يكن لبني إسماعيل عليهم يد ثم بعث المسيح و خرب بيت المقدس الخراب الثاني حيث

ص: 318

أفسدوا في الأرض مرتين و من حينئذ زال ملكهم و قطعهم اللّه في الأرض أمما و كانوا تحت حكم الروم و الفرس لم يكن للعرب عليهم حكم أكثر من غيرهم فلم يكن لولد إسماعيل سلطان علي أحد من الأمم لا أهل الكتاب و لا الأميين فلم يكن يد ولد إسماعيل فوق الجميع حتي بعث اللّه محمدا الذي دعا به إبراهيم و إسماعيل حيث قالا:" رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (البقرة 129).

فلما بعث صار يد ولد اسماعيل فوق الجميع فلم يكن في الأرض سلطان أعز من سلطانهم و قهروا فارس و الروم و غيرهم من الأمم و قهروا اليهود و النصاري و المجوس و المشركين و الصابئين فظهر بذلك تحقيق قوله في التوراة و تكون يده فوق الجميع و يد الكل به و هذا أمر مستمر إلي آخر الدهر.

فإن قيل هذه بشارة بملكه و ظهوره قيل الملك ملكان ملك ليس فيه دعوي نبوة و هذا لم يكن لبني اسماعيل علي الجميع و ملك صدر عن دعوي نبوة فإن كان مدعي النبوة كاذبا:

: "وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَري عَلَي اللّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لَوْ تَري إِذِ الظّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَي اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَ كُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ" (الأنعام 93)

و هذا من شر الناس و أكذبهم و أظلمهم و أفجرهم و ملكه شر من ملك الظالم الذي لم يدع نبوة كبخت نصر و سنجاريب.

و معلوم أن الإخبار بهذه لا يكون بشارة و لا تفرح سارة و إبراهيم بهذا كما لو قيل يكون جبارا طاغيا يقهر الناس علي طاعته و يقتلهم و يسبي حريمهم و يأخذ أموالهم

ص: 319

بالباطل فإن الإخبار بهذا لا يكون بشارة و لا يسر المخبر بذلك و إنما يكون بشارة تسره إذا كان ذلك يعدل و كان علوه محمودا لا إثم فيه و ذلك في مدعي النبوة لا يكون إلا و هو صادق لا كاذب."

ص: 320

المنتصر..صاحب السيف

قال العلامة رحمة اللّه الهندي في كتابه"إظهار الحق"ص ص 433-435 إنه جاء في المزمور 45:

"فاض قلبي كلمة صالحة أنا أقول أعمالي للملك

لساني قلم كاتب سريع الكتابة

بهي في الحسن أفضل من بني البشر

انسكبت النعمة علي شفتيك لذلك باركك اللّه إلي الدهر

تقلد سيفك علي فخذك أيها القوي بحسنك و جمالك

أستله و أنجح و أملك من أجل الحق و الدعة و الصدق و تهديك بالعجب يمينك

نبلك مسنونة أيها القوي في قلب أعداء الملك الشعوب تحتك يسقطون

كرسيك يا اللّه إلي دهر الداهرين عصا الاستقامة عصا ملكك

أحببت البر و أبغضت الإثم لذلك مسحك اللّه إلهك بدهن الفرح أفضل من أصحابك

المر و الميعة و السليخة من ثيابك من منازلك الشريفة العاج التي أبهجتك

بنات الملوك في كرامتك قامت الملكة من عن يمينك مشتملة بثوب مذهب موشي

ص: 321

اسمعي يا بنت و انظري و أنصتي بأذنيك و انسي شعبك و بنت أبيك

فيشتهي الملك حسنك لأنه هو الرب إلهك و له تسجدين

بنات صور يأتينك بالهدايا لوجهك يصلي كل أغنياء الشعب

كل مجد ابنة الملك من داخل مشتملة بلباس الذهب الموشي يبلغن إلي الملك عذاري في أثرها قريباتها إليك يقدمن يبلغن بفرح و ابتهاج يدخلن إلي هيكل الملك

و يكون بنوك عوضا من آبائك و تقيمهم رؤساء علي سائر الأرض

سأذكر اسمك في كل جيل و جيل من أجل ذلك تعترف لك الشعوب إلي الدهر و الي دهر الداهرين".

قلت:هذا هو النص الماسوري:

ص: 322

ص: 323

و هذا الأمر مسلّم عند أهل الكتاب أن داود عليه السلام يبشر في هذا الزبور بنبي يكون ظهوره بعد زمانه،و لم يظهر إلي هذا الحين عند اليهود نبي يكون موصوفا بالصفات المذكورة في هذا الزبور،و يدعي علماء بروتستنت أن هذا النبي عيسي عليه السلام،و يدعي أهل الإسلام سلفا و خلفا أن هذا النبي محمد صلي اللّه عليه و سلم.

فأقول أنه ذكر في هذا الزبور من صفات النبي المبشّر به هذه الصفات:

[1]كونه حسنا.[2]كونه أفضل البشر.[3]كون النعمة منسكبة علي شفتيه.[4]كونه مباركا إلي الدهر.[5]كونه متقلدا بالسيف.[6]كونه قويّا.

[7]كونه ذا حق ودعة و صدق.[8]كونه هداية يمينه بالعجب.[9]كون نبله مسنونة.[10]سقوط الشعب تحته.[11]كونه محبا للبر و مبغضا للإثم.[12] خدمة بنات الملوك إياه.[13]إتيان الهدايا إليه.[14]انقياد كل أغنياء الشعب له.

[15]كون أبنائه رؤساء الأرض بدل آبائهم.[16]كون اسمه مذكورا جيلا بعد جيل.[17]مدح الشعوب إياه إلي دهر الداهرين.

و هذه الأوصاف كلها توجد في محمد صلي اللّه عليه و سلّم علي أكمل وجه.

أما الأول: فلأن أبا هريرة رضي اللّه عنه قال:"ما رأيت شيئا أحسن من رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم،كأن الشمس تجري في وجهه و إذا ضحك يتلألأ في الجدار"و عن أم معبد رضي اللّه عنها قالت في بعض ما وصفته به:"أجمل الناس من بعيد و أحلاهم و أحسنهم من قريب".

و أما الثاني: فلأن اللّه تعالي قال في كلامه المحكم:"تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض"الآية.و قال أهل التفسير أراد بقوله"و رفعهم بعضهم

ص: 324

درجات"محمّدا صلي اللّه عليه و سلّم أي رفعه علي سائر الأنبياء من وجوه متعددة، و قد أشبع الكلام في تفسير هذه الآية الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير.

و قال صلي اللّه عليه و سلم:"أنا سيد ولد آدم يوم القيامة و لا فخر"أي لا أقول ذلك فخرا لنفسي بل تحدثا بنعمة ربي.

و أما الثالث: فغير محتاج إلي البيان حتي أقر بفصاحته الموافق و المخالف،و قال الرواة في وصف كلامه:إنه كان أصدق الناس لهجة فكان من الفصاحة بالمحل الأفضل و الموضع الأكمل.

و أما الرابع: فلأن اللّه تعالي قال: "إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ" و ألوف ألوف من الناس يصلون عليه في الصلوات الخمس.

و أما الخامس: فظاهر و قد قال هو بنفسه أنا رسول اللّه بالسيف.

و أما السادس: فكانت قوته الجسمانية علي الكمال،كما ثبت أن ركانة خلا برسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم في بعض شعاب مكة قبل أن يسلم فقال:يا ركانة ألا تتقي اللّه و تقبل ما أدعوك إليه.فقال:لو أعلم و اللّه ما تقول حقا لاتبعتك.فقال:

أ رأيت إن صرعتك أتعلم أن ما أقول حق قال:نعم،فلما بطش به صلي اللّه عليه و سلّم أضجعه لا يملك من أمره شيئا،ثم قال:يا محمد عد فصرعه أيضا فقال:يا محمد إن ذا لعجب.فقال صلي اللّه عليه و سلم:و أعجب من ذلك إن شئت أن أريكه إن اتقيت اللّه و تبعت أمري.قال:ما هو قال:أدعو لك هذه الشجرة فدعاها فأقبلت حتي وقفت بين يديه صلي اللّه عليه و سلم.فقال لها:ارجعي مكانك.فرجع ركانة إلي قومه فقال:يا بني عبد مناف ما رأيت أسحر منه ثم أخبرهم بما رأي.و ركانة هذا كان من الأقوياء و المصارعين المشهورين.و أما شجاعته فقد قال ابن عمر رضي اللّه عنهما:"ما رأيت أشجع و لا أنجد و لا أجود من رسول اللّه صلي اللّه عليه

ص: 325

و سلم"و قال علي كرم اللّه وجهه:"و إنا كنا إذا حمي البأس,و احمرت الحدق,اتقينا برسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم,فما يكون أحد أقرب إلي العدو منه.و لقد رأيتني يوم بدر,و نحن نلوذ برسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم و هو أقربنا إلي العدو,و كان من أشد الناس يومئذ بأسا".

و أما السابع: فلأن الأمانة و الصدق من الصفات الجليلة له صلي اللّه عليه و سلم،كما قال النضر بن الحارث لقريش:"قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم،و أصدقكم حديثا،و أعظمكم أمانة.حتي إذا رأيتم في صدغيه الشيب و جاءكم بما جاءكم قلتم إنه ساحر،لا و اللّه ما هو بساحر".

و سأل هرقل عن حال النبي صلي اللّه عليه و سلّم أبا سفيان فقال:هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال.قال:لا.قال:لا.

و أما الثامن: فلأنه رمي يوم بدر و كذا يوم حنين وجوه الكفار بقبضة تراب, فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه فانهزموا و تمكن المسلمون منهم قتلا و أسرا فأمثال هذه من عجيب هداية يمينه.

و أما التاسع: فلأن كون أولاد إسماعيل أصحاب النبل في سالف الزمان،غير محتاج إلي البيان و كان هذا الأمر مرغوبا له و كان يقول:"ستفتح عليكم الروم و يكفيكم اللّه فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه".و يقول:"ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا" .و يقول عليه السلام:"من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا".

و أما العاشر: فلأن الناس دخلوا أفواجا في دين اللّه في مدة حياته.

و أما الحادي عشر: فمشهور يعترف به المعاندون أيضا(...).

ص: 326

و أما الثاني عشر:فقد صارت بنات الملوك و الأمراء،خادمة للمسلمين في الطبقة الأولي،و منها شهربانو بنت يزدجرد،كسري فارس،كانت تحت الإمام الهمام الحسين رضي اللّه عنه.

(قلت:قد تزوّج محمد صلي اللّه عليه و سلّم السيدة صفيّة بنت حيي بن أخطب ,و هي بنت سيد بني النضير و ملكهم,و السيدة جويرية بنت الحارث,و أبوها كان سيد بني المصطلق و ملكهم).

و أما الثالث عشر و الرابع عشر:فلأن النجاشي ملك الحبشة و منذر بن ساوي ملك البحرين و ملك عمان انقادوا و أسلموا،و هرقل قيصر الروم أرسل إليه بهدية، و المقوقس ملك القبط أرسل إليه ثلاث جوار،و غلاما أسود و بغلة شهباء،و حمار أشهب،و فرسا و ثيابا و غيرها.

و أما الخامس عشر: فقد وصل من أبناء الإمام الحسن رضي اللّه عنه إلي الخلافة،و ألوف في أقاليم مختلفة من الحجاز و اليمن و مصر و المغرب و الشام و فارس و الهند و غيرها.و فازوا بالسلطنة و الإمارة العلية،و إلي الآن أيضا في ديار الحجاز و اليمن،و في غيرهما توجد الأمراء و الحكام من نسله صلي اللّه عليه و سلم،و سيظهر إن شاء اللّه المهدي رضي اللّه عنه من نسله،و يكون خليفة اللّه في الأرض،و يكون الدين كله للّه في عهده الشريف.

و أما السادس عشر و السابع عشر: فلأنه ينادي ألوف ألوف جيلا بعد جيل في الأوقات الخمسة،بصوت رفيع في أقاليم مختلفة:"أشهد أن لا إله إلا اللّه و أشهد أن محمدا رسول اللّه"و يصلي عليه في الأوقات المذكورة الغير المحصورين من المصلين، و القراء يحفظون منشوره،و المفسرين يفسرون معاني فرقانه،و الوعاظ يبلغون وعظه، و العلماء و السلاطين يصلون إلي خدمته،و يسلمون عليه من وراء الباب(...).

ص: 327

و لا يصدق هذا الخبر في حق عيسي عليه السلام.كما يدعيه علماء بروتستنت ادعاء باطلا،لأنهم يدعون أن الخبر المندرج،في الباب الثالث و الخمسين من كتاب اشعيا،في حق عيسي عليه السلام،و وقع في هذا الخبر في حقه هكذا:"ليس له منظر و جمال و رأيناه و لم يكن له منظر و اشتهيناه مهانا، و آخر الرجال رجل الأوجاع مختبرا بالأمراض،و كان مكتوما وجهه و مزدولا و لم نحسبه،و نحن حسبناه كأبرس و مضروبا من اللّه و مخضوعا،و الرب شاء أن يستحقه".

و هذه الأوصاف ضد الأوصاف التي في الزبور المذكور،فلا يصدق عليه كونه حسنا،و لا كونه قويا.و كذا لا يصدق عليه كونه متقلدا بالسيف(قلت:جاء في مرقس 12:17:"أعطوا ما لقيصر لقيصر،و ما للّه للّه.")،و لا كون نبله مسنونة(قلت:جاء في متّي 26:52 أنّ المسيح قال لأحد تلاميذه لمّا أراد هذا التلميذ أن يدافع عنه:ردّ سيفك إلي غمده!فإنّ الذين يلجئون إلي السيف،بالسيف يهلكون!"،و لا انقياد الأغنياء،و لا إرسالهم إليه الهدايا،بل هو علي زعم النصاري،أخذوه و أهانوه و استهزءوا به،و ضربوه بالسياط، ثم صلبوه.و ما كان له زوجة و لا ابن،فلا يصدق دخول البنات في بيته،و لا كون أبنائه بدل آبائه رؤساء الأرض."

قلت:يزعم النصاري أنّ المزمور 45 هو نبوءة صريحة في وصف المسيح:قال الآباء اليسوعيون في تعليقهم علي هذا المزمور:"في هذا المزمور احتفال زفاف الكنيسة الطاهرة إلي السيد المسيح.فعبر عن المسيح بالملك.و عن الكنيسة بالملكة.

و المراد بها:الكنيسة الجامعة,و العذاري:هنّ الكنائس الخاصة اللائي غدون بالمعمودية قرائن محبوبات للملك العظيم."

و هذا ادعاء باطل,لما سبق أن ذكره الشيخ رحمة اللّه الهندي,رحمه اللّه,و لأسباب

ص: 328

أخري أهمها:

المعني الذي تدعيه الكنيسة غال في تفلّته من ألفاظ نص النبوءة,و هذا المنهج في التفسير و التأويل,غال في باطنيته,يفتح الباب علي مصراعيه لإفساد الأديان و تمييع الحقائق.

حمل النبوءة علي محمد صلي اللّه عليه و سلّم فيه محافظة علي المعاني الحرفية للمزمور 45..و هذا الأولي دائما في التعامل مع النصوص إلا إذا تعذّر ذلك و توفّرت القرينة الناقلة إلي المجاز..و لا تعذر..و لا قرينة!!!

جاء في كتاب"مخطوطات البحر الميت و جزيرة قمران"للدكتور أسد رستم (النصراني)ص 72 أنّ مخطوطات مغاور قمران,و التي أحدثت ثورة في فهم النصرانية,تظهر أنّ عيسي عليه السلام ما كان يمارس التعميد.

ص: 329

الرسول المسري به إلي المسجد الأقصي

جاء في سفر ملاخي 3:1:"ها أنا أرسل رسولي فيمهد الطريق أمامي و يأتي الربّ الذي تطلبونه فجأة إلي هيكله و يقبل أيضا ملاك العهد الذي تسرون به،يقول الربّ القدير" (سفر ملاخي 3:1).

النص الماسوري:

من هو"الرسول الممهد"؟

يقدّم لنا المسيح الردّ في قوله:"إذن،ما ذا خرجتم لتروا؟ أنبياء؟نعم،أقول لكم،و أعظم من نبي.فهذا هو الذي كتب عنه:ها إنّي مرسل قدّامك رسولي الذي يمهّد لك طريقك!"(متّي 11:9-11).

إذن,يوحنا المعمدان هو ذاك الملاك المبشّر به,فمن هو السيّد الذي يأتي بغتة إلي "هيكله"و يسرّ به الناس؟

أسفار النصاري تزعم أنّ هذا السيد هو المسيح ابن مريم عليهما السلام,و لكنّ هذا الزعم خال من الحجة,فاقد لكل مصداقية,لأنّ عيسي لم"يأت بغتة"إلي الهيكل و إنما كان يزوره بين الحين و الحين,و كان مرتادو الهيكل يعرفونه منذ طفولته, باعتراف النصاري أنفسهم.

ص: 330

إنّ الذي زار الهيكل بغتة هو محمد صلي اللّه عليه و سلّم في رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي(سورة الإسراء 1).

و قد جاء في التعليق الشهير علي الكتاب المقدّس "Peak's Commentary on the Bible" ص 517:"ملاخي ما كان يتنبّأ بالمسيح".

و جاء في تعليق دوملو Dummelow علي الكتاب المقدس ص 613:"لا توجد نبوءة مسيانية(أي عن المسيح)في سفر ملاخي بالمعني الاعتيادي"!

ثم,إنّ النصاري سيجدون حرجا شديدا في إثبات أنّ المسيح هو الربّ و أنّ المعمدان هو الملاك المرسل ليمهد لقدومه.لأنه يفهم من إنجيل متّي أنّ المعمدان ما كان واثقا من أنّ عيسي هو من كان ينتظره؟!:"و لما سمع يوحنا،و هو في السجن،بأعمال المسيح،أرسل إليه بعض تلاميذه،يسأله :"أ أنت هو الآتي،أم ننتظر غيرك؟"(إنجيل متي 11:2-3)..

و مات المعمدان,حسبما يفهم من الأناجيل,مقتولا في السجن و لم يؤمن أو يتبع المسيح..فكيف يقال إنّ المعمدان هو الملاك الذي كانت وظيفته الرئيسية هي التمهيد لمجيء"الآتي".لقد كان المعمدان يعلّم التلاميذ,و يعظ الناس,و يعمّد التائبين, و يوبّخ الملك هيرودس,و يقرّع الطبقات الحاكمة و يتنبأ بمجيء نبي آخر أقوي- "أنا أعمّدكم بالماء لأجل التوبة،و لكنّ الأتي بعد هو أقدر مني،و أنا لا أستحق أن أحمل حذاءه"(متّي 3:11)-دون أن يعلن لتلاميذه و لسكان فلسطين,في مسيرته الدعوية,أنه قد قرّر أنّ المسيح هو "هذا الآتي"و أنه قد بعث للتبشير بمجيئه مقررا تسخير حياته لهذا الأمر.

لقد كان يوحنا المعمدان يهيئ الطريق أمام سيد قادم بعده,لا سيد معاصر له, و هذا السيد القادم ليس بالمسيح عيسي بن مريم عليهما السلام,و لكنه محمد صلي اللّه عليه و سلّم.

ص: 331

و مما يدعم قولنا,ما جاء في الترجمة العبرية التي بين أيدي اليهود-كما نقلها لنا عبد الرحمن البغدادي في كتابه"الفارق بين المخلوق و الخالق"-:"ها أنا سوف أرسل رسولي،فيعزل طريقا بحضوري،و حينئذ يأتي إلي هيكله الولي الذي أنتم ملتمسون،و رسول الختان الذي أنتم راغبون أيضا.هو ذا آت.قال اللّه ربّ الجيوش."

و معلوم أنّ رسول الختان هو محمد صلي اللّه عليه و سلّم,لأنه قد سنّ الختان بعد ما أبطلته القساوسة و الرهبان تبعا لما ذهب إليه بولس.و لا يجوز أن يقال إنّ عيسي هو رسول الختان لأنه كان تابعا لشريعة موسي عليه السلام,التي تدعو إلي الختان.

كما لا يصحّ قول النصاري بأنّ المسيح هو رسول الختان لأنّ بولس قد نسخ هذا الحكم!!!

لا بدّ في هذا المقام من الإشارة إلي أنّ كلمة"ملاخي"تعني"رسولي"كما ذكر ذلك الباحث إسحاق أزيموف في كتابه "Azimov s Guide To The "Bible ص 670.و مما يرجّح كون هذا"الملاك الممهد"-الذي هو في "الترجمة العالمية الجديدة" "The New International Version ": "The messenger of the convenent" "أي"رسول العهد"-هو ملاخي ذاته لا المعمدان,ما يفهم من القرآن الكريم(آل عمران 81)من أنّ كلّ نبي يبعث كان يمهّد الطريق لمجيء الآتي-جاء في تفسير الإمام الطبري لهذه الآية:"...عن علي بن أبي طالب قال:لم يبعث إليه عزّ و جلّ-آدم فمن بعده-إلا أخذ عليه العهد في محمد :لئن بعث و هو حي ليؤمنن به و لينصرنه,و يأمره فيأخذ العهد علي قومه,فقال:" و إذ أخذ اللّه ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب و حكمة"الآية."و هو ما خرّجه الإمام الطبري عن السدي أيضا.-

و سواء كان هذا ال"الرسول الممهد"هو"يوحنا المعمدان"أو"النبي ملاخي"

ص: 332

,فإنّ هذا الأمر لا يمنع من تقرير النتيجة و هي أنّ محمدا هو هذا المنتظر الممهّد له الطريق.

ص: 333

"ملكوت السماوات"في الإنجيل

أخبر عيسي عليه السلام عن الأمّة الأخيرة التي تنال من الأجر أكثر مما نالته الأمم الصالحة السابقة في قوله في هذا المثل:"

فإنّ ملكوت السّماوات يشبّه بإنسان ربّ بيت خرج في الصّباح الباكر ليستأجر عمّالا لكرمه،و اتّفق مع العمّال علي أن يدفع لكل منهم دينارا في اليوم،و أرسلهم إلي كرمه.

ثمّ خرج نحو السّاعة التّاسعة صباحا،فلقي في ساحة المدينة عمّالا آخرين بلا عمل،فقال لهم:اذهبوا أنتم أيضا و اعملوا في كرمي فأعطيكم ما يحقّ لكم!فذهبوا.

ثمّ خرج إلي السّاحة أيضا نحو السّاعة الثانية عشرة ظهرا.ثمّ نحو الثالثة بعد الظهر،أرسل مزيدا من العمّال إلي كرمه.

و نحو السّاعة الخامسة بعد الظهر،خرج أيضا فلقي عمّالا آخرين بلا عمل،فسألهم:لما ذا تقفون هنا طول النّهار بلا عمل؟

أجابوه:لأنّه لم يستأخرنا أحد.فقال:اذهبوا أنتم أيضا إلي كرمي!

و عند ما حلّ المساء،قال ربّ الكرم لوكيله:ادع العمّال و ادفع الأجرة مبتدئا بالآخرين و منتهيا إلي الأوّلين.

فجاء الّذين عملوا من السّاعة الخامسة و أخذ كلّ منهم دينارا.

ص: 334

فلمّا جاء الأوّلون،ظنّوا أنّهم سيأخذون أكثر.و لكن كلّ واحد منهم نال دينارا واحدا.

و فيما هم يقبضون الدينار،تذمّروا علي ربّ البيت، قائلين:هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة فقط،و أنت قد ساويتهم بنا نحن الّذين عملنا طول النّهار

تحت حر الشمس!

فأجاب واحدا منهم:يا صاحبي،أنا ما ظلمتك؛أ لم تتفق معي علي دينار؟

خذ ما هو لك و امض في سبيلك:فأنا أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك.

أ ما يحقّ لي أن أتصرف بمالي كما أريد؟أم أنّ عينك شريرة لأنّني أنا صالح؟

فهكذا يصير الآخرون أوّلين،و الأوّلون آخرين."(متّي 20:1- 16)

و قد جاء نفس المعني عن نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم في الحديث عن أجر أمّة الإسلام مقارنة مع الأمم السابقة:

روي البخاري في صحيحه أنّ الرسول صلي اللّه عليه و سلّم قال:"نحن الآخرون السابقون."

و روي أيضا في صحيحه أنه صلي اللّه عليه و سلّم قال:"مثلكم و مثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال من يعمل لي من غدوة إلي نصف النهار علي قيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلي صلاة العصر علي قيراط فعملت

ص: 335

النصاري ثم قال من يعمل لي من العصر إلي أن تغيب الشمس علي قيراطين فأنتم هم فغضبت اليهود و النصاري فقالوا ما لنا أكثر عملا و أقل عطاء قال هل نقصتكم من حقكم قالوا لا قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء."

و بمزيد مراجعة النصوص المتعلّقة ب"ملكوت السماوات""ملكوت اللّه"..

تتضح الصورة بصورة أجلي:

متّي 6:33(لوقا 12:31):"أمّا أنتم،فاطلبوا أوّلا ملكوت اللّه و برّه،و هذه كلّها تزاد لكم"

لوقا 10:9-11,11:20:"و اشفوا المرضي الّذين فيها، و قولوا لهم:قد اقترب منكم ملكوت اللّه!و أيّة مدينة دخلتم و لم يقبلكم أهلها،فاخرجوا إلي شوارعها،و قولوا :حتّي غبار مدينتكم العالق بأقدامنا ننفضه عليكم، و لكن اعلموا هذا:أنّ ملكوت اللّه قد اقترب"

متّي 21:43:"لذلك أقول لكم:إنّ ملكوت اللّه سينزع من أيديكم و يسلّم إلي شعب يؤدي ثمره"

متّي 21:31:"فقال لهم يسوع:«الحق أقول لكم:إنّ جباة الضّرائب و الزّانيات سيسبقونكم في الدّخول إلي ملكوت اللّه" مرقس 1:15:"قد اكتمل الزّمان و اقترب ملكوت اللّه.

فتوبوا و آمنوا بالإنجيل"

ص: 336

مرقس 4:11:"فقال لهم:«قد أعطي لكم أن تعرفوا سرّ ملكوت اللّه.أمّا الّذين من خارج،فكلّ شيء يقدم لهم بالأمثال"

مرقس 4:26:"و قال:«إنّ ملكوت اللّه يشبّه بإنسان يلقي البذار علي الأرض..."

مرقس 4:30-32:"و قال:«بما ذا نشبّه ملكوت اللّه،و بأيّ مثل نمثله؟إنّه يشبّه ببزرة خردل،تكون عند بذرها علي الأرض أصغر من كل ما علي الأرض من بزور،و لكن متي تمّ زرعها،تطلع أغصانا كبيرة،حتّي إنّ طيور السّماء تستطيع أن تبيت في ظلها."

مرقس 9:47:"و إن كانت عينك فخا لك،فاقلعها:أفضل لك أن تدخل ملكوت اللّه و عينك مقلوعة من أن تكون لك عينان و تطرح في جهنّم النّار".

مرقس 10:14-15:"فلمّا رأي يسوع ذلك،غضب و قال لهم:«دعوا الصّغار يأتون إليّ،و لا تمنعوهم،لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت اللّه الحق أقول لكم:من لا يقبل ملكوت اللّه كأنّه ولد صغير،لن يدخله أبدا".

مرقس 10:24:"فدهش التلاميذ لهذا الكلام.فعاد يسوع يقول لهم:«يا بنيّ،ما أصعب دخول المتّكلين علي المال إلي ملكوت اللّه!".

ص: 337

لوقا 4:34:"روح الربّ عليّ،لأنّه مسحني لأبشر الفقراء؛ أرسلني لأنادي للمأسورين بالإطلاق و للعميان بالبصر،لأطلق المسحوقين أحرارا،و أبشر بسنة القبول عند الربّ".

و النتيجة المستخلصة من النصوص السابقة:

ملكوت اللّه,أو السماوات,هو ليس ملكوت عيسي عليه السلام.

عيسي عليه السلام,هو مجرّد مبلغ عن ظهور هذا الملكوت.

بعث عيسي للإخبار بنقل الملكوت من بني إسرائيل إلي أمة أخري(بني إسماعيل).

سيدخل الكثير من الفقراء و أهل الشرك الملكوت قبل بني إسرائيل(فقراء مكة دخلوا الإسلام قبل الكثير من اليهود الذين أسلموا).

اقتراب ظهور الملكوت(لا نبيّ بين عيسي و محمد صلي اللّه عليهما و سلم).

من علامات هذا الملكوت نموه و تعاظمه السريع.

سيبسط ملكوت اللّه سلطانه علي القلوب و سيطهّر أتباعه من ذنوبهم.

الملكوت الجديد يبسط سلطانه و ينشر وارف ظله علي الكثير من الأمم, بخلاف الملكوت القديم القاصر علي بني إسرائيل.

و زبدة القول هي تكذيب مزاعم الكنيسة و ظهور حقيقة ملكوت الإسلام السماوي.و يزداد هذا الأمر وضوحا إذا لحظنا تطابق المثل القرآني عن أمّة الإسلام مع المثل الوارد في الكتاب الديني النصراني المكتشف في نجع حمادي سنة 1945 م,و الذي

ص: 338

لا تعترف الكنيسة اليوم بشرعيته,و هو"رسالة يعقوب السريّة" "The Apocryphon of James" .

المثل القرآني:: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَي الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوي عَلي سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً" .(سورة الفتح 29).

المثل كما هو في"رسالة يعقوب السريّة":شبّه ملكوت السماء بنخلة خرج منها برعم(شطأ)ثم تدلّت من هذا البرعم ثمار حوله,و أخرجت هذه الثمار ورقا.و حين استوت و استغلظت هذه الثمار جفّ منبعها.و أصبحت هذه الثمار الخارجة من البرعم مع تلك الخارجة من الشجرة الأصلية."

و هذا المثل كما هو في رسالة يعقوب أقرب إلي المثل القرآني منه إلي مثل إنجيل مرقس 4:30-32,كما أنّه يعرّف"الشجرة"المثمرة بأنها النخلة,و قد قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم:"مثل المؤمن مثل النخلة،ما أخذت منها من شيء ينفعك".

ص: 339

بشارة من عرفات

ذكر الباحث عصام راشد الصدقي في كتابه"البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلم"الكشف عن نص قديم مفقود من ثلاثة آلاف سنة اشتمل علي البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلم.

و عما ورد في هذا الكتاب قالت جريدة الراعي الصادرة عن الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند الهند العدد 504-سنة 1412 ه-ص 11:

"كشف حديثا عن نص في التوراة اختفي منذ 3000 عام يبشر بالرسول محمد بن عبد اللّه صلي اللّه عليه و سلم.

و ذكر الأستاذ عصام راشد الصدقي في كتاب له صدر حديثا بعنوان"البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلم,في التوراة"أنّ المزمور 68 من مزامير داود يحمل البشارة بمحمد مبيّنا أنّ الترجمات الخمس للنص خاصة الآية الخامسة من المزمور استبدلت كلمة"عرفات"بالنص العبري,و جاءت بكلمة"الغمام أو الغفار أو البراري".

و أكد المؤلف أنّ الخطأ في الترجمات لم يكن سهوا لأنه لو كان كذلك لما تكرر مشيرا إلي أنّ اليهود أنفسهم في شرحهم ذكروا أنّ عرفات هي اسم لعلم و لينفوا أيّ علاقة له بالأرض,قالوا إنه اسم السماء السابعة.

و بين الأستاذ عصام راشد الصدقي أنّ كثيرا من الكلمات العبرية و العربية ذات أصل مصري قديم,"هيروغليفي"و إن عرفات هي المكان و العلامة المميزة الكبري للمسلمين يحجون إليه كل عام لا يظلهم إلا اللّه سبحانه و تعالي.

ص: 340

و يسرد المؤلف الصفات الواردة في المزمور 68 من مزامير داود و بعد أن يأتي بما يؤكدها في القرآن الكريم يقول إنّ هذه الصفات"أب اليتامي""قاضي الأرامل" تنطبق انطباقا تاما علي الهادي البشير المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد اللّه صلي اللّه عليه و سلم.

و يفيد الأستاذ عصام في كتابه أنّ عرفات هي المكان الوحيد الذي يجتمع فيه البشر منذ القدم و هي ميقات معلوم و مكان معلوم و هدف معلوم,فأما الميقات فهو من زوال شمس يوم التاسع إلي فجر العاشر من ذي الحجة من كل عام,و أما المكان فهو الوادي الذي تحفه الجبال علي مسافة 22 كيلومترا شرقي مكة المكرمة,و أما الهدف فهو وقوف ضيوف الرحمن ملبّين نداء الحق سبحانه و تعالي متضرعين"لبيك اللهم لبيك".

ص: 341

خاتم النبوة

تواتر الخبر في كتب السير عن الإخبار عن"خاتم النبوة"الذي بين كتفي الرسول صلي اللّه عليه و سلم,و الذي كان علامة بارزة لهذا النبيّ المنتظر.

و قد جاء في وصف هذا الخاتم في صحيح مسلم عن عبد اللّه بن سرجس قال:" أتيت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم،و أكلت معه خبزا و لحما.

أو قال:ثريدا.فقلت:يا رسول اللّه،غفر اللّه لك.قال:

"و لك".فقلت له:أستغفر لك يا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم؟قال:نعم،و لكم.ثم تلا هذه الآية:"و استغفر لذنبك و للمؤمنين و المؤمنات".قال:ثم درت خلفه فنظرت إلي خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسري جمعا، عليه خيلان كأمثال الثآليل".

و روي الإمام أحمد عن عبد اللّه بن سرجس قال:ترون هذا الشيخ؟يعني نفسه،كلمت نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم،و أكلت معه،و رأيت العلامة التي بين كتفيه،و هي في طرف نغض كتفه اليسري، كأنه جمع-بمعني الكف المجتمع،و قال بيده فقبضها-عليه خيلان كهيئة الثآليل."

و قال حسان بن ثابت رضي اللّه عنه:

أغرّ عليه للنبوة خاتم من اللّه ميمون يلوح و يشهد

و قد ذكر الشيخ رحمة اللّه الهندي في كتابه"إظهار الحق"ص 458 أنّ القسيس الأرمني أو سكان قد ترجم سفر إشعياء من النص العبري القديم إلي اللغة الأرمنية سنة 1666 م,فجاءت ترجمته للاسم كما هي عليه في اللغة العربية,فقد كتب مترجما:"سبحوا اللّه تسبيحا جديدا،و أثر سلطنة علي

ص: 342

ظهره و اسمه أحمد..",و طبعت هذه الترجمة سنة 1733 م بمطبعة أنتوني بورتلي.

ورد النص السابق في التراجم الحالية في سفر إشعياء 9:6-7 هكذا:"لأنّه يولد لنا ولد و يعطي لنا ابن يحمل الرئاسة علي كتفه، و يدعي اسمه عجيبا،مشيرا،إلها قديرا،أبا أبديا،رئيس السّلام.و لا تكون نهاية لنمو رئاسته و للسّلام اللّذين يسودان عرش داود و مملكته،ليثبّتها و يعضدها بالحقّ و البر،من الآن و إلي الأبد.إن غيرة الربّ القدير تتمّم هذا."

و مما يلاحظ أنّ كلمة"عجيب"تقابلها في الترجمة اللاتينية"الفولجات"كلمة "Admirabilis" و التي هي بالفرنسية "Admirable" ,و إذا نظرت إلي ترجمة إنجيل برنابا بالفرنسية,فستجد أنّ المترجم قد وضع هذه الكلمة "Admirable" كمقابل لكلمة"أحمد"العربية:

الفصل 97(ترجمة ميشال فريمو Michel Fremaux و لويجي سيريلّو Luigi cirillo ):

Le nom du Messie est Admirable,car Dieu lui-meme le lui donna quand il eut cree son ame et qu'il'I'eut place dans une splendeur celeste''

"اسم المسيّا أحمد,لأنّ اللّه نفسه قد سمّاه بهذا الاسم عند ما خلق روحه و جعله في المجد السماوي."

ص: 343

و اكتشف مخطوط ضمن"مخطوطات البحر الميت": "1:2 Mess ar 04" جاء فيه أنّ هناك علامات علي جسد النبي المنتظر تشبه حبات العدس,لتؤكد صحة الترجمة السابقة.

و جاء في أحد الكتب اليهودية القديمة "Seper Assap" أنّ هذه العلامات الجسدية بعضها مثل حبات العدس و بعضها مثل بذور الخيار.

انّه خاتم النبوّة لخاتم الأنبياء!

ص: 344

أهم اكتشاف حديث!

جاء في صحيفة"المسلمون"الشهيرة عدد 1229 الصفحة الخامسة بتاريخ الاثنين 1 ربيع الأول 1412 ه الموافق ل 9 سبتمبر(أيلول)1991 م,تحت عنوان "الدكتور محمد معروف الدواليبي-الذي كان عضوا في الحوار-يروي قصة الحوار بين الإسلام و المسيحية,كيف بدأ و علام انتهي"-و نحن ننقل ما في هذه الصحيفة من كتاب د.شوقي أبو خليل"الحوار دائما.."ص 11.(دار الفكر)مع بعض التصرف-أنّه قد عثر في مغاور قمران شمالي البحر الميت علي مجموعة من المخطوطات,نجد بينها سفر إشعياء الصحيح بكامله,في حين أنّ المنشور في العهد القديم هو جزء منه.

و في سفر إشعياء المكتشف جاء حرفيا:"بعد المسيح يأتي نبيّ عربي من بلاد فاران-بلاد إسماعيل-و علي اليهود أن يتّبعوه,و علامته أنّه إن نجا من القتل,فإنه النبي المنتظر,لأنّه يفلت من السيف المسلول علي رقبته,و يعود إليها بعد ذلك بعشرة آلاف قدّيس".

لقد أصدر البابا بولس السادس سنة 1965 م وثيقة هامة,كانت بمثابة اعتراف رسمي نصراني بالدين الإسلامي,و لأول مرّة,جاء فيها:"إنّ كلّ من آمن بعد اليوم باللّه الخالق السموات و الأرض,و ربّ إبراهيم و موسي,فهو ناج عند اللّه,و داخل في سلامه,و في مقدّمتهم المسلمون".

و بدعوة رسميّة سافر وفد إسلامي إلي الفاتيكان,و اجتمع بالكاردينال بيمونللي وزير الدولة في حكومة الفاتيكان فيما يتعلّق بالعلاقات بين الإسلام و النصرانية,و بدأ الحوار علي الرغم من طلب السفير"الإسرائيلي"في روما وقف الحوار,و بعد انتهاء اللقاءات المتعددة بين عدد من العلماء المسلمين و كبار مسئولي الفاتيكان,وقف

ص: 345

الكاردينال بيمونللي مخاطبا العلماء:في هذا اليوم أوقف التنصير الكاثوليكي في العالم الإسلامي,ثمّ قرأ بشارة سفر إشعياء التي تنطبق تماما علي الواقع.

و لكن مع الأسف,فإنّ هذا البابا لم يلبث أن توفي في ظروف لا ندريها,كما توفي من بعده بقليل الكاردينال بيمونللي في ظروف غامضة,و بوفاتهما توقّف الحوار بين الإسلام و النصرانية".

ص: 346

بشارة مخفية

من البشارات الأخري المكتشفة حديثا ما ذكره الشيخ ابن خليفة عليوي في كتابه"معجزات النبي المختار من صحيح الأخبار"ص 58(دار الكتب العلمية)من أنه قد عثر في دير" سانت كاترين"بسيناء علي نسخة قديمة من التوراة جاء فيها ذكر نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم,ثم اختفت هذه النسخة,و لم تعد مرة أخري للظهور!

و أضاف قائلا:"هكذا درّست الطلاب هذه العبارة في المملكة العربية السعودية الصف الثاني ثانوي,مادة التربية الإسلامية,بحث تحريفات الكتب السابقة,و هو صحيح مائة بالمائة"!!!

و لا حول و لا قوة إلا باللّه!!!

ص: 347

إنجيل برنابا

ص: 348

الصفحة الأولي من الترجمة الإيطالية لإنجيل برنابا

ص: 349

صفحة من الترجمة الإيطالية لإنجيل برنابا

ص: 350

اختار النصاري في القرن الرابع ميلادي,من بين عشرات الأناجيل التي تداولتها أيدي الناس,أربعة فقط.و يؤكد كبار الباحثين المتخصصين في دراسة تاريخ الأناجيل أنه لا علاقة لثبوت"التواتر"أو"الشهرة"...أو تماسك المتن أو معقوليته باختيار أسلاف نصاري اليوم لهذه الأسفار,لإسباغ صفة القانونية عليها.

يتميّز إنجيل برنابا,من بين الكم الهائل من الأناجيل المرفوضة كنسيا,بكونه أكثر الأناجيل إثارة للنقاش و الأخذ و الردّ,و ممن نافح عنه الدكتور أحمد حجازي السقا في كتابه"دفاع عن إنجيل برنابا"(نشر مكتبة الثقافة الدينية بمصر),و الباحث محمد عبد الرحمن عوض كتاب"الاختلاف و الاتفاق بين إنجيل برنابا و الأناجيل الأربعة"(دار البشير).و الدكتور م.ه.دورّاني M.H.Durrani -و قد كان قبل إسلامه قسيسا في كنيسة إنجلترا و الهند و سيلون و باكستان-في كتاب لطيف بعنوان:" الإنجيل المنسي للقديس برنابا "The Forgotten Gospel of S.T Barnabas" .

و قد قال تولاند الإنجليزي حين رأي نسخة هذا الإنجيل سنة 1817 م في مكتبة البرنس أوجين سافوي:"سأقول علي النصرانية السلام."و ذلك لأنّ هذا الإنجيل يتحدّث صراحة عن البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم بالإضافة إلي نقضه المباشر لعقيدة الكنيسة.و قال في كتابه"نزاريوس"إنّ تيار تقدّم النصرانية وقف منذ ذلك الحين:أي من حين ظهور نسخة إنجيل برنابا.

و يبدو أنّ مكتبة الفاتيكان بروما ما زالت تحوي بين جدرانها أناجيل,غير هذه الأربعة التي بين أيدينا,تنبّأت في صفحاتها ببعثة نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم ..و قد ذكر الشيخ محمد جمال الدين القاسمي في تفسيره"محاسن التأويل"سورة الصف الآية 6 أنّ الشيخ محمد بيرم نقل عن رحّالة إنجليزي أنه رأي في دار الكتب

ص: 351

البابوية في الفاتيكان نسخة من الإنجيل مكتوبة بالقلم الحميري قبل بعثة نبي اسلام صلي اللّه عليه و سلّم,و فيها يقول المسيح:"و مبشرا برسول يأتي من بعد اسمه أحمد"!!

و ذكرت مجلة الأيكونومست البريطانية,و هي من أوسع المجلات السياسية و الاقتصادية انتشارا و نفوذا في العدد الصادر بتاريخ 27 مارس سنة 1965 م تحت عنوان:"ثروة الفاتيكان":إنّ أول عمل مقدس يؤديه المرشح لوظيفة في"الكوربا" أي الإدارة المركزية للكنيسة الكاثوليكية هو أن يقسم اليمين المقدّسة علي كتمان كل شيء يصل إلي علمه أو يقع تحت بصره من معلومات خصوصا عن ثروة الكنيسة و مواردها.و معلوم أنّ أهم هذه الثروات نسخ الأناجيل الأبوكريفية (أي المرفوضة لدي الكنيسة التقليدية)و ذكرت الصحافة في أيامنا فتح مكتبة الفاتيكان للباحثين غير المرتبطين بهيكلها..و نحن نجزم أنّ هذا الأمر قد تمّ بعد"تنظيف"هذه المكتبة الضخمة من"البشارة بنبي الإسلام",علي الأقل في الكتب الشهيرة!

هل هناك مبرر لرفض هذا الإنجيل؟:

كنت قد أعددت بحثا حول هذه النقطة لعرضه في الصفحات التي بين يديك, لكنني بعد أن قرأت ما كتبه الدكتور وديع أحمد المهتدي إلي الإسلام-قصة إسلامه في الملحق-,رأيت أن أورد ما كتبه في موقعه علي الانترنت تحت عنوان "دراسة في إنجيل برنابا تؤكد صحته",مع إضافة ما يفيد علي موضوعه الأصلي:

قال وفقه اللّه إلي كل خير:"قرأت كتاب إنجيل برنابا الذي نشره محمد رشيد رضا،عليه رحمة اللّه،و من أمانة الناشر اعتمد علي مترجم نصراني:خليل سعادة،الذي كتب مقدمة كبيرة

ص: 352

ينتقد فيها هذا الإنجيل.و من أمانة النشر أيضا أنه نشر مقدمة المترجم النصراني كاملة.و لقد وجدت الكثير من الأدلة علي تلاعب المترجم النصراني في الترجمة لكي يثبت فيها بعض عقائد النصاري و يفسد الكتاب و يجعل المسلمين أيضا يرفضونه.

و يتضح من هذه المقدمة أن أصل هذا الكتاب-عثر عليه راهب بالصدفة في مكتبة بابا الفاتيكان-كان باللغة الإيطالية،ثم قام رئيس كهنة-مطران-إنجليزي بترجمته إلي الإنجليزية،و من هذه الترجمة الإنجليزية ترجم خليل سعادة إلي اللغة العربية،و أري أنه من المستحيل أن يقوم نصرانيان بترجمة مثل هذا الكتاب المناهض لعقيدتهما بدون التلاعب فيه،كما أنهم اعتادوا علي تغيير كلام كتبهم في كل عصر.

و من أدلة تلاعب المترجم النصراني في ترجمة هذا الكتاب- و هي أكثر من 50 دليل-:

أنه ذكر في الهوامش أنه ترجم من الأصل الإيطالي و الأصل الإسباني لهذا الإنجيل،بينما هو قام بالترجمة من النسخة الإنجليزية،بينما الأصل الإسباني مطموس و ناقص باعتراف المترجم في المقدمة،بل و قال أنه لا وجود له،و كذلك الأصل الإيطالي لا وجود له بعد أن أخذه الراهب الذي أسلم بعد أن قرأه(كما ذكر المترجم في المقدمة أيضا).

اعتراف المترجم في الهوامش،مرارا عديدة،أنه غير كلام النسخة الأصلية عند الترجمة،بحجة عدم وضوح الأصل، و في هامش فصل 199 كتب المترجم"و جرينا علي ذلك في هذه الترجمة"أي أنه فعل ذلك كثيرا،و غيّر كل ما لا يعجبه....(هذه عدم أمانة).

ص: 353

-ترجم كلمات كثيرة بأسلوب غريب لتشويه معاني الكتاب.مثل:بدلا من القسم"باللّه الحي"كما جاء في التوراة يكتب"لعمر اللّه"و كتب"غناء اللّه"بدلا من "غني اللّه"...و غير ذلك الكثير.

و يعترض النصاري علي ذلك الكتاب زاعمين أن مؤلفه مسلم.لعدة أسباب منها:

لأنه أكد مرارا و تكرارا علي أن المسيح عبد اللّه و رسوله،و أنه قال إنه يخشي اللّه و يخضع لدينونة اللّه يوم القيامة.

لأنه كتب شهادة المسيح للنبي محمد صلي اللّه عليه و سلم و للإسلام و المسلمين.

لأنه قال أن بولس مؤسس المسيحية ضال و مضل،بينما المسيحيين يحترمون كلام بولس أكثر من كلام المسيح."

قلت:

أصدر النصاري(العرب خاصة)عددا كبيرا من المؤلفات لإثبات بطلان نسبة هذا الإنجيل إلي برنابا,من هذه المؤلفات:

عوض سمعان"إنجيل برنابا في ضوء التاريخ و العقل و الدين"

إسكندر جديد"إنجيل برنابا شهادة زور"

د.ف.صموئيل"إنجيل برنابا بين المؤيدين و الرافضين"

القس عبد المسيح بسيط أبو الخير"خمسون دليلا علي أنّ إنجيل برنابا خرافي و مزيّف"

ص: 354

القس عبد المسيح بسيط أبو الخير"إنجيل برنابا هل هو إنجيل صحيح؟"

كنيسة القديسين مارمرقس و البابا بطرس,الإسكندرية"إنجيل برنابا،هل يعقل تصديقه؟"...

كما قدّم المنصّرون عددا كبيرا من البرامج الإذاعية و التلفزية للصدّ عن هذا الإنجيل.و يطالب جمهور النصاري دائما بإعادة بثّها..و هذه الحقيقة تكشف الذعر الذي حلّ بساحهم,و الإحراج الشديد الذي ابتلوا به بسبب اكتشافه!!

بلغ الذعر بالكنيسة من هذا الإنجيل أنها تعقبت نسخه في محاولة حثيثة لإتلافها ,و لذلك اختفت النسخة الإسبانية من إنجلترا.كما اختفت جميع النسخ الإنجليزية لهذا الإنجيل بترجمة الأستاذ راج و زوجته سنة 1907 م في أكسفورد,إلا نسختين فقط نجتا من عملية السطو الكنيسة,رغم أن المترجمان قد أنكرا أصالة هذا الإنجيل:

نسخة في مكتبة الكونجرس في واشنطن,و الأخري في المتحف البريطاني.و من هاتين النسختين ظهرت النسخ الجديدة!!

أجهد المنصرون أنفسهم في استعراض ما رأوا أنه مبطل لهذا الإنجيل,و نحن نقول لهم:"لو أنكم أعملتم منهجكم في نقد"إنجيل برنابا",في تقويم أناجيلكم الرسمية لهدمتم دينكم و لنسفتموه نسفا فتركتموه قاعا صفصفا.."و لكنها لا تعمي الأبصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور"(سورة الحج 46).

من الشبهات التي يزعم النصاري أنّها تطعن في أصالة هذا الإنجيل, و تؤكد أنّ مؤلفه قد عاش في القرون الوسطي كما يفترون:

الشبهة الأولي:لا يوجد سند لهذا الإنجيل!

الردّ: و هل تملك الكنيسة أسانيد لكتبها هي!؟

ص: 355

إننا لا نملك سلاسل-أو حتي سلسلة واحدة-رجال لأسانيد أسفار موسي, بل إنّ الكنيسة لا تعتمد و لا تعرف شيئا اسمه"إسناد"لهذه الأسفار الخمسة في التراجم التي تصدرها,و إنما تعتمد علي مخطوطات لا يعلم أحد مؤلفيها,و هي تعود إلي أكثر من 15 قرنا من ميلاد موسي عليه السلام!!

بل ما كان اليهود متفقين علي تحديد المقدس من غير المقدس,يقول الفيلسوف اليهودي اسبينوزا:"يظهر بوضوح أنه لم تكن هناك مجموعة مقننة من الكتب المقدسة قبل عصر المكابيين(أي القرن الثاني قبل الميلاد)،أما الكتب المقننة الآن فقد اختارها فريسيو الهيكل الثاني بعد أن أعاد بناءه عزرا"الكاتب"!!!

العهد الجديد ليس أهون حالا من العهد القديم..خذ مثلا إنجيل متّي,أفضل الأناجيل من ناحية"السند"..إسناده المزعوم,مظلم:

ذكر المؤرخ"أزوبيوس"في القرن الرابع,أنّ"بابياس"في القرن الثاني قال أنّ"متّي"في القرن الأول قد كتب"اللوجيا"..و بعيدا عن ذكر أنّ"لوجيا"تعني "أقوال"و لا تعني"إنجيل",و بعيدا عن ذكر إجماع آباء الكنيسة علي أنّ إنجيل متّي قد كتب ابتداء باللغة العبرية,رغم أنّ ما عندنا قد كتب ابتداء كما تقول الكنيسة اليوم باللغة اليونانية..و غيرها من المطاعن المتكاثرة..فإننا نقول أنّ:أزوبيوس-بابياس- متّي..علي مدي أربعة قرون..هذا لا يسمّي إسنادا عند المحققين و إنما هو..لا شيء!!

و منذ متي كانت الأسانيد شرطا لقبول أصالة الأسفار أو قدسيتها؟!!

لقد قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه"ميلاد المسيّا" "The Birth of The Messiah" ص 45:"يوجد,

ص: 356

تقريبا,إجماع في الدوائر العلمية اليوم أنّ الإنجيلي مجهول,رغم أنّنا سنستمر في الإشارة إليه ب"متّي"".

و أضاف في الهامش:"كان الروم الكاثوليك من بين آخر الذين توقّفوا عن الدفاع رسمي عن الموقف الذي يقول إنّ الإنجيل قد كتب من طرف متّي,احد الاثني عشر."

و كانت حصيلة جهود أفضل تجمع لنقاد غربيين متخصصين في دراسة أسفار العهد الجديد,و يسمّي ب"ندوة عيسي" "Jesus Seminar" ,قوله في كتاب" الأناجيل الخمسة" "The Five Gospels" ص 20:"جميع الأسفار كانت متداولة في الصل بدون أسماء مؤلفين إلي أن قررت الكنيسة الأولي-كنيسة بولس- تحديد مؤلف كلّ منها و في معظم الحالات كان التحديد نتيجة التخمين أو التمني أو حسن النيّة"..

بل إننا نقول أنّ إنجيل برنابا و إن لم يكن له سند,كم هو الحال بالنسبة لبقية الأناجيل,فإنه يمتاز عليها بأنه قد وجد في ظروف لا ترجّح كفة أصوله الإسلامية إذ أنه قد وجد في جو نصراني صرف و بالإضافة إلي ذلك,و كما قال القسيس المهتدي الدكتور م.ه.مورّاني في كتابه"الإنجيل المنسي للقديس برنابا"ص 102:" إنجيل برنابا يعطي الانطباع أنّ الكاتب عالم كبير في النصرانية لا في الإسلام,و بالتالي فإنّه من الراجح جدا أنّ المؤلف ليس سوي برنابا."..أما أسفار النصاري فهي مطايا عقدية لفرق متناحرة,و كلّ يدعي وصلا بعيسي من خلال إنجيله أو أناجيله الخاصة ..و التاريخ لا يقرّ لهم بذاك!..و إذا أحسنّا الظن بالقوم قلنا ما قاله جون لوريمر في "تاريخ الكنيسة"ص 152 عن هذه الأناجيل:"لم نصل إلي الآن إلي معرفة وافية عن الكيفية التي اعتبرت بها الكتب المقدسة كتبا قانونية".

ص: 357

الشبهة الثانية:نحن لا نملك النسخة الأصلية المكتوبة باللغة اليونانية!

الردّ: و هل يملك النصاري نسخة واحدة لأيّ سفر من أسفارهم المقدسة الكثيرة,سواء في العهد القديم أو العهد الجديد؟

جاء في الموسوعة البريطانية ج 2 ص 519:"إنّ النسخ الأصلية(الإغريقية) لكتب العهد الجديد فنيت منذ مدة طويلة,(و فيما عدا بعض بقايا من صعيد مصر) فإنّ كلّ النسخ التي استخدمها المسيحيون في الفترة التي سبقت مجمع نيقية قد غشيها نفس المصير"!!!

بل..و لا يمكن بأيّ حال الوصول إلي النص الأصلي..قالت الموسوعة البريطانية ج 2 ص 521:"إنه أمل لا طائل من ورائه أن نتصور إمكانية الوصول إلي النص الأصلي,و ذلك عن طريق ترتيب:النص الاسكندري,و النص الغربي القديم, و النص الشرقي القديم(البيزنطي),ثم قبول النص الذي يتفق عليه اثنان منهم ضدّ الآخر."

الشبهة الثالثة:من أشهر المطاعن النصرانية في إنجيل برنابا شبهة سنة اليوبيل.

قال عوض سمعان في كتابه:"إنجيل برنابا في ضوء التاريخ و العقل و الدين":"جاء في فصل 82:18 و 83:25 أن اليوبيل يقع كل مائة عام.مع أن اليوبيل كان يقع لغاية وجود المسيح علي الأرض كل خمسين عام فقط(لاويين 25:11).أما جعل اليوبيل كل مائة عام،فكان بأمر البابا بونيفاس الثامن سنة 1300 م".

الردّ:

أ-علي فرض وجود خطإ النسخة المتاحة لإنجيل برنابا,فإننا نقول:لا

ص: 358

يستبعد أن يكون هذا النص محرّفا من الناسخ في القرن الرابع عشر,ظنا منه أنه يصلح خطأ في هذا الإنجيل,أو لتشابه كتابة"المائة"و"الخمسين"في اللغة الإيطالية !

إنّ أخطاء النساخ شائعة جدا في مخطوطات الأسفار النصرانية المقدسة,و مما يؤكد هذا الأمر ما جاء في نسخة العهد الجديد"بولس باسيم"ص 7:"...فإنّ نص العهد الجديد قد نسخ ثم نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت،و ما من أحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء التي تحول دون أن تتصف أية نسخة كانت مهما بذل فيها من جهد بالموافقة التامة للمثال الذي أخذت عنه،يضاف إلي ذلك إن بعض النساخ حاولوا أحيانا،عن حسن نية أن يصوبوا ما جاء في مثالهم و بدا لهم انه يحتوي أخطاء واضحة أو قلة في التعبير اللاهوتي،و هكذا أدخلوا إلي النص قراءات جديدة تكاد أن تكون كلها خطأ(...)و من الواضح أنّ ما أدخله النساخ من التبديل علي مر القرون تراكم بعضه علي بعضه الآخر فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلي عهد الطباعة مثقلا بمختلف ألوان التبديل ظهرت في عدد كبير من القراءات".

من الأخطاء الواردة في الكتاب المقدس التي يقرر كثير من المدافعين عن النصرانية أنها من فعل النساخ:

في إنجيل متي 23:35:"من دم هابيل الصديق إلي دم زكريا بن بركيا الذي قتلتموه بين المقدس و المذبح"،و في هامش ص 7 من العهد الجديد"بولس باسيم" نقرأ التعليق الآتي:"يرجح إن زكريا هذا هو الذي ورد خبره في سفر الأخبار الثاني 24:21-22 و هو آخر من ذكر خبر قتله،و أما زكريا بن بركيا فقد ذكر في

ص: 359

اشعياء 8:2 و سفر زكريا 1:1 و لربما حدث سهو في نسخ الأصول فكتب زكريا بن بركيا في حين إن الصواب هو زكريا بلا"بن بركيا."

في سفر التكوين 46:15 إن عدد أولاد يعقوب و بناته هو ثلاث و ثلاثون في حين أن العدد الحقيقي حين عد الأسماء المذكورة في السفر هو أربع و ثلاثون.

في سفر أخبار الأيام الثاني 28:19:"لأنّ الرب ذلّ يهوذا بسبب آحاز ملك إسرائيل"و هو خطأ و الصواب هو آحاز ملك يهوذا.

في نسخة الكتاب المقدس"اغناطيوس زيادة",و في قسم الحواشي عند تعليقه حول سفر إرمياء 26:1 ما نصه:"ثم إن ما ورد في عنوان الفصل السابع و العشرين من أنه نزل في عهد يوياقيم صوابه أنه نزل في عهد صدقيا كما يتبين من بقية الفصل فذكر يوياقيم في العنوان من خطأ النساخ."

ب-قرّر البحّاثة المسلم م.أ.يوسف,في مقدمة تعليقه علي الترجمة الانجليزية لإنجيل برنابا,أنّ مترجما إنجيل برنابا إلي اللغة الانجليزية"راج"قد اعترفا بتقرير الكنيسة أنّ الاحتفال بسنة اليوبيل كلّ مائة سنة عادة قديمة مهملة,و لكنهما زعما عدم صحة ما قرّرته الكنيسة ذاتها!!

و أضاف,يوسف,أنّه بالعودة إلي التاريخ القديم لبني إسرائيل يتبين أنّ أول احتفال بسنة اليوبيل كان في السنة 54 لا الخمسين.و بيّن أنه يفهم من الموسوعة اليهودية "Encyclopedia Judica" أنّ آخر سنة يوبيل قبل ميلاد المسيح كانت سنة 36 أو 35 ق م,و لم يحتفل بسنة اليوبيل بعد ذلك إلا بعد قرن كامل..

و في هذه الفترة عاش برنابا صاحب الإنجيل!!

ص: 360

الشبهة الرابعة:ظاهر مما جاء في هذا الإنجيل تأثر صاحبه بتعاليم إسلامية جاء ذكرها في القرآن و السنة!

الردّ: أ يريد النصاري أن يرد ذكر البشارة الصريحة بمحمد صلي اللّه عليه و سلم في أكثر من موضع في"إنجيل برنابا"ثم لا نري أي تشابه بين تعاليم الإسلام و بين ما جاء في ما نسبه برنابا إلي المسيح عليه السلام!!هذا و اللّه ما لا يمكن أن يفهمه العاقل !!أ يريد المعترضون أن يخالف برنابا جميع ما جاء في وحي اللّه سبحانه إلي محمد صلي اللّه عليه و سلّم ليصحّ في أفهامهم نسبة هذا الإنجيل إلي شخص قريب من المسيح!!..

أ يريد القوم أن يكون التناقض حجّة لصالح التناسق؟!!؟

ثم..لم يعدّ المخالفون مشابهة تعاليم ذكرها برنابا لما جاء في القرآن و السنة حجة علي أنّ المؤلف مسلم أندلسيّ دسّ كتابه بين السذج,و لا ينظر القوم في القائمات الطويلة العريضة للتشابهات بين عقائد اليهود النصاري,و بين ما جاء في العقائد الوثنية القديمة-و اقرأ في هذا الشأن الكتاب الفذ للشيخ محمد طاهر التنير"العقائد الوثنية في الديانة النصرانية"و كتاب الباحث حسين الباش"العقائد الوثنية في الديانة اليهودية"!!-علي أنها دليل إدانة ضدّ أسفارهم!!.

لقد شهد عديد من النقاد علي اقتباس كتّاب العهد القديم من العقائد السابقة..

من هذه الشهادات:

ورد في"قاموس ميثولوجيا العالم" "A Dictionary of World Mythology" لكوترل أرثر Cotterell Arthur ص 25 أنّه من"المعتقد الآن أنّ العهد القديم هو تجميع لما لا يقلّ عن ثلاث ديانات رئيسية مما تألف منه التاريخ الديني"العبراني"غلّبت من بينها و أعليت عبادة يهوه."

ص: 361

-قال كاتب الموسوعة البريطانية م 2 ص 899:"يبدأ الكتاب المقدس بخلق الكون و يروي القصة بصورة مستعارة من الأساطير البابلية حوّلت لتعبّر عن وجهة نظره تجاه اللّه و الإنسان"."و في قصة الطوفان هناك استعارات واضحة من قصص بلاد ما وراء النهرين التي تتحدث عن طوفان أرسلته الآلهة لتدمّر البشرية."

ورد في كتاب"سفر التكوين,قراءة يهودية" "The Book of Genesis.A Jewish Interpretation" للحاخام المتعصّب لسفر التكوين جوليان مورجنشتون Julian Morgenstion ص 43 أنّ"كثيرين من الطلبة اليهود الذين ينتظمون في الدراسات التوراتية يجفلون,بل و يصدمون,عند ما يقال لهم ,لأول مرة,ان حكاية التكوين,بل و حكاية الطوفان أيضا و عددا آخر من الحكايات التوراتية و الأفكار الواردة في العهد القديم استعير من الميثولوجيا و الآداب البابلية.إلا أنّ التمهّل لحظة للتفكير في الأمر حريّ بأن يبيّن لنا أنّه لا مأخذ في ذلك, و أنّ الأمر ليس فيه ما هو غير طبيعي أو ما يسبب صدمة لأحد(...),و أنّ الاعتراف بصحته لا ينتقص كثقال ذرة من روعة الديانة اليهودية و مجدها العظيم(قلت:

!!!!)."

تذكر الدراسة الهامة للرهبانية اليسوعية و المسكونية الفرنسية(و قد أعدها 150 باحث كاثوليكي و بروتستانتي),أنّ مصادر سفر التكوين,كانت الأساطير الشائعة و السائدة لدي الحضارات الموجودة فيما وراء النهرين(العراق)و علي ضفاف نهر النيل(مصر),و المنطقة الفينيقية و الكنعانية..فقالت:"لم يتردد مؤلفو الكتاب المقدس,و هم يروون بداية العالم و البشرية,أن يستقوا معلوماتهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة,من تقاليد الشرق الأدني القديم,و لا سيما من تقاليد ما بين النهرين و مصر و المنطقة الفينيقية الكنعانية.علي أنّ المؤلفين الذين اعتادوا النظر في

ص: 362

الفصول الأولي من سفر التكوين,و أضفوا عليها اللمسات الأخيرة,لم يكونوا مجرّد ناقلين عميان,بل أحسنوا إعادة معالجة المصادر المتوفّرة بين أيديهم(!!!)."

قال الباحث النصراني جورجي كنعان في كتابه:"الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي"ج 1 ص 29:"عند ما تمّت الاكتشافات في بلاد ما وراء النهرين و سوريا و مصر,تبيّن للباحثين أنّ أسفار التوراة منقولة برمّتها نسخا أو مسخا عن الآداب و الشرائع المصرية و الكنعانية و البابلية.فظهرت الأبحاث المتعددة تلقي الأضواء علي التوراة,و تكشف صلتها بالآداب و الشرائع المتقدمة عليها."

يكاد يتفق الباحثون من أمثال ليوناردو ويلي Leonardy Wooly في كتابه:" Escavation At Ur" ,و أدولف لودر Adolphe Lots في كتابه" إسرائيل,من بداياتها إلي أواسط القرن الثامن" "Israel,from its Beginings to the Middle of the Eight Century و ستانلي" كوك S.A.Cook ,و جاك فينجان Jack Finegan" ضوء من التاريخ القديم" "Light from the Ancient Past" وف يونجر F.Unger في كتابه"قاموس الكتاب المقدّس ليونجر" "Unger's Bible Dictionary "و جيمس فريزر في كتابه"الفلكور في العهد القديم"علي أنّ قصة الطوفان,كما جاءت في التوراة,ليست قصة عبرية أصيلة,و انما أخذها الإسرائيليون من ميزوبوتاميا,و لكن القصة لم تنقل بطريقة عمياء,و إنما تصرفوا فيها بطريقة تتفق و أهداف كتابهم المقدس,ذلك لأنّ القصة التوراتية هي نفس القصة التي وجدت علي ألواح مكتوبة منذ فترة ترجع إلي ما قبل عصر إبراهيم عليه السلام-بل إنّ الرواية البابلية أقدم من الرواية العبرية بما يقرب من أحد عشر أو اثني عشر قرنا, فضلا عن أنّ الحكاية العبرية في جوهرها-كما لاحظ تسيمرن-تقضي بأن يكون البلد المشار إليه قابل لحدوث الفيضان مثل بابل,الأمر الذي لا يدع مجالا للشك في أنّ الحكاية نشأت أصلا في بابل,ثم انتقلت بعد ذلك إلي فلسطين,فإذا أضفنا إلي ذلك أنّ القصتين تتفقان لا في الأحداث الأساسية فحسب,بل إنّ وجوه

ص: 363

الاتفاق بين القصتين تتعدّد حتي تشمل التفصيلات الجزئية,بحيث لا يمكننا أن نرجع ذلك إلي محض الصدفة,أو حتي إلي توارد الأفكار,يتبين لنا إلي أيّ حد اعتمدت قصة الطوفان في التوراة علي قصص سومر و بابل الخاص بالطوفان."

و نكتفي فيما يتعلّق بالنصرانية بذكر ما قاله الكاتب الأمريكي درابير في كتابه "النزاع بين الدين و العلم":"لقد دخلت الوثنية و الشرك في النصرانية عن طريق من تظاهروا بالنصرانية رياء و كذبا ليتقلدوا المناصب العالية في الدولة الرومانية".

الشبهة الخامسة:وجود مصطلحات فلسفية يونانية في إنجيل برنابا ,دليل علي أنّ هذا الإنجيل قد ألّف في القرون الوسطي زمن شيوع فلسفة أرسطو!

الرد: و هل كانت فلسفة أرسطو غير معروفة في القرن الأول ميلادي!!

اقرءوا كتاب شارل جنيبر أستاذ قسم النصرانية بجامعة السوربون"اليسوع" المعرّب تحت عنوان"المسيحية تاريخها و نشأتها"لتعلموا أنّ بولس,الذي هو أعظم شخصية في الديانة النصرانية كما نعرفها اليوم,ما هو إلا إفراز لمذاهب فلسفية متمواجة و عنيفة في حركاتها البينية في زمانه.

ثم أ لم تقرءوا قول بولس في الرسالة إلي كولوسي 2:8:"احذروا أن يوقعكم أحد فريسة بالفلسفة..."!!

فهل كان بولس يتحدث عن أمر خيالي,أم أنّ تحذيره"للمؤمنين"نابع من شعوره بالهجمة الفلسفية اليونانية الشرسة في زمانه,علي عقول الناس؟!!!

أمّا فيما يتعلق باستعمال الاصطلاحات الفلسفية..فاقرءوا ما جاء في الرسالة إلي العبرانيين 1:3:"هو شعاع مجده و صورة جوهره"!!

ص: 364

فهل كتبت هذه الرسائل في القرون الوسطي"زمان شيوع الفلسفة الأرسطية" ,أم في القرنين الأولين من ميلاد المسيح حيث لم يعرف الناس أرسطو و لا إخوانه!

بل أ لم تقرءوا نسبة كثير من النقاد الغربيين إنجيل يوحنا إلي مدرسة فلسفية صرفة ..فقد قالت الموسوعة البريطانية في القرن التاسع عشر:"أما إنجيل يوحنا،فإنه لا مرية و لا شك كتاب مزور،أراد صاحبه مضادة حواريين لبعضهما،و هما القديسان متي و يوحنا....و إنا لنرأف و نشفق علي الذين يبذلون منتهي جهدهم،و ليربطوا و لو بأوهي رابطة ذلك الرجل الفلسفي الذي ألّف هذا الكتاب في الجيل الثاني بالحواري يوحنا الصياد الجليلي،فإن أعمالهم تضيع عليهم سدي،لخبطهم علي غير هدي".

و جاء في الموسوعة الأمريكية ص 159:"أن العقيدة المسيحية لم تستطع تخلل العالم الروماني الإغريقي دون الارتكاز علي قوة ما ورثته عن اليهودية,أو التأثّر بالثقافة الجديدة المحيطة بها.

إنّ التأثير الإغريقي(في المسيحية)له شواهده,ذلك أنّ الفقرات الأولي من صدر إنجيل يوحنا إنما هي تسير بوضوح علي أسلوب شعر رواقي(فلسفي)في:

الكلمة.

و في الواقع فإنّ:الكلمة,باعتبارها كلمة اللّه:قد يكون لها في فكر المؤلف ذلك التنوع المذكور في أسفار العهد القديم عن,كلمة اللّه".

بل اترك ما سبق و اقرأ قول كالتوف:"إنّ صورة المسيح بكامل معالمها أعدت قبل أن يكتب سطر واحد من الأناجيل و إنّ هذه الصورة هي من إنتاج الفلسفة العقلية الميتافيزيقية التي كانت ذات سيطرة و كانت آراؤها شائعة و تكاد تكون عامة و عالمية."

ص: 365

و قبل كلّ ما سبق ذكره لا بدّ أن يثبت النصاري المعترضون أنّ"العبارات الفلسفية"المنسوبة إلي إنجيل برنابا ليست من عنديات المعرّب غير الأمين..كما أنه عليهم أن يثبتوا أيضا أنها"عبارات فلسفية صرفة"و ليست كلمات دينية مشاعة!!

الشبهة السادسة:مخالفة إنجيل برنابا لأسفار الكتاب المقدس مما يعني أنه ليس بوحي,لأنّ الوحي لا يتناقض!

الردّ: اقرأ:

قال مفسرو الترجمة المسكونية-و هم نخبة من النقاد الكاثوليك و البروتستنت عن الأناجيل بأنها:"صورة لأدب غير مترابط مفتقر هيكله إلي حسن التتابع...

يبدو أن ما فيه من تضاد غير قابل للتذليل."

قال محررو مجلة"الحقيقة الواضحة"النصرانية في عدد يوليو 1975 م:" هناك ادعاءات كثيرة لتناقضات في الكتاب المقدس لم يستطع العلماء حلها حتي الآن، و فيها ما يسر كل كافر ملحد،فهناك بعض الصعوبات النصية التي ما زال العلماء يتصارعون معها إلي يومنا هذا،و لا ينكر هذه الحقيقة إلا من كان جاهلا بالكتاب المقدس."

الفيلسوف اليهودي اسبينوزا قال عن التوراة:"فإذا ظن أحد أني أتحدث بطريقة عامة جدا دون أساس كاف،فإني أرجو أن يكلف نفسه العناء،و يدلنا علي ترتيب يقيني لهذه الروايات يستطيع المؤرخون اتباعه في كتاباتهم للأخبار دون الوقوع في خطأ جسيم،و علي المرء في أثناء محاولته تفسير الروايات و التوفيق أن يراعي العبارات و الأساليب،و طرق الوصل في الكلام،و يشرحها بحيث نستطيع طبقا

ص: 366

لهذا الشرح أن نقلدها في كتاباتنا،و لسوف أنحني مقدما في خشوع لمن يستطيع القيام بهذه المهمة،و إني علي استعداد لأن أشبهه"بأبوللو"نفسه.

علي أني أعترف بأني لم أستطع أن أجد من يقوم بهذه المحاولة،علي الرغم من طول بحثي عنه،و مع أني مشبع منذ طفولتي بالآراء الشائعة عن الكتاب المقدس،فقد كان من المستحيل ألا أنتهي إلي ما انتهيت إليه.و علي أية حال فليس هناك ما يدعونا إلي أن نعطل القارئ هنا،و أن نعرض عليه في صورة تحد أن يقوم بمحاولة ميئوس منها."

و إذا كانت أسفار الكتاب المقدس غارقة في لجج التناقض و التضارب,و ما أسقط هذا الداء قدسيتها المزعومة,فكيف يزعم أنّ مخالفة تلك الأسفار لإنجيل برنابا حجة علي زيف هذا الإنجيل!!

إنّ الموافقة التامة لأي سفر مقدس غير كنسي,لما جاء الكتاب المقدس,هو المطعن النافذ في مصداقية هذا السفر لثبوت التحريف و التخريف و التجديف و التهويم في صفحات الكتاب المقدس النصراني!

الشبهة السابعة:إحالة مؤلف إنجيل برنابا إلي أقوال للأنبياء لا نجد لها ذكرا في العهد القديم!

الردّ:

لم ينفرد إنجيل برنابا برواية نصوص منسوبة إلي أنبياء العهد القديم لا وجود لها في تلك الأسفار,بل يشترك معه في ذلك,العهد الجديد أيضا حيث رويت فيه بعض النصوص منسوبة إلي العهد القديم و هي غير موجودة فيه،منها:

ص: 367

-في إنجيل متي 2:23:"و جاء إلي مدينة اسمها الناصرة فسكن فيها ليتم ما قال الأنبياء:"يدعي ناصريا".و لم يرد في العهد القديم علي الاطلاق القول إن المسيح أو النبي الموعود يدعي ناصريا.

في رسالة بولس الأولي إلي أهل كورنثوس 2:9:"ورد في الكتاب:اعد اللّه للذين يحبونه كل ما لم تره عين و لا سمعت به أذن و لا خطر علي قلب بشر".

في رسالة بولس الأولي إلي أهل كورنثوس 4:6:"لتتعلموا بنا ما قيل:لا تزد شيئا علي ما كتب".

في رسالة بولس الأولي إلي أهل كورنثوس 15:54:"تم قول الكتاب:قد ابتلع الظفر الموت."

بل البلاء أعظم..إذ أنّ أسفار الكتاب المقدس ذاتها تحيل القارئ إلي أسفار مقدسة لا وجود لها بين دفتيه..و هي:-

حروب الرب:ورد ذكره في سفر العدد 21:14

سفر سنن الملك:ورد ذكره في سفر صموئيل الأول 10:25

سفر ياشر:ورد ذكره في سفر يشوع 10:13 و سفر صموئيل الثاني 1:17 سفر أخبار أيام ملوك إسرائيل:ورد ذكره في سفر الملوك الأول 14:19 و 16:5 و 16:14

سفر تاريخ إسرائيل و يهوذا:ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 27:7

سفر تاريخ ملوك إسرائيل و يهوذا:ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 36:8

ص: 368

-سفر أخبار أيام ملوك يهوذا:ورد ذكره في سفر الملوك الثاني 24:5 و 21:25

سفر أخبار جاد النبي:ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الأول 29:29

سفر رؤيا النبي يعدو:ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 9:29

سفر نبؤة اخيا الشيلوني:ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 9:29

سفر تاريخ عدو النبي:ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 12:15 و 13:22

سفر تاريخ شمعيا النبي:ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 12:15

سفر تاريخ ناثان النبي:ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 9:29

سفر تاريخ ياهو بن حناني:ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 20:34

سفر كتاب إشعياء النبي عن الملك عزّيا:ورد ذكره في أخبار الأيام الثاني 26:22

سفر مرثية النبي أرميا علي يوشيا:ورد ذكره في أخبار الأيام الثاني 35:25

سفر تاريخ الملوك:ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 24:27

سفر أخبار الأنبياء:ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 33:19

سفر أخبار سليمان:ورد ذكره في سفر الملوك الأول 11:41

سفر الرب:ورد ذكره في سفر اشعياء 34:16

ص: 369

-سفر أخبار الأيام:ورد ذكره في سفر نحميا 12:23.

رسالة بولس إلي أهل اللاذقية:ورد ذكرها في رسالة بولس إلي أهل كولسي 4:16.

رسالة بولس الأولي إلي أهل فيلبي:ورد ذكرها في رسالة بولس إلي أهل فيلبي 3:1 الموجودة في العهد الجديد..(انظر العهد الجديد"بولس باسيم"هامش صفحة 771).

رسالة لبولس إلي أهل كورنثوس:ورد ذكرها في رسالة بولس الأولي إلي أهل كورنثوس 5:9.

رسالة لبولس إلي أهل كورنثوس:ورد ذكرها في رسالة بولس الثانية إلي أهل كورنثوس 7:8.

و قد جاء في تفسير دوالي رجرد مينت هامش شرح سفر الملوك الثاني 14:

25:"لا يوجد ذكر هذا الرسول يونس إلا في هذا العدد و في البلاغ المشهور الذي كان إلي أهل نينوي,و لا يوجد في كتاب من الكتب إخباراته عن الحوادث الآتية التي جرأ بها يوربعام السلطان علي محاربة سلاطين السريا و سببه ليس منحصرا في أنّ الكتب الكثيرة للأنبياء لا توجد عندنا,بل سببه هذا أيضا أنّ الأنبياء لم يكتبوا كثيرا من أخبارهم."

ثم إنّ عدم ورود الأقوال التي نقلها مؤلف"إنجيل برنابا"في أسفار العهد القديم لا ينفي ورودها عن أولئك الأنبياء لطروء التحريف بالحذف في تلك الأسفار.

ص: 370

الشبهة الثامنة:جاء في إنجيل برنابا ذكر قصص و حوادث وقعت في أيام الأنبياء السابقين

,و مع ذلك لا نري لها ذكرا في العهد القديم-المصدر الوحيد لأخبار ذاك الزمان-مما يعني أنّ مؤلف إنجيل برنابا قد اخترع تلك الأحداث!

الردّ:

إنّ أسفار العهد القديم ليست مرجعا معتمدا تردّ إليه الأمور لمعرفة الحق من الباطل لعدم استحقاقها لهذه الصفة.

إنّ أسفار العهد القديم لم تزعم أنها أحاطت بجميع أخبار السابقين.

وجود"تقاليد شفوية"يهودية,تضمّ قصصا دينية لا وجود لها في أسفار العهد القديم,من ذلك ما ذكره المؤرخ اليهودي الشهير يوسيفوس في كتابه"الآثار".

التقاليد الشفوية اليهودية تحظي باحترام كبير عند اليهود أهل"الكتاب الأول ":"العهد القديم".و هي تضيف أشياء كثيرة لا وجود لها في الأسفار المكتوبة,و لم يمنع هذا الأمر اليهود من تقرير قدسيتها..و قد قال آدم كلارك في شرح ديباجة كتاب عزرا في المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1751 م:"كان قانون اليهود ينقسم إلي نوعين،مكتوب و يقولون له التوراة،و غير مكتوب و يقولون له الروايات الشفوية التي وصلت إليهم بوساطة المشايخ،و يدعون أن اللّه كان أعطي موسي كلا النوعين علي جبل الطور فوصل إلينا أحدهما بواسطة الكتابة و ثانيهما بواسطة المشايخ بأن نقلوها جيلا بعد جيل،و لهذا يعتقدون أن كليهما متساويان في المرتبة و من جانب اللّه و واجبا التسليم،بل يرجحون الثاني و يقولون إن القانون المكتوب ناقص مغلق في كثير من المواضع،و لا يمكن أن يكون أصل الإيمان علي الوجه الكامل بدون اعتبار الرواية الشفوية،و هذه الرواية واضحة و أكمل،و تشرح القانون المكتوب و تكمله، و لهذا يردون معاني القانون المكتوب إذا كانت مخالفة للروايات الشفوية،و اشتهر فيما

ص: 371

بينهم أن العهد المأخوذ من بني إسرائيل ما كان لأجل القانون المكتوب،بل كان لأجل هذه الروايات الشفوية."!!!!

قد يقال أنّ القصص المذكورة في إنجيل برنابا لها وجود في الأسفار المفقودة التي ذكرت سابقا,و منها أخذت.

جاء في العهد الجديد ذكر كثير من التعاليم و القصص غير الموجودة في العهد القديم رغم تعلقها بزمن الأنبياء السابقين..منها:

*رسالة يهوذا 6:"و أمّا الملائكة الّذين لم يحافظوا علي مقامهم الرّفيع،بل تركوا مركزهم،فما زال الرّبّ يحفظهم مقيّدين بسلاسل أبديّة في أعماق الظّلام، بانتظار دينونة ذلك اليوم العظيم."

*رسالة يهوذا 7:"و تعرفون كذلك ما فعله الرّبّ بمدينتي سدوم و عمورة و بالمدن الّتي حولهما.فقد كان أهل المدن هذه،مثل أولئك المعلّمين،مندفعين وراء الزّني،و منغمسين في شهوات مخالفة للطّبيعة.لذلك عاقب الرّبّ هذه المدن بالنّار الأبديّة،فدمّرها.فكانت بذلك عبرة للآخرين."

*رسالة يهوذا 14-15:"عن هؤلاء و أمثالهم،تنبّأ أخنوخ السّابع بعد آدم، فقال:«انظروا إنّ الرّبّ آت بصحبة عشرات الألوف من قدّيسيه،ليدين جميع النّاس، و يوبّخ جميع الأشرار الّذين لا يهابون اللّه،بسبب جميع أعمالهم الشّرّيرة الّتي ارتكبوها و جميع أقوالهم القاسية الّتي أهانوه بها و الّتي لا تصدر إلاّ عن الخاطئين الأشرار غير الأتقياء!"

*الرسالة إلي العبرانيين 12:21:"و الواقع أنّ ذلك المشهد كان مرعبا إلي درجة جعلت موسي يقول:«أنا خائف جدّا بل مرتجف خوفا".

ص: 372

*الرسالة الثانية إلي تيموثاوس 3:8:"و مثلما قاوم(السّاحران)ينّيس و يمبريس موسي،كذلك أيضا يقاوم هؤلاء الحقّ؛أناس عقولهم فاسدة،و قد تبيّن أنّهم غير أهل للإيمان"

*أعمال الرسل 7:23-28:"و لمّا بلغ الأربعين من العمر خطر بقلبه أن يتفقّد أحوال إخوته من بني إسرائيل،

فرأي واحدا منهم يعتدي عليه مصريّ،فتدخّل ليدافع عن المظلوم،و انتقم له فقتل المصريّ،

علي أمل أن يدرك إخوته أنّ اللّه سينقذهم علي يده.غير أنّهم لم يدركوا!

و في اليوم التّالي وجد اثنين من إخوته يتعاركان،فحاول أن يصلح بينهما،قائلا:

أنتما خوان،فلما ذا يعتدي أحدكما علي الآخر؟

فما كان من المعتدي علي قريبه إلاّ أن دفعه بعيدا،و قال:من أقامك رئيسا و قاضيا علينا؟

أ تريد أن تقتلني كما قتلت المصريّ أمس؟"

هذه القصة جاء ذكرها في سفر الخروج 2:11-14:"و حدث بعد أن كبر موسي أنّه ذهب ليفتقد إخوته العبرانيّين و يشهد مشقّتهم،فلمح رجلا مصريّا يضرب رجلا عبرانيّا،فتلفّت حوله،و إذ لم يجد أحدا هناك قتل المصريّ و طمره في الرّمل.

ثمّ خرج في اليوم الثّاني و إذا رجلان عبرانيّان يتضاربان،فقال للمسيء:«لما ذا تضرب صاحبك؟

ص: 373

فأجابه:«من أقامك رئيسا و قاضيا علينا؟أ عازم أنت علي قتلي كما قتلت المصريّ؟»فخاف موسي و قال:«حقّا إنّ الخبر قد ذاع."

و كما هو ظاهر,فإنّ نص أعمال الرسل قد أضاف تفاصيل لم تذكر في نص سفر الخروج.

*الرسالة الثانية إلي بطرس 2:4:"فإنّ اللّه لم يشفق علي الملائكة الّذين أخطئوا،بل طرحهم في أعماق هاوية الظّلام مقيّدين بالسّلاسل،حيث يظلّون محبوسين إلي يوم الحساب."

الشبهة التاسعة:جاء في إنجيل برنابا ذكر تعاليم و أحداث لم ترد في الأناجيل ,مما يعني أنّها أمور مفتراة!!

الردّ:

الأناجيل ليست محكا لضبط الحق من الباطل,لقيام جلّ ما فيها علي الدعوي الباطلة و الكذب.و قد قال مؤلفو الترجمة المسكونية:"جمع المبشرون، و حرروا،كل حسب وجهة نظره الخاصة ما أعطاهم إياه التراث الشفهي '' ..فهي, مجرّد أقوال بشرية!

لم تزعم الأناجيل و بقية أسفار العهد الجديد أنّها قد استوعبت جميع ما جاء عن المسيح أو التلاميذ:

*فقد جاء في إنجيل مرقس 4:33-34:"بكثير من مثل هذه الأمثال كان يسوع يكلّم الجمع بالكلمة،علي قدر ما كانوا يطيقون أن يسمعوا و بغير مثل لم يكن يكلّمهم.و لكنّه كان يفسّر لتلاميذه كلّ شيء حين ينفرد بهم."..و هذا النص دليل علي أنّ الأناجيل لم تنقل الكثير من تعاليم المسيح.

ص: 374

*و جاء في إنجيل يوحنا 20:30:"و قد أجري يسوع أمام تلاميذه آيات أخري كثيرة لم تدوّن في الكتاب"

*كما جاء في إنجيل يوحنا 21:25:"و هناك أمور أخري كثيرة عملها يسوع ,أظنّ أنها لو دوّنت واحدة فواحدة,لما كان العالم كلّه يسع ما دوّن من كتب!"

جاء ذكر أمور في رسائل العهد الجديد لا نري لها أثرا في الأناجيل..من ذلك:

*الرسالة الأولي إلي كورنثوس 15:6:"و بعد ذلك ظهر لأكثر من خمس مائة أخ معا ما زال معظمهم حيّا،في حين رقد الآخرون."

*أعمال الرسل 20:35:"..متذكرين كلمات الربّ يسوع,إذ قال:" الغبطة في العطاء أكثر مما في الأخذ".

التاريخ الأول للدعوة النصرانية ملئ بالتعاليم و القصص التي لا نري لها ذكرا في الأناجيل,و هذا الأمر ظاهر خاصة في الكنيسة الكاثوليكية.كما هو متجلّ,أيضا ,في اعتقادات آباء الكنيسة و أئمتها القدماء,ككليمنت و أرينيوس و هجيسي بوس و بوليكارب و بوليكراتيس و تاركثوس و تيوفيلوس و كاسيوس و كلاروس و كليمنت الاسكندري و ايفريكانوس و ترتليان و أرجن و باسلنوس و أبيفانيس و كريزاستم و أغسطين و و نسنت الأسقف و غيرهم..

الشبهة العاشرة:

جاء في إنجيل برنابا ما يظهر أنّ المؤلف عاش في القرون الوسطي زمن النظام

الاقطاعي,إذ نسب ملكية أراض واسعة إلي أفراد(لعازر الذي أحياه عيسي).

الردّ:

ص: 375

و هل قول سفر أخبر الأيام الأول 2:22:"و أنجب سجوب يائير الّذي امتلك ثلاثا و عشرين مدينة في أرض جلعاد"دليل علي أنّ مؤلف هذا الكتاب الذي كتب كما يقرر النصاري و غيرهم قبل المسيح,قد عاش في القرون الوسطي!!!

الشبهة الحادية عشر:

ورد ذكر"الرطل"في إنجيل برنابا كوحدة وزن,و قطعة الذهب كوحدة نقدية,

كما تمّت الإشارة إلي تزييف العملة في زمن المسيح..و هذه الأمور ما كانت في القرن الأول ميلادي,و إنما ظهرت في القرون الوسطي!

الردّ:

أسماء العملات قد تكون أخذت صورتها الحالية بعد الترجمة.

جاء في قاموس الكتاب المقدس "cliffe Bible Dictionary Wy" طبعة 1998,عند تعريف الرطل ضمن وحدات الوزن الواردة في العهد الجديد:" أنّه كان رطلا رومانيا من 12 أوقية,و أنّه ذكر مرتين,في يوحنا 12:3,و في 19:

39 من الدهون التي سكبت علي قدمي عيسي,و الطيوب التي استعملت لدفنه.

الرطل ظهر كعملة مرة واحدة في لوقا 19:13-25."

جاء ذكر العملات الذهبية في الكتاب المقدس في سفر عزرا 2:69:"..

ستين ألف درهم من الذهب.."و سفر نحميا 7:70:"..ألف درهم من الذهب .."و غيرها من المواضع..

نصّ قاموس "Wycliffe Bible Dictionary" أنّ العملات القديمة كانت من الذهب و الفضة.و أشار المؤرخ اليهودي يوسيفوس إلي الدينار الذهبي في كتاباته.

ص: 376

-صرّح قاموس "Wycliffe Bible Dictionary" أنّ تزييف العملات كان موجودا منذ القدم,و ذلك بطلاء معادن رخيصة بالفضة أو بغير ذلك من الصور.

الشبهة الثانية عشر:

جاء في إنجيل برنابا ذكر عقوبة القتل شنقا

.و هذه العقوبة ما كنت معروفة زمن المسيح و لا في أسفار العهد القديم,و إنما ظهرت في القرون الوسطي,مما يدلّ علي أنّ كاتب الإنجيل قد عاش في تلك القرون,أمّا القتل زمن المسيح فكان بالرجم و الصلب!

الردّ:

جاء في سفر التثنية 21:22:"إن ارتكب إنسان جريمة عقابها الإعدام،و نفّذ فيه القضاء و علّقتموه علي خشبة.",و عنوان هذا الفصل في ترجمة الكتاب المقدس لدار الشرق:"دفن المشنوقين".

الشبهة الثالثة عشر:

جاء ذكر مقاطع الأحجار(المقالع)في إنجيل برنابا,رغم أنّها صنعة أوروبية

متأخرة!

الردّ:

قرّر قاموس "Wycliffe Bible Dictionary" أنّ صناعة قطع الحجارة في فلسطين قد كانت معروفة منذ زمن القضاة.

كما ورد لفظ"المقالع"الذي استعمله برنابا,في سفر الملوك الأول 6:7.

الشبهة الرابعة عشر:

ص: 377

جاء ذكر أوقات الصلوات في إنجيل برنابا في غير ما موضع

,و يفهم من مجموعها أنّ الصلاة تكون في أربعة أوقات:الفجر و الظهر و العشاء و نصف الليل.و لا أصل لصلاة نصف الليل غير رهبنة العصور الوسطي!

الردّ:

جاء في مزمور 119:62:"أستيقظ في منتصف الليل لأحمدك من أجل أحكامك العادلة."

و جاء في أعمال الرسل 16:25:"و نحو منتصف اللّيل كان بولس و سيلا يصلّيان و يسبّحان اللّه,و المسجونون يسمعونهما."

الشبهة الخامسة عشر:

جاء وصف المسيح بأنّه نبي الناصريين,و وصف أتباعه بالناصريين.و لا حجة

لهذا الزعم!

الردّ:

جاء هذا الوصف و التسمية في أعمال الرسل 24:5:"مقدام شيعة الناصريين ".

و قال الباحث البريطاني د.هيام ماكوبي Hyam Maccoby في كتابه عن بولس:"و علي هذا فيبدو أنّ اسم الناصريين(أو النصاري) "Nazarenes" هو الاسم الأصلي لأتباع عيسي,إنّ اسم المسيحيين كان تطويرا متأخرا,و ليس في القدس بل تمّ في أنطاكية(أعمال الرسل 11:26),إنّ اسم أتباع عيسي في كتابات الربيين اليهود كان مشابها لاسم الناصريين Nazarenes إنّه كان

ص: 378

"نوتصرم "Nottzerim" و يذكر المؤلف استمرار الاسم بعد ذلك كتسمية لمن سماهم المؤلف ب"الأتباع الأصليين لعيسي في القدس".

الشبهة السادسة عشر:

قال الدكتور خليل سعادة مترجم إنجيل برنابا إلي العربية ما نصه:"الذي أذهب إليه إن الكاتب يهودي أندلسي اعتنق الدين الإسلامي بعد تنصره و اطلاعه علي أناجيل النصاري,و عندي أن هذا الحل هو أقرب إلي الصواب من غيره"!

الردّ..من وجوه:

ما توجّه الدكتور"الأمين"إلي هذا المخرج إلا للهروب من نسبة هذا الإنجيل إلي برنابا الرسول..و هذا منهج فاسد في البحث الذي يبتدئ بتقرير النتيجة ثم البحث عن سند!

جاءت نصوص في إنجيل برنابا تخالف ما هو مذكور في القرآن و السنة..

و هذا ما يمنع ما افترضه الدكتور"الأمين"..و إنما نقول إنّ برنابا قد أخطأ في التأريخ لأقوال المسيح و تعاليمه سواء لوهم أو لنسيان أو لأنّ من نقل عنه كان غير أمين أو غير ضابط لنقله!

لو كان مؤلف الإنجيل يهوديا لما خالف نصوصا في التوراة الموجودة في القرون الوسطي لغير غرض ديني بارز..و إنما لكان نقلها بدقة!

أ ليس الأولي القول إنّ"إنجيل برنابا"الذي جاء ذكره في كتب التاريخ من قبل,هو نفسه هذا الإنجيل المكتشف..بدل الزعم أنه إنجيل آخر!!

قال الدكتور وديع:

"حقائق عن إنجيل برنابا:

ص: 379

-كاتبه لم يدّع أنه كتب بالوحي الإلهي كما يدعي كل من كتبوا كتب النصاري و خاصة بولس الّذي حوّل النصرانية إلي المسيحية.

اعترف كاتب"برنابا"أنه ينسي بعض الكلمات و بعض الأحداث"فصل 217"،أي أنه يكتب سيرة المسيح و قصة حياته و أعماله و تعاليمه و ليس إنجيلا منزلا.

كما أنّ الكاتب كتب هذا الكتاب بعد عدة سنوات من إصعاد المسيح عليه السلام حيث قال أنه كتبه بعد ضلال بولس و الذي دخل النصرانية بعد الإصعاد بعدة سنوات ثم ظل تلميذا لبرنابا عدة سنوات ثم ضل و عبد المسيح.

كما أن الكاتب"برنابا"عاشر بولس الضال و كل النصاري يعلمون أن"المعاشرات الرديئة تفسد الاخلاق الجيدة"،فتأثر برنابا بتعاليم بولس و ظهر ذلك في بعض كلام برنابا في بعض أجزاء من هذا الكتاب.

من هو برنابا:

قال برنابا عن نفسه في هذا الكتاب أنه من أوائل التلاميذ-الحواريين-اللذين اختارهم المسيح عيسي عليه السلام،لكن في الأناجيل الأربعة تم حذف اسمه عمدا لأن كتابه هذا يكشف زيف الأناجيل كما سأشرح.و لكن جاء ذكر برنابا كثيرا في كتاب النصاري في العهد الجديد و في كتاب" أعمال الرسل"و يعنون بالرسل"التلاميذ اللذين أرسلهم المسيح"و جاء في هذا الكتاب.

(أعمال 4)"و يوسف الّذي دعي من الرسل-برنابا- الّذي معناه"ابن الوعظ"و هو لاوي"أي رجل دين يهودي

ص: 380

"قبرصي الجنس اذ كان عنده حقل باعه و أتي بالدراهم و وضعها عند أرجل الرسل"أي تبرع بكل ماله للفقراء.

(أعمال 11)بعد أن ترك بولس اليهودية و انضم إلي النصاري خاف منه تلاميذ المسيح فجاء برنابا و أقنع التلاميذ أن يقبلوه فوافقوا لأنهم يثقون في صدق برنابا.

(أعمال 11)التلاميذ رأوا أن"برنابا رجلا صالحا و ممتلئا من الروح القدس و الإيمان"و الروح القدس هو الجزء الثالث من الثالوث الّذي يعبده النصاري،فقام التلاميذ بإرساله من أورشليم إلي أنطاكية-في آسيا الصغري- حيث كلمهم عن المسيح فآمن جمع غفير.

ثم ذهب برنابا إلي طرسوس في آسيا الصغري ليبحث عن بولس حيث كان يختبئ خوفا من اليهود و جاء به إلي أنطاكية و هناك اخترع بولس لقب"المسيحيين"بدلا من"النصاري" أو"المؤمنين"برسالة المسيح.

(أعمال 11)برنابا-و بولس قاما بجمع معونات من أنطاكية للتلاميذ في أورشليم.

(أعمال 12)التلاميذ اعتبروا برنابا"نبيا و معلما كبيرا.

(أعمال 13)"الروح القدس"يأمر التلاميذ بإرسال"برنابا و بولس"للتبشير في قبرص فسافرا و معهما" مرقس"خادما،و مرقص هو كاتب الإنجيل المعروف.

و هناك أخذا يبشران بين اليهود فقط،ثم ذهبا إلي أنطاكية و هاجما كفر اليهود فطردوهما،فذهبا إلي بلد" أيقونية"حيث كلما اليهود فقط،فكاد اليهود أن يرجموهما فهربا إلي مدينة"لسترة"حيث الناس يعبدون

ص: 381

الأصنام،و هناك اعتبروا أن برنابا هو"زفس"كبير الآلهة، و بولس هو"هرمس"،ثم رجموا بولس و خافوا من برنابا، و لكن للأسف عاش بولس لأن اصابته لم تكن خطيرة.ثم تنتهي قصة برنابا في كتاب"أعمال"حين يخترع بولس للمسيحيين القساوسة،و يتنازعان حين يقوم بولس بتعليم الناس أن يتركوا فرض"الختان"و يتركوا التمسك بشريعة اللّه لعبده موسي عليه السلام و ذلك بزعم أن المسيح نسخها و ألغاها بالكامل.فتشاجر برنابا مع بولس و ذهب كل منهما إلي طريق مختلف.و انتهي ذكر برنابا تماما من كتاب النصاري و استمر باقي الكتاب لذكر بولس وحده و كأنه هو الوحيد الّذي يفعل كل شيء و كأنه لا يوجد أي واحد من تلاميذ المسيح يفعل أي شيء."

قلت:جاء في"موسوعة الأديان"ل أ.روجستون بايك ص 46:"برنابا ,رسول و نبي مسيحي,رفيق للقديس بولس في بعض رحلاته الدعوية..جاء في التقليد أنه أسقف ميلانو و مؤسس الكنيسة في أنطاكيا,استشهد في روما.الاحتفال به يوم 11 جوان.نسبت إليه عدة كتابات,و بالذات"رسالة برنابا"الموجودة في المخطوطة السينائية..."

و جاء عن كلمنت الإسكندري أنه واحد من السبعين رسول.

قال الدكتور وديع:"من أدلة وجود هذا الكتاب من قبل الإسلام بمئات السنين:

يقول مترجم كتاب"إنجيل برنابا"،الأستاذ خليل سعادة-النصراني-في مقدمته التي يهاجم فيها هذا الكتاب ليثبت زيفه:"إنّ الموسوعة الفرنسية أثبتت وجود إنجيل برنابا من قبل الإسلام بمئات السنين و هذه الموسوعة كتبها

ص: 382

مسيحيون متشددون جدا و متعصبون جدا ضد الإسلام كما شهد المترجم النصراني لهذا الكتاب قائلا عنه:"هذا الكتاب قد أتي علي آيات باهرة من الحكمة و طراز راق من الفلسفة الأدبية و هو يرمي إلي ترقية العواطف البشرية إلي أفق سام آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر داعيا الإنسان إلي التضحية ".

و كذلك قال العلامة المسيحي القس صموئيل مشرقي رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر و الشرق و هو بمثابة(البطرك)عند الأرثوذكس(و البابا)عند الكاثوليك قال في كتابه الصادر سنة 1988 م"عصمة الكتاب المقدس و استحالة تحريفه"في صفحة 20:ان إنجيل برنابا كان موجودا سنة 325 م.و كتب يقول:"أما نحن من جانبنا فنقول من باب الترجيح أن بعض أتباع المسيح قد بدءوا في كتابة هذه الأناجيل عن المسيح عن طريق جمع مجموعات من أقواله و أفعاله لاستعمالهم الشخصي في البداية،و هنا بدأت القصص التي تروي يسوع تجمع في كتب كبيرة كانت نواة لعدة أناجيل بلغت مائة إنجيل و كان علي الكنيسة(يعني قادتها من البطاركة و الرهبان)أن تمحص هذه الأناجيل و تمت الموافقة علي هذه الأناجيل الأربعة فقط(يعني كذبوا أكثر من 96 إنجيلا)بعد أن ثبت قانونيتها؟و تم الاعتراف بقدسيتها؟( يعني اعترفوا بأنها وحي من عند اللّه؟)التي تأكدت بما أحاط بها من براهين داخلية و خارجية.و رفضت الكنيسة الاعتراف بغيرها من الأناجيل مثل"إنجيل توما"المكتوب باللغة العربية في الجزيرة العربية و"إنجيل برنابا"و غيرهما، بعد أن ثبت أن الكثير مما تحتويه من أقوال دخيل و مزور؟ و من ثم لم يتقرر وحيها(أي أن الوحي يحتاج لتصديق البطاركة و الرهبان)و تم وضع هذه الكتب كلها في قائمة

ص: 383

واحدة في مجمع"نيقية"سنة 325 م،و ما زال بعض هذه الكتب المرفوضة موجودا مثل"إنجيل المصريين"و"إنجيل العبرانيين"و"إنجيل توما"و"إنجيل برثلماوس"و" إنجيل متياس"و"إنجيل تلاميذ المسيح"و فيها الكثير من الأخطاء التاريخية و الجغرافية و العقائدية،و ما يتعارض مع ما ذكره أنبياء العهد القديم و رسل العهد الجديد.

و هذان الدليلان يؤكدان وجود هذا الإنجيل من قبل ظهور الإسلام بأكثر من قرنين من الزمان،و هذا ينفي أن أصله كاتب مسلم."

قلت:من الممكن التأكد من وجود إنجيل بهذا الاسم قبل القرن السابع ميلادي من خلال الاقتباس الموسّع لإيرانيوس(130 م-200 م)من هذا الإنجيل في ردّه علي بولس و دفاعه عن عقيدة التوحيد.كما يخبرنا قيس الكلبي في كتابه "Prophet Muhammad the Last Messenger in the Bible" ص 128,أنّه في السنة الرابعة من حكم الامبراطور زينو(478 م)وجدت بقايا جثة برنابا,و وجد علي صدره إنجيله,و أشار قيس الكلبي إلي هذا المرجع: "acia sanctorum boland juni,Tom 2,pp 054-224 antwep 8961 ",و قد نقل هذا الواقعة أيضا الباحث,العضو في المحكمة الفيدرالية الباكستانية,الحاج خواجه ناظر أحمد في كتابه"عيسي في السماء و الأرض" "Jesus in Heaven and Earth" ص 256.

و يذكر تولاند في كتابه "Miscellaneous Works" (نشر سنة 1747 م),الفصل 15,أنه قد جاء ذكر"إنجيل برنابا"في قائمة الكتب الممنوعة, في القرار الذي أصدره البابا جلاسيوس الأول سنة 492 م.و قد حرّمت قراءته قبل ذلك من طرف البابا اينوسنت سنة 465 م و قرار الكنائس الغربية سنة 382 م.

ص: 384

و جاء ذكر"إنجيل برنابا"في أعمال أعدت بعد بعثة نبي الإسلام منها"فهرس المخطوطات"الذي أعدّه"كوتلريس"سنة 1789 م عند فهرسته لمخطوطات الملك الفرنسي.

كما جاء ذكر هذا الإنجيل في ال 206 باروشين في مكتبة بودلسين بأكسفورد Manuscript of the Baroccian Collection in the Bodlusion" "Library in Oxford

و يوجد جزء من ترجمة يونانية لإنجيل برنابا في متحف أثينا.

و نقل الدكتور م.ه.دورّاني في كتابه:"الإنجيل المنسي للقديس برنابا"ص 6 عن رودريك دنكرلي Roderic Dunkerly قوله:"إنّه من المعلوم أنّه كان هناك إنجيل أبوكريفي نسب إلي برنابا في القرن الخامس."

و قال الأستاذ بشير محمود في مقدمته للترجمة الأردية لإنجيل برنابا:""لا يتفوت", و هو ناقد باحث من ليفربول,اقتبس من الموسوعة البريطانية(الموسوعة البريطانية, المجلد 3,ص 118)أنّ إنجيل برنابا قد كتب بين 69 م-79 م أثناء حكم الإمبراطور الروماني فسباسين".

و من أعجب العجب أنّه رغم وضوح هذه الشهادات لصالح الوجود التاريخي القديم لإنجيل لبرنابا,فإنّ البابا شنوده قد صرح في مقال في صحيفة"وطني"تحت عنوان"خرافة"إنجيل"برنابا"أنّه لا ذكر لإنجيل برنابا قبل القرن السادس عشر.

و الأطراف من هذه"الخرافة"اعتراضه علي مصداقية إنجيل برنابا بأنّ هذا الإنجيل لا ذكر له في فهارس الكتب العربية القديمة و كتب"الفقه؟؟؟!!!"و الحديث؟؟!!..

ص: 385

كما شاركه زعمه العجيب أسقف عام الدراسات العليا اللاهوتية و الثقافة القبطية و البحث العلمي في قوله في مقاله:"حقيقة الكتاب المنحول خطأ علي القديس برنابا الرسول":"...فلم يذكر لنا التقليد الكنسي،و لا أحد من آباء الكنيسة،و لا أحد من المؤرخين الكنسيين أو المدنيين أن هناك إنجيلا منسوبا إلي القديس برنابا الرسول أحد السبعين،و هي الفرية التي أخذ بعض الناس في القرن 19 علي وجه الخصوص، يروجون لها من منطلق العداء للمسيح و المسيحية"..قلت:بل قولك يا إمام الدراسات القبطية اللاهوتية فرية فاقعة و دعوي من الحق آبقة..إذ أنّه ما قرّر صدق نسبة هذا الإنجيل إلي برنابا غير المسلمين الذي اتهمهم"نيافته"بكلّ وقاحة بأنّهم ما فعلوا ذلك لا لشيء غير العداء للمسيحية....(و انتبه)..و العداء للمسيح؟؟؟!

و صدق القائل:

و اعلم بأنّ من السكوت إبانة و من التكلم ما يكون خبالا

قال الدكتور وديع:"و كيف يرفضون أكثر من 96 إنجيلا لأجل خطأ تاريخي أو جغرافي؟؟

و أضيف أن كتاب برنابا صحيح-الا من بعض التغييرات المفتعلة و التي لا ذنب للكاتب فيها بالأدلة الآتية-

هذا الكتاب يحتوي علي كل ما ذكرته الأناجيل الأربعة-مجتمعة-عن المسيح،ما عدا تأليه المسيح فقط .و أسلوبه أوضح من الأناجيل،و كتب الأحداث و التعاليم بالتفصيل أكثر منها بكثير.

ذكر حقائق عن المسيح عليه السلام أخطأت فيها الأناجيل الأربعة ثم جاء علماء المسيحية ليؤكدوا صحة ما جاء في برنابا و خطأ الأناجيل الأربعة و منها:

ص: 386

-قال برنابا أن المسيح أرسل 72 تلميذا-في الفصل 97 بينما قال إنجيل لوقا أنهم كانوا 70 فقط و ذلك في الطبعة القديمة الصادرة باسم"الكتاب المقدس"،و جاءت الطبعة الحديثة باسم"كتاب الحياة"سنة 1982 لتؤكد كلام برنابا و تنفي كلام لوقا.

قال برنابا أن"سالوما"هي شقيقة"مريم"أم المسيح فصل 209 بينما قالت الأناجيل أنها قريبتها،و ذكر المترجم النصراني أن علماء النصاري أكدوا صدق برنابا.

ذكر برنابا-استشهاد المسيح بروايات جاءت في كتب يهودية حذفها النصاري من كتابهم المقدس عندهم من القرن الرابع بزعم عدم صحتها(فصل 50،167)،و في سنة 1972 م اعترف علماء النصاري بصحة هذه الكتب و أضافوها لكتابهم تحت اسم"الأسفار القانونية".

قصة الزانية الموجودة في إنجيل يوحنا ذكرها برنابا بصورة مختلفة تماما(فصل 201).و أكد المؤرخون صدق ما قاله برنابا بالحرف و تم تصويرها في فيلم حياة المسيح كما ذكرها برنابا و ليس كما ذكرها يوحنا."

قلت:جاء في إنجيل يوحنا 11:47-48:"فجمع رؤساء الكهنة و الفريسيّون مجمعا و قالوا ما ذا نصنع فإنّ هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة.إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون و يأخذون موضعنا و أمتنا."

و هذا غلط فإنّ الرومانيين كانوا يملكون أورشليم زمان المسيح بل و من قبل ولادة المسيح ب 63 سنة..فكيف يدّعي مؤلف إنجيل يوحنا أنه يخشي أن يأخذ الرومانيون أورشليم إن قتلوا المسيح!!و ما علاقة الرومان بقتل المسيح؟!!

ص: 387

الصواب هو ما جاء في إنجيل برنابا 142:19-21:"ما ذا يكون الثمر إذا تركنا هذا الإنسان يعيش؟من المؤكد:أنّ الإسماعيليين يصيرون ذوي وجاهة عند الرومانيين,فيعطونهم بلادنا ملكا.و هكذا يصير إسرائيل عرضة للعبودية كما كان قديما".

و هذا الكلام متناسق,إذ ترك المسيح دون قتله سيؤدي إلي إيمان أهل فلسطين بدينه و بالتالي وراثة الإسماعيليين المملكة الرابعة(الرومان)التي تحدّث عنها دانيال النبي!

قال الدكتور وديع:"كما شرح برنابا كلاما ذكرته الأناجيل الأربعة بطريقة غير مفهومة مثل:

أن اليهود متفوا أمام المسيح قائلين"أوصنا لابن داود"و ترجموها فيما بينهم بمعني"خلصنا"فلا يستقيم المعني"خلصنا لابن داود"؟؟؟أما برنابا فقال أنهم قالوا(فصل 200)"مرحبا بابن داود".

قالت الأناجيل أن المسيح قال"من قال لأبيه قربان فلا يلتزم"؟؟؟بينما قالها برنابا(فصل 32)"إذا طلب الآباء من أبنائهم نقودا يقول الأبناء:لا إن هذه النقود نذر اللّه و لا يعطون لآبائهم".أيهما أوضح؟؟

كذلك ما جاء في إنجيل لوقا 14 علي لسان المسيح"من لا يبغض أباه و أمه فلا يستحقني"و هذا تحريض صريح علي كراهية الأب و الأم بينما جاءت في برنابا في الفصل 26"ان كان أبوك و أمك عثرة لك في خدمة اللّه-فانبذهم"و لا تنسي فضل المترجمان النصرانيان في ترجمة كلمة فانبذهم و ما شابهها-

ص: 388

و ان كان معناها أخف بكثير من كلمة يبغض و الفارق بين الجملتين كبير جدا.

برنابا صحح أحداثا تناقضت فيها الأناجيل الأربعة تناقضا كبيرا،و احتار في تفسيرها علماء النصاري،و أوضح مثال هو قصة المرأة التي بكت أمام المسيح و سكبت العطور علي قدميه(فصل 129 مع فصل 192،فصل 205)و إليك اختلافات الأناجيل الأربعة في هذه القصة:

قال إنجيل متي:حدث قبل عيد الفصح بيومين في مدينة بيت عنيا عند سمعان الأبرص أن امرأة سكبت الطيب(العطر)علي رأس المسيح،فاغتاظ تلاميذ المسيح منها لأن العطر كان غالي الثمن.

و قال إنجيل مرقص:نفس القصة و قال إن قوما من الجالسين مع المسيح اغتاظوا من المرأة.

و إنجيل لوقا:قال إنّ الحادثة وقعت قبل عيد الفصح بزمن طويل في مدينة"كفرنا هوم"عند"فريسي"،أي معلم دين كبير فجاءت امرأة خاطئة فسكبت الطيب علي قدمي المسيح فاغتاظ الفريسي و قال"لو كان هذا نبيا لعلم أنها خاطئة أي يرفض أن تلمسه هكذا".

و إنجيل يوحنا:قال أنها مريم أخت لعازر التي دهنت الرب بالطيب و مسحت رجليه بشعر رأسها؟؟يعني حدث هذا في بيت لعازر و أن يهوذا تلميذ المسيح اغتاظ لأجل ثمن الطيب الباهظ لأنه كان سارقا يسرق ما يتبرع به الناس للفقراء.

و اختار الصحيحة موجودة في برنابا فقال:كل علماء النصاري في الجمع بين هذه الروايات و تضاربت التفاسير، بينما القصة الصحيحة موجودة في برنابا فقال:"ان هذه

ص: 389

المرأة المومسة هي"مريم المجدلية"و هي أخت لعازر و أن الحادثة تكررت مرتين في بيت"سمعان"الّذي كان أبرصا ثم شفاه المسيح،في المرة الأولي جاءت تائبة تبكي عن زناها-فقال لها المسيح:

"الرب إلهنا يغفر لكي فلا تخطيء بعد ذلك"و في المرة الثانية سكبت الطيب علي رأس المسيح و ملابسه فاعترض يهوذا الّذي كان عنده صندوق جمع التبرعات للفقراء لأنه كان يسرق من الصندوق.

ذكر برنابا أن المسيح كان يغتسل قبل الصلاة بحسب أمر اللّه في توراة موسي و كان يصلي باستمرار في أوقات ثابتة(الفجر-الظهر-العشاء)و يصوم في أوقات محددة، كما ذكر أن التلاميذ كانوا دائما يصلون مع المسيح بانتظام و يصومون و يبكون متأثرين بتعاليم المسيح،و كذلك مريم أم المسيح كانت دائما تصلي للّه و تبكي الفصل 209.

و كانت دائما تتابع أخبار المسيح اذا سافر بعيدا عنها، كما ذكر بالتفصيل صلوات المسيح للّه..

أما الأناجيل الأربعة فلم تذكر أي شيء من هذا بل ذكرت عكس ذلك مثل:أن التلاميذ يخافون من المسيح مرقس 9:

32 و أنهم لا يصلون و لا يصومون مرقص 12:16 لدرجة أن اليهود انتقدوهم بسبب ذلك فقام المسيح بالدفاع عن تلاميذه و شتم من ينتقدهم مرقس 2:19.

ذكر برنابا تعاليما هامة للمسيح لم يذكرها أي إنجيل من الأربعة و منها:

نجاسة الخنازير(فصل 32)

نجاسة عبادة الأصنام و تحريمها(فصل 33)

ص: 390

-فضل شريعة الختان(فصل 22)

ما هو الكبرياء(فصل 29)

تعليم جميل عن الصلاة و سنة الصلاة(48،36)

أنواع عبادة الأصنام في العصر الحديث(فصل 33)

من هو المرائي(فصل 45)

حق الطريق و العدل(فصل 49)

القضاء العادل(فصل 50)

ابتلاءات اللّه للناس و الأنبياء خاصة(99)

الصدقة(125)

الجحيم و دركاته(135)

الجنة و درجاتها(71)

موعظة الموت و الدفن(196-198)و غيرها الكثير.

هل يتخيل قارئ أن هذه الأناجيل الأربعة التي لم تذكر كلمة واحدة عن كل هذه الموضوعات الهامة و غيرها هي الصحيحة الصادقة و أن برنابا الذي ذكر كل هذه المواضيع و أكثر بالتفصيل هو الكاذب و أنه اخترعه شخص مسلم؟؟!!

و مع ذلك فان المسيحيين يصدقون الأربعة و يكذبون برنابا مع 95 إنجيلا آخر بدون أن يقرءوا منهم ورقة واحدة؟؟!! تماما كما كذبوا بالقرآن الكريم بدون أن يقرؤه و يسألوا عن معانيه.

ص: 391

و هناك أدلة أخري كثيرة جدا و توجد دراسة مقارنة كاملة بين برنابا و الأربعة مع القرآن الكريم و الإسلام في أكثر من مائة صفحة-"مع الرأفة"-كلها تؤكد صحة و صدق برنابا و كذب و زيف الأربعة.و الحمد للّه علي نعمة الإسلام و التوحيد.

و أنهي كلامي بشهادة المترجم النصراني لإنجيل برنابا، خليل سعادة حيث كتب في مقدمة هذا الإنجيل عن النبي محمد صلي اللّه عليه و سلّم و عن صحابته الكرام عليهم رضوان اللّه يقول:

"نهض نهضة مادت لها الجبال الراسيات،و نفخ في قومه تلك الروح التي وقف لها العالم متهيبا ذاهلا،و جري ذكره علي كل شفة و لسان،و أتي من عظائم الأمور ما كان حديث الركبان،و خلفاؤه الذين دوخوا ممالك العالم و بسطوا مجدهم عليه"."

قلت:من الدلائل الأخري التي تؤيّد مصداقية"إنجيل برنابا":

عثر لإنجيل برنابا علي نسختين:إيطالية و إسبانية.أما الإسبانية فقد أعارها الدكتور"هلم"من هدلي بلدة من أعمال همبشير,المستشرق سايل,ثم تناولها بعد سايل الدكتور منكهوس أحد أعضاء الكليّة الملكية في أكسفورد فنقلها إلي الإنجليزية ,ثم دفع الترجمة مع الأصل سنة 1713 م إلي الدكتور هويت أحد مشاهير الأساتذة, ثم بعد ذلك طمس خبرها و انمحي أثرها.

أما النسخة الإيطالية فموجودة في مكتبة بلاط فيينا.و أول من عثر عليها كريمر أحد مستشاري ملك بروسيا و كان مقيما وقتئذ في أمستردام,فأخذها سنة 1709 م من مكتبة أحد مشاهير وجهاء المدينة المذكورة فأقرضها كريمر طولند,ثم أهداها بعد

ص: 392

ذلك بأربع سنين إلي البرنس ايوجين سافوي,ثم انتقلت النسخة المذكورة سنة 1738 م مع سائر مكتبة البرنس إلي مكتبة البلاط الملكي في فيينا حيث لا تزال هنالك.

و يذكر الباحث الإسلامي أنور الجندي,رحمه اللّه,في كتابه"الإسلام في مواجهة الفلسفات القديمة"ص 195 أنّ العارفين يرجحون أنّ النسخة الإيطالية قد كتبت في القرن السادس باللغة الإيطالية القديمة.

ينقل"سايل"أنه مذكور في النسخة الإسبانية المفقودة أنها مترجمة عن النسخة الإيطالية و فيها مقدمة عن الراهب الذي اكتشف النسخة الإيطالية,و القصة هي ما يلي:أنّ الراهب اللاتيني"فرامرينو"عثر علي رسائل لإيرانيوس و في عدادها رسالة يندد فيها ببولس و قد استند إيرانيوس فيما قاله علي إنجيل برنابا.فأصبح الراهب فرامرينو منذ ذلك الحين شديد الشغف بالحصول علي هذا الإنجيل و شاء اللّه أن أصبح حينا من الدهر مقربا من البابا"باستكس الخامس"فحدث يوما أنهما دخلا معا مكتبة البابا,فأخذت البابا سنة من نوم فأحبّ فرامرينو أن يصرف الوقت المتثاقل في المطالعة إلي حين إفاقة البابا.فكان الكتاب الأول الذي وضع يده عليه هو هذا الإنجيل.و لحاجته لقراءته و لأنّ ذاك المكان لا يتيح له هذا الأمر خبّأ هذه النسخة في ثيابه،و لبث إلي أن استفاق البابا فاستأذنه بالانصراف حاملا ذلك الكتب معه فلما خلا بنفسه طالعه بشوق عظيم فاعتنق علي أثر ذلك الدين الإسلامي.

يؤكد الدكتور رءوف شلبي علي رفضه ما ذكره معرّب إنجيل برنابا الدكتور خليل سعادة النصراني من أنّ إنجيل برنابا قد كتبه يهودي اعتنق الإسلام,فقال:" ...و الذي يجعلنا نرفض ما ذهب إلي افتراضه الدكتور خليل سعادة أنه هو نفسه

ص: 393

يذكر أنّ إنجيلا مماثلا لمحتويات إنجيل برنابا كان قد ظهر قبل إنجيل برنابا هو الإنجيل الأغنسطي.

يقول الدكتور خليل سعادة:"بيد أنّ هناك إنجيلا يسمي الإنجيل الأغنسطي طمست رسومه و عفت آثاره يبتدئ بمقدمة تندد بالقديس بولس و ينتهي بخاتمة فيها مثل ذلك التنديد و يذكر أنّ ولادة عيسي كانت بلا ألم.و لمّا كان كل ذلك في إنجيل برنابا فمن المحتمل أن يكون ذلك الإنجيل الأغنسطي أبا لإنجيل برنابا فهل الإنجيل الأغنسطي كذلك كتبه يهودي أندلسي أسلم؟".

و يضيف الدكتور شلبي قائلا:"ما دام أنّ إنجيل برنابا قد سبق بإنجيل مماثل له في المحتوي و التنديد ببولس؟فلم لم تربط بين الإنجيليين في الموضوع بدل أن تفترض أنّ إنجيل برنابا ألفه يهودي أندلسي أسلم؟"(د.رءوف شلبي يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء ص ص 172-173).

قال القسيس المهتدي إبراهيم خليل في كتابه"محمد صلي اللّه عليه و سلّم في التوراة و الإنجيل و القرآن"ص 151 تحت عنوان"البراهين القاطعة علي انتشار إنجيل برنابا قبل الإسلام"بعد ذكره لأمر البابا جلاسيوس بمنع قراءة"إنجيل برنابا":"..

و دليل ثان هو نوع الورق الذي سطرت عليه النسخة الإيطالية,الذي هو من الورق المعروف بالآثار المائية التي فيه,و التي تدلّ علي تاريخ النسخة الإيطالية مما يؤكد شيوعه."

الاكتشافات الأخيرة مؤيدة لإنجيل برنابا:قال الدكتور القس"تشارلز فرنسيس بوتو"في كتابه"السنون المفقودة من حياة عيسي تكشف":إنّ إنجيلا يدعي إنجيل برنابا استبعدته الكنيسة في عهدها الأول,و المخطوطات التي اكتشفت حديثا في منطقة البحر الميت جاءت مؤيدة لهذا الإنجيل..

ص: 394

و قد أفاض الباحث م.أ.يوسف في كتابه"مخطوطات البحر الميت و إنجيل برنابا و العهد الجديد""" "The Dead Sea Scrolls,The Gospel of Barnabas and the New Testament" في شرح هذا الأمر,و هو أفضل كتاب إسلامي في بابه,و من أهم ما أشار إليه هو تطابق ما جاء في إنجيل برنابا مع ما جاء في مخطوطات إنجيل برنابا,و هو وجود مسيحان:أولهما عيسي عليه السلام و ثانيهما سيأتي بعده(و هو محمد صلي اللّه عليه و سلّم).

أجهد البابا شنوده نفسه في محاولة هدم"إنجيل برنابا"في مقالات صحفية تكشف الأزمة الحادة التي أطبقت علي قلبه و قلوب خرافه التي أحرجته بالأسئلة حول صحة هذا الإنجيل,و هي:

"خرافة إنجيل برنابا"

"خرافات في إنجيل برنابا"

"خرافات أخري و مبالغات عجيبة في إنجيل برنابا"

"يقول أنّ اللّه يغار من كلّ محبة"

"كتاب مملوء بالشتائم علي لسان السيد المسيح"

"أخطاؤه التاريخية و الجغرافية"

"أخطاؤه التاريخية".

و هذه الردود علي حالة كبيرة من الهشاشة و السطحية,كما أننا لو ألزمنا البابا أن يعتمد"قواعده"التي حاكم بها"إنجيل برنابا"في محاكمة الأناجيل الرسمية لجعلها تتفتت أمام عينيه هباء منثورا,إذ أننا نعلم يقينا وجود عدد كبير من الأخطاء العلمية

ص: 395

و التاريخية...في الأناجيل الرسمية الأربعة بل و في جل أسفار"الكتاب المقدس"(انظر "موسوعة أخطاء الكتاب المقدس" "The Encyclopedia of Biblical Errancy" ل س.دنيس ماك كتري C.Dennis Mckinsey و هو في أكثر من 500 صفحة)..أمّا إساءة الأدب في الحديث عن اللّه سبحانه فحدّث و لا حرج (الربّ المخلوق,المولود في مكان النجاسات,المختفي في ضيعة الجثسيماني هربا من أعدائه...-علي القول أنّ الأناجيل تقرّر ألوهية المسيح!-)..

و قد كتب شنوده طاعنا في إنجيل برنابا,فقال:"السيد المسيح له المجد المعروف بالرقة العجيبة و بالرأفة و الوداعة و تخير الألفاظ قبل النطق بها,يضع برنابا علي لسانه ألفاظا غير لائقة,و يصوره إنسانا شتاما:يشتم الكل!,و يشتم تلاميذه القديسين, و يشتم الذين يكرمونه,و يشتم من يسأله,و من يطلب منه الشفاء,و من يخطئ في الحديث عن غير قصد,بل يشتم بلا سبب"

قلت:أ لم تقرأ يا شنودة أناجيلك..أم تظنّ أننا لم نقرأها؟!!..افتح الأناجيل الرسمية و اقرأ:

المسيح يشتم الكل:"جيل شرير خائن يطلب آية(التراجم الانجليزية كالترجمة القياسية المنقحة "The Revised Standard Version" تستعمل كلمة "adulterous" و التي معناها يوحي بالخيانة الجنسية!)(متّي 12:39, 16:4..)

المسيح يشتم تلاميذه القديسين:فقد شتم زعيم التلاميذ واصفا إيّاه بأنه "شيطان"(متّي 16:23)!!

و وصف اثنين من تلاميذه بالغباء و بطء القلوب في الإيمان(لوقا 24:25)!!

ص: 396

المسيح يشتم الذين يكرمونه:جاء في إنجيل لوقا 11:37-52"و بينما هو يتكلّم،طلب إليه أحد الفريسيّين أن يتغدّي عنده.فدخل(بيته)و اتّكأ.

و لكنّ الفريسيّ تعجّب لمّا رأي أنّه لم يغتسل قبل الغداء.

فقال له الرّبّ:«أنتم الفريسيّين تنظّفون الكأس و الصّحفة من الخارج،و لكنّكم من الدّاخل مملوءون نهبا و خبثا.

أيّها الأغبياء،أ ليس الّذي صنع الخارج قد صنع الدّاخل أيضا؟

أحري بكم أن تتصدّقوا بما عندكم،فإذا كلّ شيء يكون طاهرا لكم.

و لكن الويل لكم أيّها الفريسيّون فإنّكم تدفعون عشر النّعنع و السّذاب و البقول الأخري،و تتجاوزون عن العدل و محبّة اللّه:كان يجب أن تعملوا هذا و لا تهملوا ذاك!

الويل لكم أيّها الفريسيّون،فإنّكم تحبّون تصدّر المقاعد الأولي في المجامع و تلقّي التّحيّات في السّاحات العامّة!

الويل لكم،فإنّكم تشبهون القبور المخفيّة،يمشي النّاس عليها و هم لا يعلمون!"

و تكلّم أحد علماء الشّريعة،قائلا له:«يا معلّم،إنّك بقولك هذا تهيننا نحن أيضا".

فقال:«و الويل أيضا لكم يا علماء الشّريعة،فإنّكم تحمّلون النّاس أحمالا مرهقة، و أنتم لا تمسّونها بإصبع من أصابعكم!

الويل لكم،فإنّكم تبنون قبور الأنبياء و آباؤكم قتلوهم.

ص: 397

فأنتم إذن تشهدون موافقين علي أعمال آبائكم:فهم قتلوا الأنبياء،و أنتم تبنون قبورهم.

لهذا السّبب أيضا قالت حكمة اللّه:سأرسل إليهم أنبياء و رسلا،فيقتلون منهم و يضطهدون،حتّي إنّ دماء جميع الأنبياء المسفوكة منذ تأسيس العالم،يطالب بها هذا الجيل،من دم هابيل إلي دم زكريّا الّذي قتل بين المذبح و القدس!أقول لكم:

نعم،إنّ تلك الدّماء يطالب بها هذا الجيل.

الويل لكم يا علماء الشّريعة،فإنّكم خطفتم مفتاح المعرفة،فلا أنتم دخلتم و لا تركتم الدّاخلين يدخلون!"

المسيح يشتم من يسأله:"تقدم إليه رجل جاثيا له،و قائلا:يا سيد ارحم ابني،فإنه يصرع و يتألم شديدا.و يقع كثيرا في النار،و كثيرا في الماء.و أحضرته إلي تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه.فأجاب يسوع و قال:أيها الجيل غير المؤمن الملتوي.إلي متي أكون معكم.إلي متي احتملكم.قدموه إليّ هاهنا.فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان،فشفي الغلام"(متي 14:17-16).

المسيح يشتم من يطلب منه الشفاء:فقد قال للمرأة التي طلبت منه أن يشفي ابنتها:"ليس من الصواب أن يؤخذ خبز البنين و يطرح لجراء الكلاب"(متّي 15:

26,مرقس 7:28).

المسيح يشتم من يخطئ في الحديث و لو عن غير قصد:كان المسيح كثيرا ما يتحدّث إلي تلاميذه بالرموز التي كان يستعصي فهمها علي التلاميذ,و مع ذلك كان يوبّخهم رغم أنّه كان بإمكانه أن يبسّط لهم القول ليتّضح لهم معني المقال..اقرأ مثلا إنجيل متّي 15:10-16:

ص: 398

"ثمّ دعا الجمع إليه و قال لهم:«اسمعوا و افهموا:

ليس ما يدخل الفم ينجّس الإنسان،بل ما يخرج من الفم هو الّذي ينجّس الإنسان".

فتقدّم إليه تلاميذه و قالوا له:"أتعلم أنّ هذا القول قد أثار استياء الفريسيّين؟"

فأجابهم:"كلّ غرسة لم يغرسها أبي السّماويّ،لا بدّ أن تقلع."

دعوهم و شأنهم،فهم عميان يقودون عميانا.و إذا كان الأعمي يقود أعمي، يسقطان معا في حفرة".

و قال له بطرس:"فسّر لنا ذاك المثل!"

فأجاب:"و هل أنتم أيضا بلا فهم؟".

المسيح يشتم من غير سبب:فقد"لعن"شجرة التين لمّا لم يجد فيها ثمرا لأنه لم يحن وقت الإثمار(متّي 21:9,مرقس 11:21)؟!!

بل إنّ المسيح يقتل من غير سبب,فقد جاء في سفر الرؤيا 2:21-23 أنّ المسيح قد قال عن امرأة اسمها إيزابيل كانت تدعي أنها نبية:"و قد أمهلتها مدة لتتوب تاركة زناها,و لكنها لم تتب.فإنني سألقيها علي فراش,و أبتلي الزانين معها بفتنة شديدة...سأبيد أولادها بالموت"فما ذنب أولاد هذه الخاطئة!!!؟

و خذ أخري:المسيح يشتم الرسل و النبيين:"جميع الذين جاءوا قبلي كانوا لصوصا و سراقا,و لكن الخراف لم تسمع إليهم."(يوحنا 10:8)

و قد قال لاردنر في كتابه"أعمال أركلاس"في بيان عقيدة فرقة" ماني كيز" :"خدع الشيطان أنبياء اليهود،و الشيطان كلم موسي و أنبياء اليهود و كانت تتمسك

ص: 399

بالعدد الثامن من الفصل العاشر من إنجيل يوحنا بأن المسيح قال لهم سراق و لصوص "!!!

و قال فيلسوف"الدعوة التنصيرية المعاصرة"في العالم العربي"عوض سمعان":" و مهما كانت عظمة موسي فإنه لو لا نعمة المسيح له,لكان قد هلك و استحق عقابا أبديا علي خطيئته."!!!

و قال البابا شنودة في محاضرة بعنوان"رسل المسيح أقوياء"(28-5- 2003 م)بالحرف:"..طبعا كلّ الذين ماتوا قبل الفداء قبل صليب المسيح كانوا بيذهبوا للجحيم"و أضاف مخففا حدّة الصدمة:"و الجحيم يعني مكان انتظار و ليس مكان عذاب"..قلت:و هل في رمي الأنبياء علي جمر الهلع في الجحيم في انتظار المخلّص الذي سينتزعهم منها,شيء من الرحمة!

و لا تثريب علي يسوع المسيح الكنسي و صاحب أعمال أركلاس و عوض سمعان ..لا تثريب عليهم,فقد جاء قبلهم في سفر إرمياء 29:8-9:"لا تغشّكم أنبياؤكم الّذين في وسطكم و عرّافوكم و لا تسمعوا لأحلامكم الّتي تتحلّمونها.لأنّهم إنّما يتنبّئون لكم باسمي بالكذب.أنا لم أرسلهم يقول الربّ."

و لقد حقّ للمؤرخ ويل دورانت أن يقول:"إن الإنسان ليجد في الأناجيل فقرات قاسية مريرة لا توائم قط ما يقال لنا عن المسيح في مواضع أخري إن بعضها يبدو لأول وهلة مجانبا العدالة،و إن منها ما يشتمل علي السخرية اللاذعة و الحقد المرير...".

و خذ أخري:المسيح يصف غير المؤمنين بأنهم كلاب و خنازير,فقد جاء في إنجيل متّي 7:6:"لا تعطوا القدس للكلاب و لا تطرحوا درركم قدّام الخنازير"!!

ص: 400

و لا عجب بعد كلّ هذه"المناقب"المفتراة علي المسيح أن نقرأ قول بولس في الرسالة إلي فيلبي 3:2:"انظروا الكلاب,انظروا فعلة الشرّ"!!!

ملاحظة أخيرة علي اعتراضات شنودة و هي أنّ الترجمة العربية لإنجيل برنابا التي أعدها نصراني عربي,قد أثقلها التشويه و التبديل فلا يصح الاعتماد عليها لنقد تفاصيل معينة فيها.كما أنّه لا يعقل أن نجعل البابا شنودة قبلة لنا لمعرفة الحق من الباطل,رغم أنّه قال لنا في رسالته المطبوعة"بين القرآن و المسيحية"ص 4:"..

و لم يقتصر القرآن علي الأمر بحسن مجادلة أهل الكتاب,بل أكثر من هذا,وضع القرآن النصاري في مركز الإفتاء في الدين.."أي أنّ القرآن يأمر المسلمين أن يأخذوا الفتوي في دينهم من"شيخ الإسلام","مفتي الديار",الإمام الحافظ,و البحر اللافظ,المفوّه المنطيق,و الآخذ بأنواع الترصيف و التطبيق:أبونا شنودة!!

الملاحظة الأخيرة التي نسوقها في هذا الفصل هي أنّ عوض سمعان جعل مقدمة كتابه"إنجيل برنابا في ضوء التاريخ و العقل و الدين"قوله:

"يعتقد بعض الناس أن إنجيل المسيحيين أصابه التحريف منذ زمن بعيد،و أن الإنجيل الحقيقي هو المسمي:إنجيل برنابا.فيجب الاعتماد علي إنجيل برنابا دون إنجيل المسيحيين.و لما كان هذا الاتهام خطيرا،فقد درس الكاتب الإنجيلين،و قارن بين المعتقدات الواردة فيهما،و بين ما استطاع العثور عليه من محتويات الكتب الدينية و الأدبية و التاريخية التي أشارت إلي شيء من المعتقدات المذكورة.فأسفرت الدراسة و المقارنة عن إصدار هذا الكتاب.و هو إذ يقدّمه للقراء،يرجو اللّه أن يستخدمه لإعلان إنجيله الحقيقي،لأجل مجده و خير نفوسهم العزيزة".

قلت:

ينهي عن طباع السوء صبحا و يأتي بالإساءة في الغروب

ص: 401

يعلّم غيره طرق المعالي و تجذبه النقيصة للعيوب

هذه شهادة زور بنيت علي باطل,و ما بني علي باطل فهو باطل,إذ أنّ"الناس "الذين هم طبعا"أهل الإسلام"لا يدّعون أنّ"إنجيل برنابا"هو إنجيل المسيح الذي جاء ذكره في القرآن,بل عندهم"إنجيل برنابا"هو ببساطة إنجيل كتبه"برنابا"أما "إنجيل المسيح"فهو كتاب نزل علي المسيح من عند اللّه سبحانه..فكتاب برنابا تأريخ لدعوة المسيح و تعاليمه و يصدق عليه ما يصدق علي الكتابات البشرية من نقص و وهم،و المهم هو لبّ المضمون و الخطوط العريضة فيه..و لا يصدق عليه النقد الموجه لكتاب يزعم أنه وحي من عند اللّه سبحانه!

و اللّه يهدي إلي الحق!

ص: 402

من البشارات بنبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم في إنجيل برنابا

من الفصل الثاني و الأربعون و هي سورة البشري:

قالوا:إذا لم تكن مسيّا و لا إيليا فلما ذا تبشر بتعليم جديد و تجعل نفسك أعظم شأنا من مسيّا؟

أجاب يسوع:إن الآيات التي يفعلها اللّه علي يدي تظهر أني أتكلّم بما يريد اللّه.

و لست أحسب نفسي نظير الذي تقولون عنه.لأني لست أهلا أن أحل رباطات سيور حذاء رسول اللّه.أي الذي تسمّونه مسيّا.الذي خلق قبلي و سيأتي بعدي.و سيأتي بكلام الحق.و لا يكون لدينه نهاية.

من الفصل السابع عشر و هي سورة الإخلاص:

قال فيليبس(و هو أحد الحواريين)لعيسي عليه السلام:ما ذا تقول يا سيد حقا لقد كتب في أشعيا أن اللّه أبونا فكيف لا يكون له بنون؟

أجاب يسوع أنّه في الأنبياء مكتوب أمثال كثيرة لا يجب أن تأخذها بالحرف بل بالمعني.لأن كل الأنبياء البالغين مائة و أربعة و أربعين ألفا الذين أرسلهم اللّه إلي العالم قد تكلّموا بالمعميات بظلام.و لكن سيأتي بعد بهاء كل الأنبياء و الأطهار.فيشرق نورا علي ظلمات سائر ما قال الأنبياء.لأنه رسول اللّه.و لما قال هذا تنهّد يسوع و قال:

ترأف بإسرائيل أيها الرب الإله.و انظر بشفقة علي إبراهيم و علي ذريّته لكي يخدموك بإخلاص قلب.فأجاب التلاميذ:ليكن كذلك الرب الإله.

من الفصل السادس و الثلاثين و هي سورة ترك الصلوات:

ص: 403

قال يسوع:و لكن الإنسان و قد جاء الأنبياء كلّهم إلا رسول اللّه،الّذي سيأتي بعدي لأن اللّه يريد ذلك حتي أهيئ طريقه،يعيش بإهمال بدون خوف كأنه لا يوجد إله.مع أن له أمثلة لا عداد لها علي عدل اللّه.فعن مثل هؤلاء قال داود النبي:قال الجاهل في قلبه ليس إله لذلك كانوا فاسدين و أمسوا رجسا دون أن يكون فيهم واحد يفعل صلاحا.

من الفصل الثالث و الأربعون و هي سورة خلق رسول اللّه

حينئذ قال أندراوس:لقد حدّثتنا بأشياء كثيرة عن مسيّا،فتكرم بالتصريح لنا بكل شيء.

فأجاب يسوع:كل من يعمل فإنما يعمل لغاية يجد فيها غني.لذلك لأقول لكم أن اللّه لما كان بالحقيقة كاملا.لم يكن بحاجة إلي غني.لأن الغني عنده نفسه.و هكذا لمّا أراد اللّه أن يعمل.خلق نفس رسوله قبل كل شيء.الّذي لأجله قصد إلي خلق الكل.

لكي تجد الخلائق فرحا و بركة باللّه.و يسرّ رسوله بكل خلائقه التي قدر أن تكون عبيدا.و لما ذا و هل كان هذا هكذا إلا لأن اللّه أراد ذلك؟

الحق أقول لكم إن كل نبي متي جاء فإنه إنما يحمل علامة رحمة اللّه لأمة واحدة فقط.و لذلك لم يتجاوز كلامهم الشعب الّذي أرسل إليهم.و لكن رسول اللّه متي جاء.يعطيه اللّه ما هو بمثابة خاتم.فيحمل خلاصا و رحمة لأمم الأرض الذين يقبلون تعليمه.و سيأتي بقوة علي الظالمين.و يبيد عبادة الأصنام بحيث يخزي الشيطان.لأنّه هكذا وعد اللّه إبراهيم قائلا:"أنظر فإني بنسلك أبارك كل قبائل الأرض و كما حطّمت يا إبراهيم الأصنام تحطيما هكذا سيفعل نسلك".

أجاب يعقوب:يا معلّم قل لنا مع من صنع هذا العهد؟فإن اليهود يقولون بإسحاق و الاسماعليون يقولون بإسماعيل.

ص: 404

أجاب يسوع:ابن من كان داود و من أي ذرّية؟

أجاب يعقوب:من إسحاق لأن إسحاق كان أبو يعقوب و يعقوب كان أبو يهوذا الّذي من ذريّته داود.

فأجاب يسوع:لا تغشّوا أنفسكم.لأن داود يدعوه في الروح ربّا قائلا هكذا:

"قال اللّه لربّي اجلس عن يميني حتي أجعل أعداؤك موطئا لقدميك.يرسل الرب قضيبك الّذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك".فإذا كان رسول اللّه الّذي تسمونه مسيّا ابن داود فكيف يسمّيه ربا؟صدقوني لأني أقول لكم الحق أن العهد صنع بإسماعيل لا بإسحاق.

الفصل الرابع و الأربعون من سورة محمد رسول اللّه:

حينئذ قال التلاميذ:يا معلّم هكذا كتب في كتاب موسي أن العهد صنع بإسحاق.

أجاب يسوع متأوّها:هذا هو المكتوب.و لكن موسي لم يكتبه و لا يسوع.بل أحبارنا الذين لا يخافون اللّه.الحق أقول لكم إنكم إذا أعملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون كذب كتبتنا و فقهاؤنا.لأن الملاك قال:يا إبراهيم سيعلم العالم كلّه كيف يحبك اللّه.و لكن كيف يعلم العالم محبّتك للّه؟.حقا يجب عليك أن تفعل شيئا لأجل محبة اللّه.أجاب إبراهيم:ها هو ذا عبد اللّه مستعد أن يفعل كل ما يريد اللّه.

فكلّم اللّه حينئذ إبراهيم قائلا:"خذ ابنك بكرك إسماعيل و اصعد الجبل لتقدّمه ذبيحة".فكيف يكون إسحاق البكر و هو لمّا ولد و كان إسماعيل ابن سبع سنين؟

ص: 405

فقال حينئذ التلاميذ:إن خداع الفقهاء لجليّ.لذلك قل لنا أنت الحق لأننا نعلم أنّك مرسل من اللّه.

فأجاب حينئذ يسوع:الحق أقول لكم إن الشيطان يحاول دائما إبطال شريعة اللّه.

فلذلك قد نجّس هو و أتباعه و المراءون و صانعوا الشر كل شيء اليوم.الأوّلون بالتعليم الكاذب و الآخرون بمعيشة الخلاعة.حتي لا يكاد يوجد الحق تقريبا.ويل للمراءين لأن مدح هذا العالم سينقلب عليهم إدانة و عذابا في الحجيم.لذلك أقول لكم إن رسول اللّه بهاء يسرّ كل ما صنع اللّه تقريبا.لأنّه مزدان بروح الفهم و المشورة.

روح الحكمة و القوّة.روح الخوف و المحبة.روح التبصر و الاعتدال.مزدان بروح المحبة و الرحمة.روح العدل و التقوي.روح اللطف و الصبر التي أخذ منها من اللّه ثلاثة أضعاف ما أعطي لسائر خلقه.ما أسعد الزمن الذي سيأتي فيه إلي العالم.صدّقوني إني رأيته و قدّمت له الاحترام كما رآه كل نبي.لأن اللّه يعطيهم روحه نبوة.و لمّا رأيته امتلأت عزاء قائلا:"يا محمد ليكن اللّه و ليجعلني أهلا أن أحل سير حذائك".لأني إذا قلت هذا صرت نبيا عظيما و قدّوس اللّه.ثم قال يسوع:"إنّه سرّ اللّه".

ص: 406

محمّد صلي اللّه عليه و سلم في أسفار الهندوس و الصابئة و البوذيين و المجوس

اشارة

"وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ "(الشعراء 196)

ص: 407

نختم رحلتنا,إن شاء اللّه,في عالم البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلم,في أسفار الهندوس و الصابئة و البوذيين و المجوس...

و نحن نعلم سلفا أنّ هناك من سيسأل هنا عن بحثنا عن نبوءات بنبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم في أسفار غير اليهود و النصاري ممن لم يصرّح القرآن بأنهم أتباع لنبي أو رسول يوحي إليه من اللّه سبحانه.و الإجابة هي أنّ القرآن لم يصرّح بأسماء جميع الأنبياء,فعدم ذكر اسم رجل معيّن في القرآن أو السنة في قائمة الأنبياء أو الرسل لا ينفي كونه نبي أو رسول.

فقد جاء في سورة فاطر 24 قول الحق سبحانه: "وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ" .

و جاء في تفسيرها عند الإمام ابن كثير:".. وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ" ,أي و ما من أمة خلت من بني آدم إلا و قد بعث اللّه تعالي إليهم النذر و أزاح عنهم العلل و الآيات في هذه كثيرة".

و جاء في تفسير الإمام القرطبي: "..وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ" أي سلف فيها نبي.قال ابن جريج إلا العرب."

و قد رجّح طائفة من أهل العلم و التحقيق كون الهندوس و الصابئة و البوذيين و المجوس هم من أهل الكتاب,خاصة علماؤنا في شبه القارة الهندية الذين لهم باع و عمق نظر في دراسة الأديان الشرقية.

و قد فصّل السيد أخلاق حسين الدهلوي في مقاله"أضواء علي كتب الفيدا و ما يتعلق بها"-نشره في مجلة"ثقافة الهند"للمجلس الهندي للعلاقات الثقافية,آزاد بوان نيودلهي المجلد 40,العدد 3-4-استدلالات العلماء المسلمين في شبه القارة الهندية في هذا الشأن بما يثبت أنّ الهندوس أهل كتاب,من ذلك التشابه اللفظي الكبير بين أسماء الشخصيات المقدسة في ديانة الهندوس و أسماء جاء ذكرها في القرآن

ص: 408

و السنة تخص الأنبياء و الملائكة,بل لقد جاء ذكر اسم الجلالة"اللّه"في كتب القوم:

رج فيدا 9:67:30 و 3:30:10.

و ذكر هذا الباحث أنّه"من المتعارف عليه بين الهندوس المختصين في دراسة الأسفار المقدسة أنّ كتب الفيدا تدعوا إلي ديانة توحيدية."

أما فيما يتعلق بالمجوس فقد قال الإمام ابن حزم الأندلسي في مؤلفه الموسوعي "الفصل بين الأهواء و الملل و النحل"الجزء الأول ص 196:"أما زرادشت فقد قال كثير من المسلمين بنبوته,و ليست النبوة بمدفوعة قبل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لمن صحّت عنه معجزة.قال اللّه عزّ و جلّ: "وَ رُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ" (النساء 163).

و أضاف في الصفحتين 197-198:"و ممن قال:إنّ المجوس أهل كتاب,علي بن أبي طالب.و حذيفة رضي اللّه عنهما,و سعيد بن المسيب,و قتادة,و أبو ثور, و جمهور أصحاب أهل الظاهر.و قد بيّنا البراهين الموجبة لصحة هذا القول في كتابنا المسمي"الإيصال"(...),و يكفي في ذلك صحة أخذ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم الجزية منهم و قد حرّم اللّه عزّ و جل في نص القرآن في آخر سورة نزلت منه و هي"براءة"أن تؤخذ الجزية من غير الكتابي."

أما الشهرستاني فقد قال في كتابه الموسوعي"الملل و النحل":"و كان"دينه" (أي زرادشت)عبادة اللّه وحده,و الكفر بالشيطان,و الأمر بالمعروف,و النهي عن المنكر,و اجتناب الخبائث."

و ينسب دين الصابئة إلي يحي عليه السلام,المعروف عند النصاري بيوحنا المعمدان,و الذي لا شكّ في أنّه نبي مرسل من عند اللّه سبحانه.

ص: 409

و فيما يخصّ البوذيين فقد أشار إلي سماوية هذا الدين بعض من درس البوذية من المسلمين الهنود.

و أنت إذا قرأت البشارات بنبي الإسلام في كتب القوم فإنك تميل إلي قول من يرون أنهم من أهل الكتاب,و أنّ أصل دينهم سماوي.

و هاك طائفة من هذه البشارات ننقلها من مجموعة بحوث قيّمة مؤيّدة بصدق الترجمة:

ص: 410

البشارة في كتب الهندوس

كتب العديد من علمائنا في موضوع البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم في كتب الهندوس.و فصّلوا الحديث فيها من خلال الرجوع إلي المصادر الأصلية و دراستها في ضوء قواعد اللغات القديمة و الحقائق التاريخية و المعتقدات الدينية للهندوس.و الأمر يحتاج إلي مؤلّف مستقل للحديث عن هذا الأمر بالتفصيل و الردّ علي اعتراضات الهندوس,و لكن في هذا المقام سنكتفي بذكر بضع بشارات في كتب القوم لا تحتاج إلي كثير شرح لوضوحها,و ما تركنا أكثر مما ذكرنا:

*ذكر عبد الحق فديارتي في كتابه"محمد في الأسفار العالمية"أنّ اسم الرسول العربي"أحمد"مكتوب بلفظه العربي في"السامافيدا"من كتب البراهمة,و قد ورد في الفقرة السادسة و الفقرة الثامنة من الجزء الثاني و نصها أنّ"أحمد تلقي الشريعة من ربّه و هي مملوءة بالحكمة.و قد قبست منه النور كما يقبس من الشمس"

النص باللغة السنسكريتية:

و ردّ فديارتي علي المفسرين البرهميين,فنقل عن أحدهم"سينا أشاريا"أنه وقف عند كلمة"أحمد"فالتمس لها معني هنديا و ركب منها ثلاثة مقاطع و هي"اهم "و"آت"و"هي"..و قد حاول أن يجعلها تفيد"إنني وحدي تلقيت الحكمة من أبي "ليكون الحديث منسوبا إلي البرهمي"فاتزا كانفا"من أسرة كنفا,و لكن كما يؤكد ذلك فديارتي,لا يصدق هذا القول علي فاتزا لأنه ليس وحده من تلقّي الحكمة من أبيه.

ص: 411

و قال البروفسور أشيت كومار بندهو بدهايايا ashit kumar bandhopaddhayaya المدير السابق لأكاديمية اللغة السنسكريتية في بحثه تحت عنوان"محمد في كتب الفيدا و المهبهراتا" "Muhammad in the Vedas and the Mahabharata" ص 119-120(ضمن كتاب"محمد في كتب الفيدا و البورانا")إنّ الترجمة الصحيحة لهذا النصّ هي"أحمدي(أي أحمد)تلقّي سفرا إلهيا".

و أضاف انّ أهمية هذه البشارة تظهر في أنها تكرّرت أربع مرات في كتب الفيدا:

في سام فيدا مقطع إندرا,الفصل 3,منترا 152-سام فيدا أوتررشيك,منترا 1500-ريج فيدا 8:6:10-أثارفا فيدا 20:9:19,منترا 1.

و قد ترجم هذا النص أكثر من ترجمة,كترجمة رامش دوتّا و ترجمة بريتوش ذكور و هما ترجمتان غير متطابقتان,و اختار سري بيجان بيهاري جوسوامي عند ترجمته للآثار فافيدا ألا يترجم هذا العدد و يتركه كما هو مما يدلّ علي أنّ معناه غير ما زعم سينا أشاريا و أنّ وراءه سرا عظيما.

و أثبت البروفسور أشيت أنّ"الأحمد"في هذا النص هو نبي الإسلام و مما استدلّ به لإثبات هذا الأمر:

المتحدث في هذا النص هو"كمبا"(ربما يقصد"كانفا"الذي ذكره البحّاثة فديارتي),و هو من الشخصيات الدينية في الديانة الهندوسية,و من المعلوم وجود عدد كبير من الشخصيات الدينية التي بلغت مقاما كالذي بلغه"كمبا",و بالتالي فتخصيص الحديث هنا عن"كمبا"بالذات لا حجة تعضده.إذ لا يمكن القول إنّ جميع الشخصيات الدينية الهندوسية الأخري قد حرمت هذه العطية من"إندرا"و لم يؤتها إلا"كمبا".

ص: 412

-القول إنّ"كمبا"هو الابن الوحيد لإندرا(الإله),أو الابن الوحيد المتلقي الحكمة من إندرا لا أساس تاريخي له.

كلمة"أحمدي"اسم علم,و ليست كلمة سنسكريتية.

*نقل الباحث قيس الكلبي في كتابه"محمد خاتم الرسل في التوراة و الإنجيل" (الترجمة العربية,89)هذه النبوءة من كتاب جيراز بهوي Jairaz Bhoy" محمد رحمة لكلّ الأمم "Muhammad Mercy to all the Nation" .G.London W 19371 عن سفر أثارفا فيدا,كندا 20,سوكيا 127,مانثرا 1-2:

"استمعوا أيها الناس بكلّ شغف,الرجل صاحب الحمد(أي محمد)الذي يبعث بين الناس,سنجير هذا المهاجر(لنحميه)من ستين ألفا و تسعين عدوا محمولين علي عشرين جمل هذه الأجمال التي تضرب لكل شرف حتي تتصل إلي السماء.هو يعطي إلي مانه رشي مائة ذهبية نقدية و عشر حلقات و ثلاثمائة جواد عربي و عشرة آلاف بقرة ."

ص: 413

*أشار السيد أخلاق حسين الدهلوي,في مقاله السابق الذكر"أضواء علي كتب الفيدا و ما يتعلق بها",عند حديثه عن الأسفار المقدسة عند الهندوس أنّ"رك فيدا"يضم نبوءات عن بعثة نبي آخر الزمان محمد صلي اللّه عليه و سلم.و يري أيضا أنّ"سام فيدا"يضم تنبأ ببعثة نبي آخر الزمان نبي الإسلام,و أشار إلي هامش ذكر فيه قوله:"انظر"يوروارجك"الفقرة 3 الدرس 10 الرقية 1".كما أشار إلي أنّ"أثر فيدا"يضم عدة نبوءات عن نبينا.

و مما ذكره السيد أخلاق حسين الدهلوي عن سفر"أثر فيدا"قوله:" هذا الكتاب الحكيم الحافل بالقيم الدينية الغالية من تأليف العالم العارف"مني بياس

ص: 414

ديو"و هو في الحقيقة لباب الكتب الثلاثة الأولي التي تسمّي ب"تريّة ودّيا"أي العلوم الثلاثة,و دليل ناطق حيّ علي وعي العالم"مني بياس ديو"الديني و نظرته الثاقبة الخبيرة و بصيرته الباطنية النفاذة.ألفه"مني بياس ديو"في ضوء الكتب الثلاثة الأولي(المقدسة عند الهندوس:"رك فيدا"و"يجر فيدا"و"سام فيدا")علي إلهام من اللّه,و أضاف إليها إضافات نادرة و معلومات ثمينة.و هو كتاب محيّر عجيب زاخر بمعلومات قيمة(...)

كان العالم"مني بياس ديو"قد ورث المذاق العلمي عن أبيه,فقد كان أبوه "بارس رائ"المعروف ب"براسر"عالما كبيرا,يعتبر أول عالم فلكي بارع.و رغم أنّ تاريخ حياة العالم"مني بياس ديو"أصبح أسطورة من الأساطير بحكم تقلبات الدهر و خطوبه,لكن من المسلم به أنه كان عالما و عارفا جليل الشأن قبل ألف و خمسمائة عام من ميلاد المسيح,يعتقده الهندوس من زعمائهم الروحيين,و كان متضلعا في علوم"الفيدا"(قلت:العهدة علي السيد أخلاق)تضلعا كاملا,بارعا في تاريخ الملل القديمة(...).

من معجزات بصيرة"مني بياس ديو"الإيمانية أنه انتخب من كتب الفيدا الثلاثة عدة نبوءات عن نبي آخر الزمان محمد صلي اللّه عليه و سلّم علي إلهام من اللّه و زيّن بها كتابه"أثرون فيدا"المقدس.و الجدير بالذكر أنّ هذه التنبؤات عجيبة محيرة للغاية, تجلوا البصيرة و تجدر بالدراسة للهندوس و المسلمين كليهما,لأنّ مثل هذه التنبؤات الصريحة الشاملة لا توجد في صحيفة سماوية أخري,و سوف نقدمها بمشيئة اللّه في مناسبة أخري..و قد أدرج"مني بياس ديو"خلاصتها و مغزاها في تأليفه الثاني المسمي ب"راهنسك رام بوثي"بإيجاز و دقة بالغين,و ترجمها"جوسائين تلسي داس "إلي اللغة الأردية الشرقية,ننقل هنا عدة جمل منها مترجمة إلي العربية:

ص: 415

لن ادّخر هنا حديثا(أي أبوح بكل سرّ و حديث)

و أفصح عن كل ما جاء في كتب برانا بالصدق و الضبط.

ستتم الرسالة إلي عشرة آلاف سنة

ثم لا يكرم بها أحد بعد ذلك

يكون في بلاد العرب نجم لامع متألق

و تكون تلك الأرض(أرض العرب)جليلة الشأن

يظهر علي يديه أمور أمور لم تحدث قبل(أي معجزات)

و يكون هو حبيب اللّه,جوّادا سخيا

و يلمع في الليل الحالك الظلام مثل الشموس الأربعة."

و أشار السيد أخلاق في الهامش بعد هذا النقل إلي:توضيح العقائد:نقلا عن حاشية كتاب"راهنسك رام بوثي"تأليف مني بياس ديو.تحشية:تلسي داس كوشائين.

قلت:قد نقل هذه البشارة,أيضا,حكيم سيد محمود في كتابه: "Elia and Islam in Ancient Scriptures ص ص 17-19.

*قال الباحث مشعل بن عبد اللّه في كتابه,الذي يعتبر درّة بين المؤلفات الإسلامية الإنجليزية,"ما ذا قال عيسي حقا؟" "What Did Jesus "Really Say ص 400 إنه قد جاء في أحد الكتب الهندوسية"بهافيشا بورانا بارف 3,كند 3,أدهيا 3,شالوك 5-8":"رجل أمّي موصوف بأنه معلّم,

ص: 416

محمد اسمه,أتي مع أصحابه.(...)يا ساكن بلاد العرب و ربّ(أي سيد)المقدّسين ,لك أقدّم كل حبّي,يا من وجدت عدة طرق و وسائط لإهلاك شياطين هذا العالم.

يا طاهر بين الأميين,يا معصوم,روح الحق و المعلم المطلق,لك أقدم كل حبّي, اقبلني عند قدميك."

و يكمل"فديارتي"ترجمة بقية النص فإذا فيه ذكر اسم نبي الإسلام صلي اللّه عليه السلام مرة أخري بوصفه قائد الفرقة الناجية من العذاب و الضلال كما جاء فيه قول الربّ:"من سيتبعني هو رجل مختون(فهو إذن أجنبي عن الهند),ليس له ذيل(علي رأسه,و الهندوس يطلقون شعورهم),ملتح,صانع ثورة,معلنا للدعوة إلي الصلاة .و سيكون آكلا للأشياء المباحة(الحلال).سيأكل جميع أنواع الحيوانات إلا الخنزير (و قد جاء في العدد 10 من بورانا الجزء 3 الفصل 16 أنّ الرجل المنتظر المسمّي" كلكي"سوف يبيح جميع الخضروات و الفواكه,كما سيبيح أكل اللحم الطازج).

لن يسعوا إلي التطهر عن طرق الشجيرات المقدّسة(كما هي عادة الهندوس,و هي الدرباء)و لكن سيطهّرون بالحرب(أي الجهاد:فقد صح الخبر عن المقداد بن معديكرب عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم أنّه قال:للشهيد عند اللّه ستّ خصال يغفر له في أول دفعة من دمه و يري مقعده من الجنة و يجار من عذاب القبر و يأمن من الفزع الأكبر و يحلّي حلّة الإيمان و يزوج من الحور العين و يشفع في سبعين إنسانا من أقاربه)سوف يعرفون ب"مسلمون"بسبب محاربتهم للأمم غير المتدينة.سأكون مؤسس دين من يأكلون اللحم(من أبرز صفات الهندوس أنهم لا يأكلون اللحم)."

و قد نقل شيئا من هذه النبوءة غير واحد من الباحثين من هؤلاء جيرز بوهي في كتابه"محمد رحمة لكل الأمم"في ما نقله عنه الباحث قيس الكلبي في كتابه" محمد خاتم الرسل في التوراة و الإنجيل"(الترجمة العربية ص 88).-

ص: 417

بداية هذه النبوءة,و هي تضم اسم نبي الإسلام باللغة السنسكريتية:

إنها صفات دقيقة مفصلة لا يمكن أن تنطبق إلا علي المسلمين و نبيهم صلوات اللّه عليه و سلّم!!!

النبوءة كاملة:

ص: 418

*جاء في ريج فيدا 1:53:9 أنّ"سشرافاه"(محمّد)سيتكالب عليه أعداؤه ,لكنّ اللّه سيحميه,هو و"تورفيان",و سيجعل من أتباعه:"كوتز"و"أتيثيغفا" و"أيوم".

قال سيناشاريا,أحد القدماء الذين علّقوا علي الفيدا,إنّ كلمة"تورفيان" تعني"سريع".و قد كان أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه سريعا في تلبية نداء الإيمان, سريعا في تصديق ما يخبر به محمد صلي اللّه عليه و سلّم دون تردد أو تلعثم,و لذلك سمّي بالصديق,و ممّا يؤكد أنّ هذه البشارة متعلقة به أنّها تحدّثت عن حماية ال" سشرافاه"و ال"تورفيان",و هو ما جاء نصا في قوله تعالي:"إلا تنصروه فقد نصره اللّه إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن اللّه معنا فأنزل اللّه سكينته عليه و أيده بجنود لم تروها و جعل كلمة الذين كفروا السفلي و كلمة اللّه هي العليا و اللّه عزيز حكيم."(سورة التوبة 40)فقد حمي اللّه سبحانه نبيّه صلي اللّه عليه و سلّم و صاحبه من مكر الأعداء و إجرامهم.

تعني كلمة"كوتز":الذي يفرق بين الحق و الباطل,و الذي يهزم الأعداء و يمزّق جمعهم,و كان علي رضي اللّه عنه هذا الرجل,فهو حيدرة,ليث الوغي الذي نصر اللّه به الأمة في أحلك الظروف.

تعني كلمة"أتيثيغفا":إكرام الضعفاء و ذوي الحاجات,و كان عثمان بن عفان هذا الرجل السخي,الذي جهّز جيش العسرة,رضي اللّه عنه.

تعني كلمة"أيوم":"عمر" "age" .

*بين يديّ الآن كتاب قيّم في هذا الباب باللغة الإنجليزية عنوانه:" Muhammed in the Vedas and the Puranas" محمد في كتب الفيدا و البورانا"و هو من تأليف"الدكتور فيد براكاش أوبادهايايا

ص: 419

" "Dr VedPrakash Upaddhayaya" ,و قد ترجمة البروفسور"أشيت كومار"من اللغة الهندية إلي اللغة البنغالية,ثم نقله الدكتور"غوري بهاتّشاريا"إلي الانجليزية.

و الكتاب هو في الأصل:ثلاثة كتب للدكتور" فيدباركاش"و كتاب رابع من تأليف الدكتور"أشيت كومار"و ملحق و خاتمة كتبهما مترجم الكتاب إلي اللغة الإنجليزية,و هذه الكتابات مضمنة في الترجمة الإنجليزية دون حذف,و تتكون هذه الطبعة من 167 صفحة دسمة,(نشر N.S.Noordeen ).

الكتاب دراسة صارمة في النصوص و تتبع النبوءات المتفرقة في الكتب الهندوسية المقدسة الكثيرة الصفحات و كذلك الكتب البوذية و النصرانية.

أثبت المؤلف في هذا الفصل الأول أنّ كلمة"نارشنغزا"-و هي اسم المبشّر به في الكتب الهندوسية-تعني"محمد"إذ هي كما يقول تتكون من جزءين"نار"أي"رجل,إنسان"و"آشنجزا"أي"محمّد,محمود".و أثبت أنّ هذا اللفظ لا يمكن أن يطلق علي غير إنسان:ملك,روح..و قد جاء التمجيد ل" نارشنغزا"في كثير من كتب الفيدا:

ريج فيدا:1:13:3,1:18:9,106:1:4,1:142:3,2:3:

2,3:29:11,5:5:2,7:2:2,10:64:3,10:182:2,19:

70:2.

سام فيدا منترا رقم 1349

ياجر فيدا(لامع)29:27

ياجر فيدا(غامق)1:6:4 و 1:7:4.

ص: 420

و جاء وصف"نارشنغزا"في آثر فيدا 20:127:2 بأنه سيكون راكبا للجمل, مع العلم أنّ الجمل ما كان هو المركوب في الكثير من الأحيان في الأزمان الغابرة بل لم يتمّ تدجينه إلا قبل بضع قرون من ميلاد المسيح عليه السلام كما أنه مركوب البلاد الصحراوية,و الهند ليست بلادا صحراوية.

تحدث الكاتب عن صفات هذا ال"نارشنغزا"كما جاءت في"الفيدا"فهو:

"المحبوب"و حبّ محمد صلي اللّه عليه و سلّم متمكّن في قلوب مئات الملايين من البشر.

"صاحب الكلام الحلو"و محمد صلي اللّه عليه و سلّم هو من أوتي"جوامع الكلم",و معجزته الأولي كتاب أبرز ما فيه بلاغته التي بلغت الذروة.

و هو"كافي":صاحب صلة خاصة باللّه,أي:رسوله.

و هو"شارشي"أي صاحب الشخصية الجذابة..و هل انجذبت البرية لرجل انجذابها لعظمة محمد صلي اللّه عليه و سلّم؟!

و هو"براتا-دهاما-ننجن"أي الذي يضيء كلّ بيت.و السياق يدلّ علي أنّ المعني هو:الذي ينشر المعرفة في كلّ بيت.و تلك هي وظيفة الأنبياء.

و جاء في ريج فيدا 1:106:4 أنّ"نارشنغزا"سوف يصدّ الناس عن الذنوب,أي أنه صاحب شريعة صالحة مصلحة.

و هو في آثر فيدا صاحب 12 زوجة,و كذلك كان محمد صلي اللّه عليه و سلّم

ص: 421

-يعطيه اللّه 10000 بقرة(و هذا معني رمزي يقصد به 10000 رجل صالح, و قد تمّ فتح مكة و إقامة صرح دولة الإسلام علي يد هذا العدد من صحابة محمد صلي اللّه عليه و سلّم).

تحت عنوان"معني أفاتار"بيّن فيدباركاش أنّ معني"أفاتار"من الناحية الحرفية هو"الإتيان إلي العالم",أما من ناحية المعني فالأفاتار في الكتب الهندوسية هو النبي في الكتب المقدسة الأخري.و الأفاتار إذن هو"صاحب صلة خاصة باللّه".

و يسأل المؤلف من هو الشخص الذي يحمل صلة خاصة باللّه؟و يجب بعد ذلك بأنّ أولهم من جاءت تسميته في ريج فيدا 2:12:6 بأنه"كيري".و هذه الكلمة كما يقول فيد بكراش تعني"أحمد"-و قد سبق للمؤلف أن أشار إلي أنّ الشخصية المقدّسة قد تذكر الشخصية بأكثر من اسم,و قدّم عدة أمثلة علي ذلك-.

تحدّث فيد عن الظروف التي يظهر فيها ال"أفاتار"(بصيغة الجمع)و هي 12 خلاصتها:عند ما يظهر الفساد في الأرض و يعمّ و يطمّ,و تندرس كثير من آثار الوحي السابق,و تظهر تعاليم باطلة تنسب زورا إلي الوحي الحق,و يصبح الدين مغنما,و تغدو البدعة دينا...في هذه الظروف يظهر ال"أفاتار"لحماية الصالحين و الضعفاء و إعادة الحق إلي نصابه.

الظروف التي يظهر فيها الأفاتار الأخير هي في 11 نقطة خلاصتها سيادة أحكام الجاهلية العمياء في الأرض من طروء الشرك,و عبادة الأحجار التي تعطي أسماء الآلهة ,و سيادة النفاق,و وأد البنات و عدم التزام أحكام الفيدا.

أهمّ خصائص الأفاتار الأخير:

ص: 422

-يقود جوادا مميزا خاصا صاحب سرعة معجزة:و البراق هو الدابة التي أسرت بالنبي صلي اللّه عليه و سلّم إلي المسجد الأقصي ثم إلي السماء السابعة و عادت به بعد ذلك إلي الأرض بسرعة خارقة.

سيكون متسلطا بالسيف علي أعدائه,و هذا الأمر ينطبق علي محمد صلي اللّه عليه و سلّم القائل"و جعل رزقي تحت ظل رمحي"(البخاري,أحمد..).و أشار المؤلف إلي أنّ عبارة"سيف"تدل علي أنّ الأفاتار قد جاء قبل أيامنا هذه,لأنّ السلاح في زماننا هو القنابل و الصواريخ لا السيوف!

سيكون له أربعة إخوة معينين له,و محمد صلي اللّه عليه و سلّم كان له أربعة إخوة في اللّه من أخصّ خاصته نشروا الإسلام في الآفاق و هم:الصديق و عمر و عثمان و علي رضوان اللّه عليهم جميعا,و قد جاء في كلكي بورانا 2:5 أنّ الأفاتار الأخير يقول:" يا ربّ!بإعانة إخوتي الأربعة سأهدم الشيطان."..و قد انخسأ الشيطان لمّا رأي إنجازات المسلمين علي يد الخلفاء الأربعة رضوان اللّه عليهم.

ستعينه الملائكة في نشر الحق و محاربة الكفر,و قد استفاض الحديث عن نزول الملائكة لنصرة محمد صلي اللّه عليه و سلّم في الحرب و السلم.

سيكون الأفاتار الأخير جميلا جدا حتي أنّه يصعب وصفه.و قد سبق بيان جمال النبي صلي اللّه عليه و سلم.

يفهم من بهاغات بورانا 12:2:20 أنّ الأفاتار الأخير سيكون مختونا,و معلوم تميّز محمد صلي اللّه عليه و سلّم و أمّته من بعده بهذا الأمر عن كثير من الأمم.

رائحة الأفاتار الأخير زكية كما جاء في بهاغات بورانا 12:2:22,و قد ذكرنا هذه الخصلة النبوية من قبل.

ص: 423

سيكون معلما لطائفة كبيرة من الناس,و سيجلب لهم الخير,و سيرة محمد صلي اللّه عليه و سلّم تظهر أنّه كام معلما لأمة عظيمة و أنّ اللّه قد هداها علي يديه.

سيولد في اليوم الثاني عشر من النصف الأول من شهر مدهف كما يفهم من كلكي بورانا 2:25,و قد ولد محمد صلي اللّه عليه و سلّم في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول.

سيولد في مدينة"شمبهال"كما هو مذكور في كلكي بورانا 2:4 في بيت رئيس الكهنة و معني"شمبهال"كما قرّر ذلك النقاد المسلمون:"بيت سلام و أمن"- علما أنّه لا يوجد مكان اسمه بالحرف"شمبهال"-,و سيكون اسم ابيه"فشنو يش" (بهاغات بورانا 12:2:18)أي"عبد اللّه"و اسم أمه"سوماتي"(كلكي بورانا 2:4 و 2:11)أي"لطيفة و متأملة و آمنة(مذكر أو مؤنث)",و محمد صلي اللّه عليه و سلّم قد ولد في مكة المسماة ب"دار الأمان"قريبا من الكعبة البيت الذي يقدّسه المتدينون العرب,اسم أبيه"عبد اللّه"و اسم أمّه"آمنة".

جاء في كلكي بورانا أنّ كلكي أفاتار سيذهب إلي جبل ليتلقّي المعرفة من" برشورام",ثم سيذهب إلي الشمال ثم يرجع,و قد تلقّي محمد صلي اللّه عليه و سلم الوحي في أحد جبال مكّة,ثم هاجر شمالا إلي المدينة ثم عاد بعد ذلك إلي مكّة...

ذكر البروفسور"أشت كومار بندهو بدهيايا"في الفصل الأخير الذي بعنوان" محمد في كتب الفيدا و المهبهراتا"أنه قد جاء في سفر أثارفا فيدا الإخبار عن بعثة رجل عظيم سمّاه هذا السفر ب"ماماها"و قد جاء في أثارفا فيدا 20:9:31 أنّ اللّه سيعطي"ماماها"مائة قطعة ذهبية"و"عشرة أكاليل"و ثلاثمائة حصان"و"عشر آلاف بقرة".

ص: 424

و لا شكّ أنّ الحديث في هذا النصّ علي المجاز إذ أنّ هذا ال"ماماها"القديس لم يكن ليبعث حتي يحصّل هذا المتاع الزائل,و إنما الحديث هنا عن رجال يتّبعون هذا المنتظر,يحملون صفات مميّزة و خاصة.

و قد جاء في"ستاباث براهمانا"الذي يعتبر تفسيرا إلهاميا لياجر فيدا أنّ الذهب رمز للقوة الروحية للإنسان...

جاء ذكر ال"ماماها"في كثير من المواضع في سفر ريج فيدا:94:16, 95:11,96:9,98:3,100:19,10:11,102:11,103:8, 105:19,106:7,107:3,108:13,109:8,110:9,111:

5,112:25,113:20,114:11,115:6,و هذا دليل علي عظم شأن هذا"الماماها",و هو ما يدفعنا إلي ربط هذه النبوءة بالنبوءات السابقة التي أجمعت علي أنّ المبعوث لإصلاح الناس في آخر الزمان هو"محمّد"صلي اللّه عليه و سلّم النبي العربي,و لعلّك تلاحظ أنّ كلمة"ماماها"قريبة في النطق من كلمة"محمّد",كما أنها كما يقول فديارتي أصلها من"ماه"أي"مجّد"و"حمد"..و"محمّد"من"حمد ".و لعلّ في الاسم تصحيفا ناتجا عن ضعف القوم في حفظ كتبهم أو ناتج عن التغيير الطارئ علي نطق الاسم عند غير أهله,و المثال الذي يظهر هذا الأمر كما قدّمه فديارتي هو اسم"محمود الغزنوي"الذي تحوّل عند الهنود إلي"ممود غجنافي"!!.

من الدلائل البيّنة التي تظهر أنّ"ماماها"هو"محمد"صلي اللّه عليه و سلم:

يفهم من أثارفا فيدا 20:9:31 أنّ"ماماها"سيكون راكب جمل من أرض صحراوية,و هو بالتالي لن يكون من الهند لأنّ المقدّسين"رتشي"و البراهمة ممنوعين من قيادة الجمال.و محمد صلي اللّه عليه و سلّم هو النبي غير الهندي,الذي ظهر في الصحراء العربية,و كان مركبه"سفينة الصحراء":الجمل.

ص: 425

المائة قطعة ذهبية التي حبي بها"ماماها"هي رمز للمائة صحابي الذين سافروا إلي الحبشة بعد أن ذاقوا من العذاب و المهانة الشيء الكثير بسبب تمسّكهم بدين التوحيد.

العشرة أكاليل كناية عن"العشرة المبشرين بالجنة"من صفوة أتباع محمد صلي اللّه عليه و سلّم,و هم رضوان اللّه عليهم جميعا:الصدّيق,عمر بن الخطاب,عثمان بن عفان,علي بن أبي طالب,طلحة,الزبير,عبد الرحمن بن عوف,سعد بن أبي وقّاص,سعد بن زيد,أبي عبيدة.

الكلمة المقابلة لكلمة حصان الواردة في النبوءة السابقة هي"أرفاه"أي"حصان عربي سريع,و هو بصورة أدق الحصان الذي يستعمله غير الآريين(الهنود يعتبرون أنفسهم آريين).و قد حارب في أول غزوة إسلامية مع محمد صلي اللّه عليه و سلم ثلاثمائة صحابي و نيف جلّهم من العرب.

الكلمة السنسكرتية"غو"(بقرة)مشتقة من كلمة"غاو"أي الذهاب إلي الحرب,و تسمّي البقرة"غو"لأنّ الآريين عند ما كانوا يقاتلون عدوهم كانوا يسعون إلي سلبهم أبقارهم..و لذلك اتخذوا الثور رمزا للنصر.و كلمة"غو"تعني:بقرة و تعني كذلك:ثور.

وصف كل من الثور و البقرة في كتب الفيدا,كما ذكر ذلك فديارتي بأمثلة محددة,علي أنهما رمز للحرب و للسلم و للولاء.

و يفهم من ريج فيدا 5:27:1 أنّ"ماماها"سيشتهر بأتباعه العشرة آلاف, و معلوم أنّ أهم انتصارات محمد صلي اللّه عليه و سلّم هي فتح مكّة بعشرة آلاف صحابي كما هو مذكور في صحيح البخاري(و قد جاء ذكر ال 10000 تابع في

ص: 426

بشارات الكتاب المقدس النصراني بمحمد صلي اللّه عليه و سلم:سفر التثنية 33:2, نشيد الإنشاد 5:10,رسالة يهوذا 1:14).

و جاء في السيرة النبوية أنّ رسول اللّه عليه و سلّم قد رأي في المنام قبل معركة أحد أنّ أبقارا تذبح و فسرها صلي اللّه عليه و سلّم بأنّ من أصحابه من سيقتل في المعركة.و هذا يظهر أنّ نبي الإسلام يري رمزية البقر علي أصحابه.

يفهم من ريج فيدا 1:109:2 أنه تظهر تراتيل جديدة في زمن"ماماها", و قد ظهر ترتيل القرآن العذب المعجز منذ بعثة محمد صلي اللّه عليه و سلم.

جاء في ريج فيدا 1:109:2 أنه مع ظهور هذه التراتيل الجديدة تظهر كلمات لم تعرف من قبل ك:"صلاة"و"جماعة",و قد تخبط مفسرو الهندوس و اخترعوا معان باطلة لهاتين الكلمتين رغم وضوح نسبتهما إلي القاموس الإسلامي!

*قال البروفسور أشيت كومار ص 135"جاء في عديد المواضع من كتب الفيدا ذكر حكيم,اسمه"إليت".و جاء في هامش أحد مطبوعات الفيدا,أنّ معني "إليت"هو "the praised" أي"محمّد"

*نقل الباحث تي محمد في كتابه:"التيارات الخفية في الديانة الهندية القديمة"هذه البشارة عن كتاب أدروافيدم أدهروويدم-و هو كتاب مقدس عند الهندوس-:" أيها الناس اسمعوا وعوا يبعث المحمد بين أظهر الناس...و عظمته تحمد حتي في الجنة و يجعلها خاضعة له و هو المحامد(تصحيف"محمد").

*أصرح بشارة في كتب الهندوس,و أكثرها إثارة,ما جاء في"أوبوناشيد ألّو (أو اللّه) "Upanishad Allo" .و قد نقل فديارتي هذه البشارة في كتابه:

"محمد في الأسفار العالمية"م 1 ص 164-169 الطبعة الثالثة المراجعة 1997

ص: 427

(نشر DAR-UL-ISHA'AT KUTUB-E-ISLAMIA ).

و هذه صورتها باللغة السنسكريتية الأصلية:

الترجمة لإنجليزية التي أوردها فديارتي:

? The name of that Deity is Allah.He is one.Mitra,

Varuna ect.are his attributes;and Allah indeed is Varuna Who is the King of all the world.Ye friends,look

ص: 428

upon and regard such Allah as you Deity.He is Varuna and like friends,sets right the works of all people.

He is Indra.The magnificent Indra.Allah is the

greatests of all,the best,the most perfect,and the holiest of all.

Muhammad,the apostle of Allah is the greatest

Messenger of Allah.Allah is Alpha,and And Allah is Omega ,and Allah indeed is the nourisher of the whole world.

For Allah are the noble deeds.Allah,in-fact,has

created the sun,the moon and the starts.

Allah sent all the Rishis,and created the sun,the

moon and the stars,Allah sent all the Rishis,and created the heavens.

Allah is the Manifester of the earth and the space

.Allah is Great,and there is no God but He.Say,thou worshipper(Atharva Rishi) ? La-ilaha-illa-Allah'.

Allah is from the beginning He is the Nourisher of all

the birds and beasts and animals that live in the sea,and those that are not visible to the eye.He is the remover of all evils and calamities.

Muhammad is the Apostle of Allah,the Lord of this

creation.Hence,Declare:Allah is one,and there is no other god besides Him .؟

المقابل العربي:

ص: 429

1-اسم الإله هو اللّه,هو واحد.مترا,فارونا...هي صفاته,و اللّه هو, حقيقة,فارونا الذي هو ملك العالم.يا أيها الأصدقاء,تأمّلوا و انظروا إلي اللّه علي أنه إلهكم.هو فارونا و كالأصدقاء يصلح أعمال كلّ الناس.

2-هو اندرا.إندرا البديع.اللّه هو الأكبر.الأفضل,الكامل القدّوس.

3-محمد,رسول اللّه,هو أعظم رسل اللّه,اللّه هو ألفا(أي الأول),اللّه هو أوميغا(أي الآخر),و اللّه هو,حقيقة,رازق العالم بأكمله.

4-للّه الأعمال العظيمة.اللّه,حقيقة,خلق الشمس و القمر و النجوم.

5-بعث اللّه الريتشي,و خلق الشمس,و القمر و النجوم.أرسل اللّه كلّ الريتشي و خلق السماوات.

6-اللّه هو مظهر الأرض و الفضاء,اللّه أكبر,و لا إله غيره,قل أيها العابد (أثرافا ريتشي)"لا إله إلا اللّه".

7-كان اللّه في البدء.هو رازق الطير و الوحوش و الحيوانات التي تعيش في البحر,و التي لا تري بالعين,هو مزيل كلّ الشرور و المصائب.

محمد هو رسول اللّه,سيّد الكائنات.إذن,قل اللّه واحد,لا إله غيره."

لقد صرّحت هذه البشارة بشهادة الإسلام بصورة مباشرة مذهلة,و حتي لا يرتاب المسلم في صدق الترجمة,نذكر أنّ ناجندرا ناث فاشو Nagendra Nath Vasu في الموسوعة الهندية "Vishwa Kosh" المجلّد الثاني قد أشار إلي أنّ هذا الأوبانيشاد قد"ذكر رسولية محمد(صلي اللّه عليه و سلّم)مرتين".

اعتراضات هندوسية علي هذه البشارة البديعة:

ص: 430

لا شكّ أنّ هذه البشارة الصريحة الفصيحة,قد أثارت الهندوس و حفّزتهم للتشكيك في أصالتها لأنّها تؤدّي إلي نسف دينهم.و من الذين شكّكوا في هذا النصّ الباحث الهندوسي ناجندرا ناث فاشو Nagendra Nath Vasu في الموسوعة الهندية "Vishwa Kosh" المجلّد الثالث,و حجّته أنّ العديد من الهندوس قد أسلموا لمّا قرءوا هذا السفر,و أنّ مؤلفه لا بدّ أن يكون رجل دين هندوسي اعتنق الإسلام.

الردّ:

أهم الكتب المقدّسة,عند الهندوس,بعد البورانا,هي الأوبانيشاد Upanishad ,و هي سلسلة من الكتب المقدّسة علي درجة من الأهمية حتي أنّها اعتبرت أسفارا للحكمة الإلهية,و لذلك فإنّ العديد من النقاد الهندوس يعتبرون الأوبانيشاد أرفع بكثير من كتب الفيدا,و هذا الحكم موجود في الأوبانيشاد نفسها.

و تعتبر غاية الأوبانيشاد,الوصول إلي المعرفة الإلهية و الاقتراب أكثر من الربّ.

وزّعت الأوبانيشاد علي كتب الفيدا الأربعة.و تعتبر الكثير منها ملاحق لها, من ذلك أنّ"ألّو أوبانيشد"هو أوبانيشاد الأثارفا فيدا.و الفصل الأربعون من ياجر فيدا يعتبر الأوبانيشاد الخاص به و يسمّي"إيش أوبانيشاد".

و لا شكّ أنّ هذه القيمة العالية و الأهمية الخاصة تمنع أيّ احتمال لأن يدسّ مسلم بشارة علي هذه الصورة في الكتب المقدّسة الهندوسية.

انتشرت الكتب الهندوسية زمن دخول الإسلام الهند بصورة تجعل من المحال تصوّر أن يتمكّن مسلم من أن يدخل سفرا أجنبيا علي أسفار القوم.

ص: 431

-كيف من الممكن تصوّر تخلّي رجال الدين الهندوس عن جميع النسخ التي يمتلكونها,و قبولهم النسخة المحرّفة التي جاء بها هذا الهندوسي الذي اختار الإسلام, بل و ترجمة هذا النص المدسوس بأكثر من لغة و توزيعه علي إخوانهم في الدين!!!!؟.

يملك الهندوس نسخا قديمة جدا لكتبهم المقدّسة,و هم يرعونها رعاية حاصة ,و يسبغون عليها القداسة,فكيف تسللت كلمة التوحيد الإسلامية إلي تلك النسخ القديمة جدا و المحمية بعيدا عن المسلمين.

كيف من الممكن تصوّر إدخال مسلم هذه البشري إلي الكتب المقدّسة عند الهندوس,و نحن نعلم أنّ الهندوس يرون أنّ مجرّد لمس المسلم لهذه الكتب يعدّ جريمة كبري في ذاتها!!

الكتب المقدّسة التي يحتفظ بها رجال الدين الهندوس في بيوتهم,و يرعونها بكلّ احترام و تبجيل,تضمّ هذه البشارة,فكيف رضوا بهذا الأمر!

نشرت الكتب المقدّسة الهندوسية باللغة الكجراتية و لغات أخري مع النصّ الأصلي,و كان الناشرون هم رجال الدين الهندوسي,و ما تمّ حذف هذا الأوبانيشاد المصرّح بشهادة الإسلام.و الصورة السابقة لهذا الأوبانيشاد منقولة من نسخة نشرها رجال الدين الهندوس.

جاء ذكر هذا الأوبانيشاد في قائمة الأوبانيشاد القديمة.

الراجا"رادها كانت باها دور"جامع"شابد كالبادرام "ذكر في معجمه القديم جدا للغة السنسكريتية أن هذا الأوبانيشاد كان هو أوبانيشاد الأثارفا فيدا.

مؤلف"واشاسبتيا",و هو معجم قديم جدا للغة السنسكريتية,أشار إلي هذا الأوبانيشاد في كتابه,قبل دخول المسلمين الهند.

ص: 432

و أخيرا نذكر أنّ الدكتور ز.حق قد أشار في كتابه"النبي محمد(صلي اللّه عليه و سلم)في الأسفار المقدسة الهندوسية "Prophet Muhammad in Hindu Scriptures" أنّ عددا غير قليل من رجال الدين الهنود,في أيامنا, يشعرون بالحرج الشديد مما جاء في كتبهم المقدسة من الإعلان ببعثة نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلم,و لذلك أصبحوا يعلنون رفضهم لأسفار البورانا و لكن الغالبية الساحقة من علمائهم يخالفونهم.

أمّا فديارتي,فقد أشار في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه إلي أنّه لمّا ناظر أحد رجال الدين الهندوس,و أثبت له أنّ"راكب الجمل"في الكتب الهندوسية,هو محمد صلي اللّه عليه و سلّم,لم يجد هذا الهندوسي من مفرّ غير الزعم أنّ هذا النصّ محرّف!!!!

ص: 433

البشارة في كتب الصابئة

جاء ذكر"الصابئة"في القرآن في ثلاث آيات:

"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ النَّصاري وَ الصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ" (سورة البقرة 62).

"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصّابِئُونَ وَ النَّصاري مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ" (سورة المائدة 69).

"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصّابِئِينَ وَ النَّصاري وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللّهَ عَلي كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (الحج 17).

و قد اختلفت كلمة علماء الإسلام في تحديد معتقد الصابئة و أصولهم,و أكثر الكتب علي أنّهم عبدة الكواكب و الأفلاك.و ذهبت طائفة أنّهم من فرق النصاري,و لذلك أفتي الإمام أبو حنيفة بأخذ الجزية منهم و هو أيضا القول المعتمد في مذهب الحنابلة كما هو مذكور في"الموسوعة الفقهية الكويتية".

ذهب أكثر أهل العلم من المسلمين إلي أنّ"الصابئة"من الخروج من دين الآباء.

و قال البروفسور أوليري في "Greek Science,How it passed to the Arabes" العلم اليوناني,و كيف وصل إلي العرب":"إنّ الصابئين الحقيقين كانوا في الجنوب العربي لا علاقة لحران بهم.إنّ المندائيين في جنوب العراق أصل معمدي الآباء المسيحيين الأوائل,و الكتّاب الربانيين,الذين حصلوا علي اسم"

ص: 434

المتعمّدين"من تطهّرهم المستمر,كانوا يسمّون بالآرامية ب"الصابئين",من أصل الفعل"صبا الآرامي",بمعني يغطس و يتعمّد".

و ذهب المستشرق"نولدكه"إلي"أنّ كلمة صابئة مشتقة من صبّ الماء,إشارة إلي اعتمادهم بالماء.

و قالت دراور في كتابها"الصابئة المندائيون"ص 9:"إنها مأخوذة من كلمة "صبا"المندائية,و معناها الارتماس,و الاغتسال بالماء الجاري".

و يتأيد قول نولدكه و دراور إذ علمنا أنّ فعل"صبا"الآرامي يعني الارتماس و الاعتماد اللذين هما شعار المندائيين.و القوم يقولون في الأذان:"أنش صابي بمصبته" ,أي:كلّ من يتعمد بالعمودية يسلم,كما يقولون في التعميد"صببنا بمصبته (أدبهرام ربه)"أي:تعمّدنا بعماد إبراهيم الكبير.و لديهم الكثير من العبارات التي تذكر"المصبة"كثيرا في طقوسهم.فسمي القوم ب"الصابئة"من الأقوام المجاورين لهم لتميّزهم الواضح بشعيرة الاعتماد في الماء.

من الأسماء الأخري للصابئة المندائيين,و التي أطلقت عليهم أو أطلقوها هم علي أنفسهم:

النصورائيين"أي المتبحّرين أو العارفين بأسرار الحياة أو المراقبين.

"المغتسلة"لكثرة اغتسالهم بالماء(التعميد).

"شلماني"من"شلم"أي المسالم.

"ابني نهورا"أي أبناء النور,و هي تسمية أطلقت عليهم في كتبهم الدينية.

ص: 435

يعتبر الصابئة المندائيين أنفسهم من الموحدين(قلت:توحيد الربوبية)و قد جاء في"دراشا"ما يلي:"ملعون و مخزي من لا يعرف و لا يعلم بأنّ ربنا هو ملك النور السامي,الواحد الأحد."

و النظر في معتقد الصابئة اليوم و كتبهم المقدّسة يكشفان أنّ القوم هم أهل كتاب ,قد وصل أجدادهم بحبل الوحي و الهداية,و نشأ الأوّلون علي نور من ربّهم و بيّنة من طريق الحقّ,قبل أن يخلف الأوائل نسل تنكّبوا طريق الحقّ و ضيعوا التوحيد(بمعناه الشامل)الذي هو حقّ اللّه علي العبيد.

يعتقد الصابئة أنّهم أتباع يحي عليه السلام,المعروف عند النصاري بيوحنا المعمدان,المعاصر لعيسي عليه السلام.

و قد جاء في كتاب"حران كويثا",و"دراشة اديهيا"أنّ يوحنا كان نبيا وسولا.و يقصد الصابئون من كلمة"شليهة"أنّه جاء إلي الدنيا بأمر من الربّ بمهمة خاصة,لا بمعني الرسول الذي يأتي بدين جديد.

و جاء في كتاب"كتره ربه":"و في ذلك العهد يولد ابن اسمه يحي بن أبو صادا زكريا-,و يأتيه في شيخوخته,و يكون عمر أمه أنشوي مائة سنة,حينما تحمل به,و تلده في هرمها,و أمّا يحي,فسوف ينشأ في أورشليم,لأنّ الإيمان يكون في صدره,و سوف يطوف الأردن,و يعمد الناس مدة 42 سنة."

و القوم يعتقدون أنّ المسيح قد حرّف دين يحي و أفسده,و العياذ باللّه,فقد جاء في ديوان"حران كويثه"وصفا لعيسي عليه السلام:"قد حرّف كلمات النور, و أبدلها بالظلام,و غير دين أولئك الذين كانوا علي ديني,و بدّل جميع الشعائر

ص: 436

(أبيداثا),و أقام هو و إخوته في جبل سيناء,و دعوا لأنفسهم جميع الناس,و جلبوهم لدينهم,و أطلقوا عليهم اسم كريستيانا."

و يقول الصابئة في شأن حياة المعمدان:"ولد يحي يوحنا حوالي سنة 34-36 قبل الميلاد(حسب التراث المندائي)و حوالي سنة قبل الميلاد(حسب التراث النصراني).و ذكر أيضا بأنّه ولد في سنة 6 أو 7 قبل الميلاد.و أنّ التقويم الصابئي المندائي المستعمل حاليا و الذي يسمّي أيضا بالتقويم اليحياوي(نسبة إلي يحي)يبدأ من مولد هذا النبي.مع العلم أنّ المندائيين يحتفلون بعيد ميلاده في 23 أيار)في عيد يسمّي"دهفة اد ديما",و لو أنّ هنالك رأي لبعض رجال الدين المندائيين يقول بأنّ هذا اليوم ليس عيد مولده و إنما هو يوم تقبّله للصبغة الأولي(التعميد),فلذلك يسمّي هذا اليوم شعبيا عند المندائيين ب"عيد التعميد الذهبي"و الذي يتقبّل خاصة الأطفال الصغار التعميد المندائي في هذا اليوم."

أطلق اسم الصابئة علي عدة فرق,و لكن يظهر أنّ"صابئة"القرآن,هم هؤلاء الذين يعظمون يحي عليه السلام,الذين يسمّون أنفسهم ب"المندائيين"أي العارفين باللّه الحي.و هم اليوم أقلية تقدّر هي حجمها بقرابة مائة ألف مندائي و توجد في العراق أساسا,و تذكر كتبهم المقدسة أنّ أسلافهم كانوا في فلسطين قبل أن يخرجوا منهم بعد الفتن التي حلّت بها.و يستعمل الصابئة اللغة الآرامية إلي اليوم و هي لغة أهل فلسطين في القرون الميلادية الأولي.

و مما يلاحظ أنّ هناك تشابها كبيرا بين الشعائر و الأحكام الإسلامية و نظائرها عند الصابئة,كالوضوء قبل الصلاة,و الطهارة من الجنابة,و الصوم,و مفسدات الوضوء و الصلاة,و تحريم الربا و المسكرات و لحم لخنزير و الدم و الغيبة و النميمة ,و إباحة تعدد الزوجات...

ص: 437

و قال عباس العقاد في كتابه"إبراهيم أبو الأنبياء"ص 108:"و المشهود عن الصابئة أنّهم يوقّرون الكعبة في مكة,و يعتقدون أنّها من بناء هرمس,أو إدريس عليه السلام."

الصابئي لا يعرف من عقيدته إلا القليل,و في هذا الشأن يقول الصابئي نعيم بدوي في كتاب"الصابئون المندائيون"ص ص 4-5:"إنّ رجال الدين الصابئي لا يعاونوننا,لأنهم لا يقرون علنية الدين,فذلك يتعارض و باطنيته,إضافة إلي أنّ الدين ليس تبشيريا..يضاف إلي ذلك أنّ المثقفين من أبناء هذه الطائفة عموما, تنقصهم معرفة لغة الكتب الصابئية,فهي كتب مدونة باللغة المندائية".

أهم الكتب المقدسة عند الصابئة هي:

كتاب"كتره ربة":أي"الكتر العظيم"،و يقال له"سدرا-آدم"أي صحف آدم,و قد يكتفون بقولهم"السدرة".و تنحصر مباحث هذا الكتاب بذكر بدء الخليقة و التطورات التي حدثت للبشر.

صدرت ترجمة عربية بإشراف الطائفة المندائية في العراق للكثرة ربه من اللغة المندائية مباشرة.

كتاب"سدرة أويهيا"أي"تعاليم يحي"و يتضمن حياة يوحنا المعمدان من بدء ولادته إلي تاريخ وفاته،مع إرشاداته و تعاليمه الدينية.

كتاب"سدرة أو نشماتا":أي كتاب التعميد و سر المعمودية،و يعتقدون أنه نزل علي آدم أبي البشر،و أنه أساس الديانة الصابئة و منه تستمد بقية المعلومات و يتضمن الكتاب أمور الموت و الدفن و تحريم البكاء و إعلان الحداد،و كيفية خروج

ص: 438

الروح من الجسد و تنقلاتها حتي تستقر في عالم الأنوار،و ما يتعلق بالمعاد.كما يحتوي علي نصوص الصلاة التي يقرؤها رجال الدين في حفلات التعميد.

فيما يتعلّق بموضوع البشارات في كتب الصابئة,نذكر أولا أنّ هذه الكتب لا تزال في عداد الكتب المهجورة عند الباحثين المسلمين,و لم تعرف إلي اليوم دراسة جادة و عميقة تظهر حالها و تسبر أغوارها و تكشف أسرارها و تفيد في خدمة الدعوة الإسلامية.أما الملاحظة الثانية,فهي أنّ هذه الكتب قد تعرّضت لتحريف شديد نتيجة قلّة عناية القوم بتوثيق كتبهم و تفسيرها مما يجعلنا نعتقد سلفا أنّ البشارة بالنبي الخاتم قد عانت هي أيضا التحريف و الإهمال في النقل.

و الآن يكفي أن نقدّم هذه البشارات السريعة,و عسي أن يتولّي أهل البحث الجاد الإفاضة في هذا الموضوع في دراسة مستقلّة(1):

*جاء في"الكتره ربه"أنّ ملك العرب المسمي"سيهولدايو"أي تالي الأنبياء سيخرج في زمن ملك الفرس أزدجر(و هو الذي خرج في زمنه محمد صلي اللّه عليه و سلم)!!

*جاء في سفر"الكتره ربه",في الكتاب الثامن عشر أنّ العرب سوف يخلفون ملوك الفرس في التمكين في الأرض.

*جاء في ديوان"حران كويثة"أنّ حكم العرب يمتدّ إلي 4000 سنة قبل المسيح الدجال و أنّ"اللبنة في الجدار ستنادي به"إشارة إلي مثل"الحجر الذي رفضه البنّاءون"و الذي بيّنا سابقا أنّه نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم.و تؤكد هذه البشارة الصابئية أنّ هذا"الحجر",عربي.و صدقت!

*تعتبر كتب الصابئة المقدّسة إسماعيل"أبا لجميع المسلمين".

ص: 439


1- نقلنا البشارات في ديانة الصابئة عن كتاب هشام محمد طلبة محمد صلي اللّه عليه و سلّم في الترجوم و التلمود و التوراة.

*جاء في كتاب"الكتره ربه":"أيها المسلمون المؤمنون و أيها المؤمنون المسلمون لا تتراجعوا عن عهدكم الذي عاهدتم اللّه عليه."

ص: 440

البشارة في كتب البوذية

بسط الباحث فيدباركاش في كتابه:"محمد في كتب الفيدا و البورانا",في الفصل السادس الحديث عن بشارة الكتب البوذية بنبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلم ..فقال إنّ معني"بوذا":"العاقل,اللبيب".و قد بشّر جوتاما بوذا(و هو أشهر بوذا)ب"أنتيم بوذا"أي"العاقل الأخير"و قد جاء في وصفه في"إنجيل بوذا " "Gospel of Buddha" لكاروس Carus ص 217 علي لسان"جوتاما بوذا",مؤسس البوذية"في حديثه إلي"ناندا"أفضل حوارييه:"يا ناندا,أنا لست أول بوذا في هذه الدنيا,و لست آخرهم.في زمن ما سيظهر بوذا في هذا العالم, و هو سيعطي(الناس)تعاليم الحق و البرّ.سيكون سلوكه طاهرا و مقدسا.قلبه سيكون نقيا.سيملك معرفة و حكمة.سيكون قائد كل الناس و هاديهم.سيعلّم الحقيقة,كما علّمت الحقيقة.سيعطي العالم طريقة حياة نقيّة و تامة.يا ناندا,سيكون اسمه"ميتريا"!".

تحدث الباحث فيد براكاش عن صفات البوذا و انطباقها علي نبي الإسلام,بعد أن نقل عن"وارن"أنّ كلمة بوذا لا يمكن أن تطلق علي إله و إنما هي تطلق علي إنسان,فقال إن البوذا يكون:

من طبقة أرستقراطية و عائلة غنية,و محمد صلي اللّه عليه و سلّم كان من تلك الطبقة و من تلك العائلة.

بوذا له أطفال,و محمد صلي اللّه عليه و سلّم كان له الولد من الذكر و الأنثي.

لبوذا الزوجة و العائلة كما أنه قائد,و محمد صلي اللّه عليه و سلّم كان له الزوج و العائلة و كان قائد الأمة من جميع النواحي.

ص: 441

-بوذا يعيش حياته الطبيعية كاملة,و محمد صلي اللّه عليه و سلّم عاشها كذلك.

بوذا كان يقوم بنفسه بأموره الخاصة,فلا يكلها إلي غيره,و كذلك كان محمد صلي اللّه عليه و سلم.

البوذا داعية و معروف أنه داعية,و محمد صلي اللّه عليه و سلّم مشهور بهذا الأمر.

عند ما ينعزل بوذا عن الناس,يرسل له اللّه الملائكة و الجن,و قد أرسل اللّه إلي نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم جبريل الملك عند ما كان في غار حراء كما أرسل إليه الجن ليسمعوا منه القرآن كما هو ظاهر من سورة"الجن".

كلّ بوذا يذكّر الناس بالبوذا السابق,و يحذّر الناس من شرور الشيطان و أفعاله المدمّرة,كذلك فعل محمد صلي اللّه عليه و سلّم عند ما كشف خطط الشياطين لإفساد الناس,كما قام بذكر عيسي في أكثر من سورة قرآنية و حديث نبوي شريف و هو النبي(البوذا)السابق له.

سيكون أتباع بوذا صالحين,لن يتمكّن الشيطان من إضلالهم,و قد كان صحابة محمد صلي اللّه عليه و سلّم جيلا فريدا من الأصفياء الأتقياء,رضوان اللّه عليهم جميعا!

أهمّ صفات البوذا أنه ليس له معلّم من بين البشر,و قد كان محمد صلي اللّه عليه السلام معلّما من ربّه,و لا يعلم له معلّم من بين الناس.

و يقول ي.علي U.Ali في كتاب "Muhammad in Parsi, Hindu,Buddhist Scriptures" "محمد في الأسفار الفارسية و الهندية و البوذية"-و هو يريد إثبات عدم انطباق صفات البوذا ميترايا علي عيسي عليه

ص: 442

السلام و انطباقها علي محمد صلي اللّه عليه و سلم,و قد ادّعي النصاري أنّ منتظر البوذيين هو"يسوع المخلّص"!؟-إنّ من صفات"البوذا ميترايا"كما يظهر من إنجيل بوذا ص 214:

البوذا ميترايا يموت موتة طبيعية,و محمد صلي اللّه عليه و سلّم مات كذلك في حين أنّ المسيح مات مقتولا(علي زعم النصاري).

البوذا يموت ليلا,و قد مات محمد صلي اللّه عليه و سلّم ليلا كما يظهر ذلك من حديث عائشة رضي اللّه عنها,في حين أنّ المسيح قد مات في النهار كما هو ظاهر من مرقس 15:25..

بوذا جميل المنظر,و قد ذكرنا عند الحديث عن البشارة بمحمد صلي اللّه عليه و سلّم في سفر نشيد الإنشاد جمال محمد صلي اللّه عليه و سلم.و قد صحّ عن البراء بن مالك الصحابي رضي اللّه عنه في صحيح البخاري:"كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم أحسن الناس وجها..."-أما فيما يتعلّق بالمسيح فقد جاء في كتاب Comprehensive commentary on the holy bible" تأليف و.

جنكز و يوسف أ.وارن هامش ص 457 أنّ"جستين الشهيد(!)و كلمنت الإسكندري و ترتليان و آباء متقدمين آخرين استنتجوا أنّ مخلّصنا كان قبيحا"!!!؟

عند موت"البوذا ميترايا"لا يكون هناك بوذا آخر..و المسيح ليس آخر الأنبياء عند النصاري(هو عند النصاري إله و نبي!!؟)لأنّ الحواريين هم أيضا أنبياء عندهم!!

و تحدّث فيدبركاش عن"ميترايا بوذا",فقال:

ص: 443

-تعني كلمة"ميترايا":"الرحيم"و قد ذكر هذا الأمر كاتب بوذي في جريدة"القائد"ص 7,العمود 3,عدد 16 أكتوبر 1930 و هربرت بايتر في كتاب"طريق بوذا"ص 15 و جوزيف إدكتر في كتاب"البوذية الصينية"ص 240..و جاء في سورة"الأنبياء"الآية 107 قول اللّه سبحانه في وصف محمد صلي اللّه عليه و سلم: "وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ" .

"أنتيم بوذا ميترايا"سيحمل جميع صفات البوذا السابقة.و قد رأيت انطباقها علي نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلم.

ميترايا سيعقد اجتماعا تحت شجر,و قد عقد محمد صلي اللّه عليه و سلّم بيعة الرضوان لنصرة الإسلام تحت شجرة و صلح الحديبية في مكان كثير الشجر.

يتميّز بوذا بالمقارنة بغيره بأنّ عظام عنقه قويّة و صلبة,و لذلك إذا أدار عنقه استدار بجميع بدنه,و قد علم من سيرة النبي صلي اللّه عليه و سلم,كما في حديث هند بن أبي هالة الطويل,أنّ محمدا صلي اللّه عليه و سلم:"إذا التفت التفت جميعا".

و يضيف ي.علي في كتابه السابق صفات أخري:

جاء في الكتب البوذية أنّ"ميترايا"صاحب كلام جميل عذب صاف يأسر القلوب,و معلوم للعدو قبل الصديق عذوبة القرآن الكريم و الحديث الشريف.

فمن هو"ميترايا بوذا"غير محمد صلي اللّه عليه و سلّم؟!!

ص: 444

البشارة في كتب المجوس (*)

البشارة في كتب المجوس(1)

ذهب كثير من الزرادشتيين,عامتهم و خاصتهم,إلي أنّ زرادشت إمامهم,هو نفسه إبراهيم عليه السلام..فالأسدي في كتابه"لغت فرس"يقول:"الأبستاق تفسير الزند و كان الزند صحف إبراهيم"و يقول صاحب البرهان القاطع:"كان إبراهيم زرادشت يدعي أنّ الزند صحف إبراهيم".

و لا شكّ أنّ هذا الادعاء لا يستقيم للفارق الزمني الهائل بين إبراهيم عليه السلام و زرادشت,إذ أنّ زرادشت قد عاش في أصح الأقوال في القرن السابع قبل الميلاد, أي بعد مئات السنين من وفاة إبراهيم عليه السلام!!

و قد وجدت الكتب المقدسة المجوسية في لغتين:الزندية و البهلوية.كما وجدت كتابات باللغة المسمارية.الكتابة البهلوية تشبه الكتابة الفارسية الحديثة لكنها تخالف اللغة الزندية و الفارسية القديمة.

تضم الأسفار المجوسية قسمين هامين من الكتب الدينية:الأولي تعرف ب" دساتير"و الثانية تعرف ب"أفستا"(و معناها الأساس أو الأصل أو المتن أو السند) التي تعرف باللغة العربية ب"الأبستاق",و تتكون كلّ منهما من جزءين"كردا دساتير"و"كلن دساتير"و كردا أفستا"و"كلن أفستا".

ص: 445


1- مصدر ما سننقله تحت هذا العنوان هو كتاب عبد الحق فديارتي وي.علي:"محمد في الأسفار المقدسة الفارسية و الهندية و البوذية"إلا ما ميّزنا مرجعه.

رغم ما يعرف عن هذه الكتب من أنها تروّج لعقائد مصادمة للإسلام,فإنّ القراءة فيها تكشف وجود تشابه كبير بين أصول الإسلام و أصول المجوسية,من ذلك:

التوحيد:جاء عن زرادشت قوله في"دساتير"ص 69:"هو واحد".

ليس كمثل اللّه سبحانه أحد:جاء في"دساتير":"لا أحد نظير له".

"لم يلد و لم يولد":جاء في"دساتير"ليس له مبتدأ و لا نهاية...و لا أب و لا أم و لا زوج و لا ولد".

خالق كلّ شيء:جاء في دساتير:"يهب حياة و وجودا للكلّ".

هو وحده من له الخلود:جاء في دساتير ص 66:"لم يوجد قبلك شيء و لن يبقي بعدك شيء".

لا تدركه الظنون:جاء في دساتير:"هو فوق كلّ ما من الممكن أن تتصوّره ".

العمل الصالح هو السبيل إلي الجنة:جاء في"دساتير"ص 13:"عند ما يغادر المرء صاحب العمل الصالح بدنه,أرسله إلي الجنة".

عذاب النار بشدة الحر و شدة البرد:جاء في دساتير ص 13:"أهل النار يمكثون فيها إلي الأبد.و يعذبون بكل من الحرّ الشديد و البرد الشديد".

جاءت في دساتير كثير من الأحكام الخاصة بحسن الخلق و الزواج و العفة و الوفاء بالوعد و تحريم الخمر و حلق شعر الوليد و التطهر و الوضوء و التيمم.

ص: 446

-قبل كلّ"مقطع"في"دساتير"يوجد ما يشبه الاستعاذة و البسملة في القرآن.

بالإضافة إلي تشابهات أخري حول معرفة النبي الصادق,و طريقة الوحي إليه, و علاقته بالملائكة...

و فيما يتعلّق بالنار,فظاهر أنّها ما كانت معبودة زمن زرادشت,و إنما إشعالها عند الزرادشتيين كان رمزا لإعطاء العهد علي الالتزام بتتبع النور الإلهي المتمثل في الشريعة الإلهية كما هو ظاهر من قول زرادشت في كتاب"جاثا ياشت,30,1-2

و قد جاء الحديث عن النار في أكثر من موضع في القرآن من هذا الوجه،كما في قوله تعالي في سورة البقرة الآية 17: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ" .و قول موسي في سورة طه 9-10:

وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسي إِذْ رَأي ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَي النّارِ هُديً ."

إنّ القارئ للنصوص المقدسة للزرادشتية يري أنها تتنبأ ببعثة نبي يصلح الأمر الذي أفسده الذين انحرفوا عن الدعوة الأولي,و من هذه النبوءات:

*ذكر م.إ.لكاث علي في مقاله:"نبوءة النبي الأخير" "Ultimate Prophet(pbuh)Foretoled" ،أنه قد جاء ذكر نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلّم في كتب الزرادشتيين,في قولها أنه يظهر حكيم عظيم من بلاد رملية من الغرب و سيكون اسمه"أستفت إريتا" "Astvat-ereta" أو"سويشينت" "Soeoshyant" و مكة الصحراوية الرملية تقع غرب فارس!

و جاء في"بونداهش"30:6-27 أنّ"سوشينت"هو خاتم النبيّين.

ص: 447

و قد أثبت البحاثة عبد الحق فديارتي في كتابه"محمد في الأسفار العالمية المقدسة" ص 138(الطبعة الثالثة المراجعة)أنّ كلمة"أستفت إريتا"تعني"أحمد".فقال أنّ كلمة"أستفت إريتا"جذرها هو"أستو"و هو يعني في كل من اللغة السنسكريتية و الزندية"حمد",و بالتالي فمعني الكلمة السابقة"أحمد".

و بيّن في نفس الصفحة السابقة أنّ كلمة"سوشينت"هي اسم المفعول المستقبلي future participle للفعل"سو"أو"ساف",و يعني praiseworthy أي "محمّد".و أضاف أنّ هذا الفهم لم يتفرّد به بل قاله أيضا مستشرق كبير غير مسلم, جاءت الإشارة في الهامش إلي موسوعة هاستنج Hastings Encyclopedia , مقال "Saoshyant" .

*جاء في"أتاش نياييش"9 أنّ النار ستخمد و لن تضرم عند ما يأتي الزمان الذي سيقع فيه الإصلاح الكبير للعالم,حيث يعمّ الخير.و لا شكّ أنّ نار المجوس لم تخمد إلا مع فتح المسلمين لبلاد فارس.

و لا بد في هذا المقام من الإشارة إلي تمجيد هذا السفر المجوسي لإطفاء نار العبادة المجوسية!!فالدين الجديد,إذن,يخالف واقع المجوسية في آخر أيّامها.

و جاء في"بونداهش 30:4-27,32:8,"باهمان ياشت 3:62",أنّ هذا الإصلاح سيكون مع ظهور خاتم النبيين"سوشيانت".

*جاء في وصف صحابة محمد صلي اللّه عليه و سلّم في"زمايديشت"95 :"سيأتي أتباعه,أصحاب أستفت إريتا,غير موسوسين,راقي الفكر,لبقين, محسنين,يتّبعون الشريعة الصالحة,و ما نطقت ألسنتهم كلمة غش".و من عرف

ص: 448

صحابة نبي الإسلام رضوان اللّه عليهم,من خلال سيرتهم,يعلم دقة هذا الوصف في تصويرهم.

و وصف هؤلاء الأتباع في"فارفارشز"ياشت 13:17 بأنّهم أهل إيمان و أنّهم سيصلحون العالم.

و سمّوا في ساروش ياشت 4:17 بأنّهم أتباع سوشينت.

*الباحث"محمد عبد الغفار الهاشمي"يقدم لنا هذا البشارة من كتاب زرادشت باللغة الفارسية(عن كتاب د.محمود بن الشريف الأديان في القرآن ص 271 ط 4):"و تمسّكوا بما جئتكم به إلي أن يجيئكم صاحب الجمل الأحمر من بادية العرب".و يعلق قائلا:"لا ريب أنّ هذه البشري من زرادشت النبي الإيراني تدلّ علي رجل يظهر في بادية العرب و هو محمد صلي اللّه عليه و سلم,و هو المعروف بصاحب الجمل الأحمر:"الناقة القصواء"!!

*ذكر الأستاذ هشام محمد طلبة في كتابه:"محمد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم في الترجوم و التلمود و التوراة.."ص ص 42-43 جاء في كتاب الزند أفستا مثل يصوّر حال الإمبراطورية الفارسية و الديانة الزردشتية كفروع شجرة مكونة من معادن مختلفة(مثل نبوءة دانيال,الفصل 2).الفرع الأول من ذهب يمثل العصر الذهبي و هو تحت حكم الملك كشتاسب Gushtasp ,الفروع الفضية و الفولاذية ترمز لهرم(انحدار)الإمبراطورية.أما الفرع الحديدي فيرمز للكارثة الكبيرة التي ستصيب الإمبراطورية الفارسية و ديانتها و بقية العالم,و انتصار الحق و الفضيلة في آخر الزمان.أي أنّ الحق و الفضيلة سينتصران علي الإمبراطورية الفارسية و دينها.

و العجيب,كما يقول الأستاذ هشام,أنّ أحد الكتب المقدّسة عند الزرادشتين ,تصف محطم الإمبراطورية الفارسية بالحق و الفضيلة!

ص: 449

و هلّ حطّم إمبراطورية فارس غير محمد صلي اللّه عليه و سلّم.

*قال العقاد في كتابه"مطلع النور"متحدثا عما كتبه الأستاذ فديارتي في" محمد في الأسفار الدينية العالمية":"استخرج من كتاب زند افستا نبوءة عن رسول يوصف بأنه"رحمة للعالمين"سوشيانت"و يتصدي له عدو يسمي بالفارسية القديمة" أبا لهب""أنجراميني"و يدعو إلي إله واحد لم يكن له كفؤا أحد"هيج چيز باو نمار "و ليس له أول و لا آخر و لا ضريع و لا قريع و لا صاحب و لا أب و لا أم و لا صاحبة و لا ولد و لا ابن و لا مسكن و لا جسد و لا شكل و لا لون و لا رائحة""جز آغاز و انجام و انبار و دشمن و مانند و يار و بدر و مادر و زن و فرزند و حاي سوي و تن آسا و تناني ورنك و بوي است",و هذه هي جملة الصفات التي يوصف بها اللّه سبحانه في الإسلام أحد صمد,ليس كمثله شيء,لم يلد و لم يولد,و لم يكن له كفؤا أحد,و لم يتخذ صاحبة و لا ولدا.

*قال العقاد في كتابه"مطلع النور"متحدثا عمّا كتبه الأستاذ عبد الحق فديارتي:"..و شفع ذلك بمقتبسات كثيرة من كتب الزردشتية,تنبئ عن دعوة الحق التي يجيء بها النبي الموعود و فيها إشارة إلي البادية العربية,و يترجم نبذة منها إلي اللغة الإنجليزية معناها بغير تصرف:"إنّ أمة زردشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون و ينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس,و يخضع الفرس المتكبّرين,و بعد عبادة النار في هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة(بيت عبادة)إبراهيم التي تطهرت من الأصنام,و يومئذ يصبحون و هم أتباع للنبي رحمة للعالمين و سادة لفارس و مديان و طوس و بلخ,و هي الأماكن المقدسة للزردشتيين و من جاورهم,و أنّ نبيهم ليكونن فصيحا يتحدّث بالمعجزات".

ص: 450

هذا النص الذي نقله العقاد عن فديارتي عن كتب الزردشتيين موجود في رسالة سازان الأول في كتاب"دساتير".و سازان الأول هو أحد المصلحين في الديانة الزردشتية,و يعتقد أنّ رسالته هذه هي جزء من تعاليم زردشت.و قد ترجم هذا النص إلي الإنجليزية,أيضا,ملا فيروز,و نشره في ترجمة لدساتير في حكم شاه نصر الدين كشر في فارس.و قد عاش ملا فيروز في بومباي في الهند و كان عالما متقنا للغة البهلوية,و الزندية,و الفارسية,و العربية.و قد اتصل بعدة رجال دين زرادشتيين من مشاهيرهم لجعل ترجمته أكثر مطابقة للنص الأصلي,و بجهوده,بفضل اللّه,تمّ نشر "دساتير"في أيامنا.

و هذا هو النص بالترجمة البهلوية و مقابله في اللغة الإنجليزية,و هو قريب جدا من الترجمة التي ذكرها فديارتي,ننقله مباشرة من كتاب فديارتي و علي ص ص 23- 24:

ص: 451

ص: 452

ص: 453

ملحق 1

ص: 454

ص: 455

ص: 456

ص: 457

ص: 458

ص: 459

ملحق 2

قصة الإسلام الدكتور وديع أحمد

كما يرويها صاحبها

*الحمد للّه علي نعمة الإسلام نعمة كبيرة لا تدانيها نعمة لأنه لم يعد علي الأرض من يعبد اللّه وحده الا المسلمين.

*و لقد مررت برحلة طويلة قاربت 40 عاما إلي أن هداني اللّه و سوف أصف لكم مراحل هذه الرحلة من عمري مرحلة مرحلة:- مرحلة الطفولة:-(زرع ثمار سوداء) *كان أبي واعظا في الإسكندرية في جمعية أصدقاء الكتاب المقدس و كانت مهنته التبشير في القري المحيطة و المناطق الفقيرة لمحاولة جذب فقراء المسلمين إلي المسيحية.

*و أصر أبي أن أنضم إلي الشمامسة منذ أن كان عمري ست سنوات و أن أنتظم في دروس مدارس الأحد و هناك يزرعون بذور الحقد السوداء في عقول الأطفال و منها:

1-المسلمون اغتصبوا مصر من المسيحيين و عذبوا المسيحيين.

2-المسلم أشد كفرا من البوذي و عابد البقر.

3-القرآن ليس كتاب اللّه و لكن محمدا اخترعه.

4-المسلمون يضطهدون النصاري لكي يتركوا مصر و يهاجروا.....و غير ذلك من البذور التي تزرع الحقد الأسود ضد المسلمين في قلوب الأطفال.

*و في هذه الفترة المحرجة كان أبي يتكلم معنا سرا عن انحراف الكنائس عن المسيحية الحقيقية التي تحرم الصور و التماثيل و السجود للبطرك و الاعتراف للقساوسة.

ص: 460

مرحلة الشباب(نضوج ثمار الحقد الأسود) أصبحت أستاذا في مدارس الأحد و معلما للشمامسة و كان عمري 18 سنة و كان علي أن أحضر دروس الوعظ بالكنيسة و الزيارة الدورية للأديرة(خاصة في الصيف)حيث يتم استدعاء متخصصين في مهاجمة الإسلام و النقد اللاذع للقرآن و محمد(صلي اللّه عليه و سلّم).

و ما يقال في هذه الاجتماعات:

القرآن ملئ بالمتناقضات(ثم يذكروا نصف آية)مثل(و لا تقربوا الصلاة...) القرآن ملئ بالألفاظ الجنسية و يفسرون كلمة(نكاح)علي أنها الزنا أو اللواط يقولون أن النبي و محمد(صلي اللّه عليه و سلم)قد أخذ تعاليم النصرانية من( بحيرة)الراهب ثم حورها و اخترع بها دين الإسلام ثم قتل بحيرة حتّي لا يفتضح أمره......و من هذا الاستهزاء بالقرآن الكريم و محمد(صلي اللّه عليه و سلم) الكثير و الكثير...

أسئلة محيرة:

الشباب في هذه الفترة و أنا منهم نسأل القساوسة أسئلة كانت تحيرنا:

شاب مسيحي يسأل:

س:ما رأيك بمحمد(صلي اللّه عليه و سلم)؟

القسيس يجاوب:هو إنسان عبقري و ذكي.

س:هناك الكثير من العباقرة مثل(أفلاطون،سقراط،حامورابي...)و لكن لم نجد لهم أتباعا و دين ينتشر بهذه السرعة إلي يومنا هذا؟لما ذا؟

ج:يحتار القسيس في الإجابة.

شاب أخر يسأل:

ص: 461

س:ما رأيك في القرآن؟

ج:كتاب يحتوي علي قصص للأنبياء و يحض الناس علي الفضائل و لكنه ملئ بالأخطاء.

س:لما ذا تخافون أن نقرأه و تكفرون من يلمسه أو يقرأه؟

ج:يصر القسيس أن من يقرأه كافر دون توضيح السبب!!

يسأل أخر:

س:إذا كان محمد(صلي اللّه عليه و سلم)كاذبا فلما ذا تركه اللّه ينشر دعوته 23 سنة؟بل و ما زال دينه ينتشر إلي الآن؟مع انه مكتوب في كتاب موسي(كتاب ارميا)ان اللّه وعد بإهلاك كل إنسان يدعي النبوة هو و أسرته في خلال عام؟

ج:يجيب القسيس(لعل اللّه يريد أن يختبر المسيحيين به).

مواقف محيرة:

1-في عام 1971 أصدر البطرك(شنودة)قرار بحرمان الراهب روفائيل(راهب دير مينا)من الصلاة لأنه لم يذكر اسمه في الصلاة و قد حاول إقناعه الراهب(صموئيل) بالصلاة فانه يصلي للّه و ليس للبطرك و لكنه خاف أن يحرمه البطرك من الجنة أيضا!!و تساءل الراهب صموائيل هل يجرؤ شيخ الأزهر أن يحرم مسلم من الصلاة؟مستحيل

2-أشد ما كان يحيرني هو معرفتي بتكفير كل طائفة مسيحية للأخري فسالت القمص (ميتاس روفائيل)أب اعترافي فأكد هذا و ان هذا التكفير نافذ في الأرض و السماء.

فسألته متعجبا:معني هذا أننا كفار لتكفير بابا روما لنا؟

أجاب:للأسف نعم.

ص: 462

سألته:و باقي الطوائف كفار بسبب تكفير بطرك الإسكندرية لهم؟

أجاب:للأسف نعم

سألته:و ما موقفنا إذا يوم القيامة؟

أجاب:اللّه يرحمنا!!!

بداية النجاة نحو الإسلام *و عند ما دخلت الكنيسة و وجدت صورة المسيح و تمثاله يعلو هيكلها فسألت نفسي كيف يكون هذا الضعيف المهان الذي استهزأ به و عذب ربا و إلها؟؟

*المفروض أن أعبد رب هذا الضعيف الهارب من بطش اليهود.و تعجبت حين علمت أن التوراة قد لعنت الصليب و المصلوب عليه و انه نجس و ينجس الأرض التي يصلب عليها!!(تثنية 21:22-23).

*و في عام 1981:كنت كثير الجدل مع جاري المسلم(أحمد محمد الدمرداش حجازي)و ذات يوم كلمني عن العدل في الإسلام(في الميراث،في الطلاق،القصاص.....)ثم سألني هل عندكم مثل ذلك؟أجبت لا..لا يوجد.

*و بدأت أسأل نفسي كيف أتي رجل واحد بكل هذه التشريعات المحكمة و الكاملة في العبادات و المعاملات بدون اختلافات؟و كيف عجزت مليارات اليهود و النصاري عن إثبات انه مخترع؟

*من عام 1982 و حتي 1990:و كنت طبيبا في مستشفي(صدر كوم الشقافة)و كان الدكتور محمد الشاطبي دائم التحدث مع الزملاء عن أحاديث محمد (صلي اللّه عليه و سلم)و كنت في بداية الأمر اشعر بنار الغيرة و لكن بعد مرور الوقت أحببت سماع هذه الأحاديث(قليلة الكلام كثيرة المعاني جميلة الألفاظ و السياق)و شعرت وقتها أن هذا الرجل نبي عظيم.

ص: 463

هل كان أبي مسلما *من العوامل الخفية التي أثرت علي هدايتي هي الصدمات التي كنت أكتشفها في أبي و منها:

3-هجر الكنائس و الوعظ و الجمعيات التبشيرية تماما.

4-كان يرفض تقبيل أيدي الكهنة(و هذا أمر عظيم عند النصاري).

5-كان لا يؤمن بالجسد و الدم(الخبز و الخمر)أي لا يؤمن بتجسيد الإله.

6-بدلا من نزوله صباح يوم الجمعة للصلاة أصبح ينام ثم يغتسل و ينزل وقت الظهر؟!

7-ينتحل الأعذار للنزول وقت العصر و العودة متأخرا وقت العشاء

8-أصبح يرفض ذهاب البنات للكوافير.

9-ألفاظ جديدة أصبح يقولها(أعوذ باللّه من الشيطان)(لا حول و لا قوة الا باللّه)...

10-و بعد موت أبي 1988 وجدت بالكتاب الخاص به قصاصات ورق صغيرة يوضح فيها أخطاء موجودة بالأناجيل و تصحيحها.

11-و عثرت علي كتاب جدي(والد أبي)طبعة 1930 و فيها توضيح كامل عن التغيرات التي أحدثها النصاري فيه منها تحويل كلمة(يا معلم)و(يا سيد)إلي(يا رب) !!!ليوهموا القارئ أن عبادة المسيح كانت منذ ولادته.

الطريق إلي المسجد و بالقرب من عبادتي يوجد مسجد(هدي الإسلام)اقتربت منه و أخذت أنظر بداخله فوجدته لا يشبه الكنيسة مطلقا(لا مقاعد-لا رسومات-لا ثريات ضخمة لا سجاد فخم-لا أدوات موسيقي و ايقاع-لا غناء لا تصفيق)و وجدت أن العبادة في هذه المساجد هي الركوع و السجود للّه فقط،لا فرق بين غني و فقير يقفون جميعا في صفوف منتظمة و قارنت بين ذلك و عكسه الّذي يحدث في الكنائس فكانت المقارنة دائما لصالح المساجد.

ص: 464

في رحاب القرآن *قررت أن أقرأ القرآن و اشتريت مصحفا و تذكرت أن صديقي أحمد الدمرداش قال إن القرآن(لا يمسه إلا المطهرون)و اغتسلت و لم أجد غير ماء بارد وقتها ثم قرأت القرآن و كنت أخشي أن أجد فيه اختلافات(بعد ما ضاعت ثقتي في التوراة و الكتاب) و قرأت القرآن في يومين و لكني لم أجد ما كانوا يعلمونا إياه في الكنيسة عن القرآن.

*الأعجب من هذا أن من يكلم محمد صلي اللّه عليه و سلّم يخبره أنه سوف يموت؟!! من يجرؤ أن يتكلم هكذا الا اللّه؟؟!!و دعوت اللّه أن يهدين و يرشدني.

الرؤيا:

و ذات يوم غلبني النوم فوضعت المصحف بجواري و قرب الفجر رأيت نورا في جدار الحجرة و ظهر رجلا وجهه مضيء اقترب مني و أشار إلي المصحف فمددت يدي لأسلم عليه لكنه اختفي و وقع في قلبي أن هذا الرجل هو النبي محمد صلي اللّه عليه و سلّم يشير إلي أن القرآن هو طريق النور و الهداية.

أخيرا-أسلمت وجهي للّه *و سألت أحد المحامين فدلني علي أن أتوجه لمديرية الأمن-قسم الشئون الدينية-و لم أنم تلك الليلة و راودني الشيطان كثيرا(كيف تترك دين آبائك بهذه السهولة)؟

*و خرجت في السادسة صباحا و دخلت كنيسة(جرجس و أنطونيوس)و كانت الصلاة قائمة،و كانت الصالة مليئة بالصور و التماثيل للمسيح و مريم و الحواريين و آخرين إلي البطرك السابق(كيرلس)فكلمتهم:(لو أنكم علي حق و تفعلون المعجزات كما كانوا يعلمونا ففعلوا أي شيء...أي علامة أو إشارة لأعلم إنني أسير في الطريق الخطأ)و بالطبع لا إجابة.

ص: 465

*و بكيت كثيرا علي عمر كبير ضاع في عبادة هذه الصور و التماثيل.و بعد البكاء شعرت أنني تطهرت من الوثنية و أنني أسير في الطريق الصحيح طريق عبادة اللّه حقا.

*و ذهبت إلي المديرية و بدأت رحلة طويلة شاقة مع الروتين و مع معاناة مع البيروقراطية و ظنون الناس و بعد عشرة شهور تم إشهار إسلامي من الشهر العقاري في أغسطس 1992

اللهم أحيني علي الإسلام و توفني علي الإيمان اللهم أحفظ ذريتي من بعدي خاشعين،عابدين،يخافون معصيتك و يتقربون بطاعتك (قلت:آمين) و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين

ص: 466

المراجع و المصادر

المراجع و المصادر

القرآن الكريم

تفاسير القرآن الكريم:

تفسير الإمام ابن كثير

تفسير الإمام البغوي

تفسير الإمام الطبري

تفسير الإمام القرطبي

تفسير الجلالين

تفسير البيضاوي

تفسير القاسمي

في ظلال القرآن

الإمام ابن حجر.فتح الباري بشرح صحيح البخاري

الإمام النووي.المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج

تراجم الكتاب المقدس:

كتاب الحياة

الترجمة الكاثوليكية

ترجمة الفانديك

الترجمة المشتركة

التراجم الإنجليزية:

The New International Version The Revised Standard Version

ص: 467

The New Revised Standard Version The New American Bible The king James Version The Darby Translation The New American Standard Bible The New English Translation The Amplified Bible Young s Literal Translation الفرنسية:

La Bible de Semeur Louis Segond الإيطالية:

La Nuova Didati Confernza Episcopale Italiana الإسبانية:

Nueva Version Internacional كتب و مقالات باللغة العربية

شيخ الإسلام ابن تيمية الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح

شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية هداية الحياري في أجوبة اليهود و النصاري

شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان

الإمام ابن حزم الأندلسي الفصل بين الأهواء و الملل و النحل

الإمام القرافي الأجوبة الفاخرة...

ص: 468

رحمة اللّه الهندي إظهار الحق(دراسة و تحقيق و تعليق د.

محمد ملكاوي)

أحمد زكي انزعوا قناع بولس عن وجه المسيح

عبد الأحد داود(تعريب فهمي الشما)محمد في الكتاب المقدس

محمد عزت الطهطاوي محمد صلي اللّه عليه و سلّم في التوراة و الإنجيل و القرآن

د.نصر اللّه أبو طالب تباشير الإنجيل و التوراة بالإسلام و رسوله محمد صلي اللّه عليه و سلم

نبيل الفضل هل بشر المسيح بمحمد؟

إبراهيم خليل أحمد محمد صلي اللّه عليه و سلّم في التوراة و الإنجيل و القرآن

هشام محمد طلبة محمد صلي اللّه عليه و سلّم في الترجوم و التلمود و التوراة...

عباس محمود العقاد مطلع النور

د.أحمد حجازي السقا المسيا المنتظر نبي الإسلام صلي اللّه عليه و سلم

د.أحمد حجازي السقا نقد التوراة...

د.أحمد حجازي السقا بشارة نبي الإسلام في التوراة و الإنجيل

د.أحمد حجازي السقا أقانيم النصاري

د.أحمد حجازي السقا نبوءة محمد في الكتاب المقدس

د.أحمد حجازي السقا"بيريكليت"اسم نبي الإسلام في كتاب عيسي عليه السلام..

د.أحمد حجازي السقا الحج إلي الكعبة في التوراة و الزبور و الإنجيل و القرآن

ص: 469

الشفيع الماحي أحمد محمد صلي اللّه عليه و سلّم في بشارات التوراة و الإنجيل

أحمد عبد الوهاب اختلافات في تراجم الكتاب المقدس

أحمد عبد الوهاب الإسلام و الأديان الأخري

أحمد عبد الوهاب النبوة و الأنبياء في اليهودية و المسيحية و الإسلام

ابن سليم البغدادي الفارق بين المخلوق و الخالق

عبد اللّه الترجمان تحفة الأريب في الردّ علي أهل الصليب

الحبر المهتدي إسرائيل بن الرسالة السبعية

شموئيل(تحقيق عبد الوهاب طويلة)

عبد المجيد الزنداني كتاب توحيد الخالق

د.شوقي أبو خليل الحوار دائما...

د.شوقي أبو خليل الإسقاط اللاشعوري

د.محمد فاروق الزين المسيحية و الإسلام و الاستشراق

د.زينب عبد العزيز محاصرو و إبادة...

علي الجوهري حقيقة النصرانية من الكتب المقدسة

أخلاق حسين الدهلوي مقال"أضواء علي كتب الفيدا و ما يتعلق بها

إشراف مانع الجهني الموسوعة الميسرة في الأديان و المذاهب و الأحزاب المعاصرة

د.محمد معروف الدواليبي نظرات إسلامية

د.إبراهيم خليل لما ذا أسلم صديقي

د.محمد بن شريف الأديان في القرآن

د.أحمد علي المجدوب أهل الكهف في التوراة و الكتاب

ص: 470

و القرآن

أنور الجندي الإسلام في مواجهة الفلسفات القديمة

د.محمد جمعة عبد اللّه ردّ افتراءات المبشّرين علي آيات القرآن الكريم

سعيد حوي الرسول صلي اللّه عليه و سلم

محمد علي قطب نظرات في إنجيل برنابا

محمد كامل عبد الصمد الإعجاز العلمي في الإسلام-السنّة.

محاضرات الموسم الثقافي لعامي 1406-1407 ه

خالد عبد الرحمن العك غاية حياة الإنسان

د.فهد بن عبد الرحمن الرومي خصائص القرآن الكريم

د.محمد بن سعد بن حسين الرسالة و الرسول

عبد الودود شلبي التزوير المقدس

قيس الكلبي محمد خاتم الرسل في التوراة و الإنجيل

مصطفي صادق الرافعي وحي القلم

السموأل بن يحي المغربي

إفحام اليهود(دراسة و تحقيق د.

محمد عبد اللّه الشرقاوي)

حسن ضياء الدين عنز بينات المعجزة الخالدة

محمد عمر حمادة تاريخ الصابئة المندائيين

محمد سيد محمود علاج المسحور من الكتاب و المأثور

د.محمد عمارة في المسألة القبطية حقائق و أوهام

سهيل التغلبي الصهيونية تحرّف الإنجيل

د.علي عبد الواحد وافي الأسفار المقدسة في الأديان السابقة

ص: 471

للإسلام

جعفر إدريس الفيزياء و وجود الخالق

د.محمد بيومي مهران موسوعة"دراسات تاريخية من القرآن الكريم"

د.موريس بوكاي التوراة و الإنجيل و القرآن و العلم (تعريب حسن خالد)

د.محمد فاروق الزين المسيحية و الإسلام و الاستشراق

إشراف مانع الجهني الموسوعة الميسرة في الأديان و المذاهب و الأحزاب المعاصرة

د.محمد جمعة عبد اللّه ردّ افتراءات المبشرين علي آيات القرآن الكريم

محمد كامل عبد الصمد الإعجاز العلمي في الإسلام-السنّة

خالد عبد الرحمن العك غاية حياة الإنسان

د.محمد بن سعد بن حسين الرسالة و الرسول

مالك بن نبي(تعريب عبد الظاهرة القرآنية الصبور شاهين)

جورجي كنعان الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي

كتب من الانترنت

ص: 472

سامي البدري بشارة النبي يعقوب بالنبي محمد

دانيال أ.باسوك(تعريب سعد رستم)أساطير التجسّد في الشرق الأدني القديم و أثرها في المسيحية

عوض سمعان كتاب برنابا في ضوء التاريخ العقل و الدين

د.منقذ السقار هل افتدانا المسيح علي الصليب

د.رءوف شلبي يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء

د.عبد المعطي الدلاتي ربحت محمدا و لم أخسر المسيح

سامي البدري بشارة النبي يعقوب بالنبي محمد

دانيال أ.باسوك أساطير التجسّد في الشرق الأدني القديم و أثرها في المسيحية(تعريب سعد رستم)

عوض سمعان إنجيل برنابا في ضوء التاريخ العقل و الدين

د.رءوف شلبي يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء

د.عبد المعطي الدلاتي ربحت محمدا و لم أخسر المسيح

الإمام ابن كثير البداية و النهاية

الإمام ابن القيم جلاء الأفهام في فضل الصلاة علي محمد

خير الأنام

د.عبد العزيز شهبر لغات الرسل و أصول الرسالات

ص: 473

و آخرون فؤاد العطار نظرية الإغماء....

عائض القرني محمد صلي اللّه عليه و سلّم كأنّك تراه

سام شمعون محمد في الكتاب المقدس..ردّا علي

د-جمال بدوي

جوش ماكدويل

برهان جديد يتطلّب قرارا

حليم حسب اللّه

المسيح بين المعرفة و الجهل

متّي بنهام خمائل الطيب

بنيامين بنكرتن

التعليق علي إنجيل متّي

الترميذة علاء النشمي

أسئلة و أجوبة عن الديانة المندائية

د.مشرح علي أحمد علي ما ذا يقول تلمود اليهود عن المسيح و المسيحيين...؟!

الموسوعة الفقهية الكويتية

مقال في صحيفة"كتابات"30 سبتمبر 2004 بعنوان"شبهات وهمية حول كتاب برنابا"نبيل الكرخي

ص: 474

مقال في صحيفة"كتابات"1 أكتوبر 2004 بعنوان"نظرة علي الطبعات الحديثة للكتاب المقدس"نبيل الكرخي

مقالات و بحوث من موقع"الجامع"و منتداه علي الشبكة العنكبوتية

مقالات و بحوث من موقع"المسيحية في الميزان"علي الشبكة العنكبوتية

مقالات و بحوث من موقع"ابن مريم"علي الشبكة العنكبوتية

مقالات و بحوث من موقع"المهتدي"علي الشبكة العنكبوتية

كتب باللغة الانجليزية:

معاجم و تعاليق و موسوعات بالإنجليزية:

The king James James Study Bible The Five Gospls Jesus Seminar Azimo's Guide to the Bible Isaac Azimov Zondervan's Compact Bible Dictionary The New International Version Study bible Gospel of Barnabas,Notes and Vommentary M.Yussef The Nag Hammadi Library Jemes M.Robinson كتب متفرقة بالانجليزية:

ص: 475

ص: 476

ص: 477

معاجم و تعاليق و موسوعات بالانجليزية من الانترنت:

Adam Clark Commentary of the Bible Catholic Encyclopedia

ص: 478

كتب و أبحاث متفرقة باللغة الإنجليزية من الانترنت:

ص: 479

"Altogther Lovely "Uncovering the Song of songs 5:16 كتاب باللغة الفرنسية:

Tr.Cirillo.l,Fremaux Evangile de Barnabe

ص: 480

الفهرس

الإهداء 2

توطئة 3

محمد صلي اللّه عليه و سلم في أسفار اليهود و النصاري 11

مقدمة 12

لما ذا يبحث المسلم في موضوع البشارة 23

لما ذا علي غير المسلم أن يبحث في موضوع البشارة 31

شبهات:34 **كيف أترك أقوال الآباء...!36

**عدم ورود الذكر الصريح لنبي الإسلام في الأسفار المقدسة!43

**غموض البشارات التي يذكرها المسلمون!96

**عدم تحريف"الكتاب المقدس"..!!102

**لا رسالة و لا نبوة بعد المسيح..!!150

**المسلمون يتعسفون في تأويل النصوص!!:169

........بشارة"العبد الصالح"193

.......بشارة"ابن الإنسان"205

........بشارة"شيلون"223

........بشارة"الحجر الذي رفضه البناءون"232

بشارات من"الكتاب المقدس":241

ص: 481

*بشارة"أحمد" 243

*بشارة"محمد" 248

*المقبل من"فاران" 252

*ابن قيدار الآتي من فاران 268

*المجد الساطع 274

*تاريخ فتح بيت المقدس 278

*"مكة" 281

*النبي الأمي 303

*راكب الجمل 310

*الأمة العظيمة 314

*المنتصر..صاحب السيف 321

*الرسول المسري به إلي المسجد الأقصي 330

*"ملكوت السماوات"في الإنجيل 334

*بشارة من"عرفات" 340

*خاتم النبوة 342

*أهم اكتشاف حديث!!345

*بشارة مخفية!347

إنجيل برنابا 348

محمد صلي اللّه عليه و سلم في أسفار الهندوس و الصابئة 407

و البوذيين و المجوس

ص: 482

البشارة في كتب الهندوس 411

البشارة في كتب الصابئة 434

البشارة في كتب البوذيين 441

البشارة في كتب المجوس 445

الملحق الأول 454

الملحق الثاني 460

المراجع 467

الفهرس 481

ص: 483

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.