الاربعون في المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف

اشارة

الاَربَعُون فِي المَهدِي عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

السيَّد جَلَال مُوسَوي

نشر: بقية العترة

المطبة: زيتون

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ

ص: 2

الاَربَعُون فِي المَهدِي عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

السيَّد جَلَال مُوسَوي

نشر: بقية العترة

المطبة: زيتون

مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

ص: 3

ص: 4

الإهداء

اليك يبن السّادة المقرّبين

يبن النجباء الاكرم-ين

يبن الهداة الم-هديين

يبن سيدة نساء العالمين

ايها المهدي اهدي هذا الجهد المتواضع قائل:

(يَا أيُّها اَلْعَزِيزُ مَسَّنَا وأهْلَنَا الضُّرُّ وجِئْنَا بِبِضعَة مُزْجة فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وتَصَدَّقْ عَلَيْنَا اِنَّ اللَّهَ يَجْزِي اَلْمُتَصَدِّقِينَ)

بحق عمّك الُمحسن (عليه السلام)

المؤلف

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز

الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي سيدنا محمد وآله الطاهرين.

الاعتقاد بالمهدي المنتظر عليه السلام من الأمور المجمع عليها بين المسلمين، بل من الضروريّات التي لا يشوبها شك. (1)

وقد جاءت الأخبار الصحيحة المتواترة عن الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله أنّ الله تعالي سيبعث في آخر الزمان رجلاً من أهل البيت عليهم السلام يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجور، وجاء أنّ ظهوره من المحتوم الذي لا يتخلّف، حتّي لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله عز وجل ذلك اليوم حتّي يظهر.

وكيف وأنّي يتخلّف وعد الله عز وجل في إظهار دينه علي الدين كلّه ولو كره المشركون؟ وكيف لا يحقّق _ تعالي _ وعده للمستضعفين المؤمنين باستخلافهم في الأرض وبتمكين دينهم الذي ارتضي لهم، وإبدالهم من بعد خوفهم أمن، ليعبدونه _ تعالي _ لا يشركون به شيئ.

وقد أجمع المسلمون علي أنّ المهديّ المنتظر عليه السلام من أهل البيت عليهم السلام، وأنّه من ولد فاطمة عليها السلام. وأجمع الإماميّة _ ومعهم عدد كبير من علماء السنّة _ أنّه من ولد الإمام الحسين عليه السلام، وأجمعوا _ ومعهم عدد من علماء السنة _ أنّه عليه السلام من ولد الإمام الحسن العسكري عليه السلام، فأثبتوا اسمه ونعته وهويته الكاملة.

هكذا فقد اعتقد الإمامية _ ومعهم بعض علماء السنّة _ أنّ المهديّ

ص: 7


1- روي عن النبيّ صلي الله عليه وآله أنّه قال: من أنكر خروج المهديّ فقد كفر بما أنزل علي محمّد. انظر عقد الدرر: 230؛ عرف المهدي 2: 83؛ الفتاوي الحديثيّة: 27؛ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 175/ ف 12.

المنتظر قد ولد فعل، وأنّه حيّ يرزق، لكنّه غائب مستور، وماذا تنكر هذه الأمّة أن يستر الله عز وجل حجّته في وقت من الأوقات؟ وماذا تنكر أن يفعل الله تعالي بحجّته كما فعل بيوسف عليه السلام، أن يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه، حتّي يأذن الله عز وجل له أن يعرّفهم بنفسه كما أذن ليوسف (قالُوا أَإِنَّكَ لأََنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي). (1)

أو لم يخلّف رسول الله صلي الله عليه وآله في أمتّه الثقلين: كتاب الله وعترته، وأخبر بأنّهما لن يفترقا حتّي يردا عليه الحوض؟ أو لم يخبر صلي الله عليه وآله أنّه سيكون بعده اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، وأنّ عدد خلفائه عدد نقباء موسي عليه السلام؟ وإذا كان الله تعالي لم يترك جوارح الإنسان حتّي أقام لها القلب إماماً لتردّ عليه ما شكّت فيه، فيقرّ به اليقين ويبطل الشكّ، فكيف يترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم. (2) وحقّاً (لا تَعْمَي الأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَي الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). (3)

ولا ريب أنّ للعقيدة الشيعيّة في المهدي المنتظر عليه السلام _ وهي عقيدة قائمة علي الأدلّة القويمة العقليّة والنقليّة _ رجحاناً كبيراً علي عقيدة من يري أنّ المهدي المنتظر لم يولد بعد، يقرّ بذلك كلّ من ألقي السمع وهو شهيد إلي قول الصادق المصدّق صلي الله عليه وآله: من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتةً جاهليّة. (4)2.

ص: 8


1- يوسف: 9؛ والاستدلال منتزع من الكافي 1: 337.
2- انظر محاججة مؤمن الطاق مع عمرو بن عبيد؛ كمال الدين 1: 207 - 209/ ح 23.
3- الحجّ: 46.
4- حديث مشهور تناقله علماء الطرفين في مجاميعهم الحديثية بتعابير تتّفق في مضمونها - انظر - علي سبيل المثال - مسند أحمد 3: 446 و4: 96؛ المعجم الكبير للطبراني 12: 337، و19: 335 و338، و20: 86؛ طبقات ابن سعد 5: 144؛ مصنّف ابن أبي شيبة 8: 598/ ح 42. وانظر تفاسير الطرفين، في تفسير آية (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أناسٍ بِإِمامِهِمْ) أي بإمام زمانهم. انظر الفردوس للديلمي 5: 528/ ح 8982.

ناهيك عن أنّ من معطيات الاعتقاد بالإمام الحيّ أنّها تمنح المذهب غناءً وحيويّة لا تخفي علي من له تأمّل وبصيرة. (1)

ولا ريب أنّ إحساس الفرد المؤمن أنّ إمامه معه يعاني كما يعاني، وينتظر الفرج كما ينتظر، سيمنحه ثباتاً وصلابة مضاعفة، ويستدعي منه الجهد الدائب في تزكية نفسه وتهيئتها ودعوتها إلي الصبر والمصابرة والمرابطة، ليكون في عداد المنتظرين الحقيقيين لظهور مهديّ آل محمد عليه وعليهم السلام، خاصّة وأنّه يعلم أنّ اليمن بلقاء الإمام لن يتأخرّ عن شيعته لو أنّ قلوبهم اجتمعت علي الوفاء بالعهد، وأنّه لا يحبسهم عن إمامهم إلاّ ما يتّصل به ممّا يكرهه ولا يؤثره منهم. (2)

ولا يماري أحد في فضل الإمام المستور الغائب _ غيبة العنوان لا غيبة المعنون _ في تثبيت شيعته وقواعده الشعبية المؤمنة حراسته، كما لا يماري في فائدة الشمس وضرورتها وإن سترها السحاب. كيف، ولولا مراعاته ودعائه عليه السلام لاصطلمها الأعداء ونزل بها اللأواء، لا يشكل أحد من الشيعة أنّ إمامه أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء. (3)

وقد وردت روايات متكاثرة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام تنصبّ في مجال ربط الشيعة بإمامهم المنتظر عليه السلام، وجاء في بعضها أنه عليه السلام يحضر الموسم فيري الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه، (4) وأنّه عليه السلام يدخل عليهم2.

ص: 9


1- انظر كلام المستشرق الفرنسي الفيلسوف هنري كاربون في مناقشاته مع العلاّمة الطباطبائي في كتاب (الشمس الساطعة).
2- انظر: الاحتجاج للطبرسي 2: 325؛ بحار الأنوار 53: 177.
3- قال صلي الله عليه وآله: النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض. انظر علل الشرايع 1: 123؛ كمال الدين 1: 205/ ح 17 - 19.
4- وسائل الشيعة 11: 135؛ بحار الأنوار 52: 152.

ويطأ بسطهم، (1) كما وردت روايات جمّة في فضل الانتظار، وفي فضل إكثار الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ فيه فرج الشيعة.

وقد عني مركز الدراسات التخصّصيّة في الإمام المهديّ عجل الله فرجه بالاهتمام بكلّ ما يرتبط بهذا الإمام الهمام عليه السلام، سواءً بطباعة ونشر الكتب المختصّة به عليه السلام، أو إقامة الندوات العلميّة التخصصيّة في الإمام عجل الله فرجه ونشرها في كتيبات أو من خلال شبكة الانترنيت ومن جملة نشاطات هذا المركز نشر سلسلة التراث المهدويّ، ويتضمّن تحقيق ونشر الكتب التراثية المؤلّفة في الإمام المهديّ عجل الله فرجه، من أجل إغناء الثقافة المهدويّة، ورفداً للمكتبة الإسلاميّة الشيعيّة، نسأله - عزّ من مسؤول - أن يأخذ بأيدين، وأن يبارك في جهودنا ومساعين، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، والحمد لله رب العالمين.

تنبيه:

لما كانت بعض القصص والحكايات المذكورة في الكتاب لا تنسجم مع التحليل العلمي والسندي لذا قمنا بالتعليق عليها وتركنا البعض الآخر في بقعة الامكان إذ أن الهدف الأساس من كتابة مثل هذه الحكايات هو ايجاد الارتباط الروحي والقلبي مع المولي صاحب العصر والزمان فليس من الضروري معاملة هذه الحكايات علي أساس البحث السندي الدقيق المتبع في أروقة الحوزة العلمية والمناهج الدراسية إذ أن المتحصل الاجمالي من هذه الحكايات وغيرها العشرات بل المئات هو حصول العلم الاجمالي بوقوع أمثال هذه اللقاءات في عصر الغيبة الكبري وهذا ما يفيدنا في هذا الباب وليس المهم تحقيق صحة كل قضية وواقعة.

السيد محمد القبانچي

مركز الدراسات التخصّصية

في الإمام المهدي عليه السلام

النجف الأشرف4.

ص: 10


1- الكافي للكليني 1: 337/ ح 4.

المقدمة:

اشارة

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

الحمد للّه والصّلواة والسّلام علي رسول اللّه وعلي آله آل اللّه واللّعن علي اعدائهم اعداء اللّه.

روي الشيخ الطوسي (قدس سره) في كتاب الغيبة، والطبرسي في الاحتجاج، انه خرج التوقيع الي ابي الحسن السمري النائب الرابع للامام الحجة ابن الحسن (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، في الغيبة الصغري، جاء فيه:

(يا علي بن محمد السمري أعظم اللّه اجر اخوانك فيك فانك ميّت ما بينك وبين ستّة أيام. فاجمع أمرك ولا توصي الي أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور الاّ بعد اذن اللّه تعالي ذكره وذلك بعد طول الامد، وقسوة القلوب، وامتلاء الارض جور، وسيأتي الي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر ولا حول ولا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم).

وقع هذا الخبر الشريف مثاراً للجدل والنقاش وخصوصاً في كيفية الجمع بينه وبين عشرات الحكايات التي تدل علي مشاهدة الجمال الانور لمولانا صاحب العصر والزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) في عالم اليقظة لا النوم، خاصة وان كبار علمائنا كالشيخ الانصاري والعلامة بحر العلوم والسيد ابو الحسن الاصفهاني والمقدس الاردبيلي وغيرهم، كانوا من جملة من تشرف بلقائه (صلوات اللّه عليه وعلي آبائه الطاهرين).

ص: 11

فمن جهة لا نحتمل ادني احتمال، كذب هؤلاء المقدّسين في دعواهم، ومن جهة اخري فان الحديث يكذّب مدعي المشاهدة، فكان لابد من الجمع بينهما بنحو من انحاء الجمع.

وقد تصدي جمع من علمائنا الابرار للجمع بينهما وذكروا وجوها عديدة لذلك، ورعاية للاختصار نذكر وجهاً واحدا مضافاً الي ما قيل في تضعيف هذا الخبر من جهة جهالة الراوي وهو ابو محمد الحسن بن أحمد المكتب. (1)).

ص: 12


1- لمزيد من الاطلاع علي التخريجات راجع كتاب النجم الثاقب ج2 للعلامة النوري (قدس سره).

توجيه الخَبَر:

ذكر العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار في خصوص هذا الخبر ما يلي:

(لعلّه محمول علي من يدّعي المشاهدة مع النيابة وايصال الاخبار من جانبه (عليه السلام)الي الشيعة علي مثال السفراء).

اذن، فالمراد من المشاهدة التي يكذّب مدعيها في زمن الغيبة الثانية (الكبري) هو المشاهدة مع ادّعاء النيابة الخاصة التي انتهت بصريح الرواية بموت النائب الرابع علي بن محمد السمري، وتوضيح هذا الوجه كما يلي:

النيابة أو السفارة الخاصة للامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)تحتاج الي تعيين من قبله (عليه السلام)، وهكذا كان بالنسبة للنائب الأول وهو عثمان بن سعيد.

وحينما دني اجل عثمان بن سعيد اخبره الامام (عليه السلام) بذلك وأمره بالوصية الي محمد بن عثمان الخلاّني ليخلفه في النيابة الخاصة، فاضحي الاخير، النائب الثاني للامام في الغيبة الصغري وكان يشاهد الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ويتلقي منه الأوامر والتعليمات واجوبة المسائل التي كانت توجه اليه.

وحينما دني اجل محمد بن عثمان نعيت اليه نفسه من قبل الامام (عليه السلام) وأمر بالوصية الي الحسين بن روح ليكون النائب الخاص الثالث.

ص: 13

وهكذا الأمر بالنسبة الي الحسين بن روح حيث أوصي بامر من الامام (عليه السلام)الي علي بن محمد السمري الذي صار النائب الرابع للامام (عليه السلام) والسفير الخاص في الغيبة الصغري التي استمرت لسبعين عاماً تقريب، حيث بدأت من وفاة الامام العسكري (عليه السلام) في أوائل سنة 260 ه- الي وفاة السمري سنه 329.

والنكتة المهمة هنا هي انه في كلّ مرّة كان يخرج توقيع من الامام (عليه السلام) للنائب الفعلي يبيّن له النائب اللاحق ولم يرد في ايّ من تلك التواقيع مسألة تكذيب مدّعي المشاهدة الاّ التوقيع الاخير الذي ادرجناه في اول المقدمة.

ومن ثَمّ تتضح لنا اهمية تضمين التوقيع الشريف فقرة تكذيب مدعي المشاهدة، فان ذلك انّما هو لسدّ باب افتراء النيابة الخاصة وتضليل الشيعة واغوائهم.

اذن، فمن أخذ هذه الفقرة بدون ملاحظة ظروف صدور التوقيع ومناسباته، فانه سيقع حتما في ذلك التوهّم وهو تكذيب مدّعي المشاهدة المجرّدة عن النّيابة الخاصّة وأمّا لو لوحظت الفقرة منظمّة الي صدر الخبر مضافاً الي تلك القرائن السياقيّة، فانه لن يشتبه الأمر علي أحد في امكان التشرف بخدمته من دون ادعاء النيابة او السفارة الخاصة.

ولعلّه، يمكن لنا من خلال التدقيق في نفس هذا الخبر ان نستكشف أنّ المراد من المشاهدة هنا هو (ال-ظ-ه-ور) وانتهاء أمد الغيبة الكبري، خصوصا اذا علمنا ان من العلامات القريبة من الظهور هو خروج السفياني والصيحة.

فتكذيب مدعي المشاهدة قبل هاتين العلامتين، يعني عدم تكذيبه بعده، فيكون المراد من المشاهدة، المشاهدة زمن الحضور بعد الغيبة الكبري، وهو منفيّ في كل الحكايات التي نقلت عن تشرفات العلماء بلقاء الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فلا يدعي احد منهم انتهاء الغيبة الكبري.

واللّه العالم.

ص: 14

إشارة:

ورد في بعض الاخبار عن النبي (صلي الله عليه وآله) انه شبّه استفادة الناس من الامام المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) في غيبته باستفادتهم من الشمس اذا حجبتها الغيوم.

وهذا التشبيه منه (صلوات اللّه عليه) قد يكون ناظرا الي نكتة من جملة نكات اخري ذكرها العلماء في خصوص هذا التشبيه.

وهذه النكتة هي ان للشمس غروبان، غروب اصغر وغروب اكبر، ويتحقق الغروب الاصغر بمجرد اختفاء قرصه، ولكن يبقي الناس يستفيدون من نورها حتي ذهاب الحمرة المغربية حيث يبدأ الغروب الاكبر للشمس.

وهكذا بالنسبة الي المهدي من آل محمد (صلوات اللّه وسلامه عليه) فقد كان له غيبة صغري استمرت زهاء السبعين سنة وكان الناس يستفيدون من وجوده الشريف علي الرغم من غياب شخصه، وذلك عن طريق سفرائه الاربعة، واستمرت تلك الغيبة حتي وفاة النائب الرابع وبدأت الغيبة الكبري.

ثم ان للشمس شروقان، اصغر واكبر، ويبدأ الشروق الاصغر بالفجر الصادق، وشيئا فشيئا تضيء السماء وان كان قرص الشمس بعد لم يظهر للانظار، ويستمر ذلك حتي ظهور القرص فيبدأ الشروق الاكبر.

وهكذا الحال بالنسبة للمهدي من آل محمد (صلوات اللّه وسلامه عليهم اجمعين) فان له ظهورٌ اكبر يسبقه ظهور اصغر كالشمس بالضبط، وظهوره الاكبر يبدأ بظهور شخصه الشريف بجسده الظاهري، ويسبق ذلك ظهور أصغر يقترن بغياب شخصه عن عامة الناس، الاّ ان بعض المؤمنين يتشرف بزيارته ولقائه والاستفادة منه.

ص: 15

وفي الحقيقة ان هذه المرحلة، برزخ بين الظهور الاكبر والغيبة الكبري التامّة.

ويعتقد بعض العلماء ان عصرنا الحاضر هو نفس هذه المرحلة البرزخيّة أو الظهور الاصغر.

ويمكن الاستشهاد لهذه الدعوي ببعض القرائن والمعالم، منه:

انتشار فكرة المهدوية علي مدي واسع في الفكر الاسلامي بل وحتي في الفكر غير الاسلامي بعنوان المصلح الاكبر للعالم الخاضع تحت هيمنة الظلم والجور. وهذا ما لم يكن موجوداً قبل مائتي سنة، مثل.

ومنها تسمية الناس اولادهم باسم: مهدي ومنتظر، وتسمية المؤسسات والمراكز الثقافية والتعليمية وغيرها بمثل تلك الاسماء والعناوين، وبالنتيجة نشر هذا الاسم الشريف علي مستوي واسع في العالم، وهذا الأمر لم يكن موجوداً قبل عقود من الزمن.

ومنها ازدياد عدد الاشخاص الذين يتشرفون بلقائه والاستفاضة من وجوده الشريف، في اماكن متعددة ومختلفة، حتي قيل بان اصل نشوء الاسلام في أميركا كان علي يد رجل تشرف بلقاء المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

هذه الامور وغيرها من القرائن تكشف عن ان هذا العصر، هو عصر الظهور الاصغر، الذي سيتصل قريباً بالظهور الاكبر انشاء اللّه تعالي.

ص: 16

الاربعون:

كما سيتضح للقاري الكريم، فاننا ذكرنا في هذا الكتاب اربعين آية، واربعين رواية، واربعين حكاية واربعين اشارة، وذلك تيمناً بهذا الرقم فانه رقم متميز، ولعلّ فيه خصوصيات لها تاثيرها في عالم التكوين، وقد ذكرت بعض الشواهد علي امتياز هذا العدد او شرفه، في بعض كتب علمائنا الابرار، مضافاً الي وروده في بعض الروايات الشريفة.

فقد ورد: في النبوي المروي في كتاب لبّ اللباب للقطب الراوندي:

(من اخلص العبادة للّه أربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه علي لسانه).

وورد: ان آدم بكي علي خطيئته اربعين عاما حتي غفر اللّه له.

وورد: في الكافي: (ما اخلص عبد الايمان باللّه اربعين صباحاً الاّ زهّده اللّه في الدنيا وبصره داءها ودواءها واثبت الحكمة في قلبه وانطق بها لسانه).

وورد: ان بهلول النباش التجأ الي بعض جبال المدينة اربعين يوماً يستغفر ويتضرع حتي قبلت توبته في اليوم الاربعين ونزلت فيه آية من القرآن.

وورد:

ص: 17

ان داود بكي علي الخطيئة اربعين يوم.

وورد: ان النبي الاكرم (صلي الله عليه وآله) بعث وهو ابن اربعين سنة.

وورد: في الذكر الحكيم ان اللّه تعالي جعل ميقات نبيّة موسي بن عمران (عليه السلام)، اربعين يوم.

وورد: في النبوي ان موسي ما اكل وما شرب ولا نام ولا اشتهي شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه اربعين يوماً شوقاً الي ربّه.

وورد: ان النبي الاكرم (صلي الله عليه وآله) أُمر ان يهجر خديجة اربعين يوماً قبل بعثته.

وورد: ان من ترك اكل اللحم اربعين صباحا ساء خلقه، ومن اكل اللحم اربعين صباحا ساء خلقه.

وورد: ان من اكل الزيت وادّهن به لم يقربه الشيطان اربعين يوم.

وورد: في اكمال الدين للصدوق في ولادة المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) (انه (عليه السلام)لما ولد وسجد وشهد بالتوحيد والرسالة وامامة آبائه (عليهم السلام)، قالت حكيمة: فصاح ابو محمد الحسن (عليه السلام)فقال: يا عمّة تناوليه فها تيه. قالت: فتناولته واتيت به نحوه فلما مثلت بين يَدَي ابيه وهو علي يدي، سلّم علي أبيه، فتناوله الحسن (عليه السلام) والطير ترفرف علي رأسه، فصاح بطير منها

ص: 18

فقال: احمله واحفظه وردّه الينا في كلّ اربعين يوم. (1)

وورد: عن كشّاف الحقائق الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: (من دعا الي اللّه تعالي اربعين صباحاً بهذا العهد كان من انصار قائمنا (عليه السلام)، فان مات قبله، اخرجه اللّه من قبره واعطاه بكل كلمة الف حسنة ومحي عنه الف سيئة، وهو:

(اللّهم رب النور العظيم ورب الكرسي الرفيع … الخ). (2)

وورد: ان الامام الحجة بن الحسن (عليه السلام)، يظهر وهو ابن اربعين سنة.

وهناك عشرات الموارد التي ذكر فيها هذا الرقم ولا يسع المجال لاحصائها هن، كلها تدلّ علي امتياز هذا العدد.ب.

ص: 19


1- كمال الدين، ج2، ص102.
2- سنورد هذا العهد الشريف في ملحقات الكتاب.

لا مؤاخذة:

قد يعترض علينا بأن هذا الكتاب لم يأت بجديد، وانما نقل الموجود في بطون الكتب المعروفة وغير المعروفة لعامة الناس.

قلت: نعم، الحكايات الواردة في هذا الكتاب، ليست من نسج خيالي وفكري وانما هي من الكتب المعتبرة عندي وعند القاريء العزيز، فهذا صحيح، ولكن;

اول:

لم يرد مثل هذا الترتيب والجمع في كتاب آخر، حيث ذكرت في الكتاب اربعين آية من آيات الذكر الشريف ترتبط بالامام المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) أو بعصره واصحابه.

ثم اربعين رواية عن النبي واهل بيته (عليهم السلام) في نفس الجهة.

ثم نقلت اربعين حكاية تشرف بلقاء الامام المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) مع اشارة مختصرة عقيب كل حكاية.

وهذا الترتيب لم نجده في مصنف آخر.

ثاني:

ان الحكايات التي اوردتها في الكتاب هي حكايات تشرف مشاهير علمائن، الا ما ندر كحكاية كريمة الشيخ الاراكي (قدس سره) والتي نقلها نفس سماحة آية اللّه العظمي الشيخ محمد علي الاراكي وحكاية الحاج علي البغدادي.

ص: 20

وهذه ميزة يمتاز بها هذا الكتاب، حيث جمع بعض حكايات العلماء خاصة.

ثالث:

ان هذه الحكايات، نقلت من عدّة كتب قد يصل عددها الي العشرة، وجمعها في كتاب واحد يغني القاريء العزيز عن الرجوع الي تلك الكتب المتفرقة، والتي يصعب علي عامة الناس اقتناؤها خصوصاً ان بعضها غير معرّب.

السيد جلال الموسوي

15 شعبان 1422

ص: 21

ص: 22

الآية الأولي:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(ال--م * ذَلِكَ ألكِتَبُ لَا رَيْبَ فيهِ هُديً لِّلْمُتَّقِينَ * ألَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِألغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلوةَ ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنفِقُونَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة البقرة الآية 1-3

ابن بابويه(1) قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد الدقاق (رضي اللّه عنه) قال: حدثنا محمد (أحمد) بن ابي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسي بن عمران الحنفي عن عمه الحسين بن يزيد عن علي ابن حمزة عن يحيي بن (ابي)القاسم قال سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (ال--م * ذَلِكَ ألكِتَبُ لَا رَيْبَ فيهِ هُديً لِّلْمُتَّقِينَ * ألَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِألغَيْبِ) فقال: المتقون شيعة عليّ (عليه السلام) والغيب فهو الحجة (الغائب) وشاهد ذلك قول تعالي: (وَيَقُولُونَ لَو لا اُنزِلَ عَلَيهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ اِنَّما اَلْغيبِ لِلَّه فَانْتَظِرُوا إنّي مَعَكُمْ مِن المُنْتَظِرِينْ). (2)

ص: 23


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص340.
2- سورة يونس، الآية 20.

الحكاية الاولي: السيد بن طاووس

ذكر في ملحقات كتاب انيس العابدين نقلا عن السيد ابن طاووس (رضي) انه قال:

سمعت سحراً في السرداب(1) عن صاحب الأمر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) كان يناجي ويقول:

(اللهمَّ انَّ شيعتنا خلقت من شعاع أنوارنا وبقيّة طينتنا وقد فعلوا ذنوباً كثيرةً اتكالاً علي حبّنا وولايتنا فان كانت ذنوبهم بينك وبينهم فاصفح بينهم وقاصّها عن خمسنا وادخلهم الجّنة وزحزحهم عن النار ولا تجمع بينهم وبين أعدائنا في سخطك).م.

ص: 24


1- موضع في مدينة سامراء وهو الطابق تحت الأرضي لبيت الإمام العسكري عليه السلام وكانت غيبة الإمام المهدي عليه السلام فيه وهو الآن مجاور الروضة العسكرية علي مشرفها السلام.

إشارة:

في هذه المناجات والدعاء نكات مهمة:

الاولي: ترتبط بخلقة شيعة اهل البيت (عليهم السلام) حيث تصرّح الفقرة الاولي من المناجات ان خلقتهم متميزة عن خلقة سائر الناس، فهم مخلوقون من فاضل طينة ائمتهم الاطهار وشعاع انوارهم المطهرة، وهذا الأمر كما يكون مدعاة لافتخار الشيعة بخلقهم ينبغي ان يكون محفزا لهم علي التأسي باهل البيت (عليهم السلام) والتخلق باخلاقهم الفاضلة وتطبيق الشريعة الاسلامية كما كان اهل البيت (عليهم السلام) يفعلون.

الثانية: ان بعض الشيعة قد يتكل علي حبه وولائه لاهل البيت (عليهم السلام) فتنزل قدمه عند المغريات فينخدع بزينة الدنيا وزخارفها وهذا وان كان مكروها للائمة (عليهم السلام) الاّ انهم (عليهم السلام);لبعث الامل في نفوس شيعتهم ورحمة منهم بهم يتوسلون الي الله للتشفع لهم عنده ولزحزحتهم عن النار وادخالهم الجنّة بعيداً عن اعداء الله الكائنين في سخطه، فانه لا توجد مسانخة بين انوار أهل البيت (عليهم السلام) وطينتهم وبين النار، وكذا شيعتهم.

وبطبيعة الحال فان هذا لا يعني ان هناك تشجيعا علي التفريط بالخوف ولكنّه من باب الموازنة بين الخوف والرجاء كما امرنا به في الذكر الحكيم والروايات الشريفة.

ص: 25

الآية الثانية:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(سَنُريهِم آياتِنا في الافاق وفيانْفُسِهِم حَتّي يَتَبَيَّنَ لَهُم اَنَّهُ اَلحَقُّ) صدق اللّه العلي العظيم سورة حم. سجده الآية 53

محمد بن عباس قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك عن القاسم بن اسماعيل الانباري عن الحسن بن علي بن ابي حمزة عن ابيه عن ابراهيم عن ابي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالي: (سَنُريهِم آياتنافي اَلآفاقوَ فياَنفُسهم حَتّي يَتَبَيَّنَ لَهُم اَنَّهُ اَلحَقُّ)قال: في الافاق انتقاص الاطراف عليهم، وفي أنفسهم بالمسخ حتي يتبيّن انّه الحق اي انّه القائم (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف). (1)

وروي الحافظ القندوزي، باسناده عن ابي بصير قال: سئل الباقر (عليه السلام) عن هذه الآية: (سَنُريهِم آياتنا في اَلآفاق وفياَنفُسهم حَتّي يَتَبَيَّنَ لَهُم اَنَّهُ اَلحَقُّ).

قال: يرون قدرة اللّه في الافاق، وفي انفسهم الغرائب والعجائب، حتي يتبيّن لهم ان الخروج (القائم)هو الحق في اللّه عز وجل يراه الخلق لابد منه. (2)

ص: 26


1- كتاب تأويل الآيات الظاهرة.
2- ينابيع المودة، ص 512.

الحكاية الثانية: السيد محمد مهدي بحر العلوم

نقل جناب المولي السلماسي طاب ثراه قال: صلّينا مع جنابه (السيد بحر العلوم) في داخل حرم العسكريين (عليها السلام) فلما اراد النهوض من التشهد إلي الركعة الثالثة عرضته حالة فتوقف هنيئة ثم قام.

ولما فرغنا تعجبنا كلن، ولم نفهم ما كان وجهه ولم يتجرأ احدٌ منّا علي السوأل عنه الي ان أتينا المنزل فاشار إليّ بعض السادة من اصحابنا ان اسأله عنه فقلت: ل، وانت اقرب منّ، فالتفت السيد رحمة الله عليه إليّ وقال: فيمَ تقاولون؟

قلت (و كنت أجسر الناس عليه): انهم يريدون الكشف عمّا عرض لكم في حال الصلوة.

فقال: ان الحجّة (عجل الله تعالي فرجه الشريف) دخل الروضة للسلام علي ابيه (عليه السلام) فعرضني ما رأيتم من مشاهدة جماله الانور الي ان خرج منه. (1)7.

ص: 27


1- جنة المأوي، ص 237.

إشارة:

السيد محمد مهدي الطباطبائي (بحر العلوم) من علماء الشيعة الفطاحل، تشرف مراراً بخدمة ولي اللّه الاعظم الامام الحجة بن الحسن العسكري المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)و قد نقل المحدث القمي (ره) في كتاب رجاله ثمان حكايات ترتبط بكرامات هذه العالم الجليل وتشرفاته بخدمة ناموس العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ورد في احداهما ان الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ولفرط حبّه ولطفه وكرمه بالسيد، احتضنه وضمّه الي صدره الشريف.

فهنيئاً له وقدس الله نفسه ونور رمسه.

ص: 28

الآية الثالثة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَذَكِّرْهُمْ بِاَيَّامِ اَللَّه) صدق اللّه العلي العظيم سورة ابراهيم الآية 5.

الصدوق، قال:

حدثنا أبي قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال: حدثنا ابراهيم بن هاشم عن محمد بن ابي عمير عن مثني الحنّان عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام)قال:

أيام الله (عزّ وجل) ثلاثة: (يوم يقوم القائم ويوم الكرّة ويوم القيامة). (1)

ص: 29


1- معاني الأخبار، ص 365.

الحكاية الثالثة: الشيخ الاعظم مرتضي الانصاري (قدس سره)

نقل السيد حسن الابطحي في كتابة الكمالات الروحية الجزء الثاني أنّ احد تلامذة الشيخ الانصاري قال: خرجت ذات ليلة من منزلي في مدينة كربلاء المقدسة بعد منتصف الليل، وكان الظلام دامسا والازقة مملوءة بالوحل علي أثر هطول المطر، وكنت احمل معي سراج.

وبينما انا سائر في الطريق، رأيت من بعيد شخصاً يقترب، فدقّقت النظر فعرفت انه الاستاذ الشيخ الانصاري (ره) وبرؤيته في ذلك الظلام تسائلت مع نفسي تري الي اين يذهب الاستاذ في هذا الليل المظلم وفي هذه الازقة الموحلة مع ما به من ضعف في البصر؟

وتخوفا عليه من ان يكون قد كمن له احد في الطريق مشيت خلفه دون ان يشعر.

وسار الشيخ حتي وصل الي باب دار ووقف عندهاا وأخذ يقرأ الزيارة الجامعة بخشوع.

وبعد ان اتمّ قراءة الزيارة فُتِحَتْ له الباب ودخل الي داخل الدار، فلم أعُدْ اري شخصه ولكنّي سمعته يتحدث مع شخص في داخل الدار.

بعد ساعة تشرفت بزيارة الحرم المطهر ورأيت الشيخ هناك.

وفي ما بعد وعندما زرت سماحته سألته عن قصّته تلك الليلة، وبعد اصرار كثير أجابني قائل:

أحيانا احصل علي اذن للتشرف بخدمة امام العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ولقائه، فأذهب واقف الي جنب تلك الدار وازوره بالزيارة الجامعة،

ص: 30

فان صدر اذن ثان، تشرفت بزيارته في تلك الدار وسألته عن بعض المطالب وأستمدّ منه العون واعود.

ثم إن الشيخ (قدس سره) أخذ مني عهداً علي عدم افشاء هذا الأمر مادام هو علي قيد الحياة.

ص: 31

إشارة:

يستفاد من هذه القضية امور;

منه: مقام الشيخ الانصاري (قدس سره)، فهو مضافا الي كونه من كبار علماء الطائفة حتي صارت مصنفاته متوناً تدور حولها أبحاث الخارج فقهاً واصول، مضافاً الي ذلك نجده قد وصل الي درجة عالية من التقوي والورع والزهد حتي حظي باذن ولي اللّه الاعظم (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) لزيارته والتشرف بخدمته والاستفادة من علومه، ولعمري انه لمقام شامخ.

ومنه: اعتبار الزيارة الجامعة من جهة انه (قدس سره) لم يستأذن للدخول الي ساحة الامام الشريفة الّا بهذه الزيارة العالية سنداً ومتنا رغم وجود من يحاول التشكيك فيها لعدم توفيقه لدرك معانيها السامية واللطيفة.

ومنه: ان للامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) بيتا في كربل، ولا يستبعد ان يكون له بيتاً ايضا في النجف والكاظمين وسامراء والمدينة المنورة ومكة المكرمة بل وفي غيرها من البلاد ولكن هذه البيوت لا يهتدي اليها الا من حظي بتوفيق الهي للتشرف بخدمته (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) والا فانه لن يهتدي الي ذلك المكان مهما حاول وبحث عنه.

نسأل الله سبحانه وتعالي ان يوفقنا لطاعته واجتناب معصيته ويؤهلنا للوصول الي مقام خدام خدام مولانا ومولي الكونين أبي القاسم الحجة ابن الحسن العسكري (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) آمين.

ص: 32

الآية الرابعة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(يَسْئَلُوْنَكَ عَنِ اَلْسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاها قُلْ إِنَّما عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِهآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي اَلْسَّموَاتِ واَلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَاَنَّكَ حَفِّيٌ عَنْهَا قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اَللَّهِ ولَكِنَّ اَكثَرَ اَلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة الأعراف الآية 187.

روي الحافظ سليمان القندوزي في قوله تعالي: (يَسْئَلُوْنَكَ عَنِ اَلْسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاها).

قال: روي المفضل ابن عمر عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: ساعة قيام القائم. (1)

ص: 33


1- ينابيع المودة، الصفحة 429.

الحكاية الرابعة: السيد ابو الحسن الاصفهاني (قدس سره)(1)

كان أحد علماء بلاد اليمن ويلقب ب- (بحر العلوم)و هو زيدي المذهب ينكر الوجود المقدس لمولانا صاحب العصر والزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

وكان هذا العالم قد كتب رسائل كثيرة الي علماء الشيعة في زمانه طالبا منهم الادلة المقنعة علي اثبات وجوده الشريف ولكنه لم يقتنع باجوبتهم وادلتهم.

فكتب اخيراً رسالة مفصلة الي سماحة الحجة آية الله السيد ابو الحسن الاصفهاني (قدس سره)و الذي كان في النجف الاشرف، طالباً منه الادلة القاطعة علي اثبات وجود الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

اجابه السيد ابو الحسن الاصفهاني برسالة جاء فيه: اقدم الي النجف الاشرف وسأُجيبك شفاهة عن مسألتك.

ولما كان هذا العالم الزيدي طالبا للحقيقة في واقع الأمر، لذا شدّ الرحال مع ولده سيد ابراهيم وجمع من مريديه الي النجف الاشرف.

وعندما وصل الي النجف التقي السيد الاصفهاني وقال له: لقد جئت إلي النجف كما دعوتني وآمل ان تجيبني كما وعدتني.

قال له السيد: نعم، تعال غداً مساءً إلي منزلي وسأُجيبك عن سؤالك.

وفي مساء اليوم الثاني جاء بحر العلوم اليماني مع ولده الي منزلع.

ص: 34


1- السيد أبو الحسن الاصفهاني من كبار مراجع التشيّع، نقلت عنه كرامات كثيرة حتي صار مضرب مثل للتقوي والصلاح والورع.

السيد الاصفهاني، وبعد تناول طعام العشاء والبحث في بعض المطالب العلمية حول وجود المولي صاحب العصر والزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، انصرف بقيّة الضيوف وبقي بحر العلوم وولده عند السيد مع بعض الخواص.

وبعد انتصاف الليل قال المرحوم السيد الاصفهاني لخادمه (مشهدي حسين): احمل السراج وتعال معن.

وقال للسيد بحر العلوم وولده: هيّا بنا نذهب لترون بانفسكما صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

يقول السيد مير جهاني: كنّا حضورا هناك فاردنا ان نذهب معهم فلم يقبل السيد الاصفهاني وقال: ليأت بحر العلوم وولده فقط.

فذهبوا ولم نعرف الي أين يذهبون، ولكن في اليوم الثاني وعندما التقينا ببحر العلوم وولده سالناه عمّا جري في الليلة السابقة فقال:

بحمد اللّه، لقد تشرفنا باعتناق مذهبكم ونحن الان نعتقد بوجود ولّي العصر والزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) قلت: و كيف ذاك؟

قال: لقد أرانا السيد الاصفهاني الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

فسألته: و كيف اراكم بقية الله (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)؟

قال: عندما خرجنا من المنزل لم نكن ندري الي اين يذهب بنا السيد، حتي وصلنا الي وادي السّلامو في وسط الوادي محل يقال له (مقام صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)) عندما وصلنا الي المقام، اخذ السيد الاصفهاني السراج من مشهدي حسين واخذني معه الي داخل المقام وهناك جدد وضوءه وصلي اربع ركعات في المقام وتلفّظ ببعض الكلمات التي لم افهمها في حين كان ابني يضحك علي افعاله تلك.

وفجأة اضاء الفضاء.

وهناك يقول ابراهيم ابن بحر العلوم: في هذه الاثناء كنت خارج

ص: 35

المقام وكان ابي والسيد ابو الحسن الاصفهاني داخل المقام وبعد عدة دقائق سمعت صوت ابي الذي كان يصيح بصوت عال ثم أُغمي عليه.

اقتربت منه فرأيت السيد الاصفهاني يمرّغ له كتفيه حتي افاق.

وعندما رجعنا من هناك قال لي ابي: لقد رأيت حضرة بقية الله وولي العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) وقد شرّفني باعتناق المذهب الشيعي الاثني عشري، ولم يقل أبي اكثر من ذلك.

بعد عدة ايام رجع بحر العلوم وولده ومن معهم الي اليمن وصار سبباً في تشيّع اربعة الاف يماني زيدي واعتقادهم بالمذهب الاثني عشري.

ص: 36

إشارة:

لا يخفي ان الاسلوب الذي اتبعه السيد ابو الحسن الاصفهاني مع بحر العلوم اليمني لاثبات وجود الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) هو من افضل اساليب الاقناع ولكن ليس هو الاسلوب الوحيد بل هناك أساليب كثيرة، يمكن اعتمادها في هذا المجال، ولعلّ السيد الاصفهاني كان قاطعاً بان تلك الاساليب لا تنفع مع هذا الرجل ولان هناك فائدة كبيرة في اقناعة بوجود الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) كتشيّع آلاف الناس، بتشيّعة اضطر السيد لاستعمال هذا الاسلوب، ولا شك فيانه انما تمّ باجازة الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) والّا فان الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ليس روحا يمكن احضارها وتسخيرها متي ما شاء الاخرون-نعوذ بالله من مثل هذه التصورات-بل لا يمكن لأحد ان يراه ويتعرف عليه إلا بارادة الله تعالي.

فكل ما جري إذَن، انما جري لحكمة ومصلحة الهية وقد لا تتوفر هذه المصلحة في الموارد الاخري.

اللّهم أحينا حياة محمد وآل محمد (صلي الله عليه وآله) وامتنا مماتهم وتوفنا علي ملتهم انك سميع الدعاء.

ص: 37

الآية الخامسة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّلِحُونَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة الأنبياء الآية 105.

روي الحافظ القندوزي في عقد الدرر باسناده عن الامام الباقر والامام الصادق (عليهما لاسلام) في قوله تعالي: (ولَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّلِحُونَ) انه (عليه السلام) قال: (هم القائم واصحابه). (1)

ص: 38


1- عقد الدرر - الباب السابع - ص 217.

الحكاية الخامسة:

ذكر الشيخ الجليل امين الاسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (صاحب تفسير مجمع البيان) في كتابه كنوز النجاح قال:

دعاءٌ علّمه صاحب الزمان عليه سلام اللّه الملك المنان، أبا الحسن محمد بن أحمد بن ابي الليّث (رحمة الله تعالي عليه) في بلدة بغداد في مقابر قريش.

وكان ابو الحسن هذا قد هرب الي مقابر قريش والتجأ اليها خوفا من القتل فنجّي منه ببركه هذا الدعاء.

قال ابو الحسن المذكور انه علّمني ان اقول:

(الّلهمَ عظمَ البلاء وبرح الخفاء وانقطع الرجاء وانكشف الغطاء وضاقت الارض ومنعت السماء واليك يا ربي المشتكي وعليك المعّول في الشدّة والرخاء اللّهم فصلّ علي محمد وآل محمد أولي الأمر الّذين فرضت علينا طاعتهم وعرّفتنا بذلك منزلتهم ففرّج عنّا بحقّهم فرجاً عاجلا قريبا كلمح البصر او هو اقرب يا محمد يا علي اكفياني فانكما كافياي وانصراني فانكما ناصراي يا مولاي يا صاحب الزمان الغوث الغوث (الغوث) ادركني ادركني ادركني).

قال الرّاوي: انه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) عند قوله (يا صاحب الزمان)كان يشير الي صدره الشريف. (1)3.

ص: 39


1- بحار الأنوار، المجلد 53.

إشارة:

هذه الحكاية وان لم يرد فيها تفاصيل اللقاء والتشرف الّا ان نقل الطبرسي لها وذكر هذا الدعاء يدل علي قبوله له.

والمستفاد من هذه الحكاية ان الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) يتلطف علي شيعته ومواليه عندما نضيق بهم الامور.

وهذا المعني يستفاد من كثير من الحكايات، كما انه هو المستفاد من القابه وكناه صلوات الله عليه حيث يلقب ب- (الغوث).

ص: 40

الآية السادسة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَي أُمَّة مَّعْدُودَة لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وحَاقَ بِهِم ما كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة هود الآية 8.

روي الحافظ القندوزي (الحنفي) باسناده الي الامام محمد الباقر (عليه السلام) والامام جعفر الصادق (عليه السلام) في قوله تعالي: (ولَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَي أُمَّة مَّعْدُودَة لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وحَاقَ بِهِم ما كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ).

انهما قال:

الامّة المعدودة هم اصحاب المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) في آخر الزمان ثلاثمأة وثلاثة عشر رجلاً كعدّة أهل بدر، يجتمعون في ساعة واحدة كما يجتمع قزع الخريف. (1)

ص: 41


1- ينابيع المودة، 508.

الحكاية السادسة: آية الله العلامة الحلّي (قدس سره)

نقل السيد الشهيد القاضي نور الله الشوشتري (قدس سره) في (مجالس المؤمنين)انه اشتهر عند اهل الايمان ان بعض علماء اهل السّنة ممّن تتلمذ عليه العلاّمة في بعض الفنون، ألّف كتابا في ردّ الامامية ويقرأه للناس في مجالسه ويضلّهم وكان لايعطيه أحداً خوفاً من ان يردُّه أحد من الامامية.

فاحتال العلامة رحمه اللّه في تحصيل هذا الكتاب الي ان جعل تتلمذة عليه وسيلة لاخذه الكتاب منه عارية، فالتجأ الرجل واستحيي من ردّه وقال:

اني آليت علي نفسي ان لا أعطيه احداً ازيد من ليلة واحدة، فاغتنم الفرصة في هذا المقدار من الزمان.

فاخذه منه العلامة واتي به الي بيته لينقل منه ما تيسر منه للردّ عليه.

فلما اشتغل بكتابته وانتصف الليل، غلبه النوم فحضر الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) وقال:

ولّني الكتاب وخُذْ في نومك.

فانتبه العلّامة وقد تمّ الكتاب باعجازه (عليه السلام).

وفي بعض المؤلفات انه كتب في آخر الكتاب: (كتبه الحجة).

ص: 42

إشارة:

من هذه الحكاية يستفاد امور;

الاول:

عناد المخالفين واصرارهم علي الكيل والنيل من اتباع اهل البيت (عليه السلام) علي الرغم من كل ما ورد في كتبهم في أحقية مذهب اهل البيت عليهم الصلوة والسلام.

فهؤلاء ولتعصبهم الاعمي علي مرّ الازمنة وليوم الناس هذا يحاولون اطفاء نور الله بافواههم واقلامهم حتي ان هذا المعاند الوارد ذكره في القصة سطَّر بزعمه الفي دليل علي ابطال الحق!!فردّه. العلّامة (قدس سره) بالفي دليل لاثبات مذهب الحق وسمّي الكتاب بالالفين.

الثاني:

جِدُّ اتباع المذهب كالعلامة وغيره وتحملهم العناء من اجل نصرة المذهب والحق حتي اضطر العلّامة ان يحتال ويتتلّمذ عند هذا الشخص الذي لا يليق لان يكون تلميذا عند العلامة، كل ذلك من اجل الدفاع عمّن امرنا بمودتهم ومتابعتهم في القران الكريم والذين جعلهم النبي الاكرم محمد (صلي الله عليه وآله) عِدلْ القرآن.

الثالث:

لطف الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) بهؤلاء العلماء وبالشيعة والطائفة الحقّة والفرقة المحقة، ولا شك في ذلك وهو مظهر الرحمة الالهية واللطف الربانيّ حيث رأيت كيف انه (سلام اللّه عليه) تدخل بنفسه الشريف لنصرة اتباع مذهب اجداده الطاهرين (عليهم السلام).

ص: 43

الآية السابعة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(يُعْرَفُ الُْمجْرِمُونَ بِسِيمَهُمْ فيُؤْخَذُ بِاَلنَّوَصِي والْأَقْدَامِ * فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) صدق اللّه العلي العظيم سورة الرحمن/ الآية 41-42.

روي محمد بن الحسن الصفّار عن ابراهيم بن هاشم عن سليمان الديلمي عن معاوية الدهني عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه تبارك وتعالي: (يُعْرَفُ الُْمجْرِمُونَ بِسِيمَهُمْ فيُؤْخَذُ بِاَلنَّوَصِي والْأَقْدَامِ).

فقال (عليه السلام): يا معاوية ما يقولون في هذا؟

قلت: يزعمون ان اللّه تبارك وتعالي يعرف المجرمين بسيماهم في القيامة، فيأمر بهم فيؤخذ بنواصيهم واقدامهم فيلقون في النار.

فقال (عليه السلام) لي: وكيف يحتاج تبارك وتعالي الي معرفة خلق انشأهم وهو خلقهم؟

فقلت: جُعلت فداك وما ذاك (ذلك)؟

ص: 44

قال (عليه السلام): (ذلك) لو قام قائمنا (عليه السلام) اعطاه اللّه السّيما فيأمر بالكافر فيؤخذ بنواصيهم واقدامهم ثم تُخْبَط بالسيف خبط.

وقرأ ابو عبد الله (عليه السلام): هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان تصليانها لا تموتان ولا تحييان. (1)م.

ص: 45


1- بصائر الدرجات للصفار، ص 139، هكذا ورد وهو مضمون آيتين من القرآن الكريم.

الحكاية السابعة: السيد محسن الجبل عاملي

نقل صاحب كتاب (آثار الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)) قال:

قال جناب الحاج ميرزا علي الحيدري: سمعت هذه القضية من حجة الاسلام والمسلمين الشيخ اسحاق الرشتي ابن المرحوم آية الله الشيخ حبيب الله الرشتي.

وفي سفري الي الشام لزيارة مرقد العقيلة زينب بنت امير المؤمنين (عليها السلام)، التقيتُ بجناب المرحوم آية الله الحاج السيد محسن الجبل عاملي وسمعت قصته من لسانه، قال:

تشرفت بزيارة بيت الله الحرام أيّام حكومة الشريف علي علي ارض الحجاز، وكنت سلفا قد عرفت اني سأتشرف بخدمة حضرة بقية الله الاعظم ارواحنا فداه، في موسم الحج.

ولذا عندما كنت اُؤدي مناسك الحج كنت دائم الفكر في المولي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ولكن لم اوفق لشرف لقائه في ذلك الموسم.

فكّرت في الرجوع الي وطني، فوجدت ان الطريق بين مكة ولبنان طويل جد، ففضلت البقاء في مكة المكرمة برجاء ادراك توفيق زيارته (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) في السنة القابلة.

ولكني لم اوفق لذلك في السنة الثانية ولا الثالثة والرابعة وحتي الخامسة أو حتي السابعة (و الترديد بين الخامسة والسابعة من جناب الحالج ميرزا علي الحيدري).

وفي هذا البين تعرفت علي حاكم مكة (الشريف علي) وكنت اتردد

ص: 46

عليه احيان.

والشريف علي من سادات وشرفاء مكة المكرمة وكان زيدي المذهب (يعتقد بامامة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب، فهو متوقف عند الامام الرابع).

وفي السنة الاخيرة، وبعد اداء مناسك الحج، وبعدما وجدت اني لم اوفق في هذه السنة أيضا لشرف لقاء ولي العصر والزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) تألّمت واضطربت فخرجت من مكة الي احد الجبال المحيطه به.

ولما وصلت الي اعلي الجبل، شاهدت واحةً خضراء جميلة مزروعة بالثّيل لم أرها قبل ذلك الوقت، فَلِمْتُ نفسي علي عدم المجيء الي هذا المكان طيلة تلك السنوات التي قضيتها في مكة!!

وعندما وصلت الي تلك الواحة الخضراء شاهدت خيمة قد اقيمت في وسط تلك الحديقة الغنّاء وقد جلس جمعٌ من الرجال في تلك الخيمة يتوسطهم رجل تبدو عليه آثار الجلالة والهيبة والعلم، كأنه يلقي عليهم الدرس، وقد سمعته يقول:

(ان أولاد وذراري جدّتنا حضرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يُلَقَنون الايمان والولاية ساعة الاحتضار ولا يخرج احدُهم من الدنيا الاّ علي المذهب الحق والايمان الكامل).

وفي هذه الاثناء، جاء شخص من جهة مكة، وقال لذلك السيد الجليل:

ان الشريف في حال احتضار، فتفضل وشرّف.

عندما سمعت هذا الكلام من ذلك الشخص أسرعت علي الفور في الرجوع الي مكة، ودخلت مباشرة الي قصر الملك فوجدت الشريف في حال الاحتضار وقد اجتمع حوله العلماء والقضاة من أهل السنّة وهم يلقنونه بحسب مذهبهم، ولكنه كان صامتا لم يتفوه بحرف واحد، وكان ابنه بجوار سريره متأثرا مغتما لذلك.

ص: 47

وفجأة، دخل علينا ذلك السيد الجليل الذي كان جالسا وسط الخيمة وهو يُدرِّس اولئك النفر من الرجال، فجلس عند رأس (الشريف علي) ولكن بدا لي ان احدا غيري لم يلتفت بل لم يشعر بدخوله ووجوده عند رأس الشريف، ذلك لانني كنت انظر اليه ولكن الاخرين كانوا غافلين تماما عن وجوده. هذا وقد سلبت عني قدرة التكلم معه والسلام عليه تماما حتي كأن حواسي قد خرجت عن اختياري ولم اكن اقدر حتي علي الحركة ولو خطوة واحدة.

التفت ذلك السيد الي الشريف علي وقال:

(قل اشهد ان لا إله الا الله)

فقال الشريف: (اشهد ان لا اله الا الله)

قال ذلك السيد: (قل اشهد ان محمدا رسول الله)

فقال الشريف: (اشهد ان محمدا رسول الله)

قال السيد: (قل اشهد ان عليا حجة الله)

قال الشريف: (اشهد ان عليا حجة الله)

وهكذا علي هذا المنوال، اخذ السيد يُلَقِّن الشريف ويُشْهدُه علي ولاية الأئمة (عليهم السلام) واحدا بعد واحد حتي وصل الي الاقرار بامام الحجة بن الحسن العسكري (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

فقال للشريف: (يا شريف قل اشهد انك حجة اللّه).

فقال الشريف علي لذلك السيد: (اشهد انك حجة اللّه).

وهنا علمت اني تشرفت مرّتين بلقاء حضرة بقيّة اللّه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ولكن للأسف كانت القدرة قد سلبت مني تماما فلم اتمكن حتي من السلام عليه والكلام معه.

توفي المرحوم آية اللّه السيد محسن الجبل عاملي، سنة 1371 (ه. ق) ودفن في صحن السيدة زينب بنت امير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليها).

ص: 48

إشارة:

يستفاد من هذه الحكاية امور;

منه:

ان الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) يكون موجودا كل عام في موسم الحج، ويكون معه بعض أصحابه الذين يتشرفون بخدمته والاستفادة من علومه الالهية، ولعلّ هذه الاستفادة لا تنحصر بموسم الحج وانما يكون ذلك في مناطق ومناسبات اخري عندما يحظون بالفوز بلقائه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

ومنه:

شدة شوق بعض العلماء الي التشرف بخدمته حتي ان البعض يكرر السفر الي الحج مرات ومرات كي يفوز بلقائه كما في قضية علي بن مهزيار الآتية في هذا الكتاب، كما ان بعضهم ممن عاش في الازمنة السابقة حيث صعوبة السفر وطول مدته، كان يبقي في مكة المعظمة الي العام القادم في ما لو فاته ادراك الموسم كما حكي عن السيد محمد مهدي بحر العلوم، او فاته الهدف من سفره كما في هذه الحكاية.

فلمثل هذا فليتنافس المتنافسون.

ومنه:

ما قاله (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) في قضية اولاد وذراري امّ الأئمة فاطمة الزهراء (عليه السلام) وانهم لن يخرجوا من الدنيا حتي يقرّوا بولاية الأئمة الاثني عشر (صلوات الله عليهم اجمعين)، ليردوا الي القيامة علي عقيدة صحيحة

ص: 49

سليمة كاملة، وكلّ ذلك كرامة لفاطمة بنت محمد (صلوات الله وسلامه عليها).

وليس ذلك علي اللّه بعزيز وهو الذي خلق الخلق لاجلها كما روي في الحديث القدسي الشريف:

(يا محمد لو لاك لما خلقت الافلاك ولو لا علي لما خلقتك ولو لا فاطمة لما خلقتكما).

ص: 50

الآية الثامنة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَي الَّتِي بَرَكْنَا فِيهَا قُريً ظَاهِرَةً وقَدَّرْنَا فِيْهَا ألسَّيرَ سِيرُوا فِيْها لَيَالِيَ وأَيَّاماً ءَامِنِينَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة سبأ الآية 18.

الشيخ الطوسي، في الغيبة، قال: روي محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه عن محمد بن صالح الهمداني قال:

كتبت الي صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ان أهل بيتي يؤذونني ويقرعوني بالحديث الذي روي عن آبائك (عليهم السلام) انهم قالو: خدّامنا وقوّامنا شرار خلق الله.

فكتب (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف):

(ويحكم ما تقرأون ما قال الله تعالي: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَي الَّتِي بَرَكْنَا فِيهَا قُريً ظَاهِرَةً) فنحن واللّه القري التي بارك (اللّه) فيها وانتم القري الظاهرة.

وفي رواية ابن بابوية في غيبته باسناده الي الصادق (عليه السلام) انه قال: (يا أبا بُكير، سيروا فيها ليالي واياما آمنين) قال: مع قائمنا اهل البيت (عليهم السلام).

ص: 51

الحكاية الثامنة: المقدّس الاردبيلي (قدس سره)

يقول احد خواص تلامذة المقدس الاردبيلي (و هو بدوره من علماء زمانه البارزين وواقفا علي خصوصيّات حياة استاذه):

ذات ليلة كنت اتمشي في صحن امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) وكان الليل قد تجاوز منتصفه بعد ان أعيتني المطالعة.

وفجأة وفي ذلك الفضاء النوراني، رأيت شخصا من بعيد يتقدم نحو الحرم الشريف في حين كانت أبواب الصحن والحرم مغلّقة بالاقفال!فدفعني حبّ الاطلاع علي تعقيبه، فرأيت ان هذا الشخص كلما اقترب من أحد الابواب انفتح له القفل وفتحت الباب ودخل الرجل منه، فكلما وضع يده علي باب انفتحت الي ان وصل بكل وقار وسكينة الي جنب الضريح الشريف للامام (عليه السلام).

وقف هناك وسلّم علي امير المؤمنين (عليه السلام)، وقد سمعت جواب سلامه ومن ثمّ بدأ بالحديث مع صاحب ذلك الصوت.

لم تمض برهه من كلامهما حتي خرج ذلك الرجل من الصحن الشريف متجهاً نحو مسجد الكوفة.

وسرت خلفه بحيث لايراني، للوقوف علي حاله.

وصل الرجل الي مسجد الكوفة، وتقدم الي المحراب ورأيته يتحدث مع احد الاشخاص ولم اسمع ما كانا يقولان.

وبعد ان تمّت محادثتهما رجع صاحبي الي النجف ولما اقترب من بوابتها كان الفجر قد حان لتوّه وبدأت حركة الناس في ازقة المدينة.

ص: 52

في هذه الاثناء اعترضتني حالة عطاس لم اقدر علي الحدّ منه، فسمعني ذلك الرجل ونظر اليّ، ولمّا نظرت في وجهه فاذا هو استاذي المرحوم آية الله المقدس الاردبيلي.

سلّمت عليه واديت التحيّة والاحترام وقلت له:

لقد كنت طوال الليلة معك، منذ لحظة دخولك الي الحرم الشريف والي الآن، فتفضل عليّ واخبرني مع من كنت تتحدث في الحرم الشريف وفي مسجد الكوفة؟

في البدء أخذ الاستاذ مني العهد علي ان لا افشي سرَّه هذا مادام حيّ، ثم قال:

يا ولدي، احيانا تشكل عليّ بعض المسائل فاعجز عن حلّه، فاتشرف بزيارة حلّال المشكلات علي ابن ابي طالب (عليه السلام) وأخذ اجوبة تلك المسائل منه.

وفي الليلة الماضية احالني امير المؤمنين (عليه السلام) الي ولده صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) وقال لي:

(ان ولدي المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) في مسجد الكوفة الآن وهو امام زمانك، فاذهب اليه وتعلم مسائلك منه).

ولذا فقد ذهبت الي مسجد الكوفة بامره (عليه السلام)، وتشرفت بخدمة مولانا المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) وسألته مسائلي وهو الذي كان واقفا في محراب المسجد.

ص: 53

إشارة:

المقدس الاردبيلي عالم جليل القدر عُرِفَ بالعلم والورع والتقوي والعبادة حتي صار مضربا للمثل في التقوي والورع. توفي سنة 993 (ه. ق).

اشتهر عنه ما ورد في هذه الحكاية وانه كان يتوسل بامير المؤمنين (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) محلِّ المشكلات والمسائل، ولا غرابة في ذلك، فعليّ (عليه السلام)هو باب مدينة العلم ولن يلج احد المدينة الاّ من بابه، وكل علم لم يؤخذ من علي فهو جهل.

فما احرانا ان نحاول ونحاول التقرب الي هذا المنهل الصافي العذب الفرات ونغترف من نميره المعين ولا شك ان ذلك لايحصل الاّ بالجدّ والمثابرة في الطاعات والتقوي والاجتهاد في طلب العلم والمعرفة.

انشاء اللّه تعالي.

ص: 54

الآية التاسعة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(فَلَآ أُقْسِمُ بِاَلْخُنَّسْ) صدق اللّه العلي العظيم سورة التكوير الآية 15.

روي الحافظ القندوزي في ينابيعه قال:

رُوي عن هاني عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالي:

(فَلَآ أُقْسِمُ بِاَلْخُنَّسْ) قال:

الخنّس: امامٌ يخنس اي: يرجع من الظهور الي الغيبة سنة ستين ومأتين، ثم يبدو كالشهاب الثاقب. (1)

ص: 55


1- ينابيع المودة، ص 515.

الحكاية التاسعة: مسجد جمكران

ذكر العّلامة النوري (قدس سره) في النجم الثاقب في احوال الامام الحجة الغائب (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) الجزء الثاني، الباب السابع، الحكاية الاولي قال:

نقل الشيخ الفاضل حسن بن محمد بن حسن القمّي المعاصر للصدوق في كتابه (تاريخ قم) عن كتاب (مؤنس الحزين في معرفة الحق واليقين) من مصنفات الشيخ ابي جعفر محمد بن بابويه القمي: باب ذكر بناء مسجد جمكران بأمر الامام الحجة المهدي (عليه صلوات الله الرحمن) سبب بناء المسجد المقدس في جمكران بأمر الامام (عليه السلام) علي ما اخبر به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثله الجمكراني قال:

كنت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وتسعين وثلاثمئة نائما في بيتي فلمّا مضي نصف من الليل فاذا بجماعة من الناس علي باب بيتي فأيقظوني، وقالو: قم وأجب الامام المهدي صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فانّه يدعوك.

قال: فقمت وتعبّأت وتهيّأت، فقلت: دعوني حتّي ألبس قميصي، فاذا بنداء من جانب الباب، (هو ما كان قميصك) فتركته وأخذت سراويلي، فنودي (ليس ذلك منك، فخذ سراويلك) فألقيته وأخذت سراويلي ولبسته، فقمت إلي مفتاح الباب أطلبه فنودي: (الباب مفتوح).

فلمّا جئت إلي الباب، رأيت قوما من الأكابر، فسلّمت عليهم، فردّوا ورحّبوا بي، وذهبوا بي إلي موضع هو المسجد الآن، فلمّا أمعنت النظر رأيت أريكة فرشت عليها فراش حسان، وعليها وسائد حسان ورأيت فتي في

ص: 56

زيّ ابن ثلاثين متكأّ عليه، وبين يديه شيخ، وبيده كتاب يقرؤه عليه، وحوله أكثر من ستّين رجلا يصلّون في تلك البقعة، وعلي بعضهم ثياب بيض، وعلي بعضهم ثياب خضر.

وكان ذلك الشيخ هو الخضر (عليه السلام) فأجلسني ذلك الشيخ (عليه السلام) ودعاني الامام (عليه السلام) باسمي، وقال: اذهب الي حسن بن مسلم، وقل له: انّك تعمر هذه الأرض منذ سنين وتزرعها ونحن نخرّبه، زرعت خمس سنين، والعام ايضا انت علي حالك من الزراعة والعمارة ولا رخصة لك في العود أليها وعليك ردّما انتفعت به من غلّات هذه الأرض ليبني فيها مسجد، وقل لحسن بن مسلم انّ هذه أرض شريفة قد اختارها الله تعالي من غيرها من الأراضي وشرّفه، وأنت قد أضفتها الي أرضك، وقد جزاك اللّه بموت ولدين لك شابّين، فلم تنتبه عن غفلتك، فان لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة اللّه من حيث لا تشعر.

قال حسن بن مثلة: قلت: يا سيّدي لابدّ لي في ذلك من علامة، فان القوم لا يقبلون ما لا علامة ولا حجّة عليه، ولا يصدّقون قولي. قال: انّا سنعلِّم هناك فاذهب وبلّغ رسالتن، واذهب الي السيّد أبي الحسن وقل له: يجيء ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين، ويعطيه الناس حتي يبنوا المسجد، ويتمّ ما نقص منه من غلّة دهق ملكنا بناحية أردهال ويتمّ المسجد، وقد وقفنا نصف دهق علي هذا المسجد ليجلب غلّته كل عام ويصرف الي عمارته.

وقل للناس: ليرغبوا الي الموضع ويعزّروه ويصلّوا هنا أربع ركعات للتحية في كلّ ركعة يقرأ سورة الحمد مرّة، وسورة الاخلاص سبع مرّات ويسبح في الركوع والسجود سبع مرّات، وركعتان للامام صاحب الزمان (عليه السلام) هكذ: يقرأ الفاتحة، فاذا وصل الي (ايّاكَ نَعْبُدُ واِيَّاكَ نَسْتَعِين) كرّره مائة مرّة ثم يقرؤها الي آخرها وهكذا يصنع في الركعة الثانية في الركوع والسجود سبع مرّات، فأذا اتمّ الصلوة يهلّل، ويسبح تسبيح فاطمة

ص: 57

الزهراء (عليها السلام)، فاذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلي علي النبي وآله مائة مرّة. ثم قال (عليه السلام)ما هذه حكاية لفظه: فمن صلّاها فكأنّما صلّي في البيت العتيق.

قال حسن بن مثله: قلت في نفسي: كأنّ هذا موضع أنت تزعم انّما هذا المسجد للامام صاحب الزمانمشيرا الي ذلك الفتي المتكي علي الوسائل، فأشار ذلك الفتي اليّ أن اذهب.

فرجعت، فلما سرت بعض الطريق دعاني ثانية، وقال: انّ في قطيع جعفر الكاشاني الراعي معزا يجب ان تشتريه، فان أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه والّا فتعطي من مالك، وتجيء به الي هذا الموضع، وتذبحه الليلة الآتية، ثمّ تنفق يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم ذلك المعز علي المرضي ومن به علّة شديدة فانّ اللّه يشفي جميعهم، وذلك المعز أبلق، كثير الشعر، وعليه سبع علامات سود وبيض، ثلال علي جانب وأربع علي جانب، سود وبيض كالدراهم.

فذهبت فأرجعوني ثالثة، وقال (عليه السلام): تقيم بهذا المكان سبعين يوما أو سبع، فان حملت علي السبع انطبق علي ليلة القدر وهو الثالث والعشرون وان حملت علي السبعين انطبق علي الخامس والعشرين من ذي القعدة، وكلاهما يوم مبارك.

قال حسن بن مثلة: فعدت حتي وصلت الي داري ولم أزل الليل متفكرا حتي أسفرّ الصبح فأدّيت الفريضة، وجئت الي عليّ بن المنذر، فقصصت عليه الحال، فجاء معي حتيّ بلغت المكان الذي ذهبوا بي اليه البارحة، فقال: و اللّه انّ العلامة التي قال لي الامام (عليه السلام) واحد منها ان هذه السلاسل والأوتاد ههن.

فذهبنا الي السيد الشريف أبي الحسن الرّضا فلما وصلنا الي باب داره رأينا خدّامه وغلمانه يقولون: انّ السيد أبا الحسن الرضا ينتظرك من السحر، أنت من جمكران؟

ص: 58

قلت: نعم، فدخلت عليه الساعة: وسلّمت عليه وخضعت فأحسن في الجواب وأكرمني ومكّن لي في مجلسه، وسبقني قبل أن احدّثه وقال: يا حسن بن مثله انّي كنت نائما فرأيت شخصا يقول لي: انّ رجلا من جمكران يقال له حسن بن مثله يأتيك بالغدوّ، ولتصدّقنّ ما يقول، واعتمد علي قوله، فانّ قوله قولن، فلا تردنّ عليه قوله، فانتبهت من رقدتي، وكنت أنتظرك الآن.

(فقصّ عليه الحسن بن مثلة القصص مشروح، فأمر بالخيول لتسرج، وتخرّجوا فركبوا فلمّا قربوا من القرية رأوا جعفر الراعي وله قطيع علي جانب الطريق فدخل حسن بن مثلة بين القطيع، وكان ذلك المعز خلف القطيع فأقبل المعز عاديا الي الحسن بن مثلة فأخذه الحسن ليعطي ثمنه الراعي ويأتي به فأقسم جعفر الراعي: انّي ما رأيت هذا المعز قطّ، ولم يكن في قطيعي الّا انّي رأيته وكلّما اريد أن آخذه لا يمكنني، والآن جاء اليكم، فأتَوْا بالمعز كما أمر به السيد الي ذلك الموضع وذبحوه.

وجاء السيد أبو الحسن الرضا (رضي اللاه عنه) الي ذلك الموضع، وأحضروا الحسن بن مسلم واستردّوا منه الغلّات وجاؤا بغلّات دهق، وسقّفوا المسجد بالجذوع وذهب السيد أبوا الحسن الرضا (رضي الله عنه)بالسلاسل والأوتاد وأودعها في بيته فكان يأتي المرضي والأعلّاء ويمسّون أبدانهم بالسلاسل فيشفيهم اللّه تعالي عاجلا ويصحّون.

قال أبوا الحسن محمد بن حيدر: سمعت بالاستفاضة انّ السيد أبا الحسن الرضا الساكن في المحلّة المدعوّة بموسويان من بلدة قم، قد مرض بعد وفاته ولد له، فدخل بيته وفتح الصندوق الذي فيه السلاسل والأوتاد، فلم يجده.

ص: 59

إشارة:

في الحكاية نكات لطيفة;

منه:

ان هناك مواضع في هذه الارض، مقدسة وشريفة لايهتدي اليها أحد الّا بتعليم الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فهو العارف باسرار الكون وما فيه، ومنها هذه البقعة المباركة التي اضحت الآن مسجدا ومزارا يقصده الآلاف من المؤمنين كل ليلة اربعاء وليلة الجمعة ويومها وبقية الايام، ومن كافة الاقطار للتبرك به ولنيل المطالب، وعلي أمل التشرف بلقاء بقية الله الاعظم ارواحنا فداه.

والكرامات التي حصلت في هذا المقام والمسجد الشريف كثيرة جد، وللوقوف علي بعضها يراجع مكتب ادارة هذا المكان الشريف.

ومنه:

ان هناك بعض الصالحين يكونون مع الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) في كثير من الاوقات والاماكن ومنهم الخضر (عليه السلام)حيث رأينا كيف انه يمثُل بين يدي الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ويقرأ عليه كتاب، فيأخذ العلوم والمعارف عنه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

ومنه:

ان بعض الناس يتجاوز بعض الحقوق المفروضة عليه كما ورد في (حسن بن مسلم) المزارع في اراضي اهل البيت (عليهم السلام)، وقد ابتلاه الله بولديه ولكنه لم يلتفت: ولم يتنبه من غفلته، فما اكثر الغافلين مع كثرة ما يبتلون به من مصائب.

ص: 60

ومنه:

الاستشفاء بتلك السلاسل الحديدية التي مسّتها يد الرحمة الالهية، فاذا كان هذا الأثر حاصلا من مجرد المماسة لهذا العنصر، فكيف بمن يتشرف بتقبيل يده الشريفة (صلوات الله وسلامه عليه وعلي آبائه).

ومنه يعلم صحة ما يقوم به الشيعة والمؤمنون بالتمسح باضرحتهم الشريفة والتوسل الي الله بحقهم طلبا للشفاء من الامراض الصعبة والعلل الشديدة.

(اللهم اني لو وجدت شفعاء اقرب اليك من محمد واهل بيته الاخيار لجعلتهم شفعائي، اللهم بحقهم الذي اوجبت لهم عليك اسئلك ان تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقهم وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم انك ارحم الراحمين وصلّي اللّه علي محمد وآله الطاهرين).

ص: 61

الآية العاشرة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(أَمَّنْ يُجِيْبُ اَلْمُضْطَرَ إِذا دَعاهُ ويَكْشِفُ السُوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفآءَ اَلْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اَللَّهِ قَلِيْلاً مَا تَذَكَّرُونَ). صدق اللّه العلي العظيم سورة النمل الآية 62.

محمد بن عباس عن حميدأحمد بن زياد عن الحسين بن محمد بن سماعة عن ابراهيم بن عبد الحميد، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال:

انّ القائم (عليه السلام) اذا خرج دخل المسجد الحرام فيستقبل القبلة الكعبة ويجعل ظهره الي المقام ثم يصلي ركعتين ثم يقوم فيقول:

يا ايها الناس أنا اولي الناس بادم (عليه السلام)، يا ايها الناس أنا اولي الناس بابراهيم (عليه السلام)، يا ايها الناس انا اولي الناس باسمعيل عليه السلام، يا ايها الناس انا اولي الناس بمحمد (صلي الله عليه وآله).

ثم يرفع يديه الي السماء ويدعوا ويتضرع حتي يقع علي وجهه، وهو قول اللّه عزّ وجل:

(أَمَّنْ يُجِيْبُ اَلْمُضْطَرَ إِذا دَعاهُ ويَكْشِفُ السُوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفآءَ اَلْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اَللَّهِ قَلِيْلاً مَا تَذَكَّرُونَ). (1)

ص: 62


1- المحجة في ما نزل في القائم الحجة (عجل الله تعالي فرجه الشريف) - السيد هاشم البحراني.

الحكاية العاشرة: السيد محمد مهدي بحر العلوم (قدس سره)

نقل جناب المولي السلماسي (طاب ثراه) عن ناظر أموره في أيام مجاورته بمكّة قال: كان (رحمه اللّه) مع كونه في بلد الغربة منقطعا عن الأهل والأخوة، قويّ القلب في البذل والعطاء، غير مكترث بكثرة المصارف.

فاتّفق في بعض الأيام أن لم نجد الي درهم سبيلا فعرّفته الحال، وكثرة المؤنة، وانعدام المال، فلم يقل شيئ.

وكان دأبه أن يطوف بالبيت بعد الصبح ويأتي الي الدار، فيجلس في الغرفة المختصّة به ونأتي اليه بغليان فيشربه، ثم يخرج الي غرفة اخري يجتمع فيها تلامذته، من كلّ المذاهب فيدرس لكلّ علي مذهبه.

فلمّا رجع من الطواف في اليوم الذي شكوته في أمسه نفوذ النفقة، وأحضرت الغليان علي العادة، فاذا بالباب يدقّه أحد، فاضطرب أشدّ الاضطراب، وقال لي:

خذ الغليان وأخرجه من هذا المكان.

وقام مسرعا خارجا عن الوقار والسكينة والآداب، ففتح الباب ودخل شخصٌ جليل في هيئة الأعراب، وجلس في تلك الغرفة وقعد السيد عند بابه، في نهاية الذلّة والمسكنة، وأشار اليّ أن لا اُقرِّب اليه الغليان.

فقعدا ساعة يتحدّثان، ثمّ قام، فقام السيد مسرعا وفتح الباب، وقبّل يده وأركبه علي جمله الذي أناخه عند الباب، ومضي لشأنه ورجع السيد متغير اللون وناولني براة وقال: هذه حوالة علي رجل صرّاف، قاعد في جبل الصف، فاذهب اليه وخذ منه ما أحيل عليه.

ص: 63

قال: فأخذتها وأتيت بها الي الرجل الموصوف، فلمّا نظر اليها قبّلها وقال: عليّ بالحماميل، فذهبت وأتيت بأربعة حماميل فجاء بالدارهم من الصنف الذي يقال له ريال فرانسة، يزيد كلّ واحد علي خمسة قرانات العجم وما كانوا يقدرون علي حمله، فحملوها علي أكتافهم، وأتينا بها الي الدار.

ولمّا كان في بعض الأيّام، ذهبت إلي الصرّاف لأسأل منه حاله، وممّن كانت تلك الحوالة فلم أر صرّافا ولا دكّان.

فسألت من بعض من حضر في ذلك المكان عن الصرّاف، فقال: ما عهدنا في هذا المكان صرّافا أبدا وانّما يقعد فيه فلان.

فعرفت انّه من أسرار الملك المنّان، وألطاف وليّ الرحمان.

وحدّثني بهذه الحكاية الشيخ العالم الفقيه النحرير المحقّق الوجيه، صاحب التصانيف الرائقة، والمناقب الفائقة، الشيخ محمد الكاظمي المجاور بالغريّ (أطال الله بقاه) عمّن حدّثه من الثقات عن الشخص المذكور. (1)7.

ص: 64


1- النجم الثاقب، مجلد 2، ص 287.

إشارة:

ذكر في سبب بقاء السيد بحر العلوم في مكة المكرمة انه سافر اليها قاصدا الحج فلم يدرك الموسم، فاختار المكث فيها الي العام القابل، لصعوبة السفر آنداك واستغراقه مدة طويلة، هذا في ظاهر الحال.

ولعلّ هناك اسباب اخري حقيقية هي التي دفعت السيد الي البقاء، وقد يكون ذلك بامر من ولي اله (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) لكي ينتفع الناس من هذا البحر الزاخر الذي هو قطرة من علم الأئمة (عليهم افضل الصلوة والسلام).

ولا يخفي عليك عزيري القاريء الالطاف التي حظي بها هذا السيد من قبل الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)كما ذكر في الحكاية.

وباعتقادن، ان مراجعنا العظام ومروجي المذهب الحق يعيشون دائما في ظل الطاف الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)وانه يتلطف عليهم باستمرار، فما احرانا بتجليل مراجعنا واكبارهم والانقياد لنصائحهم وارشاداتهم فانهم حجّة الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) علين.

اللّهم ارحم الماضين منهم واحفظ الباقين وايدهم بتأييداتك الوافرة.

ص: 65

الآية الحادية عشرة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ) صدق اللّه العلي العظيم سورة ص/ آية 88.

روي الحافظ القندوزي (الحنفي) باسناده قال:

عن عاصم بن حميد عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالي:

(وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ)

قال: لتعلمن نبأه أي: نبأ القائم عند خروجه. (1)

ص: 66


1- ينابيع المودة، ص 519.

الحكاية الحادية عشرة: الحاج مؤمن

ذكر الشهيد السيد عبد الحسين دستغيب في كتابه (القصص العجيبة) قال: حدثني صاحب مقام اليقين المرحوم (الحاج عباس علي) المعروف (بالحاج مؤمن) وهو من اهل المكاشفات والكرامات قال: في اوائل شبابي، كنت اشتاق كثيراً للتشرّف وزيارة مولاي الامام الحجّة، حتّي سلبت منّي الرّاحة والاستقرار شوقا اليه ووصل بي الأمر ان حرّمت علي نفسي الطعام والشراب حتي احظي بلقائه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، (و لا شك في ان هذا التصميم منّي كان ناشئا عن قلة المعرفة وشدة الاشتياق).

بقيت يومين وليلتين لم اذق طعاما ولا شراب، وفي الليلة الثالثة اضطررت الي شرب قليل من الماء، ثم عرضتني حالة غشوة فرأيت في تلك الحالة مولاي الامام الحجّة (عليه السلام) فاعترض عليّ وقال: لماذا تفعل هذا بنفسك؟سابعث اليك بطعام، فكله.

عدت الي حالتي الطبيعية وكان قد مضي من الليل ثلثه وكنت حينئذ في المسجد (مسجد مردزك) وكان المسجد مغلقا في تلك الساعة وخاليا من الناس.

وفجأة سمعت طرقات الباب، فتحت الباب فرأيت رجلا قد غطّي رأسه بعباءة، فأخرج ظرفا من تحت العباءة وكان مملوءا طعاما وقال لي مرتين: كله ولا تعط منه شيئا لأحد. ثم وضع الظرف تحت منبر المسجد وانصرف.

اغلقت الباب ودخلت الي المسجد فوجدت ان ذلك الاناء مملوء بالرز والدجاج المشوي، فأكلت منه وكان لذيذا لا توصف لذته.

ص: 67

وفي اليوم الثاني، قبل الغروب جاءني المرحوم الميرزا محمد باقر وهو من الأخيار وابرار ذلك الزمان، فطالبني أولا بالاناء، ثم اعطاني مقدارا من النقود كان قد وضعها في كيس وقال لي:

أنت مأمور بالسفر، فخذ هذه النقود وسافر الي مشهد الامام الرضا (عليه السلام) مع قافلة السيد هاشم (و هو امام جماعة مسجد سردزك) وستلتقي في الطريق برجل جليل القدر وتستفيد منه كثير.

يقول الحاج مؤمن:

سافرت بذلك المال مع المرحوم السيد هاشم، وعندما تجاوزنا مدينة طهران، صادفنا شيخا عجوزا علي قارعة الطريق، أشّر لنا بالتوقف، فتوقفنا عن السير واركبناه في السيارة بعد الاستئذان من السيد هاشم.

صعد الشيخ وجلس الي جانبي، وتحركت السيارة. في اثناء الطريق علمني الشيخ وكان طيب القلب نيرّ الضمير، علمني بعض الأمور والارشادات والمواعظ، كما انه اخبرني ببعض ما سيجري عليّ الي أواخر حياتي واخبرني عن كل ما فيه مصلحتي. و قد حصل كلّ الذي اخبرني به.

ومن جملة ما أمرني به هذا الرجل هو انه نهاني عن الاكل في المطاعم والمقاهي الكائنة علي الطرق الخارجية العامة وقال: ان طعام الشبهة يترك اثرا سيئا علي القلب.

وكان مع هذا الرجل سفرة طعام يفرشها متي ما اراد أن يأكل، وكان يخرج منها الخبز الطازج الشهي حتي ما اشهيت الطعام وكان احياناً يعطيني الكشمش الاخضر.

ولما ان وصلنا الي موضع (قدمگاه) قال لي:

لقد اقترب اجلي، ولن أصل الي مشهد الامام الرضا (عليه السلام)، واعلم ان تجهيزي سيكون علي يد السيد هاشم.

ص: 68

يقول الحاج مؤمن: لما سمعت ذلك منه، اضطربت كثيرا فقال لي: لا تخف، واهدأ ولا تخبر احدا بشيء حتي تكون وفاتي، وسلم أمرك الي اللّه.

وعندما وصلنا الي جبل (طرق) وكان طريق الزوار حينذاك يمرّ من هناك، توقفت السيارة ونزل المسافرون واشتغلوا بالسلام علي الامام الرضا (عليه السلام) وكان معاون السائق يرشد الناس الي منظر القبة الذهبيّة السامية للامام (عليه السلام) ويأخذ منهم الهدية علي ذلك.

فيهذه الاثناء، اتجه الشيخ العجوز الي موضع هناك ثم نظر الي قبة الامام الرضا (عليه السلام) وبعد السلام والتحية علي الامام (عليه السلام) بكي كثير، ثم قال:

يا مولاي، لم اكن لائقا للوصول الي قبرك الشريف!!.

ثم نام علي الارض مستقبلا القبلة ووضع عباءته علي رأسه.

بعد لحظات، ذهبت عند رأسه وكشفت العباءة عن وجهه فاذا هو مفارق للحياة.

جلست عند رأسه ابكي وانحب وانوح عليه، فاجتمع المسافرون حولي، وسألوني عن الموضوع فاخبرتهم بالقصة كاملة وبيّنت لهم بعض احواله فأخذوا بالبكاء والحسرة.

اخذنا جنازة الرجل الي مشهد الامام الرضا (عليه السلام)، وجهزناها ودفناه في صحن الامام (عليه السلام) كما أخبرني هو بذلك.

ص: 69

إشارة:

من هذه الحكاية العجيبة، يمكن استفادة امور;

منه: انّه علي الرغم من ان السعي الي التشرف بخدمة الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) أمر مطلوب بل هو غاية كل مؤمن، الّا انه لا ينبغي للانسان ان يتوسل باي طريقة للوصول الي ذلك حتي لو كانت تدخل الضرر علي نفسه بل هناك سبل يمكن اتّباعها للتشرف والفوز بلقائه بعد الاذن منه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

ومنه: ان أولياء اللّه في هذه الارض كثيرون ولكنهم لا يظهرون أنفسهم الّا في الموارد الضرورية وعندما تكون هناك مصلحة في ذلك، وكما ورد عن امير المؤمنين (عليه السلام): ان اللّه اخفي اوليائه في عباده، فلا تحتقرن احدا من عباده فقد يكون وليا من أوليائه.

ولو لا وجود هؤلاء الصالحين والابدال في هذه الارض، لتغير حال الناس، كما ورد ذلك في الاخبار وفي الآيات القرآنية أيضا فان اللّه عز وجل يرفع العذاب عن اقوام لوجود امثال هؤلاء الابدال فيهم.

ص: 70

الآية الثانية عشرة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(أُولَئِك حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة المجادلة الآية 22.

اخرج الحافظ القندوزي في ينابيعه، بسنده قال:

عن جابر بن عبد الله الانصاري عن رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) قال في حديث طويل عندما يسئل النبي (صلي الله عليه وآله)عن اوصيائه، فعدّهم النبي الاكرم (صلي الله عليه وآله) الي ان قال:

ومن بعده (اي بعد الحسن العسكري) ابنه محمد، يدعي بالمهدي والقائم والحجّة، فيغيب ثم يخرج، فاذا خرج يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما طوبي للصابرين في غيبته، طوبي للمقيمين علي محبته اولئك الذين وصفهم اللّه في كتابه وقال:

هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب

وقال تعالي: (…وَاُولئكَ حِزبُ اَللَّه اِنَّ حِزْبَ اَللَّه هُمُ اَلْمُفْلِحُون). (1)

ص: 71


1- ينابيع المودة، القندوزي، ص 443.

الحكاية الثانية عشرة: السيد بن طاووس (قدس سره)

روي السيد ابن طاووس في (جمال الاسبوع) زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الأحد، برواية من شاهد في اليقظة صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) وهو يزوره به.

والزيارة هي:

(السلام علي الشجرة النبوية والدوحة الهاشمية المضيئة المثمرة بالنبوّة المونقة بالامامة، وعلي ضجيعيك آدم ونوح (عليهما السلام)السلام عليك وعلي أهل بيتك الطيبين الطاهرين، السلام عليك وعلي الملائكة المحدقين بك والحافّين بقبرك، يا مولاي يا أمير المؤمنين هذا يوم الأحد وهو يومك وباسمك وأنا ضيفك فيه وجارك فأضفني يا مولاي وأجرني فانّك كريم تحبّ الضيافة ومأمور بالاجارة فافعل ما رغبت اليك فيه ورجوته منك بمنزلتك وآل بيتك عند اللّه، ومنزلته عندكم، وبحقّ ابن عمّك رسول اللّه صلي اللّه عليه وعليكم أجمعين). (1)).

ص: 72


1- جمال الأسبوع (السيد ابن طاووس).

إشارة:

لعلّ المشاهد هو نفس السيد ابن طاووس (قدس سره) لكنه لم يفصح عن ذلك لورعه، حيث عرفت عزيزي انَّه نقل ايضا المناجات التي سمعها هو بنفسه عن الحجّة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)في السرداب سحر، والتي ذكرناها في الحكاية الاولي في هذا الكتاب.

ثم اعلم ان هذه الزيارة للأمير (عليه السلام)، باعتبار تقسيم ايام الاسبوع علي المعصومين (صلوات اللّه عليهم) حيث ان يوم السبت خفيره رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) ويوم الأحد خفيره امير المؤمنين (عليه السلام)و اضاف اليه السيد، مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام)و لعله استفاد ذلك من اخبار اخري. و تقسيم باقي ايام الاسبوع علي الائمة (عليهم السلام).

وللمحقق النوري تحقيق في هذا الباب. (1)

واعلم حفظك اللّه ورعاك ان ورود هذه الزيارة علي لسان المعصومين (عليهم السلام) انما هي لطف منهم للمؤمنين حيث انهم يعلمونهم ادب مخاطبة هذه الوجودات الطاهرة، ولو لا ذاك لوقع الناس في محاذير كثيرة في مخاطبتهم للأئمة (عليهم السلام)، وقد يفرّط البعض وينتقص من مقامهم السامي ويفرط البعض ويغلو بهم فجاءت زيارتهم علي لسانهم صونا لنا عن ذلك ولله الحمد والشكر، ولحججه المنة واللطف علينا ما بقينا وبقي الليل والنهار.2.

ص: 73


1- النجم الثاقب - المحدث النوري - ترجمة السيد ياسين الموسوي - الجزء الثاني، ص 122.

الآية الثالثة عشرة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِاَلْهُدَي ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). صدق اللّه العلي العظيم سورة الفتح الآية 28، سورة التوبة الآية 33، سورة القصص الآية 9.

اخرج العلامة الكنجي في (البيان) والشبلنجي في (نور الأبصار) قال:

جاء في تفسير الكتاب عن سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالي:

(ليظهره علي الدين كلّه ولو كره المشركون) قال: هو المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام). (1)

وروي الحافظ القندوزي باسناده عن الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) في قوله تعالي:

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِاَلْهُدَي ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

ص: 74


1- البيان في أخبار صاحب الزمان، الكنجي، نور الأبصار - الشبلنجي.

قال (عليه السلام): واللّه ما يجيء تأويلها حتي يخرج القائم المهدي (عليه السلام).

فاذا خرج (القائم)لم يبق مشرك الا كره خروجه.

ولا يبقي كافر الاّ قتل حتي لو كان كافر في بطن صخرة قالت:

يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله. (1)8.

ص: 75


1- ينابيع المودة، ص 508.

الحكاية الثالثة عشرة: السيد الرشتي

نقل المحقق الشيخ حسين النوري (قدس سره) في النجم الثاقب هذه الحكاية الشريفة، فقال:

قد تشرّف بزيارة النجف الأشرف جناب المستطاب التقي الصالح السيد احمد بن السيد هاشم بن السيد حسن الرشتي ساكن رشت أيّده اللّه، قبل سبعة عشر سنة تقريب.

وقد جائني الي المنزل مع العالم الرّباني والفاضل الصمداني الشيخ علي الرشتي - طاب ثراه -

فلمّا نهضنا للخروج نبّهني الشيخ الي أن السيد احمد من الصلحاء المسدّدين ولمّح اليّ انّ له قصّة عجيبة ولم يسمح المجال حينها في بيانه.

وبعد عدّة أيام من اللقاء قال لي الشيخ: انّ السيد قد ذهب، ثم نقل لي جملة من حالات وأحوال السيد مع قصّته، فتأسّفت لذلك كثيرا لعدم سماعي القصّة منه شخص، ولو انّ مقام الشيخ (رحمهم الله) أجلّ من أن ينقل شيئا خلاف ما نقل له.

وبقي هذا الموضوع في ذهني من تلك السنة وحتي جمادي الآخره من هذه السنة حيث كنت راجعا من النجف الأشرف الي الكاظمين فالتقيت بالسيد الصالح المذكور وهو راجع من سامراء وكان عازما علي السفر الي بلاد العجم، فسألته عن ما سمعته من أحواله ومن جملتها المعهود، فنقل كل ذلك ما طابق النقل الأول، والقضية بما يلي; قال:

عزمت علي الحج في سنة ألف ومائتين وثمانين فجئت من حدود

ص: 76

رشت الي تبريز ونزلت في بيت الحاج صفر علي التاجر التبريزي المعروف ولعدم وجود قافلة فقد بقيت متحيّرا الي أن جهز الحاج جبارجلودار السدهي الاصفهاني قافلة الي (طربوزن) فاكتريت منه مركبا لوحدي وسافرت.

وعندما وصلت الي أوّل منزل التحق بي - وبترغيب الحاج صفر علي - ثلاثة أشخاص آخرين، أحدهم الحاج الملّا باقر التبريزي، الذي كان يحج بالنيابة وكان معروفا لدي العلماء، والحاج سيد حسين التاجر التبريزي ورجل يسمي الحاج علي وكان يشتغل بالخدمة.

ثم ترافقنا بالسفر الي أن وصلنا الي (أرضروم)، وكنّا عازمين علي الذهاب من هناك الي (طربزون) وفي أحد تلك المنازل التي تقع بين هاتين المدينتين جاءني الحاج جبار جلو دار وقال: بأن هذا المنزل الذي قدامنا مخيف فعجّلوا حتي تكونوا مع القافلة دائم، وذلك لأننا كنّا غالبا ما نتخلّف عن القافلة بفاصلة في سائر المنازل، فتحرّكنا سويّة بساعتين ونصف، أو ثلاث ساعات بقيت الي الصبح - علي التخمين - وابتعدنا عن المنزل الذي كنّا فيه مقدار نصف أو ثلاثة أرباع الفرسخ فاذا بالهواء قد تغيّر واظلمت الدنيا وابتدأ الثلج بالتساقط، فحينئذ غطي كل واحد منّا ومن الرفقاء رأسه وأسرع بالسيد. و قد فعلت أنا كذلك لألتحق بهم ولكنّي لم أتمكن علي ذلك فذهبوا وبقيت وحدي. ثم نزلت بعد ذلك من فرسي وجلست علي جانب الطريق، وقد اضطربت اضطرابا شديدا لأنه كان معي قرابة ستمائة تومان لنفقة الطريق.

وبعد أن فكّرت وتأملت بأمري قررت أن أبقي في هذا الموضع الي أن يطلع الفجر، ثم ارجع الي الموضع الذي جئت منه، وآخذ معي من ذلك الموضع عدّة اشخاص من الحرس فألتحق بالقافلة مرّة ثانية.

وبهذه الأثناء رأيت بستانا أمامي، وفي ذلك البستان فلاح بيده مسحاة يضرب بها الأشجار فيتساقط الثلج منه، فتقدّم اليّ بحيث بقيت فاصلة قليلة بينه وبيني، ثم قال: من أنت؟

ص: 77

قلت ذهب اصدقائي وبقيت وحدي ولا أعرف الطريق فتهتُ.

فقال باللغة الفارسية: نافله بخوان تا راه پيدا كني.

(أيْ صلّ النافلة - والمقصود منها صلاة الليل - لتعرف الطريق).

فاشتغلت بصلاة النافلة وبعدما فرغت من التهجد، عاد اليّ مرّة اخري وقال:

ألم تذهب بعد؟!

قلت واللّه لا أعرف الطريق.

قال: جامعه بخوان. (اقرأ الجامعة).

ولم أكن احفظ الجامعة وما زلت غير حافظ لها مع انّي تشرّفت بزيارة العتبات المقدّسة مرارا … ولكنني وقفت مكاني وقرأت الجامعة كاملة عن ظهر الغيب، ثم جاء وقال الم تذهب بعد؟!

فأخذتني العبرة بلا ارادة وبكيت وقلت: ما زلت موجودا ولا أعرف الطريق.

قال: عاشورا بخوان. (اقرأ عاشوراء).

وكذلك انّي لم أكن احفظ زيارة عاشوراء وما زلت غير حافظ له، فقمت من مكاني واشتغلت بزيارة عاشوراء من الحافظة عن ظهر غيب الي أن قرأتها جميعا وحتي اللعن والسلام ودعاء علقمة، فرأيته عاد اليّ مرّة اخري وقال: (نرفتي، هستي). ألم تذهب؟بعدك؟!.

فقلت: ل، فاني موجود وحتي الصباح.

قال: أنا أوصلك الي القافلة الآن (من حالا ترا به قافله مي رسانم).

ثم ذهب وركب علي حمار ووضع مسحاته علي عاتقه وجاء فقال، اصعد خلفي علي حماري (برديف من بر الاغ سوار شو).

ص: 78

فركبت وأخذت بعنان فرسي فلم يطاوعني ولم يتحرّك، فقال: (جلو اسب را بمن ده)ناولني لجام الفرس. فناولته، فوضع المسحاة علي عاتقة الأيسر وأخذ الفرس بيده اليمني وأخذ بالسير، فطاوعه الفرس بشكل عجيب وتبعه.

ثم وضع يده علي ركبتي وقال: (شما چرا نافله نمي خوانيد;نافله، نافله، نافله …).

(لماذا لا تصلّوا النافلة؟النافلة …النافلة …النافلة) قالها ثلاث مرّات.

ثم قال: (شما چرا عاشورا نمي خوانيد؟ …عاشورا …عاشورا …عاشورا)

لماذا لا تقرأون عاشوراء؟عاشوراء …، عاشوراء …عاشوراء …؟ قالها ثلاث مرّات.

ثم قال: (شما چرا جامعه نمي خوانيد: جامعه …جامعه …جامعه).

لماذا لا تقرءوا الجامعة؟ (الجامعة …الجامعة … الجامعة).

وعندما كان يطوي المسافة كان يمشي بشكل مستدير، فجأة رجع وقال: (آنست رفقاي شما) هؤلاء اصحابك.

وكانوا قد نزلوا علي حافة نهر فيه ماء يتوضون لصلاة الصبح. فنزلت من الحمار لأركب فرسي فلم أتمكن فنزل هو وضرب المسحاة في الوفر وأركبني وحول رأس فرسي الي جهة أصحابي وبهذه الأثناء وقع في نفسي: من يكون هذا الانسان الذي يتكلم باللغة الفارسية علماً ان اهل هذا المنطقة لا يتكلّمون الّا باللغة التركية، ولا يوجد بينهم غالبا الّا اصحاب المذهب العيسوي (المسيحيّون) وكيف أوصلني الي أصحابي بهذا السرعة؟!فنظرت ورائي فلم أر أحدا ولم يظهر لي أثر منه، فالتحقت برفقائي. (1)ب.

ص: 79


1- مفاتيح الجنان، نقلاً عن النجم الثاقب.

إشارة:

في هذه الحكاية امور مهمة جدا ينبغي الاهتمام بها كثيرا لكل من اراد قضاء الحوائج من قاضي الحاجات عز وجل.

الأمر الاول: أهمية صلاة الليل، حيث اكّد الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) علي ضرورتها ثلاث، ولا غرابة في ذلك بعد التأكيد الحثيث عليها في القرآن الكريم حتي ورد في فضلها (و من الليل فتهجد به نافلة لك عسي ان يبعثك ربك مقاما محمودا) حيث جعل الوصول الي المقام المحمود مشروطا به.

كما ان الروايات الشريفة عن النبي الاكرم (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) وردت في بيان ثمرات هذه الطاعة الكريمة وآنهاوسيلة للرزق وقضاء الحوائجو بنور الوجه والعزة في الدنيا والاخرة منها ما ورد عنهم (عليه السلام): (المال والبنون زينة الحياة الدنيا وركعتان يصليهما المؤمن في جوف الليل زينة الحياة الاخرة).

الأمر الثاني: اهمية الزيارة الجامعة وشرفها حتي ورد ان كبار علمائنا كانوا لا يزورون الائمة (عليهم السلام) الّا بها لفضلها وشرفه.

وأمّا التشكيك في سندها- نعوذ باللّه - فهو من تخرصات قليلي الاطلاع والتوفيق. فقد ذكر العلامة المجلسي (أعلي اللّه مقامه) (انها من اصح الزيارة سندا واعمّها موردا وافصحها لفظا وابلغها معني واعلاها شأنا).

الأمر الثالث: ما يرتبط بزيارة عاشوراء، التي لا تسانخها سائر الزيارات، بل هي كما يعبِّر عن ذلك المحقق النوري (قدس سره)انها من سنخ الاحاديث القدسية نزلت بهذا الترتيب من الزيارة واللعن والسلام والدعاء من الحضرة الاحدية جلّت عظمته الي جبرئيل الامين ومنه الي خاتم

ص: 80

النبيين (صلي الله عليه وآله) والمداومة عليها له آثار لا تخفي علي اهل الايمان فبها يستدفع الضُرّ والبلاء والمرض، وبها يستجلب الرزق والعافية والعلم والعزّ.

وقد ورد في بيان فضلها واهميتها حكايات كثيرة جدا فراجع دار السلام للمحقق النوري (قدس سره).

واعلم ايها العزيز، ان الأمر من قبل الحجّة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) بهذه الأمور الثلاثة مجتمعة، لم يكن بلا دليل وبلا ثمرة لاجتماعه، وحاشاه وحاشا آبائه الطاهرين من ان يقولوا ما ليس فيه فائدة عظمي واهمية قصوي، فهم الذين زقّوا العلم زقّا وهم ابناء مدينة العلم وبابه.

ولا يخفي عليك ان صلوة الليل تهذب الانسان علي الاخلاص في الطاعة والعبادة.

وان الزيارة الجامعة تهذبه عقائدي.

وان زيارة عاشوراء تهذبه اجتماعيا وسياسي، لانها ثورة علي الظلم والجور والفساد الذي تجسد في بني امية واتباعهم، والزائر بهذه الزيارة يتبرأ من هؤلاء واتباعهم ويعلن ثورته ولعنه لهم ولاتباعهم.

فزيارة عاشوراء تربي الثوار.

وبضم الجامعة والنافلة، يتخرج هذا الانسان من مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) عابدا مخلصا صحيح الاعتقادات ثائراً علي الظلم والجور، وهذه هي اهم صفات انصار الامام المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ولعلّه لهذا ولغيره جاء تأكيد الامام المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ثلاثا علي المداومة علي هذه الامور الثلاثة بل والظاهر من كلامه التأنيب واللوم علي تركها كما هو واضح من تصفح الحكاية المذكورة.

(اللّهم العن اول ظالم ظلم حقّ محمد وآل محمد واخر تابع له علي ذلك، اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين (عليه السلام) وشايعت وبايعت وتابعت علي قتله اللهم العنهم جميعا).

آمين يا رب العالمين.

ص: 81

الآية الرابعة عشرة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(فَهَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ السَّاعَةَ أَن تأتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّي لَهُمْ اِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرهُمْ) صدق اللّه العلي العظيم سورة محمد (صلي الله عليه وآله) الآية 18.

روي السيوطي (الشافعي) في تفسير هذه الآية عن الترمذي، ونعيم بن حماد، عن ابي هريرة قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله):

(ينزل بامتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم، حتي تضيق عليهم الأرض، فيبعث اللّه رجلامن عترتي فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجور، يرضي عنه ساكن السماء والأرض الخ). (1)

وفي حديث ابن ماجة والحاكم عن ثوبان، عن رسول اللّه (صلي الله عليه وآله):

(فانه خليفة اللّه المهدي). (2)

ص: 82


1- الدر المنثور، ج6، ص 58.
2- الدر المنثور، ج6، ص 58.

الحكاية الرابعة عشرة: الشيخ الحر العاملي (قدس سره)

يقول الشيخ الاجلّ المرحوم الحرّ العاملي المدفون في صحن الامام الرضا (عليه الصلوة والسلام):

عندما كنت في سن العاشرة من العمر، ابتليت بمرض صعب، عجز الاطباء جميعا عن علاجه، حتي وصل الأمر ان اقربائي جميعا اجتمعوا حول سريري وهم يبكون علي حالي بعد ان يأسوا من شفائي وتيقنوا موتي كما اخبرهم الاطباء.

وفي تلك الليلة رأيت النبي الاكرم والائمة الاثني عشر (عليهم الصلوة والسلام) واقفين حولي.

سلمت عليهم وصافحتهم واحدا واحد، وجرت بيني وبين الامام الصادق (عليه السلام) مذاكرة نسيت الآن تفاصيله، ولكنني اتذكر انه دعا في حقي.

وعندما صافحت المولي ولي العصر والزمان (ارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء)، اخذت بالبكاء وقلت له: سيدي ومولاي اخاف ان اموت في مرضي ولا اوفق لتحصيل العلم والعمل به.

فقال (عليه السلام): لا تخف، فانك لن تموت من مرضك هذ، فان اللّه سيمنّ عليك بالشفاء وتعيش عمرا طويل.

ثم ناولني (عليه السلام)، قدحا من الماء كان بيده المباركة فشربت من ذلك

ص: 83

الماء وشفيت من مرضي فور.

وفي اليوم التالي تعجب الاقرباء وتحيّروا جميعا لشفائي المفاجيء، وبعد عدة ايام اخبرتهم بالقصة. (1)ة.

ص: 84


1- راجع إثبات الهداة.

إشارة:

اعلم انه وان لم يصّرح الشيخ (قدس سره) بانه رآهم (عليهم الصلوة والسلام) في عالم اليقظة، الا انه من الواضح وبعد شفائه من مرضه، ان ذلك لم يكن في عالم المنام، فان لم يكن في عالم اليقظة فهو في عالم غير عالم المنام جزم، وعلمُ ذلك العالم عند خالق العوالم عز وجل.

وايضا يستفاد من القصة بان هؤلاء الصلحاء انما يطلبون طول العمر من اجل العلم وتحصيله والعمل به، لا من اجل الالتذاذ بالملذات الدنيوية، وهذا ما ينبغي ان يسعي اليه كل انسان عاقل، فلا كرامة للحياة مع الجهل، فالجهل موت والعلم حيوة وكما قال الشاعر:

(الناس موتي واهل العلم احياء)

وقد وفق هذا العالم الجليل لتأليف كتابه النبيل (وسائل الشيعة) الذي هو محل استفادة طلاب العلم كافة.

ص: 85

الآية الخامسة عشرة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَإِذْ ابْتَلي إِبْرهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَت فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلْنَّاسِ إِمَاماً قَالَ ومِن ذُرِّيِّتِي قَالَ لَا يَنالُ عَهْدِيْ اَلْظَّلِمِينَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة البقرة الآيه 124.

روي الحافظ القندوزي باسناده عن المفضل بن عمر، قال: سألت جعفراً الصادق (عليه السلام)عن قوله عز وجل:

(وَإِذْ ابْتَلي إِبْرهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَت فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلْنَّاسِ إِمَاماً قَالَ ومِن ذُرِّيِّتِي قَالَ لَا يَنالُ عَهْدِيْ اَلْظَّلِمِينَ).

قال (ع): هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهو انه قال:

(يا رب اسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين الاّ تبت عليّ).

(فتاب عليه انه هو التواب الرحيم).

فقلت له: يا ابن رسول اللّه (صلي الله عليه وآله) فما يعني بقوله (فأتمّهنّ)؟

قال: يعني، اتمّهنّ الي القائم المهدي اثني عشر امام، تسعة من (ولد) الحسين. (1)

ص: 86


1- ينابيع المودة، ص 507.

الحكاية الخامسة عشر: الشيخ حسين آل رحيم

قال العلامة المحدث النوري في النجم الثاقب:

حدث الشيخ العالم الفاضل الشيخ باقر الكاظمي نجل العالم العابد الشيخ هادي الكاظمي المعروف بآل طالب انه كان هناك رجل مؤمن في النجف الأشرف من البيت المعروف ب- (آل رحيم) يقال له الشيخ حسين رحيم.

وحدّثني ايضاً العالم الفاضل والعابد الكامل مصباح الأتقياء الشيخ طه من آل سماحة العالم الجليل والزاهد العابد بلا بديل الشيخ حسين نجف وهو امام الجماعة في المسجد الهندي في النجف الأشرف ومقبول في التقوي والصلاح والفضل لدي الخواص والعوام.

وكان الشيخ حسين المذكور رجلا طاهر الطينة والفطرة ومن مقدسي المشتغلين. (1)

وكان معه مرض السّعال اذا سعل يخرج من صدره مع الاخلاط دم، وكان مع ذلك في غاية الفقر والاحتياج، لا يملك قوت يومه.

وكان يخرج في أغلب أوقاته الي البادية الي الأعراب الذين في أطراف النجف الأشرف، ليحصل له قوت ولو شعير، وما كان يتيسر ذلك علي وجه يكفيه، مع شدّة رجائه.

وكان مع ذلك المرض والفقر قد تعلّق قلبه بالتزويج بامرأة من أهل النجف، وكان يطلبها من أهلها وما أجابوه الي ذلك لقلّة ذات يده.ف.

ص: 87


1- يقصد بالمشتغلين أي المشتغلين بطلب العلوم الدينية في النجف الأشرف.

وكان في همّ وغمّ شديد من جهة ابتلائه بذلك.

فلمّا اشتدّ به الفقر والمرض، وأيس من تزويج البنت، عزم علي ما هو معروف عند أهل النجف من أنّه من أصابة أمر فواظب الرّواح الي مسجد الكوفة أربعين ليلة أربعاء، فلابدّ أن يري صاحب الأمر (عجل الله فرجه)من حيث لا يعلم ويقضي له مراده.

قال الشيخ باقر (قدس سره): قال الشيخ حسين(1): فواظبت علي ذلك أربعين ليلة أربعاء، فلمّا كانت الليلة الأخيرة وكانت ليلة شتاء مظلمة، وقد هبّت ريح عاصفة، فيها قليل من المطر، وأنا جالس في الدكّة التي هي داخل في باب المسجد وكانت الدكّة الشرقيّة المقابلة للباب الأوّل الأيسر، عند دخول المسجد، ولا أتمكن الدّخول في المسجد من جهة سعال الدّم، ولا يمكن قذفه في المسجد وليس معي شيء أتّقي فيه عن البرد، وقد ضاق صدري، واشتدّ عليّ هميّ وغميّ، وضاقت الدّنيا في عيني، وافكر انّ الليالي قد انقضت، وهذه آخره، وما رأيت أحدا ولا ظهر لي شيء، وقد تعبت هذا التعب العظيم، وتحمّلت المشاقّ والخوف في أربعين ليلة، اجيء فيها من النجف الي مسجد كوفة، ويكون لي الأياس من ذلك.

فبينما أنا افكّر في ذلك وليس في المسجد أحد أبدا وقد أوقدت ناراً لاسخّن عليها قهوة جئت بها من النجف، لا أتمكن من تركها لتعوّدي به، وكانت قليلة جدّ، اذا بشخص من جهة الباب الأوّل متوجّها اليّ، فلمّا نظرته من بعيد تكدّرت وقلت في نفسي: هذا أعرابي من أطراف المسجد، قد جاء اليّ ليشرب من القهوة وأبقي بلا قهوة في هذا الليل المظلم، ويزيد عليّ همّي وغمّي.

فبينما أنا افكر اذا به قد وصل اليّ وسلّم عليّ باسمي وجلس في مقابلي فتعجبت من معرفته باسمي، وظننته من الذين أخرُج اليهم في بعض).

ص: 88


1- في الجنة (محمد).

الأوقات من اطراف النجف الاشرف فصرت أسأله من أيّ العرب يكون؟ قال: من بعض العرب، فصرت أذكر له الطوائف التي في أطراف النجف، فيقول: ل، ل، وكلّما ذكرت له طائفة قال: لا لست منه.

فأغضبني وقلت له: أجل أنت من (طريطرة)، مستهزءا (و هو لفظ بلا معني).

فتبسّم من قولي ذلك، وقال: لا عليك من أينما كنتُ، ما الذي جاء بك الي هنا؟

فقلت: وأنت ما عليك السؤال عن هذه الأمور؟

فقال: ما ضرّك لو أخبرتني؟

فتعجبت من حسن أخلاقه وعذوبة منطقه، فمال قلبي إليه، وصار كلّما تكلّم ازداد حبّي له، فعملت له السبيل من التتن، وأعطيته، فقال: أنت اشرب فأنا ما أشرب.

وصببت له في الفنجان قهوة وأعطيته، فأخذه وشرب شيئا قليلا منه، ثمّ ناولني الباقي وقال: أنت اشربه.

فأخذته وشربته، ولم ألتفت الي عدم شربه تمام الفنجان، ولكن كان يزداد حبّي له آنا فآن.

فقلت له: يا اخي قد ارسلك اللّه اليّ في هذه الليلة تأنسني أفلا تروح معي لنجلس في حضرة مسلم (عليه السلام) ونتحدّث؟

فقال: سأروح معك، فحدّث حديثك.

فقلت له: سأحكي لك الواقع أنا في غاية الفقر والحاجة، مذ شعرت علي نفسي، ومع ذلك معي سعال أتنخّع الدّم، وأقذفه من صدري منذ سنين، ولا أعرف علاجه وما عندي زوجة، وقد علق قلبي بامرأة من أهل محلّتنا في النجف الاشرف، ومن جهة قلّة ما في اليد ما تيسّر لي أخذه،

ص: 89

وقد غرّني هؤلاء الملّائية(1) وقالوا لي: اقصد في حوائجك صاحب الزمان (عليه السلام) وبتّ أربعين ليلة اربعاء في مسجد الكوفة، فانّك تراه، ويقضي لك حاجاتك وهذه آخر ليلة من الأربعين، وما رأيت فيها شيئا وقد تحمّلت هذه المشاقّ في هذه الليالي فهذا الذي جاء بي هن، وهذه حوائجي.

فقال لي وأنا غافل غير ملتفت: (أمّا صدرك فقد بر، وأمّا الامرأة فتأخذها عن قريب، وأمّا فقرك فيبقي علي حالة حتّي تموت).

كل هذا وأنا غير ملتفت الي هذا البيان أبد.

فقلت: ألا تروح الي حضرة مسلم؟

قال: قم، فقمت وتوجّه امامي، فلمّا وردنا أرض المسجد قال: ألا تصلّي صلاة تحية المسجد؟ فقلت: أفعل.

فوقف هو قريبا من الشاخص الموضوع في المسجد، وأنا خلفه بفاصلة، فأحرمت للصلاة وصرت أقرأ الفاتحة.

فبينما أنا أقرأ واذا به يقرأ الفاتحة قراءة ما سمعت أحدا يقرأ مثلها أبد، فمن حسن قراءته قلت في نفسي: لعلّه هذا هو صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) وذكرت بعض كلمات له تدلّ علي ذلك ثمّ نظرت اليه بعد ما خطر في قلبي ذلك، وهو في الصلوة واذا به قد أحاطه نور عظيم منعني من تشخيص شخصه الشريف، وهو مع ذلك يصلّي وأنا أسمع قراءته، وقد ارتعدت فرائصي، ولا أستطيع قطع الصلاة خوفا منه فأكملتها علي أيّ وجه كان، وقد علا النور من وجه الارض، فصرت أندبه وأبكي وأتضجّر وأعتذر من سوء أدبي معه في باب المسجد، وقلت له: أنت صادق الوعد، وقد وعدتني الرواح معي الي مسلم.م.

ص: 90


1- اصطلاح يطلقه بعض أهالي النجف الأشرف علي عموم طلاب العلم.

فبينما أنا اكلم النور، واذا بالنور قد توجه الي جهة مسلم، فتبعته فدخل النور الحضرة، وصار في جوّ القبّة، ولم يزل علي ذلك ولم أزل أندبه وأبكي حتي اذا طلع الفجر، عرج النور.

فلمّا كان الصباح التفتّ الي قوله: أمّا صدرك فقد بر، واذا أنا صحيح الصدر، وليس معي سعال أبد.

وما مضي أسبوع الّا وسهّل اللّه عليّ أخذ البنت من حيث لا أحتسب، وبقي فقري علي ما كان كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه وعلي آبائه الطاهرين.

ص: 91

إشارة:

من هذه القصة يمكن استفادة بعض الامور التي تهم المؤمن في حياته;

منه: ما يرتبط بالرياضات والمواظبة علي بعض الاعمال أو الاوراد والاذكار أربعين صباح، فلا شك في انه ورد في بعض النصوص فضل المداومة علي بعض الاعمال اربعين صباحا كالاخلاص في العمل حيث ورد (من اخلص للّه اربعين صباحا جرت ينابيع الحكمة من قلبه علي لسانه).

أو ما ورد في القرآن الكريم في قصة نبي اللّه موسي بن عمران (عليه السلام) والميعاد الذي أتمه عز وجل أربعين ليلة وهو ما تعرّضنا اليه في المقدّمة، كلّ هذا صحيح، ولكن وكما اشرنا الي ذلك سابقا بان التشرف بلقاء الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) لا يخضع لهذه الأمور فهو ليس موجودا يمكن احضاره بمجرد القيام بعمل معين أربعين يوما أو ليلة أو صباح.

نعم، قد تسمو روح الانسان من خلال الممارسات العبادية والأذكار والأوراد، ويعيش حالة الابتعاد عن التّعلقات الدنيويّة والمشتهيات النفسية، ويصل الي الصفاء الذي يقربه اكثر فأكثر من الوجود الشريف للامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فيُتلطف عليه بفوز اللقاء، والله العالم.

ومنه: فضل هذه الاماكن المقدسة التي ورد ذكرها في القصة وهي مسجد الكوفة والسهلة والمقامات التي فيه، فهي مضان تواجده الشريف (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، وكذا كل مكان مقدس.

ولذا ينبغي للمؤمن ان لا يترك زيارة هذه الاماكن بنيّةِ التشرف بخدمة والنظر الي طلعته.

ص: 92

ومنه: ان حاجات الانسان التي يتوسل الي اللّه تعالي ويشفّع اوليائه في قضائه، حتي لو كانت مشروعة، ليس بالضرورة ان تقضي حتي بالتشرف بخدمة المولي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف). إذ لعلّ في فقدان الانسان لهذه الحاجة مصلحة لا يهتدي اليها نفس الانسان وامّا قاضي الحاجات فهو اعرف بتلك المصلحة فعدم قضاء الحاجات احيانا يدخل في مثل هذا المعني وغيره مما لا مجال لبيانه هن.

فطلب رفع الفقر وان كان مشروعا ولكن قد تقتضي المصلحة بقاء الانسان علي حالة فقره، وكم من أولياء اللّه عاشوا حالة الفقر المدقع حتي اضطر بعضهم الي السكني في المساجد والحسينيات العامة لعجزه عن دفع اجرة المنزل.

المهم ان يكون الانسان غنيا بنفسه عزيزاً لا يتذلل للمال وموارده، وان يكون عزيزاً بدينه وسجاياه وسلوكه فان الغني غني النفس والدين والاخلاق.

(اللهم ارزقنا العفاف والكفاف).

ص: 93

الآية السادسة عشرة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(يُرِيدُ اَللَّهُ اَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمتِهِ ويَقْطَعَ دَابِرَ الْكافِريِنَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة الانفال/ الآية 7.

العياشي: (1) عن جابر بن عبد اللّه الانصاري قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن تفسير هذه الآية في قول اللّه عز وجل: (يُرِيدُ اَللَّهَ اَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمتِهِ ويَقْطَعَ دَابِرَ الْكافِريِنَ) قال ابو جعفر (عليه السلام):

(تفسيرها في الباطن يريد اللّه فانه شيء يريده ولم يفعله بعد، واما قوله: (يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمتِهِ) فانه يعني يحقّ حقّ آل محمد، واما قوله: بِكَلِمتِهِ قال: كلماته في الباطن، علي هو كلمة اللّه في الباطن، واما قوله: (ويَقْطَعَ دَابِرَ الْكافِريِنَ) فهم بنو امية، هم الكافرون يقطع اللّه دابرهم، واما قوله (لِيُحِقَّ الْحَقَّ) فانه يعني ليحق حق آل محمد عليهم السلامحين يقوم القائم (عليه السلام) واما قوله: (ويُبطِلَ اَلباطِل) يعني القائم عليه السلام، فاذا قام يبطل باطل بني امية وذلك قوله: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ ويُبطِلَ اَلْباطِل ولَو كَرِه اَلُْمجْرِمُون). (2)

ص: 94


1- تفسير العياشي، ج2، ص 50.
2- سورة الأنفال، الآية 8.

الحكاية السادسة عشرة: الشيخ محمد بن عيسي

العلامة المجلسي قال: اخبرني بعض الافاضل الكرام والثقات الأعلام، قال: أخبرني بعض من أثق به يرويه عمّن يثق به، ويطريه انّه قال: لمّا كان بلدة البحرين تحت ولاية الافرنج، جعلوا واليها رجلا من المسلمين، ليكون أدعي الي تعميرها وأصلح بحال أهله، وكان هذا الوالي من النواصب، وله وزير أشدّ منه يظهر العداوة لاهل البحرين لحبّهم لأهل البيت (عليهم السلام) ويحتال في اهلاكهم واضرارهم بكلّ حيلة.

فلمّا كان في بعض الأيام دخل الوزير علي الوالي وبيده رمّانة فأعطاها الوالي فاذا كان مكتوبا عليها (لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ خلفاء رسول اللّه).

فتأمّل الوالي فرأي الكتابة من أصل الرمانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون صناعة بشر، فتعجّب من ذلك وقال للوزير: هذه آية بيّنة وحجة قويّة علي ابطال مذهب الرافضة فما رأيك في أهل البحرين.

فقال له: أصلحك اللّه انّ هؤلاء جماعة متعصّبون، ينكرون البراهين وينبغي لك أن تحضرهم وتريهم هذه الرمانة، فان قبلوا ورجعوا الي مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك، وان أبوْا الّا المقام علي ضلالتهم فخيّرهم بين ثلاث: امّا أن يؤدّوا الجزية وهم صاغرون، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البيّنة التي لا محيص لهم عنه، أو تقتل رجالهم وتسبي نساءهم وأولادهم وتأخذ بالغنيمة أموالهم.

فاستحسن الوالي رأيه وأرسل الي العلماء والأفاصل الأخيار والنجباء والسادة الأبرار من أهل البحرين وأحضرهم وأراهم الرمانة، وأخبرهم بما

ص: 95

رأي فيهم ان لم يأتوا بجواب شاف، من القتل والأسر وأخذ الأموال أو أخذ الجزية علي وجه الصّغار كالكفّار.

فتحيّروا في أمرها ولم يقدروا علي جواب وتغيّرت وجوههم وارتعدت فرائصهم. فقال كبراؤهم: أمهلنا أيّها الأمير ثلاثة أيّام لعلّنا نأتيك بجواب ترتضيه والّا فاحكم فينا ما شئت.

فأمهلهم، وخرجوا من عنده خائفين، مرعوبين، متحيّرين، فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك، فاتفق رأيهم علي أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهّادهم عشرة، ففعلوا ثم اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لاءحدهم: اخرج الليلة الي الصحراء واعبد اللّه فيها واستغث بامام زماننا وحجة اللّه علين، لعلّه يبيّن لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء.

فخرج وبات طول ليلته متعبّدا خاشعا داعيا باكيا يدعو اللّه ويستغيث بالامام (عليه السلام) حتي أصبح ولم يَرَ شيئ.

فأتاهم وأخبرهم فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم، فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخبر، فازداد قلقهم وجزعهم.

فأحضروا الثالث وكان تقيا فاضلا اسمه محمد بن عيسي، فخرج الليلة الثالثة حافيا حاسر الرأس الي الصحراء وكانت ليلة مظلمة فدعا وبكي وتوسّل الي اللّه تعالي في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البليّة عنهم، واستغاث بصاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

فلما كان في آخر الليل اذا هو برجل يخاطبه ويقول: يا محمد بن عيسي!ما لي أراك علي هذه الحالة، ولماذا خرجت الي هذه البريّة؟

فقال له: ايّها الرجل! دعني فانّي خرجت لامر عظيم وخطب جسيم، لا أذكره الّا لامامي، ولا أشكوه الاّ الي من يقدر علي كشفه عنّي.

فقال: يا محمد بن عيسي أنا صاحب الأمر فاذكر حاجاتك.

ص: 96

فقال: ان كنت هو فأنت تعلم قصّتي ولا تحتاج الي أن أشرحها لك.

فقال له: نعم، خرجت لما دهمكم من أمر الرمّانة وما كتب عليها وما أوعدكم الأمير به.

قال: فلمّا سمعت ذلك توجّهت اليه وقلت له: نعم يا مولاي، قد تعلم ما أصابنا وأنت امامنا وملاذنا والقادر علي كشفه عنّ.

فقال (صلوات الله عليه): يا محمد بن عيسي، انّ الوزير لعنه اللّه في داره شجرة رمّان، فلمّا حملت تلك الشجرة صنع شيئا من الطين علي هيئة الرّمانة وجعلها نصفين وكتب في داخل كلّ نصف بعض تلك الكتابة ثم وضعها علي الرمانة وشدّهما عليها وهي صغيرة فأثر فيها وصارت هكذ.

فاذا مضيتم غدا الي الوالي فقل له: جئتك بالجواب ولكنّي لا أبديه الّا في دار الوزير، فاذا مضيتم الي داره فانظر عن يمينك تري فيها غرفة، فقل للوالي: لا اجيبك الّا في تلك الغرفة، وسيأبي الوزير عن ذلك، وأنت بالغ في ذلك ولا ترضّ الّا بصعوده، فاذا صعد فاصعد معه ولا تتركه وحده يتقدّم عليك، فاذا دخلت الغرفة رأيت كوّة فيها كيس ابيض، فانهض اليه وخذه فتري فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة، ثم ضعها أمام الوالي وضع الرمانة فيها لينكشف له جلّية الحال.

وايضا يا محمد بن عيسي قل للوالي: انّ لنا معجزة اخري، وهي أنّ هذه الرمانة ليس فيها الّا الرماد والدّخان، وان أردت صحة ذلك فأمر الوزير بكسره، فاذا كسرها طار الرماد والدخّان علي وجهه ولحيته.

فلمّا سمع محمد بن عيسي ذلك من الامام فرح فرحا شديدا وقبّل الأرض بين يدي الامام (صلوات اللّه عليه) وانصرف الي أهله بالبشارة والسرور.

فلمّا أصبحوا مضوا الي الوالي، ففعل محمد بن عيسي كلّ ما أمره الامام به، وظهر كلّ ما أخبره، فالتفت الوالي الي محمد بن عيسي وقال له: من أخبرك بهذا؟

ص: 97

فقال: امام زماننا وحجّة اللّه علين.

فقال: ومن امامكم؟

فأخبره بالائمة واحدا بعد واحد الي أن انتهي الي صاحب الأمر (صلوات اللّه عليه).

فقال الوالي: مدّ يدك فأنا اشهد أن لا اله الّا اللّه وانّ محمّدا عبده ورسوله وأنّ الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، ثم أقرّ بالائمّة (عليهم السلام) الي آخرهم وحسن ايمانه، وأمر بقتل الوزير، واعتذر الي أهل البحرين وأحسن اليهم وأكرمهم.

قال: وهذه القصّة مشهورة عند أهل البحرين وقبر محمد بن عيسي عنهم معروف يزوره الناس. (1)ي.

ص: 98


1- جنة المأوي.

إشارة:

في الحكاية الشريفة نكات مهمة;

منه: استمرار عناد الناصبين العداء لأهل البيت (عليهم السلام) واتباعهم علي الرغم من بيان العلماء للادلة القاطعة علي حقانية مذهب أهل البيت (عليهم السلام).

فهؤلاء المعاندون لا زالوا يتآمرون وينصبون الفخاخ للقضاء علي هذا المذهب واتباعه ويحاولون اطفاء هذا النور الذي أبي اللّه الا ان يتمّه ولو كره الكافرون والمشركون وانت تري عزيزي القاريْ مدي خبث هؤلاء في محاولاتهم الرامية لتحقيق غرضهم الدني، ولو انهم صرفوا جزءاً صغيرا من هذا الوقت الذي يصرفونه للتأمر علين، في البحث عن الحق لكان خيراً لدينهم ودنياهم، ولكنهم (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها).

ومنه: التجاء أتباع مذهب الحق الي أئمتهم ساعة الشدة والعسر واعتقادهم الراسخ بوجود المنجي والمخلّص لهم من الشدائد والابتلاءات. و هذا ما نحتاجه جميعا وعلي الدوام، فهؤلاء الاطهار هم الملاذ والمأمن الذي لابد ان نلجأ اليه دوما لا القوي التي نتصور أنها عظمي.

فاذا كان هذا ظننا بامامنا المغيّب الغوث (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فانه بلا شك سيسرع الي انقاذنا من الويلات التي نعيشه.

ومن المعاني اللطيفة في هذه الحكاية - طبعا لنقلها الثاني الذي قرأته في مصدر آخر - ان الشيخ محمد بن عيسي وهو ثالث العلماء الذين فزعوا اليه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) سأله في آخر المحاورة التي جرت بينه وبين الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) قائل: سيدي، لماذا لم تدركنا في اول ليلة جئنا فيها للقائك؟

ص: 99

فقال (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف): (لأنّكم استمهلتم هؤلاء ثلاثة أيّام، ولو انكم استمهلتموهم يوما واحد، لجئتكم في اليوم الاول)!.

فعلينا عزيزي القاري ان نحسن الظن اكثر فاكثر بائمتنا وخاصة بامامنا المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) لانه معنا بكل وجوده الشريف فلابد ان يكون هذا يقينن.

ص: 100

الآية السابعة عشرة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ الْسَّاعَةَ قَرِيْبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِها اَلَّذِيْنَ لاَ يُؤمِنُونَ بِهَا والَّذِيْنَ أَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا ويَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلاَ إنَّ الَّذِيْنَ يُمَارُونَ فِي الْسَّاعَةِ لَفِيْ ضَلل بَعِيْد) صدق اللّه العلي العظيم سورة الشوري/ الآيه 17-18.

روي الحافظ القندوزي باسناده عن المفضل بن عمر، عن جعفر ابن محمد الصادق (عليه السلام) في قوله تعالي:

(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ الْسَّاعَةَ قَرِيْبٌ) قال: السّاعة; قيام; القائم، قريب. (1)

ص: 101


1- ينابيع المودة، ص 514.

الحكاية السابعة عشرة: ابن ابي الجواد النعماني

روي العلامة النوري في النجم الثاقب عن كتاب رياض العلماء وحياض الفضلاء في ترجمة الشيخ ابن ابي الجواد النعماني انه ممن راي القائم (عليه السلام) في زمن الغيبة الكبري وروي عنه (عليه السلام).

ورأيت في بعض المواضع نقلا عن خط الشيخ زين الدّين علي بن الحسن بن محمد الخازن الحائري تلميذ الشهيد انه قد رأي ابن أبي النعماني مولانا المهدي (عليه السلام) فقال له:

يا مولاي لك مقام بالنعمانية، ومقام بالحلّة فأين (متي) تكون فيهما؟

فقال له: أكون بالنّعمانيّة ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء، ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلّة، ولكن أهل الحلّة ما يتأدّبون في مقامي، وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدّب ويسلّم عليّ وعلي الأئمّة وصلّي عليّ وعليهم اثني عشر مرّة ثمّ صلّي ركعتين بسورتين، وناجي اللّه بهما المناجاة، الاّ أعطاه اللّه تعالي ما يسأله، أحدها المغفرة.

فقلت: يا مولاي علّمني ذلك، فقال: قل:

(اللّهم قد أخذ التأديب منّي حتّي مسّني الضرّ وأنت أرحم الراحمين، وان كان ما اقترفته من الذّنوب استحقّ به أضعاف أضعاف ما أدّبتني به، وأنت حليم ذو أناة تعفو عن كثير حتّي يسبق عفوُك ورحمتُك عذابَك)، وكرّرها علي ثلاثا حتّي فهمته. (1)8.

ص: 102


1- النجم الثاقب - العلامة النوري - ج2، ص 138.

إشارة:

بعض الأماكن تسمّي بمقام الامام المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، وسبب التسمية انه (عليه السلام) يظهر في تلك البقعة لبعض شيعته المؤمنين ويقضي حوائجهم، فيؤمها الناس للتبرك بها وطلب الحوائج فتسمي بمقام الامام المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

وهذه المقامات كثيرة في العراق وايران وغيرها من البلدان، مع تعددها في البلد الواحد ايض.

ولعلّ تلك الاماكن، في أصلها اماكن شريفة، فتزداد شرفا بقدوم الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، حيث اننا ذكرنا سابقا انه (عليه السلام) أعرف ببقاع الأرض وشرفها كما ورد في مسجد جمكران، وكما سيأتي في قصّة بناء مسجد الامام الحسن (عليه السلام).

ومن هنا فان زيارة الاماكن لها ادب خاص لابد من التأدب به قبل الدخول اليه، واثناء الكون فيها وحين الخروج منه.

وفي القصة أيض، تعليم منه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) شيعته واصحاب الحوائج في كيفيّة التوسل الي اللّه عز وجل لقضائها ولا يمكن ان لا يكون ذلك التوسل والمناجات غير موثر في قضاء الحاجة الاّ اذا كانت هناك مصلحة في عدم قضائها كما هو مذكور في موضوع الدعاء.

فعلي المرء ان يدعو وأن يأمل من اللّه الاجابة ببركة النبي محمد وآله الطاهرين (عليهم السلام).

قال تعالي: (ادعوني استجب لكم).

ص: 103

الآية الثامنة عشرة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(فَإِذا نُفِخَ فِي الْصُّورِ فَلاَ اَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذ ولاَ يَتَسآءَلُونَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة المؤمنون الآية 101.

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، قال: اخبرني ابو الحسين، عن ابيه، عن ابن همام قال: حدثناسعدان بن مسلم، عن جهم جرهم بن ابي جهمة جهنة قال: سمعت ابا الحسن موسي (عليه السلام)يقول:

ان اللّه تبارك وتعالي خلق الأرواح قبل الأجساد الابدان بألفي عام، ثم خلق الابدان بعد ذلك، فما تعارف منها في السماء تعارف في الأرض، وما تناكر منها في السماء تناكر في الأرض، فاذا قام القائم (عليه السلام) ورِّث الاخ في الدين ولم يورث الاخ في الولادة، وذلك قول اللّه عز وجل في كتابه:

(قد افلح المؤمنون فَإِذا نُفِخَ فِي الْصُّورِ فَلاَ اَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذ ولاَ يَتَسْآءَلُونَ). (1)

ص: 104


1- دلائل الإمامة، ص 260.

الحكاية الثامنة عشرة: مسجد الامام الحسن المجتبي (عليه السلام)

نقل العلّامة آية اللّه الشيخ لطف اللّه الصافي في كتابه (أجوبة المسائل العشرة)قال:

ومن الحكايات العجيبة والصادقة التي وقعت في زماننا هذه الحكاية التي نقلت لي حين البدء بطبع هذا الكتاب، ولمّا كان فيها بعض النكات والعِبَرْ، ادرجتها في هذا الكتاب لكي يزداد القرّاء بصيرة.

كما يعرف اهل قم، والمسافرون الذين يقدمون من طهران الي مدينة قم المقدسة، انّ جناب الحاج (يد اللّه رجبيان) قد بني مسجدا كبيرا باسم (مسجد الامام الحسن المجتبي (عليه السلام)) في مكان كان سابقا صحراء خارج مدينة قم علي جانب الطريق الواصل بين قم وطهران، وهذا المسجد الآن عامر بالمصلّين حيث تعقد فيه الجماعة والمراسم الاسلامية.

في ليلة الربعاء المصادفة للثاني والعشرين من شهر رجب المبارك، سمعت هذه الحكاية المرتبطة بهذا المسجد من نفس صاحب الحكاية وهو جناب السيد احمد العسكري الكرمانشاهي وهو من الاخيار الساكن لسنوات طوال في طهران، سمعتها منه في بيت الحاج رجبيان وبحضوره وبحضور بعض المحترمين.

يقول السيد العسكري: قبل حوالي سبعة عشر عاما وفي يوم الخميس، كنت مشتغلا بتعقيبات صلوة الفجر، فدُقَّت باب المنزل.

فتحت الباب فوجدت ان ثلاثة شبّان وكلهم يعملون في حقل ميكانيك السيارات، جاءوا بسيارة لهم وقالو: نلتمس منك ان تأتي معنا اليوم الي مسجد جمكران في قم، فأليوم الخميس وهو يوم مبارك، ونريد ان تأتي معنا

ص: 105

لتدعو لنا هناك فان لنا حاجة شرعيّة مهمّة.

(الفت نظركم الي انني كنت اعقد جلسة في المسجد اجمع فيها الشباب لتعليم الصلوة والقرآن وهؤلاء الثلاثة كانوا من جملة اولئك الشباب الذين يجتمعون في المسجد).

خجلت كثيرا من طلبهم، فطأطأت برأسي الي الارض وقلت لهم: ومن اكون حتي تطلبون منّي الدعاء لكم بقضاء الحاجة؟

وعلي أيّ حال، وبعد اصرار شديد منهم، رأيت ان المصلحة في عدم ردّ طلبهم فوافقت علي السفر معهم.

ركبنا في السيارة وتحركنا باتجاة مدينة قم المقدسة.

ولما وصلنا بالقرب من مدينة قم، لم يكن في وقتها هذه المباني الكائنة الآن، وانما كان هناك محطة قديمة وخربه فقط باسم (مقهي علي الاسود).

وعلي مقربة من هذا المكان الذي بني فيه الحاج رجبيان مسجد الامام الحسن المجتبي (عليه السلام)، انطفأ محرك السيارة وتوقفت عن الحركة!.

ولما كان رفقائي الثلاثة من اهل الاختصاص والخبرة في تصليح السيارات، هبّوا ثلاثتهم لمعرفة العطل فيه.

في هذه الاثناء اخذت مقدارا من الماء من احدهم وكان يدعي علي، واتجهت الي الصحراء علي قارعة الطريق لقضاء الحاجة والتطهير.

وعندما وصلت الي قطعة الارض التي هي الآن مكان المسجد الفعلي، رأيت سيدا جميلا جد، بهيّاً جميل الوجه، ازجّ الحاجبين، أبيض الاسنان، علي وجهه المبارك خال، وكان يرتدي ملابس بيضاء، وعباءة رقيقة تحكي ما تحتها ونعلين صفراوين وعلي رأسه عمامة خضراء كعمائم الخراسانيين اليوم، واقف وبيده رمح طويل بقدر ثمانية او تسعة امتار وهو يخطط الارض.

ص: 106

قلت في نفسي: ما بال هذا الرجل، قد جاء مبكرا الي هذه البيداء التي لا تخلوا من خطر الاعداء المارّين علي هذا الطريق، وهو قابض علي هذا الرمح بيده؟!

قال السيد العسكري (و كان يعتذر ويندم علي تلك العبارات التي كان قد قالها في ذلك الوقت):

قلت: يا هذ، اليوم يوم الدبابات والمدافع والذرّة، فماذا تفعل بهذا الرمح، اذهب واقرأ دروسك!

قلت له ذلك، وذهبت الي زاوية لقضاء الحاجة، فصاح بي من بعيد: يا سيد عسكري لا تجلس في هذا المكان فانني قد خططت لمسجد هن.

ولم التفت الي انه من اين عرف اسمي، وانما ائتمرت بأمره كالطفل الصغير وبدون مناقشة، أطعت كلامه وقلت: نعم سأقوم.

فقال لي اذهب خلف ذلك المرتفع.

ذهبت الي المكان الذي أشار اليه، وقلت في نفسي: حين اعود اقول له يا حبيبي يبن رسول اللّه اذهب واقرأ دروسك.

وفكرت في نفسي بثلاثة اسئلة اطرحها عليه هي:

1- لمن تريد بناء هذ المسجد، للجن ام للملائكة، حتي قمت في هذا الصباح الباكر وجئت الي هذه الصحراء لتخطط لبناء مسجد، أمهندس انت، بدون دراسة؟!

2- ما دام المسجد بعد لم يُبْنَ، لماذا تمنعني من قضاء الحاجة هنا؟

3- من الذي سيبني هذا المسجد، الجن ام الملائكة؟

أعددت هذه الأسئلة في ذهني، وتقدمت اليه لأسلّم عليه، فبادرني هو بالسلام، وركّز الرمح في الارض، واحتضنني الي صدره الشريف، وكنت اود المزاح معه، حيث انه كلما كنّا نواجه سيدا حَرِكاً كنا نمزح معه ونقول له: يا سيد هل اليوم يوم أربعاء؟

ص: 107

فقررت في ذهني ان اقول له يا سيد اليوم ليس أربعاء انما هو الخميس، ولكن وقبل ان ابدأ بالكلام معه قال لي مبتسم: اعلم ان اليوم الخميس وليس أربعاء، فما هي اسئلتك الثلاثة هاتها لنري!

لم التفت الي انه من اين عرف ان في ذهني ثلاثة اسئلة قبل ان اتفوه بحرف واحد.

قلت: يا سيد، يبن رسول اللّه، تركت درسك وجئت الي هذه البيداء، ألم تعلم ان الزمن زمن الدبابات والمدافع، فاخذت هذا الرمح بيدك وجئت الي هذه المنطقة التي يرتادها الصديق والعدو، اذهب، اذهب واقرأ درسك!

ابتسم (روحي فداه) واشار بعينه الي الارض وقال:

اني اخطط لبناء مسجد هن.

قلت: للجن ام للملائكة؟

قال: للبشر.

قلت: أخبرني من فضلك، لماذا منعتني من قضاء الحاجة في ذلك الموضع، وبعدُ لَم يُبنَ المسجد؟

قال: ان احد اعزاء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وقد سقط في ذلك الموضع شهيد، وقد خططت ذلك المستطيل ليكون محرابا للمسجد.

وهن، سقطت قطرات دمه، وسيكون هذا الموضع مكان وقوف المصلّين المؤمنين.

وهناك ستكون المرافق الصحيّة، حيث سقط اعداء اللّه ورسوله.

ثم أدار وجهه وحولني الي جهة الوراء وقال:

(وهنا ستبني حسينية). و تقاطرت دموعه من عينيه فبكيت انا ايض.

ثم قال: مشيرا الي موضع آخر: و هنا ستقام مكتبة فهل تتبرع انت بكتبها؟

ص: 108

قلت: بثلاث شروط يبن رسول الله، الأول: ان ابقي حيّا الي ذلك الوقت، قال: انشاء اللّه.

الشرط الثاني: ان يبني مسجد هن، قال: بارك الله.

الشرط الثالث: ان يكون ذلك بقدر استطاعتي وان كان كتابا واحد، وذلك استجابة لامرك لانك ابن رسول الله، ولكن ارجوك ان ترجع وتقرأ درسك.

يا سيد اطرد هذه الافكار عن مخيلتك!!

فتبسم ثانية، وضمني الي صدره.

فقلت له: لم تخبرني بعد، من الذي سيبني هذا المسجد؟

قال (عليه السلام): يد اللّه فوق ايديهم.

قلت: يا سيدي، ان دراستي تؤهلني لان أعرف معني هذه الآية.

قال: ستري بنفسك في آخر الأمر، وعندما ستراه مبني، ابلغ سلامي لبانيه.

ثم ضمني مرّة اخري الي صدره وقال: جزاك اللّه خير.

رجعت الي رفقائي، فوجدت بانهم اصلحوا السيارة، فسألتهم عن سبب العطل؟

قالو: وضعنا عود كبريت تحت هذا الشريط الكهربائي وعندما رجعت انت اشتغل المحرّك، ولكن اخبرنا مع من كنت تتحدث تحت الشمس؟!

قلت: ألم تشاهدوا هذا السيد المهيب بهذا الرمح الطويل الذي بيده؟كنت اتحدث معه.

قالو: ايّ سيد هذا الذي تتحدث عنه؟!

قال العسكري: ادرت وجهي، لاشير لهم اليه، فلم ار سيد، ورأيت الأرض مسطّحة بدون تعاريج ولا تلال ولا أحد هناك.

ص: 109

انتفضت من غفلتي، ودخلت وجلست في السيّارة ولم اتفوه بكلمة واحدة.

ذهبنا الي حرم السيدة فاطمة بنت الامام موسي بن جعفر (عليها السلام) ولم ادر كيف صلّيت صلاة الظهر والعصر، واتجهنا الي مسجد جمكران.

وعلي اي حال، وصلنا الي جمكران، فتغدينا هناك، ولكني كنت مضطرب، فكان رفقائي يتكلمون معي ولكني لم اكن اسمع ما يقولون ولا اقدر علي جوابهم.

وفي مسجد جمكران جلست في زاوية وكان قد جلس علي احد جانبّي شيخ كبير وعلي الجانب الآخر أحد الشباب وانا جالس وسطهما أبكي واناجي.

أدّيت صلاة المسجد، واردت الي اسجد السجدة الواردة بعد الصلوة بذكر الصلوات علي محمد وآل محمد (صلي الله عليه وآله)، فرأيت سيداً تفوح منه رائحة طيّبة، فقال لي: السلام عليك يا سيد عسكري، ثم جلس الي جنبي واخذ يقدم لي النصيحة.

لقد كان صوته نفس صوت السيد الذي رأيته صباحا الي جانب الشارع.

اشتغلت بالسجود والذكر، ولكن كان بالي قد اشتغل به، فصممت ان أرفع رأسي من السجود وأسئله عن نفسه وانه من أين يعرف اسمي؟

ولكن ما ان رفعت رأسي لم اجده الي جانبي.

سألت ذلك الشيخ الذي كان الي جانبي عن السيد الذي كان يكلمني واين ذهب؟

فقال الشيخ: ما رأيت احد، وسألت الشاب الذي بجنبي، فانكر وجوده ايض.

ص: 110

وهنا كأنّ زلزلة أصابتني فعلمت ان ذلك السيد هو المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فتغير حالي واغمي علي فجاء رفقائي ورشوا الماء علي وجهي، وسألوني عن القضية.

المهم أديت اداب المسجد، وقفلنا راجعين الي طهران سريع.

التقيت لدي وصولي الي طهران مباشرة بالمرحوم الحاج الشيخ جواد الخراساني، وحكيت له القصة، فسألني عن اوصاف السيد، فوصفته له، فقال: لقد كان المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فأصبر لنري هل سيشير المسجد في المكان الذي وصفه ام ل.

قبل فترة، توفي والد أحد اصدقائن، فحملنا جنازته بمعية رفقاء المسجد واتجهنا الي مدينة قم لدفنه ولما وصلنا الي ذلك المحل، رأيت ان بناءاً قد شُيِّد في ذلك المكان، فسألت عنه فقيل لي انه مسجد باسم مسجد الامام الحسن المجتبي (ع)، يقوم ابناء الحاج حسين السوهاني ببنائه. (و كانوا قد اشتبهوا في الاسم.)

وردنا مدينة قم، وأخذنا الجنازة الي المقبرة ودفنّاه، وكنت مضطرب، فقلت للأصدقاء، اسمحوا لي ان اذهب لحاجة ما دمتم مشغولين باكل الغداء.

استأجرت سيارة وذهبت الي دكان أولاد الحاج حسين السوهاني.

وصلت الي هناك، وسألت ابن الحاج حسين قائل: أصحيح انكم مسئولون عن بناء مسجد في طريق طهران القديم؟

قال: ل.

قلت: اذن من المسئول عن بناء ذلك المسجد؟

قال: الحاج يد الله رجبيان!

وما ان نطق بكلمة (يد اللّه) انتاب قلبي الخفقان، واضطربت!

ص: 111

فقال لي: ماذا حصل؟

وجاء بكرسي، واجلسني عليه، بينما كان العرق يتصبب من جبيني وقلت في نفسي: يد اللّه فوق ايديهم، انه الحاج يد الله رجبيان. ولم اكن الي ذلك الوقت قد تعرفت علي هذا الرجل.

رجعت الي طهران، واخبرت المرحوم الحاج الشيخ جواد الخراساني بالقضية، فقال: اذهب الي الحاج يد الله رجبيان وتابع الموضوع.

فسافرت الي قم، بعد أن اشتريت اربعمائة كتاب واتجهت الي محل عمل الحاج رجبيان وهو معمل نسيج.

سألت الحارس عن الحاج رجبيان فأخبرني انه ذهب الي منزله. فالتمست منه أن يتصل هاتفيّا بالحاج ويخبره بان شخصا جاء من طهران للقائه.

اتصل الحارس بالحاج، وتحدثت معه هاتفياً وقلت: لقد جئت من طهران وقد اوقفت اربعمائة نسخة كتاب لمكتبة المسجد، فلمن اسلمها؟

قال الحاج يد الله رجبيان: و كيف فعلت ذلك، وكيف تعرّفت علينا؟

قلت: يا حاج انها وقف للمسجد.

قال: لابد ان تخبرني عن مصدر هذه الكتب.

قلت: لا يمكنني هاتفي.

قال: اذن، انتظرك ليلة الجمعة القادمة، فهات الكتب الي منزلن.

واعطاني عنوان المنزل.

رجعت الي طهران، وارزمت الكتب رُزَما رُزَم. و يوم الخميس جئت الي قم بسيارة احد الاصدقاء حاملا تلك الكتب وقصدت منزل الحاج.

قال لي الحاج: لا يمكنني ان اقبل هذه الكتب ما لم تخبرني بقصّتك.

ص: 112

وعلي اي حال، اخبرته بقصتي ودفعت اليه الكتب.

ذهبت الي المسجد، وصليت ركعتي صلوة الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) وبكيت كثير.

رأيت ان المسجد والحسينية قد بنيا طبق المخطط الذي رسمه الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

قال لي الحاج يد الله رجبيان: جزاك الله خيرا;لقد وفيت بعهدك.

هذه حكاية مسجد الامام الحسن (عليه السلام).

ومضافا الي هذه الحكاية، نقل الحاج يد الله رجبيان حكاية لطيفة اخري ترتبط بهذا المسجد، انقلها اليكم باختصار.

قال الحاج رجبيان: طبقا للمعمول في اعمال البناء وهو ان اجور العمال تدفع لهم ليلة الجمعة، وذات ليلة جمعة كنت قد عزلت المال اللازم لدفع اجور العمّال فجاء رئيس العمّال طبقا للعادة لأخذ اجور عملته، وقال:

جاء اليوم احد السادة بباب المسجد واعطاني هذه الورقة المالية من فئة خمسين تومان، تبرعاً منه للمسجد.

فقلت له: ان باني هذا المسجد لا يقبل مالا من احد فقال لي السيد بحدّة: خذها فانه سيقبله:

اخذت منه الورقة المالية وكان قد كتب عليها لمسجد الامام الحسن المجتبي (عليه السلام)!

يقول الحاج رجبيان: اخذت الورقة المالية، وبعد يومين أو ثلاثة، جاءت امرأة تستعطي وشرحت لي حالها وحاجتها وحاجة يتيميها الي المال، فادخلت يدي في جيبي فلم اجد فيها شيئاً من المال وكأنّي غفلت عن اخذ شيء من المال من منزلي، فاضطررت الي ان اعطيها تلك الورقة المالية (الخمسون تومانا) وقلت في نفسي: سأضع من مالي عوضا عنها لبناء

ص: 113

المسجد. واعطيت للمرأة لكي تأتي الي أُساعدُها باكثر من هذا المقدار.

أخذت المرأة الورقة وانصرفت ولم تَعُدْ بعد ذلك مع اني أعطيتها العنوان لمراجعتي.

ولكني تأسّفت وندمت علي اعطاءه. الورقة المالية لانها كانت مخصصة للمسجد.

وفي الاسبوع اللاحق، جاء كبير العملة لأخذ اجور العمّال، وقال لي: يا حاج، عندي اليك حاجة، فان وعدتني بقضائها اخبرتك عنه. قلت له: قل، وساقضي حاجتك ان كان بوسعي ذلك.

قال: يمكنك ذلك.

قلت له: قل حتي اعدك بقضائه.

وهكذا استمر الاخذ والرّد بيني وبينه.

وأخيرا قلت له: قل، فاني سأفعل.

وبعد ان أخذ مني العهد علي ذلك قال:

اريد تلك الورقة المالية التي جئتك بها الاسبوع الماضي، والتي دفعها ذلك السيد لبناء المسجد.

قلت: يا استاذ، لا تصب الزيت علي ناري، لقد جددت جرحي (لاني ندمت كثيرا بعد اعطاء الورقة لتلك المرأة وبقيت لمدة سنتين، كلما وقعت في يدي ورقة مالية من فئة الخمسين تومان، دققت النظر فيها علّها تكون تلك الورقة التي فرطت فيها بسهولة.

قلت لأستاذ البنّائين: في تلك الليلة لم تشرح لي جيدا قصة هذه الورقة المالية، واليوم اطلب منك ذلك.

قال: نعم، لقد كان الوقت حوالي الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر،

ص: 114

وكان الطقس حارا جد، وكنا مشغولين بالبناء انا وبعض العملة، وفجاة رأيت سيّداً ورد من احد ابواب المسجد، وكان نورانيا جذاب، تبدو عليه الهيبة والجلال، فاختطف قلبي، ولم تعد يدي تطاوعني للعمل، وانما كنت فقط اريد التمتع بمشاهدة جماله.

جاء السيد ودخل الي صالة المسجد واخذ يتمشي فيه، ثم تقدم نحوي وكنت علي منصة العمل فادخل يده تحت عباءته واخرج ورقة نقدية وقال: يا استاد خذ هذا المال واعطه لباني المسجد.

قلت: يا سيد ان باني المسجد لا يقبل مالا من احد واخشي ان آخذ المال منك ولا يقبله أيض، ويغضب عليّ.

فقال: قلت لك خذه، وانه سيقبله.

ائتمرت بامره واخذت المال منه، وخرج من الصالة الي الخارج.

قلت في نفسي: تري من يكون من هذا السيد الذي جاء في هذا الطقس الحار؟

ناديت أحد العملة باسم (مشهدي علي) وقلت له: اذهب خلف هذا السيد وانظر الي اين يذهب ومع من وبأيّ واسطة نقل جاء الي هن.

ذهب مشهدي علي، ومضت اربعة دقائق، وخمسة دقائق ولم يعد مشهدي علي، فتشتّتت افكاري جد، فناديت مشهدي علي وكان واقفا خلف اسطوانه في المسجد، قلت له: لماذا لا تأتي؟

قال: انا واقف اتفرج علي هذ السيد.

قلت: تعال.

وعندما جاء قال: لقد ذهب السيد.

قلت: بأي وسيلة نقل ذهب؟هل كانت سيارة؟

ص: 115

قال: ل، ليس من وسيلة نقل، انما ذهب ماشي.

قلت: فلماذا وقفت ولم ترجع لتخبرني؟

قال: كنت واقفا اتمتع بمشاهدته.

قال الحاج رجبيان: هذه قصة الخمسين تومان، ولكن صدّقوني لقد كان لهذه الورقة النقدية اثراً بالغا في بناء المسجد، ولم اكن واثقاً انّي استطيع بمفردي اكمال بناء هذا المسجد بهذه الهيئة، ومن حين وصول هذه الورقة النقدية بيدي تركت اثرا كبيرا علي عمل المسجد وعلي عملي الشخصي ايض.

نهاية الحكاية. (1)1.

ص: 116


1- لطف الله الصافي، أجوبة المسائل العشرة، ص 31.

إشارة:

عند تتبّع سيرة اهل البيت (عليهم السلام)، نجد ويجد معنا كلُّ منصف مهما كان مذهبه وعقيدته، انهم ما دعوا الاّ الي مكارم الاخلاق، والي الخير والي كلّ ما من شأنه ان يؤدي بهذا الانسان الي السعادة والكمال.

فاذا ما اخذت كتاب، ايّ كتاب، ذكرت فيه حياتهم الشريفة، ما وجدت فيه الاّ العلم، والورع، والتقوي، والصدق، والوفاء، والاحسان، والعفو، والايثار، والسماح، والشجاعة، والاباء، والانتصار للمظلوم، لن تجد ولن يجد احدٌ مهما دقق في سيرتهم، منقصة يمكن ان تنسب اليهم (عليهم السلام)، هذا اذا كان منصف، حتي لو كان عدو.

فها هو معاوية بن ابي سفيان، الدُّ اعداء امير المؤمنين (عليه السلام) لم يجد الي النيل من شخصية علي بن ابي طالب (عليه السلام)، سبيلا مما اضطره الي اللعن والشتم وهي حيلة العاجز، فماذا يقول؟ هل يصف علياً بالكذب؟حاشا للّه. هل يصفه بالجبن؟ هل يصفه بالكفر؟هل يصفه بالبخل؟ هل يصفه بعدم الوفاء؟

لا يقدر معاوية علي ذلك، ولا يجرؤ عاقل علي ذلك مهما كان عداؤه شديداً لامير المؤمنين (عليه السلام) لان نسبة هذه الامور الي علي (عليه السلام)، ينكره كل عاقل بعد ان شهد اللّه لعلي (عليه السلام) بانه الصراط المستقيم، وانه النبأ العظيم وانه باب حطة من دخله كان آمنا وانه شري نفسه للّه، وانه صدق ما عاهد اللّه عليه. وانه …وانه ….

كلّ هذا واضح للجميع، للشيعي وللسنّي، للمسلم ولغير المسلم، ولم نات بجديد اذا ما ذكرنا ذلك.

ص: 117

وحينئذ يحق لنا أن نتساءل قائلين: تري اذا كان أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، يتصف بكل ذلك، اذن لماذا هذا العداء السافر له؟

ولماذا هذا العداء السافر لاولاده؟

فعلي مرّ التاريخ، وكلّما جاءت حكومة، صبّت حِمَمَ غضبها علي رؤوس اولاد عليّ (عليه السلام)، فاضطهدوهم …وطاردوهم … وشردوهم …و سجنوههم … وصادروا أموالهم …و قتلوهم جماعات جماعات، بشتي انواع القتل.

فالتاريخ ينقل لنا صور مروّعة لعمليات قتل جماعي اقدم عليها خلفاء بني العباس وغيرهم، لاولاد علي (عليه السلام).

وها هي الارض، علي سعتها تضمّ اجساداً طاهرة هنا وهناك، لاولاد علي الذين فرّوا من نير ظلم الحكّام، الذين طاردوهم تحت كل حجر ومدر.

الحكاية السابقة، تبين جانباً من هذه الجرائم فالعشرات من اولاد الامام علي (عليه السلام) قتلوا وبقيت قبورهم مجهولة، ومخفية لعشرات السنين او لمئات السنين، الي ان شاءت الارادة الالهية، الكشف عن تلك القبور لتكون مزارا لاهل الحق والحقيقة، ولتكون شاهدا علي ظلم الجاحدين للقيم والمباديء الاسلامية.

فنجد في الحكاية كيف ان الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) قد كشف انّه قد سقط في هذا المكان احد اولاد فاطمة وعلي (عليهما السلام) شهيدا مضرجا بدمه وصار موضع استشهاده محرابا يعبد به اللّه عز وجل وان تلك الارض التي سقطت عليها قطرات دمه الزّاكي، ستكون موضع وقوف المصلّين لربهم تعالي، ذاكرين آلاء الرحمن ومتذكرين مظلومية اهل البيت (عليهم السلام).

(يريدون ليطفئوا نور اللّه بافواههم واللّه متِمُّ نوره ولو كره الكافرون). (1)8.

ص: 118


1- سورة الصف، الآية 8.

الآية التاسعة عشرة:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيرٌ لَّكُمْ اِن كُنتُمْ مُؤمِنِينَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة هود/ الآية 86.

اخرج السيد المؤمن الشبلنجي في (نور الابصار) وابن الصباغ المالكي قال: عن أبي جعفر (قدس سره) قال - في حديث طويل ذكره، وفيه:

(فاذا خرج (يعني: المهدي) أسند ظهره الي الكعبة، واجتمع اليه ثلاثمأة وثلاثة عشر رجلا من أتباعه، فاوّل ما ينطق به هذه الآية: (بَقِيَّة اللَّهِ خَيرٌ لَّكُمْ اِن كُنتُمْ مُّؤمِنِينَ) ثم يقول: (أنا بقيّة اللّه، وخليفته، وحجته عليكم)،

فلا يسلِّم عليه أحد الا قال:

(السّلام عليك يا بقيّة الله في الأرض) …الخ. (1)

ص: 119


1- نور الأبصار، الشبلنجي، ص 172 - الفصول المهمة - الباب الثاني عشر، ابن الصباغ المالكي.

الحكاية التاسعة عشرة: عبد الغفار الخوئي

في زمن المرحوم الحاج الشيخ محمد حسين المحلّاتي جدُّ المرحوم آية اللّه الحاج الشيخ بهاء الدّين المحلّاتي، ورد رجل بلباس مندرس مدرسة (خان شيراز) في مدينة شيراز، وطلب من خادم المدرسة ان يسمح له بالسكن في احدي غرف تلك المدرسة.

قال له الخادم: ان هذا الأمر بيد متصدي المدرسة وليس بيدي، فاذهب اليه - وكان المتصدي في ذلك الوقت رجل يدعي سيد رنگرز - واطلب منه ذلك.

يراجع الرجل متصدي المدرسة ويطلب منه غرفة للسكن فيها فيقول له المتصدي: هذه مدرسة ولا نُعطي غرفة الا لطلاب العلوم الدينيّة.

فيقول الرجل: أعلم ذلك، ولكنني اريد منك غرفة لاسكن فيها لعدّة أيّام فقط.

وأمر متصدي المدرسة - بلا ارادة - خادم المدرسة بان يعطي هذا الرجل غرفة في المدرسة ليرتاح فيها!

ويدخل الرجل في غرفته، ويغلق الباب علي نفسه ولا يعاشر احداً في تلك المدرسة.

كان خادم المدرسة وطبعا للمعمول في المدارس يغلق باب المدرسة مساءاً ويقفله ولكنه عندما يستيقظ صباحا يجد بان الباب مفتوح.

ويتكرر ذلك عدة ايام، فيتحيّرالخادم بذلك ويخبر متصدي المدرسة بالأمر، فيأمره المتصدي بان يقفل الباب هذه الليلة ويعطيه المفتاح بيده ليري

ص: 120

من الذي يفتح القفل كل ليلة ويخرج من المدرسة.

وفي الصباح، يجد المتصدي ان الباب قد فتح أيضا وان شخصا قد خرج من المدرسة.

ولان هذا الأمر بدأ يحدث من حين ورود ذلك الرجل الغريب الي المدرسة، اتجهت الشكوك نحوه، فيقول متصدي المدرسة لنفسه: لابدّ ان هناك سرّا مّا في هذا الرجل الغريب.

ومع ذلك فان متصدي المدرسة يخفي هذا في نفسه ويحاول التقرب الي الرجل العجوز لاكتشاف ذلك السرّ، فأخذ يتردد علي غرفته ويلاطفة ويظهر حبه له، ويطلب منه ان يعطيه ملابسه ليغسلها له وان يعاشر طلاب المدرسة، ولكن الرجل رفض كل ذلك وكان يقول: لا احتاج لأحد.

ومرّت فترة علي هذا المنوال.

وذات ليلة دعي الرجل الغريب كُلاً من المرحوم الحاج الشيخ محمد حسين المحلاتي ومتصدي المدرسة، الي حجرته، وقال لهم: لما كانت منيتي قد دنت، فاني احب ان اقصَّ عليكما قصتي وارجوا منكما ان تدفناني في محل لائق بعد موتي.

قال: اسمي عبد الغفّار، وشهرتي المشهدي الخوئي، من اهل خوي وانا جندي.

عندما كنت في الخدمة العسكرية، كان هناك ضابط سنّي تجاسر علي مولاتي فاطمة الزهراء (عليه السلام) فلم اتمالك نفسي وكان الي جانبي سكّين وكنت انا والضابط لوحدن، فاخذت السكين وقتلت الضابط وفررت من خوي وعبرت الحدود الي العراق وذهبت الي كربلاء. بقيت مدة من الزمن في كربلاء ثم في النجف ثم في الكاظمين وسامراء.

ذات يوم فكّرت في الرجوع الي ايران والاقامة في مشهد المقدسة جنب قبر الامام علي بن موسي الرضا (عليه السلام) الي آخر عمري.

ص: 121

وفي طريق العودة وصلت الي شيراز وأخذت غرفة في هذه المدرسة كما تلاحظون.

في اواخر الليل وعندما كنت اقوم للتهجد، كنت اري قفل وباب المدرسة ينفتحان لي فكنت اخرج الي جنب جبل القبلة واصلّي صلوة الصبح خلف مولاي ولي العصر روحي فداه، واني لاسف جدا لاهل هذا البلد، إذ من بين كل هؤلاء السكّان لا يخرج الاّ خمسة افراد للصلوة خلف امام الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

وهنا ينبري المرحوم شيخ محمد حسين المحلاتي ومتصدي المدرسة ويقولان له;دفع الله عنك البلاء انشاء الله وستبقي حيّ، وخاصة وانك لا تشكو من علّة.

فيقول الرجل في جوابهم: محالٌ ان يخطأ قول مولاي ولي العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فانه اخبرني اليوم باني ساموت في هذه الليلة.

وعلي اي حال، اوصي الرجل بوصاياه، وغطي رأسه بلحاف ونام، وما هي الاّ لحظة حتي فارق الدني.

وفي اليوم الثاني، يخبر المرحوم الشيخ محمد حسين المحلاتي علماء شيراز بالقضية، ويعلن هو والمرحوم الحاج شيخ مهدي الكجوري عن تعطيل البلد تجليلا لذلك الرجل، ويُشيِّع جثمانه الطاهر بكل احترام وتجليل، فيدفن في مقبرة دار السلام في شيراز في الطرف الشرقي، ومدفنه اليوم مزار لخواص أهل شيراز، حتي ان البعض يتوسلون به الي الله لقضاء الحوائج، كما ان علماء شيراز ومراجع التقليد كالمرحوم المحلاتي كانوا علي الدوام يزورون قبره.

وقبره في شيراز معروف بقبر الجندي أو (الطوبعي).

ص: 122

إشارة:

ورد عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) انه قال في ضمن ما قال:

(ان اللّه اخفي اولياءه في عباده، فلا تحتقرنّ احدا من عباده، فقد يكون وليا من أوليائه).

وهذه حقيقة واضحة من خلال الوجدان، وكل كلام امير المؤمنين (عليه السلام) حقيقة لا تقبل الشك.

وهذا الأمر يرتبط بامور منها;ان اولياء اللّه قد وصلوا الي مرتبة من الكمال تعصمهم عن الرياء وحب الظهور والاستعلاء علي الناس، ومثل هذه الامراض الروحيّة انّما هي شأن الجهّال والنّاقصين الّذين يحاولون سدّ النقص فيهم عن طريق الاستعلاء والتغطرس علي الاخرين بامور لم تكن يوما ما مقياسا للكمال، كالملابس والمساكن والمناصب وحتي العبادات الظاهرية المجرّدة عن الروح والخشوع.

امّا الاولياء، فيتسترون علي عباداتهم وطاعاتهم، وفضائلهم، وقدراتهم، ولا يبدون ذلك للناس، بل ان التستر والتكتم والابتعاد عن الظهور، يعدّ واحدا من اهم الاصول عندهم في السير والتكامل.

ومن هنا تجد ان سيرة هؤلاء ومقاماتهم تبقي خافية علي عامة الناس، حتي يرحل هؤلاء من الدنيا فيظهر شيء قليل من مقاماتهم علي لسان هذا أو ذاك الشخص الذي اعطي تعهداً بعدم افشاء الاسرار مادام ذلك الولي علي قيد الحياة الظاهرية.

ص: 123

وللوقوف علي هذه الحقيقة اكثر فاكثر، يكفي مطالعة بعض المؤلفات التي تناولت حياة هؤلاء الاولياء الذين وصل بعضهم الي مقام الانسان الكامل.

وقد قرأنا في الحكاية السابقة كيف ان هذا الولي قد وصل الي مقام يؤهله للصلوة يومياً خلف الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) في زمن الغيبة الكبري وهو شرف لا يناله الاّ الاوحدي من الناس.

ص: 124

الآية العشرون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِي إِلَي رُكْن شَديد) صدق اللّه العلي العظيم سورة هود/ الآية 80.

روي الحافظ القندوزي (الحنفي) باسناده قال: عن جعفر الصادق (عليه السلام) انه قال:

ما كان قول لوط (عليه السلام) لقومه:

(قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِي إِلَي رُكْن شَديد).

الا تمنيا لقوة (القائم المهدي) وشدة أصحابه، وهم الركن الشديد، فان الرجل منهم يُعطي قوة أربعين رجل، وان قلب رجل أشد من زبرالحديد، لو مروا بالجبال الحديد لتدكدكت، لا يكفون سيوفهم حتّي يرضي اللّه عز وجل. (1)

ص: 125


1- ينابيع المودة، الحافظ سليمان القندوزي، ص 509.

الحكاية العشرون: السيد بحر العلوم (قدس سره)

نقل العلّامة النوري في جنّة المأوي قال:

حدّثني العالم الصالح المتدين التقي جناب الميرزا حسين اللاهيجاني الرشتي المجاور بالنجف الأشرف وهو من أعزّة الصلحاء والأفاضل الأتقياء والثقة الثبت عند العلماء قال:

حدّثني العالم الربّاني والمؤيد من السماء المولي زين العابدين السلماسي المتقدّم ذكره، قال:

ان السّيد الجليل بحر العلوم طاب ثراه ورد يوما في حرم أمير المؤمنين عليه آلاف التحيّة والسّلام فجعل يترنم بهذا المصرع:

چه خوش است صوت قرآن*** زتو دل ربا شنيدن

كم هو جميل صوت القرآن من***لسانك انه حقا يخطف القلوب.

فسُئل رحمه اللّه عن سبب قرائته هذا المصرع، فقال:

لما وردت في الحرم المطهر رأيت الحجّة (عليه السلام) جالسا عند الرأس يقرأ القرآن بصوت عال، فلمّا سمعت صوته قرأت المصرع المزبور، ولما وردت الحرم ترك قراءة القرآن، وخرج من الحرم الشريف. (1)1.

ص: 126


1- النجم الثاقب، ج2، ص 291.

إشارة:

كثير من الناس يقرأ القرآن الكريم، ولكنه لا يلتفت حتي الي معانيه، وانما يعجبه فيه انه كلام بديع، جميل، انيق.

ومثل هؤلاء لا يستفيدون من القرآن الاّبهذا المقدار.

وبعض الناس يقرأ القرآن ويعجبه فيه تلك الحقائق الرائعة التي يبينها القرآن، من علوم وقصص وأمثال ويقف عند هذا الحدّ وهو مبلغه من الاستفادة منه.

والقليل من الناس، يتفاعل مع القرآن الكريم ويعيش مع هذا القانون والمنهج الالهي العظيم ويجعله دستورا لحياته، وكلما ازداد علما بحقائق القرآن وعلومه، كلما ازداد شرفاً وكمالاً بتطبيقه.

وامّا المعصوم، فعلاقته بالقرآن الكريم، تتجاوز كلّ ذلك، فالمعصوم لا ينفك لحظة عن القرآن الكريم في كل حركاته وسكناته، فهو القرآن المجسّد والناطق، واذا قرأ المعصوم القرآن، فليس فقط يقف عند كل آية ويتفكر في سبب نزولها وتفسيرها وتأويلها بل ان المعصوم عندما يقرأ القرآن، كأنه يسمع القرآن مشافهة من صاحب القرآن.

فالقران كلام اللّه والمعصوم يقرأ كلام اللّه الذي يسمعه بكل وجوده، لا بعينيه ولسانه فقط، ويري حقيقة القرآن من خلال معرفته بحقيقة اللّه الصفاتية، ومن ثمّ تجد ان دعاء المعصوم ومناجاته وتضرعه الي اللّه تختلف كل الاختلاف عن دعاء ومناجات سائر اولياء اللّه، بل لا يمكن المقايسة بينهم، ومن ثمّ، اذا سمعت المعصوم يقرأ كلام اللّه، تجد ان قراءته تختلف عن قراءة سائر الاولياء بل لا يمكن المقارنة بينهم.

ص: 127

ولذا نجد ان السيد بحر العلوم مع ما اوتي من علم وفضل وتقوي وكمال، يقف مبهوتا عندما يسمع قراءة الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) للقرآن الكريم، فيترنّم بقراءة ذلك المصرع من الشعر.

ومن هذه الحكاية ومن غيرها من الحكايات المرتبطة بتشرف هذا السيد الجليل بلقاء الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) نستكشف ان السيد بحر العلوم كان اذا رأي الامام (عليه السلام)، عرفه، وهذا يدل علي كثرة تشرفاته بلقاء الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

فهنيئا له هذا الشرف الذي ما ناله الاّ بالتقوي والجد والاخلاص في الطاعات، وبفضل اهل البيت (عليهم السلام) عليه.

ص: 128

الآية الحادية والعشرون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فيكُلِّ سُنْبُلَة مِأْةُ حَبَّة واَللَّهُ يُضَعِفُ لِمَن يِشَآءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) صدق اللّه العلي العظيم سورة البقرة الآية 261.

اخرج العالم (الشافعي) جمال الدين المقدسي السلمي الدمشقي في كتابه (عقد الدرر) - بسنده -عن علي بن ابي طالب -كرم اللّه وجهه - في وصف الامام (المهدي) (عليه السلام) قال:

(فيبعث المهدي الي امرائه بسائر الامصار: بالعدل بين الناس)-الي أن قال-:

(ويذهب الشر، ويبقي الخير).

(يزرع مُدّاً يخرج سبعمائة مُد - كما قال اللّه تعالي:

(كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ في كُلِّ سُنْبُلَة مِّأْة حَبَّة واَللَّهُ يُضَعِفُ لِمَن يِشَآءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ). (1)

ص: 129


1- عقد الدرر، ص 259.

الحكاية الحادية والعشرون: الشيخ علي البغدادي

قال العلّامة النوري في النجم الثاقب:

قضية الصالح الصفي التقي الحاج علي البغدادي الموجود حاليا في وقت تأليف هذا الكتاب وفّقه اللّه، وهي تناسب الحكاية السابقة، ولو لم يكن في هذا الكتاب الشريف الّا هذه الحكاية المتقنة الصحيحة التي فيها فوائد كثيرة، وقد حدثت في وقت قريب، لكفت في شرفه ونفاسته.

وتفصيلها كما يلي:

في شهر رجب السنة الماضية كنت مشغولا بتأليف رسالة جنّة المأوي فعزمت علي السفر الي النجف الأشرف لزيارة المبعث، فجئت الكاظمين ووصلت بخدمة جناب العالم العامل والفقيه الكامل السيد السند والحبر المعتمد الآقا السيد محمد ابن العالم الأوحد السيد احمد ابن العالم الجليل والدوحة النبيل السيد حيدر الكاظميني أيّده اللّه وهو من تلامذه خاتم المجتهدين وفخر الاسلام والمسلمين الاستاذ الأعظم الشيخ مرتضي أعلي اللّه تعالي مقامه، ومن أتقياء علماء تلك البلدة الشريفة، ومن صلحاء أئمة جماعة الصحن والحرم الشريف، وكان ملاذا للطلاب والغرباء والزوار، . أبوه وجدّه من العلماء المعروفين، وما زالت تصانيف جدّه سيد حيدر في الأصول والفقه وغيرهما موجودة.

فسألته اذا كان رأي أو سمع حكاية صحيحة في هذا الباب ان ينقلها منقل هذه القضية وكنت قد سمعتها سابقا ولكني لم اضبط اصلها وسندها فطلبت منه ان يكتبها بخط يده.

فقال: سمعتها من مدّة وأخاف أن أزيد فيها أو انقص، فعليَّ أن ألتقي

ص: 130

به واسئله ومن ثمّ اكتبه، ولكن اللقاء به والأخذ منه صعب فانّه من حين وقوع هذه القضيّة قلّ انسه بالناس وسكناه في بغداد وعندما يأتي للتشرّف بالزيارة فانّه لا يذهب الي مكان ويرجع بعد أن يقضي وطرا من الزيارة، فيتّفق أن لا أراه في السنة الّا مرّة أو مرّتين في الطريقِ وعلي ذلك فانّ مبناه علي الكتمان الاّ علي بعض الخواص ممن يأمن منه الافشاء والاذاعة خوف استهزاء المخالفين المجاورين المنكرين ولادة المهدي (عليه السلام) وغيبته، وخوفا من أن ينسبه العوام الي الفخر وتنزيه النفس.

قلت: انّي أطلب منك أن تراه مهما كان وتسأله عن هذه القضية الي حين رجوعي من النجف، فالحاجة كبيرة والوقت ضيق.

ففارقته لساعتين أو ثلاث ثمّ رجع اليّ وقال: من أعجب القضايا انّي عندما ذهبت الي منزلي جائني شخص مباشرة وقال جاؤوا بجنازة من بغداد ووضعوها في الصحن الشريف وينتظرونك للصلوة عليه.

فقمت وذهبت وصلّيت فرأيت الحاج المذكور بين المشيّعين فأخذته جانب، وبعد امتناعة سمعت هذه القضية، فشكرت اللّه علي هذه النعمة السنية، فكتبت القصة بكاملها وثبّتها في جنّة المأوي.

وقد تشرّفت بعد مدّة مع جماعة من العلماء الكرام والسادات العظام بزيارة الكاظمين (عليهما السلام) وذهبت من هناك الي بغداد لزيارة النوّاب الأربعة رضوان الله عليهم فبعد أداء الزيارة وصلت بخدمة جناب العالم العامل والسيد الفاضل الآقا سيد حسين الكاظميني، وهو أخ جناب الآقا السيد محمد المذكور، وكان يسكن في بغداد وعليه مدار الأمور الشرعية لشيعة بغداد أيّدهم اللّه، وطلبت منه أن يحضر الحاج علي المذكور، وبعد أن حضر طلبت منه أن ينقل القضية في ذلك المجلس، فأبي، وبعد الاصرار رضي أن ينقلها ولكن في غير ذلك المجلس، وذلك بسبب حضور جماعة من أهل بغداد، فذهبنا الي مكان خال ونقل القضية، وكان الاختلاف في الجملة في موضعين أو ثلاثة وقد اعتذر عن ذلك بسبب طول المدّة.

ص: 131

وكانت تظهر من سيمائه آثار الصدق والصلاح بنحو واضح، بحيث ظهر لجميع الحاضرين مع كثرة تدقيقهم في الأمور الدينية والدنيوية القطع بصدق الواقعة.

نقل الحاج المذكور ايّده اللّه: اجتمع في ذمّتي ثمانون توماناً من مال الامام (عليه السلام) فذهبت الي النجف الأشرف فأعطيت عشرين تومانا منه لجناب علم الهدي والتقي الشيخ مرتضي اعلي اللّه مقامه وعشرين تومانا الي جناب الشيخ محمد حسين المجتهد الكاظميني وعشرين تومانا لجناب الشيخ محمد حسن الشروقي وبقي في ذمّتي عشرون تومان، كان في قصدي أن أعطيها الي جناب الشيخ محمد حسن الكاظميني آل ياسين أيّده اللّه عند رجوعي.

فعندما رجعت الي بغداد كنت راغبا في التعجيل بأداء ما بقي في ذمّتي، فتشرّفت في يوم الخميس بزيارة الامامين الكاظمين (عليهما السلام)و بعد ذلك ذهبت الي خدمة جناب الشيخ سلّمه اللّه وأعطيته مقدارا من العشرين تومانا وواعدته بأني سوف أعطي الباقي بعد ما أبيع بعض الأشياء تدريجي، وأن يجيزني أن أوصله الي أهله، وعزمت علي الرجوع الي بغداد في عصر ذلك اليوم، وطلب جناب الشيخ منّي أن أتأخر فاعتذرت بأن عليّ أن أوفّي عمّال النسيج أجورهم، فانّه كان من المرسوم أن أسلّم أجرة الأسبوع عصر الخميس، فرجعت وبعد أن قطعت ثلث الطريق رأيت سيّدا جليلا قادما من بغداد من أمامي، فعندما قرب منّي سلّم عليّ وأخذ بيدي مصافحا ومعانقا وقال: أهلاً وسهلاً وضمني الي صدره وعانقني وقبّلني وقبّلته، وكانت علي رأسه عمامة خضراء مضيئة مزهرة، وفي خدّه المبارك خال أسود كبير، فوقف وقال: حاج علي علي خير، علي خير، أين تذهب؟

قلت: زرت الكاظمين (عليهما السلام) وأرجع الي بغداد.

قال: هذه الليلة ليلة الجمعة فارجع.

فقلت: يا سيدي لا اتمكّن.

ص: 132

فقال: في وسعك ذلك، فارجع حتي أشهد لك بأنّك من موالي جدّي أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن موالين، ويشهد لك الشيخ كذلك، فقد قال تعالي: (واستشهدوا شهيدين). (1)

وكان ذلك منه اشارة الي مطلب كان في ذهني أن ألتمس من جناب الشيخ أن يكتب لي شهادة بأنّي من موالي أهل البيت عليهم السلام لأضعها في كفني.

فقلت: أي شيء تعرفه، وكيف تشهد لي؟

قال: من يوصل حقّه اليه، كيف لا يعرف من أوصله؟

قلت ايُّ حق؟

قال: ذلك الذي أوصلته الي وكيلي.

قلت: من هو وكيلك.

قال: الشيخ محمد حسن.

قلت: وكيلك؟

قال: وكيلي، وكذلك السيد محمد.

قال الحاج علي: وكان قد خطر في ذهني أن هذا السيد الجليل يدعوني باسمي مع أنّي لا أعرفه، فقلت في نفسي لعلّه يعرفني وأنا نسيته. ثمّ قلت في نفسي ايض: انّ هذا السيد يريد منّي شيئا من حقّ السادة، وأجيب أن اوصل اليه شيئا من مال الامام (عليه السلام) الذي عندي.

فقلت: يا سيد بقي عندي شيء من حقّكم فرجعت في أمره الي جناب الشيخ محمد حسن لأؤدّي حقّكم يعني السادات بأذنه.2.

ص: 133


1- سورة البقرة: الآية 282.

فتبسّم في وجهي وقال: نعم قد أوصلت بعضا من حقّنا الي وكلائنا في النجف الأشرف.

فقلت: هل قبل ذلك الذي أدّيته؟

فقال: نعم.

خطر في ذهني أن هذا السيد يقول بالنسبة الي العلماء الأعلام (وكلائنا) فاستعظمت ذلك، فقلت: العلماء وكلاء في قبض حقوق السادات وغفلت.

ثم قال: ارجع وزر جدّي.

فرجعت وكانت يده اليمني بيدي اليسري فعندما سرنا رأيت في جانبنا الأيمن نهراً ماؤه أبيض صاف جار، وأشجار الليمون والنارنج والرمّان والعنب وغيرها كلّها مثمرة في وقت واحد مع انّه لم يكن موسمه، وقد تدلت فوق رؤوسن.

قلت: ما هذا النهر وما هذه الأشجار؟

قال، انها تكون مع كل من يزورنا ويزور جدّنا من موالين.

فقلت، أريد أن أسئلك؟

قال اسأل.

قلت: كان الشيخ المرحوم عبد الرزاق رجلا مدرسا فذهبت عنده يوما فسمعته يقول: لو أن أحدا كان عمره كلّه صائما نهاره قائما ليله وحج أربعين حجة واربعين عمرة ومات بين الصفا والمروة ولم يكن من موالي أمير المؤمينين (عليه السلام) فليس له شيء؟

قال: نعم، واللّه ليس له شيء.

فسألته عن بعض أقربائي هل هو من موالي أمير المؤمنين؟

قال: نعم هو وكلّ من يرتبط بك.

ص: 134

فقلت: سيّدنا! لي مسئلة.

قال: اسأل.

قلت: يقرأ قرّاء تعزية الحسين (عليه السلام) أن سليمان الأعمش جاء عند شخص وسأله عن زيارة سيد الشهداء (عليه السلام)فقال: بدعة. فرأي في المنام هودجا بين الأرض والسماء، فسأل: من في الهودج؟فقيل له: فاطمة الزهراء وخديجة الكبري (عليهما السلام). فقال: الي أين تذهبان؟

فقيل: الي زيارة الحسين (عليه السلام) في هذه الليلة فهي ليلة الجمعة ورأي رقاعا تتساقط من الهودج مكتوب فيه: (أمان من النار لزوّار الحسين (عليه السلام) في ليلة الجمعة أمان من النار يوم القيامة).

فهل هذا الحديث صحيح؟

قال: نعم، صحيح وتام.

قلت: سيدنا يقولون: من زار الحسين (عليه السلام) ليلة الجمعة فهي له أمان.

قال: نعم واللّه. (و جرت الدموع من عينيه المباركتين وبكي).

قلت: سيدنا مسألة.

قال: اسأل.

قلت: زرنا الإمام الرضا (عليه السلام) سنة تسع وستين ومائتين وألف والتقينا بأحد الأعراب الشروقيين من سكّان البادية في الجهة الشرقية من النجف الأشرف في درود، واستضفناه وسألناه كيف هي ولاية الرضا (عليه السلام)؟

قال: الجنة. ولي خمسة عشر يوما آكل من مال مولاي الامام الرضا (عليه السلام) فكيف يجرؤ منكر ونكير أن يدنيا منّي في قبري وقد نبت لحمي ودمي من طعامه (عليه السلام) في مضيفه؟!

ص: 135

فهل هذا صحيح انّ علي بن موسي الرضا (عليه السلام) يأتي ويخلصه من منكر ونكير؟

فقال: نعم واللّه، انّ جدي هو الضامن.

قلت: سيدنا أريد أن أسألك مسألة صغيرة؟

قال: اسأل.

قلت: و هل زيارتي للامام الرضا (عليه السلام) مقبولة؟

قال: مقبولة ان شاء اللّه.

قلت: سيدنا مسألة؟

قال: بسم اللّه.

قلت: الحاج محمد حسين القزاز (بزاز باشي) ابن المرحوم الحاج احمد القزاز (بزاز باشي) هل زيارته مقبولة أم لا (وقد كان رفيقنا في السفر وشريكنا في الصرف في طريق مشهد الرضا (عليه السلام)؟

قال: العبد الصالح زيارته مقبولة.

قلت سيدنا مسألة؟

قال: بسم اللّه.

قلت: انّ فلاناً من أهل بغداد - وكان رفيقنا في السفر - هل زيارته مقبولة؟

فسكت.

قلت: سيدنا مسألة؟

قال: بسم اللّه.

قلت: هل سمعت هذه الكلمة أم لا؟فهل انّ زيارته مقبولة أم لا؟ فلم يجبني.

ص: 136

(ونقل الحاج المذكور انّه كان ذلك الشخص وعدّة نفر من أهل بغداد المتوفين قد انشغلوا في السفر باللهو واللعب، وكان ذلك الشخص قد قتل أمه).

فوصلنا في الطريق الي مكان واسع علي طرفيه بستانين مقابل بلده الكاظمين الشريفة وكان موضع من ذلك الطريق متصلا ببستانين من جهته اليمني لمن يأتي من بغداد وهو ملك لبعض الأيتام السادة وقد أدخلته الحكومة ظلما في الطريق، وكان أهل التقوي والورع من سكنة هاتين البلدتين يجتنبون دائما المرور من تلك القطعة من الارض.

ورأيته (عليه السلام) يمشي في تلك القطعة فقلت: يا سيدي هذا الموضع ملك لبعض الأيتام السادة ولا ينبغي التصرّف فيه.

قال: هذا الموضع ملك جدّنا امير المؤمينين (عليه السلام) وذرّيته وأولادنا ويحلّ لموالينا التصرف فيه.

وكان في القرب من ذلك المكان علي الجهة اليسري بستان ملك لشخص يقال له الحاج الميرزا هادي، وهو من أغنياء العجم المعروفين، وكان يسكن في بغداد;قلت: سيدنا هل صحيح ما يقال بأن أرض بستان الحاج ميرزا هادي ملك الامام (عليه السلام)؟

قال: ما شأنك بهذا؟ (وأعرض عن الجواب).

فوصلنا الي ساقية ماء فُرِّعت من شط دجلة للمزارع والبساتين في تلك المنطقة، وهي تمرُّ في ذلك الطريق، وعنهما يتشعّب الطريق الي فرعين باتّجاه البلدة; أحد الطريقين سلطاني، (1) والآخر طريق السادة، فاختار (عليه السلام) طريق السادة.

فقلت: تعال نذهب من هذا الطريق، يعني طريق السلطاني.ي.

ص: 137


1- الظاهر أنّ المقصود أنه حكومي.

قال: ل، نذهب من طريقن.

فما خطونا الاّ عدّة خطوات فوجدنا أنفسنا في الصحن المقدّس عند موضع خلع الأحذية من دون أن نمر بزقاق ولا سوق.

فدخلنا الايوان من جهة باب المراد التي هي الجهة الشرقية مما يلي الرجل.

ولم يمكث (عليه السلام) في الرواق المطهر، ولم يقرأ اذن الدخول، ودخل، ووقف علي باب الحرم، فقال: زر.

قلت، انّي لا أعرف القراءة.

قال: أقرأُ لك؟

قلت: نعم.

فقال: أأدخل يا اللّه، السلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك يا أمير المؤمنين ….

وهكذا سلّم علي كلّ امام من الأئمة عليهم السلام حتي بلغ في السلام الي الامام العسكري (عليه السلام) وقال: السلام عليك يا أبا محمد الحسن العسكري، ثم قال: تعرف امام زمانك؟

قلت: و كيف لا أعرفه؟

قال: سلّم علي امام زمانك.

فقلت: السلام عليك يا حجّة اللّه يا صاحب الزمان يا ابن الحسن.

فتبسّم وقال: عليك السّلام ورحمة اللّه وبركاته.

فدخلنا في الحرم المطهّر وأنكببنا علي الضريح المقدّس، وقبّلناه، فقال لي: زر.

قلت: لا أعرف القراءة.

ص: 138

قال: أقرُأ لك الزيارة؟

قلت: نعم.

قال: أيُّ زيارة تريد؟

قلت: زوّرني بأفضل الزيارات.

قال: زيارة أمين اللّه هي الأفضل.

ثم أخذ بالقراءة وقال: السّلام عليكما يا أميني اللّه في أرضه وحجتيه علي عباده …الخ.

وأضيئت في هذه الأثناء مصابيح الحرم فرأيت الشموع مضاءه ولكن الحرم مضاء ومنوّر بنور آخر مثل نور الشمس والشموع تضيء مثل المصباح في النهار في الشمس.

وكنت قد أخذتني الغفلة بحيث لم انتبه الي هذه الآيات.

فعندما انتهي من الزيارة جاء الي الجهة التي تلي الرجل فوقف في الجانب الشرقي خلف الرأس، وقال: هل تزور جدّي الحسين (عليه السلام)؟

قلت: نعم أزوره فهذه ليلة الجمعة.

فقرأ زيارة وارث، وقد فرغ المؤذنون من اذان المغرب، فقال لي: صلّ والتحق بالجماعة، فجاء الي المسجد الذي يقع خلف الحرم المطهّر وكانت الجماعة قد انعقدت هناك، ووقف هو منفردا في الجانب الأيمن لامام الجماعة محاذيا له، ودخلت أنا في الصفّ الأول حيث وجدت مكان لي هناك.

فعندما انتهيت لم أجده، فخرجت من المسجد وفتّشت في الحرم فلم أره، وكان قصدي أن ألاقيه وأعطيه عدّة قرانات واتضيفه في تلك الليلة.

ثم جاء بذهني: من يكون هذا السيد؟!و انتبهت للآيات والمعجزات

ص: 139

المتقدّمة ومن انقيادي لأمره في الرجوع مع ما كان لي من الشغل المهم في بغداد، وتَسْمِيَتُهُ لي باسمي، مع أنّي لم أكن قد رأيته من قبل، وقوله (موالينا) وانّي اشهد، ورؤية النهر الجاري والأشجار المثمرة في غير موسم، وغير ذلك مما تقدّم مما كان سببا ليقيني بأنّه الامام المهدي (عليه السلام)، وبالخصوص في فقرة اذن الدخول وسؤاله لي بعد السلام علي الامام العسكري (عليه السلام)، هل تعرف امام زمانك؟فعندما قلت اعرفه، قال: سلّم، فعندما سلّمت، تبسّم وردّ السلام.

فجئت عند حافظ الأحذية وسألت عنه، فقال: خرج …وسألني: هل كان هذا السيد رفيقك؟

قلت: نعم.

فجئت الي بيت مضيفي وقضيت الليلة، فعندما صار الصباح، ذهبت الي جناب الشيخ محمد حسن ونقلت له كلّما رأيت.

فوضع يده علي فمي ونهاني عن اظهار هذه القصة وافشاء هذا السر، وقال: وفقك اللّه تعالي.

فاخفيت ذلك ولم أظهره لاحد الي ان مضي شهر من هذه القضية، فكنت يوماً في الحرم المطهر، فرأيت سيداً جليلاً قد اقترب منّي وسألني: ما ذا رأيت؟

و اشار الي قصة ذلك اليوم!

قلت: لم أرَ شيئ.

فاعاد عليّ ذلك الكلام، وانكرت بشدّة.

فاختفي عن نظري ولم أره بعد ذلك.

ص: 140

إشارة:

من الاماكن التي يمكن للانسان التشرف بلقاء المولي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فيه، هي المراقد المقدسة لآبائه الطاهرين عليهم السلام، حيث ورد في كثير من حكايات التشرف بحضرته، انه يلتقي في تلك البقاع الطاهرة، كما في قضية السيد بحر العلوم في حرم امير المؤمنين (عليه السلام) وفي حرم العسكريين (عليهما السلام) وفي هذه الحكاية في حرم الكاظمين الجوادين موسي ومحمد عليهما آلاف التحيّة والثناء، وكذا في حرم الامام الرضا (عليه السلام) والسيده المعصومة (عليها سلام).

وكيف لا يكون كذلك، وهذه البقاع هي أشرف بقاع الارض، مهبط الملائكة، ومضانّ اجابة الدعاء ونزول الخيرات والبركات والرحمة الالهية علي المؤمنين.

ومن جملة تلك المراقد الشريفة هي، مرقد أبي الاحرار وسيد الشهداء الامام الحسين بن علي (عليه الصلوة والسلام) وخصوصا ليلة الجمعة، حيث يظن وجود الامام الحجة ابن الحسن (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) في ذلك المكان الطاهر، مع اجداده الطاهرين، وامّه الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كما ورد في الخبر.

فعلي عشاق الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ان يكثروا من مراودة تلك البقاع، ليحظوا بهذا الشرف الرفيع وهو مشاركة تلك الانوار الطاهرة في زيارة الحسين (عليه السلام)، مضافاً الي ما في هذه الزيارة من الثواب، ورجاءاً

ص: 141

للتشرف بخدمة المولي صاحب العصر والزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

هذا وقد ورد في بعض حكايات التشرف بخدمته (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ان بعض المؤمنين سأل من الامام (عليه السلام) قائل:

سيدي ايّ مكان يكثر تواجدك فيه؟

فاجاب (عليه السلام) قائل:

(في بيت الاحزان).

ص: 142

الآية الثانية والعشرون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَالعَصْرِ إنَّ اَلاِنْسَانَ لَفِي خُسْر الاَّ اَلَّذِيْنَ آمَنُوا وعَمِلِوا اَلْصَّالِحات وتَوَاصَوا بِاَلْحَقِّ وتَوَاصَوا بِاَلْصَّبْر) صدق اللّه العلي العظيم سورة العصر/ الآية 1-3.

ابن بابويه: قال: حدثنا احمد بن هارون الفامي القاضي وجعفر بن محمد بن مسرور وعلي بن الحسين بن شاذويه المؤدب (رضي اللّه عنهم) قالو: حدثنا محمد بن جعفر بن جامع الحميري قال: حدثنا ابي، عن محمد بن الحسين (بن زياد الزيات) بن ابي الخطّاب الدقاق، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر قال:

سألت الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن قول اللّه عز وجل: (والعَصْر إنَّ اَلْاِنْسَانَ لَفِي خُسْر) قال: (العَصْر) عصر خروج القائم (عليه السلام) (إنَّ اَلْاِنْسَانَ لَفِي خُسْر) يعني اعداءن، (الاَّ اَلَّذِيْنَ آمَنُوا) يعني بآياتن، (وعَمِلِوا اَلْصَّالِحات) يعني بمواسات الاخوان، (وتَوَاصَوا بِاَلْحَقِّ) يعني بالإمامة (وتَوَاصَوا بِاَلْصَّبْر) يعني في الفترة. (1)

ص: 143


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2، ص 656.

الحكاية الثانية والعشرون: محمد علي جولاگر

يقول الحاج محمد حسين التبريزي وهو من محترمي تجّار تبريز وقد حُرِم من نعمة الولد وكان قد استعمل كل الادوية والعقاقير فلم تنفعه للانجاب، يقول: تشرفت بزيارة النجف الاشرف ولطلب الحاجة ذهبت الي مسجد السهلة وتوسلت بالامام صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

وفي الليل رايت في عالم المكاشفة ان رجلا جليلا قال لي: اذهب الي دزفول عند محمد علي الجولاگر (الحائك)لكي تقضي حاجتك.

ذهبت الي دزفول وسألت عن عنوان ذلك الشخص فدلّوني عليه وعندما رأيته اعجبني لانه كان رجلا فقيرا طيب السريرة نيّر الضمير وكان له دكان صغير يشتغل فيه بالحياكة.

سلمت عليه فقال لي: و عليك السلام يا حاج محمد حسين لقد قُضِيَت حاجتك.

تعجبتُ من معرفته باسمي، ومن قوله ان حاجتي قد قُضيت. و طلبت منه ان يسمح لي بالمبيت عنده تلك الليلة، فوافق علي ذلك.

دخلت الي دكانه المتواضع.

وحينما كان وقت الغروب أذَّنَ الرجل أذان المغرب وصلّينا المغرب والعشاء سويّة.

ولما مضي من الليل بعضه، وجاء ببعض خبز الشعير علي المائدة وقليل من اللبن فاكلنا عشائنا مع.

ص: 144

بتنا معا تلك الليلة في المكان وحينما طلع الفجر قمنا وصلينا صلوة الصبح، وبعد تعقيبات طويلة عاد الي عمله واخذ يشتغل بالحياكة.

قلت له: لقد جئت اليك لأمرين الأول هو ما اخبرتني بقضائه وهو حاجتي والثاني هو انّي اريد ان أسألك باي عمل وصلت الي هذا المقام حتي يحولني الامام (عليه السلام) عليك؟

انك مطلع علي اسمي وما في قلبي!!

قال: ايها السيد ما هذا السؤال، ان حاجتك قد قُضِيَت فارجع الي اهلك ودعك من هذه الأسئلة.

قلت له: اني ضيفك ولابد من اكرام الضيف وطلبي هو ان تخبرني عن حالك واعلم بانّي لن انصرف من هنا ما لم تخبرني عن ذلك.

قال: كنتُ في نفس هذا الدكان مُشتغلاً في عملي هذ. وكان مقابل دكاني هذا منزل احد موظفي الدولة وكان رجلا ظالما جبّار.

وكان احد الجنود يحرس بيت ذلك الموظف الظالم.

ذات يوم جاءني ذلك الجندي وقال: هل تعمل الطعام لنفسك بنفسك؟

قلت له: اني اشتري سنويا مائة مَنْ من الحنطة والشعير واطحنه، واخبزمقدارا منها يوميا وآكله وليس لي زوجة واولاد.

قال: اني اعمل حارسا علي هذا البيت ولا احب ان اكل من طعام هذا الظالم لان ذلك حرام، فان سمحت اشتر لي مائة مَنْ من الشعير واخبز لي يوميا قرصين من الخبز وسأكون لك شاكر.

قبلت ذلك، وكان ياتي يوميا ويأخذ قرصيه منّي وينصرف الي عمله.

وذات يوم وكنت قد خبزت له خبزه، وانتظرته ليأتي كالمعتاد لأخذِ خُبزه ولكنه لم يأت في الوقت المقرر.

ص: 145

ذهبت لاسأل عن حاله فقالوا لي انه مريض.

ذهبت الي عيادته واستأذنته بالاتيان بالطبيب لمعالجة فقال: لا حاجة الي ذلك، فاني ساموت الليلة وعندما اموت سياتيك شخص في منتصف الليل ويخبرك بموتي، فتعال الي هنا وقم بكل ما يأمرونك به وما بقي من الطحين فهو لك.

اردت ان ابقي تلك الليلة الي جنبه فلم يقبل، ولذا رجعت الي دكاني.

وفي منتصف الليل استيقضت علي صوت طرقات باب الدكان فسمعت شخصا يقول لي: قم يامحمد علي!!

قمت مسرعا فوجدت رجلا لا اعرفه فاخذني الي المسجد وعندما دخلنا المسجد وجدت جنازة الجندي مسجاة وكان رجلان الي جنب جثمانه، فقالا لي: تعال وساعدنا في أخذ الجنازة الي جنب النهر وغسلناها وكفّنّاها وصلّيا عليها وجئنا بها الي المسجد ودفنّاها الي جنبه. و رجعت الي دكّاني.

بعد عدة ليال من تلك الحادثة، سمعت طرقات الباب. خرجت من الدكان فرأيت رجلا يقول لي: السيد يدعوك، تعال معي لتتشرف بخدمته.

اطعت ذلك الرجل بدون نقاش، وذهبت معه حتي وصلنا الي صحراء كانت نيّرة وكأنّ القمر في ليلة تمامه وكماله مع ان الشهر كان في آخره، فتعجبت من ذلك كثير.

بعد عدة لحظات وصلنا الي صحراء النور (و تقع من شمال مدينة دزفول الايرانية) فرأيت من بعيد عدة اشخاص يجلسون حول بعضهم البعض ورأيت رجلا يقف في خدمتهم وكان أحد اولئك الرجال الجالسين عظيما جليلا جدا فعرفت انه حضرة صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

سيطر علي الرعب والخوف كثير، فقال لي الرجل الذي جاء لي الي الدكان: تقدم، فتقدمت قليلا ثم وقفتُ، فقال الرجل الذي يقف بخدمة

ص: 146

اولئك الاشخاص: تقدم ولا تخف فتقدمت قليلا الي الامام.

فقال صاحب العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) لأحد اولئك الاشخاص:

امنحه منصب الجندي لاجل ما قام به من خدمة للشيعة.

قلت: سيدي انّي كاسب حائك فكيف اكون جنديا؟

(وكنت قد تصورت بانه يريد أن يجعلني حارسا علي بيت ذلك الظالم بدلا من الجندي).

فتبسم الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) وقال: نحن نريد ان نمحك منصب الجندي.

كررت نفس الكلام السابق.

فقال (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف): نحن نريد ان نعطيك مقام الجندي المرحوم، لا أنّ تكون جنديا حارس، اذهب فانك في مقامه.

رجعت لوحدي، ولكن كان الظلام دامسا جداً ولا اثر لذلك النور الذي كان قد انتشر في الصحراء.

وبحمد اللّه منذ ذلك اليوم والي الآن تصلني حوالات واوامر مولاي صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) وانّي علي ارتباط به ومن جملة ذلك قضّيتُك التي اخبرني به. (1)ي.

ص: 147


1- نقلاً عن كنجينه دانشمندان، ج3، حياة الشيخ الأنصاري.

إشارة:

الطعام الذي يأكله الانسان له أثر كبير في حياته، ليس فقط مادياً وجسدي، بل معنوياً وروحي.

والاثر الروحي المعنوي للغذاء، اذا لم يكن اكبر أهمية من الاثر الجسدي، فهو علي الاقل مساو له، فان الامراض الجسدية الناشئة من تناول بعض الاطعمة يمكن معالجتها بسرعة وبسهولة، ولكن الامراض الروحية الناشئة من تناول الاطعمة، يصعب علاجها وقد يتعذر الي الأبد.

فاكل المال الحرام، له آثار سلبية جداً علي روح الانسان قد تودي الي ان يصبح هذا الانسان سفّاحاً ظالماً متجبراً عالياً في الارض، يهلك الحرث والنسل، وحينئذ لا طريق له للعودة.

ومن هنا اكّدت الآيات الشريفة والروايات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام)، علي ضرورة التنزّه عن اكل المال الحرام، بل وحتي المال المشتبه، كل ذلك فراراً من تلك الاثار السيّئة.

والعكس بالعكس، فكلما كان طعام الانسان منزها عن الحرام، كلما اثر ذلك في صفاء روحه ونقائها وسرّع في كماله، وقد ذكرت في كتب السير كثير من الحكايات التي وصل ابطالها الي مقامات عالية في الدنيا وفي الآخرة بسبب اجتنابهم اكل الحرام.

ومن جملة ذلك ما ورد في قضية هذا الجندي الذي أبي ان ياكل الاّ الطاهر من الحرام، وقد ادّي ذلك به الي ان يصير من أعوان الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) في قضاء حاجات المؤمنين المتوسلين به (عليه السلام).

ص: 148

ولعمري، فان الانسان يكفيه قرصان من الخبز يومياً وعدة تميرات ياكلها لتقوّيه علي حياته ومعاشه وعبادته، فلماذا كلّ هذا الطمع والجشع الذي يؤدي بالانسان في نهاية المطاف الي اكل المشبوه والحرام مع ان اللّه تعالي تكفّل له بالرزق الحلال والقوت الذي يحتاجه ويغنيه عمّا في ايدي الناس.

(اللّهم ارزقنا العفاف والكفاف).

ص: 149

الآية الثالثة والعشرون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(فَإذا نُقِرَ فِي النَّاقوُرِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَي الْكَفِرِينَ غَيْرُ يَسِير) صدق اللّه العلي العظيم سورة المدثر/ الآية 8-10.

روي الحافظ القندوزي قال: رُويَ عن المفضل بن عمر، الصادق (رضي الله عنه)في قوله تعالي:

(فَإذا نُقِرَ فِي النَّاقوُرِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَي الْكَفِرِينَ غَيْرُ يَسِير).

قال: اذا نودي في اذن (القائم) بالأذن في قيامه فيقوم، فذلك اليوم عسير علي الكافرين.

قال (الصادق): والقرآن ضرب منه الأمثال، ونحن نعلمه فلا يعلمه غيرن. (1)

ص: 150


1- ينابيع المودة: ص 515.

الحكاية الثالثة والعشرون: دعاء الفَرَجْ

نقل السيد رضي الدين علي بن طاووس في كتاب (فرج المهموم) والعلامة المجلسي في البحار عن كتاب الدلائل للشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري انّه قال:

حدّثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن موسي التلعكبري قال: حدّثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب قال: تقلّدت عملا من أبي منصور الصالحان وجري بيني وبينه ما أوجب استتاري عنه، فطلبني وأخافني فمكثت مستترا خائفا ثم قصدت مقابر قريش(1) ليلة الجمعة واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة، وكانت ليلة ريح ومطر، فسألت أبا جعفر القيّم يقفل الابواب وأن يجتهد في خلوة الموضع لاّخلو بما أريده من الدعاء والمسألة خوفا من دخول انسان لم آمنه واخاف من لقائه، ففعل وقفل الأبواب.

وانتصف الليل فورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع، فمكثت أدعو وأزور وأصلّي.

فبيّنا أنا كذلك اذ سمعت وطئا عند مولانا موسي (عليه السلام) واذا هو رجل يزور فسلّم علي آدم وعلي أولي العزم ثم علي الائمة واحدا واحدا الي أن انتهي الي صاحب الزمان (عليه السلام) فلم يذكره، فتعجبت من ذلك وقلت في نفسي لعلّه نسي أو لم يعرف أو هذا مذهب لهذا الرجل.

فلمّا فرغ من زيارته صلّي ركعتين واقبل الي مولانا ابي جعفر (عليه السلام)، وزار مثل تلك الزيارة وسلم ذلك السلام وصلي ركعتين وأنا خائف منه اذ لمم.

ص: 151


1- يعني المرقد الطاهر للإمام الكاظم والإمام الجواد عليهما السلام.

أعرفه، شابامن الرجال عليه ثياب بيض وعمامة محنك بها وله ذوابة ورداء علي كتفه، فالتفت اليّ وقال:

يا أبا الحسين ابن أبي البغل، أين أنت عن دعاء الفرج.

قلت: فما هو يا سيدي؟

قال: تصلّي ركعتين وتقول: (يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يؤاخذ بالجريرة، ولم يهتك الستر، يا عظيم المنّ، يا كريم الصفح، يا حسن التجاوز ويا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا منتهي كلّ نجوي وغاية كلّ شكوي، يا عون كلّ مستعين، يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها يا ربّاه (عشر مرّات)، يا منتهي غاية رغبتاه (عشر مرّات)، أسألك بحق هذه الأسماء، وبحقّ محمد وآله الطاهرين (عليهم السلام) الاّ ما كشفت كربي، ونفَّسْتَ همي، وفرَّجتَ غمّي، وأصلحت حالي).

وتدعو بعد ذلك ما شئت وتسأل حاجتك، ثم تضع خدّك الأيمن علي الأرض وتقول مائة مرّة في سجودك:

يا محمد يا علي (يا علي يا محمد)اكفياني فانّكما كافياي وانصراني فانكما ناصراي.

ثم تضع خدّك الأيسر علي الأرض وتقول:

أدركني (يا صاحب الزمان).

وتكرّر ذلك كثيرا وتقول (الغوث الغوث الغوث) حتي ينقطع النفس وترفع رأسك، فانّ اللّه بكرمه يقضي حاجاتك ان شاء اللّه.

فلمّا اشتغلت بالصلوة والدعاء خرج، فلمّا فرغت خرجت الي أبي جعفر لأسأله عن الرجل وكيف دخل فرأيت الأبواب علي حالها مقفلة، فعجبت من ذلك وقلت: لعلّ بابا هنا آخر لم أعلمه، وانتهيت الي أبي جعفر القيم فخرج اليّ من باب الزيت، فسألتهُ عن الرجل ودخوله، فقال: الأبواب

ص: 152

مقفلة كما تري ما فتحته، فحدّثته الحديث، فقال: هذا مولانا صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه) وقد شاهدته دفعات في مثل هذه الليلة عند خلوتها من الناس.

فتأسّفت علي ما فاتني منه، وخرجت عند قرب الفرج وقصدت الكرخ الي الموضع الذي كنت مستترا فيه.

فما أضحي النهار الاّ وأصحاب ابن ابي الصالحان يلتمسون لقائي ويسألون عنّي أصحابي وأصدقائي، ومعهم أمان من الوزير ورقعة بخطّه فيها كل جميل.

فحضرت مع ثقة من أصدقائي، فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده وقال:

انتهت بك الحال الي أن تشكوني الي صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه) فانّي رأيته في النوم البارحة - يعني ليلة الجمعة - وهو يأمرني بكل جميل، ويجفو عليّ في ذلك جفوة خفته، فقلت لا اله الّا اللّه أشهد انّهم الحق ومنتهي الحق، رأيت البارحة مولانا في اليقظة، وقال لي كذا وكذ، وشرحت ما رأيته في المشهد، فعجب من ذلك، وجرت منه أمور عظام حسان في هذا المعني وبلغتُ منه غاية لم اظنّه، وذلك ببركة مولانا (صلوات اللّه عليه). (1)5.

ص: 153


1- فرج المهموم، السيد بن طاووس، ص 245.

إشارة:

في التخاطب آداب لابد من مراعاته،

فخطاب الولد مع والديه له ادب خاص، وخطاب الاخ مع اخيه له ادب خاص، وخطاب التلميذ مع معلمه له ادب خاص، وخطاب العبد مع مولاه له ادبه الخاص به.

ومقام المخاطَب، له دخل كبير في تعيين ذلك الادب المشروط به تاثير الخطاب، فكلما كان مقامه عالي، لزم نوع من الادب يتناسب مع ذلك المقام وعدم مراعاة هذه المرتبة اللازمة من الادب قد يؤثر سلبا في استجابة المخاطَب للمخاطِب.

ولما كان مقام الحضرة الالهية، لا تناله أوهام الناس وعقولهم، لم يكن احدّ منهم قادراً علي التأدب اللازم في مخاطبة المولي عز وجل، الاّ اولئك الاطهار المعصومين من الانبياء والائمة (عليهم الصلوة والسلام)، فهم يعرفون كيف يتأدبون مع اللّه وكيف يتملقون له لقضاء الحوائج، وكيف يتوسلون اليه باحبّ الاشياء اليه لنيل المطالب، لانهم الاعرف بصفات جلاله وجماله.

ومن هنا نجد انَّ ألاَئمة عليهم السلام، وفي موارد عديدة، علّموا شيعتهم ادب الدعاء والمناجات والتوسل الي قاضي الحاجات.

ويكفينا للوقوف علي صحة هذا المدعي، اطلالة علي ما ورد عنهم (عليهم السلام) من الأدعية والمناجات فاننا سنجد غاية الادب وأعذب الكلمات

ص: 154

وخير التوسلات التي يمكن ان تؤثر في الاستجابة للداعي وقضاء حوائجه.

ولو لا مثل هذه الادعية والمناجات الماثورة عنهم، لما اهتدي انسان الي أدب مخاطبه الباري جلّ شأنه.

علي انه ورد في بعض الحكايات ان الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، له مناجات خاصة به يناجي بها مولاه، ومثل هذا الدعاء وهذه المناجات تتناسب مع مقام الامام (عليه السلام)و علاقته بربّه، حيث صرّح الامام (عليه السلام) في تلك الحكايات بان هذا الدعاء خاص به.

وتعليم الائمة عليهم السلام شيعتهم ادب الدعاء، لطف الهيّ، ووسيلة لنيل المني، تستحق منّا شكراً لبارينا وامتنانا لأئمتنا (عليه السلام) عليه.

ص: 155

الآية الرابعة والعشرون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَي يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَي يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلومِ) صدق اللّه العلي العظيم سورة الحجر/ الآية 36-38.

ابو جعفر محمد بن جرير الطبري: قال: اخبرني ابو الحسن علي قال: حدثني ثناابو جعفر قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن ابيه، عن علي بن الحسن بن فضال قال: حدثني (ثنا) العباس بن عامر، عن وهب بن جميع مولي اسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن ابليس قوله: رب فانظرني الي يوم يبعثون قال فانك من المنظرين الي يوم الوقت المعلوم. ايّ يوم هو؟ (قال يا وهب) اتحسب انه يوم يبعث اللّه تعالي الناس؟ لا ولكن اللّه عز وجل انظره الي يوم يبعث اللّه عز وجل قائمن، فاذا بعث اللّه عز وجل قائمنا فيأخذ بناصيته ويضرب عنقه فذلك يوم الوقت المعلوم.

ص: 156

الحكاية الرابعة والعشرون: الشيخ محمد الكوفي

يقول السيد حسن الابطحي (حفظه اللّه):

في سنة 1953م وعند ما ذهبت الي الكوفة، كان هناك شخص باسم الحاج الشيخ محمد الكوفي، يقال انه تشرف بخدمة حضرة بقيّة اللّه الاعظم (ارواحنا فداه) مرار.

فحدثنا الشيخ محمد الكوفي بقصّة هي:

سابق، لم تكن وسائل النقل مستخدمة في طريق العراق - الحجاز، فتشرفت بزيارة بيت اللّه الحرام علي الجمل، وحين العودة من هناك، تخلفت عن القافلة وضللت الطريق حتي وصلت الي بعض المستنقعات فطمست رجلا البعير في تلك الاوحال، ولم يكن بوسعي النزول عن ظهر البعير فكاد البعير ان يموت.

وفجأة صحت من اعماق قلبي:

(يا ابا صالح المهدي ادركني) وكررت ذلك عدة مرات، فرأيت فارسا يتقدم نحوي، ولم يكن يتأثر بذلك الطين، حتي وصل اليّ وهمس بكلمات في اذني البعير لم أسمع منها الا آخرها حيث سمعته يقول: (حتي الباب).

نهض بعيري من ذلك المستنقع وتحرك بعد ان اخرج رجليه من الطين وسار باتجاه الكوفة بسرعة.

التفت الي ذلك السيد وقلت له: (من أنت)؟

قال: (أنا المهدي).

قلت: (اين اراك ثانية)

ص: 157

قال: (متي شئت!)

ابتعد البعير عن ذلك السيد وسار حتي وصل الي بوابة الكوفة وسقط الي الارض.

جئت الي البعير وهمست في اذنه قائل: (حتي الباب) وكررت ذلك، فنهض البعير وسار حتي اوصلني الي باب منزلي، وسقط هناك ومات لفوره.

يقول السيد حسن الابطحي:

لقد كان الحاج الشيخ محمد الكوفي طاهرا متقيا الي درجة ان الانسان لا يحتمل اصلا ان يُكلّم هذا الرجل الصالح بما يخالف الحقيقة: ثم اضاف الشيخ محمد الكوفي قائل: بعد تلك القضية تشرفت بخدمة بقية اللّه (ارواحنا فداه) خمسة وعشرين مرّة. (1)ة.

ص: 158


1- السيد حسن الأبطحي، الكمالات الروحية.

إشارة:

التشرف بخدمة المولي صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ولقائه تارة يكون في عالم الرؤيا واخري في عالم اليقظة وثالثة يكون في عالم الكشف.

والالتقاء به في عالم اليقظة له انحاء هو الآخر.

فتارة يتشرف الانسان بلقائه (عليه السلام)، ولا يتعرف عليه، واخري يتعرف عليه بعد انصرافه وثالثة يتعرف عليه حين اللقاء.

وافضل انواع التشرف بخدمته (عليه السلام) هو التشرف الناشيء من الارتباط الروحي الدائم به (عليه السلام).

ولعلّ الامام (عليه السلام) يشير الي هذا الارتباط عندما يقول لبعض الاشخاص الذين يسألون منه قائلين: سيدي متي اتشرف بلقائك ثانية؟

فيجيبهم الامام (عليه السلام): متي شئت!.

فالامام (عليه السلام) يحث هولاء علي ايجاد حالة الارتباط الروحي الدائم به، وان يظن الانسان انه مع امام زمانه وان الامام (عليه السلام)حاضر معه علي الدوام، وهذا يدفع مثل هذا الانسان الي التخلق بالاخلاق المرضيّة من قبل الامام (عليه السلام)، والاتصاف بصفات الاولياء الصالحين وحينئذ لا تكون هناك حواجز وحجب تمنعه من الالتقاء به (عليه السلام)متي شاء.

وبطبيعة الحال، فان هذا الارتباط الروحي لا يحصل بسهوله وانما يحتاج الي اكثر من الالتزامات الاخلاقية فضلاً عن الالتزامات الشرعية (الواجبات والمحرمات) ولكنه غير محال.

ص: 159

الآية الخامسة والعشرون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطناً فَلا يُسْرِفْ فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُورا) صدق اللّه العلي العظيم سورة الأسراء/ الآية 33.

روي الحافظ القندوزي (الحنفي)باسناده قال: عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن علي الرضا ابن موسي الكاظم (رضي اللّه عنهما)في قوله تعالي:

(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطناً فَلا يُسْرِفْ فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُورا).

انه قال: نزل في الحسين والمهدي. (1)

ص: 160


1- ينابيع المودة: ص 510.

الحكاية الخامسة والعشرون: السيد عبد الكريم

يحكي انه كان في طهران سيد مؤمن طاهر السريرة اسمه السيد عبد الكريم وكان من كسبة طهران، يعتقد اكثر علماء السير والسلوك ان حضرة بقيّة اللّه الاعظم (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) يأتي احيانا الي دكانه المتواضع ويجلس معه ويحادثه ويؤانسه. و لذا فان بعض هؤلاء العلماء وعلي امل التشرف بلقاء الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) كان يجلس ساعات وساعات في دكان ذلك السيد ينتظرون النظر الي الطلعة الرشيدة، وقد يكون البعض منهم قد وفق لذلك وتشرف بخدمته.

لم يكن السيد عبد الكريم من أهل الدنيا حتي ان مسكنه كان مستأجرا ولم يكن يملك دارا للسكني.

يروي أحد تجار طهران وهو مورد ثقة كبار العلماء ومراجع التقليد ويقول: كان السيد عبد الكريم قد استأجر دارا من أحد اهالي طهران ومع ان مالك الدار كان يرعي حال السيد عبد الكريم الاّ انه وعندما حان موعد الاجارة رفض ان يجدّد له العقد لسنة ثانية وامهله عشرة أيام لاستئجار منزل آخر.

وفي اليوم العاشر من المهلة، وعندما كان السيد بعد لم يحصل علي منزل، اضطر الي تخلية الدار وفاءً للوعدالذي اعطاه لصاحب الدار، فنقل اثاث المنزل الي زاوية من زوايا الزقاق وجلس حائرا لا يدري ماذا يصنع.

وفي هذه الثناء يتفضل حضرة بقيّة اللّه الاعظم ارواحنا فداه بتفقّده ويقول له: لا تبتئس فان اجدادنا قد تحملوا مصائب كثيرة.

فقال له السيد عبد الكريم: نعم يا سيدي ولكن لم يبتلي احد منهم بذلة الاستئجار.

ص: 161

فيتبسم صاحب الأمر ارواحنا فداه ويقول له ما مضمونه: صحيح، لقد رتبنا لك الأمور، أنا ذاهب الآن وستُحلُّ مشكلتك بعد عدة دقائق.

ويضيف التاجر الطهراني الذي ينقل هذه القضية قائل: في الليلة السابقة، تلك الحادثة، رأيت صاحب العصر (ارواحنا فداه) في عالم الرؤيا وقال لي: اذهب غدا صباحا واشترِ منزل فلان باسم السيد عبد الكريم، وفي الساعة الفلانية تذهب الي الزقاق الفلاني وستجد السيد عبد الكريم جالساً في ذلك الزقاق واثاثه في الشارع فتعطيه مفتاح المنزل.

استيقظت من النوم في الساعة الثامنة صباحا وذهبت الي المنزل الذي اعطاني اوصافه، فقال لي صاحب المنزل: (كنت مدينا بمبلغ من المال فتوسلت بحضرة بقية اللّه ارواحنا فداه ليفرّج اللّه عنّي ببيع هذا المنزل لاسدّد ديوني بثمنه).

اشتريت المنزل من الرجل واخذت مفتاحه وعندما وصلت الي المرحوم السيد عبد الكريم كان الامام ولي العصر (روحي فداه)قد فارقه لتوِّه.

رحم اللّه ذلك التاجر والسيد عبد الكريم.

ص: 162

إشارة:

كل ما يختاره اللّه لعبده، فيه مصلحة ذلك العبد أو مصلحة النوع البشري أو المخلوقات الاخري، وبعبارة اخري ان اختياره عز وجل مرتبط بالنظام العام للكون.

وفي اغلب الاحيان ان لم نقل فيها جميعا تخفي علي الانسان العادي، تلك المصالح والارتباطات الموجودة في هذا النظام الحاكم للكون، فيتصور الأمر الذي فيه مصلحة النظام، ضار، وبالعكس، وليس ذلك الاّ لما ذكرناه من الجهل بالمصالح والمفاسد.

ومن جملة الامور التي يشتبه حالها علي الانسان، مسألة الفقر المادي.

فقد يتصور البعض بان مصلحته في الغني المادي، مع ان الواقع غير ذلك، ويمكن ان يكون الامر علي العكس.

والمهم في الأمر هو انه ليس لايّ من الفقر او الغني دخل مباشر في كمال الانسان، فلا الفقر كمال ولا الغني نقص بطبيعته، لكن قد يودي الفقر الي الكمال وقد يجرّ الي التمرّد. و قد يأخذ الغني بيد الانسان الي الكمال، وقد يؤدي به الي ان يكون كالانعام بل أضلّ.

فالصبر مع الفقر كمال، والسخط معه نقص وتسافل، والشكر مع الغني، كمال، والعبث والبذخ والترف معه، تسافل.

فلا يمنع الفقر ذاتاً من الكمال، حيث رأينا في الحكاية اعلاه كيف ان هذا السيد الجليل، مع فقره المدقع الذي ادّي به الي ان يبيت ليلته تلك في

ص: 163

الشارع من دون مأوي، مع كل ذلك، نجد بانه قد وصل الي مرتبة من الكمال يغبطه عليها الكثير من الاغنياء، الا وهو شرف لقاء المولي صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

نعم، بنحو الاجمال، الفقر المقرون بالصبر ممدوح، كما هو المستفاد من روايات ذمّ الدني، ولعلّ السرّ في ذلك ان اغلب الناس لا يستطيعون مقاومة اغراءات المال، فيقعون في حبائله وهي كثيرة، وهو علي ايّ حال فتنة وابتلاء، كما ان الانسان يحاسب علي حلاله ويعاقب علي حرامه ويعاتب علي مشتبهه.

ومن ثَمَّ، ورد ان آخر من يدخل الجنّة من الانبياء هو النبي سليمان علي نبينا وآله وعليه السلام.

وبطبيعة الحال، يجب ان لا يكون ذلك داعياً للانسان الي الخمول والكسل والتسكع بل ان ذلك يعني ان يقنع الانسان يما يكفيه ويقوّم حياته، ولا يشغله المال عن ذكر ربّه.

كما ان عليه ان يدعو ربّه لان يكفيه موؤنته وموؤنة عياله ليكف يده عمّا في ايدي الناس، وان لا يحتاج الي المخلوقين، فضلا عن ان يتملّق لهذا الشخص وذاك من اجل بعض الدراهم فيؤول امره الي ان مدح من اعطاه وذمّ من منعه، فيكون حاله حال الحيوان الذي يحرك ذيله لمن اطعمه، وينبح في وجه من منعه. نعوذ باللّه.

ص: 164

الآية السادسة والعشرون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَأذَانٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إِلَي النَّاسِ يَوْمَ اَلْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اَللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ اَلْمُشْرِكِيْنَ ورَسُولُهُ فَِان تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاَعْلَمُواْ اَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اَللَّهِ وبَشِّرِ اَلَّذِيْنَ كَفَرُوا بِعَذاب أَلِيْم) صدق اللّه العلي العظيم سورة التوبة/ الآية 3.

العياشي: عن جابر، عن جعفر بن محمدو أبي جعفر (عليهما السلام) في قوله عز وجل:

(وَاَذَانٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إِلَي النَّاسِ يَوْمَ اَلْحَجِّ الْأَكْبَرِ) قال: خروج القائم عليه السلام واُذَانُ دعوته الي نفسه. (1)

ص: 165


1- تفسير العياشي: ج2، ص 76.

الحكاية السادسة والعشرون: الشيخ محمد جواد الانصاري

نقل مؤلف كتاب (در كوي بي نشانها) (في منتدي المجهولين):

انّ العارف باللّه آية اللّه المرحوم الشيخ نجابت سأل استاذه المرحوم آية اللّه الشيخ محمد جواد الانصاري - وكان آية اللّه الشهيد السيد عبد الحسين دستغيب وآية اللّه السيد أحمد الفهري حاضرين حينذاك - قائل: هل تشرفتم بلقاء امام العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)؟

اجاب الانصاري (رحمة اللّه عليه): (ما ازددت يقينا).

ص: 166

إشارة:

في قول الشيخ آية اللّه الانصاري (ما ازددت يقينا) معاني لطيفة يمكن الوقوف عليها بعد أن نعرف ان من خصوصياته الكتمان الشديد علي سيره وسلوكه وهو ما كان يحث تلامذه عليه، حتي ان بعض تلامذته عندما يسأله قائل: متي يمكننا ان نتشرف بلقا المولي صاحب العصر والزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)؟

يجيت الشيخ قائل: عندما يكون حضوره وغيبته عندنا علي حدًّ سواء.

ويسأله آخر عن امكان التشرف بحضرته (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فيقول في الجواب: يا رجل، انه يمكن التشرف بالحضرة الالهيّة المقدسة، فكيف لا يمكن التشرف بحضرة عباده.

وامثال هذه التسترات علي واقعة، ومن خلال ذلك نعرف بان مراده من قوله (ما ازددت يقينا)انه قد تشرف بلقائه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ولكن بما انه كان يعيش الارتباط الروحي الدائم مع الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) لانه كان علي يقين بان الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) يراه ويري افعاله ومثل هذا الشخص لا يختلف الامر بالنسبة له وايضا يمكن ان يضم كلامه معني آخر وهو ان البعض قد يشك بوجوده (صلوات اللّه وسلامه عليه)ما لم يتشرف. بلقائه، ولكن هذا هو شأن ذوي الاعتقادات الضعيفة، اما اولي الالباب واليقين والاعتقاد الراسخ، فانهم حتي اذا لم يتشرفوا برؤيته (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) في عالم الظاهر، فانهم لن يشكوا بوجوده الشريف الثابت بالادلّة الكثيرة، وحينئذ فمثل هؤلاء الاشخاص لن يزدادوا يقينا في مسألة وجوده الشريف عندما يتشرف بلقائه.

ص: 167

الآية السابعة والعشرون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(اَلْيَوْمَ يَئِسَ اَلَّذِيْنَ كَفَرُواْ مِنْ دِيْنِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ واخْشَوْنِ). صدق اللّه العلي العظيم سورة المائدة/ الآية 3.

العياشي: عن عمرو بن شمر، عن جابر قال: قال أبوا جعفر (عليه السلام) في هذه الآية:

(اَلْيَوْمَ يَئِسَ اَلَّذِيْنَ كَفَرُواْ مِنْ دِيْنِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ واخْشَوْنِ).

يوم يقوم القائم (عليه السلام)، يئس بنوا امية، فهم الذين كفروا يئسوا من آل محمد عليهم السلام. (1)

ص: 168


1- تفسير العياشي: ج1، ص 292.

الحكاية السابعة والعشرون: الشيخ الاعظم (قدس سره)

بعد وفاة المرحوم آية اللّه الشيخ محمد حسن النجفي صاحب كتاب (جواهر الكلام) رجع المسلمون الي المرحوم الشيخ مرتضي الانصاري وطلبوا منه نشر رسالته العملية لتقليده.

فقال لهم الشيخ الاعظم (قدس سره): مع وجود سيد العلماء المازندراني الذي هو اعلم منّي ويعيش الآن في بابل، لن اطبع رسالتي العمليّة.

ولذا فان نفس الشيخ الاعظم (قدس سره) كتب رسالة وبعثها الي سيد العلماء المازندراني وطلب منه الانتقال الي النجف الاشرف للتصدي للمرجعية الدينية.

اجابه سيد العلماء برسالة جاء فيه: صحيح أنّي كنت اقوي منك في الفقه عندما كنّا نتباحث ايام وجودي في النجف الاشرف، ولكن وبسبب مرور سنوات طويلة عليّ وأنا اعيش في، مدينة بابل بعيدا عن المباحثة والدرس، ولذا فاني اعتقد باعلميّتك انت!

ومع ذلك فان الشيخ الاعظم (نور اللّه رمسه) كان يقول: لا أجد في نفسي اللياقة للتصدي للمرجعية، الاّ أن يجيزني مولاي ولي العصر والزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) بالاجتهاد، ويعيّنني في مقام المرجعية فانّي حينئذ فقط ساتصدي لهذا المقام.

وذات يوم، وبينما كان المعظّم له في مجلس الدرس وحوله تلامذته، رأوا شخصا عليه آثار العظمة والجلال ورد الي مجلس درس الشيخ، فأخذ الشيخ باحترامه واكباره وبمحضر الطلاب توجه ذلك الشخص الي الشيخ الانصاري بالسؤال قائل: ما هو نظرك في امراة مُسِخَ زوجها؟

ص: 169

(وهذه المسألة لم تطرح في اي كتاب من كتبنا الفقهية وذلك لرفع المسخ عن امة محمد (صلي الله عليه وآله)).

قال الشيخ الانصاري: هذه المسألة غير معروفة في كتبن، ولذا فليس عندي الآن لها جواب.

قال الشخص: افرض ان مثل هذه الامر حدث ومسخ الرجل فما هو حكم زوجته؟

قال الشيخ الاعظم: بنظري ان هذا الرجل لو مسخ الي صورة حيوان فان علي زوجته ان تعتدّ عدّة الطلاق ثم تتزوج بعد ذلك، لأن الرجل له روح، وأما اذا مسخ الي الجماد فعلي زوجته ان تعتدّ عدة الوفاة لان الرجل فقد الروح.

فقال ذلك الشخص: (انت المجتهد …انت المجتهد …انت المجتهد) ثم نهض وخرج من مجلس الدرس.

وكان الشيخ يعلم ان هذا الشخص هو الامام الحجّة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فقال لتلامذته، اطلبوا الرجل، فهرع الطلاب في أثره فلم يجدوه.

وبعد هذه الاجازة من الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) تصدي الشيخ الاعظم للمرجعية. (1)8.

ص: 170


1- نقلاً عن كنجينه دانشمند - فارسي، الجزء8.

إشارة:

من هذه الحكاية الشريفة نستفيد امورا;

منه: ان الشيخ الاعظم كان يعرف الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ونهتدي الي ذلك من خلال احترامه وتجليله واكباره له عند دخوله مجلس الدرس، ومن خلال تصدية للمرجعية بعد سماع الاذن منه في الاجتهاد.

ومنه: شدّة تقوي علمائنا (رضوان اللّه عليهم) حيث انه لمجرد احتماله وجود من هو أعلم منه، يرفض التصدي للمرجعية.

وقد ذكر في احوال الشيخ الاعظم (قدس سره) ما يدهش الانسان في شدة تقواه وورعه خصوصا ايام مرجعيته المباركة.

ومنه: تَدَخُلِّ الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) في ظروف الحرجة التي يمرُّ بها الشيعة لاجل انقاذهم من العمل بلا هُدي، وقد ذكر لنا المورخون حالات كثيرة لتدخله ولطفه باحوال الشيعة أيدهم الله.

ومنه: مدي سعة هذا الشيخ الجليل واحاطته بذوق الشريعة، فعلي الرغم من عدم عنونة هذه المسألة في كتب المسلمين الفقهية الّا انه استطاع ان يستنبط الجواب الصحيح عنه، وهذا يدل علي التأييدات الالهية لعلمائنا الربانيين (رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين)و يكفي في سعة الشيخ الانصاري العلمية ان كتبه لازالت تُدَرِّسْ الي الان كاصول ومتون بحوث الخارج في الفقه والاصول، بل ان الكثير من آرائه العلمية لازالت ثابتة ومحكمّة لم يتمكن أحد من اثبات بطلانها أو التشكيك فيها علي الرغم من تطور وتقدم علم الاصول وهذا هو النور الذي يقذفه اللّه في قلب من يشاء.

ص: 171

الآية الثامنة والعشرون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ولَكِنَّ أَكْثَرَ اَلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة الروم/ الآية 6.

روي العلامة الشافعي، المقدسي الدمشقي بسنده عن حذيفة بن اليمان، عن النبي (صلي الله عليه وآله)قال:

ويل هذه الامة من ملوك جبابرة، كيف يقتلون ويخيفون المطيعين الاّ من اظهروا طاعتهم، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه يعرفهم بقلبه (فاذا) اراد اللّه عز وجل أن يعيد الاسلام عزيزا قصم كل جبار عنيد وهو القادر علي ما يشاء أن يصلح امة بعد فساده.

ثم قال صلي الله عليه وآله وسلم: يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا الاّ يومٌ واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتي يملك رجل من أهل بيتي تجري الملاحم علي يديه ويظهر الاسلام.

ثم قال (صلي الله عليه وآله): (لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ) وهو سريع الحساب. (1)

ص: 172


1- عقد الدرر، المجلد الأول، الباب الرابع، الفصل الأول.

الحكاية الثامنة والعشرون: الحاج محمد علي فشندي

يقول سماحة السيد حسن الابطحي (حفظه اللّه): حدثني جناب حجة الاسلام والمسلمين السيد القاضي الزاهدي الگلبايگاني قال: سمعت في طهران من جناب السيد الحاج محمد علي فشندي وهو من اخيار طهران قال:

في ايام شبابي كنت ملتزما حدّ الامكان بعدم ارتكاب الذنوب، وان أذهب الي الحج مرارا حتي اتشرف برؤية مولاي بقيّة اللّه روحي فداه، ولذا تشرفت سنوات عديدة بزيارة مكة المعظمة.

وفي احدي تلك السنين وكنت متعهدا بامور جمع من الحاج، وفي ليلة الثامن من ذي الحجة ذهبت الي صحراء عرفات مع الاثاثية واللوازم وما يحتاجه الحاج، وكان قصدي ان اصل الي هناك قبل بقية الحجيج بليلة واحدة لانتخب المكان الانسب لقافلتي.

وصلت الي صحراء عرفات عصر اليوم السابع، فانزلت الاثاث واللوازم ووضعتها في خيمة كانت قد أعدَّت لنا (و قد وجدت بان احدا من الناس لم يصل بعد الي عرفات فكنت وحيدا فيها).

في هذه الاثناء، جاءني احد الشرطة الذين كانوا موكلين بحفظ الخيام هناك وقال لي: لماذا جئت بكل هذه الوسائل والاثاث في هذه الليلة، الم تعلم بانه يمكن ان تتعرض للسرقة في هذا الصحراء الواسعة؟! وعلي اي حال، الآن وقد جئت، عليك ان تبقي يقظاً حتي الصباح لتحرسه.

في تلك الليلة، وفي ذلك المكان، اشتغلت بالعبادة والمناجات مع ربّي وبقيت مستيقظ، الي ان كان منتصف الليل، فرأيت سيدا جليلا علي

ص: 173

رأسه شال أخضر، جاء الي خيمتي وناداني باسمي وقال: السلام عليك يا حاج محمد علي!

قلت: و عليك السلام، وقمت من مكاني، فدخل ذلك السيد الي الخيمة.

وبعد عدة لحظات، جاء جمع من الشبّان الذين نبتت لحاهم للتوّ، وكانوا كالخدم لذلك السيد.

في البدء خفت منهم، ولكن بعد ان تكلمت عدة كلمات مع ذلك السيد ذهب الخوف من روعي ودخل حبُّه في قلبي فوثقت بهم واطمئننت اليهم.

كان الشبّان يقفون بباب الخيمة، وامّا السيد فقد دخل الي داخل الخيمة.

قال لي ذلك السيد: يا حاج محمد علي هنيئا لك …هنيئا لك.

قلت: ولم ذاك؟

قال: لانك تبيت في صحراء عرفات في هذه الليلة التي بات في مثلها جدي الامام الحسين (عليه السلام) فيه.

قلت: وماذا عليّ ان افعل في هذه الليلة؟

قال: تصلي ركعتين تقرأ في كل منهما بعد الحمد سورة قل هو اللّه احد، احد عشرمرة.

ولذ، قمنا وصلّينا مع السيد وبعد الفراغ من الصلوة قرأ السيد دعاء بمضامين لم اكن قد سمعت بمثلها، وكان يقرأها بتوجه وخشوع والدموع تجري من عينيه.

حاولت ان احفظ ذلك الدعاء، فقال السيد: هذا الدعاء خاص بالامام المعصوم: و انك ستنساه!

ص: 174

ثم قلت للسيد: اريد منك ان تسمع الي عقائدي في التوحيد وهل هي صحيحة؟

قال: قل.

فشرعت بالاستدلال علي وجود اللّه بالآيات الآفاقيّة والآنفسيّة، وقلت: انني اعتقد بوجود اللّه لهذه الادلة.

قال: يكفيك هذا المقدار من معرفة اللّه.

ثم عرضت بخدمته اعتقادي بمسألة الولاية.

فقال: اعتقادك حسن.

فسألت منه قائل: بنظرك اين الامام الحجة (عجل اللاه تعالي فرجه الشريف) الآن؟

قال امام الزمان في الخيمة الآن!

سألت منه: يقولون بان حضرة ولي العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) يكون في عرفات يوم عرفة، ففي ايّ مكان من صحراء عرفات يقف؟

قال: في حدود جبل الرحمة.

قلت: فلو ذهب احد الي ذلك المكان فهل سيراه؟

قال: نعم يراه ولكن لا يعرفه.

قلت: غدا مساء ليلة عرفة، فهل يأتي حضرة ولي العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) الي خيام الحجّاج ويتلطف عليهم؟

قال سيأتي الي خيمتكم، لانكم ستتوسلون بعمي ابي الفضل العباس (عليه السلام) في الليلة القادمة.

وفي هذه الاثناء قال لي السيد: يا حاج محمد علي هل عندك شاي؟

(وفجأة التفت الي اني جئت بكل الوسائل الاّ الشاي)

ص: 175

قلت: سيدن، اتفاقا لقد نسيت ان اجلب الشاي معي، والحمد لله ان ذَكَّرتَني، فانّي ساذهب غدا واجلب الشاي للمسافرين.

قال السيد: الشاي عليّ الآن.

فخرج من الخيمة وجاء بشيء ظاهره انه شاي ولكن عندما قمنا بتحضيره كان معطرا وحلوا بحدٍّ تيقنت معه انه ليس من شاي الدني، فشربت من ذلك الشاي.

ثم قال لي: هل عندك طعام ناكله؟

قلت: نعم، عندي خبز وجبن.

قال: انا لا آكل الجبن.

قلت: و عندي لبن ايض.

قال: هاته.

فقدمت له مقدارا من الخبز واللبن، فاكل شيئا منهما ثم التفت اليّ وقال: يا حاج محمد علي، ساعطيك مئة ريال (سعودي) لتأتي بعمرة نيابة عن والدي.

قلت: سمعا وطاعة، فما اسم ابيك؟

قال اسم أبي (سيد حسن).

قلت: وما اسمك انت؟

قال: سيّد مهدي.

فاخذت المال، وفي هذه الاثناء قام ذلك السيد ليخرج من الخيمة، ففتحت ذرّاعي وعانقته مودعا وعندما اردت ان اقبّل وجهه شاهدت علي وجنته اليمني خالا أسوداً جميل، فوضعت شفتي علي ذلك الخال وقبلت وجهه.

ص: 176

وبعد لحظات من افتراقن، تفحّصت الصحراء يمينا وشمالا فلم أرَ احد، وفجأة انتبهت من غفلتي وعرفت ان ذلك السيد هو حضرة بقية اللّه ارواحنا فداه، خاصة وانه;

كان يعرف اسمي!

ويتكلم الفارسية!

واسمه مهدي!

وابن امام الحسن العسكري!

وعلي اي حال، جلست تلك الليلة ابكي وانحب وانشج نشيجا عاليا حتي اسمعني الشرطة فظنوا ان السرّاق سرقوا متاعي، فاجتمعوا حولي وسألوني فقلت لهم: كنت مشغولا بالمناجات، فاشتد بكائي!

وفي اليوم التالي وعندما وصلت مجموعتي، وذكرت القصة لروحانيّ المجموعة، نقل بدوره ذلك الي الحجّاج، فازداد شوقهم وحنينهم للمولي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

وفي اوائل وقت الغروب من ليلة عرفة، صلّينا صلوة المغرب والعشاء، وبعد الصلوة (ومع اني لم اكن قد قلت لهم انَّ الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) كان قد ذكر لي باننا سنتوسل بعمه العباس (عليه السلام) وانّه سيتلطف ويشرفنا بقدومه الي الخيمة) قام روحاني المجموعة وبدأ بقراءة مصيبة أبي الفضل العباس (عليه السلام) وكان البكاء والنحيب والتوجه يسيطر علي أجواء المجلس، ولكنني كنت دائما اترقب مجيء الامام بقية اللّه روحي وارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.

وعلي اي حال، كاد مجلس العزاء ينفض ويُختِم، فنفذ صبري وقمت وخرجت من الخيمة، فرأيت حضرة ولي العصر روحي فداه، واقف بباب الخيمة يستمع الي مجلس العزاء ويبكي، فاردت ان اُعلِمَ الناس بوجوده الشريف فاشار بيده المباركة اليّ ان اسكت، فكأنّ يدا قد تصرفت بلساني

ص: 177

فلم استطع ان اتفوه بحرف واحد ولذا وقفت بجانب باب الخيمة والامام بالجانب الآخر وكنّا نبكي علي مصائب ابي الفضل العباس (عليه السلام)، ولم أقدر ان اتحرك خطوة واحدة باتجاهه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) وعندما انتهت قراءة المصيبة، ترك بقية اللّه الأعظم (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) المكان وانصرف.

ص: 178

إشارة:

يستفاد من هذه الحكاية امور;

منه: ما ذكرناه سابقا من تشرف الديار المقدسة بزيارة الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) لها في كل عام، فهو يقف مع الحجيج في عرفة ويطوف حول البيت ويسعي بين الصفا والمروة مع الناس، ولذا فان الكثير من الناس يكرر السفر الي بيت اللّه الحرام للحج وللتشرف بخدمة المولي مخصوصا في صحراء عرفات فانه قطعا يكون موجودا من الزوال الي الغروب يدعو للمؤمنين ويؤمِن علي دعاء الصالحين.

ومنه: علاقة الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) الخاصة بمصيبة عمّه ابي الفضل العباس (عليه السلام) ولذا ينبغي علي المؤمنين الاكثار من التوسل بساحة ابي الفضل العباس (عليه السلام)فان في ذلك ادخال السرور علي قلب الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

ومنه: جواز النيابة بالعمرة عن الائمة عليهم الصلوة والسلام، بل ان في ذلك ثواب عظيم حتي للنائب، وقد وجدنا كيف ان الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) استناب الحاج فشندي للزيارة عن ابيه الامام العسكري (عليه السلام)، وحريّ بالمؤمنين ان يعتمروا نيابة عن ائمتهم فان في ذلك عظيم الثواب لهم.

ص: 179

الآية التاسعة والعشرون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِيْ الْأَرْضِ ونُرِيَ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة القصص/ الآية 6.

روي صاحب تفسير (البرهان) عن العالم الحنفي (الشيباني) انه روي عن الباقر والصادق (عليهما السلام) انهما قال:

ان فرعون وهامان هنا شخصان من جبابرة قريش يحييهما اللّه تعالي عند قيام (القائم) من آل محمد في آخر الزمان، فينتقم منهما بما أسلف. (1)

ص: 180


1- البرهان في تفسير القرآن، المجلد3، ص 220.

الحكاية التاسعة والعشرون:

روي العالم الجليل الفقيه السيد حسن بن حمزة وهو من كبار علماء الشيعة وينتهي نسبه الشريف الي سيد الشهداء الحسين بن علي (عليهما السلام) بستة آباء، ان رجلا من صلحاء الشيعة قال: خرجت من منزلي في سنة من السنين قاصدا زيارة بيت اللّه الحرام واداء مناسك الحج، وقد اتفق ان تلك السنة كانت شديدة الحر وقد تفشت الامراض المعدية اثناء الطريق، ونتيجة لغفلتي تأخرت عن القافلة كثير، وأخذ العطش شيئا فشيئا يؤثر بي ويضرّ بحالي في تلك الصحراء الحارة فسقطت علي الارض لشدة العطش وكدت ان اهلك.

وفجأة سمعت صهيل جواد بالقرب منّي.

عندما فتحت عيني رأيت شابا حسن الوجه طيب الرائحة ممتطياً ظهر الجواد فوقف عند رأسي وكان يحمل بيده قدحاً من الماء.

نزل الشاب عن ظهر جواده واعطاني ذلك القدح فشربت منه وكان الماء باردا وحلوا لم اشرب مثله طيلة حياتي الي الآن.

سألت من ذلك الشاب قائل: من انت حتي تلطفت عليّ بهذا اللطف؟!

قال: انا حجّة اللّه علي عباد ربّي، انا بقية اللّه في الارض، أنا الذي سيملأ الارض قسطا وعدلا بعد ان تملأ ظلما وجور، أنا ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن ابي طالب (عليهما السلام).

ص: 181

وعندما عرفت انه امام العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) قال لي: اغمض عينيك.

امتثلت لأمره واغمضت عيني وبعد لحظات قال لي: افتح عينيك، فتحت عيني واذا بي وانا اسير مع القافلة، فنظرت اليه فغاب عن بصري.

ص: 182

إشارة:

تقدم منّا ان احد القابه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) هو (الغوث) ولذا نجد بانه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) يغيث الملهوفين والضالين والمحتاجين ايام غيبته الشريفة، واعظم مصاديق الغوث يتحقق ايام ظهوره (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) حيث ينتقم للمستضعفين من المستكبرين والجبابرة ويملاء الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً كما قال هو صلوات اللّه عليه في هذه الحكاية.

اللّهم عجّل فرجه الشريف واجعل فرجنا بفرجه عاجلا قريب.

ص: 183

الآية الثلاثون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِيمَنُهُمْ ولاَ هُمْ يُنظَرُونَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة السجده/ الآية 29.

روي الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) باسناده قال: عن ابن دراج عن الصادق (رضي الله عنه)في قوله تعالي:

(قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِيمَنُهُمْ ولاَ هُمْ يُنظَرُونَ)

انّه كان يقول - في هده الآية-:

(يوم الفتح) يوم تفتح الدنيا علي القائم، ولا ينفع احدا تقرب بالايمان ما لم يكن قبل ذلك مؤمن.

وأما من كان قبل هذا الفتح موقنا بامامته ومنتظرا لخروجه، فذلك الذي ينفعه ايمانه، ويعظم اللّه عز وجل عنده قدره وشأنه، وهذا أجر الموالين لأهل البيت. (1)

ص: 184


1- ينابيع المودة: ص 511.

الحكاية الثلاثون: السيد محمد مهدي بحر العلوم (قدس سره)

ركضة طويريج، معروفه عند العراقيين خصوص، وهو عزاء يقام يوم العاشرمن المحرم، حيث تأتي افواج الناس من قضاء (طويريج) الذي يبعد اربعة فراسخ عن مدينة كربلاء المقدسة علي مشرفها آلالف التحية والثناء ياتون مهرولين حتّي يصلوا الي حرم سيد الشهداء الامام الحسين بن علي (عليه السلام) ثم يخرجون الي حرم ابي الفضل العباس (عليه السلام)، حفاة، باكين شعث غُبْر يندبون مولاهم الحسين (عليه السلام)، حتي ان علماء الدين وبعض المراجع كانوا يشتركون ايضا في هذا العزاء حيث يقفون لاستقبال تلك الجموع علي مشارف كربلاء ثم يشاركون في العزاء في بكاء ونحيب.

وعندما تسأل هؤلاء المراجع، ما هو الدليل علي استحباب المشاركة في هذا العزاء؟يجيبك أحدهم وكيف لا اشارك وقد شارك العلامة السيد بحر العلوم (رض) الناس في هذه الركضة وهذا العزاء؟و كان السيد بحر العلوم (رض) كان ذات يوم عاشورا في احدي السنين، يقف مع عدة من طلبة العلوم الدينية في كربلاء لاستقبال تلك الجموع التي جاءت من طويريج لاقامة عزاء سيد الشهداء وابي الاحرار الحسين بن فاطمة (عليه السلام) وفجأة، يري الطلّاب ان السيد بحر العلوم علي عظمته ومقامه العلمي الشامخ دخل وسط تلك الجموع لاطماً وجهه وصدره باكيا مهرولا معهم وحاول الطلاب منع السيد والحدِّمن كل تلك الاحاسيس الطاهرة والخالصة فلم يفلحوا فاضطروا الي الاستسلام للأمر الواقع ولكنهم حاولوا الحفاظ علي السيد من ان يقع علي الارض ومن وقع علي الارضْ في هذا العزاء لا ينجوا من الموت الّا بمعجزة لان الناس في هذه الركضة كالسيل العارم وكامواج البحر الهائج لا يقف بوجهها شيء.

ص: 185

(وذات مرّة سقط بعض الاشخاص علي الارض فداستهم الجموع بالارجل فحدثت مأساة فضيعة راح ضحيتها اكثر من اربعين شهيدا عند باب الحرم الحسيني). احاط الطلبة بالسيد بحر العلوم حتي فرغ من المشاركة في العزاء.

وبعد اتمام العزاء سأل بعض الخواص من السيد عن علة مشاركته علي ذلك النحو فقال (رض): عندما وصلت الي تلك المجاميع المعزّية، رأيت بقيّة اللّه الاعظم (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) حافيا حاسرا بين تلك الجموع وهو يلطم علي صدره ويضرب علي رأسه ويبكي، فلم اطق الاّ ان شاركت بخدمته في العزاء.

ص: 186

إشارة:

مصيبة الحسين (عليه السلام) لا تقر بها مصيبة، ومظلوميته (ع) منار يقتدي به الثوار والمظلومون لنيل حقوقهم والصبر والصمود ضد الطغاة.

ولعظم مصيبة الحسين (ع) ورد في الاحاديث علي لسان عدد من الائمة عليهم السلام انهم كانوا يقولون: (لا يوم كيومك يا ابا عبد اللّه).

والكل يبكي ويندب الحسين (ع)، ولكل منهم اسلوب خاص في بيان انزجاره لقتل الحسين (عليه السلام) واهل بيته ولبيان حزنه عليه.

والعراقيون لهم أساليب كثيرة لذلك منها ركضة طويريج التي تعد ثورة عارمة علي الظلم، ولذاحاولت الانظمة الجائرة منع هذه العزاء لانها تري ان فيه تهديداً لكياناتها الظالمة.

ومهما حاولنا وصف اهمية هذا العزاء فان القاريء لن يقف علي ذلك الاّ ان يري بنفسه ويحضر في تلك المراسم فانه سيعرف كم لها من الاثر في تاجيج الحزن والبكاء والنحيب علي الحسين (عليه السلام) ولذا ما فات الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) يشارك فيه أيضا وهو احق الناس بذلك فهو الطالب بثار جدّه الحسين (عليه السلام).

ص: 187

الآية الحادية والثلاثون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(سَلامٌ هِيَ حَتَّي مَطْلَعِ الْفَجْرِ) صدق اللّه العلي العظيم سورة القدر الآية 5.

محمد بن العباس: عن احمد بن هودة، عن ابراهيم بن اسحاق، عن عبد اللّه بن حماد، عن ابي يحيي الصنعاني، عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)قال: سمعته يقول: قال لي ابي محمد (عليه السلام): قرأ علي بن ابي طالب (عليه السلام) (انا انزلناه في ليلة القدر) وعنده الحسن والحسين (عليهما السلام) فقال له الحسين يا ابتاه كأنّ بها من فيك حلاوة.

فقال له: يا بن رسول اللّه و (ابني): انّي اعلم فيها ما لا تعلم، انها لمّا انزلت بعث اليّ جدُك رسول اللّه (صلي الله عليه وآله)فقرأها عليّ ثم ضرب علي كتفي الأيمن وقال:

يا اخي ووصيّي ووليّي (علي) امتي بعدي وحرب اعدائي الي يوم يبعثون، هذه السورة لك من بعدي ولولديك (و لولدك) من بعدك، ان جبرئيل اخي (عليه السلام) من الملائكة احدث اليّ احداث امتي في سُنَّتها واللّه وانّه ليحدث ذلك اليك كاحداث النبوة وله نور ساطع في قلبك وقلوب اوصيائك الي مطلع فجر القائم (عليه السلام). (1)

ص: 188


1- تأويل الآيات الظاهرة.

الحكاية الحادية والثلاثون: السيد عبد الكريم هاشمي نژاد

نقل العلّامة السيد حسن الابطحي (حفظه اللّه) قال: حدثني الشهيد حجة الاسلام والمسلمين الحاج السيد عبد الكريم هاشمي نژاد الذي كان له استاذ يسمي الشيخ علي فريدة الاسلام الكاشاني قال: ذات ليلة كنت مع المرحوم استاذي بالكونِ في غرفته الكائنة في الطابق العلوي في مدينة قم المقدسة وكان الاستاذ واقفا ووجهه الي ساحة المنزل يزور مولانا صاحب العصر والزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) بزيارة آل ياسين الشريفة.

وكنت انا بجواره أُعِدُ الموقد للتدفئة.

وفجأة وجدت ان استاذي انتفض في اثناء القراءة وازداد توجهه وخضوعه وخشوعه وبكاؤه.

رفعت رأسي لاقف علي السبب فرأيت ان حضرة بقية اللّه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) واقف بين السماء والارض مقابل استاذي ينظر اليه مبتسم، حتي انني كنت قادرا علي تمييز خصوصيات قيافته الشريفة وحتي لون ملابسه وكنت اري ذلك بوضوح.

ثم عُدتُ ثانية الي عملي، ومرّة ثانية رفعت رأسي فرأيت مولاي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) بنفس الخصوصيات والملامح السابقة، وهكذا كررت ذلك عدة مرّات وفي كل مرّة كنت اشاهد جماله الانور (صلوات اللّه وسلامه عليه) وفي المرة الاخيرة اشتغلت بايجار الفحم فوجدت استاذي قد هدأ وذهبت عنه تلك الحالة وانهي الزيارة، فرفعت رأسي الي السماء فلم أجد المولي صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

وعندما جلست انا واستاذي في الغرفة بعد هذا الجريان، وكان استاذي

ص: 189

قد اخفي علي ذلك ظنا منه بأنّي لم أرَ شيئ، فسألته قائل:

حضرة الاستاذ، بايّ هيئة كنت تري صاحب العصر والزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)؟!

فتعجب الاستاذ وقال: فهل كنت تراه انت ايضا؟

قلت: نعم كنت أراه بملابس مخططة وعمامة خضراء وقيافة جذابة وعلي وجهه خال.

ثم بيَّنتُ له كل الخصوصيات التي كنت أراها وكان الاستاذ يصدّق ذلك مؤيد، ثم اثني عليّ وسُرَّ لما حصلتُ عليه من لياقة للتشرف بلقاء الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

ص: 190

إشارة:

زيارة آل ياسين (عليه السلام) من الزيارات المعتبرة الشريفة التي يزار بها الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) يوم الجمعة وغيره.

وبالتتبع وجدت أن أولياء اللّه يواظبون عليها ويوكدون علي قرائته، وانّي لقاطع عزيزي القاريء باننا لو واظبنا عليها فاننا سنجد تحولا عميقا قد حصل في روحياتنا وحتي في سلوكن، ولذا فان هذه الزيارة الشريفة من كنوزنا التي لابد من المحافظة عليها وسنورد متن هذه الزيارة في ملحقات الكتاب انشاء اللّه.

واشير هنا الي ان السيد عبد الكريم هاشمي نژاد من الشخصيات المرموقة في عالمنا الاسلامي له دور كبير في الثورة الاسلامية المباركة في ايران، استشهد علي يد أعداء الاسلام في مدينة مشهد الامام الرضا (عليه السلام).

وقد ذكر السيد الابطحي في كتابه الكمالات الروحية - الجزء الثاني - في ذيل هذه الحكاية انه عندما كان يدرس في النجف الاشرف كان السيد هاشمي نژاد معه، وذات ليلة جمعة كانا في حرم ابي الفضل العباس (عليه السلام) للزيارة فتوسل السيد الابطحي بابي الفضل العباس (عليه السلام) ان يزيد في يقينه بوجود الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، ولما انصرفا لزيارة مرقد الامام الحسين (عليه السلام) وبدون اطلاع من السيد هاشمي نژاد بالأمر، نقل الاخير قصة تشرفه بلقاء الحجة وهي الحكاية أعلاه، ويضيف السيد الابطحي فعرفت ان هذه منحة من مولاي ابي الفضل العباس (عليه السلام).

ص: 191

الآية الثانية والثلاثون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَاَشْرَقَتِ أِلْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ووُضِعَ اَلْكِتبُ وجِاْيءَ باَلْنَّبِيّيِنَ والْشُّهَدَآءِ وقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِاَلْحَقِّ وهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة الزمر الآية 69.

أخرج العلاّمة (الحنفي) الحافظ القندوزي في ينابيعه بسنده قال: عن أبي الحسن علي بن موسي الرضا - رضي اللّه عنه - في حديث ذكر فيه (المهدي) وانه الرابع من ولده - الي أن قال - فاذا خرج:

(وَاَشْرَقَتِ أِلْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) الحديث. (1)

ص: 192


1- ينابيع المودة: ص 448.

الحكاية الثانية والثلاثون: كريمة الشيخ الأراكي

نقل مؤلف كتاب گنجينه علما (خزانة العلماء) في الجزء الثاني - ص64 عن سماحة آية اللّه العظمي المرجع الراحل الشيخ محمد علي الاراكي انه نقل له قائل:

ارادت ابنتي وهي زوجة حجة الاسلام السيد الاراكي ان تتشرف بحج بيت اللّه الحرام، وكانت تخاف ان لا تتمكن من اداء مناسك الحج لشدة الزحام، قلت له: اذا داومت علي ذكر (يا حفيظ يا عليم). فان اللّه سيعينك علي ذلك.

تشرفت ابنتي بزيارة بيت اللّه الحرام وبعد عودتها نقلت لي هذه الحكاية وقالت:

داومت علي ذلك الذكر الشريف وللّه الحمد فقد اديت المناسك براحة، الي ان اردت ذات يوم الطواف وكان جمع من الحجاج الافارقة يطوفون وكان الزحام شديداً جد، فقلت في نفسي: كيف يمكنني في هذا الزحام الطواف؟

وتحسرت علي وجود رجل محرم معي حتي يحافظ عليّ من ملامسة الرجال حال الطواف.

وفجأة سمعت صوت شخص يقول لي:

لوذي بامام الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) حتي تطوفي علي راحتك.

قلت: واين هو امام الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)؟

ص: 193

قال: هو ذا هذا الرجل الذي يسير امامك.

نظرت الي تلك الجهة فرأيت رجلا جليلا يمشي امامي وحوله دائرة مفرغة قطرها حوالي المتر، ولا يدخل أحد من الحجيج في تلك الدائرة واذا بالهاتف يقول لي: ادخلي في هذا الحريم وطوفي خلف حضرة ولي العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، وكنت قريبة جدا منه بحيث ان يدي كانت تصل اليه، وقد مسحت يدي علي عباءته ومسحت بها وجهيوكنت أقول له: سيدي فديتك بنفسي مولاي فديتك بروحي ….

وكنت مسرورة جدا الي درجة اني نسيت ان اسلّم عليه.

والحاصل، اني طفت سبعة أشواط خلف الامام (عليه السلام) حول الكعبة بدون ان يلمس بدني بدن رجل غريب علي الرغم من كل ذلك الزحام، وكنت اتعجب من انه كيف لا يدخل احد من هؤلاء الناس في حريم هذه الدائرة؟

ويضيف الشيخ الاراكي قائل: و لان حاجة ابنتي كانت منحصرة في هذا الأمر، لذا فانها لم تطلب شيئا آخر في تلك السّاعة.

ص: 194

إشارة:

لا شك ان الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) رحمة للعالمين وخصوصا لاولئك الذين يحاولون تطبيق الشريعة والابتعاد عن المعاصي والتنزة عن المحرمات حتي غير الاختيارية منه، وكما ورد في الحديث الشريف: عبدي تقدم اليّ خطوة اتقدم اليك خطوتين (فان اللّه تعالي يهيء لمثل هذا الانسان الدليل علي الطاعات واجتناب المحرمات.

ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، بل ان بعض النساء ولا سباب معينة قد يصلن الي الكمال أسرع من الرجال مع ما يتمتعن به من روح لطيفة عاطفية، وهناك الكثير من النساء وصلن الي حالات كمال عالية وبعضهن الي حالة الارتباط الروحي بالامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ولا مجال هنا لذكرهنّ.

اذن، طريق التشرف بلقاء المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ليس حكرا علي الرجال، وعلي نسائنا السعي والجد لنيل هذا الشرف العظيم، وذلك بالطاعات والعبادات واداء الوظائف الشرعية.

ص: 195

الآية الثالثة والثلاثون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَنُرِيْدُ اَنْ نَّمُنَّ عَلَي اَلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِيْ الْأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلُهُمُ اَلْورِثِينَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة القصص الآية 5.

روي في تفسير (البرهان) عن العالم الحنفي (الشيباني) في كشف البيان، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليهما السلام) أنّهما قال:

ان هذه الآية مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في آخر الزمان، ويبيد الجبابرة والفراعنة، ويملك الأرض شرقا وغرب، فيملأها عدلا كما ملئت جور. (1)

وأخرج الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) قال: - في حديث - قال ابو محمد العسكري للمهدي (عليه السلام) في اليوم السابع من ولادته: تكلم يا بنيّ، فشهد الشهادتين، وصلّي علي آبائه واحدا بعد واحد، ثم قال (قوله تعالي):

(وَنُرِيْدُ اَنْ نَّمُنَّ عَلَي اَلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِيْ الْأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلُهُمُ اَلْورِثِينَ). (2)

ص: 196


1- البرهان في تفسير القرآن: المجلد3، ص 220.
2- ينابيع المودة: ص 450.

الحكاية الثالثة والثلاثون: السيد الابطحي حفظه اللّه

يقول السيد حسن الأبطحي في كتابه (الكمالالت الروحية) الجزء الثاني: تشرفت بزياره المدينة المنورة سنة 1974م وذات ليلة وبعد منتصف الليل كنت جالسا بمعية الحاج خادمي خلف باب مسجد النبي (ص) وكانت ابواب المسجد مغلقة والناس نيام والهدوء يعم الأطراف وكانت الساحة امام باب المسجد واسعة جدا وذلك بعد تخريب المباني امام باب السلام وحتي مسجد الغمامة.

كان الحاج خادمي وعلي عادته، مشغولا بذكر مولاه صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، فكان يطرق كل باب يؤدي به الي العشق المهدوي وذكر حالاته (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، يظهر الحب والود والولاء.

قال لي: عندي سؤال.

قلت: تفضل واسأل.

قال: هل يمكن ان لا يكون لبقية اللّه ارواحنا فداه، منزلٌ في المدينة؟

قلت: و لم لا يمكن ذلك، فانه لا يجب ان يكون له منزل خاص به والحال ان بيوت شيعته ومحبيه كلها منزله ومتعلقة به.

قال: انه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)له منزل في المدينة المنورة.

قلت: فاين هو ذلك المنزل؟

قال: لو كنت اعلم بمكانه لما جلست هن.

(كنت اعلم ان هذه الحالالت عندما تحصل لمحبّي المولي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فانه ببعض المتابعة يمكن الاستفادة منها).

ص: 197

قلت: لو كنتُ اعتقد بذلك اي لو كنت متيقنا من انه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) له منزل خاص في المدينة المنورة لحاولت خلال هذه الايام القليلة العثور عليه من خلال طرق ابواب البيوت بيتاً بيتاً والاستفسار عن اسم صاحب المنزل الي ان أجده، فانه لن تستغرق هذه العملية اكثر من خمسة او ستة ايام مع الجدّية والبرمجة الصحيحة، فان بيوت المدينة ليست كثيرة، والوصول الي هذا الهدف المقدس يستحق العناء حتي لو لقينا التعب وايذاء الناس لنا وطردن، مع انني اعتقد ان غيرة الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ولطفه ومحبته لا تسمع له بان يترك وليه يتحمل كل ذلك من أجل الوصول اليه فانه سيساعده ليهتدي الي منزله بعد طرق باب او بابين فقط. ولكن ولاني غير متيقن من وجود منزل خاص به (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فانّي لم اقم بهذا العمل سابق.

المهم، اني حاولت تشجيعه واثارته الي درجة انه قام واقفا علي رجلية في تلك الليلة الظلماء، ووقفت انا أيض، وكان الحاج خادمي متحيرا من اين يبدأ بالبحث، وكان يلتفت يمينا وشمال، وكنت انا انتظر لطفا من صاحب الأمر (عليه السلام) في كل لحظة.

وفجأة، ومع ان هذا الميدان الواسع كان هادئ، ساكتا جد، سمعنا صوت رجل من طرف الشارع المقابل لمسجد الغمامة ينادي بلسان فارسي ويقول: (من هنا … من هنا)!!

تحركنا الي جهة الصوت، فرأينا من بعيد رجلا لم نتمكن من رؤية ملامحه وقيافته وملابسه، ولكن كان يبدو انه ينادينا نحن.

فقال الحاج خادمي ودموعه تجري من عينيه: انه يرشدنا الي بيت ولي العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

وبدون تأخير تحرك باتجاه ذلك المكان.

ولما كنت بطيء التصديق، قلت في نفسي: لعلّ احد الايرانيين من رفقائنا تصور باننا ضللنا الطريق فحاول هدايتنا الي منزلن.

ص: 198

ولكن هذا الشخص بعد ان ارشدنا الي الجهة، ذهب الي احدي الازقة في المنطقة ولم نعد نراه.

كان الحاج خادمي يسير مسرعا الي تلك الجهة ويقول: اني أشمّ عطرا عجيب.

وأخيراً وبعد دقائق وصلنا الي ذلك المحل، وكان مفترق ثلاث طرق فوقفنا حائرين في، أيُّ طريق نسير؟

ولكن هذه الحيرة وهذا الترديد لم يستمر الاّ لحظات، حين سمعنا صوت دراجه نارية كسر الهدوء المخيم علي المكان في آخر الشارع المقابل لمسجد الغمامة وعندما وصل الينا خفّف من سرعته وتوقف عندنا وقال مشيرا الي شارع فرعي خلف فندق الحرم: (من هذه الجهة…من هذه الجهة…) قالها بلسان فارسي طليق ثم انطلق بدراجته مسرع.

هن، بدأت اشعر بان هذه الارشادات ليست طبيعية، اذ لو كان الشخص الاول قد ارشدنا صدفة فان هذا السائق للدراجة لا يمكن ان يكون امرا عفويا خصوصا وانه كان يتكلم الفارسية والايرانيون لا يستفيدون من الدراجات النارية الضخمة، ولا يمكن ان يكون هذا الرجل قد ظن اننا من رفقائه التائهين.

وعلي أي حال، فان الحاج خادمي، وبينما كانت دموعه تجري علي خديه، وذكرُ يا صاحب الزمان جار علي لسانه، تحرك باتجاه ذلك الشارع الفرعي وكنت اسير معه متحيرا مبهوت.

وما ان مشينا عدة خطوات حتي شاهدنا جماعة من الشباب يصل عددهم الي العشرة تقريبا يتوسطهم رجل مهيب بلباس عربي، وهو يتحدث وهم يستمعون له، وكانوا يتقدمون نحونا وكان واضحا انهم خرجوا من احد تلك البيوت يريدون الذهاب الي مكان م، ولما وصلوا بحذائن، التفت ذلك الشخص الجليل الينا وقال: السلام عليكم.

ص: 199

اجبنا السلام، وكانت نظرته الينا خاطفة للقلوب الي درجة اننا وقفنا مبهوتين ننظر اليه.

اتكأ الحاج خادمي علي الحائط ودموعه تجري وكان ينظر اليهم وقد اجتازون.

واخذت افكر في نفسي، تُري من اي المنازل خرج هؤلاء.

وعندما نظرت ورائي وجدت ان مصباحا يضيء عند باب أحد البيوت، وكان واضحا ان هؤلاء القوم قد خرجوا من ذلك المنزل وكان ذلك المنزل له باب خشبية، وبدل الزجاج كانت قضبان حديدية وضعت علي الباب كالشبابيك وكان المنزل من الطراز القديم وبناؤه بسيط، وكان خلف الباب مصباح مضيء ورجل يقف عند الباب يبدو انه الخادم، وفي اعلي الباب لوح كتب عليه بهذا الترتيب وبخط ذهبي بارز:

منزل

(المهدي الغوث)

عندما نظر الحاج خادمي الي هذه اللوحة تيقن انه قد وصل بسهولة الي مقصدة، وانه قد اهتدي الي منزل حضرة بقية اللّه ارواحنا فداه، ولذا فقد جلس خلف الباب علي الارض.

واما أن، فقد كنت احاول التحقيق اكثر في القضية ولذ، اوصلت نفسي الي قضبان الحديد المثبتة علي الباب الخشبية، وسألت الرجل الذي كان واقفا تحت ذلك الضوء خلف الباب، سألته بالعربية قائل: صاحب البيت فيه؟

قال الرجل بلطف وابتسامة: (الآن راح).

فعرفت ان الرجل الجليل الذي كان يتوسط اولئك الشباب هو صاحب المنزل وان اسمه (المهدي)، وان لقبه (الغوث)، ولكن هل حقيقة هو

ص: 200

صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ام انه شخص آخر صادف ان اسمه ولقبه هو (المهدي الغوث)؟! وانه يسكن هنا؟!

ولكني في اعماقي، كدت ان اسقط لوجهي فهل حقا انّي قد تشرفت بخدمة المولي ونلت هذا الفيض العظيم؟!

ومن جهة اخري، مع الالتفات بان راكب الدراجة قد ارشدنا بالفارسية الي هذا الموضع، وان اهل السُنَّة لا يتسمون باسم المهدي، وحتي الشيعة في المدينة المنورة قلَّ ما يتسمَّون بهذا الاسم تقيةً، كل هذه الامور كانت تبعث الامل في قلبي بأنّي قد اكون حصلت علي لياقة الفوز بهذا اللقاء.

وعلي اي حال، بقينا حدود الساعة من الوقت عند باب ذلك المنزل، حتي أطفأت المصابيح ويبدو ان الخادم ذهب للنوم.

رجعنا باتجاه محل اقامتن، وفي صبيحة تلك الليلة، تحركت قافلتنا نحو مكة المعظمة ولم استطع في ذلك السفر ان اذهب الي ذلك المنزل، ولكن في السفرات التالية وحين وفقت لزيارة المدينة المنورة، ذهبت الي ذلك الشارع، فرأيت عدة بيوت مشابهة لبعضها البعض الآخر ولا يوجد علي ايّ منها ذلك اللوح الذهبي، ولكن الحاج خادمي كان يقول: في كل سفرة تشرفت بزيارة المدينة المنورة، ذهبت الي زيارة ذلك البيت بنفس المواصفات والخصوصيات.

ص: 201

إشارة:

تقدم في قضية الشيخ الاعظم مرتضي الانصاري (قدس سره) انه كان يزور احياناً الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) في منزله في كربلاء المقدسة وأشرنا هناك انه ليس من البعيد ان يكون للامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) منزل او اكثر في البلدان المختلفة، وهذه الحكاية تؤيد ما ذكرناه سابق.

ومما يمكن استفادته من هذه الحكاية ان نار الشوق اذا استعرت في قلب العاشق لرؤية الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، فانه سيكون اقرب لدرك هذا الشرف بل ورد في بعض النقولات ان الامام (عليه السلام) في معرض الاجابة عن سؤال يطرحه بعض من يتشرف بخدمته ولقائه وهو: (سيدي متي نراك ثانية؟).

يقول (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف): (متي شئت).

وبالطبع، فانّ هذه الرغبة في التشرف بحضرته (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) والتي تنتهي بلقائه، ليست الرغبة العابرة السطحية وانما تلك الرغبة الاكيدة الممزوجة بالحرقة والشوق والتوسل والبكاء علي فراقه حقيقة، تلك الرغبة التي تسلب النوم من عيني العاشق وتسهده ليلة وتغصب راحته فلا يقرّ له قرار حتي يلتقي بحبيبه وهنا تشمله العناية واللطف والمحبة المهدوية ويتفضل عليه بنظرة لطلعته الرشيدة وغرّته الحميدة فيتبدل الفراق الي وصال وكلاهما لذيذ عند العاشق.

وقد ورد في بعض قضايا عشّاقه ومواليه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ان الامام روحي فداه أبلغهم سلامه من خلال بعض الوسائط، لانهم كانوا علي الدوام بذكره والدعاء له والبكاء علي فراقه.

ص: 202

فحريٌّ بنا جميعا ان لا ننسي امامن، صباحا ومساءاً وعلي الدوام نشتغل بالدعاء له بتعجيل الفرج، وخصوصا دعاء العهد الّذي ورد استحباب قراءته صباح كل يوم لتجديد البيعة له (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

وسنذكر دعاء العهد انشاء اللّه في ملحقات الكتاب.

ص: 203

الآية الرابعة والثلاثون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(إِن نَّشَأْ نُنَزِّلُ عَلَيْهِم مِنَ السَّمَآءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَقُهُمْ لَهَا خضِعِينَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة الشعرا الآية 4.

أخرج الحافظ القندوزي باسناده قال: عن علي بن موسي الرضا (رضي الله عنه)- في حديث - انه قال:

ان الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء، يُطهِّر اللّه به الأرض من كل جور وظلم (الي أن قال):

وهو الذي له ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض:

(ألا ان حجة اللّه قد ظهر عند بيت اللّه فاتّبعوه فان الحق فيه ومعه)

(ثم قال):

وهو قول اللّه عز وجل:

(إِن نَّشَأْ نُنَزِّلُ عَلَيْهِم مِنَ السَّمَآءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَقُهُمْ لَهَا خضِعِينَ). (1)

ص: 204


1- ينابيع المودة: ص 448.

الحكاية الرابعة والثلاثون: الشيخ علي فريدة الاسلام

نقل سماحة السيد حسن الابطحي (حفظه اللّه) في كتابه الكمالات الروحية عن سماحة حجة الاسلام والمسلمين المرحوم شيخ علي الكاشاني فريدة الاسلام انه قال: ذات ليلة كنت في غرفة الضيوف في منزل آية اللّه الشيخ الكوهستاني في مدينة كوهستان مشتغلا باداء صلوة المغرب وفجأة شاهدت الجمال الانور لمولانا صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) حيث دخل الي الغرفة وجلس في زاوية منها وظهره الي القبلة بنحو كنت اري وجهه اثناء صلوتي.

فكرت في نفسي أني اذا قطعت الصلوة للسلام عليه فانه لن يرضي بذلك وسيغادر المحل، فالافضل ان أتمّ صلوتي، فان كان مريدا للتلطف علي والسماح لي بمحادثته فانه سيصبر الي ان اتمّها ولذا اكملت صلوتي وكان صلوات اللّه عليه يُلْقِنُنّي اثناء الصلوة ببعض الجملات وخصوصا جملة: (يا من له الدنيا والاخرة ارحم من ليس له الدنيا والآخرة)، التي كنت اقرأها في السجدة الأخيرة، فكان الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) يكررها بتوجه وخشوع أكبر.

وبمجرد ان اردت الخروج من الصلوة بالتسليم، غادر ولي العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) المكان.

ص: 205

إشارة:

الشيخ علي الكاشاني، فاضل جليل له حالات روحانية عجيبة، نقل بعضها السيد حسن الابطحي في كتابه عروج الروح (پرواز روح)، ولا شك ان الارض لا تخلو من مثل هؤلاء الصالحين الذين قضوا اعمارهم بالطاعات والرياضات والمجاهدات ومن هذه الحكاية يظهر لنا بوضوح انه كان قد تشرف مراراً بخدمة المولي صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فانه عرفه بمجرد رؤيته، فان بعض الاشخاص يتشرفون بخدمة المولي ولا يتعرفون عليه الّا بعد التفرق، وبعضهم يتعرف عليه اثناء التشرف والبعض الآخر والمعظم له منهم يعرفون ملامحه الشريفة فما ان تقع اعينهم عليه حتي يعلمون انه هو، وهكذا كان حال السيد مهدي بحر العلوم (رض) كما اتضح لنا سابق، وانه تعرف علي الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) بمجرد ان رأه يركض مع المعزّين في كربلاء يوم عاشوراء.

وا مّا الشيخ الكوهستاني، فهو صاحب الكرامات الكثيرة وله مقام جليل، حتي ورد في النقولات الصحيحة ان الملائكة كانت تخدمه وتحرسه علي باب غرفته فلا يتجرأ احد علي الدخول عليه، وكان منزله منتدي عشاق الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، وطبقا لما نُقل فانّ روحانية خاصة كانت تُهيمن علي داره، وقدذكر ايضا في (عروج الروح) بعض حالاته وكراماته.

ص: 206

الآية الخامسة والثلاثون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِه ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اَللَّهُ إِنَّ اَللَّهَ لَعَفُوٌ غَفُورٌ) صدق اللّه العلي العظيم سورة الحج الآية 60.

روي الحافظ القندوزي سليمان الحنفي باسناده قال: عن سلام بن المستنير عن الصادق (رضي اللّه عنه) في قوله تعالي:

(وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِه ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اَللَّهُ إِنَّ اَللَّهَ لَعَفُوٌ غَفُورٌ) قال:

ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله وسلّم لما أخرجته قريش من مكة وهرب منهم الي الغار وطلبوه، ليقتلوه فعوقب، ثم في (بدر) عاقب لأنه قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وحنظلة بن ابي سفيان، وأبا جهل، وغيرهم، فلما قبض رسول اللّه صلّي اللّهعليه وآله وسلّم بغي عليه ابن هند (يعني: معاوية بن ابي سفيان) بخروجه عن طاعة امير المؤمنين، وبقتل ابنه يزيد الحسين بغياً وعدوان، ثم قال تعالي:

(لَيَنْصُرَنَّهُ اَللَّهَ) يعني بالقائم المهدي من ولده. (1)

ص: 207


1- ينابيع المودة: ص 510.

الحكاية الخامسة والثلاثون: ضربة صفين

نقل العلامة النوري في النجم الثاقب عن كتاب (السلطان المفرّج عن اهل الايمان) قال: ومن ذلك ما نقله عن بعض اصحابنا الصالحين من خطّه المبارك ما صورته: عن محيي الدين الأربلي انّه حضر عند أبيه ومعه رجل، فنعس فوقعت عمامته عن رأسه، فبدت في رأسه ضربة هائلة، فسأله عنه، فقال له: هي من صفّين. فقيل له وكيف ذلك ووقعة صفّين قديمة؟فقال: كنت مسافرا الي مصر فصاحبني انسان في غزّة فلمّا كنّا في بعض الطريق تذاكرنا وقعة صفّين.

فقال لي الرجل: لو كنت في أيّام صفيّن لروّيت سيفي من عليّ وأصحابه، فقلت: لو كنت في أيّام صفّين لرويّت سيفي من معاوية وأصحابه، وها أنا وأنت من أصحاب علي (عليه السلام) ومعاوية لعنة اللّه عليه. فاعتركنا عركة عظيمة، واضطربنا فما أحسست بنفسي الاّ مرميّاً لما بي.

فبينما أنا كذلك واذا بانسان يوقظني بطرف رمحة، ففتحت عيني فنزل اليّ ومسح الضربة فتلاءمت، فقال: البث هن، ثمّ غاب قليلا وعاد ومعه رأس مخاصمي مقطوعا والدوابّ معه، فقال لي: هذا رأس عدوّك، وأنت نصرتنا فنصرناك، ولينصرنّ اللّه من نصره، فقلت: من أنت؟فقال: فلان بن فلان يعني صاحب الأمر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) ثمّ قال لي: و اذا سُئلت عن هذه الضربة فقل: ضُربُتها في صفّين.

ص: 208

إشارة:

ورد في الاخبار: ان من احبَّ عمل قوم حشر معهم، (و انّ من أحبّ (تولي) حجرا حشر معه)، وغير ذلك من الاخبار التي تدل علي هذا المعني.

ومن هذه القضية يبدو أكثر من ذلك، حيث يظهر بان من كان محبا لاهل الحق، فان اللّه يعينه ويقوّيه ويرد عنه كيد الباغين، بشتّي الوسائل واليوم، الحامي للشريعة المحمدية وللقيم الحقيقية هو الامام المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، ولا شك انه يتولي المؤمنين بالتسديد والتأييد والحراسة فما أحرانا الصعود والثبات علي الحق والدفاع عنه باخلاص فان لنا سندا وعمادا وحاميا وحارسا عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف.

ص: 209

الآية السادسة والثلاثون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(حَتَّي إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ ولاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ المجْرِمِينَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة يوسف الآية 110.

روي الحافظ القندوزي (الحنفي) باسناده عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) قال:

ما يجيء نصر اللّه حتّي كانوا أهون علي الناس من الميتة، وهو قول ربّي عز وجل في كتابه في سورة يوسف:

(حَتَّي إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ ولَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمجْرِمِينَ).

وذلك عند قيام (قائمنا) المهدي. (1)

ص: 210


1- ينابيع المودة: ص 509.

الحكاية السادسة والثلاثون: علي بن مهزيار الاهوازي

قال حدثنا ابو الحسن علي بن موسي بن أحمد بن ابراهيم بن محمد بن عبد اللّه بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام)، قال: وجدت في كتاب ابي رضي اللّه عنه، قال: حدثنا محمد بن أحمد الخوال عن أبيه عن الحسن بن علي الطبري عن ابي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن ابراهيم بن مهزيار، يقول: كنت نائما في مرقدي اذ رأيت في ما يري النائم قائلا يقول لي: حجّ فانك تلقي صاحب زمانك (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

قال علي بن ابراهيم: فانتبهت وانا فرح مسرور، فما زلت في الصلوة حتي انفجر عمود الصبح. و لمّا فرغت من صلوتي وخرجت اسأل عن الحج فوجدت فرقة تريد الخروج، فبادرت مع أوّل من خرج، فما زلت كذلك حتي خرجوا وخرجت بخروجهم اريد الكوفة، فلما وافيت نزلت عن راحلتي وسلّمت متاعي الي ثقات اخواني وخرجت أسأل عن آل ابي محمد (عليه السلام) فما زلت كذلك فلم أجد أثرا ولا سمعت خبرا وخرجت في اول من خرج أريد المدينة فلما دخلتها لم اتمالك ان نزلت عن راحلتي وسلمت رحلي الي ثقات اخواني وخرجت اسأل عن الخبر واقفو الأثر، فلا خبرا سمعت، ولا أثرا وجدت، فلم أزل كذلك الي ان نفر الناس الي مكة وخرجت مع من خرج حتي وافيت مكة، ونزلت فاستوثقت من رحلي وخرجت اسأل عن آل ابي محمد (عليه السلام)، فلم اسمع خبرا ولا وجدت أثر، فما زلت بين اليأس والرجاء متفكرا في أمري وعائبا علي نفسي وقد جنّ الليل. فقلت: ارقب الي ان يخلولي وجه الكعبة لاطوف بها واسأل اللّه عز وجل ان يعرّفني أملي فيه. فبينما أنا كذلك وقد خلالي وجه الكعبة اذ قمت الي الطواف فاذا أنا

ص: 211

بفتي مليح الوجه طيب الرائحة، متّزر ببردة، متّشح باخري، وقد عطف بردائه علي عاتقه، فرعته، فالتفت اليّ وقال: ممّن الرجل؟

فقلت: من الاهواز.

فقال: أتعرف منها ابن الخصيب؟

فقلت: رحمه اللّه دُعي فاجاب.

فقال: رحمه اللّه، لقد كان بالنهار صائما وبالليل قائما وللقرآن تاليا ولنا موالي، فقال: أتعرف بها عليّ بن ابراهيم بن مهزيار؟

فقلت أنا عليّ.

فقال: أهلا وسهلا بك يا أبا الحسن، أتعرف الصريحين (الضريحين)؟

فقلت: نعم.

قال: و من هما؟

قلت: محمد وموسي.

ثم قال: ما فعلت العلامة التي بيّنك وبين ابي محمد (عليه السلام)؟

فقلت: معي.

فقال: أخرجها اليّ.

فاخرجتها اليه خاتما حسنا علي فصِّه (محّمد وعليّ).

فلما راي ذلك بكي ملّيا ورنّ شجّيا فاقبل يبكي بكاء طويلا وهو يقول: رحمك اللّه يا أبا محمد فلقد كنت اماما عادلا ابن ائمة وأبا امام، اسكنك اللّه الفردوس الاعلي مع آبائك عليهم السلام.

ثم قال: يا أبا الحسن صِر الي رحلك وكن علي أهبة من كفايتك حتّي اذا ذهب الثلث من الليل وبقي الثلثان. فالحق بنا فانك تري مُناك (ان شاء اللّه). قال ابن مهزيار: فصرت الي رحلي اطيل واصلحته وقدمت راحلتي

ص: 212

وحملتها وصرت في متنها حتي لحقت الشعب فاذا أنا بالفتي هناك يقول: اهلا وسهلا بك يا أبا الحسن طوبي لك فقد أذن لك.

فسار وسرت بسيره حتي جاذبي عرفات ومني وصرت في اسفل ذروة جبل الطائف، فقال لي: يا أبا الحسن انزل وخذ في أهبة الصلوة.

فنزل ونزلت حتي فرغ وفرغت. ثم قال لي: خذ في صلوة الفجر وأوجز. فاوجزت فيها وسلّم وعفّر وجهه في التراب، ثم ركب وأمرني بالركوب فركبت، ثمّ سار وسرت بسيره حتي علا الذروة فقال: المح، هل تري شيئا؟

فقلت: يا سيدي اري بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء.

فقال لي: هل تري في أعلاها شيئا؟

فلمحت فاذا انا بكثيب من رمل فوقه بيت من شعر يتوقد نورا؟

فقال لي: هل رأيت شيئا؟

فقلت: اري كذا وكذ، فقال لي: يا ابن مهزيار طب نفسا وقَرَّ عينا فانّ هناك أمل كلّ مؤمّل.

ثم قال لي: انطلق بن. فسار وسرت حتي صار في أسفل الذروة ثم قال: انزل فها هنا يذل لك كلّ صعب.

فنزل ونزلت حتي قال لي: يا ابن مهزيار خل عن زمام الراحلة.

فقلت: علي من أخلفها وليس ههنا أحد؟

فقال: انّ هذا حرم لا يدخله الاّ وليّ ولا يخرج منه الاّ وليّْ.

فخلّيت عن الراحلة، فسار وسرت فلما دنا من الخباء سبقني وقال لي: قف هنا الي ان يؤذن لك.

فما كان الّا هنيهة فخرج اليّ وهو يقول: طوبي لك، قد أعطيت سؤلك.

ص: 213

فدخلت عليه صلوات اللّه عليه وهو جالس علي نمط عليه نطع أديم أحمر متّكيء علي مسورة أديم، فسلمت عليه وردّ عليّ السلام ولمحته فرأيت وجهه مثل فلقة القمر لا بالخرق ولا بالبزق، ولا بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللاصق، محدود القامة، صلت الجبين أزجّ الحاجبيّن، ادعج العينين، اقني الأنف، سهل الخدّين، علي خدّه الأيمن خال.

فلما ان بصرت به حار عقلي في نعته وصفته، فقال لي: يا ابن مهزيار كيف خلّفت اخوانك في العراق؟

قلت: في ضنك عيش وهناة، قد تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان، فقال: قاتلهم اللّه أنّي يؤفكون كأني بالقوم قد قتلوا في ديارهم واخذهم أمر ربّهم ليلا ونهار.

فقلت: متي يكون ذلك يبن رسول اللّه؟

قال: اذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة باقوام لا خلاف لهم واللّه ورسوله منهم براء، وظهرت الحمرة في السماء ثلاثا فيها اعمدة اللّجين تتلاءلاء نوراً ويخرج السروسيّ من ارمينيّة واذر بايجان يريد وراء الرّي الجبل الاسود المتلاحم بالجبل الأحمر، لزيق جبل طالقان، فيكون بينه وبين المروزيّ وقعة صيلمانيّة يشيب فيها الصغير ويهرم منها الكبير ويظهر القتل بينهم، فعندها توقعوا خروجه الي زوراء العراق فيقيم بها سنة أو دونها ثم يخرج الي كوفان فيكون بينهم وقعة من النجف الي الحيرة الي الغريّ وقعة شديدة تذهل منها العقول، فعندها يكون بوار الفئتين وعلي اللّه حصاد الباقين، ثم تلا قوله تعالي: (بسم اللّه الرحمن الرحيم أتها أمرنا ليلاً أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس).

فقلت: سيدي يا ابن رسول اللّه ما الأمر؟

قال: نحن أمر اللّه وجنوده.

قلت: سيدي يا ابن رسول اللّه حان الوقت؟

قال: واقتربت الساعة وانشقّ القمر.

ص: 214

إشارة:

ورد في البحار للمجلسي ان علي بن مهزيار حج عشرين حجّة، وكان يأمل في كلّ مرّة ان يتشرف بلقاء المولي صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، حتي يئس من ذلك. و قرر عدم السفر ثانية.

وذات ليلة سمع هاتفاً يأمره بالحج ليصل الي مناه، وفعلاً وصل الي مناه كما مرّ بنا عزيزي القاريء في الحكاية اعلاه.

ومن هذ، يتبين لنا مدي شوق اولئك الصالحين الي هذا الشرف الرفيع، وتحملهم عناء السفر المتكرر، وخصوصا في تلك الازمنة، حيث كان السفر الي بيت اللّه الحرام يستغرق وقتا طويلا مضافا الي المخاطر المحتملة فيه في الطريق.

وبمراجعة الحكاية يتضح لنا جليّ، بان ابن مهزيار الاهوازي لم يكن يأمل من تشرفه بلقاء الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، شفاء مريض، أو اداء دين، أو دفع عدوّ وغير ذلك من الحوائج الدنيوية المباحة، كما هو ديدن الكثير من المؤمنين الذي يلتزمون بالاربعينات للقاء المولي وقضاء حوائجهم، وانما كان همُّ ابن مهزيار هو النظر الي تلك الطلعة الرشيدة والتملّي من تلك الغرّة الحميدة، وهذا لعمري غاية الشوق واشرفه واكمله. و هذه هي، الهجرة الي اللّه ورسوله.

فينبغي ان يكون ذلك، همّ طلّاب اللقاء والرؤية، بل وحتي زوّار مراقد المعصومين الطاهرة، لا الاغراض الدنيويّة وان كانت مباحة وأن يترفع الانسان عن مودة التجّار ليصل الي مودة العشاق، كي يحظي بلذّة الوصال، فتهون كلّ مصائب الدنيا عنده.

ص: 215

الآية السابعة والثلاثون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَقتِلُوهُمْ حَتَّي لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ اَلْدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اَللَّهَ بِما يَعمَلُونَ بَصِيرٌ) صدق اللّه العلي العظيم سورة الانفال/ الآية 39.

روي الحافظ القندوزي (الحنفي) باسناده قال: عن محمد بن مسلم قال: قلت للباقر (عليه السلام)ما تأويل قوله تعالي في الانفال:

(وَقتِلُوهُمْ حَتَّي لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ اَلْدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اَللَّهَ بِما يَعمَلُونَ بَصِيرٌ).

قال: لم يجيء تأويل هذه الآية، فاذا جاء تأويلها يقتل المشركون حتّي يوحدوا اللّه عز وجل، وحتّي لا يكون شرك: و ذلك في قيام (قائمنا). (1)

ص: 216


1- ينابيع المودة: ص 507.

الحكاية السابعة والثلاثون: السيد حسين القاضي (قدس سره)

يعتبر السيد حسين القاضي التبريزي من المتقين الصالحين وله كرامات كثيرة وبركات جمّة، حتي نقل ان الامام الخميني (قدس سره) وعندما ابتليت احدي بناته بحالة مرضية، امر بعض اهله ان يذهبوا الي بيت السيد حسين القاضي - في قم - ويطلبوا منه جرعة من الماء للاستشفاء، وهذا يدل علي بركة هذا السيد الجليل وقربه من الرب تعالي.

وهذه الحكاية مرتبطة بهذه التقي الورع، قال (قدس سره): في مجلس كنت مع بعص الاشخاص وتشرفنا بمحضر بقية اللّه الاعظم (ارواحنا فداه)، وكان (عليه السلام) ينظر الينا واحدا واحدا ويتفدقن، وعندما وصل الدور اليّ قال لي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف): و انت، ماذا تريد؟

قلت: اريد ان أكون اقرب هؤلاء الاشخاص اليك.

ففسح الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) مجالا وأجلسني الي جنبه.

ص: 217

إشارة:

ليس غريبا من مثل هؤلاء المقدسين ان يصلوا الي هذه الكمالات ويحظون بهذه الألطاف وقد افنوا أعمارهم في طاعة اللّه عز وجل والتوسل باهل بيت نبي الرحمة (صلوات اللّه عليهم اجمعين) ويبدوا واضحا من هذه الحكاية مدي شوق هؤلاء الاوتاد وحبهم لمولاهم، فهو لا يريد الّا القرب والقرب فقط، لا المال، ولا المقام، ولاشفاءً من الاسقام، ولا الولد، ولا الخلاص من الابتلإات الدنيوية، بل يريد فقط القرب من الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، وهذه هي المحبّة الصادقة الخاصة من كل شائبة.

فيا أيها العزيز، تعال لنحترق شوقا علي فراق حبيبنا ولنبك ليلا ونهارا طلبا للوصال، فان وصاله غاية ليس بعدها غاية شرفا وكرامة وعزّا وحينئذ، يوفقنا اللّه لزيارته وخدمته والاستفاضة من فيوضاته الربانية … آمين.

ص: 218

الآية الثامنة والثلاثون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(حم * عسق) صدق اللّه العلي العظيم سورة الشوري الآية 1-2.

أخرج (الحجة الشافعي) جمال الدين المقدسي السلمي في (عقد الدرر) بسنده عن ابي اسحاق الثعلبي في تفسير قوله تعالي:

(حم * عسق).

قال عبد اللّه بن عباس:

(ح) حرب يكون بين قريش والموالي فتكون الغلبة لقريش عليهم.

(م) ملك بني امية.

(ع) علو ولد عباس.

(س) سنّي المهدي.

(ق) نزول عيسي وقوته (خ ل). (1)

ص: 219


1- عقد الدرر، الباب السابع، ص 217.

الحكاية الثامنة والثلاثون: الميرزا الاصفهاني (قدس سره)

نقل المرحوم الحاج الشيخ مجتبي القزويني قضية عن استاذه المرحوم اية اللّه الميرزا مهدي الاصفهاني انه قال:

في ايام التحصيل في النجف الاشرف، كنت استفيد من محضر السيد أحمد الكربلائي وهو من كبار العرفاء في السير والسلوك وتزكية النفس، حتي وصلت، بنظر استاذي الي حدّ الكمال وبحسب الاصطلاح الي مقام القطبية والفناء في اللّه.

وقد منحني استاذي سمة تربية الآخرين في هذا المضار، وكان يعتبرني عارفا كاملا وقطبا وفانيا في اللّه واستاذاً في الفلسفة الاشراقية.

ولكنني ولاني أعرف بنفسي، كنت معتقدا باني بعدُ لم اعرف شيئا من المعارف الحقة، ولذا لم يهدأ لي قرار وكنت اعتبر نفسي ناقصا في الكمالات، فخطر في ذهني ان اذهب ليالي الاربعاء الي مسجد السهلة للتوسل بمولانا بقيّة اللّه ارواحنا فداه، فقد جعله اللّه غوثا وملاذا للخلق، علّه يتلطف عليّ ويدلني علي الصراط المستقيم.

ولذ، ذهبت الي مسجد السهله تاركا خلفي كلّ ما تعلمته من الافكار العرفانية والافكار الصوفية والمنسوجات الفلسفية، وسلمت أمري بكل اخلاص وتوبة لمولاي صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) وفجأة، ظهر لي نور جمال المولي بقيّة اللّه ارواحنا فداه وتلطف عليّ كثير، وبيَّن لي ميزانا اسيرُ عليه حيث قال:

(طلب المعارف من غير طريقنا أهل البيت مساو لانكارنا)

ص: 220

إشارة:

لا شك في ان كلّ علم لا ينتهي الي اهل البيت (ع) لا يمكن الوثوق بصحته، ذلك لان علوم الناس يحتمل فيها عدم الصدق لانهم غير معصومين وهذا هو الذي ادي الي ضرورة بعثة الانبياء والرسل والاوصياء والائمة المعصومين الذين ينطقون بحكم اللّه وبعلم اللّه الذي لا يقبل الخطاء والبطلان.

وهذه القاعدة جارية حتي علي العرفاء فكل ورد وذكر ودعاء وارشاد ونصيحة تصدر من هؤلاء بدون أن تنتسب الي المعصوم كتابا وسنّة، لا يمكن الوثوق به، ويحتمل في حقها الخطأ والبطلان، بل لعلّ فيها الآثار السيّئة، اذ ليس كلّ من قرأ الكتب الطبية صار طبيب، فضلا عن اولئك الذين لم يقرأوها وانما اتبعوا اهواءهم واذواقهم ونتايج تخيلاتهم ومن هن، نجد بان العرفاء الحقيقيين، يعتمدون علي الآيات القرآنية والادعية الصادرة عن اهل البيت عليهم السلام.

ومن هنا أيضا نجد بان الصوفية يحاولون الصاق أنفسهم بطرق تنتهي في سلسلتها الي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام).

فهذا الميزان الذي بيّنه الامام الحجة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) صادقُ في كلّ مكان وزمان ولعمري فهو خير ميزان لمعرفة العلماء الربانيين وتمييزهم عن القراصنة والشياطين.

اللّهم ثبّتنا علي الحق واجعلنا مع الصادقين.

ص: 221

الآية التاسعة والثلاثون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنآ اِذا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة الانبياء الآية 12.

علي بن ابراهيم، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا عبد اللّه ابن محمد، عن أبي داود، عن سليمان بن سفيان، عن ثعلبة، عن زرارة، عن ابي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل: (فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنآ) يعني بني امية اذا احسوا بالقائم من آل محمد عليهم السلام (اِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُون لا تَرْكُضُوا واَرْجِعُوا إلي ما اُتْرِفْتُمْ فِيِه ومَسْاكِنُكُم لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُون).

يعني الكنوز التي كنزوه.

قال (عليه السلام): فيدخل بنو اميّة الي الروم اذا طلبهم القائم (عليه السلام) ثم يخرجهم من الروم ويطالبهم بالكنوز التي كنزوه. (1)

ص: 222


1- تفسير القمي، علي بن ابراهيم، ج2، ص 68.

الحكاية التاسعة والثلاثون: الشيخ محمد تقي البافقي

لقد كان المرحوم آية اللّه الحاج الشيخ محمد تقي البافقي رحمه اللّه قوياً جداً في ارتباطه بالمولي صاحب العصر والزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) وكان ايمانه في هذا المجال كاملاً الي درجة انه كلّما احتاج شيئ، ذهب الي مسجد جمكران وتشرّف بلقاء الحجّة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) وأخذ حاجته.

يقول مؤلف كتاب (خزانة العلماء): قال أحد علماء الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة:

ان سماحة آية اللّه السيد محمد رضا الگلبايگاني (قدس سره) قال:

في زمن آية اللّه العظمي الشيخ عبد الكريم الحائري (مؤسس الحوزة العلميّة في قم)، جاء اربعمائة من طلبة العلوم الدينيّة في الحوزة العلمية الي المرحوم الشيخ محمد تقي البافقي الذي كان مقسماً لشهرية المرحوم الحائري، وطلبوا منه عباءات شتوية.

وما كان من المرحوم البافقي الاّ ان عرض الاءمر علي سماحة آية اللّه الحائري، فقال الاخير:

من اين أئتي لهم باربعمائة عباءة شتوية؟

فقال له الشيخ البافقي: نأخذها من حضرة ولي العصر ارواحنا فداه قال: الشيخ الحائري: ليس عندي سبيل لاخذها منه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

فيقول الشيخ البافقي: سآخذها انا منه انشاء اللّه.

وفي ليلة الجمعة، يذهب الشيخ البافقي الي مسجد جمكران ويتشرف بخدمة المولي (عليه السلام).

ص: 223

وفي يوم الجمعة، يقول الشيخ البافقي للمرحوم آية اللّه الحائري:

لقد وعدني صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) انه سيتفضل علينا غداً بارسال العباءات!!

وفي يوم السبت، جاء احد تجّار طهران ومعه اربعمائة عباءة شتوية، وزّعت علي الطلّاب.

ص: 224

إشارة:

كما ذكرنا سابق، ان مثل هذه الالطاف ليس غريبة من مثل اهل البيت (عليهم السلام).

والامام الحجّة (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) وارث آبائه، وهو مظهر الكرم الالهي.

ولكن، لعلَّ الغريب فيها هو ثقة الشيخ البافقي المطلقة والكاملة بهذه الالطاف الالهية، وخصوصا في عصرنا الحاضر، حيث انّ اغلب الناس يفتقدون لمثل هذا الايمان الراسخ، والارتباط الوثيق، وليس ذلك الاّ بسبب انشغالهم بالدنيا وتعلّقهم بالاسباب الطبيعيّة.

ولو كان الناس جميعا لهم مثل هذا الارتباط واليقين لكان حالهم غير الذي هم عليه الآن من البؤس والفاقة والحرمان.

(ان اللّه لا يغيّر ما بقوم حتي يغيّروا ما بأنفسهم).

ص: 225

الآية الأربعون:

بِسْمِ اَللَّهِ الْرَّحْمنِ اَلْرَّحِيْمِ

(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فَي الزَّبُوِر مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّلِحُونَ) صدق اللّه العلي العظيم سورة الانبياء الآية 105.

روي الحافظ القندوزي سليمان الحنفي باسناده قال: عن الباقر والصادق (رضي اللّه عنهما) في قوله تعالي (ولَقَدْ كَتَبْنَا فَي الزَّبُوِر مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّلِحُونَ).

قال: هم القائم واصحابه.

ص: 226

الحكاية الاربعون: السيد بحر العلوم (قدس سره)

يقول العلامة المرحوم الميرزا القمي صاحب كتاب (القوانين): كنت أتباحث مع العلامة بحر العلوم في درس الاستاذ الوحيد البهبهاني وكنت غالبا ما اقرّر البحث له الي ان جئت الي ايران، ثم اشتهر شيئا فشيئا علم السيد بحر العلوم بجميع الصقاع، وكنت استغرب واتعجب من ذلك الي ان وفقني اللّه تعالي لزيارة العتبات المقدسة فعندما تشرفت بزيارة النجف الاشرف التقيت بالسيد وطرحت مسألة فرأيت السيد بحر العلوم بحرا موّاجا وعميقاً من العلوم.

فقلت: سيدنا عندما كنّا نتباحث معا لم تكن لك هذه المرتبة، وكنت تستفيد منّي، ولكنك الآن مثل البحر؟!

فقال: يا ميرزا هذه من الاسرار، اقولها لك فلا تحدث بها أحدا ما دمت حيا واكتمه.

وكيف لا أصير كذلك وقد الصقني سيدي بصدره الشريف في ليلة من الليالي في مسجد الكوفة.

قلت: كيف تشرفتم بلقائه؟

قال: ذات ليلة، ذهبت الي مسجد الكوفة، فرأيت سيدي ومولاي ولي العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) مشتغلا بالعبادة، فوقفت وسلمت، فاجابني وقال: تعال. فتقدمت خطوة اليه، ثم قال: تقدم. فتقدمت خطوة اليه، ثم قال: تقدم. فتقدمت حتي فتح ذراعيه وضمنّي الي صدره المبارك، وهنا انتقل الي صدري ما شاء اللّه تعالي ان ينتقل.

ص: 227

إشارة:

ورد في الخبر (ان العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء)

ولا شك في ان الاتقياء الورعين والصالحين العاملين العابدين أحق الناس بهذا الشرف وهذا اللطف. و مجرد المطالعة والبحث لا يوصلان الانسان الي العلم الحقيقي ما دام بعيدا عن الطاعات واداء الواجبات والانتهاء عن المنهيات، فقد يكون المرء حافظا للروايات والقواعد الاصولية، لكنه لا يوفق لاستنباط الحكم الصحيح، وان ذلك يحتاج الي توفيق منه عز وجل، وهذا التوفيق قد يكون بوسيلة الامام المهدي (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) فان اهل البيت عليهم السلام هم الوسائل الي اللّه وهم أسباب الفيوضات الالهية والتوفيقات الربانية، فان عندهم ما نزلت به رسله وهبطت به ملائكته، وبهم يسلك الي الرضوان ويكتسب الجنان.

فعلي اهل العلم ان لا يتكلوا علي مطالعاتهم وفقط في التوصل الي مقام العلماء، بل لابد من ان يقرنوا ذلك بالجدّ في العبادة والتوسل باهل البيت عليهم السلام، وبطبيعة الحال فان هذا لا يعني التكاسل والخمول في طلب العلم والتحصيل، فان التوفيق الالهي انما يشمل المجتهدين المخلصين والعاملين لا الخاملين.

وقل ربّ زدني علما والحقني بالصالحين

ص: 228

الملحقات

اشارة

قصة الجزيرة الخضراء

زيارة آل يس

دعاء العهد

ص: 229

ص: 230

الجزيرة الخضراء

نتبرّك اخيرا بذكر هذه الحكاية الشريفة وهي قصة البحر الابيض والجزيرة الخضراء والتي وجدت في رسالة مخصوصة في خزانة أمير المؤمنين (عليه السلام) بخط العالم الفاضل الفضل بن يحيي بن عليّ، والتي نقلها العلامة المجلسي والعلامة النوري.

قال العلامة المجلسي (قدس سره):

اقول: وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في البحر الابيض احببت ايرادها لاشتمالها علي ذكر من رآه، ولما فيه من الغرائب.

وانما افردت لها بابا لاني لم اظفر به في الاصول المعتبرة. ولنذكرها بعينها كما وجدته:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي هدانا لمعرفته والشكر له علي ما منحنا للاقتداء بسنن سيد بريته محمد الذي اصطفاه من بين خليقته وخصّنا بمحبة عليّ والائمة المعصومين من ذرّيته صلي اللّه عليهم اجمعين الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثير.

وبعد: فقد وجدت في خزانة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وسيّد الوصيّين، وحجة ربّ العالمين، وامام المتّقين، عليّ بن ابي طالب (عليه السلام)، بخط الشيخ الفاضل والعالم العامل، الفضل بن يحيي بن عليّ الكوفي (قدس اللّه روحه) ما هذا صورته:

الحمد للّه ربّ العالمين وصلّي اللّه علي محمد وآله وسلّم.

ص: 231

وبعد: فيقول الفقير الي عفو اللّه سبحانه تعالي الفضل بن يحيي بن عليّ الطيّبي الاماميّ الكوفي (عفا اللّه عنه): قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين العاملين الشيخ شمس الدين بن نجيح الحلّي والشيخ جلال الدّين عبد اللّه بن الحزام الحلّي (قدّس اللّه روحيهما ونوّر ضريحيهما) في مشهد سيد الشهداء وخامس أصحاب الكساء مولانا وامامنا أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام)في النصف من شهر شعبان سنة تسع وتسعين وستمائة من الهجرة النبويّة علي مشرّفها محمد وآله أفضل الصلاة وأتمّ التحيّة، حكاية ما سمعاه من الشيخ الصالح التقي والفاضل الورع الزّكيّ زين الدين علي بن فاضل المازندراني، المجاور بالغريّ - علي مشرّفه السلام - حيث اجتمعا به في مشهد الامامين الزكييّن الطاهرين المعصومين السعيدين (عليهما السلام) بسرّ من رأي وحكي لهما حكاية ما شاهده ورآه في البحر الأبيض، والجزيرة الخضراء من العجائب فمرّ بي باعث الشوق الي رؤياه، وسألت تيسير لقياه، والاستماع لهذا الخبر من لقلقة فيه باسقاط رواته، وعزمت علي الانتقال الي سرّ من رأي للاجتماع به.

فاتّفق انّ الشيخ زيد الدين علي بن فاضل المازندراني انحدر من سرّ من رأي الي الحلّة في أوائل شهر شوال من السنة المذكورة ليمضي علي جاري عادته ويقيم في المشهد الغروي علي مشرّفه السلام.

فلمّا سمعت بدخوله الي الحلّة وكنت يومئذ بها قد انتظر قدومه فاذا أنا به وقد أقبل راكبا يريد دار السيد الحسيب، ذي النسب الرّفيع، والحسب المنيع، السيد فخر الدين الحسن بن عليّ الموسوي المازندراني نزيل الحلّة (اطال اللّه بقاه) ولم أكن اذ ذاك الوقت أعرف الشيخ الصالح المذكور لكن خلج في خاطري انّه هو.

فلمّا غاب عن عيني تبعته الي دار السيد المذكور فلمّا رآني مقبلا ضحك في وجهي وعرّفني بحضوره فاستطار قلبي فرحا وسرورا ولم أملك نفسي علي الصبر علي الدخول اليه في غير ذلك الوقت.

ص: 232

فدخلت الدّار مع السيد فخر الدّين فسلّمت عليه، وقبّلت يديه، فسأل السيد عن حالي، فقال له: هو الشيخ فضل بن الشيخ يحيي الطيّبي صديقكم فنهض واقفا وأقعدني في مجلسه ورحّب بي وأحفي السؤال عن حال أبي وأخي الشيخ صلاح الدّين لأنّه كان عارفا بهما سابق، ولم أكن في تلك الأوقات حاضرا بل كنت في بلدة واسط، أشتغل في طلب العلم عند الشيخ العالم العامل الشيخ أبي اسحاق ابراهيم بن محمد الواسطي الامامي تغمّده اللّه برحمته، وحشره في زمرة ائمته (عليهم السلام).

فتحادثت مع الشيخ الصالح المذكور متّع اللّه المؤمنين بطول بقائه فرأيت في كلامه امارات تدلّ علي الفضل في أغلب العلوم من الفقه والحديث، والعربيّة بأقسامه، وطلبت منه شرح ما حدّث به الرجلان الفاضلان العالمان العاملان الشيخ شمس الدين والشيخ جلال الدين الحلّيان المذكوران سابقا (عفا اللّه عنهما) فقصّ لي القصّة من أوّلها الي آخرها بحضور السيد الجليل السيد فخر الدين نزيل الحلّة صاحب الدّار، وحضور جماعة من علماء الحلّة والأطراف، قد كانوا أتوا لزيارة الشيخ المذكور وفّقه اللّه، وكان ذلك في اليوم الحادي عشر من شهر شوال سنة تسع وتسعين وستمائة وهذه صورة ما سمعته من لفظه أطال اللّه بقائه، وربّما وقع في الألفاظ التي نقلتها من لفظه تغيير، ولكنّ المعاني واحدة قال حفظه اللّه تعالي:

قد كنت مقيما في دمشق الشام، منذ سنين، مشتغلا بطلب العلم، عند الشيخ الفاضل الشيخ عبد الرحيم الحنفي وفّقه اللّه لنور الهداية في علمي الاصول والعربيّة، وعند الشيخ زين الدّين بن علي المغربي الأندلسي المالكي في علم القراءة لأنّه كان عالما فاضلا عارفا بالقراءات السبع، وكان له معرفة في أغلب العلوم من الصرف والنحو والمنطق والمعاني والبيان والأصولَيْن وكان ليّن الطبع لم يكن عنده معاندة في البحث ولا في المذهب لحسن ذاته.

ص: 233

فكان اذا جري ذكر الشيعة يقول: (قال علماء الاماميّة)، بخلاف من المدرّسين فانّهم كانوا يقولون عند ذكر الشيعة: قال علماء الرّافضة، فاختصصت به وتركت التّرددالي غيره، فأقمنا علي ذلك برهة من الزّمان أقرأ عليه في العلوم المذكورة.

فاتّفق انّه عزم علي السّفر من دمشق الشام، يريد الدّيار المصريّة، فلكثرة المحبّة التي كانت بيننا عزّ عليّ مفارقته، وهو ايضا كذلك، فآل الأمر الي انّه هداه اللّه صمّم العزم علي صحبتي له الي مصر، وكان عنده جماعة من الغِباء مثلي، يقرؤون عليه فصحبه أكثرهم.

فسرنا في صحبتة الي أن وصلنا مدينة بلاد مصر المعروفة بالقاهرة، وهي أكبر من مدائن مصر كلّه، فأقام بالمسجد الأزهر مدّة يدرّس، فتسامع فضلاء مصر بقدومه، فوردوا كلّهم لزيارته وللانتفاع بعلومه، فأقام في قاهرة مصر مدّة تسعة أشهر، ونحن معه علي أحسن حال واذا بقافلة قد وردت من الأندلس ومع رجل منها كتاب من والد شيخنا الفاضل المذكور يعرّفه فيه بمرض شديد قد عرض له انّه يتمنّي الاجتماع به قبل الممات، ويحدّثه فيه علي عدم التأخير.

فرّق الشيخ من كتاب أبيه وبكي، وصمّم العزم علي المسير الي جزيرة الأندلس، فعزم بعض تلامذة علي صحبته، ومن الجملة أن، لأنّه هداه اللّه قد كان أحبّني محبّة شديدة وحسّن لي المسير معه، فسافرت الي الأندلس في صحبته فحيث وصلنا الي أوّل قرية من الجزيرة المذكورة، عرضت لي حمّي منعتني عن الحركة.

فحيث رآني الشيخ علي تلك الحالة رقّ لي وبكي، وقال: يعزّ عليّ مفارقتك، فأعطي خطيب تلك القرية التي وصلنا اليها عشرة دراهم، وأمره أن يتعاهدني حتي يكون منّي أحد الأمرين، وانّ منَّ اللّه بالعافية اتّبعه الي بلده، هكذا عهد اليّ بذلك وفّقه اللّه بنور الهداية الي طريق الحقّ المستقيم، ثمّ مضي الي بلد الأندلس، ومسافة الطريق من ساحل البحر الي بلده خمسة أيام.

ص: 234

فبقيت في تلك القرية ثلاثة أيام لا أستطيع الحركة لشدّة ما أصابني من الحمّي ففي آخر اليوم الثالث فارقتني الحمّي، وخرجت أدور في سكك تلك القرية فرأيت قَفلا قد وصل من جبال قريبة من شاطيء البحر الغربي يجلبون الصوف والسمن والأمتعة، فسألت عن حالهم فقيل: انّ هؤلاة يجيئون من جهة قريبة من أرض البربر، وهي قريبة من جزائر الرافضة.

فحيث سمعت ذلك منهم ارتحت اليهم، وجذبني باعث الشوق الي أرضهم، فقيل لي: انّ المسافة خمسة وعشرون يوم، منها يومان بغير عمارة ولا ماء، وبعد ذلك فالقري متّصلة، فاكتريت معهم من رجل حمارا بمبلغ ثلاثة دراهم، لقطع تلك المسافة التي لا عمارة فيه، فلمّا قطعنا معهم تلك المسافة ووصلنا ارضهم العامرة، تمشيت راجلاً وتنقلت علي اختياري من قرية الي اخري الي أن وصلت الي اوّل تلك الأماكن، فقيل لي: انّ جزيرة الروافض قد بقي بينك وبينها ثلاثة أيام، فمضيت ولم أتأخر.

فوصلت الي جزيرة ذات أسوار أربعة، ولها أبراج محكمات شاهقات، وتلك الجزيرة بحصونها راكبة علي شاطيء البحر، فدخلت من باب كبيرة يقال له: باب البربر، فدرت في سككها أسأل واقعا عن مسجد البلد، فهديت عليه، ودخلت اليه فرأيته جامعا كبيرا معظما واقعا علي البحر من الجانب الغربي من البلد، فجلست في جانب المسجد لأستريح واذا بالمؤذن يؤذن للظهر ونادي بحيّ علي خير العمل ولمّا فرغ دعا بتعجيل الفرج للامام صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

فأخذتني العبرة بالبكاء، فدخلت جماعة بعد جماعة الي المسجد، وشرعوا في الوضوء علي عين ماء تحت شجرة في الجانب الشرقي من المسجد، وأنا أنظر اليهم فرحا مسرورا لما رأيته من وضوئهم المنقول عن ائمة الهدي (عليهم السلام).

فلمّا فرغوا من وضوئهم واذا برجل قد برز من بينهم بهيّ الصورة، عليه السكينة والوقار، فتقدّم الي المحراب، وأقام الصلاة، فاعتدلت

ص: 235

الصفوف وراءه وصلّي بهم اماما وهم به مامومون صلاة كاملة بأركانها المنقولة عن ائمتنا (عليهم السلام) علي الوجه المرضيّ فرضا ونفلا وكذا التعقيب والتسبيح، ومن شدة ما لقيته من وعثاء السفر، وتعبي في الطريق لم يمكنّي أن أصلّي معهم الظهر.

فلمّا فرغوا ورأوني أنكروا عليّ عدم اقتدائي بهم، فتوجّهوا نحوي باجمعهم وسألوني عن حالي ومن أين أصلي، وما مذهبي؟

فشرحت لهم أحوالي وانّي عراقي الأصل، وامّا مذهبي فانّني رجل مسلم أقول أشهد ان لا اله الّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد انّ محمد عبده ورسوله أرسله (بالهدي) ودين الحقّ ليظهره علي الأديان كلّها ولو كره المشركون.

فقالوا لي: لم تنفعك هاتان الشهادتان الاّ لحقن دمك في دار الدنيا لم لا تقول الشهادة الأخري لتدخل الجنّة بغير حساب؟

فقلت لهم: ما تلك الشهادة الأخري؟ اهدوني اليها يرحمكم اللّه فقال لي امامهم: الشهادة الثالثة هي أن تشهد أنّ أمير المؤمنين، ويعسوب المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين علي بن أبي طالب والأئمة الأحد عشر من ولده أوصياء رسول اللّه وخلفائه من بعده بلا فاصلة، قد أوجب اللّه عز وجل طاعتهم علي عباده، وجعلهم أولياء أمره ونهيه، وحججا علي خلقه في أرضه، وأماناء لبريّته، لأنّ الصادق الأمين محمدا رسول ربّ العالمين (صلي الله عليه وآله) أخبر بهم عن اللّه تعالي مشافهة من نداء اللّه عز وجل له (عليه السلام) في ليلة معراجه الي السماوات السبع، وقد صار من ربّه كقاب قوسين أو أدني، وسمّاهم له واحدا بعد واحد (صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم اجمعين).

فلمّا سمعت مقالتهم هذه حمدت اللّه سبحانه علي ذلك، وحصل عندي أكمل السرور، وذهبت عنّي تعب الطريق من الفرح، وعرّفتهم انّي علي مذهبهم، فتوجّهوا اليّ توجّه اشفاق، وعيّنوا لي مكانا في زوايا المسجد

ص: 236

وما زالوا يتعاهدوني بالعزّة والاكرام مدة اقامتي عندهم وصار امام مسجدهم لا يفارقني ليلا ولا نهار.

فسألته عن ميرة أهل بلده من أين تأتي اليهم فانّي لا أري لهم أرضا مزروعة؟

فقال: تأتي اليهم ميرتهم من الجزيرة الخضراء من البحر الأبيض، من جزائر أولاد الامام صاحب الأمر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

فقلت له: كم تأتيكم ميرتكم في السنة؟

فقال: مرّتين، وقد أتت مرّة وبقيت الأخري.

فقلت: له: كم بقي حتي تأتيكم؟

قال: أربعة أشهر.

فتأثرت لطول المدّة، ومكثت عندهم مقدار أربعين يوما أدعوا اللّه ليلا ونهاراً بتعجيل مجيئه، وأنا عندهم في غاية الاعزاز والاكرام.

وفي آخر يوم من الأربعين ضاق صدري لطول المدّة فخرجت الي شاطيء البحر انظر الي جهة المغرب التي ذكر أهل البلد انّ ميرتهم تأتي اليهم من تلك الجهة.

فرأيت شبحا من بعيد يتحرّك، فسألت عن ذلك الشبح أهل البلد وقلت لهم: هل يكون في البحر طير أبيض؟فقالوا لي: ل، فهل رأيت شيئا؟قلت: نعم، فاستبشروا وقالو: هذه المراكب التي تأتي الينا في كلّ سنة من بلاد أولاد الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

فما كان الّا قليلا حتّي قدمت تلك المراكب، وعلي قولهم انّ مجيئها كان في غير الميعاد، فقدم مركب كبير وتبعه آخر وآخر حتّي كملت سبع، فصعد من المركب الكبير شيخ مربوع القامة، بهيّ المنظر، حسن الزيّ، ودخل المسجد فتوضأ الوضوء الكامل علي الوجه المنقول عن ائمة

ص: 237

الهدي (عليهم السلام) وصلّي الظهرين، فلمّا فرغ من صلاته التفت نحوي مسلما عليّ، فرددت عليه السلام، فقال: ما اسمك وأظنّ أنّ اسمك علي؟قلت: صدقت.

فحادثني بالسرّ محادثة من يعرفني فقال: ما اسم ابيك؟ ويوشك أن يكون فاضلا؟

قلت: نعم، ولم أكن أشك في انّه قد كان في صحبتنا من دمشق.

فقلت: أيّها الشيخ!ما أعرفك بي وبأبي؟هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق الشام الي مصر؟

فقال: ل.

قلت: و لا من مصر الي الأندلس؟

قال: ل، ومولاي صاحب العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

قلت له: فمن أين تعرفني باسمي واسم أبي؟

قال: اعلم أنّه قد تقدّم اليّ وصفك، وأصلك، ومعرفة اسمك وشخصك وهيئتك واسم أبيك، وأنا أصحبك معي الي الجزيرة الخضراء.

فسررت بذلك حيث قد ذُكِرْتُ ولي عندهم اسم، وكان من عادته انّه لا يقيم عندهم الّا ثلاثة أيام فأقام اسبوعا وأوصل الميرة الي أصحابها المقرّرة لهم، فلمّا أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرّر لهم، عزم علي السفر، وحملني معه، وسرنا في البحر.

فلمّا كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماء أبيض فجعلت أطيل النظر اليه، فقال لي الشيخ واسمه محمد: ما لي أراك تطيل النظر الي هذا الماء؟

فقلت له: انّي أراه علي غير لون ماء البحر.

ص: 238

فقال لي: هذا هو البحر الأبيض، وتلك الجزيرة الخضراء، وهذا الماء المستدير حولها مثل السّور من ايّ الجهات أتيته وجدته، وبحكمة اللّه تعالي ان مراكب اعدائنا اذا دخلته غرقت وان كانت محكمة ببركة مولانا وامامنا صاحب العصر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف). فاستعملته وشربت منه، فاذا هو كماء الفرات.

ثمّ انّا لمّا قطعنا ذلك الماء الأبيضّ وصلنا الي الجزيرة الخضراء لا زالت عامرة آهلة، ثم صعدنا من المركب الكبير الي الجزيرة الخضراء ودخلنا البلد، فرأيته محصّنا بقلاع وأبراج وأسوار سبعة واقعة علي شاطيء البحر، ذات أنهار وأشجار مشتملة علي انواع الفواكه والأثمار المنوّعة، وفيها أسواق كثيرة، وحمّامات عديدة، وأكثر عمارتها برخام شفّاف، وأهلها في أحسن الزيّ والبهاء، فاستطار قلبي سرورا لما رأيته.

ثمّ مضي بي رفيقي محمد بعد ما استرحنا في منزله الي الجامع المعظّم، فرأيت فيه جماعة كثيرة وفي وسطهم شخص جالس عليه من المهابة والسكينة والوقار ما لا أقدر (أن)أصفه، والناس يخاطبونه بالسيد شمس الدين محمد العالم، ويقرؤون عليه القرآن والفقه، والعربيّة بأقسامه، وأصول الدين والفقه الذي يقرؤونه عن صاحب الأمر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) مسألة مسألة، وقضيّة قضيّة، وحكما حكم.

فلمّا مثلت بين يديه، رحبّ بي وأجلسني في القرب منه، وأحفي السؤال عن تعبي في الطريق وعرّفني انّه تقدّم اليه كلّ أحوالي، وانّ الشيخ محمد رفيقي انّما جاء بي بأمر من السيد شمس الدين العالم أطال اللّه بقاءه.

ثمّ أمر لي بتخلية موضع منفرد في زاوية من زوايا المسجد، وقال لي: هذا يكون لك اذا اردت الخلوة والراحة، فنهضت ومضيت الي ذلك الموضع، فاسترحت فيه الي وقت العصر، واذا أنا بالموكّل بي قد أتي اليّ وقال لي: لا تبرح من مكانك حتي يأتيك السيد وأصحابه لأجل العشاء معك، فقلت: سمعا وطاعة.

ص: 239

فما كان الّا قليلا واذا بالسيد سلّمه اللّه قد أقبل، ومعه أصحابه، فجلسوا ومدّت المائدة فأكلنا ونهضنا الي المسجد مع السيد لأجل صلاة المغرب والعشاء، فلمّا فرغنا من الصلاتين ذهب السيد الي منزله، ورجعت الي مكاني وأقمت علي هذه الحال مدّة ثمانية عشر يوم، ونحن في صحبته أطال اللّه بقائه.

فأوّل جمعة صلّيتها معهم رأيت السيد سلّمه اللّه صلّي الجمعة ركعتين فريضة واجبة.

فلمّا انقضت الصلاة قلت: يا سيّدي قد رأيتكم صلّيتم الجمعة ركعتين فريضة واجبة؟

قال: نعم، لأنّ شروطها المعلومة قد حضرت فوجبت.

فقلت في نفسي: ربّما كان الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) حاضر.

ثم في وقت آخر سألت منه في الخلوة: هل كان الامام حاضراً؟فقال: ل، ولكنّي أنا النائب الخاص بأمر صدر عنه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

فقلت: يا سيدي!و هل رأيت الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)؟

قال: ل، ولكنّي حدّثني أبي (رحمة اللّه عليه) انّه سمع حديثه ولم ير شخصه وانّ جدّي (رحمة اللّه عليه) سمع حديثه ورأي شخصه.

فقلت له: و لم ذاك يا سيدي يختصّ بذلك رجل دون آخر؟

فقال لي: يا أخي!انّ اللّه سبحانه وتعالي يؤتي الفضل من يشاءمن عباده، وذلك لحكمة بالغة وعظيمة قاهرة كما انّ اللّه تعالي اختصّ من عباده الأنبياء والمرسلين، والأوصياء المنتخبين، وجعلهم اعلاما لخلقه، وحججا علي برّيته، ووسيلة بينهم وبينه ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيي من حيّ عن بيّنة، ولم يخل أرضه بغير حجّة علي عباده للطفه بهم، ولابدّ لكلّ حجة من سفير يبلغ عنه.

ص: 240

ثمّ انّ السيد سلّمه اللّه أخذ بيدي الي خارج مدينتهم، وجعل يسير معي نحو البساتين، فرأيت فيها أنهارا جارية، وبساتين كثيرة، مشتملة علي أنواع الفواكه، عظيمة الحسن والحلاوة، من العنب والرّمان، والكمّثري وغيرها ما لم أرها في العراقين، ولا في الشامات كلّه.

فبينما نحن نسير من بستان الي آخر اذ مرَّ بنا رجل بهيّ الصورة، مشتمل ببردتين من صوف أبيض، فلمّا قرب منّا سلّم علينا وانصرف عنّ، فأعجبني هيئته فقلت للسيد سلّمه اللّه: من هذا الرجل؟

قال لي: اتنظر الي هذا الجبل الشاهق؟

قلت: نعم.

قال: انّ في وسطه لمكانا حسنا وفيه عين جارية، تحت شجرة ذات اغصان كثيرة وعندها قبّة مبنيّة، بالآجر وانّ هذا الرجل مع رفيق له خادمان لتلك القبّة، وأنا أمضي الي هناك في كلّ صباح جمعة، وأزور الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) منها وأصلّي ركعتين، وأجد هناك ورقة مكتوب فيها ما أحتاج اليه من المحاكمة بين المؤمنين، فمهماتضمّنته الورقة أعمل به، فينبغي لك أن تذهب الي هناك وتزور الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)من القبّة.

فذهبت الي الجبل فرأيت القبّة علي ما وصف لي سلّمه اللّه، ووجدت هناك خادمين، فرحّب بي الذي مرّ علينا وأنكرني الآخر، فقال له: لا تنكره فانّي رأيته في صحبة السيد شمس الدين العالم، فتوجه اليّ ورحّب بي وحادثاني وأتيا لي بخبز وعنب فأكلت وشربت من ماء تلك العين التي عند تلك القبّة، وتوضّأت وصلّيت ركعتين.

وسألت الخادمين عن رؤية الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، فقالا لي: الرؤية غير ممكنة وليس معنا اذن في اخبار أحد، فطلبت منهم الدعاء، فدعيا لي، وانصرفت عنهم، ونزلت من ذلك الجبل الي أن وصلت الي المدينة.

فلمّا وصلت اليها ذهبت الي دار السيد شمس الدين العالم، فقيل لي: انّه خرج في حاجة له، فذهبت الي دار الشيخ محمد الذي جئت معه في

ص: 241

المراكب فاجتمعت به وحكيت له عن مسيري الي الجبل، واجتماعي بالخادمين، وانكار الخادم عليّ، فقال لي: ليس لأحد رخصة في الصعود الي ذلك المكان، سوي السيد شمس الدين وامثاله، فلهذا وقع انكار منه لك، فسألته عن أحوال السّيد شمس الدّين أدام اللّه افضاله، فقال: انّه من أولاد الامام، وانّ بينه وبين الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) خمسة آباء وانّه النائب الخاص عن أمر صدر منه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

قال الشيخ الصالح زين الدين علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري علي مشرّفه السلام: و استأذنت السيد شمس الدين العالم، أطال اللّه بقاءه في نقل بعض المسائل التي يحتاج اليها عنه، وقراءة القرآن المجيد، ومقابلة المواضع المشكلة من العلوم الدينيّة وغيرها فأجاب الي ذلك وقال: اذا كان ولابدّ من ذلك فابدأ أوّلا بقراءة القرآن العظيم.

فكان كلّما قرأت شيئا فيه خلاف بين القرّاء أقول له: قرأ حمزة كذ، وقرأ الكسائي كذ، وقرأ عاصم كذ، وأبو عمرو بن كثير كذ.

فقال السيد سلّمه اللّه: نحن لا نعرف هؤلاء، وانّما القرآن نزل علي سبعة أحرف، قبل الهجرة، من مكة الي المدينة وبعدها لمّا حجّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه واله وسلّمحجّتة الوداع، نزل عليه الروح الأمين جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا محمد اتل عليّ القرآن حتّي أعرفك أوائل السور، وأواخره، وشأن نزوله.

فاجتمع اليه عليّ بن أبي طالب، وولده الحسن والحسين (عليهما السلام)، وابّي بن كعب، وعبد اللّه بن مسعود، وحذيفه بن اليمان، وجابر بن عبد اللّه الانصاري، وأبو سعيد الخدري، وحسّان بن ثابت، وجماعة من اصحابه رضي اللّه عن المنتجبين منهم، فقرأ النبي صلّي اللّه عليه واله القران من اوّله الي آخره، فكان كلّما مرّ بموضع فيه اختلاف بيّنه له جبرئيل (عليه السلام) وأمير المؤمينين (عليه السلام) يكتب ذاك في درج من أدم، فالجميع قراءة أمير المؤمنين ووصيّ رسول ربّ العالمين.

ص: 242

فقلت له: يا سيدي أري بعض الآيات غير مرتبطة بما قبلها وبما بعده، كأنّ فهمي القاصر لم يصر الي غورية ذلك.

فقال: نعم، الأمر كما رأيته أو ذلك (انّه) لمّا انتقل سيّد البشر محمد بن عبد اللّه من دار الفناء الي دار البقاء وفعل صنما قريش ما فعلاه، من غصب الخلافة الظاهرية، جمع أمير المؤمنين (عليه السلام) القرآن كلّه، ووضعه في ازار وأتي به اليهم وهم في المسجد.

فقال لهم: هذا كتاب اللّه سبحانه امرني رسول اللّه صلي اللّه عليه واله وسلّم أن أعرضه اليكم لقيام الحجّة عليكم، يوم العرض بين يدي اللّه تعالي، فقال له فرعون هذه الأئمة ونمروده: لسنا محتاجين الي قرآنك، فقال (عليه السلام): لقد أخبرني حبيبي محمد صلّي اللّه عليه واله وسلّم بقولك هذ، وانّما أردت بذلك القاء الحجة عليكم.

فرجع أمير المؤمنين (عليه السلام) به الي منزله، وهو يقول: لا اله الّا انت، وحدك لا شريك لك، لا رادّ لما سبق في علمك، ولا مانع لما اقتضته حكمتك، فكن أنت الشاهد لي عليهم يوم العرض عليك.

فنادي ابن ابي قحافة بالمسلمين، وقال لهم: كلّ من عنده قرآن من آية أو سورة فليأت به.

فجاءه أبو عبيدة بن الجراح، وعثمان وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد اللّه، وأبو سعيد الخدري، وحسّان بن ثابت، وجماعات من المسلمين وجمعوا هذا القرآن، وأسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت منه، بعد وفاة سيّد المرسلين (صلي الله عليه وآله).

فلهذا تري الآيات غير مرتبطة والقرآن الذي جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام) بخطّه محفوط عند صاحب الأمر (عليه السلام) فيه كلّ شيء حتي أرش الخدش، وأمّا هذا القرآلن، فلا شك ولا شبهه في صحّته، وانّما كلام اللّه سبحانه هكذا صدر عن صاحب الأمر (عليه السلام).

ص: 243

قال الشيخ فاضل عليّ بن فاضل: نقلت عن السيد شمس الدين حفظه اللّه مسائل كثيرة تنوف علي تسعين مسألة، وهي عندي جمعتها في مجلّد وسمّيتها بالفوائد الشمسيّة ولا أطلع عليها الاّ الخاص من المؤمنين، وستراه ان شاء اللّه تعالي.

فلمّا كانت الجمعة الثانية وهي الوسطي من جمع الشهر، وفرغنا من الصلوة وجلس السيد سلّمه اللّه في مجلس الافادة للمومنين واذا أنا أسمع هرجا ومرجا وجزلة عظيمة خارج المسجد، فسألت من السيد عمّا سمعته، فقال لي: انّ أمراء عسكرنا يركبون في كل جمعة من وسط كلّ شهرّو ينتظرون الفرج فاستأذنته في النّظر اليهم فأذن لي.

فخرجت لرؤيتهم، واذا هم جمع كثير يسبحون اللّه ويحمدونه، ويهلّلون جلّ وعزّ، ويدعون بالفرج للامام القائم بأمر اللّه والناصح لدين اللّه محمد بن الحسن المهدي الخلف الصالح، صاحب الزمان (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

ثمّ عدت اليّ مسجد السيّد سلّمه اللّه فقال لي: رأيت العسكر؟

فقلت: نعم.

قال: فهل عددت أمراءهم؟

قلت: ل.

قال: عدّتهم ثلاثمأة ناصر، وبقي ثلاثة عشر ناصر، ويعجّل اللّه لوليّه الفرج بمشيّته انّه جواد كريم.

قلت: يا سيدي ومتي يكون الفرج؟

قال: يا أخي انّما العلم عند اللّه والأمر متعلّق بمشيّته سبحانه وتعالي، حتي انّه ربّما كان الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) لا يعرف ذلك بل له علامات وأمارات تدلّ علي خروجه، من جملتها أن ينطق ذو الفقار بأن يخرج من غلافه، ويتكلّم بلسان عربي مبين: قم يا وليّ اللّه، فاقتل بي اعداء اللّه.

ص: 244

ومنها ثلاثة أصوات يسمعها الناس كلّهم، الصوت الأوّل: أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين.

والصوت الثاني: ألا لعنة اللّه علي الظالمين لآل محمد عليهم السلام.

والثالث بدن يظهر فيُري في قرن الشمس يقول: انّ اللّه بعث صاحب الأمر محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) فاسمعوا له وأطيعو.

فقلت: يا سيدي قد روينا عن مشايخنا أحاديث عن صاحب الأمر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) انّه قال لمّا أمر بالغيبة الكبري: من رآني بعد غيبتي فقد كذب، فكيف فيكم من يراه؟!

فقال: صدقت انّه (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) انّما قال ذلك في ذلك الزّمان لكثرة اعدائه من أهل بيته وغيرهم من فراعنة بني العباس، حتي انّ الشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدّث بذكره، وفي هذا الزمان تطاولت المدّة وأيس منه الأعداء وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعنائهم، وببركته عليه السلام لا يقدر أحد من الأعداء علي الوصول الين.

قلت: يا سيدي!قد روت علماء الشيعة حديثا عن الامام عليه السلام انّه أباح الخمس لشيعته، فهل رويتهم عنه ذلك؟

قال: نعم، انّه عليه السلام رخّص وأباح الخمس لشيعته من ولد علي عليه السلام وقال: هم في حلّ من ذلك.

قلت: و هل رخّص للشيعة أن يشتروا الاماء والعبيد من سبي العّامة؟قال: نعم، ومن سبي غيرهم لأنّه عليه السلام قال: عاملوهم بما عاملو به أنفسهم، وهاتان المسألتان زائدتان علي المسائل التي سمّيتها لك.

وقال السيّد سلّمه اللّه: انّه يخرج من مكة بين الرّكن والمقام في سنة وتر فليرتقبها المؤمنون.

فقلت: يا سيدي قد أحببت المجاورة عندكم الي أن يأذن اللّه بالفرج،

ص: 245

فقال لي: اعلم يا أخي انّه تقدّم اليّ كلام بعودك الي وطنك، ولا يمكنني وايّاك المخالفة، لأنّك ذو عيال وغبت عنهم مدّة مديدة، ولا يجوز لك التخلّف عنهم أكثر من هذ.

فتأثّرت من ذلك وبكيت.

وقلت: يا مولاي وهل تجوز المراجعة في أمري؟

قال: ل.

قلت: يا مولاي وهل تأذن لي في أن أحكي كلّما قد رأيته وسمعته؟

قال: لا بأس أن تحكي للمؤمنين لتطمئن قلوبهم، الّا كيت وكيت، وعيّن ما لا أقوله.

فقلت: يا سيدي أما يمكن النظر الي جماله وبهائه عليه السلام؟

قال: ل، ولكن اعلم يا أخي انّ كلّ مؤمن مخلص يمكن أن يري الامام ولا يعرفه، فقلت: يا سيّدي أنا من جملة عبيده المخلصين، ولا رأيته.

فقال لي: بل رأيته مرّتين;مرّة منها لمّا أتيت الي سرّ من رأي وهي أوّل مرّة جئته، وسبقك أصحابك وتخلّفت عنهم، حتي وصلت الي نهر لا ماء فيه فحضر عندك فارس علي فرس شهباء، وبيده رمح طويل، وله سنان دمشقي، فلمّا رأيته خفت علي ثيابك، فلمّا وصل اليك قال لك: لا تخف اذهب الي أصحابك، فانّهم ينتظرونك تحت الشجرة.

فأذكرني واللّه ما كان، فقلت: قد كان ذلك يا سيّدي.

قال: و المرّة الأخري حين خرجت من دمشق تريد مصرا مع شيخك الأندلسي، وانقطعت عن القافلة، وخفت خوفا شديد، فعارضك فارس علي فرس غرّاء محجّلة، وبيده رمح ايض، وقال لك: سر ولا تخف الي قرية علي يمينك ونم عند أهلها الليلة، وأخبرهم بمذهبك الذي ولدت عليه، ولا

ص: 246

تتّق منهم فانّهم مع قري عديدة جنوبي دمشق، مؤمنون مخلصون، يدينون بدين علي بن ابي طالب والأئمة المعصومين من ذرّيته عليهم السلام. أكان ذلك يا ابن الفضل؟

قلت: نعم وذهبت الي عند أهل القرية ونمت عندهم فأعزّوني وسألتهم عن مذهبهم، فقالوا لي - من غير تقيّة منّي -: نحن علي مذهب أمير المؤمنين، ووصيّي رسول ربّ العالمين علي بن ابي طالب والأئمة المعصومين من ذرّيته عليهم السلام.

فقلت لهم من أين لكم هذا المذهب؟و من أوصله اليكم؟

قالو: أبو ذر الغفاري رضي اللّه عنه حين نفاه عثمان الي الشام، ونفاه معاوية الي أرضنا هذه، فعمّتنا بركته، فلمّا أصبحت طلبتُ منهم اللحوق بالقافلة فجهّزوا معي رجلين الحقاني به، بعد أن صرّحت لهم بمذهبي.

فقلت له: يا سيدي هل يحجّ الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) في كلّ مدّة بعد مدّة؟

قال لي: يا ابن فاضل!الدّنيا خطوة مؤمن، فكيف بمن لم تقم الدّنيا الّا بوجوده ووجود آبائه عليهم السلام نعم يحجّ في كلّ عام ويزور آباءه في المدينة والعراق، وطوس، علي مشرّفيها السلام، ويرجع الي أرضنا هذه.

ثمّ انّ السيّد شمس الدين حثّ عليَّ بعدم التأخير بالرجوع الي العراق وعدم الاقامة في بلاد المغرب، وذكر لي انّ دراهمهم مكتوب عليه: لا اله الّا اللّه، محمد رسول اللّه، علي ولي اللّه، محمد بن الحسن القائم بأمر اللّه. وأعطاني السيّد منها خمسة دراهم وهي محفوظة عندي للبركة.

ثمّ انّه سلّمه اللّه، وجّهني مع المراكب التي أتيت معها الي أن وصلنا الي تلك البلدة التي أوّل ما دخلتها من أرض البربر، وكان قد أعطاني حنطة وشعيرا فبعتها في تلك البلدة بمائة وأربعين دينارا ذهبا من معاملة بلاد المغرب، ولم أجعل طريقي علي الأندلس امتثالا لأمر السيّد شمس الدين

ص: 247

العالم أطال اللّه بقائه، وسافرت منهامع الحجيج المغربيّ الي مكة شرّفها اللّه تعالي وحججت، وجئت الي العراق وأريد المجاورة في الغريّ علي مشرّفه السلام حتي الممات.

ص: 248

إشارة:

الخلاف في صدق وجود الجزيرة الخضراء والبحر الأبيض وكذبه، قائم منذ زمن طويل، وكذا الخلاف في صحّة الرواية وعدمه، فانّ مصب الخلاف علي امرين، الاول: وجود مثل هذا المكان علي الكرة الارضية والامر الثاني: هو صحة هذه الرواية وعدمها حتي علي فرض وجود تلك الجزيرة، ومن هنا فالمختلفون ثلاثة اقسام علي اقل التقادير، فقسم ينكر الامرين مع، وقسم ينكر الرواية فقط وقسم يقبلهما معا وهناك اقسام اخري مثل اؤلئك الذين يناقشون في بعض ما جاء في الرواية وليس كله وهؤلاء متفاوتون أيضا في هذ.

ولكن الكثير من كبار علمائنا المتقدمين ذكروا القصة في كتبهم وقد ذكر الشيخ النوري (قدس سره) اسمائهم في النجم الثاقب، وقال السيد ياسين الموسوي في تعليقته علي النجم الثاقب: و لم نجد نصّا لاحد من علمائنا السابقين قد انكرها الّا ما نسب الي الشيخ جعفر الكبير (قدس سره) صاحب كشف الغطاء.

نعم، في تأليفات بعض افاضل علمائنا القريبين بعض الاعتراضات علي القصة او بعضها حيث قد يظهر التهافت في بعض الفقرات، ولكن هذه التهافتات في بعض الفقرات، تهافتات ظاهرية يمكن بالتدقيق تصحيحها وتقويمه.

ومن أراد زيادة الاطلاع، فليراجع النجم الثاقب الجزء الثاني منه.

ثم انه ظهرا أخيرا ما يدل علي وجود هذا المكان ببعض الخصوصيات التي وردت في القصة، او ما يدل علي وجود اماكن ونقاط في هذا العالم لم

ص: 249

تصل اليها اقدام الانسان، كما هو المعروف اليوم في قضايا مثلث برمود، وبعض الجزر والغابات الكبيرة المجهولة عندن، فلعلّ تلك الغابات والجزر مسكونة ولها اهلها ولها حياتها الاجتماعية الخافية علين.

فانكار مثل هذه الجزيرة لمجرد وجود بعض العبارات الموهمة أو المتهافتة فيه، غير صحيح.

هذا وقد اخبرني احد اساتذتي الذي لا أشك في علو قدره وفضله وتقواه، انّ هناك من يزور هذه الجزيرة في كل سنّة، ويبقي فيها ايام، ولعلّ ذلك يكون في ايام شهر محرم، شهر شهادة الامام الحسين (عليه السلام) واقامة العزاء عليه.

فهنيئا لمن يوفق لذلك ويتشرف بلقاء اولاد الامام (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف) او يتشرف بالنظر الي الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة لمولانا ومولي العالمين (الحجّة بن الحسن المهدي المنتظر عجل اللّه تعالي فرجه الشريف).

ص: 250

زيارة آل ياسين

سَلامٌ عَلَي آلِ يس

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا داعِيَ اللّهِ ورَبّانِيَّ اياتِهِ

السَّلامُ عَلَيْكَ يا بابَ اَللّهِ ودَيّْانَ دينِهِ

السَّلامُ عَلَيْكَ يا خَليفَةَ اَللَّهِ وناصِرَ حَقِّهِ

السَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اَللّه ودَليلَ اِرادَتِهِ

السَّلامُ عَلَيْكَ يا تالِي كِتابِ اَللّهِ وتَرْجُمانَهُ

السَّلامُ عَلَيْكَ في آناءِ لَيلِكَ واَطرافِ نَهارِكَ

السَّلامُ عَلَيْكَ يا بَقِيَّةَ اَللّهِ في اَرضِهِ

السَّلامُ عَلَيْكَ يا مِيثاقَ اَللّه اَلَّذي اَخَذَهُ ووَكَّدَهُ

السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَعدَ اَللّهِ اَلَّذي ضَمِنَهُ

السَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّها اَلعَلمُ المَنصُوبُ والعِلمُ المَصبُوبُ والغَوْثُ

والرَّحمَةُ الواسِعَةُ وَعداً غَيرَ مَكذُوب

السَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَقُومُ السَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَقْعُدِ

السَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَقْرَءُ وتُبَيِّنُ

السَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تُصَلِّي وتَقنُتُ السَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَركَعُ وتَسجُدُ

السَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تُهَلِّلُ وتَكَبِّرُ السَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَحمَدُ وتَستَغفِرُ

ص: 251

السَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تُصبِحُ وتُمسي السَّلامُ عَلَيْكَ في اَللَّيلِ اِذا يَغشي واَلنَّهارِ اِذا تَجَلّي

السَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّها اَلاِمامَ اَلمَأمُونُ السَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّها اَلمُقَدَّمُ اَلمَأمُولُ

السَّلامُ عَلَيْكَ بِجَوامِعِ السَّلامُ

اُشهِدُكَ يا مَولايَ اَنِّي اَشهَدُ اَنْ لا اِله اِلاّ اَللّهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ واَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُولُهُ لا حَبيبَ اِلاّ هُو واَهلُهُ واُشهِدُكَ يا مَولايَ اَنَّ عَلَيّا اَميرَ اَلمُؤمِنينَ حُجَّتَهُ واَلحَسَنَ حُجَّتَهُ واَلحُسَينَ حُجَّتَهُ وعَلِيَّ بنَ اَلحُسَينِ حُجَّتُهُ ومُحَمَّدَ بنَ عَلِيّ حُجَّتُهُ وجَعفَرَ بنَ مُحَمَّد حُجَّتُهُ ومُوسي بنَ جَعفَر حُجَّتُهُ وعَلِيِّ بنَ مُوسي حُجَّتُهُ ومُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ وعَلِيِّ بنَ مُحَمَّد حُجَّتُهُ واَلحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ واَشهَدُ اَنَّكَ حَجَّةُ اَللّهِ

اَنتُمْ اَلاَوّلُ واَلآخِرُ واَنَّ رَجْعَتُكُمْ حَقٌّ لا رَيْبَ فِيها يَوْمَ لا يَنْفَعُ نَفْساً ايمانُها لَمْ تَكُنْ امَنَت مِنْ قَبلُ اَو كَسَبَت في ايمانِها خَيراً

وَاَنَّ اَلمَوتَ حَقٌّ واَنَّ ناكِراً ونَكيراً حَقٌّ

وَاَشهَدُ اَنَّ اَلنَّشرَ حَقٌّ واَلبَعثَ حَقٌّ واَنَّ اَلصِراطَ حَقٌّ واَلمِرصادَ حَقّ واَلمِيزانَ حَقٌّ واَلحَشرَ حَقٌّ واَلحِسابِ حَقٌّ واَلجَنَّةَ واَلنّارَ حَقٌّ واَلوَعدَ واَلوَعيدَ بِهِما حَقٌّ

يا مَولايَ شَقِيَ مَنْ خالَفَكُمْ وسَعِدَ مَنْ اَطاعَكُمْ فَاِشهَدْ عَلَي ما اَشهَدتُكَ عَلَيهِ واَنا وَلِيٌّ لَكَ بَرِيٌء مِنْ عَدُوِّكَ فَاَلحَقُّ ما رَضيتُمُوهُ واَلباطِلُ ما اَسخَطْتُمُوهُ واَلمَعرُوفُ ما اَمَرتُمْ بِهِ واَلمُنْكِرُ ما نَهَيتُمْ عَنهُ فَنَفسي مُؤمِنَةٌ بِاَللّهِ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وبِرَسُولِهِ وبِاَميرِ اَلمُؤمِنينَ وبِكُمْ يا مَولايَ اَوَّلِكُم وآخِرِكُمْ ونُصرَتِي مُعَدَّةٌ لَكُمْ ومَوَدَّتي خالِصَةٌ لَكُم آمينَ آمينَ.

ص: 252

دعاء العهد

(اللّهمَ ربَّ النّورِ العظيمِ وربَّ الكرسيِّ الرَّفيعِ وربَّ البحرِ المسجورِ ومُنزلَ التّوريةَ والانجيلِ والزَّبورِ وربَّ الظِّلِّ والحرورِ ومُنْزِلَ القرآنِ العظيمِ وربَّ الملئكةِ المقرَّبينَ والانبياءِ والمرسلينَ.

اللّهمَ انّي أسئلكَ بوجهكَ الكريمِ وبنورِ وجهِكَ المنيرِ ومُلكِكَ الْقَديمِ يا حَيُّ يا قَيُّومُ

أَسْئَلُكَ بِاسمكَ الَّذي اَشرَقَتْ بِهِ اْلسَّمواتُ والاَرَضُونَ وبِاِسمِكَ اْلّذي يَصلَحُ بِهِ الاَوَّلوُنَ والآخِرُونَ يا حَيَّا قَبلَ كُلِّ حَيٍّ ويا حَيّاً بَعدَ كُلِّ حَيٍّ ويا حَيّاً حينَ لا حَيَّ يا مُحيِي الْمَوتي ومُميتَ الْأحْياءِ يا حَيُّ لا اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ

اللّهُمَّ بَلِّغُ مَوْلانا الاِمامَ اَلْهادِيَ اَلْمَهْدِيَّ اْلقائِمَ بِأَمرِكَ صَلَواتُ اَللَّهِ عَلَيهِ وعَلَي ابائِهِ الْطَّاهِرِينَ عَنْ جَميعِ الْمُؤمِنينَ واَلْمُؤمِناتِ في مَشارِقِ الْأرْضِ ومَغارِبِها سَهلِها وجَبَلِها وبَرِّها وبَحرِها وعَنّي وعَنْ والِدَيَّ مِنَ الصَّلَواتِ زِنَةَ عَرشِ اللّهِ ومِدادَ كَلِماتِهِ وما اَحصاهُ عِلمُهُ واَحاطَ بِهِ كِتابُهُ

اَللّهُمَّ اِنِّي اُجَدِّدُ لَه ُ في صَبيحَةِ يَومي هذا وما عِشْتُ مِنْ اَيّامي عَهداً وعَقداً وبَيْعَةً لَهُ في عُنُقي لا اَحُولُ عَنها ولا اَزُولُ اَبَداً

اَللَّهُمَّ اجعَلني مِنْ اَنصارِهِ واَعوانِهِ والذّابّينَ عَنهُ والمُسارِعينَ اِلَيهِ في قَضاءِ حَوائِجِهِ والمُمتَثِلينَ لِأَوامِرِهِ والُْمحامِلِينَ عَنهُ واَلسَّابِقِينَ اِلي اِرادَتِهِ والمُستَشْهِدِينَ بَينَ يَدَيهِ

اَللّهُمَّ اِن حالَ بَينِي وبَينَهُ المَوتُ الَّذِي جَعَلتَهُ عَلي عِبادِكَ حَتماً مَقضِيَّاً

ص: 253

فَاَخرِجني مِنْ قَبري مُؤتَزِراً كَفَني شاهِراً سَيفي مُجَرَّداً قَناتي مُلَبِّياً دَعوَةَ الدَّاعِي في الحاضِرَ واَلبادي

اَللّهُمَّ اَرِني الطَّلعَةَ الرَّشِيدَةَ والغَرَّةَ الْحَميدَةَ واكْحُلْ ناظِري بِنَظْرَة مِنّي اِلَيْهِ وعَجِّلْ فَرَجَهُ وسَهِّل مَخْرَجَهُ واَوسِعْ مَنهَجَهُ واِسْلُكْ بي مَحَجَّتَهُ واَنفِذْ اَمرَهُ واشدُد اَزرَهُ واَعمُر اَللّهُمَّ بِهِ بَلادَكَ واَحيي بِهِ عِبادَكَ فَاِنَّكَ قُلتَ وقَولُكَ اَلحَقُّ ظَهَرَ الفَسادُ في البَرِّ والبَحرِ بِما كَسَبَتْ اَيدي النّاسِ.

فَاَظهِرِاَللّهُمَّ لَنا وَليِّكَ وابنَ بِنتِ نَبيِّكَ المُسَمّي بِاِسْمِ رَسُولِكَ حَتّي لا يَظفَرَ بِشَيْء مِنَ الباطِلِ اِلاَّ مَزَّقَه ويُحِقَّ الحَقَّ ويُحَقِّقَهُ

وَاجْعَلهُ اَللّهُمَّ مَفزَعاً لِمَظْلُومِ عِبادِكَ

وَناصِراً لِمَنْ لا يَجِدُ لَهُ ناصِراً غَيرَكَ

وَمُجَدِّداً لِما عُطِّلَ مِنْ اَحكامِ كِتابِكَ

وَمُشَيِّداً لِما وَرَدَ مِنْ اَعلامِ دينِكَ وسُنَنِ نَبيِّكَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ والِهِ

وَاجعَلهُ اَللّهُمَّ مِمَّنْ حَصَّنتَهُ مِن بَاسِ المُعتَدينَ

اَللّهُمَّ وسُرَّ نَبِيَّكَ مُحَمَّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ والِهِ بِرُؤيَتِهِ ومَن تَبِعَهُ عَلي دَعوَتِهِ

وَارحَمُ استِكانَتَنا بَعدَهُ

اَللّهُمَّ اكشِف هذِهِ الغُمَّةَ عَن هذِهِ الاُمَّةِ بِحُضُورِهِ وعَجِّلْ لَنا ظُهُورَهُ اِنَّهُمْ يَرَونَهُ بَعيداً ونَريهُ قَريباً

بِرَحمَتِكِ يا ارحَمَ الرّاحِمِينَ

ثم تظرب علي فخذك الايمن بيدك ثلاث مرّات وتقول في كلّ مرّة:

(اَلعَجَلْ اَلعَجَل يا مَولاي يا صاحِب اَلزَّمانِ)

ص: 254

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.