إثباتُ الوُجُودِ الإِمامِ المَهدِي عَجَلَ الله تعالي فَرَجَهُ الشَّريف مِن اَقوالِ عُلماءِ وَ مُحَدثي أهلِ السُّنَّةِ وَالجَماعَةِ
الشَّيخ مُحَمَّد عَلي اللكَنهَوي الهِّنديِ المَكّي
تَحقيقُ: السَيّد مَحمُود المُقدَّسِ الغُرَيفيّ
وَيَليهِ
رِسَالة فِي حديث سِلسِلةِ الذَّهَب
بِرِوايَةِ الاِمَامِ المَهديّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف
بِطُرُقِ مُحَدِّثي أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ
بِقَلَمِ
السّيِّد مَحمُودِ المُقَدَّس الغُريفيّ
ص: 1
مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف
إثباتُ الوُجُودِ الإِمامِ المَهدِي عَجَلَ الله تعالي فَرَجَهُ الشَّريف مِن اَقوالِ عُلماءِ وَ مُحَدثي أهلِ السُّنَّةِ وَالجَماعَةِ
الشَّيخ مُحَمَّد عَلي اللكَنهَوي الهِّنديِ المَكّي
تَحقيقُ: السَيّد مَحمُود المُقدَّسِ الغُرَيفيّ
وَيَليهِ رِسَالة فِي حديث سِلسِلةِ الذَّهَب بِرِوايَةِ الاِمَامِ المَهديّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف
تاليف: السّيِّد مَحمُودِ المُقَدَّس الغُريفيّ
رقم الإصدار: 261
البعة: الأولي 1442 ه
جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للمركز
العراق - النجف الأشرف
ص: 2
بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ
منذ أنْ فتح الإنسان عينه عليٰ الدنيا، وهو بطبعه يبحث عن اليقين الذي يكتشف به الواقع؛ ليُرتِّب عليه الأثر المناسب، ولذا فإنَّ عقله ينشد اليقين أينما حلَّ، ولو لم يتمكَّن من الوصول إليه، فإنَّه سيبحث عن البدائل التي توصله إليٰ أقرب نقطة من اليقين، فكانت البيِّنة وكان الرجوع إليٰ أهل الخبرة، وكان الظنُّ الذي اعتبرته بعض القوانين والتشريعات حجَّة.
المهمُّ، أنَّ المنهج العلمي هو الابتعاد عن الشكِّ ما أُوتي الإنسان إليٰ ذلك سبيلاً.
الدِّين لم يخرج عن هذا الأصل العقلائي في ما يرتبط به من قضايا، فإنَّ المطلوب فيه هو اليقين، ولذا اشترط العلماء في أُصول الدِّين اليقين والقطع دون ما عداه.
وتفصيل البحث في علم أُصول الفقه وعلم الكلام.
من جهة أُخريٰ، فإنَّ قوَّة الدعويٰ تتناسب طرديًّا مع يقينيَّة الحُجَج المطروحة لتأييدها، والعكس بالعكس كما هو واضح.
ومن هنا وجدنا أنَّ مذهب أهل البيت (عليهم السلام) قد صمد منذ وُجِدَ، ولم يتوقَّف عند حدٍّ معيَّن، وإنَّما كان ولا زال في نموٍّ مستمرٍّ، وما ذاك إلَّا لأسباب موضوعيَّة، كان من أهمّها يقينيَّة الحُجَج والأدلَّة التي يستند إليها في مبادئه النظريَّة والعمليَّة.
ص: 3
ولقد بذل علماؤنا الأفذاذ الكثير من الجهود في سبيل ترصين العقائد الشيعيَّة، ودعمها بالحُجَج والأدلَّة التي لا تدع للآخر مجالاً للإنكار، ولا محيصاً عن الرضوخ للحقِّ، اللَّهُمَّ إلَّا إذا كان الآخر معانداً للحقِّ رغم وضوحه.
ومن العقائد التي كانت وما زالت محطَّ نظر علمائنا هي الاعتقاد بالإمام المهدي (عج) ووجوده وطول عمره وضرورة ظهوره وانتصاره، كونه الوعد الإلهي المحتَّم، والله لا يخلف الميعاد.
ولقد تزيَّنت المكتبة المهدويَّة بالكثير من الموسوعات والمؤلَّفات التي جَلَتْ عن وجه الحقِّ غبار التشكيك، ورمت بأوهام المنكرين إليٰ حيث لا عودة، وتنوَّعت لتشمل كلَّ تفاصيل هذه القضيَّة المحوريَّة في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) خصوصاً، والإسلام عموماً.
من جهة ثالثة، فإنَّ تراثنا اشتمل عليٰ الكثير من المؤلَّفات التي لم يُتح لها أنْ تظهر وتبرز، لسبب ولآخر، ومن منن الباري (جلَّ وعلا) أنْ هيَّأ لها من يعمل عليٰ نفض تراب النسيان عنها، وتدعيم ما ورد فيها من لفتات ونكات علميَّة، بإرجاعها إليٰ مصادرها الأصليَّة، وربطها بمداركها الشريعة من الآيات الكريمة والروايات الشريفة، فكان علم التحقيق في التراث علماً له رجاله، وأصداؤه وثماره.
ومنها الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ، فإنَّه تحقيق لسِفْرٍ مهدوي يبحث في إثبات وجود الإمام المهدي (عج)، من خلال تتبُّع أقوال علماء ومحدِّثي أهل السُّنَّة والجماعة، لمؤلِّفه الشيخ محمّد عليّ اللكهنوي الهندي المكّي؛ لتكون الحجَّة عليٰ الآخر أقويٰ، واليقين أجليٰ، بأحقّيَّة هذه القضيَّة ورصانة مداركها، من باب (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم).
ص: 4
قام بتحقيقه وإخراج مصادره ومتابعة الأقوال فيه سماحة السيِّد محمود المقدَّس الغريفي، فشكر الله سعيه، وجعله صدقة جارية له، وعلماً ينتفع به بعد عمر طويل في طاعة الله تعاليٰ.
ونحن إذ نُقدِّم هذا السِّفر لطلَّاب الحقيقة، ندعو جميع الباحثين والمحقِّقين إليٰ متابعة تفاصيل هذه القضيَّة الكبريٰ بالبحث والنقد والاستدلال العلمي الرصين، فاتحين أبواب مركزنا لتقديم أيِّ عون علمي ممكن في هذا المجال، كما نعلن - كما أعلنَّا سابقاً - عن استعدادنا لطباعة ونشر المؤلَّفات الرصينة في هذا المجال.
نسأل الله سبحانه وتعاليٰ أنْ يُوفِّقنا لخدمة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ونصرة الإمام المهدي (عج) والتمهيد لدولته المباركة بالعلم والعمل الصالح، إنَّه سميع مجيب.
مركز الدراسات التخصَّصيَّة
في الإمام المهدي (عج)
ص: 5
ص: 6
بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام عليٰ أشرف الأنبياء والمرسَلين أبي القاسم محمّد، وعليٰ آله بدور الدجيٰ ونور الضحيٰ الذي من تمسَّك بهم أمن ونجيٰ، وعليٰ من اهتديٰ بهداهم إليٰ يوم لا مأويٰ، إلَّا إليه تعاليٰ.
وبعدُ:
من خلال تفحُّصي لآثار ومصنَّفات السيِّد حسُّون البرَّاقي((1))، عثرت عليٰ مجموعة من الرسائل لأحد فضلاء الهند وعلماءها ممَّن جاور بيت الله الحرام، وكان صديقاً أليفاً للعلَّامة الشيخ راضي الطريحي النجفي المتوفَّيٰ سنة (1341ه-)، كما قال السيِّد البرَّاقي في مقدّمة الرسائل الأربع المخطوطة:
(إنَّ جناب الأخ الشيخ راضي ابن الشيخ عليٍّ الطريحي، وهو من الفضلاء المعدودين، والعلماء المذكورين، وكان مع ما هو فيه من الفضل والاحترام، الروَّاح((2)) في كلِّ عام إليٰ بيت الله الحرام، فاتَّفق له (سلَّمه الله تعاليٰ) الرواح عليٰ
ص: 7
العادة، في السنة الثامنة بعد الألف والثلاثمائة، وبعد قضيان((1)) ما عليه من الواجب، اجتمع مع رجل كان له أليف، مجاوراً إليٰ بيت ربِّه المنيف، فوجد عنده أوراقاً((2)) محتوية عليٰ هذه الرسائل الأربع((3))، وهي: (رسالة في إسلام أبي طالب)، والأُخريٰ في قوله تعاليٰ: ]قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَيٰ[، والثالثة في (وجود الحجَّة المهدي بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرجه وسهَّل مخرجه))، والرابعة في (وجود الأبدال).
فسأل الشيخ راضي ذلك الرجل عنها، فأجابه الرجل، وقال: اعلم يا أخي إنَّ بعض أهل زماننا المجاورين إليٰ بيت ربِّنا، مدَّعين العلم وليس لهم اطِّلاع ولا فهم، اجتهدوا في قلع قبر أبي طالب، وقالوا: إنَّه مات كافراً((4))، وإنَّ زيارة قبره توجب الضلال لمن ليس له اطِّلاع بالحال، فلمَّا رأيت ذلك، فما وسعني الصبر دون أنْ جمعت كُتُب الأعلام، في تاريخ الجهابذة الفخام، المعتمد عليها وعليٰ صحَّة أخبارها، فاستخرجت منها ما تريٰ؛ لتكون اطمئناناً لمن تجرَّأ، إلَّا أنِّي لم أُبيِّضها للمشغوليَّة.
فعند ذلك ل-مَّا سمع الأخ المذكور، استعارها من الرجل المزبور، وبعد مجيء الأخ إلينا سالماً، تلطَّف بهذه الرسائل علينا، ثمّ سألني بعض الإخوان تبييضها...).
ثمّ قام السيِّد البرَّاقي (رحمه الله) بتبييضها بخطِّه الشريف، ولم نقف عليٰ تلك المُسودَّات لمصنِّفها، ولم تبقَ لنا إلَّا ما نسخه السيِّد
العادة، في السنة الثامنة بعد الألف والثلاثمائة، وبعد قضيان((5)) ما عليه من الواجب، اجتمع مع رجل كان له أليف، مجاوراً إليٰ بيت ربِّه المنيف، فوجد عنده أوراقاً((6)) محتوية عليٰ هذه الرسائل الأربع((7))، وهي: (رسالة في إسلام أبي طالب)، والأُخريٰ في قوله تعاليٰ: ]قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَيٰ[، والثالثة في (وجود الحجَّة المهدي بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرجه وسهَّل مخرجه))، والرابعة في (وجود الأبدال).
فسأل الشيخ راضي ذلك الرجل عنها، فأجابه الرجل، وقال: اعلم يا أخي إنَّ بعض أهل زماننا المجاورين إليٰ بيت ربِّنا، مدَّعين العلم وليس لهم اطِّلاع ولا فهم، اجتهدوا في قلع قبر أبي طالب، وقالوا: إنَّه مات كافراً((8))، وإنَّ زيارة قبره توجب الضلال لمن ليس له اطِّلاع بالحال، فلمَّا رأيت ذلك، فما وسعني الصبر دون أنْ جمعت كُتُب الأعلام، في تاريخ الجهابذة الفخام، المعتمد عليها وعليٰ صحَّة أخبارها، فاستخرجت منها ما تريٰ؛ لتكون اطمئناناً لمن تجرَّأ، إلَّا أنِّي لم أُبيِّضها للمشغوليَّة.
فعند ذلك ل-مَّا سمع الأخ المذكور، استعارها من الرجل المزبور، وبعد مجيء الأخ إلينا سالماً، تلطَّف بهذه الرسائل علينا، ثمّ سألني بعض الإخوان تبييضها...).
ثمّ قام السيِّد البرَّاقي (رحمه الله) بتبييضها بخطِّه الشريف، ولم نقف عليٰ تلك المُسودَّات لمصنِّفها، ولم تبقَ لنا إلَّا ما نسخه السيِّد البرَّاقي.
ص: 8
هذا، وإنَّ ما يُميِّز هذه الرسالة الشريفة أنَّ فيها عَرضاً لأقوال بعض علماء ومحدِّثي جمهور أهل السُّنَّة والجماعة، حول إثبات وجود الإمام المهدي (عج)، وأنَّه مولود للإمام الحسن بن عليٍّ العسكري المتوفَّيٰ سنة (260ه-)، وأنَّه ما زال حيًّا موجوداً بقدرة إلهيَّة، كحياة نبيِّ الله عيسيٰ والخضر، وطول عُمر الدجَّال وإبليس، محجوباً غائباً - لا غياب شخصيَّة، بل غياب هويَّة - لحكمة ربَّانيَّة حتَّيٰ يومنا هذا إليٰ أنْ يأذن الله له في الظهور في مكَّة المكرَّمة، في يوم لو بقي من الدنيا لطوَّله الله تعاليٰ حتَّيٰ يخرج المهدي - كما في الحديث المستفيض المأثور عن رسول الله (صلي الله عليه و آله) -، لماذا؟ لكي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملأها المفسدون والطغاة ظلماً وجوراً.
ومن خلال دراستنا لآثار المصنِّف نلاحظ بوضوح أنَّ أغلب ما كتبه قد اعتمد به عليٰ مصنَّفات أهل السُّنَّة والجماعة، وآراء علمائهم ومحدِّثيهم، حيث يظهر منه أنَّه كتبها من باب إلزام الخصم بما يؤمنون به، وبما ألزموا أنفسهم بالسير عليٰ نهجه، ممَّا سطرته كُتُب علمائهم ومحدِّثيهم الموثوقين، وبمَنْ يتمسَّكون بطريقتهم وآرائهم عادةً.
وما هذا لقلَّة كُتُبنا ولا شحَّة مصادرنا، ولكن من باب إقامة الحجَّة الدامغة، التي لا يُنكِرها إلَّا الجُهَّال والجاحدون.
وحيث إنَّ المصنِّف من علماء الهند وفضلائهم الذين هاجروا واستقرُّوا في مكَّة المكرَّمة جوار بيت الله الحرام، هو ووالده المتوفَّيٰ حدود سنة (1295ه-) والمدفون فيها، كجملة من علمائنا الأعلام الذين استوطنوا مكَّة المكرَّمة.
فالظاهر أنَّه كان كثير الاحتكاك والمحاورة مع جمهور المسلمين وعامَّتهم، لاسيّما في المسائل الخلافيَّة المذهبيَّة، ومنها مسألة إنكار وجود الإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري (عج) وولادته، واستكثار طول عمره الشريف وحياته، وجملة من أحواله.
فتصدَّيٰ (رحمه الله) بهذه الرسالة الموجزة لتتبُّع بعض أقوال علماء ومحدِّثي أهل
ص: 9
السُّنَّة والجماعة الذين يقرُّون بولادته ووجوده، وحياته وطول عمره، وقد سطروا ذلك بأقلامهم في صدور كُتُبهم، مقرِّين مذعنين مُسَلِّمين بذلك، فسجَّل بعضها في هذه الوريقات، وفاته آخرون غيرهم، ويعذره قوله آخر الرسالة:
(وإليٰ هنا كفَّ عنان القلم بما عثرنا عليه من الآيات والأخبار، ففي ذلك كفاية للأحباب الأخيار).
فهذا ما وسعه جُهدُه وجِدُّه، وعثر عليه وناله، وحسبه من ذلك إخلاص نيَّته في نصرة إمامه، ورفع بنيان عقيدته، في محيطٍ وبيئةٍ يقلُّ فيها من أمثاله، وعليٰ طريقته ومسلكه.
ولهذا الغرض والنيَّة الصادقة، وإحياءً لتراث أهل البيت (عليهم السلام) ونصرتهم، وإحياءً لتراث هذا العالم الفاضل، قمنا بإخراج هذا الأثر إليٰ النور، لهذا العَلَم المغمور بين ثنايا الحرم المكّي، حاملاً هموم الشيعة، ونصرة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام)، لتبقيٰ له ذكريٰ خالدة معطَّرة، وإحسان جميل.
هو الشيخ محمّد عليّ بن جعفر عليّ الفصيح الفيض آبادي((1)) اللكنهوي الهندي، عالم فاضل، استوطن مكَّة المكرَّمة، وكان حيًّا فيها سنة (1310ه-).
قال عنه الشيخ الطهراني: (كان من أهل العلم والفضل أيضاً، رأيت بعض الكُتُب العلميَّة الموقوفة التي جُعلت توليتها بيده، وذكر لي - والكلام للطهراني - المولوي ذاكر حسين اللكنهوي أنَّه تُوفِّي في حدود سنة (1310ه-))((2)).
ص: 10
وقد نصَّ السيِّد البرَّاقي، نقلاً عن صديق المصنِّف وأليفه الشيخ راضي الطريحي النجفي((1))، أنَّه كان مجاوراً لبيت الله الحرام، نازلاً ديار مكَّة المكرَّمة، وخير القريٰ المعظَّمة، وقد كان حيًّا حتَّيٰ سنة (1309ه-)((2)).
بل الأصحّ أنْ يقال: كان حيًّا سنة (1310ه-)، لمجيء صديق المصنِّف الشيخ راضي الطريحي في صفر من سنة (1311ه-) من بيت الله الحرام حاملاً من المصنِّف رسالة منفردة بخطِّه، في إثبات الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) فرغ منها المصنِّف في الليلة الحادية والعشرين من شهر جماديٰ الآخرة عام ألف وثلاثمائة وعشرة من الهجرة النبويَّة((3)).
الميرزا جعفر عليّ الفصيح ابن الميرزا هادي اللكنهوي المتوفَّيٰ قبل سنة (1295ه-) في مكَّة المكرَّمة، ذكره الشيخ الطهراني في (الكرام البررة)، فقال: (أديب كامل، وأخلاقي فاضل، وشاعر مجيد، كان يُلقَّب ب- (فصيح) لتخلُّصه به((4))، جاور بيت الله الحرام بمكَّة المكرَّمة إليٰ أنْ تُوفِّي قبل سنة (1295ه-)،رأيت
ص: 11
بخطِّ ولده الميرزا محمّد عليّ في التاريخ وصف والده بالمرحوم، فاستظهرت وفاته قبل التاريخ، وله آثار منها: (نان ونمك)((1)) مثنوي في الأخلاق، طُبِعَ في سنة (1279ه-)، و(نخل مآتم)((2)) في المراثي، وله ديوان في فنون الشعر من مدح ورثاء وتهانٍ وغزل وغير ذلك((3))، كلُّها مطبوعة في الهند بلغة (أُردو))((4)).
هذا وقد سكن مكَّة المكرَّمة وجاور بيت الله الحرام تشرُّفاً وتبرُّكاً، كما جاورها جملة من علمائنا الأعلام، منهم عليٰ سبيل المثال لا الحصر:
السيِّد عليُّ بن حيدر بن نور الدِّين عليٍّ العاملي الموسوي، جاور بيت الله الحرام حتَّيٰ قبضه الله إليه في سنة تسع وثمانين بعد الألف((5)).
والسيِّد الميرزا محمّد بن عليِّ بن إبراهيم الحسيني الأسترآبادي مؤلِّف (منهج
المقال)، جاور بيت الله الحرام إليٰ أنْ دُفِنَ بها في مقبرة المعلَّيٰ في سنة (1028ه-)((6)).
ص: 12
والموليٰ المحدِّث محمّد أمين بن محمّد شريف الأسترآبادي الأخباري، المتوفَّيٰ بمكَّة في سنة الثالثة والثلاثين بعد الألف، أو ثلاثين بعد ألف، صاحب كتاب (الفوائد المدنيَّة في الردِّ عليٰ القائل بالاجتهاد والتقليد في الأحكام الإلهيَّة)((1))، وغيرهم.
قد يُؤخَذ عليٰ المصنِّف اعتماده كلّيًّا عليٰ كُتُب العامَّة وأهل السُّنَّة، وقد نأيٰ برسائله عن كُتُب الخاصَّة من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وعلمائهم ومحدِّثيهم، وهذا الأمر غريب نوعاً ما.
أقول: إنَّ أصل وضع هذه الرسائل هي لإقامة الحجَّة عليٰ المخالفين المتعصِّبين، كما هو واضح من نقل كلام المصنِّف في رسالته عن أبي طالب (رضي الله عنه)، إذ قال:
(اعلم يا أخي أنَّ بعض أهل زماننا المجاورين إليٰ بيت ربِّنا، مدَّعين العلم وليس لهم اطِّلاع ولا فهم، اجتهدوا في قلع قبر أبي طالب، وقالوا: إنَّه مات كافراً، وأنَّ زيارة قبره توجب الضلال لمن ليس له اطِّلاع بالحال، فلمَّا رأيت ذلك، فما وسعني الصبر دون أنْ جمعت كُتُب الأعلام، في تاريخ الجهابذة الفخام، المعتمد عليها وعليٰ صحَّة أخبارها، فاستخرجت منها ما تريٰ؛ لتكون اطمئناناً لمن تجرَّأ)((2)).
فالأمر كان لاطمئنانِ المُخالِفِ المُتَجرِّي عليٰ حرمة أبي طالب (رضي الله
عنه) بما يَدين ويَعتقد ويَتمسَّك، ومن باب الإلزام له، تبعاً للقاعدة المعهودة (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم)، حتَّيٰ تكون أقويٰ حجَّةً فيهم، وأوضح دلالةً لهم، وآثر في
ص: 13
نفوسهم، وأوقع في قلوبهم، وأقرب لفكرهم ورأيهم، من الاعتماد والبناء عليٰ روايات وأقوال وآراء ومصادر أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وعلمائهم، حيث إنَّهم أخذوا منها موقف الرافض المعاند، ونأوا عن النظر فيها، والتأمُّل بمضمونها، وطعنوا بمحتواها، بلا دراسة أو دراية أو تدبُّر، نتيجة التعصُّب الأعميٰ، والجهل المركَّب، إذ إنَّها لا تساعدهم عليٰ هضم الموضوع واستيعابه، ولا قبول الفكرة أو نقاشها، ولا الاستفادة من الرأي الآخر والتعرُّف عليه.
ويدلُّ هذا عليٰ عمق تتبُّعه، وسعة درايته بكُتُب أهل السُّنَّة والجماعة، والإحاطة بها في الجملة، وهذا ما ظهر جليًّا في كتابه (القول الواجب في إيمان أبي طالب).
وعليٰ كلِّ حالٍ، فأيُّ شيء يكون من طريقة المصنِّف، فإنَّه لا يُغيِّر من الواقع شيئاً، وأنَّ كلمة الحقِّ لا بدَّ أنْ تظهر، والحقيقة أنْ تُكشَف، ومن أيِّ وعاء خرجت.
من خلال تتبُّعي لآثار السيِّد البرَّاقي ومصنَّفاته عثرت عليٰ مخطوطة الشيخ محمّد عليّ اللكنهوي الهندي بخطِّ السيِّد البرَّاقي، وقد ذكر السيِّد البرَّاقي في مقدّمة المخطوطة:
(إنَّ جناب الأخ الشيخ راضي ابن الشيخ عليٍّ الطريحي، وهو من الفضلاء المعدودين، والعلماء المذكورين، وكان مع ما هو فيه من الفضل والاحترام، الروَّاح في كلِّ عام إليٰ بيت الله الحرام، فاتَّفق له (سلَّمه الله تعاليٰ) الرواح عليٰ
العادة، في السنة الثامنة بعد الألف والثلاثمائة، وبعد قضاء ما عليه من الواجب، اجتمع مع رجل كان له أليف، مجاوراً إليٰ بيت ربِّه المنيف، فوجد عنده أوراقاً محتوية عليٰ هذه الرسائل الأربع، وهي: (رسالة في إسلام أبي طالب)، والأُخريٰ
ص: 14
في قوله تعاليٰ: ]قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَيٰ[، والثالثة في (وجود الحجَّة المهدي بن الحسن العسكري عجَّل الله فرجه وسهَّل مخرجه)، والرابعة في (وجود الأبدال).
فسأل الشيخ راضي ذلك الرجل عنها، فأجابه الرجل...، فعند ذلك ل-مَّا سمع الأخ المذكور، استعارها من الرجل المزبور، وبعد مجيء الأخ إلينا سالماً، تلطَّف بهذه الرسائل علينا، ثمّ سألني بعض الإخوان تبييضها...).
هذا، وبالرغم من تتبُّعي واجتهادي في البحث في كُتُب الفهارس والرجال، لم أعثر عليٰ ذكر لرسائل المصنِّف هذه قطُّ ولا غيرها، وأمَّا الرسالة (في إسلام أبي طالب) فقد ذكرها الشيخ الطهراني في (الذريعة) وغيره، بعنوان: (القول الواجب في إيمان أبي طالب) كما سيأتي.
من خلال هذه الأوراق التي نسخها السيِّد البرّاقي (رحمه الله)، والتي استعارها الشيخ الطريحي من صديقه المصنِّف الشيخ الهندي، تبيَّن أنَّ فيها أربع رسائل، وهي:
1 - رسالة في (إسلام أبي طالب) المسمَّاة ب- (الرمي الصائب في كبد الثالب لأبي طالب):
نسخة رأيتُها في مكتبة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء العامَّة في النجف الأشرف بخطِّ السيِّد البرَّاقي، برقم (834)، وقد فرغ المصنِّف منها ليلة الجمعة عاشر جماديٰ الأُوليٰ يوم اختتام تعمير الكعبة المشرَّفة بمكَّة المكرَّمة سنة (1299ه-).
عدد صحائفها (28 صفحة)، طول الصفحة (24 سم)، العرض (19 سم)، معدِّل عدد الأسطر (23 سطراً)، نسخة جيِّدة صفراء الورق. وقد فرغ السيِّد البرَّاقي من نسخها في يوم (12) جماديٰ الآخرة سنة (1310ه-).
ص: 15
وقد حقَّقنا هذه النسخة وطُبِعَت سنة (1432ه-/ 2012م).
وهي الرسالة المعروفة ب- (القول الواجب في إيمان أبي طالب) للمصنِّف، التي أشار إليها الشيخ الطهراني في (الذريعة)، فقال: ((القول الواجب في إيمان أبي طالب) للشيخ محمّد عليّ بن الميرزا جعفر عليّ الفصيح الهندي، نزيل مكَّة، فرغ منه ليلة الجمعة عاشر جماديٰ الأُوليٰ في (1299ه-). أوَّله: الحمد لله الذي هدانا للإسلام والإيمان...، رأيته في خزانة سيِّدنا الحسن)((1)).
وقد وقفنا عليٰ هذه النسخة المخطوطة في مكتبة آية الله السيِّد حسن الصدر الكاظمي (ت 1354ه-) مؤخَّراً بعد أنْ كانت مفقودة لسنين طويلة. وقد تمَّ بحمد الله تحقيقها وطبعها بكلا النسختين سنة (1442ه-/ 2021م)، مع الاختلاف بينهما في الترتيب، وإنْ كانت المادَّة والمضمون متقاربة إليٰ حدٍّ كبير، وأمَّا الانتهاء صفةً وتاريخاً فواحد لكليهما.
2 - رسالة في قوله تعاليٰ: ]قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَيٰ[:
نسخة رأيتُها في مكتبة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء العامَّة في النجف الأشرف بخطِّ السيِّد البرَّاقي، برقم (834)، وقد فرغ من نسخها سنة (1309ه-)، عدد صحائفها (49 صفحة)، طول الصفحة (24 سم)، العرض (19 سم)، معدِّل عدد الأسطر (23 سطراً).
قال البرَّاقي في أوَّلها: (...إنَّ جناب الأخ الشقيق جناب شيخنا الشيخ
راضي الطريحي (سلَّمه الله بمحمّد وآله) ممَّا تفضَّل به علينا من إيتائه بالرسائل المذكورة في شرح أوَّل الكتاب، فكان من جملةِ الثلاث رسائل المسطورة، رسالة رابعة في أرحام النبيِّ (صلي الله عليه و آله) في قوله تعاليٰ: ]قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا
ص: 16
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَيٰ[، فها أنا أبتدأ بها، ثمّ أُتبعها بإثبات صاحب العصر والزمان من طُرُق أئمَّة الحديث عليٰ ما هو مذكور في كُتُبهم الصحاح، التي جمعها الرجل المذكور الهندي، المجاور إليٰ بيت الله الحرام، فقال ما هذا لفظه...).
3 - رسالة في إثبات وجود الإمام المهدي بن الحسن (عج) من أقوال علماء ومحدِّثي أهل السُّنَّة والجماعة:
نسخة رأيتُها في مكتبة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء العامَّة في النجف الأشرف بخطِّ السيِّد البرَّاقي، برقم (834)، وقد فرغ من نَسخِها سنة (1309ه-)، عدد صحائفها (15 صفحة)، طول الصفحة (24 سم)، العرض (19 سم)، معدِّل عدد الأسطر (23 سطراً)، محاطة بالهوامش.
قال السيِّد البرَّاقي في أوَّلها: (قال البرَّاقي: ونعود إليٰ ذكر الرسالة الثالثة التي جاء بها الأخ الشيخ راضي التي ذكرتُها في أوَّل كتابنا، وهي في وجود المهدي ابن الحسن (عجَّل الله فرجه الشريف وسهَّل مخرجه)، فقال الرجل المكّي في رسالته في أحوال الحجَّة صاحب العصر والزمان: بسم الله الرحمن الرحيم، فائدة: مدينة سامرَّاء...).
4 - رسالة في الأبدال:
وبعد مراجعة هذه الرسالة، تبيَّن أنَّها لجلال الدِّين السيوطي الشافعي المتوفَّيٰ سنة (911ه-) الموسومة ب- (الخبر الدالّ عليٰ وجود القطب والأوتاد، والنجباء والأبدال). وقد نبَّه المصنف إليٰ ذلك، كما قال ناسخ هذه الرسائل الأربع السيِّد
البرَّاقي: (ووجدت عليٰ ظهر النسخة الرابعة مكتوب ما هذا لفظه: الخبر الدالّ عليٰ وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال، تأليف شيخ الإسلام والمسلمين الإمام العالم العلَّامة أبي الفضل جلال الدِّين السيوطي الشافعي. انتهيٰ).
وعليٰ هذا يكون المصنِّف ناسخاً لهذه الرسالة لا من تأليفاته.
ص: 17
نسخة رأيتُها في مكتبة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء العامَّة في النجف الأشرف بخطِّ السيِّد البرَّاقي، برقم (834)، وقد فرغ من نسخها سنة (1309ه-)، عدد الصحائف (19 صفحة)، طول الصفحة (24 سم)، العرض (19 سم)، معدِّل عدد الأسطر (23 سطراً).
قال البرَّاقي في أوَّلها: (الرسالة الرابعة في الأبدال، وهذه صورتها: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي فاوت بين خلقه في المراتب، وجعل في كلِّ قرن سابقين بهم يُحي ويميت...).
5 - رسالة في إثبات الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام):
نسخة رأيتُها في مكتبة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء العامَّة في النجف الأشرف برقم (834)، بخطِّ السيِّد البرَّاقي، وقد فرغ من نسخها في اليوم الثاني والعشرين من شهر جماديٰ الآخرة من سنة (1311ه-)، عدد صحائفها (15 صفحة)، طول الصفحة (24 سم)، العرض (19 سم)، معدِّل عدد الأسطر (23 سطراً).
قال السيِّد البرَّاقي في أوَّلها: (أقول - وبالله المستعان -: وفي سنة إحديٰ عشرة بعد الألف والثلاثمائة في شهر صفر((1))، جاء الأخ الشيخ راضي الطريحي من مكَّة المشرَّفة، ومعه هذه الرسالة الآتية ذكرها، من الرجل المذكور في أوَّل
الكتاب((2))، وهي في إثبات الأئمَّة الاثني عشر، وقد استَخرجها من الكُتُب المعتمد عليها في النقل، من أئمَّة الحديث المعتمد عليهم، والمعوِّل عليٰ ما ذكروه في كُتُبهم من النقل، وهي هذه:
ص: 18
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك اللَّهُمَّ وأنت للحمد أهل، وأشكرك شكراً يوجب المزيد من نِعَمك بالإحسان والفضل، وأُصلِّي وأُسلِّم عليٰ خاتم أنبيائك وصفوة أحبَّائك، عين الوجود وعلَّة الموجود، المبعوث رحمةً للعالمين، وخلفائه الراشدين، الأئمَّة الهادين المهديِّين، حُجَج الله عليٰ البريَّة أجمعين، صلاةً وسلاماً تبقيٰ إليٰ أبد الآبدين، ودهر الداهرين، إليٰ يوم الدِّين، أمَّا بعد: فقد جرت المذاكرة بين الأحبَّاء المخلصين والأودَّاء المتمسِّكين بعترة سيِّد المرسَلين في الأخبار الواردة في الاثني عشر خليفة التي وردت الأخبار بخلافتهم، وأنَّ الإسلام عزيز ما ولي الناس اثنا عشر خليفة...).
6 - ومن آثاره:
أنَّه كتب تملُّكه عليٰ المجموعة المخطوطة المشتملة عليٰ خمس رسائل لمؤلِّفين مختلفين المودعة في مكتبة السيِّد الحكيم العامَّة في النجف الأشرف والمرقَّمة (847)، وقد كتب عليها اسمه الميرزا محمّد عليّ ابن الميرزا جعفر عليّ المتخلِّص فصيح ابن الميرزا هادي اللكنهوي، الساكن بمكَّة المكرَّمة. وجعلنا صورة هذا التملُّك كنموذج لخطِّ المؤلِّف.
ص: 19
هذا، وقد فات العلَّامة الواثقي - بالرغم من تتبُّعه الشديد - الوقوف عليٰ مصنَّفات الشيخ محمّد عليّ الهندي الفصيح اللكنهوي وذِكرها ضمن ترجمته في كتابه القيِّم: (أعلام المجاورين بمكَّة المعظَّمة)((1))، بل لم يقف عليٰ طبعتنا الأُوليٰ (سنة 2012م) لكتاب المصنِّف: (القول الواجب في إيمان أبي طالب) بترتيب وإضافات السيِّد البرَّاقي، الذي سردنا فيه ترجمة المصنِّف الميرزا محمّد عليّ اللكنهوي الهندي وأسماء مصنَّفاته وآثاره.
والظاهر أنَّها النسخة الوحيدة المودعة في مكتبة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء العامَّة في النجف الأشرف بخطِّ السيِّد البرَّاقي، برقم (834)، وقد فرغ من نَسخِها سنة (1309ه-)، عدد صحائفها (15 صفحة)، طول الصفحة (24 سم)، العرض (19 سم)، معدِّل عدد الأسطر (23 سطراً)، نوع الخطِّ: نستعليق، حالة المخطوط: جيِّدة، وقد عبَّرنا عنها بالأصل.
وقد أُحيط حول المخطوط هامش جانبي في فضائل الأئمَّة الأطهار من طُرُق أعلام أهل السُّنَّة والجماعة، يبدأ من فضائل فاطمة الزهراء J وينتهي إليٰ فضائل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وهو من اختيار السيِّد البرَّاقي وإضافته، ثمّ أتبعه جملة من الوقائع والأخبار من الجزء الثاني من كتاب
(المسامرات والمحاضرات) لابن العربي، ويستمرُّ الهامش حتَّيٰ ينتهي إليٰ ما بعد نهاية المخطوط المعنون.
أمَّا ذكر الإمام المهدي بن الحسن العسكري (عج) فقد ذكره السيِّد البرَّاقي بعد نهاية رسالة الشيخ الهندي، حيث قال: (انتهت الرسالة الثالثة((2)). وأُحِبُّ أنْ
ص: 20
أذكر بما تيسَّر لي في أحوال الخلف الصالح من طُرُق أئمَّة الحديث: ذكر صاحب (نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيِّ المختار) وهو من تصنيفات العالم الفاضل الشيخ الشبلنجي المدعو بمؤمن، فقال في كتابه المذكور: فصل في ذكر مناقب محمّد بن الحسن الخالص بن عليٍّ الهادي...).
وقد أعرضنا عن هذه الإضافة؛ لأنَّ ما يهمُّنا هو رسالة الشيخ الهندي (رحمه الله).
هذا، وقد امتازت هذه الرسالة بانتخاب وجمع جملة من أقوال العلماء والمحدِّثين من أهل السُّنَّة والجماعة وتأليفها؛ لِتُكَوِّن موضوعاً تامًّا حول شخصيَّة الإمام المهدي (عج) وإثبات وجوده، حيث كان المؤلِّف (رحمه الله) موفَّقاً في اختيار النصوص، وتنسيق أقوال العلماء والمحدِّثين، عليٰ الرغم من اعتماده عليها كلّيًّا، حتَّيٰ غلبت عليٰ كلامه.
1 - قمنا بترجمة وافية للمصنِّف والوقوف عليٰ جملة من آثاره.
2 - قمنا بنسخ المخطوطة الوحيدة والتي تُعَدُّ الأصل. ثمّ قمنا بتغيير بعض كلماتها من الرسم القديم إليٰ الرسم الحديث ك- (الصلواة) إليٰ (الصلاة)، (ذالك) إليٰ (ذلك)، (الحيوة) إليٰ (الحياة)، (القيمة) إليٰ (القيامة)، وغيرها.
وقمنا بتصحيح بعض الأخطاء الإملائيَّة التي وقعت من سهو قلم
الناسخ، التي لا ثمرة في الإشارة إليها في الهامش.
3 - قمنا بتخريج الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، مع ضبطها من المصدر، ثمّ إرجاع نصوص الكتاب إليٰ أصحابها، وضبطها مع المصدر ما أمكن الوصول إليه.
4 - قمنا بشرح بعض العبائر التي تحتاج إليٰ توضيح وشرح وبيان في الهامش، دفعاً لإجمال بعض العبائر وإيجازها.
ص: 21
وأضفنا ما يُغني المطلب ويُوضِّحه بأحاديث وأقوال أُخريٰ، مع بعض التعاليق التي تنتج عن التحقيق.
5 - قمنا بوضع بعض العناوين لفقرات الكتاب؛ لتحديد مطالبه وفقراته، وقد وضعنا العنوان بين معقوفين هكذا [ ].
كما وضعنا بين معقوفين ما سقط من أصل المصدر ممَّا يزيد المعنيٰ وضوحاً، ولما أضفناه حيث يقتضي سياق النصِّ.
6 - قمنا بترجمة لمجمل الأعلام الذين ورد ذكر أسمائهم في الكتاب مهما أمكن الوصول إليهم والوقوف عليٰ ترجمتهم؛ لتشخيصهم وبيان مكانتهم عند علماء العامَّة وجمهورهم، مقتصراً عليٰ مصنَّفات أعلامهم، وإنْ اختلفت معهم في أصل العَرض والنظر؛ جرياً عليٰ طريقة المصنِّف بعدم الاعتماد عليٰ كُتُب علماء الشيعة وآرائهم.
هذا، وأسأل الله تعاليٰ أنْ أكون موفَّقاً في عرض هذه الرسالة وتحقيقها وإخراجها إليٰ النور، إنَّه سميع مجيب.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.
السيِّد محمود المقدِّس الغريفي
أيَّام المولد المهدوي (1435ه-)
النجف الأشرف
ص: 22
صورة
صورة الصفحة الأوليٰ للمخطوطة
ص: 23
صورة
صورة الصفحة الأخيرة للمخطوطة
ص: 24
بغداد بعبيده الأتراك، وأنشأ بها جامعاً، وعدَّة دور جليلة.
قيل: إنَّه أنفق عليٰ بنائها خمسمائة ألف ألف دينار((1)).
وبنيٰ بها المنارة التي كانت من إحديٰ العجائب((2))، وبنيٰ بها قصوراً عليٰ
ص: 26
شاطئ الدِّجلة ((1))، وبها نهران يشقَّان شوارعها، ويشقَّان الجامع الذي بها((2)). وفي الجامع سرداب((3)) قد ثبت عند الشيعة الإماميَّة أنَّ المهدي محمّد بن الحسن
ص: 27
العسكري، وهو صاحب الأمر المنتظر قد غاب فيه الغيبة الكبريٰ((1)) أيَّام المتوكِّل العبَّاسي((2)).
وقيل: تُسمَّيٰ بالعسكرّيَّة؛ لأنَّ المعتصم ل-مَّا بنيٰ مدينة (سُرَّ من رأيٰ) انتقل فيها بعسكره، فقيل لها: العسكريَّة، فنُسِبَ إليها الإمام الحسن العسكري وأبوه((3)).
وكانت ولادة الحسن العسكري يوم الخميس، في بعض شهور إحديٰ وثلاثين ومائتين((4)).
ص: 28
وتوفَّيٰ يوم الجمعة((1))، وقيل: الأربعاء، لثمان خلون من شهر ربيع الأوَّل((2))، وقيل: جماديٰ الأُوليٰ، سنة ستِّين ومائتين ب- (سُرَّ من رأيٰ)((3)).
ودُفِنَ بجنب قبر أبيه((4))، [وقد]((5)) سمَّه المعتمد((6)).
قال في (عُمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب):
(أمَّا عليٌّ الهادي يُلقَّب بالعسكري، مقامه بسُرَّ من رأيٰ، وكانت تُسمَّيٰ بالعسكر، وأُمُّه أُمُّ ولد.
وكان في غاية الفضل ونهاية النبل، أشخصه المتوكِّل إليٰ سُرَّ من رأيٰ، فأقام بها حتَّيٰ تُوفِّي.
وأعقب من رجلين:
أحدهما ((7)):
ص: 29
الإمام أبو محمّد الحسن العسكري، وكان من الزهد والعلم عليٰ أمر عظيم، وهو والد الإمام محمّد المهدي ثاني عشر الأئمَّة عند الإماميَّة، وهو القائم المنتظر عندهم.
من أُمِّ ولد اسمها: نرجس)((1)).
وقال الشيخ محيي الدِّين ابن عربي((2))((3)) في (الفتوحات المكّيَّة) في الباب السادس والستِّين وثلاثمائة((4)):
واعلموا أنَّه لا بدَّ من خروج المهدي (عج)، لكن لا يخرج حتَّيٰ تمتلئ((5)) الأرض جوراً وظلماً، فيملأها قسطاً وعدلاً، ولو لم يكن من الدنيا إلَّا يوم واحد طوَّل الله تعاليٰ ذلك اليوم حتَّيٰ يلي [ذلك]((6)) الخليفة.
ص: 30
وهو من عترة رسول الله [(صلي الله عليه و آله)]، من ولد فاطمة (رضي الله عنهما)، جدُّه الحسين بن عليِّ بن أبي طالب، ووالده الحسن((1)) العسكري ابن الإمام عليٍّ النقيِّ بالنون ابن الإمام محمّد التقيِّ بالتاء ابن الإمام عليٍّ الرضا ابن الإمام موسيٰ الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمّد الباقر ابن الإمام زين العابدين [عليٍّ[((2)) ابن الإمام الحسين ابن الإمام عليِّ بن أبي طالب (رضي الله عنه).
يواطئ اسمه اسم رسول الله [(صلي الله عليه و آله)]، يبايعه المسلمون بين الركن والمقام، يشبه رسول الله (صلي الله عليه و آله) في الخَلق - بفتح الخاء -، وينزل عنه في الخُلق - بضمِّها -، إذ لا يكون أحد مثل رسول الله [(صلي الله عليه و آله)] في أخلاقه، والله تعاليٰ يقول [فيه]((3)): ]وَإِنَّكَ لَعَلَيٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ 4[((4)).
يخرج عليٰ فترة من الدِّين، يزع((1)) الله به ما [لا]((2)) يزع بالقرآن، يُمسي [الرجل[((3)) جاهلاً وجباناً وبخيلاً، فيصبح عالماً شجاعاً كريماً، يمشي النصر بين يديه، ويعيش((4)) خمساً، أو سبعاً، أو تسعاً، يقفو أثر رسول الله [(صلي الله عليه و آله)] لا يخطئ.
له مَلَك يُسدِّده((5)) من حيث لا يراه، يحمل الكلَّ، ويُعين الضعيف ويساعده ((6)) عليٰ نوائب الحقِّ، يفعل ما يقول، ويقول ما يفعل، ويعلم ما يشهد، يُصلِحه الله في ليلة.
يفتح المدينة الروميَّة((7)) بالتكبير مع سبعين ألفاً من المسلمين، من ولد إسحاق، يشهد الملحمة العظميٰ مأدبة لله تعاليٰ بمرج عكَّا((8)).
يبيد الظلم وأهله، ويقيم الدِّين، وينفخ الروح في الإسلام بعد ذلِّه، ويُحييه بعد موته((9))، يضع الجزية، ويدعو إليٰ الله بالسيف، فمن أبيٰ قُتِلَ، ومن نازعه خُذِلَ.
ص: 32
يُظهِر من الدِّين ما هو عليه الدِّين((1)) في نفسه، حتَّيٰ لو كان رسول الله [(صلي الله عليه و آله)] حيًّا لحكم به، يرفع المذاهب من الأرض((2)) فلا يبقيٰ في زمانه إلَّا الدِّين الخالص عن الرأي((3)).
يخالف في غالب أحكامه مذاهب العلماء، فينقبضون منه لذلك؛ لظنِّهم أنَّ الله تعاليٰ [ما بقي[((4)) لا يُحدِث بعد أئمَّتهم مجتهداً.
وأطال الكلام في ذكر وقائعه معهم.
ثمّ قال: واعلم أنَّ المهدي إذا خرج يفرح به جميع المسلمين، خاصَّتهم
وعامَّتهم.
وله رجال إلهيُّون يقيمون دعوته وينصرونه، وهم الوزراء له، يتحمَّلون((5)) أثقال المملكة، ويعينونه عليٰ ما قلَّده الله تعاليٰ له ((6)).
ينزل عليه عيسيٰ بن مريم (عليه السلام) بالمنارة البيضاء شرقي دمشق، متَّكئاً عليٰ مَلَكين، مَلَك عن يمينه ومَلَك عن شماله((7))، والناس في صلاة العصر،
ص: 33
فيتنحَّيٰ له الإمام من مكانه((1))، فيتقدَّم فيُصلِّي بالناس، يأمر الناس بسُنَّة [محمّد[((2)) [(صلي الله عليه و آله)]، يكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويقبض الله المهدي إليه طاهراً مطهَّراً.
وفي زمانه يُقتَل السفياني عند شجرة بغُوطة دمشق((3))، ويُخسَف بجيشه في البيداء((4)).
فمن كان مجبوراً من ذلك الجيش مكرَهاً يُحشَر عليٰ نيَّته.
وقد جاءكم زمانه وأظلَّكم أوانه، وقد ظهر في القرن الرابع اللآحق بالقرون الثلاثة الماضية، قرن رسول الله [(صلي الله عليه و آله)]، وهو قرن الصحابة، ثمّ الذي يليه، ثمّ الذي [يلي[((5)) الثاني.
ص: 34
ثمّ جاء بينهما((1)) فترات، وحدثت أُمور وانتشرت أهواء وسُفِكَت دماء، فاختفيٰ إليٰ أنْ يجيء الوقت الموعود((2)).
فشهداؤه خير الشهداء، وأُمناؤه أفضل الأُمناء.
انتهيٰ من (اليواقيت والجواهر)((3)).
وأيضاً في الكتاب المذكور((4)):
قال بعض العارفين: وأوَّل الألف محسوب من وفاة عليِّ بن أبي طالب (رضي الله تعاليٰ عنه) آخر الخلفاء؛ فإنَّ تلك المدَّة كانت من جملة
تتمَّة((5)) أيَّام نبوَّة رسول الله [(صلي الله عليه و آله)] ورسالته، فمهَّد الله تعاليٰ بالخلفاء الأربعة البلاد.
ومراده((6)) [(صلي الله عليه و آله)] أنشأ الله بالألف((7)) قوَّة سلطان شريعته إليٰ انتهاء الألف، ثمّ تأخذ في الاضمحلال((8)) إليٰ أنْ يصير الدِّين غريباً كما بدأ، وذلك الاضمحلال يكون بدايته من مضيِّ ثلاثين سنة من القرن((9)) الحادي عشر.
فهناك يُترقَّب خروج المهدي (عج).
ص: 35
وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، ومولده (عج) ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين.
وهو باقٍ إليٰ أنْ يجتمع بعيسيٰ بن مريم (عليه السلام)، فيكون عمره إليٰ وقتنا هذا، وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، سبعمائة سنة وثلاث وستِّين((1)).
ووافقه عليٰ ذلك شيخنا سيِّدي عليٌّ الخوَّاص((1)) (رحمهما الله)((2))((3)).
ووافق عليٰ ذلك الشيخ كمال الدِّين محمّد بن طلحة الشافعي((4))، والشيخ
ص: 37
أبو عبد الله محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي((1))، والشيخ نور الدِّين عليُّ بن محمّد بن الصبَّاغ المكّي المالكي((2))، ومن الصوفيَّة محيي الدِّين ابن عربي((3))، والشيخ عبد الوهَّاب الشعراوي((4))، وقد نصَّ عليه في (المنن الكبريٰ) باسمه
ونسبه المذكور((5)).
ص: 40
وهي إحديٰ رواية الشيخ عبد العزيز الدهلوي((1))، عن والده((2)) إجازةً، قال: قلت: شافهني ابن أبي عقيلة((3)) بإجازة جميع ما يجوز له روايته، ووجدت في
ص: 41
سلسلته((1)) حديثاً مسلسلاً بانفراد كلِّ راوٍ من رواته بصفة عظيمة تفرَّد بها.
قال (رحمه الله): أخبرني فريد عصره الشيخ حسن [بن عليٍّ[ العجيمي((2))، أخبرنا حافظ عصره جمال الدِّين البابلي((3))، أخبرنا مسند وقته محمّد الحجازي
ص: 42
الواعظ((1))، أخبرنا صوفي زمانه الشيخ عبد الوهَّاب الشعراوي((2))، أخبرنا مجتهد عصره الجلال السيوطي((3))، أخبرنا حافظ عصره أبو نعيم رضوان
ص: 43
العقبي((1))، أخبرنا مقرئ زمانه الشمس محمّد ابن الجزري((2))، أخبرنا الإمام جمال الدِّين محمّد بن محمّد الجمال((3)) زاهد عصره، أخبرنا الإمام محمّد بن
ص: 44
مسعود((1)) محدِّث بلاد فارس في زمانه، [قال:[ أخبرنا شيخنا إسماعيل بن
مظفَّر الشيرازي((2)) عالم وقته، أخبرنا عبد السلام بن أبي الربيع الحنفي((3)) محدِّث زمانه، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمّد بن سابور((4)) القلانسي((5)) شيخ عصره، أخبرنا عبد العزيز [بن[((6)) محمّد الآدمي((7)) إمام أوانه، أخبرنا سليمان بن إبراهيم بن محمّد
ص: 45
ابن سليمان((1)) نادرة دهره، [حدَّثنا أبو صالح أحمد بن عبد المَلِك بن عليٍّ النيسابوري غريب وقته((2))، حدَّثنا أبو طاهر محمّد بن محمّد بن محش الزيادي((3)) فريد دهره]((4))، حدَّثنا أحمد بن محمّد بن هاشم البَلاذُري حافظ زمانه، حدَّثنا محمّد بن الحسن((5)) بن
ص: 46
عليٍّ المحجوب((1)) إمام عصره، حدَّثنا الحسن بن عليٍّ((2))، عن
أبيه((3))، عن جدِّه((4))، عن أبي جدِّه عليِّ بن موسيٰ الرضا((5))، حدَّثنا [أبي] موسيٰ الكاظم((6))، حدَّثنا
ص: 47
[أبي] جعفر الصادق((1))، حدَّثنا أبي محمّد الباقر((2))، حدَّثنا [أبي] عليُّ بن الحسين زين العابدين السجَّاد((3))، حدَّثنا أبي الحسينُ سيِّد الشهداء((4))،
حدَّثنا أبي عليُّ بن أبي طالب((5)) سيِّد الأولياء، قال: أخبرنا سيِّد الأنبياء محمّد بن عبد الله (صلي الله عليه و آله)، قال: أخبرني جبرئيل سيِّد الملائكة، قال: قال الله تعاليٰ سيِّد السادات:
«إنِّي أنا الله لا إله إلَّا أنا، من أقرَّ بالتوحيد دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي».
قال الشمس ابن الجزري((6)): كذا وقع هذا الحديث من (المسلسلات السعيدة)((7))، والعهدة فيه عليٰ البَلاذُري((8)).
أقول: قد وردت الإشارة في بعض آيات القرآن لقوله تعاليٰ: ]وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا[((9)).
ص: 48
ونقل ابن حجر الهيتمي((1)) في (الصواعق)، والصبَّاغي في (الفصول)، عن
مقاتل بن سليمان وغيره من المفسِّرين، أنَّ هذه الآية نزلت في المهدي((2)).
وكقوله تعاليٰ: ]بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ[((3))((4)).
وقوله تعاليٰ: ]لِيُظْهِرَهُ عَلَيٰ الدِّينِ كُلِّهِ[((5))((6)).
وفي (الفصول المهمَّة) قال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعاليٰ: ]لِيُظْهِرَهُ عَلَيٰ الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 33[.
قال: هو المهدي من ولد فاطمة (رضي الله عنهما)((7)).
ويُؤيِّده ما في (الكشَّاف)، و(التفسير الكبير)، عن أبي هريرة: أنَّ ذلك عند نزول عيسيٰ (عليه السلام). قال الراوي: قاله مجاهد. انتهيٰ((8)).
وجه التأييد:
فإنَّ نزول عيسيٰ (عليه السلام) إنَّما هو في عهد ((9)) المهدي (عج).
ص: 49
وآيتين أحدهما: ]كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ 119[((1)).
وثانيتهما: قوله تعاليٰ: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا[((2)).
وقد ورد أنَّ المراد ب- ]الصَّادِقِينَ[ هم: أهل البيت((3)).
والمراد ب- (الحَبْلِ) أيضاً هم: أهل البيت((4)).
ولو لم يكن أحد((5)) منهم بطل الأمر، وهو الكون مع الصادقين.
وإذا بطل الأمر - وهو اللازم -، فالملزوم مثله.
والآية الثانية: وهي الاعتصام بالشيء، ولا يتمُّ إلَّا بعد وجوده، فلا بدَّ من وجود أحدهم في كلِّ زمان حتَّيٰ يعتصم به الناس.
وقال ابن حَجَر - بعد ذكر مناقب أهل البيت -:
والحاصل: أنَّ الحثَّ عليٰ التمسُّك بأهل البيت إشارة إليٰ عدم انقطاع متأهِّل منهم للتمسُّك به إليٰ يوم القيامة، كما أنَّ الكتاب العزيز كذلك؛ ولهذا
ص: 50
كانوا أماناً لأهل الأرض- كما يأتي((1)) -، ويشهد لذلك الخبر قوله: «في كلِّ خلف من أُمَّتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدِّين تحريف الضالِّين، وانتحال المنتحلين، وتأويل الجاهلين»((2))((3)).
وأمَّا الوارد في السُّنَّة:
كقوله (عليه الصلاة والسلام) حديث الثقلين ((4)) الناطق بأنَّ العترة
ص: 51
والقرآن متلازمان لا يفترقان.
فلزم أنْ يكون أحد من العترة يكون باقٍ، وإلَّا لزم الافتراق.
وثانيها: قوله (عليه الصلاة): «مَنْ لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليَّة»((1)).
وثالثها: قول عليٍّ (عليه السلام) في (نهج البلاغة): «اللَّهُمَّ بَلَيٰ، لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلهِ بِحُجَّتِهِ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، أَوْ خَائِفاً مَغْمُوراً؛ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُه»((2)).
وفي معناه أحاديث كثيرة دالَّة عليٰ عدم خلوِّ الأرض عن الحجَّة الإلهيَّة.
وهي: إمَّا ظاهر أو مختفٍ.
وإذ ليس الأوَّل الآن، ثبت الثاني.
وأمَّا الدليل العقلي:
فقد ذكر الفخر الرازي((3)) تحت قوله تعاليٰ: ]قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ
ص: 52
لَكُمْ عَلَيٰ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ[((1)) ما هذا لفظه:
المسألة الرابعة: الفائدة في بعثة محمّد (صلي الله عليه و آله) عند فترة الرُّسُل؛ هي أنَّ التحريف والتغيير قد تطرَّق إليٰ الشرائع المتقدِّمة؛ لتقادم عهدها، وطول زمانها؛ وبسبب ذلك اختلط الحقُّ بالباطل، والصدق بالكذب، وصار ذلك عذراً ظاهراً في إعراض الخلق عن العبادات؛ لأنَّ لهم أنْ يقولوا:
يا إلهنا، عرفنا أنَّه لا بدَّ من عبادتك، ولكن ما عرفنا أنَّا كيف نعبدك؟ فبعث في هذا الوقت محمّداً إزالةً لهذا العذر؛ ولقوله تعاليٰ: ]أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ[((2))، ثمّ قال الله تعاليٰ: ]فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ[((3)).
والمعنيٰ: أنَّ حصول الفترة يوجب احتياج الخلق إليٰ بعثة الرُّسُل، ول-مَّا كان الله تعاليٰ قادراً عليٰ كلِّ شيء، فكان قادراً عليٰ بعثه، وجب في كرمه ورحمته أنْ يبعث الرُّسُل إليهم، فالمراد من قوله: ]وَاللهُ عَلَيٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 19[((4)). انتهيٰ((5)).
وإذا كان حصول الفترة مُحوِجاً للخلق إليٰ بعثة الرُّسُل كما هو صريح كلامه، وقد حصلت الفترة في زماننا هذا، وبعد العهد بالنبيِّ (صلي الله عليه و آله)، واختلط الحقُّ بالباطل، احتيج ثانياً إليٰ من يبعثه الله نبيًّا مرسَلاً، وإماماً هادياً.
ص: 53
وعند فقدان الأوَّل للإجماع((1))، وحديث «لا نبيَّ بعدي»((2)).
تعيَّن الثاني، وهو المطلوب((3)).
وأمَّا من يُنكِر عليٰ طول حياته وبقائه [من[((4))
يوم ولادته، وهو ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين((5))، وهو باقٍ إليٰ أنْ يجتمع بعيسيٰ ابن مريم (عليه السلام).
والجواب: أنَّ في الخلق مَنْ هو أطول منه عمراً كعيسيٰ (عليه السلام) من الأنبياء، والشيطان، وأصحاب الكهف، والدجَّال، وقد أظهر الله عليٰ لسان نبيِّه أنَّهم يظهرون في زمانه، فبعضهم يكون من أعوانه، وبعضهم يخذل بسلطانه؛ ليستنبط من ذلك أنَّ بينه وبينهم مماثلة أو مضادَّة، بها اتِّحاد الحكم.
أمَّا المقايسة في التماثل، فظاهر.
وأمَّا في التضادِّ:
ص: 54
فلأنَّ من شأن المتضادَّين أنَّ تعقُّل أحدهما يستتبعُ تعقُّل الآخر؛ ولذلك يُحمَل أحد النقيضين عليٰ الآخر في أكثر الأحكام.
وفي (الدُّرِّ المنثور) وغيره، عن ابن عبَّاس، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «أصحاب الكهف أعوان المهدي»((1)).
وممَّا يُؤكِّد هذه المناسبة، ما دلَّت به الأخبار عليٰ أنَّ هذه الأُمَّة تقتفي أثر الأُمَم السالفة شبراً بشبر، وذراعاً بذراع((2)).
وبالخصوص أنَّ الله سبحانه أخفيٰ أصحاب الكهف كما أخفيٰ أميرهم؛
ليكون الخلف عليٰ سُنَّة السلف، ]وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً 43[((3)).
ومن الناس من يقول: لِ-مَ اختفيٰ، والناس إليٰ الإمام أحوج من غيره؟
فالجواب: أنَّه للتقيَّة.
ولو خرج لخُذِلَ فقُتِلَ، تصديقاً لما ذكره في (الصواعق): من أنَّ زيداً ل-مَّا استشار أباه زين العابدين في الخروج نهاه، وقال:
ص: 55
«أخشيٰ أنْ تكون المقتول المصلوب بظهر الكوفة.
أمَا علمت أنَّه لا يخرج أحد من ولد فاطمة عليٰ أحد من السلاطين قبل خروج السفياني إلَّا قُتِلَ؟»، فكان كما قاله أبوه((1))، زينُ العابدين.
ومنهم من قال: إنَّه شابٌّ عند خروجه، وإنَّه مولود، وطال عمره كيف يكون شابًّا؟
والجواب: أنَّ الله رزقه طول الحياة، وجعله آية من الآيات؛ لقادر عليٰ أنْ يُعيد شبابه، أو يُجلِّيه في هيأة الشُّبَّان بحسب القوَّة.
وقد ورد في الحديث: «الدجَّال شابٌّ جعد قطط»، كما في (الدُّرِّ المنثور) وغيره((2)).
ص: 56
مع أنَّه وُلِدَ قبل المهدي في زمن النبيِّ (صلي الله عليه و آله)، عليٰ ما ذكره في (جامع الأُصول)((1)).
فلو كان خروج المهدي شابًّا دليلاً عليٰ أنَّه لم يُولَد بعد، لكان خروج الدجَّال شابًّا دليلاً عليٰ عدم تولُّده بالأولويَّة.
وكيف يكون المهدي شيخاً، ولا شيخ من هو أكبر منه سنًّا((2))؟!
وفي رواية أبي أُمامة الباهلي... قالت أُمُّ شريك بنت أبي العسكر: يا رسول
الله، فأين العرب يومئذٍ؟
قال: «هم يومئذٍ قليل، وجلُّهم ببيت المقدس، وإمامهم المهدي((3)).
وقد تقدَّم يُصلِّي بهم الصبح إذ نزل بهم عيسيٰ به مريم، فرجع ذلك الإمام ينكص عن عيسيٰ القهقريٰ؛ ليتقدَّم عيسيٰ يُصلِّي بالناس.
ص: 57
فيضع عيسيٰ بن مريم يده بين كتفيه، ثمّ يقول: تقدَّم»((1)).
ص: 58
وعن جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه و آله) يقول:
ص: 59
«لا تزال طائفة من أُمَّتي يقاتلون عليٰ الحقِّ، ظاهرين إليٰ يوم القيامة».
قال: «فينزل عيسيٰ بن مريم (عليه السلام)، فيقول أميرهم:
تعالَ صلِّ بنا.
فيقول: ألَا إنَّ بعضكم عليٰ بعض أُمراء تكرمة الله تعاليٰ هذه الأُمَّة»((1)).
وهو حديث حسن صحيح، أخرجه مسلم في (صحيحه)((2)).
وذكر صاحب (كفاية الأثر) عليٰ ما نقله، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، حيث يقول: ل-مَّا نزلت: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وعن جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه و آله) يقول:
«لا تزال طائفة من أُمَّتي يقاتلون عليٰ الحقِّ، ظاهرين إليٰ يوم القيامة».
قال: «فينزل عيسيٰ بن مريم (عليه السلام)، فيقول أميرهم:
تعالَ صلِّ بنا.
فيقول: ألَا إنَّ بعضكم عليٰ بعض أُمراء تكرمة الله تعاليٰ هذه الأُمَّة»((3)).
وهو حديث حسن صحيح، أخرجه مسلم في (صحيحه)((4)).
وذكر صاحب (كفاية الأثر) عليٰ ما نقله، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، حيث يقول: ل-مَّا نزلت: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[((5)).
قلت: يا رسول الله، عرفنا الله، وعرفنا رسوله، فمن أُولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟
فقال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «هم خلفاؤه يا جابر، وأئمَّة المسلمين بعدي، أوَّلهم عليُّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليُّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليٍّ المعروف في التوراة بالباقر، وستُدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منِّي السلام.
ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسيٰ بن جعفر، ثمّ عليُّ بن موسيٰ، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ عليُّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليٍّ، ثمّ سميِّ وكنيِّ حجَّة الله في أرضه وبقيَّته في عباده ابن الحسن بن عليٍّ، عليٰ ذلك يفتح الله (عزَّ وجلَّ ذكره) عليٰ يديه مشارق الأرض ومغاربها، وذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها القول بإمامته إلَّا من امتحن الله قلبه للإيمان».
ص: 60
قال جابر: قلت: يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟
فقال: «إي والذي بعثني بالنبوَّة، إنَّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس إذا تجلَّلها السحاب.
يا جابر، هذا مكنون سرِّ الله، ومخزون علم الله، فاكتمه إلَّا عن أهله»((1)).
وذكر الشيخ العلَّامة كمال الدِّين أبو سالم محمّد بن طلحة بن محمّد بن الحسن القرشي النصيبي الشافعي، في كتابه (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول):
وأمَّا اسمه فمحمّد، وكنيته أبو القاسم، ولقبه الحجَّة، والخلف الصالح، وقيل: المنتظر((2)).
وأمَّا ما ورد عن النبيِّ (صلي الله عليه و آله) في المهدي من الأحاديث الصحيحة، فمنها:
ما نقله الإمامان أبو داود والترمذي كلُّ واحدٍ منهما بسنده في (صحيحه)، يرفعه إليٰ أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه و آله) يقول: «المهدي منِّي، أجليٰ الجبهة، أقنيٰ الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين»((3)).
ومنها: ما أخرجه أبو داود بسنده في (صحيحه)، يرفعه إليٰ عليٍّ (عليه السلام)،
ص: 61
قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «لو لم يبقَ من الدهر إلَّا يوم واحد لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما مُلِئَت جوراً»((1)).
ومنها: ما رواه أيضاً أبو داود في (صحيحه) يرفعه بسنده إليٰ أُمِّ سَلَمة (رضي الله عنهما) زوج النبيِّ (صلي الله عليه و آله)، قالت: سمعت رسول الله (صلي الله عليه و آله) يقول: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة»((2)).
ومنها: ما رواه القاضي أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي((3)) في كتابه
المسمَّيٰ ب- (شرح السُّنَّة)((4)).
وأخرجه الإمامان البخاري ومسلم، كلُّ واحدٍ منهما بسنده في (صحيحه)، يرفعه إليٰ أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟»((5)).
ومنها: ما أخرجه أبو داود والترمذي بسندهما في (صحيحيهما)، يرفعه كلُّ واحدٍ منهما بسنده إليٰ عبد الله بن مسعود، أنَّه قال:
قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «لو لم يبقَ من الدنيا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّيٰ يبعث الله رجلاً منِّي، أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي»((6)).
ص: 62
وفي رواية أُخريٰ، أنَّ النبيَّ (صلي الله عليه و آله)، قال: «يأتي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي»((1)).
هذه الروايات عن أبي داود والترمذي.
ومنها: ما نقله الإمام أبو إسحاق بن محمّد الثعلبي في (تفسيره)، يرفعه بإسناده إليٰ أنس بن مالك، قال:
قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «نحن ولد عبد المطَّلب سادة أهل
الجنَّة، أنا وحمزة وجعفر وعليٌّ والحسن والحسين والمهدي»((2)).
قال الشيخ((3)): فإنْ قال معترضٌ: هذه الأحاديث النبويَّة الكثيرة بتعدادها، المصرِّحة بجملتها وأفرادها، متَّفق عليٰ صحَّة أسنادها، ومجمع عليٰ نقلها عن رسول الله (صلي الله عليه و آله) وإيرادها، وهي صحيحة صريحة في إثبات كون المهدي (عج) من ولد فاطمة (رضي الله عنهما)، وأنَّه من رسول الله (صلي الله عليه و آله)، وأنَّه من عترته، وأنَّه من أهل بيته، وأنَّ اسمه يواطئ اسمه، وأنَّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وأنَّه من ولد عبد المطَّلب، وأنَّه من سادات أهل الجنَّة، وذلك ممَّا لا نزاع فيه.
غير أنَّ ذلك لا يدلُّ عليٰ أنَّ المهدي الموصوف بما ذكره (عليه السلام) من الصفات والعلامات هو هذا أبو القاسم محمّد بن الحسن الحجَّة الخلف الصالح، فإنَّ ولد فاطمة كثيرون، وكلُّ من يُولَد من ذرّيَّتها إليٰ يوم القيامة يصدق عليه أنَّه من ولد فاطمة، وأنَّه من العترة الطاهرة، وأنَّه من أهل البيت، فيحتاجون مع هذه
ص: 63
الأحاديث المذكورة إليٰ زيادة دليل عليٰ أنَّ المهدي المراد هو الحجَّة المذكور ليتمَّ مرامكم.
فجوابه: أنَّ رسول الله (صلي الله عليه و آله) ل-مَّا وصف المهدي بصفات متعدِّدة، من ذكر اسمه ونسبه، ومرجعه إليٰ فاطمة (رضي الله عنهما)، وإليٰ عبد المطَّلب، وأنَّه أجليٰ الجبهة، أقنيٰ الأنف، وعدَّد الأوصاف الكثيرة التي جمعتها
الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفاً، وجعلها علامة ودلالة عليه، عليٰ أنَّ الشخص الذي يُسمَّيٰ المهدي وثبتت له الأحكام المذكورة وهو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه.
ثمّ وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمّد الخلف الصالح دون غيره؛ فيلزم القول بثبوت تلك الأحكام له، وأنَّه صاحبها، وإلَّا فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل، ولا يثبت ما هو مدلوله، قدح ذلك في نصبها علامة ودلالة من رسول الله (صلي الله عليه و آله)؛ وذلك فإنَّ من قال معترضاً:
لا نُسلِّم العمل به بالعلامة والدلالة إلَّا بعد العلم باختصاص من وُجِدَت فيه ما دون غيره وتعيُّنه لها.
فأمَّا إذا لم يُعلَم تخصيصه وانفراده بها، فلا يُحكَم له بالدلالة.
ونحن نُسلِّم أنَّه من زمن رسول الله (صلي الله عليه و آله) إليٰ ولادة الخلف الحجَّة محمّد (عليه السلام) ما وُجِدَ من ولد فاطمة (رضي الله عنهما) شخص جمع تلك الصفات التي هي العلامة والدلالة غيره.
لكن وقت بعثة المهدي وظهوره وولايته هو في آخر أوقات الدنيا، عند ظهور الدجَّال، ونزول عيسيٰ بن مريم، وذلك سيأتي بعد مدَّة مديدة، ومن الآن إليٰ ذلك الوقت المتراخي الممتدِّ أزمان متجدِّدة، وفي العترة الطاهرة من سلالة فاطمة (رضي الله عنهما) يتعاقبون ويتوالدون إليٰ ذلك الأوان، فيجوز أنْ يُولَد من السلالة
ص: 64
الطاهرة والعترة النبويَّة من يجمع تلك الصفات، فيكون هو المهدي المشار إليه في الأحاديث المذكورة، ومع هذا الاحتمال والإمكان كيف يبقيٰ دليلكم مختصًّا بالحجَّة محمّد المذكور؟
فالجواب: أنَّكم إذا عرفتم أنَّه إليٰ وقت ولادة الخلف الصالح، وإليٰ زماننا
هذا، لم يُوجَد من جمع تلك الصفات والعلامات بأسرها سواه، فيكفي ذلك في ثبوت تلك الأحكام له؛ عملاً بالدلالة الموجودة في حقِّه.
وما ذكرتموه من احتمال أنْ يتجدَّد مستقبلاً في العترة الطاهرة مَنْ يكون بتلك الصفات لا يكون قادحاً في إعمال الدلالة، ولا مانعاً من ترتيب حكمها عليها.
فإنَّ دلالة الدليل راجحة لظهورها، واحتمال تجدُّد ما يعارضها مرجوح، ولا يجوز ترك الراجح بالمرجوح؛ فإنَّه لو جوَّزنا ذلك لامتنع العمل بأكثر الأدلَّة المثبتة للأحكام، إذ ما من دليل إلَّا واحتمال تجدُّد ما يعارضه، متطرِّق إليه، ولم يمنع ذلك من العمل به وفاقاً.
والذي يُوضِّح ذلك ويُؤكِّده، أنَّ رسول الله (صلي الله عليه و آله) فيما أورده الإمام مسلم ابن الحجَّاج في (صحيحه) يرفعه بسنده، قال لعُمر بن الخطَّاب: «يأتي عليك مع أمداد اليمن أُويس بن عامر من مُراد ثمّ من قَرن، كان به برص فبرئ منه إلَّا موضع درهم، وله والدة هو [بها[((1)) برٌّ، لو أقسم عليٰ الله لأبرَّه، فإنْ استطعت أنْ يستغفر لك فافعل»((2)).
ص: 65
فألزم (صلي الله عليه و آله) ذكره ونسبه واسمه وصفته، وجعل ذلك علامة ودلالة عليٰ أنَّ المسمَّيٰ بذلك الاسم، المتَّصف بتلك الصفات لو أقسم عليٰ الله لأبرَّه، وأنَّه أهل لطلب الاستغفار منه، وهذه منزلة عالية ومقام عند الله عظيم.
فلم يزل عُمر بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه و آله)، وبعد وفاة أبي بكر يسأل أمداد اليمن، مَنْ الموصوف بذلك، حتَّيٰ قَدِمَ وفد من اليمن، فسألهم فأُخبر بشخص متَّصف بذلك، فلم يتوقَّف عُمر في العمل بتلك العلامة والدلالة التي ذكرها رسول الله (صلي الله عليه و آله)، بل بادر إليٰ العمل بها، واجتمع به وسأله الاستغفار، وجزم أنَّه المشار إليه في الحديث النبوي ل-مَّا علم تلك الصفات فيه، مع وجود احتمال أنْ يتجدَّد في وفود اليمن مستقبلاً مَنْ يكون بتلك الصفات، فإنَّ قبيلة مُراد كثيرة والتوالد فيها كثير، وعين ما ذكرتموه من الاحتمال موجود.
وكذلك قضيَّة الخوارج ل-مَّا وصفهم رسول الله (صلي الله عليه و آله) بصفات، ورتَّب عليها حكمهم، ثمّ بعد ذلك ل-مَّا وجدها((1)) عليٌّ (رضي الله عنه) موجودة في أُولئك في واقعة حروراء والنهروان جزم بأنَّهم هم المرادون بالحديث النبوي، وقاتلهم وقتلهم، فعمل بالدلالة عند وجود الصفة مع احتمال أنْ يكون المرادون غيرهم.
وأمثال هذه الدلالة والعمل بها مع قيام الاحتمال كثيرة، فعُلِمَ أنَّ الدلالة الراجحة لا تُترَك لاحتمال المرجوح.
قال: ونزيده بياناً وتقريراً فنقول:
لزوم ثبوت الحكم عند وجود العلامة والدلالة لمن وُجِدَت فيه أمراً يتعيَّن
ص: 66
العمل فيه والمصير إليه، فمن تركه وقال بأنَّ [صاحب[((1)) الصفات المراد بإثبات الحكم له ليس هو هذا، بل شخص غيره سيأتي، فقد عدل عن النهج القويم، ووقف نفسه موقف المليم.
ويدلُّ عليٰ ذلك، أنَّ الله (عزَّ وعلا) ل-مَّا أنزل في التوراة عليٰ موسيٰ (عليه السلام) وأنَّه يبعث النبيَّ العربي في آخر الزمان، خاتم الأنبياء، ونعته بأوصافه، وجعلها علامة ودلالة عليٰ إثبات حكم النبوَّة له، وصار قوم موسيٰ (عليه السلام) يذكرونه بصفاته، ويعلمون أنَّه يُبعَث، فلمَّا قرب زمان ظهوره وبعثه صاروا يُهدِّدون المشركين به، ويقولون: سيظهر الآن نبيٌّ نعته كذا وصفته كذا ونستعين به عليٰ قتالكم.
فلمَّا بُعِثَ [(صلي الله عليه و آله)] ووجدوا العلامات والصفات بأسرها التي جُعِلَت دلالة عليٰ نبوَّته، أنكروه!
وقالوا: ليس هو هذا، بل هو غيره، وسيأتي.
فلمَّا جنحوا إليٰ الاحتمال، وأعرضوا عن العمل بالدلالة الموجودة في الحال، أنكر الله تعاليٰ عليهم كونهم تركوا العمل بالدلالة التي ذكرها لهم في التوراة، وجنحوا إليٰ الاحتمال.
وهذه القصَّة من أكبر الأدلَّة وأقويٰ الحُجَج عليٰ أنَّه يتعيَّن العمل بالدلالة عند وجودها، وإثبات الحكم لمن وُجِدَت تلك الدلالة فيه.
فإذا كانت الصفات التي هي علامة ودلالة لثبوت الأحكام المذكورة موجودة في الحجَّة الخلف الصالح محمّد، تعيَّن إثبات كون المهدي المشار إليه، من غير جنوح إليٰ الاحتمال بتجدُّد غيره في الاستقبال.
ص: 67
فإنْ قال المعترض: نُسلِّم لكم أنَّ الصفات المجعولة علامة ودلالة إذا وُجِدَت تعيَّن العمل بها، ولزم إثبات مدلولها لمن وُجِدَت فيه.
لكن تُمنَع وجود تلك العلامة والدلالة في الخلف الصالح الحجَّة محمّد [(عليه السلام)]((1)) فإنَّ من جملة الصفات المجعولة علامة ودلالة أنْ يكون اسم أبيه مواطئاً لاسم النبيِّ (صلي الله عليه و آله)، هكذا صرَّح به الحديث النبوي عليٰ ما أوردوه((2)).
وهذه الصفة لم توجد فيه، فإنَّ اسم أبيه الحسن، واسم أب النبيِّ (صلي الله عليه و آله) عبد الله، وأين الحسن من عبد الله، فلم توجد هذه الصفة التي هي جزء من العلامة والدلالة.
وإذا لم يوجد جزء العلَّة لا يثبت حكمها، فإنَّ الصفات الباقية لا تكفي في إثبات تلك الأحكام.
إذ النبيُّ (صلي الله عليه و آله) لم يجعل تلك الأحكام ثابتة إلَّا لمن اجتمعت فيه كلُّها، التي جزؤها مواطأة اسم الأبوين في حقِّه، وهذه لم تجتمع في الحجَّة الخلف، فلا يثبت تلك الأحكام له.
وهذا إشكال قويٌّ((3)).
فالجواب: لا بدَّ قبل الشروع في تفصيل الجواب من بيان أمرين، يُبنيٰ عليهما الغرض.
ص: 68
[الأمر]((1)) الأوَّل: [إطلاق لفظ الأب عليٰ الجدِّ الأعليٰ]:
أنَّه شائع في لسان العرب إطلاق لفظة الأب عليٰ الجدِّ الأعليٰ، وقد نطق القرآن الكريم بذلك فقال تعاليٰ: ]مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ[((2)).
وقال تعاليٰ حكايةً عن يوسف (عليه السلام): ]وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ[((3)).
ونطق بذلك في حديث الإسراء، أنَّه قال: «قلت من هذا: قال: أبوك إبراهيم»((4)).
فعُلِمَ أنَّ لفظة الأب تُطلَق عليٰ الجدِّ وإنْ علا.
فهذا أحد الأمرين.
أنَّ لفظة الاسم تُطلَق عليٰ الكنية، وعليٰ الصفة، وقد استعملها الفصحاء ودارت بها ألسنتهم، ووردت في الأحاديث حتَّيٰ ذكرها الإمامان البخاري ومسلم، كلٌّ منهما يرفعه إليٰ سهل بن سعد الساعدي، أنَّه قال: عن عليٍّ أنَّ رسول الله (صلي الله عليه و آله) سمَّاه بأبي تراب، ولم يكن له
اسم أحبّ إليه منه((5)).
فأطلق لفظة الاسم عليٰ الكنية.
ومثل ذلك قال الشاعر:
ص: 69
أُجِلُّ قَدْرَكِ أَنْ تُسَمِّي مُؤبَّنَةً*** وَمَنْ كَنَّاكِ فَقَد سَمَّاكِ
لِلْعَرَبِ((1))
ويرويٰ: مَنْ يَصفكِ.
فأطلق التسمية عليٰ الكناية، أو الصفة، وهذا شائع ذائع في لسان العرب.
فإذا وضح ما ذكرناه من الأمرين.
فاعلم - أيَّدك الله بتوفيقه -: أنَّ النبيَّ (صلي الله عليه و آله) كان له سبطان أبو محمّد الحسن، وأبو عبد الله الحسين، ول-مَّا كان الخلف الصالح محمّد من ولد أبي عبد الله الحسين ولم يكن من ولد أبي محمّد الحسن، وكانت كنية الحسين أبا عبد الله، فأطلق لفظة الأب، فكأنَّه قال:
يواطئ اسمه اسمي، فهو محمّد وأنا محمّد.
وكنية جدِّه اسم أبي، إذ هو: أبو عبد الله، وأبي: عبد الله.
لتكون تلك الألفاظ المختصرة جامعة لتعريف صفاته، وإعلام أنَّه من ولد أبي عبد الله الحسين بطريق جامع موجز((2)).
ص: 70
ص: 71
ص: 72
ص: 73
وحينئذٍ تنتظم الصفات وتوجد بأسرها مجتمعة في الحجَّة الخلف الصالح محمّد.
وهذا بيان شافٍ كافٍ في إزالة ذلك الإشكال، فافهم.
وأمَّا عمره:
فإنَّه وُلِدَ في أيَّام المعتمد عليٰ الله خافٍ فاختفيٰ وإليٰ الآن.
فلم يمكن ذكر ذلك، إذ مَنْ غاب وإنْ انقطع خبره، لا توجب غيبته وانقطاع خبره الحكم بمقدار عمره، ولا بانقضاء حياته، وقدرة الله واسعة وحكمه وألطافه بعباده عظيمة عامَّة.
ولو رام عظماء العلماء أنْ يُدركوا حقائق مقدوراته، وكنه قدرته، لم يجدوا إليٰ ذلك سبيلاً، ولانقلب طرف تطلُّعهم إليه حسيراً، وحدُّه كليلاً، ولتلا(1) عليهم لسان عجزهم عن الإحاطة به: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً 85(2).
وليس ببدع ولا مستغرب تعمير بعض عباد الله المخلصين، ولا امتداد عمره إليٰ حين، فقد مدَّ الله سبحانه أعمار جمع كثير من خلقه، من أصفيائه وأوليائه، ومن مطروديه(3) وأعدائه.
[من المعمَّرين الأصفياء حتَّي يومنا هذا]:
فمن الأصفياء: عيسيٰ (عليه السلام)، ومنهم الخضر، وخلق آخر من الأنبياء طالت أعمارهم حتَّيٰ جاز كلُّ واحد منهم ألف سنة أو قاربها كنوح وغيره.
ص: 75
وأمَّا من الأعداء المطرودين:
فإبليس، والدجَّال.
ومن غيرهم: كعاد الأُوليٰ(1)، كان فيهم مَنْ عُمره يقارب الألف.
وكذلك لقمان صاحب لبد(2).
وكلُّ هذه لبيان اتِّساع القدرة الربَّانيَّة في تعمير بعض خلقه.
فأيُّ مانع يمنع من امتداد عمر الخلف الصالح إليٰ أنْ يظهر فيعمل ما حكم الله تعاليٰ [له به[(3)؟ انتهيٰ لفظه(4).
ص: 76
ومن أراد التوضيح فليراجع في كتب القوم ك- (الجواهر العبقريَّة)(1) فإنَّ فيها دلائل قويَّة وغيرها.
وإليٰ هنا كفَّ عِنان القلم، بما عثرنا عليه من الآيات والأخبار، ففي ذلك كفاية للأحباب الأخيار، والحمد لله أوَّلاً وآخراً.
* * *
ص: 77
ص: 78
1 - القرآن الكريم: كلام ربِّ العالمين.
2 - الإِرشاد: الشيخ المفيد/ تحقيق: مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لتحقيق التراث/ الطبعة الثانية/1414ه- - 1993م/ نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت/ لبنان.
3 - الأعلام: خير الدِّين الزركلي/ الطبعة الخامسة/ 1980م/، دار العلم للملايين/ بيروت/ لبنان.
4 - أعيان الشيعة: السيِّد محسن الأمين/ تحقيق وتخريج: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات/ بيروت/ لبنان.
5 - الأمالي: الشيخ الصدوق/ تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميَّة - مؤسَّسة البعثة/ قم/ الطبعة الأُوليٰ/ 1417ه-/، نشر مركز الطباعة والنشر في مؤسَّسة البعثة.
6 - الإمام الثاني عشر (عج): السيِّد محمّد سعيد الموسوي، تقديم وتعليق: عليّ الحسيني الميلاني، منشورات مكتبة نينويٰ الحديثة/ كربلاء، مطبعة القضاء/ النجف الأشرف.
7 - الأنساب: السمعاني، تقديم وتعليق: عبد الله عمر البارودي/ الطبعة الأُوليٰ/ 1408ه- - 1988م/ نشر دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت/ لبنان.
ص: 79
8 - بحار الأنوار: العلَّامة المجلسي/ تحقيق: محمّد باقر البهبودي/ الطبعة الثانية المصحَّحة/ 1403ه- - 1983م/ نشر مؤسَّسة الوفاء/ بيروت/ لبنان.
9 - تاريخ الإسلام: الذهبي/ تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري/ الطبعة الأُوليٰ/ 1407ه- - 1987م/ طباعة ونشر دار الكتاب العربي/ بيروت.
10 - تذكرة الحُفَّاظ: الذهبي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان.
11 - تفسير الآلوسي: الآلوسي/ بلا.
12 - تفسير الثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن): الثعلبي/ تحقيق: أبي محمّد بن عاشور/ مراجعة وتدقيق: الأُستاذ نظير الساعدي/ الطبعة الأُوليٰ/1422ه- - 2002م/ طباعة ونشر دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان.
13 - تفسير الرازي: فخر الدِّين الرازي/ الطبعة الثالثة.
14 - تفسير الكشَّاف: الزمخشري/ 1385ه- - 1966م/ نشر شركة مكتبة ومطبعة مصطفيٰ البابي الحلبي وأولاده بمصر.
15 - تفسير نور الثقلين: الشيخ الحويزي/ تصحيح وتعليق: السيِّد هاشم الرسولي المحلَّاتي/ الطبعة الرابعة/ 1412ه- - 1370ش/ طباعة ونشر مؤسَّسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع/ قم.
16 - تكملة أمل الآمل: السيِّد حسن الصدر/ تحقيق: السيِّد أحمد الحسيني/ 1406ه-/ المطبعة الخيَّام/ قم/ نشر مكتبة آية الله المرعشي/ قم المشرَّفة.
17 - تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي/ تحقيق وتعليق: السيِّد حسن الموسوي الخرسان/ الطبعة الثالثة/ 1364ش/ المطبعة خورشيد/ نشر دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
ص: 80
18 - تهذيب الكمال: المزِّي/ تحقيق وضبط وتعليق: الدكتور بشار عواد معروف/ الطبعة الثانية/ 1413ه- - 1992م/ نشر مؤسَّسة الرسالة/ بيروت/ لبنان.
19 - جامع الأُصول من أحاديث الرسول: ابن الأثير الجزري/ تحقيق: محمّد حامد الفقي/ الطبعة الأُوليٰ/ 1373ه- - 1954م/ مطبعة السُّنَّة المحمّديَّة/ مصر.
20 - حياة قلم لم يمت، المؤرِّخ الشهير السيِّد حسين الأبرقي النجفي المعروف بالسيِّد حسُّون البرَّاقي، حياته وآثاره: السيِّد محمود المقدَّس الغريفي/ الطبعة الأُوليٰ/ 1431ه-/ دار البرَّاقي/ النجف الأشرف/ مطبعة الرائد/ النجف الأشرف.
21 - الخرائج والجرائح: قطب الدِّين الراوندي/ تحقيق: مؤسَّسة الإمام المهدي (عج)/ الطبعة الأُوليٰ/ ذي الحجَّة 1409ه-/ المطبعة العلميَّة/ قم/ نشر مؤسَّسة الإمام المهدي (عج)/ قم المشرَّفة.
22 - خزانة الأدب: البغدادي/ تحقيق: محمّد نبيل طريفي، إميل بديع اليعقوب/ الطبعة الأُوليٰ/ 1998م/ طباعة ونشر دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
23 - الدُّرُّ المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدِّين السيوطي/ دار المعرفة للطباعة والنشر/ بيروت/ لبنان.
24 - ذخائر العقبيٰ في مناقب ذوي القربيٰ: محبُّ الدِّين الطبري/ 1356ه-/ نشر مكتبة القدسي لصاحبها حسام الدِّين القدسي/ القاهرة.
25 - الذريعة: آقا بزرگ الطهراني/ الطبعة الثالثة/ 1403ه- - 1983م/ دار الأضواء/ بيروت/ لبنان.
26 - رسالة في إثبات الأئمَّة الاثني عشر: الشيخ محمّد عليّ الفصيح
ص: 81
الهندي/ مخطوط في مكتبة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء العامَّة في النجف الأشرف برقم 834.
27 - سُنَن ابن ماجة: ابن ماجة القزويني/ تحقيق وترقيم وتعليق: محمّد فؤاد عبد الباقي/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
28 - سُنَن أبي داود: أبو داود السجستاني/ تحقيق وتعليق: سعيد محمّد اللحَّام/ الطبعة الأُوليٰ/ 1410ه- - 1990م/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
29 - سُنَن الترمذي: الترمذي/ تحقيق وتصحيح: عبد الوهَّاب عبد اللطيف/ الطبعة الثانية/ 1403ه- - 1983م/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت/ لبنان.
30 - سُنَن الدارمي: عبد الله الدارمي/ 1349ه-/ مطبعة الاعتدال/ دمشق.
31 - السُّنَن الكبريٰ: أحمد بن الحسين البيهقي/ دار الفكر.
32 - سير أعلام النبلاء: الذهبي/ إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط/ تحقيق: حسين الأسد/ الطبعة التاسعة/ 1413ه- - 1993م/ نشر مؤسَّسة الرسالة/ بيروت/ لبنان.
33 - شرح السُّنَّة: البغوي/ تحقيق وتعليق وتخريج الأحاديث: شعيب الأرناؤوط/ الطبعة الثانية/ 1403ه- - 1983م/ المكتب الإسلامي/ بيروت.
34 - صحيح البخاري: البخاري/ 1401ه- - 1981م/ نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
35 - صحيح مسلم: مسلم النيسابوري/ دار الفكر/ بيروت/ لبنان.
36 - الصواعق المحرقة: ابن حجر الهيتمي/ خرَّج أحاديثه وعلَّق
ص: 82
حواشيه وقدَّم له: عبد الوهَّاب عبد اللطيف/ الطبعة الثانية/ 1385ه- - 1965م/ المطبعة شركة الطباعة الفنّيَّة المتحدة/ نشر مكتبة القاهرة.
37 - طبقات أعلام الشيعة (الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة): آقا بزرگ الطهراني.
38 - طبقات الشافعيَّة الكبريٰ: عبد الوهَّاب بن عليٍّ السبكي/ تحقيق: محمود محمّد الطناحي وعبد الفتَّاح محمّد الحلو/ دار إحياء الكُتُب العربيَّة/ فيصل عيسيٰ البابي الحلبي.
39 - عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: ابن عِنبة الحسيني/ تصحيح: محمّد حسن آل الطالقاني/ الطبعة الثانية/ 1380ه- - 1961م/ منشورات المطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
40 - عمدة القاري: العيني/ طباعة ونشر دار إحياء التراث العربي.
41 - فتح الباري: ابن حجر/ الطبعة الثانية/ طباعة ونشر دار المعرفة للطباعة والنشر/ بيروت/ لبنان.
42 - الفتوحات المكّيَّة: ابن عربي/ نشر دار صادر/ بيروت/ لبنان.
43 - الفصول المهمَّة: ابن الصبَّاغ المالكي/ تحقيق: سامي الغريري/ الطبعة الأُوليٰ/ 1422ه-/ المطبعة سرور/ نشر دار الحديث للطباعة والنشر.
44 - فضائل الصحابة: النسائي/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت/ لبنان.
45 - فهرس التراث: محمّد حسين الحسيني الجلالي/ تحقيق: محمّد جواد الحسيني الجلالي/ الطبعة الأُوليٰ/ 1422ه- - 1380ش/ المطبعة نگارش/ نشر دليل ما.
46 - القول الواجب في إيمان أبي طالب: الشيخ محمّد عليّ الهندي/ تحقيق: السيِّد محمود المقدَّس الغريفي/ الطبعة الأُوليٰ/ 1431ه- -2012م/
ص: 83
مركز الأمير لإحياء التراث الإسلامي/ النجف الأشرف/ دار المتَّقين/ بيروت.
47 - الكافي: الشيخ الكليني/ تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري/ الطبعة الخامسة/ 1363ش/ المطبعة حيدري/ نشر دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
48 - كتاب الغدير: الشيخ الأميني/ الطبعة الرابعة/ 1397ه- - 1977م/ دار الكتاب العربي/ بيروت/ لبنان.
49 - كشف الغمَّة في معرفة الأئمَّة: عليُّ بن أبي الفتح الإربلي/ نشر دار الأضواء/ بيروت/ لبنان.
50 - كفاية الأثر في النصِّ عليٰ الأئمَّة الاثني عشر: الخزَّاز القمِّي/ تحقيق: السيِّد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي/1401ه-/ المطبعة الخيَّام/ قم/ انتشارات بيدار.
51 - كنز العُمَّال: المتَّقي الهندي/ ضبط وتفسير: الشيخ بكري حيَّاني/ تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا/ 1409ه- - 1989م/ نشر مؤسَّسة الرسالة/ بيروت/ لبنان.
52 - اللباب في تهذيب الأنساب: ابن الأثير/ طباعة ونشر دار صادر/ بيروت.
53 - لسان العرب: ابن منظور/ محرَّم 1405ه-/ نشر أدب الحوزة.
54 - لواقح الأنوار في طبقات الأخيار: عبد الوهَّاب الشعراوي/ طبع ونشر عبد الحميد أحمد حنفي/ المشهد الحسيني/ مصر.
55 - المحلَّيٰ: ابن حزم/ دار الفكر/ بيروت.
56 - مختصر بصائر الدرجات: حسن بن سليمان الحلِّي/ الطبعة الأُوليٰ/ 1370ه- - 1950م/ منشورات المطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
ص: 84
57 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان: عبد الله بن أسعد اليافعي اليمني/ وضع حواشيه: خليل المنصور/ الطبعة الأُوليٰ/ 1417ه- - 1997م/ منشورات محمّد عليّ بيضون/ دار الكُتُب العلميَّة.
58 - المستدرك عليٰ الصحيحين: الحاكم النيسابوري/ بإشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
59 - مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ دار صادر/ بيروت/ لبنان.
60 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (عليهم السلام): محمّد بن طلحة الشافعي/ تحقيق: ماجد بن أحمد العطيَّة.
61 - معارف الرجال في تراجم العلماء والرجال: الشيخ محمّد حرز الدِّين/ علَّق عليه ونشره حفيده الشيخ محمّد حسين حرز الدِّين/ 1383ه- -1964م/ مطبعة النجف/ النجف الأشرف.
62 - معجم البلدان: ياقوت الحموي/ 1399ه- - 1979م/ نشر دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان.
63 - المعجم الكبير: الطبراني/ تحقيق وتخريج: حمدي عبد المجيد السلفي/ الطبعة الثانية/ نشر دار إحياء التراث العربي.
64 - معجم المؤلِّفين: عمر رضا كحالة/ نشر مكتبة المثنَّيٰ ودار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان.
65 - مفردات ألفاظ القرآن: الراغب الأصفهاني/ تحقيق: صفوان عدنان داوودي/ الطبعة الثانية/ 1427ه-/ المطبعة سليمان زاده/ نشر طليعة النور.
66 - مناقب آل أبي طالب: ابن شهرآشوب/ تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف/ 1376ه- - 1956م/ طباعة ونشر المكتبة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
ص: 85
67 - مناقب الأسد الغالب مُمزِّق الكتائب، ومُظهر العجائب ليث بن غالب، أمير المؤمنين أبي الحسن عليِّ بن أبي طالب (رضي الله عنه): ابن الجزري شمس الدِّين محمّد بن محمّد/ تحقيق: طارق الطنطاوي/ نشر مكتبة القرآن/ مصر/ القاهرة.
68 - المنتظم في تاريخ الأُمَم والملوك: ابن الجوزي/ دراسة وتحقيق: محمّد عبد القادر عطا ومصطفيٰ عبد القادر عطا/ راجعه وصحَّحه: نعيم زرزور/ الطبعة الأُوليٰ/ 1412ه- - 1992م/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت/ لبنان.
69 - المنن الكبريٰ (لطائف المنن والأخلاق): عبد الوهَّاب الشعراوي/ طبع ونشر عبد الحميد أحمد حنفي/ المشهد الحسيني/ مصر.
70 - نهج البلاغة: خُطَب الإمام عليٍّ (عليه السلام)/ شرح: الشيخ محمّد عبده/ الطبعة الأُوليٰ/1412ه- - 1370ش/ المطبعة النهضة/ قم/ دار الذخائر/ قم.
71 - هدية العارفين: إسماعيل باشا البغدادي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان.
72 - ينابيع المودَّة لذوي القربيٰ: القندوزي الحنفي/ تحقيق: سيِّد عليّ جمال أشرف الحسيني/ الطبعة الأُوليٰ/ 1416ه-/ المطبعة أُسوه/ نشر دار الأُسوة للطباعة والنشر.
73 - اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر: عبد الوهَّاب الشعراوي/ الطبعة الأخيرة/ 1378ه- - 1959م/ شركة مكتبة ومطبعة مصطفيٰ البابي الحلبي وأولاده بمصر.
* * *
ص: 86
بقلم السيد محمود المقدس الغريفي
ص: 87
ص: 88
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام عليٰ سيِّد الأنبياء والمرسَلين أبي القاسم محمّد الذي قال: «المهدي من ولدي، المهدي من عترتي من ولد فاطمة((1))، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً، تكون له غيبة وحيرة، حتَّيٰ تضلَّ الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً»((2)).
وعليٰ الأئمَّة الطيِّبين الطاهرين آباء المهدي الذين بشَّروا به كجدِّهم النبيِّ (صلي الله عليه و آله)، ومهَّدوا لغيبته بين شيعته بأحاديث كثيرة حتَّيٰ لا يفتتنوا بعده، كما روي عن جدِّه أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام)، أنَّه قال: «ولكنِّي فكَّرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، وتكون له غيبة وحيرة يضلُّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون»((3))، وعن أبي عبد الله الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام)، قال: «إنَّ لصاحب هذا الأمر - يعني: المهدي - غيبتين إحداهما تطول حتَّيٰ يقول بعضهم: مات، وبعضهم: ذهب، حتَّيٰ لا يبقيٰ عليٰ أمره من
ص: 89
موضعه أحد من وليٍّ ولا غيره، إلَّا الموليٰ الذي يلي أمره»((1))، وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: «إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبتان، إحداهما يرجع منها إليٰ أهله، والأُخريٰ يقال: هلك في أيِّ وادٍ سلك؟»، قلت: فكيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: «إذا ادِّعاها مدَّعٍ فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله»((2))، ومن رسالة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) إليٰ والد الشيخ الصدوق: «وعليك بالصبر وانتظار الفرج فإنَّ النبيَّ (صلي الله عليه و آله) قال: أفضل أعمال أُمَّتي انتظار الفرج، ولا يزال شيعتنا في حزن حتَّيٰ يظهر ولدي الذي بشَّر به النبيُّ (صلي الله عليه و آله)، أنَّه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما مُلِئَت جوراً وظلماً، فاصبر»((3)).
والصلاة والسلام عليٰ مهدي هذه الأُمَّة ومُخَلِّصِها من الرجس والطاغوت الإمام محمّد بن الحسن (عليه السلام)، الذي قال فيه جدُّه (صلي الله عليه و آله): «لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّيٰ يبعث الله فيه رجلاً من ولدي، يواطئ اسمه اسمي، يملؤها عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً»((4)).
وعليٰ أصحاب المهدي وشيعته المنتظرين بإخلاص لِلِقائه، الذين قال فيهم الإمام زين العابدين (عليه السلام): «إنَّ أهل زمان غيبته، القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره، أفضل أهل كلِّ زمان؛ لأنَّ الله تعاليٰ ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلي الله عليه و آله)
بالسيف، أُولئك المخلصون حقًّا، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إليٰ دين الله سرًّا وجهراً»((5)). وإليٰ النداء
ص: 90
باسمه يوم الصيحة، وبعد خروج السفياني، كما وعدنا (عج): «وسيأتي من شيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألَا فمن ادَّعيٰ المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذَّاب مفتر»((1))، فإنَّهم يرونه بعيداً ونحن نراه قريباً، فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «كذب الوقَّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المُسلِّمُون»((2))، وقال (عليه السلام): «طوبيٰ لمن تمسَّك بأمرنا في غيبة قائمنا، فلم يزغ قلبه بعد الهداية»((3)).
وبعدُ:
فقد اتَّفق المسلمون عليٰ أصل قضيَّة الإمام المهدي (عج)، وعليٰ وجوب الإيمان بها، وأنَّه من أهل البيت (عليهم السلام)، ووجوب الاعتقاد بحتميَّة قيام دولته آخر الزمان وانتصارها عليٰ الظلم والفساد في الأرض، بعد أنْ يهبط عيسيٰ (عليه السلام) ويقتدي به في الصلاة ويلازمه في مسيرته، كما بشَّر به جدُّه رسول الله (صلي الله عليه و آله) في أحاديث بلغت حدَّ الاستفاضة، إنْ لم تكن متواترة.
إلَّا أنَّ الخلاف وقع بين المذاهب الإسلاميَّة في أنَّ الإمام المهدي (عج) هل هو مولود أم أنَّه سيُولَد في قابل الأيَّام؟
فقد أجمع الشيعة الإماميَّة الاثنا عشريَّة، وبعضٌ من علماء أهل السنة والجماعة، ومعظم علماء الأنساب، عليٰ ولادته في سامرَّاء سنة (255ه-)، معتمدين في ذلك عليٰ جملة كبيرة من الأدلَّة والروايات الصحيحة التي تُثبِت
ولادته (عج) وغيرها الكثير التي يعضُدُ بعضها بعضاً، وأنَّه غاب عن الأنظار - بعدما طلب دمه من حكَّام الجور والضلال - إليٰ أنْ تمتلئ الأرض جوراً وظلماً، فيظهر؛ ليملئها قسطاً وعدلاً، بأمر الله (عزوجل).
ص: 91
في حين كان معظم أهل السُّنَّة والجماعة قائلين بأنَّه (عليه السلام) لم يُولَد بعد، وأنَّه سيُولَد في مستقبل الأيَّام، وأنَّ الله (عزوجل) يبعثه في آخر الزمان؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
كما اختلفوا في بعض التفاصيل الأُخريٰ لشخصيَّته، كاختلافهم في اسم أبيه، أهو عبد الله أم الحسن كما تقول به الشيعة؟
أو أنَّه من أحفاد الإمام الحسن بن عليٍّ (عليه السلام)، أم من أحفاد الإمام الحسين ابن عليٍّ (عليه السلام)؟ وغير ذلك.
وأمَّا من شكَّك في قضيَّة الإمام المهدي (عج) وأنكرها أصلاً فهم بعض الشواذِّ ممَّن حملتهم العصبيَّة المذهبيَّة عليٰ إنكار كلِّ ما يختصُّ بأهل البيت (عليهم السلام) ويتمسَّك به شيعتهم، كابن خلدون وغيره، ومن المعاصرين كأحمد أمين المصري، ومحمّد أبو زهرة، ومحمّد فريد وجدي وغيرهم((1))، وهذا الأمر ممَّا لا يخفيٰ عليٰ من وقف عليٰ كُتُبهم وتمعَّن بآرائهم.
وعليه فإنَّ المسلمين عموماً متَّفقون عليٰ قضيَّة الإمام المهدي (عج)، وأنَّها من أُصول وثوابت الفكر الإسلامي، ولكنَّهم مختلفون في ولادته وغيبته، فلو كان المهدي مولوداً كما تقول الشيعة الإماميَّة فهو غائب إليٰ الآن، وإلَّا فإنَّه لم يُولَد ولا غيبة له كما يقول أهل السُّنَّة والجماعة.
ومن الأدلَّة الكثيرة التي تشير إليٰ وجود الإمام المهدي (عج) وأنَّه مولود،
وغائب محجوب، عند محدِّثي أهل السُّنَّة والجماعة، حديث (سلسلة الذهب) الذي رواه كبار علماء ومحدِّثي أهل السُّنَّة والجماعة بأسنادهم عن الإمام المهدي المحجوب (عج) بسنده عن آبائه الأطهار عن جدِّه سيِّد الأنبياء محمّد بن عبد الله (صلي الله عليه و آله)، قال: «أخبرني جبرئيل سيِّد الملائكة، قال: قال الله تعاليٰ سيِّد السادات:
ص: 92
إنِّي أنا الله لا إله إلَّا أنا، من أقرَّ بالتوحيد دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي».
وقد توقَّف بعض أهل السُّنَّة والجماعة في دلالة الحديث ومضمونه - بعد العجز عن الطعن في سنده النقي الخالص، وكأنَّه الذهب الصافي، حتَّيٰ عُرِفَ بحديث (سلسلة الذهب) -، وأنَّه كيف يمكن ترك الأعمال العباديَّة ونحوها والاتِّكال عليٰ لفظ التوحيد؟!
وهذا اشتباه وقصور منهم في فهم المراد؛ لأنَّه لا يُقصَد من لفظ التوحيد لقلقة اللسان منه فقط، وإنَّما يُراد صدق التوحيد الخالص في النفس، ويقصد حقيقته الذاتيَّة التي تقابل حبِّ الدنيا والمال والبنون والشهوات والرئاسة والسلطة ونحو ذلك من المغريات التي قد يتشبَّث بها الإنسان، ويغترُّ بها ممَّا يضعها في صفٍّ مقابل أو موازٍ لحبِّ الله تعاليٰ ووحدانيَّته، وإنْ لم يُعلِن الإنسان ذلك قولاً ولفظاً، بل قد يتبرَّأ من ذلك، ولكنَّه يُلْحَظُ عليٰ نحو العمل والحالة النفسيَّة الداخليَّة، ملتزماً به في الأعمّ الأغلب إلَّا من رحمه الله سبحانه وتعاليٰ، وتنزيه الموليٰ عن التجسيم والتشبيه والتفويض ونحوها، مع الإيمان الخالص البعيد عن التشكيك.
هذا، وإنَّ أصل حديث (سلسلة الذهب) ما روي عن الإمام عليِّ بن موسيٰ الرضا (عليه السلام) عند مروره بنيسابور وطلب منه محدِّثوها رواية بسنده عن أجداده الطاهرين الأكرمين، وقد رواه كثير من المحدِّثين وأثبته
العديد من المصنِّفين، فقد أورده ابن الصبَّاغ المالكي في (الفصول المهمَّة)، والقضاعي في (مسند الشهاب)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق)، والزرندي الحنفي في (معارج الوصول إليٰ معرفة فضل آل الرسول)، والسيوطي في (الجامع الصغير)، والمتَّقي الهندي في (كنز العُمَّال)، والقندوزي الحنفي في (ينابيع المودَّة)، وغيرهم كثير.
ص: 93
وقال أبو نعيم الأصبهاني((1)) (ت 430ه-) في كتابه (حلية الأولياء): (هذا حديث ثابت مشهور بهذا الإسناد من رواية الطاهرين عن آبائهم الطيِّبين، وكان بعض سلفنا من المحدِّثين إذا رويٰ هذا الإسناد، قال: لو قرئ هذا الإسناد عليٰ مجنون لأفاق»((2)).
فضلاً عن استفاضته في مصنَّفات الشيعة الإماميَّة وعند محدِّثيهم بأسانيدهم المعتبرة والصحيحة عن الإمام عليِّ بن موسيٰ الرضا (عليه السلام)، ولكن بإضافة: «بشروطها، وأنا من شروطها» كما رواه الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) في كُتُبه، وغيره((3)).
فقد رويٰ الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كتابه (عيون أخبار الرضا (عليه السلام))، قال: حدَّثنا محمّد بن موسيٰ بن المتوكِّل (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا
أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسين الصولي، قال: حدَّثنا يوسف بن عقيل، عن إسحاق بن راهويه، قال: ل-مَّا وافيٰ أبو الحسن الرضا (عليه السلام) نيسابور وأراد أنْ يخرج منها إليٰ المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث، فقالوا له: يا ابن رسول الله، ترحل عنَّا ولا تُحدِّثنا بحديث فنستفيده منك؟ وكان قد قعد في العمارية، فأطلع رأسه، وقال: «سمعت أبي موسيٰ بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن
ص: 94
محمّد يقول: سمعت أبي محمّد بن عليٍّ يقول: سمعت أبي عليَّ بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن عليٍّ يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (عليهم السلام) يقول: سمعت النبيَّ (صلي الله عليه و آله) يقول: سمعت الله (عزوجل) يقول: لا إله إلَّا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي»، قال: فلمَّا مرت الراحلة نادانا: «بشروطها، وأنا من شروطها».
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): من شروطها الإقرار للرضا (عليه السلام) بأنَّه إمام من قِبَل الله (عزوجل) عليٰ العباد مفترض الطاعة عليهم((1)).
وقد أورد الحاكم النيسابوري ((2)) صاحب كتاب (تاريخ نيسابور): أنَّ عليًّا
الرضا بن موسيٰ الكاظم بن جعفر الصادق ل-مَّا دخل نيسابور كان في قبَّة مستورة، عليٰ بغلة شهباء، وقد شقَّ بها السوق، فعرض له الإمامان الحافظان أبو زرعة، وأبو مسلم الطوسي، ومعهما من أهل العلم والحديث ما لا يُحصيٰ، فقالا: يا أيُّها السيِّد الجليل ابن السادة الأئمَّة، بحقِّ آبائك الأطهرين، وأسلافك
ص: 95
الأكرمين، إلَّا ما أريتنا وجهك الميمون، ورويت لنا حديثاً عن آبائك، عن جدِّك، نذكرك به.
فاستوقف غلمانه وأمر بكشف المظلَّة وأقرَّ عيون الخلائق برؤية طلعته، وإذا له ذؤابتان معلَّقتان عليٰ عاتقه والناس قيام عليٰ طبقاتهم ينظرون ما بين باكٍ وصارخٍ ومتمرِّغ في التراب ومقبِّل حافر بغلته، وعلا الضجيج، فصاحت الأئمَّة الأعلام: معاشر الناس، انصتوا واسمعوا ما ينفعكم ولا تؤذونا بصراخكم، وكان المستملي أبا زرعة، ومحمّد بن أسلم الطوسي.
فقال عليٌّ الرضا (رضي الله عنه): «حدَّثني أبي موسيٰ الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمّد الباقر، عن أبيه زين العابدين، عن أبيه شهيد كربلاء، عن أبيه عليٍّ المرتضيٰ، قال: حدَّثني حبيبي وقرَّة عيني رسول الله (صلي الله عليه و آله)، قال: حدَّثني جبريل (عليه السلام)، قال: حدَّثني ربُّ العزَّة سبحانه وتعاليٰ، قال: لا إله إلَّا الله حصني، فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي»، ثمّ أرخيٰ الستر عليٰ المظلَّة وسار، قال: فعُدَّ أهل المحابر وأهل الدواوين الذين كانوا يكتبون فأنافوا عليٰ عشرين ألفاً((1)).
ورويٰ الشيخ الصدوق (رحمه الله) أيضاً بسنده: حدَّثنا أبو سعيد محمّد بن الفضل بن محمّد بن إسحاق المذكر النيسابوري بنيسابور، قال: حدَّثني أبو عليٍّ الحسن بن عليٍّ الخزرجي الأنصاري السعدي، قال: حدَّثنا عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، قال: كنت مع عليِّ بن موسيٰ الرضا (عليه السلام) حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء، فإذا محمّد بن رافع، وأحمد بن الحرث، ويحييٰ ابن يحييٰ، وإسحاق بن راهويه، وعدَّة من أهل العلم قد تعلَّقوا بلجام بغلته
ص: 96
المربعة، فقالوا: بحقِّ آبائك الطاهرين حدِّثنا بحديث سمعته من أبيك، فأخرج رأسه من العمارية، وعليه مطرف خزٍّ ذو وجهين، وقال: «حدَّثنا أبي العبد الصالح موسيٰ بن جعفر، قال: حدَّثني أبي الصادق جعفر بن محمّد، قال: حدَّثني أبي أبو جعفر [محمّد[ بن عليٍّ باقر علوم الأنبياء، قال: حدَّثني أبي عليُّ بن الحسين سيِّد العابدين، [قال:[ حدَّثني أبي سيِّد شباب أهل الجنَّة الحسين، قال: حدَّثني أبي عليُّ ابن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: سمعت النبيَّ (صلي الله عليه و آله) يقول: سمعت جبرائيل يقول: قال الله Y: إنِّي أنا الله لا إله إلَّا أنا فاعبدوني، من جاء منكم بشهادة أنْ لا إله إلَّا الله بالإخلاص دخل في حصني، ومن دخل في حصني أمن من عذابي»((1)).
وقال أبو القاسم القشيري المتوفَّيٰ سنة (465ه-) في (الرسالة القشيريَّة): اتَّصل هذا الحديث بهذا السند ببعض الأُمراء السامانيَّة فكتبه بالذهب وأوصيٰ أنْ يُدفَن معه في قبره، فرؤي بالنوم بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي بتلفُّظي ب- (لا إله إلَّا الله)، وتصديقي بأنَّ محمّداً رسول الله، مخلصاً،
وأنِّي كتبت هذا الحديث بالذهب تعظيماً واحتراماً((2)).
فعُرِفَ واشتهر هذا الحديث بحديث (سلسلة الذهب)؛ لأنَّ إسناده عن أئمَّة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام)، وقد وصفوه بأنَّه سعوط المجانين، ما استنشقه مجنون إلَّا أفاق، إنَّه عطر الرجال ذوي الألباب((3)).
وقد رُويَ عن الإمام أحمد بن حنبل، أنَّه قال: لو قُرِئَ هذا الإسناد عليٰ مجنون لأفاق من جنونه.
فقد قُرِأَ عليه حديثاً بسندٍ يُحاكيه عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، جاء فيه:
ص: 97
حدَّثني موسيٰ بن جعفر، قال: «حدَّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدَّثني أبي محمّد بن عليٍّ، قال: حدَّثني أبي عليُّ بن الحسين، قال: حدَّثني أبي الحسين بن عليٍّ، قال: حدَّثني أبي عليُّ بن أبي طالب، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله)».
فقال أحمد: هذا إسناد لو قُرِئَ عليٰ المجنون لأفاق((1)).
وكذلك ل-مَّا رويٰ أبو الصلت الهروي رواية عن عليِّ بن موسيٰ، عن أبيه موسيٰ بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ ابن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، وكان هناك ابن أحمد بن حنبل، فبهره ذلك السند، فقال: ما هذا؟! هذا سعوط المجانين، لو تداويٰ به المجنون لأفاق((2)).
وقد كتب الناس هذا الحديث الشريف بسنده عليٰ أبواب بيوتهم، وطرَّزوه
في أكفانهم، تيمُّناً وتبرُّكاً بهذا السند الذهبي الخالص، والنقي الطاهر.
وقد صنَّف المرتضيٰ الزبيدي((3)) (ت 1205ه-) صاحب كتاب (تاج
ص: 98
العروس) كتاباً أسماه (الإسعاف بالحديث المسلسل بالأشراف) جمع فيه طُرُق هذا الحديث، ولمَّ ببعض من خَرَّجه((1)).
هذا، وقد رويٰ هذا الحديث الشريف الحافظ أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن هاشم الطوسي البَلاذُري (ت 339ه-)، عن الإمام المهدي محمّد بن الحسن (عليه السلام) بسنده عن آبائه الطاهرين، في لقاءه معه في مكَّة المكرَّمة - كما سيأتي بيان ذلك -.
ص: 99
وقد ذكر الحافظ عبد العزيز الجنابذي((1)) (ت 611ه-) في (معالم العترة النبويَّة) أنَّ الحاكم النيسابوري (ت 405ه-) أخرجه في (تاريخ نيسابور) عن البَلاذُري؛ وقال: لم نكتبه إلَّا عن هذا الشيخ((2)).
وقال الزبيدي (ت 1205ه-): وأخرجه أيضاً الحاكم النيسابوري في
الجزء المعروف ب- (فوائد الفوائد) من طريق البَلاذُري.
وأخرجه أبو عثمان سعيد بن محمّد البحيري((3)) (ت 451ه-) في كتابه
ص: 100
(الأحاديث الألف التي يعزُّ وجودها) عن أبي محمّد عبد الله بن أحمد الرومي (ت 393ه-)، عن البَلاذُري((1)).
وأخرجه ابن الجزري (ت 833ه-)، ثمّ قال: كذا وقع هذا الحديث بهذا السياق، من (المسلسلات السعيدة)((2))، والعهدة فيه عليٰ البَلاذُري، والله أعلم((3)).
وأخرجه الحافظ ابن ناصر الدِّين الدمشقي((4)) (ت 842ه-) في مسلسلاته (نفحات الأخيار من مسلسلات الأخبار) بسنده إليٰ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، عن أبي محمّد الحافظ البَلاذُري((5)).
ثمّ رواه عن البَلاذُري أيضاً بسند مسلسل جملة كبيرة من علماء أهل السُّنَّة والجماعة، ممَّن شهد لهم الأعلام الكبار بالتقويٰ والورع، والأُستاذيَّة والمشيخة،
ص: 101
الذين يُؤخَذ بقولهم ويُتمسَّك بسيرتهم ونهجهم، كما ستريٰ في تراجمهم إنْ شاء الله، وقد أثبته الكثير منهم ومن غيرهم في كُتُبهم الحديثيَّة ومسلسلاتهم.
فإنَّهم رووا هذا الحديث عن الإمام المهدي المحجوب (عج) مسلسلاً كابراً عن كابر، وشيخاً عن شيخ، وأثبتوه في كُتُب مسلسلاتهم الحديثيَّة بإيمان وتصديق، واعتزاز وافتخار به، ولو كان فيه شكٌّ أو ريبة لما دوَّنوه ولا رووه ولا أجازوا روايته للآخرين، ولاستنكروا ثبوت مثل هذا الحديث عن رجل لم يُولَد بعد، بل لا أقلَّ: كان الشكُّ والتأمل في روايته.
وهذا دليل واضح عليٰ إيمان هؤلاء الأعلام المحدِّثين واعترافهم بولادة الإمام
المهدي بن الحسن (عج)، وأنَّه غائب محجوب عن الأنظار، فيكون هذا الحديث حجَّة عليهم، وعليٰ غيرهم في إثبات ولادته (عج) وغيبته، ومن باب: (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم)((1))، فإنَّهم ملزمون بترتيب الآثار عليٰ اعتقادهم، وهذا كالإقرار منهم، فإنَّه يُلزم نفسه تحمُّل المسؤوليَّة عند الإقرار بذلك، فيكون من حقِّ الآخرين الأخذ بهذا القول والاحتجاج به عليه، وعليٰ من سلك طريقه والتزم منهجه ومذهبه.
هذا، وممَّن أثبت هذا الحديث الشريف جملة من المشايخ والمحدِّثين في كُتُبهم ومسلسلاتهم الحديثيَّة، كما في مسلسلات سعيد بن محمّد بن مسعود الكازروني((2)) (ت 758ه-)، ومسلسلات ابن الجزري((3)) (ت 833ه-)،
ص: 102
ومسلسلات ابن عقيلة((1)) (ت 1150ه-)، وأخيراً في مسلسلات وليِّ الله الدهلوي((2)) (ت 1176ه-)، وغيرهم.
وقد عانيت من كثرة التصحيف في أسماء المشايخ والتداخل بينها، وبعض أسماء المشايخ قد سَقَطَ من بعض المصادر التي ذكرت الحديث الشريف وسلسلة سنده - سواء عن قصد أم بدون قصد -، وقد حاولت جاهداً ضبطها بإثبات السند الصحيح، وبرواية كلِّ شيخ عن شيخه، وترجمة مشايخ السند عليٰ الرغم من أنَّ بعض المشايخ شحَّت عليَّ تراجمهم من بين المصادر وكُتُب الحديث المتوفِّرة، ولكن حاولت تصيُّدَها من هنا وهناك، والبحث بين طيَّات الأسانيد والتراجم؛ لإثبات ربط السند برجاله تامًّا صحيحاً واقعيًّا، وتحديد الراوي وضبط اسمه وتاريخ وفاته وعصره، من خلال تتبُّع الأسانيد والوصول والتأكُّد إليٰ مَنْ يروي عنهم ومَنْ يروي عنه، وتسليط الضوء عليٰ رجال السند وبيان أحوالهم ومصنَّفاتهم ما وسعني لذلك البحث، خصوصاً ما ورد في مصادر أهل السُّنَّة والعامَّة ومصنَّفاتهم المعتمدة، ووقفت عليها بما يرفع الاتِّهام باختلاق رجال السند أو تجهيلهم، حيث عبَّر البعض عن رجال السند أنَّه مجرَّد خبط
ص: 103
أسماء عشوائي لا أساس لها. وقال آخر: إنَّ سند ابن عقيلة - لهذا الحديث - مجاهيل في مجاهيل((1)).
هذا، وأرجو من الله العليِّ القدير أنْ أكون قد وُفِّقت في عرض وبيان هذا الحديث الشريف برواية الإمام المهدي (عج) المسلسل بسلسلة الذهب الخالص النقي، والكشف عن رجال سنده وتعريفهم، إنَّه وليُّ التوفيق.
* * *
ص: 104
هو الحافظ أبو محمّد أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن هاشم الطوسي البَلاذُري المتوفَّيٰ سنة (339ه-).
قال السمعاني (ت 562ه-) في كتابه (الأنساب): البَلاذُري - بفتح الباء الموحَّدة وبعدها اللَّام ألف وضمِّ الذال المعجمة وفي آخرها الراء -: هذه النسبة إليٰ البلاذر وهو معروف، والمشهور بهذا الانتساب أبو محمّد أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن هاشم المذكر الطوسي البَلاذُري الحافظ الواعظ من أهل طوس، كان حافظاً فاضلاً فهماً عارفاً بالحديث، سمع بطوس إبراهيم بن إسماعيل العنبري، وتميم بن محمّد الطوسي، وبنيسابور عبد الله بن شيرويه، وجعفر بن أحمد الحافظ، وبالريِّ محمّد بن أيُّوب، والحسن بن أحمد بن الليث، وببغداد يوسف بن يعقوب القاضي، وبالكوفة محمّد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي وأقرانهم. سمع منه الحاكم أبو عبد الله الحافظ. وقال الحافظ أبو عبد الله: أبو محمّد البَلاذُري الواعظ الطوسي، كان واحد عصره في الحفظ والوعظ، ومن أحسن الناس عشرةً، وأكثرهم فائدةً، وكان يُكثِر المقام بنيسابور، ويكون له في كلِّ أُسبوع مجلسان عند شيخي البلد أبي الحسن المحمي، وأبي نصر العبدوي، وكان أبو عليٍّ الحافظ ومشايخنا يحضرون مجالسه ويفرحون بما يذكره عليٰ رؤوس الملأ من الأسانيد، ولم أرَهم قطُّ غمزوه في إسناد أو اسم أو حديث، وكتب بمكَّة عن إمام أهل البيت أبي محمّد الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسيٰ الرضا...، وقال الحاكم: واستُشهِدَ بالطابران سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة((1)).
ص: 105
وقال عنه ابن الأثير (ت 630ه-) في (اللباب في تهذيب الأنساب): البَلاذُري - بفتح الباء الموحَّدة وبعدها اللَّام ألف وضمِّ الذال المعجمة وفي آخرها الراء -: هذه النسبة إليٰ البَلاذُر وهو معروف، والمشهور بهذه النسبة أبو محمّد أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن هاشم المذكر الطوسي البَلاذُري الحافظ الواعظ، كان عالماً بالحديث والوعظ، ثقةً، رويٰ عن إبراهيم بن إسماعيل العنبري وغيره، تُوفِّي بالطابران سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة شهيداً((1)).
أمَّا الذهبي (ت 748ه-) في (سير أعلام النبلاء) فقال: الإمام الحافظ، المفيد الواعظ، شيخ الجماعة، أبو محمّد، أحمد بن محمّد بن إبراهيم الطوسي البَلاذُري. سمع من: محمّد بن أيُّوب بن الضريس، وتميم بن محمّد الحافظ، وعبد الله بن محمّد بن شيرويه، وطبقتهم. قال أبو عبد الله الحاكم: كان أوحد عصره في الحفظ والوعظ، وكان شيخنا الحافظ أبو عليٍّ ومشايخنا يحضرون مجلسه، ويفرحون بما يذكره عليٰ رؤوس الملأ من الأسانيد، ولم أرَهم قطُّ غمزوه في إسناد أو اسم أو حديث، سمع جماعة كثيرة بالعراق وخراسان، وخَرَّج صحيحاً عليٰ وضع صحيح مسلم...، إليٰ أنْ قال: واستُشهِدَ بالطابران - وهي مرحلة من نيسابور - سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة ((2)).
وقريب منه في (تاريخ الإسلام)((3)).
وقال في (تذكرة الحُفَّاظ): الإمام الحافظ البارع أبو محمّد أحمد بن محمّد بن إبراهيم الطوسي البَلاذُري الواعظ، قال أبو عبد الله الحاكم: كان واحد عصره في الحفظ والوعظ، كان شيخنا أبو عليٍّ الحافظ ومشياخنا يحضرون مجلس وعظه
ص: 106
ويفرحون بما يذكره عليٰ رؤوس الملأ من الأسانيد، ولم أرَهم قطُّ غمزوه في إسناد أو اسم أو حديث، سمع محمّد بن أيُّوب البجلي، وتميم بن محمّد الحافظ، وعبد الله بن محمّد بن شيرويه وطبقتهم بخراسان والعراق، وخَرَّج صحيحاً عليٰ وضع كتاب مسلم...، إليٰ أنْ قال: واستُشهِدَ بالطابران - وهي مرحلة من نيسابور - في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. قلت: هذا البَلاذُري الصغير((1)).
وقال ابن العماد الحنبلي (ت 1089ه-): الحافظ أبو محمّد بن أحمد بن محمّد ابن إبراهيم الطوسي البَلاذُري الصغير، رويٰ عن ابن الضريس وطبقته، قال الحاكم: كان واحد عصره في الحفظ والوعظ، خرَّج صحيحاً عليٰ وضع مسلم، وهو ثقة((2)).
والمرتضيٰ الزَّبيدي في (تاج العروس) قال: بَلذر: البَلاذُر، وهو ثَمَرُ الفَهْم مشهورٌ، وأبو محمّدٍ أحمد بنِ محمّد بن إبراهيم بن هاشم البَلاذُري - بالذال المعجَمة - المُذَكِّر الطُّوسيُّ، الحافظُ الواعظُ، عالمٌ بالحديث((3)).
وذكره عمر رضا كحالة في (معجم المؤلِّفين) فقال: أحمد بن محمّد بن إبراهيم الطوسي، البَلاذُري الصغير (أبو محمّد)، المتوفَّيٰ سنة (339ه-)، محدِّث، حافظ واعظ...، استُشهِدَ بالطابران - وهي مرحلة من نيسابور -، خرَّج صحيحاً عليٰ وضع كتاب مسلم((4)).
فالبَلاذُري هو الإمام الحافظ، العالم بالحديث، الواعظ، وشيخ الجماعة، والثقة الذي لم يغمزه أحد، في إسناد أو حديث.
ص: 107
أثبت أكثر من ترجم للبَلاذُري أنَّه تُوفِّي في الطابران شهيداً سنة (339ه-)، ونقل الشيخ إبراهيم الجويني((1)) صاحب كتاب (فرائد السمطين) عن الحاكم النيسابوري أنَّه قال: حدَّثنا أبو محمّد أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن هاشم البَلاذُري، قال: حدَّثنا أبو محمّد الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسيٰ الرضا إمام عصره بمكَّة (حرسها الله) سنة إحديٰ وخمسين ومأتين((2)).
ثمّ علَّق محقِّق كتاب (فرائد السمطين) الشيخ محمّد باقر المحمودي: إنَّ جملتي (رواه الحاكم وغيره، قال الحاكم) زيادة أضفناهما لتصحيح الكلام،
ص: 108
ولكن نسبتهما غير قطعيَّتين للحاكم((1)). بمعنيٰ: أنَّ نسبة هذه الرواية والتاريخ إليٰ الحاكم النيسابوري غير ثابتة، فتأمَّل.
ومقتضيٰ لقاءه بالإمام الحسن العسكري (عليه السلام) سنة إحديٰ وخمسين ومأتين أنَّه كان في سنٍّ يُؤهِّله للقاء وطلب الحديث، فإذا فُرِضَ أنَّ اللقاء كان في مرحلة الشباب والبلوغ، وأنَّه قد تُوفِّي سنة (339ه-)، فيقتضي أنَّ عمره قد تجاوز المائة بسنوات، ولم يُشِر جميع من ترجم البَلاذُري من معاصريه وبلديه ومن بعدهم إليٰ أنَّه كان من المُعمَّرين الكبار، وإنْ كان الأمر في نفسه ممكناً.
هذا، وأغلب الظنِّ أنَّ في هذا التاريخ اشتباهاً أو تصحيفاً، فالتوقُّف فيه أوليٰ، حتَّيٰ الاطِّلاع عليٰ أصل كتاب (تاريخ نيسابور) المفقود، للحاكم النيسابوري.
كما ولم ينقل هذا التاريخ أحد من الأعلام المترجمين للبَلاذُري عن الحاكم كالسمعاني الذي نقل لنا أغلب ترجمة البَلاذُري من كتاب الحاكم النيسابوري - سويٰ الجويني -، بل أهملوه، ربَّما توقُّفاً فيه، مع شدَّة تعصُّب البعض والتصيُّد للطعن بهذا الحديث سنداً.
وعليٰ هذا، ربَّما يقويٰ السند المباشر بلقاء البَلاذُري بالإمام محمّد بن الحسن المهدي (عج) المولود سنة (255ه-) والسماع منه مباشرةً، في حدود الغيبة الصغريٰ.
ولكن لا يمنع ثبوت هذا السند والطريق ب- (الإمام المهدي
ص: 109
المحجوب (عج) من ثبوت طريق آخر للبَلاذُري يتَّصل مباشرةً بالإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وأنَّ كلَّ راوٍ أخذه ودوَّنَهُ بالطريق المعيَّن الذي سمعه من شيخه، وأثبته كما سمعه، وليس ذلك بعزيز، والله العالم.
* * *
ص: 110
انتخبنا بعض المسلسلات الحديثيَّة المشهورة التي دوَّنت هذا الحديث الشريف، وقد أثبت أصحابها سندهم فيها إليٰ الإمام المهدي (عج)، منها:
هو الشيخ محمّد بن مسعود بن محمّد، سعد الدِّين البلياني الكازروني، المتوفَّيٰ سنة (758ه-)، محدِّث، سمع الكثير، وأجاز له المزِّي وجماعة، وخرَّج المسلسلات في الحديث. ومن كُتُبه: المغني الموجز، والأحاديث الأربعون، وشرح المشارق، والمنتقيٰ في مولد المصطفيٰ، صنَّفه بالفارسيَّة وترجمه ابنه عفيف الدِّين إليٰ العربيَّة((1)).
ذكره ابن الجزري في (مشيخة الجنيد البلياني)، وقال: كان سعيد الدِّين محدِّثاً فاضلاً، سمع الكثير، وأجاز له المزِّي صاحب (تهذيب الكمال) وجماعة، وخرَّج (المسلسل)، وألَّف (المولد النبوي) فأجاد، ومات في أواخر جماديٰ الآخرة سنة (758ه-)((2)).
وقال عنه محيي الدِّين محمّد بن الخطيب القاسم في (حاشية روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار (مخطوط)، قال: كان شيخاً محدِّثاً في وقته، كتب إجازة
ص: 111
بعض تلامذته بهراة، ورويٰ عنه الشيوخ، منهم: الشيخ شمس الدِّين محمّد بن محمّد بن محمّد الجزري الشافعي، وكان الجزري شيخ المحدِّثين في أوانه، وإمام القُرَّاء في زمانه((1)).
كما ترجم له محمّد بن أحمد بن محمّد السمرقندي في مقدّمة كتابه (ترجمة المنتقيٰ) ترجمة مفصَّلة، ثمّ قال: وهذا المقدار باختصار يكفي لمعرفة عظمة سعيد الدِّين الكازروني((2)).
شمس الدِّين محمّد بن محمّد بن محمّد بن عليِّ بن يوسف العمري الدمشقي الشيرازي الشافعي المعروف بابن الجزري، المتوفَّيٰ سنة (833ه-)، شيخ القُرَّاء في زمانه، من حُفَّاظ الحديث، وُلِدَ ونشأ في دمشق، وابتنيٰ فيها مدرسة سمَّاها (دار القرآن)، ورحل إليٰ مصر مراراً، ودخل بلاد الروم، وسافر مع تيمورلنك إليٰ ما وراء النهر، ثمّ رحل إليٰ شيراز فولي قضاءها، ومات فيها، نسبته إليٰ (جزيرة ابن عمر). من كُتُبه الكثيرة: النشر في القراءات العشر، وغاية النهاية في طبقات القُرَّاء، اختصره من كتاب آخر له اسمه (نهاية الدرايات في أسماء رجال القراءات)، وملخَّص تاريخ الإسلام، وذات الشفاء في سيرة النبيِّ والخلفاء (منظومة)، وفضائل القرآن، وأسنيٰ المطالب في مناقب عليِّ بن أبي طالب، والهداية في علم الرواية في المصطلح، والمصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد في الحديث. وله نظم أكثره أراجيز في القراءات((3)).
ص: 112
وقال ابن الجزري بعد أنْ ساق الحديث الشريف برواية الإمام المهدي (عج)، والمسلسل بسلسلة الذهب: كذا وقع هذا الحديث بهذا السياق، من (المسلسلات السعيدة)((1))، والعهدة فيه عليٰ البَلاذُري، والله أعلم((2)).
الشيخ محمّد بن أحمد بن سعيد الحنفي المكّي، شمس الدِّين، المعروف كوالده بعقيلة، المتوفَّيٰ سنة (1150ه-)، مؤرِّخ، من المشتغلين بالحديث، من أهل مكَّة، مولده ووفاته فيها. من كُتُبه: الإحسان في علوم القرآن، لسان الزمان في التاريخ، رتَّبه عليٰ حوادث السنين إليٰ سنة (1123ه-)، والفوائد الجليلة في مسلسلات عقيلة في الحديث، والمواهب الجزيلة في مرويَّات ابن عقيلة، وهداية الخلاق إليٰ الصوفيَّة في سائر الآفاق، وعقد الجواهر في سلاسل الأكابر ثبَّته في التصوُّف، وكتاب في رحلته إليٰ الشام والروم والعراق، ونسخة الوجود في أمر العالم من المبدأ إليٰ المعاد، وفقه القلوب ومعراج الغيوب((3)).
قال الشيخ وليُّ الله الدهلوي - أحد رجال سلسلة سند الحديث المسلسل المذكور - في رسالة (النوادر من حديث سيِّد الأوائل والأواخر): إنَّ حديث محمّد بن الحسن الذي يعتقد الشيعة أنَّه المهدي، عن آبائه الكرام، وجدته في مسلسلات الشيخ محمّد بن عقيلة المكّي، عن الحسن العجيمي((4)).
وفي (عجائب الآثار) في حوادث ذي الحجَّة سنة (1215ه-) في ترجمة
ص: 113
الشيخ عبد العليم المالكي الأزهري الضرير: أنَّه حضر دروس الشيخ عليٍّ الصعيدي روايةً ودرايةً، فسمع عليه جملة من الصحيح، والموطَّأ، والشمائل، والجامع الصغير، ومسلسلات ابن عقيلة((1)).
وعلَّق السيِّد محسن الأمين عليٰ هذا الكلام: ممَّا دلَّ عليٰ أنَّ كتاب مسلسلات ابن عقيلة الذي فيه الحديث المذكور من الكُتُب المشهورة((2)).
وقد أثبت ابن عقيلة هذا الحديث المسلسل الشريف في مسلسلاته المشهور ب- (الفوائد الجليلة في مسلسلات ابن عقيلة)((3)).
وليُّ الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي عالم الهند ومسندها في عصره، وعارفها، تُوفِّي سنة (1176ه-)، وهو أحمد بن عبد الرحيم الفاروقي الدهلوي الهندي، أبو عبد العزيز، الملقَّب شاه وليُّ الله، فقيه حنفي من المحدِّثين، من أهل دهلي بالهند، زار الحجاز سنة (1143 - 1145ه-).
قال صاحب (فهرس الفهارس): أحييٰ الله به وبأولاده وأولاد بنته وتلاميذهم الحديث والسُّنَّة بالهند بعد مواتهما، وعليٰ كُتُبه وأسانيده المدار في تلك الديار، وسمَّاه صاحب اليانع الجنيٰ (وليُّ الله بن عبد الرحيم)، وقيل في وفاته: سنة (1179ه-). من كُتُبه: الفوز الكبير في أُصول التفسير ألَّفه بالفارسيَّة، وتُرجِم بعد وفاته إليٰ العربيَّة والأُرديَّة ونُشِرَ بهما، وفتح الخبير بما لا بدَّ من حفظه في علم التفسير، وحجَّة الله البالغة في أسرار الحديث وحِكَم الشريعة (مجلَّدان)، وإزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء، والإرشاد إليٰ مهمَّات الإسناد، والفضل المبين
في
ص: 114
المسلسل من حديث النبيِّ الأمين، وقد ترجم القرآن الكريم إليٰ الفارسيَّة عليٰ شاكلة النظم العربي، وسمَّيٰ كتابه: فتح الرحمن في ترجمة القرآن((1)).
وقد وصفه ولده الشيخ عبد العزيز الدهلوي((2)) صاحب مؤلِّف (التحفة الاثني عشريَّة في الردِّ عليٰ الإماميَّة) عليٰ ما حُكي عنه: بخاتم العارفين، وقاسم المخالفين، سيِّد المحدِّثين، سند المتكلِّمين، المشهور بالفضل المبين، حجَّة الله عليٰ العالمين... إلخ((3)).
وقال محمّد معين بن محمّد أمين الحنفي السندي المتوفَّيٰ سنة (1161ه-) في كتابه (دراسات اللبيب في الأُسوة الحسنة بالحبيب): ولقد سمعنا شيخنا عالم الهند، وعارف وقته الشيخ الأجلّ وليَّ الله بن عبد الرحيم الدهلوي (رحمه الله تعاليٰ) يدَّعي ويقول حديثاً من الأحاديث الصحيحة يرد عليٰ العلماء الأربعة بأجمعهم يكون حجَّة عليهم فيما ذهبوا إليه، والأمر عليٰ ما قال (رحمه الله تعاليٰ)، ونفعنا ببركات حقائقه وعلومه وأحواله((4)).
وقد أثبت الدهلوي هذا الحديث المسلسل الشريف في مسلسلاته المشهور ب- (الفضل المبين في المسلسل من حديث النبيِّ الأمين)((5)).
* * *
ص: 115
ص: 116
هذا الحديث المسلسل الشريف نُثبِته عن مُسنِد الهند وليِّ الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي((1)) الذي أورده في كتابه المسمَّيٰ ب- (المسلسلات)((2)) المشهورة ب- (الفضل المبين في المسلسل من حديث النبيِّ الأمين)((3))، قال:
شافهني ابن عقيلة((4)) بإجازة جميع ما يجوز له روايته، ووجدت في مسلسلاته حديثاً مسلسلاً بانفراد كلِّ راوٍ من رواته بصفة عظيمة تفرَّد بها.
قال (رحمه الله): أخبرني فريد عصره الشيخ حسن بن عليٍّ العجيمي((5))،أخبرنا
ص: 117
أخبرنا صوفي زمانه الشيخ عبد الوهَّاب الشعراوي((1))، أخبرنا مجتهد
عصره الجلال السيوطي((2))، أخبرنا حافظ عصره أبو النعيم رضوان العقبي((3))،
أخبرنا
ص: 119
مقري زمانه الشمس محمّد ابن الجزري((1))، أخبرنا الإمام جمال الدِّين محمّد بن محمّد الجمال((2)) زاهد عصره، أخبرنا الإمام محمّد بن مسعود((3)) محدِّث بلاد فارس في زمانه، قال: أخبرنا شيخنا إسماعيل بن المظفَّر الشيرازي((4)) عالم وقته، أخبرنا عبد السلام بن أبي الربيع الحنفي((5)) محدِّث زمانه، أخبرنا أبو بكر عبد الله ابن محمّد بن سابور القلانسي((6)) شيخ عصره، أخبرنا عبد العزيز [بن[((7))محمّد
ص: 120
الآدمي((1)) إمام أوانه، قال: أخبرنا سليمان بن إبراهيم بن محمّد بن سليمان((2)) نادرة دهره، [حدَّثنا أبو صالح أحمد بن عبد المَلِك بن عليٍّ النيسابوري((3)) غريب وقته، حدَّثنا أبو طاهر محمّد بن محمّد بن محمش الزيادي((4)) فريد دهره]((5))، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن هاشم البَلاذُري((6)) حافظ زمانه، حدَّثنا محمّد بن الحسن بن عليٍّ((7))
ص: 121
المحجوب((1)) إمام عصره، حدَّثنا الحسن بن عليٍّ((2))، عن أبيه((3))، عن جدِّه((4))،
عن أبي جدِّه، حدَّثنا أبي عليُّ بن موسيٰ الرضا((5))، حدَّثنا أبي موسيٰ الكاظم((6))، حدَّثنا أبي جعفر الصادق((7))، حدَّثنا أبي محمّدٌ الباقر بن عليٍّ((8))، حدَّثنا أبي عليُّ بن الحسين زين العابدين السجَّاد((9))، حدَّثنا أبي الحسينُ سيِّد الشهداء((10))، حدَّثنا أبي
عليُّ بن أبي طالب((11)) سيِّد الأولياء، قال: أخبرنا سيِّد الأنبياء محمّد بن عبد الله (صلي الله عليه و آله)، قال: أخبرني جبرئيل سيِّد الملائكة، قال: قال الله تعاليٰ سيِّد السادات: «إنِّي أنا الله لا إله إلَّا أنا، من يقرُّ لي بالتوحيد دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي»((12)).
ص: 122
رويٰ أبو محمّد أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن هاشم البَلاذُري حديث سلسلة الذهب مشافهةً عن الإمام محمّد بن الحسن المهدي (عج) في لقاء معه.
ثمّ رويٰ الحديث عن البَلاذُري مسلسلاً في جملة الأحاديث المسلسلة لجملة من العلماء والمحدِّثين الأعلام، ودوَّنوه في كُتُبهم ومسلسلاتهم الحديثيَّة، وقد مرَّ بيان ذلك.
مع أنَّ السمعاني نقل عن الحاكم النيسابوري: أنَّ البَلاذُري كتب بمكَّة عن إمام أهل البيت (عليهم السلام) أبي محمّد الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسيٰ الرضا...((1)).
ولكن هنا يأتي التساؤل، أنَّه هل يمكن اللقاء بالإمام المهدي (عج) وأخذ الحديث منه مباشرةً؟
أقول - والله العالم، حيث إنَّنا نتوقَّف في رؤية الإمام المهدي (عج) في زمن الغيبة الكبريٰ، رؤية شخصيَّة مباشرة مشخِّصة للهويَّة((2)) -: ربَّما كان بين
النسبتين أو السندين، فيما ذكره الدهلوي بِسنده وغيره في الحديث المسلسل، وفيما ذكره السمعاني عن الحاكم النيسابوري، اتِّحاد.
ولكن وقع تداخل فيما رواه البَلاذُري بين اسم وكنية الإمام أبي محمّد الحسن العسكري ابن الإمام عليٍّ الهادي، وتصحيفٌ لهما، بحيث نُسِبَ السند مباشرةً إليٰ محمّد بعد أنْ أُسقِطَت (أبي)، وصُحِّفت إليٰ (ابن) للحسن (عج).
ص: 123
أو زحفت كلمة (أبي) من الكنية (أبي محمّد)، وصارت إليٰ الإمام الحسن، فأصبحت حكاية عن والد الإمام المهدي (عج) كبقيَّة السند عن الآباء الأطهار، فنُقِلَت صورة السند هكذا: (حدَّثنا محمّد بن الحسن بن عليٍّ المحجوب إمام عصره، حدَّثنا الحسن بن عليٍّ...).
ولكن وجود كلمة (المحجوب) أي: الغائب عن الأنظار، في السند يُضعِّف من نسبة هذا الاحتمال.
هذا، ولو تنزَّلنا فإنَّ وفاة البَلاذُري سنة (339ه-) أي بعد عشر سنوات من بداية الغيبة الكبريٰ للإمام المهدي (عج)، فالظنُّ كلّ الظنِّ أنَّ اللقاء مع الإمام المهدي (عج) - عليٰ فرض ثبوته - تمَّ في الغيبة الصغريٰ، وهذا لا نُنكِره بتاتاً؛ لمصلحة يراها الإمام (عليه السلام)، وقد حدث ذلك مرَّات عديدة.
عليٰ أنَّ ذكر هؤلاء الأعلام والمشايخ الكبار من أهل السُّنَّة والجماعة والحديث، ممَّن شهد لهم بالفضل والتثبُّت والورع، ورواية هذا الحديث المسلسل - سواء قلنا بثبوت رؤيته (عج) أم توقَّفنا في ذلك - لا يلغي ولا يرفع من اعترافهم وإقرارهم بوجود الإمام المهدي (عج) وولادته وغيبته، فتنبَّه، وسيأتي
بيان أكثر.
* * *
ص: 124
رويٰ محدِّثو أهل السُّنَّة هذا الحديث الشريف برواية البَلاذُري عن الإمام محمّد بن الحسن العسكري المحجوب (المهدي) كما في رواية مسلسلات الكازروني، وفيه:
حدَّثنا شيخنا ظهير الدِّين إسماعيل بن المظفَّر بن محمّد الشيرازي عالم وقته...، بسنده إليٰ: حدَّثنا أبو حامد أحمد بن محمّد بن هاشم البَلاذُري حافظ زمانه، حدَّثنا محمّد بن الحسن بن عليٍّ إمام عصره، حدَّثنا أبي الحسن بن عليٍّ السيِّد محجوب، حدَّثنا أبي عليُّ بن موسيٰ الرضا...((1)).
ورواية ابن الجزري في كتابه (أسنيٰ المطالب في مناقب سيِّدنا عليِّ بن أبي طالب كرَّم الله وجهه)، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن هاشم البَلاذُري حافظ زمانه، حدَّثنا محمّد بن الحسن بن عليٍّ إمام عصره، حدَّثنا أبي الحسن بن عليٍّ السيِّد المحجوب...((2)).
وفي رواية (الفوائد الجليلة في مسلسلات ابن عقيلة)، وفيه: أخبرنا فريد عصره الشيخ حسن بن عليٍّ العجمي...، بسنده إليٰ: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن
ص: 125
هاشم البَلاذُري حافظ زمانه، حدَّثنا محمّد بن الحسن بن عليٍّ إمام عصره، حدَّثنا
الحسن بن عليٍّ المحجوب...((1)).
وفي رواية (الفضل المبين في المسلسل من حديث النبيِّ الأمين)، وفيه: شافهني ابن عقيلة بإجازة جميع ما يجوز له روايته...، بسنده إليٰ: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن هاشم البَلاذُري حافظ زمانه، حدَّثنا محمّد بن الحسن بن عليٍّ المحجوب إمام عصره، حدَّثنا الحسن بن عليٍّ، عن أبيه، عن جدِّه، عن أبي جدِّه، حدَّثنا أبي عليُّ بن موسيٰ الرضا...((2)).
وفي رواية (النوادر من حديث سيِّد الأوائل والأواخر)، وفيه: بسنده عن أحمد بن محمّد بن هاشم البَلاذُري حافظ زمانه، حدَّثنا محمّد بن الحسن بن عليٍّ المحجوب إمام عصره، حدَّثنا الحسن بن عليٍّ، عن أبيه، عن جدِّه، عن أبي جدِّه، حدَّثنا أبي عليُّ بن موسيٰ الرضا...((3)).
فهذا عمدة الإسناد عن الإمام المهدي محمّد بن الحسن (عج)، حتَّيٰ عَلَّق وليُّ الله الدهلوي عليٰ الحديث في ابتدائه بعد إدراجه في رسالته (النوادر من حديث سيِّد الأوائل والأواخر): حديث محمّد بن الحسن الذي يعتقد الشيعة أنَّه المهدي((4)).
وبعضهم لم يستطع الطعن فيه أو التشكيك، فجعله في عهدة البَلاذُري
ص: 126
كالحاكم النيسابوري، وابن الجزري، فضلاً عن روايته من أعلام أهل السُّنَّة
والجماعة، ممَّا يدلُّ عليٰ أخذه بالرضا وعين القبول.
ولكن ورد في بعض إسناد هذا الحديث المسلسل عن الإمام أبي محمّد الحسن بن عليٍّ العسكري (المحجوب)، وقد أشار لهذا الحاكم النيسابوري، حيث قال: وكتب بمكَّة عن إمام أهل البيت أبي محمّد الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسيٰ الرضا...((1)).
وكذا في (فرائد السمطين) للجويني: [قال الحاكم:] حدَّثنا أبو محمّد أحمد ابن محمّد بن إبراهيم بن هاشم البَلاذُري، قال: حدَّثنا أبو محمّد الحسن بن عليِّ ابن محمّد بن عليِّ بن موسيٰ الرضا إمام عصره بمكَّة (حرسها الله) سنة إحديٰ وخمسين ومأتين، قال: حدَّثني أبي عليُّ بن محمّد المفتي [النقي[، قال: حدَّثني أبي محمّد بن عليٍّ السيِّد المحجوب، قال: حدَّثني أبي عليُّ بن موسيٰ الرضا...((2)).
ورويٰ عبد العزيز الجنابذي في (معالم العترة النبويَّة) بسنده عن الحافظ البَلاذُري، قال: حدَّثنا الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسيٰ إمام عصره عند الإماميَّة بمكَّة، قال: حدَّثني أبي عليُّ بن محمّد المفتي [النقي[، قال: حدَّثني أبي محمّد بن عليٍّ السيِّد المحجوب، قال: حدَّثني أبي عليُّ بن موسيٰ الرضا، قال: حدَّثني أبي موسيٰ بن جعفر المرتضيٰ، قال: حدَّثني أبي جعفر بن محمّد الصادق، قال: حدَّثني أبي محمّد بن عليٍّ الباقر، قال: حدَّثني أبي عليُّ بن الحسين السجَّاد زين العابدين، قال: حدَّثني أبي الحسين بن عليٍّ سيِّد شباب أهل الجنَّة، قال: حدَّثني أبي عليُّ بن أبي طالب سيِّد الأوصياء، قال: حدَّثني محمّد بن عبد الله سيِّد
ص: 127
الأنبياء، قال: حدَّثني جبرئيل سيِّد الملائكة، قال: قال الله (عزوجل) سيِّد
السادات: «إنِّي أنا الله لا إله إلَّا أنا، فمن أقرَّ لي بالتوحيد دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي»، قال الحاكم: ولم نكتبه إلَّا عن هذا الشيخ - البَلاذُري -((1)).
وأخرجه ابن ناصر الدِّين الدمشقي في (مسلسلاته)، قال: أنبأنا أبو بكر محمّد بن عبد الله بن أحمد الحافظ الكبير، أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن أحمد المسنِد المكثِر سماعاً، أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد الإمام الرُّحلة، أنبأنا زاهر بن أبي طاهر الكبير الثقة، أخبرنا زاهر بن طاهر الشحامي الإمام، أخبرنا عثمان بن محمّد بن عبيد الله النضري سبط سعيد بن عثمان بن عفَّان، أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحاكم الحافظ، حدَّثنا أبو محمّد أحمد بن محمّد بن هاشم البَلاذُري الحافظ، حدَّثنا الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسيٰ إمام عصره عند الإماميَّة بمكَّة، حدَّثني أبي عليُّ بن محمّد المفتي [النقي - التقي[، حدَّثني أبي محمّد بن عليٍّ السيِّد المحجوب، حدَّثني أبي عليُّ بن موسيٰ الرضا... الحديث((2)).
وأخرج المرتضيٰ الزَّبيدي بسنده من طريق ابن الجزري في (إتحاف السادة المتَّقين بشرح إحياء علوم الدِّين)، حيث قال: هذا الحديث وقع لي في مسلسلات شيخ شيوخنا أبي عبد الله محمّد بن أحمد بن سعيد الحنفي المكّي؛ فيما قرأته عليٰ شيخي الإمام رضي الدِّين عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي الحنفي بمدينة (زبيد)، في شهور سنة (1162ه-)؛ قال: حدَّثنا به أبو عبد الله المكّي المذكور قراءةً عليه، أخبرنا الحسن بن عليِّ بن يحييٰ المكّي، أخبرنا محمّد بن العلاء الحافظ، أخبرنا النور عليُّ بن محمّد بن عبد الرحمن، أخبرنا البدر الكرخي وحسن بن الجابي الحنفيَّان، أخبرنا الحافظ جلال الدِّين أبو الفضل السيوطي، أخبرنا الحافظ
ص: 128
أبو النعيم رضوان بن محمّد العقبي، أخبرنا الحافظ شمس الدِّين محمّد بن محمّد ابن الجزري، أخبرنا الجمال محمّد بن محمّد بن محمّد الجمالي، أخبرنا شيخ المحدِّثين ببلاد فارس سعيد الدِّين أبو محمّد محمّد بن مسعود بن محمّد بن مسعود البلياني الكازروني من ولد الأُستاذ أبي عليٍّ الدقَّاق، أخبرنا الظهير إسماعيل بن المظفَّر بن محمّد الشيرازي، أخبرنا أبو طاهر عبد السلام بن أبي الربيع الحنفي، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمّد بن سابور القلانسي، أخبرنا أبو المبارك عبد العزيز بن محمّد ابن منصور الآدمي، أخبرنا الحافظ أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمّد بن سليمان، حدَّثنا أبو صالح أحمد بن عبد المَلِك بن عليٍّ النيسابوري، حدَّثنا الأُستاذ أبو طاهر محمّد بن محمّد بن محمش الزيادي، حدَّثنا أبو محمّد أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن هاشم البَلاذُري الحافظ، حدَّثنا الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسيٰ الكاظم... السند((1)).
نلاحظ في بعض هذه الأسانيد أنَّ كلمة (المحجوب) قد نُسِبَت إليٰ الإمام الحسن العسكري، بل زحفت في بعضها إليٰ جدِّه كما في رواية الجنابذي.
أمَّا الرواية الشيعيَّة عن البَلاذُري، كما رواها الشيخ الصدوق في كتاب (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)) فهي كما قال: حدَّثنا أبو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد الضبي، قال: حدَّثنا أبو القاسم محمّد بن عبيد بن بابويه الرجل الصالح، قال: حدَّثنا أبو محمّد أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدَّثنا الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسيٰ بن جعفر أبو السيِّد المحجوب إمام عصره بمكَّة، قال: حدَّثني أبي عليُّ بن محمّد التقي، قال: حدَّثني أبي محمّد بن عليٍّ النقي، قال: حدَّثني أبي عليُّ بن موسيٰ الرضا، قال: حدَّثني أبي موسيٰ بن جعفر الكاظم، قال: حدَّثني أبي جعفر بن محمّد الصادق، قال: حدَّثني أبي
محمّد بن عليٍّ
ص: 129
الباقر، قال: حدَّثني أبي عليُّ بن الحسين السجَّاد زين العابدين، قال: حدَّثني أبي الحسين بن عليٍّ سيِّد شباب أهل الجنَّة، قال: حدَّثني أبي عليُّ بن أبي طالب سيِّد الأوصياء، قال: حدَّثني محمّد بن عبد الله سيِّد الأنبياء (صلي الله عليه و آله)، قال: حدَّثني جبرئيل سيِّد الملائكة، قال: قال الله سيِّد السادات (عزوجل): «إنِّي أنا الله لا إله إلَّا أنا، فمن أقرَّ لي بالتوحيد دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي»((1)).
وبعرض الأحاديث الراوية عن الإمام الحسن بن عليٍّ العسكري (عليه السلام) من طُرُق أهل السُّنَّة والجماعة، عليٰ رواية شيخنا الصدوق (رضوان الله عليه)، ربَّما تتَّضح صورة الحديث كاملة صحيحة، وأين وجه التصحيف أو التحريف أو الإسقاط.
فإنَّ مقتضيٰ ذلك أنَّ البَلاذُري رويٰ الحديث عن أبي محمّد الحسن بن عليٍّ العسكري إمام زمانه، وأراد أنْ يُؤكِّد عليٰ صفة أُخريٰ له (عليه السلام) فنعته ب- (أبي السيِّد المحجوب) للدلالة والإشارة عليٰ أنَّه والد الإمام محمّد المهدي (عج) الغائب عن الأنظار، المحجوب عن الناس، وهو اعتراف من البَلاذُري بوجود الإمام المهدي وولادته وتشخيصه في الجملة، وإقرار ضمني بذلك لكلِّ من ذكر هذا الحديث المسلسل ورواه، وأثبته بهذا الطريق.
فإنَّ رواية البَلاذُري كانت عن الإمام الحسن العسكري كما رواها الشيخ الصدوق، وكان لقاء البَلاذُري في مكَّة ب- (والد السيِّد المحجوب) الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وكما ذكر الحاكم النيسابوري، ولكن جريٰ تصحيف عليٰ الرواية أو تحريف أو إسقاط، فرُفِعَت كلمة (والد، أبو) من السند، وأصبحت كلمة (المحجوب) صفة للإمام العسكري (عليه السلام)، بل زحفت
كلمة (المحجوب) في بعض الطُّرُق إليٰ جدِّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وهذا لا يُؤثِّر في أصل ما
ص: 130
أثبتناه؛ لأنَّ هذا من الاشتباه وغلط النُّسَّاخ حتماً، إذ لا معنيٰ له ولا مورد يُصحِّحه.
وحيث إنَّ في هذا الحديث دلالة عليٰ وجود الإمام المهدي (عج) والاعتراف به وبولادته، ربَّما وقع التحريف والإسقاط المتعمِّد من بعض المتعصِّبين، لكي يُحدِث التشويش والإرباك في السند.
بل ربَّما يرد التساؤل أنَّ الإمام العسكري (عليه السلام) كان تحت الإقامة الجبريَّة، ولم يُسمَح له بمغادرة سامرَّاء، وأنظار السلطة آنذاك تحيطه، وقد ضُيِّق عليه وعليٰ شيعته أشدّ التضييق، فكيف لقيه البَلاذُري بمكَّة في سنة إحديٰ وخمسين ومائتين؟
أقول: قال الحميري في (روض الأقطار): ومات المنتصر بسُرَّ من رأيٰ في ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين، وولي المستعين أحمد بن المعتصم فأقام بسُرَّ من رأيٰ سنتين وثمانية أشهر حتَّيٰ اضطربت أُموره، فانحدر إليٰ بغداد في المحرَّم سنة إحديٰ وخمسين ومائتين، فأقام يحارب أصحاب المعتزِّ سنة كاملة والمعتزُّ بسُرَّ من رأيٰ معه الأتراك وسائر الموالي، ثمّ خُلِعَ المستعين وولي المعتزُّ...((1)).
هذا النصُّ يُوضِّح لنا ويُدلِّل عليٰ اضطراب الوضع السياسي وارتباكه، وانشغال سلاطين بني العبَّاس عن أُمور الأُمَّة وشؤونها؛ بالصراع فيما بينهم للسيطرة عليٰ الحكم، بين جماعة المستعين بالله وأعوانه في بغداد، وجماعة المعتزِّ بالله وأعوانه في سامرَّاء، وقد ذهب بذلك قتليٰ كثيرين من الطرفين، فكان ذلك ظرفاً مناسباً للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لزيارة بيت الله الحرام وأداء المناسك، والتنقُّل بحرّيَّة بعيداً عن أنظار أعوان السلطة وزبانيَّتها، فحدث اللقاء
بالبَلاذُري في مكَّة المكرَّمة، والله العالم.
ص: 131
هذا، ولا يلزم من إثبات هذا السند الاتِّحاد مع السند الآخر، الراوي عن الإمام محمّد بن الحسن المهدي (عج)، فربَّما روي الحديث من طريق الأب الإمام الحسن بن عليٍّ العسكري (عليه السلام)، وروي أيضاً من طريق الابن الإمام محمّد المهدي (عج)، وكلُّ راوٍ أخذه ودوَّنه بالطريق المعين الذي سمعه من شيخه، وأثبته كما سمعه، وليس ذلك بعزيز، والله العالم بحقائق الأُمور.
* * *
ص: 132
1 - القرآن الكريم: كلام ربِّ العالمين.
2 - مسلسلات الكازروني: سعيد بن محمّد بن مسعود الكازروني/ من مخطوطات مكتبة د. محمّد بن تركي التركي، وأصلها في مكتبة الحرم المكّي.
3 - إتحاف السادة المتَّقين بشرح إحياء علوم الدِّين: المرتضيٰ الزَّبيدي/ الطبعة الأُوليٰ/ 1409ه- - 1989م/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت/ لبنان.
4 - أسنيٰ المطالب في مناقب سيِّدنا عليِّ بن أبي طالب كرَّم الله وجهه: ابن الجزري/ تقديم وتحقيق وتعليق: د. محمّد هادي الأميني/ مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) العامَّة/ أصفهان/ مطابع (نقش جهان)/ طهران.
5 - الأعلام: خير الدِّين الزركلي/ الطبعة الخامسة/ 1980م/ دار العلم للملايين/ بيروت/ لبنان.
6 - أعيان الشيعة: السيِّد محسن الأمين/ تحقيق وتخريج: حسن الأمين/ دار التعارف للمطبوعات/ بيروت/ لبنان.
7 - الأمالي: الشيخ الطوسي/ تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميَّة/ مؤسَّسة البعثة/ الطبعة الأُوليٰ/ 1414ه-/ دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع/ قم.
ص: 133
8 - الإمام الثاني عشر (عج): السيِّد محمّد سعيد الموسوي/ تقديم
وتعليق: عليٌّ الحسيني الميلاني/ مطبعة القضاء/ النجف الأشرف/ منشورات مكتبة نينويٰ الحديثة/ كربلاء.
9 - الإمامة والتبصرة: عليُّ بن بابويه القمِّي/ تحقيق: مدرسة الإمام المهدي (عج)/ قم المقدَّسة/ الطبعة الأُوليٰ/ 1404ه-/ نشر مدرسة الإمام المهدي (عج)/ قم المقدَّسة.
10 - الأنساب: السمعاني/ تقديم وتعليق: عبد الله عمر البارودي/ الطبعة الأُوليٰ/ 1408ه- - 1988م/ دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت/ لبنان.
11 - إيضاح المكنون: إسماعيل باشا البغدادي/ تصحيح: رفعت بيلگه الكليسي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان.
12 - تاج العروس: الزبيدي/ تحقيق: عليّ شيري/ 1414ه- - 1994م/ طباعة ونشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت.
13 - تاريخ الإسلام: الذهبي/ تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري/ الطبعة الأُوليٰ/ 1407ه- - 1987م/ طباعة ونشر دار الكتاب العربي/ بيروت/ لبنان.
14 - تذكرة الحُفَّاظ: الذهبي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان.
15 - تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي/ تحقيق وتعليق: السيِّد حسن الموسوي الخرسان/ الطبعة الثالثة/ 1364ش/ المطبعة خورشيد/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
16 - التوحيد: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: السيِّد هاشم الحسيني الطهراني/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
ص: 134
17 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أبو نعيم الأصبهاني/ الطبعة
الأُوليٰ/ 1352ه- - 1933م/ مكتبة الخانجي ومطبعة السعادة/ مصر.
18 - الخصال: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري/ 1403ه-/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
19 - خلاصة عبقات الأنوار: السيِّد حامد النقوي/ 1405ه-/ المطبعة خيَّام/ نشر مؤسَّسة البعثة/ قسم الدراسات الإسلاميَّة/ طهران/ إيران.
20 - الروض المعطار في خبر الأقطار: محمّد بن عبد المنعم الحميري/ تحقيق: الدكتور إحسان عبَّاس/ الطبعة الثانية/ 1984م/ طُبِعَ عليٰ مطابع هيدلبرغ/ بيروت/ نشر مكتبة لبنان.
21 - روضة الواعظين: الفتَّال النيسابوري/ تقديم: السيِّد محمّد مهدي السيِّد حسن الخرسان/ منشورات الشريف الرضي/ قم المشرَّفة.
22 - سُنَن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني/ تحقيق وتعليق: سعيد محمّد اللحَّام/ الطبعة الأُوليٰ/ 1410 - 1990م/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
23 - سير أعلام النبلاء: الذهبي/ إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط/ تحقيق: أكرم البوشي/ الطبعة التاسعة/ 1413ه- - 1993م/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت/ لبنان.
24 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: عبد الحيِّ العكري الدمشقي (ابن العماد الحنبلي)/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
25 - طبقات الشافعيَّة الكبريٰ: عبد الوهَّاب بن عليّ السبكي/ تحقيق: محمود محمّد الطناحي وعبد الفتَّاح محمّد الحلو/ دار إحياء الكُتُب العربيَّة/ فيصل عيسيٰ البابي الحلبي.
ص: 135
26 - عجائب الآثار: الجبرتي/ طباعة ونشر دار الجيل/ بيروت/ لبنان.
27 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي/ 1404ه- - 1984م/ طباعة ونشر مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت/ لبنان.
28 - الغيبة: ابن أبي زينب النعماني/ تحقيق: فارس حسُّون كريم/ الطبعة الأُوليٰ/ 1422ه-/ المطبعة مهر/ قم/ نشر أنوار الهديٰ.
29 - الغيبة: الشيخ الطوسي/ تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح/ الطبعة الأُوليٰ/ 1411ه-/ المطبعة بهمن/ نشر مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة/ قم المشرَّفة.
30 - فرائد السمطين: الشيخ إبراهيم الجويني الخراساني/ تحقيق وتعليق: محمّد باقر المحمودي/ نشر دار الحبيب/ قم/ المطبعة العترة/ ط 1/1428ه-.
31 - الفصول المهمَّة في معرفة الأئمَّة: ابن الصبَّاغ المالكي/ تحقيق: سامي الغريري/ الطبعة الأُوليٰ/ 1422ه-/ المطبعة سرور/ دار الحديث للطباعة والنشر.
32 - الفضل المبين في المسلسل من حديث النبيِّ الأمين (الرسائل الثلاث): وليُّ الله الدهلوي/ علَّق عليها: الشيخ محمّد عاشق إلهي لبيرني المدني/ 1418ه-/ نشر دار الكتاب/ ديوبند/ الهند.
33 - الفوائد الجليلة في مسلسلات ابن عقيلة: الشيخ محمّد بن أحمد بن سعيد الحنفي المكّي، تحقيق وتعليق: د. محمّد رضا القهوجي/ الطبعة الأُوليٰ/ 1421ه- - 2000م/ دار البشائر الإسلاميَّة/ بيروت.
34 - فيض القدير شرح الجامع الصغير: المناوي/ تصحيح: أحمد عبد السلام/ الطبعة الأُوليٰ/ 1415ه- - 1994م/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
ص: 136
35 - الكافي: الشيخ الكليني/ صحَّحه وعلَّق عليه: علي أكبر الغفاري/
الطبعة الخامسة/ 1363ش/ المطبعة چاپخانه حيدري/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران/ إيران.
36 - كشف الغمَّة في معرفة الأئمَّة: عليُّ بن أبي الفتح الإربلي/ نشر دار الأضواء/ بيروت/ لبنان.
37 - كمال الدِّين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري/ محرَّم الحرام 1405ه-/ نشر مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
38 - اللباب في تهذيب الأنساب: ابن الأثير/ طباعة ونشر دار صادر/ بيروت.
39 - مسند الشهاب: محمّد بن سلامة القضاعي، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي/ الطبعة الأُوليٰ/ 1405ه- - 1985م/ نشر مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
40 - معارج الوصول إليٰ معرفة فضل آل الرسول: الشيخ محمّد الزرندي الحنفي/ تحقيق: ماجد بن أحمد العطيَّة.
41 - معجم المؤلِّفين: عمر رضا كحالة/ نشر مكتبة المثنَّيٰ ودار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان.
42 - مناقب آل أبي طالب: ابن شهرآشوب/ تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف/ 1376ه- - 1956م/ المطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف/ نشر المكتبة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
43 - المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي: مركز الرسالة/ الطبعة الأُوليٰ/ 1417ه-/ المطبعة مهر/ قم، نشر مركز الرسالة/ إيران/ قم.
ص: 137
44 - موسوعة الإمام العسكري (عليه السلام): مؤسَّسة وليِّ العصر
(عج) للدراسات الإسلاميَّة/ تحقيق: السيِّد محمّد الحسيني القزويني، السيِّد محمّد الموسوي، الشيخ عبد الله الصالحي، الشيخ مهدي الإسماعيلي، السيِّد أبو الفضل الطباطبائي/ الطبعة الأُوليٰ/ذي القعدة 1426ه-/ المطبعة شريعت/ نشر مؤسَّسة وليِّ العصر (عج) للدراسات الإسلاميَّة/ إيران/ قم المشرَّفة.
45 - نفحات الأخيار من مسلسلات الأخبار: ابن ناصر الدِّين الدمشقي/ تحقيق وتعليق: مشعل بن باني المطيري/ الطبعة الأُوليٰ/ 1433ه- - 2012م/ شركة دار البشائر الإسلاميَّة للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت/ لبنان.
46 - النوادر من حديث سيِّد الأوائل والأواخر (الرسائل الثلاث): وليُّ الله الدهلوي/ علَّق عليها: الشيخ محمّد عاشق إلهي لبيرني المدني/ 1418ه-/ نشر دار الكتاب ديوبند/ الهند.
47 - هديَّة العارفين: إسماعيل باشا البغدادي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان.
48 - الوافي: الفيض الكاشاني، عنيٰ بالتحقيق والتصحيح والتعليق عليه والمقابلة مع الأصل: ضياء الدِّين الحسيني (العلَّامة) الأصفهاني/ الطبعة الأُوليٰ/ 1406ه-/ طباعة أُفست نشاط أصفهان، نشر مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) العامَّة/ أصفهان.
49 - ينابيع المودَّة لذوي القربيٰ: القندوزي الحنفي/ تحقيق: سيِّد عليّ جمال أشرف الحسيني/ الطبعة الأُوليٰ/ 1416ه-/ المطبعة أُسوه/ دار الأُسوة للطباعة والنشر.
* * *
ص: 138
مقدّمة المركز. 3
المقدّمة. 7
التعريف بالمصنِّف.. 10
والد المصنِّف.. 11
طريقة المصنِّف.. 13
آثار المصنِّف.. 14
النسخة المخطوطة للكتاب.. 20
عملنا في التحقيق. 21
إثباتُ وُجود ِالإمامِ المَهْدِيِّ (عج)
من أقوال علماء ومُحَدِّثي أهْلِ السنَّةِ والجَماعَةِ. 25
[سامراء]. 25
[الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)]. 28
[عقب الإمام عليٍّ الهادي (عليه السلام)]. 29
[ابن عربي يصف المهدي (عج)]. 30
[نسب المهدي (عج)]. 31
[اسم المهدي (عج)]. 31
[صفة المهدي (عج)]. 31
ص: 139
[أحوال زمن خروج المهدي (عج)]. 32
[فرح المسلمين بخروج المهدي (عج)]. 33
[نزول نبيِّ الله عيسي (عليه السلام)]. 33
[قتل السفياني]. 34
[اختفاء المهدي (عج) وغيبته]. 34
[زمن ترقُّب خروج المهدي (عج)]. 35
[والد المهدي (عج) ومولده]. 36
[لقاء الشيخ حسن العراقي بالمهدي (عج)]. 36
[موافقة جملة من الأعلام علي وجود المهدي (عج)]. 37
[الحديث المسلسل عن المهدي عن آبائه الأطهار (عليهم السلام)]. 38
[إثبات وجود المهدي (عج) من القرآن الكريم]. 48
[إثبات وجود المهدي (عج) من السُّنَّة الشريفة]. 51
[إثبات وجود المهدي (عج) بالدليل العقلي]. 52
[إنكار طول عُمر المهدي (عج)]. 54
[أُمَّتنا تقتفي أثر الأمَم السالفة]. 55
[سبب اختفاء المهدي (عج)]. 55
[إنكار خروج المهدي (عج) شابًّا]. 56
[صلاة نبيِّ الله عيسي (عليه السلام) خلف المهدي (عج)]. 57
[المهدي (عج) من أُولي الأمر]. 60
[اسم المهدي (عج) وكنيته ولقبه]. 61
[جملة من الأحاديث الصحيحة في المهدي (عج)]. 61
[إثبات انطباق صفات المهدي (عج) عليٰ ابن الإمام العسكري (عليه السلام)]. 63
ص: 140
[تطبيق عُمَر لما أخبره النبيُّ (صلي الله عليه و آله) عن صفات وعلامات القرني]. 65
[تطبيق الإمام عليٍّ (عليه السلام) لما أخبر النبيُّ (صلي الله عليه و آله) عن وصف الخوارج] 66
[إنكار اليهود تطبيق صفات النبيِّ محمّد (صلي الله عليه و آله) في التوراة]. 66
[اسم أبيه اسم أبي مخالف للصفات والعلامات]. 68
[الجواب عن مخالفة اسم أبيه اسم أبي]. 68
[الأمر] الأوَّل: [إطلاق لفظ الأب عليٰ الجدِّ الأعليٰ]. 69
الأمر الثاني: [إطلاق لفظ الاسم عليٰ الكنية]. 69
[توجيه معنيٰ الجدِّ الأعليٰ والكنية]. 70
[أولاد المهدي (عج)]. 74
[لطف الله وقدرته تجلَّت في طول عمر المهدي (عج)]. 75
[من المعمَّرين الأصفياء حتَّي يومنا هذا]. 75
[من المعمَّرين المطرودين حتَّي يومنا هذا]. 76
المصادر والمراجع. 79
رسالةٌ في حَديثِ (سِلسِلة الذَّهَب) بروَايةِ الإمَام المَهْدِيِّ (عج)
بِطُرُقِ مُحَدِّثي أهلِ السنَّةِ والجَماعَةِ.......................................... 87
توطئة. 89
من هو البَلاذُري الراوي للحديث؟. 105
وقفة تأمُّل. 108
أهمّ المسلسلات الحديثيَّة الراوية لحديث (سلسلة الذهب) عن الإمام المهدي (عج) 111
مسلسلات محمّد بن مسعود البلياني الكازروني (ت 758 ه-). 111
ص: 141
مسلسلات ابن الجزري (ت 833 ه-). 112
مسلسلات ابن عقيلة (ت 1150ه-). 113
مسلسلات وليِّ الله الدهلوي (ت 1176ه-). 114
حديث سلسلة الذهب برواية الإمام المهدي (عج) بطُرُق محدِّثي أهل السُّنَّة والجماعة 117
وقفة مراجعة. 123
الاختلاف بين رواية السُّنَّة والشيعة عن البَلاذُري.. 125
المصادر والمراجع. 133
محتويات الكتاب.. 139
ص: 142
1 - التدخين والصيام (حكم الدخان في نهار شهر رمضان).
2 - الشعر وأهل البيت (عليهم السلام) في المنظور الفقهي والعقائدي.
3 - الذبح خارج منيٰ بين الواقع الحالي والدليل الفقهي.
4 - السَّير عليٰ الأقدام إليٰ كربلاء الحُسين (أهدافه، مشروعيَّته، آدابه).
5 - الإجماع التشرُّفي بلقاء الإمام المهدي (عج) (حقيقته، دلالته، حجّيَّته).
6 - فقه الإعلام (المنبر الحسيني أُنموذجاً).
7 - مناسك العمرة المفردة.
8 - الطلقاء في الإسلام حقيقتهم وأحكامهم.
9 - حديث النبيِّ (صلي الله عليه و آله) «ما جاءكم عنِّي فاعرضوه عليٰ كتاب الله...» (قراءة في سنده ودلالته).
10 - إطلاق العيارات الناريَّة في الأفراح والأتراح في المنظور الفقهي.
11 - فقه الآثار البابليَّة والسومريَّة والآشوريَّة والفرعونيَّة وما شاكلها.
12 - فقه الرياضة والألعاب الحديثة.
13 - المسعيٰ الجديد وتابعاه في المنظور الفقهي والتاريخي.
14 - إيضاح تأمُّلات المكاسب وافهَمْ (بجزئين).
15 - إيضاح تأمُّلات فرائد الأُصول وافهَمْ.
16 - الإجازة الروائيَّة (حقيقتُها واعتبارُها وفائدتُها).
17 - بحوث من فقه الواقع (بثلاثة أجزاء).
ص: 143
18 - قراءات في وصيَّة الزهراء J.
19 - لقمان الحكيم سيرته ومواعظه.
20 - ليلة الزفاف في الإسلام (أعمالها وآدابها) (آداب ليلة الزفاف).
21 - سياسة الإمام أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) مع أهل الذمَّة.
22 - السيِّدة الرَّبَاب زوج الإمام الحُسين (عليه السلام) (دراسة تأريخيَّة معاصرة).
23 - سبيل الهداية في علم الدراية والفوائد الرجاليَّة/ الموليٰ عليٌّ الخليلي.
24 - تحفة الإخوان في حكم شرب الدخان/ السيِّد هبة الدِّين الشهرستاني.
25 - الرسالة البهيَّة في سيرة الحاكم مع الرعيَّة (رسالة الإمام الصادق (عليه السلام) إليٰ والي الأهواز).
26 - أدعية السرِّ (برواية الإمام الباقر (عليه السلام)).
27 - القول الواجب في إيمان أبي طالب/ محمّد عليّ الفصيح الهندي.
28 - ديوان الإمام الحُسن بن عليٍّ (عليه السلام) (صنعة وتحقيق).
29 - ديوان الإمام الحسين بن عليٍّ (عليه السلام) (صنعة وتحقيق).
30 - ديوان الإمام زين العابدين (عليه السلام) (صنعة وتحقيق).
31 - وقفة مع النسب والنسَّابين.
32 - معجم مصطلحات النسَّابين.
33 - الشجرة المقدَّسة من الروضة الغريفيَّة (بحث عن تأريخ الأُسرة الغريفيَّة وتراجم رجالها).
ص: 144
34 - الشهيد السعيد السيِّد أحمد المقدَّس الغريفي المعروف بالحمزة الشرقي.
35 - الدُّرَّة النقيَّة في نسب السادة الغريفيَّة (أُرجوزة في نسبه الشريف).
36 - أُستاذ الجيلين العلَّامة الشيخ محمّد رضا العامري الحويزي.
37 - حياة قلم لم يمت (المؤرخ الشهير السيِّد حسين الأبرَقي النجفي) المعروف ب-: السيِّد حسُّون البرَّاقي (حياته وآثاره).
38 - ذكريٰ الشهيد المقدَّس سماحة حجَّة الإسلام والمسلمين السيِّد كمال الدِّين المقدَّس الغريفي (سيرة وجهاد، وفاء ورثاء) (بجزئين).
وبين يديك:
39 - إثباتُ وُجود ِالإمامِ المَهْدِيِّ (عج) من أقوال عُلَماء ومُحَدِّثي أَهْلِ السنَّةِ والجَماعَةِ (تحقيق).
40 - رسالةٌ في حَديثِ (سِلسِلة الذَّهَب) بروَايةِ الإمَام المَهْدِيِّ (عج) بِطُرُقِ مُحَدِّثي أهلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ.
وله جملة من البحوث العلميَّة المنشورة في مجلَّات النجف الأشرف وغيرها، والآخر قيد الإتمام والطبع
* * *
ص: 145